المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم ابواب صلاة التراويح (1) باب ما جاء فى - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - جـ ٥

[أحمد البنا الساعاتي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

ابواب صلاة التراويح

(1)

باب ما جاء فى فضلها وانها سنة وليست بواجبة

(1105)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا عثمان بن عمر ثنا مالك عن الزُّهرىِّ عن أبى سلمة عن أبى هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بقيام

(*) التراويح جمع ترويحة، وهى المرة الواحدة من الراحة، تفعيلة منها مثل تسليمة من السلام، وسميت بذلك لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين (نه) وفى المصباح وصلاة التراويح مشتقة من الراحة لأن الترويحة أربع ركعات والمصلى يستريح بعدها، وروَّحت بالقوم ترويحا صليت بهم التراويح اهـ

(1105)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) رواية أبى داود يرغِّب بدل يأمر

_________

(رموز واصطلاحات تختص بالشرح)

طلب منى بعض أفاضل العلماء أن أكرر فى كل جزء الرموز المختصة بتخريج الأحاديث وبعض الاصطلاحات التى أثبتُّها فى مقدمة الكتاب فى الجزء الأول، لأنه يعسر على من لم يحفظها الرجوع اليها فى الجزء المذكور كلما احتج الى شئ منها، وكان ذلك الطلب عند انتهاء الجزء الرابع من الطبع، ورغب إلىَّ أن أبتدئ بهذا فى الجزء الخامس فما يليه من الأجزاء، وقد صادف هذا الطلب لدىّ قبولًا لما فيه من الفائدة، ولما كانت الرموز المثبتة فى الجزء الأول لا تكفى الآن بالنسبة لاتساع الشرح وزيادة المواد الأكثر مما كان، رأيت أن أضم اليها رموزًا أخرى تناسب ما يأتى فى الجزء الخامس وما يليه من الأجزاء لتتم بها الفائدة وسيكون ذلك فى كل جزء إن شاء الله تعالى والله الموفق

(وها هى الرموز المشار اليها)

(خ) للبخارى فى صحيحه (م) لمسلم (ق) لهما (د) لأبى داود (مذ) للترمذى (نس) للنسائى (جه) لابن ماجه (الأربعة) لأصحاب السنن الأربعة، أبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (ك) للحاكم فى المستدرك (حب) لابن حبان فى صحيحه (خز) لابن خزيمة*

ص: 2

رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة وكان يقول من قام رمضان إيمانًا

وهي صارفة لرواية الأمر من الوجوب الى الاستحباب (1) فيه التصريح بعدم وجوب القيام، وقد فسره بقوله من قام الخ فانه يقتضى الندب دون الأيجاب وأصرح منه قوله فى الحديث التالى "وسننت قيامه" بعد قوله فرض صيام رمضان (2) المراد قيام لياليه مصليا، ويحصل بمطلق ما يصدق عليه القيام، وليس من شرطه استغراق جميع أوقات الليل، قال الحافظ ذكر النووى أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعنى أنه يحصل بها المطلوب من القيام لا أنَّ قيام رمضان لا يكون إلا بها، وأغرب الكرمانى فقال اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان

_________

* في صحيحه (بز) للبزار فى مسنده (طب) للطبرانى فى معجمه الكبير (طس) له فى الأوسط (طص) له فى الصغير (ص) لسعيد بن منصور فى سننه (ش) لابن أبى شيبة فى مصنفه (عب) لعبد الرزاق في الجامع (عل) لابى يعلى فى مسنده (قط) للدارقطنى فى سننه (حل) لأبى نعيم فى الحلية (هق) للبيهقى فى السنن الكبرى (لك) للأمام مالك فى الموطأ (فع) للأمام الشافعى، فان اتفقا على إخراج حديث قلت خرجه الأمامان (غ) للبغوى فى مصابيح السنة (ط) لأبى داود الطيالسى فى مسنده (مى) للدارمى فى مسنده، وهؤلاء هم أصحاب الأصول والتخريج رحمهم الله، أما الشراح وأصحاب كتب الرجال والغريب ونحوهم فاليك ما يختص بهم (نه) للحافظ ابن الأثير فى كتابه النهاية (خلاصة) للحافظ الخزرجى فى كتابه خلاصة تذهيب الكمال فى أسماء الرجال، ثم إذا قلت قال الحافظ وأطلقت فمرادى به الحافظ بن حجر العسقلانى فى فتح البارى شرح البخارى، فان كان فى غيره بينته، وإذا قلت قال النووى فالمراد به فى شرح مسلم، فان كان فى المجموع فالرمز له (ج) وإذا قلت قال المنذرى فالمراد به الحافظ على بن أبى بكر بن سليمان الهيثمى فالمراد به الحافظ على بن أبى بكر بن سليمان الهيثمى فى كتابه مجمع الزوائد، واذا قلت قال فى التنقيح فالمراد به المحدث الشهير أبو الوزير أحمد أبو الوزير أحمد حسن فى كتابه تنقيح الرواة فى تخريج أحاديث المشكاة، واذا قلت قال فى المنتقى فالمراد به الحافظ مجد الدين عبد السلام المعروف بابن تيمية الكبير المتوفى سنة 621 جد ابن تيمية المشهور شيخ ابن القيم؛ واذا قلت قال الشوكانى فالمراد به المحدث الشهير محمد بن على بن محمد الشوكانى فى كتابه نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، فان نقلت عن غير هؤلاء ذكرت أسماءهم وأسماء كتبهم رحمة الله عليهم أجمعين

ص: 3

واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه.

(1106)

عن عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ الله عز وجل فرض صيام رمضان وسننت قيامه فمن صامه وقامه احتسابًا خرج من الذُّنوب كيوم ولدته أُّمُّه

صلاة التراويح اهـ (1) قال النووى معنى إيمانًا تصديقا بأنه حق معتقدًا فضيلته، ومعنى احتسابا أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الأخلاص (2) زاد الأمام أحمد فى رواية أخرى والنسائى "وما تأخر" قال الحافظ وقد ورد فى غفران ما تقدم وما تأخر عدة أحاديث جمعتها فى كتاب مفرد اهـ (قيل) ظاهر الحديث يتناول الصغائر والكبائر وبذلك جزم ابن المنذر (وقيل) الصغائر فقط وبه جزم إمام الحرمين، قال النووى وهو المعروف عن الفقهاء وعزاه عياض إلى أهل السنة (وقد أورد) أن غفران الذنوب المتقدمة معقول، وأما المتأخرة فلا، لأن المغفرة تستدعى سبق ذنب (وأجيب) عنه بأن ذلك كناية عن عدم الوقوع، وقال الماوردى إنها تقع منهم الذنوب مغفورة (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)

(1106)

عن عبد الرحمن بن عوف (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سعيد مولى بنى هاشم ثنا القاسم بن الفضل ثنا النضر بن شيبان قال لقيت أبا سلمة بن عبد الرحمن قلت حدثنى عن شئ سمعته من أبيك سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شهر رمضان، قال نعم، حدثنى بى (يعنى عبد الرحمن بن عوف) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه) قال صاحب إنجاح الحاجة على سنن ابن ماجه (فان قلت) كيف يستقيم قوله سننت لكم مع أنه صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، فكيف نسب إلى ذاته سنية القيام (قلت) ليس الغرض منه فعله من الرأى، بل لما علم بالوحى شرف قيام رمضان فعل ذلك ليستنوا بسنته، فان فضيلة الشئ لا تعرف إلا بالوحى، ثم التحقيق أن اجتهاده صلى الله عليه وسلم قد يكون بلا نزول وحى من جهة الرأى كما فى أسارى بدر وغيرها، والاجتهاد يحتمل الخطأ والصواب، لكن فى غير النبى صلى الله عليه وسلم الثبات على الخطأ جائز وخطأه عفو بل يثاب عليه، وفى حقه صلى الله عليه وسلم ممنوع لأنه لو كان كذلك أى ثبت على الخطأ لا ارتفع الأمان عن الشرع لأنه مصدر الوحى، والتحقيق فى كتب الأصول اهـ (4) لفظ يوم هنا

ص: 4

(2)

باب ما جاء فى سببها وجواز فعلها جماعة فى المسجد

(1107)

عن أنس "بن مالك" رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى فى رمضان، فجئت فقمت خلفه، قال وجاء رجل فقام إلى جنبى، ثمَّ جاء آخر حتَّى كنَّا رهطًا فلمَّا أحسَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خلفه تجوَّز فى الصلاة ثمَّ قام فدخل منزله فصلَّى صلاة لم يصلِّها عندنا قال فلمَّا أصبحنا قال قلنا يا رسول الله أفطنت بما اللَّيلة؟ قال نعم فذاك الَّذى حملنى على الَّذي صنعت قال ثمَّ أخذ يواصل وذاك فى آخر الشهَّر، قال فأخذ رجال يواصلوت من أصحابه، قال فقال

مبني على الفتح لأضافته الى جملة مبنية، ويحوز جره على الأعراب، والمختار البناء؛ فان أضيف الى فعل معرب أو مبتدإ، فالمختار الأعراب، والبناء جائز، قال ابن مالك

وابن أواعرب ما كأذ قد اجريا

واختر بنا متلو فعل بنيا

وقبل فعل معرب أو مبتدا

أعرب ومن بنى فلن يفنَّدا

والمراد باليوم الوقت إذ ولادته قد تكون ليلا والمعنى خرج من ذنوبه وصار طاهرًا منها كطهارته منها يوم ولدته أمه وظاهره العموم للصغائر والكبائر، وتقدم الكلام على ذلك فى الذى قبله (تخريجه)(نس. جه) وفى إسناده النضر بن شيبان ضعيف، وقال النسائى هذا الحديث خطأ؛ والصواب حديث أبى سلمة عن أبى هريرة يعنى الحديث الأول (الأحكام) حديثا الباب يدلان على فضيلة قيام رمضان وتأكد استحبابه، وعلى استحباب صلاة التروايح لأنها من قيام رمضان، بل قال النووى المراد بقيام رمضان صلاة التراويح، قال واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب

(1107)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا حجاج ثنا سليمان بن المغيرة المعنى عن ثابت عن أنس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يصل "الحديث"(غريبه)(1) الرهط، ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة، قال الله تعالى {وكان فى المدينة تسعة رهط} فجمع وليس لهم واحد من لفظهم مثل ذود والجمع أرهط وأرهاط وأراهط كأنه جمع أرهط وأراهيط قاله فى المختار أى خفف واقتصر على الجائز المجزئ مع بعض المندوبات، والتجوز هنا للمصلحة (3) يريد أنه أطالها كما صرح بذلك فى الطريق الثانية (4) يعنى والله أعلم تخفيف الصلاة بهم وتركهم يصلون فرادى، وذلك خوفًا من أن تفرض عليهم صلاتها وجماعتها (5) الوصال هو صوم يومين فصاعدًا من غير أكل وشرب بينهما وهو

ص: 5

رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال رجال يواصلون، إنَّكم لستم مثلى، أما والله لو مدَّ لى الشَّهر لواصلت وصالًا يدع المتعمقون تعمُّقهم (وعنه من طريق ثان) أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج إليهم فى رمضان فخفَّف بهم، ثمَّ دخل فأطال ثمَّ خرج فخفَّف بهم، ثمَّ دخل فأطال، فلمَّا أصبحنا قلنا يا نبيَّ الله جلسنا اللَّيلة فخرجت إلينا فخفَّفت ثمَّ دخلت فأطلت قال من أجلكم (وعنه من طريق ثالث) بنحوه وفيه قالوا يا رسول الله صلَّيت ونحن نحب أن تمدَّ فى صلاتك، قال قد علمت بمكانكم وعمدًا فعلت ذلك.

(1108)

عن عروة بن الزبير قال قالت عائشة رضى الله عنها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من جوف اللَّيل فصلَّى في المسجد فثاب رجال فصلَّوا معه بصلاته فلمَّا أصبح النَّاس تحدَّثوا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد خرج فصلَّى فى المسجد من جوف اللَّيل فاجتمع اللَّيلة المقبلة أكثر منهم، قالت فخرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم اغتسل من جوف اللَّيل فصلَّي وصلَّوا معه بصلاته ثمَّ أصبح فتحدَّثوا بذلك، فاجتمع

منهي عنه، وسيأتى حكمه فى بابه من كتاب الصيام واختلاف الائمة فيه إن شاء الله تعالى (1) أى لو طالت مدته أو كان ذلك أول الشهر لواصل بهم وصالا يحمل المتعمقين على تركهم تعمقهم ومجاراتهم إياه فى الوصال، لأنه يشق عليهم المثابرة على ذلك مع طول المدة، ولكن كان ذلك فى آخر الشهر، والمتعمقون هم المشددون فى الأمور المجاوزون الحدود فى قول أو فعل (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة بن ثمامة عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج اليهم "الحديث"(3) أى من أجل إشفاقى عليكم ورحمتى بكم وخوفًا من افتراضها عليكم فعلت ذلك (تخريجه)(ق. وغيرهم)

(1108)

عن عروة بن الزبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا أنا ابن جريج قال حدثنى ابن شهاب قال عروة قالت عائشة "الحديث"(غريبه)(4) أى رجعوا إلى المسجد بعد خروجهم منه لماَّ علموا بصلاته صلى الله عليه وسلم (5) هكذا رواية الأمام أحمد بزيادة "اغتسل من جوف الليل" ولم أقف عليها لغيره؛

ص: 6

اللَّيلة الثَّالثة ناس كثير حتَّى كثر أهل المسجد قالت فخرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من جوف اللَّيل فصلَّى فصلَّوا معه، فلمَّا كانت اللَّيلة الرَّابعة اجتمع النَّاس حتَّى كاد المسجد يعجز عن أهله فجلس النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فلم يخرج، قالت حتَّى سمعت ناسًا منهم يقولون الصَّلاة الصَّلاة، فلم يخرج إليهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فلمَّا صلَّى صلاة الفجر سلَّم ثمَّ ثام فى النَّاس فتشهَّد ثمَّ قال أمَّا بعد فإنَّه لم يخف علىَّ شأنكم اللَّيلة ولكنِّي خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها (زاد فى رواية) وذلك فى رمضان.

(1109)

عن أبى سلمة بن عبد الرَّحمن بن عوف عن عائشة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت كان النَّاس يصلُّون فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان باللَّيل أوزاعًا يكون مع الرَّجل شئ من القرآن فيكون معه النَّفر الخمسة أو السِّتة

والذي عند الشيخين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم خرج فى الليالى الأربعة فصلى بدون ذكر الغسل فى واحدة منها، ويستفاد من هذه الزيادة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالصلاة معهم جماعة وأن الجماعة فى صلاة التراويح جائزة بالمسجد (1) أى يضيق بهم لكثرتهم (2) فى حديث زيد بن ثابت عند الشيخين والأمام أحمد وسيأتى ففقدوا صوته وطنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج اليهم، وفى رواية عنه عند الشيخين أيضا فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج اليهم مغضبا فقال ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة فى بيوتكم فان خير صلاة المرى فى بيته إلا المكتوبة فيه أن عدم خروجه صلى الله عليه وسلم اليهم إنما كان لخشية افتراض هذه الصلاة، فلا يستدل به على عدم جواز فعلها جماعة فى المسجد، وسيأتى الكلام على ذلك فى الأحكام (4) هذه الزيادة ثبتت عند الشيخين والأمام مالك وأبى داود أيضا، وهى مدرجة فى الحديث من كلام عائشة رضى الله عنها لبيان أن هذه القصة كانت فى رمضان (تخريجه)(ق. لك. د. نس. هق)

(1109)

عن أبى سلمة بن عبد الرحمن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب قال ثنا أبى عن ابن إسحاق قال حدثنى محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة "الحديث"(غريبه)(5) الأوزاع

ص: 7

أو أقل من ذلك أو أكثر فيصلُّون بصلاته قالت فأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من ذلك أن أنصب له حصيرًا على باب حجرتى ففعلت فخرج إليه رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بعد أن صلَّى العشاء الآخرة قالت فاجتمع إليه من فى المسجد فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا طويلًا ثمَّ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل وترك الحصير على حاله فلمَّا أصبح النَّاس تحدَّثوا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن كان معه فى المسجد تلك اللَّيلة قالت وأمسى المسجد راجًّا بالنَّاس فصلَّى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة ثمَّ دخل بيته وثبت النَّاس قالت فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن النَّاس يا عائشة؟ قالت فقلت له يا رسول الله سمع النَّاس بصلاتك البارحة بمن كان فى المسجد فحشدوا لذلك لتصلِّى بهم قالت فقال اطوعنَّا حصيرك يا عائشة قالت ففعلت وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم غير غافل وثبت النَّاس مكانهم حتَّى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصُّبح فقالت فقال أيُّها النَّاس أما والله ما بتُّ والحمد لله ليلتى هذه غافلًا وما خفى علىَّ مكانكم ولكنىِّ تخوَّفت أن يفترض

الجماعات المتفرقة لا واحد له من لفظه، قال ابن عبد البر وهم العزون، قال تعالى {عن اليمين وعن الشمال عزين} وفى الحديث "ما لى أراكم عزين" اهـ (قلت) ويؤيد ذلك تفسير عائشة رضى الله عنها بقولها "يكون مع الرجل شئ من القرآن الخ"(1) لفظ أبى داود "فأمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت له حصيرًا فصلى عليه" والمعنى أنها بسطت له حصيرًا على باب حجرتها ليصلى عليه كما صرح بذلك فى رواية أخرى عند الأمام أحمد ومحمد بن نصر، والحصير ما ينسج من سعف النخل، وتقدم تفسيره بأوضح من هذا فى حديث رقم 409 (2) أى غاصا بالناس ذا حركة شديدة (3) يريد بذلك إعلامهم بأنه غير خارج اليهم (4) تعنى أنه صلى الله عليه وسلم ما غفل عن صلاته التى كان يصليها كل ليلة وثنائه وأذكاره بل أدى كل ذلك فى بيته (5) أى ما خفى علىّ حالكم وما أنتم عليه ولكنى خشيت أن يفترض عليكم

ص: 8

عليكم فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإنَّ الله لا يملُّ حتَّى تملُّوا، قال وكانت عائشة تقول إنَّ أحب الأعمال إلى الله أدومها وإنَّ قلَّ.

(1110)

خط عن شريح بن عبيد الحضرمىِّ يردُّه إلى أبى ذر رضى الله عنه قال لماَّ كان العشر الأواخر اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد فلمَّا صلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاة العصر من يوم اثنين وعشرين قال إنَّا قائمون اللَّيلة إن شاء الله، فمن شاء منكم أن يقوم فليقم، وهى ليلة ثلاث وعشرين، فصلَاّها

قيام رمضان (1) بهمزة وصل وفتح اللام يقال كلفت بهذا الأمر أكلف به اذا ولعت به وأحببته، والمعنى ادا أحببتم شيئا من أعمال الخير فلا تفرطوا فى العمل بل راعوا فيه جانب الاقتصاد خوفًا من الملل، فان الله لا يمل حتى تملوا (قال الحافظ ابن الأثير) معناه ان الله لا يلم أبدًا مللتم أو لم تملوا، فجرى مجرى قولهم حتى يشيب الغراب ويبيض القار، وقيل معناه إن الله لا يطَّرحكم حتى تتركوا العمل وتزهدوا فى الرغبة اليه، فسمى الفعلين مللا وكلاهما ليسا بملل كعادة العرب فى وضع الفعل موضع الفعل اذا وافق معناه نحو قولهم

ثم أضحوا لعب الدهر بهم

وكذاك الدهر يودى بالرجال

فجعل إهلاكه إياهم لعبًا، وقيل معناه إن الله لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فسمى فعل الله مللا على طريق الازدواج فى الكلام كقوله تعالى {وجزاء سيئة سيئة مثلها} وقوله {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} وهذا باب واسع فى العربية كثير فى القرآن (نه)(2) ظاهر قوله وكانت عائشة تقول "إن أحب الأعمال الخ" أنه من قولها وليس كذلك، فقد روى مرفوعًا فى روايات أخرى عند الأمام أحمد والشيخين وغيرهم، ومعناه أن العمل الدائم وإن كان قليلا خير من العمل الكثير المنقطع، وإنما كان القليل الدائم خيرًا من الكثير المنقطع لأنه بدوا القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والأخلاص والأقبال على الخالق سبحانه وتعالى ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة (تخريجه) رواه محمد بن نصر من حديث عائشة أيضا ومسلم والأمام أحمد أيضًا وغيرهما من حديث زيد بن ثابت

(1110)

"خط" حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو اليمان ثنا صفوان بن عمرو

ص: 9

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جماعةً بعد العتمة حتَّى ذهب ثلث اللَّيل ثم انصرف، فلمَّا كان ليلة أربع وعشرين لم يقل شيئًا ولم يقم، فلمَّا كان ليلة خمس وعشرين قام بعد صلاة العصر يوم أربع وعشرين فقال إنَّا قائمون اللَّيلة إن شاء الله يعنى ليلة خمس وعشرين فمن شاء فليقم، فصلَّى بالنَّاس حتَّى ذهب ثلث اللَّيل ثمَّ انصرف، فلمَّا كان ليلة ست وعشرين لم يقل شيئًا ولم يقم، فلمَّا كان عند صلاة العصر من يوم ست وعشرين قام فقال إنَّا قائمون إن شاء الله يعنى ليلة سبع وعشرين فمن شاء أن يقوم فليقم، قال أبو ذرّ فتجلَّدنا للقيام فصلَّى بنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حتّى ذهب ثلثا اللَّيل ثمَّ انصرف إلى قبَّته فى المسجد فقلت له إن كنَّا لقد طمعنا يا رسول الله أن تقوم بنا حتى تصبح، فقال يا أبا ذرّ إنَّ إذا صلَّيت مع إمامك وانصرفت إذا انصرف كتب لك قنوت ليلتك قال أبو عبد الرَّحمن وجدت هذا الحديث فى كتاب أبى بخطِّ يده

عن شريح "الحديث"(غريبه)(1) فى تطويله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين إشارة الى أنها ليلة القدر (2) أى القبة التى أعدت لاعتكافه فى المسجد وكانت من حصير على هيئة الحجرة (3) المعنى أن الشخص اذا صلى العشاء مع الأمام وقام معه جزءًا من الليل ثم انصرف مع الأمام كتب له قيام ليلة تامة وليس قيام كل الليل شرطا، أما اذا صلى معه العشاء فقط فانه يكون له ثواب نصف ليلة، فاذا صلى العشاء والصح فى جماعة كان له كقيام ليلة، وقد جاء معنى ذلك فى حديث عثمان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى العشاء فى جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر فى جماعة كان كقيام ليلة" رواه الأمام مالك فى الموطأ وأبو داود ومسلم والترمذى وغيرهم (4)(هو عبد الله بن الأمام أحمد) وهذا الحديث مما وجده عبد الله فى كتاب أبيه بخط يده، ولذا رمزت فى أوله بخاء وطاء كما أشرت الى ذلك فى مقدمة الكتاب، وقد سمعه عبد الله من أبيه (تخريجه)(نس. جه. ك. مذ) ومحمد بن نصر والطحاوى بألفاظ مختلفة والمعنى واحد

ص: 10

(1111)

عن جبير بن نفير الحضرمىِّ عن أبى ذرّ رضى الله عنه قال صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئًا من الشَّهر حتَّى بقى سبع فقام بنا حتَّى ذهب نحو ثلث اللَّيل ثمَّ، لم يقم بنا اللَّيلة الرَّابعة وقام بنا اللَّيلة التى تليها حتَّى ذهب نحو من شطر اللَّيل، قال فقلنا يا رسول الله لو نفَّلتنا بقيَّة ليلتنا هذه، قال إن الرَّجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له بقيَّة ليلته، ثمَّ لم يقم بنا السَّادسة وقام بنا السَّابعة، وقال: وبعث إلى أهله واجتمع النَّاس فقام بنا حتَّى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال قلت وما الفلاح؟ قال السُّحور

(1111) عن جبير بن نفير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن داود بن أبى هند عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشى عن جبير بن نفير "الحديث"(غريبه)(1) أى سبع ليال من رمضان فصلى ليلة الثالث والعشرين نظرًا الى المتيقن وهو أن الشهر تسع وعشرون (2) يعنى الرابعة والعشرين (وقوله) وقام بنا الليلة التى تليها يعنى الخامسة والعشرين (3) بتشديد الفاء وتخفيفها، والنفل فى الأصل الغنيمة والهبة ونفله النفل وأنفله أعطاه إياه، والمراد هنا لو قمت بنا طول ليلتنا ونفلتنا من الأجر الذى يحصل من ثواب الصلاة (4) يعنى السادسة والعشرين، وقوله وقام بنا السابعة، يعنى السابعة والعشرين (5) يريد أنه أطال بهم القيام حتى خافوا فوات السحور، قال الخطابى أصل الفلاح البقاء، سمى السحور فلاحًا إذ كان سببًا لبقاء الصوم ومعينًا عليه أى انه معين على إتمام الصوم المفضى الى الفلاح والفوز بالسعادة فى الدار الآخرة (وقوله ما الفلاح) يعنى أن جبير بن نفير قال لأبى ذرّ رضى الله عنه (ما الفلاح؟ قال السحور) وهو بضم السين تناول الطعام وبفتحها اسم لما يتسحر به من الطعام والشراب، قال فى النهاية وأكثر ما يروى بالفتح، وقيل إن الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام، والبركة والأجر والثواب فى الفعل لا فى الطعام اهـ وفى اهتمام النبى صلى الله عليه وسلم بالقيام فى هذه الليلة وتطويله وبعثه الى أهله وأقاربه إشعار بأنها ليلة القدر، وأكثر الأحاديث الصحيحة تدل على ذلك (تخريجه)(ك. هق. والأربعة) وصححه الحاكم والترمذي

ص: 11

(1112)

عن نعيم بن زياد أبى طلحة الأنمارىِّ أنَّه سمع النُّعمان بن بشير رضي الله عنه يقول على منبر حمص قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين فى شهر رمضان إلى ثلث اللَّيل الأوَّل، ثمَّ قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف اللَّيل، ثمَّ قام بنا ليّلة سبع وعشرين حتَّى ظننَّا أن لا ندرك الفلاح، قال وكنَّا ندعوا السُّحور الفلاح، فأمَّا نحن فنقول ليلة السَّابعة ليلة سبع وعشرين وأنتم تقولون ليلة ثلاث وعشرين السَّابعة فمن أصوب؟ نحن أو أنتم؟

(1112) عن نعيم بن زياد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زيد ابن الحباب ثنا معاوية بن صالح حدثنى نعيم بن زياد الخ (غريبه)(1) سبب ذلك أنه ورد فى بعض الأحاديث أن ليلة القدر تكون فى السابعة، وفى رواية عند مسلم "التمسوها فى التاسعة والخامسة والسابعة" ففهم بعض الناس ومنهم أهل حمص أنها ليلة ثلاث وعشرين، وفسروا السابعة فى الحديث بسابعة تبقى من الشهر باعتبار أن الشهر تسع وعشرين على التحقيق، وفهم الرواى أن المراد بالسابعة ليلة سبع وعشرين واستشهد بالحديث، ثم قال فأما نحن فنقول الخ (وقوله) فمن أصوب يعنى فمن على الصواب فى قوله "نحن أو أنتم" والراجح أن الصواب مع القائلين بأنها ليلة سبع وعشرين، وسيأتى تحقيق المقام فى أبواب ليلة القدر فى آخر كتاب الصيام والله أعلم (تخريجه)(نس. وغيره)(وفى الباب) عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى رمضان الى المسجد فاذا الناس أوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط، فقال عمر إنى أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبىّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر نعمت البدعة هذه، والتى ينامون عنها أفضل من التى يقومون يعنى آخر الليل، وكان الناس يقومومن وله رواه البخارى (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية صلاة التراويح وجواز فعلها فى المسجد جماعة، بل قال الجمهور إن الأفضل فى قيام رمضان أن يفعل فى المسجد فى جماعة لكونه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وإنما تركه لمعنى قد أمن بوفاته صلى الله عليه وسلم وهو خشية الافتراض وبهذا قال لشافعى وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية، وروى ابن أبى شيبة فى مصنفه فعله عن على وابن مسعود وأبى بن كعب وسويد بن غفلة وزاذان

ص: 12

(3)

باب حجة من قال ان فعلها فى البيت أفضل

(1113)

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أتَّخذ حجرة فى المسجد من حصير فصلَّى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليالى حتَّى اجتمع إليه ناس ثمَّ فقدوا صوته فظنُّوا أنَّه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم، فقال ما زال بكم الذَّى رأيت من صنيعكم حتَّى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلُّوا أيُّها النَّاس فى بيوتكم، فإنَّ أفضل

وأبي البختري وغيرهم، وقد أمر به عمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما رأى الناس أوزاعًا متفرقين وتقدم حديثه فى ذلك آنفًا، واستمر عليه عمل الصحابة رضى الله عنهم وسائر المسلمين وصار من الشعائر الظاهرة كصلاة العيد (وذهب آخرون) الى أن فعلها فرادى فى البيت أفضل محتجين بحديث زيد بن ثابت الآتى بعد هذا وبأمور أخرى سيأتى ذكرها فى شرح حديث زيد (وفصَّل بعض الشافعية) فقال إن كان حافظًا للقرآن ولا يخاف الكسل عنها ولا تختل الجماعة فى المسجد بتخلفه فالانفراد أفضل، وإن فقد بعض هذا فالجماعة أفضل، ففى المسألة عند الشافعية ثلاثة أوجه (وقال العراقيون) والصيدلانى وغيرهم الخلاف فى ذلم إنما هو فيمن كان حافظًا للقرآن آمنًا من الكسل لا تختل الجماعة فى المسجد بتخلفه، فان فقد بعض هذه فالجماعة أفضل قطعًا، وهذا الخلاف الذى عند الشافعية فى ذلك، الأشهر أنه وجهان للأصحاب، وقيل إنه قولان للشافعى رحمه الله والله أعلم

(1113)

عن زيد بن ثابت (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا عفان ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة قال سمعت أبا النضر يحدث عن نضر بن سعيد عن زيد بن ثابت "الحديث"(غريبه)(1) رواية مسلم "احتجز رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير" قال النووى فالحجيرة بضم الحاء تصغير حجرة والخصفة والحصير بمعنى شك الراوى فى المذكورة منهما، ومعنى احتجز حجرة أى حوَّط موضعًا من المسجد بحصير ليستره ليصلى فيه ولا يمر بين يديه مار ولا يتهوش بغيره ويتوفر خشوعه وفراغ قلبه، وفيه جواز مثل هذا اذا لم يكن فيه تضيق على المصلين ونحوهم ولم يتخذه دائمًا، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحتجرها بالليل يصلى فيها ويبسطها بالنهار كما ذكره مسلم فى رواية أخرى،

ص: 13

صلاة المرء فى بيته إلَاّ المكتوبة.

ثم تركه النبى صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار وعاد الى الصلاة فى البيت اهـ (1) قال النووى هذا عام فى جميع النوافل المرتبة مع الفرائض والمطلقة الا فى النوافل التى هى من شعائر الأسلام، وهى العيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويج على الأصح فانها مشروعة فى جماعة فى المسجد والاستسقاء فى الصحراء وكذا العيد اذا ضاق المسجد والله أعلم اهـ (تخريجه)(ق. وغيرهما)(الأحكام) استدل بحديث الباب القائلون بأن فعل صلاة التراويح فرادى فى البيت أفضل وهم المالكية وأبو يوسف وبعض الشافعية، وحكاه ابن عبد البر عن الشافعى، لقوله صلى الله عليه وسلم فيه "فان أفضل صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة" وتقدم كلام النووى فى ذلك، واحتجوا أيضًا بأن النبى صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك قبل هذه الليالى وبعدها، وتوفى والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك فى خلافة أبى بكر وصدرًا من خلافة عمر وإنما وقع تغييره فى خلافة عمر رضى الله عنه سنة أربع عشرة من الهجرة، واعترف عمر رضى الله عنه بأنها مفضولة (فقلت) يريدون قوله فى حديثه المتقدم فى حلال شرح الحديث الأخير من الباب السابق "نعمت البدعة هذه والتى ينامون عنها أفضل من التى يقومون"(وأجاب) المخالفون وهم الجمهور بأن ترك المواظبة على الجماعة فى التراويح إنما كان لعنًى، وقد زال، وقالوا لم يعترف عمر رضى الله عنه بأنها مفضولة، وقوله والتى ينامون عنها أفضل ليس فيه ترجيح الانفراد ولا ترجيح فعلها فى البيت، وإنما فيه ترجيح آخر الليل على أوله كما صرح به الراوى فى الحديث نفسه بقوله "يعنى آخر الليل"(وممن ذهب الى أفضلية فعلها فى البيت) فرادى ابن عمر وابنه سالم وآخرون، فقد روى ابن أبى شيبة فى مصنفه عن ابن عمر وابنه سالم والقاسم بن محمد وعلقمة وابراهيم النخعى أنهم كانوا لا يقومون مع الناس فى شهر رمضان، وعن الحسن البصرى أنه سئل عن ذلك فقال تكون أنت تفوه بالقرآن أحب الىّ من أن يناه عليك به، وعن ابن عمر تنصب كأنك حمار، وعن ابراهيم النخعى لو لم يكن معى إلا سورة أو سورتان لأن أرددها أحب إلىّ من أن أقوم خلف الأمام فى شهر رمضان، (وقال الطحاوى) وكل من اختار التفرد فينبغى أن يكون ذلك على ألا ينقطع معه القيام فى المسجد عن قيام رمضان فصار هذا القيام واجبا على الكفاية فمن فعله كان أفضل ممن انفرد كالفروض التى على الكفاية (وفيما ذكره من الوجوب على الكفاية نظر، والذى ذكره صاحب الهداية من الحنفية انما هو السنية على الكفاية، وعبارته: والسنة فيها الجماعة لكن على وجه الكفاية حتى لو امتنع أهل المسجد

ص: 14

(4)

باب حجة من قال انها ثمان ركعات غير الوتر

(1114)

عن جابر بن عبد الله عن أبىِّ بن كعب رضي الله عنهم قال جاء رجل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عملت اللَّيلة عملًا، قال ما هو؟ قال نسوة معى فى الدَّار قلن لى إنَّك تقرأ ولا نقرأ، فصلِّ بنا، فصلَّيت ثمانيًا والوتر قال فسكت النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال فرأينا أنَّ سكوته رضًا بما كان

عن إقامتها كانوا مسيئين، ولو أقامها البعض، فالمتخلف عن الجماعة تارك للفضيلة لأن افراد الصحابة رضى الله عنهم روى عنهم التخلف اهـ وكلام الليث بن سعد موافق لكلام الطحاوى حيث قال: لو قام الناس فى بيوتهم ولم يقم أحد فى المسجد لا ينبغى أن يخرجوا منه حتى يقوموا فيه، فأما اذا كانت الجماعة قد قامت فى المسجد فلا بأس أن يقوم الرجل لنفسه ولأهل بيته فى بينه اهـ وقال أبو العباس القرطبى بعد ذكره عمل الصحابة بصلاة التراويح فى جماعة، ومالك أحق الناس بالتمسك بهذا بناء على أصله فى التمسك بعمل أهل المدينة اهـ وحكى عن مالك قبل ذلك أنه كان أو لا يقوم فى المسجد ثم ترك ذلك فيكون له فى المسألة قولان والله أعلم

(1114)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو بكر بن أبي شيبة بن عبد الله بن محمد ثنا رحل سماه ثنا يعقوب بن عبد الله الأشعرى ثنا عيسى بن حارثة عن جابر بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) كانت هذه الصلاة فى ليلة من رمضان كما عند أبى يعلى والطبرانى وسيأتى بعد التخريج، وهذا ما دعانى لوضعه تحت هذه الترجمة، وفيه دلالة على جواز القيام فى رمضان بثمان ركعات غير الوتر، لأن سكوته صلى الله عليه وسلم واقراره عليه ناطق بذلك بل ثبت كذلك من فعله صلى الله عليه وسلم (تخريجه) الحديث فى اسناده عند الأمام أحمد رجل لم يسم؛ ورواه الطبرانى فى الأوسط وأبو يعلى عن جابر أيضًا قال "جاء أبىّ بن كعب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه كان منى الليلة شئ يعنى فى رمضان، قال وما ذاك يا أبىّ؟ قال نسوة فى دارى قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلى بصلاتك، قال فصليت بهن ثمان ركعات وأوترت، فكانت سنة الرضا ولم يقل شيئًا" أورده الهيثمى بهذا اللفظ وقال رواه أبو يعلى والطبرانى بنحوه فى الأوسط وإسناده حسن

ص: 15

(1115)

عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن بن عوف" قال سألت عائشة رضى الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان فقالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعةً، يصلِّى أربعًا فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثمَّ يصلِّى أربعًا فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثمَّ يصلِّى ثلاثًا، قالت قلت يا رسول الله تنام قبل أن توتر؟ قال يا عائشة إنَّه أو إنِّى تنام عيناى ولا ينام قلبى

(1116)

وعنه أيضًا قال قلت لعائشة رضي الله عنها أى أمَّه أخبرينى عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كانت صلاته فى رمضان وغيره سواءً ثلاث عشرة ركعة فيها ركعتا الفجر قلت فأخبرينى عن صيامه، قالت كان يصوم حتَّى نقول قد صام ويفطر حتَّى نقول قد أفطر وما رأيته صام

(1115) عن أبي سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن ثنا مالك عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى سلمة "الحديث"(غريبه)(1) هذه حالة من حالاته صلى الله عليه وسلم فى صلاة الليل، وأحيانا كان يصلى إحدى عشرة ركعة يسلم فى كل اثنتين ويتر بواحدة كما ثبت ذلك عند الشيخين والأمام أحمد وغيرهم، وتقدم كل ذلك فى أبواب صلاة الليل (2) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحيان يتهجد ثم ينام قبل أن يوتر ثم يوتر بعد الاستيقاظ ولا يتوضأ فقالت له ذلك، فأجابها بقوله "إنى تنام عيناى ولا ينام قلبى" يعنى أن النوم لا ينقض وضوءه صلى الله عليه وسلم وتقدم الكلام على ذلك فى الباب الثالث من أبواب نواقض الوضوء (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1116)

وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن ابن أبى لبيد عن أبى سلمة قلت لعائشة رضى الله عنها "الحديث"(غريبه)(3) لا منافاة بين هذا الحديث والذى قبله، فهنا عدَّت ركعتى الفجر فصارت ثلاث عشرة ركعة، وهناك تركتهما فكانت إحدى عشرة ركعة هى صلاة الليل (4) أى سيظل صائمًا (5) أى سيظل مفطرًا، وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات والله أعلم

ص: 16

شهرًا أكثر من صيامه فى شعبان كان يصومه إلَاّ قليلًا

وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر عند الشيخين والأمام أحمد وأبى داود والنسائى عن عائشة قالت "كان صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه فى شعبان" والحكمة فى إكثاره صلى الله عليه وسلم الصوم فى شعبان والأكثار منه من كتاب الصيام إن شاء الله تعالى) عن أسامة بن زيد قال "قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم" يشير بذلك الى أنه لماَّ اكتنفه شهران عظيمان اشتغل الناس بهما فصار مغفولا عنه، فأراد صلى الله عليه وسلم بصيام ذلك حوز فضيلته وتنبيههم على كانوا عنه يغفلون (تخريجه)(ق. وغيرهما)(وفى الباب) عن محمد بن نصر قال حدثنا محمد بن حميد الرازى حدثنا يعقوب بن عبد الله حدثنا عيسى بن جارية عن جابر قال "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان ليلةً ثمان ركعات والوتر، فلما كان من القابلة اجتمعنا فى المسجد ورجونا أن يخرج الينا فلم يزل فيه حتى أصبحنا قال انى كرهت وخشيت أن يكتب عليكم الوتر" ورواه ابن خزيمة وابن حبان فى صحيحيهما (الأحكام) فى أحاديث الباب جواز صلاة التراويح جماعة ولو بنساء من اهله فى بيته لأقرار النبى صلى الله عليه وسلم أبياّ على ذلك، وفيها أيضا جواز صلاتها ثمان ركعات أربعا وأربعًا ويوتر بثلاث أو عشرًا ثنتين ينتين ويوتر بواحدة وكان هذا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبى بكر وصدر خلافة عمر ثم زيدت فى عهد عمر، فقد روى البيهقى باسناد صحيح عن السائب بن يزيد رضى الله عنه قال كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى شهر رمضان بعشرين ركعة، وروى الأمام مالك رحمه الله فى الموطأ عن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون فى زمن عمر رضى الله عنه بثلاث وعشرين ركعة، وفى رواية باحدى عشرة ركعة، قال البيهقى يجمع بين الروايات بأنهم كانوا يقومون باحدى عشرة ثم قاموا بعشرين وأوتر بثلاث، ويزيد بن رومان لم يدرك اهـ والى هذا الأخير ذهب (أبو حنيفة والثورى والشافعى وأحمد) والجمهور، ورواه ابن أبى شيبة فى مصنفه عن عمرو وعلىّ وأبىّ وشكيل بن شكل وابن أبى مليكة والحارث الهمدانى وأبى البخترى، قال ابن عبد البر وهو قول جمهور العلماء وهو الاختيار عندنا، وعدُّوا ما وقع فى زمن عمر رضى الله عنه كالأجماع، وفى مصنف ابن أبى شيبة وسنن البيهقي عن ابن عباس رضي الله

ص: 17

_________

عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم يصلى فى رمضان فى غير جماعة بعشرين ركعة والوتر، لكن ضعفه البيهقى وغيره برواية أبى شيبة جد ابن أبى شيبة (واختار مالك) رحمه الله أن يصلى ستًا وثلاثين ركعة غير الوتر، قال إن عليه العمل بالمدينة، وفى مصنف ابن أبى شيبة أيضا عن داود بن قيس قال أدركت الناس بالمدينة فى زمن عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستًا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث، وقال صالح مولى التوأمة أدركت الناس يقومون باحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس، قال ابن قدامة فى المغنى وصالح ضعيف ثم لا يدرى من الناس الذين أخبر عنهم فلعله قد أدرك جماعة من الناس يفعلون ذلك وليس ذلك يحجة، ثم لو ثبت أن أهل المدينة كلهم فعلون لكان ما فعله عمر رضى الله عنه وأجمع عليه الصحابة فى عصره أولى بالاتباع اهـ وروى محمد بن نصر من طريق عطاء قال أدركتهم فى رمضان يصلون عشرين ركعة وثلاث ركعات الوتر، قال الحافظ والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال، ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها فحيث تطول القراءة تقلل الركعات وبالعكس، وبه جزم الداودى وغيره، قال والاختلاف فيما زاد على العشرين راجع الى الاختلاف فى الوتر، فكأنه تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث (وقال مالك) الأمر عندنا بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين (يعنى بالوتر وهو ثلاث ركعات) قال وليس فى شئ من ذلك ضيق اهـ وقال الحليمى فقام بست وثلاثين فحسن أيضا، لأنهم إنما أرادوا بما صنعوا الاقتداء بأهل مكة فى الاستكثار من الفضل لا المنافسة كما ظن بعض الناس، قال ومن اقتصر على عشرين وقرأ فيها بما يقرؤه غيره فى ست وثلاثين كان أفضل؛ لأن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود، قيل والسر فى العشرين ان الراتبة فى غير رمضان عشر ركعات فضوعفت فيه لأنه وقت جد وتشمير اهـ وكان الأسود بن يزيد يصلى أربعين ركعة يوتر بسبع رواه ابن أبى شيبة، وقال الشافعى رحمه الله وليس فى شئ من هذا ضيق ولا حدّ ينتهى اليه لأنه نافلة، فان أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن وهو أحب إلىّ، وإن أكثروا الركوع والسجود فحسن اهـ قال الترمذى أكثر ما قيل أن يصلى إحدى وأربعين ركعة بركعة الوتر اهـ (قال الشوكانى) رحمه الله والحاصل أن الذى دلت عليه الأحاديث هو مشروعية القيام فى رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى، فقصر الصلاة المسماة بالتراويح على عدد معّين وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سنة اهـ (تنبيه) ولع بعض أئمة المساجد فى زماننا هذا بالسرعة فى صلاة التراويح سرعة تذهب بالخشوع وبرونق القراءة وتدبر معانيها بل وبالطمأنينة في الأركان؛ يقرأ الإمام

ص: 18

(أبواب صلاة الضحى)

(5)

باب ما ورد فى فضلها وحكمها

(1117)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً فغنموا وأسرعوا الرَّجعة فتحدَّث النَّاس بقرب

من غير ترتيل ولا مراعاة لمخار الحروف، رأيت بنفسى إمامًا قرأ فى العشرين ركعة (صلاة التراويح) بسورة اسم ربك الأعلى، قرأ فى الركعة الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} وفى الثانية {الذى خلق فسوى} وفى الثالثة {والذى قدر فهدى} وفى الرابعة {والذى أخرج المرعى} وهكذا على هذا النحو حتى انتهت الصلاة جميعها بانتهاء السورة فى نصف ساعة فلكية فما هكذا تكون الصلاة يا حضرات الائمة؟ فان كنتم لا تريدون أن تجاوزوا هذه المدة فى الصلاة فصلاها ثمان ركعات فقط بدل عشرين، وأتموا ركوعها وسجودها كما أمركم الرسول صلى الله عليه وسلم واقرؤا فيها بشئ من القرآن يمكن السامع الاتعاظ به وتدبر معانيه، فركعة بتدبر وخشوع خير من ألف ركعة من صلاتكم هذه، وأيضا تكونون قد أديتم قيام رمضان ووافقتم هدى نبيكم عليه الصلاة والسلام، ألم يبلغكم ما رواه الأمام مالك فى الموطأ عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة فى رمضان (يعنى فى دعاء القنوت) قال وكان القارئ يقرأ سورة البقرة فى ثمان ركعات، فاذا قام بها فى اثنتى عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف، وحكى محمد بن نصر فى كتابه (صلاة الليل) عن ميمون بن مهران قال أدركت الناس اذا قرأ (يعنى الأمام) خمسين آية قالوا إنه ليخفف، وأدركت القراء فى رمضان يقرون القصة كلها قصرت أو طالت اهـ فأين صلاتنا الآن من صلاة هؤلاء، ومع هذا فلا أرغب لكم التطويل الممل ولا التقصير المخل، إنما أريد الأتيان بالصلاة الكاملة الأركان مع مراعاة مستحباتها ولو بالاقتصار على أقل الكمال من ذلك، أما القراءة فتكون مرتلة ولو بالاقتصار على سورة من قصار المفصل فى كل ركعة أو ما يقوم مقامها من السور الطويلة (وقصار المفصل من سورة الضحى الى آخر القرآن) وها انا قد ذكرتكم امتثالا لقوله تعالى {وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين} والله أسأل أن يرشدنى واياكم الى ما فيه الخير والصلاح وأن يكلل أعمالنا جميعًا بالأخلاص والمثوبة والنجاح آمين

(1117)

عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ابن لهيعة حدثنى حى بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن الحبلى حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص "الحديث"(غريبه)(1) السَّرية هى طائفة من الجيش يبلغ أقصاها

ص: 19

مغزاهم وكثرة غنيمتهم وسرعة رجعتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلُّكم على أقرب منه مغزًي وأكثر غنيمةً وأوشك رجعةً من توضَّأ ثمَّ غدا إلى المسجد لسبحة الضُّحى فهو أقرب مغزًى وأكثر غنيمةً وأوشك رجعةً

(1118)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حافظ على شفعة الضُّحي غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر

(1119)

وعنه أيضًا قال أوصانى خليلى بثلاثٍ، صوم ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر، وصلاة الضُّحى، ولا أنام إلا على وترٍ.

أربعمائة تبعث الى العدو وجمعها السرايا سُّموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشئ السرىّ النفيس (نه)(1) أى بانتهاء حربهم بسرعة مع كثرة الغنيمة وسرعة الرجوع إلى أوطانهم وأهليهم (2) أى أقرب رجعة وقوله سبحة الضحى أى نافلته، والنافلة يقال لها سبحة، وتقدم تفسيرها غير مرة، والمعنى أن من أراد أن ينال الأجر ويفوز بالغنيمة بسهولة فليتوضأ وضوءًا كاملا، ثم يذهب الى المسجد لصلاة ركعات الضحى فانه ينتصر على الشيطان ويرضى الرحمن ويفوز بالأحسان (تخريجه) الحديث فى إسناده ابن لهيعة ورواه الطبرانى من طريق آخر باسناد جيد

(1118)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع قال ثنا الهاء بن فهم الصبحى عن شداد أبى عمار عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(3) يعنى ركعتى الضحى، من الشفع الزوج، ويروى بالفتح والضم كالغرفة، وإنما سماه شفعة لأنها أكثر من واحدة، قال القتيبى الشفع الزوج، ولم أسمع به مؤنثًا إلا ههنا، وأحسبه ذهب بتأنيثه الى الفعلة الواحدة أو الصلاة (نه)(4) المراد بالذنوب هنا الصغائر، وأما الكبائر فيكفرها التوبة الصحيحة أو عفو الله (تخريجه)(جه. والترمذى) قال وقد روى غير واحد من الائمة هذا الحديث عن نهاس بن قهم ولا نعرفه الا من حديثه اهـ (قلت) النهاس بن قهم ضعيف وأشار الى هذا الحديث ابن خزيمة فى صحيحه بغير إسناد

(1119)

وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الواحد الحداد عن خالد بن مهران قال سمعت عبد الرحمن بن الأصم قال قال أبو هريرة أوصاني

ص: 20

(1120)

عن عقبة بن عامر رضى الله عنه أنَّه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى غزوة تبوك فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا يحدِّث أصحابه فقال، من قام إذا استقلَّت الشَّمس فتوضَّأ فأحسن الوضوء ثمَّ قام فصلى ركعتين غفر له خطاياه فكان كما ولدته أمُّه

(1121)

عن أبى الدَّرداء رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال إنَّ الله تعالى يقول يا بان آدم لا تعجزنَّ من الأربع ركعات من أوَّل نهارك أكفك آخره

خليلي "الحديث"(تخريجه)(ق. والأربعة) وابن خزيمة ولفظه "أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بثلاث ركعات لست بتاركهن، أن لا أنام إلا على وتر، وأن لا أدع ركعتى الضحى فانها صلاة الأوابين (يعنى الذين تابوا ورجعوا عن المعاصى) وصيام ثلاثة أيام من كل شهر.

(1120)

عن عقبة بن عامر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله بن يزيد أخبرنا حيوة أخبرنا أبو عقيل عن ابن عمه عن عقبة بن عامر "الحديث"(غريبه)(1) أى ارتفعت وتعالت وسيأتى الكلام على ذلك فى باب وقت صلاة الضحى (2) هو كناية عن تطهير صحائفه من الصغائر وجعلها ناصعة بيضاء مثل وقت ولادته والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه اهـ (قلت) وأورده أيضًا الحافظ المنذرى بصيغة التمريض وعزاه لأبى يعلى أيضًا وفى إسناده عند الأمام أحمد رجل مبهم

(1121)

عن أبى الدرداء (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو المغيرة قال ثنا صفوان قال حدثنى شريح بن عبيد الحضرمى وغيره عن أبى الدرداء "الحديث"(غريبه)(3) أى لا تتقاعد وتفوِّت على نفسك فعل أربع ركعات سنة الضحى فىأول النهار أكفك شر آخره من الهموم والبلايا وأحفظك من الذنوب والخطايا واغفر لك ما وقع منها، وقال الطيبى أى أكفك شغلك وحوائجك وادفع عنك ما تكرهه بعد صلاتك الى آخر النهار (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه الترمذى وقال حديث حسن غريب، قال المنذرى وفى إسناده إسماعيل بن عياش ولكنه إسناد شامى (قلت) عن أبي ذر

ص: 21

(1122)

عن نعيم بن همَّار (الغطفانىِّ) رضى الله عنه أنَّه سمع رسول الله صلَّي الله عليه وآله وسلَّم يقول قال ربُّكم عز وجل صلِّ لى يا ابن آدم أربعًا فى أوَّل النَّهار أكفك آخره

(1123)

عن أبى الدَّرداء رضي الله عنه قال أوصانى خليلى أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهنَّ لشئ وصانى بثلاثة أيام كم كلِّ شهر، وأن لا أنام إلَاّ على وتر وسبحة الضُّحى في الحضر والسَّفر

(1124)

عن أبى ذرٍّ رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح على كلِّ سلامى من أحدكم صدقة، وكلُّ تسبيحة صدقة وتهليلة صدقة وتكبيرة

وأبي الدرداء يشير الى أن من الأئمة من يصحح اسناده عن الشاميين، قال ورواه أحمد عن أبى الدردءا وحده ورواته كلهم ثقات، ورواه أبو داود من حديث نعيم بن همَّار اهـ (قلت) حديث نعيم بن همَّار سيأتى بعد هذا

(1122)

عن نعيم بن همَّار (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر وعبد الصمد قالا ثنا محمد بن راشد عن مكحول عن كثير بن مرة الحضرمى عن نعيم ابن همَّار "الحديث"(تخريجه)(د. نس. مى) وسنده جيد ورواه الأمام أحمد من سبع طرق، وقال المنذرى قد جمعت طرقه فى جزء مفرد (قلت) وكثرة طرقه تعضده

(1123)

عن أبى الدرداء (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو المغيرة قال ثنا صفوان قال حدثنى بعض المشيخة عن أبى ادريس السكونى عن جبير بن نفير عن أبى الدرداء قال أوصانى خليلى "الحديث"(غريبه)(1) اى لشئ غير مهم وفيه المبالغة فى تأكيد فعلها (تخريجه)(م. د. نس)

(1124)

عن أبى ذرّ (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عارم وعفان قالا ثنا مهدى بن ميمون عن واصل مولى أبى عيينة عن يحى بن عقيل عن يحى بن يعمر عن أبى الأسود الدِّيلى عن أبى ذر "الحديث"(غريبه)(2) هو بضم السين وتخفيف اللام، وأصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استعمل فى جميع عظام البدن

ص: 22

صدقة وتحميدة صدقة وأمر بمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، ويجزئ أحدكم من ذلك كلِّه ركعتان يركعهما من الضُّحى

(1125)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال كتب علىَّ النَّحر ولم يكتب عليكم، وأمرت بركعتى الضُّحى ولم تؤمروا بها وعنه من طريق ثان) قال قال رسول صلى الله عليه وسلم أمرت بركعتى الضُّحى وبالوتر ولم يكتب

ومفاصله قاله النووي؛ وفى النهاية السلامى جمع سلاميه وهى الأنملة من أنامل الأصابع، وقيل واحده وجمعه سواء على سلاميات، وهى التى بين كل مفصلين من أصابع الأنسان، وقيل السلامى كل عظم مجوّف من صغار العظام، والمعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة اهـ قال القاضى عايض إن كل عظم من عظام ابن آدم يصبح سليما من الآفات باقيًا على الهيئة التى تتم بها منافعه فعليه صدقة شكر لمن صوره ووقاه عما يغيره ويؤذيه اهـ (1) المعروف كل ما ندب اليه الشرع والمنكر ضده (2) قال النووى ضبطناه ويجزى بفتح أوله وضمه فالضم من الاجزاء، والفتح من جزى يجزى أى كفى، ومنه قوله تعالى {لا تجزى نفس} وفى الحديث "لا يجزى عن أحد بعدك" وفيه دليل على عظم فضل الضحى وكبير موقعها وانها تصح ركعتين اهـ والمعنى أن الصلاة تكفى عن جميع الصدقات المطلوبة من هذه الأعضاء، لأنه بفعلها تتحرك جميع هذه الأعضاء فيكون كل عضو قد أدى ما عليه من الصدقة، ولعل الحكمة فى تخصيص ركعتى الضحى بالأجزاء انها تكون فى وقت اشتغال الناس بدنياهم وغفلتهم عن أداء هذه السنة فالمصلى فى هذا الوقت يكون قد أدى شكر المنعم والله أعلم (تخريجه)(م. د. هق)

(1125)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود ابن عامر ثنا شريك عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس "الحديث"(3) أى نحر الضحية يوم عيد النحر أو أوجبه الله علىّ "وقوله ولم يكتب عليكم" يعنى لم يكتب على أمته كتب إيجاب بل كتب ندب (4) أى أمر إيجاب "وقوله ولم تؤمروا بها" أى أمر إيجاب بل أمر ندب (5)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع عن اسرائيل عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(6) بالياء التحتية وفى رواية زيادة "عليكم" أى لم يفرض عليكم كما فى رواية أخرى؛ وفي رواية ولم

ص: 23

_________

يكتبا بضمير التثنية أى لم تفرضا عليكم كما فى رواية بهذا اللفظ أيضا (تخريجه)(طب. عل. بز. ك) وابن عدى، وفى إسناد الأمام أحمد وأبى يعلى جابر الجعفى، وهو ضعيف جدًا، وفى اسناد البزار وابن عدى والحاكم ابن جنان الكلبى وقد صرح الحافظ بأن الحديث ضعيف من جميع طرقه والله أعلم (وفى الباب) عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين، ومن صلى أربعا كتب من العابدين، ومن صلى ستا كفى ذلك اليوم، ومن صلى ثمانيًا كتبه الله من القانتين، ومن صلى ثنتى عشرة ركعة بنى الله له بيتا فى الجنة، وما من يوم ولا ليلة الا الله منٌّ به على عباده وصدقةٌ، وما منَّ الله على أحد من عباده أفضل من أن يلهمه ذكره، أورده المنذرى وقال رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات وفى موسى بن يعقوب الزمعى خلاف، وقد روى عن جماعة من الصحابة ومن طرق، وهذا أحسن أسانيده فيما أعلم، ورواه البزار من طريق حسين بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال قلت لأبى ذرّ يا عماه أوصنى، قال سألتنى كما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن صليت الضحى ركعتين لم تكتب من الغافلين" فذكر الحديث ثم قال لا نعلمه يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم الا من هذا الوجه كذا قال رحمه الله تعالى اهـ (وعن أبى مرة الطائفى) رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل "ابن آدم صل لى أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" رواه الأمام أحمد أيضا، وانما لم أذكره فى المتن لأنه ذكر مثله عن أبى الدرداء ونعيم بن همَّار، قال المنذرى ورواته محتج بهم فى الصحيح، وروى مثله أيضا الطبرانى فى الكبير عن النواس بن سمعان قال فى مجمع الزوائد ورجاله ثقات (وعن جابر بن عبد الله) قال قطع بى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملنى على جمل قمرى "أى شديد البياض" فأنا أضربه فى آخر الناس فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فما زال فى أوائل الناس فلما قدمنا مكة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرده اليه فوجدته يصلى ست ركعات، وفى رواية أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عليه بعيرًا لى فرأيته صلى الضحى ست ركعات، أوردهما الهيثمى وقال رواهما الطبرانى فى الأوسط من رواية محمد بن قيس عن جابر وقد ذكره ابن حبان فى الثقات (وعن جبير بن مطعم) أنه رآى النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى رواه الطبرانى فى الكبير وإسناده حسن قاله الهيثمى (وفى الباب غير ذلك) كثير لكن لا يخلو من ضعف (الأحكام) احاديث الباب تدل على مشروعية صلاة الضحى وعظم فضلها وكبير موقعها وتأكيدها والحث عليها وكثرة فوائدها (فمن ذلك) أنها اعظم غنيمة يغتنمها المسلم، وبها ينتصر على الشيطان ويرضى الرحمن ويحوز الأحسان (ومن ذلك)

ص: 24

(2)

باب ما جاء فى وقتها وجواز فعلها جماعة

(1126)

ز عن علىّ رضى الله عنه قال صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضُّحى حين كانت الشَّمس من المشرق من مكانها من المغرب من صلاة العصر

أن فاعلها يكون فى أمان الله تعالى ورعايته وحفظه من كل مكره طول يومه (ومن ذلك) تكفير الذنوب الصغائر مهما بلغت كثرتها والحفظ من ارتكاب الكبائر (ومن ذلك) أنها تجزئ عن ثلاثمائة وستين صدقة، وبالجملة ففضائلها كثيرة، وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة، وحكمها أنها سنة مؤكدة (وبذلك قال جمهور العلماء) وظاهر حديث ابن عباس يدل على عدم مشروعيتها للأمة، وفى الطريق الثانية منه دلالة على عدم وجوبها على الأمة، وفى الطريقين دلالة على وجوبها عليه صلى الله عليه وسلم وقد علمت أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة، والصحيح أنها سنة فى حقه صلى الله عليه وسلم وحق أمته (وفى الباب أيضًا) بيان عدد ركعاتها وهى اثنتان أو أربع (قال صاحب المهذب) والأكثرون من الشافعية أقلها ركعتان وأكثرها ثمان ركعات (وقال الرويانى والرافعى وغيرهما) أكثرها اثنتا عشرة ركعة مجتجين بحديث أنس مرفوعًا (من صلى الضحى ثنتى عشرة ركعة بنى الله له بيتًا فى الجنة) أخرجه الترمذى واستغربه (قال الحافظ) وليس فى إسناده من أطلق عليه الضعف؛ قال واذا ضم اليه حديث أبى ذر وأبى الدرداء قوى وصلح الاحتجاج به (قلت) حديث أبى ذر وأبى الدرداء المشار اليه تقدم آنفًا، وسيأتى لذلك مزيد بحث فى الباب التالى فى شرح حديث أم هانئ ان شاء الله تعالى (تنبيه) قال العراقى فى شرح الترمذى اشنهر بين كثير من العواك أنه من صلى الضحى ثم قطعها يحصل له عمًى، فصار كثير من الناس لا يصلونها خوفا من ذلك، وليس لهذا أصل البتة لا من السنة ولا من قول أحد من الصحابة ولا من التابعين ومن بعدهم، والظاهر أن هذا مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام لكى يتركوا صلاة الضحى دائما ليفوتهم بذلك خير كثير، وهو أنهما تقومان عن سائر أنواع التسبيح والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما ثبت فى صحيح مسلم من حديث أبى ذر اهـ

(1126)

(ز) عن على رضى الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر ثنا المحاربى عن فضيل بن مرزوق عن أبى إسحاق عن عاصم ابن ضمرة عن على رضى الله عنه "الحديث"(غريبه)(1) المعنى أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى ومقدار ارتفاع الشمس من جهة المشرق كمقدار ارتفاعها من جهة المغرب عند صلاة

ص: 25

(1127)

عن زيد بن أرقم رضى الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل قباء وهم يصلُّون الضُّحى فقال صلاة الأوَّابيت إذا رمضت الفصال من الضُّحى (وعنه من طريق ثان) أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم أتى على مسجد قباء أو دخل مسجد قباء بعدما أشرقت الشَّمس فإذا هم يصلُّون، فقال إنَّ صلاة الأوَّابين كانوا يصلُّونها إذا رمضت الفصال

(1128)

عن سعيد بن نافع قال رآنى أبو بشير الأنصارىُّ رضى الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلِّى صلاة الضُّحى حين طلعت الشِّمس فعاب على ذلك ونهانى، ثمَّ قال إنَّ رسول الله صلَّي الله عليه وآله وسلَّم قال لا تصلُّوا حتَّى ترتفع الشَّمس، فإنَّها تطلع بين قرني الشَّيطان

العصر وفيه تبيين وقتها (تخريجه)(نس. جه. مذ) مطولا وكذلك الأمام أحمد وتقدم فى الجزء الرابع فى الباب الثالث من أبواب صلاة التطوع

(1127)

عن زيد بن أرقم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا هشام الدستوائى عن القاسم بن عوف الشيبانى عن زيد بن أرقم "الحديث"(غريبه)(1) بضم القاف وهو ممدود مذكر مصروف، وتقدم الكلام عليه فى الباب الأول من أبواب الغسل من الجنابة من الجزء الثانى (2) جمع أوَّاب وهو الراجع الى الله تعالى من آب اذا رجع (3) الرمضاء شدة الحر على الرمل وغيره، والفصال جميع فصيل أى ولد الناقة اذا فصل عن أمه، أى اذا وجد الفصيل حر الشمس ولا يكون ذلك الا عند ارتفاعها (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة عن القاسم الشيبانى عن زيد بن أرقم "الحديث"(تخريجه)(م. مذ. ش. طب)

(1128)

عن سعيد بن نافع (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون ابن معروف قال عبد الله وسمعته أنا من هارون قال ثنا عبد الله أخبرنى مخرمة عن أبيه عن سعيد بن نافع "الحديث"(غريبه)(5) من تفسيره فى الباب الأول من أبواب

ص: 26

(1129)

عن عتبان بن مالك رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى فى بيته سبحة الضُّحى فقاموا وراءه فصلَّوا بصلاته

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها من الجزء الثانى (تخريجه) لم أقف عليه من حديث أبى بشير لغير الأمام أحمد وسنده جيد، ورواه مسلم والأمام أحمد وغيرهما عن كثير من الصحابة غير أبى بشير، وتقدم ذلك فى الباب الأول من أبواب الأوقات المنهى عن الصلاة فيها فى الجزء الثانى

(1129)

عن عتبان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عثمان بن عمر ثنا يونس عن الزهرى عن محمود بن الربيع "الحديث"(تخريجه)(ق) وغيرهما مطولا، وأخرجه يضا الأمام أحمد مطولا وتقدم فى الباب الثانى عشر من أبواب المساجد، وأورده الهيثمى مختصرًا كما هنا وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (الأحكام) بيّنت أحاديث الباب وقت صلاة الضحى وهو عند امتداد حر الشمس وارتفاعها من جهة المشرق قدر ارتفاعها من جهة المغرب وقت صلاة العصر، قال فى النهاية الضحوة ارتفاع أول النهار، والضحى بالضم والقصر فوقه، وبه سميت صلاة الضحى، والضحاء بالفتح والمد إذا علت الشمس الى ربع السماء فما بعده اهـ (وقال الرافعى من الشافعية) وقتها من حين ترتفع الشمس إلى الاستواء (وقال النووى) قال أصحابنا وقتها من طلوع الشمس، ويستحب تأخيرها إلى ارتفاعها، قال المارودى وقتها إذا مضى ربع النهار، وجزم به النووى فى التحقيق، والمعنى فى ذلك على ما قاله الغزالى فى الأحياء ان لا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة الله (وقال ابن قدامة من الحنابلة) فى المغنى وقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقول النبى صلى الله عليه وسلم "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" رواه مسلم اهـ (قلت) وظاهره أنه بيان أول الوقت لا الوقت المختار لأنه لم يذكر غير ذلك، وذكر غيره من علماء الحنابلة أو أول وقتها من خروج وقت النهى إلى قبيل الزوال وأفضله ان اشتد الحر (وقال ابن العربى من المالكية) وفى هذا الحديث (يعنى حديث زيد بن أرقم) الأشارة إلى الاقتداء بداود فى قوله عز وجل "إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والأشراق" فنبه على أن صلاته كانت اذا أشرقت الشمس فأثر حرها فى الأرض حتى تجدها الفصال حارة لا تبرك عليها، بخلاف ما تصنع الغفلة اليوم فانهم يصلونها عند طلوع الشمس، بل يزيد الجاهلون فيصلونها وهى لم تطلع قيد رمح ولا رمحين يتعمدون بجهلهم وقت النهى بالأجماع اهـ وفي مصنف

ص: 27

(3)

باب اختلاف الصحابة فيها وفيه فصول

الفصل الأول فيما روى عن جماعة من الصحابة فى ذلك

(1130)

عن علىّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّى من الضُّحى

(1131)

عن أبى سعيد الخدرىِّ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى الضُّحى حتى تقول لا يدعها ويدعها حتَّى نقول لا يصلِّيها

(1132)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال ما رأيت رسول الله

ابن أبي شيبة عن عمر "أضحوا عباد الله بصلاة الضحى"(وعى على) رضى الله عنه أنه رآهم يصلون الضحى عند طلوع الشمس فقال هلَاّ تركوها حتى اذا كانت الشمس قيد رمح أو رمحين صلَّوها فذلك صلاة الأوابين (وفى رواية) مالهم نحروها نحرهم الله، فهلَاّ تركوها حتى اذا كانت بالجبين صلَّوا فتلك صلاة الأوابين (قلت) وقوله نحروها أى صلوها فى أول وقتها من نحر الشهر وهو أوله "وقوله نحرهم الله" يحتمل أن يكون دعاء لهم أى بكّرهم الله بالخير كما بكروا بالصلاة فى أول وقتها، ويحتمل أن يكون دعاء عليهم بالنحر والذبح لأنهم غيروا وقتها (نه) وأوضح ما جاء فى ذلك حديث على أول الباب (وفى حديث عتبان) جواز فعلها جماعة والله أعلم

(1130)

عن على رضى الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان بن داود أنبأنا شعبة عن أبى إسحاق سمع عاصم بن ضمرة عن على رضى الله عنه "الحديث"(تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وأبو يعلى إلا أنه قال يصلى الضحى ورجال أحمد ثقات (قلت) ورواه الحاكم والنسائى أيضا، قال العراقى وإسناده جيد

(1131)

عن أبى سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا فضيل بن مرزوق عن عطية العوفى عن أبى سعيد الخدرى "الحديث"(غريبه)(1) فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يواظب على صلاة الضحى، وسبب ذلك ما فى حديث عائشة عند الأمام مالك والأمام أحمد وسيأتى بلفظ "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يستن به الناس فيفرض عليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب ما خف على الناس من الفرائض" وفى هذا دليل لمن ذهب الى أنه لا يسن المواظبة على صلاة الضحى بل ينبغى أن يصلى أحيانا ويترك أحيانا كما كان من عادته صلى الله عليه وسلم من العمل بالرخصة والعزيمة (تخريجه)(مذ) وحسنه

(1132)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع قال

ص: 28

صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم صلَّى الضُّحى قطُّ إلَاّ مرَّةً

(1133)

عن عبد الرَّحمن بن أبى بكرة قال رأى أبو بكرة رضى الله عنه ناسًا يصلُّون الضُّحى، فقال إنَّهم ليصلُّون صلاةً ما صلَاّها رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ولا عامَّة أصحابه رضى الله عنهم

(1134)

عن مورِّق العجلىِّ قال قلت لابن عمر رضى الله عنهما أتصلِّى الضُّحى؟ قال لا، قلت صلَاّها أبو بكر؟ قال لا، قلت أصلَاّها النَّبيُّ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم؟ قال لا إخاله

ثنا سفيان عن عاصم بن كليب الجرمى عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"(تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والبزار إلا أنه قال لم يصل الضحى إلا مرة ورجاله ثقات

(1133)

عن عبد الرحمن بن أبى بكرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن عبد الله ثنا معاذ بن معاذ ثنا شعبة حدثنى فضيل بن فضالة قال حدثنى عبد الرحمن بن أبى بكرة "الحديث"(غريبه)(1) إنكار أبى بكرة رضى الله عنه صلاة الضحى على من يصليها سببه أنه لم ير النبى صلى الله عليه وسلم ولا أحدًا من الصحابة صلاها ولم يبلغه ذلك، وعدم رؤيته وعلمه بذلك لا يستلزم عدم الوقوع، وقد ثبت عن كثير من الصحابة أن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها وأنهم فعلوا أيضا، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد

(1134)

عن مورق العجلى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا شعبة عن توبة العنبرى عن مورق العجلى "الحديث"(غريبه)(2) هكذا فى الأصل صلاها بحذف همزة الاستفهام، والمعنى أصلاها عمر، وكذا يقال فى قوله صلاها أبو بكر (3) بكسر الهمزة وتفتح أيضا وبعدها خاء معجمة أى لا أظنه، وكان سبب توقف ابن عمر فى ذلك أنه بلغه عن غيره أنه صلاها ولم يثق بذلك عمن ذكره، وقد جاء عنه الجزم بكونها بدعة (أى محدثة لم يفعلها النبى صلى الله عليه وآله وسلم كما فى الحديث الآتى بعده (تخريجه)(خ)

ص: 29

(1135)

عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزُّبير لمسجد فإذا نحن بعبد الله بن عمر فجالسناه قال فإذا رجال يصلُّون الضُّحى، فقلنا يا أبا عبد الرَّحمن ما هذه الصَّلاة؟ قال بدعة

(1136)

عن ابن أبى ليلى قال ما أخبرنى أحد أنَّه رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم

(1135) عن مجاهد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبيدة بن حميد عن منصور بن المعتمر عن مجاهد "الحديث"(تخريجه) هذا طرف من حديث طويل ذكر بتمامه فى أبواب العمرة، وأخرجه أيضا البخاوى فى أول أبواب العمرة لما فيه من ذكرها (ورواه سعيد بن منصور) باسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال إنها محدثة وإنها لمن أحسن ما أحدثوا، قال الحافظ (وروى ابن أبى شيبة) باسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال سألت ابن عمر عن صلاة الضحى فقال بدعة ونعمت البدعة (وروى عبد الرزاق) باسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئا أحب إلىّ منها (وروى ابن أبى شيبة) باسناد صحيح عن الشعبى عن ابن عمر قال "ما صليت الضحى منذ أسلمت إلا أن أطوف بالبيت" أى فأصلى فى ذلك الوقت لا على نية صلاة الضحى بل على نية الطواف ويحتمل أنه كان ينويهما معًا (وقد جاء عن ابن عمر) أنه كان يفعل ذلك فى وقت خاص (فروى نافع) أن ابن عمر كان لا يصلى الضحى إلا يوم يقدم مكة فانه كان يقدمها ضحى فيطوف بالبيت ثم يصلى ركعتين، ويوم يأتى مسجد قباء (وروى ابن خزيمة) من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يصلى الضحى إلا أن يقدم من غيبة، فأما مسجد قباء فقال سعيد بن منصور حدثنا ابن عيينة عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان لا يصلى الضحى الا أن يأتى قباء، قال الحافظ وهذا يحتمل أن يكون ينويهما معًا كما قلناه فى الطواف (وفى الجملة) ليس فى أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى لأن نفيه محمول على عدم رؤيته لا على عدم الوقوع فى نفس الأمر أو الذى نفاه صفة مخصوصة (قال عياض) وغيره إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها فى المساجد وصلاتها جماعة لأنها مخالفة للسنة، ويؤيده ما رواه ابن أبى شيبة عن ابن مسعود أنه رآى قومًا يصلونها فأنكر عليهم فقال ان كان ولا بد ففى بيوتكم اهـ

(1136)

عن ابن أبى ليلى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا

ص: 30

يصلِّي الضُّحى غير أمِّ هانئ فإنَّها حدَّثت أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكَّة فاغتسل وصلَّى ثمان ركعات (زاد فى رواية يخفِّف فيهنَّ الرُّكوع والسُّجود) ما رأته صلَّى صلاة قطُّ أخفَّ منها غير أنَّه كان يتم الرُّكوع والسُّجود (ومن طريق ثان) عن عبيد الله بن عبد الله

محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبى ليلى "الحديث"(غريبه)(1) هى بنت أبى طالب أخت على رضى الله عنه شقيقته، قال النووى فى الأسماء واللغات هانئ بهمزة فى آخره لا خلاف فيه بين أهل اللغة والأسماء وكلهم مصرحون به، واسم أم هانئ فاختة هذا هو المشهور، وقيل اسمها هند، قاله الأمامام الشافعى وأحمد بن حنبل وغيرهما، وقيل فاطمة حكاه ابن الأثير، أسلمت عام الفتح وكانت تحت هبيرة بن عمرو فولدت له عمرًا وهانئًا ويوسف وجعدة، روى لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة وأربعون حديثا اهـ وقال الحافظ ليس لها فى البخارى سوى هذا وحديث تقدم فى الطهارة اهـ (2) ظاهره أن الاغتسال وقع فى بيتها، ووقع فى الموطأ ومسلم من طريق أبى مرة عن أم هانئ "أنها ذهبت الى النبى صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل" وجمع بينهما بأن ذلك تكرر منه، ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أم هانئ وفيه أن أبا ذر ستره لما اغتسل، وفى رواية أبى مرة عنها أن فاطمة بنته هى التى سترته، ويحتمل أن يكون فى بيتها بأعلى مكة، وكانت هى فى بيت آخر بمكة فجاءت اليه فوجدته يغتسل فيصح القولان، وأما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره فى ابتداء الغسل والآخر فى أثنائه والله أعلم قاله الحافظ (3) زاد كريب عن أم هانئ "فسلم من ركعتين" أخرجه أبو داود وابن خزيمة، قال الحافظ وفيه رد على من تمسك به فى صلاتها موصولة سواء صلى ثمان ركعات أو أقل، وفى الطبرانى من حديث ابن أبى أوفى أنه صلى الضحى ركعتين فسألته امرأته فقال ان النبى صلى الله عليه وسلم ركعتين، ورأت أم هانئ بقية الثمان؛ وهذا يقوِّى أنه صلاها مفصولة والله أعلم اهـ (4) يعنى من صلاة النبى صلى الله عليه وسلم وعند البخارى فى آخر أبواب التقصير فما رأيته صلى صلاة قط أخف منها؛ وفى رواية عبد الله بن الحارث عند مسلم "لا أدرى أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجوده كل ذلك متقارب" ورواية مسلم هذه توافق ما فى الطريق الثانية من حديث الباب (5)(سند) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون قال ثنا ابن وهب قال أخبرنا

ص: 31

ابن الحارث أنَّ أباه عبد الله بن الحارث بن نوفل حدَّثه أنَّ أمَّ هانئ بنت بى طالب أخبرته أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أتي بعد ما ارتفع النَّهار يوم الفتح فأمر بثوب فستر عليه فاغتسل، ثمَّ قام فركع ثمانى ركعات لا أدرى أقيامه فيها أطول أو ركوعه أو سجوده، كلُّ ذلك منه متقارب قالت فلم أره سبَّحها قبل ولا بعد

يونس عن ابن شهاب قال حدثنى عبيد الله بن عبد الله بن الحارث "الحديث"(1) هو عبد الله ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب مذكور فى الصحابة لكونه ولد على عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وبيّن ابن ماجه فى روايته وقت سؤال عبد الله بن الحارث عن ذلك ولفظه (سألت فى زمن عثمان والناس متوافرون)(2) أى فتح مكة وكان ذلك فى سنة ثمان من الهجرة فى رمضان (3) فيه وجوب التستر حال الغسل ان خشى رؤية الناس، واستحبابه ان كان خاليا، وهو قول الجمهور (4) أى كانت صلاته صلى الله عليه وسلم متقاربة الأركان يقرب بعضها من بعض فى الزمن (5) هذا النفى باعتبار ما وصل اليه علمها، فلا ينافى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى قبل يوم الفتح وبعده، والأحاديث فى هذا شهيرة كثيرة مر بعضها وسيأتى كثير منها (تخريجه)(ق. د. مذ. جه. ش. طب. وغيرهم) قال الحافظ واستدل بهذا الحديث على إثبات سنة الضحى، وحكى عياض عن قوم أنه ليس فى حديث أم هانئ دلالة على ذلك، قالوا وإنما هى سنة الفتح وقد صلاها خالد بن الوليد فى بعض فتوحاته كذلك، وقال عياض أيضًا بيس حديث أم هانئ بظاهر فى أنه صلى الله عليه وسلم قصد بها سنة الضحى، وإنما فيه أنها أخبرت عن وقت صلاته فقط، وقد قيل إنها كانت قضاءً عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيه، وتعقبه النووى بأن الصواب صحة الاستدلال به (لما رواه أبو داود) وغيره من طريق كريب عن أم هانئ أن النبى صلى الله عليه وسلم "صلى سبحة الضحى" ولمسلم فى كتاب الطهارة من طريق أبى مرة عن أم هانئ فى قصة اغتساله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح "ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى"(وروى ابن عبد البر) فى التمهيد من طريق عكرمة بن خالد عن أم هانئ قالت "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فصلى ثمان ركعات فقلت ما هذه؟ قال هذه صلاة الضحى" واستدل به على أن أكثر الضحى ثمان ركعات واستبعده السبكى، ووجِّه بأن الأصل في العبادة التوقف

ص: 32

(الفصل الثاني فيما روى عن أنس بن مالك رضى الله عنه فى ذلك)

(1137)

عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال كان رجل ضخم لا يستطيع أن يصلِّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

وهذا أكثر ما ورد فى ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم؛ وقد ورد من فعله دون ذلك كحديث ابن أبى أوفى أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ركعتين أخرجه ابن عدى، وحديث عائشة عند مسلم (كان يصلى أربعًا) وحديث جابر عند الطبرانى فى الأوسط أنه صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ست ركعات (وأما ما ورد) من قوله صلى الله عليه وسلم ففيه زيادة على ذلك كحديث أنس مرفوعا (من صلى الضحى ثنتى عشرة ركعة بنى الله له قصرًا فى الجنة) أخرجه الترمذى واستغربه وليس فى إسناده من أطلق عليه الضعف، فذكره الى قوله ومن صلى ثنتى عشرة بنى الله له بيتًا فى الجنة) وتقدم هذا الحديث بلفظه فى الباب الأول فى شرح حديث ابن عباس، قال الحافظ وفى إسناده ضعف، وله شاهد من حديث أبى ذر رواه البزار وفى إسناده ضعف أيضا، ومن ثم قال الرويانى ومن تبعه أكثرها ثنتا عشرة، ونقل الترمذى عن احمد ان أصح شئ ورد فى الباب حديث أم هانئ وهو كما قال، ولهذا قال النووى فى الروضة أفضلها ثمان وأكثرها ثنتا عشرة، ففرق بين الأكثر والأفضل، ولا يتصور ذلك إلا فيمن صلى الأثنتى عشرة بتسليمة واحدة فانها تقع نفلا مطلقًا عند من يقول إن أكثر سنة الضحى ثمان ركعات، فأما من فصل فانه يكون صلى الضحى وما زاد على الثمان يكون له نفلا مطلقا فتكون صلاته اثنتى عشرة فى حقه أفضل من ثمان لكونه أتى بالأفضل وزاد (وقد ذهب قوم) منهم أبو جعفر الطبرى وبه جزم الحليمى والرويانى من الشافعية الى أنه لا حدَّ لأكثرها، وروى من طريق إبراهيم النخعى قال سأل رجل الأسود بن يزيد كم أصلى الضحى؟ قال كم شئت اهـ ببعض تصرف واختصار

(1137)

عن أنس بن سيرين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة عن أنس بن سيرين "الحديث"(غريبه)(1) قيل هو عتبان ابن مالك لأن فى قصته شبهًا بقصته وتقدم حديثه فى آخر الباب الثانى (وقوله ضخم) أى سمين، والضخم الغليظ من كل شئ، وفيه جواز ترك الجماعة لأجل السمن المفرط الذى يتألم صاحبه بحضور الجماعة ويشق عليه ذلك، وذكر ابن حبان فى صحيحه أنه تتبّع الأعذار

ص: 33

لا أستطيع أن أصلِّي معك فلو أتيت منزلي فصلَّيت فأقتدي بك فصنع الرَّجل طعامًا، ثمَّ دعا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فنضح طرف حصير لهم، فصلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين، فقال رجل من آل الجاود لأنس وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّى الضُّحى؟ قال ما رأيته صلَاّها إلَاّ يومئذ

(1138)

عن عبد الله بن رواحة رضى الله عنه قال سمعت أنس بن مالك يقول إنَّه لم ير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلِّى الضُّحى إلَاّ أن يخرج فى سفر أو يقدم من سفر

المانعة من إتيان الجماعة من السنن فوجدها عشرًا، المرض المانع من الأتيان اليها، وحضور الطعام عند المغرب، والنسيان العارض فى بعض الأحوال، والسمن المفرط، ووجود المرء حاجته فى نفسه، وخوف الأنسان على نفسه وماله فى طريقه الى المسجد، والبرد الشديد، والمطر المؤذى، ووجود الظلمة التى يخاف المرء على نفسه المشى فيها، وأكل الثوم والبصل والكراث (1) أى فاتخذه مصلى كما صرح بذلك فى بعض الروايات (2) النضح بمعنى الرش إن كانت النجاسة متوهمة فى طرف الحصير، وبمعنى الغسل إن كانت متحققة أو يكون النضح لأجل تليينه لأجل الصلاة عليه (3) فى رواية البخارى أكان بهمزة الاستفهام (4) فيه استحباب صلاة الضحى، لأن أنسًا أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ولكن ما رآه إلا يومئذ، يعنى يوم كان فى منزل رجل من الأنصار (تخريجه)(خ. د. جه. حب) وغيرهم

(1138)

عن عبد الله بن رواحة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى عن أبان يعنى ابن خالد حدثنى عبيد الله بن رواحة "الحديث"(غريبه)(5) احتج به القائلون إنها لا تسن إلا عند الخروج فى سفر أو القدوم منه، وهذا لا ينافى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها فى أوقات أخرى لم يطلع عليه أنس فيها (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وأبو يعلى إلا أنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى الضحى الا أن يقدم من سفر أو يخرج) ولاكهما رواه عن عبد الله بن رواحة قال حدثنى أنس قلت ولم أجد من ذكره واغفله الشريف اهـ

ص: 34

(1139)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنَّه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلَّي سبحة الضُّحى ثمان ركعات، فلمَّا انصرف قال إنِّي صلَّيت صلاة رغبة ورهبة سألت ربِّى عز وجل ثلاثًا فاعطانى ثنتين ومنعنى واحدة، سألته أن لا يبتلى أمَّتى بالسِّنين ففعل، وسألت أن لا يظهر عليهم عدوَّهم

(1139 عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون ابن معروف ثنا عبد الله بن وهب قال وأخبرونى عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أن الضحاك بن عبد الله القرشى حدثه عن أنس بن مالك "الحديث"(غريبه)(1) يعنى رغبة فى رحمة الله تعالى وعفوه (ورهبة) يعنى خوفًا من عذابه وغضبه (2) يعنى القحط والجدب، تقول العرب مستهم السنة بمعنى أخذهم الجدب فى السنة، ويقال اسنتوا كما يقال اجدبوا، قال الشاعر *ورجال مكة مسنتون عجاف* ومنه قوله تعالى {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} وقوله صلى الله عليه وسلم (اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف)(3) يعنى أن لا يسلط عليهم عدوًّا من غيرهم كما فى رواية الترمذى يعنى الكفار (فان قيل) كيف يتفق هذا مع أن معظم المسلمين الآن فى بقاع الأرض تحت سيطرة غيرهم (قلت) لأنهم لم يقيموا الدين كما أمرهم الله عز وجل وفرطوا فيه، فلم يتبعوا أوامره ولم يجتنبوا نواهيه، وأفرطوا فى تقليد الأجنبى فى الضار لا النافع، قلدوه فى أكل الربا وشرب الخمور، قلدوه فى إباحة الزنا والتبرج والسفور، قلدوه فى استحمام النساء فى البحور، ولم يقلدوه فى وضع المقذوفات على النغور، قلدوه فى الحكم بالقانون الوضعى، ونبذوا القانون السماوى، ولم ينزجروا بقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أبعد هذا يطمعون فى الانتصار على الأجنبى؟ كلا، لا يكون ذلك ما داموا كذلك، وأكبر شاهد محسوس على صدق قولنا أن بعض الدول الأسلامية المتمسكة بدين الله المقيمة لحدوده "كاليمن والحجاز" محفوظة من اليد الأجنبية فلم تسيطر عليها ولم تمسها بأذًى، إذًا فالانتصار على الأجنبى مقيد بنصر دين الله كما جاء فى كثير من الأحاديث الصحيحة وفى القرآن الكريم، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} أى ان تنصروا الدين وتعملوا بالسنة وقال أيضا {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} فان ثبنا الى الدين وتعاليمه القويمة، وتبنا عما ارتكبنا من المخالفة الذميمة وقويت منا العزيمة، فالله تعالى يحقق

ص: 35

ففعل، وسألته أن لا يلبسهم شيعًا فأبى علىَّ

الفصل الثالث فيما روى عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها

(1140)

عن عروة عن عائشة قالت والله ما سبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم

لنا سر دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم مع قوله عز وجل {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} نسأل الله تعالى أن يرشدنا الى العمل بكتابه المبين والاهتداء بهدى نبيه الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يحوّل حالنا الى أحسن الأحوال آمين (1) الشيع جمع شيعة وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة واشياع، وأصله من التشيّع ومعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضا، وقيل الشيعة هم الذين يتقوى بهم الأنسان، قال الزجاج فى قوله عز وجل أو يلبسكم شيعا يعنى يخلط أمركم خلط اضطراب لا خلط اتفاق فيجعلكم فرقا مختلفين يقاتل بعضكم بعضا، وقال ابن زيد هو الذى فيه الناس اليوم من الاختلاف والأهواء وسفك بعضهم دماء بعض (وقوله فأبى علىّ) يعنى ان الله عز وجل منعه الثالثة وأخبره جبريل عليه السلام أن فناء أمته بالسيف كما فى رواية (تخريجه)(نس. ك. خز) وصححاه وله شاهد عند مسلم والأمام أحمد أيضا، وسيأتى فى الباب السادس من أبواب فضائل الأمة المحمدية عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أنه أقبل مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية حتى اذا مر بمسجد بنى معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ثم انصرف الينا فقال "سألت ربى ثلاثا فأعطانى اثنتين ومنعنى واحدة، سألت ربى أن لا يهلك أمتى بالسنة فأعطانيها، وسألت ربى أن لا يهلك امتى بالغرق فأعطانيها، وسألت ربى أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها"(وعند الترمذى) عن خباّب بن الأرت رضى الله عنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فأطالها، فقالوا يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليها؛ قال أجل، إنها صلاة رغبة ورهبة إنى سألت الله فيها ثلاثًا فأعطانى اثنتين ومنعنى واحدة، سألته أن لا يهلك أمتى بسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها، رواه الأمام أحمد أيضا، وسيأتى فى الباب السادس من أبواب فضائل الأمة المحمدية

(1140)

عن عروة عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن عياش قال ثنا شعيب عن الزهرى قال وأخبرنى عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قالت والله ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"

ص: 36

سبحة الضُّحى قطُّ وإنِّى لأسبِّحها وقالت إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يستنَّ به النَّاس فيفرض عليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب ما خفَّ على النَّاس من الفرائض

(1141)

وعنها أيضًا قالت ما سبَّح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبحة الضُّحى فى سفر ولا حضر

(غريبه)(1) تقدم غير مرة أن المراد بالسبحة النافلة وأصلها من التسبيح، وخصت النافلة بذلك لأن التسبيح الذى فى الفريضة نافلة، فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها كالتسبيح فى الفريضة (2) كذا هنا من السبحة، وفى رواية للبخارى وانى لأستحبها من الاستحباب وهو من رواية مالك عن ابن شهاب، ولكل منها وجه؛ لكن الأول يقتضى الفعل، والثانى لا يستلزمه، وجاء فى ذلك أحاديث مختلفة عند الأمام أحمد ومسلم وستأتى كلها فى هذا الفصل (فمن ذلك) ما روى من طريق عبد الله بن شقيق قلت لعائشة (أكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى؟ قالت لا، إلا أن يجئ من مغيبه) وهذا لفظ مسلم، وعنده من طريق معاذة عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله) ففى حديث عروة نفى رؤيتها لذلك مطلقًا، وفى حديث ابن شقيق تقييد النفى بغير المجئ من مغيبه، وفى حديث معاذة الأثبات مطلقًا (وقد اختلف العلماء فى ذلك) فذهب ابن عبد البر وجماعة الى ترجيح ما اتفق الشيخان عليه دون ما انفرد به مسلم، وقالوا إن عدم رؤيتها لذلك لا يستلزم عدم الوقوع، فيقدم من روى عنه من الصحابة الأثبات، وذهب آخرون الى الجمع بينهما، قال البيهقى عندى أن المراد بقولها ما رأيته سبحها أى دوام عليها (وقولها إنى لأسبحها) أى أداوم عليها؛ وكذا قولها "وما أحدث الناس شيئا" تعنى المداومة عليها اهـ (قلت) قول البيهقى (وما أحدث الناس شيئا) هذه الجملة جاءت فى حديث ذكره البيهقى بسنده عن عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عروة عن عائشة قالت "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى وانى لأسبحها" زاد معمر فى روايته "وما أحدث الناس شيئا أحب الىّ منها" ثم قال رواه البخارى فى الصحيح عن آدم عن ابن ابى ذئب اهـ (تخريجه)(ق. لك. د. نس. هق)

(1141)

وعنها أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن مصعب ثنا الأوزاعى عن الزهرى عن عروة عن عائشة "الحديث"(غريبه)(3) المعنى أنها ما رأته يصليها كما فسره بذلك القاضى عياض وغيره، قال القاضى والجمع بينه

ص: 37

(1142)

عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى الضُّحى إلَاّ أن يقدم من سفر فيصلِّى ركعتين

(1143)

عن معاذة عن عائشة رضى الله عنها قالت صليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى بيتى الضُّحى أربع ركعات

(1144)

وعنها أيضًا قالت سألت عائشة رضى الله عنها كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى الضُّحى؟ قالت أربع كعات ويزيد ما شاء الله عز وجل

وبين قولها كان يصليها أنها أخبرت فى الأنكار عن مشاهدتها، وفى الأثبات عن غيرها، وقيل فى الجمع أيضا يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص فى وقت مخصوص، وانه صلى الله عليه وسلم كان يصليها اذا قدم من سفر لا بعدد مخصوص ولا بغيره كما قالت كان يصلى أربعًا ويزيد ما شاء الله اهـ (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ وذكره نحوه الشيخان وغيرهما بدون قولها فى سفر ولا حضر

(1142)

عن عبد الله بن شقيق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا معتمر قال سمعت خالدًا عن عبد الله بن شقيق عن عائشة "الحديث"(غريبه)(1) لفظ مسلم عن عبد الله بن شقيق قال "قلت لعائشة هل كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى؟ قالا لا، الا أن يجئ من مغيبه" وحكى المحب الطبرى أنه جمع بين قولها "ما كان يصلى الا أن يجئ من مغيبه" وقولها "كان يصلى أربعا ويزيد ما شاء الله" بأن الأول محمول على صلاته إياها فى المسجد والثانى على البيت، قال ويعكر عليه حديثها الثالث (يعنى حديث النفى مطلقا المتقدم فى أول الفصل) ويجاب عنه بأن المنفى صفة مخصوصة، وأخذ الجمع المذكور من كلام ابن حبان، أفاده الحافظ

(1143)

عن معاذة عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين بن محمد قال حدثنى المبارك عن أمه عن معاذة عن عائشة "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ ويؤيده ما بعده

(1144)

وعنها أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز قال ثنا همام عن قتادة عن معاذة "الحديث"(تخريجه)(م. نس) والترمذى فى الشمائل وفى هذا الحديث والذى قبله اثبات صلاة الضحى، وفيما تقدمهما نفيها، وقد تقدم الجمع بين أحاديث النفى والأثبات ونزيد هنا ما جمع به الأمام النووى، قال رحمه الله، وأما الجمع

ص: 38

_________

بين حديثي عائشة فى نفى صلاته صلى الله عليه وسلم الضحى واثباتها، فهو أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصليها فى بعض الأوقات لفضلها ويتركها فى بعضه خشية أن تفرض كما ذكرته عائشة، ويتأول قولها ما كان يصليها إلا أن يجئ من مغيبه على أن معناه ما رأيته، كما قالت فى الرواية الثانية ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى سبحة الضحى، وسببه أن النبى صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عند عائشة فى وقت الضحى الا فى نادر من الأوقات، فانه قد يكون فى ذلك مسافرًا وقد يكون حاضرًا ولكنه فى المسجد أو فى موضع آخر، واذا كان عند نسائه فانما كان لها يوم من تسعة، فيصح قولها ما رأيته يصليها، وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها، أو يقال قولها ما كان يصليها أى ما يداوم عليها، فيكون نفيًا للمداومة لا لأصلها والله أعلم (الأحكام) جمع هذا الباب من مختلف الأحاديث فى صلاة الضحى ما لم يجمع مثله فى كتاب آخر من كتب السنة، وقد ذكرنا كلام العلماء فى الجمع بين مختلف الأحاديث بأسلوب سهل لطيف يفهمه كل قارئ، ويستفاد من أحاديث الباب بعد التوفيق بين مختلفها أن صلاة الضحى مشروعة مرغب فيها وأن فعلها ثابت فعله النبى صلى الله عليه وسلم وكثير من الصحابة والتابعين، وبذلك قال جمهور العلماء، ومنهم الائمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعى واحمد، وقد جمع الحافظ ابن القيم فى الهدى الأقوال فبلغت ستة (الأول) أنها سنة واستدلوا بهذه الأحاديث التى قدمناها (الثانى) لا تشرع إلا لسبب واحتجوا بأنه لم يفعلها الا لسبب فاتفق وقوعه وقت الضحى وتعددت الأسباب (فحديث أم هانئ) فى صلاته يوم الفتح كانت لسبب الفتح، وأن سنة الفتح أن يصلى عنده ثمان ركعات، قال وكان الأمراء يسمونها صلاة الفتح (وصلاته عند القدوم من مغيبه) كما فى حديث عائشة كانت لسبب القدوم فانه كان اذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه (وصلاته فى بيت عتبان بن مالك) كانت لسبب، وهو تعليم عتبان الى أين يصلى فى بيته لما سأل النبىَّ صلى الله عليه وسلم ذلك (وأما أحاديث الترغيب فيها) والوصية بها فلا تدل على أنها سنة راتبة لكل أحد، ولهذا خص بذلك أبا هريرة وأبا ذر ولم يوص بذلك أكابر الصحابة (والقول الثالث) أنها لا تستحب أصلا (والقول الرابع) يستحب فعلها تارة وتركها أخرى (والقول الخامس) تستحب صلاتها والمحافظة عليها فى البيوت (والقول السادس) أنها بدعة، روى ذلك عن ابن عمر، واليه ذهب الهادى والقاسم وأبو طالب، ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة باثباتها قد بلغت مبلغًا لا يقصر البعض منه عن اقتضاء الاستحباب، وقد جمع الحاكم الأحاديث فى إثباتها فى جزء مفرد عن نحو عشرين نفسًا من الصحابة، وكذلك السيوطى صنف جزءًا فى الأحاديث الواردة فى إثباتها، وروى فيه عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا يصلونها، منهم (أبو سعيد الخدرى) وقد روى ذلك عنه سعيد بن منصور

ص: 39

(باب الصلاة عقب الطهور)

(1145)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال حدِّثنى بأرجى عمل عملته في الإسلام عندك منفعةً، فإنِّى سمعت اللَّيلة

وأحمد بن حنبل (وعائشة) وقد روى ذلك عنها سعيد بن منصور وابن أبى شيبة (وأبو ذر) وقد روى ذلك عنه ابن أبى شيبه (وعبد الله بن غالب) وقد روى ذلك عنه أبو نعيم (وأخرج سعيد بن منصور) عن الحسن أنه سئل هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلونها؟ فقال نعم كان منهم من يصلى ركعتين، ومنهم من يصلى أربعًا، ومنهم من يمد الى نصف النهار (وأخرج سعيد بن منصور) أيضا فى سننه عن ابن عباس أنه قال طلبت صلاة الضحى فى القرآن فوجدتها ههنا "يسبحن بالعشى والأشراق"(وأخرج ابن أبى شيبة فى المصنف) والبيهقى فى شعب الأيمان من وجه آخر عن ابن عباس أنه قال إن صلاة الضحى لفى القرآن وما يغوص عليها الا غواص، فى قوله تعالى {فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال} (وأخرج الاصبهانى) فى الترغيب عن عون العقيلى فى قوله تعالى {إنه كان للأوّابين غفورًا} قال الذين يصلون صلاة الضحى (وأما احتجاج) القائلين بأنها لا تشرع الا لسبب بما سلف فالأحاديث التى ذكرت فى هذا الباب ترده، وكذلك ترد اعتذار من اعتذر عن أحاديث الوصية والترغيب بما تقدم من الاختصاص، وترد أيضا قول ابن القيم إن عامة أحاديث الباب فى أسانيدها مقال، وبعضها منقطع، وبعضها موضوع لا يحل الاحتجاج به؛ فان فيها الصحيح والحسن وما يقاربه كما عرفت، أفاده الشوكانى (لطيفة) قال الحافظ روى الحاكم من طريق أبى الخير عن عقبة بن عامر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلى الضحى بسور، منها والشمس وضحاها والضحى، قال الحافظ ومناسبة ذلك ظاهرة جدًا

(1145)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير قال ثنا أبو حيان عن أبى زرعة عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) هو ابن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك القول من النبى صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر كما صرح بذلك فى رواية البخارى (2) أى أخبرنى بأفضل عمل عملته فى الأسلام ترجو به منفعة وإضافة العمل الى الرجاء لأنه السبب الداعى اليه (3) فيه إشارة الى أن ذلك وقع فى المنام لأن عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان يقص ما رآه ويعبر ما رآه أصحابه بعد صلاة الفجر كما سيأتي في كتاب

ص: 40

خشف نعليك بين يدىَّ في الجنَّة فقال بلال ما عملت عملًا في الإسلام أرجى عندى منفعة إلَاّ أنِّى لم أتطهَّر طهورًا تامًا فى ساعة من ليل أو نهار إلَاّ صلَّيت بذلك الطُّهور ما كتب الله لى أن أصلِّي

(1146)

عن عبد الله بن بريدة قال سمعت أبى بريدة يقول أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالًا فقال يا بلال بم سبقتنى إلى الجنَّة؟ ما دخلت الجنَّة قطُّ إلَاّ سمعت خشخشتك أمامى، إنِّى دخلت البارحة فسمعت خشخشتك (فذكر حديثًا يختصُّ بعمر بن الخطَّاب) وقال لبلال بم سبقتني

تعبير الرؤيا بعد صلاة الفجر وكان كلام النبى صلى الله عليه وسلم لبلال فى ذلك الوقت كما تقدم ويؤيده ما سيأتى فى الكلام على الحديث التالى (وقوله خشف نعليك) بفتح الخاء وسكون الشين المعجمتين وتخفيف الفاء، قال أبو عبيدة وغيره الخشف الحركة الخفيفة (وفى رواية أخرى) خشخشة بمعجمتين مكررتين وهو بمعنى الحركة أيضا (وفى رواية البخارى) دف نعليك بفتح الدال المهملة وتثقيل الفاء، وضبطه المحب الطبرى بالذال المعجمة، قال الخليل دف الطائر اذا حرك جناحيه وهو قائم على رجليه، وقال الحميدى الدف الحركة الخفيفة (1) أى قدّر وهو اعم من الفريضة، قال ابن التين إنما اعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبى صلى الله عليه وسلم أن الصلاة أفضل الأعمال وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر، وبهذا التقدير يندفع ايراد من أورد عليه غير ما ذكر من الأعمال الصالحة (قال الحافظ) والذى يظهر أن المراد بالأعمال التى سأله عن ارجائها، الأعمال المتطوع بها، والا فالمفروضة أفضل قطعًا (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1146)

عن عبد الله بن بريدة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زيد ابن الحباب حدثنى حسين بن واقد أخبرنى عبد الله بن بريدة قال سمعت أبى بريدة "الحديث"(غريبه)(2) الخشخشة حركة لها صوت كصوت السلاح (نه)(3) لفظه بعد قوله فسمعت خشخشتك "فأتيت على قصر من ذهب مرتفع مشرف فقلت لمن هذا القصر؟ قالوا الرجل من العرب، قلت أنا عربى، لمن هذا القصر؟ قالوا لرجل من المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قلت أنا محمد، لمن هذا القصر؟ قالوا لعمر بن الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا

ص: 41

إلى الجنَّة قال ما أحدثت إلَاّ توضَّأت وصلَّيت ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا

(باب ما جاء فى تحية المسجد)

(1147)

عن أبى سعيد الخدرىِّ رضى الله عنه قال كنَّا مع رسول الله

غيرتك يا عمر لدخلت القصر؛ فقال يا رسول الله ما كنت لأغار عليك، قال وقال لبلال بم سبقتنى الى الجنة الحديث" (1) قال الحافظ وهذا ظاهر فى كونه رآه داخل الجنة، ويؤيد كونه وقع فى المنام ما سيأتى فى أول مناقب عمر "يعنى فى البخارى" من حديث جابر مرفوعًا "رأيتنى دخلت الجنة فسمعت خشفة فقيل هذا بلال، ورأيت قصرًا بفنائه جارية فقيل هذا لعمر الحديث" وبعده من حديث أبى هريرة مرفوعًا "بينا أنا نائم رأيتنى فى الجنة فاذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقيل هذا لعمر الحديث" فعرف أن ذلك وقع فى المنام وثبتت الفضيلة بذلك لبلال لأن رؤيا الأنبياء وحى، ولذلك جزم النبى صلى الله عليه وسلم له بذلك، ومشيه بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم كان من عادته فى اليقظة فاتفق مثله فى المنام، ولا يلزم من ذلك دخول بلال الجنة قبل النبى صلى الله عليه وسلم لأنه فى مقام التابع، وكأنه أشار صلى الله عليه وسلم إلى بقاء بلال على ما كان عليه فى حال حياته واستمراره على قرب منزلته، وفيه منقبة عظيمة لبلال اهـ (قلت) ولعمر أيضا رضى الله عنهما (2) أى بسبب هذا العمل سبقتنى إلى الجنة، وظاهره أن هذا الثواب وقع بسبب ذلك العمل، ولا معارضة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل أحدكم الجنة عمله" لأن أحد الأجوبة المشهورة الجمع بينه وبين قوله تعالى {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} أن أصل الدخول إنما يقع برحمة الله، واقتسام الدرجات بحسب الأعمال، فيأتى مثله فى هذا، وفيه أن الجنة موجودة الآن خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة أفاده الحافظ (تخريجه)(مذ. خز) وسنده جيد (الأحكام) حديثا الباب يدلان على مشروعية الصلاة عقب الطهور واستحباب إدامة الطهارة، ومناسبة المجازاة على ذلك بدخول الجنة لأن من لازم الدوام على الطهارة أن يبيت المرء طاهرًا، ومن بات طاهرًا عرجت روحه فسجدت تحت العرش كما رواه البيهقى فى شعب الأيمان من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص، والعرش سقف الجنة كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة (واستدل بهما) على جواز الصلاة عقب الطهور فى الأوقات المكروهة لعموم قوله فى ساعة من ليل أو نهار، وبذلك قالت (الشافعية) لأن هذه الصلاة من ذوات الأسباب، وأجاب المخالفون بأن الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهى والله أعلم

(1147)

عن أبى سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 42

صلى الله عليه وسلَّم يوم الجمعة، فدخل أعرابىٌّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فجلس الأعرابىُّ فى آخر النَّاس، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أركعت ركعتين؟ قال لا، قال فأمره فأنى الرَّحبة الَّتى عند المنبر فركع ركعتين

(1148)

عن أبى قتادة رضي الله عنه قال دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني النَّاس فجلست، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس، قال قلت إنِّى رأيتك جالسًا والنَّاس جلوس، قال وإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتَّى

حسن ثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبى سعيد الخدرى "الحديث"(غريبه)(1) هو سليك بمهملة مصغرًا ابن هدبة، وقيل ابن عمرو الغطفانى، وقع مسمى فى هذه القصة عند مسلم وأبى داود والدارقطنى والأمام أحمد أيضا من حديث جابر (وسيأتى فى باب الجلوس فى المسجد للجمعة وآدابه من أبواب الجمعة) وعند الدارقطنى أيضا جاء رجل من قيس المسجد فذكر نحو قصة سليك، قال الحافظ لا يخالف كونه سليكا فان غطفان من قيس (2) أى تحية المسجد (3) الظاهر أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره بالأتيان إلى هذا المكان لكونه كان خاليا، والسنة فى حق داخل المسجد يوم الجمعة أن يقرب من الأمام ما أمكنه إذا لم يترتب على ذلك تخطى الرقاب ليتمكن من سماع الخطبة ولا يحرم من ثواب الصف المقدّم؛ وقد أهمل الناس الآن هذه السنة، فتراهم يجلسون فى آخر المسجد لجهلهم بهذه السنة والأمام ساكت لا يرشدهم اليها، والأدهى من ذلك أنهم عند إقامة الصلاة يتركون بعض الصفوف ناقصة ويصفون خلفها على مرأى من الأمام وهو ساكت أيضا فلا حول ولا قوة إلا الله؛ ويستفاد من هذا الحديث أن الخطبة لا تمنع الداخل من صلاة ركعتين تحية المسجد؛ وسيأتى ذكر الخلاف فى ذلك فى الأحكام والله المستعان (تخريجه)(نس. جه. مذ) وصححه وأخرجه الشيخان والأمام أحمد أيضا من حديث جابر بن عبد الله

(1148)

عن أبى قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا معاوية بن عمرو وثنا زائدة ثنا عمرو بن يحيى الأنصارى ثنا محمد بن يحيى بن حبان عن عمرو بن سليم بن خلدة الأنصارى عن أبى قتادة "الحديث"(غريبه)(4) قال الحافظ صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع له التدارك، قال وفيه نظر، لما روى ابن حبان في صحيحه

ص: 43

يركع ركعتين (وعنه من طريق ثان) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس

من حديث أبي ذر أنه دخل المسجد فقال له النبى صلى الله عليه وسلم أركعت ركعتين؟ قال لا، قال قم فاركعهما ومثله قصة سليك المتقدم ذكرها، وسيأتى ذكرها فى أبواب الجمعة، قال الطبرى ويحتمل أن يقال وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة، وبعده وقت جواز، أو يقال وقتههما قبله أداء، وبعده قضاء (قال الحافظ) ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل، وظاهر التعليق بالجلوس أنه ينتفى النهى بانتفائه؛ فلا يلزم التحية من دخل المسجد ولم يجلس، ذكر معنى ذلم ابن دقيق العيد، وتعقب بأن الجلوس نفسه ليس هو المقصود بالتعليق عليه بل المقصود الحصول فى بقعته، واستدل على ذلك بما عند أبى داود بلفظ "ثم ليقعد بعد ان شاء أو ليذهب لحجته إن شاء" والظاهر ما ذكره ابن دقيق العيد اهـ (1) قال الحافظ هذا العدد لا مفهوم لأكثره بالاتفاق، واختلف فى أقله والصحيح اعتباره فلا تتأدى هذه السنة بأقل من ركعتين اهـ قال الشوكانى وظاهر الحديث أن التحية مشروعة وان تكرر الدخول إلى المسجد؛ ولا وجه لما قاله البعض من عدم التكرر قياسا على المترددين إلى مكة فى سقوط الأحرام عنهم اهـ (2)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا مالك يعنى ابن أنس عن عامر بن عبد الله يعنى ابن الزبير عن عمرو بن سليم عن أبى قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل أحدكم "الحديث"(3) هكذا جاء من هذا الطريق بلفظ الأمر، وفى الطريق الأولى بلفظ النهى، وهكذا رواه البخارى أيضا مرة بلفظ الأمر ومرة بلفظ النهى، ورواه الأثرم فى سننه بلفظ (اعطوا المساجد حقها، قالوا وما حقها؟ قال ان تصلوا ركعتين قبل أن تجلسوا)(تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)(وفى الباب) عند الشيخين والأمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن سليكا الغطفانى لما أتى يوم الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقعد قبل أن يصلى الركعتين أمره النبى صلى الله عليه وسلم ن يصليهما (وأخرج مسلم) عن جابر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم أمره لما أتى المسجد لثمن جمله الذى اشتراه منه أن يصلى الركعتين (الأحكام) استدل بحديثى الباب وبما ذكرنا معهما القائلون بوجوب تحية المسجد لأن الأمر يفيد تحقيقه وجوب فعل التحية، والنهى يفيد بتحقيقه أيضا تحريم تركها، وقد ذهب الى القول بالوجوب (الظاهرية) كما حكى ذلك عنهم ابن بطال، قال الحافظ والذى صرح به ابن حزم عدمه (وذهب

ص: 44

_________

الجمهور إلى أنها سنة) واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر فى ذلك للندب، قال ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم للذى رآه يتخطى "اجلس فقد آذيت" ولم يأمره بصلاة، كذا استدل به الطحاوى وغيره وفيه نظر اهـ (ومن جملة أدلة الجمهور على عدم الوجوب) ما أخرجه ابن أبى شيبة عن زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون، ومن أدلتهم أيضا حديث ضمام بن ثعلبة عند (ق. لك. د. نس) والأمام أحمد أيضا (وتقدم فى كتاب الأيمان) لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما فرض الله عليه من الصلاة؟ فقال الصلوات الخمس، فقال هل علىّ غيرها؟ قال لا الا أن تطوع (وقال النووى عند ذكر مسلم حديث أبى قتادة) فيه استحباب تحية المسجد بركعتين (وهى سنة باجماع المسلمين) وحكة القاضى عياض عن داود وأصحابه وجوبهما، وفيه التصريح بكراهة الجلوس بلا صلاة وهى كراهة تنزيه، وفيه استحباب التحية فى أى وقت دخل وهو مذهبنا، وبه قال جماعة وكرها أبو حنيفة والأوزاعى والليث فى وقت النهى (قلت) والمالكية والحنابلة أيضا، بل قال الحنابلة لا تنعقد ويأثم فاعلها فى وقت النهى، قال وأجاب أصحابنا أن النهى إنما هو عما لا سبب له، لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين قضاء سنة الظهر، فحص وقت النهى وصلى به ذات السبب، ولم يترك التحية فى حال من الأحوال، بل أمر الذى دخل المسجد يوم الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين، مع أن الصلاة فى حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية، فلو كانت التحية تترك فى حال من الأحوال لتركت الآن لأنه قعد وهى مشروعة قبل القعود، ولأنه كان يجهل حكمها ولأن النبى صلى الله عليه وسلم قطع خطبته وكلمه وأمره أن يصلى التحية، فلولا شدة الاهتمام بالتحية فى جميع الأوقات لما اهتم عليه السلام هذا الاهتمام، ولا يشترط أن ينوى التحية، بل تكفيه ركعتان من فرض أو سنة راتبة أو غيرهما، ولو نوى بصلاته التحية والمكتوبة انعقدت صلاته وحصلتا له، ولو صلى على جنازة أو سجد شكرًا أو للتلاوة أو صلى ركعة بنية التحية لم تحصل التحية على الصحيح من مذهبنا، وقال بعض أصحابنا تحصل وهو خلاف ظاهر الحديث، ودليله أن المراد إكرام المسجد ويحصل بذلك والصواب أنه لا يحصل بعده ركعتى الطواف اهـ (قال الشوكانى) والتحقيق أنه قد تعارض فى المقام عمومات النهى عن الصلاة فى أوقات مخصوصة من غير تفصيل، والأمر للداخل بصلاة التحية من غير تفصيل، فتخصيص أحد العمومين بالآخر تحكم، وكذلك ترجيح أحدهما على الآخر مع كون كل واحد منهما فى الصحيحين بطرق متعددة، ومع اشتمال كل واحد منهما على النهى أو النفى الذى فى معناه، ولكنه اذا ورد ما يقضى بتخصيص أحد العمومين عمل عليه، وصلاته صلى الله عليه وسلم سنة الظهر

ص: 45

(باب صلاة الاستخارة)

(1149)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلِّمنا السُّورة من القرآن

بعد العصر مختص به، لما ثبت عند أحمد وغيره أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قالت له أم سلمة أفنقضيهما اذا فاتتا؟ قال لا (قلت تقدم هذا الحديث وهو آخر حديث فى الجزء الثانى) قال ولو سلم عدم الاختصاص لما كان فى ذلك الا جواز قضاء سنة الظهر لا جميع ذوات الأسباب، نعم حديث يزيد بن الأسود "أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للرجلين ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا قد صلينا فى رحالنا، فقال اذا صليتما فى رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا فانها لكما نافلة وكانت تلك الصلاة صلاة الصبح" يصلح لأن يكون من جملة المخصصات لعموم الأحاديث القاضية بالكراهة، وكذلك ركعتا الطواف، قال وبهذا التقرير بعلم أن فعل تحية المسجد فى الأوقات المكروهة وتركها لا يخلو عند القائل بوجوبها من إشكال، والمقام عندى من المضايق، والأولى للمتودع ترك دخول المساجد فى أوقات الكراهة اهـ والله أعلم

(1149)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسحاق بن عيسى وأبو سعيد يعنى مولى بنى هاشم المعنى وهذا لفظ إسحاق قالا ثنا عبد الرحمن بن أبى الموالى المدنى ثنا محمد بن المنكدر بن جابر بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) أى صلاة الاستخارة ودعائها وهى طلب الخيرة بوزن عنبة، اسم من قولك اختاره الله، وفى النهاية خار الله لك أى أعطاك ما هو خير لك، قال والخيرة بسكون الياء الاسم منه، وأما بالفتح فهو الاسم من قولك اختاره الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم خيرة الله من خلقه، يقال بالفتح والسكون، وهو من باب الاستفعال، وهو فى لسان العرب على معان؛ منها سؤال الفعل والتقدير أطلب منك الخير فيما هممت به، والخير هو كل معنى زاد نفعه على ضره (ورواية البخارى) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة فى الأمور كلها؛ وفيها دليل على العموم وأن المرء لا يحتقر أمرًا لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فربَّ أمر يستخف بأمره فيكون فى الأقدام عليه ضرر عظيم أو فى تركه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ليسأل أحدكم ربه حتى فى شع نعله (2) فيه دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة وأنه متأكد مرغب فيه، (قال العراقى) ولم أجد من قال بوجوب الاستخارة مستدلا بتشبيه ذلك بتعليم السورة من القرآن كما استدل بعضهم على وجوب التشهد فى الصلاة لقول ابن مسعود "كان يعلمنا التشهد كما

ص: 46

يقول إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمَّ اليقل اللَّهم إنِّى أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك

يعلمنا السورة من القرآن" (فان قال قائل) إنما دل على وجوب التشهد الأمر فى قوله فليقل التحيات لله الحديث (قلنا) وهذا أيضا فيه الأمر بقوله فليركع ركعتين ثم ليقل (فان قال) الأمر فى هذا تعلق بالشرط وهو قوله إذا همَّ أحدكم بالأمر (قلنا) إنما يؤمر به عند إرادة ذلك لا مطلقا كما قال فى التشهد إذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله، قال ومما يدل على عدم وجوب الاستخارة الأحاديث الصحيحة الدالة على انحصار فرض الصلاة فى الخمس من قوله هل علىّ غيرها قال لا الا أن تطوع وغير ذلك اهـ نقله الشوكانى (1) المراد بالهم هنا العزم لأن الهم مبدأ القصد، والعزم القصد المتناهى فى طلب الشئ مع الحرص عليه، وهذا هو اللائق بالمقام كما لا يخفى، والمعنى اذا عزم أحدكم على أمر مما لا يعلم وجه الخير فيه فليركع الخ (3) أى فليصل ركعتين، من ذكر الجزء وارادة الكل، لأن الركوع جزء من أجزاء الصلاة، وفيه أن السنة فى الاستخارة كونها ركعتين فلا تجزئ الركعة الواحدة، وهل يجزئ فى ذلك أن يصلى أربعا أو أكثر بتسليمة؟ يحتمل أن يقال يجزئ ذلك، لقوله فى حديث أبى أيوب الآتى بعد هذا، ثم صل ما كتب الله لك، فهو دال على أنها لا تضر الزيادة على الركعتين (ومفهوم العدد) فى قوله فليركع ركعتين ليس بحجة على قول الجمهور (3) فيه أنه لا يحصل التسنن بوقوع الدعاء بعد صلاة الفريضة والسنن الراتبة وتحية المسجد وغير ذلك من النوافل (وقال النووى) فى الأذكار إنه يحصل التسنن بذلك وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر بذلك بعد حصول الهم بالأمر فاذا صلى راتبة أو فريضة ثم هم بأمر بعد الصلاة أو فى أثناء الصلاة لم يحصل بذلك الأتيان بالصلاة المسنونة عند الاستخارة (قال العراقى) إن كان همه بالأمر قبل الشروع فى الراتبة ونحوها ثم صلى من غير نية الاستخارة وبدا له بعد الصلاة الأتيان بدعاء الاستخارة فالظاهر حصول ذلك (وقوله ثم ليقل) فيه أنه لا يضر تأخر دعاء الاستخارة عن الصلاة ما لم يطل الفصل، وأنه لا يضر الفصل بكلام آخر يسير خصوصا إن كان من آداب الدعاء لأنه أتى بثم المقتضية للتراخى (4) أى أطلب منك الخير أو الخيرة، قال صاحب المحكم استخار الله طلب منه الخير (وقوله بعلمك) الباء فيه وفى قوله بقدرتك للتعليل، أى بأنك أعلم وأقدر قاله العراقى؛ وقال الكرمانى يحتمل أن تكون للاستعانة وأن تكون للاستعطاف كما فى قوله عز وجل {رب بما أنعمت علىّ} أى بحق علمك وقدرتك

ص: 47

العظيم فإنَّك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأمن علَاّم الغيوب اللَّهم فإن كنت تعلم هذا الأمير خيرًا لى فى دينى ومعاشى قال أبو سعيد ومعيشتى وعاقبة أمرى فاقدره لى ويسِّره ثمَّ بارك لى فيه اللَّهمَّ وإن كنت تعلمه شرًّا لى فى دينى ومعاشي وعاقبة

الشاملين اهـ (وقوله واستقدرك) أى أطلب منك أن تجعل لى قدرة عليه (1) فيه دليل على احتياج الخلق الى الله عز وجل وافتقارهم إلى فضله وإحسانه مهما عظموا؛ وكل عطاء الرب عز وجل فضل، فانه ليس لأحد عليه حق فى نعمة ولا فى دفع نقمة، فان أعطى فمن فضله، وإن منع فمن عدله، بخلاف ما تعتقده المبتدعة التى تقول إن الله واجب عليه أن يبتدئ العبد بالنعمة (2) فيه دليل على عجز العبد وجهله وعدم قدرته وأنه لا يعلم الغيب إلا الله قال تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول} أى إلا من يصطفيه لرسالته فيظهره على ما يشاء من الغيب ليستدل على نبوته بالآية المعجزة بأن يخبر عن الغيب، فما يدعيه الكهنة والدجالون من علم الغيب فهو كذب وزور وان صادف الواقع ومن صدَّقهم فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم كما فى الحديث، وفى ذلك كلام طويل سيأتى فى بابه ان شاء الله تعالى (3) لفظ رواية البخارى اللهم ان كنت تعلم أن هذا الأمر خير لى الخ والمعنى واحد، ولا يفهم من قوله ان كنت تعلم أن الصيغة للشك فى علم العليم الخبير وهو القائل {يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} "يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور"{لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء} بل فى كون علمه عز وجل تعلق بكون الأمر خيرًا أو ضده لا فى أصل العلم (4) هو مولى بنى هاشم المتقدم فى السند، يعنى أنه قال فى روايته ومعيشتى بدل ومعاشى، والمعاش والمعيشة واحد يستعملان مصدرًا واسما، وفى المحكم العيش الحياة، عاش عيشة ومعيشة ومعاشا وعيشوشة، ثم قال المعيش والمعاش والمعيشة ما يعاش به (5) رواية البخارى بعد قوله وعاقبة أمرى (أو قال عاجل أمرى وآجله) بالشك أى شك الراوى هل قال ومعاشى وعاقبة أمرى أو قال ومعاشى وعاجل أمرى وآجله، ورواية الأمام أحمد بغير شك، ومع هذا فيستحسن الجمع بين ذلك ليصادف الوارد فيقول ومعاشى وعاقبة أمرى وعاجله وآجله والله أعلم (وقوله فاقدره لى) ليس المراد منه استئناف المشيئة، فهذا محال لأن تقديره عز وجل وقع فى الأزل وانما المراد من التقدير هنا التيسر وتفسره الجملة بعده (6) لفظ البخارى بعد قوله ثم بارك لى فيه "وان كنت تعلم

ص: 48

أمري فاصرفني عنه واصرفه عنِّى واقدر لى الخير حيث كان ثمَّ رضِّنى به

(فصل منه فى الاستخارة لمن يريد الزواج)

(1150)

عن أبى أيوب الأنصارىِّ رضى الله عنه صاحب رسول الله

أن هذا الأمر شر لى الخ (1) فى رواية البخارى بعد قوله وعاقبة أمرى (أو قال عاجل أمرى وآجله) بالشك كما تقدم ويقال فيه ما قيل هناك (2) أى لا تعلق بالى بطلبه، وفيه طلب الأكمل من وجوه انصراف ما ليس فيه خيرة عنه، ولم يكتف بسؤال صرف أحد الأمرين لأنه قد يصرف الله المستخير عن ذلك الأمر بأن ينقطع طلبه له وذلك الأمر الذى ليس فيه خيرة يطلبه فربما أدركه، وقد يصرف الله المستخير عن ذلك الأمر بأن ينقطع طلبه له وذلك الأمر الذى ليس فيه خيرة يطلبه فربما أدركه، وقد يصرف الله المستخير ذلك الأمر ولا يصرف قلب العبد عنه بل يبقى متطلعا متشوقا الى حصوله فلا يطيب له خاطر إلا بحصوله فلا يطمئن خاطره، فاذا صرف كل منهما عن الآخر كان ذلك أكمل ولذلك قال "واقدر لى الخير حيث كان ثم رضّنى به"(3) رواية البخارى "ثم أرضنى به" بهمزة قطع والمعنى واحد، وهو أنه اذا قدر له الخير ولم يرض به كان منكد العيش آثما بعدم رضاه بما قدره الله له مع كونه خيرًا له (وعند البخارى) بعد قوله "إن كان هذا الأمر" والى هنا انتهى الحديث فى رواية البخارى (وزاد الأمام أحمد بعد قوله ثم رضنى به) وقال أبو سعيد "يعنى فى روايته" وعاقبة أمرى فاقدره لى ويسر لى وبارك لى فيه، اللهم وإن كنت تعلمه شرًا لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى فاصرفنى عنه واصرفه عنى واقدر لى الخير حيث كان ثم رضنى به، قال أبو عبد الرحمن (يعنى ابن الأمام أحمد رحمهما الله) ثنا منصور بن أبى مزاحم ثنا عبد الرحمن بن أبى الموالى عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه (يعنى أن عبد الله بن الأمام أحمد) رواه أيضا ولكن من طريق آخر عن غير أبيه (تخريجه)(خ. والأربعة. وغيرهم)

(1150)

عن أبى أيوب الأنصارى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا الوليد عن أيوب بن خالد بن أبى أيوب الأنصارى حدثه عن أبيه عن جده أبى أيوب الأنصارى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث" ثم ذكر له إسنادًا آخر فقال حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون ثنا ابن وهب أخبرنى حيوة أن الوليد بن الوليد أخبره باسناده ومعناه مائة واثنى عشر حديثا "هكذا بالأصل"

ص: 49

صلى الله عليه وسلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له اكتم الخطبة ثمَّ توضَّأ فأحسن وضوءك وصلِّ ما كتب الله لك ثمَّ احمد ربَّك ومجِّده ثمَّ قل اللَّهم إنَّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، أنت علَاّم الغيوب، فإن رأيت لى فى فلانة تسمِّيها باسمها خيرًا فى دينى ودنياى وآخرتى وإن كان غيرها خيرًا لى منها فى دينى ودنياى وآخرتى فاقض لى بها أو قال فاقدرها لي

(غريبه)(1) بكسر الخاء هى طلب زواج المرأة من وليها يقال خطب خطبة بالكسر، والاسم أيضا بالكسر، فأما بالضم فالقول والكلام، تقول خطب خطبة بالضم فهو خاطب وخطيب، أى من الذين يخطبون الناس ويحثونهم (والمعنى) اذا أردت خطبة امرأة فلا تعجل بذلك واكتمه فى نفسك ثم توضأ الى (ويحتمل) اذا خطبت امرأة فاكتم خطبتها ولا تفشها للناس ثم توضأ الخ، وفائدة الكتمان عدم تأثير الناس عليه بايجاب أو سلب فربما يقصد بعضهم الغش والخداع أو الحمد، لا سيما وقد ورد (استعينوا على إنجاح الحوائج "وفى رواية حوائجكم" بالكتمان فان كل ذى نعمة محسود) رواه الطبرانى وغيره عن معاذ وغيره، وهو حديث ضعيف، ضعفه الحفاظ، لكن قال صاحب كشف الخفا يستأنس له بما أخرجه الطبرانى عن ابن عباس مرفوعًا (إن لأهل النعم حسادًا فاحذروهم) قال وذكر الزيلعى فى سورة الأنبياء من تخريجه جماعة روى الحديث عنهم، والأحاديث الواردة فى التحدث بالنعم محمولة على ما بعد وقوعها فلا تكون معارضة لهذه، نعم إن ترتب على التحدث بها حسد بعده فالكتمان أولى اهـ (2) فيه جواز صلاة الاستخرة بأكثر من ركعتين لقوله وصل ما كتب الله لك (3) يحتمل أن يراد بالحمد والتمجيد قراءة الفاتحة فى صلاة الركعتين ويحتمل أن يأتى بذلك فى أول الدعاء بعد الصلاة (4) أى فاقض لى بها أو قال فاقدرهالى، كما يستفاد ذلك من الشق الثانى، ولم تذكر هذه الجملة فى الشق الأول، فاما أن تكون سقطت من الناسخ أو حذفت لدلالة ما فى الشق الثانى عليها (تخريجه)(طب. حب) وفى إسناده ابن لهيعة فيه كلام، وذكر له الأمام أحمد إسنادًا آخر رجاله كلهم ثقات، الا أنه لم يسق لفظه بل قال بمعناه، وتقدم ذلك بعد ذكر السند، ورواه أيضا الحاكم وقال هذه سنّة صلاة الاستخارة عزيزة تفرد بها أهل مصر، ورواته عن آخرهم ثقات ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى (وفى الباب) عن أبى سعيد الخدرى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

ص: 50

_________

إذا أراد أحدكم أمرًا فليقل اللهم انى أستخيرك بعلمك) الحديث على نحو حديث جابر وقال فى آخره (ثم قدّر لى الخير أينما كان لا حول ولا قوة الا بالله) قال الهيثمى رواه أبو يعلى ورجاله موثقون، ورواه الطبرانى فى الأوسط بنحوه اهـ (قلت) ورواه أيضا ابن حبان فى صحيحه من هذا الوجه (وعن أبى بكر الصديق) رضى الله عنه "أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا أراد أمرًا قال اللهم خرلى واخترلى" أخرجه الترمذى فى الدعوات وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل وهو ضعيف عند أهل الحديث (وعن عبد الله بن مسعود) رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان اذا استخار فى الأمر يريد أن يصنعه يقول "اللهم إنى أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك فانك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كان هذا خيرًا لى فى دينى وخيرًا لى فى معيشتى وخيرًا لى فيما أبتغى به الخير فخر لى لى عافية ويسره لى ثم بارك لى فيه، وان كان غير ذلك خيرًا لى فاقدر لى الخير حيث كان يقول ثم يعزم" قال الهيثمى رواه الطبرانى فى الثلاثة، الا أنه قال فى الصغير فاقدرلى الخير حيث كان واصرف عنى الشر حيث كان ورضنى بقضائك، وفى اسناد الكبير صالح ابن موسى الطلحى وهو ضعيف، وفى اسناد الأوسط والصغير رجل ضعّف فى الحديث (ولابن مسعود) فى الكبير عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان اذا استخار فى الأمر يريد ن يصنعه يقول فذكر نحوه، الا أنه قال فخر لى فى عافية ويسره لى، ورواه البزار بأسانيد وزاد فيه "وأسألك من فضلك ورحمتك فانهما بيدك لا يملكهما أحد سواك" وقال فوفقه لى وسهله، ورجال طريقين من طرقه حسنة اهـ (وعن ابن عمر) رضى الله عنهما قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستخارة قال يقول أحدكم (اللهم انى أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك واسألك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا اعلم وأنت علام الغيوب فان كان كذا وكذا يسمى الأمر باسمه خيرًا لى فى دينى وفى معيشتى وخيرًا لى فاقدر لى الخير حيث كان ورضنى به) قال الهيثمى رواه الطبرانى فى الأوسط وفيه من لم اجد من ترجمه اهـ (وعن سعد بن أبى وقاص) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سعادة ابن آدم استخارته الله، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضاه الله عز وجل" رواه أبو يعلى والبزار والأمام أحمد وتقدم فى الجزء الأول فى الباب الأول من كتاب القدر حديث رقم 14 (وعن أنس بن مالك) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد" رواه الطبرانى فى الصغير والأوسط من رواية عبد القدوس بن حبيب عن الحسن عن أنس

ص: 51

_________

وقال لم يروه عن الحسن إلا عبد القدوس تفرد به ولده عبد السلام اهـ (قلت) وعبد القدوس قال فيه الفلَاّس أجمعوا على ترك حديثه وقال أبو حاتم عبد السلام وأبوه ضعيفان، وقال الذهبى فى ميزان الاعتدال قال عبد الرزاق ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلا لعبد القدوس، وقال النسائى ليس بثقة، وقال ابن عدى أحاديثه منكرة الأسناد والمتن اهـ (قلت) وإنما ذكرت حديثه لبيان حاله لأنه مشتهر على ألسنة الناس، وفى الباب غير ذلك وفى هذا القدر كفاية (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية صلاة الاستخارة والدعاء عقبها وأنهما سنة مرغب فيهما، وبذلك قال جميع العلماء فيما أعلم، وقد أهملت هذه السنة فى زماننا هذا وقل من يعمل بها أو يعرفها، وقد ابتدع الناس عمل الاستخارة بأنواع شتى لم يرد شئ منها في كتاب الله ولا فى سنة رسوله ولم يقل به أحد من علماء السلف ولا الخلف، وإنما هى بدع شيطانية سرت واشتهرت بين عامة الناس (فمن تلك الأنواع) ما يقال له استخارة السبحة (ومنها) استخارة كأس القهوة (ومنها) استخارة لعبة الورق المشهورة باسم "الكوتشينة"(ومنها) استخارة المصحف (ومنها) استخارة التبييت، إلى غير ذلك من الأمور التى ليس لها أصل فى الدين، فتراهم اذا أهمهم أمر من أمور الدنيا أسرعوا الى من يتوسمون فيه الصلاح، أو من يكون من حفظة القرآن، أو من يدعى علم الغيب ويسألونه عمل الاستخارة فيوافقهم على اعتقادهم ويعمل لهم الاستخارة ويخبرهم بالنتيجة فى المستقبل رجما بالغيب ولم يرشدهم الى الاستخارة الشرعية التى نحن بصددها إما لجهله بها، وإما لأجل منفعة تعود عليه منهم، وكان يتردد علىّ كثير من هؤلاء الناس فى بعض الأحيان يطلبون منى عمل الاستخارة بالسبحة أو المصحف أو غير ذلك حسب اعتقادهم، فكنت أزجرهم عن هذه الأمور وأنفّرهم منها وأرشدهم الى الاستخارة الشرعية وكيفية العمل بها وأكتب لهم الدعاء، ولما كثر ترددهم علىّ مع كثرة شواغلى التى لا تسمح لى بالكتابة لكل سائل عملت كتيبا صغيرًا ضمنته حديث الاستخارة بشرح لطيف يفهمه العوام، مع أمور أخرى قاصدًا بذلك إرشادهم الى سنة خير الأنام، وصرفهم عن الخرافات والأوهام، أسمينه (إرشاد القارى الى الاستخارة من صحيح البخارى) والله أسأل أن ينفع به، هذا والاستخارة المذكورة مع دعائها مستحبة فى الأمور التى لا يدرى العبد وجه الصواب فيها، أما ما هو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف فلا حاجة للاستخارة فيها (قال العينى) فان قلت هل يستحب تكرار الاستخارة فى الأمر الواحد اذا لم يظهر له وجه الصواب فى الفعل أو الترك ما لم ينشرح صدره لما يفعل (قلت) بلى يستحب تكرار الصلاة والدعاء لذلك، وقد ورد فى حديث تكرار الاستخارة سبعا فى عمل الليلة لابن السنى من رواية إبراهيم بن البراء، قال

ما يستحب فعله فى الاستخارة

(ابواب صلاة السفر وآدابه واذكاره وما يتعلق به)

(1)

باب فضل السفر والحث عليه وشئ من آدابه

(1151)

عن أبى هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله

ص: 52

أبواب صلاة السفر وآدابه وأذكاره وما يتعلق به

(1)

باب فضل السفر والحث عليه وشيء من آدابه

(1151)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله

(حدثني أبي عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس اذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر الى الذى يسبق الى قلبك فان الخير فيه) قال النووى فى الأذكار إسناده غريب وفيه من لا أعرفهم قال شيخنا زين الدين (يعنى العراقى) كلهم معروفون ولكن بعضهم معروف بالضعف الشديد وهو ابراهيم بن البراء، والبراء هو ابن النضر بن أنس بن مالك، وقد ذكره فى الضعفاء العقيلى وابن حبان وابن عدى والأزدى، قال العقيلى يحدث عن النقات بالبواطيل؛ قال ابن حبان شيخ كان يدور بالشام يحدث عن الثقات بالموضوعات لا يجوز ذكره إلا على مثل القدح فيه، وقال ابن عدىّ ضعيف جدًا حدّث بالبواطيل، فعلى هذا فالحديث ساقط لا حجة فيه، نعم قد يستدل للتكرار بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا دعا دعا ثلاثا، وقال النووى إنه يستحب أن يقرأ فى ركعتى الاستخارة فى الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون، وفى الثانية قل هو الله أحد، وقد سبقه الى ذلك الغزالى، فانه ذكره فى الأحياء كما ذكره النووى (وقال شيخنا زين الدين) رحمه الله لم أجد فى شئ من طرق أحاديث الاستخارة تعيين ما يقرأ فيهما اهـ (وقال النووى) ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء، ويستحب افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد لله والصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ان الاستخارة مستحبة فى جميع الأمور كما صرح به نص هذا الحديث الصحيح، واذا استخار مضى بعدها لما ينشرح له صدره والله أعلم اهـ (قال الشوكانى) فلا ينبغى أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغى للمستخير ترك اختياره رأسا والا فلا يكون مستخيرًا لله، بل يكون مستخيرًا لهواه وقد يكون غير صادق فى طلب الخيرة وفى التبرّى من العلم والقدرة واثباتهما لله تعالى، فاذا صدق فى ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه اهـ والى هنا انتهى الكلام على الاستخارة

(*)(تنبيه) رأيت أن أحصر كل ما يتعلق بالسفر من آداب وأذكار وصلاة وجمع وقصر وغير ذلك تحت هذه الترجمة تقريبا للطالب وتتميما للفائدة والله الموفق

(1151)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا قتيبة

ص: 53

وسلَّم قال سافروا تصحوا واغزوا تستغنوا

(1152)

وعنه أيضًا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال ما من خارج يخرج يعنى من بيته إلَاّ ببابه رايتان راية بيد ملك، وراية بيد شيطان فإن خرج لما يحبُّ الله عز وجل اتَّبعه الملك برايته فلم يزل تحت راية الملك حتَّى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يسخط الله اتَّبعه الشيَّطان برايته فلم يزل تحت راية الشَّيطان حتَّى يرجع إلى بيته

(1153)

وعنه رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال لا تصحب الملائكة رفقةً

حدثنا ابن لهيعة عن دراج عن ابن حجيرة عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أى لأن الحركة تعود على البدن بالنفع وكذلك الهواء الطلق النقى (2) قال المناوى قرنه بالغزو إشارة الى أن المراد بالسفر فى هذه الأخبار سفر الجهاد ونحوه فلا يناقضه خبر "السفر قطعة من العذاب" اهـ (قلت) ومعنى قوله تستغنوا أى بسبب الغنيمة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى إسناده ابن لهيعة لكن صححه المناوى وحسنه الحافظ السيوطى

(1152)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى بى ثنا أبو عامر ثنا عبد الرحمن بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبرى عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(3) تنبيه راية بمعنى العلم (4) أى كحج أو جهاد أو تجارة جائزة يستعين بها على نفقة أولاده أو صلة رحم أو عيادة مريض أو نحو ذلك (5) كناية عن رعاية الله له وحفظه من الشيطان ومن كل ما يكره حتى يرجع الى بيته (6) أى كسرقة أو قتل نفس حرم الله قلتها أو زنا أو تجارة فيما يحرم بيعه أو نحو ذلك (7) كناية عن تسط الشيطان عليه وارتكابه ما يغضب الله نعوذ بالله من ذلك (تخريجه)(هق. طس) وسنده جيد

(1153)

وعنه رضى الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا أبو عوانة عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(8) بضم الراء وكسرها، هم الجماعة ترافقهم فى سفرك، والجمع رفاق تقول منه رافقه وترافقوا فى السفر والرفيق المرافق والجمع الرفقاء فاذا تفرقوا ذهب اسم الرفقة ولا يذهب اسم الرفيق وهو أيضا

ص: 54

فيها كلب أو جرس

(1154)

عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظَّها، وإذا سافرتم فى الجدب فأسرعوا السَّير، وإذا أردتم التَّعربس فتنكبوا الطَّريق (وعنه من

واحد وجمع كالصديق قال الله تعالى {وحسن أولئك رفيقا} اهـ مختار (1) الجرس بفتحتين الذى يعلق فى عنق البعير والذى يضرب به أيضا، والحكمة والله أعلم فى عدم اصطحاب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس هى أن الكلب لا يتحاشى أكل النجاسات، ولأن بعض الكلاب يسمى شيطانًا كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب، والملائكة تكره الرائحة القبيحة، ولأنها منهى عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه من صحبة الملائكة (وأما الجرس) فقيل سبب منافرة الملائكة له أنه شبيه بالنواقيس، أو لأنه من المعاليق المنهى عنها؛ وقيل سببه كراهة صوتها وتؤيده رواية مزامير الشيطان، والمراد بالملائكة ملائكة الرحمة والاستغفار لا الحفظة أفاده النووى (تخريجه)(م. د. مذ. حب. ش)

(1154)

عن سهيل عن أبيه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد وعفان قالا ثنا حماد بن سلمة عن سهيل عن أبيه "الحديث" وقال فى آخره قال عفان فى حديثه أنا سهيل بن أبى صالح (غريبه)(2) الخصب بكسر الخاء هو كثرة العشب والمرعى وهو ضد الجدب، والجدب هو انقطاع المطر ويبس الأرض وعدم النبات فيها؛ ومعنى الحديث الحث على الرفق بالدواب ومراعاة مصلحتها، فان سافروا فى الخصب قللوا السير وتركوها ترعى فى بعض النهار وفى أثناء السير فتأخذ حظها من الأرض بما ترعاه منها، وإن سافروا فى القحط عجلوا السير ليصلوا المقصد وفيها بقية من قوتها ولا يقللوا السير فيلحقها الضرر، لأنها لا تجد ما ترعى فتضعف وربما كلت ووقفت، وقد جاء فى أول هذا الحديث فى رواية الأمام مالك فى الموطأ "ان الله رفيق يحب الرفق"(3) قال أهل اللغة التعريس النزول فى أواخر الليل للنوم والراحة، هذا قول الخليل والأكثرين، وقال أبو زيد هو النزول أىّ وقت كان من ليل أو نهار (وقوله فتنكبوا الطريق) أي تجنبوه عند النزول لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشى فى الليل على الطرق لسهولتها، ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه وما تجد فيها من رمة ونحوها، فإذا

ص: 55

طريق ثان بنحوه وفيه) وإذا عرستم فاجتنبوا الطُّرق فإنَّها طرق الدَّوابِّ ومأوى الهوامِّ باللَّيل

(1155)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرتم فى الخصب فأمكنوا الرِّكاب أسنانها ولا تجاوزوا المنازل وإذا سرتم فى الجدب فاستجدُّوا وعليكم بالدَّلج فإنَّ الأرض تطوى

عرّس الإنسان فى الطريق ربما مر به منها ما يؤذيه فينبغى أن يتباعد عن الطريق وهذا أدب من آداب السير والنزول أرشد اليه صلى الله عليه وسلم فجزاه الله عن أمته أحسن الجزاء (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا عبد العزيز عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة (الحديث بنحو ما تقدم وفيه لخ)(2) هذه الرواية مفسرة للرواية الأولى وتقدم الكلام فى ذلك (تخريجه)(م. لك. د. مذ)

(1155)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن سلمة عن هشام عن الحسن عن جابر "الحديث"(غريبه)(3) الركاب هى الرواحل من الأبل، وقيل ما يركب من كل دابة (وقوله أسنانها) جمع سن، يقال لما تأكله الأبل وترعاه من العشب سن، وجمعه أسنان ثم أسنة (وفى رواية اعطوا الرُّكب اسنتها)(قال الزمخشرى) المعنى اعطوها ما تمتنع به من النحر؛ لأن صاحبها اذا أحسن رعيها سمنت وحسنت فى عينه فيبخل بها من أن تنحر، فشبه ذلك بالأسنة فى وقوع الامتناع بها، هذا على أن المراد بالأسنة جمع سنان، وان أريد بها جمع سن فالمعنى أمكنوها من الرَّعى اهـ (4) يعنى المنازل التى ينزلها المسافر لأجل راحته وعلف دابته، والمعنى لا تتركوا النزول فى هذه المنازل اذا سافرتم فى الخصب (5) أى جدوا السير ولا تنزلوا إلا للضرورة اذا كان سفركم فى مدة الجدب وفقًا بالدواب لئلا تجوع فتهلك أو تعيا عن السير فتعطل مصالحكم (6) بفتح الدال مشددة بعدها لام مفتوحة "وفى رواية عليكم بالدلجة" بضم الدال مشددة وسكون اللام وهو سير الليل يقال أدلج بالتخفيف اذا سار من أول الليل وادَّلج بالتشديد اذا سار من آخره والاسم منه الدُّلجة والدَّلجة بالضم والفتح، ومنهم من يجعل الأدلاج الليل كله، وكأنه المراد فى هذا الحديث لأنه عقبه بقوله فان الأرض تطوى بالليل ولم يفرق بين أوله وآخره وأنشدوا لعلي رضي الله عنه:

ص: 56

باللَّيل، وإذا تغوَّلت لكم الغيلان فنادوا بالأذان، وإيَّاكم والصَّلاة على جوادِّ الطَّريق والنُّزول عليها، فإنَّها مأوى الحيَّات والسبِّاع، وقضاء الحاجة فإنَّها الملاعن

(1156)

عن أبى قتادة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا عرَّس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرَّس قبيل

اصبر على السير والأدلاج فى السحر

وفى الرواح على الحاجات والبكر (نه)

وفى المختار أدلج سار من أول الليل، والاسم الدَّلج بفتحتين، والدُّلجة والدَّلجة بوزن الجرعة والضَّربة، والدَّلج بتشديد الدال سار من آخره، والاسم أيضا الدُّلجة والدَّلجة اهـ (1) أى اذا أضلتكم عن الطريق (والغيلان) جمع غول بضم الغين المعجمة وهى جنس من سحرة الجن والشياطين لهم تلبيس وتخييل (وقوله فنادوا بالأذان) أى أدفعوا شرها بذكر الله عز وجل (2) الجوادّ جمع جادَّة وهى سواء الطريق ووسطه، وقيل هى الطريق الأعظم التى تجمع الطرق ولا بد من المرور عليها، وإنما حذرهم من الصلاة على جواد الطريق، لأن من صلى فى الطريق يكون عرضة للمرور بين يديه فيشغله ذلك عن الصلاة، وربما مر بين يديه سبع أو حية أو نحو ذلك فيقطع عليه صلاته، وكذلك نهى المسافر عن النزول عليها لأنها مأوى الحيات والسباع كما فى الحديث؛ وتقدم الكلام على ذلك فى الحديث السابق (3) معطوف على قوله والنزول عليها، والمعنى احذروا الصلاة على جوادّ الطريق والنزول عليها وقضاء الحاجة "أى البول أو الغائط" على الطريق لأنه يكون سببًا فى نظر المارة الى عورته فتلعنه الملائكة أو يتضرر الناس من الرائحة الكريهة فيلعنونه والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أبو داود وغيره باختصار كثير، ورواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح

(1156)

عن أبى قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا حماد ثنا حميد عن بكر بن عبد الله بن رباح عن أبى قتادة "الحديث"(غريبه)(4) عرس بمهملات مفتوحات والراء مشددة أى نزل وهو مسافر آخر الليل "وفى رواية كان اذا عرس وعليه ليل" أى بقى من الليل زمن طويل (وقوله اضطجع على يمينه) وفى رواية توسد يمينه، أى جعل يده اليمنى وسادة لرأسه ونام نوم المتمكن لبعده من الصبح

ص: 57

الصُّبح نصب ذراعيه ووضع رأسه بين كفَّيه

(1157)

عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال السَّفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجِّل إلى أهله

فلا يخشى فوته لوثوقه بالتيقظ لطول زمن النوم (1) أى قبله بزمن يسير نصب ذراعيه ووضع رأسه بين كفيه (وفى رواية وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده) أى لئلا يتمكن من النوم فتفوته الصبح كما وقع فى قصة الوادى (تخريجه)(حب. ك) وإسناده صحيح

(1157)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن عن مالك عن سمى عن أبى صالح عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(2) معناه يمنعه كمالها ولذيذها لما فيه من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد والسُّرى والخوف ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العيش (3) النهمة بفتح النون وإسكان الهاء هى الحاجة، والمقصود فى هذا الحديث استحباب تعجيل الرجوع الى أهله بعد قضاء شغله وعدم التأخر بما ليس له بمهم (تخريجه)(ق. لك. جه. وغيرهم)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب السفر اذا كان فى طاعة الله تعالى لما يترتب عليه من الفوائد الدنيوية والأخروية والصحة البدنية وان كان فيه مشقة على النفس ولكنها تتلاشى أمام هذه الفوائد، فقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الأخير من الباب "السفر قطعة من العذاب" المراد به ما يحصل بسببه من التعب والمشقة على النفس، ولكن فوائده عظيمة ولا يعزب عنك أن الثواب على قدر المشقة، وقد ورد عن أنس مرفوعًا (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات) رواه مسلم والأمام أحمد والترمذى (وفيها أيضًا) كراهة استصحاب الكلب والجرس فى الأسفار وأن الملائكة لا تصحب رفقة فيها أحدهما (قال النووى) وهو مذهبنا ومذهب مالك وآخرين وهى كراهة تنزيه، وقال جماعة من متقدمى علماء الشام يكره الجرس الكبير دون الصغير اهـ (وفيها أيضا) الرفق بالحيوان وكراهة النزول فى الطرق وقد سبق بيان الحكمة فى ذلك (وفيها أيضا) الحرص على صلاة الصبح لما فيها من الفضل العظيم (وفيها) أن السفر فيه مشقة كبيرة على النفس ينبغى تحملها لما فيه من الفوائد وتقدم الكلام على ذلك (وفيها أيضا) استحباب الأسراع بالرجوع الى أهله بعد قضاء مهمته وفيها غير ذلك والله أعلم

ص: 58

(2)

باب أفضل الأيام للسفر وتوديع المسافر وايصاله والدعاء له

(1158)

عن ابن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يسافر لم يسافر إلَاّ يوم الخميس (وعنه من طريق ثان) أنَّ كعب بن مالك قال قلَّما كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يخرج إذا أرادوا سفرًا إلَاّ يوم الخميس

(1159)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال جاء رجل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يريد سفرًا فقال يا رسول الله أوصنى، قال أوصيك بتقوى الله والتَّكبير على كلِّ شرف فلمَّ ولَّى الرَّجل قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم اللَّهمَّ ازوله الأرض وهوِّن عليه السَّفر

(1160)

عن سالم بن عبد الله قال كان أبى عبد الله بن عمر رضي الله

(1158) عن ابن كعب بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسحاق يعنى ابن الطباع قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بنأبى حبيب عن الزهرى عن ابن كعب ابن مالك عن أبيه رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(1) أى فى الغالب كما يستفاد من الطريق الثانية (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عثمان بن عمر قال ثنا يونس عن الزهرى عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك قال الخ يعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخص يوم الخميس بالسفر فيخرج فيه أكثر من غيره فى باقى الأيام (تخريجه)(خ. د. بز) وفى سند الطريق الأولى عند الأمام أحمد ابن لهيعة وسند الطريق الثانية جيد، وهى التى رواها البخارى بسندها ولفظها

(1159)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا أسامة بن زيد عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(3) الشرف بفتحات المراد به هنا المكان المرتفع (4) أى اجمعها واطوها له، أى قرب له البعيد (تخريجه)(مذ. وغيره) وقال حديث حسن

(1160)

عن سالم بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معمر

ص: 59

عنهما إذا أتى الرَّجل وهو يريد السَّفر قال له ادن أودِّعك الله كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودِّعنا فيقول، استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك (ومن طريق ثان) عن قزعة عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال عبد الله بن عمر وأرسلنى في حاجة له تعالى حتَّى أودِّعك كما ودَّعنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأرسلنى فى حاجة له فأخذ بيدي فقال استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك

(1161)

عن موسى بن وردان قال قال أبو هريرة لرجل أودِّعك كما ودَّعنى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أو كما ودَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أستودعك الله الَّذي لا يضيِّع ودائعه

سعيد بن حثيم ثنا حنظلة عن سالم بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) أى أطلب من الله حفظ دينك وقدّم حفظ الدين على حفظ الأمانة اهتمامًا بشأنه لأن الدين أهم من كل شئ (والأمانة) هنا أهله ومن يتركه منهم، وماله الذى يودعه أمينه وجرى ذكر الدين مع الودائع لأن السفر موضع خوف وخطر، وقد يصاب ويحصل له مشقة وتعب فيهمل بعض الأمور المتعلقة بالدين من إخراج صلاة عن وقتها أو تساهل فى طهارة وكلام فاحش ونحو ذلك مما هو مشاهد (2) أى عملك الصالح الذى جعلته آخر عملك، فانه يستحب للمسافر أن يختم إقامته بعمل صالح كصلاة ركعتين وصدقة وصلة رحم وقراءة آية الكرسى بعد الصلاة وغير ذلك من وصية واستبراء ذمة، فيندب لكل من ودع أحدًا من المسلمين أن يقول ذلك حال مصافحته، وأن يقول له أيضا زوَّدك الله التقوى لحديث فى ذلك سيأتى إن شاء الله (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مروان بن معاوية الفزارى أنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن إسماعيل بن جرير عن قزعة "الحديث"(تخريجه)(د. مذ) وقال هذا حديث حسن صحيح

(1161)

عن موسى بن وردان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عتاب قال ثنا عبد الله قال أنا ليث بن سعد عن الحسن بن ثوبان اراه عن موسى بن وردان قال قال أبو هريرة الخ (غريبه)(4) يعنى الأشياء التى فوّض أربابها أمرها إلى الله

ص: 60

_________

سبحانه وتعالى فانه لا يفوض أحد أمره الى الله تعالى بنية صادقة وإخلاص فى ذلك الا حفظه الله (تخريجه)(جه) وابن السنى والنسائى فى اليوم والليلة قال العراقى باسناد حسن (وفى الباب) عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال "جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى أريد سفرًا فزدونى، فقال زودك الله التقوى، قال زدنى قال وغفر ذنبك، قال زدنى، قال ويسر لك الخير حيثما كنت" رواه الترمذى وقال حديث حسن (وعن أبى هريرة) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اذا أراد أحدكم سفرا فليودع إخوانه فان الله تعالى جاعل فى دعائهم خيرًا" أورده النووى فى الأذكار (الأحكام) فى أحاديث الباب استحباب السفر فى يوم الخميس لأنه صلى الله عليه وسلم كان يختار يوم الخميس للسفر لوجوه، إما لأنه يوم مبارك يرفع مبارك يرفع فيه أعمال العباد الى الله، وقد كانت اسفاره صلى الله عليه وسلم لله وفى الله والى الله فأحب أن يرفع له عمل صالح فيه، أو لأنه أتم أيام الأسبوع عددًا، أو لأنه يتفاءل بالخميس فى خروجه، والخميس الجيش لأنه خمس فرق، المقدمة. والقلب. والميمنة. والميسرة. والساقة. فيرى فى ذلك من الفأل الحسن حفظ الله له وإحاطة جنوده به حفظًا وحماية، قاله صاحب المرقاة نقلا عن التوربشتى (وفيها أيضًا) استحباب دعاء الصالح للمسافر ووصيته بالتقوى وتوديعه (وفيها أيضًا) استحباب تكبير المسافر على كل شرف "أى مكان مرتفع" وفيها غير ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم

(فائدة فى أمور شتى وآداب يفعلها المسافر قبل سفره)

قال الأمام النووى رحمه الله فى كتابه الأذكار ما نصه اذا استقر عزمه على السفر فليجتهد فى تحصيل أمور (منها) أن يوصى بما يحتاج الى الوصية به وليشهد على وصيته، ويستحل كل من بينه وبينه معاملة فى شئ أو مصاحبة ويسترضى والديه وشيوخه ومن يندب الى بره واستعطافه، ويتوب الى الله ويستغفره من جميع الذنوب والمخالفات، وليطلب من الله تعالى المعونة على سفره، وليجتهد على تعلم ما يحتاج اليه فى سفره، فان كان غازيا تعلم ما يحتاج اليه الغازى من أمور القتال والدعوات وأمور الغنائم وتعظيم تحريم الهزيمة فى القتال وغير ذلك (وإن كان حاجًا أو معتمرًا) تعلم مناسك الحج أو استصحب معه كتابًا بذلك، ولو تعلمها واستصحب كتابًا كان أفضل، وكذلك الغازى وغيره يستحب أن يستصحب كتابًا فيه ما يحتاج اليه (وإن كان تاجرًا) تعلم ما يحتاج اليه من أمور البيوع وما يصح منها وما يبطل وما يحل ويحرم ويستحب ويكره ويباح وما يرجح على غيره (وان كان متعبدًا) سائحًا معتزلا للناس تعلم ما يحتاج اليه فى أمور دينه فهذا أهم ما ينبغى له أن يطلبه (وإن

ص: 61

(3)

باب اتخاذ الرفيق فى السفر وسببه

(1162)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال خرج رجل من خيبر فاتَّبعه رجلان وآخر يتلوهما يقول اربعا اربعا حتَّى ردَّهما، ثمَّ لحق الأوَّل فقال إنَّ هذان شيطانان وإنِّى لم أزل بهما حتَّى رددتهما، فإذا أتيت

كان ممن يصيد) تعلم ما يحتاج اليه أهل الصيد وما يحل من الحيوان وما يحرم وما يحل به الصيد وما يحرم وما يشترط ذكاته وما يكون فيه قتل الكلب أو السهم وغير ذلك (وان كان راعيًا) تعلم ما يحتاج اليه من الرفق بالدواب وطلب النصيحة لها ولأهلها والاعتناء بحفظها والتيقظ لذلك، واستأذن أهلها فى ذبح ما يحتاج الى ذبحه فى بعض الأوقات لعارض وغير ذلك (وان كان رسولا) من سلطان الى سلطان أو نحوه اهتم بتعلم ما يحتاج اليه من آداب مخاطبات الكبار وجوابات ما يعرض فى المحاورات وما يحل من الضيافات والهدايا وما لا يحل وما يجب عليه من مراعاة النصيحة وإظهار ما يبطنه وعدم الغش والخداع والنفاق والحذر من التسبب الى مقدمات الغدر أو غيره مما يحرم وغير ذلك (وإن كان وكيلا) أو عاملا فى قراض أو نحوه تعلم ما يحتاج اليه مما يجوز أن يشتريه وما لا يجوز، وما يجوز أن يبيع به وما لا يجوز، وما يجوز التصرف فيه وما لا يجوز، وما يشترط الأشهاد فيه وما يجب، وما لا يشترط فيه ولا يجب، وما يجوز له من الأسفار وما لا يجوز، وعلى جميع المذكورين أن يتعلم من أراد منهم ركوب البحر الحال التى يجوز فيها ركوب البحر والحال التى لا يجوز اهـ

(1162)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زكريا بن عدى أنا عبيد الله عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) يعنى مسافرًا الى جهة أخرى (2) أى يتبعهما (3) اربعا بهمزة وصل وفتح الباء من ربع يربع اذا وقف وانتظر، أى قفا وانتظرا وكررها للتأكيد، فوقفا حتى أدركهما فأرجعهما عن الرجل الأول ثم لحق به (4) أى من شياطين الأنس، وإطلاق الشيطان على الأنسان شائع ذائع قال تعالى {وكذلك جعلنا لكل نبى عدوًا شياطين الأنس والجن} وسبب إطلاقه عليهما أنهما فعلا فعل الشيطان لأنه يعمل دائمًا عللا إيذاء بنى آدم، والظاهر أن هذان الرجلان كانا من قطاع الطريق وسفاكى الدماء، وكانا يريدان الفتك بالرجل لأنه وحيد لا يقدر على

ص: 62

رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقرئه السَّلام وأخبره أنَّا ههنا فى جمع صدقاتنا ولو كانت تصلح له لبعثنا بها إليه، قال فلمَّا قدم الرَّجل المدينة أخبر النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فعند ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخلوة

(1163)

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلم النَّاس ما فى الوحدة ما سار أحد وحده بليل أبدًا

(1164)

وعنه أيضًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم نهى

مقاومتهما فعرفهم هذا الرجل واحتال فى إرجاعهم عنه، وكان هذا الرجل من عباد لله الصالحين المخلصين (1) يعنى الزكاة (وقوله لو كانت تصلح له الخ) معناه أنه لو كان النبى صلى الله عليه وسلم فى حاجة اليها لبعثنا بها اليه، أو يكون عدم صلاحيتها لكونها لم تكمل فلا تستحق الأرسال إلا بعد التمام والله أعلم (2) أى عن الانفراد فى السفر، وكانت قصة هذا الرجل سببًا للنهى عن ذلك (تخريجه) لم أقف عليه وفى إسناده من لم أعرفه

(1163)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن عبيد ثنا عاصم يعنى ابن محمد عن أبيه عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(3) بفتح الواو ويجوز كسرها ومنعه بعضهم، ولفظه عند البخارى "لو يعلم الناس ما فى الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده" والمعنى لو يعلم الناس ما فى السير ليلا من القاء النفس الى الهلاك بتعريضها للمصائب والآفات والغوائل ما سار أحد وحده بليل، وهذا فى غير الضرورة أما اذا كان هناك ضرورة للانفراد كارسال العين والجاسوس فان الضرورة تغاير غيرها فى الحكم، وقد ثبت عند الأمام أحمد والبخارى وغيرهما من حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل الزبير بن العوام رضى الله عنه طليعة وحده، وسيأتى فى آخر غزوة الخندق، قال ابن المنير السير لمصلحة الحرب أخص من السفر، والخبر ورد فى السفر، فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردا للضرورة والمصلحة التى لا تنتظم الا بالانفراد كارسال الجاسوس والطليعة، والكراهية لما عدا ذلك (قال الحافظ) ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة والله أعلم (تخريجه)(خ. نس. مذ. جه)

(1164)

وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عبيدة

ص: 63

عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده

(1165)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال الرَّاكب شيطان والرَّاكبان شيطانان، والثَّلاثة ركب

(1166)

عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء عن أبيه رضي الله عنه

الحداد عن عاصم بن محمد عن أبيه عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(1) أى لما فى ذلك من الوحشة ونحوها كهجوم عدو أو لص أو مرض، فوجود الرفيق معه يدفع عنه طمع العدو واللص ويسعفه فى المرض، وكذلك المسافر بل هو أشد احتياجًا الى ذلك (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وأرده الحافظ السيوطى ورمز له بعلامة الحسن

(1165)

عن عمرو بن شعيب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين بن محمد ثنا مسلم يعنى ابن خالد عن عبد الرحمن يعنى ابن حرملة عن عمرو بن شعيب "الحديث"(غريبه)(2) هو المسافر الراكب منفردا، وهذا من باب التغليب، والا فالرجل مثله، وسمى شيطانًا لكون الشيطان حمله على السفر منفردًا فأطاعه، أو لكونه أشبه الشيطان فى مخالفته وفعله، وإنما كره ذلك لأن الواحد لو مات فى سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه، وكذلك الأثنان اذا ماتا أو أحدهما لم يجد من يعينه، بخلاف الثلاثة ففى الغالب لا يخشى عليهم شئ من ذلك، وقال الطبرى هذا الزجر زجر أدب وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام، فالسائر وحده فى فلاة وكذا البائت فى بيت وحده لا يأمن الاستيحاش لا سيما اذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف، والحق أن الناس يتباينون فى ذلك، فيحتمل أن يكون الزجر عن ذلك وقع لحسم المادة فلا يتناول ما اذا وقعت الحاجة لذلك أفاده الحافظ (3) الركب اسم جمع كقوم ورهط، وقيل جمع راكب، وهم الذين يستحقون أن يسموا ركبًا لكونهم محفوظين من الشيطان (تخريجه)(لك. والأربعة) قال الحافظ وهو حديث حسن الأسناد، وقد صححه ابن خزيمة والحاكم؛ وأخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة وصححه وترجم له ابن خزيمة (النهى عن سفر الأثنين وأن مادون الثلاثة عصاة لأن معنى قوله شيطان أى عاص) اهـ

(1166)

عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أى ثنا نوح بن يزيد أبو محمد أنا ابراهيم بن سعد حدثنيه ابن إسحاق عن عيسى بن معمر عن جده عبد الله بن عمرو بن الفغواء الخزاعى "الحديث"(غريبه)(4) بفتح الفاء

ص: 64

قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثنى بمال إلى أبى سفيان يقسمه فى قريش بمكَّة بعد الفتح قال فقال التمس صاحبًا، قال فجاءنى عمرو بن أميَّة الضَّمرىُّ "رضى الله عنه" قال بلغنى أنَّك تريد الخروج وتلتمس صاحبًا، قال قلت أجل قال فأنا لك صاحب، قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد وجدت صاحبًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا وجدت صاحبًا فآذِّنى قال فقال من؟ قلت عمرو بن أميَّة الضَّمرىُّ، قال فقال إذا هبطت بلاد قومه فاحذره فإنَّه قد قال القائل "أخوك البكرىُّ ولا تأمنه" قال فخرجنا حتَّى إذا جئت الأبواء فقال لى إنِّى أيد حاجةً إلى قومى بودَّان فتلبث لى، قال قلت راشدًا، فلمَّا ولىَّ ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فسرت على بعيرى ثمَّ خرجت أوضعه حتَّى إذا كنت بالأصافر إذا هو

وسكون المعجمة ويقال ابن أبى الفغواء الخزاعى صحابى (1) أى فتح مكة (2) حرف جواب مثل نعم، قال الأخفش هو أحسن من نعم فى التصديق، ونعم أحسن منه فى الاستفهام (3) أى أعلمنى (4) ضبطه المناوى فى شرحيه على الجامع الصغير بكسر الباء، وقال الذى ولده أبواك أوَّلًا، وهذا على المبالغةفى التحذير، أى أخوك شقيقك خفه واحذر منه اهـ قال الحافظ قلت الظاهر أن المراد الأكبر منك سنا، أريد به ههنا القوى الغالب دون الضعيف، وهو المناسب بالحذر عند هبوطه فى بلاد قومه اهـ وقال الخطابى هذا مثل مشهور للعرب، وفيه إثبات الحذر واستعمال سوء الظن اذا كان على وجه طلب السلامة اهـ (5) بفتح الهمزة وسكون الباء والمد جبل بين مكة والمدينة وعنده بلد ينسب اليه (6) ودَّ ان فعلان بفتح الفاء قرية من الفرع بقرب الأبواء من جهة مكة، وقال الصغانى ودَّ ان قرية بين الأبواء وهرشى، قاله فى المصباح (وقوله فنلبث لى) أى انتظرنى "وقوله راشدًا" أى سر راشدًا (7) يقال وضع البعير يضع وضعًا وأوضعه راكبه إيضاعًا اذا حمله على سرعة السير (8) قال الحافظ السيوطى فى مرقاة الصعود على سنن أبى داود لم أقف عليه فى شئ من كتب الغريب واللغة إلا أنى رأيت فى كتاب الأمكنة فى الأخبار لأبى الفتح نصر بن عبد الرحمن الاسكندراني

ص: 65

يعارضني في رهطه قال وأوضعت فسبقته فلمَّا رآنى قد فتُّه انصرفوا وجاءنى، قال كانت لى إلى قومى حاجة، قال قلت أجل، فمضينا حتَّ قدمنا مكَّة فدفعت المال إلى أبى سفيان

(4)

باب ما يقوله المسافر عند ركوب دابته وعند عثرتها وما جاء فى الارتداف

(1167)

عن علىِّ بن ربيعة قال رأيت عليًّا رضي الله عنه أتي بدابَّة ليركبها فلمَّا وضع رجله في الرِّكاب قال بسم الله، فلمَّا استوى عليها قال الحمد لله، سبحان الَّذى سخَّر لنا هذا وما كنَّا له مقرنين وإنَّا إلى ربِّنا لمنقلبون، ثمَّ حمد الله ثلاثًا، ثمَّ قال سبحانك لا إله إلَاّ أنت قد ظلمت نفسي

من تلامذة الحافظ أبى القاسم، الصَّفر بفتح الفاء والصاد وبكسر الفاء جبل أحمر من جبال مسلك قرب المدينة فلعله هو اهـ (1) أى يقطع علىّ الطريق هو وجماعة من قومه ليمنعونى عن المسير، ورهط الرجل قومه وقبيلته، وهو ما دون العشرة من الرجال (2) صيغة المتكلم من فات أى سبقته (تخريجه) أخرجه أيضًا أبو داود بسند حديث الباب ولفظه، ورجاله كلهم ثقات عدا عيسى بن معمر، فقد قال فيه الحافظ فى التقريب لين الحديث (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية اتخاذ الرفيق للمسافر، ويستحب أن يكون معه اثنان فأكثر وتقدمت الحكمة فى ذلك، فان لم يجد إلا واحدا فيكفى (وفيها) استحباب الرفيق فى المبيت أيضا لما فى الوحدة من الوحشة وربما يصاب بمرض أو نحوه فيسعفه الرفيق (وفيها أيضا) الحث على الحذر من الرفيق فى السفر لا سيما اذا كان مع المسافر ما يطمع فيه كمال أو نحوه (وفيها أيضا) استحباب البر بالأقارب والعطف عليهم وان سبقت منهم إساءة، اقتداء بما فعله النبى صلى الله عليه وسلم مع أبى سفيان وأهل مكة (وفيها غير ذلك) تقدم فى خلال الشرح والله أعلم

(1168)

عن على بن ربيعة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنبأنا شريك بن عبد الله عن أبى إسحاق عن على بن ربيعة قال رأيت عليًا "الحديث"(غريبه)(3) أى مطيقين، من أقرن الشئ اذا أطاقه أى وما كنا مطيقين قهره واستعماله لولا تسخير الله تعالى إياه وقوله {وإنا الى ربنا لمنقلبون} أى راجعون، واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل، والنقلة العظمى للراكب هو الانقلاب الى الله تعالى، فينبغي

ص: 66

فاغفر لي ثمَّ ضحك، فقلت ممَّ ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فعل مثل ما فعلت، ثمَّ ضحك فقلت ممَّ ضحكت يا رسول الله؟ قال يعجب الرَّب من عبده إذا قال ربِّ اغفر لى، ويقول علم عبدى أنَّه لا يغفر الذُّنوب غيرى

(1168)

عن علىِّ بن طلحة عن عبد الله بن عبَّاس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابَّته فلمَّا استوى عليها كبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا، وحمد الله ثلاثًا، وسبَّح الله ثلاثًا، وهلَّل الله واحدةً، ثمَّ استلقي عليه فضحك، ثمَّ أقبل علىَّ فقال ما من امرئ يركب دابَّته فيصنع كما صنعت الإَّ أقبل الله تبارك وتعالى فضحك إليه كما ضحكت إليك

(1169)

عن أبى تميمة الهجيمىِّ عمَّن كان رديف النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال

للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله تعالى، والمعنى وإنا صائرون الى ربنا بعد مماتنا واليه سيرنا الأكبر، وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروى فى قوله تعالى {وتزودوا فان خير الزاد التقوى} (1) عجب الرب هنا معناه الرضا (2) يعنى فكان جزاؤه على ذلك رضا الله عز وجل ومغفرته (تخريجه)(د. نس. مذ) وقال حديث حسن وفى بعض النسخ حسن صحيح

(1168)

عن على بن طلحة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو المغيرة ثنا أبو بكر بن عبد الله عن على بن أبى طلحة عن عبد الله بن عباس "الحديث"(غريبه)(3) أى أركبه خلفه على دابته (4) ضحك الله تعالى كناية عن رضاه على عبده، والمعنى أن الله عز وجل يرضى عمن يصنع ذلك (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى إسناده أبو بكر بن عبد الله بن أبى مريم ضعفه الحفاظ

(1169)

عن أبى تميمة الهجيمى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عاصم عن أبى تميمة الهجيعى "الحديث"(غريبه)(5) هو رجل

ص: 67

كنت رديفه على حمار فعثر الحمار فقلت تعس الشَّيطان فقال لى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا تقل تعس الشَّيطان، فإنَّك إذا قلت تعس الشَّيطان تعاظم الشَّيطان فى نفسه وقال صرعته بقوَّتى فإذا قلت بسم الله تصاغرت إليه نفسه حتَّى يكون أضغر من ذباب (وفى لفظ) تصاغر حتَّى يصير مثل الذُّباب

(1170)

عن محمد بن حمزة الأسلمىِّ أنَّه سمع أباه يقول سمعت رسول

صحابي اسمه أسامة والد أبى المليح كما سيأتى (1) قال النووى هو بكسر العين وفتحها والفتح أشهرو، لم يذكر الجوهرى فى صحاحه غيره، وفى النهاية يقال تعس بتعس إذا عثروا نكبَّ لوجهه، وقد تفتح العين، وهو دعاء عليه بالهلاك اهـ (2) إنما يتعاظم الشيطان عند الدعاء عليه ويقول صرعته بقوتى لفهمه أن الأنسان ما دعا عليه إلا لتأثره وغيظه من العثرة واعتقاده أن الشيطان هو الذى فعل به ذلك، أما اذا قال بسم الله علم الشيطان خطأ نفسه وأن ما فهمه لم يخطر للأنسان على بال، بل اعتقاده أن ما أصابه لم يكن إلا من الله عز وجل لا من الشيطان، وأنه لا يزال ذاكرًا لربه حتى عند المصيبة فينخذل الشيطان حينئذ وتصغر نفسه، لأن ذكر الله عز وجل يقع عليه كالصاعقة، نسأله تعالى أن لا يشغلنا عن ذكره، وأن يعصمنا من الشيطان ومكره (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد بأسانيد ورجالها كلها رجال الصحيح (قلت) وأخرجه أيضًا (د. طب) وأورده النووى فى الأذكار بنحو حديث الباب وقال هكذا رواه أبو داود عن أبى المليح عن رجل هو رديف النبى صلى الله عليه وسلم قال ورويناه فى كتاب ابن السنى عن أبى المليح عن أبيه وأبوه صحابى اسمه أسامة على الصحيح المشهور، وقيل فيه أقوال أخر، وكلا الروايتين صحيحة متصلة فان الرجل المجهول فى رواية أبى داود صحابى، والصحابة رضى الله عنهم كلهم عدول لا تضر الجهالة بأعينهم اهـ (قلت) ورواه الطبرانى فى الكبير عن أبى المليح بن أسامة عن أبيه قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بنحو حديث الباب أيضًا، قال الهيثمى ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن حمران وهو ثقة اهـ

(1170)

عن محمد بن حمزة الأسلمى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أب ثنا عتاب قال ثنا عبد الله وعلى بن اسحاق قال أنا عبيد الله يعنى ابن المبارك قال أخبرنا أسامة ابن زيد قال أخبرنى محمد بن حمزة "الحديث"(غريبه)(4) هو حمزة بن عمرو

ص: 68

الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على ظهر كلِّ بعير شيطان فإذا ركبتموها فسمُّوا الله عز وجل ولا تقصِّروا عن حاجاتكم

(1171)

عن علىّ الأزدىِّ أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما علَّمه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبَّر ثلاثًا، ثمَّ قال سبحان الَّذي سخَّر لنا هذا وما كنَّا له مقرنين وإنَّا إلى ربِّنا لمنقلبون، اللَّهمَّ إنَّا نسألك فى سفرنا هذا البرَّ والتَّقوى ومن العمل ما ترضى، اللَّهمَّ هوِّن علينا سفرنا هذا واطوعنَّا بعده اللَّهمَّ أنت الصَّاحب فى السَّفر والخليفة فى الأهل، اللَّهمَّ إنِّى أعوذ بك من وعثاء السَّفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل

الأسلمي صحابي (1) البعير يشمل الجمل والناقة كالأنسان للرجل والمرأة، وإنما يسمى بعيرًا اذا أجذع أى اذا صار سنة خمس سنين، والجمع أبعرة وأباعر وبعران؛ ومعنى الجملة يحتمل اجراء اللفظ على حقيقته فيكون على ظهر كل بعير شيطان حقيقة يحمله على النفور ليوقع الأذى بصاحبه الآدمى الذى هو عدو الشيطان، ويحتمل أن النفور والشر من طبع الأبل فهى اذا نفرت صارت كأن على ظهرها شيطان، وقد ورد عن عبد الله بن مغفل رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تصلوا فى عطن الأبل فانها من الجن خلقت ألا تروت عيونها وهبابها "يعنى ونشاطها" اذا نفرت) رواه الأمام أحمد والطبرانى وتقدم فى الجزء الثالث حديث رقم 398 (3) يعنى لا يقعدكم عن ركوبها واستخدامها فى حوائجكم وجود الشيطان على ظهرها أو شدة نفورها، بل سموا الله عز وجل واستخدموها فالله تعالى يذللها وشيطانها ببركة اسمه عز وجل (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير محمد بن حمزة وهو ثقه.

(1171)

عن على الأزدى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج أخبرنى أبو الزبير أن عليا الأزدى أخبره ان ابن عمر علَّمه الخ (غريبه)(3) أى قربها لنا وسهل السير فيها (4) وعثاء السفر معناه المشثقة والشدة، وأصله من الوعث وهو أرض فيها رمل تسوخ فيها الأرجل (ومعنى كآبة المنقلب) أن يرجع من سفره الى أهله كئيبا حزينا غير مقضى الحاجة أو منكوبا ذهب ماله أو اصابته آفة فى سفره (5) هو أن يرد على أهله فيجدهم مرضى أو يفقد بعضهم وما أشبه ذلك من

ص: 69

والمال (وفي رواية اللَّهم اصحبنا فى سفرنا، واخلفنا في أهلنا) وإذا رجع قالهنَّ وزاد فيهنَّ آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون

(1172)

عن أبى هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج سفرًا فركب راحلته قال، اللَّهمَّ أنت الصَّاحب في السَّفر، والخليفة فى الأهل فذكر نحوه

(1173)

عن أبى لاس الخزاعىِّ رضي الله عنه قال حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبيل الصَّدقة ضعاف إلى الحجِّ، قال فنقلنا له يا رسول الله إنَّ هذه الإبل ضعاف نخشى أن لا تحملنا، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من بعير إلَاّ في ذروته شيطان فاركبوهنَّ واذكروا اسم الله عليهنَّ كما أمرتم ثمَّ امتهنوهنَّ لأنفسكم فإنَّما يحمل الله عز وجل

المكروه، قاله الخطابي فى معالم السنن (تخريجه)(م. د. نس. مذ)

(1172)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن إسحاق انا عبد الله وعتاب قال ثنا عبد الله قال انا شعبة عن فلان الخثعمى انه سمع أبا زرعة يحدث عن أبى هريرة ان النبى صلى الله عليه وسلم "الحديث"(تخريجه)(د) وفى إسناده عند الأمام احمد رجل مبهم وسنده عند ابى داود هكذا حدّثنا مسدد حدثنا يحى حدثنا محمد ابن عجلان حدثنى سعيد المقبرى عن ابى هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سافر قال، اللهم انت الصاحب فى السفر والخليقة فى الأهل "الحديث" وسنده جيد

(1173)

عن أبى لاس الخزاعى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق حدثنى محمد بن ابراهيم بن الحارث عن عمر بن الحكم بن ثوبان وكان ثقة عن ابن لاس الخزاعى "الحديث"(غريبه)(1) ذروة كل شئ أعلاه، والمراد هنا سنام البعير وتقدم الكلام فى معنى الشيطان (2) يشير الى قوله عز وجل "وتقولوا سبحان الذى سخر لنا هذا الآية"(3) أى استخدموهن بركوبكم وحمل أثقالكم بقدر ما يطقن (4) أى يوجد لها قوة وصبرًا على حمل الأثقال والله أعلم

ص: 70

(1174)

عن عبد الرَّحمن بن أميَّة أنَّ حبيب بن مسلمة أبى قيس ابن سعد بن عبادة فى الفتنة الأولى وهو على فرس فتأخَّر عن السَّرج وقال اركب فأبى، فقال له قيس بن سعد إنِّى سمعت رسول الله صلَّي الله عليه وآله وسلَّم يقول صاحب الدَّابَّة أولى بصدرها فقال له حبيب إنِّى لست أجهل ما قاله رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ولكنِّي

(تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع فى أحدها اهـ (قلت) وهو الذى اخترته وأثبته

(1174)

عن عبد الرحمن بن أمية (سنده) حدّثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيبانى حدثنى أبى ثنا عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن ثنا حيوة قال أخبرنى عبد العزيز بن عبد الملك بن مليل عن عبد الرحمن بن أبى أمية "الحديث"(غريبه)(1) بميم ولام مفتوحتين الفهرى أبو عبد الرحمن المكى له صحبة وكان مجاهدًا مستجاب الدعوة (2) يعنى الأنصارى الخزرجى أبو الفضل صحابى ابن صحابى له ستة عشر حديثا اتفقا على حديث وانفرد البخارى له بطرف من حديث آخر وعنه عبد الرحمن بن أبى ليلى وأبو تميم الجيشانى، قال أنس كان بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، وقال عمرو بن دينار كان اذا ركب الحمار خطت رجلاه فى الأرض، وكان كريما جوادًا، أخرج ابن المبارك عن ابن عيينة عن موسى بن أبى عيسى أن رجلا استقرض من قيس بن سعد ثلاثين ألفًا، فلما ردها عليه أبى ان يقبلها، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، وأخذ النبى صلى الله عليه وسلم يوم الفتح الراية من أبيه فدفعها له، وصحب قيس عليا رضى الله عنهما وشهد معه مشاهده، ثم كان مع الحسن بن على حتى صالح معاوية فرجع قيس الى المدينة؛ وكان أميرًا بمصر من قبل علىّ، وما زال بالمدينة الى أن مات بها فى آخر خلافة معاوية (3) لعله يريد وقعة الجمل عندما خرجت عائشة وطلحة والزبير يطالبون بدم عثمان وهى أول فتنة حصلت بين الصحابة وكانت فى منتصف جمادى الثانية سنة ست وثلاثين هجرية، قيل ان قتلى وقعة الجمل كانت عشرة آلاف من الفريقين، وسيأتى تفصيل ذلك فى محله ان شاء الله تعالى (4) أى فتأخر حبيب عن السرج وقال لقيس بن سعد اركب يريد أن يركبه على صدر الدابة أمامه، فأبى قيس أن يركب أمامه وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث (5) يعنى أحق بالركوب على مقدمها فلا يركب غيره معه إلا رديفا الا أن يؤثره، وإنما

ص: 71

لا أخشى عليك.

(1175)

عن عبد الله بن بريدة الأسلمىِّ قال سمعت أبى يقول بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى إذ جاءه رجل معه حمار، فقال يا رسول الله اركب فتأخر الرَّجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا، أنت أحقُّ بصدر دابَّتك منِّي إلَاّ أن تجعله لى، قال فإنِّى قد جعلته لك، قال فركب

(1176)

عن عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه قال قضى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه سلَّم أنَّ صاحب الدَّابَّة أحقُّ بصدرها

كان صاحب الدابة أحق بصدرها لتكون له الأمارة عليها فيسيرها كيف شاء (1) يعنى أخشى عليك العدو اذا ركبت خلفى لا سيما والوقت وقت فتنة (تخريجه)(طب) وجاله ثقات

(1175)

عن عبد الله بن بريدة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زيد هو ابن الحباب حدثنى حسين بن واقد حدثنى عبد الله بن بريدة "الحديث"(غريبه)(2) أى بالركوب على مقدم الدابة (وقوله إلا أن تجعله لى) أى إلا ان تأذن لى فى ذلك فلا بأس، ولهذا لما أذن له الرجل ركب صلى الله عليه وسلم وهذا من الخلق العالى والأدب الكامل، اللهم من علينا بالتخلق بخلقه والتأدب بأدبه والاقتداء به فى سائر أحواله آمين (تخريجه)(د. حب) وسنده جيد

(1176)

عن عمر بن الخطاب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الحكم ابن نافع ثنا ابن عياش عن أبى سباه عتبة بن تميم عن الوليد بن عامر اليزنى عن عروة بن مغيث الأنصارى عن عمر "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد (الأحكام) أحاديث الباب تدل على استحباب الأتيان بالذكر الوارد فيها عند ركوب الدابة وأن الله تعالى يرضى عمن فعل ذلك ويحفظه فى سفره (وفيها أيضا) استحباب ذكر اسم الله عز وجل عند عثور الدابة وأن فى ذلك خذلانًا للشيطان وتحقيرًا له أىّ تحقير (وفيها أيضا) جواز ركوب اثنين على الدابة متى كانت تطيق ذلك، والسنة أن يركب صاحبها فى المقدمة الا اذا أذن لغيره بالركوب أمامه، فالسنة موافقته وعدم التأخر كما حصل للنبى صلى الله عليه وسلم مع الرجل الذى أذن له بالركوب على صدر دابته فأجابه إلى ذلك

ص: 72

(5)

باب النهي عن السفر بالمصحف الى أرض العدو

(1177)

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافروا بالقرآن فإنِّى أخاف أن يناله العدوُّ (وعنه من طريق ثان) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدوِّ

(وفيها) إكرام أهل الفضل وذوى الحاجات وفيها غير ذلك والله أعلم

(1177)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(1) أى المصحف كما صرح بذلك فى الطريق الثانية (وقوله العدو) أى الكفار لئلا يؤذى الى استهانته ورواية مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو قال مالك وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو"(قال ابن عبد البر) كذا قال يحى الأندلسى وابن بكير وأكثر الرواة عن مالك، ورواه ابن وهب عنه فقال خشية أن يناله العدو فجعله من المرفوع، وكذا قال عبيد الله بن عمر وأيوب عن نافع "نهى أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو مخافة أن يناله العدو"(قال الحافظ) أشار الى تفرد ابن وهب برفعها عن مالك وليس كذلك فقد تابعه عبد الرحمن بن مهدى عن مالك عند ابن ماجه بلفظ مخافة أن يناله العدو ولم يجعله قول مالك، وقد رفعها ابن اسحاق أيضا عند أحمد والليث وأيوب عند مسلم فصح أن التعليل مرفوع وليس بمدرج، ولعل مالكا كان يجزم برفعه ثم صار يشك فيه فجعله من تفسير نفسه (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد بن هارون أنا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال سمعت الخ (تخريجه)(ق. لك. د. جه. وغيرهم) ولفظه عند البخارى "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو" وأورد له مسلم جملة طرق بألفاظ مختلفة كلها عن ابن عمر (فمنها) مثل لفظ البخارى حرفًا بحرف (ومنها) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسافروا بالقرآن فانى لا آمن أن يناله العدو" قال أيوب "أحد الرواة" فقد ناله العدو وخاصموكم (ومنها) فى حديث ابن عليَّة والثقفى فانى أخاف، وفى حديث سفيان وحديث الضحاك بن عثمان مخافة أن يناله العدو؛ ورواه أبو داود بلفظ "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو، قال مالك اراه مخافة أن يناله العدو"(الأحكام) حديث الباب بجميع رواياته يدل على النهى عن السفر بالمصحف الى أرض الكفار مخافة أن ينالوه فينتهكوا حرمته (قال النووى) رحمه الله

ص: 73

(6)

باب أذكار يقولها المسافر عند ارادة السفر

(وفى أثنائه عند النزول وعند الرجوع الى وطنه)

(1178)

عن عثمان بن عفَّان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يخرج من بيته يريد سفرًا أو غيره فقال حين يخرج آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكَّلت على الله، لا حول ولا قوَّة إلَاّ بالله، إلَاّ رزق خير ذلك المخرج، وصرف عنه شرُّ ذلك المخرج

فإن أمنت هذه العلة بأن يدخل فى فى جيش المسلمين الظاهرين عليهم فلا كراهة ولا منع منه حينئذ لعدم العلة هذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة والبخارى وآخرون (وقال مالك) وجماعة من أصحابه بالنهى مطلقا، وحكى ابن المنذر عن أبى حنيفة الجواز مطلقا والصحيح عنه ما سبق، وهذه العلة المذكورة فى الحديث هى من كلام النبى صلى الله عليه وسلم، وغلط بعض المالكية فزعم أنها من كلام مالك، واتفق العلماء على أنه يجوز أن يكتب اليهم كتاب فيه آية وآيات، والحجة فيه كتاب النبى صلى الله عليه وسلم الى هرقل، قال القاضى وكره مالك وغيره معاملة الكفار بالدراهم والدنانير التى فيها اسم الله تعالى وذكره سبحانه وتعالى اهـ (وقال ابن عبد البر) أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف فى السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، وفى الكبير المأمون خلاف، فمنع مالك أيضا مطلقا وفصّل أبو حنيفة، وأدار الشافعى الكراهة مع الخوف وجودًا وعدمًا، واستدل به على منع بيع المصحف من الكافر للعلة المذكورة فيه وهو التمكن من استهانته، ولا خلاف فى تحريم ذلك، إنما اختلف هل يصح لو وقع ويؤمر بازالة ملكه عنه أم لا؟ واستدل به على منع تعليم الكافر القرآن، وبه قال مالك مطلقا، وأجازه أبو حنيفة مطلقا وعن الشافعى القولان، وفصَّل بعض المالكية بين القليل لأجل مصلحة قيام الحجة عليهم فأجازه، وبين الكثير فمنعه، ويؤيده كتب النبى صلى الله عليه وآله وسلم الى هرقل بعض آيات، ونقل النووى الاتفاق على جواز الكتابة اليهم بمثله اهـ والله أعلم

(1178)

عن عثمان بن عفان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم ثنا أبو جعفر الرازى عن عبد العزيز بن عمر عن صالح بن كيسان عن رجل عن عثمان "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى إسناده رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات

ص: 74

(1179)

ز عن علي رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرًا قال اللَّهمَّ بك أصول وبك أحول وبك أسير

(1180)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى سفر قال اللهمَّ أنت الصاحب فى السفَّر، والخليفة في الأهل، اللَّهمَّ إنِّى أعوذ بك من الضُّبنة فى السَّفر والكآبة فى المنقلب اللَّهمَّ اطولنا الأرض وهوِّن علينا السَّفر، وإذا أراد الرُّجوع قال آيبون تائبون عابدون لربِّنا حامدون، وإذا دخل أهله قال توبًا توبًا لربِّنا أوبًا لا يغادر علينا حوبًا

(1179)"ز" عن علي رضي الله عنه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى نصر بن على الأزدى أخبرنى أبى عن أبى سلام عبد الملك بن مسلم بن سلام عن عمران ابن ظبيان عن حكيم بن سعد عن على رضى الله عنه "الحديث"(غريبه)(1) أى أسطو وأقهر وهو من المصاولة وهى المواثبة (2) بالحاء المهملة أى أتحرك، وقيل أحتال، وقيل أدفع وأمنع، وقيل أتحول (تخريجه)(بز) وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد والبزار ورجالهما ثقات

(1180)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله ابن محمد بن أبى شيبة وسمعته أنا من عبد الله بن محمد ثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(3) الضُّبنة بضم الضاد وكسرها ما تحت يدك من مال وعيال ومن تلزمك نفقته، سمُّوا ضبنة لأنهم فى ضبن من يعولهم، والضبن ما بين الكشح والأبط، تعوَّذ بالله من كثرة العيال فى مظنة الحاجة وهو السفر، وقيل تعوَّذ من صحبة من لا غناء فيه ولا كفاية من الرفاق، إنما هو كل، وعيال على من يرافقه (نه)(4) أى سوء الانقلاب الى أهله من سفره؛ وذلك بأن يرجع منقوصًا مهمومًا بما يسوءه (وقوله اطولنا الأرض) أى قرب لنا بعيدها (5) هو مصدر أى نتوب توبًا وكرره للتأكيد، (والأوب) الرجوع (وقوله لا يغادر) أى لا يترك (والحوب) بفتح الحاء المهملة وضمها الذنب، وقيل الفتح لغة الحجاز، والضم لغة تميم، والمعنى تائبون راجعون رجوعًا لا يترك علينا ذنبًا

ص: 75

(1181)

عن عبد الله بن سرجس رضى الله عنه بنحوه وفيه، اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من وعثاء السَّفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر فى المال والأهل، وإذا رجع قال مثلها إلَاّ أنَّه يقول وسوء المنظر فى الأهل والمال فيبدأ بالأهل (وعنه من طريق ثان) بنحوه وفيه وسئل عاصم عن الحور بعد الكور قال حار بعد ما كان

(1182)

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا أو سافر فأدركه اللَّيل قال يا أرض ربِّى وربُّك الله، أعوذ بالله من شرِّك وشرِّ ما فيك، وشرِّ ما خلق فيك، وشرِّ ما دبَّ عليك، أعوذ بالله من شرِّ كلِّ أسد وأسود وحيَّة وعقرب، ومن شرِّ ساكن البلد، ومن شرِّ والد وما ولد

(تخريجه)(طب. طس. عل. بز) ورجالهم رجال الصحيح

(1181)

عن عبد الله بن سرجس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال عاصم وقد كان رأى النبى صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج فى سفر قال "اللهم إنى أعوذ بك من وعثاء السفر الخ"(غريبه)(1) أى من النقصان بعد الزيادة، وقيل من فساد أمورنا بعد صلاحها، وقيل من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنا منهم، وأصله من نقض العمامة بعد لفها (نه)(2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن زيد عن عاصم عن عبد الله بن سرجس أنه كان رأى النبى صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سافر قال "اللهم أنت الصاحب فى السفر، والخليفة فى الأهل، اللهم اصحبنا فى سفرنا؛ واخلفنا فى أهلنا، اللهم إنى أعوذ بك من وعثاء السفر" الحديث بنحو ما تقدم (3) أى نقص بعد أن كان زائدًا والله أعلم (تخريجه)(نس. جه. مذ) وقال حديث حسن صحيح

(1182)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان عن شريح بن عبيد الحضرمى أنه سمع الزبير بن الوليد يحدث عن عبد الله بن عمر "الحديث"(غريبه)(4) الأسود الشخص، فكل شخص يسمى أسود (وساكن البلد) هم الجن الذين هم سكان الأرض، والبلد من الأرض ما كان مأوى الحيوان

ص: 76

(1183)

عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال سمعت خولة بنت حكيم السُّلميَّة رضى الله عنها تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من نزل منزلًا ثمَّ قال أعوذ بكلمات الله التَّامَّات كلِّها من شرِّ ما خلق لم يضره شئ حتَّى يرتحل من منزله ذلك

(1184)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنَّا نسافر مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فإذا صعدنا كبَّرنا وإذا هبطنا سبَّحنا

(1185)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صعد أكمة أو نشزًا قال اللَّهمَّ لك الشَّرف على كلِّ

وإن لم يكن فيه بناء أو منازل، ويحتمل أن يكون المراد بالولد إبليس (وما ولد) الشياطين قاله الخطابى (تخريجه)(د. وغيره) وسنده جيد

(1183)

عن سعد بن أبى وقاص (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حجاج قال أنا ليث قال حدثنى يزيد بن أبى حبيب عن الحارث بن يعقوب بن عبد الله حدثه أنه سمع بسر بن سعيد يقول سمعت سعد بن أبى وقاص يقول سمعت خولة بنت حكيم "الحديث"(تخريجه)(م. لك. مذ. نس. جه. خز)

(1184)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا أشعث عن الحسن عن جابر بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) أى اذا صعدنا مكانا مرتفعا كبرنا، واذا هبطنا أى مكانا منخفضا سبحنا، وظاهره أنه متى كبر أو سبح بأى صيغة كانت كفى ذلك (تخريجه)(خ. نس)

(1185)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا عمارة بن زاذان ثنا زياد النميرى عن أنس "الحديث"(غريبه)(2) الأكمة تل، وقيل شرفة كالرابية، وهو ما اجتمع من الحجارة فى مكان واحد وربما غلظ، وربما لم يغلظ، والجمع أكم وأكمات مثل قصب وقصبات، وجمع الأكم أكام مثل جبل وجبال، وجمع الأكام أكم بضمتين مثل كتاب وكتب؛ وجمع الأكم آكام مثل عنق وأعناق قاله فى المصباح (والنشز المكان المرتفع أيضا) وأو للشك من الراوى كأنه يشك هل قال أكمة أو نشزًا

ص: 77

شرف، ولك الحمد على كلِّ حمد (وفى لفظ) ولك الحمد على كلِّ حال

(تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وأبو يعلى وفيه زياد النميرى وثق على ضعفه وبقية رجاله ثقات (وفى الباب) عند النسائى وابن حبان من حديث صهيب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها "اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، فانا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها" وصححه ابن حبان وأخرجه أيضا الحاكم فى المستدرك وصححه، وأخرجه أيضا الطبرانى قال الهيثمى ورجاله رجال الصحيح غير عطاء بن مروان وابنه وكلاهما ثقة (وفى الباب) أيضا عند الطبرانى فى الأوسط عن أبى لبابة بن عبد المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا أراد دخول قرية لم يدخلها حتى يقول (اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت، ورب الرياح وما أذرت "وفى لفظ وما ذرت" ورب الشياطين وما أضلت، إنى أسألك خيرها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها) قال الهيثمى وإسناده حسن (وأخرجه الطبرانى أيضا) من حديث أبى ثقيف بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه وأنا فيهم قفوا، قال ثم ذكر الحديث وقال فى آخره وكان يقولها فى كل قرية يريد دخولها، قال الهيثمى وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات اهـ وسؤال خير القرية والتعوذ من شرها هو باعتبار ما يحدث من الخير والشر، وأما هى نفسها فلا خير لها ولا شر، وهذا مجاز معروف (وعن ابن عمر رضى الله عنهما) قال كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا أراد قرية يريد أن يدخلها قال "اللهم بارك لنا فيها ثلاث مرات اللهم ارزقنا جناها وحببنا الى أهلها وحبب صالح أهلها الينا" رواه الطبرانى فى الأوسط، قال الهيثمى وإسناده جيد اهـ (وقوله جناها) بفتح الجيم بعدها نون، قال فى الصحاح الجنى ما يجتنى من الشجر، وكأنه عبر بالجنى عن فوائدها التى ينتفع بها من جميع الأشياء، ويمكن أن يراد حقيقة ما يجتنى من الثمر لأنه أعظم فوائد الأرض والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الأذكار الواردة فيها، فيستحب للمسافر أن يحافظ عليها ويأتى بكل ذكر فى محله من ابتداء سفره الى أن يرجع الى أهله، فمن فعل ذلك كان مقتفيا آثار نبيه صلى الله عليه وسلم متتبعا لسنته مهتديا بهديه، حائزًا لرضا ربه محفوفًا بعنايته فى الذهاب والأياب، وناهيك بما يحصل له من جزيل الثواب وحسن الجزاء يوم المآب، اللهم أحينا على سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وتوفنا على ملته؛ واحشرنا فى زمرته وتحت لوائه إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير

ص: 78

(7)

باب آداب رجوع المسافر وعدم طروق أهله ليلا وصلاة ركعتين

(1186)

عن كعب بن مالك رضى الله عنه قال كان النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يقدم من سفر إلَاّ نهارًا فى الضُّحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلَّى فيه ركعتين ثمِّ جلس فيه (زاد فى روايةٍ) فيأتيه النَّاس فيسلِّمون عليه

(1187)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال إنَّ النَّبيَّ صلَّي الله عليه وآله وسلَّم كان لا يطرق أهله ليلًا كان يدخل عليهم غدوةً أو عشيةً

(1186) عن كعب بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا أنا ابن جريج قال حدثنى ابن شهاب أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك حدثه عن أبيه عبد الله بن كعب وعن عمه عبيد الله بن كعب عن كعب بن مالك "الحديث" وفى آخره قال ابن بكر فى حديثه عن أبيه عبد الله بن كعب بن مالك عن عمه (غريبه)(1) هذا باعتبار الغالب وإلا ففى الحديث التالى بعده كان لا يطرق أهله ليلا، كان يدخل عليهم غدوة أو عشية (2) قال النووى وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1187)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا إسحاق بن عبد الله عن أنس "الحديث"(غريبه)(3) الطروق من الطرق وهو الدق، وسمى الآتى بالليل طارقًا لحاجته الى دق الباب (نه)(4) فى القاموس الغدوة بالضم البكرة، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كالغداة (وفى النهاية) الغدو سير أول النهار؛ والغدوة مرة منه، والغدوة بالضم ما بين صلاة العدوة وطلوع الشمس (وفى النهاية أيضًا) العشية ما بعد الزوال الى المغرب (وفى القاموس) العشى والعشية آخر النهار، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان اذا أتى من سفر ليلا ذهب الى المسد وأخبر أهله بذلك ثم يمكث فيه حتى يصلى الصبح ثم يذهب الى بيته، واذا أتى نهارًا ذهب الى المسجد أيضًا وأخبر أهله، ثم يمكث فيه فلا يدخل بيته إلا فى العشية، والحكمة فى ذلك استعداد أهله للنظافة وتغيير الملابس الوسخة ونحو ذلك كما سيأتى فى الحديث التالى والله أعلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)

ص: 79

(1188)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له إذا دخلت ليلًا فلا تدخل على أهلك حتَّى تستحدَّ المغيبة وتمتشط الشَّعثة قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت فعليك الكيس الكيس

(1189)

عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل العقيق فنهى عن طروق النِّساء اللَّيلة الَّتى يأتى فيها، فعصاه فتيان فكلاهما رآي ما يكره

(1190)

عن نبيح العنزىِّ عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إذا دخلتم

(1188) عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة عن سيار عن الشعبى عن جابر بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) أى حتى تستعد التى غاب عنها زوجها بالنظافة مستقبلة لوصوله على أحسن الوجوه، وأراد بالاستحداد أن تعالج شعر عانتها بما منه المعتاد من أمر النساء يعنى من النتف والتنور ولم يرد به استعمال الحديد فان ذلك غير مستحسن فى أمرهن (والمغيبة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة، ويقال المغيب أيضا هى المرأة التى غاب عنها زوجها (الشعثة بفتح فكسر هى التى تلبد شعرها لعدم غسله وتمشيطه، فيستحب لها النظافة وتمشيط الشعر وغير ذلك ليرى زوجها منها ما يسره (3) الكيس بسكون الياء معناه العقل، وأريد به هنا الجماع فكأنه قد جعل طلب الولد من الجماع عقلا (وقال الكرمانى) هما بالنصب على الأغراء حضه على طلب الولد واستعمال الكيس والرفق فيه إذ كان جابر لا ولد له، أو من أكيس الرجل اذا ولد له أولاد أكياس، أو يكون أمره بالتحفظ والتوقى عند الجماع مخافة أن تكون حائضة فيقدم عليها لطول الغيبة وامتداد الغربة (تخريجه)(ق. والثلاثة)

(1189)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية الغلابى ثنا خالد بن الحارث ثنا محمد بن عجلان عن نافع عن عبد الله بن عمر (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد، وله شاهد عند الترمذى من حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال لما نهاهم النبى صلى الله عليه وسلم أن يطرقوا النساء ليلا طرق رجلان بعد النهى فوجد كل واحد منهما مع امرأته رجلا

(1190)

عن نبيح العنزى عن جابر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزى عن جابر بن عبد الله

ص: 80

ليلًا فلا يأتينَّ أحدكم أهله طروقًا فقال جابر فوا الله لقد طرقناهنَّ بعد

(1191)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرَّجل أهله ليلًا، أن يخوِّنهم أن يلتمس عثراتهم

(1192)

عن أبى سلمة عن عبد الله بن رواحة رضى الله عنه أنَّه قدم من سفر ليلًا فتعجَّل إلى امرأته فإذا فى بيته مصباح، وإذا مع امرأته شيء، فأخذ السَّيف فقالت امرأته إليك إليك عنِّى، فلانة تمشطنى، فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فنهى أن يطرق الرَّجل أهله ليلًا

"الحديث"(غريبه)(1) الطروق بضم الطاء هو الأتيان فى الليل وكل آت فى الليل فهو طارق (2) يعنى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم يريدان بعض الناس قد خالف؛ فكان يطرق أهله ليلا اذا قدم من سفره (تخريجه)(ق. والثلاثة)

(1191)

عن جابر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان عن محارب عن جابر "الحديث"(غريبه)(3)"وفى رواية لئلا يتخونوهن ويطلبوا عثراتهن"(والتخون) طلب الخيانة والتهمة (والتماس العثرات) هو طلب الوقوف على مواقع الخطأ (وفى رواية) عند مسلم عن جابر أيضا قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله يتخونهم أو يلتمس عثراتهم" قال مسلم رحمه الله وحدثنيه محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان قال عبد الرحمن قال سفيان لا أدرى هذا فى الحديث أم لا يعنى قوله (يتخونهم أو يلتمس عثراتهم)(تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1192)

عن أبى سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن عبد الله بن رواحة "الحديث"(غريبه)(4) أى تنح عنى وهو اسم فعل أمر وكرر للتأكيد، وكانت زوجته استدعت امرأة تمشطها استعدادًا لمجيئه فظن أنها رجل، فلما تحقق صدق زوجته أتى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا، وكان ذلك سبب النهى (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد (الأحكام) حديث كعب بن مالك الذى فى أول الباب يدل على استحباب ركعتين للقادم من سفره فى المسجد أول قدومه، وهذه

ص: 81

(8)

باب النهي عن الدخول على المغيبة منفردا وسبب ذلك ووعيد من فعله

(1193)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أنَّ نفرًا من بنى هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر وهى تحته يومئذ فرآهم فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال

الصلاة مقصودة للقدوم من السفر لا أنها تحية المسجد (وفيه) استحباب القدوم أوائل النهار (وفيه) أنه يستحب للرجل الكبير فى المرتبة ومن يقصده الناس اذا قدم من سفره للسلام عليه أن يقعد أول قدومه قريبا من داره فى موضع بارز سهل على زائريه، إما المسجد وإما غيره، وفى سائر أحاديث الباب كراهة إتيان المسافر أهله ليلا وتخونهم وكشف استارهم، بل المستحب أنه اذا قدم نهارًا لا يدخل على أهله إلا ليلا، واذا قدم ليلا لا يدخل على أهله إلا نهارًا لأحاديث الباب، ولما رواه مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزاة فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل فقال امهلوا حتى ندخل ليلا أى عشاءكى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة (وعنه فى أخرى عند مسلم ايضًا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قدم أحدكم ليلا فلا يأتين أهله طروقًا حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة (قال النووى) رحمه الله ومعنى هذه الروايات كلها أنه يكره لمن طال سفره أن يقدم على امرأته ليلا بغتة، فأما من كان سفره قريبا تتوقع امرأته إتيانه ليلا فلا بأس كما قال فى إحدى الروايات "اذا أطال الرجل الغيبة" واذا كان فى قفل عظيم أو عسكر ونحوهم واشتهر قدومهم ووصولهم وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم وانهم الآن داخلون فلا بأس بقدومه متى شاء لزوال المعنى الذى نهى بسببه، فان المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك ولم يقدم بغتة، ويؤيد ما ذكرناه ما جاء فى الحديث الآخر "امهلوا حتى ندخل ليلا أى عشاء كى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة فهذا صريح فيما قلنا، وهو مفروض فى أنهم أرادوا الدخول فى أوائل النهار بغتة فأمرهم بالصبر الى آخر النهار ليبلغ قدومهم الى المدينة وتتأهب النساء وغيرهن والله أعلم اهـ

(1193)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون بن معروف ومعاوية بن عمرو قالا ثنا ابن وهب حدثنى عمرو أن بكر بن سوادة حدثه أن عبد الرحمن بن جبير حدثه أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدثه أن نفرًا من بنى هاشم "الحديث"(غريبه)(1) هى من الصحابيات السابقات في الأسلام

ص: 82

لم أر إلَاّ خيرًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله قد برَّأها من ذلك، ثمَّ قام رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم على المنبر فقال لا يدخلنَّ رجل بعد يومى هذا على مغيبة إلَاّ ومعه رجل أو اثنان

(1194)

خط عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلجوا على المغيبات فإنَّ الشيطان يجرى من أحدكم مجرى الدَّم قلنا من أحدكم مجرى الدَّم قلنا ومنك يا رسول الله؟ قال ومنِّى، ولكنَّ الله

أسلمت أسماء قبل دخول دار الأرقم وبايعت ثم هاجرت مع زوجها جعفر بن أبى طالب الى الحبشة فولدت له هناك عبد الله ومحمدا وعونا، ثم تزوجها أبو بكر بعد قتل جعفر فولدت له محمدًا، ثن تزوجها علىّ بعد وفاة أبى بكر فيقال ولدت له ابنه عونا، وسيأتى بسط ذلك فى مناقبها من كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى (1) أى لم تحصل ريبة من جهتها، وقول النبى صلى الله عليه وسلم "إن الله قد برأها من ذلك" أى من أن يرتاب فى أمرها لما يعلمه النبى صلى الله عليه وسلم عنها؛ ويحتمل أن يكون ذلك بوحى من الله عز وجل، وفى ذلك منقبة عظيمة لأسماء رضى الله عنها (2) المغيبة تقدم ضبطها وهى التى غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان فى البلد، هكذا ذكره القاضى وغيره (قال النووى) وهذا ظاهر متعين، قال القاضى ودليله هذا الحديث وأن القصة التى قيل الحديث بسببها وأبو بكر رضى الله عنه غائب عن منزله لا عن البلد (تخريجه)(م. وغيره)

(1194)

خط عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله قال وجدت فى كتاب أبى ثنا الحكم بن موسى وسمعته أنا من الحكم بن موسى ثنا عيسى بن يونس ثنا المجالد بن سعيد عن الشعبى عن جابر بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(3) أى لا تدخلوا بيت من غاب عنها زوجها إلا إذا كان عندها محرم لها أو كان مع الداخل رجل صالح أو أكثر لما سبق فى حديث عبد الله بن عمرو (4) قال القاضى عياض والحافظ قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجرى فى باطن الأنسان مجارى دمه، وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته، فكأنه لا يفارق الأنسان كما لا يفارق قدمه، وقيل يلقى وسوسته فى مسام لطيفة من البدن فتصل الوسوسة الى القلب والله أعلم اهـ

ص: 83

أعانني عليه فأسلم

(1195)

عن أبى صالح قال استأذن عمرو بن العاص على فاطمة فأذنت له، قال ثمَّ علىُّ؟ قالوا لا، قال فرجع، ثمَّ استأذن عليها مرةً أخرى فقال ثمَّ علىُّ؟ قالوا نعم، فدخل عليها، فقال له علىُّ ما منعك أن تدخل حين لم تجدنى ههنا؟ قال إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهانا أنّ ندخل على المغيبات

(1196)

عن ابن بى قتادة عن أبيه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال من قعد على فراش مغيبة قيَّض الله له يوم القيامة ثعبانًا

(1) قال النووي برفع الميم وفتحها وهما روايتان مشهورتان فمن رفع قال معناه أسلم أنا من شره وفتنته، ومن فتح قال إن القرين أسلم، من الأسلام وصار مؤمنا لا يأمرنى الا بخير، واختلفوا فى الأرجح منهما فقال الخطابى الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضى عياض الفتح وهو المختار، لقوله فلا يأمرنى إلا بخير (قلت) يعنى كما فى رواية لمسلم ورواية عند الأمام أحمد ستأتى فى باب خلق الجن من كتاب خلق العالم، قال واختلفوا على رواية الفتح، قبل أسلم بمعنى استسلم وانقاد، وقد جاء هكذا فى غير صحيح مسلم فاستسلم، وقيل معناه صار مسلما مؤمنا وهذا هو الظاهر، قال القاضى واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبى صلى الله عليه وسلم من الشيطان فى جسمه وخاطره ولسانه اهـ (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1195)

عن أبى صالح (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبى صالح "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد

(1196)

عن ابن قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سعيد مولى بنى هاشم ثنا ان لهيعة ثنا عبيد الله بن أبى جعفر عن ابن أبى قتادة عن أبيه "الحديث"(غريبه)(2) ينهشه ويعذبه بسمه (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى إسناده ابن لهيعة فيه مقال، وأورده السيوطى فى الجامع الصغير وعزاه للأمام أحمد فقط ورمز له بعلامة الحسن والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على تحريم دخول الرجل الواحد على المغيبات والخلوة بالمرأة الأجنبية وهذا مجمع عليه (وفيها أيضًا)

ص: 84

(9)

باب سفر النساء والرفق بهن

والأقراع بينهن لأجل السفر وعدم سفرهن بدون محرم

(1197)

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تسافر امرأة إلَاّ ومعها ذو محرم وجاء النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل فقال إنِّى اكتتبت فى غزوة كذا وكذا وامرأتى حاجَّة، قال فارجع فحجَّ معها

جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية (قال النووى) والمشهور عند أصحابنا تحريمه فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم أو مروءتهم أو غير ذلك، وقد أشار القاضى الى نحو هذا التأويل اهـ (وفيها أيضا) الوعيد الشديد والتنكيل بمن خالف ذلك ودخل على المغيبة وقعد على فراشها حيث يقبض الله له يوم القيامة ثعبانا ينهشه ويعذبه بسمه (وفيها أيضا) إشارة الى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنتحرز منه بحسب الأمكان، وفيها غير ذلك والله أعلم

(1197)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحى عن ابن جريج قال حدثنى عمرو بن دينا عن أبى معبد عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) يعنى فيحل لها السفر (قال النووى) والمحرم فو كل من حرم عليه نكاحها على التأييد لسبب مباح لحرمتها (فقولنا على التأييد) احتراز من أخت امرأته وعمتها وخالتها ونحوهن، ومن بنتها قبل الدخول بالأم (وقولنا لسبب مباح) احتراز من أم الموطوءة بشبهة وبنتها، فانه حرام على التأييد لكن لا لسبب مباح، فان وطء الشبهة لا يوصف بأنه مباح ولا محرم ولا بغيرهما من أحكام الشرع الخمسة لأنه ليس فعل مكلف (وقولنا لحرمتها) احتراز من الملاعنة فهى حرام على التأييد لا لحرمتها بل تغليظا عليهما والله أعلم اهـ (واستثنى الأمام أحمد) الأب الكافر فقال لا يكون محرمًا لبنته المسلمة لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها، ومقتضاه إلحاق سائر القرابة الكفار بالأب لوجود العلة، وروى عن البعض أن العبد كالمحرم، وقد روى سعيد بن منصور من حديث ابن عمر مرفوعًا "سفر المرأة مع عبدها ضيعة" قال الحافظ لكن فى إسناده ضعف، قال وينبغى لمن قال بذلك أن يقيده بما اذا كانا فى قافلة، بخلاف ما اذا كانا وحدهما فلا، لهذا الحديث (2) فيه دليل على أن الزوج داخل فى مسمى المحرم أو قائم مقامه (قال الحافظ) وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فأوجب على الزوج

ص: 85

(1198)

عن أبي سعيد الخدرىِّ رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيَّام فصاعدًا إلَاّ مع أبيها أو أخيها أو ابنها أو زوجها أو مع ذى محرم

(1199)

عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لا تسافر المرأة ثلاثًا إلَاّ ومعها ذو محرم

(1200)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحلُّ

السفر مع امرأته اذا لم يكن لها غيره، وبه قال أحمد وهو وجه للشافعى، والمشهور أنه لا يلزمه كالولى فى الحج عن المريض؛ فلو امتنع إلا بأجرة لزمتها لأنه من سبيلها فصار فى حقها كالمؤنة، واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض، وبه قال الأمام أحمد وهو وجه للشافعية، والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخى، وقد روى الدارقطنى عن ابن عمر مرفوعا فى امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها فى الحج ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها، وأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع جمعًا بين الحديثين، ونقل ابن المنذر الأجماع على أن للرجل منع زوجته عن الخروج فى الأسفار كلها، وإنما اختلفوا فما اذا كانوا واجبًا، وقد استدل ابن حزم بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة السفر بغير زوج ولا محرم لكونه صلى الله عليه وسلم لم يعب عليها ذلك السفر بعد أن أخبره زوجها، وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطًا لما أمر زوجها بالسفر معها وترك الغزو الذى كتب فيه والله أعلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1198)

عن أبى سعيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع وأبو معاوية قالا ثنا الأعمش عن أبى صالح عن أبى سعيد، وثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن ذكوان عن أبى سعيد الخدرى "الحديث"(تخريجه)(م. د. مذ. جه)

(1199)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحى عن عبيد الله حدثنى نافع عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(1) أى ثلاث ليال أو ثلاثة أيام (تخريجه)(ق. د. وغيرهما)

(1200)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن

ص: 86

لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر يومًا وليلةً إلَاّ مع ذى محرم من أهلها (وفى لفظ) إلَاّ مع ذى رحم (وعنه من طريق ثان) قال إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تسافر امرأة مسيرة يوم تام إلَاّ مع ذى محرم

(1201)

عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إذا خرج أقرع بين نسائه

عن مالك عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة "الحديث"(1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس ثنا ليث حدثنى سعيد عن أبيه أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع قال ثنا ابن أبى ذئب عن سعيد بن أبى سعيد عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"(تخريجه)(ق. لك. د. مذ. جه. خز) وفى رواية لأبى داود وابن خزيمة أن تسافر بريدًا ذكره المنذرى

(1201)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو نعيم ثنا عبد الواحد بن أيمن قال حدثنى ابن أبى مليكة عن القاسم عن عائشة "الحديث"(غريبه)(3) فى رواية عند البخارى والأمام أحمد أيضًا (كان صلى الله عليه وسلم اذا أراد أن يخرج سفرًا "يعنى الى سفر" أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج به معه) والحكمة فى القرعة تطييب قلوبهن (قال العينى رحمه الله وكيفية القرعة بالخواتيم يؤخذ خاتم هذا وخاتم هذا ويرفعان الى رجل فيخرج منهما واحدًا (وعن الشافعى) يجعل رقاعا صغارًا يكتب فى كل واحد اسم ذى السهم، ثم يجعل بنادق طين ويغطى عليها بثوب، ثم يدخل رجل يده فيخرج بندقة وينظر من صاحبها فيدفعها اليه (وقال أبو عبيد) بن سلام عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، نبينا ويونس وزكريا عليهم الصلاة والسلام اهـ (تخريجه) الحديث رواه الأمام أحمد فى موضع هكذا مختصرًا، ورواه فى مواضع أخرى مطولا وفيه قصة الأفك، وسيأتى بتمامه فى الفصل السادس من مناقب عائشة رضى الله عنها فى باب ذكر أزواجه الطاهرات من القسم الثالث من كتاب السيرة النبوية، وذكرت

ص: 87

(1202)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير وحاد يحدو بنسائه فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هو قد تنحَّي بهنَّ قال فقال له يا أنجشة ويحك ارفق بالقوارير

له رواية أخرى فى تفسير سورة النور من كتاب التفسير وسيأتى كل ذلك فى مواضعه إن شاء الله تعالى والحديث رواه الشيخان أيضا والنسائى مطولا ومختصرًا

(1202)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن ثابت قال سمعت أنس بن مالك يقول بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(1) أى فى سفركما عند البخارى عن أبى قلابة عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى سفر وكان غلام يحدو بهن يقال له أنجشة الحديث وعنده بلفظ آخر عن قتادة عن أنس بن مالك قال كان للنبى صلى الله عليه وسلم حاد يقال له أنجشة وكان حسن الصوت، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم "رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير، قال قتادة يعنى ضعفة النساء"(2) الحدو سوق الأبل والغناء لها، وقد حدا الأبل يحدو من باب عدا يعدو، والحدو من شأنه أن يثير النشاط فى سير الأبل (وقوله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أى سرّ بذلك (3) أى فاذا الحادى قد تعمد الحدو ونشط فيه، وكلما ازداد الحادى نشاطا فى حدوه ازدادت الأبل نشاطًا فى سيرها (4) هو بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم بعدها شين معجمة ثم هاء تأنيث، قال البلاذرى كان أنجشة حبشيًا يكنى أبا مارية، وأخرج الطبرانى من حديث وائلة أنه كان ممن نفاهم النبى صلى الله عليه وسلم من المخنثين، وقد ذكروه فى الصحابة، قال أبو عمر فى الاستيعاب أنجشة العبد الأسود كان يسوق أو يقود بنساء النبى صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع وكان حسن الصوت، وكان اذا حدا اعتنقت الأبل فقال صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك بالقوارير اهـ (5) فى رواية عند البخارى قال أبو قلابة يعنى النساء؛ وتقدم فى رواية أخرى للبخارى عن قتادة "لا تكسر القوارير قال قتادة يعنى ضعفة النساء"(قال الحافظ) والقوارير جمع قارورة وهى الزجاجة سميت بذلك لاستقرار الشراب فيها، وقال الرامهرمزى كنى عن النساء بالقوارير لرقتهن وضعفتهن عن الحركة، والنساء شبهن بالقوارير فى الرقة واللطافة وضعف البنية، وقيل المعنى سقهن كسوقك القوارير لو كانت محمولة على الأبل، وقال غيره شبهن بالقوارير لسرعة انقلابهن عن الرضا وقلة دوامهن على الوفاء كالقوارير يسرع اليها الكسر ولا تقبل الجبر اهـ (وقال الخطابى) كان أنجشة أسود وكان فى سوقه عنف فأمره أن يرفق بالمطايا، وقيل كان حسن الصوت بالحداء فكره أن تسمع النساء الحداء فإن حسن

ص: 88

(1203)

عن أمِّ سليم رضي الله عنها أنَّها كانت مع نساء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهنَّ يسوق بهنَّ سوَّاق فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أي أنجشة رويدك سوقًا بالقوارير

الصوت يحرك من النفوس فشبه ضعف عزائمهن وسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير فى سرعة الكسر، وجزم ابن بطال بالأول فقال القوارير كناية عن النساء اللاتى كن على الأبل التى تساق حينئذ، فأمر الحادى بالرفق فى الحداء لأنه يحث الأبل حتى تسرع، فاذا أسرعت لم يؤمن على النساء السقوط، واذا مشت رويدًا أمن على النساء السقوط، قال وهذا من الاستعارة البديعة، لأن القوارير أسرع شئ تكسيرًا فأفادت الكناية من الحض على الرفق بالنساء فى السير ما لم تفده الحقيقة لو قال ارفق بالنساء (وقال الطيبى) هى استعارى لأن المشبه به غير مذكور، والقرينة حالية لا مقالية، ولفظ الكسر ترشيح لها، وجزم أبو عبيد الهروى بالثانى، وقال شبه النساء بالقوارير لضعف عزائمهن، والقوارير يسرع اليها الكسر فخشى من سماعهن النشيد الذى يحدو به أن يقع بقلوبهن منه فأمره بالكف فشبه عزائمهن بسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير فى إسراع الكسر اليها، ورجح عياض هذا الثانى فقال هذا أشبه بمساق الكلام وهو الذى يدل عليه كلام أبى قلابة وإلا فلو عبر عن السقوط بالكسر لم يعبه أحد، وجوز القرطبى فى المفهم الأمرين فقال شبههن بالقوارير لشدة تأثرهن وعدم تجلدهن فخاف عليهن من حث السير سرعة السقوط أو التألم من كثرة الحركة والاضطراب الناشئ عن السرعة، أخاف عليهن الفتنة من سماع النشيد أفاده الحافظ (تخريجه)(ق. نس)

(1203)

عن أم سليم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن يعنى ابن موسى قال ثنا زهير عن سليمان التيمى عن أنس بن مالك عن أم سليم "الحديث"(غريبه)(1) أم سليم هى بنت ملحان بن خالد الأنصارية والدة أنس بن مالك رضى الله عنهما يقال اسمها سهلة أو رميلة أو رميثة أو مليكة أو أنيثة، وهى العميصاء أو الرميصاء، اشتهرت بكنيتها وكانت من الصحابيات الفاضلات، ماتت فى خلافة عثمان وسنأتى على شئ من مناقبها فى كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى (2) هو أنجشة الحبشى كما تقدم وكما يستفاد أيضًا مما بعده (3) قال الحافظ كذا للأكثر، وفى رواية سليمان التيمى رويدًا، وفى رواية شعبة ارفق، ووقع فى رواية حميد رويدك ارفق جمع بينهما، رويناه فى جزء الأنصارى عن حميد؛ وأخرجه الحارث عن عبد الله بن بكر عن حميد فقال كذلك سوقك وهى بمنعى كفاك، قال عياض قوله رويدًا منصوب على أنه صفة لمحذوف دل عليه اللفظ أى سق سوقًا رويدًا أواحد حدرًا رويدًا، أو على المصدر أى أرود رويدًا مثل أرفق

ص: 89

_________

رفقا، أو على الحال أى سر رويدًا، أو رويدك منصوب على الأغراء أو مفعول بفعل مضمر، أى الزم رفقك أو على المصدر أى ارود رويدك (وقال القرطبى) فى المفهم رويدًا أى ارفق وسوقك مفعول به، وورقع فى رواية مسلم سوقًا وكذا للأسماعيلى فى رواية شعبة، وهو منصوب على الأغراء بقوله ارفق سوقًا أو على المصدر أى سق سوقًا، وقرأت بخط ابن الصائغ المتأخر رويدك إما مصدر والكاف فى محل خفض وإما اسم فعل والكاف حرف خطاب وسوقك بالنصب على الوجهين، والمراد به حدوك إطلاقًا لاسم المسبب على السبب (وقال ابن مالك) رويدك اسم فعل بمعنى ارود أى أمهل، والكاف المتصلة به حرف خطاب وفتحة داله بنائية، ولك أن تجعل رويدك مصدرًا مضافا الى الكاف ناصبها سوقك وفتحه داله على هذا إعرابية، وقال أبو البقاء الوجه النصب برويدًا، والتقدير أمهل سوقك والكاف حرف خطاب وليست اسما، ورويد يتعدى الى مفعول واحد اهـ (تخريجه)(نس) وسنده جيد (الأحكام) فى أحاديث الباب دلالة على أنه لا يجوز للمرأة السفر بدون محرم، وسواء فى ذلك الحج وغيره (قال ابن دقيق العيد) هذه المسألة تتعلق بالعامَّين اذا تعارضا، فان قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت: الآية} عام فى الرجال والنساء فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر اذا وجدت وجب الحج على الجميع؛ وقوله صلى الله عليه وسلم "لا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم" عام فى كل سفر فيدخل فيه الحج، فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج الى الترجيح من خارج اهـ (قال الشوكانى) ويمكن أن يقال إن أحاديث الباب لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم فى حق المرأة من جملة الاستطاعة على السفر التى أطلقها القرآن وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين اهـ (قلت) وقد أطلق السفر فى الحديث الأول من أحاديث الباب وقيده فى الأحاديث المذكورة بعده (قال الحافظ) وقد عمل أكثر العلماء فى هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات (قال النووى) ليس المراد من التحديد ظاهره، بل كان ما يسمى سفرًا فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم، وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه (وقال ابن التين) وقع الاختلاف فى مواطن بحسب السائلين (وقال المنذرى) يحتمل أن يقال إن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة، يعنى فمن أطلق يوما أراد بليلته، أو ليلة أراد بيومها، قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد فاليوم أول العدد، والأثنان أول التكثير، والثلاث أول الجمع، ويحتمل أن يكون ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد من ذلك، وأقله الرواية التى فيها ذكر البريد، كما فى رواية أبى هريرة عند أبى داود، وقد أخرجه الحاكم والبيهقى وقد ورد من حديث

ص: 90

_________

ابن عباس عند الطبراني ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد، ولفظه "لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذى محرم" وهذا هو الظاهر أعنى الأخذ بأقل ما ورد لأن ما فوقه منهى عنه بالأولى، والتنصيص على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين لا ينافيه، لأن الأقل موجود فى ضمن الأكثر، وغاية الأمر أن النهى عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهى عنه، والنهى عن الأقل منطوق وهو أرجح من المفهوم (وقالت الحنفية) إن المنع مقيد بالثلاث لأنه متحقق وما عداه مشكوك فيه، فيؤخذ بالمتيقن، ونوقض بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفرر؛ فينبغى الأخذ بها وطرح ما سواها فانه مشكوك فيه، والأولى أن يقال إن الرواية المطلقة مقيدة بأقل ما ورد، وهى رواية الثلاثة الأميال إن صحت وإلا فرواية البريد (وقال سفيان) يعتبر المحرم فى المسافة البعيدة لا القريبة (وقال أحمد) لا يجب الحج على المرأة اذا لم تجد محرمًا، والى كون المحرم شرطا فى الحج ذهبت العترة (وأبو حنيفة والنخعى وإسحاق والشافعى) فى أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب؟ (وقال مالك) وهو مروى عن (أحمد) انه لا يعتبر المحرم فى سفر الفريضة وروى عن (الشافعى) وجعلوه مخصوصا من عموم الأحاديث بالأجماع، ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج، وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار كذا قال صاحب المغنى، وأيضا قد وقع عند الدارقطنى بلفظ "ولا تحجن امرأة إلا ومعها زوج" وصححه أبو عوانة (وفى رواية) للدارقطنى أيضا عن أبى امامة مرفوعا "ولا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها" فكيف يخص سفر الحج من بقية الأسفار؛ وقد قيل إن اعتبار المحرم إنما هو فى حق من كانت شابة لا فى حق العجوز لأنها لا تشتهى، وقيل لا فرق لأن لكل ساقط لاقطا، وهو مراعاة للأمر النادر، وقد احتج أيضا من لم يعتبر المحرم فى سفر الحج بما فى البخارى من حديث عدى بن حاتم مرفوعا بلفظ "يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها" وتعقب بأنه يدل على وجوب ذلك لا على جوازه، وأجيب عن هذا بأنه خبر فى سياق المدح ورفع منار الأسلام، فيحمل على الجواز، والأولى حمله على ما قال المتعقب جمعا بينه وبين أحاديث الباب أفاده الشوكانى (وفى أحاديث الباب أيضا) أن من كان له أكثر من زوجة وأراد السفر باحداهن يستحب له الأقراع بينهن تطبيبا لخاطرهن فمن خرج سهمها أخذها معه (وفيها أيضا) استحباب الرفق بالنساء فى السفر ومراعاة راحتهن لأنهن ضعيفات لا يتحملن ما يتحمله الرجل (وفيها أيضا) جواز الحداء وهو بضم الحاء ممدود، وجواز السفر بالنساء ومباعدتهن من الرجال، ومن سماع كلامهم إلا الوعظ ونحوه، وفيها غير ذلك والله أعلم

ص: 91

(10)

باب افتراض صلاة السفر وحكمها

(1204)

عن عائشة رزوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورضي عنها قالت كان أوَّل ما افترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاة ركعتان ركعتان إلَاّ المغرب فإنَّها كانت ثلاثًا ثمَّ أتمَّ الله الظُّهر والعصر والعشاء الآخرة أربعًا فى الحضر، وأقرَّ الصَّلاة على فرضها الأوَّل في السَّفر (وعنها من طريق ثان) قالت قد فرضت الصَّلاة ركعتين ركعتين بمكَّة، فلمَّا قدم رسول الله صلَّي الله عليه وآله وسلَّم المدينة زاد مع كلِّ ركعتين ركعتين إلَاّ المغرب فإنَّها وتر النَّهار، وصلاة الفجر لطول قراءاتها، قالت وكان إذا سافر صلَّى الصَّلاة الأولى

(1205)

عن مجاهد عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال فرض الله عز وجل صلاة الحضر أربعًا وفي السَّفر ركعتين، والخوف

(1204) عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب قال ثنا أبى عن اسحاق قال حدثنى صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة "الحديث"(غريبه)(1) أى ليلة الأسراء بمكة (2) أى فرضها الله ثلاثا من أول الأمر لأنها وتر النهار كما فى الطريق الثانية (3) قال النووى فى شرح هذا الحديث معناه فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما فزيد فى صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار، وثبتت دلائل جواز الأتمام فوجب المصير اليها والجمع بين دلائل الشرع اهـ (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن أبى عدى عن داود عن الشعبى أن عائشة قالت قد فرضت الصلاة "الحديث"(5) أى بوحى من الله عز وجل كما يستفاد من الطريق الأولى حيث قالت ثم أتم الله الظهر والعصر الخ (6) أى صلاها مقصورة كما فرضت أولا (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه الشيخان وغيرهما، وأخرج الطريق الثانية (هق. حب. خز) ورجالهم ثقات

(1205)

عن مجاهد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(7) يريد والله أعلم زيادتها بعد الهجرة وما استقرت عليه جمعا بينه وبين حديث عائشة السابق

ص: 92

ركعةً على لسان نبيِّه صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم

(1206)

عن عبيد الله بن زحر أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قال أيُّها النَّاس إنَّ الله فرض لكم على لسان نبيِّكم صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم الصَّلاة في الحضر أربعًا، وفي السَّفر ركعتين

(1207)

عن عمر (بن الخطَّاب) رضى الله عنه قال صلاة السَّفر

المتفق عليه (1) قال النووى رحمه الله هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم الحسن والضحاك وإسحاق بن راهويه، وقال الشافعى ومالك والجمهور إن صلاة الخوف كصلاة الأمن فى عدد الركعات، فان كانت فى الحضر وجب أربع ركعات، وإن كانت فى السفر وجب ركعتان، ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة فى حال من الأحوال، وتأولوا حديث ابن عباس هذا على أن المراد ركعة مع الأمام، وركعة أخرى يأتى بها منفردًا كما جاءت الأحاديث الصحيحة فى صلاة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى الخوف؛ وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة والله أعلم اهـ (تخريجه)(م. نس)

(1206)

عن عبيد الله بن زحر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن غيلان قال ثنا المفضل قال حدثنى عبيد الله بن زحر أن أبا هريرة "الحديث"(تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وفيه عبيد الله بن زحر عن أبى هريرة ولم أجد من ترجمه وهكذا ضبطه من المسند بعد المراجعة وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ (قلت) قال الحافظ فى تعجيل المنفعة (عبيد الله بن زحر) عن أبى هريرة رضى الله عنه، وعنه المفضل بن فضالة، قال الحسينى لا أعرفه، قال الحافظ قلت هو المترجم له فى التهذيب، قال أحمد حدثنا يحيى بن غيلان فذكر الحافظ سنده ومتنه كما هنا، ثم قال وعبيد الله عن أبى هريرة مرسل، وقد قال ابن يونس إنه ضمرى من بنى كنانة، ولد بأفريقية وكان رجلا صالحا، رحل الى الكوفة والبصرة وسمع الأعمش وعلى بن يزيد الألهانى فأكثر عنه، وروى عنه من أهل مصر يحيى بن أيوب والمفضل بن فضالة اهـ

(1207)

عن عمر بن الخطاب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن زبيد الأيامى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن عمر رضى الله عنه قال صلاة السفر الحديث، وفى آخره قال سفيان وقال زبيد مرة أراه عن عمر

ص: 93

ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلَّي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم

(1208)

عن يعلى بن أميَّة رضى الله عنه قال سألت عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه قلت "ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصَّلاة إن خفتم إن يفتنكم الَّين كفروا" وقد أمن النَّاس، فقال لى عمر رضى الله عنه عجبت ممَّا عجبت منه، فسألت رسول الله صلَّي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فقال صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته

(1209)

عن أبى حنظلة سألت ابن عمر رضى الله عنهما عن الصَّلاة

قال عبد الرحمن على غير وجه الشك، وقال يزيد يعنى ابن هارون ان ابن أبى ليلى قال سمعت عمر رضى الله عنه (تخريجه)(نس. جه) ورجاله ثقات (قال الحافظ ابن القيم) فى الهدى هو ثابت عنه (يعنى عن عمر) قال وهو الذى سأل النبى صلى الله عليه وسلم ما بالنا نقصر وقد أمنَّا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" قال ولا تناقض بين حديثيه، فان النبى صلى الله عليه وسلم لما أجابه بأن هذا صدقة الله عليكم ويدنه اليسر السمح علم عمر أنه ليس المراد من الآية قصر العدد كما فهمه كثير من الناس قال "صلاة السفر ركعتان غير قصر" وعلى هذا فلا دلالة فى الآية على أن قصر العدد مباح منفى عنه الجناح فان شاء المصلى فعله، وإن شاء أئمه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب فى أسفاره على ركعتين ركعتين فلم يربع قط إلا شيئا فعله فى بعض صلاة الخوف اهـ

(1208)

عن يعلى بن أمية (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن إدريس أنبأنا ابن جريج عن ابن عمار عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية "الحديث"(غريبه)(1) يعنى قصر الصلاة فى السفر سواء حصل الخوف أم لا (قال النووى) وفيه جواز قول: تصدق الله علينا؛ واللهم تصدق علينا، وقد كرهه بعض السلف وهو غلط ظاهر، وفيه جواز القصر فى غير الخوف، وفيه أن المفضول اذا رآى الفاضل يعمل شيئا يشكل عليه يسأله عنه والله أعلم اهـ (تخريجه)(م. والأربعة وغيرهم)

(1209)

عن أبى حنظلة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا يحيى

ص: 94

فى السَّفر، قال الصَّلاة فى السَّفر ركعتان، قلت إنَّا آمنون قال سنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1210)

عن رجل من آل خالد بن أسيد قال قلت لابن عمر إنَّا نجد صلاة الخوف في القرآن وصلاة الحضر ولا نجد صلاة السَّفر فقال إنَّ الله تعالى بعث محمَّدًا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئًا، فإنَّما نفعل كما رأينا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم يفعل (ومن طريق ثان) عن أميَّة بن عبد الله أنَّه قال لابن عمر نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة المسافر قال ابن عمر بعث

عن إسماعيل عن أبى حنظلة "الحديث: (غريبه)(1) يعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك فى السفر من غير خوف فاقتدوا به (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد

(1210)

عن رجل من آل خالد بن أسيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن ثنا مالك عن الزهرى عن رجل من آل خالد بن أسيد "الحديث"(غريبه)(2) هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين على الأفصح، وقيل بضمها وفتح السين، وقد صرح به فى الطريق الثانية وهو ثقة روى له النسائى وابن ماجه (قال ابن عبد البر) لم يقم مالك إسناد هذا الحديث لأبهام الرجل ولأنه أسقط منه رجلا فقد رواه معمر والليث بن سعد ويونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبد الله بن أبى بكر بن عبد الرحمن عن أمية بن عبد الله بن خالد اهـ (قلت) ومن طريق الليث أخرجه النسائى وابن ماجه (3) أى قصر الصلاة فى سفر الأمن لأن الله قال {واذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ثم قال {فاذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} أى أتموها فقال ابن عمر يا ابن أخى إن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم "الحديث" فبين له أن القصر فى سفر الأمن ثابت بالسنة لا بالقرآن (وفى رواية) فقال ابن عمر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم فى حديث يعلى بن أمية قال سألت عمر بن الخطاب قلت "ليس عليكم أن تقصروا من الصلاة الخ" وقد أمن الناس فقال لى عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته، فأفاد صلى الله عليه وسلم أن الشرط فى الآية لبيان الواقع وقت النزول فلا مفهوم له، وقال ابن عباس صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ركعتين ركعتين (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهرى عن عبد الله بن أبي بكر

ص: 95

الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم ونحن أجفى النَّاس فنصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1211)

عن الضَّحَّاك بن مزاحم عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سافر ركعتين ركعتين وحين قام أربعًا قال وقال ابن عبَّاس فمن صلَّى فى السَّفر أربعًا كمن صلَّي فى الحضر ركعتين قال وقال ابن عبَّاس لم تقصر الصَّلاة إلَاّ مرَّة حيث صلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ركعتين وصلَّى النَّاس ركعةً ركعةً

(1212)

عن سعيد بن شفىٍّ عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال جعل النَّاس يسألونه عن الصَّلاة في السَّفر، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

ابن عبد الرحمن عن أمية بن عبد الله "الحديث"(تخريجه)(لك. نس. جه. هق) وسنده جيد

(1211)

عن الضحاك بن مزاحم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مروان بن معاوية الفزارى ثنا حميد بن على العقيلى ثنا الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) يعنى أن هديه صلى الله عليه وسلم فى صلاة السفر ركعتين ركعتين، وفى الحضر أربعا (2) يريد أن من خالف هديه صلى الله عليه وسلم وصل فى السفر أربعا كان كمن صلى فى الحضر ركعتين يعنى أن صلاته باطلة، وهو مذهب ابن عباس وكثير من الصحابة كانوا يرون أن القصر فى عزيمة لا رخصة، ونعم ما ذهبوا اليه وهو الذى ينشرح له صدرى وسيأتى توجيهه فى الأحكام قريبا إن شاء الله (3) يعنى فى عدد الركعات فى صلاة الخوف وكان سائر صلاته فى السفر ركعتين فى الخوف والأمن والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال فى الصحيح بعضه - رواه أحمد وفيه حميد بن على العقيلى قال الدارقطنى لا يحتج به، وذكره ابن حبان فى الثقات (قلت) قال الحافظ فى تعجيل المنفعة لم يذكر البخارى فيه جرحًا، وذكره ابن حبان فى الطبقة الرابعة من الثقات، وقال أبو زرعة كوفى لا بأس به اهـ

(1212)

عن سعيد بن شفىّ (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة عن أبى إسحاق عن أبى السّفر عن سعيد بن شفىّ عن ابن عباس "الحديث" " (وله طريق ثان) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود ثنا اسرائيل عن أبى اسحاق عن سعيد بن شفىّ عن ابن عباس قال كنت عند عباس رضى الله عنهما الخ

ص: 96

إذا خرج من أهله لم يصلِّ إلَاّ ركعتين حتَّى رجع إلى أهله

(1213)

عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال سافرت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومع عمر فكانا لا يزيدان على ركعتين وكنَّا ضلَاّلًا فهدانا الله به فبه نقتدي

(تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد

(1213)

عن عبد الله بن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى عبد الصمد ثنا همام ثنا مطر عن سالم عن أبيه (يعنى عبد الله بن عمر)"الحديث"(غريبه)(1) فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم لازم القصر فى السفر ولم يصل فيه تماما (وقوله ضلالا) أى لا نعرف شيئا من أحكام الدين فهدانا الله به فعلمنا الأحكام وبين لنا الحلال والحرام فبأقواله وأفعاله نقتدى (تخريجه)(ق. وغيرهما) ولفظه عند مسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما "صحبت النبى صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل، وصحبت عمر رضى الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل، وصحبت عثمان رضى الله عنه فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل" وظاهر هذه الرواية أن عثمان لم يصلِّ فى السفر تماما (وفى رواية أخرى) لمسلم عن ابن عمر أيضا أنه قال "ومع عثمان صدرًا من خلافته ثم أتم"(وفى رواية) ثمانى سنين أو ست سنين (قال النووى) وهذا هو المشهور أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته، وتأول العلماء هذه الرواية "أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله" فى غير منى، والرواية المشهورة باتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الأتمام بمنًى خاصة، وقد صرح فى رواية بأن إتمام عثمان كان بمنًى (وفى البخارى ومسلم) أن عثمان بن يزيد قال صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات فقيل فى ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثم قال "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، فليت حظى من أربع ركعات ركعتان متقبلتان" يعنى ليت عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم أجمعين فى صدر خلافته يفعلون، ومقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه (الأحكام) اعلم أرشدنى الله وإياك الى الصواب أنه قد اختلف العلماء هل القصر واجب؟ أم رخصة والتمام أفضل؟ فذهب الى الأول الحنفية والهادوية، وروى عن على وعمر ونسبه النووى الى كثير من أهل العلم (قال الخطابى) فى معالم السنن كان مذاهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو الواجب فى السفر وهو قول علي وعمر

ص: 97

_________

وابن عمر وابن عباس، وروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن (وقال حماد ابن سليمان) يعيد من يصلى فى السفر أربعا (وقال مالك) يعيد ما دام فى الوقت اهـ والى الثانى ذهب (الشافعى ومالك وأحمد) قال النووى وأكثر العلماء، وروى عن عائشة وعثمان وابن عباس، قال ابن المنذر وقد أجمعوا على أنه لا يقصر فى الصبح ولا فى المغرب (قال النووى) ذهب الجمهور الى أنه يجوز القصر فى كل سفر مباح، وذهب بعض السلف الى أنه يشترط فى القصر الخوف فى السفر، وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة، وعن بعضهم كونه سفر طاعة (احتج القائلون بوجوب القصر بحجج)(الأولى) ملازمته صلى الله عليه وسلم للقصر فى جميع أسفاره كما فى حديث ابن عمر المذكور فى الباب، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الرباعية فى السفر البتة كما قال ابن القيم (وأجاب المخالفون) عن هذه الحجة بأن مجرد الملازمة لا يدل على الوجوب كما ذهب الى ذلك جمهور أئمة الأصول وغيرهم (الحجة الثانية) حديث عائشة المتفق عليه بألفاظ منها "فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر" وهو دليل ناهض على الوجوب؛ لأن صلاة السفر اذا كانت مفروضة ركعتين لم تجز الزيادة عليها كما أنه لا يجوز النقص عن أربع فى الحضر، كما فى حديث الباب عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس (الحجة الثالثة) ما فى حديث الباب عند مسلم والأمام أحمد عن ابن عباس أنه قال "فرض الله عز وجل صلاة الحضر أربعا وفى السفر ركعتين" ولفظ مسلم "إن الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم على المسافر ركعتين، وعلى المقيم أربعا، والخوف ركعة" فهذا الصحابى الجليل قد حكى عن الله عز وجل أنه فرض صلاة السفر ركعتين وهو أتقى لله، وأخشى من أن يحكى ان الله فرض ذلك بلا برهان (الحجة الرابعة) حديث الباب عن عمر "صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان الخ" ورواه النسائى أيضا وغيره، وهو يدل على أن الصلاة مفروضة كذلك من أول الأمر وأنها لم تكن أربعا ثم قصرت، وقوله على لسان محمد تصريح بثبوت ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم (الحجة الخامسة) حديث ابن عمر عند النسائى بلفظ "وأمرنا أن نصلى ركعتين فى السفر"(واحتج القائلون بأن القصر رخصة) والتمام أفضل بحجج (الأولى منها) قول الله تعالى {ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} ونفى الجناح لا يدل على العزيمة بل على الرخصة، وعلى أن الأصل التمام، والقصر إنما يكون من شئ أطول منه، وأجاب المخالفون بأن الآية وردت فى قصر الصفة فى صلاة الخوف لا فى قصر العدد، لما علم من تقدم مشروعية قصر العدد (قال ابن القيم رحمه الله فى الهدى وما أحسن ما قال، وقد يقال إن الآية اقتضت قصرًا يتناول قصر الأركان بالتخفيف وقصر العدد بنقصان ركعتين، وقيد ذلك بأمرين، الضرب فى الأرض والخوف، فاذا وجد الامران أبيح القصران فيصلون صلاة خوف مقصورًا عددها وأركانها، وإن انتفى الأمران

ص: 98

_________

وكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة، وان وجد أحد السبيلين ترتب عليه قصره وحده، فان وجد الخوف والأقامة قصرت الأركان واستوفى العدد، وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق فى الآية، وإن وجد السفر والأمن قصر العدد واستوفيت الأركان وصليت صلاة أمن، وهذا أيضا نوع قصر وليس القصر المطلق، وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد، وقد تسمى تامة باعتبار تمم أركانها وان لم تدخل فى الآية اهـ (الحجة الثانية) قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث الباب صدقة تصدق الله بها عليكم فان الظاهر من قوله صدقة أن القصر رخصة فقط، وأجيب بأن الأمر بقبولها يدل على أنه لا محيص عنها وهو المطلوب (الحجة الثالثة) ما فى صحيح مسلم وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم القاصر ومنهم المتم ومنهم الصائم ومنهم المفطر، لا يعيب بعضهم على بعض، كذا قال النووى فى شرح مسلم، ولم نجد فى صحيح مسلم قوله "فمنهم القاصر ومنهم المتم" وليس فيه الا أحاديث الصوم والأفطار، واذا ثبت ذلك فليس فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقررهم عليه، وقد نادت أقواله وأفعاله بخلاف ذلك، وقد تقرر أن إجماع الصحابة فى عصره صلى الله عليه وسلم ليس بحجة والخلاف بينهم فى ذلك مشهور بعد موته؛ وقد أنكر جماعة منهم على عثمان لماَّ أتم بمنى وتأولوا له تأويلات، (قال ابن القيم) أحسنها أنه كان قد تأهل بمنى، والمسافر اذا أقام فى موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة أتم، وقد روى أحمد عن عثمان أنه قال أيها الناس لماَّ قدمت تأهلت بها وانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اذا تأهل رجل ببلد فليصل به صلاة مقيم" ورواه أيضا عبد الله بن الزبير الحميدى فى مسنده أيضا، وقد أعله البيهقى بانقطاعه وتضعيفه عكرمة بن ابراهيم (قال ابن القيم فى الهدى) قال أبو البركات بن تيمية ويمكن المطالبة بسبب الضعف فان البخارى ذكر عكرمة المذكور فى تاريخه ولم يطعن فيه، وعادته ذكر الجرح والمجروحين (الحجة الرابعة) ما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت "خرجت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى عمرة فى رمضان فأفطر وصمت، وقصر وأتممت، فقلت بأبى وأمى أفطرت وصمت، وقصرت وأتممت، فقال أحسنت يا عائشة" رواه الدارقطنى وقال هذا إسناد حسن (وعنها أيضا)"أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقصر فى السفر وتتم ويفطر وتصوم" رواه أيضا الدارقطنى وقال إسناد صحيح، ويجاب عن هذين الحديثين بأن الأول منهما ضعفه أكثر الحفاظ، قال الحافظ فى التلخيص واختلف قول الدارقطنى فيه فقال فى السنن إسناده حسن. وقال فى العلل المرسل أشبه (والثانى) أورده الحافظ فى التلخيص أيضا وقال قد استنكره أحمد وصحته بعيدة فان عائشة كانت تتم وذكر عروة أنها تأولت ما تأول عثمان كما فى الصحيح؛ فلو كان عندها عن النبى صلى الله عليه وسلم رواية لم يقل عروة عنها إنها تأولت، وقد ثبت فى الصحيحين خلاف ذلك اهـ وقد

ص: 99

(11)

باب مسافة القصر وحكم من نزل ببلد فنوى الأقامة فيه

وإتمام المسافر اذا اقتدى بمقيم - وهل يقصر الصلاة بمنى أهل مكة؟

(1214)

عن جبير بن نفير عن أبى السِّمط أنَّه أتى أرضًا يقال لها دومين من حمص على رأس ثمانية عشر ميلًا فصلَّى ركعتين، فقلت له أتصلِّى ركعتين؟ فقال رأيت عمر بن الخطَّاب بذى الحليفة يصلِّي ركعتين فسألته فقال إنَّما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم

استدل بهما القائلون بأن القصر رخصة وتقدم ذكرهم، ويجاب عنهم بأن الحديث الثانى لا حجة فيه لهم لأنه روى بلفظ تتم وتصوم بالفوقانية، لأن فعلها على فرض عدم معارضته لقوله صلى الله عليه وسلم وفعله لا حجة فيه، فكيف اذا كان معارضا للثابت عنه من طريقها وطريق غيرها من الصحابة (وأما الحديث الأول) فلو كان صحيحا لكان حجة لقوله صلى الله عليه وسلم فى الجواب عنها أحسنت، ولكنه لا نتهض لمعارضته ما فى الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة، وهذا بعد تسليم أنه حسن كما قال الدارقطنى فكيف وقد طعن فيه فالطعن بمجرده يوجب سقوط الاستدلال به عند عدم المعارض، أفاده الشوكانى، ومعظمه ملخص من كلام ابن القيم فى الهدى، ثم قال الشوكانى رحمه الله وهذا النزاع فى وجوب القصر وعدمه، قال وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رحجان القول بالوجوب، وأما دعوى أن التمام أفضل فمدفوعة بملازمته صلى الله عليه وسلم للقصر فى جميع أسفاره وعدم التمام عنه كما تقدم، ويبعد أن يلازم صلى الله عليه وسلم طول عمره المفضول ويدع الأفضل اهـ (قلت) وهو كلام وجيه

(1214)

عن جبير بن نفير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة قال سمعت يزيد بن خمير يحدث عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير "الحديث"(غريبه)(1) بفتح أوله وسكون ثانيه ثم ميم مكسورة، قال فى القاموس وقد تفتح ميمه، قرية قرب حمص (2) موضع على ستة أميال من المدينة وهو ماء لبنى جشم ميقات للمدينة والشام (3) استدل بذلك الظاهرية علىإباحة القصر فى السفر القصير لأن بين المدينة وذى الحليفة ستة أميال، وتعقب بأن ذى الحليفة لم تكن منتهى السفر، وإنما خرج اليها حيث كان قاصدًا الى مكة واتفق نزوله بها، وكانت أول صلاة حضرت صلاة العصر فقصرها واستمر يقصر الى أن رجع، وأما صلاة أبى السمط على رأس

ص: 100

(1215)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم سافر من المدينة (وفى رواية سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكَّة والمدينة) لا يخاف إلَاّ الله عز وجل فصلَّى ركعتين حتَّى رجع

(1216)

عن حارثة بن وهب الخزاعىِّ رضى الله عنه قال صلَّينا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهر والعصر بمنىً أكثر ما كان النَّاس وآمنه ركعتين

ثمانية عشر ميلا فلا حجة فيه لأنه تابعى فعل شيئا يخالف الجمهور، أو يتأول على أنها كانت فى أثناء سفره لا أنها غايته، وهذا التأويل ظاهر، وبه يصح احتجاجه بفعل عمر ونقله ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم والله أعلم قاله النووى (تخريجه)(م. نس. هق. وغيرهم)

(1215)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم عن منصور عن ابن سيرين عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) يعنى وهو فى مأمن من العدو لا يخاف عدوًا ولا أحدًا إلا الله عز وجل، وكان ذلك السفر من المدينة الى مكة فى حجة الوداع (تخريجه)(ق. نس. هق)

(1216)

عن حارثة بن وهب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبى اسحاق عن حارثة بن وهب الخزاعى "الحديث"(غريبه)(2) لفظ أكثر حال وما مصدرية ومعناه الجمع، لأن ما أضيف اليه أفعل يكون جمعا، وآمنه عطف على أكثر، والضمير فيه راجع الى ما، والمعنى صلينا مع النبى صلى الله عليه وسلم والحال أنا أكثر أكواننا فى سائر الأوقات عددًا، وأكثر اكواننا فى سائر الأوقات أمنا، وإسناد الأمن الى الأوقات مجاز أفاده الطيبى (قلت) وفى الحديث رد على من زعم أن القصر مختص بالخوف أو الحرب (تخريجه)(ق. والثلاثة) ولفظه فى رواية عند مسلم عن حارثة بن وهب الخزاعى قال "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى والناس أكثر ما كانوا فصلى ركعتين فى حجة الوداع" قال مسلم حارثة بن وهب الخزاعى هو أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه (قال النووى) رحمه الله هكذا ضبطناه أخو عبيد الله بضم العين مصغر، ووقع فى بعض الأصول أخو عبد الله بفتح العين مكبر وهو خطأ والصواب الأول، وكذا نقله القاضى رحمه الله تعالى عن أكثر رواه صحيح مسلم، وكذا ذكره البخارى فى تاريخه وابن أبى حاتم وابن عبد البر وخلائق لا يحصون كلهم يقولون بأنه أخو عبيد الله مصغر، وأمه

ص: 101

(1217)

عن موسى بن سلمة قال كنَّا مع ابن عبَّاس بمكة فقلت إذا كنَّا معكم صلَّينا أربعًا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلَّينا ركعتين قال سنَّة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم (وعنه من طريق ثان) قال قلت لابن عبَّاس إذا لم تدرك الصَّلاة فى المسجد كم تصلِّى فى البطحاء قال ركعتين سنَّة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم (وعنه من طريق ثالث) قال سألت ابن عبَّاس قلت إنِّى أكون بمكَّة فكيف أصلِّى؟ فقال ركعتين سنِّة أبى القاسم صلى الله عليه وآله وسلم

(1218)

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال صلَّيت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان ستَّ سنين بمنىً فصلوا صلاة المسافر

(1219)

عن أنس بن مالك الأنصارىِّ رضي الله عنه قال صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظُّهر فى مسجده بالمدينة أربع ركعات،

مليكة بنت جرول الخزاعى تزوجها عمر بن الخطاب رضى الله عنه فأولدها ابنه عبيد الله اهـ

(1217)

عن موسى بن سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن عبد الرحمن الطفاوى ثنا أيوب عن قتادة عن موسى بن سلمة الخ (غريبه)(1) أى بالمسجد مقتدين بامام مقيم (وقوله سنة ابى القاسم صلى الله عليه وسلم يعنى إتمام المسافر المقتدى بالمقيم (2)(وعنه من طريق ثان)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن هشام ثنا قتادة عن موسى بن سلمة قال قلت الخ (3) فى البطحاء يعنى منى (4)(وعنه من طريق ثالث)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا شعبة قال قتادة أنبأنى قال سمعت موسى بن سلمة قال سألت ابن عباس "الحديث"(تخريجه)(م. نس)

(1218)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد بن هارون أنبأنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب عن حفص بن عاصم عن ابن عمر "الحديث"(تخريجه)(م. نس. وغيرهما)

(1219)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن محمد بن إسحاق قال حدثنى محمد بن المنكدر التيمى عن أنس بن مالك

ص: 102

ثمَّ صلَّى بنا العصر بذى الحليفة ركعتين آمنًا لا يخاف في حجَّة الوداع

(1220)

عن شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائىِّ قال سألت أنس بن مالك رضى الله عنه عن قصر الصَّلاة، قال كنت أخرج إلى الكوفة فأصلِّى ركعتين حتى أرجع، وقال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ شعبة الشَّاكُّ صلَّى ركعتين

"الحديث"(غريبه)(1) تقدم الكلام على ذلك فى حديث جبير بن نفير أول الباب (2) يعنى وكان ذلك فى حجة الوداع (تخريجه)(ق. والثلاثة وغيرهم)

(1220)

عن شعبة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن يحى بن يزيد الهنائى "الحديث"(غريبه)(3) هو بضم الهاء وبعدها نون مخففة وبالمد، المنسوب الى هناء بن مالك بن فهم قاله السمعانى (4) اختلف فى تفسير الميل فقال الحافظ الميل هو من الأرض منتهى مد البصر، لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهرى، وقيل ينظر الى الشخص فى أرض مستوية فلا يدرى أرجل هو أم امرأة أو ذاهب أو آت (وقال النووى) الميل ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرين إصبعًا معترضة معتدلة، قال الحافظ وهذا الذى قال هو الأشهر، ومنهم من عبر عن ذلك باثنى عشر ألف قدم بقدم الأنسان؛ وقيل هو أربعة آلاف ذراع، وقيل ثلاثة آلاف ذراع نقله صاحب البيان، وقيل خمسمائة، وصححه ابن عبد البر، وقيل ألفا ذراع، ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل، قال ثم إن الذراع الذى ذكره النووى تحريره قد حرره غيره بذراع الحديد المشهور فى مصر والحجاز فى هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، وعلى هذا فالميل بذراع الحديد فى القول المشهوو خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعًا اهـ (قلت) والقول بأن الميل أربعة آلاف ذراع هو رأى المحدثين، واختاره الحنفية، وقالت المالكية الصحيح أن الميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع على ما قاله ابن عبد البر، وقيل ثلاثة آلاف ذراع، ومشهور المذهب أنه ألفا ذراع، والذراع ستة وثلاثون إصبعا (وقالت الشافعية والحنابلة) الميل ستة آلاف ذراع، والذراع عندهما أربعة وعشرون إصبعا (والفرسخ) فى الأصل السكون ذكره ابن سيده، وقيل السعة؛ وقيل الشئ الطويل، وذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرّب

ص: 103

(1221)

عن حفص عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنَّه قال انطلق بنا إلى الشَّام إلى عبد الملك ونحن أربعون رجلًا من الأنصار ليفرض لنا، فلمَّا رجع وكنَّا بفجِّ النَّاقة صلَّى بنا العصر ثمَّ سلَّم ودخل فسطاطه وقام القوم يضيفون إلى ركعتيه ركعتين أخريين، قال فقال قبح الله الوجوه فوالله ما أصابت السُّنَّة ولا قبلت الرُّخصة، فأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ أقوامًا يتعمقون فى الدِّين يمرقون كما يمرق السَّهم من الرّميَّة

(1222)

عن يحيى بن أبى إسحاق قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه

وهو ثلاثة أميال اهـ واعلم أن التقدير فى الحديث بثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ ليس على سبيل الاشتراط، وإنما وقع بحسب الحاجة لأن الظاهر من أسفاره صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يسافر سفرًا طويلا فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها، وإنما كان يسافر بعيدًا من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر أو نحو ذلك فيصليها حينئذ، والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن يتعاضدان على جواز القصر من حيث يخرج من البلد فانه حينئذ يسمى مسافرًا، يعنى من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه إن كان من أهل الخيام أفاده النووى (تخريجه)(م. د. هق)

(1221)

عن حفص عن أنس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين بن محمد ثنا خلف عن حفص عن أنس بن مالك "الحديث"(غريبه)(1) الفج الطريق الواضح الواسع، والجمع فجاج مثل سهم وسهام، والظاهر أن المراد به هنا اسم موضع كان معلوما عندهم (2) الفسطاط بضم الفاء وكسرها بيت من الشعر والجمع فساطيط وهو المراد هنا (3) القبح ضد الحسن يقال قبحه الله يقبحه بفتحتين نحاه عن الخير، وفى التنزيل (هم من المقبوحين) أى المبعدين عن الفوز، والتثقيل مبالغة وقبح عليه فعله اذا كان مذمومًا (4) المتعمق المبالغ فى الأمر المتشدد فيه الذى يطلب أقصى غايته (وقوله يمرقون من الدين) أى يجوزونه ويمرقونه ويتعدّونه كما يخرق السهم الشئ المرمىّ به ويخرج منه (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد

(1222)

عن يحى بن أبى إسحاق (سنده) عبد الله حدثنى أبي ثنا إسماعيل

ص: 104

عن قصر الصَّلاة، فقال سافرنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكَّة فصلَّى بنا ركعتين حتَّى رجعنا، فسألته هل أقام؟ فقال، نعم، أقام بمكَّة عشرًا

(1223)

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال صلَّيت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بمنىً ركعتين، ومع أبى بكر ومع عمر ومع عثمان صدرًا من إمارته ثمَّ أتمَّ

(1224)

عن أبى جحيفة رضى الله عنه قال صلَّيت مع رسول الله

أنا يحيى بن أبى اسحاق "الحديث"(غريبه)(1) زاد البيهقى لا المغرب (2) هذا لا يعارض حديث ابن عباس وعمران بن حصين الآتيين فى الباب التالى لأنهما فى فتح مكة وهذا فى حجة الوداع (تخريجه)(ق. نس. هق. وغيرهم) ولمسلم "خرجنا من المدينة الى الحج" فذكر مثله، قال صاحب المنتقى وقال أحمد إنما وجه حديث أنس أنه حسب مقام النبى صلى الله عليه وسلم بمكة ومنى؛ والا فلا وجه له غير هذا، واحتج بحديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذى الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح فى اليوم الثامن ثم خرج الى منى، وخرج من مكة متوجها الى المدينة بعد أيام التشريق، ومعنى ذلك كله فى الصحيحين وغيرهما اهـ (قلت) ومثله أيضا حديث ابن عباس عند البخارى والأمام أحمد وغيرهما بلفظ "قدم النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة" الحديث سيأتى بتمامه فى كتاب الحج إن شاء الله تعالى (قال الحافظ) ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الأقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس، ويكون مدة اقامته بمكة أربعة أيام لا سوى، لأنه خرج منها فى اليوم الثامن فصلى بمنى؛ وقال الطبرى أطلق على ذلك الأقامة بمكة لأن هذه المواضع مواضع النسك، وهى فى حكم التابع لمكة لأنها المقصود بالأصالة لا يتجه سوى ذلك كما قال أحمد اهـ (وقال النووى) إن النبى صلى الله عليه وسلم قدم مكة فى اليوم الرابع فأقام بها الخامس والسادس والسابع وخرج منها فى الثامن الى منى، وذهب الى عرفات فى التاسع، وعاد الى منى فى العاشر فأقام بها الحادى عشر، والثانى عشر ونفر فى الثالث عشر الى مكة وخرج منها الى المدينة فى الرابع عشر فمدة إقامته صلى الله عليه وسلم فى مكة وحواليها عشرة أيام اهـ

(1223)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحى بن سعيد عن عبيد الله أخبرنى نافع عن ابن عمر "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1224)

عن أبى جحيفة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا يحيى

ص: 105

صلى الله عليه وسلم بالأبطح العصر ركعتين (وفى لفظ) الظُّهر والعصر ركعتين ركعتين (زاد فى رواية) ثمَّ لم يزل يصلِّى ركعتين حتَّى أتى المدينة

(1225)

عن يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزُّبير عن أبيه عبَّاد قال لمَّا قدم علينا معاوية يعنى (بن أبى سفيان) رضى الله عنه حاجَّا قدمنا معه مكَّة، قال فصلَّى بنا ركعتين ثمَّ انصرف إلى دار النَّدوة، قال وكان عثمان حين أتمَّ الصَّلاة إذا قدم مكَّة صلَّى بها الظُّهر والعصر والعشاء الآخرة أربعًا أربعًا، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصَّلاة، فإذا فرغ من الحجِّ وأقام بمنى أتمَّ الصَّلاة حتَّى يخرج من مكَّة، فلمَّا صلَّى بنا الظهُّر ركعتين (يعنى معاوية) نهض إليه مروان ابن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له ما عاب أحد ابن عمِّك بأقبح ما عبته به، فقال لهما وما ذاك؟ قال فقالا له ألم تعلم أنَّه أتمَّ الصَّلاة بمكَّة؟ قال فقال لهما ويحكما، وهل كان غير ما صنعت؟ قد صلَّيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، قالا فإنَّ ابن عمَّك قد كان أتَّمها، وإنَّ خلافك إيَّاه له عيب، قال فخرج معاوية إلى العصر فصلَاّها بنا أربعًا

ابن آدم ثنا أبو بكر عن أبى إسحاق "الحديث"(غريبه)(1) الأبطح كل مكان متسع، والأبطح بمكة هو المحصب موضع بمنى، وقد جاء فى طرق هذا الحديث عن أبى جحيفة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بمنى ركعتين (تخريجه)(ق. والأربعة)

(1225)

عن يحيى بن عباد بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق ثنا يحى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه "الحديث"(تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد، وروى الطبرانى بعضه فى الكبير ورجال أحمد موثقون (الأحكام) أحاديث الباب تدل على المسافة التى تقصر فيها الصلاة، وقد وقع خلاف كبير بين العلماء فى مقدارها (قال الحافظ) حكى ابن المنذر

ص: 106

_________

وغيره فيها نحوًا من عشرين قولا، أقل ما قيل فى ذلك يوم وليلة، وأكثره ما دام غائبا عن بلده، وقيل أقل ما قيل فى ذلك الميل كما رواه ابن أبى شيبة باسناد صحيح عن ابن عمر، والى ذلك (ذهب ابن حزم الظاهرى) واحتج له باطلاق السفر فى كتاب الله تعالى كقوله {واذا ضربتم فى الأرض} الآية، وفى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلم يخص الله ولا رسوله ولا المسلمون بأجمعهم سفرًا من سفر، ثم احتج على ترك القصر فيما دون الميل بأن النبى صلى الله عليه وسلم قد خرج الى البقيع لدفن الموتى، وخرج الى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصر ولا أفطر، وذكر فى المحلى من أقوال الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء فى تقدير مسافة القصر أقوالا كثيرة لم يحط بها غيره، واستدل لها وردَّ تلك الاستدلالات، وقد أخذ بظاهر حديث أنس المذكور فى الباب يعنى قوله "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فى مسجده بالمدينة أربع ركعات ثم صلى بنا بذى الحليفة ركعتين"(أخذ به الظاهرية) كما قال النووى فذهبوا الى أن مسافة القصر ثلاثة أميال (قال الحافظ) وهو أصح حديث ورد فى ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد المسافة التى؛ يبتدأ منها القصر لا غاية السف؛ قال ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقى ذكر فى روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج الى الكوفة يعنى من البصرة فأصلى ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس فذكر الحديث، قال فظهر أنه سأله عن جواز القصر فى السفر لا عن الموضع الذى يبتدئ القصر منه (وذهب الشافعى ومالك) وأصحابهما وأحمد والليث والأوزاعى وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم الى أنه لا يجوز الا فى مسيرة مرحلتين وهما ثمانية وأربعون ميلاها شمية كما قال النووى "وهو قول ابن عباس وابن عمر" واستدلوا بما رواه ابن المنذر والبيهقى باسناد صحيح وعلقه البخارى عن عطاء بن أبى رباح "أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان الرباعية ركعتين ويفطران فى أربعة برد فما فوق ذلك" وبما رواه الشافعى والبيهقى باسناد صحيح أيضا عن عطاء "قال سئل ابن عباس أتقصر الصلاة الى عرفة؟ " فقال لا، ولكن الى عسفان فالى جدة والى الطائف" ونقل النووى عن مالك أن بين مكة وكل من الطائف وعسفان أربعة برد (وقال أبو حنيفة والكوفيون) لا يقصر فى أقل من ثلاث مراحل (وروى) عن عثمان وابن مسعود وحذيفة، وفى البحر عن أبى حنيفة أن مسافة القصر أربعة وعشرون فرسخا، وحكى عنه أيضا أن مسافة القصر ثلاثة أيام بسير الأبل والأقدام، وفسرها الحنفية بثلاثة أيام السنة، قالوا ويكفى أن يسافر فى كل يوم منها من الصباح الى الزوال، والمعتبر السير الوسط أى سير الأبل ومشى الأقدام، فلو بكر

ص: 107

_________

في اليوم الأول ومشى الى الزوال وبلغ المرحلة ونزل وبات فيها، ثم بكر فى اليوم الثانى وفعل ذلك، ثم فعل فى اليوم الثالث أيضا فقد قطع مسافة القصر ولا عبرة بتقديرها بالفراسخ على المعتمد، ولا يصح القصر فى أقل من هذه المسافة هكذا فى كتب الحنفية، وقد اتفق العلماء على أن الفرسخ ثلاثة أميال، وحقق العلماء فى عصرنا أن الميل ستة آلاف ذراع بذراع اليد، وهذه المسافة تساوى ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين مترًا باعتبار أن الكيلو ألف متر؛ وهى مسيرة يوم وليلة بسير الأبل المحملة بالأثقال سيرًا معتادًا، وممن قال بأن مسافة القصر يوم وليلة أنس بن مالك رضى الله عنه "وهو مروى عن الأوزاعى"(قال الحافظ) وقد أورد البخارى ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة يعنى قوله فى صحيحه، وسمَّى النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم السفر يومًا وليلة بعد قوله "باب فى كم يقصر الصلاة" وحجج هذه الأقوال مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم" رواه الشيخان والأمام أحمد والأربعة إلا النسائى (وفى رواية) للبخارى من حديث ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم "لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذى محرم" رواه الأمام أحمد أيضا وتقدم، وفى رواية لأبى داود "لا تسافر المرأة بريدًا" ولا حجة فى جميع ذلك، أما قصره صلى الله عليه وسلم فى أسفاره فلعدم استلزام فعله لعدم الجواز فيما دون المسافة التى قصر فيها، وأما نهى المرأة عن أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذى محرم فغاية ما فيه إطلاق اسم السفر على مسيرة ثلاثة أيام، وهو غير مناف للقصر فيما دونها، وكذلك نهيها عن سفر اليوم بدون محرم، والبريد لا ينافى جواز القصر فى ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ كما فى حديث أنس، لأن الحكم على الأقل حكم على الأكثر، وأما حديث ابن عباس عند الطبرانى أنه صلى الله عليه وسلم قال "يا أهل مكة لا تقصروا فى أقل من أربعة برد من مكة الى عسفان" فليس مما تقوم به حجة، لأن فى إسناده عبد الوهاب بن مجاهد ابن جبير وهو متروك؛ وقد نسبه النووى الى الكذب، وقال الأزدى لا تحل الرواية عنه، والراوى عنه اسماعيل بن عياش وهو ضعيف فى الحجازيين، وعبد الوهاب المذكور حجازى، والصحيح أنه موقوف على ابن عباس كما أخرجه عنه الشافعى باسناد صحيح ومالك فى الموطأ، اذا تقرر لك هذا فالمتيقن هو ثلاثة فراسخ، لأن حديث أنس المذكور فى الباب متردد ما بينهما وبين ثلاثة أميال، والثلاثة الأميال مندرجة فى الثلاثة الفراسخ، فيؤخذ بالأكثر احتياطا؛ ولكنه روى سعيد بن منصور عن أبى سعيد قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سافر فرسخا يقصر الصلاة" وقد أورد الحافظ هذا فى التلخيص ولم يتكلم عليه، فان صح كان الفرسخ هو المتيقن، ولا يقصر فيما دونه إلا اذا كان يسمى سفرًا لغة أو شرعًا (وقد

ص: 108

_________

اختلف العلماء أيضا) فيمن قصد سفرًا يقصر فى مثله الصلاة على اختلاف الأقوال من أين يقصر؟ فقال ابن المنذر أجمعوا على أن لمريد السفر أن يقصر اذا خرج عن جميع بيوت القرية التى يخرج منها (واختلفوا) فيما قبل الخروج من البيوت (فذهب الجمهور) الى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت (وذهب بعض الكوفيين) الى أنه اذا أراد السفر يصلى ركعتين ولو كان فى منزله، ومنهم من قال اذا ركب قصر إن شاء، ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر اذا فارق البيوت (واختلفوا) فيما قبل ذلك فعليه الأتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر، قال ولا أعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قصر فى سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة أفاده الشوكانى بتصرف وزيادة (واختلفوا أيضا) فى قدر المدة التى تقطع القصر وتوجب الأتمام اذا دخل المسافر بلدًا ونوى الأقامة فيه لحاجة، فذهب الأئمة الثلاثة (مالك والشافعى وأحمد) الى أن المسافر يصير مقيما اذا نوى إقامة أربعة أيام كوامل، واستدل لهم بنهيه صلى الله عليه وسلم للمهاجرين عن إقامة فوق ثلاث فى مكة فتكون الزيادة عليها إقامة لا قدر الثلاث، ورده المخالفون بأن الثلاث قدر قضاء الحوائج لا لكونها غير إقامة، قال الشوكانى (وقال أبو حنيفة) إنه يتم اذا عزم على إقامة خمسة عشر يومًا، واحتج بما روى عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا اذا قمت ببلد وأنت مسافر وفى نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة، ورد بأنه لا حجة فى أقوال الصحابة فى المسائل التى للاجتهاد فيها مسرح وهذه منها، وروى عن الأوزاعى التحديد باثنى عشر، يومًا وعن ربيعة يوم وليلة، وعن الحسن البصرى أن المسافر يصير مقيما بدخول البلد، وعن عائشة بوضع الرجل قال الأمام يحى ولا يعرف لهم مستند شرعى، وإنما ذلك اجتهاد من أنفسهم والأمر كما قال هذا الأمام، والحق أن من حط رحله ببلد ونوى الأقامة بها أيامًا من دون تردد لا يقال له مسافر فيتم الصلاة ولا يقصر الا لدليل، ولا دليل ههنا الا ما فى حديث الباب (يعنى حديث أنس) من اقامته صلى الله عليه وسلم بمكة أربعة إيام يقصر الصلاة، والاستدلال به متوقف على ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم عزم على إقامته أربعة أيام، الا أن يقال ان تمام أعمال الحج فى مكة لا يكون فى دون الأربع فكان كل من يحج عازمًا على ذلك فيقتصر على هذا المقدار، ويكون الظاهر والأصل فى حق من نوى اقامة أكثر من أربعة أيام هو التمام، واستلزام أن يقصر الصلاة من نوى اقامة سنين متعددة ولا قائل به، ولا يرد على هذا قوله صلى الله عليه وسلم فى إقامته بمكة يوم الفتح انا قوم سفر كما سيأتى لأنه كان اذ ذاك متردد او لم يعزم على اقامته مدة معينة اهـ (وفى احاديث الباب ايضا) دليل على جواز اقتداء المسافر بامام مقيم بشرط أن يتم صلاته تبعا لأمامه، وبه قال جمهور العلماء واختلفوا فى المسافر اذا أدرك جزأ من

ص: 109

(12)

باب مدة القصر ومتى يتم المسافر وحكم من لم يجمع اقامة

(1226)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام تسع عشرة يصلِّي ركعتين ركعتين، قال ابت عباس فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة صلينا ركعتين ركعتين، فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلَّينا أربعًا (وعنه من طريق ثان) قال لماَّ فتح النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مكَّة أقام فيها سبع عشرة يصلِّي ركعتين

صلاة إمام مقيم (فقال الشافعية والحنفية) والأكثرون يلزمه الأتمام سواء أدرك معه ركعة أم دونها حكاه الشيخ أبو حامد، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين والثورى والأوزاعى وأبى ثور وأصحاب الرأى؛ وقال الحسن البصرى والنخعى والزهرى وقتادة ومالك إن أدرك ركعة فأكثر لزمه الأتمام والا فله القصر، وقال طاوس والشعبى إن أدرك ركعتين معه اجزأتاه، وقال إسحاق بن راهويه له القصر خلف المقيم بكل حال، فان فرغت صلاة المأموم تشهد وحده وسلم وقال الأمام الى باقى صلاته، وحكاه الشيخ أبو حامد عن طاوس والشعبى وداود (قال النووى) رحمه الله واعلم أن القصر مشروع بعرفات ومزدلفة ومنى للحاج من غير أهل مكة وما قرب منها، ولا يجوز لأهل مكة ومن كان دون مسافة القصر، هذا مذهب الشافعى وأبى حنيفة والأكثرين (وقال مالك) يقصر أهل مكة ومنى مزدلفة وعرفات، فعَّلة القصر عنده فى تلك المواضع النسك، وعند الجمهور علته السفر والله أعلم اهـ

(1226)

عن ابن عباس (سند) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) يعنى الى فتح مكة كما صرح بذلك فى الطريق الثانية، وكان ذلك فى رمضان سنة ثمان من الهجرة (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود ثنا شريك عن حسين عن عكرمة عن ابن عباس قال لما فتح النبى صلى الله عليه وسلم الخ (3) فى هذه الرواية سبع عشرة، ورواها كذلك (حب. د) عن ابن عباس بلفظ "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة" قال ابن عباس ومن أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام أكثر أتم، قال أبو داود قال عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال أقام تسع عشرة اهـ (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (خ. جه. وغيرهما) وأخرج الطريق الثانية (د. حب) وسندها جيد

ص: 110

(1227)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك عشرين يومًا يقصر الصَّلاة

(وقد اختلفت الأحاديث) فى إقامته صلى الله عليه وسلم فى مكة عام الفتح فروى ما ذكر فى حديث الباب، وروى عشرون، أخرجه عبد بن حميد فى مسنده عن ابن عباس (وروى) خمسة عشر أخرجه النسائى وأبو داود وابن ماجه والبيهقى عن ابن عباس أيضا (قال البيهقى) أصح الروايات فى ذلك رواية البخارى، وهى رواية تسع عشرة بتقديم التاء، وجمع إمام الحرمين والبيهقى بين الروايات باحتمال أن يكون فى بعضها لم يعدّ يومى الدخول والخروج وهى رواية سبع عشرة بتقديم السين، وعدّها فى بعضها وهى رواية تسع عشرة بتقديم التاء، وعدّ يوم الدخول ولم يعدّ يوم الخروج وهى رواية ثمانية عشر، قال الحافظ وهو جمع متين، وتبقى رواية خمسة عشر شاذة، ورواية عشرين وهى صحيحة الأسناد إلا أنها شاذة أيضا، وقد ضعف النووى فى الخلاصة رواية خمسة عشر، قال الحافظ وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائى من رواية عراك بن مالك عن عبد الله كذلك، واذا ثبت أنها صحيحة فلحمل على أن الراوى ظن أن الأصل سبع عشرة فحذف منها يومى الدخول والخروج فذكر أنها خمس عشرة، واقتضى ذلك أن رواية تسع عشرة أرجح الروايات، وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه، ويرجحها أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة، وأخذ الثورى وأهل الكوفة برواية خمس عشرة لكونها أقل ما ورد، فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقًا (وأخذ الشافعى) بحديث عمران بن حصين الآتى والله أعلم

(1227)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحى بن أبى كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) بفتح الفوقية بعدها باء موحدة هو مكان بين المدينة والشام على بعد أربع عشرة مرحلة من المدينة، جاءها النبى صلى الله عليه وسلم وهم ينزفون ماء بقدح فقال ما زلتم تبوكونها فسميت حينئذ تبوك، ذكره القتيبى وغيره، وهى آخر غزوة غزاها النبى صلى الله عليه وسلم وهى الفردة لأنها لم يكن فى عامها غيرها، ولم يغز صلى الله عليه وسلم بعدها حتى توفى، وسماها الله تعالى ساعة العسرة لوقوعها فى شدة الجدب والحر وقلة الزاد والظَّهر، وسيأتى الكلام عليها مفصلا فى كتاب الغزوات إن شاء الله تعالى (تخريجه)(د. حب. هق) وصححه ابن حزم والنووي

ص: 111

(1228)

عن ثمامة بن شراحيل قال خرجت إلى ابن عمر فقلت ما صلاة المسافر؟ فقال ركعتين ركعتين إلَاّ صلاة المغرف ثلاثًا، قلت أرأيت إن كنَّا بذى المجاز، قال وما ذو المجاز؟ قلت مكان نجتمع فيه ونبيع فيه ونمكث عشرين ليلةً أو خمس عشرة ليلةً، قال يا أيُّها الرَّجل كنت بأذربيجان لا أدرى قال أربعة أشهر أو شهرين فرأيتم يصلُّونها ركعتين ركعتين، ورأيت نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم نصب عينىَّ يصلِّيهما ركعتين ركعتين، ثمَّ نزع هذه الآية {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة} حتَّى فرغ من الآية

(1229)

عن أبى نضرة قال مرَّ عمران بن حصين فجلسنا فقام إليه فتىً من القوم فسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغزو والحجِّ والعمرة، فجاء فوقف علينا فقال إن هذا سألنى عن أمر فأردت أن تسمعوه أو كما قال، غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصلِّ إلَاّ ركعتين حتَّى رجع إلى المدينة، وحججت معه فلم يصلِّ إلَاّ ركعتين حتَّى رجع إلى المدينة، وحججت معه فلم يصلِّ إلا ركعتين حتَّى رجع إلى المدينة، وشهدت معه الفتح فأقام بمكَّة ثمان عشرة لا يصلِّى إلَاّ ركعتين، ويقول لأهل البلد صلُّوا

(1228) عن ثمامة بن شرحيل (سنده) حدّثنا عبد الله ثنا أبى ثنا محمد بن بكر أنا يحيى بن قيس المازنى ثنا ثمامة بن شراحيل "الحديث"(تخريجه) هذا الأثر ذكره الحافظ فى التلخيص ولم يتكلم عليه، وأخرجه البيهقى بسند قال الحافظ صحيح بلفظ "ان ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة"(قلت) هذا الأثر أورده الهيثمى بلفظه كما فى الباب، وقال لابن عمر أحاديث فى الصحيح وغيره بغير هذا السياق، رواه أحمد ورجاله ثقات

(1229)

عن أبى نضرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل قال على بن زيد عن أبى نضرة "الحديث"(غريبه)(1) اسمه المنذر بن مالك العبدى (2) يعنى يقصر الفرض الرباعى مدة سفره (3) يعنى أهل مكة كما صرح بذلك في الطريق

ص: 112

أربعًا فإنَّا سفر، واعتمرت معه ثلاث عمر فلم يصلِّ إلَاّ ركعتين، وحججت مع أبى بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما حجَّات فلم يصلِّيا إلَاّ ركعتين حتَّى رجعا إلى المدينة (وعنه من طريق ثان بنحوه وفيه) ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرًا إلَاّ صلَّى ركعتين ركعتين حتَّى يرجع، وإنّه أقام بمكَّة زمان الفتح ثمانى عشرة ليلةً يصلِّى بالنَّاس ركعتين ركعتين، قال أبى وحدَّثناه يونس بن محمَّد بهذا الإسناد وزاد فيه إلَاّ المغرب، ثمَّ يقول يا أهل مكَّة قوموا فصلُّوا ركعتين أخريين فإنَّا سفر، ثمَّ غزا حنينًا والطَّائف فصلَّي ركعتين ركعتين، ثمَّ رجع إلى جعرانة فاعتمر منها فى ذى القعدة، ثمَّ غزوت مع بى بكر رضى الله تعالى عنه وحججت واعتمرت فصلَّى ركعتين ركعتين، ومع عمر رضى الله فصلَّى ركعتين ركعتين، قال يونس إلَاّ المغرب،

الثانية (وقوله سفر) بفتح السين المهملة وسكون الفاء أى مسافرون، وفيه حجة للقائلين ان من أقام ببلد ينتظر قضاء حاجته يقصر الصلاة الى ثمانية عشر يومًا، وهم الشافعية فى المشهور عنهم، وقال الثلاثة والشافعى فى رواية أخرى يقصر أبدًا مدة انتظاره تلك الحاجة لأن الأصل السفر، واستدلوا بما أخرجه البيهقى بسند صحيح أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا على بن زيد عن أبى نضرة أن فتى سأل عمران بن حصين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السفر فذكر نحوه وفيه الخ (2) يعنى أن الأمام أحمد ذكر لابنه عبد الله رحمهما الله أن يونس بن محمد حدثه بهذا الحديث بالأسناد المتقدم والمنن أيضا إلا أنه زاد فى المتن قوله إلا المغرب بعد قوله ركعتين ركعتين، لأن المغرب لا تقصر فانها وتر النهار كما تقدم، وهكذا يقال فيما سيأتى (3) بكسر الجيم وسكون العين وفتح الراء مخففة، قال فى القاموس وقد تكسر العين وتشدد الراء، قال وقال الشافعى التشديد خطأ - موضع بين مكة والطائف سمى بريطة بنت سعد، وكانت تلقب بالجعرانة، وهى المرادة فى قوله تعالى {كالتى نقضت غزلها} اهـ

ص: 113

ومع عثمان رضي الله عنه صدر إمارته قال يونس ركعتين إلَاّ المغرب، ثمَّ إنَّ عثمان رضى الله عنه صلَّي بعد ذلك أربعًا

(1) أي أول إمارته، وقد جاء فى حديث ابن عمر عند مسلم ثمانى سنين أو ست سنين (قال النووى) وهذا هو المشهور أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته، وتقدم فى أحكام الباب الذى قبل السابق أن جماعة أنكروا على عثمان لما أتم بمنى وتأولوا له تأويلات، (قال ابن القيم) أحسنها أنه كان قد تأهل بمنى، والمسافر اذا أقام فى موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة أتم، وسيأتى حديث عثمان أنه قال للذين أنكروا عليه أيها الناس لما قدمت تأهلت بها وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اذا تأهل رجل ببلد فليصل به صلاة مقيم"(تخريجه)(د. مذ) مختصرًا والطبرانى وابن شيبة فى مصنفه وإسحاق بن راهويه والبزار وأخرجه البيهقى أيضا بنحو حديث الباب وحسنه الترمذى، وفى إسناده على بن زيد بن جدعان ضعيف، قال الحافظ فى التلخيص إنما حسن الترمذى حديثه لشواهده ولم يعتبر الاختلاف فى المدة كما عرف من عادة المحدثين من اعتبارهم الأتفاق على الأسانيد دون السياق اهـ والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن من أقام لقضاء حاجة مترددًا ولم يجمع إقامة يقصر الصلاة عشرين يومًا، لأن هذه المدة غاية ما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، والأثر الصحيح المروى عن ابن عمر فى الباب أنهم كانوا بأذربيجان يصلون ركعتين أربعة أشهر أو شهرين يدل على القصر هذه المدة ما دام مترددًا، بل رواه البيهقى كما قال الحافظ بسند صحيح أن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة (وقد اختلف العلماء فى ذلك) فذهب الهادى والقاسم والأمامية الى أن من لم يعزم إقامة مدة معلومة كمنتظر الفتح يقصر الى شهر ويتم بعده، واستدلوا بقول على رضى الله عنه أنه قال "يتم الذى يقيم عشرًا والذى يقول اليوم أخرج، غدا أخرج، يقصر شهرًا" قالوا وهو توقيف، ورده المخالفون بأنه من مسائل الاجتهاد (وذهب الشافعية) فى الأصح عندهم أنه يقصر الى ثمانية عشر يومًا (وقال أبو حنيفة ومالك واحمد والشافعى) فى رواية يقصر أبدًا لأن الأصل السفر، ولأثر ابن عمر، قالوا وما روى من قصره صلى الله عليه وسلم فى مكة وتبوك دليل لهم لا عليهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قصر مدة إقامته ولا دليل على التمام فيما بعد تلك المدة، ويؤيد ذلك ما أخرجه البيهقى عن ابن عباس "أن النبى صلى الله عليه وسلم أقام بحنين أربعين يومًا يقصر الصلاة" ولكنه قال تفرد به الحسن بن عمارة وهو غير محتج به، وروى عن ابن عمر وأنس أنه يتم بعد أربعة أيام (قال الشوكانى) والحق أن الأصل فى المقيم الأتمام لأن القصر لم يشرعه

ص: 114

(13)

باب من اجتاز ببلد فتزوج فيه أو كان لديه زوجة فليتم

(1230)

عن عبد الله بن عبد الرَّحمن بن أبى ذباب عن أبيه أنَّ عثمان ابن عفَّان رضى الله عنه صلَّى بمنى أربع ركعات فأنكره النَّاس عليه، فقال يا أيُّها النَّاس إنِّى تأهَّلت بمكَّة منذ قدمت، وإنِّى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من تأهَّلت بمكَّة منذ قدمت، وإنِّى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من تأهَّل فى بلد فليصلِّ صلاة المقيم

الشارع إلا للمسافر، والمقيم غير مسافر، فلولا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قصره بمكة وتبوك مع الأقامة لكان المتعين هو الأتمام، فلا ينتقل عن ذلك الأصل إلا بدليل، وقد دل الدليل على القصر مع التردد الى عشرين يومًا كما فى حديث جابر، ولم يصح أنه صلى الله عليه وسلم قصر فى الأقامة أكثر من ذلك فيقتصر على هذا المقدار، ولا شك أن قصره صلى الله عليه وسلم فى تلك المدة لا ينفى القصر فيما زاد عليها ولكن ملاحظة الأصل المذكور هى القاضية بذلك (فان قيل) المعتبر صدق اسم المسافر على المقيم المتردد وقد قال صلى الله عليه وسلم "إنا قوم سفر" فصدق عليه هذا الاسم، ومن صدق عليه هذا الاسم قصر لأن المعتبر هو السفر لانضباطه لا المشقة لعدم انضباطها (فيجاب عنه)"أولًا" بأن فى الحديث المقال المتقدم "وثانيا" بأنه يعلم بالضرورة أن المقيم المتردد غير مسافر حال الأقامة، فاطلاق اسم المسافر عليه مجاز باعتبار ما كان عليه أو سيكون عليه اهـ

(1230)

عن عبد الله بن عبد الرحمن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سعيد يعنى مولى بنى هاشم ثنا عكرمة بن ابراهيم الباهلى ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الخ (1) يقال أهل الرجل بفتحات أى تزوج وبابه دخل وجلس وتأهل مثله (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه احمد، وله عند أبى يعلى انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اذا تأهل المسافر فى بلد فهو من أهلها يصلى صلاة المقيم أربعا، وانى تأهلت بها منذ قدمتها فلذلك صليت بكم أربعا" وفيه عكرمة بن ابراهيم وهو ضعيف اهـ وكذلك أخرجه البيهقى وأعله بالأنقطاع وضعف عكرمة، وأخرجه أيضا عبد الله بن الزبير الحميدى (قال ابن القيم فى الهدى) قال أبو البركات بن تيمية ويمكن المطالبة بسبب الضعف فان البخارى ذكر عكرمة المذكور فى تاريخه ولم يطعن فيه وعادته ذكر الجرح والمجروحين (الأحكام) حديث الباب إن صح يدل على أن المسافر اذا تزوج ببلد أو كان له به زوجة صلى صلاة المقيم (قال الحافظ ابن القيم) فى الهدى وقد نص احمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه

ص: 115

_________

الإتمام، وهذا قول (أبى حنيفة رحمه الله ومالك وأصحابهما) وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان "يعنى كونه أتم بمنى"(وقال الحافظ فى الفتح) والمنقول ان سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصًا سائرًا، واما من اقام فى مكان فى اثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه احمد باسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال لما قدم علينا معاوية حاجًا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة انصرف الى الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا لقد عبت امر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة، قال وكان عثمان حيث اتم الصلاة اذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء اربعا اربعا، ثم اذا خرج الى منى وعرفة قصر الصلاة، فاذا فرغ من الحج وأقام بمنى اتم الصلاة (وقال ابن بطال) الوجه الصحيح فى ذلك ان عثمان وعائشة كانا يريان ان النبى صلى الله عليه وسلم انما قصر لأنه اخذ بالأيسر من ذلك على أمته فأخذا لأنفسهما بالشدة اهـ وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبى، لكن الوجه الذى قبله أولى لتصريح الراوى بالسبب، وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى أن عثمان انما اتم الصلاة لأنه نوى الأقامة بعد الحج فهو مرسل، وفيه نظر لأن الأقامة بمكة على المهاجرين حرام؛ قال وصح عن عثمان أنه كان لا يودع البيت إلا على ظهر راحلته ويسرع الخروج خشية أن يرجع فى هجرته، وثبت عن عثمان أنه قال لما حاصروه وقال له المغيرة اركب رواحلك الى مكة، قال لن أفارق دار هجرتى، ومع هذا النظر فى رواية معمر عن الزهرى فقد روى أيوب عن الزهرى ما يخالفه، فروى الطحاوى وغيره من هذا الوجه عن الزهرى قال إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا كثروا فى ذلك العام فأحب أن يعلمهم ان الصلاة أربع، وروى البيهقى من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكنه حدث طغام يعنى بفتح الطاء والغين المعجمة فخفت أن يستنوا (وعن ابن جريج) أن أعرابيا ناداه فى منًى يا أمير المؤمنين مازلت رأيتك عام أوَّل ركعتين، وهذه طرق يقوى بعضها بعضا، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الأتمام وليس بمعارض للوجه الذى اخترته بل يقويه من حيث ان حالة الأقامة فى أثناء السفر أقرب الى قياس الأقامة المطلقة عليها بخلاف السائر، وهذا ما أدى اليه اجتهاد عثمان (وام عائشة) فقد جاء عنها سبب الأتمام صريحًا وهو فيما أخرجه البيهقى من طريق هشام بن عروة عن أبيه انها كانت تصلى فى السفر اربعًا فقلت لها لو صليت ركعتين فقالت يا ابن أختى إنه لا يشق على، اسناده صحيح وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة وأن الأتمام لمن لا يشق عليه أفضل اهـ باختصار

ص: 116

(أبواب الجمع بين الصلاتين)

(1)

باب مشروعية فى السفر

(1231)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصَّلاتين في السَّفر، المغرب والعشاء والظُّهر والعصر

(1232)

عن عبد الله بن شقيق قال خطبنا ابن عبَّاس يومًا بعد العصر حتَّى غربت الشَّمس وبدت النُّجوم وعلق النَّاس ينادونه الصَّلاة، وفى القوم رجل من بنى تميم فجعل يقول الصَّلاة الصَّلاة، قال فغضب قال أتعلِّمنى بالسُّنَّة؟ شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد الله فوجدت في نفسى من ذلك شيئًا فلقيت أبا هريرة فسألته فوافقته

(1233)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء في السَّفر

(1231) عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن فضيل عن زيد عن عطاء عن ابن عباس "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما) ولفظ البخارى "كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر اذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء"

(1232)

عن عبد الله بن شقيق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس ثنا حماد يعنى ابن زيد عن الزبير يعنى ابن خرِّيت عن عبد الله بن شقيق "الحديث"(غريبه)(1) علق بفتح أوله وكسر ثانيه مثل طفق وزنا ومعنى (2) لفظ مسلم فحاك فى صدرى من ذلك شئ أى وقع فى نفسى نوع شك وتعجب واستعباد (تخريجه)(م. وغيره)

(1233)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن يحيى بن أبى كثير عن حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس بن مالك الخ (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد، وأخرجه الشيخان وغيرهما

ص: 117

(1234)

عن أبي الطُّفيل ثنا معاذ بن جبل رضى الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرها وذلك فى غزوة تبوك فجمع بين الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء، قلت ما حمله على ذلك؟ قال أراد أن لا يخرج أمَّته

بألفاظ أخرى، وأخرجوه بنحو هذا اللفظ عن ابن عباس وتقدم أول الباب

(1234)

عن أبى الطفيل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن ثنا قرة بن خالد عن أبى الزبير ثنا أبو الطفيل ثنا معاذ بن جبل "الحديث"(غريبه)(1) أى لأن السفر نفسه فيه مشقة السفر، فاقتضت رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته أن يجعل لها رخصة فى الجمع بين الصلاتين فى السفر تخفيفا للمشقة والحرج والله أعلم (تخريجه)(م. وغيره)(الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الجمع بين الصلاتين، الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، سواء أكان جمع تقديم أم تأخير كما يستفاد ذلك من الأحاديث الآتية فى الباب التالى، وقد وقع الخلاف فى الجمع فى السفر (فذهب الى جوازه مطلقا) تقديمًا وتأخيرًا كثير من الصحابة والتابعين (ومن الفقهاء) الثورى والشافعى وأحمد وإسحاق وأشهب، واستدلوا على مشروعيته بأحاديث الباب وبالأحاديث الآتية فى الباب التالى وسيأتى الكلام عليها (وقال قوم لا يجوز الجمع مطلقًا) إلا بعرفة ومزدلفة، وهو قول الحسن والنخعى وأبى حنيفة وصاحبيه، وأجابوا عما روى من الأخبار فى ذلك بأن الذى وقع جمع صورى وهو أنه أخر المغرب مثلا الى آخر وقتها وعجل العشاء فى أول وقتها، وردّها الحافظ بأن الأخبار جاءت صريحة بالجمع فى وقت إحدى الصلاتين، وذلك هو المتبادر الى الفهم من لفظ الجمع، قال ومما يرد على الجمع الصورى جمع التقديم وسيأتى (وقال الليث وهو المشهور عن مالك) إن الجمع يختص بمن جدَّ به السير (وقال ابن حبيب) يختص بالسائر ويستدل لهما بما أخرجه البخارى والأمام أحمد وغيرهما وسيأتى عن ابن عمر قال "كان النبى صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء اذا جدَّ به السير" ولما قاله ابن حبيب بما فى البخارى عن ابن عباس قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر اذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء" فتقيد الأحاديث المطلقة بأحاديث الحد فى السير كحديثى ابن عمر وابن عباس (وقال الأوزاعى) إن الجمع فى السفر يختص بمن له عذر (وقال أحمد)

ص: 118

(2)

باب جواز الجمع بين الصلاتين فى السفر فى وقت احداهما وفيه فصول

(الفصل الأول فى الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء تقديما وتأخيرًا)

(1235)

عن كريب عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال ألا أحدِّثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السَّفر، قال قلنا بلى، قال كان إذا زاعت الشَّمس فى منزله جمع بين الظُّهر والعصر قبل أن يركب وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظُّهر والعصر وإذا حانت المغرب فى منزله جمع بينها وبين العشاء، وإذا لم تحن في منزله ركب حتَّى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما

واختاره ابن حزم وهو مروى عن مالك أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم، واستدلوا بحديث أنس الآتى فى الباب التالى وسيأتى الكلام فيه مفصلا إن شاء الله

(1235)

عن كريب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق قال أنا ابن جريج قال أخبرنى حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن كريب "الحديث"(غريبه)(1) أى مالت بعد الزوال عن كبد السماء (2) يعنى جمع تقديم (3) أى حضر وقتها (4) يعنى جمع تأخير، ويقال مثل ذلك فى الجمع بين المغرب والعشاء (تخريجه) أخرجه الأمام الشافعى فى مسنده بنحوه وقال فيه "اذا سار قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر فى وقت العصر" وأخرجه أيضا البيهقى والدراقطنى وروى أن الترمذى حسنه (قال الحافظ) فى التلخيص وكأنه باعتبار المتابعة، وغفل ابن العربى فصحح إسناده، وليس بصحيح لأنه من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله ابن عباس بن عبد المطلب، قال فيه أبو حاتم ضعيف ولا يحتج بحديثه، وقال ابن معين ضعيف وقال أحمد له أشياء منكرة، وقال النسائى متروك الحديث، وقال السعدى لا يحتج بحديثه، وقال المدينى تركت حديثه، وقال ابن حبان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، ولكن له طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحمانى عن أبى خالد الأحمر عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وله أيضا طريق أخرى رواها اسماعيل القاضى فى الأحكام عن إسماعيل ابن أى أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن هشام عن عروة عن كريب عن ابن عباس بنحوه

ص: 119

(1236)

عن معاذ (بن جبل رضى الله عنه) أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشَّمس أخَّر الظُّهر حتَّى يجمعها إلى العصر يصليِّهما جميعًا وإذا ارتحل بعد زيغ الشَّمس صلَّى الظُّهر والعصر جميعًا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخَّر المغرب حتَّى يصلِّيها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجَّل العشاء فصلَاّها مع المغرب

(1237)

عن عائشة رضى الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤخِّر الظُّهر ويعجِّل العصر ويؤخِّر المغرب ويعجِّل العشاء في السَّفر

(1236) عن معاذ بن جبل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا ليث عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الطفيل بن عامر بن واثلة عن معاذ "الحديث"(غريبه)(1) أى قبل الزوال فان زيغ الشمس هو ميلها عن وسط السماء الى جانب المغرب (2) أى جمع تأخير فى وقت العصر (3) أى جمع تقديم فى وقت الظهر قبل السفر، وهو نص صريح فى جواز جمع التقديم لا يحتمل تأويلا خلافا لمن أنكر ذلك (تخريجه)(حب. ك. قط. هق. د. مذ) وقال حسن غريب تفرد به قتيبة لا نعرف أحدًا رواه عن الليث غيره، وحديث الليث عن يزيد بن حبيب عن أبى الطفيل عن معاذ حديث غريب، والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبى الزبير عن أبى الطفيل عن معاذ "ان النبى صلى الله عليه وسلم جمع فى غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء" رواه قرة بن خالد وسفيان الثورى ومالك وغير واحد عن أبى الزبير المكى (قلت) يعنى حديث معاذ المتقدم فى الباب السابق، وقد أعل حديث الباب غير واحد من أهل العلم، (قال فى البدر المنير) إن للحفاظ فى هذا الحديث خمسة أقوال (أحدها) انه حسن غريب قاله الترمذى (ثانيها) انه محفوظ صحيح قاله ابن حبان (ثالثها) انه منكر قاله أبو داود (رابعها) انه منقطع قاله ابن حزم (خامسها) انه موضوع قاله الحاكم، وأصل حديث أبى الطفيل فى صحيح مسلم، وأبو الطفيل عدل ثقة مأمون اهـ قلت) ويؤيده أحاديث الباب الصحيحة التى فى معناه والله أعلم

(1237)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا محمد ابن عمران الحجى قال سمعت صفية بنت شيبة عن عائشة "الحديث"(غريبه)(4) يعنى يؤخر الظهر عن وقتها ويصليها مع العصر فى أول وقتها، وكذلك يفعل في المغرب

ص: 120

(الفصل الثاني فيما روى فى الجمع بين الظهر والعصر)

(1238)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيع الشَّمس أخَّر الظُّهر إلى وقت العصر ثمَّ نزل فجمع بينهما فإذا زاغت الشَّمس قبل أن يرتحل صلَّى الظُّهر ثمَّ ركب

(1239)

عن أبى قلابة عن ابن عبَّاس قال لا أعلمه إلَاّ قد رفعه، قال كان إذا نزل منزلًا (وفي رواية كان إذا سافر فنزل منزلًا) فأعجبه المنزل أخَّر الظُّهر حتَّى يجمع بين الظُّهر والعصر، وإذا سار ولم يتهيَّأ له المنزل أخَّر الظُّهر حتَّى يأتى المنزل فيجمع بين الظُّهر والعصر

والعشاء وهذا جمع التأخير، ولم يرد فى حديث عائشة جمع التقديم، ويستفاد من الحديثين اللذين قبله (تخريجه) أخرجه الطحاوى والحاكم وسنده جيد

(1238)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا المفضل بن فضالة عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك "الحديث"(غريبه)(1) بزاى وغين معجمة أى تميل الى جهة المغرب (2) أى جمع تأخير فى وقت العصر (3) أى صلى الظهر وحدها ثم سافر، لكن ثبت فى الأربعين للحاكم "صلى الظهر والعصر ثم ركب" فالظاهر أن فى الحديث حذفًا والله أعلم (تخريجه)(ق. د. نس. هق)

(1239)

عن أبى قلابة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس وحسن بن موسى المعنى قالا حدثنا حماد يعنى بن زيد عن أيوب عن أبى قلابة "الحديث"(غريبه)(4) هكذا بالأصل "أخر الظهر حتى يجمع بين الظهر والعصر" ومعناه غير ظاهر بالنسبة للشق الثانى، وهو فى رواية البيهقى بعد قوله فأعجبه المنزل (أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر) أى جمع تقديم فرواية البيهقى أظهر، لأنه لا معنى لتأخير الظهر بعد النزول (وقوله أعجبه المنزل) أى لكونه فيه ماء مثلا أو نحو ذلك مما فيه راحة للمسافر (5) أى الذى يعجبه النزول فيه فيجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير فى وقت العصر، وهذه حالة من أحواله صلى الله عليه وسلم فى الجمع والله أعلم (تخريجه)(هق) قال الحافظ ورجاله ثقات إلا أنه مشكوك في رفعه

ص: 121

(1240)

عن حمزة الضَّبِّيِّ قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل منزلًا لم يرتحل حتَّى يصلِّى الظُّهُر، قال فقال محمَّد بن عمر لأنس يا أبا حمزة وإن كان بنصف النَّهار؟ قال وإن كان بنصف النَّهار

(الفصل الثالث فيما روى فى الجمع بين المغرب والعشاء)

(1241)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكَّة عند غروب الشَّمس فلم يصلِّ حتَّى أتى سرف وهي تسعة

والمحفوظ أنه موقوف، وقد أخرجه البيهقى من وجه آخر محزومًا بوقفه على ابن عباس ولفظه "اذا كنتم سائرين" فذكر نحوه اهـ

(1240)

عن حمزة الضبى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا شعبة عن حمزة الضبى "الحديث"(غريبه)(1) أى فى منزل للراحة فى وقت الظهر (2) يعنى وان كان أداء الصلاة المذكورة نصف النهار أى عقب الزوال، فالمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان يبادر بالصلاة فى أول وقتها قبل أن يرتحل، وليس المعنى أنه كان يصليها قبل الزوال، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع العصر معها تقديما بعد الزوال، لما رواه البيهقى باسناد صحيح والاسماعيلى عن أنس قال "كان رسول الله اذا كان فى سفر فزالت الشمس صلى العصر والظهر جميعا ثم ارتحل" وللأجماع على عدم صحة صلاة الظهر قبل الزوال (تخريجه)(د. نس)

(1241)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن فضيل ثنا الأجلح عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(3) بفتح أوله وكسر ثانيه ككتف بمنع صرفه؛ وقد يصرف، موضع قريب من التنعيم شمال مكة، وقد بين الراوى أن بينه وبين مكة تسعة أميال، وهو الموضع الذى تزوج به النبى صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث وبه توفيت ودفنت، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بسرف جمعا حقيقيا لا صوريا، لأن المسافة التى بين مكة وسرف لا يمكن قطعها إلا فى زمن لا يبقى معه وقت للجمع الصورى، وكان ذلك فى رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة، ولم يصرح بالجمع فى الحديث، وصرح به أبو داود فى روايته عن جابر "قال غابت له الشمس

ص: 122

أميال من مكَّة (وعنه من طريق ثان) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم غابت له الشمس يسرف فلم يصلِّ المغرب حتَّى أتى مكَّة

(1242)

ز عن عبد الله بن محمَّد بن عمر بن علىّ عن أبيه عن جدِّه أن عليًّا رضى الله عنه كان يسير حتَّى إذا غابت الشَّمس وأظلم

بمكة فجمع بينهما بسرف" (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق قال سمعت الحجاج بن أرطاة عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) هذه الرواية تدل على أن ذلك كان فى ذهابه من المدينة الى مكة، والرواية الأولى تدل على أنه كان فى رجوعه من مكة الى المدينة فلعله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فى الذهاب والأياب والله أعلم (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (د. نس. هق) وسندها جيد، ولم أقف على من أخرج الطريق الثانية وفى إسنادها حجاج بن أرطاة، قال الحافظ فى التقريب صدوق كثير الخطأ والتدليس اهـ وفى الخلاصة قال أبو حاتم اذا قال حدثنا فهو صالح لا يرتاب فى حفظه وصدقه، وقال ابن معين صدوق مدلس، وقال أيضا هو والنسائى ليس بالقوى، روى له الأمام مسلم مقرونا بغيره اهـ

(1242)

"ز" عن عبد الله بن محمد (سنده) حدّثنا عبد الله ثنا أبو بكر ابن أبى شيبة حدثنا أبو أسامة عن عبد الله بن محمد الخ (غريبه)(3) هو أبو محمد العلوى روى عن بيه وخالد بن أبى جعفر وعاصم بن عبد الله وإسحاق بن سالم، وعنه ابنه عيسى وابن المبارك وابن أبى فديك وأبو أسامة وغيرهم، قال ابن سعد كان قليل الحديث، وقال الحافظ فى التقريب مقبول من السادسة؛ روى له أبو داود والنسائى (4) هو محمد بن عمر بن على بن أبى طالب القرشى الهاشمى روى عن جده مرسلا وأبيه وعمه محمد بن الحنفية وعلى بن الحسين وكريب مولى ابن عباس وآخرين، وعنه أولاده عبد الله وعبيد الله وعمر وابن جريج وهشام بن سعد، قال ابن القطان حاله مجهول؛ وقال ابن سعد كان قليل الحديث وقال الحافظ فى التقريب مجهول من الثالثة، وذكره ابن حبان فى الثقات (وقوله عن جده) هو عمر بن على بن أبى طالب الهاشمى روى عن أبيه وعنه أولاده محمد وعبيد الله وعلى وثقه العجلى، وقال الحافظ فى التقريب ثقة من الثالثة روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (5) أى الليل يعنى قارب أن يظلم كما فى رواية عند أبي داود

ص: 123

نزل فصلَّى المغرب ثمَّ صلَّى العشاء على أثرها ثمَّ يقول هكذا رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يصنع

(1243)

عن أبى الزُّبير قال سألت جابرًا هل جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء؟ قال نعم زمان غزونا بني المصطلق

(1244)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال جمع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بين الصَّلاتين يوم غزا بنى المصطلق

(1245)

عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه كان يجمع

(1) ظاهره أنه لم يفصل بينها بشئ، ولكن جاء فى رواية أبى داود بعد قوله فصلى المغرب قال "ثم يدعو بعشائه فيتعشى ثم يصلى العشاء ثم يرتحل ويقول هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع" فلعل الواقعة تكررت فكان يفصل فى بعض الأحيان، أو يكون المراد بقول الراوى فى حديث الباب (على أثرها) أى قريبا منها فيغتفر الفصل بنحو العشاء "بفتح العين المهملة" كما فى رواية أبى داود والله أعلم (تخريجه)(د) وسنده لا بأس به

(1243)

عن أبى الزبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا موسى حدثنا ابن لهيعة عن أبى الزبير أنه قال سألت جابرًا الخ (غريبه)(2) بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المهملة وكسر اللام وقاف لقب خزيمة بن عمرو، قال فى القاموس سمى به لأجل صوته، وكان من أول من غنى من خزيمة، وكانت فى السنة الخامسة من الهجرة وسيأتى لها باب مخصوص فى كتاب الغزوات إن شاء الله تعالى (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام احمد، وأورده الهيثمى ولم يعزه لغير الأمام احمد، قال وفيه ابن لهيعة وفيه كلام اهـ

(1244)

عن عمرو بن شعيب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير ثنا حجاج عن عمرو بن شعيب الخ (غريبه)(3) يعنى المغرب والعشاء كما يدل عليه حديث جابر الذى قبله (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأم احمد وفى إسناده الحجاج بن أرطاة وفيه كلام تقدم آنفا

(1245)

عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 124

بين الصّلاتين المغرب والعشاء إذا غاب الشَّفق قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بينهما إذا جدَّ به السَّير "وفى رواية إذا جدَّ به السير إلى ربع اللَّيل أخَّرهما جميعًا"

(1246)

عن إسماعيل بن عبد الرحَّمن بن ذؤيب من بنى أسد بن عبد العزَّى قال خرجنا مع ابن عمر إلى الحمى، فلمَّا غربت الشَّمس هبنا أن نقول له الصَّلاة حتَّى ذهب بياض الأفق وذهبت فحمة العشاء نزل فصلَّى بنا ثلاثًا واثنتين فالتفت إلينا وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل

(1247)

عن نافع قال جمع ابن عمر بين الصَّلاتين مرَّةً واحدةً جاءه خبر عن صفيَّة بنت أبى عبيد أنَّها وجعة فارتحل بعد أن صلَّى العصر

إسحاق بن يوسف الأزرق عن عبيد الله يعنى ابن عمر عن نافع عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(1) الشفق من الاضداد، يقع على الحمرة التى ترى فى المغرب بعد مغيب الشمس؛ وعلى البياض الباقى فى الأفق الغربى بعد الحمرة المذكورة، فاذا غاب الشفق الأحمر فقد وجبت العشاء عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد، واذا غاب الشفق الأبيض وجبت العشاء عند الأمام أبى حنيفة، والمراد هنا مغيب الشفق الأبيض كما يستفاد من الحديث التالى حيث قال "حتى ذهب بياض الأفق وذهبت فحمة العشاء"(تخريجه)(ق. د. مى. هق) بدون رواية الى ربع الليل

(1246)

عن إسماعيل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن إسماعيل الخ (غريبه)(2) يقال هاب الشئ يهابه إذا خافه واذا وقَّره وعظَّمه (3) هى إقبال الليل وأول سواده، يقال للظلمة التى بين المغرب والعشاء الفحمة، وللظلمة التى بين العتمة "أى العشاء" والغداة العسعسة (4) يعنى المغرب ثلاثا لأنها لا تقصر والعشاء اثنتين مقصورة (تخريجه)(نس. فع. هق. والطحاوى) وسنده جيد

(1247)

عن نافع (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرنى نافع قال جمع ابن عمر "الحديث"(غريبه)(5) هذا باعتبار ما رآه نافع فلا ينافى أنه جمع فى غير هذه الواقعة (6) هى صفية بنت أبى عبيد بن مسعود

ص: 125

وترك الأثقال ثمَّ أسرع السيَّر فسار حتَّى حانت صلاة المغرب فكلمه رجل من أصحابه فقال الصَّلاة فلم يرجع إليه شيئًا ثمَّ كلمه آخر فلم يرجع إليه شيئًا، ثمَّ كلَّمه آخر فقال إنِّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استعجل به السَّير أخَّر هذه الصَّلاو حتَّى يجمع بين الصَّلاتين (وعنه من طريق ثان) أنَّ ابن عمر رضى الله عنهما استصرخ على صفيَّة فسار فى تلك اللَّيلة مسيرة ثلاث ليال سار حتَّى أمسى، فقلت الصَّلاة فسار ولم يلتفت، فسار حتَّى أظلم فقال له سالم أو رجل الصّلاة وقد أمسيت، فقال إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السَّير جمع بين هاتين الصَّلاتين، وإنِّى أريد أن أجمع بينهما فسيروا، فسار حتَّى غاب الشَّفق ثمَّ نزل فجمع بينهما

(1248)

عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال ما رأيت رسول الله

الثقفية زوجة عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أرسلت اليه "انى فى آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة" كما فى رواية عند النسائى، وفى رواية عند البيهقى أنها كانت بالمدينة وهو بمكة (1) أى لم يأخذ معه أمتعة لئلا تعيقه عن سرعة السير (2) أى فلم يردّ عليه (3) يعنى المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء (4)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل أنا أيوب عن نافع أن ابن عمر استصرخ الخ (5) بالبناء للمجهول، يقال استصرخ الأنسان، وبه اذا الصارخ أى المصوت يعلمه بأمر حادث يستعين به عليه أو ينعى له ميتا. والمعنى أنه أتى ابن عمر من يخبره باحتضار زوجته صفية المذكورة (6) يعنى أنه سار فى تلك الليلة مسافة يسيرها المسافر فى ثلاث ليال لأنه كان مسرعًا جدًا فى السير (7) أى دخل الليل فى الظلام (8) بفتح فكسر أى تعجل فى السير (تخريجه)(ق. والثلاثة) وغيرهم

(1248)

عن عبد الله بن مسعود (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله (يعني ابن

ص: 126

صلى الله عليه وسلم صلَّي صلاةً إلَاّ لميقاتها إلَاّ صلاتين، صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها (وفى لفظ) قال ابن نمير العشاءين "أى بدل قوله صلاتين" فإنَّه صلَاّهما بجمع جميعًا

مسعود) ما رأيت الخ (غريبه)(1) جمع - علم للمزدلفة سميت به لأن آدم عليه السلام وحواء لما أهبطا اجتمعا بها (نه)(2) قال النووى المراد به قبل وقتها المعتاد لا قبل طلوع الفجر لأن ذلك ليس بجائز باجماع المسلمين، والغرض أن استحباب الصلاة فى أول الوقت فى هذا اليوم أشد وآكد، وقال أصحابنا معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان فى غير هذا اليوم يتأخر عن أول طلوع الفجر الى أن يأتيه بلال، وفى هذا اليوم لم يتأخر لكثرة المناسك فيه فيحتاج الى المبالغة فى التكبير ليتسع له الوقت (تخريجه)(ق. لك. د. نس)(الأحكام) أحاديث الباب منها ما هو عام فى مشروعية الجمع بين الصلاتين سواء أكانت الظهر مع العصر أم المغرب مع العشاء، وسواء أكان الجمع تقديمًا أم تأخيرًا، ومنمها ما هو مقتصر على الجمع بين الظهر والعصر فقط، ومنها ما هو مقتصر على الجمع بين المغرب والعشاء فقط، ومنها ما هو مقيد بالجد فى السير، ومنها ما هو مطلق، لذلك اختلفت أنظار العلماء فى هذه المسألة على جملة أقوا (القول الأول) جواز الجمع بين الظهر والعص وبين المغرب والعشاء بعذر السفر جمع تقديم فى وقت الأولى منهما وجمع تأخير فى وقت الثانية منهما، وبه قال مالك والشافعى واحمد فى المشهور عنه والجمهور إلا أن المشهور من مذهب مالك اختصاص الجمع بحالة الجد فى السير لخوف فوات أمر أو لأدراك مهم، وبه قال أشهب، وقال ابن الماجشون وابن حبيب واصبغ إن الجد لمجرد قطع السفر مبيح للجمع، وروى ابن أبى شيبة فى مصنفه الجمع بين الصلاتين فى السفر عن بن أبى وقاص. وسعيد بن زيد. وأبى موسى الأشعرى. وأسامة بن زيد. وغيرهم، وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس. وابن عمر. وطاوس. ومجاهد. وعكرمة. وأبى ثور وإسحاق. قال وبه أقول (وقال البيهقى) الجمع بين الصلاتين بعذر السفر من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين رضى الله عنهم أجميعين مع الثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم عن أصحابه ثم ما اجتمع عليه المسلمون من جمع الناس بعرفة ثم بالمزدلفة، وروى فى ذلك عن عمر وعثمان، ثم روى عن زيد بن أسلم وربيعة ومحمد بن المنكدر وأبى الزناد أنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر اذا زالت الشمس، وحكاه ابن عبد البر عن عطاء بن أبى رباح وسالم بن عبد الله بن عمر وجمهور علماء المدينة، وحكاه ابن بطال عن جمهور العلماء،

ص: 127

_________

وحكاه ابن قدامة فى المغنى عن أكثر أهل العلم، وحكاه أبو العباس القرطبى عن جماعة السلف وفقهاء المحدثين (القول الثانى) اختصاص ذلك بحالة الجد فى السفر لخوف فوات أمر أو لأدراك مهم، وهو المشهور عن مالك كما تقدم وتمسك هؤلاء بظاهر روايات ابن عمر التى فى الباب (والجواب عن ذلك) أن فى حدث غيره زيادة يجب الأخذ بها وهى الجمع من غير جد فى السفر كما فى حديث معاذ المتقدم فى أول الباب، قال الترمذى حديث حسن، وقال البيهقى هو حديث محفوظ صحيح اهـ ففى حديث معاذ الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ولم يقيد ذلك بأن يعجل به السفر، بل صرح فى رواية الموطأ وأبى داود وغيرهما بالجمع وهو غير سائر بل نازل ماكث فى خبائه يخرج فيصلى الصلاتين جميعا ثم ينصرف الى خبائه (قال الشافعى رحمه الله فى الأم بعد ذكره هذه الرواية وهذا وهو نازل غير سائر لأن قوله دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل؛ فللمسافر أن يجمع نازلًا ومسافرًا اهـ وفيه أيضا التصريح بجمع التقديم والتأخير فى الظهرر والعصر وفى المغرب والعشاء، وقد كانت غزوة تبوك فى أواخر الأمر سنة تسع من الهجرة (قال ابن عبد البر) بعد ذكر حديث معاذ فى الموطأ، فى هذا أوضح الدلائل وأقوى الحجج فى الرد على من قال لا يجمع المسافر بين الصلاتين إلا اذا جد به السير، وهو قاطع للالتباس، قال وليس فيما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان اذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء ما يعارضه؛ لأنه اذا كان له الجمع نازلا غير سائر فالذى يجد به السير أحرى بذلك، وإنما يتعارضان لو كان فى أحدهما أنه قال لا يجمع المسافر بين الصلاتين إلا أن يجد به السير، وفى الآخر أنه جمع نازلا غير سائر، فاما أن يجمع وقد جاء به السير ويجمع وهو نازل لم يجد به السير فليس هذا بمتعارض عند أحد له فهم، قال وقد أجمع المسلمون على الجمع بين الصلاتين بعرفة ومزدلفة فكل ما اختلفت فيه من مثله فمردود اليه، وروى مالك عن ابن شهاب أنه قال سألت سالم بن عبد الله هل يجمع بين الظهر والعصر فى السفر؟ فقال نعم لا بأس بذلك، ألم تر الى صلاة الناس بعرفة فهذا سالم قد نزع بما ذكرنا، وهذا أصل صحيح لمن ألهم رشده ولم تحل به العصبية الى المعاندة اهـ وحكى أبو العباس القرطبى عدم اشتراط الجد فى السفر عن جمهور السلف وعلماء الحجاز وفقهاء المحدثين وأهل الظاهر (القول الثالث) منع الجمع بعذر السفر مطلقا، وإنما يجوز للنسك بعرفة ومزدلفة (وهذا قول الحنفية) بل زاد أبو حنيفة على صاحبيه وقال لا يجمع للنسك إلا اذا صلى فى الجماعة فان صلى منفردًا صلى كل صلاة فى وقتها، وقال أبو يوسف ومحمد المنفرد فى ذلك كالمصلى فى جماعة، وحكى ابن قدامة فى المغنى هذا عن رواية ابن القاسم عن مالك واختياره، وروى ابن أبى شيبة فى مصنفه عن ابراهيم النخعى قال كان الأسود وأصحابه

ص: 128

_________

ينزلون عند وقت كل صلاة فى السفر فيصلون المغرب لوقتها ثم يتعشون ثم يمكثون ساعة ثم يصلون العشاء، وعن الحسن وابن سيرين أنهما قالا ما نعلم من السنة الجمع بين الصلاتين فى حضر ولا سفر إلا بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بجمع، وعن عمر وأبى موسى أنهما قالا الجمع بين الصلاتين بغير عذر من الكبائر، وروى هذا مرفوعًا عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر" رواه الترمذى وفى إسناده حنش بن قيس وهو ضعيف (وأجاب هؤلاء) عن أحاديث الجمع بأن المراد بها أن يصلى الأولى فى آخر وقتها والأخرى فى أول وقتها وهذا مردود بوجهين (أحدهما) انه وردت الروايات مصرحة بالجمع فى وقت إحداهما، فمن أحاديث الباب حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك؛ ورواه مسلم وغيره (ومنها) حديث أنس "أخر الظهر الى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما" وهذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما (ومنها) حديث معاذ وهو صريح فى جمعى التقديم والتأخير فى الظهر والعصر وفى المغرب والعشاء، وهذه الأحاديث لا يمكن معها التأويل الذى ذكروه (الثانى) أن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقا وأعظم حرجًا فى السفر من الأتيان بكل صلاة فى وقتها، لأن الأتيان بكل صلاة فى وقتها أوسع من مراعاة طرفى الوقتين بحيث لا يبقى من وقت الأولى الا قدر فعلها، ومن تدبر هذا وجده واضحًا كما وصفنا، ثم لو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب والعشاء والصبح، ولا خلاف بين الأمة فى تحريم ذلك، والعمل بالأحاديث على الوجه السابق الى الفهم منها أولى من هذا التكلف الذى لا حاجة اليه (واحتج هؤلاء) بحديث ابن مسعود الذى فى آخر الباب، ورواه الشيخان أيضا قال "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الا ليمقاتها الا صلاتين صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها" وقالوا ان مواقيت الصلاة تثبت بالتواتر فلا يجوز تركها بخبر واحد (والجواب) عن حديث ابن مسعود أنه متروك الظاهر بالأجماع من وجهين (أحدهما) أنه قد جمع بين الظهر والعصر بعرفة بلا شك، وقد ورد التصريح بذلك فى بعض طرق حديث ابن مسعود فلم يصح هذا الحصر (وثانيهما) أنه لم يقل أحد بظاهره فى ايقاع الصبح قبل الفجر، والمراد أنه بالغ فى التعجيل حتى قارب ذلك مما قبل الفجر، ثم ان غير ابن مسعود حفظ عن النبى صلى الله عليه وسلم الجمع بين الصلاتين فى السفر بغير عرفة ومزدلفة، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ولم يشهد، وقد روى أبو يعلى الموصلى فى مسنده باسناد جيد عن ابن مسعود رضى الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين فى السفر"(والجواب) عن قولهم لا يترك المتواتر

ص: 129

_________

بالآحاد بأنا لم نتركها وإنما خصصناها، وتخصيص المتواتر بالآحاد جائز بالأجماع، وقد جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد إجماعًا فتخصيص السنة بالسنة أولى بالجواز والله أعلم (القول الرابع) جواز جمع التأخير ومنع جمع التقديم، وهو رواية عن أحمد، قال ابن قدامة وروى نحوه عن سعد وابن عمر وعكرمة، قال ابن بطال وهو قول مالك فى المدينة، وبهذا قال ابن حزم الظاهرى بشرط الجد فى السفر؛ واعتماد هؤلاء على أن جمع التقديم لم يذكر فى حديثى ابن عمر وأنس وإنما ذكر فيهما جمع التأخير وتأكد ذلك بقوله فى حديث أنس فان زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ولم يذكر صلاة العصر (وجوابه) أنه لا يلزم من عدم ذكرها أن لا يكون صلاها مع الظهر، وقد ورد التصريح بجمع التقديم فى حديث معاذ وغيره فوجب المصير اليه، وحمل بعضهم حديث أنس على أن معناه صلى الظهر والعصر، قال لأنه عليه الصلاة والسلام إنما كان يؤخر الظهر الى العصر اذا لم تزغ الشمس، فكذلك يقدم العصر الى الظهر إن زاغت الشمس، ذكره ابن بطال، وقد ورد التصريح بذلك فى حديث أنس بسند لا بأس به فى معجم الطبرانى الأوسط ولفظه "اذا كان فى سفر فزاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر جميعا، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس جمع بينهما فى أول وقت العصر وكان يفعل ذلك فى المغرب والعشاء" وحكى ابن العربى أن اللؤلؤى حكى عن أبى داود أنه قال "ليس فى تقديم الوقت حديث قائم" وما تقدم من الأحاديث التى بعضها صحيح وبعضها حسن يرده (واختلف القائلون بجواز الجمع) فى أفضليته، أما أحاديث الباب فلا تدل إلا على جواز الجمع، وأما رجحانه وكونه أفضل من إيقاع كل صلاة فى وقتها فلا دلالة فيها عليه، فلعله صلى الله عليه وسلم بيَّن بذلك الجواز، أو فعله على سبيل الترخص والتوسع وإن كان الأفضل خلافه، وقد صرح الشافعية بذلك وقالوا إن ترك الجمع أفضل، وقال الغزالى إنه لا خلاف فى المذهب فيه، وعللوه بالخروج من الخلاف، فان أبا حنيفة وجماعة من التابعين لا يجوزونه، وعن الأمام أحمد فى ذلك روايتان، وعن الأمام مالك روايتان أيضا (احداهما) ان الجمع مكروه رواها المصريون عنه كما قاله ابن العربى، واحتج له بتعارض الأدلة، وقال ابن شاس فى الجواهر وقع فى العتيبة قال مالك أكره جمع الصلاتين فى السفر، فحمله بعض المتأخرين على ايثار الفضل لئلا يتساهل فيه من لا يشق عليه (والثانية) انه كره الجمع للرجال دون النساء، حكاها أبو العباس القرطبى عن مالك، وقال ابن الحاجب فى مختصره لا كراهة على المشهور، وقال الخطابى كان الحسن ومكحول يكرهان الجمع فى السفر بين الصلاتين اهـ (واتفق المجوزون للجمع) على فعله فى السفر الطويل، واختلفوا فى القصير فذهب المالكية الى أنه لا يختص بالطويل، وذهب الحنابلة الى اختصاصه به، وللشافعية فى ذلك قولان أصحهما اختصاصه بالطويل والله أعلم

ص: 130

(3)

باب جمع المقيم لمطر أو غيره

(1249)

عن جابر بن زيد عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر قيل لابن عبَّاس وما أراد لغير ذلك قال أراد أن لا يحرج أمَّته

(1250)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة مقيمًا غير مسافر سبعًا وثمانيًا

(1249) عن جابر بن زيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن شعبة ثنا قتادة قال سمعت جابر بن زيد عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) فى بعض روايات أبى داود ومسلم "ولا سفر" بدل قوله "ولا مطر" وفى بعضها "ولا مطر" كما هنا، قال الحافظ واعلم أنه لم يقع مجموعًا بالثلاثة فى شئ من كتب الحديث، بل المشهور من غير خوف ولا سفر (قلت) وهو كذلك فى الموطأ (فى غير خوف ولا سفر قال مالك أرى "بضم الهمزة أى أظن" ذلك فى مطر) ووافقه على ظنه جماعة من أهل المدينة وغيرها منهم الشافعى، قاله ابن عبد البر، لكن روى الحديث مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بلفظ "من غير خوف ولا مطر" وأجاب البيهقى بأن الأولى رواية الجمهور فهى أولى، قال وقد رويناه عن ابن عباس وابن عمر الجمع بالمطر، وهو يؤيد التأويل، وأجاب غيره بأن المراد ولا مطر كثير أو ولا مطر مستدام، فلعله انقطع فى أثناء الثانية والله أعلم (2) أى ما قصد بفعله لغير ذلك (3) قال ابن سيد الناس قد اختلف فى تقييده، فروى يحرج بالياء المضمومة آخر الحروف وأمته منصوب على أنه مفعوله، وروى تخرج بالتاء ثالثة الحروف مفتوحة وضم أمته على أنها فاعله؛ ومعناه إنما فعل ذلك لئلا يشق عليهم ويثقل فقصد الى التخفيف عنهم اهـ (تخريجه)(م. لك) والأربعة والبيهقى

(1250)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن عثمان بن صفوان عن صفوات بن أمية الجمحى قال ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(4) أى سبعا جميعا وهى المغرب والعشاء وثمانيا جميعا وهى الظهر والعصر كما صرح بذلك فى الحديث التالى (تخريجه)(ق. وغيرهما)

ص: 131

(1251)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى سفيان قال عمرو أخبرنى جابر بن زيد أنَّه سمع ابن عبَّاس يقول صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانيًا جميعًا وسبعًا جميعًا، قال قلت له يا أبا الشعَّثاء أظنُّه أخَّر الظُّهر وعجَّل وأخَّر المغرب وعجَّل العشاء، قال وأنا أظنُّ ذلك

(1251) حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) هو ابن عيينة (وعمرو) هو ابن دينار (2) يعنى الظهر والعصر "وقوله وسبعا جميعا" يعنى المغرب والعشاء (3) كنية جابر بن زيد، والقائل "قلت" هو عمرو بن دينار (تخريجه)(ق. وغيرهما)(الأحكام) استدل بأحاديث الباب القائلون بجواز الجمع فى الحضر للحاجة مطلقا، لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة (قال الحافظ) وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وجماعة من أصحاب الحديث واستدل لهم بما فى مسلم فى هذا الحديث (أى الحديث الأول من أحاديث الباب) عن سعيد بن جبير "فقلت لابن عباس لم فعل ذلك؟ قال أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته"(وللنسائى) من طريق عمرو بن هرم عن أبى الشعثاء أن ابن عباس صلى بالبصرة الأولى "يعنى الظهر" والعصر ليس بينهما شئ؛ والمغرب والعشاء ليس بينهما شئ، فعل ذلك من شغل، وفيه رفعه الى النبى صلى الله عليه وسلم (ولمسلم)(قلت والأمام أحمد أيضا) عن عبد الله بن شقيق ان شغل ابن عباس كان بالخطبة وانه خطب بعد العصر الى أن بدت النجوم، ثم جمع بين المغرب والعشاء، وفيه تصديق أبى هريرة لابن عباس فى رفعه، وما ذكر ابن عباس من التعليل بنفى الحرج ظاهر فى مطلق الجمع، وجاء مثله عن ابن عباس قال "جمع النبى صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فقيل له فى ذلك، فقال صنعت هذا لئلا تخرج أمتى" رواه الطبرانى، وإرادة نفى الحرج تقدح فى حمله على الجمع الصورى، لأن القصد اليه لا يخلو عن حرج اهـ (وذهب الجمهور) الى أن الجمع لغير عذر لا يجوز، وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة (منها) أن الجمع المذكور كان للمرض وقواه النووى، قال الحافظ وفيه نظر، لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين بعارض المرض لما صلى معه إلا من له نحو ذلك العذر، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه، وقد صرح بذلك ابن عباس فى روايته (ومنها) أنه كان فى غيم ثم صلى الظهر، ثم انكشف الغيم مثلا فبان أن وقت العصر قد دخل فصلاه (قال النووى) وهو باطل، لأنه وان كان فيه أدنى احتمال فى الظهر والعصر فلا احتمال فيه فى المغرب والعشاء (قال الحافظ) وكأن نفيه الاحتمال مبني

ص: 132

_________

على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد، والمختار عنه خلافه وهو أن وقتها يمتد الى العشاء، وعلى هذا فالاحتمال قائم (ومنها) أن الجمع المذكور صورى بأن يكون أخَّر الظهر الى آخر وقتها وعجل العصر فى أول وقتها (قال النووى) وهذا احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل (قال الحافظ) وهذا الذى ضعفه قد استحسنه القرطبى. ورجحه إمام الحرمين. وجرم به من القدماء بن الماجشون والطحاوى. وقواه ابن سيد الناس بأن الشعثاء وهو روا الحديث عن ابن عباس قد قال به (قال الحافظ أيضا) ويقوى ما ذكر من الجمع الصورى أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع، فاما أن يحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر، وإما أن يحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج، ويجمع بين مفترق الأحاديث، فالجمع الصورى أولى والله أعلم اهـ (قال الشوكانى) ومما يدل على تعيين حمل أحاديث الباب على الجمع الصورى ما أخرجه النسائى عن ابن عباس بلفظ "صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جيمعا والمغرب والعشاء جميعا أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء" فهذا ابن عباس راوى حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصورى، ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخان عن عمرو بن دينار (قلت هو أحد أحاديث الباب) أنه قال يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظنه، وأبو الشعثاء هو راوى الحديث عن ابن عباس كما تقدم (قال) ومن المؤيدات للحمل على الجمع الصورى ما أخرجه مالك فى الموطأ والبخارى وأبو داود والنسائى (قلت والأمام أحمد وتقدم) عن ابن مسعود قال "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين، جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة مع أنه ممن روى حديث الجمع بالمدينة كما تقدم، وهو يدل على أن الجمع الواقع بالمدينة صورى، ولو كان جمعا حقيقيا لتعارض روايتاه، والجمع ما أمكن المصير اليه هو الواجب (ومن المؤيدات) للحمل على الجمع الصورى أيضا ما أخرجه ابن جرير عن ابن عمر قال "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما" وهذا هو الجمع الصورى، وابن عمر هو ممن روى جمعه صلى الله عليه وسلم بالمدينة كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه، وهذه الروايات معينة لما هو المراد بلفظ جمع لما تقرر فى الأصول من أن لفظ جمع بين الظهر والعصر لا يعم وقتها كما فى مختصر المنتهى وشروحه والغاية وشرحها وسائر كتب الأصول بل مدلول لغة الهيئة الاجتماعية، وهى موجودة فى جمع التقديم والتأخير والجمع الصورى، إلا أنه لا يتناول جميعها ولا

ص: 133

_________

اثنين منها إذ الفعل المثبت لا يكون عامًا فى أقسامه كما صرح بذلك أئمة الأصول فلا يتعين واحد من صور الجمع المذكور إلا بدليل، وقد قام الدليل على أن الجمع المذكور فى الباب هو الجمع الصورى فوجب المصير الى ذلك (وقد زعم بعض المتأخرين) أنه لم يرد الجمع الصورى فى لسان الشارع وأهل عصره، وهو مردود بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله للمستحاضة "وإن قويت على أن تؤخرى الظهر وتعجلى العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين" ومثله فى المغرب والعشاء، وبما سلف عن ابن عباس وابن عمر (وقد روى عن الخطابى) أنه لا يصح حمل الجمع المذكور فى الباب على الجمع الصورى لأنه يكون أعظم ضيقا من الأتيان بكل صلاة فى وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه الخاصة فضلا عن العامة (ويجاب عنه) بأن الشارع قد عرّف أمته أوائل الأوقات وأواخرها وبالغ فى التعريف والبيان حتى أنه عينها بعلامات حسية لا تكاد تلتبس على العامة فضلا عن الخاصة، والتخفيف فى تأخير إحدى الصلاتين الى آخر وقتها وفعل الأخرى فى أول وقتها متحقق بالنسبة الى فعل كل واحدة منهما فى أول وقتها كما كان ذلك ديدنه صلى الله عليه وسلم حتى قالت عائشة رضى الله عنها "ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله تعالى" ولا يشك منصف أن فعل الصلاة والخروج اليها مرة أخف من خلافه وأيسر، وبهذا يندفع ما قاله الحافظ فى الفتح إن قوله صلى الله عليه وسلم "لئلا تحرج أمتى" يقدح فى حمله على الجمع الصورى لأن القصد اليه لا يخلو عن حرج (فان قلت) الجمع الصورى هو فعل كل واحدة من الصلاتين المجموعتين فى وقتها فلا يكون رخصة بل عزيمة، فأى فائدة فى قوله صلى الله عليه وسلم "لئلا تحرج أمتى" مع شمول الأحاديث المعينة للوقت للجمع الصورى؛ وهل حمل الجمع على ما شملته أحاديث التوقيت إلا من باب الاطراح لفائدته والغاء مضمونه (قلت) لا شك أن الأقوال الصادرة منه صلى الله عليه وسلم شاملة للجمع الصورى كما ذكرت فلا يصح أن يكون رفع الحرج منسوبًا اليها، بل هو منسوب الى الأفعال ليس إلا، لماعرَّ فناك من أنه صلى الله عليه وسلم ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين فربما ظن ظان أن فعل الصلاة فى أول وقتها متحتم لملازمته صلى الله عليه وسلم لذلك طول عمره، فكان فى جمعه جمعا صوريا تخفيف وتسهيل على من اقتدى بمجرد الفعل، وقد كان اقتداء الصحابة بالأفعال أكثر منه بالأقوال، ولهذا امتنع الصحابة رضى الله عنهم من نحر بدنهم يوم الحديبية بعد أن أمرهم صلى الله عليه وسلم بالنحر حتى دخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة مغموما فأشارت عليه بأنه ينحر ويدعو الحلاق يحلق له، ففعل فنحروا أجمع وكادوا يهلكون غما من شدة تراكم بعضهم على بعض حال الحلق اهـ (وقال صاحب المنتقى) بعد أن ساق حديث الباب ما لفظه، قلت وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر والخوف والمرض، إنما خولف ظاهر منطوقه فى الجمع لغير عذر للأجماع ولأخبار المواقيت، فتبقى

ص: 134

(4)

باب الجمع بأذان واقامة من غير صلاة تطوع بين المجموعتين

(1252)

عن عبد الرَّحمن بن يزيد قال كنت مع عبد الله بن مسعود رضى الله عنه بجمع فصلَّى الصَّلاتين كلَّ صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما وصلَّي الفجر حين سطع الفجر أو قال حين قائل طلع الفجر، وقال

فحواه على مقتضاه، وقد صح الحديث فى الجمع للمستحاضة، والاستحاضة نوع مرض، ولمالك فى الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان اذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء فى المطر جمع معهم (وللأثرم) فى سنته عن أبى سلمة بن عبد الرحمن أنه قال من السنة اذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء اهـ (قال النووى رحمه الله ويجوز الجمع بالمطر فى وقت الأولى ولا يجوز فى وقت الثانية على الأصح لعدم الوثوق باستمراره الى الثانية، وشرط وجوده عند الأحرام بالأولى والفراغ منها وافتتاح الثانية، ويجوز ذلك لمن يمشى الى الجماعة فى غيركنّ بحيث يلحقه بلل المطر، والأصح أنه لا يجوز لغيره، هذا مذهبنا فى الجمع بالمطر، وقال به جمهور العلماء فى الظهر والعصر وفى المغرب والعشاء، وخصه مالك رحمه الله تعالى بالمغرب والعشاء؛ وأما المريض فالمشهور من مذهب الشافعى والأكثرين أنه لا يجوز له، وجوزه أحمد "قلت ومالك" وجماعة من أصحاب الشافعى وهو قوى فى الدليل، وقال أبو حنيفة لا يجوز الجمع بين الصلاتين بسبب السفر ولا المطر ولا المرض ولا غيرها إلا بين الظهر والعصر بعرفات بسبب النسك وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بسبب النسك أيضا، والأحاديث الصحيحة فى الصحيحين وسنن أبى داود "قلت ومسند الأمام أحمد أيضا" حجة عليه اهـ

(1252)

عن عبد الرحمن بن يزيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحى بن آدم ثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد "الحديث"(غريبه)(1) بفتح الجيم وسكون الميم أى المزدلفة وسميت جمعا لأن آدم اجتمع فيها مع حواء وازدلف اليها أى دنا منها، وروى عن قتادة أنها سميت جمعا لأنها يجمع فيها بين الصلاتين وقيل وصفت بفعل أهلها لأنهم يجتمعون بها ويزدلفون الى الله أى يتقربون اليه بالوقوف فيها، وسميت المزدلفة إما لاجتماع الناس بها. أو لاقترابهم الى منى. أو لازدلاف الناس منها جميعا. أو للنزول بها فى كل زلفة من الليل. أو لأنها منزلة وقربة الى الله تعالى، أو لازدلاف الناس منها جميعا. أو للنزول بها فى كل زلفة من الليل. أو لأنها منزلة وقربة الى الله تعالى، أو لازدلاف آدم الى حواء بها. قاله الحافظ (2) أى المغرب والعشاء (3) العشاء بفتح العين المهملة أي طعام

ص: 135

قائل لم يطلع ثمَّ قال إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال إنَّ هاتين الصَّلاتين تحوَّلان عن وقتهما فى هذا المكان لا يقدم النَّاس جمعًا حتَّى يعتموا وصلاة الفجر هذه السَّاعة

(1253)

عن الحكم قال صلَّى بنا سعيد بن جبير فجمع المغرب ثلاثًا بإقامةٍ قال ثمَّ سلَّم ثمَّ صلَّى العشاء ركعتين، ثمَّ ذكر أنَّ عبد الله بن عمر فعل ذلك وذكر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أنه كان يصلِّى المغرب والعشاء بإقامة

الليل يعني أنه فصل بالعشاء بين صلاة المغرب والعشاء، وفى رواية للبخارى "ثم دعا بعشائه فتعشى"(1) يريد أنه بالغ فى التبكير فى ذلك اليوم بحيث لم يظهر الفجر إلا لخواص الناس الذين تعودوا معرفته، فهم يقولون طلع الفجر، والعوام يقولون لم يطلع، والتبكير فى ذلك اليون سنة لأرادة الاشتغال بالمناسك (2) أما تحويل المغرب فهو تأخيرها الى وقت العشاء الآخرة وأما تحويل الصبح فهو تقديمها عن وقتها المعتاد أعنى التبكير بها فى أول الوقت، أما فى غير هذا اليوم فكانوا يصلونها بعد ظهور النهار بحيث لا يشك فيه أحد (3) بفتح الدال المهملة من باب تعب (4) بضم الياء التحتية من الاعتام وهو الدخول فى وقت العشاء الآخرة (5) أى بعد طلوع الفجر قبل ظهوره للعامة كما تقدم (تخريجه)(خ. نس. هق. بز)

(1253)

عن الحكم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا شعبة قال أخبرنى الحكم قال صلى بنا سعيد بن جبير "الحديث"(غريبه)(6) لم يذكر الأذان وهو ثابت فى حديث ابن مسعود أول الباب، وفى حديث جابر عند مسلم والنسائى أن النبى صلى الله عليه وسلم "صلى الصلاتين بعرفة بأذان واحد وإقامتين، وأتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما ثم اضطجع حتى طلع الفجر"(تخريجه)(ق. نس) والطحاوى

(1254)

عن أبى أيوب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أحمد بن الحجاج ثنا عبد الله بن مبارك أنا سفيان عن جابر عن عدى بن ثابت عن عبد الله يزيد الخطمى عن أبى أيوب "الحديث"(تخريجه)(م والطحاوي)

ص: 136

(1255)

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بجمع، صلَّى المغرب ثلاثًا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة

(1256)

عن سالم عن أبيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بجمع بإقامة ولم يسبِّح بينهما ولا على أثر واحدة منهما

(1257)

عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثمَّ أقيمت الصَّلاة فصلَّى المغرب

(1255) عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أما سفيان عن سلمة بن كهيل عن سعيد عن ابن عمرو عن أبى إسحاق عن عبد الله بن مالك الأسدى عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(1) أى لكل صلاة كما ثبت ذلك عند البخارى عن ابن عمر أيضا قال "جمع النبى صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما باقامة" وكذلك فى بعض روايات أبى داود، وهو الذى يتفق مع حديث جابر وحديث ابن مسعود، والى ذلك ذهب الجمهور، واختاره الطحاوى، وسيأتى لذلك مزيد بحث فى الأحكام (تخريجه)(ق. د. نس. والطحاوى)

(1256)

عن سالم عن أبيه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحى عن ابن أبى ذئب عن الزهرى عن سالم عن أبيه "الحديث"(غريبه)(2) أى لم يتنقل بين صلاة المغرب والعشاء ولا عقب كل واحدة منهما (قال الحافظ) ويسفتاد منه أنه ترك النفل عقب المغرب وعقب العشاء، ولماَّ لم يكن بين المغرب والعشاء مهلة صرح بأنه لم يتنفل بينهما، بخلاف العشاء فانه يحتمل أن يكون المراد أنه لم يتنفل عقبها، لكنه تنفل بعد ذلك فى أثناء الليل، ومن ثم قال الفقهاء تؤخر سنة العشاءين عنهما، ونقل ابن المنذر الأجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة، لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما اهـ (تخريجه)(ق. ج. نس. والطحاوى)

(1257)

عن أسامة بن زيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن موسى بن عقبة ح وثنا روح عن مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة

ص: 137

ثم َّأناخ كلُّ إنسان بعيره فى منزله ثمَّ أقيمت الصَّلاة فصلَاّها ولم يصلِّ بينهما شيئًا (وعنه من طريق ثان بنحوه وفيه) قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى قدم المزدلفة فأقام المغرب ثمَّ أناح النَّاس في منازلهم ولم يحلُّوا حتَّى أقام العشاء فصلَّى ثمَّ حلَّ النَّاس (وعنه من طريق ثالث بنحوه وفيه) قال أتي المزلدفة فصلَّوا المنرب ثمَّ حلُّوا رحالهم وأعنته ثمَّ صلَّى العشاء

حتى إذا كان بالشِّعب نزل فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء (أى توضأ وضوءًا حفيفا كما فى رواية أخرى) فقلت له الصلاة فقال الصلاة أمامك فركب "فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء الحديث" وقد ذكر نحوه فى باب الدفع من عرفة الى مزدلفة وسيأتى فى كتاب الحج إن شاء الله تعالى؛ ولذا اقتصرت فى المتن منه على القدر المناسب لترجمة الباب، ومع هذا فقد أتيت ببقيته فى الشرح كما ترى لئلا يفوت القارئ منه شئ فادع لى بالتوفيق والمغفرة والرحمة (غريبه)(1) فيه جواز الفصل بين الصلاتين المجموعتين بمثل هذا (2) أى من النوافل (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحى بن آدم ثنا زهير ثنا ابراهيم بن عقبة أخبرنى كريب أنه سأل أسامة بن زيد قال قلت أخبرنى كيف صنعتم عشية ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه قال ركب الخ وهذا طرف من حديث طويل سيأتى بتمامه فى باب الدفع من عرفة الى مزدلفة من كتاب الحج (4) أى رحالهم وأمتعتهم، وظاهر قوله "ولم يحلوا حتى أنام العشاء فصلى ثم حل الناس" المنافاة لقوله فى الطريق الثالثة "ثم حلوا رحالهم وأعنته ثم صلى العشاء" قال اشوكانى فان أمكن الجمع إما بأنه حل بعضهم قبل صلاة العشاء وبعضهم بعدها أو بغير ذلك فذاك، وان لم يمكن فالرواية الأولى أرجح لكونها فى صحيح مسلم ويرجحها أيضا الاقتصار فى الرواية المتفق عليها على مجرد الأناخة فقط (5)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن ابراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال أخبرنى أسامة بن زيد أن النبى صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة فلما أتى الشعب نزل فبال ولم يقل اهراق الماء فصببت عليه فتوضأ وضوءًا خفيفا فقلت الصلاة فقال الصلاة أمامك قال ثم أتى المزدلفة الخ (تخريجه) أخرج الطريق الأول منه (ق. وغيرهما) والطريق الثانية (م. وغيره) والطريق الثالثة لم أقف على من أخرجها غير الأمام أحمد ورجالها رجال الصحيح (الأحكام) في أحاديث الباب

ص: 138

_________

دليل على مشروعية الأذان والأقامة للصلاتين المجموعتين، وهل الأذان والأقامة لكل صلاة منهما؟ أو الأذان للأولى فقط والأقامة لكل واحدة من الصلاتين؟ أو الأذان والأقامة للأولى فقط؟ اختلف العلماء فى ذلك (فذهبت المالكية) الى أنه يؤذن ويقيم لكل واحدة من الصلاتين عملا بحديث ابن مسعود المذكور أول الباب وأخرجه أيضا البخارى، وله فى رواية أخرى عن ابن مسعود أيضا أنه أمر بالأذان والأقامة لكل واحدة من الصلاتين المجموعتين بمزدلفة، قال ابن حزم لم نجده مرويا عن النبى صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت لقلت به؛ ثم أخرج من طريق عبد الرزاق عن أبى بكر بن عياش فى هذا الحديث، قال أبو إسحاق فذكرته لأبى جعفر محمد بن على فقال أما نحن أهل البيت فهكذا نصنع، قال ابن حزم وقد روى عن عمر من فعله وأخرجه الطحاوى باسناد صحيح عنه، ثم تأوله بأنه محمول على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذَّن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم (وذهب الشافعى وأحمد) فى رواية عنهما أنه يصلى كل واحدة منهما باقامتها بلا أذان، وهو محكى عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر، وتمسكوا بحديث أسامة المذكور فى الباب أيضًا لأنه اقتصر فيه على ذكر الأقامة لكل واحدة من الصلاتين (وقال الثورى) يصليهما جميعا باقامة واحدة وهو محكى عن ابن عمر، لحديث ابن عمر المذكور فى الباب وفيه "صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين باقامة واحدة"(وذهبت الشافعية والحنابلة) الى أن يصلى الصلاتين فى وقت الثانية بأذان للأولى وإقامتين، لكل واحدة إقامة وهو الصحيح عندهم، وبه قال أبو ثور وعبد الملك الماجشون المالكى والطحاوى الحنفى وقواه، وحجتهم حديث جابر عند مسلم والنسائى "أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاتين بعرفة بأذان واحد وإقامتين، وأتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما الحديث" ورجح النووى العمل بحديث جابر على غيره من الروايات الأخرى، قال لأن مع جابر زيادة علم وزيادة الثقة مقبولة، ولأن جابرًا اعتنى الحديث ونقل حجَّة النبى صلى الله عليه وسلم مستقصاة فهو أولى بالاعتماد، قال وهذا هو الصحيح من مذهبنا أنه يستحب الأذان للأولى منهما ويقيم لكل واحدة فيصليهما بأذان وإقامتين، ويتأول حديث إقامة واحدة أن كل صلاة لها إقامة ولا بد من هذا ليجمع بينه وبين الروايات الأخرى اهـ (وفى أحاديث الباب أيضا) الموالاة بين الصلاتين المجموعتين وعدم الفصل بينهما نافلة، قال النووى رحمه الله ولا خلاف فى هذا، لكن اختلفوا هل هو شرط للجمع أم لا؟ والصحيح عندنا أنه ليس بشرط بل هو سنة مستحبة، وقال بعض أصحابنا هو شرط، أما اذا جمع بينهما فى وقت الأولى فالموالاة شرط بلا خلاف اهـ والله أعلم

ص: 139

(5)

باب حكم صلاة الرواتب فى السفر وفيه فصول

(الفصل الاول فيمن روى فعلها فى السفر)

(1258)

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر والسَّفر، فصلَّى الظُّهر فى الحضر أربعًا وبعدها ركعتين، وصلَّى العصر أربعًا وليس بعدها شئ، وصلَّى المغرب ثلاثًا وبعدها ركعتين، وصلَّى العشاء أربعًا، وصلَّى فى السَّفر الظُّهر ركعتين وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين وليس بعدها شئ، والمغرب ثلاثًا وبعدها ركعتين، والعشاء ركعتين وبعدها ركعتين

(1259)

عن أسامة بن زيد قال سألت طاوسًا عن السُّبحة في السَّفر قال وكان الحسن بن يسلم بن ينَّاق جالسًا، فقال الحسن بن مسلم وطاوس يسمع حدَّثنا طاوس عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الحضر والسَّفر فكما تصلِّي في الحضر قبلها وبعدها فصلِّ فى السَّفر قبلها وبعدها، قال وكيع مرَّة وصلِّها فى السَّفر

(1258) عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحى بن آدم ثنا حسن يعنى ابن صالح عن فراس عن عطية العوفى عن ابن عمر "الحديث"(تخريجه)(مذ) من طريق ابن أبى ليلى عن عطية وعن نافع عن ابن عمر، وقال هذا حديث حسن، سمعت محمدًا يقول ما روى ابن أبى ليلى حديثا أعجب إلىّ من هذا اهـ

(1259)

عن أسامة بن زيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا أسامة "الحديث"(غريبه)(1) هو الليثى أبو زيد المدنى عن ابراهيم ابن حنين وبعجة الجهنى وابن المسيب وطاوس وعنه أبو حمزة وأبو أسامة وزيد بن الحباب وثقه ابن معين وقال ابن عدى ليس به بأس، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة عن بضع وخمسين سنة (خلاصة) وقال فى التهذيب ضعفه القطان، وقال أحمد ليس بشئ، وقال النسائى ليس بالقوى اهـ (2) يعنى صلاة النافلة (تخريجه)(هق) وسنده لا بأس به

ص: 140

(1260)

عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال سافرت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرًا فلم أره ترك الرَّكعتين قبل الظُّهر

(الفصل الثانى فى استحباب صلاة الوتر والتهجد بالليل فى السفر)

(1261)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاة في السَّفر ركعتين وهى تمام والوتر فى السَّفر سنَّة

(1262)

عن جابر سمعت سالم بن عبد الله يحدِّث عن ابن عمر قال كان رسول الله صلَّي الله عليه وآله وسلَّم لا يصلِّى في السَّفر إلَاّ ركعتين غير أنَّه كان يتهجَّد من اللَّيل، قال جابر فقلت لسالم كانا يواتران؟ قال نعم

(1260) عن البراء بن عازب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم ثنا ليث ثنا صفوان بن سليم عن أبى سبرة عن البراء بن عازب "الحديث"(غريبه)(1) لفظ أبى داود "فما رأيته ترك ركعتين اذا زاغت الشمس قبل الظهر" أى قبل صلاة الظهر وهو ظرف لترك؛ وقد اختلفوا فى هاتين الركعتين، فقال بعضهم هى سنة الوضوء، وقال بعضهم سنة الظهر والله أعلم (تخريجه)(د. هق. مذ) وقال حسن غريب

(1261)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن جابر قال سمعت الشعبى يحدث عن ابن عمر وابن عباس قالا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(2) أى غير مقصورة لأنها فرضت ركعتين كما صرح بذلك فى حديث عمر رضى الله عنه، وتقدم فى باب افتراض صلاة السفر وحكمها ولفظه "صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصير على لشان محمد صلى الله عليه وسلم"(تخريجه) أورده الهيثمى وقال فى الصحيح بعضه - رواه البزار وفيه جابر الجعفى وثقه شعبة والثورى، وضعفه آخرون

(1262)

عن جابر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر عن جابر سمعت سالم بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(3) يعنى الفرض مقصورًا عدا المغرب فانها لا تقصر (4) الظاهر أنه يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وابن عمر (تخريجه) لم أقف عليه

ص: 141

(الفصل الثالث فيمن روى عدم صلاة التطوع فى السفر)

(1263)

عن عيسى بن حفص بن عاصم عن أبيه قال خرجنا مع ابن عمر فصلَّينا الفريضة فرآي بعض ولده يتطوَّع، فقال ابن عمر صلَّيت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان فى السّفر فلم يصلُّوا قبلها ولا بعدها، قال ابن عمر ولو تطوَّعت لأتممت (وعنه من طريق ثان) حدثنى أبى أنَّه قال كنت مع ابن عمر فى سفر فصلَّى الظُّهر والعصر ركعتين ركعتين، ثمَّ قام إلى طنفسة له فرأى ناسًا يسبِّحون بعدها، فقال ما يصنع هؤلاء؟ قلت يسبِّحون قال لو كنت مصلِّيًا قبلها أو بعدها لأتممتها، صحبت النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى قبض فكان لا يزيد على ركعتين، وأبا بكر رضى الله عنه حتَّى قبص فكان لا يزيد عليهما، وعمر وعثمان كذلك

بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وفى إسناده جابر الجعفى مختلف فيه، وتقدم الكلام عليه فى الذى قبله، وأخرج نحوه الأمام مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر "أنه لم يكن يصلى مع صلاة الفريضة فى السفر شيئا قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل فانه كان يصلى على الأرض وعلى راحلته حيثما توجهت به"

(1263)

عن عيسى بن حفص بن عاصم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم عن أبيه "الحديث"(غريبه)(1)(ظن عليه) إن عثمان كان فى آخره أمره يتم الصلاة (فالجواب) أنه محمول على الغالب (2) يريد والله أعلم أنه لو كان مخيرًا بين الأتمام وصلاة الراتبة لكان الأتمام أحب اليه، لكنه فهم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يصلى الراتبة ولا يتم، وهذا فى رواتب الفرائض فقط، أما النوافل المطلقة فقد ثبت أن ابن عمر رضى الله عنهما كان لا يتركها فى السفر (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن عيسى بن حفص حدثنى أبى أنه قال كنت مع ابن عمر "الحديث"(4) بكسر الطاء المهملة والفاء وضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء بساط له خمل رقيق (5) أى يصلون النافلة والمراد بها هنا الراتبة (تخريجه) (ق. هق.

ص: 142

..

والأربعة إلا الترمذي) (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية رواتب الفرائض والتهجد والوتر والنفل المطلق فى السفر كما هى مشروعة فى الحضر، وبذلك قال جمهور العلماء (فان قيل) فى بعض أحاديث الباب عن ابن عمر نفى فعل الرواتب فى السفر، وفى بعضها إثبات الفعل وكلها يحتج بها فما التوفيق بين ذلك؟ (قلت) قد أجاب الحافظ العراقى رحمه الله عن ذلك بأن النفل المطلق وصلاة الليل لم يمنعهما ابن عمر ولا غيره، فأما السنن الرواتب فيحمل حديث النفى على الغالب من أحواله صلى الله عليه وسلم فى أنه لا يصلى الرواتب، وحديث الأثبات على أنه صلى الله عليه وسلم فعله فى بعض الأوقات لبيان استحبابها فى السفر وان لم يتأكد فعلها فيه كتأكده فى الحضر، أو أنه كان نازلا فى وقت الصلاة ولا شغل له يشتغل به عن ذلك، أو سائرًا وهو على راحلته، ولفظ كان فى قوله "فكان لا يزيد على ركعتين" لا يقتضى الدوام بل ولا التكرار على الصحيح، فلا تعارض بين حديثيه اهـ وجمع ابن بطال بين ما اختلف عن ابن عمر فى ذلك بأنه كان يمنع التنفل على الأرض ويقول به على الدابة (قال النووى رحمه الله قد اتفق الفقهاء على استحباب النوافل المطلقة فى السفر، واختلفوا فى استحباب النوافل الراتبة، فتركها ابن عمر وآخرون، واستحبها الشافعى وأصحابه والجمهور، ودليلهم الأحاديث العامة الواردة فى ندب مطلق الرواتب، وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم الضحى فى يوم الفتح، وركعتى الفجر حين ناموا حتى طلعت الشمس، وأحاديث أخر صحيحة ذكرها أصحاب السنن، والقياس على النوافل المطلقة (قلت) وأما ما فى الصحيحين ومسند الأمام أحمد فى أحاديث الباب عن ابن عمر أنه قال صحبت النبى صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح فى السفر، وفى رواية صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يزيد فى السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك (فقال النووى) لعل النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى الرواتب فى رحله ولا يراه ابن عمر فان النافلة فى البيت أفضل، ولعله تركها فى بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها، وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة أولى فجوابه أن الفريضة متحتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النافلة فهى الى خيرة المكلف فالرفق به أن تكون مشروعة ويتخير إن شاء فعلها وحصل ثوابها، وإن شاء تركها ولا شئ عليه اهـ (وقال الترمذى) روى عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يتطوع فى السفر قبل الصلاة، وروى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يتطوع فى السفر، ثم اختلف أهل العلم بعد النبى صلى الله عليه وسلم فرآى بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن يتطوع الرجل فى السفر، وبه يقول أحمد وإسحاق، ولم ير طائفة من أهل العلم أن يصلى قبلها ولا بعدها، ومعنى من لم يتطوع فى السفر قبول الرخصة، ومن تطوع فله فى ذلك فضل كثير، وهو قول أكثر أهل العلم يختارون التطوع فى السفر اهـ (قلت) وممن اختار

ص: 143

(أبواب صلاة المريض وصلاة القاعد)

(1)

باب من لم يقدر على القيام لمرض ونحوه يصلى كيفما يستطيع وله مثل أجر القائم

(1265)

عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال ما أحد من النَّاس يصاب ببلاء فى جسده إلَاّ أمر الله عز وجل الملائكة الَّذين يحفظونه فقال اكتبوا لعبدى كلَّ يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي

التطوع في السفر الأمام مالك، ففى الموطأ قال يحيى سئل مالك عن النافلة فى السفر فقال لا بأس بذلك بالليل والنهار، وقد بلغنى أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك اهـ وهذا هو المختار عند الحنفية فى حال القرار والأمن، وسئل الأمام أحمد رحمه الله عن التطوع فى السفر فقال أرجو أن لا يكون بالتطوع بأس، وروى عن الحسن قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون يتطوعون قبل المكتوبة وبعدها، وروى هذا عن عمر وعلى وابن مسعود وجابر وأنس وابن عباس وأبى ذر (وأما ابن عمر) فكان لا يتطوع قبل الفريضة ولا بعدها إلا من جوف الليل مع الوتر، واختاره الحافظ ابن القيم فى الهدى، قال وهذا هو الظاهر من هدى النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلى قبل الفريضة المقصورة ولا بعدها شيئا، ولم يكن يمنع من التطوع قبلها ولا بعدها، فهو كالتطوع المطلق، لا أنه سنة راتبة للصلاة كسنة صلاة الأقامة، قال ويؤيد هذا أن الرباعية قد خففت الى ركعتين تخفيفا على المسافر فكيف يجعل لها سنة راتبة يحافظ عليها وقد خفف الفرض الى ركعتين؟ فلولا قصد التخفيف على المسافر وإلا كان الأتمام أولى به؛ ولهذا قال عبد الله بن عمر لو كنت مسبحا لأتممت اهـ هذا ما اختاره الحافظ ابن القيم فى الرواتب غير الوتر وسنة الفجر، أما هما مع التطوع المطلق فقد اختار فعلها، ولهذا قال فى الهدى وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى يوم الفتح ثمان ركعات ضحى وهو إذ ذاك مسافر، قال وصح عنه صلى الله عليه وسلم "أنه كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه" والله أعلم

(1265)

عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ثنا سفيان الثورى عن علقمة بن مرثد عن القاسم يعنى ابن مخيمرة عن عبد الله بن عمرو "الحديث"(غريبه)(1) ليس الأمر قاصرًا على الابتلاء فى الجسد، بل مثله كل من كان يعمل طاعة فمنع منها بأى مانع قهرى وكانت نيته أن يدوم عليها لولا المانع (2) ما مصدرية ظرفية أى مدة كونه مريضا (تخريجه) أورده المنذري

ص: 144

(1265)

عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال كان بى النَّاصور فسألت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم عن الصَّلاة فقال صلِّ قائمًا

وقال رواه أحمد واللفظ له والحاكم وقال صحيح على شرطهما اهـ ثم اعلم رحمنى الله وإياك أنه لما كانت صلاة الفرض لا تصح من جلوس للقادر على القيام، وصلاة النفل تصح لكن بنصف أجر صلاة القائم، اقتضت رحمة الله تعالى بعبده المريض الذى أقعده المرض عن القيام، أو عجز عن أى عمل خيرىّ كان متعودًا عمله بأى مانع قهرى من الموانع الخارجة عن إرادته اقتضت رحمته عز وجل أن لا ينقصه شيئا من أجر ما كان يعمل قبل العذر، فالمريض الذى عجز عن القيام فى الفرض وصلى من قعود تصح صلاته ويكتب له مثل ثواب القائم، والمسافر الذى تعوّد التهجد مثلا فمنعه السفر عن أدائه يكتب له مثل ثواب المتهجد ما كان العذر قائما، ومثله المقيم الذى غلبه النوم، وكذلك من تعود الصلاة فى الجماعة فتعذر فانفرد كتب له ثواب الجماعة وهكذا، بديل حديث الباب وما أخرجه أيضا البخارى وأبو داود (عن أبى موسى الأشعرى) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا"(وفى حديث عائشة) رضى الله عنها عند النسائى "ما من امرئ يكون له صلاة من الليل يغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة"(وعن أبى هريرة) رفعه "من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج الى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر لا ينقص ذلك من أجره شيئا" أخرجه أبو داود والنسائى والحاكم قال الحافظ وإسناده قوى (قلت) ورواه الأمام احمد أيضا وسيأتى فى باب فضل صلاة الجماعة، وقد صدّرت هذا الباب بهذا الحديث توطئة لما سيأتى بعده وتسلية للمريض، وليعلم أن ما فاته من العمل صحيحا لم يفته ثوابه مريضا وفضل الله واسع

(1265)

عن عمران بن حصين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا ابراهيم بن طهمان عن حسين المعلّم عن ابن بريدة عن عمران بن حصين "الحديث"(غريبه)(1) الناصور بالصاد والسين عرق غبرٌ فى باطنه فساد كلما برئ أعلاه رجع غبرًا فاسدًا قاله الأزهرى (وفى لفظ للبخارى)"قال كانت بى بواسير" قلت البواسير جمع باسور بالباء الموحدة قيل هو ورم تدفعه الطبيعة الى كل موضع من البدن يقبل الرطوبة من المقعدة والأنثييت والأشفار وغير ذلك، فان كان فى المقعدة لم يكن حدوثه دون انفتاح أفواه العروق، وقد تبدل السين صادًا فيقال باصور، وقيل غير عربى قاله فى المصباح، قال العينى وهو فى عرف الأطباء نفاطات تحدت على نفس المقعدة ينزل منها كل وقت مادة اهـ (2) أى عن صلاة الذى به علة،

ص: 145

فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب.

(1266)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا سفيان عن الزُّهرىِّ سمعه من أنس بن مالك رضى الله عنه قال سقط النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من فرس فجحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصَّلاة فصلَّى قاعدًا وصلَّينا قعودًا، فلمَّا قضي الصَّلاة قال إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به فإذا كبَّر فكبِّروا وإذا رحع فاركعوا، وقال سفيان مرَّة، فإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا

وفي رواية وكيع عن ابراهيم بن طهمان "سألت عن صلاة المريض" أخرجه الترمذى وغيره (1) أى فعلى جنبك لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب عمران بقوله "فان لم تستطع" وقال أولًا فى جوابه "صل قائما" لكن لم يبين فيه على أى جنب؛ وهو بظاهره يتناول الجنب الأيمن والأيسر، وبه جزم الرافعى وقال إلا أنه لو اضطجع على جنبه الأيسر ترك السنة، وكأنه أشار بهذا الى ما رواه الدارقطنى من حديث على رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم "فان لم يستطع فعلى جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه الحديث" واستدل بعضهم على استحباب كونه على الجنب الأيمن بالحديث الصحيح المتفق عليه من حديث البراء بن عازب رضى الله عنه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقتك الأيمن وقل اللهم أسلمت نفسى اليك الحديث"(تخريجه)(خ. والأربعة. وغيرهم) وزاد النسائى فان لم تستطع فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

(1266)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(2) بضم الجيم وكسر الحاء المهملة ثم شين معجمة أى انخدش جلده وخدش الجلد قشره بعود، خدشه يخدشه وخدوشا (3) الائتمام الاقتداء والاتباع، أى جعل الأمام إمامًا ليقتدى به ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه فى موقفه، بل يراقب أحواله ويأتى على أثره بنحو فعله، ومقتضى ذلك أنه لا يخالفه فى شئ من الأحوال التى فصلها الحديث ولا فى غيرها قياسا عليها، ولكن ذلك مخصوص بالأفعال الظاهرة لا الباطنة، وهى ما لا يطلع عليه المأموم، وعامة الفقهاء على ارتباط صلاة المأموم بصلاة الأمام وترك مخالفته له (4) فيه أن المأموم لا يشرع فى التكبير إلا بعد فراغ الأمام منه، وكذلك الركوع والرفع منه، وقد اختلف فى ذلك هل هو على سبيل الوجوب أو الندب؟ والظاهر الوجوب من غير فرق

ص: 146

ربنا ولك الحمد وإن صلَّى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون

(1267)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال صرع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من فرش على جذع نخلة فانفكت قدمه فدخلنا عليه نعوده فوجدناه يصلِّى، فصلَّينا بصلاته ونحن قيام فلمَّا صلَّى قال إنما جعل الإمام ليؤتمَّ به فإن صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإن صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا، ولا تقوموا وهو جالس كما يفعل أهل فارس بعظمائها

بين تكبيرة الأحرام وغيرها (1) فيه دليل لمن قال إنه يقتصر المؤتم فى ذكر الرفع من الركوع على قوله ربنا ولك الحمد، وقد تقدم الكلام على ذلك فى باب أذكار الرفع من الركوع، وتقدم الكلام أيضا على اختلاف الروايات فى زيادة الواو وحذفها من قول ربنا ولك الحمد (2) فيه دليل لمن قال إن المأموم يتابع الأمام فى الصلاة قاعدًا وان لم يكن المأموم معذورًا، واليه ذهب الأمام أحمد وإسحاق والأوزاعى وأبو بكر بن المنذر وداود وبقية أهل الظاهر وقوله (أجمعون) كذا فى أكثر الروايات بالرفع على التأكيد بضمير الفاعل فى قوله صلوا، وفى بعضها بالنصب على الحال والله أعلم (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)

(1267)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبى سفيان عن جابر "الحديث"(غريبه)(3) أى سقط عن ظهرها (وقوله على جذع نخلة) أى على ساق نخلة ذهب أعلاها وبقى أصلها فى الأرض (4) الفك نوع من الوهن والخلع، وانفك العظم انتقل من مفصله، يقال فككت الشئ أبنت بعضه من بعض (5) ظاهره يخالف حديث أنس المتقدم لأنه قال فيه "فصلى قاعدًا وصلينا قعودًا" والجمع بينهما أن فى رواية أنس اختصارًا، وكأنه اقتصر على ما آل اليه الحال بعد أمره لهم بالجلوس؛ ففى رواية الحميد عن أنس "فصلى بهم جالسا وهم قيام فلما سَّلم قال إنما جعل الأمام ليؤتم به" وفيها أيضا اختصار، لأنه لم يذكر فيها أنه صلى الله عليه وسلم أشار اليهم بالجلوس، والجمع بينهما أنهم ابتدؤا الصلاة قياما فأومأ اليهم بأن يقعدوا فقعدوا، فنقل كل من الزهرى وحميد أحد الأمرين؛ وجمعتهما عائشة فى حديثها الآتى حيث قالت "فصلى بهم جالسا فجعلوا يصلون قياما فأشار اليهم أن اجلسوا" أفاده الحافظ (6) يشير الى أن أهل فارس والروم كانوا يقومون على رؤس ملوكهم وهم جالسون تعظيما لهم فنهينا عن التشبه بهم (تخريجه)(د. وغيره) وأخرجه أيضا (م. نس. جه) من رواية الليث عن أبى الزبير عن جابر بلفظ

ص: 147

(1268)

عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه النَّاس فى مرضه يعودونه فصلَّى بهم جالسًا فجعلوا يصلُّون قيامًا فأشار إليهم أن أجلسوا، فلمَّا فرغ قال إنَّما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلَّي جالسًا فصلُّوا جلوسًا

(1269)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال آخر صلاة صلَاّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه برد متوشِّحًا به وهو قاعد

(1270)

عن المختار بن فلفل أنَّه سأل أنسًا عن صلاة المريض، فقال يركع ويسجد قاعدًا في المكتوبة

"اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت الينا فرآنا قياما فأشار الينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودًا، فلما سلم قال إن كنتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، ان صلى قائما فصلوا قياما، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا"

(1268)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن هشام ابن عروة قال أخبرنى أبى قال أخبرتنى عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه الناس "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1269)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان عن حميد عن أنس بن مالك "الحديث"(غريبه)(1) قال فى القاموس البرد بالضم ثوب مخطط جمعه أبرادٌ وأبردٌ وبرودٌ، واكسية يلتحف بها، الواحدة بهاءٍ اهـ (2) قال ابن السكيت التوشح أن يأخذ طرف الثوب الذى ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذى ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره اهـ (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ وسنده جيد

(1270)

عن المختار بن فلفل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا زائدة ثنا المختار بن فلفل عن أنس بن مالك فذكر حديثا سيأتى فى موضعه، وفيه وسألت أنسا عن صلاة المريض الخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال

ص: 148

(1271)

عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فى مرضه الَّذى مات فيه مروا أبا بكر يصلِّى بالنَّاس، قالت عائشة إنَّ أبا بكر رجل أسيف فمتى يقوم مقامك تدركه الرِّقة، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّكنَّ صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصلِّ بالنَّاس، فصلَّي أبو بكر وصلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم خلفه قاعدًا

(1272)

عن ابن بريدة عن أبيه قال مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا أبا بكر يصلِّى بالنَّاس، فقالت عائشة يا رسول الله إنَّ أبى رجل رقيق فقال مرا أبا بكر يصلِّي بالنَّاس فإنَّكنَّ صواحبات يوسف، فأمَّ أبو بكر الَّنَّاس ورسول الله صلَّي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم حيّ

رواه أحمد ورجاله ثقات

(1271)

عن عروة عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا شباّبة ثنا شعبة عن سعد بن ابراهيم عن عروة "الحديث"(غريبه)(1) أى حزين وقيل سريع الحزن والبكاء ويقال فيه أيضا الأسوف (2) أى فى التظاهر على ما تردن وكثرة الحاحكن فى طلب ما تردنه وتملن اليه، وفى مراجعة عائشة جواز مراجعة ولى الأمر على سبيل العرض والمشاورة، والأشارة بما يظهر أنه مصلحة، وتكون تلك المراجعة بعبارة لطيفة، ومثل هذه المراجعة مراجعة عمر رضى الله عنه فى قوله "لا تبشرهم فيتكلوا" وأشباهه كثيرة مشهورة قاله النووى (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1272)

عن ابن بريدة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا زائدة ثنا عبد الملك بن عمير عن ابن بريدة عن أبيه "الحديث"(غريبه)(3) هو بريدة الأسلمى رضى الله عنه (4) فى رواية لمسلم عن عائشة "إن أبا بكر رجل رقيق اذا قرأ القرآن لا يملك دمعه"(تخريجه) لم أقف عليه من حديث بريدة لغير الأمام أحمد، وله شواهد عند الشيخين وغيرهما من حديث عائشة وأنس وغيرهما (وفى الباب) عن على بن أبى طالب رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال يصلي

ص: 149

_________

المريض قائما إن استطاع، فان لم يستطع صلى قاعدًا، فان لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فان لم يستطيع أن يصلى قاعدًا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فان لم يستطع أن يصلى على جنبه الأيمن صلى مستلقيا رجلاه مما يلى القبلة (رواه الدارقطنى) وفى إسناده حسين بن زيد ضعفه ابن المدينى والحسن بن الحسين العرنى "قال الحافظ" وهو متروك "وقال النووى" هذا حديث ضعيف (وعن جابر بن عبد الله)"أن النبى صلى الله عليه وسلم عاد مريضا فرآه يصلى على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ عودًا ليصلى عليه، فأخذه فرمى به، وقال صل على الأرض إن استطعت وإلا فأوم إيماءً" رواه البزار والبيهقى فى المعرفة والحافظ محمد بن عبد الواحد فى مختاره، وقال أبو حاتم فى رفع هذا خطأ، إنما هو صح عن جابر "قوله انه دخل على مريض" وأورده الحافظ فى بلوغ المرام وقال رواه البيهقى وصحح أبو حاتم وقفه (وعن عائشة) رضى الله عنها قالت رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يصلى متربعا رواه النسائى وصححه الحاكم (الأحكام) فى أحاديث الباب دليل على أن المريض اذا لم يقدر على القيام وصلى الفرض من جلوس صحت صلاته وكان له مثل أجر القائم وتقدم الكلام على ذلك فى شرح الحديث الأول من أحاديث الباب، فان لم يستطع أن يصلى قاعدًا صلى على جنبه لحديث عمران بن حصين، وحكى القاضى عياض عن الأئمة (مالك والشافعى وأحمد وإسحاق) أنه لا يشترط العدم بل وجود المشقة، والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفى الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام أو خوف زيادة المرض أو الهلاك ولا يكتفى بأدنى مشقة، ومن المشقة دوران الرأس فى حق راكب السفينة وخوف الغرق لو صلى قائما فيها (قال الحافظ) وهل يعد فى عدم الاستطاعة من كان كامنا فى الجهاد ولو صلى قائما لرآه العدو فتجوز له الصلاة قاعدًا أو لا؟ فيه وجهان للشافعية، الأضح الجواز، لكن يقضى لكونه عذرًا نادرًا؛ واستدل به على تساوى عدم الاستطاعة فى القيام والقعود فى الانتقال خلافا لمن فرق بينهما كأمام الحرمين، وقال ويدل للجمهور أيضا حديث ابن عباس عند الطبرانى بلفظ "يصلى قائما فان نالته مشقة فجالسا فان نالته مشقة صلى نائما الحديث" فاعتبر فى الحالين وجود المشقة ولم يفرق اهـ (قلت) ولم يبين فى حديث عمران على أى الجنبين يصلى، وقد بينه حديث على رضى الله عنه عند الدارقطنى بقوله "فان لم يستطع أن يصلى قاعدًا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة" يعنى بوجهه (قال الحافظ) وهو حجة للجمهور فى الانتقال من القعود الى الصلاة على الجنب، وعند الحنفية وبعض الشافعية يستلقى على ظهره ويجعل رجليه الى القبلة، ووقع فى حديث على أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة

ص: 150

(3)

باب من قدر على القيام بمشقة فى الفرض أو النفل

(1283)

(وصلى قاعدا فصلانه على النصف من صلاة القائم)

عن انس بن مالكٍ رضى اّلله عنه قال قدم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة

الاضطجاع، واستدل به من قال لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى كالأشارة بالرأس ثم الايماء بالطرف ثم أجراء القرآن والذكر على اللسان ثم على القلب لكون جميع ذلك بم يذكر فى الحديث، وهو قول (الحنفية والمالكية وبعض الشافعية) وقال بعض الشافعية "قلت والحنابلة" بالترتيب المذكور وجعلوا مناط الصلاة حصول العقل فحيث كان حاضر العقل لا يسقط عنه التكليف بها فيأتى بما يستطيعه بدليل قولى صلى الله عليه وسلم "اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" اه (قلت) لم يبين فى أحاديث الباب كيفية القعود فيأخذ من اطلاقه جوازه على أى صفة شاء المصلى، واختلفوا فى الأفضل من ذلك، فذهب الأئمة (مالك واحمد واسحاق وابو يوسف) الى أنه يصلى متربعًا، وقال (ابو حنيفة والمزنى وزفر) الافتراش أفضل، وهو موافق لقول الشافعى فى مختصر المزنى وصححه الرافعى (قال النووى) وللشافعى قولان أظهرهما يقعد مفترشًا والثانى متربعًا (وفى أحاديث الباب أيضًا) دليل للقائلين إن المأموم يتابع الأمام فى الصلاة قاعدًا وإن لم يكن المأموم معذورا، وممن قال بذلك الأمام أحمد رحمه الله وإسحاق والأوزاعى وابن المنذر وأهل الظاهر (قال النووى) وقال مالك رحمه الله تعالى فى رواية لا يجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد لا قائما ولا قاعدا (وقال أبو حنيفة والشافعى) وجمهور السلف رحمهم الله تعالى لا يجوز للقادر على القيام أن يصلى خلف القاعد إلا قائما؛ واحتجوا بأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى مرض وفاته بعد هذا قاعدا وأبو بكر رضى الله عنه والناس خلفه قيامًا وإن كان بعض العلماء زعم أن أبا بكر رضى الله عنه كان هو الأمام والنبى صلى الله عليه وسلم مقتد به، لكن الصواب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان هو الأمام، واستدل النووى رحمه الله لذلك بما فى حديث عائشة عند مسلم قالت "فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبى بكر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى جالسا وأبو بكر قائما، يقتدى أبو بكر بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم ويقتدى الناس بصلاة أبى بكر" وفى المسألة خلاف كثير سيأتى الكلام فيه فى باب اقتداء المسافر بالمقيم، والقادر على القيام بالجالس من أبواب الجماعة إن شاء الله تعالى والله الموفق (1273) عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن بكر قال ثنا ابن جريج قال قال ابن شهاب أخبرنى أنس بن مالك قال قدم النبى صلى الله عليه وسلم

ص: 151

وهي محمَّةٌ فحمَّ الٌنَّاس فدخل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المسجد والنَّاس قعودٌ يصلُّون، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم صلاة القاعد نصف صلاة القائم فتجشَّم النَّاس الصلاة قيامًا

وعنه أيضًا قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناسٍ وهم يصلُّون قعودًا من مرضٍ فقال إنَّ صلاة القاعد على النِّصف من صلاة القائم

عن عمران بن حصينٍ رضى الله عنه قال كنت رجلًا ذا أسقامٍ كثيرةٍ فسألت رسول الله صلَّي الله وعلى آله وصحبه وسلَّم عن صلاتى قاعدًا قال صلاتك قاعدًا على النِّصف من صلاتك قائمًا، وصلاة الرجَّل مضطجعًا

"الحديث"(غريبه)(1) بفتح اوله وثانية وتشديد الميم الثانية مفتوحة أى ذات حمّى كلمأسدة والمذأبة لموضع الأسود والذئاب، يقال أحمَّد الأرض أى صارت ذات حمّى (نه)(2) هذا وما بعده فى هذا الباب يحمل على المريض الذى يمكنه صلاة الفرض أو النفل من قيام بمشقة وصلى جالسًا فتكون صلاته على النصف من صلاة القائم، أما من لم يمكنه القيام ولو بمشقة وصلى جالسًا فله مثل ثواب القائم كاملا، وفى المسألة خلاف سيأتى فى الأحكام (3) أى تكلف الناس الصلاة قيامًا، يقال جشمت الأمر بكسر الشين المعجمة وتجمشته اذا تكلفته وجشَّمته غيرى بالتشديد وأجشتمه اذا كلفته إياه (تخريجه) تفرد به الأمام أحمد ورجاله ثقات وله شاهد عند الأمام مالك فى الموطأ عن عبد الله بن عمرو بن العاص بنحوه (1274) وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الملك بن عمرو ثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(تخريجه)(جه) وسنده صحيح (1275) عن عمران بن حصين (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الوهاب الخفاف عن سعيد عن حسين المعلم قال وقد سمعته من حسين عن عبد الله بن بريده عن عمران بن حصين "الحديث"(غريبه)(4) عند أبى داود نائمًا بدل مضطجعا والمعنى واحد، لأن المراد به مضطجعا على هيئة النائم (قال الخطابي) كنت

ص: 152

على النِّصف من صلاته قاعدًا

عن عبد الله بن شقيقٍ قال كنت شاكيًا بفارس فكنت أصلَّى قاعدًا، فسألت عن ذلك عائشة رضى الله عنها، فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلِّى ليلًا طويلًا قائمًا وليلًا طويلًا قاعدًا، فإذا

تأولت هذا الحديث على أن المراد به صلاة التطوع "يعنى للقادر" لكن قوله وصلاته نائما يفسده، لأن المضطجع لا يصلى التطوع كما يفعل القاعد، لأنى لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص فى ذلك، فان صحت هذه اللفظة "يعنى قوله وصلاته نائمًا" ولم يمكن بعض الرواة أدرجها قياسًا منه للمضطجع على القاعد كما يتطوع المسافر على راحلته، فالتطوع للقادر على القعود مضطجعًا جائز بهذا الحديث قال "وفى القياس نظر" لأن القعود شكل من أشكال الصلاة بخلاف الاضطجاع، وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران عمران المريض المفترض الذى يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة فجعل آجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبًا له فى القيام مع جواز قعوده اهـ نقله الحافظ (وقال اين بطال) وأما قوله وصلاته نائمًا على النصف من صلاته قاعدًا فلا يصح معناه عند العلماء لأنهم مجمعون أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماء، قال وإنما دخل الوهم على ناقل الحديث اهـ (قال العراقى) أما نفى الخطابى وابن بطال للخلاف فى صحة التطوع مضطجعا للقادر فمردود، فان فى مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة، وعند المالكية ثلاثة أوجه حكاها القاضى عياض فى الأكمال؛ أحدها الجواز مطلقًا فى الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض، وقد روى الترمذى باسناده عن الحسن البصرى جوازه، فكيف يدعى مع هذا الخلاف القديم والحديث الاتفاق؟ اهـ (تخريجه)(خ. والأربعة)

(1276)

عن عبد الله بن شقيق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن بديل عن عبد الله بن شقيق "الحديث"(غريبه)(1) قال النووى هكذا ضبطه جميع الراوة المشارقة والمغاربة بفارس بكسر الباء الموحدة الجارة وبعدها فاء، وكذا القاضى عن جميع الرواة، قال وغلط بعضهم فقال صوابه نقارس بالنون والقاف وهو وجع معروف، لأن عائشة لم تدخل بلاد فارس قط فكيف يسألها فيها؟ وغلَّطه القاضى فى هذا وقال ليس بلازم أن يكون سألها فى بلاد فارس، بل سألها بالمدينة بعد رجوعه من فارس، وهذا ظاهر الحديث وأنه إنما سألها عن أمر انقضى هل هو صحيح

ص: 153

قرأ قائمًا ركع أو خشع قائمًا، وإذا قرأ قاعدًا ركع قاعدًا

عن مجاهدٍ أنَّ السَّائب سأل عائشة فقال إنِّى لا أستطيع أن أصلِّى إلَاّ جالسًا فكيف ترين؟ قالت سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله

أم لا؟ لقوله وكنت أصلى قاعدًا (1) لفظه عند مسلم وأبى داود "ركع قائما" بدون خشع، والظاهر أن لفظ خشع فى رواية الأمام أحمد جاء للشك من الراوى هل قالت عائشة ركع قائما أو خشع قائما والله أعلم (2) استدل به أشهب من المالكية وبعض الحنفية على أن من افتتح صلاة النافلة قائما يركع قائما، ومن افتتحها قاعدا يركع قاعدا، وقالوا لا يجوز خلاف ذلك، وليس بلازم، لأنه ثبت من حديث عائشة أيضًا، وسيأتى أنه صلى الله عليه وسلم "كان يقرأ أقاعدا حتى اذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع" ولا منافاة بين الخبرين، فقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل كل ذلك تبعًا للقوة وعدمها (قال ابن خزيمة) لا مخالفة عندى بين الخبرين؛ لأن رواية عبد الله بن شقيق محمولة على ما اذا قرأ جميع القراءة قاعدا أو قائما، ورواية هشام بن عروة (يعنى حديث عائشة الآتى) محمولة على اذا قرأ بعضها قائمًا اهـ (تخريجه)(م. د. نس. جه)

(1277)

عن مجاهد أن السائب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو كامل ثنا زهير إبراهيم بن مهاجر البجلى عن مجاهد أن السائب سأل عائشة "الحديث"(غريبه)(3) هو السائب بن عبد الله الصحابى رضى الله عنه كان صاحب النبى صلى الله عليه وسلم فى الجاهلية ثم أسلم يوم فتح مكة (تخريجه) لم أقف عليه ورجاله ثقات (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن من قدر على القيام بمشقة سواء أكان ذلك فى فرض أم نفل وصلى قاعدا كانت صلاته على النصف من صلاة القائم، وقد اختلف شراح الحديث فى شرح حديث عمران بن خصين "وما ماثله من أحاديث الباب" هل هو محمول على التطوع أو على الفرض فى حق غير القادر، فحكى ابن التين وغيره عن أبى عبيد وابن الماجشون واسماعيل القاضى وابن شعبان والاسماعيلى والداودى وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على التنفل، ةكذا نقله الترمذى عن الثورى، وحمله الخطابى على الفرض قائلا المراد بحديث عمران المريض المفترض الذى يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة، فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبا له فى القيام مع جواز القعود، وقد ذكرنا للخطابى كلامًا أكثر من هذا تقدم فى شرح حديث عمران المذكور فى الباب (قال الحافظ) بعد ذكر قول الخطابى هذا، وهو

ص: 154

وسلَّم يقول صلاة الرَّجل جالسَّا مثل نصف صلاته قائمًا

(3)

باب جواز التطوع من جلوس لغير عذر

(وتنصيف أجره لغير النبى صلى الله عليه وسلم

عن عبد الله بن عمرٍو رضى الله عنهما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلِّى جالسًا، قلت له حدِّثت أنَّك تقول صلاة القاعد

حمل متجه، قال فمن صلى فرضًا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء، فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام، فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة، فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم، ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من آجر القائم بغير إشكال؛ قال ولا يلزم من اقتصار العلماء فى حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا تراد الصورة التى ذكرها الخطابى، وقد ورد فى الحديث وما يشهد لها، فعند احمد عن أنس قال قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وهى محمَّة فحم الناس، فذكر الحافظ حديث أنس المذكور أول الباب وقال رجاله ثقات، وعند النسائى متابع له من وجه آخر وهو وارد فى المعذور فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابى اهـ كلام الحافظ بتصرف (قلت) والذى يظهر لى أن تنصيف الأجر محمول على الفرض والنفل معًا للمريض الذى يمكنه القيام فيهما ولو بمشقة يتكلفها كما فى حديث أنس "فتجشم الناس الصلاة قيامًا" وإنما قلت ذلك لأنه ثبت بالأحاديث الصحيحة أن المعذور الذى لا يمكنه القيام بحال وصلى من قعود يعطى مثل أجر صلاة القائم سواء أكانت الصلاة فرضا أم نفلا، فلو حملناه على التطوع فقط فما ذنب المعذور الذى منعه المرض مثلا عن القيام بتاتًا فى التطوع ولولاه لصلى قائما؟ وما الفرق بينه وبين الصحيح الذى يتطوع جالسًا وأجره مثل نصف أجر القائم؟ فالظاهر أن حمله على الفرض والنفل معًا أولى من حمله على أحدهما والله أعلم

(1278)

عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدّثنا عبد الله أبى ثنا يحيى عن سفيان ثنا منصور عن هلال بن يساف عن أبى يحيى عن عبد الله بن عمرو

ص: 155

على نصف صلاة القائم قال إنِّى لست كمثلكم

عن السَّائب بن عبد الله رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال صلاة القاعد على النِّصف من صلاة القائم

وعنه أيضًا قال دخلت على عائشة رضى الله عنها فحدَّثتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة القاعد على النِّصف من صلاة القائم

"الحديث"(غريبه)(1) أى فيها نصف ثواب القائم، وهو محمول على صلاة النفل قاعدًا مع القدرة على القيام فيتضمن صحتها ونقصان أجرها (2) رواية مسلم وابى داود (قال أجل ولكنى لست كأحد منكم) والمعنى ان صلاته صلى الله عليه وسلم النفل جالسًا مع القدرة على القيام كنافلته قائما فى الأجر، وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(ق. لك. د. نس. مى)

(1279)

عن السائب بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن ابراهيم يعى ابن مهاجر عن مجاهد عن قائد السائب عن السائب "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه وتعضده أحاديث الباب

(1280)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسباط قال ثنا سفيان عن ابراهيم بن مهاجر عن قائد السائب بن عبد الله عن السائب قال دخلت على عائشة الخ (غريبة)(3) أى عن السائب بن عبد الله، فالحديث الأول من مسنده أعنى من روايته عن النبى صلى الله عليه وسلم بغير واسطة، والثانى من مسند عائشة رضى الله عنها أعنى من روايته عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم، ومعلوم ان كثيرا من الصحابة كان يروى بعضهم عن بعض (تخريجه) اورده الهيثمى وقال رواه احمد ورجاله رجال الصحيح (الأحكام) أحاديث الباب تدل على صحة صلاة النفل من جلوس للقادر على القيام ويكون ثوابه كنصف ثواب القائم إلا النبى صلى الله عليه وسلم فصلاته فى النفل قاعدا كصلاته قائما فى الأجر، وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، ويستفاد ذلك من حديث عبد الله بن عمرو المذكور أول الباب، ولفظ عند مسلم وأبى دواد عن عبد الله بن عمرو قال حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة، قال فأتيته فوجدته يصلى جالسا فوضعت يدى على رأسه "فى رواية على رآسى" فقال مالك يا عبد الله بن عمرو؟ قلت حديثت يا رسول أنك قلت صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة وأنت تصلى قاعدا قال أجل،

ص: 156

باب تطوع النبى صلى الله عليه وسلم قاعدا

عن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلِّى كثيرًا من صلاته وهو جالسٌ

عن أمِّ سلمة رضى الله عنها قالت والَّذى توفىَّ نفسه تعنى النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ما توفيَّ حتَّى كانت أكثر صلاته قاعدًا إلَاّ المكتوبة، وكان أعجب العمل إليه الَّيه الَّذي يدوم عليه العبد وإن كان يسيرًا

ولكني لست كأحد منكم) قال النووى رحمه الله فى شرح الحديث، وأما قوله صلى الله عليه وسلم فانى لست كأحد منكم فهو عند أصحابنا من خصائص النبى صلى الله عليه وسلم جعلت نافلته قاعدًا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له كما خص بأشياء معروفة فى كتب أصحابنا وغيرهم، وقد استقصيها فى أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات، وقال القاضى عياض معناه أن النبى صلى الله عليه وسلم لحقه مشقة من القيام لحطم الناس وللسن (يعنى لما تحمله من أثقالهم وأعمالهم وكثرة مصالحهم والحطم كسر الشئ) فكان أجره تاما بخلاف غيره ممن لا عذر له، هذا كلامه وهو ضعيف أو باطل، لأن غيره صلى الله عليه وسلم إن كان معذورا فثوابه أيضًا كامل، وإن كان قادرا على القيام فليس هو كالمعذور فلا يبقى فيه تخصيص، فلا يحسن على هذا التقدير لست كأحد منكم وإطلاق هذا القول (فالصواب) ما قاله أصحابنا أن نافلته صلى الله عليه وسلم قاعدا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص والله أعلم أهـ

(1281)

عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو نعيم قال ثنا عبد الواحد بن أيمن قال حدثنى عن عائشة "الحديث"(غريبه)(1) أى التطوع ولم يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم إلا فى آخر مدته عندما كبر وأسن وكان ذلك قبل وفاته بعام أو عامين كما يستفاد ذلك من الأحاديث الآتية وجاء مصرحا به فى رواية عند مسلم عن عروة عن عائشة قالت "لما بدَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسا"(تخريجه)(م. وغيره) وقوله بدَّن بتشديد الدال المهملة أى كبر فى السن (1282) عن أم سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق قال ثنا سفيان عن أبى اسحاق عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة "الحديث"(تخريجه)(نس) وأخرج نحوه النسائى ومسلم من حديث عائشة

ص: 157

(1283)

عن أبي هريرة رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى قائمًا وقاعدًا وحافيًا ومنتعلًا (زاد فى روايةٍ) وينفتل عن يمينه وعن يساره

(فصل منه فى صفة تطوعه صلى الله عليه وسلم قاعدا)

عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورضى عنها أنَّها أخبرته أنَّها لم تر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلِّى صلاة اللَّيل قاعدًا حتَّى أسنَّ، فكان يقرأ قاعدًا حتَّى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوًا من ثلاثين أو أربعين آيًة ثمَّ ركع (وعنها من طريقٍ ثانٍ) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلَّى جالسًا فيقرأ وهو جالسٌ، فإذا

(1283) عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله أبى ثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبى هريرة الخ (غريبه)(1) أى ينصرف من صلاته (تخريجه) لم أقف عليه وأخرج نحوه (د. جه. هق) من حديث عمرو بن شعيب وسنده جيد (1284) عن هشام بن عروة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن هشام بن عروة الخ (غريبه)(2) فيه استحباب تطويل القراءة فى صلاة الليل وجواز بعض الركعة من قيام وبعضها من قعود، وسيأتي الكلام على ذلك فى الأحكام (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن عبد الله بن يزيد وأبى النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبى سلمة ابن عبد الرحمن عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى جالسا "الحديث"(تخريجه)(ق. د. نس. جه) وأورده البخارى من طريقين كما عند الأمام احمد (قال الحافظ) أورد المصنف "يعنى البخارى" حديث عائشة من رواية مالك باسنادين له أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى قاعدًا، فاذا أراد ان يركع قام فقرأ ثلاثين أو أربعين آية قائما ثم ركع (وزاد) فى الطريق الثانية منهما أنه كان يفعل ذلك فى الركعة الثانية، وفى الأولى منهما تقييد ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الليل قاعدً الا بعد ان أسن (وفى لفظٍ حتى اذا كبر) وفى رواية عثمان بن سليمان عن أبى سلمة عن عائشة "لم يمت حتى كان أكثر صلاته جالسا" وفى حديث حفصة "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى سجته جالسا حتى اذا كان قبل موته

ص: 158

بقي عليه من قراءته قد ما يكون ثلاثين أو أربعين آيةً قام فقرأ وهو قائمٌ ثمَّ ركع ثمَّ سجد، ثمَّ يفعل فى الرَّكعة الثَّانية مثل ذلك

عن عبد الله بن شقيقٍ أنَّ عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى قائمًا ركع قائمًا، وإذا صلَّى ركع قاعدًا

عن حفصة زوج النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ورضى عنها أنَّها قالت لم أر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلَّى فى سبحته جالسًا قطُّ حتَّى إذا كان قبل موته بعامٍ أو بعامين فكان يصليِّ فى سبحته جالسًا ويقرأ السورة فيرتِّلها حتَّى تكون أطول من أطول منها

بعام فكان يصلى فى سبحته جالسا الحديث" أخرجهما مسلم (قلت والأمام احمد أيضا) قال وقال ابن التين قيدت عائشة ذلك بصلاة الليل لتخرج الفريضة، وبقولها حتى أسن لتعلم أنه إنما فعل ذلك ابقاًء على نفسه ليستديم الصلاة، وأفادت أنه كان يديم القيام، وأنه كان لا يجلس عما يطيقه من ذلك اه

(1285)

عن عبد الله بن شقيق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين ثنا جرير عن محمد عن عبد الله بن شقيق "الحديث"(غريبه)(1) هذا الحديث لا يعارض ما قبله، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك فى بعض الأحيان حسب قوته وعدمها، فان وجد نشاطا وقوة صلى قائما، وان وجد بعض ضعف صلى بعض الركعة جالسا وأتمها من قيام، وام وجد ضعفا كثيرًا صلى قاعدا وركع قاعدا والله أعلم (تخريجه)(ق. د. نس. جه. هق)(1286) عن حفصة (سنده) حدّثنا عبد الله خذثنى أبى ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهرى عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبى وداعة عن حفصة "الحديث"(غريبه)(2) الترتيل فى القراءة هو التمهل والتأنى، يقال رتلت القرآن ترتيلا تمهلت فى القراءة ولم أعجلن والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ السورة مرتلة حتى تكون اطول من سورة اطول منها غير مرتلة (الأحكام) احاديث الباب تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى من جلوس فى تطوعه وما فعل ذلك الا فى آخر عمره حينما كبر وضعفت قوته؛ ومع هذا فقد كان يأتى ببعض الركعة من جلوس وبعضها من جلوس وبعضها من قيام حرصا على الأكمل كما هى عادته صلى الله عليه وسلم (وفيها

ص: 159

_________

أيضا) جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود (قال النووى رحمه الله وهو مذهبنا ومذهب مالك وأبى حنيفة وعامة العلماء، وسواء قام ثم قعد أو قعد ثم قام، ومنعه بعض السلف وهو غلط، وحكى القاضى عن أبى يوسف ومحمد صاحبى أبى حنيفة فى آخرين كراهة القعود بعد القيام، ولو نوى القيام ثم أراد أن يجلس جاز عندنا وعند الجمهور، وجوزه من المالكية ابن القاسم ومنعه أشهب اهـ (وفيها أيضا) استحباب تطويل القيام فى النافلة وانه أفضل من تكثير الركعات (واليه ذهب الشافعى) وتقدم الخلاف فيه فى باب فضل طول القيام وكثرة الركوع والسجود فى أول كتاب الصلاة؛ وفيها غير ذلك والله أعلم

(تتمة فى حكم الصلاة فى السفينة)

اعلم وفقنى الله وإياك لما يحبه ويرضاه أنى لم أقف للأمام أحمد ولا لأحد من أصحاب الكتب الستة على أحاديث فى الصلاة فى السفينة، وقد وقفت على شئ منها فى سنن الدار قطنى. وسعيد ابن منصور. ومستدرك الحاكمز ومسند البزار أحببت ذكره هنا تتميما للفائدة واليك ما وقفت عليه روى الدار قطنى بسنده (عن ابن عباس) رضى الله عنهما قال "لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر ابن أبى طالب الى الحبشة قال يا رسول الله كيف أصلى فى السفينة؟ قال صل فيها قائما الا أن تخاف الغرق" وفى إسناده جمين بن علوان قال الدار قطنى متروك (قلت) ورواه البزار بسنده (عن جعفر بن أبى طالب)"أن النبى صلى الله عليه وسلم" أمره أن يصلى فى السفينة قائما إلا أن يخشى الغرق" أورده الهيثمى وقال رواه البزار وفيه رجل لم يسم وبقية رجاله ثقات وإسناده متصل (وعن ميمون بن مهران) عن ابن عمر رضى الله عنهما قال "سئل النبى صلى الله عليه وسلم كيف أصلى فى السفينة؟ قال صل فيها قائما الا أن تخاف الغرق" رواه الدار قطنى وأبو عبد الله الحاكم فى المستدرك على شرط الصحيحين (وعن عبد الله بن أبى عتبة) قال "صحبت جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدرى وأبا هريرة فى سفينة فصلوا قيامًا فى جماعة أمهم بعضهم وهم يقدرون على الجدِّ" رواه سعيد بن منصور فى سننه (والجدّ) بضم الجيم وتشديد الدال هو شاطئ البحر، والمراد أنهم يقدرون على الصلاة فى البرد وقد صحت صلاتهم فى السفينة مع اضطرابها (الأحكام) فى هذه الأحاديث دليل على جوازه الصلاة فى السفينة وان كان الخروج الى البر ممكنا متى أمكنه الصلاة فيها قائما مستقبل القبلة والا وجب الخروج الى البر لأداء الصلاة فيه، فان لم يمكن الخروج الى البر وخشى الغرق لو صلى قائما، صلى جالسا (قال النووى رحمه الله قال اصحابنا اذا صلى الفريضة فى السفينة لم يجزله ترك القيام مع القدرة كما لو كان فى البر، وبه قال مالك واحمد، وقال أبو حنيفة يجوز اذا كانت سائرة، قال أصحابنا فان كان له عذر من دوران الرأس ونحوه جازت الفريضة قاعدًا لأنه عاجز، فان هبت الريح وحولت السفينة فتحول وجهه عن القبلة وجب رده الى القبلة ويبنى على صلاته اهـ (ج) والله أعلم

ص: 160

(أبواب صلاة الجماعة)

(1)

باب ماورد فى فضلها

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الرَّجل في جماعةٍ تزيد عن صلاته فى بيته وصلاته فى سوقه بضعًا وعشرين درجةً، وذلك أنَّ أحدكم إذا توضَّأ فأحسن الوضوء ثمَّ أتى المسجد لا يريد

(1287) عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) قال ابن دقيق العيد مقتضاه أن الصلاة فى المسجد جماعة تزيد على الصلاة فى البيت والسوق جماعة وفرادى، ولكنه خرج مخرج الغالب فى أن لم يحضر الجماعة فى المسجد صلى منفرد، قال وبهذا يرتفع الأشكال عمن استشكل تسوية الصلاة فى البيت والسوق اهـ باختصار (قال الحافظ) ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية بين صلاة البيت والسوق، إذ لا يلزم من استوائهما فى المفضولية أن لا تكون إحداهما أفضل من الأخرى، وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة فى البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردًا، بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة فى المسجد، والصلاة فى البيت مطلقا أولى منها فى السوق، لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين، والصلاة جماعة فى البيت وفى السوق أولى من الانفراد اهـ (وقال النووى أيضا) المراد فى بيته وسوقه منفردًا هذا هو الصواب، وقيل غير ذلك وهو قول باطل نبهت عليه لئلا يغتربه اهـ (وقوله بضعا) البضع بكسر الباء من الثلاثة الى العشرة على الرجح، وتقدم الكلام فيه فى الباب الخامس من كتاب الأيمان وغيره (وقوله درجة) قال الشوكانى هو مميز العدد المذكور؛ وفى الروايات كلها التعبير بقوله درجة أو حذف المميز الا طرق أبى هريرة ففى بعضها ضعفا، وفى بعضها جزءًا، وفى بعضها درجة، وفى بعضها صلاة، ووجد هذا الأخير فى بعض طرق أنس، والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن فى العبارة، والمراد أنه يحصل له من صلاة الجماعة مثل أجر صلاة المنفرد سبعا وعشرين درجة اهـ (وقال الترمذى) عامة من روى عن النبى صلى الله عليه وسلم إنما قالوا خمسا وعشرين الا ابن عمر فانه قال بسبع وعشرين (وقال الحافظ) لم يختلف عليه فى ذلك الا ما وقع عند عبد الرازق عن عبد الله العمرى عن نافع قال خمسا وعشرين، لكن العمرى ضعيف، وكذلك وقع عند ابى عوانة فى مستخرجه، لكنها شاذة مخالفة لرواية الحفاظ، وروى بلفظ سبع وعشرين

ص: 161

إلَاّ الصلَّاة لا ينهزه إلَاّ الصَّلاة لم يخط خطوةً إلَاّ رفع له بها درجةٌ وحطَّ بهاعنه خطيئةٌ حتَّى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاةٍ ما كانت الصَّلاة هى تحبسه والملائكة يصلُّون على أحدهم ما دام في مجلسه الَّذى صلَّى فيه يقولون اللَّهمَّ اغفر له، اللَّهمَّ ارحمه، اللَّهمَّ تب عليه، ما لم يؤذ فيه مالم يحدث

عن أبي هريرة عند أحمد وفى إسناده شريك القاضى وفى حفظه ضعف (وقد اختلف) هل الراجح رواية السبع والعشرين أو الخمس والعشرين فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها، وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ، وقد جمع بينهما بوجوه (منها) أن ذكر القليل لا ينفى الكثير وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد (وقيل) انه صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس، ثم أخبره الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، وتعقب بأنه محتاج الى التاريخ، وبأن دخول النسخ فى الفضائل مختلف فيه، وقيل الفرق باعتبار قرب المسجد وبعده، وقيل الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره، وقيل الفرق بادراكها كلها أو بعضها، وقيل الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم، وقيل مختصة بالفجر والعشاء، وقيل بالفجر والعصر، والخمس بما عدا ذلك، وقيل السبع مختصة بالجهرية؛ والخمس بالسرية، ورجحه الحافظ الفتح اهـ بتصرف (ورجح الشوكانى أولها) لدخول مفهوم الخمس تحت مفهوم السبع، قال واعلم أن التخصيص بهذا العدد من اسرار النبوة التى تقصر العقول عن ادراكها، وقد تعرَّض جماعة للكلام على وجه الحكمة وذكروا مناسبات، وقد طول الكلام فى ذلك صاحب الفتح فمن أحب الوقوف على ذلك رجع ابيه اهـ (1) هو بفتح أوله وفتح الهاء وبالزاى أى لا ينهضه ويقيمه، وهو بمعنى قوله قبله لا يريد الا الصلاة (2) بفتح الخاء المعجمة كما جزم به اليعمرى وهى الواحدة من الخطا، ويحتمل أن تكون بالضم وهى ما بين القدمين (3) أى فى حكم المتلبس بالصلاة من حيث الثواب مدة كون الصلاة تمنعه عن الخروج من المسجد (4) رواية مسلم وأبى داود "على أحدكم" أى يدعون ويستغفرون له ما دام فى مجلسه الذى صلى فيه، وفى رواية البخارى "ما دام فى مصلاه" أى مدة كونه فى المكان الذى أوقع فيه الصلاة، وهى تفيد أنه لو قام الى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان له ذلك أيضا، فقوله فى حديث الباب "مادام فى مجلسه الخ" مخرج على الغالب (5) أى فى مجلسه الذى صلى فيه بقول أو فعل (وقوله ما لم يحدث) أى يبطل وضوءه فهو من الأحداث لا من التحدث (تخريجه)(ق. مذ. جه. هق)(وفى رواية) عند الشيخين والأمام احمد وغيرهما أن الذي سمع الحديث

ص: 162

(1288)

عن عبد الله (يعنى ابن مسعودٍ) رضى الله عنه قال من سرَّه أن يلقى عزَّ غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصَّلوات المكتوبات حيث ينادى بهنَّ فإنَّهنَّ من سنن الهدى وإنَّ الله عز وجل شرع لنبيكم سنن الهدى، وما منكم إلَاّ وله مسجدٌ فى بيته، ولو صلَّيتم فى بيوتكم كما يصلِّى هذا المتخلَّف فى بيته لتركتم سنَّة نبيِّكم، ولو تركتم سنَّة نبيِّكم لضللتم ولقد رأيتنى وما يتخلَّف عنها إلَاّ منافقٌ معلومٌ نفاقه ولقد رأيت الرَّجل يهادى بين الرَّجلين حتَّى يقام في الصَّفِّ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من أبي هريرة سأله فقال ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال فساء أو ضراط (ورواه الأمام مالك) فى الموطأ بلفظ "من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج عامدًا الى الصلاة فانه فى صلاة ما كان يعمد الى الصلاة وانه يكتب له باحدى خطوتيه حسنة ويمحى عنه بالأخرى سيئة، فاذا سمع احدكم الأقامة فلا يسع فان أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا، قالوا يا أبا هريرة؟ قال من أجل كثرة الخطا" ورواه ابن حبان فى صحيحه بلفظ "ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من حين يخرج أحدكم من منزله الى مسجدى فرجل تكتب له حسنة ورجل تحط عنه سيئة حتى يرجع" ورواه النسائى والحاكم بنحو لفظ ابن حبان وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم

(1288)

عن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا ابراهيم بن مسلم الهجرى عن أبى الأحوص عن عبد الله "الحديث"(غرببه)(1) يعنى يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة "يوم يفر المرء من اخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" وعبر بالغد لأنه فى المستقبل ولا يعلم وقته إلا الله عز وجل، وفى قوله مسلما إشارة الى أن من لم يحافظ على الصلوات المكتوبات فليس بمسلم، وتقدم الكلام على ذلك فى أول كتاب الصلاة (2) أى يؤذّن لهن بدخول الوقت (3) أى من طرائق الهدى والصواب (4) أى لخدتم عن الطريق المستقيم ولملتم عن الصواب (5) المنافق هو الذى يظهر مالا يبطن كما قال تعالى (يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم) وهو الكذاب المذبذب كما وصفه الله تعالى فى كتابه وهو الذى لا يخشى الله ولا يرعى الحق، ويتقى ضرر الناس ولا يتقى عقاب الله، نعوذ بالله من ذلك (6) اى يتساند على اثنين لشدة ضعفه او مرضه ويتحمل الذهاب الى المسجد لما اعده الله له من الثواب العظيم

ص: 163

ما من رجلٍ يتوضأ فيحسن الوضوء ثمَّ يأتى مسجدًا من المساجد فيخطو خطوةً إلَاّ رفع بها درجةٌ أوحطَّ بها عنه خطيئةٌ وكتبت له حسنةٌ، حتَّى أن كنَّا لنقارب بين الخطا وإنَّ فضل صلاة الرَّجل فى جماعةٍ على صلاته وحده بخمسٍ وعشرين درجةً

عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفضل الصلَّاة في الجميع صلاة الرَّجل وحده خمسًا وعشرين ويجتمع ملائكة اللَّيل وملائكة النَّهار فى صلاة الفجر، ثمَّ يقول أبو هريرة اقرؤا إن شئتم {وقرآن الفجر إنَّ قرآن الفجر كان مشهودًا}

والأجر الجسيم (1) فى أكثر الروايات "وحطَّ" بالواو بدل أو فتكون الخطوة الواحدة فيها إثبات حسنة ومحو سيئة، وهو المناسب لسعة فضل الله عز وجل (2) أى يضيقون الخطا بعدم السعى لتكثر الخطوات فتكثر الحسنات (تخريجه)(م. د. نس. جه)

(1289)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهرى عن سعيد بن الميسب عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(3) لم يذكر فى رواية الأمام أحمد تمييز العدد، وذكر فى البخارى ولفظه "بخمس وعشرين جزءًا"(4) قيل المراد بالملائكة هنا الحفظة، وقيل حفظه الأعمال، وتقدم الكلام على ذلك فى باب فضل صلاتى الصبح والعصر، قال العلماء وهذا الاجتماع هو الموجب لتفضيل صلاة الفجر مع الجماعة وكذا فى صلاة العصر أيضا، ولذلك حث الشارع على المحافظة عليهما ليكون من حضرهما ترفع الملائكة عمله وتشفع له (قال ابن بطال) ويمكن أن يكون اجتماع الملائكة فيهما هما الدرجتان الزائدتان على الخمسة والعشرين جزءا فى سائر الصلوات التى لا تجتمع الملائكة فيها (5) كناية عن صلاة الفجر، لأن الصلاة مستلزمة للقرآن (وقوله) مشهودًا أى محضورا فيه، اى تحضره الملائكة (تخريجه)(ق. نس) وزاد البخارى قال شعيب وحدثنى نافع عن عبد الله بن عمر قال "تفضلها بسبع وعشرين درجة".

ص: 164

(1290)

وعنه أيضًا أنَّ نبيَّ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لو أنَّ أحدكم يعلم أنَّه إذا شهد الصلّاة معى كانت له أعظم من شاةٍ سمينةٍ أو شاتين لفعل، فما يصيب من الأجر أفضل

عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال صلاةٌ في الجميع تزيد على صلاة الرَّجل وحده سبعًا وعشرين (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم صلاة الجماعة تفضل صلاة أحدكم بسبعٍ وعشرين درجةً

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفضل صلاة الجماعة على الوحدة سبعًا وعشرين درجةً

(1290) وعنه أيضاً (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا معاذ بن هشام حدثنى أبى قتادة عن الحسن عن أبى رافع عن أبى هريرة "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ وبعضه فى الصحيحين وسنده جيد

(1291)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن عبيد اله حدثنى نافع عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(1) أى درجة وقد صرح بذلك فى الطريق الثانية وتقدم بينهما وبين رواية خمس وعشرين أول الباب (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن عبيد ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1292)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا شريك عن الأشعت بن سليم عن أبى الأحوص عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(3) أى على صلاة الرجل وحده (تخريجه) تفرد الأمام أحمد بهذه الرواية عن أبى هريرة، وفى إسناده شريك القاضى، قال ابن معين ثقة يغلط، وقال العجلى ثقة، وقال يعقوب بن سفيان ثقة سئ الحفظ (خلاصة)(قلت) علق عنه البخارى وروى له مسلم فى المتابعات، ويؤيده حديث ابن عمر الذي قبله

ص: 165

(1293)

عن عائشة رضى الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فضِّلت الجماعة على صلاة الفذِّ خمسًا وعشرين

عن عبد الله (بن مسعودٍ) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل صلاة الرَّجل فى الجماعة على صلاته وحده بضعٌ وعشرون درجةً (وعنه من طريقٍ ثانٍ) أنَّ نبيَّ صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجمع تفضل على صلاة الرَّجل وحده خمسةً وعشرين ضعفًا كلُّها مثل صلاته

عن أبى هريرة رضى الله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده يخمسةٍ وعشرين جزءًا

وعنه أيضًا رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه

(1293) عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن عبد الرحمن بن عمار قال أبى وكان ثقة ويقال له ابن عمار بن أبى زينب مدينى قال سمعت القاسم ابم محمد عن عائشة "الحديث"(غريبه)(1) بالذال المعجمة أى المنفرد يقال فذالرجل من اصحابه اذا بقى منفردًا وحده (تخريجه)(نس) وسنده جيد

(1294)

عن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن فضيل ثنا عطاء بن أبى الأحوص عن عبد الله "الحديث"(غريبه)(2) تقدم معنى البضع فى شرح الحديث الأول من أحاديث الباب؛ فيحتمل خمسا وعشرين وسبعا وعشرين، لكن الطريق الثانية عينت خمسا وعشرين (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن أبى عدى عن سعيد عن قتادة عن أبى الأحوص عن سعيد بن عبد الله بن مسعود أن نبى الله صلى الله عليه وسلم الخ (4) أى جزءاً كما ورد فى بعض الروايات (تخريجه)(. عل. بز. طب. طس) قال الهيثمى ورجال أحمد ثقات (1295) عن أبى هريرة (سنده) حدَّثنا عبد الله أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1296)

وعنه أيضا (سنده) حدَّثنا عبد الله أبي ثنا قتيبة

ص: 166

وآله وسلَّم قال من توضَّأ فأحسن وضوءه ثمَّ راح فوجد النَّاس قد صلَّوا أعطاه الله مثل أجر من صلَاّها أو حضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا

ابن سعيد قال حدثنا عبد العزيز محمد عن محمد بن طحلاء عن محصن بن على عن عوف بن الحارث عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) المعنى أن من أتى المسجد قاصدًا الصلاة فى الجماعة فلم يدركها وصلى وحده أعطاه الله عز وجل مثل ثواب من أدركها جزاء له بنيته وسعيه، ولعله يعطى بالنية أصل الثواب، وبالسعى ما فاته من المضاعفة، وفضل الله واسع (تخريجه)(د. نس. هق. ك) وقال صحيح على شرط مسلم وقال الحافظ إسناده قوى (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن فضل الصلاة فى الجماعة كفضل خمس وعشرين أو سبع وعشرين صلاة لمن صلى وحده على اختلاف الروايات فىة ذلك وكلها صحيحة، قال النووى رحمه الله والجمع بينهما "يعنى بين رواية خمس وعشرين وسبع وعشرين" من ثلاثة أوجه (أحدهما) أنه لا منافاة، فذكر القليل لا ينفى الكثير، ومفهوم العدد باطل عند الأصوليين (الثانى) أن يكون أخبر أو لا بالقليل ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فأخبر بها (الثالث) أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة فتكون لبعضهم خمس وعشرون ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك والله أعلم أهـ ج (وفيها أيضا) دليل على أن الجماعة ليست فرض عين لقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى هريرة "أفضل من صلاة الفذ الخ" ووجه الدلالة منه أن صيغة أفعل تقتضى المشاركة فى الفضيلة لصلاة الفذ، واذا كانت الجماعة فرض عين لم تصح الصلاة بدونها فلا يكون فيها فضيلة (وأيضا) فلا يقال الأتيان بالواجب أفضل من تركه (قال صاحب المفهم) لا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لأثبات صفة فى إحدى الجهتين ونفيها عن الأخرى أفضل المضافة الى صلاة الفذ كذلك، لأنا نقول إنما يصح ذلك فى أفعل مطلقا غير مقرون بمن كقوله تعالى "تبارك الله أحسن الخالقين" اهـ وفى بعض أحاديث الباب من روايات أبى هريرة "تزيد عن صلاته وحده" وكذلك عند مسلم ففيها تصريح بصحة الصلاة وحده، وردٌّ لقول القائلين بأنها فرض عين (قال النووى رحمه الله أما حكم المسألة فالجماعة مأمور بها للأحاديث الصحيحة المشهورة وإجماع المسلمين وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا (أحدها) أنها فرض كفاية (والثانى) سنة (والثالث) فرض عين، لكن ليست بشرط لصحة الصلاة، وهذا الثالث قول اثنين من كبار أصحابنا المتمكنين فى الفقه والحديث، وهما أبو بكر بن خزيمة وابن المنذر (قال الرافعى) وقيل إنه قول للشافعي،

ص: 167

(2)

باب الترغيب فى حضور الجماعة فى العشاء والفجر

عن عثمان بن عفَّان رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال من صلَّى العشاء في جماعةٍ فهو كمن قام نصف اللَّيل،

والصحيح أنها فرض كفاية، وهو الذى نص عليه الشافعي فى كتاب الأمامة كما ذكره المصنف "يعنى صاحب المهذب" وهو قولى شيخى المذهب ابن سريج وأبى إسحاق وجمهور أصحابنا المتقدمين من العلماء (قلت منهم بعض المالكية وبعض الحنفية) قال وقال عطاء والا وزاعى وأحمد وأبو ثور وابن المنذر عى فرض على الأعيان ليست بشرط للصحة (وقال داود) هى فرض على الأعيان وشرط فى الصحة وبه قال بعض أصحاب أحمد (قال وجمهور العلماء) على أنها ليست بفرض عين، واختلفوا هل هى فرض كفاية أم سنة؟ قال القاضى عياض ذهب اكثر العلماء الى أنها سنة مؤكدة لا فرض كفاية اهـ ج (قلت) منهم المالكية والحنفية والله أعلم (وفيها أيضا) دليل على أن أقل الجماعة اثنان، لأنه جعل هذا الفضل لغير الفذ، وما زاد على الفذ فهو جماعة، ويؤيد ذلك ما رواه الشيخان والأمام أحمد وسيأتى من حديث مالك بن الحويرث "اذا حضرت الصلاة فاذنا وأقيما ثم ليؤمكما أكبركما" وبوب له البخارى "باب اثنان فما فوقهما جماعة"(وقد استدل بأحاديث الباب) بعض المالكية للمشهور عن مالك أنه لا فضل لجماعة على لأنه جعل الجماعات كلها بسبع وعشرين وخمس وعشرين ولم يفرق جماعة وجماعة (وذهب الشافعى والجمهور) الى أن الجماعات تتفاوت لما روى أبو داود والنسائى وابن ماجه والأمام احمد وسيأتى من حديث أبىّ ابن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين ازكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب الى الله" وليس فى أحاديث الباب حجة لمن تعلق بها فى تساوى الجماعات، لأنا نقول ما تحصل به الجماعة محصل للتضعيف ولا مانع من تضعيف آخر بسبب آخر من كثرة الجماعة أو شرف المسجد أو بعد طيق المسجد او غير ذلك والله اعلم (وفيها أيضا) أن فضل الجماعة يحصل لمن تعودها وقصدها فلم يدركها فصلى وحده تفضلا من الله تعالى ومكافأة له على حسن نيته، وفيها غير ذلك والله أعلم.

(1297)

عن عثمان بن عفان (سنده) حدَّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الملم بن عمرو ثنا على بن المبارك عن يحيى يعنى ابن كثير عن محمد بن إبراهيم

ص: 168

ومن صلّى الصبُّح في جماعة فهوى كمن قام اللَّيل كلَّه

عن عائشة رضى الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لو أن الناس يعلمون ما في صلاة

عن عثمان بن عفان "الحديث"(غريبه)(1) قال القرطبى معناه أنه قام نصف ليلة أو ليلة لم يصل فيها العشاء والصبح فيها العشاء والصبح، إذ لو صلى ذلك فى جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام اهـ (قلت) نظير ذلك قوله تعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر) أى من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فاذا صلاها فى جماعة وقام الليل كله ضوعف له الثواب والله أعلم بالصواب (تخريجه)(م. لك) بنحو حديث الباب؛ ورواه الأمام احمد من طريق أخرى قال حدثنا عبد الرحمن ثنا سفيان وعبد الرازق قالا سفيان عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبى عمرة عن عثمان بن عفان قال عبد الرزاق عن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال "من صلى صلاة العشاء والصبح فى جماعة فهو كقيام ليلة" وقال عبد الرحمن "من صلى العشاء والصبح فى جماعة فهو كقيام ليلة" وقال عبد الرحمن "من صلى العشاء فى جماعة فهو كقيام نصف ليلة، ومن صلى الصبح فى جماعة فهو كقيام ليلة" ورواه أبو داود بلفظ "من صلى العشاء فى جماعة كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر فى جماعة كان كقيام ليلة" ورواه الترمذى كرواية أبى داود حديث حسن صحيح (قال المنذرى) وقال ابن خزيمة فى صحيحه (باب فضل صلاة العشاء والفجر فى جماعة وبيان أن صلاة الفجر فى الجماعة أفضل من صلاة العشاء فى الجماعة وأن فضلها فى الجماعة ضعفا فضل العشاء فى الجماعة) ثم ذكره بنحو لفظ مسلم، ولفظ أبى داود والترمذى يدافع ما ذهب اليه والله أعلم اه (قلت) وقد أتى الأمام أحمد رحمه الله بمعنى هذه الروايات كلها جزاه الله أحسن الجزاء (فان قيل) كيف الجمع بين الروايات التى تدل بظاهرها على أن من صلى العشاء والفجر فى جماعة كان له قيام ليلة ونصف، وهى رواية حديث الباب ومسلم ومالك، وبين الروايات التي تدل على أن له قيام ليلة، وهى رواية الأمام أحمد من طريق عبد الرزاق ورواية أبى داود والترمذى (فالجواب) أن المراد بقوله فى حديث الباب "ومن صلى الصبح فى جماعة فهو كمن قام الليل كله" يعنى مع صلاة العشاء (قال القارى) فى المرقاة فى شرح قوله "فكأنما الليل كله" أى بانضمام ذلك النصف فكأنما احيا نصف الليل الأخير اهـ وهذا هو المتعين جمعا بين الروايات والله أعلم

(1298)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا شيبان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن يحنَّس أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"

ص: 169

العتمة وصلاة الصبُّح لأتوهما ولو حبوًا

عن أبى بن كعبٍ رضى الله عنه أنَّه قال صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبُّح فقال شاهدٌ فلانٌ؟ فقالوا لا، فقال شاهدٌ فلانٌ؟ فقالوا لا، فقال شاهدٌ فلانٌ؟ فقالوا لا، إنَّ هاتين الصَّلاتين من أثقل الصَّلوات على المنافقين ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، والصَّفُّ المقدَّم على

(غريبه)(1) بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق، وقت صلاة العشاء الآخرة، وأطلق اسم العتمة على العشاء نفسها، وقال الخليل هى بعد غيبوبة الشفق، وأعتم اذا دخل فى العتمة، والعتمة الأبطال أعتم الشئ وعتمه اذا أخره، وعتمت الحاجة وأعتمت إذا تأخرت، والمعنى لو يعلم الناس ما فى صلاتى العشاء والصبح من الفضل العظيم والثواب الجسيم لأتوا لصلاتهما جماعة فى المسجد (وقوله ولو حبوا) أى يزحفون اذا منعهم مانع كمرض أو ضعف عن المشى كما يزحف الصغير، ولابن أبى شيبة من حديث أبى الدرداء "ولو حبوا على المرافق والركب" وذلك لمزيد فضلها (تخريجه)(جه) وفى اسناده يحيى بن كثير لين الحديث

(1299)

عن أبىّ بن كعب (سنده) حدّثنا عبد الله أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة سمعت أبا إسحاق أنه سمع عبد الله بن أبى بصير يحدث عن أبىّ بن كعب أنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(2) يعنى أحاضر صلاتنا فلان وهو بحذف همزة الاستفهام وثبتت فى رواية أبى داود ففيها (أشاهد فلان) الخ وأبهم أسماء هؤلاء النفر إما لأن أبيًّا لم يعرفها أو لأنه أراد التستر (3) يعنى العشاء والصبح كما صرح بذلك فى الطريق الثانية، وصرح بذلك أيضا فى رواية أخرى من حديث أبى هريرة عند الشيخين والأمام احمد وستأتى (4) فى رواية عند البخارى من حديث أبى هريرة "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء" وهي تدل على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين كما جاء فى التنزيل (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرها لقوة الداعى الى تركهما، وهو ان العشاء تكون فى وقت السكون والراحة، والصبح فى وقت لذة النوم، وقيل وجهه أن المؤمنين يفوزون بما ترتب عليهما

ص: 170

مثل صف الملائكة ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه وصلاة الرَّجل مع الرَّجلين أزكى من صلاته مع رجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى لله تعالى (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر فلمّا صلَّي قال شاهد فلانٌ؟ فسكت القوم، قالوا نعم ولم يحضر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ أثقل الَّصلَّاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر (فذكر نحو ما تقدَّم وفيه) إنَّ صلاتك مع رجلين أزكى من صلاتك مع رجلٍ، وصلاتك مع رجلٍ أزكى من صلاتك وحدك، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى (وعنه من

من الفضل لقيامهم بحقها دون المنافقين والله أعلم (1) أى فى القرب من الله عز وجل ونزول الرحمة وإتمامه واعتداله، ويستفاد منه أن الكلائكة يصفون لعبادة الله تعالى، وقد صرح بذلك فى حديث جابر، وسيأتى فى باب الحث على تسوية الصففوف ورصها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا يا رسول الله كيف نصف الملائكة عند ربها؟ قال يتمون الصفوف الأولى ويتراصون فى الصف"(وعن النعمان بن بشير) رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله عز وجل وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأولى" رواه الأمام أحمد وسيأتى فى باب فضل الصف الأول (2) أى لا ستبقوا اليه كما فى رواية (3) أى أكثر ثوابًا من صلاته مع رجل واحد (4) أة وكلما كثرت الجماعة فهو أحب الى الله تعالى جعلت ما شرطية، وإن جعلت موصولة فالتقدير، والصلاة التي كثر فيها المصلون أحب إلى الله تعالى وذكَّر الضمير باعتبار لفظ ما، وقرن الخبر بالفاء لأن الموصول يشبه الشرط فى العموم، ومحبة الله تعالى كناية عن رحمته وإحسانه لعبده (5)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع عن سفيان عن أبى إسحاق عن عبد الله بن أبى بصير عن أبىّ بن كعب قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر "الحديث"(6) هكذا بالأصل "فسكت القوم قالوا نعم ولم يحضر" ولم أجد هذه الجملة لأحد غير الأمام أحمد ممن روى الحديث، والذى وجدته عندهم هو أن النبى صلى الله عليه وسلم "اشاهد فلان قالوا لا" كما ثبت فى الطريق الأولى عند الأمام احمد، فان لم تكن هذه الجملة دحلها تحريف فالظاهر والله أعلم أن بعض القوم سكت لكونه لم يعلم بحضور المسؤول عنه، وبعضهم قال نعم ظنا منه أنه حضر

ص: 171

طريقٍ ثالثٍ) ز قال صلَّي بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الفجر، فلمَّا قضي الصَّلاة رأى من أهل المسجد قلَّة، فقال شاهدٌ فلانٌ؟ قلنا نعم حتَّى عد ثلاثة نفرٍ، فقال إنَّه ليس من صلاةٍ أثقل على المنافقين من صلاة العشاء الآخرة ومن صلاة الفجر وذكر الحديث بطوله

عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعلم المتخلَّفون عن صلاة العشاء وصلاة الغداة مالهم فيهما لأتوهما ولو حبوًا

ولكنه في الواقع لم يحضر والله أعلم (1) ز (سنده) حدثنا عبد الله ثنا خلف ابن هشام البزار وأبو بكر بن ابى شيبة قال ثنا أبو الأحوص عن أبى إسحاق عن العيزار بن حريث عن أبى بصير قال أبىٌّ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(2) هكذا بالأصل "قلنا نعم" ولم أقف على هذه الكلمة لأحد من أصحاب الأصول غير الأمام احمد، والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم الذين ظنوا وجود المسؤول عنه كما تقدم، أما الباقون فقد أجابوا بالنفى وهو الواقع، ولهذا ذم النبى صلى الله عليه وسلم المنافقين وقال فيهم ما قال والله أعلم بحقيقة الحال (تخريجه)(د. نس. جه. ك) ورواه الأمام أحمد من تسعة طرق؛ والطريق الثالثة من حديث الباب من زوائد عبد الله على مسند أبيه، وقد اقتصرت على هذه الطرق الثلاث لأنها أجمعها، ورواه الحاكم من عدة طرق أيضا ثم قال وقد حكم أئمة يحيى بن معين وعلى بن المدينى ومحمد بن يحيى الذهلى وغيرهم لهذا الحديث بالصحة (قلت) وأقره الذهبى وصححه أيضا ابن السكن وابن خزيمة

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد حدثنى أبى ثنا سنان أبو ربيعة ثنا أنس "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه من رواية أنس لغير الأمام احمد واورده الهيثمى وقال رواه احمد ورجاله موثقون (الأحكام) أحاديث الباب تدل على فضل العشاء والفجر فى جماعة وأن الجماعة فيهما أفضل من سائر الصلوات الأخرى لما فيهما من تحمل المشقة والظلام ولأنهما فى وقت نوم لا ينتهض لله عز وجل فيهما من فراشه عند لذيذ نومه إلا مؤمن تقى (وفيها أيضا) الحث والترغيب فى حضور الجماعة فيهما (وفيها أيضا) بيان فضل الصف الأول والترغيب

ص: 172

(3)

باب ما جاء فى تأكيدها والحث عليها

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال أتي ابن أدمِّ مكتومٍ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله منزلى شاسع وأنا مكفوف البصر وأنا أسمع الأذان، قال فإن سمعت الأذان فأجب ولو حبوًا أو زحفًا

عن عمرو بن أم مكتومٍ رضى الله عنه قال جئت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فقلت يا رسول الله كنت ضريرًا شاسع الدَّار قائدٌ لا يلائمنى فهل تجد لى رخصةً أن أصلِّي فى بيتي؟

في المبادرة اليه (وفيها أيضا) ان الجماعة تنعقد بواحد مع الأمام لقوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم "وصلاتك مع رجلى أزكى من صلاتك وحدك" وان الجماعة تتفاوت فى الفضل بكثرة من يحضرها وفيها غير ذلك والله اعلم

(1301)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا غسماعيل بن أبان الوراق أبو إسحاق ثنا يعقوب أنا عيسى بن جارية عن جابر بن عبد الله "الحديث"(غريب)(1) أه بعيد عن المسجد (2) اى أعمى لا يبصر والمكفوف الضرير وقد كفَّ بصره أيضا أى منع فهو لا يبصر؛ وهذا الأعمى هو عمرو بن أم مكتوم الصحابى الجليل الذى نزل فيه قوله عز وجل (عبس وتولى أن جاءه الأعمى)(تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وأبو يعلى والطبرانى فى الأوسط ورجال الطبرانى موثقون كلهم (قلت) ورجال الأمام أحمد فى بعضهم من تكلم فيه

(1302)

عن عمرو بن أم مكتوم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا شيبان عن عاصم عن أبى رزين عن عمرو بن أم مكتوم "الحديث"(غريبه)(3) أى ولا أزال فالمراد الكينونة هنا الدوام والاستمرار، بدليل قوله فى الحديث السابق وأنا مكفوف البصر (4) بالهمزة أى لا يوفقنى ولا يساعدنى، وعند أبى داود (لا يلاومنى) بالواو، قال الخطابى هكذا يروى، والصواب لا يلائمنى أى لا يوافقنى ولا يساعدنى، فأما الملاومة فانها مفاعلة من اللوم وليس هذا موضعه اهـ (5) يعنى فهل يسوغ لى التخلف عن الجماعة والصلاة فى بيتى؟ والرخصة بوزن الغرفة هى التسهيل في الأمر

ص: 173

قال أتسمع النِّداء؟ قلت نعم، قال ما أجد لك رخصةً

حدّثنا عبد الله حدَّثني أبى حدثنا سفيان عن الزُّهرِّى ِّ فسئل سفيان عمَّن قال هو محمودٌ إن شاء الله أنَّ عتبان بن مالكٍ كان رجلًا محجوب البصر وإنَّه ذكر للنَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم التَّخلُّف عن الصلَّاة، قال هل تسمع النِّداء؟ قال نعم، قال فلم يرخَّص له

عن أبى موسي (الأشعريِّ) رضى الله عنه قال علَّمنا رسول الله

والتيسير (1) أي لا رخصة لك فى التخلف ما دمت تسمع الأذان، وحمله القائلون بعدم وجوب الجماعة على أنه لا رخصة لك إن طلبت فضيلة الجماعة وأنك لا تحرز أجرها مع التخلف عنها بحال، ولعله صلى الله عليه وسلم علم من حال أم مكتوم أنه لا مشقة عليه فى الأنيان وجده بدون فائدة وإلا فالعمى عذر (تخريجه)(جه. طب. حب) وسنده جيد

(1303)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(2) يعنى أن سفيان سئل عمن روى الزهرى هذا الحديث؟ فقال هو محمود إن شاء الله؛ يعنى رواه عن محمود بن الربيع عن عتبان، وقد ثبتت روايته عن محمود بن الربيع عن عتبان عند البخارى فى باب المساجد فى البيوت، وعند الأمام أحمد أيضا فى رواية أخرى، وتقدمت فى باب اتخاذ المساجد فى البيوت من أبواب المساجد (3) يستفاد من هذا الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يرخص لعتبان أيضا، وقد ثبت فى حديث آخر عند البخارى والأمام احمد وغيرهما أنه رخص له بالتخلف، وتقدم ذلك فى باب اتخاذ المساجد فى البيوت فكيف الجمع بينهما (قلت) يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لم يرخص لعتبان أولًا لظنه أنه لا يجد مشقة، فلما شكى له وجود المشقة وتحقق النبى صلى الله عليه وسلم ذلك رخص له باتخاذ مسجد فى بيته والتخلف 0 فان قيل) لم لم يرخص لابن أم مكتوم وعذرهما واحد وكلاهما يسمع الأذان؟ (قلت) لعله وجد فلا ابن أم مكتوم من الاهتداء إلى المسجد بدون مشقة ما لم يجده فى عتبان، وليس كل العميان سواء فى الاهتداء إلى الطريق لأننا نشاهد أن بعض العميان يهتدى الى الطريق بسهولة مهما كانت وعرة، وبعضهم لا يهتدى اليها وإن كانت سهلة، وربما وجد عذرًا آخر لعتبان لم يجده لابن أم مكتوم والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه مختصرًا بهذا السياق إلا عند الأمام أحمد ورواه) ق. نس. جه) والأمام أيضا وتقدم فى باب اتخاذ المساجد فى بيوت مطولا

(1304)

عن أبى موسى الأشعرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا

ص: 174

صلى الله عليه وسلم قال إذا قمتم إلى الصَّلاة فليؤمَّكم أحدكم، وإذا قرأ الإمام فأنصتوا

عن معدان بن أبى طلحة اليعمرىِّ قال قال لى أبو الدَّرداء رضي الله عنه أين مسكنك؟ قال قلت فى قريةٍ دون حمص، قال سمعت رسول الله صلى االله عليه وسلم يقول مامن ثلاثةٍ فى قريةٍ لا يؤذَّن ولا تقام فيهم الصَّلاة إلَاّ استحوذ عليهم الشَّيطان فعليك بالجماعة فإنَّ الذِّنب يأكل القاصية

عن معاذ بن جبلٍ رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال إنَّ الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشَّاة

علي بن عبد الله قال ثنا جرير عن سليمان التيمى عن قتادة عن أبى غلاب عن حصان بن عبد الله الرقاشى عن أبى موسى "الحديث"(تخريجه)(م. وغيره)

(1305 عن معدان بن أبى طلحة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع حدثنى زائدة بن قدامة حدثنى السائب بن حبيش الكلاعى عن معدان بن أبى طلحة اليعمرى "الحديث"(غريبه)(1) اسمه عويمر بن زيد بن قيس، وقيل اسمه عامر ولقبه عويمر، وهو أنصارى خزرجى؛ شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعد أحد من المشاهد واختلفوا فى شهوده أحدا وكان فقيها حكيما زاهدًا ولى قضاء دمشق لعثمان، توفى بدمشق سنة إحدى وقيل ثنتين وثلاثين وقبر بباب الصغير قاله النووى ج (2) زاد أبو داود فى روايته "ولا بدو" والبدو هو البادية خلاف الحاضرة، والنسبة اليه بدوى بفتح الدال المهملة (3) أى تسلط عليهم الشيطان كما تسلط الذئب على الشاة المنفردة عن قطيع الغنم، لأن عين الراعى تحمى الغنم المجتمعة، فكذلك من الحافظ على الجماعة يكون فى رعاية الله عز وجل فيحفظه من غوائل الشيطان، أما من تخلف عنها فيكون فريسة للشيطان كالشاة القاصية أى المنفردة عن القطيع تكون فريسة للذئب (تخريجه)(د. نس. خز. حب. ك) وقال صحيح الأسناد وصححه أيضا النووى

(1306)

عن معاذ بن جبل (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا سعيدة عن قتادة ثنا العلاء بن زياد عن معاذ بن جبل "الحديث"(غريبه)(4) يعنى أن الشيطان مفسد للأنسان مهلك له باغوائه كأفساد الذئب إذا أرسل في تقطيع

ص: 175

القاصية والنَّاحية فإيَّاكم والشِّعاب وعليكم بالجماعة والعامَّة والمسجد

(4)

باب ما جاء فى التشديد على من تخلف عن الجماعة خصوصا العشاء والفجر

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لينتهنَّ رجالٌ مَّمن حول المسجد لا يشهدون العشاء الآخرة فى الجميع أو لأحرَّقن حول بيوتهم بحزم الحطب

وعنه أيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا ما فى البيوت من النساء

من الغنم (1) بحاء مهملة أى التى غفل عنها وبقيت فى جانب منفردة (2) بكسر الشين المعحمة جمع شعب كناية عن عدم التفرق والبعد، لأن من كان فى شعب كان بعيدًا من الناس، والمعنى احذروا التفرق والاختلاف (3) أى الزموا ما عليه جماعة أهل السنة فى كل شئ ومن ذلك الجماعة فى الصلاة وقوله (والعامة) أى جمهور الامة المحمدية فانهم أبعد عن مواقعة الخطأ وقوله (والمسجد) أى لأنه أحب البقاع إلى الله تعالى ومنه يفر الشيطان فيغدو إلى السوق (تخريجه)(عب) وسنده جيد (الأحكام) أحاديث الباب تدل على الترغيب فى حضور الصلاة جماعة بالمسجد والتحذير من تركها (وفيها أيضًا) عدم الترخص للأعمى فى التخلف عنها ما دام يسمع النداء ويهتدى الى الطريق (وفيها أيضًا) ان الشيطان يستحوذ على من تخلف عن الجماعة بدون عذر وفيها غير ذلك والله أعلم

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا ابن أبى ذئب عن عجلان عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(4) أى ممن بيوتهم قريبة من المسجد بحيث يسمعون الأذان (وقوله فى الجميع) يعنى الجماعة (5) بالتشديد، والمراد به التكثير يقال حرّفه إذا بالغ فى تحريقه (وقوله حول بيوتهم) ظاهره أن المراد بالتحريق الأرهاب أو تحريق البيوت فقط لا نفس السكان؛ لكن ورد فى الصحيحين وعن الأمام أحمد من رواية أبى هريرة ايضا ما يفيد أن العقوبة ليست قاصرة على المال، بل المراد تحريق المقصودين والبيوت تبعا لساكينها، وفى رواية مسلم من طريق أبى صالح "فأخرق بيوتا على من فيها"(تخريجه) أورده الهيثمى وقال هو فى الصحيح خلاقو له ممن حول المسجد، رواه أحمد ورجاله موثقون (1308) وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا خلف قال ثنا أبو معشر عن شعيد المقبرى عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا ما في البيوت

ص: 176

والذَّريَّة لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتيانى يحرِّقون ما فى البيوت بالنَّار

وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أثقل الصلَّاة على المنافقين صلاةى العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا ولقد هممت أن آمر المؤذَّن فيؤذَّن آمر رجلًا يصلَّى بالنَّاس ثمَّ أنطلق معى برجالٍ معهم حزم الحطب إلى قومٍ يتخلَّفون عن الصَّلاة فأخرِّق عليهم بيوتهم بالنَّار

عن عبد الله بن شدَّاد بن الهاد عن ابن أم مكتومٍ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي المسجد فرأى فى القوم رقَّةً فقال إنَّى لأهمُّ أن أجعل للنَّاس إمامًا أخرج فلا أقدر على إنسانٍ يتخلًف عن الصَّلاة في بيته

"الحديث"(1) يعني الصغار، لأن الصغار والنساء لا يتأكد حضورهم الجماعة بالمسجد فلا ذنب لهم (2) جمع فتى أى جماعة من شبان أصحابى أو خدمى وغلمانى (تخريجه) لم أقف عليه، وأورده الهيثمى وقال رواه احمد وأبو معشر ضعيف "يعنى أحد رجال السند"

(1309)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش وابن نمير قال أنا الأعمش المعنى عن أبى صالح عن ابى هريرة "الحديث (غريبه)(3) يعنى كحبو الصبى الصغير على يديه ورجليه والمعنى لو يعلمون ما فيهما من الفضل والخير ثم لم يستطيعوا الأتيان اليهما إلا حبوًا لحبوا اليهما ولم يفوتوا جماعتهما فى المسجد، ففيه الحث البليغ على حضورهما (وقوله ولو همت أن أمر المؤذن فيؤذن الخ) معنى الأذان عنا الأقامة كما فى رواية مسلم (ولقد همت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا يصلى بالناس الخ) قال النووى فيه أن الأمام اذا عرض له شغل يستخلف من يصلى بالناسن وإنما همَّ ياتيانهم بعد إقامة الصلاة لأن بذلك الوقت يتحقق مخالفتهم وتخلفهم فيتوجه اللوم عليهم، وفيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر (تخريجه)(ق. وغيرهما)

(1310)

عن عبد الله بن شداد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا عبد العزيز يعنى ابن مسلم ثنا الحصين عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن أم مكتوم رضى الله عنه "الحديث"(غريبه)(4) أى قلة كما في رواية أخرى

ص: 177

إلَاّ أحرقته عليه، فقال ابن أمِّ مكتومٍ يا رسول الله إنَّ بينى وبين المسجد نخلًا وشجرًا ولا أقدر على قائدٍ كلَّ ساعةٍ، أيسعنى أن أصلِّى فى بيتى؟ قال أتسمع الإقامة؟ قال نعم، قال فأتها

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لقد هممت أن آمر فتياني فيجمعوا حطبًا، ثمَّ آمر رجلًا يومُّ النَّاس ثمَّ أخالف إلى رجالٍ يتخلَّفون عن الصلّاة فأحرِّق عليهم بيوتهم وايم الله لو يعلم أحدهم أنَّ له بشهودها عرقًا سمينًا

المراد بالإقامة هنا الأذان كما صرح بذلك فى حديث جابر فى الباب السابق (2) فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يرخص له مع ما أبداه من العذر، وقد حمله العلماء على أنه لا يشق عليه التصرف بالمشى وحده ككثير من العميان (تخريجه)(خز. ك) وصحح إسناده وأقره الذهبى (1311) عن أبى هريرة (سنده) عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سعيد حدثنا محمد بن عجلان عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(3) لفظ البخارى "والذى نفسى بيده لقد هممت" وهو قسم كان النبى صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يقسم به، ومعناه أن ـمر نفوس العباد بيد الله أى بتقديره وتدبيره، وفيه جواز القسم على الأمر الذى لا شك فيه تنبيهًا على عظم شأنه، وفيه الرد على من كره أن يحلف بالله مطلقا (وقوله لقد هممت) اللام جواب القسم، والهم العزم وقيل دونه، وزاد مسلم فى أوله أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسًا فى بعض الصلوات فقال لقد هممت، فأفاد ذكر سبب الحديث قاله الحافظ (4) أى آتيهم من خلفهم، وقال الجوهرى خالف الى فلان أى أتاه اذا غاب عنه، أو المعنى أخالف الفعل الذى أظهرت من إقامة الصلاة وأتركه ،اسير اليهم وأخالف ظنهم فى أدنى مشغول بالصلاة عن قصدى اليهم، أو معنى أخالف أتخلف أى عن الصلاة الى قصدى المذكورين، والتقييد بالرجال يخرج النساء والصبيان (5) أيم مختصر من أيمن، وهو اسم استعمل فى القسم والتزم رفعه كما التزم رفع لعمر الله، وهمزته عند البصريين وصل، واشتقاقه عندهم من اليمن وهوى البركة، وعند الكوفيين قطع، لأنه جمه يمين عندهم، فقوله هنا وايم الله مختصر منه، فيقال وايم الله بحذف الهمزة والنون (6) بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف، قال الخليل العراق

ص: 178

أو مر ماتين لشهدها ولو يعلمون ما فيها لأتوها ولو حبوًا

وعنه أيضًا قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد "وفى رواية دخل رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم المسجد صلاة العشاء"

فرآهم عزين متفرِّقين قال فغضب غضبًا شديدًا ما رأيناه غضب غضبًا أشد منه، قال والله لقد هممت أن آمر رجلًا يؤمُّ النَّاس ثمَّ أتتبَّع هؤلاء الَّذين يتخلَّفون عن الصًّلاة فى دورهم فأحرَّقها عليهم

وعنه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّر العشاء الآخرة ذات ليلة حتَّى كاد يذهب ثلث اللَّيل أو قرابه قال ثمَّ جاء وفي النَّاس

العظم بلا لحم، وإن كان عليه لحك فهو عرق، وفى المحكم عن الأصمعى بسكون الراء قطعة لحم، قال الحافظ وقول الاصمعى هو اللائق هنا (1) تثنية مرماة بكسر الميم وحكى الفتح، قال الخليل هى ما بين ظلفى الشاة، وكذا قال صاحب النهاية، قال وقال أبو عبيد هذا حرف لا أدرى ما وجهه إلا أنه هكذا يفسر بما بين ظلفى الشاة، يريد به حقارته اهـ (وفى النهاية ايضا) المرماة بالكسر السهم الصغير الذى يتعلم به الرمى، وهو أحقر السهام وأدناها، أى لو دعى الى أن يعطى سهمين من هذه السهام لأسرع الأجابة اهـ ولفظ البخارى "مرماتين حسنتين" قال الحافظ وإنما وصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثمَّ باعث نفاسنى على تحصيلهما، وفيه الأشارة الى ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الشئ الحقير من مطعوم أو ملعوب به مع التفريط فيما يحصّل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة (تخريجه)(ق. والأربعة وغيرهم)

(1312)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا اسود بن عامر قال أنبأنا أبو بكر عاصم عن أبى صالح عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(2) جمع عزة وهى الحلقة المجتمعة من الناس وأصلها عزوة فحذفت

ص: 179

رقَّةٌ وهم عزون فغضب غضبًا شديًدا، ثمَّ قال او أنَّ رجلًا بدا النَّاس إلى عرقٍ أو مر ماتين لأجابوا له، وهم يتخلَّفون عن هذه الصَّلاة، لقد هممت أن آمر رجلًا فيتخلَّف على أهل هذه الدُّور الَّذين يتخلَّفون عن هذه الصَّلاة فأحرِّقها عليهم بالنِّيران

(1314)

عن عبد الله (يعنى ابن مسعودٍ) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لقد هممت أن آمر رجلًا فيصلَّى بالنَّاس، ثمَّ آمر بأناسٍ لا يصلُّون فنحرِّق عليهم بيوتهم

(1315)

عن سهلٍ عن أبيه (يعنى معاذ بن أنسٍ الجهنىَّ رضى الله عنه) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال الجفاء كلُّ الجفاء

ثلثه وهو مصدر قارب يقارب (1) المعنى لو أن رجلا من البادية بدا الناس أَاخرجهم إلى البادية داعيا إياهم إلى عَرق أو مِماتين "تقدم تفسيرهما" لأجابو دعوته رغبة في تناول هذا الطعام الحقير؛ واذا دعوا إلى الصلاة بالمسجد الذي هو أقرب من البادية أعظم فائدة وثوابه باق مدخر عند الله تعالى تخلفوا، لهذا همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق عليهم بيوتهم لأنهم لم يجيبوا داعى الله ولم يقيموا شعائره، هذا ما ظهر لي والله أعلم (تخريجه) قال الحافظ رواه السراج وابن حبان من هذا الوجه (قلت) وسنده جيد.

(1314)

عن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن آدم ثنا غسرائيل عن أبى إسحاق عن أبى الأحوص عن عبد الله "الحديث"(تخريجه)(طس) وقال الهيثمى رجاله رجال الصحيح، وقال هو عند مسلم بلفظ "لقد همت أن آمر رجلا يصلى بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم اهـ (قلت) وللأمام أحمد على ابن مسعود كراوية مسلم ستأتى في باب التخلف عن الجمعة من أبواب الجمعة إن شاء الله.

(1315)

عن سهل عن ابيه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا ربان ثنا سهل عن أبيه "الحديث"(غريبه)(2) أي البعد كل البعد وأكده لبيان أنه بعيد عن رحمة الله تعالى (قال في النهاية) الجفاء البعد عن الشئ

ص: 180

والكفر والنَّفاق من سمع منادى الله ينادى بالصَّلاة يدعو إلى الفلاح ولا يجيبه

يقال جفاه إذا بعد عنه وأجفاه اذا أبعده (1) أى خصال من سمع منادى الله يعنى المؤذن (2) أى المكتوبة (وقوله يدعو الى الفلاح) أى يدعوه الى سبب البقاء فى الجنة والفوز بدار النعيم وهو الصلاة (3) أى بالسعى الى الجماعة وليس المراد أن عدم الأجابة يقتضى الكفر، بل المراد أن فعل من لم يجب كفعل الكفرة والمنافقين فى الاتصاف بهذا الوصف أى عدم الأجابة والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير وفيه زبان بن فائد ضعفه ابن معين ووثقه أبو حاتم اهـ (قلت) وفى إسناد الأمام أحمد بن لهيعة أيضا وحسن بعضهم إسناد الطبرانى والله أعلم (وفى الباب) عند (م. مذ. جه. هق) وأبى داود (ولفظه) قال حدثنا النفيلى ثنا أبو الملليح حدثنى يزيد بن يزيد حدثنى يزيد بن الأصم قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد هممت أن آمر فتيتى فيجمعوا لى حزمًا من حطب ثم آتى قوما يصلون فى بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم، قلت ليزيد بن الأصم يا أبا عوف الجمعة عنى أو غيرهما فقال صمّضتا أذناى إن لم أكن سمعت أبا هريرة ياثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما ذكر جمعة ولا غيرهما" ورواه الأمام احمد أيضا بدون قوله "ليست بهم علة" وسيأتى فى باب وجوب الجمعة والتغليظ فى تركها (وعن أنس بن مالك) رضى الله عنه نحو حديث أبى هريرة وفيه "لقد هممت أن آمر رجلا أن يصلى بالناس فى جماعة ثم أنصرف الى قوم سمعوا النداء فلم يجيبوا فأحرقها عليهم نارًا، انه لا يتخلف عنها إلا منافق" رواه الطبرانى فى الأوسط ورجاله موثقون (وعن ابن عباس) رضى الله عنهما قال "من سمع حى على الفلاح فلم يجب فقد ترك سنة محمد صلى الله عليه وسلم" رواه الطبرانى أيضًا فى الأوسط ورجاله رجال الصحيح (الأحكام) استدل بأحاديث الباب القائلون بأن صلاة الجماعة فرض عين (وتقدم ذكرهم فى أحكام الباب الأول) قالوا لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، وأجاب القائلون بأنها سنة بأجوبة كثيرة (منها) ان أحاديث الباب وردت فى الحث على مخالفة أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا لخوصوص ترك الجماعة، ذكر ذلك ابن المنير (ومنها) أنها وردت فى حق المنافقين فلا يتم الدليل، وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه صلى الله عليه وسلم كان معرضًا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم، وقال لا يتحدث

ص: 181

_________

الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، وتعقب هذا التعقب ابن دقيق العيد بأنه لا يتم إلا أن ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه ولا دليل على ذلك، وليس فى إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم (قال الحافظ) والذى يظهر لى أن الحديث ورد فى المنافقين لقوله صلى الله عليه وسلم فى صدر الحديث "أثقل الصلاة على المنافقين" ولقوله "ولو يعلمون الخ" لأن هذا الوصف يليق بهم لا بالمؤمنين، لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر، يدل على ذلك قوله فى رواية "لا يشهدون العشاء فى الجمع" وقوله فى حديث أسامة "لا يشهدون الجماعات" وأصرح من ذلك ما فى رواية أبى داود عن أبى هريرة "ثم آتى قومًا يصلون فى بيوتهم ليست بهم علة" فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر، لأن الكافر لا يصلى فى بيته، إنما يصلى فى المسجد رياًء وسمعة، فاذا خلا فى بيته كان كما وصفه الله تعالى من الكفر والاستهزاء (قال الطيبى) خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم اذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعات، بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين، ويدل على ذلك قول ابن مسعود "لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق" وأخرج ابن أبى شيبة وسعيد بن منصور باسناد صحيح عن عمير بن أنس قال "حدثنى عمو متى من الأنصار قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شهدهما منافق" يعنى العشاء والفجر (ومنها) أن فريضة أن فريضة الجماعة كانت فى أول الأمر ثم نسخت حكى ذلك القاضى عياض (قال الحافظ) ويمكن أن يتقوى لثبوته، بالوعيد المذكور فى حقهم وهو التحريق بالنار، قال ويدل على النسخ الأحاديث الواردة فى تفصبل صلاة الجماعة على صلاة الفذ (قلت تقدمت فى الباب الأول) قال لأن الأفضلية الاستراك فى أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز اهـ (ومنها) أن المراد بالصلاة فى أحاديث الباب الجمعة لا باقى الصلوات، وتعقب بان الأحاديث مصرحة بالعشاء والفجر كما فى روايات أبى هريرة، ولا ينافى ذلك ما وقع عند مسلم والأمام احمد من حديث ابن مسعود أنها الجمعة، لاحتمال تعدد الواقعة كما أشار إليه النووى والمحب الطبرى (والظاهر) ما ذهب اليه الجمهور وهو القول بالسننة لما فى ذلك من الجمع بين الأحاديث (قال الشوكانى) قد تقرر أن الجمع بين الأحاديث ما أمكن هو الواجب، ولبقية الأحاديث المشعرة بالوجوب على ظاهرها من دون تأويل، والتمسك بما يقتضى به الظاهر اهدارٌ للأدلة القاضية بعدم الوجوب وهو لا يجوز، فأعدل الأقوال وأقربها الى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التى لا يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم، وأما انها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا، ولهذا قال المصنف (يعنى صاحب المنتقى 9 بعد أن ساق حديث أبى هريرة يعنى "صلاة الرجل فى جماعة تزيد

ص: 182

_________

على صلاته فى بيته وصلاته فى موقه بضعًا وعشرين درجة" قال ما لفظه وهذا الحديث يرد على من أبطل صلاة المنفرد لغير عذر وجعل الجماعة شرطا، لأن المفاضلة بينهما تستدعى صحتهما، وحمل النص على المنفرد لعذر لا يصح، لأن الأحاديث قد دلت على أن أجره لا ينقص عما يفعله لولا العذر، فروى أبو موسى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "اذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا" رواه احمد والبخارى وأبو داود (وعن أبى هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" رواه احمد وأبو داود والنسائى اهـ كلام صاحب المنتقى (قال الشوكانى) استدل المصنف (يعنى صاحب المنتقى) بهذين على ما ذكره من عدم صحة حمل النص على المنفرد لعذر، لأن أجره كأجر المجمع أهـ (وقال صاحب حجة الله البالغة) الجماعة سنة مؤكدة تقام اللائمة على من تركها لأنها من شعائر الدين، لكنه صلى الله عليه وسلم رآى من بعض من هنا لك تأخيرًا واستبطاء وعرف ان سببه ضعف النية فى الأسلام، فشدد النكير عليهم وأخاف قلوبهم، ثم لما كان فى شهود الجماعة حرج للضعيف والسقيم وذى الحاجة اقتضت الحكمة ان يرخص فى تركها عند ذلك ليتحقق العدل بين الأفراط والتفريط أهـ (وفى أحاديث الباب أيضا) أنه لا بأس بالحلف فيما يريد المخبر ان يخبر به للتأكيد (وفيها) أن لا بأس للأمام أن يستنيب عنه فى الأمامة لحاجة تعرض له وهو كذلك (وفيها) جواز العقوبة بالمال أخذًا من قوله فأحرق عليهم بيوتهم واليه ذهب الأمام احمد (وذهب الجمهور) الى أن العقوبات منسوخة بالمال بنهيه عن إضاعة المال ونحو ذلك، وقد يقال هذا من باب ما لغا يتم الواجب الا به، لأنهم قد يختفون فى مكان لا يعلم فأراد التوصل اليهم بتحريق البيوت، وفى ذلك من التأكيد والحض على صلاة الجماعة والتهديد لمن تركها مالا يخفى (فان قيل) كيف يهم النبى صلى الله عليه وسلم بتحريق من تخلف عن الجماعة بالنار، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهى عن التعذيب بها فيما رواه البخارى وأبو داود والترمذى والنسائى والأمام احمد أيضًا (وسيأتى فى موضعه) من حديث أبى هريرة قال "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعث فقال ان وجدتم فلانا وفلانًا فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الرواح إنى أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانا وان النار لا يعذب بها إلا الله، فان وجدتموها فاقتلوهما" (وعن عكرمة) قال أتى علىّ رضى الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تعذبوا بعذاب الله" أو لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من بدل دينه فاقتلوه" رواه (خ. د. نس. مذ) وزاد الترمذى فبلغ ذلك عليًا فقال صدق ابن عباس (ولأبي داود)

ص: 183

(5)

باب ما جاء فى الأعذار التى تبيح التخلف عن الجماعة

عن نافع أنَّ ابن عمر رضى الله عنهما نادى بالصَّلاة في ليلةٍ ذات بردٍ وريحٍ، ثمَّ قال في آخر ألا صلُّوا في رحالكم ألا صلُّوا فى رحالكم، ألا صلُّوا في الِّرحال، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذِّن إذا كانت ليلةٌ باردةٌ أو ذات ريحٍ فى السَّفر ألَاّ صلُّوا في الرِّحال (وعنه

من حديث حمزة بن عمرو "انه لا يعذب بالنار الا رب النار" وله من حديث ابن مسعود انه لا ينبغى أن يعب بالنار الا رب النار (فالجواب) أن التعذيب بالنار كان جائزًا أوَّلًا، ثم نسخ بهذه الأحاديث والله أعلم (وفيها أيضًا) أن الجماعة لا تجب على النساء ولا تتأكد فى حقهن أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم ثم أخالف الى رجال وهو كذلك (وفيها أيضًا حجة لأحد القولين فى أنه يقاتل أهل بلد تمالؤا على ترك السنن ظاهرًا بناء على القول بأن الجماعة سنة لا فرض (قال القاضى عياض) والصحيح قتالهم، لأن فى التمالؤ عليها إماتتها أهـ وقد اختلف أصحاب الشافعى رحمهم الله فى قتال أهل بلد اتفقوا على ترك الجماعة بناء على القول بأنها سنةن والصحيح عندهم أنهم لا يقاتلون على ذلك، إنما يقاتلون على القول بأنها فرض كفاية والله أعلم

عن نافع (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن عبيد ثنا عبد الله عن نافع "الحديث"(غريبه)(1) قال النووي وغيره الرحال المنازل سواء كانت من حجر أو مدر او خشب أو صوف أو وبر او غير ذلك واحدها رحلٌ (2) قال الحافظ وللتنويع لا للشك، وفى صحيح أبى التأخير عن الجماعة، ونقل ابن بطال فيه الأجماع، لكن المعروف عند الشافعية أن الربح عذر فى الليل فقط، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل، لكن فى السنن من طرق ابن إسحاق عن نافع فى هذا الحديث فى الليلة المطيرة والغداة الفرة (وفيها) باسناد صحيح من أبى المليح عن ابيه أنهم مطروا يوماً فرخص لهم، ولم أر فى شيء من الأحاديث الترخص بعذر الريح فى النهار صريحا، لكن القياس يقتضي الحاقه، وقد نقله ابن الرفعة وجها أهـ (وقوله بالسفر) ظاهره اختصاص ذلك بالسفر، لكن رواه الأمام مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 184

من طريق ثانٍ) قال نادى ابن عمر بالصَّلاة بضجنان ثم نادى أن صلُّوا فى رحالكم ثمَّ حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يأمر المنادي فينادي بالصلَّاة، ثمَّ ينادى أن صلُّوا فى رحالكم في اللَّيلة الباردة وفي اللَّيلة المطيرة في السفَّر

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فمطرنا، قال ليصل من شاء منكم في رحله

كان يأمر المؤذن اذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال، فرواية الأمام مالك مطلقة لم تقيد ذلك بالسفر، وفى بعض أحاديث الباب عند الأمام احمد ما هو مطلق أيضًا (قال الحافظ) لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضى أن يختص ذلك بالمسافر مطلقًا، ويلحق به من تلحقه مشقة في الحضر دون من لا تلحقه والله أعلم اهـ (1)(سنده) حدينا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن نافع قال نادي ابن عمر "الحديث"(2) هو بفتح الضاد المعجمة بالجيم بعدها نون على وزن فعلان غير مصروف، قال صاحب الصحاح وغيره هو جبل بناحية مكة، وقال أبو موسى فى ذيل الغريبين هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة، وقال صاحب المشارق ومن تبعه هو جبل على بريد من مكة، وقال صاحب الفائق بينه وبن مكة خمسة وعشرون ميلًا، وبينه وبين وادي مر يسعة أميال اهـ (قال الحافظ) وهذا القدر أكثر من بريدين وضبطه بالأميال يدل على مزيد اعتناء، وصاحب الفائق ممن شاهد تلك الأماكن واعتنى بها خلاف من تقدم ذكره ممن لم يرها أصلًا، ويؤيده ما حكاه ابو عبيد البكري قال وبين قديد وضجنان يوم معبد الخزاعي:

قد جعلت ماء قديد موعدى

وماء ضجنان لها ضحى الغد اهـ

(3)

أى كثيرة المطر قال الكرمانى فعيلة بمعنى فاعلة وإسناد المطر اليها مجاز ولا يقال إنها بمعنى مفعولة أى ممطور فيها لوجود الهاء فى قوله مطير إذ لا يصح ممطورة فيها اهـ ملخصاً (تخريجه)(ق. لك. والأربعة)

(1317)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا حسن بن موسى ثنا زهير عن أبى الزبير عن جابر "الحديث"(غريبه" (4) فيه دليل على أن الصلاة فى الرحال لعذر المطر ونحوه لا عزيمة (تخريجه)(م. د. هق. وغيرهم)

ص: 185

(1318)

عن عمر بن أوس عن رجلٍ حدَّثه مؤذّن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال نادى منادى النَّبي صلَّي الله عليه وآله وسلَّم فى يومٍ مطيرٍ ألا صلُّوا فى الرِّحال عه نعيم بن النَّحَّام رضى الله عنه قال نودى بالصبُّح فى يوم بارد وأنا فى مرط امرأتى فقلت ليت المنادى قال من قعد فلا حرج عليه، فنادى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه ومن قعد فلا حرج عليه (وعنه من طريقٍ ثان) قال سمعت مؤذّن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فى ليلة باردةٍ وأنا فى لحافي فتمنَّيت أن يقول صلوا في رحالكم، فلمَّا بلغ حىَّ على الفلاح قال صلُّوا فى رحالكم ثمَّ سألت عنها فإذا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أمره بذلك

(1318) عن عمرو بن أوس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا حجاج ابن محمد أخبرنى شعبة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس "الحديث"(غريبه)(1) فيه أن العذر قائم أيضًا بالمطر نهارًا ويؤيد ما يأتى فى حديث سمرة وأبى المليح وابن عباس (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه احمد ورجاله رجال الصحيح (قلت) في اسناده رجل لم يسم ولعل الحافز الهيثمي عرفه بقرينة عنده والله أعلم

(1319)

عن نعيم بن النحام (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا على ابن عياش ثنا إسماعيل بن عياش قال حدثني يحيى بن سعيد قال أخبرنى محمد بن يحيى بن حبان عن نعيم النحام قال نودى الخ (غريبه)(2) المرط بكسر الميم كساء من صوف أو خز يؤتزر به في ليلة باردة كما يستفاد ذلك من الطريق لثانية (3) يعنى من قعد عن الذهاب الى المسجد وصلى فى رحله فلا حرج عليه (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ سماه عن نعيم بن النحام قال سمعت مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم "الحديث"(5) يعنى عن قوله صلوا فى رحالكم لأنها لم تعهد فى الأذان وما سمعها قبل ذلك (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورد الطريق الأولى منه الهيثمى، وقال رواه أحمد والطبراني فى الكبير إلا أنه قال "فلما قال الصلاة خير من النوم قال ومن قعد فلا حرج" رواه اسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني

ص: 186

(1320)

عن سمرة (بن جندبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال يوم حنين في يوم مطيرٍ الصَّلاة فى الرِّحال

عن أبى المليح بن أسامة قال خرجت إلى المسجد فى ليلة مطيرةٍ، فلمَّا رجعت استفتحت فقال أبى من هذا؟ قالوا أبو المليح، قال لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأصابتنا سماءٌ لم تبل أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلُّوا في رحالكم

وروايته عن أهل الحجاز مردودة، ورواه الطبرانى من طريق آخر رجالها رجال الصحيح اهـ (قلت) وأورد الطريق الثاني منه الهيثمى أيضًا وقال رواه أحمد وفيه رجل لم يسم (1320) عن سمرة بم جندب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا أبان ثنا قتادة عن الحسن عن سمرة "الحديث"(غريبه)(1) يعنى يوم غزوة حنين وكانت تلك الغزوة فى السنة الثامنة من الهجرة لخمس خلوان من شوال، وحنين واد بين مكة والطائف على ثلاثة أميال من مكة (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى في الكبير والبزار بنحوه وزاد "كراهية أن يشق علينا" ورجال أحمد رجال الصحيح

(1321)

عن أبي المليح (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا إسماعيل أنا خالد عن أبى قلابة عن أبى المليح "الحديث"(غريبه)(2) فى رواية أخرى عند الأمام أحمد عن أبى المليح قال "صليت العشاء الآخرة بالصرة ومطرنا، ثم جئت أستفتح" فذكر نحوه (3) يعنى زمن صلح الحديبية، وهو الذي حصلت فيه بيعة الرضوان سنة ست من الهجرة، والحديبية بتخفيف الياء التحتية الأخيرة وتشدد، قرية صغيرة على مرحلة من مكة وعلى مسجد الشجرة وهى من الحرم، وقال ابن القصار بعضها فى الحل وبعضها في الحرم (4) المراد بالسماء هنا المطر، لأنه نازل من السماء من باب تسمية الحال باسم المحل (وقوله لم تبل أسافل نعالنا) كناية عن قلة المطر وخفته، فيستفاد منه أن المطر عذر وإن كان حفيفًا (5) لفظ أبى داود عن أبى المليح عن أبيه أنه شهد النبى صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فى يوم جمعة وأصابهم مطر لم تبل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم، وقجد استدل به من قال إن المطر يبيح ترك الجمعة وإن كان خفيفا، ولكنه ليس صريحا في ذلك،

ص: 187

(وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن أبيه أنَّ يوم حنينٍ كان مطيرًا قال فأمر النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مناديه أن الصَّلاة فى الرَّحال

حّدثنا عبد الله حدَّثنى أبى ابن أبى عدىّ عن ابن عون عن محمَّدٍ أنَّ ابن عبَّاسٍ قال ابن عونٍ أظنُّه رفعه قال أمر مناديًا فنادى في يومٍ مطيرٍ أن صلُّوا في رحالكم

عن عائشة رضى الله عنها تبلغ به النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إذا وضع العشاء وأقيمت الصَّلاة

فيحتمل أن يكون النداء بالصلاة فى الرحال كان فى صبح الجمعة أو عصرها، والحديث اذا تطرقه الاحتمال سقط به الاستدلال (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا همام ثنا عن أبى المليح عن أبيه أن يوم حنين الخ (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه (د. نس. هق) وفيها أن ذلك كان فى صلح الحديبية، وأخرج الطريق الثانية منه (د. ك. هق) وفيها أن ذلك كان فى يوم حنين وكلا الطريقين إسناده جيد ويجمع بينهما بأن الواقعة تعددت ولا مانع من ذلك والله أعلم

(1322)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(2) يعنى أن ابن عون ظن أن محمدًا بلغه الحديث عن ابن عباس مرفوعا يعنى النبى صلى الله عليه وسلم فيكون من كلامه صلى الله عليه وسلم لا من كلام ابن عباس، ولا بن عباس أيضا حديث رواه الشيخان وأبو داود سيأتى فى آخر شرح أحاديث الباب قبل الأحكام يؤيد ذلك (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام احمد والله أعلم

(1323)

عن عائشة رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة "الحديث"(غريبه)(3) أى ترفعه الى النبى صلى الله عليه وسلم وقد جاء مرفوعا عند البخارى من رواية هشام عن أبيه أيضا قال سمعت عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال "اذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء"(4) حمله ابن دقيق العبد على صلاة المغرب مستدلا بما رواه البخارى والأمام أحمدًا أيضا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اذا قدّم العشاء فابدؤا به قبل ان تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم"

ص: 188

فابدؤا بالعشاء

عن أم سلمة رضى اله عنها قغالت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إذا حضر العشاء وحضرت الصَّلاة فابدؤا بالعشاء

عن نافعٍ عن ابن عمر عن النَّبى صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا وضع العشاء وأقيمت الصَّلاة فابدؤا بالعشاء قال ولقد تمشَّى ابن عمر

والحديث يفسر بعضه بعضا، قال وفى رواية صحيحة اذا وضع العشاء وأحدكم صائم اهـ 0 قلت عزاها الحافظ للطبرانى وابن حبان، وقال الفاكهانى ينبغى حمله على العموم نظرًا الى العلة وهى التشويش المفضى الى ترك الخشوع، وذكر المغرب لا يقتضى حصرًا فيها، لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق الى الأكل من الصائم اهـ قال الحافظ وحمله على العموم إنما هو بالنظر الى المعنى إلحاقًا للجائع بالصائم وللغداء بالعشاء لا بالنظر الى اللفظ الوارد اهـ (تخريجه)(ق. مى وغيرهما)

(1324)

عن أم سلمة رضى الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل ثنا محمد بن اسحاق قال حدثنى عبد الله بن رافع عن أم سلمة "الحديث"(غريبه)(1) قال الحافظ ما يقع فى بعض كتب الفقه "اذا حضر العشاء والعشاء فابدؤا بالعشاء" لا اصل فى كتب الحديث بهذا اللفظ، كذا فى شرح الترمذى لشيخنا أبى الفضل، لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين أن أبى شيبة اخرج عن اسماعيل وهو ابن عليه عن ابن اسحاق قال حدثنى عبد الله بن رافع عن أم سلمة مرفوعا "اذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدؤا بالعشاء" فان كان ضبطه فذاك والا فقد رواه أحمد فى مسنده عن اسماعيل بلفظ وحضرت الصلاة ثم راجعت مصنف ابن أبى شيبة فرأيت الحديث فيه كان أخرجه احمد والله أعلم اهـ (تخريجه)(ش) وسنده جيد

(1325)

عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمرو "الحديث"(غريبه)(2) زاد البخارى "ولا يعجل حتى يفرغ منه وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وانه ليسمع قراءة الأمام" قال الحافظ قوله وكان ابن عمر هو موصول عطفًا على الموفوعن وقد رواه السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع فذكر المرفوع ثم قال قال نافع وكان ابن عمر إذا عشاؤه وسمع الأقامة وقراءة الإمام لم

ص: 189

مرةً وهو يسمع قراءة الإمام

عن موهوب بن عبد الرَّحمن بن أزهر عن أنس بن مالك (رض) أنَّه كان يخالف عمر بن عبد العزيز فقال له عمر ما يحملك على هذا؟ فقال إنَّى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلَّم يصلَّى صلاةً متى توافقها أصلِّى معك. ومتى تخالفها أصلِّى وأنقلب إلى أهلي

يقم حتى يفرغ (ورواه) ابن حبان من طريق ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان يصلى المغرب اذا غابت الشمس وكان أحيانا يلقاه وهو صائم فيقدم له عشاؤه وقد نودى الصلاة، ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه ولا يعجل حتى يقضى عشاءه، ثم يخرج فيصلى اهـ قال الحافظ وهو أصرح مل ورد فى ذلك (تخريجه)(ق. حب) وغيرهم

(1326)

عن موهوب بن عبد الرحمن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب قال حدثنى ابن أبى دئب عن موهوب بن عبد الرحمن ابن أزهر "الحديث"(غريبه)(1) أى يتخلف عن صلاته معه (2) هكذا بالأصل بأثبات الياء من أصلى فى الموضعين وعلى هذا فمتى ظرفية بمعنى حين أو شرطية وجوابها مرفوع على لغة ضعيفة قال ابن مالك وبعد ماض رقمك الجزا حسن. ورفعه بعد مضارع وهن (3) الظاهر أن مخالفة عمر بن عبد العزيز لصلاة النبى صلى الله عليه وسلم كانت فى تأخيرها عن أول وقتها وهو إذ ذاك أمير على المدينة فى خلافه الوليد بن عبد الملك، وكان بنو أمية يؤخرون الصلاة عن أول وقتها فى ذلك الحين، فتبعهم عمر بن عبد العزيز فى أول أمره ثم رجع عن ذلك؛ لما ثبت فى حديث عروة بن الزبير رواه مسلم والأربعة والأمام أحمد وتقدم رقم 97 فى الباب الأول من أبواب أوقات الصلاة وفيه "فما زال عمر يتعلم وقت الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا" وثبت أيضا فى حديث أنس بن مالك رضى الله عنه "ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الغلام يعنى عمر بن عبد العزيز رواه أبو داود والنسائى وتقدم رقم 627 فى الباب الثانى من أبواب الركوع والسجود (تخريجه) لم أقف عليه ورجاله ثقات (وفى الباب عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لمؤذنه فى يوم مطير "اذا قلت أشهد أن لا إله الا الله، أشهد ان محمد رسول الله فلا تقل حى على الصلاة، قل صلوا فى بيوتكم، قال فكأن الناس استنكروا ذاك فقال أتعجبون من ذا؟ قد فعل ذا من هو خير منى، إن الجمعة عزمةٌ وانى كرهت أحرجكم فتمشوا فى الطين والدحض" رواه (ق. د)

ص: 190

_________

فلو قال المؤذن حى على الصلاة لكلفتهم المجئ اليها ولحقتكم المشقة (وقوله كرهت أن أحرجكم) قال النووى هو بالحاء المهملة من الحرج وهو المشقة هكذا ضبطناه، وكذا نقله القاضى عياض عن رواياتهم (وقوله فى الطين والدحض) باسكان المهملة وبعدها ضاد معجمة الزلق اهـ وقد ذكر النووى للدحض معان أخرى اقتصرت على الزلق لأنه اشهرها (وعن أنس ابن مالك) رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه وسلم قال "اذا قدم العشاء فابدؤا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم" رواه البخارى والأمام أحمد أيضا (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية التخلف عن الجماعة والجمعة والترخيض فى ذلك عند حصول المطر وشدة البرد والريح، وتقدم تفصيل ذلك فى خلال الشرح، قال ابن بطال أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعة فى شدة المطر والظلمة والريح وما أشبه ذلك مباح اه (قلت) وهذا لا ينافى أنها متأكدة اذا لم يكن ثم عذر، وأنها مشروعة لمن تكلف الأتيان اليها وتحمَّل المشقة، لقوله فى حديث جابر "ليصلى من شاء منكم فى رحله"(وفيها أيضا) أن صلاة الجماعة مشروعة فى السفر، وكذلك الاذان، وأن النداء بقوله "صلوا فى رحالكم" مشروع فى آخره لحديث ابن عمر الذى فى أول الباب، وفيه ثم قال فى آخر ندائه "ألا صلوا فى رحالكم" وكذلك عند مسلم، وفى رواية للبخارى ثم يقول على أثره يعنى أثر الأذان " ألا صلوا فى الرحال" وهو صريح فى أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان (قال القرطبى) يحتمل أن يكون المراد فى آخره قبل الفراغ منه جمعا بينه وبين حديث ابن عباس أى الذى ذكرناه آنفا وفيه "فلا تقل حى على الصلاة قل صلوا فى بيوتكم" وحمل ابن خزيمة حديث ابن عباس على ظاهره وقال انه يقال ذلك بدلا من الحيعلة نظرًا الى المعنى، لأن معنى حى على الصلاة هملوا اليها، ومعنى الصلاة فى الرحال تأخروا عن المجئ، فلا يناسب إيراد اللفظين معا، لأن أحدهما نقيض الآخر (قال الحافظ) ويمكن الجمع بينهما ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة فى الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا الى الصلاة ندب لمن أراد ان يستكمل الفضيلة ولو بحمل المشقة، ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم (قلت تقدم فى أحاديث الباب) قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمطرنا، فقال ليصل من شاء منكم فى رحله اهـ (وقال الحافظ ولى الدين أبو زرعة العراقى) فى طرح التثريب (وفيها) أن الأعذار المذكورة رخصة فى مطلق الجماعة، سواء فيها الجمعة وغيرها، وقد صرح فى حديث ابن عباس أنه فى يوم جمعة ولم يفرق أصحابنا فى أصحاب الاعذار بين الجمعة والجماعة إلا ما حكاه صاحب العدة عن أئمة طبرستان أنهم أفتوا أن الوحل الشديد عذر فى الجماعة دون الجمعة، والصحيح أنه عذر فيهما معًا، ومن فرق بينهما محجوج بحديث ابن عباس

ص: 191

_________

وهو متفق عليه من رواية عبد الله بن الحارث فذكرا الحديث وقال فى بعض طرقه إن الجمعة عزمة وإنى كرهت أن أخرجكم فتمشوا فى الطين والدحض قال (وفيها) حجة على رواية مالك حيث ذهب الى أن المطر والوحل ليسا بعذر فى الجمعة، وعنه رواية أن المطر الشديد والوحل عذر فيها (وقال احمد بن حنبل) إن المطر الوابل عذر، وقيد أصحابنا الوحل بالشديد وأطلق أكثرهم المطر ولم يقيدوه بالشديدن وقيد بعضهم بما يحصل به أذى، وقد أطلق المطر فى حديث ابن عباس لكن فى بعض طرقه عند البخارى أن ابن عباس قال "كرهت أن أؤثمكم فتحيئون تدوسون الطين الى ركبكم" فهذا يدل على شدة الوحل والمطر، لكن يجوز أن يكون بعد انقطاع المطر وهو الظاهر من سياق الحديث اهـ (وفيها أيضا) مشروعية تقديم العشاء (بفتح العين المهملة) اذا حضر سواء كان محتاجًا اليه أم لا، وسواء كان خفيفا أم لا، وسواء خشى فساد الطعام أم لا، وخالف الغزالى فزاد فيه خشية فساد الطعام الطعام، والشافعية فزادوا قيد الاحتياج اليه، ومالك فزاد قيد أن يكون الطعام خفيفا وقد ذهب الى الأخذ بظاهر الأحاديث (ابن حزم والظاهرية) ورواه الترمذى عن أبى بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق، ورواه العراقى عن العراقى عن الثورى فقال يجب تقديم الطعام، وجزموا ببطلان الصلاة اذا قدمت (وذهب الجمهور) الى الكراهة، وظاهرا الأحاديث أيضا أنه يقدم الطعام وإن خشى خروج الوقت، واليه ذهب ابن حزم، وذكره أبو سعيد المتولى وجها للشافعية (وذهب الجمهور) الى أنه اذا ضاق صلى على حاله محافظة على الوقت ولا يجوز تأخيرها، قالوا لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا نفوته لأجله، وظاهر قوله فى حديث ابن عمر عند البخارى (ولا تعجل حتى تفرغ) أنه يستوفى حاجته من الطعام بكمالها، وهو يرد ما ذكره بعض الشافعية فى أنه يقتصر على تناول لقيمات يكسر بها سورة الجوع (قال النووى) وهذا الحديث صريح فى إبطاله اهـ وقد ألحق بالطعام ما يحصل بتأخيره تشويش الخاطر بجامع ذهاب الخشوع الذى هو روح الصلاة (وقوله) فى حديث عائشة وابن عمر (إذا وضع العشاء) دليل على اعتبار الحضور الحقيقى (قال الشوكانى) ومن نظر إلى المعنى من أهل القياس لا يقصر الحكم على الحضور بل يقول به عند وجود المعنى، وهو التشوق الى الطعام، ولا شك أن حضور الطعام مؤثر لزيادة الاشتغال به والتطلع اليه، ويمكن أن يكون الشارع قد اعتبر هذه الزيادة فى تقديم الطعام، وقد تقرر فى الأصول أن محل النص إذا اشتمل على وصف يمكن أن يكون معتبرًا لم يلغ؛ قال ابن دقيق العيد إنه لا يبعد الحاق ما كان متيسر الحضور عن قرب بالحاضر اهـ

ص: 192

أبواب خروج النساء الى المساجد للجماعة

(1)

باب الأذن لهن بالخروج لذلك

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله (وعنه من طريقٍ ثانٍ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تمنعوا إماء الله أن يصلِّين فى المسجد

عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلاتٍ

عن زيد بن خالد الجهنيِّ رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه

(1327) عن عبد الله بن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن عبيد الله أخبرنى نافع عن عبد الله بن عمر "الحديث"(غريبه)(1) الأماء جمع أمة، والمراد بها هنا مطلق المرأة سواء كانت حرة أم مملوكة (وقوله مساجد الله) أى المساجد التى تقام فيها الجماعة (وقال المناوى) أراد المسجد الحرام وعبر عنه بلفظ الجمع للتعظيم فلا يمنعن من إقامة فرض الحج، فان كان المراد مطلق المسجد فالنهى للتنزيه بشرط كونها عجوزًا غير متطيبة ولا متزينة، هذا إذا لها زوج أو سيد وإلا حرم المنع اذا وجدت الشروط اهـ (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهرى عن سالم عن ابن عمرو عن أيوب عن نافع عن ابن عمر "الحديث"(تخريجه)(م. لك. د)

(1328)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله أبى ثنا يحيى عن محمد بن عمرو وقال ثنا أبو سلمة عن أبى هريرة "الحديث"(غريبة)(3) بفتح التاء المثناة وكسر الفاء أى غير متطيبات، يقال امرأة تفلة اذا متغيرة الربح، كذا قال ابن عبد البر وغيره، وإنما أمرن بذلك ونهين عن الطيب لئلا يحركن الرجال بطيبهن ويلحق بالطيب ما فى معناه من المحركات لداعى الشهوة كحسن الملبس والتحلى الذى يظهر أثره والزينة الفاخرة (تخريجه)(د. مى. هق. خز) وسنده جيد

(1329)

عن زيد بن خالد الجهنى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 193

وعلى آله وصحبه وسلَّم مثله

عن مجاهدٍ عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذنوا باللَّيل تفلات "ليثٌ الَّذى ذكر تفلاتٍ"

وعنه أيضًا عن عبد الله بن عمر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لا يمنعنَّ رجلٌ أهله أن يأتوا المساجد، فقال ابنٌ لعبد الله بن عمر فإنَّا نمنعهن، فقال عبد الله أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا، فما كلَّمه عبد الله حتَّى مات

ربعي يعني ابن إبراهيم ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام عن يسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تمنعوا إماء الله المساجد وليخرجن تفلات"(تخريجه)(حب. بز. طب) وإسناده إماء الله المساجد وليخرجن تفلات" (تخريجه) (حب. بز. طب) وإسناده حسن (1330) عن مجاهد عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان عن ليث وابراهيم بن المهاجر عن مجاهد عن ابن عمر "الحديث" (غريبه) (1) فيه اشارة الى أنهم ما كانوا يمنعوهن بالنهار، لأن الليل مظنة الريبة (2) يعنى أن ليثا أحد رجال السند ذكر فى روايته لفظ "تفلات" وأما ابراهيم بن المهاجر فرواه بدونها (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ واصله فى مسلم إسناده بن المهاجر فيه لين ولكن تعضده احاديث الباب

(1331)

وعنه أيضا عن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابراهيم بن خالد ثنا رباح حدثنى عمر بن حبيب عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن عبد الله بن عمر "الحديث"(غريبه)(3) أهل الرجل زوجته وعشيرته وذوو قرباه (4) هو بن عبد الله بن عمر، وقد صرح بذلك فى رواية عند مسلم والأمام أحمد وستأتى فى هذا الباب (قال الحافظ) والراجح من هذا أن صاحب القصة بلال لو رود ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم؛ ولم يختلف عليهما فى ذلك (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ وسنده جيد وروى معناه (م. د) وفيه جواز غضب الوالد على ولده وهجره لله، وإنما غضب عبد الله على ابنه وهجره لاعتراضه على السنة ومعارضته لها برأيه وإن كان لا يريد عنادًا بل يريد سد باب الفتنة على النساء (قال الحافظ) وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه وعلى العالم بهواه، وتأديب الرجل ولده وإن

ص: 194

(1332)

وعن مجاهد أيضًا عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال لاغ تمنعوا نساءكم المساجد باللَّيل، فقال سالمٌ أو بعض بنيه والله لا ندعهنَّ يتخذنه دغلًا قال فلطم صدره وقال أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا؟

عن حبيب بن أبى ثابتٍ عن ابن عمر رضى الل 9 هـ عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ قال فقال ابنٌ لعبد الله بن عمر بلى والله لنمنعهنَّ، فقال ابن عمر تسمعنى أحدِّث

كان كبيرًا إذا تكلم بما لا ينبغى له، وجواز التأديب بالهجران، فقد وقع فى رواية ابن أبى نجيح عن مجاهد عند أحمد "فما كلمه عبد الله حتى مات" وهذا إن كان مخفوظا يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير اهـ (وقال الطيبى) عجبت ممن يتسمى بالنسى إذا سمع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وله لاأى رجّح رأيه عليها، وأى فرق بينه وبين المبتدع؟ أما سمع "لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت" وها هو ابن عمر وهو من أكابر الصحابة وفقائها كيف غضب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهجر فلذة كبده لتلك الهنة عبرة لأولى الألباب اهـ (1332) وعن مجاهد أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(1) الراجح أنه بلال بن عبد الله بن عمر كما تقدم وسيأتى التصريح بذلك (قال الحافظ) وأما هذه الرواية الأخيرة (يعنى الحديث الذى نحن بصدد شرحه) فمرجوحة لوقوع الشك فيها، قال ولم أره مع ذلك فى شئ من الروايات عن الأعمش مسمى ولا عن شيخه مجاهد اهـ (2) هو بفتح المهملة ثم المعجمة وأصله الشجر الملتف ثم استعمل فى المخادعة لكون المخادع يلف فى ضميره أمرًا ويظهر غيره، وإنما أنكر عليه ابن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث وإلا فلو قال مثلا إن الزمان قد تغير وان بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره لكان يظهر أن لا ينكر عليه قاله الحافظ (تخريجه)(م. د. هق) والبخارى مقتصرًا على قول النبى صلى الله عليه وسلم

(1333)

عن حبيب بن أبى ثابت (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا العوام أخبرنى حبيب بن أبى ثابت عن ابن عمر "الحديث"(غريبه (3) أى صلاتهن فى بيوتهم خير لهن من صلاتهن فى المساجد لو علمن ذلك، لكنهن

ص: 195

عن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وتقول ما تقول

عن كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تمنعوا النَّساء حظوظهنَّ من المساجد إذا أستأذنَّكم، فقال بلالٌ والله لنمنعهن فقال عبد الله أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول لنمنعهنَّ؟

عن سالم بن عبد الله (يعني ابن عمر) قال كان عمر رضي

لم يعلمن؛ فيسألن الخروج الى الجماعة يعتقدن أن أجرهن فى المساجد أكثر؛ ووجه كون صلاتهن فى البيوت أفضل لأمن من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة (تخريجه)(د. هق. خز. طب) وبعضه عند مسلم وسنده جيد (1334) عن كعب بن علقة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عبد الرحمن ثنا سعيد يعنى ابن أبى أيوب حدثنى كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر " الحديث"(غريبه)(1) فى رواية عند مسلم فقال ابن له يقال له واقد " إذن يتخذنه دغلا قال فضرب فى صدره وقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول لا" وفى رواية أخرى عند مسلم "فقال بلال والله لنمنعهن" بلفظ حديث الباب فكيف الجمع بينهما؟ (قال الحافظ) يحتمل أن يكون كل من بلال وواقد وقع منه ذلك إما فى مجلس أو فى مجلسين؛ وأجاب ابن عمر كلا منهما بجواب يليق به، ويقويه اختلاف النقلة فى جواب ابن عمرن ففى رواية بلال عند مسلم "فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته يسبه مثله قط" وفسر عبد الله بن هبيرة فى رواية الطبرانى السب المذكور باللعن ثلاث مرات، وفى رواية زائدة عن الأعمش فانتهزه وقال أف لك وله، وعن ابن نمير عن الأعمش فعل الله بك وفعل، ومثله للترمذى من رواية عيسى بن يونس، ولمسلم من رواية أبى معاوية فزبره "يعنى نهره" ولأبى داود من رواية من رواية جرير فسبه وغضب، فيحتمل أن يكون بلال البادئ فلذلك أجابه بالسب المفسر باللعن وأن يكون واقد بدأه فلذلك أجابه بالسب المفسر بالتأنيف مع الدفع فى صدره، وكأن السر فى ذلك أن بلالا عارض الخبر برأيه ولم يذكر علة المخالفة، ووافقه واقد لكن ذكرها بقوله يتخذنه دغلا اهـ (تخريجه)(م. د. مذ. طب. هق) ولفظ مسلم كلفظ حديث الباب ولم يصرح الباقون باسم ابن عبد الله

(1335)

عن سالم بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 196

الله عنه رجلًا غيورًا، فكان إذا خرج إلى الصلًاة اتَّبعته عاتكه ابنة زيدٍ فكان يكره خروجها ويكره منعها وكان يحدِّث أنَّ رسول الله صلَّى الله وعليه وآله وسلَّم قال إذا استأذنكم نساؤكم إلى الصلَّاة فلا تنمعوهنَّ

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنت أحدكم امرأته أن تأتى المسجد فلا يمنعها، قال وكانت امرأة عمر بن الخطّاب رضى الله عنه تصلِّي فى المسجد فقال لها إنَّك لتعلمهين ما أحب فقالت والله لا أنتهى حتَّى تنها قال فطعن عمرو إنَّها لفي المسجد

إسماعيل بن إبراهيم عن يحيى بن أبى اسحاق عن سالم بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) هى ابنة زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد أحد العشرة، كانت زوجة لعمر ابن الخطاب رضى الله عنه (2) أما كراهته خروجها فلأنه كان شديد الغيرة على نسائه، وأما كراهته منعها فحذرًا من الوقوع فيما نهى عنه النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(عب) وهو مرسل لأن سالما لم يسمع من عمر وقد وصله الأمام أحمد فى الحديث التالى لكنه من مسند ابن عمر لا من مسند عمر ولم يصرح فيه باسم المرأة

(1336)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله الأعلى عن معمر عن الزهرى عن سالم عن ابن عمر "الحديث"(غريبه)(3) هى عاتكة كما صرح بذلك فى الحديث فى الحديث السابق (4) يريد عدم خروجها (5) يعنى أن عمر رضى الله عنه لم ينهها الى أن طعن الطعنة التى مات بسببها وزوجته عاتكة حاضرة بالمسجد (تخريجه)(ق. هق) بدون قصة امرأة عمر، وأخرجه البخارى والبيهقى مطولا بنحو حديث البابن ولفظ البخارى عن ابن عمر قال "كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء فى الجماعة في المسجد، فقيل لها لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار، قالت وما يمنعه أن ينهانى؟ قال يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا اماء الله مساجد الله"(الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية صلاة النساء فى المساجد والنهى عن منعهن من ذلك اذا استأذنَّ (قال النووى) لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث، وهو أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة

ص: 197

(2)

باب منعهن من الخروج اذا خشى منه الفتنة

(وفضل صلاتهن فى بيوتهن)

عن عبد الله بن سويد الأنصارىَّ عن عمَّته أمِّ حميدٍ امرأة أبى حميدٍ السَّاعدىِّ رضى الله عنهما أنَّها جاءت النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إنَّى أحبُّ الصَّلاة معك، قال قد علمت أنَّك تحبِّين الصَّلاة معى، وصلاتك فى بيتك خيرٌ لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك

ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها، وأن لا يكون فى الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوهما، وهذا النهى عن منعهن من الخروج محمول على كراهة التنزيه اذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد ووجدت الشروط المذكورة، فان لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع اذا وجدت الشروط (وقال فى المجموع) يستحب للزوج أن يأذن لها اذا استأذنته الى المسجد للصلاة اذا كانت عجوزًا لاتشتهى وأمن المفسدة عليها وعلى غيرها للأحاديث المذكورة فان منعها لم يحرم عليه؛ هذا مذهبنا، قال البيهقى وبه قال عامة عامة العلماء، ويجاب عن حديث "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" بأنه نهى تنزيه لأن حق الزوج فى ملازمة المسكن واجب فلا تتركه للفضيلة (وقال أبو حنيفة) يكره الا فى الفجر والعشاء والعيد اه (قلت وقالت المالكية) يجوز خروج امرأة متجالة وهى التى لا أرب للرجال فيها غالبا لصلاة عيد واستسقاء وللفرض من باب أولى، ومثلها شابة غير فارهة فى الجمال والشباب وإلا فلا تخرج أصلا (وقالت الحنابلة) يجوز خروج المرأة لصلاة الجماعة فى المسجد إلا المرأة الحسناء اذا كانت تصلى مع الرجال، وقصارى القول أن كل امرأة يفتتن بها لايجوز لها الخروج مطلقا الى المسجد للصلاة؛ والتى لا يفتتن بها صلاتها فى بيتها خير لها كما سيأتى فى الباب التالى والله أعلم

(1337)

عن عبد الله بن سويد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون ثنا عبد الله بن وهب قال حدثنى داود بن قيس عن عبد الله بن سويد "الحديث"(غريبه)(1) لعله يريد بالبيت المكان الذى تنام فيه وبالحجرة المكان الذى تجلس فيه للمقابلة (وقوله فى دارك) أة صحن الدار الذى تكون أبواب الحجرات فيه

ص: 198

في حجرتك خيرٌ لك من صلاتك فى دارك، وصلاتك فى دارك خيرٌ لك من صلاتك فى مسجد قومك، وصلاتك فى مسجد قومك خيرٌ لك من صلاتك فى مسجدى، قال فأمرت فبنى لها مسجدٌ فى أقصى شئ من بيتها وأظلمه فكانت تصلِّى فيه حتَّى لقيت الله عز وجل

عن أمِّ سلمة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه خير مساجد النَّساء قغر بيوتهنَّ

(ومسجد قومها) هو الذى فى حبها وأقرب المساجد الى دارها (1) يستفاد من هذا الحديث مشروعية تستر المرأة فى كل شئ حتى فى صلاتها وعبادة ربها؛ وكلما كانت فى مكان أستر كان ثوابها أعظم وأوفر، لهذا أرشدها النبى صلى الله عليه وسلم الى أخفى مكان فى بيتها وأبعده عن الناس، وهو صلى الله عليه وسلم لا يرشد إلا الى كل خير فبادرت بالعمل بارشاده وأمرت ببناء مسجد لها فى أبعد ناحية من بيتها وأظلمها ولا زالت تعبد الله عز وجل حتى ماتت رحمها الله (تخريجه)(طب) وأورده المنذرى وقال رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان فى صحيحهما وبوب عليه ابن خزيمة (باب) اختيار صلاة المرأة فى حجرتها على صلاتها فى دارها وصلاتها فى مسجد قومها على صلاتها فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم وان كان صلاةٌ فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم تعدل ألف صلاة غيره من المساجد، والدليل على أن قول النبى صلى الله عليه وسلم "صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد" انما أراد به صلاة الرجال دون صلاة النساء هذا كلامه اهـ

(1338)

عن أم سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن غيلان قال ثنا رشيدين حدثنى عمرو عن أبى السمح عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة "الحديث"(غريبه)(2) أى أخفى مكان فيه، والمراد أن تتخذ المرأة فى بيتها لصلاتها مكانا لا يسمع منه صوتها ولا يراها أحد (تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير وفى إسناده ابن لهيعة، ورواه ابن خزيمة فى صحيحه والحاكم من طريق دراج أبى السمح عن السائب مولى أم سلمة عنها، وقال ابن خزيمة لا أعرف السائب مولى أم سلمة بعدالة ولا حرج، وقال الحاكم صحيح الأسناد اهـ (قلت) حديث الباب ليس فى إسناده ابن لهيعة ولكن فيه رشدين بن سعد ضعفه أغلب الحفاظ من جهة حفظه وأورده الحاكم فى المستدرك وسكت عنه، وكذلك سكت عنه الذهبى والله أعلم

ص: 199

(1339)

عن عبيد مولى لأبى رهمٍ عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّه لقى امرأةً فوجد منها ريج إعصارٍ طيِّبة، فقال لها أبو هريرة المسجد تريدينً؟ قالت نعم، قال وله تطيَّبت؟ قالت نعم، قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من امرأةٍ تطَّيَّبت للمسجد فيقبل الله لها صلاةً حتَّى تغتسل منه اغتسالها من الجنابة فاذهبي فاغتسلي (وعنه من طريقٍ ثانٍ يرفعه) أيُّما امرأةٍ خرجت من بيتها متطيَّبةً تريد المسجد لم يقبل الله عز وجل لها صلاةً حتَّى ترجع فتغتسل منه غسلها من الجنابة

(1339) عن عبيد مولى لأبى رهم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت عاصم بن عبيد الله من آل عمر بن الخطاب يحدث عن عبيد مولى لأبى رهم "الحديث"(غريبه)(1) الأعصار بكسر الهمزة ريح عاصف ترفع ترابًا وتديره كأنه عمود صاعد الى السماء وهى الزوبعة، فشبه ما كان يثيره أذيالها من التراب بالأعصار وقد شم من هذا التراب ريجا طيبة (وى رواية) ان امرأة مرت به متطيبة ولذيلها إعصار (وروى) عصرة أى غبار (29 (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى سفيان عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن مولى أبى رهم سمعه من أبى هريرة يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه وفيه أنه قال ايما امرأة "الحديث"(3) إنما طلب منها الغسل الجنابة يعنى فى وجوبه وتعميم بدنها بالماء مبالغة فى ازالة ريح الطيب، والمعنى أن الله تعالى لا يقبل من امرأة تطيبت لأجل المسجد صلاة ما دامت رائحة ذلك الطيب عالقة بها، فاذا كان هذا عقاب من تطيبت لأجل المسجد والصلاة، فما بالك بعقاب من تطيبت للخروج فى الأسواق والمتنزهات ولم تركع لله ركعة من الصلوات المفروضات نسأل الله السلامة (تخريجه)(د. جه) وفى إسناده عاصم بن عبيد الله ابن عاصم بن عمر بن الخطاب ضعيف كذا فى الخلاصة وفى التهذيب قال العجلى لا بأس به، وقال ابن عدى وهو مع ضعفه يكتب اهـ (قلت) أورده المنذرى وقال رواه ابن خزيمة فى صحيحه قال باب إيجاب الغسل على المطيبة للخروج الى المسجد ونفى قبول صلاتها إن صلت قبل أن تغتسل إن صح الخبر (قال المنذرى) اسناده متصل ورواته ثقات

ص: 200

(1340)

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أيُّما امرأةٍ أصابت بخورًا فلا تشهدنَّ عشاء الآخرة

عن عائشة رضى الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات، قالت عائشة ولو رأى حالهنَّ اليوم منعهنَّ

عن حَّماد بن زيدٍ عن يحيى عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت لو أن رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وصلَّم رأى من النِّساء ما رأينا لمنعهنَّ من المساجد كما منعت بنوا إسرائيل نساءها قلت

وعمر بن هاشم البيروتى ثقة وفيه كلام لا يضر اهـ

(1340)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر ثنا أبو علقمة الفروى ثنا يزيد بن حصيفة عن بشر بن سعيد قال قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايما امرأة "الحديث"(غريبه)(1) بفتح الباء ما يتبخر به والمراد به ما ظهر ريحه (2) قيد بذلك لأنه وقت ظلمة فيكثر فيه فجور الفجرة وإلا فكل صلاة كذلك حيث خيفت الفتنة من حضورها، وقال بعض العلماء قيد بالآخرة لأخراج المغرب لأنها تسمى عشاء مع الكراهة فى غير التغليب على العتمة (تخريجه)(م. د. نس. جه. هق)

(1341)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الحكم ثنا عبد الرحمن بن أبى الرجال فقال أبى يذكره عن أمه عن عائشة "الحديث"(غريبه)(3) أى من الزينة والتبرج والثياب الفاخرة والطيب لمنعهن من الخروج الى المساجد كما فى الحديث التالى (تخريجه) لم اقف عليه من عائشة لغير الأمام أحمد وأخرج نحوه الشيخان عن ابن عمر، وأخرجه أبو داود والبيهقى والدارمى وابن خزيمة عن ابى هريرة وتقدمها فى الباب السابق

(1342)

عن حماد بن زيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس قال ثنا حماد يعنى ابن زيد "الحديث"(غريبه)(4) يحتمل أن تكون شريعتهم المنع ويحتمل أن يكنَّ منعن بعد الأباحة ويحتمل غير ذلك مما لا طريق لنا إلى معرفته

ص: 201

لعمرة ومنعت بنوا إسرائيل نساءها؟ قالت نعم

إلا بالخبر (قال الكرمانى) فان قلت من أين علمت عائشة رضى الله عنها هذه الملازمة والحكم بالمنع وعدمه ليس إلا لله تعالى (قلت) مما شاهدت من القواعد الدينية المقتضية لحسم مواد الفساد (1) القائل قلت لعمرة هو يحيى بن سعيد الراوى عن عمرة (والقائل نعم) هى عمرة، قال الحافظ يظهر أنها تلقته عن عائشة، ويحتمل أن يكون عن غيرها، وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفا أخرجه عبد الرزاق بأسناد صحيح، ولفظه قالت "كن نساء بنى اسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشر فن للرجال فى المساجد فحرم الله عليهن المساجد وسلِّطت عليهن الحيضة" وهذا وان كان موقوفا حكمه حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأى، وروى عبد الرزاق نحوه باسناد صحيح عن ابن مسعود اهـ (وفى الباب) عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال إنما النساء عورة وان المرأة لتخرج من بيتها وما بها من باس فيستشر فها الشيطان فيقول إنك لا تمرين بأحد الا أعجبتيه، وان المرأة لتلبس ثيابها فيقال أين تريدين فتقول أعود مريضا أو اشهد جنازة أو أصلى فى مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده فى بيتها، رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات (وعنه أيضا) قال كان الرجال والنساء من بنى اسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة اذا كان لها خليل تلبس القالبين (بفتح اللام وكسر هانعل من خشب كالقبقاب) تطوّل بهما لخليلها فألقى الله عليهن الحيض، فكان ابن مسعود يقول أخرجوهن من حيث أخرجهن الله، قلنا ما القالبين؟ قالوا رفيضتين من خشب (طب) ورجاله رجال الصحيح (وعنه أيضا) قال ما صلت امرأة من صلاة أحب الى الله من أشد مكان فى بيتها ظلمة (طب) ورجاله موثقون (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جواز منع النساء اللاتى يخشى منهن الفتنة عن الخروج الى المسجد للصلاة فيه، وكذلك كل من تشتهى ولو لبعض الناس، بل يجب فى زماننا هذا الذى عم فيه الفساد، وانتشر التهتك كنساء بنى اسرائيلن والتبرج كتبرج الجاهلية الأولى بل ازداد، وعلى كل حال المرأة فى بيتها خير لها من الصلاة فى المسجد، وكلما استترت كان ثوابها أعظم كما يؤخذ من أحاديث الباب، وبهذا قال جمهور العلماءن وقد تمسك بعضهم بقول عائشة فى منع النساء مطلقا (قال الحافظ) وفيه نظر إذ ل يترتب على تغير الحكم حتى ان عائشة ل تصرح بالمنع وان كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع، وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى الى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى، وأيضا فالأحداث انما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فان تعين المنع فليكن

ص: 202

(3)

باب في آداب تتعلق بخروجهن وصلاتهن فى المسجد

عن بسر بن سعيدٍ قال أخبرتنى زينب الثَّقفية امرأة عبد الله ابن مسعودٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لها إذا خرجت إحداكنَّ إلى العشاء تمسَّ طيبًا

عن عائشة رضي الله عنها قالت كنَّ النَّساء يصلِّين مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الغداة ثمَّ يخرجن متلفِّعات بمروطهنَّ لا يعرفن (وعنها من طريقٍ ثانٍ) أن نساءً من المؤمنات كنَّ يصلِّين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبُّح متلفِّعات بمروطهنَّ ثمَّ يرجعن إلى أهلهنَّ وما يعرفهنَّ أحدٌ من الغلس عن أسماء (بنت أبى بكر رضى الله عنها) أنَّها قالت كان المسلمون ذوى حاجةٍ يأتزرون بهذه النَّمرة فكانت إنَّما تبلغ أنصاف

لمن أحدثت، والأولى أن ينظر الى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لأشارته صلى الله عليه وسلم الى ذلك بمنع التطيب والزينة، وكذلك التقيد بالليل كما سبق اهـ والله أعلم

(1343)

عن يسر بن سعيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا يعقوب وسعد قالا ثنا أبى عن صالح عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد "الحديث"(تخريجه)(م. وغيره)

(1344)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهرى عن عروة بن الزبير عن عائشة "الحديث"(غريبه)(1) أى صلاة الصبح (والتلفع) والتجلل والتلفف (2) أى بأكسيتهن، واحدها مرط بكسر الميم وتقدم تفسيره آنفا (3)(سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن الزهرى عن عروة عن عائشة أن نساء من المؤمنات "الحديث"(4) بالغين المعجمة هو بقايا ظلام الليل (تخريجه)(ق. والأربعة وغيرهم)

(1345)

عن أسماء بنت أبى بكر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابراهيم بن خالد قال ثنا روح عن معمر عن الزهرى عن بعضهم عن مولاة لأسماء عن أسماء "الحديث"(غريبه)(5) قال صاحب النهاية كل شمال مخططة من مآزر الأعراب

ص: 203

سوقهم أو نحو ذلك فسمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يعني النَّساء فلا ترفع رأسها حتَّى نرفع رؤسنا كراهية أن تنظر إلى عورات الرِّجال من صغر أزرهم

عن سهل بن سعدٍ السِّاعديِّ رضي اللهى عنه قال كان رجالٌ يصلُّون مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عاقدى أزرهم على رقابهم كهيئة الصِّبيان فيقال للنِّساء لا ترفعن رؤسكنَّ حتىَّ يستوى الرِّجال جلوسًا

عن أمِّ سلمة رضى الله عنها أنَّ النِّساء فى عهد رسول الله صلى اللخهى عليه وسلم إذا سلَّم من الصَّلاة المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت من صلَّى

فهي نمرة، وجمعها ثمار، كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض، وهى من الصفات الغالبة اهـ تريد أنهم كانوا فى ابتداء أمرهم فقراء ليس عندهم ما يكفيهم من اللباس إلا هذه الثمار التى تكون من صوف ونحوها مما لا يستر جميع بدنهم، روى البخارى والأمام أحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه قال "لقد رأيت سبعين من أصحاب الصَّفة ما منهم رجل عليه رداء غما ازار وإما كساء قد ربطوها فى أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته"(تخريجه) رواه أبو داود قال حدثنا محمد ابن المتوكل العسقلانى نا عبد الرزاق انا معمر عن عبد الله بن مسلم أخى الزهرى عن مولىً لسماء ابنة بكر عن اسماء "الحديث"(قلت) إسناده من أبهم اسمه وكذلك عند الأمام أحمد أيضا؛ لكن يؤيده حديث سهل بن سعد الآتى بعده

(1346)

عن سهل بن سعد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى عبد الرحمن بن مهدى ثنا سفيان عن أبى حازم قال سمعت سهل بن سعد يقول كان رجال "الحديث"(غريبه)(1) أصله عاقدين، فلما أضيف سقطت النون للأضافة وهو منصوب على الحال (والأرز) بضم الهمزة والزاى جمع إزار (2) رواية البخارى فقيل للنساء والظاهر أن القائل هو النبى صلى الله عليه وسلم بدليل الحديث السابق والله أعلم (تخريجه)(ق. د. نس هق)

(1347)

عن أم سلمة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عثمان بن عمر أخبرنا يونس عن الزهرى قال حدثتنى هند ابنة الحارث القرشية أن أم سلمة زوج

ص: 204

من الرِّجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرِّجال

النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها أن النساء فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(1) إنما ثبت صلى الله عليه وسلم فى مكانه هو وأصحابه بعد السلام من الصلاة لكى ينصرف النساء قبل الرجال حذرًا من رؤيتهن فى مكانه هو وأصحابه بعد السلام من الصلاة لكى ينصرف النساء قبل الرجال حذرًا من رؤيتهن، وقد صرح بمعنى ذلك الزهرى فى رواية البخارى قال فأرى والله أعلم أن مكنه صلى الله عليه وسلم لكى ينفذ النساء قبل أن يدركهن من الصرف من القوم (تخريجه) مكنه صلى الله عليه وسلم لكى ينفذ النساء قبل ان يدركهن من الصرف من القوم (تخريجه)(خ. د. نس. ش)(الأحكام) فى أحاديث الباب النهى عن خروج المرأة من بيتها متطيبة بطيب له رائحة ظاهرة، فان طرأ عليها ما يستدعى الخروج لضرورة وهى متطيبة فلتبادر الى إزالته ولتخرج متلففة بما يستر جميع بدنها ويمنع صفته بحيث لا يرى منه شئ إلا ما تدعو الضرورة لكشفه كبعض وجهها لترى الطريق (وفيها) ان صف النساء يكون وراء صف الرجال فى المسجد، ويستحب لهن أن لا يرفعن رؤسهن من السجود حتى يرفع الرجال (وفيها) جواز خروج النساء النساء الى المساجد للصلاة لكن بالشروط المتقدمة فى هذا الباب واللذين قبله (وفيها) استحباب مكث الأمام ومن وراءه من الرجال قليلا حتى يخرج النساء لأن الاختلاط بهن مظنة الفساد (ونقل عن الشافعى رحمة الله) فى المختصر أنه اذا لم يكن هناك نساء فالمستحب للأمام أن يقوم من مصلاه عقيب صلاته (وفى الأحياء) للغزالى أن ذلك فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضى الله عنهما وصححه ابن حبان فى غير صحيحه (قال النووى) وعللوا قول الشافعى بعلتين (إحداهما) لئلا يشك من خلفه هل سلم أم لا؟ (الثانية) لئلا يدخل غريب فيظنه بعد فى الصلاة فيقتدى به (وفيها أيضا) استحباب عدم انصراف المأموم قبل امامه (قال الشافعى) رحمه الله فى الأم وللمأموم أن ينصرف اذا قضى الأمام السلام قبل قيام الأمام، وان أخر ذلك حتى ينصرف بعد الأمام أو معه كان أحب الى (وقال العينى) رحمة الله "وهو حنفى المذهب" وفى الذخيرة اذا فرغ من صلاته أجمعوا أنه لا يمكث فى مكانه مستقبل القبلة، وجميع الصلوات فى ذلك سواء، فان لم يكن بعدها تطوع انحرف عن يمينه أو يساره، وان شاء استقبل الناس بوجهه اذا لم يكن أمامه من يصلى، وان كان بعد الصلاة سنن يقوم اليها وبه نقول، تأخيرها عن أداء الفريضة فيتقدم أو يتأخر أو ينحرف يمينا أو شمالا، وعن الحلوانى من الحنفية جواز تأخير السنن بعد المكتوبة، والنص أن التأخير مكروه، ويدعو فى الفجر والعصر، لأنه لا صلاة بعدهما فيجعل الدعاء بدل الصلاة، ويستحب أن يدعو بعد السلام (وقال فى التوضيح) أيضا اذا أراد الأمام أن ينتقل فى المحراب ويقبل على الناس

ص: 205

(4)

باب فضل المسجد الابعد وكثرة الخطا الى المساجد

عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأبعد فالأبعد من المسجد أفضل أجرًا

عن أبى الزُّبير قال سألت جابرًا سميع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول في كثرة خطا الرَّجل إلى المسجد شيئًا؟ فقال هممنا أن ننتقل من دورنا إلى المدينة لقرب المسجد فزجرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال لا تعروا المدينة، فإنَّ لكم فضيلةً على من عند المسجد بكلِّ خطوةٍ درجة (ومن طريقٍ ثانٍ) عن أبى نضرة عن جابر قال خلت البقاع حول

للذكر والدعاء جاز أن ينتقل كيف شاء، وأما الأفضل فأن يجعل يمينه اليهم ويساره الى المحراب وقيل عكسه، وبه قال أبو حنيفة، قال ومن فوائد الحديث (يعنى حديث أم سلمة) وجوب غض البضر ومكث الأمام فى موضعه ومكث القوم فى أماكنهم اهـ والله أعلم (1348) عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا هارون بن معروف حدثنا عبد الله بن وهب وأخبرنى ابن أبى طالب ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عبد الرحمن بن سعد عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) فيه التصريح بأن أجر من كان مسكنه بعيدًا من المسجد أعظم ممن كان قريبا منه وذلك لكثرة الخطا يدل على ذلك حديث أبى هريرة رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم وتقدم فى أول الباب الاول من أبواب صلاة الجماعة وفيه (وذلك أن أحدكم اذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لا ينهزه الا الصلاة لم يحط خطوة الا رفع له بها درجات وحط بها عنه خطيئة حتى يدخل المسجد الحديث) وجاء فى ذلك أحاديث كثيرة تقدمت فى غير موضع (تخريجه)(د. جه. ك) وقال حديث صحيح مدنى الأسناد

(1349)

عن أبى الزبير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الزبير قال سألت جابرًا "الحديث"(غريبه)(2) بضم أوله وسكون ثانية وفى حديث أنس الآتى بعده (وكره أن تعرى المدينة) بفتح التاء وسكون العين المهملة أى تخلو وتصير عراًء وهو الفضاء من الأرض وتصير دورهم فى العراء (نه)(3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا أبي ثنا الجريري

ص: 206

المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فقال لهم إنَّه بلغنى أنَّكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟ قالوا نعم يا رسول الله أردنا ذلك، فقال يا بنى سلمة دياركم تكتب آثاركم دياركم تكتب آثاركم

وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه بنحوه وفيه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكره أن تعرى المدينة، فقال يا بنى سلمة ألا تحتسبون آثاركم إلى المسجد؟ قالوا بلى يا رسول الله، فأقاموا

عن أبي نضرة الخ (1) بكسر اللام قبيلة معروفة من الأنصار رضى الله عنهم (2) دياركم مفعول لفعل محذوف تقديره الزموا ياركم (وتكتب مجزوم جواب الأمر وآثاركم نائب فاعل تكتب) والمعنى الزموا دياركم فانكم إذاا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم الكثيرة الى المسجد وكرر الجملة للتأكيد (تخريجه) الطريق الأول فى إسناده ابن لهيعة، لكن أخرج نحوه مسلم عن جابر أيضا قال كانت ديارنا نائبة عن المسجد فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقترب من المسجد فنهانا رسول الله فقال "ان لكم بكل خطوة درجة" فهذا الحديث يعضده، وأخرج الطريق الثانية منه مسلم وغيره

(1350)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن عدىّ عن حميد عن أنس أِّت أرادوا يتحولوا من منازلهم فيسكنوا اقرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(3) يعنى ألا تطلبون وجه الله وثوابه بأثر مشيكم وكثرة خطاكم الى المسجد، فالاحتسابب من الحسب كالاعتداد من العدّ (قال صاحب النهاية) وإنما قيل لمن ينوى بعمله وجه الله احتسبه لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل فى حال مباشرة الفعل كأنه معتد به، والحسبة اسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد، والاحتساب فى الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار الى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب الموجو منها اهـ (تخريجه)(خ)

ص: 207

(1351)

عن أبي عثمان عن أبىَّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال كل رجلٌ بالمدينة لا أعلم رجال كان أبعد منه منزلًا أوقات دارًا من المسجد منه (زاد فى رواية قال فكان يحضر الصلوات كلَّهن مع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقيل له لو اشتريت حمارًا فركبته فى الرَّمضاء والظَّلمات. فقال ما يسرُّنى أنَّ داري أو قال منزلى إلى جنب المسجد، فمنمى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أردت بقولك ما يسرُّنى أنَّ منزلى أو قال دارى إلى جنب المسجد؟ قال أردت أن يكتب إقبالى إذا أقبلت إلى المسجد ورجوعى إذا رجعت إلى أهلى، قال أعطاك الله ذلك كلَّه، أو أنطاك الله ما احتسبت أجمع

(1351) عن أبي عثمان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن التيمى عن أبى عثمان عن أبىّ بن كعب "الحديث"(غريبه)(1) أو للشك من الراوى يعنى أن الراوى يشك هل قال أبىّ لا أعلم رجلا كان أبعد منه منزلا من المسجد، أو قال لا أعلم رجلا كان أبعد دارًا من المسجد منه (3) القائل هو أبىّ رضى الله عنه كما فى رواية عند الأمام أحمد أيضا "فقلت له لو اشتريت حمارًا الخ"(3) أى فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (4) أى فقال النبى صلى الله عليه وسلم للرجل ما أردت بقولك الخ (5) بالنون وهى لغة أهل اليمن اى أعطاك (نه)(تخريجه)(م. جه) وغيرهما وله طرق أخرى عند الأمام احمد ستأتى فى كتاب النية والأخلاص من قسم الترغيب ان شاء الله تعالى (وفى الباب) عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد فأرادوا ان يتقربوا فنزلت فنزلت (ونتب ما قدموا وآثارهم) فثبتوا رواه ابن ماجه باسناد جيد (وعن زيد بن ثابت) رضى الله عنه قال كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة فكان يقارب الخطا، فقال أتدرون لم أقارب الخطا؟ قلت الله ورسوله أعلم؛ قال لا يزال العبد فى صلاة ما دام فى طلب الصلاة" رواه الطبرانى فى الكبير مرفوعًا وموقوفًا على زيد وهو الصحيح (وعن أبى موسى) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان أعظم الناس أجرًا فى الصلاة أبعدهم اليها ممشى فأبعدهم، والذى ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الأمام أعظم أجرًا من الذى يصليها ثم ينام"

ص: 208

(5)

باب فضل المشي الى الجماعة بالسكينة

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلَّم إذا أقيمت الصَّلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها وعليكم السَّكينة فما أدركتم فصلَّوا

رواه الشيخان وغيرهما (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن الصلاة فى المسجد البعيد أفضل منها فى المسجد القريب لكثرة الخطان فقد ثبت ان الماشى الى المسجد يكتب له بكل خطوة حسنة ويمحى عنه سيئة، وتقدم ذلك فى غير موضع الا اذا كان المسجد القريب أكثر جمعا وامامه أتقى وأعلم فالصلاة فيه أفضل لما ثبت من حديث أبىّ بن كعب وتقدم رقم 1299 فى باب الترغيب فى حضور الجماعة فى العشاء والفجر وفيه "وما كان أكثر فهو أحب الى الله تعالى"(قال النووى) رحمه الله فى المجموع فان كان هناك مساجد فذهابه الى أكثرها جماعة أفضل، قال فلو كان بجواره مسجد قليل الجمع وبالبعد منه مسجد أكثر جمعا فالمسجد البعيد أولى إلا حالين (أحدهما) أن تتمطل جماعة القريب بعدوله عنه لكونه إمامًا أو يحضر الناس بحضوره فحينئذ يكون القريب أفضل (الثانى) أن يكون إمام البعيد مبتدعا كالمعتزل وغيره أو فاسقا أو لا يعتقد وجوب بعض الأركان فالقريب أفضل، وحكى الخراسانيون وجها أن مسجد الجوار أفضل بكل حال، والصحيح الذى قطع به الجمهور هو الأول، فان كان مسجد الجوار لا جماعة فيه ولو حضر هذا الأنسان فيه لم يحصل جماعة ولو يحضر غيره فالذهاب الى مسجد الجماعة أفضل بالاتفاق اهـ

(1352)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثتى أبى ثما عبد الرزاق عن معمر قال الزهرى وقد أخبرنى سعيد بن المسيب عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) إنما ذكر الأقامة للتنبيه بها ما سواها، لأنه اذا نهى عن إتيانها سعيا فى حال الأقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل الأقامة أولى، فالنهى عن الأسراع فى الاتيان الى الصلاة مطلقا حال الٌامة أو غيرهما، ومعنى السعى الأسراع الشديد الشديد الذى ينافى الخشوع لما فى حديث أبى هريرة وسيأتى فى الباب التالى "فان أحدكم فى صلاة اذا ما كان يعمد الى الصلاة"(2) ذكر أبو العباس القرطى انه بنصب السكينة على الأغراء كأنه قال الزموا السكينة لكن (قال العراقى) رحمه الله فى شرح الترمذى المشهور فى الرواية رفع السكينة على أن قوله وعليكم السكينة جملة فى موضع الحال اهـ والسكينة هى الوقار كما فسره أئمة اللغة

ص: 209

وما فاتكم فأتمَّوا (وفى روايةٍ أخرى)"فقضوا" بدل قوله "فأتمُّوا"

وجاء في رواية عند مسلم "ولكن لميش وعليه السكينة والوقار" قال النووي قيل هما بمعنى وجمع بينهما تأكيدًا والظاهر أن بينهما فرقًا وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك، والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت والأقبال على طريقة بغير التفات ونحو ذلك والله أعلم اهـ (وقوله فما أدركتم) قال الكرماني الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا ثبت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا (قال الحافظ) أو التقدير إذا فعلتم فما أدركتم فصلوا، أي فعلتم الذي آمركم به من السكينة وترك الإسراع (1) أي أكملوا الذي سبقكم به الإمام من الصلاة، أي افعلوه بعد سلامه، وفيه دليل للقائلين بأن ما أدركه المأموم مع الإمام هو أول صلاة المأموم، لأن لفظ الإتمام لا يقع إلا على شيء باق من شيء قد تقدم بعضه، وقوله وفي رواية "فاقضوا" قيل هو بمعنى فأتموا، وقيل معناه أن ما ادركه المأموم مع الامام هو آخر صلاة المأموم، وما فاته هو أول صلاته، فيقضي بعد سلام الامام حتى استحبوا له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة سورة وترك القنوت محتجين برواية "فاقضوا" قائلين إن القضاء لا يكون إلا للفائت (قال الحافظ) والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ فأتموا وأقلها بلفظ فاقضوا، وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين القضاء والاتمام مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحد واختلف في لفظة منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى وهنا كذلك، لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالبًا لكنه يطاق على الأداء أيضًا ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى [فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا] ويرد بمعان أخر فيحمل قوله فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله فأتموا، فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته حتى يستحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة وترك القنوت، بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه، لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه؛ وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال، فلو كان ما يدركه مع الامام آخرًا له لما احتاج إلى إعادة التشهد، وقول ابن بطال إنه ما تشهد إلا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور، واستدل ابن المنذر لذلك أيضًا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى، وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور، فأنهم قالوا إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل

ص: 210

(وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه وفيه) فصلُّوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم

(1353)

عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه قال بينما نحن نصلَّى مع النَّبى صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع جلبة رجالٍ، فلمَّا صلَّى دعاهم فقال ما شأنكم قالوا يا رسول الله استعجلنا إلى الصَّلاة، قال فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصَّلاة فعليكم السّكينة، فما أذركتم فصلّوا. وما سبقكم فأتُّموا

(1354)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال أقيمت الصلَّاة فجاء رجلٌ لايسعى فانتهى وقد حفزه النَّفس أو انبهر فلمَّا انتهى إلى الصَّفَّ قال الحمد لله حمدًا كثيرًا طيَّبًا كاًفيه، فلمَّا قضى رسول صلى الله عليه وسلم الله صلاته قال أيُّكم المتكلِّم؟ فسكت القوم، فقال أيُّكم المتكلِّم؟ فإنَّه قال خيرًا أو لم يقل بأسًا، قال

الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين، وكأن الحجة قوله ما ادركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن، أخرجه البيهقي، وعن إسحاق والمزني لا يقرأ إلا أم القرآن فقط وهو القياس اهـ (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز حدثنا شعبة عن سعد بن ابراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ائتوا الصلاة وعليكم السكينة فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم"(تخريجه)(ق. د. جه. هق)

(1353)

عن عبد الله بن أبي قتادة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى وحسين بن محمد قالا ثن شيبان عن يحيي بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه "الحديث"(غريبة)(2) بجيم ولام وموحدة مفتوحات أي أصواتهم حال حركتهم (تخريجه)(ق. وغيرهم).

(135)

عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن عدي وسهيل بن يوسف المعني عن حميد عن أنس "الحديث"(غريبة)(3) هو بفتح حروفه وتخفيفها أي ضغطه لسرعته 4) أي أصابه البهر بضم الموحدة هو ما يعتري الانسان عند السعي الشديد والعدو من النهج وتتابع النفسر، قاله صاحب النهاية

ص: 211

يا رسول الله أنا أسرعت المشى فانتهيت إلى الصَّفِّ فقلت الَّذى قلت، قال لقد رأيت اثنى عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها، ثمَّ قال، إذا جاء أحدكم إلى الصَّلاة على هيئته فليصلِّ ما أدرك وليقض ما سبقه

(1355)

عن عبد الله (يعني ابن مسعودٍ) رضى الله عنه قال امشوا إلى المسجد فإنَّه من الهدى وسنَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم

(1356)

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيِّئةً وخطوةٌ تكتب حسنةً ذاهبًا وراجعًا

(1) أي يتسابقون في رفعها إلى الله عز وجل يريد كل واحد أن يرفعها قبل الآخر لما لها من الفضل العظيم (2) أي على عادته في السكون والرفق يقال امش على هينتك أي على رسلك (تخريجه)(م. وغيره)

(1355)

عن عبد الله يعني ابن مسعود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن الأعمش عن رجل عن أبي الأحوض عن عبد الله "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه وفي إسناده رجل لم يسم

(1356)

عن عبد الله بن عمرو (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن ثنا ابن بهيمة ثنا حي بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو ابن العاص يقول قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من راح إلى مسجد الجماعة "الحديث"(غريبة)(3/المشهور في الخطوة فتح الخاء، وقيده صاحب المفهم بضمها وقال إنه الرواية كذا قال، وهي واحدة الخطا وهي ما بين القدمين، قال فأما الخطوة بفتح الخاء فهي للمصدر فالضم للاسم والفتح للمصدر، وقال صاحب النهاية الخطوة بالضم بعد ما بين القدمين في المشي، وبالفتح المرة الواحدة اهـ (خريجه) أورده المنذري في الترغيب والترهيب، وقال رواه أحمد بإسناد حين والطبراني وابن حيان في صحيحه تنبيه) جاء هذا الحديث في نسخ الترغيب والترهيب عن عبد الله بن عمرو وهو خطأ وصوابه عن عبد الله بن عمرو ابن العاص كما في حديث الباب وهو عند الامام أحمد في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص حسب

ص: 212

(1357)

عن نافعٍ عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يجعل أحدكم عن طعامه للصلاة، قال وكان ابن عمر يسمع الإقامة وهو يتعشَّى فلا يعجل

(1357) عن نافع عن ابن عمر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما) بألفاظ مختلفة والمعنى واحد (الأحكام) في أحاديث الباب استحباب إتيان الصلاة مشيًا على القدم كحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "امشوا إلى المسجد فإنه من الهدي وسنة محمد صلى الله عليه وسلم " فإن أتاها راكبًا جاز ذلك ولكن المشي أفضل، لما في حديث عبد الله بن عمرو "خطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب حسنة"(وفيها) النهي عن إتيانها سعيًا بل يكون بتؤدة ووقار، وظاهره أنه لا فرق في ذلك بين الجمعة وغيرها، ولا بين أن يخاف فوت تكبيرة الإحرام أو فوت ركعة أو فوت الجماعة بالكلية أو لا يخاف شيئًا من ذلك؛ وبهذا قال (جمهور العلماء) من الصحابة والتابعين ومن بعدهم (وروى ابن أبي شيبة) في مصنفه هذا المعنى عن ابن مسعود وابن عمر وزيد بن ثابت وأنس بن مالك والزبير بن العوام وأبي در وعلي بن الحسين ومجاهد وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وروى ابن أبي شيبة الهرولة إلى الصلاة عن ابن عمر والأسود وسعيد بن جبير (وقال الترمذي في جامعه) اختلف أهل العلم في المشي إلى المسجد فمنهم من رآى الاسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى الصلاة، ومنهم من كره الاسراع واختار أن يمشي على تؤدة ووقار وبه يقول (أحمد واسحاق) وقال العمل على حديث أبي هريرة اهـ (وحكى عن مالك) أنه إذا خاف فوت الركعة أسرع وقال لا بأس لمن كان على فرس أن يحرك الفرس (قال القاضي عياض) وتبعه صاحب المفهم، وتأوله بعضهم على الفرق بين الراكب والماشي لأنه لا ينبهر كما ينبهر الماشي، وقال أبو اسحاق الروزي من الشافعية بالاسراع إذا خاف فوت تكبيرة الاحرام (قلت) وما روي عن ابن عمر في الهرولة إلى الصلاة يعارضه ما رواه ابن أبي شيبة أيضًا عن محمد بن زيد بن خليدة قال "كنت أمشي مع ابن عمر إلى الصلاة فلو مشت نملة لرأيت أن لا يسبقها" فإن صحت الروايتان تحمل الأولى على إدارك تكبيرة الاحرام، والراجح عندي أن أحاديث الباب على عمومها وأن السكينة تلزم من سمع الإقامة كما تلزم كم كان في سعة من الوقت والله أعلم، وأما الجمعة فلا نعلم أحدًا قال بالإسراع

ص: 213

_________

لها دون غيرها من الصلوات، وأما قوله عز وجل [إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله] فإن المراد بالسعى فيه مطلق المضي أو القصد والله أعلم (قال النووي رحمه الله يقال سعيت في كذا أو إلى كذا إذا ذهبت إليه وعملت فيه، ومنه قوله تعالى [وأن ليس للانسان إلا ما سعى] قال العلماء والحكمة في إتيانها بسكينة والنهي عن السعي أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصل إليها، فينبغي أن يكون متأدبًا بآدابها وعلى أكمل الأحوال، وهذا معنىى قوله صلى الله عليه وسلم "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة" (وفي أحاديث الباب) أيضًا دليل للشافعية القائلين بأن ما أدركه المسبوق مع الامام هو أول صلاته وما يأتي به بعد سلام الامام هو آخر صلاته، لقوله في الحديث وما فاتكم فأتموا (قال الحافظ) ولي الدين أبو زرعة العراقي في طرح التثريب، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمر وعلي وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد ابن جبير، وحكاه ابن المنذر عن هؤلاء خلا سعيد بن حبير، وقال إنه لا يثبت عن عمرو علي وأبي الدرداء، وحكاه أيضًا عن مكحول وعطاء والزهري والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز واسحاق بن راهويه والمزني، قال ابن المنذر وبه أقول، ورواه البيهقي عن ابن عمرو محمد بن سيرين وأبي قلابة، وهو منصوص مالك في المدونة، فإنه قال فيها "إن ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من القراءة بأم القرآن وسورة" قال ابن بطال ورواه ابن نافع عن مالك (وقال سحنون) في العتبية هو الذي لم نعرف خلافه وهو قول مالك أخبرني به غير واحد، وحكاه ابن بطال عن أحمد بن حنل، وحكاه القاضي عياض عن جمهور العلماء والسلف، وحكاه النووي عن جمهور العلماء من السلف والخلف (وذهب آخرون) إلى أن ما أدركه مع الامام هو آخر صلاته وما يأتي به بعد سلام الامام هو أول صلاته، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن مسعود وابن عمر وإبراهيم المخعي وكجاهد وأبي قلابة وعمرو بن دينار والشعبي وابن سيرين وعبيد بن عمير؛ وحكاه ابن المنذر عن مالك وسفيان النوري والشافعي وأحمد (فأما مالك) فهو المشهور في مذهبه كما قال القاضي عبد الوهاب، قال ابن بطال وهو قول أشهب وابن الماجشون، واختاره ابن حبيب وقال الذي يقضي هو أولها لأنه لا يستطيع أن يخالف إمامه فتكون له أولى وللامام ثانية أو ثالثة اهـ (وأما الشافعي) فليس هذا مذهبه وما رأيت أحدًا حكاه عنه إلا أن النووي حكاه في الروضة؛ قال أنه حكى عنه قول غريب أنه يجهر (وما أحمد) فكذلك حكاه عنه الخطابي أيضًا وهو خلاف ما حكاه عنه ابن؟؟ كما تقدم؛ واستدل هؤلاء بقوله في الرواية الأخرى "وما فاتكم فاقضوا" فلما استعمل لفظ القضاء

ص: 214

_________

في المأتى به بعد سلام الإمام دل على أنه مؤخر عن محله وأنه أول الصلاة لكنه يقضيه، (وأجاب الجمهور) عنه بجوابين (أحدهما) تضعيف هذه اللفظة (الثاني) أن قوله اقضوا بمعنى أتموا والعرب تستعمل القضاء على غير معنى إعادة ما مضى، قال الله تعالى (فقضاهن سبع سماوات) وقال تعالى [فإذا قضيت الصلاة] وقالوا قضى فلان حق فلان، فيحمل القضاء في هذا الحديث على المعنى جمعًا بين الروايتين (وفي المسألة مذهب ثالث) أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال، وهي رواية عن مالك: ويوافقه ما نص عليه الشافعي رحمه الله من أنه لو أدرك ركعيتين من رباعية ثم قام للتدارك يقرأ السورة في الركعتين، واخنلف أصحابه في هذا فقال بعضهم هو تفريع على قوله يستحب قراءة السورة في جمبع الركعات، وقال بعضهم هو تفريع على القولين معًا لئلا تخلو صلاته عن السورة وصححه النووي، ويوافقه ما رواه البيهقي عن علي بن أبي طالب أنه قال "ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن"(وذكر ابن بطال) انه لا خلاف عن مالك في قراءة المسبوق للسورة مع الفاتحة في آخر صلاته، وجعل القول بأن ما أدركه مع الإمام أول صلاته وإذا أتى بما فاته لا يقرأ فيه السورة قولًا آخر غير القولين الأولين، وحكاه المزني وإسحاق وأهل الظاهر، وقال فهؤلاء طردوا قولهم على أصولهم إلا أنه لا سلف لهم فيه فلامعنى له اهـ واقتضى كلامه أن جميع القائلين بأن ما فعله مع الإمام أول صلاته يقولون بقراءة السورة فيما يأتي به بعد سلام الإمام سوى هؤلاء المذكورين والله أعلم أفاده صاحب طرح التثريب (قلت واستدل بأحاديث الباب) بعض أهل الظاهر وابن حزم على أن من أدرك الإمام راكعًا لا تحسب له تلك الركعة لأنه عليه الصلاة والسلام أمره بإتمام ما فاته وقد فاتته الوقفة وقراءة أم القرآن، وحكاه عن أبي هريرة وزيد بن وهب وبه قال ابن خزيمة وأبو بكر الضبي من الشافعية (وخالفهم الجمهور) والأئمة الأربعة فقالوا باعتداد الركعة لمن أدرك الإمام راكعًا قبل أن يقيم صلبه (وذهب الشوكاني) إلى ما ذهب إليه الأولون فقال بعد ترجيح أدلة القائلين بوجوب قراءة الفاتحة وأنها شرط في صحة الصلاة قال: من ههنا يتبين لك ضعف ما ذهب إليه الجمهور أن من أدرك الإمام راكعًا معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئًا من القراءة، قال واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة "من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة في صلاته يوم الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى" رواه الدارقطني من طريق ياسين بن معاذ وهو متروك، وأخرجه الدارقطني بلفظ "إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك، وإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى" ولكنه من طريق سليمان بن داود الحراني ومن طريق صالح بن أبي الأخضر وسليمان متروك

ص: 215

_________

وصالح ضعيف، على أن التقييد بالجمعة في كلا الراويتين مشعر بأن غير الجمعة بخلافها، وكذا التقييد بالركعة في الرواية الأخرى يدل على خلاف المدّعى لأن الركعة حقيقة لجميعها. وإطلاقها على الركوع وما بعده مجاز لإيصار إليه إلا لقرينه كما وقع عند مسلم من حديث البراء بلفظ "فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته" فإن وقوع الركعة في مقابلة القيام والاعتدال، والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع، وقد ورد حديث "من أدرك ركعة من صلاة الجمعة" بألفاظ لا تخلو طرقها عن مقال حتى قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه لا أصل لهذا الحديث، إنما المتن "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركهت" وكذا قال الدارقطني والعقيلي، وأخرجه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم للإمام صلبه" وليس في ذلك دليل لمطلولهم لما عرفت من أن مسمى الركعة جميع أذكارها وأركانها حقيقة شرعية وعرفية، وهما مقدمتان على اللغوية كما تقرر في الأصول، فلا يصح جعل حديث ابن خزيمة وما قبله قريبنة صارفة عن المعنى الحقيقي (فإن قلت) فأي فائدة على هذا في التقييد بقوله "قبل أن يقيم صلبه" قلت دفع توهم أن من دخل مع الإمام ثم قرأ الفاتحة وركع الإمام قبل فراغه منها غير مدرك؛ إذا تقرر لك هذا علمت أن الواجب الحمل على الإدراك الكامل للركعة الحقيقية لعدم وجود ما تحصل به البراءة من عهدة أدلة وجوب القيام القطعية وأدلة وجوب الفاتحة (وقد ذهب إلى هذا) بعض أهل الظاهر وابن حزيمة وأبو بكر الضبعي، وروى ذلك ابن سيد الناس في شرح الترمذي وذكر فيه حاكيًا عمن روى عن ابن حزيمة أنه احتج لذلك بما روى عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال "من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة" وقد رواه البخاري في القراءة خلف الإمام من حديث أبي هريرة أنه قال "إن أدركت القوم ركوعًا لم تعتد بتلك الركعة" قال الحافظ وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفًا، وأما المرفوع فلا أصل له (وقال الرافعي) تبعًا للإمام إن أبا عاصم العبادي حكى عن ابن خزيمة أنه احتج به، وقد حكى هذا المذهب البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، وحكاه في الفتح عن جماعة من الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي وغيره من محدثي الشافعية ورجحه المقبلي، قال وقد بحثت هذه المسئلة واحطتها في جميع بحثي فقهًا وحديثًا فلم أحصل منها على غير ما ذكرت يعني من عدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط (قال العراقي) في شرح الترمذي بعد أن حكى عن شيخه السبكي أنه كان يختار أنه لا يعتد بالركعة من لا يدرك الفاتحة ما لفظه وهو الذي يختاره اهـ فالعجي ممن يدعي الإجماع والمخالف مثل هؤلاء: وأما احتجاج الجمهور) بحديث أبي بكرة حيث صلى خلف الصف مخافة أن تفوته الركعة

ص: 216

_________

فقال صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصًا ولا تعد" ولم يؤمر بإعادة الركعة فليس فيها ما يدل على ما ذهبوا إليه لأنه كما لم يأمره بالإعادة لم ينقل إلينا أنه اعتد بها، والدعاء له بالحرص لا يستلزم الاعتداد بها لأن الكون مع الإمام مأمور به سواء كان الشيء الذي يدركه المؤتم معتمدًا به أم لا كما في حديث "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدّوها شيئًا" أخرجه أبو داود وغيره؛ على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أبا بكرة عن العود إلى مثل ذلك، والاحتجاج بشيء قد نهى عنه لا يصح، وقد أجاب ابن حزم في المحلى عن حديث أبي بكرة فقال إنه لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه اجتزاء بتلك الركعة؛ ثم استدل على ما ذهب إليه من أنه لا بد في الاعتداد بالركعة من إدراك القيام والقراءة بحديث "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" ثم حزم بأنه لا فرق بين فوت الركعة والركن والذكر المفروض لأن الكل فرض لا تتم الصلاة إلا به، قال فهو مأمور بقضاء ما سبقه به الإمام وإتمامه، فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك بغير نص آخر ولا سبيل إلى وجوده، قال وقد أقدم بعضهم على دعوى الإجماع على ذلك وهو كاذب في ذلك، لأنه قد روى عن أبي هريرة أنه لا يعتد بالركعة حتى يقرأ أم القرآن، وروى القضاء أيضًا عن زيد بن وهب ثم قال (فإن قيل) أنه يكبر قائمًا ثم يركع فقد صار مدركًا للوقفة (قلنا) وهذه معصية أخرى، وما أمر الله تعالى قط ولا رسوله أن يدخل في الصلاة من غير الحال التي يجد الإمام عليها، وأيضًا لا يجزئ قضاء شيء يسبق به من الصلاة إلا بعد سلام الإمام لا قبل ذلك، وقال أيضًا في الجواب عن استدلالهم بحديث "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة" أنه حجة عليهم لأنه مع ذلك لا يسقط عنه قضاء ما لم يدرك من الصلاة اهـ (والحاصل) أن أنهض ما احتج به الجمهور في المقام حديث أبي هريرة حينئذ باللفظ الذي ذكره ابن خزيمة لقوله فيه قبل أن يقيم صلبه كما تقدم، وقد عرفت أن ذكر الركعة فيه مناف لمطلوبهم وابن خزيمة الذي عولوا عليه في هذه الرواية من القائلين بالمذهب الثاني كما عرفت، ومن البعيد أن يكون هذا الحديث عنده صحيحًا ويذهب إلى خلافه (قال) ومن الأدلة على ما ذهبنا إليه في هذه المسءلة حديث أبي قتادة وأبي هريرة عليهما بلفظ "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" قال الحافظ في الفتح قد استدل بهما على أن من أدرك الإمام راكعًا لم يحتسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته لأنه فاته القيام والقراءة فيه؛ ثم قال وحجة الجمهور وحديث أبي بكرة، وقد عرفت الجواب عن احتجاجهم به، وقد ألف السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير رسالة في هذه المسئلة ورجح مذهب الجمهور وقد كتبت أبحاثًا في الجواب عليها اهـ (وحكى الحافظ أبو زرعة العراقي) عن النووي أنه قال فيما ذهب إليه الظاهرية وابن حزم وغيرهم إنه شاذ منكر

ص: 217

(4)

باب من مشى إلى الجماعة كما أمر فسبق بها كان له مثل أجر من أدركها

(1358)

عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من توضَّأ فأحسن وضوءه ثمَّ راح فوجد النَّاس قد صلَّوا أعطاه

والمعروف من مذاهب الأئمة الأربعة وغيرهم وعليه الناس قديمًا وحديثًا إدراك الركعة بإدراك الركوع لكن اشترط أصحابنا أن يكون ذلك الركوع محسوبًا للإمام لا كركوع خامسة قام إليها الإمام ساهيًا، قالوا والمراد بإدراك الركوع أن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع حتى لو كان في الهوى والإمام في الارتفاع وقد بلغ هويه حدّ أقل الركوع قبل أن يرتفع الإمام عنه كان مدركًا، وإن لم يلتقيا فيه فلا، هكذا قاله جميع أصحابنا، ويشترط أيضًا أن يطمئن قبل ارتفاع الإمام عن الحد المعتبر، كذا صرح به صاحب البيان، وبه أشعر كلام كثير من النقلة (قال الرافعي والنووي) وهو الوجه؛ وإن كان الأكثرون لم يتعرضوا له، قال ابن المنذر وقال قتادة وحميد وأصحاب الحسن إذا وضع يديه على ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة، وقال الشعبي إذا انّهيت إلى الصف الأخير ولم يرفعوا رؤسهم وقد رفع الإمام رأسه فاركع فإن بعضهم أئمة لبعض، وقال ابن أبي ليلى إذا كبر قل أن يرفع الإمام رأسه تبع الإمام وكان بمنزلة القائم اهـ وهذا المذهب الأخير حكاه بن حزم عن سفيان النوري وزفر اهـ والله أعلم

(1358)

عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثتنا قتيبة ابن سعيد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن طحلاء عن محصن لن علي عن عوف بن الحارث عن أبي هريرة "الحديث" غريبة) (1) أي ذهب إلى المسجد في أي وقت كان وقد فسره بعضهم بالذهاب إلى المسجد ليلًا وليس كذلك، قال في المصباح راح يروح رواحًا وتروّح مثله يكون بمعنى الغدو وبمعنى الرجوع، وقد طابق بينهما في قوله تعالى [غدوها شهر ورواحها شهر] أي ذهابها ورجوعها، وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لما لا يكون إلا في آخر النهار وليس كذلك، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار قاله الأزهري وغيره، وعليه قوله عليه الصلاة والسلام "من راح إلى الجمعة في أول النهار فله كذا" أي من ذهب، ثم قال الأزهرري وأما راحت الإبل فهي رائحة فلا يكون إلا بالعشي إذا أراحها راعيها على أهبها أي رجعت من الرعي إليهم اهـ

ص: 218

الله مثل أجر من صلَاّها أو حضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا

(1359)

ز وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ثوّب بالصلَّاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السَّكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا فإنَّ أحدكم فى صلاةٍ إذا ما كان يعمد إلى الصلَّاة

(1) أي لا ينقص أجر المصلى وحده من أجور المصلين بالجماعة شيئًا، بل لكل واحد من المصلين والمصلى وحده أجر كامل؛ وهذا إذا لم يكن التأخير ناشئًا عن التقصير وفضل الله واسع (تخريجه) رواه أبو داود وسكت عنه المنذري فهو صالح، ورواه (نس. هق. ك) وقال صحيح على شرط مسلم

(1359)

"ز" وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله قال قرأت علي عبد الرحمن عن مالك وثنا إسحاق قال حدثني مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه في حديث عبد الرحمن وإسحاق بن عبد الله أنهما سمعا أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ثوب بالصلاة "الحديث"(غريبة)(2) المراد بالتثويت هنا إقامة الصلاة، وسميت الإقامة تثويبًا لأنها دعاء إلى الصلاة بعد الدعاء بالأذان، من قولهم ثاب إذا رجع 3) في قوله صلى الله عليه وسلم "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي في قوله صلى الله عليه وسلم "فلا تأتوها وأنتم تسعون" إنما هو لمن يخف فوت بعض الصلاة فصرح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات وبيَّن ما يفعل فيما فات (وقوله صلى الله عليه وسلم "ونا فاتكم" دليل على جواز قوله فاتتنا الصلاة وأنه لا كراهة فيه، وبهذا قال جمهور العلماء وكرهه ابن سيرين وقال إنما يقال لم ندركها قاله النووي (4) بكسر الميم من باب ضرب أي يقصد تخريجه) (م. وغيره)(وفي الباب) عند أبي داود والبيهقي عن سعيد بن المسيب قال حضر رجلًا من الأنصار الموت فقال أني محدثكم حديثًا ما أحدثكموه إلا احتسابًا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة، قلبقرِّب أحدكم أو لبيبعد، فإن أتى المسجد فصلى في جكاعة غفرله، فإن أتى المسجد وقد صلَّوا بعضًا وبقى بعض صلَّى ما أدرك وثم ما بقى كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلَّوا فأتم الصلاة كان كذلك"(الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن من خرج يريد الصلاة جماعة فسبق بها كان له مثل أجر من صلى في الجماعة، وعلى أن أجره

ص: 219

(أبواب الإمامة وصفة الائمة واحكام تتعلق بهمى)

(1)

باب الأمام ضامن وما جاء فى امامة الفاسق

(1360)

عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الإمام ضامنٌ والمؤذَّن مؤتمنٌ (وفى لفظ أمينٌ) اللهمَّ أرشد الأئمَّة واغفر للمؤذِّنين

(1361)

عن أبى علىّ الهمدانهىِّ قال خرجت فى سفرٍ ومعنا عقبة بن عامرٍ رضى الله عنه قال فقلنا إنَّك يرحمك الله من أصحاب رسول الله صلى الله عله وسلم فأمَّنا فقال لا، إنَّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أم النَّاس فأصاب الوقت

لم ينقص شيئًا من أجور حاضريها متى كان قصده الصلاة جماعة ولم يفرط في الحضور إليها، وأنه يكتب له مثل ثواب المصلي من وقت خروجه من بيته إلى انتهاء صلاته (قال النووي رحمه الله وفي قولله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة" دليل على أنه يستحب للذاهب إلى الصلاة أن لا يعبث بيده ولا يتكلم بقبيح ولا ينظر نظرًا قبيحًا ويجتنب ما أمكنه مما يجتنبه المصلى فإذا وصل المسجد وقعد ينتظر الصلاة كان الاعتناء بما ذكرناه آكد اهـ والله أعلم

(136)

عن أبي هريرة الخ هذا الحديث تقدم رقم 233 في الباب الثاني من أبواب الأذان وتقدم الكلام عليه سندًا ومتنًا وشرحًا وتحريجًا وأخرجه البزار وراد فيه "قالوا يا رسول الله لقد تركتنا نتنافس في الأذان بمدك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون بعدي أو بعدكم قوم سفلتهم مؤذنوهم" قال الهيثمي رواه البزار ورجاله كلهم موثقون اهـ ورواه الإمام أحمد أيضًا والطبراني في الكبير عن أبي أمامة أيضًا بلفظ "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن" ورجاله موثقون

(1361)

عن أبي علي الهمداني سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا الحكم بن نافع قال ثنا ابن عياش عن عبد الرحمن بن حرملة الأسامي عن أبي علي الهمداني "الحديث"(غريبة)(1) أي وقت الصلاة التي صلاها بهم بأن فعلها في وقتها ولم يتسبب في إخراجها عنه (وأتم الصلاة) أي أتى بشروطها وأركانها ومندوباتها (فله ولهم)

ص: 220

وأتمَّ الصَّلاة فله ولهم ومن انتقص من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم

(1362)

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلُّون بكم، فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم

(1363)

عن عبد الله (بن مسعودٍ رضى الله عنه) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلَّكم ستدركون أقوامًا يصلُّون صلاةً لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلُّوا فى بيوتكم فى الوقت الَّذى تعرفون ثمَّ صلُّوا معهم واجعلوها سبحةً

(1364)

وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

ثوابها (1) أي بأن أخل بشيء من ذلك مما ينافي صحة الصلاة أو كما لها عمدًا أو تساهلا بدون علم المأمومين (فعليه) أئمة ولا شيء عليهم من ذلك الإثم (تخريجه)(د. جه. ك) وقال هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي

(1362)

عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد ويؤيده ما قبله

(1363)

عن عبد الله بن مسعود (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو كر ثنا عاصم عن زرّ عن عبد الله "الحديث"(غريبة)(2) أي المختار وهو أول وقتها لا عن جميع وقتها (3) يعني أول الوقت فإنه يسقط عنكم الفرض وتحرزوا فضيلة أول الوقت (وقوله ثم صلوا معهم) أي مرة ثانية في الوقت الذي يصلون فيه لتحرزوا فضيلة الجماعة، ولئلا تقع فتنة بسبب التخلف عن الصلاة مع الإمام وتختلف كلمة المسلمين (4) أي نافلة، وفيه دليل على أن من صلى فريضة مرتين تكون الثانية سنة والفرض سقط بالأولى، قال النووي وهذا هو الصحيح عند أصحابنا وقيل الفرض أكملها وقيل كلاهما. وقيل إحداهما اهـ والله أعلم (تخريجه)(م. وغيره) وروى نحوه أبو داود وغيره عن عبادة بن الصامت قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح

(1364)

وعنه أيضًا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن الصباح ثنا إسماعيل بن زكريا عن عبد الله بن عثمان بن حثيم عن القاسم بن عبد الرحمن

ص: 221

إنَّه سيلي أمركم من بعدى رجالٌ يطفئون السُّنَّة ويحدثون بدعةً ويؤخرون الصَّلاة عن مواقيتها، قال ابن مسعود يا رسول الله كيف بى إذا أدركتم؟ قال ليس يا ابن أم عبدٍ طاعةٌ لمن عصى الله قالها ثلاث مرَّاتٍ، وسمعت أنا من محمدَّ بن الصبَّاح مثله

عن أبيه عن عبد الله "الحديث"(غريبة)(1) أم عبد كنية أم عبد الله بن مسعود واسمها زهرة بنت عبد ودّ بن سواءة، وكثيرًا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينسبه لأنه لشرفها بسابقية الإسلام والصحبة رضي الله عنهما (2) أي لا تطعهم في معصية الله وهذا لا ينافي وجوب طاعتهم في غير معصية وإن كانوا عصاة، لأحاديث صحيحة وردت في ذلك ستأتي في كتاب الخلافة والإمارة إن شاء الله تعالى 3) "القائل وسمعت أنا" هو عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله، يعني أنه سمع مثل هذا الحديث من محمد بن الصباح مباشرة بغير واسطة والده (تخريجه) أخرجه مسلم وغيره بمعنى حديث الباب لا بلفظه (وفي الباب) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه سيكون أمراء بعدي يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت يا رسول الله ما يصنع من أدركهم؟ قال صلوا الصلاة لوقتها فإذا حضرتهم معهم الصلاة فصلوا" قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه سالم بن عبد الله الخياط ضعفه ابن معين والنسائي ووثقه أحمد وابن حبان وأبو أحمد بن عدي (وعن مكحول عن أبي هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم برًا كان أو فاجرًا وإن عمل الكبائر" رواه أبو داود والدارقطني بمعناه، وقال مكحول لم يلق أبا هريرة، ورواه أيضًا البيهقي وهو منقطع، (قال الحافظ) وللبيهقي في هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف، وأصح ما فيه حديث مكحول عن أبي هريرة على إرساله والله أعلم (الأحكام) في أحاديث الباب دلالة على أن الإمام مسئول عن صلاة من حلفه لارتباط صلاتهم بصلاته فسادًا وصحة، فهو الأصل وهم الفرع ولهذا الضمان كان ثواب الأئمة أمثر إذا أدوها كاملة من فرائض وسنن، ووزرهم أكثر إذا أخلوا بها (وفيها) أن المأموم غير مسئول عن خلل الإمام ما لم يعلم المأموم بذلك (وفيها أيضًا) دليل على المحافظة على الصلاة في أول وقتها وإن صلى منفردًا

ص: 222

_________

(وفيها أيضًا) وجوب طاعة أولي الأمر إلا في معصية الله تعالى فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (وفيها أيضًا) دليل على جواز خلف أثمة الجور (قال الشوكاني) رحمه الله قد أجمع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعًا فعليًا ولا يبعد أن يكون قوليًا على الصلاة خلف الجائرين، لأن الأمراء في تلك الاعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير، وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى (وقد أخرج البخاري) عن ابن عمر أنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف (وأخرج مسلم) وأهل السنن أن أبا سعيد الخدري صلى خلف مروان صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة وإخراج منبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنكار بعض الحاضرين، وأيضًا قد ثبت تواتر أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يكون على الأمة أمراء يميتون الصلاة ميتة الأبدان ويصلونها لغير وقتها، فقالوا يا رسول الله بما تأمرنا؟ فقال صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم مع القوم نافلة، ولا شك أن من أمات الصلاة وفعلها في غير وقتها غير عدل، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلفه نافلة ولا فرق بينها وبين الفريضة في ذلك (والحاصل) أن الأصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، وقد اعتضد هذا الأصل بما ذكرنا من الأدلة وبإجماع الصدر الأول عليه وتمسك الجمهور من بعدهم به، فالقائل بان العدالة شرط كما روي عن العترة (ومالك) وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب محتاج إلى دليل ينقل عن ذلك الأصل وقد أفردت هذا البحث برسالة مستقلة واستوفيت فيها الكلام على ما ظنه القائلون بالاشتراط دليلًا من العمومات القرآنية وغيرها، قال واعلم أن محل النزاع إنما هو في صحة الجماعة خلف من لا عدالة له، وأما إنها مكروهة فلا خلاف في ذلك كما في البحر، وقد أخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله عليه وسلم "إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكن خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" اهـ باختصار (قلت) ما ذكره الشوكاني عن مالك في اشتراط العدالة في الإمام هو رواية عنه وفي رواية أخرى عدم اشتراطها، لكن تكره الصلاة خلفه ولو لمثله، وإلى اشتراط العدالة في الإمام (ذهبت الحنابلة) وقالوا إمامة الفاسق ولو لمثله غير صحيحة إلا في صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره فتجوز إمامته للضرورة، قالوا لأن الفاسق لا يقبل خبره لمعنى في دينه فأشبه الكافر، ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة، فإن خيف أذاه صلة خلفه دفعًا للمفسدة، ورجح العلماء ما ذهب إليه الجمهور من عدم اشتراط العدالة وصحة الصلاة خلف الفاسق ما لم يخل بشيء من أركان الصلاة، وإن كانت الصلاة خلف غيره أفضل والله أعلم

ص: 223

(2)

باب من أحق بالإمامة

(1365)

عن أبى مسعودٍ الأنصاريِّ البدرىِّ رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال يومُّ القوم أقرؤهم لكتب الله تعالى وأقدمهم قراءةً فإن كانت قراءتهم سواءً فليؤمَّهم أقدمهم هجرةً فإت كانت هجرتهم سواءً فليؤمَّهم أكبرهم سنًّا ولا يؤمُّ الرَّجل فى أهله ولا فى سلطانه ولا يجلس على تكرمته فى بيته إلَاّ بإذنه (وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه وفيه)

(1365) عن أبي مسعود (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان قال ثنا شعبة قال أخبرني إسماعيل بن رجاء قال سمعت أوس بن ضمعجٍ قال سمعت أبا مسعود الأنصاري "الحديث"(غريبه)(1) أي استووا في القدر المعتبر منها إما في حسنها أو في كثرتها وقلتها على القولين (2) الهجرة المقدم بها في الإمامة لا تختص بالهجرة في عصره صلى الله عليه وسلم بل هي التي لا تنقطع إلى يوم القيامة كما وردت بذلك الأحاديث، وقال به الجمهور، وأما حديث "لا هجرةبعد الفتح" فالمراد به الهجرة من مكة إلى المدينة أو لا هجرة بعد الفتح بفضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، وهذا لا بد منه للجمع بين الأحاديث (3) أي يقدم في الإمامة من كبر سنه في الإسلام، لأن ذلك فضيلة يرجح بها "وفي رواية سلمًا بدل سنًا" فيكون من تقدم إسلامه أولى ممن تأخر إسلامه (4) قال النووي معناه أن صاحب البيت والمجلس إمام المسجد أحق من غيره، قال ابن رسلان لأنه موضع سلطنته اهـ والظاهر أن المراد به السلطان الذي إليه ولاية أمور الناس لا صاحب البيت ونحوه، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب "ولا في سلطانه" وظاهره أن السلطان مقدم على غيره وإن كان أكثر منه قرآنًا وفقهًا وورعًا وفضلًا فيكون كالمخصص لما قبله، قال أصحاب الشافعي ويقدم السلطان أو نائبه على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما لأن ولايته وسلطنته عامة، قالوا ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه (5) قال النووي وابن رسلان بفتح التاء وكسر الراء الفراش ونحوه لما يبسط لصاحب المنزل وبختص به دون أهله، وقيل هي الوسادة وفي معناها السرير ونحوه اهـ (6)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن اسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود

ص: 224

فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسُّنَّة (وفيه أيضًا) ولا تجلس على تكرمته في بيته حتَّى يأذن لك

(1366)

عن أبى سعيدٍ (الخدريِّ رضى الله عنه) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذا كانوا ثلاثةً فليؤمَّهم أحدهم، وأحقَّهم بالإمامة أقرؤهم

(1367)

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال يؤمُّ القوم أقرؤهم للقرآن

(1368)

عن عمرو بن سلمة رضى الله عنه قال كانت تأتينا الرَّكبان من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستقرئهم فيحِّثونا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ليؤمَّكم أكثركم قرآنًا

الأنصاري بنحوه وفيه إلخ (1) فيه أن مزية العلم مقدمة على غيرها من المزايا الدينية (تخريجه)(م. د. جه. حب. وغيرهم)

(1366)

عن أبي سعيد الخدري (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ثنا هشام وشعبة قال قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(2) ليس هذا قيدًا بل اثنان كذلك ولو كان أحدهما صبيًا أو امرأة كما سيأتي في باب انعقاد الجماعة بإمام ومأموم إلخ، ولحديث مالك بن الحويرث الآتي في هذا الباب (3) فيه دليل لمن يقول بتقديم الأقرأ على الأفقه وسيأتي الكلام على ذلك في الأحكام (تخريجه)(م. نس. وغيرها)

(1367)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ثابت عن أنس "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه من حديث أنس لغير الإمام أحمد وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله موثقون

(1368)

عن عمرو بن سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا علي ابن عاصم قال خالد الحذاء أخبرني عن ابي قلابة عن عمرو بن سلمة "الحديث"(غريبه)(4) أي نتعلم منهم القراءة (تخريجه)(ملب) ورجاله رجال

ص: 225

(1369)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا سريجٌ ويونس قالا ثنا حمَّادٌ يعني ابن زيدٍ عن أبى قلابة عن مالك بن الحويرث اللَّيثىِّ رضي الله عنه قال قدمنا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ونحن شببة قال فأقمنا عنده نحوًا من عشرين ليلةٍ فقال لنا لو رجعتم إلى بلادكم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا فعلَّمتموهم، قال سريجٌ وأمرتموهم أن يصلُّون كذا حين كذا قال يونس ومروهم فليصلُّوا صلاةً كذا فى حين كذا وصلاة كذا فى حين كذا، فإذا حضرت الصلَّاة فليؤذَّن لكم أحدكم وليؤمَّكم أكبركم (ومن طرقٍ ثانٍ) عن خالدٍ الحذَّاء عن أبى قلابة عن مالك بن الحويرث أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له ولصاحب له إذا حضرت الصلَّاة فأذَّنا وأقيما وقال مرَّة فأقيما ثمَّ ليؤمَّكما

الصحيح، ولفظه عند الطبراني عن عمرو بن سلمة أنه قال "انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام قومه فكان فيما أوصانا ليؤمكم أكثركم قرآنًا، فكنت أكثرهم قرآنًا فقدّ موتي" وأخرجه أيضًا البخاري وأبو داود والنسائي وسيأتي في باب ما جاء في إمامة الأعمى والصبي والمرأة، وظاهر حديث الباب أن عمرًا سمعه من الصحابة في أول الأمر قبل ذهابه مع والده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم كما تفيده رواية الطبري والله أعلم

(1369)

حدّثنا عبد الله (غريبه)(1) على وزن فعلة بتحريك العين وهو جمع شاب (2) في رواية عند البخاري "وكان رحيمًا رفيقًا فلما رآى شوقنا إلى أهالينا قال ارجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم"(3) يعني أن سريجًا قال في روايته وأمرتموهم بلفظ الماضي، وقال يونس في روايته ومروهم بلفظ الأمر (وقوله صلاة كذا في حين كذا) يريد تعليمهم أوقات الصلاة (4) يعني إذا استووا في القراءة والعلم والهجرة كما يستفاد من حديث أبي مسعود المتقدم (5)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل عن خالد الحذّاء الخ (6) ليس المراد أن يؤذن كل واحد منهما ويقيم، بل المراد أن يكون الأذان والإقامة من أحدهما، لقوله صلى الله عليه وسلم في الطريق الأولى "فليؤذن لكم أحدكم" ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر تقدم

ص: 226

أكبر كما قال خالدٌ فقلت لأبى قلابة فأين القراءة قال إنهما كانا متقاربين (زاد رواية) صلُّوا كما ترونى أصلِّى

(1370)

عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه أتى أبا موسى الأشعرىَّ فى منزله فحضرت الصَّلاة، فقال أبو موسى تقدَّم يا أبا عبد الرَّحمن فإنَّك أقدم سنًّا وأعلم، قال لا، بل تقدَّم أنت فإنَّما أتيناك في منزلك ومسجدك فأنت أحقُّ قال فتقدَّم أبو موسى فخلع نعليه، فلمَّا سلَّم قال ما أردت إلى خلعهما؟ أبا الواد المقدَّس؟ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلَّى في الخفَّين والنَّعلين

(1371)

عن بديل بن ميسرة العقيلىِّ عن رجلٍ منهم يكنى أبا عطيَّة

في أبواب الأذان والإقامة "من أذن فهو يقيم"(1) ظاهره أنه يقدم الأكبر مطلقا، ولهذا سأل خالد شيخه فقال أين القراءة يعني أين قوله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم وقوله صلى الله عليه وسلم "ليؤمكم أكثركم قرآنا" فأجابه بأنهما كانا متقاربين في القرآن وكذا في العلم كما في رواية عند أبي داود (2) يعني اجعلوا صلاتكم قولا وفعلا (تخريجه)(ق والأربعة وغيرهم).

(1370)

عن ابن مسعود (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى ثنا زهير عن أبي إسحاق عن علقمة بن قيس ولم يسمعه منه وسأله رجل عن حديث علقمة فهو هذا الحديث أن عبد الله بن مسعود وأتى أبا موسى الأشعري في منزله "الحديث"(غريبه)(3) فيه أن رب البيت وإمام المسجد أحق بالأمامة من غيرهما وإن كان أعلم أو أقرأ إلا أنه يستحب لهما أن يأذنا لمن كان كذلك (4) يعني أن ابن مسعود قال لأبي موسى ماذا تقصد بخلع نعليك؟ أبا الواد المقدس أنت؟ يشير إلى قوله تعالى "فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" يعني لا داع لخلع نعليك في الصلاة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخفين والنعلين، وفيه جواز الصلاة في الخف والنعل، وتقدم الكلام على ذلك في باب ما جاء في الصلاة في النعل من أبواب اجتناب النجاسة في مكان المصلى وثوبه وبدنه (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه رجل لم يسم ورواه الطبراني متصلا برجال ثقات.

(1371)

عن بديل بن ميسرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع

ص: 227

قال كان مالك بن الحويرث رضى الله عنه يأتينا فى مصلَاّنا يتحدَّث، قال فحضرت الصَّلاة يومًا فقلنا تقدَّم، فقال لا، ليتقدَّم بعضكم حتَّى أحدَّثكم لم لا أتقدَّم سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول إنَّ من زار قومًا فلا يؤمَّهم، وليؤمَّهم رجلٌ منهم

ثنا أبان بن يزيد ثنا بديل بن ميسرة "الحديث"(غريبه)(1) إنما تأخر رضي الله عنه عن الصلاة بهم وإن كان أفضلهم وأعلمهم لكونه صحابيا عملا بالحديث الذي احتج به، وكأنه رضي الله عنه لم يبلغه حديث "لا يؤم الرجل في أهله ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه" وقد آذنوه (تخريجه)(د. هق. مذ) وقال هذا حديث حسن (قلت) وأخرجه النسائي مختصرًا وفي إسناده أبو عطية وفيه مقال (وفي الباب) عن قيس بن زهير قال "انطلقت مع حنظلة بن الربيع إلى مسجد فرات بن حبان فحضرت الصلاة فقال له تقدم، فقال ما كنت لأتقدمك وأنت أكبر مني سنا وأقدم مني هجرة والمسجد مسجدكم، فقال فرات، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيك شيئا، لا أتقدمك أبدًا، قال أشهدته يوم أتيته يوم الطائف فبعثني عينا؟ قال نعم، فتقدم حنظلة فصلى بهم، فقال فرات يا بني عجل إني إنما قدمت هذا "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه عينا إلى الطائف فجاءه فأخبره الخبر فقال صدقت، ارجع إلى منزلك فأنت قد سهرت الليلة، فلما ولى قال لنا ائتموا بهذا وأشباهه" أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سافرتم فليؤمكم أقرؤكم وإن كان أصغركم وإذا أمكم فهو أميركم" أورده الهيثمي أيضا وقال رواه الطبراني البزار وإسناده حسن (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أم قوما وفيهم من هو اقرأ لكتاب الله منه لم يزل في سفال إلى يوم القيامة" أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه الهيثم بن عقاب قال الأزدي لا يعرف (قلت) ذكره ابن حبان في الثقات اهـ (قلت) وقوله في سفال بفتح السين أي في انحطاط بمعنى أن درجته تكون منحطة عند الله يوم القيامة إلا أن يتوب من ذلك نسأل الله السلامة (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن أولى الناس بالأمامة أقرؤهم لكتاب الله وإن كان غيره أفقه منه، وإلى ذلك ذهب الأحنف بن قيس وابن سيرين والثوري (وأبو حنيفة وأحمد) وبعض أصحابهما (وقال الشافعي ومالك) وأصحابهما

ص: 228

_________

والهادوية الأفقه مقدم على الأقرأ (قال النووي) رحمه الله لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط؛ وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلاكامل الفقه، قالوا ولهذا قدّم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين، مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم نص على أن غيره اقرأ منه (قال الشوكاني) قال الشافعي المخاطب بذلك الذين كانوا في عصره كان أقرؤهم أفقههم، فإنهم كانوا يسلمون كبارًا ويتفقهون قبل أن يقرؤا، فلا يوجد قارئ منهم إلا وهو فقيه، وقد يوجد الفقيه وهو ليس بقارئ؛ لكن قال النووي وابن سيد الناس إن قوله في الحديث "فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة" دليل على تقدم الأقرأ مطلقا وبه يندفع هذا الجواب عن ظاهر الحديث، لأن التفقه في أمور الصلاة لا يكون إلا من السنة، وقد جعل القارئ مقدما على العالم بالسنة، وأما ما قيل من أن الأكثر حفظًا للقرآن من الصحابة أكثرهم فقها فهو وإن صح باعتبار مطلق الفقه لا يصح باعتبار الفقه في أحكام الصلاة، لأنها بأسرها مأخوذة من السنة قولا وفعلا وتقريرا، وليس في القرآن إلا الأمر بها على جهة الأجمال، وهو ما يستوي في معرفته القارئ للقرآن وغيره، وقد اختلف في المراد من قوله يؤم القوم أقرؤهم، فقيل المراد أحسنهم قراءة وإن كان أقلهم حفظا، وقبل أكثرهم حفظا للقرآن اهـ (قلت) ويدل على أن المراد أكثرهم حفظا للقرآن حديث عمرو بن سلمة ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلا "ليؤمكم أكثركم قرآنا" وفي رواية الطبراني "فكنت أكثرهم قرآنا فقدموني" مع أنه كان صبيا لم يبلغ الحلم (وفي أحاديث الباب أيضا) دليل على أن صاحب المنزل أحق بالأمامة، قال الترمذي وقال بعضهم إذ أذن صاحب المنزل لغيره فلا بأس أن يصلي بهم، وكرهه بعضهم وقالوا السنة يصلي صاحب البيت، قال أحمد بن حنبل وقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه" فإذا أذن فأرجو أن الأذن في الكل ولم ير به بأسا إذا أذن له أن يصلي به اهـ وقال صاحب المنتقي وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود إلا بإذنه، قال الشوكاني وقد حكى المصنف (يعني صاحب المنتقى) عن أكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان واستدل بما ذكره، وفي حديث أبي مسعود ولا يؤم الرجل في بيته، قلت يعني رواية أبي داود عن أبي مسعود قال "ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" قال فيصلح حينئذ قوله في آخر حديثه إلا بإذنه لتقييد جميع الجمل المذكورة فيه التي من جملتها قوله "ولا يؤم الرجل في بيته" على ما ذهب إليه جماعة من أئمة الأصول (وقال به الشافعي وأحمد) قالا ما لم يقم دليل على اختصاص القيد ببعض الجمل اهـ (وقال العراقي) يشترط أن يكون المزور أهلا للإمامة

ص: 229

(3)

باب إمامة الأعمى والصبى والمرأة بمثلها

(1372)

عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم استخفاف ابن أمِّ مكتومٍ على المدينة

فإن لم يكن أهلا كالمرأة في صورة كون الزائر رجلا، والأمى في صورة كون الزائر قارئا ونحوهما فلا حق له في الأمامة (واعلم) أن الأمام البخاري رحمه الله قال في صحيحه (باب إذا زار الأمام قومًا فأمهم) ثم ذكر فيه حديث عتبان بن مالك قال "استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له فقال أين تحب أن أصلي في بيتك؟ فأشرت إلى المكان الذي أحب، فقام وصففنا خلفه ثم سلم وسلمنا"(قال الحافظ) قيل أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعًا "من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم" محمول على من عدا الإمام الأعظم (وقال الزبن بن المنير) مراده أن الإمام الأعظم ومن يجرى مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار والمنفعة، ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحقين، حق الأمام في التقدم وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه اهـ مخلصا (قال الحافظ) ويحتمل أنه أشار أو ما في حديث أبي مسعود المتقدم "ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه" فإن مالك الشيء سلطان عليه والأمام الأعظم سلطان على المالك، وقوله "إلا بإذنه" يحتمل عوده على الأمرين الأمامة والجلوس، وبذلك جزم أحمد كما حكاه الترمذي عنه، فتحصل بالإذن مراعاة الجانبين اهـ (وحكى الترمذي) عن إسحاق أنه قال "لا يصلي أحد بصاحب المنزل وإن أذن له" قال وكذلك المسجد إذا زارهم يقول ليصل بهم رجل منهم اهـ (قلت) والجمهور على خلافه، وما ذهب إليه الجمهور هو المتعين جمعًا بين الأحاديث والله أعلم.

(1372)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز ثنا أبو العوام القطان قال أبي وهو عمران بن داور وهو أعمى ثنا قتادة عن أنس "الحديث"(غريبه)(1) اسمه عمرو بن قيس؛ لما ثبت عند الأمام أحمد ومسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه عمرًا فقال لفاطمة بنت قيس في حديثها في قصة طلاق زوجها "اعتدى في بيت ابن عمك عمرو بن أم مكتوم" وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة (بوزن علقمة) ابن عامر بن مخزوم هو ابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها، وابن أم مكتوم من السابقين في الإسلام، هاجر إلى المدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد مصعب

ص: 230

مرَّتين يصلَّي بهم وهو أعمى

(1373)

وعنه أيضًا أنَّ عتبان بن مالمكٍ رضى الله عنه ذهب بصره فقال يا رسول الله لو جئت صلَّيت في دارى أو قال في بيتى لأتخذت مصلَّاك مسجدًا، فجاء النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم فصلَّى فى داره أو قال فى بيته "الحديث"

(1374)

عن عمرو بن سلمة رضى الله عنه قال كنَّا على حاضرٍ فكان الركبان (وفى روايةٍ فكان النَّاس) يمرُّون بنا راجعين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنو منهم فأسمع حتَّى حفظت قرآنًا، وكان النَّاس ينتظرون بإسلامهم فتح مكَّة، فامَّا فتحت جعل الرَّجل يأتيه فيقول يا رسول الله أنا وافد بني فلانٍ جئتك

ابن عمير وهو الأعمى الذي ذكره الله تعالى في قوله (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) وفضله مشهور رضي الله عنه (1) قال النووي رحمه الله في تهذيب الأسماء واللغات استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة مرة في غزواته على المدينة، قال ابن الأثير استشهد بالقادسية، وقال الواقدي رجع منها إلى المدينة فمات بها، واتفقوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة ثلاث عشرة مرة في غزواته، قال ابن عبد البر وأما قول قتادة عن أنس استخلفه مرتين فلم يبلغه ما بلغ غيره اهـ بتصرف (تخريجه)(د. حب) وأخرجه أبو يعلى والطبراني عن عائشة، وأخرجه أيضا الطبراني بإسناد حسن عن أبي عباس.

(1373)

وعنه أيضا أن عتبان بن مالك إلخ هذا طرف من حديث طويل تقدم رقم 361 بسنده وشرحه وتخريجه في الباب الثاني عشر من أبواب المساجد، وذكرته هنا لمناسبة ترجمة الباب وإن لم يصرح فيه بأن عتبان كان إمامًا فقد صرح بذلك البخاري والنسائي، ولفظهما عن محمود بن الربيع أم عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأما رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا اتخذه مصلى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل أين تحب أن أصلي، فأشار إلى مكان في البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1374)

عن عمرو بن سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل أنا أيوب عن عمرو بن سلمة "الحديث"(غريبه)(2) الحاضر في الأصل القوم

ص: 231

بإسلامهم، فانطلق أبى بإسلام قومه، فرجع إليهم فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدَّموا أكثركم قرآنًا قال فنظروا، وإنَّا لعلى حواءٍ عظيمٍ فما وجدوا فيهم أحدًا أكثر قرآنًا منَّى، فقدَّمونى وأنا غلام فصلَّيت بهم وعلىَّ بردةٌ وكنت إذا ركعت أو سجدت قلصت فتبدوا عورتى، فلما صلَّينا تقول عجوزٌ لنا دهريَّة غطُّوا عنَّا أست قارئكم، قال فقطعوا لى قميصًا فذكر أنَّه فرح به فرحًا شديدًا (ومن طريقٍ ثانٍ) عن أبيه أنَّهم وفدوا إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، فلمَّا أرادوا أن ينصرفوا قالوا يا رسول الله من يؤمنا؟ قال أكثركم جمعًا للقرآن أو أخذًا للقرآن قال فلم يكن أحدٌ من القوم جمع من القرآن ما جمعت، قال فقدَّمونى وأنا غلامٌ، فكنت أؤمُّهم وعلىَّ شملةٌ لى قال فما شهدت مجمعًا

النزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه، والمراد به المكان المحضور الذي يقيمون به (1) فيه أن المراد بالأقرأ في الأحاديث المتقدمة الأكثر قرآنا لا الأحسن قراءة وقد تقدم (2) الحواء اسم المكان الذي يحوى الشيء أي يضمه ويجمعه، فهو يريد أنه مع اتساع حيهم وكثرة الناس فيه لم يجدوا فيهم أكثر جمعا للقرآن منه (3) في رواية عند البخاري وأنا ابن ست سنين أو سبع، وفي رواية للنسائي كنت أؤمهم وأنا ابن ثمان سنين؛ وفي أخرى لأبي داود وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين (4) البردة كساء صغير مربع ويقال كساء أسود صغير وبه كنى أبو بردة (5) أي ارتفعت يقال قلص الشيء ارتفع وبابه جلس، والمراد أن ثوبه يرتفع لقصره فتبدوا أي تظهر عورته (6) بضم الدال المهملة أي مسنة كبيرة (7) المراد بالأست العجز ويراد به حلقة الدبر (8)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي سنة ثمان وعشرين ومائتين ثنا وكيع ثنا مسعر بن حبيب الجرمي حدثني عمرو ابن سلمة عن أبيه "الحديث"(9) أي حفظا ومعرفة وهو شك من الراوي (10) هي كساء صغير يؤتزر به يجمع على شملات كسجدة وسجدات وهي البردة كما في الطريق الأولى (وقوله فما شهدت مجمعا) أي فما حضرت مجمعا من القوم يريدون الصلاة إلا كنت إماما لهم

ص: 232

من جرمٍ إلَاّ كنت إمامهم وأصلِّى على جنائزهم إلى يومى هذا

(1375)

عن أبى نعيمٍ قال حدَّثنا الوليد قال حدَّثنى جدَّثني عن أمِّ ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصارىِّ وكانت قد جمعت القرآن وكان النَّبيُّ صلَّي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قد أمرها أن تؤمَّ أهل دارها وكان لها مؤذَّنٌ وكانت تؤمُّ أهل دارها

(وجرم) بكسر الجيم قال في القاموس بلاد قرب بذخشان (وقوله وأصلى على جنائزهم إلى يومي هذا) ذكره دفعا لما يتوهم من أنه إمام لهم في المكتوبة دون غيرها، والجنائز جمع جنازة بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح، وهي بالكسر الميت، وبالفتح السرير وعكس ثعلب فقال بالكسر السرير وبالفتح الميت (تخريجه)(خ. د. نس. هق).

(1375)

عن أبي نعيم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو نعيم الخ (غريبه)(1) ويقال أيضا أم ورقة بنت نوفل نسبه إلى جدها الأعلى ونسبها هكذا، أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن عويمر بن نوفل الأنصارية كانت صحابية جليلة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة، ولها مناقب ستأتي في كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى (2) فيه دليل على صحة إمامة المرأة أهل دارها وإن كان فيهم الرجل، فإنه كان لها مؤذن وكان شيخا؛ والظاهر أنها كانت تؤمه وغلامها وجاريتها، وسيأتي الخلاف في ذلك في الأحكام (تخريجه)(د. هق. قط. ك) وصححه ابن خزيمة (الأحكام) في أحاديث الباب دلالة على جواز إمامة الأعمى؛ بل صرح أبو إسحاق المروزي والغزالي بأن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير لأنه أكثر خشوعًا منه لما في البصير من شغل القلب بالمبصرات (وذهبت الشافعية) إلى الجواز، والذي فهمه الماوردي من نص الشافعي أن إمامة الأعمى والبصير سواء في عدم الكراهة؛ لأن في كل منهما فضيلة غير أن إمامة البصير أولى، لأن أكثر من جعله النبي صلى الله عليه وسلم إماما البصراء (قال النووي) وعندي أن البصير أولى لأنه يجتنب النجاسة التي تفسد الصلاة والأعمى يترك النظر إلى ما يلهيه ولا تفسد الصلاة به اهـ وإلى أولوية البصير بالأمامة ذهبت (الحنفية والحنابلة والمالكية) قالوا لأنه أقدر على اجتناب النجاسة واستقبال القبلة باجتهاده وهذا هو الأرجح، وأما استتابته صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم في غزواته فلأنه كان لا يتخلف عن الغزو من المؤمنين.

ص: 233

_________

إلا معذور فلعله لم يكن في البصراء المتخلفين من يقوم مقامه. أو لم يتفرغ لذلك. أو استخلفه لبيان الجواز، وأما إمامة عتبان بن مالك لقومه فلعله أيضا لم يكن في قومه من هو في مثل حاله من البصراء والله أعلم (وفيها أيضاً) دليل على جواز إمامة الصبي إذا كان أكثر قرآنا ممن يؤمهم، وإلى ذلك ذهب (الحسن وإسحاق والشافعي والأمام يحيى)(ومنع) من صحتها الهادي والناصر والمؤيد بالله من أهل البيت (وكرهها) الشعبي والأوزاعي والثوري ومالك، واختلفت الرواية عن (أحمد وابي حنيفة) قال في الفتح والمشهور عنهما الأجزاء في النوافل دون الفرائض وقد قيل إن حديث عمرو المذكور كان في نافلة لا فريضة، وردّ بأن قوله "صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا" يدل على أن ذلك كان في فريضة، وأيضا قوله "فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم" لا يحتمل غير الفريضة لأن النافلة لا يشرع لها الأذان، ومن جملة ما أجيب به عن حديث عمرو المذكور ما روى عن أحمد بن حنبل أنه كان يضعف أمر عمرو بن سلمة روى ذلك عنه الخطابي في المعالم، وردّ بأن عمرو ابن سلمة صحابي مشهور، قال في التقريب صحابي صغير نزل البصرة، وقد روى ما يدل على أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وأما القدح في الحديث بأن فيه كشف العورة في الصلاة وهو لا يجوز كما في ضوء النهار فهو من الغرائب، وقد ثبت أن الرجال كانوا يصلون عاقدي أزرهم ويقال للنساء لا ترفعن رؤسكن حتى يستوي الرجال جلوسا زاد أبو داود من ضيق الأزر، أفاده الشوكاني (وفيها أيضا) دليل على جواز إمامة المرأة بمثلها كما في حديث أم ورقة رضى الله عنها، والظاهر أنها كانت تصلي ويأتم بها مؤذنها وغلامها وبقية أهل دارها وإلى جواز أمامة المرأة للرجال ذهب (داود وأبو ثور والمزني والطيري) أحدًا بظاهر حديثها، وقال الدارقطني إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها (وذهب الجمهور) إلى عدم صحة إمامتها لهم لما روى ابن ماجه عن جابر مرفوعا "لا تؤمن امرأة رجلا ولا أعرابي مهاجراً ولا يؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه أو سوطه" ولأن المرأة لا تؤذن للرجال فلا تؤمهم (قلت) حديث جابر في إسناده عبد الله بن محمد التميمي، قال البخاري منكر الحديث، وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به، وقال وكيع يضع الحديث، وعلى هذا فلا يصح الاحتجاج به، ويمكن الجواب عن حديث أم ورقة بأنه ليس صريحا في أن المؤذن والغلام كان يصليان خلفها، فيحتمل أن المؤذن كان يؤذن لها ثم يذهب إلى المسجد ليصلي فيه وكذا الغلام فكانت تؤم نساء دارها لا غير، ويؤيده ما رواه الدارقطني من طريق عمرو بن شيبة قال حدثنا الوليد بن جميع عن أمه عن أم ورقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لها أن يؤذن لها ويقام وتؤم نساءها (وأما إمامة المرأة للنساء) ففيه خلاف أيضًا

ص: 234

(4)

باب ما يؤمر به الأمام من التخفيف

(1376)

عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صلَّى أحدكم للنَّاس فليخفِّف فإنَّ فيهم الضَّعيف والسَّقيم والكبير (وفي روايةٍ

(فذهبت الشافعية والحنابلة) إلى الجواز وهي رواية عن مالك مستدلين بحديث الباب وبما تقدم عن الدارقطني، وبما رواه الدارقطني أيضا والبيهقي عن رائطة الحنفية قالت أمتنا عائشة فقامت بيننا في الصلاة المكتوبة، وبما روياه أيضا عن حجيرة قالت أمتنا أم سلمة في صلاة العصر فقامت بيننا، وحكى ابن المنذر المواز عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور (وذهب الحسن البصري وسليمان بن يسار والمالكية) إلى عدم الجواز مطلقا فرضا كانت الصلاة أو نفلا، وهو رواية عن مالك وقالوا إن هذا جنس وصف في الشرع بنقصان الدين والعقل فلا تصح إمامته (وذهبت الحنفية) إلى كراهة إمامتها، ومال ابن الهمام منهم إلى الجواز بدون كراهة (وذهب الشعبي) والنخعي وقتادة إلى جواز إمامتها في النفل دون الفرض أفاده في المنهل والله أعلم.

(1376)

عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك وثنا إسحاق قال أنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة "الحديث"(غريبه)(1) في رواية في البخاري للكشميهني "فإن منهم" وفي رواية "فان خلفه" وهو تعليل للأمر بالتخفيف، ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم من يتصف بإحدى الصفات المذكورات لم يضر التطويل، ويرد عليه أنه يمكن أن يجيء من يتصف بأحدها بعد الدخول في الصلاة، وقال اليعمري الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة، فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا، قال وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وهي مع ذلك تشرع ولو لم تشق عملا بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهذا كذلك (والمراد بالضعيف) هنا ضعيف الخلقة وبالسقيم من به مرض، وفي رواية أخرى للأمام أحمد عن عدي بن حاتم فإن فينا الضعيف والكبير والمريض ونحوها للبخاري، والمراد بالضعيف في هذه الرواية ضعيف الخلقة بلا شك (وفي رواية) للأمام أحمد والبخاري أيضا عن ابن مسعود "فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة"(وكذلك في رواية أخرى) له من حديثه، والمراد بالضعيف في هاتين الروايتين المريض، ويصح أن يراد من فيه ضعف وهو أعم من الحاصل بالمرض أو بنقصان الخلقة وزاد مسلم من وجه آخر كما في رواية عد الأمام أحمد والصغير، وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل والمرضع (وله)

ص: 235

والصَّغير بدل السقَّيم) وإذا صلَّى أحدكم لنفسه فليطوَّل ما شاء (1)(وعنه من طريقٍ ثانٍ (2) بنحوه وفيه) فإنَّ فيهم الضَّعيف والشَّيخ الكبير وذا الحاجة

(1377)

عن عثمان بن أبى العاص رضى الله عنه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عثمان أمَّ قومك، ومن أمَّ القوم فليخفِّف، فإنَّ فيهم الضَّعيف والكبير وذا الحاجة، فإذا صلَّيت لنفسك فصلِّ كيف شئت (وعنه من طريقٍ ثانٍ)(3) قال كان آخر شيءٍ عهده النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أن قال تجوَّز (4) فى صلاتك وأقدر النَّاس (5) بأضعفهم، فإنَّ منهم الصَّغير والكبير والضَّعيف وذا الحاجة (وعنه من طريقٍ ثالثٍ)(6) أن آخر كلامٍ كلَّمنى به رسول الله صلَّى الله عليه

من حديث عدي بن حاتم والعابر السبيل وسياتي للأمام أحمد (1) في رواية عند مسلم فليصل كيف شاء أي مخففًا أو مطولا واستدل به القائلون بجواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وهو الصحيح عند الشافعية (قال الحافظ) وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة إنما التفريط أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى أخرجه مسلم، وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كان مراعاة ترك المفسدة أولى، واستدل بعمومه على جواز تطويل الاعتدال من الركوع وبين السجدتين اهـ (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة أو أحدهما عن أبي هريرة بنحوه وفيه الخ (تخريجه)(ق. والثلاثة وغيرهم).

(1377)

عن عثمان بن أبي العاص (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عمرو بن عثمان عن موسى بن طلحة عن عثمان بن أبي العاص "الحديث"(3) وعنه من طريق ثان (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا حماد ابن سلمة أنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف قال دخلت على عثمان بن أبي العاص فأمر لي بلبن لقحة فقلت إني صائم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "الصوم جنة من عذاب الله كجنة أحدكم من القتال وصيام حسن ثلاثة أيام من كل شهر" قال وكان أخر شيء عهده النبي صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(4) أي خفف الصلاة على الناس كما في الطريق الثالثة (5) أي انظر وفكر في أضعفهم وخفف الصلاة بقدر ضعفه (6)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية بن عمرو عن زائدة عن عبد الله

ص: 236

وعلى آله وصحبه وسلَّم إذ استعملنى على الطّائف فقال خفِّف الصَّلاة على النَّاس حتَّى وقَّت لى اقرأ باسم ربَّك الذَّى خلق وأشباهها من القرآن (1)

(1378)

عن أبى مسعودٍ الأنصارىِّ رضي الله عنه قال جاء رجلٌ إلى رسول الله صلَّي الله عليه وآله وسلَّم فقال يا رسول الله إلَّ لا تأخَّر فى صلاة الغداة مخافة فلانٍ يعنى إمامهم (2) قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ غضبًا فى موعظة منه يومئذٍ، فقال أيها النَّاس إن منكم منفِّرين فأيكم ما صلَّى (3) بالنَّاس

ابن خثيم قال حدثني داود بن أبي عاصم الثقفي عن عثمان بن أبي العاص أن آخر كلام الخ (1) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم من شدة عنايته بأمر الضعيف وقت له أي أمره أن يقرأ في صلاته بسورة اقرأ باسم ربك الذي خلق وما يماثلها (تخريجه)(د. نس) وحسنه الحافظ وأصله في مسلم.

(1378)

عن أبي مسعود (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزيد ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري "الحديث"(غريبه)(2) لفظ البخاري "إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا" ولم يصرح باسم الأمام في رواية البخاري أيضا وفسره بعضهم بأنه معاذ بن جبل وهو خطأ، لأن قصة معاذ كانت في العشاء وكان الأمام فيها معاذا وكانت في مسجد بني سلمة، وهذه كانت في الصبح وكانت في مسجد قباء (قال الحافظ) ووهم من فسر الأمام المهم هنا بمعاذ بل المراد به أبي بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن من رواية عيسى بن جارية وهو بالجيم عن جابر قال كان أبي بن كعب يصلى بأهل قباء فاستفتح سورة طويلة فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة فلما سمعه استفتحها انفتل من صلاته فغضب أبي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو الغلام وأتى الغلام يشكو أبيا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه ثم قال "إن منكم منفرين فإذا صليتم فاوحزوا فإن خلفكم الضعيف والكبير والمريض وذا الحاجة" فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في رواية البخاري "مما يطيل بنا فلان أي في القراءة" واستفيد منه أيضا تسمية الأمام وبأي موضع كان اهـ (3) ما زائدة ووقع في رواية سفيان عند البخاري "فمن أم الناس فليخفف" قال ابن دقيق العيد التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة لعادة

ص: 237

فليخفِّف فإنَّ فيهم الضّعيف والكبير وذا الحاجة

(1379)

عن عدىِّ بن حاتمٍ (الطَّائىِّ) رضى الله عنه قال من أمَّنا فليتمَّ الرُّكوع والسُّجود (1) فإنَّ منَّا الضَّعيف والكبير والمريض والعابر سبيلٍ وذا الحاجة، هكذا كنَّا نصلِّى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

آخرين، قال وقول الفقهاء لا يزيد الأمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا (قال الحافظ) وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي (قلت) والأمام أحمد وتقدم قبل هذا عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أنت إمام قومك وأقدر القوم بأضعفهم إسناده حسن وأصله في مسلم اهـ (خريجه)(ق. وغيرهما).

(1379)

عن عدي بن حاتم (سنده) حدّثنا عبد الله يحدثني أبي ثنا عبد الله بن محمد قال أبو عبد الرحمن وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال ثنا زيد بن الحباب عن يحيى بن الوليد بن المسير الطائي قال أخبرني محل الطائي عن عدي بن حاتم "الحديث"(غريبه)(1) أي فليقتصر على إتمام الركوع والسجود ولا يزيد على ذلك فإن منا الضعيف الخ (تخريجه)(طب. ش) اهـ ولفظه عند الطبراني عن عدي ابن حاتم أنه خرج إلى مجلسهم فأقيمت الصلاة فتقدم إمامهم فأطال الصلاة في الجلوس؛ فلما انصرف قال "من أمنا فليتم الركوع والسجود فإن خلفه الصغير والكبير والمريض وابن السبيل وذا الحاجة" فلما حضرت الصلاة تقدم عدم بن حاتم وأتم الركوع والسجود وتجوز في الصلاة، فلما انصرف قال هكذا كنا نصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير بطوله، وهو عند الأمام أحمد باحتضار وقد تقدم ورجال الحديثين ثقات (وفي الباب) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "تجوزوا في الصلاة فإن حلفكم الضعيف والكبير وذا الحاجة" رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية التخفيف للأئمة وترك التطويل للعلل المذكورة من الضعف والسقم والكبر والحاجة ونحو ذلك (قال أبو عمر بن عبد البر) رحمه الله التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه، إلا أن ذلك إنما هو أقل الكمال، وأما

ص: 238

(5)

باب قصة معاذ بن جبل رضى الله عنه

(فى تطويل الصلاة بالمأمومين وفيها جواز انفراد المأموم لعذر)

(1380)

عن أنس بن مالك مالكٍ رضى الله عنه كان معاذ بن جبلٍ رضى الله عنه يومُّ قومه فدخل حرامٌ وهو يريد أن يشقى نخله فدخل المسجد ليصلِّى مع القوم، فلمَّا رأى معاذًا طوَّل تجوَّز فى صلاته ولحق بنخله يسقيه، فلمَّا قضى معاذٌ الصَّلاة قيل له إنَّ حرامًا دخل المسجد فلمَّا رآك طوَّلت تجوَّز في صلاته ولحق بنخله يسقيه، قال إنَّه لمنافقٌ أيعجل عن الصَّلاة من أجل سقي نخله؟ قال فجاء حرامٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومعاذٌ عنده فقال يا نبي الله، إنِّى أردت أن أسقى نخلًا لى فدخلت المسجد لأصلِّى مع القوم فلمَّا

الحذف والنقصان فلا، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن نقر الغراب، ورأى رجلا يصلي فلم يتم ركوعه فقال له ارجع فصل فإنك لم تصل، وقال "لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده" ثم قال لا أعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب التخفيف لكل من أم قومًا على ما شرطنا من الائتمام. وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال "لا تبغضوا الله إلى عباده يطول أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه" اهـ والله أعلم.

(1380)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل ابن إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن صهيب وقال مرة أخبرنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك "الحديث"(غريبه)(1) بالحاء والراء ضد حلال ابن ملحان بكسر الميم وسكون اللام بعدها حاء مهملة (2) أي خففها واقتصر فيها على القدر المجزئ بعد خروجه من القدوة ثم انصرف إلى نخله (3) في رواية للبخاري "فكأن معاذا أنال منه" وفي رواية ابن عيينة فقال له أنافقت يا فلان؟ فقال لا والله، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأن معاذا قال ذلك أولا ثم قال أصحابه للرجل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه الرجل كما في حديث الباب وغيره، وعند النسائي قال معاذ لئن أصبحت لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل إليه فقال ما حملك على الذي صنعت فذكر القصة، ويجمع بين الروايتين بأن معاذًا سبقه

ص: 239

طوَّل تجوَّزت فى صلاتى ولحقت بنخلى أسقيه فزعم أنِّى منافقٌ فأقبل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على معاذٍ فقال أفتَّانٌ أنت أفتَّانٌ أنت لا تطوَّل بهم اقرأ بسبِّح اسم ربِّك الأعلى والشَّمس وضحاها ونحوهما

(1381)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثناسفيان عن عمرٍو سمعه من جابرٍ كان معاذٌ يصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ يرجع فيؤمُّنا وقال مرةً ثمَّ يرجع فيصلِّى بقومه فأخَّر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلةً الصَّلاة وقال مرَّةً العشاء فصلَّى معاذٌ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثم جاء قومه فقرأ البقرة فاعتزل رجلٌ

بالشكوى فيما أرسل له جاء فاشتكى من معاذ (1) كررها مرتين وفي رواية ثلاثا وفي رواية أفاتن وفي رواية أتريد أن تكون فاتنا، وفي رواية يا معاذ لا تكن فاتنا، وفي وراية يا معاذ لا تكن فاتنا، ومعنى الفتنة هنا أن التطويل يكون سبباً لخروجهم من الصلاة ولترك الصلاة في الجماعة (2) فيه أن التطويل منهي عنه فيكون حراما، ولكنه أمر نسبي كما تقدم، فنهيه صلى الله عليه وسلم لمعاذ عن التطويل لأنه كان يقرأ بهم سورة البقرة واقتربت الساعة (3) الأمر بقراءة هاتين السورتين متفق عليه من حديث جابر الآتي، وفي رواية للبخاري من حديثه وأمره بسورتين من أوسط المفصل، وفي رواية لمسلم والأمام أحمد م حديث جابر وستأتي بزيادة والليل إذا يغشى؛ وفي رواية لمسلم بزيادة اقرأ باسم ربك الذي خلق. وفي رواية للحميدي بزيادة والسماء ذات البروج، وفي رواية لعبد الرزاق بزيادة والضحى، وفيه أن الصلاة تمثل هذه السور تخفيف، وقد يعد ذلك من لا رغبة له في الطاعة تطويلا (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح.

(1381)

حدثنا عبد الله (غريبه)(4) يعني ابن دينار (سمعه بن جابر) يعني ابن عبد الله الصحابي الأنصاري رضي الله عنهما (5) أي قال جابر بن عبد الله في رواية أخرى لهذا الحديث أخرى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء وهي المرادة من الصلاة في قوله أخر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الصلاة، وكذا في روايات مسلم عن جابر (العشاء) وكذا في معظم روايات البخاري والأمام أحمد، وجاء في رواية عند أبي داود والنسائي والأمام أحمد "المغرب" كما في الطريق الثانية، فيجمع بين الروايات بتعدد الواقعة. أو بأن المراد بالمغرب العشاء مجازًا، وإلا فما في الصحيحين ومن وافقهما أصح وأرجح (6) أي يصلي بهم تلك الصلاة كما صرح

ص: 240

من القوم فصلَّى فقيل نافقت يا فلان، قال ما نافقت، فأتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فقال إن معاذًا يصلِّى معك ثمَّ ترجع فيؤمُّنا يا رسول الله، إنَّما نحن أصحاب نواضح ونعمل بأيدينا، وإنَّه جاء يؤمنا فقرأ سورة البقرة، فقال يا معاذ أفتَّانٌ أنت؟ أفتَّانٌ أنت؟ اقرأ بكذا وكذا قال أبو الزُّبير بسبِّح اسم ربِّك الأعلى، واللَّيل إذا يغشى، فذكرنا لعمرو فقال أراه قد ذكره

بذلك في رواية عند أبي داود بلفظ "ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة" وفيه رد على من زعم أن الصلاة التي كان يصليها مع قومه غير الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم (1) اختلف في اسم ذلك الرجل فقيل حزم بن أبي كعب وقيل حرام بن ملحان وقيل سليم، واعتزاله محتمل لأن يكون قطع الصلاة واستأنفها وحده، ولأن يكون قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة بل استمر فيها منفردا، وإلى هذا ذهبت الشافعية مستدلين بهذا الحديث، لكن قال النووي هذا الاستدلال ضعيف لأنه ليس في الحديث أنه فارقه وبنى على صلاته، بل في رواية مسلم التي فيها أنه انحرف وسلم دليل على أنه قطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها اهـ (2) أي أصحاب عمل وليس لنا من يقوم بأعمالنا سوانا (والنواضح) جمع ناضح، وهو في الأصل البعير الذي يستقي عليه الماء، ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء (3) كناية عن سورتين قصيرتين يعني من أوسط المفصل كما صرح بذلك في رواية عند البخاري، قال عمر ولا أحفظهما، وبينهما أبو الزبير بقوله بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى (وقوله قال أبو الزبير) قائله سفيان بن عيينه لما في صحيح مسلم قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال اقرأ والشمس وضحاها، والضحى، والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى، وفي رواية للبخاري عن الحميدي عن أبي عيينة زيادة والسماء ذات البروج، والسماء والطارق (وأبو الزبير) هو محمد بن مسلم بن تدرس، ولم يتقدم له ذكر في سند حديث الباب، وأخرج مسلم روايته عن جابر أنه قال "صلى معاذ بن جبل الأنصاري لأصحابه العشاء فطول عليهم فانصرف رجل منا فصلى فأخبر معاذ عنه فقال إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ما قال معاذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتريد أن تكون فتانا يا معاذ؟ إذا أممت الناس فأقر بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الأعلى، واقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى"(4) يعني أن سفيان بن عيينة قال ذكرنا لعمرو

ص: 241

(ومن طريقٍ ثانٍ) حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا محمَّد بن جعفرٍ وحجَّاجٌ قالا ثنا شعبة عن محارب بن دثارٍ سمعت جابر بن عبد الله الأنصارىَّ قال أقبل رجلٌ من الأنصار ومعه ناضحان له وقجد جنحت الشَّمس ومعاذٌ يصلي المغرب فدخل معه الصلَّاة فاستفتح معاذٌ البقرة أو النِّساء، محاربٌ الَّذى يشكُّ، فلمَّا رأى الرَّجل ذلك صلَّي ثمَّ خرج، قال فبلغه أنَّ معاذًا نال منه، قال حجَّاجٌ ينال منه، قال فذكر ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟ أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟ أو فاتنٌ فاتنٌ فاتنٌ، وقال حجَّاجٌ أفاتنٌ أفاتنٌ، فلولا قرأت سبِّح اسم ربِّك الأعلى والشَّمس وضحاها فصلَّى وراءك الكبير وذو الحاجة والضَّعيف، أحسب محاربًا الَّذى يشكُّ فى الضَّعيف

(1382)

عن معاذ بن رفاعة الأنصارىِّ عن رجلٍ من بني سلمة يقال له سليمٌ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنَّ معاذ بن جبل يأتينا بعد ما ننام ونكون فى أعمالنا بالنَّهار فينادى بالصلَّاة فنخرج إليه فيطوِّل علينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ بن جبلٍ لانكن فتَّانًا، إمَّا أن تصلِّى معى وإمَّا أن تخفِّف على قومك، ثم قال يا سليمٌ ماذا معك من القرآن؟ قال

ابن دينار ما حدث به أبو الزبير عن جابر فقال عمرو أراه (أي أظن) أن جابر قد حدث به (1) أي غربت (وقوله ومعاذ يصلي المغرب) هكذا في هذه الرواية، وتقدم الكلام على ذلك في شرح الطريق الأولى عند ذكر العشاء وذكرنا كيفية الجمع بينهما (تخريجه)(ق. والأربعة. حب. طب. هق).

(1382)

عن معاذ بن رفاعة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عمرو بن يحيى عن معاذ بن رفاعة الأنصاري الخ (غريبه)(2) بالتصغير هو ابن الحارث الأنصاري من رهط سعد بن معاذ ومعاذ بن جبل (3) رواية أبي داود

ص: 242

إني أسأل الله الجنَّة وأعوذ به من النَّار، والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذٍ، فقال رسول الله صلَّى اله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلَّم وهل تصير دندنتي ودندنة معاذٍ إلَاّ أن نسأل الله الجنَّة ونعوذ به من النَّار، ثمَّ قال سليمٌ سترون غدًا إذا التقى القوم إن شاء الله، قال والنّاس يتجهزَّون إلى أحد فخرج وكان فى الشهداء رحمة الله ورضوانه عليه

(1383)

عن عبد الله بن بريدة قال سمعت أبى بريدة (الأسلمىَّ رضى الله عنه) يقول إنَّ معاذ بن جبلٍ يقول صلَّى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فيها اقتربت السَّاعة فقام رجلٌ من قبل أن يفرغ فصلَّى وذهب، فقال له معاذٌ قولًا شديدًا، فأتى الرَّجل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه فقال إنِّي كنت أعمل

قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل كيف تقول في الصلاة؟ قال أتشهد وأقول اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ الحديث (1) الدندنة أن تسمع من الرجل نغمة ولا تفهم ما يقول، والمعنى لا أعرف ما تقول أنت يا رسول الله ولا ما يقوله معاذ في الصلاة؛ وخص معاذا بالذكر لأنه كان من قومه وكان يصلي خلفه (2) في رواية أبي داود ورواية أخرى للأمام أحمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم حولهما ندندن أي حول الجنة والنار ندندن، أي ندعو بالحصول على الجنة والبعد عن النار (وفي رواية) حولها ندندن أي حول دعوتك هذه (2) استشهد رضي الله عنه في غزوة أحد سنة ثلاث من الهجرة (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد، ومعاذ بن رفاعة لم يدرك الرجل الذي من بنى سلمة لأنه استشهد بأحد ومعاذ تابعي والله أعلم ورجال أحمد ثقات، ورواه الطبراني في الكبير عن معاذ بن رفاعة أن رجلا من بني سلمة اهـ (قلت) وله شواهد صحيحة تعضده.

(1383)

عن عبد الله بن بريدة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا زيد بن الحباب حدثني حسين ثنا عبد الله بن بريدة قال سمعت أبي بريدة "الحديث"(غريبه)(4) قال الحافظ لم يقع شيء من الطرق المتقدمة (يعني في البخاري) تسمية هذا الرجل، لكن روى أبو داود الطيالسي في مسنده والبزار ن طريقه عن طالب بن حبيب عن عبد الرحمن ابن جابر عن أبيه قال "مر حزم بن أبي كعب بمعاذ بن جبل وهو يصلي بقومه صلاة

ص: 243

على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلِّ بالشَّمس وضحاها ونحوها من السُّور

العتمة فافتتح بسورة طويلة ومع حزم ناضح له الحديث" قال البزار لا نعلم أحدًا سماه عن جابر إلا ابن جابر اهـ وقد رواه أبو داود في السنن من وجه آخر عن طالب فجعله عن ابن جابر عن حزم صاحب القصة، وابن جابر لم يدرك حزما، ووقع عنده صلاة المغرب وهو نحو ما تقدم من الاختلاف في رواية محارب، ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فسماه حازما وكأنه صحفه أخرجه ابن شاهين من طريقه اهـ (تخريجه) لم أقف على رواية بريدة لغير الأمام أحمد (قال الحافظ) ووقع عند أحمد من حديث بريدة بإسناد قوي (فقرأ اقتربت الساعة) وهي شاذة إلا إن حمل على التعدد اهـ (الأحكام) هذه القصة قد رويت على أوجه مختلفة، ففي بعضها لم يذكر تعين السورة التي قرأها معاذ ولا تعيين الصلاة التي وقع ذلك فيها كما في رواية أنس المذكورة، وفي بعضها أن السورة التي قرأها اقتربت الساعة والصلاة العشاء كما في حديث بريدة الأسلمي، وفي بعضها أن السورة التي قرأها البقرة والصلاة العشاء كما في حديث جابر، وفي بعضها أن الصلاة المغرب كما في رواية محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله عند الأمام أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان (ووقع الاختلاف) أيضا في اسم الرجل فقيل حرام بن ملحان وقيل حزم بن أبي كعب، وقيل حازم وقيل سليم وقيل سلمان وقيل غير ذلك، وقد جمع بين الروايات بتعدد القصة، وممن جمع بينها بذلك ابن حبان (قال الحافظ) وجمع بعضهم بين هذا الاختلاف بأنهما واقعتان، وأيد ذلك بالاختلاف في الصلاة هل هي العشاء أو المغرب؛ وبالاختلاف في السورة هل هي البقرة أو اقتربت، وبالاختلاف في عذر الرجل هل هو لأجل التطويل فقط لكونه جاء من العمل وهو تعبان، أو لكونه أراد أن يسقى نخله إذا ذاك، أو لكونه خاف على الماء في النخل كما في حديث بريدة، واستشكل هذا الجمع لأنه لا يظن بمعاذ أنه صلى الله عليه وسلم يأمره بالتخفيف ثم يعود إلى التطويل، ويجاب عن ذلك باحتمال أن يكون قرأ أولا بالبقرة، فلما نهاه قرأ اقتربت وهي طويلة بالنسبة إلى السورة التي أمره أن يقرأ بها، ويحتمل أن يكون النهي أولا وقع لما يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام، ثم لما اطمأنت نفوسهم بالأسلام ظن أن المانع زال فقرأ باقتربت، لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف صاحب الشغل، (وجمع النووي) باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجل ثم قرأ اقتربت في الثانية فانصرف آخر، ووقع في رواية أبي الزبير عند مسلم فانطلق رجل منا، وهذا يدل على أنه كان من بني سلمة ويقوى رواية من سماه سليما والله أعلم اهـ (وفي أحاديث الباب) دليل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، لأن معاذا كان يصلي الفريضة مع رسول الله

ص: 244

(6)

باب تخفيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس مع اتمامها

(1384)

عن حميدٍ عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من أتمَّ النَّاس صلاةً وأوجزه

صلى الله عليه وسلم فيسقط فرضه ثم يصلي مرة ثانية بقومه هي له تطوع ولهم فريضة (قال النووي وقد جاء هكذا مصرحًا به في غير مسلم، وهذا جائز عند الشافعي رحمه الله تعالى وآخرين، ولم يجزه ربيعة ومالك وأبو حنيفة رضي الله عنهم والكوفيون، وتأولوا حديث معاذ رضي الله عنه على أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم تنفلا، ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال حديث معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ، وكل هذه التأويلات دعاوي لا أصل لها فلا يترك ظاهر الحديث بها، قال واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث (يعني حديث معاذ) على أنه يجوز للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا وإن لم يخرج منها، وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه لأصحابنا (أصحها) أنه يجوز لعذر ولغير عذر (والثاني) لا يجوز مطلقا (والثالث) يجوز لعذر ولا يجوز لغيره (وعلى هذا) العذر ما يسقط به عنه الجماعة ابتداء ويعذر في التخلف عنها بسببه، وتطويل القراءة عذر على الأصح لقصة معاذ رضي الله عنه، وهذا الاستدلال ضعيف لأنه ليس في الحديث أنه فارقه وبنى على صلاته، بل في الرواية الأولى أنه سلم وقطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها، وهذا لا دليل فيه للمسألة المذكورة، وإنما يدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر والله أعلم (قال) وفيه جواز قول سورة البقرة وسورة النساء وسورة المائدة ونحوها، ومنعه بعض السلف وذلك أنه لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها البقرة ونحو هذا، وهذا خطأ صريح والصواب جوازه، فقد ثبت ذلك في الصحيح في أحاديث كثيرة من من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة والتابعين وغيرهم، ويقال سورة بلا همز وبالهمز لغتان ذكرهما ابن قتيبة وغيره، وترك الهمزة هنا هو المشهور والذي جاء به القرآن العزيز، ويقال قرأت السورة وقرأت بالسورة وافتتحتها بها اهـ (وفي أحاديث الباب أيضا) الأنكار على من ارتكب ما ينهى عنه وإن كان مكروها غير محرم (وفيها) جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام (وفيها) الأمر بتخفيف الصلاة والعزير على إطالتها إذا لم يرض المأمومون بالتطويل (وفيها غير ذلك) والله أعلم.

(1384)

عن حميد عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا معتمر عن حميد عن أنس "الحديث"(غريبه)(1) المعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفف الصلاة بالناس مع مراعاة تعديل الأركن، فكان يقتصر في القراءة على قصار المفصل إذا وجد في الناس

ص: 245

(ومن طريقٍ ثانٍ) ز عن فتادة عن أنسٍ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أخففِّ النَّاس صلاة فى تمامٍ

(1385)

عن ثابتٍ عن أنسٍ رضى الله عنه قال ما صليت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً أخفَّ من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام ركوعٍ وسجودٍ

(1386)

عن قتادة عن أنسٍ رضى الله عنه أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إنِّى لأدخل الصَّلاة وأنا أريد ان أطيلها فاسمع بكاء الصَّبيِّ

ضعفا، وعلى الأذكار القصيرة في الانتقالات وهكذا؛ وهذا لا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم كان يطول أكثر من ذلك في بعض الأحيان إن وجد في الناس نشاطًا لأنه صلى الله عليه وسلم كان حكيما في صنعه يضع الشيء في محله (1)(سنده)"ز" حدثنا عبد الله حدثنا أبو عبد الله السلمي ثنا أبو داود عن شعبة عن قتادة عن أنس الخ (تخريجه)(ق. نس. مذ) وصححه.

(1385)

عن ثابت عن أنس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن ثابت عن أنس "الحديث"(غريبه)(2) إنما نص على تمام الركوع والسجود لأنهما أهم الأركان الفعلية، ولئلا يتوهم متوهم من كونها أخف صلاة أنها غير تامة، قال صاحب العرف الشذى في شرح الترمذي ظهور التخفيف إنما يكون في القراءة لا في الركوع والسجود وتعديل الأركان كما هو معلوم من فعل صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم اهـ (تخريجه)(ق. د. وغيرهم)

(1386)

عن قتادة عن أنس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن أبي عدي عن سعيد وابن جعفر وعبد الوهاب الخفاف عن سعيد عن قتادة عن أنس "الحديث"(غريبه)(3) فيه أن من قصد في الصلاة الأتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به خلافا لأشهب (وقوله صلى الله عليه وسلم فأسمع بكاء الصبي) فيه جواز إدخال الصبيان المساجد وإن كان الأولى تنزيه المساجد عمن لا يؤمن حدثه فيها لحديث "جنبوا مساجدكم" قاله الشوكاني (قلت) يريد الحديث المشهور على الألسن بلفظ "جنبوا مساجدكم صبيانكم" لكنه لا تقوم به حجة، قال البزار لا أصل له، وتعقبه صاحب المقاصد بأن ابن ماجه رواه مطولا عن واثلة رفعه بلفظ "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها

ص: 246

فأتجاوز في صلاتي مَّما أعلم من شدَّة وجد أمِّه من بكائه

(1387)

وعن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نحوه

(1388)

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن زيدٍ قال أنا علىُّ بن زيد وحميدٌ عن انس بن مالكٍ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جوَّز ذات يومٍ فى صلاة الفجر فقيل يا رسول الله لم جوَّزت؟ قال سمعت بكاء صبىّ فظننت أنَّ أمُّه معنا تصلِّى، فأردت أن أفرغ له أمه، وقد قال حَّمادٌ أيضًا فظننت أنَّ أمَّه تصلِّى معنا فأردت أن أفرغ له أمَّه

(1389)

عن أبى هريرة رضي الله عنه سمع النَّبيُّ صلَّى الله عليه

المطاهر وجمروها في الجمع" وسنده ضعيف، لكن له شاهد عند الطبراني في الكبير والعقيلي وابن عدي بسند فيه العلاء بن كثير ضعيف أيضا عن أبي أمامة وأبي الدرداء ووائلة قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره بلفظ "مساجدكم صبيانكم ومجانينكم" وفي سنده عبد الله بن محرر بمهملات بوزن محمد ضعيف، أفاده العجلوني في كشف الخفاء (1) في رواية عند الأمام أحمد وأبي داود والبخاري فأتجوز، ومعناهما واحد أي اختصر في القراءة كراهة أن أشق على أمه بالتطويل فيها (وروى) ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن أبي السوداء عن ابن سابط "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى بسورة نحو خمسين آية فسمع بكاء صبي فقرأ في الثانية بثلاث آيات" (وروى) مسلم عن ثابت البناني عن أنس قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو السورة القصيرة" ويستفاد أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب "فأتجاوز في صلاتي" أنه كان يخفف في أذكار الركوع والسجود للعلة المذكورة والله أعلم (خريجه)(ق. د. نس. هق).

(1387)

عن عبد الله بن أبي قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أحمد بن حجاج أنا عبد الله بن المبارك حدثني الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فاسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه"(تخريجه)(ق. د. نس).

(1388)

حدّثنا عبد الله (تخريجه)(طب) وسند الأمام أحمد جيد.

(1389)

عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى

ص: 247

وآله وسلَّم صوت صبيٍ فى الصلَّاة فخفّف الصَّلاة

(1390)

عن عبد الله بن الزُّبير عن أنس رضى الله عنه قال ما رأيت إمامًا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا لعمر بن عبد العزيز وهو بالمدينة يومئذٍ وكان عمر لا يطيل القراءة

(1391)

عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يصلِّي بنا الصلَّاة المكتوبة ولا يطيل فيها ولا يخفِّف، وسطًا من ذلك، وكان يؤخرِّ العتمة

(1392)

وعنه أيضًا قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلَّى الفجر قعد فى مصلَّاة حتى تطلع الشَّمس، قال وكان يقرأ فى صلاة الفجر بقاف والقرآن المجيد، وكانت صلاته بعد تخفيفًا

عن ابن عجلان قال سمعت أبي عن أبي هريرة سمع النبي صلى الله عليه وسلم "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه، وفي إسناده محمد بن عجلان، قال في التقريب صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة.

(1390)

عن عبد الله بن الزبير عن أنس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس ثنا فليح عن محمد بن مساحق عن عامر بن عبد الله يعني ابن الزبير عن أنس "الحديث"(غريبه)(1) أي مده إن كان واليا عليها في خلافة الوليد بن عبد الملك (2) أي كانت قراءته وسطا بين الطول والقصر وكان يلاحظ حالة المأمومين ولذلك سر بصلاته أنس بن مالك رضي الله عنه لشبهها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(د. نس) وسنده جيد.

(1391)

عن جابر بن سمرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين ابن محمد ثنا أيوب يعني ابن جابر عن سماك عن جابر بن سمرة "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ ومعناه في الصحيحين.

(1392)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين بن علي عن زائدة عن سماك جابر بن سمرة "الحديث"(تخريجه)(م. د. مذ. نس. طب. خز)

ص: 248

(1393)

حدّثنا عبد الرزَّاق وابن بكرٍ أنا جريجٍ أخبرنى عبد الله بن عثمان عن نافع بن سرجس قال عدنا أبا واقد البكرىِّ رضى الله عنه وقال ابن بكرٍ البدرىِّ "وفى روايةٍ اللَّيثىِّ وفى أخرى الكندىِّ" فى وجعه الَّذى مات فيه فسمعه يقول كان النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أخفَّ النَّاس صلاة على النَّاس وأطول النَّاس صلاةً لنفسه

(1394)

عن مالك بن عبد الله رضي الله عنه قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أصلِّ خلف إمامٍ كان أوجز منه صلاةً فى تمام الرُّكوع والسُّجود

(1395)

قر عن سالمٍ عن أبيه (يعنى عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتَّخفيف وإن كان ليؤمُّنا بالصَّافَّات

(1393) حدّثنا عبد الرزاق (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق وابن بكر الخ (تخريجه)(طب. عل) ورجاله موثقون.

(1394)

عن مالك بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل بن محمد وهو إبراهيم بالمعقب ثنا مرواه يعني ابن معاوية الفزاري ثنا منصور بن حيان الأسدي عن سليمان بن بشر الخزاعي عن خاله مالك بن عبد الله (يعني الخثمي) قال غزوت الخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

(1395)

"قر" عن سالم عن أبيه (سنده) حدّثنا عبد الله قال قرأت على أبي ثنا حماد بن خالد الخياط عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن سالم عن أبيه "الحديث"(غريبه)(1) هذا لا ينافي ما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم كان يخفف الصلاة بالمأمومين، فذاك يحمل على الصلاة بقوم فيهم شيء من العلل المتقدمة؛ وهذا يحمل على الصلاة بقوم أقوياء رضوا بالتطويل، وإنما أمرهم بالتخفيف لأنهم ليسوا كمثله في مراعاة حال المأمومين، فإنه صلى الله عليه وسلم كان بالمؤمنين رحيما (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد، وهذا الحديث من الأحاديث التي قرأها عبد الله بن الأمام أحمد على أبيه ولم يسمعها منه، ولذلك رمزت له بحرفي قاف وراء في أوله كما أشرت إلى ذلك في المقدمة فتنبه

ص: 249

(1396)

عن ابن أبي خالد عن أبيه قال رأيت أبا هريرة رضى الله عنه صلَّي صلاةً تجوَّز فيها فقلت له هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم وأوجز (وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن ابيه قال قلت لأبى هريرة أهكذا كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يصلِّى لكم؟ قال وما أنكرت من صلاتى؟ قال قلت أردت أن أسألك عن ذلك، قال نعم وأوجز، قال وكان قيامه قدر ما ينزل المؤذَّن من المنارة وصل إلى الصَّف (وعنه من طريقٍ ثالثٍ) عن أبيه أنَّ أبا هريرة كان يصلِّى بهم بالمدينة نحوًا من صلاة قيسٍ وكان قيس لا يطوِّل، قال قلت هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلّم؟ قال نعم وأوجز

(1397)

عن حيَّان (يعنى البارقىَّ) قال قيل لابن عمر رضي الله عنهما

(1396) عن ابن أبي خالد عن أبيه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا ابن أبي خالد (يعني إسماعيل) عن أبيه قال رأيت أبا هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أي خففها وقوله في آخره الحديث (وأوجز) يعني أخف (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا عبد العزيز ثنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد عن أبيه اخلخ (3) يعني مدة قراءته في القيام (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى ويزيد عن إسماعيل عن أبيه أن أبا هريرة "الحديث"(5) هكذا جاء قيس في الحديث غير منسوب، والظاهر أنه كان يؤم أهل المدينة وكانوا يجدون شيئا في نفوسهم من تخفيف صلاته، فلما صلى بهم أبو هريرة رضي الله عنه صلاة خفيفة كصلاة قيس وهم يعلمون صحبة أبي هريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن صلاته رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كانت كذلك؟ فقال لهم نعم وأوجز (تخريجه)(هق) وسنده جيد.

(1397)

عن حيان يعني البارقي (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حيان "الحديث"(غريبه)(6) حيان هذا بفتح أوله ثم ياء مشددة مفتوحة هو ابن إياس البارقي روى عن ابن عمر وعنه شعبة وثقة ابن حبان

ص: 250

إنَّ إمامنا يطيل الصلَّاة، فقال ابن عمر ركعتان من صلاة رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أخفُّ أو مثل ركعةٍ من صلاة هذا

(7)

باب حكم الأمام اذا ذكر أنه محدث

(1398)

عن علىَّ بن أبى طالبٍ رضى الله عنه قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصلِّى إذ انصرف ونحن قيامٌ ثمَّ أقبل ورأسه بقطر فصلَّى لنا الصَّلاة، ثمَّ إنِّى ذكرت أنِّي كنت جنبًا حين قمت إلى الصَّلاة لم

قاله الحافظ في تعجيل المنفعة (1) يشير إلى إمامهم الذي يطيل الصلاة، يعني أن ابن عمر لم يعجبه صلاة هذا الأمام لكونه لم يتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخفيف الصلاة بالمأمومين (تخريجه) لم أقف عليه وسنده جيد (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية تخفيف الصلاة بالمأمومين، وهذا يستلزم أن يبلغ التخفيف إلى حد يكون بسببه عدم تمام أركان الصلاة وقراءتها، لأن صلاته صلى الله عليه وسلم بالناس كانت من أتم الصلاة وأوجزها كما يستفاد ذلك من أحاديث الباب، وأن من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم في الإيجاز والأتمام لا يشتكي منه تطويل، وروى ابن أبي شيبة أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة (وفيها أيضا) جواز إدخال الصبيان المساجد، وتقدم الكلام على ذلك (قال الحافظ) وفيه نظر لاحتمال أن يكون الصبي كان مخلفا في بيت يقرب من المسجد بحيث يسمع بكاؤه (وفيها أيضا) جواز صلاة النساء في الجماعة مع الرجال، وتقدم الكلام في ذلك مستوفي في بابه (وفيها أيضا) شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ومراعاة أحوال الكبير منهم والصغير وفيها غير ذلك والله أعلم.

(1398)

عن علي بن أبي طالب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسن بن موسى ثنا ابن لهيعة ثنا الحارث بن يزيد عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه "الحديث"(غريبه)(2) ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم انصرف من الصلاة بعد الدخول فيها، ويؤيده ما يأتي في الحديث التالي عن أبي بكرة عند الأمام أحمد وأبي داود وابن حبان "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فكبر ثم أومأ إليهم أن مكانكم"(وفي لفظ)"أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم" ويعارضه ما في الصحيحين ومسند الإمام أحمد وسيأتي بعد حديث أبي بكرة عن أبي هريرة قال

ص: 251

أغتسل، فمن وجد منكم فى بطنه رزًّا أو كان مثل ما كنت عليه فلفينصرف حتَّى يفرغ من حاجته أو غسله ثمَّ يعود إلى صلاته

(1399)

عن أبى بكرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استفتح الصَّلاة فكبَّر ثمَّ أومأ إليهم أن مكانكم ثمَّ دخل فخرج وراسه يقطر فصلَّى بهم فلمَّا قضى الصَّلاة قال إنَّما أنا بشرٌ وإنِّى كنت جنبًا (وعنه من طريقٍ ثانٍ) أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم

"أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام مقامه ثم أومأ اليهم بيده الحديث"(وفي لفظ) عند الشيخين "حتى اذا قام فى مصلاه انتظرنا أن يكبر فانصرف" وفى لفظ آخر "فلما قام فى مصلاه ذكر انه جنب فقال لنا مكانكم" فظاهره أنه انصرف قبل أن يدخل فى الصلاة (قال الحافظ) ويمكن الجمع بينهما بجعل قوله كبر على انه أراد ان يكبر أو بأنهما واقعتان، ابداه عياض والقرطبى احتمالا، وقال النووى إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته، فان ثبت وإلا فما فى الصحيح أصح اهـ (1) أوله راء مكسورة ثم زاى مشددة مفتوحة، قال فى النهاية الرز في الأصل الصوت الخفى ويريد به القرقرة، وقيل هو غمز الحدث وحركته للخروج، وأمره بالوضوء لئلا يدافع أحد الأخبثين والافليس بواجب ان لم يخرج الحدث، وهذا الحديث جاء هكذا فى كتب الغريب عن على نفسه وأخرجه الطبرانى عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم اهـ (تخريجه)(بز. طس) وفى اسناده ابن لهيعة ضعيف لكنه يعتضد بحديث أبى بكرة الآتى بعده

(1399)

عن أبى بكرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنازيد أنا حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبى بكرة "الحديث"(غريبه)(2) اى أشار وفى لفظ للبخارى "فقال لنا" فتحمل رواية البخارى على اطلاق القول على الفعل ويمكن أن يكون جمع بين الكلام والأشارة (وقوله مكانكم) منصوب بفعل محذوف هو وفاعله، والتقدير الزموا مكانكم (3) أى بيته فاغتسل فخرج ورأسه يقطر الخ (4) يعنى أنسى كما تنسون؛ وفى قوله صلى الله عليه وسلم "وإنى كنت جنبًا" جواز اتصافه صلى الله عليه وسلم بالجنابة، وفيه أيضًا جواز صدور النسيان منه صلى الله عليه وسلم وتقدم تفصيل الكلام على ذلك فى أبواب سجود السهو (5)(سنده) حدثنا عبد لله حدثنى أبى ثنا أبو كامل ثنا حماد عن زياد الأعلم

ص: 252

دخل في صلاة الفجر فذكر الحديث

عن ابى هريرة رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصَّلاة فلمَّا كبَّر انصرف وأومأ إليهم أي كما أنتم ثمَّ خرج فاغتسل ثمَّ جاء ورأسه يقطر فصلَّى بهم فلمَّا صلَّى قال إنِّى كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل (وعنه من صريقٍ ثانٍ) قال أقيمت الصَّلاة وصفَّ النَّاس صفوفهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام مقامه ثمَّ أومأ إليهم بيده أن مكانكم فخرج وقد اغتسل ورأسه ينطف فصلَّى بهم

عن الحسن عن أبى بكرة "أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل فى صلاة الفجر الحديث" ويستفاد من هذا الطريق أن الصلاة التى وقع فيها ذلك كانت صلاة الصبح (تخريجه)(لك. د. هق. حب) وصححاه وصححه النووى أيضا

(1400)

عن أبى هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع قال ثنا أسامة بن زيد عن عبد الله بن زيد مولى الأسود بن سفيان عن ابن ثوبان عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) فى هذه الرواية التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد التكبير قال أبو عمر من قال إنه كبر زاد زيادة حافظ يجب قبولها (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الوليد حدثنا الأوزاعى حدثنى الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال أقيمت الصلاة "الحديث"(3) بضم الطاء وكسرها أى يقطر منه الماء قليلا قليلا وبه سمى المنى نطفة لقلته (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه الطبرانى أيضا وسندها جيد، ولها شاهد عن أنس بن مالك رضى الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فى صلاته وكبرنا معه فأشار الى القوم أن كما أنتم فلم نزل قيامًا حتى أتانا نبى الله صلى الله عليه وسلم وقد اغتسل ورأسه يقطر ماء" قال الهيثمى رواه الطبرانى فى الأوسط ورجاله رجال الصحيح اهـ (قلت) وروى الطريق الثانية منه البخارى ومسلم عن أبى هريرة "أن النبى صلى الله عليه وسلم حضر وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى اذا قام فى مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف وقال لنا مكانكم فلم قياما حتى خرج الينا وقد اغتسل يقطر رأسه ماء فكبر وملى بنا"(الأحكام) يستفاد من حديث على وأبى بكرة والطريق الأولى من حديث أبى هريرة عند الأمام احمد وآخرين غير الشيخين "أن النبى صلى الله عليه وسلم انصرف من الصلاة بعد

ص: 253

_________

الدخول فيها حينما تذكر أنه جنب، ويستفاد من الطريق الثانية من حديث أبى هريرة عند الأمام احمد والشيخين أنه صلى الله عليه وسلم انصرف قبل الدخول فى الصلاة أى قبل تكبيرة الأحرام كما صرح بذلك فى رواية عند الشيخين، وظاهر هذا التعارض، وتقدم الجمع بين ذلك فى شرح حديث على رضى الله عنه، ورجح النووى فى المجموع أنهما قضيتان، قال لأنهما حديثان صحيحان فيجب العمل بهما اذا أمكن، وقد أمكن بحملهما على قضيتين اهـ وجمع بين ذلك ابن حبان فى صحيحه فقال، حديث أبى هريرة وحديث أبى بكرة فعلان فى موضعين متبابنين، خرج صلى الله عليه وسلم مرة فكبر ثم ذكر أنه جنب فانصرف فاغتسل ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة، وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر فذهب فاغتسل ثم رجع فأقام بهم الصلاة من غير أن يكون بين الخبرين تضاد، وقول أبى بكرة فصلى بهم أراد بذلك بدأ بتكبير محَدث، لا أنه رجع قبنى على صلاته، إذ محال أن يذهب صلى الله عليه وسلم ليغتسل ويبقى الناس كلهم قيامًا على حالتهم من غير إمام الى أن يرجع اهـ (قلت) يستفاد من كلام ابن حبان أن الواقعة متعددة، وأن النبى صلى الله عليه وسلم استأنف بهم الصلاة ولم يبن على صلاته، وبذلك قال جماعة من العلماء (وذهب آخرون) الى جواز البناء ووافقهم الخطابى حيث قال فى شرح حديث أبى بكرة، فيه دلالة على أنه اذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن صلاتهم ماضية ولا إعادة عليهم، وعلى الأمام الأعادة، وذلك أن الظاهر من حكم لفظ الخبر انهم قد دخلوا فى الصلاة معه ثم استوقفهم الى أن اغتسل وجاء فأتم الصلاة بهم، واذا جاز جزء من الصلاة حتى يصح البناء عليه جاز سائر اجزائها، قال وفيه حجة لمن ذهب الى البناء على الصلاة فى الحدث اهـ (قلت) وظاهر هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم لما اغتسل وخرج لم يجدد إقامة الصلاة (قال الحافظ) وفيها جواز الفصل بين الإقامة والصلاة لأن قوله فكبرو قوله فصلى بهم "يعنى فى رواية البخارى" ظاهر فى أن الأقامة لم تُعَد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت (وعن مالك) اذا بعدت الأقامة من الأحرام تعاد، وينبغى حمله على ما اذا لم يكن عذر، كذا فى الفتح (وقال النووى) هذا محمول على قرب الزمان فان طال فلابد من إعادة الأقامة، قال ويدل على قرب الزمان فى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم مكانكم وقوله وخرج الينا ورأسه ينظف اهـ وقال أبو العباس القرطبى (مذهب مالك) أن التفريق إن كان لغير عذر ابتدأ الأقامة طال التفريق أولا كما قال فى المدونة فى المصلى بثوب نجس بقطع الصلاة ويستأنف الأقامة، وكذلك قال فى القهقهة، وان كان لعذر فان طال استأنف الأقامة وإلا بنى عليها، وفيه أنه لا حياء فى الدين وسبيل من غلب أن يأتى بأمرموهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف اهـ

ص: 254

_________

(فائدة)

قال النووى رحمه الله فى المجموع أجمعت الأمة على تحريم الصلاة خلف المحدث لمن علم حدثه، فان صلى خلف المحدث بجنابة أو بول وغيره والمأموم عالم بحدث الأمام أتم بذلك وصلاته باطلة بالإجماع، وان كان جاهلا بحدث الأمام ثم علم به فى أثناء الصلاة لزمه مفارقته وأتم صلاته منفردا بانيًا على ما صلى معه، فان استمر على المتابعة لحظة أو لم ينو المفارقة بطلت صلاته بالاتفاق لأنه صلى بعض صلاته خلف محدث مع علمه بحدثه، وممن صرح ببطلان صلاته اذا لم ينو المفارقة الشيخ أبو حامد والقاضى أبو الضياء فى تعليقهما والمحاملى وخلائق من كبار الأصحاب، وان لم يعلم حتى سلم منها أجزأته ولا اعادة عليه، وسواء كان الأمام عالماً بحدث نفسه أم لا، لأنه لا تفريط من المأموم فى الحالين (هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور) قال وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلى وابن عمر والحسن البصرى وسعيد بن جبير والنخعى والأوزاعى وأحمد وسليمان بن حرب وأبو ثور والمزنى (وحكى) عن على أيضًا وابن سيرين والشعبى وأبى حنيفه وأصحابه أنه يلزمه الأعادة، وهو قول حماد بن أبى سليمان شيخ ابى حنيفه (وقال مالك) ان تعمد الأمام الصلاة عالما بحدثه فهو فاسق فيلزم المأموم الأعادة على مذهبه، وإن كان ساهيا فلا، وحكى الشيخ أبو حامد عن عطاء أنه إن كان الأمام جنبا لزم المأموم الأعادة، وان كان محدثًا أعاد إن علم بذلك فى الوقت، فان لم يعلم إلا بعد الوقت فلا إعادة، واحتج لمن قال بالأعادة بحديث أبى جابر البياضى عن سعيد بن المسيب عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى بالناس وهو جنب وأعاد وأعادوا (وبحديث عمرو بن خالد) عن حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن حمزة عن على بن أبى طالب رضى الله عنه انه صلى بالقوم وهو جنب واعاد ثم امرهم فأعادوا، قال النووى (والجواب عن حديث أبى جابر البياضى) أنه مرسل وضعيف باتفاق اهل الحديث وقد اتفقوا على تضعيف البياضى وقالوا هو متروك وهذه اللفظة أبلغ ألفاظ الجرح، وقال يحيى بن معين هو كذاب (وعن حديث عمرو بن خالد) انه أيضا ضعيف باتفاقهم فقد اجمعوا على جرح عمرو بن خالد، قال البيهقى هو متروك رماه الحفاظ بالكذب، وروى البيهقى باسناده عن وكيع قال كان عمرو بن خالد كذابا فلما عرفناه بالكذب تحول الى مكان آخر حدث عن حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن حمزة عن على أنه صلى بهم وهو على غير طهارة فأعادوا وأمرهم بالأعادة، وفيه ضعف من جهة انقطاعه أيضا فقد روى البيهقى عن سفيان الثورى قال لم يرو حبيب بن أبى ثابت عن عاصم بن حمزة شيئا قط اهـ قال واحتج أصحابنا والبيهقى بحديث أبى هريرة رضى الله عنه قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون لكم فان أصابوا فلكم ولهم وإن اخطئوا فلكم

ص: 255

باب جواز الاستخلاف فى الصلاة

وجواز انتقال الخليفة مأموما اذا حضر مستخلفة

عن سهل بن سعدٍ رضى الله عنه قال كان قتالٌ بين بنى عمرو ابن عوف فبلغ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم فأتاهم بعد الظُّهر ليصلح بينهم وقال يابلال إن حضرت الصَّلاة ولم آت فمر أبا بكرٍ يصلِّ بالنَّاس، قال فلمَّا حضرت العصر أقام بلالٌ الصلَّاة (وفى روايةٍ أذَّن ثمَّ أقام) ثمَّ أمر أبا بكرٍ فتقدَّم بهم وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما دخل أبو بكرٍ في الصلَّاة فلمَّا

وعليهم" رواه البخاري وبحديث أبى بكرة "فذكر حديث الباب بلفظه ثم قال" رواه أبو داود بهذا اللفظ باسناد صحيح، ثم ذكر الطريق الثانى من حديث أبى هريرة الذى فى الباب وعزاه للشيخين وجمع بينهما بأنهما قضيتان كما تقدم، ثم قال روى البيهقى باسناده عن ابن المبارك قال ليس فى الحديث قوة لمن يقول اذا صلى الأمام محدثًا يعيد أصحابه، والحديث بأن لا يعيدوا أثبت لمن أراد الانصاف بالحديث اهـ باختصار وتصرف

(1401)

عن سهل بن سعد (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا حماد بن زيد ثنا أبو حازم عن سهل بن سعد "الحديث"(غريبه)(1) أى ابن مالك بن الأوس أحد قبيلتى الأنصار، وهما الأوس والخزرج، وبنو عمرو بن عرف بطن كبير من الأوس، وسبب ذهابه صلى الله عليه وسلم اليهم كما فى رواية عند البخارى فى الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبى حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال اذهبوا نصلح بينهم، وله فيه من رواية غسان عن أبى حازم فخرج ناس من أصحابه، وله أيضا فى الأحكام من صحيحه من طريق حماد بن زيد أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر، وللطبرانى أن الخبر جاء بذلك وقد أذَّن بلال لصلاة الظهر (2) يعنى صلاى العصر أخذا من قوله فلما حضرت العصر، وصرح بذلك البخارى أيضا فى الأحكام من صحيحه (3) وفى لفظ للبخارى فتقدم أبو بكر فكبر (وفى رواية) فاستفتح أبو بكر، وبهذا يجاب عن سبب استمراره صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فى مرض موته وامتناعه عن الاستمرار فى هذا المقام، لأنه هناك قد مضى معظم الصلاة فحسن الاستمرار، وهنا لم يمض إلا اليسير فلم يحسن (4) فى رواية للبخارى فجاء يمشى حتى قام عند الصف، ولمسلم فحرق الصفوف

ص: 256

رأوه صفَّحوا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشقُّ النَّاس حتَّى قام خلف أبى بكرٍ قال وكان أبو بكرٍ إذا دخل الصَّلاة لم يلتفت فلما رأى التَّصفيح لا يمسك عنه التفت فرأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خلفه فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن أمضه فقام أبو بكر هنيَّة فحمد الله على ذلك ثم مشى القهقري قال فتقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بالنَّاس، فلمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال يا أبا بكرٍ مامنعك إذ أومأت إليك أن لا تكون مضيت "وفى رواية أن تمضى" فى صلاتك، قال فقال أبو بكرٍ لابن أبى قحافة أن يؤمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للنَّاس إذانا بكم في صلاتكم شيءٌ فليسبِّح الرِّجال وليصفِّح "وفى روايةٍ وليصفِّق" النِّساء "وفي روايةٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم لم

(1) في رواية للبخارى فأخذ الناس فى التصفيح قال سهل أتدرون ما التصفيح؟ هو التصفيق، وفيه انهما مترادفان، وتقدم الكلام عليه فى باب جواز التسبيح والتصفيق والأشارة فى الصلاة لحاجة فى شرح حديث رقم 581 من كتاب الصلاى (2) أن لكثرة خشوعه فى الصلاة أو لكونه كان يعلم النهى عن الالتفات (3) أى فلما رآى استمرار التصفيح بدون انقطاع التفت الخ (4) أى أشارة اليه النبى صلى الله عليه وسلم بالمضى فى صلاته وفى (رواية)"فأشار اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك" وقوله (هنيَّة) يعنى مدة يسيرة (5) ظاهره أنه تلفظ بالحمد، وادّعى ابن الجوزى انه أشار بالحمد والشكر بيده ولم يتكلم (6) أى تأخر الى الوراء، وفى رواية "ثم استأخر أبو بكر حتى استوى فى الصف وتقدم النبى صلى الله عليه وسلم فصلى" الخ (7) تقرير النبى صلى الله عليه وسلم له على ذلك يدل على ما قاله البعض من ان سلوك طريقة الأدب خير من الأمتثال، ويؤيد ذلك عدم انكاره صلى الله عليه وسلك على علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه لما امتنع من محو اسمه صلى الله عليه وسلم فى قصة الحديبية، وتقدم الكلام عليه فى شرح حديث رقم 742 من كتاب الصلاى (8) أى اذا نزل بأحدكم شئ من الحوادث والمهمات فى الصلاة وأراد إعلام غيره كأذنه لداخل وإنذاره وتنبيهه لله أو غافل ونحو ذلك "وقوله فليسبح

ص: 257

صفَّحتم؟ قالوا لنعلم أبا بكرٍ، قال إنَّ التَّصفيح للنِّساء والتَّسبيح للرِّجال

عن العبَّاس بن عبد المطَّلب رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه مروا أبا بكرٍ صلِّى بالنَّاس، فخرج أبو بكرٍ فكبَّر، ووجد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم راحةً فخرج يهادى بين رجلين، فلمَّا رآه أبو بكرٍ تأخَّر، فأشار إليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مكانك، ثمَّ جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب أبى بكرٍ فاقترأ من المكان الذَّى بلغ أبو بكرٍ رضي الله عنه من السورة

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال لماَّ مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكرٍ أن يصلَّى بالنَّاس، ثمَّ وجد خفَّة فخرج، فلمَّا أحس به أبو بكرٍ

الرجال" أي يقولوا سبحان الله (1) فى رواية إنما التصفيح الخ بأداة الحص، وهى تدل على منع الرجال من التصفيح مطلقا (تخريجه)(ق. د. نس. وغيرهم)

(1402)

عن العباس بن عبد المطلب (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن آدم ثنا قيس حدثنا عبد الله بن أبى السَّفَر عن أرقم بن شر حبيل عن ابن عباس عن العباس بن عبد المطلب "الحديث"(غريبه)(2) يعنى الذى توفى فيه كما صرح بذلك فى الحديثين التاليين (3) بضم آوله وفتح الدال أى يعتمد على الرجلين متمايلا فى مشيه من شدة الضعف، والتهادى التمايل فى المشى البطئ (وقوله بين رجلين) هما العباس بن عبد المطلب وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما كما فى رواية عند البخارى والأمام احمد أيضا فى غير هذا الموضع او في رواية) للبخارى أنه خرج بين بربرة وثويبة (قال النووى) ويجمع بين الروايتين بأنه صلى الله عليه وسلم خرج من البيت الى المسجد بين هاتين، ومن ثَم الى مقام المصلىَّ بين العباس وعلىّ، أو يحمل على التعدد؛ ويدل على ذلك ما فى رواية الدار قطنى أنه صلى الله عليه وسلم خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن العباس (قال الحافظ) وأما ما فى صحيح مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلىّ فذلك فى حال مجيئه صلى الله عليه وسلم الى بيت عائشة (تخريجه) لم أقف عليه من حديث العباس بن عبد المطلب لغير الأمام احمد وسنده جيد، ورواه الشيخان والأمام احمد فى غير هذا الموضع من حديث عائشة

(1403)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا يحيى

ص: 258

أراد أن ينكص فأومأ إليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فجلس إلى جنب أبى بكرٍ عن يساره واستفتح من الآية الَّتى انتهى إليها أبو بكر (وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه وفيه) فجاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حتَّى جلس، قال وقام أبو بكرٍ عن يمينه وكان أبو بكرٍ يأتمُّ بالنَّبيَّ صلى الله عليه وسلم والنَّاس يأتمُّون بأبى بكرٍ قال ابن عبَّاسٍ وأخذ النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم من القراءة من حيث بلغ أبو بكرٍ، ومات فى مرضه ذاك عليه الصلاة والسلام

عن عائشة رضى الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكرٍ أن يصلَّى بالنَّاس في مرضه الَّذى مات فيه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدى أبى بكرٍ يصلِّى بالنَّاس قاعدًا وأبو بكرٍ يصلِّى بالنَّاس والنَّاس خلفه (وفي لفظٍ) كان أبو بكرٍ يأتمُّ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والنَّاس يأتمُّون بأبي بكرٍ

ابن زكريا بن أبى زائدة حدثنى أبى عن أبى إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) بضم الكاف وكسرها من باب نصر وجلس والنكوص الرجوع الى وراء وهو القهقرى (2) فيه أن جلوسه صلى الله عليه وسلم كان عن يسار أبى بكر وكذلك فى رواية عند مسلم (3) هذا طرف من حديث طويل سيأتى فى باب انتقال النبى صلى الله عليه وسلم الى بيت عائشة ليمرض فيه من كتاب السيرة النبوية (4) فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إمامًا وأبو بكر كان مؤتما به وفى ذلك خلاف كثير سيأتى فى الأحكام (تخريجه)(جه. وغيره) وسنده جيد

(1404)

عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان بن داود يعنى أبا داود الطيالسى ثنا شعبة عن موسى بن أبى عائشة قال سمعت عبد الله بن عبد الله بن عتبة يحدث عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(5) أى قائما كما فى رواية أخرى عند الأمام احمد ومسلم (تخريجه) رواه الشيخان والأمام أحمد مطولا وسيأتى فى باب انتقال النبى صلى الله عليه وسلم الى بيت عائشة فى مرضه الذى مات فيه من كتاب السيرة النبوية (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أنه يجوز للأمام أن يستخلف فى الصلاة لضرورة اقتضت ذلك سواء أكان ذلك قبل الدخول فيها أم بعد

ص: 259

_________

الدخول فيها فى أى جزء منها، لأن النبى صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر فى الصلاة بالناس فلما حضر النبى صلى الله عليه وسلم فى أثنائها استخلفه أبو بكر رضى الله عنه (قال البغوى) وهو قول أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وعلىّ وعلقمة وعطاء والحسن البصرى والنخعى والثورى ومالك وأصحاب الرأى واحمد، ولم يصرح ابن المنذر بحكاية منع الاستخلا عن أحد؛ وقال النووى إن الصحيح فى مذهبنا جوازه اهـ وفى الحديث الاول من أحاديث الباب فضل الأصلاح بين الناس ومشى الأمام وغيره فى ذلك (وفيه) أن المقدَّم نيابة عن الامام يكون أفضل القوم وأصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به (وفيه) ان المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وان الفاضل يوافقه (وفيه) ان الفعل القليل لا يبطل الصلاة لقوله "فلما رأوه صفحوا"(وفيه) ان السنة لمن نابه شئ فى صلاته كأعلام من يستأذن عليه وتنبيه الأمام وغير ذلك أن يسبح إن كان رجلا فيقول سبحان الله؛ وأن تصفق وهو التصفيح ان كان امرأة فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر (وفيه) جواز الالتفات فى الصلاة للحاجة واستحباب حمد الله تعالى لمن تجددت له نعمة، ورفع اليدين بالدعاء وفعل ذلك الحمد والدعاء عقب النعمة وإن كان فى الصلاة، لقوله فى رواية عند مسلم "فرفع أبو بكر يديه فحمد الله عز وجل"(وفيه) جواز مشى الخطوة والخطوتين فى الصلاة (وفيه) ان هذا القدر لا يكره اذا كان لحاجة (وفيه) ان التابع اذا أمره المتبوع بشئ وفهم منه إكرامه بذلك الشئ لا تحتم الفعل فله أن يتركه، ولا يكون هذا مخالفة للأمر بل يكون أدبا وتواضعا وتحذقًا فى فهم المقاصد (وفيه) ملازمة الأدب مع الكبار (وفيه) ان من رجع فى صلاته لشئ يكون رجوعه الى وراء لا يستدبر القبلة ولا يتحرفها (وفيه) جواز خرق الأمام الصفوف ليصل الى موضعه اذا احتاج الى حرقها لخروجه لطهارة أو رعاف أو نحوهما ورجوعه، وكذا من احتاج الى الخروج من المأمومين لعذر، وكذا له خرقها فى الدخول اذا رآى قدامهم فرجة فانهم مقصرون بتركها، (وفيه) جواز اقتداء المصلى بمن يحرم بالصلاة بعده فان الصديق رضى الله عنه أحرم بالصلاة أولا ثم اقتدى بالنبى صلى الله عليه وسلم حين أحرم بعده (قال النووى) رحمه الله هذا هو الصحيح فى مذهبنا اهـ (وفى أحاديث الباب) فضل كبير لأبى بكر رضى الله عنه لكون النبى صلى الله عليه وسلم اختاره دون غيره من الصحابة رضى الله عنهم (وفيها) جواز رجوع الأمام مأمومًا اذا كان مستخلفا "يفتح اللام" فحضر مستخلفه من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل شئ من ذلك صلاة أحد من المأمومين، وعلى الأمام الأخير أن يبدأ من حيث انتهى اليه الأمام الأول سواء فى ذلك الأقوال والأفعال (قال الحافظ) وادّعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص

ص: 260

(9)

باب جواز انتقال المنفرد إماماً

عن أنس (بن مالكٍ) رضى الله عنه قال كان رسول الله

النبى صلى الله عليه وسلم وادعى الأجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم "يعنى رجوع الأمام مأمومًا" ونوقض بأن الخلاف ثابت، فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز؛ وعن ابن القاسم قال فى الأمام يحدث فيستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف (بفتح اللام) ويتم الأول أن الصلاة صحيحة اهـ (وفيها) أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إمامًا وأبو بكر مؤتما به، لكن روى الأمام أحمد وغيره وتقدم رقم 1271 فى الباب الأول من أبواب صلاة المريض عن عائشة رضى الله عنها قالت "فصلى أبو بكر وصلى النبى صلى الله عليه وسلم خلفه قاعدًا" وقد احتلفد ضت الروايات فى ذلك، ففى رواية أبى داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المقدم بين يدى أبى بكر (وفى رواية لابن خزيمة) فى صحيحه عن عائشة أنها قالت من الناس من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومنهم من يقول كان النبى صلى الله عليه وسلم المقدم (وأخرج ابن المنذر) من رواية مسلم بن ابراهيم عن شعبة بلفظ "ان النبى صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبى بكر"(وأخرج ابن حبان) عنها بلفظ "كان أبو بكر يصلى بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبى بكر"(وأخرج الترمذى وصححه والنسائى وابن خزيمة) عنها بلفظ "ان النبى صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبى بكر"(قال الحافظ) تضافرت الروايات عن عن عائشة بالجزم بما يدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم كان هو الأمام فى تلك الصلاة، ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التى فيها أن أبا بكر كان مأمومًا للجزم بها فى رواية أبى معاوية وهو احفظ فى حديث الأعمش من غيره، ومنهم من عكس ذلك فقدم الرواية التى فيها أنه كان إمامًا، ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد (قلت) سلوك طريق الجمع بالتعدد حسن، ففيه اعمال جميع الأحاديث، ومعلوم أن أبا بكر رضى الله عنه كان الخليفة فى الصلاة بالناس مدة مرض النبى صلى الله عليه وسلم الذى توفى فيه وكانت نحو الأسبوع كما ثبت ذلك فى حديث مو يهب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الأمام أحمد؛ وسيأتى فى باب ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم ومدته من كتاب السيرة النبوية، فجائز أن النبى صلى الله عليه وسلم كام كلما وجد فى نفسه خفة دخل معهم فى الصلاة فكان أبو بكر رضى الله عنه يتأخر ويتقدم النبى صلى الله عليه وسلم فيصلى بهم إمامًا، وفى بعض المرات صلى مأموما خلف أبى بكر رضى الله عنه ليبين للناس جواز إمامه المفضول بالفاضل، وعلى هذا تحمل الروايات المعارضة لأحاديث الباب والله أعلم بالصواب

(1405)

عن أنس بن مالك، هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه

ص: 261

صلى الله عليه وسلم يصلَّى فى رمضان فجئت فقمت خلفه، قال وجاء فقام إلى جنبى، ثمَّ جاء آخر حتَّى كنَّا رهطًا، فلمَّا أحسَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّا خلفه تجوَّز فى الصَّلاة، ثمَّ فدخل منزله فصلَّى صلاةً لم يصلِّها عندنا، قال فلمَّا أصبحنا قال قلنا يا رسول الله أفطنت بنا اللَّيلة؟ قال نعم، فذاك الَّذى حملنى على الَّذي صنعت "الحديث"

(10)

باب ما يفعل اذا لم يحضر امام الحى

عن عبد الله بن عثمان عن القاسم عن أبيه أنَّ الوليد

وتخريجه فى الباب الثانى من أبواب صلاة التراويح، وذكرته هنا لمناسبة الترجمة وللاستدلال به على جواز انتقال المنفرد إمامًا، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى منفردًا فلما جاء أنس ومن بعده صار إمامًا (وفى الباب) عن عائشة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى فى حجرته وجدار الحجرة فصير فرآى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الليلة الثانية فقام ناس يصلون بصلاته" رواه البخارى، ورواه الأمام أحمد مطولا، وتقدم فى الباب الثانى من أبواب صلاة التراويح (الأحكام) حديث الباب يدل على جواز انتقال المنفرد إماما فى النوافل ويقاس عليها غيرها لعدم الفارق، وقد بوب البخارى لذلك (قال الحافظ) وهذه المسألة مختلف فيها، والأصح عند الشافعية لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوى الأمام الأمامة، واستدل ابن المنذر أيضا بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فى شهر رمضان (فذكر حديث الباب)(قال الحافظ) وهو ظاهر فى أنه لم ينو الأمامة ابتداءً، وائتموا هم به وأقرهم، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخارى فى كتاب الصيام، وذهب أحمد الى التفرقة بين النافلة والفريضة فشرط أن ينوى فى الفريضة دون النافلة؛ وفيه نظر لحديث أبى سعيد "أن النبى صلى الله عليه وسلم رآى رجلا يصلى وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه" أخرجه أبو داود وحصنه الترمذى وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم اهـ (قلت) حديث أبى سعيد الذى أشار اليه الحافظ أخرجه أيضا الأمام أحمد وسيأتى فى باب الجمع فى المسجد مرتين

(1406)

عن عبد الله بن عثمان (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابراهيم ابن خالد ثنا رياح عن معمو عن عبد الله بن عثمان "الحديث"(غريبه)(1) هو عبد الله

ص: 262

ابن عقبة أخرَّ الصلَّاة مرَّةً فقام عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه فثوَّب بالصَّلاب فصلَّي بالنَّاس فأرسل إليه الوليد، ما حملك على ما صنعت أجاءك من أمير المؤمنين أمرٌ فيما فعلت أم ابتدعت؟ قال لم ياتنى أمرٌ من أمير المؤمنين ولم أبتدع، ولكن أبى الله عز وجل ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك

ابن عثمان بن خثيم بضم المعجمة القارى المكى وثقه ابن معين والعجلى قال عمرو بن على مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة (والقاسم) هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلى أبو عبد الرحمن قاضى المكوفة عن أبيه وجابر بن سمرة، وثقه ابن معين توفى سنة عشر ومائة كذا فى الخلاصة، وفى التهذيب سنة عشرين ومائة والله أعلم (1) هو الوليد بن عقبة بن أبى معيط الأموى من مسلمة الفتح؛ له حديث، وعنه الشعبى، قال ابن عبد البر لم يروسنَّة يحتاج اليها، وقال الأصمعى وأبو عبيدة وابن الكلبى كان فاسقا شريبا شاعرًا، كذا فى الخلاصة، وكان أخا عثمان بن عفان من أمه، ولى الكوفة فى خلافة عثمان رضى الله عنه، وفى التهذيب لما بويع على رضى الله عنه اعتزله وانتقل الى الرقة ومات فى أيام معاوية وقبره وعقبه بالرقة اهـ (2) أى أقام الصلاة بنفسه أو أمر المؤذن بالأقامة ثم صلى بهم (3) يعنى عثمان ابن عفان رضى الله عنه (4) يريد أن السنة تعجيل الصلاة فى أول وقتها وقد تأخر عن الوقت المستحب فلا يصح لهم تأخير الصلاة لأجله وهو مشغول عنها بحاجته، لاسيما وأن من صلى بهم أفضل منه وهو عبد الله بن مسعود الصحابى الجليل الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أن عبد" رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم (فان قيل) إن الوليد كام صحابيا أيضا وهو الأحق بالأمامة لأنه كان واليا (قلت) أما كونه صحابيا ففرق شاسع بين من صحب النبى صلى الله عليه وسلم حبا فى الله ورسوله ورغبة فى إعلاء كلمة الله وجاهد فى سبيل الله وروى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من صحبه خوفًا من القتل (وأما كونه أحق بالأمامة) فهذا اذا لم يترتب على تأخيره فوات مصلحة كخروج وقت الفضيلة أو تأخير المصلين عن مصالحهم، ولاسيما وقد كان ذلك فى عصر الخلفاء الراشدين الذين لا يخشى من ولاتهم فتنة اذا صلى غيرهم (تخريجه)(هق) وسنده جيد (الأحكام) حديث الباب يدل على أن الأمام اذا تأخر مجيئه للصلاة عن وقت الفضيلة فيجوز لغيره ممن تتوفر فيهم شروط الأمامة أن يصلى بالناس، هذا إذا

ص: 263

(11)

باب إطالة الأمام الركعة الأولى

وانتظار من أحسن به داخلا ليدرك الركعة

عن عبد الله بن أبى أوفى رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقوم فى الرَّكعة الأولى من صلاة الظُّهر حتَّى لا يسمع وقع قدمٍ

عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضى الله عنه قال كانت صلاة الظُّهر

لم يترتب على ذلك فتنه، وإلا فليصلوا فى بيوتهم فى أول الوقت ثم يصلون مع الأمام عند حضوره بالمسجد عملا بما روى أبو ذر رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال قال "كيف أنت اذا كانت عليم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو قال يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال قلت فما تأمرنى، قال صل الصلاى لوقتها؛ فان أدركتها معهم فانها لك نافلة" رواه مسلم والأمام أحمد وغيرهما وتقدم والله أعلم.

(1407)

عن عبد الله بن أبى أو فى (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا همام ثنا محمد بن جحادة "بتقديم الجيم وضعها" عن رجل عن عبد الله بن أبى أو فى "الحديث"(غريبه)(1) أى حتى لا يحس بداخل يريد الصلاة، وهذا يشعر بأن الحكمة فى التطويل أن يدرك الناس الركعة الأولى من الصلاة، لما رواه عبد الرزاق عن معمر عند أبى داود وفيه "فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى" ولابن خرعة نحوه من رواية أبى خالد عن سفيان عن معمر، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال "إنى لأحب ان يطوّل الأمام الركعة الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس" اهـ وقيل الحكمة فى تطويل الركعة الأولى أن النشاط فيها أكثر فيكون الخشوع والخضوع فيها كذلك، وخفف فى غيرها حذرًا من الملل، والتطويل فى الأولى يكون بزيادة دعاء الافتتاح وكثرة القراءة فيها أو المبالغة فى الترتيل وإن استوت القراءة (تخريجه)(بز) ورواه أبو داود عن عثمان بن أبى شيبة عن عفان بسند حديث الباب، وفيه رجل لم يسم وهو طرفة الحضرمى، روى عن عبد الله بن أبى أوفى، وعنه ابنه جحادة (قال فى التقريب) طرفة الحضرمى صاحب ابن أبى أو فى مقبول من الخامسة، لم يقع مسمى فى رواية أَبى داود اهـ (قلت) وبقية رجال حديث الباب ثقات

(1408)

عن أبى سعيد الخدرى الخ هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده

ص: 264

تقام فينطلق أحدنا البقيع فيقضى حاجته ثمَّ يأتى فيتوضأ ثمَّ يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى الركعة الأولى

عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه رضي الله عنه قال كان رسول الله صلَّي الله عليه وسلَّم يؤمنا يقرأ بنا فى الرَّكعتين الأوليين من صلاة الظُّهر ويسمعنا الآية أحيانًا ويطوِّل فى الأولى ويقصِّر فى الثَّانية وكان يفعل ذلك فى صلاة الصُّبح، يطوِّل الأولى ويقصِّر الثَّانية، وكان يقرأ بنا فى الرَّكعتين الأوليين من صلاة العصر

وشرحه وتخريجه فى باب القراءة فى الظهر والعصر رقم 570 من كتاب الصلاة

(1409)

عن عبد الله بن أبى قتادة (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل بن ابراهيم ثنا هشام الدستوائي ثنا يحيى بن أبى كثير عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه "الحديث" تقدم الكلام عليه فى باب جامع القراءة فى الصلوات رقم 560 من كتاب الصلاة (تخريجه)(ق. د) وزاد أبو داود "قال فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى"(الأحكام (أحاديث الباب تدل على مشروعية التطويل فى الركعة الأولى من صلاة الظهر، وغيرها، وقد استدل بها أيضا القائلون بمشروعية تطويل الركعة لانتظار الداخل ليدرك فضيلة الجماعة، وقد حكى استحباب ذلك ابن المنذر عن الشعبى والنخمى وأبى مجلز وابن ليلى من التابعين، وقد نقل الاستحباب أبو الطيب الطبرى عن (الشافعى) فى الجديد، وفى التجريد للمحاملى نسبة ذلك إلى القديم وان الجديد كراهته، وذهب (أبو حنيفة ومالك) والأوزاعى وأبو يوسف وداود والهادوية الى كراهة الانتظار، واستحسنه ابن المنذر، وشدد فى ذلك بعضهم وقال أخاف أن يكون شركا، وهو قول محمد بن الحسن، وبالغ بعض الشافعية فقال إنه مبطل للصلاة (وقال أحمد واسحاق) فيما حكاه عنهما ابن بطال إن كان الانتظار لا يضر بالمأمومين جاز، وان كان مما يضر ففيه الخلاف، وقيل إن كان الداخل ممن يلازم الجماعة انتظره الأمام وإلا فلا، روى ذلك النووى فى شرح المهذب عن جماعة من السلف (وأستدل الخطابى) فى معالم السنن على الانتظار المذكور بحديث أنس المتقدم فى التخفيف عند سماع بكاء

ص: 265

باب جواز جهر الأمام بتكبير الصلاة

ليسمعه المأمومون- وحكم التسميع من غير الأمام

عن سعيد بن الحارث قال اشتكى أبو هريرة رضى الله عنه أو غاب فصلى بنا أبو سعيد الخدرىُّ رضى الله عنه فجهر بالتَّكبير حين افتتح الصلَّاة وحين ركع وحين قال سمع الله لمن حمده وحين رفع رأسه من السُّجود وحين سجد وحين قام بين الرَّكعتين حتَّى قضى صلاته على ذلك، فلمَّا صلَّى قيل له قد اختلف النَّاس على صلاتك فخرج فقام عند المنبر فقال أيُّها النَّاس، والله ما أبالى اختلفت صلاتكم أو لم تختلف، هكذا رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وصلَّي

الصبي فقال، فيه دليل على أن الأمام وهو راكع اذا أحس بداخل يريد الصلاة معه كان له أن ينتظره راكعا ليدرك فضيلة الركعة فى الجماعة، لأنه اذا كان له أن يحذف من طول الصلاة لحاجة إنسان فى بعض أمور الدنيا كان له أن يزيد فيها لعبادة الله تعالى بل هو أحق بذلك وأولى، وكذلك قال ابن بطال، وتعقبهما ابن المنير والقرطبى بأن التخفيف ينافى التطويل فكيف يقاس عليه، قال ابن المنير وفيه مغايرة لمطلوب، لأن فيه ادخال مشقة على جماعة لأجل واحد، وهذا لا يرد على أحمد واسحاق لتقييدهما الجواز بعدم الضرر للمؤتمين كما تقدم، وما قالاه هو أعدل المذاهب فى المسألة، وبمثله قال أبو ثور، أفاده الشوكانى

(1410)

عن سعيد بن الحارث (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر ثنا فليح عن سعيد بن الحارث "الحديث"(غريبه)(1) أى مرض (2) يعنى تكبيرة الأحرام وقوله وحين ركع الخ يعنى تكبيرات الانتقال (3) أى منهم من رضى الجهر بالتكبير ومنهم من انكره، لأنهم كانوا يرون عدم الجهر، وحكى الطحاوى أن بنى أمية كانوا يتركون التكبير فى الخفض دون الرفع، وما هذه بأول سنّة تركوها، فلما رآى أبو سعيد هذا الاختلاف قام عند المنبر وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (تخريجه) أخرجه البخاري مختصرًا

ص: 266

(1411)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال اشتكى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فصلَّينا وراءه وهو قاعدٌ وأبو بكرٍ رضى الله عنه يكبِّر يسمع النَّاس تكبيره "الحديث"

(13)

باب انعقاد الجماعة بامام ومأموم

سواء كان المأموم رجلا أم صبيا ام امرأة

عن أبى أمامة رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلِّي

(1411) عن جابر بن عبد الله الخ هذا طرف من حديث طويل سيأتى بسنده وشرحه وتخريجه فى باب اقتداء القادر على القيام بالجالس الخ، وذكرته هنا لمناسبة الترجمة حيث قال فيه "وأبو بكر رضى الله عنه يكبر يسمع الناس تكبيره" وفى حديث عائشة رضى الله عنها فى قصة مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت "فأتى برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجلس الى جنبه (يعنى أبا بكر رضى الله عنه) وكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير" رواه مسلم بلفظه والبخارى والأمام أحمد بمعناه (الأحكام) الحديث الأول من حديثى الباب يدل على مشروعية الجهر بتكبيرة الأحرام وسائر تكبيرات الانتقال للأمام، وقد كان مروان وسائر بنى أمية يسرون به، ولهذا اختلف الناس لما صلى أبو سعيد هذه الصلاة فقام عند المنبر فقال ما قال (والحديث الثانى) من حديثى الباب يدل على أنه اذا كان الأمام ضعيف الصوت لمرض أو نحوه بحيث لا يسمع المأمومون تكبيره فيجوز للمؤذن أو غيره من المأمومين رفع صوته بالتكبير ليسمعه الناس ويتبعوه (وفيه أيضا) جواز اقتداء المأمومين بصوت المسمّع (قال الشوكانى) وهو مذهب الجمهور وقد نقل انه إجماع (قال النووى) وما أراه يصح الأجماع فيه، فقد نقل القاضى عياض عن مذهبهم أن منهم من أبطل صلاة المقتدى ومنهم من لم يبطلها، ومنهم من قال إن أذِن له الأمام فى الأسماع صح الاقتداء به والا فلا، ومنهم من أبطل صلاة المسمّع، ومنهم من صححها؛ ومنهم من شرط إذن الأمام، ومنهم من قال ان تكلف صوتا بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته، وكل هذا ضعيف، والصحيح جواز كل ذلك وصحة صلاة المسمّع والسامع ولا يعتبر إذن الأمام اهـ

(1412)

عن أبى أمامة رضى الله عنه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي

ص: 267

فقال ألا رجلٌ يتصدَّق على هذا فيصلِّى معه، فقام رجلٌ فصلَّى معه، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم هذان جماعةٌ

عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال بتُّ ليلةً عند خالتى ميمونة بنت الحارث ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندها فى ليلتها. فقام يصلَّى من اللَّيل، فقمت عن يساره لأصلِّى بصلاته قال فأخذ بذؤابة كانت لى أو برأسى حتَّى جعلنى عن يمينه عن أبة هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّي الله عليه وآله وسلَّم رحم الله رجلًا قام من اللَّيل فصلَّى وأيقظ امرأته فصلَّت، فإن أبت نضح فوجهها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من اللَّيل فصلَّت وأيقظت زوجها فصلَّى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء

ثنا علي بن اسحاق ثنا ابن المبارك ثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زَحْرِ عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة "الحديث"(تخريجه)(طس) وفى إسناده على بن يزيد الألهانى، قال البخارى منكر الحديث وأخرجه (د. مذ) من وجه آخر صحيح دون قوله هذان جماعة

(1413)

عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم ثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) هى الشعر المضفور من شعر الرأس، جمعها ذوائب (2) يحتمل المساواة ويحتمل التقدم والتأخر قليلا، لكن جاء فى الموطأ عن عبد الله بن مسعود قال دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح (يعنى يصلى نفلا) فقمت وراءه فقربنى حتى جعلنى حذاءه عن يمينه، وفى رواية عن ابن عباس أيضا "فقمت الى جنبه" وهذا ظاهر فى المساواة، وعن بعض أصحاب الشافعى يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا، وسيأتى الكلام على ذلك فى أحكام الباب الأول من أبواب موقف الأمام والمأموم (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم)

(1414)

عن أبى هريرة رضى الله عنه الخ، هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه

ص: 268

_________

في الباب الأول من أبواب صلاة الليل، وذكرته هنا للأستدلال به على انعقاد الجماعة برجل وامرأة وإن كان ليس صريحا فى ذلك فقد رواه أبو داود عن أبى سعيد وأبى هريرة بأصرح من هذا، وسيأتى قريبا فى الأحكام (الأحكام) حديث أبى أمامة يدل على انعقاد الجماعة برجلين أحدهما إمام والآخر مأموم (فان قيل) إن حديث أبى أمامة فعرف لا يحتج به (قلت) نعم ولكن له شواهد كثيرة من عدة طرق بلفظ "اثنان فما فوقهما جماعة" وإن كانت كلها ضعيفة فيعضد بعضها بعضًا، وقد ترجم به البخارى فقال "باب اثنان فما فوقهما جماعة" وهو فى ابن ماجه من حديث أبى موسى الأشعرى (وفى معجم البغوى) من حديث الحكم بن عمير (وفى افراد الدار قطنى) من حديث عبد الله بن عمرو (وفى البيهقى) من حديث أنس (وفى الأوسط للطبرانى) من حديث أبى أمامة، أشار الى هذه الطرق جميعها الحافظ فى الفتح، على أنه يستغنى عن ذلك كله بحديث مالك بن الحويرث رضى الله عنه المتفق عليه، ورواه الأمام أحمد أيضا وتقدم فى الباب الثانى من أبواب الأمامة وصفة الأئمة رقم 1369 ولفظه عن مالك بن الحويرث "أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له ولصاحب له اذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما، وقل مرة فأقيما ثم ليؤمكما أكبركما" والى انعقاد الجماعة برجلين ذهب عامة الفقهاء ولم أعلم فيه خلافا (وحديث ابن عباس) يدل على انعقاد الجماعة باثنين أحدهما صبى والى ذلك (ذهبت الشافعية والأمام يحيى) من غير فرق بين الفرض والنفل؛ وهو رواية عن الأمام أحمد، وذهب الأئمة (مالك وأحمد وأبو حنيفة) فى رواية عنه الى الصحة فى النافلة (وذهب الى عدم انعقادها بصبى) الهادى والناصر والمؤيد بالله وأبو حنيفه وأصحابه، قال الشوكانى وليس على قول من منع من انعقاد إمامة من معه صبى فقط دليل، ولم يستدل لهم فى البحر إلا بحديث "رفع القلم" ورفع القلم يدل على عدم صحة صلاته وانعقاد الجماعة به، ولو سُلّم لكان مخصَّصا بحديث ابن عباس ونحوه اهـ (وحديث أبى هريرة) يستفاد منه انعقاد الجماعة برجل وامرأة من أهله (أى من محارمه أو زوجته) وإن لم يكن صريحا فى ذلك، فقد أخرجه أبو داود عن أبى سعيد وأبى هريرة بأصرح من هذا، ولفظه عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعًا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات" وأخرجه أيضا النسائى وابن ماجه (قال الشوكانى) وفيه مشروعة إيقاف الرجل أهله بالليل للصلاة، واستدل به على صحة الأمامةى وانعقادها برجل وامرأة، والى ذلك ذهب الفقهاء ولكنه لا يخفى أن قوله "فصليا ركعتين جميعا" محتمل لأنه يصدق عليهما اذا صلى كل واحد منهما منفردًا أنهما صليا جميعًا ركعتين، أى كل واحد منهما فصلى الركعتين ولم يفعلهما أحدهما فقط، ولكن الأصل صحة الجماعة وانعقادها بالمرأة مع الرجل كما تنعقد بالرجل مع

ص: 269

(أبواب ما يتعلق بالمأمومين وأحكام الاقتداء)

(1)

باب وجوب متابعة الأمام والنهى عن مسابقة

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبة ثنا يحيى بن سعيدٍ ثنا هشامٌ قال ثنا قتادة يونس بن جبيرٍ عن حطَّان بن عبد الله الرَّقشى أنَّ الأشعرى صلَّى بأصحابه صلاةً، فقال رجلٌ من القوم حين أقرت الصلَّاة بالبرِّ والزَّكاة، فلمَّا قضى الأشعرى صلاته أقبل على القوم فقال أيكم القائل كلمة كذا وكذا فأرمَّ القوم، قال أبو عبد الرَّحمن قال أبي أرمَّ السكوت،

الرجل، ومن منع ذلك فعليه الدليل، ويؤيد ذلك ما أخرجه الاسماعيلى فى مستخرجه عن عائشة أنها قالت "كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا رجع من المسجد صلى بنا" وقال إنه حديث غريب، وقد روى الشافعى وابن أبى شيبة والبخارى تعليقا عن عائشة أنها كانت تأتم بغلامها، وحكى المهدى فى البحر عن العترة أنه لا يؤم الرجل امرأة، واستدل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "أخروهن حيث أخرهن الله" وقوله "شر صفوف النساء أولها" وليس فى ذلك ما يدل على المطلوب، واستدل أيضا بأن عليًا عليه السلام منع من ذلك، قال وهو توقيف، وجعله من التوقيف دعوى مجردة، لأن المسألة من مسائل الاجتهاد، وليس المنع مذهبا لجميع العترة، فقد صرح الهادى أنه يجوز للرجل أن يؤم المحارم فى النوافل، وجوز ذلك المنصور بالله مطلقا اهـ (وقال النووى) قال أصحابنا أقل الجماعة اثنان إمام ومأموم، فاذا صلى رجل برجل أو بامرأته أو أمته أو ابنته أو غيرهم أو بغلامه أو بسيدته أو بغيرهم حصلت له فضيلة الجماعة التى هى خمس أو سبع وعشرون درجة، وهذا لا اختلاف فيه، ونقل الشيخ أبو حامد وغيره فيه الأجماع اه

(1415)

حدثنا عبد الله (غريبه)(1) هو أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه (2) المعنى أن الصلاى قرنت بالبر والزكاة واقرت معهما وصار الجميع مأمورا به؛ والبر الخير والزكاة التطهير؛ ويحتمل أنّ اقرت بمعنى أثبتت من الأقرار، اى أثبتت الصلاة مصاحبة للخير والطهارة من الذنوب (3) هو بفتح الراء وتشديد الميم أى سكتوا كما فسرها بذلك الأمام احمد وقوله (قال أبو عبد الرحمن) هو عبد الله بن الأمام احمد رحمهما الله (قال

ص: 270

قال لعلَّك يا حطَّان قلتها، لحطَّان بن عبد الله، قال والله إن قلتها، ولقد رهبت أن تبعكنى بها قال رجلٌ من القوم أنا قلتها وما أردت بها إلَاّ الخير، فقال الأشعرىُّ ألا تعلمون ما تقولون في صلاتكم؟ فإنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلَّمنا سنَّتنا وبيَّن لنا صلاتنا فقال أقيموا صفوفكم ثمَّ ليؤمَّكم اقرؤكم، فإذا كبَّر فكبَّروا وإذا قال ولا الضَّالَّين فقولوا آمين بحبكم الله ثمَّ إذا كبَّر الإمام وركع فكبَّروا واركعوا فإنَّ الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، قال نبيُّ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فتلك بتلك فإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا االلَّهمَّ ربَّنا لك الحمد يسمع

أبي) يعني الإمام أحمد (أرم السكوت) أى أرم معناه السكوت (1) متعلق بقال أي قال لحطان بن عبد الله لعلك يا حطان قلتها (وقوله إن قلتها) يعنى ما قلتها، فلفظ إن ناف بمعنى ما كقوله تعالى "إن كل نفس لما عليها حافظ" أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وقد صرح بذلك في رواية مسلم وأبى داود، ولفظهما فقال "لعلك يا حطان قلتها قال ما قلتها"(2) تبعكنى بفتح المثناة في أوله وإسكان الموحدة بعدها أي تبكتنى بها وتوبخني (قال في النهاية) بعكت الرجل بعكا إذا استقبلته بما يكره اهـ (3) أي الطريق التي نسير عليها في أمر ديننا (4) أمر بإقامة الصفوف، وهو مأمور به بإجماع الأمة، وحمله الجمهور على الندب، والمراد تسويتها والاعتدال فيها وتتميم الأول فالأول منها والتراص، وسيأتي الكلام على ذلك في بابه إن شاء الله تعالى (5) فيه أن المأموم لا يشرع في التكبير إلا بعد فراغ الإمام منه، وكذلك الركوع والرفع منه والسجود، وقد اختلف في ذلك هل هو على سبيل الوجوب أو الندب؟ والظاهر الوجوب من غير فرق بين تكبيرة الإحرام وغيرها (6) هو بالجيم أي يستجب دعاءكم، وهذا حث عظيم على التأمين فيتأكد الاهتمام به (7) هذه الجملة من قوله ثم إذا كبر الإمام إلى قوله فتلك بتلك معناها احملوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه، وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه (ومعنى تلك بتلك) أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تنجبر لكم بتأخيركم في الركوع لحظة بعد رفعه، فتلك اللحظة بتلك اللحظة، وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه، ويقال مثل ذلك في السجود

ص: 271

الله لكم فإنَّ الله عز وجل قال على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده، وإذا كبَّر الإمام وسجد فكبِّروا واسجدوا، فإنَّ الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، قال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك، فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول، التَّحيَّات الَّطَّيَّبات الصلوات لله، السلَّام عليك أيُّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السلَّام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلَاّ الله وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله

(1) في هذه الجملة دلالة للقائلين إنه يستحب للإمام الجهر بقوله سمع الله لمن حمده والقائلين لا يزيد المأموم على قوله اللهم ربنا لك الحمد ولا يقول معه سمع الله لمن حمده (قال النووي) ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام والمأموم والمنفرد، لأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بينهما وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال "صلوا كما رأيتموني أصلى" قال ومعنى سمع الله لمن حمده أي أجاب دعاء من حمده، ومعنى يسمع الله لكم، بستجب دعاءكم قال وقوله "ربنا لك الحمد" هكذا هو هنا "يعنى في صحيح مسلم" بلا واو، وفي غير هذا الموضع ربنا ولك الحمد، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو وبحذفها وكلاهما جاءت به روايات كثيرة والمختار أنه على وجه الجواز وأن الأمرين جائزان، ولا ترجيح لأحدهما على الآخرة، ونقل القاضي عياض رضي الله عنه اختلافا عن مالك رحمه الله تعالى وغيره في الأرجح منهما، وعلى أثبات الواو يكون قوله ربنا متعلقا بما قبله تقديره سمع الله لمن حمده يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا ولك الحمد على هدايتنا لذلك اهـ (قلت) تقدم الكلام على إثبات الواو وحذفها في قول ربنا ولك الحمد في شرح الحديث رقم 654 في الباب السابع من أبواب التشهد (2) يعنى الجلوس للتشهد (3) استدل به الهادوية القائلون إن المصلى يقول في أول جلوسه للتشهد باسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله التحيات الخ لأنه قال في الحديث "فليكن من أول قول أحدكم" ولم يقل فليكن أول قول أحدكم فجعلوا "من" أصلية وإن البداءة بلفظ التحيات غير متعينة، وقال الجمهور إن "من" زائدة"، والمعنى "فليكن أول قول أحدكم التحيات الخ" واستدلوا على زيادة "من" بما رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بسنده عن أبى موسى مرفوعًا وفيه "فإذا قعد أحدكم فليكن أول قوله التحيات الحديث" وتقدم شرح ألفاظ التشهد في الباب الأول من أبواب التشهد فارجع إليه (تخريجه)(م. د) مطولا كما هنا.

ص: 272

(1416)

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال إنَّما الإمام ليؤتمَّ (فلا تختلفوا عليه) فإذا كبَّر فكبِّروا، ولا تكبِّروا حتَّى يكبِّر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتَّى يركع، وإذا قال سمع الله لمن

وأخرجه (جه. لس. قط. والطحاوى) مختصرًا

(1416)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا مصعب بن محمد عن أبى صالح السمان عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) هكذا في هذه الرواية عند الإمام أحمد "إنما الإمام" ولأبى داود والإمام أحمد في رواية أخرى عن أنس "إنما جعل الإمام" وكذا للشيخين والإمام أحمد وأبى داود وابن ماجه من حديث عائشة؛ وكذا لمسلم والإمام أحمد وأبى داود والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة؛ وكذا لمسلم والإمام أحمد وأبى داود والنسائي وابن ماجه من حديث جابر بلفظ "إنما جعل الإمام" وكل هذه الروايات تقدمت للإمام أحمد في الباب الأول من أبواب صلاة المريض "ولفظ إنما" من صيغ الحصر عند جماعة من أئمة الأصول والبيان، ومعنى الحصر فيها إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، واختار الآمدى أنها لا تفيد الحصر وإنما تفيد تأكيد الإثبات فقط، ونقله أبو حيان عن البصريين، وفي كلام الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ما يقتضى نقل الاتفاق على إفادتها للحصر، والمراد بالحصر هنا حصر الفائدة في الاقتداء بالإمام والإتباع له، ومن شأن النابع أن لا يتقدم على المتبوع، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال التي فصّلها الحديث ولا في غيرها قياسًا عليها، ولكن ذلك مخصوص بالأفعال الظاهرة لا الباطنة، وهي ما لا يطلع عليه المأموم كالنية، فلا يضر الاختلاف فيها، فلا يصح الاستدلال به على من جوز ائتمام من يصلى الظهر بمن يصلى العصر، ومن يصلى الأداء بمن يصلى القضاء، ومن يصلى الفرض بمن يصلى النفل وعكس ذلك؛ وعامة الفقهاء على ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام وترك مخالفته له في نية أو غيرها، لأن ذلك من الاختلاف، وقد نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله "فلا تختلفوا" وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم قد بيّن وجوه الاختلاف فقال "فإذا كبر فكبروا الخ" ويتعقب بالحاق غيرها بها قياسًا كما تقدم، وقد استدل بالحديث أيضًا القائلون بأن صحة صلاة المأموم لا تتوقف على صحة صلاة الإمام إذا بان جنبا أو محدثا أو عليه نجاسة خفية، وبذلك صرح أصحاب الشافعي بناء على اختصاص النهى عن الاختلاف بالأمور المذكورة في الحديث أو بالأمور التي يمكن المؤتم الإطلاع عليها أفاده الشوكاني (2) هذه الجملة أعنى قوله "فلا تختلفوا عليه" ليست في هذه الرواية وتثبت في رواية أخرى لأبي

ص: 273

حمده فقولوا ربَّنا ولك الحمد (وفى روايةٍ اللَّهمَّ ربَّنا لك الحمد، وفى أخرى ربَّنا لك الحمد) وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتَّى يسجد، وإن صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون

عن البراء بن عازبٍ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الرُّكوع لم يحن رجلٌ منَّا ظهره حتَّى يسجد ثمَّ نسجد

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال صلَّى رجلٌ خلف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يركع قبل أن يركع، ويرفع قبل أن يرفع، فلمَا قضى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلَّاة قال من فعل هذا؟ قال أنا يا رسول الله أحببت أن أعلم تعلم ذلك أم لا

هريرة أيضًا عند الشيخين والإمام أحمد ولهذا جعلتها بين قوسين (1) كذا في أكثر الروايات بالرفع على التأكيد بضمير الفاعل في قوله صلوا، وفي بعضها بالنصب على الحال؛ وقد استدل بقوله صلى الله عليه وسلم "وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا" من قال إن المأموم يتابع الإمام في الصلاة جالسا وإن لم يكن المأموم معذورا، وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك في أحكام باب اقتداء القادر على القيام بالجالس (تخريجه)(ق. وغيرهما) ورواه البيهقي بلفظ "إنما الإمام ليؤتم به" كما رواه الإمام أحمد.

(1417)

عن البراء بن عازب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا وكبع عن سفيان عن أبى إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء بن عازب "الحديث"(غريبه)(2) بفتح أوله وسكون ثانيه أي لم يثن يقال حنا يحنو ويحنى من باب نصر وضرب، والمعنى لا ينتقل المأموم من ركن حتى يتلبس الإمام بالركن الذي يليه (تخريجه)(ق. والثلاثة)

(1418)

عن أبى سعيد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا حسين بن محمد ثنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصمة الحنفي عن أبى سعيد الخدري "الحديث"(غريبه)(3) فيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه لأنه رأى الرجل يركع قبله وهو خلفه، وهذه المعجزة ثابتة بالأحاديث الصحيحة الصريحة عند الشيخين الإمام أحمد كما في الحديث التالي، وفي رواية لمسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه

ص: 274

فنال اتَّقوا خداج الصلَّاة إذا ركع الإمام فاركعوا وإذا رفع فارفعوا

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ذات يومٍ وقد انصرف من الصلَّاة قأقبل إلينا فقال يا أيُّها النَّاس إنِّى إمامكم، فلا تسبقونى بالرُّكوع ولا بالسُّجود ولا بالقيام ولا بالعقود ولا بالانصراف فإنِّى أراكم من أمامى ومن خلفى، وأيم الَّذى نفسى بيده لو رأيتم ما رأيتم لضحكتم قليلًا ولبيتكم كثيرًا، قالوا يا رسول الله ما رأيت؟ رأيت الجنَّة والنَّار زاد فى روايةٍ وحضَّنهم على الصلَّاة

قال "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا ثم انصرف فقال يا فلان ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلى إذا صلى كيف يصلى فإنما يصلى لنفسه، إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي" وفي الصحيحين من حديث أنس بلفظ "أقيموا الركوع والسجود فو الله إني لأراكم من بعدى، وربما قال من بعد ظهري إذا ركعتم وسجدتم" وفي رواية لمسلم من حديث أنس بلفظ حديث أنس الآتى بعد هذا، والظاهر أن هذا الصحابي كان حديث عهد بالإسلام وبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم يبصر من خلفه كما يبصر من أمامه فأراد أن يتحقق ذلك ففعل ما فعل عمدًا كما يؤخذ من جوابه حيث قال "أحببت أن أعلم تعلم ذلك أم لا؟ " وتقدم الكلام على معنى إبصاره صلى الله عليه وسلم من خلفه في باب افتتاح الصلاة والخشوع فيها في شرح حديث رقم 485 فارجع إليه (1) أي احذروا نقصان الصلاة، لأن الخداج معناه النقصان؛ وتقدم الكلام عليه في باب تفسير سورة الفاتحة في شرح حديث أبى هريرة رقم 520 من كتاب الصلاة (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه أيوب بن جابر، قال أحمد حديثه يشبه حديث أهل الصدق، وقال ابن عدى حديثه يحمل بعضه بعضًا، وضعفه ابن عدى وجماعة اهـ.

(1419)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن فضيل ثنا المختار بن فلفل عن أنس "الحديث"(غريبه)(2) فيه تحريم هذه الأمور وما في معناها، والمراد بالانصراف السلام (3) فيه أنهما مخلوقتان وموجودتان (تخريجه)(م. وغيره)

ص: 275

(1420)

عن أبي هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو قال قال أبو القاسم صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أما يخاف الذَّى يرفع رأسه والإمام سادٌ أن يحوِّل رأسه رأس حمارٍ (وعنه

(1420) عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبى ثنا عبد الأعلى عن سمرة عن محمد بن زياد عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أو للشك من الراوي في قول أبى هريرة رضي الله عنه، هل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم (2) أما مخففة حرف استفتاح مثل ألا، وأصلها النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وهي هنا استفهام توبيخ (3) زاد ابن خزيمة "في صلاته" وقوله والإمام ساجد نص في السجود فقط ولم يذكر هذا اللفظ أعنى قوله "والإمام ساجد" في رواية البخاري ولا في الطريق الثانية من حديث الباب، وقد حملها بعضهم على أنها نص في المنبع من تقدم المأموم في الرفع من الركوع والسجود معًا وليس كذلك، وقد بيّن حديث الباب المراد من ذلك وهو السجود فقط كما في رواية حفص بن عمر عند أبى داود بلفظ "أما يخشى أو ألا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه والإمام ساجد أن يحول الله رأسه حمار أو صورته صورة حمار" قال الحافظ هو نص في السجود ويلتحق به الركوع لكونه في معناه؛ ويمكن الفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية، لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه، وأما التقدم على الإمام في الخفض للركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى، لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل، والركوع والسجود من المقاصد، وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد (قال الحافظ) ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح؛ لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله، قال وقد ورد الزجر عن الرفع والخفض قبل الإمام من حديث أخرجه البزار عن أبى هريرة مرفوعًا "الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان" وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفًا وهو المحفوظ (4) في الرواية الثانية أن يحول الله صورته، وعند البخاري "أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار"(قال الحافظ) الشك من شعبة فقد رواه الطبالسى عن حماد بن سلمة وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد، ومسلم من رواية يونس بن عبيد، والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد، فأما الحمّادان فقالا رأس، وأما يونس فقال صورة، وأما الربيع فقال وجه،

ص: 276

من طريقٍ ثانٍ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يأمن الذى يرفع رأسه قبل الإمام وهو مع الإمام أن يحوِّل الله صورته صورة حمارٍ

(1421)

عن معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه عن النَّبيَّ صلَّى الله

والظاهر أنه من تصرف الرواة، قال عياض هذه الروايات منفقة، لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه (قال الحافظ)(قلت) لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضا، وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة؛ وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل (واختلف) في معنى الوعيد المذكور فقيل يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الأمام، ويرجح هذا المجاز أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولابد، وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوعه، وقيل هو على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك، وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة، وأما ما ورد من الأدلة القاضية برفع المسخ عنها فهو المسخ العام، ومما يبعد المجاز المذكور ما عند ابن حبان بلفظ "أن يحول الله رأسه رأس كلب" لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار، ومما يبعده أيضًا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو كان المراد التشبيه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار، ولم يحسن أن يقال له إذا فعلت ذلك صرت بليدًا، مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة اهـ باختصار (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الأعلى عن يونس يعني ابن عبيد عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ما يأمن الخ (2) جاء بالأصل "ما يؤمن" بواو مهموزة بعد الياء، والظاهر أنه تحريف من الناسخ وصوابه "ما يأمن" بفتح الياء والميم بينهما همزة ساكنة "من الأمن لا الأيمان" لما رواه مسلم بسند الأمام أحمد عن أبي هريرة أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما يأمن الذي يرفع رأسه" الخ بنحوه حديث الباب والله أعلم (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم).

(1421)

عن معاوية بن أبي سفيان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان قال أخبرني محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محريز عن

ص: 277

عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لا تبادروني بركوعٍ ولا سجودٍ فإنَّه مهما أسبقكم به إذا ركعت، تدركونى إذا رفعت، ومهما أسبقكم سجدت، تدركونى إذا رفعت، إنِّى قد بدنت

(1422)

عن أبى إسحاق أنَّه سمع عبد الله بن يزيد الأنصاريَّ يخطب فقال أخبرنا البراء (بن عازبٍ) رضى الله عنه وهو غير كذوبٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الرُّكوع قاموا قيامًا حتَّى يسجد ثمَّ يسجدون

معاوية "الحديث"(غريبه)(1) أي لا تسبقوني (2) قال أبو عبيد هكذا روى في الحديث بدنت يعني بالتخفيف وإنما هو بدنت بالتشديد أي كبرت وأسننت والتخفيف من البدانة وهي كثرة اللحم ولم يكن صلى الله عليه وسلم سمينًا، قال صاحب النهاية جاء في صفته صلى الله عليه وسلم في حديث بن أبي هالة بادن متماسك والبادن الضخم فلما قال بادن أردفه بمتماسك وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضا فهو معتدل الخلق اهـ وقال الطيبي روى بالتخفيف وبالتشديد مفتوحة ومضمومة والعلماء واختاروا الأول إذا السمن لم يكن من وصفه صلى الله عليه وسلم اهـ (تخريجه)(د. جه. طب) قال العراقي ورجاله رجال الصحيح.

(1422)

عن أبي إسحاق (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة قال سمعت أبا إسحاق يحدث أنه سمع عبد الله بن يزيد الأنصاري "الحديث"(غريبه)(3) يعني وكان البراء رضي الله عنه غير كذوب أي حتى يتوهم منه أنه كذب في تبليغ الأحكام الشرعية، وفيه أن الكذب في الأحكام لا يتأتى عادة إلا من كذوب يبالغ في الكذب والمقصود التوثق بما حدث (4) المعنى أن المطلوب من المأموم عدم الانتقال من الركن حتى يشرع الأمام في ركن آخر، لا أن يقارنه فإن المقارنة قد تؤدي إلى تقدم المقتدي على الأمام وذلك منهى عنه بالاتفاق (تخريجه)(خ. نس) وغيرهما (الأحكام) أحاديث الباب تدل على وجوب متابعة الأمام وعدم سبقه في أي ركن من الأركان من غير فرق بين تكبيرة الأحرام وغيرها وأن سبق الأمام حرام يأثم فاعله كما يستفاد من الحديث التالي لأبي هريرة لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات وبذلك جزم الننوي في شرح المهذب، واتفق العلماء على بطلان الصلاة بسبق المأموم إمامه في تكبيرة الأحرام والسلام، واختلفوا فيما عداها، فحكى الحافظ عن الجمهور أن فاعله يأثم

ص: 278

(2)

باب اقتداء المفترض بالمتنقل والمقيم بالمسافر

(1423)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن معاذ بن جبلٍ رضى الله عنه كانم يصلِّى مع رسول الله صلَّى عليه وآله وسلَّم العشاء ثمَّ يأتى قومه فيصلِّى بهم تلك الصلَّاة

(1424)

عن عمر ان بن حصينٍ رضي الله عنه قال شهدت معه (يعنى النبيَّ صلى الله عليه وسلم الفتح فأقام بمكَّة ثمان عشرة لا يصلِّى إلا ركعتين ويقول

وتجزئ صلاته، وعن ابن عمر تبطل، وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وفي المغنى عن أحمد أنه قال في رسالته ليس لمن يسبق الأمام صلاة لهذا الحديث، قال ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب اهـ واستدل به على جواز المقارنة ولا دلالة فيه، لأنه دل بمنطوقه على المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة، وأما المقارنة فمسكوت عنها (لطيفة) قال صاحب القبس ليس للتقدم قبل الأمام سبب إلا طلب الاستعجال، ودواؤه أن يستحضر أنه لا يسلم قبل الأمام فلا يستعجل في هذه الأفعال والله أعلم أفاده الحافظ.

(1423)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني عبد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) رواية مسلم "عشاء الآخرة" من باب إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عند الكوفيين بغير تقدير، ويصح عند البصريين بتقدير محذوف ومنه قوله تعالى (ولدار الآخرة- وبجانب الغربي) أي دار الحياة الآخرة وجانب الجبل الغربي (2) زاد الشافعي والدارقطني "هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء"(تخريجه)(ق) والزيادة التي رواها الشافعي والدارقطني رواها أيضا عبد الرزاق والطحاوي والبيهقي وغيرهم، قال الشافعي هذا حديث ثابت لا أعلم حديثا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق واحد أثبت منه (وقال الحافظ) بعد أن ذكر هذه الزيادة، وهو حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح، وقد رد على ابن الجوزي لما قال إنها لا تصح وعلى الطحاوي لما أعلها وزعم أنها مدرجة.

(1424)

عن عمران بن حصين، هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في الباب الثاني عشر من أبواب صلاة المسافر رقم 1229 أثبته هنا لمناسبة الترجمة

ص: 279

لأهل البلد صلُّوا أربعًا فإنَّا سفرٌ

وللاستدلال به على جواز اقتداء المقيم بالمسافر (وقوله ثمان عشرة) يعني ليلة كما صرح بذلك في رواية أخرى تقدمت هناك (وقوله لأهل البلد) يعني أهل مكة، وقد صرح بذلك من طريق أخرى هناك أيضا (وقوله سفر) بفتح السين وسكون الفاء جمع مسافر كركب وراكب (وفي الباب) عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول يا أهل مكة أتموا صلاتكم فأنا قوم سفر رواه الأمام مالك في الموطأ ورجال إسناده أئمة ثقات (الأحكام) حديث جابر يدل على جواز صلاة المفترض بالمتنفل لأن معاذا رضى الله عنه كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يصليها إمامًا بقومه فكانت له تطوعا ولهم فريضة كما صرح بذلك في رواية البيهقي والشافعي وغيرهم، وهي رواية صحيحة كما تقدم (قال النووي) رحمه الله مذهبنا جواز صلاة المفترض خلف متنقل ومفترض في فرض آخر، وحكاه ابن المنذر عن طاوس وعطاء الأوزاعي وأحمد وأبي ثور وسليمان بن حرب قال وبه أقول؛ وهو مذهب داود (وقالت طائفة) لا يجوز نفل خلف فرض ولا فرض خلف نفل ولا خلف فرض آخر، قاله الحسن البصري والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة وأبو قلابة، وهو رواية عن مالك؛ وقال الثوري وأبو حنيفة ولا يجوز الفرض خلف نفل ولا فرض آخر، ويجوز النفل خلف فرض وروى عن مالك مثله (قلت وعند الحنابلة يصح النفل خلف الفرض ولا عكس وتصح المقضية خلف الحاضرة وعكسه حيث تساوتا في الاسم) قال واحتج لمن منع بقوله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الأمام ليؤتم به" رواه البخاري ومسلم من طرق، واحتج أصحابنا بحديث جابر، فذكر حديث الباب مع الزيادة التي رواها الشافعي والبيهقي وهي قوله "هي له تطوع ولهم مكتوبة العشاء" ثم قال قال البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار وكذلك رواه بهذه الزيادة أبو عاصم النبيل وعبد الرزاق عن ابن جريج كرواية شيخ الشافعي عن ابن جريج بهذه الزيادة، وزيادة الثقة مقبولة؛ قال والأصل أن ما كان موصولا بالحديث فهو منه لاسيما إذا روى من وجهين إلا أن تقوم دلالة على التمييز اهـ ج (وحديث عمران بن حصين) يدل على جواز ائتمام المقيم بالمسافر ولا خلاف في ذلك، إنما الخلاف في اقتداء المسافر بالمقيم فذهب جماعة إلى عدم الصحة، منهم داود والشعبي والهادي والقاسم والأمامية لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تختلفوا على إمامكم" وقد خالف في العدد والنية، وذهب جماعة إلى الصحة منهم زيد بن علي والمؤيد بالله والباقر وأحمد بن عيسى والشافعية والحنفية إذ لم تفصل أدلة الجماعة،

ص: 280

(3)

باب جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم

(1425)

عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنَّه قال لماَّ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذات السَّلاسل قال احتملت في ليلة باردةٍ شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيمَّمت ثمَّ صلَّيت باصحابى صلاة الصُّبح، قال فلمَّما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال يا عمرو وصلَّيت بأصحابك وأنت جنبٌ؟ قال قلت نعم يارسول الله، إنِّى احتلمت فى ليلةٍ باردةٍ شديدة البرد فاشفقت إن اغتسلت أن أهلك وذكرت قول الله عزَّ

وخصصت الهادوبة عدم صحة صلاة المسافر خلف المقيم بالركعتين الأوليين من الرباعية وقالوا بصحتها في الآخرتين (قال النووي رحمه الله مذهبنا أن المسافر إذا اقتدى بمقيم في جزء من صلاته لزمه الأتمام سواء أدرك معه ركعة أم دونها وبهذا (قال أبو حنيفة والأكثرون) حكاه الشيخ أبو حامد عن عامة العلماء، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمرو ابن عباس وجماعة من التابعين والثوري والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وأصحاب الرأي، وقال الحسن البصري والنخعي والزهري وقتادة ومالك إن أدرك ركعة فأكثر رزمه الأتمام وإلا فله القصر، وقال طاوس وتميم بن حزلم إن أدرك ركعتين معه أجزأتاه، وقال إسحاق ابن راهويه له القصر خلف المقيم بكل حال، فإن فرغت صلاة المأموم تشهد وحده وسلم وقام الأمام إلى باقي صلاته، وحكاه الشيخ أبو حامد عن طاوس والشعبي وداود اهـ ج (قلت) ويحتج للشافعية ومن وافقهم بما رواه الأمام أحمد عن موسى بن سلمة قال كنا مع ابن عباس بمكة فقلت إذا كنا معكم صلينا أربعًا وإذا رجعنا إلى رحلنا صلينا ركعتين، قال سنة أبي القاسم، وهذا الحديث تقدم في الباب الحادي عشر من أبواب صلاة السفر رقم 1217 وأورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه وقال إن أصله في مسلم والنسائي بلفظ "قلت لابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الأمام؟ قال ركعتين سنة أبي القاسم" قلت وهذه الرواية رواها أيضا الأمام أحمد وتقدمت في الباب المشار إليه والله أعلم.

(1425)

عن عمرو بن العاص الخ، هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب تيمم الجنب للجرح أو الخوف البرد رقم 16 من كتاب التيمم وذكرته هنا للاستدلال

ص: 281

وجلَّ "ولا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله كان بكم رحيمًا" فتيمَّمت ثمَّ صلَّيت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا

(4)

باب جواز الاقتداء بامام بينه وبين المأموم حائل

(1426)

عن عائشة رضي الله عنها قالت صلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فى حجرتى والنَّاس يأتُّمون به من وراء الحجرة يصلُّون بصلاته

به على جواز اقتداء المتوضى بالمتيمم، لأن قوله "فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا" فيه دليلان على جواز التيمم عند شدة البرد ومخافة الهلاك واقتداء المتوضئ بالتيمم (الأول) التبسم وهو المعبر عنه بالضحك لأن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسما فهو رضًا منه صلى الله عليه وسلم بما فعل وتقرير له (والثاني) عدم الأنكار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، والتبسم والاستبشار أقوى دلالة من السكوت على الجواز (وفي الباب) عن سعيد بن جبير قال "كان ابن عباس في سفر معه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمار بن ياسر فكانوا يقدمونه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ذات يوم فضحك وأخبرهم أنه أصاب من جارية له رومية فصلى بهم وهو جنب متيمم" أورده صاحب المنتقي وقال رواه الأثرم، واحتج به أحمد في روايته اهـ (الأحكام) حديث الباب مع الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما يدلان على جواز ائتمام المتوضئ بالمتيمم وإليه ذهب الجمهور، قال النووي رحمه الله مذهبنا جواز صلاة المتوضئ خلف المتيمم الذي لايقضي، وبه قال جمهور العلماء، وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وعمار بن ياسر ونفر من الصحابة رضي الله عنهم وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن والزهري وحماد بن أبي سليمان ومالك والثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف وأحمد وإسحاق وأبي ثور، قال وكرهه على بن أبي طالب وربيعة ويحيى الأنصاري والنخعي ومحمد بن الحسن، وقال الأوزاعي لا يؤمهم إلا أن يكون أميرًا أو يكونوا متيممين مثله، قال وأجمعوى على أن المتوضئ يؤم المتيممين اهـ ج قال الشوكاني وذهبت العترة إلى أنه لا يصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم واحتج لهم في البحر بقوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن المتيمم المتوضئين" وهذا الحديث لو صح لكان حجة قوية اهـ والله أعلم.

(1426)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هشيم قال أنا يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة "الحديث"(تخريجه) (خ. وغيره

ص: 282

(1427)

عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلَّي ذات ليلةٍ فى حجرته فجاء أناسٌ فصلَّوا بصلاته فخفَّف فدخل البيت ثمَّ خرج فعاد مرارًا كل ذلك صلِّى، فلمَّا أصبح قالوا يا رسول الله صلَّيت ونحن نحب أن نمدَّ فى صلاتك قال قد علمت بمكانكم وعمدًا فعلت ذلك

(1427) عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن أبي عدي عن حميد عن أنس "الحديث"(غريبه)(1) هي حجرة عائشة كما في الحديث السابق (2) أي فخفف بهم الصلاة "وقوله فدخل البيت" يعني فصلى فأطا ثم خرج فخفف بهم، ثم دخل فأطال، وهذا معنى قوله "كل ذلك يصلي" يعني في كل مرة من الدخول يصلي في بيته فيطيل، وفي كل مرة من الخروج يصلي بهم فيخفف، وقد صرح بمعنى ذلك في رواية تقدمت في الباب الثاني من أبواب التراويح رقم 1107 (3) أي تطيل (4) أي فعلت ذلك عمدًا من أجل إشفاقي عليكم ورحمتي بكم وخوفًا من افتراضها عليكم (تخريجه)(ق. وغيرهما)(الأحكام) حديثا الباب يدلان على جواز الاقتداء بأمام بينه وبين المأموم حائل، وقد استدل البخاري في صحيحه بحديث عائشة المذكور على جواز ذلك وترجم له بقوله "باب إذا كان بين الأمام وبين القوم حائط أو سترة، وقال الحسن لا بأس أن تصلي وبينك وبينه نهر، وقال أبو مجلز يأنم بالأمام وإن كان بينهما طريق أو جدار إذا سمع تكبير الإحرام" هذا ما ترجم به البخاري، قال الحافظ في شرح هذه الجملة "قوله باب إذا كان بين الأمام وبين القوم حائط أو سترة" أي هل يضر ذلك بالاقتداء أو لا، والظاهر من تصرفه أنه لا يضر كما ذهب إليه المالكية والمسألة ذات خلاف شهير، ومنهم من فرق بين المسجد وغيره "قوله وقال الحسن" لم أره موصولا بلفظه، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه في الرجل يصلي خلف الأمام أو فوق سطح يأثم به لا بأس بذلك "قوله أبو مجلز" وصله بن أبي شيبة عن معتمر عن ليث بن أبي سليم عنه بمعناه وليث ضعيف، لكن أخرجه عن الرزاق عن ابن التيمي وهو معتمر عن أبيه عنه فإن كان مضبوطا فهو إسناد صحيح اهـ كلام الحافظ (قلت) وللعلماء في هذه المسالة مذاهب، فحكى النووي رحمه الله في شرح المهذب الاتفاق على أنه إذا تباعدت الصفوف على الأمام وكانت الصلاة في المسجد صحت الصلاة والاقتداء إذا علم المأموم صلاة الأمام سواء حال بينهما حائل أم لا، وسواء قربت المسافة بينهما أم بعدت

ص: 283

(5)

باب اقتداء القادر على القيام بالجالس والجالس لعذر بالقائم

(1428)

عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّه كان ذات يومٍ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نفرٍ من أصحابه فأقبل عليهم رسول الله صلَّي الله عليه وآله وسلَّم فقال يا هؤلاء، ألستم تعلمون أنِّى رسول الله إليكم؟ قالوا بلى نشهد أنَّك رسول الله، قال ألستم تعلمون أنَّ الله أنزل فى كتابه من أطاعنى فقد أطاع الله؟ قالوا بلى نشهد أنَّه من أطاعك فقد أطاع الله وإنَّ من طاعة الله طاعتك،

لكبر المسجد، وسواء اتحد البناء أم اختلف، فصحن المسجد وصفته وسرداب فيه وبئر مع سطحه وساحته والمنارة التي هي من المسجد، في كل هذه الصورة وما أشبهها تصح الصلاة إذا علم صلاة المأموم ولم يتقدم عليه سواء كان أعلا منه أو أسفل، قال ولا خلاف في هذا، ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين، أما إذا كان المأموم في غير المسجد ففي ذلك مسائل (إحداها) يشترط أن لا تطول المسافة بينه وبين الأمام وبه قال جماهير العلماء وقدر الشافعي القرب بثلاثمائة ذراع، وقال عطاء يصح مطلقا وإن طالت المسافة ميلا وأكثر إذا علم صلاته (الثانية) لو حال بينهما طريق صح الاقتداء عندنا (وعند مالك) والأكثرين (وقال أبو حنيفة) لا يصح لحديث رووه مرفوعًا "من كان بينه وبين الأمام طريق فليس مع الأمام" وهذا حديث باطل لا أصل له، وإنما يروي عن عمر من رواية ليث بن أبي سليم عن تميم، وليث ضعيف وتميم مجهول (الثالثة) لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الأمام في المسجد وحال بينهما حائل لم يصح عندنا (وبه قال أحمد) وقال مالك تصح إلا في الجمعة (وقال أبو حنيفة) تصح مطلقا (الرابعة) يشترط لصحة الاقتداء علم المأموم بانتقالات الأمام سواء صليا في المسجد أو في غيره أو أحدهما فيه والآخر في غيره وهذا مجمع عليه، قال أصحابنا ويحصل له العلم بذلك بسماع الأمام أو من خلفه أو مشاهدة فعله أو فعل من خلفه، ونقلوا الأجماع في جواز اعتماد كل واحد من هذه الأمور، فلو كان المأموم أعمى اشترط أن يصلي بجنب بصير ليعتمد موافقته مستدلا بها انتهى كلام النووي رحمه الله بتصرف واختصار.

(1428)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النضر ثنا عقبة يعني ابن أبي الصهباء ثنا سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر حدثه أنه كان ذات

ص: 284

قال فإنَّ من طاعة الله أن تطيوعنى، وإنَّ من طاعتى أن تطيعوا أئمَّتكم أطيعوا أئمَّتكم فإن صلَّوا قعودًا فصلُّوا قعودًا

(1429)

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّينا وراءه وهو قاعدٌ وأبو بكرٍ رضى الله عنه يكبَّر يسمع النَّاس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قيامًا فأشار إلينا فقعدنا فصلَّينا بصلانه قعودًا، فلمَّا صلَّى قال إن كدتم آنفًا تفعلون فعل فارس والرَّوم يقومون على ملوكهم وهم قعودٌ فلا تفعلوا وائتمُّوا بأئمَّتكم، إن صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا وإنَّ صلَّى قاعدًا فصلوُّا قعودًا

(1430)

عن عروة عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله

يوم "لحديث"(تخريجه) لم أقف عليه ورجاله ثقات.

(1429)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يونس وحجين ثنا ليث عن أبي الزبير عن جابر "الحديث"(غريبه)(1) أي لأن صوته صلى الله عليه وسلم كان ضعيفا بسبب المرض لا يسمعه الناس فكان أبو بكر رضي الله عنه يجهر بالتكبير يعلم الناس انتقالاته صلى الله عليه وسلم وذلك جائز للحاجة أما لغيرها فلا، لأن السنة في حق غير الأمام عدم الجهر بالتكبير؛ وتقدم الكلام على ذلك في باب جهر الأمام بالتكبير رقم 1411 (2) يعني أن ملوك فارس والروم كان من عادتهم إيقاف الغلمان والخدم حول مجالسهم لغير حاجة إلا لأظهار الكبر والعظمة فنهينا عن التشبه بهم وإن كانوا يفعلون ذلك في مجالسهم العادية وفعل الصحابة كان في الصلاة، إلا أنه فيه نوع شبه (قال النووي رحمه الله فيه النهي عن قيام الغلمان والتباع على رأس متبوعهم الجالس لغير حاجة، وأما القيام للداخل إذا كان من أهل الفضل والخير فليس من هذا بل هو جائز قد جاءت به أحاديث وأطبق عليه السلف والخلف، وقد جمعت دلائله وما يرد عليه في جزء وبالله التوفيق والعصمة اهـ (تخريجه)(م. د. نس. جه).

(1430)

عن عروة عن عائشة الخ هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه

ص: 285

صلى الله عليه وسلم فى مرضه الَّذى مات فيه مروا أبا بكرٍ يصلِّى بالنَّاس، قالت عائشة أبا بكرٍ أسيفٌ، فمتى مقامك تدركه الرقَّة، قال النَّبي صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إنكنَّ صواحب يوسف، مروا أبا بكرٍ فليصلِّ بالنَّاس، فصلَّى أبو بكرٍ وصلَّى النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم خلفه قاعدًا

في الباب الأول من أبواب صلاة المريض رقم 1271 وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما، وليس للشيخين فيه "فصلى أبو بكر وصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه قاعدًا" وهو بهذا اللفظ للنسائي وابن خزيمة والترمذي وصححه، وقد أثبته هنا لمناسبة الترجمة لأن قوله "فصلى أبو بكر وصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه قاعدا" يدل على جواز اقتداء الجالس لعذر بالقائم، فإن قيل ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الأمام وأبو بكر مأموماً (قلت) نعم كان ذلك في مرة أخرى وأن الواقعة تعددت، وتقدم الكلام على ذلك في أحكام باب جواز الاستخلاف في الصلاة فارجع إليه تجد ما يزيل الأشكال (وفي الباب) عن أنس رضي الله عنه قال "صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به" أخرجه النسائي والبيهقي والترمذي وصححه وهو يؤيد حديث الباب (وروى بن أبي شيبة) بإسناد صحيح عن جابر "أنه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسًا وصلوا معه جلوسًا"(وعن أبي هريرة) أيضا أنه أفتى بذلك وإسناده كما قال الحافظ صحيح (الأحكام) استدل بحديثي ابن عمر وجابر اللذين في الباب مع ما ذكرنا في الشرح القائلون بمتابعة المأموم إمامه في الصلاة أن صلى جالسا لعذر فيجلس المأموم تبعا لأمامه وإن لم يكن معذورا؛ وهم الأئمة أحمد إسحاق والأوزاعي وابن المنذر وداود وبقية أهل الظاهر، قال ابن حزم وبهذا نأخذ إلا فيمن صلى إلى جنب الأمام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الأمام فانه يتخير بين أن يصلي قاعدا وبين أن يصلي قائما (قال) وبمثل قولنا يقول جمهور السلف ثم رواه عن جابر وأبي هريرة وأسيد بن حضير، قال ولا مخالف لهم يعرف في الصحابة، ورواه عن عطاء، ورى عن عبد الرزاق أنه قال "ما رأيت الناس إلا على أن الأمام إذا صلى قاعدا صلى من خلفه قعودا، قال وهي السنة عن غير واحد؛ وقد حكاه ابن حبان أيضا عن الصحابة الثلاثة المذكورين وعن قيس بن فهد أيضا من الصحابة، وعن أبي الشعثاء وجابر بن زيد من التابعين؛ وحكاه أيضا عن مالك بن أنس وأبي أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبي خيثمة وابن أبي شيبة ومحمد بن إسماعيل ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل محمد بن نصر ومحمد

ص: 286

_________

ابن إسحاق وابن خزيمة، ثم قال بعد ذلك وهو عندي ضرب من الأجماع الذين أجمعوا على إجازته، لأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أفتوا به، والأجماع عندنا إجماع الصحابة ولم يرو عن أحد من الصحابة خلاف لهؤلاء الأربعة لا بإسناد متصل لا منقطع، فكأن الصحابة أجمعوا على أن الإمام إذا صلى قاعدا كان على المأمومين أن يصلوا قعودا، وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد وأبو الشعثاء، ولم يرو عن أحد من التابعين أصلا خلافه لا بإسناد صحيح ولا واه، فكان التابعين أجمعوا على إجازته، قال وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسًا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي، وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان، ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة وتبعه عليه من بعده من أصحابه اهـ كلام ابن حبان، وحكى الخطابي في المعالم والقاضي عياض عن أكثر الفقهاء خلاف ذلك، وحكى النووي عن جمهور السلف خلاف ما حكى ابن حزم عنهم (قال النووي) مذهبنا جواز صلاة القائم خلف القاعد العاجز وأنه لا تجوز صلاتهم وراءه قعودا، وبهذا قال الثوري (وأبو حنيفة) وأبو ثور والحميدي (وبعض المالكية)(وقال) الأوزاعي (وأحمد) وإسحاق وابن المنذر تجوز صلاتهم وراءه قعودا ولا تجوز قيامًا (وقال مالك) في رواية وبعض أصحابه لا تصح الصلاة وراءه قاعدا مطلقا، قال واحتج الأوزاعي وأحمد بحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنما جعل الأمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين" رواه البخاري ومسلم، وفي الصحيحين عن عائشة وأبي هريرة مثله (قلت) وكذلك عند الأمام أحمد (قال) واحتج الشافعي والأصحاب بحديث عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في مرضه الذي توفي فيه أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض فجاء فجلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ إحدى روايات مسلم وهي صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الأمام لأنه جلس عن يسار أبي بكر، ولقوله يصلي بالناس ولقوله، يقتدي به أبو بكر، ثم ذكر النووي جملة روايات لهذا الحديث بعضها عند البخاري وبعضها عند مسلم، ثم قال قال الشافعي والأصحاب وغيرهم من علماء المحدثني والفقهاء هذه الروايات صريحة في نسخ الحديث السابق "يشير إلى حديث أنس الذي احتج به الأمام أحمد والأوزاعي" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين" قال فإن ذلك كان في مرض قبل هذا بزمان حين آلى من نسائه اهـ باختصار (قلت) وقد وافق الشافعية على دعوى النسخ الحميدي وابن المبارك وآخرون، وجعلوا الناسخ ما تقدم من صلاته صلى الله عليه وسلم في

ص: 287

(6)

باب جواز اقتداء الفاضل بالمفضول

(1431)

عن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه أنَّه قال خصلتان لا أسال عنهما أحدًا من النَّاس رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهما، صلاة الإمام خلف الرَّجل من رعيته وقد رأيت رسول الله صلَّى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم صلَّى خلف عبد الرَّحمن بن عوفٍ من صلاة الصبُّح

مرض موته بالناس قاعدا وهم قائمون خلفه ولم يأمرهم بالقعود، قالوا وهي آخر صلاة صلاها بالناس حتى لقي الله تعالى وهذا لا يكون إلا ناسخًا لما تقدم من أمره إياهم بالجلوس في حديث أنس وغيره، وأنكر الأمام أحمد رحمه الله نسخ الأمر بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين (إحداهما) إذا ابتدأ الأمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودا (ثانيتهما) إذ ابتدأ الأمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موته صلى الله عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة، لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائما وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى، فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا، فلما صلوا خلفه قياما انكر عليهم (قلت) وهو جمع حسن وجيه (قال الشوكاني) ويقوى هذا الجمع أن الأصل عن النسخ، لاسيما وهو في هذه الحالة يستلزم النسخ مرتين لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى أمامه قاعدا، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين اهـ والله أعلم (وحديث عائشة) أعني الذي هو ثالث أحاديث الباب يدل على جواز صلاة القاعد لعذر خلف القائم لقوله "فصلى أبو بكر وصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه قاعدا" أي لمرضه صلى الله عليه وسلم، وذلك جائز باتفاق العلماء ولا أعلم فيه خلافًا والله أعلم.

(1431)

عن المغيرة بن شعبة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد ابن جعفر ثنا سعيد قال سمعت بكر بن عبد الله يحدث عن المغيرة بن شعبة أنه قال خصلتان "الحديث"(غريبه)(1) سبب صلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف أنه صلى الله عليه وسلم كان مسافرًا مع أصحابه في غزوة تبوك فبينما هم سائرون إذ عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق يريد قضاء الحاجة مستصحبا معه المغيرة بن شعبة ثم أناخ راحلته فتبرز والمغيرة

ص: 288

ومسح الرَّجل على خفَّيه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفَّين

(1432)

وعنه أيضًا وقد سئل هل أم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أحدٌ من هذه الأمَّة غير أبى بكر رضى الله عنه؟ قال نعم، كنَّا في سفرٍ وذكر حديثًا طويلًا فيه صفة وضوء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وفيه ثمَّ لحقنا النَّاس وقد أقيمت الصَّلاة وعبد الرَّحمن بن عوف يؤمُّهم وقد صلَّى ركعةً فذهبت لأوذنه فنهانى فصلَّينا الَّتى أدركنا وقضينا الَّتى سبقنا بها

(1433)

عن ابى سلمة بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ عن أبيه أنَّه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفرٍ فذهب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لحاجته فأدركهم وقت الصلَّاة فأقاموا الصَّلاة فتقدَّمهم عبد الرَّحمن، فجاء الَّنَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم

بعيد عنه، فلما قضى حاجته أتى إلى المغيرة فطلب منه ماء الوضوء فتوضأ ثم أدرك القوم وقد قدموا عبد الرحمن بن عوف ليصلي بهم لما استبطأوا مجيء النبي صلى الله عليه وسلم وخافوا خروج وقت الفضيلة، فصلى بهم الركعة الأولى وأدركهم النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية فدخل معهم في الصلاة خلف عب الرحمن بن عوف (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد.

(1432)

وعنه أيضا الخ هذا الحديث تقدم كاملا بسنده وشرحه وتخريجه في باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم رقم 233 من كتاب الطهارة (غريبه)(1) هو سفر غزوة تبوك كما تقدم (2) يعني أراد المغيرة أن يخبر عبد الرحمن بن عوف بحضور النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك (3) يريد أنهما صليا الركعة الثانية خلف عبد الرحمن، فلما سلم قاما فقضيا الركعة التي سبقهما بها (تخريجه)(ق. د. نس. جه. هق) مطولا ومختصرا بألفاظ مختلفة من عدة طرق.

(1433)

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هيثم بن خارجة قال أبو عبد الرحمن وسمعته أنا من الهيثم بن خارجة ثنا رشدين عن عبد الله بن الوليد أنه سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن أبيه أنه كان مع رسول

ص: 289

فصليَّ مع النَّاس خلفه ركعةً فلمَّا قال أصبت وأحسنتم

أبواب موقف الامام والمأموم وأحكام الصفوف

(1)

باب موقف الواحد من الامام

(1434)

عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قام من اللَّيل يصلِّي فقمت فتوضَّأت فقمت عن يساره فجذبنى فجرَّنى فأقامنى عن يمينه فصلَّى

الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(1) أي وافقتم الصواب في مبادرتكم للصلاة في أول وقتها (وفي رواية) عند الإمام أحمد ستأتي في باب ما يفعل المسبوق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أحسنتم وأصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها"(تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وفيه رشدين بن سعد وثقه هيثم بن خارجة وقال أحمد لا بأس به في أحاديث الرقاق وضعفه جماعة، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه اهـ (قلت) الحديث له شواهد صحيحة تعضده والله أعلم (الأحكام) أحاديث الباب تدل على جواز صلاة الأمام خلف رجل من رعيته، وليس في ذلك نقص من حق الأمام، بل فيه دلالة على سماحة الدين الإسلامي وأنه مناف للكبر والعظمة فإن ذلك لا يكون إلا لله وحده عز وجل (قال النووي) رحمه الله في شرح حديث المغيرة عند مسلم ما لفظه، اعلم أن هذا الحديث فيه فوائد كثيرة (منها) جواز اقتداء الفاضل بالمفضول، وجواز صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف بعض أمته (ومنها) أن الأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت، فإنهم فعلوها أول الوقت ولم ينتظروا النبي صلى الله عليه وسلم (ومنها) أن الأمم إذا تأخر عن أول الوقت استحب للجماعة أن يقدموا أحدهم فيصلي بهم إذا وثقوا بحسن خلق الأمام وأنه لا يتأذى من ذلك ولا يترتب عليه فتنة، فأما إذا لم يأموا أذاه فإنهم يصلون في أول الوقت فرادى، ثم إن أدركوا الجماعة بعد ذلك استحب لهم إعادتها معهم (ومنها) أن من سبقه الأمام ببعض الصلاة أتى بما أدرك، فإذا سلم الأمام أتى بما بقى عليه ولا يسقط ذلك عنه، بخلاف قراءة الفاتحة فإنها تسقط عن المسبوق إذا أدرك الأمام راكعا (ومنها) إتباع المسبوق للأمام في فعله في ركوعه وسجوده وجلوسه وإن لم يكن ذلك موضع فعله للمأموم (ومنها) أن المسبوق إنما يفارق الأمام بعد سلام الأمام والله أعلم اهـ.

(1434)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا

ص: 290

ثلاث عشرة ركعةً قيامه فيهنَّ سواه

(1435)

وعنه أيضًا قال أتيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من آخر اللَّيل فصلَّيت خلفه تأخذ بيدى فجرَّنى فجعلنى حذاءه فلمَّا أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا انصرف قال لى ما شأنى أجعلك حذائى فتخنس؟ فقلت يا رسول الله أو ينبغى لأحد أن يصلِّي حذاءك وأنت رسول الله الَّذى أعطاك الله، قال فأعجبته، فدعا الله لى أن يزيدنى علمًا وفهمًا، قال ثمَّ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتَّى سمعته ينفخ ثم أتاه بلالٌ فقال يارسول الله الصَّلاة، فقام فصلَّى ما أعاد وضوءًا

(1436)

عن الأعمش قال سألت إبراهيم عن الرَّجل يصلِّى مع الإمام، فقال يقوم عن يساره، فقلت حدثنى الزَّيَّات قال سمعت ابن

وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما).

(1435)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن بكر ثنا حاتم بن أبي صغيرة أبو يونس عن عمرو بن دينار أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(1) أي إلى جنبه عن يمينه كما صرح بذلك في حديثه السابق (2) أي تأخر قليلا عن محاذاته (3) نفخ النائم دليل على استغراقه في النوم (4) عدم تقض الوضوء بالنوم في حالة الاضطجاع من خصائصه صلى الله عليه وسلم لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه، فلو خرج حدث لأحس به بخلاف غيره من الناس، وقد تقدم الكلام على ذلك في الفصل الثاني في باب الوضوء من النوم من أبواب نواقض الوضوء (تخريجه)(ق. والأربعة. وغيرهم) مطولا ومختصرًا بألفاظ مختلفة.

(1436)

عن الأعمش (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن ابن مهدي عن سفيان عن الأعمش "الحديث"(غريبه)(5) هو النخعي

ص: 291

عبَّاس رضي الله عنهما يحدِّث أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أقامه عن يمينه، فأخذ به

(1437)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى فى ثوبٍ واحدٍا خالف بين طرفيه، فقمت خلفه فأخذ بأذنى فجعلنى عن يمينه

(1438)

عن جبَّار بن ضخرٍ أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قام يصِّلى قال فقمت عن يساره فأخذ بيدى فحوَّلنى عن يمينه

(تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق ورجاله ثقات.

(1437)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو جعفر المدائني محمد بن جعفر أنبأنا ورقاء عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانتهينا إلى مشرعة فقال ألا تشرع يا جابر؟ قال فقلت بلى، قال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشرعت، قال ثم ذهب لحاجته ووضعت له وضوءاً فجاء فتوضأ ثم قام فصلى في ثوب واحد إلى آخر الحديث "وقوله فانتهينا إلى مشرعة" أي مكان فيه ماء "وقوله ألا تشرع يا جابر" يعني ألا تورد إبلنا على هذا الماء لتشرب، يقال أشرع ناقته أي أدخلها في شريعة الماء، والشريعة مورد الأبل علىلماء الجاري (تخريجه)(م. د. هق).

(1438)

عن جبار بن صخر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين ابن محمد ثنا أويس ثنا شرحبيل عن جبار بن صخر الأنصاري أحد بني سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بطريق مكة من يسبقنا إلى الأثاية قال أويس هو حيث نفرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمدر حوضها ويفرط فيه فيملؤه حتى نأتيه، قال قال جبار فقمت فقلت أنا، قال اذهب فذهبت فأتيت الأثاية فمدرت حوضها وفرطت فيه وملأته ثم غلبتني عيناي فنمت فما انتهيت إلا برجل تنازعه راحلته إلى الماء ويكفها عنه، فقال يا صاحب الحوض، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت نعم، قال فأورد راحلته ثم انصرف فأناخ ثم قال اتبعني بالأداوة فتبعته بها فتوضأ وأحسن وضوءه وتوضأت معه ثم قام يصلي الخ الحديث (وقوله من يسبقنا إلى الأثاية) هي بكسر الهمزة بعدها ثاء مثلثة اسم موضع معروف بطريق الجحفة إلى مكة فيه ماء وبه حوض يملؤه المسافرون للشرب منه (وقوله فيمدر حوضها) أي يسد ما فيه من صدع أو ثقب بالمدر وهو الطين المتماسك لئلا يخرج منه الماء (وقوله ويفرط فيه)

ص: 292

فصلَّينا فلم يلبث يسيرًا أن جاء النَّاس

(1439)

عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى وأنا بإرائه

(1440)

عن أمِّ سلمة رضى الله عنها قالت كان يفرش لى حيال مصلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان يصلِّى وأنا حياله

أي يكثر من صب الماء فيها يقال أفرط مزادته إذا ملأها من أفرط في الأمر إذا جاوز فيه الحد (تخريجه) لم أقف عليه من مسند جبار بن صخر لغير الأمام أحمد، ورواه مسلم وأبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بلفظ "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فجئت فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه".

(1439)

عن عائشة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا هاشم ثنا إسرائيل عن جابر عن عامر مسروق عن عائشة "الحديث"(غريبه)(1) أي بجانبه وهو محتمل، أنها كانت تصلي معها أو كانت في غير صلاة؛ ويرجح الأخير روايتها عند مسلم "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلى مرط وعليه بعضه إلى جنبه"(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الإمام أحمد وسنده جيد.

(1440)

عن أم سلمة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان ثنا وهيب قال ثنا خالد عن أبي قلابة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة "الحديث"(غريبه)(2) أي بجانب مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني المكان الذي يصلي فيه في بيته (تخريجه)(د. جه) وسنده جيد (الأحكام) أحاديث الباب عدا حديثي عائشة وأم سلمة تدل على مشروعية وقوف المأموم الواحد عن يمين الأمام محاذيا له، رجلا كان أو صبيا، وقد ذهب إلى مشروعية ذلك في الرجل والصبي كافة العلماء إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب وغيره عن سعيد بن المسيب أنه يقف عن يساره، وعن النخعي أنه يقف وراءه إلى أن يريد الأمام أن يركع، فإن لم يجيء مأموم آخر تقدم فوقف عن يمينه (قال النووي) وهذا المذهبان فاسدان، ودليل الجمهور حديث ابن عباس وحديث جابر وغيرهما انتهى (وحديثا عائشة وأم سلمة) يدلان بظاهرهما على جواز وقوف المرأة عن يمين الإمام إن كانت وحدها وكانت زوجًا أو محرمًا له، وهذا إن حملا على أن كل واحدة منهما كانت تصلي بازائه صلى الله عليه وسلم ولا قائل بذلك فيما أعلم؛ بل اتفق الأئمة على أن السنة في حق المرأة الواحدة أن تقف خلف الإمام، فإن كانت مع

ص: 293

(2)

باب في موقف الاثنين من الامام

(1441)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قام النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّى المغرب فجئت فقمت إلى جنبه عن يساره فنهانى فجعلنى عن يمينه فجاء صاحبٌ لى فصفَّنا خلفه فصلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

رجل صلى الرجل بجانب الإمام والمرأة خلفه؛ وكأنهم رحمهم الله حملوا حديثي عائشة وأم سلمة على أنهما كانتا في غير صلاة، فإن قامت قرينة قوية تدل على صلاة إحداهما بإزائه صلى الله عليه وسلم حمل ذلك على بيان الجواز، والأفضل ما اتفق عليه الأئمة من وقوف المرأة خلف الإمام عملا بحديثي ابن عباس وأنس الآتيين في الباب التالي (وذهبت المالكية والشافعية والحنابلة) إلى كراهة محاذاتها للإمام مع صحة الصلاة وعدم بطلاتها بالمحاذاة (وبالغ الحنفية) فقالوا ببطلان صلاة الرجل إذا حاذته المرأة وهي تصلي معه سواء كان إمامًا أو مأمومًا مستدلين بحديث "أخروهن من حيث أخرهن الله تعالى" ولا حجة فيه لأنه من قول ابن مسعود، رواه عبد الرزاق في مصنفه، وأخرجه من طريقه الطبراني من قول ابن مسعود، ونقل القاري في الموضوعات عن ابن الهمام أنه قال في شرح الهداية لا يثبت رفعه فضلا عن شهرته؛ والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود اهـ (فإن قالوا) إن حديثي عائشة وأم سلمة ليس فيهما تصريح بأنهما كانتا معه صلى الله عليه وسلم في الصلاة (قلت) هذا حجة عليهم لا لهم، لأنه إذا لم تبطل صلاة من حاذته المرأة وهي في غير صلاة فمن باب الأولى عدم البطلان وهي في الصلاة (قال النووي) رحمه الله السنة أن يقف المأموم الواحد عن يمين الأمام رجلا كان أو صبيا، قال أصحابنا ويستحب أن يتأخر عن مساواة الإمام قليلا فإن خالف ووقف عن يساره أو خلفه استحب له أن يتحول إلى يمينه ويحترز عن أفعال تبطل الصلاة، فإن لم يتحول استجب للأمام أن يحوله لحديث ابن عباس، فإن استمر على اليسار أو خلفه كره وصحت الصلاة بالاتفاق، قال وكذا إذا تقدمت المرأة على صفوف الرجال أو وقفت بجنب الأمام أو بجنب مأموم صحت صلاتها وصلاة الرجال بلا خلاف عندنا اهـ ج باختصار (قلت) وذهبت الحنابلة إلى وجوب وقوف الرجل الواحد عن يمين الأمام فإن وقف خلفه أو عن يساره مع خلو يمينه بطلت صلاته.

(1441)

عن جابر بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو بكر الحنفي ثنا الضحاك بن عثمان حدثني شرحبيل عن جابر "الحديث"(غريبه)(1) هو جبار بن صخر رضي الله عنه كما صرح بذلك في رواية مسلم وأبي داود

ص: 294

في ثوب واحدٍ مخالفًا بين طرفيه

(1442)

عن عبد الرَّحمن بن الأسود عن أبيه قال دخلت أنا وعلقمة على عبد الله بن مسعودٍ بالهاجرة فلمَّا مالت الشَّمس أقام الصَّلاة وقمنا خلفه، فأخذ بيدى وبيد صاحبى فجعلنا عن ناحيته وقام بيننا، ثمَّ قال هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثةً ثمَّ صلَّى بنا، فلمَّا انصرف إنَّها ستكون أئمَّةٌ يؤخِّرون الصَّلاة عن مواقيتها فلا تنتظروهم بها واجعلوا الصَّلاة معهم سبحةٍ (ومن طريقٍ ثان)

(تخريجه)(م. د. وغيرهما).

(1442)

عن عبد الرحمن بن الأسود (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبيد ثنا محمد يعني ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود "الحديث"(غريبه)(1) هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي مخضرم فقيه، روى عن ابن مسعود وعائشة وغيرهما وعنه إبراهيم النخعي وابنه عبد الرحمن وطائفة، وثقه ابن معين وغيره، قال إبراهيم يعني النخعي كان يختم في كل ليلتين، وروى أنه حج ثمانين حجة، توفي سنة أربع أو خمس وسبعين (2) هو ابن قيس بن عبد الله النخعي أبو شبل الكوفي أحد الأعلام مخضرم، روى عن الخلفاء الأربعة وابن مسعود وطائفة، وعنه إبراهيم النخعي والشعبي وخلق، قال إبراهيم كان يقرأ في خمس، وقال ابن المديني أعلم الناس بابن مسعود علقمة والأسود، وقال ابن سعد مات سنة 62 وقال أبو نعيم سنة 61 قيل عن تسعين سنة أهـ وعلقمة هذا هو عم الأسود بن يزيد ولذلك جاء في رواية أخرى عند الأمام أحمد قال دخلت أنا وعمي على عبد الله بن مسعود الخ (3) أي زالت عن وسط السماء وهو وقت الظهر (4) لفظ مسلم "فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله" وهو مفسر لقوله في حديث الباب "عن ناحيته"قال النووي وهذا مذهب ابن مسعود وصاحبيه؛ وخالفهم جميع العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلى الآن، فقالوا إذا كان مع الإمام رجلان وقفا وراء صفا لحديث جابر وجبار بن صخر اهـ (5) يعني إمامًا ومأمومين (6) يعني عن وقتها المختار وهو أول وقتها، لا عن جميع وقتها "وقوله سبحة" بضم السين يعني نافلة (7)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان عن إبراهيم

ص: 295

عن إبراهيم أنَّ الأسود وعلقمة كانا مع عبد الله (يعنى ابن مسعودٍ رضى الله عنه) فى الدَّار فقال عبد الله أصلَّى هؤلاء؟ قال نعم، قال فصلَّى بهم بغير أذانٍ ولا إقامةٍ وقام وسطهم وقال إذا كنتم ثلاثةً فاصنعوا هكذا، فإذا كنتم أكثر فليؤمكم أحدكم وليضع أحدكم يديه بين فخذيه إذا ركع فليحنأ فكمأنما أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلَّم

(1443)

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال صلَّيت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

أن الأسود وعلقمة الخ (1) هو النخعي (2) يشير إلى الأمير وتابعيه، وفيه إشارة إلى إنكا ر تأخيرهم الصلاة (3) قال النووي رحمه الله هذا مذهب ابن مسعود رضي الله عنه وبعض السلف من أصحابه وغيرهم أنه لا يشرع الأذان ولا الإقامة لمن يصلي وحده في البلد الذي يؤذن فيه ويقام لصلاة الجماعة العظمى بل يكفي أذانهم وإقامتهم، وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أن الإقامة سنة في حقه ولا يكفيه إقامة الجماعة، واختلفوا في الأذان فقال بعضهم يشرع له، وقال بعضهم لا يشرع، ومذهبنا الصحيح أنه يشرع له الأذان إن لم يكن سمع أذان الجماعة وإلا فلا يشرع (4) يعني اثنين ثالثهم الأمام "وقوله فإذا كنتم أكثر" أي ثلاثة غير الأمام فأكثر (5) يعني واحد منهم ويقف الباقون خلفه وهذا مذهب ابن مسعود رضي الله عنه (6) هكذا في الأصل بالحاء المهملة مهموزا، ورواية مسلم بالجيم بدل الحاء قال النووي هو بفتح الياء وإسكان الجيم آخره مهموز هكذا ضبطناه وكذا في أصول بلادنا ومعناه ينعطف، وقال القاضي عياض رحمه الله وليجنأ كما ذكرناه، وروى وليحن بالحاء المهملة قال وهذا رواية أكثر شيوخنا وكلاهما صحيح، ومعناه الأنحاء والانعطاف في الركوع؛ قال ورواه بعض شيوخنا بضم النون وهو صحيح في المعنى أيضا، يقال حنيت العود وحنوته إذا عطفته، وأصل الركوع في اللغة الخضوع والذلة، وسمي الركوع الشرعي ركوعا لما فيه من صورة الذلة والخضوع والاستسلام اهـ وقال ابن العربي كان الناس في صدر الإسلام يطبقون أيديهم ويشبكون أصابعهم ويضعونها بين أفخاذهم، ثم نسخ ذلك ذلك وأمروا برفعها إلى الركب اهـ (7) يعني عندما كان يفعل ذلك (تخريجه)(م. د. مذ. نس)

(1443)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج

ص: 296

وعائشة خلفنا وأنا إلى جنب النَّبيِّ الله عليه وسلَّم أصلِّى معه

(1444)

عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال صلَّيت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فى بيت أمِّ حرامٍ فأقامنى عن يمينه وأمُّ حرامٍ خلفنا

قال قال ابن جريج أخبرني زياد أن قزعة مولى لعبد القيس أخبره أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول قل ابن عباس صليت الخ (تخريجه)(نس) ورجال إسناده ثقات.

(1444)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا زيد أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس "الحديث"(غريبه)(1) هي الرميضاء أو الغميضاء بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية خالة أنس بن مالك روى عنها زوجها عبادة بن الصامت وعمير بن الأسود وعطاء بن يسار وغيرهم وستأتي ترجمتها في كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى (تخريجه)(م. د)(وفي الباب) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا" رواه الترمذي وقال حديث سمرة حديث غريب والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الأمام، قال وقد تكلم بعض الناس في إسماعيل بن مسلم من قبل حفظه (قلت) يؤيده حديث جابر المذكور أول الباب (الأحكام) حديث جابر يدل على أن موقف الرجلين مع الأمام في الصلاة خلفه، ومثلهما الصبيان، وكذلك رجل وصبي؛ وبه قال علي وعمرو ابنه رضي الله عنهم وجابر بن زيد والحسن وعطاء وإليه ذهب (مالك والشافعي وأبو حنيفة) وجماعة من أصحاب الكوفة، قال ابن سيد الناس وليس ذلك شرطا عند أحد منهم، ولكن الخلاف في الأولى والأحسن اهـ (قلت) وقالت (الحنابلة) إذا كان خلف الأمام رجل وصبي يجب أن يكون الرجل عن يمين الأمام أيضا، وللصبي أن يصلي عن يمينه أو يساره لا خلفه (وحديث ابن مسعود) يدل على أن الاثنين يقفان عن يمين الإمام وعن شماله والزائد خلفه، وهو مذهب ابن مسعود وصاحبيه علقمة والأسود، لكن ذكر جماعة من الأئمة منهم الشافعي رحمه الله أن حديث ابن مسعود هذا منسوخ، لأنه إنما تعلم هذه الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وفيها التطبيق وأحكام أخر هي الآن متروكة، وهذا الحكم من جملتها، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تركه، وقد وافق ابن مسعود على وقوف الاثنين عن يمين الأمام ويساره بعض الكوفيين، ومن أدلتهم ما رواه أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "وسطوا الأمام وسدوا الخلل" وهو محتمل أن يكون

ص: 297

(3)

باب موقف الصبيان والنساء من الرجال وغير ذلك

(1445)

عن عبد الرَّحمن بن غنيم قال قال أبو مالك الأشعريُّ رضي الله عنه لقومه ألا أصلِّى لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلَّم فصفَّ الرِّجال ثمَّ صفَّ الوالدان ثمَّ صفَّ النِّساء خلف الوالدان

(1446)

عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن عمه أنسٍ قال صلَّيت أنا ويتيم كان عندنا في البيت وقال سفيان مرَّةً فى بيتنا خلف

المراد اجعلوه مقابلا لوسط الصف الذي تصفون خلفه، ومحتمل أن يكون من قولهم فلان واسطة قومه أي خيارهم، ومحتمل أن يكون المراد اجعلوه وسط الصف فيما بينكم غير متقدم ولا متأخر، ومع الاحتمال لا ينتهض الاستدلال (وحديثا ابن عباس وأنس) اللذان في الباب يدلان على أنه إذا كان مع الأمام رجل وامرأة أو صبي وامرأة كان موقف الرجل أو الصبي عن يمينه وموقف المرأة خلفه، والعلة في كون المرأة لا تصف مع الرجال ما يخشى من الافتتان بها، فلو خالفت وصفت معهم أجزأت صلاتها مع الكراهة عند الجمهور، وعند (الحنفية) تفسد صلاة الرجل دون المرأة، قال الحافظ في الفتح وهو عجيب وفي توجيهه تعسف حيث قال قائلهم قال ابن مسعود "أخر وهن من حيث أخرهن اله" والأمر للوجوب فإذا حاذت الرجل فسدت صلات الرجل لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها، قال وحكاية هذا تغني عن جوابه اهـ (قلت) حديث "أخروهن من حيث أخرهن الله" تقدم الكلام عليه في الباب السابق وأنه لا تقوم به حجة لأنه من كلام ابن مسعود والله أعلم.

(1445)

عن عبد الرحمن بن غنم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع حدثني عبد الحميد بن بهرام عن شهرين حوشب عن عبد الرحمن بن غنم "الحديث"(تخريجه)(د. هق) وسكت عنه أبو داود والمنذري فهو صالح للاحتجاج به.

(1446)

عن إسحاق بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان ابن عيينة حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن عمه أنس "الحديث"(غريبه)(1) هو ضميرة بن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جد حسين بن عبد الله بن ضميرة واسم أبي ضمير سعد الحميري، ودخول اليتيم معهم في الصلاة يدل على أنه كان ممن يعقل وإلا لم يعتد به في جماعة المؤتمين (2) يعني أن سفيان روى الحديث بلفظين فمرة قال "كان

ص: 298

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في داهرهم وصلَّت أمِّ سليمٍ خلفنا

(1447)

عن إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنَّ جدَّته مليكه رضى الله عنها دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعامٍ صنعته فأكل منه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا فلا صليِّ لكم قال أنسٌ فقمت إلى حصيرٍ لنا قد اسودَّ من طول ما ليس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا

عندنا في البيت" ومرة قال "كان عندنا في بيتنا" وسفيان هو ابن عيينة شيخ الأمام أحمد أحد رواة هذا الحديث (1) يعني أنه كان هو واليتيم صفًا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وكانت أم سليم خلفهما، وأم سليم هي بنت ملحان بن خالد الأنصارية والدة أنس بن مالك رضي الله عنهما يقال اسمها سهلة أو رميلة أو رميئة أو مليكة (تخريجه)(ق. وغيرهما).

(1447)

عن إسحاق بن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن جدته مليكة "الحديث"(غريبه)(2) قال ابن عبد البر إن الضمير يعني في قوله "جدته" عائد إلى إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الراوي للحديث عن أنس فهي جدة إسحاق لا جدة أنس، وهي أم سليم بنت ملجان زوج أبي طلحة الأنصاري وهي أم أنس بن مالك. وقال غيره الضمير يعود على أنس بن مالك وهي جدته أم أمه، واسمها مليكة بنت مالك؛ ويؤيد ما قاله ابن عبد البر ما أخرجه النسائي عن إسحاق المذكور أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيها، ويؤيده أيضا قوله في الرواية المذكورة في الباب "وصلت أم سليم خلفنا" وقيل إنها جدة إسحاق أم أبيه وجدة أنس أم أمه، قال ابن رسلان وعلى هذا فلا اختلاف (قلت) وما قاله ابن عبد البر جزم به عبد الحق والقاضي عياض وصححه النووي ومال إليه الحافظ والله أعلم (3) كذا رواية الأمام أحمد بكسر اللام وثبوت الياء مفتوحة، ووجهه أن اللام لام كي والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف والتقدير قوموا فقيامكم لأصلي لكم (4) بضم اللام وكسر الموحدة أي من كثرة ما استعمل (5) النضح هو الرش بالماء، فيحتمل أن يكون لتليين الحصير أو لتنظيفه أو لتطهيره، ولا يصح الجزم بالأخير بل المتبادر غيره، لأن الأصل الطهارة قاله الحافظ (6) هي مليكة المذكورة أولا (تخريجه)(ق. لك والثلاثة. هق)

ص: 299

فصلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثمَّ انصرف

(1448)

عن ثابتٍ عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال صلَّى الله بنا رسول الله صلَّى عليه وسلَّم تطوعًا قال فقامت أمُّ سليمٍ وأمُّ حرامٍ خلفنا قال ثابثٌ لا أعلمه إلَاّ قال وأقامنى عن يمينه فصلَّينا على بساطٍ

(4)

باب وقوف الامام أعلامن المأموم وبالعكس

(1449)

عن عبد العزيز بن أبى حازمٍ عن أبيه عن سهل بن سعد رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم جلس على المنبر أوَّل يومٍ وضع فكبَّر وهو عليه ثمَّ ركع ثمَّ نزل

(1448) عن ثابت عن أنس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو كامل ثنا حماد ثنا ثابت عن أنس "الحديث"(غريبه)(1) هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام الأنصارية خالة أنس رضي الله عنهما (2) يعني أن ثابتا قال لا أعلم أنسًا إلا قال في هذا الحديث أقامني النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه فصلينا على بساط (والبساط) تقدم الكلام عليه في باب الصلاة على الحصير والبسط الخ في حديث رقم 413 من كتاب الصلاة (تخريجه)(د. هق) وسنده جيد (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية تقديم صفوف الرجال على الغلمان على النساء، هذا إذا كان الغلمان اثنين فصاعدًا، فإن كان صبي واحد دخل مع الرجال ولا ينفرد خلف الصف قاله السبكي؛ ويدل على ذلك حديث أنس المذكور في الباب فإن اليتيم لم يقف منفردًا بل صف مع أنس، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء، وقال الإمام أحمد يكره أن يقوم الصبي مع الناس في المسجد خلف الإمام إلا من احتلم وأنبت وبلغ خمس عشرة سنة، وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا رأى صبيا في الصف أخرجه، وعن زر بن حبيش وأبي وائل مثل ذلك، وقال بعض الشافعية عند اجتماع الرجال والصبيان يقف بين كل رجلين صبي ليتعلم منهم الصلاة أفعالها، وما ذهب إليه الجمهور هو الموافق للدليل والله أعلم.

(1449)

عن عبد العزيز بن أبي حازم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسحاق بن عيسى ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد "الحديث"(غريبه)(3) لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد

ص: 300

القهقرى فسجد وسجد النَّاس معه، ثمَّ عاد حتَّى فرغ، فلمَّا انصرف قال يا أيُّها النَّاس إنَّما فعلت، هذا لتاتمُّوا بت ولتعلَّموا صلاتى، فقيل لسهلٍ هل كان من شأن الجذع ما يقول النَّاس قال قد كان منه الَّذي كان

التكبير، وقد بيَّن ذلك البخارى في رواية له عن سفيان عن أبى حازم، ولفظه "كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى" والقهقرى بالقصر المشى إلى خلف، والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة (1) في رواية أبى داود "فسجد في أصل المنبر ثم عاد" فستقاد من الروايتين أعنى رواية الأمام احمد ورواية أبى داود أن صلى الله عليه وسلم نزل على الأرض قريبا من المنبر فسجد وسجد الناس معه ثم رجع إلى المنبر للقيام عليه (2) تعلمَّوا بحذف إحدى التاءين تخفيفا وفتح العين المهملة وتشديد اللام مفتوحة أي لتقتدوا بى ولتتعلموا كيفية صلاتى، وفيه أن الحكمة في صلاته صلى الله عليه وسلم في أعلا المنبر رؤية الناس غياه، لأنه لو صلى على الأرض لخفى حاله على كثير من المصلين (3) يعنى هل حَنَّ الجذع الذي كان يستند إليه صلى الله عليه وسلم حين الخطبة وسُمع له أنين لمَّا اتخذ له المنبر وفارقه كما يقول الناس؟ فقال سهل بن سعد رضي الله عنه "قد كان منه الذي كان" يعنى أنه حنَّ وسمع له أنين كما قال الناس، وسيأتى ذكر هذه المعجزة بأطناب في أبواب المعجزات في قسم الشمائل من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (تخريجه)(ق. د. نس. جه. هق)(وفي الباب) عن همام "أن حذيفة أمَّ الناس بالمدائن على دكان فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال بلى قد ذكرت حين مددتنى" رواه أبو داود والشافعى والبيهقى وصححه النووى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وفي رواية للحاكم التصريح برفعه، ورواه أبو داود من وجه آخر، وفيه أن الأمام كان عمار بن ياسر، والذى جبذه حذيفة وهو مرفوع ولكن فيه مجهول والأول أقوى كما قال الحافز (وقوله بالمدائن) هى مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد (وقوله على دكان) بضم المهملة وتشديد الكاف الحانوت، قيل النون زائدة، وقيل أصلية وهى الدكة بفتح الدال وهو المكان المرتفع يجلس عليه (وقوله حين مددتى) أي مددت قميصى وجبذته اليك (وعن ابن مسعود) رضي الله عنه قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الأمام والناس خلفه يعنى أسفل منه" رواه الدارقطنى وذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه (وعن أنس بن مالك) رضي الله عنه أنه كان يجمع في دار أبى نافع عن يمين المسجد في غرفة قد قامة منها لها باب مشرف على المسجد بالبصرة

ص: 301

_________

فكان أنس يجمع فيه ويأنم بالأمام" رواه سعيد بن منصور في سننه (وعن أبى هريرة) رضي الله عنه "أنه صلى على ظهر المسجد بصلاة الأمام" رواه الشافعى والبيهقى وسعيد ابن منصور وذكره البخارى تعليقا (الأحكام) حديث الباب يدل على جواز ارتفاع الأمام على المأمومين بنحو ثلاث درجات اذا قصد بذلك تعليمهم الصلاة، لأن منبره صلى الله عليه وسلم كان إذ ذاك ثلاث درجات فقط كما صرح بذلك في الأحاديث الصحيحة (وحديثا ابن مسعود وأبى مسعود البدرى) رضي الله عنهما فيهما النهى مطلقا فيجمع بين هذه الأحاديث بحمل حديث الباب على إرادة التعليم مع عدم الارتفاع عن ثلاث درجات، وبحمل النهى على ما عدا ذلك (والأثران المرويان عن أنس وأبى هريرة) رضي الله عنهما يدلان على جواز ارتفاع المأموم على الأمام بنحو القامة (قال النووى) رحمه الله قال اصحابنا يكره أن يكون موضع الأمام أو المأموم أعلا من موضع الآخر، فان احتيج اليه لتعليمهم أفعال الصلاة أو ليبلغ المأموم القوم تكبيرات الأمام ونحو ذلك استحب الارتفاع لتحصيل هذا المقصود، هذا مذهبنا وهو رواية عن أبى حنيفة، وعنه رواية أنه يكره الارتفاع المطلوب مطلقا وبه قال (مالك والأوزاعى) وحكى الشيخ أبو حامد عن الأوزاعى انه قال تبطل به الصلاة مطلقا اهـ ج (وقال ابن قدامة) في المغنى المشهور في المذهب "يعنى مذهب الأمام احمد" أنه يكره أن يكون الأمام أعلا من المأمومين سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يرد× قال وهو قول (مالك والأوزاعى وأصحاب الرأى) وروى عن احمد ما يدل على أنه لا يكره فان على بن المدينى قال سالنى احمد عن حديث سهل بن سعد وقال إنما أردت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلا من الناس فلا بأس أن يكون الأمام أعلا من الناس بهذاا لحديث اهـ (قلت) ولا كراهة عندهم في ارتفاع المأموم عن الأمام (قال الشوكانى رحمه الله وقد حكى المهدى في البحر الأجماع على أنه لا يضر الارتفاع قدر القامة من المؤتم في غير المسجد إلا بحذاء رأس الأمام أو متقدماً، واستدل لذلك أيضا بفعل أبى هريرة المذكور في الباب، وقال المذهب ان ما زاد فسد، واستدل على ذلك بأن أصل البعد التحريم للأجماع في المفرط، ولا دليل على جواز ما تعدى القامة، وردَّ بأن الأصل عدم المانع فالدليل على مدعيه قال (والحاصل) من الأدلة منع ارتفاع الأمام على المؤتمين من غير فرق بين المسجد وغيره وبين القامة ودونهها وفوقها لقول أبى مسعود إنهم كانوا ينهون عن ذلك، وقول ابن مسعود نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، وأما صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر فقيل إنه إنما فعل ذلك لغرض التعليم كما يدل عليه قوله ولتعلموا صلاتى وغاية ما فيه جواز وقوف الأمام على محل أرفع من المؤتمين اذا أراد تعليمهم، وأما ارتفاع المؤتم فان كان مفرطا بحيث يكون فوق ثلاثمائة ذراع على وجه

ص: 302

(5)

باب مشروعية وقوف أولى الأحلام والنهى قريبا من الامام

عن عبد الله (يعنى ابن مسعودٍ رضي اله عنه) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال ليلينى منكم أولوا الأحلام والنَّهى، ثمَّ الَّذين يلونهم ثمَّ الَّذين يلونهم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وإيَّاكم وهو شات الأسواق

لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الأمام فهو ممنوع للأجماع من غير فرق بين المسجد وغيره، وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز احتى يقوم دليل على المنع؛ ويعضد هذا الأصل فعل أبى هريرة المذكور ولم ينكر عليه اهـ (فائدة) ذكر صاحب المهذب عن الأمام الشافعى رحمه الله أنه قال في القديم بصحة صلاة من تقدم على أمامه في الموضع، وقال في الجديد بالبطلان وصححه النووى، وقال به (قال أبو حنيفة وأحمد) وقال مالك وإسحاق وأبو ثور وداود يجوز، هكذا حكاه أصحابنا عنهم مطلقا، وحكاه ابن المنذر عن مالك وإسحاق وأبى ثور اذا ضاق الموضع اهـ.

(1450)

عن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد عن ابى معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) هو بكسر اللامين وبياءين مفتوحتين مع تشديد النون على التوكيد واللام في أوله لام الأمر المكسورة أي ليقرب منى "وقوله أولوا الأحلام والنهى" قال ابن سيد الناس الاحلام والنهى بمعنى واحد، والنهى بضم النون جمع نُهيه بالضم أيضا وهى العقل لأنها تنهى عن القبح، وقيل المراد بأولى الأحلام البالغون، وبأولى النهى العقلاء فعلى الأول يكون العطف فيه من باب * فألفى قولها كذباً ومينا * وهو أن ينزل تغاير اللفظ منزلة تغاير المعنى وهو كثير الكلام، وعلى الثانى يكون لكل لفظ معنى مستقل والله أعلم (2) أي الذين يقربون منهم في هذا الوصف (3) يعنى في إقامة الصفوف بدليل ما سيأتى في الحديث التالى "استووا ولا تختلفوا فتختلق قلوبكم" لأن مخالفة الصفوف مخالفة الظواهر واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن (4) هوشات بفتح الهاء وإسكان الواو، وعند مسلم وهيشات بالياء بدل الواو والكل جائز، والمعنى احذر وافتن الأسواق واختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط، والهوشة الفتنة والاختلاط، والمراد النهى عن أن يكون اجتماع الناس في الصلاة مثل اجتماعهم في الأسواق متدافعين متغايرين مختلفى القلوب والأفعال (تخريجه)(م. د. مذ. هق).

ص: 303

(1451)

عن أبي معمرٍ عبد الله بن سخبرة الأزدي عن أبى مسعودٍ الأنصارىِّ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح مناكبنا فى الصَّلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلنىِّ منكم أولوا الأحلام والنُّهى، ثمَّ الَّذين يلونهم، ثمَّ الَّذين يلونهم، قال أبو مسعودٍ فأنتم اليوم أشدُّ اختلافًا

عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يليه المهاجرون والأنصار فى الصلّاة ليأخذوا عنه

عن قيس بن عبادٍ قال أتيت المدينة للقاء أصحاب محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ولم يكن فيهم رجلٌ ألقاه أحبَّ إلىَّ من أبىً فأقيمت الصَّلاة

(1451) عن أبي معمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع وأبو معاوية قالا ثنا الأعمش عن عمارة بن عمير التيمى عن أبى معمر "الحديث"(غريبه)(1) جمع منكب كمجلس وهو مجمع عظم العضد والكتف أي يسوى مناكبنا بيده في الصفوف ويعدلنا فيها (2) أي مما كان عليه الناس في الزمن السابق وهكذا كلما تقادم الزمن كثر الخلاف نسأل الله السلامة (تخريجه)(م. د. نس. جه. هق).

(1452)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا حميد عن أنس "الحديث"(غريبه)(3) أي لأنهم أوعى وأحفظ لأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيرهم لقدم إسلامهم وقوة إيمانهم، فقرَّ بهم ليبلِّغوا الناس صفة صلاته صلى الله عليه وسلم فهم آمن الناس على ذلك رضي الله عنهم وأرضاهم (تخريجه)(مذ. نس. جه) وسنده جيد.

(1453)

عن قيس بن عباد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان ابن داود ووهب بن جرير قالا ثنا شعبة عن أبى حمزة قال سمعت إياس بن قتادة يحدث عن قيس بن عباد "الحديث"(غريبه)(4) قيس بن عباد بضم المهملة وتخفيف الموحدة الضُّبَعى بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو عبد الله البصرى ثقة من الثامنة مخضرم، مات بعد الثمانين ووهم من عده من الصحابة قاله الحافظ في التقريب (5) يعنى ابن كعب رضي الله عنه

ص: 304

وخرج عمر مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت فى الصَّفِّ الأوَّل رجلٌ فنظر فى وجوه القوم فعرفهم غيرى فنحَّانى وقام فى مكانى، فما علقت صلاتى فلمَّا صلَّى قال يا بنىَّ لا يسؤك الله فإنَّى لم آتك الذَّى أتيتك بجهالةٍ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا كونوا فى الصَّفِّ الذَّ يلينى، وإنِّى نظرت فى وجوه القوم فعرفتهم غيرك، ثمَّ حدَّث فما رايت الرِّجال متحت أعناقها إلى شيءٍ متوحها إليه قال فسمعته يقول هلك أهل العقدةٍ وربِّ الكعبة، ألا لا عليهم آسى ولكن على من يهلكون من المسلمين، وإذا هو أتيٌّ، والحديث على لفظ سليمان بن داود

لما يسمعه عنه من قوة الدين وشهرته في الحفظ والقراءة (1) بتشديد الحاء المهملة، أي بعَّدنى عن الصف الأول (2) أي لشدة تأثره من أبىّ لكونه أخرجه من الصف الأول وقام مكانه (3) يعنى فلما صلى أبىّ رضي الله عنه علم تأثره فجاءه معتذراً ودعا له بقوله "لا يسؤك الله" أي آمنك الله من السوء ثم بيَّن له أنه لم يخرجه من الصف لاحتقاره أو للاستئنار بمكانه، ولكن امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث (4) يعنى أن أبيّا رضي الله عنه أخذ بعظ الناس (5) يريد أنه ما رآى رجالا امتدت أعناقهم إلى سماع وعظ رجل مثل امتدادها إلى سماع وعظ أبىّ وهو كناية عن تأثير وعظه في قلوب الناس وهو معنى قوله (متحت) بفتح الميم، وقوله (مُتوحها) مصدر غير جار على فعله أو يكون كالشُّكور والكُفور اهـ نهاية (6) أي البيعة المعقودة للولاة، ويروى العقد بضم العين وفتح القاف، وهذه رواية النسائى؛ قال في النهاية يعنى أصحاب الولايات على الأمصار، من عقد الألوية للأمراء، قال وروى العقدة يريد البيعة المعقودة للأمراء اهـ (7) بمد الهمزة آخره ألف أي ما أحزن عليهم ولكن أحزن على من يهلكون أي يضلون من تابعيهم وحملهم على ترك السنة وعدم الاعتناء بها وتأخير الصلاة عن مواقيتها وعدم إقامة الصفوف وعدم تقديم أهل الفضل ونحو ذلك، ولفظ النسائى "ولكن آسى على من أضلوا، قلت يا ابا يعقوب ما يعنى بأهل العقد قال الأمراء"(8) يريد أن لفظ هذا الحديث هو رواية سليمان بن داود الطيالسى أحد مشايخ الأمام أحمد (تخريجه)(نس. خز) وسنده جيد (وفي الباب) عن سمرة

ص: 305

(6)

باب الحث على تسوية الصفوف ورصها وبيان خيرها من شرها

عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أدلُّكم على ما يكِّفر الله به الخطايا ويزيد به فى الحسنات، قالوا بلى يا رسول الله، إسباغ الوضوء على المكاره وكثره الخطا إلى هذه المساجد وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة، مامنكم من رجلٍ يخرج من بيته متطهَّرًا فيصلِّى مع المسلمين الصَّلاة ثمَّ يجلس ينتظر الصلَّاة الأخرى إلَاّ الملائكة تقول اللَّهمَّ اغفر له اللَّهمَّ ارحمه، فإذا قمتم إلى الصَّلاة فاعدلوا

"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليقم الأعراب خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة" رواه الطبرانى في الكبير وهو من رواية الحسن عن سمرة (وعن البراء بن عازب) رضي الله عنه أشار إليه الترمذى (وعن ابن عباس) عند الدارقطنى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يتقدم في الصف الأول أعرابى ولا عجمى ولا غلام لم يحتلم" وفي إسناده ليث بى أبى سليم وهو ضعيف (الأحكام) أحاديث الباب تدل على تقديم الأفضل فالأفضل إلى الأمام لأنه أولى بالاكرام، ولأنه ربما احتاج إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الأمام على السهو لما لا يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها وينقلوها ويعلموها الناسن وليقتدى بأفعالهم مَن وراءهم، ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يقدّم أهل الفضل في كل مجمع إلى الامام وكبير المجلس، كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتدريس والأفتاء وإسماع الحديث ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك (وفيها) تسوية الصفوف واعتناء الأمام بها والحث عليها أفاده النووى.

(1454)

عن ابى سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا زهير يعنى ابن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبى سعيد الخدرى "الحديث"(غريبه)(1) إسباغ الوضوء تمامه (والمكاره) تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحو ذلك (وكثرة الخطأ) تكون ببعد الدار.

ص: 306

صفوفكم وأقيموها وسدُّوا الفرج فإنِّى أراكم من وراء ظهرى، فإذا قال إمامكم اله أكبر، فقولوا الله أكبر، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللَّهمَّ ربَّنا لك الحمد، وإنَّ خير صفوف الرِّجال المقدَّم، وشرها المؤخَّر، وخير صفوف النَّساء المؤخَّر، وشرَّها المقدَّم يا معشر النِّساء إذا سجد الرِّجال فاغضضن أبصاركنَّ عورات الرِّجال من ضيق الأزر

عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه

وكثرة التكرار (1) الفُرج جمع فرجة كعرف وغرف، وهى الخلل الذي يكون بين المصلين في الصفوف وسيأتى أن الشيطان يدخل فيها ليوسوس للمصلين (2) قال النووى رحمه الله أما صفوف الرجال فهى على عمومها فخيرها أولها أبداً وشرها آخرها أبداً، أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتى يصلين مع الرجال، وأما اذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آجرها، والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء اقلها ثوابا وفضلا وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكسه، وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك والله أعلم اهـ (3) أمر النساء بغضّ البصر لئلا يقع بصر امرأة على عورة رجل انكشف لضيق إزاره لقلة الثياب عندهم في ذاك الوقت، ولذا كان الرجل يعقد إزاره في عنقه لضيقه لئلا يكشف شئ من عورته، ولم يمكث هذا طويلا فقد وسع الله عليهم بالفتوحات وكثرت ثيابهم وأسبغ الله عليهم نعمه بعد ضيق العيش بفضل صبرهم وجهادهم رضي الله عنهم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه احمد بطوله وأبو يعلى أيضا إلا أنه قال "ما منكم رجل يخرج من بيته متطهرا فيصلى مع المسلمين الصلاة الجامعة" وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفي الاحتجاج به خلاف وقد وثقه غير واحد اهـ (قلت) الحديث جاء في الصحيحين وغيرهما من طرق كلها صحيحة إلا أنهم رووه مجزءاً عن غير واحد من الصحابة من عدة طرق.

(1455)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله أبي ثنا عبد

ص: 307

وآله وسلَّم قال خير صفوف الرِّجال المقدَّم وشرُّها المؤخرَّ، وشرُّ صفوف النِّساء المقدَّم وخيرها المؤخرَّ

وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما بنحوه وزاد- ثمَّ قال يا معشر النِّساء إذا سجد الرِّجال فاغضضن أبصاركنَّ لاترين عورات الرجال من ضيق الأزر

عن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقيموا الصَّفَّ فى الصَّلاة فإنَّ إقامة الصَّفِّ من حسن الصَّلاة

عن بشير بن يسارٍ قال جاء أنس بن مالكٍ رضى الله عنه إلى الميدنة فقلنا له أنكرت من عهد نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ما أنكرت منكم شيئًا غير أنَّكم لا تقيمون صفوفكم

الصمد قال حدثنا عبد العزيز يعنى ابن مسلم قال ثنا سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"(تخريجه)(م. والأربعة. وغيرهم).

(1456)

وعن جابر بن عبد الله (سنده) حدّنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا زائدة ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير صفوف الرجال المقدم وشرها المؤخر، وشر صفوف النساء المقدم وخيرها المؤخر، ثم قال يا معشر النساء الحديث"(تخريجه)(ش) وسنده لا بأس به.

(1457)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق بن همّام ثنا معمر عن همّام بن منبه قال هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(1) إقامة الصف تسويته واعتداله (2) استدل به القائلون بأن تسوية الصفوف سنة، قالوا لأن حسن الشئ زيادة على تمامه (تخريجه)(ق. وغيرهما).

(1458)

عن بشير بن يسار (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن عقبة بن عبيد الطائى حدثنى بشير بن يسار "الأثر"(غريبه)(3) أي من البصرة

ص: 308

(1459)

عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبِّر فيقول تراصُّوا "وفى روايةٍ أقيموا صفوفكم وتراصُّوا" وأهتدوا فإنىِّ أراكم من وراء ظهرى

عن النعمان بن بشيرٍ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسوِّينا فى الصُّفوف كما تقوَّم القداح حتَّى إذا ظنَّ أنَّا أخذنا ذلك عنه وفهمناه أقبل ذات يومٍ بوجهه فإذا رجلٌ منتبذٌ بصدره فقال لتسوُّونَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم

عن ابى سعيدٍ الخدريِّ الله عنه قال رآى النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فى أصحابه تأخُّرًا فقال تقدَّموا فأتمُّوا، وليأتمَّ بكم

لأنه سكنها بعد الفتوحات وتوفى بها سنة 93 (تخريجه)(خ).

(1459)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان ابن حيان أبو خالد عن حميد عن أنس "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما).

(1460)

عن النعمان بن بشير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا حماد بن سلمة أنا سماك بن حرب عن النعمان بن بشير "الحديث"(غريبه)(1) جمع قدح بكسر القاف وسكون الدال المهملة وهو خشب السهم اذا برى وأصلح قبل أن يركب فيه الريش والنصل، والغرض من التشبيه المبالغة في تسوية الصفوف فانه صلى الله عليه وسلم كان يسوى صفوفهم كما تسوى القداح وتصلح قبل تركيب النصل لأنها لا تصلح لما يراد منها إلا بعد تسويتها وغصلاحها صلاحاً تاما فكذلك الصفوف (2) أي خارج بصدره عن الصف (3) قيل معناه يمسخها ويحولها عن صورها كقوله صلى الله عليه وسلم "يجعل الله تعالى صورته صورة حمار" وقيل يغير صفاتها، وإلا ظهر والله أعلم أن معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما يقال تغيّر وجه فلان علىَّ، أي ظهر لي من وجهه كراهة لي وتغير قلبه علىَّ، قاله النووى (تخريجه)(م. والأربعة وغيرهم) زاد أبو داود في رواية قال فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه.

(1461)

عن ابى سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا

ص: 309

من بعدكم لا يزال قومٌ يتأخَّرون حتَّى يؤخِّرهم الله عز وجل يوم القيامة

عن البراءٍ بن عازب رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا إذا قمنا إلى الصَّلاة فيمسح عواتقنا أو صدورنا وكان يقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم وكان يقول إن الله وملائكته يصلُّون على الصَّفِّ الأوَّل أو الصُّفوف الأول

يزيد أنا أبو الأشهب عن أبى نضرة عن أبى سعيد "الحديث"(غريبه)(1) أمرهم صلى الله عليه وسلم بالتقدم ليأتموا به وليحفظوا صفة صلاته ليعلموها من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم أو من لم يحضر صلاته، ويحتمل أن يراد اقتداء من خلفهم بالنبى صلى الله عليه وسلم مستدلين بأفعالهم على افعاله صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الامام الذي لا يراه على مبلَّغ عنه أو صفٍّ أمامه يراه متابعا للأمام، وتمسك به الشعبى على أن كل صف منهم إمام لمن وراءه، وخالفه في ذلك أهل العلم (2) زاد أبو داود عن الصف الأول "وقوله حتى يؤخرهم الله" أي يؤخرهم الله عن رحمته وعظيم فضله، أو عن رتبة العلماء المأخوذ عنهم؛ أو عن رتبة السابقين، وقيل إن هذا في المنافقين، والظاهر أنه عام لهم ولغيرهم، وفيه الحث على الكون في الصف الأول والتنفير عن التأخر عنه، وقد ورد في فضل الصف الأول أحاديث كثيرة ستأتى في الباب التالى (تخريجه)(م. د. نس. جه).

(1462)

عن البراء بن عازب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا شعبة قال طلحة أخبرنى قال سمعت عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب "الحديث"(غريبه)(3)"أو" للشك من الراوى والعواتق جمع عاتق وهو ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء، ورواية ابى داود "يمسح صدورنا ومناكبنا" والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يمسح صدورهم وعواتقهم مع المنكب بيده الشريفة لتمام تسوية الصفوف حتى لا يتقدم أحد ولا يتأخر، وفي ذلك من اللطف وحسن الخلق والاعتناء بتسوية الصفوف ما لا يخفى (4) أي لا تختلفوا بأجسامكم فيتسبب عن ذلك اختلاف قلوبكم (5) المعنى أن الله عز وجل ينزل رحمته على المصلين في الصف الأول وكذلك الملائكة تستغفر لهم، وإنما كان الصف الأول أفضل لأن من فيه قريبون من رحمة الله تعالى وسماع قراءة الأمام والاسترشاد بها (تخريجه)(د. نس. ك. هق. حب. خز) وسنده جيد.

ص: 310

(1463)

عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات فقال مالى أراكم رافعى أيديكم كأنَّما أذناب خيلٍ شمسٍ اسكنوا فى الصلَّاة، ثمَّ خرج علينا فرآنا حلقًا فقال مالى أراكم عزين ثمَّ خرج علينا فقال ألا تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربِّها؟ قال قالوا يا رسول الله كيف تصفُّ الملائكة عند ربِّها؟ قال يتمُّون الصُّفوف الأولى ويتراصُّون فى الصَّفِّ

عنأبى أمامة رضى الله عنه عن رصول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلَّم أنَّه قال لتسوُّنَّ الصُّفوف أو لتطمسنَّ وجوهكم ولتغمضنَّ

(1463) عن جابر بن سمرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن مسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة "الحديث"(غريبه)(1) باسكان الميم وضمها، وهى التي لا تستقر بل تضطرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها، والمراد بالرفع المنهى عنه هنا رفعهم ايديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين (2) بكسر الخاء وفتحها لغتان جمع حلقة باسكان اللام وحكى الجوهرى وغيره فتحها في لغة ضعيفة (3) أي متفرقين جماعة جماعة، وهو بتخفيف الزاى الواحدة عزة، معناه النهى عن التفرق والأمر بالاجتماع، وفيه الأمر باتمام الصفوف الأولى والتراص في الصفوف، ومعنى إتمام الصفوف الأولى أن يتم الأول، ولا يشرع في الثانى حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثانى، ولا في الرابع حتى يتم الثالث، وهكذا إلى آخرها (تخريجه)(م. د. نس. جه. هق).

(1464)

عن أبى أمامة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بكر بن مضر عن عبيد الله بن زَحْر عن على بن يزيد عن القاسم عن ابى أمامة "الحديث"(غريبه)(4) يقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما مؤكداً وهو لا يقسم كذلك إلا لمهم جداً فيقول ما معناه، والله إن لم تسووا الصفوف كما يحب الله ورسوله فالله تعالى يطمس وجوهكم بأن يغيرها ويمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب فيجعلها لوحا واحدا كالاقفاء، أو يغيرها بما يصيبها من الضعف والهوان والأمراض والذلة ونحو ذلك والله أعلم

ص: 311

أبصاركم أو لتخطفنَّ أبصاركم

عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الصُّفوف فإنَّما تصفُّون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب وسدُّوا الخلل ولينوا فى أيدى إخوانكم ولا تذروا فرجاتٍ للشيطان ومن وصل صفًا وصله الله تبارك وتعالى ومن قطع صفًا قطعه الله

(1) يقسم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم قسما آخر فيقول ما معناه، والله إن لم تغمضوا أبصاركم في الصلاة وغيرها خاشعين لله غير ناظرين إلى ما حرُم النظر اليه، فالله عز وجل قادر على أن يخطف أبصاركم بسرعة البرق أو يصيبكم بالرمد فلا تنجوا منه عقاباً لعدم خشوعكم في الصلاة وعذاباً لنفوسكم حيث لم تراعوا محارم الله، والله أعلم (تخريجه)(طب) وفي إسناده عبيد الله بن زحر وعلى بن يزيد بن أبى زياد الالهانى وهما ضعيفان؛ لكن له شواهد صحيحة تعضده.

(1465)

عن ابن عمر (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون بن معروف ثنا عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح عن ابى الزاهرية عن كثير بن مرة عن عبد الله بن عمر "الحديث"(غريبه)(2) أي بمثل صفوف الملائكة في كونهم يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف، وقد جاء مفسرا بذلك في بعض الأحاديث (3) أي اجعلوا بعضها حذاء بعض بحيث يكون منكب كل واحد من المصلين محاذياً لمنكب الآخر ومسامتا له فتكون المناكب والأعناق والأقدام على سمت واحد (4) الخلل بفتحات الفرجة في الصفوف وجمعه خلال مثل جبل وجبال (5) أي اذا أمره من يسوى الصفوف بالاشارة بيده أن يستوى في الصف أو وضع يده على منكبه فليستو، وكذا اذا أراد أن يدخل في الصف فليوسع له، وفي بعض نسخ أبى داود زيادة، قال أبو داود ومعنى لينوا يدخل في الصف فليوسع له، وفي بعض نسخ أبى داود زيادة، قال أبو داود ومعنى لينوا بأيدى إخوانكم اذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغى أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف (6) أي لا تتركوا خللا في الصفوف لئلا يدخل فيها الشيطان فيوسوس للمصلين (فان قيل) ما فائدة ذكر الفرجات بعد ذكر الخلل اذا كانت بمعناها (قلت) فائدتها التأكيد وبيان الحكمة في سدها وهى منع دخول الشيطان فيها (7) أي بأن كل فيه فرجة فسدّها أو نقصان فأتمه وصله الله برحمته ورضوانه (8) أي بأن جلس في الصف بلا صلاة أو ترك الصف في جانب ووقف في الجانب الآخر كما يفعل الآن كثير من الناس فهؤلاء يقطعهم الله عن رحمته نعوذ بالله من ذلك (تخريجه) أخرجه أبو داود

ص: 312

(1466)

عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رصُّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذَّى نفس محمَّدٍ بيده إنِّى لأدرى الشَّياطين تدخل من خلل الصُّفوف كأنَّها الحذف

عن البراء بن عازبٍ رضى الله عنهما قال قال رسول الله الله صلَّى الله عليه وآلخ وسلَّم أقيموا صفوفكم لا يتخلَّلكم كأولاد الحذف، قيل يا رسول الله وما أولاد الجذف؟ قال سودٌ جردٌ تكون بأرض اليمن

بتمامه إلا قوله "فانما تصفون بصفوف الملائكة" وأخرجه (نس. ك. جز) مختصرين على قوله "من وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله" وأخرج نحوه الأمام أحمد أيضا والطبرانى من حديث أبى أمامة وسيأتى في الباب التالى.

(1466)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود ابن عامر وعفان قالا ثنا ابان عن قتادة عن أنس قال أسود ثنا أنس بن مالك "الحديث"(غريبه)(1) أي تلاصقوا حتى لا يكون بينكم فرجة، من رصّ البناء اذا لصق بغضه ببعض (2) أي اجعلوا ما بين كل صفين من الفصل قليلا بحيث يقرب بعض الصفوف إلى بعض ليكون تقارب الاشباح سببا لتقارب الأرواح وتآلفها فلا يقدر الشيطان على أن يوسوس لهم، وقدر بعضهم القرب بثلاثة أذرع (3) قيل الظاهر أن الباء فى قوله بالأعناق زائدة، والمعنى اجعلوا بعض الأعناق في مقابلة بعض فلا يكون عنق أحدكم خارجاً عن محاذاة عنق الآخر، ويحتمل أن يكون المراد بمحاذاة الأعناق أن لا يرتفع بعضهم على بعض بأن يقف في مكان أرفع من الآخر، قاله القاضى عياض (4) بحاء مهملة وذال معجمة مفتوحتين واحدها حذفة بالتحريك كقصب وقصبة، وهى غنم صغار سود جرد ليس لها أذناب يؤتىبها من اليمن كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك في حديث البراء الآتي بعد هذا، وفيه معجزة للنبى صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان يرى ما لا يراه الناس (تخريجه)(د. نس. هق) وسنده جيد.

(1467)

عن البراء بن عازب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله بن محمد قال أبو عبد الرحمن وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبى شيبة قال ثنا أبو خالد الأحمر عن الحسن بن عمرو عن طلحة عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب الخ (غريبه)(5) رواية الحاكم "قال ضأن جرد سود تكون بأرض اليمن"(تخريجه)(ك) وقال

ص: 313

(1468)

عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال إنِّى أنظر أو إنِّى لأنظر ما ورائى كما أنظر إلى ما بين يديَّ، فسوُّا صفوفكم وأحسنوا ركوعكم وسجودكم

وعنه أيضًا عن النَّبىِّ صلى الله عليه وآله وسلم قال أحسنوا إقامة الصُّفوف فى الصَّلاة، خير صفوف الرِّجال فى الصَّلاة أوَّلها، وشرُّها آخرها، وخير صفوف النِّساء فى الصَّلاة آخرها، وشرُّها أوَّلها

عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم سُّووا "وفي روايةٍ أتمُّوا" صفوفكم فإنَّ تسوية

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ (قلت) واقره الذهبى وقال على شرطهما.

(1468)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عمرو ابن الهيثم ثنا ابن أبى ذئب عن عجلان عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أو للشك من الراوى (2) إحسان الركوع والسجود يكون بالطمأنينة فيهما والأتيان بما ورد فيهما من الأذكار، واذا كان مأموماً لا يرفع قبل إمامه ونحو ذلك، وتقدم الكلام على تسوية الصفوف وكونه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم ينظر من خلفه كما ينظر من بين يديه في غير موضع (تخريجه) أورده الهيثمى بلفظ حديث الباب وقال رواه البزار ورجاله ثقات.

(1469)

وعنه أيضا (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن عن زهير يعنى ابن محمد الخراسانى وابو عامر قال ثنا زهير عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"(تخريجه)(م. والأربعة. وغيرهم) وتقدم الكلام عليه في شرح الحديث الثانى من أحاديث الباب.

(1470)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة وحجاج قال ثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك

ص: 314

الصفوف من تمام الصَّلاة

وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلَّم أقيموا صفوفكم فإنَّ من حسن الصَّلاة إقامة الصفِّ

عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزَّبير قال طلبنا علم العود الذَّى فى مقام الإمام فلم نقدر على أحدٍ يذكر لنا فيه شيئًا قال مصعبٌ فأخبرنى محمدَّ بن مسلم رضى اله عنه يومًا فقال هل تدرى لم صنع هذا؟ ولم أسأله عنه، فقلت لا والله لا أدرى لم صنع، فقال أنسٌ كان

"الحديث"(غريبه)(1) أي من حسنها وكمالها أخذاً من حديثه الآتى بعد هذا حيث قال فان من حسن الصلاة إقامة الصف، وروى مثله الشيخان عن أبى هريرة بلفظ "فان إقامة الصف من حسن الصلاة" وحسن الشئ أمر زئد على حقيقته، ويظهر قوله تعالى "وأقيموا الصلاة" لأن إقامتها يشمل الأتيان بفرائضها وسننها وآدابها خلافاً لابن حزم القائل بفرضية تسوية الصفوف، ولا تصح الصلاة إلا بها حملا للتمام على الحقيقة قاله ابن دقيق العيد وغيره (تخريجه)(م. د. نس. جه. هق).

(1471)

وعنه أيضاً (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس "الحديث"(تخريجه)(م. د. وغيرهما) بلفظ "فان تسوية الصفوف من تمام الصلاة" ورواه البخارى ولفظه "فان إقامة الصفوف من إقامة الصلاة" ورواه أيضا بنحو حديث الباب من رواية أبى هريرة.

(1472)

عن مصعب بن ثابت (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أحمد ابن الحجاج أنا حاتم بن اسماعيل ثنا مصعب بن ثابت "الحديث"(غريبه)(2) لم أقف على تفسير هذا العود لأحد، والظاهر أنه كان عصا أو نحوها موضوعة في المكان الذي يصلى فيه الامام من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل ما في رواية لأبى داود عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ثم التفت فقال اعتدلوا سووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره فقال اعتدلوا سووا صفوفكم"(3) أي فلم نجد أحداً عنده علم بسر وضعه في هذا المكان (4) الأشارة ترجع إلى العود المذكور، والغرض من هذا الاستفهام

ص: 315

رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع عليه يمينه ثم يلتفت إلينا فيقول استووا واعدلوا صفوفكم

عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أتمُّوا الصَّفَّ الأول ثمَّ الذَّى يليه، فإن كان نقصٌ فليكن فى الصَّف المؤخَّر

عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله عز وجل وملائكته عليهم السلام يصلُّون على الَّذين يصلون الصُّفوف، ومن سدَّ فرجةً رفعة الله بها درجةً

تنبيه محمد بن مسلم لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه واعتنائه بتسوية الصفوف، وقد علمتَ من رواية أبى داود أنه صلى الله عليه وسلم كان يشير به إلى من كان جهة يمينه، ثم يشير به إلى من كان جهة يساره (تخريجه)(د) وفي إسناده مصعب بن ثابت لين الحديث وكان عابدا، قاله الحافظ في التقريب.

(1473)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن بكر عن سعيد عن قتادة عن أنس "الحديث"(غريبه)(1) المعنى أنه لا يُشرع في صف إلا بعد تمام الأول، فان كمل يُشرع في الثانى، فان كمل يُشرع في الثالث، وهكذا إلى أن تنتهى الصفوف، فإن كان نقص فليكن في الصف الأخير (تخريجه)(د. نس. هق) وسنده جيد.

(1474)

عا عائشة رضي الله عنها (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو اليمان ثال ثنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة "الحديث"(تخريجه)(طب. هق) بدون قولها "ومن سد فرجة الخ" وسنده جيد؛ وأخرج نحوه الطبرانى كاملا عن أبى هريرة، ورواه أبو داود عن عائشة بلفظ "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف"(الأحكام) في أحاديث الباب دليل على مشروعية إقامة الصفوف وتسويتها وإتمامها وسد خللها واتمام الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه وهكذا والحث على ذلك وتأكيده (وفيها) أن من فعل ذلك دعت له الملائكة وغفر الله له ورفع درجته وكان شبيهاً بالملائكة وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم "ان الله عز وجل وملائكته يصلُّون على الذين يصِلُون الصفوف" وقوله صلى الله عليه وسلم "ألا تصُفون كما تصف الملائكة"(وفيها) أن من

ص: 316

_________

خالف ذك مقته الله وتوعده بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" وقد اختلف العلماء في الوعيد المذكور، فمنهم من قال هو على حقيقته، والمراد تشويه الوجه بتحويل خلقه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك، فهو نظير ما تقدم فيمن رفع رأسه قبل الامام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهى المخالفة (قال الحافظ) وعلى هذا فهو واجب والتفريط فيه حرام، ويؤيد الوجوب حديث أبى أمامة بلفظ "لتسوُّن الصفوف أو لتطمسن الوجوه" أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف اهـ "ومنهم من حمل الوعيد المذكور على المجاز" وتقدم كلام النووى على ذلك في شرح الحديث، وقال القرطبى معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجهاً غير الذي يأخذه صاحبه، لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للتكبر المفسد للقلب الداعى إلى القطيعة (قال الحافظ) والحاصل أن المراد بالوجه إن حمل على العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الانسانية أو الصفة أو جعل القدام وراء، وإن حمل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد، أشار إلى ذلك الكرمانى، ويحتمل أن يراد المخالفة في الجزاء فيجازى المسوّى بخير ومن لا يسوّى بشرّ، قال واستدل ابن حزم بقوله إقامة الصلاة على وجوب تسوية الصفوف (يعنى رواية البخارى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سووا صفوفكم فان تسوية الصفوف من إقامة الصلاة) قال لأن إقامة الصلاة واجبة وكل شئ من الواجب واجب، ولا يخفى ما فيه ولاسيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة، وتمسك ابن بطال بظاهر لفظ حديث أبى هريرة "يعنى الذي فيه - فان اقامة الصف من حسن الصلاة" فاستدل به على أن التسوية سنة، قال لأن حسن الشئ زيادة على تمامه، وأورد عليه رواية "من تمام الصلاة" وأجاب ابن دقيق العيد فقال قد يؤخذ من قوله تمام الصلاة الاستحباب، لأن تمام الشئ في العرف أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وإن كان يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة الا به كذا قال؛ وهذا الأخذ بعيد، لأن لفظ الشارع لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربى، وانما يحمل على العرف اذا ثبت أنه عرف الشارع لا العرف الحادث اهـ (وذهب الجمهور) إلى أن اقامة الصفوف في الصلاة سنة (وذهب البخارى) إلى الوجوب، ولهذا ترجم في صحيحه "باب اثم من لم يتم الصفوف" وأورد فيه اثر أنس "أنه قدم المدينة فقيل له ما أنكرت منا منذ يوم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف" ورواه الامام أحمد أيضا وهو من أحاديث الباب، والظاهر أن البخارى رحمه الله تعالى أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم "سووا صفوفكم" ومن عموم قوله "صلوا كما رأيتمونى أصلى" ومن ورود الوعيد على تركه فرجح عنده بهذه القرائن

ص: 317

(7)

باب ما جاء فى فضل الصف الاول

(1475)

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله

أن إنكار أنس انما وقع على ترك الواجب، وان كان الانكار قد يقع على ترك السنن، ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسوّ صحيحة، ويؤيد ذلك أن أنسأ لم يأمرهم باعداة الصلاة، وهذا أعدل الأقوال في نظرى (وأفرط ابن حزم) فجزم بالبطلان، ونازع من ادّعى الأجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر رضي الله عنه أنه ضرب قدم أبى عثمان النهدى لأقامة الصف، وبما صح عن سويد بن غفلة قال "كان بلال يسوى مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة" فقال ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب.

(اذا علمت هذا) تيقنت أن كثيرا من أئمة المساجد في هذا العصر قد فرّطوا في هذا الواجب الدينى واستخفوا به فتركوا الناس وشأنهم في إقامة الصفوف، فترى الناس بعد إقامة الصلاة أوزاعا متفرقين عن اليمين وعن الشمال عزين: الصف الأول ناقص، والثانى متقطع؛ والثالث بعضه بناحية من المسجد وبعضه بالناحية الأخرى بلا اعتدال ولا انتظام، وما بين ذلك خال من المصلين وهكذان كل ذلك على مرأَى من الامام وهو ساكت لا يبدى ولا يعيد، ولم يدر أنه مسئول عن ذلك في يوم الوعيد (يوم يأت لا تكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقى وسعيد) وفي الحديث "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" نعم هو مسئول، لأنه خالف هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين الهادين المهديين من بعده، فقد ورد عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرَفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد الينا؟ فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان كان حبشيا، فانه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيرا، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فان كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه الامام أحمد في مسنده وهذا لفظه ورواه (د. جه. مذ) وصححه ورواه (حب. ك) وقال صحيح على شرطهما يعنى البخارى ومسلم (فهل عمل بذلك أئمة المساجد) ونفذوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كلا لم يعمل بذلك إلا من أشربوا حب السنة ووفقهم الله للعمل بها والذب عن حياضها وقليل ماهم، زادهم الله توفيقا وأكثر من أمثالهم وألهم سائر الائمة اتباع سبيلهم، وجعلنا الله جميعا ممن عرفوا الحق فاتبعوه، واهتدوا إلى الصراط المستقيم فسلكوه آمين.

(1475)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن

ص: 318

عليه وسلَّم لو يعلم النَّاس ما فى النَّداء والصَّفِّ الأول ثمَّ لم يجدوا إلَاّ أن يستهموا عليه لا استهموا عليه، ولو يعلمون ما فى التَّهجير لا استبقوا إليه، ولو يعلمون ما فى العشاء والصُّبح لأتوهما ولو حبوًا

(1476)

عن الَّنعمان بن بشير رضى الله الله عنه قال سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ الله عز وجل وملائكته يصلُّون على الصَّف الأولَّ أو الصُّفوف الأولى

(1477)

وعن البراء بن عازبٍ رضى الله عنهما نخوه إلَاّ أنَّه قال على الصُّفوف الأول (وفى لفظٍ) على الصَّفِّ المقدَّم

(1478)

عن العرباض بن سارية رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبى هريرة الخ وقد تقدم هذا الحديث من طريق عبد الرزاق عن مالك بهذا السند في الباب الثانى من أبوب الأذان رقم 236 ونقدم الكلام عليه شرحاً وتخريجا وهو من أصح الأحاديث وأشهرها (والاستهام) الافتراع (والتهجير) التبكير إلى كل شئ (والحبو) الزحف.

(1476)

عن النعمان بن بشير (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زيد ابن الحباب حدثنى حسين بن واقد حدثنى سماك بن حرب عن النعمان بن بشير "الحديث"(غريبه)(1)"أو" للشك من الراوى هل قال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل وملائكته يصلون على الصف الأول أو على الصفوف الأولى، والمعنى أن الله عز وجل يُنزل رحمته أوَّلا على الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه وهكذا، فالصف الأول مقدم في نزول الرحمة فهو أفضل (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات.

(1477)

عن البراء بن عازب (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى ابن آدم ثنا عمار بن رزيق عن أبى اسحاق عن عبد الرحمن عن عوسجة عن البراء بن عازب يشهد به على النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول (تخريجه)(د. نس. ك. حب. خز. هق) وسنده جيد.

(1478)

عن العرباض بن سارية (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد ووكيع قالا ثنا هشام قال ثنا يحيى بن كثير عن محمد بن ابراهيم عن خالد

ص: 319

كان يستغفر للصَّف المقدَّم ثلاثًا وللثَّانى مرَّة

عن أبىِّ بن كعبٍ رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّفُّ المقدَّم على مثل صفِّ الملائكة ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه

عن أبى أمامة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله وملائكته يصلُّون على الصَّف الأوَّل، قالوا يا رسول الله وعلى الثَّانى، قال إنَّ الله وملائكته يصلُّون على الصَّف الأوَّل، قالوا يا رسول الله وعلى الثَّانى، قال إنَّ الله وملائكته يصلُّون على الصَّف الأوَّ قالوا يا رسول الله وعلى الثَّانى، قال وعلى الثَّانى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سوُّوا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولينوا في أيدى إخوانكم وسُّدوا الخلل فإنَّ الشَّيطان يدخل بينكم بمنزلة الحذف، يعنى أولاد الضَّأن الصِّغار

ابن معدان عن العرياض بن سارية "الحديث"(تخريجه) أورده المنذرى وقال رواه ابن ماجه والنسائى وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجا للعرباض، ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه "كان يصلى على الصف المقدم ثلاثا وعلى الثانى واحدة" ولفظ النسائى كابن حبان إلا أنه قال "كان يصلى على الصف الأول مرتين" اهـ.

(1479)

عن أبّى بن كعب، هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في الباب الثانى من أبواب صلاة الجماعة رقم 1299 فارجع اليه إن شئت.

(1480)

عن أبى أمامة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم ثنا فرج ثنا لقمان عن أبى أمامة "الحديث"(غريب)(1) في تكريره صلى الله عليه وسلم هذه الجملة بعد أن سئل عن الصف الثانى مزيد فضل للصف الأول، وأن فضله مضاعف بالنسبة للثانى فلينتبه من يترك الصف الأول ناقصا ويدخل في غيره ويحرم نفسه من هذا الفضل العظيم، وقد تقدم شرح الحديث في الباب السابق (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى في الكبير ورجاله موثقون (وفي الباب) عن أبى هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للصف الأول ثلاثا وللثانى مرتين وللثالث مرة" رواه البزار وفيه أيوب بن عتبة ضعف من قبل حفظه (الأحكام) أحاديث الباب تدل

ص: 320

(8)

باب هل بأخذ القوم مصافّهم قبل الامام أم لا

عن عبد الله (يعنى ابن مسعودٍ رضى الله عنه) قال لقد رأيتنا وما تقام الصلَّاة حتَّى تكامل بنا الصُّفوف، فمن سرَّه أن يلقى الله عز وجل غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصَّلوات المكتوبات حيث ينادى بهنَّ فإنَّهنَّ من سنن الهدى وإنَّ الله عز وجل قد شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى

على مضاعفة ثواب المصلى في الصف الأول بالنسبة للصف الثانى وبمضاعفة ثواب المصلى في الصف الثانى بالنسبة للصف الثالث وهكذا، والحكمة في ذلك والله أعلم أن يبادر الناس إلى المسجد للصلاة مع الجماعة، لأنهم اذا علموا هذا الفضل تسابقوا اليه؛ وهؤلاء هم الذين نور الله بصيرتهم بنور الايمان ففهموا أسرار الشريعة فتسابقوا إلى الخيرات فجزاهم الله نعيم الجنات، جعلنا الله منهم (قال النووى رحمه الله واعلم أن الصف الأول الممدوح الذي قد وردت الأحاديث بفضله والحث عليه هو الصف الذي يلى الامام سواء جاء صاحبه متقدماً أو متأخراً، وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا، هذا هو الصحيح الذي يقتضيه ظواهر الأحاديث وصرح به المحققون، وقالت طائفة من العلماء الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه لا يتخلله مقصورة ونحوها، فان تخلل الذي يلى الامام شئ فليس بأول، بل الأول ما لا يتخلله شئ وإن تأخر، وقيل الصف الأول عبارة عن مجئ الإنسان إلى المسجد أوَّلاً وإن صلى في صف متأخر، وهذا القولان غلط صريح، وإنما أذكره ومثله لأنبه على بطلانه لئلا يغتر به والله أعلم اهـ (تنبيه) اذا ازدحم الناس على الصف الأول فخرج منه رجل كان فيه سابقا مراعيا الرأفة برجل ضعيف بجواره أو أكره على الخروج لضعفه وقوة جاره فاستسلم مراعيا حرمة المسجد أو نحو ذلك من المقاصد الحسنة كان له مثل أجر من فيه والله أعلم.

(1481)

عن عبد الله (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن آدم ثنا شريك ثنا على بن الأثمر عن ابى الأحوص عن عبد الله "الحديث"(غريبه)(1) أي يؤَّذن بهن، فالمراد بالنداء الأذان (2) روى بضم السين وفتحها وهما بمعنى متقارب أي طرائق الهدى والصواب، قاله النووى (تخريجه)(م. وغيره) إلا قوله "لقد رأيتنا وما تقام الصلاة حتى تكامل بنا الصفوف" وتقدم نحوه عن ابن مسعود أيضا في الباب الأول من ابواب صلاة الجماعة رقم 1288.

ص: 321

(1482)

عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقيمت الصَّلاة "وفى روايةٍ إذا نودي للصَّلاة" فلا تقوموا حتَّى ترونى وعليكم السَّكينة

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أقيمت الصَّلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجتيٌ ارجلٍ فى المسجد فما قام إ'لى الصَّلاة حتَّى نان القوم (وعنه من طرقٍ ثانٍ) قال أقيمت الصلَّاة ورسول الله صلَّى الله تعالى وعلى آله وصحبه وسلَّم نجيٌّ لرجلٍ حتَّى نعس

(1482) عن عبد الله بن أبى قتادة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا على بن المبارك، قال أبى وحدثنا هشام ثنا شيبان جميعا عن يحيى بن أبى كثير عن عبد الله بن أبى ثتادة عن أبيه "الحديث"(غريبه)(1) المراد بالنداء هنا الأقامة كما في الرواية الأولى (2) أي حتى ترونى قد خرجت كما صرح بذلك عند مسلم والثلاثة ولم يذكره البخارى (3) هكذا رواية الأمام أحمد والبخارى (وعليكم السكينة) ولم يذكرها مسلم ولا الثلاثة، ومعناها الزموا الطمأنينة والخشوع ولا تضجروا من الانتظار فقد ورد "الرجل في صلاة ما انتظر الصلاة"(تخريجه)(ق. والثلاثة وغيرهم).

(1483)

عن أنس بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل ثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك "الحديث"(غريبه)(4) أي صلاة العشاء بيَّنه حماد بن ثابت عن أنس عند مسلم (5) رواية ابى داود نجبيّ رجل، ورواية البخارى يناجى رجلاً، والمعنى واحد أي يحادثه (قال الحافظ) ولم أقف على اسم هذا الرجل، وذكر بعض الشراح أنه كان كبيرا في قومه فأراد أن يتألفه على الاسلام ولم أقف على مستند ذلك، قيل ويحتمل أن يكون ملكاً من الملائكة جاء بوحى من الله عز وجل، ولا يخفى بُعد هذا الاحتمال اهـ (وقوله في المسجد) رواية البخارى وأبى داود "بجانب المسجد"(6) عبّر هنا بالنوم، وفي الطريق الثانية بالنعاس ولا منافاة، فربما نام بعض القوم ونعس البعض الآخر (7)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن حميد عن أنس قال أقيمت الصلاة "الحديث"(8) بفتح العين المهملة من باب قتل، والاسم النعاس فهو ناعسٌ والجمع نُعَّس مثل راكع وركّع، والمرأة ناعسة والجمع نواعس، وربما قيل نعسان

ص: 322

أو كاد ينعس بعض القوم

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال أقيمت الصلَّاة وعدِّلت الصُّفوف قيمًا "وفي راويةٍ قبل أن يخرج إلينا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم" فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا قام في مصلَّاة ذكر أنه جنب فقال لنا مكانكم، ثمَّ رجع فاغتسل، ثمَّ خرج إلينا ورأسه يقطر فكبَّر فصلَّينا معه

ونعسى، حملوه على وسنان ووسنى، وأول النوم النعاس، وهو أن يحتاج الإنسان إلى النوم، ثم الوسن، وهو ثقل النعاس، ثم الترنيق، وهو مخالطة النعاس للعين، ثم الكَرّى والغمض، وهو أن يكون الإنسان بين النائم واليقظان؛ ثم العَفق وهو النوم، قاله في المصباح (تخريجه)(ق. د) بلفظ "حتى نام القوم" زاد مسلم "ثم قام فصلى" وللبخارى رواية أخرى نحو رواية مسلم، ورواه ابن راهويه في مسنده وابن حبان في صحيحه بلفظ "حتى نعس بعض القوم".

(1484)

عن أبى هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا عثمان بن عمر أنا يونس عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة "الحديث"(تخريجه)(ق. وغيرهما) وتقدم نحوه عن أبى هريرة أيضا من طريقين في باب حكم الأمام اذا ذكر أنه محدث من أبواب صلاة الجماعة رقم 1400 وذكرت هذا هنا للاستدلال به على أن القوم أخذوا مضافَّهم قبل مجئ الأمام لقوله "وعدِّلت الصفوف قياماً" وفي الرواية الأخرى "قبل أن يخرج الينا النبي صلى الله عليه وسلم"(وفي الباب) عن أبى هريرة أيضا "أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه" رواه مسلم وأبو داود والنسائى نحوه (وعن البراء بن عازب) رضي الله عنه قال "كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر" رواه أبو داود وابن خزيمة (وعن النعمان ابن بشير رضي الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوى صفوفنا اذا قمنا للصلاة فاذا استوينا كبر" رواه أبو داود (وعن جابر بن سمرة) رضي الله عن قال "كان بلال يؤذن اذا دحضت فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فاذا خرج أقام الصلاة حين يراه" رواه مسلم وغيره (الأحكام) أكثر أحاديث الباب تدل على جواز إقامة الصلاة وتسوية الصفوف قبل حضور الأمام، ولكنها معارضة بحديث أبى قتادة المذكور في المتن، وبحديث جابر ابن سمرة المذكور في الشرح، وهما من أصح الأحاديث، وحكى النووي عن القاضي عياض

ص: 323

(9)

باب كراهة الصف بين السوارى للمأموم

عن عبد الحميد بن محودٍ قال صلَّيت مع أنس بن مالكٍ

رحمهما الله تعالى أنه قال يجمع بين مختلف هذه الأحاديث بأن بلالا رضي الله عنه كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم من حيث لا يراه غيره أو إلا القليل، فعند أول خروجه يقيم ولا يقوم الناس حتى يروه، ثم لا يقوم مقامه حتى يعدلوا الصفوف، وقوله في رواية أبى هريرة "فيأخذ الناس مصافَّهم قبل خروجه" لعله كان مرة أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز أو لعذر، ولعل قوله صلى الله عليه وسلم "فلا تقوموا حتى ترونى" كان بعد ذلك، قال العلماء والنهى عن القيام قبل أن يروه لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه، واختلف العلماء من السلف فمَن بعدّهم متى يقوم الناس للصلاة ومتى يكبر الأمام (فذهب الشافعى) رحمه الله تعالى وطائفة أنه يستحب أن لا يقوم أحد حتى يفرغ المؤذن من الأقامة، ونقل القاضى عياض (عن مالك رحمه الله تعالى) وعامة العلماء أن يستحب أن يقوموا إذا أخذ المؤذن في الأقامة، وكان أنس رضي الله عنه يقوم اذا قال المؤذن قد قامت الصلاة (وبه قال أحمد) رحمه الله تعالى (وقال أبو حنيفة) رحمه الله تعالى والكوفيون يقومون في الصف اذا قال حى على الصلاة، فاذا قال قد قامت الصلاة كبر الأمام؛ وقال جمهور العلماء من السلف والخلف لا يكبر الأمام حتى يفرغ المؤذن من الأقامة انتهى ما نقله النووى (وروى) عن سعيد بن المسيب اذا قال المؤذن الله أكبر وجب القيام، فاذا قال حى على الصلاة عدلت الصفوف، فاذا قال لا إله إلا الله كبر الأمام (وقال مالك في الموطأ) لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود، إلا أنى أرى ذلك بقدر طاقة الناس، فان منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد، وقال في المجموعة قيل لمالك اذا أقيمت الصلاة فمتى يقوم الناس؟ قال ما سمعت فيه حدّا وليقوموا بقدر ما استوت الصفوف وفرغت الأقامة، وقال ابن حبيب كان ابن عمر لا يقوم حتى يسمع قد قامت الصلاة (وذهب) عمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب وسالم ابن عبد الله وأبو قلابة وعراك بن مالك والزهرى وسليمان بن حبيب إلى أنهم يقومون حين الشروع في الأقامة مطلقا والله أعلم.

(1485)

عن عبد الحميد بن محمود (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن يحيى بن هانئ عن عبد الحميد بن محمود "الحديث"(غريبه)(1) يعنى المعولى بكسر الميم وفتحها وسكون العين المهملة وفتح الواو البصرى، روى عن ابن عباس وأنس، وعنه ابنه حمزة وسيف، وثقه النسائي، وقال الدارقطني

ص: 324

رضي الله عنه يوم الجمعة فدفعنا على السَّوارى فتقدَّمنا أو تأخَّرنا فقال أنسٌ كنَّا نتَّقى على عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم

يحتج به، وقال الحافظ في التقريب مقلّ من الرابعة، روى له أبو داود والترمذى والنسائى (1) بضم الدال المهملة مبنيا لمفعول أي إلى ما بينهما (والسوارى) جمع سارية وهى العمود المعروف (2) يشك الرواى في كونهم تقدموا عنها أو تأخروا، والحكمة في تقدمهم أو تأخرهم عدم رغبتهم في الصلاة بين السوارى لورود النهى عن ذلك كما سيأتى، ورواية أبى داود (فتقدمنا أو تأخرنا) أي تقدم بعضهم وتأخر البعض الآخر فراراً من الصلاة بينها كما تقدم (3) أي نجتنبه ونحترز منه - قيل والحكمة في ذلك ما يترتب عليه من تقطيع الصفوف، وقيل لأنها موضع النعال، قال ابن سيد الناس والأول أشبه لأن الثانى محدث، وقال القرطبى روى أن سبب كراهة ذلك أنه مصلَّى الجن من المؤمنين اهـ والله أعلم (تخريجه)(د. نس. مذ. هق) وحسنه الترمذى (وفي الباب) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال "كنا ننهى عن الصلاة بين السوارى ونطرد عنها" رواه الحاكم وصححه (وعن معاوية ابن قرة عن أبيه) قال "كنا ننهى أن نصف بين السوارى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردا" رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقى (وعن ابن مسعود) رضي الله عنه أنه قال "لا تصفوا بين السوارى" رواه البيهقى، قال ورواه الثورى عن أبى إسحاق فقال في متنه "لا تصفوا بين الأساطين" قال وهذا والله أعلم لأن الاسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف، فان كان منفردا أو لم يجاوزوا ما بين الساريتين لم يكره إن شاء الله تعالى لما روينا في الحديث الثابت عن ابن عمر قال (سألت بلالا أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى في الكعبة؟ فقال بين العمودين المقدمين) اهـ (قلت) حديث ابن عمر الذي أشار اليه رواه الشيخان والأمام أحمد، وسيأتى في أبواب دخول الكعبة والصلاة فيها من كتاب الحج إن شاء الله تعالى (الأحكام) حديث الباب مع ما ذكرنا في الشرح يدل على كراهة الصلاة بين السوارى؛ بل ظاهر حديث معاوية بن قرة عن أبيه وحديث أنس الذي ذكره الحاكم أن ذلك محرّم (فان قيل) روى الترمذى عن عبد الحميد بن محمود قال "صلينا خلف أمير من الأمراء فاضطرَّنا الناس فصلينا بين ساريتين، فلما صلينا قال أنس كنا نتقى هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"(وروى النسائى) عن عبد الحميد أيضا قال "صلينا مع أمير من الأمراء فدفعونا حتى قمنا وصلينا بين الساريتين فجعل أنس يتأخر وقال "كنا نتقى هذا الخ" وظاهر هاتين الروايتين أنهم صلوا بين السوارى وهما معارضتان لحديث الباب، وظاهره

ص: 325

(10)

باب ما جاء فى صلاة الرجل خلف الصف وحده

حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا محمَّد بن جعفرٍ ثنا شعبة عن حصينٍ عن هلال بن يسافٍ قال أرانى زياد بن أبى الجعد شيخًا بالجزيرة

أنهم لم يصلوا بين السوارى (قلت) لا معارضة بينهما وبين حديث الباب لاحتمال أن الواقعة تعددت، فمرة صلوا، ومرة لم يصلوا، أو لم تعدد الواقعة ويكون قوله في حديث الباب "فدفعنا إلى السوارى" يعنى ابتداء فتقدموا أو تأخروا عنها، ولكن الناس اضطروهم أخيرا إلى الصلاة بينها اضطراراً، فاختصر الراوى في حديث الباب على ما حصل أولاً وذكر في رواية الترمذى كل ما حصل، والله أعلم (قال الترمذى) حديث أنس حديث حسن صحيح وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السوارى (وبه يقول أحمد وإسحاق) وقد رخّص قوم من أهل العلم في ذلك اهـ وبالكراهة قال النخعى، وروى سعيد بن منصور في سننه النهى عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة (وقال ابن سيد الناس) لا يعرف لهم مخالف في الصحابة، ورخص فيه (أبو حنيفة ومالك والشافعى) وابن المنذر قياسا على الأمام والمنفرد، قالوا وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة بين ساريتين (قال ابن رسلان) وأجازه الحسن وابن سيرين وكان سعيد بن جبير وإبراهيم التيمى وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين، وهو قول الكوفيين (وقال ابن العربى) في شرح الترمذى ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما مع السعة فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد فلا بأس به وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين سواريها اهـ (قال الشوكانى) وفيه أن حديث أنس (يعنى الذي رواه الترمذى) إنما ورد في حال الضيق لقوله فاضطرّنا الناس، ويمكن أن يقال إن الضرورة المشار إليها في الحديث لم تبلغ قدر الضرورة التي يرتفع الحرج معها، وحديث قرة ليس فيه إلا ذكر النهى عن الصف بين السوارى ولم يقل كنا ننهى عن الصلاة بين السوارى، ففيه دليل على التفرقة بين الجماعة والمنفرد، ولكن حديث أنس الذي ذكره الحاكم فيه النى عن مطلق الصلاة فيحمل المطلق على المقيد، ويدل على ذلك صلاته صلى الله عليه وسلم بين الساريتين فيكون النهى على هذا مختصا بصلاة المؤتمين بين السوارى دون صلاة الأمام والمنفرد، وهذا أحسن ما يقال، وما تقدم من قياس المؤتمين على الأمام والمنفرد فاسد الاعتبار لمصادمته لأحاديث الباب اهـ (قات) وما قاله الشوكانى هو الذي أرتضيه والله أعلم.

(1486)

حدّثنا عبد الله (غريبه) قال في النهاية اذا أطلقت الجزيرة في الحديث ولم تضف إلى العرب فإنما يراد بها ما بين دجلة والفرات اهـ وعند الترمذي عن

ص: 326

يقال له وابصة بن معبدٍ قال فأقامنى عليه وقال هذا حدَّثنى أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى وآله وصحبه وسلَّم رأى رجلًا صلَّى فى الصَّفِّ وحده فأمره فأعاد الصلَّاة، قال وكان أبى يقول بهذا الحديث

عن وابصة بن معبدٍ رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ صلَّى خلف الصُّفوف وحده، فقال يعيد الصلَّاة

عن علي بن شيبان رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلَّى خلف الصَّفِّ فوقف حتَّى انصرف الرَّجل، فقال رسول الله صلَّى الله

هلال بن يساف قال "أخذ زياد بن أبى الجعد بيدى ونحن بالرّقّة فقام بى على شيخ يقال له وابصة "الحديث" (قلت) الرقة بفتح الراء والقاف المشددتين بلد قريب من بغداد، فيستفاد من حديث الباب ورواية الترمذى أن الرقة بلد يقع في منطقة الجزيرة بين دجلة والفرات (1) يعنى ابن عتبة بن الحارث بن مالك الأسدى أبا سالم أو أبا الشعثاء، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه وعن ابن مسعود وأم قيس، وعنه ابناه سالم وعمر، وشداد مولى عباض. وراشد بن سعد. وزياد بن ابى الجعد. وآخرون (وقوله فأقامنى عليه) يعنى أوقفه عليه وقربه منه وأشار إلى وابصة قائلا هذا حدثنى الخ (2) القائل هو عبد الله بن الأمام أحمد رحمهما الله، يريد أن اباه الأمام أحمد ذهب إلى هذا الحديث فقال ببطلان صلاة من صلى خلف الصف وحده (تخريجه)(د. مذ. جه. هق. قط. حب) وحسنه الترمذى.

(1487)

عن وابصة بن معبد (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف عن وابصة بن معبد "الحديث"(تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد.

(1488)

عن على بن شيبان (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد وسريج قالا ثنا ملازم بن عمرو ثنا عبد الله بن بدر أن عبد الرحمن بن على حدثه أن أباه على بن شيبان حدثه أنه خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فصلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلمح بمؤخر عينيه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا معشر المسلمين إنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، قال ورآى

ص: 327

عليه وسلَّم استقبل صلاتك فلا صلاة لرجلٍ فردٍ خلف الصَّفِّ

رجلا يصلي خلف الصف "الحديث"(غريبه)(1) أي أعدها من جديد وعلل ذلك بقوله "فلا صلاة لرجل فرد خلف الصف"(يعنى صلَّى منفردا خلف الصف)(تخريجه)(جه) قال البوصيرى في زوائد ابن ماجه إسناده صحيح ورجاله ثقات، وروى الأثرم عن الأمام أحمد أنه قال حديث حسن، وقال ابن سيد الناس رواته ثقات معروفون (وفي الباب) عن طلق مرفوعا "لا صلاة لمنفرد خلف الصف" رواه ابن حبان (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن من صلى منفردا خلف الصف يعيد صلاته، وهل يعيدها وجوباً لبطلانها أو استحباباً مع صحتها؟ اختلف السلف في ذلك؛ فذهب قوم إلى وجوب الأعادة لبطلانها، حكاه ابن المنذر عن النخعى والحكم والحسن بن صالح والأمام أحمد وإسحاق، قال وبه أقول والمشهور عند الأمام (أحمد وإسحاق) أن المنفرد خلف الصف يصح إحرامه، فان دخل في الصف قبل الركوع صحت قدوته وإلا بطلت، واحتج لهؤلاء بأحاديث الباب (وذهب آخرون) إلى صحتها مع الكراهة ويعيدها ندباً (وهم الشافعية) وحكوه عن زيد بن ثابت الصحابى والثورى وابن المبارك وداود، واحتج لهم بحديث أبى بكرة رضي الله عنه أنه أحرم خلف الصف وركع ثم مشى إلى الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "زادك الله حرصا ولا تغد"(وسيأتى في الباب التالى) وحديث ابن عباس أنه وقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فلم تبطل صلاته، وحملوا الأعادة الواردة في أحاديث الباب على الاستحباب جمعا بين الأدلة، وفسروا قوله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لرجل فرد خلف الصف" أي لا صلاة كاملة كقوله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة بحضرة الطعام" قالوا ويدل على صحة التأويل أنه صلى الله عليه وسلم انتظره حتى فرغ ولو كانت باطلة لما أقره على الاستمرار فيها (وقال ابن الهمام) من علماء الحنفية وحمل أئمتنا حديث وابصة على الندب وحديث على بن شيبان على نفى الكمال ليوافقا حديث أبى بكرة إذ ظاهره عدم لزوم الأعادة لعدم أمره بها اهـ (وقال الحافظ) جمع أحمد وغيره بين الحديثين يعنى بين حديث وابصة وحديث أبى بكرة بأن حديث أبى بكرة مخصص لعموم حديث وابصة، فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الأعادة كما في حديث أبى بكرة وإلا تجب على عموم حديث وابصة وعلى بن شيبان اهـ (قلت) رحم الله الأمام أحمد ما أعلمه بأسرار السنة، ولا غرو فهو إمام أئمتها، فانظر رعاك الله كيف جمع بين الأحاديث بما يحصل به التوفيق بينها ولا يبطل به شئ من عملها، وهو الذي يتعين المصير اليه وهو الذي ينشرح

ص: 328

(11)

باب من ركع دون الصف ثم مشى اليه

(1489)

عن الحسن عن أبى بكرة رضى الله عنه أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكعٌ فركع دون الصَّف ثمَّ مشى إلى الصَّفِّ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من هذا الذى ركع ثمَّ مشى إلى الصَّفِّ؟ فقال أبو بكرة أنا، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

له صدري وأميل اليه (فائدة) اختلف العلماء فيمن لم يجد فرجة ولا سعة فى الصف ما الذى يفعل؟ فقيل إنه يقف منفردا ولا يجذب الى نفسه أحدا، لأنه لو جذب الى نفسه واحدا لفوّت عليه فضيلة الصف المقدّم ولأوقع الخلل فى الصف، وبهذا قال أبو الطيّب الطبرى وحكاه عن مالك، وقال أكثر أصحاب الشافعى إنه يجذب الى نفسه واحدا، ويستحب لمجذوب أن يساعده، ولا فرق بن الداخل فى أثناء الصلاة والحاضر فى ابتدائها فى ذلك، وقد روى عن عطاء وإبراهيم النخعى أن الداخل الى الصلاة والصفوف قد استوت واتصلت يجوز له أن يجذب الى نفسه واحدا ليقوم معه؛ واستقبح ذلك أحمد وإسحاق وكرهه الأوزاعى ومالك، واستدل القائلون بالجواز بما رواه الطبرانى فى الأوسط والبيهقى من حديث وابضة أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلَّى خلف الصف "أيها المصلى هلَاّ دخلت فى الصف أو جررت رجلا من الصف؟ أعد صلاتك" وفيه السرى بن إسماعيل وهو متروك، وله من طريق أخرى فى تاريخ أصبهان لأبى نعيم وفيها قيس بن الربيع فيه ضعف، ولأبى داود فى المراسيل من رواية مقاتل بن حيان مرفوعًا "إن جاء رجل فلم يجد أحدا فليختلج اليه رجلا من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج" وأخرج الطبرانى عن ابن عباس باسناد (قال الحافظ) وأما بلفظ "ان النبى صلى الله عليه وسلم أمر الآتى وقد تمت الصفوف أن يجتذب اليه رجلا يقيمه الى جنبه" أفاده الشوكانى والله أعلم

(1489)

عن الحسن عن أبى بكرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنا زياد الأعلم عن الحسن عن أبى بكرة "الحديث"(غريبه)(1) يعنى مسرعًا كما يستفاد ذلك من رواية الطحاوى عن الحسن عن أبى بكرة قال "جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع وقد حفزنى النفس فركعت دون الصف" أى قبل أن يصل إليه ومشي الى أن دخل فيه كما فى حديث الباب، وركع قبل الوصول الى الصف خشية أن تفوته الركعة، وقد صرح بذلك فى رواية الطبرانى عن يونس بن عبيد عن الحسن، وفيها "فلما قضى صلى الله عليه وسلم صلاته قال أيكم صاحب هذا النفس؟ قال خشيت أن تفوتنى الركعة، فقال صلى الله عليه وسلم

ص: 329

زادك الله حرصًا ولا تعد (ومن طريقٍ ثانٍ) عن عبد الله العزيز بن أبى بكرة أنَّ أبا بكرة جاء والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم راكعٌ فسمع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم صوت نعل أبى بكرة وهو يحضر يريد أن يدرك الرَّكعة، فلما انصرف النَّبيُّ صلَّى عليه وآله وسلَّم قال من السَّاعة؟ قال أبو بكرة أنا، قال زادك الله حرصًا ولا تعد

زادك الله حرصا على الخير والمبادرة اليه" قال ابن المنير صوّب النبى صلى الله عليه وسلم فعل أبى بكرة من الجهة العامة وهى الحرص على إدراك فضيلة الجماعة، وخطّأه من الجهة الخاصة التى هى الركوع دون الصف أو الأسراع فى المشى الى لاصلاة (1) قال الحافظ ضبطناه فى جميع الروايات فتح أوله وضم العين من العود، وحكى بعض شراح المصابيح أنه روى بضم أوله وكسر العين من الأعادة؛ ويرجح الرواية المشهورة زيادة الطبرانى فى آخر الحديث (يعنى حديث أبى بكرة) "صل ما أدركت واقض ما سبقك" (وروى الطحاوى) باسناد حسن عن أبى هريرة مرفوعًا "اذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف" (ومعنى قوله ولا تعد) أى الى ما صنعت من السعى الشديد ثم الركوع دون الصف ثم المشى الى الصف وأنت راكع، وقد ورد ما يقتضى ذلك صريحا فى طرق حديثه وتقدم بعضها، وفى رواية حماد عند الطبرانى "أيكم دخل الصف وهو راكع" وتمسك المهلب بهذه الرواية فقال إنما قال له لا تعد لأنهمثل بنفسه فى مشيه راكعا، لأنها كمشية البهائم (2) (سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا بشار الخياط قال سمعت العزيز بن أبى بكرة "الحديث" (3) الحضر بالضم العدو وأحضر يحضر فهو محضر اذا عدا وأسرع فى السير (وقوله من الساعى) أى من الذى جاء يسعى (تخريجه)(خ. نس. هق. والطحاوى)(الأحكام) حديث الباب يدل على أن من ركع دون الصف خشية فوات الركعة وجهلا بالحكم ثم مشى الى الصف فدخل فيه كما فعل أبو بكرة رضي الله عنه فلا إعادة عليه وصلاته صحيحة ويؤمر بعدم العود لمثل ذلك، أما اذا انفرد ولم يدخل فى الصف وصلى الصلاة كلها أو ركعة منها منفردا خلف الصف ففيه الخلاف المتقدم فى أحكام الباب السابق (قال ابن سيد الناس) ولا يعد حكم الشروع فى الركوع خلف الصف كحكم الصلاة كلها خلفه، فهذا أحمد بن حنبل يرى أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة، ويرى أن الركوع دون الصف جائز، قال وقد اختلف السلف فى الركوع دون الصف فرخص فيه زيد ابن ثابت وفعل ذلك ابن مسعود وزيد بن وهب، وروى عن سعيد بن جبير وأبي سلمة

ص: 330

_________

ابن عبد الرحمن وعروة وابن جريج ومعمر أنهم فعلوا ذلك (قلت وبه قالت المالكية وكرهه الشافعية) قال وقال الزهرى إن كان قريبا من الصف فعل، وإن كان بعيدًا لم يفعل، وبه قال الأوزاعى اهـ (وقالت الحنابلة) اذا جاء الى الصف فوجد الأمام راكعا وكان فى الصف الأخير فرجة جاز له أن يكبر خارج الصف محافظة على الركعة وأن يمشى الى الفرجة فيسدها وهو راكع، أو بعد رفعه من الركوع اذا لم يسجد الأمام، فان لم يدخل الصف قبل سجود الأمام ولم يجد واحدًا يكوّن معه صفا جديدا بطلت صلاته، أما اذا كبر خلف الصف لا لخوف فوت الركعة ولم يدخل فى الصف إلا بعد الرفع من الركوع فان صلاته تبطل، واذا أحرم المقتدى ثم وجد فرجة فى الصف الذ أمامه ندب له أن يمشى لسدها إن لم يؤدّ ذلك الى عمل كثير عرفًا وإلا بطلت صلاته (وقالت الحنفية) اذا جاء فوجد الأمام راكعا فان كان فى الصف الأخير فرجة فلا يكبر للأحرام خارج الصف بل يحرم فيه ولو فاتته الركعة، ويكره له أن يحرم خارج الصف، فان لم يكن ثم فرجة كبَّر خلف الصف وله أن يجذب اليه واحدا ممن أمامه فى الصف بدون عمر كثير مفسد للصلاة ليكوّن له صفا جديدا، فان صلى وحده خلف الصف كره (ويستدل بحديث الباب أيضا) على استحباب موافقة الداخل للأمام على أى حال وجده عليها؛ وقد ورد الأمر بذلك صريحا فى سنن سيد بن منصور من رواية عبد العزيز بن رفيع عن أناس من أهل المدينة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من وجدنى قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن معى على الحال التى أنا عليها" وفى الترمذى نحوه عن على ومعاذ بن جبل مرفوعًا وفى إسناده ضعف، لكنه ينجبر بطريق سعيد بن منصور المذكور قاله الحافظ (وفيه أيضا) أن المشى فى الصلاة لمصلحتها لا يبطلها وقد اختلف فى المقدار الذى يغتفر مشيه من غير بطلان؛ فقدّره بعض الحنفية بخطوة، وقدره البعض الآخر بموضع السجود (وقالت المالكية) اذا كان المشى لسد فرجة أو سترة يغتفر قدر الصفين والثلاثة، وأما اذا كان لغيرهما مثل دفع مار أو ذهاب دابة ونحوهما فيرجع فيه الى العرف، فما عدَّ فى العرف قريبا اغتفر وإلا فلا (وقالت الشافعية) تغتفر الخطوة والخطوتان على التوالى لا ما زادا عليها، وأما اذا كان المشى متقطعا فيغتفر ولو بلغ مائة خطوة (وقالت الحنابلة) يغتفر المشى اليشير لحاجة إن كان متواليا؛ وكذا الكثير إن كان متفرقًا، واليشير ما يشبه فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم من حمل أمامة وصعوده المنبر ونزوله عنه لما صلى عليه وفتح الباب لعائة وتأخره فى صلاة الكسوف ثم عوده ونحو ذلك والكثير ما زاد عن ذلك والله أعلم

ص: 331

(أبواب تتعلق بأحكام الجماعة)

(1)

باب لا صلاة بعد الاقامة الا المكتوبة

(1490)

عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة بعد الإقامة إلَاّ المكتوبة "وفى لفظ إلَاّ الَّتى أقيمت"(وعنه من طريقٍ ثانٍ) عن النَّبيِّ أنَّه قال إذا أقيمت الصَّلاة فلا صلاة إلَاّ المكتوبة

(1491)

عن طريق عبد الله بن سرجس رضى الله عنه قال أقيمت الصَّلاة صلاة الصُّبح قرأى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم رجبلًا يصلَّى ركعتى الفجر فقال له بأيِّ صلاتك احتسبت بصلاتك وحدك

(1490) عن أبي هريرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا ورقاء بن عمر اليشكرى قال سمعت عمرو بن دينار يحدث عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أى بعد الشروع فى الألفاظ التى يقولها المؤذن عند إرادة الصلاة، وصرح بمعنى ذلك محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار فيما أخرجه ابن حبان بلفظ "اذا أخذ المؤذن فى الأقامة" قاهل الحافظ (وقوله المكتوبة) يعنى المفروضة التى أقيمت (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبى هريرة "الحديث"(تخريجه)(م. هق) والأربعة والدارمى

(1491 عن عيد الله بن سرجس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجر "الحديث"(غريبه)(3) يعنى النافلة وكان قد أحرم بها بعد إحرامهم بصلاة الصبح كما يستفاد من رواية أبى داود عن عبد الله بن سرجس قال "جاء رجل والنبى صلى الله عليه وسلم يصلى الصبح فصلى الركعتين ثم دخل مع النبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة، فلما انصرف قال يا فلان أيتهما صلاتك التى صليت أو التى صليت معنا؟ "(4) يعنى بأى الصلاتين قصدت وأيهما أردت بسعيك الى المسجد، فان كانت التى صليتها وحدك وهى النافلة فصلاتها فى البيت أفضل من صلاتها فى المسجد، وإن كانت الفريضة فلم أخرتها وقدمت عليها النافلة؟ وهذا الاستفهام إنكاري

ص: 332

أو صلاتك الَّتى صلَّيت معنا

(1492)

عن عبد الله ابن مالكٍ ابن بحينة رضى الله عنه قال مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلٍ وقد أقيم فى الصلَّاة "وفي روايةٍ وقد أقيمت الصَّلاة" وهو يصلَّى الرَّكعتين قبل الفجر، فقال له شيئًا لا ندرى ما هو، فلمَّا انصرفنا أحطنا به نقول ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قال لى يوشك أحدكم أنَّ يصلَّى الصُّبح أربعًا (وعنه من طريقٍ ثانٍ) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ به وهو يصلَّى يطوِّل صلاته أة نحو هذا بين يدي صلاة الفجر، فقال له

يقصد به توبيخه على ما حصل منه من صلاة النافلة بعد إقامة المكتوبة، وهذا القول صدر من النبى صلى الله عليه وسلم بعد انصارفه من صلاة الصبح كما فى رواية أبى داود بلفظ "فلما انصرف قال يا فلان الحديث"(تخريجه)(م. د. نس. جه) والطحاوى وغيرهم

(1492)

عن عبد الله بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن أبيه ثنا حفص بن عاصم عن عبد الله بن مالك ابن بحينة "الحديث"(غريبه)(1) بحينة لقب والدة عبد الله بن مالك واسمها عبدة أدركت الأسلام فأسلمت وصحبت وأسلم ابنها عبد الله قديما، قال الحافظ وحكى ابن عبد البر اختلافًا فى بحينة هل هى أم عبد الله أو أم مالك، والصواب أنها أم عبد الله، فينبغى أن يكتب ابن بحينة بزيادة ألف ويعرب إعراب عبد الله كما فى عبد الله بن أبىّ ابن سلول ومحمد بن على ابن الحنفية اهـ (2) أى يقرب ويسرع أن أحدكم يصلى الصبح أربع ركعات، ومعنى ذلك أنه يصلى ركعتين نافلة بعد الأقامة، ثم يصلى معهم الفريضة، فمن فعل ذلك صار فى معنى من صلى الصبح أربعا لأنه صلى بعد الأقامة أربعا، قال القاضى عياض والحكمة فى النهى عن صلاة النافلة بعد إقامة المكتوبة أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الأمام، واذا اشتغل بنافلة فاته الأحرام مع الأمام وفاته بعض مكملات الفريضة، فالفريضة أولى بالمحافظة على إكمالها، قال القاضى عياض وفيه حكمة أخرى وهو النهى عن الاختلاف على الائمة، أفادة النووى (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبى كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن عبد الله بن مالك ابن بحينة أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مرَّ به وهو يصلي "الحديث"

ص: 333

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا هذه مثل صلاة الظُّهر قبلها ويعدها، اجعلوا بينهما فصلًا

(1493)

عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطَّاب عن مالك بن بحينة أنَّ رجلًا دخل المسجد وقد أقيمت الصَّلاة فصلَّى ركعتى الفجر، فلمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعنى الصَّلاة) لاث به النَّاس فقال الصُّبح أربعًا

(1) فيه أنه يستحب تخفيف ركعتى الفجر والفصل بينها وبين صلاة الصبح (تخريجه) أخرج الطريق الأولى منه مسلم، ولم أقف على من أخرج الطريق الثانية غير الأمام أحمد وسندها جيد

(1493)

عن حفص بن عاصم (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا شعبة وحجاج أنا شعبة عن سعد بن ابراهيم عن حفص بن عاصم وغيره قال حجاج فى حديثه قال سمعت حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب "الحديث"(غريبه)(2) هكذا هذه الرواية عن مالك بن بحينة وهى من طريق شعبة كما ترى فى السند، وكذلك عند البخارى من طريق شعبة أيضا قال (يعنى شعبة) أحبرنى سعد بن ابراهيم قال سمعت حفص بن عاصم قال سمعت رجلا من الأزد يقال له مالك بن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآى رجلا فذكر الحديث بنحو حديث الباب، وظاهر هذا أن مالكا صاحبى وأن أمه بحينة وهذا خطأ، والصواب أن الصحبة والرواية لولده عبد الله كما فى الحديث السابق وأن بحينة أم ولده عبد الله كما بينا ذلك فى شرح الحديث المتقدم، والدليل على أن الحديث من رواية ابنه عبد الله هو أن الأمام أحمد رحمه الله تعالى ذكره بجميع طرقه فى مسند عبد الله بن مالك، ولم يكن لمالك عند الأمام أحمد مسند؛ ورجح الائمة عدم صحبته؛ وقد وهم شعبة فى السند (قال الحافظ) وتابعه على ذلك أبو عوانة وحماد بن سلمة، وحكم الحفاظ يحيى بن معين وأحمد والبخارى ومسلم والنسائى والأسماعيلي وابن الشرقى والدارقطنى وأبو مسعود وآخرون عليهم بالوهم فيه فى موضعين (أحدهما) أن بحينة والدة عبد الله لا مالك (وثانيهما) أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالك اهـ (3) بمثلثة خفيفة أى اختلطوا به والتفوا حوله، قال فى القاموس والالتياث الاختلاط والالتفاف، وظاهره أن الضمير فى قوله (لاث به) للنبى صلى الله عليه وسلم، ولكن الطريق الأولى من الحديث السابق تقتضى أنه للرجل (4) آلصبح بهمزة ممدودة فى أوله ويجوز قصرها وهو استفهام إنكار، وكرر الجملة مرتين فى رواية البخارى تأكيدًا للانكار، والصبح بالنصب باضمار فعل تقديره أتصلى الصبح؟ وأربعا منصوب على لاحال، قاله ابن مالك (تخريجه)(ق. نس)

ص: 334

(1494)

خط عن عبد الله بن مالك ابن بحينة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الصُّبح وابن القشب يصلِّى فضرب النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم منكبه وقال يا ابن القشب اتصلِّى الصُّبح أربعًا أو مرتين؟ ابن جريج يشَّك

(1495)

عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال أقيمت صلاة الصبُّبح فقام رجلٌ يصلِّى الرَّكعتين فجذب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتوبه فقال أتصلَّى الصُّبح أربعًا؟

(1494)"خط" عن عبد الله بن مالك (سنده) حدّثنا عبد الله قال وجدت فى كتاب أبى بخط يده ثنا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرنى جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن مالك ابن بحينة أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج لصلاة الصبح "الحديث"(غريبه)(1) بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة هو لقب جد عبد الله ابن مالك واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله، والمراد بابن القشب هنا عبد الله بن مالك وقد حذف اسمه وانتسب الى جده لغرض فى نفسه، وقد حصل مثل ذلك لكثير من الصحابة يقول بعضهم (مثلا) رأى النبى صلى الله عليه وسلم رجلا يفعل كذا وكذا ويكون هو الفاعل، والدليل على أن المراد بابن القشب هنا عبد الله بن مالك، ما تقدم فى روايته فى الطريق الثانية من حديثه السابق "أن النبى صلى الله عليه وسلم مر به وهو يصلى الخ" وما رواه البيهقى عنه (أعنى عن عبد الله ابن مالك ابن بحينة رضي الله عنه قال "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى صلاة الصبح ومعه بلال فأقام الصلاة فمر بى فضرب منكبى وقال أتصلى الصبح أربعا؟ " والأحاديث يفسر بعضها بعضا فتدبر (2) يعنى أن ابن جريج شك هل قال الراوى "أتصلى الصبح أربعا أو قال أتصلى الصبح مرتين بدل قوله أربعا"(تخريجه)(هق) وسنده جيد

(1495)

عن ابن عباس (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد ثنا صالح بن رستم أبو عامر عن عبد الله بن أبى مليكة عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(3) يحتمل أن يكون هذا الرجل هو ابن عباس نفسه بدليل ما رواه ابن خزيمة وابن حبان والبزار والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال "كنت أصلى وأخذ المؤذن فى الأقامة فجذبنى النبى صلى الله عليه وسلم وقال أتصلى الصبح أربعا" ويحتمل أن يكون غيره وتكون القصة تعددت والله أعلم (تخريجه) لم أقف عليه بنسبة القصة الى رجل مبهم

ص: 335

_________

إلا عند الإمام أحمد، وأخرجه أبو داود الطيالسى والبيهقى والبزار وأبو يعلى والطبرانى وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى المستدرك، وقال إنه على شرط الشيخين أخرجوه كلهم بنسبة القصة الى ابن عباس باللفظ المتقدم فى الشرح (الأحكام) أحاديث الباب تدل على عدم جواز الشروع فى النافلة عند إقامة الصلاة من غير فرق بين ركعتى الفجر وغيرهما، وقد اختلف الصحابة والتابعون ومن بعدهم فى ذلك، فذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر على خلاف فيه وأبو هريرة رضي الله عنهم الى كراهة ذلك، وممن قال بها من التابعين عروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعى وعطاء بن أبى رباح وطاوس ومسلم بن عقيل وسعيد بن جبير، ومن الائمة سفيان الثورى وابن مبارك (والشافعى وأحمد) وإسحاق وأبو ثور ومحمد بن جرير، هكذا أطلق الترمذى الرواية عن الثورى، وروى عنه ابن عبد البر والنووى تفصيلا، وهو أنه اذا خشى فوت ركعة من صلاة الفجر دخل معهم وترك سنة الفجر وإلا صلاها (وذهب مالك) الى التفرقة بين أن يكون فى المسجد أو خارجه، وبين أن يخاف فوت الركعة الأولى مع الأمام أولا؛ فقال اذا كان قد دخل المسجد فليدخل مع الأمام ولا يركعهما يعنى ركعتى الفجر وإن لم يدخل المسجد، فان لم يخف أن يفوته الأمام بركعة فليركع خارج المسجد، وإن خاف أن تفوته الركعة الأولى مع الأمام فليدخل وليصل معه، وحكى ابن عبد البر عن (أبى حنيفة) أنه إن خشى فوت الركعتين معًا وأنه لا يدرك الأمام قبل رفعه من الركوع فى الثانية دخل معه وإلا فيركعهما يعنى ركعتى الفجر خارج المسجد ثم يدخل مع الأمام، وحكى عنه أيضا نحو قول مالك وه والذى حكاه الخطابى، وهو موافق لما حكاه عنه أصحابه، وحكى عنه النووى أنه يركعهما فى المسجد إلا أن يخاف فوت الركعة الأخيرة، فأما الركعة الأولى فليركع وإن فاتته، وهو قول الأوزاعى وسعيد بن عبد العزيز (وذهب أهل الظاهر) الى أنه اذا سمع الأقامة لم يحل له الدخول فى ركعتى الفجر ولا فى غيرهما من النوافل سواء أكان فى المسجد أم خارجه، فان فعل فقد عصى، ونقله ابن حزم عن الشافعى وعن جمهور السلف، وكذا قال الخطابى وحكى الكراهة عن الشافعى وأحمد، وحكى القرطبى فى المفهم عن أبى هريرة وأهل الظاهر أنها لا تنعقد صلاة تطوع فى وقت إقامة الفريضة (وقال الشوكانى) وهذا القول هو الظاهر عن كان المراد باقامة الصلاة الأقامة التى يقولها المؤذن عند إرادة الصلاة وهو المعنى المتعارف، قال العراقى وهو المتبادر الى الأذهان فى هذا الحديث (قال الشوكانى) إلا اذا كان المراد باقامة الصلاة فعلها كما هو المعنى الحقيقى، ومنه قوله تعالى {الذين يقيمون الصلاة} فانه لا كراهة فى فعل النافلة عند إقامة المؤذن قبل الشروع فى الصلاة، وإذا كان المراد

ص: 336

(2)

باب من صلى ثم أدرك جماعة فليصلها معهم نافلة

(1496)

عن جابر بن يزيد الأسود عن أبيه رضى الله عنه قال حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجَّة الوداع، قال فصلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلغاة الصبُّح أوالفجر، قال ثمَّ انحرف جالسًا أو استقبل النَّاس بوجهه فإذا هو برجلين من وراء النَّاس لم يصلِّيا مع النَّاس، فقال ائتونى بهذين الرَّجلين، فأتى بهما ترعد فرائصهما فقال مامنعكما أن تصلِّيا مع النَّاس؟ قالا يا رسول الله إنَّا كنَّا صلَّينا فى الرِّجال قال فلا تفعلا، إذا صلَّى أحدكم فى رحله ثمَّ أدرك الصَّلاة مع الإمام فليصلِّها معه

المعنى الأول فهل المراد به الفراغ من الأقامة لأنه حينئذ يشرع فى فعل الصلاة، أو المراد شروع المؤذن فى الأقامة (قال العراقى) يحتمل أن يراد كل من الأمرين، والظاهر أن المراد شروعه فى الأقامة ليتهيأ المأموم لأدراك التحريم مع الأمام، ومما يدل على ذلك قوله فى حديث أبى موسى عند الطبرانى "ان النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا صلى ركعتى الفجر حين أخذ المؤذن يقيم" قال العراقى وإسناده جيد اهـ (قال الحافظ) واستدل بعموم قوله "فلا صلاة إلا المكتوبة" لمن قال يقطع النافلة اذا أقيمت الفريضة، وبه قال أبو حامد وغيره من الشافعية، وخص آخرون النهى بمن ينشئ النافلة عملا بعموم قوله تعالى {ولا تبطلوا أعمالكم} وقيل يفرق بين من يحشى فوت الفريضة فى الجماعة فيقطع وإلا فلا اهـ

(1496)

عن جابر بن يزيد بن الأسود (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه "الحديث"(غريبه)(1) ترعد بضم أوله وفتح ثالثه أى تتحرك، كذا قال ابن رسلان (والفرائص) جمع فريصة بالصاد المهملة وهى اللحمة من الجنب والكتف التى لا تزال ترعد أى تتحرك من الدابة، واستعير للأنسان لأن له فريصة وهى ترجف عند الخوف، وقال الأصمعى الفريصة لحمة بين الكتف والجنب، وسبب ارتعاد فرائصهما ما اجتمع فى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهيبة العظيمة والحرمة الجسيمة لكل من رآه مع كثرة تواضعه (2) المراد بالرحال هنا المنازل سواء أكانت من مدر أو وبر وشعر أو غير ذلك (3) أى فى مسجد الجماعة كما فى رواية النسائى والترمذى "اذا صليتما فى رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا

ص: 337

فإنَّها له نافلةً قال فقال أحدهما استغفر لى يا رسول الله، فاستغفر له، قال ونهض النَّاس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ونهضت معهم وأنا يومئذ أشبُّ الرِّجال وأجلده قال فما زات أزحم النَّاس حتَّى وصلت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّى فأخذت بيده فوضعتها إمَّا على وجهى أو صدرى، قال فما وجدت شيئًا أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وهو يومئذٍ في مسجد الخيف

(1497)

عن بسر بن محجن عن أبيه قال أتيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قأقيمت الصلَّاة فجلست، فلمَّا صلَّى قال لى ألست بمسلمٍ؟ قلت بلى، قال فما منعك أن تصلَّى مع النَّاس؟ قال قلت قد صلَّيت فى أهلى، قال فصلِّ مع النَّاس "وفى روايةٍ إذا جئت فصلَّ مع النَّاس ولو كنت قد صلَّيت فى أهلك"(وعنه من طريقٍ ثانٍ) أنَّ محجنًا كان فى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذِّن بالصلَّاة

معهم فإنها لكما نافلة" (1) فيه تصريح بأن الثانية فى الصلاة المعادة نافلة، وظاهره عدم الفرق بين أن تكون الأولى جماعة أو فرادى (2) أى أقواهم وأعظمهم صبرا على المكاره انظر حديث رقم 767 من كتاب الصلاة فى الجزء الرابع (3) بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء التحتية وهو مسجد مشهور بمنى، قال الطيبى الخيف ما انهدر من غليظ الجبل وارتفع عن المسيل، يعنى هذا وجه تسميته به (تخريجه)(قط. حب. ك. والثلاثة) وصححه ابن السكن، وقال الترمذى حسن صحيح

(1497)

عن بسر بن محجن عن أبيه (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان ثنا زيد بن أسلم عن بسر بن محجن عن أبيه "الحديث"(غريبه)(4) بسر بضم الموحدة وسكون املهملة ويروى بكسر الموحدة والضم أشهر وصوَّبه أبو نعيم (ومحجن) بوزن منبر هو الديلى بكسر الدال المهملة وسكون الياء عند الكسائى، صحابى قليل الحديث، قال أبو عمرو معدود فى أهل المدينة؛ روى عنه ابنه بسر (5) هذا استفهام يراد به التوبيخ (6)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بنى الديل يقال له بسر

ص: 338

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بهم ثمَّ رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحجنٌ فى مجلسه، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ما منعك أن تصلِّي مع النَّاس؟ ألست برجلٍ مسلمٍ؟ وذكر نحو الحديث المتقدِّم

(1498)

عن حنظلة بن علي الأسلميِّ عن رجلٍ من بنى الدِّيل قال صلَّيت الظّهر فى بيتى خرجت بأباعر لأصدِّرها إلى الرَّاعهى فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّى بالنَّاس الظُّهر فمضيت فلم أصلِّ معه، فلمَّا أصدرت أباعرى ورجعت ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أصدرت أباعرى ورجعت ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لى ما منعك يا فلان أن تصلِّي معنا حين مررت بنا؟ قال فقلت يا رسول الله إنِّى قد كنت صلَّيت فى بيتي قال وإن

(1499)

عن أبى العالية البرَّاء قال أخَّر ابن زيادٍ الصَّلاة فأتاني

ابن محجن عن أبيه محجن أنه كان فى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه)(ك. نس. حب. ك) وسنده جيد

(1498)

عن حنظلة بن على (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن إسحاق قال حدثنى عمران بن أبى أنس عن حنظلة بن على "الحديث"(غريبه)(1) أى وإن كنت قد صليت فصل مع الجماعة (تخريجه) لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورده الهيثمى ولم يعزه لغيره وقال رجاله موثقون

(1499)

عن أبى العالية (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن أبى العالية البرَّاء "الحديث"(غريبه)(2) هو بتشديد الراء وبالمد كان يبرى النبل واسمه زياد بن فيروز البصرى، وقيل اسمه كلثوم، توفى يوم الاثنين فى شوال سنة تسعين (3) كان من أمراء بنى أمية الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، تولى الأمارة فى خلافة معاوية ثم عزله معاوية ثم أعاده، وكان أميرا فى خلافة يزيد بن معاوية الى السنة الثالثة من خلافة عبد الملك بن مروان فقتل فيها سنة سبع وستين هجرية

ص: 339

عبد الله بن الصَّامت فألقيت له كرسيًا فجلس عليه فذكرت له صنيع بن زياد فعضَّ على شفيه وضرب فخذى وقال إنِّى سألت أبا ذرٍ كما سألتنى فضرب فخذى كما ضربت على فخذك وقال إنِّى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتنى وضرب فخذى كما ضربت فخذك فقال صلِّ الصَّلاة لوقتها، فإن أدركتك معهم فضلِّ ولا تقل إنِّى قد صلَّيت ولا أصلِّى

(1500)

عن أبى أبيِّ بن امرأة عبادة بن الصَّامت عن عبادة ابن الصَّامت رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّها ستكون عليكم

(1) يعني تألما من فعل ابن زياد (2) سبب سؤال أبى ذر للنبى صلى الله عليه وسلم جاء فى رواية أخرى عند مسلم بسنده عن بديل قال "سمعت أبا العالية يحدث عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب فخذى كيف أنت بقيت فى قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال قال ما تأمر؟ قال صل الصلاة لوقتها ثم اذهب لحاجتك فان أقيمت الصلاة وأنت فى المسجد فصل" فترى أن أبا ذر رضي الله عنه لم يسأل النبى صلى الله عليه وسلم إلا بعد ما أخبره صلى الله عليه وسلم بما يحصل من الأمراء فى تأخير الصلاة عن أوقاتها قبل حصوله، وفيه معجزة للنبى صلى الله عليه وسلم (3) إنما ضرب النبى صلى الله عليه وسلم فخذ أبى ذر ليتنبه ويجمع ذهنه لما يقوله له النبى صلى الله عليه وسلم، وكذلك ضرب أبو ذر فخذ الراوى عنه لذلك وهكذاـ وهذا الحديث يسمى بالمسلسل فى اصطلاح المحدثين، وهو ما اتفقت رواته على صفة من الصفات عند ذكره كضحك أو قيام أو قعود أو ضرب يد أو فخذ كما هنا أو نحو ذلك، وفيه كلام كثير فى علم مصطلح الحديث (4) أى لا تقل لا أصلى لأنى قد صليت؛ زاد مسلم فى رواية "فصل معهم فانها زيادة خير" وله فى أخرى "فقال صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة"(تخريجه)(م. بلفظ حديث الباب) ولمسلم أيضا وغيره بمعناه

(1500)

عن أبى أبىّ (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبى المثنى الحمصى عن أبى أبىّ بن امرأة عبادة ابن الصامت عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه "الحديث"(غريبه)(5) ابن أم حرام، اسمه عبد الله بن عمرو، وقيل ابن كعب الأنصارى صحابى نزل بيت المقدس

ص: 340

أمراء تشغلهم عن الصَّلاة حتَّى يؤخرَّوها عن وقتها فصلُّوها لوقتها "وفى روايةٍ ثمَّ اجعلوا صلاتكم معهم تطوُّعًا" قال فقال رجلٌ يارسول الله فإن أدركتها معهم أصلِّى؟ قال إن شئت (وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه وفيه) فقال رجلٌ يارسول ثمَّ نصلِّى معهم قال نعم، قال عبد الله قال أبى رحمه الله وهذا هو الصَّواب

وهو آخر من مات من الصحابة بها، قاله الحافظ فى التقريب (1) أى وقتها المختار (وقوله فصلوا لوقتها) أى فى أول وقتها ولو منفردين اذا لم يترتب عليه فتنة (2) يعنى إن شئت فصل معهم لأنها زيادة خير لك كما صرح بذلك فى بعض روايات مسلم، وهو صارف للأمر المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم فى الطريق الثانية "نعم" عن الوجوب الى الاستحباب (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعمر يعنى ابن بشر أنا عبد الله أنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبى المثنى الحمصى عن أبى أبىّ بن امرأة عبادة بنالصامت قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس سيجئ أمراء يشغلهم أسشياء حتى لا يصلوا الصلاة لميقاتها فصلوا الصلاة لميقاتها، فقال رجل يا رسول الله ثم نصلى معهم؟ قال نعم، ولهذا الحديث طريق ثالث قال حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة فذكره قال عن ابن امرأة عبداة عن عبادة عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله (4) يعنى ابن الأمام أحمد (5) الأشارة ترجع الى قوله نعم، والمعنى والله أعلم أن الأمام أحمد رحمه الله صوَّب رواية نعم عن رواية إن شئت، وقد جمع بينهما فى رواية أبى داو قال "فقال رجل يا رسول الله أصلى معهم؟ قال نعم إن شئت"(تخريجه)(د) وسند الأمام أحمد جيد (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الدخول فى صلاة الجماعة لمن كان قد صلى تلك الصلاة ولكن ذلكمقيد بالجماعات التى تقام فى المساجد لما فى رواية يزيد بن الأسود عند النسائى والترمذى بلفظ "ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا"(قال النووى) والصحيح عند أصحابنا استحباب إعادة جميع الصلوات فى جماعة سواء صلى الأولى جماعة أم منفردًا، وهو قول سعيد بن المسيب وابن جبير والزهرى، ومثله عن على بن أبى طالب وحذيفة وأنس رضي الله عنهم، ولكنهم قالوا فى المغرب يضيف اليها أخرى (وبه قال أحمد) وعندنا لا يضيف، وقال ابن مسعود (ومالك) والأوزاعى والثورى يعيد الجميع إلا المغرب لئلا تصير شفعا،

ص: 341

_________

وقال الحسن البصرى يعيد الجميع إلا الصبح والعصر (وقال أبو حنيفة) يصلى الظهر والعشاء فقط، وقال النخعى يعيدها كلها إلا الصبح والمغرب، وهذه المذاهب ضعيفة لمخالفتها الأحاديث، ودليلنا عموم الأحاديث الصحيحة اهـ ج (وقال ابن عبد البر) قال جمهور الفقهاء إنما يعيد الصلاة مع الأمام فى جماعة من صلى وحده فى بيته أو فى غير بيته، وأما من صلى فى جماعة وإن قلّت فلا يعيد فى أخرى قلّت أو كثرت، ولو أعاد فى جماعة أخرى لأعاد فى ثالثة ورابعة الى مالا نهاية له وهذا لا يخفى فساده اهـ (قلت) وهو وجيه (وفى أحاديث الباب أيضا) التصريح بأن الصلاة الثانية تكون نافلة والأولى هى الفريضة وظاهرها سواء أصليت فى جماعة أم فرادى، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل من الرجلين عن ذلك وترك الاستفصال فى مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم فى المقال (وذهب الى ذلك) من الصحابة على رضي الله عنه وبه قال الثورى وأبو إسحاق (وأبو حنيفة والشافعى فى الجديد والحنابلة) وخالفهم آخرون فقالوا الثانية هى الفريضة والأولى نافلة (وذهب قوم) الى أن كلا منهما فريضة، واحتجوا بأحاديث لا تخلوا من مقال ولا تقوى على مناهضة أحاديث الباب، فمذهب الأولين أقوى دليلا وأهدى سبيلا (وذهبت المالكية) الى أنه يفوض الى الله تعالى فى أيتهما شاء فرضه، لما روى مالك فى الموطأ عن نافع "أن رجلا سأل عبد الله ابن عمر فقال إنى أصلى فى بيتى ثم أدرك الصلاة مع الأمام أفأصلى معه؟ فقال له عبد الله ابن عمر نعم، فقال الرجل أيتهما أجعل صلاتى؟ فقال له ابن عمر أو ذلك اليك؟ إنما ذلك الى الله تعالى يجعل أيتهما شاء" وفى الموطأ أيضا عن سعيد بن المسيب مثل ذلك؛ فان كان هذا مذهب ابن عمر رضي الله عنهما فلا يكون حجة فى مقابلة النص، والحق ما ذهب اليه الأولون (وفيها أيضا) دليل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة للتصريح بأن ذلك كان فى صلاة الصبح، والى ذلك ذهبت الشافعية فيكون هذا مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة الصبح، ومن جوز التخصيص بالقياس ألحق به ماسواه من أوقات الكراهة، وظاهر التقييد بقوله صلى الله عليه وسلم "ثم أتيتما مسجد جماعة" أن ذلك مختص بالجماعات التى تقام فى المساجد لا التى تقام فى غيرها فيحمل المطلق من ألفاظ أحاديث الباب على المقيد منه بمسجد الجماعة (وفيها أيضا) دليل على مشروعية الصلاة مع أئمة الجور حرصا على فضيلة الجماعة وحذرًا من وقوع فتنة وتفرق كلمة المسلمين بسبب التخلف، وقد أطلنا الكلام على ذلك فى أحكام الباب الأول من أبواب الأمامة وصفة الائمة من كتاب الصلاة فارجع اليه إن شئت

ص: 342

(3)

باب الجمع فى مسجد مرتين وحديث لا تصلوا صلاة فى يوم مرتين

(1501)

عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى بأصحابه، ثمَّ جاء رجلٌ فقال نبيُّ الله صلى الله عليه وآله وسلم من ينَّجر على هذا أو يتصدَّق على هذا فيصلِّى معه، قال فصلَّى معه رجلٌ

(1502)

عن سليمان مولى ميمونة رضى الله عنها قال أتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلُّون فى المسجد قلت ما يمنعك أن تصلَّى مع النَّاس أو القوم؟ قال إنِّى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصلُّوا صلاةً فى يومٍ مرَّتين

(1501) عن أبي سعيد الخدرى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن أبى عدي عن سعد يعنى ابن أبى عروبة قال حدثنى سليمان الناجى عن أبى المتوكل عن أبى سعيد "الحديث"(غريبه)(1) بتشديد التاء من اتجر يتَّجر اتجارا من باب الافتعال؛ لأنه يشترى بعمله الثواب كأنه بصلاته معه قد حصل لنفسه تجارة أى مكسبا (وقوله أويتصدق) لفظ أو للشك من الراوى ورواية الترمذى "يتجر" بدون شك، ورواية أبى داود "يتصدق" وسواء أكان اللفظ الحقيقى يتجر أو يتصدق فالمعنى واحد وهو تحصيل الثواب، لأنه بصلاته معه صار كأنه تصدق عليه بثواب ست وعشرين درجة، ولو صلى منفردا لم يحصل له الا ثواب صلاة واحدة (2) هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، قال الزيلعى فى نصب الراية وفى رواية البيهقى ان الذى قام فصلى معه أبو بكر رضي الله عنه (تخريجه) أخرجه أبو داود وسكت عنه، والترمذى وحسنه، ونقل المنذرى تحسين الترمذى وأقره، وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، وأخرجه أيضا (خز. حب) فى صحيحيهما، وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح

(1502)

عن سليمان مولى ميمونة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن حسين ثنا عمرو بن شعيب حدثنى سليمان مولى ميمونة "الحديث"(غريبه)(3) هو موضع مفروش بالبلاط بين المسجد والسوق بالمدينة (تخريجه)(د. نس. هق. حب. خز) وقال النووى فى الخلاصة إسناده صحيح (الأحكام) حديث أبى سعيد فيه دليل على جواز الجمع فى المسجد بعد جماعة الأمام الراتب (وفيه) أنه اذا جاء رجل فلم يدرك الجماعة استحب لبعض من صلى جماعة أن يعيدها معه بقصد حصول فضل

ص: 343

_________

الجماعة لصاحبه وبذلك يكون قد تصدق عليه كما جاء فى الحديث ولما رواه البخارى وغيره "كل معروف صدقة"(وحديث ابن عمر) فيه النهى عن صلاة الفرض فى اليوم مرتين فهو على ظاهره معارض لحديث أبى سعيد، ولكن لا تعارض، لأنه يحمل على إعادة الصلاة فى اليوم مرتين بنية الفرض أو على إعادتها فرادى سواء صلاها أوَّلاً فرادى أم فى جماعة، أمام من أعادها بقصد حصول فضل الجماعة لنفسه إن كان صلى منفردًا أو لغيره كما اذا وجد رجلا لم يدرك الجماعة فتصدق عليه بصلاته معه كما تقدم فلا يتناوله النهى، ويكون حديث أبى سعيد مخصصا لحديث ابن عمر (وفى الباب) أحاديث وآثاره كثيرة تؤيد ذلك (منها) ما رواه الدارقطنى عن أنس رضي الله عنه "أن رجلا جاء وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم فقام يصلى وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتجر على هذا فيصلى معه" قال الحافظى الزيلعى فى نصب الراية إسناده جيد، وكذا قال الحافظ ابن حجر فى الدراية (ومنها) عن سلمان مثله، رواه البزار وفى إسناده من اختلف فيه (ومن الآثار) ما رواه ابن أبى شيبة فى مصنفه أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلوا مجمع بعلقمة ومسروق والأسود وإسناده صحيح وهو قول أنس بن مالك، قال البخارى فى صحيحه وجاء أنس بن مالك الى مسجد قد صلى فيه فأذَّن وأقام وصلى جماعة اهـ (قال الحافظ) وصله أبو بعلى فى مسنده عثمان قال مرَّ بنا أنس فى مسجد بنى ثعلبة فذكره نحوه، قال وذلك فى صلاة الصبح، وفيه فأمر رجلا فأذَّن وأقام ثم صلى بأصحابه (وأخرجه ابن أبى شيبة) من طرق عن الجعد (وعند البيهقى) من طريق أبى عبد الصمد العمِّى عن الجعد نحوه وقال فى مسجد بنى رفاعة وقال فجاء أنس فى نحو عشرين من فتيانه اهـ والى ذلك ذهب الائمة (احمد واسحاق وداود وابن المنذر) وهو الذى أختاره، قال فى الاستذكار اتفق احمد بن حنبل واسحاق بن راهويه على أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم "ولا تصلوا صلاة فى يوم مرتين" أن ذلك أن يصلى الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة الفرض أيضا، وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فى أمره بذلك فليس ذلك من إعادة الصلاة فى يوم مرتين، لأن الأولى فريضة والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ اهـ (وقال النووى رحمه الله قال أصحابنا إن كان لمسجد إمام راتب وليس هو مطروقًا كره لغيره اقامة الجماعة فيه ابتداء قبل فوات مجئ امامه، ولو صلى الأمام كره أيضا اقامة جماعة أخرى فيه بغير إذنه هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور، وقال به الأوزاعى ومالك والليث والثورى وأبو حنيفة، قال وحكى الرافعى وجهًا أنه لا يكره وهو شاذ ضعيف، أما ان كان المسجد مطروقًا أو غير مطروق وليس له امام راتب فلا كراهة فى الجماعة الثانية والثالثة واكثر بالاجماع اهـ بتصرف ج

ص: 344

(4)

باب ما يفعل المسبوق

(1503)

عن عبد الرَّحمن بن أبى ليلى عن معاذ بن جبلٍ رضى الله عنه قال كان النَّاس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سبق الرَّجل ببعض صلاته سألهم فأومؤا إليه بالذى سبق به من الصلَّاة فيبدأ فيقضى ما سبق ثمَّ يدخل مع القوم فى صلاتهم، فجاء معاذ بن جبلٍ والقوم قعودً فى صلاتهم فقعد فلمَّا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقضى ما كان سبق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصنعوا كما صنع معاذٌ

(1504)

عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة رضي الله

(1503) عن عبد الرحمن بن أبى ليلى (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا عبد العزيز يعنى ابن مسلم ثنا الحصين عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن معاذ "الحديث"(غريبه)(1) أي سأل المصلين وهم فى الصلاة (وقوله فأومأوا اليه) أى أخبروه بالأشارة أنهم صلوا كذا من الركعات، ومثل هذه الأشارة جائزة فى الصلاة، وقد تقدم الكلام على ذلك (2) أى يصلى ما سبقه به الأمام منفردًا ثم يدخل مع القوم فى صلاتهم مقتديا بالأمام؛ هكذا كانت حالهم قبل قصة معاذ (3) يعنى أنه لم يقض ما فاته كعادتهم، لأنه لا يحب أن يخالف النبى صلى الله عليه وسلم فى حال من أحواله (4) أى قام معاذ بعد أن سلم النبى صلى الله عليه وسلم من الصلاة فقضى ما كان سبق به (5) يعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم أعجبه ما صنع معاذ فرغّب الناس فيه وأمرهم به، ولعل ما فعله معاذ كان سببا فى مجيئ الوحى به فى الحال فأقره النبى صلى الله عليه وسلم ورضى به (تخريجه) أخرجه أبو داود مطولا، وأخرجه الدارقطنى من طريق الأعمش عن عمرو بن مرة، وأخرجه (خز. هق. ش) والطحاوى، وأخرج نحوه الأمام احمد مطولا كرواية أبى داود، وتقدم فى الباب الثالث عشر رقم 83 من كتاب الصلاة وسنده جيد

(1504)

عن عروة بن المغيرة (سنده) حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سعد ويعقوب قالا ثنا أبى عن صالح عن ابن شهاب حدثنى عبدا بن زياد قال سعد بن أبى سفيان عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة "الحديث"(غريبه)

ص: 345

عنه أنَّه قال تخلَّفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك فتبرَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ رجع إلىَّ ومعى الإدارة قال فصببت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ استنثر قال يعقوب ثمَّ تمضمض ثمَّ غسل وجهه ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ أراد أن يغسل يديه قبل أن يخرجهما من كمَّى جبَّته فضاق عنه كماَّ ها فأخرج يده من الجبَّة فغسل يده اليمنى ثلاث مرَّاتٍ، ويده اليسرى ثلاث مرَّاتٍ، ومسح بخفَّية ولم ينزعها، ثمَّ عمد إلى النَّاس فوجدهم قد قدَّموا عبد الرَّحمن بن عوفٍ يصلِّى بهم، فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الرَّكعتين فصلَّى النَّاس الرَّكعة الآخرة بصلاة عبد الرَّحمن، فلمَّا سلَّم عبد الرَّحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمُّ صلاته فأفزع المسلمين فأكثروا التسبيح، فلمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم فقال أحسنتم وأصبتم ينبطهم أن صلَّوا الصَّلاة لوقتها

(1) زاد مسلم قبل صلاة الفجر (وقوله فتبرز) أى خرج الى البراز بفتح الباء الموحدة وهو الفضاء الواسع كنَّى به عن قضاء الحاجة، وزاد فى رواية الشيخين "فانطلق حتى توارى عنى ثم قضى حاجته"(2) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء (3) يعنى أن يعقوب أحد الرواة قال فى روايته ثم تمضمض بدل قوله ثم استنثر (4) الجبة بضم الجيم وشد الموحدة جمعها جبب وجباب وهى ضرب من مقطعات الثياب، وهذه الجبة كانت من صوف من جباب الروم أو شامية كما فى بعض الروايات (5) يعنى أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يشمر كميه عن ذراعيه فلم يستطع من ضيق كمى الجبة فنزع يديه منها وأخرجهما من تحت الجبة فغسل يده اليمنى الخ (6) بفتحات أى قصد جهتهم (7) يعنى أن قيامه صلى الله عليه وسلم لاتمام الصلاة أفزع المسلمين، وإنما أفزعهم لكونهم علموا أنهم سبقوه صلى الله عليه وسلم بالصلاة كما فى رواية أبى داود "ففزع المسلمون فأكثروا التسبيح لأنهم سبقوا النبى صلى الله عليه وسلم بالصلاة"(8) أى قضى الركعة التى فاتته (9) أى أحسنتم فيما صنعتم وأصبتم، أى وافقتم الصواب لمبادرتكم بالصلاة فى أول وقتها وقال صلى الله عليه وسلم هذا تسكينا لفزعهم وتأنيسا لهم (وقوله يغبطهم) أى يتمنى لهم دوام هذه الحالة وهى المحافظة على الصلاة فى أول وقتها، ويروى يغبّطهم بتشديد الموحدة

ص: 346

(ومن طريقٍ ثانٍ بنحوه وفيه قال المغيرة) ثمَّ لحقنا النَّاس وقد أقيمت الصلَّاة وعبد الرَّحمن بن عوفٍ يؤمُّهم وقد صلى ركعةً فذهبت لأوذنه فنهانى (يعنى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم التَّى أدركنا وقضينا الَّتى سبقنا بها (وفى لفظٍ) فصلَّينا الرَّكعة الَّتى أدركنا وقضينا الرَّكعة الَّتى سبقتنا (ومن طريقٍ ثالثٍ بنحوه أيضًا وفيه قال المغيرة) فانتهينا إلى القومٍ وقد صلَّى بهم عبد الرَّحمن ابن عوفٍ ركعةً، فلمَّا أحسَّ بالنَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخَّر فأومأ إليه أن يتمَّ الصلَّاة وقال قد أحسنت كذلك فافعل

مكسورة أي يحملهم على الغبط، ويجمل هذا الفعل عندهم مما يغبط عليه (1) هذا الطريق تقدم حديثه بتمامه وسنده فى باب صفة وضوء النبى صلى الله عليه وسلم رقم 233 من كتاب الطهارة (2) يعنى أردت أن أخبر عبد الرحمن بحضور النبى صلى الله عليه وسلم فنهانى النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك (3) رواية أبى داود "فلما سلم قام النبى صلى الله عليه وسلم فصلى الركعة التى سبق بها ولم يزد عليها شيئا" يعنى أنه لم يسجد سجدتى السهو لزيادة التشهد، لأنه لم يأت به إلا تبعا للأمام، ومتابعة الامام واجبة (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن أبى عدى عن حميد عن بكر عن جمزة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى حاجته فقال هل معك طهور؟ قال فاتبعته بميضأة فيها ماء فغسل كفيه ووجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه وكان فى يدى الجبة ضيق فأخرج يديه من تحت الجبة فغسل ذاراعيه ثم مسح على عمامته وخفيه وركب وركبت راحلتى فانتهينا الى القوم "الحديث"(5) أى أشار اليه النبى صلى الله عليه وسلم بالاستمرار فى الصلاة، لأنه قد صلى بهم ركعة (وقوله صلى الله عليه وسلم أحسنت كذلك فافعل) يريد بذلك تشجيعه على أداء الصلاة فى أول الوقت والله أعلم (تخريجه)(ق. هق) والطحاوى وأصحاب السنن مطولا ومختصرًا من عدة طرق (وفى الباب) عن أبى هريرة رضي الله عنه قا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا جئتم الى الصلاة ونحن سجود ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة" رواه أبو داود وابن خزيمة فى صحيحه والحاكم فى المستدرك وقال صحيح (وعنه أيضا) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من أدرك ركعة من الصلاة مع الأمام فقد أردك الصلاة" أخرجه الشيخان والأمام احمد بدون قوله مع الأمام. وتقدم فى الباب الثالث عشر من أبواب مواقيت الصلاة رقم 174 (وعن علي بن أبي طالب ومعاذ

ص: 347

_________

ابن جبل) رضي الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا أتي أحدكم الصلاة والأمام على حال فليصنع كما يصنع الأمام" رواه الترمذى، وقال الحافظ فى التلخيص فيه ضعف وانقطاع (قلت) له شواهد تعضده منها ما رواه ابن أبى شيبة عن رجل من الأنصار مرفوعًا "من وجدنى ركاعا أو قائما أو ساجدًا فليكن معى على حالتى التى أنا عليها"(وما أخرجه سعيد ابن منصور) عن أناس من أهل المدينة مثل لفظ ابن أبى شيبة (الأحكام) أحاديث الباب مع ما ذكرنا فى الشرح تدل على جملة أحكام (منها) أن المسبوق يدخل مع الأمام على أي حال وجده عليها سواء أدركه قائما أو راكعا أو ساجدا أو جالسا (فان أدركه قائما) حسبت له الركعة التى أدركه فيها باتفاق الائمة (وإن أدركه راكعا) قبل أن يرفع الأمام رأسه من الركوع صادر مدركا للركعة أيضا عند الائمة الأربعة وجمهور العلماء (وخلفاء أهل الظاهر وآخرون) ققالوا لا تحسب له الركعة إلا اذا قرأ الفاتحة قبل ركوع الامام، وقد أفضنا الكلام فى ذلك وأدلينا بحجج الجميع فى أحكام الباب الخامس من أبواب صلاة الجماعة فارجع اليه فانه مهم جدا (وإن أدركه ساجدا) لم تحسب له الركعة بالاتفاق (وإن أدركه جالسا) فان كان فى التشهد الاخير فليأت بالصلاة كاملة، لأنه لم يدرك منها شيئا يعتد به (وإن كان فى الأول) حسب له ما بعد التشهد ثم ليتم ما فاته بعد سلام الأمام (وقد اختلف الائمة) فى كيفية الأتمام هل يجعل ما أدركه مع الأمام آخر صلاته وما يقضيه أولها عملا برواية "وما فاتكم فاقضوا" أو يجعل أول ما أدركه مع الأمام أول صلاته وما يتمه آخرها عملا برواية "وما فاتكم فأتموا"؟ وقد قدمنا الكلام على ذلك مستفيضا مع التوفيق بين الروايتين وذكرنا الخلاف بين الائمة فى الباب الخامس المشار اليه آنفا من أبواب صلاة الجماعة (واختلف الائمة أيضا) فيمن لم يدرك مع الأمام إلا التشهد الأخير أو جزءًا منه قبل سلام الامام هل يعدّ مدركا لفلضل الجماعة أم لا؟ فذهب الائمة الثلاثة (أبو حنيفة والشافعى واحمد) الى أنه يعدّ مدركا لفضل الجماعة (وقالت المالكية) لا يعد مدركا لفضل الجماعة إلا اذا أردك ركعة مع الأمام ولو قبل رفعه من الركوع؛ ووافقهم الغزالى من الشافعية (ومما دلت عليه أحاديث الباب أيضا) أن المسبوق ببعض الصلاة لا يطالب بسجود سهو (وبه قال الائمة الأربعة) وجمهور العلماء عملا بأحاديث الباب وبحديث "فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا - أو فاقضوا" على الرواية الثانية ولم يأمر بسجود سهو (وحكى ابو داود) فى سننه عن ابى سعيد وابن الزبير وابن عمر انهم يقولون من ادرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو. واللا ذلك ذهب عطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق قالوا إن من ادرك وترا من صلاة إمامه فعليه ان يسجد للسهو لأنه يجلس للتشهد مع الامام فى غير موضع الجلوس (ويجاب عن ذلك) بأن النبى صلى الله عليه وسلم جلس خلف عبد الرحمن ولم يسجد ولا أمر به المغيرة

ص: 348

وأيضا ليس السجود إلا للسهو ولا سهو هنا وأيضا متابعة الامام واجبة فلا يسجد لفعلها كسائر الواجبات وهذا هو الموافق للدليل والذى يجب المصير اليه (وفى أحاديث الباب أيضا) دليل على أنه اذا خيف فوت وقت الصلاة أو فوت الوقت المختار منها لم ينتظر الامام وإن كان فاضلا (وفيها) أن فضيلة الوقت لا يعادلها فضيلة الصلاة مع الأمام الفاضل (وفيها) فضيلة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حيث ألهمه الله عز وجل بشئ كان سببا فى تشريع حكم من أحكام الدين (وفيها أيضًا) فضيلة لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إذ قدَّمه الصحابة لأنفسهم فى صلاتهم بدلاً من نبيهم (وفيها) فضيلة أخرى له وهى اقتداء النبى صلى الله عليه وسلم به (وفيها) جواز ائتمام الأمام أو الوالى برجل من رعيته (وفيها أيضًا) تخصيص لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمَّنّ أحد فى سلطانه إلا باذنه" يعنى إلا أن يخاف خروج أول الوقت (وفيها) جواز الثناء على من بادر الى أداء فرضه وسارع الى عمل ما يجب عليه عمله أخذًا من قوله صلى الله عليه وسلم "قد أحسنت كذلك فافعل"

والى هنا قد انتهى الجزء الخامس من كتاب الفتح الربانى مع ضرحه "بلوغ الأمانى من أسرار الفتح الربانى" مختتما بأحسن فأل حيث كان ختامه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد أحسنت كذلك فافعل" نسأل الله حسن الختام والتوفيق الى التمام، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وآل بيته المطهرين وأصحابه الغر الميامين ومن تبع هداهم باحسان الى يوم الدين

(تم الجزء الخامس)

(من كتاب (الفتح الربانى) مع شرحه (بلوغ الأمانى))

(أبواب صلاة الجمعة)

(نسأل الله التوفيق)

(تنبيه) سقطت جملة من اسطر الرابع صحيفة 167 من الجزء الثالث ذكّرنى بها بعض الفضلاء جزاه الله خيرا، وقد تداركتها هنا ذاكرا الجملة التى قبلها والتى بعدها جاعلها بين قوسين مميزها بالشكل هكذا- وإذا رفع رأسه من الركوع (وفى روايةٍ وإذا سجد) وإذا رفع رأسه من السجود الخ- وأيضًا فى الصحيفة نفسها من الجزء المذكور سطر 22 وقعت جملة خطأ وتصويبها هكذا "فتحمل الزيادة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك أحيانًا"

ص: 349