الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم (أبواب التشهد) 1 - باب ما ورد في ألفاظه (فصل فيما روي في ذلك عن عبد الله بن مسعود) 708 - عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها. فكنا نحفظ عن عبد الله حين أخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه إياه، فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على وركه اليسرى: التحيات لله (1) والصلوات (2) والطيبات (3) السلام عليك أيها النبي ورحمة
708 - عن عبد الرحمن بن الأسود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط الصلاة وفي آخرها عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد الخ
(غريبه)
1 -
هي جمع تحية. قال الحافظ: ومعناها السلام. وقيل البقاء. وقيل العظمة. وقيل السلامة من الآفات والنقص. وقيل الملك. قال المحب الطبري: يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركًا بين هذه المعاني. وقال الخطابي والبغوي: المراد بالتحيات أنواع التعظيم. قال النووي: وإنما قيل التحيات بالجمع لأن ملوك العرب كان كل واحد منهم تحييه أصحابه بتحية مخصوصة، فقيل جمع تحياتهم لله تعالى وهو المستحق لذلك حقيقة.
2 -
قيل المراد بها الخمس. وقيل أعم. وقيل العبادات كلها. وقيل الدعوات. وقيل الرحمة. وقيل «التحيات» العبادات القولية، و «الصلوات» العبادات الفعلية، و «الطيبات» العبادات المالية. كذا قال الحافظ. 3 - «والطيبات» قيل هي ما طاب من الكلام. وقيل ذكر الله. وهو أخص. وقيل الأعمال الصالحة. وهو أعم. وقوله «السلام عليك» قال الحافظ في (التلخيص): أكثر الروايات فيه (يعني حديث ابن مسعود) بتعريف «السلام» في الموضعين، ووقع في رواية للنسائي «سلام علينا» بالتنكير، وفي رواية للطبراني «سلام عليك» بالتنكير. وقال في (الفتح): لم يقع شيء
الله (1) وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله (2)، وأشهد أن محمدًا عبده (3) ورسوله، قال: ثم إن كان في وسط الصلاة (4) نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها دعا بعد تشهده (5) بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم
من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس. قال النووي: لا خلاف في جواز الأمرين، ولكنه بالألف واللام أفضل، وهو الموجود في روايات صحيحي البخاري ومسلم، وأصله النصب، وعدل إلى الرفع على الابتداء للدلالة على الدوام والثبات، والتفريق فيه بالألف واللام: إما للعهد التقديري، أي السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي، أو للجنس، أي السلام المعروف لكل واحد، وهو اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه التعويذ بالله والتحصين به، أو هو السلامة من كل عيب وآفة ونقص وفساد. قال البيضاوي: علمهم أن يفردوه صلى الله عليه وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم، ثم علمهم أن يخصوا أنفسهم لأن الاهتمام بها أهم، ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلامًا منه أن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملاً لهم. اهـ. 1 - المراد بقوله «ورحمة الله» أي إحسانه، وقوله «وبركاته» أي زيادته من كل خير. قاله الحافظ. 2 - زاد ابن أبي شيبة «وحده لا شريك له». قال الحافظ في (الفتح): وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الرواية في حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في (الموطأ)، وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني، وعند أبي داود عن ابن عمر أنه قال: زدت فيها «وحده لا شريك له» . وإسناده صحيح. 3 - سيأتي في حديث ابن عباس بدون قوله «عبده» ، وقد أخرج عبد الرزاق عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أن يقول:«عبده ورسوله» . ورجاله ثقات لولا إرساله. قال الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه الله في رسالته: سمعت أبا علي الدقاق يقول: ليس شيء أشرف من العبودية، ولهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وكانت أشرف أوقاته:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} (الإسراء 1) وقال تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} (النجم 10). اهـ. 4 - يعني في التشهد الأول من كل صلاة ذات تشهدين. وقد احتج به المالكية ومن وافقهم في القيام إلى الركعة الثالثة عقب التشهد الأول بدون ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وسيأتي الكلام على ذلك.
5 -
يعني التشهد الأخير، وإنما يدعو بعد ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث عمرو بن مالك الجنبي بعد بابين، وفيه استحباب الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام، وسيأتي الكلام على ذلك في الأحكام. (تخريجه)
4 709 - عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي وحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة، فقال: قل التحيات لله (كما تقدم (2) إلى قوله «وأن محمدًا عبده ورسوله» ) قال: فإذا قضيت هذا (3) أو قال: فإذا فعلت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد. 710 - عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه
أورده الهيثمي في (مجمع الزوائد) وقال: هو في (الصحيح) باختصار عن هذا، ورواه أحمد ورجاله موثقون. اهـ. 709 - عن القاسم بن مخيمرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا زهير ثنا الحسن بن الحر قال حدثني القاسم بن مخيمرة (الحديث). (غريبه) 1 - هو حديث مسلسل بالأخذ باليد. وأخذ كل شيخ بيد من يحدثه للاهتمام به. 2 - أعني بلفظ الحديث السابق. 3 - يعني التشهد وما شئت من الدعاء. وقد اختلف الرواة في هذه الجملة وهي قوله «فإذا قضيت هذا» الخ الحديث، أهي من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أم من كلام ابن مسعود؟ قال العيني: إن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه، ولو كان فيه ما ذكروه يعني من كون هذه العبارة من كلام ابن مسعود لنبه عليه، لأن عادته في كتابه أن يلوح على مثل هذه الأشياء، وزعم زيد الدبوسي وغيره أن هذه الزيادة رواها أبو داود الطيالسي وموسى بن داود الضبي وهاشم بن القاسم ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن يحيى النيسابوري متصلاً، فرواية من رواه مفصولاً لا تقطع بكونه مدرجًا، لاحتمال أن يكون نسيه ثم ذكره فسمعه هؤلاء متصلاً وهؤلاء منفصلاً، أو قاله ابن مسعود فتيا كعادته. إلى أن قال: فيحمل على أن ابن مسعود سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فرواه كذلك مرة وأفتى به مرة أخرى، وهذا أولى من جعله من كلامه. اهـ. وصوب الدارقطني عن جماعة أنها من كلام ابن مسعود. وذكر النووي اتفاق الحفاظ عليه. والله أعلم. (تخريجه)(د. قط. هق. حب) وأورده الهيثمي، وقال: رواه أحمد والطبراني في (الأوسط) وبين أن ذلك من قول ابن مسعود، يعني من قوله «فإذا فرغت من هذا فقد قضيت صلاتك» كذلك لفظه عند الطبراني ورجال أحمد موثقون. اهـ. وقد احتج به من قال: إن الخروج من الصلاة لا يتوقف على التسليم. 710 - عن أبي الأحوص (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن
قال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم علم (1) فواتح الخير وجوامعه وخواتمه. (زاد في رواية «وإنا كنا لا ندري ما نقوله في صلاتنا حتى علمنا») فقال: إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله (فذكر مثل ما تقدم إلى قوله «عبده ورسوله») قال: ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه (2) فليدع ربه عز وجل (3). 711 - عن أبي عبيدة بن عبد الله عن عبد الله (بن مسعود رضي الله عنه قال: علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وأمره أن يعلم الناس: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. 712 - عن عبد الله بن سخبرة أبي معمر قال سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني
جعفر ثنا شعبة قال سمعت أبا إسحاق يحدث عن أبي الأحوص الخ. (غريبه) 1 - بفتح اللام مشددة من التعليم، وبكسرها من العلم. وقوله «فواتح الخير وجوامعه وخواتمه» كناية عن تمام الخير. 2 - ظاهره عموم الدعاء، ومن لا يقول به يخصه بالوارد أي أعجبه إليه من الأدعية الواردة، إذ كل دعاء لا يناسب الصلاة فخصوه بالوارد. والله أعلم. 3 - ليس هذا آخر الحديث في المسند، وإنما اقتصرت على هذا الجزء منه لمناسبة الباب، وبقيته «وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم ما العضه؟ قال: هي النميمة القالة بين الناس، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل يصدق حتى يكتب صديقًا ويكذب حتى يكتب كذابًا» وستأتي هذه البقية في باب النميمة والكذب إن شاء الله تعالى. والله أعلم. (تخريجه)(نس) وسنده جيد. 711 - عن أبي عبيدة (يعني ابن عبد الله بن مسعود)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل ثنا خصيف الجزري قال حدثني أبو عبيدة بن عبد الله. الخ. (تخريجه) الحديث في إسناده أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود. قال الحافظ: لم يسمع من أبيه. قلت: وقد روى نحوه الشيخان عن ابن مسعود من غير طريق أبي عبيدة. 712 - عن عبد الله بن سخبرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
السورة من القرآن، قال: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وهو بين ظهرانينا (1) فلما قبض قلنا: السلام على النبي. 713 - عن عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه قال: كنا إذا جلسنا
أبو نعيم ثنا سيف قال: سمعت مجاهدًا يقول: حدثني عبد الله بن سخبرة الخ. (غريبه) 1 - يعني كنا نقول: السلام عليك أيها النبي بكاف الخطاب وهو حي بين أظهرنا، فلما مات قلنا: السلام على النبي بلفظ الغيبة. قال الحافظ: فإن قيل: ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله «عليك أيها النبي» مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول: السلام على النبي، فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي صلى الله عليه وسلم ثم إلى تحية النفس ثم إلى الصالحين، أجاب الطيبي بما محصله: نحن نتبع لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بعينه الذي كان علمه الصحابة. اهـ. قال الحافظ: وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة. قلت: يشير الحافظ إلى ما رواه البخاري عن ابن مسعود في كتاب الاستئذان وسنذكره بعد التخريج. (تخريجه)(ق. وغيرهما) ولفظ البخاري في كتاب الاستئذان من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال: «وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي» كذا وقع في البخاري، قاله الحافظ، قال: وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري بلفظ «فلما قبض قلنا: السلام على النبي» بحذف لفظ «يعني» ، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو نعيم، قال السبكي في (شرح المنهاج) بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده: إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الخطاب في السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير واجب، فيقال: السلام على النبي. قال الحافظ: قلت: وقد صح بلا ريب، وقد وجدت له متابعًا قويًا، قال عبد الرزاق أخبرنا جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي:«السلام عليك أيها النبي» فلما مات قالوا: «السلام على النبي» وهذا إسناد صحيح. اهـ.
713 -
عن عبد الله بن مسعود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة (1) قلنا: السلام على الله من عباده (2) السلام على فلان وفلان (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام (4)، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (5)، فإنكم إذا قلتم ذلك أصابت كل عبد صالح بين السماء والأرض (6)، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به.
(وعنه من طريق ثان بنحوه)(7) وفيه: كنا إذا جلسنا
يحيى عن الأعمش حدثني شقيق عن عبد الله (بن مسعود)(الحديث). (غريبه) 1 - يعني للتشهد. 2 - كأنهم رأوا السلام من قبيل الحمد والشكر فجوزوا ثبوته لله عز وجل، ولكن السلام معناه السلامة من الآفات والنقائص، والله تعالى هو الذي يعطيها لمن يشاء من عباده، فكيف يدعى بها له؟ ولذلك نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله «لا تقولوا السلام على الله» ، وفي رواية البخاري «فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله هو السلام»، وعند مسلم:«فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه وقال: لا تقولوا السلام على الله» الخ. 3 - أي من الملائكة يعني جبريل وميكائيل كما في الطريق الثانية، وكما عند ابن ماجه «السلام على فلان وفلان يعنون الملائكة» ، وللسراج من طريق الأعمش «فعد من الملائكة ما شاء الله» . 4 - هذا تعليل للنهي المذكور، أي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه السالم من الشريك، أو الذي يسلم على عباده المؤمنين في الجنة وعلى الأنبياء في الدنيا، أو المؤمّن من المخاوف والمهالك. والله أعلم. 5 - الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وتتفاوت درجاته، قال الترمذي الحكيم: من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدًا صالحًا وإلا حرم هذا الفضل العظيم.
وقال الفاكهاني: ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين، يعني فيتوافق لفظه مع قصده. 6 - رواية البخاري:«أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض» . قال الحافظ: وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، وإلى ذلك الإشارة بقول ابن مسعود «إن محمدًا علم فواتح الخير وخواتمه» كما تقدم. (سنده) 7 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله قبل (1) عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان (الحديث كما تقدم). (فصل فيما روي في ذلك عن ابن عباس وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم 714 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، فكان يقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله (2) السلام عليك. قال حُجين: سلام عليك (3) أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله
الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: كنا إذا جلسنا. الخ. 1 - أي قبل السلام على عباده، فقبل ظرف، وقيل بكسر القاف وفتح الموحدة، فتكون منصوبة على نزع الخافض، أي السلام على الله من قِبَل عباده، ويؤيد ذلك ما جاء في الطريق الأولى، وهو قوله «السلام على الله من عباده» ، ورواية «قبل» رواها أيضًا مسلم وابن ماجه. (تخريجه) (ق. والأربعة. وغيرهم) 714 - عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثني يونس وحجين قالا ثنا ليث بن سعد عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس (الحديث). (غريبه) 1 - قال النووي: تقديره والمباركات والصلوات والطيبات كما في حديث ابن مسعود وغيره، ولكن حذفت اختصارًا، وهو جائز معروف في اللغة. اهـ. والمعنى أن التحيات وما بعدها مستحقة لله تعالى، ولا يصح حقيقتها لغيره، و «المباركات» جمع مباركة، وهي كثيرة الخير، وقيل النماء. وهذه زيادة اشتمل عليها حديث ابن عباس كما اشتمل حديث ابن مسعود على زيادة الواو. 2 - يعني أن حجينًا أحد الراويين اللذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث قال في روايته:«سلام عليك» بالتنكير، والثاني وهو يونس قال في روايته:«السلام عليك» بالتعريف، قال النووي رحمه الله تعالى: وقع في (المهذب) في التشهد «سلام عليك أيها النبي سلام علينا» بتنكير «سلام» في الموضعين، وكذا هو في البويطي، وكذا ذكره المصنف (يعني صاحب المهذب) في (التنبيه) وآخرون، وكذا جاء في بعض الأحاديث، وقال جماعات من الأصحاب «السلام عليك» ، «السلام علينا» بالألف واللام فيهما، وكذا جاء في أكثر الأحاديث وأكثر كلام الشافعي، ووقع في مختصر المزني «السلام عليك أيها النبي سلام علينا» بإثبات الألف واللام
715 -
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم الصلاة (إلى أن قال): فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
في الأول دون الثاني، واتفق أصحابنا على أن جميع هذا جائز، لكن الألف واللام أفضل لكثرته في الأحاديث، ولكلام الشافعي، ولزيادته فيكون أحوط، ولموافقته سلام التحلل من الصلاة، والله أعلم. اهـ. ج. (تخريجه) أورده صاحب (المنتقى) معرفًا في الموضعين، وقال رواه مسلم وأبو داود بهذا اللفظ، ورواه الترمذي وصححه كذلك، لكنه ذكر السلام منكرًا، ورواه ابن ماجه كمسلم، لكنه قال:«وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» ، ورواه الشافعي وأحمد بتنكير السلام، وقالا فيه:«وأن محمدًا» ولم يذكرا «أشهد» ، والباقي كمسلم، قال: ورواه أحمد من طريق آخر كذلك لكن بتعريف السلام، ورواه النسائي كمسلم لكنه نكّر السلام، وقال:«وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» اهـ. قال الشوكاني: الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني في أحد روايتيه وابن حبان في صحيحه بتعريف السلام الأول وتنكير الثاني، وأخرجه الطبراني بتنكير الأول وتعريف الثاني. اهـ. 715 - عن أبي موسى الأشعري الخ. هذا طرف من حديث طويل سيأتي بتمامه وسنده وشرحه في باب وجوب متابعة الإمام من أبواب صلاة الجماعة. (تخريجه)(م. د) مطولاً، وأخرجه (نس. جه. قط. والطحاوي) مختصرًا. وفي الباب عن أبي بشر سمعت مجاهدًا يحدث عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد «التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (قال: قال ابن عمر: زدتُ فيها «وبركاته» ) السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله (قال ابن عمر: زدت فيها «وحده لا شريك له» وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله». رواه أبو داود وهذا لفظه والطحاوي والدارقطني في (شرح معاني الآثار).
وقوله «زدت فيها (وبركاته)» ظاهره أنه زادها من نفسه، وليس كذلك، بل المراد أنه زادها في روايته على من روى التشهد، وكذلك قوله «زدت فيها (وحده لا شريك له)» يعني رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد زيادة عن بعض الصحابة الذين رووا التشهد عن
_________
النبي صلى الله عليه وسلم. وعن عبد الرحمن بن عبد القاريّ (بتشديد الياء) أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر يعلِّم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله الزاكيات لله الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. رواه مالك في (الموطأ). وعن القاسم بن محمد أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا تشهدت قالت: التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. رواه مالك في (الموطأ) وصححه النووي في (المجموع)، وقال بعد ذكر الأحاديث التي ذكرناها: فهذه الأحاديث الواردة في التشهد، وكلها صحيحة، وأشدها صحة حديث ابن مسعود، ثم حديث ابن عباس. قال الشافعي والأصحاب: وبأيها تشهد أجزأ. اهـ. قال أبو بكر البزار في حديث ابن مسعود: هو أصح حديث في التشهد. قال: وقد روي من نيف وعشرين طريقًا. وسرد أكثرها. وممن جزم بذلك البغوي في (شرح السنة). وقال مسلم: إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضًا، وغيره قد اختلف أصحابه. وقال الذهلي: إنه أصح حديث روي في التشهد، ومن مرجحاته أنه متفق عليه دون غيره، وأن رواته لم يختلفوا في حرف منه بل فعلوه مرفوعًا على صفة واحدة. نقله الشوكاني. قال النووي: وقد أجمع العلماء على جواز كل واحد منها، وممن نقل الإجماع القاضي أبو الطيب. اهـ. ج. (الأحكام) أحاديث الباب فيها الأمر بالتشهد مطلقًا سواء في ذلك الأول والثاني، وقد اختلف الأئمة في التشهد: هل هو واجب أم سنة؟ قال النووي: قال الشافعي رحمه الله تعالى: وطائفة التشهد الأول سنة والأخير واجب. وقال جمهور المحدثين: هما واجبان. وقال أحمد رضي الله عنه: الأول واجب والثاني فرض. وقال أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما وجمهور الفقهاء: هما سنتان. وعن مالك رحمه الله رواية بوجوب الأخير. وقد وافق من لم يوجب التشهد على وجوب القعود بقدره في آخر الصلاة. اهـ. م. قلت: احتج القائلون بوجوب التشهدين بما في بعض روايات ابن مسعود من قوله صلى الله عليه وسلم «إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا التحيات لله» الخ، وبتعليمه صلى الله عليه وسلم لابن مسعود وأمره أن يعمله الناس، وبحديث ابن
2 -
باب هيئة الجلوس للتشهد والإشارة بالسبابة وغير ذلك 716 - عن ابن إسحاق قال حدثني عن افتراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخذه اليسرى في وسط الصلاة وفي آخرها وقعوده على وركه اليسرى ووضعه يده اليسرى على فخذه اليسرى ونصبه قدمه اليمنى ووضعه
ولعدم ذكر التشهد الأخير في حديث المسيء، وعن قول ابن مسعود بأنه تفرد به ابن عيينة كما قال ابن عبد البر. ولكن هذا لا يعد قادحًا، وأما الاعتذار بعدم الذكر في حديث المسيء فصحيح إلا أن يعلم تأخر الأمر بالتشهد عنه. اهـ. واختلفوا أيضًا في الأفضل من التشهدات، قال النووي رحمه الله: مذهب الشافعي رحمه الله تعالى وبعض أصحاب مالك أن تشهد ابن عباس أفضل، قال: قال أصحابنا: إنما رجح الشافعي تشهد ابن عباس على تشهد ابن مسعود لزيادة لفظ «المباركات» ، ولأنها موافقة لقول الله تعالى:{تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} (النور 61)، ولقوله «كما يعلمنا السورة من القرآن» . ورجحه البيهقي، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه لابن عباس وأقرانه من أحداث الصحابة فيكون متأخرًا عن تشهد ابن مسعود وأضرابه. واختار أبو حنيفة والثوري وأحمد وأبو ثور وجمهور الفقهاء وأهل الحديث تشهد ابن مسعود، وقالوا: إنه أفضل لأنه عند المحدثين أشد صحة وإن كان الجميع صحيحًا. واختار مالك رحمه الله تعالى تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموقوف عليه وقال: إنه أفضل لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد، فدل على تفضيله. اهـ. قلت: قال البيهقي: لم يختلفوا في أن حديث عمر موقوف عليه، ورواه بعض المتأخرين عن مالك مرفوعًا. وفي أحاديث الباب أيضًا مشروعية الدعاء في الصلاة قبل السلام بما شاء من أمور الدنيا والآخرة ما لم يكن فيه إثم، وإلى ذلك ذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يجوز إلا بالدعوات المأثورة من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو ما يشبه ألفاظ القرآن لا بما يشبه كلام الناس. وقالت الهادوية: لا يجوز الدعاء في الصلاة مطلقًا. وأحاديث الباب وغيرها من الأدلة المتكاثرة التي فيها الإذن بمطلق الدعاء ومقيدة ترد عليهم، ولولا ما رواه ابن رسلان عن البعض من الإجماع على عدم وجوب الدعاء قبل السلام لكانت منتهضة للاستدلال بها عليه، لأن التخيير في آحاد الشيء لا يدل على عدم وجوبه كما قال ابن رشد، وهو المتقرر في الأصول، على أنه قد ذهب إلى الوجوب أهل الظاهر، وروي عن أبي هريرة. أفاده الشوكاني.
مسعود أيضًا: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على عباد الله» (الحديث) أخرجه الدارقطني والبيهقي وصححاه، وهو مشعر بفرضية التشهد، واستدل الشافعية ومن وافقهم لعدم فرضية الأول بما في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قام من ركعتين ولم يتشهد، فلما قضى صلاته سجد سجدتين قبل السلام. قالوا: فعدم تداركه يدل على عدم وجوبه. قال الشوكاني: وأجاب القائلون بعدم الوجوب فيهما بأن الأوامر المذكورة في الحديث للإرشاد 716 - عن ابن إسحاق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب بن
يده اليمنى على فخذه اليمنى ونصبه إصبعه السبابة يوحد بها ربه عز وجل عمرانُ (1) بن أبي أنس أخو بني عامر بن لؤي وكان ثقة عن أبي القاسم مقسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: حدثني رجل من أهل المدينة قال: صليت في مسجد بني غفار، فلما جلست في صلاتي افترشت فخذي اليسرى ونصبت السبابة، قال: فرآني خُفاف بن إيماء (2) رحضة الغفاري، وكانت له صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصنع ذلك، قال: فلما انصرفت من صلاتي قال لي: أي بني لم نصبت إصبعك هكذا؟ قال: وما تنكر (3) رأيت الناس يصنعون ذلك. قال: فإنك أصبت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى يصنع ذلك، فكان المشركون يقولون: إنما يصنع هذا محمد بإصبعه يسحر بها (4) وكذبوا، إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك يوحد بها ربه عز وجل (5)
إبراهيم قال ثنا أبي ابن إسحاق الخ. (غريبه) 1 - فاعل حدثني. 2 - خفاف بضم الخاء وإيماء بكسر الهمزة وهو مصروف وتقدم. 3 - بفتحات مع تشديد الكاف مفتوحة أيضًا، أي قال الرجل بجرأة وما تغير عن حالته التي كان عليها: رأيت الناس. الخ. 4 - بفتح الحاء المهملة من السحر بكسر السين المهملة وسكون الحاء. 5 - أي يشير بها إلى أن الله عز وجل واحد. وروى البيهقي بسنده عن الأعمش عن أبي إسحاق عن العيزار قال: سئل ابن عباس عن الرجل يدعو يشير بأصبعه، فقال ابن عباس: هو الإخلاص. وعن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك قال: ذلك التضرع. وعن عثمان عن مجاهد قال: مقمعة للشيطان. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هكذا الإخلاص (يشير بأصبعه التي تلي الإبهام) ، وهذا الدعاء (فرفع يديه حذو منكبيه) وهذا الابتهال (فرفع يديه مدًا). ذكره البيهقي في سننه.
(تخريجه)(هق) وفي إسناده مبهم. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه، وسمى المبهم الحارث، ولم أجد من ترجمه ولم يسمه أحمد. اهـ. ورواه الطبراني في (الكبير) عن خفاف أيضًا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في آخر صلاته يشير بأصبعه السبابة وكان المشركون يقولون: يسحر بها وكذبوا ولكنه التوحيد. قال الهيثمي: ورجاله ثقات.
717 -
عن أبي الزبير أنه سمع طاوسًا يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء (1) على القدمين. فقال: هي السنة. قال: فقلنا: إنا لنراه جفاءً (2) بالجرل. فقال ابن عباس: هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم. وعنه من طريق ثان (3) عن طاوس أيضًا قال: رأيت ابن عباس يحبو على صدور قدميه، فقلت: هذا يزعم الناس أنه من الجفاء. قال: هو سنة نبيك صلى الله عليه وسلم
717 - عن أبي الزبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن بكر وعبد الرزاق قالا أنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسًا يقول: الخ. (غريبه) 1 - اختلف في تفسير الإقعاء، قال النووي: والصواب الذي لا معدل عنه أن الإقعاء نوعان: أحدهما أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي. قلت: يعني ما رواه الإمام أحمد وغيره من حديث أبي هريرة، وسيأتي بتمامه في باب ما جاء في الالتفات في الصلاة الخ. وفيه قال:«ونهاني عن الالتفات وإقعاء كإقعاء القرد ونقر كنقر الغراب» . قال: والنوع الثاني أن يجعل إليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس بقوله «سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم» . وقد نص الشافعي رضي الله عنه في (البويطي) و (الإملاء) على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وحمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما عليه جماعة من المحققين، منهم البيهقي والقاضي عياض وأخرون رحمهم الله تعالى. قال القاضي (يعني عياضًا) وقد روي عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه، قال: وكذا جاء مفسرًا عن ابن عباس رضي الله عنهما «من السنة أن تمس عقبيك إليتيك» هذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس. اهـ.
قلت: وأخرج البيهقي عن ابن عمر أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول: إنه من السنة. وعن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يقعيان. وعن طاوس قال: رأيت العبادلة يقعون. قال الحافظ: وأسانيدها صحيحة. 2 - أي غير مألوف. وقوله «بالرجل» قال النووي: ضبطناه بفتح الراء وضم الجيم، أي بالإنسان. وكذا نقله القاضي عن جميع رواة مسلم، قال: وضبطه أبو عمر بن عبد البر بكسر الراء وإسكان الجيم. قال أبو عمر: ومن ضم الجيم فقد غلط. ورد الجمهور على ابن عبد البر وقال: الصواب بالضم وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه. والله أعلم. اهـ. (سنده) 3 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن إسحاق أنا
14 718 - عن عائشة رضي الله عنها في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يكره أن يفترش ذراعيه افتراش السبع، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقب الشيطان، وكان يختم الصلاة بالتسليم. 719 - عن وائل بن حجر الحضرمي رضي الله عنه يصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم قعد فافترش رجله اليسرى فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض بين أصابعه فحلق حلقة (وفي رواية: حلق بالوسطى والإبهام وأشار بالسبابة) ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها. 720 - عن شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث أنه سمع رسجلاً من بني تميم قال: سألت ابن عباس عن قول الرجل بإصبعه يعني هكذا في الصلاة قال: ذاك الإخلاص.
ابن لهيعة عن أبي الزبير عن طاوس الخ. (تخريجه)(م. د. مذ) 718 - عن عائشة هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب جامع صفة الصلاة فارجع إليه. 719 - عن وائل بن حجر هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب جامع صفة الصلاة أيضًا. 720 - عن شعبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال: سمعت أبا إسحاق. الخ. (تخريجه)(هق) وفي سنده عند الإمام أحمد رجل مبهم وسماه البيهقي فقال: عن أبي إسحاق عن العيزار قال: سئل ابن عباس الخ. وتقدم لفظه في الكلام على الحديث الأول من أحاديث الباب. قال في (الخلاصة): والعيزار بسكون التحتانية وفتح الزاي العبدي الكوفي عن الحسن وابن عباس وعنه ابنه الوليد وأبو إسحاق وثقه النسائي. قلت: وبقية رجال حديث الباب ثقات.
15 721 - عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، وأشار بإصبعه وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهي أشد على الشيطان من الحديد. (1) يعني السبابة. 722 - عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته (2). 723 - عن علي بن عبد الرحمن المعاوي أنه قال: رآني عبد الله بن عمر وأنا أعبث بالحصي في الصلاة، فلما انصرف نهاني، وقال: اصنع كما كان رسول الله
721 - عن نافع حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري ثنا كثير بن زيد عن نافع. الخ. (غريبه) 1 - يعني أن الإشارة بالسبابة عند التشهد في الصلاة أشد على الشيطان من الضرب بالحديد لأنها تذكر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص في العبادة، وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه. (تخريجه) أورده الهيثمي وقال: رواه البزار وأحمد وفيه كثير بن زيد وثقه ابن حبان وضعفه غيره. قلت: ورواه البيهقي من طريق الواقدي عن كثير بن زيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان» ، وقال: تفرد به محمد بن عمر الواقدي، وليس بالقوي. قال: وروينا عن مجاهد أنه قال: تحريك الرجل أصبعه في الجلوس في الصلاة مقمعة للشيطان. اهـ. 722 - عن عامر بن عبد الله بن الزبير.
(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان قال: حدثني عامر بن عبد الله بن الزبير (الحديث). (غريبه) 2 - يعني أنه يستحب إدامة النظر إلى أصبعه وهو مشير بها لأنها تذكره بوحدانية الله تعالى كما سبق. وقال المزني وأصحاب الشافعي رحمهم الله: ينوي بالإشارة الإخلاص والتوحيد. (تخريجه)(م. نس. هق) 723 - عن علي بن عبد الرحمن المعاوي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال: قرأت على عبد الرحمن عن مالك قال أبي
وحدثنا إسحاق أخبرنى مالك عن مسلم
صلى الله عليه وسلم يصنع، قلت: وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفيه اليسرى على فخذه اليسرى ومن طريق ثان (1) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها (2) ويده اليسرى على ركبتيه باسطها عليها. 724 - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً ساقطًا يده في الصلاة (3) فقال: لا تجلس هكذا، إنما هذه جلسة الذين يعذبون. وعنه من طريق ثان (4) قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد على يديه.
ابن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي (الحديث). 1 - ومن طريق ثان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. الخ. (غريبه) 2 - ظاهره أنه كان يحركها مدة الدعاء، ويؤيده حديث وائل بن حجر، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم «رفع أصبعه قال: فرأيته يحركها يدعو بها» وتقدم في الباب. وقال النووي: رواه البيهقي بإسناد صحيح. قال البيهقي: يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها فيكون موافقًا لرواية ابن الزبير. وذكر بإسناده الصحيح عن ابن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يشير بأصبعه إذا دعا لا يحركها» رواه أبو داود بإسناد صحيح. أفاده النووي. ج.
(تخريجه)(م. نس. طب) 724 - عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ثنا هشام يعني ابن سعد عن نافع عن ابن عمر (الحديث). (غريبه) 3 - أي وضعهما بجانبيه معتمدًا عليهما كما في الطريق الثانية. (سنده) 4 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ. (تخريجه)(د. هق) وسنده جيد. وأخرج الطريق الأولى منه الحاكم والترمذى وقال: حسن غريب.
17 725 - عن أبي عبيدة عن أبيه (يعني عبد الله بن مسعود) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الركعتين كأنه على الرضف (1) قلت: حتى يقوم. قال: حتى يقوم. وعنه من طريق ثان (2) قال: كأنما كان جلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين على الرضف.
725 - عن أبي عبيدة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال: حدثني سعد بن إبراهيم عن أبي عبيدة (الحديث)(غريبه) 1 - «الرضف» بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة جمع رضفة، وهي الحجارة المحماة، وهو كناية عن تخفيف الجلوس للتشهد الأول. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس عن مسعر عن سعد بن إبراهيم عن أبي عبيدة عن عبد الله (يعني ابن مسعود)(الحديث). (تخريجه)(هق. فع. والأربعة)(الأحكام) في أحاديث الباب كيفية الجلوس للتشهد ومشروعية الإشارة بالسبابة فيه وتخفيف التشهد الأول وغير ذلك. أما كيفية الجلوس له، فقال الشافعي رحمه الله تعالى: السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشًا إلا التى يعقبها السلام. قال النووي رحمه الله: والجلسات عند الشافعي رحمه الله أربع: الجلوس بين السجدتين، وجلسة الاستراحة عقب كل ركعة يعقبها قيام، والجلسة للتشهد الأول، والجلسة للتشهد الأخير، فالجميع يسن مفترشًا إلا الأخيرة، فلو كان مسبوقًا وجلس إمامه في آخر صلاته متوركًا بجلس المسبوق مفترشًا لأن جلوسه لا يعقبه سلام، ولو كان على المصلي سجود سهو فالأصح أنه يجلس مفترشًا في تشهده، فإذا سجد سجدتي السهو تورك ثم سلم، هذا تفصيل مذهب الشافعي رحمه الله تعالى. اهـ م. وقال في المجموع: قال مالك: يجلس فيهما متوركًا. وقال أبو حنيفة والثوري: يجلس فيهما مفترشًا. وقال أحمد: إن كانت الصلاة ركعتين افترش، وإن كانت أربعًا افترش في الأولى وتورك في الثاني، واحتج لمن قال يفترش فيهما بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وينهى عن عقب الشيطان» (قلت: وهو من أحاديث الباب) قال: وفي رواية البيهقي «يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى» وعن وائل بن حجر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرش رجله اليسرى، واحتج للتورك بحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى» رواه مسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما «سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى» رواه البخاري
_________
وروى مالك بإسناده الصحيح عن ابن عمر الجلوس على قدمه اليسرى، واحتج أصحابنا بحديث أبي حميد في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته» رواه البخاري بهذا اللفظ. قلت: وتقدم حديث أبي حميد في آخر باب جامع صفة الصلاة. قال: قال الشافعي والأصحاب: فحديث أبي حميد وأصحابه صريح في الفرق بين التشهدين، وباقي الأحاديث مطلقة، فيجب حملها على موافقته، فمن روى التورك أراد الجلوس في التشهد الأخير، ومن روى الافتراش أراد الأول، وهذا متعين للجمع بين الأحاديث الصحيحة، لا سيما وحديث أبي حميد وافقه عليه عشرة من أكابر الصحابة رضي الله عنهم. قال: وقال أصحابنا: الحكمة في الافتراش في التشهد الأول والتورك في الثاني، أنه أقرب إلى تذكر الصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات، ولأن السنة تخفيف التشهد الأول فيجلس مفترشًا ليكون أسهل للقيام، والسنة تطويل الثاني ولا قيام بعده فيجلس متوركًا ليكون أعون له وأمكن ليتوفر الدعاء، ولأن المسبوق إذا رآه علم في أي التشهدين. اهـ. قلت: وفي أحاديث الباب أيضًا استحباب جعل الإليتين على العقبين في الجلسة بين السجدتين لحديث الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما «هو سنة نبيك صلى الله عليه وسلم» وتقدم الكلام عليه. وفيها أيضًا استحباب وضع اليدين على الركبتين حال الجلوس للتشهد، وهو مجمع عليه. وفيها أيضًا: استحباب الإشارة بالأصبع السبابة من اليد اليمنى حال التشهد. قال أصحاب الشافعي: تكون الإشارة بالأصبع عند قوله «إلا الله» من الشهادة، ولا يشير بها إلا مرة واحدة. قال النووي: والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته، واحتج له البيهقي وغيره بحديث عبد الله بن الزبير (قلت: هو المذكور في الباب) قال: رواه أبو داود بإسناد صحيح. والله أعلم. اهـ. واعلم أنه قد ورد في وضع اليد المنى على الفخذ حال التشهد هيئات، منها ما ذكر في الباب من حديث وائل بن حجر، وفيه «ثم قبض بين أصابعه فحلق حلقة (وفي رواية حلق بالوسطى والإبهام) وأشار بالسبابة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها» ، ومنها قبض كل الأصابع والإشارة بالسبابة كما في الباب أيضًا من حديث ابن عمر، ومنها ما رواه مسلم من حديث ابن عمر أيضًا «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة» ، ومنها وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى من غير قبض والإشارة بسبابة يده اليمنى كما في الباب من حديث ابن الزبير، وقد أخرج مسلم رواية أخرى عن ابن الزبير تدل على ذلك لأنه اقتصر فيها على مجرد الوضع والإشارة، وكذلك أخرج عن ابن عمر ما يدل على ذلك، وفي
3 -
باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير وكذا آله 726 - عن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: أقبل
أحاديث الباب عن ابن عمر مثل ذلك، وكذلك أخرج أبو داود والترمذي من حديث أبي (
…
) بدون ذكر القبض، إلا أن تحمل الرواية التي لم يذكر فيها القبض على الروايات التي فيها القبض حمل المطلق على المقيد، وقد جعل ابن القيم في (الهدي) الروايات المذكورة كلها واحدة، قال: فإن من قال «قبض أصابعه الثلاث» أراد به أن الوسطى كانت مضمومة ولم تكن منشورة كالسبابة، ومن قال «قبض اثنتين» أراد أن الوسطى لم تكن مقبوضة مع البنصر بل الخنصر والبنصر متساويتان في القبض دون الوسطى، وقد صرح بذلك من قال «وعقد ثلاثًا وخمسين» ، فإن الوسطى في هذا العقد تكون مضمومة ولا تكون مقبوضة مع البنصر. اهـ. قلت: وقد تقدم تفسير القبض والتعليق في الكلام على حديث وائل بن حجر في باب جامع صفة الصلاة. وفي أحاديث الباب أيضًا تخفيف الجلوس للتشهد الأول، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم يختارون أن لا يطيل الرجل في القعود في الركعتين الأوليين لا يزيد على التشهد شيئًا، وقالوا: إن زاد على التشهد فعليه سجدتا السهو، هكذا روي عن الشعبي وغيره. وقد ذهبت الحنيفية والمالكية والحنابلة وإسحاق والنخعي والثوري إلى تخفيف القعود الأول، وقالوا: لا يزيد على التشهد شيئًا من الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن زاد شيئًا من ذلك قالت الحنفية: عليه سجدتا السهو. وذهبت الشافعية إلى أنه يزيد على التشهد الأول الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دون الصلاة على الآل والدعاء. وفيها أيضًا النهي عن الاعتماد على اليد في الصلاة حال الجلوس، لحديث ابن عمر الذي في الباب، وهذا الحديث رواه أبو داود عن أربعة كلهم رووه عن عبد الرزاق بألفاظ مختلفة، منهم الإمام أحمد بلفظه، والثاني ابن شَبُّوبة ولفظه «نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة» ، والثالث ابن رافع ولفظه «نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده» ، والرابع ابن عبد الملك ولفظه «نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة» . ورجح البيهقي رواية الإمام أحمد لأنه أوثق من غيره ومشهور بالعدالة، فقال بعد ذكر حديثه: وهذا أبي الروايات، ورواية غير ابن عبد الملك لا تخالفه وإن كان أبين منها، ورواية ابن عبد الملك وهم، والذي يدل على أن رواية أحمد بن حنبل هي المراد بالحديث، أن هشام بن يوسف رواه عن معمر كذلك. اهـ. والله أعلم. 726 - عن أبي مسعود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي يعقوب ثنا أبي
رجل (1) حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقال: يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه (2) فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك؟ قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله (3) فقال: إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا: اللهم صل على محمد (4) النبي الأمي وعلى آل محمد كما (5)
عن ابن إسحاق قال: وحدثني في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا المرء المسلم صلى عليه فيه صلاته محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري أخي بلحارث بن الخزرج عن أبي مسعود عقبة بن عمرو (الحديث). (غريبه) 1 - الظاهر أنه بشير بن سعد كما سيأتي في الحديث التالي. 2 - أي عرفوه في التشهد، وهو قولهم «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته». 3 - عند الطبراني «فسكت حتى جاءه الوحي» وتمنوا أنه لم يسأله خشية أن يكون صلى الله عليه وسلم كره سؤاله؛ لما تقرر عندهم من النهي عن ذلك في قوله تعالى {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (المائدة 101). 4 - قال أبو العالية: صلاة الله عز وجل على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته. وقال ابن عباس والضحاك: رحمته. وقيل: المراد بذلك تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته. 5 - استشكل جماعة من العلماء هذا التشبيه بأن المشبه يكون دون المشبه به في الغالب، وما هنا ليس كذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء. وأجيب عن ذلك بأجوبة كثيرة، منها أن ذلك من غير الغالب كما في قوله تعالى {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} (النور 35). ومنها أنه صلى الله عليه وسلم من جملة آل إبراهيم وكذلك آله، فالمشبه هو الصلاة عليه وعلى آله بالصلاة على إبراهيم وآله الذي هو من جملتهم. قال النووي رحمه الله: والمختار في ذلك أحد ثلاثة أقوال: أحدها: حكاه بعض أصحابنا عن الشافعي رحمه الله تعالى، أن معناه «صل على محمد» وتم الكلام هنا، ثم استأنف «وعلى آل محمد» ، أي وصل على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، فالمسئول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد صلى الله عليه وسلم لا نفسه. القول الثاني: معناه اجعل لمحمد وآله صلاة منك كما جعلتها لإبراهيم وآله، فالمسئول المشاركة في أصل الصلاة لا قدرها. القول الثالث: أنه على ظاهره والمراد اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة التي لإبراهيم وآله، والمسئول مقابلة الجملة، فإن المختار في الآل أنهم جميع الأتباع ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء، ولا يدخل في آل محمد صلى الله عليه وسلم نبي، فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها خلائق من الأنبياء، والله أعلم. اهـ. قيل: وخص إبراهيم بذكرنا له في الصلاة من بين سائر الأنبياء لأنه أفضلهم
21 صليت على إبراهيم وآل إبراهيم (1) وبارك على محمد (2) النبي الأمي كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (3). وعنه من طريق ثان (4) قال: قيل: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد. 727 - وعنه أيضًا قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن
بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، ولأنه صلى الله عليه وسلم رأى ليلة الإسراء جميع الأنبياء والمرسلين، وسلم على كل نبي، ولم يسلم أحد منهم على أمته غير إبراهيم، فأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نثني عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة مجازاة على إحسانه. قال العيني رحمه الله: ويقال: إن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما فرغ من بناء الكعبة دعا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وقال «اللهم من حج هذا البيت من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهبه مني السلام» وكذلك دعا أهله وأولاده بهذه الدعوة، فأمرنا بذكرهم في الصلاة مجازاة على حسن صنيعهم. اهـ. 1 - هم إسماعيل وإسحاق وأولادهما. وقد جمع الله لهم الرحمة والبركة في قوله عز وجل {رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} (هود 73) ولم يجمعهما لغيرهم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم إعطاء ما تضمنته الآية. 2 - قيل «البركة» هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل: الثبات على ذلك، من قولهم «بركت الإبل» أي ثبتت على الأرض، ومنه بركة الماء. وقيل: التزكية والتطهير من العيوب كلها. 3 - يعني أنك فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المترادفة، كريم بكثرة الإحسان إلى عبادك، و «حميد» فعيل من المحمد بمعنى محمود وأبلغ منه وهو من حصل له من صفات الحمد أكملها. و «مجيد» من المجد، وهو صفة من كمل في الشرف، وهو مستلزم للعظمة والجلال. (سنده) 4 - حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عثمان بن عمر أنا مالك عن نعيم المجمر عن محمد بعني ابن عبد الله عن أبي مسعود قال: قيل: يا رسول الله (الحديث) وفي آخره بعد قوله «إنك حميد مجيد» قال عبد الله: وقال أبي: قرأت هذا الحديث على عبد الرحمن عن مالك عن نعيم بن عبد الله أن محمد بن عبد الله بن زيد أخبره عن أبي مسعود. (تخريجه)(حب قط. هق. ك) وابن خزيمة وحسنه الدارقطني وصححه الحاكم والبيهقي. 727 - وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال: قرأت على عبد
عبادة فقال له بشر بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك (1) يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم (2)، وبارك على محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم. (3) 728 - عن عمرو بن مالك الجنبي أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في الصلاة ولم يذكر الله عز وجل ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا (4). ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه وثناءه عليه (5) ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء
الرحمن عن مالك وثنا إسحاق أخبرني مالك عن تميم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري (في حديث عبد الرحمن). وعبد الله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتانا الخ. (غريبه) 1 - يريد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب 56). 2 - لفظ مسلم «كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين» الخ. 3 - هو بفتح العين وكسر اللام المخففة، ومنهم من رواه بضم العين وتشديد اللام، أي علمتموه، وكلاهما صحيح. قاله النووي. والمراد بالسلام هنا هو قولهم «السلام عليك أيها النبي» في التشهد، وتقدم ذلك. (تخريجه)(م. نس. مذ) وصححه.
728 -
عن عمرو بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو عبد الرحمن المقري ثنا حيوة قال أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ عن عمرو بن مالك الجنبي (الحديث). (غريبه) 4 - أي بدعائه قبل تقديم الصلاة، وفيه دليل على مشروعية تقديم الصلاة قبل الدعاء ليكون وسيلة للإجابة، لأن من حق السائل أن يتلطف في نيل ما أراده. 5 - هو من عطف الخاص على العام. وقوله «بما شاء» أي من خيري الدنيا والآخرة بدون تقييد بدعاء مخصوص وإن كان الوارد أفضل، وتقدم الكلام على ذلك. (تخريجه) (نس د. حب. هق. ك. مذ) وصححه وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم.
23 729 - عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. 730 - عن ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة رضي الله عنه قال ابن جعفر (1) قال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. 731 - عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب
729 - عن كعب بن عجرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة (الحديث)(تخريجه)(ق. مذ. هق) 730 - عن ابن أبي ليلى (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال: حدثني الحكم عن ابن أبي ليلى، قال: وحدثنا محمد بن جعفر أنا شعبة عن الحكم سمعت ابن أبي ليلى قال كعب: لقيني الخ. (غريبه) 1 - هذا الحديث رواه الإمام أحمد بإسنادين: أحدهما من طريق يحيى بن سعيد، والثاني من طريق محمد بن جعفر، فقوله «قال ابن جعفر» يعني في حديثه «قال كعب بن عجرة لابن أبي ليلى: ألا أهدي لك هدية»، ولم تثبت هذه الجملة في حديث يحيى بن سعيد. (تخريجه)(ق. والأربعة) إلا أن الترمذي قال «إبراهيم» في الموضعين ولم يذكر «آله» . 731 - عن يزيد بن أبي زياد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن
24 (يعني بن عجرة) رضي الله عنه قال: لما نزلت {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (الأحزاب 56) قالوا: كيف نصلي عليك يا نبي الله؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. قال: ونحن نقول «وعلينا معهم» . قال يزيد: فلا أدري أشيء زاده ابن أبي ليلى من قبل نفسه، أو شيء رواه كعب (1). 732 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. 733 - عن بريدة الخزاعي رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله قد
فضيل ثنا يزيد بن أبي زياد الخ. (غريبه) 1 - سيأتي في التخريج بيان ذلك. (تخريجه) الحديث أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للبخاري، وفيه «وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول «وعلينا معهم» ، قال: ورواه الترمذي بهذه الزيادة، ومعنى قولهم «أما السلام عليك فقد عرفناه» هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن، وفيه «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» اهـ. قلت: يظهر مما نقله الحافظ ابن كثير أن القائل «ونحن نقول وعلينا معهم» هو ابن أبي ليلى، ومعنى قوله «وعلينا معهم» أي صل وبارك علينا معهم، ويؤخذ منه جواز الصلاة والسلام على غير الأنبياء تبعًا لهم، وفي الاستقلال خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الأذكار. 732 - عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الملك بن عمر ثنا عبد الله بن جعفر الزاهري عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري (الحديث). (تخريجه)(خ. نس. جه. هق) 733 - عن بريدة الخزاعي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد
علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. 734 - عن موسى بن طلحة (بن عبيد الله) عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: قل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. 735 - عن زيد بن خارجة رضي الله عنه قال: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسي كيف الصلاة عليك؟ قال: صلوا واجتهدوا، ثم قولوا: اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
ابن هارون أنا إسماعيل عن أبي داود الراعي عن بريدة الخزاعي (الحديث). (تخريجه) لم أقف عليه، وفي إسناده أبو داود الأعمى وهو ضعيف، قاله الهيثمي في (مجمع الزوائد). 734 - عن موسى بن طلحة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن بشر ثنا مجمع بن يحيى الأنصاري ثنا عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة الخ. (تخريجه) (نس) وسنده جيد. 735 - عن زيد بن خارجة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا علي بن بحر ثنا عيسى بن يونس حدثنا عثمان بن حكيم ثنا خالد بن سلمة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن دعا موسى بن طلحة حين عرس على ابنه فقال: يا أبا عيسى كيف بلغك في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال موسى: سألت زيد بن خارجة عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال زيد: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسي (الحديث). (تخريجه)(نس) وسنده جيد.
(فصل فيما يستدل به على تفسير آل النبي صلى الله عليه وسلم المصلى عليهم) 736 - عن ابن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: اللهم صل على محمد وعلى أهل بيته (1) وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت
736 - عن ابن طاوس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا هارون عن ابن طاوس الخ. (غريبه) 1 - قال النووي رحمه الله: اختلف العلماء في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال، أظهرها وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين أنهم جميع الأمة. والثاني بنو هاشم وبنو المطلب. والثالث أهل بيته صلى الله عليه وسلم وذريته. والله أعلم. اهـ. قال الشوكاني: وقد ذهب نشوان الحميري إمام اللغة إلى أنهم جميع الأمة، ومن شعره في ذلك: آل النبي هم أتباع ملته ..... من الأعاجم والسودان والعرب
لو لم يكن آله إلا قرابته ..... صلى المصلي على الطاغي أبي لهب ويدل على ذلك أيضًا قول عبد المطلب في أبيات وانصر على آل الصليـ ..... ـب وعابديه اليوم آلك والمراد بآل الصليب أتباعه، قال: ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (غافر 46) لأن المراد بآله أتباعه، واحتج لهذا القول بما أخرجه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الآل قال:«آل محمد كل تقي» وروي هذا من حديث علي ومن حديث أنس وفي أسانيدها مقال، ويؤيد ذلك معنى الآل لغة، فإنهم كما قال في (القاموس): أهل الرجل وأتباعه، ولا ينافي هذا اقتصاره صلى الله عليه وسلم على البعض منهم في بعض الحالات كما تقدم، وكما في حديث مسلم في الأضحية «اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد» فإنه لا شك أن القرابة أخص الآل، فتخصيصهم بالذكر ربما كان لمزايا لا يشاركهم فيها غيرهم كما عرفت، وتسميتهم بالأمة لا ينافي تسميتهم بالآل، وعطف التفسير شائع ذائع كتابًا وسنةً ولغةً، على أن حديث أبي هريرة فيه عطف أهل بيته على ذريته (سيأتي حديث أبي هريرة بعد تخريج الحديث التالي) فلما كان مجرد العطف يدل على التغاير مطلقًا لزم أن تكون ذريته خارجة عن أهل بيته والجواب الجواب، ولكن ههنا مانع من حمل الآل على جميع الأمة، وهو حديث «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي» (الحديث) وهو في صحيح مسلم وغيره
على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. قال ابن طاوس: وكان أبي يقول مثل ذلك. 737 - عن عمرو بن سليم أنه قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
(تقدم في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة) فإنه لو كان الآل جميع الأمة لكان المأمور بالتمسك والأمر المتمسك به شيئًا واحدًا وهو باطل. اهـ. وسيأتي لذلك ميزد بحث في باب ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم وآل بيته في آخر كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى. (تخريجه) لم أقف عليه، وأورده الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 737 - عن عمرو بن سليم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال: قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم الخ. (تخريجه)(ق. لك. د. نس. جه) وفي الباب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صل علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» رواه أبو داود وسكت عنه، وكذلك سكت عنه المنذري أيضًا، وأخرجه عبد بن حميد في مسنده وأبو نعيم والطبراني، ورواه مالك من حديث ابن مسعود. وفي الباب أيضًا عن رويفع بن ثابت وجابر وابن عباس عند المستغفري في الدعوات. قال النووي في (شرح المهذب): ينبغي أن نجمع ما في الأحاديث الصحيحة فنقول: «اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد» . قال العراقي: بقي عليه مما في الأحاديث الصحيحة ألفاظ أخر، وهي خمسة يجمعها قولك «اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد» اهـ. قلت: من هذا يعلم القارئ أن مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى أغزر كتب السنة مادة وأجمعها لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن زيادات النووي
_________
والعراقي جاءت متفرقة في عدة كتب، وقد وُجدت جميعها في مسند الإمام أحمد عدا لفظ «أمهات المؤمنين» الذي جاء في حديث أبي هريرة، ولقد صدق المحدثون حيث أطلقوا عليه لقب إمام أئمة السنة، فهو جدير به، جزاه الله عن الأمة المحمدية خيرًا، وأمطر عليه وابل رحمته وحشرنا في زمرته آمين. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأخير، وقد اختلف الناس في ذلك، فذهب إلى الوجوب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وجابر بن زيد والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبو جعفر الباقر والهادي والقاسم والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وابن الموّاز رحمهم الله، واختاره القاضي أبو بكر بن العربي. وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب، منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والناصر من أهل البيت وآخرون ووافقهم ابن المنذر من الشافعية، وقال إسحاق: إن تركها عمدًا لم تصح صلاته، وإن تركها سهوًا رجوت أن تجزئه. قال النووي: واحتج لهم بحديث المسيء صلاته وبحديث ابن مسعود في التشهد ثم قال في آخره: «فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك» ، واحتج أصحابنا بقوله تعالى:{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب 56) قال الشافعي رحمه الله تعالى: أوجب الله تعالى بهذه الآية الصلاة، وأولى الأحوال بها حال الصلاة. قال أصحابنا الآية تقتضي وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع العلماء أنها لا تجب في غير الصلاة. قال: واحتجوا أيضًا بالأحاديث الصحيحة السابقة، وأجابوا عن حديث المسيء صلاته بأنه محمول على أنه كان يعلم التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحتج إلى ذكرها كما لم يذكر الجلوس، وقد أجمعنا على وجوبه، وإنما ترك للعلم به كما تركت النية للعلم بها، والجواب عن حديث ابن مسعود أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الحفاظ. اهـ. قلت: حديث ابن مسعود تقدم وهو الحديث الثاني من أبواب التشهد وتقدم الكلام عليه فانظره. وفي أحاديث الباب مشروعية الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم وفيها خلاف أيضًا، فذهب الهادي والقاسم والمؤيد بالله والإمام أحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعي إلى الوجوب، واستدلوا بالأوامر المذكورة في الأحاديث المشتملة على الآل. وذهب الشافعي في أحد قوليه - قال النووي: وهو الصحيح المنصوص، وبه قطع جمهور الأصحاب ومالك وأبو حنيفة وأصحابه - إلى عدم الوجوب، احتج الأولون بالأوامر المذكورة في الأحاديث المشتملة على الآل وبحديث أبي حميد «قال: قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته» (الحديث)، واحتج الآخرون بالإجماع على عدم الوجوب، حكاه النووي، قالوا: فيكون قرينة لحمل الأوامر على الندب، قالوا: ويؤيد ذلك عدم الأمر بالصلاة على الآل في القرآن، وأقل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما قال النووي «اللهم صل على محمد» ، وأقل الصلاة على الآل «اللهم صل على محمد وآله» ويشترط أن يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من التشهد، حكاه النووي عن
29 4 - باب التعوذ والدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 738 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر (1)، ومن فتنة المحيا والممات (2)، ومن شر المسيح (3) الدجال. 739 - عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول بعد التشهد في العشاء
البغوي وغيره. اهـ. ج. والله أعلم. 738 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الوليد بن مسلم أبو العباس ثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية حدثني محمد بن أبي عائشة أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث). (غريبه) 1 - فيه رد على المنكرين لذلك من المعتزلة، والأحاديث في هذا الباب متواترة، وقد أفردت لذلك بابًا في كتاب الجنائز فانظره. 2 - قال ابن دقيق العيد:«فتنة المحيا» ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت، و «فتنة الممات» يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضيفت إليه لقربها منه، ويكون المراد بفتنة المحيا على ذها ما قبل ذلك، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر وقد صح «إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال» ولا يكون مع هذا الوجه متكررًا مع قوله عذاب القبر، لأن العذاب مرتب عن الفتنة، والسبب غير المسبب، وقيل: أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر، وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة، وهذا من العام بعد الخاص، لأن عذاب القبر داخل تحت فتنة الممات، وفتنة الدجال داخلة تحت فتنية المحيا، وأخرج الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) عن سفيان الثوري أن الميت إذا سئل من ربك تراءى له الشيطان فيشير إلى نفسه إني أنا ربك، فلهذا ورد سؤال التثبت له حين يسئل، ثم أخرج بسند جيد إلى عمرو بن مرة: كانوا يستحبون إذا وضع الميت في القبر أن يقولوا: اللهم أعذه من الشيطان. اهـ. 3 - «المسيح» بفتح الميم وتخفيف السين وبالحاء المهملة، قال النووي: وهو الصواب في ضبطه، قال أبو عبيد وغيره: المسيح هو الممسوح العين، وبه سمي الدجال، وقال غيره: لمسحه الأرض، فهو فعيل بمعنى فاعل، وقيل: المسيح الأعور، وقال أبو العباس ثعلب: المسيح الكذاب. والدجال من الدجل وهو التغطية، سمي بذلك لتمويهه وتغطيته الحق بباطله. اهـ. ج. (تخريجه) (ق. د. جه) وأخرجه أيضًا (نس. هق) بزيادة «ثم يدعو لنفسه بما بدا له» قال النووي: بإسناد صحيح. 739 - عن ابن طاوس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق
الآخرة (1) كلمات كان يعظمهن جدًا (2). يقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، وأعوذ بالله من شر المسيح الدجال، وأعوذ بالله من عذاب القبر، وأعوذ بالله من فتنة المحيا والممات. قال: كان يعظمهن ويذكرهن عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم. 740 - عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة (3): اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم (4) والمغرم. قالت: فقال له قائل (5): ما أكثر ما تستعيذ
قال أنا ابن جريج عن ابن طاوس الخ. (غريبه) 1 - لفظه عند ابن خزيمة من رواية ابن جريج أخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان يقول بعد التشهد كلمات يعظمهن جدًا. قلت: في المثنى كليهما؟ (يعني في التشهدين الأول والثاني) قال: بل في التشهد الأخير. قلت: ما هي؟ قال: أعوذ بالله الخ الحديث. قال ابن جريج: أخبرنيه عن أبيه عن عائشة مرفوعًا، فترى أن رواية ابن خزيمة لم تقيد هذه الكلمات بصلاة مخصوصة، ورواية حديث الباب قيدتها بالعشاء الآخرة، فيحتمل أن ابن طاوس رواه مرة بلفظ حديث الباب لأنه رأى والده يفعل ذلك في العشاء الآخرة، ثم علم أنه يفعله في كل الصلوات فرواه مطلقًا، والله أعلم. 2 - أي يعتني بشأنهن ويواظب عليهن لأنهن من جوامع الكلم. (تخريجه) رواه ابن خزيمة أيضًا وقد علمت لفظه، وسنده جيد. 740 - عن عروة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو اليمان قال أنا شعيب عن الزهري قال: وأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة الخ. (غريبه) 3 - أي بعد التشهد الأخير كما يستفاد ذلك من الحديثين قبله. 4 - أي ما يجر إلى ارتكاب الإثم وهو الذنب. و «المغرم» قال الحافظ: أي الدين. يقال غرم بكسر الراء أي ادّان، قيل: والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز وفيما يجوز ثم يعجز عن أدائه، ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك، وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين، وقال القرطبي: المغرم الغرم، وقد نبه في الحديث على الضرر اللاحق من المغرم، والله أعلم. اهـ. 5 - قال الحافظ: لم أقف على اسمه، ثم وجدت في رواية للنسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل عن ذلك عائشة، ولفظها «فقلت
من المغرم يا رسول الله. فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف. 741 - عن أبي صالح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: كيف تقول في الصلاة؟ قال: أتشهد ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. أما إني لا أحسن دندنتك (1) ولا دندنة معاذ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن. 742 - عن محجن بن الأدرع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فإذا هو برجل قد قضى صلاته (2) وهو يتشهد وهو يقول: اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد (3) الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له
يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ الخ. و «أكثر» بفتح الراء على التعجب. وقوله «إذا غرم» بكسر الراء. اهـ. (تخريجه)(ق. والثلاثة وغيرهم). 741 - عن أبي صالح (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا معاوية بن عمرو قال ثنا زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث). (غريبه) 1 - قال أهل اللغة: الدندنة كلام لا يفهم. وقد سمى الرجل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ودعاء معاذ بالدندنة لكونه لم يفهمه، إما لكونهما كانا يدعوان سرًا، أو لكونه كان أعرابيًا لم يحسن لغة العرب الفصحى، والظاهر أن هذا الرجل كان ممن يصلون مع معاذ في حيه، ولذا خصه بالذكر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «حولها ندندن» معناه أن دعاءنا لم يخرج عن دعائك. قال النووي: يعني فكلنا ندندن حولهما أي حول سؤاليهما، إحداهما سؤال طلب، والثانية سؤال رهب. اهـ. ج. والله أعلم. (تخريجه) قال النووي: رواه أبو داود بإسناد صحيح. 742 - عن محجن بن الأدرع (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد حدثني أبي ثنا حسين المعلم عن ابن بريدة حدثني حنظلة بن علي أن محجن بن الأدرع حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد (الحديث)(غريبه) 2 - أي معظم صلاته حتى كان في التشهد الذي يعقبه السلام. 3 - رواية أبي داود «يا الله الأحد» بدون الواحد، ورواية النسائي كلفظ حديث الباب، و «الأحد» معناه الواحد كما روي تفسيره بذلك عن ابن عباس وأبي عبيدة، ويؤيده قراءة الأعمش «قل هو الله الواحد» ، ومعنى ذلك أنه تعالى واحد في
كفوًا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم. قال: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: قد غُفر له، قد غفر له، قد غفر له. ثلاث مرات. (فصل منه في رفع الأصبع عند الدعاء في الصلاة)(*) 743 - عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه
ذاته وصفاته وأفعاله. و «الصمد» قال ابن الأنباري: بين أهل اللغة أنه السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه، أي يقصده الناس في حوائجهم وأمورهم. وعن قتادة: هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه. (تخريجه)(د. نس. وابن خزيمة) وسنده جيد. (فائدة) اشتهر عند الشافعية الإتيان بلفظ «سيدنا» قبل لفظ «محمد» صلى الله عليه وسلم في الصيغ الواردة وغيرها. وقد روي عن ابن عبد السلام أنه جعله من باب سلوك الأدب، وهو مبني على أن سلوك طريق الأدب أحب من الامتثال، وحجتهم في ذلك امتناع عليّ رضي الله عنه عن محو اسم النبي صلى الله عليه وسلم من الصحيفة في صلح الحديبية بعد أن أمره بذلك، وقال: لا أمحو اسمك أبدًا. وتأخر أبي بكر حين كان يؤم الناس فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت فلم يمتثل، وقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويمكن أن يقال: إن هذه وقائع خارجة عن الأمور المتعبد بها، فمراعاة الأدب فيها أفضل، أما الأمور التعبدية والتي تعد من شعائر الدين كالأذان والإقامة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد فالواجب فيها الوقوف مع الوارد. ومذهب المالكية وكثيرون أنه يؤتى بلفظ السيادة في غير الصيغ الواردة عنه صلى الله عليه وسلم تأدبًا، أما الواردة فيقتصر فيها على ما ورد، وقوفًا على ما حده الشارع واتباعًا للفظه وفرارًا من الوقوع فيما حذر منه، فقد روى الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» ، وما ذهب إليه المالكية هو الذي ينشرح له صدري ويرتاح له ضميري، نسأل الله التوفيق إلى أقوم طريق. (*) - إنما ذكرت هذا الفصل هنا وإن تقدم رفع الأصبع عند التشهد تبعًا للنص، فهناك نص عليه عند التشهد، وهنا نص عليه عند الدعاء، والنص هنا يشعر بدوام رفع الأصبع حتى يسلم، فدفعًا لما يتوهم من أنه لا يشير بالأصبع إلا عند التشهد ذكرته هنا أيضًا. 743 - عن سعيد بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة فدعا (1) وضع يده اليمنى على فخذه ثم كان يشير بإصبعه. وعنه من طريق ثان (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه السباحة (3) في الصلاة. 744 - عن مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد في الصلاة قد وضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعًا بأصبعه السبابة قد حناها شيئًا (4) وهو يدعو. 745 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يعدو بأصبعين (5) فقال: أحِّد يا سعد.
جرير عن منصور عن راشد أبي سعيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخ. (غريبه) 1 - أي بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل السلام لأنه موضع الدعاء كما يستفاد ذلك من حديث عمرو بن مالك الجنبي المتقدم. (سنده) 2 - حدثنا عبد حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن أبي سعيد الخزاعي عن ابن أبزى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشير الخ. 3 - السباحة والمسبحة الأصبع التي تلي الإبهام، سميت بذلك لأنها يشار بها عند التسبيح. (له). (تخريجه) (طب) وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد عن عبد الرحمن بن أبزى أيضًا بلفظ قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته هكذا وأشار بأصبعه» . وقال رواه الطبراني في (الكبير) عن أبي سعيد الخزاعي ولم يرو عنه غير منصور بن المعتمر كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه، وأورده أيضًا بلفظ آخر عن عبد الرحمن بن أبزى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دعا في الصلاة وضع يده على فخذه ثم قال بأصبعه هكذا خفض إصبعه الخنصر والتي تليها. قال الهيثمي: رواه الطبراني في (الكبير) من طريق راشد أيضًا. اهـ. 744 - عن مالك بن نمير الخزاعي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم قال ثنا عصام بن قدامة البجلي قال حدثنا مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه (الحديث) 4 - أي أمالها شيئًا قليلاً. (تخريجه)(د. نس. جه. هق. وابن خزيمة) وسنده جيد. 745 - عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع عن سفيان عمن سمع أنسًا يقول: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث). (غريبه) 5 - أي كان يشير في دعائه بأصبعين. وقوله «أحِّد» بفتح الهمزة وكسر الحاء المشددة، كذا ضبطه الحافظ
_________
السيوطي، أي أشر بأصبع واحدة، لأن الذي تطلب منه واحد، وفي (النهاية) في أسماء الله تعالى «الأحد» وهو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر، وهو اسم بني لنفي ما يذكر معه من العدد، تقول: ما جاءني أحد، والهمزة فيه بدل من الواو، وأصله وحد لأنه من الوحدة، وقيل من الواحد، وقد حمله بعضهم على رفع السبابة في الاستغفار لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا «المسألة رفع يديك حذو منكبيك، والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة، والابتهال أن تمد يديك جميعًا» وقال بعض العلماء: إن ذلك كان في التشهد. (تخريجه)(د) في الدعوات. (نس) في الصلاة. ورواه الحاكم في الدعوات وصححه عن سعد بن أبي وقاص، قال:«مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعيّ فقال: أحِّد أحِّد وأشار بالسبابة» ورواه (مذ. نس. ك.) عن أبي هريرة «أن رجلاً كان يدعو بأصبعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحِّد أحِّد» قال الترمذي: حسن غريب. وصححه الحاكم وأقره الذهبي. وقال الهيثمي: رجاله ثقات. اهـ. وقد أثبته هنا لاحتمال أن يكون ذلك في الدعاء بعد التشهد ولمناسبة أحاديث الباب والله أعلم بالصواب. وفي الباب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجل قائم يصلي فلما ركع وتشهد قال في دعائه اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أتدرون بم دعا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: والذي نفس محمد بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي وغيره. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية التعوذ بعد التشهد الأخير لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة «إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ» وقد استدل بهذا الأمر على وجوب الاستعاذة وإليه ذهب بعض الظاهرية، واختاره الشوكاني إن علم تأخر الأمر عن حديث المسيء. وحمله الجمهور على الاستحباب. وفيها أيضًا دليل على ثبوت عذاب القبر وعلى ظهور الدجال وحصول فتنته (وقد أفردت لذلك بابًا في كتاب أشراط الساعة وعلاماتها).
وفيها دلالة أيضًا على التنفير من الديْن (بفتح الدال المهملة مشددة) بقدر المستطاع لأنه يحمل المدين على ارتكاب الكذب والخلف في الوعد كما صرح بذلك في الحديث، ولأنهما من صفات المنافقين، ولما روى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الدين راية الله في الأرض، فإذا أراد الله أن يذل عبدًا وضعها في عنقه» أورده الحافظ السيوطي في (الجامع الصغير) ورمز له بالصحة. فينبغي لكل عاقل أن لا يستدين إلا لحاجة شرعية ضرورية مع العزم على الوفاء، فإن كان كذلك فلا بأس به، وقد استدان صلى الله عليه وسلم ووفّى. وفيها أيضًا مشروعية
باب جامع أدعية منصوص عليها في الصلاة 746 - عن عبد الله بن عمرو عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي. قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا (1)(وفي رواية «كبيرًا» بدل «كثيرًا») ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. 747 - عن أبي مجلز قال: صلى بنا عمرا (بن ياسر) صلاة فأوجز فيها. (2) فأنكروا ذلك، فقال: ألم أتم الركوع والسجود؟ قالوا: بلى. قال: أما إني دعوت فيها بدعاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به: اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على
الدعاء عقب التعوذ كما يستفاد ذلك من أحاديث الباب. وفيها أيضًا استحباب رفع أصبعه السبابة مع انحنائها قليلاً عند الدعاء واستدامة ذلك حتى يسلم وقد تقدم الكلام في ذلك. 746 - عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا هاشم بن القاسم قال ثنا الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو (الحديث). (غريبه) 1 - قال النووي: هو بالثاء المثلثة في أكثر الروايات، وفي بعض الروايات «كبيرًا» بالباب الموحدة، فينبغي أن يجمع بينهما فيقال:«كبيرًا» . قلت: يعني أنه يقول «كثيرًا كبيرًا» . قال الشيخ عز الدين بن جماعة: ينبغي أن يجمع بين الروايتين فيأتي مرة بالمثلثة ومرة بالموحدة، فإذا أتى بالدعاء مرتين فقد نطق بما نطق به النبي صلى الله عليه وسلم بيقين، وإذا أتى بما ذكره النووي لم يكن آتيًا بالسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطلق به كذلك. اهـ. قال النووي: واحتج البخاري وخلائق من الأئمة بهذا الحديث في الدعاء بين التشهد والسلام. اهـ. ج. (تخريجه)(ق. وغيرهما) 747 - عن أبي مجلز (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسحاق الأزرق عن شريك عن أبي هاشم عن أبي مجلز (الحديث)(غريبه) 2 - قال الشوكاني: لعله لم يصاحب هذا الإيجاز تمام الصلاة على الصفة التي عهدوا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لم يكن
الخلق (1) أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي، أسألك خشيتك في الغيب والشهادة (2) وكلمة الحق في الغضب والرضا (3) والقصد في الفقر والغني (4) ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، وأعوذ بك من ضراء مضرة (5) ومن فتنة مضلة (6) اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين.
للإنكار عليه وجه، فقد ثبت من حديث أنس في مسلم وغيره أنه قال:«ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام» . وقوله «ألم أتم الركوع والسجود» فيه إشعار بأنه لم يتم غيرهما، ولذلك أنكروا عليه. وقوله «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به» يحتمل أنه كان يدعو به في الصلاة ويكون فعل عمار قرينة تدل على ذلك، ويحتمل أنه كان يدعو به من غير تقييد بحال الصلاة كما هو الظاهر من الكلام. اهـ. 1 - فيه دليل على جواز التوسل إليه تعالى بصفات كماله وخصال جلاله. وقوله «أحيني» إلى قوله «خيرًا لي» هذا ثابت عند الشيخين والإمام أحمد من حديث أنس ولفظه «قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد يتمنى الموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي» وسيأتي في الباب الثالث من كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى. وهو يدل على جواز الدعاء بهذا لكن عند نزول الضرر كما وقع التقييد بذلك في حديث أنس المذكور. 2 - أي في مغيب الناس وحضورهم، لأن الخشية بين الناس فقط ليست من الخشية لله بل من خشية الناس. 3 - إنما جمع بين الحالتين لأن الغضب ربما حال بين الإنسان وبين الرجوع إلى الحق، وكذلك الرضا ربما قاد في بعض الحالات إلى المداهنة وكتم كلمة الحق. 4 - القصد في كتب اللغة بمعنى استقامة الطريق والاعتدال، وبمعنى ضد الإفراد، وهو المناسب هنا لأن بطر الغنى رما جر إلى الإفراط، وعدم الصبر على الفقر ربما أوقع في التفريط، فالقصد فيهما هو الطريقة القويمة.
5 -
إنما قيد بذلك لأن الضراء ربما كانت نافعة آجلاً أو عاجلاً فلا يليق الاستعاذة منها. 6 - وصفها بذلك صلى الله عليه وسلم لأن من الفتن ما يكون من أسباب الهداية، وهي بهذا الاعتبار مما لا يستعاذ منه، قال أهل اللغة: الفتنة الامتحان والاختبار. أفاده الشوكاني. (تخريجه)(نس) وسنده جيد.
37 748 - عن زاذان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة وهو يقول: رب اغفر لي، قال شعبة (1) أو قال: اللهم اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور مائة مرة. 749 - عن أبي السليل عن عجوز من بني نمير أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس ووجهه إلى البيت. قالت: فحفظت منه: رب اغفر لي خطاياي وجهلي. 750 - عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاذ إني لأحبك. فقلت: يا رسول الله وأنا والله أحبك. قال: فإني أوصيك بكلمات تقولهن (2) في كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
748 - عن زاذان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن هلال بن يساف عن زاذان (الحديث). (غريبه) 1 - يعني أحد الرواة. (تخريجه) لم اقف عليه وأورده الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 749 - عن أبي السليل (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي مسعود عن أبي السليل (الحديث). (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد. 750 - عن معاذ بن جبل (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو عاصم ثنا حيوة حدثني عقبة بن مسلم ثنا أبو عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ (الحديث). (غريبه) 2 - قال الشوكاني: في رواية أبي داود «لا تدعهن» والنهي أصله التحريم، فيدل على وجوب الدعاء بهذه الكلمات، وقيل: إنه نهى إرشاد وهو محتاج إلى قرينة، ووجه تخصيص الوصية بهذه الكلمات أنها مشتملة على جميع خيري الدنيا والآخرة. اهـ. (تخريجه) (د. نس. وغيرهما) قال الحافظ: سنده قوي. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الإتيان بما فيها من الأدعية في مطلق الصلاة من غير تقييد بمحل منها مخصوص كما هو الظاهر من منطوقها، لكن قال ابن دقيق العيد: ولعل الأولى أن تكون في موطنين: السجود أو التشهد، لأنه أمر فيهما بالدعاء. قلت: وأرى أن تكون بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتعوذ في جلوس التشهد قبل السلام، ويرجح ذلك إيراد البخاري حديث أبي بكر المذكور
أبواب الخروج من الصلاة بالسلام وما يتبع ذلك 1 - باب كيفية السلام ولفظه وأنه مرتان 751 - عن عبد الله (يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال: أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود ويسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى (1) بياض خديه أو خده، ورأيت أبا بكر وعمر يفعلان ذلك. وعنه من طريق ثان (2) قال: كأنما أنظر إلى بياض خد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسليمته اليسرى. 752 - وعنه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام
في الباب تحت ترجمة (باب الدعاء قبل السلام) وكان مقتضى ذلك أن لا أفرد لها بابًا بل أدرجها تحت ترجمة الباب السابق، ولكني عدلت عن ذلك لأن الأدعية في أحاديث الباب السابق مقيدة بكونها قبل السلام، أما أحاديث هذا الباب فمطلقة، ولذا أفردت لها بابًا تسهيلاً للطالب وتقريبًا للمراجع، وأما السجود فقد وردت فيه أذكار خاصة به تقدم ذكرها في باب مستقل. وليس معنى ذلك أنه لا يجوز فيه الإتيان بغيرها، بل المراد أن ذلك من باب الأولى فقط. والله أعلم. 751 - عن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن زهير قال حدثني أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد الله (يعني ابن مسعود) الخ. (غريبه) 1 - بضم الياء المثناة من تحت مبنيًا للمجهول، كذا قال ابن رسلان. و «بياض» بالرفع على النيابة، وفيه دليل على المبالغة في الالتفات إلى جهة اليمين وإلى جهة اليسار. وقوله «أو خده» شك من الراوي. ولفظ رواية النسائي «عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر» وفي رواية «حتى يرى بياض خده من ههنا وبياض خده من ههنا». (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال: قال عبد الله: كأنما أنظر الخ. (تخريجه)(قط. والأربعة) وصححه الترمذي وله ألفاظ، وأصله في صحيح مسلم. قال العقيلي: والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود في تسليمتين، ولا يصح في تسليمة واحدة شيء. أفاده الحافظ في التلخيص. قلت: قد صح بعضها كما سيأتي في بابه وهو محمول على بيان الجواز، والله أعلم. 752 - وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان
عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى أو نرى بياض خديه. 753 - عن واسع أنه سأل عبد الله بن عمر عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله أكبر كلما وضع وكلما رفع، ثم يقول السلام عليكم ورحمة الله على يمينه، السلام عليكم (1) على يساره. 754 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي وأبو سعيد قالا: ثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد
قال أبو سعيد: قال ثنا إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد (2) رضي الله عنه عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال أبو سعيد (3): رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده، وعن يساره حتى يرى بياض خده. 755 - عن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عن جابر عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: ما نسيت فيما نسيت أن النبي صلى الله عليه وسلم الخ. (تخريجه)(هق. والأربعة وغيرهم) وصححه الترمذي. 753 - عن واسع (يعني ابن حبان)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع (الحديث).
(غريبه) 1 - لم يذكر «ورحمة الله» على يساره، وكذلك عند النسائي، وذكرها البيهقي في روايته، وعليه العمل، فلعله كان يترك أحيانًا. (تخريجه)(نس. هق) وسنده جيد. 754 - حدثنا عبد الله (غريبه) 2 - يعني ابن أبي وقاص رضي الله عنه. 3 - هو أحد مشايخ الإمام أحمد، وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث عن أبي سعيد المذكور وعبد الرحمن بن مهدى كما ترى في السند، فقوله «قال أبو سعيد» (يعني في روايته) أن سعدًا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الخ. وأما ابن مهدي فقال في روايته: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الخ. (تخريجه)(م. نس. جه. قط. حب. هق. والبزار) وقال روي عن سعد من غير وجه. 755 - عن سهل بن سعد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى
عليه وآله وسلم نحوه. 756 - عن وائل بن حجر الحضرمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. 757 - عن عدي بن عميرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد يرى بياض إبطه، ثم إذا سلم أقبل بوجهه عن يمينه حتى يرى بياض خده، ثم يسلم عن يساره ويقبل بوجهه حتى يرى بياض خده عن يساره
ابن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن محمد بن عبد الله بن مالك عن سهل بن سعد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في صلاته عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خديه. (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة فيه مقال، وأحاديث الباب تؤيده. 756 - عن وائل بن حجر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله. (تخريجه) (د. طب) قال النووي في (الخلاصة): إسناده صحيح. 757 - عن عدي بن عميرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا علي بن علد الله ثنا معتمر بن سليمان قال: قرأت على الفضيل بن ميسرة قال: حدثني ابن حريز أن قيس بن أبي حازم حدثه أن عدي بن عميرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث) وفي آخره: قال أبو عبد الرحمن وحدثني يحيى بن معين قال ثنا معتمر بن سليمان فذكر الحديث. قلت: ومعنى هذا أن أبا عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله رواه أيضًا عن غير أبيه، واتصل سنده مع سند أبيه بمعتمر بن سليمان. (تخريجه) أورده الهيثمي وقال: رواه الطبراني في (الأوسط) بطوله وفي (الكبير) باختصار السلام، ورجال (الأوسط) ثقات. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية التسلمتين، وقد حكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن عبد الحارث من الصحابة رضي الله عنهم، وعن عطاء بن أبي رباح وعلقمة والشعبي وأبي عبد الرحمن السلمي من التابعين، وعن أ؛ مد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي، قال ابن المنذر: وبه أقول. أفاده الشوكاني. قال النووي رحمه الله: في هذا دلالة لمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه يسن تسليمتان. وقال مالك وطائفة: إنما يسن تسليمة واحدة، وتعلقوا بأحاديث ضعيفة لا تقاوم هذه الأحاديث الصحيحة، ولو ثبت شيء منها حمل على أنه فعل ذلك لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة، وأجمع العلماء الذين
_________
يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة. فإن سلم واحدة استحب له أن يسلمها تلقاء وجهه، وإن سلم تسليمتين جعل الأولى عن يمينه والثانية عن يساره، ويلتفت في كل تسليمة حتى يرى من عن جانبه خده، هذا هو الصحيح. وقال بعض أصحابنا: حتى يرى خديه من على جانبه، ولو سلم التسلمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه صحت صلاته وحصلت تسليمتان ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما، واعلم أن السلام ركن من أركان الصلاة وفرض من فروضها لا تصح إلا به، هذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم. وقال أبو حنيفة: رضي الله عنه: هو سنة، ويحصل التحلل من الصلاة بكل شئ ينافيها من سلام أو كلام أو حدث أو قيام أو غير ذلك، واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» وبالحديث الآخر «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» اهـ. م. قال الشوكاني رحمه الله: وذهب عبد الله بن موسى بن جعفر من أهل البيت إلى أن الواجب ثلاث يمينًا وشمالاً وتلقاء وجهه، واختلف القائلون بمشروعية التسليمتين: هل الثانية واجبة أم لا؟ فذهب الجمهور إلى استحبابها، واحتج القائل بمشروعية ثلاث أن في ذلك جمعًا بين الروايات. والحق ما ذهب إليه الأولون لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين وصحة بعضها وحسن بعضها واشتمالها على الزيادة وكونها مثبتة، بخلاف الأحاديث الواردة بالتسليمة الواحدة فإنها مع قلتها ضعيفة لا تنتهض للاحتجاج كما ستعرف ذلك، ولو سلم انتهاضها لم تصلح لمعارضة أحاديث التسليمتين لما عرفت من اشتمالها على الزيادة. وأما القول بمشروعية ثلاث فلعل القائل به ظن أن التسليمة الواحدة الواردة في الباب الذي سيأتي غير التسليمتين المذكورتين في هذا الباب، فجمع بين الأحاديث بمشروعية الثلاث وهو فاسد. اهـ. وفي أحاديث الباب أيضًا دلالة على أن السلام يكون لفظ «السلام عليكم ورحمة الله» لا غير، لكن زاد أبو داود من حديث وائل «وبركاته» وأخرجها أيضًا ابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود، وكذلك ابن ماجه من حديثه. قال الحافظ في (التلخيص): فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث إلا في رواية وائل بن حجر. وقد ذكر لها الحافظ طرقًا كثيرة في (تلقيح الأفكار تخريج الأذكار) لما قال النووي: إن زيادة «وبركاته» رواية فردة، ثم قال الحافظ بعد أن ساق تلك الطرق: فهذه عدة طرق تثبت بها «وبركاته» بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة. اهـ. وقد صحح أيضًا في (بلوغ المرام) حديث وائل المشتمل على تلك الزيادة. أفاده الشوكاني. قال النووي رحمه الله: ويستحب للإمام أن ينوي بالتسليمة الأولى السلام على من على يمينه من الملائكة ومسلمي الجن والإنس، وبالثانية على من
2 -
باب حذف السلام وكراهة الإشارة باليد معه 758 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حذف السلام (1) سنة. 759 - عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: كنا إذا صلينا وراء رسول الله
على يساره منهم، وينوي المأموم مثل ذلك ويختص بشيء آخر، وهو أنه إن كان عن يمين الإمام نوى بالتسليمة الثانية الرد على الإمام، وإن كان عن يساره نواه في الأولى، وإن كان محاذيًا له نواه في أيتهما شاء، والأول أفضل نص عليه في (الأم)، واتفق الأصحاب عليه، ويستحب أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض، ولكل منهم أن ينوي بالأولى الخروج من الصلاة إن لم توجبها، ودليل هذه النيات ما روي عن علي رضي الله عنه قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين» رواه الترمذي في موضعين من كتابه وقال: حديث حسن، وفي رواية منه في مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله «على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين» وعن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه قال:«أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام وأن يسلم بعضنا على بعض» رواه أبو داود والدارقطني والبيهقي، وفي إسناد أبي داود سعيد بن بشير وهذا مختلف في الاحتجاج به، والأكثرون لا يحتجون به، وإسناد روايتي الدارقطني والبيهقي حسن، واعتضدت طرق هذا الحديث فصار حسنًا أو صحيحًا. اهـ. ج. قلت: حديث علي الذي أشار إليه النووي في (المسند) سيأتي في باب راتبة العصر من أبواب صلاة التطوع إن شاء الله تعالى. 758 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن يوسف يعني الفريابي بمكة ثنا الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة (الحديث).
(غريبه) 1 - الحذف بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة بعدها فاء هو كما قال ابن المبارك أن لا يمده مدًا، يعني تخفيفه والسرعة فيه وعدم الإطالة به، قال الترمذي: وهو الذي يستحبه أهل العلم. قال ابن سيد الناس: قال العلماء: يستحب أن يدرج لفظ السلام ولا يمد مدًا لا أعلم في ذلك خلافًا بين العلماء. (تخريجه)(د. مذ) وقال: هو حديث حسن صحيح. 759 - عن جابر بن سمرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا
صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم بأيدينا يمينًا وشمالاً (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يرمون (2) بأيديهم كأنها أذناب الخيل الشمس (3) ألا يسكن أحدكم ويشير بيده على فخذه ثم يسلم على صاحبه عن يمينه وعن شماله؟ وعنه من طريق ثان (4) قال: كنا نقول خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلمنا: السلام عليكم يشير أحدنا بيده عن يمينه وعن شماله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال الذين يرمون بأيديهم في الصلاة كأنها أذناب الخيل الشمس، ألا يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم عن يمينه وعن شماله.
مسعر عن عبيد الله بن القبطية عن جابر بن سمرة (الحديث)(غريبه) 1 - أي أشرنا بأيدينا يمينًا وشمالاً كما صرح بذلك في الرواية الثانية. 2 - «يرمون» بالراء، ورواية أبي داود «ما بال أحدكم يرمي بيده» بالراء أيضًا، قال ابن الأثير: إن صحت الرواية بالراء ولم يكن تصحيفًا للواو فقد جعل الرمي باليد موضع الإيماء بها لجواز ذلك في اللغة، تقول: رميت ببصري إليك أي مددته، ورميت إليك بيدي أي أشرت بها، قال: والرواية المشهورة رواية مسلم «علام تومئون» بهمزة مضمومة بعد الميم، والإيماء الإشارة أومأ يومئ إيماءً وهم يومئون مهموزًا ولا تقل أوميت بياء ساكنة. قاله الجوهري. 3 - رواية مسلم «كأنها أذناب خيل شمس» بدون تعريف، وعلى كلتا الروايتين هو بإسكان الميم وضمها مع ضم الشين المعجمة، وهي التي لا تستقر بل تضطرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها وتمتنع على راكبها يقال: شمس الفرس: منع ظهره، وبابه دخل، ورجل شموس أي صعب الخلق، والمراد هنا النهي عن رفعهم أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين كما سيأتي في الرواية الثانية. (سنده) 4 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبيد ثنا مسعر عن عبد الله بن القبطية قال: سمعت جابر بن سمرة قال: كنا نقول الخ. (تخريجه)(م. د. نس. وغيرهم)(الأحكام) حديث أبي هريرة يدل على مشروعية حذف السلام، وقد تقدم تفسيره، قال ابن سيد الناس: قال العلماء: يستحب أن يدرج لفظ السلام ولا يمد مدًا لا أعلم في ذلك خلافًا بين العلماء. اهـ. واحتج به أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو الذي يستحبه أهل العلم، وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال
3 -
باب ما جاء في كون السلام فريضة والاجتزاء بتسليمة واحدة 760 - عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. 761 - عن عائشة رضي الله عنها في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل قالت: ثم يجلس فيتشهد ويدعو ثم يسلم تسليمة واحدة، السلام عليكم، يرفع بها صوته يوقظنا
«التكبير جزم والسلام جزم» اهـ. قلت: بعضهم يرويه على أنه حديث مرفوع، وقد وقع ذلك للرافعي رحمه الله في (شرح الوجيز) ولفظه «روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: التكبير جزم والسلام جزم» قال الحافظ في (التلخيص): لا أصل له بهذا اللفظ، إنما هو قول إبراهيم النخعي حكاه الترمذي عنه. اهـ. وقال السخاوي في (المقاصد الحسنة): حديث «التكبير جزم» لا أصل له في المرفوع مع وقوعه في كتاب الرافعي، وإنما هو من قول إبراهيم النخعي حكاه الترمذي في جامعه، ومن جهته رواه سعيد بن منصور في سننه بزيادة «والقراءة جزم والأذان جزم» ، وفي لفظ عنه «كانوا يجزمون التكبير» اهـ. قلت: ومعنى قوله «جزم» أي لا يمدان ولا يعرب أواخر حروفهما بل يسكن، فيقال: الله أكبر، السلام عليكم ورحمة الله. قال في (النهاية): والجزم القطع، ومنه سمي جزم الإعراب وهو السكون. اهـ. وحديث جابر بن سمرة يدل على كراهة رفع اليدين والإشارة بهما عند السلام في الصلاة. وفيه الحث على الخشوع في الصلاة والسكون فيها والإقبال عليها، وأن السلام يكون مرتين: مرة عن يمينه ومرة عن يساره، ناويًا بذلك السلام على إخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال، والله أعلم. 760 - عن علي رضي الله عنه هذا الحديث تقدم الكلام عليه سندًا وشرحًا وتخريجًا في باب افتتاح الصلاة والخشوع فيها، وإنما أثبته هنا لاحتجاج بعض الأئمة به على وجوب السلام. 761 - عن عائشة رضي الله عنها هذا طرف من حديث طويل سيأتي بتمامه وسنده وشرحه في باب ما روي عن عائشة رضي الله عنها في صلاة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن الليل. (تخريجه) (نس. حب. وغيرهما) وقد أخرج نحوه أيضًا (مذ. جه. حب. ك. قط) بلفظ «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه» وقال الحاكم: هو صحيح على
_________
شرط البخاري ومسلم، وقال آخرون: هو ضعيف، وكذا قال البغوي في (شرح السنة): في إسناده مقال، وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا من هذا الوجه. قال النووي: واتفق أصحابنا في كتب المذهب على تضعيفه. اهـ. ج. قال الحافظ في (التلخيص): وروى ابن حبان في صحيحه وأبو العباس السراج في مسنده عن عائشة من وجه آخر شيئًا من هذا، أخرجاه من طريق زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة فذكر نحو رواية الإمام أحمد. وقال: إسناده على شرط مسلم. اهـ. قلت: وبهذا تعرف عدم صحة قول العقيلي: «ولا يصح في تسليمة واحدة شيء» وتقدمت الإشارة إلى ذلك. وفي الباب عند الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها» وسيأتي في باب الوتر بركعة الخ. من أبواب الوتر. وهو وحديث عائشة المذكور في الباب ليسا صريحين في الاقتصار على التسليمة الواحدة، فعائشة تقول: إنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة يوقظهم بها ولم تنف الأخرى بل سكتت عنها، وليس سكوتها عنها مقدمًا على رواية من حفظها وضبطها وهم أكثر عددًا وأحاديثهم أصح، وكذا يقال في حديث ابن عمر. قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم تسليمة واحدة من حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث عائشة ومن حديث أنس إلا أنها معلولة ولا يصححها أهل العلم بالحديث. اهـ باختصار. (الأحكام) احتج بحديث علي رضي الله عنه القائلون بوجوب التسليم، لأن الإضافة في قوله «وتحليلها» تقتضي الحصر، فكأنه قال جميع تحليلها التسليم، أي انحصر تحليلها في التسليم لا تحليل لها غيره، وإليه ذهب أكثر العترة والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم. وتقدم كلام النووي رحمه الله أنه مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم محتجين بحديث الباب. قال الشوكاني: وهو لا ينتهض للاحتجاج به إلا بعد تسليم تأخره عن حديث المسيء، لأنه لا يثبت الوجوب إلا بما علم تأخره عنه، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بالإجماع لا سيما وقد ثبت في بعض الروايات «فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك» إذا عرفت هذا تبين لك أن هذا الحديث لا يكون حجة يجب التسليم لها إلا بعد العلم بتأخره. اهـ. وذهب إلى عدم وجوب السلام أبو حنيفة والناصر، وروى ذلك الترمذي عن أحمد وإسحاق بن راهويه، ورواه أيضًا عن بعض أهل العلم. قال العراقي: وروي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. واحتج بحديث عائشة رضي الله عنها القائلون بمشروعية تسليمة واحدة، وهم ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة رضي الله عنهم والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي وكثيرون. وذهب الجمهور إلى مشروعية التسليمتين، وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى في الباب الأول فارجع إليه والله أعلم.
4 -
باب مقدار مكث الإمام عقب الصلاة وجواز انحرافه عن اليمين أو الشمال 762 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بعد صلاته إلا قدر ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام (1) تباركت يا ذا الجلال والإكرام. 763 - عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه قال: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن مسعود عن انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته: عن يمينه كان ينصرف أو عن يساره؟ قال: فقال عبد الله بن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف حيث أراد، كان أكثر انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته على شقه الأيسر إلى حجرته. (وفي لفظ «كان عامة (2) ما ينصرف من الصلاة على يساره إلى الحجرات»). وعنه من طريق ثان (3) قال: لا يجعل أحدكم للشيطان من نفسه جزءًا (4) لا يرى إلا أن حقًا عليه أن لا ينصرف إلا عن
762 - عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون قال أنا عاصم الأحول عن أبي الوليد عن عائشة. (غريبه) 1 - السلام الأول من أسماء الله تعالى، والثاني السلامة. وقوله «تباركت» تفاعلت من البركة، وهي الكثرة والنماء. ومعناه تعاظمت إذ كثرت صفات جلالك وكمالك. (تخريجه) (م. مذ. جه. وغيرهم) 763 - عن عبد الرحمن الخ. (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني عن انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه (الحديث). (غريبه) 2 - المراد بالعموم الأكثرية كما صرح بذلك في الرواية الأولى. (سنده) 3 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية وابن نمير عن الأعمش ويحيى عن الأعمش حدثني عمارة حدثني الأسود المعنى عن عمارة عن الأوسد عن عبد الله لا يجعل أحدكم الخ. 4 - أي شيئًا من صلاته كما في رواية البخاري. وقوله «يرى» بفتح أوله أي يعتقد ويجوز الضم أي يظن، ولفظ البخاري «يرى أن حقًا عليه
يمينه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أكثر انصرافه لعلى يساره. 764 - عن أبي هريرة رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قائمًا وقاعدًا وحافيًا ومنتعلاً (زاد في رواية «وينفتل (1) عن يمينه ويساره»). 765 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ينفتل عن يمينه وعن شماله، ورأيته يصلي حافيًا ومنتعلاً، ورأيته يشرب قائمًا وقاعدًا. 766 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة عن يمينه.
أن لا ينصرف الخ. بدون نفي قبل «يرى» وبدون استثناء قبل «أن» . وقوله «أن حقًا عليه» هو بيان للجعل في قوله «لا يجعل)). وقوله «أن لا ينصرف» أي يرى أن عدم الانصراف حق عليه. (تخريجه)(ق. د. نس. جه) 764 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر عن أبي هريرة. (غريبه) 1 - أي ينصرف. (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وسنده جيد. 765 - عن عمرو بن شعيف هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه في باب ما جاء في الصلاة في النعل. (تخريجه) (د. جه. هق) وسنده جيد. 766 - عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا سفيان عن إسماعيل السدي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث). (تخريجه)(م. نس. وغيرهما)(الأحكام) حديث عائشة يدل على مشروعية إسراع الإمام بالقيام من موضعه الذي صلى فيه بعد سلامه وعدم المكث فيه إلا بقدر ما يقول: اللهم أنت السلام (الحديث)، وقد ذهب بعض المالكية إلى كراهة المقام للأمام في مكان صلاته بعد السلام، ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق من حديث أنس قال:«صليت رواء النبي صلى الله عليه وسلم فكان ساعة يسلم يقوم ثم صليت وراء أبي بكر فكان إذا سلم وثب فكأنما يقوم عن رضفة» (يعني حجارة محماة) ويؤيده أيضًا حديث أم سلمة الآتي في باب مكث الإمام بالرجال قليلاً، فإنه يشعر بأن الإسراع
5 -
باب استقبال الإمام الناس بوجهه عقب السلام وتبرك الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم 767 - عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه رضي الله عنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قال: فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالقيام هو الأصل والمشروع، لكن يعارضه ما سيأتي من الأحاديث الدالة على استحباب الذكر بعد الصلاة إلا أن يقال إنه لا ملازمة بين مشروعية الذكر بعد الصلاة والقعود في المكان الذي صلى المصلي تلك الصلاة فيه، لأن الامتثال يحصل بفعله بعدها سواء كان ماشيًا أو قاعدًا في محل آخر، نعم ما ورد مقيدًا نحو قوله «وهو ثان رجليه» وقوله «قبل أن ينصرف» كان معارضًا، ويمكن الجمع بحمل مشروعية الإسراع على الغالب كما يشعر به لفظ «كان» ، أو على غير ما ورد مقيدًا بذلك من الصلوات، أو على أن اللبث مقدار الإتيان بالذكر المقيد لا ينافي الإسراع، فإن اللبث مقدار ما ينصرف النساء ربما اتسع لأكثر من ذلك والله أعلم. أفاده الشوكاني. وفي سائر أحاديث الباب جواز انصراف الإمام عن يمينه وعن شماله كما في حديثي أبي هريرة وعمرو بن شعيب اللذين في الباب وحديث قبيصة بن هل عن أبيه عند أبي داود والترمذي وابن ماجه بلفظ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فينصرف عن جانبيه جميعًا على يمينه وعلى شماله» وقال الترمذي: صح الأمران عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: لكن في حديث ابن مسعود «أكثر انصرافه صلى الله عليه وسلم عن يساره» وفي حديث أنس «انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة عن يمينه» وفي لفظ له عند مسلم «أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه» ففي حديثيهما المنافاة لأن كل واحد منهما قد استعمل فيه صيغة أفعل التفضيل. قال النووي: ويجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل منهما بما اعتقده أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين. اهـ. قال العلماء: يستحب الانصراف إلى جهة حاجته، لكن قالوا: إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن. قال ابن المنير: فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها، لأن التيامن مستحب في كل شيء، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه أشار إلى كراهته. قال الترمذي بعد أن ساق حديث هلب الذي تقدم آنفًا: وعليه العلم عند أهل العلم. قال: ويروي عن علي أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه، وإن كانت حاجته عن يساره أخذ عن يساره. اهـ. 767 - عن يزيد بن الأسود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز
صلاة الصبح أو الفجر. قال: ثم انحرف جالسًا أو استقبل الناس بوجهه، فإذا هو برجلين من وراء الناس لم يصليا مع الناب فذكر قصتهما (1) قال: ونهض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهضت معهم، وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلده (2) قال: فما زلت أزحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده فوضعتها إما على وجهي أو صدري، قال: فما وجدت شيئًا أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو يومئذ في مسجد الخيف. وعنه من طريق ثان قال: ثم ثار الناس يأخذون بيده يمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت بيده فمسحت بها وجهي فوجدتها أبرد من الثلج وأطيب ريحًا من المسك. 768 - عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة (3) إلى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين (4) وبين يديه عنزة (5) وكان يمر من ورائها الحمار والمرأة (6) ثم قام الناس
ثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه (الحديث)(غريبه) 1 - سيأتي الحديث بطوله في باب من صلى ثم أدرك جماعة الخ. من أبواب أحكام تتعلق بالجماعة. 2 - أي أقواهم وأعظمهم صبرًا على المكاره وجعل ضمير الجماعة مفردًا في قوله «واجلده» لغة قليلة، ومنه «هو أحسن الفتيان وأجمله» ومنه أيضًا قول الشاعر: إن الأمور إذ الأحداث دبرها ..... دون الشيوخ ترى في بعضها خللاً (تخريجه)(د. جه. مذ) وقال: حسن صحيح.
768 -
عن أبي جحيفة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة وحجاج أخبرني شعبة عن الحكم قال: سمعت أبا جحيفة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث). (غريبه) 3 - الهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر. و «البطحاء» موضع خارج مكة وهو الذي قال له الأبطح. 4 - يستفاد منه أنه جمع جمع تقديم لأنه كان مسافرًا. 5 - «العنزة» بفتحات هي الرمح القصير. 6 - فيه حجة لمن قال: إن المرأة لا تقطع الصلاة
فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحًا من المسك. 6 - باب مكث الإمام بالرجال قليلاً ليخرج النساء والفصل بين الفرض والنافلة بخروج أو كلام أو انتقال 769 - عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث في مكانه يسيرًا قبل أن يقوم. وعنها من طريق ثان (1) أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من
(تخريجه)(خ) مطولاً ومختصرًا في مواضع من كتابه، ذكره في الطهارة، وفي باب الصلاة في الثوب الأحمر في أوائل كتاب الصلاة، وفي الأذان، وفي أبواب السترة في موضعين، وفي صلة النبي صلى الله عليه وسلم في موضعين، وفي اللباس في موضعين، وأخرجه غيره أيضًا. وفي الباب عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه» . رواه البخاري. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه فيقبل علينا بوجهه» . رواه (م. د). (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية استقبال الإمام للمؤتمين بعد الفراغ من الصلاة والمواظبة على ذلك لما يشعر به لفظ «كان» كما في حديث سمرة بن جندب. قال النووي رحمه الله: المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة «كان» لا يلزمها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض تدل على وقوعه مرة. اهـ. قيل: والحكمة في استقبال المؤتمين أن يعلمهم ما يحتاجون إليه، وعلى هذا يختص بمن كان في مثل حاله صلى الله عليه وسلم من الصلاحية للتعليم والموعظة. وقيل: الحكمة أن يعرف الداخل انقضاء الصلاة، إذ لو استمر الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلاً. وقال الزين بن المنير: استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب، واستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين. أفاده الشوكاني. وفي أحاديث الباب أيضًا مشروعية التبرك بملامسة أهل الفضل الصالحين والتبرك بهم لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على ذلك. انظر (شرح المهذب) للنووي ص 488 ج ثالث. 769 عن أم سلمة (سنده) حدثنا حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو كامل قال ثنا إبراهيم بن سعد قال ثنا ابن شهاب عن هند بنت الحارث عن أم سلمة (الحديث). 1 - وعنها من طريق ثان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عثمان بن عمر
الصلاة المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت من صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال. 770 - عن السائب بن يزيد قال: صليت مع معاوية (بن أبي سفيان) الجمعة في المقصورة، فلما سلم قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إليّ فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، لا توصل صلاة بصلاة حتى تخرج أو تتكلم. 771 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيعجز (1) أحدكم إذا صلى أن يتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله.
أخبرنا يونس عن الزهري قال: حدثتني هند ابنة الحارث القرشية أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها أن النساء الخ. (تخريجه)(خ) في جملة مواضع من صحيحه والشافعي في مسنده. 770 - عن السائب بن يزيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا انا ابن جريج قال أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد بن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة فقال: نعم، صليت مع معاوية إلى آخره. (تخريجه) (م. د. فع. هق) 771 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل عن ليث عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 1 - بكسر الجيم ممن باب ضرب. (تخريجه) (د. جه) وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل. قال أبو حاتم الرازي: هو مجهول. اهـ. ورواه البيهقي من رواية حماد عن الليث بلفظ «إذا أراد أحدكم أن يتطوع بعد الفريضة فليتقدم أو يتأخر أو عن يمينه أو عن شماله» . وروي من طريق المعتمر «أيعجز أحدكم إذا صلى فأراد أن يتطوع أن يتقدم أو يتأخر أو يتحول عن يمينه أو عن يساره» . (الأحكام) حديث أم سلمة يدل على أنه يستحب للإمام مراعاة أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد
7 -
باب فضل جلوس المصلي في مصلاه بعد الصلاة 772 - عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن (1) قال: سمعت عليًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا جلس في مصلاه بعد الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، وإن جلس ينتظر الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه. وعنه من طريق ثان (2) قال: دخلت على أبي عبد الرحمن السلمي وقد صلى الفجر وهو جالس في المجلس فقلت: لو قمت إلى فراشك كان أوطأ لك. فقال: سمعت عليًا رضي الله عنه
يفضي إلى المحذور، واجتناب مواقع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت، لهذا كان صلى الله عليه وسلم يمكث في مكان صلاته يسيرًا حتى ينصرف النساء، ومقتضى هذا أن المؤممين إذا كانوا رجالاً فقط لا يستحب هذا المكث، وعليه حمل ابن قدامة حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لا يقعد إلا قدر ما يقول اللهم أنت السلام (الحديث المتقدم) وتقدم الكلام عليه. وحديث السائب بن يزيد وأبي هريرة يدلان على مشروعية انتقال المصلي عن مصلاه الذي صلى فيه لكل صلاة يفتتحها من أفراد النوافل، والعلة في ذلك تكثير مواضع العبادة كما قال البخاري والبغوي، لأن مواضع السجود تشهد له كما في قوله تعالى {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة/4] أي تخبر بما عمل عليها، وورد في تفسير قوله تعالى {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان/29] أن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء، وهذه العلة تقضي أيضًا أن ينتقل إلى الفرض من موضع نفله، وأن ينتقل لكل صلاة يفتتحهها من أفراد النوافل، فإن لم ينتقل فينبغي أن يفصل بالكلام أو الخروج، لحديث السائب بن يزيد ولا أعلم خلافًا في ذلك، والله أعلم. 772 - عن عطاء بن السائب الخ. (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ابن آدم ثنا إسرائيل عن عطاء بن السائب.
(غريبه) 1 - اسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة بضم المهملة وكسر التحتانية مشددة بينهما موحدة مفتوحة. «السلمي» بضم السين المهملة وفتح اللام المقرئ الكوفي وثقه ابن معين. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى الفجر ثم جلس في مصلاه صلت عليه الملائكة (وذكر نحو الحديث المتقدم. أبواب الأذكار الواردة عقب الصلاة 7 - باب الأدعية الواردة من ذلك 773 - عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
حسين بن محمد ثنا إسرائيل عن عطاء بن السائب قال: دخلت على أبي عبد الرحمن السلمي الخ. (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وأورده الهيثمي وقال: رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب ثقة ولكنه اختلط في آخر عمره. اهـ. قلت: حديث الباب له شواهد كثيرة صحيحة تعضده رواها الإمام أحمد والبخاري ومسلم، انظر الباب الرابع في فضل انتظار الصلاة والسعي إلى المساجد في أول كتاب الصلاة. ومما ورد في ذلك أيضًا ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال:«لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة» . وللبخاري «إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاه أو يحدث» . وفي رواية لمسلم وأبي داود قال: «لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة والملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يحدثن قيل: وما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط» . وعن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل بوجهه بعدما صلى فقال: صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها» رواه البخاري. (الأحكام) حديث الباب يدل على استحباب جلوس المصلي في مصلاه بعد الصلاة لانتظار الصلاة التي تليها (إن كان خاليًا من الأشغال الضرورية لدنياه) أو لأداء بعض أوراده، وأن الملائكة تدعو له بالمغفرة والرحمة ما دام في مصلاه ما لم يحدث كما في الأحاديث الأخرى. فإن قيل: هل هذا عام في كل صلاة أم خاص بصلاة الفجر كما هو ظاهر حديث الباب؟ قلت: هو عام في كل صلاة بدليل ما أوردنا من الأحاديث العامة في ذلك، وذكر الفجر والعشاء في بعض الأحاديث للاهتمام بشأنهما، فهو خصوص بعد عموم كقوله تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة/238] والله أعلم. 773 - عن زيد بن أرقم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إبراهيم
في دبر صلاته: اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد (1) أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك. قال إبراهيم (2) مرتين: ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن محمدًا عبدك ورسولك، ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة (3)، اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلني مخلصًا لك وأهلي (4) في كل ساعة من الدنيا والآخرة، ذا الجلال والإكرام اسمع (5) واستجب، الله الأكبر الأكبر نور السموات والأرض (6)، الله الأكبر الأكبر حسبي الله (7) ونعم الوكيل، الله الأكبر الأكبر. 774 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا المقرئ حدثنا حيوة قال: سمعت عقبة بن مسلم التجيبي يقول: حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يومًا ثم قال: يا معاذ إني لأحبك. فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي (8) يا رسول الله وأنا أحبك. قال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة (وفي رواية في كل صلاة)(9)
ابن مهدي ثنا معتمر قال: سمعت داود الطفاوي يحدث عن أبي مسلم البجلي عن زيد بن أرقم (الحديث). (غريبه) 1 - أي معترف بأنك أنت المربي لكل شيء حال كونك منفردًا بذلك لا شريك لك. 2 - يعني ابن مهدي أحد رجال السند. 3 - أي لأنهم جميعًا من آدم وحواء، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات/13]. 4 - عطف على ياء المتكلم في «اجعلني» أي اجعلني وأهلي مخلصين لك دائمًا في أحوال الدنيا والآخرة. 5 - أي سماع إجابة وقبول. 6 - أي منورهما بالشمس والقمر والكواكب.
7 -
أي كافيني الله فيما أحتاج إليه. «ونعم الوكيل» أي المفوض إليه الأمر. (تخريجه)(د. نس. قط) وفي إسناده داود الطفاوي وفيه مقال. 774 - حدثنا عبد الله (غريبه) 8 - أي أفديك بأبي وأمي وفيه منقبة عظيمة لمعاذ رضي الله عنه، فإن من أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبه الله. 9 - هذه الرواية تقدم
أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. قال: وأوصى بذلك معاذ الصنابحي أبا عبد الرحمن، وأوصى أبو عبد الرحمن عقبة بن مسلم. 775 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا: اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك. 776 - عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم: اللهم إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا (وفي رواية «طيبًا») وعملاً متقبلاً (1)
حديثها في باب جامع أدعية منصوص عليها في الصلاة لمناسبته ترجمة الباب هناك، وذكرت حديث الباب هنا للتصريح فيه بأنه يقال دبر كل صلاة فيناسب الترجمة هنا، قال الشوكاني: وهو عند أبي داود بلفظ «دبر كل صلاة» ، وكذلك رويته عن طرق مشايخى مسلسلاً بالمحبة، فلا يكون باعتبار هذه الزيادة من أدعية الصلاة لأن دبر الصلاة بعدها على الأقرب، قال: ويحتمل دبر الصلاة آخرها قبل الخروج منها لأن دبر الحيوان منه، وعليه بعض أئمة الحديث. اهـ. والله أعلم. (تخريجه)(د. نس. وابن خزيمة. حب. ك) وقال صحيح على شرط الشيخين. 775 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على أبي قرة الزبيدي موسى بن طارق عن موسى يعني ابن عتبة عن صالح السمان وعطاء بن يسار أو عن أحدهما عن أبي هريرة (الحديث). (تخريجه) لم أقف عليه، وسنده جيد، ويعضده حديث معاذ الذي قبله. 776 - عن أم سلمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة قال سمعت مولى أبي سلمة يحدث أنه سمع أم سلمة تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث). (غريبه) 1 - إنما قيد العلم بالنافع والرزق بالطيب والعمل بالمتقبل لأن كل علم لا ينفع فليس من عمل الآخرة وربما كان من ذرائع الشقاوة، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من علم لا ينفع، ولك رزق غير طيب موقع في ورطة العقاب، وكل عمل غير متقبل إتعاب للنفس في غير طائل، نعوذ بالله من ذلك. (تخريجه)(جه) وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة عن شبابة عن شعبة عن موسى بن أبي عائشة عن مولى لأم سلمة عن أم
777 -
عن علي رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت. 778 - عن عبد الرحمن بن حسان الكناني أن مسلم بن الحارث التميمي حدثه عن أبيه رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صليت الصبح فقل قبل أن تكلم أحدًا من الناس: اللهم أجرني من النار سبع مرات، فإنك إن مت من يومك ذلك كتب الله عز وجل لك جوارًا من النار، وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحدًا من الناس: اللهم إني أسألك الجنة، اللهم أجرني من النار سبع مرات، فإنك إن مت من ليلتك تلك كتب الله عز وجل لك جوارًا من النار. 779 - عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
سلمة، ورواه ابن ماجه في سننه عن أبي بكر بن أبي شيبة بهذا الإسناد، ورجاله ثقات لولا جهالة مولى أم سلمة. 777 - عن علي رضي الله عنه هذا طرف من حديث طويل تقدم بطوله وسنده وشرحه في باب دعاء الافتتاح فارجع إليه. (تخريجه)(م. فع. د. ن. قط) وصححه الترمذي ورواه ابن ماجه مختصرًا. 778 - عن عبد الرحمن بن حسان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن عبد ربه قال ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن حسان الكناني (الحديث).
(تخريجه)(د. نس) وسنده جيد. 779 - عن شداد بن أوس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون ثنا أبو مسعود الجريري عن أبي العلاء بن الخشير عن الحنظلي عن شداد
يعلمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا أو (1) قال: في دبر صلاتنا: اللهم إني اسألك الثبات في الأمر (2) وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا (3) ولسانًا صادقًا، وأستغفرك لما لا تعلم وأسألك من خير ما تعلم (4) وأعوذ بك من شر ما تعلم. 2 - باب ما جاء في التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار عقب الصلوات 780 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبر الله ثلاثًا
ابن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يأوي إلى فراشه فيقرأ سورة من كتاب الله عز وجل إلا بعث الله عز وجل إليه ملكًا يحفظه من كل شيء يؤذيه حتى يهب متى هب. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات (الحديث). (غريبه) 1 - «أو» للشك من الراوي. وجاء عند النسائي من غير شك بلفظ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته: اللهم إني أسألك» الخ. فعلى رواية النسائي محله في الصلاة، وعلى رواية الإمام أحمد يحتمل أن يكون في الصلاة أو في دبرها، فمن أتي بهذا الدعاء في الصلاة وفي دبرها كان لا شك آتيًا بالسنة. 2 - سؤال «الثبات في الأمر» من جوامع الكلم النبوية، لأن من ثبته الله في أموره عصم عن الوقوع في الموبقات، ولم يصدر منه أمر على خلاف ما يرضاه الله. و «العزيمة على الرشد» تكون بمعنى إرادة الفعل ويمعنى الجد في طلبه، والمناسب هنا هو الثاني. 3 - أي غير عليل بكدر المعصية ولا مريض بالاشتمال على الغل والانطواء على الإحن.
4 -
هو سؤال لخير الأمور على الإطلاق لأن علمه جل جلاله محيط بجميع الأشياء، وكذلك التعوذ من شر ما يعلم والاستغفار لما يعلم، فكأنه قال: أسألك من خير كل شيء وأعوذ بك من شر كل شيء وأستغفرك لكل ذنب. أفاده الشوكاني. (تخريجه)(نس. مذ)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الدعاء بهذه الأدعية المذكورة في الباب عقب الصلاة باتفاق العلماء، وحمله الجمهور على الاستحباب والله أعلم. 780 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن الصباح قال حدثينا إسماعيل يعني ابن زكريا عن سهيل بن أبي صالح عن أبي عبيد عن عطاء
وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، ثم قال: تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفر له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (1). 781 - عن محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة أنه حدثهم أن أبا ذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله ذهب أصحاب الدثور (2) بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ولهم فضول أموالهم يتصدقون بها، وليس لنا ما نتصدق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أدلك على كلمات إذا عملت بهن أدركت من سبقك ولا يلحقك إلا من أخذ بمثل عملك؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: تكبر دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتسبح ثلاثًا وثلاثين، وتحمد ثلاثًا وثلاثين، وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، (وفي لفظ «تسبح الله خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمد ثلاثًا وثلاثين، وتكبر أربعًا وثلاثين»). 782 - عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرنا (3) أن نسبح في
ابن يسار عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 1 - زبد البحر بفتح الزاي والباء الموحدة هو ما يعلو الماء من الرغوة عند تلاطم الأمواج، والمعنى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر في الكثرة لأن الزبد لا يتناهى، والمراد بالذنوب الصغائر. والله أعلم. (تخريجه)(ق. وغيرهما) 781 - عن محمد بن أبي عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا الوليد ثنا الأوزاعي حدثني حسان بن عطية حثني محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 2 - أي الأموال الكثيرة. (تخريجه)(ق. د) وأخرجه النسائي والترمذي من حديث ابن عباس وحسنه. 782 - عن زيد بن ثابت (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عثمان بن عمر أنا هشام عن محمد عن كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت (الحديث). (غريبه) 3 - مبني
دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتحمد ثلاثًا وثلاثين، وتكبر أربعًا وثلاثين. فأتى رجل في المنام من الأنصار، فقيل له: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا في دبر كل صلاة كذا وكذا؟ قال الأنصاري في منامه: نعم. قال: فاجعلوها خمسًا وعشرين خمسًا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فافعلوا (1). 783 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلتان (2) من حافظ عليهما أدخلتاه الجنة، وهما يسير (3)، ومن يعمل بهما قليل. قالوا: وما هما يا رسول الله؟ قال: أن تحمد الله وتكبره وتسبحه في دبر كل صلاة مكتوبة عشرًا عشرًا (4)، وإذا أتيت إلى مضجعك تسبح الله وتكبره وتحمده مائة مرة. فتلك خمسون ومائتان باللسان وألفان وخمسمائة في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟ قالوا: كيف مَن
للمفعول، والآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الحديث. 1 - هذا تقرير لرؤيا الأنصاري لكونها صالحة صحيحة، فصار هذا بتقريره صلى الله عليه وسلم أحد طرق هذا الذكر. أفاده الحافظ والشوكاني. (تخريجه)(نس. حب) وابن خزيمة والدارمي، وهو حديث صحيح. 783 - عن عبد الله بن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا جرير عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص (الحديث). (غريبه) 2 - بفتح الخاء أي خصلتان كما صرح بذلك في بعض روايات الحديث. 3 - يعني العمل بهما يسير لا يكلف الإنسان مشقة ولكن قل من يعمل بهما. 4 - أي يذكر كل واحدة عشر مرات عقب كل صلاة من الصلوات الخمس، فمجموع ذلك خمسون ومائة باعتبار ثلاثين لكل صلاة من ضرب ثلاثين في خمسة. وقوله «مضجعك» بفتح الجيم أي مكان نومك. وقوله «فتلك مائتان وخمسون» أي بزيادة المائة التي تقال عند المضجع. وقوله «باللسان» يعني أن هذا عدد ما قاله بلسانه،
يعمل بها قليل؟ (1) قال: يجيء أحدكم الشيطان في صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا فلا يقولها (2) ويأتيه عند منامه فينومه فلا يقولها: قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهن بيده (3). 784 - عن علي رضي الله عنه وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو وفاطمة رضي الله عنها يطلبان خادمًا من السبي يخفف عنهما بعض العمل فأبى عليهما ذلك فذكر قصة (4) قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بلى. فقال: كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام، فقال: تسبحان في دبر كل صلاة عشرًا، وتحمدان عشرًا، وتكبران عشرًا، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين، قال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقال له ابن الكواء:
أما عدد ما يوزن في عمله فألفان وخمسمائة لأن الحسنة بعشر أمثالها كما جاء في التنزيل، فإذا ضربت مائتين وخمسين في عشرة يكون المجموع ألفين وخمسمائة. 1 - المعنى أنهم قالوا مستفهمين استفهام تعجب: إذا كان هذا الثواب الجزيل لمن يعمل هذا العمل القليل، فكيف يقل العاملون به؟ 2 - يعني أنه ينصرف من الصلاة وهو مشغول بالحاجة التي ذكره بها الشيطان، فلا يقول الذكر المطلوب إما نسيانًا أو عمدًا لاشتغاله بغيره، وهكذا يفعل معه عند النوم حتى ينام بدون ذكر، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن فعله الذميم. 3 - يعني يعدهن بيده الشريفة حينما ذكر الحديث. (تخريجه) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وأورده النووي في الأذكار وعزاه لأبي داود والترمذي والنسائي وقال: إسناده صحيح إلا أن فيه عطاء بن السائب، وفيه اختلاف بسبب اختلاطه. قال: وقد أشار أيوب السختياني إلى صحة حديثه هذا. اهـ.
784 -
عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد أنبأنا عطاء بن السائب عن أبيه عن علي رضي الله عنه (الحديث). (غريبه) 4 - سيأتي الحديث تامًا بقصته في كتاب الأذكار في باب ما يقال عند النوم إن شاء الله تعالى. 5 - أي لم يمنعني منهن ذلك الأمر والشغل الذي كنت فيه منذ سمعتهن
ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، نعم ولا ليلة صفين. 785 - عن أبي عمر الصيني عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان إذا نزل به ضيف قال: يقول له أبو الدرداء: مقيم فنسرح (1) أو ظاعن فنعلف؟ قال: فإن قال: له: ظاعن، قال له: ما أجد لك شيئًا خيرًا من شيء أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر، يحجون ولا نحج، ويجاهدون ولا نجاهد، وكذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على شيء إن أخذتم به جئتم من أفضل ما يجيء به أحد منهم: أن تكبروا الله أربعًا وثلاثين، وتسبحوه ثلاثًا وثلاثين، وتحمدوه ثلاثًا وثلاثين في دبر كل صلاة. وعنه من طريق ثان (2) قال: نزل بأبي الدرداء رجل فقال أبو الدرداء: مقيم فنسرح أم ظاعن فنعلف؟ قال: بل ظاعن. قال: فإني سأزودك زادًا لو أجد ما هو أفضل منه لزودتك، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ذهب الأغنياء بالدنيا والآخرة، نصلي ويصلون، ونصوم ويصومون، ويتصدقون ولا نتصدق. قال: ألا أدلك على شيء إن أنت فعلته لم يسبقك أحد كان قبلك ولم يدركك أحد بعدك إلا من فعل الذي
و «ليلة صفين» هي ليلة الحرب المعروفة بصفين، وهو موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام بسبب قتل عثمان رضي الله عنه، ولهذه الوقعة باب مخصوص سيأتي إن شاء الله تعالى في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (تخريجه) (ق. وغيرهما) 785 - عن أبي عمر الصيني (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم قال: سمعت أبا عرم الصيني عن أبي الدرداء (الحديث). (غريبه) 1 - بالتثقيل قال في المصباح: سرحت الإبل سرحًا من باب نفع وسروحًا أيضًا رعت لنفسها، وسرحتها يتعدى ولا يتعدى، وسرحتها بالتثقيل مبالغة وتكثير، ومنه قيل: سرحت المرأة إذا طلقتها، والاسم السراح بالفتح، ويقال للماء الراعي سرح تسمية بالمصدر. اهـ. وقوله «أو ظاعن» أي مرتحل، والمعنى: أمقيم أنت فنسرح دابتك إلى المرعى أم مرتحل فنعلفها هنا؟ (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن نمير ثنا مالك يعني ابن مغول عن
تفعل، دبر (1) كل صلاة ثلاثًا وثلاثين تسبيحة، وثلاثًا وثلاثين تحميدة، وأربعًا وثلاثين تكبيرة. 786 - عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصرف (2) من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
الحكم عن أبي عمر عن أبي الدرداء قال: نزل بأبي الدرداء الخ. 1 - مفعول لفعل محذوف أي تسبح دبر كل صلاة وكذا يقال فيما عطف عليه. (تخريجه) أورده الهيثمي وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني بأسانيد، وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح. اهـ. 786 - عن ثوبان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان (الحديث). (غريبه) 2 - في رواية إذا انصرف قال النووي: المراد بالانصراف السلام. وقوله «استغفر ثلاثًا» فيه مشروعية الاستغفار ثلاثًا، وقد استشكل استغفاره صلى الله عليه وسلم مع أنه مغفور له. قال ابن سيد الناس: هو وفاء بحق العبودية وقيام بوظيفة الشكر كما قال «أفلا أكون عبدًا شكورًا» وليبين للمؤمنين سنته فعلاً كما بينها قولاً في الدعاء والضراعة ليقتدي به في ذلك.
(تخريجه)(م. والأربعة)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية التسبيح والتكبير والتحميد بعد الفراغ من الصلاة والمكتوبة وتكريره بالعدد الوارد، وقد وردت هذه الأحاديث بأعداد مختلفة وكلها صحيحة، والأخذ بها حسن، إلا أنه ينبغي الأخذ بالزائد، فهي بمنزلة أحرف القرآن، من قرأ منها شيئًا فاز بالثواب المعود به. قال العراقي في (شرح الترمذي): كان بعض مشايخنا يقول: إن هذه الأعداد الواردة عقب الصلاة أو غيرها من الأذكار الواردة في الصباح والمساء وغير ذلك، إذا ورد لها عدد مخصوص مع ثواب مخصوص، فزاد الآتي بها في أعدادها عمدًا لا يحصل له ذلك الثواب الوارد على الإتيان بالعدد الناقص، فلعل لتلك الأعداد حكمة وخاصة تفوت بمجاوزة تلك الأعداد وتعديها، ولذلك نهي عن الاعتداء في الدعاء. وفيما قاله نظر؛ لأنه قد أتى بالمقدار الذي رتب على الإتيان به ذلك الثواب فلا تكون الزيادة عليه مزيلة له بعد الحصول بذلك العدد الوارد، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ما يدل على ذلك، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء
3 -
باب جامع الأذكار وتعوذات وأدعية وقراءة بعض سور عقب الصلوات 787 - عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر (1) وعذاب
قدير» في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك (الحديث). ولمسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه. وقد يقال: إن هذا واضح في الذكر الواحد الوارد بعدد مخصوص، وأما الأذكار التي يعقب كل عدد منها عدد مخصوص من نوع آخر كالتسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلوات فقد يقال: إن الزيادة في كل عدد زيادة لم يرد بها نص ليقطع التتابع بينه وبين ما بعده من الأذكار، وربما كان لتلك الأعداد المتوالية حكمة خاصة، فينبغي أن لا يزاد فيها على العدد المشروع. قال العراقي: وهذا محتمل لا تأباه النصوص الواردة في ذلك، وفي التعبد بالألفاظ الواردة في الأذكار والأدعية كقوله صلى الله عليه وسلم للبراء:«قل ونبيك الذي أرسلت» اهـ. قال الشوكاني: وهذا مسلم في التعبد بالألفاظ، لأن العدول إلى لفظ آخر لا يتحقق معه الامتثال، وأما الزيادة في العدد فالامتثال متحقق لأن المأمور به قد حصل على الصفة التي وقع الأمر بها، وكون الزيادة عليه مغيرة له غير معقول، وقيل: إن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فقد حصل الامتثال، وإن زاد بغير نية لم يعد ممتثلاً. اهـ. أما حكم هذه الأذكار، فالاستحباب باتفاق العلماء. قال النووي: وهذا الدعاء والذكر مستحب للإمام والمأموم والمنفرد بلا خلاف. 787 - عن مسلم بن أبي بكرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عثمان الشحام ثنا مسلم بن أبي بكرة عن أبيه (الحديث). (غريبه) 1 - أي الفقر الذي لا يصحبه خير ولا ورع، ولذا ورد في الحديث «كاد الفقر أن يكون كفرًا» رواه أبو نعيم في الحلية وهو ضعيف، ومعناه أي قارب أن يوقع في الكفر لأنه يحمل على عدم الرضا بالقضاء وتسخط الرزق، وذلك يجر إلى الكفر والعياذ بالله. قال العلامة الدلجي في (شرح الشفا): الفقر إما محمود وهو غنى النفس الممدوح بقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس الغنى بكثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس» ومنه قول الشاعر:
القبر. وعنه من طريق ثان (1) أنه مر بوالده وهو يدعو ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر. قال: فأخذتهن عنه، وكنت أدعو بهن في دبر كل صلاة. قال: فمر بي وأنا أدعو بهن فقال: يا بني أنّى عقلت هؤلاء الكلمات؟ قال: يا أبتاه سمعتك تدعو بهن في دبر كل صلاة فأخذتهن عنك. قال: فالزمهن (2) يا بني فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن في دبر كل صلاة. 788 - عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره.
غنى النفس ما يغنيك عن سد حاجة ..... فإن زاد شيء عاد ذاك الغنى فقرًا ومذموم وهو فقر النفس الذي استعاذ منه صلى الله عليه وسلم. اهـ. قلت: حديث «ليس الغنى عن كثرة العرض» رواه الشيخان والترمذي والإمام أحمد، وسيأتي في قسم التغريب في باب الغنى الصالح للرجل الصالح من كتاب الفقر والغنى. قال ابن بطال: معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال، لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يقنع بما أوتي، فهو يجهد في الازدياد، فكأنه فقير من شدة حرصه، ولكن الغنى أي حقيقته غنى النفس، وفي رواية «غنى القلب» ، فالغني من استغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب. وقال القرطبي: معنى الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس، وبيانه أنه إذا استغنت نفسك كفت عن المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس لحرصه، فإنه يورطه في رذائل الأمور فيكثر من يذمه من الناس ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير وأذل من كل ذليل. اهـ. (سنده) 1 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا عثمان الشحام ثنا مسلم بن أبي بكرة أنه مر بوالده (الحديث).
2 -
أي حافظ على قراءتهن. (تخريجه)(مذ. نس). وأورده الحافظ السيوطي في (الجامع الصغير) بلفظ «اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت» وعزاه لأبي داود والحاكم عن أبي بكرة ورمز له بالصحة. 788 - عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنبأنا حمد بن سلمة عن هشام بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن هشام عن علي رضي الله
اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك (1)، وأعوذ بك منك (2)، لا أحصي ثناء عليك (3)، أنت كما أثنيت على نفسك. 789 - عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة أن المغيرة رضي الله عنه كتب إلى معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد (5) وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد (6). وعنه من
عنه (الحديث). (غريبه) 1 - قال المناوي: استعاذ بمعافاته بعد استعاذته برضاه لأنه يحتمل أن يرضى عنه من جهة حقوقه ويعاقبه على حق غيره. 2 - أي برحمتك من عقوبتك. قال الخطابي: فيه معنى لطيف، وذلك أنه استعاذ بالله وسأل أن يجيره برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته، والرضا والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والعقوبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله استعاذ به منه لا غير، ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب في حق عبادته والثناء عليه. اهـ. 3 - أي لا أطيقه في مقابلة نعمة واحدة. وقيل لا أحيط به. وقال مالك: معناه لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك. 4 - أي أنت موصوف بالثناء الذي مثل ثنائك على نفسك. قاله اعترافًا بالعجز عن تفصيل الثناء، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، ورد الثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيير، فوكل ذلك إلى الله سبحانه وتعالى المحيط بكل شيء علمًا جملة وتفصيلاً، وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه، لأن الثناء تابع للمثني عليه، فكل ثناء أثنى به عليه وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدرة الله أعظم، وسلطانه أعز، وصفاته أكبر وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ.
(تخريجه)(هق. ك. حب. والأربعة) والدارمي وابن خزيمة وابن الجارود ومحمد بن نصر. وأخرجه مسلم والأربعة من حديث عائشة. 789 - عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن منصور قال: سمعت المسيب بن راقع يحدث عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة أن المغيرة كتب إلى معاوية (الحديث). (غريبه) 5 - قال الحافظ في (الفتح): زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة: «يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير» إلى «قدير» ورواته موثقون. وثبت مثله عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح، لكن في القول «إذا أصبح وإذا أمسى» اهـ. 6 - الجد الغنى والحظ، أي لا ينفع
طريق ثان (1) قال: كتب معاوية إلى المغيرة أن اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان إذا صلى ففرغ قال: لا إله إلا الله (فذكر الحديث بنحو ما تقدم). ومن طريق ثالث (2) عن عبدة بن أبي لبابة أن ورادًا مولى المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة كتب إلى معاوية، كتب ذلك الكتاب له وراد: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حين يسلم: لا إله إلا الله (الحديث) وفي آخره قال وراد: ثم وفدت بعد ذلك على معاوية فسمعته على المنبر يأمر الناس بذلك القول ويعلمهموه. 790 - عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من الصلاة قال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. 791 - عن أبي الزبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير يحدث على
ذا الغنى عندك غناه، وإنما ينفعه الإيمان والطاعة. (سنده) 1 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا أبو عوانة قال أنبأني أبو سعيد قال أنبأني وراد كاتب المغيرة قال: كتب معاوية الخ. 2 - ومن طريق ثالث (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا أنا ابن جريج وثنا روح ثنا بن جريج أخبرني عبدة بن أبي لبابة الخ. (تخريجه)(ق. وغيرهما) 790 - عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا علي بن عاصم عن الحذاء عن عبد الله بن الحارث عن عائشة أم المؤمنين (الحديث). (تخريجه)(د. نس) وسنده جيد، وتقدم نحوه في باب مقدار مكث الإمام عقب الصلاة الخ عن عائشة أيضًا بلفظ «ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس بعد صلاته إلا قدر ما يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» أخرجه (م. مذ. جه. وغيرهم) 791 - عن أبي الزبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل
هذا المنبر وهو يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في دبر الصلاة أو الصلوات يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. ومن طريق ثان (2) عن هشام بن عروة بن الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله (فذكر نحوه، وفيه بعد قوله «لا حول ولا قوة إلا بالله»: «لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه» الحديث) قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة. 792 - عن عبد الرحمن بن غنم (الأشعري) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال قبل أن ينصرف (3) ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كتب له
ثنا حجاج بن أبي عثمان ثنا أبو الزبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير (الحديث). (غريبه) 1 - بالنصب على الاختصاص أو المدح أو البدل من مفعول نعبد أو الرفع بتقدير هو. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير قال ثنا هشام يعني ابن عروة بن الزبير قال: كان عبد الله بن الزبير الخ. (تخريجه)(م. د. نس. وغيرهم) 792 - عن عبد الرحمن بن غنم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي روح ثنا همام ثنا عبد الله بن أبي حسين المكي عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم (الحديث). (غريبه) 3 - أي عن مكان صلاته. وقوله «ويثني رجله» أي
بكل واحدة (1) عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكانت حرزًا من كل مكروه وحرزًا من الشيطان الرجيم، ولم يحل لذنب (2) يدركه إلا الشرك، فكان من أفضل الناس عملاً إلا رجلاً يفضله يقول أفضل مما قال (3). 793 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النضر ثنا عبد الحميد حدثني شهر قال: سمعت أم سلمة تحدث زعمت أن فاطمة جاءت إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم تشتكي إليه الخدمة (4) فقالت: يا رسول الله، والله لقد مجلت (5) يدي من الرحى
يعطفها ويغيرها عن هيئة التشهد. 1 - أي من المرات. 2 - أي لم يجز، وفي رواية الترمذي «لم ينبغ لذنب أن يدركه» أي يهلكه ويبطل عمله، وفي رواية «في ذلك اليوم» . «إلا الشرك» أي إن وقع منه، والمعنى أن الله تبارك وتعالى يغفر للعبد القائل: هذا الذكر في يومه وليلته ما اكتسبه من الذنوب ولم يؤاخذه بها، ولا ينبغي لذنب أي ذنب أن يدركه ويحيط به ويستأصله سوى الشرك، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء/48]. 3 - يحتمل أنه يدعو به أكثر، فيكون حجة للقائلين بأن الزيادة على الوارد لا تزيل ذلك الثواب، بل تكون سببًا لزيادة الأجر، أو أنه يأتي بدعاء أو قراءة أفضل منه، والله أعلم. (تخريجه) أورده البغوي في (المصابيح) وقال: رواه أحمد، وروى الترمذي نحوه عن أبي ذر إلى قوله «إلا الشرك» ولم يذكر «صلاة المغرب» ولا «بيده الخير» وقال: هذا حديث صحيح غريب. اهـ، وأورده المنذري عن أبي ذر وعزاه للترمذي. قال: ورواه النسائي وزاد فيه «بيده الخير» وزاد فيه أيضًا «وكان له بكل واحدة قالها عتق رقبة مؤمنة» ، ورواه النسائي أيضًا من حديث معاذ وزاد فيه «من قالهن حين ينصرف من صلاة العصر أعطي مثل ذلك في ليلته» اهـ. قلت: رجال حديث الإمام أحمد رجال الصحيح خلا شهر بن حوشب، وهو مختلف فيه: ضعفه ابن عدي والنسائي، ووثقه الإمام أحمد وابن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد): حديثه حسن. 793 - حدثنا عبد الله (غريبه) 4 - يعني: وتطلب خادمًا، كما في الروايات الأخرى. 5 - بفتح الجيم وكسرها، يقال: مجلت يده تمجُل مجْلاً، ومجِلت تمجَل مجَلا، إذا ثخن جلدها
أطحن مرة وأعجن مرة. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يرزقك الله شيئًا يأتك، وسأدلك على خير من ذلك: إذا لزمت مضجعك فسبحي الله ثلاثًا وثلاثين، وكبري ثلاثًا وثلاثين، واحمدي أربعًا وثلاثين، فذلك مائة، فهو خير لك من الخادم، وإذا صليت صلاة الصبح فقولي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، عشر مرات بعد صلاة الصبح، وعشر مرات بعد صلاة المغرب، فإن كل واحدة منهن تكتب عشر حسنات، وتحط عشر سيئات، ولك واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل (1)، ولا يحل لذنب كسب ذلك اليوم أن يدركه إلا أن يكون الشرك، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو حرسك (2) ما بين أن تقوليه غدوة إلى أن تقوليه عشية من كل شيطان ومن كل سوء. 794 - عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال إذا صلى الصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
وتعجر وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. 1 - أي من العرب لأنهم من ذرية إسماعيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهم أشرف الناس، والمعنى أن من قال هذا الذكر كما ورد وقع له من جزيل الأجر ما لو استبى رقبة من ولد إسماعيل وحررها، أو كان له رقيق من أمة تحت واحد منهم وأعتقه، وآثر إسماعيل عليه السلام بالذكر لشرفه وكفاه شرفًا أن النبي صلى الله عليه وسلم من أبنائه. وفي هذا الحديث إشعار بجواز استرقاق العرب وتملكهم كسائر الفرق، ويستشكل بأن العرب لا تسبى، ويجاب بأن المسألة مختلف فيها، ويمكن أن يسبى بالاشتباه أو المراد بالعتق إنقاذهم من المهالك، والله أعلم. 2 - يعني هذا الذكر بدليل رواية الطبراني «هي تحرسك» يعني هذه الكلمات، والله أعلم. (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني بأخصر منه وقال «هي تحرسك» مكان «وهو حرسك» وإسنادهما حسن. 794 - عن أبي أيوب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي ثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد عن جابر عن
الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كن كعدل أربع رقاب، وكتب له بهن عشر حسنات، ومحي عنه بهن عشر سيئات، ورفع له بهن عشر درجات، وكن له حرسًا من الشيطان حتى يمسي، وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك. 795 - عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات (1) دبر كل صلاة.
القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن يعيش عن أبي أيوب (الحديث). (تخريجه)(م. وغيره). 795 - عن عقبة بن عامر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هارون حدثنا ابن وهب حدثني الليث عن حسين بن أبي حكيم حدثه عن علي بن رباح اللخمي عن عقبة بن عامر الجهني (الحديث). (غريبه) 1 - رواية النسائي والترمذي «بالمعوذتين» ورواية أبي داود بالمعوذات كلفظ حديث الباب، وهو بكسر الواو المشددة جمع معوذة أي محصنة، وهما سورتا الفلق والناس، وعبر عنهما بلفظ الجمع باعتبار أن ما يستعاذ منه كثير فيهما، أو المراد بالجمع ما فوق الواحد. (تخريجه) (د. نس. مذ) وقال: حديث غريب. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية التعوذات والأدعية والتسبيح والتهليل وقراءة بعض سور من القرآن عقب الصلوات، وأن لها فضل عظيم وثواب جسيم، مع سهولتها على النفس وعدم المشقة في الإتيان بها، فينبغي لكل مسلم أن يحافظ على هذه الأذكار كما وردت، ولا يحرم نفسه من الدخول في حظيرة ربه، فمن حافظ عليها فقد أدخل نفسه حرمًا آمنًا يستحيل على الشيطان أن يستحله ويهتك حرمته، ولا يستقيم للذنب أن يبقى معه. وقد اختلف: هل الأفضل التسبيح أم التهليل؟ فقال قوم: التسبيح، لغفران الذنوب به وإن كانت مثل زبد البحر. وقيل: التكبير، لأنه لم يأت أحد بأفضل مما جاء به كما في الحديث. قال القاضي عياض رحمه الله في الجواب عن هذا: إن التهليل المذكور أفضل، ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من فضل عتق الرقاب وكونه حرزًا من الشيطان زائدًا على فضل التسبيح وتكفير الخطايا، لأنه قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار، فقد حصل بعتق رقة واحدة تكفير جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة مع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه حرزًا من الشيطان
4 -
باب رفع الصوت بالذكر عقب الانصراف من الصلاة 796 - عن عمرو بن دينار أن أبا معبد مولى ابن عباس أخبره أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال: قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته. 797 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير. قال عمرو (1) قلت له: حدثتني؟ قال: لا، ما حدثتك به.
ويؤيده ما جاء في الحديث «أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له» (الحديث)، وقيل: إنه اسم الله الأعظم، وهي كلمة الإخلاص. اهـ. والله أعلم. 796 - عن عمرو بن دينار (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا أنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار (الحديث). (تخريجه)(ق. وغيرهما). 797 - حدثنا عبد الله (غريبه) 1 - يعني ابن دينار قال لأبي معبد: «حدثتني» يعني هذا الحديث، قال:«لا» . وقد حمل هذا الإنكار من أبي معبد على النسيان، فقد روى هذا الحديث الإمام الشافعي في مسنده بسند حديث الباب ولفظه، وقال في آخره:«قال عمرو بن دينار: ثم ذكرته لأبي معبد بعدُ فقال: لم أحدثك. قال عمرو: قد حدثتنيه. قال: وكان من أصدق موالي ابن عباس» . قال الشافعي رضي الله عنه: كأنه نسيه بعدما حدثه إياه. كذا في مسند الشافعي. (تخريجه)(ق. فع. هق). (الأحكام) حديثا الباب يدلان على مشروعية رفع الصوت بالذكر عقب الانصراف من الصلاة، وهو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لتعليم الناس الذكر فقط، وفي غير ذلك كان يسر به. قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في (الأم) بعد أن ذكر حديث الباب وحديث ابن الزبير ولفظه عنده «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون» وحديث أم سلمة وتقدم في باب مكث الإمام
أبواب ما يبطل الصلاة وما يكره فيها وما يباح 1 - باب النهي عن الكلام في الصلاة 798 - عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان الرجل يكلم صاحبه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة/238] فأمرنا بالسكوت.
بالرجال قليلاً الخ. قال: أختار للإمام والمأموم أن يذكرا الله تعالى بعد السلام من الصلاة ويخفيان الذكر إلا أن يكون إمامًا يريد أن يُتعلم منه فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه فيُسر، فإن الله تعالى يقول:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء/110] يعني والله أعلم الدعاء. {وَلَا تَجْهَرْ} ترفع {وَلَا تُخَافِتْ} حتى لا تسمع نفسك. قال: وأحسب أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جهر قليلاً يعني في حديث ابن عباس وحديث ابن الزبير ليتعلم الناس منه، لأن عامة الروايات التي كتبناها مع هذا وغيرها ليس يذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير، وقد ذكرت أم سلمة مكثه صلى الله عليه وسلم ولم يذكر جهرًا، وأحسبه صلى الله عليه وسلم لم يمكث إلا ليذكر سرًا. قال: وأستحب للمصلي منفردًا أو مأمومًا أن يطيل الذكر بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة. هذا نصه في (الأم). قال النووي رحمه الله: واحتج البيهقي وغيره لتفسيره الآية بحديث عائشة رضي الله عنها قالت في قول الله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء/110] نزلت في الدعاء، رواه البخاري ومسلم، وهكذا قال أصحابنا: إن الذكر والدعاء بعد الصلاة يستحب أن يسر بهما إلا أن يكون إمامًا يريد تعليم الناس فيجهر ليتعلموا، فإذا تعلموا وكانوا عالمين أسره، واحتج البيهقي وغيره في الإسرار بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:«كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنه معكم سميع قريب» رواه البخاري ومسلم. «أربعوا» بفتح الباء أي أرفقوا. اهـ. ج. 798 - عن زيد بن أرقم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن المنهال عن إسماعيل حدثني الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم (الحديث). (تخريجه)(ق. والثلاثة) وقال الترمذي: حسن صحيح. ولفظه عند الترمذي «كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة» (الحديث).
799 -
عن عبد الله (يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا (1). فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا. فقال: إن في الصلاة لشغلاً (2). وعنه من طريق ثان (3) قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم إذ كنا بمكة قبل أن نأتي أرض الحبشة، فلما قدمنا من أرض الحبشة أتيناه فسلمنا عليه فلم يرد، فأخذني ما قرب وما بعد (4) حتى قضوا الصلاة فسألته، فقال: إن الله عز وجل يحدث في أمره ما يشاء، وإنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم في الصلاة (5). 800 - عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم (6) فقلت: واثكل أمياه (7) ما شأنكم تنظرون إلي؟ قال:
799 - عن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل ثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (الحديث). (غريبه) 1 - قال الشوكاني: هو يرد على من قال بجواز السلام في الصلاة لفظًا، وهم أبو هريرة وجابر والحسن وسعيد بن المسيب وقتادة. 2 - أي مانعًا من الكلام، وهو الإقبال على الله عز وجل في الصلاة، لأنه لا يجوز لمن يناجي ربه أن يلتفت إلى غيره. (سنده) 3 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم إذ كنا بمكة (الحديث). 4 - أي تفكرت فيما يصلح للمنع من الوجوه القريبة أو البعيدة أيها كانت سببًا لترك رد السلام. 5 - زاد أبو داود «فرد علي السلام» يعني بعد فراغه. (تخريجه) أخرج الرواية الأولى منه (ق.) وأخرج الرواية الثانية (د. نس. حب). 800 - عن معاوية بن الحكم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني الحجاج بن أبي عثمان حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي (الحديث). (غريبه) 6 - أي نظروا إليّ بأبصارهم نظر منكر، ولذلك استعير له الرمي. 7 - «وا» حرف للندبة. و «ثكل» بضم المثلثة
فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم (1) فلما رأيتهم يصمتوني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي (2) ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، والله ما كهرني (3) ولا شتمني ولا ضربني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إنا قوم حديث عهد بالجاهلية (4) وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا قومًا يأتون الكهان (5)
وإسكان الكاف وبفتحهما جميعًا لغتان كالبُخل والبَخل، حكاهما الجوهري وغيره، وهو فقدان المرأة ولدها وحزنها عليه لفقده، يقال: امرأة ثكلى وثاكل، وثكلته أمه بكسر الكاف وأثكله الله تعالى أمه. وقوله «أمياه» بكسر الميم المشددة وأصله (أمي) زيدت عليه ألف الندبة لمد الصوت، وأردفت بهاء السكت، وفي رواية أبي داود «أماه» . 1 - يعني فعلوا هذا ليسكتوه، وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته، وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة وأنها لا تبطل به الصلاة، وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة. قاله النووي. م. 2 - متعلق بفعل محذوف تقديره (أفديه بأبي وأمي). 3 - أي ما انتهرني، و (الكهر) الانتهار، قاله أبو عبيد. وقرأ عبد الله بن مسعود {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَكْهَرْ} [الضحى/9]، وقيل: الكهر العبوس في وجه من تلقاه، وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم، وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل وحسن تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه. 4 - قال العلماء: الجاهلية ما قبل ورود الشرع، سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم. 5 - المراد بالكهان هم من يدعون علم الغيب، وسيأتي الكلام عليهم في باب ما جاء في الكهانة وأصل مأخذها من كتاب الحدود إن شاء الله تعالى. قال العلماء: وإنما نهى عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، لأنهم يلبسون على الناس كثيرًا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون وتحريم ما يعطون من الحلوان، وهو حرام بإجماع المسلمين، وقد نقل الإجماع في تحريمه جماعة منهم أبو محمد البغوي رحمهم الله تعالى، قال البغوي: اتفق أهل العلم على تحريم حلوان الكاهن، وهو ما أخذه المتكهن على كهانته، لأن فعل الكهانة باطل لا يجوز أخذ الأجرة
قال: فلا تأتوهم. قلت: إن منا قومًا يتطيرون (1). قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم (2). قلت: إن منا قومًا يخطون (3). قال: كان نبي يخط، فمن وافق خطه فذلك (4). قال: وكانت لي جارية ترعى غنمًا (فذكر قصتها)(5).
عليه، قاله النووي. م. 1 - التطير ما يتفاءل به من الفأل الرديء، وأصله كانوا يأتون الطير أو الظبي فينفرونه، فإن أخذ ذات اليمين مضوا إلى ما قصدوا وعدوه حسنًا، وإن أخذ ذات الشمال انتهوا عن ذلك وتشاءموا به، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى في بابه إن شاء الله. 2 - في لفظ لمسلم «فلا يصدنكم» ، قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك، فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم، فهذا هو الذي تقدرون عليه، وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن التطير والطيرة، وهي محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير علم على مقتضاه عندكم. قاله النووي م. 3 - أي يشتغلون بعلم الرمل. وقوله صلى الله عليه وسلم «كان نبي يخط» قيل: هو إدريس، وقيل: دانيال. والله أعلم. 4 - أي فذلك هو المصيب، قيل: لم يصرح صلى الله عليه وسلم بالنهي عن الاشتغال به كما نهى عن الإتيان إلى الكهان والتطير لنسبته إلى بعض الأنبياء، لئلا يتطرق الوهم إلى نقصانهم وإن كانت الشرائع مختلفة ومنسوخة، بل ذكر على وجه يحتمل التحريم والإباحة، وقال المحرمون وهم أكثر العلماء: علق الإذن فيه على موافقة خط ذلك النبي وهي غير معلومة، إذ لا يعلم بتواتر أو نص منه صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه أن الأشكال التي لأهل علم الرمل هي التي كانت لذلك النبي. وحكى النووي رحمه الله الاتفاق على النهي عنه الآن. والله أعلم. 5 - سيأتي ذكر قصتها في باب ضرب المملوك من كتاب العتق إن شاء الله تعالى.
(تخريجه)(م. د. نس. حب. هق)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على تحريم الكلام في الصلاة، ولا خلاف بين أهل العلم في بطلان صلاة من تكلم عامدًا عالمًا. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدًا وهو لا يريد إصلاح صلاته أن صلاته فاسدة، واختلفوا في كلام الساهي والجاهل، وقد حكى الترمذي عن أكثر أهل العلم أنهم سووا بين كلام الناسي والعامد والجاهل، وإليه ذهب الثوري وابن المبارك، حكى ذلك الترمذي عنهما، وبه قال النخعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن قتادة، وإليه ذهبت الهادوية. وذهب قوم إلى الفرق بين كلام الناسي والجاهل وبين كلام العامد، وقد حكى ذلك ابن المنذر عن ابن مسعود
_________
وابن عباس وعبد الله بن الزبير ومن التابعين عن عروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وقتادة في إحدى الروايتين عنه، وحكاه الحازمي عن عمرو بن دينار. وممن قال به مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر، وحكاه الحازمي عن نفر من أهل الكوفة وعن أكثر أهل الحجاز وأكثر أهل الشام وعن سفيان الثوري وهو إحدى الروايتين عنه، وحكاه النووي في (شرح مسلم) عن الجمهور. استدل الأولون بحديث زيد بن أرقم الذي في أول الباب وسائر الأحاديث المصرحة بالنهي عن التكلم في الصلاة وظاهرها عدم الفرق بين العامد والناسي والجاهل. واحتج الآخرون لعدم فساد صلاة الناسي أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في حال السهو وبنى عليه كما في حديث ذي اليدين - وسيأتي عليه في أبواب سجود السهو إن شاء الله - وبما روى الطبراني في (الأوسط) من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في الصلاة ناسيًا فبنى على ما صلى، وبحديث «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» الذي أخرجه (جه. حب. قط. طب. هق. ك) بنحو هذا اللفظ، واحتجوا لعدم فساد صلاة الجاهل بحديث معاوية بن الحكم المذكور في الباب، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة، أفاده الشوكاني. قلت: وفيما ذكر بيان أصول المسائل بأدلتها، ومن أراد الفروع فعليه بكتب الفقه. وفي أحاديث الباب أيضًا دليل على عدم رد السلام بالكلام من المصلي على من سلم عليه وهو في الصلاة، لكن رخصت طائفة في الرد، وكان سعيد بن المسيب لا يرى بذلك بأسًا، وكذلك الحسن البصري وقتادة، وروي عن أبي هريرة أنه كان إذا سُلم عليه وهو في الصلاة رده حتى يسمع، ورُوى عن جابر نحو من ذلك، وقال أكثر الفقهاء: لا يرد السلام. وروي عن ابن عمر أنه قال برد إشارة، وقال عطاء والنخعي وسفيان الثوري: إذا انصرف من الصلاة رد السلام. وقال أبو حنيفة: لا يرد ولا يشير. قال الخطابي رحمه الله: رد السلام في الصلاة قولاً ونطقًا محظور، ورده بعد الخروج من الصلاة سنة، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود بعد الفراغ من صلاته السلام، والإشارة حسنة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار في الصلاة، وقد رواه أبو داود في هذا الباب، قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن موهب وقتيبة بن سعيد أن الليث حدثهم عن بكير عن نابل صاحب العباء عن ابن عمر عن صهيب أنه قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة. قال قتيبة: ولا أعلمه إلا قال: إشارة بأصبعه. اهـ. قال ابن رسلان: ومذهب الشافعي والجمهور أن المستحب أن يرد في الصلاة بالإشارة، واستدلوا بما أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن صهيب، فذكر حديث صهيب المتقدم. اهـ. وفي أحاديث الباب أيضًا النهي عن تشميت العاطس في الصلاة، وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالمًا عامدًا. قال
باب ما يقطع الصلاة:
801 -
ز عن حصين المزني قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنبر: أيها الناس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقطع الصلاة إلا الحدث، لا أستحييكم (1) مما لا يستحيي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: والحدث أن يفسو أو يضرط. 802 - عن حميد بن هلال سمع عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقطع صلاة الرجل (2) إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود. قلت: ما بال الأسود
النووي: قال أصحابنا: إن قال: «يرحمه الله» بكاف الخطاب بطلت صلاته، وإن قال:«يرحمه الله» أو «اللهم ارحمه» أو «رحم الله فلانًا» لم تبطل صلاته؛ لأنه ليس بخطاب، وأما العاطس في الصلاة فيستحب أن يحمد الله تعالى سرًا، هذا مذهبنا وبه قال مالك وغيره، وعن ابن عمر والنخعي وأحمد رضي الله عنهم أنه يجهر به، والأول أظهر لأنه ذكر، والسنة في الأذكار في الصلاة الإسرار، إلا ما استثني من القراءة في بعضها ونحوها. اهـ. والله أعلم. 801 - ز عن حصين المزني (سنده) حدثنا عبد الله ثنا محمد بن بكار ثنا حبان بن علي عن ضرار بن مرة عن حصين المزني (الحديث). (غريبه) 1 - أي لا أستحيي من تبليغكم حكمًا لم يستح من تبليغه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونه صلى الله عليه وسلم كان من أشد الناس حياءً، ولكن لا محل للحياء في تبليغ الأحكام الشرعية وتعليمها للجاهل. (تخريجه) الحديث أورده الهيثمي وقال: رواه عبد الله بن أحمد في زياداته على أبيه والطبراني في (الأوسط)، وحصين قال ابن معين: لا أعرفه. اهـ. قلت: وفي إسناده حبان بن علي، قال الحافظ في (التقريب): ضعيف.
802 -
عن حميد بن هلال (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا شعبة أخبرني حميد بن هلال (الحديث)(غريبه) 2 - حمله الجمهور على قطع الخشوع والذكر للشغل بتلك الأشياء والالتفات إليها، لا أنها تفسد الصلاة، وسيأتي الخلاف
من الأحمر (1)؟ قال: ابن أخي، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: الكلب الأسود شيطان. 803 - عن راشد بن سعد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع صلاة المسلم شيء إلا الحمار والكافر (2) والكلب والمرأة. فقالت عائشة: يا رسول الله، لقد قُرنّا بدواب سوء. 804 - عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقطع الصلاة المرأة (زاد في رواية «الحائض»)(3) والحمار والكلب. 805 - عن الأسود عن عائشة بلغها أن ناسًا يقولون: إن الصلاة يقطعها الكلب والحمار والمرأة. قالت: ألا أراهم قد عدلونا بالكلاب
في ذلك. وقوله «آخرة الرحل» تقدم ضبطها وتفسيرها في الكلام على الحديث الثالث من باب استحباب السترة للمصلي. 1 - يعني أن عبد الله بن الصامت قال لأبي ذر: ما شأن الكلب الأسود يقطع الصلاة دون غيره، فقال: الكلب الأسود شيطان، ومعنى ذلك أن الشيطان يتصور بصورة الكلاب السود. وقيل: سمي شيطانًا لأنه أشد ضررًا من غيره، والحكمة في قطع المرأة الصلاة خشية الفتنة، أما الحمار فلخشية نهيقه فيشوش على المصلي. والله أعلم. (تخريجه)(م. نس. مذ. جه. هق) 803 - عن راشد بن سعد (سنده)
حدثنا عبد الله حدثني أبي قال: ثنا أبو المغيرة قال: ثنا صفوان قال: ثنا راشد بن سعد عن عائشة (الحديث). (غريبه) 2 - لعل الحكمة في قطع الصلاة بمرور الكافر ما فيه من النجاسة المعنوية. (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وقال الهيثمي والعراقي: رجاله موثقون. 804 - عن عبد الله بن مغفل (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن مغفل (الحديث)(غريبه) 3 - لعل الحكمة في تخصيص الحائض خشية النجاسة. (تخريجه)(جه) ورجال الإمام أحمد ثقات. 805 - عن الأسود عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة (الحديث). (غريبه)
والحمر (1) ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل وأنا على السرير بينه وبين القبلة، فتكون لي الحاجة فأنسل من قبل رجل السرير كراهية أن أستقبله بوجهي. وعنها من طريق ثان (2) قالت: بئسما عدلتمونا بالكلب والحمار، قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بين يديه، فإذا أراد أن يسجد غمز، يعني رجلي، فضممتها إليّ ثم يسجد (3). 806 - عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: يقطع الصلاة الكلب والمرأة الحائض. 807 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار.
1 - تريد بذلك الإنكار عليهم في قولهم «إن المرأة تقطع الصلاة» . (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن عبيد الله قال: سمعت القاسم يحدث عن عائشة قالت: بئسما عدلتمونا الخ. 3 - استدل به من يقول لمس النساء لا ينقض الوضوء، والجمهور على أنه ينقض، وحملوا الحديث على أنه غمزها فوق حائل، وهذا هو الظاهر من حال النائم، فلا دلالة فيه على عدم النقض. قاله النووي م. (تخريجه) (ق. وغيرهما). 806 - عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس. قال يحيى: كان شعبة يرفعه: يقطع الصلاة الكلب والمرأة الحائض. (تخريجه)(د. جه) والمحفوظ وقفه على ابن عباس. 807 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام عن أبي هريرة (الحديث). (تخريجه)(م. جه). وزاد مسلم «ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل» . (الأحكام) أحاديث الباب تدل بظاهرها على أن المرأة والكلب والحمار تقطع الصلاة، أي تبطلها، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة وأنس وابن عباس في رواية عنه، وحُكي أيضًا عن أبي ذر وابن عمر، وجاء عن ابن عمر أنه قال به في الكلب، وقال به الحكم بن عمرو الغفاري في الحمار، وممن قال من التابعين بقطع الثلاثة المذكورة: الحسن البصري وأبو الأحوص صاحب ابن مسعود. وذهب أهل الظاهر أيضًا إلى قطع الصلاة بالثلاثة
3 -
باب ما جاء في عقص الشعر والعبث بالحصى والنفخ في الصلاة 808 - عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رأى عبد الله بن الحارث (1) يصلي ورأسه معقوص (2) من ورائه، فقام وراءه وجعل يحله
المذكورة إذا كان الكلب والحمار بين يديه، سواء كان الكلب والحمار مارًا أم غير مار، صغيرًا أم كبيرًا، حيًا أم ميتًا، وكون المرأة بين يدي الرجل مارة أم غير مارة، صغيرة أم كبيرة، إلا أن تكون مضطجعة معترضة. وذهب إلى أنه يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض ابن عباس وعطاء بن أبي رباح. أفاده الشوكاني. قال النووي: وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: يقطعها الكلب والأسود، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء. ووجه قوله أن الكلب لم يجئ في الترخيص فيه شيء يعارض هذا الحديث (يعني حديث أبي ذر الثاني من أحاديث الباب) قال: وأما المرأة ففيها حديث عائشة رضي الله عنها (قلت هو الخامس من أحاديث الباب) قال: وفي الحمار حديث ابن عباس (قلت: تقدم في الجزء الثالث في باب سترة الإمام سترة لمن صلى خلفه) وفي بعض رواياته «أنه كان على حمار هو وغلام من بني هاشم، فمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلم ينصرف» قال: وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم وجمهور العلماء من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم، وتأول هؤلاء هذا الحديث (يشير إلى حديث أبي ذر) على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء، وليس المراد إبطالها، ومنهم من يدعي نسخه بالحديث الآخر «لا يقطع صلاة المرء شيء وادرءوا ما استطعتم» ، وهذا غير مرضي، لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها وعلمنا التاريخ، وليس هنا تاريخ ولا تعذر الجمع والتأويل، بل يتأول على ما ذكرناه، مع أن حديث لا يقطع صلاة المرء شيء ضعيف. والله أعلم. اهـ م. وحديث عليّ المذكور أول الباب يدل على بطلان الصلاة بالحدث، وظاهره حصر البطلان في الحديث وليس مرادًا، لأن هناك أمورًا أخرى غيره مبطلة كالكلام ونحوه، بل الظاهر أن عليًا رضي الله عنه كان يرى عدم قطع الصلاة بمرور شيء أمام المصلي فقاله ردًا على من يقول بذلك، ويؤيده ما رواه البيهقي أن عثمان وعليًا رضي الله عنهما قالا: لا يقطع صلاة المسلم شيء وادرءوهم ما استطعتم. والله أعلم.
808 -
عن كريب عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن غيلان ثنا رشدين حدثني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن كريب عن ابن عباس (الحديث). (غريبه) 1 - هو ابن جزء (بفتح الجيم، وسكون الزاي، بعدها همزة) السهمي رضي الله عنه شهد بدرًا. 2 - عقص الشعر ضفره وفتله، والعقاص خيط يشد به أطراف الذوائب
وأقر له الآخر (1) ثم أقبل على ابن عباس فقال: مالك ورأسي؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثل هذا كمثل الذي يصلي وهو مكتوف (2). 809 - عن أبي رافع رضي الله عنه (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي الرجل وشعره معقوص. 810 - عن علي بن عبد الرحمن المعاوي قال: صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما فقلبت الحصى، فقال: لا تقلب الحصى فإنه من الشيطان (3) ولكن كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، كان يحركه هكذا، قال أبو عبد الله (4) يعني مسحة.
ذكر معنى ذلك في القاموس. 1 - أي استقر لما فعله ولم يتحرك. 2 - يقال كتفته كتفًا كضربته ضربًا إذا شددت يده إلى خلف كتفيه موثقًا بحبل. (تخريجه)(م. د. نس). 809 - عن أبي رافع (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن مخول بن راشد عن رجل عن أبي رافع (الحديث). (تخريجه)(د. جه. مذ) وحسنه بمعناه. وفي حديث الباب عند الإمام أحمد رجل لم يسم. ورواية ابن ماجه من طريق مخول قال: سمعت أبا سعد رجلاً من أهل المدينة يقول: رأيت رافعًا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الحسن بن علي رضي الله عنه يصلي وقد عقص شعره فأطلقه أو نهى عنه وقال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره» ، ولفظ الترمذي عن أبي رافع أنه مر بالحسن بن علي وهو يصلي وقد عقص ضفرته فحلها، فالتفت إليه الحسن مغضبًا، فقال: أقبل على صلاتك ولا تغضب؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذلك كفل الشيطان». كفل بكسر الكاف وسكون الفاء أي موضع قعوده. 810 - عن علي بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان حدثني مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي (الحديث). (غريبه) 3 - أي فإن العبث بالحصى من الشيطان أي من وسوسته ليشغل الإنسان عن صلاته فيحرم من الرحمة التي تواجهه كما في الحديث الذي بعده. 4 - أي الإمام أحمد رحمه الله يفسر قول ابن عمر «كان يحركه هكذا» . وقوله «مسحة» أي يمسحه مسحة واحدة
811 -
عن أبي ذر رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم إلى الصلاة (1) فإن الرحمة تواجهه (2) فلا يمسح الحصى. (وفي رواية «فلا يحرك الحصى» أو «لا يمس الحصى»). 812 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى فقال: واحدة، ولئن تمسك عنها خير لك من مائة بدنة كلها سود الحدقة (3). (زاد في رواية «فإن غلب أحدكم الشيطان فليمسح مسحة واحدة»).
إن كان ولا بد فاعلاً، وتركه أفضل وأحسن كما في حديث جابر الآتي والله أعلم. (تخريجه) لم أقف عليه ورجاله كلهم ثقات. 811 - عن أبي ذر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن الزهري عن أبي الأحوص عن أبي ذر (الحديث). (غريبه) 1 - قيل المراد بالقيام إلى الصلاة الدخول فيها، فلا يكون منهيًا عن مسح الحصى إلا بعد دخوله، وقيل إن المراد قبل الدخول حتى لا يشتغل عند إرادة الصلاة إلا بالدخول فيها. قال العراقي: والأول أظهر، ويرجحه حديث معيقيب فإنه سأل عن مسح الحصى في الصلاة دون مسحه عند القيام كما في رواية الترمذي اهـ. قلت: حديث معيقيب المشار إليه سيأتي بعد حديث، ورواية الإمام أحمد ليست صريحة في المسح في الصلاة، وأصرح منها رواية أبي داود عن معيقيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلاً فواحدة تسوية الحصى» .
2 -
هذا التعليل يدل على أن الحكمة في النهي عن المسح أن لا يشغل خاطره بشيء يلهيه عن الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها. وقد روي أن حكمة ذلك أن لا يغطي شيئًا من الحصى بمسحه فيفوته السجود عليه، رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي صالح قال:«إذا سجدت فلا تمسح الحصى فإن كل حصاة تحب أن يسجد عليها» . وقال النووي: لأنه ينافي التواضع ويشغل المصلى. (تخريجه)(الأربعة وغيرهم) وحسنه الترمذي. 812 - عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله (الحديث). (غريبه) 3 - حدقة العين سوادها الأعظم، والجمع حدق، وحِداق وقد تكون الحدقة ذات لون آخر
813 -
عن معيقيب رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: المسح في المسجد يعني الحصى. فقال (1): إن كنت لا بد فاعلاً فواحدة. وعنه من طريق ثان (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: إن كنت فاعلاً فواحدة. 814 - عن سعيد بن الحارث الأنصاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي لتبرد حتى أسجد عليه من شدة الحر (3). (وفي رواية «فأجعلها في يدي الأخرى حتى تبرد من شدة الحر»).
وأفضلها السوداء، ولذا خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم أباح له المسح مرة واحدة وبين له أن الرجوع عن فعله خير له من تملك مائة ناقة أو بعير من أفضل البُدن وأحسنها. (تخريجه)(ش) وفي إسناده شرحبيل بن سعد ضعيف، ورواه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه فهو صحيح عنده لأنه التزم إيراد الصحيح في كتابه، وربما كان عنده من طريق أخرى. 813 - عن معيقيب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد ثنا هشام حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة حدثني معيقيب (الحديث). (غريبه) 1 - رواية الترمذي عن معيقيب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة فقال الخ. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة حدثني معيقيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث). (تخريجه)(ق. والأربعة وغيرهم) ويستفاد منه أن التقييد بالحصى ليس شرطًا بل مثله التراب. 814 - عن سعيد بن الحارث (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا خلف بن الوليد ثنا عباد بن عباد عن محمد بن عمرو عن سعيد بن الحارث الأنصاري الخ. (غريبه) 3 - الظاهر أن ذلك كان في أول الأمر قبل الأمر بالإبراد بالظهر، وهو من حجج القائلين بتعجيل الظهر في أول وقتها، وفيه أنه يجوز نقل الحصى ومسحه مرة واحدة للحاجة. (تخريجه)(د. نس. هق) وسنده جيد
815 -
عن أبي صالح قال: دخلت على أم سلمة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليها ابن أخر لها فصلى في بيتها ركعتين، فلما سجد نفخ التراب (1) فقالت له أم سلمة: ابن أخي لا تنفخ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لغلام له يقال له يسار ونفخ: ترِّب وجهك لله (2). 816 - عن عبد الله بن عمرو (بن العاص رضي الله عنهما يصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس قال: وجعل ينفخ في الأرض (3) ويبكي
815 - عن أبي صالح (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا طلق بن غنام بن طلق ثنا سعيد بن عثمان الوراق عن أبي صالح (الحديث). (غريبه) 1 - أي من مكان سجوده لئلا يغبر وجهه، فنهته أم سلمة عن ذلك. 2 - أي أوصله إلى التراب وضعه عليه ولا تبعده عن موضع وجهك بالنفخ ليبقى أثر السجود وبركة الصلاة في وجهك، فإن إلصاق التراب بالوجه الذي هو أفضل الأعضاء غاية في التواضع، ولهذا نهت أم سلمة ابن أخيها عن النفخ ليحوز هذه الفضيلة. (تخريجه) (هق. حب) بنحو حديث الباب. ورواه الترمذي أيضًا مختصرًا قال: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا عباد بن العوام أخبرنا ميمون أبو حمزة عن أبي صالح مولى طلحة عن أم سلمة قالت: «رأى النبي صلى الله عليه وسلم غلامًا لنا يقال له أفلح، إذا سجد نفخ، فقال: يا افلح ترَِّب وجهك» قال الترمذي: وروى بعضهم عن أبي حمزة هذا الحديث وقال: «مولى لنا يقال له رباح» . قلت: جاء ذلك في رواية البيهقي وابن حبان. قال أبو عيسى يعني الترمذي: وحديث أم سلمة إسناده ليس بذاك، وميمون أبو حمزة قد ضعفه بعض أهل العلم. قلت: قال الإمام أحمد: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. وقال النسائي: ليس بثقة. كذا في الميزان. وسند حديث الباب عند الإمام أحمد جيد. وميمون أبو حمزة المشار إليه ليس من رجال حديث الباب عند الإمام أحمد، لا سيما وقد رواه ابن حبان في صحيحه، وقد التزم إيراد الصحيح فقط في كتابه، فهو صحيح والله أعلم. 816 - عن عبد الله بن عمرو هذا طرف من حديث طويل سيأتي بسنده وشرحه في باب من روى أنها ركعتان كالركعات المعتادة من أبواب صلاة الكسوف إن شاء الله تعالى. (غريبه) 3 - لفظ أبي داود «ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف ثم قال: يا رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟ ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ففرغ رسول
وهو ساجد في الركعة الثانية وجعل يقول: رب لم تعذبهم وأنا فيهم، رب لم تعذبنا ونحن نستغفرك، فرفع رأسه وقد تجلت الشمس (الحديث).
الله صلى الله عليه وسلم وقد انمحصت الشمس. و «النفخ» في أصل اللغة إخراج الريح من الفم كما في القاموس وغيره، وقد فسره في الحديث بقوله «أف أف» . (تخريجه)(د. نس. مذ. وغيرهم). (الأحكام) في أحاديث الباب دلالة على كراهة صلاة الرجل وهو معقوص الشعر أو مكفوفه، وقد حكى الترمذي عن أهل العلم أنهم كرهوا ذلك. قال العراقي: وممن كرهه من الصحابة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وحذيفة وابن عمر وأبو هريرة وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، ومن التابعين إبراهيم النخعي في آخرين. وحكى النووي اتفاق العلماء على النهي عن ذلك. انظر الشرح والأحكام في باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب، من الجزء الثالث ففيه الكفاية. قال الشوكاني: وظاهر النهي التحريم فلا يعدل عنه إلا لقرينة. قال العراقي: وهو مختص بالرجال دون النساء لأن شعرهن عورة يجب ستره في الصلاة، فإذا نقضته ربما استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها، وأيضًا فيه مشقة عليها في نقضه للصلاة، وقد رخص لهن صلى الله عليه وسلم في أن لا ينقضن ضفائرهن في الغسل مع الحاجة إلى بلّ جميع الشعر. اهـ. وفي أحاديث الباب أيضًا دليل على كراهة مسح الحصى، والتقييد بالحصى خرج مخرج الغالب لكونه كان الغالب على فرش مساجدهم، ولا فرق بينه وبين التراب والرمل على قول الجمهور، ويدل على ذلك قوله في حديث معيقيب «في الرجل يسوي التراب» وقد ذهب إلى كراهة ذلك من الصحابة عمر بن الخطاب وجابر، ومن التابعين مسروق وإبراهيم النخعي والحسن البصري وجمهور العلماء بعدهم، وحكى النووي في (شرح مسلم) اتفاق العلماء على كراهته. قال الشوكاني: وفي حكاية الاتفاق نظر، فإن مالكًا لم ير به بأسًا وكان يفعله في الصلاة كما حكاه الخطابي في (المعالم) وابن العربي. قال العراقي في (شرح الترمذي): وكان ابن مسعود وابن عمر يفعلانه في الصلاة، وعن ابن مسعود أيضًا أنه كان يفعله في الصلاة مرة واحدة، قال: وممن رخص فيه في الصلاة مرة واحدة أبو ذر وأبو هريرة وحذيفة، ومن التابعين إبراهيم النخعي وأبو صالح، وذهب أهل الظاهر إلى تحريم ما زاد على المرة. اهـ. وفيها أيضًا دليل على كراهة النفخ في الصلاة موضع السجود تحاشيًا مما عساه يعلق بوجهه من التراب، وقد استدل بحديث ابن عمرو من قال: إن النفخ لا يفسد الصلاة، وذهب إلى كراهة النفخ ابن مسعود وابن عباس، وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عباس أنه كان يخشى أن يكون النفخ كلامًا، وروى
4 -
باب ما جاء في الضحك والالتفات في الصلاة وتفقيع الأصابع وتشبيكها 817 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي بثلاث ونهاني عن ثلاث، أوصاني بالتوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، قال: ونهاني عن الالتفات (1) وإقعاء كإقعاء القرد، ونقر كنقر الديك (2). وعنه من طريق ثان (3) بنحوه، وفيه ونهاني عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء
سعيد بن منصور في سننه عن ابن عباس قال: «النفخ كلام» ، وكرهه من التابعين النخعي وابن سيرين والشعبي وعطاء بن أبي رباح وآخرون، ورخص فيه من الصحابة قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي كما رواه البيهقي عنه. وقالت الشافعية والهادوية: إن بان من حرفان بطلت صلاته وإلا فلا، ورواه ابن المنذر عن مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل، وأجابوا عن حديث عبد الله بن عمرو بأن قوله «أف» لا يكون كلامًا حتى يشدد الفاء فيكون ثلاثة أحرف كذا قال الخطابي، قال ابن الصلاح: ما ذكره لا يستقيم على أصلنا، لأن حرفين كلام مبطل، وأجاب البيهقي بأن هذا نفخ يشبه الغطيط، وذلك لما عرض عليه من تعذيب بعض من وجب عليه العذاب، واستدل من قال إنه يفسد الصلاة بأحاديث النهي عن الكلام، والنفخ كلام كما قال ابن عباس، وأجيب بمنع كون النفخ من الكلام لما هو معلوم من أن الكلام مركب من الحروف المعتمدة على المخارج، ولا اعتماد في النفخ، وأيضًا الكلام المنهي عنه في الصلاة هو المكالمة، ولو سلم صدق اسم الكلام على النفخ كما قال ابن عباس لكان فعله صلى الله عليه وسلم لذلك في الصلاة مخصصًا لعموم النهي عن الكلام. أفاده الشوكاني. والله أعلم. 817 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل ثنا يزيد بن أبي زياد حدثني من سمع أبا هريرة يقول: أوصاني خليلي (الحديث). (غريبه) 1 - يعني في الصلاة كما سيأتي مصرحًا به في الروايات الأخرى. و «الإقعاء» نوعان وتقدم تفسيرهما في الكلام على حديث ابن عباس في باب هيئة الجلوس للتشهد، وقد أشرنا هناك إلى هذا الحديث وقلنا فيه ونقر كنقر الغراب وهو خطأ، والصواب كنقر الديك كما هنا، وإن كان لفظ الغراب واردًا أيضًا لكن في غير هذه الرواية المشار إليها فتداركه بالتصويب، والمراد بالإقعاء هنا هو أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب أو القرد هكذا فسره أهل اللغة. 2 - النقر بفتح النون والمراد به ترك الطمأنينة في الأركان وتخفيف السجود وعدم المكث فيه إلا قدر وضع الديك منقاره لالتقاط ما يأكله لأنه يتابع في النقر من غير تلبث. (سنده) 3 - حدثنا
كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب. 818 - عن سهل بن معاذ عن أبيه (1) رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: الضاحك في الصلاة (2) والملتفت والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة. 819 - عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه
عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي هريرة (الحديث). (تخريجه)(هق. طس. عل) وأشار إليه الترمذي، قال الهيثمي: وإسناده حسن. 818 - عن سهل بن معاذ (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن ثنا ابن لهيعة عن زياد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث). (غريبه) 1 - هو معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه. 2 - أي المبتسم لا المقهقه، فإن القهقهة تبطل الصلاة لما رواه البيهقي والطبراني في (الصغير) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا «لا يقطع الصلاة الكشر ولكن يقطعها القرقرة» (وفي لفظ «القهقهة»). قلت: والكشر معناه ظهور الأسنان عند الضحك تبسمًا بدون صوت، وروى البيهقي أيضًا عن جابر قال:«التبسم لا يقطع الصلاة ولكن القهقهة» قال البيهقي: هذا هو المحفوظ موقوف وقد رفعه ثابت بن محمد وهو وهم منه. اهـ. وقوله «والمفقع أصابعه» بفاء مفتوحة ثم قاف مشددة مكسورة هو غمز الأصابع حتى يسمع لها صوت، قال في (القاموس): والتفقيع التشدق في الكلام والفرقعة، وفسر الفرقعة بنقض الأصابع. وقوله «بمنزلة واحدة» أي في الكراهة. (تخريجه) (طب. هق) وقال: زبان بن فائد غير قوي. قلت: وفيه أيضًا ابن لهيعة ضعيف. 819 - عن أبي ذر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا علي بن إسحاق قال عبد الله حدثني يونس عن الزهري قال: سمعت أبا الأحوص مولى بني ليث يحدثنا في مجلس ابن المسيب وابن المسيب جالس أنه سمع أبا ذر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الله عز وجل» (الحديث). (تخريجه) أورده المنذري وقال: رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصححه، قال: وأبو الأحوص هذا لا يعرف اسمه، لم يرو عنه غير الزهري وقد صحح له الترمذي وابن حبان وغيرهما. قلت: له شاهد عند
820 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التلفت في الصلاة فقال: اختلاس (1) يختلسه الشيطان من صلاة العبد. 821 - عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا: يا أيها الناس إياكم والالتفات، فإنه لا صلاة (2) للملتفت، فإن غلبتم في التطوع فلا تغلبن في الفرائض (3). 822 - عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وقد شبكت بين أصابعي، فقال لي: يا كعب إذا كنت في المسجد فلا تشبك بين أصابعك فأنت في صلاة ما انتظرت الصلاة
الترمذي من حديث الحارث الأشعري وصححه من حديث طويل «إن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تتلفتوا، فإن الله تعالى ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت» . 820 - عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا معاوية بن عمرو قال ثنا زائدة عن أشعث بن أبي الشعثاء عن مسروق عن عائشة (الحديث). (غريبه) 1 - الاختلاس أخذ الشيء بسرعة، يقال: اختلس الشيء إذا استلبه أي سلب الشيطان من كمال صلاته بسبب التفاته. (تخريجه)(خ. د. نس).
821 -
عن أبي الدرداء هذا طرف من حديث طويل سيأتي بسنده في باب مناقب أبي الدرداء من كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله. (غريبه) 2 - أي لا صلاة كاملة لما اعتراها من النقص بسبب الالتفات وعدم الخشوع. 3 - يعني إن تغلب عليكم الشيطان وأطعتموه بالالتفات في صلاة التطوع فاحذروا أن تطيعوه في الفريضة لأنها أهم وضرر نقصها أعظم. (تخريجه)(طب) وفي إسناده عند الطبراني عطاء بن عجلان ضعيف، قاله في (مجمع الزوائد). قلت: سنده عند الإمام أحمد جيد وليس في عطاء بن عجلان المذكور، وروى نحوه الترمذي وصححه عن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة» والله أعلم. 822 - عن كعب بن عجرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد ثنا شريك بن عبد الله عن محمد بن عجلان عن المقبري عن كعب بن عجرة (الحديث). (تخريجه)(د. مذ. جه. حب) وسنده جيد.
823 -
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتطهر رجل في بيته ثم يخرج لا يريد إلا الصلاة إلا كان في صلاة حتى يقضي صلاته، ولا يخالف (1) أحدكم بين أصابع يديه في الصلاة
823 - عن كعب بن عجرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج أنا بن أبي ذئب عن رجل من بني سالم عن أبيه عن جده عن كعب بن عجرة (الحديث). (غريبه) 1 - المراد بالمخالفة هنا التشبيك بين الأصابع كما صرح بذلك في رواية الترمذي. (تخريجه) أورده المنذري وقال: رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، والترمذي من رواية سعيد المقبري عن رجل عن كعب بن عجرة، وابن ماجه من رواية سعيد المقبري أيضًا عن كعب وأسقط الرجل المبهم. اهـ. (الأحكام) أحاديث الباب جاء فيها جملة أشياء كلها منهي عن فعلها في الصلاة: منها: الالتفات لأنه نوع من تسويل الشيطان واختلاسه، فمن استكثر منه كان من المتبعين للشيطان واتباع الشيطان هلكة، أو لأنه إعراض عن التوجه إلى الله عز وجل والإعراض عنه عز وجل هلكة. وحكمه: الكراهة عند جمهور العلماء إذا كان لغير حاجة، فإن كان لحاجة جاز بلا كراهة إن لم يتحول عن القبلة وإلا بطلت صلاته، ودليل جواز الالتفات للحاجة ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال:«ثوّب بالصلاة يعني الصبح فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب» ورواه أبو داود بإسناد صحيح وقال: «كان أرسل فارسًا إلى الشعب من أجل الحرس» . ومنها: الضحك والتبسم، قال النووي: مذهبنا أن التبسم لا يضر، وكذا الضحك إذا لم يبن منه حرفان فإن بان بطلت صلاته، ونقل ابن المنذر الإجماع على بطلانها بالضحك، وهو محمول على من باب منه حرفان، قال: وقال أكثر العلماء: لا بأس بالتبسم، وممن قاله جابر بن عبد الله وعطاء ومجاهد النخعي والحسن وقتادة والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، وقال ابن سيرين: لا أعلم التبسم إلا ضحكًا. ومنها: تشبيك الأصابع أو تفقيعها في المسجد سواء أكان في الصلاة أم في انتظارها، وهو مكروه عند جمهور العلماء. قال النووي: وكره ذلك في الصلاة ابن عباس وعطاء والنخعي ومجاهد وسعيد بن جبير. اهـ. أما ما ورد في الصحيحين وغيرهما من تشبيكه صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين من حديث أبي هريرة بلفظ «ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان وشبك أصابعه» وحديث «المؤمن للمؤمن كالبنيان وشبك بين أصابعه» ونحو ذلك فكان لحاجة خاصة، وأحاديث النهي محمولة على التشبيك للعبث، أو يقال إن النهي عن التشبيك ورد بألفاظ
5 -
باب ما جاء في رفع البصر والإشارة باليد واتخاذ مكان مخصوص للصلاة فيه 824 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، واشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم (1). 825 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. 826 - عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم في صلاته فلا يرفع بصره إلى السماء أن يلتمع (2) بصره. 827 - عن جابر بن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أما
خاصة بالأمة، وفعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بهم كما تقرر في الأصول. ومنها: الإقعاء والنقر وقد تقدم الكلام عليهما في باب هيئة الجلوس للتشهد. والله أعلم. 824 - عن أنس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن أبي عدي عن سعيد وابن جعفر ثنا سعيد والخفاف عن سعيد عن قتادة عن أنس (الحديث). (غريبه) 1 - أي لا ترجع إليهم أبصارهم كما في رواية أبي داود.
و «أو» لأحد الشيئين، يعني أن أحد الأمرين واقع، إما الانتهاء عن رفع أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، أو أن الله يذهب أبصارهم عقوبة لهم على فعلهم، وفي هذا وعيد شديد على فاعله. (تخريجه) (خ. د. نس. جه). 825 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النضر ثنا المبارك عن الحسن عن أبي هريرة قال: وأراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم» . (تخريجه)(م. نس). 826 - عن عبيد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا علي بن إسحاق قال: أنا عبد الله قال: أنا يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الخ. (غريبه) 2 - أن يلتمع بضم الياء أي لئلا يذهب بصره. (تخريجه)(نس).
827 -
عن جابر بن سمرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان عن المسيب عن نافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة (الحديث).
يخشى أحدكم إذا رفع رأسه وهو في الصلاة أن لا يرجع إليه بصره. 828 - وعنه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وهم حلق (1) فقال: ما لي أراكم عزين (2). ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وقد رفعوا أيديهم (3) فقال: قد رفعوها كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة. 829 - عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى في الصلاة عن ثلاث: نقر الغراب (4)، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير (5). وعنه من طريق
(تخريجه)(م. د. جه) 828 - وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن الأعمش عن مسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة (الحديث). (غريبه) 1 - هو بكسر الحاء وفتحها لغتان جمع حلقة بإسكان اللام، وحكى الجوهري وغيره فتحها في لغة ضعيفة. 2 - أي متفرقين جماعة جماعة، وهو بتخفيف الزاي الواحدة عزة، معناه النهي عن التفرق والأمر بالاجتماع. 3 - أي عند السلام مشيرين بها لغير حاجة.
وقوله «أذناب خيل شمس» تقدم تفسيره في باب حذف السلام. وقوله «اسكنوا في الصلاة» يستفاد منه أن فعلهم هذا مكروه وأنه ينافي الخشوع، فأمرهم صلى الله عليه وسلم بالسكون في الصلاة والخشوع فيها والإقبال عليها. (تخريجه) (م. د. نس. وغيرهم). 829 - عن عبد الرحمن بن شبل (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الحجاج ثنا الليث بعني ابن سعد قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب أن جعفر بن عبد الله بن الحكم حدثه عن تميم بن محمود الليثي عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري (الحديث). (غريبه) 4 - نقر الغراب كناية عن تخفيف السجود بقدر وضع الغراب منقاره للأكل. وافتراش السبع أن يبسط ذراعيه في سجوده ولا يرفعهما عن الأرض، وتقدم الكلام على ذلك في باب هيئة الجلوس للتشهد. 5 - قيل معناه أن يألف الرجل مكانًا معلومًا من المسجد مخصوصًا به يصلي فيه، كالبعير لا يأوي من عطن إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخًا، وقيل معناه أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود مثل بروك البعير، يقال: أوطنت الأرض ووطنتها واستوطنتها أي اتخذتها وطنًا ومحلاً (نه). قلت:
ثان (1) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ثلاث: عن نقرة الغراب، وعن افتراش السبع، وأن يوطن الرجل مقامه في الصلاة كما يوطن البعير. 6 - باب كراهة الصلاة وهو حاقن وبحضرة الطعام وبمدافعة النعاس 830 - عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن عبد الله بن أرقم رضي الله عنه أنه حج فكان يصلي بأصحابه يؤذن ويقيم، فأقام يومًا الصلاة، وقال: ليصل أحدكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أراد أحدكم أن يذهب
والحكمة في النهي عن ذلك على المعنى الأول إرادة تكثير مواضع السجود لتشهد له الأرض بذلك، وعلى المعنى الثاني عدم التشبه بالبهائم في أشرف المواقف وأفضلها، والله أعلم. (سنده) 1 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد قال: حدثني أبي عن تميم بن محمود عن عبد الرحمن بن شبل قال: سمعت الخ. (تخريجه)(د. نس. جه. ك) وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. قلت: وأقره الذهبي. (الأحكام) أحاديث النهي عن رفع البصر إلى السماء حال الصلاة تدل على تحريم هذا الفعل لكثرتها وصحتها ولما فيها من الوعيد الشديد والنهي الأكيد، وقد نقل الإجماع في النهي عن ذلك، وقد ذهب إلى تحريمه جماعة من العلماء، وبالغ ابن حزم فقال: تبطل به الصلاة. وذهب الأئمة الأربعة إلى كراهته، قال القاضي عياض: واختلفوا في كراهة رفع البصر إلى السماء في الدعاء في غير الصلاة، فكرهه شريح وآخرون، وجوزه الأكثرون، وقالوا: لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، ولا ينكر رفع الأبصار إليها كما لا يكره رفع اليد، قال الله تعالى:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات/22] اهـ. وفي أحاديث الباب أيضًا كراهة الإشارة في الصلاة لغير حاجة، لأن ذلك ينافي الخشوع، أما إذا كان لحاجة فلا كراهة وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في جملة وقائع للحاجة، وسيأتي الكلام على ذلك في باب التسبيح والتصفيق والإشارة باليد في الصلاة للحاجة. وفيها أيضًا كراهة اتخاذ الرجل مكانًا خاصًا في المسجد لصلاته لا يصلي إلا فيه، لأن تعدد مواضع الصلاة من السنة، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب مكث الإمام بالرجال قليلاً من أبواب الخروج من الصلاة بالسلام الخ. والله أعلم. 830 - عن هشام بن عروة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى
إلى الخلاء (1) وأقيمت الصلاة فليذهب إلى الخلاء. 831 - عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يأت أحدكم الصلاة وهو حاقن (2) ولا يدخل بيتًا إلا بإذن، ولا يؤمن إمام قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم (3). 832 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: لا يصلى بحضرة الطعام (4) ولا وهو يدافعه
ابن سعيد عن هشام بن عروة (الحديث). (غريبه) 1 - أي إذا وجد عنده ما يدعو إلى الذهاب إلى الخلاء لقضاء حاجته. (تخريجه)(الأربعة وغيرهم) وسنده جيد. 831 - عن أبي أمامة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حماد بن خالد ثنا معاوية يعني ابن صالح عن السفر بن نمير عن يزيد بن شريح عن أبي أمامة (الحديث). (غريبه) 2 - في بعض الروايات وهو حقن وهما سواه وهو الذي حبس بوله كالحاقب (بالباء الموحدة) للغائط، والمعنى أنه يكره للرجل أن يصلي وهو حابس للبول أو الغائط لأنه ينافي الخشوع، وهذا إذا لم يمنعه عن أداء شيء من الأركان، فإن منعه عن ذلك بطلت صلاته. 3 - زاد في رواية «فإن فعل فقد خانهم» أي لأنهم يعتمدون على دعائه ويؤمنون جميعًا إذا دعا اعتمادًا على عمومه فكيف يخص بذلك الدعاء نفسه، وهذا في القنوت ونحوه من كل ما يجهر به، أما ما يسر فيه كدعاء الافتتاح ونحوه فلا كراهة. (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ عن أبي أمامة لغير الإمام أحمد، وروى ابن ماجه الجملة الأولى منه في كتاب الطهارة بلفظ «لا يقوم أحد من المسلمين وهو حاقن حتى يخفف» يعني لا يقوم إلى الصلاة، وروى الجملة الأخيرة منه في كتاب الصلاة بلفظ «لا يؤم عبد فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم» وروى نحوه الإمام أحمد عن ثوبان (وسيأتي في باب الثلاثيات من قسم الترهيب) وأبو داود والترمذي وقال: حديث ثوبان حديث حسن. قلت: وحديث الباب في إسناده السفر بن نمير ضعيف، وقد وثقه ابن حبان، والله أعلم. 832 - عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن أبي حزرة قال: حدثني عبد الله بن محمد قال: سمعت عائشة تقول: سمعت رسول الله (الحديث). (غريبه) 4 - قال الخطابي: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بالطعام لتأخذ النفس حاجتها
الأخبثان (1). 833 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشام (2) قال: أخبرني أبي أخبرتني عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء، وقال وكيف إذا حضرت الصلاة والعشاء. وقال ابن عيينة: إذا وضع العشاء. 834 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نعس (3)
منه فيدخل المصلي في صلاته وهو ساكن الجأش لا تنازعه نفسه شهوة الطعام فيعجله ذلك عن إتمام ركوعها وسجودها وإيفاء حقوقها، وكذلك إذا دافعه البول فإنه يضيع به نحو من هذا، وهذا إذا كان في الوقت متسع فإن لم يكن بدأ بالصلاة. 1 - هما البول والغائط وفي معناهما القيء والريح، والمدافعة إما على حقيقتها لأنهما يدافعانه بطلب خروجهما وهو يدافعهما بمنعهما من الخروج، وإما بمعنى الدفع مبالغة، وهو مكروه إن لم يمنعه من أداء ركن كما تقدم وإلا بطلت صلاته. (تخريجه)(م. د. حب. وغيرهم) ولفظ ابن حبان «لا يصلي أحدكم وهو يدافع الأخبثين» . 833 - حدثنا عبد الله (غريبه) 2 - هكذا بالأصل حدثني أبي ثنا هشام ولا يستقيم ذلك، لأن هشامًا توفي سنة خمس أو ست وأربعين ومائة، والإمام أحمد ولد سنة أربع وستين ومائة، فكيف يحدث عنه، والذي يظهر لي أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى روى هذا الحديث عن وكيع وابن عيينة عن هشام وقد سقطا معًا من الناسخ بدليل قوله في آخر الحديث «وقال وكيع» يعني في روايته إذا حضرت الصلاة والعشاء. «وقال ابن عيينة» يعني في روايته «إذا وضع العشاء» ، وعادته أن يقول ذلك إذا روى الحديث عن شيخين اختلف لفظهما فيذكر لفظ كل واحد منهما، ويؤيد ذلك رواية مسلم هذا الحديث من طريق وكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة ورواه أيضًا من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء» هذا ما ظهر لي والله أعلم. وهشام المذكور في هذا الحديث هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، وتقدم الكلام على معنى الحديث في الذي قبله. 834 - عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن نمير ثنا هشام عن أبيه عن عائشة (الحديث). (غريبه) 3 - بفتح العين المهملة من بابي نفع وقتل
أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإنه إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه (1). 835 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف (2) فلينم حتى يعلم ما يقول
أي أصابه النعاس، والنعاس هو النوم الخفيف، وأل في الصلاة للجنس، فهو عام في كل صلاة سواء كانت فرضًا أم نفلاً ليلاً أم نهارًا. وقوله «فليرقد» معناه فلينم، وهو أمر استحباب إذا أريد بالنعاس النوم الخفيف، أما إذا أريد به النوم الثقيل فالأمر بالرقاد للوجوب. 1 - بين ذلك النسائي من طريق أيوب عن هشام بأن يريد اللهم اغفر فيقول اللهم اعفر بالعين المهملة فيكون دعاء على نفسه بالذل والهوان، ويجوز في قوله يسب النصب في جواب لعل ويجوز الرفع عطفًا على يستغفر. (تخريجه) (ق. لك. والأربعة. هق. مذ) وقال: حسن صحيح. 835 - عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس (الحديث). (غريبه) 2 - المراد به التسليم من الصلاة إذا أدركه فيها النوم.
(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ من حديث أنس لغير الإمام أحمد، ورواه الإمام الشافعي في مسنده عن أنس بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأى حبلاً ممدودًا بين ساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ فقالوا لفلانة تصلي فإذا غلبت تعلقت به، فقال: لا تفعل، تصلي ما عقلت، فإذا غلبت فلتنم». (الأحكام) أحاديث الباب فيها النهي عن الصلاة للحاقن الذي يدافع الأخبثين، والجائع وقت حضور الطعام، ومن غلبه النوم في الصلاة حتى تزول هذه الأشياء التي تذهب الخشوع في الصلاة، وحمله أهل الظاهر على الوجوب وأن من صلى وهو كذلك فصلاته باطلة، وحمله الجمهور على الكراهة. قال النووي رحمه الله: وفي هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب به وذهاب كمال الخشوع وكراهتها مع مدافعة الأخبثين، وهما البول والغائط، ويلحق بهذا ما كان في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع، وهذه الكراهة عند جمهور أصحابنا وغيرهم إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة، فإذا ضاق بحيث لو أكل أو تطهر خرج وقت الصلاة صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها، وحكى أبو سعد المتولي من أصحابنا وجهًا لبعض أصحابنا لا يصلي بحاله بل يأكل ويتوضأ وإن خرج الوقت لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته. اهـ. قلت: ويؤيد ما حكاه أبو سعد رواية مسلم عن
7 -
باب كراهة الصلاة بالاشتمال والسدل والإسبال وفي ثوب له أعلام وفي ملاحف النساء 836 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين، أما البيعتان: الملامسة والمنابذة (1)، واللبستان: اشتمال الصماء (2) والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء.
ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ولا يعجلن حتى يفرغ منه» . قال النووي: وفيه دليل على أنه يأكل حاجته من الأكل بكماله وهذا هو الصواب، وأما ما تأوله بعض أصحابنا على أنه يأكل لقمًا يكسر بها شدة الجوع فليس بصحيح، وهذا الحديث صريح في إبطاله. قال: وإذا صلى على حاله وفي الوقت سعة فقد ارتكب المكروه وصلاته صحيحة عندنا وعند الجمهور، لكن يستحب إعادتها ولا يجب، ونقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنها باطلة. اهـ. م. وفي أحاديث الباب أيضًا دليل على استحباب قطع الصلاة عند غلبة النوم على المصلي ليأخذ راحته من النوم ثم يصلي فإن ذلك أدعى إلى الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط. قال النووي: وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، لكن لا يخرج فريضة عن وقتها، قال القاضي عياض: وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا. اهـ. والله أعلم. 836 - عن أبي سعيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هاشم ثنا ليث حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد (الحديث). (غريبه) 1 - سيأتي الكلام عليهما في باب النهي عن بيوع الغرر من كتاب البيوع إن شاء الله تعالى.
2 -
هو أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبًا، وإنما قيل لها «صماء» لأنه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع، والفقهاء يقولون: هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتنكشف عورته (نه). و «الاحتباء» هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليهما، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، وإنما نهى عنه لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو نزل الثوب فتبدو عورته. (تخريجه)(ق. والأربعة) إلا الترمذي رواه من حديث أبي هريرة، وللبخاري من حديث أبي هريرة «نهى عن لبستين، واللبستان: اشتمال الصماء، والصماء أن يجعل ثوبه على
837 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل (1) يعني في الصلاة.
أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، واللبسة الأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء» ورواه الإمام أحمد أيضًا من حديث أبي هريرة وتقدم في باب كراهة اشتمال الصماء الخ من أبواب سترة العورة. 837 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سعيد ثنا وهيب وحماد عن عِسْل عن عطاء عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 1 - قال أبو عبيد في غريبه: السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه، فإن ضمه فليس بسدل. وقال صاحب (النهاية): هو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك. قال: وهذا مطرد، القميص وغيره من الثياب. قال: وقيل: هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه. وقال الجوهري: سدل ثوبه يسدله بالضم سدلاً أي أرخاه. وقال الخطابي: السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض. اهـ. فعلى هذا السدل والإسبال واحد. قال العراقي: ويحتمل أن يراد بالسدل سدل الشعر، ومنه حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته، وفي حديث عائشة أنها سدلت قناعها وهي محرمة أي أسبلته. اهـ. ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني إن كان السدل مشتركًا بينها، وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوي، وقد روى أن السدل من فعل اليهود، أخرج الخلال في (العلل) وأبو عبيد في (الغريب) من رواية عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه خرج فرأى قومًا يصلون وقد سدلوا ثيابهم فقال: كأنهم اليهود خرجوا من قهرهم. قال أبو عبيد: هو موضع مدراسهم الذي يجتمعون فيه. قال صاحب (الإمام): والقهر بضم القاف وسكون الهاء موضع مدراسهم الذي يجتمعون فيه، وذكره في (القاموس) و (النهاية) في الفاء لا في القاف. أفاده الشوكاني. (تخريجه) (مذ) بلفظ حديث الباب وسنده وقال: لا نعرفه من حديث عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا إلا من حديث عسل بن سفيان. قلت: وعسل بكسر العين المهملة وسكون السين المهملة وقيل بفتحتين، أبو قرة البصري. قال الحافظ في (التقريب): ضعيف، ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق أخرى ليس فيها عسل بزيادة «وأن يغطي الرجل فاه» ، ورواه الحاكم في (المستدرك) من الطريق التي رواها أبو داود بالزيادة التي ذكرها وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجا فيه تغطية الرجل فاه في الصلاة. قلت: وأقره الذهبي. قال الشوكاني: وكلامه هذا
838 -
عن عطاء بن يسار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يصلي وهو مسبل إزاره (1) إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ. قال: فذهب فتوضأ، ثم جاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ. قال: فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال (له رجل) (2): مالك يا رسول الله؟ مالك أمرته يتوضأ ثم سكت؟ (3) قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله عز وجل لا يقبل صلاة عبد مسبل إزاره (4).
(يعني الحاكم) يفهم أنهما أخرجا أصل الحديث مع أنهما لم يخرجاه. وفي الباب عن أبي جحيفة عند الطبراني في معاجمه الثلاث والبزار في مسنده وفي إسناده حفص بن أبي داود، وقد اختلف فيه عليه وهو ضعيف، وكذلك أبو مالك النخعي وقد ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم، قال البيهقي: وقد كتبناه من حديث إبراهيم بن طهمان عن الهيثم، فإن كان محفوظًا فهو أحسن من رواية حفص. اهـ. قلت: والحديث له طرق كثيرة وإن كانت كلها ضعيفة لكن يعضد بعضها بعضًا والله أعلم. 838 - عن عطاء بن يسار (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس بن محمد قال ثنا أبان وعبد الصمد قال ثنا هشام عن يحي عن أبي جعفر عن عطاء بن يسار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث). (غريبه) 1 - هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض إذا مشى وإنما يفعل ذلك كبرًا واختيالاً (نه). 2 - سقط لفظ «له رجل» من نسخة (المسند) ولذلك جعلتها بين قوسين، وثبتت عند أبي داود والبيهقي. 3 - بفتح التاء المشددة، وفي رواية البيهقي «ثم سكت عنه» يريد أن الرجل توضأ فلماذا أمرته بالوضوء مرة أخرى ولم تبين له سبب ذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره. ولعله السر في أمره بالوضوء وهو طاهر إلفات نظره إلى ما ارتكبه من المخالفة، فلما لم يفطن لذلك أمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء مرة أخرى، أو زجرًا له لما فعله من إسبال الإزار. 4 - أي لأن فعله هذا ينافي الخشوع والتواضع، والله تعالى لا يقبل الصلاة إلا من عبده الخاشع المتواضع، وكلما ازداد الإنسان إقبالاً على الله ازداد قبولاً عنده، جعلنا الله ممن تقبل عملهم وستر زللهم وغفر خطاياهم. (تخريجه)(د. هق) وحديث الباب أُبهم في سنده الصحابي وجاء في (المسند) تحت
839 -
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة (1) لها أعلام، فلما قضى صلاته قال: شغلتني أعلامها (2) اذهبوا بها إلى أبي جهم (3) وائتوني
ترجمة حديث حية التميمي، ولم يُذكر تحت هذه الترجمة إلا هو وحديث آخر عن حية التميمي عن أبيه في العين والفأل، وأبوه هو حابس بن ربيعة التميمي، قال البغوي: لا أعلم له إلا حديث العين. قلت: فذكر حديث الباب تحت هذه الترجمة خطأ، ورواه أبو داود والبيهقي بسنديهما عن أبان عن يحيى عن أبي جعفر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: بينما رجل يصلي (الحديث) وفي إسناده عند الجميع أبو جعفر، قال الترمذي: لا يعرف اسمه، قلت: وقد جاء منسوبًا عند البيهقي في بعض طرقه فقال أبو جعفر المدني، وترجمه الحافظ في (التقريب) فقال: أبو جعفر المؤذن الأنصاري المدني مقبول من الثالثة، ومن زعم أنه محمد بن علي بن الحسين فقد وهم، وقال في موضع آخر: هذا ليس بمستقيم، لأن محمد بن علي لم يكن مؤذنًا، ولأن أبا جعفر هذا قد صرح بسماعه من أبي هريرة فتعين أنه غيره. اهـ. 839 - عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة (الحديث). (غريبه) 1 - هي ثوب خز أو صوف معلم. وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديمًا وجمعها الخمائص (نه). قيل سميت بذلك لرقتها وصغرها إذا طويت، مأخوذة من الخمص وهو ضمور البطن. و «الأعلام» جمع علم وهو رقم الثوب أي النقش الذي في طرفه يشبه الكتابة. 2 - يعني كادت تشغله وتلهيه عن كمال الحضور في الصلاة، وليس المراد أنها شغلته صلى الله عليه وسلم بالفعل، ويؤيد ذلك ما رواه البخاري عن عروة عن أبيه عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال:«كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة فأخاف أن تفتنني» وما جاء في رواية مالك في (الموطأ) وفيها «فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني» فإطلاق رواية الباب للمبالغة في القرب لتحقق وقوع الشغل.
3 -
رواية مسلم «اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة» واسم أبي جهم هذا عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي المدني الصحابي، قال الحاكم: أبو أحمد ويقال اسمه عبيد بن حذيفة. قال النووي: وهو غير أبي جهيم بضم الجيم وزيادة ياء على التصغير. م. وقال الزبير بن بكار: كان أبو جهم عالمًا بالنسب وكان من المعمرين شهد بنيان الكعبة في الجاهلية، وشهد بنيانها في أيام ابن الزبير. اهـ. وأمر صلى الله عليه وسلم بإرسال الخميصة إلى أبي جهم لكراهته إياها لما يترتب على لبسها في الصلاة من الاشتغال بها، وخص بها أبا جهم لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك والطحاوي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أهدى أبو جهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم خميصة شامية
بأنبجانيته (1). وعنه من طريق ثان (2) قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم خميصة فأعطاها أبا جهم وأخذ أنبجانية له، فقالوا: يا رسول الله: إن الخميصة هي خير من الأنبجانية، قالت: فقال: إني كنت أنظر إلى علمهما في الصلاة (3). 840 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا همام قال ثنا قتادة عن ابن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم كره الصلاة في ملاحف النساء (4). قال قتادة: وحدثني، إما قال: كثير، وإما قال: عبد ربه، شك همام (5)، عن أبي عياض عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط (6) من صوف لعائشة عليها بعضه وعليه بعضه
لها علم فشهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فلما انصرف قال: ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم فإنها كادت تفتنني» ولا يقال كيف أرسل صلى الله عليه وسلم لأبي جهم ما كرهه لأنه لا يلزم من إرسالها استعمالها في الصلاة. 1 - بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وكسر النون الثانية وفتح الياء التحتية مشددة. وقال ثعلب: يجوز فتح الهمزة وكسرها وكذا الموحدة، وهو منسوب إلى موضع اسمه أنبجان، وطلبها صلى الله عليه وسلم من أبي جهم لئلا يؤثر في قلبه رد الهدية، وهذا يدل على كرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم وحسن سياسته. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم الخ. 3 - المعنى أن ما في طرفها من النقوش كان يلفت نظره إليها، لا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعمد النظر والله أعلم. (تخريجه)(ق. لك. نس. جه) وغيرهم.
840 -
حدثنا عبد الله (غريبه) 4 - جمع ملحفة بكسر الميم وهي الملاءة التي تلتحف بها المرأة، واللحاف كل ثوب يتغطى به، والجمع لحف، ككتاب وكتب. 5 - المعنى أن همامًا روى هذين الحديثين عن قتادة فذكر سند الحديث الأول ثم شك همام في سند الحديث الثاني هل قال قتادة حدثني كثير عن أبي عياض عن عائشة أم قال: حدثني عبد ربه عن أبي عياض عن عائشة، شك همام في ذلك، وكلاهما حسن، أما كثير فهو ابن أبي كثير البصري قال في (الخلاصة): وثقه العجلي، وأما عبد ربه فهو ابن أبي يزيد قال في (التقريب) مستور. 6 - بكسر الميم وهو كساء من صوف أو خز يؤتزر به وتتلفع المرأة به، والجمع مروط مثل حمل وحمول. (تخريجه) الحديث الأول جاء مرسلاً عند الإمام أحمد وقد وصله أبو داود فقال
8 -
باب نهي المصلي عن التنخم جهة الإمام أو اليمين وعن الاختصار في الصلاة 841 - عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى
حدثنا عبيد الله بن معاذ نا أبي نا أشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة رضي الله عنها «قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في شعرنا ولحفنا» ورواه أيضًا النسائي وابن ماجه وكذا الترمذي وصححه ولفظه «لا يصلي في لحف نسائه» والحديث الثاني أخرجه (م. نس. جه) وظاهر الحديثين التناقض، فإن في الأول كراهة الصلاة في لحف النساء، وفي الثاني الجواز ولا تناقض، لأنه يمكن الجمع بحمل الكراهة على ما إذا صلى فيه مع وجود غيره، لأنه في هذه الحالة يستحب الاحتياط والأخذ باليقين، ويحمل الجواز على ما إذا لم يجد غيره ولم يعلم بنجاسة فيصلي فيه، وفي هذا دفع للوسواس والله أعلم. (الأحكام) أحاديث الباب فيها النهي عن اللبستين: اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد. وقد مر تفسيرهما آنفًا. قال النووي: فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروهًا لئلا تعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم لأجل انكشاف العورة. قال الشوكاني: والحديث يدل على تحريم هاتين للبستين لأنه المعنى الحقيقي للنهي، وصرفه إلى الكراهة مفتقر إلى دليل. وفيها أيضًا دليل على عدم قبول صلاة المسبل إزاره في الصلاة، والسبل والإسدال معناهما واحد على قول الأكثر، وهو حرام بإجماع العلماء، إذا قصد به الكبر والخيلاء، وسواء كان في الصلاة أم خارجًا عنها، وإذا كان بغير قصد الخيلاء يكره عند الشافعية، وقالت الحنابلة والمالكية: لا بأس به. وقالت الحنفية: إن كان يقصد الخيلاء كره وإلا فلا. قال الشوكاني: قال جابر بن عبد الله وعطاء والحسن وابن سيرين ومكحول وعطاء والزهري: لا بأس به. وروي ذلك عن مالك، وأنت خبير بأنه لا موجب للعدول عن التحريم إن صح الحديث لعدم وجدان صارف له عن ذلك. اهـ. وفيها أيضًا كراهة امتداد النظر إلى ما يشغل وإزالة ما يخاف اشتغال القلب به وكراهية تزويق محراب المسجد وحائطه ونقشه وغير ذلك من الشاغلات لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العلة في إزالة الخميصة هذا المعنى، وفي حديث الخميصة أن الصلاة تصح وإن حصل فيها فكر شاغل ونحوه مما ليس متعلقًا بالصلاة. قال النووي: وهذا بإجماع الفقهاء. وفيه صحة الصلاة في ثوب له أعلام وأن غيره أولى. اهـ. وفي أحاديث الباب أيضًا دليل على اجتناب ثياب النساء التي يظن نجاستها وتقدم الكلام على ذلك في باب الصلاة في ثوب النوم وشعر النساء من أبواب ستر العورة. والله أعلم. 841 - عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
نخامة (1) في قبلة المسجد، فقام فحكها أو قال: فحتها (2) بيده ثم اقبل على الناس فتغيظ عليهم، وقال: إن الله عز وجل قبل وجه أحدكم في صلاته (3) فلا يتنخمن أحد منكم قبل وجهه في صلاته. 842 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن أبي عدي عن سعيد وابن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه مناج ربه (4) فلا يتفلن أحد منكم عن يمينه،
إسماعيل أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر (الحديث). (غريبه) 1 - النخامة هي البزقة التي تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة يقال تنخم إذا رمى نخامته. 2 - الحت والحك بمعنى، وهو الفرك والقشر، قاله الأزهري، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم باشر إزالتها بيده الشريفة وأنها كانت يابسة إذ لو كانت رطبة لقال مسحها. وقوله «فتغيظ عليهم» أي غضب صلى الله عليه وسلم على الحاضرين لتركهم ما يقذر المسجد وإن كان طاهرًا. 3 - قال الخطابي: تأويله أن القبلة التي أمر الله عز وجل بالتوجه إليها في الصلاة قبل وجهه فليصنها عن النخامة، وفيه إضمار وحذف واختصار، كقوله تعالى {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة/93] أي حب العجل، وإنما أضيفت تلك الجهة إلى الله تعالى على سبيل التكرمة كما قيل بيت الله وكعبة الله. اهـ. وقال المازري: لما كانت القبلة دليلاً على أن قاصدها موحد كانت علامة على التوحيد، والمصلي يتقرب إلى الله تعالى بالتوجه إليها فهو محل معظم المعنى، فإن الجهة المعظمة قبل وجهه، فلا يقابلها بالبصاق الذي جرت به العادة أن لا يقابل به إلا الحقير المهان ولذا قال (في بعض الروايات)«أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخم في وجهه» . اهـ. (تخريجه)(ق. لك. نس).
842 -
حدثنا عبد الله (غريبه) 4 - المراد بالمناجاة هنا إقباله تعالى على عبده بالرحمة والرضوان، وإقبال العبد على ربه بالخشوع وحضور القلب وتدبر القرآن، ومن كان هذا حاله فلا يتفلن أمامه لأنه مستقبل أشرف جهة عظمها الله، ولا عن يمينه لأن الملك عن يمينه كما في رواية وخصص ملك اليمين إكرامًا له، فإن كان ولا بد من ذلك فليكن عن يساره في ثوبه أو منديل يعده لذلك أو تحت قدمه إن كان فرش المسجد حصى أو ترابًا كما كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بشرط أن يدفنها فيه وإلا ارتكب خطيئة، فقد روى الشيخان والإمام أحمد
قال ابن جعفر: فلا يتفل أمامه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدميه. 843 - عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة قال: يقول مرة فحتها قال: ثم قال: قمت فحتيتها (1) ثم قال: أيحب أحدكم إذا كان في صلاته أن يتنخع في وجهه أو يبزق في وجهه؟ إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره تحت قدمه، فإن لم يجد (2) قال بثوبه هكذا. 844 - عن زياد بن صبيح الحنفي قال: كنت قائمًا أصلي إلى البيت وشيخ إلى جانبي فأطلت الصلاة فوضعت يدي على خصري (3) فضرب الشيخ صدري بيده ضربة لا يألو (4) فقلت في نفسي: ما رابه (5) مني؟ فأسرعت الانصراف
وغيرهما عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها» . (تخريجه)(ق. نس. وغيرهم) 843 - عن أبي رافع (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا شعبة قال قاسم بن مهران أخبرنيه قال سمعت أبا رافع يحدث عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 1 - يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم حت منها جزءًا ففطن له أبو هريرة فقام فحت الباقي.
2 -
أي فإن لم يجد مكانًا عن يساره بأن كان مشغولاً بمصل آخر أو غلب عليه البزاق أو النخامة فليتفل في ثوبه. وفي رواية لمسلم «فإن لم يجد فليقل به هكذا» وفي رواية عند أبي داود بعد قوله «هكذا» قال: «ووصف لنا ابن عجلان ذلك أن يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض» . (تخريجه)(ق. وغيرهما). 844 - عن زياد بن صبيح (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا سعيد بن زياد الشيباني ثنا زياد بن صبيح الحنفي الخ. (غريبه) 3 - الخصر من الإنسان وسطه وهو المستدق فوق الوركين، والجمع خصور مثل فلس وفلوس، والاختصار والتخصر في الصلاة وضع اليد على الخصر، قاله في (المصباح). 4 - أي ضربة شديدة لا يقصر في شدتها. 5 - الريب الظن والشك ورابني الشيء يريبني إذا جعلك شاكًا قال أبو زيد: رابني من فلان أمر يريبني ريبًا إذا استيقنت منه الريبة، فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن منه الريبة قلت: أرابني
فإذا غلام خلفه قاعد فقلت: من هذا الشيخ؟ فقال: هذا عبد الله بن عمر. فجلست حتى انصرف. فقلت: أبا عبد الرحمن ما رابك مني؟ قال: أنت هو؟ قلت: نعم. قال: ذاك الصلب (1) في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه. 845 - عن يزيد بن هارون عن هشام (2) عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نُهي عن الاختصار في الصلاة، قال (3): قلنا لهشام: ما الاختصار؟ قال: يضع يده على خصره وهو يصلي. قال يزيد: قلنا لهشام ذكره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال برأسه نعم.
منه أمر هو فيه إرابة، وأراب فلان إرابة فهو مريب إذا بلغك عنه شيء أو توهمته. اهـ. (مصباح). 1 - يعني وضع اليدين على الخاصرتين في الصلاة حالة القيام شبيه بالمصلوب، فإن المصلوب يمد يديه على الجذع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن التخصر الشبيه بالصلب. (تخريجه)(د. نس) وسنده جيد. 845 - عن يزيد بن هارون (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون أنا هشام عن محمد الخ. (غريبه) 1 - هشام هو ابن حسان البصري. و (محمد) هو ابن سيرين.
2 -
قال يعني يزيد بن هارون. 3 - وذكره ابن أبي شيبة في مصنفه عن محمد بن سيرين وكذا فسره الترمذي، وفي رواية للبخاري «نهى عن الخصر في الصلاة» وفي أخرى له «نهى أن يصلي الرجل مختصرًا» ونحوها للنسائي، وفي رواية للبيهقي «نهى عن التخصر» . (تخريجه)(ق. والثلاثة). (الأحكام) أحاديث الباب فيها النهي عن البصاق جهة اليمين أو الأمام لمن كان في المسجد أو غيره سواء أكان متلبسًا بصلاة أم لا، وبذلك جزم النووي. قال الحافظ: ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة، وعن معاذ بن جبل:«ما بصقت عن يميني منذ أسلمت» ، وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقًا، وقال مالك: لا بأس به خارج الصلاة، ويدل لما قاله التقييد بالصلاة في حديث أنس المذكور في الباب. اهـ. ويجوز أن يبصق جهة يساره أو تحت قدمه بشرط أن يدفن بصقته إن كان في المسجد، فإن لم يدفنها فقد أساء وارتكب خطيئة ولا كفارة لها إلا دفنها كما في الحديث، فإن دفنها محيت عنه هذه الخطيئة
9 -
باب جواز التسبيح والتصفيق والإشارة في الصلاة للحاجة 846 - عن جابر (بن عبد الله) رضي الله عنهما قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق (1) فأتيته وهو يصلي على بعيره (2) فكلمته
وتقدم الكلام على ذلك في باب تنزيه المساجد عن الأقذار من أبواب المساجد، وإنما ذكرت هنا طرفًا من الأحاديث الواردة في ذلك غير ما ذكرت هناك لمناسبة ما يجوز فعله في الصلاة، وما لا يجوز. وحكم البصاق في الصلاة أنه لا يبطلها، وكذا التنخع إن لم يتبين منه حرفان أو كان مغلوبًا عليه. ذكره النووي. وفي أحاديث الباب أيضًا النهي عن التخصر في الصلاة، وظاهر النهي التحريم لعدم قيام قرينة تصرف النهي عن التحريم الذي هو معناه الحقيقي، وبه قال أهل الظاهر. قال العيني في (شرح البخاري): اختلفوا في حكم الخصر في الصلاة، فكرهه ابن عمر وابن عباس وعائشة وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبو مجلز وآخرون، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي. وذهب أهل الظاهر إلى تحريم الاختصار في الصلاة عملاً بظاهر الحديث. اهـ. فائدة: قال الحافظ اختلف في حكمة النهي عن ذلك (يعني الاختصار في الصلاة) فقيل: لأن إبليس أهبط متخصرًا، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال موقوفًا، وقيل: لأن اليهود تكثير من فعله فنهي عنه كراهة للتشبه بهم. أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل عن عائشة، زاد ابن أبي شيبة فيه «في الصلاة» ، وفي رواية له «لا تشبهوا باليهود». وقيل: لأنه راحة أهل النار، أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا عن مجاهد قال:«وضع اليد على الحقو استراحة أهل النار» . وقيل: لأنه صفة الراجز حين ينشد، رواه سعيد بن منصور من طريق قيس بن عبادة بإسناد حسن. وقيل: لأنه فعل المتكبرين. حكاه المهلب. وقيل: لأنه فعل أهل المصائب. حكاه الخطابي. قال الحافظ بعد ذكر هذه الأقوال: وقول عائشة أعلى ما ورد في ذلك، ولا منافاة بين الجميع. اهـ. والله أعلم. 846 - عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا زهير ثنا أبو الزبير عن جابر (الحديث). (غريبه) 1 - هي غزوة كانت في شعبان من السنة السادسة بعد الهجرة، وكان قد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق تجمعوا له، وكان قائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية زوج النبي صلى الله عليه وسلم فنصره الله عليهم وقتل منهم من قتل وأسر من أسر، ووقعت جويرية في الأسر فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما علم الناس بذلك قالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأعتقوا أكثر من مائة بيت من أهل بني المصطلق، فما كانت امرأة أعظم بكرة على قومها منها. وسيأتي تفصيل ذلك في الغزوات من كتاب السيرة إن شاء الله تعالى. 2 - يعني
فقال بيده هكذا، ثم كلمته فقال بيده هكذا، وأنا أسمعه يقرأ ويومئ برأسه، فلما فرغ قال: ما فعلت في الذي أرسلتك؟ فإنه لم يمنعني إلا أني كنت أصلي (1)، زاد في رواية «وهو موجه (3) حينئذ إلى الشرق». 847 - عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر فجعل يهوي بيده قال خلف: يهوي في الصلاة (3) قدامه، فسأله القوم حين انصرف، فقال: إن الشيطان هو كان يلقي عليّ شرر النار ليفتنن عن صلاتي، فتناولته فلو أخذته ما انفلت مني حتى يناط (4) إلى سارية
صلاة النافلة. وقوله «فقال بيده» يعني أشار بيده ولم يكلمه لاشتغاله بالصلاة. 1 - رواية مسلم «فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي» وله في رواية أخرى «فسلمت عليه فلم يرد علي، فلما انصرف قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي» . 2 - بكسر الجيم أي موجه وجهه وراحلته، وفيه دليل لجواز النافلة في السفر حيث توجهت به راحلته، وهو مجمع عليه. قاله النووي. وتقدم الكلام على ذلك في الباب الرابع من أبواب القبلة. (تخريجه) (م. نس. هق. وغيرهم). 847 - عن جابر بن سمرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق وخلف بن الوليد قالا ثنا إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: صلى بنا (الحديث).
(غريبه) 3 - يعني أن خلفًا أحد مشايخ الإمام أحمد قال في روايته «فجعل يهوي في الصلاة» وقال عبد الرزاق (الشيخ الثاني للإمام أحمد): «فجعل يهوي بيده في الصلاة» ، فلما اختلف لفظهما ذكر الإمام أحمد لفظ كل واحد منهما كما هي عادته في مثل ذلك، وهذا من الدقة والتحري في الرواية، والمعنى فجعل يشير بيده في الصلاة أمامه يريد أن يمسك الشيطان بيده ليريهم إياه، وهذا غير ممتنع عقلاً على من اصطفاهم الله وخرق لهم العوائد. قال الخطابي رحمه الله: فيه دليل على أن رؤية الجن البشر غير مستحيلة، والجن أجسام لطيفة، والجسم وإن لطف فدركه غير ممتنع أصلاً، وأما قوله تعالى {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف/27] فإن ذلك حكم الأعم الأغلب من أحوال بني آدم، امتحنهم الله بذلك وابتلاهم ليفزعوا إليه ويستعيذوا به من شرهم ويطلبوا الأمان من غائلتهم، ولا ينكر أن يكون حكم الخاص والنادر من المصطفين من عباده بخلاف ذلك. اهـ. 4 - أي يعلق من ناط الشيء
من سواري المسجد ينظر إليه ولدان أهل المدينة. 848 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن صهيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنه أنه قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت، فرد إلي إشارة، وقال: لا أعلم إلا أنه قال إشارة بإصبعه. 849 - وعنه أيضًا قال: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده. 850 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يشير في الصلاة.
علقه وبابه قال: والسارية هي العمود. (تخريجه) لم أقف عليه من حديث جابر بن سمرة، وروى نحوه الشيخان من حديث أبي هريرة، ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم أشار بيده وهو في الصلاة فدل على أن الإشارة جائزة للحاجة. 848 عن عبد الله بن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج بن محمد قال: قال ليث يعني ابن سعد حدثني بكير يعني ابن عبد الله بن الأشج عن نابل صاحب العباء عن عبد الله بن عمر (الحديث). (تخريجه)(الثلاثة والبيهقي) وصححه الترمذي.
849 -
وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال قلت لبلال (الحديث). (تخريجه)(الأربعة والبيهقي) إلا أن في رواية النسائي وابن ماجه صهيبًا مكان بلال والحديث رجاله رجال الصحيح وصححه الترمذي. 850 - عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أنس (الحديث). (تخريجه)(د. قط. حب. وابن خزيمة) ورجاله من رجال الصحيحين، وقد صحت الإشارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أم سلمة في حديث الركعتين بعد العصر، ومن حديث عائشة وجابر لما صلى بهم جالسًا في مرض له فقاموا خلفه فأشار غليهم أن اجلسوا، وحديث أم سلمة المشار إليه رواه
851 -
عن يزيد بن كيسان استأذنت على سالم بن أبي الجعد (1) وهو يصلي فسبح لي، فلما سلم قال: إن إذن الرجل إ اكان في الصلاة يسبح (2) وإن إذن المرأة أن تصفق (3). 852 - ز. عن علي رضي الله عنه قال: كنت آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأستأذن
البخاري ومسلم وأبو داود من رواية كريب أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه إلى عائشة ثم إلى أم سلمة فقالت أم سلمة: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الركعتين بعد العصر، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر، ثم دخل عليّ وعندي نسوة من بني حرام، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه، وقولي له: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري عنه، ففعلت الجارية، فأشار بيده (الحديث). وحديث عائشة أخره أيضًا الشيخان وأبو داود وابن ماجه في صلاته شاكيًا، وفيه «فأشار إليهم أن اجلسوا» (الحديث) وحديث جابر أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه في قصة شكوى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه «فأشار إلينا فقعدنا» (الحديث). 851 - عن يزيد بن كيسان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا مروان ابن معاوية الفزاري أنا يزيد بن كيسان. (غريبه) 1 - هو من التابعين ومن رجال الستة مات سنة سبع وتسعين وقيل سنة ثمان وقيل سنة مائة. 2 - أي يقول: سبحان الله كما في رواية للبخاري والإمام أحمد «من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله» وستأتي. 3 - التصفيق بالقاف، وفي رواية عند أبي داود والإمام أحمد بالحاء المهملة، قال ابن حزم: لا خلاف في أن التصفيح والتصفيق بمعنى واحد، وهو الضرب بإحدى صفحتي الكف على الأخرى. قال العراقي: وما ادعاه من نفي الخلاف ليس بجيد، بل فيه قولان آخران أنهما مختلفا المعنى. أحدهما أن التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى، والتصفيق الضرب بباطن إحداهما على باطن الأخرى. حكاه صاحب (الإكمال) وصاحب (المفهم). والقول الثاني: أن التصفيح الضرب بإصبعين للإنذار والتنبيه، وبالقاف بالجميع للهو واللعب، وروى أبو داود في سننه عن عيسى بن أيوب أن التصفيح الضرب بأصبعين من اليمين على باطن الكف اليسرى. (تخريجه) الحديث منقطع ولم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وأحاديث الباب الموصولة تعضده. 852 - ز. عن عليّ رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبو كريب
فإن كان في صلاة سبح، وإن كان في غير صلاة أذن لي. 853 - عن جابر (بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أنساني الشيطان شيئًا من صلاتي فليسبح الرجال وليصفق النساء. 854 - عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من نابه شيء في صلاته (1) فليقل: سبحان الله،
محمد بن العلاء ثنا ابن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال علي رضي الله عنه: كنت آتي النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث). (تخريجه) قال الحافظ في (التلخيص): رواه النسائي من حديث جرير عن مغيرة عن الحارث الفلكي عن عبد الله بن نجي عن عليّ قال: «كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة آتيه فيها، إذا أتيت استأذنت، فإن وجدته يصلي فسبح دخلت، وإن وجدته فارغًا أذن لي» ورواه من حديث أبي بكر بن عياش عن مغيرة بلفظ «فتنحنح» بدل «فسبح» ، وكذا رواه ابن ماجه وصححه ابن السكن، وقال البيهقي: هذا مختلف في إسناده ومتنه، قيل:«سبح» وقيل «تنحنح» قال: ومداره على عبد الله بن نجي. قلت: واختلف عليه فقيل عنه عن عليّ، وقيل عن أبيه عن عليّ، وقال يحيى بن معين: لم يسمعه عبد الله من عليّ، بينه وبين عليّ أبوه. اهـ. قلت: رواية الإمام أحمد ليست من هذا الطريق، وليس فيها «تنحنح» ، لكن في إسنادها عليّ بن يزيد بن أبي زياد الألهاني ضعيف. 853 - عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ابن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر (الحديث).
(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد، ورواه ابن أبي شيبة عن جابر لفظ «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» واختلف في رفعه ووقفه، ورواه ابن أبي شيبة أيضًا عن جابر من قوله، ورواية الإمام أحمد في إسنادها ابن لهيعة فيه كلام. 854 - عن سهل بن سعد الساعدي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن أبي حازم سمع سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نابه شيء في صلاته (الحديث). (غريبه) 1 - أي نزل به شيء من الحوادث والمهمات وأراد إعلام غيره كإذنه لداخل
إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال. 855 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء.
وإنذاره لأعمى وتنبيهه لساه أو غافل. (تخريجه)(ق. د. نس) وهو حديث طويل وهذا طرف منه، وسيأتي بتمامه في باب الإمام ينتقل مأمومًا إذا استخلف فحضر مستخلفه من أبواب صلاة الجماعة. 855 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبيد قال ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة (الحديث). (تخريجه)(ق. والأربعة وغيرهم). (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أنه لا بأس أن يسلم غير المصلي على المصلي لتقريره صلى الله عليه وسلم من سلم عليه على ذلك، وجواز تكليم المصلي بالغرض الذي يعرض لذلك، وجواز الرد بالإشارة، وقد قدمنا في الأحكام في آخر باب النهي عن الكلام في الصلاة ذكر القائلين باستحباب الرد بالإشارة والمانعين من ذلك، وقد استدل القائلون بالاستحباب بالأحاديث المذكورة في هذا الباب، واستدل المانعون بحديث ابن مسعود المذكور هناك، لقوله فيه «فلم يرد علينا» ولكنه ينبغي أن يحمل الرد المنفي هناك على الرد بالكلام لا الرد بالإشارة، لأن ابن مسعود نفسه قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رد عليه بالإشارة، ولو لم ترد عنه هذه الرواية لكان الواجب هو ذلك جمعًا بين الأحاديث. فائدة: ورد في أحاديث الباب في كيفية الإشارة لرد السلام في الصلاة حديث ابن عمر عن صهيب قال: «لا أعلمه إلا أنه قال إشارة بأصبعه» وحديث بلال «كان يشير بيده» ولا اختلاف بينهما فيجوز أن يكون أشار مرة بأصبعه ومرة بجميع يده، ويحتمل أن يكون المراد باليد الأصبع حملاً للمطلق على المقيد، وفي حديث ابن عمر الذي في الباب ورواه أبو داود أيضًا أنه سأل بلالاً: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ فقال: يقول هكذا. وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل وجعل ظهره إلى فوق، ففيه الإشارة بجميع الكف، وفي حديث ابن مسعود عند البيهقي بلفظ «فأومأ برأسه» ، وفي رواية له «فقال برأسه يعني الرد» ويجمع بين الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا مرة وهذا مرة فيكون جميع ذلك جائزًا. أفاده الشوكاني. قلت: وفي أحاديث الباب أيضًا جواز الإشارة في الصلاة للحاجة ولو لغير رد السلام كما في حديث جابر بن سمرة، وما ذكرناه في
10 -
باب جواز البكاء في الصلاة من خشية الله 856 - عن مطرق (بن عبد الله) عن أبيه (1) رضي الله عنه قال: انتهيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولصدره أزيز (2) كأزيز المرجل. (زاد في رواية «من البكاء»)(3). 857 - عن عائشة رضي الله عنها في حديث مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق (4) لا يملك دمعه، وإنه
خلال الشرح من حديث أم سلمة وعائشة وجابر. وفيها أيضًا دليل على جواز التسبيح للرجال والتصفيق للنساء إذا ناب أمر من الأمور. قال الشوكاني: وهي ترد على ما ذهب إليه مالك في المشهور عنه من أن المشروع في حق الجميع التسبيح دون التصفيق، وعلى ما ذهب إليه أبو حنيفة من فساد صلاة المرأة إذا صفقت في صلاتها، قال: وقد اختلف في حكم التسبيح والتصفيق: هل الوجوب أو الندب أو الإباحة؟ فذهب جماعة من الشافعية إلى أنه سنة، منهم الخطابي وتقي الدين السبكي والرافعي، وحكاه عن أصحاب الشافعي. اهـ. والله أعلم. 856 - عن مطرف (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا حماد عن ثابت عن مطرف (بن عبد الله) عن أبيه (الحديث). (غريبه) 1 - هو عبد الله بن الشخير بكسر الشين المعجمة والخاء المشددة المكسورة صحابي من مسلمة الفتح.
2 -
«الأزيز» هو صوت القدر عند غليان الماء. و «المرجل» بوزن منبر قدر من نحاس، وقد يطلق على كل قدر يطبخ فيه. والمعنى أنه يجيش جوفه ويغلي من البكاء من خشية الله تعالى. 3 - قال عبد الله بن الإمام أحمد في آخر الحديث «لم يقل من البكاء إلا يزيد بن هارون». قلت: يعني في روايته وتقدمت في باب افتتاح الصلاة والخشوع فيها. (تخريجه)(د. نس. حب. مذ) وصححه. 857 - عن عائشة هذا طرف من حديث طويل سيأتي بتمامه وسنده في الفصل الثالث من باب مرضه صلى الله عليه وسلم إلى أن لحق بالرفيق الأعلى من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى. (غريبه) 4 - أي رقيق القلب، وفي رواية للبخاري أنها قالت: إن أبا بكر
إذا قرأ القرآن بكى، قالت: ما قلت ذلك إلا كراهية أن يتأثم الناس بأبي بكر (5) أن يكون أول من قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فراجعته، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، إنكن صواحب يوسف (1).
أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس. 5 - أي يتشاءموا به ويتجنبوه كتجنبهم الإثم لكونه أول من قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1 - صواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن، وهذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحدة هي عائشة فقط، كما أن المراد بصواحب يوسف زليخا فقط، كذا قال الحافظ، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك، وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه ومرادها زيادة، وهو أن لا يتشاءم الناس به كما صرحت بذلك في بعض طرق الحديث عند مسلم فقالت: والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. (تخريجه)(د. س. حب. مذ) وصححه. ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صمم على استخلاف أبي بكر بعد أن أخبر أنه إذا قرأ غلبه البكاء دل ذلك على الجواز، والله أعلم. وفي الباب عند ابن حبان والإمام أحمد وسيأتي في غزوة بدر من أبواب الغزوات إن شاء الله تعالى عن عليّ رضي الله عنه قال:«ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي» وهذا لفظ الإمام أحمد، وترجم له ابن حبان بذكر الإباحة للمرء أن يبكي من خشية الله، وأخرج البخاري وسعيد بن منصور وابن المنذر أن عمر صلى صلاة الصبح وقرأ سورة يوسف حتى بلغ إلى قوله تعالى {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف/86] فسمع نشيجه».
(الأحكام) أحاديث الباب تدل على جواز البكاء في الصلاة وأنه لا يبطلها، وللأئمة تفصيل في ذلك. فذهبت الحنفية إلى أنه غير مبطل للصلاة إن كان من خشية الله تعالى أو لذكر الجنة أو النار، فإن كان لوجع أو مصيبة بطلت. وذهبت المالكية إلى أن البكاء لخوف الله تعالى والدار الآخرة غير مبطل للصلاة ولو بصوت، أما إن كان لغير ذلك فإن كان بلا صوت فلا بأس وإلا فالكلام إن كان عمدًا أبطل قليله وكثيرة، وإن كان سهوًا أبطل كثيرة دون قليله. وذهبت الشافعية
11 -
باب جواز قتل الأسودين في الصلاة والمشي اليسير والالتفات فيها لحاجة 858 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين (1) في الصلاة: العقرب والحية. 859 - عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي (2) في البيت والباب عليه مغلق، فجئت فمشى حتى فتح لي ثم رجع إلى مقامه، ووصفت أن الباب في القبلة (3). وعنها من طريق ثان (4) قالت: استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فمشى في القبلة إما عن يمينه
إلى عدم البطلان إن لم يظهر منه حرفان، فإن ظهر أبطل مطلقًا، سواء أكان من خشية الله تعالى أم لا. وذهبت الحنابلة إلى أنه إن كان من خشية الله تعالى فغير مبطل مطلقًا، ظهر من حرفان أم لا، وإن كان لغير ذلك فإن ظهر من حرفان أبطل ما لم يكن غلبه وإلا فلا. 858 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان قال حفظت عن معمر عن يحيى أخبره عن ضمضم عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 1 - تسمية الحية والعقرب بالأسودين من باب التغليب ولا يسمى بالأسود في الأصل إلا الحية. (تخريجه) (الأربعة) وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. اهـ. وأخرجه أيضًا (حب. ك.) وصححه. 859 - عن عروة عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي أنا بشر بن المفضل ثنا برد عن الزهري عن عروة عن عائشة (الحديث). (غريبه) 2 - عند النسائي يصلي تطوعًا وبوب عليه الترمذي فقال: باب ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع. 3 - يعني أن عروة قال: ووصفت عائشة أن الباب في القبلة. أي كان إلى جهتها، فيستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يتحول عن القبلة لأن مشيه كان متجهًا إليها ثم تأخر وهو مستقبلها حتى رجع إلى مكانه، ويؤيد ذلك ما رواه الدارقطني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا استفتح إنسان الباب فتح الباب ما كان في القبلة أو عن يمينه أو عن يساره ولا يستدبر القبلة» . (سنده) 4 - حدثنا عبد الله حدثني أبي أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد قال حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى
وإما عن يساره (1) حتى فتح لي ثم رجع إلى مصلاه. 860 - عن الأزرق بين قيس قال: كان أبو برزة (الأسلمي) رضي الله عنه بالأهواز (2) على حرف نهر وقد جعل اللجام في يده، وجعل يصلي، فجعلت الدابة تنكص (3)، وجعل يتأخر معها، فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم اخز هذا الشيخ كيف يصلي؟ قال: فلما صلى قال: قد سمعت مقالتكم، غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستًا أو سبعًا أو ثمانيًا فشهدت أمره وتيسيره، لكان رجوعي مع دابتي أهون علي من تركها فتنزع (4) إلى مألفها فيشق عليّ. وصلى أبو برزة العصر ركعتين (5).
السامي حدثنا برد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: استفتحت الخ. 1 - المعنى أنه صلى الله عليه وسلم مشى متجهًا إلى القبلة من جهة يمينه أو جهة يساره شك الراوي في ذلك. (تخريجه)(د. نس. قط. مذ) وسنده جيد. 860 - عن الأزرق بن قيس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الأزرق بين قيس (الحديث). (غريبه) 2 - الأهواز بفتح الهمزة وسكون الهاء، هي بلدة معروفة بين البصرة وفارس، فتحت في خلافة عمر. قال في (المحكم): ليس له واحدة من لفظه. قال أبو عبيدة البكري: هي بلد يجمعها سبع كور فذكرها. قال ابن خرداذبه: هي بلاد واسعة متصلة بالجبل وأصبهان. أفاده الحافظ في (الفتح).
3 -
بضم الكاف من باب قعد أي تتأخر والنكوص الإحجام عن الشيء. 4 - بكسر الزاي من باب ضرب أي تذهب إلى المكان الذي ألفته من قبل، يقال: نزع إلى الشيء نزاعًا ذهب إليه واشتاق أيضًا. 5 - أي لكونه كان مسافرًا، والمعنى أن بعض الخوارج عاب على أبي برزة صلاته لكونه كان يصلي وهو آخذ بلجام دابته ولكونه تأخر معها ففهم ذلك أبو برزة وأخبرهم أنهم لم يشهدوا زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هو فقد شهد ذلك وعلم أوامره صلى الله عليه وسلم في الدين وأنه يسر لا حرج فيه، فلو لم يمسك بلجام دابته ويجاريها في تأخرها لتفلتت منه وشق عليه الحصول عليها وتعطلت مصالحه، فسهولة الدين تقضي بما فعله والله أعلم. (تخريجه)(خ. هق).
861 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي يلتفت يمينًا وشمالاً ولا يلوي عنقه خلف ظهره. 862 - عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن رجل (1) من أصحاب عكرمة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلحظ (2) في صلاته من غير أن يلوي عنقه. 863 - عن أنس بن سيرين قال: رأيت أنس بن مالك يستشرف (3) لشيء وهو في الصلاة ينظر إليه.
861 - عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الحسن بن يحيى والطالقاني قالا ثنا الفضل بن موسى نا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس (الحديث). وفي آخره قال الطالقاني: حدثني ثور عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. (تخريجه) الحديث أورده الحازمي في الاعتبار وقال: هذا حديث غريب تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلاً وأرسله غيره عن عكرمة. اهـ. قلت: لعله يشير إلى الحديث الآتي بعده. 862 - عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن رجل من أصحاب عكرمة الخ. (غريبه) 1 - لعله يريد بذلك الرجل ثور بن زيد المتقدم ذكره فهو من أصحاب عكرمة لأن هذا الحديث يشبه الذي قبله سندًا ومتنًا ولأنه من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي هند المتقدم ذكره. 2 - أي ينظر بمؤخر عينه، واللحاظ بالكسر مؤخر العين مما يلي الصدغ، وقال الجوهري: بالفتح. (تخريجه) الحديث مرسل ورجاله ثقات، ولم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وأشار غليه الحازمي في (الاعتبار). 863 - عن أنس بن سيرين (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم أنا خالد عن أنس بن سيرين الخ. (غريبه) 3 - أي يرفع بصره ينظر إليه. (تخريجه) لم أقف على هذا الأثر لغير الإمام أحمد وسنده جيد. (الأحكام) الحديث الأول من أحاديث الباب يدل على جواز قتل الحية والعقرب في الصلاة من غير كارهة، وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء كما قال العراقي، وحكى الترمذي عن جماعة كراهة ذلك، منهم إبراهيم النخعي، وكذا روى ذلك عن إبراهيم ابن أبي شيبة في (المصنف)، وروى ابن أبي شيبة أيضًا
_________
عن قتادة أنه قال: إذا لم تتعرض لك فلا تقتلها. قال العراقي: وأما من قتلها في الصلاة أو هم بقتلها لعلي بن أبي طالب وابن عمر، روى ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه رأى ريشة وهو يصلي فحسب أنها عقرب فضربها بنعله، وروى البيهقي أيضًا قال: فضربها برجله، وقال حسبت أنها عقرب. ومن التابعين الحسن البصري وأبو العالية وعطاء ومورق العجلي وغيرهم. واستدل المانعون من ذلك إذا بلغ إلى حد الفعل الكثير كالهادوية، والكارهون له كالنخعي بحديث «إن في الصلاة لشغلاً» . ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب خاص فلا يعارضه ما ذكروه. وهكذا يقال في كل فعل كثير ورد الإذن به كحديث حمله صلى الله عليه وسلم لأمامة، وحديث خلعه للنعل، وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر ونزوله للسجود ورجوعه بعد ذلك، وحديث أمره صلى الله عليه وسلم بدرء المار وإن أفضى إلى المقاتلة، وحديث مشيه صلى الله عليه وسلم لفتح الباب لعائشة، وكل ما كان كذلك ينبغي أن يكون مخصصا لعموم أدلة المنع. واعلم أن الأمر بقتل الحية والعقرب مطلق غير مقيد بضربة أو ضربتين، وقد أخرج البيهقي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفاك للحية ضربة أصبتها أم أخطأتها» وهذا يوهم التقييد بالضربة. قال البيهقي: وهذا إن صح فإنما أرد والله تعالى أعلم وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور فقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتلها، وأراد والله أعلم إذا امتنعت بنفسها عند الخطأ، ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة. ثم استدل البيهقي على ذلك بحديث أبي هريرة عند مسلم «من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى، ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية» قال في (شرح السنة): وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القتل كالزنابير ونحوها. أفاده الشوكاني. وفي أحاديث الباب أيضًا جواز الفعل القليل الخارج عن الصلاة للحاجة سواء أكانت الصلاة نفلاً أم فرضًا كان الفعل مشيًا أو نحوه، فيستدل لجواز ذلك في النفل بحديث عائشة، وفي الفرض بحديث أبي برزة. قال النووي رحمه الله: ومختصر ما قاله أصحابنا أن الفعل الذي من جنس الصلاة إن كان كثيرًا أبطلها بلا خلاف، وإن كان قليلاً لم يبطلها بلا خلاف، هذا هو الضابط، قال: ثم اختلفوا في ضبط القليل والكثير على أربعة أوجه، فذكر ثلاثة منها، ثم قال: والرابع وهو الصحيح المشهور وبه قطع صاحب (المهذب) والجمهور أن الرجوع فيه إلى العادة، فلا يضر ما يعده الناس قليلاً كالإشارة برد السلام وخلع النعل ورفع العمامة ووضعها ولبس ثوب خفيف ونزعه وحمل صغير ووضعه ودفع مار ودلك البصاق في ثوبه وأشباه هذا، وأما ما عده الناس كثيرًا كخطوات كثرة متوالية وفعلات متتابعة فتبطل الصلاة. اهـ. ج. قال الحافظ في (الفتح): وقد أجمع الفقهاء على أن المشي الكثير في الصلاة
12 -
باب في جواز حمل الصغير في الصلاة 864 - عن عمرو بن سليم الزرقي أنه سمع أبا قتادة يقول: بينا نحن في المسجد جلوس خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع (1) وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صبية (2) فحملها على عاتقه فصلى صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه، يضعها إذا ركع، ويعيدها على عاتقه إذا قام (3)، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه حتى قضى صلاته، يفعل ذلك بها
المفروضة يبطلها فيحمل حديث أبي برزة على القليل، قال: وفي بعض طرقه أن الصلاة المذكورة كانت صلاة العصر. اهـ. وفي أحاديث الباب أيضًا دليل على جواز الالتفات في الصلاة لحاجة بدون أن يلوي عنقه إلى ظهره كما في حديث ابن عباس وما بعده في الباب وإليه ذهب عطاء ومالك وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأهل الكوفة. قاله الحازمي، واستدل على نسخ الالتفات بحديث رواه بإسناده إلى ابن سيرين قال:«كان رسول الله إذا قام في الصلاة نظر هكذا وهكذا فلما نزل {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون/1، 2] نظر هكذا. قال ابن شهاب ببصره نحو الأرض، قال: وهذا وإن كان مرسلاً فله شواهد، واستدل أيضًا بقول أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزل {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون/2]. 864 - عن عمرو بن سليم الزرقي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج بن محمد ثنا ليث يعني بن سعد حدثني سعيد بن أبي سعيد عن عمرو بن سليم الزرقي (الحديث). (غريبه) 1 - قال النووي: قوله «ابن الربيع» هو الصحيح المشهور في كتب أسماء الصحابة وكتب الأنساب وغيرها، ورواه أكثر رواة (الموطأ) عن مالك رحمه الله تعالى، فقالوا: ابن ربيعة، وكذا رواه البخاري من رواية مالك رحمه الله تعالى، قال القاضي عياض: وقال الأصيلي هو ابن الربيع بن ربيعة فنسبه مالك إلى جده، قال القاضي: وهذا الذي قاله غير معروف، ونسبه عند أهل الأخبار والأنساب باتفاقهم أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، واسم أبي العاص لقيط، وقيل مهشم، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم. اهـ. م. 2 - أي صغيرة قيل أنها كانت لم تفطم من الرضاع. وقوله «على عاتقه» أي بين منكبه وعنقه، والعاتق يذكر ويؤنث وجمعه عواتق. وفي الحديث التالي قال:«على رقبته» بدل «عاتقه» . 3 - أي من السجود كما في الحديث التالي. (تخريجه)(ق. لك. نس. حب. عب).
865 -
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي أنه سمع أبا قتادة يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وأمامة بنت زينب ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى على رقبته (1)، فإذا ركع وضعها، وإذا قام من سجوده أخذها فأعادها على رقبته، فقال عامر: ولم أسأله أي صلاة هي (2). قال ابن جريج وحدثت عن زيد بن أبي عتاب عن عمرو بن سليم أنها صلاة الصبح. قال أبو عبد الرحمن: جوده. 866 - عن عبد الله بن شداد عن أبيه (3) قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر (4) وهو حامل حسن أو
865 - حدثنا عبد الله (غريبه) 1 - في رواية عند مسلم «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة على عاتقه» . 2 - يعني أن عامر بن عبد الله بن الزبير لم يسأل عمرو بن سليم عن الصلاة التي حمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة، فقال ابن جريج: حدثت (يعني من طريق آخر) عن زيد بن أبي عتاب عن عمرو بن سليم أنها صلاة الصبح. قال أبو عبد الرحمن (يعني عبد الله بن الإمام أحمد) جود ابن جريج إسناد الحديث الذي فيه أنها صلاة الصبح. والله أعلم. (تخريجه)(ق. لك. نس. وغيرهم) 866 - عن عبد الله بن شداد حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون قال أنا جريج بن حازم قال ثنا محمد بن يعقوب عن عبد الله بن شداد الخ.
(غريبه) 3 - هو شداد بن الهاد الليثي صحابي شهد الخندق وما بعدها. وعبد الله ابنه راوي الحديث كنيته أبو الوليد المدني ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذكره العجلي من كبار التابعين الثقات، وكان معدودًا في الفقهاء، مات بالكوفة مقتولاً سنة إحدى وثمانين وقيل بعدها، ذكره الحافظ في (التقريب). 4 - أي في واحدة من صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر، شك الراوي، وسميت الظهر والعصر بالعشي لأن ما بعد الزوال إلى المغرب عشي، وقيل العشي من زوال الشمس إلى الصباح، وقيل لصلاة المغرب والعشاء العشاءان، ولما بين المغرب والعتمة عشاء. (نه).
حسين فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهري (1) صلته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني (2) فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته.
1 - أي في وسط الصلاة. 2 - أي جعلني كالراحلة فركب على ظهري. وقوله «حتى يقضي حاجته» يعني حتى يتم له مقصوده من الركوب، لأنه لو منعه من ذلك لبكى الصبي وهوش على المصلين، وفي فعله صلى الله عليه وسلم من الحكمة وسداد الرأي وحسن الخلق وكمال الرحمة ما لا يخفى. (تخريجه) (نس. ك) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قلت: وأقره الذهبي. تنبيه: حديث عبد الله بن شداد هذا هو آخر حديث وقع في مسند الإمام أحمد وقد أشرت إلى ذلك في المقدمة. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جواز حمل الصغير في الصلاة بالكيفية التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم مع أمامة، وأن ذلك غير مبطل للصلاة متى كانت الأفعال قليلة أو كثيرة غير متوالية. قال النووي رحمه الله تعالى في الكلام على حديث أبي قتادة عند مسلم: هذا يدل لمذهب الشافعي رحمه الله تعالى ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبية، وغيرهما من الحيوان الطاهر في صلاة الفرض وصلاة النفل، ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد، وحمله أصحاب مالك رضي الله عنه على النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة، وهذا التأويل فاسد لأن قوله «يؤم الناس» صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة. (قلت: جاء في رواية ابن جريج من أحاديث الباب عند الإمام أحمد أن ذلك كان في صلاة الصبح وهو صريح في الفرض) قال: وادعى بعض المالكية أنه منسوخ، وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة، فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع، لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه لكونه في معدته، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا، والأفعال في الصلاة لا تبطلها
13 -
باب جواز الصلاة في الثوب المخطط وفي ثوب واحد وفي ثوب بعضه على المصلي وبعضه على الحائض 867 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بردة حبرة (1)
إذا قلت أو تفرقت، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بيانًا للجواز وتنبيهًا به على هذه القواعد التي ذكرتها، وهذا يرد ما ادعاه الإمام أبو سليمان الخطابي أن هذا الفعل يشبه أن يكون كان بغير تعمد فحملها في الصلاة لكونها كانت تتعلق به صلى الله عليه وسلم فلم يدفعها، فإذا قام بقيت معه، قال: ولا يتوهم أنه حملها ووضعها مرة بعد أخرى عمدًا لأنه عمل كثير ويشغل القلب، وإذا كان علم الخميصة شغله فكيف لا يشغله هذا؟ هذا كلام الخطابي رحمه الله تعالى، وهو باطل ودعوى مجردة، ومما يردها قوله في (صحيح مسلم)«فإذا قام حملها» وقوله «فإذا رفع من السجود أعادها» وقوله في رواية غير مسلم «خرج علينا حاملاً أمامة فصلى» فذكر الحديث، وأما قضية الخميصة فلأنها تشغل القلب بلا فائدة، وحمل أمامة لا نسلم أنه يشغل القلب، وإن شغله فيترتب عليه فوائد وبيان قواعد مما ذكرناه وغيره، فأحل ذلك الشغل لهذه الفوائد لخلاف الخميصة، فالصواب الذي لا معدل عنه أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد، فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين والله أعلم. اهـ. م. قال الفاكهاني: وكان السر في حمله صلى الله عليه وسلم أمامة في الصلاة دفعًا لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن، فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم، والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول. اهـ. قلت: وفي أحاديث الباب أيضًا ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من التواضع مع الصبيان وسائر الضعفة ورحمتهم وملاطفتهم وفيها غير ذلك والله أعلم. 867 - عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم عن حميد عن أنس (الحديث). (غريبه) 1 - البردة في الأصل كساء أسود مربع فيه صغر تلبسه الأعراب، والجمع برد بضم الباء الموحدة وفتح الراء، فإذا وصفت بالحبر بوزن عنب أو أضيفت إليه كان المراد بها الثياب اليمانية التي من قطن أو كتان مخطط، يقال: بردة حبرة على الوصف، وبردة حبرة على الإضافة، والجمع حبر وحبرات كعنب وعنبات. قال الأزهري: ليس حبرة موضعًا أو شيئًا معلومًا، وإنما هو شيء معلوم أضيف الثوب إليه كما قيل ثوب قرمز بالإضافة، والقرمز صبغة فأضيف الثوب إلى الوشي والصبغ للتوضيح. اهـ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب ثياب الحبرة لما رواه مسلم والإمام أحمد من حديث أبي قتادة وسيأتي في كتاب اللباس إن شاء الله قال: قلنا لأنس بن مالك أي اللباس كان أعجب (وفي رواية أحب) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
قال أحسبه عقد بين طرفيها (1). 868 - وعنه أيضًا قال: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحًا به خلف أبي بكر. 869 - عن موسى بن إبراهيم بن أبي ربيعة عن أبيه قال: دخلنا على أنس بن مالك وهو يصلي في ثوب واحد ملتحفًا ورداؤه موضوع، قال: فقلت له: تصلي في ثوب واحد؟ قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي هكذا. 870 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه فليجعل طرفه على عاتقيه
الحبرة. 1 - العقد بين طرفي الثوب أو المخالفة بين طرفيه أو التوشح به كلها بمعنى واحد، وهو أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره، وتقدم الكلام على ذلك في الباب الخامس من أبواب ستر العورة. (تخريجه) (عل والبزار) بنحوه ورجاله موثقون. 868 - وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان إسماعيل قال: أخبرني حميد عن أنس (الحديث). (تخريجه) لم أقف عليه ورواه البزار بلفظ «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه متوكئًا على أسامة مرتديًا بثوب قطن فصلى بالناس» قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. 869 - عن موسى بن إبراهيم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو عامر ثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن موسى بن إبراهيم (الحديث). (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد. 870 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن حبان بن واسع عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري (الحديث). (تخريجه) لم أقف عليه وأخرج نحوه الشيخان من حديث أبي هريرة
871 -
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان بن عيينة عن الشيباني عن عبد الله بن شداد (1) عن ميمونة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط (2) لبعض نسائه وعليها بعضه. قال سفيان أراه قال: حائض. 872 - عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: سمعت خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تكون حائضًا وهي مفترشة بحذاء مسجد (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على خمرته (4) إذا سجد أصابني طرف ثوبه. وعنها من طريق ثان (5) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم فيصلي من الليل وأنا نائمة إلى جنبه، فإذا سجد أصابني ثيابه وأنا حائض
871 - حدثنا عبد الله (غريبه) 1 - هو ابن الهاد وتقدمت ترجمته وترجمة عبد الله ابنه في الباب السابق، وعبد الله هو ابن أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي عنه في سند الحديث التالي. 2 - بكسر الميم كساء من خز أو صوف يؤتزر به وتتلفع به المرأة وتقدم تفسيره، وجمعه مروط بضم الميم، وقد أبهم في هذه الرواية اسم صاحبة المرط وهي عائشة، وصُرح بذلك في رواية أخرى عند الإمام أحمد ومسلم عن عائشة قالت:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعليّ مرط وعليه بعضه إلى جنبه» فهذه الرواية أظهرت ما أُبهم في حديث الباب وأيدت ما ظنه سفيان بقوله «أراه قال: حائض» يعني أن سفيان ظن أن شيخه قال في الحديث وعليها بعضه وهي حائض، والله أعلم. (تخريجه) (م. وغيره). 872 - عن عبد الله بن شداد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بكر بن عيسى الراسي ثنا أبو عوانة قال ثنا سليمان الشيباني قال ثنا عبد الله بن شداد بن الهاد (الحديث). (غريبه) 3 - أي موضع سجوده صلى الله عليه وسلم وهو يصلي على خمرته في البيت لا في المسجد. 4 - بضم الخاء المعجمة. قال الخطابي: هي السجادة يسجد عليها المصلي، وهي عند بعضهم قدر ما يضع عليه المصلي وجهه فقط، وقد تكون عند بعضهم أكبر من ذلك. (سنده) 5 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا عبد الواحد ثنا سليمان الشيباني قال ثنا عبد الله بن شداد قال: سمعت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث). (تخريجه)(ق. د. نس. جه). (الأحكام) أحاديث الباب
14 -
باب جواز نوم المرأة أمام المصلي في الظلام 873 - عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلي في قبلته فإذا سجد غمزني (1) فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتها، والبيوت ليس يومئذ فيها مصابيح (2). 874 - عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا عن يمينه وعن شماله مضطجعة (3). 875 - عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة
تدل على جواز الصلاة في الثوب المخطط كالحبر ونحوه مما لا يشغل المصلي، لا كالخميصة فإنها تشغل. وفيها أيضًا جواز الصلاة في الثوب الواحد بشرط أن يكون ساترًا للعورة، وكلما زاد كان أفضل. وفيها أيضًا جواز الصلاة في ثوب بعضه على المصلي وبعضه على الحائض ما لم يمس منها موضعًا فيه دم، ولم يخالف في ذلك أحد فيما أعلم، والله أعلم. 873 - عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال: قرأت على عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة (الحديث). (غريبه) 1 - المراد بالغمز هنا الضرب أو الدفع الخفيف كما في رواية عند أبي داود «فإذا أراد أن يسجد ضرب رجلي قبضتها» . 2 - تريد لو كان فيها مصابيح لقبضت رجلي عند إرادته السجود ولما أحوجته إلى غمزي. (تخريجه)(ق. فع. د. وغيرهم). 874 - عن عطاء عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن عطاء عن عائشة (الحديث). (غريبه) 3 - أي تكون أحيانًا مضطجعة عن يمينه وهو يصلي وتكون أحيانًا عن شماله كذلك. (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ وسنده جيد وأحاديث الباب تؤيده. 875 - عن عروة عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة (الحديث). (تخريجه)(ق. د. وغيرهم)
876 -
عن عطاء عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى وهي معترضة بين يديه، وقال: أليس هن أمهاتكم وأخواتكم وعماتكم (1). 877 - وعنه أيضًا عن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة رضي الله عنها أخبرته قالت: كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي وأنا معترضة على السرير بينه وبين القبلة. قلت: أبينهما جدر المسجد؟ (2) قال: لا، في البيت إلى جدره.
876 - عن عطاء الخ. (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس ثنا داود يعني ابن أبي الفرات عن إبراهيم بن ميمون الصائغ عن عطاء عن عروة عن عائشة (الحديث). (غريبه) 1 - الظاهر والله أعلم أن عروة سئل كيف تنام المرأة أمام الرجل وهو يصلي؟ فقال: أليس هن أمهاتكم الخ. يعني أن المرأة إذا كانت محرمًا أو زوجة لا يشغل بها المصلي فلا بأس من نومها أمامه، وفي ذلك خلاف سيأتي. (تخريجه) أورده الهيثمي وقال: هو في الصحيح خلا قوله «أليس هن أمهاتكم وأخواتكم وعماتكم» رواه أحمد ورجاله ثقات. اهـ. 877 - وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن بكر قال أنا ابن جريج قال أخبرني عطاء عن عروة بن الزبير الخ. (غريبه) 2 - الجدر بفتح الجيم وسكون الدال المهملة لغة في الجدار وهو الحائط، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في البيت على السرير لا في المسجد كما فهم السائل وعائشة مضطجعة على السرير بينه وبين جدار البيت. (تخريجه) (ق. د. نس. جه). (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جواز الصلاة إلى المرأة وهي نائمة وبه قال بعض العلماء. قال النووي رحمه الله: وكره العلماء أو جماعة منهم الصلاة إليها لغير النبي صلى الله عليه وسلم لخوف الفتنة بها وتذكرها وإشغال القلب بها بالنظر إليها، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمنزه عن هذا كله مع أنه كان في الليل والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، قال: وأما استقبال المصلي وجه غيره فمذهبنا ومذهب الجمهور كراهته، ونقله القاضي عياض عن عامة العلماء رحمهم الله تعالى. اهـ. م.
أبواب سجود السهو 1 - باب ما يصنع من شك في صلاته 878 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال له عمر: يا غلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ قال: فبينما هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف فقال: فيم أنتما؟ فقال عمر: سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثًا فليجعلها ثنتين، وإذا لم يدر أثلاثًا صلى أم أربعًا فليجعلها ثلاثًا، ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين. 879 - عن مرة بن معبد عن يزيد بن أبي كبشة عن عثمان (بن عفان) رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني صليت فلم
878 - عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إبراهيم بن سعد حدثني محمد بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس (الحديث). (تخريجه)(جه. هق. مذ) وقال: هذا حديث حسن صحيح. قلت: وسنده عنده: حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن خالد بن عتمة البصري حدثنا إبراهيم بن سعيد إلى آخر سند رواية الإمام أحمد. قال الترمذي: وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عوف من غير هذا الوجه رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ. 879 - عن مرة بن معبد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن
أدر أشفعت أم أوترت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياي (1) وأن يتلعب بكم الشيطان في صلاتكم، من صلى منكم فلم يدر أشفع أو أوتر (2) فليسجد سجدتين فإنهما تمام صلاته (3). وعنه من طريق ثان (4) قال: صلى بنا يزيد بن أبي كبشة العصر، فانصرف إلينا بعد صلاته، فقال: إني صليت مع مروان بن الحكم فسجد مثل هاتين السجدتين (5) ثم انصرف إلينا فأعلمنا أنه صلى مع عثمان (بن عفان رضي الله عنه وحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله (6) أو نحوه. 880 - عن إبراهيم (7) عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أدري (8) زاد أم نقص فلما سلم قيل له: يا رسول
عبد الله بن الزبير ثنا مرة بن معبد (الحديث). (غريبه) 1 - أي احذر نفسي، ففيه تحذير المتكلم وهو شاذ عند النحاة، لكن المراد في الحقيقة تحذير المخاطبين وتعليمهم بأن ذلك منهي عنه أما هو فقد عصمه الله من الشيطان قال تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر/42] وهو صلى الله عليه وسلم صفوة عباده وخيرته من خلقه. 2 - أي من شك في ذلك فليبن على اليقين أخذًا من الحديث السابق ثم ليسجد سجدتين. 3 - أي تجبر الخلل الذي وقع في الصلاة وترغم الشيطان كما في حديث أبي سعيد الآتي في الباب. (سنده) 4 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن معين وزياد بن أيوب قالا ثنا سوار أبو عمارة الرملي عن مرة بن معبد قال: صلى بنا يزيد (الحديث). 5 - الظاهر والله أعلم أن يزيد بن أبي كبشة سها في صلاته فسجد بهم سجدتي السهو، فلما انصرف من صلاته قال لهم: إني صليت مع مروان فذكر الحديث. 6 - أي مثل الطريق الأول من حديث عثمان. (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وقال العراقي: رجاله ثقات غلا أن يزيد بن أبي كبشة لم يسمع من عثمان، وقد رواه أحمد أيضًا عن يزيد بن أبي كبشة عن مروان عن عثمان. اهـ. قلت: سند الطريق الأولى من الحديث منقطع لأن يزيد بن أبي كبشة لم يسمع من عثمان كما قال العراقي، وسند الطريق الثانية متصل لأنه عن يزيد بن أبي كبشة عن مروان عن عثمان، قال الهيثمي: ورجال الطريقين ثقات. 880 - عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود). (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (بن مسعود)(الحديث). (غريبه) 7 - هو النخعي. 8 - القائل «فلا أدري» هو إبراهيم النخعي
الله هل حدث في الصلاة شيء؟ قال: لا، وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا. قال: فثني رجليه (1) فسجد سجدتي السهو، فلما سلم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون (2)، وإذا شك أحدكم في الصلاة فليتحر الصلاة، فإذا سلم فليسجد سجدتين
وتصوير ذلك أنه روى الحديث عن علقمة عن ابن مسعود بلفظ «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة زاد أو نقص فلما سلم» الخ. فقال إبراهيم «لا أدري» يعني مَن القائل منهما «زاد أم نقص» هل هو علقمة أم ابن مسعود؟ ويستفاد هذا التصوير من كلام منصور الراوي هذا الحديث عن إبراهيم في الطريق الثانية، لكن سيأتي في رواية الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله في باب ما يفعل من صلى الرباعية خمسًا الجزم بالزيادة، ولعل إبراهيم شك لما حدث منصورًا، وتيقن الزيادة لما حدث الحكم والله أعلم. 1 - يؤخذ منه أنه صلى الله عليه وسلم كان قد تحول عن هيئة الجلوس في الصلاة، وفي رواية أبي داود والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد «فثني رجله بالإفراد» ومعنى ثنى الرجل صرفها عن حالتها التي كانت عليها. 2 - في ذلك دليل على جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأفعال الشرعية، قال ابن دقيق العيد: وهو مذهب عامة العلماء والنظار، وهذا الحديث مما يدل عليه، وشذت طائفة فقالت: لا يجوز السهو عليه وإنما ينسى عمدًا ويتعمد صورة النسيان ليسن، وهو باطل وحديث الباب يرد عليهم. قال الحافظ: اتفق من جوز ذلك (يعني السهو عليه صلى الله عليه وسلم على أنه لا يقر عليه بل يقع له بيان ذلك إما متصلاً بالفعل أو بعده كما وقع في هذا الحديث، وفائدة جواز السهو في مثل ذلك بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره. اهـ. وحكى النووي عن القاضي عياض أنهم اختلفوا في جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه فجوزه الجمهور. وأما السهو في الأقوال البلاغية، فأجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده. وأما السهو في الأقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام الذي لا يتعلق بالأحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلى وحي، فجوزه قوم إذ لا مفسدة فيه. قال القاضي رحمه الله تعالى: والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من منع ذلك على الأنبياء في كل خبر من الأخبار، كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدًا ولا سهوًا، لا في صحة ولا في مرض، ولا رضا ولا غضب. اهـ. باختصار م. قلت: وفي المسألة كلام طويل محله علم الكلام والأصول، وقد أتى القاضي عياض في كتابه (الشفاء) بما يشفي فمن
وعنه من طريق ثان بنحوه (1) وفيه: فثنى رجله واستقبل القبلة وسجد سجدتين، ثم اقبل علينا بوجهه فقال: لو حدث في الصلاة شيء لأنبأتكموه (2) ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإن نسيت فذكروني (3)، وأيكم ما شك في صلاته فليتحر أقرب ذلك للصواب (4) فليتم عليه ويسلم ثم
أراد الزيادة فليرجع إليه، والله أعلم. (سنده) 1 - حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال: كتب إلي منصور وقرأته عليه، قال: حدثني إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لا أدري زاد أم نقص، إبراهيم القائل لا يدري علقمة قال «زاد أو نقص» أو عبد الله، ثم استقبلنا فحدثناه بصنيعه فثنى رجله (الحديث). 2 - فيه أن الأصل في الأحكام بناؤها على ما قررت عليه وأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وقوله صلى الله عليه وسلم «إنما أنا بشر» فيه حصر له في البشرية باعتبار من أنكر ثبوت ذلك ونازع فيه عنادًا أو جحودًا، وأما باعتبار غير ذلك مما هو فيه فلا ينحصر في وصف البشرية إذ له صلى الله عليه وسلم صفات أخر ككونه نبيًا رسولاً بشيرًا نذيرًا سراجًا منيرًا وغير ذلك. 3 - فيه أمر التابع بتذكير المتبوع بما ينساه. 4 - قال الحافظ: اختلف في المراد بالتحري فقال الشافعية: هو البناء على اليقين لا على الأغلب، لأن الصلاة في الذمة بيقين فلا تسقط إلا بيقين، وقال ابن حزم: التحري في حديث ابن مسعود يفسره حديث أبي سعيد يعني الذي رواه مسلم بلفظ «وإذا لم يدر أصلى ثلاثًا أو أربعًا فليطرح الشك وليبين على ما استيقن» وروى سفيان في جامعه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخ حتى يعلم أنه قد أتم» اهـ. وفي كلام الشافعي نحوه، ولفظه قوله «فلينحر» أي في الذي يظن أنه نقص فيكون التحري أن يعيد ما شك فيه ويبني على ما استيقن، وهو كلام عربي مطابق لحديث أبي سعيد، إلا أن الألفاظ تختلف، وقيل التحري الأخذ بغالب الظن وهو ظاهر الروايات التي عند مسلم، وقال ابن حبان في صحيحه: البناء غير التحري فالبناء أن يشك في الثلاث أو الأربع مثلاً فعليه أن يلغي الشك، والتحري أن يشك في صلاته فلا يدري ما صلى فعليه أن يبني على الأغلب عنده، وقال غيره: التحري لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى فيبني على غلبة ظنه وبه قال مالك وأحمد، وعن أحمد في المشهور: التحري يتعلق بالإمام فهو الذي يبني على ما غلب على ظنه، وأما المنفرد فيبني على اليقين دائمًا، وعن أحمد رواية أخرى كالشافعية وأخرى كالحنفية، وقال أبو حنيفة: إن طرأ الشك أولاً استأنف، وإن كثر بني
يسجد سجدتين. 881 - عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كنت في الصلاة فشككت في ثلاث أو ربع، وأكثر ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضًا ثم سلمت. وعنه من طريق ثان (1) عن عبد الله بن مسعود قال: إذا شككت في صلاتك وأنت جالس فلم تدر ثلاثًا صليت أم أربعًا، فإن كان أكبر ظنك أنك صليت ثلاثًا فقم فاركع ركعة ثم سلم ثم اسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم، وإن كان أكبر ظنك أنك صليت أربعًا فسلم ثم اسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم. 882 - عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم (2) يأتي
على غالب ظنه وإلا فعلى اليقين، ونقل النووي أن الجمهور مع الشافعي وأن التحري هو القصد قال الله تعالى:{فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن/14] اهـ. وسيأتي الخلاف في ذلك في الأحكام آخر الباب والله أعلم بالصواب. (تخريجه)(ق. د. نس. جه. وغيرهم). 881 - عن أبي عبيدة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن سلمة عن خصيف عن أبي عبيدة عن أبيه (الحديث). 1 - وعنه من طريق ثان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل ثنا خصيف به أعني بسند الطريق الأولى لكن الطريق الأولى مرفوعة وهذه موقوفة على ابن مسعود وهو من حجج القائلين بالعمل بغلبة الظن والتشهد بعد السلام للزيادة لكنه ضعيف. (تخريجه)(د. نس) قال البيهقي: هذا حديث مختلف في رفعه، ومتنه غير قوي، وهو من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، قال البيهقي: مرسل. قال الشوكاني: وقد ضعف الحافظ في (الفتح) إسناد هذا الحديث. قلت: في إسناده خصيف (بالتصغير) بن عبد الرحمن الخضرمي بكسر الخاء مختلف فيه، فالظاهر أن الحافظ ضعفه لذلك، والله أعلم. 882 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 2 - أي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيلبس عليه (1) حتى لا يدري كم صلى فمن وجد من ذلك شيئًا فليسجد سجدتين وهو جالس (2). 883 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم فلا يدري كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس (3)، وإذا جاء أحدكم الشيطان فقال: إنك قد أحدثت (4) فليقل كذبت إلا ما وجد ريحه بأنفه (5) أو سمع صوته بأذنه. 884 - وعنه أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا شك أحدكم في
1 - بضم الياء التحتية وفتح اللام وتشديد الباء الموحدة مكسورة أي يخلط، ومنه قوله تعالى {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام/9]. 2 - يستفاد منه أن المصلي إذا شك أزاد أم نقص فليس عليه إلا سجدتا السهو، وإليه ذهب الحسن البصري وطائفة من السلف، وروي عن أنس وأبي هريرة وخالفهم الجمهور، فمنهم من قال: يبني على الأقل، ومنهم من قال: يعمل على غلبة ظنه ويسجد كما تقدم، ويجاب عن هذا الحديث بأنه مجمل فيحمل على الأحاديث الدالة على أنه يبني على اليقين أو على غلبة الظن والله أعلم. (تخريجه) (ق. والأربعة). 883 - عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل ثنا الدستوائي ثنا يحيى بن أبي كثير ثنا عياض قال: قلت لأبي سعيد الخدري: أحدنا يصلي فلا يدري كم صلى فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم (الحديث). (غريبه) 3 - أي قبل السلام أخذًا من حديثه الآتي بعد هذا. 4 - كناية عن وسوسة الشيطان لمصلي. وقوله «فليقل: كذبت» كناية عن دفع وسوسته والإعراض عنها. 5 - هو استثناء من محذوف وما مصدرية، والتقدير فليقل: كذبت في كل حال إلا حال وجدان ريح شمه بأنفه أو ظهور صوت سمعه بأذنه فيعمل بمقتضى ذلك ويخرج من الصلاة لأنه تيقن الحديث بنفسه، قال العلماء: والمراد بسماع الصوت وشم الريح تيقن الحدث، فمتى تيقن خروجه انصرف من الصلاة وإن لم يسمع ولم يشم. (تخريجه)(ق. د. وغيرهم). 884 - وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس بن محمد ثنا فليح عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يساء عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صلاته فلم يدر كم صلى فليبن على اليقين (1) حتى إذا استيقن أن 02) قد أتم فليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإنه إن كانت صلاته وترًا صارت شفعًا (3) وإن كانت شفعًا كان ذلك ترغيمًا للشيطان (4). 885 - خط. عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى. قال: فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من صلى صلاة يشك في النقصان (5)
قال: إذا شك أحدكم (الحديث). (غريبه) 1 - في رواية لأبي داود «فلم يدر كم صلى ثلاثًا أو أربعًا فليصل ركعة وليسجد وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان» فقوله في حديث الباب «فليبن على اليقين» معناه فليأت بركعة. 2 - أن مخففة من الثقيلة. وقوله «قد أتم» يعني بإتيانه بالركعة. 3 - يريد أن السجدتين بمنزلة الركعة لأنهما ركناها فكأنه بفعلهما قد فعل ركعة سادسة فصارت الصلاة شفعًا. 4 - أي لأنه لما قصد التلبيس على المصلي وإبطال صلاته كانت السجدتان لما فيهما من الثواب ترغيمًا له فعاد عليه بسببهما قصده بالنقض. (تخريجه)(م. د. حب. ك. هق) ولفظه عند أبي داود «فليلق الشك وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة والسجدتان نافلة، وإن كانت صلاته ناقصة كانت الركعة تمامًا والسجدتان ترغيمًا للشيطان» واختلف فيه على عطاء بن يسار فروي مرسلاً، وروي بذكر أبي سعيد فيه، وروي عنه عن ابن عباس قال الحافظ: وهو وهم، وقال ابن المنذر: حديث أبي سعيد أصح حديث في الباب. اهـ. 885 - خط. عن عبد الرحمن بن عوف (سنده) قال أبو بكر (أعني القطيعي) أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك قال: أبو عبد الرحمن (يعني عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل) وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده ثنا محمد بن يزيد عن إسماعيل بن مسلم عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه كان يذاكر عمر في شأن الصلاة فانتهى إليهم عبد الرحمن بن عوف فقال: ألا أحدثكم بحديث الخ. (غريبه) 5 - أي مثل كونه يصلي صلاة رباعية فشك هل صلى ثلاثًا أم أربعًا، ففي هذه الحالة يبني على الأقل ويأتي بركعة رابعة، وهذا معنى قوله «فليصل حتى يشك في الزيادة» لأنه بعد إتيانه بركعة إن اعتراه شك لا يعتريه إلا في الزيادة، وفيه أن جعل الشك في جانب الزيادة أولى من جعله في جانب
فليصل حتى يشك في الزيادة. 886 - عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شك في صلاته (1) فليسجد سجدتين وهو جالس (وفي لفظ «فليسجد سجدتين بعدما يسلم»)(2). 887 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إغرار (3)
النقصان. (تخريجه)(جه) بنحوه وفيه «ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة» وفي إسناد رواية الإمام أحمد إسماعيل بن مسلم ضعيف، لكن أحاديث الباب تعضده. 886 - عن عبد الله بن جعفر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع أن مصعب بن شيبة أخبره عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر (الحديث). (غريبه) 1 - ظاهره سواء أكان الشك في زيادة أم نقص. 2 - فيه أن سجود السهو للشك بعد السلام ولا ينافيه ما تقدم في حديث أبي سعيد من أنه يسجد سجدتين قبل أن يسلم لأن الأمر في ذلك واسع والكل جائز كما سيأتي في الأحكام. (تخريجه)(د. نس. هق. حب) وفي إسناده مصعب بن شيبة فيه مقال، لكن تقويه أحاديث الباب. 887 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن (يعني ابن مهدي) قال: ثنا سفيان (يعني الثوري) عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 3 - رواية أبي داود «لا غرار» وهي المحفوظة كما سيأتي في الحديث التالي. و «الغرار» (بالغين المعجمة): النقصان، وغرار النوم: قلته، ويريد بغرار الصلاة نقصان هيئاتها وأركانها، وغرار التسليم أن يقول المجيب: وعليك، ولا يقول: السلام، وقيل أراد بالغرار النوم، أي ليس في الصلاة نوم، والتسليم يروى بالنصب والجر فمن جره كان معطوفًا على الصلاة كما تقدم، ومن نصب كان معطوفًا على الغرار، ويكون المعنى لا نقص ولا تسليم في صلاة، لأن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز. (نه) وقال الخطابي: الغرار في الصلاة على وجهين: أحدهما أن لا يتم ركوعه وسجوده، والآخر أن يشك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين وينصرف بالشك، والغرار في السلام أن تقول لمن قال «السلام عليكم ورحمة الله»: السلام عليكم أو عليكم فقط ولا ترد التحية
في صلاة ولا تسليم. 888 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن (يعني بن مهدي) عن سفيان (يعني الثوري) قال: سمعت أبي يقول: سألت أبا عمر والشيباني عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إغرار في الصلاة، فقال: إنما هو: لا غرار (1) في الصلاة، ومعنى غرار يقول: لا يخرج منها وهو يظن أنه قد بقي عليه منها شيء حتى يكون على اليقين والكمال.
كما سمعتها من صاحبك فتبخسه حقه. اهـ. والمعنى لا نقص في الصلاة ولا تسليم فيها أي لا يسلم المصلي على غيره ولا يسلم الغير عليه، وقد فسره بذلك الإمام أحمد، ورواه عنه أبو داود في سننه عقب ذكر حديث الباب، قال: قال أحمد: يعني فيما أرى أن لا تسلم ولا يسلم عليك ويغرر الرجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاك. اهـ. (تخريجه)(د. هق) وسنده جيد. 888 - حدثنا عبد الله (غريبه) 1 - يعني بدون همز وهي المحفوظة وأما رواية الهمز فغير محفوظة كما تقدم. (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد. (الأحكام) في حديثي عبد الرحمن بن عوف وأبي سعيد المذكورين في الباب دلالة على أن من شك في ركعة بنى على الأقل مطلقًا، قال النووي: وإليه ذهب الشافعي والجمهور وحكاه المهدي في (البحر) عن علي وأبي بكر وعمر وابن مسعود وربيعة والشافعي ومالك رضي الله عنهم أجمعين، واستدلوا بحديث أبي سعيد المذكور في الباب، وذهب عطاء والأوزاعي والشعبي وأبو حنيفة وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص من الصحابة إلى أن من شك في ركعة وهو مبتدأ بالشك لا مبتلى به أعاد. هكذا في (البحر). وقال: إن المبتلى الذي يمكنه التحري يعمل بتحريه، وحكاه عن ابن عمر وأبي هريرة وجابر بن زيد والنخعي وأبي طالب وأب حنيفة. والذي حكاه النووي عن أبي حنيفة وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الرأي أن من شك في صلاته في عدد ركعاته تحرى وبنى على غالب ظنه ولا يلزم الاقتصار والإتيان بالزيادة، قال: واختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة ومالك في طائفة: هذا لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى، وأما غيره فيبني على اليقين، وقال آخرون: هو على عمومه. اهـ. وحكى العراقي في (شرح الترمذي) عن عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وشريح القاضي ومحمد بن الحنفية وميمون بن مهران وعبد الكريم الخرزي والشعبي والأوزاعي
_________
أنهم يقولون بوجوب الإعادة مرة بعد أخرى حتى يستيقن، ولم يرو عنهم الفرق بين المبتدأ والمبتلى. وروي عن عطاء ومالك أنهما قالا: يعيد مرة، وعن طاوس كذلك، وعن بعضهم: يعيد ثلاث مرات. واحتج القائلون بالاستئناف بما أخرجه الطبراني في (الكبير) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل سها في صلاته فلم يدر كم صلى فقال: ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعدًا» وهو من رواية إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت. قال العراقي: لم يسمع إسحاق من جده عبادة. اهـ. فلا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المصرحة بوجوب البناء على الأقل، ومع هذا فظاهره عدم الفرق بين المبتدأ والمبتلى، والمدَّعى اختصاص الإعادة بالمبتدئ. واحتج القائلون بوجوب العمل بالظن والتحري إما مطلقًا أو لمن كان مبتلى بالشك بحديث ابن مسعود الذي في الباب لما فيه من الأمر لمن شك بأن يتحرى الصواب. وأجاب عنهم القائلون بوجوب البناء على الأقل بأن التحري هو القصد، ومنه قوله تعالى {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن/14] فمعنى الحديث فليقصد الصواب فيعمل به، وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره. وفي (القاموس) أن التحري التعمد وطلب ما هو أحرى بالاستعمال. أفاده الشوكاني. قال النووي: فإن قالت الحنفية: حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا؛ لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه، ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين يبني على الأقل بالإجماع، بخلاف من غلب على ظنه أنه صلى أربعًا مثلاً، فالجواب: أن تفسير الشك بمستوي الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين، وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكًا سواء المستوي والراجح والمرجوح، والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح. اهـ. قال الشوكاني رحمه الله: والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين وتحري الصواب، وذلك لأن التحري في اللغة كما عرفت هو طلب ما هو أحرى إلى الصواب، وقد أمر به صلى الله عليه وسلم وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند عروض الشك، فإن أمكن الخروج بالتحري عن دائرة الشك لغة ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه قد فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدم على البناء على الأقل، لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدراية كما في حديث عبد الرحمن بن عوف، وهذا التحري قد حصلت به الدراية، وأمر الشاك بالبناء على ما استيقن كما في حديث أبي سعيد، ومن بلغ به تحريه إلى اليقين قد بنى على ما استيقن، وبهذا تعلم أنه لا معارضة بين الأحاديث المذكورة، وأن التحري المذكور مقدم على البناء على الأقل، وقد أوقع الناس ظن التعارض بين هذه الأحاديث في مضايق ليس عليها أثارة
.
من علم كالفرق بين المبتدأ والمبتلى والركن والركعة. اهـ. فائدة: ذكر الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه (المجموع شرح المهذب) فرعًا نفيسًا يختص بأبواب السهو اخترت نقله هنا لما فيه من النفائس، قال رحمه الله: فرع في بيان الأحاديث الصحيحة التي عليها مدار باب سجود السهو وعنها تتشعب مذاهب العلماء، وهي ستة أحاديث: إحداها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى، فإذا لم يدر أحدكم كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس» رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لأبي داود «فليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم. الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر، فسلم في ركعتين ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد فاستند إليها وخرج سرعان الناس فقام ذو اليدين فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يمينًا وشمالاً فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين. فصلى ركعتين وسلم ثم كبر ثم سجد ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد ثم كبر ورفع» رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة، ورواه مسلم أيضًا من حديث عمران بن الحصين ببعض معناه وقال فيه:«سلم من ثلاث ركعات فلما قيل له صلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم» . الثالث: عن عبد الله بن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قام من صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس» رواه البخاري ومسلم. الرابع: عن إبراهيم النخعي عن علقمة عبن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «صلى رسول الله قال: إبراهيم زاد أو نقص، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا فثنى رجله واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين» رواه البخاري ومسلم إلا قوله «فإذا نسيت فذكروني» فإنه للبخاري وحده. وفي رواية للبخاري «ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين» ، وفي رواية لمسلم «ليتحرى الذي يرى أنه الصواب». وفي رواية لهما عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلى الظهر خمسًا فقيل: أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمسًا فسجد سجدتين». الخامس: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثًا أم أربعًا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم
_________
يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان» رواه مسلم. السادس: عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سهى أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثًا فليبن على اثنتين، فإن لم يدر أثلاثًا صلى أم أربعًا فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فهذه الأحاديث الستة هي عمدة باب سجود السهو، وفي الباب أحاديث بمعناها وأحاديث في مسائل مفردة من الباب ستأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى. فأما أبو حنيفة فاعتمد حديث ابن مسعود وقال: سجود السهو بعد السلام مطلقًا، وقال: إذا شك في عدد الركعات تحرى، فما غلب على ظنه عمل به، فإن لم يترجح له أحد الطرفين بنى على اليقين، هذا إذا تكرر منه الشك، فإن كان لأول مرة لزمه استئناف الصلاة. وأما مالك فاعتمد حديثي قصة ذي اليدين وابن بحينة فقال: إن كان السهو بزيادة سجد بعد السلام لحديث ذي اليدين، وإن كان نقصًا فقبله لحديث ابن بحينة. وأما أحمد فقال: يستعمل كل حديث منها فيما جاء فيه، ولا يحمل على الاختلاف، قال: وترك الشك قسمان: أحدهما يتركه ويبني على اليقين عملاً بحديث أبي سعيد فهذا يسجد قبل السلام، والثاني يتركه ويتحرى فهذا يسجد بعد السلام عملاً بحديث ابن مسعود. وأما الشافعي فجمع بين الأحاديث كلها ورد المجمل إلى المبين وقال: البيان إنما هو في حديث أبي سعيد وعبد الرحمن بن عوف وهما مسوقان لبيان حكم السهو، وفيهما التصريح بالبناء على اليقين والاختصار على الأقل ووجوب الباقي، وفيهما التصريح بأن سجود السهو قبل السلام وإن كان السهو بالزيادة، وأما التحري المذكور في حديث ابن مسعود فالمراد به البناء على اليقين. قال الخطابي: حقيقة التحري طلب أحرى الأمرين وأولاهما بالصواب، وأحراهما ما ثبت في حديثي أبي سعيد وعبد الرحمن من البناء على اليقين لما في من يقين إكمال الصلاة والاحتياط لها، وأما السجود في حديث ذي اليدين بعد السلام فقال الشافعي والأصحاب: هو محمول على أن تأخيره كان سهوًا لا مقصودًا، قالوا: ولا يبعد هذا، فإن هذه الصلاة وقع فيها السهو بأشياء كثيرة، فهذا الحديث محتمل مع أنه لم يأت لبيان حكم السهو فوجب تأويله على وفق حديثي أبي سعيد وعبد الرحمن الواردين لبيان حكم السهو الصريحين اللذين لا يمكن تأويلهما ولا يجوز ردهما وإهمالهما، فهذا مختصر ما يدور عليه باب سجود السهو من الأحاديث والجمع بينها وبيان معتمد العلماء في مذاهبهم فيها، وهو من النفائس المطلوبة وبالله التوفيق. اهـ. قلت: الأحاديث الستة التي ذكرها النووي في هذا الفرع جاءت في مسند الإمام أحمد وزيادة عليها
_________
فأما حديث أبي هريرة الأول المذكور في هذا الفرع فتقدم بلفظه في الباب الثالث من أبواب الأذان عدا قوله «فليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم» فهذا ذكرته هناك، وحديثه الثاني سيأتي في الباب التالي، وحديث عبد الله بن بحينة سيأتي في الباب الذي بعد التالي، والثلاثة الباقية ذكرت في هذا الباب، وحديث ابن مسعود الرابع من أحاديث الباب استدل به القائلون بالتشهد بعد السلام، وتقدم الكلام على ضعفه، لكن له شواهد تعضده منها ما رواه الترمذي عن عمران بن حصين «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسهى فسجد سجدتي السهو ثم تشهد ثم سلم» قال الترمذي: حديث حسن غريب. وأخرجه أيضًا ابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن حبان، وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما، وأخرجه النسائي بدون ذكر التشهد. ومنها ما رواه البيهقي عن المغيرة بن شعبة «أن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد بعد أن رفع رأسه من سجدتي السهو» قال البيهقي: تفرد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي ولا يفرح بما تفرد به، وقال في (المعرفة): لا حجة فيما تفرد به لسوء حفظه وكثرة خطئه في الروايات. اهـ. وقد أخرج حديث المغيرة الترمذي من رواية هشام عن ابن أبي ليلى المذكور، ولم يذكر فيه التشهد بعد سجدتي السهو. قال الحافظ: قد يقال إن الأحاديث الثلاثة (يعني حديث ابن مسعود وعمران والمغيرة) باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن، قال العلاء: وليس ذلك ببعيد، وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة. اهـ. قال الترمذي: واختلف أهل العلم في التشهد في سجدتي السهو، قال بعضهم: يتشهد فيهما ويسلم، وقال بعضهم: ليس فيهما تشهد وتسليم، وإن سجدهما قبل السلام لم يتشهد، وهو قول أحمد وإسحاق قالا: إذا سجد سجدتي السهو قبل السلام لم يتشهد. اهـ. قال الحافظ: وهو قول الجمهور على أنه لا يعيد التشهد، وحكى ابن عبد البر عن الليث أنه يعيده، وعن البويطي عن الشافعي مثله، وخطؤه في هذا النقل فإنه لا يعرف، وعن عطاء يتخير، واختلف فيه عند المالكية، وأما من سجد بعد السلام فحكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنه يتشهد، وهو قول بعض المالكية والشافعية، ونقله أبو حامد الإسفراييني عن القديم، لكن وقع في (مختصر المازني) سمعت الشافعي يقول: إذا سجد بعد السلام تشهد أو قبل السلام أجزأه التشهد الأول، وتأول بعضهم هذا النص على أنه تفريع على القول القديم وفيه ما لا يخفى. اهـ. (ف). واختلف العلماء في حكم سجود السهو، فذهب إلى سنيته المالكية والشافعية، وهو واجب عند الحنفية، وفيه تفصيل عند الحنابلة، فقالوا: يسن إذا أتى بقول مشروع في غير محله سهوًا، ويباح إذا ترك مسنونًا، ويجب إذا زاد ركوعًا أو سجودًا أو قيامًا أو قعودًا ولو قدر جلسة الاستراحة، أو سلم قبل إتمامها، أو لحن لحنًا يحيل المعنى، أو ترك واجبًا، أو شك في زيادة وقت فعلها، وتبطل الصلاة عندهم بتعمد ترك سجود السهو الواجب. واعلم
2 -
باب ما جاء في وسوسة الشيطان للمصلي وما يدفع ذلك 889 - عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه أن عمارًا (يعني بن ياسر) رضي الله عنه صلى ركعتين فقال له عبد الرحمن بن الحارث: يا أبا اليقظان (1) لا أراك إلا خففتهما، قال: هل نقصت من حدودهما شيئًا (2) قال: لا، ولكن خففتهما. قال: إني بادرت بهما السهو (3) إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل ليصلي ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد. ومن طريق ثان (4) عن ابن لاس الخزاعي (5) قال: دخل عمار بن ياسر
أن سجود السهو مشروع في صلاة النافلة كما هو مشروع في صلاة الفريضة، وإلى ذلك ذهب الجمهور من العلماء قديمًا وحديثًا لأن حكمته جبر الخلل وإرغام الشيطان وهذا يحتاج إليه في النفل كما يحتاج إليه في الفرض. وذهب ابن سيرين وقتادة وروي عن عطاء ونقله جماعة من أصحاب الشافعي عن قوله القديم على أن التطوع لا يسجد فيه، والله أعلم. 889 - عن عمر بن أبي بكر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثني سعيد بن أبي سعيد عن عمر بن أبي بكر الخ. (غريبه) 1 - كنية عمار بن ياسر رضي الله عنه. 2 - أي شيئًا يخل بالصلاة. 3 - يريد أنه لو أطالها لخشي هجوم الشيطان عليه بالوسوسة، فهو يرى الاقتصار فيها على المطلوب مع الاستحضار أفضل من طولها مع وسوسة الشيطان، لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«إن العبد ليصلي ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها» الخ. يعني على قدر ما عقل منها، فإن تمادى مع وسوسة الشيطان ولم يعقل منها شيئًا لم يكتب له ثواب أصلاً نعوذ بالله من ذلك. (سنده) 4 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن ابن لاس الخزاعي (الحديث). 5 - هكذا بالأصل ابن لاس، وفي رواية البيهقي أبو لاس، وفي (الخلاصة) أبو لاس بمهملة الخزاعي المدني، اسمه عبد الله أو زياد، صحابي له حديثان، وعنه عمر بن الحكم بن ثوبان. اهـ. وفي (التهذيب)
المسجد فركع فيه ركعتين أخفهما وأتمهما، قال: ثم جلس، فقمنا إليه، فجلسنا عنده ثم قلنا له: لقد خففت ركعتيك هاتين جدًا يا أبا اليقظان، فقال: إني بادرت بهما الشيطان أن يدخل علي فيهما. قال: فذكر الحديث (1). 890 - عن أبي العلاء بن الشخير أن عثمان (بن أبي العاص) رضي الله عنه قال: يا رسول الله حال الشيطان بيني وبين صلاتي وبين قراءتي (2). قال: ذاك شيطان يقال له خنزب (3)، فإذا أنت حسسته (4) فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثًا، قال: ففعلت ذاك فأذهب الله عز وجل عني
ويقال ابن لاس أيضًا. اهـ. 1 - يعني المتقدم في الطريق الأولى. (تخريجه)(د. نس. حب. هق) وسنده جيد. وفي الباب عند البيهقي عن أبي اليسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع والخمس حتى بلغ العشر» ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:«قال: إن العبد ليصلي فما يكتب له غلا عشر صلاته والتسع والثمن والسبع حتى يكتب له صلاته تامة» . 890 - عن أبي العلاء بن الشخير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري (يعني سعيدًا) عن أبي العلاء بن الشخير الخ. وله طريق ثان: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن سعيد الجريري عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص الثقفي قال: قلت: يا رسول الله حال الشيطان فذكر معناه. (غريبه) 2 - كناية عن الوسوسة. 3 - مثلث الخاء المعجمة مع سكون النون وفتح الزاي، قال أبو عمرو: وهو لقب له، والخنزب قطعة لحم منتنة ويروى بالكسر والضم. (نه). 4 - أي شعرت به. (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد. (الأحكام) في حديث عمار دلالة على استحباب تخفيف الصلاة مع إتمامها لمن خشي الوسوسة فإن المطلوب من الإنسان مدافعة الشيطان بقدر استطاعته وعدم التمادي معه لئلا يتلف عليه عبادته، وقد حذرنا الله تعالى منه بقوله عز من قائل:{يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف/27] وقال في آية
3 -
باب من سلم من ركعتين وفيه ذكر قصة ذي اليدين 891 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عون عن محمد (يعني ابن سيرين) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله (1)
أخرى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر/6] حقًا إن الشيطان عدو للإنسان يتربص به الدوائر ويتحين الفرص لوقوعه في شباكه خصوصًا في الصلاة التي هي أشرف العبادة وأعظم وسيلة تقرب العبد من ربه، فإذا استرسل معه الإنسان وقع في حبائله وحرم الثواب العظيم والأجر الجسيم {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم/22]. وفي حديث عثمان بن أبي العاص دليل على أن للصلاة شيطانًا يقال له خنزب يوسوس للإنسان في صلاته ويلبس عليه قراءته، وطريقة دفعه أن يتعوذ بالله منه وأن يتفل عن يساره ثلاثًا، وقد أنزل الله عز وجل سورتي المعوذتين مِطردة لأنواع الشر وأسبابه وغاياته، فقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلت أخذ بهما وترك ما سواهما» قال الترمذي: حديث حسن. وسيأتي ذكر فضلهما في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى بما يثلج الصدر. 891 - حدثنا عبد الله (غريبه) 1 - في بعض طرق الحديث عند الإمام أحمد وغيره «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وستأتي. قال الشوكاني: ظاهره أن أبا هريرة حضر القصة، وحمله الطحاوي على المجاز فقال: إن المراد به صلى بالمسلمين، وسبب ذلك قول الزهري إن صاحب القصة استشهد ببدر لأنه يقتضي أن القصة وقعت قبل بدر، وهي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين، لكن اتفق أئمة الحديث كما نقله ابن عبد البر وغيره على أن الزهري وهم في ذلك، وسببه أنه جعل القصة لذي الشمالين، وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر وهو خزاعي واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة، وأما ذو اليدين فتأخر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وحدث بهذا الحديث بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج ذلك الطبراني واسمه الخرباق كما سيأتي، وقد جوز بعض الأئمة أن تكون القصة وقعت لكل من ذي الشمالين وذي اليدين وأن أبا هريرة روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة ذي الشمالين، وشاهد الآخر وهو قصة ذي اليدين، قال في (الفتح): وهذا محتمل في طريق الجمع، وقيل: يحمل على أن
صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي (1) قال: ذكرها أبو هريرة ونسيها محمد، فصلى ركعتين ثم سلم، وأتى خشبة معروضة في المسجد (وفي رواية «ثم أتى جذعًا في القبلة (2) كان يسند إليه ظهره فأسند إليه ظهره» فقال بيده (3) عليها كأنه
ذا الشمالين كان يقال له أيضًا ذو اليدين وبالعكس فكان ذلك سبب الاشتباه، ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي الرواية الأخرى ولفظها «بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم» قال الحافظ في (الفتح): وقد اتفق معظم أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين ونص على ذلك الشافعي في اختلاف الحديث. اهـ. قلت: لكن جاء في الطريق الثالثة من طرق الحديث عند الإمام أحمد ما يشعر بأن ذا الشمالين يقال له ذو اليدين أيضًا والله أعلم بحقيقة الحال. 1 - قال النووي: هو بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء قال: قال الأزهري: العشي عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها. اهـ. قلت: قد اختلفت الروايات في بابن هذه الصلاة، فعند البخاري والإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال:«صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر» وفي رواية لهما قال محمد يعني ابن سيرين «وأكثر ظني أنها العصر» وفي رواية لمسلم وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على مسند أبيه «العصر من غير شك» ولمسلم والإمام أحمد «الظهر من غير شك أيضًا» ، ولهما في رواية «إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر». قال الحافظ: والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة، وأبعد من قال يحمل على أن القصة وقعت مرتين، بل روى النسائي من طريق ابن عون عن ابن سيرين أن الشك فيه من أبي هريرة ولفظه «صلَّى صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي. قال أبو هريرة: ولكني نسيت»، فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرًا على الشك، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها، وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها، وطرأ الشك أيضًا في تعيينها على ابن سيرين، وكأن سبب ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية. 2 - في رواية للبخاري في مقدم المسجد. 3 - أي استند بيده عليها أي على الخشبة وفي رواية للبخاري «فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى» ولعل غضبه صلى الله عليه وسلم كان لأمر من أمور المسلمين، وفي رواية عند مسلم «ثم أتي جذعًا في قبلة المسجد فاستند إليها» قال النووي: هكذا هو في كل الأصول «فاستند إليها» والجذع مذكر ولكن أنثه على إرادة الخشبة، وكذا جاء في رواية البخاري وغيره «خشبة» .
غضبان وخرجت السرعان (1) من أبواب المسجد قالوا: قصرت الصلاة؟ قال: وفي القوم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فهاباه (2) أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول يسمى ذا اليدين (3) فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم انس ولم تقصر الصلاة (4) (وفي رواية «ما قصرت
1 - بفتح السين المشددة والراء، قال النووي: هكذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة، وهكذا ضبطه المتقنون، والسرعان المسرعون إلى الخروج، ونقل القاضي عياض عن بعضهم إسكان الراء، قال: وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء ويكون جمع سريع كقفير وقفزان وكثيب وكثبان. وقوله «قصرت الصلاة» بضم القاف وكسر الصاد، وروي بفتح القاف وضم الصاد، وكلاهما صحيح، ولكن الأول أشهر وأصح. اهـ. م. 2 - أي غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه، وأما ذو الديني فغلب عليه حرصه على تعلم العلم. 3 - قال القرطبي: هو كناية عن طولهما، وعن بعض شراح (التنبيه) أنه كان قصير اليدين، وجزم ابن قتيبة أنه كان يعمل بيديه جميعًا، وذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره قاف اعتمادًا على ما وقع في حديث عمران بن حصين الآتي في الباب الرابع. قال الحافظ: وهذا موضع من يوحد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظري، وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد، والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين، ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين وأنه صلى الله عليه وسلم قام إلى خشبة في المسجد، وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة، فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده، ولكن طريق الجمع يكتفى فيها بأدنى مناسبة، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة، لأنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله. وأما الثاني فلعل الراوي لما رآه تقدم عن مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله، فإن كان كذلك وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه كما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة، ولموافقة ذي اليدين كما أخرجه أبو بكر الأثرم وعبد الله بن الإمام أحمد في زيادات المسند وأبو بكر بن أبي خيثمة وغيرهم. اهـ. 4 - هو تصريح بنفي النسيان ونفي القصر وهو مفسر لما
وما نسيت؟ قال: فإنك لم تصل إلا ركعتين. قال: كما يقول ذو اليدين؟ (1) قالوا: نعم. فجاء فصلى الذي ترك ثم سلم ثم كبر (2) فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، قال: فكان محمد (3) يسئل: ثم سلم؟ فيقول: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم. ومن طريق ثان حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان سمع أيوب عن محمد بن سيرين يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: صلى صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي إما الظهر وأكثر ظني أنها العصر فذكر نحو ما تقدم (4). ومن طريق ثالث (5) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فسلم في ركعتين فقال له ذو الشمالين (6) بن عبد عمرو وكان حليفًا لبني زهرة: أخففت الصلاة أم نسيت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا:
عند مسلم والإمام أحمد وسيأتي بلفظ «كل ذلك لم يكن» وتأييد لما قاله علماء المعاني أن لفظ كل إذا تقدم وعقبه نفي كان نفيًا لكل فرد لا للمجموع بخلاف ما إذا تأخر، ولهذا أجاب ذو اليدين بقوله «قد كان بعض ذلك» كما عند مسلم وعبد الله بن الإمام أحمد في الزوائد، وفي البخاري ومسلم أنه قال:«بلى قد نسيت» ، وفيه دليل على جواز دخول السهو عليه صلى الله عليه وسلم في الأحكام الشرعية، وقد تقدم الكلام على ذلك في الباب السابق. 1 - في رواية أخرى للإمام أحمد ستأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أحق ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم» وفي رواية لمسلم «أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم» . 2 - في قوله «ثم سلم ثم كبر» دليل لمن قال: إن سجود السهو بعد السلام، وسيأتي الخلاف في ذلك إن شاء الله. 3 - يعني ابن سيرين كان يسأله الناس: هل سلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد سجدتي السهو؟ فروى عن عمران بن حصين أنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعدها، ولفظ أبي داود «فقيل لمحمد: سلم في السجود؟ فقال: لم أحفظ من أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: نعم سلم». 4 - أي في الطريق الأولى. (سنده) 5 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 6 - هذا يدل على أن ذا الشمالين هو ذو اليدين لقوله صلى الله عليه وسلم في جواب
صدق يا نبي الله. فأتم بهم الركعتين اللتين نقص. وعنه من طريق رابع (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ركعتين ثم سلم، قالوا: أقصرت الصلاة؟ قال: فقام فصلى ركعتين ثم سجد سجدتين بعدما سلم. وعنه من طريق خامس (2) قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ركعتين، فقام رجل من بني سليم فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تقصر ولم أنسه. قال: يا رسول الله إنما صليت ركعتين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحق ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم. قال: فقام فصلى بهم ركعتين آخرتين قال يحيى (3) حدثني ضمضم بن جوس أنه سمع
سؤاله ما يقول ذو اليدين؟ لكن نص كثير من العلماء على أنه غيره، قالوا: والاتحاد وهم من قائله، قال ابن عبد البر: لم يتابع الزهري على قوله أن المتكلم ذو الشمالين. قلت: روى النسائي هذا الحديث من طريق الزهري، ومن طريق آخر ليس فيه الزهري ولفظه «حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرا، بن أبي أنس عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يومًا فسلم في ركعتين ثم انصرف فأدركه ذو الشمالين فقال: يا رسول الله أنقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال: لم تنقص الصلاة ولم أنس. قال: بلى والذي بعثك بالحق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم. فصلى بالناس ركعتين» . ويلزم منه أنه قد تابعه على ذلك عمران، فلا يصح قول ابن عبد البر «لم يتابع الزهري» كما لا يخفى، إلا أن يقال: لم يتابع من طريق صحيحة لأن عمران ضعيف. والله أعلم. (سنده) 1 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز قال ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم أنه سمع أبا سلمة يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ركعتين (الحديث)، وفي حجة لمن قال بسجود السهو بعد السلام. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى ثنا شيبان بن عبد الرحمن ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: بينما أنا أصلى (الحديث). 3 - هو ابن أبي كثير أحد رجال السند، وضمضم بفتح المعجمتين ابن جوس بفتح الجيم، قال الحافظ في (التقريب): ويقال ابن الحارث بن جوس اليمامي ثقة. اهـ.
أبا هريرة يقول: ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين. وعنه من طريق سادس (1) ز. قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم من ركعتين فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ذلك لم يكن. فقال: قد كان ذلك يا رسول الله. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم. فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من صلاته ثم سجد سجدتين وهو جالس. 892 - عن عطاء أن ابن الزبير صلى المغرب فسلم في ركعتين ونهض ليستلم الحجر فسبح القوم، فقال: ما شأنكم؟ قال: فصلى ما بقي وسجد
قلت: ضمضم هذا ليس من رجال هذا الطريق، والمعنى أن يحيى روى الحديث من طريق آخر عن ضمضم بن جوس وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد سجدتين، وحديث ضمضم هذا أخرجه أيضًا أبو داود وفيه «ثم سجد سجدتي السهو بعدما سلم». (سنده) 1 - ز. حدثنا عبد الله قال: قرأت على عبد الرحمن عن مالك وثنا إسحاق قال ثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان في حديث عبد الرحمن مولى ابن أبي أحمد أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر (الحديث). (تخريجه) أخرج الطريق الأولى (ق. والأربعة وغيرهم) والطريق الثانية أخرجها (ق. وغيرهما) والطريق الثالثة أخرجها النسائي، والطريق الرابعة أخرجها (م. د. نس) والطريق الخامسة أخرجها مسلم، والطريق السادسة أخرجها (د. نس) وأسانيد هذه الطرق جميعها جيدة. قال الحافظ في (التلخيص): لهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ، وقد جمع جميع طرقه الحافظ صلاح الدين العلائي وتكلم عليه كلامًا شافيًا. اهـ. وفي الباب عن ابن عمر عند أبي داود وابن ماجه، وعن ابن عباس عند البزار في مسنده والطبراني، وعند عبد الله بن مسعدة عند الطبراني في (الأوسط)، وعن معاوية ابن حديج عند أبي داود والنسائي. 892 - عن عطاء (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الأعلى ثنا
سجدتين قال: فذكر ذلك لابن عباس فقال: ما أماط (1) عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
سعيد عن مطرف عن عطاء أن ابن الزبير الخ. (غريبه) 1 - يعني أن ابن الزبير رضي الله عنه ما بعد ولا تنحى عن السنة، أو ما أبعد ولا نحى غيره عنها بما فعله لما تقدم من ثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، والخلاف في جواز البناء سيأتي إن شاء الله تعالى. (تخريجه) (طب. طس) والبزار وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. (الأحكام) قال النووي رحمه الله تعالى في (شرح مسلم): اعلم أن حديث ذي اليدين هذا في فوائد كثيرة وقواعد مهمة: منها جواز النسيان في الأفعال والعبادات على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأنهم لا يقرون عليه، وقد تقدمت هذه القاعدة. ومنها أن الواحد إذا ادعى شيئًا جرى بحضرة جمع كثير لا يخفي عليهم سئلوا عنه ولا يعمل بقوله من غير سؤال. ومنها إثبات سجود السهو وأنه سجدتان وأنه يكبر لكل واحدة منهما، وأنهما على هيئة سجود الصلاة لأنه أطلق السجود، فلو خالف المعتاد لبينه، وأنه يسلم من سجود السهو، وأنه لا تشهد له، وأن سجود السهو في الزيادة يكون بعد السلام، والشافعي رحمه الله تعالى يحمله على أن تأخير سجود السهو كان نسيانًا لا عمدًا. ومنها أن كلام الناسي للصلاة والذي يظن أنه ليس فيها لا يبطلها، وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو قول ابن عباس وعبد الله بن الزبير وأخيه عروة وعطاء والحسن والشعبي وقتادة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وجميع المحدثين رضي الله عنهم. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه وأصحابه والثوري في أصح الروايتين: تبطل صلاته بالكلام ناسيًا أو جاهلاً لحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم رضي الله عنهما. (قلت: تقدما في الباب الأول من أبواب ما يبطل الصلاة). قال: وزعموا أن حديث قصة ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم، قالوا: لأن ذا اليدين قتل يوم بدر، ونقلوا عن الزهري أن ذا اليدين قتل يوم بدر وأن قضيته في الصلاة كانت قبل بدر، قالوا: ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الإسلام عن بدر لأن الصحابي قد يوري ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابي آخر، وأجاب أصحابنا وغيرهم من العلماء عن هذا بأجوبة صحيحة حسنة مشهورة، أحسنها وأتقنا ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في (التمهيد) قال: أما ادعاؤهم أن حديث أبي هريرة منسوخ بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فغير صحيح، لأنه لا خلاف بين أهل الحديث والسير أن حديث ابن مسعود كان بمكة حين رجع من ارض الحبشة قبل الهجرة، وأن حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين كان بالمدينة، وإنما أسلم أبو هريرة عام خيبر سنة سبع من الهجرة بلا خلاف
_________
وأما حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فليس فيه بيان أنه قبل حديث أبي هريرة أو بعده، والنظر يشهد أنه قبل حديث أبي هريرة. وأما قولهم إن أبا هريرة رضي الله عنه لم يشهد ذلك فليس بصحيح، بل شهوده لها محفوظ من روايات الثقات الحفاظ. ثم ذكر بإسناده ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:«صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي فسلم من اثنتين» وذكر الحديث وقصة ذي اليدين، وفي رواية «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وفي رواية في مسلم وغيره «بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» وذكر الحديث، وفي رواية في غير مسلم «بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، قال: وقد روى قصة ذي اليدين عبد الله بن عمر ومعاوية بن حديج بضم الحاء المهملة وعمران بن حصين وابن مسعدة رجل من الصحابة رضي الله عنهم وكلهم لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبه إلا بالمدينة متأخرًا، ثم ذرك أحاديثهم بطرقها، قال: وابن مسعدة هذا رجل من الصحابة يقال له صاحب الجيوش اسمه عبد الله معروف في الصحابة له رواية، قال: وأما قولهم إن ذا اليدين قتل يوم بدر فغلط، وإنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين، ولسنا ندافعهم أن ذا الشمالين قتل يوم بدر، لأن ابن إسحاق وغيره من أهل السير ذكره فيمن قتل يوم بدر، قال ابن إسحاق: ذو الشمالين هو عمير بن عمرو بن عيشان من خزاعة حليف لبني زهرة، قال أبو عمر: فذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول ببدر بدليل حضور أبي هريرة ومن ذكرنا قصة ذي اليدين، وأن المتكلم رجل من بني سليم كما ذكره مسلم في صحيحه، وفي رواية عمران بن الحصين رضي الله عنه اسمه الخرباق ذكره مسلم، فذو اليدين الذي شهد السهو في الصلاة سليمي، وذو الشمالين المقتول ببدر خزاعي، يخالفه في الاسم والنسب، وقد يمكن أن يكون رجلان وثلاثة يقال لكل واحد منهم ذو اليدين وذو الشمالين، لكن المقتول ببدر غير المذكور في حديث السهو، هذا قول أهل الحذق والفهم من أهل الحديث والفقه، ثم روى هذا بإسناده عن مسدد. وأما قول الزهري في حديث السهو إن المتكلم ذو الشمالين فلم يتابع عليه. (قلت: تقدم أنه توبع عليه في رواية للنسائي وإن كان فيها ضعف). قال: وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابًا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة، ثم ذكر طرقه وبين اضطرابها في المتن والإسناد، وذكر أن مسلم بن الحجاج غلَّط الزهري في حديث، قال أبو عمر رحمه الله تعالى: لا أعلم أحدًا من أهل العلم بالحديث المصنفين فيه عوّل على حديث الزهري في قصة ذي اليدين، وكلهم تركوه لاضطرابه، وأنه لم يتم له إسنادًا ولا متنًا وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن فالغلط لا يسلم منه بشر، والكمال لله تعالى، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم
4 -
باب ما يفعل من سلم وقد بقي من الصلاة ركعة 893 - عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلَّم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل (1) فقام إليه رجل يقال له الخرباق (2) وكان في يده طول، فقال: يا رسول الله، فخرج إليه، فذكر له صنيعه، فجاء فقال: اصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلى الركعة التي ترك ثم سلم
فقول الزهري إنه قتل يوم بدر متروك لتحقق غلطه فيه. هذا كلام أبي عمر بن عبد البر مختصرًا، وقد بسط رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث بسطًا لم يبسطه غيره مشتملاً على التحقيق والإتقان والفوائد الجمة رضي الله عنه. قال النووي: فإن قيل: كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعد في الصلاة؟ فجوابه من وجهين: أحدهما أنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في الصلاة لأنهم كانوا مجوزين نسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين، ولهذا قال «أقصرت الصلاة أم نسيت» ، والثاني أن هذا كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابًا، وذلك لا يبطل عندنا وعند غيرنا، والمسألة مشهورة بذلك. وفي رواية لأبي داود بإسناد صحيح أن الجماعة أومئوا إي نعم، فعلى هذه الرواية لم يتكلموا. فإن قيل: كيف رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول الجماعة وعندكم لا يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره إمامًا كان أو مأمومًا ولا يعلم إلا على يقين نفسه؟ فجوابه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم ليتذكر، فلما ذكروه تذكر، فعلم السهو فبنى عليه، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم، ولو جاز ترك يقين نفسه والرجوع على قول غيره لرجع ذو اليدين حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: لم تقصر ولم أنس. وفي هذا الحديث دليل على أن العمل الكثير والخطوات إذا كانت في الصلاة سهوًا لا تبطلها كما لا يبطلها الكلام سهوًا، وفي هذه المسألة وجهان لأصحابنا، أصحهما عند المتولي لا يبطلها لهذا الحديث، فإنه ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى الجذع وخرج السرعان، وفي رواية: دخل الحجرة ثم خرج ورجع الناس وبنى على صلاته. والوجه الثاني وهو المشهور في المذهب أن الصلاة تبطل بذلك، وهذا مشكل، وتأويل الحديث صعب على من أبطلها، والله أعلم. اهـ. م. 893 - عن عمران بن حصين (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين (الحديث). (غريبه) 1 - في رواية عند مسلم «ثم قام فدخل الحجرة» ، وفي رواية «ثم دخل منزله» . 2 - بكسر الخاء
ثم سجد سجدتين ثم سلم. 894 - عن معاوية بن حديج (1) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يومًا وانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة فأدركه رجل فقال: نسيت من الصلاة ركعة، فرجع فدخل المسجد وأمر بلالاً فأقام الصلاة (2) فصلى بالناس ركعة، فأخبرت بذلك الناس فقالوا لي: أتعرف الرجل؟ (3) قلت: لا، إلا أن أراه، فمر بي فقلت: هو ذا. فقالوا: طلحة بن عبيد الله (4) رضي الله عنه
وسكون الراء وتقدم ضبطه وأنه اسم ذي اليدين. (تخريجه)(م. د. نس. جه. هق). 894 - عن معاوية بن حديج (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج قال ثنا ليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره عن معاوية بن حديج (الحديث). (غريبه) 1 - أوله حاء مهملة مضمومة وآخره جيم مصغرًا كنيته أبو عبد الرحمن صحابي صغير رضي الله عنه. 2 - لعل المراد أنه أمره بإعلام الناس بذلك، أو المراد حقيقة الإقامة فيكون الحديث منسوخًا للإجماع على أنه الإقامة أثناء الصلاة مبطلة لها، والله أعلم. 3 - يعني الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم «نسيت من الصلاة ركعة» . 4 - هو الصحابي المشهور من السابقين في الإسلام ومن العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم. (تخريجه)(د. نس. ك. وسنده جيد). (الأحكام) حديثا الباب يدلان على جواز البناء على الصلاة التي خرج منها المصلي قبل تمامها ناسيًا، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء كما قال العراقي من غير فرق بين من سلم من ركعتين أو أكثر أو أقل، وقال سحنون: إنما يبني من سلم من ركعتين كما في قصة ذي اليدين، لأن ذلك وقع على غير القياس فيقتصر على مورد النص، وحديثا الباب يبطلان ما زعمه من قصر الجواز على ركعتين، على أنه يلزمه أن يقصر الجواز على إحدى صلاتي العشي ولا قائل به، والذين قالوا بجواز البناء مطلقًا قيدوه بما إذا لم يطل الفصل. واختلفوا في قدر الطول، فحده الشافعية بمضي قدر ركعة، وعليه نص في (البويطي). وقال غيره: يرجع فيه إلى العادة، فإن كان قد مضى ما يعد تطاولاً استأنف الصلاة، وإن مضى ما لا يعد تطاولاً بنى، لأنه ليس له حد في الشرع فيرجع فيه إلى العادة، وذهب فريق من العلماء إلى أن القدر المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين قليل والزيادة عليه
5 -
باب من نسي الجلوس الأول حتى انتصب قائمًا لم يرجع 895 - عن عبد الرحمن بن الأعرج أن ابن بحينة (1) أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الثنتين من الظهر نسي الجلوس حتى إذا فرغ من صلاته إلى أن يسلم سجد سجدتين ثم ختم بالتسليم. (وفي رواية «فلما صلى الأخريين انتظر الناس تسليمه فكبر فسجد ثم كبر فسجد ثم سلم»). وعنه من طريق ثان (2) عن ابن بحينة أيضًا: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة نظن أنها العصر
طويل، والقدر المنقول هو ما صح في هذا الباب والذي قبله من قصة ذي اليدين من أنه صلى الله عليه وسلم قام إلى ناحية المسجد وراجع ذا اليدين وسأل الجماعة فأجابوا الخ، وهذا ما اختاره. قال النووي رحمه الله: قال أصحابنا: وحيث جوزنا البناء لا فرق بين أن يكون تكلم بعد السلام وخرج من المسجد واستدبر القبلة ونحو ذلك وبين أن لا يكون، لحديث ذي اليدين. اهـ. ج. وفي حديثي الباب أيضًا التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سلم وقد بقي من الصلاة ركعة وصرح في حديث عمران بن حصين بأنها العصر، وما تقدم من الروايات في الباب السابق صريح في أنه صلى الله عليه وسلم سلم في الظهر أو العصر من ركعتين، ولا منافاة بينها لجواز تعدد القصة، وهو الظاهر، وإن كان الحافظ رحمه الله استبعد ذلك واختار اتحادها، وتقدم كلامه في ذلك في شرح روايات الباب السابق، وما قاله ابن خزيمة وغيره من جواز التعدد، ولا يبعد تعدد القصة وتكرار السؤال من ذي اليدين كما تقدم من شدة حرصه على العلم ومن أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما هاباه أن يكلماه واستفهم صلى الله عليه وسلم ثانيًا عن صحة كلام ذي اليدين لأنه لا يلزم من أن يكون مصيبًا في المرة الأولى أن يكون مصيبًا في الثانية. قال الشوكاني رحمه الله: والظاهر ما قاله ابن خزيمة ومن تبعه من التعدد لأن دعوى الاتحاد تحتاج إلى تأويلات متعسفة. اهـ. والله أعلم. 895 - عن عبد الرحمن بن الأعرج (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل ثنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن الأعرج (الحديث). (غريبه) 1 - اسمه عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة الأزدي أبو محمد حليف المطلب يعرف بابن بحينة بموحدة ومهملة مصغرًا صاحبي معروف مات بعد الخمسين تقريبًا. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن الزهري
فقام في الثانية لم يجلس، فلما كان قبل أن يسلم سجد سجدتين. (زاد في رواية «وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس»)(1). 896 - عن محمد بن يوسف مولى عثمان عن أبيه يوسف عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه صلى إمامهم فقام في الصلاة وعليه جلوس فسبح الناس فتم علي قيامه، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد أن أتم الصلاة، ثم قعد على المنبر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نسي من صلاته شيئًا (2) فليسجد مثل هاتين السجدتين. 897 - عن زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه (3) فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم ثم سجد سجدتين وسلم، ثم قال: هكذا صنع رسول
عن الأعرج عن ابن بحينة صلى بنا الخ. 1 - في دلالة على أن السجود إنما هو لأجل ترك الجلوس لا لترك التشهد، حتى لو أنه جلس مقدار التشهد ولم يتشهد لا يسجد، وجزم أصحاب الشافعي وغيرهم أنه يسجد لترك التشهد وإن أتى بالجلوس. (تخريجه)(ق. والأربعة وغيرهم). 896 - عن محمد بن يوسف (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس ثنا ليث يعني ابن سعد عن محمد يعني ابن عجلان عن محمد بن يوسف مولى عثمان (الحديث). (غريبه) 2 - عمومه مخصوص بغير الأركان، فإن السجود لا يجزئ عن الركن عند العلماء، واستدلال معاوية بالحديث إما لأنه علم بأن الجلوس الأول ليس بركن أو لأنه اعتمد على ظاهر العموم، والله أعلم. (تخريجه) (ق. لك. نس. مذ. جه. هق). 897 - عن زياد بن علاقة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا المسعودي عن زياد بن علاقة (الحديث). (غريبه) 3 - رواية أبي داود «فقلنا: سبحان الله (يعني أشرنا له إلى الجلوس) فقال: سبحان الله (يعني أشار لهم إلى القيام)».
الله صلى الله عليه وآله وسلم. 898 - عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: أمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر فقام فقلنا: سبحان الله. فقال: سبحان الله. وأشار بيده، يعني قوموا، فقمنا فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين، ثم قال: إذا ذكر أحدكم قبل أن يستتم قائمًا فليجلس (1) وإذا استتم قائمًا فلا يجلس.
(تخريجه)(د. مذ. هق. والطحاوي) وفي إسناده المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، استشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد، وأخرجه الترمذي أيضًا من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن المغيرة قال الإمام أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى وقد تكلم في غير واحد. 898 - عن المغيرة بن شعبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن جابر (يعني الجعفي) عن المغيرة بن شبل عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة (الحديث). (غريبه) 1 - زاد في رواية «ولا سهو عليه» وبها تمسك من يقول إن السجود إنما هو لفوات التشهد لا لفعل القيام، وإلى ذلك ذهب النخعي وعلقمة والأسود والشافعي في أحد قوله. وذهبت العترة والإمام أحمد إلى أنه يجب السجود لفعل القيام لما روي عن أنس «أنه صلى الله عليه وسلم تحرك للقيام في الركعتين الآخرتين من العصر على جهة السهو فسبحوا له فقعد ثم سجد للسهو» أخرجه البيهقي والدارقطني موقوفًا عليه، وفي بعض طرقه أنه قال:«هذه السنة» ، قال الحافظ: ورجاله ثقات. وأخرجه البيهقي والدارقطني عن ابن عمر من حديث بلفظ «لا سهو أي في قيام عن جلوس أو جلوس عن قيام» وهو ضعيف. اهـ. (تخريجه)(د. جه. قط. هق) ومداره على جابر الجعفي وهو ضعيف جدًا، وقد قال أبو داود: ولم أخرج عنه في كتابي غير هذا. وقال أبو حنيفة: ما لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء من رأيي إلا أتى فيه بأثر، وقال سفيان: ما رأيت أورع منه في الحديث، وقال شعبة: صدوق في الحديث، وقال وكيع: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابرًا ثقة، توفي سنة سبع أو ثمان وعشرين ومائة، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد، وهو وإن قيل فيه ما قيل فإن حديثي ابن بحينة ومعاوية يعضدانه. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن التشهد الأول ليس من فروض الصلاة إذ
6 -
باب ما يفعل من صلى الرباعية خمسًا 899 - عن عبد الله (بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا فقيل: زيد في الصلاة؟ قيل: صليت خمسًا. فسجد سجدتين (1). وعنه من طريق ثان (2): أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بهم خمسًا
لو كان فرضًا لما جبر بالسجود ولم يكن بد من الإتيان به كسائر الفروض، وبذلك قال أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور، وذهب الإمام أحمد وأهل الظاهر إلى وجوبه، وقد تقدم الكلام على ذلك في الباب الأول من أبواب التشهد. وفي أحاديث الباب أيضًا دلالة على أن المصلي إذا ترك التشهد الأول والجلوس له رجع إليه ما لم يستقل قائمًا، فإن استقل قائمًا لم يرجع وسجد سجدتي السهو، وبذلك قال جمهور العلماء ومنهم الحنفية والشافعية، فإن عاد بعد أن استقل قائمًا فسدت صلاته على الصحيح عند الشافعية والحنفية. قال النووي رحمه الله: هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور، ودليله حديث المغيرة، فإن عاد متعمدًا عالمًا بتحريمه بطلت صلاته، وغن لم ينتصب قائمًا عاد، وفي سجود السهو قولان، أصحهما عند جمهور الأصحاب ألا يسجد، وقال القفال وطائفة: إن صار إلى القيام أقرب منه إلى القعود ثم عاد سجد، وإن كان إلى القعود أقرب أو استوت نسبتهما لم يسجد. اهـ. وقالت الحنابلة: إن استتم قائمًا ولم يقرأ فعدم رجوعه أولى، وإنما جاز رجوعه لأنه لم يتلبس بركن مقصود، لأن القيام ليس بمقصود في نفسه وعليه سجود السهو بذلك كله. وقالت المالكية: يرجع ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه ولا سجود عليه، وإن فارق الأرض بما ذكر فلا يرجع، فإن رجع ففي بطلان صلاته خلاف، والراجح عدم البطلان ولو رجع بعد أن استقل، بل ولو قرأ بعض الفاتحة، أما لو رجع بعد قراءة الفاتحة كلها بطلت صلاته، وهذا كله في حق الإمام والمنفرد، أما المأموم فلو ترك التشهد ناسيًا وجلس إمامه وجب عليه الرجوع مطلقًا لمتابعة إمامه، وبه قالت الحنفية والحنابلة والمالكية، وهو الأرجح عند الشافعية. كذا في (المنهل). 899 - عن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عمرو بن الهيثم ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله (الحديث). (غريبه) 1 - لفظه عند مسلم «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا فلما سلم قيل له أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟» وفي لفظ «قال: لا وما ذاك؟ قالوا: صليت خمسًا فسجد سجدتين» وهو بمعنى حديث الباب إلا أنه أوضح. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن إدريس (يعني
ثم انفتل (1) فجعل بعض القوم يوشوش إلى بعض فقالوا له: يا رسول الله صليت خمسًا؟ فانفتل فسجد بهم سجدتين وسلم وقال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون. ومن طريق ثالث (2) عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدهما قبل السلام، وقال مرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد السجدتين في السهو بعد السلام (3). ومن طريق رابع (4) عن الأسود عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر أو العصر خمسًا ثم سجد سجدتي السهو ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاتان السجدتان لمن ظن منكم أنه زاد أو نقص (5). ومن طريق خامس (6) عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سها في الصلاة فسجد بهم سجدتي السهو بعد الكلام (7)
عبد الله بن إدريس بن يزيد) قال: سمعت الحسن بن عبيد الله يذكر عن إبراهيم (يعني النخعي) عن علقمة أنه خبرهم عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم خمسًا (الحديث). 1 - أي انصرف من الصلاة بالسلام كما في رواية مسلم. وقوله «فجعل بعض القوم يوشوش إلى بعض» أي يكلم بعضهم بعضًا بكلام خفي مختلف لا يكاد يفهم، ورواه بعضهم بالسين المهملة، ويريد به الكلام الخفي، والوسوسة الحركة الخفية وكلام في اختلاط (نه). وقوله «فانفتل فسجد بهم» أي دخل في الصلاة بعد انصرافه عنها فسجد بهم. الخ. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدهما الخ. 3 - فيه أن سجود السهو تكرر منه صلى الله عليه وسلم غير مرة فسجد في بعض المرات قبل السلام وفي بعضها بعده، وتقدم في الأبواب السابقة بيان الحالات التي سجد فيها قبل السلام والتي سجد فيها بعده، وسيأتي لذلك مزيد إن شاء الله تعالى. (سنده) 4 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن جابر عن عبد الرحمن بن الأسود عن الأسود عن عبد الله (الحديث). 5 - في هذه الرواية مشروعية سجود السهو للنقص والزيادة سواء، واستدل بها القائلون بالتخيير في سجود السهو قبل السلام أو بعده، سواء أكان عن نقص أم زيادة، لأنه لم يرد فيهما تقييد بأحدهما. أفاده الشوكاني. وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله. (سنده) 6 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة الخ. 7 - يعني بعدما تكلم كما تقدم في رواية مسلم مصرحًا به أنهم قالوا:«أزيد في الصلاة؟ قال: لا وما ذاك» الخ. (تخريجه) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود
7 -
باب ما جاء في السجود بعد السلام لكل سهو 900 - عن ثوبان رضي الله عنه (مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي
والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بألفاظ مختلفة وبطرق متعددة والمعنى واحد. وفي الباب أيضًا عن إبراهيم بن سويد قال: صلى بنا علقمة الظهر خمسًا فلما سلم قال القوم: يا أبا شبل قد صليت خمسًا. قال: كلا ما فعلت. قالوا: بلى. قال: وكنت في ناحية القوم وأنا غلام، فقلت: بلى قد صليت خمسًا. قال لي: وأنت أيضًا يا أعور تقول ذاك. قال: قلت: نعم. قال: فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم. رواه مسلم والنسائي والبيهقي وغيرهم. (الأحكام) قال النووي رحمه الله تعالى في الكلام على حديث الباب: هذا في دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف أن من زاد في صلاته ركعة ناسيًا لم تبطل صلاته، بل إن علم بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحة، ويسجد للسهو إن ذكر بعد السلام بقريب، وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد، وإن ذكر قبل السلام عاد إلى الجلوس سواء كان في قيام أو ركوع أو سجود أو غيرها، ويتشهد ويسجد للسهو ويسلم، وهل يسجد للسهو قبل السلام أم بعده؟ فيه خلاف العلماء السابق، هذا مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة رضي الله عنهم: إذا زاد ركعة ساهيًا بطلت صلاته ولزمه إعادتها. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إن كان تشهد في الرابعة ثم زاد خامسة أضاف إليها سادسة تشفعها وكانت نفلاً بناء على أصله في أن السلام ليس بواجب، ويخرج من الصلاة بكل ما ينافيها، وأن الركعة الفردة لا تكون صلاة، قال: وإن لم يكن تشهد بطلت صلاته، لأن الجلوس بقدر التشهد واجب ولم يأت به حتى أتى بالخامسة، وهذا الحديث رد كل ما قالوه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع من الخامسة ولم يشفعها، وإنما تذكر بعد السلام، ففيه رد عليهم وحجة للجمهور، ثم مذهب الشافعي ومن وافقه أن الزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة سواء قلت أو كثرت إذا كانت من جنس الصلاة، فسواء زاد ركوعًا أو سجودًا أو ركعة أو ركعات كثيرة ساهيًا فصلاته صحيحة في كل ذلك ويسجد للسهو استحبابًا لا إيجاباً، وأما مالك فقال القاضي عياض: مذهبه أنه إن زاد دون نصف الصلاة لم تبطل صلاته بل هي صحيحة ويسجد للسهو، وإن زاد النصف فأكثر فمن أصحابه من أبطلها، وهو قول مطرف وابن القاسم، ومنهم من قال: إن زاد ركعتين بطلت، وإن زاد ركعة فلا، وهو قول عبد الملك وغيره، ومنهم من قال: لا تبطل مطلقًا، وهو مروي عن مالك رحمه الله تعالى والله أعلم. اهـ. م. 900 - عن ثوبان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الحكم بن نافع
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لكل سهو سجدتان بعدما يسلم (1).
ثنا إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عبيد الله الكلاعي عن زهير عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نفير عن ثوبان (الحديث). (غريبه) 1 - ظاهره أن السجود يتكرر بتكرر السهو في الصلاة ولا يتداخل، وبه قال ابن أبي ليلى، وحكى القاضي أبو الطيب عن الأوزاعي «فيمن سها سهوين» إن كان السهوان زيادة أو نقصًا كفاه سجدتان، وإن كان أحدهما زيادة والآخر نقصًا سجد أربع سجدات، وحمله الجمهور على أن كل سهو يقع من المصلي يكفي فيه سجدتان محتجين بحديث ذي اليدين وبما رواه البيهقي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا «سجدتان تجزئان عن كل زيادة ونقص». قال صاحب (سبل السلام): لا دلالة في الحديث على تعدد السجود لتعدد مقتضيه، بل هو للعموم لكل سهو لكل ساه، فيفيد الحديث أن كل من سها في صلاته بأي سهو كان يشرع له سجدتان، ولا يختصان بالمواضع التي سها فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالأنواع التي سها بها، والحمل على هذا المعنى أولى من حمله على المعنى الأول (يعني تكرر السجود) وإن كان هو الظاهر في جمعًا بينه وبين حديث ذي اليدين. اهـ. وهو وجيه. (تخريجه) (د. جه. طب. هق. عب) وقال البيهقي: هذا إسناد فيه ضعف، وحديث أبي هريرة وعمران وغيرهما في اجتماع عدد من السهو على النبي صلى الله عليه وسلم ثم اقتصاره على السجدتين يخالف هذا، والله أعلم. اهـ. قلت: علل البيهقي رحمه الله الحديث في كتاب (المعرفة) فقال: تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بالقوي. اهـ كلامه. وهذه العلة ضعيفة لجملة أوجه: أولاً: أن حديث ثوبان أخرجه أبو داود وسكت عنه، فأقل أحواله أن يكون حسنًا عنده على ما عرف. ثانيًا: أن إسماعيل بن عياش وثقه أئمة الجرح والتعديل كالإمام أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم. قال صحاب (الخلاصة): إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي بنون أبو عتبة الحمصي عالم الشام وأحد مشايخ الإسلام عن شرحبيل بن مسلم وبجير بن سعد وتميم بن عطية وزيد بن أسلم وخلق، وعنه الثوري والأعمش شيخاه وأبو اليمان وسعيد بن منصور وخلق، وثقه أحمد وابن معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين. اهـ. قلت: إسماعيل بن عياش روى هذا الحديث عن شامي وهو عبيد الله الكلاعي. ثالثًا: أن البيهقي رحمه الله قال في باب ترك الوضوء من الدم في كتابه (السنن الكبرى): «ما روى ابن عياش عن الشاميين صحيح» . وقد علمت أنه روى هذا الحديث عن أحد الشاميين وهو عبيد الله الكلاعي، فالحديث صحيح يحتج به، ويكون معنى «لكل سهو سجدتان» أي سواء كان من زيادة أو نقصان كما جاء
901 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بهم فسها فلما سلم سجد سجدتين ثم سلم. 902 - عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم.
في حديث عائشة «سجدتا السهو تجزيان عن كل زيادة ونقصان» رواه (هق. طس. عل. والبزار) ويحمل قوله «بعد السلام» على بيان الجواز، والله أعلم. 901 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع قال حدثني مالك بن أنس عن أود بن الحصين عن أبي سفيان مولى أبي أحمد عن أبي هريرة. (تخريجه)(مذ) بنحو حديث الباب، والشيخان وغيرهما وفيه قصة ذي اليدين. 902 - عن عبد الله بن جعفر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج قال ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع أن مصعب بن شيبة أخبره عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر الخ. (تخريجه)(د. نس. هق. حب) وفيه لين. (الأحكام) أحاديث الباب تدل بظاهرها أن سجود السهو كله محله بعد السلام، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة، وهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعمران بن حصين وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة، وروى الترمذي عنه خلاف ذلك، وروى أيضًا عن ابن عباس ومعاوية وعبد الله بن الزبير على خلاف في ذلك عنهم، ومن التابعين أبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصري والنخعي وعمر بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن أبي ليلى والسائب القاري، وروى الترمذي عنه خلاف ذلك، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه، وحكى عن الشافعي قولا له، ورواه الترمذي عن أهل الكوفة، وذهب إليه من أهل البيت الهادي والقاسم وزيد بن علي والمؤيد بالله، واستدلوا بأحاديث الباب وبسائر الأحاديث التي ذكر فيها السجود بعد السلام، وذهب أهل الظاهر وبه قال ابن حزم إلى أن السجود كله بعد السلام إلا في موضعين فإن الساهي فيهما مخير، أحدهما من قام من ركعتين ولم يجلس ولم يتشهد، والثاني أن لا يدري أصلى ركعة أم ثلاثًا أم أربعًا فيبني على الأقل ويخير في السجود، وروى النووي في (شرح مسلم) عن داود أنه قال: تستعمل الأحاديث في مواضعها كما جاءت. قال القاضي عياض وجماعة من أصحاب الشافعي: ولا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء أنه لو سجد قبل السلام
أبواب سجود التلاوة والشكر 1 - باب ما جاء في فضله وعدد مواضعه 903 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد (1) اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار.
أو بعده للزيادة أو للنقص أنه يجزئه ولا تفسد صلاته، وإنما اختلافهم في الأفضل. قال النووي: وأقوى المذاهب هنا مذهب مالك ثم الشافعي. قلت: مذهب مالك التفرقة بين الزيادة والنقص، فيسجد للزيادة بعد السلام وللنقص قبله، وبه قال المزني أبو ثور، ومذهب الشافعي سجود السهو كله قبل السلام ووافقه جماعة من الصحابة والتابعين، وتقدم الكلام على ذلك. قال الشوكاني رحمه الله: وأحسن ما يقال في المقام أنه يعمل على ما تقتضيه أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم من السجود قبل السلام وبعده، فما كان من أسباب السجود مقيدًا بقبل السلام سجد له قبله، وما كان مقيدًا ببعد السلام سجد له بعده، وما لم يرد تقييده بأحدهما كان مخيرًا بين السجود قبل السلام وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص، لما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين» وجميع أسباب السجود لا تكون إلا زيادة أو نقصًا أو مجموعها، وهذا ينبغي أن يعد مذهبًا، لأن مذهب داود وإن كان فيه أنه يعمل بمقتضى النصوص الواردة كما حكاه النووي فقد جزم بأن الخارج عنها يكون قبل السلام، وإسحاق بن راهويه وإن قال إنها تستعمل الأحاديث كما وردت فقد جزم أنه يسجد لما خرج عنها، إن كان زيادة بعد السلام، وإن كان نقصًا فقبله، والقائلون بالتخيير لم يستعملوا النصوص كما وردت، ولا شك أنه أفضل، ومحل الخلاف في الأفضل كما عرفت. اهـ. ببعض تصرف. قلت: والقول بالتخيير حكاه ابن أبي شيبة في (المصنف) عن علي رضي الله عنه، وحكاه الرافعي قولاً للشافعي، ورواه المهدي في (البحر) عن الطبري، والله أعلم. 903 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ويعلى ومحمد أنبأنا عبيد قالوا أنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 1 - أي آية السجدة فسجد سجود التلاوة. «اعتزل» أي تباعد عنه الشيطان، والمراد به إبليس لعنه الله. وقوله «يبكي يقول» قال الطيبي: هما حالان من فاعل اعتزل مترادفتان أو متداخلتان. «يا ويله» أي يا حزنه وهلاكه وهو معنى الويل، وحكاه بضمير الغائب احترازًا عن الإيهام
904 -
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سجدت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إحدى عشرة سجدة، منهن سجدة النجم.
القبيح، وإنما جعل الشيطان الويل منادى لفرط حزنه وعظم مصيبته. وقوله «فله الجنة» أي خالدًا فيها بطاعته وامتثال أمر ربه. «ولي النار» أي نار جهنم خالدًا فيها بمعصيته واستكباره. (تخريجه) (م. جه. هق). 904 - عن أبي الدرداء (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن غيلان قال ثنا رشدين قال حدثني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عمر الدمشقي أن مخبرًا أخبره عن أم الدرداء عن أبي الدرداء (الحديث). (تخريجه) (د) وقال: إسناده واهٍ أي ضعيف، لأن في سنده سعيد بن أبي هلال وفيه مقال، وعمر الدمشقي وهو مجهول. وأخرجه ابن ماجه من طريق ثاني وفي إسناده عثمان بن فايد ضعيف. وأخرجه الترمذي عن سفيان بن وكيع حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عمر الدمشقي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء. وأخرجه من طريق ثان عن عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عمر وهو ابن حيان الدمشقي قال: سمعت مخبرًا يخبر عن أم الدرداء عن أبي الدرداء (بنحو حديث الباب) وقال: هذا أصح من حديث سفيان بن وكيع عن ابن وهب. قال: وفي الباب عن علي وابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وزيد بن ثابت وعمرو بن العاص، وقال: حديث أبي الدرداء غريب لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن أبي هلال عن عمر الدمشقي. اهـ. وأخرجه أيضًا البيهقي بسنده عن المهدي بن عبد الرحمن بن عبيد أو عبيدة على اختلاف في ذلك حدثتني عمتي أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: «سجدت مع النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء: الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج سجدة والفرقان وسليمان سورة النمل والسجدة وصاد وسجدة الحواميم» وفي إسناده عثمان بن فايد ضعيف، وأورد له طرقًا أخرى وكلها لا تخلو من مقال. وفي الباب عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن، منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان أخرجه (د. جه. قط. ك) وحسنه المنذري والنووي وضعفه عبد الحق وابن القطان، وفي إسناده عبد الله بن منين الكلابي وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي المصري وهو لا يعرف أيضًا، وقال ابن ماكولا: ليس له غير هذا الحديث. قاله الحافظ في (التلخيص). (الأحكام)
_________
في حديث أبي هريرة دلالة على فضل سجوده التلاوة وأن فعله من أسباب دخول الجنة ورضا الرب، وإدخال الهلاك والحزن على إبليس عدو آدم وذريته وأن مصير إبليس إلى النار وبئس القرار. وفي حديث أبي الدرداء دليل على أن سجدات التلاوة إحدى عشرة سجدة، وإلى ذلك ذهب الشافعي في القديم والمالكية وأخرجوا سجدات المفصل، وهي ثلاثة كما سيأتي، وأول المفصل سورة الحجرات إلى آخر القرآن. وذهب الشافعي في الجديد وطائفة إلى أنهن أربع عشرة سجدة، منها سجدتان في الحج وثلاث في المفصل، وليست سجدة صاد منهن، وإنما هي سجدة شكر. وقال أبو حنيفة: هن أربع عشرة أثبت سجدات المفصل وسجدة صاد وأسقط السجدة الثانية من الحج. وقال الإمام أحمد وابن سريج من الشافعية وطائفة: هن خمس عشرة محتجين بحديث عمرو بن العاص المذكور آنفًا. واعلم أن أول مواضع السجود خاتمة الأعراف، وثانيها عند قوله في الرعد {بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} [الرعد/15]، وثالثها عند قوله في النحل {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل/50]، ورابعها عند قوله في بني إسرائيل {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء/109]، وخامسها عند قوله في مريم {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم/58]، وسادسها عند قوله في الحج {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج/18]، وسابعها عند قوله في الفرقان {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان/60]، وثامنها عند قوله في النمل {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل/26]، وتاسعها عند قوله في ألم تنزيل {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة/15]، وعاشرها عند قوله في صاد {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص/24]، والحادي عشر عند قوله في حم السجدة {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت/37]، وبه قال مالك وطائفة من السلف وبعض الشافعية، وقال أبو حنيفة والشافعي والجمهور عند قوله {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت/38]، والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر سجدات المفصل وستأتي، والخامس عشر السجدة الثاني في الحج. واحتج من نفى سجدات المفصل وهم المالكية ومن وافقهم بحديث ابن عباس عند أبي داود وابن السكن في صحيحه بلفظ «لم يسجد صلى الله عليه وسلم في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة» وفي إسناده أبو قدامة الحارث بن عبيد، ومطر الوراق وهما ضعيفان وإن كانا من رجال مسلم. قال النووي: حديث ابن عباس ضعيف الإسناد لا يحتج به. قال الشوكاني: وعلى فرض صلاحيته للاحتجاج فالأحاديث المتقدمة مثبتة وهي مقدمة على النفي، ولا سيما مع إجماع العلماء على أن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع من الهجرة وهو يقول في حديثه الآتي بعد أربعة أبواب «سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الإنشقاق/1] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق/1]». فائدة: قال النووي رحمه الله في (شرح مسلم): قد أجمع العلماء على إثبات سجود التلاوة، وهو عند الجمهور سنة، وعند أبي حنيفة واجب ليس بفرض. اهـ.
2 -
باب ما يقال في سجدة التلاوة 905 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن: سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته. 3 - باب قراءة السجدة في الصلاة الجهرية والسرية 906 - عن أبي رافع (1) قال: صليت مع أبي هريرة صلاة العتمة أو
905 - عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم قال ثنا خالد عن أبي العالية عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث). (تخريجه)(د. نس. قط. هق. ك. مذ) وصححه، وصححه ابن السكن وقال في آخره ثلاثًا، وزاد الحاكم «فتبارك الله أحسن الخالقين» وزاد البيهقي «وصوره» بعد قوله «خلقه» ، ولمسلم نحوه من حديث علي في سجود الصلاة وقد تقدم، وللنسائي أيضًا نحوه في سجود الصلاة. وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى أصل شجرة فقرأت السجدة فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها تقول: اللهم احطط عني بها وزرًا، واكتب لي بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، قال ابن عباس: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة» رواه ابن ماجه والترمذي وزاد فيه «وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام» ورواه أيضًا الحاكم وابن حبان وفي إسناده الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال العقيلي: فيه جهالة. والله أعلم. (الأحكام) حديث الباب مع حديث ابن عباس الذي ذكرناه في الشرح يدلان على مشروعية الذكر في سجود التلاوة بما اشتملا عليه وليس ذلك متعينًا، بل قال ابن الهمام: ويقول في سجدة التلاوة ما يقول في سجدة الصلاة على الأصح، واستحب بعضهم أن يقول فيه «سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا» ، لأنه عز وجل أخبر أن أولياءه {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا} [الإسراء/107، 108] الخ الآية، قال: وينبغي أن لا يكون ذلك على عمومه بل إن كانت (يعني سجدة التلاوة) في الصلاة المفروضة قال: «سبحان ربي الأعلى» وإن كانت في النوافل أو خارج الصلاة قال ما شاء مما ورد كسجد وجهي الخ. والله أعلم. 906 - عن أبي رافع (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا معتمر بن سلمان ثنا أبي عن بكر عن أبي رافع (الحديث). (غريبه) 1 - اسمه نفيع الصائغ
قال صلاة العشاء فقرأ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الإنشقاق/1] فسجد فيها فقلت: يا أبا هريرة «ما هذه السجدة» (1) فقال: سجدت فيها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم فلا أزال أسجدها حتى ألقاه. 907 - عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر فرأى أصحابه أنه قرأ تنزيل السجدة قال: ولم أسمعه من أبي مجلز (2).
1 - «ما هذه السجدة» هذه الجملة سقطت من الأصل وثبتت في رواية مسلم وأبي داود، وفي رواية البخاري ما هذه، ولذا جعلتها بين قوسين، وفي رواية للبخاري عن أبي سلمة أنه قال لأبي هريرة «لم أرك تسجد» أي قبل ذلك في الصلاة أوفي هذه السورة، وهو استفهام إنكار يشعر بأن العمل كان على خلاف ذلك، وبه تمسك من رأى ترك السجود للتلاوة في الصلاة ومن رأى تركه في المفصل. قال الحافظ: ويجاب عن ذلك بأن أبا رابع وأبا سلمة لم ينكرا على أبي هريرة بعد أن أعلمهما بالسنة في هذه المسألة ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك، قال ابن عبد البر: وأي عمل يدّعى مع مخالفته النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده. (تخريجه)(ق. لك. د. نس. هق) ولفظ النسائي عن أبي رافع قال: «صليت خلف أبي هريرة صلاة العشاء يعني صلاة العتمة فقرأ سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الإنشقاق/1] فسجد فيها فلما فرغت قلت: يا أبا هريرة هذه سجدة ما كنا نسجدها قال: سجد بها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأنا خلفه فلا أزال أسجد بها حتى ألق أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم» . 907 - عن سليمان التيمي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد بن هارون أنا سليمان التيمي عن أبي مجلز (الحديث) ز
(غريبه) 2 - القائل «ولم أسمعه» هو سليمان التيمي يعني أنه رواه عن أبي مجلز بواسطة لم يذكرها، ففيه تدليس. (تخريجه) (د. ك. والطحاوي) ولفظ الحاكم حدثنا أبو سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا محمد بن أبي بكر ثنا يحيى بن سعيد عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فظننا أنه قرأ تنزيل السجدة» وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهو سنة صحيحة غريبة أن الإمام يسجد فيما يسر بالقراءة مثل سجوده فيما يعلن. اهـ. قلت: وأقره الذهبي. (الأحكام) حديثا الباب يدلان على
4 -
باب إذا سجد القارئ سجد المستمع 908 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ علينا السورة (1) فيقرأ السجدة في غير صلاة (2) فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا مكانًا لموضع جبهته (3).
مشروعية سجود التلاوة في الصلاة سواء أكانت فرضًا أم نفلاً سرية أم جهرية وسواء أكان المصلي إمامًا أم فذًا، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء، وروى ابن القاسم عن مالك كراهة القارة بالسجدة في الفريضة مطلقاً للإمام والفذ، وروى عنه أشهب الكراهة أيضًا إلا أن يكون وراءه عدد قليل لا يحصل بسجوده تخليط عليهم، وروى عنه ابن وهب أنه لا بأس بقراءة الإمام بالسجدة في الفريضة. وذهب أبو حنيفة وأحمد وابن حبيب من المالكية إلى كراهة ذلك في السرية خشية التخليط فيها على المأمومين دون الجهرية لأمن التخليط فيها على المأمومين. قال الشوكاني: وذهب الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله إلى أنه لا يسجد في الفرض فإن فعل فسدت، واستدلوا على ذلك لما أخرجه أبو داود عن ابن عمر أنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة (زاد ابن نمير: «في غير الصلاة» ) فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانًا لموضع جهته»، وفي مسلم عنه أنه قال:«ربما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فيمر بالسجدة فيسجد بنا حتى ازدحمنا عنده حتى ما يجد أحدنا مكانًا يسجد فيه في غير صلاة» والحديث في البخاري بدون قوله «في غير صلاة» ، وهذا تمسك بمفهوم قوله «في غير صلاة» وهو لا يصلح للاحتجاج به، لأن القائل بذلك ذكر صفة الواقعة التي وقع فيها السجود المذكور، وذلك لا ينافي ما ثبت من سجوده صلى الله عليه وسلم في الصلاة. قلت: سجوده صلى الله عليه وسلم في الصلاة ثابت عند الشيخين والإمام أحمد وغيرهما، وحديث أبي رافع الذي في الباب ترجم له البخاري بقوله «باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد فيها» وساق الحديث كحديث الباب فلا حجة لمنكري ذلك. والله أعلم. 908 - عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر (الحديث). (غريبه) 1 - زاد البخاري في رواية «ونحن عنده» . 2 - هكذا في رواية عند مسلم أيضًا «في غير صلاة» وتقدم أنه تمسك بهذه الرواية من قال إنه لا سجود للتلاوة في صلاة الفرض، وتقدم الجواب عن ذلك، ورواية البخاري بدون قوله «في غير صلاة» ولفظها «فقرأ السجدة فنسجد معه» . 3 - يعني من
909 -
وعنه أيضًا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا القرآن (1) فإذا مر بسجود القرآن سجد وسجدنا معه (2).
شدة الزحام، وقد اختلف فيمن لم يجد مكانًا يسجد عليه، فقال ابن عمر: يسجد على ظهر أخيه، وبه قال الكوفيون وأحمد وإسحاق، وقال عطاء والزهري يؤخر حتى يرفعوا، وبه قال مالك والجمهور، وهذا الخلاف في سجود الفريضة. قال في (الفتح): وإذا كان هذا في سجود الفريضة فيجري مثله في سجود التلاوة، ولم يذكر ابن عمر في هذا الحديث ما كانوا يصنعون حينئذ ولذلك وقع الخلاف المذكور، ووقع في الطبراني من طريق مصعب بن ثابت عن نافع في هذا الحديث أن ذلك كان بمكة لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم وزاد فيه «حتى سجد الرجل على ظهر الرجل» قال الحافظ: الذي يظهر أن هذا الكلام وقع من ابن عمر على سبيل المبالغة في أنه لم يبق أحد إلا سجد، قال: وسياق حديث الباب مشعر بأن ذلك وقع مرارًا، ويؤيد ذلك ما رواه الطبراني من رواية المسور بن مخرمة عن أبيه قال:«أظهر أهل مكة الإسلام (يعني في أول البعثة) حتى إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام حتى قدم رؤساء مكة وكانوا في الطائف فرجعوهم عن الإسلام» . (تخريجه)(ق. د. طب وغيرهم). 909 - وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حماد ثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان الخ. (غريبه) 1 - أي يعلمهم الأحكام والوعد والوعيد وأخبار الماضين وكيفية تلاوة القرآن. 2 - لفظ أبي داود «فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا» ، قال عبد الرزاق: وكان الثوري يعجبه هذا الحديث. قال أبو داود: يعجبه لأنه كبر. (تخريجه)(د. هق) وفي إسناده العمري عبد الله المكبر وهو ضعيف، وأخرجه الحاكم من رواية العمري عبيد الله المصغر وهو ثقة، ولهذا قال: على شرط الشيخين. قال الحافظ: وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر بلفظ آخر. اهـ. وقد أخرج مسلم لعبد الله العمري المذكور في صحيحه لكن مقرونًا بأخيه عبيد الله. وفي الباب عن عطاء بن يسار «أن رجلاً قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فسجد فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم قرأ آخر عند السجدة فلم يسجد فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قرأ فلان عندك السجدة فسجدت وقرأت فلم تسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كنت إمامنا فلو سجدتَ سجدتُ» ، رواه الإمام الشافعي في مسنده هكذا مرسلاً. قال البخاري: وقال ابن مسعود لتميم بن حذلم وهو غلام فقرأ عليه سجدة فقال: اسجد فإنك إمامنا فيها. الحديث أخرجه أبو داود
_________
في المراسيل، وقال البيهقي: رواه قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وقرة ضعيف. وأخرج ابن أبي شيبة من رواية ابن عجلان عن زيد بن أسلم قال: إن غلامًا قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم فلما لم يسجد قال: يا رسول الله ليس في هذه السجدة سجود؟ قال صلى الله عليه وسلم: بلى ولكنك كنت إمامَنا فيها، ولو سجدتَ لسجدنا. قال الحافظ في (الفتح): رجاله ثقات إلا أنه مرسل. (الأحكام) حديثا الباب مع ما ذكرنا تدل على مشروعية السجود لمن سمع الآية التي يشرع فيها السجود إذا سجد القارئ. قال ابن بطال: وأجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد. قال الشوكاني: وقد اختلف العلماء في اشتراط السماء لآية السجدة. وإلى اشتراط ذلك ذهبت العترة وأبو حنيفة والشافعي وأصحابه، لكن الشافعي شرط قصد الاستماع والباقون لم يشترطوا ذلك، وقال الشافعي في (البويطي): لا أؤكد على السامع كما أؤكد على المستمع. وقد روى البخاري عن عثمان بن عفان وعمران بن حصين وسلمان الفارسي أن السجود إنما شرع لمن استمع، وذلك روى البيهقي وابن أبي شيبة عن ابن عباس. اهـ. وبه قالت المالكية والحنابلة، لكن اشترط المالكية في المستمع أن يكون قاصدًا بالاستماع تعلم القراءة من القارئ أو أحكامها من إظهار وإدغام ومد وقصر وغير ذلك، أو الروايات كرواية ورش مثلاً، أو يعلم القارئ ذلك محتجين بقول ابن عمر في الحديث الثاني من الباب «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا القرآن» الخ. ولا يشترط عندهم سجود القارئ، فيسجد المستمع ولو لم يسجد القارئ كالحنفية والشافعية. واشترط الحنابلة سجود القارئ، فإن سجد القارئ سجد المستمع وإلا فلا، محتجين بحديثي الباب وبما ذكرنا بعدهما، وقد استدل بحديث ابن عمر (الثاني من حديثي الباب) القائلون بمشروعية التكبير لسجود التلاوة، لأن أبا داود رواه بلفظ «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا». قال الشوكاني: وإلى ذلك ذهبت الهادوية وبعض أصحاب الشافعي، قال أبو طالب: ويكبر بعد تكبيرة الافتتاح تكبيرة أخرى للنقل، وحكى في (البحر) عن العترة أنه لا تشهد في سجود التلاوة ولا تسليم. وقال بعض أصحاب الشافعي: بل يتشهد ويسلم كالصلاة، وقال بعض أصحاب الشافعي: يسلم قياسًا للتحليل على التحريم، ولا يتشهد إذ لا دليل. ولهم في السائر وجهان: يومئ للعذر ويسجد، إذ الإيماء ليس بسجود، وفي الاستغناء عنه بالركوع قولان: الهادوية والشافعي لا يغني، إذ لم يؤثر، وقال أبو حنيفة: يغني إذ القصد الخضوع. اهـ. قلت: ولم يذكر الشوكاني ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والحنابلة في مشروعية تكبيرة الإحرام والتشهد والسلام في سجود التلاوة، وإليك ما ذهبوا إليه: أما المالكية والحنفية فلم يقولوا بشيء من ذلك. وأما الحنابلة فقالوا: يكبر إذا
5 -
باب حجة من قال بعدم سجدات التلاوة في سور المفصل 910 - عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم النجم فلم يسجد (1).
سجد وإذا رفع بلا تكبيرة إحرام، ويجلس ويسلم بلا تشهد، وذهبت الشافعية في المشهور عنهم إلى أنه إذا كان خارج الصلاة يكبر للإحرام ويرفع يديه ويسلم وزاد بعضهم التشهد فيها، والله أعلم. 910 - عن زيد بن ثابت (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب عن يزيد بن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت (الحديث). (غريبه) 1 - في رواية للدارقطني «فلم يسجد منا أحد» . (تخريجه)(ق. هق. قط. والثلاثة). (الأحكام) استدل بحديث الباب من قال إن المفصل لا يشرع فيه سجود التلاوة، وهم المالكية والشافعي في أحد قوليه، واحتج به أيضًا من خص سورة النجم بعدم السجود وهو أبو ثور، وأجيب عن ذلك بأن تركه صلى الله عليه وسلم للسجود في هذه الحالة لا يدل على تركه مطلقًا، لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ لم يسجد أو كان الترك لبيان الجواز، قال الحافظ: وهو أرجح الاحتمالات، وبه جزم الشافعي. قلت: وسيأتي في الباب التالي عن ابن مسعود وأبي هريرة وغيرهما ما يؤيد ذلك. واستدل بحديث الباب أيضًا القائلون بعدم وجوب سجود التلاوة وهم المالكية والشافعية والحنابلة والجمهور، وبما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة سورة النحل حتى جاء السجدة فنزل وسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ فيها حتى إذا جاء السجدة قال: أيها الناس، إنا لم نؤمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه. وفي لفظ «إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء» (خ. لك. هق. ش) قالوا: لأنه لو كان واجبًا لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولما قال عمر رضي الله عنه «ومن لم يسجد فلا إثم عليه» وأجاب الحنفية القائلون بالوجوب على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب. قال الحافظ: وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث، وما كان الصحابة يفرقون بينهما ويغني عن هذا قول عمر «ومن لم يسجد فلا إثم عليه». فإن قيل: الاستدلال بقول عمر على عدم الوجوب لا يكون مثبتًا للمطلوب، لأنه قول صحابي ولا حجة فيه، فالجواب على ذلك من وجهين: أولاً: أن القائل بالوجوب وهم الحنفية يقولون بحجية أقوال الصحابة
6 -
باب حجة القائلين بمشروعية سجود التلاوة في سور المفصل 911 - عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد بالنجم وسجد المسلمون (1) إلا رجل (2) من قريش أخذ كفًا من تراب
وثانيًا: أن تصريحه بعدم الفرضية ويعد الإثم على التارك في مثل هذا الجمع من دون صدور إنكار يدل على إجماع الصحابة على ذلك، والله أعلم. 911 - عن ابن مسعود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيف ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد عن ابن مسعود (الحديث). (غريبه) 1 - في رواية البخاري من حديث ابن عباس «وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس» ، قال ابن عباس وغيره «حتى شاع أن أهل مكة أسلموا» . 2 - هذا الاستثناء منقطع لأن الرج لم يكن من المسلمين، وصرح البخاري في التفسير أنه أمية بن خلف، وكذلك قال النووي في شرح مسلم، قال: وقد قتل يوم بدر كافرًا ولم يكن أسلم قط. قال القاضي عياض: وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود رضي الله عنه: أنها أول سجدة نزلت. قال القاضي: وأما ما يرويه الإخباريون والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم فباطل لا يصح في شيء لا من جهة النقل ولا من جهة العقل، لأن مدح إله غير الله تعالى كفر، ولا يصح نسبة ذلك إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يقوله الشيطان على لسانه، ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك، والله أعلم. اهـ. قلت: يشير القاضي عياض رحمه الله تعالى إلى ما رواه بعض المفسرين وأصحاب السير من طرق كلها مرسلة ومنقطعة وغير صحيحة من أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به من الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله من يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم فكان يومًا في مجلس لقريش فأنزل الله تعالى سورة النجم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ قوله تعالى {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم/19، 20] ألقى الشيطان على لسانه بما كان يحدث به نفسه ويتمناه «تلك الغرانيق (*) العلى وإن شفاعتهن لترتجى» (حاشا أن يتسلط الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحانك هذا بهتان عظيم) فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته يقرأ السورة كلها وسجد
_________
(*) الغرانيق ههنا الأصنام وهي في الأصل الذكور من طير الماء واحدها غرنوق وغرنيق سمي به لبياضه، وقيل هو الكُركي، والغرنوق أيضًا الشاب الناعم الأبيض، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله وتشفع لهم، فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع (نه).
فرفعه إلى جبهته فسجد عليه قال: عبد الله (2) فرأيته بعد قُتل كافرًا. 912 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ النجم فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين (3) أرادا الشهرة
في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا مسجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم ويقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل لها محمد نصيبًا فنحن معه، فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال: يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله عز وجل، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا وخاف من الله خوفًا كثيرًا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ} [الحج/52] الآية يعزيه بها وكان به رحيمًا، وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود قريش، وقيل: أسلمت قريش وأهل مكة فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا: هم أحب إلينا، حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا يحدثونه من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فلم يدخل أحدًا إلا بجوار أو مستخفيًا، فلما نزلت هذه الآية قالت قريش: ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك، وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا في فم كل مشكر فازدادوا شرًا إلى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم، هذا ما نقله المفسرون وأصحاب السير وهي قصة باطلة مردودة مرذولة لأنها تنافي عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد قيض الله تعالى لرد هذه الفرية كثيرًا من علماء السلف والخلف، ومن أحسن ما قيل في ذلك ما ذكره الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده المصري مفتي الديار المصرية رحمه الله تعالى في ذيل كتابه (تفسير الفاتحة) وسنذكره في آخر الباب إن شاء الله تعالى. 2 - يعني ابن مسعود رضي الله عنه. وقوله «قتل كافرًا» يعني يوم بدر كما ذكره النووي. (تخريجه)(ق. نس. هق) 912 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو عامر ثنا ابن أبي ذئب عن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 3 - أحدهما أمية بن خلف كما تقدم في حديث ابن مسعود والثاني المطلب
913 -
عن جعفر بن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن أبي رضي الله عنه قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة سورة النجم فسجد وسجد من عنده، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد، ولم يكن أسلم يومئذ المطلب، وكان بعد لا يسمع أحدًا قرأها إلا سجد. وعنه من طريق ثان (1) بنحوه، وفيه «فقال المطلب فلا أدع السجود فيها أبدًا». 914 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الإنشقاق/1] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق/1].
ابن أبي وداعة كما في حديثه الآتي بعد هذا ولم يذكره ابن مسعود في حديثه لاحتمال أنه لم يره فأخبر عمن رآه أو خص أمية بالذكر لأنه هو الذي أخذ كفًا من التراب دون الآخر. وقوله «أرادا الشهرة» يعني الظهور بين قومهما بأنهما لم يخضعا ولم ينقادا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. (تخريجه)(ش) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في (الكبير) وأحمد ورجاله ثقات. 913 - عن جعفر بن المطلب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن جعفر بن المطلب الخ. (سنده) 1 - (وعنه من طريق ثان)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن المطلب بن أبي وداعة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في النجم وسجد الناس معه، قال المطلب: ولم أسجد معهم وهو يومئذ مشرك فقال المطلب: فلا أدع السجود فيها أبدًا. (تخريجه)(نس. هق) وسنده جيد. 914 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة قال: سجدنا الخ. (تخريجه)(م. فع. هق. والأربعة) وفي الباب عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، رواه البخاري والترمذي وصححه. وعن أبي هريرة أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه. رواه البزار والدارقطني. قال الحافظ: ورجاله ثقات. وروى ابن مردويه بإسناد حسنه الحافظ عن أبي هريرة أنه سجد في خاتمة النجم فسئل عن ذلك فقال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيها. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية سجود التلاوة في سور المفصل، وإلى ذلك ذهب الجمهور
_________
وذهبت المالكية إلى عدم السجود فيها محتجين بحديث رواه أبو داود عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة» وهو ضعيف، ضعفه أئمة الحديث وتقدم في الباب الأول قول النووي إنه لا يحتج به. قلت: حديث ابن عباس لا يقاوم أحاديث الباب لصحتها وضعفه، ولكثرتها وانفراده، ولكونه نافٍ وهي مثبتة، والمثبت مقدم على النافي. فإن قيل: إن سياق أحاديث الباب يدل على أن ذلك كان بمكة وحديث ابن عباس يوافق ذلك. قلت: حديث أبي هريرة الأخير من أحاديث الباب (وهو صحيح رواه مسلم وغيره) مصرح بقوله «سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الإنشقاق/1] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق/1] وتقدم في الباب الأول إجماع العلماء على أن إسلام أبي هريرة كان سنة سبع من الهجرة، فثبت بذلك أنه صلى الله عليه وسلم سجد في المفصل بعد تحوله إلى المدينة، فالحق ما ذهب إليه الجمهور والله أعلم. تتمة في مسألة الغرانيق وتفسير أربع آيات من قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى} [الحج/52] إلى قوله {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج/55] لحكيم الإسلام الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله وجعل الجنة مأواه قال رحمه الله تعالى في ذيل كتابه (تفسير الفاتحة) بعد المقدمة ما نصه: يعلم كل ناظر في كتابنا الإلهي (القرآن) ما رفع الإسلام من شأن الأنبياء والمرسلين، والمنزلة التي أحلهم من حيث هم حملة الوحي وقدوة البشر في الفضائل وصالح الأعمال، وتنزيهه إياهم عما رماهم به أعداؤهم، وما نسبه إليهم المعتقدون بأديانهم، ولا يخفى على أحد من أهل النظر في هذا الدين القيوم أنه قد قرر عصمة الرسل كافة من الزلل في التبليغ والزيغ عن الوجهة التي وجه الله وجوههم نحوها من قول أو عمل، وخص خاتمهم محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم فوق ذلك بمزايا فصلت في ثنايا الكتاب العزيز. عصمة الرسول في التبليغ عن الله أصل من أصول الإسلام، شهد به الكتاب وأيدته السنة وأجمعت عليه الأمة، وما خالف فيه بعض الفرق فإنما هو في غير الإخبار عن الله وإبلاغ وحيه إلى خلقه، ذلك الأصل الذي اعتمدت عليه الأديان حق لا يرتاب فيه مليّ يفهم ما معنى الدين، مع ذلك لم يعدم الباطل في أعوانًا يعملون على هدمه وتوهين ركنه أولئك عشاق الروايات وعبدة النقل، نظروا نظرة في قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ
مِن رَّسُولٍ
_________
وَلَا نَبِيٍّ} [الحج/52] الآية وفيما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من أن «تمنى» بمعنى قرأ والأمنية القراءة، فعمي عليهم وجه التأويل الحق على فرض صحة الرواية عن ابن عباس، فذهبوا يطلبون ما به يصح التأويل في زعمهم، فقيض لهم من يروي في ذلك أحاديث تختلف طرقها وتتباين ألفاظها، وتتفق في أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بلغ منه أذى المشركين ما بلغ وأعرضوا عنه وجفاه قومه وعشيرته لعيبه أصنامهم وزرايته على آلهتهم أخذه الضجر من إعراضهم، ولحرصه على إسلامهم وتهالكه عليه تمنى أن لا ينزل عليه ما ينفرهم لعله يتخذ ذلك طريقًا إلى استمالتهم واستنزالهم عن غيرهم وعنادهم، فاستمر به ما تمناه حتى نزلت عليه سورة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم/1] وهو في نادي قومه، وروي أنه كان في الصلاة وذلك التمني أخذ بنفسه فطفق يقرؤها فلما بلغ قوله {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم/20] ألقى الشيطان في أمنيته التي تمناها بأن وسوس له بما شيعها به فسبق لسانه على سبيل السهو والغلط فمدح تلك الأصنام وذكر أن شفاعتهن ترتجى، فمنهم من قال: إنه عندما بلغ {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم/20] سهى فقال: «تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» ومنهم من روى «الغرانقة العلى» ومنهم من روى «إن شفاعتهن ترتجى» بدون ذكر الغرانقة والغرانيق، ومنهم من قال إنه قال:«وإنها لمع الغرانيق العلى» ومنهم من روى «وإنهن لهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى» ففرح المشركون بذلك، وعندما سجد في آخر السورة سجدوا معه جميعًا. قال ابن حجر العسقلاني: وتعدد الطرق وصحة ثلاثة منها وإن كانت مرسلة يدل على أن للواقعة أصلاً صحيحًا، وهذه الأسانيد الصحيحة (في رأيه) وإن كانت مراسيل يحتج بها من يرى الاحتجاج بالحديث المرسل بل ومن لا يراه كذلك، لأنها متعددة يعضد بعضها بعضًا. اهـ. ولولا خوف التطويل لأتيت بجميع تلك الروايات ما صح عنده منها وما لم يصح، ولكن لا أرى حاجة إليه في مقالي هذا. روى ذلك ابن جرير الطبري وشايعه عليه كثير من المفسرين. وفي طباع الناس إلف الغريب، والتهافت على العجيب، فولعوا بهذه التفاسير، واتخذوها عقدة إيمانهم حتى ظنوا (وبعض الظن إثم) أن لا معدل عنها، ولا سبيل في فهم الآية سواها، ونسوا ما رآه جمهور المحققين في تأويلها، وذهب إليه الأئمة في بيانها حتى ثارت ثائرة الشبه هذه الأيام في نفوس كثير منهم وهم يزعمون أنهم مسلمون، وأحسوا أن ذلك الضرب من التفسير لا يتفق مع أصل العصمة في التبليغ فيه من الحجة للعدو ما لا سبيل إلى دفعه، فلجئوا إلى أهل العلم الصحيح يلتمسون منهم بيان المخرج مما سقطوا فيه، وتوهموا أنهم يقررون لهم ما ألفوا ثم ينقذونهم من الحيرة مع ثباتهم على ما حرفوا، ولكن ضل رأيهم وخاب ظنهم وسيقامون على المنهج، ويرون الحق ناصعًا
_________
أبلج. في صحيح البخاري: وقال ابن عباس {إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج/52] إذا حدث، ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته، ويقال: أمنيته قراءته {إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة/78] يقرئون ولا يكتبون. اهـ. فتراه حكى تفسير الأمنية بالقراءة بلفظ «يقال» بعدما فسرها بالحديث رواية عن ابن عباس. وهذا يدل على المغايرة بين التفسيرين. فما يدعيه الشراح أن الحديث في رأي ابن عباس بمعنى التلاوة يخالف ظاهرة العبارة. ثم حكايته تفسير الأمنية بمعنى القراءة بلفظ «يقال» يفيد أنه غير معتبر عنده. (وسيأتي أن المراد بالحديث حديث النفس). وقال صاحب (الإبريز): إن تفسير تمنى بمعنى قرأ، والأمنية بمعنى القراءة، مروي عن ابن عباس في نسخة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ورواها على ابن صالح كاتب الليث عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقد علم ما للناس في ابن صالح كاتب الليث وأن المحققين على تضعفيه. اهـ. هذا ما في الرواية عن ابن عباس، وهي أصل هذه الفتنة، وقد رأيت أن المحققين يضعفون راويها. وأما قصة الغرانيق فمع فما فيها من الاختلاف الذي سبق ذكره جاء في تتميمها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفطن لما ورد على لسانه وأن جبريل جاءه بعد ذلك فعرض عليه السورة فلما بلغ الكلمتين قال له: ما جئتك بهاتين فحزن لذلك، فأنزل الله عليه {وَمَا أَرْسَلْنَا} [الحج/52] الآيات تسلية له كما أنزل لذلك قوله {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} [الإسراء/73 - 75] وفي بعض الروايات أن حديث الغرانيق فشا في الناس حتى بلغ أرض الحبشة فساء ذلك المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {وَمَا أَرْسَلْنَا} الآية. قال القسطلاني في (شرح البخاري): وقد طعن في هذه القصة وسندها غير واحد من الأئمة، حتى قال ابن إسحاق وقد سئل عنها: هي من وضع الزنادقة. اهـ. وكفى في إنكار حديث أن يقول فيه ابن إسحاق أنه من وضع الزنادقة مع حال ابن إسحاق المعروفة عند المحدثين. وقال القاضي عياض: إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه أحد بسند متصل سليم، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، والمتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم. ثم نقل عن أبي بكر بن العلاء ما يدل على سقم الرواية واضطراب الرواة فيها وما يقضي عليها بالوهن والسقوط عن درجة الاعتبار. وقال الإمام أبو بكر بن العربي، وكفى به حجة في الرواية والتفسير: إن جميع ما ورد في هذه القصة لا أصل له. قال القاضي عياض: والذي ورد في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {وَالنَّجْمِ} وهو بمكة فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس. اهـ. وقد يكون ذلك لبلاغة السورة وشدة قرعها وعظم وقعها، ثم قال القاضي: قد
_________
قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن هذه الرذيلة، أما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو فكر، أو أن يتسود عليه الشيطان ويشبه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه ويعتقد النبي صلى الله عليه وسلم أن من القرآن ما ليس منه حتى يفهمه جبريل عليه السلام، وذلك ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم، أو يقول ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من قبل نفسه عمدًا وذلك كفر، أو سهوًا وهو معصوم من هذا كله، وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته صلى الله عليه وسلم من جريان الكفر على لسانه أو قلبه لا عمدًا ولا سهوًا، أو أن يشتبه عليه ما يلقيه الملك بما يلقي الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقول على الله لا عمدًا ولا سهوًا ما لم ينزل عليه، وقد قال الله تعالى:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ} [الحاقة/44 - 46] وقال: {إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} [الإسراء/75]. ووجه ثان: وهو استحالة هذه القصة نظرًا وعرفًا، وذلك أن هذا الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الالتئام، متناقض الأقسام، ممتزج المدح بالذم، متخاذل التأليف والنظم، ولكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك، وهذا لا يخفى على أدنى متأمل، فكيف بمن رجح حلمه واتسع في باب البيان ومعرفة فصيح الكلام عمله. ووجه ثالث: أنه علم من عادة المنافقين ومعاندة المشركين وضعفة القلوب والجهلة من المسلمين نفورهم لأول وهلة وتخليط العدو على النبي صلى الله عليه وسلم لأقل فتنة، وتعييرهم المسلمين والشماتة بهم الفينة بعد الفينة (1) وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شبهة، ولم يحك أحد في هذه القصة شيئًا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل، ولو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة، ولأقامت بها اليهود عليهم الحجة كما فعلوا مكابرة في قصة الإسراء، قال: ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت، ولا تشغيب (2) للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت، وما ورد عن معاند فيها كلمة ولا عن مسلم بسببها بنت شفة فدل على بطلها، واجتثاث أصلها، ولا شك في إدخال بعض شياطين الإنس والجن هذا الحديث على بعض مغفلي المحدثين ليلبس به على ضعفاء المسلمين. ووجه رابع: ذكر الرواة لهذه القصة أن فيها نزلت {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء/73] الآيتان - هاتان الآيتان تردان الخبر الذي رووه، لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتى يفتري، ولوا أن ثبته لكاد يركن إليهم شيئًا قليلاً، فمضمون هذا ومفهومه أن الله عصمه من أن يفتري، وثبته حتى لم يركن إليهم قليلاً، فكيف كثيرًا وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون والافتراء بمدح آلهتهم، وأنه صلى الله عليه وسلم قال:«افتريت على الله وقلت ما لم يقل»
1 - الفينة بالفاء كالعيلة الساعة والحين. 2 - التشغيب تهييج الشر.
_________
وهي تضعف الحديث لو صح، فكيف ولا صحة له؟ وهذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَاّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ} [النساء/113] قال القشيري: ولقد طالبه قريش وثقيف إذ مر بآلهتهم أن يقبل لوجهه إليها ووعدوه الإيمان به إن فعل، فما فعل ولا كان ليفعل. قال ابن الأنباري: ما قارب الرسول ولا ركن. انتهى المطلوب من كلام القاضي رحمه الله. وقد أورد بعد ذلك كثيرًا من القول في توهين الرواية وتكذيبها. أما ما ذكره ابن حجر من أن القصة رويت مرسلة من ثلاث طرق على شرط الصحيح وأنه يحتج بها الخ ما سبق، فقد ذهب عليه كما قال في (الإبريز) أن العصمة من العقائد التي يطلب فيها اليقين، فالحديث الذي يفيد خرمها ونقضها لا يقبل على أي وجه جاء، وقد عد الأصوليون الخبر الذي يكون على تلك الصفة من الأخبار التي يجب القطع بكذبها، هذا لو فرض اتصال الحديث فما ظنك بالمراسيل، وإنما الخلاف في الاحتجاج بالمرسل (1) وعدم الاحتجاج به فيما هو من قبيل الأعمال وفروع الأحكام، لا في أصول العقائد ومعاقد الإيمان بالرسل وما جاءوا به فهي هفوة من ابن حجر يغفرها الله له. هذا ما قاله الأئمة جزاهم الله خيرًا في بيان فساد هذه القصة، وأنها لا أصل لها، ولا عبرة برأي من خالفهم، فلا يعتد بذكرها في بعض كتب التفسير وإن بلغ أربابها من الشهرة ما بلغوا، وشهرة المبطل في بطله لا تنفخ القوة في قوله ولا تحمل على الأخذ برأيه. (تفسير الآيات) والآن أرجع إلى تفسير الآيات على الوجه الذي تحتمله ألفاظها وتدل عليه عباراتها والله أعلم. لا يخفى على كل من يفهم اللغة العربية، وقرأ شيئًا من القرآن أن قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [الحج/52] الآيات، يحكي قدرًا قُدِّرَ للمرسلين كافة لا يعدونه، ولا يقفون دونه، ويصف شنشنة عُرفت فيهم وفي أممهم، فلو صح ما قال أولئك المفسرون لكان المعنى أن جميع الأنبياء والمرسلين قد سلط الشيطان عليهم، فخلط في الوحي المُنَزَّل إليهم، ولكنه بعد هذا الخلط ينسخ الله كلام الشيطان ويحكم الله آياته
…
إلخ، وهذا من أقبح ما يتصور متصور في اختصاص الله تعالى لأنبيائه، واختيارهم من خاصة أوليائه، فلندع هذا الهذيان ولنعد إلى ما نحن بصدده. ذكر الله لنبيه حالاً من أحوال الأنبياء والمرسلين قبله ليبين له سنته فيهم، وذلك بعد أن
1 - الحديث المرسل هو الذي سقط من سنده من بعد التابعي والجمهور يتوقفون عن الاحتجاج به لجواز أن يكون الساقط غير صحابي - كذا بحاشية الأصل.
_________
قال: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج/42 - 44] إلى آخر الآيات، ثم قال:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَحِيمِ (51) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [الحج/49 - 52]
…
إلخ، فالقصص السابق كان في تكذيب الأمم لأنبيائهم، ثم تبعه الأمر الإلهي بأن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لقومه:
إنني لم أرسل إليكم إلا لأنذركم بعاقبة ما أنتم عليه، ولأبشر المؤمنين بالنعيم، وأما الذين سعوا في الآيات والأدلة التي أقيمها على الهدى وطرق السعادة ليحولوا عنها الأنظار، ويحجبوها عن الأبصار، ويفسدوا أثرها الذي أقيمت لأجله، ويعاجزوا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أي يسابقونهم ليعجزوهم ويسكتوهم عن القول، وذلك بلعبهم بالألفاظ وتحويلها عن مقصد قائلها كما يقع عادة من أهل الجدل والمماحكة، هؤلاء الضالون المضلون هم أصحاب الجحيم، وأعقب ذلك بما يفيد أن ما ابتُلي به النبي صلى الله عليه وسلم من المعاجزة في الآيات قد ابتُلي به الأنبياء السابقون، فلم يبعث نبي في أمة إلا كان له خصوم يؤذونه بالتأويل والتحريف، ويضادون أمانيه، ويحولون بينه وبين ما يبتغي بما يلقون في سبيله من العثرات، فعلى هذا المعنى الذي يتفق مع ما لقيه الأنبياء جميعًا يجب أن تفسر الآية، وذلك يكون على وجهين: الأول: أن يكون تمنى بمعنى قرأ، والأمنية بمعنى القراءة، وهو معنى قد يصح، وقد ورد استعمال اللفظ فيه، قال حسان بن ثابت في عثمان رضي الله عنهما: تمنى كتاب الله أول ليله
…
وآخره لاقى حِمَام المقادر وقال آخر: تمنى كتاب الله أول ليله
…
تمنى داود الزبور على رسل غير أن الإلقاء لا يكون على المعنى الذي ذكروه، بل المعنى المفهوم من قولك (ألقيت في حديث فلان) إذا أدخلت فيه ما ربما يحتمله لفظه، ولا يكون قد أراده، أو نسبت إليه ما لم يقله تعللاً بأن ذلك الحديث يؤدي إليه. ونسبة الإلقاء إلى الشيطان، لأنه مثير الشبهات بوساوسه، مفسد القلوب بدسائسه، وكل ما يصدر من أهل الضلال يصح أن ينسب إليه ويكون المعنى: وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا حدَّث قومه عن ربه، أو تلا وحيًا أُنزل إليه فيه هدًى لهم قام في وجهه مشاغبون يحوِّلون ما يتلوه عليهم عن المراد منه، ويقولون عليه ما لم يقله، وينشرون ذلك بين الناس؛ ليبعدوهم عنه، ويعدلوا بهم عن سبيله، ثم يحق الله الحق ويبطل الباطل،
_________
ولا يزال الأنبياء يصبرون على ما كُذِّبوا وأوذوا، ويجاهدون في الحق، ولا يعتدَّون بتعجيز المعجزين، ولا بهزء المستهزئين، إلى أن يظهر الحق بالمجاهدة، وينتصر على الباطل بالمجالدة، فينسخ الله تلك الشبهة، ويجتثها من أصولها، ويثبت آياته ويقررها، وقد وضع الله هذه السنة في الناس ليتميز الخبيث من الطيب، فيفتتن الذين في قلوبهم مرض -وهم ضعفاء العقول- بتلك الشبه والوساوس، فينطلقون وراءها، ويفتتن بها القاسية قلوبهم من أهل العناد والمجاحدة فيتخذونها سندًا يعتمدون عليها في جدلهم، ثم يتمحص الحق عند الذين أوتوا العلم، ويخلص لهم بعد ورود كل شبهة عليه، فيعلموا أنه الحق من ربك، فيصدِّقوا به فتخبت وتطمئن له قلوبهم. والذين أوتوا العلم هم الذين رزقوا قوة التمييز بين البرهان القاطع الذي يستقر بالعقل في قرارة اليقين، وبين المغالطات وضروب السفسطة التي تطيش بالفهم، وتطير به مع الوهم، وتأخذ بالعقل تارة ذات الشمال وأخرى ذات اليمين. وسواء أرجعت الضمير في {أَنَّهُ الْحَقُّ} [الحج/54]: إلى ما جاءت به الآيات المحكمة من الهدى الإلهي، أو إلى القرآن وهو أجلها، فالمعنى من الصحة على ما يراه أهل التمكين. هؤلاء الذين أوتوا العلم هم الذين آمنوا، وهم الذين هداهم الله إلى الصراط المستقيم، ولم يجعل للوهم عليهم سلطانًا، فيحيد بهم عن ذلك النهج القويم، وأما الذين كفروا وهم ضعفاء العقول ومرضى القلوب، أو أهل العناد وزعماء الباطل وقساة الطباع الذين لا تلين أفئدتهم، ولا تبش للحق قلوبهم، فأولئك لا يزالون في ريب من الحق أو الكتاب لا تستقر عقولهم عليه، ولا يرجعون في متصرفات شئونهم إليه، حتى تأتي ساعة هلاكهم بغتة، فيلاقون حسابهم عند ربهم، أو إن امتد بهم الزمن، ومادَّهم الأجل، فسيصيبهم {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج/55] يوم حرب يسامون فيه سوء عذاب القتل أو الأسر، ويقذفون إلى مطارح الذل وقرارات الشر، فلا ينتج لهم من ذلك اليوم خير ولا بركة، بل يسلبون ما كان لديهم، ويساقون إلى مصارع الهلكة، وهذا هو العقم في أتم معانيه وأشأم درجاته. ما أقرب هذه الآيات في مغازيها إلى قوله تعالى في سورة آل عمران:{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران/7] وقد قال بعد ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} [آل عمران/10] ثم قال: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ} [آل عمران/ 12]
…
إلخ الآيات، وكأن إحدى الطائفتين من القرآن شرح للأخرى، فالذين في قلوبهم زيغ هم الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، والراسخون في العلم هم الذين أوتوا العلم، وهؤلاء هم الذين يعلمون أنه الحق من ربهم فيقولون: آمنا به كل من
_________
عند ربنا. فتخبت له قلوبهم، وإن الله لهاديهم إلى صراط مستقيم، وأولئك هم الذين يفتنون بالتأويل، ويشتغلون بقالٍ وقيل، بما يلقي إليهم الشيطان، ويصرفهم عن مرامي البيان، ويميل بهم عن محجة الفرقان، وما يتكئون عليه من الأموال والأولاد لن يغني عنهم من الله شيئًا، فستوافيهم آجالهم، وتستقبلهم أعمالهم، فإن لم يوافهم الأجل على فراشهم، فسيغلبون في هراشهم (1). وهذه سنة جميع الأنبياء مع أممهم، وسبيل الحق مع الباطل من يوم رفع الله الإنسان إلى منزلة يميز فيها بين سعادته وشقائه، وبين ما يستبقيه وما يذهب ببقائه، وكما لا مدخل لقصة الغرانيق في آيات آل عمران لا مدخل لها في آيات سورة الحج. هذا هو الوجه الأول في تفسير آيات {وَمَا أَرْسَلْنَا} [الحج/52] إلى آخرها على تقدير أن تمنَّى بمعنى قرأ، وأن الأمنية بمعنى القراءة والله أعلم. الوجه الثاني في تفسير الآيات: إن التمني على معناه المعروف، وكذلك الأمنية وهي أفعولة بمعنى المنية وجمعها أماني كما هو مشهور، قال أبو العباس أحمد بن يحيى: التمني حديث النفس بما يكون وبما لا يكون، قال: والتمني سؤال الرب، وفي الحديث «إذا تمنى أحدكم فليتكثر فإنما يسأل ربه» وفي رواية «فليكثر» (2). قال ابن الأثير: التمني تشهي حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وما لا يكون. وقال أبو بكر: تمنيت الشيء أي قدرته وأحببت أن يصير إلي. وكل ما قيل في معنى التمني على هذا الوجه فهو يرجع إلى ما ذكرنا ويتبعه معنى الأمنية. ما أرسل الله من رسول ولا نبي ليدعو قومًا إلى هدًى جديد، أو شرع سابق شرعه لهم، ويحملهم على التصديق بكتاب جاء به نفسه إن كان رسولاً، أو جاء به غيره إن كان نبيًّا ليحمل الناس على اتِّباع من سبقه إلا وله أمنية في قومه، وهي أن يتبعوه وينحازوا إلى ما يدعوهم إليه، ويستشفوا ممن دائهم بدوائه، ويعصوا أهواءهم بإجابة ندائه، وما من رسول إلا وقد كان أحرص على إيمان أمته، وتصديقهم برسالته - منه على طعامه الذي يطعم، وشرابه الذي يشرب، وسكنه الذي يسكن إليه، ويغدو عنه ويروح عليه، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك في المقام الأعلى، والمكان الأسمى، قال الله تعالى:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف/6] وقال: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف/103] وقال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى
يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس/99] وفي الآيات ما يطول سرده مما يدل على أمانيه صلى الله عليه وسلم بهداية قومه وإخراجهم من ظلمات ما كانوا فيه إلى نور ما جاء به. وما من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى هذه الأمنية السامية ألقى الشيطان في سبيله العثرات، وأقام بينه وبين مقصده العقبات، ووسوس في صدور الناس، وسلبهم الانتفاع بما وُهبوا من قوة العقل والإحساس، فثاروا في وجهه، وصدوه عن قصده، وعاجزوه
1 - الهراش المواثبة والمخاصمة. 2 - رواه الطبراني في (الأوسط) عن عائشة.
_________
حتى لقد يعجزونه، وجادلوه بالسلاح والقول حتى لقد يقهرونه، فإذا ظهروا عليه والدعوة في بدايتها وسهل عليهم إيذاؤه وهو قليل الأتباع ضعيف الأنصار - ظنوا الحق من جانبهم، وكان فيما ألقوه من العوائق بينه وبين ما عمد إليه فتنة لهم. غلبت سنة الله في أن يكون الرسل من أواسط قومهم، أو من المستضعفين فيهم؛ ليكون العامل في الإذعان بالحق محض الدليل وقوة البرهان، وليكون الاختيار المطلق هو الحامل لمن يدعى إليه على قبوله، ولكيلا يشارك الحق الباطل في وسائله، أو يشاركه في نصب شراكه وحبائله، أنصار الباطل في كل زمان هم أهل الأنفة والقوة والجاه والاعتزاز بالأموال والأولاد والعشيرة والأعوان والغرور بالزخارف، والزهو بكثرة المعارف، وتلك الخصال إنما تجتمع كلها أو بعضها في الرؤساء وذوي المكانة من الناس فتذهلهم عن أنفسهم، وتصرف نظرهم عن سبيل رشدهم، فإذا دعا إلى الحق داعٍ عرفته القلوب النقية من أوضار هذه الفتن، وفزعت إليه النفوس الصافية والعقول المستعدة لقبوله بخلوصها من هذه الشواغل، وقلما توجد إلا عند الضعفاء وأهل المسكنة، فإذا التف هؤلاء حول الداعي وظافروه على دعوته قام أولئك المغرورون يقولون:{مَا نَرَاكَ إِلَاّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَاّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} [هود/27]. فإذا استدرجهم الله على سنته وجعل الجدال بينهم وبين المؤمنين سجالاً، افتتن الذين في قلوبهم مرض من أشياعهم، وافتتنوا هم بما أصابوا من الظفر في دفاعهم، ولكن الله غالب على أمره، فيمحق ما ألقاه الشيطان من هذه الشبهات، ويرفع هذه الموانع وتلك العقبات، ويهب السلطان لآياته فيحكمها، ويثبت دعائمها، وينشئ من ضعف أنصارها قوة، ويخلف لهم من ذلتهم عزة، وتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الشيطان هي السفلى، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد/17]. وفي حكاية هذه السنة الإلهية التي أقام عليها الأنبياء والمرسلين تسلية لنبينا صلى الله عليه وسلم عما كان يلاقي من قومه، وعدٌ له بأن سيكمل له دينه، ويتم عليه وعلى المؤمنين نعمته، مع استلفاتهم إلى سيرة من سبقهم {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ} [العنكبوت/2 - 3]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة/214]. هذا هو التأويل الثاني في معنى الآية، ويدل عليه ما سبق من الآيات، ويرشد إليه سياق القصص السابق في قوله:{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [الحج/42] الخ، وأنت ترى أن قصة الغرانيق لا تتفق مع هذا المعنى الصحيح. وهناك تأويل ثالث ذكره صاحب (الإبريز)، وإني أنقله بحروفه وما هو بالبعيد
_________
عن هذا بكثير، قال بعد ذكر أماني الأنبياء في أممهم وطمعهم في إيمانهم، وشأن نبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك على نحو يقرب مما ذكرناه في الوجه الثاني:«ثم الأمة تختلف كما قال تعالى: {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ} [البقرة/253] فأما من كفر فقد ألقى إليه الشيطان الوساوس القادحة له في الرسالة الموجبة لكفره، وكذا المؤمن أيضًا لا يخلو أيضًا من وساويس، لأنها لازمة للإيمان بالغيب في الغالب، وإن كانت تختلف في الناس بالقلة والكثرة وبحسب المتعلقات، إذا تقرر هذا فمعنى تمنى أنه يتمنى لهم الإيمان ويحب لهم الخير والرشد والصلاح والنجاح، فهذه أمنية كل رسول ونبي، وإلقاء الشيطان فيها يكون بما يلقيه في قلوب أمة الدعوة من الوساويس الموجبة لكفر بعضهم، ويرحم الله المؤمنين، فينسخ ذلك من قلوبهم ويحكم فيها الآيات الدالة على الوحدانية والرسالة، ويبقي ذلك عز وجل في قلوب المنافقين والكافرين ليفتتنوا به، فخرج من هذا أن الوساويس تُلقى أولاً في قلوب الفريقين معًا غير أنها لا تدوم على المؤمنين وتدوم على الكافرين» اهـ. وأنت إذا نظرت بين هذا التفسير وبين ما سبقه تتبين الأحق بالترجيح. لو صح ما قاله نقلة قصة الغرانيق لارتفعت الثقة بالوحي، وانتقض الاعتماد عليه كما قاله القاضي البيضاوي وغيره، ولكان الكلام في الناسخ كالكلام في المنسوخ يجوز أن يلقي فيه الشيطان ما يشاء ولانهدم أعظم ركن للشرائع الإلهية وهو العصمة، وما يقال في المخرج عن ذلك ينفر منه الذوق ولا ينظر إليه العقل، على أن وصف العرب لآلهتهم بأنها الغرانيق العُلى لم يرِد لا في نظمهم ولا في خطبهم، ولم ينقل عن أحد أن ذلك الوصف كان جاريًا على ألسنتهم إلا ما جاء في معجم ياقوت غير مسند ولا معروف بطريق صحيح، وهذا يدل على أن القصة من
اختراع الزنادقة كما قال ابن إسحاق، وربما كانت منشأ ما أورده ياقوت. ولا يخفى أن الغرنوق والغرنيق لم يعرف في اللغة إلا اسمًا لطائر مائي أسود وأبيض، أو هو اسم الكركي أو طائر يشبهه، والغرنيق (بالضم وكزنبور وقنديل وسَمْوأل وفردوس وقرطاس وعُلابط) معناه الشاب الأبيض الجميل، وتسمى الخصلة من الشعر المفتلة الغرنوق، كما يسمى به ضرب من الشجر، ويطلق الغرنوق والغرانق على ما يكون في أصل العوسج اللين النبات، ويقال: لِمَّة غُرانِقة وغُرانِقِية؛ أي: ناعمة تفيئها الريح، أو الغرنوق: الناعم المستتر من النبات
…
إلخ، ولا شيء في هذه المعاني يلائم الآلهة والأصنام، حتى يُطلق عليها في فصيح القول الذي يعرض على ملوك البلاغة وأمراء الكلام، فلا أظنك تعتقد إلا أنها من مفتريات الأعاجم ومختلقات الملبسين ممن لا يميز بين حر الكلام، وما استعبد منه لضعفاء الأحلام، فراج ذلك على من يذهله الولوع بالرواية، عما تقتضيه الدراية، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ} [آل عمران/8]. اهـ ما ذكره الأستاذ الإمام رحمه الله تعالى.
7 -
باب ما جاء في سجدتي سورة الحج وسجدة سورة ص 915 - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما. 916 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سجد في ص. 917 - وعنه أيضًا أنه قال في السجود في ص ليست من عزائم
915 - عن عقبة بن عامر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا ابن لهيعة ثنا مِشرَح بن هاعان أبو مصعب المعافري قال سمعت عقبة بن عامر قال: قلت يا رسول الله (الحديث). (غريبه) يعني أن من لم يرد السجود فيهما فلا يقرأهما، لأنه لو قرأهما ولم يسجد فقد خالف السنة على القول بسنية السجود، وكان آثمًا على القول بوجوبه. (تخريجه) (د. ك. هق. قط. مذ) وقال: ليس إسناده بذاك القوي. قلت: لأن في إسناده ابن لهيعة ومِشرَح بن هاعان وهما ضعيفان، لكن روى الطحاوي عن عبد الله بن ثعلبة قال:«صلى بنا عمر بن الخطاب الصبح فقرأ بالحج وسجد فيها سجدتين» ، وأخرج مالك في (الموطأ) عن نافع أن رجلاً من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال: هذه السورة فضلت بسجدتين. وروى الطحاوي عن صفوان بن محرز أن أبا موسى الأشعري سجد في الحد سجدتين. وروى مثله عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر. وروى عن يزيد بن خمير قال: سمعت عبد الرحمن بن جبير بن نفير وخالد بن معدان يحدثان عن جبير بن نفير أنه رأى أبا الدرداء سجد في الحج سجدتين. وهذه وإن كانت آثارًا فإنها تقوي حديث الباب لأنها لا تقال من قبل الرأي. والله أعلم. 916 - عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا سليم بن حيان ثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس (الحديث). (تخريجه)(فع. نس) زاد النسائي «وقال سجدها داود عليه السلام توبة ونسجدها شكرًا» ، ورواه الدارقطني من حديث عبد الله بن بزيع عن عمر بن ذر نحوه وأعله ابن الجوزي به يعني بعبد الله بن بزيع وقد توبع وصححه ابن السكن. قاله الحافظ في (التلخيص). 917 - وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل ثنا
السجود (1) وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسجد فيها. 918 - ز. عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان (رض) سجد في ص. 919 - عن العوام بن حوشب قال: سألت مجاهدًا عن السجدة التي في ص فقال: نعم، سألت عنها ابن عباس رضي الله عنهما فقال: أتقرأ هذه الآية؟ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام/84] وفي آخرها {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام/90] قال: أُمر نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتدي بداود (2).
أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال في السجود الخ. (غريبه) 1 - المراد بالعزائم ما وردت العزيمة في فعله كصيغة الأمر مثلاً بناءً على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب، وقد روى ابن المنذر وغيره عن عليّ رضي الله عنه «أرى العزائم حم والنجم واقرأ والم تنزيل» قال الحافظ: وإسناده حسن. قال: وكذا ثبت عن ابن عباس في الثلاثة الأخر (أي عدا حم) وقيل الأعراف وسبحان وحم والم، أخرجه ابن أبي شيبة. اهـ. فقول ابن عباس ليست من عزائم السجود من قوله هو وهو رأي له، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم. ومراده - والله أعلم - أن سجدة ص ليست من السجدات المؤكدة. (تخريجه) (خ. د. مذ. هق). 918 - ز. عن السائب بن يزيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني سويد بن سعيد ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عثمان الخ. (تخريجه) (هق) وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد ورجاله رجال الصحيح. 919 - عن العوام بن حوشب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية قال أنا العوام بن حوشب الخ. (غريبه) 2 - يعني في السجود في سورة ص عند قوله تعالى حكاية عن داود {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص/24] وفي النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا «سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرًا» . (تخريجه)(خ. هق) قال الحافظ: وقع في تفسير ص عند المصنف (يعني البخاري) من طريق مجاهد قال: «سألت ابن عباس من أين سجدت في ص» ، وابن خزيمة من هذا الوجه «من أين أخذت سجدة ص» ، ثم اتفقا فقال {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام/84] إلى قوله {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام/90]، ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية، وفي الحديث الأول (يعني قول ابن عباس في الحديث الثالث من أحاديث الباب «وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(فصل منه في رؤيا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه 920 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه رأي رؤيا أنه يكتب ص فلما بلغ إلى سجدتها قال: رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلت ساجدًا، قال: فقصها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يزل يسجد بها بعد
يسجد فيها») أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تعارض بينهما، لاحتمال أن يكون استفاده من الطريقين، وقد وقع في أحاديث الأنبياء من طريق مجاهد في آخره فقال ابن عباس: نبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم، فاستنبط وجه سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الآية، وسبب ذلك كون السجدة التي في ص إنما وردت بلفظ الركوع فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة. اهـ. 920 - عن أبي سعيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان ثنا يزيد يعني ابن زريع ثنا حميد قال حدثني بكر أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رأى رؤيا (الحديث) (تخريجه) (هق) وأورده الهيثمي وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وفي الباب عن أبي سعيد أيضًا قال: رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة وكأن الشجرة تقرأ ص فلما أتت على السجدة سجدت فقالت في سجودها: اللهم اغفر لي بها، اللهم حط عني بها وزرًا، واحدث لي بها شكرًا، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: سجدت أنت؟ قلت: لا، قال: فأنت أحق بالسجود من الشجرة، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة ص ثم أتى على السجدة وقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها. قال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني في (الأوسط) إلا أنه قال: «قالت: اللهم اكتب لي بها أجرًا» والباقي بنحوه. وفيه اليمان بن نصر، قال الذهبي: مجهول. اهـ. قلت: تقدم في شرح الحديث الأول من الباب الثاني نحوه عن ابن عباس إلا أنه ليس فيه ذكر سورة ص. وعن أبي سعيد أيضًا، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس (أي تهيئوا) للسجود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزنتم للسجود فنزل فسجد وسجدوا. رواه (د. ك. هق. قط. وغيرهم) وقال النووي: رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري. اهـ. (الأحكام) الحديث الأول من أحاديث الباب يدل على أن في سورة الحج سجدتين الأولى منهما عند قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج/18] والثانية عند قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج/77] الآية، وقد أجمعوا على السجود
_________
في الأولى منهما، واختلفوا في الثانية، فمن أثبتها عمر بن الخطاب وعلي وابن عمر وأبو الدرداء وأبو موسى رضي الله عنهم وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية وزر بن حبيش ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود رحمهم الله. قال ابن المنذر: قال أبو إسحاق يعني السبيعي التابعي الكبير: أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين. وحكى ابن المنذر عن سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وجابر بن زيد وأصحاب الرأي (ومنهم أبو حنيفة) إسقاطها، وعن ابن عباس روايتان، قال ابن المنذر: وبإثباتها أقول. قلت: وحديث ابن عباس وما بعده من أحاديث الباب جميعها تدل على مشروعية السجود في سورة ص عند قوله تعالى {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص/24] وبه قال الجمهور وخالف في ذلك الشافعية. قال النووي: قال أصحابنا سجدة ص ليست من عزائم السجود، معناه ليست سجدة تلاوة، ولكنها سجدة شكر، هذا هو الصواب المنصوص وبه قطع الجمهور، وقال أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق المروزي: هي سجدة تلاوة من عزائم السجود، والمذهب الأول. اهـ. ج. قلت: احتج الشافعية بحديث أبي سعيد قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص» الحديث تقدم في الشرح آنفًا وبحديث ابن عباس مرفوعًا «سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرًا» رواه النسائي والبيهقي وضعفه، قال الحافظ: فاستدل الشافعي بقوله «شكرًا» على أنه لا يسجد فيها في الصلاة، لأن سجود الشاكر لا يشرع داخل الصلاة. اهـ. قال صاحب (المهذب): فإن قرأها في الصلاة فسجد فيها ففيه وجهان: أحدهما: تبطل صلاته لأنها سجدة شكر فبطلت بها الصلاة كالسجود عند تجدد نعمة. والثاني: لا تبطل؛ لأنها تتعلق بالتلاوة فهي كسائر سجدات التلاوة. اهـ. فائدة: قال الشوكاني رحمه الله: ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضأ، وقد كان يسجد معه صلى الله عليه وسلم من حضر تلاوته، ولم ينقل أنه أمر أحدًا منهم بالوضوء، ويبعد أن يكونوا جميعًا متوضئين، وأيضًا قد كان يسجد معه المشركون كما تقدم وهم أنجاس لا يصح وضوؤهم، وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء، وكذلك روى عنه ابن أبي شيبة، وأما ما رواه البيهقي عنه بإسناد قال في (الفتح): صحيح أنه قال «لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر» فيجمع بينهما بما قال الحافظ من حمله على الطهارة الكبرى، أو على حالة الاختيار والأول على الضرورة، وليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار طهارة الثياب والمكان، وأما ستر العورة والاستقبال مع الإمكان فقيل إنه معتبر اتفاقًا. قال في (الفتح): لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي، أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح، وأخرج أيضًا عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه «كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماءً» ومن الموافقين لابن
8 -
باب ما جاء في سجدة الشكر 921 - عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي رواية «دخلت المسجد فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجًا من المسجد) فاتبعته حتى دخل نخلاً فسجد فأطال السجود حتى خفت أو خشيت أن يكون الله قد توفاه أو قبضه، قال: فجئت أنظر فرفع رأسه فقال: مالك يا عبد الرحمن؟ قال: فذكرت ذلك له، فقال: إن جبريل عليه السلام قال لي: ألا أبشرك؟ إن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صليت عليه (1) ومن سلم عليك سلمت عليه. ومن طريق ثان (2) عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف
عمر من أهل البيت أو طالب والمنصور بالله. فائدة أخرى: روى عن بعض الصحابة أنه يكره سجود التلاوة في الأوقات المكروهة، والظاهر عدم الكراهة، لأن السجود المذكور ليس بصلاة، والأحاديث الواردة بالنهي مختصة بالصلاة. أفاده الشوكاني. وذهب الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة إلى أنها لا تصح بغير طهارة، واشترطوا لها ما يشترط للصلاة من طهارة واستقبال ونحو، واختلفوا في تكبيرة الإحرام لها، وقد تقدم الخلاف في ذلك، والله أعلم. 921 - عن محمد بن جبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ثنا ليث عن يزيد بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم (الحديث). (غريبه) 1 - المعنى أن من طلب ودعا للنبي صلى الله عليه وسلم بزيادة القرب من ربه تجلى الله عز وجل عليه بالرحمة، «ومن سلم على النبي صلى الله عليه وسلم» أي دعا له بالسلامة من المكاره والآفات سلمه الله تعالى من كل ما يكره، وفي ذلك مزيد فضل وتشريف للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن صلى عليه من أمته، وأفضل الصيغ الواردة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم هي ما بعد التشهد في الصلاة، وقد أتينا بأصح طرقها وتقدم ذلك في الباب الثالث من أبواب التشهد، وسنفيض القول في ذلك في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الأذكار. (سنده) 2 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا سليمان
رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدفته (1) فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدًا فأطال السجود حتى ظننت أن الله عز وجل قبض نفسه فيها، فدنوت منه فجلست فرفع رأسه فقال: من هذا، قلت عبد الرحمن، قال: ما شأنك؟ قلت: يا رسول الله سجدت سجدة خشيت أن يكون الله عز وجل قد قبض نفسك فيها، فقال: إن جبريل عليه السلام أتاني فبشرني فقال: إن الله عز وجل يقول: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله عز وجل شكرًا. 922 - عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بشير
ابن بلال ثنا عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن محمد (الحديث) وله طريق ثالث: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس ثنا ليث عن يزيد عن عمرو عن عبد الرحمن بن أبي الحويرث عن محمد بن جبير عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت المسجد فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجًا من المسجد فاتبعته فذكر الحديث. 1 - بفتح الصاد والدال المهملتين والفاء. قال الشوكاني: الصدقة من أسماء البناء المرتفع قال: وفي (النهاية) ما لفظه «كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي» قال: الصدف بفتحتين وضمتين كل بناء عظيم مرتفع تشبهًا بصدق الجبل وهو ما قابلك من جانبه واسم لحيوان في البحر. اهـ. ما نقله الشوكاني. قلت: والذي يظهر لي أن المراد بالصدفة هنا النخل كما صرح بذلك في الطريق الأولى من الحديث، فهي مفسرة لهذه الرواية، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا، وسمى النخل صدفة لارتفاعه. قال في (القاموس): الصدفة محركة غشاء الدر، الواحدة بهاءٍ، جمعها أصداف، وكل شيء مرتفع من حائط ونحوه. أهـ. فالبناء هنا غير مراد، لأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له بناء سوى حجرات أزواجه وكانت قليلة الارتفاع لا ينطبق عليها معنى البناء العظيم المرتفع، فالظاهر ما قلنا، والله أعلم. (تخريجه) أخرجه البزار والحاكم ولفظه كلفظ الطريق الأولى من حديث الباب، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجها ولا أعلم في سجدة الشكر أصح من هذا الحديث. اهـ. قلت: وأقره الذهبي. 922 - عن أبي بكرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أحمد بن
يبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة رضي الله عنها فقام فخر ساجدًا، ثم أنشأ يسائل البشير فأخبره فيما أخبره أنه ولى أمرهم امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن هلكت الرجال إذا أطاعت النساء، هلكت الرجال إذا أطاعت النساء ثلاثًا (1). قلت: وسجد عليّ رضي الله عنه حين وجد ذا الثدية في الخوارج (2)، وسجد كعب بن مالك رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه (3)
عبد الملك الحراني ثنا أبو بكرة بن بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة قال سمعت أبي يحدث عن أبي بكرة أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث). (غريبه) 1 - كرر هذه الجملة ثلاثًا للتأكيد ولتحقق وقوع الهلاك على من فعل ذلك، لأن النساء ناقصات عقل ودين فلا يصلحن للولاية ولا يحسنّ التصرف في الأمور كالرجل، والله تعالى يقول:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء/34] فمن خالف قول الله تعالى وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم فقد أودى بنفسه إلى الهلاك، وسيأتي لذلك مزيد بحث في كتاب الخلافة والإمارة إن شاء الله تعالى. (تخريجه)(د. جه. مذ) ولفظه عندهم عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجدًا شكرًا لله تعالى، قال الترمذي: هو حسن غريب، وفي إسناده بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن جده وهو ضعيف عند العقيلي وغيره، وقال ابن معين: إنه صالح الحديث. 2 - حديث سجود علي رضي الله عنه رواه الإمام أحمد عن طارق بن زياد وسيأتي بسنده ولفظه وشرحه في الفصل الثالث من الباب السادس من أبواب خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذو الثدية هو رجل من الخوارج الذين قتلهم علي رضي الله عنه يوم النهروان، ويقال: له المخدج وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعرات مثل سبالة السنور، وقصته مشهورة رواها الإمام أحمد ومسلم في صحيحه وأبو داود وغيرهم. 3 - حديث كعب بن مالك سيأتي بسنده ولفظه وشرحه في تفسير قوله تعالى {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة/118] من سورة التوبة من كتاب التفسير إن شاء الله تعالى، رواه الإمام أحمد والشيخان وغيرهم، وحاصله أن كعب بن مالك رضي الله عنه تخلف عن غزوة تبوك بلا عذر واعترف بذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعتذر بالأعذار الكاذبة كما فعل المتخلفون من المنافقين
_________
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن تكليمه وأمره بمفارقة زوجته، حتى ضاقت الأرض بما رحبت عليه وعلى صاحبيه اللذين اعترفا كما اعترف، وقد وصف الله عز وجل ذلك في كتاب، ثم بعد خمسين ليلة تاب الله عليهم، فلما بشر بذلك سجد شكرًا لله تعلى. وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:«خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة نريد المدينة فلما كنا قريبًا من عزوراء (بفتح العين المهملة وسكون الزاي وفتح الواو وبالمد ثنية الجحفة عليها الطريق من المدينة ويقال فيها عزور) نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجدًا فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه ساعة، ثم خر ساجدًا فعله ثلاثُا، وقال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدًا شكرًا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدًا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجدًا لربي» رواه أبو داود، قال النووي: لا نعلم ضعف أحد من رواته ولم يضعفه أبو داود، ولما لم يضعفه فهو حسن عنده. وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم خر ساجدًا حين جاءه كتاب علي رضي الله عنه من اليمن بإسلام همذان، رواه البيهقي من جملة حديث طويل، وقال: هو صحيح على شرط البخاري، وروى البيهقي وغيره سجود الشكر من فعل أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية سجود الشكر. قال النووي رحمه الله تعالى: مذهبنا أنه سنة عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، وبه قال أكثر العلماء، وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي وكعب بن مالك رضي الله عنهم وعن إسحاق وأبي ثور وهو مذهب الليث وأحمد وداود، وقال ابن المنذر: وبه أقول، وقال أبو حنيفة: يكره، وحكاه ابن المنذر عن النخعي، وعن مالك روايتان أشهرهما الكراهة، ولم يذكر ابن المنذر غيرها، والثانية: أنه ليس بسنة، واحتج لمن كرهه بأن النبي صلى الله عليه وسلم شكا إليه رجل القحط وهو يخطب فرفع يديه ودعا فسقوا في الحال ودام المطر إلى الجمعة الأخرى، فقال رجل: يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل فادع الله يرفعه عنا، فدعا فرفع في الحال، والحديث في الصحيحين من رواية أنس، وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد لتجدد نعمة المطر أولاً، ولا لدفع نقمته آخرًا، قالوا: ولأن الإنسان لا يخلو من نعمة، فإن كلفه لزم الحرج، قال: واحتج أصحابنا بحديث أبي بكرة وقد بيناه، ثم ذكر حديث أبي سعيد والبراء وأشار إلى حديث كعب بن مالك، ثم قال: والجواب عن حديثهم (يعني حديث الرجل الذي شكا القحط واحتج به القائلون بالكراهة) أنه ترك السجود في بعض الأحوال بيانًا للجواز، ولأنه كان على المنبر وفي السجود حينئذ مشقة أو اكتفى بسجود الصلاة، والجواب بأحد هذه الأوجه أو غيرها متعين للجمع بين الأدلة. اهـ. ج. قال الشوكاني:
(أبواب صلاة التطوع) 1 - باب ما جاء في فضلها وأنها تجبر نقص الفريضة 923 - عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن عنبسة بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها
وليس في أحاديث الباب ما يدل على اشتراط الوضوء وطهارة الثياب والمكان، وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى وأبو طالب، وذهب أبو العباس والمؤيد بالله والنخعي وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يشترط في سجود الشكر شروط الصلاة، وليس في أحاديث الباب أيضًا ما يدل على التكبير في سجود الشكر، وفي البحر أنه يكبر، قال الإمام يحيى ولا يسجد للشكر في الصلاة قولاً واحدًا، إذ ليس من توابعها، قال أبو طالب: ومستقبل القبلة. اهـ. قلت: قال الشافعية: حكم سجود الشكر في الشروط والصفات حكم سجود التلاوة خارج الصلاة وتحرم في الصلاة فإن سجدها فيها بطلت صلاته بلا خلاف. وقال الحنابلة: يسن سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم وإن سجد له عالمًا ذاكرًا في صلاته بطلت، وصفته وأحكامه كسجود التلاوة. والله أعلم. (أبواب صلاة التطوع) قال العلماء: التطوع في الأصل فعل الطاعة، وصار في الشرع مخصوصًا بطاعة غير واجبة، وهو ما عدا الفرائض ثلاثة أقسام:(سنن) وهي التي واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها. و (مستحبات) وهي التي فعلها أحيانًا ولم يواظب عليها. و (تطوع) وهو ما لم يرد فيه نقل بخصوصيته. وقال بعضهم: إن السنة والنفل والمندوب والتطوع والمرغب فيه كلها ألفاظ مترادفة، وهي ما سوى الواجبات، ويثاب على فعلها ولا يعاقب على تركها. واعلم - أرشدني الله وإياك إلى طاعته - أن أفضل عبادات البدن الصلاة، لأنها تجمع من القرَب ما لا يجمع غيرها كالطهارة واستقبال القبلة والقراءة وذكر الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمنع فيها من كل ما يمنع منه في سائر العبادات، وتزيد عليها بالامتناع من الكلام والمشي، وأيضًا يقتل تاركها بخلاف غيرها، ولأنها لا تسقط في حال من الأحوال ما دام مكلفًا إلا في حق الحائض، وقد ورد في فضلها وامتيازها عن غيرها من الأحاديث الصحيحة ما لم يرد مثله في سائر الفرائض وتقدم ذكرها في أول كتاب الصلاة فارجع إليه. 923 - عن النعمان بن سالم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر قال
سمعت النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يقول: ما من عبد مسلم يصلي (وفي رواية «ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى) لله عز وجل كل يوم (وفي رواية «في يوم وليلة» وفي أخرى «في ليله ونهاره») ثنتي عشرة ركعة (1)(وفي رواية «سجدة») تطوعًا غير فريضة إلا بني له بيت في الجنة، أو بنى الله عز وجل له بيتًا في الجنة، فقالت أم حبيبة: فما برحت أصليهن بعد، وقال عمر: وما برحت أصليهن بعد، وقال النعمان مثل ذلك. 924 - عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة بني له بيت في الجنة. 925 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عبد الله (3) قال أبي ولم
ثنا شعبة عن النعمان بن سالم الخ. (غريبه) 1 - أجملها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية وستأتي مفصلة في الباب الثالث. (تخريجه)(م. هق. والأربعة) والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الترمذي: حسن صحيح، ولفظ الترمذي «من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بنى له بيت في الجنة أربع قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر» وللنسائي حديث أم حبيبة كالترمذي، لكن قال:«وركعتين قبل العصر» ولم يذكر ركعتين بعد العشاء. 924 - عن أبي بردة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن هارون بن إسحاق الكوفي عن همدان عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه (الحديث). (غريبه) 2 - هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه. (تخريجه) أورده الهيثمي وقال: رواه أحمد والطبراني في (الأوسط) و (الكبير) والبزار، وقال: لم يتابع هارون بن إسحاق على هذا الحديث. 925 - عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج ومحمد بن جعفر قال أنا شعبة عن منصور قال: قال شعبة كتب به إلي فقرأته عليه عن أبي عثمان مولى المغيرة بن شعبة عن أبي هريرة (الحديث). (غريبه) 3 - يعني ابن
يرفعه ما من عبد مسلم يصلي في يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعًا إلا بني له بيت في الجنة. 926 - عن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج قال: سمعت رجلاً من كندة يقول: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا ينتقص أحدكم من صلاته شيئًا (1) إلا أتمها الله عز وجل من سبحته
الإمام أحمد رحمهما الله وقوله «لم يرفعه» يعني أن أبا هريرة لم يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: إن لم يرفعه أبو هريرة فله حكم الرفع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، على أنه جاء مرفوعًا عند النسائي وابن ماجه. (تخريجه)(نس. جه) وسنده جيد عند الإمام أحمد، وسنده عندهما فيه محمد بن سليمان الأصبهاني وهو ضعيف، ولفظه عندهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله بيتًا في الجنة، ركعتين قبل الفجر وركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين أظنه قال: قبل العصر وركعتين بعد المغرب أظنه قال وركعتين بعد العشاء» . 926 - عن عبد الرحمن بن معاوية (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن معاوية (الحديث). (غريبه) 1 - يحتمل أن يراد بالنقص ما كان من السنن والهيئات المشروعة فيها ونحوها ويحتمل أن يراد بذلك فروضها وشروطها. و (السبحة) بضم السين المهملة النافلة. (تخريجه) لم أقف عليه وفي إسناده ابن لهيعة ورجل لم يسم فهو ضعيف، لكن له شواهد صحيحة تقدمت في الباب الثامن من أول كتاب الصلاة. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على تأكيد صلاة هذه الاثنتي عشرة ركعة، وهي من السنن التابعة للفرائض وأن من فعلها بنى الله بيتًا في الجنة بسبب فعلها إن كانت صلاته تامة، فإن كانت ناقصة كملت منها، ويحتمل أن يبني له بيت في الجنة إن فعلها بإخلاص مع تكميل نقص الفرض بها وفضل الله واسع. وفيها أن نقص الفرائض يجبر بالنوافل في الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوه، وتقدم الكلام على ذلك في الباب الثامن من أول كتاب الصلاة، وقد اختلف في حديث أم حبيبة كما ذكرنا فالترمذي أثبت ركعتين بعد العشاء ولم يثبت ركعتين قبل العصر
2 -
باب فضل صلاة التطوع في البيت 927 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يقول: إذا قضى أحدكم صلاته في المسجد ثم رجع إلى بيته حينئذ فليصل في بيته ركعتين، وليجعل في بيته نصيبًا من صلاته (1) فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا. 928 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: إذا صلى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله عز وجل جاعل في بيته من صلاته خيرًا.
والنسائي عكس ذلك، وحديث أبي هريرة فيه إثبات ركعتين قبل العصر وركعتين بعد العشاء ولكنه لم يثبت قبل الظهر إلا ركعتين، وأثبت الترمذي أربعًا قبل الظهر وركعتين بعدها، قال الشوكاني رحمه الله: والمتعين المصير إلى مشروعية جميع ما اشتملت عليه هذه الأحاديث وهو وإن كان أربع عشرة ركعة، والأحاديث مصرحة بأن الثواب يحصل باثنتي عشرة ركعة لكنه لا يعلم الإتيان بالعدد الذي نص عليه صلى الله عليه وسلم في الأوقات التي جاء التفسير بها إلا بفعل أربع عشرة ركعة لاختلاف الروايات والله أعلم. 927 - عن أبي سعيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الزبير عن جابر عن أبي سعيد الخدري (الحديث). (غريبه) 1 - المراد بالنصيب هنا صلاة النافلة لأن سياق الحديث يدل على ذلك، وحديث زيد بن ثابت الآتي صريح في هذا، وإنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وليتبرك البيت بالصلاة وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وتنفر منه الشياطين، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم «فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا». (تخريجه) (جه. وغيره) قال العراقي: وإسناده صحيح. اهـ. وقال الحافظ البوصيري في (زوائد ابن ماجه): رجاله ثقات. قلت: ويشهد لصحته حديث جابر الآتي بعده. 928 - عن جابر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر (الحديث). (تخريجه)(م. وغيره)
929 -
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. 930 - عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا (1). 931 - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها عليكم قبورًا. 932 - عن عبد الله بن سعد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في البيت
929 - عن زيد بن ثابت هذا طرف من حديث طويل سيأتي بسنده وشرحه في الباب الخامس من أبواب صلاة التراويح. وقوله «إلا المكتوبة» يعني المفروضة ففعلها في المسجد أفضل. قال العراقي: هو في حق الرجال دون النساء، فصلاتهن في البيوت أفضل وإن أُذِن لهن في حضور بعض الجماعات، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن وبيوتهن خير لهن» والمراد بالمكتوبة هنا الواجبات بأصل الشرع وهي الصلوات الخمس دون المنذور. اهـ. 930 - عن زيد بن خالد الجهني (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن سعيد عن عبد الملك عن عطاء عن زيد بن خالد الجهني (الحديث). (غريبه) 1 - معناه صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة، والمراد به صلاة النافلة، أي صلوا النوافل في بيوتكم، وقال القاضي عياض: قيل هذا في الفريضة، ومعناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وعبيد ومريض ونحوهم، قال: وقال الجمهور: بل هو في النافلة لإخفائها وللحديث الآخر «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» . قال النووي رحمه الله: الصواب أن المراد النافلة وجميع أحاديث الباب تقتضيه ولا يجوز حمله على الفريضة. اهـ. م. (تخريجه)(طب) والبزار قال العراقي: وإسناده صحيح. 931 - عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الأسود عن عروة عن عائشة (الحديث). (تخريجه) لم أقف عليه وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله رجال الصحيح وأحاديث الباب تعضده. 932 - عن عبد الله بن سعد هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده
وعن الصلاة في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما الصلاة في المسجد والصلاة في بيتي فقد ترى ما أقرب بيتي من المسجد، ولأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة. 933 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: صلاة الرجل في بيته تطوعًا نور فمن شاء نور بيته. 934 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اجعلوا من صلاتكم (1) في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا (2)(وفي لفظ «صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا»).
وشرحه في الباب الثالث من أبواب الغسل من الجنابة فارجع إليه. (تخريجه)(د. جه. مذ) وسنده جيد، وقال الحافظ البوصيري في (زوائد ابن ماجه): إسناده صحيح ورجاله ثقات. 933 - عن عمر بن الخطاب الخ هذا طرف من حديث تقدم بتمامه وسنده وشرحه وتخريجه في الباب الثامن من أبواب الغسل من الجنابة من كتاب الطهارة. 943 - عن عبد الله بن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر (الحديث). (غريبه) 1 - قال القرطبي: «من» للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم. قلت: والإمام أحمد أيضًا وهو الحديث الثاني من أحاديث الباب، وقد حكى القاضي عياض عن بعضهم أن معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن. قال الحافظ: وهذا وإن كان محتملاً لكن الأول هو الراجح، وقد بالغ الشيخ محيى الدين فقال: لا يجوز حمله على الفريضة. 2 - أي لأن القبور ليست بمحل للعبادة. (تخريجه)(ق. د. وغيرهم)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب فعل صلاة التطوع في البيوت وأن فعلها فيها أفضل من فعلها في المساجد ولو كانت المساجد فاضلة كالمسجد الحرام ومسجده صلى الله عليه وسلم ومسجد بيت المقدس، وقد ورد التصريح بذلك في إحدى روايتي أبي داود لحديث زيد بن ثابت فقال فيها:«صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة» قال العراقي: وإسناده صحيح، فعلى هذا لو صلى نافلة في مسجد المدينة
3 -
باب جامع تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار ورواتب الفرائض 935 - عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: سألنا عليًا رضي الله عنه عن تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار فقال: إنكم لا تطيقونه (1) قال: قلنا: أخبرنا به نأخذ منه ما أطقنا، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر أمهل (2) حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق مقدارها من صلاة العصر من ههنا يعني من قبل المغرب قام فصلى ركعتين، ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق مقدارها من صلاة الظهر من ههنا يعني من
كانت بألف صلاة على القول بدخول النوافل في عموم الحديث، وإذا صلاها في بيته كانت أفضل من ألف صلاة، وهكذا حكم المسجد الحرام وبيت المقدس، وقد استثنى أصحاب الشافعي من عموم أحاديث الباب عدة من النوافل فقالوا: فعلها في غير البيت أفضل، وهي ما تشرع فيها الجماعة كالعيدين والكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وركعتي الطواف وركعتي الإحرام. قاله الشوكاني، والله أعلم. 935 - عن أبي إسحاق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان وإسرائيل وأبي عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة (الحديث)(غريبه) 1 - أي الدوام والمواظبة على ذلك أخذًا من قوله في آخر الحديث «وقل من يداوم عليها» . 2 - أي أخّر الصلاة حتى ترتفع الشمس من جانب المشرق مقدار ارتفاعها من جانب المغرب وقت العصر صلى ركعتين، وهي صلاة الضحى، وقد سمى صاحب (إنجاح الحاجة على سنن ابن ماجه) هذه الصلاة: الضحوة الصغرى، والأربعة الآتية بعدها في الحديث: الضحوة الكبرى، حيث قال: وهذه هي الضحوة الصغرى وهو وقت الإشراق، وهذا الوقت هو أوسط وقت الإشراق وأعلاها، وأما دخول وقته فبعد طلوع الشمس وارتفاعها مقدار رمح أو رمحين حين تصير الشمس بازغة يزول وقت الكراهة، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي هذه الصلاة غالبًا ركعتين وأحيانًا أربعًا، وفي الحديث القدسي «يا ابن آدم اركع لي أربع ركعات أول النهار أكفك آخره» وأما الصلاة الثانية فهي الضحوة الكبرى فكان يصليها أحيانًا ويتركها
قبل المغرب قام فصلى أربعًا (1) وأربعًا قبل الظهر إذا زالت الشمس (2) وركعتين بعدها، وأربعًا قبل العصر يفصل بين كل ركعتين بالتسليم (3) على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين قال: قال علي رضي الله عنه: تلك ست عشرة ركعة تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار وقل من يداوم عليها. ومن طريق ثان: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع عن أبيه قال: قال حبيب بين أبي ثابت لأبي إسحاق حين حدثه: يا أبا إسحاق يسوي (4) حديثك هذا ملء مسجد ذهبًا. (وفي لفظ «قال حبيب بن أبي ثابت: يا أبا إسحاق ما أحب أن لي بحديثك هذا ملء مسجدك هذا ذهبًا»). 936 - ز. وعنه أيضًا قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أحيانًا. اهـ. 1 - هي الصلاة الثانية التي أشار إليها صاحب (إنجاح الحاجة) وسماها بالضحوة الكبرى، وهي قبل الزوال بشيء يسير. قال العراقي: وهي غير الأربع التي هي سنة الظهر قبلها. 2 - يعني التي بعد الزوال وهي سنة الظهر كما سيأتي ذلك في بابه. 3 - قال العراقي حمل بعضهم هذا على لأن المراد بالفصل بالتسليم التشهد، لأن فيه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عباد الله الصالحين، قاله إسحاق بن إبراهيم فإنه كان يرى صلاة النهار أبعًا، قال: وفيما أوله عليه بعد. اهـ. وقال ابن حجر المكي: لفظ الحديث يأبى ذلك، وإنما المراد بالتسليم فيه للتحلل من الصلاة، فيسن للمسلم منها أن ينوي بقوله «السلام عليكم» من على يمينه وعلى يساره وخلفه من الملائكة ومؤمني الإنس والجن. اهـ. قلت: وسيأتي الخلاف في ذلك في أحكام باب راتبة الظهر إن شاء الله تعالى. 4 - هكذا في الأصل يسوي والمشهور في اللغة يساوي أي يماثل ويعادل، قال في (المصباح): وفي لغة قليلة سوى درهمًا يسواه من باب تعب. اهـ. (تخريجه)(نس. جه. مذ) وقال: هذا حديث حسن. وقال إسحاق بن إبراهيم: أحسن شيء روي في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار هذا، وروي عن ابن المبارك أنه كان يضعف هذا الحيث، وإنما ضعفه عندنا والله أعلم لأنه لا يروى مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه عن عاصم بن ضمرة عن علي، وعاصم بن ضمرة هو ثقة عن بعض أهل الحديث. اهـ. 936 - ز. وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني عثمان بن أبي شيبة
يصلي من التطوع ثماني ركعات (1) وبالنهار ثنتي عشرة ركعة. 937 - ز. عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يصلي على كل إثر صلاة (وفي رواية «دبر كل صلاة») مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر. 938 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته (2) وركعتين بعد العشاء في بيته. قال: وحدثتني حفصة أنه كان يصلي ركعتين حين يطلع الفجر وينادي المنادي بالصلاة. قال أيوب (أحد الرواة): أراه قال: خفيفتين وركعتين
ثنا سعيد بن خثيم أبو معمر الهلالي ثنا فضيل بن مرزوق عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث). (غريبه) 1 - يعني صلاة الليل غير الوتر كما في حديث عائشة عند مسلم والإمام أحمد وغيرهما وسيأتي، ولفظه عند مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان قالت: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا، فقالت عائشة: فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي» . (تخريجه)(عل) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا عاصم بن ضمرة وهو ثقة ثبت. 937 - ز. عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله ثنا إسحاق بن إسماعيل ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة السلولي عن علي (الحديث). (تخريجه)(هق. والطحاوي) وسنده جيد. 938 - عن ابن عمر (سنده) حدثني عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر (الحديث). (غريبه) 2 - لم يذكر ابن عمر في حديثه هذا نفلاً قبل العصر، وسيأتي عنه ذكر أربع ركعات قبل العصر، وكذا عن علي رضي الله عنه في باب راتبة العصر، قال العراقي: قال النووي في (شرح مسلم): وليس للعصر ذكر في الصحيحين
بعد الجمعة في بيته. وعنه من طريق ثان (1) قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين وبعدها سجدتين وبعد المغرب سجدتين وبعد العشاء سجدتين وبعد الجمعة سجدتين، فأما الجمعة والمغرب في بيته، قال: وأخبرتني أختي حفصة أنه كان يصلي سجدتين خفيفتين إذا طلع الفجر، قال: وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها. 939 - عن المغيرة بن سلمان قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يدع (2) ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الصبح
وفيما ذكره نظر، ففي (صحيح مسلم) أن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأل عائشة رضي الله عنها عن السجدتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت:«كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما» قال النووي في (شرح مسلم) أيضًا: هذا الحديث ظاهر في أن المراد بالسجدتين ركعتان هما سنة للعصر قبلها، وقال القاضي عياض: ينبغي أن يحمل على سنة الظهر كما في حديث أم سلمة أي من قوله صلى الله عليه وسلم «إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان» ليتفق الحديثان، وسنة الظهر يصح تسميتها قبل العصر. اهـ. (سنده) 1 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر (الحديث). (تخريجه)(ق. نس. هق). 939 - عن المغيرة بن سلمان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة وحجاج قال حدثني شعبة عن قتادة عن المغيرة بن سلمان قال حجاج في حديثه سمعت المغيرة بن سلمان قال سمعت ابن عمر (الحديث). (غريبه) 2 - أي التي كان يحافظ عليها ولا يتركها في حال من الأحوال وفيه إشارة إلى تأكدها وهي عشر ركعات كما في الحديث، وبه قال الإمامان الشافعي وأحمد، ومن الشافعية من زاد على العشر ركعتين أخريين قبل الظهر لحديثي أبي موسى وأم حبيبة المذكورين في الباب الأول «من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة بني له بيت في الجنة» . (تخريجه)
940 -
عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله من التطوع فقالت: كان يصلي قبل الظهر أربعًا في بيتي ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب ثم يرجع إلى بيته فيصلي ركعتين، وكان يصلي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات (1) فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً (2) قائمًا وليلاً طويلاً جالسًا، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم (3) وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين (4) ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر. وعنه من طريق ثان (5) قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان يصلي أربعًا قبل الظهنر وثنتين بعدها، وثنتين قبل العصر، وثنتين بعد المغرب، وثنتين بعد العشاء، ثم
لم أقف عليه بهذا اللفظ وهو بمعنى الذي قبله وسنده جيد. 940 - عن عبد الله بن شقيق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم قال أنا خالد عن عبد الله بن شقيق (الحديث)(غريبه) 1 - أي باعتبار أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثمان ركعات ويوتر بواحدة، وقد ثبت وتره صلى الله عليه وسلم بواحدة في بعض الأحيان وبثلاث وبخمس في بعضها كما سيأتي ذلك مفصلاً في أبواب الوتر. وقوله «فيهن الوتر» أي من جملتهن الوتر كما هو ظاهر مما قدمنا. 2 - أي زمانًا طويلاً من الليل. 3 - أي لا يقعد ليركع ويسجد وهو قاعد، بل يأتي بهما من قيام، وكذا قوله «وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد» أي لا يقوم ليأتي بالركوع والسجود من قيام، لكن ورد أنه صلى الله عليه وسلم «كان في بعض الأحيان يصلي جالسًا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته قدر ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم ثم ركع ثم سجد» وسيأتي ذلك في باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس من أبواب صلاة المريض والقاعد إن شاء الله تعالى، ولم يرد عكس هذه الصورة الأخيرة، فكان صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل على ثلاث أحوال، قائمًا في كلها، وقاعدًا في كلها، وقاعدًا في بعضها ثم قائمًا والله أعلم. 4 - أي سنة الفجر في بيته. (سنده) 5 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل قال أنا خالد عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة رضي الله عنها (الحديث)
يصلي من الليل تسعًا، قلت: أقائمًا أو قاعدًا؟ قالت: يصلي ليلاً طويلاً قائمًا وليلاً طويلاً قاعدًا، قلت: كيف يصنع إذا كان قائمًا وكيف يصنع إذا كان قاعدًا؟ قالت: إذا قرأ قائمًا ركع قائمًا، وإذا قرأ قاعدًا ركع قاعدًا، وركعتين قبل صلاة الصبح. 941 - عن قابوس عن أبيه قال: أرسل أبي امرأة إلى عائشة يسألها: أي الصلاة كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواظب عليها؟ قالت: كان يصلي قبل الظهر أربعًا يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود، فأما ما لم يكن يدع (1) صحيحًا ولا مريضًا ولا غائبًا ولا شاهدًا، فركعتين قبل الفجر (2).
(تخريجه)(م. هق. والثلاثة. وغيرهم). 941 - عن قابوس عن أبيه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا جرير عن قابوس عن أبيه (الحديث). (غريبه) 1 - أي يترك يقال ودعته أدعه ودعا تركته، فما زعمه بعض النحاة من أن بعض العرب أماتت ماضي يدع ومصدره واسم الفاعل منه مردود، فقد قرأ مجاهد وعروة ومقاتل وابن أبي عبلة ويزيد النحوي {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى/3] بالتخفيف وفي الحديث «لينتهين قوم عن ودعهم الجمعات أي عن تركهم» فقد رويت هذه الكلمة عن أفصح العرب ونقلت من طريق القراء فكيف يكون اماتة، أفاده في المصباح. 2 - أي الصبح وفيه تأكيد استحباب الركعتين قبل الصبح. (تخريجه)(خ. د. نس. هق) من عدة طرق. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية ما ذكر فيها من النوافل، وأقل ما ورد في ذلك حديث ابن عمر الذي يتضمن عشر ركعات، وأكثر ما ورد فيه حديث علي المذكور أول الباب المتضمن ست عشرة ركعة، فلو زدنا على ما ذكر في حديث علي ركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الصبح أعني سنة الفجر لكان مجموع ذلك اثنتين وعشرين ركعة، وكلها مشروعة مطلوب فعلها، وهذه الستة الأخيرة ذكرت في حديث ابن عمر ولم تذكر في حديث علي، وباستحباب جميعها قال جمهور العلماء، واختلفوا في المؤكد منها، فذهبت الشافعية إلى تأكد العشر المذكورة في حديث
4 -
باب راتبة الظهر وما جاء في فضلها 942 - عن حسان بن عطية قال: لما نزل بعنبسة بن أبي سفيان الموت اشتد جزعه (1) فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: إني سمعت أم حبيبة يعني أخته تقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى أربعًا قبل الظهر وأربعًا بعدها
ابن عمر وهي أقل الكمال عندهم. قال صاحب (المهذب) وجماعة: أدنى الكمال عشر ركعات وهو الوجه الأول، وأتم الكمال ثمان عشرة ركعة وهو الوجه الأخير. اهـ. وزاد على هذا المحاملي في (اللباب) والنووي في (شرح المهذب) فاستحبا ركعتين قبل العشاء، وحكاه الماوردي عن البويطي، ويدل له حديث «بين كل أذانين صلاة». وقالت الحنفية - وهذه عبارة صاحب (الهداية) -: السنة ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر وبعدها ركعتان، وأربع قبل العصر وإن شاء ركعتين، وركعتان بعد المغرب، وأربع قبل العشاء وأربع بعدها، وإن شاء ركعتين. وذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه لا رواتب في ذلك ولا توقيت إلا في ركعتي الفجر، قال ابن القاسم صاحبه: وإنما توقت أهل العراق. وذهب العراقيون من المالكية إلى استحباب الركعتين بعد الظهر وقبل العصر وبعد المغرب. حكاه صاحب (المفهم). قلت: وذهبت الحنابلة إلى أن الرواتب المؤكدة عشر كالشافعية: ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وحجتهم في ذلك حديث ابن عرم رضي الله عنهما. قال الشيخ تقي الدين في (شرح العمدة): الحق - والله أعلم - في هذا الباب أعني ما ورد فيه من الأحاديث بالنسبة إلى التطوعات والنوافل المرسلة أن كل حديث صحيح دل على استحباب عدد من الأعداد وهيئة من الهيئات أو نافلة من النوافل يعمل به في استحبابه، ثم تختلف مراتب ذلك المستحب، فما كان الدليل دالاً على تأكده إما بملازمته صلى الله عليه وسلم فعله أو بكثرة فعله وإما بقوة دلالة اللفظ على تأكد حكمه وإما معاضدة حديث آخر أو أحاديث فيه تعلو مرتبته في الاستحباب، وما نقص عن ذلك كان بعده في الرتبة. اهـ. 942 - عن حسان بن عطية (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح قال ثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية (الحديث). (غريبه) 1 - الجزع الحزن والخوف، والظاهر والله أعلم أنه حزن لتفريطه فيما سمع من أخته عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم العمل به فحزن ندمًا على ما فاته من هذا الفضل العظيم، والقائل «فما تركتهن» هي أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كما صرحت بذلك في حديثها المتقدم في الباب السابق
حرم الله لحمه على النار (1) فما تركتهن منذ سمعتهن. 943 - عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يصلي قبل الظهر بعد الزوال أربعًا ويقول إن أبواب السماء تفتح فأحب أن أقدم فيها عملاً صالحًا. 944 - عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: أدمن (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات عند زوال الشمس، قال: فقلت: يا رسول الله ما هذه الركعات التي أراك قد أدمنتها، قال: إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس فلا ترتج (3) حتى يصلي الظهر فأحب أن يصعد لي فيها خير، قال: قلت: يا رسول الله
1 - رواية أبي داود «حرم على النار» ، وفي رواية ابن ماجه والترمذي ورواية للنسائي «حرمه الله على النار» ، وله رواية أخرى بنحو حديث الباب. قال الشوكاني: وقد اختلف في معنى ذلك، هل المراد أنه لا يدخل النار أصلاً، أو أنه وإن قدر عليه دخولها لا تأكله النار، أو أنه يحرم على النار أن تستوعب أجزاءه وإن مست بعضه كما في بعض طرق الحديث عند النسائي بلفظ «فتمس وجهه النار أبدًا» وهو موافق لقوله في الحديث الصحيح «وحرم على النار أن تأكل مواضع السجود» فيكون قد أطلق الكل وأريد البعض مجازًا، والحمل على الحقيقة أولى، وأن الله تعالى يحرم جميعه على النار، وفضل الله تعالى أوسع ورحمته أعم. اهـ. (تخريجه) (الأربعة وغيرهم) ورجاله من رجال الصحيحين وصححه الترمذي. 943 - عن عبد الله بن السائب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو داود الطيالسي قال: ثنا مسلم بن أبي الوضاح عن عبد الكريم عن مجاهد عن عبد الله بن السائب (الحديث). (تخريجه)(مذ) وفي إسناده عبد الكريم بن أبي المخارق قال في (الخلاصة): قال أيوب: ليس بثقة. قلت: تعضده الطريق الثانية من حديث أبي أيوب الآتي بعده. 944 - عن أبي أيوب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا عبيدة عن إبراهيم عن سهم بن منجاب عن قزعة عن القرقع عن أبي أيوب الأنصاري (الحديث). (غريبه) 2 - الإدمان: الملازمة والمواظبة، يقال: أدمن فلان كذا إدمانًا واظبه ولازمه، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يواظب على صلاة أربع ركعات عند الزوال أي بعده قبل صلاة الظهر كما يستفاد من الحديث السابق. 3 - أي تغلق
تقرأ فيهن كلهن؟ قال: قال: نعم. قال: قلت: ففيها سلام فاصل؟ قال: لا. وعنه من طريق ثان (1) أنه كان يصلي أربع ركعات قبل الظهر، فقيل له: إنك تديم هذه الصلاة، فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله فسألته فقال: إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحببت أن يرتفع لي فيها عمل صالح. 945 - عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرًا فلم أره ترك الركعتين قبل الظهر. 946 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدع أربعًا قبل الظهر وركعتين قبل الفجر على حال (2).
(سنده) 1 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن علي بن الصلت عن أبي أيوب الأنصاري أنه كان يصلي أربع ركعات الخ. (تخريجه)(د. جه. طب. طس) والترمذي في (الشمائل) والطحاوي ولفظه عند أبي داود «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء» قال أبو داود: بلغني عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: لو حدثت عن عبيدة بشيء لحدثت عنه بهذا الحديث، قال أبو داود: عبيدة ضعيف. قلت: الحديث روي من عدة طرق يعضد بعضها بعضًا والطريق الثانية من حديث الباب عند الإمام أحمد ليس فيها عبيدة وسندها جيد. 945 - عن البراء بن عازب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابي ثنا هاشم ثنا ليث ثنا صفوان بن سليم عن أبي سبرة عن البراء بن عازب (الحديث). (تخريجه)(د. هق. مذ) وقال: حسن غريب. 946 - عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال: حدثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: سمعت عائشة تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ. (غريبه) 2 - أي في غالب أحواله لحديث ابن عمر رضي الله عنهما «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يدع ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها» الحديث تقدم بطوله في الباب السابق، قال الداودي: وقع في حديث ابن عمر أن قبل الظهر ركعتين وفي حديث عائشة أربعًا، وهو محمول على أن كل واحد منهما وصف ما رأى. قال: ويحتمل أن يكون نسى ابن عمر ركعتين
5 -
باب راتبة العصر وما جاء في فضلها 947 - عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه
من الأربع. قال الحافظ: هذا الاحتمال بعيد، والأولى أن يحمل على حالين فكان تارة يصلي ثنتين وتارة يصلي أربعًا، وقيل هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين وفي بيته يصلي أربعًا، ويحتمل أنه كان يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما فيه بيته واطلعت عائشة على الأمرين، ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة «كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعًا ثم يخرج» قال أبو جعفر الطبري: الأربع كانت في كثير من أحواله والركعتان في قليلها. (تخريجه)(ق. نس. هق) من عدة طرق. (الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، وكفى بهذا التغريب باعثًا على ذلك. وظاهر قوله في حديث أم حبيبة «من صلى» الخ. أن التحريم على النار يصحل بمرة واحدة، ولكنه قد أخرجه الترمذي وأبو داود وغيرهما بلفظ «من حافظ» فلا يحرم على النار إلا المحافظ. وفيها أيضًا دليل على أنه لا يفصل بين الأربع بسلام كما يستفاد ذلك من الطريق الأولى من حديث أبي أيوب. وبه قالت الحنفية. وذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى أفضلية الفصل بينهن بالسلام لما رواه مالك في (الموطأ) «كان ابن عمر يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يسلم من كل ركعتين» قال مالك: وهو الأمر عندنا. وقال النووي: مذهبنا أن الأفضل في نفل الليل والنهار أن يسلم من كل ركعتين، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان ومالك وأحمد واختاره ابن المنذر، وحكى عن ابن عمر وإسحاق بن راهويه أن الأفضل في النهار أربعًا، وقال الأوزاعي وأبو حنيفة: صلاة الليل مثنى وصلاة النهار إن شاء أربعًا وإن شاء ركعتين، دليلنا الحديث السابق «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» وهو صحيح. قال: وقد ثبت في كون صلاة النهار كعتين ما لا يحصى من الأحاديث، وهي مشهورة في الصحيح كحديث «ركعتين قبل الظهر وركعتين بعده» وكذا قبل العصر وبعد المغرب والعشاء، وحديث ركعتي الضحى وتحية المسجد وركعتي الاستخارة وركعتين إذا قدم من سفر وركعتين بعد الوضوء وغير ذلك، وأما الحديث المروي عن أبي أيوب رضي الله عنه يرفعه «أربع قبل الظهر لا تسليم فيهن يفتح لهن أبواب السماء» فضعيف متفق على ضعفه، وممن ضعفه يحيى بن سعيد القطان وأبو داود والبيهقي، ومداره على عبيدة من معتب وهو ضعيف، والله أعلم. اهـ. ج. 947 - عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان
وسلم قال: رحم الله امرأً (1) صلى قبل العصر أربعًا. 948 - عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يصلي قبل العصر أربعًا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين.
ابن داود ثنا محمد بن مسلم بن مهران أنه سمع جده يحدث عن ابن عمر (الحديث). (غريبه) 1 - يعني شخصًا ذكرًا كان أو أنثى وهي جملة خبرية لفظًا إنشائية معنى، فكأنه يقول: اللهم ارحم من فعل ذلك وثابر عليه، ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لا شك مستجاب، فهنيئًا لمن عمل بذلك ابتغاء وجه الله تعالى وامتثالاً لنبيه صلى الله عليه وسلم. (تخريجه)(د. مذ) وحسنه وابن حبان وصححه وكذا شيخه ابن خزيمة من حديث ابن عمر وفيه محمد بن مهران وفيه مقال لكن وثقه ابن حبان وابن عدي قاله الحافظ في (التخليص). 948 - عن علي رضي الله عنه هذا طرف من حديث طويل تقدم بتمامه وسنده وشرحه وتخريجه في باب جامع تطوع النبي صلى الله عليه وسلم الخ. وأتيت به هنا لما فيه من مناسبة ترجمة الباب. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عند (طب. طس) مرفوعًا بلفظ «من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار» ، وعن أبي هريرة عند أبي نعيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى أربع ركعات قبل العصر غفر الله له» وهو من رواية الحسن عن أبي هريرة ولم يسمع منه. وعن أم حبيبة عند أبي يعلى بلفظ (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حافظ على أربع ركعات قبل العصر بنى الله له بيتًا في الجنة» وفي إسناده محمد بن سعيد المؤذن قال العراقي: لا أدري من هو. وعن أم سلمة عند الطبراني في (الكبير) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى أربع ركعات قبل العصر حرم الله بدنه على النار» . (الأحكام) حديثا الباب مع ما ذكرنا من الشواهد تدل على استحباب أربع ركعات قبل العصر، والدعاء منه صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن فعل ذلك والتصريح بتحريم بدنه على النار مما يتنافس فيه المتنافسون. وقد اختلف العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي «يفصل بين كل ركعتين بالتسليم» هل المراد بالتسليم التسليم على الملائكة ومن ذكر معهم في التشهد بقوله «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» أو المراد به تسليم التحلل من الصلاة، فذهب إسحاق بن إبراهيم وأبو حنيفة إلى أن المراد بذلك تسليم التشهد وأنه لا يفصل بين الأربع بسلام، وذهب الجمهور إلى أن المراد به تسليم التحلل وأنه يصليهما مثنى مثنى محتجين بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
6 -
باب ما جاء في الركعتين بعد العصر 949 - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر. 950 - عن مسروق قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر فلم أكذبها (2). 951 - عن هشام قال: أخبرني أبي قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي ما ترك
في حديث ابن عمر وغيره من صلاة ركعتين قبل العصر وتقدم كلام النووي في ذلك في الباب السابق، واحتج الأولون لحملهم التسليم على الملائكة والصالحين في التشهد بحديث ابن مسعود «كنا إذا صلينا قلنا: السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل وكان ذلك في التشهد» الحديث تقدم في أبواب التشهد وهو استدلال وجيه، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي أحيانًا ركعتين وأحيانًا أربعًا، وبهذا يجمع بين الروايتين، فالرجل مخير بين أن يصلي أربعًا أو ركعتين، والأفضل عند الحنفية ومن وافقهم عدم الفصل، وعند الجمهور الفصل أفضل. 949 - عن أبي موسى الأشعري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد قال ثنا أبو دارس صاحب الجريري قال ثنا أبو بردة بن أبي موسى عن أبي موسى (الحديث). (تخريجه) (طب. طس) وزاد قال أبو دارس: رأيت أبا بكر بن أبي موسى يصليهما ويقول: رأيت أبا موسى يصليهما ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليهما في بيت عائشة رضي الله عنها. قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح غير أبي دارس، قال فيه ابن معين: لا بأس به. 950 - عن مسروق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسحاق بن يوسف قال ثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن مسروق (الحديث). (غريبه) 1 - هي عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما التي برأها الله في كتابه العزيز مما رماها به أصحاب الإفك في سورة النور بقوله عز وجل {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور/26]. 2 - أي لأنها صديقة بنت صديق وزوج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فكيف يكذبها أو كيف تكذب؟ (تخريجه)(هق) ورجاله ثقات. 951 - عن هشام (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن هشام (الحديث). (غريبه) 3 - هو ابن عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، وعروة بن أسماء
رسول الله صلى الله عليه وسلم السجدتين (وفي رواية «ركعتين») بعد العصر عندي قط. 952 - عن أبي إسحاق قال: سمعت الأسود بن يزيد ومسروقًا يقولان: نشهد على عائشة (1) أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندي في يوم إلا صلى ركعتين بعد العصر. 953 - عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر فقال: صل، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قومك أهل اليمن عن الصلاة إذا طلعت الشمس. 954 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: صلاتان لم يتركهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم سرًا ولا علانية، ركعتين بعد العصر وركعتين قبل الفجر. فصل منه في ذكر سببهما ومن قال إنهما قضاء عن راتبة الظهر واختلاف أمهات المؤمنين فيهما 955 - عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال:
بنت أبي بكر الصديق أخت عائشة رضي الله عنهما. (تخريجه)(ق. نس. هق. وغيرهم). 952 - عن أبي إسحاق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق (الحديث). (غريبه) 1 - أي نخبر عنها وليس المراد شهادة الحكم. (تخريجه)(ق. د. نس. هق) والطحاوي. 953 - عن المقدام بن شريح (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة (الحديث). (تخريجه) أخرجه الطحاوي وسنده جيد. 954 - عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشام بن سعيد ثنا خالد عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة (الحديث)(تخريجه)(ق. وغيره). 955 - عن أبي بكر بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
أجمع (1) أبي على العمرة فلما حضر خروجه قال: أي بني لو دخلنا على الأمير (2) فودعناه، قلت: ما شئت، قال: فدخلنا على مروان وعنده نفر فيهم عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فذكروا الركعتين التي يصليهما ابن الزبير بعد العصر، فقال له مروان: ممن أخذتهما يا ابن الزبير؟ قال: أخبرني بهما أبو هريرة عن عائشة، فأرسل مروان إلى عائشة ما ركعتان يذكرهما ابن الزبير أن أبا هريرة أخبره عنك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليهما بعد العصر، فأرسلت إليه أخبرتني أم سلمة، فأرسل إلى أم سلمة ما ركعتان زعمت عائشة أنك أخبرتيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليهما بعد العصر، فقالت: يغفر الله لعائشة، لقد وضعت أمري على غير موضعه (3) صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وقد أُتي بمال فقعد يقسمه حتى أتاه المؤذن بالعصر فصلى العصر ثم انصرف إلي وكان يومي فركع
محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري قال ثنا عبيد بن عبد الله بن موهب قال حدثني أبو بكر (الحديث). (غريبه) 1 - أي عزم. 2 - هو مروان بن الحكم وكان قد تولى الإمارة على المدينة في خلافة معاوية سنة اثنتين وأربعين. 3 - تريد والله أعلم أن عائشة فهمت جواز صلاة الركعتين بعد العصر كل يوم، ولكن أم سلمة لا تقصد ذلك لأنها أخبرتها أنهما كانتا قضاء عن الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر وأنها ما رأته صلاهما قبلها ولا بعدها كما في الحديث. وفي رواية أن أم سلمة قالت:«ألم أخبرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما» وستأتي. وفي الصحيحين وغيرهما واللفظ للبخاري عن كريب أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر رضي الله عنهم أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعًا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر، وقل لها إنا أُخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، وقال ابن عباس: وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب عنهما، قال كريب: فدخلت على عائشة رضي الله عنها فبلغتها ما أرسلوني به، فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة، فقالت: أم سلمة رضي الله عنها: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر، ثم
ركعتين خفيفتين فقلنا: ما هاتان الركعتان يا رسول الله؟ أمرت بهما؟ قال: لا، ولكنهما ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر فشغلني قسم هذا المال حتى جاءني المؤذن بالعصر فكرهت أن أدعهما، فقال ابن الزبير: الله أكبر، أليس قد صلاهما مرة واحدة؟ والله لا أدعهما أبدًا، وقالت أم سلمة: ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها. 956 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن نمير قال ثنا طلحة بن يحيى قال: زعم لي (1) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن معاوية أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر شيئًا؟ قالت: أما عندي فلا (2) ولكن أم سلمة أخبرتني أنه فعل ذلك فأرسل إليها فاسئلها، فأرسل إلى أم سلمة فقالت: نعم، دخل علي بعد العصر فصلى سجدتين، قلت: يا نبي الله أنزل عليك في هاتين السجدتين؟ قال: لا ولكن صليت الظهر فشغلت
دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه قولي له تقول لك أم سلمة يا رسول الله سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخري عنه، ففعت الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وأنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان. (تخريجه) لم أقف على حديث الباب بهذا اللفظ والسياق لغير الإمام أحمد، وأصله في الصحيحين، وهو الذي تقدم ذكره في الشرح عن كريب. 956 - حدثنا عبد الله (غريبه) 1 - أي قال لي، ويطلق الزعم بمعنى القول، ومنه زعم سيبويه، أي قال، وهو المراد هنا. قال الزهري: وأكثر ما يكون الزعم فيما يشك فيه ولا يتحقق. 2 - كيف يتفق هذا النفي مع أنه ثبت عنها في الصحيحين وغيرهما «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي في يوم إلا صلى ركعتين بعد العصر» والظاهر أنها نفت سبب وقوع القصة عندها لا الصلاة، ولذا أحالت على أم سلمة لوقوع سبب القصة عندها
فاستدركتها بعد العصر. 957 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبيدة قال: حدثني يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث قال: سألته (1) عن الركعتين بعد العصر فقال: دخلت أنا وعبد الله بن عباس على معاوية، فقال معاوية: يا ابن عباس لقد ذكرت ركعتين بعد العصر وقد بلغني أن أناسًا يصلونها، ولم نر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما ولا أمر بهما، قال: فقال ابن عباس: ذاك ما يقضي الناس به ابن الزبير، قال: فجاء ابن الزبير فقال: ما ركعتان تقضي بهما الناس؟ فقال ابن الزبير: حدثتني عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأرسل إلى عائشة رجلين، إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام، ويقول: ما ركعتان زعم ابن الزبير أنك أمرتيه بهما بعد العصر؟ قال: فقالت عائشة: ذاك ما أخبرته أم سلمة، قال: فدخلنا على أم سلمة فأخبرناها ما قالت عائشة، فقالت: يرحمها الله، أولم أخبرها أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قد نهى عنهما. 958 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها قالت: لم أر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلى بعد العصر قط إلا مرة واحدة، جاءه ناس بعد الظهر فشغلوه في شيء فلم يصل
وهي التي أخبرتها بذلك. (تخريجه) أخرجه أيضًا الطحاوي وسنده لا بأس به. 957 - حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبيدة الخ. (غريبه) 1 - السائل هو يزيد بن أبي زياد والمسئول هو عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي الصحابي رضي الله عنه. (تخريجه) أخرجه أيضًا الطحاوي، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد ضعيف، لكن أحاديث الباب تعضده. 958 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق قال ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
بعد الظهر شيئًا حتى صلى العصر، قالت: فلما صلى العصر دخل بيتي فصلى ركعتين. 959 - عن عبد الله بن أبي قيس قال: سألت عائشة عن الركعتين بعد العصر، فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد الظهر فشغل عنهما حتى صلى العصر، فلما فرغ ركعهما في بيتي، فما تركهما حتى مات، قال عبد الله بن قيس: فسألت أبا هريرة عنه، قال: قد كنا نفعله ثم تركناه (1). 960 - عن عبد الله بن أبي موسى قال: سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن الركعتين بعد العصر فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلاً على الصدقة قالت: فجاءته عند الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر وشغل في قسمته حتى صلى العصر ثم صلاها. 961 - عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: صلى معاوية بالناس العصر فالتفت فإذا أناس يصلون بعد العصر، فدخل ودخل عليه ابن عباس
(الحديث). (تخريجه)(نس. هق) وسنده جيد. 959 - عن عبد الله بن أبي قيس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بعني ابن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال سألت عائشة الخ. (غريبه) 1 - أي لما بلغهم النهي عن الصلاة بعد العصر. (تخريجه)(نس) وسنده جيد. 960 - عن عبد الله بن أبي موسى (صوابه عبد الله بن أبي قيس كما سيأتي)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن يزيد بن خمير قال سمعت عبد الله بن أبي موسى الخ. (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد، وهو طرف من حديث طويل يتناول عدة أحكام، ذكر كل حكم منه في بابه. (وسيأتي الحديث بتمامه إن شاء الله تعالى في الفصل الحادي عشر في فتاوى السيدة عائشة في ترجمتها في باب ذكر أزواجد النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب السيرة النبوية) قال عبد الله بن الإمام أحمد في آخر الحديث «قال أبي» عبد الله بن موسى هو خطأ، أخطأ فيه شعبة، هو عبد الله بن أبي قيس. 961 - عن عبد الله بن الحارث (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
-[اختلاف ابن الزبير ومعاوية فى الركعتين بعد العصر]-
وأنا معه فأوسع له معاوية على السَّرير فجلس معه، قال ما هذه الصَّلاة الَّتى رأيت النَّاس يصلُّونها ولم أر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلِّيها ولا أمر بها؟ قال ذاك ما يفتيهم ابن الزُّبير، فدخل ابن الزُّبير فسلَّم فجلس، فقال معاوية يا ابن الزُّبير ما هذه الصَّلاة الَّتى تأمر النَّاس يصلُّونها؟ لم نر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّاها ولا أمر بها، قال حدثتنى عائشة أمُّ المؤمنين أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّاها عندها فى بيتها، قال فأمرنى معاوية ورجلًا آخر أن نأتى عائشة فنسألها عن ذلك، فقالت لم يحفظ ابن الزُّبير، إنَّما حدَّثته أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى هاتين الرَّكعتين بعد العصر عندى فسألته قلت إنَّك صلَّيت ركعتين لم تكن تصلِّيهما، قال إنَّه كان أتاني شئٌ فشغلت فى قسمته عن الرَّكعتين بعد الظُّهر، وأتانى بلالٌ فنادانى بالصَّلاة فكرهت أن أحبس النَّاس فصلَّيتهما، قال فرجعت فأخبرت معاوية، قال قال ابن الزُّبير أليس قد صلَّاهما؟ فلا ندعهما، فقال له معاوية لا تزال مخالفًا أبدًا (وفى روايةٍ إنَّك لمخالفٌ، لا تزال تحبُّ الخلاف ما بقيت)
(فصل فيمن قال إنها راتبة العصر)
(962)
عن ميمونة زوج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أنَّ
علي بن عاصم قال أنا حنظلة السدوسى عن عبد الله بن الحارث "الحديث"(تخريجه) أخرجه أيضا ابن ابى شيبة والطحاوى بألفاظ مختلفة وسنده جيد، وفيه أن القصة كانت بين معاوية وابن الزبير، وفى حديث أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المتقدم أول الفصل انها كانت بين مروان وابن الزبير، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال ان ذلك وقع أوَّلًا بين مروان وابن الزبير ثم أخبر بذلك معاوية فاستدعى ابن الزبير لذلك والله اعلم
(962)
عن ميمونة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا علي بن إسحاق
-[مذاهب الأئمة فى حكم الركعتين بعد العصر]-
النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فاتته ركعتان قبل العصر فصلَّاهما بعد
(963)
عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال صلَّي بنا معاوية بن أبى سفيان صلاة العصر فأرسل إلى ميمونة (زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثمَّ أتبعه رجلًا آخر، فقالت إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهِّز بعثًا ولم يكن عنده ظهرٌ، فجاء ظهرٌ من الصَّدقة فجعل يقسِّما بينهم، فحبسوه حتَّى أرهق العصر (1) وكان يصلِّى قبل العصر ركعتين أو ما شاء الله، فصلَّى العصر ثمَّ رجع فصلَّى ما كان يصلِّى قبلها، وكان إذا صلَّى صلاةً أو فعل شيئًا يحبُّ أن يداوم عليه
قال أنا عبد الله يعنى ابن المبارك قال ثنا حنظلة عن عبد الله بن الحارث عن ميمونة "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه وأورده الهيثمي وقال رواه احمد، وفيه حنظلة السدوسى ضعفه احمد وابن معين ووثقه ابن حبان
(963)
عن عبد الله بن الحارث (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد قال حدثنى ابى قال ثنا حنظلة قال حدثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل "الحديث"(غريبه)(1) أى دنا وقته (تخريجه)(طب) وأشار اليه الترمذى، وفى اسناده حنظلة السدوسى وتقدم الكلام عليه فى الحديث السابق (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية قضاء النافلة بعد صلاة العصر، فيكون قضاؤها فى ذلك الوقت مخصصا لعموم أحاديث النهى (وبها استدلت الشافعية) على أن صلاة التطوع التى لها سبب لا تكره في الوقت المنهى عن الصلاة فيه، قالوا وإنما يكره ما لا سبب له، وأن السنن الراتبة اذا فاتت يستحب قضاؤها (وقالت الحنابلة) بكراهة النوافل مطلقا فى وقت النهي، وتقضى الرواتب فى غير (وقالت الحنفية والمالكية) بكراهة النفل مطلقا فى وقت النهى سواء أكان له سبب أم لا، قالوا ولا يقضى من النوافل الا سنة الفجر، وأجابوا عن أحاديث الباب بأن قضاءه صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر خاص به، واستدلوا على ذلك بما رواه الأمام احمد والطحاوى عن أم سلمة رضى عنها قالت "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتى فصلى ركعتين، فقلت يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليها، فقال قدم علىَّ مال فشغلنى عن الركعتين كنت أركعهما بعد الظهر فصليتهما الآن، فقلت يا رسول الله أفتقضيهما إذا فاتتا؟
-[اختلاف العلماء فى الركعتين المقضيتين هل هما سنة الظهر أم سنة العصر]-
(7)
باب ما جاء فى راتبة المغرب
(964)
عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كان يصلِّى ركعتين بعد المغرب في بيته
قال لا" وهذا الحديث تقدم فى باب حجة من قال بعدم قضاء السنن الراتبة اذا فاتت (قال الطحاوى) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث أحدًا أن يصلى بعد العصر عما كان يصليه بعد الظهر؛ فدل ذلك على أن حكم غيره فيهما اذا فاتتا خلاف حكمه، فليس لأحد أن يصليهما بعد العصر ولا أن يتطوع بعد العصر أصلا اهـ (قلت) استدل الطحاوى بالحديث على أن قضاء فائتة النفل ركعتين بعد العصر من خصائصه صلى الله عليه وسلم وه واستدلال وجيه، (قال البييهقى) الذى اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء وضعف الحديث، ولو سلِّم عدم الاختصاص كما قال البيهقى لما كان فى أحاديث الباب الا جواز سنة الظهر لا جواز كل ذوات الأسباب، وأما تضعيفه الحديث فغير مسلَّم، لأن أئمة الحديث وثقوا رجال إسناده، وهو صريح فى عدم قضاء فائتة النفل "ومما هو صريح فى أن صلاة النافلة بعد العصر كانت من خصائصه صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو داود والبيهقى عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال" (وهذا وقد اختلفت الأحاديث) فى النافلة المقضية بعد العصر هل هى الركعتان المستحبان بعد الظهر أو المستحبتان قبل العصر؟ ففى أحاديث أم سلمة وعائشة رضى الله عنهما أنهما ركعتا الظهر، وفى حديثى ميمونة برضى الله عنها أنهما ركعتا العصر (قال الشوكانى) ويجمع بين الروايات بأن يكون مراد من قال بعد الظهر ومن قال قبل العصر الوقت الذى بين الظهر والعصر، فيصح أن يكون مراد الجميع سنة الظهر المفعولة بعده أو سنة العصر المفعولة قبله، وأما الجمع بتعدد الواقعة وأنه صلى الله عليه وسلم شغل تارة عن إحداهما وتارة عن الأخرى فبعيد، لأن الأحاديث مصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليها وذلك يستلزم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى بعد العصر أربع ركعات ولم ينقل ذلك عن أحد اهـ (وقال القاضي عياض) ينبغى أن تحمل على سنة الظهر كما فى حديث أم سلمة ليتفق الحديثان، وسنة الظهر تصح تسميتها أنها قبل العصر اهـ
(964)
عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا ابن أبى ذئب والعمرى عن نافع عن ابن عمر "الحديث"(تخريجه)(مذ) وصححه
-[راتبة المغرب وفعلها فى البيت أفضل]-
(965)
عن محمود بن لبيد رضى الله عنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد الأشهل فصلَّى بهم المغرب (1) فلمَّا سلَّم قال اركعوا هاتين الرَّكعتين فى بيوتكم قال أبو عبد الرَّحمن (2) قلت لأبى إنَّ رجلًا قال من صلَّى ركعتين بعد المغرب فى المسجد لم تجزه (3) إلَّا أن يصلِّيهما فى بيته، لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال هذه من صلاة البيوت، قال من هذا؟ قلت محمَّد بن عبد الرَّحمن (4) قال ما أحسن ما قال أو ما أحسن ما انتزع (5)(وفى روايةٍ) ما أحسن ما نقل
(966)
عن عبيدٍ مولى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وسئل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاةٍ بعد المكتوبة؟ قال نعم بين المغرب والعشاء،
(965) عن محمود بن لبيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن أبى عدى عن محمد بن اسحاق حدثنى عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد "الحديث"(غريبه)(1) يعنى فى مسجدهم كما فى رواية أخرى (2) هو عبد الله بن الأمام احمد رحمهما الله (3) استدل به ابن أبى ليلى على أن صلاة سنة المغرب فى المسجد لا تجزئ (4) هو ابن أبى ليلى المتقدم ذكره (5) أى ما جاء به (تخريجه)(د. مذ. نس) ولفظه عند أبى داود "عن سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بنى عبد الأشهل فصلى فيه المغرب، فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها، فقال هذه صلاة البيوت" وفى رواية الترمذى والنسائى قام ناس يتنفلون فقال النبى صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عليكم بهذه الصلاة فى البيوت
(966)
عن عبيد مولى النبى صلى الله عليه وسلم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا معتمر عن أبيه عن رجل عن عبيد مولى النبى صلى الله عليه وسلم "الحديث"(تخريجه) أورده الهيثمى، وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ومدار طرقه كلها على رجل لم يسم وبقية رجال أحمد رجال الصحيح (وفى الباب) عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهن بسوء عدلن له بعبادة ثنتى عشرة سنة، أورده المنذرى وال رواه ابن ماجه وابن خزيمة فى صحيحه والترمذى كلهم من حديث عمر بن أبي خثعم عن
-[فضل راتبة المغرب وفعل النوافل فى البيت والخلاف فى ذلك]-
.....
يحيى بن أبي كثير عن أبى سلمة عنه وقال الترمذى حسن غريب اهـ (قلت) قال الترمذى حديث ابى هريرة حديث غريب لا نعرفه الا من حديث زيد بن الحباب عن عمر بن أبى خثعم، قال وسمعت محمد بن اسماعيل يقول عمر بن عبد الله بن ابى خثعم منكر الحديث وضعّفه جدًا (وعن عائشة) رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من صلى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتا فى الجنة" رواه الترمذى بصيغة التمريض غير مسند (قال المنذرى) ورواه ابن ماجه من رواية يعقوب بن الوليد المدائنى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ويعقوب كذبه أحمد وغيره اهـ (وعن محمد بن عمار بن ياسر) قال رأيت عمار بن ياسر يصلى بعد المغرب ست ركعات وقال "رأيت حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بعد المغرب ست ركعات وقال من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر" أورده الهيثمى وقال حديث غريب رواه الطبرانى فى الثلاثة (يعنى فى معاجمه الثلاثة) الكبير والصغير والأوسط، وقاقل تفرد به صالح بن قطن البخارى، قال المنذرى وصالح هذا لا يحضرنى الآن فيه جرح ولا تعديل اهـ (وعن حذيفة) رضى الله عنه قال "أتبت النبى صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء" رواه النسائي باسناد جيد (الأحكام) أحاديث الباب مع ما ذكرنا فى الشرح تدل على استحباب الأكثار من النوافل بين المغرب والعشاء، وان كان أغلب ما ورد فى الزيادة عن ركعتين ضعيف لكنه ينتهض بمجموعه لا سيما فى فضائل الأعمال، والمؤكد من ذلك ركعتان بعد المغرب لورود الأحاديث الصحيحة بذلك، ويتأكد فعلها فى البيت لحديث ابن عمر الذى جاء فى أول الباب "كان صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين بعد المغرب فى بيته" واليه ذهب جمهور العلماء وبالغ محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى فرآى أن سنة المغرب لا يجزئ فعلها فى المسجد مستدلا بحديث محمود بن لبيد، وتقدمت الأشارة الى ذلك، وحمله الجمهور على تأكيد الاستحباب فقط (واتفق العلماء) على أفضلية النوافل المطلقة فى البيت (واختلفوا) فى الرواتب فقال الجمهور الأفضل فعلها فى البيت أيضا وسواء فى ذلك راتبة الليل والنهار، (قال النووي) ولا خلاف فى هذا عندنا، وقال القاضى أبو بكر بن العربى لم يختلف أحد من أهل العلم فى ذلك، وكذا قال ابن عبد البر إنهم مجمعون على أن صلاة النافلة فى البيوت أفضل اهـ ولم يقيده بالنافلة المطلقة ففى نفى الخلاف نظر، فقد قال حماعة من السلف الاختيار فعلها كلها فى المسجد، وأشار اليه القاضى أبو الطيب (وقال مالك والنووى) الأفضل فعل نوافل النهار الراتبة فى المسجد وراتبة الليل فى البيت (قال النووى) ودليل الجمهور صلاته صلى الله عليه وسلم سنة الصبح والجمعة فى بيته وهما صلاتا نهار مع قوله صلى الله عليه وسلم (أفضل صلاة المرء فى بيته الا المكتوبة) اهـ وقال ابن قدامة فى المغنى بعد أن قرر استحباب فعل السنن في البيت
-[حكم الركعتين قبل المغرب]-
(8)
باب ما جاء فى الركعتين قبل المغرب
(967)
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال كان إذا قام المؤذِّن فأذَّن صلاة المغرب فى مسجد المدينة قام من شاء فصلَّى حتَّى تقام الصَّلاة (1) ومن شاء ركع ركعتين ثمَّ قعد، وذلك بعينى (2) النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
(968)
وعنه أيضًا قال كان المؤذِّن إذا أذَّن قام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السَّوارى (3) حتَّى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كذلك، يعنى الرَّكعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة إلَّا قريبٌ
(969)
عن أبى الخير قال رأيت أبا تميم الجيشانىَّ عبد الله بن مالكٍ
"وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله سئل عن الركعتين بعد الظهر أين تصليان؟ فقال فى المسجد، ثم قال أما الركعتان قبل الفجر ففى بيته، وبعد المغرب فى بيته" اهـ فكأن الفصيل فى ذلك رواية عن احمد، وقد فصل فى هذه الرواية بين بعض رواتب النهار وبعضها اهـ والله أعلم
(967)
عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدنى أبى ثنا عبد الواحد أبو عبيدة الحداد ثنا المعلّي بن جابر يعنى اللقيطى قال حدثنى موسى بن أنس ابن مالك عن أبيه (أنس بن مالك رضى الله عنه) قال كان اذا قام المؤذن "الحديث"(غريبه)(1) أى بدون حصر فربما صلى أكثر من ركعتين (2) أي باطلاعه ورؤيته (تخريجه) لم أقف بهذا اللفظ ورجاله ثقات
(968)
وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبه قال سمعت عمرو بن عمر الأنصارى عن أنس "الحديث"(غريبه)(3) أى يتسابقون اليها (والسوارى) جمع سارية وهى عمد المسجد واحدها عمود (تخريجه)(ق. نس) ولفظ مسلم عن أنس بن مالك قال (كنا بالمدينه فاذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السوارى فيركعون ركعتين ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما"
(969)
عن أبى الخير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عبد الرحمن
-[حجة من قال باستحباب ركعتين بعد المغرب]-
يركع ركعتين حين يسمع أذاة المغرب، قال فأتيت عقبة بن عامرٍ الجهنىَّ رضى الله عنه فقلت له ألا أعجبك (1) من أبى تميم؟ الجيشانىِّ (2) يركع ركعتين قبل صلاة المغرب وأنا أريد أن أغمصه (3) قال عقبة أما إنَّا كنَّا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت ما يمنعك الآن قال الشُّغل (4)
(970)
عن عبد الله المزنىِّ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلُّوا قبل المغرب ركعتين، ثمَّ قال صلُّوا قبل المغرب ركعتين، ثمَّ قال عند الثَّالثة لمن شاء، كراهية أن يتَّخذها النَّاس سنَّةً (5)
ثنا سعيد يعني بن أبى أيوب حدثنى يزيد بن أبى حبيب قال سمعت أبا الخير يقول رأيت أبا تميم الخ (غريبه)(1) بضم أوله وتشديد الجيم من التعجب قاله الحافظ (2) هو عبد الله بن مالك الجيشانى بفتح الجيم وسكون الياء التحتانية بعدها معجمة تابعي مخضرم أسلم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وقرأ القرآن على معاذ بن جبل، ثم قدم فى زمن عمر فشهد فتح مصر وسكنها، قال ابن يونس وقد عده جماعة فى الصحابى لهذا الأدراك، ولم يذكر المزّى فى التهذيب أن البخارى أخرج له وهو على شرطه فيردّ عليه بهذا الحديث أفاده الحافظ (3) أي أعيبه وأحتقره بسبب ذلك (4) أى كثرة الشواغل بأمور الناس لأنه كان واليا على مصر، أما فى مدة النبى صلى الله عليه وسلم فكانت شواغله قليلة وخاصة بنفسه (تخريجه)(خ)
(970)
عن عبد الله المزنى (هو ابن مغفل بالمعجمة والفاء المشددة)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين وعفان ثنا عبد الوارث ثنا حسين ثنا عبد الله بن بريدة عن عبد الله المزنى "الحديث"(غريبه)(5) قال الحافظ قال المحب الطبرى لم يرد نفى استحبابها لأنه صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها، ومعنى قوله سنة أى شريعة وطريقة لازمة، وكأن المراد انحطاط مرتبتها عن رواتب الفرائض، ولهذا لم يعدّها أكثر الشافعية فى الرواتب واستدركها بعضهم، وتعقب بأنه للم يثبت أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم واظب عليها اهـ (تخريجه) (خ. د. هق
-[مذاهب العلماء فى حكم الركعتين قبل المغرب]-
(971)
عن عبد الله بن مغفل رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كلِّ أذانين (1) صلاةٌ ثلاث مرَّاتٍ لمن شاء
(971) عن عبد الله بن مغفل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى وكيع وابن جعفر فالا ثنا كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن عبد الله بن مغفل "الحديث"(غريبه)(1) المراد بالأذانين والأقامة، فهو من باب التغليب كالقمرين؛ أو لأنها تعلم بالدخول فى الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت (وقوله صلاة) أى نافلة أو وقت صلاة ونكّرت لتناول كل عدد نواه المصلى من النافلة لركعتين أو أربع أو أكثر؛ وكرر الجملة للتأكيد وهى خبر بمعنى الأمر، أى صلوا بين كل أذان وإقامة صلاة نافلة، وشمل عمومه المغرب، ولا يعارضه ما رواه البزار عن بريدة مرفوعا "بين كل أذانين صلاة الا المغرب" لانه ضعيف ضعفه الحفاظ (وقوله لمن شاء) قال فى النهاية يريد بها السنن الرواتب التى تصلى بين الأذان والأقامة قبل الفرض اهـ (تخريجه)(ق. والأربعة) بنحو حديث الباب (وف رواية لمسلم قال فى الرابعة لمن شاء) ولا منافاة بين ذلك، لأن ذكر الأقل لا ينفى ثبوت الأكثر والله أعلم (وفى الباب) عند أبى داود ومسلم واللفظ له عن مختار ابن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن التطوع بعد العصر، فقال كان عمر يضرب الأيدى على صلاةٍ بعد العصر، وكنا نصلى على عهد النبى صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قال كان يرانا نصليها فلم يأمرنا ولم ينهنا (الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب وبعد الأذان (قال النووى) وفى المسألة وجهان لأصحابنا، أشهرهما لا يستحب، وأصحهما عند المحققين يستحب لهذه الأحاديث وفى المسألة مذهبان للسلف، واستحبهما جماعة من الصحابة والتابعين، ومن المتأخرين أحمد وإسحاق، ولم يستحبهما أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وآخرون من الصحابة ومالك وأكثر الفقهاء، وقال النخعى هى بدعة، وحجة هؤلاء أن استحبابهما يؤدى الى تأخير المغرب عن أول وقتها قليلا؛ وزعم بعضهم فى جواب هذه الأحاديث أنها منسوخة، والمختار استحبابها لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة، وفى صحيح البخارى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، قال فى الثالثة لمن شاء" وأما قولهم يؤدى الى تأخير المغرب فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت اليه، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها، وأما من زعم النسخ فهو
-[استحباب ركعتين أو أربع بعد العشاء]-
(9)
باب ما جاء في راتبة العشاء
(972)
عن عبد الله بن الزُّبير رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلَّي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إذا صلَّى العشاء ركع أربع ركعاتٍ وأوتر بسجدةٍ (1) ثمَّ نام حتَّى يصلِّى بعد صلاته باللَّيل
(973)
عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّه صلَّى مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ركعتين بعد العشاء فى بيته
(974)
عن عائشة رضى الله عنها قالت وكان يصلِّى بهم العشاء ثمَّ يدخل بيتى فيصلِّى ركعتين، وكان يصلِّى من اللَّيل تسع ركعاتٍ فيهنَّ الوتر
مجازف لأن النسخ لا يصادر اليه إلا اذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ، وليس هنا شئ من ذلك، والله أعلم
(972)
عن عبد الله بن الزبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا أبو سلمة الخزاعى ثنا عبد الرحمن بن أبى الموالى قال أخبرنى نافع بن ثابت عن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) أى ركعة (وقوله حتى يصلى بعد صلاة الليل) فيه جواز التهجد لمن نام بعد أن أوتر، ولم تكن هذه عادته صلى الله عليه وسلم وإنما فعل ذلك لبيان الجواز، والأفضل أن يكون الوتر آخر صلاة الليل كما كانت عادته، ولقوله صلى الله عليه وسلم "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" رواه الشيخان وغيرهما، أو كان ذلك أول الأمر لحديث على رضى الله عنه "قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر فى أول الليل وفى وسطه وفى آخره ثم ثبت له الوتر آخره" وسيأتى فى باب وقت الوتر (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد
(973)
"عن ابن عمر رضى الله عنهما هذا طرف من حديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب جامع تطوع النبى صلى الله عليه وسلم الخ، وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما
(974)
"عن عائشة رضى الله عنها" هذا طرف من حديث طويل تقدم أيضا فى باب جامع تطوع النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم رواه مسلم والبيهقي والثلاثة
-[استحباب الصلاة على الأرض مباشرة اذا كانت طاهرة]-
(975)
عن شريح بن هانيءٍ قال سألت عائشة رضى الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لم تكن صلاةً أحرى أن يؤخِّرها إذا كان على حديثٍ من صلاة العشاء الآخرة (1) وما صلَّاها قطُّ فدخل علىّ إلَّا صلَّي بعدها أربعًا أو ستًّا (2) وما رأيته يتَّقى على الأرض بشئٍ قطُّ (3) إلَّا أنِّي أذكر أنَّ يوم مطرٍ ألقينا تحته بتًّا (4) فكأنِّي أنظر إلى خرقٍ فيه ينبع منه الماء (ومنه طريقٍ ثانٍ) حدَّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا عثمان بن عمر قال أنا مالكٌ فذكر مثله، قال يتَّا يعنى النَّطع فصليَّ عليه، فلقد رأيت فذكر معناه
(975) عن شريح بن هانى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير ثنا مالك يعنى ابن مغول عن مقاتل بن بشير عن شريح بن هانئ "الحديث"(غريبه)(1) المعنى أنه لم تكن صلاة أولى بالتأخير عن أول وقتها اذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث فى شئ لمصالح المسلمين من صلاة العشاء، لأن تأخيرها عن أول وقتها أفضل، لما فيه من تكثير الجماعة والصلاة فى وقت غفلة الناس، وقد تقدم الكلام على ذلك فى باب استحباب تأخير العشاء الى ثلث الليل الأول من أبواب مواقيت الصلاة (2) أى لم يكن على حالة واحدة، فتارة كان يصلى أربعا وأخرى كان يصلى ستا، بل وفى بعض الأحيان كان يصلى ركعتين لما تقدم فى حديثى عائشة وابن عمر، والركعتان هما المؤكدتان والباقى مستحب (3) أى ما كان يفترش شيئا يصلى عليه بل كان يصلى على الأرض، ومعلوم أنها كانت طاهرة، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الصلاة على الأرض لما فى ذلك من التواضع (4) فسّره الراوى بالنطع وقد جاء مصرحا به فى رواية أبى داود قالت (فطرحنا له نطعًا) وهو ما يتخذ من الجلد للصلاة والأكل عليه، قال فى المصباح وفيه أربع لغات، فتح النون وكسرها، ومع كل واحد فتح الطاء وسكونها، والجمع انطاع ونطوع اهـ والمعنى أنهم فرشوا له نطعا فى يوم مطير ليتقى به بلل الماء وما فيه من الوحل، فرأت عائشة رضى الله عنها الماء ينبع من رق كان بالنطع من كثرة الماء، ولولا ذلك لما افترش شيئا (تخريجه)(د. نس) ورجاله ثقات (وفى الباب) عند البخارى والأمام أحمد وأبو داود والنسائى من حديث ابن عباس قال بت فى بيت خالتى ميمونة "الحديث سيأتى بتمامه فى صلاة الليل" وفيه "فصلى النبى صلى الله عليه وسلم العشاء ثم جاء إلى
-[فضل ركعتي الفجر والتحذير من تركهما]-
(10)
باب ما جاء فى ركعتي الفجر وفضلهما وتأكيدهما
(976)
عن عائشة رضى الله عنها عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فى الرَّكعتين قبل صلاة الفجر قال هما أحبُّ إلىَّ من الدُّنيا جميعًا (1)
(977)
وعنها أيضًا قالت ما رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أسرع منه إلى ركعتين قبل صلاة الغداة ولا إلى غنيمةٍ يطلبها (2)
(978)
عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لا تدعو ركعتى الفجر وإن طردتكم الخيل (3)
منزله فصلى أربع ركعات" وروى محمد بن نصر فى قيام الليل والطبرانى فى الكبير من حديث ابن عباس يرفعه الى النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة قرأ فى الركعتين الأولتين قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفى الركعتين الآخرتين تنزيل السجدة وتبارك الذى بيده الملك كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر) وفى إسناده أبو فروة يزيد بن سنان الرهاوى ضعفه الجمهور، وقال أبو حاتم محله الصدق، وقال البخارى مقارب الحديث (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية صلاة أربع ركعات أو ست ركعات فى البيت بعد صلاة العشاء، اتفق جمهور العلماء على تأكد ركعتين منها واستحباب الباقى والله أعلم
(976)
عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن التميمى وابن أبى عروبة عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة "الحديث"(غريبه)(1) أى من جميع متاع الدنيا (تخريجه)(م. مذ. وغيرهما)
(977)
وعنها أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن حكيم بن جبير قال قالت عائشة ما رأيت الخ (غريبه)(2) المعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يسرع الى أداء ركعتى الفجر ويحرص على ذلك أشد من إسراعه الى غنيمة يطلبها، لأن غنيمة الآخرة خير من غنيمة الدنيا (تخريجه)(م. وابن خزيمة)
(978)
عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا خلف بن الوليد قال ثنا خالد عن عبد الرحمن بن اسحاق عن محمد بن زيد عن ابن سيلان عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(3) فى هذا الحديث المبالغة والحث على تأدية ركعتي
-[المحافظة على ركعتى الفجر واستحباب فعلهما فى البيت]-
(979)
عن عائشة رضى الله عنها قالت لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئٍ من النَّوافل أشدَّ معاهدةً (1) من الرَّكعتين قبل الصُّبح (2)
(980)
عن المقدام بن شريح عن أبيه قال قلت لعائشة (رضى الله عنها) ما كان يصنع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قبل أن يخرج؟ قالت كان يصلِّى الرَّكعتين (3) ثمَّ يخرج
(981)
عن سلمة بن نبيطٍ قال كان أبى وجدِّى وعمِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
الفجر ولو عند اشتداد العذرة، ولم يكن عذر أشد من مطاردة العدو؛ فينبغى المحافظة عليهما فى الحضر والسفر والخوف والأمن ركبانا ومشاة ولو إيماء ولو الى غير القبلة، هذا هو الظاهر من الحديث والله أعلم (تخريجه)(د. هق. والطحاوى) وفى إسناده عبد الرحمن ابن اسحاق المدنى، ويقال فيه عبدا بن اسحاق، أخرج له مسلم واستشهد به البخارى ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم الرازى لا يحتج به وهو حسن الحديث وليس بثبت ولا قوى، وقال يحيى بن سعيد القطان سألت عنه بالمدينة فلم يحمدوه فى مذهبه فانه كان قدربا فنفوه من المدينة، فأما رواياته فلا بأس، وقال البخارى مقارب الحديث، وقال العراقى ان هذا حديث صالح أفاده الشوكانى
(979)
عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبدالله حدثنى أبى ثنا يحيى ثنا ابن جريج حدثنى عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة "الحديث"(غريبه)(1) أى مواظبة وحرصا وفيه تأكيدهما جدًا عن جميع النوافل إلا الوتر، بل قال بعضهم إنهما آكد من الوتر، وسيأتى الخلاف فى ذلك فى الأحكام إن شاء الله (2) فيه حجة لمن قال إنها من النوافل وهم الجمهور (تخريجه)(ق. د. وغيرهم)
(980)
عن المقدام بن شريح (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود ابن عامر قال ثنا اسرائيل عن المقدام بن شريح "الحديث"(غريبه)(3) أى سنة الفجر (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد
(981)
عن سلمة بن نبيط (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى الحمَّانى قال ثنا سلمة بن نبيط قال كان أبى وجدي وعمي الخ
-[مذاهب العلماء فى حكم ركعتى الفجر والخلاف فى وجوبهما]-
قال أخبرني أبى قال رأيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يخطب عشيَّة عرفة على جبلٍ أحمر، قال سلمة أوصانى أبى بصلاة السَّحر، (1) قلت يا أبت إنِّى لا أطيقها، قال فانظر الرَّكعتين قبل الفجر فلا تدعنَّهما، (2) ولا تشخص في الفتنة
(غريبه)(1) أي بصلاة الليل وقت السحر (2) أى لا تتركنهما، وأنى بنون التوكيد للاهتمام بشأنهما (وقوله ولا تشخص فى الفتنة) أى لا تظهر فيها ولا تنتقل من جهة لأخرى ولا تنضمّ لأحد الفريقين فيها بل الزم بيتك (تخريجه) لم أقف عليه وسنده لا بأس به (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أفضلية ركعتى الفجر وعلى استحباب التعاهد لهما وكراهة التفريط فيهما، وقد استدل بأحاديث الباب على أن ركعتى الفجر آكد من الوتر، وهو أحد قولى الشافعى، ووجه الدلالة أنه جعل ركعتى الفجر خيرًا من الدنيا وما فيها، وجعل الوتر خيرًا من حمر النعم، وحمر النعم جزء ما فى الدنيا، وأصح القولين عن الشافعى أن الوتر أفضل وقد استدل لذلك بما عند مسلم والأمام احمد من حديث أبى هريرة وسيأتى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (أفضل الصلاة بعد الفريضة الصلاة فى جوف الليل) وبالاختلاف فى وجوبه كما سيأتى، وقد وقع الاختلاف أيضا فى وجوب ركعتى الفجر، فذهب الجمهور الى أنهما من النوافل محتجين بحديث عائشة "لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتى الفجر" وهو صريح فى كونهما سنة، وذهب الى الوجوب حسن البصرى، حكى ذلك عنه ابن أبى شيبة فى مصنفه والقاضى عياض، والظاهر أن حجته فى ذلك حديث أبى هريرة "لا تدعوا ركعتى الفجر وان طردتكم الخيل"(قال الشوكانى) والحديث يقتضى وجوب ركعتى الفجر لأن النهى عن تركهما حقيقة فى التحريم وما كان تركه حرامًا كان فعله واجب ولا سيما مع تعقيب ذلك بقوله ولو طردتكم الخيل، فان انلهى عن الترك فى مثل هذه الحالة الشديدة التى يباح لأجلها كثير من الواجبات، من الأدلة الدالة على ما ذهب اليه الحسن من الوجوب، فلا بد للجمهور من قرينة صارفة عن المعنى الحقيقى للنهى بعد تسليم صلاحية الحديث للأحتجاج اهـ (قلت) تصريح عائشة بأنه من النوافل يصرفه عن الوجوب بلا نزاع لا سيما وحديث عائشة أصح ومتفق عليه، وحكى صاحب البيان والرافعى وجها لبعض الشافعية أن الوتر وركعتى الفجر سواء فى الفضيلة والله أعلم
-[استحباب تخفيف ركعتى الفجر]-
(11)
باب تخفيف الركعتين قبل الفجر وما يقرأ فيهما
(982)
عن نافعٍ عن ابن عمر عن حفصة ابنة عمر زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى ركعتي الفجر قبل الصبح في بيتي يخفِّفهما جدًّا، قال نافعٌ وكان عبد الله (1) يخفِّفهما كذلك
(983)
عن عائشة رضى الله عنها قالت كان المؤذِّن إذا سكت من صلاة الصُّبح صلَّى ركعتين خفيفتين تعنى النَّبىَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
(984)
وعنها أيضًا قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى الركعتين قبل الغداة فيخفِّفهما حتَّى إنِّى لأشكُّ أقرأ فيهما بفاتحة الكتاب أم لا
(985)
وعنها رضى الله عنها قالت كان قيام رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فى الرَّكعتين قبل صلاة الفجر (2) قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب
(982) عن نافع (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق قال حدثنى عن الركعتين قبل الصبح نافع عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(1) يعنى ابن عمر (تخريجه) (ق. وغيرهما
(983)
) عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابراهيم بن اسحاق قال ثنا ابن مبارك عن الأوزاعى ومعمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما) ورواه مالك من حديث حفصة
(984)
وعنها أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنى أبى قال حدثنى يحيى يعنى ابن سعيد قال حدثنى ابن أخى عمرة عن عمته عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم "الحديث"(تخريجه)(ق. لك. نس. هق) والطحاوى
(985)
وعنها رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل قال أنا خالد الحذّاء عن محمد بن سيرين قال قالت عائشة رضى الله عنها كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) أى الصبح (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد
-[ما يقرأ به في ركعتى الفجر]-
(986)
عن ابن سيرين عن عائشة رضى الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كان يقرأ فى ركعتى الفجر بقل يا أيُّها الكافرون وقل هو الله أحدٌ (وفى رواية) وكان يسرُّ بهما
(987)
عن عبد الله بن شقيقٍ عن عائشة رضى الله عنها عن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كان يقول نعم السُّورتان هما يقرأ يهما فى الرَّكعتين قبل الفجر، قل يا أبُّها الكافرون وقل هو الله أحدٌ
(988)
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال رمقت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الرَّكعتين قبل الفجر قل يا أيُّها الكافرون وقل هو الله أحدٌ
(986) عن ابن سيرين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على عن خالد وهشام عن ابن سيرين عن عائشة "الحديث"(تخريجه) أخرجه الطحاوى بلفظ قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفى ما يقرأ فيهما" وأخرج نحوه مسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن يزيد بن كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة
(987)
عن عبد الله بن شقيق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد قال أنا الجريرى عن عبد الله بن شقيق عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى أربعا قبل الظهر وقال يزيد مرة ركعتين بعدها وركعتين قبل الفجر وكان يقول نعم السورتان الخ "الحديث"(تخريجه)(جه) وسنده جيد
(988)
عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو احمد الزبيرى حدثنا سفيان عن أبى اسحاق عن مجاهد عن ابن عمر "الحديث"(تخريجه)(جه. نس. مذ) وحسنه (وفى الباب) عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى ركعتى الفجر قل أيها الكافرون وقل هو الله أحد، أخرجه البزار من رواية موسى بن خلف عن قتادة عن أنس، ورجال اسناده ثقات (وعن ابن مسعود) رضى الله عنه قال ما أحصى ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين بعد المغرب وفى الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، أخرجه الترمذى من رواية عاصم بن بهدلة عن ذر
-[اختلاف الأئمة فى تخفيف ركعتى الفجر وتطويلهما وما يقرأ به فيهما]-
.....
وأبي وائل عن عبد الله بن مسعود (وعن طلحة بن خراش) عن جابر عبد الله رضى الله عنهما أن رجلا قام فركع ركعتى الفجر فقرأ فى الأولى قل يا أيها الكافرون حتى انقضت السورة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم هذا عبد عرف ربه، وقرأ فى الآخرة قل هو الله أحد حتى انقضت السورة؛ فقال النبى صلى الله عليه وسلم هذا عبد آمن بربه، قال طلحة فأنا أحب أن أقرأ بهاتين السورتين فى هاتين الركعتين، رواه ابن حبان فى صحيحه والطحاوى (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتى الفجر {قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا} والتى فى آل عمران {تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم} رواه مسلم وأبو داود والنسائى من رواية سعيد بن يسار عن ابن عباس، وهذا لفظ مسلم، وفى رواية لأبى داود (عن ابى هريرة) أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتى الفجر {قل آمنا بالله وما أنزل علينا} فى الركعة الأولى؛ وفى الركعة الأخرى بهذه الآية {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} أو {إنا ارسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم} شك الدراوردى (وفى لفظ لأبى داود عن ابن عباس) ان كثيرًا مما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ركعتى الفجر بآمنا بالله وما أنزل الينا هذه الآية، قال هذه فى الركعة الأولى، وفى الركعة الآخرة بآمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (وعن ابن عباس) عند الأمام احمد وتقدم فى الباب العشرين من أبواب صفة الصلاة، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى ركعتيه قبل الفجر بفاتحة القرآن والآيتين من خاتمة البقرة فى الركعة الأولى. وفى الركعة الآخرة بفاتحة القرآن وبالآية من سورة آل عمران {قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم حتى يختم الآية} (الأحكام) أحاديث الباب تدل على تخفيف ركعتى الفجر، والى ذلك ذهب الأئمة الثلاثة (مالك والشافعى واحمد) وقال بعض السلف وأبو حنيفة لا بأس من إطالتهما، ولعلهم أرادوا أنها ليست بمحرمة، واختلف العلماء فى القراءة فى ركعتى الفجر على أربعة مذاهب (أحدها) لا قراءة فيهما، واليه ذهب جماعة منهم أبو بكر ابن الأصم وابن عليه وطائفة من الظاهرية وأحاديث الباب حجة عليهم (الثانى) يخفف القراءة فيهما بأم القرآن خاصة، روى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما وهو مشهور مذهب مالك (الثالث) يخفف بقراءة أم القرآن وسورة قصيرة أو آية مما تقدم؛ رواه ابن القاسم عن مالك، وهو قلو الشافعى (الرابع) لا بأس بتطويل القراءة فيهما، روى ذلك عن ابراهيم النخعى ومجاهد وأبى حنيفة وخص بعض العلماء استحباب التخفيف بمن لم يتأخر عليه بعض حزبه الذى اعتاد قراءته فى الليل، أما من بقى عليه شئ فقرأه فى ركعتى الفجر، لما روى ابن شيبة عن الحسن البصرى قال لا بأس أن يطيل ركعتى الفجر يقرأ فيهما من حزبه اذا فاته، وروى نحوه عن مجاهد والثورى (وقال أبو حنيفة) ربما قرأت في ركعتي
-[الحكمة في تخفيف ركعتى الفجر]-
(12)
باب تعجيلهما أول الوقت والضجعة بعدها
(989)
عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّى الرَّكعتين قبل صلاة الفجر كأنَّ الأذان فى أذنيه
(990)
عن عليّ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يصلِّى ركعتى الفجر عند الإقامة (1)
(991)
عن عائشة رضى الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله
الفجر حزبي من الليل اهـ ويستحب أن تكون القراءة سرًا أخذا من حديث عائشة عند الأمام احمد "وكان يسر بهما" وعند الطحاوى قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفى ما يقرأ فيهما وذكرت قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد"(وقد اختلف) فى الحكمة فى التخفيف لهما فقيل ليبادر الى صلاة الفجر فى أول الوقت، وبه حزم القرطبى، وقيل ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما يصنع فى صلاة الليل ليدخل فى الفرض أو ما يشابهه بنشاط واستعداد تام، ذكره الحافظ فى الفتح، والعراقى فى شرح الترمذى والله أعلم
(989)
عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس ثنا حماد يعنى ابن سلمة عن أنس بن سيرين عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(1) هو كناية عن تعجيلهما فى أول الوقت بدون مضى زمن بين الأذان وفعلهما حتى كأن صوت المؤذن يرن فى أذنيه، ويحتمل أن يراد بذلك تخفيفهما ويكون المراد بالأذان إقامة الصلاة، يعنى أنه يخفف كما يخفف من يكون النداء باقامة الصلاة فى أذنيه، لأن النداء الى إقامة الصلاة يقتضى التخفيف فيها جدًا والله أعلم (تخريجه)(جه) بلفظه الا أنه قال "قبل الغداة" بدل قوله قبل صلاة الفجر، ورواه الطحاوى بمعناه وسنده جيد
(990)
عن على (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سعيد وحسين ابن محمد قالا ثنا اسرائيل عن أبي اسحاق عن الحارث عن على "الحديث"(غريبه)(2) لعل ذلك كان فى بعض الأحيان، على أن هذا الحديث ضعيف لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة المصرحة بأنه كان يضطجع بعد صلاة الركعتين، وهى تفيد أنه كان يصليهما قبل الأقامة، (تخريجه)(جه) وفى اسناده الحارث بن عبد الله الأعور ضعيف ضعفه جمهور المحدثين
(991)
عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الوهاب قال
-[حجة من قال بالضجعة بعد ركعتى الفجر]-
وسلَّم كان يصلِّى الرَّكعتين بين الأذان والإقامة من صلاة الصُّبح
(992)
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى أحدكم الرَّكعتين قبل صلاة الصُّبح فليضطجع على جنبه الأيمن
(993)
عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع ركعتى الفجر اضطجع على شقِّه الأيمن (وعنها من طريقٍ ثانٍ)(1) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلَّى ربَّما اضطجع
(994)
عن عبد الله بن عمرو (بن العاص رضى الله عنهما) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع ركعتي الفجر اضطجع على شقِّه الأيمن
أنا هشام "الدستوائى" عن يحيى "بن أبى كثير" عن أبى سلمة "بن عبد الرحمن" قال حدثتنى عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى الركعتين الخ (تخريجه)(م. وغيره) ولفظ مسلم عن عائشة أن نبى الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى ركعتين بين النداء والأقامة من صلاة الصبح
(992)
عن ابى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا سليمان الأعمش عن ابى صالح عن أبى هريرة "الحديث"(تخريجه)(د. جه. مذ) وصححه
(993)
عن عروة عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل قال أنا عبد الرحمن بن اسحاق عن الزهرى عن عروة عن عائشة "الحديث"(1)(وعنها من طريق ثان)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان قال ثنا شعبة قال أبو المؤمل أخبرنى قال سمعت الزهرى عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الخ (تخريجه)(ق. والأربعة)
(994)
عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا حى بن عبد الله عن ابى عبد الرحمن الحبلى عن عبد الله بن عمرو "الحديث"(تخريجه)(طب) وفى اسناده حى بن عبد الله المعافرى وهو مختلف فيه، وفيه ايضا ابن لهيعة فيه مقال مشهور، لكن يعضده ما قبله (وفى الباب) عن ابن عباس
-[مذاهب الأئمة فى حكم الضجعة بعد ركعتى الفجر]-
.....
عند البيهقي بنحو حديث عبد الله بن عمرو، وفيه انقطاع واختلاف على ابن عباس (وعن أبى بكرة) عند أبى داود بلفظ "قال خرجت مع النبى صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل الا ناداه بالصلاة وحركه برجله" أدخله أبو داود والبيهقى فى باب الاضطجاع بعد ركعتى الفجر (الأحكام) فى أحاديث الباب دليل على استحباب المبادرة بصلاة ركعتى الفجر بعد طلوعه وتخفيفهما وهو مذهب مالك والجمهور (وفيها ايضا) مشروعية الاضطجاع بعد صلاة ركعتى الفجر الى أن يؤذن بالصلاة كما فى صحيح البخارى من حديث عائشة (قال الشوكانى) وقد اختلف فى حكم هذا الاضطجاع على ستة أقوال (الأول) انه مشروع على سبيل الاستحباب، قال العراقى فمن كان يفعل ذلك أو يفتى به من الصحابة أبو موسى الأشعرى ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة، واختلف فيه على ابن عمر، فروى عنه فعل ذلك كما ذكره خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة، واختلف فيه على ابن عرمر، فروى عنه فعل ذلك كما ذكره ابن أبى شيبة فى مصنفه، وروى عنه إنكاره كما سيأتى، وممن قال به من التابعين ابن سيرين وعروة وبقية الفقهاء السبعة كما حكاه عبد الرحمن بن زيد فى كتاب السبعة، وهم سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبى بكر وعروة بن الزبير وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار، قال ابن حزم وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث هو ابن عثمان أنه حدثه قال كان الرجل يجئ وعمر بن الخطاب يصلى بالناس فيصلى ركعتين فى مؤخر المسجد ويضع جنبه فى الأرض ويدخل معه فى الصلاة، وممن قال باستحباب ذلك الأئمة الشافعى وأصحابه (القول الثاني) أن الاضطجاع بعدهما واجب مفترض لابد من الأتيان به، وهو قول أبى محمد بن حزم، واستدل بحديث أبى هريرة المذكور وحمله الأولون على الاستحباب، لقول عائشة "فان كنت مستيقظة حدثنى وإلا اضطجع" وظاهره أنه كان لا يضطجع مع استيقاظها فكان ذلك قرينة لصرف الأمر الى الندب، وفيه أنّ تركه صلى الله عليه وسلم لما أمر به أمرًا خاصا بالأمة لا يعارض ذلك الأمر الخاص ولا يصرفه عن حقيقته كما تقرر فى الأصول (القول الثالث) أن ذلك مكروه وبدعة، وممن قال به من الصحابة ابن مسعود وابن عمر على اختلاف عنه، فروى ابن ابى شيبة فى المصنف من رواية ابراهيم قال قال ابن مسعود "ما بال الرجل اذا صلى الركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة أو الحمار، اذا سلَّم فقد فصل، ورى ابن أبى شيبة أيضا من رواية مجاهد قال صحبت ابن عمر فى السفر والحضر فما رأيته اضطجع بعد ركعتى الفجر، وروى سعيد بن المسيب عنه أنه رآى رجلا يضطجع بعد الركعتين فقال احصبوه، وروى أبو مجلز عنه أنه قال ان ذلك من تلعب الشيطان، وفى رواية زيد العمِّى عن أبى الصديق الناجى عنه أنه قال إنها بدعة، ذكر ذلك جميعه ابن أبى شيبة (وممن كره ذلك) من التابعين الأسود
-[حجة الشافعية فى استحباب الضجعة بعد ركعتى الفجر]-
(13)
باب استحباب الفصل بين صلاة الفرض وراتبته
(995)
عن عبد الله بن رباحٍ عن رجلٍ من أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله
ابن يزيد وابراهيم النخعى، وقال هى ضجعة الشيطان، وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبيرة، ومن الأئمة مالك وحكاه القاضى عياض عن جمهور العلماء (القول الرابع) أنه خلاف الأولى، روى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان لا يعجبه الاضطجاع بعد ركعتى الفجر (القول الخامس) التفرقة بين من يقوم بالليل فيستحب له ذلك للاستراحة، وبين غيره فلا يشرع له، واختاره ابن العربى وقال لا يضطجع بعد ركعتى الفجر لانتظار الصلاة الا أن يكون قام الليل فيضطجع استجمامًا "أى طلبا للراحة" لصلاة الصبح فلا بأس، ويشهد لهذا ما رواه الطبرانى وعبد الرزاق عن عائشة أنها كانت تقول "إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليله فيستريح" وهذا لا تقوم به حجة، أمّا أوَّلًا فلان فلان فى إسناده راوٍ لم يسمّ كما قال الحافظ فى الفتح، وأمّا ثانيا فلأن ذلك منها ظن وتخمين وليس بحجة، وقد روت أنه كان يفعله، وقد ثبت أمره به، فتأكدت بذلك مشروعيته (القول السادس) أن الاضطجاع ليس مقصودًا لذاته، وإنما المقصود الفصل بين ركعتى الفجر وبين الفريضة، روى ذلك البيهقى عن الشافعى، وفيه أن الفصل يحصل بالقعود والتحول والتحدث وليس بمختص بالاضطجاع اهـ (قلت) قال النووى فى المجموع وقد نقل القاضى عياض فى شرح مسلم استحباب الاضطجاع بعد سنة الفجر عن الشافعى وأصحابه ثم أنكره عليهم، وقال قال مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة ليس هو سنة بل سموه بدعة، واستدل بأن أحاديث عائشة فى بعضها الاضطجاع قبل ركعتى الفجر بعد صلاة الليل، وفى بعضها بعد ركعتى الفجر، وفى حديث ابن عباس قبل ركعتى الفجر، فدل على أنه لم يكن مقصوده، وهذا الذى قاله مردود بحديث أبى هريرة الصريح فى الأمر بها، وكونه صلى الله عليه وسلم اضطجع فى بعض الأوقات أو أكثرها أو كلها بعد صلاة الليل لا يمنع أن يضطجع أيضا بعد ركعتى الفجر، وقد صح اضطجاعه بعدهما وأمره به فتعين المصير اليه ويكون سنة، وتركه يجوز جمعا بين الأدلة، وقال البيهقى فى السنن الكبرى أشار الشافعى الى أن المراد بهذا الاضطجاع الفصل بين النافلة والفريضة فيحصل بالاضطجاع والتحدث أو التحول من ذلك المكان أو نحو ذلك ولا يتعين الاضطجاع، هذا ما نقله البيهقى، والمختار الاضطجاع لظاهر حديث أبى هريرة، وأما ما رواه البيهقى عن ابن عمر أنه قال هى بدعة فاسناده ضعيف، ولانه نفى فوجب تقديم الاثبات عليه والله أعلم
(995)
عن عبد الله بن رباح (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد
-[استحباب الفصل بين الفرض والنافلة وكلام العلماء فى ذلك]-
عليه وعلى آله وسلَّم (1) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى العصر فقام رجلٌ يصلِّى فرآه عمر فقال له اجلس فإنَّما هلك أهل الكتاب أنَّه (2) لم يكن لصلاتهم فصلٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ابن الخطَّاب (3)
ابن جعفر ثنا شعبة عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن رباح "الحديث"(غريبه)(1) الظاهر أنه أبو رمنة التيمى كما يستفاد من حديث أبى داود الآتى؛ وهو بكسر الراء وسكون الميم، ابن تيم الرباب، قيل اسمه رفاعة بن يثربى وقيل حيان بن موهب وقيل غير ذلك، روى عن النبى صلى الله عليه وسلم، وعنه اياد بن لقيط وثابت بن أبى منقذ (2) أى بسبب أنه لم يكن لصلاتهم فصل، والظاهر أنهم هم الذين أحدثوا ذلك فنهوا عنه فلم ينتهوا والله أعلم (3) أى أحسن فى أمر الرجل بالجلوس لأنه فعل ما يوافق الصواب (تخريجه)(ك. طب) وأبو داود مطوّلًا من طريق شعبة عن المنهال بن خليفة عن الأزرق بن قيس قال "صلى بنا إمام لنا يكنى أبا رمنة فقال صليت هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبى صلى الله عليه وسلم قال وكان أبو بكر وعمر يقومان فى الصف المقدم عن يمينه، وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة، فصلى نبى الله صلى الله عليه وسلم ثم سلم عن يمينه وعن يساره حتى رأينا بياض خديه، ثم انفتل كانفتال أبى رمنة يعنى نفسه، فقام الرجل الذى أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع، فوثب اليه عمر فأخذ بمنكبيه فهزه، ثم قال اجلس فانه لم يهلك أهل الكتاب الا أنهم لم يكن بين صلاتهم فصل، فرفع النبى صلى الله عليه وسلم بصره فقال أصاب الله بك يا ابن الخطاب، ورجال حديث الأمام احمد رجال الصحيح (الأحكام) حديث الباب يدل على استحباب الفصل بين الفرض والنافلة بنحو كلام أو ذكر أو انتقال وذهب الحنفية الى استحباب الفصل بينهما بمقدار "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والأكرام" أو بمقدار "لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" (وذهب غيرهم) الى استحباب الفصل بينهما بالأذكار الواردة عقب الصلوات كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار (وفى حديث الباب أيضا) منقبة لسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث قد كان موفقا للصواب، وكفاه شرفا ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بقوله أحسن ابن الخطاب (وفيه) أنه ينبغى للتابع فيما ينكره الشرع أن يبادر الى إزالته ولو مع حضور المتبوع ولا يتوقف على إذنه، وعلى أنه ينبغى للمتبوع أن يعززه إذا وافق الصواب
-[ما ورد في فضل صلاة الليل]-
(أبواب صلاة الليل والوتر)
(1)
باب ما جاء في فضل صلاة الليل والحث عليها وأفضل أوقاتها
(996)
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال الصلاة في جوف الليل، قيل أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال شهر الله الذي تدعونه المحرم
(997)
عن الأغر أبي مسلم قال أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد (1) أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله يمهل (2) حتى يذهب ثلث الليل ثم يهبط فيقول هل من داع فيستجاب له هل من مستغفر فيغفر له
(996) عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن وأبو سعيد قالا ثنا زائدة ثنا عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة "الحديث"(تخريجه)(م. والأربعة).
(997)
عن الأغر أبي مسلم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم الحديث، وفي آخره بعد قوله فيغفر له، وقال عفان وكان أبو عوانة حدثنا بأحاديث عن أبي إسحاق ثم بلغني بعد أنه قال سمعتها من إسرائيل وأحسب هذا الحديث فيها (غريبه)(1) أي شهادة إخبار وقد مر نحو ذلك (2) من المهل بالسكون والفتح لغة، وهو التأخير (قال في المصباح) أمهل إمهالًا وتمهل في أمرك تملا، أي اتئد في أمرك ولا تعجل، والمهلة مثل غرفة كذلك، وهي الرفق، وفي الأمر مهلة أي تأخير، وتمهَّل في الأمر تمكَّث ولم يعجل اهـ (3) أي ينزل كما في رواية مسلم عن الاغر أبي مسلم يرويه عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر، هل من تائب، هل من سائل، هل من داع، حتى ينفجر الفجر (وعن أبي هريرة يرفعه) قال "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له (وعنه في أخرى) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه "ينزل الله ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا" فذكر نحوه
-[مذهب السلف في أحاديث الصفات]-
(998)
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى (1) وأيقظ امرأته
(وعنه) بلفظ آخر مرفوعًا ينزل الله في السماء الدنيا لشطر الليل أو لثلث الليل الآخر "الحديث" وهذه الروايات كلها رواها مسلم في صحيحه (كان القاضي عياض) الصحيح رواية "حين يبقى ثلث الليل الآخر" كذا قاله شيوخ الحديث، وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه، قال ويحتمل أن يكون النزول بالمعنى المراد بعد الثلث الأول "وقوله من يدعوني" بعد الثلث الأخير هذا كلام القاضي (قال النووي) ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمرين في وقت فأخبر به ثم أعلم بالآخر في وقت آخر فأعلم به وسمع أبو هريرة الخبرين فقبلهما جميعًا، وسمع أبو سعيد الخدري خبر الثلث الأول فقط فأخبر به مع أبي هريرة كما ذكره مسلم، قال وهذا ظاهر، وفيه رد لما أشار إليه القاضي من تضعيف رواية الثلث الأول، وكيف يضعفها وقد رواها مسلم في صحيحه بإسناد لا مطعن فيه عن الصحابيين أبي سعيد وأبي هريرة والله أعلم اهـ (قلت) ويحتمل أن يقع ذلك بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عند قوم، وهذا الحديث وأمثاله من الأحاديث المتشابهة التي نؤمن بها كما جاءت ونكل علم حقيقتها إلى الله عز وجل، وهذا ما أجنح إليه وأعتقده وأراه أسلم، وهو مذهب جميع السلف وبعض المتكلمين أننا نؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق، وقد تقدم نحو ذلك في الباب الثاني من كتاب التوحيد (قال النووي) رحمه الله بعد ذكر مذهب السلف، وذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكى هنا عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين (أحدهما) تأويل مالك بن أنس وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره (والثاني) أنه على الاستعارة ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم (تخريجه)(م. والأربعة)
(998)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة "الحديث"(غريبه)(1) قال ابن رسلان تحصل هذه الفضيلة إن شاء الله بركعة لحديث (عليكم بصلاة الليل ولو ركعة) رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ولا تحصل هذه الفضيلة لمن صلى
-[دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن صلى بالليل وأيقظ أهله لذلك]-
فصليت فإن أبت نضح في وجهها الماء (1) ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه بالماء.
(999)
وعنه أيضًا قال قلت يا رسول الله أنبئني عن أمرٍ إذا أخذت به دخلت الجنة قال أفش (2) السلام وأطعم الطعام وصل الأرحام وصل بالليل والناس نيامٌ ثم ادخل الجنة بسلام
(1000)
عن أبي مسلم قال قلت لأبي ذر رضي الله عنه أي قيام الليل
قبل أن ينام؛ فإن التهجد في الاصطلاح صلاة التطوع في الليل بعد النوم، قاله القاضي حسين اهـ (قلت) وقول ابن رسلان تحصل هذه الفضيلة بركعة يتصور فيمن نام قبل أن يوتر ثم قام فأوتر ولو بركعة، أو إذا نام وقد أوتر ثم قام فصلى فلا يجوز له أن يقتصر على ركعة لقوله صلى الله عليه وسلم (لا وتران في ليلة) رواه الإمام أحمد والثلاثة (1) النضح معناه الرش كما صرح به في رواية أبي داود، وخص الوجه بالنضح لأنه أفضل الأعضاء وأشرفها، وبه يذهب النوم والنعاس أكثر من بقية الأعضاء، وفيه العينان وهما آلة النوم (تخريجه)(الأربعة) وابن حيان والبيهقي والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم.
(999)
وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا هشام عن قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء فقال "كل شيء خلق من ماء" قال قلت يا رسول الله أنبئني عن أمر الخ وسيأتي الحديث كاملًا في الباب الأول من كتاب خلق العالم إن شاء الله تعالى (غريبه)(2) بفتح الهمزة فعل أمر أي أظهره برفع الصوت وأن تسلم على من لقيته من المسلمين وإن لم تعرفه (وإطعام الطعام) هو التصدق بما فضل عن نفقة من تلزمك نفقته (وصلة الأرحام) هي البر بالأقارب (والصلاة بالليل) هي التهجد وهو المراد هنا ولكل من الخصال الأخرى باب خاص بها سيأتي في محله إن شاء الله تعالى (تخريجه)(مذ. حب. ك) وصححه وابن أبي الدنيا في كتاب التهجد
(1000)
عن أبي مسلم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن مهاجر أبي خالد حدثني أبو العالية حدثني أبو مسلم "الحديث"
-[أقرب ساعات الليل إلى الإجابة ثلث الليل الآخر]-
أفضل؟ قال أبو ذرٍ سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كما سألتني يشك عوفٌ (1) فقال جوف الليل الغابر أو نصف الليل، وقليلٌ فاعله
(1001)
عن عمرو بن عبسة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة الليل مثنى مثنى، وجوف الليل الآخر أجوبه دعوةً، قلت أوجبه؟ قال لا بل أجوبه، يعني بذلك الإجابة
(1002)
عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة يضحك الله إليهم (2) الرجل إذا قام من الليل يصلى (3) والقوم إذا صُفوا (4)
(غريبه)(1) يعني أن عوفًا أحد الرواة هو الذي شك في قوله جوف الليل الغابر أو نصف الليل (وجوف الليل) ثلثه (والغابر) الباقي أي ثلثه الآخر وهو الجزء الخامس من أسداس الليل، ولفظ الغابر يطلق على الماضي والباقي، لأنه من الأضداد، والمعروف الكثير أن الغابر الباقي؛ وهو المراد هنا كما يستفاد من الحديث الآتي "وجوف الليل الآخر أجوبه"(تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد.
(1001)
عن عمرو بن عبسة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو اليمان قال ثنا أبو بكر بن عبد الله عن حبيب بن عبيد عن عمرو بن عبسة "الحديث"(تخريجه)(طب) وابن نصر، ورواه ابن خزيمة في صحيحه والترمذي وهذا لفظه عن عمرو بن عبسة رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن" قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب
(1002)
عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا على بن عبد الله ثنا هشيم قال مجالد أنا عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري "الحديث"(غربيه)(2) أي يقبل عليهم برحمته ويرضى عن فعلهم (3) أي نقلًا وهو التهجد (4) يصح فيه وفيما بعده أن يبني للفاعل والمفعول، والمراد تسوية الصفوف عند إقامة الصلاة
-[صلاة نبي الله داود صلى الله عليه وسلم]-
للصلاة والقوم إذا صفوا للقتال (1)
(1003)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان يصوم نصف الدهر (2) وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان يرقد شطر الليل ثم يقوم ثم يرقد آخره (3) يقوم ثلث الليل بعد شطره (3)
على نظام واحد بدون خلل فيا كما أمروا به، وسيأتي الكلام على ذلك في أبواب صلاة الجماعة إن شاء الله (1) أي لقتال الكفار بقصد إعلاء كلمة الله (تخريجه)(عل) وأورده الحافظ السيوطي في الجامع الصغير وعزاه للإمام أحمد وأبو يعلى ورمز له بالصحة
(1003)
عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن بكر وعبد الرزاق قالا ثنا ابن جريح وروح قال أنا جريح أخبرني عمرو بن دينار أن عمرو بن أوس أخبره عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحب الصيام "الحديث"(غريبه)(2) يعني كان يصوم يومًا ويفطر يومًا كما صرح بذلك في رواية الشيخين وغيرهما والأمام أحمد أيضًا في غير هذا الموضع؛ وإنما كان أحب الصيام لأنه أشد على النفس فإنه لا يعتاد الصيام ولا الفطر، وظاهره أنه أفضل من صيام يومين وفطر يوم، ومن صيام الدهر وهو الراجح (3) المعنى أنه كان يرقد نصف الليل الأول ثم يقوم ثلثه بعد النصف ثم يرقد آخره يعني السدس الباقي، وقد جاء مصرحًا بذلك في رواية عند الشيخين "كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه"(4) الظاهر أن جملة "يقوم ثلث الليل بعد شطره" مدرجة من كلام عمرو بن أوس الراوي عن عبد الله بن عمرو يفسر بها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ثم يقوم ثم يرقد لأنه لم يبين فيه مقدار القيام ولا الرقاد، ويؤيد ذلك ما في رواية عند مسلم من طريق ابن جريح عن عمرو بن دينار بلفظ حديث الباب وفي آخرها قال ابن جريح قلت لعمرو بن دينار أعمرو بن أوس كان يقول يقوم ثلث الليل بعد شطره؟ قال نعم (فإن قيل) إن عمرو بن أوس لم يفسر إلا مقدار القيام بالثلث فما مقدار الرقاد بعد ذلك (فالجواب) أنه إذا فسر القيام بالثلث فيكو مقدار الرقاد بعد ذلك السدس، وهذا يوافق رواية الشيخين التي ذكرناها آنفًا، والحكمة في قيام الثلث المذكور أنه يوافق الوقت الذي ينادى فيه الرب عز وجل، هل من سائل هل من مستغفر الخ والحكمة في النوم
-[الحث على قيام الليل وتأكيد ذلك]-
(1004)
عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضى عنها قالت عليكم بقيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان لا يدعه، فإن مرض قرأ وهو قاعدٌ، وقد عرفت أن أحدكم يقول بحسبي أن أقيم ما كتب لي وأني له ذلك.
(1005)
عن عروة بن الزبير عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تنفطر (1) رجلاه، قالت عائشة يا رسول الله
أنه يستدرك ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل، وكانت هذه الطريقة أحب إلى الله تعالى من أجل الأخذ بالرفق للنفس التي يخشى منها السآمة وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يمل حتى تملوا" والله يحب أن يديم فضله ويوالي إحسانه، وإنما كان ذلك أرفق لأن النوم بعد القيام يريح البدن ويذهب ضرر السهر بخلاف السهر وذبول الجسم إلى الصباح، وفيه من المصلحة أيضًا استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبال، وأنه أقرب إلى عدم الرياء، لأن من قام بالسدس الأخير أصبح ظاهر اللون سليم القوى، فهو أقرب وأحب إلى أن يخفى عمله الماضي على من يراه، أشار إلى ذلك ابن دقيق العبد (تخريجه)(ق. والأربعة) إلا الترمذي
(1004)
عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة إلى آخره، هذا طرف من حديث طويل سيأتي بتمامه وسنده وشرحه وتخريجه في الفصل الحادي عشر من مناقب السيدة عائشة رضى الله عنها في باب ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم في القسم الثالث من كتاب السيرة النبوية، وأتيت بهذا الجزء منه هنا لما فيه من الحث على قيام الليل والاهتمام به والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حيث لم يتركه مطلقًا، حتى إن كان مريضًا أداه قاعدًا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لم يترك قيام الليل، ونحن مع ارتكابنا للذنوب وتقصيرنا في الأعمال نتقاعد عن فعله مع أننا لو صمنا النهار وقمنا الليل جميعه لم نبلغ عشر معشار ما بلغه صلى الله عليه وسلم من الدرجة والفضل، وأنى لنا ذلك؟ هذا معنى الحديث، فيجدر بنا أن نسارع ونستبق إلى قيام الليل لأننا أحوج إلى رحمة الله تعالى ومغفرته خصوصًا في هذه الأوقات الفاضلة التي يتجلى الله عز وجل فيها على عباده فيغفر للمستغفرين ويتوب على التائبين ويعطى السائلين، نسأله تعالى التوفيق والهداية إلى أقوم طريق
(1005)
عن عروة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا هارون بن معروف قال ثنا ابن وهب قال حدثني أبو ضخر عن أبي قسيط عن عروة "الحديث"(إريبه)(1) بتاءين وفي
-[شكر المنعم- وعصمة الأنبياء من الذنوب]-
أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك (1) وما تأخر؟ فقال يا عائشة أفلا (2) أكون عبدًا شكورًا
(1006)
عن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي
رواية عند الشيخين تفطر بحذف إحدى التاءين والكل جائز، والمعنى حتى تتشقق قدماه من طول القيام، وبذلك فسره البخاري في ترجمة باب قيام الليل فقال، وقالت عائشة رضى الله عنها "وقام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تفطر قدماه" والفطور الشقوق انفطرت انشقت اهـ وهذا التعليق أخرجه البخاري في التفسير مسندًا في سورة الفتح (1) قال العلماء ما ورد في القرآن والسنة من ذكر ذنب لبعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كقوله عز وجل (وعصى آدم ربه فغوى) ونحو ذلك فليس لنا أن نقول ذلك في غير القرآن والسنة حيث ورد، ويؤول ذلك على ترك الأولى، وسميت ذنوبًا لعظم مقدارهم كما قال بعضهم "حسنات الأبرار سيئات المقربين" وعلى هذا فما وجه قول من سأله من الصحابة بقوله (أتتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر)(والجواب) أن من سأله عن ذلك إنما أراد به ما وقع في سورة الفتح، ولك أن تقول دل قوله (وما تأخر) على انتفاء الذنب لأن ما لم يقع إلى الآن لا يسمى ذنبًا في الخارج، وأراد الله تأمينه بذلك لشدة خوفه حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم "إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" فأراد لو وقع منه ذنب لكان مغفورًا، ولا يلزم من فرض ذلك وقوعه والله أعلم (2) قال الحافظ الفاء في قوله "أفلا أكون" للسببية وهي عن محذوف تقديره أأترك تهجدي فلا أكون عبدًا شكورًا، والمعنى أن المغفرة سبب لكون التهجد شكرًا فكيف أتركه اهـ قال القاضي عياض رحمه الله الشكر معرفة إحسان المحسن والتحدث به، وسميت المجازاة على فعل الجميل شكرًا لأنها تتضمن الثناء عليه، وشكر العبد الله تعالى اعترافه بنعمه وثناؤه عليه وتمام مواظبته على طاعته، وأما شكر الله تعالى أفعال عباده فمجازاته إياهم عليها وتضعيف ثوابها وثناؤه بما أنعم به عليهم، فهو المعطى والمثنى سبحانه، والشكور من أسمائه سبحانه وتعالى بهذا المعنى والله أعلم اهـ (وقال العلماء) إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة الخوف لعلمهم بعظيم نعمة الله تعالى عليهم وأنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها فبذلوا مجهودهم في عبادته ليؤدوا بعض شكره (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(1006)
عن المغيرة بن شعبة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال سمعت المغيرة بن شعبة يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم
-[بول الشيطان في أذن من لم يقم من الليل]-
حتى ترم (1) قدماه (وفي رواية قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه) فقيل له أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال أفلا أكون عبدًا شكورًا
(1007)
عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن فلانًا نام البارحة ولم يصل شيئًا حتى أصبح فقال بال الشيطان في أذنه قال (1) يونس وقال الحسن إن بوله والله ثقيلٌ
"الحديث"(غريبه)(1) كلمة حتى للغاية ومعناه إلى أن ترم، ولفظة ترم منصوبة بأن المقدرة وهو بفتح التاء المثناة من فوق، فعل مضارع للمؤنث، وماضيه ورم وهو من باب فعل يفعل بالكسر فيهما، تقول ورم يرم ورمًا، ومعنى ورم انتفخ، وأصل ترم تورم فحذفت الواو منه كما حذفت من يعد ويمق ونحوهما في كل ما جاء في هذا الباب، وهو قليل لا يدخل في دعائم الأبواب (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(1007)
عن يونس عن الحسن (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة "الحديث"(غريبه)(2) العلم بحقيقة المراد من بول الشيطان موكول إلى علم الشارع، ولا مانع من حمله على الحقيقة، فإنه قد نسب الأكل والشرب والقيء والصراط ونحوها إلى الشيطان فلم يمتنع البول أيضًا، وقد يؤول بتأويلات مناسبة، منها أن المراد أن الشيطان ملأ سمعه من الكلام الباطل وبأحاديث اللغو فأحدث ذلك في أذنه وقرًا عن استماعه دعوة الحق، قال التوربشتي وقيل ذلك كناية عن الاستخفاف والإهانة فإن من عادة من استخف بالشيء أن يبول عليه اهـ وقال الطيبي خص الأذن بالذكر وإن كانت العين أنسب بالنوم إشارة إلى ثقل النوم، فإن المسامع هي موارد الانتباه، وخص البول لأنه أسهل مدخلًا في التجاويف وأسرع نفوذًا في العروق فيورث الكسل في جميع الأعضاء اهـ وروى محمد بن نصر من طريق قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود "حسب الرجل من الخيبة والشر أن ينام حتى يصبح وقد بال الشيطان في أذنه" وهو موقوف صحيح الإسناد قاله الحافظ (تخريجه) لم أقف على من أخرجه عن أبي هريرة غير الإمام أحمد، وأخرجه الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن مسعود بنحو حديث الباب
-[حث الرجل أهله وذويه على صلاة الليل]-
(1008)
عن علي بن حسين عن أبيه عن جده على بن أبي طالب رضى الله عنه قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى فاطمة رضى الله عنها من الليل (وفي رواية وذلك من السحر) فأيقظنا للصلاة، قال ثم جع إلى بيته فصلى هويًا (1) من الليل قال فلم يسمع لنا حسًا، قال فرجع إلينا فأيقظنا وقال قومًا فصليا، قال فجلست وأنا أعرك عيني وأقول إنا والله ما نصلي إلا ما كتب لنا. إنما أنفسنا بيد الله. فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا (2) قال فولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ويضرب على فخذه، ما نصلى إلا ما كتب لنا، ما نصلى إلا ما كتب لنا، وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلًا (3)
(1009)
عن عبد الله بن عمرو (بن العاص) رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا عبد الله لا تكونن مثل فلان (4) كان يقوم
(1008) عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبي يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن محمد بن مسلم ابن عبيد الله بن شهاب عن على بن حسين الخ (غريبه)(1) الهوى بالفتح الحين الطويل من الزمان وقيل هو مختص بالليل (نه)(2) يريد بذلك الاعتذار عن عدم القيام وأن النائم غير مكلف، فإن روحه بيد الله سبحانه وتعالى، فإن أراد الله سبحانه وتعالى، فإن أراد الله إيقاظه أيقظه (3) قال النووي المختار في معناه أنه تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار بهذا، ولهذا ضرب فخذه، وقيل قاله تسليمًا لعذرهما وأنه لا عتب عليهما، وفي هذا الحديث الحث على صلاة الليل وأمر الإنسان صاحبه بها، وتعهد الإمام والكبير رعيته بالنظر في مصالح دينهم ودنياهم، وأنه ينبغي للناصح إذا لم تقبل نصيحته أو اعتذر إليه بما لا يرتضيه أن ينكف ولا يعنف إلا لمصلحة اهـ (تخريجه)(ق. هق)
(1009)
عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا أبو معاوية وابن مبارك عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو "لحديث"(غريبه)(4) قال الحافظ في الفتح
-[عقد الشيطان على رأس من لم يصل بالليل]-
الليل فترك قيام الليل (1)
(1010)
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام أحدكم عقد (2) على رأسه ثلاث عقد بجريرٍ (3) فإن قام فذكر الله عز وجل أطلقت واحدةٌ، وإن مضى فتوضأ أطلقت الثانية، فإن مضى فصلى أطلقت الثالثة، فإن أصبح ولم يقم شيئًا من الليل ولم يصل أصبح وهو عليه، يعني
لم أقف على تسميته في شيء من الطرق (1) أي لا عن عذر بل رفاهية فلم يكن من الموفين بعهدهم إذا عاهدوا، وفيه جواز ذكر الشخص بما فيه من عيب إذا قصد بذلك التحذير من صنيع، وفيه دليل على أن قيام الليل ليس بواجب، إذ لو كان واجبًا لم يكتف لتاركه بهذا القدر، وفيه الدوام على ما اعتاده المرء من الخير وكراهية قطع العبادة وإن لم تكن واجبة (تخريجه)(ق. نس. حب)
(1010)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة "الحديث"(غريبه)(2) عقد مبني لما لم يسم فاعله، والفاعل هو الشيطان كما صرح بذلك في رواية الشيخين عن أبي هريرة أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) قال الحافظ والمراد بالشيطان الجنس وفاعل ذلك هو القرين أو غيره، ويحتمل أن يراد به رأس الشياطين وهو إبليس، وتجوز نسبة ذلك إليه لكونه الآمر به الداعي إليه، ولذلك أورده البخاري في صفة إبليس من بدء الخلق اهـ (قلت) وقد اختلف في هذه العقد فقال بعضهم هو على الحقيقة وأنه كما يعقد الساحر من يسحره، وقال البعض هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور، فكما أن الساحر يمنع بعقدة تصرف من يحاول عقده كان هذا مثله من الشيطان، وكيد الشيطان يحتمل كلا الشقين بحسب المواقع لأنه قال (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم الآية)(3) الجرير بفتح الجيم، قال في النهاية حبل من أدمٍ نحو الزمام، ويطلق على غير من الحبال المضفورة، ومنه الحدي (ما من عبد ينام بالليل إلا على رأسه جرير معقود) اهـ
-[عقد الشيطان على رأس من لم يصل بالليل]-
الجرير (1)(وفي لفظٍ) وإن هو بات ولم يذكر الله عز وجل ولم يتوضأ ولم يصل حتى يصبح أصبح وعليه العقد جميعًا
(1011)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ذكر ولا أنثى إلا وعلى رأسه جريرٌ معقودٌ ثلاث عقدٍ حين يرقد، فإذا استيقظ فذكر الله تعالى (2) انحلت عقدةٌ، فإذا قام فتوضأ انحلت عقدةٌ، فإذا قام إلى الصلاة انحلت عقده كلها
(1) المعنى أن من جمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيث النفس كسلان، فإن ذكر الله تعالى مقتصرًا على الذكر كان له ثواب الذكر لا غير، فإن توضأ كان له ثواب الذكر والوضوء وهكذا، قال ابن عبد البر هذا الذم يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعًا، أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو إلى النافلة فغلبته عينه فنام فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته، ونومه عليه صدقه اهـ (تخريجه)(ق. لك. والأربعة وغيرهم)
(1011)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر "الحديث"(غريبه)(2) جاء في بعض روايات الحديث التصريح بالذكر وهو أن يسبح الله تعالى ويحمده ويهلله ويكبره؛ فإن قال عند تيقظه من النوم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فقد أتى بالمطلوب (تخريجه) أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما ورجاله رجال الصحيح (وفي الباب "وفي كتاب الثواب" لآدم بن أبي إياس العسقلاني من حديث الربيع بن صبيح عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من عبد ينام إلا وعلى رأسه ثلاث عقد، فإن هو تعار من الليل فسبح الله وحمده وهلله وكبره حلت عقده، وإن عزم الله له فقام وتوضأ وصلى ركعتين حلت العقد كلها، وإن لم يفعل شيئًا من ذلك حتى يصبح أصبح والعقد كلها كما هي (الأحكام) أحاديث الباب تدل على فضل قيام الليل وتأكد استحبابه والحث عليه ومشروعية الاستكثار من الصلاة فيه وأن تكون مثنى مثنى لورود الأحاديث الصحيحة بذلك، وأفضل أوقاته الثلث الأخير لأنه وقت الغفلات ونزول الرحمات واستجابة الدعوات
-[ما يقال من الأذكار في صلاة الليل]-
(2)
باب ما جاء في أذكاره صلى الله عليه وسلم وقراءته ودعواته في صلاة الليل
(1012)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفرٍ ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة رجلٍ من الأنصار عن رجلٍ من عبسٍ (1) عن حذيفة أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما دخل في الصلاة قال الله أكبر ذو الملكوت (2) والجبروت والكبرياء والعظمة، قال ثم قرأ البقرة (3) ثم ركع وكان ركوعه نحوًا من قيامه (4) وكان يقول سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه فكان قيامه نحوًا من ركوعه، وكان يقول لربي أحمد لربي الحمد (5) ثم سجد فكان سجوده نحوًا من قيامه، وكان يقول سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه فكان ما بين السجدتين نحوًا من السجود، وكان يقول رب اغفر لي رب اغفر لي، قال حتى قرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام (6) شعبة الذي يشك في المائدة والأنعام (ومن طريق ثانٍ)(7) قال
اللهم وفقنا لذلك، وارزقنا الفوز بما هنالك آمين
(1012)
حدثنا عبد الله (غريبه)(1) بفتح العين المهملة بعدها باء موحدة ساكنة، قال الحافظ في التقريب كأنه صلة بن زفر، وهو ثقة احتج به البخاري ومسلم (2) مبالغة في الملك كالجبروت مبالغة في الجبر بمعنى القهر والغلبة (3) أي بعد الفاتحة في الركعة الأولى (4) أي قريبًا منه (5) لعله كان يقول ذلك بعد أن يقول سمع الله لمن حمده حال رفعه من الركوع (6) أي في أربع ركعات كما صرح بذلك في رواية أبي داود ولفظه (فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام شك شعبة) وفي حديث الباب شعبة الذي يشك في المائدة والأنعام، يعني هل قرأ بعد النساء المائدة أو الأنعام؟ واستظهر بعض العلماء الأول مراعاة للترتيب والله أعلم (7)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا زائدة عن عبد الملك بن عمير حدثني
-[القراءة في صلاة الليل بالسبع الطول]-
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة لأصلى بصلاته فافتتح فقرأ قراءة ليست بالخفية ولا بالرفيعة (1) قراءة حسنةً يرتل فيها يسمعنا، قال ثم ركع نحوًا من قيامه، (فذكر الحديث بنحو ما تقدم وفيه) قال عبد الملك بن عمير (2) هو تطوع الليل (ومن طريق ثالثٍ)(3) قال قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ السبع الطول (4) في سبع ركعاتٍ وكان إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده، ثم قال الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، وكان ركوعه مثل قيامه، وسجوده مثل ركوعه، فانصرف وقد كادت تنكسر رجلاي (5)
ابن أخي حذيفة عن حذيفة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(1) أي ليست بالسر ولا بالجهر، بل بين بين بحيث يسمع من وراءه (2) يعني المتقدم ذكره في السند، قال إن ذلك كان في صلاة التطوع بالليل لا في الصلاة المكتوبة (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سريج بن النعمان ثنا حماد عن عبد الله بن عمير حدثني ابن عم لحذيفة عن حذيفة قال قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(4) بضم الطاء بوزن عمر جمع الطولى مثل الكبر في الكُبرى وهذا البناء يلزمه الألف واللام والإضافة، والسبع الطول هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والتوبة (وقوله في سبع ركعات) أي كل سورة في ركعة، وهذا يخالف ما في الطريق الأولى، ففيها أنه قرأ أربع سور فقط، وبينت رواية أبي داود أنها كانت في أربع ركعات، والظاهر والله أعلم أن الواقعة تعددت، وأن ذلك كان في مرة أخرى والله أعلم (5) أي من طول القيام، ولا يقال إن هذا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم "من أم بالناس فليخفف " فذاك خاص بالمكتوبة، وأما التطوع فلا ضرورة تلجئ إلى الاقتداء فيه، بل له أن يصلى منفردًا، وهو الذي اختار الاقتداء فيلزمه متابعة الإمام، وفيه أنه ينبغي الأدب مع الأئمة والكبار وأن لا يخالفوا بفعل ولا قول ما لم يكن حرامًا، قال النووي واتفق العلماء على أنه إذا شق على المقتدي في فريضة أو نافلة القيام وعجز عنه جاز له القعود اهـ وفيه جواز الاقتداء في غير المكتوبات، وفيه استحباب تطويل صلاة الليل (تخريجه)(د. نس) وإسناد طرقه جيد، ورواه مسلم بلفظ آخر عن حذيفة "قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة، ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى، فقلت يركع بها،
-[ما يقال عند افتتاح صلاة الليل]-
(1013)
عن ربيعة الجرشي قال سألت عائشة فقلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من الليل وبم كان يستفتح؟ قالت كان يكبر عشرًا ويسبح عشرًا ويهلل عشرًا ويستغفر عشرًا، ويقول اللهم اغفر لي واهدني وارزقني عشرًا، ويقول اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب عشرًا
(1014)
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال سألت عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها بأي شيءٍ كان رسل الله صلى الله عليه وسم يفتتح الصلاة إذا قام من الليل؟ قال كان إذا قام كبر ويقول اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل (1) فاطر السموات والأرض (2) عالم الغيب والشهادة
ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح صيح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فكان يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبًا من قيامه اهـ وفي الحديث دليل لمن يقول إن ترتيب السور باجتهاد المسلمين وهو قول مالك وجمهور العلماء، ومن قال بالتوقيف قال إن ذلك كان قبله، ولا خلاف أنه يجوز للمصلى أن يقرأ في الركعة الثانية سورة قبل التي قرأها في الأولى، أفاده القاضي عياض
(1013)
عن ربيعة الجرشي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد قال أنا الأصبغ عن ثور بن يزيد عن خالد بن صعدان قال حدثني ربيعة الجرشي "الحديث"(تخريجه)(نس. وغيره) وسنده جيد
(1014)
عن يحيى بن أبي كثير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا قراد أبو نوح أنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير الخ (غريبه)(1) قال العلماء خصهم بالذكر وإن كان الله تعالى رب كل المخلوقات كما تقرر في القرآن والسنة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم الرتبة وكبير الشأن دون ما يستحقر ويستصغر، فيقال له سبحانه وتعالى رب السموات والأرض، رب العرش الكريم رب كل شيء، فكل ذلك وشبهه وصف له سبحانه بدلائل العظمة وعظيم القدرة والملك، ولم يستعمل ذلك فيما يحتقر ويستصغر، فلا يقارب رب الحشرات وخالق القردة والخنازير وشبه ذلك على الأفراد، وإنما يقال خالق المخلوقات وخالق كل شيء، وحينئذ تدخل هذه في العموم والله أعلم أفاده النووي م (2) أي خالقهما
-[ما يقال من الأذكار والتعوذات عند قيام الليل]-
أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلفت فيه (1) من الحق بإذنك إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم، قال يحيى قال أبو سلمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، من همزه ونفثه ونفخه، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، قالوا يا رسول الله وما همزه ونفخه ونفثه؟ قال أما همزه فهذه الموتة (2) التي تأخذ بنى آدم، وأما نفخه فالكبر، وأما نفثه فالشعر
(1015)
عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل يقول اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض (3) ولك الحمد، أنت قيام السموات والأرض (4) ولك الحمد، أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق وقولك الحق وعدك الحق ولقاؤك حق (5)
(1) معناه ثبتني عليه كقوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم (2) الموتة بضم الميم يعني الصرع كما في رواية وتقدم الكلام على ذلك في باب دعاء الافتتاح والتعوذ قبل القراءة (تخريجه) أخرج الجزء الأول منه مسلم إلى قوله إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم، وأخرج الجزء الباقي منه (د. نس. مذ) والإمام أحمد موصولًا عن أبي سعيد وتقدم في باب دعاء الافتتاح والتعوذ قبل القراءة فارجع إليه، وروى الإمام أحمد أيضًا نحوه عن جبير ابن مطعم وتقدم في الباب المذكور
(1015)
عن ابن عباس رضى الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا إسحاق قال أنا مالك عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(3) أي منورهما (4) في رواية قيوم وفي أخرى قيم ومعناه القائم بأمور الخلق (5) أي الإقرار بالبعث بعد الموت، وقيل معنى لقاؤك حق أي الموت، وأبطله النووي، واللقاء وما ذكر بعده من أمور الآخرة داخل تحت الوعد (وقوله والساعة حق) أي القيامة
-[ما يقال من الأذكار عند قيام الليل]-
والجنة حق والنار حق والساعة حقٌ، اللهم لك أسلمت (1) وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت الذي لا إله إلا أنت
(1016)
عن رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رمق (2) النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي فجعل يقول في صلاته اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي فيما رزقتني
لابد من كونها وأنها مما يجب أن يصدق بها، وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد (1) معنى أسلمت استسلمت واُنقدت لأمرك ونهيك (وبك آمنت) أي صدقت بك وبكل ما أخبرت وأمرت ونهيت (وإليك أنبت) أي أطلعت ورجعت إلى عبادتك أي أقبلت عليها، وقيل معناه رجعت إليك في تدبيري أي فوضت إليك (وبك خاصمت) أي بما أعطيتني من البراهين والقوة خاصمت من عاند فيك وكفر بك وقمعته بالحجة وبالسيف (وإليك حاكمت) أي كل من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحاكم بيني وبينه لا غيرك مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم وكاهن ونار وشيطان وغيرها، فلا أرضى إلا بحكمك ولا أعتمد غيره، ومعنى سؤاله صلى الله عليه وسلم المغفرة مع أنه مغفور له أنه سأل ذلك تواضعًا وخضوعًا وإشفاقًا وإجلالًا، وليقتدى به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع في هذا الدعاء المعين، وفي هذا الحديث وغيره مواظبته صلى الله عليه وسلم في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف لله تعالى بحقوقه والإقرار بصدقه ووعده ووعيده والبعث والجنة والنار وغير ذلك قاله النووي م (تخريجه)(ق. والأربعة وغيرهم)
(1016)
عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج قال ثنا شعبة عن أبي مسعود الجريري قال سمعت عبيد الله بن القعقاع يحدث رجلًا من بني حنظلة قال رمق رجل النبي صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(2) قال في المصباح زمقه بعينه رمقًا من باب قتل أطال النظر إليه (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وفي إسناده أبو مسعود الجريري، قال الحسين مجهول، قال الحافظ في تعجيل المنفعة وهو عجيب منه، فإن هذا من مشاهير الرواة وهو الجريري بضم الجيم اسمه سعيد بن إياس (قلت) سعيد بن إياس من رجال الكتب الستة، وفيه أيضًا عبيدًا وحميد بن القعقاع اختلف في اسمه ولا يعرف حاله، قال الحافظ وله شاهد من حديث أبي موسى في الدعاء عند الطبراني
-[الجهر والإسرار بالقراءة في صلاة الليل]-
(1017)
عن عبد الله بن أبي قيس قال سألت عائشة كيف كان نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنابة أيغتسل قبل أن ينام؟ فقالت كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام (1) وربما توضأ فنام، قال قلت لها كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الليل أيجهز أم يسر؟ قالت كل ذلك قد كان يفعل، وربما جهر وربما أسر (2)
(1018)
عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بدن (3) وثقل يقرأ ما شاء الله عز وجل وهو جالس فإذا غبر (4) من السورة ثلاثون أو أربعون آية قام فقرأها ثم سجد
(1017) عن عبد الله بن أبي قيس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن عن معاوية عن عبد الله بن أبي قيس "الحديث"(غريبه)(1) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتصر على الوضوء في بعض الأحيان لبيان الجواز ولعدم الحرج على أمته، وتقدم الكلام على ذلك في الفصل الثالث من الباب الثلث عشر من أبواب الغسل من الجنابة (2) فيه جواز الجهر والأسرار في صلاة الليل، والأفضل التوسط، وقد جاء مصرحًا بذلك في بعض الروايات الصحيحة (تخريجه) رواه الأربعة وصححه الترمذي ورجاله رجال الصحيح
(1018)
عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا هشام ثنا عروة عن أبيه عن عائشة "الحديث"(غريبه)(3) قال في المختار بدن تبدينا أسن؛ وفي الحديث "إني قد بدنت فلا تبادروني بالركوع والسجود" اهـ وقال أبو عبيد روى في الحديث بدنت يعنى بالتخفيف من البدانة وهي كثرة اللحم ولم يكن صلى الله عليه وسلم سمينا (قال) وقد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم في حديث ابن أبي هالة بادن متماسك والبادن الصخم، فلما قال بادن أردفه بتماسك وهو الذي يمسك بعض أعضاءه بعضًا فهو معتدل الخلق اهـ (4) أى بقى كما في رواية أخرى عند الإمام أحمد عن عائشة أيضًا فإذا بقى عليه من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم، وسيأتي في باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعدًا (تخريجه)(ق. نس. جه)
-[أحكام الباب السابق وكلام العلماء في ذلك]-
(1019)
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن (1) على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع
(3)
باب ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما
في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الليل
(1020)
عن كريب مولى ابن عباس أن ابن عباس رضي الله عنهما
(1019) عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق بن همام ثنا معمر عن همام عن أبي هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أي ينطق به لسانه لغلبة النعاس فصار كأن به عجمة (فليضطجع) أي فليتم حتى يذهب عنه النعاس لئلا يغير شيئًا من كلام الله تعالى، وكذا الحكم إذا قرأ خارج الصلاة وغلبه النوم (تخريجه)(م. د. مذ. جه. هق)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشرعية الأذكار الواردة فيها واستحباب الأتيان بها ولم يخالف في ذلك أحدٍ فيما أعلم (وفيها أيضًا) استحباب تطويل صلاة الليل، واحتج بها من قال إن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود، وتقدم الكلام على ذلك في الباب السادس من أول كتاب الصلاة، وفيها أن الجهر والإسرار جائزان في قراءة صلاة الليل، وأكثر الأحاديث تدل على أن المستحب في القراءة في صلاة الليل التوسط بين الجهر والإسرار (وفيها) جواز الاقتداء في غير المكتوبات (وفيها) جواز بعض الركعة الواحدة من قعود وبعضها من قيام في صلاة النفل، وبذلك قال الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وكثير من العلماء وقالوا سواء أقعد ثم قام أم قام ثم قعد (قال النووي) رحمه الله حكى القاضي عن أبي يوسف ومحمد كراهة القعود بعد القيام؛ ولو نرى القيام ثم أراد أن يجلس جاز عندنا وعند الجمهور؛ وجوزه من المالكية ابن القاسم ومنعه أشهب (وفيها أيضًا) دليل على استحباب قطع الصلاة عند غلبة النوم على المصلى حتى يذهب عنه النوم سواء أكان يصلى فرضًا أم نفلًا في ليل أو نهار، لكن محله في الفرض إذا لم يخش خروج وقته، وحمله مالك وجماعة على خصوص نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا (وفيها أيضًا) الحث على طلب الخشوع وحضور القلب في العبادة لأن الناعس لا يحضر قلبه والخشوع لا يكون إلا بحضور القلب، وفيها غير ذلك والله أعلم
(1020)
عن كريب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على
-[وقت صلاة الليل- ومن صلاها ثلاث عشرة ركعة]-
أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته قال فاضطجعت في عرض (1) الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟؟؟؟ إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده (2) ثم قرأ العشر الآيات خواتيم سورة آل عمران (3) ثم قام إلى شنٍ معلقةٍ (4) فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلى، قال ابن عباس فقمت فصنعت مثل الذي صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه وضع يده على رأسي وأخذ أذني اليمنى فقتلها (1) فصلى ركعتين ثم ركعتين
عبد الرحمن عن مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) بفتح العين قال النووي هكذا ضبطناه وهكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين، قال رواه الداودي بالضم وهو الجانب، والصحيح الفتح، والمراد بالوسادة الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤوس، ونقل القاضي عن الباجي والأصيل وغيرهما أن الوسادة هنا الفراش لقوله اضطجع في طولها وهذا ضعيف أو باطل، وفيه دليل على جواز نوم الرجل مع امرأته من غير مواقعة بحضرة بعض مجارمها وإن كان مميزًا، قال القاضي وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث قال ابن عباس "بت عند خالتي ميمونة في ليلة كانت فيها حائضًا" قال وهذه الكملة وإن لم تصح طريقًا فهي حسنة المعنى جدًا، إذ لم يكن ابن عباس يطلب المبيت في ليلة النبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة إلى أهله لأنه معلوم أن لا يفعل حاجته مع حضرة ابن عباس معهما في الوسادة مع أنه كان مراقبًا لأفعال النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم ينم أو نام قليلًا (2) معناه فجعل يمسح أثر النوم وفيه استحباب هذا واستعمال المجاز (3) فيه جواز القراءة للمحدث (قال النووي) وهذا إجماع للمسلمين، وإنما تحرم القراءة على الجنب والحائض، وفيه استحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم، وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة البقرة وسورة النساء ونحوها، وكرهه بعض المتقدمين، وقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران والتي يذكر فيها البقرة والصواب الأول، وبه قال عامة العلماء من السلف والخلف وتظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة ولا لبس في ذلك (4) بفتح الشين وإنما أنثها على إرادة القربة، وفي رواية عند مسلم شن معلق على إرادة المقاء والوعاء، قال أهل اللغة الشن القربة الخلق وجمعه شنان (5) إنما فتلها تنبيهًا له من النعاس
-[جواز التهجد بتسع ركعات]-
ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح (1)
(1021)
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بت عند خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم جاء فصلى أربعًا (2) ثم نام ثم قام فصلى أربعًا؛ قال نام الغليم (3) أو كلمة نحوها، قال فجئت فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه (4) ثم صلى خمس ركعات ثم ركعتين (5) ثم نام حتى سمعت غطيطه (6) أو خطيطه ثم خرج إلى الصلاة (7)
وقيل ليتنبه لهيئة الصلاة وموقف المأموم (1) قال النووى رحمه الله فيه أن الأفضل في الوتر وغيره من الصلوات أن يسلم من كل ركعتين وإن أوتر يكون آخره ركعة مفصولة، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة ركعة موصولة بركعتين كالمغرب، وفيه جواز إتيان المؤذن إلى الإمام ليخرج إلى الصلاة؛ وتخفيف سنة الفجر، وإن الإتيان بثلاث عشرة ركعة أكمل وفيه خلاف لأصحابنا، قال بعضهم أكثر الوتر ثلاث عشرة ركعة لظاهر هذا الحديث، وقال أكثرهم أكثره إحدى عشرة وتأولوا حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى منها ركعتي سنة العشاء، وهو تأويل ضعيف مباعد للحديث اهـ (تخريجه)(ق. وغيرهما)
(1021)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين ثنا شعبة عن الحكم عن ابن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بت عند خالتي ميمونة "الحديث"(غريبه)(2) هي سنة العشاء (3) تصغير غلام يعني ابن عباس رضى الله عنهما لأنه كان صغيرًا لم يبلغ الحلم (4) أي لأن السنة أن يقف الواحد عن يمين الإمام والاثنان وما فوقهما وراءه، وقوله خمس ركعات هي الوتر، وعلى هذا فمجموع ما صلى في الليل بعد نومه سبع ركعات في تلك الليلة، والظاهر أنه كان يفعل ذلك في بعض الأحيان، ويستأنس لذلك بما رواه البخاري عن مسروق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم باليل فقالت "سبع وتسع وإحدى عشرة ركعة سوى ركعتي الفجر"(5) هما ركعتا الفجر أي سنة الصبح (6) قال في المصباح غط النائم يغط غطيطًا أيضًا تردد نفسه صاعدًا إلى حلقه حتى يسمعه من حوله (وقوله أو خطيطه) شك من الراوي، قال في النهاية الخطيط قريب من الغطيط وهو صوت النائم والخاء والعين متقاربتان اهـ (7) أي صلاة الصبح ولم يحدث
-[ما يفعل من قام من النوم يريد التهجد]-
(1022)
وعنه أيضًا قال بت عند خالتي ميمونة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأتى حاجته (1) ثم غسل وجهه ويديه (2) ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها (3) ثم توضأ وضوءًا بين الوضوءين لم يكثر وقد أبلغ، ثم قام فصلى فقمت فتمطأت (4) كراهية أن يرى أني كنت أرتقبه، فتوضأت فقام يصلى فقمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه (5) فتتامت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة فقام فصلى ولم يتوضأ، وكان يقول في دعائه اللهم اجعل في قلبي نورًا (6) وفي بصري نورًا، وفي سمعي نورًا، وعن يساري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، ومن أمامي نورًا، ومن خلفي نورًا، وأعظم لي نورًا، قال كريب (7) وسبعٌ في التابوت، قال فلقيت بعض
وضوءًا لأن وضوءه صلى الله عليه وسلم لا ينتقض بالنوم وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه، فلو خرج منه حدث لأحس به بخلاف غيره، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في الباب الثالث من أبواب نواقض الوضوء (تخريجه)(خ. نس. هق) والطحاوي من عدة طرق
(1022)
وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن عن سفيان عن سلمة عن كريب عن ابن عباس رضى الله عنهما قال بت عند خالتي ميمونة "الحديث"(غريبه)(1) يعني الحدث (2) هذا الغسل للتنظيف والتنشيط للذكر وغيره (3) بكسر الشين المعجمة وتخفيف النون والقاف خيط يشد به فم القربة وهو الوكاء، وقيل هو الخيط الذي تربط به في الوتد (4) في رواية مسلم فتمطيت ومعناه تأخرت وتمددت من التمطي وهو مد اليدين في المشي قاله صاحب مجمع البحار (5) فيه أن موقف المأمور الواحد يكون عن يمين الإمام كما تقدم، وأنه إذا وقف عن يساره حوله الإمام إلى يمينه، وأن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن صلاة الصبي صحيحة، وأن الجماعة في غير المكتوبات صحيحة (6) قال النووي قال العلماء قال النووي سأل النور في أعضائه وجهاته، والمراد به بيان الحق وضياؤه والهداية إليه، فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها عنه (7) هو مولى ابن عباس والراوي
-[ما يفعل من قام للتهجد قبل وقته المعتاد]-
ولد العباس فحدثني بهن فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري قال وذكر خصلتين
(1023)
عن عكرمة بن خالد المخزومي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال أتيت خالتي ميمونة بنت الحارث فبت عندها فوجدت ليلتها تلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم دخل بيته فوضع رأسه على وسادةٍ من أدمٍ (1) حشوها ليفٌ، فجئت فوضعت رأسي على ناحية منها، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر فإذا عليه ليلٌ (2) فسبح وكبر حتى نام ثم استيقظ وقد ذهب شطر الليل أو قال ثلثاه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى حاجته ثم جاء إلى قربة على شجبٍ (3) فيها ماء فمضمض ثلاثًا واستنشق ثلاثًا وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا ثلاثا، ومسح برأسه وأذنيه، ثم غسل قدميه، قال يزيد حسبته قال ثلاثًا ثلاثًا، ثم أتى مصلاة فقمت وصنعت كما صنع، ثم جئت فقمت عن يساره وأنا أريد أن أصلي بصلاه، فأمهل رسول الله
عنه هذا الحديث (وقوله وسبع في التابوت) قال العلماء معناه وذكر في الدعاء سبعًا أي سبع كلمات نسيتها، قالوا والمراد بالتابوت الأضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيهًا بالتابوت الذي كالصندوق فيه المتاع، أي وسبعًا في قلبي ولكن نسيتها وقوله (فلقيت بعض ولد العباس) القائل لقيت هو سلمة بن كهيل الراوي عن كريب (وقوله فحدثني بهن) أي بالخصال السبعة المشار إليها فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشرى، قال وذكر خصلتين، يعني السادسة والسابعة، ولم يصرح بهما الراوي فيحتمل أنه نسيهما والله أعلم (تخريجه)(ق والأربعة)
(1023)
عن عكرمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا عباد ابن منصور عن عكرمة "الحديث"(غريبه)(1) الوسادة بكسر الواو المخدة التي توضع تحت الرأس عند النوم (وقوله من أدمٍ) أي من جلد مدبوغ (2) أي فإذا وقت نومه صلى الله عليه وسلم من الليل باق ولم يحن وقت التهجد (3) بفتح الشين المعجمة وإسكان الجيم
-[عدم نقض الوضوء بالنوم كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم]-
صلى الله عليه وسلم حتى إذا عرف أني أريد أن أصلي بصلاته لفت يمينه فأخذ بأذني فأدارني حتى أقامني عن يمينه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى أن عليه ليلًا (1) ركعتين، فلما ظن أن الفجر قد دنا قام فصلى ست ركعات أوتر بالسابعة، حتى إذا ضاء الفجر قام فصلى ركعتين، ثم وضع جنبه فنام حتى سمعت فخيخه (2) ثم جاءه بلالٌ فآذنه بالصلاة فخرج فصلى وما مس ماء، فقلت لسعيد بن جبير ما أحسن هذا (3) فقال سعيد بن جبير أما والله لقد قلت ذاك لابن عباس فقال مه (4) إنها ليست لك ولا لأصحابك، إنها لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، إنه كان يحفظ
(1024)
عن ابن عباس رضى الله عنهما حدث أنه بات عند نبي الله صلى الله عليه سلم ذات ليلة فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من الليل فخرج فنظر في السماء (5) ثم تلا
هي الأعواد التي تعلق عليها القربة ويطلق أيضًا على السقاء الخلق، ومنه رواية مسلم "ثم عمد إلى شجب من ماء فتسوك وتوضأ "الحديث" (1) أي المدة الباقية من الليل يسلم من كل ركعتين إلى قبيل الفجر (2) أي غطيطه وتقدم معنى الغطيط في الكلام على الحديث الثاني من أحاديث الباب (3) القائل ما أحسن هذا هو عكرمة، يعني أنه استحسن عدم نقض الوضوء بالنوم (4) اسم فعل أمر بمعنى اكفف يعني أن ابن عباس قال لسعيد بن جبير اكفف عن هذا، إن عدم نقض الوضوء بالنوم من خصوصيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه كان يحفظ، يعني أن الله تعالى كان يحفظه من النقض بسبب النوم، لأنه صلى الله عليه وسلم، وإن نامت عيناه فلا ينام قلبه وقد جاء ذلك مصرحًا به في حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة عند الشيخين وغيرهما قالت "فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" (تخريجه)(ق. وغيرهما) بألفاظ مختلفة
(1024)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو نعيم ابن مسلم ثنا إسماعيل أبو العبدي قال ثنا الفضل بن دكين المتوكل أن ابن عباس رضى الله عنهما حدث أنه بات "الحديث"(غريبه)(5) الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم خرج من منزله
-[قدر القراءة في كل ركعة من صلاة الليل]-
هذه الآية التي في آل عمران (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار حتى بلغ سبحانك فقنا عذاب النار) ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ ثم قام فصلى ثم اضطجع ثم رجع أيضًا فنظر في السماء ثم تلا هذه الآية ثم رجع فتسوك وتوضأ ثم قام فصلى (1)
(1025)
وعنه أيضًا قال كنت في بيت ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل فقمت معه على يساره فأخذ بيدي فجعلني عن يمينه ثم صلى ثلاث عشرة ركعة حزرت قدر قيامه في كل ركعةٍ قدر يا أيها المزمل (2)
للتفكر في السماء وكواكبها وما أوجد فيها من زينة وآيات وليتأمل في مصنوعات الله تعالى وفي ذلك عبادة أخرى، ولذلك قرأ "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب، الآيات" فكلها عبر وعظات، وتكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وكل مرة يتوضأ ويتسوك ويصلي ليحوز أكمل العبادات (1) لم يذكر في هذا الحديث عدد الركعات التي صلاها، وقد صرح به مسلم وغيره وسيأتي (تخريجه)(م. د. نس) ولفظ مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه الله عنهما أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب" فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفج، ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يساك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي لساني نورًا واجعل في سمعي نورًا واجعل في بصري نورًا واجعل من خلفي نورًا ومن أمامي نورًا واجعل من فوقي نورًا ومن تحتي نورًا اللهم أعطني نورًا
(1025)
وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(2) هذا لا يعارض ما تقدم من صلاته صلى الله عليه وسلم بالبقرة وآل عمران ونحو ذلك فإنه كان في بعض الأحيان يطول وفي بعضها يخفف، ولم تكن له حالة واحدة في صلاة الليل (تخريجه)(هق)
-[كلام العلماء في أحكام صلاة الليل وعدد ركعاتها]-
.....
وسنده جيد (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن ابن عباس رضى الله عنهما حضر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بالليل غير مرة وذلك غير مستبعد، لأن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت خالته، وكان ابن عباس رضى الله عنهما له شغف بالعلم بأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله ولذلك سمى حبر الأمة، وقد جاء في بعض رواياته أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم صلى بالليل ثلاث عشرة ركعة وفي بعضها إحدى عشرة وفي بعضها تسع وسبع وجاء في بعضها أنه أوتر بسبع وفي رواية بخمس وفي أخرى بواحدة مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يلتزم حالة واحدة في صلاة الليل، ولكن أغلب أحواله أنه كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة بالوتر (قال الحافظ ابن القيم في الهدى) وكان قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشر كما قاله ابن عباس وعائشة فإنه ثبت عنهما هذا وهذا، ففي الصحيحين عنهما (قلت والأمام أحمد وسيأتي) ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، وفي الصحيحين عنهما أيضًا "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرهن" والصحيح عن عائشة الأول، والركعتان فوق الإحدى عشرة هما ركعتا الفجر، جاء ذلك مبنيًا في هذا الحديث بعينه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر" ذكره مسلم في صحيحه، وقال البخاري في هذا الحديث "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلى إذا سمع النداء بالفجر ركعتين خفيفتين" وفي الصحيحين عن القاسم بن محمد قال سمعت عائشة رضى الله عنها تقول "كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع ركعتي الفجر وذلك ثلاث عشرة ركعة" فهذا مفسر مبين، وأما ابن عباس فقد اختلف عليه، ففي الصحيحين عن أبي حمزة عنه "كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة يعني بالليل يعني" لكن قد جاء عنه هذا مفسرًا أنها بركعتي الفجر، قال الشعبي سألت عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالا ثلاث عشرة ركعة منها ثمان، ويوتر بثلاث، وركعتين قبل صلاة الفجر، وفي الصحيحين عن كريب عنه في قصة مبيته عند خالته ميمونة بنت الحارث أنه صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى نفخ، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين (وفي لفظ) فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام "فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج يصلى الصبح" فقد حصل الاتفاق على إحدى عشرة ركعة، واختلف في الركعتين الأخيرتين هل هما ركعتا الفجر أو هما غيرهما، فإذا انضاف ذلك إلى عدد ركعات الفرض والسنن الراتبة التي كان يحافظ عليها جاء مجموع ورده الراتب بالليل والنهار أربعين ركعة كان يحافظ عليها دائمًا
-[افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين]-
(4)
باب ما روي عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها
في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل
(1026)
عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قام من الليل يصلى افتتح الصلاة ركعتين خفيفتين (1)
(1027)
وعنها أيضًا قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم في كل اثنتين ويوتر بواحدةٍ (2)
سبعة عشر فرضًا وعشر ركعات أو اثنتا عشرة سنة راتبة، وإحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة قيامه بالليل، والمجموع أربعون ركعة، وما زاد على ذلك فعارض غير راتب كصلاة الفتح ثمان ركعات، وصلاة الضحى إذا قدم من سفر، وصلاته عند من يزوره، وتحية المسجد، ونحو ذلك، فينبغي للعبد أن يواظب على هذا الورد دائمًا إلى الممات، فما أسرع الإجابة وأعجل فتح الباب لمن يقرعه كل يوم أربعين مرة والله المستعان اهـ (قلت) وقد ذكرنا في خلال الشرح من أحكام أحاديث الباب مالا موجب لإعادته والله الموفق
(1026)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشام عن أبي مرة عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة "الحديث"(غريبه)(1) الحكمة في افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين لينشط بهما المصلى لما بعدهما أفاده النووي (تخريجه)(ق. وغيرهما) وأخرجه أبو داود ومسلم والإمام أحمد وسيأتي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا قام أحدكم من الليل فليصل ركعتين خفيفتين"وقد ثبت ذلك بقوله وفعله صلى الله عليه وسلم، والأمر في حديث أبي هريرة حمله جميع العلماء على الاستحباب، فقالوا يستحب تخفيف الركعتين أولًا ثم يطول ما شاء، والدليل على ذلك ما أخرجه مسلم عن زيد بن خالد الجهني رضى الله عنه أنه قال "لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة"
(1027)
وعنها أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين بن محمد قال أنا ابن أبي ذئب وأبو النضر عن ابن أبي ذئب عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(2) فيه حجة للقائلين بصحة الوتر
-[قدر القراءة في صلاة الليل- والضجعة بعد ركعتي الفجر]-
ويسجد في سبحته (1) بقدر ما يقرأ أحدكم بخمسين آية قبل أن يرفع رأسه (2) فإذا سكت المؤذن بالأولى من أذانه (3) قام فركع ركعتين خفيفتين (4) ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيخرج معه
(1028)
عن الحسن عن سعد بن هشام أنه دخل على أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت كان يصلى من الليل ثمان ركعات (5) ويوتر بالتاسعة ويصلي ركعتين
بواحدة ورد على القائلين بأنه لا يصح إلا بثلاث (1) أي نافلته وتقدم تفسيرها غير مرة والمراد هنا صلاة الليل (2) المعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل السجود في صلاة الليل بقدر ما يقرأ القارئ خمسين آية، وتقدم ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم في السجود في الباب العاشر من أبواب الركوع والسجود، ومما لم يذكر هناك ما رواه الإمام أحمد عن عائشة رضى الله عنها قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلاة الليل في سجوده سبحانك لا إله إلا أنت"(وعنها أيضًا) أنه كان يقول في سجوده "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" وكان صلى الله عليه وسلم يطيل السجود في قيام الليل للاجتهاد في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى ولما ورد (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه أبو داود ومسلم والنسائي وغيرهم، وأيضًا فيه مبالغة في التواضع والتذلل إليه تعالى والشكر على ما أنعم هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك؟ فقال أفلا أكون عبدًا شكورًا (3) أي فرغ من الأذان الأول لصلاة الصبح ووصف الأذان بالأول احترازًا من الإقامة وتأنيث الأذان باعتبار ما فيه من المناداة (4) هما سنة الفجر، وفيه دليل على استحباب تخفيفها والضجعة بعدهما على الشق الأيمن، وبه قالت الشافعية (تخريجه)(ق د. نس. جه. هق)
(1028)
عن الحسن عن سعد بن هشام (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال أنا حصين بن نافع المازني، قال أبي حصين هذا صالح الحديث، قال ثنا الحسن عن سعد بن هشام "الحديث"(غريبه)(5) في رواية
-[من صلى بالليل تسعًا ومن اقتصر على سبع]-
وهو جالس (1) وذكرت الوضوء أنه كان يقوم إلى صلاته فيأمر بطهره وسواكه فلما بدن (2) صلى ست ركعات وأوتر بالسابعة وصلى ركعتين وهو جالسٌ، قالت فلم يزل على ذلك حتى قبض، قلت إني أريد أن أسألك عن التبتل (3) فما ترين فيه، قالت فلا تفعل، أما سمعت الله عز وجل يقول (ولقد أرسلنا رسلًا من قبلك وجعلنا لهم أزواجًا وذرية) فلا تبتل، قال فخرج وقد فقه (4) فقدم البصرة فلم يلبث إلا يسيرًا حتى خرج إلى أرض مكران (5) فقتل
زرارة بن أوفى عن عائشة من حديث آخر سيأتي، قالت فلا يقعد في شيء منهن إلا في الثامنة فإنه يقعد فيها فيتشهد ثم يقوم ولا يسلم فيصلي ركعة واحدة ثم يجلس فيتشهد ويدعو ثم يسلم، فهذه الرواية مفسرة لحديث الباب؛ فقد بينت أنه صلى الله عليه وسلم لم يجلس إلا في الثامنة وبينت المراد بقوله "ويوتر بالتاسعة" أنه لم يأت بها منفصلة عن الثمانية، بل يأت بها بعد التشهد ثم يجلس فيتشهد مرة أخرى ثم يسلم، ولم تكن هذه عادته صلى الله عليه وسلم بل كان يفعل ذلك أحيانًا، وغالب أحواله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى ركعتين ركعتين ثم يوتر، وله في الوتر أحوال ستأتي في بابه، وفي هذا الحديث مشروعية الإيثار بتسع ركعات متصلة لا يسلم إلا في آخرها ويقعد في الثامنة ولا يسلم (1) أخذ بظاهر الحديث الإمام أحمد والأوزاعي من فعله؛ قال وأنكره مالك (قال النووي) والصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالسًا لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرة أو مرات قليلة اهـ (2) أي فلما أسن وكبر "صلى ست ركعات" أي نقص من التسع ركعات ركعتين فصيرها إلى سبع ركعات متصلة لا يسلم إلا في آخرها ويقعد في السادسة ولا يسلم (3) التبتل الانقطاع إلى العبادة والتفرغ لها، والمراد هنا ترك الزواج لأجل ذلك، ولهذا استشهدت بالآية وقالت له لا تبتل، أي لا تترك الزواج، فإن الأنبياء كان لهم أزواج وذرية، وقد أمرنا الله بالاقتداء بهم بقوله (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) وسيأتي حكم ذلك في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى (4) بضم القاف أي صار فقيهًا عالمًا وبكسرها أي فَهِم وعلِمَ (5) ضبطه في القاموس بفتح الميم وضبطه ياقوت بضمها اسم بدل قال أهل السير سميت بمكران بن فارك بن سام بن نوح والله
-[استحباب النوم أول الليل وإحياء آخره بالتهجد]-
هناك على أفضل عمله
(1029)
عن أبي إسحاق قال سألت الأسود بن يزيد عما حدثته عائشة رضى الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان ينام أول الليل ويحيى آخره، ثم إن كانت له حاجةٌ إلى أهله (1) قضى حاجته ثم نام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول قالت وثب ولا والله ما قامت قام فأفاض عليه الماء ولا والله ما قالت اغتسل وأنا أعلم بما تريد، وإن لم يكن جُنُبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين
(1030)
عن مسروقٍ قال سألت عائشة رضى الله عنها عن صلاة
أعلم (تخريجه)(د. نس. مذ) رواه أبو داود والنسائي في الصلاة ما عدا قصة التبتل، وروى النسائي والترمذي منه قصة التبتل في النكاح، لكن رواه الترمذي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنه حسن غريب، قال وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقال كلا الحديثين صحيح اهـ كلام الترمذي، وحديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي هو حديث الباب وسنده جيد
(1029)
عن أبي إسحاق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن قال ثنا زهير عن أبي إسحاق "الحديث"(غريبه)(1) هو كناية عن الجماع، وقوله (قبل أن يمس ماء) هذه الجملة ليست عند مسلم، ولفظه عند مسلم "ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام؛ فإذا كان عند النداء الأول قالت وثبت" الحديث كلفظ حديث الباب، وقوله في حديث الباب ثم نام قبل أن يمس ماء لا يعارض ما ثبت عن عائشة أيضًا عند الإمام أحمد ومسلم قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ" لأنه يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يترك الوضوء أحيانًا لبيان الجواز، ويفعله غالبًا لطلب الفضيلة، وبهذا جمع ابن قتيبة والنووي (تخريجه)(م) وأخرجه (د. مذ) عن عائشة مختصرًا بلفظ "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء" وقد تقدم الكلام عليه في الفصل الثالث من الباب الثالث عشر من أبواب الغسل من الجنابة
(1030)
عن مسروق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أسود قال
-[صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل]-
النبي صلى الله عليه وسلم بالليل: فقالت كان إذا سمع الصارخ (1) قام فصلى
(1031)
عن زرارة بن أوفى قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالت كان يصلي العشاء ثم يصلي بعدها ركعتين ثم ينام، فإذا استيقظ وعنده وضوءه مغطى وسواكه استاك ثم توضأ فقام فصلى ثمان ركعات يقرأ فيهن بفاتحة الكتاب وما شاء الله من القرآن، فلا يقعد في شيء منهن إلا في الثامنة فإنه يقعد فيها فيتشهد ثم يقوم ولا يسلمن فيصلي ركعةً واحدةً ثم يجلس فيتشهد ويدعو، ثم يسلم تسليمةً واحدةً السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا، ثم يكبر وهو جالس فيقرأ، ثم يركع ويسجد وهو جالسٌ، فيصلي جالسًا ركعتين، فهذه إحدى عشرة ركعةً، فما كثر لحمه وثقل جعل التسع سبعًا لا يقعد إلا كما يقعد في الأولى (2) ويصلي الركعتين قاعدًا، فكانت هذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله (وعنه من طريقٍ ثانٍ)(3) عن سعد بن هشامٍ قال قلت لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما
ثنا شعبة عن أشعث عن أبيه عن مسروق "الحديث"(غريبه)(1) قال النووي الصارخ هنا هو الديك باتفاق العلماء، قال وسمى بذلك لكثرة صياحه اهـ وصياحه عادة عند نصف الليل أو ثلثه الأخير أو سدسه الأخير (تخريجه)(م. د. نس. وغيرهم)
(1031)
عن زرارة بن أوفى (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد قال ثنا بهز بن حكيم وقال مرة أنا قال سمعت زرارة بن أوفى يقول سألت عائشة "الحديث"(غريبه)(2) أي بالكيفية الأولى ففيها أنه كان لا يجلس إلا في الثامنة ثم
يأتي بركعة تاسعة يتشهد فيها ويسلم منها، وهنا لا يجلس إلا في السادسة ثم يأتي بسابعة يتشهد فيها ويسلم منها، وتقدم الكلام على ذلك في رواية الحسن عن سعد بن هشام (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس قال ثنا عمران بن يزيد العطار
-[رفع الصوت بالسلام من الصلاة لحاجة]-
كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل؟ قالت كان يصلي العشاء فذكر الحديث (1) ويصلي ركعتين قائمًا يرفع صوته كأنه يوقظنا (2) بل يوقظنا، ثم يدعو بدعاءٍ يسمعنا، ثم يسلم تسليمةً يرفع بها صوته
(1032)
عن إبراهيم (3) عن علقمة قال سألت عائشة كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه
عن بهز بن حكيم عن زراية بن أوفى عن سعد بن هشام "الحديث" وهذا الطريق من رواية زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة، والرواية الأولى عن زراية عن عائشة مباشرة بدون واسطة، ولا مانع من ذلك فقد ثبت رواية زرارة عن كثير من الصحابة منهم عمران بن حصين والمغيرة بن شعبة وعبد الله بن سلام وأبو هريرة، وقد يروي التابعي حديثًا عن تابعي مثله عن الصحابي مرة، ويرويه أخرى عن الصحابي مباشرة، وهكذا الحال في الصحابة أيضًا ربما يروي الحديث عن صحابي مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة (1) أي بنحو حديث الباب المتقدم وهذا من اختصار الأصل لا من اختصاري (2) أي كأنه يريد إيقاظنا للصلاة بجهره بل كنا نتيقظ فعلًا، وفيه جواز جهل المصلي بالقراءة والدعاء والسلام زيادة عن المعتاد لحاجة (تخريجه)(م. د. نس. هق. وغيرهم)
(1032)
عن إبراهيم عن علقمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة "الحديث"(غريبه)(3) هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه يرسل كثيرًا من علقمة وهمام بن الحارث والأسود بن يزيد وأبي عبيدة بن عبد الله ومسروق عن عائشة في (د. نس. جه) وخلق وعنه الحاكم ومنصور والأعمش وابن عون وخلق، وكان لا يتكلم إلا إذا سئل، قال مغيرة كنا نهاب إبراهيم كما يهاب الأمير، وقال الأعمش كان إبراهيم يتوقى الشهرة، وقال يحيى بن معين مراسيل إبراهيم أحب إليّ من مراسيل الشعبي، ما ترك إبراهيم بعده أعلم منه، قال أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب ولا الحس ولا ابن سيرين؟ قال ولا الحسن ولا ابن سيرين، ولا من أهل البصرة ولا من أهل الكوفة ولا من أهل الحجاز وفي رواية ولا بالشام اهـ وهو تابعي جليل دخل على عائشة، قيل ولم يثبت له سماع منها، قال أبو نعيم مات سنة ست وتسعين، وقال عمر بن علي سنة خمس آخر السنة، وولد سنة خمسين، وقيل
-[استحباب المداومة على العمل الصالح وإن كان قليلًا]-
وعلى آله وسلم يستطيع، كان عمله ديمةً (1)(ومن طريق ثانٍ)(2) عن إبراهيم قال سألت عائشة (3) رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت ما رأيته كان يفضل ليلةً على ليلةٍ (4)
(1033)
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يصلي من الليل فإذا فرغ من صلاته (5) اضطجع، فإن
سنة سبع وأربعين (1) بكسر أوله وسكون ثانية أي دائمًا لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملًا داوم عليه، ولذا جاء في الحديث "إن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وكان إذا عمل عملًا أثبته" رواه الشيخان والإمام أحمد وغيرهما عن عائشة، والمعنى أنكم لا تطيقون العمل مثله لأن إلزام النفس بشيء دائمًا مع المحافظة عليه يشق عليها جدًا فيندر من يفي بذلك غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال سألت عائشة "الحديث"(3) في هذا الطريق أن إبراهيم سأل عائشة بنفسه، وفي الطريق الأولى أن علقمة هو السائل، وأن إبراهيم روى الحديث عنه عن عائشة، فيحتمل أن ما جاء في الطريق الثاني من مراسيل إبراهيم، ولكن قوله سألت عائشة يمنع هذا الاحتمال، فالظاهر أنه رواه عن عائشة مباشرة، وهذا ممكن لأنه ولد سنة خمسين، وقيل سنة سبع وأربعين، ووفاة عائشة كانت سنة سبع وخمسين فيكون قد أدركها وهو مميز وإن كان قد اختلف في سماعه منها والله أعلم (4) المعنى أنه صلى الله عليه وسلم "ما كان يفضل ليلة على ليلة في الصلاة" أي يخصها بصلاة أكثر من الأخرى لكونها أفضل منها، بل كانت صلاته واحدة في كل ليلة، وهذا باعتبار الغالب لأنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم صلى في بعض الليالي سبع ركعات وفي بعضها تسع وتقدم الكلام على توجيه ذلك (تخريجه)(ق. د. هق. وغيرهم) ولفظه عند مسلم عن إبراهيم عن علقمة قال سألت أم المؤمنين عائشة قال قلت يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيعه
(1033)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن عن مالك عن سالم أبي النضر عن أبي مسلمة عن عائشة "الحديث"(غريبه)(5) أي من صلاة الليل وركعتي الفجر كما يستفاد ذلك مما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت
-[صفة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل]-
كنت يقظانةً (1) تحدث معي وإن كنت نائمةً نام حتى يأتيه المؤذن (2)
(1034)
عن مسلم بن مخراقٍ قال قلت لعائشة يا أم المؤمنين إن ناسًا يقرأ أحدهم القرآن في ليلةٍ مرتين أو ثلاثًا، فقالت أولئك قرءوا ولم يقرءوا (3)، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الليلة التمام فيقرأ سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء، ثم لا يمر بآيةٍ فيها استبشارٌ إلا دعا الله عز وجل ورغب ولا يمر بآيةٍ فيها تخويفٌ إلا دعا الله عز وجل واستعاذ
"كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع" وتقدم الكلام على هذه الضجعة في الباب الثاني عشر من أبواب صلاة التطوع (1) هكذا بالأصل (يقظانة) وكان القياس أن يقال يقظى، ولم أقف عليها لغير الإمام أحمد، والذي عند الشيخين وأبي داود وغيرهما (مستيقظة)(2) أي يؤذنه بصلاة الصبح (تخريجه)(ق. د. وغيرهما)
(1034)
عن مسلم بن مخراق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا علي ابن إسحاق قال أبنا عبد الله قال أنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن زياد بن نعيم الحضرمي عن مسلم بن مخراق "الحديث"(غريبه)(3) يعني أنهم قرءوا بلسانهم ولم يتدبروا معانيه بقلوبهم فكأنهم لم يقرءوا، واستدلت على ذلك بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن من تدبر معنى القراءة ودعا الله عز وجل عند كل آية فيها استبشار أي رحمة ورغب في الدعاء وفيما عند الله، وتعوذ بالله من النار عند كل آية فيها تخويف لا يمكنه أن يقرأ القرآن كله في ليلة، فالقراءة التي يثاب عليها الإنسان هي التي فيها تدبر كقراءة النبي صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(هق) وفي إسناده ابن لهيعة فيه مقال، وله شاهد من حديث حذيفة بن اليمان عند مسلم والنسائي والإمام أحمد (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جملة أحكام (منها) افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين وتخفيفهما مستحق ثم يطوّل بعد ذلك ما شاء (ومنها) أن مجموعة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في التهجد إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة، أو ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر (ومنها) جواز الاقتصار على تسع ركعات لا يجلس إلا في الثامنة ولا يسلم إلا في الجلوس من التاسعة (ومنها) جواز الاقتصار على سبع ركعات لنحو تعب أو كبر لا يجلس إلا في السادسة، ولا يسلم إلا في الجلوس من السابعة (ومنها) استحباب التحدث مع أهله بعد الانتهاء من الصلاة بقصد المؤانسة واضطجاعه قليلا
-[كلام العلماء في أحكام صلاة الليل]-
.....
بعد ركعتي الفجر، ويجوز أن يضطجع مرتين (إحداهما) بعد الوتر للاستراحة من طول القيام، وهو الذي رواه مالك (والثانية) بعد ركعتي الفجر للنشاط لصلاة الصبح والتطويل فيها، وهو الذي رواه الأكثرون، وهذه قد استحبها الشافعية لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها وأمرها بها (ومنها) استحباب تدبر معاني القرآن وقراءته بترتيب وترسل وسؤال الله عز وجل عند آيات الرحمة والتعوذ به عند آيات التخويف والعذاب (وفيها غير ذلك) قال القاضي عياض رحمه الله لا خلاف في أن صلاة الليل ليس لها حد محصور لا يزاد عليه ولا ينقص منه وأنها من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه، ففي حديث عائشة من رواية سعد بن هشام قيام النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ركعات، وحديث عروة عن عائشة بإحدى عشرة منهم الوتر يسلم من كل ركعتين، وكان يركع ركعتي الفجر إذا جاء المؤذن، ومن رواية هشام بن عروة وغيره عن عروة عنها ثلاث عشرة بركعتي الفجر، وعنها كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة أربعًا وأربعًا وثلاثًا، وعنها كان يصلي ثلاث عشرة، ثمانية ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يصلي ركعتي الفجر، وقد فسرتها في الحديث منها ركعتا الفجر، وعنها في البخاري أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل سبع وتسع، وذكر البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أن صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة وركعتين بعد الفجر سنة الفجر، وفي حديث زيد بن خالد أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين خفيفتين ثم طويلتين وذكر الحديث وقال في آخره فتلك ثلاث عشرة، قال القاضي قال العلماء في هذه الأحاديث إخبار كل واحد من ابن عباس وزيد وعائشة بما شاهد، وأما الاختلاف في حديث عائشة فقيل هو منها وقيل هو من الرواة عنها، فيحتمل أن إخبارها بإحدى عشرة هو الأغلب وباقي روايتها إخبار منها بما كان يقع نادرًا في بعض الأوقات، فأكثره خمس عشرة ركعة بركعتي الفجر، وأقله سبع، وذلك بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت أو ضيقه بطول القراءة كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود، أو لنوم أو عذر مرض أو غيره أو في بعض الأوقات عند كبر السن كما قالت "فلما أسن صلى سبع ركعات" أو تارة تعد الركعتين الخفيفتين في أول قيام الليل كما رواها زيد بن خالد وروتها عائشة أيضًا في بعض الروايات، وتعد ركعتي الفجر تارة وتحذفها أخرى، أو تعد أحدهما، وقد تكون عدت راتبة العشاء مع ذلك تارة وحذفتها أخرى اهـ كلام القاضي (قلت) قال الحافظ ابن القيم في الهدى ولم يذكر ابن عباس افتتاحه بركعتين خفيفتين كما ذكرته عائشة، فإما أنه كان يفعل هذا تارة وهذا تارة؛ وإما أن تكون عائشة حفظت ما لم يحفظ ابن عباس وهو الأظهر، لمواظبتها له ولمراعاتها ذلك ولكونها أعلم الخلق بقيامه بالليل، وابن عباس إنما شاهده ليلة المبيت عند خالته، وإذا
-[استحباب التخشع والتمسك في الصلاة]-
(5)
باب ما روي عن غيرهما في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل
(1035)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روحٌ ثنا شعبة عن عبد ربه ابن سعيدٍ عن ابن أبي أنسٍ (1) عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطلب (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصلاة مثنى مثنى (3) تشهَّد في كل ركعتين وتبئس (4) وتمسكن وتقنع يديك (5) وتقول اللهم اللهم، فمن
اختلف ابن عباس وعائشة في شيء من أمر قيامه بالليل فالقول ما قالت عائشة اهـ والله أعلم
(1035)
حدثنا عبد الله (غريبه)(1) ابن أبي أنس اسمه عمران من أهل مصر كما سيأتي في سند الطريق الثالثة (2) هو ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي، وعنه ابنه عبد الله وعبد الله بن الحارث، توفي سنة إحدى وستين، روى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والإمام أحمد، وفي رواية ابن ماجه المطلب بن أبي وداعة وهو وهم (3) في الطريق الثانية "صلاة الليل مثنى مثنى" ولذلك جعلت هذا الحديث في هذا الباب لمناسبة الترجمة، والمعنى أن الأفضل في صلاة الليل بل وفي صلاة النهار أن تكون مثنى مثنى ويسلم في كل ركعتين لحديث ابن عمر "صلاة الليل" والنهار مثنى مثنى" رواه الإمام أحمد وتقدم، ورواه (د. نس. جه. مذ. حب. قط) وابن خزيمة وصححه البخاري لما سئل عنه، وقال بعض العلماء يحتمل أ، يكون المراد أن يتشهد في كل ركعتين وإن لم يسلم، ويكون قوله "تشهَّد في كل ركعتين" تفسيرًا له (قلت) يمنع من هذا الاحتمال ما جاء في الطريق الثالثة من حديث الباب "الصلاة مثنى مثنى وتشهد وتسلم في كل ركعتين" وما روي عن ابن عمر أنه قيل له ما مثنى مثنى؟ قال تسلم في كل ركعتين، وبذلك احتج الإمامان الشافعي وأحمد على أن الأفضل في تطوع الليل والنهار السلام من كل ركعتين (4) معناه إظهار البؤس والفاقة والاحتياج، يقال بئس الرجل بالكسر بؤسا وبئيسًا اشتدت حاجته فهو بائس، قاله في المختار (وقوله وتمسكن) من المسكنة، وقيل معناه السكون والوقار والميم مزيدة فيها، وأصله تتمسكن بتاءين في أوله، وكذا قوله تشهد وتبئَّس فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا (5) إقناع اليدين رفعهما في الدعاء والمسألة، وقد جاء مفسرًا في حديث الفضل بن عباس وتقدم في باب افتتاح الصلاة والخشوع فيها بلفظ (ترفعهما
-[صلاة الليل مثنى مثنى - واستحباب الإلحاح في الدعاء]-
لم يفعل ذلك فهي خداجٌ (1) قال شعبة فقلت صلاته خداجٌ؟ قال نعم، فقلت له ما الإقناع؟ فبسط يديه كأنه يدعو (ومن طريقٍ ثانٍ)(2) عن المطلب ابن ربيعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل مثنى مثنى، وإذا صلى أحدكم فليتشهد في كل ركعتين ثم ليلحف (3) في المسألة، ثم إذا دعا فليتساكن وليتبئس وليتضعف (4) فمن يفعل ذلك فذاك الخداج أو كالخداج (وعنه من طريق ثالثٍ)(5) عن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة مثنى مثنى وتشهد وتسلم في كل ركعتين
إلى ربك مستقبلًا ببطونهما وجهك تقول يا رب) (1) الخداع معناه هنا الناقص في الأجر والفضيلة (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هارون بن معروف أخبرني ابن وهب أنا يزيد بن عياش عن عمران بن أنس عن عبد الله نافع بن أبي العمياء عن المطلب بن ربيعة "الحديث"(3) أي يلح فيها، يقال ألحف في المسألة يلحف إلحافًا إذا ألح فيها ولزمها (نه)(4) أي يظهر الضعف والعجز وعدم القدرة (5)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني ابي ثنا حجاج بن محمد قال شعبة أخبرني عن عبد ربه بن سعيد عن أنس بن أبي أنس من أهل مصر عن عبد الله بن نافع عن عبد الله بن الحارث عن المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصلاة مثنى مثنى "الحديث"(تخريجه)(د. جه. قط. هق) قال الترمذي سمعت محمد بن إسماعيل (يعني البخاري) يقول روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه بن سعيد فأخطأ في مواضع، فقال عن أنس بن أبي أنس وهو عمران بن أبي أنس، وقال عن عبد الله بن الحارث وإنما هو عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث، وقال شعبة عن عبد الله بن الحارث عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو عن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال محمد وحديث الليث بن سعد أصح من حديث شعبة اهـ قال الخطابي قال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري وخطَّأ شعبة وصوَّب الليث بن سعد، وكذلك قال محمد بن إسحاق بن خزيمة اهـ (قلت) لم يأت شيء من رواية الإمام أحمد مما أخطأ فيه شعبة إلا في الطريق الثالثة من حديث الباب، وإسناد الطريق الأولى والثانية مستقيم، وحديث الليث بن سعد الذي صوبه البخاري والخطابي وابن خزيمة رواه الإمام أحمد والترمذي عن الفضل بن عباس وتقدم
-[افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين]-
الحديث بنحو ما تقدم
(1036)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه سلم إذا قام أحدكم يصلي بالليل فليبدأ (وفي رواية فليفتتح صلاته) بركعتين خفيفتين
(1037)
عن شرحبيل بن سعدٍ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في قصة رجوعهم من غزوة الحديبية (1) قال ثم أخذت بزمام ناقته (2) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأنختها فقام فصلى العتمة وجابرٌ فيما ذكر إلى جنبه (3) ثم صلى بعدها ثلاث عشرة سجدةً
(1038)
ز عن صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه قال كنت
في باب افتتاح الصلاة والخشوع فيها فهو يعضد حديث الباب والله أعلم بالصواب
(1036)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن سلمة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة "الحديث"(تخريجه)(م. د. هق) ومحمد بن نصر
(1037)
(عن شرحبيل بن سعد) هذا طرف من حديث طويل سيأتي بسنده وتخريجه في الباب الرابع من حوادث السنة السادسة بعد الهجرة من كتاب السيرة النبوية وأثبتّ هذا الجزء منه هنا لما فيه من مناسبة الباب (غريبه)(1) بتخفيف الياء عند الأكثر كالشافعي والأصمعي حتى قال ثعلب وهو أحمد بن يحيى لا يجوز فيها غيره، وعند كثير من المحدثين واللغويين بتشديدها، قال الحافظ في الفتح وأنكر كثير من أهل اللغة التخفيف، وقال أبو عبيد البكري أهل العراق يثقلون وأهل الحجاز يخففَّون اهـ وهي اسم بئر كما ثبت في الصحيح عن البراء سمي المكان بها، وقيل شجرة، وقال المحب الطبري قرية قريبة من مكة سميت بالبئر أو الشجرة أكثرها في الحرم وباقيها في الحل، وهي على تسعة أميال من مكة (2) الآخذ بزمام الناقة هو جابر بن عبد الله ري الله عنهما (3) يعني أن جابرًا ذكر لشرحبيل بن سعد أنه كان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت صلاته العتمة أي العشاء؛ والظاهر أنه كان مقتديًا به، ويحتمل أنه كان إلى جنبه وقت النوم بعد صلاة العشاء تم تيقظ حين قام النبي صلى الله عليه وسلم صلاته الليل وبقي متيقظًا لصلاة الليل وبقي متيقظًا حتى انتهى من صلاته فرآه صلى ثلاث عشرة سجدة يعني ركعة والله أعلم
(1038)
ز عن صفوان بن المعطل السلمي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني
-[من صلى ثم نام ثم صلى جملة مرات في الليلة]-
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فرمقت صلاته ليلةً، فصلى العشاء الآخرة ثم نام، فلما كان نصف اليل استيقظ فتلا الآيات العشر، آخر سورة آل عمران، ثم تسوك ثم توضأ ثم قام فصلى ركعتين، فلا أدري أقيامه أم ركوعه أم سجوده أطول (1) ثم انصرف فنام، ثم استيقظ فتلا الآيات ثم تسوك ثم توضأ ثم قام فصلى ركعتين لا أدري أقيامه أم ركوعه أم سجوده أطول، ثم انصرف فنام ثم استيقظ ففعل ذلك، ثم لم يزل يفعل كما فعل أول مرةٍ (2) حتى صلى إحدى عشرة ركعةً
(1039)
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى
عبيد الله بن عمرو القواريري ثنا عبد الله بن جعفر أخبرني محمد يوسف عن عبد الله بن الفضل عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن صفوان بن المعطل السلمي "الحديث"(1) فيه دليل على تطويل الركوع والسجود في صلاة الليل (2) يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك خمس مرات يصلي في كل مرة ركعتين ثم أوتر بواحدة، ويحتمل أنه فعلهما أربع مرات ثم أوتر بثلاث، وهذا نوع من أنواع صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل، وهو تخليل النوم بين الركعات، وقد جاء مثل ذلك عن ابن عباس عند مسلم والإمام أحمد، وتقدم حديثه في باب ما روي عن ابن عباس قبل ذلك بباب (قال الحافظ بن القيم في الهدي) وكان صلى الله عليه وسلم يقطع ورده تارة ويصله تارة وهو الأكثر، ويقطعه كما قال ابن عباس في حديث مبيته عنده أنه صلى الله عليه وسلم استيقظ فتسوك وتوضأ وهو يقول "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات بست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث، فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول، اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل لي من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، اللهم اعطني نورًا، رواه مسلم اهـ (تخريجه) الحديث من زوائد عبد الله بن الإمام أحمد على مسند أبيه ولم أقف على من أخرجه غيره، ويعضده حديث ابن عباس المتقدم
(1039)
عن أبي أيوف (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن
-[صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وسواكه وقراءته بالليل]-
الله عليه وعلى آله وسلم كان يستاك من الليل مرتين أو ثلاثًا (1) وإذا قام يصلي من الليل صلى أربع ركعاتٍ (2) لا يتكلم ولا يأمر بشيءٍ، ويسلم بين كل ركعتين
(1040)
عن يعلى بن مملكٍ قال سألت أم سلمة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل وقراءته، فقالت ما لكم ولصلاته ولقراءته (3)، كان يصلي قدر ما ينام، وينام قدر ما يصلي، وإذا هي تنعت (4) قراءة مفسرةً حرفًا حرفًا
(1041)
ز عن عاصم بن ضمرة قال سئل عليٌّ رضي الله عنه عن صلاة
عبيد ثنا واصل عن أبي سورة عن أبي أيوب "الحديث"(غريبه)(1) المراد من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر السواك خصوصًا في الليل لأن فيه النوم واليقظة والعبادة، والسواك يستحب عند إرادة النوم وعند اليقظة من النوم وعند الصلاة، والعدد لا مفهوم له بل ربما تسوك أكثر من ذلك (2) أي غير الوتر وقد تقدم نحو ذلك عند الإمام أحمد وأبي داود والنسائي من حديث حذيفة بن اليمان وتقدم في الباب الثاني قبل ذلك ببابين، ولفظ أبي داود "قال فصلى أربع ركعات قرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام" وتقدم في الحديث الثاني من الباب الثالث عن ابن عباس بلفظ "ثم نام ثم قام فصلى أربعًا" وفي حديث الباب استحباب السلام في كل ركعتين (تخريجه) رواه الطبراني في الكبير مقتصرًا على الشق الأول منه المختص بالسواك، وفي إسناده واصل بن السائب وهو ضعيف
(1040)
عن يعلي بن مملك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن إسحاق قال أخبرني ليث بن سعد قال ثنا عبد الله بن أبي مليكة عن يعلى بن مملك "الحديث"(غريبه)(3) أي ما تصنعون من قراءته وصلاته وأنتم لا تستطيعون أن
تفعلوا مثله، لأنه كان يستمر حاله بين نوم وصلاة إلى أن يصبح (4) أي تصف قراءته صلى الله عليه وسلم فقرأت لهم قراءة مفسرة حرفًا حرفًا، أي مرتبة بتأنٍّ حتى إنه ليمكن السامع أن يعد حروفها تحرفًا حرفًا (تخريجه)(الاربعة إلا ابن ماجه) وقال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد وهو ثقة أخرج عند الجماعة فلا يضر تفرده اهـ.
(1041)
ز عن عاصم بن ضمرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني العباس
-[مقدار نوافل الليل]-
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ست عشرة ركعةً (1)(وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن عليٍ رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ست عشرة ركعةً سوى المكتوبة
(1042)
ز وعنه أيضًا عن عليٍ ري الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يصلي من التطوع ثمان ركعاتٍ وبالنهار ثنتي
ابن الوليد ثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة "الحديث"(غريبه)(1) الظاهر والله أعلم أن المراد بصلاة الليل في هذا الحديث ما يقابل صلاة النهار من نوافل الليل غير الوتر، وبيان ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد المغرب، وست ركعات بعد العشاء، وثمان ركعات سنة التهجد بعد النوم، فهذه ست عشرة ركعة غير الوتر، وبهذا تتفق جميع الروايات، وكل ما ذكرنا ثابت بالأحاديث الصحيحة، وتقدم الكلام على الركعتين بعد المغرب والست ركعات بعد العشاء في بابيهما، وسيأتي الكلام على الثمان الركعات في شرح الحديث التالي (2)(سنده) حدثنا عبد الله ثنا أبو عبد الرحمن بن عمر ثنا عبد الرحيم يعني الرازي عن العلاء بن المسيب عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي "الحديث"(غريبه)(3) قوله سوى المكتوبة يشعر بأن المراد نوافل الليل مطلقًا لا خصوص التهجد، فيدخل فيها سنة المغرب العشاء، ويؤيد ذلك أن عليًا رضي الله عنه روى حديث تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار فعدَّ ست عشرة ركعة لم يذكر فيها راتبة المغرب والعشاء فجعلها من صلاة الليل، والحديث المشار إليه تقدم
في باب جامع تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار فارجع إليه (تخريجه) هذا الحديث بطريقيه من زوائد عبد الله بن الإمام أحمد على مسند أبيه، ولم أقف عليه لغيره وسنده جيد
(1042)
ز وعنه أيضًا عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني عثمان بن أبي شيبة ثنا سعيد بن خيثم أبو معمر الهلالي ثنا فضيل بن مرزوق عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة "الحديث"(غريبه)(4) يعني غير الوتر وقد ثبت مثل ذلك عند مسلم والإمام أحمد "وسيأتي" عن عائشة رضي الله عنها قالت "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعًا لا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثًا" تعني بالثلاث
-[صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وصيامه في التطوع]-
عشرة ركعة (1)
(1043)
عن حميدٍ قال سئل أنسٌ رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فقال ما كنا نساء أن نراه من الليل مصليًا إلا رأيناه وما كنا نشاء أن نراه قائمًا إلا رأيناه وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئًا ويفطر حتى نقول لا يصوم منه شيئًا (2)
(1044)
عن ربيعة بن كعبٍ الأسلمي (3) قال كنت أبيت عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيه وضوءه (وفي روايةٍ كنت أنام في حجرة النبي صلى الله عليه وآله
الوتر (1) لم يفصّلها في هذا الحديث، وقد جاءت مفصلة عنه في روايات أخرى، وهي ركعتان قبل صلاة الصبح، وأربع قبل الظهر وركعتان بعدها، وأربع قبل العصر، وقد تقدم ذلك مفصلًا في باب جامع تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار، وفي أبواب رواتب الفرائض كل في بابه "فإن قيل" ما تقدم عن علي من أن صلاة النهار ست عشرة ركعة يخالف ما هنا، فكيف الجمع بين الروايتين (قلت) إنه عد في تلك الرواية أربع ركعات سنة الضحى مصرحًا بها، وتركها في هذه والله أعلم (تخريجه)(عل) وقال الهيثمي رجال الصحيح خلا عاصم بن ضمرة، وهو ثقة ثبت
(1043)
عن حميد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن أبي عدي عن حميد قال سئل أنس "الحديث"(غريبه)(2) معنى الحديث أن أمره صلى الله عليه وسلم في العبادة كان قصدًا لا إفراط ولا تفريط؛ يعني ينام بالليل ويقول، ولا يقوم الليل كله، ولا ينام فيه كله، وأحيانًا كان صلى الله عليه وسلم يقوم تارة وينام أخرى، يفعل ذلك المرات في الليل كما تقدم في بعض أحاديث الباب، فمنهم من يتفق رؤيته مصليًا، ومنهم من يتفق رؤيته نائمًا، قالوا كانت صلاته نصف الليل ونومه نصفه، وكذلك صومه صلى الله عليه وسلم في التطوع كان قصدًا لا إفراط ولا تفريط فكان يصوم في الشهر حتى يظنوا أنه لم يفطر، ويفطر حتى يظنوا أنه لم يصم بحسب ما يتيسر له (تخريجه)(خ. نس. وغيرهما)
(1044)
عن ربيعة بن كعب (سنده) حديثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الملك بن عمر، قال ثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال حدثني ربيعة بن كعب الأسلمي قال كنتت ابيت "الحديث" وله طريق ثان حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق قال ثنا معمر عن الزهري عن يحيى بن أبي كثير به (غريبه)(3) ربيعة بن كعب هذا كان من أهل الصُّفة وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان يعطف عليه كثيرًا
-[كلام العلماء في أحكام صلاة الليل]-
وصحبه وسلم فأسمعه بعد هوىٍ (1) من الليل يقول سمع الله لمن حمده، وأسمعه بعد هوىٍ من الليل يقول الحمد لله رب العالمين (وفي روايةٍ) ثم يقول سبحان الله العظيم وبحمده الهوى (2)
(أبواب الوتر)
(1)
باب ما جاء في فضل الوتر وتأكيده وحكم
(1045)
عن عليٍ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أهل القرآن أوتروا (3) فإن الله عز وجل وترٌ (3) يحب الوتر
وكان يأخذه في بعض الليالي للمبيت عنده، فكان يسمع أذكار النبي صلى الله عليه وسلم في التهجد فأخبر بما سمع (1) بفتح الهمزة وتشديد الياء التحتانية، أي بعد مضي زمن طويل من الليل (2) أي يقول ذلك زمنًا طويلًا، ويستفاد منه تطوير صلاة الليل وأذكارها وقراءتها، وتقدم الكلام على ذلك (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد (الأحكام) في أحاديث الباب دليل على أن صلاة الليل تكون مثنى مثنى، وهو الأفضل، وبه قال جمهور العلماء (وفيها) ت أكيد الخشوع والتذلل لله تعالى واستحضار القلب في الصلاة في هذه الأوقات، لأنها ساعات يُقبِل الله فيها على عباده المخلصين الخاشعين ويفيض عليهم من رحمته ورضوانه (وفيها) دليل على أن صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة، وتقدم الكلام على ذلك (وفيها) أن صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل قدر نومه (وفيها) استحبابه تطويل صلاة الليل وأذكارها وقراءتها قدر ما يستطيع (وفيها) استحباب القصد في الأعمال الصالحة والمداومة عليها، وتقدم الكلام على ذلك كله في أبواب متفرقة، وتقدم ذكر مذاهب الأئمة في ذلك والله أعلم
(1045)
عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا علي بن بحر ثنا عيسى بن يونس ثنا زكريا عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي "الحديث"(غريبه)(3) قال الخطابي أهل القرآن في عرف الناس هم القرَّاء والحفاظ دون العوام، قال وتخصيصه أهل القرآن بالأمر فيه يدل على أن الوتر غير واجب ولو كان واجبًا لكان عامًا (قلت) ويحتمل أن يكون المراد بهم عامة المؤمنين أعني من آمن بالقرآن وصدق به وأتمر بأوامره وانتهى بنوا هيه؛ وهذا في نظري أعم وأولى (4) أي
-[فضل الوتر والحث على فعله]-
(1046)
عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله وترٌ يحب الوتر، قال نافعٌ وكان ابن عمر لا يصنع شيئًا إلا وترًا
(1047)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
(1048)
وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يوتر فليس منا
(1049)
عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
واحد في ذاته وصفاته وأفعاله سبحانه واحد أحد فرد صمد، لا شريك في له ملكه ولا ولد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (وقوله يحب الوتر) أي يقبله من فاعله ويثيبه عليه والأمر في الحديث محمول على السُّنيّة عند جمهور العلماء، وسيأتي الكلام عليه في الأحكام (تخريجه) أخرجه أبو داود بلفظ حديث الباب، ورواه النسائي والترمذي عن علي رضي الله عنه قال "الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم" ورواه ابن ماجه بلفظ "أن الوتر ليس بحتم ولا كصلاتكم المكتوبة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر فقال يا أهل القرآن أوتروا فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر" وحسنه الترمذي وصححه الحاكم
(1046)
عن نافع عن عبد الله بن عمر (سنده) حدثنا عبد حدثني أبي هارون أنا ابن وهيب سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن نافع عن عبد الله بن عمر "الحديث"(تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والبزار ورواته موثقون
(1047)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله وتر يحب الوتر (تخريجه) أخرجه أيضًا محمد بن نصر وسنده جيد
(1048)
وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع قال ثنا خليل بن مرة عن معاوية بن قرة عن أبي هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أي ليس على سنتنا (تخريجه) أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة وفي إسناده الخليل بن مرة، قال فيه أبو زرعة شيخ صالح وضعفه أبو حاتم والبخاري
(1049)
عن بريدة الأسلمي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الحسن ابن يحيى ثنا الفضل بن موسى عن عبيد الله العتكي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه (بريدة
-[حجة من قال بوجوب الوتر وردّ ذلك]-
الوتر حقٌ (1) فمن لم يوتر فليس منا قالها ثلاثًا (2)
(1050)
عن محمد بن يحيى بن حبان أن ابن محيريزٍ القرشي ثم الجُمحي (3) أخبره وكان بالشام وكان قد أدرك معاوية، فأخبره أن المخدجي (4) رجلًا من بني كنانة أخبره أن رجلًا من الأنصار كان بالشام يكنى أبا محمدٍ (5) أخبره أن الوتر واجبٌ، فذكر المخدجي أنه راح إلى عبادة بن الصامت فذكر له أن أبا محمدٍ يقول الوتر واجبٌ، فقال عبادة بن الصامت كذب أبو محمدٍ (6) سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول (خمس صلواتٍ
الأسلمي) رضي الله عنه "الحديث"(غريبه)(1) أي ثابت وهو مصدر حق الشيء أي ثبت (2) يعني كرر لفظ "الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا" ثلاث مرات كما جاء ذلك في رواية أبي داود (تخريجه)(د. ك) بلفظ حديث الباب أي بدون تكرير، وقال هذا حديث صحيح
(1050)
عن محمد بن يحيى (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا يحيى يعني ابن سعيد عن محمد بن يحيى الخ (غريبه)(3) بضم الجيم وفتح الميم ثم حاء مهملة منسوب إلى جمع بن عمر بن هضيض (4) بميم مضمومة ومعجمة ساكنة وكسر الدال المهملة وفتحها بعدها جيم فتحتية آخره، منسوب إلى مخدج بن الحارث كذا في الترتيب؛ وقال ابن عبد البر لقب، وليس ينسب في شيء من قبائل العرب، قال وهو مجهول لا يعرف بغير هذا الحديث، وقيل اسمه رفيع (5) هو أنصاري صحابي، قال الحافظ في الإصابة قيل اسمه مسعود ابن أوس بن زيد بن أصرم، وقيل مسعود بن زيد بن زيد بن سبع، وقيل اسمه فيس بن عامر بن الحارث الخولاني حليف بني حارثة من الأوس، وقيل مسعود بن يزيد عداده في الشاميين وسكن داريا، وقيل اسمه سعد بن أوس، وقيل قيس بن عباية؛ قال ابن يونس شهد فتح مصر، وقال ابن سعد مات في خلافة عمر، وزعم ابن الكلبي أنه شهد بدرًا ثم شهد مع علي صفين، وفي كتاب قيام الليلة لمحمد بن نصر من طريق عبد الله بن محيريز عن رفيع قال تذاكرنا الوتر فقال رجل من الأنصار يكنى أبا محمد من الصحابة إن الوتر واجب انتهى (6) قال الباجي أي وهم وغلط، والكذب على ثلاثة أوجه (أحدها) أن وجه السهو فيما خفي
-[حجة من قال بعدم وجوب الوتر]-
كتبهن (1) الله تبارك وتعالى على العباد من أتى بهن لم يضع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن (2) كان له عند الله تبارك وتعالى عهد (3) أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
(1051)
عن نافع سأل رجل ابن عمر عن الوتر أواجب هو؟ فقال أوتر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والمسلمون (4)(ومن)
عليه ولا إثم فيه (ثانيها) أن يتعمده فيما لا يجل فيه الصدق كأن يسئل عن رجل يراد قتله ظلمًا فيجب الكذب ولا يخبر بموضعه (والثالث) يأثم فيه صاحبه، وهو قصد الكذب فيما يحرم فيه قصده (1) أي فرضهن كما جاء مصرحً بذلك في بعض الروايات عن (عبادة افترضهن الله عز وجل على العباد) فأفاد أنه لم يكتب غيرهن ومنه الوتر (2) قال الباجي احترازًا من السهو والنسيان الذي لا يمكن أحد الاحتراز منه إلى من خصه الله بالعصمة، وقال ابن عبد البر ذهبت طائفة إلى أن التضييع للصلاة المشار إليه هنا أن لا يقيم حدودها من مراعاة وقت وطهارة وإتمام ركوع وسجود ونحو ذلك وهو مع ذلك يصليها اهـ ويؤيده رواية الترمذي وأبي داود والإمام أحمد من وجه آخر عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم (خمس صلوات افترضهن الله، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهم وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة) أي مع السابقين أو من غير تقدم عذاب، ووجه استدلال عبادة بهذا على أن الوتر ليس بواجب، جعله العهد لمن جاء بهن، فيفيد دخولها وأن لم يجيء بغيرهن ومنه الوتر (3) أي أمان وميثاق، وعهد الله واقع لا محالة، لن يخلف الله عهده، وجملة أن يدخله الجنة خبر مبتدأ مقدر، أي هو أن يدخله الخ أو صفة عهد، أو بدل من عهد، أي فهو تحت المشيئة إن شاء عذبه عدلا وإن شاء أدخله الجنة برحمته فضلًا (وفيه) أن تارك الصلاة لا يكفر، وتقدم الكلام على حكم تارك الصلاة في باب حجة من لم يكفر تارك الصلاة في أول كتاب الصلاة والله أعلم (تخريجه)(لك. د. نس. جه) من طريق مالك، وصححه ابن حبان والحاكم وابن عبد البر، وجاء من وجه آخر عن عبادة بنحوه في (د. مذ. نس. هق) والإمام أحمد أيضًا وتقدم، وله شاهد عند محمد بن نصر من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(1051)
عن نافع سأل رجل ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن عمر بن محمد عن نافع الخ (غريبه)(4) قال ابن
-[حجة من قال بوجوب الوتر]-
طريق ثانٍ) (1) قال رجل لابن عمر أرأيت الوتر أسنة هو؟ قال ما سنة؟ (2) أوتر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأوتر المسلمون، قال لا أسنة هو، قال مه أتعقل؟ أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون.
(1052)
عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي إفريقية أن معاذ ابن جبل رضي الله عنه قدم الشام وأهل الشام لا يوترون، فقال لمعاوية مالي أرى أهل الشام لا يوترون؟ فقال معاوية وواجب ذلك عليهم؟ قال نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يقول زادني (3) ربي عز وجل صلاة وهي الوتر، ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر (4)
عبد الملك خشي ابن عمر رضي الله عنهما إن قال واجب يظن السائل وجوب الفرائض وإن قال غير واجب يتهاون به ويتركه، فأخبره أنه سنة معمول بها، ولو كان واجبًا عنده لأفصح له بوجوبه (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا معاذ ثنا ابن عوف عن مسلم مولى لعبد القيس قال معاذ كان شعبة يقول القرى قال قال رجل لابن عمر الخ (2) أي ماذا تعني بقولك سنة؟ أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ، فلما كرر عليه السؤال قال له ابن عمر (مه) يعني اكفف عن الألحاح (وقوله أتعقل) يعني إن كنت ذا عقل فاكفف عن الألحاح واسمع ما أقول لك، أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فاقتد بهم وأفعل الوتر، وقد تقدم توجيه إبهام ابن عمر الجواب على السائل والله أعلم (تخريجه) أخرجه الإمام مالك في الموطأ بلاغًا أي غير متصل بلفظ (مالك بلغة أن رجلًا سأل عبد الله بن عمر عن الوتر أواجب هو الحديث) بنحو حديث الباب، وقد وصله ابن عبد البر في التمهيد.
(1052)
عن عبد الرحمن بن رافع (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هارون بن معروف قال عبد الله وسمعته أنا من هارون ثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي (الحديث)(غريبه)(3) قال الخطابي معناه الزيادة في النوافل وذلك أن نوافل الصلاة شفع لا وتر فيها فقيل أمدكم بصلاة وزادكم صلاة لم تكونوا تصلونها قبل؟ على تلك الهيئة والصورة وهي الوتر (4) فيه دليل على أن الوتر لا يقضي بعد طلوع الفجر، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وهو قول عطاء، قاله الخطابي وسيأتي الكلام على ذلك في أحكام الباب التالي (تخريجه) لم أقف على من
-[مذاهب العلماء في حكم الوتر]-
(1053)
عن علي رضي الله عنه قال الوتر ليس يحتم (1) كالصلاة وكلنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (2)
أخرجه غير الإمام أحمد، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه عبيد الله بن زحر وهو ضعيف متهم، ومعاوية لم يتأمر في زمن معاذ اهـ.
1053) عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثن أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه (الحديث)(غريبه)(1) الحتم اللازم الواجب الذي لابد من فعله (نه)(2) أي جعله مسنونًا غير حتم (تخريجه)(نس. مذ) وحسنه وصححه الحاكم كذا في التلخيص (وفي الباب) عن ابن مسعود عند البراز بلفظ (الوتر واجب على كل مسلم) وفي إسناده جابر الجعفي وقد ضعفه الجمهور ووثقه النووي (وعنه أيضًا) عند الطبراني في الصغير بلفظ (الوتر واجب على أهل القرآن)(وعن ابن عباس) عند الإمام أحمد وسيأتي في الضحية والطبراني والدراقطني والبيهقي بلفظ (ثلاث على فرائض وهي لكم تطوع النحر والوتر وركعتا الفجر)(وعن أنس) رضي الله عنه عند الدارقطني بلفظ (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم على) وفي إسناده عبد الله بن محرز وهو ضعيف (وعن جابر) عند المروزي (إني كرهت أو خشيت أن يكتب عليكم الوتر)(وعن عائشة) عند الطبراني في الأوسط بلفظ (ثلاث هن على فريضة وهن لكم سنة الوتر والسواك وقيام الليل)(الأحكام) أحاديث الباب وما ذكر معها تدل على فضل صلاة الوتر وتأكيدها والحث على فعلها وأنها هي وركعتا الفجر أكد النوافل للاختلاف في وجوبهما، وتقدم الكلام على ركعتي الفجر (وفي أحاديث الباب الأول) أيضًا ما يدل على وجوب الوتر، كقوله صلى الله عليه وسلم فليس منا، وقوله الوتر حق، وقوله الوتر واجب (وفيها) ما يدل على عدم الوجوب، وهو بقية الأحاديث فتكون صادقة لما يشعر بالوجوب، وحكى الخطابي الإجماع على عدم وجوبه، يعني كونه فرضًا فقال، وقد أجمع العلماء على أن الوتر ليس بفريضة إلا أنه يقال إن في رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال هو فريضة وأصحابه لا يقولون بذلك، فإن صحت هذه الرواية فإنه مسبوق بالإجماع فيه اهـ قال الشوكاني (وقد ذهب الجمهور) إلى أن الوتر غير واجب بل سنة، وخالفهم أبو حنيفة فقال إنه واجب، وروى عنه أنه فرض، وتمسك بالأدلة الدالة على الوجوب، وأجاب عليه الجمهور بالأحاديث الدالة على عدمه، قال ابن المنذر ولا أعلم أحدًا وافق أبا حنيفة في هذا، قال الشوكاني (ومن لأدلة الدالة على عدم وجوب الوتر) ما اتفق عليه
-[وقت الوتر فيما صلاة العشاء إلى صلاة الفجر]-
(2)
باب ما جاء في وقته
(1054)
عن أبي تميم الجيشاني رضي الله عنه أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم الجمعة فقال إن أبا بصرة (1) حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله زادكم صلاة وهي الوتر، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، قال أبو تميم فأخذ بيدي أبو ذرٍ فسار في المسجد إلى أبي بصره رضي الله عنه، فقال أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال عمرو، قال أبو بصرة أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومن طريقٍ ثان (2) بنحوه وزاد) فانطلقنا إلى أبي بصرة
الشيخان من حديث طلحة بن عبيد الله قال (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد) الحديث وفيه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة، قال هل على غيرها؟ قال لا إلا أن تطوع) وروى الشيخان أيضًا من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن الحديث وفيه (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) وهذا من أحسن ما يستدل به؛ لأن بعث معاذ كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بيسير (وأجاب الجمهور أيضًا) عن أحاديث الباب المشعرة بالوجوب بأن أكثرها ضعيف، وهو حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر وبريدة وسليمان بن صرد وابن عباس وابن مسعود وابن أبي أوفى وعقبة بن عامر ومعاذ بن جبل كذا قال العراقي، وبقيتها لا يثبت بها المطلوب لاسيما مع قيام ما أسلفناه من الأدلة الدالة على عدم الوجوب، أفاد الشوكاني.
(1054)
عن أبي تميم الجيشاني (سنده) حدثنا عبد الله حدثني علي بن إسحاق ثنا عبد الله يعني أن المبارك أنا سعيد بن يزيد حدثني ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني (الحديث)(غريبه)(1) هو ابن بصرة بن أبي بصرة وقاص بن حبيب بن غفار، وقيل ابن حاجب من غفار صحابي جليل، قال ابن يونس شهد مصر واختط بها ومات بها ودفن في مقبرتها، وقال أبو عمر كان يسكن الحجاز ثم تحول إلى مصر، ويقال إن عزة صاحبة كثير من ذريته، وإلى ذلك أشار كثير بقوله في شعره (الحاجبية) وأنكر ذلك ابن الأثير فقال ليس في نسب عزة لأبي بصرة ذكر، أفاده الحافظ في الإصابة (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحي بن إسحاق أنا ابن لهيعة أنا عبد الله بن هبيرة قال سمعت أبا تميم الجيشاني يقول سمعت عمرو بن العاص يقول أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
-[وجوب الاحتياط في نقل الحديث والتوثق من مصدره]-
فوجدناه عند الباب الذي يلي دار عمرو بن العاص، فقال أبو ذرٍ يا أبا بصرة أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل زادكم صلاة، فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح، الوتر الوتر، قال نعم، أنت سمعته؟ (1) قال نعم، قال أنت سمعته؟ قال نعم.
(1055)
عن الأشعث بن قيسٍ قال ضفت (2) عمر رضي الله عنه
وعلى آله وسلم يقول إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال (إن الله عز وجل زادكم صلاة فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر ألا وإنه أبو بصرة الغفاري، قال أبو تميم فكنت أنا وأبو ذر قاعدين، قال فأخذ بيد أبو ذر فانطلقنا إلى أبي بصرة الخ الحديث)(1) أصله أأنت سمعته بتحقيق الهمزتين فأبدلت الثانية ألفًا كقوله تعالى (قل آلله أذن لكم) وكرر الجملة مرتين للتوثيق والاحتياط في نقل الحديث وتحمله، وهكذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم لا ينقلون الحديث إلا إذا توثقوا من مصدره، أما الآن فقد تساهل العلماء في نقل الحديث وروايته، فتراهم يأخذون الحديث من أي كتاب وجدوه يستدلون لأغراضهم قائلين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وربما كان موضوعًا أو ضعيفًا لا يحتج به، حتى بعض خطباء المساجد يفعلون ذلك، وهذا حرام لا يجوز فعله، فالواجب على من يريد العمل بالحديث أو الإفتاء به أن يتحرى الأحاديث الصحيحة أو الحسنة ولا يأخذها إلا من الأصول المعتبرة التي التزم أصحابها صحة جميع ما فيها كصحيحي البخاري ومسلم أو من غيرهما بشرط أن يصححه أو يحسنه أحد رجال أئمة الحديث، ويمكن الطالب أن يكتفي بكتابي هذا (الفتح الرباني) بعد مراجعة شرحه فإنه أجمع الأصول المعتبرة في السنة، فيه كل ما يحتاجه الإنسان لزاده ومعاذ، وقد وفقى الله تعالى وله الحمد والمنة للكلام في شرحه على بيان درجة كل حديث فيه والله الموفق (تخريجه)(طب) قال الهيثمي وله إسنادان عند أحمد أحدهما رجاله رجال الصحيح خلا علي بن إسحاق شيخ أحمد وهو ثقة (قلت) بالصحيح الطريق الأول، أما الطريق الثاني ففي إسناده ابن لهيعة فيه مقال.
(1055)
عن الأشعث بن قيسٍ (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان بن داود يعني أبا داود الطيالسي قال ثنا أبو عوانة عن داود الأودي عن عبد الرحمن المسلمي عن الأشعث بن قيس (الحديث)(غريبه)(2) أي نزلت به
-[الحث على الوتر قبل النوم لمن لم يثق بالقيام قبل الفجر]-
فتناول امرأته فضربها وقال يا أشعث أحفظ عني ثلاثًا حفظتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته (1) ولاتنم إلا على وترٍ (2) ونسيت الثالثة
(1056)
عن علي رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر في أول الليل وفي وسطه وفي آخره، ثم ثبت له الوتر في آخره.
(1057)
ز وعنه أيضًا رضي الله عنه في زوائد عبد الله على مسند أبيه مثله.
(1058)
وعنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال كان يوتر عند
ضيفًا (1) أي؛ لأنه من السؤال فيما لا يعني وهو مذموم، وهذا إذا كان أجنبيًا عنها، أما إذا كان ولي أمرها فله ذلك لأجل الإصلاح (2) هذا إذا كان لا يأمن القيام قبل الفجر، أما إذا أمنه فيستحب له تأخيره ليكون آخر صلاته لحديث جابر عند مسلم والترمذي والإمام أحمد وغيرهم، وسيأتي آخر الباب (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة محضورة وذلك أفضل)(تخريجه) أخرجه أيضًا أبو داود الطيالسي في مسنده، وفي إسناده داود الأودي ضعيف.
(1056)
عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن فضيل ثنا مطرف عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه (الحديث)(تخريجه) أخرجه ابن ماجة علن علي بلفظ (من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وانتهى وتره إلى السحر) قال العراقي وإسناده جيد، وله شاهد عند الطبراني عن أبي موسى قال (كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانًا أول الليل ووسطه ليكون سعة للمسلمين) وله شاهد أيضًا من حديث أبي مسعود وعائشة وسيأتيان في هذا الباب.
(1057)
(ز (وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني عبيد الله بن القواريري حدثني يزيد بن زريع حدثني شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال (من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، من أوله وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى آخر الليل)، (تخريجه) أخرجه لم أقف عليه وسنده جيد، وله شاهد من حديث عائشة الآتي بعضده.
(1058)
وعنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إبراهيم بن أبي العباس ثنا شريك عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
-[تفضيل تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن وثق من نفسه بالقيام]-
الأذان (1) ويصلي الركعتين (وفي رواية ويصلي ركعتي الفجر)(2) عند الإقامة.
(1059)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الوتر بليل (3)
(1060)
خط عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال لأبي بكر متى توتر؟ قال أول الليل بعد العتمة، قال فأنت يا عمر، قال آخر الليل، قال أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالثقة (4) وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة (5).
(1061)
عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول من صلى بالليل فليجعل آخر صلاته وترًا فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمر بذلك، فإذا كان
كان يوتر (الحديث)(غريبه)(1) أي أذان الفجر في بعض الأحيان لعذر، أو لبيان الجواز، وكان غالب وتره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قبل ذلك بقليل (2) أي سنة الفجر على خلاف عادته لبيان الجواز، أما عادته فقد كان يصليها بعد الأذان مباشرة وقبل الإقامة، وكان يضطجع بعدهما، وتقدم ذلك في (باب تعجيلهما) أعني ركعتي الفجر، والضجعة بعدهما، فارجع إليه (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد.
(1059)
عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا يحيى عن أبي نضرة عن أبي سعيد (الحديث)(غريبه)(3) أي وقته بالليل (تخريجه)(م. والأربعة) بلفظ (أوتروا قبل أن تصبحوا)
(1060)
خط عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله قال وجدت في كتاب أبي ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ثنا زائدة ثنا عبد الله بن محمد عن جابر بن عبد الله (الحديث)(غريبه)(4) أي بالحزم والاحتياط كما في رواية عند أبي داود (فقال لأبي بكر أخذ هذا بالحزم) أي بالضبط والاحتياط، يقال حزم الرجل أمره ضبطه (5) أي بقوة العزيمة على القيام آخر الليل (تخريجه)(د. هق. ل) من حديث أبي قتادة وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي، وأخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط والبراز عن أبي هريرة، ورواه ابن نصر عن ابن عمر.
(1061)
عن نافع أن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا
-[فوات الوقت المستحب للوتر بطلوع الفجر]-
الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر (1) فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال أوتر وأقبل الفجر.
(1062)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن الوتر فقال أوتروا قبل الصبح.
(1063)
عن أبي مسعود عقبة بن عمرٍو الأنصاري رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يوتر أول الليل وأوسطه وآخره.
(1064)
عن عائشة رضي الله عنهما قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فانتهى وتره إلى السحر.
(1065)
وعنها أيضًا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
عبد الرزاق وابن بكر قالا أنا ابن جريح حدثني سليمان بن موسى ثنا نافع أن ابن عمر (الحديث)(غريب)(1) أي إلا إذا نام عنه فله أن يقضيه ولو بعد طلوع الفجر (تخريجه)(مذ. ك) وصححه وأقره الذهبي.
(1062)
عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي صنا هاشم ثنا أبو معاوية يعني شيبان عن يحي عن أبي نضرة العوفي أن أبا سعيد الخدري أخبره قال سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (الحديث)(تخريجه)(م. مذ. نس. حه. ك) وصححه.
(1063)
عن أبي مسعود عقبة بن عمرٍو (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبد الله بن المثني قال ثنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي قال ثنا حماد عن إبراهيم عن أبي عبيد الله الجدلي عن أبي مسعود عقبة بن عمرو (الحديث)(تخريجه)(طب) قال العراقي وإسناده صحيح.
(1064)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة، وابن جعفر ثنا شعبة عن سليمان قال سمعت أبا الضحى عن مسروق عن عائشة قالت (الحديث)(تخريجه)(ق. والأربعة)
(1065)
وعنها أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع عن سفيان
-[جواز فعل الوتر بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح]-
وسلم ربما أوتر قبل أن ينام، وربما أوتر بعد أن ينام، وربما اغتسل قبل أن ينام، وربما نام قبل أن يغتسل من الجنابة.
(1066)
عن أبي نهيك أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يخطب الناس أن لا وتر لمن أدرك الصبح، فنطلق رجال من المؤمنين إلى عائشة رضي الله عنها فأخبروها، فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر.
(فصل منه في أن وقته المستحب آخر الليل)
(1067)
عن عد خير قال خرج علينا علي بن أبي طالب ونحن
عن بردٍ عن عبادة بن نسى عن غضيف بن الحارث عن عائشة (الحديث)(تخريجه) رواه أبو داود بمعنى حديث الباب، ورواه ابن ماجه في باب القراءة في صلاة الليل مقتصرًا على الفصل الأول منه ورواه (نس. ك. هق) مقتصرًا على الفصل الأخير منه وسنده جيد، وأخرجه مسلم والترمذي وأبو داود واللفظ له عن عبد الله بن أبي قيس قال سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت (ربما أوتر أول الليل، وربما أوتر من آخره، قلت كيف كانت قراءته أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت كل ذلك كان يفعل، ربما أسر، وربما جهر، وربما أغتسل فنام، وربما توضأ فنام، قال أبو داود وقال غير قتيبة تعني في الجنابة.
(1066)
عن أبي نهيك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح قال ثنا ابن جريح قال أخبرني زياد أن أبا نهيك أخبره أن أبا الدرداء كان يخطب (الحديث)(تخريجه)(هق) وروى حديثًا آخر عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال (ربما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوتر وقد قام الناس لصلاة الصبح، قال البيهقي تفرد به حاتم بن سالم البصري، ويقال له الأعرجي، وحديث ابن جريح أصح من ذلك والله أعلم (قلت) يعني حديث الباب؛ لأن الإمام أحمد رحمه الله رواه من طريق جريح عن زياد عن أبي نهيك كما رواه البيهقي، وله شاهد أيضًا عند البيهقي عن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح فأوتر) قال البيهقي كذا وجدته في الفوائد الكبير اهـ.
(1067)
عن عد خير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا غسان ابن الربيع ثنا أبو إسرائيل عن السدى عن عبد خير قال خرج علينا (الحديث)
-[استحباب فعل الوتر في آخر لحظة من الليل]-
في المسجد فقال أين السائل عن الوتر؟ (1) فمن كان منا في ركعةٍ شفع إليها أخرى (2) حتى اجتمعنا إليه، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل ثم أوتر في وسطه، ثم أثبت الوتر في هذه الساعة، قال وذلك عند طلوع الفحر.
(1068)
عن رجل من بني أسدٍ قال خرج علينا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسألوه عن الوتر، قال فقال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توتر هذه الساعة ثوب (3) با ابن التواح أو أذن أو أثم (وفي لفظٍ) قال خرج على حين
(غريبه)(1) سببه ما رواه البيهقي بسنده عن عاصم بن ضمرة أن ثومًا أتوا عليا فسألوه عن الوتر فقال سألتم أحدًا غيري؟ فقالوا سألنا أبا موسى فقال لا وتر بعد الأذان، فقال لقد أغرق في النزع فأفرط في الفتوى، كل شيء ما بينك وبين صلاة الغداة وتر، متى أوترت فحسن (ومعنى أغرق في النزع) قال في الصحاح نزع القوس إذا مدها، وأغرق في النزع أي استوفى مدها وبالغ في نزعها ليكون مرماه أبعد اهـ (2) فيه أن من كان يصلي تطوعًا وطرأ عليه أمرهم يستدعي خروجه من الصلاة أن لا يسلم من ركعة بل يضم إليها أخرى ويخرج عن شفع، والظاهر أنهم كانوا في صلاة الليل (وقوله وذلك عند طلوع الفجر) أي قبيل طلوعه بشيء يسير أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم (أوتروا قبل الفجر) وقوله صلى الله عليه وسلم (الوتر بليل) وقوله صلى الله عليه وسلم (بادروا الصبح بالوتر) أما ما ورد من فعله بعد طلوع الفجر فيحمل على أن ذلك كان لبيان الجواز أو لمن نسيه أو نام عنه، ومعنى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر أحيانًا في أول الليل، وأحيانًا في وسطه، وأحيانًا في آخره، وكان آخر أمره صلى الله عليه وسلم ثبوته على فعل الوتر آخر الليل قبيل الفجر والله أعلم (تخريحه) أخرجه ابن ماجه بدون حكاية عبد حير وقال العراق إسناده جيد، قلت ويشهد له حديث عائشة المتقدم.
(1068)
عن رجل من بني أسدٍ (سنده) حدثنا عبد الله حدثني ثنا أبو نوح يعني فرادًا أنبأنا شعبة عن أبي التياح سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يحدث عن رجل من بين أسد (الحديث)(غريبه)(3) التثويب معناه الرجوع إلى الشيء، والمراد به في الأذان قوله المؤذن (الصلاة خير من النوم) بعد قوله (حي على الفلاح) (وسمي تنويبًا؛ لأن المؤذن إذا قال حي على الصلاة حي على الفلاح فقد دعاهم إليها، وإذا قال بعدها الصلاة خير من النون فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها، ويستفاد منه أن ذلك كان وقت
-[تفضيل صلاة الوتر قبل طلوع الفجر وجوازه بعد طلوعه]-
ثوب المثوب لصلاة الصبح فذكر الحديث.
(1069)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي الليل مثني مثنى، ثم يوتر بركعة من آخر الليل، ثم يصلي ركعتين قبل الغداة ثم يقوم كأن الأذان والإقامة في أذنيه (1)
(1070)
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال بادروا الصبح بالوتر (2).
(1071)
عن ابن عمر أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
طلوع الفجر؛ ولذلك قال له أذن أو أقم شك الراوي، والمراد الأذان لا الإقامة، بدليل قوله ثوب؛ لأن الإقامة ليي فيها تثويب (تخريجه) أورده الحافظ السيوطي في الجامع الكبير في مسند علي رضي الله عنه وعزاه للحاكم في مستدركه والطبراني في الأوسط وابن جرير والطحاوي وجود إسناده، وفي مجمع الزوائد ما يؤيد ذلك عن الأغر المزني أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال (يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، قال فأوتر) قال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير رجاله موثقون وإن كان في بعضهم كلام لا يضر.
(1069)
عن ابن عمر رضي الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد أنا شعبة عن أنس بن سيرين عن عبد الله بن عمر (الحديث)(غريبه)(1) لفظ مسلم (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة ويصلي ركعتين قبل الغداة كأن الأذان بأذنيه) قال النووي قال القاضي المراد بالأذان هنا الإقامة وهو إشارة إلى شدة تخفيفها بالنسبة إلى باقي صلاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم (تخريجه)(م. وغيره).
(1070)
عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ابن زكريا بن أبي زائدة حدثني عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الحديث)(2) أي أسرعوا إلى أداء الوتر قبل أن يطلع الفجر، وهو من حجج القائلين بخروج وقت الوتر بطلوع الفجر (تخريجه)(م. د. مذ. ك).
(1071)
عن ابن عمر أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد
-[الحث على صلاة الوتر في آخر الليل- وفضل فعله في ذلك الوقت]-
قال صلاة المغرب وتر صلاة النهار، فأوتروا صلاة الليل وصلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل.
(1072)
وعنه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا.
(1073)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ظن منكم أن لا يستيقظ آخره (1) فليوتر أوله، ومن ظن منكم أنه يستيقظ آخره فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل محضورة (2) وهي فضل.
(1074)
عن الأسود بن يزيد قال قلت لعائشة أم المؤمنين أي ساعةٍ توترين؟ قالت ما أوتر حتى يؤذنوا (3) وما يؤذنون حتى يطلع الفجر، قالت وكان لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مؤذنان، بلال وعمر بن أم مكتوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أذن عمرو (4) فكلوا واشربوا فإنه
ثنا هارون بن إبراهيم الأهوازي ثنا محمد عن ابن عمر (الحديث)(تخريجه)(نس. هق. ش) بنحو حديث الباب بسند جيد، وأخرج الشق الثاني منه (ق. والأربعة. وغيرهم).
(1072)
وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر (الحديث)(تخريجه)(ق. د).
(1073)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا ابن أبي ليلى عن أبي الزبي عن جابر (الحديث)(غريبه)(1) أي آخر الليل (2) أي محضرها الملائكة وتشهدها وفي لفظ لمسلم (مشهودة) قال النووي، وفيه دليلان صريحان على تفضيل صلاة الوتر وغيرها آخر الليل اهـ (قلت) والدليلان هما قوله في الحديث (محضورة) وقوله (وهي أفضل) والله أعلم (تخريجه)(م. مذ. جه)
(1074)
عن الأسود بن يزيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل بن عمر قال ثنا يونس بن أبي إسحاق عن الأسود يزيد (الحديث)(غريبه)(3) أي الأذان الأخير الذي يكون عند طلوع الفجر بدليل قولها وما يؤذن حتى يطلع الفجر (4) يعني ابن أم مكتوم، واختلف في اسمه فقيل عمرو كما في
-[ترجمة ابن أم مكتوم - والخلاف في حديث (إن بلالا يؤذن بليل)]-
رجل ضرير البصر (1) وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم فإن بلالا لا يؤذن كذا قال (2) حتى يصبح
حديث الباب وهو الأكثر، وقيل كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن قيس بن زائدة القرشي العامري، واسم أم مكتوم (والدته) عاتكة بنت عبد الله بن عنكشة بن عامر بن مخزوم، وهو ابن خال خديجة بنت خويلد رضي الله عنهما، وابن أم مكتوب هاجر إلى المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ثلاث عشرة مرة، وشهد فتح القادسية وقتل شهيدًا وكان معه اللواء يومئذ؛ وقيل رجع إلى المدينة ومات بها، وهو الأعمى المذكور في سورة عبس، ومكتوم من الكتم سمي به لكتمان نور عينيه أفاده العيني (1) أي فلا تغتروا بأذانه فإنه لا يبصر النهار ويؤذن بليل كما في رواية للدرامي عن عائشة مرفوعة (إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعن أحد).
(2)
لفظ (كذا قال) مدرج من الراوي، يعني أنه سمع الحديث بهذا اللفظ وفيه (فإن بلالا لا يؤذن حتى الصبح) ويستفاد منه أن الذي يؤذن أولًا هو عمرو بن أم مكتوم، وأن بلالا كان يؤذن ثانيًا عند طلوع الفجر وهذا غير المشهور، والمشهور أن الذي كان يؤذن أولًا هو بلال وأن عمرًا كان يؤذن الأذان الثاني وقت طلوع الفجر، والدليل على ذلك ما رواه الشيخان الإمام أحمد أيضًا (وسيأتي في باب وقت السحور واستحباب تأخيره من كتاب الصيام) عن ابن عمر مرفوعًا (أن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن مكتوم) وقد جاء حديث الباب بعكسه وهذا مشكل، وقد أتى الحافظ رحمه الله في الفتح عند شرح حديث (إن بلالا يؤذن بليل الخ) بما يزيل الإشكال، قال رحمه الله تعالى (تنبيه) قال ابن منده حديث عبد الله بن دينار (يعني حديث إن بلالا يؤذن بليل) مجمع على صحته رواه الجماعة من أصحابه عنه، ورواه عنه شعبة فاختلف عليه فيه رواه يزيد بن هارون عنه على الشك (إن بلالا كما هو المشهور أو إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال) قال واشعبه فيه إسناد آخر، فإنه رواه أيضًا خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة فذكره على الشك أيضًا أخرجه أحمد عمن غدر عنه (قلت سيأتي في باب وقت السحور من كتاب الصيام) ورواه أبو داود الطيالسي عنه جازمًا بالأول، ورواه أبو الوليد جازمًا بالثاني، وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة، وكذا أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن ذاذان عن خبيب بن عبد الرحمن، وأدعي ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب
-[تعارض الأحاديث فيمن كان يؤذن الأذان الأول للفجر والجمع بينها]-
.....
وأن الصواب حديث الباب (يعني حديث إن بلالا يؤذن بليل) قال الحافظ وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه، وهو قوله (إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد) وأخرجه أحمد، وجاء عن عائشة أيضًا أنها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول إنه غلط، أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث، وزاد (قالت عائشة وكان بلال يبصر الفجر) فال وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر اهـ وقد جمع ابن خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصلة أن يحتمل أن يكون الأذان ذو بابين بلال وابن أم مكتوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئًا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني، وجزم ابن حبان بذلك ولم يبده احتمالًا، وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره، وقيل لم يكن نوبًا، وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان، فإن بلالا كان ف أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قال (كان بلال يجلس علي بيتي وهو أعلى بيت في المدينة فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن) أخرجه أبو داود وإسناده فأذن جين طلع الفجر الحديث؛ أخرجه النسائي وإسناده صحيح، ثم أرف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى لك تنزل رواية أنيسة وغيرها، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعي له الفجر، واستمر أذان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما روى أنه ربما كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه وانه أخطأ مرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ألا إن العبد نام يعني أن غلبه النوم على يمينيه منعته من تبين الفجر، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولًا مرفوعًا ورجاله ثقات حفاظ، قال الحافظ فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الأذان الأول اهـ ببعض اختصار (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ والسياق لغير الإمام أحمد وسنده جيد، ويشهد له ما تقدم عند أبي داود والنسائي والدارمي وابن خزينة وكلها صحيحة والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن جميع الليل وقت الوتر إلا الوقت الذي قبل صلاة العشاء، إذ لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أوتر فيه، ولم يخالف في ذلك أحد لا أهل الظاهر ولا غيرهم، إلا وجه ضعيف لأصحاب الشافعي صرح به العراقي وغيره منهم، وقد حكى صاحب المفهم الإجماع على انه لا يدخل وقت الوتر إلا بعد صلاة العشاء، وتقدم في حديث عائشة الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين صلاة العشاء
-[كلام العلماء في وقت الوتر]-
.....
الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة (وفي أحاديث الباب) أن الذي استقر عليه فعله صلى الله عليه وسلم أخيرًا هو الوتر آخر الليل، وهو المستحب الأفضل، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة عليه، واختلف العلماء في الأفضل على وجهين مع الاتفاق على جواز ذلك، قال النووي والصواب أن تأخير الوتر إلى آخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ آخره، ومن لا يثق فالتقديم أفضل، ويدل له حديث جابر عند مسلم (قلت والإمام أحمد)(من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم فليوتر آخر الليل) ويحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصريح الصحيح، ومن ذلك حديث (أوصاني خليل أن لا أنام إلا على وتر) وهو محمول على من لا يثق بالاستيقاظ اهـ قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة، ولا شك أنا إذا نظرنا إلى آخر الليل من حيث هو كذلك كانت الصلاة فيه أفضل من أوله، لكن إذا عارض ذلك احتمال تفويت الأصل قدمناه على فوات الفضيلة، وهذه قاعدة قد وقع فيها خلاف، ومن جملة صورها ما إذا كان دعا الماء يرجو وجوده في آخر الوقت فهل يقدم التيمم في أول الوقت إحرازً للفضيلة المحققة أم يؤخره إحرازًا للوضوء؟ فيه خلاف، والمختار أفضلية التقديم اهـ (قلت) وفي بعض أحاديث الباب ما يشعر بأن وقتها ينتهي بطلوع الفجر كحديث أبي سعيد مرفوعًا (الوتر بليل) وحديث ابن عمر مرفوعًا (أوتروا قبل الفجر) ومثله لأبي سعيد أيضًا (أوتروا قبل الصبح) وحديث ابن عمر أيضًا (بادروا الصبح بالوتر)(وفي بعضها أيضًا) ما يدل على امتداد وقت الوتر إلى صلاة الفجر بلا فرق بين أن يصلي في أول وقتها أو في آخره (وذهب بعض العلماء) إلى أن فعلها بعد طلوع الفجر قبل صلاته رخصة لمن يدرك فعلها في بقية من الليل، وخالف الجمهور فقالوا وقتها ممتد إلى طلوع الفجر، فيكون فعلها بعد قضاء، وبعضهم ذهب إلى أنها تسقط بفوات وقتها وهو الذي رجحه ابن القيم وشيخه ابن تيمية، وحجتهم ما قدمنا من أحاديث ابن عمر وأبي سعيد ونحوها، وقد يقال هذا إرشاد إلى بيان وقتها لمن أدركه متمكنًا من فعله فيه، فإذا تراخى عن الوتر ذهبت فضيلة فعله، فأما من أدركه غير متمكن من الفعل حتى أصبح فالأحاديث الأخرى تدل على رخصة التأخير بلا حرج، وبه يجمع بين مختلف الأحاديث، ويدل عليها صريحًا ما أورده الهيثمي في مجمع الزوائد عن الأغر المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدركه الصبح فلم يوتر فلا وتر له) وقال رواه البزار عن صالح بن معاذ البغدادي شيخه ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات اهـ وعلى هذا يحمل فعل السلف وفتاويهم، وقد تقدم الكلام على مذاهب الأئمة في حكم قضاء الوتر في الباب الرابع من أبواب قضاء الفوائت فارجع إليه والله الموفق
-[حجة من قال الوتر بركعة]-
(3)
باب الوتر بركعة وبثلاث وخمس وسبع وتسع
بسلام واحد وما يتقدمها من الشفع وفيه فصول- الفصل الأول في الوتر بواحدة.
(1075)
عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين أنه حدث عن سعد بن أبي وقاص (رض) أنه كان يصلي العشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بواحدةٍ لا يزيد عليها، فقيل له أتوتر بواحدة لا تزيد عليها يا أبا إسحاق؟ فقال نعم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذي لا ينام حتى يوتر حازم (1).
(1076)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رجل يا رسول الله كيف تأمرنا أن نصلي من الليل (2) قال يصلي أحجكم مثنى مثنى (3) فإذا خشي
(1075) عن سعد بن أبي وقاص (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين أنه حدث عن سعد بن أبي وقاص (الحديث)(غريبه)(1) الحزم ضبط الرجل أمره، والحذر من فواته، من قولهم حزمت الشيء؛ أي شذدته (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وأورده الهيثمي وقال روى البخاري منه (رأيت سعدًا يوتر بركعة) ولم يذكر باقية، وقال رواه أحمد ورجاله ثقات.
(1076)
عن ابن عمر رضي الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر (الحديث)(غريبه)(2) وقع في معجم الطبراني الصغير أن السائل هو ابن عمر، ولكنه يشكل عليه ما وقع في بعض الروايات عن ابن عمر بلفظ (إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل) فذكر الحديث، وفيه ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان منه، قال فما أدرى أهونت الرجل أم غيره؟ وعند النسائي أن السائل المذكور من أهل البادية والله أعلم (3) أي اثنتين اثنتين، وهو غير منصرف للعدل والوصف وتكرار لفظ مثنى للمبالغة، وقد فسر ذلك في الطريق الثانية بقوله (تسلم في كل ركعتين) والجواب عن هذا السؤال يشعر بأنه وقع عن كيفية الوصل والفصل لا عن مطلق الكيفية، كأنه قال الصلى أربعا موصولة بدون فصل
-[الوتر بركعة وبثلاث وبخمس]-
الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى من الليل (وعنه من طريق ثانٍ بنحوه)(1) وفيه صلاة الليل (وفي رواية والنهار) مثنى مثنى تسلم في كل ركعتين، فإذا خفت الصبح فصل ركعة توتر لك ما قبلها.
(1077)
عن أبي مجلز قال سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن الوتر، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ركعة من آخر الليل، وسألت ابن عمر رضي الله عنهما فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ركعة من آخر الليل.
(1078)
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بخمس (2) فإن لم تستطع فبثلاث، فإن لم تستطع فبواحدة (3) فإن لم تستطع فأرمني إيماء (4)
بسلام أم نفصلها بالسلام في كل ركعتين؟ وقد أخذ مالك بظاهر الحديث فقال لا تجوز الزيادة على الركعتين، وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم مما يخالف ذلك، ويحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف، إذ السلام من الركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبًا، وقد اختلف في الأفضل من الفصل والوصل، وتقدم الخلاف في ذلك في آخر الباب الرابع من أبواب رواتب الفرائض فارجع إليه (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبد الله بن الزبير يعني أبا أحمد الزبيري قال ثنا عبد العزيز يعني ابن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر بنحوه الخ (تخريجه)(ق. والأربعة).
(1077)
عن أبي مجلز (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا همام قتادة عن أبي مجلز (الحديث)(تخريجه)(م. وغيره).
(1078)
عن أبي أيوب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد ثنا سفيان بن حصين عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري (الحديث)(غريبه)(3) أي لا يجلس ولا يسلم إلا في آخرهن كما سيأتي في حديث عائشة رضي الله عنها (كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر بخمس ولا يجلس إلا في الخامسة فيسلم)(3) فيه مشروعية الوتر بواحدة، وهو يرد على القائلين بعدم صحته بأقل من ثلاث، وسيأتي ذكر مذاهب الجميع في الأحكام (4) الإيماء معناه الإشارة باليد أو العين أو الرأس
-[من صلى بالليل اثنتي عشرة ركعة مثنى مثنى ثم أوتر بواحدة]-
(1079)
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال لأرمقن (1) الليلة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فتوسدت عتبته أو فسطاطه (2) فضلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما. ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما.
أو غير ذلك، والمعنى أنه إذا كان مريضًا أو عنده مانع يمنعه من فعل الوتر إلا بالإشارة فيفعل، وهذا يدل على شدة تأكيده وأنه لا يترك على أي حال كان (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح اهـ وأورده أيضًا من طريق أخرى عند الطبراني في الكبير والصغير والأوسط وفيها ضعف ورواه (د. نس. جه. قط. هق. ك. والطحاوي) ولفظ أبي داود عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أو يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل) والحديث له عدة طرق ذكرها الدارقطني وكلها موقوفة، قال الحافظ في التلخيص وصحح أبو حاتم والذهبي والدارقطني في العلل والبيهقي وغير واحد وقفه وهو الصواب اهـ.
(1079)
عن زيد بن خالد الجهني (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن عبد الله بن قيس أخبره عن زيد بن خالد الجهني أنه قال لأرمقن الليلة (الحديث) وفي آخره بعد قوله ثلاث عشرة، قال عبد الله (يعنى ابن الإمام أحمد) وثنا مصعب حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عبد الله بن قيس بن مخرمة أخبره عن زيد بن خالد الجهني فذكر الحديث، ولم يذكر عبد الرحمن في حديث مالك عن أبيع، والصواب ما روى مصعب عن أبيه وكذا ثنا أبو موسى الأنصاري ثنا معن ثنا مالك عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن عبد الله بن قيس بن مخرمة فأخبره عن زيد بن خالد الجهني، والصواب ما قال مصعب ومعن عن أبيه ولم يذكر عبد الرحمن فيه عن أبيه، وهم فيه اهـ (غريبه)(1) أي لأنظرن يقال رمقه بعينه رمقا من باب قتل أطال النظر إليه، والحامل له على ذلك حرصه على تعلم العلم، وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم (2) أي فجعلت عتبة بيته، أو عتبة فمطاطة تحت رأسي كالوسادة، وأولئك من الراوي، يعني هل قال عتبته أو فسطاطه، وهذا مشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر؛ لأن الفسطاط لا يستعمل غالبًا إلا للمسافر، وهو بضم الفاء وكسرها بيت من شعر يتخذه من يسافر سفرًا
-[من صلى بالليل ثمان ركعات وأوتر بثلاث]-
ثم صلى ركعتين دون التين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة (1).
(الفصل الثاني في الوتر بثلاث)
(1080)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم صلى من الليل ثماني ركعات ويوتر بثلاث (2) ويصلي ركعتين
طويلًا في الصحراء يتقي به الحر والبرد، ويستأنس له بما رواه النسائي عن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف قال أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت وإنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لأرقبن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة فذكر الحديث، لكنه غير موافق لسياق حديث الباب، ففيه أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى العشاء اضطجع هويًا من الليل، ثم استيقظ فتسوك فتوضأ ثم صلى ثم نام ثم قام فعل ذلك مرات، وقد روى الإمام أحمد حديثًا بسياق حديث هذا الرجل المبهم عن صفوان بن المعطل، وتقدم في الباب الخامس من أبواب صلاة الليل، وربما كان هذا الرجل صفوان والله أعلم بحقيقة الحال (1) أي مجموع ما صلة ثلاث عشرة ركعة، فيكون أو تر بواحدة (تخريجه)(م. لك. والأربعة).
(1080)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا أبو بكر يعني النهشلي عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن الجزار عن ابن عباس (الحديث)(غريبه)(2) أي بتشهد واحد وسلام لا يفضل فيهن كما في حديث عائشة رضي الله عنهما قالت (ثم أوتر بثلاث لا يفصل فيهن) وسيأتي هذا الحديث في باب عباداته صلى الله عليه وسلم من القسم الثالث من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى، ورواه الحاكم أيضًا عن عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلى في آخرهن) وقال صحيح على شرط الشيخين، وروى الشيخان والإمام أحمد وغيرهم من رواية عائشة، وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث، لكن بدون تصريح بفصل أو وصل، وقد أورد الحافظ ابن القيم في الهدى في أنواع وتره صلى الله عليه وسلم حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي مثنى مثنى، ثم يوتر بثلاث لا يفصل بينهن، قال فهذا رواه الإمام أحمد رحمه الله عن عائشة أنه كان يوتر بثلاث لأفصل فيهن، وروى النسائي عنها كان لا يسلم في ركعتي الوتر، قال وهذه الصفة فيها نظر، فقد روى أبو حاتم وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا توتروا بثلاث؛ أوتروا بخمس أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب) قال الدارقطني رواته كلهم ثقات، قال مهني سألت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) إلى أي شيء تذهب في الوتر؟ تسلم في الركعتين؟ قال نعم، قلت لأمي
-[حجة من قال الوتر بثلاث]-
وفي رواية ويصلي ركعتي الفجر) (1) فلما كبر صار إلى تسع، ست وثلاث (2).
(1081)
عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث.
(1082)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاثٍ (3) بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد
شيء؟ قال لأن الأحاديث فيه أقوى وأكبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الركعتين، الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم من الركعتين، وقال حارث سئل أحمد عن الوتر قال يسلم في الركعتين، وإن لم يسلم رجوت أن لا يضره، إلا أن التسليم أثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقال أبو طالب سألت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) إلى أي حديث تذهب في الوتر؟ قال أذهب إليها كلها، ومن صلى خمسًا ايجلي إلا في آخرهن، ومن صلى سبعًا لا يجلي إلا في آخرهن، قد روى زرارة عن عائشة (كان يوتر بتسع يجلس في الثامنة) قال ولكن أكثر الحديث وأفواه ركعة فأنا ذهب إليه اهـ (قلت) وسيأتي الكلام على الفصل بين الوتر والشفع في الأحكام آخر هذا الباب (1) أي بعد طلوع الفجر (وقوله فلما كبر) أي تقدم في السن (2) أي صار مجموع صلاته بالليل تسع ركعات، ست منها مثنى مثنى ويوتر بثلاث، وتقم الكلام على اتصال الثلاث وانفصالها (تخريجه)(م. د. نس).
(1081)
عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو بكر عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه (الحديث)(تخريجه)(مذ) وزاد (يقرأ فيهن بقسم سور من المفصل يقرأ في كل ركعة بثلاث سور آخرهن قل هو الله أحد) وسنده جيد.
(1082)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسحاق ابن عيسى ثنا شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (الحديث)(غريبه)(2) أي بثلاث ركعات (وقوله بسبح اسم ربك الأعلى) متعلق بمحذوف تقديره يقرأ في الأولى بسبح الخ ويقرأ في الثانية قل يا أيها الكافرون، ويقرأ في الثالثة قل هو الله أحد؛ وهذا التفسير قد جاء مصرحًا به في حديث عائشة عند الحاكم بلفظ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية يقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (قلت) وأقره
-[من صلى بالليل ستًا مثنى مثنى وأوتر بخمس]-
(الفصل الثالث في الوتر بخمس)
(1083)
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة (1) يوتر بخمس ولا يجلس إلا في الخامسة فيسلم (وعنها من طريق ثان)(2) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة بركعتيه بعد الفجر قبل الصبح، إحدى عشرة ركعة من الليل، ست منها مثنى مثنى ويوتر بخمس لا يقعد فيهن (3)
الذهبي، وروى مثله الإمام أحمد عن عائشة أيضًا، وسيأتي في باب القراءة في الوتر (تخريجه)(م. د. نس) بلفظ (أوتر بثلاث) و (نس. مذ. جه) بنحو حديث الباب، وقد روى الوتر بثلاث من عدة طرق عن كثير من الصحابة (منها) ما ذكر في الباب (ومنها ما رواه محمد بن نصر عن عمران بن حصين بلفظ حديث على المذكور في الباب (كان صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث)(ومنها) ما رواه النسائي عن عبد الرحمن بن أبزى بنحوه أيضًا (ومنها) ما رواه ماجه عن ابن عمر بنحوه (وعن ابن مسعود) عند الدارقطني بنحوه وفي إسناده يحيى بن زكريا بن أبي الحواجب وهو ضعيف (وعن أنس) عند محمد بن نصر بنحوه أيضًا (وعن ابن أبي اوفى) عند البزار بنحوه وفي الباب غير ذلك.
(1083)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن هشام قال حدثني أبي عن عائشة (الحديث)(غريبه)(1) أي منها ركعتا الفجر كما في الطريق الثاني، فهي مبينة لهذه ومفسرة لها أحسن تفسير (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني هشام ين عروة بن الزبير ومحمد بن جعفر بن الزبي كلاهما حدثني عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث)(3) أي لا يقعد إلا في الخامسة ويسلم منها كما صرحت بذلك في الطريق الأولى، فهي مفسرة لهذه في هذا الموضع، وهكذا الأحاديث يفسر بعضها بعضا، وهذا ما دعاني إلى جمع هذين الطريقين في مكان واحد مع بعدهما عن بعض بعدًا شاسعًا في الأصل، فالطريق الأولى في صحيفة 50 في الجزء السادس، والطريق الثانية في صحيفة 276 منه، وهكذا أفعل في كثير من الأحاديث لهذه النكتة، والله الموفق (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم).
-[الوتر بخمس وسبع وتسع]-
(1084)
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس (1) لا يفصل بينهن بسلام ولا بكلام
(الفصل الرابع في الوتر بسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشر)
(1085)
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع حتى إذا بدن (2) وكثر لحمه أوتر بسبع وصلى ركعتين (3) وهو جالس فقرأ بإذا زلزلت وقل يا أيها الكافرون.
(1086)
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع ركعاتٍ وركعتين وهو جالس، فلما ضعف (4) أوتر بسبع وركعتين وهو جالس
(1084) عن أم سلمة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن الحكم عن مقسم عن أم سلمة الخ (غريبه)(1) المعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر أحيانًا بسبع وأحيانًا بخمس، وعدم الفصل بينهن هو الذي جعلهن وترًا فإذا فصل بملام فما بعد الفصل هو الوتر (تخريجه) نس. جه) وسنده جيد.
(1085)
عن أبي أمامة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى ثنا عمارة يعني ابن زاذان حدثني أبو غالب عن أبي أمامة (الحديث)(غريبه)(2) يجوز أن يكون بالتخفيف (أي بضم الدال المهملة) ومعناه السمن وكثرة الحم، ويكون قوله (وكثر لحمه) عطف مرادف ويجوز أن يكون بالتشديد (أي بتشديد الدال مفتوحة) ومعناه أسن وكبر وكلاهما جائز (3) أي بعد الوتر كما صرح به في حديث أم سلمة الآتي، وتقدمت الإشارة إلى هاتين الركعتين في الباب الرابع من أبواب صلاة الليل، وسيأتي لذلك مزيد بحث في أحكام هذا الباب إن شاء الله تعالى (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير وزاد (وقل هو الله أحد) ورجال أحمد ثقات.
(1086)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن الحسن قال أخبرني سعيد بن هشام أنه سمع عائشة تقول لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث)(غريبه)(4) أي كبر وأسن (تخريجه)(ق. وغيرهما)
-[الوتر بتسع لا يجلس إلا عند الثامنة]-
(1087)
وعنها أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي تسع ركعات لا يقعد فيهن إلا عند الثامنة فيحمد الله عز وجل ويذكره ويدعو، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة فيقعد يحمد الله عز وجل ويذكره ويدعو، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو قاعد.
(1088)
عن عبد الله بن أبي قيس (1) قال سألت عائشة
(1087) وعنها أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن زرارة بن أوفى أن سعد بن هشام بن عامر وكان جارًا له أخبره فذكر الحديث، وأنه دخل على عائشة فذكرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي تسع ركعات الخ (وقوله فذكر الحديث) يعني الحديث الطويل الذي رواه سعد عن عائشة، وفيه قصه له، وهي أنه أراد أن يغزو في سبيل الله فقدم المدينة فأراد أن يبيع عقارًا له بها فيجعله في السلاح والكراع (أمم للخيل) ويجاهد الروم حتى يموت، فلما قدم المدينة لقي أناسًا من أهل المدينة فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطًا ستة أرادوا ذلك في حياة نبي الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال أليس لكم في أسوة؟ فلما حدثوه بذلك راجع امرأته وقد كان طلقها وأشهد على رجعتها فأتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس إلا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال من؟ قال عائشة فأتها فاسألها، ثم ائتني فأخبرني بردها عليك، فانطلقت إليها فذكر قصة طويلة، ثم سألها عن خدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإجابته عن ذلك بكلام طويل، ثم سألها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنا نعدله سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات فذكر حديث الباب وزاد أمورًا أخرى، وسيأتي الحديث بطوله في باب عباداته صلى الله عليه وسلم من القسم الثالث من كتاب السيرة النبوية فأنظره (تخريجه)(ق. هق. والأربعة وغيرهم).
(1088)
عن عبد الله بن أبي قيس سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن عن معاوية عن عبد الله ابن أبي قيس (الحديث)(غريبه)(1) قال في التقريب عبد الله بن أبي قيس، ويقال عبد الله بن قيس، ويقال ابن أبي موسى أبو الأسود النصري بالنون الحمصي ثقة مخضرم من الثالثة اهـ (قلت) وقد تكرر ذكره
-[من صلى ركعتين بعد الوتر وهو جالس]-
بكم (1) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت بأربعٍ وثلاثٍ (2) وستٍ وثلاثٍ، وثمان وثلاثٍ، وعشرةٍ وثلاثٍ، ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة، ولا أنقص من سبع (3) وكان لا تدع ركعتين (4).
(1089)
عن أم سلمة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين (5) بعد الوتر وهو جالس
في المسند تارة بالكنية وتارة بالاسم فتبعته في ذلك (1) أي بكم ركعة (2) الظاهر أنها أرادت بذلك مجموع صلاة الليل تهجدًا ووترًا، فبينت أنه صلى الله عليه وسلم تارة كان يصلي أربعًا تهجدًا ويوتر بثلاث، وتارة ستًا تهجدًا ويوتر بثلاث، وهكذا وإنما أطلقت على الكل وترًا مجازًا، وبهذا الحديث احتج الحنفية وقالوا إن إتيانها بالثلاث بعد كل عدد يدل على أن الوتر هو الثلاث وأن ما قبله تهجد، وحصروا الوتر في الثلاث فقالوا لا يصح بغيرها، ويجاب عن ذلك بأنها لم تحصر كل أخواله صلى الله عليه وسلم في الوتر في هذا الحديث، بل كان له حالات أخرى، فتارة كان يصلي أربعًا ويوتر بخمس، وتارة كان يوتر بسبع، وتارة كان يوتر بتسع، وأحيانًا كان يصلي عشر ركعات مثنى ويوتر بركعة، وأحيانًا كان يصلي اثنتي عشر ركعة مثنى مثنى ويوتر بواحدة، وكل ذلك تقدم (قال الترمذي) قال إسحاق بن إبراهيم معنى ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة قال إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر فسبت صلاة الليل إلى الوتر، وروى في ذلك حديثًا عن عائشة (قلت) الظاهر أنه يشير إلى حديث الباب والله أعلم (3) تريد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي ليلًا أقل من سبع ولا أكثر من ثلاث عشرة ركعة بالوتر والله أعلم (4) هما الركعتان اللتان كان يصليهما بعد الوتر قبل الفجر، وقد جاء مصرحًا بذلك في رواية عند أبي داود بلفظ (ولم يكن يوتر ركعتين قبل الفجر، قلت ما يوتر؟ قالت لم يكن يدع ذلك)(تخريجه)(د. هق. وسند جيد).
(1089)
عن أم سلمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حماد بن مسعده ثنا ميمون بن موسى المرائي عن الحسن عن أمه عن أم سلمة (الحديث)(غريبه)(5) سيأتي الكلام عليهما الأحكام أخر الباب (تخريجه)(مذ. جه. قط) وصححه وزاد ابن ماجة وهو جالس، قال الترمذي وقد روى نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) وكل ما أشار إليه الترمذي جاء في هذا الباب
-[الفصل بين الشفع والوتر بتسليمه]-
(الفصل الخامس في الفصل بين الشفع والوتر بتسليمه)
(1090)
عن أبي عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الوتر والشفع (1) بتسليمه ويسمعناها
(1091)
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحجرة وأنا في البيت فيفصل عن الشفع والوتر بتسليم يسمعناه
(1090) عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عتاب بن زياد ثنا أبو حمزة يعني السكري عن إبراهيم يعني الصائغ عن ابن عمر (الحديث)(غريبه)(1) يعني إذا أوتر بثلاث بأن سلم من ركعتين ويأتي بركعة ثالثة منفصلة عنهما، وقد استشهد به الرافعي في الشرح الكبير على أفضلية الفصل في الثلاث، قال وكان ابن عمر رضي الله عنها يسلم ويأمر بينهما بحوائجه اهـ (تخريجه) قال الحافظ في التلخيص رواه أحمد وابن حبان وابن المكن في صحيحيهما والطبراني من حديث إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر به وقاه أحمد اهـ
(1091)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي قال حدثني أسامة بن زيد قال حدثني زيان بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن عبد العزيز عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحديث)(تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده منقطع؛ لأن عمر بن عبد العزيز لم يدرك عائشة، لكن يؤيده ما قبله، وكذا ما تقدم في حديث عائشة وأبي أمامة وكلها صحيحة (الأحكام) استمل هذا الباب على أحكام شتى (منها) جواز الأيتار بركعة واحدة، وإليه ذهب جمهور العلماء قال العراقي، وممن كان يوتر بركعة من الصحابة الخلفاء الأربعة وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل وأبي كعب وأبو موسى الأشعري وأبو الدرداء وحذيفة وابن مسعود وابن عمر وابن عباس ومعاوية وتميم الداري وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة وفضالة ابن عبيد وعبد الله بن الزبير ومعاذ بن الحارث القاري، وهو مختلف في صحبته رضي الله عنهم، قال وممن أوتر بركعة (يعني من التابعين) سالم بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير ونافع بن جبير بن مسلم وجابر بن زيد والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمن وغيرهم
-[تعارض أحاديث الوتر بثلاث والجمع بينها]-
.....
رحمهم الله (ومن الأئمة) مالك والشافعى والأوزاعى وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن حزم (وذهب الهادوية وبعض الحنفية) إلى أنه لا يجوز الأيتار بركعة، وإلى أن المشروع الأيتار بثلاث، واستدلوا بما روى من حديث محمد بن كعب القرظى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء، قال العراق وهذا مرسل ضعيف، وقال ابن حزم لم يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء؛ قال ولا في الحديث على سقوطه بيان ما هي البتيراء، قال وقد روينا من طريق عبد الرازق عن سفيان بن عينية عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (الثلاث بتيراء) يعنى الوتر قال فعاد البتيراء على المحتج بالخبر الكاذب فيها اهـ واحتجوا أيضاً بما حكى عن ابن مسعود أنه قال ما أجزأت ركعة قط، قال النووى في شرح المهذب أنه ليس بثابت عنه، قال واو ثبت لحمل على الفرائض، فقد قيل إنه ذكره ردّاً على ابن عباس في قوله إن الواجب من الصلاة الرباعية في حال الخوف ركعة واحدة، فقال ابن مسعود ما اجرأت ركعة قط، أي عن المكتوبات اهـ (ومنها) جواز الوتر بثلاث، وقد تعارضت الأحاديث في ذلك (فورت الأخبار) بالوتر بها كحديث على رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث" ومثله عن ابن عباس وذكرنا له طرقاً شتى عن كثير من الصحابة، (منها) ما رواه مسلم وغيره وتقدمت في الكلام على حديث ابن عباس في الفصل الثاني في الوتر بثلاث (ووردت أحاديث بالنهى عنها) كحديث أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تواتروا بثلاث أوتروا بخمس أو سبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب" رواه الدارقطنى باسناده وقال كلهم ثقات (وأخرجه أيضاً) ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه قال الحافظ ورجاله كلهم ثقات ولا يضره وقف من وقفه (وأخرجه أيضاً) محمد بن نصر من رواية عراك بن مالك عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو باحدى عشرة أو أكثر من ذلك" قال العراقى وإسناده صحيح، (وأخرج أيضاً) من رواية عبد الله بن الفضل عن أبى سلمة وعبد الرحمن الأعرج عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا توتروا بثلاث أوتروا بخمس أو سبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب" قال العراقى أيضاً وإسناده صحيح، ثم روى محمد بن نصر قول مقسم إلى الوتر لا يصلح إلا بخمس أو سبع، وإن الحكم بن عتيبية سأله عمن؟ فقال عن الثقة عن الثقة عن عائشة وميمونة (وقد روى نحوه) النسائى عن ميمونة مرفوعاً (وروى) محمد بن نصر أيضاً بإسناد قال العراقى أيضاً صحيح عن ابن عباس قال "الوتر سبع أو خمس ولا نحب ثلاثاً بتراء"(وروى أيضاً) عن عائشة بإسناد صححه العراقى أيضاً عن سليمان بن يسار أنه سئل عن الوتر
-[مذاهب العلماء في الوتر بركعة وبثلاث وبأكثر من ذلك]-.
.....
بثلاث فكره الثلاث وقال لا تشبه التطوع بالفريضة، أوتر بركعة أو بخمس أو بسبع، قال محمد بن نصر لم نجد عن النبى صلى الله عليه وسلم خبراً ثابتاً صريحاً أنه أوتر بثلاث موصولة، قال نعم ثبت عنه أنه أوتر بثلاث لكن لم يبين الراوى هل هي موصولة أم مفصولة اهـ وتعقبه العراقى والحافظ بحديث عائشة قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يفصل بينهن" رواه الإمام أحمد والنسائى ولفظ النسائى (كان لا يسلم في ركعتى الوتر) قالا أعنى الحافظ العراقى والحافظ ابن حجر ويجاب عن ذلك باحتمال أنه لم يثبت عنده، وقد قال البيهقى في حديث عائشة المذكور إنه خطأ (قلت) قال صاحب المنتقى وقد ضعف أحمد إسناده وإن ثبت فيكون قد عمله أحياناً كما أوتر بالخمس والسبع والتسع اهـ وجمع الحافظ بين الأحاديث بحمل أحاديث النهى عن الإيتار بثلاث بتشهدين لمشابهة ذلك لصلاة المغري، وأحاديث الجواز على الأيتاء بثلاث متصلة بتشهد واحد في آخرها، وروى فعل ذلك عن جماعة من السلف أفاده الشوكاني (قال) ويمكن الجمع بحمل النهي عن الإيثار بثلاث على الكراهة، والأحوط ترك الإيثار بثلاث مطلقاُ لأن الإحرام بها متصلة بتشهد واحد في آخرها وبما حصلت به المشابهة لصلاة المغرب وإن كانت المشابهة الكاملة تتوقف على فعل التشهدين، وقد جعل الله في الأمر سعة وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم الوتر على هيئات متعددة فلا ملجأ إلى الوقوع في مضيق التعارض (وذهب على الوتر بثلاث) جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي ابن كعب وانس بن مالك وابن مسعود وابن عباس وأبو لمامة، ومن التابعين عمر بن عبد العزيز، وليس في كلام هؤلاء الصحابة منع الوتر بركعة واحدة؛ قال ابن المنذر وقال النووي أعجب إلى الثلاث أهـ (وذهب أبو حنيفة) إلى انه لا يكون إلا بثلاث متصلة (وقال مالك) يكون بواحدة بشرط أن يتقدمها شفع (وقال الإمامان الشافعي واحمد) يكون بالواحدة والثلاث إلى إحدى عشرة ولهما في الوتر بإحدى عشرة ثلاث حالات (إحداها) أن يسلم من كل ركعتين ثم يصلي ركعة بتشهد وسلام (الثانية) أن يسرد العشر ويتشهد ولا يسلم، ثم يأتي بركعة ويتشهد ويسلم (الثالثة) أن يسرد الجميع لا يجلس إلا في آخرهن ثم يسلم وكذا الوتر بالخمس والسبع والتسع، والأفضل في الخمس والسبع الجلوس في آخرها، قال النووي رحمه الله في شرح المهذب الوتر سنة عندنا بلا خلاف وأقله ركعة بلا خلاف. وأدنى كماله ثلاث ركعات وأكمل منه خمس ثم سبع ثم تسع ثم إحدى عشرة، وهي أكثره على المشهور في المذهب وبه قطع المصنف والأكثرون، وفيه وجه أن أكثره ثلاث عشرة. حكاه جماعة من الخراسانيين وجاءت فيه أحاديث صحيحة. ومن قال بإحدى عشرة يتأولها على أن الراوي حسب معها سنة العشاء. ولو زاد على عشرة لم يجز ولم يصح وتره عند الجمهور. وفيه وجه حكاه
-[مذهب العلماء في حكم القصر بين الشفع والوتر وصلاة ركعتين بعد الوتر]-.
.....
إمام الحرمين وغيره أنه يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله على أوجه من أعداد من الركعات، فدل على عدم انحصاره، وأجاب الجمهور على هذا بأن اختلاف الأعداد إنما هو فيما لم يجاوز، قال وإذا أوتر بإحدى عشرة فما دونها فالأفضل أن يسلم من كل ركعتين للأحاديث الصحيحة، قال وإذا أراد الإتيان بثلاث ركعات ففي الأفضل أوجه، الصحيح أن الأفضل أن يصليها مفصولة بسلامين لكثرة الأحاديث الصحيحة فيه (قلت) منها حديثاً ابن عمر وعائشة اللذان في الفصل الأخير من الباب (وإليه ذهب الإمام أحمد) قال ولكثرة العبادات فإنه تتجدد النية ودعاء التوجه والدعاء في آخر الصلاة والسلام وغير ذلك (والثاني) إن وصلها بتسليمة واحدة أفضل قاله الشيخ أبو زيد المروزي للخروج من الخلاف فإن أبا حنيفة رحمه الله لا يصحح المفصولة (والثالث) إن كان منفرداً فالفصل أفضل، وإن كان إماماً فالوصل حتى تصح صلاته لكل المقتدين (والرابع) عكسه حكاه الرافعي، ثم إن أوتر بركعة نوى بها الوتر، وإن أوتر بأكثر واقتصر على تسليمة نوى الوتر أيضاً، وإذا فصل الركعتين بالسلام وسلم من كل ركعتين نوى بكل ركعتين ركعتين من الوتر هذا هو المختار، وله أن ينوي غير هذا أهـ بتصرف واختصار (وفي أحاديث الباب أيضاً) مشروعية صلاة ركعتين بعد الوتر وهو جالس لما ذكر في أحاديث الباب عن أبي أمامة وعائشة وأم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يركع ركعتين بعد الوتر وهو جالس) وقد أخذ بظاهرها الأوزاعي والإمام أحمد فيما حكاه القاضي عياض عنهما وأباحا ركعتين بعد الوتر جالساً قال الإمام أحمد لا أفعله ولا أمنع من فعله قال وأنكره مالك (قال النووي رحمه الله والصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عيه وسلم لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرة أو مرات قليلة. قال ولا يغتر بقولها كان يصلي فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض تدل على وقوعه مرة فإن دل دليل عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها، وقد قالت عائشة كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل أن يطوف، ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع، قال ولا يقال لعلها طيبته في إحرامه بعمرة لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع، فثبت أنها استعملت كان في مرة واحدة، قال وإنما تأولنا حديث الركعتين لأن الروايات المشهورة في الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل كانت وتراً (وفي الصحيحين) أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر يجعل آخر صلاة الليل وتراً فكيف يظن به صلى الله عليه وسلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلها آخر صلاة الليل، قال وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد
-[حل إشكال صلاته صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد الوتر- مع قوله صلى الله عليه وسلم اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراُ]-
(4)
باب ما يقرأ به في الوتر
(1092)
عن علي رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع سور من المفصل، يقرأ في الركعة الأولى ألهاكم التكاثر وإنا أنزلناه في ليلة القدر وإذا زلزلت الأرض، وفي الركعة الثانية والعصر وإذا جاء نصر الله
رواية الركعتين فليس بصواب، لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين (يعني الجمع) وقد جمعنا بينها ولله الحمد أهـ حكاه الشوكاني رحمه الله عن النووي ثم قال أما الأحاديث التي فيها الأمر للأمة أن يجعلوا آخر صلاة الليل وتراً فلا معارضة بينها وبين فعله صلى الله عليه وسلم للركعتين بعد الوتر، لما تقرر في الأصول أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة فلا معنى للاستنكار، وأما حديث أنه كان آخر صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل وتراً، فليس فيها ما يدل على الدوام لما قرره من عدم دلالة لفظ كان عليه؛ فطريق الجمع باعتباره صلى الله عليه وسلم أن يقال إنه كان يصلي الركعتين بعد الوتر تارة ويدعها تارة، وأما باعتبار الأمة فغير محتاج إلى الجمع لما عرفت من أن الأوامر بجعل آخر صلاة الليل وتراً مختصة بهم، وأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض ذلك (وقال ابن القيم في الهدي) وقد أشكل هذا يعني حديث الركعتين بعد الوتر على كثير من الناس فظنوه معارضاً لقوله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ثم حكي عن مالك وأحمد ما تقدم، وحكي عن طائفة ما قدمنا عن النووي، ثم قال والصواب أن يقال إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة وتكميل الوتر فإن الوتر عبادة مستقلة، ولاسيما إن قيل بوجوبه فتجري الركعتان بعده مجري سنة المغرب من المغرب فأنها وتر النهار والركعتان بعدها تكميل لها، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل والله أعلم أهـ (قال الشوكاني) والظاهر ما قدمنا من اختصاص ذلك به صلى الله عليه وسلم، وقد ورد فعله لهاتين الركعتين بعد الوتر من طريق أم سلمة عند أحمد في المسند ومن طريق غيرها، قال الترمذي روي نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المسند أيضاً والبيهقي عن أبي أمامه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما إذا زلزلت الأرض زلزالها وقل يا أيها الكافرون أهـ
(1029)
عن علي رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن عبد الله بن الزبير وأسود بن عامر قالا ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي
-[ما يقرأ به في الوتر- والذكر الذي يقال بعد الانصراف منه]-.
والفتح وإنا أعطيناك الكوثر، وفي الثالث قل يا أيها الكافرون وتبت يدا أبي لهب، وقل هو الله أحد
(1093)
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله علية وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، ثم يرفع صوته في الثالثة (وعنه من طريق ثان) عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، وكان إذا سلم قال سبحان الملك القدوس يطولها ثلاثاً
رضي الله عنه (الحديث)(تخريجه)(مذ) ولم يتكلم على رجاله بجرح ولا تعديل وفي إسناده الحارث بن عبد الله: الأعور صاحب علي، قال الحفظ في التقريب كذبه الشعبي في رأيه ورمى بالرفض وفي حديثه ضعيف، مات في جلافه ابن الزبير أهـ
(1093)
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرازق قال أنا سفيان عن زبيد عن ذر بن عبد الله المرهبي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه (الحديث)(غريبه)(1) أي يقرأ في الوتر كما في الطريق الثانية (2) القدوس الطاهر المنزه عن العيوب، وفعول من أبنية المبالغة، وقد تفتح القاف وليس بالكثير، ولم يجئ منه إلا قدوس وسبوح وذروح، والمراد به التطهير (نه)(3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا بهز ثنا همام أنا قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه الحديث) (4) أي يقول هذا الذكر ثلاث مرات ويطول لفظ القدوس، أي بمده في كل مرة ثم يرفع صوته في الجملة كلها في المرة الثالثة كما يستفاد من الطريق الأولى (تخريجه)(نس) وصحح العراقي في إسناده، ورواه الأربعة إلا الترمذي من حديث أبي بن كعب بدون قوله سبحان الملك القدوس
-[حجة القائلين بقراءة المعوذتين في الركعة الثالثة مع قل هو الله أحد]-.
(1094)
عن عبد العزيز بن جريح قال سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت كان يقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية يقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد والمعوذتين
(1095)
ز عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد
(1094) عن عبد العزيز بن جريج (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن سلمة عن خصيف عن عبد العزيز بن جريج قال سألت عائشة "الحديث"(تخريجه)(د. جه. حب. هق. قط. ك. مذ) وقال حديث حسن غريب قال وقد روي هذا الحديث يحي بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (قلت) الحديث في إسناده عبد العزيز بن جريح، قال الحافظ في التقريب، المكي مولي قريش لين، قال العجلي لم يسمع من عائشة وأخطأ خصيف، فصرح بسماعه، من الرابعة، وقال في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث فيه خصيف وفيه لين أهـ (قلت) والظاهر أن الترمذي حسنه لأنه روى من عدة طرق إسناد بعضها جيد؛ قال الحافظ في التلخيص بعد ذكره ورواه الدارقطني وابن حبان والحاكم من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة وتفرق به يحيى بن أيوب عنه، وفيه مقال ولكنه صدوق وقال العقيلي إسناده صالح أهـ (قلت) ورواه أيضاً الحاكم من طريق سعيد بن عفير وسعيد بن أبي مريم كلاهما عن يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وسعيد بن عفير إمام أهل مصر بلا مدافعة أهـ (قلت وأقره الذهبي) وروى زيادة المعوذتين محمد بن نصر أيضاً من طريق حسين بن عبد الله بن ضمرة بن أبي ضمرة وضعفه الإمام أحمد وابن معين وأبو زرعة، وهذه الروايات تدل على زيادة المعوذتين في الركعة الثالثة.
(1095)
ز عن أبي كعب رضي الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو حفص الآبار عن الأعمش عن طلحة وزبيد عن ذرعن سعيد ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب (الحديث)(تخريجه)(د. جه نس) وزاد النسائي (ولا يسلم إلا في آخرهن) ورجال إسناده ثقات إلا عبد العزيز
-[مذاهب العلماء فيما يقرأ به في الوتر]-.
(1096)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
ابن خالد عند النسائي وهو مقبول.
(1096)
(وعن ابن عباس الخ) حديث ابن عباس المشار إليه تقدم بسنده ومتنه وشرحه وتخريجه في الفصل الثاني من الباب الثالث من أبواب الوتر (الأحكام) أحاديث الباب تؤيد مشروعية الوتر بثلاث ركعات واستحباب القراءة فيها بما ذكر من الصور، وورد عن بعض الصحابة القراءة بغير ما ذكر قولاً وفعلاً، فقد روى محمد بن نصر (عن سعيد بن جبير) أنه كان يقرأ في الوتر في أول ركعة خاتمة البقرة، وفي الثانية إنا أنزلناه في ليلة القدر وربما قرأ قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة قل هو الله أحد (وروى أيضاً) عن سعيد بن جبير لما أمر عمر بن الخطاب أبى بن كعب أن يقوم بالناس في رمضان كان يوتر بهم فيقرأ في الركعة الأولى إنا أنزلناه في ليلة القدر، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة بقل هو الله أحد (وروى عن علي) رضي الله عنه ليس في القرآن شيء مهجور فأوتر بما شئت (وروى النسائي) من طريق عاصم الأحول عن أبي مجاز أن أبا موسى كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين ثم صلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء، ثم قال ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدميه، وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (قال الترمذي) والذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، يقرأ في كل ركعة من ذلك بصورة أهـ (قلت) وإلى ذلك ذهب (الحنفية والحنابلة والثوري وإسحاق) وإنما اختاره أكثر أهل العلم لأن حديث ابن عباس وأبى بن كعب بإسقاط المعوذتين أصح، وقال ابن الجوزي أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين كذا في التلخيص (قال النووي) رحمه الله مذهبنا أنه يقرأ بعد الفاتحة في الأولى سبح، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة قل هو الله أحد مرة والمعوذتين، وحكاه القاضي عن جمهور العلماء، وبه قال مالك وداود؛ قال دليلنا حديث عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر في الأولى سبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية أبي بن كعب، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من رواية ابن عباس، لكن ليس في روايتهما ذكر المعوذتين، وهو ثابت في حديث عائشة كما ذكرناه والزيادة من الثقة مقبولة اهـ (ج)
-[شبهة من قال لا وتر إلا بخمس أو سبع]-.
(5)
باب لا وتر إلا بخمس أو سبع - ولا وترين في ليلة
(1097)
عن الحكم (1) قال قلت لمقسم (2) أوتر بثلاث ثم أخرج إلى الصلاة مخافة أن تفوتني (3) قال لا وتر إلا بخمس أو سبع (4) قال فذكرت ذلك ليحيى بن الجزار ومجاهد فقالا لي سلة عمن؟ (5) فقلت له فقال عن الثقة عن عائشة وميمونة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
(1098)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا ملازم بن عمرو السحيمي ثنا جدي عبد الله بن بدر قال وحدثني سراج بن عقبة أن قيس بن طلق حدثهما أن أباه طلق بن علي أتانا في رمضان وكان عندنا حتى أمسى فصلى بنا القيام في رمضان وأوتر بنا ثم انحدر (6) إلى مسجد ريمان فصلى بهم (7) حتى بقي
(1097) عن الحكم (سنده) حدثنا عبد الله حدثنا أبي ثنا يحيى عن شعبة قال حدثني الحكم قال قلت لمقسم الخ (غريبه)(1) هو ابن عتيبة بمثناه فوقية ثم تحتية مصغراً، الكندي مولاهم أبو محمد أو أبو عبد الله الكوفي أحد الأعلام عن أبي جحيفة وعبد الله بن شداد وأبي وائل وعبد الرحمن بن أبي ليلى وخلق، وعنه منصور والأعمش ومسعر وشعبة وأبو عوانة وخلق، قال العجلي ثقة ثبت من فقهاء أصحاب إبراهيم صاحب سنة وأتباع، قال أبو نعيم مات سنة خمس عشرة ومائة عن خمس وستين سنة (خلاصة)(2) بكسر أوله وسكون ثانيه ابن بحيرة بضم الموحدة أو ابن نجدة بنون مولي عبد الله ابن الحارس بن نوفل عن عائشة وأم سلمة، ولزم ابن عباس فنسب إليه بالولاء، وعنه ميمون ابن مهران والحكم بن عتيبة وطائفة، قال أبو حاتم لا بأس به، وقال ابن سعد توفى سنة إحدى ومائة، له في البخاري فرد حديث كذا في الخلاصة (3) يريد أنه كان يخفف الوتر فيوتر بثلاث ركعات ليدرك الجماعة في صلاة الصبح (4) كأنه لم يبلغه الوتر بواحدة أو ثلاث (5) أي عمن أخذت هذا الحكم وهو عدم الوتر إلا بخمس أو سبع (وقوله فقلت له) أي فسأله عن ذلك فقال عن الثقة الخ (تخريجه) أخرجه النسائي ومحمد بن نصر وسنده جيد
(1098)
حدثنا عبد الله الخ (غريبه)(6) أي خرج إلى المسجد الذي كان يصلي فيه إماماً (وريمان) بفتح الراء اسم موضع أضيف إليه المسجد ولفظ أبي داود (ثم انحدر إلى مسجده) وأضيف إليه لكونه كان يصلي فيه إماماً فالإضافة في مسجده لأدنى ملابسة (7) الظاهر أنه صلى
-[إزالة شين قال لأوتر إلا بخمس أو سبع- وحجة القائلين بعدم نقص الوتر]-.
الوتر فقدم رجلاً فأوتر بهم (1) وقال سمعت نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول لا وتران (2) في ليلة
بهم الفرض والنقل جميعاً فيكون اقتداء القوم به في الفرض من اقتداء المفترض بالمتنفل (1) إنما قدم غيره لصلاة الوتر لأنه أوتر بالجماعة الأولى، وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا وتران في ليلة، وذكر لهم الحديث ليبين لهم سبب تأخره عن صلاة الوتر ويبلغهم الحكم (2) أي لا يجتمع وتران أو لا يجوز وتران في ليلة بمعني لا ينبغي لكم أن تجمعوها، وليست لا نافية للجنس وإلا لكان لا وترين بالياء، لأن الاسم بعد لا النافية للجنس يبنى على ما ينصب به، ونصب التثنية بالياء التحتية إلا أن يكون ههنا حكاية فيكون الرفع للحكاية، وقال الحافظ الشيوطي هو على لغة بلحارث؟ الذين يجرون المثنى بالألف في كل حال (تخريجه)(د. نس. مذ. حب) وقال الترمذي حسن غريب وصححه ابن حبان (الأحكام) الحديث الأول من حديثي الباب يدل بظاهره على أن الوتر لا يصح إلا بخمس ركعات أو سبع وليس كذلك، بل المراد بذلك والله أعلم صلاة التهجد مع الوتر، لأنهم كانوا إتارة يعبرون عنهما بالوتر مجازاً، ففهم الراوي أنها تريد الوتر فقط، والحامل لنا على هذا التأويل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة (وتقدم ذلك) أنه صلى الله عليه وسلم أوتر بواحدة وتسع وإحدى عشرة، فيستفاد من حديث الباب أن المصلي لا يكون متهجداً بأقل من خمس ركعات فيها الوتر، هذا ما ظهر لي والله أعلم (والحديث الثاني) يدل على مشروعية الصلاة بعد الوتر شفعاً، وعلى عدم إعادة الوتر مرة أخرى، وبه احتج رواية طلق بن علي وقدم غيره ليصلي الوتر بالجماعة لأنه كان أوتر، قال العراقي وإلى ذلك ذهب أكثر العلماء وقالوا إن من أوتر وأراد الصلاة بعد ذلك لا ينقض وتره ويصلي شفعاً شفعاً حتى يصبح، قال فمن الصحابة أبو بكر الصديق وعمار بن ياسر ورافع بن خديج وعائذ بن عمرو وطلق بن علي وأبو هريرة وعائشة، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن سعد بن أبي وقاص وابن عمرو وابن عباس (وممن قال به من التابعين) سعيد بن المسيب وعلقمة والشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول والحسن البصري، روى ذلك ابن أبي شيبة عنهم في المصنف أيضاً، وقال به من التابعين طاوس وأبو مجلز (ومن الأئمة) سفيان الثوري ومالك وابن المبارك وأحمد روي ذلك الترمذي عنهم في سننه وقال إنه أصح، ورواه العراقي عن الأوزاعي والشافعي وأبي ثور، وحكاه القاضي عياض عن كافة أهل الفتيا أفاده الشوكاني (قلت) ودليلهم على جواز صلاة الشفع بعد الوتر ما رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها قالت
-[حجة من قال بنقض الوتر]-.
(6)
باب ختم صلاة الليل بالوتر وما جاء في نقضه
(1099)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سئل عن الوتر قال أما أنا فلو أوترت قبل أن أنام ثم أردت أن أصلي بالليل شفعت بواحدة ما مضى من وتري ثم صليت مثني مثنى فإذا قضيت صلاتي أوترت بواحدة،
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع ركعات وركعتين وهو جالس فلما ضعف أوتر بسبع وركعتين وهو جالس (وفي رواية) ثم يصلي ركعتين وهو قاعد (وتقدم في الباب السابق) وما رواه أبو داود والبيهقي والإمام أحمد بسند جيد (وتقدم أيضاً في الباب السابق) عن أم مسلمة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين بعد الوتر وهو جالس)(وذكر محمد بن نصر) آثاراُ تدل على أن الوتر لا ينقض فقال (سئلت عائشة) عن الرجل يوتر ثم يستيقظ فيشفع بركعة ثم يوتر بعد، قالت ذاك الذي يلعب بوتره (وعن أبي هريرة) إذا صليت العشاء صليت بعدها خمس ركعات ثم أنام فإن قمت صليت مثني مثني، وإن أصبحت أصبحت على وتر (وسئل رافع بن خديج) عن الوتر فقال أما أنا فأني أوتر من أول الليل فإن رزقت شيئاً من آخره صليت ركعتين ركعتين حتى أصبح (وعن علقمة) إذا أوترت ثم قمت فاشفع حتى تصبح (وعن جعفر) قال سألت ميموناً عن الرجل يوتر من آخر الليل وهو يري أنه قد دنا الصبح فينظر فإذا عليه ليل طويل فأيهما أحب إليك؟ أيجلس حتى يصبح بعد وتره أم يصلي مثني مثني؟ فقال لا، بل يصلي مثني مثنى حتى يصبح (وقيل للأوزاعي) فيمن أوتر في أول الليل ثم استيقظ آخر ليلته أله أن يشفع وتره بركعة ثم يصلى شفعاً شفعاً حتى إذا تخوف الفجر أوتر بركعة؟ فكره ذلك وقال بل يصلي بقية ليلته شفعاً شفعاً حتى يصبح وهو على وتره الأول (وقال مالك) من أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام فبدأ له أن يصلي فليصل مثني مثنى وهو أحب ما سمعت إلى (وسئل أحمد) فيمن أوتر الليل ثم قام يصلي قال يصلي ركعتين ركعتين؛ قيل وليس عليه وتر؟ قال لا، قال ابن نصر هو أحب إلي، وإن شفع وتره إتباعاً للأخبار رأيته جائزاً أهـ (قلت) ما ذهب إليه القائلون بعدم جواز نقض الوتر هو مذهبي وهو الأرجح في نظري والله أعلم
(1099)
عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر (الحديث)(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد ورجاله رجال الصحيح وأخرجه (ق. والأربعة) إلا ابن ماجه
-[مذاهب الأئمة في جواز نقض الوتر وعدمه]-.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يجعل آخر صلاة الليل الوتر
(1100)
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي من الليل فإذا انصرف قال لي قومي فأوتري
عن ابن عمر أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ورواه أيضاً الإمام أحمد بهذا اللفظ وتقدم في الباب الثاني من أبواب الوتر
(1100)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عمرة عن عائشة (الحديث)(تخريجه)(م. وغيره)(وفي الباب) عن علي رضي الله عنه قال (الوتر ثلاثة أنواع، فمن شاء أن يوتر أول الليل أوتر فإذا استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل، وإن شاء ركعتين حتى يصبح، وإن شاء آخر الليل أوتر) رواه الإمام الشافعي في مسنده ورجاله ثقات (الأحكام) حديثاً الباب يدلان على استحباب تأخير الوتر لآخر الليل سواء كان للإنسان تهجد أم لا إذا وثق من استيقاظ آخر الليل إما بنفسه وإما بإيقاظ غيره، وأن الأمر بالنوم على وتر إنما هو في حق من لم يثق، وقد تقدم الكلام على ذلك (وفي حديث ابن عمر) المذكورة في الباب وحديث علي المروي عن الإمام الشافعي حجة للقائلين بنقض الوتر لمن أوتر ثم نام ثم قام فله أن ينقض وتره بصلاة ركعة يشفع بها وتره ثم يصلي ما شاء ثم يختتم صلاته بالوتر، قال الترمذي رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم نقض الوتر، وقالوا يضيف إليها ركعة ويصلي ما بدا له ثم يوتر في آخر صلاته لأنه لا وتران في ليلة، وهو الذي ذهب إليه إسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إذا أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام من آخر الليل فإنه يصلي ما بدا له ولا ينقض وتره ويدع وتره على ما كان، وهو قول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وهذا أصح، لأنه قد روى من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد الوتر أهـ (قلت) وقد احتج القائلون بجواز نقض الوتر بحديث الباب عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يجعل آخر صلاة الليل الوتر)(وروى بلفظ آخر تقدم)(اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وقالوا إذا أوتر ثم نام ثم قام ولم يشفع وتره وصلى مثنى مثنى ولم يوتر في آخر صلاته كان قد جعل آخر صلاته من الليل شفعاً لا وتراً، وفيه مخالفة لأمره صلى الله عليه وسلم (وقد ناقضهم القائلون بعدم الجواز) فاحتجوا بالحديث نفسه على أنه لا يجوز النقض قالوا لأن الرجل
-[ترجيح مذهب القائلين بعدم نقض الوتر]-.
(7)
باب جواز صلاة الوتر على الراحلة
(ومن نزل عن راحلة فصلاه على الأرض)
(1101)
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته ويوتر عليها ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1102)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر على البعير
(1103)
عن سعيد بن يسار قال قال لي ابن عمر رضي الله عنهما أمالك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة؟ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه
إذا أوتر أول الليل فقد مضى وتره فإذا هو نام بعد ذلك ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى فهذه الصلاة غير تلك الصلاة وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام في الغالب، وغنما هما صلاتان متباينتان كل واحدة غير الأولى، ومن فعل ذلك فقد أوتر مرتين، ثم إذا هو أوتر أيضاً في آخر صلاته صار موتراً
ثلاث مرات، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) وهذا قد جعل الوتر في مواضع من صلاة الليل، وأيضاً قال صلى الله عليه وآله وسلم (لا وتران في ليلة) وهذا قد أوتر ثلاث مرات (قلت) وهو استدلال وجيه والله أعلم.
(1101)
عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني نافع عن ابن عمر (الحديث)(غريبه)(1) الراجلة هي المركب من الإبل سواء كان ذكراً أم أنثى.: والمراد بالصلاة هنا النافلة، وخص الوتر بالذكر للإشارة إلى أنه آكد النوافل، بل قال الحنفية بوجوبه وتقدم الخلاف في ذلك (تخريجه)(ق. لك. د. نس. جه. هق)
(1102)
عن ابن عمر رضي الله عنهما (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن ثنا مالك عن أبي بكر بن عمر عن سعيد بن يسار عن ابن عمر (الحديث)(تخريجه)(م. هق. وغيرهما)
(1103)
عن سعيد بن يسار (سنده) حدثنا عبد الله حدثني عن أبي ثنا وكيع ثنا مالك بن انس عن أبي بكر بن عمر عن سعيد بن يسار (الحديث)(غريبه)(1) الأسوة
-[حجة القائلين بعدم جواز صلاة الوتر على الراحلة]-.
وسلم يوتر على بعيره
(1104)
عن سعيد بن جبير أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلي على راحلته تطوعاً، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض
بضم الهمزة ويجوز كسرها كما في القاموس ومعناه القدوة لفظه عند مسلم عن سعيد بن يسار قال كنت أسير مع ابن عمر بطريق مكة قال سعيد فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت ثم أدركته، فقال لي ابن عمر أين كنت؟ فقلت له خشيت الفجر فنزلت فأوترت، فقال عبد الله أليس لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة؟ فقلت بلى، قال (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره (تخريجه)(ق. مذ. وغيرهم)
(1104)
عن سعيد بن جبير (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن سعيد بن جبير (الحديث)(غريبه)(2) كان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل ذلك في بعض الأحيان، وفي بعضها كان يوتر على الراحلة لأنه لا يرى وجوب الوتر، فكان عنده كسائر التطوعات بجوز فعله على الدابة وعلى الأرض، وأحاديث الباب المروية عنه ناطقة بذلك، وروى البيهقي بسنده إلى جرير بن حازم قال قلت لنافع أكان ابن عمر يوتر على الراحلة؟ قال وهل للوتر فضيلة على سائر التطوع؟ أي والله لقد كان يوتر عليها (تخريجه) أخرجه أيضاً الطحاوي وسنده جيد (وفي الباب) عند مسلم بسنده عن سالم بن عبد الله عن أبيه (يعني عبد الله بن عمر)(قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح (أي يتنفل) عن الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة) وعن ابن عباس أيضاً (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أوتر على راحلته) رواه محمد ابن نصر في قيام الليل (وفي الباب) من الآثار (عن علي) رضي الله عنه أنه كان يوتر على راحلته (وعن نافع) كان عبد الله (يعني ابن عمر) يوتر على البعير يومئ برأسه (وعن ابن جريح) قلت لعطاء أوتر وأنا مدبر عن القبلة على دابتي؟ قال نعم (وعن عطاء) لا بأس أن يوتر على بعيره (وعن سفيان) أن أوترت على دابتك فلا بأس والوتر بأرض أحب إلي (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية صلاة الوتر على الراحلة في السفر حيث توجهت به كسائر النوافل، قال الترمذي رحمه الله وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا ورأوا أن يوتر الرجل على راحلته، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق (قلت ومالك أيضاً) قال وقال بعض أهل العلم لا يوتر الرجل
-[مذاهب الأئمة في حكم صلاة الوتر على الراحلة]-.
.....
على الراحلة فإذا أراد أن يوتر نزل وهو قول بعض أهل الكوفة أهـ (قلت) ومنهم أبو حنيفة رحمه الله (قال محمد بن نصر) في قيام الليل بعد رواية حديث ابن عمر وابن عباس والآثار المذكورة ما لفظه، وزعم النعمان يعني أبا حنيفة رحمه الله أن الوتر على الدابة لا يجوز خلافاً لما روينا، واحتج بعضهم له بحديث عن ابن عمر أنه نزل عن دابته فأوتر بالأرض، فيقال لمن احتج بذلك هذا ضرب من الغفلة، هل قال أحد إنه لا يحل للرجل أن يوتر بالأرض؟ إنما قال العلماء لا بأس أن يوتر على الدابة وإن شاء أوتر على الأرض، وكذلك كان ابن عمر يفعل، ربما أوتر على الأرض، وعن نافع أن ابن عمر كان ربما أوتر على راحلته وربما نزل، وفي رواية كان يوتر على راحلته وكان ربما نزل أهـ وقال صاحب التعليق الممجد (من الحنفية) أخذ أصحابنا بالآثار الواردة بنزول ابن عمر رضي الله عنهما للوتر وشيدوه بالأحاديث المرفوعة الواردة في نزوله صلى الله عليه وسلم للوتر، وقال المجوزون لأدائه على الدابة أنه لا تعارض ههنا إذ يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين، فأحياناً أدى الوتر على الدابة؛ وأحياناً على الأرض وقد اقتدى به ابن عمر، ويؤيده ما أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار عن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن نافع قال (كان ابن عمر يوتر على الراحلة وربما نزل فأوتر على الأرض، وقال الطحاوي بعد ما أخرج آثار الطرفين، الوجه في ذلك عندنا قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على الراحلة قبل أن يحكم بالوتر ويغلظ أمره ثم أحكم بعد ولم يرخص في تركه، ثم أخرج حديث (إن الله أمدكم بصلاة هي خير من حمر النعم؛ ما بين صلاة العشاء إلى الفجر الوتر الوتر) من حديث خارجة وأبي بصرة، ثم قال فيجوز أن يكون ما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وتره على الراحلة من قبل تأكيده إياه ثم نسخ ذلك (وفيه نظر لا يخفى) إذ لا سبيل إلى إثبات الفسخ بالاحتمال ما لم يعلم ذلك بنص وارد في ذلك أهـ (قلت) وهذا التعقب وجيه جداً لأنه صدر من منصف لا يتعصب لمذهبه بل يقف عند حد النص، أكثر الله من مثل هؤلاء العلماء المنصفين ونفع بهم الإسلام والمسلمين آمين، إذا علمت ذلك فالذي يستفاد من أحاديث الباب والنصوص الكثيرة الصحيحة والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين ومذاهب جمهور العلماء المجتهدين جواز صلاة الوتر على الراحلة حيث توجهت به كسائر النوافل، وقد أفرط باباً مخصوصاً للأحاديث الواردة في ذلك، وهو الباب الرابع من أبواب استقبال القبلة، يتلوه باب في الرخصة في صلاة الفرض على الراحلة لعذر، وتقدم ذلك كله مع شرحه وبيان مذاهب الأئمة فيه هناك، وأخرت الأحاديث المصرح فيها بصلاة الوتر على الراحلة هنا لمناسبة أبواب
-[ختام الجزء الرابع من كتاب الفتح الرباني]-.
الوتر والله الموفق (تنبيه) تقدمت أحاديث قنوت الوتر والصبح وغيرهما في أبواب القنوط آخر الجزء الثالث لمناسبة هناك، ومن محاسن الصدف أن جاء ختم هذا الجزء بأبواب الوتر كما جاء ختم الجزء الثالث بباب القنوت في الوتر (والله عز وجل وتر يجب الوتر) فسأله تعالى أن يجعلنا من الموحدين المخلصين، وأن يمدنا بروح من عنده ويلهمنا الصواب، ويعمم النفع بهذا الكتاب، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، ومن تم هداهم بإحسان إلى يوم الدين
تم الجزء الرابع
------
(من كتاب الفتح الرباني)
(مع شرحه بلوغ الأماني)
(ويليه الجزء الخامس وأوله)
(أبواب صلاة التراويح)
(نسأل الله الإعانة)
على التمام
وحسن الختام