الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-[رموز واصطلاحات تختص بالشرح]-
بسم الله الرحمن الرحيم
(أبواب صلاة الجمعة وفضل يومها وكل ما يتعلق بها)
(1)
باب فى فضل يوم الجمعة
حدّثنا عبد الله حدَّثني أبى ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو قال ثنا زهير يعنى ابن محمَّد عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل عن عبد الرحمن ابن يزيد الأنصاري عن أبى لبابة البدريِّ بن عبد المنذر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيِّد الأيَّام يوم الجمعة (1) وأعظمها عند الله تعالى، وأعظم عند الله
(1505) حدثنا عبد الله {غريبة} (1) يقال بضم الميم وإسكانها وفتحها حكاهن الفراء والواحدي وغيرهما؛ ووجهوا الفتح بأنها تجمع الناس ويكثرون فيها كما يقال همزة ولمزة لكثرة الهمز ونحو ذلك، واختلف في تسمية اليوم بذلك مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وبالموحدة، فقيل سمى يوم الجمعة لاجتماع الناس فيه، وقيل لأن خلق آدم جمع فيه، ويؤيده ما سيأتي عن أبي
_________
(خ) للبخارى فى صحيحه (م) لمسلم (ق) لهما (د) لأبى داود (مذ) للترمذى (نس) للنسائى (جه) لابن ماجه (الأربعة) لأصحاب السنن الأربعة، أبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجه (ك) للحاكم فى المستدرك (حب) لابن حبان فى صحيحه (خز) لابن خزيمة فى صحيحه (بز) للبزاز فى مسنده (طب) للطبرانى في معجمه الكبير (طس) له في الأوسط (طص) له في الصغير (ص) لسعيد بن منصور في سننه (ش) لابن أبي شيبة في مصنفه (عب) لعبد الرزاق في الجامع (عل) لأبي يعلى في مسنده (قط) للدارقطني في سننه (حل) لأبى نعيم في الحلية (هق) للبيهقي في السنن الكبرى (لك) للإمام مالك في الموطأ (فع) *
-[أول من جمع بالناس في المدينة - وأول مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة بها]-
عز وجل من يوم الفطر ويوم الأضحى (1) وفيه خمس خلالٍ (2) خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفَّى الله آدم، وفيه ساعةٌ لا يسأل
هريرة عند الإمام أحمد (قال الحافظ) وهذا أصح الأقوال، قال ويليه ما أخرجه عبد بن حميد عن ابن سيرين بسند صحيح إليه في قصة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فصلى بهم وذكَّرهم فسموه الجمعة حين اجتمعوا إليه، ذكره ابن أبي حاتم موقوفاً اهـ {قلت} وقد ذكر ابن إسحاق قصة أسعد بن زرارة في سيرته في مبدء الجمعة فقال، حدثنى محمد بن أبى أمامة بن سهل عن أبيه قال حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كنت قائد أبى حين كف بصره، فإذا خرجت به الى الجمعة فسمع الأذان لها استغفر لأبى أمامة أسعد بن زُرارة، فمكثت حينًا أسمع ذلك منه، فقلت إنّ عجزًا أن لا أسأله عن هذا؛ فخرجت به كنت أخرج فلما سمع الأذان للجمعة استغفر له، فقلت يا أبتاه أرأيت استغفارك لأسعد بن زُرارة كلما سمعت الأذان يوم الجمعة؟ قال أي بنىّ كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هزم من حرَّة بنى بياضة في نقيع يقال له نقيع الخصمات، قلت وكم أنتم يومئذ؟ قال أربعون رجلا (ورواه البيهقى) من طريقين عن ابن إسحاق وقال في آخره ومحمد بن إسحاق اذا ذكر سماعه في الرواية وكان الراوى ثقة استقام الأسناد، وهذا حديث حسن الاسناد صحيح، قال وقد روى فيه حديث آخر لا يحتج بمثله اهـ (وذكر الحافظ ابن القيم) هذا الحديث في الهدى وقال هذا كان مبدأ الجمعة، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام بقباء في بنى عمرو بن عوف كما قاله ابن إسحاق يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، ويوم الخميس أسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بنى سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذى في بطن الوادى وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة وذلك قبل تأسيس مسجده صلى الله عليه وسلم اهـ (1) سيأتى الكلام على ذلك في الأحكام إن شاء الله تعالى (2) أى خصال جمع خَلة بالفتح كخصلة وخصال وزناً ومعنى
_________
* للإمام الشافعي، فإن اتفقا على إخراج حديث قلت أخرجه الأمامان (مى) للدرامى في مسنده، وهؤلاء هم أصحاب الأصول والتخريج رحمهم الله؛ أما الشراح وأصحاب كتب الرجال والغريب ونحوهم فاليك ما يختص بهم (طرح) للحافظ أبى زرعة بن الحافظ العراقى في كتابه طرح التثريب (نه) للحافظ ابن الأثير في كتابه النهاية (خلاصة) للحافظ الخزرجى في كتابه خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال، ثم إذا قلت قال الحافظ وأطلقت فمرادى به الحافظ بن حجر العسقلانى في فتح البارى شرح البخارى، فان كان في غيره بينته *
-[فصل يوم الجمعة]-
العبد فيها شيئًا إلَّا آتاه الله تبارك وتعالى إيَّاه ما لم يسأل حرامًا (1) وفيه تقوم السَّاعة، مت من ملك مقرَّب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبالٍ ولا بحرٍ إلَّا هنَّ يشفقن (2) من يوم الجمعة
عن سعد بن عبادة رضى الله عنه أنَّ رجلًا من الأنصار أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من
(1) سيأتي الكلام على هذه الساعة وأقوال العلماء فيها في الباب التالي إن شاء الله (2) من الاشفاق بمعنى الخوف (وقوله من يوم الجمعة) أى من قيام الساعة في يوم الجمعة، فقد عرفه الملائكة مبهمًا بطريق الاعلام وعرفه ما بعدهم بطريق الالهام فالكل متوقع قيام الساعة في ذلك اليوم وخائف من قيامها إلا الجن والأنس كما في حديث أبى هريرة الآتى بعد حديث، لأنهم لا يترقبون انتظار الساعة ولا يخافون قيامها في هذا اليوم لكثرة غفلتهم لا لأنهم لا يعلمون ذلك، وروى ابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا وهى تفزع يوم الجمعة إلا هذين الثقلين الجن والأنس"{تخريجه} (جه) وقال العراقى إسناده حسن وكذلك قال البوصيرى في زوائد ابن ماجه
(1506)
عن سعد بن عبادة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر ثنا زهير عن عبد الله بن محمد عن عمر بن شرحبيل أنا سعيد بن سعد بن عبادة
_________
* وإذا قلت قال النووي فالمراد به في شرح مسلم، فان كان في المجموع فالرمز له (ج) وإذا قلت قال المنذرى فالمراد به الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى المنذرى في كتابه الترغيب والترهيب، وإذا قلت قال الهيثمى فالمراد به الحافظ على بن أبى بكر بن سليمان الهيثمى في كتابه مجمع الزوائد، وإذا قلت قال التنقيح فالمراد به المحدث الشهير أبو الوزير أحمد حسن في كتابه تنقيح الرواة في تخريج أحاديث المشكاة؛ واذا قلت قال في المنتقى فالمراد به الحافظ مجد الدين عبد السلام المعروف بابن تيمية الكبير المتوفى سنة 621 جد ابن تيمية المشهور شيخ ابن القيم، واذا قلت قال الشوكانى فالمراد به المحدث الشهير محمد ابن على بن محمد الشوكانى في كتابه نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، فان نقلت عن غير هؤلاء ذكرت أسماءهم وأسماء كتبهم رحمة الله عليهم أجمعين
-[(1) فضل يوم الجمعة]-
الخير؟ قال فيه خمس خلالٍ فذكر مثله
(1507)
عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّه قال خرجت إلى الطُّور (1) فلقيت كعب الأحبار (2) فجلست معه فحدثنى عن التَّوراة وحدَّثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما حدَّثته أن قلت إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة (3) فيه خلق آدم وفيه أهبط (4) وفيه تيب
عن أبيه عن جده عن سعد بن عبادة "الحديث"{تخريجه} (بز) وفى إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ممن احتج به الأمام أحمد وغيره وضعفه بعضهم وبقية رواته ثقات مشهورون
(1507)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمى عن أبيه سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة "الحديث"{غريبة} (1) قال الباجى هو لغة كل جبل إلا أنه في الشرع جبل بعينه وهو الذى كلم فيه موسى وهو الذى عنى أبو هريرة (2) هو ابن مانع بالتاء المثناة فوق، التابعى المشهور، وكان من أحبار اليهود وعلمائهم، ذكره النووى في تهذيب الأسماء واللغات فقال، هو أبو إسحاق كعب بن ماتع بن هينوع، ويقال هيسوع ويقال عمر بن قيس بن معن بن حثيم بن عبد شمس بن وائل بن عوف بن جمهر بن قطن بن عوف بن زهير بن أيمن بن حمير بن سبأ الحميرى المعروف بكعب الأحبار أدرك زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم في خلافة أبى بكر وقيل في خلافة عمر رضى الله عنهما وصحب عمر وأكثر الرواية عنه، وروى أيضا عن صهيب، وروى عنه جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبو هريرة وخلائق من التابعين منهم ابن المسيب، وكان يسكن حمص، ذكره أبو الدرداء فقال إن عنده علمًا كثيرًا، واتفقوا على كثرة علمه وتوثيقه، وكان قبل إسلامه على دين اليهود وكان يسكن اليمن، توفى في خلافة عثمان سنة ثنتين وثلاثين ودفن بحمص متوجهًا إلى الغزو، ويقال كعبة الأحبار، وكعب الحبر بكسر الحاء وفتحها لكثرة علمه ومناقبه، وأحواله وحكمه كثيرة مشهورة اهـ (3) استدل به على أنه أفضل من يوم عرفة والأصح أن يوم عرفة أفضل وجمع بأن يوم عرفة أفضل أيام السنة، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع (4) في رواية لمسلم عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة أن النبى قال "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة،
-[كلام العلماء في مدة عمر آدم عليه السلام، والموضع الذي دفن فيه]-
عليه وفيه مات (1) وفيه تقوم السَّاعة، وما من دابَّة إلا وهى مسيخةٌ (2) يوم الجمعة من حين تصبح حتَّى تطلع الشَّمس شفقًا من السَّاعة (3) إلَّا الجنَّ والإنس (4) وفيه ساعة لا يصادفها عبدٌ مسلمٌ وهو يصلِّى يسأل الله شيئًا إلَّا أعطاه إياه، قال كعبٌ ذلك فى كلِّ سنةٍ مرةً، فقلت بل فى كلِّ جمعةٍ، فقرأ كعب التَّوراة فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة ثمَّ لقيت عبد الله ابن سلامٍ فحدَّثته بمجلسى مع كعب وما حدَّثته فى يوم الجمعة فقلت له قال
وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" وفى رواية للأمام أحمد مثله الى قوله وفيه أخرج منها، ولمسلم في رواية أخرى "وخلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة" قال الحافظ ابن كثير فان كان يوم خلقه يوم اخراجه وقلنا الأيام الستة كهذه الأيام فقد أقام في الجنة بعض يوم من أيام الدنيا وفيه نظر، وان كان إخراجه في غير اليوم الذى خلق فيه وقلنا إن كل يوم بألف سنة كما قال ابن عباس ومجاهد والضحاك واختاره ابن جرير فقد لبث هناك مدة طويلة اهـ والله أعلم (1) أى وله ألف سنة كما في حديث أبى هريرة وابن عباس مرفوعًا، وقيل إلا سبعين وقيل إلا ستين وقيل إلا أربعين؛ وقد اختلف في المكان الذى توفى فيه، فقيل بمكة ودفن بغار أبى قبيس، وقيل عند مسجد الخيف؛ وقيل بالهند، وصححه ابن كثير، وقيل بالقدس رأسه عند الصخرة ورجلاه عند مسجد الخليل والله أعلم (2) بالسين المهملة أى مصغية مستمعة ويروى بالصاد وهو الأصل (نه) (3) أى خوفاً من قيامها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فقد ألهمها الله بذلك فهى تخاف من قيامها كل جمعة، وفيه أنها اذا طلعت عرفت الدواب أنه ليس ذلك اليوم وليس فيه علم متى تقوم، لأن يوم الجمعة متكرر مع أيام الدنيا وقد قال تعالى {إنما علمها عند ربى} وقال {لا تأتيكم إلا بغتة} وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل "ما المسئول عنها بأعلم من السائل" (4) قال الباجى استثناء من الجنس، لأن اسم الدابة يقع على كل مادبَّ ودرج، قيل وجه عدم إشفاقهم أنّ بين يدى الساعة شروطًا ينتظرونها وليس بالبيِّن، لأنا نجد منهم من لا يصيخ ولا علم له بالشروط، وقد كان الناس قبل أن يعلموا بالشروط لا يصيخون (قال ابن عبد البر) وفيه أن الجن والأنس لا يعلمون من أمر الساعة ما يعرفه غيرهم من الدواب وهذا أمر يقصر عنه الفهم، وقال الطيبى وجه إصاخة كل دابة وهي لا تعقل أن الله ألهمها ذلك، ولا عجب عند قدرة الله سبحانه
-[من مات يوم الجمعة أو ليلتها من المسلمين وقاه الله فتنة القبر]-
كعب ذلك فى كلِّ سنةٍ يومٌ، قال عبد الله بن سلامٍ كذب كعبٌ، ثمَّ قرأ كعبٌ التَّوراة فقال بل هى فى كلِّ جمعة، قال عبد الله بن سلامٍ صدق كعبٌ
عن عبد الله بن عمرو (بن العاص) عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلَّا وقاه الله فتنة القبر (1)
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قيل للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم لأي شيء سمِّي يوم الجمعة؟ قال لأنّ فيها طبعت (2) طينة أبيك آدم وفيها الصًّعقة (3) والبعثة وفيها البطشة وفى آخر ثلاث ساعاتٍ
وتعالى، وحكمة الإخفاء عن الثقلين أنهم لو كوشفوا بذلك اختلفت قاعدة الابتلاء والتكليف وحق القول عليهم، ووجه آخر أنه تعالى يُظهر يوم الجمعة من عظائم الأمور وجلائل الشؤن ما تكاد الأرض تميد بها فتبقى كل دابة ذاهلة دهشة كأنها مصيخة للرعب الذي داخلها شفقًا لقيام الساعة اهـ {تخريجه} (لك. د. مذ. نس) وأخرج مسلم الفصل الأول منه في فضل الجمعة، وأخرج البخاري ومسلم طرفاً منه في ذكر ساعة الجمعة.
(1508)
عن عبد الله بن عمرو {سنده} حدثنا عبد الله أبى حدثنا أبو عامر ثنا هشام يعنى ابن سعد عن سعيد بن أبى هلال عن ربيعة بن سيف عن عبد الله ابن عمرو "الحديث"{غريبه} (1) قال المناوى بأن لا يسئل في قبره اهـ {قلت} وهو يخالف ظاهر الحديث والذى اعتمده العلماء أن السؤال في القبر عام لكل مكلف إلا شهيد المعركة، وما ورد في جماعة من أنهم لا يسئلون محمول على عدم الفتنة في القبر أى يسئلون ولا يفتنون {تخريجه} (مذ) وحسنه الحافظ السيوطى وغيره
(1509)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم ثنا الفرج بن فضالة ثنا على بن أبى طلحة عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (2) خلقت وقال الله عز وجل له كن فكان، ومنه "كل الحلال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب" أى يخلق عليها (3) التى تصيب الناس من هول صوت النفخة الأولى فيموتون وبذلك تنتهى مدة الدنيا، وأصل الصعق أن يغشى على الانسان من صوت شديد يسمعه، وربما مات منه، ثم استعمل في الموت كثيرًا، والصعقة المرة الواحدة منه، قال تعالى {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" (والبعثة) بفتح الموحدة
-[لا تختص ليلة الجمعة بقيام ولا يومها بصيام]-
منها ساعةٌ من دعا الله عز وجل فيها (1) استجيب له
عن أبى الدَّرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يا أبا الدَّرداء لا تختص ليلة الجمعة بقيام دون اللَّيالي ولا يوم الجمعة بصيامٍ دون الأيَّام (2)
المرة من البعث، والمراد هنا بعث الناس من قبورهم وأحياؤهم بعد الموت ليوم الجزاء؛ قال تعالى {ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شيء قدير، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور} (والبطشة) أخذ الناس بصولة وقهر وغلبة يوم القيامة، قال تعالى {إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد} (1) فيه أن ساعة الأجابة آخر ساعة من يوم الجمعة بعد العصر {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورده المنذرى وقال رواه أحمد من رواية على بن طلحة عن أبى هريرة ولم يسمع منه، ورجاله محتج بهم في الصحيح.
(1510)
عن أبى الدرداء {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أسود بن عامر قال ثنا إسرائيل عن عاصم عن محمد بن سيرين عن أبى الدرداء "الحديث"{غريبه} (2) الحكمة والله أعلم في النهى عن اختصاص ليلتها بقيام دون الليالى ليصبح نشيطًا في تأدية وظائفها من تبكير إلى الصلاة وانتظار ودعاء وذكر وعبادة واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقوله عز وجل {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا} وغير ذلك من العبادات في يومها، وكذلك الحكمة في النهى عن صوم يومها، لأن الفطر فيه يكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة، فان السنة له الفطر، وقيل سبب النهى خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت، وقيل سبب النهى لئلا يعتقد وجوبه، أفاده النووى ورجح الأول والله أعلم {تخريجه} أخرجه الطبرانى مرسلاً عن ابن سيرين، قال كان أبو الدرداء يحيى ليلة الجمعة ويصوم يومها فأتاه سلمان وكان النبى صلى الله عليه وسلم آخى بينهما فنام عنده فأراد أبو الدرداء أن يقوم ليلته فقام إله سلمان فلم يدعه حتى نام وأفطر، فجاء أبو الدرداء الى النبى صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبى صلى الله عليه وسلم "عويمر سلمان أعلم منك" لا تخص ليلة الجمعة بصلاة ولا يومها بصيام" أورده الهيثمي وقال رجاله رجال الصحيح {قلت} وله شاهد عند (م. هق) من طريق هشام عن ابن سيرين
-[الدليل على أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء]-
(فصل منه فى الحث على الاكثار من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة)
عن أوس بن أبى أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل أيَّامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض، وفيه النَّفخة (1) وفيه الصَّعقة، فأكثروا علىَّ من الصَّلاة فيه فإن صلاتكم معروضةٌ علىَّ (2) فقالوا يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت (3) يعنى وقد بليت، قال إنَّ الله عز وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات الله عليهم (4)
عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنَّ النَّبي صَّلى الله عليه
عن أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم"
(1511)
عن أوس بن أبى أوس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين بن على الجعفى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبى الأشعث الصنعانى عن أوس ابن أبى أوس "الحديث"{غريبه} (1) أى النفخة الأولى (والصعقة) هى التى يؤخذ الناس بسببها فيموتون، وتقدم الكلام على ذلك، ويحتمل أن يراد بالصعقة هنا النفخة الأولى، وبالنفخة النفخة الثانية أى نفخة البعث، قال تعالى {ثم نفخ فيه أخرى فاذا هم قيام ينظرون" والله أعلم، وفى المقام مباحث سيأتى ذكرها في باب النفخ في الصور من كتاب قيام الساعة إن شاء الله تعالى (2) هو تعليل لطلب الأكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أى تعرضها الملائكة كما تعرض الهدية لمن أهديت اليه فيسر لذلك صلى الله عليه وسلم ويستغفر لصاحبها، وقد جاء معنى ذلك في الأحاديث الصحيحة (3) بفتح الراء وسكون الميم يقال أرم المال إذا فنى وأرض أرمة لا تنبت شيئًا، وقال الخطابي أصله أرممت أى بليت وصرت رميمًا فحذف إحدى الميمين اهـ وفسرها الراوى أيضاً بمعنى بليت؛ ويجوز أرمت بكسر الراء وسكون الميم وفيه غير ذلك (4) فيه أن الأنبياء أحياء في قبورهم وأن الأرض لا تأكل أجسامهم، وسيأتى الكلام على ذلك في الأحكام قريباً {تخريجه} (د: نس. جه. هق. حب. ك) وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط البخارى ولم يخرجاه {قلت} وأقره الذهبى
(1512)
"ز" عن أنس بن مالك {سنده} حدثنا عبد الله ثنا عبيد الله
-[كلام العلماء في فضل يوم الجمعة]-
وآله وسلَّم كان يقول ليلة الجمعة غرَّاء (1) ويومها أزهر (2)
ابن عمر عن زائدة بن أبى الرقاد عن زياد النميرى عن أنس بن مالك قال كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبارك لنا في رمضان" وكان يقول ليلة الجمعة غراء ويومها أزهر {غريبه} (1) أى مشرقة (ويومها أزهر) أى مضئ، كذا جاء مفسراً في بعض الأحاديث، قال المناوى وقدّم الليلة لسبقها في الوجود، ووصفها بالغراء لكثرة نزول الملائكة فيها إلى الأرض لأنهم أنوار، واليوم بالأزهر لأنه أفضل أيام الأسبوع اهـ {قلت} روى الطبرانى والحاكم في مستدركه من طريق الهيثم بن حميد حدثنى أبو معبد حفص بن غيلان عن طاوس - عن أبى موسى الأشعرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيآتها ويبعث الجمعة زهراء منيرة أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها، تضئ لهم يمشون في ضوئها، ألوانهم كالثلج بياضاً، وريحهم يسطع كالمسك، يخوضون في جبال الكافور، ينظر إليهم الثقلان لا يطرقون تعجبًا "أي لا يغضون أبصارهم عن النظر إليهم تعجباً مما أعطاهم الله من الكرامة" حتى يدخلوا الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون) قال الحاكم هذا حديث شاذ صحيح الإسناد، فإن أبا معبد من ثقات الشاميين الذين يجمع حديثهم، والهيثم بن حميد من أعيان أهل الشام غير أن الشيخان لم يخرجاه عنهما اهـ {قلت} وأقره الذهبى وفيه تفسير كونه أزهر بأنه يضيء لأهله لأجل المشى في ضوئه يوم القيامة، وهذا التفسير هو؟؟؟؟؟ {تخريجه} لم أقف عليه وفيه زياد النميرى ضعيف، وأخرجه ابن عدى بلفظ "أكثروا الصلاة على في الليلة الغراء واليوم الأزهر" وبهذا اللفظ رواه البيهقى في شعب الأيمان عن أبى هريرة، ورواه سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصرى وخالد بن معدان مرسلاً، قال المناوي وبتعدد طرقه صار حسناً {الأحكام} أحاديث الباب تدل على أن يوم الجمعة له فضل كبير عند الله عز وجل ومزايا عظمى، بل تدل بظاهرها على أنه أفضل الأيام، وبه جزم ابن العربي، ويشكل على ذلك ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن قرط أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "أفضل الأيام عند الله تعالى يوم النحر" وما رواه ابن حبان أيضاً في صحيحه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من يوم أفضل عند الله تعالى من يوم عرفة" وقد جمع العراقى فقال المراد بتفضيل الجمعة بالنسبة إلى أيام الأسبوع وتفضيل يوم عرفة أو يوم النحر بالنسبة إلى أيام السنة، وصرح بأن حديث أفضلية يوم الجمعة أصح، قال صاحب المفهم صيغة خير وشر يستعملان للمفاضلة ولغيرها، فإذا كانت للمفاضلة فأصلها أخبر وأشرر على وزن أفعل، وأما إذا لم يكونا للمفاضلة فهما من جملة الأسماء كما قال تعالى {إن ترك خيراً} وقال
-[تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم صلاة من يصلى عليه]-
.....
"ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" قال وهى في حديث الباب للمفاضلة ومعناها في هذا الحديث أن يوم الجمعة أفضل من كل يوم طلعت شمسه اهـ {وفي أحاديث الباب أيضاً} دليل على أن آدم عليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام خلق في يوم الجمعة، وفيه دخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وفيه تبعث الخلائق بعد الموت (قال القاضي عياض) الظاهر أن هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلته، لأن إخراج آدم وقيام الساعة لا يعد فضيلة، وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله ودفع نقمته، هذا كلام القاضى عياض رحمه الله (وقال أبو بكر ابن العربى) في كتابه الأحوذى في شرح الترمذي الجميع من الفضائل، وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود الرسل والأنبياء والصالحين والأولياء، ولم يخرج منها طرداً بل لقضاء أو طار ثم يعود إليها، وأما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم وشرفهم، وفى هذا الحديث فضيلة يوم الجمعة ومزيته على سائر الأيام اهـ {وفيها} أن يوم الجمعة لا يختص بصيام وأن ليلتها لا تختص بقيام دون غيرها من الليالي؛ لأن ذلك يقلل من نشاطه لأداء وظائفها المشروعة وتقدم الكلام على ذلك {وفيها أيضاً} استحباب الإكثار من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بل وفي ليلتها كما جاء في بعض الأحاديث وأنها تعرض عليه صلى الله عليه وسلم والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة {منها} ما رواه الإمام الشافعى في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة علىّ"{ومنها} عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكثروا من الصلاة علىّ يوم الجمعة فإنه مشهور تشهده الملائكة، وإن أحداً لن يصلى علىّ إلا عرضت علىّ صلاته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام" رواه ابن ماجه بسند جيد {وعن ابن مسعود} رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتى السلام" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه، وكذلك رواه الإمام أحمد وسيأتي في (باب فضل الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وأنها تبلغه) في آخر كتاب الأذكار {وعن الحسن بن على رضي الله عنهما} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "حيثما كنتم فصلوا علىّ فإن صلاتكم تبلغني" رواه الطبراني في الكبير وحسنه الحافظ السيوطي {وعن عمار بن ياسر} رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله تبارك وتعالى ملكاً أعطاه أسماء الخلائق فهو قائم على قبرى إذا مت فليس أحد يصلى علىّ صلاة إلا قال يا محمد صلىَّ عليك فلان بن فلان، قال فيصلى الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشراً، رواه (بز. طب. حب) وغير ذلك كثير "وقد ذكر الحافظ ابن القيم" رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد
-[كلام العلماء في حياة الأنبياء في قبورهم]-
(2)
باب ما ورد فى ساعة الاجابة ووقتها من يوم الجمعة
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إنَّ
في خواص يوم الجمعة استحباب كثرة الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلته قال لقوله صلى الله عليه وسلم "أكثروا من الصلاة علىّ يوم الجمعة وليلة الجمعة" قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأنام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى، وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنها نالته على يده، فجمع الله لأمته بين خيرى الدنيا والآخرة، فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو عيد لهم في الدنيا؛ ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن يكثروا من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته اهـ {وفيها} أن النبى صلى الله عليه وسلم حى في قبره وأن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء والأحاديث في ذلك كثيرة {منها} ما أخرجه ابن ماجه عن أبى الدرداء وتقدم لفظه {ومنها} ما أخرجه الطبرانى عن أبى الدرداء أيضاً عن النبى صلى الله عليه وسلم "ليس من عبد يصلى علىّ إلا بلغنى صلاته، قلنا وبعد وفاتك؟ قال وبعد وفاتى، إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"(قال الشوكانى) وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حى بعد وفاته وأنه يسر بطاعات أمته؛ وأن الأنبياء لا يبلون مع أن مطلق الأدراك كالعلم والسماع ثابت لسائر الموتى، وقد صح عن ابن عباس مرفوعًا (ما من أحد يمر على قبر أخيه المؤمن "وفى رواية" بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه وردَّ عليه){ولابن أبى الدنيا} إذا مر الرجل بقبر يعرفه فيسلم عليه ردَّ عليه السلام وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه ردَّ عليه السلام، وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى ويسلم عليهم، وورد النص في كتاب الله في حق الشهداء أنهم أحياء يرزقون، وأن الحياة فهم متعلقة بالجسد، فكيف بالأنبياء والمرسلين، وقد ثبت في الحديث أن الأنبياء أحياء في قبورهم رواه المنذرى وصححه البيهقى، وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "مررت بموسى ليلة أسرى بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى في قبره" اهـ {قلت} سيأتى الكلام على حياة الشهداء وصلاة موسى عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام، الأول في باب فضل الشهداء من كتاب الجهاد، والثانى في باب الإسراء من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى
(1513)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل
-[حجة من قال إن ساعة الإجابة بعد العصر من يوم الجمعة]-
في الجمعة لساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ قائمٌ يصلِّى يسأل الله خيرًا إلَّا أعطاه الله إيَّاه، وقال بيده (1) قلنا يقلِّلها يزهِّدها
عن أبى سعيدٍ الخدري وأبى هريرة رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن فى الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ يسأل الله عز وجل فيها إلَّا أعطاه إيَّاه وهى بعد العصر
عن أبى سلمة (بن عبد الرحمن) قال كان أبو هريرة رضى الله عنه يحدِّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إنَّ فى الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو فى صلاةٍ سأل الله خيرًا إلَّا آتاه إيَّاه، قال وقلَّلها (1) أبو هريرة بيده، قال فلمَّا توفي أبو هريرة قلت والله لو جئت أبا سعيدٍ الخدريَّ رضي الله عنه فسألته عن هذه السَّاعة أن يكون عنده منها علمٌ، فأتيته (فذكر حديثًا طويلًا (1) ثمَّ قال) قلت يا أبا سعيد إنَّ أبا هريرة حدَّثنا عن السَّاعة الَّتي في
ثنا أيوب عن محمد عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (1) أى أشار بيده كما صرح بذلك في بعض الروايات "وقوله يقللها بزهدها" أى يشير إلى أنها زمن قليل، وفى بعض روايات مسلم "وهى ساعة خفيفة" قال ابن المنير الأشارة لتقليلها هى للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة قضلها اهـ {تخريجه} (ق. والأربعة. وغيرهم) إلا أن الترمذى وأبا داود لم يذكرا القيام ولا يقللها.
(1514)
عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريح حدثنى العباس عن محمد بن سلمة الأنصارى عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة "الحديث"{تخريجه} (بز) قال العراقى إسناده صحيح وكذلك قال الهيثمى.
(1515)
عن أبى سلمة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس وسريج قالا حدثنا فليح عن سعيد بن الحارث عن أبى سلمة قال كان أبو هريرة "الحديث"{غريبه} (2) أى أشار بيده يعرفهم أنها ساعة قليلة (3) سيأتى الحديث بطوله
-[حجة من قال إنها آخر ساعة من يوم الجمعة]-
الجمعة فهل عندك منها علمٌ؟ فقال سألت النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم عنها فقال إنَّى كنت قد أعلمتها ثمَّ أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر، قال ثمَّ خرجت من عنده فدخلت على عبد الله بن سلامٍ (1)
(1516)
وعنه أيضًا بسنده ولفظه (2) وفيه ثمَّ خرجت من عنده فدخلت على عبد الله بن سلامٍ فسألت عنها، فقال خلق الله آدم يوم الجمعة، وأهبط إلى الأرض يوم الجمعة، وقبضه يوم الجمعة، وفيه تقوم السَّاعة، فهي آخر ساعةٍ، وقال سريجٌ (3) فهي آخر ساعته، فقلت إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى صلاةٍ وليست بساعة صلاةٍ (4) قال أو لم تعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال منتظر الصَّلاة فى صلاةٍ؟ قلت بلى هى والله هى
عن أبى النّضر عن أبى سلمة بن عبد الرَّحمن عن عبد الله
في باب المعجزات من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (1) هكذا آخر الحديث في الأصل، وبعده أحاديث أخرى ليس لها تعلق بهذا الباب، وقد جاء هذا الحديث في مسند أبى سعيد الخدرى في الجزء الثالث من مسند الإمام أحمد صحيفة 65 وجاء الحديث الثاني "أي الذي يليه هنا" في الجزء الخامس منه في مسند عبد الله بن سلام صحيفة 450 وقد وفقنا الله تعالى للجمع بينهما، لأن الثانى متمم للأول وما توفيقى إلا بالله {تخريجه} (خز. ك) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه {قلت} وأقره الذهبى، وقال العراقى رجاله رجال الصحيح.
(1516)
وعنه أيضاً بسنده ولفظه {غريبه} (2) أى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بسند الحديث المتقدم، ولفظه إلى قوله فدخلت على عبد الله بن سلام (3) هو أحد الراويين اللذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث والثانى يونس، فقال يونس في روايته فهى آخر ساعة، وقال سريج فهى آخر ساعته أى آخر ساعة من يوم الجمعة (4) يعنى ما جاء في حديث أبى هريرة السابق "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو في صلاة الخ"{تخريجه} (خز. ك) كالذى قبله
(1517)
عن أبى النضر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا عبد الله
-[محاورة كعب الأحبار مع أبي هريرة في ساعة الجمعة]-
ابن سلامٍ رضى الله عنه قال قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ إنَّا نجد فى كتاب الله (1) فى يوم الجمعة ساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو فى الصَّلاة فيسأل الله عز وجل شيئًا إلَّا أعطاه ما سأله، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعض ساعةٍ (2) قال فقلت صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو النَّضر قال أبو سلمة سألته (3) أيَّة ساعةٍ هي؟ قال آخر ساعات النهار، فقلت إنَّها ليست بساعة صلاةٍ، فقال بلى، إنَّ العبد المسلم فى صلاةٍ إذا صلَّى ثمَّ قعد فى مصلَّاه لا يحبسه إلَّا انتظار الصَّلاة
(1518)
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قدمت الشَّام فلقيت كعبًا فكان يحدثنى عن التَّوراة وأحدِّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أتينا على ذكر يوم الجمعة فحدَّثته أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ فى الجمعة ساعةً لا يوافقها مسلمٌ يسأل الله فيها خيرًا إلَّا أعطاه إيَّاه، فقال كعبٌ صدق الله ورسوله، هي فى كلِّ سنةٍ مرَّةً، قلت لا، فنظر كعبٌ ساعةً ثمَّ قال صدق الله ورسوله هي فى كلِّ شهر مرَّة، قلت لا، فنظر ساعةً فقال صدق الله ورسوله فى كلِّ جمعةٍ مرةً، قلت نعم (4) فقال كعبٌ أتدرى أي يومٍ هو قلت وأيُّ يومٍ هو؟ قال فيه
ابن الحارث حدثنى الضحاك عن أبى النضر عن أبى سلمة "الحديث"{غريبه} (1) أى التوراة (2) يعنى زمناً قليلاً (3) ظاهر هذه العبارة أن أبا سلمة هو السائل والمسئول عبد الله بن سلام وسياقه عند ابن ماجه يدل على أن السائل عبد الله بن سلام والمسئول هو النبى صلى الله عليه وسلم فإنه على لسان عبد الله بن سلام من أوله إلى آخره ولم يذكر فيه قال أبو سلمة كما هنا، ورواه مالك وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن عبد الله بن سلام من قوله {تخريجه} (جه) وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(1518)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن محمد بن إبراهيم التيمى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة الخ {غريبه} (4) الظاهر ان كعبا كان يغالط أبا هريرة وسيأتي
-[حجة من قال إنها آخر ساعة من يوم الجمعة]-
خلق الله آدم، وفيه تقوم السَّاعة والخلائق فيه مصيخةٌ إلَّا الثَّقلين الجنَّ والإنس خشية القيامة، فقدمت المدينة فأخبرت عبد الله بن سلامٍ بقول كعبٍ، فقال كذب كعب، قلت إنَّه د رجع إلى قولى، فقال أتدرى أيَّ ساعةٍ هي؟ قلت لا وتهالكت عليه (1) أخبرنى أخبرنى، فقال هى فيما بين العصر والمغرب، قلت كيف ولا صلاة (2) قال أما سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال العبد في صلاةٍ ما كان في مصلَّاه ينتظر الصلَّاة (وعنه من طريقٍ ثانٍ)(3) قال فلقيت عبد الله بن سلامٍ فحدَّثته حديثى وحديث كعبٍ فى قوله كلِّ سنةٍ، قال كذب كعبٌ، هو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلِّ يوم جمعةٍ، قلت إنَّه قد رجع، قال أما والَّذى نفس عبد الله بن سلامٍ بيده إنَّى لأعرف تلك السَّاعة، قال قلت يا عبد الله فأخبرنى بها، قال هى آخر ساعةٍ من يوم الجمعة، قال قلت قال لا يوافق مؤمنٌ وهو يصلِّى (4) قال أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من انتظر صلاةً فهو فى صلاةٍ حتَّى يصلِّى، قلت بلى، قال فهو كذلك (وعنه من طريقٍ ثالثٍ (5) بنحوه وفيه) قال عبد الله بن سلامٍ قد علمت أيَّة ساعةٍ هي،
ما قاله المؤرخون عن كعب في كتاب المناقب (1) أي سقطت عليه ورميت بنفسى فوقه مُلحاً بقولى أخبرنى أخبرنى (2) يعنى في هذا الوقت لأنه وقت كراهة (3){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد بن هارون ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال فلقيت الخ (4) هكذا في الأصل بهذا التركيب "قال قلت قال لا يوافق مؤمن وهو يصلى" والغالب أن يكون فيه سقط، والمعنى على ما يظهر من الروايات الأخرى "قال أبو هريرة قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوافقها مؤمن وهو يصلى "يعنى وتلك ساعة لا يصلى فيها" قال أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (5){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بنحوه
-[حجة من قال إنها آخر ساعة من يوم الجمعة]-
قال أبو هريرة فقلت له فأخبرنى ولا تضنَّ علىَّ (1) قال عبد الله هى آخر ساعةٍ من يوم الجمعة، قال أبو هريرة كيف تكون آخر ساعةٍ من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصادفها عبدٌ مسلمٌ يصلِّى، وتلك ساعةٌ لا يصلَّى فيها؟ قال عبد الله بن سلام ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "من جلس مجلسًا ينتظر فيه الصَّلاة فهو فى الصَّلاة حتَّى يصلِّى" فقلت بلى، قال فهو ذاك
وفيه الخ (1) أى لا تبخل علىّ بها لمكانها منك وموقعها عندك {تخريجه} (د. نس. مذ) وقال حسن صحيح، وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه {قلت} وأقره الذهبى {وفى الباب} عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد عبد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً إلا آتاه إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر. رواه أبو داود والنسائى واللفظ له والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (قال المنذرى) وهو كما قال اهـ وحسن الحافظ في الفتح إسناده {وعن أنس بن مالك رضى الله عنه} عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "التمسوا الساعة التى ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس" رواه الترمذى وقال حديث غريب؛ ورواه الطبرانى من رواية ابن لهيعة وزاد في آخره "وهى قدر هذا يعنى قبضة" قال المنذرى وإسناده أصلح من إسناد الترمذى {وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن} رضى الله عنه "أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا فتذكروا الساعة التى في يوم الجمعة فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة" رواه سعيد بن منصور في سننه، وقال الحافظ في الفتح إسناده صحيح {وعن أبى بردة بن أبى موسى الأشعرى} قال قال لى عبد الله بن عمر أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة؟ قال قلت نعم، سمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "هى ما بين أن يجلس الأمام إلى أن تقضى الصلاة" رواه مسلم وأبو داود والبيهقى {الأحكام} اختلفت أحاديث الباب في تعيين ساعة الأجابة من يوم الجمعة {ففى بعضها} أنها مبهمة في اليوم كله (وفى بعضها) أنها تكون فيما بين العصر والمغرب وأكثر الأحاديث على ذلك، وبه قال أكثر أهل العلم {وفى بعضها} أنها ما بين أن يجلس الأمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة" كما في حديث أبى موسى الأشعرى عند مسلم وغيره، وبه قال جماعة من العلماء {وفيها غير ذلك} لهذا اختلفت أنظار العلماء في تعيين وقتها فذكروا فيه
-[إختلاف العلماء في وقت ساعة الإجابة من يوم الجمعة]-
.....
أقوالاً كثيرة أرجحها ما ذكره الترمذى (قال) ورآى بعض أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الساعة التى ترجى بعد العصر إلى أن تغرب الشمس {وبه يقول أحمد وإسحاق} وقال أحمد أكثر الحديث في الساعة التي ترجى فيها الدعوى أنها بعد صلاة العصر، وترجى بعد زوال الشمس اهـ وقد ذكر الحافظ رحمه الله في تعيين وقتها أكثر من أربعين قولاً، ثم قال بعد ذكرها ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبى موسى وحديث عبد الله بن سلام، قال المحب الطبرى أصح الأحاديث فيها حديث أبى موسى، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام اهـ قال الحافظ وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الأسناد أو موقوف استند قائله الى اجتهاد دون توقيف، ولا يعارضهما حديث أبى سعيد في كونه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أن يكونا سمعا ذلك منه قبل أن انسى، أشار الى ذلك البيهقى وغيره {وقد اختلف السلف} في أيهما أرجح، فروى البيهقى من طريق أبى الفضل أحمد بن سلمة النيسابورى أن مسلما قال حديث أبى موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، وبذلك قال البيهقي وابن العربى وجماعة، وقال القرطبى هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره (وقال النووى) هو الصحيح بل الصواب، وجزم في الروضة بأنه الصواب، ورجحه أيضاً بكونه مرفوعاً صريحاً وفى أحد الصحيحين {وذهب آخرون} الى ترجيح قول عبد الله بن سلام، فحكى الترمذى عن أحمد أنه قال أكثر الأحاديث على ذلك، وقال ابن عبد البر إنه أثبت شيء في هذا الباب، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح الى أبى سلمة بن عبد الرحمن أن ناسا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ورجحه كثير من الأئمة أيضاً {كأحمد وإسحاق ومن المالكية} الطرطوشي، وحكى العلائي أن شيخه الزملكان شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن الشافعى، وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبى موسى هذا فإنه أعلّ بالانقطاع والاضطراب، أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه، وكذا قال سعيد بن أبى مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة، وزاد إنما هى كتب كانت عندنا (وقال على بن المدينى) لم أسمع أحداً من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في شئ من حديثه سمعت أبى، ولا يقال مسلم يكتفى بالمعنعن بامكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا، لأنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كان في دعوى الانقطاع، وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبى بردة من قوله وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفى فهم أعلم بحديثه
-[رأي الحافظ ابن القيم في ساعة الجمعة والجمع بين الأقوال]-
(3)
باب وجوب الجمعة والتغليظ فى تركها وعلى من تجب
عن أبى هريرة رضى الله عنه يبلغ به النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم نحن الآخرون ونحن السَّابقون يوم القيامة (1) بيد أنَّ كلَّ أمَّةٍ أوتيت الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، ثمَّ هذا اليوم الذى كتبه الله عز وجل عليهم (2) فاختلفوا فيه فهدانا الله له (3) فالنَّاس لنا
من بكير المدنى وهم عدد وهو واحد، وأيضًا فلو كان عند أبى بردة مرفوعاً لم يُفْت فيه برأيه بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدارقطنى بأن الموقوف هو الصواب {وسلك صاحب الهدى} مسلكاً آخر فاختار أن ساعة الأجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر "الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين" وسبق إلى نحو ذلك الأمام أحمد وهو أولى في طريق الجمع، وقال ابن المنير في الحاشية إذا علم أن فائدة الأبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعثُ الداعى على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بُيِّن لا اتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها اهـ ما نقله الحافظ والله أعلم
(1519)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة وأبو الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (1) قال العلماء معناه الآخرون في الزمان والوجود السابقون بالفضل ودخول الجنة فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائل الأمم، وقوله {بيد} بفتح الباء الموحدة وسكون الياء المثناة تحت، قال في النهاية بيد بمعنى غير ومنه الحديث بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وقيل معناه "على أنهم" وقد جاء في بعض الروايات بأيد أنهم ولم أره في اللغة بهذا المعنى، وقال بعضهم إنها بأيدٍ أى بقوة ومعناه نحن السابقون إلى الجنة يوم القيامة بقوة أعطاناها الله وفضلنا بها اهـ {قلت} وستأتى هذه الرواية الأخيرة في آخر الحديث (2) في رواية لمسلم بسند حديث الباب "ثم هذا اليوم الذي كتبه الله علينا هدانا الله له" ولهذا قال النووى فيه دليل لوجوب الجمعة وفيه فضيلة هذه الأمة اهـ {قلت} وظاهر حديث الباب أنه فرض على اليهود يوم الجمعة بعينه، وسيأتى الكلام على في ذلك الأحكام (3) قال القاضى عياض الظاهر أنه فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين
-[فضل الأمة المحمدية على سائر الأمم]-
فيه تبعٌ (1) فلليهود غدًا (2) وللنَّصارى بعد غدٍ، قال أحدهما بيد أنَّ، وقال آخرون بأيدٍ (3)(وعنه من طريقٍ ثانٍ (4) بنحوه وفيه) فاختلفوا فيه فجعله الله لنا عيدًا، فاليوم لنا (5) وغدًا لليهود، وبعد غدٍ للنَّصارى (وعنه من طريقٍ ثالثٍ)(6) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله كتب الجمعة على من قبلنا فاختلفوا فيها
ووكل إلى اجتهادهم لأ تامة شرائعهم فيه فاختلف اجتهادهم في تعينه ولم يهدهم الله له، وفرضه على هذه الأمة مبيناً ولم يكله الى اجتهادهم ففازوا بتفضيله (1) يعنى اليهود والنصارى، لأن الله عز وجل كتبه عليهم فأعرضوا عنه واختاروا غيره، فاختارت اليهود السبت وعظمته لمَّا كان فيه فراغ الخلق وظنت ذلك فضيلة توجب تعظيم اليوم، وعظمت النصارى الأحد لمَّا كان فيه ابتداء الخلق، أما نحن فهدانا الله ليوم الجمعة الذى فضله سبحانه وتعالى ورفع شأنه وجعله سيد أيام الأسبوع فعظمناه بالوحى والتعيين، وكلاهما عظَّم يومه بالقياس والتخمين، ومعلوم بلا شك أن يوم الجمعة أفضل من يومى السبت والأحد، والمفضول تابع والفاضل متبوع، فهم تبع لنا بهذا الاعتبار، وأيضاً لأن يوم الجمعة سابق ليومى السبت والأحد فهو أول الأسبوع شرعاً وما بعده من الأيام تابع له كما قال الحافظ بدليل تسمية الأسبوع كله جمعة، وأيضاً فهم تبع لنا يوم القيامة لأننا أول من يقضى لهم قبائل الخلائق؛ وقد جاء في صحيح مسلم وغيره ما يؤيد ذلك، روى مسلم بسنده عن أبى هريرة وحذيفة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق" ورواه البزار في مسنده بلفظ "المغفور لهم قبل الخلائق"(2) أى فعيد اليهود غداً وعيد النصارى بعد غد (3) يريد أن أحد رجال السندين رواه بلفظ بيد أن "وهذا هو المذكور في الصحيحين" لأن الأمام أحمد رحمه الله رواه بسندين أحدهما عن سفيان عن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة؛ والثانى عن سفيان عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة، ورواه آخرون بِأيْد بفتح الهمزة وسكون التحتية أى بقوة وتقدم الكلام عليها والله أعلم (4){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن إدريس قال سمعت الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (5) يعنى يوم الجمعة (وغداً لليهود) يعنى يوم السبت (وبعد غد للنصارى) يعنى يوم الأحد (6){سنده}
-[التشديد على من تخلف عن الجمعة لغير عذر]-
وهدانا الله لها فالنَّاس لنا فيها تبعٌ، غدًا لليهود، وبعد غدٍ للنَّصارى
عن ابن عمر وابن عبَّاسٍ رضي الله عنهم أنَّهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال وهو على أعواد منبره لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم (1) الجمعات أو ليختمنَّ الله عز وجل على قلوبهم (2) وليكتبنَّ من الغافلين
عن جعفرٍ ثنا يزيد بن الأصمِّ عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر بالصَّلاة فتقام ثمَّ أخرج بفتيانى معهم حزم الحطب فأحرق على قوم فى بيوتهم يسمعون النِّداء ثمَّ لا يأتون الصَّلاة، فسئل يزيد أفى الجمعة هذا أم فى غيرها، قال ما سمعت أبا هريرة يذكر جمعة ولا غيرها إلَّا هكذا (3)
حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن أبى عدى عن شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبى هريرة "الحديث"{تخريجه} (ق. نس. وغيرهم)
(1520)
عن ابن عمر وابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا هشام الدستوائى عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلام عن الحكم بن ميناء عن ابن عمر وابن عباس "الحديث"{غريبه} (1) أى تركهم (2) الختم الطبع والتغطية، ومثله الرين وهو أسوداد القلب من الذنوب، وقيل الرين اليسير من الطبع، والطبع اليسير من الأقفال، والأقفال أشدها وهو أن يُقفل على القلب (قال القاضى عياض) اختلف المتكلمون في هذا اختلافاً كثيراً فقيل هو إعدام اللطف وأسباب الخير، وقيل هو خلق الكفر في صدورهم، وهو قول أكثر متكلمى أهل السنة، وقال غيرهم هو الشهادة عليهم، وقيل هو علامة جعلها الله تعالى في قلوبهم لتعرف الملائكة من يمدح ومن يذم اهـ {تخريجه} (نس) ورواه مسلم عن أبى هريرة وابن عمر
(1521)
عن جعفر ثنا يزيد {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا كثير ثنا جعفر يزيد بن الأصم عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (3) يعنى أن أبا هريرة لم يصرح فيه بذكر الجمعة، ويرجح أنه في الجمعة حديث ابن مسعود الآتى بعده ففيه التصريح بالجمعة؛ وقد تقدم نحو هذا الحديث في الباب الرابع من أبواب صلاة الجماعة، وتقدم الكلام على شرحه فلا نطيل بذكره هنا {تخريجه} (م. وغيره)
-[وعيد من ترك الجمعة ثلاث مرار]-
(1522)
عن عبد الله (يعنى ابن مسعود رضى الله عنه) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلَّفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلًا يصلى بالنَّاس ثمَّ أحرِّق على رجالٍ يتخلَّفون عن الجمعة بيوتهم
(1523)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال من ترك الجمعة ثلاث مرارٍ (1) من غير عذرٍ طبع الله على قلبه
(1524)
عن أبى الجعد الضَّمريِّ رضى الله عنه وكانت له صحبةٌ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك ثلاث جمعٍ تهاونًا من غير عذرٍ طبع الله تبارك وتعالى على قلبه
(1522) عن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن أبى إسحاق عن أبى الأحوص عن عبد الله "الحديث"{تخريجه} (م. ك) وإسناده على شرط الشيخين
(1523)
عن جابر بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا أبو عامر ثنا زهير عن أسيد عن عبد الله بن أبى قتادة عن جابر بن عبد الله "الحديث"{غريبه} (1) يحتمل أن يراد حصول الترك مطلقاً سواء توالت الجمعات أو تفرقت حتى لو ترك كل سنة جمعة لطبع الله تعالى على قلبه بعد الثالثة وهو ظاهر الحديث، ويحتمل أن يراد ثلاث جمع متوالية كما في حديث أنس عند الديلمى في مسند الفردوس قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك ثلاث جمع متواليات من غير عذر طبع الله على قلبه" لأن موالاة الذنب ومتابعته مشعره بقلة المبالات به، وتقدم معنى الطبع وهو الختم على القلب والعياذ بالله تعالى، وهو جزاء من ترك الجمعة تهاوناً أخذاً من حديث أبى الجعد الآتى ففيه التقييد بذلك، فينبغي حمل حديث جابر وما يماثله من الأحاديث المطلقة على حديث أبى الجعد المقيد بالتهاون، وكذلك تحمل الأحاديث المطلقة على المقيدة بعدم العذر {تخريجه} (نس. خز. ك) وصححه وأقره الذهبي ورواه أيضاً ابن ماجه وجود المنذرى إسناده
(1524)
عن أبى الجعد {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو قال حدثنى عبيدة بن سفيان الحضرمى عن أبى الجعد الضمرى "الحديث"{تخريجه} (الأربعة. ك) وقال صحيح على شرط مسلم {قلت}
-[الأمر بحضور الجمعة والدنو من الأمام]-
(1525)
عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه رضى الله عنه عن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مثله
(1526)
عن سمرة بن جندبٍ رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احضروا الجمعة وادنوا من الإمام، فإنَّ الرَّجل ليتخلَّف عن الجمعة حتَّى إنَّه ليتخلَّف عن الجنَّة وإنَّه لمن أهلها (1)
(1527)
عن حارثة بن النُّعمان رضى الله عنه قال رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يتَّخذ أحدكم السَّائمة (1) فيشهد الصَّلاة
وأقره الذهبي وأخرجه (خز. حب) وحسنه الترمذى
(1525)
عن عبد الله بن أبى قتادة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سعيد ثنا عبد العزيز بن محمد عن أسيد عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من ترك الجمعة ثلاث مرار من غير ضرورة طبع الله على قلبه"{تخريجه} أورده المنذرى وقال رواه أحمد باسناد حسن والحاكم وقال صحيح الاسناد {قلت} ورواه أيضاً الأمام مالك في الموطأ عن صفوان بن مسلم يشك الأمام مالك في رفعه
(1526)
عن سمرة بن جندب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سريج بن النعمان ثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب "الحديث"{غريبه} (1) المعنى أن التخلف عن الجمعة سبب في تأخر المتخلف عن دخول الجنة مع السابقين وإن كان من أهلها، ومع هذا فربما كانت درجاته في الجنة أقل من درجات غيره بسبب تخلفه عن الجمعة، فمن أراد أن يكون من السابقين الرافين في الجنة فلا يتخلف عن الجمعة وليبكر اليها وليذن من الامام بقدر الامكان، وسيأتى فضل ذلك بعد ثلاثة أبواب إن شاء الله تعالى {تخريجه} (ك) وفيه "فان الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها" وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه {قلت} وأقره الذهبى
(1527)
عن حارثة بن النعمان {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سعيد ثنا عبد الرحمن بن أبى الرجال قال سمعت عمر مولى غفرة يحدث عن ثعلبة بن أبى مالك عن حارثة بن النعمان "الحديث"{غريبه} (2) هى الماشية التي ترعى بنفسها
-[كفارة من ترك الجمعة لغير عذر]-
في جماعة فتتعذر عليه سائمته (1) فيقول لو طلبت لسائمتى مكانًا هو أكلأ من هذا (2) فيتحوَّل ولا يشهد إلَّا الجمعة، فتتعذر عليه سائمته، فيقول لو طلبت لسائمتى مكانًا هو أكلأ من هذا، فيتحوَّل (3) فلا يشهد الجمعة ولا الجماعة فيطبع على قلبه
(فصل منه فى كفارة من ترك الجمعة بغير عذر)
عن سمرة بن جندب رضى الله عنه عن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال من ترك جمعةً فى غير عذرٍ فليتصدَّق بدينار (4)
كالأبل والغنم ونحو ذلك (1) أى لقلة المرعى (2) الكلأ النبات والعشب وسواء رطبه ويابسه، والمعنى أنه يطلب مكانا أكثر نباتا وعشبا من هذا فيتحول إليه فيبعد عن المسجد فلا يشهد فيه إلا الجمعة (3) يعنى فيتحول إلى مكان أبعد من الأول فلا يشهد الجمعة ولا الجماعة فيحرم من خير كثير، وسبب ذلك الطمع والاستكثار من الدنيا، فلو قنع بالقليل منها لا استراح من عنائها وتيسر له العمل للدار الباقية فيجنى ثمرته هناك ويتمتع بما أعده الله له من النعيم المقيم، فيرى مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
(1528)
عن سمرة بن جندب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا همام ويزيد وثنا عفان ثنا همام ثنا قتادة حدثنى قدامة بن وبرة رجل من بنى عجيف عن سمرة بن جندب "الحديث"{غريبه} (4) قيل إن الأمر فيه للاستحباب، لأن الجمعة لها بدل وهو الظهر، وهذه الكفارة المقصود منها تخفيف الذنب لا محؤه كله لأن ترك الجمعة من غير عذر من الكبائر لما ورد في ذلك من الوعيد الشديد، أما محو الذنب كله فلابد فيه من التوبة، هكذا قال بعض العلماء؛ ولم أجد مسوغًا لما قالوا، لأن الأصل في الأمر الوجوب إلا إذا دل دليل على صرفه عنه ولا دليل؛ وتعليلهم ذلك بأن الجمعة لها بدل ليس دليلاً على صرف الأمر من الوجوب إلى الندب، فيجوز وجوب الكفارة مع صلاة الظهر عقابًا له على تخلفه عن الجمعة، وقولهم إن الكفارة لتخفيف الذنب لا لمحوه كله لا دليل عليه أيضاً، لأنها ما سميت كفارة إلا لتكفير الذنب عن مرتكبه وإن كان من الكبائر، لاسيما وأنه خاص بحق الله تعالى؛ والله عز وجل جعل له كفارة فمن أدّاها قبلت منه
-[الترهيب من ترك الجمعة والتشديد في ذلك]-
فإن لم يجد فبنصف دينار (1)
ولا حرج على فضل الله تعالى، ومن لم يؤدها صار مستحقاً للعقاب الوارد في ذلك، نعم إن أدّاها مستخفًا بها مصرًا على العود فهذا الاصرار نفسه هو الذنب الذى لا يمحى إلا بالتوبة، فالذى يظهر لى أن الأمر في الحديث للوجوب وأن الكفارة تمحو الذنب والله أعلم (1) يعنى فإن لم يجد ديناراً كاملاً بأن تعسّر عليه ذلك فليتصدق بنصف دينار {تخرجه} (د. نس) وفى إسناده قدامة بن وبرة (بفتحات) وثقه ابن معين وقال أحمد لا يعرف، قال البخارى لم يسمع من سمرة (خلاصة) ورواه الحاكم في المستدرك وقال هذا حديث صحيح الأسناد ولم يخرّج لخلاف فيه لسعيد بن بشير وأيوب بن العلاء، فانهما قالا عن قتادة عن قدامة بن وبرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً {قلت} وأقره الذهبى وقال رواه سعيد بن بشير وأيوب بن العلاء عن قتادة عن قدامة مرسلاً، وزاد أيوب أو صاع حنطة أو نصف صاع، قال عبد الله بن أحمد سئل أبى عنه فقال همّام أحفظ من أيوب بن العلاء اهـ ورواه ابن ماجه من طريق آخر ليس فيه قدامة بن وبرة بلفظ "من ترك الجمعة متعمداً فليتصدق بدينار فإن لم يجد فينصف دينار" وسنده جيد {وفى الباب} عن ابن عباس رضى الله عنهما قال "من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الاسلام وراء ظهره" رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف على ابن عباس {وعن أبى هريرة} رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصُّبَّة من الغنم على رأس ميل أو ميلين فيتعذر عليه الكلأ فيرتفع، ثم تجئ الجمعة فلا يجئ ولا يشهدها، وتجئ الجمعة فلا يشهدها حتى يُطبع على قلبه" أورده المنذرى وقال رواه ابن ماجه باسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه، قال والصبة بضم الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة هي السَّرِيَّة إما من الخيل أو الأبل أو الغنم ما بين العشرين إلى الثلاثين تضاف إلى ما كانت منه، وقيل هي ما بين العشرة الى الأربعين اهـ {وعن عبد الله بن عمرو بن العاص} رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الجمعة على كل من سمع النداء" رواه أبو داود والدارقطني وقال "إنما الجمعة على من سمع النداء" قال أبو داود روى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه إنما أسند قبيصة اهـ قال البيهقى وقبيصة بن عقبة من الثقات اهـ وقد روى هذا الحديث من عدة طرق يقوى بعضها بعضاً، وقال النووى في الخلاصة إن البيهقى قال له شاهد فذكره باسناد حسن {قلت} ويعضده بل يغنى عنه ما رواه مسلم وغيره {عن أبى هريرة} رضى الله عنه قال "أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل أعمى
-[من لم تجب عليهم الجمعة]-
.....
فقال يا رسول الله ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلى في بيته فرخص له؛ فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم قال فأجب" (وروى نحوه) الأمام أحمد وأبو داود والطبرانى وابن حبان بسند جيد عن ابن أم مكتوم، وتقدم في الباب الثالث من أبواب صلاة الجماعة رقم 1302 فاذا كان هذا في مطلق الجماعة فالقول به في خصوصية الجمعة أولى {وعن حفصة} رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "رواح الجمعة واجب على كل محتلم" رواه النسائى ورجاله رجال الصحيح إلا عياش بن عباس وهو ثقة {وعن طارق بن شهاب} رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعةً عبد مملوك أو امرأة أو صبى أو مريض" رواه أبو داود وقال طارق بن شهاب قد رأى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً اهـ قال العراقى فإذا قد ثبتت صحبته فالحديث صحيح؛ وغايته أن يكون مرسل صحابى وهو حجة عند الجمهور، وإنما خالف فيه أبو إسحاق الاسفرايينى، بل ادّعى بعض الحنفية الاجماع على أن مرسل الصحابى حجة اهـ {قلت} حديث طارق رواه الحاكم في المستدرك من طريق هريم بن سفيان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبى موسى عن النبى صلى الله عليه وسلم الخ فهو من هذا الطريق مرفوع وليس مرسلا، وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد اتفقا جميعاً على الاحتجاج بهريم بن سفيان ولم يخرجاه {قلت} وأقره الذهبى {وعن جابر بن عبد الله} رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا امرأة أو مسافراً أو عبداً أو مريضاً" رواه أبو داود والبيهقى والدارقطني وفى إسناده ابن لهيعة ومعاذ بن محمد وهما ضعيفان (قال النووى) في المجموع لكن له شواهد ذكرها البيهقى وغيره اهـ {وعن عمر بن الخطاب} رضى الله عنه أنه أبصر رجلاً عليه هيئة السفر فسمعه يقول لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت فقال عمر "اخرج فان الجمعة لا تحبس عن سفر" رواه الامام الشافعى في مسنده وذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه {وروى سعيد بن منصور} في سننه أن أبا عبيدة سافر يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة {وأخرج أبو داود} في المراسيل وابن أبى شيبة عن الزهرى "أنه أراد أن يسافر يوم الجمعة ضحوة فقيل له في ذلك، فقال إن النبى صلى الله عليه وسلم سافر يوم الجمعة" {الأحكام} أحاديث الباب تدل على جملة أحكام {منها} أن الأمة المحمدية أفضل الأمم وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية فهى سابقة لهم في الآخرة، وهى أول من يحشر وأول من يحاسب وأول من يقضى بينهم وأول من يدخل الجنة {ومنها} فضل يوم الجمعة وان تعظيمه فرض على أهل الكتاب وعلينا فاختلفوا فيه وهدانا الله له (قال ابن بطال) ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه
-[كلام العلماء في وجوب الجمعة وإنها فرض عين]-
.....
فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن، وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكُل الى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا (وقال النووى) يمكن أن يكونوا أمروا به صريحاً فاختلفوا هل يلزم تعيينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا اهـ (قال الحافظ) ويشهد له ما رواه الطبرانى بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} قال أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه، ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك، وقد روى ابن أبى حاتم من طريق اسباط بن نصر عن السدى التصريح بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا ولفظه "إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا يا موسى إن الله لم يخلق في يوم السبت شيئاً فاجعله لنا فجعل عليهم" وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى {ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة} وغير ذلك؛ وكيف لا وهم القائلون سمعنا وعصينا اهـ وقد استنبط البخارى من هذا الحديث (أعنى الحديث الأول من أحاديث الباب) فرضية صلاة الجمعة وبوَّب عليه "باب فرض الجمعة" وصرح النووى والحافظ بأنه يدل على الفرضية لقوله صلى الله عليه وسلم "كتبه الله عليهم فهدانا له" فإن التقدير فرض عليهم وعلينا فضلوا وهُدينا، وقد وقع عند مسلم في رواية سفيان عن أبى الزناد بلفظ "كتب علينا" وقال ابن العربى الجمعة فرض عين بإجماع الأمة، وقال ابن قدامة في المغنى أجمع المسلمون على وجوب الجمعة، وحكى المرعشى عن الشافعى في القديم أنها فرض كفاية، قال الدارمي وغلَّطوا حاكيه (قال النووى) رحمه الله الجمعة فرض عين على كل مكلف غير أصحاب الأعذار والنقص، هذا هو المذهب وهو المنصوص للشافعى في كتبه، وقطع به الأصحاب في جميع الطرق إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما عن بعض الأصحاب أنه غلط فقال هى فرض كفاية، قالوا وسبب غلطه أن الشافعى قال من وجبت عليه الجمعة وجبت عليه صلاة العيدين؛ قالوا لأن مراد الشافعى من خوطب بالجمعة وجوباً خوطب بالعيدين متأكداً، واتفق القاضي أبو الطيب وسائر من حكى هذا الوجه على غلط قائله، قال القاضى أبو إسحاق المروزي لا يحل أن يحكى هذا عن الشافعى، ولا يختلف أن مذهب الشافعى أن الجمعة فرض عين، ونقل ابن المنذر في كتابيه كتاب الأجماع والأشراق إجماع المسلمين على وجوب الجمعة اهـ {وفى أحاديث الباب أيضاً} الترهيب من التخلف عن الجمعة وأن من تخلف عنها لغير عذر استحق الوعيد الشديد الوارد فيها من الطبع على قلبه واتصافه بصفات المنافقين وتأخره في الجنة وإن كان من أهلها وكونه من الغافلين عن طاعة الله عز وجل وغير ذلك {وفيها} أن من تأخر عن الجمعة لغير عذر لزمه أن يكفر
-[كلام العلماء فيمن تجب عليهم الجمعة]-
.....
عن ذلك بدينار يتصدق به، فإن لم يجد فبنصف دينار {وفيها} أن الجمعة لا تجب إلا على من سمع النداء {وإليه ذهب الشافعى وأحمد وإسحاق} حكى ذلك الترمذى عنهم، وحكاه ابن العربى عن مالك وروى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما (قال الشوكانى) والمراد بالنداء المذكور في الحديث هو النداء الواقع بين يدى الأمام في المسجد، لأنه الذى كان في زمن النبوة لا الواقع على المنارات فإنه محدث، قال وظاهره عدم وجوب الجمعة على من لم يسمع النداء سواء كان في البلد الذى تقام فيه الجمعة أو في خارجه، وقد ادعى في البحر الأجماع على عدم اعتبار سماع النداء في موضعها، واستدل لذلك بقوله إذا لم تعتبره الآية يعنى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} وأنت تعلم أن الآية قد قُيّد الأمر بالسعى فيها بالنداء لما تقرر عند أئمة البيان من أن الشرط قيد لحكم الجزاء والنداء المذكور فيها يستوى فيه من في المصر الذي تقام فيه الجمعة ومن خارجه، نعم إن صح الأجماع كان هو الدليل على عدم اعتبار سماع النداء لمن في موضع إقامة الجمعة عند من قال بحجية الأجماع، وقد حكى العراقى في شرح الترمذي عن الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل أنهم يوجبون الجمعة على أهل المصر وإن لم يسمعوا النداء {وقد اختلف أهل العلم} فيمن كان خارجاً عن البلد الذى تقام فيه الجمعة، فقال عبد الله بن عمر وأبو هريرة وأنس والحسن وعطاء ونافع وعكرمة والحكم والأوزاعى والأمام يحيى أنها تجب على من يؤويه الليل إلى أهله، والمراد أنه اذا جمَّع مع الأمام أمكنه العود إلى أهله آخر النهار وأول الليل، واستدلوا بما أخرجه الترمذى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الجمعة على من آواه الليل إلى أهله" قال الترمذى وهذا إسناد ضعيف إنما يروى من حديث معارك بن عباد بن عبد الله بن سعيد المقبرى، وضعف يحيى بن سعيد القطان عبد الله بن سعيد المقبرى في الحديث اهـ (وقال العراقى) إنه غير صحيح فلا حجة فيه {قلت} وهذا هو اعتقادى، لأن العمل به يوجب الحرج والله تعالى يقول {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وذهب الهادى والناصر ومالك إلى أنها تلزم من سمع النداء بصوت الصيّت من سور البلد {وقالت الشافعية} الاعتبار في سماع النداء أن يقف المؤذن في طرف البلد والأصوات هادئة والريح ساكنة وهو مستمع، فإذا سمع لزمه وإن لم يسمع لم يلزمه، ذكره صاحب المهذب، وقال عطاء تلزم من على عشرة أميال، وقال الزهرى من على ستة أميال، وقال ربيعة من على أربعة (وروى) عن مالك ثلاثة، وروى عن الشافعى فرسخ، وكذلك روى عن أحمد (قال ابن قدامة) وهذا قول أصحاب الرأى، وروى في البحر عن زيد بن على والباقر والمؤيد بالله وأبي حنيفة وأصحابه
-[إختلاف العلماء في العدد الذي تنعقد به الجمعة - وترجيح انعقادها باثنين]-
.....
أنها لا تجب على من كان خارج البلد {وفيها أن الجماعة شرط في صحة الجمعة} لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث طارق بن شهاب "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة" وبه قال جميع العلماء إلا أنهم اختلفوا في العدد الذي تنعقد به الجمعة اختلافاً كثيراً، وسبب اختلافهم عدم ورود دليل صريح في اشتراط العدد {فذهبت الشافعية والحنابلة} إلى أنها تنعقد بأربعين رجلاً بالأمام، وبه قال إسحاق، وهو رواية عن عمر بن عبد العزيز؛ وعنه رواية باشتراط خمسين، واستدلوا بما رواه الدارقطني والبيهقى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال "مضت السنة أن في كل ثلاثة إمامًا، وفى كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرًا" لكنه ضعيف ضعفه الحفاظ، وقال البيهقى هو حديث لا يحتج بمثله، واحتج لمن شرط خمسين بحديث أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "في الخمسين جمعة وليس فيما دون ذلك" رواه الدارقطنى باسناد فيه ضعيفات {وذهبت المالكية} الى انعقادها باثنى عشر رجلاً سوى الأمام، وحكاه المتولى عن ربيعة والماوردى في الحاوى، وبه قال الزهرى والأوزاعى ومحمد بن الحسن؛ واستدلوا بما رواه مسلم والترمذى وصححه والأمام أحمد، وسيأتى عن جابر "أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانتقل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً" والحديث وإن كان صحيحًا إلا أنه ليس فيه ما يدل على أنها لا تصح إلا بهذا العدد {وذهب أبو حنيفة} والثورى والليث ومحمد الى انعقادها بثلاثة غير الأمام مستدلين بقوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} لأن قوله تعالى فاسعوا يقتضى ساعين، وأقل الجمع ثلاثة، وقوله {إلى ذكر الله} يقتضى ذاكرًا يُسعى إليه وهو الأمام؛ وهذا الاستدلال فيه نظر {وذهب الأوزاعى} وأبو ثور وأبو يوسف وهو رواية عن (الأمام أحمد) أنها تنعقد باثنين غير الأمام، واحتجوا بما احتج به أبو حنيفة {وذهب الحسن بن صالح والنخعى وداود} الى انعقادها باثنين أحدهما الأمام، محتجين بأن العدد واجب بالحديث والأجماع، ورأوا أنه لا يثبت دليل على اشتراط عدد مخصوص، وقد صحت الجماعة في سائر الصلوات باثنين، ولا فرق بينها وبين الجماعة، ولم يأت نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا، وهو وجيه ورجحه الشوكانى، وقد ذكر الحافظ في ذلك خمسة عشر مذهبًا، آخرها اشتراط جمع كثير بغير قيد، حكاه الحافظ السيوطى عن مالك (قال الحافظ) ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل اهـ قال الشوكانى لا مستند لاشتراط ثمانين أو ثلاثين أو عشرين أو تسعة أو سبعة كما أنه لا مستند لصحتها من الواحد المنفرد، وأما الاثنان فبانضمام أحدهما إلى الآخر يحصل الأجتماع، وقد أطلق الشارع اسم الجماعة عليهما فقال "الاثنان فما فوقهما جماعة" كما تقدم في أبواب الجماعة وقد انعقدت سائر الصلوات بهما
-[كلام العلماء فيمن لم تجب عليهم الجمعة]-
.....
بالإجماع، والجمعة صلاة فلا تختص بحكم يخالف غيرها إلا بدليل ولا دليل على اعتبار عدد فيها زائد على المعتبر في غيرها، وقد قال عبد الحق إنه لا يثبت في عدد الجمعة حديث، وكذلك قال السيوطى لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص اهـ بتصرف واختصار، وقال في الدرارى المضية الجمعة كسائر الصلوات لا تخالفها إلا في مشروعية الخطبتين قبلها، وردَّ ما قيل أنه يشترط في وجوبها الأمام الأعظم والمصر الجامع والعدد المخصوص بأن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد استحبابها فضلاً عن وجوبها فضلاً عن كونها شروطاً، بل إذا صلى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعة فقد فعلاً ما يجب عليهما، فإن خطب أحدهما فقد عملا بالسنة، وإن تركا الخطبة فهى سنة فقط، ولولا حديث طارق بن شهاب في تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة لكان فعلها فرادى مجزئًا كغيرها من الصلوات اهـ {وفيها أن الجمعة لا تجب على خمسة} المرأة. والصبى. والمريض. والعبد المملوك. والمسافر (أما المرأة) فقد نقل ابن المنذر وغيره الأجماع أن المرأة لا جمعة عليها من نقله وغيره الأجماع أيضاً على أنها لو حضرت وصلَّت الجمعة جاز؛ وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة المستفيضة أن النساء كن يصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده خلف الرجال؛ لكن تراعى الشروط المتقدمة في باب الأذن للنساء بالخروج الى المساجد من أبواب صلاة الجماعة (وأما الصبى) فانها لا تجب عليه أيضاً بالأجماع وتصح منه (وأما المريض) فانها لا تجب عليه اذا كان الحضور يجلب عليه مشقة (قال النووى) قال أصحابنا المرض المسقط للجمعة هو الذي يلحق صاحبه بقصد الجمعة مشقة ظاهرة غير محتملة، قال المتولى ويلتحق بالمريض في هذا من به إسهال كثير اهـ وألحق أبو حنيفة الأعمى بالمريض وإن وجد قائداً (وقال النووى) اذا وجد الأعمى قائداً متبرعاً أو بأجرة المثل وهو واجدها لزمته الجمعة وإلا فلا تجب عليه، هكذا أطلقه المصنف (يعنى صاحب المهذب) والجمهور، وقال القاضى حسين والمتولى تلزمه إن أحسن المشى بالعصا بلا قائد، هذا تفصيل مذهبنا، وممن قال بوجوب الجمعة على الأعمى الذي يجد قائداً مالك وأحمد وأبو يوسف ومحمد وداود، وقال أبو حنيفة لا تجب اهـ {قلت} الأدلة تقتضى وجوبها على الأعمى وإن لم يجد قائداً إذا كان يسمع النداء وكان ممن يهتدى إلى المسجد بنفسه (وأما العبد المملوك) فأكثر العلماء يقولون بعدم وجوب الجمعة عليه، ومثله المكاتب وسواء المدبر وغيره (قال النووى) هذا مذهبنا وبه قال جمهور العلماء، قال ابن المنذر أكثر العلماء على أن العبد والمدبر والمكاتب لا جمعة عليهم، وهو قول عطاء والشعبى والحسن البصرى وعمر بن عبد العزيز ومالك وأهل المدينة والثورى وأهل الكوفة وأحمد وإسحاق وأبى ثور، قال وقال بعض
-[مذاهب العلماء في السفر يوم الجمعة]-
.....
العلماء تجب الجمعة على العبد فان منعه السيد فله التخلف، وعن الحسن وقتادة والأوزاعى وجوبها على عبد يؤدى الضريبة وهو الخراج (وقال داود) تجب عليه مطلقاً وهى رواية عن أحمد؛ دليلنا حديث طارق بن شهاب السابق، وأما من بعضه حر وبعضه رقيق فلا جمعه عليه على الصحيح وبه قطع الجمهور اهـ ج (وأما المسافر) ففيه خلاف، قال ابن قدامة في المغنى أكثر أهل العلم يرون أن لا جمعة عليه، كذلك قال مالك في أهل المدينة والثورى في أهل العراق والشافعى وإسحاق وأبو ثور، وروى ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبى (وحكى عن الزهرى والنخعى) أنها تجب عليه، لأن الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى، قال ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلى الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع بعرفة يوم الجمعة فصلى الظهر والعصر جمع بينهما ولم يصل جمعة، والخلفاء الراشدون رضى الله عنهم كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده، وقد قال إبراهيم كانوا يقيمون بالرى السنة وأكثر من ذلك وبسجستان السنين لا يجمَّعون، وعن الحسن عن عبد الرحمن ابن سمرة قال أقمت معه سنين بكابل يقصر الصلاة ولا يجمَّع رواهما سعيد؛ وأقام أنس بنيسابور سنة أو سنتين فكان لا يجمّع، ذكره ابن المنذر وهذا إجماع مع السنَّة الثابتة فيه فلا يسوغ مخالفته اهـ {وفى أحاديث الباب أيضاً} جواز السفر يوم الجمعة مطلقاً كما هو ظاهر الأدلة، وللعلماء خلاف في جوازه من طلوع الفجر الى الزوال وينحصر ذلك في خمسة أقوال ذكرها الشوكانى (الأول) الجواز، قال العراقى وهو قول أكثر العلماء، فمن الصحابة عمر بن الخطاب والزبير بن العوام وأبو عبيدة بن الجراح وابن عمر، ومن التابعين الحسن وابن سيرين والزهرى، ومن الائمة أبو حنيفة ومالك في الرواية المشهورة عنه، والأوزاعى وأحمد في الرواية المشهورة عنه، وهو القول القديم للشافعى، وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل العلم (والقول الثاني) المنع منه وهو قول الشافعى في الجديد وهو إحدى الروايتين عن أحمد وعن مالك (والثالث) جوازه لسفر الجهاد دون غيره، وهو إحدى الروايات عن أحمد (والرابع) جوازه للسفر الواجب دون غيره، وهو اختيار أبى إسحاق المروزى من الشافعية ومال إليه إمام الحرمين (والخامس) جوازه لسفر الطاعة واجباً كان أو مندوباً، وهو قول كثير من الشافعية وصححه الرافعى {وأما بعد الزوال} من يوم الجمعة فقال العراقى قد ادَّعى بعضهم الاتفاق على عدم جوازه وليس كذلك، فقد ذهب أبو حنيفة والأوزاعى إلى جوازه كسائر الصلوات، وخالفهم في ذلك عامة العلماء، وفرقوا بين الجمعة وبين غيرها من الصلوات بوجوب الجماعة في الجمعة دون غيرها، والظاهر جواز السفر قبل دخول وقت الجمعة وبعد دخوله لعدم المانع
-[حجة من قال بعدم السفر يوم الجمعة - وأنها مرجوحة]-
(4)
باب جواز التخلف عن الجمعة اذا صادفت يوم عيد أو مطر
(1529)
عن إياس بن أبى رملة الشَّامى قال شهدت معاوية سأل زيدابن أرقم رضى الله عنه شهدت (1) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا، قال نعم، صلَّى العيد أوَّل النَّهار ثمَّ رخَّص فى الجمعة (2) فقال من شاء أن يجمِّع فليجمِّع
من ذلك {وأما وقت صلاة الجمعة} فالظاهر عدم الجواز لمن قد وجب عليه الحضور إلا أن يخشى حصول مضرة من تخلفه للجمعة كالانقطاع عن الرفقة التي لا يتمكن من السفر إلا معهم وما شابه ذلك من الأعذار، وقد أجاز الشارع التخلف عن الجمعة لعذر المطر، فجوازه لما كان أدخل في المشقة منه أولى اهـ {تنبيه} قد يحتج المانعون من السفر يوم الجمعة مطلقًا بما رواه الدارقطني في الأفراد عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ "من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره" وما أخرجه الخطيب في كتاب أسماء الرواة عن مالك من رواية الحسن بن علوان عنه عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال قال النبى صلى الله عليه وسلم "من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه أن لا يصاحب في سفره ولا تقضى حاجته" ويجاب عن ذلك بأن حديث ابن عمر ضعيف لأن في إسناده ابن لهيعة، وحديث أبى هريرة فيه الحسين بن علوان (قال الخطيب) الحسين بن علوان غيره أثبت منه (وقال العراقيى) قد ألان الخطيب الكلام في الحسين هذا، وقد كذبه يحيى بن معين ونسبه ابن حبان الى الوضع، وذكر له الذهبى في الميزان هذا الحديث وأنه مما كذب فيه على مالك اهـ فهما لا يصلحان للاحتجاج بهما على المنع لما عرفت من ضعفهما ومعارضة ما هو أنهض منهما ومخالفتهما لما هو الأصل فلا ينتقل عنه إلا بناقل صحيح ولم يوجد، أفاده الشوكانى
(1529)
عن إياس بن أبى رملة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن ثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبى رملة الشامى "الحديث"{غريبه} (1) رواية أبى داود أشهدت باثبات همزة الاستفهام، ورواية ابن ماجه هل شهدت، فأداة الاستفهام مقدرة في حديث الباب (وقوله عيدين اجتمعا) المراد بهما الجمعة والعيد، وأطلق العيد على الجمعة لما رواه البيهقى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع "معاشر المسلمين هذا يوم جعله الله عز وجل لكم عيداً فاغتسلوا وعليكم بالسواك" ولأنها تعود في كل شهر مرات (2) أى أجاز ترك صلاة الجمعة، والمعنى من أداء صلاة الجمعة ممن حضر العيد فليصلها، ومن لم يرد ذلك فلا حرج عليه {تخريجه} (د. نس. جه. خز. هق. ك) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم
-[جواز التخلف عن الجمعة لعذر المطر]-
(1530)
عن أبي مليح بن أسامة عن أبيه قال أصاب النَّاس فى يوم جمعة يعنى مطرًا (1) فأمر النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أن (2) الصَّلاة اليوم أو الجمعة اليوم فى الرحال
(1531)
خط حدثنا عبد الله قال وجدت فى كتاب أبى بخطِّ يده وأكبر علمى أنِّى قد سمعته منه ثنا ناصح بن العلاء مولى بنى هاشمٍ ثنا عمَّار ابن أبى عمَّار مولى بنى هاشمٍ أنَّه مرَّ على عبد الرَّحمن بن سمرة وهو على نهر أم عبد الله (3) تسيل الماء على غلمته ومواليه، فقال له عمَّارٌ (4) يا أبا سعيدٍ الجمعة، فقال عبد الرحمن بن سمرة إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول إذا كان يوم مطرٍ وابلٍ (5) فليصلِّ أحدكم في رحله
يخرجاه {قلت} وأقره الذهبى
(1530)
عن أبى مليح {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا داود بن عمرو الضبى ثنا على بن هاشم يعنى ابن البريد عن أبى بشر الحلبي عن أبى مليح "الحديث"{غريبه} (1) بالنصب مفعول ليعنى، ومحله الرفع فاعل أصاب، والتقدير أصاب الناس مطر في يوم جمعة (2) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، والمعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر مؤذنه أن يعلم الناس بأن يصلوا في رحالهم رحمة بهم ولعدم إحراجهم بتحمل مشقة المطر (والرحال) جمع رحل وهى المنازل والمساكن، كانت من مدرأو وبر أو غير ذلك {تخريجه} (د. نس. هق) وفى رواية للنسائى أن ذلك كان بغزوة حنين، وروى نحوه الأمام أحمد وتقدم في باب الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة في الجزء الخامس رقم 1321
(1531)
"خط" حدثنا عبد الله {غريبه} (3) هو نهر بالبصرة منسوب الى أم عبد الله بن عامر بن كريز أمير البصرة في أيام عثمان، كذا في معجم ياقوت (وقوله يسيل الماء على غلمته الخ) أى ماء المطر لكثرته (4) يعنى ابن أبى عمار المتقدم ذكره في السند (وقوله يا أبا سعيد) هى كنية عبد الرحمن بن سمرة وهو صحابى من مسلمة الفتح، يقال كان اسمه عبد كلال افتتح سجستان، ثم سكن البصرة ومات بها سنة خمسين أو بعدها، قاله الحافظ في التقريب (5) أى كثير {تخريجه} أورده الهيثمي وقال
-[مذاهب العلماء في حكم التخلف عن الجمعة إذا صادفت يوم عيد]-
.....
رواه عبد الله (يعنى ابن الأمام أحمد) عن أبيه وجادة يعنى أن عبد الله وجده في كتاب أبيه بخط يده كما أشرنا إلى ذلك في أول الحديث برمز "خط" قال وفيه ناصح بن العلاء، ضعفه ابن معين والبخارى في رواية وذكرته هذا الحديث وقال ليس عنده غيره وهو ثقة ووثقه أبو داود اهـ ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك وقال ناصح بن العلاء ثقة، إنما المطعون فيه ناصح أبو عبد الله المحلمى الكوفى فانه روى عنه سماك بن حرب المناكير {قلت} وقال الذهبى ضعفه النسائى وغيره، وقال البخارى منكر، ووثقه ابن المدينى وأبو داود اهـ {وفى الباب عن أبى هريرة} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه عن الجمعة وإنا مجمعون" رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وضعفه بعضهم، لأن في إسناده بقية بن الوليد، وصحح الأمام أحمد والدارقطنى إرساله، وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فإن بقية بن الوليد لم يختلف في صدقه اذا روى عن المشهورين؛ وهذا حديث غريب من حديث شعبة والمغيرة وعبد العزيز وكلهم ممن يجمع حديثه {قلت} وقال الذهبى صحيح غريب {وعن وهب بن كيسان} قال "اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يوم الجمعة، فذكرت ذلك لابن عباس فقال أصاب السنة" رواه النسائى وأبو داود بنحوه لكن من رواية عطاء ورجاله رجال الصحيح {وعين ابن جريح} قال قال عطاء (يعنى ابن أبى رباح)"اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر" رواه أبو داود ورجاله رجال الصحيح {الأحكام} أحاديث الباب مع ما ذكرنا في الشرح تدل على جواز التخلف عن صلاة الجمعة اذا صادفت يوم عيد، وهل هذا التخلف عام لأهل البلد الذى تقام فيه الجمعة ولكل من سمع النداء من أهل القرى المجاورة له أم خاص بأهل القرى؟ وفى حالة التخلف هل يصلى الظهر بدلها أولاً؟ اختلف العلماء في ذلك {فذهب عطاء} بن أبى رباح الى أنهم اذا صلوا العيد لم يجب بعده في هذا اليوم صلاة الجمعة ولا الظهر ولا غيرهما إلا العصر، لا على أهل القرى ولا على أهل البلد (قال ابن المنذر) وروينا نحوه عن على بن أبى طالب وابن الزبير رضى الله عنهم، واحتج لهم بما في حديث (زيد بن أرقم) من قوله صلى الله عليه وسلم "من شاء أن يجمّع فليجمّع" فانه يدل على أن الرخصة تعم الجمع وبما في رواية عطاء حاكياً عن ابن الزبير أنه صلاهما ركعتين لم يزد عليهما حتى صلى العصر، ففيه أن الجمعة اذا سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلى الظهر (وبما روى أبو داود) عن عطاء أيضاً قال "صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا الى الجمعة فلم يخرج الينا فصلينا وُحدانا وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا
-[مذاهب العلماء في حكم التخلف عن الجمعة إذا صادفت يوم عيد]-
.....
ذلك له فقال أصاب السنة" (قال النووى) رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح على شرط مسلم (قال الشوكانى) ويدل على عدم الوجوب وأن الترخيص عام لكلّ، تركُ ابن الزبير للجمعة وهو الأمام إذ ذاك، وقول ابن عباس أصاب السنة وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة، وأيضاً لو كانت الجمعة واجبة على البعض لكانت فرض كفاية وهو خلاف معنى الرخصة اهـ {وقال صاحب الروضة الندية} الظاهر أن الرخصة عامة للأمام وسائر الناس كما يدل على ذلك ما ورد من الأدلة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم "وإنا مجمِّعون" فغاية ما فيه أنه أخبرهم بأنه سيأخذ بالعزيمة وأخذه بها لا يدل على أن لا رخصة في حقه وحق من تقوم بهم الجمعة، وقد تركها ابن الزبير في أيام خلافته ولم ينكر عليه الصحابة ذلك اهـ {وقالت الحنابلة} تسقط الجمعة عن أهل القرى وأهل البلد إلا الأمام فلا تسقط عنه لقول النبى صلى الله عليه وسلم "وإنا مجمّعون" ولأنه لو تركها لا امتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه ومن يريدها ممن سقطت عنه ولا كذلك غير الأمام، وتجب صلاة الظهر على من سقطت عنه {وقال أبو حنيفة} لا تسقط الجمعة عن أهل البلد ولا أهل القرى واحتج له بأن الأصل الوجوب {وذهبت الشافعية} الى وجب الجمعة على أهل البلد وسقوطها عن أهل القرى، لكنهم يصلون الظهر وجوبًا، واحتجوا بما رواه البخارى في صحيحه عن عثمان رضى الله عنه أنه قال في خطبته "أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من أهل العالية أن يصلى معنا الجمعة فليصل، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف" (العالية بالعين المهملة هى قرية بالمدينة من جهة الشرق) قالوا ولم ينكر عليه أحد، ولأنهم اذا قعدوا في البلد لم يتهيئوا بالعيد، فان خرجوا ثم رجعوا للجمعة كان عليهم في ذلك مشقة، والجمعة تسقط بالمشقة وهو المنصوص في الأم (قال النووى) وبه قال عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز وجمهور العلماء اهـ {وللمالكية} في ذلك روايتان (إحداهما) الاكتفاء بالعيد عن الجمعة وهى رواية مطرّف وابن وهب وابن الماجشون عن مالك لما تقدم عن عثمان مع أهل العالية، ووجه الدلالة منه أن عثمان خطب بذلك في جمع من الصحابة ولم ينكروا عليه، فهو إجماع منهم على جواز ذلك (والثانية) أنه لابد من الجمعة كالحنفية وهو مشهور المذهب ورواية ابن القاسم عن مالك، وأحاديث الباب تأبى ذلك، والذى يظهر لى من مجموع الأحاديث والآثار أن الجمعة اذا صادفت يوم عيد تسقط عن أهل القرى الذين يسمعون النداء إذا صلوا العيد في بلد الجمعة، ويستحب فعلها لأهل البلد، والدليل على استحبابها لهم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبى هريرة "وإنا مجمعون" وقد صرفه عن الوجوب إلى الندب ترك ابن الزبير للجمعة وعدم إنكار أحد من الصحابة عليه، وقول ابن عباس رضى الله عنهما لمَّا ذكر له ذلك "أصاب السنة" وأما سقوطها عن
-[مذاهب العلماء في حكم التخلف عن الجمعة لعذر المطر والبرد والوحل]-
(5)
باب ما جاء في وقت الجمعة
(1532)
عن الزبير بن العوَّام رضي الله عنه قال كنَّا نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثمَّ ننصرف فنبتدر (1) في الآجام فلا نجد (2) إلَاّ قدر موضع أقدامنا، قال يزيد الآجام هي الآطام (3)(وعنه من طريق ثانٍ (4) بنحوه وفيه).
أهل القرى فلقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى هريرة أيضاً "فمن شاء أجزأه عن الجمعة" ولقول عثمان رضى الله عنه فى خطبته "فمن أراد من أهل العالية أن يصلى معنا الجمعة فليصل، ومن أراد أن ينصرف فلينصرف" ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، هذا ما ظهر لى والله أعلم {وفى أحاديث الباب أيضاً} دليل على التخلف عن الجمعة والجماعة أيضاً فى اليوم المطير، وتقدم شيء من ذلك فى باب الأعذار التى تبيح التخلف عن الجماعة (وللعلماء خلاف فى ذلك){فذهبت الحنفية} الى أن المطر والطين الكثيرين والبرد الشديد أعذار تبيح التخلف عن الجمعة والجماعة، وكذا الظلمة الشديدة، أما الريح فلا تكون عذراً إلا إن كانت شديدة وكانت ليلاً {وذهبت المالكية} الى أن الوحل والمطر والبرد الشديد عذر يبيح التخلف عن الجماعة سواء أكان بالليل أم بالنهار، وكذلك الوحل على الصحيح عندهم، وكذلك الثلج عذر مطلقاً إن بلّ الثوب، ومثله الحر الشديد بخلاف الريح فليست عذرًا يبيح التخلف إلا اذا كانت باردة وكانت ليلاً فقط، وكل عذر سقطت به الجماعة تسقط به الجمعة {وذهبت الحنابلة} الى أنه إن تأذى بمطر أو وحل أو جليد أو ريح باردة فى ليلة مظلمة ولو لم تكن الريح شديدة أبيح له التخلف عن الجماعة والجمعة والله أعلم
(1532)
عن الزبير بن العوام {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنبأنا ابن أبى ذئب عن مسلم بن جندب عن الزبير بن العوام "الحديث"{غريبه} (1) أى نسرع؛ والآجام بمد الهمزة جمع أجم بضمتين هى فى الأصل الحصون، والمراد هنا أبنية المدينة المرتفعة منها كالحصون (2) أى فلا نجد من الظل إلا قدر موضع أقدامنا كما فى الرواية الثانية، ولا يكون الظل كذلك إلا عقب الزوال بزمن يسير (3) أى الأبنية المرتفعة كما تقدم (4){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن آدم ثنا ابن أبى ذئب ثنا مسلم بن جندب حدثنى من سمع الزبير بن العوام رضى الله عنه يقول كنا نصلي مع
-[حجة الجمهور في أن وقت الجمعة بعد الزوال]-
فما نجد من الظِّلِّ إلَاّ موضع أقدامنا، أو قال فما نجد من الظِّلِّ موضع أقدامنا
(1533)
عن محمدَّ بن كعب القرظيِّ عمَّن حدَّثه عن عبد الله بن مسعود قال بينا نحن معه يوم الجمعة في مسجد الكوفة وعمَّار بن ياسر أمير على الكوفة لعمر بن الخطَّاب وعبد الله بن مسعود على بيت المال إذ نظر عبد الله بن مسعود إلى الظِّلِّ فرآه قدر الشراك (1) فقال إن يصب صاحبكم (2) سنَّة نبيِّكم صلى الله عليه وآله وسلم يخرج الآن، قال فو الله ما فرغ عبد الله بن مسعود من كلامه حتَّى خرج عمَّار بن ياسر يقول الصَّلاة.
(1534)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلى الجمعة حين تميل الشَّمس (3) وكان إذا خرج إلى مكَّة (4) صلَّى الظُّهر بالشَّجرة سجدتين.
رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نبادر فما نجد من الظل الخ {تخريجه} أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وأبو يعلى وفيه رجل لم يسم
(1533)
عن محمد بن كعب القرظى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن إسحاق ثنا محمد بن كعب القرظى "الحديث"{غريبه} (1) أى قدر شراك النعل وشراك النعل أحد سيوره التي تكون على وجهها، والمعنى أن ذلك كان عقب الزوال بمدة يسيرة (2) أى عمار بن ياسر رضى الله عنه (وقوله يخرج الآن) يعنى لصلاة الجمعة {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وفى إسناده رجل لم يسم.
(1534)
عن أنس بن مالك {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر ثنا فليح حدثنى عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان التيمى أن أنسا أخبره أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى الجمعة "الحديث"{غريبه} (3) أى تزول عن كبد السماء (4) أى مسافراً (صلى الظهر) ركعتين مقصورة (والشجرة) كانت بذى الحليفة على بعد فرسخين من المدينة (وقوله سجدتين) يعنى ركعتين {تخريجه} (عل) ورجاله رجال الصحيح،
-[حجة القائلين بصحة الجمعة قبل الزوال]-
(1535)
وعنه أيضًا قال كنَّا نصلِّى مع رسول الله صلَّى عليه وآله وسلَّم الجمعة ثمَّ نرجع إلى القائلة فنقيل (1)
(1536)
عن أبى أحمد حدَّثنى عقبة بن عبد الرحمن بن جابر عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا نصلِّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثمَّ نرجع فنقيل، قال أبو أحمد ثم نرجع إلى بنى سلمة (2) فنقيل، وهو على ميلين
(1537)
عن جعفر بن محمَّد عن أبيه قال سألت جابرًا متى كان
وأخرجه (خ. د. مذ) الى قوله تميل الشمس
(1535)
وعنه أيضًا {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن محمد بن إسحاق قال حدثنى حميد الطويل عن أنس بن مالك "الحديث"{غريبه} (1) فى لفظ للبخارى "كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة"(وفى لفظ له أيضاً)"كنا نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم تكون القائلة" وظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار وهو يعارض ما تقدم من حديث أنس نفسه "كان يصلى الجمعة حين تميل الشمس" يعنى بعد الزوال (قال الحافظ) لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض، وقد تقرر أن التبكير يطلق على فعل الشيء فى أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا، والمعنى أنهم كانوا يبدءون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم فى صلاة الظهر فى الحر فانهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الأبراد اهـ قال الشوكانى والمراد بالقائلة المذكورة فى الحديث نوم نصف النهار {تخريجه} (خ)
(1536)
عن أبى أحمد {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا ثنا عبد الحميد بن يزيد الأنصارى قال أبو أحمد حدثنى عقبة "الحديث"{غريبه} (2) يعنى حى بنى سلمة وقوله (وهو على ميلين) أى من المدينة، والمراد أنهم كانوا يؤخرون القيلولة فى يوم الجمعة بعد الصلاة بخلاف عادتهم فى غير يوم الجمعة كما تقدم فى الحديث السابق {تخريجه} لم أقف عليه عن جابر بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد؛ وروى نحوه البخارى والأمام أحمد عن أنس وهو الحديث المتقدم
(1537)
عن جعفر بن محمد {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن ميمون أبو النضر الزعفرانى ثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال سألت جابرًا "الحديث"
-[حجة القائلين بصحة الجمعة قبل الزوال]-
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى الجمعة؟ فقال كنَّا نصلِّيها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ نرجع فنريح نواضحنا (1) قال جعفر وإراحة النَّواضح قال جعفر وإراحة النَّواضيح حين نزول الشَّمس.
(1538)
عن سهل بن سعدٍ السَّاعدي رضي الله عنه قال رأيت الرِّجال تقيل (2) وتتغذَّى بعد الجمعة (وعنه من طريق ثان)(3) كنَّا نقيل ونتغذَّى بعد الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه رضي الله عنه قال كنَّا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثمَّ نرجع فلا نجد للحيطان فيئًا يستظل فيه (4)
{غريبه} (1) هو جمع ناضح وهو البعير الذى يستقى به سمى بذلك لأنه ينضح الماء أى يصبه، ومعنى نريح أى نريحها من العمل وتعب السقى فنخليها منه، وأشار القاضى عياض رحمه الله الى أنه يجوز أن يكون أراد الروح للرعى {تخريجه} (م. نس. هق)
(1538)
عن سهل بن سعد الساعدى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بشر بن المفضل قال ثنا أبو حازم عن سهل بن سعد "الحديث"{غريبه} (2) القيلولة النوم نصف النهار كما تقدم، وتطلق أيضًا على الاستراحة فى هذا الوقت وإن لم يكن معها نوم، والغذاء الطعام الذى يؤكل أول النهار (3){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بشر بن المفضل ثنا أبو حازم عن سهل بن سعد قال كنا نقبل الخ {تخريجه} (ق. قط. هق. والأربعة)
(1539)
عن إياس بن سلمة بن الأكوع {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى قال ثنا يعلى بن الحارث قال سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال كنا نصلى "الحديث"{غريبه} (4) المراد نفى الظل الذي يستظل به لا نفى أصل الظل كما هو الأكثر الأغلب من توجيه النفى الى القيود الزائدة، يدل على ذلك ما فى رواية أخرى عند مسلم ثم نرجع نتتبع الفئ، وإنما كان كذلك، لأن الجدران كانت فى ذلك العصر قصيرة لا يستظل بظلها إلا بعد توسط الوقت فلا دلالة فى ذلك على أنهم كانوا يصلون قبل الزوال والله أعلم {تخريجه} (ق. د. نس. جه. هق. قط){الأحكام} أحاديث الباب منها ما يدل صريحاً على أن أول وقت الجمعة بعد الزوال كوقت الظهر،
-[إختلاف العلماء في وقت الجمعة]-
.....
ومنها ما يحتمل أن أوله قبيل الزوال؛ وقد ذهب الى الأول جمهور العلماء (قال النووى) رحمه الله وقد قال {مالك وأبو حنيفة والشافعى} وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس؛ ولم يخالف في هذا إلا احمد وإسحاق فجوّزاها قبل الزوال (قال القاضى) وروى في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شئ إلا ما عليه الجمهور، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها وأنهم كانوا يؤخرون الغذاء والقيلولة في هذا اليوم الى ما بعد صلاة الجمعة لأنهم ندبوا الى التبكير اليها، فلو اشتغلوا بشئ من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير اليها، وقوله نتتبع الفئ إنما كان ذلك لشدة التبكير وقصر الحيطان، وفيه تصريح بأنه قد صار فئ يسير، وقوله وما نجد فيئًا نتسظل به موافق لهذا، فانه لم ينف الفئ من أصله، وانما نفى ما يستظل به، وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به اهـ {قلت} وقوله (نتبع الفئ) وقوله (وما نجد فيئًا نستظل به) يعنى بذلك روايات مسلم، وقد جاء معناها في أحاديث الباب عند الأمام أحمد أيضًا {وذهب إلى جواز فعلها قبل الزوال} الأمام أحمد؛ وحكى ابن قدامة "الحنبلى" في المعنى عن ابن مسعود وسعيد ومعاوية أنهم صلوها قبل الزوال؛ قال وقال القاضى وأصحابه يجوز فعلها في وقت صلاة العيد، وروى ذلك عبد الله عن أبيه قال نذهب إلى أنها كصلاة العيد، وقال مجاهد ما كان للناس عيداً إلا في أول النهار (وروى) عن ابن مسعود ومعاوية أنهما صليا الجمعة ضحى وقالا إنما عجلنا خشية الحر عليكم، وروى الأثرم حديث ابن مسعود، ولأنها عيد فجازت في وقت العيد كالفطر والأضحى، والدليل على أنها عيد قول النبى صلى الله عليه وسلم "إن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين" وقوله صلى الله عليه وسلم "قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان"(قال) ولنا على جوازها في السادسة السنة والأجماع (يعنى الساعة السادسة وهى قبيل الزوال) قال أما السنة فما روى جابر بن عبد الله "فذكر أحاديث جابر وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع المذكورة في الباب، وقال عقب حديث سهل بن سعد"(قال ابن أبى قتيبة) لا يسمى غذاء ولا قائلة بعد الزوال (يعنى وقد قال سهل بن سعد في حديثه "ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة" فيلزم من ذلك أن الجمعة كانت قبل الزوال)(قال) وأما الأجماع فروى الأمام أحمد عن وكيع عن جعفر ابن بُرقان عن ثابت بن الحجاج عن عبد الله بن سيدان قال شهدت الجمعة مع أبى بكر، فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد ينتصف النهار، ثم صليتها مع عثمان بن عفان فكانت صلاته وخطبته الى أن أقول قد زال النهار، فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره (1) قال وكذلك
_________
(1)
() هذا الحديث عزاه ابن قدامة للامام أحمد، وأورده صاحب المنتقى وقال رواه
-[صلاة الجمعة بعد الزوال أفضل عند من يقول بجوازها قبله]-
(6)
باب الغسل للجمعة والتجمل لها بالثياب الحسنة والطيب
(1540 عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما وسأله رجل عن الغسل يوم
روى عن ابن مسعود وجابر وسعيد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال، وأحاديثهم تدل على أن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها بعد الزوال فى كثير من أوقاته، ولا خلاف فى جوازه وأنه الأفضل والأولى، وأحاديثنا تدل على جواز فعلها قبل الزوال ولا تنافى بينهما {وأما فى أول النهار} فالصحيح أنها لا تجوز لما ذكره أكثر أهل العلم، ولأن التوقيت لا يثبت إلا بدليل من نص أو ما يقوم مقامه، وما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين أنهم صلوها فى أول النهار، ولأن مقتضى الدليل كون وقتها وقت الظهر، وإنما جاز تقديمها عليه بما ذكرنا من الدليل، وهو مختص بالساعة السادسة فلم يجز تقديمها عليها والله أعلم، ولأنها لو صليت فى أول النهار لفاتت أكثر المصلين فإن العادة اجتماعهم لها عند الزوال، وإنما يأتيها ضحى آحاد من الناس وعدد يسير كما روى عن ابن مسعود أنه أتى الجمعة فوجد أربعة فسبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد {إذا ثبت هذا} فالأولى أن لا تصلى إلا بعد الزوال ليخرج من الخلاف ويفعلها فى الوقت الذى كان النبى صلى الله عليه وسلم يفعلها فيه أكثر أوقاته، ويعجلها فى أول وقتها فى الشتاء والصيف، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعجلها بدليل الأخبار التي رويناها ولأن الناس يجتمعون لها فى أول وقتها، فلو انتظر الأبراد بها لشق على الحاضرين، وإنما جعل الأبراد بالظهر فى شدة الحر دفعًا للمشقة التي يحصل أعظم منها بالأبراد بالجمعة اهـ
(1540)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا أبو سعيد
_________
الدارقطني والإمام أحمد من رواية ابنه عبد الله واحتج به {قلت} لم أجد هذا الحديث فى مسند الامام أحمد ولا رجلا مسمى بهذا الاسم فى ترجمة من تراجم المسند ولا فى مجمع الزوائد الذى التزم صاحبه الاتيان بما زاد عن الكتب الستة فى مسند الامام أحمد وغيره، فلعله من رواية عبد الله عن أبيه فى غير المسند من كتب أبيه الأخرى، لأن الامام أحمد رحمه الله له كتب أخرى غير المسند ككتاب الزهد وكتاب الصلاة وغيرهما، وذكره الحافظ فى الفتح وعزاه لأبى نعيم شيخ البخارى وابن أبى شيبة ولم يعزه للامام أحمد وقال بعد ذكره رجاله ثقات إلا عبد الله بن سيدان وهو بكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة فانه تابعى كبير إلا أنه غير معروف العدالة، قال ابن عدى شبه المجهول، وقال البخارى لا يتابع على حديثه بل عارضه ما هو أقوى منه، فروى ابن أبى شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبى بكر وعمر حين زالت الشمس وإسناده قوي اهـ
-[سبب مشروعية غسل الجمعة]-
الجمعة أواجب هو؟ قال لا، ومن شاء اغتسل، وسأحدِّثكم عن بدء الغسل، كان النَّاس محتاجين (1) وكانوا يلبسون الصُّوف وكانوا يسقون النَّخل على ظهورهم (2) وكان مسجد النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم ضيِّقًا متقارب السَّقف (3) فراح النَّاس فى الصُّوف فعرقوا وكان منبر النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم قصيرًا، وإنما هو ثلاث درجات (4) فعرق النَّاس فى الصُّوف فثارت (5) أرواحهم أرواح الصُّوف فتأذَّى بعضهم ببعض حتَّى بلغت أرواحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال يا أيُّها النَّاس إذا جئتم الجمعة فاغتسلوا وليمس (6) أحدكم من أطيب طيبٍ إن كان عنده
ثنا سليمان بن بلال عن عمرو يعنى ابن أبى عمرو عن عكرمة عن ابن عباس وسأله رجل "الحديث"{غريبه} (1) أى لأنهم كانوا فى أول أمرهم فقراء (2) أى لعدم وجود الخدم ولقلة ذات يدهم (3) كان ارتفاعه قامة وشبراً وبقى كذلك إلى خلافة عمر فزاد فيه وبناه باللبن والجريد، ثم زاد فيه عثمان وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والجص وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج؛ وكان فى أول أمره مظللاً بالجريد وسواريه جذوع النخل، وسيأتى بسط ذلك فى باب فضل مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى آخر كتاب الحج إن شاء الله تعالى (4) أى درجتين غير المقعدة التى كان يجلس عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤيد ذلك ما ذكره ابن عبد البر فى الاستيعاب عن باقوم الرومى قال "صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبراً من طرفاء له ثلاث درجات، المقعدة ودرجتان" ولا ينافيه ما فى حديث الباب، لأنه عد المقعدة من الثلاث (5) أى هاجت وظهرت من أجسادهم رياح كريهة يقال ثار يثور ثورًا وثورانا اذا انتشر وظهر (والأرواح) جمع ريح، لأن أصلها الواو، وتجمع على أرياح قليلاً؛ وعلى رياح كثيرًا (والروح) بالفتح نسيم الريح، كانوا إذا مرَّ عليهم النسيم تكيف بأرواحهم وحملها إلى الناس (نه) وأرواح الثانية بدل من أرواح الأولى (6) أي يضع منه على شعره وبدنه وثيابه، وأطيب الطيب المسك، فان لم يتيسر له المسك فليتطيب بغيره من كل ذى ريح طيبة كالعنبر والورد ونحو ذلك {تخريجه} (د. هق. ك. والطحاوى) وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط البخارى {قلت} وأقره الذهبى، وزاد أبو داود فى آخره "قال ابن عباس ثم جاء الله تعالى ذكره بالخير ولبسوا غير الصوف وكُفُوا العمل ووسع الله
-[فضل الغسل والطيب ليوم الجمعة]-
(1541)
عن عائشة رضي الله عنهت قالت كان النَّاس عمَّال أنفسهم (1) فكانوا يروحون كهيئتهم (2) فقيل لهم لو اغتسلتم (3)
(1542)
عن أبى سعيد الخدري وأبى هريرة رضى الله عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اغتسل يوم الجمعة واستاك ومسَّ من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثمَّ خرج حتَّى يأتي المسجد فلم يتخطَّ رقاب النَّاس حتَّى ركع ما شاء أن يركع ثمَّ أنصت (4) إذا اخرج الإمام فلم يتكلَّم حتَّى يفرغ من صلاته (5) كانت كفَّارة لما بينها وبين الجمعة التى قبلها (6) قال وكان
مسجدهم وذهب بعض الذى كان يؤذى بعضُهم بعضا من العرق"
(1541)
عن عائشة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة "الحديث"{غريبه} (1) رواية أبى داود مُهَّان بضم الميم وتشديد الهاء جمع ماهن ككتاب جمع كاتب، وقال الحافظ أبو موسى مهان بكسر الميم والتخفيف جمع ماهن كقيام وصيام جمع قائم وصائم (وفى رواية البخارى) مَهَنة أنفسهم جمع ماهن أيضاً ككتبة جمع كاتب والماهن الخادم، والمعنى أنهم كانوا يخدمون أنفسهم؛ لأنه لم يكن لديهم خدم لفقرهم كما قدمنا، وكل عامل يباشر عملاً شاقاً لابد أن يعرق، ولاسيما فى البلاد الحارة فينتج من هذا العرق ريح كريهة فأمروا بالاغتسال للتنظيف ولأزالة الريح الكريهة (2) أي يذهبون إلى صلاة الجمعة بحالتهم التي هم عليها من العرق والوسخ فتظهر لهم رائحة كريهة (3) أى لكان أفضل وأطيب {تخريجه} (ق. د. والطحاوى. وغيرهم)
(1542)
عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن محمد بن إسحاق ثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وأبى أمامة بن سهل بن حنيف عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة "الحديث"{غريبه} (4) أى استمع الخطبة (5) أى حتى ينتهى الأمام منها (وفى رواية مسلم) حتى يفرغ من خطبته، ويستفاد منها أن الكلام بعد الخطبة وقبل الأحرام بالصلاة جائز (6) يعنى الخصال المتقدمة وهى الغسل والسواك ومس
-[فضل لبس الثياب الحسنة والطيب والدهن للجمعة]-
أبو هريرة يقول وثلاثة أيَّام زيادة (1) إنَّ الله جعل الحسنة بعشر أمثالها.
(1543)
عن أبى ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من اغتسل أو تطهَّر (2) فأحسن الطُّهور ولبس من أحسن ثيابه ومسَّ ما كتب الله له من طيب (3) أو دهن أهله (4) ثمَّ أتى الجمعة فلم يلغ (5) ولم يفرِّق بين اثنين (6) غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى (ومن طريق ثانٍ) حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا يونس ثنا ليث عن محمَّدٍ يعنى ابن عجلان عن
الطيب ولبس الثياب الحسنة وعدم التخطى، والانصات للخطبة تمحو الذنوب التى حصلت منه، من صلاة الجمعة السابقة الى فراغه من صلاة الجمعة التى هو فيها (1) أى من التى بعدها كما فى رواية ابن حبان، لأن الزمن من صلاة الجمعة السابقة إلى صلاة التي تليها بعد أسبوعاً كاملاً، فاذا زدنا ثلاثة أيام كما فى رواية أبى هريرة صار المجموع عشرة أيام، فصلاة الجمعة فى يوم واحد كفرت ذنوب عشرة أيام، لأن الله عز وجل جعل الحسنة بعشر أمثالها، والمراد هنا تكفير الذنوب الصغائر كما يستفاد من بعض الروايات الصحيحة، فعند ابن ماجه ما لم يغش الكبائر، وعند مسلم نحو ذلك، وظاهر الحديث أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع الخصال المذكورة فى الحديث وترك الكبائر كما فى الروايات الأخرى والله أعلم {تخريجه} (م. د)
(1543)
عن أبى ذر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن ابن عجلان حدثنى سعيد عن أبيه عن عبد الله بن وديعة عن أبى ذر "الحديث"{غريبه} (2) أو للشك من الراوى (وقوله فأحسن الطهور) أى استوعب جميع جسمه بالغسل والنظافة (3) أى ما يسّره الله له (4) الدهن بضم الدال المهملة هو ما يدَّهن به من زيت ودهن سمسم ونحو ذلك من الأدهان المطيّبة، وإنما قال دهن أهله "أى زوجته" لأن الأدهان لا تستعمل إلا فى الشعر وهو خاص بالنساء غالباً، والمعنى أن من لم يتخذ لنفسه دهناً فليستعمل من دهن امرأته، وفيه إشارة الى التزين يوم الجمعة بالدهن لأزالة شعث الشعر وبالطيب لأزالة الريح الكريهة، فان لم يجد إلا أحدهما اقتصر عليه (5) أى لم يتكلم، لأن الكلام حال الخطبة لغو، يقال لغا يلغو كغزا يغزو، ولغِىَ يَلغَى كعمِىَ يَعمَى، ومن الثانى قوله تعالى {والغَوْا فيه} واللغو السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع، وإنما كان مطلق الكلام فى حال الخطبة لغوًا لورود النهى عنه (6) أي لم يتخط
-[فضل الغسل للجمعة والانصات للخطيب]-
سعيد بن أبي سعيدٍ عن أبيه عن عبد الله بن وديعة الخدريِّ عن أبى ذرّ رضى الله عنه (مثله وفيه) قال محمَّد فذكرت لعبادة بن عامر بن عمر وبن حزم فقال صدق وزيادة ثلاثة أيَّامٍ.
(1544)
وعن سلمان الخير (1) رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم بنحو الطَّريق الأولى من الحديث السَّابق.
(1545)
وعنه أيضًا رضى الله عنه قال قال لى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أتدرى ما يوم الجمعة؟ قلت هو اليوم الَّذى جمع الله فيه أباكم (2) قال لكنِّى أدرى ما يوم الجمعة، لا يتطهَّر الرَّجل فيحسن طهوره ثمَّ يأتى الجمعة فينصت حتَّى يقضي الإمام
رقاب الناس كما فى بعض الروايات {تخريجه} (جه) بدون قوله وزيادة ثلاثة أيام وسنده جيد
(1544)
وعن سلمان الخير رضى الله عنه {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حجاج بن محمد ثنا ابن أبى ذئب عن سعيد المقبرى قال أخبرنى أبى عن عبد الله بن وديعة عن سلمان الخير "الحديث"{غريبه} (1) هو أبو عبد الله سلمان الفارسى رضى الله عنه، ويقال له سلمان بن الاسلام وسلمان الخير، وقال ابن حبان من زعم أن سلمان الخير آخر فقد وهم، أصله من رام هرمز، وقيل من أصبهان، وكان قد سمع بأن النبى صلى الله عليه وسلم سيبعث فخرج فى طلب ذلك فأسرو بيع بالمدينة فاشتغل بالرق حتى كان أول مشاهده الخندق وفتوح العراق وولى المدائن؛ أفاده الحافظ فى الأصابة، وستأتى ترجمته مستوفاة فى كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى {تخريجه} (خ. نس)
(1545)
وعنه أيضاً {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم عن مغيرة عن أبى معشر عن إبراهيم عن قرئع الضبى عن سلمان الفارسى قال قال لى النبى صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (2) الظاهر أن سلمان فهم أن النبى صلى الله عليه وسلم يسأله عن سبب تسمية يوم الجمعة فأجابه بقوله "هو الذى جمع الله فيه أباكم" يعنى خلق آدم، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم "لكنى أدرى ما يوم الجمعة" يعنى لست أريد ما ذكرت؛ ولكنى أريد ما يعود على العبد من مزيد الفضل والثواب فى يوم الجمعة، ثم أخبره صلى الله عليه وسلم فقال "لا يتطهر الرجل" الخ
-[الإنكار على من خالف السنة وإن كان كبير القدر]-
صلاته إلَّا كان كفَّارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة (1)
(1546)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال دخل رجل (2) ومن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطَّاب رضى الله عنه يخطب النَّاس، فقال عمر أيَّة (3) ساعة هذه، فقال يا أمير المؤمنين انقلبت (4) من السُّوق فسمعت النِّداء (5) فما زدت على أن توضَّأت، فقال عمر والوضوء أيضًا (6) وقد علمت أنّ رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه
(1) يعني الكبائر التي تسبب لصاحبها الهلاك والوقوع تحت طائلة العقاب {تخريجه} أورده الهيثمى بزيادة "وذلك الدهر كله" بعد قوله ما اجتنبت المقتلة، وفيه هو الذى جمع الله فيه أبوك وأبويك وقال روى النسائى بعضه، ورواه الطبرانى فى الكبير وإسناده حسن
(1546)
عن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله قال قال أبى قرأت على عبد الرحمن بن مهدى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر "الحديث"{غريبه} (2) هو عثمان بن عفان رضى الله عنه كما سماه ابن وهب وابن القاسم عن مالك فى روايتهما للموطأ، وكذا سماه معمر عن الزهرى عند الشافعى، وعبد الرزاق وابن وهب فى روايته عن أسامة بن زيد الليثى عن نافع عن ابن عمر، وكذا سماه أبو هريرة عند مسلم، قال ابن عبد البر لا أعلم خلافاً فى ذلك (3) بشد التحتية تأنيث "أىّ" يستفهم بها، والساعة اسم لجزء من الزمان مقدر؛ ويطلق على الوقت الحاضر وهو المراد هنا، وهذا استفهام توبيخ وإنكار، كأنه يقول لم تأخرت إلى هذه الساعة؟ وقد ورد التصريح بالإنكار فى رواية أبى هريرة بلفظ "فقال عمر لم تحتسبون عن الصلاة" ولمسلم فعرّض به عمر، فقال "ما بال رجال يتأخرون بعد النداء"(قال الحافظ) والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظه الآخر، ومراد عمر التلميح الى ساعات التبكير التى وقع الترغيب فيها وأنها اذا انقضت طوت الملائكة الصحف، وهذا من أحسن التعريضات وأرشق الكنايات، وفهم عثمان ذلك فبادر الى الاعتذار عن التأخير اهـ (4) أى رجعت من السوق، روى أشهب عن مالك فى العتبية أن الصحابة رضى الله عنهم كانوا يكرهون ترك العمل يوم الجمعة على نحو تعظيم اليهود السبت والنصارى الأحد (5) أى الأذان بين يدى الخطيب (وقوله فما زدت على أن توضأت) أى لم أشتغل بشئ إلا بالوضوء (6) أى فأنكر عليه عمر إنكارًا
-[الأمر بالغسل للجمعة]-
وسلَّم كان يأمر بالغسل؟
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال بينما عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يخاطب (فذكر نحوه (1) وفيه) ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا راح أحدكم إل الجمعة فليغتسل.
حدّثنا عبد الله حدَّثنى أبى ثنا أبو اليمان ثنا شعيب قال سئل الزُّهري هل فى الجمعة غسلٌ واجبٌ؟ فقال حدثنى سالم بن عبد الله بن عمر أنَّه سمع عبد الله بن عمر رضى الله عنهما يقول سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول من جاء منكم الجمعة (2) فليغتسل، وقال طاوس (3) قلت لابن عبَّاس ذكروا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤسكم (4) وإن لم تكونوا
آخر على ترك السنة المؤكدة وهى الغسل بقوله والوضوء أيضاً بنصب الوضوء أى تركت الغسل وتوضأت الوضوء فقط {تخريجه} (ق. لك. هق)
(1547)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا حرب يعنى ابن شداد ثنا يحيى ثنا أبو سلمة ثنا أبو هريرة قال بينما عمر بن الخطاب رضى الله عنه يخطب إذ جاء رجل فجلس فقال عمر لم تحتسبون عن الجمعة؟ فقال الرجل يا أمير المؤمنين ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت ثم أقبلت، فقال عمر رضى الله عنه وأيضاً، ألم تسمعوا "الحديث"{غريبه} (1) أى نحو حديث ابن عمر المتقدم {تخريجه} (م. د. هق)
(1548)
حدثنا عبد الله {غريبه} (2) المراد بالجمعة هنا اسم سبب الاجتماع وهو الصلاة لا اسم اليوم، لأن اليوم لا يؤتى، وكذلك يقال فى أمثاله، وفى القاموس الجمعة المجموعة ويوم الجمعة (3) هو ابن كيسان اليمانى ولم يسمّ طاوس من حدثه بذلك؛ والظاهر أنه أبو هريرة، لأن الطحاوى روى عن طاوس عن أبى هريرة نحوه، وكذلك رواه ابن خزيمة وابن حبان (4) ذكر غسل الرأس بعد ذكر الاغتسال، أما تأكيد لاغتسلوا من باب ذكر الخاص بعد العام وبيان لزيادة الاهتمام به، أو يراد بالأول الغسل المشهور الذي
-[حجة القائلين بوجوب الغسل للجمعة]-
جنبًا وأصيبوا من الطِّيب، فقال ابن عبَّاس رضى الله عنهما أمَّا الغسل فنعم، وأمَّا الطِّيب فلا أدرى (1549) عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غسل الجمعة واجبٌ (1) على كلِّ محتلم (2)
وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم الغسل يوم الجمعة على كلِّ محتلم والسِّواك (3) وإنَّما يمسُّ من الطِّيب
هو كغسل الجنابة، وبالثانى التنظيف من الأذى واستعمال الدهن "وقول ابن عباس فلا أدرى" أى فلا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله {تخريجه} (ق. والأربعة. وغيرهم) وفى رواية لمسلم بلفظ "اذا أراد أحدكم أن يأتى الجمعة فليغتسل" وأخرج ابن حبان وابن خزيمة وغيرهما مرفوعاً "من أتى الجمعة فليغتسل" زاد ابن خزيمة "ومن لم يأتها فلا يغتسل" قال الحافظ فى التلخيص وله طرق كثيرة، وعدَّ أبو القاسم بن منده من رواه عن نافع عن ابن عمر فبلغوا ثلاثمائة، وعدَّ من رواه غير ابن عمر فبلغوا أربعة وعشرين صحابياً، وقد جمعت طرقه عن نافع فبلغوا مائة وعشرين نفساً اهـ
(1549)
عن أبى سعيد الخدرى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى "الحديث"{غريبه} (1) قال الخطابى معناه وجوب الاختيار والاستحباب دون وجوب الفرض كما يقول الرجل لصاحبه حقك علىَّ واجب وأنا أوجب حقك وليس بمعنى اللزوم الذى لا يسع غيره ويشهد لصحة هذا التأويل حديث عمر اهـ يعنى حديث عمر مع عثمان حين لامه وهو عل المنبر ولم يغتسل عثمان، وسيأتى الكلام على ذلك فى الأحكام (2) أى بالغ وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب، ومثله من بلغ بالسن ولم يحتلم أو بعلامة أخرى من علامات البلوغ كأنبات العانة ونحو ذلك {تخريجه} (ق. لك. د. نس. جه. هق)
(1550)
وعنه أيضاً {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا إسحاق قال أنا ابن لهيعة عن بكير عن أبى بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم الزرقى عن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل يوم الجمعة على كل محتلم "الحديث"{غريبه} (3) احتج به الجمهور فى عدم وجوب الغسل
-[حجة القائلين بوجوب غسل الجمعة]-
ما يقدر عليه ولو من أهله
(1551)
عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال حقُّ الله على كلِّ مسلم (1) أن يغتسل في كلِّ سبعة أيَّام (2) يغسل رأسه وجسده (3)
(1552)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلِّ مسلم غسلٌ في سبعة أيَّاٍم كلَّ جمعةٍ (4)
للجمعة لعطف السواك عليه والسواك غير واجب، وأجاب المخالفون بأن العطف لا يقتضى التشريك من جميع الوجوه، فالقدر المشترك هنا تأكيد الطلب للجميع والله أعلم {تخريجه} (ق. د. نس)
(1551)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أن كل أمة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله عز وجل له، فغدًا لليهود وبعد غد للنصارى، فسكت فقال حق الله على كل مسلم "الحديث"{غريبه} (1) هو من أدلة القائلين بوجوب الغسل للجمعة وسيأتى ذكرهم فى الأحكام، وحمله القائلون بعدم الوجوب على التأكيد لا الحق الواجب المستلزم للعقاب (2) لم يبين اليوم الذى يغتسل فيه، وكذلك أبهمه فى رواية البخارى ولفظه "لله تعالى على كل مسلم حق أن يغتسل فى كل سبعة أيام يوماً" قال الحافظ وقد بينه جابر فى حديثه عند النسائى بلفظ "الغسل واجب على كل مسلم فى كل أسبوع يومًا وهو يوم الجمعة" وصححه ابن خزيمة {ولسعيد بن منصور} وأبى بكر بن أبى شيبة من حديث البراء بن عازب مرفوعاً نحوه ولفظه "إن من الحق على المسلم أن يغتسل يوم الجمعة الحديث" اهـ {قلت} حديث جابر الذى أشار إليه الحافظ رواه أيضاً الأمام أحمد وهو الآتى بعد هذا؛ وفيه ما يشعر بذلك، ولكن رواية النسائى أصرح منه (3) ذكر الجسد بعد الرأس من باب ذكر العام بعد الخاص وهو يشعر بالاعتناء بغسل الرأس وتنظيفه {تخريجه} (ق. نس. وغيرهم)
(1552)
عن جابر بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بشر ابن المفضل عن داود عن أبى الزبير عن جابر "الحديث"{غريبه} (4) أى كل يوم جمعة كما صرح بذلك عند النسائي وتقدم لفظه {تخريجه} (نس) وصححه ابن خزيمة،
-[حجة القائلين بعدم وجوب غسل الجمعة]-
(1553)
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضَّأ يوم الجمعة فيها ونعمت (1) ومن اغتسل فهو أفضل.
(1554)
عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ من الحقِّ على المسلمين أن يغتسل أحدهم يوم الجمعة وأن يمسَّ من طيبٍ إن كان عند أهله، فإن لم يكن عندهم طيبٌ فإنَّ الماء أطيب (2)
(1555)
عن محمَّد بن عيد الرحمن بن ثوبان عن شيخٍ من الأنصار قال
وتقدم الكلام عليه فى الذى قبله
(1553)
عن سمرة بن جندب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى وأبو داود قالا ثنا همام عن قتادة عن الحسن بن سمرة بن جندب الخ {غريبه} (1) أى فبطهارة الوضوء حصل الواجب والتاء فى نعمت للتأنيث قاله العراقى، وقيل ونعمت الخصلة هى أى الطهارة قاله أبو حاتم، وقيل فبرخصة الوضوء أخذ ونعمت الرخصة لان السنة الغسل، قاله أبو حامد الشاركى؛ وهو من حجج القائلين بعدم وجوب الغسل للجمعة {تخريجه} (د. نس. خز. مذ) وحسنه، ورواه ابن ماجه من حديث جابر ابن سمرة، وروى عن قتادة عن الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلاً، قال الحافظ والصواب كما قال الدارقطنى عن قتادة عن الحسن عن سمرة، وكذا قال العقيلى، قال فى الأمام من يحمل رواية الحسن عن سمرة يصحح هذا الحديث وهو مذهب على بن المدينى كما نقله عنه البخارى والترمذى والحاكم وغيرهم أفاده الحافظ فى التلخيص
(1554)
عن البراء بن عازب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم عن يزيد بن أبى زياد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن البراء بن عازب "الحديث"{غريبه} (2) أي فيكتفى بالغسل لأنه اشد تأكيدًا، وتقدم الكلام على معناه فيما سبق {تخريجه} (ش) وفى إسناده يزيد بن أبى زياد كان من أئمة الشيعة الكبار، وقال ابن عدى يكتب حديثه، وقال الحافظ شمس الدين الذهبى هو صدوق ردئ الحفظ، قال مطين مات سنة سبع وثلاثين ومائة، روى له مسلم مقروناً "خلاصة" وفى التهذيب قال أبو زرعة يكتب حديثه، وقال ابن معين ضعيف الحديث لا يحتج بحديثه، وقال أبو داود لا أعلم أحداً ترك حديثه وغيره أحب إلىّ منه اهـ
(1555)
عن محمد بن عبد الرحمن {سنده} حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
-[فضل الغسل والتبكير للجمعة]-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حقٌّ على كلِّ مسلمٍ الغسل والطِّيب والسِّواك يوم الجمعة
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال من غسَّل (1) واغتسل وغدا (2) وابتكر ودنا فاقترب واستمع وأنصت كان ل بكلِّ خطوةٍ (3) يخطوها
وكيع عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الرحمن الخ {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وأورده الهيثمى وعزاه للأمام أحمد فقط وقال رجاله رجال الصحيح {قلت} وهو من أدلة القائلين بعدم وجوب الغسل، لأن السواك والطيب غير واجبين قطعا، وقد اشتركا معه فى الحكم، وسيأتى الكلام عليه فى الأحكام
(1556)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا روح ثنا ثور بن يزيد عن عثمان الشامى أنه سمع أبا الأشعث الصنعانى عن أوس بن أوس الثقفى عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (1) روى بالتشديد والتخفيف، قيل أراد به غسل رأسه وبقوله اغتسل غسل سائر بدنه، وقيل جامع زوجته فأوجب عليها الغسل فكأنه غسلها واغتسل فى نفسه، وقيل كرر ذلك للتأكيد، ويرجح التفسير الأول ما فى رواية أبى داود فى هذا الحديث بلفظ "من غسل رأسه واغتسل" وما رواه البخارى والأمام أحمد عن طاوس "قلت لابن عباس ذكروا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤسكم" وتقدم آنفاً، وقال الترمذي عقب ذكر الحديث قال محمود "يعنى ابن غيلان شيخ الترمذى" قال وكيع اغتسل هو وغسَّل امرأته، ويروى عن المبارك أنه قال فى هذا الحديث من غسَّل واغتسل يعنى غسَّل رأسه واغتسل اهـ (وفى النهاية) ذهب كثير من الناس أن غسَّل أراد به المجامعة قبل الخروج إلى الصلاة، لأن ذلك يجمع غض الطرف فى الطريق يقال غسَّل الرجل امرأته بالتشديد والتخفيف اذا جامعها، وقد روى مخففًا وقيل أراد غسَّل غيره واغتسل هو لأنه إذا جامع زوجته أحوجها الى الغسل اهـ (2) أى راح فى أول الوقت وابتكر أى أدرك أول الخطبة ورجحه العراقى، وفى لفظ (وبكّر "بالتشديد" وابتكر) قيل كرره للتأكيد، وبه جزم ابن العربى، وفى رواية للأمام أحمد وأبى داود ومشى ولم يركب (وقوله واقترب) أى دنا من الأمام كما صرح به فى بعض الروايات (واستمع) أى الخطبة (وأنصت) تأكيد لاستمع (3) بضم الخاء المعجمة وهى بعد ما بين القدمين حين المشى وجمعه خطى وخطُوات كغرف
-[فضل المشي على القدم للجمعة والاقتراب من الامام والانصات]-
أجر قيام سنةٍ وصيامها (1)
وعن أوس بن أوس النَّقفىِّ رضى الله عنه عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم مثله (وفى لفظٍ إذا كان يوم الجمعة فغسل أحدكم رأسه واغتسل ثمَّ غدا الخ)(وعنه من طريقٍ ثانٍ (2) بنحوه وفيه) وخرج يمشى ولم يركب ثمَّ دنا من الإمام فأنصت ولم يلغ كان له كأجر سنة صيامها وقيامها
وغرفُات (بفتح الخاء) المرة وجمعها خطوات كسجدة وسَجَدات (1) المعنى أن من جمع هذه الأمور باخلاص لله تعالى استحق هذا الثواب الجزيل وفضل الله واسع {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام أحمد، وقال المنذرى والهيثمى رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح {قلت} وروى نحوه الأربعة من حديث أوس بن أوس الثقفى، وسيأتى للأمام أحمد أيضاً بعد هذا الحديث
(1557)
وعن أوس بن أوس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو أحمد الزبيرى قال ثنا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن يحيى بن الحارث عن أبى الأشعث الصنعانى عن أوس بن أوس الثقفى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من غسّل واغتسل ثم غدا فابتكر وجلس من الأمام قريبا فاستمع وأنصت كان له لكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها"(2){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن إسحاق قال أنا على بن المبارك قال أنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثنى عبد الرحمن الدمشقى قال حدثنى أبو الأشعث قال حدثنى أوس بن أوس الثقفى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الجمعة فقال "من غسّل واغتسل ثم غدا وابتكر وخرج يمشى ولم يركب ثم دنا من الأمام فأنصت ولم يلغ كان له كأجر سنة صيامها وقيامها" قال وزعم يحيى بن الحارث أنه حفظ عن أبى الأشعث أنه قال بكل خطوة كأجر سنة صيامها وقيامها، قال يحيى ولم أسمعه يقول مشى ولم يركب {قلت} ثبت هذا اللفظ عند أبى داود والنسائى وابن ماجه {تخريجه} (الأربعة. وغيرهم) وقد ذكر الأمام أحمد لهذا الحديث سبع طرق اخترت أجودها إسناداً وأكثرها معنى، وحسن الترمذى هذا الحديث وسكت عليه أبو داود والمنذرى؛ ورواه الطبرانى بإسناد قال العراقى حسن عن أوس المذكور وكثرة طرقه تعضده، ويعضده أيضاً حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص المتقدم والله أعلم
-[فضل الغسل والطيب والملابس الحسنة ليوم الجمعة]-
(1558)
عن أبي أيُّوب الأنصارىِّ رضى الله عنه قال سمعت رسول الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول من اغتسل يوم الجمعة ومسَّ من طيبٍ إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثمَّ خرج حتَّى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحدًا ثمَّ أنصت إذا خرج إمامه حتَّى يصلِّى كانت كفَّارةً لما بينها وبين الجمعة الأخرى.
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم من توضَّأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء (1) ثمَّ أتى الجمعة فدنا وأنصت واستمع (2) غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيَّامٍ، وقال ومن مسَّ الحصى فقد لغا (3)
(1558) عن أبي أيوب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن محمد بن إسحاق حدثنى محمد بن إبراهيم التيمي عن عمران بن أبى يحيى عن عبد الله ابن كعب بن مالك عن أبى أيوب الأنصارى "الحديث" وفى آخره وقال "يعنى عمران بن أبى يحيى" فى موضع آخر إن عبد الله بن كعب بن مالك السلمى حدثه أن أبا أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من اغتسل يوم الجمعة وزاد فيه ثم خرج وعليه السكينة حق يأتى المسجد"{تخريجه} أورده المنذرى وقال رواه احمد والطبرانى وابن خزيمة فى صحيحه ورواه أحمد ثقات اهـ وكذلك قال الهيثمى إلا أنه لم يعزه لابن خزيمة
(1559)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (1) إحسان الوضوء الأتيان به ثلاثاً ثلاثاً ودلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والاتيان بسننه المشهورة (2) هما شيئان متمايزان وقد يجتمعان، فالاستماع الاصغاء، والانصات السكوت، ولهذا قال الله تعالى {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} (3) المراد بمس الحصى العبث به والاشتغال بذلك عن سماع الخطبة، وكانت المساجد تفرش بالحصى، ومثله التلهي بنقش البسط والحصر التي تفرش بها المساجد الآن، وكذا كل شيء يلهى عن الاستماع، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة (وقوله فقط لغا) تقدم تفسيره فى شرح حديث أبى ذر من هذا الباب رقم 1543 {تخريجه} (م. وغيره)
-[أحاديث وردت في الباب غير ما تقدم وحجة القائلين بوجوب الغسل للجمعة]-
.....
{وفي الباب عن أبى أمامة} رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اغتسلوا يوم الجمعة فإنه من اغتسل يوم الجمعة فله كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام" رواه الطبرانى في الكبير قال العراقي وإسناده حسن {وعن ابن عباس} رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من غسَّل واغتسل يوم الجمعة ثم دنا حيث يسمع خطبة الأمام فاذا خرج استمع وأنصت حتى يصليها معه كتب له بكل خطوة يخطوها عبادة سنة قيامها وصيامها"{وعن أبى بكر رضى الله عنه} قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من اغتسل يوم الجمعة كفرت عنه ذنوبه وخطاياه، فإذا أخذ في المسير كتب له بكل خطوة عشرون حسنة، فإذا انصرف من الصلاة أجيز بعمل مائتى سنة" رواه الطبرانى وفى إسناده الضحاك بن حُمرة، وقد ضعفه ابن معين والنسائى والجمهور، وذكره ابن حبان فى الثقات، وللحديث طرق أخرى عند الطبرانى {الأحكام} أحاديث الباب تدل على مشروعية الغسل للجمعة وسببه وعلى مشروعية التجمل لها بالثياب الحسنة والدهن وغير ذلك، وأفضل الثياب البياض لورود الأحاديث بذلك، وستأتى فى الباب الأول من كتاب اللباس إن شاء الله {وفيها أيضاً} استحباب المشى للجمعة لما فى حديث أوس بن أوس "وخرج يمشى ولم يركب" وفى قوله ولم يركب بعد قوله يمشى معنى دقيق (قال الخطابى) عن الأثرم إنه للتأكيد وانهما بمعنى، واختار النووى أنه احتراز من شيئين (أحدهما) نفى توهم حمل المشى على المضى والذهاب وإن كان راكباً (والثانى) نفى الركوب بالكلية، لأنه لو اقتصر على مشى لاحتمل أن المراد وجود شئ من المشى ولو فى بعض الطريق فنفى ذلك الاحتمال وبيّن أن المراد مشى جميع الطريق ولم يركب فى شئ منها اهـ وهذا لغير المعذور، أما المعذور كالمريض مثلاً فلا بأس بركوبه {وفيها} أن من فعل كل هذه الخصال كان له فضل عظيم وثواب جسيم {وقد اتفق العلماء} على استحباب ذلك كله إلا الغسل ففيه خلاف بين العلماء، فبعضهم يقول إنه واجب وبعضهم يقول إنه سنة (قال النووى) رحمه الله مذهبنا انه سنة ليس بواجب يعصى بتركه بل له حكم سائر المندوبات، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال بعض أهل الظاهر هو فرض، وحكاه ابن المنذر عن أبى هريرة رضى الله عنه {قلت وحكاه عن عمار بن ياسر أيضاً، وحكاه ابن حزم عن عمر بن الخطاب وابن عباس وأبى سعيد وغيرهم من الصحابة والتابعين} قال وحكاه "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" وبحديث "من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل" وهما في الصحيحين {واحتج أصحابنا والجمهور} بقوله صلى الله عليه وسلم "من توضأ فبها ونعمت
-[مذاهب العلماء في حكم الغسل يوم الجمعة وحجج القائلين بعدم الوجوب]-
.....
ومن اغتسل فالغسل أفضل" وفيه دليلان على عدم الوجوب (أحدهما) قوله صلى الله عليه وسلم "فبها" قال الأزهرى والخطابى قال الأصمعى معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة، قال الخطابى ونعمت الخصلة أو نعمت الفعلة أو نحو ذلك، قال وإنما ظهرت تاء التأنيث لأضمار السنة أو الخصلة أو الفعلة، وحكى الهروى فى الغريبين عن الأصمعى ما سبق، ثم قال وسمعت الفقيه أبا حاتم الشاركى يقول معناه فبالرخصة أخذ، لأن السنة يوم الجمعة الغسل، وقال صاحب الشامل فبالفريضة أخذ، ولعل الأصمعى أراد بقوله فبالسنة أى فيما جوزته السنة (قال النووى) وعلى كل قول فى تفسيره تحصل الدلالة (والثانى) قوله صلى الله عليه وسلم "فالغسل أفضل" والأصل فى أفعل التفضيل أن يدخل على مشتركين فى الفضل يرجح أحدهما فيه {واحتجوا أيضاً بحديث أبى هريرة} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فدنا واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام" رواه مسلم وغيره، {وبحديث أبى هريرة أيضاً} قال بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان فأعرض عنه عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء، فقال عثمان مازدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت، فقال عمر والوضوء أيضاً؟ ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا جاء أحدكم الى الجمعة فليغتسل" رواه البخارى ومسلم وهذا لفظ مسلم، وفى رواية للبخارى دخل رجل ولم يسم عثمان، وموضع الدلالة أن عمر وعثمان ومن حضر الجمعة وهم الجم الغفير أقروا عثمان على ترك الغسل ولم يأمروه بالرجوع له؛ ولو كان واجباً لم يتركه ولم يتركوا أمره بالرجوع له {وبحديث عائشة} قالت كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالى فيأتون فى العباء ويصيبهم الغبار فتخرج منهم الريح فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا" رواه البخارى ومسلم {وعن ابن عباس} قال "غسل الجمعة ليس بواجب ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل وسأخبركم كيف كان بدء الغسل فذكر نحو حديث عائشة" رواه أبو داود باسناد حسن (والجواب) عما احتجوا به أنه محمول على الاستحباب جمعًا بين الأدلة والله أعلم اهـ ج {قلت} وقال القرطبي فى تقرير الاستدلال على الاستحباب بحديث أبى هريرة عند مسلم "من توضأ فأحسن الوضوء إلى آخره الذي ذكر آنفاً" ما لفظه، ذكر الوضوء وما معه مرتباً عليه الثواب المقتضى للصحة يدل على أن الوضوء كاف، قال الحافظ في التلخيص إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة {واحتجوا أيضاً} لعدم الوجوب بحديث أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "غسل الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه" رواه الشيخان والأمام أحمد وهو من أحاديث الباب،
-[مسائل تختص بغسل الجمعة]-
.....
قال صاحب المنتقى وهذا يدل على أنه أراد بلفظ الوجوب تأكيد استحبابه كما تقول حقك علىّ واجب والعدة دين بدليل أنه قرنه بما ليس بواجب بالأجماع وهو السواك والطيب اهـ {ومن حججهم أيضاً} (حديث أوس بن أوس) المذكور فى الباب، ووجه دلالته جعله قريناً للتبكير والمشى والدنو من الأمام وليست بواجبة فيكون مثلها {وحديث عائشة رضى الله عنها} الثانى من أحاديث الباب، ووجه دلالته أنهم إنما أمروا بالاغتسال لأجل تلك الروائح الكريهة فاذا زالت زال الوجوب {وفى حديث ابن عمر الذى فى الباب} دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجئ إلى الجمعة، والمراد إرادة المجئ وقصد الشروع فيه، وقد اختلف فى ذلك على ثلاثة أقوال (الأول) اشتراط الاتصال بين الغسل والرواح، وإليه ذهب {مالك} (والثانى) عدم الاشتراط لكن لا يجزئ فعله بعد صلاة الجمعة ويستحب تأخيره إلى الذهاب وإليه {ذهب الجمهور} (والثالث) أنه لا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه {وإليه ذهب داود} ونصره ابن حزم، واستبعده ابن دقيق العيد وقال يكاد يجزم ببطلانه، وادعي ابن عبد البر الأجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة، واستدل مالك بحديث ابن عمر ونحوه، واستدل الجمهور وداود بالأحاديث التى أطلق فيها يوم الجمعة، لكن استدل الجمهور على عدم الاجتزاء به بعد الصلاة بأن الغسل لأزالة الروائح الكريهة؛ والمقصود عدم تأذى الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة {وقد ذكر النووى} رحمه الله فى المجموع جملة مسائل تختص بغسل الجمعة مع بيان مذاهب الأئمة فيها آثرت ذكرها لما فيها من الفوائد {منها} قوله لو اغتسل للجمعة قبل الفجر لم يجزئه على الصحيح من مذهبنا، وبه قال جماهير العلماء، وقال الأوزاعى يجزئه {ومنها} قوله لو اغتسل لها بعد طلوع الفجر أجزأه عندنا وعند الجمهور، حكاه ابن المنذر عن الحسن ومجاهد والنخعى والثورى وأحمد وإسحاق وأبى ثور {وقال مالك} لا يجزئه إلا عند الذهاب الى الجمعة وكلهم يقولون لا يجزئه قبل الفجر إلا الأوزاعى فقال يجزئه الاغتسال قبل طلوع الفجر للجنابة والجمعة {ومنها} قوله لو اغتسل للجمعة ثم أجنب لم يبطل غسله عندنا وعند الجمهور {وقل الأوزاعى يبطل} ولو أحدث لم يبطل بالأجماع؛ واختلفوا فى استحباب إعادة الغسل، فمذهبنا أنه لا يستحب، وحكاه ابن المنذر عن الحسن ومجاهد ومالك والأوزاعى، قال وبه أقول، وحكى عن طاوس والزهرى وقتادة ويحيى بن أبى كثير استحبابه {ومنها} قال ابن المنذر أكثر العلماء يقولون يجزئ غسل واحد عن الجنابة والجمعة، وهو قول ابن عمر رضى الله عنهما ومجاهد ومكحول ومالك والنووى والأوزاعى والشافعى وأبو ثور {وقال أحمد} أرجو أن يجزئه، وقال أبو قتادة
-[بقية مسائل تختص بغسل الجمعة]-
(7)
باب فضل التبكير الى الجمعة
(والمشى لها دون الركوب والدنو من الامام والانصات للخطية وغير ذلك)
ز عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة في حديث عبد الرَّحمن غسل الجنابة (1)
الصحابي رضي الله عنه لمن اغتسل للجنابة أعد غسلاً للجمعة، وقال بعض الظاهرية لا يجزئه {ومنها} المسافر إذا لم يرد حضور الجمعة لا يستحب له الغسل عندنا، قال ابن المنذر وممن تركه فى السفر ابن عمرو وعلقمة وعطاء، قال وروى عن طلحة بن عبيد الله أنه كان يغتسل فى السفر يوم الجمعة، وعن طاوس ومجاهد مثله {ومنها} المرأة إذا حضرت الجمعة استحب لها الغسل عندنا، وبه قال مالك والجمهور {وقال أحمد} لا تغتسل، دليلنا على الجميع قوله صلى الله عليه وسلم "من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل" وعلى مالك اشتراط الذهاب عقب الغسل قوله صلى الله عليه وسلم "من اغتسل يوم الجمعة ثم رح الخ الحديث" ولفظ ثم للتراخى، وعلى أحمد فى المرأة حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل من الرجال والنساء" رواه البيهقى بهذا اللفظ باسناد صحيح، ولأنه ليس فيه تطيب ولا تزين اهـ
(1560)
"ز" عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك قال وثنا إسحاق قال أنا مالك عن سمىّ مولى أبى بكر عن أبى صالح السماك عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (1) معنى هذا أن عبد الله بن الأمام أحمد رحمهما الله روى هذا الحديث من طريقتين كما ترى فى السند، الطريق الأولى عن عبد الرحمن بن مهدى عن مالك، والطريق الثانية عن إسحاق عن مالك، فروى عن عبد الرحمن "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح الحديث" باثبات لفظ غسل الجنابة؛ وروى عن إسحاق "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح" بدون لفظ غسل الجنابة، وهذا الحديث من زوائد عبد الله على مسند أبيه، ولذا رمزت له بحرف زاى فى أول الحديث كما أشرت إلى ذلك فى المقدمة، وثبت هذا اللفظ فى رواية البخارى عن عبد الله بن يوسف، وفى رواية مسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك، وفى رواية أبى داود عن عبد الله بن مسلمة عن مالك أيضاً (ولفظ غُسلَ) منصوب نعت لمقدر محذوف أى غسلا كغسل الجنابة، وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم كقوله تعالى {وهى تمر مرَّ السحاب) ويؤيد ذلك
-[فضل التبكير إلى الجمعة]-
ثمَّ راح فكأنَّما قرَّب بدنة (1) ومن راح في السَّاعة الثَّانية فكأنَّما قرَّب بقرةً (2) ومن راح في السَّاعة الثَّالثة فكأنَّما مما قرَّب كبشا، قال إسحاق أقرن (3)
رواية ابن جريح عن سمىّ عند عبد الرزاق "فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة" أى فى صفته، وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابة، والحكمة فى ذلك أن تسكن نفسه فى الروح الى الصلاة ولا تمتد عينه الى شئ يراه، وأيضًا حمل المرأة على الاغتسال فى ذلك اليوم، وعليه حُمِل حديث من غسَّل واغتسل بالتشديد (قال النووى) ذهب بعض أصحابنا الى هذا وهو ضعيف أو باطل، والصواب الأول، وتعقبه الحافظ بأنه حكاه ابن قدامة عن احمد، وثبت أيضًا عن جماعة من التابعين، وقال القرطبي إنه أنسب الأقوال فلا وجه لادّعاء بطلانه وان كان الأول أرجح، ولعله عنى أنه باطل فى المذهب، قال الحافظ السيوطى ويؤيده حديث "أيعجز أحدكم أن يجامع أهله فى كل يوم جمعة فان له اجرين اثنين، أجر غسله وأجر امرأته" أخرجه البيهقى فى شعب الايمان من حديث أبى هريرة (1) رواية الأمام مالك فى الموطأ "ثم راح فى الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة" والزواج يكون أول النهار وآخره، قال الأزهرى لغة العرب الرواح الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو فى الليل {قلت} والمراد بالرواح هنا الذهاب أول النهار بدليل أحاديث التبكير، وفى بيان ساعة الرواح الى الجمعة خلاف بين العلماء سيأتى تحقيقه فى الأحكام، ومعنى قوله "فكأنما قرب بدنة" أى تصدق بها متقربًا الى الله تعالى، وفى رواية الزهرى عند البخارى بلفظ "كمثل الذى يهدى بدنه" وفى رواية أيضًا عند الامام احمد فى الطريق الثانى من هذا الحديث بلفظ "المهجر الى الجمعة كالمهدى بدنه" فكأن المراد بالقربان هنا الاهداء الى الكعبة، قال الطيبى وفى لفظ الاهداء جماع معنى التعظيم للجمعة، وان المبادرة اليها كمن ساق الهدى (والمراد بالبدنة) البعير ذكراً كان أو أنثى، والهاء فيه للوحدة لا للتأنيث، وحكى ابن التين أن مالكاً كان يتعجب ممن يخص البدنة بالأنثى، قال الزهرى البدنة لا تكون إلا من الأبل وصح ذلك عن عطاء، وأما الهدى فمن الأبل والبقر والغنم هذا لفظه، وحكى النووى عنه أنه قال البدنة تكون من الأبل والبقر والغنم، وكأنه خطأ نشأ عن سقط، وفى الصحاح البدنة ناقة أو بقرة تذبح بمكة سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها اهـ واستدل به على أن البدنة تختص بالأبل لأنها قوبلت بالبقرة عند الاطلاق، وقسم الشئ لا يكون قسيمه، أشار الى ذلك ابن دقيق العيد (2) أى ذكراً أو أنثى فالتاء للوحدة لا للتأنيث (3) يعنى أن إسحاق قال فى روايته كبشاً اقرن، ولم يذكر عبد الرحمن في روايته
-[مراتب التبكير إلى الجمعة في الفضل]-
ومن راح في السَّاعة الرَّابعة فكأنَّما قرَّب دجاجةً (1) ومن راح في الساعة الخامسة فكأنَّما قرَّب بيضة (2) فإذا خرج الإمام (3) أقبلت
لفظ أقرن، وثبت هذا اللفظ فى الصحيحين، والمراد بالكبش الذكر، ومعنى أقرن أى ذا قرنين (قال النووى) وصفه به لأنه اكمل وأحسن صورة ولأن قرنه ينتفع به (1) بفتح الدال وكسرها لغتان مشهورتان ويقع على الذكر والأنثى والتاء فيه للوحدة لا للتأنيث، قال الحافظ واستشكل التعبير فى الدجاجة والبيضة بقوله فى رواية الزهرى كالذى يهدى، لأن الهدى لا يكون منهما، وأجاب القاضى عياض تبعاً لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه فى اللفظ فيكون من الاتباع كقوله * متقلدًا سيفًا ورمحًا * وتعقبه ابن المنير فى الحاشية بأن شرط الاتباع أن لا يصرح باللفظ الثانى فلا يسوغ أن يقال متقلدًا سيفاً ومتقلداً رمحاً، والذى يظهر أنه من باب المشاكلة، والى ذلك اشار ابن العربى بقوله هو من تسمية الشئ باسم قرينه؛ وقال ابن دقيق العيد قوله قرب بيضة، وفى الرواية الأخرى كالذى يهدى يدل على أن المراد بالتقرب الهدى؛ وينشأ منه أن الهدى يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هل يكفيه ذلك أو لا؟ انتهى والصحيح عند الشافعية الثانى، وكذا عند الحنفية والحنابلة {قلت والمالكية أيضًا} قال وهذا ينبنى على أن النظر هل يسلك به مسلك جائز الشرع أو واجبه؟ فعلى الأول يكفى أقل ما يتقرب به، وعلى الثانى يحمل على أقل ما يتقرب به من ذلك الجنس، ويقوّى الصحيح أيضًا أن المراد بالهدى هنا التصديق كما دل عليه لفظ التقرب والله أعلم اهـ (2) هى واحدة البيض والجمع بيوض، وقد جاء عند الأمام احمد من حديث أبى سعيد زيادةُ مَرتبةٍ بين الدجاجة والبيضة وهى العصفور، وسيأتى بعد الحديث التالى، ومثله للنسائى من طريق الليث عن ابن عجلان عن سمى عن أبى صالح عن أبى هريرة، وللنسائى عن أبى هريرة أيضًا من طريق عبد الأعلى عن معمر عن الزهرى زيادة بطة فقال فى الرابعة فكأنما قرب بطة وجعل الدجاجة فى الخامسة والبيضة فى السادسة، لكن خالفه عبد الرزاق فلم يذكرها وهو أثبت منه فى معمر، قال النووى فى الخلاصة هاتان الروايتان (يعنى روايتى النسائى) وإن صح إسنادهما فهما شاذتان لمخالفتهما الروايات المشهورة {قلت} رواية العصفور عند النسائي ليست شاذة، لأن لها شاهداً عند الأمام احمد من حديث أبى سعيد الآتى بسند آخر رجاله ثقات (3) أى من منزله ودخل الجامع أو من المكان المعدّ له فى الجامع؛ وقد استنبط الماوردى منه أن الامام لا يستجيب له المبادرة
-[مراتب التبكير إلى الجمعة في الفضل]-
الملائكة (1) يستمعون الذِّكر (وفى لفظ) فإذا خرج الإمام طوت الملائكة الصُّحف (2) ودخلت تسمع الذِّكر (وعنه من طريق ثانٍ)(3) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال المهجرِّ إلى الجمعة (4) المهدى بدنةً، ثمَّ الَّذى يليه كالمهدى بقرة، والَّذى يليه كالمهدى كبشًا حتَّى ذكر الدَّجاجة والبيضة (5)
بل يستحب له التأخير لوقت الخطبة، قال ويدخل الجامع من أقرب أبوابه الى المنبر وتعقبه الحافظ بأن ما قاله لا يظهر لأمكان أن يجمع بين الأمرين بأن يبكر ولا يخرج من المكان المعدّ له فى الجامع إلا اذا حضر الوقت أو يحمل على من ليس له مكان معدّ (1) أى دخلت الجامع كما فى اللفظ الآتى (وقوله يسمعون الذكر) أى الخطبة لاشتمالها على ذكر الله تعالى والثناء عليه، والمراد بالملائكة هنا الملائكة الذين وظيفتهم كتابة حاضرى الجمعة، وهم غير الحفظة (2) المراد بطى الصحف طى صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة الى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك فانه يكتبه الحافظان قطعا، وأخرج أبو نعيم فى الحلية عن ابن عمر رضى الله عنهما مرفوعاً "إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور وأقلام من نور الحديث" فبين صفة الصحف ودل على أنهم غير الحفظة، وفى حديث الزهرى عند ابن ماجه (فمن جاء بعد ذلك "يعنى بعد طى الصحف" فانما يجئ لحق الصلاة) وفى رواية ابن جريح عن سمى زيادة فى آخره هى "ثم اذا استمع وأنصت غفر له من بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام" وفى رواية عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن خزيمة فيقول بعض الملائكة لبعض ما حبس فلاناً فتقول "اللهم إن كان ضالاً فاهده، وإن كان فقيراً فأغنه، وإن كان مريضاً فعافه"(3){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن الزهرى عن سعيد بن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال المهجر الخ (4) قال فى النهاية التهجير التبكير الى كل شئ والمبادرة اليه يقال هجَّر يُهجِّر تهجيرًا فهو مُهجر، وهى لغة حجازية أراد المبادرة الى أول وقت الصلاة، وفى حديث الجمعة "فالمهجر اليها كالمهدى بدنة" أى المبكر اليها اهـ (5) المعنى أن درجات المبادرين الى الجمعة تتفاوت وأن نسبة الثانى من الأول نسبة البقرة الى البدنة فى القيمة مثلاً أو فى قدر ثواب مهديها أو المتصدق بها وهكذا والله أعلم {تخريجه} أخرج الطريق الأولى منه (ق. لك. هق. والأربعة) وأخرج الطريق الثانية (ق. نس. جه)
-[جلوس الملائكة على أبواب المساجد يوم الجمعة يكتبون الناس على قدر منازلهم في التبكير]-
(1561)
وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تطلع الشَّمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة، وما من دابة إلَاّ تفزع ليوم الجمعة إلَاّ هذين الثَّقلين من الجنِّ والإنس (1) على كلِّ بابٍ من أبواب المسجد ملكان (2) يكتبان (وفى لفظ ملائكة يكتبون) الأوَّل فالأوَّل فكر جلٍ قدم بدنةً. وكرجلٍ قدَّم بقرةً، وكرجلٍ قدَّم شاةً، وكرجلٍ قدَّم طائرًا، كرجل قدَّم بيضةً، فإذا قعد الإمام طويت الصُّحف
عن أبى سعيد الخدريِّ رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون النَّاس من جاء منه النَّاس على منازلهم فرجل قدَّم جزورًا (3) ورجل قدَّم بقرةً، ورجلٌ قدَّم شاةً، ورجلٌ قدَّم دجاجةً، ورجلٌ قدَّم عصفورًا (4) ورجلً قدَّم
(1561) وعنه أيضاً {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا أنا ابن جريح أخبرنى العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبى عبد الله إسحاق أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تطلع الشمس "الحديث"{غريبه} (1) هذا الجزء من أول الحديث الى هنا تقدم شرحه فى الباب الأول من أبواب الجمعة (2) تثنية ملك؛ وفى اللفظ الثانى ملائكة بالجمع، وظاهر هذا التعارض، ويمكن الجمع باحتمال أن على كل باب ملائكة بالجمع منهم اثنان رؤساء، فعبَّر باللفظ الأول عن الرؤساء، وعبر باللفظ الثانى عن الجميع، وبهذا يزول الاشكال والله أعلم بحقيقة الحال {تخريجه} لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الامام أحمد وبعضه فى مسلم والنسائى ومعناه فى الصحيحين وغيرهما
(1562)
عن أبى سعيد {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق قال حدثنى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (3) الجزور والبعير ذكراً كان أو أنثى إلا أن اللفظة مؤنثة تقول هذه الجزور وإن أردت ذكراً، والجمع جزر وجزائر (نه)(4) هذه مرتبة زائدة عن المراتب المتقدمة من روايات أبى هريرة عند الامام أحمد ووافقه النسائي
-[إنتشار الشياطين يوم الجمعة وصدهم الناس عن التبكير لها]-
بيضةً، قال فإذا أذَّن المؤذِّن وجلس الإمام على المنبر طويت الصُّحف (1) ودخلوا المسجد يستمعون الذكرِّ
(1563)
عن علىِّ بن أ [ى طالبٍ رضى الله عنه قال إذا كان يوم الجمعة خرج الشياطين يربِّثون (2) النَّاس إلى أسواقهم ومعهم الرَّايات، وتقعدا الملائكة على أبواب المساجد يكتبون النَّاس على قدر منازلهم، السَّابق والمصلَّى والذَذى يليه حتَّى يخرج الإمام، فمن دنا من الإمام وأنصت واستمع ولم يلغ كان له كفلان (3) من الأجر، ومن دنا من الإمام فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه
على هذه الزيادة، ولكن من رواية أبى هريرة، وتقدم الكلام على ذلك والله أعلم (1) تقدم فى الحديث الأول لأبى هريرة أن طى الصحف عند خروج الامام، وفى هذه الرواية عند جلوسه على المنبر، ويجمع بينهما بأن ابتداء طى الصحف عند ابتداء خروج الامام، وانتهاءه بجلوسه على المنبر؛ وقد جاء مثل هذه الرواية لأبى هريرة بلفظ "فإذا خرج الامام وقعد على المنبر طووا صحفهم"{تخريجه} (ص) فى مرسل طاوس، وأخرجه حميد بن زنجويه فى الترغيب له، وأورده الهيثمى وقال رواه احمد ورجاله ثقات وحسنه المنذرى، وروى نحوه النسائى من حديث أبى هريرة
(1563)
عن على بن أبى طالب رضى الله عنه {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن اسحاق أنبأنا عبد الله بن الحجاج بن أرطاة عن عطاء الخراسانى أنه حدث عن مولى امرأته عن على بن أبى طالب رضى الله عنه "الحديث"{غريبه} (2) هو بالباء الموحدة بعد الراء يقال ربَّثته عن الأمر اذا حبسته وثبَّطه، والربائث جمع ربيثة وهى الأمر الذى يحبس الانسان عن مهامّه (نه) ومعناه أن الشياطين تشغلهم وتقعدهم عن السعى الى الجمعة حتى تمضى الأوقات الفاضلة (والرايات) جمع راية وهى العلم الذى فى العسكر؛ فلعلها كناية عن طاعة الناس للشياطين واتّباعهم لهم كما يتبع الجيش حامل الراية والله أعلم (3) الكفل بكسر الكاف هو النصيب من الأجر أو الوزر، وانما كان له كفلان من الأجر لدنوه من الامام وإنصاته، لأن الدنّو من الامام خصلة مرغب فيها، وكذلك الانصات، فهما خصلتان لهذا كان له كفلان من الاجر (ومن نآى) ابتعد عن الامام بحيث جلس مجلسا لا يستمكن فيه من
-[فضل التبكير والدنو من الإمام والانصات للخطبة]-
كفلان من الوزر (1) ومن نآى عنه (2) فلغا ولم ينصت ولم يستمع كان عليه كفل من الوزر، ومن قال صه (3) فقد تكلَّم، ومن تكلَّم فلا جمعة له، ثمَّ قال هكذا سمعت نبيَّكم صلى الله عليه وآله وسلم
(1564)
عن أبى هريرة رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ الملائكة يوم الجمعة على أبواب المساجد يكتبون النَّاس على منازلهم، جاء فلانٌ من ساعة كذا، جاء فلانٌ من ساعة كذا، جاء فلانٌ والإمام يخطب، جاء فلانٌ فأدرك الصَّلاة ولم يدرك الجمعة إذا لم يدرك الخطبة (4)
الاستماع والنظر كما صرح بذلك فى رواية أبى داود واستمع وأنصت ولم يلغ كان له كفل من الأجر لاستماعه وإنصاته وقد فاته ثواب الدنو من الامام (1) انما كان هذا عليه كفلان من الوزر لأن ننّوه من الامام يحتم عليه الانصات وعدم اللغو، فان لغا ربما هوش على الامام بلغوه فهو لم يفعل ما أمر به من الانصات ولم يجتنب ما نهى عنه من اللغو، فلذلك استحق كفلان من الوزر (2) أى بعد عن الامام بحيث لا يمكنه الاستماع ولغا كان عليه كفل من الوزر للغوه فقط (3) بسكون الهاء وتكسير منونة؛ وهى اسم فعل آمر وكلمة زجر للمتكلم بمعنى اسكت، وهذا من أبلغ عبارات التشديد فى النهى عن الكلام والامام يخطب، لأن معناه أن من قال للمتكلم اسكت صار متكلمًا يأثم بذلك النهى فما بالك بالمتكلم الأول (وقوله فلا جمعة له) يعنى أنه حرم من الثواب المترتب على صلاة الجمعة وكأنه صلاها ظهراً فضلاً عما يلحقه من الاثم سبب اللغو {تخريجه} (د. هق) بألفاظ متقاربة والمعنى واحد وفى إسناده رجل لم يسم وهو مولى امرأة عطاء الخراسانى مجهول لا يعرف ويؤيده ما بعده
(1564)
عن أبى هريرة {سنده} حدّثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا على بن زيد عن أوس بن خالد عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (4) المعنى أنه اذا لم يدرك الخطبة لم يدرك ثواب الجمعة ويكون ثوابه كثواب الصلوات المكتوبة غير الجمعة، لأن الجمعة لم تزد عن الصلوات الأخرى إلا الخطبتين ولم يحضرهما والله أعلم {تخريجه} لم أقف عليه بهذا اللفظ وفى إسناده على بن زيد بن جدعان مختلف فيه، وروى نحوه ابن ماجه؛ قال البوصيرى فى زوائد ابن ماجه وإسناده صحيح
-[فضل الإنصات للخطبة وعدم تخطي رقاب الناس والزجر عن اللغو والتخطي]-
(1565)
عن عمر بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحضر الجمعة ثلاثةٌ، رجلٌ حضرها بدعاءٍ وصلاةٍ (1) فذلك رجلٌ دعا ربَّه إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجلٌ حضرها بسكوتٍ وإنصاتٍ (2) فذلك هو حقها، ورجلٌ يحضرها بلغو فذلك حظُّه منها (3)(وعنه من طريق ثانٍ (4) بنحوه وفيه) ورجلٌ حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدًا (5) فهى كفَّارة له إلى الجمعة التي تليها (6) وزيادة ثلاثة أيَّام (7) فإنَّ الله يقول (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)
(1565) عن عمرو بن شعيب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا سعيد عن يوسف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "الحديث"{غريبه} (1) أى اشتغل بدعاء وصلاة عن سماع الخطبة فهو تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء قبل دعاءه أو صلاته، وإن شاء لم يقبل عقاباً له على ما حصل منه من اشتغاله بالدعاء أو الصلاة عن الخطبة، والصلاة المنهى عنها فى ذلك الوقت هى ما زاد عن ركعتين للداخل فقط، أما الجالس فلا يجوز له افتتاح صلاة مطلقاً والامام يخطب (2) يعنى بسكوت عن اللغو واستماع للخطبة فذلك هو المطلوب منه (3) أى اللغو نصيبه من حضور الجمعة وليس له نصيب من الأجر (4){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان حدثنا يزيد ثنا حبيب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "يحضر الجمعة ثلاثاً فرجل حضرها يلغو فذاك حظه منها، ورجل حضرها بدعاء فهو رجل دعا الله عز وجل فان شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بانصات وسكوت الخ"(5) أي بأى نوع من أنواع الأذى، وتخطى الرقاب من الأذى، فقوله ولم يؤذ أحدًا من ذكر العام بعد الخاص (6) أى تكون كفارة لما يقع منه من الذنوب من صلاة الجمعة التي هو فيها الى انتهاء صلاة الجمعة المقبلة وهى سبعة أيام (7) أى من بعد صلاة الجمعة التالية فبانضمامها الى السبعة المتقدمة تصير عشرة أيام، قال النووى قال العلماء معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام أن الحسنة بعشر أمثالها وصار يوم الجمعة الذي فيه الأفعال فى معنى الحسنة التى تجعل بعشرة أمثالها اهـ {تخريجه} (د. خز. هق) وسنده جيد
-[فضل التبكير إلى المسجد يوم الجمعة]-
(1566)
عن أبي أيُّوب عن أبى هريرة رضى الله عنهما قال دخلت معه المسجد يوم الجمعة فرأى غلامًا فقال له (1) يا غلام اذهب العب، قال إنَّما جئت إلى المسجد، قال يا غلام اذهب العب، قال إنَّما جئت إلى المسجد، قال فتقعد حتَّى يخرج الإمام؟ قال نعم، قال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول إنَّ الملائكة تجئ يوم الجمعة فتقعد على أبواب المسجد فيكتبون السَّابق والثَّانى والثَّالث والنَّاس على منازلهم حتَّى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام طويت الصُّحف
(1567)
عن أبى غالبٍ عن أبى أمامة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد معهم الصُّحف يكتبون النَّاس، فإذا خرج الإمام طويت الصُّحف، قلت يا أبا أمامة ليس لمن جاء بعد خروج الإمام جمعةٌ؟ قال بلى (2) ولكن ليس ممَّن يكتب في الصُّحف
(1566) عن أبي أيوب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس قال ثنا الخزرج عن أبى أيوب عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (1) القائل هو أبو هريرة {تخريجه} (ق. وغيرهما) بدون قصة الغلام، ولم أقف على من أخره بهذا اللفظ
(1567)
عن أبى غالب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو النضر ثنا مبارك يعنى ابن فضالة حدثنى أبو غالب عن أبى أمامة "الحديث"{غريبه} (2) هو حرف إيجاب، فإذا قيل ما قام أحد وقلت فى الجواب بلى، فمعناه إثبات القيام، وإذا قيل أليس كان كذا وقلت بلى، فمعناه التقرير والاثبات، ولا يكون إلا بعد نفى، إما فى أول الكلام كما تقدم وإما فى أثنائه كقوله تعالى {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى" والتقدير بلى نجمعها، وقد يكون مع النفى استفهام، وقد لا يكون كما تقدم، فهو أبدا يرفع حكم النفى ويوجب نقيضه وهو الاثبات، فقوله فى الحديث بلى، يعنى له جمعة تسقط الفرض فقط مع حرمانه من ثوابها الذي تكتبه الملائكة فى الصحف ومن غفران الذنوب من الجمعة الى الجمعة {تخريجه} (طب) وفى إسناده مبارك بن فضالة وثقه جماعة وضعفه آخرون
-[فضل المشي على القدمين إلى الجمعة]-
(1568)
عن يزيد بن أبي مريم (1) قال لحقنى عباية بن رافع بن خديج وأنا رايحٌ إلى المسجد إلى الجمعة ماشيًا وهو راكب (2) قال ابشر فإنِّى سمعت أبا عبسٍ (3) يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اغبرت قدماه (4) فى سبيل الله عز وجل حرَّمها الله عز وجل على النَّار.
(1568) عن يزيد بن أبي مريم {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الوليد بن مسلم قال سمعت يزيد بن أبى مريم "الحديث"{غريبه} (1) هو أبو عبد الله الأنصارى الدمشقى إمام جامعها، مات سنة أربع وأربعين ومائة (وعباية) بفتح المهملة بعدها موحدة هو ابن رفاعة بن رافع بن خديج، وقد نسب فى الحديث الى جده، وكذلك فى رواية النسائى، وجاء فى رواية الترمذى والبخارى التصريح باسم والده (2) فيه أن القصة وقعت ليزيد بن أبى مريم مع عباية، وكذا أخرجه النسائى عن الحسين بن حريث عن الوليد بن مسلم، وكذا عند الاسماعيلي من رواية على بن بحر وغيره عن الوليد بن مسلم، لكن رواية البخارى تدل على أن القصة وقعت لعباية مع أن عبس ولفظه "حدثنا على بن عبد الله قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا يزيد بن أبى مريم قال حدثنا عباية بن رفاعة قال أدركنى أبو عبس وأنا أذهب الى الجمعة فقال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول من اغبرَّت قدماه فى سبيل الله حرّمه الله على النار" وقد جمع بينهما الحافظ باحتمال أن تكون القصة وقعت لكل منهما والله أعلم (3) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفى آخره سين مهملة واسمه عبد الرحمن على الصحيح ابن جبر بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة وبالراء، قال الذهبى وقيل جابر بن عمرو الأنصارى الأوسى الحارثى بدرى مشهور (4) أى أصابها الغبار، وإنما ذكر القدمين وإن كان الغبار يعم البدن كله عند ثورانه، لأن أكثر المجاهدين فى ذلك الزمان كانوا مشاة والأقدام تتغير على كل حال سواء كان الغبار قوياً أو ضعيفًا، ولأن أساس ابن آدم على القدمين، فاذا سلمت القدمان من النار سلم سائر أعضائه منها (وقوله فى سبيل الله) اسم جنس مضاف يفيد العموم فيدخل فيه المشى الى الجهاد والمشى الى الجمعة والجماعة وكل سبل الخير، وقد جعل أبو عبس السعى الى الجمعة من السعى فى سبيل الله وهو صحابى أدرى بذلك من غيره وكذلك قال العلماء {تخريجه} (خ. نس. مذ) وقال حديث حسن صحيح {وفى الباب} عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال قال عبد الله (يعنى أباه) سارعوا الى الجمعة فان الله يبرز الى أهل الجنة في كل
-[كلام العلماء في ما يستفاد من أحاديث الباب]-
.....
يوم جمعة فى كثيب كافور فيكونون منه فى القرب على قدر تسارعهم، فيحدث الله عز وجل لهم من الكرامة شيئاً لم يكونوا رأوه قبل ذلك، ثم يرجعون إلى أهليهم فيحدثونهم بما أحدث الله لهم، قال ثم دخل عبد الله (يعنى ابن مسعود) المسجد فاذا هو برجلين يوم الجمعة قد سبقاه، فقال عبد الله "رجلان وأنا الثالث إن شاء الله أن يبارك فى الثالث" أورده المنذرى وقال رواه الطبرانى فى الكبير، وأبو عبيدة اسمه عامر ولم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وقيل سمع منه {وعن علقمة} قال خرجت مع عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبوه فقال رابع أربعة، وما رابع أربعة من الله ببعيد، إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الناس يجلسون يوم القيامة من الله عز وجل على قدر رواحهم الى الجمعات الأول فالأول ثم الثانى ثم الثالث ثم الرابع وما رابع أربعة من الله ببعيد" قال المنذرى رواه ابن ماجه وابن أبى عاصم وإسنادهما حسن {الأحكام} فى أحاديث الباب الحث على التبكير الى صلاة الجمعة والمشى لها دون الركوب والدنوّ من الامام والأنصات للخطبة وعدم اللغو، وأن من جمع هذه الخصال كان له الفضل المترتب على ذلك فى أحاديث الباب، وعليه يحمل ما أطلق فى بعض الروايات من ترتيب الفضل على بعض هذه الخصال من غير تقييد بجميعها {وفيها} أن الملائكة تحضر الجمعة وتكتب الحاضرين لها الأول فالأول، وما ذلك إلا العظيم فضلها وامتيازها عن الصلوات الأخرى، وأن الملائكة المذكورين غير الحفظة {وفيها} أن مراتب الناس فى الفضل بحسب أعمالهم وهو من باب قوله عز وجل {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وأن القليل من الصدقة غير محتقر فى الشرع، وأن التقرب بالأبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق فى الهدى، واختلف فى الضحايا، فذهب الجمهور الى أنها كذلك، وقال الزين بن المنير فرّق مالك بين التقرُّ بين اختلاف المقصودين، لأن أصل مشروعية الأضحية التذكير بقصة الذبيح وهو قد فدى بالغنم، والمقصود بالهدى التوسعة على المساكين فناسب البُدن (قال النووى) وحجة الجمهور ظاهر هذا الحديث والقياس على الهدايا، وأما تضحيته صلى الله عليه وسلم فلا يلزم منها ترجيح الغنم، لأنه محمول على أنه صلى الله عليه وسلم لم يتمكن ذلك الوقت إلا من الغنم أو فعله لبيان الجواز، وقد ثبت فى الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر اهـ {وقد اختلف العلماء} فى الساعة المذكورة فى الحديث ما المراد بها، قال النووى {مذهب مالك} وكثير من أصحابه والقاضى حسين وإمام الحرمين من أصحابنا أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس والرواح عندهم بعد الزوال، وادعوا أن هذا معناه فى اللغة {ومذهب الشافعى} وجماهير أصحابه وابن حبيب المالكى وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها
-[إختلاف العلماء في وقت الذهاب إلى الجمعة]-
.....
أول النهار، والساعات عندهم من أول النهار، والرواح يكون أول النهار وآخره، قال الأزهرى لغة العرب الرواح الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو فى الليل، وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء فى الساعة الأولى وهو كالمهدى بدنة؛ ومن جاء فى الساعة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة {وفى رواية} للنسائى "السادسة" فاذا خرج الامام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدًا، ومعلوم أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج الى الجمعة متصلاً بالزوال وهو بعد انفصال السادسة، فدل على أنه لا شئ من الهدى والفضيلة لمن جاء بعد الزوال؛ ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث فى التبكير اليها والترغيب فى فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال؛ ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذ، ويحرم التخلف بعد النداء والله أعلم اهـ {قلت} وللشافعية خلاف فى ابتداء الساعات المذكورة هل هى من طلوع الفجر أم من طلوع الشمس؟ (فقال الرويانى) إن ظاهر كلام الشافعى أن التبكير يكوم من طلوع الفجر، وصححه الرافعى والنووى (وقال الماوردى) الأصح أنه من طلوع الشمس، لأن ما قبل ذلك زمان غسل وتأهب (وقال الرافعى) ليس المراد من الساعات الساعات الفلكية، وإنما المراد ترتيب الدرجات وتفضيل السابق على الذى يليه؛ ومن جاء فى أول ساعة من هذه الساعات ومن جاء فى آخرها مشتركان فى تحصيل أصل البدنة أو البقرة أو الكبش، ولكن بدنة الأول اكمل من بدنة من جاء فى آخر الساعة، وبدنة المتوسط متوسطة، وهذا كما أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة؛ ومعلوم أن الجماعة تطلق على اثنين وعلى ألوف، فمن صلى فى جماعة هم عشرة آلاف له سبع وعشرون درجة، ومن صلى مع اثنين له سبع وعشرون درجة، لكن درجات الأول أكمل واشباه هذا كثيرة اهـ (وقال الصيدلانى) شارح المختصر إن أول التبكير يكون من ارتفاع النهار وهو أول الضحى وهو أول الهاجرة؛ ويؤيده الحث على التهجير الى الجمعة اهـ {واحتج بعض المالكية} بقوله فى رواية الزهرى (مثل المهجر) لأنه مشتق من الهجر وهو السير فى وقت الهاجرة، وأجيب بأن المراد بالتهجير هنا التبكير كما تقدم نقله عن صاحب النهاية، ونقله الحافظ أيضًا عن الخليل، واشتد إنكار الأمام احمد وابن حبيب من المالكية ما نقل عن الأمام مالك من كراهية التبكير الى الجمعة، وقال الأمام أحمد هذا خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم {قلت} والذى ظهر لى من مضمون أحاديث الباب أن ساعات التبكير الى الجمعة تبتدئ من ارتفاع النهار وهو أول الضحى وأول الهاجرة كما قال الصيدلاني، وتنتهي
-[الكلام على ساعات الذهاب إلى الجمعة وهل هي زمانية أو فلكية؟]-
(8)
باب الجلوس فى المسجد للجمعة وآدابه والنهى عن التخطى الا لحاجة
(1569)
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إذا نعس أحدكم فى المسجد يوم الجمعة (1)
بزوال الشمس حيث يحضر الأمام وتطوى الملائكة الصحف، وهذه المدة مقسمة الى ست ساعات زمانية لا فلكية، وإنما قلت ست ساعات مع أن الوارد فى الصحيحين خمس فقط، لما ثبت عند النسائى باسناد صحيح من حديث أبى هريرة زيادة مرتبة بين الدجاجة والبيضة وهى العصفور، وتابعه صفوان بن عيسى عن ابن عجلان أخرجه محمد عبد السلام الخشنى، وله شاهد من حديث أبى سعيد عند الأمام أحمد باسناد آخر رجاله ثقات، وتقدم فى أحاديث الباب وتقدمت الأشارة الى ذلك فى شرحه، وزيادة الثقة مقبولة، ونحوه فى مرسل طاوس عن سعيد بن منصور، واخترت تفسير الساعات بالزمانية لأن الساعة فى لسان الشارع وأهل اللغة الجزء من أجزاء الزمان كما فى كتب اللغة {فان قيل} روى أبو داود والنسائى وصححه الحاكم من حديث جابر مرفوعاً "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة"{فالجواب} أن مجرد جريان ذلك على لسانه صلى الله عليه وسلم لا يستلزم أن يكون اصطلاحاً تجرى عليه خطاباته، ويؤيد ذلك أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه ذهب الى الجمعة قبل طلوع الشمس أو عند انبساطها، ولو كانت الساعة هى المعروفة عند أهل الفلك لما ترك الصحابة الذين هم خير القرون وأسرعُ الناس الى خير الأمور الذهاب الى الجمعة فى الساعة الأولى من أول النهار أو الثاني أو الثالثة، فالذى يتعين حمل كلام الشارع على لسان قومه إلا أن يثبت له اصطلاح يخالفهم، ولا يجوز حمله على المتعارف فى لسان أهل العصور الحادثة بعد عصره صلى الله عليه وسلم، على أن ما اختاره الصيدلانى والرافعى من الشافعية لا يخرج عن هذا والله أعلم
(1569)
عن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يزيد أنا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر "الحديث"{غريبه} (1) أى قبل الصلاة وسواء فيه حال الخطبة أو قبلها، لكن حال الخطبة أكثر، وتخصيص يوم الجمعة بالذكر يحتمل أنه خرج مخرج الأغلب لطول مكث الناس فى المسجد للتبكير إلى الجمعة واستماع الخطبة، وأن المراد انتظار الصلاة فى المسجد فى الجمعة وغيرها كما عند أبى داود والترمذى عن ابن عمر أيضًا بلفظ "إذا نعس أحدكم وهو فى المسجد فليتحول من مجلسه ذلك الى غيره" فيكون ذكر يوم الجمعة من التنصيص على بعض أفراد العام، ويحتمل أن المراد يوم الجمعة فقط للاعتناء بسماع الخطبة فيه (أما الحكمة فى الأمر بالتحول) فقيل لأن
-[النهي عن إقامة الجالس من مجلسه في المسجد يوم الجمعة]-
فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره
(1570)
عن جابر (بن عبد الله رضى الله عنهما) أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال لا يقيم (1) أحدكم أخاه يوم الجمعة (2) ثمَّ يخالفه إلى مقعده ولكن ليقل افسحوا
(1571)
عن عثمان بن الأرقم بن أبى الأرقم المخزوميِّ عن أبيه رضى الله عنه وكان من أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال إنَّ
الحركة تذهب النعاس، ويحتمل أن الحكمة فيه انتقاله من المكان الذى أصابته فيه الغفلة بنومه وإن كان النائم لا حرج عليه، فقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم فى قصة نومهم عن صلاة الصبح فى الوادى بالانتقال منه كما تقدم فى الجزء الثانى من حديث أبى هريرة رقم 213 من كتاب الصلاة؛ وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" وأيضاً من جلس ينتظر الصلاة فهو فى صلاة، والنعاس فى الصلاة من الشيطان، فربما كان الأمر بالتحول لأذهاب ما هو منسوب الى الشيطان من حيث غفلة الجالس فى المسجد عن الذكر أو سماع الخطبة أو ما فيه منفعة والله أعلم {تخريجه} (د. حب. مذ) وصححه
(1570)
عن جابر بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرازق أنا ابن جريح قال سليمان بن موسى أنا جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (1) هكذا جاءت الرواية بصيغة الخبر والمراد النهى، وفى لفظ لمسلم لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه بصيغة النهى المؤكد (2) فيه التقييد بيوم الجمعة، وقد بوّب لذلك البخارى فقال باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد فى مكانه، وذكر يوم الجمعة فى حديث جابر من باب التنصيص على بعض أفراد العام لا من باب التقييد للأحاديث المطلقة، ولا من باب التخصيص للمعلومات، فمن سبق الى موضع مباح سواء أكان مسجداً أم غيره فى يوم جمعة أو غيرها لصلاة أو غيرها من الطاعات فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته منه والقعود فيه {تخريجه} (ق. وغيرهما)
(1571)
عن عثمان بن الأرقم {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عباد بن عباد المهلي عن هشام بن زياد عن عثمان بن الأرقم بن أبى الأرقم المخزومي عن
-[وعيد من تخطى رقاب الناس]-
الَّذي يتخطَّى رقاب النَّاس (1) يوم الجمعة ويفرِّق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجارِّ قصبه (2) فى النَّار.
(1572)
عن سهل بن معاذٍ عن أبيه (معاذ بن أنس الجهنىِّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال من تخطَّى المسلمين يوم الجمعة (3) اتُّخذ جسرًا إلى جهنم
(1573)
عن عبد الله بن بسر رضى الله عنه أنَّ رجلاً جاء إلى النبي صلَّى
أبيه "الحديث"{غريبه} (1) فرّق النووى بين التخطى والتفريق بين الاثنين، وجعل ابن قدامة فى المغنى التخطى هو التفريق، قال العراقى والظاهر الأول، لأن التفريق يحصل بالجلوس بينهما وإن لم يتخط {قلت} الجلوس الممنوع بين الاثنين هو ما اذا لم يكن بينهما فرجة وإلا فلا بأس به (2) بضم القاف وسكون الصاد المهملة واحد الأقصاب وهى المعنى جمعها أمعاء كما فى القاموس {تخريجه} (طب) وفى إسناده هشام بن زياد ضعفه الأمام أحمد وأبو داود والنسائى وغيرهم
(1572)
عن سهل بن معاذ {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سعيد مولى بنى هاشم وحسن قالا ثنا ابن لهيعة عن زيان قال حسن فى حديثه ثنا زيان بن فايد عن سهل بن معاذ عن أبيه "الحديث"{غريبه} (3) الظاهر أن غير الجمعة مثلها فى كراهة التخطى أو تحريمه، وإنما خصت الجمعة بالذكر لاختصاصها بكثرة الناس (وقوله اتخذ) بضم التاء المثناة مشددة وكسر الخاء المعجمة مبنى للمفعول، والمعنى أنه يُجعل جسرًا على طريق جهنم ليُوطأ ويُتخطى كما تخطى رقاب الناس، فان الجزاء من جنس العمل، ويؤيده رواية الديلمي فى مسند الفردوس بلفظ "من تخطى رقبة أخيه المسلم جعله الله يوم القيامة جسرًا على باب جهنم للناء"{تخريجه} (جه. مذ) وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد والعمل عليه عند أهل العلم اهـ {قلت} رواية الأمام أحمد فى إسنادها ابن لهيعة فيه مقال، ورواية الترمذى وابن ماجه فى إسنادها رشدين بن سعد، قال فى التقريب ضعيف، وقال ابن يونس كان صالحاً فى دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط فى الحديث {قلت} فالحديث ضعيف ولكن له شواهد تعضده منها حديث عبد الله بن بسر الآتى بعده
(1573)
عن عبد الله بن بسر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زيد بن الحباب ثنا معاوية بن صالح قال حدثنى أبو الزاهرية عن عبد الله بن بسر "الحديث"
-[النهي عن الحبوة في المسجد يوم الجمعة]-
الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم "زاد في روايةٍ يتخطَّى رقاب النَّاس" وهو يخطب النَّاس يوم الجمعة فقال اجلس فقد آذيت وآنيت (1)
(1574)
عن سهل بن معاذ بن أنس الجهنىِّ عن أبيه رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن الحبوة (2) يوم الجمعة والإمام يخطب
(1575)
عن قيس بن أبى حازمٍ عن أبيه أنَّ أباه رضي الله عنه جاء ورسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يخطب فقعد فى الشَّمس، قال فأوما إليه أو قال فأمر به أن يتحوَّل إلى الظِّلِّ (3)
{غريبه} (1) بهمزة ممدودة أى أبطأت وتأخرت وآذيت الناس بتخطى رقابهم {تخريجه} (د. نس) وسكت عنه أبو داود والمنذرى وصححه ابن خزيمة
(1574)
عن سهل بن معاذ {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد ثنا سعيد بن أبى أيوب قال أخبرنى أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ "الحديث"{غريبه} (2) هى أن يقيم الجالس ركبتيه ويضم رجليه الى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشد عليهما وتكون إليتاه على الأرض، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، يقال احتبى يحتبى احتباءً، والاسم الُحْبوَة بالضم والكسر معاً والجمع حُبىً وحِبىً بالضم والكسر، قال الخطابى وإنما نهى عن الاحتباء فى ذلك الوقت لأنه يجلب النوم ويعرض طهارته للانتقاض، وقد ورد النهى عن الاحتباء مطلقًا غير مقيد بحال الخطبة ولا بيوم الجمعة، لأنه مظنة لانكشاف عورة من كان عليه ثوب واحد {تخريجه} (د. مذ) وقال هذا حديث حسن {قلت} فى إسناده أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون ضعفه ابن معين، وقال النسائي ليس به بأس
(1575)
عن قيس بن أبى حازم {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن إسماعيل عن قيس بن أبى حازم "الحديث"{غريبه} (3) أمر النبى صلى الله عليه وسلم به أن يتحول الى الظل إشفاقاً عليه من حر الشمس، قال تعالى {وكان بالمؤمنين رحيماً} والظاهر أن هذ الصحابى رضى الله عنه ما جلس فى الشمس إلا مراعاة للأدب وتحاشيًا من أن يزحم غيره أو نحوه ذلك فاستحق بهذا أن يأمر النبى صلى الله عليه وسلم بانتقاله الى الظل مكافأة له على حسن صنيعه والله أعلم {تخريجه} (د) في الأدب، ورواه
-[كلام العلماء في عدم إقامة الجالس والجلوس مكانه]-
.....
الإمام أحمد رحمه الله من أربع طرق هذه أجمعها وأجودها ورجاله من رجال الصحيحين {الأحكام} أحاديث الباب تدل على جملة أحكام وآداب تتعلق بداخل المسجد للجمعة والجالس فيه {منها} أن من كان جالساً بالمسجد وغلبه النعاس فليتحول من مكانه الى مكان آخر، وتقدمت الحكمة فى ذلك فى شرح الحديث الأول من أحاديث الباب {ومنها} أن من دخل المسجد ولم يجد مكاناً يجلس فيه لا يجوز له أن يقيم غيره ويجلس مكانه، ولكن يطلب منه التوسعة كما فى حديث جابر وتقدم الكلام عليه فى شرحه، وكذا من جلس فى مكان ثم قام منه لقضاء حاجة ثم يعود إليه فانه أحق به ممن جلس فيه بعد قيامه {لحديث أبى هريرة} رضى الله عنه قال قال رسول الل صلى الله عليه وسلم "إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به" رواه مسلم والأمام أحمد {ولحديث وهب بن حذيفة} رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إذا قام الرجل من مجلسه فرجع إليه فهو أحق به، وإن كانت له حاجة فقام البهائم رجع فهو أحق به" رواه الترمذى وصححه ورواه الأمام أحمد، وسيأتى هو وحديث أبى هريرة فى باب آداب تختص بمن فى المجلس من كتاب المجالس وآدابها فى قسم الترغيب إن شاء الله تعالى {وقد ذهب الى ذلك الشافعية} والهادوية، ومثل ذلك الأماكن المباحة التي يقعد الناس فيها لتجارة أو نحوها، فان المعتاد للقعود فى مكان يكون أحق به من غيره إلا اذا طالت مفارقته له بحيث ينقطع معاملوه، ذكره النووى فى شرح مسلم، وقال فى الغيث يكون أحق به الى العشىّ، وقال أصحاب الشافعى إن ذلك على وجه الندب لا على وجه الوجوب واليه {ذهب الأمام مالك} قال أصحاب الشافعى ولا فرق فى المسجد بين من قام وترك له سجادة فيه ونحوها وبين من لم يترك، قالوا وإنما يكون أحق به فى تلك الصلاة وحدها دون غيرها، وظاهر حديثي أبى هريرة وابن حذيفة عدم الفرق، وظاهرهما مع حديث جابر أنه يجوز للرجل أن يقعد فى مكان غيره اذا أقعده برضاه، لكن ورد فى رواية للأمام أحمد ومسلم "أن ابن عمر رضى الله عنهما كان إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه" ولعل امتناع ابن عمر عن الجلوس فى مجلس من قام له برضاه كان تورعاً منه، لأنه ربما استحيا منه إنسان فقام له بدون طيبة من نفسه، ولكن الظاهر أن من فعل ذلك قد أسقط حق نفسه؛ وتجويز عدم طيبة نفسه بذلك خلاف الظاهر {ويكره} الأيثار بمحل الفضيلة كالقيام من الصف الأول الى الثانى، لأن الأيثار وسلوك طرائق الآداب لا يليق أن يكون فى العبادات والفضائل؛ بل المعهود أنه فى حظوظ النفس وأمور الدنيا، فمن آثر بحظه فى أمر من أمور الآخرة فهو من الزاهدين فى الثواب، وكل إنسان محتاج الى الثواب مهما كانت درجته {ومنها} عدم جواز التخطى يوم الجمعة وان ذلك حرام يأثم فاعله،
-[كلام العلماء في التخطي يوم الجمعة - وحجة القائلين بكراهة الاحتباء]-
.....
لورود الوعيد الشديد فى ذلك، وظاهر التقييد بيوم الجمعة أن الحرمة مختصة به، ويحتمل أن يكون التقييد خرّج مخرج الغالب لاختصاص الجمعة بكثرة الناس بخلاف سائر الصلوات فلا يختص ذلك بالجمعة بل يكون حكم سائر الصلوات حكمها، ويؤيد ذلك التعليل بالأذية، وظاهر هذا التعليل أن ذلك يجرى فى مجالس العلم وغيرها، ويؤيده أيضاً ما أخرجه الديلمي فى مسند الفردوس من حديث أبى أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من تخطى حِلَق قوم بغير إنهم فهو عاص" ولكن فى إسناده جعفر بن الزبير وقد كذبه شعبة وتركه الناس {وقد اختلف أهل العلم} فى حكم التخطى يوم الجمعة وشددوا فى ذلك، وحكى أبو حامد فى تعليقه عن الشافعى التصريح بالتحريم، وقال النووى فى زوائد الروضة إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة {قلت} وهو الذى أميل اليه وأختاره، واقتصر أصحاب الأمام أحمد على الكراهة فقط، وقال ابن المسيب لأن أصلى الجمعة بالحرّة أحب إلىّ من التخطى، وروى عن أبى هريرة رضى الله عنه نحوه، ولا يصح عنه لأنه من رواية صالح مولى التوأمة عنه (قال العراقى) وقد استثنى من التحريم أو الكراهة الأمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل اليها الا بالتخطى وهكذا أطلق النووى فى الروضة، وقيَّد ذلك فى شرح المهذب فقال اذا لم يجد طريقًا الى المنبر أو المحراب الا بالتخطى لم يكره لأنه ضرورة، وروى نحو ذلك عن الشافعى، ويستأنس له بحديث عقبة بن الحارث رضى الله عنه قال صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر ثم قام مسرعًا فتخطى رقاب الناس الى بعض حجز نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال "ذكرت شيئاً من تبر كان عندنا فكرهت أن يحبسنى فأمرت بقسمته" رواه البخارى والنسائى، لكنه يدل على جواز التخطى للحاجة فى غير الجمعة، فمن خصص الكراهة بصلاة الجمعة فلا معارضة بينه وبين أحاديث الباب عنده، ومن عمّم الكراهة لوجود العلة المذكورة سابقاً فى الجمعة وغيرها فهو يحتاج الى الاعتذار عنه، وقد خص الكراهة لوجود العلة المذكورة سابقاً فى الجمعة وغيرها فهو يحتاج الى الاعتذار عنه، وقد خص الكراهة بعضهم بغير من يتبرك الناس بمروره ويسرهم ذلك ولا يتأذون لزوال علة الكراهة التى هي التأذى {ومنها} أيضًا النهى عن الحبوة يوم الجمعة {وقد اختلف الناس فى ذلك} فقال بالكراهة قوم من أهل العلم كما قال الترمذى (وقال العراقى) ورد عن مكحول وعطاء والحسن أنهم كانوا يكرهون ان يحتبوا والأمام يخطب يوم الجمعة رواه ابن أبى شيبة فى المصنف، قال ولكنه قد اختلف عن الثلاثة (يعنى مكحول وعطاء والحسن) فنقل عنهم القول بالكراهة ونقل عنهم عدمها، واستدلوا على الكراهية بحديث الباب وبحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند ابن ماجه قال "نهى رسول
-[حجة القائلين بعدم كراهة الاحتباء والامام يخطب]-
(9)
باب التنفل قبل الجمعة ما لم يصعد الخطيب المنبر
(فإذا صعد فلا صلاة إلا ركعتين تحية المسجد لداخل)
(1576)
عن عطاءٍ الخراساني قال كان نيشة الهذليُّ رضى الله عنه يحدث عن رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثمَّ أقبل إلى المسجد لا يؤذى أحدًا فإن لم يجد الإمام خرج صلَّى ما بدا له، وإن وجد الإمام قد خرج جلس (1) فاستمع وأنصت
الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة يعنى والأمام يخطب" وفى إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس؛ وقد رواه بالعنعنة عن شيخه عبد الله بن واقد، قال العراقى لعله من شيوخه المجهولين (وبحديث جابر) عند ابن عدى فى الكامل "أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والأمام يخطب" وفى اسناده عبد الله بن ميمون القداح وهو ذاهب الحديث كما قال البخارى {قلت} وهذان الحديثان وان كان ضعيفين لكن يعضدهما حديث الباب أعنى حديث سهل بن معاذ الجهنى عن أبيه {وذهب أكثر أهل العلم} كما قاله العراقى الى عدم الكراهة، قال أبو داود وكان ابن عمر يحتبى والأمام يخطب وأنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيَّب وابراهيم النخعى ومكحول واسماعيل بن محمد بن سعد ونعيم بن سلامة قال لا بأس بها، قال أبو داود ولم يبلغنى أن أحدًا كرهها إلا عبادة ابن نسىّ (وروى) عدم الكراهة أيضًا ابن أبى شيبة عن سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد وعطاء وابن سيرين والحسن وعمرو بن دينار وأبى الزبير وعكرمة بن خالد المخزومى، ورواه أبو داود عن يعلى بن شداد بن أوس رضى الله عنه قال شهدت مع معاوية فتح بيت المقدس فجمّع بنا فاذا جبُلّ من فى المسجد أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والأمام يخطب؛ ورواه الترمذى عن ابن عمرو وغيره، قال وبه يقول {أحمد واسحاق} وأجابوا عن أحاديث الباب أنها كلها ضعيفة وإن كان الترمذى قد حسن حديث معاذ بن أنس وسكت عنه أبو داود والمنذرى فان فيه أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون {قلت} تقدم الكلام عليه فى تخريج الحديث، وفيها غير ذلك والله أعلم
(1576)
عن عطاء الخراسانى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على ابن اسحاق أنا عبد الله أنا يونس بن يزيد عن عطاء الخراساناى "الحديث"{غريبه} (1) احتج بذلك القائلون بعدم تحية المسجد للداخل اذا كان الخطيب على المنبر، وسيأتي
-[استحباب صلاة التطوع يوم الجمعة إلى أن يصعد الامام المنبر]-
حتى يقضى الإمام جمعته وكلامه إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها (1) أن تكون كفَّارة للجمعة الَّتى قبلها
(1577)
عن نافع أنَّ ابن عمر رضى الله عنهما كان يغدو إلى المسجد يوم الجمعة فيصلِّى ركعاتٍ يطيل فيهنَّ القيام (2) فإذا انصرف الإمام رجع إلى بيته فصلَّى ركعتين وقال هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1578)
عن أبى الدَّرداء رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اغتسل يوم الجمعة ولبس ثيابه ومسَّ طيبًا إن كان عنده ثمَّ مشى إلى الجمعة وعليه السَّكينة ولم يتخطَّ أحدًا ولم يؤذه وركع ما قضى له (3) ثمَّ انتظر حتَّى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين
الكلام عليه فى الأحكام (1) أى الصغائر كما تقدم غي مرة، وجواب الشرط غير مذكور بالأصل فلعله محذوف أو ساقط؛ وتقديره رجوت أو نحوه والمعنى أن لم تغفر ذنوبه من وقت الجمعة التى صلاها الى الجمعة التالية رجوت أن تكون كفارة للجمعة الماضية والله أعلم {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام أحمد؛ وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ أحمد وهو ثقة اهـ وقال المنذرى عطاء لم يسمع من نبيشة فيما أعلم
(1577)
عن نافع أن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر "الحديث"{غريبه} (2) فيه استحباب اطالة القيام للمتنفل {تخريجه} (د) وقال العراقى اسناده صحيح، وأخرجه النسائى بدون لفظ اطالة القيام، وقال المنذرى أخرجه مسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه من وجه آخر بمعناه اهـ
(1578)
عن أبى الدرداء {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مكى بن ابراهيم ثنا عبد الله بن سعيد عن حرب بن قيس عن أبى الدرداء "الحديث"{غريبه} (3) فيه أن الصلاة قبل الجمعة لا حدَّ لها وأنه مرغب فيها {تخريجه} أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير عن حرب بن قيس عن أبى الدرداء وحرب لم يسمع من أبى الدرداء اهـ وقال مثل ذلك المنذري
-[مشروعية صلاة تحية المسجد لداخل والامام على المنبر]-
(1579)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن سليكًا (1) جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس (2) فأمره النَّبي صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أن يصلِّى ركعتين، ثمَّ أقبل على النَّاس فقال إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصلِّ ركعتين يتجوَّز فيهما (3)
(1579) عن جابر بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر ثنا سعيد وثنا روح وعبد الوهاب عن سعيد عن الوليد أبى بشر عن طلحة قال عبد الوهاب الاسكافى انه سمع جابر بن عبد الله يحدث أن سليكا جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فأمره النبيى صلى الله عليه وسلم أن يصلى ركعتين، قال محمد فى حديثه ثم أقبل على الناس الخ {غريبه} (1) بالتصغير الغطفانى بفتحات ابن عمرو، وقيل ابن هدبة بضم الهاء وبالموحدة صحابى (2) فيه أن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس للجاهل بالحكم (3) أيى يخففها ولا يزيد عن ركعتين {تخريجه} (م. د){وفي الباب} عن جابر أيضًا ولفظه قال "دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال صليت؟ قال لا، قال فصل ركعتين" رواه الشيخان والأربعة {وعنه بلفظ آخر} مرفوعاً "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الأمام فليصل ركعتين" رواه الشيخان {وعن أبى سعيد الخدرى} رضى الله عنه "أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فأمره أن يصلى ركعتين" رواه النسائى وابن ماجه والترمذى وصححه، ولفظه "أن رجلاً جاء يوم الجمعة فى هيئة بذة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فأمره فصلى ركعتين والبى صلى الله عليه وسلم يخطب" أورده صاحب المنتقى وقال فى آخره وهذا يصرح بضعف ما روى أنه صلى الله عليه وسلم أمسك عن خطبته حتى فرغ من الركعتين اهـ ورواه أيضاً الأمام أحمد، وسيأتى هذا الحديث فى (باب من تصدق عليه بثوبين) من أبواب صدقة التطوع فى كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى {وعن أبى قتادة} رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين" رواه الشيخان والأربعة والأمام أحمد وتقدم فى باب تحية المسجد رقم 1148 {الأحكام} أحاديث الباب تدل على جملة أحكام تقدم الكلام على معظمها فى أبوابها، وأهم ما نريد الكلام عليه هنا ينحصر فى ثلاث مسائل {المسألة الأولى} مشروعية التبكير لصلاة الجمعية والاشتغال بالصلاة بدون قيد مع مراعاة طول القيام، فاذا جلس الخطيب على المنبر كف عن الصلاة، فاذا شرع فى الخطبة كف عن الكلام وجوبًا واستمع الخطبة كما يؤخذ
-[مذاهب العلماء في حكم تحية المسجد والامام على المنبر]-
.....
من أحاديث الباب، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء {المسألة الثانية} مشروعية صلاة ركعتين لداخل المسجد مطلقاً قبل أن يجلس وإن كان الخطيب على المنبر، إلا أنه فى هذه الحالة يخففها ليتفرغ لسماع الخطبة كما يستفاد من حديث جابر وقصة سليك {والى ذلك ذهب الأئمة} الحسن وابن عيينة والشافعى وأحمد وإسحاق ومكحول وأبو ثور وابن المنذر، وحكاه النووى عن فقهاء المحدثين، وحكى ابن العربى أن محمد بن الحسن حكاه عن مالك {المسألة الثالثة} من تأخر عن التبكير وجاء الأمام على المنبر فعليه أن يجلس ولا يصلى الركعتين كما فى حديث نبيشة، والى ذلك ذهب الثورى وأهل الكوفة حكى ذلك عنهم الترمذى، وحكاه القاضى عياض عن الأئمة {مالك والليث وأبى حنيفة} وجمهور السلف من الصحابة والتابعين، وحكاه العراقى عن محمد بن سيرين وشريح القاضى والنخعى وقتادة والزهرى، ورواه ابن أبى شيبة عن على وابن عمر وابن عباس وابن المسيب ومجاهد وعطاء بن أبى رباح وعروة بن الزبير، ورواه النووى عن عثمان، وأجابوا عن أمره صلى الله عليه وسلم لسليك بأن ذلك واقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك، قالوا ويدل على ذلك ما وقع فى حديث أبى سعيد أن الرجل كان فى هيئة بذة فقال له أصليت؟ قال لا، قال صل الركعتين، وحض الناس على الصدقة، فأمره أن يصلى ليراه الناس وهو قائم فيتصدقوا عليه، قالوا ويؤيده أن فى هذا الحديث عند الامام احمد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن هذا الرجل دخل فى هيئة بذة وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه، ويؤيده أيضاً قوله صلى الله عليه ولم لسليك فى آخر الحديث لا تعودنّ لمثل هذا أخرجه ابن حبان {ورُدَّ هذا التأويل} بأن الأصل عدم الخصوصية، والتعليل بكونه صلى الله عليه وسلم قصد التصدق عليه لا يمنع القول يجواز ركعتى التحية، فان المانعين لا يجوزون الصلاة فى هذا الوقت لعلة التصدق. ولو ساغ هذا لساغ مثله فى سائر الأوقات المكروهة ولا قائل به، كذا قال ابن المنير {ومما يرد هذا التأويل أيضاً} ما فى الباب "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة الخ" فان هذا النص لا يتطرق اليه التأويل (قال النووى) رحمه الله لا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ صحيحاً فيخالفه اهـ (وقال الحافظ) الحامل للمانعين على التأويل المذكور أنهم زعموا أن ظاهره معارض لقوله تعالى {واذا قرئ القرآن فاستمعوا له} وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا قلت لصاحبك انصت والأمام يخطب فقد لغوت" متفق عليه، قالوا فاذا امتنع الأمر بالمعروف وهو أمر اللاغى بالأنصات فمنع التشاغل بالتحية مع طول زمنها أولى، وعارضوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم للذى دخل يتخطى رقاب الناس وهو يخطب "اجلس فقد آذيت" وقد تقدم، قالوا فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية، وبما أخرجه الطبرانى من حديث ابن عمر رفعه "إذا دخل أحدكم المسجد والأمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الأمام" {ويجاب
-[دفع حجج القائلين بعدم صلاة تحية المسجد والامام على المنبر]-
.....
عن ذلك كله} بامكان الجمع وهو مقدم على المعارضة المؤدية الى إسقاط أحد الدليلين (أما فى الآية) فليست الخطبة قرآناً، وأمّا ما فيها من القرآن فالأمر بالانصات حال قراءته عام مخصص بأحاديث الباب (وأما حديث) اذا قلت لصاحبك انصت فهو وارد فى المنع من المكالمة للغير ولا مكالمة فى الصلاة، ولو سلم أنه يتناول كل كلام حتى الكلام فى الصلاة لكان عموماً مخصصاً بأحاديث الباب؛ قال الحافظ وأيضاً فمصلى التحية يجوز أن يطلق عليه أنه منصت لحديث أبى هريرة المتقدم "أنه قال يا رسول الله سكوتك بين التكبيرة والقراءة ما تقول فيه" فأطلق على القول سراً السكوت {قلت حديث أبى هريرة تقدم رقم 503 من كتاب الصلاة} قال وأما أمره صلى الله عليه وسلم لمن دخل يتخطى الرقاب بالجلوس فذلك واقعة عين ولا عموم لها، فيحتمل أن يكون أمره بالجلوس قبل مشروعيتها؛ أو أمره بالجلوس بشرطه وهو فعل التحية وقد عرفه قبل ذلك، أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز، أو لكون دخوله وقع فى آخر الخطبة وقد ضاق الوقت عن التحية {وأما حديث ابن عمر} فهو ضعيف، لأن فى إسناده أيوب بن نهيك، قال أبو زرعة وأبو حاتم منكر الحديث، والأحاديث الصحيحة لا تعارض بمثله اهـ بتصرف واختصار؛ وصفوة القول أن أدلة القائلين بمشروعية صلاة ركعتين تحية المسجد أقوى من أدلة القائلين بعدمها وهو الذى أميل اليه وأفعله {وفى قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث جابر} "إذا جاء أحدكم والأمام يخطب فليصل ركعتين يتجوز فيهما" دليل على أن داخل المسجد حال الخطبة يقتصر على ركعتين لا يزيد عنهما (قال صاحب المنتقى) ومفهومه يمنع من تجاوز الركعتين بمجرد خروج الأمام وان لم يتكلم، وفى رواية {عن أبى هريرة وجابر} قال "جاء سليك الغطفانى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له أصليت ركعتين قبل أن تجئ؟ قال لا، قال فصل ركعتين وتجوز فيهما" رواه ابن ماجه ورجال إسناده ثقات، وقوله قبل أن تجئ يدل على أن هاتين الركعتين سنة للجمعة قبلها وليستا تحية المسجد اهـ (قال الحافظ بن القيم) فى الهدى قال شيخنا حفيده أبو العباس (يعنى ابن تيمية) وهذا غلط والحديث المعروف فى الصحيحين عن جابر قال "دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال أصليت؟ قال لا، قال فصل ركعتين، وقال اذا جاء أحدكم الجمعة والامام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" فهذا هو المحفوظ فى هذا الحديث، وافراد ابن ماجه فى الغالب غير صحيحة هذا معنى كلامه، وقال شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزى هذا تصحيف من الرواة وإنما هو أصليت قبل أن تجلس فغلط فيه الناسخ، قال وكتاب ابن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به بخلاف صحيح البخارى ومسلم فان الحافظ تداولوهما واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما، قال ولذلك وقع فيه اغلاط وتصحيف "قلت" ويدل على صحة
-[مذاهب الأئمة في سنن الجمعة القبلية والراجح عدمها]-
.....
هذا أن الذين اعتنوا بضبط سنن الصلاة قبلها وبعدها وصنفوا فى ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرهما لم يذكر واحد منهم هذا الحديث فى سنة الجمعة قبلها، وانما ذكروه فى استحباب تحية المسجد والامام على المنبر، واحتجوا به على من منع من فعلها فى هذه الحال؛ فلو كانت هى سنة الجمعة لكان ذكرها هنا والترجمة عليها وحفظها وشهرتها أولى من تحية المسجد، ويدل عليه أيضًا أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهاتين الركعتين إلا الدّاخل لأجل أنها تحية المسجد، ولو كانت سنة الجمعة لأمر بها القاعدين أيضاً ولم يختص بها الداخل وحده اهـ {وقد اختلف العلماء} هل للجمعة سنة قبلها أو لا؟ فأنكر جماعة أن لها سنة قبلهاوبالغوا فى ذلك (قال الحافظ ابن القيم) فى الهدى الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها، وهذا أصح قولى العلماء وعليه تدل السنة فان النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته فاذا رقى المنبر أخذ بلال فى أذان الجمعة فاذا اكمله أخذ النبى صلى الله عليه وسلم فى الخطبة من غير فصل، وهذا كان رأى عين، فمتى كانوا يصلون السنة؟ ومن ظن أنهم كانوا اذا فرغ بلال من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة، وهذا الذى ذكرناه من أنه لا سنة قبلها هو {مذهب مالك رحمه الله وأحمد} رجمه الله فى المشهور عنه وأحد الوجهين لأصحاب الشافعى، قال والذين قالوا إن لها سنة منهم من احتج بأن ظهر مقصورة فيثبت لها أحكام الظهر، ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر، وذكر ابن القيم لهم أنواعًا كثيرة من الحجيج، ولكنه ضعفها جميعاً اهـ وقال العراقى لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى قبل الجمعة، لأنه كان يخرج اليها فيؤذن بين يديه ثم يخطب {قلت} وذهبت {الحنفية والشافعية} الى أن الجمعة كالظهر فى السنن القبلية والبعدية (وقال الترمذى) روى عن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلى قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا، قال وذهب سفيان الثورى وابن المبارك الى قول ابن مسعود اهـ (وقال الحافظ) فى أثر ابن مسعود الذى رواه الترمذى أخرجه عبد الرزاق، ورواه الطبرانى عن ابن مسعود مرفوعًا وفى إسناده ضعف وانقطاع (وقال فى التلخيص) وفى ابن ماجه عن ابن عباس كان النبى صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربع ركعات ولا يفصل بينهن بشئ وإسناده ضعيف جداً (وفى الباب) عن ابن مسعود وعلىّ فى الطبرانى الأوسط، وصح عن ابن مسعود من فعله رواه عبد الرزاق، قال ولم يذكر الرافعى فى سنة الجمعة التى قبلها حديثاً، وأصح ما فيه ما رواه ابن ماجه اهـ {قلت} يعنى الحديث الذى رواه ابن ماجه عن أبى هريرة وجابر قال جاء سليك الغطفانى الخ، وتقدم لفظه آنفًا نقلاً عن صاحب المنتقى وقد علمت ما قيل فيه من كلام الحافظ ابن القيم وشيخه ابن تيمية والمزى رحمهم الله، وقصارى القول أن حجج القائلين بعدم سنة قبلية للجمعة أرجح وأوضح والله أعلم
-[كيف كان الأذان للجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما]-
(10)
باب الأذان للجمعة
اذا جلس الخطيب على المنبر وكيف كان المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1580)
عن السَّائب بن يزيد بن أخت نمرٍ رضي الله عنه قال لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلَاّ مؤذِّنٌ واحدٌ في الصَّلوات كلَّها فى الجمعة وغيرها يؤذِّن ويقيم، قال بلالٌ يؤذِّن ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يوم الجمعة (1) ويقيم إذا نزل ولأبي بكرٍ وعمر رضى الله عنهما حتَّى كان عثمان
(1581)
وعنه أيضًا قال كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما أذانين (2) حتَّى كان زمن عثمان فكثر النَّاس فأمر بالأذان الأول (3)
(1580)"عن السائب بن يزيد" هذا الحديث والذى بعده تقدما فى الباب التاسع من أبواب الأذان رقم 288 - 289 فى الجزء الثالث، وتقدم الكلام عليهما سندًا وشرحًا وتخريجًا، وإنما ذكرتهما هنا للكلام على بعض أمور فيهما تختص بالجمعة لم تذكر هناك (1) لم يرد فى رواية الامام احمد ولا فى رواية البخارى بيان الموضع الذى كان يؤذن فيه بلال رضى الله عنه والنبى صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجاء مبيناً فى رواية أبى داود من حديث السائب ابن يزيد أيضًا قال "وكان يؤذّن بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبى بكر وعمر، زاد فى رواية فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذّن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك"{تخريجه} (خ. والأربعة وغيرهم)
(1581)
وعنه أيضاً {غريبه} (2) بالأذانين الأذان والأقامة تغليباً أو أطلق الأذان على الأقامة لأنها إعلام كالأذان، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "بين كل أذانين صلاة لمن شاء"(3) فى لفظ للبخارى من رواية عُقيل عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره أن التأذين الثانى يوم الجمعة أمر به عثمان رضى الله عنه حين كثر أهل المسجد، وله من طريق ابن أبى ذئب عن الزهرى "فلما كان عثمان رضى الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء" وظاهر هذا التعارض لأنه فى حديث الباب عند الأمام احمد سُمِّى بالأذان الأول، وفى الرواية الأولى للبخارى سُمِّى بالأذان الثانى، وفي الرواية الثانية
-[الأذان المسمى بالأولى والثانية يوم الجمعة قبل الزوال بدعة]-
بالزَّوراء (1)
(1582)
عن الحسن عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة (2) فلمَّا كثر النَّاس قال
له سُمِّى بالأذان الثالث، ولكن لا معارضة فى ذلك؛ لأنه سمى (أولاً) باعتبار كون فعله مقدماً على الأذان والأقامة المشروعين فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم (وثانياً) باعتبار الأذان المتقدم فى المشروعية لا الأقامة (وثالثاً) باعتبار كونه مزيداً عن الأذان والأقامة، وقد سبق هذا الحديث فى أبواب الأذان وقلت فى شرح هذه الجملة (أعنى فأمر بالأذان الأول) ما نصه (أى الذى يفعل الآن أولاً فى يوم الجمعة) وقصدى بذلك الأذان الذى يفعله الناس اليوم أولاً بعد الزوال على المنار أو سطح المسجد؛ لأنه هو الذى يشبه الأذان الذى أمر به عثمان رضى الله عنه فى كونه يفعل أولاً وفى كونه على مكان مرتفع لأجل الأعلام، وقد عبَّر بنحو ذلك الأمام العيني رحمه الله فى شرح هذ الحديث فى باب الأذان للجمعة من صحيح البخارى حيث قال ما لفظه "فالأذان الثالث الذى زاده عثمان هو الأول اليوم" اهـ وقد فهم بعض الأخوان المتمسكين بالسنة أنى أقصد الأذان الذى يفعل الآن قبل الزوال المسمى بالأولى والثانية، ولم يصيبوا فى ذلك، لأن الأذان الذى يفعل قبل الزوال لا يعد أذاناً فى لسان الشرع لكونه ليس مشروعاً ولا فى وقت الأذان ولا بألفاظه، وإنما هو أدعية وصلوات يتغنون بها وبدعة ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، فهو بدعة مذمومة امقتها ولا أرتضيها، فكيف أقصد بكلامى هذا الأذان المبتدع وأجعله فى مقابلة الأذان الذى أمر به عثمان رضى الله عنه وأقرته الصحابة رضوان الله عليهم، حاشاً أن أقصد ذلك {وبعد} فاطمئنوا أيها الأخوان وثقوا بأن أخاكم من أنصار السنة الذين يعملون على تشييد أركانها ورفع منارها، ومن أعداء البدعة الذين لم يقصروا فى هدمها وتنكيس أعلامها ومن الله نستمد المعونة والتوفيق (1) بفتح الزاى وسكون الواو وبعدها راء ممدودة فسرها البخارى بقوله موضع بالسوق بالمدينة؛ قال الحافظ وما فسر به الزوراء هو المعتمد يعنى البخارى اهـ وقال أبو عبد الله الحموى هى قرب الجامع مرتفعة كالمتنار، وعند ابن ماجه وابن خزيمة بلفظ "زاد النداء الثالث على دار فى السوق يقال لها الزوراء" وعند الطبرانى "فأمر بالنداء الأول على دار له يقال لها الزوراء" والله أعلم {تخريجه} (خ. والأربعة وغيرهم)
(1582)
عن الحسن عن أنس بن مالك {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هاشم ثنا المبارك عن الحسن عن أنس "الحديث"{غريبه} (2) يعنى جذع نخلة
-[مشروعية اتخاذ المنبر لخطبة الجمعة - وفيه معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم]-
ابنو لي (1) منبرًا أراد أن يسمعهم فبنوا له عتبتين (2) فتحوَّل من الخشبة إلى المنبر قال فأخبرنى أنس بن مالك أنه سمع الخشبة تحن حنين الوالد (3) قال فمازالت تحنُّ حتَّى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت
(1583)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم عند هذه السَّارية وهي يومئذٍ جذع نخلةٍ يعني يخطب
كان يستند اليه النبى صلى الله عليه وسلم حال الخطبة كما صرح بذلك عند البخارى وغيره وعند الأمام احمد كما فى الحديث التالى (1) أى اصنعوا لى منبراً (وقوله أراد أن يسمعهم) يعنى الخطبة، لأن قيامه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على المنبر اعون على إسماعهم الخطبة من كونه قائمًا على الأرض (2) أى درجتين غير المقعدة التى كان يجلس عليها؛ وتقدم الكلام على المنبر وعدد درجاته فى شرح الحديث الأول من باب الغسل للجمعة (3) أي بصوت سمعه الحاضرون كما جاء فى بعض الروايات وهذا من معجزاته ومن علامات نبوته صلى الله عليه وسلم، وسيأتى للمنبر ذكر فى باب فضل مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى آخر كتاب الحج وفى أبواب المعجزات إن شاء الله تعالى {تخريجه} (خ) وغيره
(1583)
عن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان ثنا أبو حباب عن أبيه عن ابن عمر رضى الله عنهما "الحديث"{تخريجه} (مذ) وصححه وبعضه عند أبى داود {وفى الباب} عند أبى داود عن السائب بن يزيد رضى الله عنه قال "كان يؤذن بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر أذَّن المؤذن على المسجد ثم كان الصحابة على ذلك"{الأحكام} فى أحاديث الباب مع ما ذكرنا فى الشرح دليل على مشروعية جلوس الأمام على المنبر قبل الخطبة، واليه ذهب الأئمة {أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد} والجمهور وأنكر مشروعيته بعض الكوفيين والحديث حجة عليهم {وفى أحاديث الباب أيضاً} دليل على مشروعية الأذان للجمعة اذا جلس الأمام على المنبر وعلى ترك تأذين اثنين وعلى أن الخطبة للجمعة قبل صلاتها لقوله فى الحديث "ويقيم اذا نزل"{وفيها} أن الأذان الذى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
-[من الذي أحدث الأذان الثالث - والكلام على شيء من البدع]-
.....
وعمر رضي الله عنهما كان على باب المسجد أو على المسجد كما في بعض الروايات، ففعله الآن أمام المنبر داخل المسجد محدث وليس من السنة في شيء، وكأن الذي أحدثه فهم مما جاء في بعض الروايات بلفظ "كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم" أن ذلك كان عند المنبر داخل المسجد، ويرده ما جاء واضحاً في رواية أبي داود عن السائب بن يزيد رضى الله عنه قال "كان يؤذَّن بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد وأبى بكر وعمر" فهو صريح في أن الأذان كان على باب المسجد لا داخله عند المبنر، وقد أحدثوا بدعة أخرى مذمومة، وهي ما يفعلونه الآن في بعض المساجد من جعلهم مؤذنينِ أحدهما أمام المنبر والثاني على مكان مرتفع داخل المسجد، ويقول الأول جملة م الأذان ويسكت فيقولها الثاني، ثم يقول الأول الجملة التي تليها من الأذان ويسكت فيقولها الثاني، وهكذا حتى ينتهى الأذان بهذه الكيفية؛ فهذه بدعة لا أصل لها فى الدين يجب إبطالها {وفى أحاديث الباب أيضاً} أن الذي زاد الأذان على الزوراء هو عثمان رضى الله عنه (وقيل) إن عمر رضى الله عنه هو الذي زاد الأذان (وقيل معاوية) وقيل هشام بن عبد الملك وقيل غير ذلك، لكن قال الحافظ تواردت الروايات أن عثمان هو الذي زاده فهو المعتمد، وللحافظ كلام فى هذا المقام تقدم فى أحكام الباب التاسع من أبواب الأذان فى الجزء الثالث فارجع اليه إن شئت (قال الأمام ابن الحاج) رحمه الله تعالى فى المدخل ما معناه، السنة فى أذان الجمعة اذا صعد الأمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنار "أى أو السطح أو الباب" كذلك كان على عهد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان رضى الله عنهم، ثم زاد عثمان رضى الله عنه أذانا آخر بالزوراء؛ وهو موضع بالسوق لما كثر الناس وأبقى الأذان الذى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنار والخطيب على المنبر إذ ذاك، ثم إنه لما تولى هشام بن عبد الملك جعل الأذان الذى فعله عثمان بالزوراء على المنار، ثم نقل الأذان الذى كان على المنار حين صعود الأمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان بين يديه، قال علماؤنا رحمة الله عليهم وسنة النبى صلى الله عليه وسلم هى التي تتبع اهـ {قلت} لعل ابن الحاج رحمه الله يعنى بقوله (على المنار) سطح المسجد لارتفاعه، لأنه لم يكن منائر فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ويؤخذ من كلامه رحمه الله أنه يريد أن يكون الأذان واحداً على المنار أو السطح عند صعود الأمام على المنبر، وهو الذى ينشرح له صدرى وأميل اليه، لأنه يوافق ما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وفيه الغرض الذى زاد عثمان رضى اللله عنه الأذان لأجله وهو الأعلام، وبذلك قال كثير من العلماء {قال الامام الشافعي} رحمه الله فى الأم ما نصه، وأحب أن يكون الأذان يوم
-[مشروعية الإتيان بالشهادتين في الخطبة]-
(11)
باب ما جاء في الخطبتين يوم الجمعة وهيئاتهما وآدابهما والجلوس بينهما
(1584)
عن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّ خطبةٍ ليس فيها شهادةٌ (1) كاليد الجذماء (وعنه من طريقٍ ثانٍ)(2) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطبة الَّتى ليس فيها شهادةٌ كاليد الجذماء
الجمعة حين يدخل الأمام المسجد ويجلس على موضعه الذى يخطب عليه خشب أو جريد أو منبر أو شيء مرفوع له أو الأرض، فاذا فعل أخذ المؤذن فى الأذان، فاذا فرغ قام فخطب لا يزيد عليه (قال) وأحب أن يؤذن مؤذن واحد اذا كان على المنبر لا جماعة مؤذنين، ثم قال أخبرني الثقة عن الزهرى عن السائب بن يزيد أن الأذان كان أوله للجمعة حين يجلس الأمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر؛ فلما كانت خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان بأذان ثان فأذن به فثبت الأمر على ذلك (قال) وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ويقول أحدثه معاوية والله تعالى أعلم (قال) وأيهما كان فالأمر الذى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلىّ اهـ {وفى أحاديث الباب أيضاً} استحباب اتخاذ المنبر للخطبة لكونه أبلغ فى مشاهدة الخطيب والسماع منه، فان لم يكن منبر فموضع مرتفع وإلا فالى خشبة للاتباع كما كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب قبل اتخاذ المنبر، ويستحب أن يكون صغيراً وأن يكون ثلاث درجات بالمقعدة كما كان منبر النبى صلى الله عليه وسلم، وأن لا يزيد عن ذلك إلا بقدر الحاجة فقط، وفيها غير ذلك والله أعلم.
(1584)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثناعفان ثنا عبد الواحد بن زياد قال أنا عاصم بن كليب حدثنى أبى قال سمعت أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (1) أى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقوله الجذماء) أى المقطعوعة، والمعنى أن الخطبة التى لا تشتمل على الشهادتين تكون ناقصة وقليلة البركة، ويحتمل أن يراد بالجذماء المصابة بالجذام، ويكون قد شبه الخطبة العارية عن الشهادتين بتلك اليد تنفيراً عنها وإرشاداً إلى وجود الشهادتين فى الخطبة (2){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عاصم بن كليب حدثنى أبى سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله "الحديث"{تخريجه} (د. مذ) وحسنه وقال تشُّهدٌ بدل شهادة
-[مشروعية حمد الله عز وجل والثناء عليه في الخطبة]-
(1585)
عن جابر (بن عبد الله رضى الله عنهما) قال خطبنا رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فحمد الله وأثنى عليه (1) بما هو له أهلٌ، ثمَّ قال أمَّا بعد (2) فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وإنَّ أفضل الهدى هدى محمَّدٍ (3) صلى الله عليه وسلم وشرُّ الأمور محدثاتها (4) وكلُّ بدعةٍ ضلالة (5) ثمًّ يرفع صوته
(1585) عن جابر بن عد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مصعب ابن سلام ثنا جعفر عن أبيه عن جابر "الحديث"{غريبه} (1) فيه مشروعية حمد الله والثناء عليه في أول الخطبة وأوجبه الشافعية ويتعين لفظه ولا يقوم غيره مقامه (2) قال سيبويه أمَّا بعد معناها مهما يكن من شيء بعد، وقال أبو إسحاق هو الزجَّاج اذا كان الرجل في حديث فأراد أن يأتى بغيره قال أما بعد، وهو مبنى على الضم لأنه من الظروف المقطوعة عن الأضافة، وقيل التقدير أما الثناء على الله فهو كذا، وأما بعد فكذا (3) الهدى بضم الهاء وفتح الدال في الكلمتين، ويجوز فتح الدال في الكلمتين، ويجوز فتح الهاء وإسكان الدال أيضاً وضبطه النووى بالوجهين، وكذا ذكره جماعة غير بالوجهين، وقال القاضي عياض رويناه في مسلم بالضم، وفي غيره بالفتح، وبالفتح ذكره الهروى وفسره على رواية الفتح بالطريق، أى أحسن الطرق طرق محمد صلى الله عليه وسلم يقال فلان حسن الهدى أى الطريقة والمذهب "اهتدوا بهدى عمار" وأما على رواية الضم فمعناه الدلالة والارشاد (قال العلماء) لفظ الهدى له معنيان (أحدهما) بمعنى الدلالة والارشاد وهو الذى يضاف الى الرسل والقرآن والعباد، قال الله تعالى {وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم} {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} {هدى للمتقين} ومنه قوله تعالى {وأما ثمود فهديناهم} أى بينا لهم الطريق {إنا هديناه السبيل} {وهديناه النجدين} (والثانى) بمعنى اللطف والتوفيق والعصمة والتأييد وهو الذى تفرد الله به، ومنه قوله تعالى {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء} (4) بفتح الدال المهملة جمع محدثة بالفتح وهى ما لم يكن معروفاً فى كتاب ولا سنة ولا إجماع، وهى البدعة كما يشير الحديث الى ذلك (5) قال النووى هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع، قال أهل اللغة هى كل شئ عمل على غير مثال سابق، قال العلماء البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة (فمن الواجبة) نظم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك (ومن المندوبة) تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والرُّبُط وغير ذلك (ومن المباح) التبسيط فى ألوان الأطعمة وغير ذلك (والحرام والمكروه)
-[قرب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم من الساعة وما ينبغي أن يفعله الخطيب]-
وتحمر وجنتاه ويشتد غضبه إذا ذكر السَّاعة (1) كأنَّه منذر (2) جيشٍ، قال ثمَّ يقول أتتكم السَّاعة، بعثت أنا والسَّاعة هكذا وأشار بإصبعيه السَّبَّابة والوسطى (3) صبَّحتكم السَّاعة ومسَّتكم (4) من ترك مالاً فلأهله (5) ومن ترك دينًا أو ضياعًا (6) فإلىَّ وعلىَّ والضَّياع يعني ولده المساكين
ظاهران، قال وقد أوضحت المسألة بأدلتها المبسوطة فى تهذيب الأسماء واللغات، فاذا عرف ما ذكرته علم أن الحديث من العام المخصوص وكذا ما أشبههه من الأحاديث الواردة، ويؤيد ما قلناه قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى التراويح نعمت البدعة، ولا يمنع من كون الحديث عاماً مخصوصاً قوله كل بدعة مؤكداً بل، بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى {تدمر كل شئ} اهـ (1) فيه أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ويرفع صوته ويجزل كلاه ويكون مطابقاً للفصل الذى يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب، ولعل اشتداد غصبه صلى الله عليه وسلم عند ذكر الساعة لما فيها من الأهوال العظيمة والخطوب الجسيمة (2) المنذر المعْلِم الذى يعرّف القوم بما يكون قد دهمهم من عدو أو غيره وهو المخوّف أيضاً، وأصل الانذار الاعلام يقال أنذرته أنذره إنذار اذا أعلمته فأنا منذر ونذير أى معْلم ومخوّف ومحذّر، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يخوفهم من قيام الساعة وقربها ليستعدوا لها بطاعة الله عز وجث واجتناب المعاصى كما يُخوَّف الجيش بهجوم العدو ليستعد للقائه (3) أى قرن بين إصبعيه السبابة والوسطى كما فى رواية مسلم (قال القاضى عياض رحمه الله يحتمل أنه تمثيل لمقاربتها وانه ليس بينهما إصبع أخرى كما أنه لا نبى بينه وبين الساعة، ويحتمل أنه لتقريب ما بينهما من المدة وأن التفاوت بينهما كنسبة التفاوت بين الأصبعين تقريباً لا تجديداً اهـ (4) المراد ستصبحكم أى تأتيكم صباحاً، وعبر بالماض لتحقق مجيئها كأنها جاءت، ويقال كذلك فى مسَّتكم (5) أى فلورثته (6) الضياع بفتح الضاد فسرها الراوى بقوله ولده المساكين يعنى أولاد المتوفى، وكذلك فسرها أهل اللغة، قال ابن قتيبة أصله مصدر ضاع يضيع ضياعاً المراد من ترك أطفالاً وعيالاً ذوى ضياع، فأوقع المصدر موضع الاسم (وقوله فالى وعلى) أى فالى تربية أولاده وعلى قضاء دينه (قال النووى) قال أصحابنا وكان النبى صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من مات وعليه دين لم يخلف به وفاء لئلا يتساهل الناس فى الاستدانة ويهملوا الوفاء فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، فلما فتح الله على المسلمين مبادئ الفتوح قال صلى الله عليه وسلم "من ترك ديناً فعلىَّ" أى قضاؤه فكان يقضيه {تخريجه} (م. جه)
-[آداب تتعلق بالخطيب وحديث ابن مسعود في خطبة الحاجة]-
(1586)
عن عدي بن حاتم الطَّائيِّ رضى الله عنه أنَّ رجلاً خطب عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد (1) ومن يعصمها فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت (2) قل ومن يعص الله ورسوله
(1587)
عن أبى سعيد الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم خطب قائمًا على رجليه
(1586) عن عدي بن حاتم {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد العزيز يعنى ابن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدى بن حاتم "الحديث"{غريبه} (1) بفتح الشين المعجمة وكسرها (2) قال القاضى عياض وجماعة من العلماء إنما أنكر عليه لتشريكه فى الضمير المقتضى للتسوية وأمره بالعطف تعظيماً لله بتقدير اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الآخر "لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ليقل ما شاء الله ثم شاء فلان" اهـ (وقال النووى) الصواب أن سبب النهى أن الخطب شأنها البسط والأيضاح واجتناب الاشارات والرموز، ولهذا ثبت فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً ليفهم، وأما قول الأولين فيضعف بأشياء، منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر فى الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم "أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما" وغيره من الأحاديث، وإنما ثنى الضمير ههنا لأنه ليس خطبة وعظ، وإنما هو تعليم حكم، فكلما قل لفظه كان أقرب الى حفظه، بخلاف خطبة الوعظ فانه ليس المراد حفظهما وإنما يراد الاتعاظ بها، ومما يؤيده هذا ما ثبت فى سنن أبى داود (ومسند الامام احمد) باسناد صحيح عن ابن مسعود رضى الله عنه قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة "الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدى الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصمها فانه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً" اهـ وستأتى هذه الخطبة فى أبواب خطب النبى صلى الله عليه وسلم فى آخر القسم الثانى من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى {تخريجه} (مذ. نس. ك. هق)
(1587)
عن أبى سعيد الخدرى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا داود بن قيس عن عياض بن عبد الله بن أبى شرح عن أبى سعيد الخدرى "الحديث"{تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد
-[حجة القائلين بوجوب القيام للخطبة]-
(1588)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يخطب يوم الجمعة قائمًا ثمَّ يقعد ثمَّ يقوم فيخطب
(1589)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة مرَّتين بينهما جلسة (وعنه من طريقٍ ثانٍ)(1) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يجلس بين الخطبتين.
(1590)
عن سماك بن حرب قال نبَّأني جابر بن سمرة رضى الله عنه أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب قائمًا على المنبر ثمَّ يجلس "وفى روايةٍ ثمَّ يقعد قعدةً لا يتكلم" ثمَّ يقوم فيخطب قائمًا، قال فقال لي جابرٌ فمن نبَّأك (2) أنَّه كان يخطب قاعدًا فقد كذب، فقد والله صلَّيت معه أكثر من ألفي صلاةٍ (3)
(1588) عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله ابن محمد وسمعته أنا منه قال ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربى عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس "الحديث"{تخريجه} أورده الهيثمى وقال رواه احمد وأبو يعلى والطبرانى فى الكبير والأوسط ورجال الطبرانى ثقات
(1589)
عن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر "الحديث"(1)"وعنه من طريق ثان"{سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قراد أنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم "الحديث"{تخريجه} (ق. والأربعة) بلفظ "كان صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً يجلس ثم يقوم كما تفعلون اليوم".
(1590)
عن سماك بن حرب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو كامل ثنا زهير ثنا سماك بن حرب "الحديث"{غريبه} (2) رواية أبى داود فمن حدثك أنه كان يخطب كما فى رواية أخرى عند الأمام احمد، ورواية مسلم كلفظ حديث الباب (3) قال النووى المراد الصلوات الخمس لا الجمعة اهـ قال الشوكانى ولابد من هذا، لأن الجمع التى صلاها صلى الله عليه وسلم من عند افتراض صلاة الجمعة الى عند موته لا تبلغ ذلك المقدار
-[مشروعية الخطبتين للجمعة والجلوس بينهما]-
(وعنه من طريقٍ ثانٍ بنحوه (1) وفيه بعد قوله فقد كذب) قال ولكنَّه ربمَّا خرج ورأى النَّاس في قلةٍ فجلس ثمَّ يثوبون (2) ثمَّ يقوم فيخطب قائمًا
(1591)
وعنه أيضًا عن جابر بن سمرة قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ يخطب فى الجمعة إلَاّ قائمًا، فمن حدَّثك أنَّه جلس فكذِّبه فإنَّه لم يفعل، كان النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يخطب ثمَّ يقعد ثمَّ يقوم فيخطب: كان يخطب خطبتين يقعد بينهما في الجمعة.
(1592)
ز عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال صلَّيت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا (3) وبهذا الإسناد قال كانت لرسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكِّر النَّاس (4)
ولا نصفه اهـ {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسين بن محمد ثنا سليمان ابن قرم عن سماك عن جابر "الحديث"(2) أى يرجعون الى المسجد، ومنه قوله تعالى {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} أى مرجعاً ومجتمعاً {تخريجه} أخرج الطريق الأولى منه (م. د) ولم أقف على من أخرج الطريق الثانية غير الأمام أحمد
(1591)
وعنه أيضاً {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو سعيد ثنا زائدة ثنا سماك عن جابر بن سمرة "الحديث"{تخريجه} (م. د)
(1592)
"ز" عن جابر بن سمرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أحمد ابن إبراهيم أبو على الموصلى ثنا أبو الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة "الحديث"{غريبه} (3) القصد فى الشئ هو الاقتصاد فيه وترك التطويل، وإنما كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصداً وخطبته كذلك لئلا يمل الناس (4) استدل به على مشروعية القراءة والوعظ فى الخطبة، وقد ذهب الشافعى الى وجوب الوعظ وقراءة آية، وسيأتى ذكر المذاهب فى الأحكام {تخريجه} (م. نس. مذ. جه) الى قوله وخطبته قصداً، وروى الباقى منه حديثاً مستقلاً (م. د. نس. جه)
-[إستحباب إطالة الصلاة وإقصار الخطبة]-
(1593)
عن واصل بن حيَّان (1) قال قال أبو وائل خطبنا عمَّار بن ياسرٍ فأبلغ وأوجز، فلمَّا نزل قلنا يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفَّست (2) قال إنِّي سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يقول إنَّ طول صلاة الرَّجل وقصر خطبته مئنَّةٌ (3) من فقهه، فأطيلوا الصَّلاة واقصروا (4) الخطبة فإنَّ من البيان لسحرًا
(1594)
عن أبي راشدٍ قال خطبنا عمَّار بن ياسرٍ فتجوز في خطبته،
(1593) عن واصل بن حيان {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قريش بن إبراهيم قال ثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عن أبيه عن واصل بن حيان "الحديث"{غريبه} (1) حيان بالمثناة (2) أى فلو أطلت قليلاً (3) بفتح الميم ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أى علامة، قال الأزهرى والأكثرون الميم فيها زائدة وهى مفعلة، قال الهروى قال الأزهرى غلط أبو عبيد فى جعله الميم أصلية، قال القاضى عياض قال شيخنا ابن سراج هى أصلية اهـ وإنما كان إقصار الخطبة علامة من فقه القاضى عياض قال شيخنا ابن سراج هى أصلية اهـ وإنما كان إقصار الخطبة علامة من فقه الرجل، لأن الفقيه هو المطلع على جوامع الألفاظ فيتمكن بذلك من التعبير باللفظ المختصر عن المعانى الكثيرة (4) الهمزة فى واقصروا همزة وصل قال النووى، قال وليس هذا الحديث مخالفاً للأحاديث المشهورة فى الأمر بتخفيف الصلاة، لقوله فى الرواية الأخرى وكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً، لأن المراد بالحديث الذى نحن فيه أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلاً يشق على المأمومين، وهى حينئذ قصد أى معتدلة، والخطبة قصد بالنسبة الى وضعها (وقوله صلى الله عليه وسلم فان من البيان لسحراً) قال أبو عبيد هو من الفهم وذكاء القلب، قال القاضى عياض فيه تأويلان (أحدهما) أنه ذمّ لأنه امالة القلوب وصرفها بمقاطع الكلام اليه حين يكسب من الاثم به كما يكسب بالسحر، وأدخله مالك فى الموطأ فى باب ما يكره من الكلام وهو مذهبه فى تأويل الحديث (والثانى) أنه مدح، لأن الله تعالى امتنَّ على عباده بتعليمهم البيان وشبهه بالسحر لميل القلوب اليه، واصل السحر الصرف، فالبيان يصرف القلوب ويميلها الى ما تدعو اليه، هذا كلام القاضى، قال النووى وهذا التأويل الثانى هو الصحيح المختار اهـ {تخريجه} (م)
(1594)
عن أبى راشد {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير
-[مشروعية توكي الخطيب على قوس أو عصا]-
فقال رجلٌ من قريشٍ لقد قلت قولاً شفاءً (1) فلو أنَّك أطلت، فقال إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن نُطيل الخطبة.
(1595)
عن الحكم بن حزنٍ الكلفىَّ رضى الله عنه قال قدمت على رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم سابع سبعةٍ أو تاسع تسعةٍ (2) قال فأذن لنا فدخلنا فقلنا يا رسول الله أتيناك لتدعو لنا بخيرٍ، قال فدعا لنا بخيرٍ وأمر بنا فأنزلنا، وأمر لنا بشيءٍ من تمرٍ والشَّأن إذ ذاك دون (3) قال فلبثنا عند رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أيَّامًا شهدنا فيها الجمعة، فقام رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم متوكِّئًا على قوسٍ أو قال على عصًا (4) فحمد الله وأثنى عليه كلماتٍ (5) خفيفاتٍ طيباتٍ مباركاتٍ، ثمَّ قال يا أيُّها النَّاس إنَّكم لن تفعلوا ولن تطيقوا كلَّ ما أمرتم
ثنا العلاء بن صالح عن عدى بن ثابت ثنا أبو راشد قال خطبنا عمار بن ياسر "الحديث"{غريبه} (1) يريد أن الخطبة كانت مؤثرة فى قلوب السامعين وشفاء لأمراض القلوب إلا انها قصيرة {تخريجه} لم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الأمام أحمد وسنده جيد
(1595)
عن الحكم بن حزن الكلفى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا الحكم بن موسى قال عبد الله وسمعته أنا من الحكم حدثنا شهاب بن خِراش حدثنى شعيب بن رُزَيق الطائفى قال كنت جالساً عند رجل يقال له الحكم بن حزن الكلفى وله صحبة من النبى صلى الله عليه وسلم قال فأنشأ يحدثنا قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (2) شك من شعيب وهو حال من فاعل قدمت يعنى أتيت النبى صلى الله عليه وسلم حال كونى واحداً من سبعة أو واحداً من تسعة (3) يعنى وحالتهم فى ذاك الوقت حالة إعسار وضيق من العيش، وإنما قال ذل الحكم بن حزن يريد الاعتذار عن اقتصار النبى صلى الله عليه وسلم على التمر الذي قدم لهم (4) شك من الراوى وفيه مشروعية اعتماد الخطيب حال الخطبة على عصا أونحوها، قالوا وحكمة ذلك الاشتغال عن العبث (5) رواية البيهقى "بكلمات فما هنا منصوب بنزع الخافض أى أثنى عليه بكلمات" كما فى رواية البيهقي
-[كراهة رفع اليدين عند الدعاء في الخطبة]-
به ولكن سدِّدوا وأبشروا (1)
(1596)
عن يزيد بن البراء (بن عازبٍ) عن أبيه رضي الله عنه أن النبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم خطب على قوسٍ أو عصًا
(1597)
عن حُصين بن عبد الرَّحمن السَّلميِّ قال كنت إلى جنب عمارة بن رؤيبة (2) السَّلميِّ رضى الله عنه وبشرٌ (3) يخطبنا فلمَّا دعا رفع يديه (4) فقال عمارة يعني قبَّح الله هاتين اليدين أو اليديتين (5) رأيت
(1) المعنى حيث أنكم لم تفعلوا ولن تطيقوا كل ما أمرتم به فسددوا وأبشروا (قال الحافظ) سددوا أى الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط (وأبشروا) بالثواب على العمل الدائم وإن قل، والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل بأن العجز اذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره، وأبهم المبشر به تعظيماً وتفخيماً له {تخريجه} (د. عل. هق) وسنده جيد وصححه ابن خزيمة وابن السكن وحسن إسناده الحافظ
(1596)
عن يزيد بن البراء {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا أبو جناب عن يزيد بن البراء "الحديث"{تخريجه} (د. طب) ولفظ أبى داود عن البراء أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى يوم العيد قوساً أو عصاً فخطب عليه، ورواه أيضاً الأمام أحمد والطبرانى مطولاً، وسيأتى فى باب خطبة العيدين وصححه ابن السكن.
(1597)
عن حصين بن عبد الرحمن السلمى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا موسى بن داود ثنا زهير عن حصين بن عبد الرحمن السلمى "الحديث"{غريبه} (2) براء وموحدة مصغراً الثقفى يكنى بأبى زهير صحابى نزل الكوفى (3) هو ابن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشى، تولى الكوفى سنة إحدى وسبعين بعد قتل مصعب بن الزبير وأضيف اليه البصرة سنة ثلاث وسبعين بعد أن عزل عنها خالد بن عبد الله فرحل اليها واستخلف على الكوفة عمرو ابن حريث (4) أى وهو يدعو فى يوم جمعة كما فى رواية أبى داود، يعنى حال الدعاء فى الخطبة (5) شك الراوى هل قال اليدين بفتح أوله مكبراً أو اليديّتين بضم أوله وفتح الدال المهملة وتشديد التحتية المفتوحة مصغراً، ورواية الترمذى اليُديّتين بالتصغير بغير شك وزاد القصيرتين بالتصغير أيضاً، والظاهر أنه دعاء عليه، وقيل إخبارٌ عن قبح صنعه
-[استحباب قراءة سورة ق أو شيء منها في الخطبة]-
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب إذا دعا يقول هكذا، ورفع السَّبَّابة وحدها (1)
(1598)
عن أمِّ هشامٍ بنت حارثة (2) رضى الله عنها قالت لقد كان تنُّورنا (3) وتنُّور النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم واحدًا سنتين أو سنةً وبعض سنةٍ (4) وما أخذت ق والقرآن المجيد إلَاّ على لسان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، كان يقرأ بها كلَّ يوم جمعةٍ على المنبر إذا خطب النَّاس
لأنه فعل شيئاً لم يفعله النبى صلى الله عليه وسلم، وعلى أنه دعاء عليه فالجملة خبرية لفظاً انشائية معنى وفيها اطلاق اسم الجزء على الكل؛ وعلى أنه إخبار عن قبح صنعه، فالجملة خبرية لفظاً ومعنى (1) فيه جواز رفع السبابة عند الدعاء فى خطبة الجمعة وأما رفع اليدين فلا، وسيأتى الكلام على ذلك فى الأحكام {تخريجه} (م. د. مذ. نس. هق).
(1598)
عن أم هشام {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن إسحاق حدثنى عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن {غريبه} (2) هى أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضى الله عنها صحابية مشهورة وهى أخت عمرة بنت عبد الرحمن لأمها، روت عنها أختها عمرة وبايعت بيعة الرضوان، روى لها مسلم وأبو داود والأمام احمد (3) التنور بضم الفوقية والنون المشددتين هو الذيى يخبر فيه (4) تريد أنها جاورت النبى صلى الله عليه وسلم هذه المدة فكانت تسمعه يقرأ سورة ق كل جمع وهو يخطب فحفظتها منه، وهذا يدل على قوة حفظها ومعرفتها بأحوال النبى صلى الله عليه وسلم وقربها من منزله، قال العلماء وسبب اختياره صلى الله عليه وسلم ق أنها مشتملة على البعث والموت والمواعظ المفيدة والزواجر الشديدة، وفيه دليل للقراءة فى الخطبة واستحباب قراءة ق أو بعضها فى كل خطبة {تخريجه} (م. د. نس. ك. هق){الأحكام} أحاديث الباب تدل على مشروعية خطبتين للجمعة مشتملتين على حمد الله عز وجل والثناء عليه والشهادتين وشئ من القرآن والوعظ والدعاء {وفيها أيضاً} مشروعية الأتيان بهما من قيام لا من جلوس والفصل بينهما بجلسة يسيرة لا يتكلم فيها وعدم التطويل فيهما لئلا يمل الناس {وفيها أيضاً} مشروعية اعتماد الخطيب على عصاً أو نحوها أثناء الخطبة {أما حكم الخطبتين} فقد ذهب إلى وجوبهما العترة والأمام الشافعى رحمه الله. وعن الحسن البصرى وأهل الظاهر، ورواية ابن الماجشون عن مالك أنهما مستحبتان لا واجبتان، وحكى
-[مذاهب العلماء في حكم خطبة الجمعة - وهل الواجب واحدة أو اثنتان]-
.....
العراقي في شرح الترمذى عن الأئمة {مالك وأبى حنيفة} والأوزاعى وإسحاق بن راهوية وأبى ثور وابن المنذر {وأحمد بن حنبل} فى رواية عنه أن الواجب خطبة واحدة، قال واليه ذهب جمهور العلماء (قال الشوكانى) واستدلوا على الوجوب بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة ثبوتاً مستمراً أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب فى كل جمعة، قال ومجرد الفعل لا يفيد الوجوب، واستدلوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتمونى أصلى" قال وهو مع كونه غير صالح للاستدلال به على الوجوب ليس يه إلا الأمر بايقاع الصلاة على الصفة التي كان يوقعها عليها، والخطبة ليست بصلاة، واستدلوا أيضاً بقوله تعالى {فاسعوا إلى ذكر الله} وفعله صلى الله عليه وسلم للخطبة بيان للمجمل وبيان المجمل الواجِب واجبٌ (ورُدَّ) بأن الواجب بالأمر هو السعى فقط (وتعقب) بأن السعى ليس مأموراً به لذاته بل لمتعلقه وهو الذكر (ويتعقب) هذا التعقب بأن الذكر المأمور بالسعى اليه هو الصلاة، غاية الأمر أنه متردد بينها وبين الخطبة؛ وقد وقع الاتفاق على وجوب الصلاة والنزاع فى وجوب الخطبة فلا ينتهض هذا الدليل للوجوب، فالظاهر ما ذهب اليه {الحسن البصرى وداود الظاهرى والحوينى} من أن الخطبة مندوبة فقط، وأما الاستدلال للوجوب بحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" رواه أبو داود وأحمد بمعناه، وبحديثه أيضاً عند البيهقى فى دلائل النبوة مرفوعاً حكاية عن الله تعالى بفظ "وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدى ورسولى" فوهم لأن غاية الحديث الأول عدم قبول الخطبة التي لا حمد فيها، وغاية الثانى عدم جواز خطبة لا شهادة فيها بأنه صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله؛ والقبول والجواز وعدمهما لا ملازمة بينها وبين الوجوب قطعاً اهـ {وأما الحمد والوعظ وقراءة شيء من القرآن} فذهبت الشافعية والحنابلة الى وجوبها وزادوا عما فى أحاديث الباب وجوب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم (قال ابن قدامة فى المغنى) واذا وجب ذكر الله تعالى وجب ذكر النبى صلى الله عليه وسلم لما روى فى تفسير قوله تعالى {ألم نشرح لك صدرك ورفعنا لك ذكرك} قال لا أذكر إلا ذكرت معى، ولأنه موضع وجب فيه ذكر الله تعالى والثناء عليه فوجب فيه الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم كالأذان والتشهد؛ قال ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يذكر فى خطبه ذلك اهـ {قلت} هذا هو المتعين، وزاد الشافعية وجوب الدعاء للمؤمنين في الخطبة الثانية على أصح القولين عندهم {وذهبت المالكية} والأوزعى وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد وداود الى أن الواجب ما يقع عليه اسم الخطبة وما زاد عن ذلك فهو مستحب {وقال أبو حنيفة} فرض الخطبة تسبيحة أو تهليلة أو تحميدة أو تكبيرة على قصد الخطبة. وعندهما "أعنى أبا يوسف ومحمد" لابد من ذكر طويل يسمى خطبة عُرفاً وهو مقدار ثلاث آيات عند الكرخى، وقيل مقدار التشهد
-[مذاهب العلماء في أركان الخطبة وآدابها]-
.....
{وأما الشهادتان} فالجمهور على استحبابهما {وأما القيام للخطبتين} فقد اختلف فى وجوبه، فذهب الجمهور إلى الوجوب، ونقل عن {أبى حنيفة} أن القيام سنة وليس بواجب والى ذلك ذهبت الهادوية، واستدل الجمهور على الوجوب بما فى أحاديث الباب من أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً، وبما أخرجه ابن أبى شيبة عن طاوس قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً وأبو بكر وعمر وعثمان، وأول من جلس على المنبر معاوية، وروى ابن أبى شيبة أيضاً عن الشعبى أن معاوية إنما خطب قاعداً لمَّا كثر شحم بطنه ولحمه (قال الشوكانى) ولا شك أن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء هو القيام حال الخطبة، ولكن الفعل بمجرده لا يفيد الوجوب كما عرفت غير مرة اهـ {وأما الجلوس بينهما} فذهبت الشافعية والامام يحيى الى وجوبه مستدلين بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله "صلوا كما رأيتمونى أصلى" وتقدم الجواب عن ذلك، وذهب الجمهور الى الاستحباب وعدم الوجوب {وأما عدم تطويلهما} فلا خلاف بين العلماء فى استحبابه، إنما الخلاف فى أقل ما يجزئ وهو مبسوط فى كتب الفقه {وأما اعتماد الخطيب على قوس أو عصا} فذهب الجمهور الى استحبابه، ولكنهم اختلفوا فى أخذه بأى اليدين {فذهبت المالكية} الى أخذه باليد اليمنى {وذهبت الشافعية} الى أخذه باليد اليسرى ويشغل اليمنى بحرف المنبر لاتباع السلف والخلف، فان لم يجد شيئاً من ذلك وضع اليمنى على حرف المنبر وأرسل اليسرى {وقالت الحنفية} يعتمد على سيف بيساره فى كل بلدة فتحت عنوة ويخطب بقوس أو عصا فى كل بلدة فتحت صلحاً {وقالت الحنابلة} يسن أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا باحدى يديه {قلت} لم أقف على شئ من الأحاديث يدل على هذه التفاصيل، والأفضل الأخذ باليمين لما رواه الشيخان والأمام أحمد وغيرهم عن عائشة رضى الله عنها قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن فى ترجُّله وتنعُّله وطُهوره وفى شأنه كله"(قال الحافظ ابن القيم فى الهدى) كان صلى الله عليه وسلم يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر، وكان فى الحرب يعتمد على قوس، وفى الجمعة يعتمد على عصا، ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف، وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائماً وأن ذلك إشارة الى أن الدين قام بالسيف فمن فَرْطِ جهلِه، فانه لا يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفاً ألبتة، وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس اهـ {وفى حديث عمارة بن رؤيبة} دليل على كراهة رفع الأيدى على المنبر حال الدعاء وأنه بدعة، ويؤيد ذلك ما رواه البزار والطبرانى فى الكبير والأمام أحمد، وتقدم فى باب التحذير من الابتداع فى الدين رقم 16 من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عن غضيف بن الحارث الثمالى رضى الله عنه قال بعث
-[كلام العلماء في رفع اليدين عند الدعاء في الخطبة]-
(12)
باب المنع من الكلام والإمام يخطب
والرخصة في تكلمه وتكليمه لمصلحة - وجواز قطع الخطبة لأمر يحدث
(1599)
عن ابن عباسٍ رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلَّى الله
إلىَّ عبد الملك بن مروان فقال يا أبا اسماء إنا قد أجمعنا الناس على أمرين قال وما هما؟ قال رفع الأيدى على المنابر يوم الجمعة والقصص بعد الصبح والعصر، فقال أما إنهما أمثل بدعتكم عندى ولست مجيئك الى شئ منهما؛ قال لمَ؟ قال لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بستة خير من إحداث بدعة" والى كراهة رفع اليدين حال الخطبة ذهب الأمامان {مالك والشافعى} وجماعة، قال القاضى عياض كره مالك وقوم من السلف رفع اليدين فى الخطبة لهذا الحديث، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يزد على الأشارة بالمسبحة، وأجازه بعض أصحابنا وآخرون، لأنه صلى الله عليه وسلم رفعهما فى خطبة الجمعة حين استسقى اهـ وأجاب المانعون بأن رفعه فى الاستسقاء كان لعارض الاستسقاء {قلت} الواجب الوقوف مع النصوص حيثما كانت، فما ثبت فيه رفع يديه صلى الله عليه وسلم نرفع فيه ومالاً فلا؛ وسيأتى لذلك مزيد بحث فى باب كثرة الدعاء ورفع اليدين عنده من أبواب الاستسقاء إن شاء الله تعالى {وفى أحاديث الباب أيضاً} استحباب قول "أمّا بعد" في خطب الوعظ والجمعة والعيد وغيرهما، وكذا فى خطب الكتب المصنفة، وقد عقد البخارى باباً فى استحبابه وذكر فيه جملة من الأحاديث، واختلف العلماء فى أول من تكلم به فقيل داود عليه السلام، وقيل يعرب بن قحطان؛ وقيل قس بن ساعده، وقال بعض المفسرين أو كثير منهم إنه فصل الخطاب الذى أوتيه داود، وقال المحققون فصل الخطاب الفصل بين الحق والباطل، أفاده النووى {فائدة} قال صاحب المهذب ومن سننها "يعنى الخطبة" اذا صعد "الخطيب" المنبر ثم أقبل على الناس أن يسلم عليهم لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم "كان اذا صعد المنبر يوم الجمعة واستقبل الناس بوجهه قال السلام عيكم اهـ قال النووى رواه البيهقى من رواية ابن عمر وجابر وإسنادهما ليس بالقوى، وقال قال أصحابنا يسن للأمام السلام على الناس مرتين (إحداهما) عند دخوله المسجد يسلم على من هناك وعلى من عند المنبر اذا انتهى اليه (الثانية) اذا وصل أعلا المنبر وأقبل على الناس بوجهه يسلم عليهم لما ذكره المصنف "يعنى صاحب المهذب" قال أصحابنا واذا سلم لزم السامعين الردّ عليه وهو فرض كفاية كالسلام فى باقى المواضع، وهذا الذى ذكرناه من استحباب السلام الثانى مذهبنا ومذهب الأكثرين، وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز والأوزاعى وأحمد {وقال مالك وأبو حنيفة} يكره اهـ ج
(1599)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير
-[التشديد في النهي عن الكلام يوم الجمعة والامام يخطب]-
عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم من تكلَّم يوم الجمعة وهو يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا (1) والَّذي يقول له أنصت ليس له جمعةٌ (2)
(1600)
عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغيت (3) قال سفيان قال أبو الزِّناد هي لغة أبى هريرة (وعنه من طريقٍ ثانٍ)(4)
عن مجالد عن الشعبى عن ابن عباس "الحديث"{غريبه} (1) شبَّه من لم يمسك عن الكلام بالحمار الحامل للأسفار بجامع عدم الانتفاع، وظاهر قوله من تكلم يوم الجمعة المنع من جميع أنواع الكلام من غير فرق بين مالاً فائدة فيه وغيره، وسيأتى الكلام على ذلك فى الأحكام (2) قال العلماء معناه ليس له جمعة كاملة للأجماع على إسقاط فرض الوقت عنه {تخريجه} أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والبزار والطبرانى وفيه مجالد ابن سعيد وقد ضعفه الناس ووثقه النسائى فى رواية {قلت} أورده الحافظ فى بلوغ المرام أيضاً وقال رواه أحمد باسناد لا بأس به، قال وهو يفسر حديث أبى هريرة فى الصحيحين مرفوعاً "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والأمام يخطب فقد لغوت" اهـ
(1600)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى قا قرئ على سفيان سمعت أبا الزناد يحدث عن الأعرج عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (3) فى رواية مسلم بعد قوله فقد لغيت، قال أبو الزناد هى لغة أبى هريرة، وإنما هو فقد لغوت (قال النووى) قال أهل اللغة يقال لغا يلغو كغزا يغزو، ويقال لَغِىَ يَلغَى كعَمِىَ يَعمَى لغتان، الأول أفصح، وظاهر القرآن يقتضى هذه الثانية التى هى لغة أبى هريرة، قال الله تعالى {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوْا فيه} وهذا من لغِىَ يَلغَى، ولو كان من الأول لقال والغُوا بضم الغين، قال ابن الكسيت وغيره مصدر الأول اللغو ومصدر الثانى اللغى (ومعنى فقد لغوت) أى قلت اللغو وهو الكلام الملغى الساقط الباطل المردود، وقيل معناه قلت غير الصواب، وقيل تكلمت بما لا ينبغى، ففى الحديث النهى عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة ونبه بهذا على ما سواه، لأنه اذا قال أنصت وهو فى الأصل أمر بمعروف وسماه لغواً فيسيره من الكلام أولى، وإنما طريقه اذا أراد نهى غيره عن الكلام أن يشير اليه بالسكوت إن فهمه، فان تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر ولا يزيد على أقل ممكن اهـ (4){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق
-[التشديد في النهي عن الكلام يوم الجمعة والامام يخطب]-
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت (وعنه من طريقٍ ثالثٍ)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قلت للنَّاس أنصتوا فقد ألغيت على نفسك.
(1601)
ز عن عطاء بن يسارٍ عن أبىِّ بن كعبٍ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة براءةً وهو قائمٌ يذكِّر بأيَّام الله (2) وأبيُّ ابن كعب وجاه النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبو الدَّرداء وأبو ذرٍ، فغمز أبىَّ بن كعبٍ أحدهما فقال متى أنزلت هذه السورة يا أبىُّ فإنِّى لم أسمعها إلاّ الآن؟ فأشار إليه أن اسكت (3) فلمَّا انصرفوا قال سألتك متى أنزلت هذه السُّورة فلم تخبر، قال أبىُّ ليس لك من صلاتك اليوم إلَاّ ما لغوت (4) فذهبت إلى رسول الله
أنا ابن جريج وابن بكر عن ابن جريح أخبرنى ابن شهاب عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم ابن عبد الله بن قارط عن أبى هريرة وعن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة "الحديث" وفى آخره قال ابن بكر فى حديثه قال أخبرنى ابن شهاب عن حديث عمر بن عبد العزيز عن ابراهيم بن عبد الله بن قارظ عن أبى هريرة وعن أبى سعيد عن أبى هريرة أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله (1) حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق بن همّام ثنا معمر عن همّام بن منبه قال هذا ما حدّث به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"{تخريجه} (ق. والامامان. والأربعة) وفى رواية لمسلم فقد لغيت بلفظ الطريق الأولى، وأخرجه البيهقى من طريق عقيل عن الزهرى بلفظ "من قال لصاحبه يوم الجمعة والأمام يخطب أنصت فقد لغا" وبهذا اللفظ رواه الترمذى، ورواه البيهقى من طريق آخر غير الطريق الأولى بلفظ "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة فقد لغوت، عليك بنفسك" ولم أقف على من أخرج الطريق الثالثة من حديث الباب بلفظه غير الأمام أحمد
(1601)
"ز" عن عطاء بن يسار {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى مصعب ابن عبد الله الزبيرى ثنا عبد العزيز بن محمد عن شريك عن عبد الله بن أبى نمر عن عطاء بن يسار "الحديث"{غريبه} (2) يعنى يذكرهم بنعم الله وآياته الواقعة فى الأيام، وكان ذلك فى خطبة الجمعة (3) فيه جواز نهى المتكلم بالأشارة لا بالكلام (4) يعني أن نصيبه
-[حجة القائلين بجواز الكلام بعد فراغ الخطيب وقبل الصلاة]-
صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له وأخبرته بالَّذي قال أبىُّ فقال صدق أبىُّ
(1602)
عن أبى الدَّرداء رضى الله عنه قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا على المنبر فخطب النَّاس وتلا آيةً وإلى جنبي أبىَّ بن كعبٍ فقلت له يا أبىُّ متى أنزلت هذه الآية؟ قال فأبى أن يكلَّمنى، ثمَّ سألته فأبى أن يكلِّمنى، حتَّى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لى أبىُّ مالك من جمعتك إلَاّ ما لغيت، فلمَّا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته فقلت أي رسول الله إنَّك تلوت آيةً وإلى جنبي أبىُّ كعبٍ فسألته متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلِّمنى حتَّى إذا نزلت زعم أبىٌّ أنَّه ما ليس لي من جمعتى إلَاّ ما لغيت، فقال صدق أبىُّ، فإذا سمعت إمامك يتكلَّم فأنصت حتَّى يفرغ
(1603)
عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم ينزل من المنبر يوم الجمعة فيكلِّمه الرَّجل فى الحاجة فيكلِّمه ثمَّ يتقدَّم إلى مصلَاّه فيصلِّي (1)
مِن الصلاة ما أصابه من اللغو ولا ثواب له {تخريجه} أخرجه ابن ماجه بسند حديث الباب ولفظه إلا أنه قال قرأ يوم الجمعة تبارك بدل (براءة) قال البوصيرى فى زوائد ابن ماجه إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(1602)
عن أبى الدرداء {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا مكى ثنا عبد الله بن سعيد عن حرب بن قيس عن أبى الدرداء "الحديث"{تخريجه} أخرجه أيضاً الطبرانى من رواية شريك بن عبد الله بن أبى نمر عن عطاء بن يسار عن أبى الدرداء، قال الهيثمى ورجال أحمد موثقون اهـ ويشهد له ما أخرجه أبو يعلى والطبرانى عن جابر قال دخل ابن مسعود والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس الى جنبه أبىّ فذكر نحو حديث أبى الدرداء المذكور فى الباب، قال العراقى ورجاله ثقات
(1603)
عن أنس بن مالك {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا جرير بن حازم عن ثابت البنانى عن أنس بن مالك "الحديث"{غريبه} (1) فيه أنه لا بأس بالكلام بعد فراغ الخطيب من الخطبة وأنه لا يحرم ولا يكره {تخريجه} أخرجه
-[جواز قطع الخطبة لأمر يحدث]-
(1604)
عن موسى بن طلحة قال سمعت عثمان بن عفَّان رضي الله عنه وهو على المنبر يقيم الصَّلاة وهو يستخبر النَّاس يسألهم عن أخبارهم وأسعارهم
(1605)
عن أبى رفاعة رضي الله عنه قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب فقلت يا رسول الله رجلٌ غريبٌ جاء يسأل عن دينه لا يدرى ما دينه، قال فأقبل إلىَّ فأتى بكرسيٍ (1) فقعد عليه فجعل
الأربعة والبيهقي، وقال الترمذى هذا حديث لا يعرف إلا من حديث جرير بن حازم، وسمعت محمداً يعنى البخارى يقول وهم جرير بن حازم فى هذا الحديث، والصحيح ما روى ثابت عن أنس قال "أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبى صلى الله عليه وسلم فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم" قال محمد والحديث هو هذا، وجرير بن حازم ربما يهم فى الشئ وهو صدوق اهـ كلام الترمذى (وقال أبو داود) الحديث ليس بمعروف وهو مما تفرد به جرير بن حازم (وقال الدارقطنى) تفرد به جرير بن حازم عن ثابت (قال العراقى) ما أعل به البخارى وأبو داود الحديث من أن الصحيح كلام الرجل له بعد ما أقيمت الصلاة لا يقدح ذلك فى صحة حديث جرير بن حازم، بل الجمع بينهما متعذراً، كيف وجرير بن حازم أحد الثقات المخرّج لهم فى الصحيح، فلا تضر زيادته فى كلام الرجل له أنه كان بعد نزوله عن المنبر اهـ
(1604)
عن موسى بن طلحة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم بن بشير إملاء قال أنبأنا محمد بن قيس الأسدى عن موسى بن طلحة "الحديث"{تخريجه} هذا الأثر أورده الهيثمى وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح اهـ {قلت} وكذلك صحح العراقى إسناده
(1605)
عن أبى رفاعة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا بهز ثنا سليمان بن المغيرة ثنا حميد بن هلال قال قال أبو رفاعة انتهيت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (1) بضم الكاف وكسرها والضم أشهر وقعوده صلى الله عليه وسلم على الكرسى ليسمع الباقون كلامه ويروا شخصه الكريم، ويحتمل أن هذه الخطبة التي كان النبى صلى الله عليه وسلم فيها خطبة أمر غير الجمعة، ولهذا قطعها بهذا الفصل الطويل، ويحتمل أنها كانت الجمعة واستأنفها. ويحتمل أنه لم يحصل فصل طويل، ويحتمل أن كلامه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لهذا الغريب كان متعلقاً بالخطبة فيكون منها ولا يضر المشي في
-[جواز قطع الخطبة لأمر يحدث]-
يعلِّمني ممَّا علَّمه الله تعالى، قال ثمَّ أتى خطبته فأتمَّ آخرها
(1606)
عن بريدة الأسلميِّ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران (1) فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه (2) ثمَّ قال صدق الله ورسوله، إنَّما أموالكم وأولادكم فتنةٌ (3) نظرت إلى هذين الصَّبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر (4) حتَّى قطعت حديثي ورفعتهما
أثنائها، أفاده النووى {تخريجه} (م. هق)
(1606)
عن بريدة الأسلمى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زيد ابن حباب حدثنى حسين بن واقد حدثنى عبد الله بن بريدة قال سمعت أبى بريدة يقل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (1) من العثرة وهى الزّلة مضارع عثر من بابى نصر وضرب أى يمشيان مشى صغير يميل فى مشيه تارة الى هنا وتارة الى هنا لضعفه فى المشى (2) فى رواية النسائي "فحملها ثم عاد الى المنبر" وإنما حملها وصعد بهما الى المنبر لكمال ما أودع الله عز وجل فى قلبه صلى الله عليه وسلم من الرحمة (3) أى بلاء ومحنة واختبار يختبر الله بها عباده ليتميز من يشغله ذلك عن طاعة الله ممن لا يشغله، فمن أقبل على طاعة الله عز وجل واشتغل بها عن ماله وولده كان من الفائزين، ومن عكس كان من الهالكين، وقد ثبتت له صلى الله عليه وسلم العصمة فلا يشغله شئ عن الله عز وجل مهما كان، فالمراد بالفتنة هنا بالنسبة له صلى الله عليه وسلم هو الميل الطبيعي الذى لم يشغله عن ربه عز وجل (4) أى لأنه صلى الله عليه وسلم كان أرحم خلق الله بخلق الله وأى قلب رحيم يرى طفلين فى هذه الحالة ولا يرحمهما، فعدم صبره صلى الله عليه وسلم على تركها لما أودعه الله عز وجل فى قلبه من كثرة الرحمة ورقة القلب {تخريجه} (د. نس. هق) وسنده جيد {الأحكام} أحاديث الباب تدل على مشروعة عدم الكلام والامام يخطب، وظاهرها يدل على المنع من جميع أنواع الكلام من غير فرق بين ما لا فائدة فيه وغيره لاطلاق الكلام فيها؛ ويؤيد ذلك أنه اذا جَعَل قوله أنصت مع كونه أمراً بمعروف لغواً، فغيره من الكلام أولى بأن يسمى لغواً، وقد اختلف العلماء فى ذلك هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه، فذهب الى تخريجه الائمة {أبو حنيفة ومالك وأحمد والأوزاعى والشافعى} فى أحد القولين عنه، واحتج لهم بقوله تعالى {واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} وبحديث أبى هريرة وحديث أبى الدرداء وهو حديث صحيح، ولأن الخطبتين بدل
-[مذاهب العلماء في حكم الكلام والامام يخطب]-
.....
ركعتين فحرم بينهما الكلام {وذهبت الشافعية} فى أصح القولين عندهم الى أنه لا يحرم الكلام بل يكره كراهة تنزيه، قال النووى وبه قال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير والشعبى والنخعى والثورى وداود، قال واحتج أصحابنا بالأحاديث الصحيحة المشهورة أن النبى صلى الله عليه وسلم تكلم فى خطبته يوم الجمعة مرات، وبحديث أنس قال "دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقال يا رسول الله متى الساعة فأشار اليه الناس أن اسكت، فسأله ثلاث مرات كل ذلك يسيرون اليه أن اسكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك ما أعددت لها" رواه البيهقى باسناد صحيح {وعن أنس أيضاً} قال "بينما النبى صلى الله عليه وسلم يخطب فى يوم الجمعة قام أعرابى فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا فرفع يديه وذكر حديث الاستسقاء" رواه البخارى ومسلم {قلت سيأتى للأمام أحمد فى أبواب الاستسقاء} قال وأجابوا عن الآية أنها محمولة على الاستحباب جمعاً بين الأدلة، هذا إن سلّمنا أن المراد الخطبة وأنها داخلة فى المراد، وعن حديث أبى هريرة أن المراد باللغو الكلام الفارغ ومنه لغو اليمين، وعن حديث أبى الدرداء أن المراد نقص جمعته بالنسبة الى الساكت، وأما القياس على الصلاة فلا يصح لأنها تفسد بالكلام بخلاف الخطبة اهـ ج {قلت} وأدلة الشافعية فيها نظر لأنها أخص من الدعوى، وغاية ما فيها أن يكون عموم الأمر بالأنصات مخصَّصاً بالسؤال {واختلفوا أيضاً} فى النهى عن الكلام هل هو فى حال الخطبة فقط، أو من ابتداء جلوس الأمام على المنبر؟ (قال النووى) إنما هو فى حال الخطبة، قال وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور {قلت} وبه قال عطاء وطاوس والزهرى وبكر المزنى والنخعى وإسحاق ويعقوب ومحمد وروى ذلك عن ابن عمر وكرهه الحكم {وقال أبو حنيفة} اذا خرج الأمام حرم الكلام، قال ابن عبد البر إن عمر وابن عباس كانا يكرهان الكلام والصلاة بعد خروج الأمام {واختلفوا أيضاً} اذا لم يسمع الأمام هل يلزمه الأنصات كما لو سمعه؟ قال الجمهور يلزمه، وقال النخعى وأحمد وهو أحد قولى الشافعى لا يلزمه، قال القاضى عياض {ونقل ابن قدامة فى المغنى} أن الكلام الواجب كتحذير الضرير من البئر أو من يخاف عليه ناراً أو حيّة أو حريقاً ونحو ذلك فله فعله، لأن هذا يجوز فى نفس الصلاة مع إفسادها فهاهنا أولى، فأمّا تشميت العاطس ورد السلام ففيه روايتان، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله (يعنى الأمام أحمد رحمه الله سئل يرد الرجل السلام يوم الجمعة؟ فقال نعم، ويشمت العاطس؟ فقال نعم والأمام يخطب، قال أبو عبد الله قد فعله غير واحد، قال ذلك غير مرة، وممن رخص فى ذلك الحسن الشعبى والنخعى والحكم وقتادة والثورى وإسحاق وذلك لأن هذا واجب فوجب الأتيان به فى الخطبة لتحذير الضرير {والرواية الثانية} إن كان لا يسمع ردّ السلامَ وتشميت العاطس، وإن كان يسمع
-[مذاهب العلماء فيما يجوز من الكلام والامام يخطب]-
.....
لم يفعل، قال أبو طالب قال أحمد اذا سمعت الخطبة فاستمع وأنصت ولا تقرأ ولا تشمت؛ واذا لم تسمع الخطبة فاقرأ وشمت ورد السلام (وقال أبو داود) قلت لأحمد يرد السلام والأمام يخطب ويشمت العاطس، قال اذا كان ليس يسمع الخطبة فيرد، واذا كان يسمع فلا لقول الله تعالى {فاستمعوا له وأنصتوا} (وقيل لأحمد) الرجل يسمع نغمة الامام بالخطبة ولا يدرى ما يقول يرد السلام؟ قال لا اذا سمع شيئاً، وروى نحو ذلك عن عطاء، وذلك لأن الانصات واجب فلم يجز الكلام المانع منه من غير ضرورة كالأمر بالانصات بخلاف من لم يسمع، وقال القاضى لا يرد ولا يشمّت وروى ذلك عن ابن عمر {وهو قول مالك والأوزاعى وأصحاب الرأى} "واختلف قول الشافعى" فيحتمل أن يكون هذ القول مختصاً بمن يسمع دون من لم يسمع فيكون مثل الرواية الثانية، ويحتمل أن يكون عاماً في كل حاضر يسمع أو لم يسمع، لأن وجوب الانصات شامل لهم فيكون المنع من رد السلام وتشميت العاطس ثابتاً فى حقهم كالسامعين اهـ {قلت} للشافعية قولان فى استماع الخطبة الوجوب والاستحباب، فعلى القول بالوجوب لا يرد السلام ولا تشميت العاطس إلا بالاشارة عندهم الاستحباب فالرد جائز (قال الحافظ) وقد استثنى من الانصات فى الخطبة ما اذا انتهى الخطيب الى كلام لم يشرع فى الخطبة مثل الدعاء للسلطان مثلاً؛ بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه، وقال النووى محله اذا جاوز، وإلا فالدعاء لولاة الأمور مطلوب (قال الحافظ) ومحل الترك اذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب اذا خشى على نفسه اهـ {وأما الكلام فى الجلسة بين الخطبتين} فقد قال ابن قدامة يحتمل أن يكون جائزاً، لأن الامام غير خاطب ولا متكلم فأشبه ما قبلها وبعدها، وهذا قول الحسن (ويحتمل) أن يمنع منه وهو قول مالك والشافعى والأوزاعى وإسحاق، لأنه سكوت يسير فى أثناء الخطبتين أشبه السكوت للتنفس اهـ {قلت} فى كتب الحنابلة والشافعية جواز الكلام عند جلوس الأمام بين الخطبتين {وفى حديث أنس بن مالك والأثر المروى عن عثمان} رضى الله عنهما دليل على جواز الكلام بعد فراغ الخطيب من الخطبتين وقبل الصلاة وأنه لا يحرم ولا يكره، واليه ذهب الجمهور، وروى عن أبى حنيفة أنه يكره الكلام بعد الخطبة (قال ابن العربى) والأصح عندى أن لا يتكلم بعد الخطبة، لأن مسلماً قد روى أن الساعة التى فى يوم الجمعة هى من حين يجلس الامام على المنبر الى أن تقام الصلاة، فينبغى أن يتجرد للذكر والتضرع اهـ {قلت} الذى فى مسلم "أنها من بين أن يجلس الامام الى أن تقتضى الصلاة" ووردت أحاديث صحيحة أيضاً فى الأنصات حتى تنقضى الصلاة رواها الامام أحمد وغيره، منها حديث سلمان ونبيشة، وتقدما فى باب الغسل للجمعة، ولكنها
-[كلام العلماء في جواز قطع الخطبة لأمر يحدث]-
(13)
باب قصة الذين انقضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة
(1607)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال قدمت عيرٌ (1) مرَّةً المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب (2) فخرج النَّاس وبقي
تخصص بمن كلم الامام أو كله الامام، لأنه لا يشتغل بذلك عن سماع خطبته، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم سأل رجلاً هل صليت؟ فأجابه وسأل عمر عثمان حين دخل وهو يخطب فأجابه، وحديث أبى رفاعة المذكور فى أحاديث الباب، فهذه الأحاديث مخصصة لتلك جمعاً بين الأخبار وتوفيقاً بينها {وفى حديث أبى رفاعة} استحباب تلطف السائل فى عبارته وسؤاله العالم، وفيه تواضع النبى صلى الله عليه وسلم ورفقه بالمسلمين وشفقته عليهم وخفض جناحه لهم، وفيه المبادرة الى جواب المستفتى وتقديم أهم الأمور فأهمها، ولعله كان سأل عن الأيمان وقواعده المهمة؛ وقد اتفق العلماء على أن من جاء يسأل عن الايمان وكيفية الدخول فى الاسلام وجب إجابته وتعليمه على الفور، وفيه جواز قطع الخطبة لمثل هذا واستئنافها إن كان الفصل طويلاً وإلا فلا، أفاده النووى، ويقال مثل ذلك فى حديث بريدة فى قضية الحسن والحسين رضى الله عنهما والله أعلم.
(1607)
عن جابر بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن إدريس عن حصين عن سالم بن أبى الجعد عن جابر "الحديث"{غريبه} (1) العير بكسر العين الأبل التي تحمل التجارة طعاماً كانت أو غيره، وهى مؤنثة لا واحد لها من لفظها، ولابن مردويه عن ابن عباس جاءت عير لعبد الرحمن بن عوف، ووقع عند الطبرانى عن أبى مالك أن الذى قدم بها من الشام دحية بن خليفة الكلبى، وكذلك فى حديث ابن عباس عند البزار، وجمع بين الروايتين بأن التجارة كانت لعبد الرحمن، وكان دحية السفير فيها أو كان مقارضاً، ووقع فى رواية ابن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبى، ويجمع بأنه كان رفيق دحية، أفاده الحافظ (2) ظاهره أن الانقضاض وقع حال الخطبة، لكن جاء فى راية البخارى بلفظ "بينما نحن نصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت غير الحديث" وظاهر هذه الرواية أن الانقضاض وقع بعد دخولهم فى الصلاة، ويؤيد الرواية الأولى ما عند مسلم من طريق أبى بكر بن أبى شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس بسند رواية الامام احمد، وفيه قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، وما عند أبى عوانة من طريق عباد بن العوام، وعند ابن حميد من طريق سلمان بن بشر كلاهما عن حصين به بلفظ يخطب، وكذا وقع عند البرار من حديث ابن عباس، وعند الطبرانى فى الأوسط من حديث أبى هريرة؛ وعلى هذا فقوله "نصلي" أي
-[كلام العلماء في تعيين من بقى مع النبي صلى الله عليه وسلم من الذين انقضوا]-
اثنا عشر (1) فنزلت "وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضُّوا إليها"(2)
ننتظر الصلاة، وكذا يحمل قوله "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة" كما وقع فى مستخرج أبى نعيم على أن المراد بقوله فى الصلاة أى فى الخطبة، وهو من تسمية الشيء باسم ما يقارنه، وبهذا يجمع بين الروايات (1) زاد فى تفسير اسماعيل بن زياد الشامى "وامرأتان" وقد سُمّى من الجماعة الذين لم ينفضوا أبو بكر وعمر فى رواية عند مسلم، وفى رواية له أيضاً أن جابراً رضى الله عنه قال "فلم يبق إلا اثنا عشر رجلاً أنا فيهم" وفى تفسير الشامى أن سالماً مولى أبى حذيفة منهم، وروى العقيلى عن ابن عباس أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناس من الأنصار، وروى السهيلى بسند منقطع أن الاثنى عشر هم العشرة المبشرون بالجنة وبلال وابن مسعود، قال (وفى رواية) عمّارٌ بدل ابن مسعود، ورواية العقيلى أقوى وأشبه بالصواب (وقوله نزلت) ظاهر فى أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة، والمراد باللهو على هذا ما ينشأ برؤية القادمين وما معهم، ووقع عند الشافعى من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً "كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وكان لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والأبل والسمن فقدموا فخرج اليهم الناس وتركوه قائماً، وكان لهم لهو يضربونه فنزلت" ووصله أبو عوانة فى صحيحه، أفاده الحافظ (2) قيل النكتة فى عود الضمير الى التجارة دون اللهو أن اللهو لم يكن مقصوراً وإنما كان تبعاً للتجارة، وقيل حذف ضمير أحدهما لدلالة الآخر عليه، وقال الزجاج أعيد الضمير إلى المعنى أى انفضوا الى الرؤية اهـ {قلت} زاد مسلم فى روايته "وتركوك قائماً" أى على المنبر تخطب، قال ابن كثير فى تفسيره هكذا ذكره غير واحد من التابعين منهم أبو العالية والحسن وزيد بن أسلم وقتادة، وزعم مقاتل بن حيان أن التجارة كانت لدحية بن خليفة قبل أن يسلم، وكان معها طبل فانصروا اليها وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر إلا القليل منه، وقد صح بذلك الخبر فذكر حديث الباب بسنده اهـ {تخريجه} (ق. نس. مذ){الأحكام} حديث الباب فيه دليل على أن الخطبة تكون من قيام، وقد استدل به المالكية ومن وافقهم ممن قال تنعقد الجمة باثنى عشر رجلاً، وأجاب الشافعية وغيرهم ممن يشترط أربعين بأنه محمول على أنهم رجعوا أو رجع منهم تمام الأربعين فأتم بهم الجمعة هكذا قالوا، وتقدم بسط الكلام على المذاهب فى العدد الواجب للجمعة فى أحكام الباب الثالث من أبواب صلاة الجمعة، وقد استشكل الأصلى حديث الباب فقال إن الله تعالى قد وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم لا تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، ثم أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث قبل نزول الآية، قال الحافظ وهذا الذى يتعين المصير اليه مع أنه
-[الدليل على أن صلاة الجمعة ركعتان]-
(14)
باب صلاة الجمعة ركعتين
وحكم من سبق بركعة أو زوحم - ومن قال باشتراط المسجد لصحة الجمعة
(1608 (ع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال صلاة السَّفر ركعتان (1) وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان تمامٌ غير قصرٍ (2) على لسان محمدَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
(1609)
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
ليس في آية النور التصريح بنزولها فى الصحابة، وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهى عن ذلك، فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بما فى آية النور
(1608)
عن عمر بن الخطاب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن زبيد الأيامى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن عمر رضى الله عنه "الحديث"{غريبه} (1) أى لمن أراد الاقتصار عليهما وهذا على مذهب القائلين بأن القصر رخصة ويجوز الاتمام، أو فرضت ركعتين على مذهب القائلين بوجوب القصر وعدم جواز الاتمام، وتقدم الكلام على ذلك فى أحكام الباب العاشر من أبواب صلاة السفر فى الجزء اخامس (2) أى شرعت ركعتين من أصلها لا تقبل تغييراً بحال من الأحوال (قال النووى) وهل الجمعة صلاة مستقلة أم ظهر مقصورة؟ فيه خلاف مشهور فى طريقة الخراسانيين، وممن نقله من المتقدمين صاحب التقريب حكاه عنه إمام الحرمين وغيره، وظاهر كلام بعضهم أنه قولان، وظاهر كلام الآخرين أنه وجهان ولعلهما قولان مستنبطان من كلام الشافعى فيصح تسميتهما قولين ووجهين أصحهما أنها صلاة مستقلة، ويستدل له بحديث عمر رضى الله عنه "يعنى حديث الباب" وبأن ادعاء القصر يحتاج الى دليل اهـ ج {تخريجه} (نس. جه. هق) ورجاله ثقات (قال الحافظ) ابن القيم هو ثابت عن عمر اهـ {قلت} أشار النسائى الى تضعيفه فقال لم يسمعه ابن أبى ليلى من عمر، قال النووى قد رواه البيهقى عن ابن أبى ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر باسناد صحيح، لكن ليس فى هذه الرواية قوله على لسان نبيكم وه وثابت فى باقى الروايات اهـ ج
(1609)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن عبيد ثنا عبيد الله عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى الله عنه "الحديث"
-[جواز صلاة الرجل على ظهر أخيه عند شدة الزحام في الجمعة]-
أدرك من الصَّلاة ركعةً (1) فقد أدركها كلَّها (2)
(1610)
عن سيَّار بن المعرور قال سمعت عمر (رضى الله عنه) وهو يخطب يقول إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والأنصار (3) فإذا اشتدَّ الزِّحام فليسجد الرَّجل منكم على ظهر أخيه، ورأى
{غريبه} (1) أي بركوعها وسجودها (2) فى رواية لمسلم "من أدرك ركعة من الصلاة مع الأمام فقد أدرك الصلاة" وله فى أخرى مثل حديث الباب إلا أنه قال "فقد أدرك الصلاة كلها" وللنسائى "فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضى ما فاته" بزيادة "إلا أنه يقضى ما فاته" وبهذا الزيادة اتضح معنى الحديث إذ ظاهره بدونها متروك بالأجماع، لأنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركاً لجميع الصلاة بحيث تبرأ ذمته منها، فاذا فيه إضمار تقديره فقد أدرك وقت الصلاة أو حكم الصلاة أو نحو ذلك ويلزمه اتمام بقيتها (قال ابن عبد البر) واختلف فى معنى فقد أدرك الصلاة، فقيل أدرك وقتها فهو بمعنى حديث "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" وليس كذلك لأنهما حديثان لكل واحد منهما معنىً (وقيل) أدرك حكمها فيما يفوته من سهو الأمام ولزوم الأتمام ونحو ذلك (وقيل) أدرك فضل الجماعة على أن المراد من أدرك ركعة مع الامام، قال وظاهر الحديث يوجب الأدراك التام، الوقت والحكم والفضل، ويدخل فى ذلك إدراك الجمعة، فاذا أدرك منها ركعة مع الأمام أضاف إليها أخرى وإلَاّ صلّى أربعاً، ثم أخرج من طريق ابن المبارك عن معمر والأوزاعى ومالك عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة مرفوعاً "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها" قال الزهرى فنرى الجمعة من الصلاة اهـ {تخريجه} (ق. والأربعة وغيرهم) باختلاف يسير فى بعض الألفاظ {وفى الباب} عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أدرك ركعة من الجمعة فَليُصلِّ اليها أخرى" قال النووى رواه الحاكم فى المستدرك من ثلاث طرق وقال أسانيدها صحيحة، ورواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقى وفي إسناده ضعف، ويغنى عنه حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" رواه البخارى ومسلم، وبهذا الحديث احتج مالك فى الموطأ والشافعى فى الأم وغيرهما، قال الشافعى معناه لم تفته تلك الصلاة، ومن لم تفته الجمعة صلاها ركعتين اهـ ج
(1610)
عن سيار بن المعرور {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سليمان بن داود ثنا سلام يعنى سلام يعنى أبا الأحوص عن سماك بن حرب عن سيار بن المعرور "الأثر"{غريبه} (3) يريد أن المسجد بنى صغيراً على قدر المهاجرين والأنصار، لأنه لم
-[مذاهب العلماء فيما تدرك به الجمعة]-
قومًا يصلُّون في الطَّريق فقال صلَّوا في المسجد (1)
يكن إذ ذاك بالمدينة إلا هؤلاء، فلما كانت الفتوحات وكثر الناس بالمدينة أمرهم عند شدة الزحام أن يسجد الرجل على ظهر أخيه للضرورة، والظاهر أن ذلك فى الجمعة كما أشار اليه ابن قدامة فى المغنى، وذلك لأن جماعتها لا تعوّض، ولاستماع الخطبة وفضل كثرة الجماعة، فكلما كثرت الجماعة ازداد فضلها، وربما أن عمر رضى الله عنه كان يرى اشتراط المسجد للجمعة والله أعلم (1) أى وان ترتب على ذلك سجودكم على ظهر إخوانكم {تخريجه} (ص. هق) قال النووى إسناده صحيح {الأحكام} أحاديث الباب تدل على جملة أحكام {منها} أن صلاة الجمعة ركعتان، دليل ذلك ما فى حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه من قوله "وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم" ولأنه نقْلُ الخلف عن السلف (قال ابن المنذر) أجمع المسلمون على أن صلاة الجمعة ركعتان، ونقل الأجماع أيضاً النووى وغيره {ومنها} أن من أدرك من الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى وكانت له جمعة، دليل ذلك حديث أبى هريرة المذكور فى الباب وروايته الأخرى المذكورة فى الشرح {قال النووى مذهبنا} أنه إن أدرك ركوع الركعة الثانية أدركها وإلا فلا؛ قال وبه قال أكثر العلماء حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب والأسود وعلقمة والحسن البصرى وعروة بن الزبير والنخعى والزهرى {ومالك والأوزاعى} والثورى وأبى يوسف {وأحمد وإسحاق} وأبى ثور، قال وبه أقول {وقال عطاء وطاوس ومجاهد ومكحول} من لم يدرك الخطبة صلى أربعاً، وحكى أصحابنا مثله عن عمر بن الخطاب {وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة} من أدرك التشهد مع الامام أدرك الجمعة فيصلى بعد سلام الأمام ركعتين وتمت جمعته، وحكى الشيخ أبو حامد عن هؤلاء أنه اذا أحرم قبل سلام الأمام كان مدركاً للجمعة حتى قال أبو حنيفة لو سلم الأمام ثم سجد للسهو فأدركه مأموم فيه أدركها، وحكى أصحابنا مثل مذهبنا أيضاًَ عن الشعبى وزفر ومحمد بن الحسن اهـ ج {قلت} احتج الأولون بحديثي أبى هريرة (أما عطاء وطاوس) ومن وافقها فانهم يقولون إن الجمعة إنما قصرت من أجل الخطبة، وسماع الخطبة شرط فى صحة الجمعة عندهم فلا تكون جمعة فى حق من لم يوجد فى حقه الشرط (وأما الحكم وحماد وأبو حنيفة) فقد احتجوا بحديث أبى هريرة مرفوعاً "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وقد تقدم الكلام عليه فى الباب الخامس، قالوا وهذا مطلق يشمل ما اذا أدركه بعد التشهد أو فى سجود السهو وهذا قول أبي حنيفة
-[كلام العلماء في حكم من زوحم فلم يمكنه السجود على الأرض]-
.....
وأبي يوسف {قلت} وخالفهما محمد فذهب الى ما ذهب اليه الأولون محتجاً بحديثى الباب والله أعلم بالصواب {ومنها} اذا اشتد الزحام فى صلاة الجمعة جاز للرجل أن يسجد على ظهر أخيه لأثر عمر بن الخطاب رضى الله عنه (قال ابن قدامة) فى المغنى ومتى قدر المزحوم على السجود على ظهر إنسان أو قدمه لزمه ذلك وأجزأه، قال احمد فى رواية أحمد بن هاشم يسجد على ظهر الرجل والقدم ويمكّن الجبهة والأنف فى العيدين والجمعة، وبهذا قال الثورى {وأبو حنيفة والشافعى} وأبو ثور وابن المنذر {وقال عطاء والزهرى ومالك} لا يفعل؛ قال مالك وتبطل الصلاة إن فعل، لقول النبى صلى الله عليه وسلم "ومكن جبهتك من الأرض" ولنا ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال "اذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر يظهر له مخالف فكان إجماعاً، ولأنه أتى بما يمكنه حال العجز فصح كالمريض يسجد على المرفقة، والخبر لم يتناول العاجز لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ولا يأمر العاجز عن الشيء بفعله اهـ {فائدة} الحكمة فى ذكر مسألة الزحام فى صلاة الجمعة أنها تفارق غيرها من الصلوات لأن الزحمة فيها أكثر، ولأن الجماعة شرط فيها بل اشترط بعض الأئمة صلاتها فى المسجد وأنها لا تصح إلا فيه، لهذا كانت صلاة من زوحم فسجد على ظهر أخيه جائزة لأنه اذا لم يكن كذلك لزم حرمانه من صلاتها ودين الله يسر (قال الشوكانى رحمه الله ذهب الهادى الى اشتراط المسجد، قال لأنها لم تقم إلا فيه {قلت والمالكية أيضاً} قال وقال أبو حنيفة والشافعى والمؤيد بالله وسائر العلماء إنه غير شرط، قالوا إذ لم يفصّل دليلها؛ قال فى البحر قلت وهو قوى إن صحت صلاته صلى الله عليه وسلم فى بطن الوادى؛ وقد روى صلاته صلى الله عليه وسلم فى بطن الوادى ابن سعد وأهل السير؛ ولو سلم عدم صحة ذلك لم يدل فعلها فى المسجد على اشتراطه اهـ (وقال الأمام ابن رشد) فى كتابه بداية المجتهد بعد أن ذكر شروط الجمعة واختلاف العلماء فيها قال، والسبب فى اختلافهم فى اشتراط الأحوال والأفعال المقترنة بها هو كون بعض تلك الأحوال أشد مناسبة لأفعال الصلاة من بعض، ولذلك اتفقوا على اشتراط الجماعة إذ كان معلوماً من الشرع أنها حال من الأحوال الموجودة فى الصلاة، ورأى المسجد شرطاً لكونه أقرب مناسبة، حتى لقد اختلف المتأخرون من أصحابه هل من شرط المسجد السقف أم لا؟ وهل من شرطه أن تكون الجمعة راتبة فيه أم لا؟ وهذا كله لعله تعمق فى هذا الباب ودين الله يسر، ولقائل أن يقول إن هذه لو كانت شروطاً فى صحة الصلاة لما جاز أن يسكت عنها عليه الصلاة والسلام ولا أن يترك بيانها لقوله تعالى
-[ما يستحب أن يقرأ به في صلاة الجمعة]-
(15)
باب ما يقرأ به فى صلاة الجمعة
(1611)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ فى صلاة الصُّبح يوم الجمعة الم تنزيل وهل أتى، وفى الجمعة سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون
(1612)
عن عبيد الله بن عبد الله أنَّ الضَّحَّاك بن قيسٍ سأل النُّعمان ابن بشيرٍ رضى الله عنه بم كان النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ فى الجمعة مع سورة الجمعة (1) قال هل أتاك حديث الغاشية
(1613)
عن عبيد الله بن أبى رافعٍ وكان كاتبًا لعلىٍّ رضي الله عنه قال كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة فاستخلفه مرَّةً فصلَّى الجمعة فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون، فلمَّا انصرف مشيت إلى جنبه
{لتبين للناس ما نزل إليهم} ولقوله تعالى {ولتبين لهم الذى اختلفوا فيه} والله المرشد اهـ
(1611)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن شعبة ثنا مُخوَّلٌ عن مسلم البَطِين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "الحديث"{تخريجه} (م. نس. وغيرهما)
(1612)
عن عبيد الله بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله "الحديث"{غريبه} (1) لفظ أبى داود والموطأ "ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة" والمعنى ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الجمعة فى الركعة الثانية على إثر سورة الجمعة التي كان يقرؤها فى الركعة الأولى، قال أبو عمر قوله على إثر سورة الجمعة يدل على أنه كان يقرؤها فلم يحتج الى السؤال عن ذلك لعلمه به، ويدل على أنه لو كان يقرأ معها شيئاً واحداً أبداً لعلمه كما علم سورة الجمعة، ولكنه كان مختلفاً فسأل عن الأغلب منه، أفاده الزرقانى على الموطأ {تخريجه} (م. لك. د. نس. جه. هق)
(1613)
عن عبيد الله بن أبى رافع {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن جعفر بن محمد قال حدثنى أبى عن عبيد الله بن أبي رافع "الحديث"
-[استحباب القراءة في الجمعة والعيدين بسبح وهل أتاك]-
فقلت أبا هرّ قرأت بسورتين قرأ بهما علىٌّ عليه السلام (1) قال قرأ بهما حبِّي أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم
(1614)
عن النُّعمان بن بشيرٍ رضى الله عنه أن نبيَّ الله صلى الله عليه وآله وسلم قرأ فى العيدين بسبِّح اسم ربِّك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعًا (2)(وعنه من طريقٍ ثانٍ)(3) عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقرأ فى صلاة الجمعة بسبِّح اسم ربِّك وهل أتاك حديث الغاشية، فربما اجتمع العيد والجمعة فقأ بهاتين السُّورتين
{غريبه} (1) لفظ مسلم وأبى داود "فقلت له إنك قرأت بسورتين كان علىّ بن أبى طالب يقرأ بهما فى الكوفة" وكأنه لمّا وجد أبا هريرة يقرأ بهما فى الجمعة أيضاً بالمدينة أدرك أنه لابد لهذا من سر، فأراد الوقوف عليه فسأل أبا هريرة عن ذلك فأجابه بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما، ففيه استحباب القراءة فى صلاة الجمعة بالسورتين المذكورتين {تخريجه} (م. د. نس. مذ. جه. هق)
(1614)
عن النعمان بن بشير {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن إبراهيم يعنى ابن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن أبيه عن النعمان بن بشير "الحديث" وفى آخره، قال أبو عبد الرحمن (يعنى عبد الله بن الأمام أحمد رحمهما الله) حبيب بن سالم سمعه من النعمان وكان كاتبه وسفيان يخطئ فيه يقول حبيب بن سالم عن أبيه وهو سمعه من النعمان {قلت} يعنى أن قوله فى السند عن حبيب بن سالم عن أبيه خطأ، والصواب عن حبيب بن سالم عن النعمان الخ {غريبه} (2) يعنى فى الصلاتين كل سورة فى ركعة كما جاء ذلك واضحاً فى رواية مسلم "قال واذا اجتمع العيد والجمعة فى يوم واحد يقرأ بهما فى الصلاتين" وإنما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما فى هاتين الصلاتين الجامعتين لما فيهما من التذكير بنعم الله تعالى وعظمته وكمال قدرته وما أكرم الله به عباده المتقين من الفور بجنات النعيم وما أعده للكافرين من العذاب الأكبر الأليم نعوذ بالله من ذلك (3){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثنى إبراهيم عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم "الحديث"{تخريجه} (م. د. نس. مذ. هق)
-[كلام العلماء فيما يستحب القراءة به في صلاة الجمعة]-
(1615)
عن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى الجمعة بسبِّح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية
(1615) عن سمرة بن جندب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى ابن سعيد عن شعبة ثنا معبد بن خالد عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب "الحديث"{تخريجه} (د. نس. هق) وسنده جيد وقال العراقى إسناده صحيح {وفى الباب} عن أبى هريرة رضى الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقرأ فى صلاة الجمعة بالجمعة فيحرض به المؤمنين، وفى الثانية بسورة المنافقين فيقرع به المنافقين" أورده الهيثمى وقال هو فى الصحيح باختصار، رواه الطبرانى فى الأوسط وإسناده حسن، ومحمد بن عمار هو الوازعى وهو شيخه عبد الصمد من أهل الرأى وثقهما ابن حبان اهـ {الأحكام} فى الحديث الأول من أحاديث الباب دليل على استحباب قراءة سورة الم تنزيل (المعروفة بسورة السجدة) فى الركعة الأولى من صبح يوم الجمعة، وسورة هل أتى فى الركعة الثانية (قال النووى) رحمه الله فيه دليل لمذهبنا ومذهب موافقينا فى استحبابهما فى صبح يوم الجمعة وأنه لا تكره قراءة آية السجدة فى الصلاة ولا السجود؛ ذكر مالك وآخرون ذلك (يعنى الكراهة) قال وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصريحة المروية من طرق عن أبى هريرة وابن عباس رضى الله عنهم اهـ {قلت} تقدم الكلام على حكم السجدة فى صبح يوم الجمعة وكلام العلماء فى ذلك فى أحكام (باب القراءة فى الصبح وصبح يوم الجمعة) صحيحفة 234 من الجزء الثالث فارجع اليه إن شئت {وفى الحديث أيضاً} استحباب قراءة سورة الجمعة فى الركعة الأولى من صلاة الجمعة، وسورة اذا جاءك المنافقون فى الركعة الثانية كاملتين فيهما كما كان يقرأهما النبى صلى الله عليه وسلم (قال النووى) وهو مذهبنا ومذهب آخرين من العلماء، والحكمة فى قراءة الجمعة اشتمالها على وجوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها وغير ذلك مما فيها من القواعد والحث على التوكل والذكر وغير ذلك، وقراءة سورة المنافقين لتوبيخ حاضريها منهم وتنبيههم على التوبة وغير ذلك مما فيها من القواعد، لأنهم ما كانوا يجتمعون فى مجلس أكثر من اجتماعهم فيها اهـ {وفى بعض أحاديث الباب} استحباب القراءة فى الركعة الأولى من صلاة الجمعة بسورة الجمعة، وفى الثانية بهل أتاك حديث الغاشية (وفى بعضها) فى الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفى الثانية بهل أتاك حديث الغاشية (قال العراقى) والأفضل من هذه الكيفيات قراءة الجمعة فى الأولى ثم المنافقين فى الثانية كما نص عيه الشافعى فيما رواه عنه الربيع (قال الشوكانى) قد ثبتت
-[مشروعية ركعتين بعد صلاة الجمعة]-
(16)
باب النفل بعد صلاة الجمعة وعدم وصلها بصلاة حتى يتكلم أو يخرج
(1616)
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يصلِّى بعد الجمعة ركعتين فى بيته
(1617)
عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه كان إذا انصرف من الجمعة انصرف إلى منزله فسجد سجدتين، وذكر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك
الأوجه الثلاثة فلا وجه لتفضيل بعضها على بعض إلا أن الأحاديث التي فيها لفظ كان مشعرة بأنه صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك فى أيام متعددة كما تقرر فى الأصول قال {وقال أبو حنيفة وأصحابه} ورواه ابن أبى شيبة فى المنصف عن الحسن البصرى أنه يقرأ الأمام بما شاء {وقال ابن عيينة} إنه يكره أن يتعمد القراءة فى الجمعة بما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم لئلا يجعل ذلك من سننها وليس منها، قال ابن العربى وهو مذهب ابن مسعود، وقد قرأ فيها أبو بكر الصديق بالبقرة؛ وحكى ابن عبد البر فى الاستذكار عن أبى اسحاق المروزى مثل قول ابن عيينة، وحكى عن أبى هريرة مثله، وخالفهم جمهور العلماء، وممن خالفهم من الصحابة علىّ وأبو هريرة، قال العراقى وهو قول {مالك والشافعى واحمد} بن حنبل وأبى ثور اهـ {قلت وذهبت الحنابلة} إلى التسوية بين الأوجه الثلاثة الواردة فى أحاديث الباب فى الاستحباب، ويقولون لو قرأ بأيها شاء فهو حسن، وفى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى {وقال مالك} أما الذى جاء به الحديث هل أتاك حديث الغاشية مع سورة الجمعة، والذى أدركت عليه الناس سبح اسم ربك الأعلى، وحكى عن أبى بكر عبد العزيز أنه يستحب أن يقرأ فى الثانية سبح، ولعله صار الى ما حكاه مالك أنه أدرك عليه الناس، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، ومهما قرأ به فجائز حسن، إلا أن الاقتداء به عليه الصلاة والسلام أحسن، ولأن سورة الجمعة تليق بالجمعة لما فيها من ذكرها والأمر بها والحث عليها اهـ والله أعلم
(1616)
عن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر "الحديث"{تخريجه} (ق. والأربعة وغيرهم)
(1617)
عن عبد الله بن دينار {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا عبد العزيز يعنى ابن مسلم ثنا عبد الله يعنى ابن دينار عن ابن عمر "الحديث"{تخريجه} (م. هق. والأربعة)
-[مشروعية أربع ركعات بعد صلاة الجمعة]-
(1618)
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى أحدكم الجمعة فليصلِّ بعدها أربع ركعاتٍ (1)
(1619)
وعنه أيضًا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّيتم الجمعة فصلَّوا أربعًا، فإن عجل (2) بك شيءٌ فصلِّ ركعتين، وركعتين إذا رجعت، قال ابن إدريس (3) ولا أدرى هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا (4)
(1618) عن أبي هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن عاصم ثنا سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (1) لفظ أبى داود والترمذى وهو أحد ألفاظ مسلم "من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً" وفى رواية لمسلم كلفظ حديث الباب، قال النووى نبَّه بقوله من كان منكم مصلياً على أنها سنة ليست بواجبة، وذكر الأربع لفضلها، وفَعَل الركعتين فى أوقات بياناً لأن أقلها ركعتان اهـ {تخريجه} (م. والأربعة. وغيرهم)
(1619)
وعنه أيضاً {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن إدريس قال سمعت سهيل بن أبى صالح يذكر عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (2) أى فان منعك مانع عن أداء الأربع معاً فى المسجد فصل ركعتين فى المسجد وركعتين فى المنزل اذا رجعت اليه (3) هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودى الزعافرى بفتح المعجمة والعين وكسر الفاء أبو محمد الكوفى أحد الأعلام عن أبيه وعمه داود وسهيل بن أبى صالح ويحيى بن سعيد الأنصارى وخلق، وعنه أحمد واسحاق وابن معين وعبد الله بن أبى شيبة وأبو حيثمة وزياد بن أيوب وخلق، قال ابن معين ثقة فى كل شئ، قال أبو حاتم ثقة حجة إمام من أئمة المسلمين، قال ابن سعد مات سنة اثنتين وتسعين ومائة (4) المعنى أن ابن إدريس الذى روى عنه الأمام أحمد هذا الحديث شك فى قوله "فان عجل بك أمر الى آخر الحديث" هل هو من كلام النبى صلى الله عليه وسلم أو من كلام بعض الرواة؟ وقد جاء فى رواية مسلم بسند حديث الباب ما يشعر بأنه من قول سهيل أحد الرواة، ولفظ مسلم هكذا حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعمرو الناقد قالا حدثنا عبد الله بن إدريس عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً، زاد عمرو فى روايته قال ابن إدريس قال سهيل فان عجل بك شيء فصل ركعتين فى المسجد وركعتين اذا رجعت"{تخريجه} (م) ورواه الأربعة الى قوله فصلوا أربعاً
-[استحباب الفصل بين الفرض والنافلة بخروج أو كلام]-
(1620)
عن السَّائب بن يزيد قال صلَّيت مع معاوية رضى الله عنه الجمعة فى المقصورة (1) فلمَّا سلَّم (2) قمت فى مقامى فصلَّيت، فلمَّا دخل (3) أرسل إلىَّ فقال لا تعد لما فعلت، إذا صلَّيت الجمعة (4) فلا تصلها بصلاةٍ حتَّى تتكلَّم أو تخرج، فإنَّ نبيَّ الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم أمر بذلك، لا توصل صلاةٌ بصلاةٍ حتَّى تخرج أو تتكلَّم (5)
(1620) عن السائب بن يزيد {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق وابن بكر قالا أنا ابن جريح قال أخبرنى عمرو بن عطاء بن أبى الخوار أن نافع بن جبير أرسله الى السائب بن يزيد بن أخت نمر يسأله عن شئ رآه منه معاوية فى الصلاة فقال نعم، صليت معه الجمعة فى المقصورة "الحديث"{غريبه} (1) قال فى القاموس المقصورة الدار الواسعة المحصنة أو هى أصغر من الدار كالقصارة بالضم ولا يدخلها إلا صاحبها اهـ والمراد هنا مقصورة المسجد، مكان يبنى فيه للمكبّرين والأمراء، قالوا وأول من عملها معاوية حين طعنه الخارجى، ثم استمر العمل عليها تحصيناً للأمراء، قال القاضى عياض وأجاز بعض المتأخرين اتخاذها وهو خطأ لتفريقها الصفوف وسترها الأمام عمن خلفه، وإنما عملت لعلة تحصين الأمراء، وأما لغير ذلك فلا تفعل، واختلف فى الصلاة فيها فأجاز الحسن والقاسم وسالم وغيرهم وصلوا فيها (وكرهها) ابن عمر والشعبى والشافعى وأحمد واسحاق، إلا أن اسحاق قال من صلى فيها أجزأه، وكان ابن عمر اذا أقيمت الصلاة وهو فيها خرج الى المسجد، وقيل هذا إن كانت مباحة، وأما المحجورة عن آحاد الناس فلا تجزئ الجمعة فيها لأنها خرجت بالحجز عن حكم الجامع المشترط اهـ (2) يعنى معاوية وفى لفظ لمسلم "فلما سلم الأمام" والمعنى واحد لأن معاوية كان هو الأمام (وقوله قمت فى مقامى) أى مكانى الذى صليت فيه الجمعة فصليت النافلة من غير فاصل بينها وبين الجمعة (3) أى فلما دخل معاوية بيته (4) ومثل الجعة غيرها من الصلوات المفروضة لأدلة أخرى تقدمت فى الباب السادس من أبواب الخروج من الصلاة بالسلام وما يتبع ذلك فى الجزء الرابع، وانما خص الجمعة هنا بالذكر لئلا يظن جاهل أن النافلة تكملة لها (5) فيه استحباب الفصل بين الفرض والنافلة بالخروج أو التحول من مكانه أو الكلام، وسيأتى بسط ذلك فى الأحكام {تخريجه} (م. د. هق){وفى الباب} عن نافع أن ابن عمر رآى رجلاً يصلى ركعتين يوم الجمعة فى مقامه فدفعه وقال أتصلى الجمعة أربعاً؟ وكان عبد الله يصلي يوم
-[مذاهب العلماء في عدد ركعات النفل بعد الجمعة]-
.....
الجمعة ركعتين فى بيته ويقول هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والبيهقى {وعن عطاء ابن عمر} رضى الله عنهما قال كان اذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعاً، واذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع الى بيته فصلى ركعتين ولم يصل فى المسجد؛ فقيل له فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، رواه أبو داود والبيهقى {وعن أبى عبد الرحمن السلمى} قال علّمنا ابن مسعود رضى الله عنه أن نصلى بعد الجمعة أربعاً، فلماذا قدم علينا علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه علّمنا أن نصلى ستاً، رواه سعيد بن منصور فى سننه {الأحكام} أحاديث الباب تدل على مشروعية التنقل بعد الجمعة وأن أقله ركعتان وأكثره أربع، وله أن يصليها كلها فى المسجد أو البيت، أو بعضها فى المسجد وبعضها فى البيت، ولكن فعلها فى البيت أفضل تأسياً بفعله صلى الله عليه وسلم ولحديث "أفضل الصلاة صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة" واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ركعتين فى البيت لا ينافى مشروعية الأربع، لأنه لا معارضة بين قوله صلى الله عليه وسلم الخاص بنا وفعله الذى لم يقترن بدليل خاص يدل على التأسى به فيه، وقد أمرنا بصلاة أربع كما فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه فعلينا الامتثال {وقد اختلف العلماء} فى الصلاة بعد الجمعة {فذهبت طائفة} إلى أنه يصلى بعدها ركعتين وهو مروى عن عمر وعمران بن حصين وحكاه الترمذى عن {الشافعى واحمد} قال العراقى لم يُرد الشافعى واحمد بذلك الا بيان أقل ما يستحب، وإلا فقد استحبا أكثر من ذلك، فنص الشافعى فى الأم على أنه يصلى بعد الجمعة أربع ركعات، ذكره فى باب صلاة الجمعة والعيدين، ونقل ابن قدامة عن احمد أنه قال إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين وإن شاء صلى أربعاً، وفى رواية عنه وإن شاء ستاً اهـ {وذهبت طائفة} الى أنه يصلى بعدها أربعاًوهو مروى عن ابن مسعود وعلقمة والنخعى وهو قول (أبى حنيفة وإسحاق){وذهبت طائفة} الى أنه يصلى بعدها ركعتين ثم أربعاً وهو مروى عن على وابن عمرو أبى موسى، وهو قول {عطاء والثورى وأبى يوسف} الا أنه أبا يوسف استحب أن يقدم الأربع قبل الركعتين، احتج الأولون بحديث ابن عمر، وحجة الطائفة الثانية حديث أبى هريرة، وحجة الطائفة الثالثة (ما رواه عطاء عن ابن عمر) رضى الله عنهما وتقدم فى الشرح، رواه أبو داود والبيهقى وسكت عنه أبو داود والمنذرى، وقال العراقى إسناده صحيح، ووجه قول أبى يوسف ما رواه الأعمش عن إبراهيم عن سليمان بن مسهر عن حرشة بن الحرّ أن عمر رضى الله عنه كره أن يصلى بعد صلاة مثلها {والحاصل} أن الذى ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ركعتان بعد الجمعة فعلاً وأربع قولاً، وأما الست فلم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم بحديث صحيح صريح، نعم ثبت عن ابن عمر رضى الله عنهما من فعله، ورى عن على أنه أمر بها (وأما حديث)
-[كلام العلماء في الأربع الركعات بعد الجمعة هل تكون متصلة أو منفصلة]-
(أبواب العيدين (*) وما يتعلق بهما من صلاة وغيرها)
(1)
باب سبب مشروعيتها واستحباب الغسل والتجمل لهما ومخالفة الطريق
(1621)
عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبي داود الذى أشرنا اليه آنفاً فقد قال العراقى ليس فيه علم ولا ظن أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل بمكة ذلك، وانما أراد رفع فعله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فحسب، لأنه لم يصح انه صلى الجمعة بمكة، وعلى تقدير وقوعه بمكة منه فليس ذلك فى أكثر الأوقات بل نادراً اهـ (قال الشوكانى) وقد اختلف فى الأربع الركعات هل تكو متصلة بتسليم فى آخرها أو يفصل بين كل ركعتين بتسليم؟ فذهب الى الأول اهل الرأى واسحاق بن راهويه وهو ظاهر حديث أبى هريرة (وذهب الى الثانى) الشافعى والجمهور كما قال العراقى، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "صلاة النهار مثنى مثنى" أخرجه أبو داود وابن حبان فى صحيحه وقد تقدم، والظاهر القول الأول لأن دليله خاص ودليل القول الآخر عام، وبناء العام على الخامن واجب، قال أبو عبد الله المازرى وابن العربى إن أمره صلى الله عليه وسلم لمن يصلى بعد الجمعة بأربع لئلا يخطر على بال جاهل أنه صلى ركعتين لتكملة الجمعة أو يتطرق أهل البدع الى صلاتها ظهراً (واختلف أيضاً) هل الأفضل فعل سنة الجمعة فى البيت أو فى المسجد فذهب الى الأول {الشافعى ومالك واحمد} وغيرهم واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح "أفضل الصلاة صلاة المرء فى بيته إلا المكتوبة" وأما صلاة ابن عمر فى مسجد مكة فقيل لعله كان يريد التأخر فى مسجد مكة للطواب بالبيت فيكره أن يفوته بمضيه الى منزله لصلاة سنة الجمعة، أو أنه يشق عليه الذهاب الى منزله ثم الرجوع إلى المسجد للطواب، أو أنه كان يرى النوافل تضاعف بمسجد مكة دون بقية مكة، أو كان له أمر متعلق به اهـ {وفي حديث معاوية رضى الله عنه} دليل على استحباب الفصل بين النافلة والفريضة بكلام أو انتقال (قال النووى) يستحب أن يتحول لها عن موضع الفريضة الى موضع آخر، وأفضله التحول الى بيته وإلا فموضع آخر فى المسجد أو غيره ليكثر مواضع سجوده؛ ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة (وقوله حتى تتكلم) دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام أيضاً ولكن بالانتقال أفضل لما ذكرناه والله اعلم اهـ
(1621)
عن أنس بن مالك {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا ابن
_________
(*) العبد مشتق من العود وهو الرجوع والمعاودة لأنه يتكرر وهو من ذوات الواو وكان اصله عوداً بكسر العين فقلبت الواو كالميقات والميزان من الوقت والوزن وجمعه اعياد، قالوا وانما جمع بالياء وان كان اصله الواو للزومها فى الواحد، قال الجوهرى وقيل للفرق بينه وبين اعواد الخشب نووى ج
-[سبب مشروعية العيدين وكراهة تشبه المسلمين بغيرهم في أعيادهم]-
المدينة (1) ولهم يومان يلعبون فيهما (2) فى الجاهليَّة فقال إنَّ الله تبارك وتعالى قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الفطر ويوم النَّحر (3)
(1622)
ز عن عبد الرَّحمن بن عقبة بن الفاكه عن جدِّه الفاكه بن
أبي عدي عن حميد عن أنس "الحديث"{غريبه} (1) يعنى أول قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة بعد ما هاجر من مكة (2) قيل هما يوما النيروز والمهرجان، والنيروز هو أول يوم تتحول فيه الشمس إلى برج الحمل ويكون عادة في شهر برمهات من الأشهر القبطية، وهو أول السنة الشمسية كما أن غرة المحرم أول السنة القمرية، والمهرجان أول يوم تتحول فيه الشمس إلى برج الميزان كما يظهر من مقابلته بالنيروز، ويكون عادة فى شهر توت من الأشهر القبطية أيضاً، وهما يومان معتدلان في الهواء والحرارة والبرودة، ويستوى فيهما الليل والنهار، قيل اختارهما الحكماء المتعلقون بالهيئة اللعيد في أيامهم وقلدهم أهل زمانهم فجاء الشرع بهدم ذلك وغبطاله، وأفاده صاحب التنقيح (3) أى لأن يومى الفطر والنحر بتشريع الله تعالى واختياره لخلقه ولأنهما يعقبان أداء ركنين عظيمين من أركان الإسلام وهما الحج والصيام، وفيهما يغفر الله للحجاج والصائمين وينشر رحمته على جميع خلقه الطائعين، أما النيروز والمهرجان فانهما باختيار حكماء ذاك الزمان لما فيهما من اعتدال الزمن والهواء ونحو ذلك من المزايا الزائلة؛ فالفرق بين الميزيتين ظاهر لمن تأمل ذلك، وسمى اليوم الأول يوم الفطر لكونه أول يوم يفطر الصائمون كما سمى اليوم الثانى بيوم النحر لأنه تنحر فيه الضحايا تقرباً الى الله عز وجل (وفي الشرح الكبير للرافعى) يروى أن أول عيد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الفطر من السنة الثانية من الهجرة ولم يزل يواظب على العيدين حتى فارق الدنيا، ولم يصلها بمنى لأنه كان مسافراً كما لم يصل الجمعة اهـ قال الحافظ في التلخيص لم أره في حديث لكن اشتهر في السير أن أول عيد شرع عيد الفطر وأنه في السنة الثانية من الهجرة والباقى كأنه مأخوذ من الاستقراء، وقد احتج أبو عوانة الاسفرايينى في صحيحه بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل العيد بمنى بحديث جابر الطويل فان فيه أنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة ثم أتى المنحر فنحر ولم يذكر الصلاة، وذكر المحب الطبرى عن إمام الحرمين أنه قال يصلى بمنىً، وكذا ذكره ابن حزم في حجة الوداع واستنكر ذلك منه اهـ {قلت} حديث جابر الذي أشار اليه الحافظ سيأتى بطوله في باب صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج إن شاء الله تعالى {تخريجه} (د. نس. مذ. هق. ك)
(1622)
"ز" عن عبد الرحمن بن عقبة {سنده} حدثنا عبد الله حدثني قال
-[إستحباب الغسل والتجمل بالثياب الحسنة للعيدين]-
سعدٍ رضي الله عنه وكان له صحبةٌ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يغتسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم الفطر ويوم النَّحر، قال وكان الفاكه ابن سعدٍ يأمر أهله بالغسل فى هذه الأيَّام
(1623)
عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّ عمر رأى حلَّة سيراء (1) أو حريرٍ تباع، فقال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لو اشتريت هذه تلبسها يوم الجمعة أو للوفود (2)
حدثني نصر بن علي قال ثنا يوسف بن خالد قال ثنا يوسف بن جعفر الخطمى عن عبد الرحمن بن عقبة بن الفكه "الحديث"{تخريجه} الحديث رواه البزار والبغوى وابن قانع، وفي إسناده يوسف بن خالد السمتى متروك، وكذبه ابن معين وأبو حاتم، وله شاهدان أحدهما عند ابن ماجه عن ابن عباس والثانى عند البزار عن أبى رافع وإسناداهما ضعيفان، لكن روى مالك عن نافع أن ابن عمر رضى الله عنهما كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو الى المصلى، ورواه الأمام الشافعى وغيره عن مالك أيضاً وسنده صحيح، وفي الباب آثار صحيحه عن الصحابة قال في البدر المنير أحاديث غسل العيدين ضعيفة وفيه آثار عن الصحابة جيدة اهـ
(1623)
عن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن عبيد الله أخبرنى نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما "الحديث"{غريبة} (1) بكسر السين المهملة بعدها مثناة تحتيه ثم راء مهملة ثم ألف ممدودة، قال في القاموس كعنباء نوع من البرود فيه خطوط صفراء يخالطه حرير، والذهب الخالص اهـ قال الخطابى هى برود مضلعة بالقز وكذا قال الخليل ولاأصمعى وأبو داود، وقال آخرون انها شبهت خطوطها بالسيور، وقيل هى مختلفة الألوان قاله الأزهرى؛ وقيل هيى وشيء من حرير قاله مالك، وقيل هى حرير محض، وقال ابن سيده إنها ضرب من البرود، وقال الجوهريى إنها ما كان فيه خطوط صفر، وقيل ما يعمل من القز، وقيلى ما يعمل من ثياب اليمن، وقد روى تنوين الحلة وإضافتها، والمحققون على الأضافة، قال القرطبي كذا قيد عمن يوثق بعلمه، فهو على هذا من باب إضافة الشيء إلى صفته على أن سيبوبه قال لم يأت فعلاء صفة (ولفظ أو) في قوله أو حرير للشك أو للتنويع، لأن السيراء نوع من الحرير وقد جاء في الصحيحين بدون لفظ "أو حرير"(وفيه)"إنما يلبس الحرير من لا خلاق له في الآخرة" فهذا يدل على أن السيراء نوع من الحرير المحرم استعماله للرجال (2) في رواية الشيخين "فقال يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد
-[استحباب الخروج إلى العيدين من طريق والرجوع من طريق أخرى]-
قال إنَّما يلبس هذه من لا خلاق له (1)
(1624)
وعنه أيضًا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج إلى العيدين من طريق ويرجع من طريقٍ أخرى (2)
(1625)
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيدين رجع فى غير الطَّريق الَّذي خرج فيه
والوفد" وهذه الرواية تناسب ترجمة الباب (1) الخلاق النصيب؛ والمعنى إنما يلبس هذه من لا نصيب له في الآخرة كما يستفاد من رواية الشيخين {تخريجه} (ق. وغيرهما}
(1624)
وعنه أيضاً {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون بن معروف قال أبو عبد الرحمن وسمعته أنا من هارون بن معروف ثنا ابن وهب حدثنى عبد الله بن عمرو عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (2) ذكر العلماء في الحكمة في مخالفة الطريق أقوالاً كثيرة، فقيل ليسلّم على أهل الطريقين، وقيل لينال بركته الفريقان، وقيل ليقضى حاجة من له حاجة منهما؛ وقيل ليظهر شعائر الاسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الاسلام وأهله وقيام شعائره، وقيل لتكثر شهادة البقاع، فان الذاهب الى المسجد والمصلىَّ إحدى خطوتيه ترفع درجة، والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع الى منزله، وقيل وهو الأصح إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التى لا يخلو فعله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عنها؛ أفاده ابن القيم في الهدى {تخريجه} (د. جه. ك. هق) وسنده جيد.
(1625)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يونس بن محمد ثنا فليح عن سعيد بن الحارث عن أبى هريرة "الحديث"{تخريجه} (هق. مى. مذ) وقال حديث أبى هريرة حديث حسن غريب {قلت} ويعضده حديث ابن عمر وحديث جابر عند البخارى بلفظ "كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا كان يوم عيد خالف الطريق"{الأحكام} أحاديث الباب تدل على جملة أحكام {منها} مشروعية العيدين وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة كما تقدم، وفي حديث أنس إشارة الى عدم التشة بالمشركين في أعيادهم، وقد ورد ذم التشبه بهم صريحاً مطلقاً عند الأمام أحمد وأبى داود والطبرانى في الكبير عن ابن عمر رضى الله عنهما مرفوعاً "من تشبه بقوم فهو منهم" قال العراقى سنده صحيح، وله شاهد عند البزار عن حذيفة وأبى هريرة، وعند أبي نعيم في تاريخ
-[كلام العلماء في التجمل للعيدين وعدم التشبه بالمشركين في أعيادهم]-
.....
أصبهان عن أنس، وعند اللقضاعى عن طاوس مرسلاً وصححه ابن حبان، والغرض من ذلك تنفير المسلمين عن موافقة أهل الكتاب في كل ما اختصوا به، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود إن محمداً يريد أن لا يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه؛ لكن المسلمون الآن قد خالفوا هدى نبيهم وتشبهموا بأهل الكتاب في عاداتهم وأعيادهم؛ خصوصاً اليوم الذى يسمونه شم النسم حيث يحتفل به المسلمون في مصر ويتخذونه عيداً ويوم عطلة رسمية ويستعدون له أكثر مما يستعد له أهل الكتاب، فهذا منكر لا يرضى الله ولا رسوله ولا يجوز فعله لمسلم، ولم يقتصروا على هذا بل تشهبوا بهم في كل شيء ضار، ولو أخذنا نذكر ذلك لطال بنا المقام، ومن أراد الزيادة فعليه بكتاب المدخل لابن الحجاج رحمه الله فقد وفىَّ الموضوع حقه، والله نسأل أن يرشد هذه الأمة الى التيقظ من سباتها والاهتداء بهدى نبيها صلى الله عليه وسلم {وفي أحاديث الباب أيضاً} ماي ستدل به على استحباب الغسل للعيدين وإن كان الحديث ضعيفاً، لكن ثبت فعله عن كثير من الصحابة (قال الحافظ ابن القيم في الهدى) وكان صلى الله عليه وسلم يغتسل للعيدين؛ صح الحديث فيه؛ وفيه حديثان ضعيفان، حديث ابن عباس من رواية جبارة بن مغلس، وحديث الفاكه بن سعد من رواية يوسف بن خالد السمتى، ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه اهـ {قلت} وباستحبابه قال جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة {أبو حنيفة ومالك والشافعى واحمد} وثبت فعله عن كثير من الصحابة والتابعين {ومنها} استحباب التجمل للعديين بالثياب الحسنة الجميلة لما قدمنا من رواية البخارى من قول عمر رضى الله عنه يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد، ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية التجمل للعيد تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للعيد وقصر الأنكار على من لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريراً، وقال الداودى ليس في الحديث دلالة على ذلك، وأجاب ابن بطال بأنه كان معهوداً عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة وتبه ابن التين، والاستدلال بالتقرير أولى، أفاده الشوكانى {قلت} وفي الباب عن ابن عباس رضى الله عنهما قال "كان رسول الله صلى الله يلبس يوم العيد بردة حمراء" أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى في الأوسط ورجاله ثقات اهـ {وفي الباب} أيضاً عن جابر عند ابن خزيمة أن النبى صلى الله علهي وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيدين وفي الجمعة {وفي مسند الشافعى} عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده "أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد" فهذه الأحاديث مع ما ثبت من الآثار تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتجمل للعيد بالثياب الحسنة (قال الحافظ ابن القيم في الهدى) وكان صلى الله عليه وسلم يلبس للخروج اليهما (يعنى العيدين) أجمل ثيابه وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بردين أخضرين ومرة بردا أحمر
-[إستحباب المشي إلى العيدين والتطيب لهما بأجود الطيب]-
....
ليس هو أحمر مصمتاً كما يظنه بعض الناس، فانه لو كان كذلك لم يكن برداً، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمى أحمر باعتبار ما فيه من ذلك، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من غير معارض النهي عى لبس المعصفر والأحمر؛ وأمر عبد الله بن عمر لمَّا رآى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبسه، والذى يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر أو كراهيته كراهية شديدة اهـ {ومنها} استحباب مخالفة الطريق بحيث يخرج اليهما من طريق ويرجع من أخرى، وتقدم كلام العلماء في الحكمة في ذلك، وبه قال كافة العلماء فيما أعلم والله الموفق {فائدة} أورد صاحب المنتقى حديثاً عن على رضى الله عنه أنه قال "من السنة أن يخرج الى العيد ماشياً وأن يأكل شيئاً قبل أن يخرج" رواه الترمذى وقال حديث حسن اهـ (قال النووى) ليس هو حسناً ولا يقبل قول الترمذى في هذا، فان مداره على الحارث الأعور واتفق العلماء على تضعيفه، قال الشعبى وغيره كان الحارث كذاباً اهـ ج {قلت} الحديث أولد الشوكانى له شواهد عن ابن عمر وسعد القرظ وأبى رافع ثلاثتهم عند ابن ماجه، وعن سعد بن أبى وقاص عند البزار وكلها لا تخلو من مقال، وقال في شرحه "قوله من السنة أن لا يخرج ماشياً" فيه مشروعية الخروج الى صلاة العيد والمشى اليها وترك الركوب، وقد روى الترمذى ذلك عن أكثر أهل العلم، وحديث الباب وإن كان ضعيفاً فما ذكرنا من الأحاديث الواردة بمعناه تقوية وهذا حسنه الترمذى، وقد استدل العراقى لاستحباب المشى في صلاة العيد بعموم حديث أبى هريرة المتفق عليه "أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون" فهذا عام في كل صلاة تشرع فيها الجماعة الصلوات الخمس والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء، قال وقد ذهب أكثر العلماء إلى أنه يستحب أن يأتى الى صلاة العيد ماشياً، فمن الصحابة عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب، ومن التابعين ابراهيم النخعى وعمر بن عبد العزيز، ومن الأئمة سفيان الثورى {والشافعى وأحمد} وغيرهم، وروى عن الحسن البصرى أنه كان يأتى صلاة العيد راكباًن ويستحب أيضاً المشى في الرجوع كما فى حديث ابن عمر وسعد القرظ ولفظه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الى العيد ماشياً ويرجع ماشياً" وروى البيهقى في حديث الحارث عن علىّ أنه قال "من السنة أن تأتي العيد ماشياً ثم تركب اذا رجعت" قال العراقى وهذا أمثل من حديث ابن عمر وسعد القرظ، وهو الذى ذكره أصحابنا يعنى الشافعية اهـ {قلت} ويستحب أيضاً للرجال التجمل للعيدين بالطيب وكل رائحة طيبة لما رواه الحسن بن على رضى الله عنهما "قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتطيب بأجود ما نجد في العيد" أورده الحافظ في التلخيص وقال رواه الطبرانى في الكبير والحاكم في المستدرك وفضائل الأوقات للبيهقى من طريق إسحاق بن بزرج عن الحسن، وقيل عن إسحاق عن زيد عن الحسن،
-[مشروعية خروج النساء وذوات الخدور إلى العيدين]-
(2)
باب مشروعية خروج النساء إلى العيدين
(1626)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج فى العيدين ويخرج أهله
(1627)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بناته ونساءه أن يخرجن فى العيدين
(1628)
عن عائشة رضى الله عنها قالت قد كانت تخرج الكعاب (1) من خدرها (2) لرسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله
وإسحاق مجهول قاله الحاكم وضعفه الأزدى، وذكره ابن حبان في الثقات اهـ والله اعلم
(1626)
عن جابر بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا عبد الواحد ثنا حجاج عن عطاء عن جابر "الحديث"{تخريجه} أورده الهيثمى وقال رواه احمد وفيه الحجاج بن أرطأة وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ {قلت} الحجاج بن أرطأة هو النخعى أبو أرطأة الكوفى قاضى البصرة، أحد الأعلام عن يحيى بن أبى كثير ولم يسمع منه والشعى وعطاء وعكرمة، وعنه منصور بن المعتمر شيخه وشعبه وعبد الرزاق وخلق، قال أبو حاتم اذا قال حدثنا فهو صالح لا يرتاب في حفظه وصدقه، قال ابن معين صدوق يدلس، وقال أيضاً هو والنسائى ليس بالقوى، روى له مسلم مقروناً بغيره مات سنة سبع وأربعين ومائة (خلاصة)
(1627)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حفص ثنا حجاج عن عبد الرحمن بن عابس عن ابن عباس "الحديث"{تخريجه} (جه) وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وقد علمت ما فيه، ورواه الطبرانى من وجه آخر
(1628)
عن عائشة رضى الله عنها {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على قال أنا خالد عن أبى قلابة عن عائشة "الحديث"{غريبه} (1) الكعاب بالفتح المرأة حين يبدو ثديها للنهود أى للارتفاع، يقال نهَد الثدى اذا ارتفع عن الصدر وصار له حجم، ويقال لها كاعب أيضاً وجمعها كواعب (2) الخدر بكسر الخاء المعجمة ناحية في البيت يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية البكر والجمع خدور؛ ويطلق الخدر على البيت إن كان فيه امرأة وإلا فلا، وأخدرت الجارية لزمت الخدر وأخدرها أهلها يتعدى ولا
-[مشروعية خروج النساء وذوات الخدور إلى العيدين]-
وصحبه وسلَّم فى العيدين
(1629)
عن أخت عبد الله بن رواحة (1) الأنصاريَّ رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال وجب (2) الخروج على كلِّ ذات نطاقٍ (3)
(1630)
عن هشامٍ عن حفصة بنت سيرين عن أمِّ عطيَّة رضى الله عنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبى وأمِّى أن نخرج العواتق (4) وذوات
يتعدى وخدّروها بالتثقيل أيضاً بمعنى ستروها وصانوها عن الامتهان والخروج لقضاء حوائجها {تخريجه} (ش) وأورده الهيثمى وقال رواهن أحمد ورجاله رجال الصحيح
(1629)
عن أخت عبد الله بن رواحة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن محمد بن النعمان قال سمعت طلحة الأيامى يحدث، ويحيى ابن سعيد عن شعبة قال أخبرنى محمد ابن النعمان عن طلحة بن مصرف عن امرأة من بنى عبد القيس عن أخت عبد الله بن رواحة "الحديث"{غريبه} (1) اسمها عمرة بنت رواحة الأنصارية وهي امرأى بشر بن سعد والد النعمان وهى التى سألت بشيراً أن يخص ابنها منه بعطية دون إخوته فردَّ النبى صلى الله عليه وسلم ذلك والحديث في الصحيحين؛ قاله الحافظ في الأصابة ولم يبين مَن ابنُها، والحديث الذى أشار اليه الحافظ رواه الأمام احمد أيضاً، وسيأتى (باب ما جاء في التعديل بين الأولاد في العطية) من كتاب الهبة والهدية إن شاء الله تعالى؛ وفيه التصريح بأن ابنها هو النعمان بن بشير (2) معناه وجوب اختيار واستحباب، دون وجوب الفرض كما قيل في غسل الجمعة، والغرض منه التأكيد (3) زاد أبو يعلى "في العيدين"(وقوله ذات نطاق) هذا على عادة نساء العرب من لبس النطاق، قال في النهاية جمعه مناطق وهو أن تلبس المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشيء وترفع وسط ثوبها وترسله على الأسفل عند معاناة الأشغال لئلا تعثر في ذيلها اهـ {تخريجه} أورده الهيثمى وقال رواه احمد وأبو يعلى وزاد يعنى في العيدين، والطبراني في الكبير وفيه امرأة تابعية لم يذكر اسمها اهـ {قلت} حسنه المناوى والحافظ السيوطي والله اعلم
(1630)
عن هشام عن حفصة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا هشام ويزيد انا هشام عن حصفة "الحديث"{غريبه} (4) جمع عاتق وهى المرأة الشابة أول ما تدرك، وقيل هى التى لم تبن من والديها ولم تتزوج بعد إدراكها
-[إستحباب خروج الحيض من النساء للتكبير مع الناس وسماع الخطبة]-
الخدور والحيَّض (1) يوم الفطر ويوم النَّحر، فأمَّا الحيَّض فيعتزلن المصلَّى (2) ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قال قيل أرأيت إحداهن لا يكون لها جلبابٌ (3) قال فلتلبسها أختها من جلبابها (4)
وقال ابن دريد هى التى قاربت البلوغ (1) جمع حائض كراكع وركّع، وهى المرأة في زمن الحيض (2) في رواية لمسلم عن أم عطية قالت "كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبّأة والبكر قالت الحيّض يخرجن فيكنّ خلف الناس يكبرن مع الناس"(وقوله يشهدن الخير ودعوة المسلمين) أى يكبرن بتكبيرهم ويدعين بدعائهم ولا يصلين، وفيه جواز ذكر الله تعالى للحائض والجنب وإنما يحرم عليها القرآن (3) قيل هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار وهيى المِقنعة بكسر الميم تغطى بها المرأة رأسها، وقيل هى ثوب واسع دون الرداء تغطى به صدرها وظهرها، وقيل هو كالملاءة والملحفة، وقيل هو الأزار وقيل الخمار (4) يعنى لتلبسها شيئاً من ثيابها لحضور العيد، فالأضافة في قوله من جلبابها للجنس، ويحتمل أن يكون المراد أن تشركها معها في لبس ثوبها الذى عليها فتجعل منه طرفاً عليها، وهذا لا يتأتى إلا في الثوب الواسع كالملاءة والملحفة والأول أقرب، وفي هذا مبالغة في الحث على خروجهن للعيد {تخريجه} (ق. هق. مى. والأربعة) وأورد الهيثمى في الباب {عن ابن عمر رضى الله عنهما} قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس للنساء نصيب في الخروج إلا مضطرة يعنى ليس لها خادم إلا في العيدين الأضحى والفطر، وليس لهن نصيب في الطريق إلا الحواشى" رواه الطبراني في الكبير وفيه سوار بن مصعف وهو متروك الحديث {وعن أم المؤمنين عائشة} رضى الله عنها قالت "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تخرج النساء في العيد؟ قال نعم، قيل فالعواتق قال نعم، فان لم يكن لها ثوب تلبسه فلتلبس ثوب صاحبتها" رواه الطبرانى في الأوسط وفيه مطيع بن ميمون؛ قال ابن عدى له حديثان غير محفوظين، وقال ابن المدينى ثقة {وعن عقبة بن عبد الله بن عمرو} قال حديثنى أبى عن جدى قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عيد فقال ادعو لى سيد الأنصار فدعوا أبىّ بن كعب فقال يا أبىّ ائت المصلى فأمر بكنسه وأمر الناس فليخرجوا، فلما بلغ الباب رجع فقال يا رسول الله والنساء؟ فقال والعواتق والحيّض يكنّ في الناس يشهدن الدعوة، رواه الطبرانى في الكبير وفيه يزيد بن شداد الهمامى مجهول، وكذلك عتبة بن عبد الله بن عمرو بن العاص مجهول، وهذه الأ؛ اديث وإن كانت ضعيفة لكنها تعتضد بأحاديث الباب {الأحكام} أحاديث الباب تدل على مشروعية خروج النساء جميعاً الى العيدين الأضحى والفطر صغيرتهن وكبيرتهن
-[مذاهب العلماء في خروج النساء إلى العيدين]-
(3)
باب استحباب الأكل قبل الخروج
فى الفطر دون الأضحى - والكلام على وقت الصلاة فيهما
(1631)
عن ابن جريحٍ أنبأنا عطاءٌ أنَّه سمع ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال إن استطعتم أن لا يغدو أحدكم يوم الفطر حتَّى يطعم فليفعل،
بكراً كانت أو ثيباً حتى الحائض منهن إلا أنها لا تصلى، أما المعتدة والتى يكون في خروجها فتنة فلا يخرج لأدلة أخرى، قال الشوكانى {وقد اختلف العلماء} في ذلك على أقوال (أحدها) أنه مستحب وحملوا الأمر فيه على الندب ولم يفرقوا بين الشابة والعجوز، وهذا قول أبى حامد من الحنابلة والجرجانى من الشافعية وهو ظاهر إطلاق الشافعى (الثانى) التفرقة بين الشابة والعجوز، قال العراقي وهو الذي عليه جمهور الشافعية تبعاً لنص الشافعي في المختصر (الثالث) أنه جائز غير مستحب لهن مطلقاً، وهو ظاهر كلام الأمام أحمد فيما نلقه عنه ابن قدامة (الرابع) أنه مكروه، وقد حكاه الترمذى عن الثورى وابن المبارك وهو قول مالك وأبى يوسف، وحكاه ابن قدامة عن النخعى ويحيى بن سعيد الأنصارى، وروى ابن أبى شيبة عن النخعى أنه كره للشابة أن تخرج الى العيد (الخامس) أنه حق على النساء الخروج إلى العيد، حكاه القاضى عياض عن أبى بكر وعلىّ وابن عمر، وقد روى ابن أببى شيبة عن أبى بكر وعلىّ أنهما قالا حقٌّ على كل ذات نطاق الخروج الى العيدين اهـ والقول بكراهة الخروج على الاطلاق ردٌّ للأحاديث الصحيحة بالآراء الفاسدة وتخصيص الشواب يأباه صريح الحديث المتفق عليه وغيره اهـ {وحكى النووى} عن الأمام الشافعى وأصحابه رحمهم الله استحباب خروج النساء العجائز اللاتي لا يشضتهين لصلاة العيد، ويستحب أن يخرجن في ثياب بذلة ولا يلبسن ما يشهرهن، ويستحب أن يتنظفن بالماء ويكره لهن التطيب، أما الشابة وذات الجمال ومن تشتهى فيكره لهن الحضور لما في ذلك من خوف الفتنة عليهن وبهن، قال وهذا هو المذهب المنصوص وبه قطع الجمهور {فان قيل} هذا مخالف حديث أم عطية المذكور {قلنا} ثبت في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت "لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بنى إسرائيل ولأ، الفتن وأسباب الشر في هذه الأعصار كثيرة بخلاف العصر الأول والله أعلم (قال الشافعى في الأم) أحب شهود النساء العجائز وغير ذوات الهيئات الصلاة، وأنا لشهودهن الأعياد أشد استحباباً منى لشهودهن غيرها من الصلوات المكتوبات اهـ بتصرف واختصار ج
(1631)
عن ابن جريج {سنده} حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق
-[إستحباب الأكل قبل الخروج لعيد الفطر وتأخيره بعد صلاة عيد الأضحى]-
قال فلم أدع أن آكل (1) قبل أن أغدو منذ سمعت ذلك من ابن عبَّاس فآكل من طرف الصَّريقة (2) الأكلة أو أشرب اللَّبن أو الماء، قلت فعلام يؤوَّل هذا؟ قال سمعه أظنٌّ عن النَّبى صلى الله عليه وآله وسلم، قال كانوا لا يخرجون حتَّى يمتدَّ الضُّحى فيقولون نطعم لئلَاّ نعجل عن صلاتنا
(1632)
عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يفطر يوم الفطر قبل أن يخرج، وكان لا يصلِّى قبل الصَّلاة، فإذا قضى صلاته صلَّى ركعتين
أنا ابن جريج "الحديث"{غريبه} (1) القائل هو عطاء الراوى عن ابن عباس (2) الصريقة بالقاف بوزن الطريقة الرقاقة وجمعها صُرُق وصرائق كطرق وطرائق، قال في النهاية روى الخطابى في غريبه عن عطاء أنه كان يقول لا أغدو حتى آكل من طرف الصريفة وقال هكذا رو بالفاء وإنما هو بالقاف اهـ (وقوله الأكلة) بضم الهمزة اللقمة وبفتحها المرة من الأكل يريد أنه يتناول شيئاً قليلاً من الخبز أو اللبن أو الماء (وقوله فعلام يؤوّل هذا) معناه أن ابن جريج قال لعطاء فعلام يؤول قول ابن عباس هل هو من قوله أو من قول النبى صلى الله عليه وسلم؟ فقال عطاء أظن أنه سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم (وقوله كانوا لا يخرجون) هو جواب عن سؤال مقدر تقديره "ما الحكمة في اتسحباب الأكل قبل الخروج لصلاة عيد الفطر؟ " فقال كانوا لا يخرجون الخ، وفيه استحباب تأخير الخروج لصلاة عيد الفطر أيضاً، وسيأتى في أحكام الباب ما يعضد ذلك والله أعلم {تخريجه} أورده الهيثمى وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح والطبرانى
(1632)
عن أبى سعيد الخدرى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زكريا بن عدى أنا عبيد الله عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى "الحديث"{تخريجه} (عل. بز} وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل تكلم فيه قوم ووثقه آخرون وتوثيقه أرجح، ورواه الطبرانى في الأوسط ولفظه "ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم يوم الفطر قبل أن يغدو ويأمر الناس بذلك، قال الهيثمى في إسناده الواقدى وفيه كلام كثير اهـ
-[إستحباب أكل التمر وترًا قبل الغدو إلى الفطر - والأكل في الأضحى من كبد الضحية]-
(1633)
عن أنس بن مالكٍ رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الفطر لم يخرج حتَّى يأكل تمراتٍ يأكلهن أفرادًا (1)(وفي لفظٍ وترًا)
(1634)
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه (بريدة الأسلميِّ رضي الله عنه قال كان النّّبيُّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يوم الفطر لا يخرج حتَّى يطعم ويوم النَّحر لا يطعم حتَّى يرجع (وعنه من طريقٍ ثانٍ (2) بنحوه وفيه) ولا يأكل يوم الأضحى حتَّى يرجع فيأكل من أضحيته (3)
(1635)
عن عبد الله بن أبى بكر بن أنس قال سمعت أنس بن مالكٍ رضى الله عنه يقول ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم فطرٍ قطُّ حتَّى يأكل تمراتٍ، قال وكان أنسٌ يأكل قبل أن يخرج ثلاثًا، فإن أراد أن يزداد أكل خمسًا، فإن أراد أن يزداد أكل وترًا
(1633) عن أنس بن مالك {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حرَمىّ ابن عمارة قال حدثنى مرَجَّى بن رجاء عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك "الحديث"{غريبه} (1) أى وتراً كما فسرها اللفظ الآخر، وأصرح من هذا لفظ الاسماعيلى وابن حبان والحاكم "ما خرج يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أقل من ذلك أو أكثر وتراً" وهى أصرح في المداومة على ذلك {تخريجه} (خ. حب. ك. هق)
(1634)
عن عبد الله بن بريدة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عبيدة الحداد ثنا ثواب بن عتبة عن عبد الله بن بريدة "الحديث"(2) وعنه من طريق ثان الخ {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عقبة بن عبد الله الرفاعى حدثنى عبد الله بن بريدة عن أبيه "الحديث"{غريبه} (3) عند البيهقى "واذا رجع أكل من كبد أضحيته"{تخريجه} (مذ. جه) بنحو الطريق الأولى منه، وأ خرجه بنحو الطريق الثانية (هق. حب. ك. قط) وصححه ابن القطان
(1635)
عن عبد الله بن أبى بكر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا على بن عاصم أنا عبد الله بن أبى بكر بن أنس "الحديث"{تخريجه} (خ) XXX
-[كلام العلماء في تعجيل الأكل في عيد الفطر وتأخيره في الأضحى]-
.....
ك. هق) الى قوله حتى يأكل تمرات، ولم أقف على هذه الزيادة لغير الأمام أحمد {وفى الباب} عن ابن عباس رضى الله عنهما بلفظ "من السنة أن لا يخرج حتى يطعم ويخرج صدقة الفطر" رواه (طب. هق) وفي إسناده الحجاج بن أرطأة مختلف فيه (وفي لفظ) "من السنة أن يطعم قبل أن يخرج" رواه البزار قال العراقى وإسناده حسن {ولمالك في الموطأ} عن سعيد بن المسيب "أن الناس كانوا يؤمرون بالأ: ل قبل الغدوّ يوم الفطر" وفي الباب غير ذلك {الأحكام} أحاديث الباب تدل على مشروعية تعجيل الأكل يوم الفطر قبل الخروج الى الصلاة والى استحباب ذلك ذهب جميع العلماء، قال ابن قدامة ولا نعلم في استحباب ذلك خلافاً اهـ ويستحب أن يكون تمر أو أن يكون وتراً {فان قيل} ما لاحكمة في تعجيل الأكل يوم الفطر وكونه تمر أو كونه وتراً فنقول {أما تعجيل الأكل} فقد قال ابن المهلب الحكمة فيه أن لا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلى العيد، فكأنه أراد سد هذه الذريعة، وقال غيره لماّ وقع وجوب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة الى امتثال أمر الله تعالى بتمامه، أشار إلى ذلك ابن أبى حمزة {وأما كونه تمراً} فاتباعاً لفعله صلى الله عليه وسلم ولما فيه من الحلاوة، ومن خواص الحلو تقوية البصر لا سيما بعد الصوم الذي يضعفه ولأنه يُسرُّ بتعاطى الحلو أكثر من غيره، ومن ثم استحب بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقاً كالعسل؛ رواه ابن أبى شيبة عن معاوية بن قرة وابن سيرين وغيرهما، وقد أخرج الترمذى عن سلمان "اذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فانه بركة، فان لم يجد فليفطر على ماء فانه طهور" {وأما كونه وتراً} فالأشارة إلى الوحدانية، وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم في جميع أموره تبركاً بذلك، ذكره في الفتح {وفي أحاديث الباب أيضاً} استحباب تأ×ير الفطر يوم الأضحى، والحكمة في ذلك أنه يوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها فشرع له أن يكون فطره على شيء منها، قاله ابن قدامة {قلت} ويستحب أن يكون من الكبد لما في رواية البيهقى "وكان اذا رجع أكل من كبد أضحيته" قال الزين بن المنير وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لأخراج صدقتهما الخاصة بهما، فاخراج صدقة الفطر قبل الغدوّ الى المصلى وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها اهـ (وفى الحديث الأول) من أحاديث الباب إشارة إلى تأخير وقت صلاة عيد الفطر {وقد جاء في تأخيرها وتعجيل صلاة الأضحى أحاديث} (منها) عن جندب رضى الله عنه عند (أحمد بن حسن البنا) في كتاب الأصاحى قال "كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين والأضحى على قيد رمح" أورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه {ومنها} ما رواه الأمام الشافعى في مسنده قال أخبرنا إبراهيم بن محمد أخبرني ابن الحويرث الليثى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب
-[مذاهب العلماء في وقت صلاة العيدين]-
(4)
باب صلاة العيد ركعتين قبل الخطبة
بغير أذان ولا إقامة - واتخاذ سترة أمام الإمام فى المصلَّى
(1636)
عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه
إلى عمرو بن حزم وهو بنجران "أن عجّل الأضحى وأخّر الفطر وذكّر الناس" وهو حديث مرسل وفي إسناده ابراهيم بن محمد ضعفه الجمهور {ومنها} ما رواه أبو داود بسنده عن يزيد بن خمير الرحبى قال "خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الأمام فقال إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح" يعنى حين وقت حل النافلة، وسكت عنه أبو داود والمنذرى، ورواه أيضاً ابن ماجه ورجال إسناده عند أبى داود ثقات، فهذه الأحاديث الثلاثة {منها} ما يدل على مشروعية التعجيل لصلاة العيد من وقت حل النافلة سواء الفطر والأضحى وكراهة تأخيرها عن ذلك وهو حديث عبد الله بن بسر (وإليه ذهبت المالكية){ومنها} ما يدل على مشروعية تعجيل الأضحى وتأخير الفطر ولم يُذكر فيه حدٌّ لذلك، وهو حديث عمرو بن حزم؛ وقد علمت ضعفه ولكن يعضده حديث جندب {ومنها} ما يدل على أن وقت الأضحى يدخل إذا كانت الشمس على قيد رمح، والفطر اذا كانت على قيد رمحين وهو حديث جندب {واليه ذهبت الحنفية والشافعية والحنابلة} وهو أحسنها في تعيين الوقت، ولعل الحكمة في تعجيل الأضحى وتأخير الفطر ما تقدم من استحباب الامساك عن الأكل في صلاة الأضحى حتى يفرغ من الصلاة، فلو أخرت الصلاة لتضرر بذلك منتظرها لطول الأمساك، وأيضاً فإنه يعود الى الاشتغال بالذبح لأضحيته بخلاف عيد الفطر فانه لا إمساك ولا ذبيحة، قال صاحب الحاوى والبيان وإنما فرق بينهما لأن السنة أن يتصدق في عيد الفطر قبل الصلاة فاستحب له الأكل ليشارك المساكين في ذلك، والصدقة في عيد النحر إنما هي بعد الصلاة من الأضحى فاستحب موافقتهم، قالا ولأن ما قبل يوم الفطر يحرم الأكل فندب الأكل فيه قبل الصلاة ليتميز عن ما قبله، وفي الأضحى لا يحرم الأكل قبله فأخر ليتميز {قلت} وينتهيى وقت الصلاة بزوال الشمس من يوم العيد ولا أعلم خلافاً في ذلك والله أعلم (قال النووى) فان فاتته صلاة العيد مع الأمام صلاها وحده وكانت أداء ما لم تزل الشمس يوم العيد، وأما من لم يصل حتى زالت الشمس فقد فاتته، وهل يستحب قضاؤها؟ فيه قولان أصحهما يستحب {وقال أبو حنيفة} اذا فاتته مع الأمام لم يأت بها أصلاً اهـ ج والله أعلم
(1636)
عن أبى سعيد الخدرى {سنده} حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا
-[السنة تقديم صلاة العيد على الخطبة]-
وآله وسلَّم كان يبدأ يوم الفطر ويوم الأضحى بالصَّلاة قبل الخطبة ثمَّ يخطب فتكون خطبته الأمر بالبعث والسَّريَّة (1)
(1637)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما أشهد (2) على رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم صلَّى (3) قبل الخطبة فى العيد ثمَّ خطب فرأى أنَّه لم يسمع النِّساء (4) فأتاهنَّ فذكَّرهنَّ ووعظهنَّ وأمرهنَّ بالصَّدقة فجعلت المرأة تلقى الخرص (5) والخاتم والشَّيء
(1638)
عن جابر بن سمرة رضى الله عنهما قال صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرَّةٍ ولا مرَّتين بغير أذانٍ ولا إقامةٍ
عبد الرزاق أنا ابن جريج قال أخبرني الحارث بن عبد الرحمن عن عياض بن عبد الله بن سعيد بن أبى سرح عن أبى سعيد الخدرى "الحديث"{غريبه} (1) أب بعث الجيوش الى أرض العدو وعليهم أمير منهم، وهو معنى السرية، وليست كل خطبه صلى الله عليه وسلم كانت كذلك، وإنما هذا اذا صادف العيد أيام الجهاد، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يعظ الناس ويحثهم على الصدقة والتقوى ويخوفهم من الساعة وغير ذلك من أمور شتى حسب ما تقتضيه الأحوال {تخريجه} (م. هق) مطولاً وللبيهقى رواية بنحو حديث الباب.
(1637)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن أيوب عن عطاء عن ابن عباس "الحديث"{غريبه} (2) اللغرض من هذه الشهادة تأكيد الرواية (3) رواية مسلم "لصلى" بلام القسم وهو يفيد تأكيد وقوع الصلاة قبل الخطبة وأن هذا هو السنة المتبعة (4) أى لبعدهن من الرجال، وفيه إشارة إلى أن النساء يكنَّ في معزل عن الرجال خلفهم (5) الخرص بالضم والكسر الحلقة الصغيرة من الحلي وهو من حلى الأذن {تخريجه} (م. د. هق)
(1638)
عن جابر بن سمرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى ابن آدم ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة "الحديث"{تخريجه} (م. د. مذ. هق)
-[وعظ النبي صلى الله عليه وسلم النساء يوم العيد وأمرهن بالصدقة]-
(1639)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال صلَّى نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم بالنَّاس يوم فطرٍ ركعتين بغير أذانٍ ولا إقامةٍ ثمَّ خطب بعد الصَّلاة ثمَّ أخذ بيد بلالٍ فانطلق إلى النِّساء فخطبهن ثمَّ أمر بلالاً بعد ما قفىَّ (1) من عندهنَّ أن يأتيهنَّ فيأمرهنَّ أن يتصدَّقن (2)
(1640)
عن وهب بن كيسان مولى ابن الزُّبير قال سمعت عبد الله بن الزُّبير فى يوم العيد يقول حين صلَّى قبل الخطبة يا أيُّها النَّاس كلٌّ سنَّة الله وسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم (3)
(1641)
عن عبد الرَّحمن بن عابس قال قلت لابن عباسٍ رضى الله عنهما أشهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم ولولا مكانى منه (4) ما شهدته
(1639) عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الله ابن يزيد عن داود يعنى ابن أبى الفرات عن ابراهيم عن عطاء عن ابن عباس "الحديث"{غريبه} (1) بفتح القاف ثم فاء مشددة مفتوحة أى ذهب مولياً، وكأنه من القفا أى أعطا يعنى قفاه وظهره (2) ظاهره أن بلالاً هو الذى أمرهن بالصدقة، وهو ينافى ما ثبت في الروايات الأخرى أن النبى صلى الله علهي وسلم هو الآمر، ولا منافاة لاحتمال أن يكون النبى صلى الله عليه وسلم أمرهن أولاً ثم بعد أن تركهن أمر بلالاً أن يأمرهن بالصدقة زيادة في التأكيد، ويحتمل أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم أمر بعضهن ووكل الى بلال أمر الباقيات منهن والله أعلم {تخريجه} (ق. د. هق)
(1640)
عن وهب بن كيسان {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى قال ثنا ثعقوب بن ابراهيم قال حدثنى أبى عن ابن إسحاق قال حدثنى وهب بن كيسان "الحديث"{غريب} (3) يعنى كلا من الصلاة أولاً، والخطبة ثانياً سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد ورجاله ثقات اهـ وقال العراقى إسناده جيد
(1641)
عن عبد الرحمن بن عابس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنى وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن بن عابس "الحديث"{غريبه} (4) أي لولا منزلتي
-[صلاة العيد ركعتان بغير أذان ولا إقامة]-
لصغرى، قال خرج رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فصلَّى عند دار كثير بن الصَّلت (1) ركعتين ثمَّ خطب لم يذكر أذانًا ولا إقامةً
(1642)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال شهدت مع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم العيد وأبى بكرٍ وعمر وعثمان فكلُّهم صلَّى قبل الخطبة بغير أذانٍ ولا إقامةٍ
(1643)
عن أبى يعقوب الخيَّاط قال شهدت مع مصعب (2) بن الزُّبير الفطر بالمدينة فأرسل إلى أبى سعيدٍ الخدريِّ رضى الله عنه فسأله كيف
وقرابتي من النبي صلى الله عليه وسلم ما شهدت العيد لأجل صغرى (1) أى في المصلى وهو موضع بالمدينة معروف بينه وبين باب المسجد ألف ذراع، قاله عمر بن شبة في أخبار المدينة عن أبى غسان الكنانى صاحب مالك، وقد اتخذوا هذا الموضع صلاة العيدين وجعلوا له علامة يتميز بها وهى شيء شاخص مرتفع كما يستفاد من هذا الحديث نفسه عند البخارى وأبى داود، وفيه "فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى ثم خطب الحديث" وتعريفه بكونه عند دار كثير بن الصلت على سبيل التقريب للسامع وإلا فدار كثير بن الصلت محدثه بعد النبى صلى الله عليه وسلم، وكثير هذا تابعي كبير ولد في عهد النبى صلى الله عليه وسلم؛ قال في الخلاصة روى عن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، وعنه يونس بن جبير، كان اسمه قليلاً فسماه النبى صلى الله عليه وسلم كثيراً، قال العجلى تابعى ثقة اهـ {تخريجه} (ق. د. نس. هق)
(1642)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا محمد ابن ربيعة ثنا ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس "الحديث"{تخريجه} (ق. د. نس. جه)
(1643)
عن أبى يعقوب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن أبى يعقوب الخياط "الحديث"{غريبه} (2) مصعب بضم الميم بن الزبير ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى القرضى الأسدى أبو عبد الله أمير العراق لأخيه عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما، ولد سنة ثلاثة وثلاثين في خلافة عثمان، قال ابن حبان في ثقات التابعين روى عن أبيه وأخيه ولم يسم من روى عنه، وقد أخرج الأمام أحمد عنه قصة من طريق علي
-[صلاة العيد ركعتان بغير أذان ولا إقامة - وأمر النساء بالصدقة]-
كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أبو سعيدٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلَّى قبل أن يخطب فصلَّى يومئذٍ قبل الخطبة
(1644)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العيدين بغير أذانٍ ولا إقامةٍ ثمَّ خطبنا ثمَّ نزل فمشى إلى النِّساء ومعه بلالٌ ليس معه غيره، فأمرهنَّ بالصدقة فجعلت المرأة تلقي تومتها (1)
ابن زيد بن جدعان قال بلغ مصعب بن الزبير عن عريف الأنصار شيء فَهمَّ به فدخل عليه أنس (بن مالك) فذكر له حديث "استوصوا بالأنصار خيراً الحديث" قال فألقى مصعب نفسه على سريره وألزق خده بالبساط وقال أمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين، قال ابن حبان قتله عبد الملك بن مروان بيده سنة إحدى وسبعين كذا قال وهو غلط منه، فان مصعباً قتل بمكر في الحرب التي كانت بينه وبين عبد الملك، وكان عبد الملك قد نادى له بالأمان فامتنع وباشر القتال بنفسه حتى قتل، والمشهور أن الذي قتله عبيد الله بن زياد بن أبيه وأحضر برأسه الى عبد الملك فسجد، وقصته بذلك مشهورة عند أهل التاريخ، وكان مصعب جميلاً جواداً شجاعاً وله في ذلك أخبار كثيرة، افاده الحافظ في تعجيل المنفعة {قلت} والقصة التي أشار إليها الحافظ ستأتى في باب فضائل الأنصار ومناقبهم من كتاب مناقب الصحابة إن شاء الله تعالى {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام أحمد بهذا اللفظ وفي إسناده يعقوب الخياط مجهول وبقية رجاله ثقات
(1644)
عن جابر بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا نصر بن باب عن حجاج عن عطاء عن جابر بن عبد الله الأنصارى "الحديث"{غريبه} (1) قال في القاموس التومة اللؤلؤة جمعة تُومٌ وتُوَمٌ والقرط فيه حبة كبيرة اهـ وفي النهاية التومة مثل الدرة تصاغ من الفضة اهـ والمعنى فجعلت المرأة تلقى حبة قرطها الفضة المسماة بالتومة، ويحتمل أنها كانت تلقى قرطها مع تومته كما في رواية أبى داود عن ابن عباس بلفظ "فكانت المرأة تلقى القرط والخاتم" القرط بضم القاف وسكون الراء على قراط كرمح ورماح، وعلى قرطة كعنبة، قال القاضى عياض ولا يبعد صحة أقرطة ويكون جمع جمع، أي جمع قراط لا سيما وقد صح في الحديث {قلت} يريد ما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر أيضاً بلفظ "فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن"
-[إتفاق العلماء على مشروعية صلاة العيد ركعتين]-
وخاتمها إلى بلالٍ (رضى الله عنه)
(فصل فى اتخاذ الحرية يوم العيد بين يدى الإمام)
(1645)
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد يأمر بالحربة (1) فتوضع بين يديه فيصلِّى إليها (2) والنَّاس وراءه، وكان يفعل ذلك فى السَّفر (3) ثمَّ اتخذها الأمراء
{تخريجه} (ق. د. نس. هق)
(1645)
عن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير قال ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر "الحديث"{غريبه} (1) بفتح الحاء وسكون الراء، وتسمى عنزة أيضاً بفتحات وعين مهملة، وهى مثل نصف الرمح وأكبر شيئاً وفيها سنان كسنان الرمح، وترجم لها البخارى بالاسمين فقال "باب حمل العنزة أو الحربة بين يدى الأمام يوم العيد" وأورد فيه حديث ابن عمر قال "كان النبى صلى الله عليه وسلم يغدو الى المصلى والعنزة بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه فيصلى اليها" ولفظ ابن ماجه عن ابن عمر أيضاً "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغدو الى المصلى في يوم العيد والعنزة تحمل بين يديه فاذا بلغ المصلى نصبت بين يديه فيصلى اليها وذلك أن المصلَّى كان فضاء ليس فيه شيء يستتر به"(2) أى يتخذها سترة في حالة الصلاة (3) أى نصب الحربة أو العنزة بين يديه حيث لا يكون جدار (وقوله ثم اتخذها الأمراء) هذه الجملة مدرجة من كلام نافع كما تفيده رواية عند ابن ماجه بلفظ قال نافع "فمن ثم اتخذها الأمراء" يعنى اتخذ الأمراء الحربة يخرج بها بين أيديهم في العيد ونحوه {تخريجه} (ق. د. نس. جه){الأحكام} أحاديث الباب تدل على خمس مسائل {المسألة الأولى} مشروعية صلاة العيد ركعتين سواء في ذلك الفطر والأضحى، لما جاء في أحاديث الباب عن ابن عباس رضى الله عنهما "قال صلى بنا نبى الله صلى الله عليه وسلم بالناس يوم فطر ركعتين الحديث" وفى حديثه الثانى "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عند دار كثير بن الصلت ركعتين الحديث" ولحديث عمر رضى الله عنه "صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان الحديث" تقدم في الباب الرابع عشر من أبواب الجمعة رقم 1608 وقد ذهب الى ذلك كافة العلماء ولم يخالف في ذلك أحد فيما أعلم {المسألة الثانية} مشروعية صلاة العيدين قبل الخطبة؛ قال القاضى عياض هذا هو المتفق عليه بين علماء الأمصار وأئمة الفتوى ولا خلاف بين أئمتهم فيه وهو فعل النبي
-[إتفاق العلماء على مشروعية صلاة العيدين قبل الخطبة وأول من أحدث تأخيرها]-
.....
صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده إلا ما روى أن عمر فى شطر خلافته الآخر قدم الخطبة لأنه رآى من الناس من تفوته الصلاة وليس بصحيح، ثم قال وقد فعله ابن الزبير فى آخر أيامه، (وقال ابن قدامة) لا نعلم فيه خلافاً بين المسلمين إلا عن بنى أمية، قال وعن ابن عباس وابن الزبير أنهما فعلاه ولم يصح عنهما، قال ولا يعتد بخلاف بنى أمية لأنه مسبوق بالأجماع الذى كان قبلهم ومخالف لسنة النبى صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وقد أنكر عليهم فعلهم وُعدَّ بدعة ومخالفاً للسنة (وقال العراقى) إن تقديم الصلاة على الخطبة قول العلماء كافة، وقال إن ما روى عن عمر وعثمان وابن الزبير لم يصح عنهم، أما رواية ذلك عن عمر فرواها ابن أبى شيبة أنه لما كان عمر وكثر الناس فى زمانه فكان اذا ذهب ليخطب ذهب أكثر الناس، فلما رأى ذلك بدأ بالخطبة وختم بالصلاة، قال وهذا الأثر وإن كان رجاله ثقات فهو شاذ مخالف لما ثبت فى الصحيحين عن عمر من رواية ابنه عبد الله وابن عباس، وروايتهما عنه أولى، قال وأما رواية ذلك عن عثمان فلم أجد لها إسناداً، وقال القاضى أبو بكر ابن العربى يقال إن أول من قدمها عثمان وهو كذب لا يلتفت اليه اهـ {قلت} ويرده أيضاً ما ثبت فى أحاديث الباب وما عند الشيخين عن ابن عباس رضى الله عنهما قال "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد وأبى بكر وعمر وعثمان فكلهم صلى قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة"(قال العراقى) وأما فعل ابن الزبير فرواه ابن أبى شيبة فى المصنف وإنما فعل ذلك لأمر وقع بينه وبين ابن عباس، ولعل ابن الزبير كان يرى جائزاً اهـ {قلت} تقدم فى أحاديث الباب عن ابن الزبير رضى الله عنهما أنه صلى قبل الخطبة، وثبت فى صحيح مسلم عن عطاء أن ابن عباس أرسل الى ابن الزبير أول ما بويع له أنه لم يكن يؤذَّن للصلاة يوم الفطر فلا تؤذَّن لها، قال فلم يؤذِّن لها ابن الزبير يومه وأرسل اليه مع ذلك، إنما الخطبة بعد الصلاة وأن ذلك قد كان يفعل، قال فصلى ابن الزبير قبل الخطبة، وثبت عند مسلم والأمام أحمد من رواية طارق بن شهاب وسيأتى فى باب الخطبة للعيدين وأحكامها عن أبى سعيد "أن مروان بن الحكم بدأ بالخطبة قبل الصلاة ولم يكن يبدأ بها" فيستفاد منه أن أول من أحذ ذلك مروان، وقيل أول من فعل ذلك معاوية حكاه القاضى عياض، وأخرج الشافعى فى مسنده عن عبد الله بن يزيد الخطمى أن النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يبدؤون بالصلاة قبل الخطبة حتى قدم معاوية فقدّم معاوية الخطبة، وروى عبد الرزاق عن الزهرى بلفظ "أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة فى العيد معاوية" حكاه القاضى عياض، وروى ابن المنذر عن ابن سيرين أن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة، قال ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان، لأن كلاً من مروان وزياد كان عاملاً لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله (قال العراقى) الصواب أن أول من فعله مروان بالمدينة فى خلافة معاوية كما ثبت ذلك في
-[إتفاق جماهير العلماء على عدم الأذان والإقامة للعيدين - ومن استحب قول "الصلاة جامعة"]-
.....
الصحيحين عن أبي سعيد الخدري، قال ولم يصح فعله عن أحد من الصحابة لا عمر ولا عثمان ولا معاوية ولا ابن الزبير اهـ {قلت} إن صح فعله عن أحد من هؤلاء الصحابة يحمل على أنه كان نادراً لحاجة، أما مروان فكان يقصد الاستمرار على ذلك كما يستفاد من قصته مع أبى سعيد، وستأتى فى باب الخطبة للعيدين وأحكامها والله أعلم {وقد اختلف} فى صحة صلاة العيدين مع تقدم الخطبة، ففى مختصر المزنى عن الشافعى ما يدل على عدم الاعتداد بها، وكذلك قال النووى فى شرح المهذب إن ظاهر نص الشافعى أنه لا يعتد بها، قال وهو الصواب اهـ {المسألة الثالثة} عدم مشروعية الأذان والأقامة فى صلاة العيدين، وبه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، وعليه عمل الناس فى جميع الأمصار إلا أن ابن المنذر قال روينا عن ابن الزبير أنه أذَّن لها وأقام {قلت} يحتمل أن ذلك كان من ابن الزبير قبل أن يرسل اليه ابن عباس بعدم الأذان والأقامة فى العيدين، فلما أرسل اليه بذلك منعه، وتقدم حديث ابن عباس فى الكلام على المسألة الثانية (وقال ابن المنذر) أيضاً أول من أذن فى العيد زياد، وقيل أول من أذن لها معاوية، وقيل غير ذلك والله أعلم {قلت} وذهبت الشافعية وبعض الحنابلة الى أنه يستحب أن يقال الصلاة جامعة لما رواه الأمام الشافعى رحمه الله فى الأم، قال أخبرنا الثقة عن الزهرى قال "لم يكن يؤذن للنبى صلى الله عليه وسلم ولا لأبى بكر ولا عمر ولا عثمان فى العيدين حتى أحدث ذلك معاوية بالشام وأحدثه الحجاج بالمدينة حين مر عليها، قال الزهرى وكان النبى صلى الله عليه وسلم يأمر فى العيدين المؤذن فيقول الصلاة جامعة" وهو ضعيف مرسل (قال النووى) رحمه الله ويغنى عن هذا الحديث الضعيف القياس على صلاة الكسوف، فقد ثبت الأحاديث الصحيحة فيها (منها) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال "لما كسفت الشمس فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودى بالصلاة جامعة، وفى رواية "ان الصلاة جامعة" رواه البخارى ومسلم {وعن عائشة رضى الله عنها} "أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث منادياً الصلاة جامعة" رواه البخارى ومسلم، قال وقال الشافعى فى الأم وأحب أن يأمر الأمام المؤذن أن يقول فى الأعياد وما جمع الناس من الصلاة "الصلاة جامعة" أو الصلاة اهـ باختصار ج (وقال ابن قدامة فى المغنى) قال بعض أصحابنا ينادى لها "الصلاة جامعة" وهو قول الشافعى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع اهـ (قال الحافظ ابن القيم) فى الهدى وكان صلى الله عليه وسلم اذا انتهى الى المصلى أخذ فى الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول "الصلاة جامعة والسنة أنه لا يُفعلى شئ من ذلك ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون اذا انتهوا الى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها اهـ {المسألة الرابعة} يستفاد من أحاديث الباب مواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة العيدين بالمصلَّى فى الصحراء وأن ذلك هو السنة إلا للمعذور أو
-[كلام العلماء في حكم صلاة العيدين واستحباب فعلها في الصحراء واتخاذ الحربة]-
.....
الضعيف أو اليوم المطير فتصلى فى المسجد، والى ذلك ذهب جمهور السلف والخلف والأئمة الثلاثة {أبو حنيفة ومالك واحمد وغيرهم} محتجين بمواظبته صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده على ذلك؛ ولقول على رضى الله عنه "لولا أن الخروج الى الجبّانة لصلاة العيد هو السنة لصليت فى المسجد" الجبّانة والجبّان - الصحراء- وتسمى بهما المقابر لأنها تكون فى الصحراء تسمية للشئ بموضعه (قال ابن قدامة فى المغنى) السنة أن يصلى العيد فى المصلَّى أمر بذلك على رضى الله عنه، واستحسنه الأوزاعى وأصحاب الرأى وهو قول ابن المنذر (وحكى عن الشافعى) إن كان مسجد البلد واسعاً فالصلاة فيه أولى، لأنه خير البقاع وأطهرها، ولذلك يصلى أهل مكة فى المسجد الحرام، ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يخرج الى المصلَّى ويدع مسجده وكذلك الخلفاء بعده، ولا يترك النبى صلى الله عليه وسلم الأفضل مع قربه ويتكلف فعل الناقص مع بُعده، ولا يشرع لأمته ترك الفضائل؛ ولأننا قد أمرنا باتباع النبى صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص والمنهى عنه هو الكامل، ولم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر، ولأن هذا إجماع المسلمين فان الناس فى كل عصر ومصر يخرجون الى المصلَّى فيصلون العيد فى المصلَّى مع سعة المسجد وضيقه؛ وكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى المصلَّى مع شرف مسجده، وصلاة النفل فى البيت أفضل منها فى المسجد مع شرفه، قال وإن كان عذر يمنع الخروج من مطر أو خوف أو غيره صلوا فى الجامع كما روى أبو هريرة أنه أصابهم مطر فى يوم عيد فصلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة العيد فى المسجد، رواه أبو داود وابن ماجه {المسألة الخامسة} مشروعية السترة للمصلى والاحتياط للصلاة وأخذ آلة لدفع ضرر الأعداء لاسيما فى السفر (وقد اختلف) فى الحربة التى كان النبى صلى الله عليه وسلم يضعها أمامه فى العيدين، فروى عمر بن شبة فى أخبار المدينة من حديث سعد القرط أن النجاشى أهدى إلى النبى صلى الله عليه وسلم حربة فأمسكها لنفسه فهى التي يمشى بها مع الأمام يوم العيد، ومن طريق الليث أنه بلغه أن العنَزة التى كانت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم كانت لرجل من المشركين فقتله الزبير بن العوام يوم أحُد فأخذها منه النبى صلى الله عليه وسلم فكان ينصبها بين يديه اذا صلى، ويحتمل الجمع بأن عنزة الزبير كانت أوَّلاً قبل حربة النجاشى؛ أفاده الحافظ والله أعلم- هذا {وقد اختلف الأئمة} فى حكم صلاة العيدين فذهبت طائفة الى أنها واجبة، وذهب قوم الى أنها فرض كفاية، وذهب آخرون الى أنها سنة مؤكدة (قال ابن قدامة فى المغنى) الأصل فى صلاة العيد الكتاب والسنة والأجماع (أما الكتاب) فقول الله تعالى {فصل لربك وانحر} المشهور فى التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد (وأما السنة) فثبت بالتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى صلاة العيدين، قال ابن عباس رضى الله عنهما شهدت صلاة الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فكلهم كان يصليها قبل الخطبة، وعنه
-[مذاهب العلماء في حكم صلاة العيدين]-
(5)
باب عدد التكبيرات فى صلاة العيد ومحلها
(1646)
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كبَّر
أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد بغير أذان ولا إقامة متفق عليه، وأجمع المسلمون على صلاة العيدين، وصلاة العيد فرض على الكفاية فى ظاهر المذهب {يعنى مذهب الأمام احمد بن حنبل} رحمه الله اذا قام بها من يكفى سقطت عن الباقين، وإن اتفق أهل البلد على تركها قاتلهم الامام، وبه قال بعض أصحاب الشافعى {وقال أبو حنيفة هى واجبة} على الأعيان وليست فرضاً، لأنها صلاة شرعت لها الخطبة فكانت واجبة على الأعيان وليست فرضاً كالجمعة، وقال ابن أبى موسى وقيل إنها سنة مؤكدة غير واجبة، وبه قال {مالك وأكثر أصحاب الشافعى} لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابى حين ذكر خمس صلوات قال هل علىّ غيرهن؟ قال لا إلا أن تطوع، وقوله عليه الصلاة والسلام "خمس صلوات كتبهن الله على العبد الحديث" ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود ولم يشرع لها أذان فلم يجب ابتداء بالشرع كصلاة الاستسقاء والكسوف، ثم اختلفوا فقال بعضهم اذا امتنع جميع الناس من فعلها قاتلهم الأمام عليها، وقال بعضهم لا يقاتلهم (قال) ولنا على أنها لا تجب على الأعيان أنها لا يشرع لها أذان فلم تجب على الأعيان كصلاة الجنازة، ولأن الخبر الذى ذكره مالك ومن وافقه يقتضى نفى وجوب صلاة سوى الخمس، وإنما خولف بفعل النبى صلى الله عليه وسلم ومن صلى معه، فيختص بمن كان مثلهم ولأنها لو وجبت على الأعيان لوجبت خطبتها ووجب استماعها كالجمعة (قال) ولنا على وجوبها فى الجملة أمر الله تعالى بقوله {فصل لربك وانحر} والأمر يقتضى الوجوب، ومداومة النبى صلى الله عليه وسلم على فعلها، وهذا دليل الوجوب، ولأنها من أعلام الدين الظاهرة فكانت واجبة كالجمعة، ولأنها لو لم تجب لم يجب قتال تاركها كسائر السنن، يحققه أن القتال عقوبة لا تتوجه الى تارك مندوب كالقتل والضرب، فأما حديث الأعرابى فلا حجة لهم فيه، لأن الأعراب لا تلزمهم الجمعة لعدم الاستيطان فالعيد أولى، والحديث الآخر مخصوص بما ذكرناه، على أنه إنما صرح بوجوب الخمس وخصها بالذكر لتأكيدها ووجوبها على الأعيان ووجوبها على الدوام وتكررها فى كل يوم وليلة، وغيرها يجب نادراً ولعارض كصلاة الجنازة والمنذورة والصلاة المختلف فيها فلم يذكرها، وقيامهم لا يصح؛ لأن كونها ذات ركوع وسجود لا أثر له، بدليل أن النوافل كلها فيها ركوع وسجود وهى غير واجبة، فيحذف حذف هذا الوصف لعدم اثره ثم ينقض بصلاة الجنازة، وينقض على كل حال بالمنذورة اهـ
(1646)
عن عمرو بن شعيب {سنده} حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع
-[عدد التكبير في صلاة العيدين]-
في عيد ثنتى عشرة تكبيرةً، سبعًا فى الأولى، وخمسًا فى الآخرة (1) ولم يصلِّ قبلها ولا بعدها، قال أبى (2) وأنا أذهب إلى هذا
(1647)
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التَّكبير فى العيدين سبعًا قبل القراءة (3) وخمسًا بعد القراءة
(1648)
عن عائشة رضى الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبِّر فى العيدين سبعًا فى الرَّكعة الأولى، وخمسًا فى الآخرة سوى تكبيرتي الرُّكوع
(1649)
عن مكحولٍ قال حدَّثني أبو عائشة (4) وكان جليسًا لأبي
ثنا عبد الله بن عبد الرحمن سمعه من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "الحديث"{غريبه} (1) أى قبل القراءة فى كلتيهما كما فى رواية أبى داود والدارقطنى بلفظ "والقراءة بعدهما كلتيهما"(2) القائل هو عبد الله بن الأمام احمد رحمهما الله، يعنى أن الأمام احمد ذهب الى هذا الحديث واستدل به لمذهبه {تخريجه} (د. قط. هق) وقال البيهقى حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفى صحيح اهـ {قلت} عبد الله بن عبد الرحمن الطائفى الذى أشار اليه البيهقى هو المذكور فى سند حديث الباب وهو الذى سمعه من عمرو بن شعيب
(1647)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا يحيى ابن إسحاق أنبأنا ابن لهيعة حدثنا الأعرج عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (3) يعنى فى الركعة الأولى (وقوله خمساً قبل القراءة) يعنى فى الركعة الثانية {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام احمد وفى إسناده ابن لهيعة ضعفوه
(1648)
عن عائشة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى بن إسحاق قال أنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب الزهرى عن عروة عن عائشة "الحديث"{تخريجه} (د. هق) وفى إسناده ابن لهيعة المتقدم فى الحديث السابق، وذكر الترمذى فى كتاب العلل أن البخارى ضعف هذا الحديث، وزاد ابن وهب فى الحديث "سوى تكبيرتى الركوع" وزاد إسحاق "سوى تكبيرة الافتتاح".
(1649)
عن مكحول {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زيد بن الحباب قال ثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول "الحديث"{غريبه} (4) هو الأموى مولاهم، روى عن أبى هريرة وحذيفة، وعنه مكحول وخالد بن معدان، قال الذهبي
-[شيء من مناقب سعيد بن العاص رضي الله عنه]-
هريرة رضي الله عنه أنَّ سعيد بن العاص (1) دعا أبا موسى الأشعريَّ وحذيفة ابن اليمان رضي الله عنهم فقال كيف كان رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يكبِّر فى الفطر والأضحى؟ فقال أبو موسى كان يكبِّر أربع تكبيراتٍ، تكبيره على الجنائز (2) وصدَّقه حذيفة، فقال أبو عائشة فما نسيت بعد قوله تكبيره على الجنائز (3) وأبو عائشة حاضرٌ سعيد بن العاص
لا يعرف، وقال ابن حزم وابن القطان مجهول (1) صحابى - يذكر فى بعض الأصول باثبات ياء بعد الصاد، وفى بعضها بحذفها كما هنا، وكنيته ابو عثمان وقيل أبو عبد الرحمن وأبوه العاص ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموى الحجازى، قال محمد بن سعد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسعيد تسع سنين، وكان من اشراف قريش جمع السخاء والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، واستعمله عثمان رضى الله عنه على الكوفة وغزا طبرستان وافتتحها، وقيل إنه فتح جرجان فى خلافة عثمان، وكان فى عسكره حذيفة وغيره من كبار الصحابة، وكان يقال له عكة العسل لكثرة خيره، وسكن دمشق ثم تحول الى المدينة، ولما قتل عثمان اعتزل الفتن ولم يشهد الجمل ولا صفين، وكان سعيد لكثرة جوده اذا سأله إنسان وليس عنده ما يعطيه كتب له عليه ديناً الى وقت ميسرته، وله فى ذلك حكايات مشهورة توفى سنة 59 وقيل سنة سبع أو ثمان وخمسين رضى الله عنه (2) أى كتكبيره على صلاة الجنازة فى عدد التكبيرات (3) يعنى أن هذه الجملة كانت تذكِّر أبا عائشة بعدد التكبيرات فى العيدين فلم ينسها (وقوله وأبو عائشة حاضر الخ) هذا من قول مكحول يريد تأكيد ما رواه عن أبى عائشة، لأن أبا عائشة أخبره أنه كان حاضراً هذه القصة فى مجلس سعيد بن العاص (وفى رواية أبى داود)"قال أبو عائشة وأنا حاضر سعيد بن العاص"{تخريجه} (د. هق) وقال البيهقى بعد ذكره قد خولف راوى هذا الحديث فى موضعين، أحدهما فى رفعه والآخر فى جواب أبى موسى، والمشهور فى هذه القصة أنهم أسندوا أمرهم الى ابن مسعود فأفتاه ابن مسعود بذلك، ولم يسنده الى النبى صلى الله عليه وسلم، كذلك رواه أبو إسحاق السبيعى عن عبد الله بن موسى أو ابن أبى موسى أن سعيد بن العاص أرسل الى ابن مسعود وحذيفة وأبى موسى فسألهم عن التكبير فى العيد فأسندوا أمرهم الى ابن مسعود، فقال تكبر أربعاً قبل القراءة ثم نقرأ، فاذا فرغت كبرت فركعت، ثم تقوم فى الثانية فتقرأ، فاذا فرغت كبرت أربعاً، وعبد الرحمن هو ابن ثابت بن ثوبان ضعفه يحيى
-[إختلاف العلماء في عدد التكبير في صلاة العيدين]-
(1650)
ز عن إبراهيم بن عبد الله بن فروخ عن أبيه قال صلَّيت خلف عثمان رضى الله عنه العيد فكبَّر سبعًا وخمسًا
ابن معين قال وكان رجلاً صالحاً، ورواه النعمان بن المنذر عن مكحول عن رسول أبى موسى وحذيفة عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسم الرسول، وقال سوى تكبيرة الافتتاح والركوع اهـ
(1650)
"ز" عن إبراهيم بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى سريح بن يونس ثنا محبوب بن محرز بياع القوارير؛ كوفى ثقة كذا قال سريح عن إبراهيم بن عبد الله يعنى ابن فروخ عن أبيه "الأثر"{تخريجه} هذا الأثر لم أقف عليه لغير الأمام أحمد وسنده جيد {وفى الباب} عن كردوس قال كان عبد الله بن مسعود يكبر فى الأضحى والفطر تسعاً تسعاً يبدأ فيكبر أربعاً، ثم يقرأ ثم يكبر واحدة فيركع بها، ثم يقوم فى الركعة الآخرة فيبدأ فيقرأ ثم يكبر أربعاً يركع باحداهن، وعن عبد الله (يعنى ابن مسعود رضى الله عنه) قال التكبير فى العيد أربعاً كالصلاة على الميت، رواهما الطبرانى فى الكبير ووثق الهيثمى رجالهما {وعن عبد الرحمن بن عوف} رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تُخرج له العنزة فى العيدين حتى يصلى اليها، وكان يكبر ثلاث عشرة تكبيرة، وكان أبو بكر وعمر رحمة الله عليهما يفعلان ذلك، أورده الهيثمى وقال رواه البزار وفيه الحسن ابن حماد البجلى ولم يضعفه أحد ولو يوثقه، وقد ذكره المزى للتمييز وبقية رجاله ثقات {الأحكام} أحاديث الباب مع ما ذكرنا فى الشرح {منها} ما يدل على أن التكبير فى العيدين سبع فى الركعة الأولى وخمس فى الركعة الثانية قبل القراءة فى كلتيهما {ومنها} ما يدل على أنه سبع فى الأولى قبل القراءة وخمس فى الثانية بعد القراءة {ومنها} ما يدل على أنه خمس فى الأولى قبل القراءة وأربع فى الثانية بعد القراءة {ومنها} ما يدل على أنه أربع كصلاة الجنازة أى فى كل ركعة أربع، لهذا اختلفت أنظار العلماء {فذهب الجمهور} الى أنه يكبر فى العيدين سبعاً قبل القراءة فى الركعة الأولى وخمساً فى الثانية قبل القراءة أيضاً، قال العراقى وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والائمة، قال وهو مروى عن عمر وعلىّ وأبى هريرة وأبى سعيد وجابر وابن عمر وابن عباس وأبى أيوب وزيد بن ثابت وعائشة، وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة وعمر بن عبد العزيز والزهرى ومكحول وبه يقول {مالك والأوزاعى والشافعى وأحمد وإسحاق} إلا أن مالكاً واحمد والمزنى قالوا سبعاً فى الأولى بتكبيرة الأحرام، وخمساً فى الثانية سوى تكبيرة القيام (وقال الشافعى) والأوزاعى وإسحاق السبع فى الأولى غير تكبيرة الإحرام والخمس
-[مذاهب العلماء في عدد التكبير في صلاة العيدين]-
.....
في الثانية غير تكبيرة القيام {قلت} ويؤيد هذا المذهب حديث عائشة الذى فى الباب وما رواه الدارقطنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر فى العيدين الأضحى والفطر ثنتى عشرة تكبيرة فى الأولى سبعاً وفى الآخرة خمساً سوى تكبيرة الأحرام"(قال ابن عبد البر) روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من طرق حسان أنه كبر فى العيدين سبعاً فى الأولى وخمساً فى الثانية من حديث عبد الله بن عمرو وابن عمرو وجابر وعائشة وابى واقد وعمرو بن عوف المزنى، ولم يرو عنه من وجه قوى ولا ضعيف خلاف هذا وهو أولى ما عمل به اهـ {وذهبت الحنفية} الى أنه يكبر فى العيدين فى الأولى ثلاثاً بعد تكبيرة الاحرام قبل القراءة وفى الثانية ثلاثاً بعد القراءة؛ وهو مروى عن جماعة من الصحابة ابن مسعود وأبى موسى وأبى مسعود الأنصارى وهو قول الثورى، وحجتهم حديث مكحول الذى فى الباب، وحملوا قوله فى الحديث "أربع تكبيرات" يعنى بانضمام تكبيرة الأحرام اليها فى الركعة الأولى وبانضمام تكبيرة الركوع اليها فى الثانية فتصير أربعاً فى كلتيهما ولكنه ضعيف، وتقدم قول البيهقى فيه، واحتجوا أيضاً بالأثر المذكور فى الشرح المروى عن كردوس عن ابن مسعود لكنه موقوف على ابن مسعود (وذهب القاسم والناصر) الى أنه يكبر فى الأولى سبعاً قبل القراءة، وفى الثانية خمساً بعد القراءة، محتجّين بحديث أبى هريرة الذى فى الباب، وفى إسناده ابن لهيعة ضعفه الحفاظ، وفى الباب مذاهب أخر غير ما ذكر ولكن أدلتها ضعيفة جداً، وأقوى المذاهب وأرجحها ما ذهب اليه الجمهور (قال الشوكانى) وقد وقع الخلاف هل المشروع الموالاة بين تكبيرات صلاة العيد أو الفصل بينها بشئ من التحميد والتسبيح ونحو ذلك؟ {فذهب مالك وأبو حنيفة والأوزاعى} الى أنه يوالى بينها كالتسبيح فى الركوع والسجود، قالوا لأنه لو كان بينها ذكر مشروع لنقل كما نقل التكبير {وقال الشافعى} إنه يقف بين كل تكبيرتين يهلل ويمجد ويكبر (واختلف أصحابه) فيما يقوله بين التكبيرتين، فقال الأكثرون يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (وقال بعضهم) لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير وقيل غير ذلك (وقال الهادى وبعض أصحاب الشافعى) إنها يفصل بينها، يقول الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا {وقال الناصر والمؤيد بالله والأمام يحيى} إنه يقول لا إله إلا الله الى آخر الدعاء الطويل الذى رواه الأمير الحسين قال فى الشفا عن على عليه السلام، وروى فى البحر (عن مالك) أنه يفصل بالسكوت {وقد اختلف فى حكم تكبير العيدين} فقالت الهادوية إنه فرض، وذهب من عداهم الى أنه سنة لا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً، قال ابن قدامة ولا أعلم فيه خلافاً، قالوا وإن تركه لا يسجد للسهو، وروى عن أبى حنيفة ومالك أنه يسجد للسهو، والظاهر عدم وجوب التكبير
-[إختلاف العلماء في محل التكبير في صلاة العيدين]-
(6)
باب ما يقرأ به فى العيدين
(1651)
عن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فى العيدين بسبِّح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية
(1652)
عن عبيد الله بن عبد الله (1) أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله
كما ذهب اليه الجمهور لعدم وجدان دليل يدل عليه اهـ {وقد اختلف أيضاً} فى محل التكبير فى العيدين هل هو بعد دعاء الاستفتاح وقبل التعوذ أو قبل دعاء الاستفتاح والتعوذ؟ فذهب الى الأول الامامان {الشافعى وأحمد} قال ابن قدامة وعن أحمد رواية أخرى أن الاستفتاح بعد التكبيرات اختارها الخلال وصاحبه وهو قول الأوزاعى، لأن الاستفتاح تليه الاستعاذة وهى قبل القراءة {وقال أبو يوسف} يتعوذ قبل القراءة لئلا يفصل بين الاستفتاح والاستعاذة، (قال ابن قدامة) ولنا أن الاستفتاح شرع ليستفتح به الصلاة فكان فى أولها كسائر الصلوات، والاستعاذة شرعت للقراءة فهى تابعة لها فتكون عند الابتداء بها لقول الله تعالى {فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} وقد روى أبو سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ قبل القراءة، وإنما جمع بينهما فى سائر الصلوات لأن القراءة تلى الاستفتاح من غير فاصل فلزم أن يليه ما يكون فى أولها، بخلاف مسألتنا وأياً ما فعل كان جائزاً اهـ {واختلفوا أيضاً} فى رفع اليدين عند التكبير فى العيدين (قال النووى) مذهبنا استحباب الرفع فيهن واستحباب الذكر بينهن، وبه قال عطاء والأوزاعى {وأبو حنيفة ومحمد وأحمد} وداود وابن المنذر {وقال مالك} والثورى وابن أبى ليلى وأبو يوسف لا يرفع اليد إلا فى تكبيرة الأحرام اهـ ج والله أعلم
(1651)
عن سمرة بن جندب {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد ابن جعفر أنا شعبة وحجاج قال حدثنى شعبة قال سمعت معبد بن خالد يحدث عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب "الحديث"{تخريجه} أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير ورجال أحمد ثقات اهـ والحديث أيضاً عند أبى داود والنسائى إلا أنهما قالا الجمعة بدل العيدين
(1652)
عن عبيد الله بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله "الحديث"{غريبه} (1) هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والظاهر من سياق الحديث أن عبيد الله أدرك عمر بن الخطاب وأنه كان حاضراً حينما سأل عمر أبا واقد، وليس
-[ما يستحب القراءة به في صلاتي العيدين]-
عنه سأل أبا واقدٍ اللَّيثيَّ رضي الله عنه بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فى العيد؟ (1)(وفى روايةٍ فى العيدين) قال كان يقرأ بق واقتربت
(1653)
عن النُّعمان بن بشيرٍ رضى الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قرأ فى العيدين بسبِّح اسم ربِّك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وإن وافق يوم الجمعة قرأ بهما جميعًا (وفى روايةٍ) فربَّما اجتمع العيد والجمعة فقرأ بهاتين السُّورتين
(1654)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم
كذلك، فإن عتبة لم يدرك عمر رضى الله عنه، وعلى هذا فالحديث منقطع، لكن رواه مسلم بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبى واقد الليثى قال "سألنى عمر بن الخطاب عما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم العيد فقلت باقتربت الساعة وق والقرآن المجيد" فالحديث متصل (ولمسلم رواية أخرى) بنحو حديث الباب سنداً ومتناً (قال النووى) فالرواية الأولى لأم سلمة (يعنى الرواية التي كرواية حديث الباب) لأن عبيد الله لم يدرك عمر، ولكن الحديث صحيح بلا شك، متصل من الرواية الثانية فانه أدرك أبا واقد بلا شك وسمعه بلا خلاف، فلا عتب على مسلم حينئذ فى روايته فانه صحيح متصل والله أعلم اهـ (1) الظاهر أن عمر رضى الله عنه سأل أبا واقد لا لجهله بالحكم، لأنه أسلم قديماً قبل الهجرة وإسلام أبى واقد كان عام الفتح سنة ثمان على أصح الأقوال كما نقله الحافظ فى الأصابة، وكان عمر رضى الله عنه يصلى العيدين مع النبى صلى الله عليه وسلم من ابتداء مشروعيتهما فى السنة الثانية الى وفاة النبى صلى الله عليه وسلم فيبعد جداً أنه يجهل ما كان يقرأ به النبى صلى الله عليه وسلم فى العيدين، قال العلماء يحتمل أن عمر رضى الله عنه شك فى ذلك فاستثبته أو أراد إعلام الناس بذلك، أو نحو هذا من المقاصد؛ قالوا ويبعد أن عمر لم يكن يعلم ذلك مع شهوده صلاة العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات وقربه منه {تخريجه} (م. هق. قط. والأربعة}
(1653)
عن النعمان بن بشير، هذا الحديث تقدم بروايتيه وشرحه وتخريجه فى الباب الخامس عشر من أبواب الجمعة رقم 1614 وكررته هنا لمناسبة ترجمة الباب
(1654)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا القاسم ابن مالك أبو جعفر عن XXX بن حوشب عن ابن عباس "الحديث"
-[إشتمال الخطبة على الحمد والثناء والوعظ والحث على الطاعة]-
العيد ركعتين لا يقرأ فيهما إلَاّ بأمِّ الكتاب (1) لم يزد عليها شيئًا
(7)
باب خطبة العيدين وأحكامها ووعظ النساء وحثهن على الصدقة
(1655)
عن جابر (بن عبد الله رضي الله عنهما قال شهدت الصَّلاة مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فى يوم عيدٍ فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذانٍ ولا إقامةٍ، فلمَّا قضى الصَّلاة قام متوكِّئًا على بلالٍ فحمد الله وأثنى عليه ووعظ النَّاس وذكَّرهم وحثَّهم على طاعته، ثمَّ مضى إلى النِّساء ومعه بلالٌ فأمرهنَّ بتقوى الله ووعظهنَّ وحمد الله وأثنى عليه وحثَّهنَّ على طاعته، ثمَّ قال تصدَّقن فإنَّ أكثر كنَّ حطب جهنَّم (2) فقالت امرأةٌ من سفلة النِّساء (3) سفعاء الخدين لم يا رسول الله؟ قال لأنَّكن تكثرن الشَّكاة (4) وتكفرن العشير، فجعلن ينزعن حليَّهن وقلائدهنَّ (5) وقرطتهنَّ
{غريبه} (1) يعني أم القرآن وهى الفاتحة، وربما فعل ذلك مرة لبيان الجواز {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام احمد، وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد وفيه شهر بن حوشب وفيه كلام وقد وثق
(1655)
عن جابر بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن عبد الملك ثنا عطاء عن جابر "الحديث"{غريبه} (2) أى وقودها (3) السفلة بفتح السين وكسر الفاء السُّقاط من الناس والسَّفالة النذالة، يقال هو من السفِلة ولا يقال هو سفلة والعامة تقول رجل سفِلة من قوم سَفل وليس بعربى، وبعض العرب يخفف فيقل فلان من سِفلة الناس فينقل كسرة الفاء الى السين (نه)"وقوله سعفاء الخدّين" بفتح السين المهملة أى فيهما تغير وسواد (4) بفتح الشين المعجمة أى الشكوى (وقوله وتكفرن العشير) قال أهل اللغة العشير المعاشر والمخالط وحمله الأكثرون هنا على الزوج، وقال آخرون هو كل مخالط، قال الخليل يقال هو العشير والشعير على القلب، ومعنى الحديث أنهن يجحدن الاحسان لضعف عقلهن وقلة معرفتهن، فيستدل به على ذم من يجحد إحسان ذى إحسان، قاله النووى (5) جمع قِلادة وهى ما تلبسه المرأة فى عنقها من أنواع الحلى سواء كان من ذهب أو فضة أو خرز أو نحو ذلك (وقرطتهن) جمع قرط بضم القاف
-[حث النساء على الصدقة]-
وخواتيمهنَّ يقذفن به فى ثوب بلالٍ (1) يتصدَّقن به
(1656)
عن عبد الله (بن مسعودٍ رضى الله عنه) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تصدَّقن يا معشر النِّساء ولو من حليِّكنَّ فإنَّكنَّ أكثر أهل النَّار، فقامت امرأةٌ ليست من علية النِّساء (2) فقالت لم يا رسول الله؟ قال لأنَّكن تكثرن اللَّعن (3) وتكفرن العشير
(1657)
عن ابن عبَّاس رضى الله عنهما قال شهدت الصَّلاة يوم الفطر مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبى بكرٍ وعمر وعثمان فكلُّهم كان يصلِّيها قبل الخطبة ثمَّ يخطب بعد، قال فنزل (4) بنيُّ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
وسكون الراء، وتقدم تفسيره بأنه كل ما علق من شحمة الأذن من الحلى (1) فى رواية عند مسلم والامام احمد "وبلال باسط ثوبه" ومعناه أنه بسطه ليجمع الصدقة فيه ثم يفرقها النبى صلى الله عليه وسلم على المحتاجين كما كانت عادته صلى الله عليه وسلم فى الصدقات المتطوع بها والزكوات، وهذه الصدقة كانت من صدقات التطوع لا كما فهم بعضهم أنها زكاة الفطر، والدليل على ذلك ما رواه مسلم من طريق ابن جريح عن عطاء، وفيه قال ابن جريح قلت لعطاء زكاة يوم الفطر؟ قال لا ولكن صدقة يتصدقن بها حينئذ "وفيه" قلت لعطاء أحقاً على الأمام أن يأتى النساء حتى يفرغ فيذكِّرهن؟ قال إى، لعمرى ان ذلك لحق عليهم، وما لهم لا يفعلون ذلك" {تخريجه} (ق. د. نس. هق)
(1656)
عن عبد الله بن مسعود {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا سفيان عن منصور عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله "الحديث"{غريبه} (2) أى ليست من شريفاتهن بل من طبقة أقلّ (3) أصل اللعن الطرد والأبعاد من الله، ومن الخلق السب والدعاء وهو المراد هنا {تخريجه} لم أقف عليه لغير الأمام احمد وسنده جيد
(1657)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا أنا ابن جريج أخبرنى حسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس "الحديث"{غريبه} (4) أى انتقل من مكانه الذى كان يعظ فيه الرجال بعد فراغ خطبة العيد الى المكان الذى فيه النساء، وإنما قلت بعد فراغ الخطبة دفعا لما قاله بعض العلماء من أن
-[تذكير النساء بالبيعة وحثهن على الصدقة]-
كأنّي أنظر إليه حين يجلِّس (1) الرِّجال بيده ثم أقبل يشقُّهم حتَّى جاء النِّساء ومعه بلالٌ فقال (يا أيُّها النَّبيُّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا فتلا هذه الآية حتَّى فرغ منها، ثمَّ قال حين فرغ منها أنتنَّ على ذلك؟ فقالت امرأةٌ واحدةٌ لم يجبه غيرها منهنَّ نعم يا نبيَّ الله، لا يدرى حسنٌ (2) من هي: قال فتصدَّقن، قال فبسط بلالٌ ثوبه ثمَّ قال هلمَّ (3) لكنَّ فداكنَّ أبى وأمِّى (4) فجعلن يلقين الفتخ والخواتم (5) فى ثوب بلالٍ، قال
النزول كان فى أثناء الخطبة، ويردّه ما فى حديث جابر الآتى بعده بلفظ "فلما فرغ نبى الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء الخ" وكذلك عند مسلم من رواية جابر أيضاً، وربما فهم بعض الناس من التعبير بالنزول فى الحديث النزول عن المنبر وليس كذلك، وإنما معناه الانتقال كما فسرنا لأنه لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه خطب فى العيدين على منبر، بل كان يخطب قائماً على رجليه أو على بعيره لما رواه ابن ماجه عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم العيد فيصلى بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على رجلين فيستقبل الناس وهم جلوس ويقول تصدقوا تصدقوا" وسيأتى حديث خطبته صلى الله عليه وسلم على البعير فى باب الخطبة بمنى من كتاب الحج (1) أى يأمرهم بالجلوس (2) هو الحسن بن مسلم أحد رجال السند (3) هى كلمة بمعنى الدعاء الى الشئ كما يقال تعالَ، وأصله لُمَّ من الضم والجمع، ومنه لَمَّ الله شعثه، وكأن المنادى أراد لُمَّ نفسك الينا (وها) للتنبيه وحذفت الألف تخفيفاً لكثرة الاستعمال وجعلا اسماً واحداً، وأهل الحجاز ينادون بها بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع، وعليه قوله تعالى {هلم إلينا} وتستعمل لازمة نحو هلم الينا أى أقبل، ومتعدية نحو هلم شهداءكم أى أحضروهم (4) لفظ مسلم "فِدَى لكنَّ أبى وأمى" والمعنى أفديكن بأبى وأمى وهى كلمة ثناء ومدح، يريد تشجيعن وحثهن على الصدقة (5) الفتح بفتح الفاء والتاء المثناة فوق وبالخاء المعجمة واحدها فتخة كقصبة وقصب، واختلف فى تفسيرها، ففى صحيح البخارى عن عبد الرزاق قال هى الخواتيم العظام، وفى النهاية هى خواتيم كبار تلبس فى الأيدى وربما وضعت فى أصابع الأرجل، وقيل هى خواتيم لا فصوص لها، وتجمع أيضاً على فتخات وفتاخ اهـ {قلت} وذكر الخواتيم بعده يشعر بأنها نوع آخر غير الفتخ فربما كانت خواتم صغيرة تختص بأصابع الأيدى أو تكون ذات فصوص، والخواتم والخواتيم جمع خاتم؛
-[قوة إيمان نساء الأنصار والمهاجرين وتصدقهن بحليهن]-
ابن بكر (1) الخواتيم (زاد في روايةٍ) ثمَّ أمر بلالاً فجمعه فى ثوبٍ حتَّى أمضاه
(1658)
عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال سمعته يقول إنَّ النَّبىَّ صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فبدأ بالصَّلاة قبل الخطبة ثمَّ خطب النَّاس، فلمَّا فرغ نبيُّ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم نزل فأتى النِّساء فذكرهنَّ وهو يتوكَّأ على يد بلالٍ وبلالٌ باسطٌ ثوبه يلقين فيه النِّساء صدقةً، قال تلقى المرأة فتخها ويلقين (2) قال ابن بكرٍ (3) فتختها
(1659)
عن أبى سعيدٍ الخدريّ رضى الله عنه قال كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يخرج يوم العيد فى الفطر "وفى روايةٍ والأضحى" فيصلِّى بالنَّاس تبنك الرَّكعتين (4) ثمَّ يتقدَّم فيستقبل النَّاس (5) وهم جلوسٌ فيقول تصدّقوا تصدَّقوا ثلاث مراتٍ (6) قال فكان أكثر ما يتصدَّق من النَّاس النِّساء بالقرط والخاتم والشَّيء، فإن كانت له حاجةٌ فى البعث ذكره (7) وإن
وفي الخاتم أربع لغات فتح التاء وكسرها وخاتام وخيتام (1) هو محمد بن بكر بن عثمان البرسانى أحد رجال السند، أى قال فى روايته الخواتيم بدل الخواتم والمعنى واحد، لأن كليهما جمع خاتم {تخريجه} (ق. وغيرهما) وأخرج نحوه أبو داود من حديث جابر بن عبد الله
(1658)
عن عطاء {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق وابن بكر أنا عطاء عن جابر "الحديث"{غريبه} (2) ويلقين أى ويلقين أشياء أخر من حليهن (3) هو محمد بن بكر بن عثمان البرسانى المتقدم فى سند الحديث السابق يعنى أنه قال فى روايته تلقى المرأة فتختها بالافراد بدل فتخها {تخريجه} (ق. د. نس. هق)
(1659)
عن أبى سعيد الخدرى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو عامر ثنا داود بن قيس عن عياض بن عبد الله عن أبى سعيد "الحديث"{غريبه} (4) يعنى صلاة العيد (5) رواية ابن حبان فينصرف الى الناس قائماً فى مصلاه، ولابن خزيمة فى رواية مختصرة "خطب يوم عيد على رجليه" وهذا مشعر بأنه لم يكن بالمصلى فى زمانه صلى الله عليه وسلم منبر (6) فيه الحث على الصدقة فى يوم العيد وتأكيد ذلك (7) أي بعث طائفة
-[الحث على اتباع السنة وإنكار البدعة وإن كان المبتدع أميرًا]-
لم يكن له انصرف (وفى روايةٍ) وإن كان يريد أن يضرب على النَّاس بعثًا ذكره وإلَاّ انصرف
(1660)
عن طارق بن شهابٍ عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضى الله عنه قال أخرج مروان المنبر فى يوم عيدٍ (1) ولم يكن يخرج به، وبدأ بالخطبة قبل الصلَاّة ولم يكن يبدأ بها؛ قال فقام رجلٌ (2) فقال يا مروان خالفت السُّنَّة (3) أخرجت المنبر يوم عيدٍ ولم يك يخرج به فى يوم عيدٍ، وبدأت بالخطبة قبل الصَّلاة ولم يك يبدأ بها، قال فقال أبو سعيدٍ الخدريُّ من هذا؟ قالوا فلان بن فلانٍ (4) قال فقال أبو سعيدٍ أمّا هذا فقد
من الجيش الى جهة من الجهات؛ ذكر ذلك في الخطبة وإلا فلا {تخريجه} (ق. وغيرهما)
(1660)
عن طارق بن شهاب {سنده} حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب "الحديث"{غريبه} (1) مروان هو ابن الحكم وكان وقتئذ أميرا على المدينة فأخرج المنبر في يوم عيد إلى المصلى ليخطب عليه مخالفا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون، فقد كانوا يخطبون وقوفا على أقدامهم، وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في بعض الأحيان على بعير، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ منبرا في المصلى قط، ففعل مروان في هذا يؤيد ما تقدم من أنه أول من فعل ذلك (2) في المهمات أنه عمارة بن رؤيبة (3) أي خالف الطريقة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بإخراجه المنبر للخطبة عليه وبخطبته قبل الصلاة (4) أى من المتكلم بالأنكار على مروان؟ فقيل له فلان بن فلان، وهذا صريح بأن المنكِر غير أبى سعيد، لكن روى البخاري عن أبى سعيد أنه خرج مع مروان وهو أمير على المدينة في أضحى أو فطر (قال أبو سعيد) فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فاذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلى فجبذت بثوبه فجبذنى فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له غير تم والله، فقال أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، قلت ما أعلم والله خير مما لا أعلم (وفي رواية مسلم) عن أبي سعيد أيضا قال فخرج محاضرا مروان حتى أتينا المصلى فإذا كثير ابن الصلت قد بنى منبرا من XXX فاذا مروان ينازعنى يده كأنه يجرّني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاه، فلما رأيت ذلك منه قلت أين الابتداء بالصلاة؟ فقال لا يا أبا سعيد قد
-[مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]-
قضى ما عليه (1) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرًا فإن استطاع أن يغيِّره بيده فليفعل، وقال مرَّةً فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع بيده فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه (2) وذلك أضعف الإيمان (3)
(1661)
عن البراء بن عازبٍ رضى الله عنه قال كنَّا جلوسًا في المصلَّى
ترك ما تعلم، قلت كلا والذى نفسى بيده لا تأتون بخير مما أعلم ثلاث مرات ثم انصرف؛ فهاتان الروايتان صريحتان في أن أبا سعيد هو الذى أنكر على مروان فعله، ويجمع بينهما وبين حديث الباب بتعدد القصة كما يستفاد من سياق حديث الباب، ففيه أن مروان أخرج المنبر إلى المصلى، وفي رواية الشيخين أنهم وجدوا كثير بن الصلت قد بنى فيها منبرا، قال الحافظ فلعل مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه بعدُ وأمر ببنائه من لبِن وطين بالمصلىَّ، ولا بُعد في أن ينكر عليه تقديم الخطبة على الصلاة مرة بعد أخرى، قال ويدل على التغاير أيضا أن إنكار أبى سعيد وقع بينه وبينه؛ وإنكار الآخر وقع على رؤوس الناس اهـ (1) يريد أنه أدَّى ما وجب عليه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، قال القاضى عياض إنكار الرجل وأبى سعيد بحضرة هذا الجمع وتسمية أبي سعيد ذلك منكرا (يعنى لاستدلاله بحديث من رآى منكم منكرا الخ) يدل على أن السنة وعمل الخلفاء تقديم الصلاة؛ وان ما روى من تقديم الخطبة عمن تقدم ذكره (يعنى ما نسب الى بعض الصحابة من تقديم الخطبة) لا يصح أن المغيِّر لا يحمل الناس على مذهبه، وإنما يغير ما أجمع عليه اهـ (2) قال القاضى عياض رحمه الله الحديث أصل في كيفية التغيير فيجب على المغير أن يغيّر بكل وجه أمكنه زواله به، فالتغيير باليد ان يكسر آلات الباطل ويريق الخمر وينزع الغصب أو يأمر بذلك، فإن خاف من التغيير باليد مفسدة اشد غيّر بالقول فيعظ ويخوّف ويندب إلى الخير، ويستحب أن يرفق بالجاهل وذى العزة الظالم المتقى شره فانه ادعى للقبول، ولذا استحب في المغير ان يكون من اهل الصلاح، فان القول منه انفع ويغلظ على غيرهما، فان خاف ايضا من التغيير بالقول مفسدة اشد غيّر بالقلب، هذا هو المراد بالحديث خلافاً لمن رآى الانكار بالتصريح بكل حال وإن قتل ونيل منه كل أذّى اهـ بتصرف (3) أي اضعف مراتب ثمرة الايمان يعنى أنه اقل ثمرة مما قبله، ولا يكتفى به إلا من لا يستطيع غيره، فان لم يستطع غيره فلا يقال له ضعيف الإيمان، لأنه قد أدَّى ما فى وسعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها {تخريجه} (م.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)
(1661)
عن البراء بن عازب {سنده} حدثنا عبد الله XXX
-[الضحية إذا ذبحت قبل صلاة العيد لا تصح ضحية]-
يوم أضحى فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّم على النَّاس ثمَّ قال إنَّ أوَّل نسك (1) يومكم هذا الصَّلاة؛ قال فتقدَّم فصلَّى ركعتين ثمَّ سلَّم، ثمَّ استقبل النَّاس بوجهه وأعطي قوسًا أو عصًا فاتََّكا عليه فحمد الله وأثنى عليه وأمرهم ونهاهم (2) وقال من كان منكم عجَّل ذبحًا (3) فإنَّما هى جزرةٌ (4) أطعمه أهله، إنَّما الذَّبح بعد الصَّلاة، فقام إليه خالى أبو بردة بن نيار فقال أنا عجَّلت ذبح شاتى يا رسول الله ليصنع لنا طعامٌ نجتمع عليه إذا رجعنا، وعندى جذعةٌ من معزٍ (5) هى أوفى من الَّذى ذبحت أفتغنى عنِّى يا رسول الله؟ قال نعم، ولن تعنى عن أحدٍ بعدك (6) قال ثمَّ قال يا بلال، قال فمشى واتَّبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى أتى النِّساء فقال يا معشر النِّسوان (7) تصدَّقن، الصَّدقة خيرٌ لكنَّ، قال فما رأيت يومًا قطٌ أكثر خدمة (8) مقطوعةً وقلادةً وقرطًا من ذلك اليوم
ابن عمرو ثنا زائدة ثنا أبو جناب الكلبى حدثنى يزيد بن البراء بن عازب عن البراء بن عازب "الحديث"{غريبه} (1) النسك الطاعة والعبادة وكل ما تقرب به إلى الله تعالى، فقوله صلى الله عليه وسلم نسك يعنى أول عبادة تتقربون إلى الله عز وجل بها في هذا اليوم بعد الفريضة هي صلاة العيد، وكان ذلك في يوم عيد الأضحى (2) فيه مشروعية اتكاء الأمام أثناء الخطبة على قوس أو عصا واشتمال الخطبة على الحمد والثناء والأمر والنهى (3) أى ذبح أضحيته قبل الصلاة (4) بسكون الزاى أى لحم ينتفع بأكله لا يصلح ضحية ولا يثاب عليه ثواب الضحية، وفي رواية لمسلم "إنما هو لحم قدمته لأهلك"(5) أصل الجذَع من أسنان الدواب، وهو ما كان منها شابا فتِيّا، فهو من الابل ما دخل فى السنة الخامسة، ومن البقر والمعز ما دخل فى السنة الثانية وقيل البقر فى الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة وقيل أقل منها، ومنهم من يخالف بعض هذا التقدير (نه)(6) يعنى أن الجذعة من المعز لا تصلح ضحية، وأما جذعة الضأن فتصلح باتفاق العلماء؛ قاله النووى (7) جمع امرأة على غير لفظها؛ ومثله النسوة "بالكسر والضم" والنساء (8) الخَدَمة بفتحات الخلخال جمعها خَدم وخَدم؛ والمراد أنهن تصدقن بشئ كثير من جميع أنواع الحلى {تخريجه} (د) مختصراً، وأخرجه
-[النهي عن صيام يومي العيدين وادخار لحم الضحية]-
(1662)
عن أبي عبيدٍ مولى عبد الرَّحمن بن أزهر قال رأيت عليًا وعثمان رضى الله عنهما يصلِّيان يوم الفطر والأضحى ثم ينصرفان يذكِّران النَّاس، قال وسمعتهما يقولان إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين (1) قال وسمعت عليًّا رضى الله عنه يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقى من نسككم عندكم شيءٌ بعد ثلاثٍ (2)(وعنه من طريقٍ ثانٍ)(3) قال ثمَّ شهدته مع علىٍ فصلَّى قبل أن يخطب بلا أذانٍ ولا إقامةٍ، ثمَّ خطب فقال يا أيُّها النَّاس إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قد نهى أن تأكلوا نسككم بعد ثلاث ليالٍ فلا تأكلوها بعد
الطبراني مطولا بنحو حديث الباب، وصححه ابن السكن، قاله الحافظ
(1662)
عن أبي عبيدة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عثمان بن عمر ثنا بن أبى ذئب بعن سعيد بن خالد بن عبد الله بن فارظ عن أبى عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر "الحديث"{غريبه} (1) يعنى يومى عيد الفطر وعيد النحر فان صومهما حرام بالاجماع لورود النهى عن ذلك في أحاديث كثيرة صحيحة ستأتي إن شاء الله تعالى في أبواب الأيام المنهى عن صيامها من كتاب الصيام (2) يريد لحوم الأضاحى، وهذا النهى منسوخ بأحاديث أخرى صحيحة ستأتى في باب الأكل والاطعام من الأضحية وجواز ادخار لحمها ونسخ النهى عنه من كتاب الهدايا والضحايا إن شاء الله (3){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهرى عن أبى عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر قال ثم شهدته "الحديث"{تخريجه} لم أقف عليه وسنده جيد {وفي الباب} عن عطاء عن عبد الله بن السائب رضى الله عنهما قال "شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب" رواه النسائى وابن ماجه وأبوداود، وقال أبوداود هو مرسل، وقال النسائى هذا خطأ يعنى رفعه والصواب أنه مرسل {وعن سعد المؤذن} رضى الله عنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير في خطبة العيدين" رواه ابن ماجه وفى إسناده عبد الرحمن بن سعد بن عمار ضعيف، وقوله بين أضعاف الخطبة أى في أثنائها وأوساطها وأطرافها
-[إتفاق العلماء على مشروعية الخطبة للعيدين بعد الصلاة]-
.....
{وأخرج نحوه البيهقى} من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال "السنة أن تفتتح الخطبة بتسع تكبيرات تترى والثانية بسبع تكبيرات تترى"{وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة} قال "السنة أن يخطب الأمام فى العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس" رواه الأمام الشافعى في مسنده {وعن جابر بن عبد الله} رضى الله عنهما قال "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائما ثم قعد قعدة ثم قام" رواه ابن ماجه وفى إسناده إسماعيل بن مسلم الخولانى وقد أجمعوا على ضعفه {الأحكام} في أحاديث الباب مع ما ذكرنا فى الشرح دليل على مشروعية الخطبة للعيدين بعد الصلاة وعليه عمل السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة إلا ما خالف فيه بنو أمية ولا يعتد بخلافهم كما قال ابن قدامة لأنه مسبوق أيضا بالاجماع {وفيها} اذا فرغ الأمام من الصلاة استقبل الناس بوجهه وخطب قائما أو على راحلته لثبوت ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم، ولأنه لم يكن فى المصلى فى زمانه صلى الله عليه وسلم منبر كما يستفاد من أحاديث الباب (ولما عند الامام أحمد) عن أبى كاهل رضى الله عنه قال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عيد على ناقة خرماء وحبشى ممسك بخطامها" وسيأتى في باب الخطبة يوم النحر بمنى من كتاب الحج (ولما رواه سعيد) قال حدثنا هشيم حدثنا حصين حدثنا أبو جميلة قال طرأيت عليا صلى يوم عيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب على دابته ورأيت عثمان بن عفان يخطب على راحلته، ورأيت المغيرة بن شعبة يخطب على راحلته" {وفيها} أنه يخطب خطبتين يفصل بينهما بجلوس كخطبتى الجمعة إلا أنه يكبر قبل الأولى تسع تكبيرات تترى، وقبل الثانية سبع تكبيرات تترى كما جاء مصرحا بذلك في حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وتقدم في الشرح قبل الأحكام، وعبيد الله المذكور أحد فقهاء التابعين، وليس قول التابعى من السنة ظاهراً في سنة النبى صلى الله عليه وسلم وليس بحجة. لكن العمل على هذا عند جمهور العلماء (قال الحافظ ابن القيم في الهدى) وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتى العيدين بالتكبير، وإنما روى ابن ماجه في سننه عن سعد مؤذن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر التكبير أضعاف الخطبة ويكثر التكبير فى خطبتى العيد، وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به {وقد اختلف الناس} في افتتاح خطبتى العيدين والاستسقاء، فقيل يفتتحان بالتكبير، وقيل يفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقيل يفتتحان بالحمد، قال شيخ الاسلام بن تيمية هو الصواب، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم" وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله اهـ {وفي أحاديث الباب ايضا} مشروعية افتتاح الخطبة بحمد الله ثم الثناء عليه والوعظ والأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، فإن كان في عيد الفطر أمرهم بصدقة الفطر وبيَّن لهم وجوبها وثوابها وقدر المخرج وجنسه وعلى من تجب والوقت الذي يخرج فيه، وفي الأضحى يذكر الأضحية
-[كلام العلماء في أحكام تتعلق بالخطبة للعيدين]-
.....
وفضلها وبيان حكمها وما يجزى فيها وقت ذبحها والعيوب التى تمنع منها وكيفية تفرقتها وما يقوله عند ذبحها تأسياً به صلى الله عليه وسلم فى جميع ذلك {وفيها} مشروعية اتكاء الخطيب على قوس أو عصا أثناء الخطبة، وتقدم الكلام على ذلك في خطبة الجمعة {وفيها من الفوائد أيضا} استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الاسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن، ويستحب خثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد، ومحل ذلك اذا أمن الفتنة والمفسدة {وفيها أن الصدقة} من دوافع العذاب لأنه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك {وفيها} بذل التضحية والاغلاظ بها لمن احتيج في حقه الى ذلك والعناية بذكر ما يحتاج اليه لتلاوة آية الممتحنة لكونها خاصة بالنساء، وفى مبادرة تلك النسوة الى الصدقة بما يعز عليهن في حليّهن مع ضعف الحال في ذلك الوقت دلالة على رفيع مقامهن في الدين وحرصهن على امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ورضى عنهن {وفيها مشروعية} الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سواء أكان مرتكب المنكر أميراً أم حقيرا ومباشرة التغيير باليد إن استطاع وإلا فباللسان وإلا فبالقلب وليس وراء ذلك من الايمان شئ {وفي أحاديث الباب} جواز تكلم الامام وتكليمه أثناء الخطبة للحاجة كما في حديث البراء بن عازب رضى الله عنه رقم 1661 {وفيها أيضا} استحباب كثرة التكبير في أضعاف الخطبة أى فى أثنائها وأوساطها وأطرافها لحديث سعد الميذن، لكنه ضعيف وتقدم الكلام عليه في الشرح (قال ابن قدامة) فإذا كبّر في أثناء الخطبة كبر الناس بتكبيره، وقد روى عن ابى موسى أنه كان يكبر يوم العيد على المنبر اثنتين وأربعين تكبيرة اهـ ولفظ التكبير المشروع أن يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثا، وسيأتى لذلك مزيد في باب الحث على الذكر والتكبير الخ بعد ثلاثة أبواب إن شاء الله (ويستحب استماع الخطبة) لما روى عن ابن مسعود أنه قال يوم عيد "من شهد الصلاة معنا فلا يبرح حتى يسمع الخطبة" وهذا على سبيل الاستحباب لا الوجوب، لأن النبى صلى الله عليه وسلم رخص لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة وأن يذهب كما في حديث عبد الله بن السائب وتقدم في الشرح وفيه "أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب"(قال الشوكانى) إن تخيير السامع لا يدل على عدم وجوب الخطبة بل على عدم وجوب سماعها، إلا أن يقال إنه يدل على باب الاشارة، لأنه إذا لم يجب سماعها لا يجب فعلها، وذلك لأن الخطبة خطاب ولا خطاب إلا لمخاطب، فاذا لم يجب السماع على المخاطب لم يجب الخطاب اهـ {فائدة} قال النووى رحمه الله تعالى قال أصحابنا الخطب المشروعة عشر، خطبة الجمعة والعيدين والكسوفين والاستسقاء؛ وأربع خطب في الحج وكلها بعد الصلاة إلا خطبة الجمعة وخطبة الحج يوم عرفة، وكلها يشرع فيها خطبتان إلا الثلاث الباقية من الحج فإنهن فرادى اهـ ج
-[ما جاء في التهنئة بالعيد بقول تقبل الله منا ومنكم]-
(8)
باب وقوف الإمام للناس بعد انصرافهم
من صلاة العيد والنظر اليهم وما جاء فى التهنئة بالعيد
(1663)
عن عبد الرَّحمن بن عثمان التَّيميِّ رضى الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا فى السُّوق يوم العيد ينظر والنَّاس يمرُّون
(1663) عن عبد الرحمن بن عثمان {سنده} حدثنا عبد الله ح دثنى أبى ثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثني المنكدر بن محمد يعنى ابن المنكدر عن أبيه عن عبد الرحمن بن عثمان التيمى قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"{تخريجه} أورده الهيثمى وقال رواه احمد وأبو يعلى والطبرانى في الكبير والأوسط وقال فيهما "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا انصرف من العيدين أتى وسط المصلىَّ فقام فنظر الى الناس كيف ينصرفون وكيف سمتهم ثم يقف ساعة ثم ينصرف" ورجال الطبراني موثقون وإن كان فيهم المنكدر ابن محمد بن المنكدر فقد وثقه احمد وأبو داود وابن معين في رواية وضعفه غيرهم اهـ {قلت} وترجم الهيثمى في كتابه مجمع الزوائد للتهنئة بالعيد فقال "باب التهنئة بالعيد" وأورد فيه أثراً عن حبيب بن عمر الأنصارى قال حدثنى أبى قال لقيت وا ئلة يوم عيد فقلت تقبل الله منا ومنك فقال تقبل الله منا ومنك، قال الهيثمى رواه الطبرانى في الكبير وحبيب قال الذهبى مجهول، وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأبوه لم أعرفه اهـ {قلت} وقال ابن قدامة في المغنى قال أحمد رحمه الله ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد تقبل الله منا ومنك، وقال حرب سئل أحمد عن قول الناس في العيدين تقبل الله منا ومنكم قال لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبى أمامة، قيل ووائلة بن الأسقع؟ قال نعم، قيل فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد؟ قال لا، وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث منها أن محمد بن زياد قال "كنت مع أبى أمامة الباهلى وغيره من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك، وقال احمد إسناد حديث أبى أمامة إسناد جيد، وقال على بن ثابت سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة وقال لم يزل يعرف هذا بالمدينة، وروى عن احمد أنه قال لا أبتدئ به أحدا، وإن قاله أحد رددته عليه اهـ {هذا ولمناسبة التهنئة بالعيد} نذكر طرفاً من حديث رواه سعيد بن أوس الأنصارى عن أبيه أن الناس إذا صلوا عيد الفطر "نادى مناد ألا ان ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة" رواه الطبرانى في الكبير وفيه جابر الجعفى ضعيف والله أعلم
-[حجة من قال لا يصلى قبل العيد ولا بعدها]-
(9)
باب الصلاة قبل العيد وبعدها
(1664)
عن أبى بكر بن حفصٍ عن ابن عمر رضى الله عنهما أنَّه خرج يوم عيدٍ فلم يصلِّ قبلها ولا بعدها فذكر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فعله
(1665)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فطر لم يصلِّ قبلها ولا بعدها، ثمَّ أتى النِّساء ومعه بلالٌ فجعل يقول تصدَّقن، فجعلت المرأة تلقى خرصها وسخابها (1)
(1666)
عن أبى سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال كان رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يفطر يوم الفطر قبل أن يخرج، وكان لا يصلِّى قبل الصَّلاة (2) فإذا قضى صلاته صلَّى ركعتين
(1664) عن أبي بكر بن حفص {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا أبان بن عبد الله البجلى عن أبى بكر بن حفص "الحديث"{تخريجه} (مذ. ك) وقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح.
(1665)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز ثنا شعبة قال أخبرني عدى بن ثابت قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس "الحديث"{غريبة} (1) الخرص بضم الخاء هو الحلقة الصغيرة من الحلىّ وفى القاموس الخرص بالضم ويكسر كلقة من الذهب والفضة أو حلقة القرط أو الحلقة الصغيرة من الحلى اهـ (والسخاب) بسين مهملة مكسورة بعدها خاء معجمة هو خيط تنظم فيه الخرزات، وفى القاموس ان السخاب ككتاب قلادة من سكٍّ وقُرُنفُل ومحلب بلا جوهر جمعه ككتب اهـ {تخريجه} (ق. والأربعة وغيرهم) ولهذا الحديث ألفاظ مختلفة
(1666)
عن أبى سعيد الخدرى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا زكريا بن عدى أنا عبيد الله عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد "الحديث"{غريبه} (2) أى قبل صلاة العيد (وقوله صلى ركعتين) أى بعد رجوعه إلى منزله كما صرح بذلك في رواية ابن ماجه عن أبي سعيد بلفظ "ان النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يصلى قبل العيد شيئاً فاذا رجع الى منزله صلي ركعتين" وإسناده حسن {تخريجه} (جه. ك) وصححه، وحسنه الحافظ {وفي الباب عن كعب بن عجرة} رضي
-[كلام العلماء في حكم الصلاة قبل العيد وبعدها]-
.....
الله عنه عند الطبرانى في الكبير من طريق عبد الملك بن كعب بن عجرة قال خرجت مع كعب بن عجرة يوم العيد الى المصلى فجلس قبل أن يأتى الامام ولم يصل حتى انصرف الامام والناس ذاهبون كأنهم عنق نحو المسجد، فقلت ألا ترى؟ فقال فقال هذه بدعة وترك للسنة، وفي رواية له بلفظ ان كثيراً مما يرى جفاء وقلة علم؛ ان هاتين الركعتين سبحة هذا اليوم حتى تكون الصلاة تدعوك، قال العراقى إسناده جيد {وعن أبى مسعود} رضى الله عنه قال "ليس من السنة الصلاة قبل خروج الامام من العيد" أورده الهيثمى وقال رواه الطبراني في الكبير أيضاً ورجاله ثقات {وعن على رضى الله عنه} عند البزار من طريق الوليد بن سريع مولى عمرو بن حريث قال خرجنا مع أمير المؤمنين على بن أبى طالب في يوم عيد فسأله قوم من أصحاب عن الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها فلم يرد عليهم شيئا، ثم جاء قوم فسألوه فما رد عليهم شيئا، فلما انتهينا إلى الصلاة فصلى بالناس فكبر سبعا وخمسا ثم خطب الناس ثم نزل فركب، فقالوا يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم يصلون، قال فما عسيت أن أصنع، سألتمونى عن السنة أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها، فمن شاء فعل ومن شاء ترك، أترونى أمنع قوماً يصلون فأكون بمنزلة من منع عبداً إذا صلى، قال العراقى وفي إسناده إبراهيم بن محمد بن النعمان الجعفى لم أقف على حاله وباقى رجاله ثقات {قلت} وأورده الهيثمى وقال رواه البزار وقال لا يروى عن على إلا بهذا الاسناد، قال الهيثمى قلت وفيه من لم أعرفه اهـ {وعن أيوب} قال "رأيت أنس بن مالك والحسن يصليان يوم العيد قبل أن يخرج الامام قال ورأيت محمد بن سيرين جاء فجلس ولم يصل" رواه أبو يعلى، وروى الطبرانى في الكبير "أن أنساً كان يصلى أربع ركعات" أوردهما الهيثمى وقال رجال أبو يعلى رجال الصحيح {الأحكام} أكثر أحاديث الباب مع ما ذكرنا في الشرح تدل على عدم صلاة نافلة قبل صلاة العيد وبعدها {ومنها} ما يدل على جواز ذلك، لهذا اختلف العلماء (قال الحافظ) ذكر ابن المنذر عن أحمد أنه قال الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها، والبصريون يصلون قبلها لا بعدها، والبصريون يصلون قبلها لا بعدها، والمدنيون لا قبلها ولا بعدها "وبالأول" قال الأوزاعي والثورى والحنفية "وبالثانى" قال الحسن البصرى وجماعة "وبالثالث" قال الزهرى وابن جريج وأحمد {وأما مالك} فمنعه في المصلى، وعنه في المسجد روايتان {وقال الشافعى} في الأم ونقله البيهقى عنه في المعرفة بعد أن روى حديث ابن عباس أى حديث الباب ما نصه، وهكذا يجب على الامام أن لا يتنفل قبلها ولا بعدها، وأما المأموم فمخالف له في ذلك في بسط الكلام في ذلك، وقال الرافعي يكره للامام التنفل قبل العيد وبعدها وقيده في البويطي بالمصلىَّ، وجرى على ذلك الصيمرى فقال لا بأس بالنافلة قبلها وبعدها مطلقا إلا للامام في موضع الصلاة {وأما النووى} في شرح مسلم فقال قال الشافعى وجماعة من السلف لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها، فإن حمل
-[كلام العلماء في حكم الصلاة قبل العيد وبعدها]-
.....
كلامه على المأموم وإلا فهو مخالف لنص الشافعى المذكور، ويؤيد ما فى البويطي حديث أبى سعيد "أن النبى صلى الله عليه وسلم لا يصلى قبل العيد شيئا فاذا رجع الى منزله صلى ركعتين" أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن وقد صححه الحاكم {وبهذا قال إسحاق} ونقل بعض المالكية الاجماع على أن الامام لا يتنفل في المصلىَّ، وقال ابن العربى التنفل في المصلى لو فعل لنفل، ومن أجازه رآى أنه وقت مطلق للصلاة، ومن تركه رآى أن النبيى صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ومن اقتدى فقد اهتدى اهـ (وقال الزهرى) لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف هذه الأمة كان يصلى قبل تلك الصلاة ولا بعدها اهـ (وحكى الترمذى) عن طائفة من أهل العلم من الصحابة وغيرهم أنهم رأوا جواز الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، وروى ذلك العراقى عن أنس بن مالك وبريدة بن الحصيب ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله بن مسعود وعلى بن أبي طالب وأبى برزة (قال) وبه قال من التابعين ابراهيم النخعى وسعيد بن جبير والأسود بن يزيد وجابر بن زيد والحسن البصرى وأخوه سعيد بن أبى الحسن وسعيد بن المسيب وصفوان بن محرز وعبد الرحمن بن أبى ليلى وعروة بن الزبير وعلقمة والقاسم بن محمد ومحمد بن سيربين ومكحول وأبو بردة، ثم ذكر من روى ذلك عن الصحابة المذكورين من أئمة الحديث، قال وأما أقوال التابعين فرواها ابن أبى شيبة وبعضها في المعرفة للبيهقي (قال العراقى) والأحاديث الواردة في هذا الباب ليس فيها نهى عن الصلاة في هذه الأوقات، ولكن لما كان صلى الله عليه وسلم يتأخر مجيئه إلى الوقت الذي يصلى بهم فيه ويرجع عقب الخطبة، روى عنه من روى من أصحابه أنه كان لا يصلى قبلها ولا بعدها، ولا يلزم من تركه لذلك لاشتغاله بما هو مشروع في حقه من التأخر إلى وقت الصلاة أن غيره لا يشرع ذلك له ولا يستحب، فقد روى عنه غير واحد من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلى الضحى وصح ذلك عنهم، وكذلك لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الجمعة قبلها، لأنه إنما كان يؤذن للجمعة بين يديه وهو على المنبر اهـ (وقال البيهقى) يوم العيد كسائر الأيام والصلاة فيه مباحة إذا ارتفعت الشمس حيث كان المصلىَّ، ويدل على عدم الكراهة حديث أبي ذر قال قال النبى صلى الله عليه وسلم "الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقل" رواه ابن حبان والحاكم في صحيحهما اهـ (قال الحافظ) والحاصل أن صلاة العيد لم تثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافاً لمن قاسها على الجمعة، وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة في جميع الأيام (قال الشوكانى) وكذلك قال العراقى وهو كلام صحيح جار على مقتضى الأدلة، فليس في الباب ما يدل على منع مطلق النفل ولا على منع ما ورد فيه دليل يخصه كتحية المسجد إذا أقيمت صلاة العيد في المسجد، نعم في التلخيص ما لفظه (وروى أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً "لا صلاة يوم العيد
-[ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من كرم الأخلاق وحسن معاشرته لأزواجه والرفق بهن]-
(10)
باب الضرب بالدف واللعب يوم العيد
(1667)
عن عائشة رضى الله عنها أن الحبشة كانوا يلعبون (1) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم عيدٍ قالت فاطَّلعت من فوق عاتقه (2) فطأطأ لى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتَّى شبعت (3) ثمَّ انصرفت
(1668)
عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها
قبلها ولا بعدها" فإن صح كان دليلاً على المنع مطلقا لأنه نفى في قوة النهى وقد سكت عليه الحافظ فينظر فيه {قلت} حديث عبد الله بن عمرو الذى عزاه الحافظ للامام أحمد لم أقف عليه في مسنده، فان صح عزوه اليه يكون في كتبه الأخرى غير المسند والله أعلم
(1667)
عن عائشة رضى الله عنه {سنده} حديثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن نمير قال ثنا هشام عن أبيه عن عائشة "الحديث"{غريبه} (1) في الرواية الثانية "يلعبون في المسجد" وكذلك عند مسلم والنسائى وغيرهما، قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في تمكين النبي صلى الله عليه وسلم الحبشة من اللعب في المسجد دليل على جواز ذلك فلم كره العلماء اللعب في المساجد؟ قال والجواب أن لعب الحبشة كان بالسلاح، واللعب بالسلاح مندوب اليه للقوة على الجهاد، فصار ذلك من القُرَب كأقراء علم وتسبيح وغير ذلك من القرب، لأن ذلك كان على وجه الندور، والذى يفضى الى امتهان المساجد إنما هو أن يتخذ ذلك عادة مستمرة، ولذلك قال الشافعى رضى الله عنه لا أكره القضاء في المسجد المرة والمرتين، وإنما أكرهه على وجه العادة اهـ (2) أى كانت تنظر إليهم وهى خلف النبى صلى الله عليه وسلم فكان عاتقه يحجبها عن النظر فطأطأ لها يعنى انحنى قليلا وخفض ظهره لها لتتمكن من النظر اليهم، وظاهر هذا يدل على جواز نظر المرأة إلى الرجال وهم يلعبون، قال النووى رحمه الله يحتمل أن يكون ذلك قبل بلوغ عائشة، أو قبل نزول الآية في تحريم النظر، أو كانت تنظر إلى لعبهم بحرابهم لا الى وجوههم وأبدانهم وإن وقع بلا قصد أمكن أن تصرفه في الحال (3) في رواية مسلم والنسائى حتى إذا مللت (أي سئمت النظر) قال حسبك (أي هل يكفيك هذا القدر؟) قلت نعم، قال فاذهبى {تخريجه} (م. نس. وغيرهما)
(1668)
عن عروة بن الزبير عن عائشة {سنده} حدثنا عبد الله حدثني
-[جواز اللعب بالحراب ونحوها من آلات الحرب في المسجد يوم العيد]-
أنَّ أبا بكرٍ دخل عليها وعندها جاريتان (1) فى أيَّام منى (2) تضربان بدفَّين (3) ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجًّى (4) عليه بثوبه فانتهزهما (5) فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه فقال دعهما (6) يا أبا بكر فإنَّها أيَّام عيدٍ، وقالت عائشة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه (7) وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون فى المسجد حتَّى أكون أنا أسأم فأقعد (8) فاقدروا قدر الجارية الحديثة السِّنِّ الحريصة على اللَّهو
أبي ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعى قال حدثنى الزهرى عن عروة "الحديث"{غريبه} (1) الجارية في النساء كالغلام في الرجال، يقعان على من دون البلوغ فيهما، وفي الطبراني أن إحداهما كانت لحسان بن ثابت (2) هي الأيام الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق، ففيه أن هذه الأيام داخلة في أيام العيد وحكمه جار عليها في كثير من الأحكام لجواز التضحية وتحريم الصوم واستحباب التكبير وغير ذلك (3) المراد بالدف هنا دف العرب وهو مدوّر على شكل الغربال خلا أنه لا خروق في جلده ولا جلاجل فيه؛ وأما دف الملاهي فهو مدور، جلده من رق أبيض مناعم فيه جلاجل يسمى بالطار، له صوت يطرب لحلاوة نغمته (4) أي مغطى ففهم أبو بكر أنه نائم وغير عالم بذلك (5) أي زجرهما ومنعهما لعدم اطلاعه على تقرير النبى صلى الله عليه وسلم اياهما على ذلك (6) أي اتركهما، وفي الحديث التالي "يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وإن اليوم عيدنا" وهذا تعليل لنهيه إياه بقوله دعهما، وبيان لخلاف ما ظنه أبو بكر من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه لكونه دخل فوجد النبي صلى الله عليه وسلم مغطى بثوبه نائماً، ولا سيما كان المقدر عنده منع الغناء واللهو فبادر إلى إنكار ذلك قياماً عن النبى صلى الله عليه وسلم فأوضح النبى صلى الله عليه وسلم الحال وبينه بقوله "إن لكل قوم عيداً" أي لكل طائفة من الملل المختلفة عيداً يسمونه باسم مثل النيروز والمهرجان، وان هذا اليوم يوم عيدنا، وهو يوم سرور شرعى فلا ينكر مثل هذا، على أن ذلك لم يكن بالغناء الذي يهيج النفوس إلى أمور لا تليق، ولهذا جاء في رواية "وليستا بمغنيتين" يعنى لم تتخذا الغناء صناعة وعادة، وتقدم حديث أنس في أول أبواب العيدين "قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال إن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم النحر"(7) هذا يدل على أن ذلك كان بعد نزول آية الحجاب، وسيأتي الكلام عليه في الأحكام (8) معناه أنها تحب اللهو التفرج والنظر إلى اللعب حبا بليغاً وتحرص على إدامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلا بعد زمن طويل (وقولها فاقدروا) هو بضم الدال وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وغيره، وهو من التقدير أى قدروا رغبتنا في ذلك إلى أن ننتهى، قاله النووى {تخريجه} (م. نس)
-[جواز الضرب بالدف والغناء المباح في أيام السرور]-
(1669)
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أنَّ أبا بكرٍ دخل عليها ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها يوم فطرٍ أو أضحى وعندها جاريتان تضربان بدفَّين فانتهرهما أبو بكرٍ رضى الله عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعنا يا أبا بكرٍ، إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وإنَّ عيدنا هذا اليوم (وعنها من طريقٍ ثانٍ)(1) قال دخل علينا أبو بكرٍ فى يوم عيدٍ وعندنا جاريتان تذكران يوم بعاث (2) يومٌ قتل فيه صناديد الأوس والخزرج، فقال أبو بكرٍ عباد اله أمزمور الشَّيطان؟ عباد الله أمزمور (3) الشيَّطان؟ عباد الله أمزمور الشَّيطان؟ قالها ثلاثًا: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكرٍ إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وإنَّ اليوم عيدنا
وللبخاري بعضه وفيه فانتهرنى وقال مزمارة الشيطان عند النبى صلى الله عليه وسلم "الحديث"
(1669)
عن هشام بن عروة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن هشام بن عروة "الحديث"(1) وعنها من طريق ثان {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا جماد بن سلمة قال ثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت دخل علينا أبو بكر "الحديث"{غريبه} (2) بضم الباء الموحدة وبالعين المهملة، ويجوز صرفه وترك صرفه وهو الأشهر، وهو اسم حصن للأوسط جرى الحرب في هذا اليوم عند هذا الحصن بين قبيلتى الأنصار "الأوسط والخزرج" في الجاهلية وكان الظهور فيه للأوسط؛ واستمرت بينهما مائة وعشرين سنة، ثم ز الت ببركة قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه نزل قوله تعالى {لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} (3) هو بضم الميم الأولى وفتحها والضم أشهر ولم يذكر القاضى عياض غيره، ويقال أيضاً مزمار بكسر الميم وأصله صوت بصفير، والزمير الصوت الحسن، ويطلق على الغناء أيضاً، قال النووى رحمه الله فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزع عن الهوى واللغو ونحوه وإن لم يكن فيه إثم، وفيه ان التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتاً على الكبير، بل هو أدب ورعاية حرمة وإجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه، وإنما سكت النبى صلى الله عليه وسلم عنهن لأنه مباح لهن وتسجَّى بثوبه وحول وجهه إعراضاً عن اللهعو ولئلا يستحين ويقطعن ما هو مباح لهن، وكان هذا من رأفته صلى الله عليه وسلم، وحلمه وحسن خلقه اهـ {تخريجه} (ق. وغيرهما)
-[استئثار الله عز وجل بعلم الغيب إلا ما أوحى به إلى رسله]-
(1670)
عن حمَّاد بن سلمة عن أبى حسين قال كان يومٌ لأهل المدينة يلعبون فدخلت على الربيِّع (1) بنت معوِّذ بن عفراء رضى الله عنها، فقالت دخل علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) فقعد على موضع فراشى هذا وعندى جاريتان تندبان آبائى (3) الَّذين قتلوا يوم بدرٍ تضربان بالدُّفوف، وقال عفَّان مرَّةً بالدُّف (4) فقالتا فيما تقولان* وفينا نبيٌّ يعلم ما يكون فى غدٍ * فقال أمَّا هذا فلا تقولاه (5)
(1671)
عن جابرٍ عن عامرٍ أنَّ قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما
(1670) عن حماد بن سلمة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة "الحديث"{غريبه} (1) بتشديد الباء التحتية مصغراً (ومعوذ) بكسر الواو المشددة (2) زاد في رواية ابن ماجه "صبيحة عرسى" وفي رواية البخارى "حين بُنى على" والبناء الدخول بالزوجة، وسبب دخول الحسين على الربيع أنه رأى بعض الجوارى بالمدينة يضربن بالدف يوم عاشوراء فدخل على الربيع ليسألها عن ذلك كما تفيده رواية ابن ماجه من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن أبى الحسين واسمه خالد المدنى قال "كنا بالمدينة يوم عاشوراء والجوارى يضربن بالدف ويتغنين فدخنا على الربيع بنت معوِّذ فذكرنا ذلك لها فقالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسى وعندى جاريتان تغنيان وتندبان أبائى الحديث"(3) من الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم (قال الحافظ) وأباؤها الذين شهدوا بدرا معوّذ ومعاذ وعوف وأحهم أبوها والآخران عماها أطلقت الأبوة عليهما تغليباً (4) عفان أحد رجال السند، يعنى أنه قال في روايته تضربان الدف بدل الدفوف (5) زاد في رواية ابن ماجه "ما يعلم ما في غد إلا الله" والمعنى لا تقولا ما يتعلق بمدحى الذى فيه الاطراء المنهى عنه، لأنه لا يعلم ما في غد إلا الله عز وجل كما قال تعالى {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} وقال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم "قل لا أملك لنفسى نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاتكثرت من الخير وما مسنى السوء"(فإن قيل) قد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر بأمور كثيرة غيبية ووقعت كما أخبر (فالجواب) أن سائر ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب باعلام الله تعالى إياه، لا أنه يستقل بعلم ذلك كما قال تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول} {تخريجه} (خ. جه. طب).
(1671)
عن جابر عن عامر أن قيس الخ {سنده} حدثنا عبد الله حدثني
-[كلام العلماء في حكم نظر المرأة إلى رجل أجنبي]-
قال ما من شيءٍ كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَاّ وقد رأيته إلَاّ شيئًا واحدًا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلَّس له (1) يوم الفطر، قال جابر هو اللَّعب
أبي ثنا أبو النضر ثنا إسرائيل عن جابر عن عامر "الحديث"{غريبه} (1) التقليس قيل هو الضرب بالدف والغناء، قال الحافظ السيوطى قال يوسف بن عدى التقليس أن تقعد الجوارى والصبيان على أفواه الطرق يلعبون بالطبل وغير ذلك، وقيل هو الضرب بالدف اهـ وفى النهاية المقلِّسون الذين يلعبون بين يدى الأمير اذا وصل البلد اهـ والظاهر أنهم كانوا يظهرون آثار الفرح والسرور عند صلى الله عليه وسلم وهو يقررهم على ذلك كما قرر الجارية التى نذرت ضرب الدف بين يديه على ذلك، والجاريتان اللتان كانتا تغنيان عند عائشة {تخريجه} (جه) وقال البوصيرى في زوائد ابن ماجه إسناد حديث قيس صحيح ورجاله ثقات {الأحكام} أحاديث الباب تدل على جواز اللعب بالحراب ونحوها من آلات الحرب يوم العيد في المسجد ويلتحق بذلك ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر {وفيها أيضاً} جواز الضرب بدف العرب يوم العيد والغناء الخالى من التكسير والغزل ونحو ذلك مما يثير النفوس، قال النووى رحمه الله وفيه (يعنى حديث لعب الحبشة بالحراب) جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس البدن، وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبى فان كان بشهوة فحرام بالاتفاق، وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففى جوازه وجهان لأصحابنا، أصحهما تحريمه لقوله تعالى {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وأم حبيبة "احتجبا عنه" أى عن ابن أم مكتوم، فقلنا إنه أعمى لا يبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم "أفعمياوان أنتما؟ أليس تبصرانه؟ " وهو حديث حسن رواه الترمذى وغيره، وقال الترمذى هو حديث حسن {قلت ورواه الأمام أحمد أيضاً وسيأتى في محله} قال وعلى هذا أجابوا عن حديث عائشة بجواربين وأقواهما أنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت لعبهم وحرابهم، ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن؛ وإن وقع النظر بلا قصد صرفته في الحال (والثانى) لعل هذا قبل نزول الآية في تحريم النظر وانها كانت صغيرة قبل بلوغها فلم تكن مكلفة على قول من يقول إن للصغير المراهق النظر والله أعلم اهـ {قلت} الجواب الأول أقوى كما قال ولأن الجواب الثانى يخالفه ما ورد في رواية ابن حبان أن ذلك وقع لمَّا قدم وفد الحبشة، وكان قدومهم سنة سبع فيكون عمرها خمس عشرة سنة، واستظهر الحافظ أن ذلك وقع بعد بلوغها {وفي حديث عائشة أيضاً} الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها وبيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة
-[كلام العلماء في حكم الغناء وما يجوز منه وما يحرم]-
(11)
باب الحث على الذكر والطاعة
والتكبير للعيدين وفى أيام العشر وأيام التشريق
(1672)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من
بالمعروف مع الأهل والأزواج وغيرهم "قال النووى"{واختلف العلماء في الغناء} فأباحه جماعة من أهل الحجاز وهى رواية عن مالك وحرّمه أبو حنيفة وأهل العراق {ومذهب الشافعى} كراهته وهو المشهور من مذهب مالك، واحتج المجوّزون بهذا الحديث (أى حديث عائشة الثالث من أحاديث الباب) وأجاب الآخرون بأن هذا الغناء إنما كان في الشجاعة النفوس على الشر ويحملها على البطالة والقبيح، قال القاضي إنما كان غناؤها بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجوارى على شر، ولا انشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه، وانما هو رفع الصوت بالانشاد، ولهذا قالت "وليستا بمغنيتين"(يعنى رواية مسلم) التي فيها "وعندى جاريتان من جوارى الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين" أى ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغَزَل كما قيل الغناء فيه الزنا، وليستا أيضاً مما اشتهر وعرف باحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسباً، والعرب تسمى الانشاد غناء، وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذى هو مجرد الانشاد والترنم، وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا كله إباحة مثل هذا وما فى معناه، وهذا ومثله ليس بحرام اهـ وسيأتى الكلام على آلات اللهو والغناء المحرم ونحو ذلك في كتاب اللهو واللعب ان شاء الله {وفى أحاديث الباب أيضاً} من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة وأن الاعراض عن ذلك أولى {وفيها} جواز دخول الرجل على ابنته وهى عند زوجها اذا كان له بذلك عادة، وتأديب الأب بحضرة الزوج وإن تركه الزوج؛ إذ التأديب وظيفة الآباء والعطف مشروع من الأزواج للنساء {وفيها} أن اظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين، وفيها غير ذلك والله أعلم.
(1672)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "الحديث"
-[فضل العمل في أيام عشر ذي الحجة]-
أيامٍ العمل الصَّالح فيها أحبُّ إلى الله عز وجل من هذه الأيَّام يعنى أيَّام العشر (1) قال قالوا يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ (2) قال ولا الجهاد فى سبيل الله إلَاّ رجلٌ (3) خرج بنفسه وماله، ثمَّ لم يرجع من ذلك بشيءٍ (4)
(1673)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم مثله
{غريبه} (1) أي عشر ذي الحجة كما صرح بذلك في رواية أبى داود الطيالسى بلفظ "ما العمل في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة الحدجيث" وفى حديث جابر في صحيحى أبى عوانة وابن حبان "ما من أيام أفضل عند الله من عشر ذى الحجة" فالمراد بالأيام فى حديث الباب عشر ذى الحجة (2) سؤالهم هذا يدل على تقرير أفضلية الجهاد عندهم، وكأنهم استفادوه من قوله صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله عن عمل يعدل الجهاد "فقال لا أجده" كما في البخاري من حديث أبى هريرة (3) هو على حذف مضاف أى الأعمل رجل (4) أي فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساوياً له، قال ابن بطال هذا اللفظ يحتمل أمرين أن لا يرجع بشيء من ماله وإن رجع هو، وأن لا يرجع هو ولا ماله بأن رزقه الله الشهادة، وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله لم يرجع من ذلك بشيء يستلزم أن يرجع بنفسه ولا بد اهـ قال الحافظ وهو تعقب مردود، فان قوله لم يرجع بشيء نكرة في سياق النفى فتعم ما ذكر؛ وقد وقع في رواية الطيالسى وغندر وغيرهما عن شعبة، وكذا في أكثر الروايات "فلم يرجع من ذلك بشيء" قال والحاصل أن نفى الرجوع بالشيء لا يستلزم إثبات الرجوع بغير شيء؛ بل هو على الاحتمال كما قال ابن بطال اهـ {تخريجه} (خ. د. مذ. جه).
(1673)
وعن عبد الله بن عمرو {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا اسماعيل ثنا يحيى بن أبى إسحاق حدثنى عبدة بن أبى لبابة عنه حبيب بن أبى ثابت حدثنى أبو عبد الله مولى عبد الله بن عمرو ثنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما ونحن نطوف بالبيت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من أيام أحب الى الله العمل فيهن من هذه الأيام، قيل ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد فى سبيل الله، الا من خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع حتى تهراق مهجة دمه" قال فلقيت حبيب بن ابى ثابت فسألته عن هذا الحديث فحدثنى بنحو من هذا الحديث، قال وقال عبدة هى الأيام العشر {تخريجه} لم أقف عليه لغير الامام أحمد وسنده جيد
-[استحباب التكبير والأعمال الصالحة في أيام التشريق وعشر ذي الحجة]-
(1674)
عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال ما من أيَّامٍ أعظم عند الله ولا أحبُّ إليه من العمل فيهنَّ من هذه الأيَّام العشر، فأكثروا فيهنَّ من التَّهليل والتَّكبير والتَّحميد (1)
(1675)
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيَّام التَّشريق (2) أيَّام طعمٍ (3) وذكر الله تعالى، وقال مرَّة أيَّام أكلٍ وشربٍ
(1676)
عن نبيشة الهذلىَّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيَّأم التَّشريق أيَّام أكل وشربٍ وذكر الله عز وجل
(1674) عن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا عفان ثنا أبو عوانة ثنا يزيد بن أبى زياد عن مجاهد عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (1) أى أكثروا فيهن من قوله لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله؛ ويجمع ذلك بل يزيد عنه الصيغة الواردة المعروفة وهى "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"{تخريجه} أخرجه البيهقى في شعب الايمان وابن أبى الدنيا، وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس وسنده جيد.
(1675)
عن أبى هريرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا عمر بن أبى سلمة عن أبيه عن أبى هريرة "الحديث"{غريبه} (2) هى ثلاثة أيام تلى عيد النحر سميت بذلك من تشريق اللحم، وهو تقديره وبسطه في الشمس ليجف، لأن لحوم الأضاحى كانت تُشَرَّق فيها بمنى، وقيل سميت به، لأن الهدى والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس أى تطلع (؟؟؟)(3) بضم الطاء المهملة هو الأكل كما في اللفظ الآخر والحديث التالى، والمعنى أنه يستحب فيها الاكثار من ذكر الله تعالى وفسر بالتكبير، ويكره صومها، وفيه خلاف سيأتى في محله إن شاء الله {تخريجه} (حب) وسنده جيد.
(1676)
عن نبيشة الهذلى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هشيم أنا خالد عن أبى المليح عن نبيشة الهذلى "الحديث"{تخريجه} (م. نس) وفي البخاري وقال ابن عباس واذكروا الله في أيام معلومات أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق، قال وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان الى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما (وفيه) وكان عمر بكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل
-[كلام العلماء في أيام التشريق وما المراد بالأيام المعلومات والأيام المعدودات]-
.....
الأسواق حتى يرتج منىً تكبيراً" وهذا الأثر وصله عبد بن حميد، وفيه الأيام المعدودات أيام التشريق والأيام المعلومات أيام العشر، وروى ابن مردويه عن ابن عباس أن الأيام المعلومات هى التى قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة، والمعدودات أيام التشريق (قال الحافظ) وإسناده صحيح، وظاهره إدخال يوم العيد في أيام التشريق، وقد روى ابن أبى شبيه عن ابن عباس أيضاً أن المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده، ورجح الطحاوى هذا لقوله تعالى "ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام" فإنه يشعر بأن المراد أيام النحر (قال الحافظ) وهذا لا يمنع تسمية أيام العشر معلومات ولا أيام التشريق معدودات، بل تسمية أيام التشريق معدودات متفق عليه، لقوله تعالى {واذكروا الله في أيام معدودات} الآية وقيل إنما سميت معدودات لأنها إذا زيد عليها شيء عُدَّ ذلك حصراً أي في حكم حصر العدد {وقد وقع الخلاف} في أيام التشريق، فمقتضى كلام أهل اللغة والفقه أن أيام التشريق ما بعد يوم النحر على اختلافهم هل هى ثلاثة أيو يومان؟ لكن ما ذكروه من سبب تسميتها بذلك بقتضى دخول يوم العيد فيها، وتقدم ما ذكره صاحب النهاية في سبب تسميتها في شرح حديث أبى هريرة، قال الحافظ وأظنهم أخرجوا يوم العيد منها لشهرته بلقب يخصه وهو العيد، وإلا فهى في الحقيقة تبع له في التسمية كما تبين من كلامهم اهـ {وفي الباب عن نافع عن ابن عمر} رضى الله عنهما أنه كان يغدو إلى المصلى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبر، وفي رواية "يرفع صوته بالتكبير حتى يأتى المصلىَّ يوم العيد ثم يكبر بالمصلى حتى إذا جلس الأمام ترك التكبير" رواه الأمام الشافعى في مسنده، وفيه ابراهيم بن محمد فيه مقال {وعنه أيضاً} عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس وعلى وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وايمن بن أم أيمن رافعاً صوته بالتهليل والتكبير ويأخذ طريق الحدادين حتى يأتى المصلى" قال النووى رواه البيهقى مرفوعاً من طريقين ضعيفين؛ والصحيح أنه موقوف على ابن عمر، كذا قال البيهقى وإنما ذكره الشافعى موقوفاً، قال (وقوله يأخذ طريق الحدادين) قيل بالحاء وقيل بالجيم أي الذين يجدّون الثمار اهـ ج {الأحكام} في أحاديث الباب تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته، وأن الغاية القصوى فيه بذلك النفس لله {وفيها} تفضيل بعض الأزمنة على بعض كالأمكنة، وفضل أيام عشر ذى الحجة على غيرها من أيام السنة، وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام أو علق عملاً من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أفرد يوماً منها تعين يوم عرفة، لأنه على الصحيح أفضل الأيام العشر المذكور، فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة جمعاً بين حديث الباب وحديث أبى هريرة مرفوعاً "خير يوم طلعت فيه الشمس فيه الجمعة" رواه مسلم
-[كلام العلماء في فضل أيام العشر وأيام التشريق وما المراد بالعمل فيها]-
.....
أشار إلى ذلك كله النووى في شرحه {وفيها أيضاً} دليل على فضل صيام عشر ذى الحجة لاندراج الصوم في العمل، قال الحافظ والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذى الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهى الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره، وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم؟ فيه احتمال (وقال ابن بطال) وغيره المراد بالعمل في أيام التشريق التكبير فقط، لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرط وبِعال (1) وثبت تحريم صومها، وورد فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك فدل على تفريغها لذلك مع الحض على الذكر، والمشروع منه فيها التكبير فقط؛ وتعقبه الزين بأن العمل إنما يفهم منه عند الاطلاق العبادة، وهي لا تنافى استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر فان ذلك لا يستغرق اليوم واللية (وقال الكرمانى) في الحث على العمل في أيام التشريق لا ينحصر في التكبير بل المتبادر الى الذهن منه أنه المناسك في الرمى وغيره الذى يجتمع مع الأكل والشرب اهـ والذى يجتمع مع الأكل والشرب لكل أحد من العبادة الزائدة على مفروضات اليوم والليلة هو الذكر المأمور به وقد فسر بالتكبير كما قال ابن بطال، وأما المناسك فمختصة بالحاج، أفاده الحافظ؛ ويؤيد ذلك ما وقع في حديث ابن عمر المذكور في الباب من الأمر بالاكثار فيها من التهليل والتكبير (وفي البيهقى) من حديث ابن عباس "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير" ووقع من الزيادة في حديث ابن عباس "وإن صيام يوم منها يعدل صيام سنة والعمل بسبعمائة ضعف"(وللترمذى) عن أبى هريرة "يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة فيها بقيام ليلة القدر" لكن إسناده ضعيف، وكذا إسناد حديث ابن عباس {وفي أحاديث الباب أيضاً} مشروعية التكبير من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لما في حديثى أبى هريرة ونبيشة، ولما فى صحيح البخارى وغيره عن محمد بن أبى بكر الثقفى قال "سألت أنساً ونحن غاديان من منىً الى عرفات عن التلبية كيف كنتم تصنعون مع النبى صلى الله عليه وسلم؟ قال كان يلبى المبلى لا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه"{وفي صحيح البخارى أيضاً عن أم عطية} قالت "كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها حتى نخرج الحيّض فيكنّ خلف الناس فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة هذا اليوم وطهرته"{وفيه تعليقاً} وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه ومماشه تلك الأيام جميعاً، وكانت ميمونة تكبر يوم النحر وكنَّ النساء يكبرن خلف أبان وعثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد"
_________
(1)
البعال بكسر الباء بعدها عين مهملة النكاح وملاعبة الرجل أهله، والمباعلة المباشرة، ويقال لحديث العروسين بعال، والبعل والتبعل حسن العشرة (نه).
-[مذاهب الأئمة في التكبير عقب الصلوات في أيام التشريق]-
.....
{وقصارى القول} أن أحاديث الباب مع ما ذكرنا في الشرح من الأحاديث والآثار تدل على مشروعية التكبير في هذه الأيام، لكن منه ما هو مطلق وما هو مقيد (فالمطلق) التكبير من أول العشر إلى آخر أيام التشريق لقوله تعالى {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} وقال {واذكروا الله في أيام معدودات} فالأيام المعلومات أيام العشر، والمعدودات أيام التشريق، قاله ابن عباس (وأما المقيد) فهو التكبير في أدبار الصلوات، ولا خلاف بين العلماء في مشروعية التكبير في عيد النحر، وإنما اختلفوا في مدته {فذهب الأمام أحمد} رحمه الله الى أنه من صلاة الفجر يوم عرفة الى العصر من آخر أيام التشريق، وهو قول عمرو وعلى وابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهم، واليه ذهب الثورى وابن عيينة وأبو يوسف ومحمد {وهو قول للشافعى} واختاره الشافعية، وعن ابن مسعود أنه كان يكبر من غداة عرفة الى العصر من يوم النحر {واليه ذهب النخعى وعلقمة وأبو حنيفة} لقوله تعالى {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} وهى أيام العشرة، وأجمعنا على أنه لا يكبر قبل عرفة فلم يبق إلا يوم عرفة ويوم النحر، وعن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز أن التكبير من صلاة الظهر يوم النحر إلى الفجر من آخر أيام التشريق، وبه قال {مالك والشافعى} في المشهور عنه، لأن الناس تبع للحاج يقطعون التلبية مع أول حصاة ويكبرون مع الرمى، وإنما يرمون يوم النحر، وأول صلاة بعد ذلك الظهر، وآخر صلاة بمنى الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق {واحتج الأولون بحديث جابر} قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه فيقول على مانكم ويقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد" فيكبر من غداة عرفة الى العصر من آخر أيام التشريق {وعن على وعمار} رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم "كان يكبر يوم عرفة صلاة الغداة ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق" رواهما الدارقطني إلا أنهما من رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفي وقد ضعفا، ولأنه قول عمر وعلى وابن عباس رواه سعيد عنهم (قال ابن قدامة) قيل لأحمد بأي حديث تذهب إلى التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال لإجماع عمر وعلى وابن عباس، ولأن الله تعالى قال {واذكروا الله في أيام معدودات} وهى أيام التشريق فيتعين الذكر في جميعها، وأما قوله تعالى {ويذكرون اسم الله في أيام معلومات} فمحمول على ذكر الله على الهدايا والأضاحى عند رؤيتها فانه مستحب في جميع العشر، وهو أولى من تفسيرهم، لأنهم لم يعملوا به في كل العشر ولا في أكثره، ولو صح تفسيرهم فقد أمر الله بالذكر في أيام معدادات وهى أيام التشريق فيعمل به أيضاً؛ وأما المحرِم فانما لم يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة لاشتغاله عنها بالتلبية كما ذكروا، وغيره يبتدئ من غداة يوم عرفة لعدم المنافع، وقولهم إن الناس في هذا تبع للحاج مجرد دعوى بغير دليل، وقولهم إن آخر صلاة
-[لفظ التكبير المشروع وهل يكون عقب كل صلاة؟ ومشروعيته مطلقا ليلة الفطر]-
.....
يصلونها بمنىً الفجر من آخر أيام التشريق ممنوع، لأن الرمى إنما يكون بعد الزوال اهـ (قال الحافظ) ولم يثبت في شيء من ذلك حديث، وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول على وابن مسعود أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى أخرجه ابن المنذر وغيره اهـ وهل يشرع التكبير عقب الصلوات مطلقاً فرضاً كانت أو نقلاً جماعة أو فرادى (فيه خلاف للعلماء) فمنهم من قصر التكبير على أعقاب الصلوات مطلقاً، ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصه بالرجال دون السناء. وبالجماعة دون المنفرد. وبالمؤداة دون المقضية. وبالمقيم دون المسافر وبساكن المصر دون القرية، وظاهر اختيار البخارى شمول ذلك للجميع، والآثار التى ذكرناها عنه تساعده، قال ابن مسعود رضى الله عنه إنما التكبير على من صلى في جماعة وهذا {مذهب الثورى وأبى حنيفة وأحمد} في المشهور عنه {ولأبى حنيفة} رواية أخرى أنه يكبر عقب الفرائض وإن كان وحده {وهذا مذهب مالك} لأنه ذكر مستحب للمسبوق فاستحب للمنفرد كالسلام، وهو مروى عن ابن عمر رضى الله عنهما {وقال الشافعى} يكبر عقب كل صلاة فريضة كانت أو نافلة منفرداً أو فى جماعة قياساً على الفرض في الجماعة {وأما صيغة التكبير} فقد قال الحافظ أصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال "كبروا الله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً" ونقل عن سعيد بن جبير ومجاهد وعبد الرحمن بن أبى ليلى أخرجه جعفر الفريابى في كتاب العيدين من طريق يزيد بن أبى زياد عنهم {وهو قول الشافعى} وزاد ولله الحمد، وقيل يكبر ثلاثاً ويزيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره، وقيل يكبر ثنتين بعدهما لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، جاء ذلك عن عمر وعن ابن مسعود نحوه {وبه قال أحمد وإسحاق} وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها اهـ {تنبيه} ما هداكم" وإكمال العدة بغروب الشمس من ليلة عيد الفطر وهو مطلق غير مقيد، يؤتى به في المنازل، والمساجد والطرق، ويمتد وقته من غروب الشمس ليلة الفطر الى أن يحرم الأمام بصلاة العيد على أصح الأقوال لأن الكلام مباح قبل افتتاح الصلاة فالاشتغال بالتكبير أولى (وقيل) الى أن يخرج الأمام الى الصلاة، لأنه اذا خرج فالسنة الاشتغال بالصلاة (وقيل) يكبر إلى فراغ الامام من الصلاة (وقيل) الى أن يفرغ من الخطبتين، وهذه الأقوال للشافعى وصحح النووى الأول، قال ويستحب أن يرفع الناس أصواتهم بالتكبير المرسل في ليلتي العيدين ويوميهما الى الغاية المذكورة (يعنى الى إحرام الامام بصلاة العيد أو خروجه أو فراغه من الخطبة) يكبرون في المنازل والمساجد والأسواق والطرق وغيرها في الحضر والسفر وفي طريق المصلىَّ وبالمصلىَّ، ويستثنى منه الحجاج فلا يكبرون ليلة الأضحى
-[ما ورد في إحياء ليلتي العيدين]-
أبواب صلاة الكسوف (*)
(1)
باب مشروعية الصلاة لها وكيف ينادى بها
(1677)
عن زياد بن علاقة قال سمعت المغيرة بن شعبة رضي الله
بل ذكرهم التلبية، قال واعلم أن تكبير ليلة الفطر آكد من تكبير ليلة الأضحى على الأظهر وهو القول الجديد وقال في القديم عكسه، ودليل الجديد قول الله تعالى {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم} اهـ ج {فائدة فيما ورد في إحياء ليتى العيدين} روى عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قبله يوم تموت القلوب" رواه الطبراني في الأوسط والكبير {وعن أبى أمامة} رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من قال ليلتى العيدين محتبساً لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" رواه ابن ماجه ورواته ثقات إلا أن بقية مدلس وقد عنعنه {وروى عن معاذ بن جبل} رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنة، ليلة التروية. وليلة عرفة. وليلة النحر. وليلة الفطر. وليلة النصف من شعبان" رواه الأصبهاني، وهذه الأحاديث وإن كانت لا تخلو من ضعف إلا أنه يعضد بعضها بعضاً، وإحياء هذه الليالي يحصل بالاكثار من الطاعة وأفعال الخير، وتختص ليلتا العيدين بالاكثار فيهما من التكبير لورود ذلك، فان كان حاجا فليكثر من التلبية في ليلة عيد الأضحى {ولنختم هذه الأبواب} بحديث فيه فأل بحسن الختام تقدم بعضه في باب التهنئة بالعيد، وقد أتيت به هنا تاماً {روى سعيد بن أوس الأنصارى عن أبيه} رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا اغدوا يا معشر المسلمين الى رب كريم يمن بالخير ثم يُثبت عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى منادٍ ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين الى رحالكم فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة" رواه الطبراني في الكبير من رواية جابر الجعفى وهو ضعيف، لكن له شواهد تعضده والله أعلم.
(1677)
عن زياد بن علاقة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن
_________
(*) تكرر في الأحاديث ذكر الكسوف والخسوف للشمس والقمر، فرواه جماعة فيهما بالكاف ورواه جماعة فيهما بالخاء، ورواه جماعة فيهما بالكاف ورواه جماعة فيهما بالخاء، ورواه جماعة في الشمس بالكاف وفي القمر بالخاء، وكلهم رووا أنهما.
-[هل الكسوف والخسوف شيئان أو شيء واحد وما معناهما]-
عنه يقول انكسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم (1) فقال النَّاس انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الشَّمس
ثنا زائدة عن زياد بن علاقة "الحديث"{غريبه} (1) يعنى ابن النبى صلى الله عليه وسلم وأمه مارية القبطية ولدته في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفى سنة عشر، ثبت في صحيح البخارى أنه توفى وله سبعة عشر أو ثمان عشر شهراً، هكذا ثبت على الشك، قال الواقدى وغيره توفى يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، ذكره النووى في تهذيب الأسماء واللغات {قلت} عند الامام أحمد من رواية البراء بن عازب أنه توفى وعمره ستة عشر شهراً، ومن رواية عائشة وعمره ثمانية عشر شهراً، وهذا لا يتفق مع سنة ميلاده إلا على رواية ستة عشر شهراً، فان أردنا الجمع بين الروايات يكون ميلاده متقدماً عن ذى الحجة بشهرين أى في شوال سنة ثمان، أو تكون وفاته متأخرة عن ربيع الأول بشهرين أى في جمادى الأولى سنة عشر، وعلى هذا فمن روى أن عمره ستة عشر شهراً فقد أخرج شهرى الميلاد والوفاة من العدة، ومن روى سبعة عشر شهراً فقد أدخل أحدهما
_________
آياتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، والكثير في اللغة وهو اختيار الفراء أن يكون الكسوف للشمس والخسوف للقمر، يقال كسفت الشمس وكسفها الله وانكسفت، وخَسف القمر وخسفه الله وانخسف (نه) ثم جمهور أهل العلم وغيرهم على أن الخسوف والكسوف يكون لذهاب ضوئهما كله، ويكون لذهاب بعضه، وقال جماعة منهم الامام الليث بن سعد الخسوف في الجميع، والكسوف في بعض، وقيل الخسوف ذهاب لونهما، والكسوف تغيره، والكسوف لغة التغير إلى السواد، يقال كَسفت الشمس اذا استودت، وسببه حيلولة القمرين الأرض والشمس، والخسوف لغة الذهاب، يقال خَسف القمر اذا ذهب ضوءه، وسببه حيلولة الأرض بين القمر والشمس، قال الحافظ والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر واختاره ثعلب، وذكر الجوهرى أنه أفصح، وقيل يتعين ذلك، قال وحكى عياض عن بعضهم عكسه وغلَّطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن (قال الحافظ) ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف، لأن الكسوف التغير إلى سواد، والخسوف النقصان وقيل غير ذلك اهـ وقد روى عن عروة أنه قال لا تقولوا كسفت الشمس، ولكن قولوا خسفت (قال الحافظ) وهذا موقوف صحيح رواه سعيد بن منصور عنه، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عنه، لكن الأحاديث الصحيحة المذكورة في الباب وغيرها ترد ذلك اهـ وهذه الصلاة مشروعة بالسنة والإجماع
-[تحقيق يوم وفاة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وإن الكواكب لا تأثير لها في الحوادث]-
والقمر آيتان من آيات الله (1) لا ينكسفان لموت أحدٍ (2) ولا لحياته (3)
وأخرج الآخر، ومن روى ثمانية عشر شهراً فقد أدخلهما، لكنى اطلعت على رسالة صغيرة للمرحوم محمود باشا الفلكى أسماها (نتائج الافهام. في تقويم العرب قبل الاسلام) كانت باللغة الفرنسية وترجمها المرحوم العلَاّمة أحمد زكى باشا الى العربية وطبعت بمطبعة بولاق الأميرية بمصر سنة 1905 ذكر فيها يوم الكسوف الذى حصل بالمدينة سنة عشر من الهجرة وهو اليوم الذي مات فيه ابراهيم بن النبى صلى الله عليه وسلم وحدده بالحساب فوافق يوم 29 شوال الموافق 27 يناير سنة 632 ميلادية في الساعة الثامنة والدقيقة الثلاثين، وقد علمت من مجموع ما تقدم من روايتي البخارى والامام أحمد باسناد صحيح أنه عاش ستة عشر أو سبعة عشر أو ثمانية عشر شهراً، وعلى هذا فيكون ميلاده في جمادى الأولى سنة تسع من الهجرة، وهذا في نظرى أرجح بل متعين لأنه مبنى على عملية حسابية، أما رواية أنه ولد في ذى الحجة سنة ثمان وتوفى في ربيع الأول سنة عشر فقد رواها الواقدى بسند منقطع لا تقوم به حجة، والواقدى متكلم فيه أيضاً، ويقال في الجمع بين الروايات على اعتبار أنه ولد في جمادى الأولى سنة تسع ما قيل في السابق، أعنى اخراج شهرى الميلاد والوفاة من العدة على رواية أنه عاش ستة عشر شهراً؛ وادخالهما على رواية ثمانية عشر، وادخال أحدهما واخراج الآخر على رواية سبعة عشر، هذا ما ظهر لى والله أعلم (1) أى علامتان من آيات الله الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته وعلى تخويف العباد من بأس الله وسطوته، ويؤيده قوله تعالى {وما نرسل بالآيات إلى تخويفاً} (2) إنما قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ذلك رداً لقولهم انكسفت لموت ابراهيم، وفي حديث النعمان بن بشير وسيأتى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "إن ناساً من أهل الجاهلية يقولون أو يزعمون أن الشمس والقمر اذا انكسف واحد منهما فانما ينكسف لموت عظيم من عظماء أهل الأرض وان ذاك ليس كذلك، ولكنهما خلقان من خلق الله، فاذا تجلى الله عز وجل لشيء من خلقه خشع له" رواه الامام أحمد والنسائى وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وفيه إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض، قال الخطابي كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغيير في الأرض من موت أو ضرر فأعلم النبى صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما اهـ (3) استشكلت هذه الزيادة لأن السياق إنما ورد في حق من ظن أن ذلك لموت ابراهيم ولم يذكروا الحياة (قال الحافظ) والجواب أن فائدة ذكر الحياة دفع توهم من يقول لا يلزم من نفى كونه سببا للفقد أن لا يكون سببا للأيجاد، فعمم الشارع النفى لدفع هذا
-[التعبير بلفظ الخسوف للشمس والقمر واستمرار الصلاة حتى ينجلى]-
فإذا رأيتموه (1) فادعوا الله وصلُّوا (2) حتَّى تنكشف
(1678)
عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ الشَّمس والقمر إذا خسفا أو أحدهما، فإذا رأيتم ذلك فصلُّوا حتَّى ينجلي خسوف أيِّهما خسف (3)
(1679)
عن ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ الشَّمس والقمر لا يخسفان (4) لموت أحدٍ ولا لحياته ولكنَّهما آيةٌ من آيات الله تبارك وتعالى، فإذا رأيتموهما فصلُّوا
(1680)
عن عبد الله (بن مسعودٍ رضى الله عنه) قال كنَّا نرى الآيات
التوهم اهـ (1) أى الكسوف سواء كان للشمس أو القمر (2) اى في أى وقت كان، لأنه ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم بادر اليها (وفي قوله صلى الله عليه وسلم حتى تنكشف) إشارة إلى أن الصلاة تمتد حتى ينتهى الكسوف والله أعلم {تخريجه} (ق. هق. خز. بز).
(1678)
عن جابر بن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى حدثنا موسى أنا ابن لهيعة عن أبى الزبير قال سألت جابراً عن خسوف الشمس والقمر قال جابر سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول "الحديث"{غريبه} (3) فيه التعبير بالخسوف للشمس والقمر، وفيه امتداد الصلاة حتى ينجلى الخسوف، وفيه أن الصلاة لخسوف القمر مثلها لخسوف الشمس {تخريجه} (ق. وغيرهما) ولم أقف عليه بهذا اللفظ لغير الامام أحمد وفى إسناده ابن لهيعة، وفي رواية النسائى من حديث النعمان بن بشير "فأيهما انخسف فصلوا حتى ينجلى أو يحدث الله أمراً".
(1679)
عن ابن عمر {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا هارون ثنا ابن وهب أخبرنى عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"{غريبه} (4) بفتح أوله ويجوز الضم وحكى ابن الصلاح منعه ولم يبين وجه المنع (وقوله رأيتموهما) أى رأيتم كسوف كل واحد في وقته لاستحالة اجتماعهما في وقت واحد {تخريجه} (ق. نس).
(1680)
عن عبد الله {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا معاوية
-[صلاة الكسوف ليس لها أذان ولا إقامة وإنما ينادى لها بالصلاة جامعة]-
في زمان النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بركاتٍ (1) وأنتم ترونها تخويفًا
(1681)
عن أبى مسعود البدريِّ رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ، قال يزيد (أحد الرواة) ولا لحياته ولكنَّهما آيتان من آيات الله تعالى، فإذا رأيتموهما فصلُّوا
(1682)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّه قال كسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصَّلاة جامعةً (2) فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فى سجدةٍ ثم قام فركع ركعتين فى سجدةٍ (3) ثمَّ جلِّي عن الشَّمس (4) قال قلت
ابن هشام ثنا سفيان عن الأعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله "الحديث"{غريبه} (1) أي لأنهم كانوا يتعظون بها وتزيدهم إيماناً على إيمانهم ويقينا بقدرة الله عز وجل وكبير عظمته وافتقار الخلق اليه، فكانت بركة لأجل ذلك، أما بعد عصر النبوة فقد تغيرت أحوال الناس فكانت الآيات تأتى تخويفاً لهم، ومع هذا فلا يتعظون ولا يعتبرون {تخريجه} لم أقف على هذا الأثر لغير الامام أحمد وسنده جيد.
(1681)
عن أبى مسعود {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا إسماعيل ويزيد بن هارون أنا اسماعيل عن قيس أبي مسعود الخ {تخريجه} (م. وغيره)
(1682)
عن عبد الله بن عمرو {سنده} (2) قال الحافظ هو بالنصب فيهما على الحكاية ونصف الصلاة في الأصل على الاغراء وجامعة على الحال أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة، وقيل يرفعهما على أن الصلاة مبتدأ وجامعة خبره، ومعناه ذات جماعة، وقيل جامعة صفة والخبر محذوف تقديره فاحضروها اهـ واتفقوا على عدم الأذان والإقامة لها (3) المراد بالسجدة هنا الركعة بتمامها وبالركعتين الركوعان وهو موافق لروايتى عائشة وابن عباس في أن في كل ركعة ركوعين وسجودين ولو ترك على ظاهره لاستلزم تثنية الركوع وإفراد السجود ولم يصر اليه أحد فتعين تأويله، قاله الحافظ (4) أى انكشف الكسوف بين جلوسه في التشهد والسلام كما عند البخارى بلفظ "ثم جلس ثم جلى عن الشمس" وهو مبين لما سيأتى في بعض روايات عائشة "ثم انصرف وقد تجلت الشمس"(وقوله قال قالت عائشة)
-[حجة القائلين بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان]-
عائشة ما سجدت سجودًا قطُّ ولا ركعت ركوعًا قطُّ (1) أطول منه
(1683)
عن أبى حفصة مولى عائشة أنَّ عائشة رضى الله عنها أخبرته أنَّه لمَّا كسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم توضَّأ وأمر فنودي أن الصَّلاة جامعةً (2) فقام فأطال القيام فى صلاته، قالت فأحسبه قرأ سورة البقرة (3) ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع ثمَّ قال سمع الله لمن حمده ثمَّ قام مثل ما قام ولم يسجد ثمَّ ركع فسجد (4) ثمَّ قام فصنع مثل ما صنع ثمَّ ركع ركعتين فى سجدةٍ ثمَّ جلس وجلِّى عن الشَّمس
القائل هو أبو سلمة، ويحتمل أن يكون عبد الله بن عمرو فيكون من رواية صحابى عن صحابية (1) فيه دليل على أن السجود في الكسوف يطول كما يطول القيام والركوع؛ وأبدى بعض المالكية فيه بحثاً فقال لا يلزمه من كونه أطال أن يكون بلغ به حدج الاطالة في الركوع، وكأنه غفل عما رواه مسلم في حديث جابر بلفظ "وسجوده نحو من ركوعه" قاله الحافظ، قال وهذا مذهب أحمد وإسحاق وأحد قولى الشافعي، وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه، واختاره ابن سريج ثم النووى اهـ {تخريجه} (ق. نس. هق)
(1683)
عن أبى حفصة مولى عائشة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا حسن بن موسى ثنا شيبان عن يحيى عن أبى حفصة مولى عائشة "الحديث {غريبه} (2) ينصب الصلاة على الاغراء ونصب جامعة على الحال أي احضروا الصلاة حال كونها جامعة للجماعة ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر، ويجوز إنَّ بتشديد النون والصلاة والنصب اسمها، وجامعة بالرفع خبرها (3) يعني ظننت لطول قيامه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورة البقرة وفيه اشعار بأنه كان يسر بالقراءة، ويحتمل أنه كان يجهر ولكن لبعدها لم تسمع (4) فيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يرفع من الركوع الثاني بل سجد عقب الركوع، والمسلم من رواية عائشة أيضاً مثل هذه الرواية بلفظ "ثم ركع ثم سجد" فربما تكون كيفية من كيفيات صلاة الكسوف والله أعلم {تخريجه} (ق. د. نس. هق){الأحكام} في أحاديث الباب دليل على أن الشمس والقمر آيتان مخلوقتان لله تعالى لأصنع لهما، بل هما كسائر المخلوقات يطرأ عليهما النقص والتغير كغيرهما، لا يخسفان لموت أحد {وفيها} ابطال تعظيم الكواكب وما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثيرها وان كسوفها يوجب حدوث تغير في
-[مذاهب الأئمة في وقت صلاة الكسوف وحكمها وصفتها]-
.....
الأرض من موت أو ضرر {وفيها} مشروعية الدعاء والصلاة عند حصول الكسوف والمبادرة اليها في أى وقت من الأوقات، لأنه ليس لها وقت معين ولأن الصلاة علقت برؤية الكسوف وهي ممكنة في كل وقت {وبهذا قال الامام الشافعى} ومن تبعه، واستثنت الحنفية أوقات الكراهية وهو مشهور مذهب {الامام أحمد} وعن {المالكية} وقتها من وقت حل النافلة الى الزوال، وفي رواية إلى صلاة العصر، ورجح الأول بأن المقصود إيقاع هذه الصلاة قبل الانجلاء، وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعده، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله فيفوت المقصود (قال الحافظ) ولم أقف على شيء من الطرق مع كثرتها أن النبى صلى الله عليه وسلم صلاها إلا ضحىً، لكن ذلك وقع اتفاقاً فلا يدل على منع ما عداه، واتفقت الطرق على أنه بادر اليها اهـ {أما حكم صلاة الكسوف} فظاهر الأمر بها في أحاديث الباب يقتضى الوجوب، وبه قال أبو عوانة في صحيحه حملاً للأمر على ظاهره، ونقل عن أبى حنيفة القول بالوجوب لكنه خلاف المشهور عنه {وذهب جمهور العلماء} إلى أن الأمر بها محمول على السنية لانحصار الواجب من الصلوات في الخمس كما جاء في الحديث، (وحكى النووى) إجماع العلماء على أنها سنة، قال {ومذهب مالك والشافعي وأحمد} وجمهور العلماء أنه يسن فعلها جماعة، وقال العراقيون فرادى، وحجة الجمهور الأحاديث الصحيحة في مسلم وغيره قال (واختلفوا في صفتها){فالمشهور في مذهب الشافعي} أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان، وأما السجود فسجدتان كغيرهما وسواء تمادى الكسوف أم لا {وبهذا قال مالك والليث وأحمد} وأبو ثور وجمهور وعلماء الحجاز وغيرهم {وقال الكوفيون} هما ركعتان كسائر النوافل عملاً بظاهر حديث جابر بن سمرة وأبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، وحجة الجمهور حديث عائشة من رواية عروة وعمرة وحديث جابر وابن عباس وابن عمرو بن العاص أنهما ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان، قال ابن عبد البر وهذا أصح ما فى هذا الباب، قال وباقى الروايات المخالفة معللة ضعيفة، وحملوا حديث ابن سمرة بأنه مطلق وهذه الأحاديث تبين المراد به، وذكر مسلم في رواية عن عائشة وعن ابن عباس وعن جابر ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات، ومن رواية ابن عباس وعلىّ ركعتين في كل ركعة أربع ركعات. قال الحافظ الروايات الأولى أصح ورواتها أحفظ وأضبط، وفي رواية لأبى داود من رواية أبىّ بن كعب ركعتين في كل ركعة خمس ركعات وقد قال بكل نوع بعض الصحابة، وقال جماعة من أصحابنا الفقهاء المحدثين وجماعة من غيرهم هذا الاختلاف في الروايات بحسب اختلاف حال الكسوف ففي بعض الأوقات تأخر انجلاء الكسوف فزاد عدد الركوع، وفي بعضها أسرع الانجلاء فاقتصر، وفي بعضها توسط بين الاسراع والتأخر فتوسط في عدده، واعترض الأولون على هذا بأن تأخر الانجلاء
-[كلام العلماء في الأحاديث التي وردت بأكثر من ركوعين في الركعة الواحدة]-
.....
لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى، وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع فى الركعتين سواء؛ وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوىّ من أول الحال {وقال جماعة من العلماء} منهم إسحاق بن راهويه وابن جرير وابن المنذرجرت صلاة الكسوف في أوقات، واختلاف صفاتها محمول على بيان جواز جميع ذلك، فتجوز صلاتها على كل واحد من الأنواع الثابتة، وهذا قوى والله أعلم اهـ (وقال الحافظ ابن القيم) رحمه الله في الهدى وذهب جماعة من أهل الحديث الى تصحيح الروايات في عدد الركعات، وحملوها على أن النبى صلى الله عليه وسلم فعلها مراراً وأن الجميع جائز، فممن ذهب إليه إسحاق بن راهويه ومحمد بن إسحاق بن خزيمة وأبو بكر بن إسحاق الضبعي وأبو سليمان الخطابي واستسحنه ابن المنذر، والذي ذهب إليه البخارى والشافعى من ترجيح الأخبار أولى لما ذكرنا من رجوع الأخبار إلى حكاية صلاته صلى الله عليه وسلم يوم توفى ابنه (قلت يعنى أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان) قال والمنصوص على أحمد أيضاً أخذه بحديث عائشة وحده في كل ركعة ركوعان وسجودان، قال في رواية المرزوى وأذهب إلى صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات في كل ركعة ركعتان وسجدتان، وأذهب إلى حديث عائشة، وأكثر الأحاديث على هذا، وهذا اختيار أبي بكر وقدماء الأصحاء رضى الله عنهم (قال الحافظ ابن القيم) وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيمية وكان يضعف كل ما خالفه من الأحاديث ويقول هي غلط، وإنما صلى صلى الله عليه وسلم الكبسوف مرة واحدة يوم مات ابنه ابراهيم والله أعلم اهـ (وقال الشوكاني) الحق أن صح تعدد الواقعة أن الأحاديث المشتملة على الزيادة الخارجة من مخرج صحيح يتعين الأخذ بها لعدم منافاتها للمريد، وإن كانت الواقعة ليست إلا مرة واحدة بالمصير الى الترجيح أمر لابد منه، وأحاديث الركوعين أرجح اهـ {قلت} جميع الأحاديث التي أشار اليها الامام النووى والحافظ ابن القيم والشوكانى جاءت في مسند الامام أحمد وزاد عليها، وقد تقدم بعضها في هذا الباب وسيأتى سائرها في الأبواب الآتية مع الكلام عليها إن شاء الله {وفي أحاديث الباب أيضاً} مشروعية استمرار الصلاة الى أن ينجلى الكسوف؛ وأجاب الطحاوي بأنه قال في بعض الروايات فصلوا وادعوا، فدل على أنه إن سلم من الصلاة قبل الانجلاء يتشاغل بالدعاء حتى تنجلى، وقرره ابن دقيق العيد بأنه جعل الغاية لمجموع الأمرين، ولا يلزم من ذلك أن يكون غاية لكل منهما على انفراده فجاء أن يكون الدعاء ممتدا الى غاية الانجلاء بعد الصلاة فيصير غاية للمجموع ولا يلزم منه تكرير الصلاة ولا تطويلها اهـ {وفيها أيضاً} مشروعية النداء لها بأن يقال "الصلاة جامعة" قال النووى وأجمعوا أنه لا يؤذن لها ولا يقام {وفي حديثى عبد الله بن عمرو وعائشة} دليل للقائلين بأنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان {وفيها أيضاً} مشروعية تطويل القيام
-[مذاهب العلماء في تطويل الركوع والسجود في صلاة الكسوف]-
(2)
باب القراءة فى صلاة الكسوف وهل تكون سرًا أو جهرًا
(1684)
عن ابن عبَّاسٍ رضى الله عنهما قال صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الكسوف (وفى لفظٍ صلاة الخسوف) فلم أسمع منها فيها حرفًا من القرآن (1)
(1685)
عن سمرة بن جندبٍ رضى الله عنه يصف صلاة رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فى الكسوف، قال فقام بنا كأطول ما قام بنا فى صلاةٍ قط لا نسمع له صوتًا، ثمَّ ركع كأطول ما ركع بنا فى صلاةٍ قطُّ
والركوع والسجود في صلاة الكسوف، والى ذلك ذهب الأئمة {أحمد وإسحاق والشافعى} فى أحد قوليه، وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره ابن سريج (قال النووى){واختلفوا في استحباب إطالة السجود} فقال جمهور أصحابنا لا يطوله بل يقتصر على قدره في سائر الصلوات، وقال المحققون منهم يستحب إطالته نحو الركوع الذى قبله، وهذا هو المنصوص للشافعى في البويطى وهو الصحيح للأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك، ويقول في كل رفع من ركوعٍ سمع الله لمن حمده، ثم يقول عقبه ربنا لك الحمد الى آخره؛ والأصح استحباب التعوذ في ابتداء الفاتحة في كل قيام، وقيل يقتصر عليه في القيام الأول اهـ
(1684)
عن ابن عباس {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى ابى ثنا حسن يعنى ابن موسى ثنا ابن لهيعة ثنا يزيد بن حبيب عن عكرمة عن ابن عباس "الحديث"{غر يبه} (1) احتج به القائلون بأنه يسر بالقراءة في كسوف الشمس، وسيأتي ذكرهم في الأحكام {تخريجه} (فع. عل. هق) وفي إسناده ابن لهيعة، ورواه أيضاً الطبرانى من طريق موسى بن عبد العزيز عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ولفظه "صليت الى جنب النبي صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس فلم أسمع له قراءة".
(1685)
عن سمرة بن جندب، هذا طرف من حديث طويل سيأتى بتمامه وسنده وشرحه في الباب التالى، وقد أتيت بهذا الجزء منه هنا للاستدلال به على الاسرار بالقراءة في صلاة الكسوف، وهو حديث صحيح رواه الأربعة بعضهم مطولاً وبعضهم مختصراً، وقال الترمذي حديث سمرة بن جندب حديث حسن صحيح غريب {قلت} وقد صححه ابن حبان والحاكم أيضاً، قال الحافظ في التلخيص وأعله ابن حزم بجهالة ثعلبة بن عباد رواية عن سمرة، وقد قال ابن المديني إنه مجهول، وقد ذكره ابن حبان في الثقات مع أنه لا راوي
-[القراءة في صلاة الكسوف وهل هي سرية أو جهرية]-
لا نسمع له صوتًا، ثمَّ فعل فى الرَّكعة الثَّانية مثل ذلك
(1686)
عن عروة عن عائشة رضى الله عنها أنَّها قالت خسفت الشَّمس على عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأتى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم والمصلَّى (1) فكبَّر وكبَّر النَّاس، ثمَّ قرأ فجهر بالقراءة (2) وأطال القيام، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع (3) ثمَّ رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده (4) ثمَّ قام فقرأ فأطال القراءة؛ ثمَّ ركع فأطال
له إلا الأسود بن قيس اهـ {تخريجه} (الأربعة وغيرهم) وصححه ابن حبان والحاكم
(1686)
عن عروة عن عائشة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الصمد ثنا سليمان بن كثير قال ثنا الزهرى عن عروة عن عائشة "الحديث"{غريبه} (1) أى الى مصلاه الذى كان يصلى فيه كما صرح بذلك في رواية عند مسلم يعنى موقفه في المسجد، ولأنه ثبت التصريح بصلاته صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف في المسجد من رواية عائشة وجابر بن سمرة وأبى بكرة، وثبت أيضاً أنه خطب بعد الصلاة على المنبر، ومعلوم أن المنبر في المسجد، ولذا استحب الفقهاء أن تكون صلاة الكسوف في المسجد الجامع (2) فيه الجهر بالقراءة؛ وهو يعارض ما تقدم في حديثى ابن عباس وجابر بن سمرة، وقال النووى هذا عند أصحابنا والجمهور محمول على كسوف القمر، لأن مذهبنا ومذهب مالك وأبى حنيفة والليث بن سعد وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر اهـ {قلت} سيأتى تحقيق ذلك في الأحكام إن شاء الله (وقوله وأطال القيام) أى لطول القراءة؛ وفي حديثها المتقدم في الباب السابق أنها قالت "فأحسبه قرأ سورة البقرة" وسيأتى في حديث ابن عباس أنه قال "نحواً من سورة البقرة"(3) لم أقف على شيء من الطرق فيه بيان ما كان يقول في الركوع إلا أن العلماء اتفقوا على أنه لا قراءة فيه، وإنما فيه الذكر من تسبيح وتكبير ونحوهما (4) أى مع قول ربنا ولك الحمد كما ثبت ذلك في حديثها عند مسلم في الرفع من الركوعين في الركعة الأولى وفيه "ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك"(وفي رواية لها) عند الامام أحمد ستأتي أنه صلى الله عليه وسلم قال سمع الله لمن حمده في الركوع من الركعة الأولى، وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد في الركوع الثانى منها، وفعل في الركعة الثانية مثل ذلك، وفيه استحباب الجمع بين هذين اللفظين، وهو مذهب الشافعى ومن وافقه؛ وتقدم الكلام على ذلك في أحكام باب أذكار الرفع من الركوع عقب حديث رقم 655 من
-[مذاهب العلماء في السر والجهر بالقراءة في صلاة الكسوف]-
الرُّكوع، ثمَّ رفع رأسه ثمَّ سجد ثمَّ قام (1) ففعل فى الثَّانية مثل ذلك، ثمَّ قال إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينخفسان لموت أحدٍ ولا لحياته الحديث (2)
كتاب الصلاة (1) لم يوصف السجود بالطول كما وصف القيام والركوع، وقد احتج به القائلون بعدم تطويل السجود، واحتج القائلون بالتطويل بما تقدم عن عائشة في الباب السابق في حديث عبد الله بن عمرو أنها قالت "ما سجدت سجوداً قط ولا ركعت ركوعاً قط كان أطول منه"(قال النووى) والمختار استحباب تطويل السجود في صلاة الكسوف، ولا يضر كون أكثر الروايات ليس فيها تطويل السجود، لأن الزيادة من الثقة مقبولة مع أن تطويل السجود ثابت من رواية جماعة كثيرة من الصحابة، وذكره مسلم من روايتى عائشة وأبى موسى، ورواه البخارى من رواية جماعة آخرين وأبو داود من طريق غيرهم فتكاثرت طرقه وتعاضدت فتعين العمل به اهـ (2) بقيته "فإذا رأيتم ذلك فافزعوا الى الصلاة" أى بادروا بالصلاة وأسرعوا اليها حتى يزول عنكم هذا العارض الذى يخاف كونه مقدمة عذاب {تخريجه} (ق. مذ. وغيرهم){الأحكام} في الباب ثلاثة أحاديث (الأول) حديث ابن عباس رواه الشافعى وأبو يعلى والبيهقى والطبرانى وفى إسناده ابن لهيعة، لكن له حديث آخر صحيح عند الامام أحمد والشيخين سيأتى في باب من روى أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان، وفيه "أن النبى صلى الله عليه وسلم قام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة" وهو يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يجهر، لأنه لو جهر لقال ابن عباس قرأ سورة كذا ولم يقل نحواً من سورة كذا (والثاني) حديث سمرة بن جندب رضى الله عنه وهو حديث صحيح أيضاً، وفي "لا نسمع له صوتاً" وهو يدل على عدم الجهر أيضاً (والثالث) حديث عائشة وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما، وفيه أنه قرأ فجهر بالقراءة، وهو يدل على الجهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس، وغنما قلنا في صلاة كسوف الشمس لأنه مصرح بذلك فيه (قال الحافظ) في التلخيص ما لفظه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في كسوف الشمس وجهر بالقراءة فيها متفق عليه من حديث الزهرى عن عروة عنها، ورواه ابن حبان والحاكم، وقال البخارى حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة، ورجح الشافعى رواية سمرة بأنها موافقة لرواية ابن عباس المتقدمة، ولروايته أيضاً التى فيها فقرأ بنحو من سورة البقرة، موافقة لرواية ابن عباس المتقدمة، ولروايته أيضاً التي فيها فقرأ بنحو من سورة البقرة، وبرواية عائشة (تقدمت في الباب الأول بهذا المعنى 9 "حزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة" لأنها لو سمعته لم تقدره بغيره والزهرى منفرد بالجهر، وهو وإن كان حافظاً فالعدد
-[كلام العلماء في الجمع بين أحاديث السر والجهر]-
(3)
باب من روى أنها ركعتان كالركعات المعتادة
(1687)
عن محمود بن لبيدٍ رضى الله عنه قال كسفت الشَّمس يوم
أولى بالحفظ من واحد قاله البيهقى، وفيه نظر لأنه مثبت فروايته متقدمة، وجمع النووى بأن رواية الجهر في القمر ورواية الأسرار في كسوف الشمس وهو مردود، فقد رواه ابن حبان من حديث عائشة بلفظ كسفت الشمس فصلى بهم أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وجهر بالقراءة اهـ {قلت} ويرده أيضاً حديث الباب عن عائشة، وجمع بعضهم بين حديث عائشة وسمرة بأن سمرة كان في أخريات الناس، فلهذا لم يسمع صوته ويدفعه حديث ابن عباس بلفظ "كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف فما سمعت منه حرفاً من القرآن"(قال الشوكاني) والصواب أن يقال إن كانت صلاة الكسوف لم تقع منه صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة كما نص على ذلك جماعة من الحفاظ، فالمصير إلى الترجيح متعين، وحديث عائشة ألأرجح لكونه في الصحيحين. ولكونه متضمناً للزيادة. ولكونه مثبتاً. ولكونه معتضداً بما أخرجه ابن خزيمة وغيره عن على مرفوعاً من إثبات الجهر؛ وإن صح أن صلاة الكسوف وقعت أكثر من مرة كما ذهب إليه البعض، فاللمتعين الجمع بين الأحاديث بتعدد الواقعة فلا معارضة بينها، إلا أن الجهر أولى من الاسرار لأنه زيادة، وقد ذهب الى ذلك {أحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهما} من محدثى الشافعية، وبه قال صاحبا أبى حنيفة وابن العربى من المالكية، وحكى النووى عن {الشافعى ومالك وأبى حنيفة والليث بن سعد} وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر، والى مثل ذلك ذهب الامام يحيى، وقال الطبرى يخير بين الجهر والاسرار {والى ذلك ذهب الهادى} ورواه في البحر عن مالك وهو خلاف ما حكاه غيره عنه، واعلم أنه لم يرد تعين ما قرأ به صلى الله عليه وسلم إلا في حديث لعائشة أخرجه الدارقطني والبيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الأولى بالعنكبوت وفي الثانية بالروم أو لقمان {قلت سيأتي في الحديث التالى أنه قرأ بعض الركتاب} قال وقد ثبت الفصل بالقراءة بين كل ركوعين كما تقدم من حديث عائشة المتفق عليه فيتخير المصلى من القرآن ما شاء، ولابد من القراءة بالفاتحة في كل ركعة لما تقدم من الأدلة الدالة على أنها لا تصح ركعة بدون فاتحة (قال النووى) واتفق العلماء على أنه يقرأ الفاتحة في القيام الأول من كل ركعة، واختلفوا في القيام الثاني {فمذهبنا ومذهب مالك وجمهور أصحابه} أنها لا تصح الصلاة إلا بقراءتها فيه، وقال محمد بن مسلمة من المالكية لا تتعين الفاتحة في القيام الثاني اهـ
(1687)
عن محمود بن لبيد {سنده} حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى
-[من روى أنها ركعتان كالركعات المعتادة]-
مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا كسفت الشَّمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، ألا وإنَّهما لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموهما كذلك ففزعوا إلى المساجد (1) ثمَّ قام فقرأ فيما نرى بعض الر كتابٌ (2) ثمَّ ركع ثمَّ اعتدل ثمَّ سجد سجدتين ثمَّ قام ففعل مثل ما فعل فى الأولى (3)
(1688)
عن عبد الله بن عمرو (بن العاص رضي الله عنهما قال كسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام وقمنا معه (4) فأطال القيام حتَّى ظننَّا أنَّه ليس براكعٍ (4) ثمَّ ركع فلم يكد يرفع رأسه، ثمَّ رفع فلم يكد
ابن آدم ثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد "الحديث"{غريبه} (1) أى للصلاة فيها، وفيه دليل على أنه السنة صلاة الكسوف في المساجد (وقوله فيما نرى) بضم أوله أى فيما نظن (2) أى بعض سورة ابراهيم (3) فيه أنه لم يركع إلا ركوعاً واحداً في كل ركعة كالصلاة المعتادة، وفيه حجة للقائلين بأنها ركعتان كالجمعة، وسيأتي الكلام على ذلك في الأحكام {تخريجه} لم أقف عليه لغير الامام أحمد، وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح {قالت} جاء في الحديث الذى أورده الهيثمى هذا اللفظ "ثم قام فقرأ بعض الذاريات" وسائر ألفاظ الحديث كلفظ حديث الباب مع أن محمود بن لبيد لم يكن له في هذا الباب عند الامام أحمد إلا هذا الحديث من طريق واحد فقط باللفظ الذي ذكرته، ولم أدر من أين أتى الحافظ الهيثمى باللفظ الذى ذكره في كتابه، ولعله يكون من نسخة أخرى غير نسخة الأصل التى عندنا ونشأ هذا الاختلاف من تصحيف في بعض النسخ والله أعلم
(1688)
عن عبد الله بن عمرو {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا ابن فضيل ثنا عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو "الحديث"{غريبه} (4) فيه مشروعية فعلها جماعة (5) أى لكونه أطال القيام جداً (وقوله فلم يكد يرفع رأسه) يعني أنه أطال الركوع جداً حتى ظنوا أنه لم يرفع كما ظنوا ذلك في القيام، ويقال
-[حجة القائلين بإطالة السجود]-
يسجد، ثمَّ سجد فلم يكد يرفع رأسه، ثمَّ جلس فلم يكد يسجد (1) ثمَّ سجد فلم يكد يرفع رأسه، ثم فعل فى الركعة الثَّانية كما فعل فى الأولى وجعل ينفخ فى الأرض ويبكى (2) وهو ساجدٌ فى الركعة الثَّانية، وجعل يقول ربِّ لم تعذِّبهم وأنا فيهم، ربِّ لم تعذِّبنا ونحن نستغفرك (3) فرفع رأسه وقد تجلَّت الشَّمس (4) وقضى صلاته فحمد الله وأثنى عليه (5) ثم قال أيها النَّاس إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، فإذا كسف أحدهما فافزعوا
مثل ذلك في باقي الأركان (1) فيه تطويل الجلسة بين السجدتين، ووقع عند مسلم من حديث جابر "ثم رفع فأطال ثم سجد" قال النووي هي رواية شاذة، قال الحافظ وتعقب بما رواه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو وفيه "ثم سجد فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد ثم سجد" وصحح الحديث الحافظ، وسيأتى الكلام عليه في الأحكام إن شاء الله (2) إنما نفخ صلى الله عليه وسلم وبكى خوفاً من وقوع عذاب، لأن الخسوف آية من الآيات التي يخوف الله بها عباده، ويستفاد منه أن النفخ والبكاء في الصلاة لا يبطلانها، وقد تقدم الكلام على ذلك في أحكام البابين الثالث والعاشر من أبواب مبطلات الصلاة الخ في الجزء الرابع (3) وفي رواية لأبى داود "رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟ ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون" وفي رواية أخرى للامام أحمد والنسائى "رب لم تعدنى هذا وأنا أستغفرك، رب لم تعدنى هذا وأنا فيهم" والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يقول يا رب ما وعدتني هذا وهو أن تعذبهم وأنا فيهم، بل وعدتنى خلافه وهو أن لا تعذبهم وأنا فيهم، يريد قوله عز وجل {ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} وهذا من باب التضرع في حضرة الله عز وجل وإظهار غناه وفقر الخلق إليه، وأن ما وعد به من وعد العذاب ما دام فيهم النبى صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون مقيداً بشرط، وليس مثله مبنياً على عدم التصديق بوعده الكريم، وهذا لا مرية فيه والله أعلم (4) أى ظهر نورها (5) رواية النسائى "فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه الحديث" وعند مسلم من حديث عائشة "فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه" وعند الامام أحمد من حديث أسماء مثله وسيأتى، وفيه دليل للشافعية ومن وافقهم في استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف، وفيه أن الخطبة لا تفوت بالانجلاء
-[إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على الجنة والنار وقصة المرأة صاحبة الهرة]-
إلى المساجد، فوالَّذى نفسى بيده لقد عرضت علىَّ الجنَّة حتَّى لو أشاء لتعاطيت بعض أغصانها (1) وعرضت علىَّ النَّار حتَّى إنِّى لأطفئها خشية أن تغشاكم، ورأيت فيها امرأةً من حمير سوداء طوالةً (2) تعذَّب بهرَّةٍ لها تربطها فلم تطعمها ولم تسقها ولا تدعها تأكل من خشاش الأرض (3) كلَّما أقبلت
بخلاف الصلاة، وفيه أن الخطبة يكون أولها الحمد لله والثناء عليه؛ ومذهب الشافعي أن لفظه الحمد لله متعينة؛ فلو قال معناها لم تصح خطبته، قاله النووي (1) لفظ النسائي "والذي نفس محمد بيده لقد أدنيت الجنة منى حتى لو بسطت يدى لتعاطيت من قطوفها" وهو مفسر لرواية المام أحمد وأدنيت بالبناء للمفعول من الادناء وهو التقريب أى قربها الله منى، قال الحافظ منهم من حمله على أن الحجب كشفت له دونها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها، ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط كما تنطبع الصورة في المرآة فرأى جميع ما فيها (والقطوف) جمع قطف بكسر القاف وهو ما يقطف منها أي يقطع ويجتنى، ويقال في عرض النار مثل ما قيل في عرض الجنة (قال الحافظ) وقع في رواية عبد الرزاق أن رؤيته النار كان قبل رؤيته الجنة، وذلك أنه قال فيه "عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم النار فتأخر عن مصلاه حتى إن الناس ليركب بعضهم بعضاً وإذ رجع عرضت عليه الجنة فذهب يمشى حتى وقف في مصلاه"(ولمسلم من حديث جابر)"لقد جئ بالنار حتى رأيتمونى تأخرت مخافة أن يصيبنى من لفحها، وفيه ثم جئ بالجنة وذلك حين رأتمونى تقدمت حتى قمت فى مقامى، وزاد فيه ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه اهـ {قلت} (وقوله مخافة أن يصيبنى من لفحها) أى من ضرب لهبها ومنه قوله تعالى {تلفح وجوههم النار} (2) أى طويلة يقال للطويل طويل وطُوالة، فان أفرط في الطول فهو طُوَّال بالتشديد، وفي رواية عند مسلم "فرأيت فيها امرأة من بنى إسرائيل" (وقوله تعذب بهرة) أي بسبب هرة فالباء للسببية (3) بفتح الخاء المعجمة وهي هوامّها وحشراتها، وقيل صغار الطير، وحكى القاضي عياض فتح الخاء وكسرها وضمها والفتح هو المشهور، قال القاضي عياض في هذا الحديث المؤاخذة بالصغائر، قال وليس فيه أنها عذبت عليها بالنار، قال ويحتمل أنها كانت كافرة فزيد في عذابها بذلك هذا كلامه (قال النووى) وليس بصواب بل الصواب المصرح به في الحديث أنها عذبت بسبب الهرة وهو كبيرة لأنها ربطتها وأصرت على ذلك حتى ماتت والاصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة كما هو مقرر في كتب الفقه وغيرها
-[رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعض العصاة في النار]-
نهشتها، وكلما أدبرت نهشتها (1) ورأيت فيها أخا بنى دعدعٍ (2) ورأيت صاحب المحجن (3) متكئًا فى النَّار على محجنه كان يسرق الحاجَّ بمحجنه، فإذا علموا به قال لست أنا أسرقكم، إنَّما تعلَّق بمحجنى (وعنه من طريقٍ ثانٍ (4) بنحوه وفيه) وعرضت على النَّار فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرُّها، ورأيت فيها سارق بدنتى رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
(1689)
عن النُّعمان بن بشيرٍ رضى الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى فى كسوف الشَّمس نحوًا من صلاتكم يركع ويسجد (5) (وعنه من طريقٍ
وليس في الحديث ما يقتضى كفر هذه المرأة اهـ (1) أى تخمش جسمها فتأخذ لحمه بأظفارها ولفظ النسائى "فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت، وإذا ولت تنهش إليتها" والمراد أن الهرة في النار مع المرأة لكن لا لتعذب الهرة بل لتكون عذاباً في حق المرأة (2) لفظ النسائى "وحتى رأيت فيها صاحب السائبتين أخابنى الدَّعداع يدفع بعصا ذات شعبتين في النار" السائبتان بدنتان أهداهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت فأخذهما رجل من المشركين فذهب بهما، سماهما سائبتين لأنه سيَّبهما لله تعالى فرآه النبى صلى الله عليه وسلم في النار، وعبر عنه بصاحب السائبتين وهو المراد بقوله في الطريق الثانية من حديث الباب "ورأيت فيها سارق بدنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم"(3) المحجن كمنبر جمعه محاجن، عصا معوج الرأس كصنارة المِغزل كان يخطف به أمتعة الحجاج ونحوها (4){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن أبيه ع 8 ن عبد الله بن عمرو الحديث بنحو ما تقدم وفيه الخ {تخريجه} (نس. خز) وصححه الحافظ
(1689)
عن النعمان بن بشير {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا وكيع ثنا سفيان عن عاصم الأحول عن أبى قلابة عن النعمان بن بشير "الحديث"{غريبه} (5) الظاهر من قوله "نحواً من صلاتكم يركع ويسجد" أنه يعنى الصلاة الاعتيادية بركوع واحد في الركعة، ولفظ النسائى "مثل صلاتنا يركع ويسجد" وفي رواية للنسائى من حديث أبى بكرة "أن رسول صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين مثل صلاتكم هذه وذكر كسوف الشمس" وفي لفظ "فصلى ركعتين كما تصلون" قال الحافظ وحمله ابن حبان والبيهقى على أن المعنى كما تصلون في الكسوف، لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة وقد كان ابن عباس علمهم
-[حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في صلاة الكسوف وأنها كانت ضحى]-
ثانٍ) (1) قال انكسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم فصلَّى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع ويسجد قال حجَّاج (2) مثل صلاتنا
(1690)
عن ثعلبة بن عبادٍ العبديِّ من أهل البصرة قال شهدت يومًا خطبة لسمرة بن جندبٍ (رضى الله عنه) فذكر فى خطبته حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بينا أنا وغلامٌ من الأنصار نرمى فى غرضين لنا على عهد رسول الله (صل الله عليه وسلم) حتَّى إذا كانت الشَّمس قيد (3) رمحين أو ثلاثةٍ فى عين النَّاظرٍ اسودَّت حتَّى آضنت (5) كأنَّها تنومةٌ، قال فقال أحدنا لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد فوالله ليحدثنَّ شأن هذه الشَّمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمَّته حدثًا (6) قال فدفعنا (7) إلى المسجد فإذا هو بارز (8) قال ووافقنا رسول الله
أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان كما روى ذلك الشافعى وابن أبى شيبة وغيرهما اهـ (1){سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة وثنا حجاج ثنا شعبة عن عاصم الأحول عن أبى قلابة عن النعمان بن بشير قال انكسفت الشمس "الحديث"(2) أحد رجال السند {تخريجه} (د. نس. هق. والطحاوى) وقال البيهقى أبو قلابة لم يسمع من النعمان والحديث مرسل (قال العينى) صرح في الكمال بسماعه عن النعمان، وقال ابن حزم أبو قلابة أدرك النعمان، وروى هذا الخبر عنه، وصرح ابن عبد البر بصحة هذا الحديث وقال مِن أحسنٍ حديث ذهب اليه الكوفيون حديث أبى قلابة عن النعمان، وأبو قلابة أحد الأعلام واسمه عبد الله بن زيد الجرمى؛ والحديث أخرجه أبو داود والنسائي أيضاً اهـ
(1690)
عن ثعلبة بن عباد {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا أبو كامل ثنا زهير ثنا الأسود بن قيس ثنا ثعلبة بن عباد "الحديث"{غريبه} (3) تثنية غرض وهو الهدف الذى يرمى اليه بنحو السهام (4) بكسر القاف أى قدر رمحين أو ثلاثة يعنى ارتفاعها (5) آضت بمد الهمزة أى صارت كأنها تنومة والتنومة بفتح التاء بعدها نون مشددة مضمومة هي نوع من نبات الأرض فيها وفى ثمرها سواد قليل (6) يعنى أنه لابد من تجديد شيء في أمور الدين بسبب هذا الكسوف، وكأنهم تعودوا أن الحوادث تكون سبباً في نزول الأحكام (7) أيى أسرعنا (8) أى ظاهر في وسط الناس (وقوله
-[حجة القائلين بالخطبة بعد صلاة الكسوف والاسرار بالقراءة في الصلاة]-
صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى النَّاس فاستقدم فقام بنا كأطول ما قام بنا فى صلاةٍ قطٌ لا نسمع له صوتًا (1) ثمَّ ركع كأطول ما ركع بنا في صلاةٍ قطٌ لا نسمع له صوتًا، ثمَّ فعل فى الركعة الثَّانية مثل ذلك (2) فوافق تجلِّى الشَّمس جلوسه فى الرَّكعة الثَّانية، قال زهيرٌ (أحد الرواة) حسبته قال فسلَّم فحمد الله وأثنى عليه وشهد أنَّه عبد الله ورسوله، ثمَّ قال أيُّها النَّاس أنشدكم بالله (3) إن كنتم تعلمون أنِّى قصَّرت عن شيءٍ من تبليغ رسالات ربِّى عز وجل لما أخبرتمونى ذاك فبلَّغت رسالات ربِّى كما ينبنى لها أن تبلَّغ، وإن كنتم تعلمون أنِّى بلَّغت رسالات ربِّى لما أخبرتمونى ذاك (4)، قال فقام رجالٌ فقالوا نشهد أنَّك قد بلَّغت رسالات ربِّك ونصحت لأمَّتك وقضيت الَّذى عليك ثمَّ سكتوا، ثمَّ قال أما بعد فإنَّ رجالاً يزعمون أنَّ كسوف هذه الشَّمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النُّجوم عن مطالعها لموت رجالٍ عظماء من أهل الارض وإنَّهم قد كذبوا، ولكنَّها آياتٌ من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر (5) بها عباده فينظر من يحدث له منهم توبةً، وأيم الله لقد رأيت منذ قمت أصلِّى ما أنتم لاقون فى أمر دنياكم وآخرتكم (6) وإنَّه والله
فاستقدم) أي تقدم، والمعنى أنه وافق قدومنا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدمه إلى الصلاة (1) يريد أنه أطال الصلاة بهم طولاً لم يعهدوه في صلاة غيرهم وكان يقرأ سراً، وقد احتج به القائلون بأن القراءة في صلاة الكسوف تكون سراً. وتقدم ذكرها في الباب السابق (2) فيه أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوع واحد، وهو من حجيج الحنفية ومن وافقهم (3) أي أسألكم بالله وأقسمت عليكم به (4) أى فان كنت مقصراً وشهدتم بذلك قمت فبلغت رسالات ربى الخ (5) أي يختبر بها عبادة ليتميز قوى الايمان الذي إذا ذُكِّر تذكر واذا أذنب تاب واستغفر. من ضيف الأيمان قاسى القلب الذى تمر به الآيات ولا يخاف خالق الأرض والسماوات (6) أيى ما يختص بأمور الدنيا من الفتن والفتوح ونحو ذلك. وبما
-[تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من المسيح الدجال وذكر شيء من أحواله]-
لا تقوم السَّاعة حتَّى يخرج ثلاثون كذَّابًا، آخرهم الأعور الدَّجَّال ممسوح العين اليسرى كأنَّها عين أبى تحي (1) لشيخٍ حينئذٍ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة رضى الله عنها، وإنَّها متى يخرج أو قال متى ما يخرج فإنَّه سوف يزعم أنَّه الله، فمن آمن به وصدَّقه واتَّبعه لم ينفع صالحٌ من عمله سبق، ومن كفر به وكذَّبه لم يعاقب بشيءٍ من عمله (وفى رواية بشيءٍ من عمله سلف) وإنَّه سيظهر أو قال سوف يظهر على الأرض كلِّها إلَاّ الحرم وبيت المقدس (2) وإنَّه يحصر المؤمنين فى بيت المقدس فيزلزلون زلزالاً شديدًا (3) ثمَّ يهلكه الله تبارك وتعالى وجنوده حتَّى إنَّ جذم (4) الحائط أو قال أصل الحائط، وقال حسن الأشيب (5) وأصل الشَّجرة لينادى أو قال يقول يا مؤمن أو قال يا مسلم هذا يهوديٌّ أو قال هذا كافرٌ تعال فاقتله (6)
في الآخرة من الجنة والنار ونحو ذلك (1) أوله تاء مكسورة ثم حاء مهملة ساكنة هو رجل من الصحابة كان مسموح العين اليسرى، ولا يضره هذا التشبيه الجسمانى، فان الغرض منه توضيح صفة من صفات الدجال ليحذروه وليبلغ ذلك غيرهم فيحذروه أيضاً وهكذا (2) أى ومسجد المدينة ومسجد الطور لما رواه الامام أحمد وسيأتى في باب إخبار النبى صلى الله عليه وسلم بخروج الدجال والمكان الذي يخرج منه الخ من كتاب الفتن وفيه "ولا يقرب أربعة مساجد مسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الطور ومسجد الأقصى، وما يشبّه عليكم فان ربكم ليس بأعور"(3) أى يحصل لهم اضطراب مخيف وفزع وضيق من أجل ذلك (4) الجذم بكسر الجيم أصل الشيء فجذم الحائط أصله، ولذلك شك الراوى هل قال جذم الحائط أو قال أصل الحائط لأن معناهما واحد (5) هو أحد رجال السند يعنى أنه زاد في روايته "وأصل الشجرة"(6) معنى ذلك جاء واضحاً في رواية أخرى عند الامام أحمد وغيره من حديث ابن عمر، وسيأتى في أخبار الدجال من كتاب الفتن وفيه (ثم يسلط الله المسلمين عليه "يعنى الدجال" فيقتلونه ويقتلون شيعته حتى ان اليهودى ليختبئ تحت الشجرة أو الحجر فيقول الحجر أو الشجر للمسلم هذا يهودى تحتى فاقتله){فإن قيل} كيف ينطق الحجر
-[كثرة الفتن واشتداد الكرب في مدة الدجال وبعد موت سيدنا عيسى]-
قال ولن يكون ذلك كذلك حتَّى تروا أمورًا يتفاقم (1) شأنها فى أنفسكم وتساءلون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرًا، وحتَّى تزول جبالٌ على مراتبها ثمَّ على أثر ذلك القبض (2) قال ثمَّ شهدت خطبةً لسمرة ذكر فيها هذا الحديث، فما قدَّم كلمةً ولا أخَّرها عن موضعها
(1691)
عن أبى بكرة رضى الله عنه قال كسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يجرُّ ثوبه مستعجلاً (3) حتَّى أتى المسجد وثاب النَّاس
والشجر وأحدهما من الجمادات والثانى من النباتات؟ {قلت} لا مانع من ذلك، لأن فى نطقهما معجزة لسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وكرامة لعباد الله المؤمنين الذين لم يتبعوا الدجال وثبتوا أمام فتنة المتنوعة فهم خلاصة المؤمنين، وإنما قلنا معجزة لسيدنا عيسى، لأنه ورد في بعض الروايات "حتى ان الشجرة والحجر ينادى يا روح الله هذا يهودى، فلا يترك ممن كان يتبعه أحداً إلا قتله" وسيأتى كل ذلك في بابه إن شاء الله تعالى، وإنما خص اليهود بالذكر دون سائر الملل لأنهم شيعته وأنصاره وأهل عنصره، ويلوح لى أن اليهود الآن يحشدون إلى بيت المقدس ليلقوا حتفهم مع رئيسهم الدجال في هذه الأرض ولو بعد حين مصداقاً لقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نسأل الله العصمة من الفتن والثبات على دين الاسلام والتمسك بسنة خير الأنام صلى الله عليه وسلم (1) أى يعظم شأنها لما فيها من كثرة الاهوال والفتن وخوارق العادات وذلك قبل نزول المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وبعد موته وموت الصالحين من الناس (2) يعنى قيام الساعة (وقوله قال ثم شهدت الخ) القائل هو ثعلبة بن عباد راوى الحديث يعنى أنه شهد خطبة أخرى لسمة بن جندب ذكر فيها هذا الحديث بحروفه وألفاظه مما يدل على شدة التحرى والاتقان في النقل {تخريجه} (عل. هق. خز. طب) ورواه الأربعة مختصراً الى التسليم من الصلاة وقال الترمذى حديث حسن صحيح
(1691)
عن أبى بكرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الأعلى وربعى بن ابراهيم المعنى قالا ثنا يونس عن الحسن عن أبى بكرة "الحديث"{غريبه} (3) في رواية لمسلم من حديث أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما قالت "كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع فأ خطأ بدرع حتى أدرك بردائه بعد ذلك" قال القاضي
-[حجة القائلين بصلاة كسوف الشمس ركعتين كسائر النوافل]-
فصلَّى ركعتين (1) فجلِّي عنها ثمَّ أقبل علينا فقال إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى يخوِّف بهما عباده ولا ينكسفان لموت أحدٍ، قال وكان ابنه إبراهيم عليه السلام مات، فإذا رأيتم منهما شيئًا فصلُّوا وادعوا حتَّى ينكشف منهما ما بكم (2)
(1692)
عن قبيصة (3) رضى الله عنه قال انكسفت الشَّمس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى ركعتين فأطال فيهما القراءة، فانجلت، فقال إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى يخوِّف بهما عباده؛ فإذا رأيتم ذلك فصلُّوا كأحدث صلاةٍ صليتموها من المكتوبة
عياض يحتمل أن يكون معناه الفزع الذى هو الخوف كما فى الرواية الأخرى (يعنى رواية مسلم بلفظ يخشى أن تكون الساعة) ويحتمل أن يكون معناه الفزع الذى هو المبادرة الى الشيء {قلت} ويؤيد الأخير رواية الامام أحمد لقوله "فقام يجر ثوبه مستعجلاً" ومعنى قوله في رواية مسلم "فأخطأ بدرع حتى أدرك بردائه" أى إنه لشدة سرعته واهتمامه بذلك أراد أن يأخذ روداءه فأخذ درع بعض أهل البيت سهواً ولم يعلم ذلك لاشتغال قلبه بأمر الكسوف، فلما علم أهل البيت أنه ترك رداءه لحقه به إنسان، قاله النووى (1) لم يبين كيفيتهما وزاد النسائى في روايته "كما تصلون" واحتج به الحنفية ومن وافقهم على أن صلاة الكسوف ركعتان كصلاة النافلة (وقوله فجلى عنها) أى انكشف وظهر نورها (2) احتج به الحنفية ومن وافقهم على أن من فرغ من صلاة الكسوف قبل الانجلاء يسن له الدعاء والذكر حتى تنجلى، لقوله في حديث الباب "فصلوا وادعوا الخ" وحمله جماعة على الصلاة لكون الذكر والدعاء من أجزائها والأول أظهر والله أعلم {تخريجه} (خ. نس. وغيرهما).
(1692)
عن قبيصة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الوهاب الثقفى ثنا أيوب عن أبى قلابة عن قبيصة "الحديث"{غريبه} (3) هو ابن المخارق الهلالى رضى الله عنه صحابى بصرى، وفد على النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وروى عنه ابن قطن وكنانة بن نعيم وأبو عثمان النهدى وأبو قلابة، روى له الامام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائي {تخريجه} (د. نس. ك. والطحاوى) وسكت عنه
-[حجة القائلين بصلاة كسوف الشمس ركعتين ركعتين حتى تنجلى]-
(فصل منه فيمن صلاها ركعتين ركعتين حتى اتجلت)
(1693)
عن النُّعمان بن بشيرٍ رضى الله عنه قال كسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم قال وكان يصلِّى ركعتين ثمَّ يسأل، ثمَّ يصلِّى ركعتين (1) ثمِّ يسأل، حتَّى انجلت الشَّمس، قال فقال إنَّ ناسًا من أهل الجاهليَّة يقولون أو يزعمون أنَّ الشَّمس والقمر إذا انكسف واحدٌ منهما فإنَّما ينكسف لموت عظيمٍ من عظماء أهل الأرض وإنَّ ذاك ليس كذلك، ولكنَّهما خلقان من خلق الله، فإّذا تجلَّى (2) الله عزَّ
أبو داود والمنذري وسنده صحيح، وظاهره أن الكسوف إذا وقع فى أى ساعة من طلوع الشمس الى الظهر كانت صلاة الكسوف ركعتين، وإن وقع في أى ساعة من الظهر إلى أخذ الشمس في الغروب كانت أربعاً، وإن وقع خسوف القمر بعد الغروب إلى صلاة العشاء الآخرة كانت صلاة الخسوف ثلاث ركعات كصلاة المغرب، وإن خسف بعد صلاة العشاء في أى ساعة الى الصبح صلى أربعاً كصلاة العشاء، وبهذا قال أهل الظاهر {وقال جماعة} معناه أن آية من هذه الآيات اذا وقعت مثلاً بعد الصبح يصلى ويكون في كل ركعة ركوعان، وإن كانت بعد المغرب يكون في كل ركعة ثلاث ركوعات، وإن كانت بعد الرباعية يكون في كل ركعة أربع ركوعات {وقال آخرون} معناه أن آية من هذه الآيات اذا وقعت عقب صلاة جهرية يصلى ويجهر فيها بالقراءة، وإن وقعت عقب صلاة سرية يصلى يخافت فيها بالقراءة والله أعلم.
(1693)
عن النعمان بن بشير {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عفان ثنا عبد الوارث ثنا أيوب فذكر حديثاً قال وحدث عن أبى قلابة عن رجل عن النعمان بن بشير قال كسفت الشمس "الحديث"{غريب} (1) أى في كل ركعة ركوع واحد كما هو ظاهر من سياق الحديث وقد احتج به الحنفية أيضاً، قيل ويحتمل أنه أراد بقوله ركعتين يعنى في كل ركعة ركوعان كما هو معلوم من الروايات الأخرى، لكن يبعد ذلك قوله ثم يسأل، أى يسأل الناس بعد كل ركعتين عن حال الشمس هل انجلت، فإذا قيل له لم تنجل صلى ركعتين ثم يسأل عن انجلائها وهكذا (2) في رواية أخرى للامام أحمد والنسائي "إن الله عز وجل إذا بدا" بدل تجلىَّ والمعنى واحد أى ظهر؛ وهو مثل قوله
-[بحث نفيس للحافظ ابن القيم في معنى تجلى الله عز وجل لشيء من خلقه]-
وجلَّ لشيء من خلقه خشع له
تعالى {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قال المفسرون أى ظهر من نوره قدر نصف أنملة، وكأنهم أخذوا ذلك من حديث رواه الحاكم بسنده الى سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن سلمة قال أنبأنا ثابت عن أنس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {فلما تجلىَّ ربه للجبل جعله دكا} قال حماد هكذا، ووضع الابهام على مفصل الخنصر الأيمن؛ قال فقال حميد لثابت تحدث بمثل هذا؟ قال فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده وقال - رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث به وأنا لا أحدث به" قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم {قلت} وأقره الذهبى {تخريجه} (د. نس. جه. ك) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ {قلت} وأقره الذهبى، وأخرجه الشيخان أيضاً ولكن بغير هذا اللفظ كما قال الحاكم وبدون قوله فاذا تجلىَّ الله الخ الحديث، وفي كتاب مفتاح السعادة للحافظ ابن القيم، قال أبو حامد الغزالى هذه الزيادة لم يصح نقلها "يعنى فاذا تجلى الله عز وجل لشيء من خلقه خشع له" فيجب تكذيب ناقلها (قال الحافظ ابن القيم) إسناد هذه الزيادة لا مطعن فيه ورواته كلهم ثقات حفاظ، ولكن لعل هذه اللفظة مدرجة في الحديث من كلام بعض الرواة ولهذا لا توجد في سائر أحاديث الكسوف، فقد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم تسعة عشر صحابياً {ذكر منهم أحد عشروهم} عائشة وأسماء بنت أبى بكر وعلى بن أبى طالب وأبىّ بن كعب وأبو هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وسمرة بن جندب وقبيصة الهلالى وعبد الرحمن بن سمرة {قلت والباقى بلال وابن عمر وأبو موسى الأشعرى وأبو مسعود البدرى الأنصارى وعبد الله بن مسعود والمغيرة بن شعبة وأبو بكرة وحذيفة بن اليمان، هؤلاء تسعة عشر صحابياً، وقد وقفت على غيرهم وهم محمود بن لبيد وعقبة بن عامر وأبو الدرداء وأم سفيان رضى الله عنهم أجمعين} قال فلم يذكر أحد منهم في حديثه هذه اللفظة، فمن هنا يخاف أن تكون أدرجت في الحديث إدراجاً في الحديث إدراجاً وليست في لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن هنا مسلكاً بديع المأخذ لطيف المنزع يقبله العقل السليم والفطرة السلمة، وهو أن كسوف الشمس والقمر يوجب لهما من الخشوع والخضوع بانمحاء نورهما وانقطاعه عن هذا العامل ما يكون فيه ذهاب سلطانهما وبهائمها، وذلك يوجب لا محالة لهما من الخشوع والخضوع لرب العالمين وعظمته وجلاله ما يكون سبباً لتجلى الرب تعالى لهما، ولا يستلزم أن يكون تجلى الله سبحانه لهما في وقت معين كما يدنو من أهل الموقف عشية عرفة فيحدث لهما ذلك التجلى خشوعاً آخر ليس هذا الكسوف، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى اذا تجلى لهما انكسفا، ولكن اللفظ
-[بحث نفيس للامامين الغزالي والسبكي في أن ما قاله علماء الفلك في الكسوف لا يصادم الشرع]-
.....
عند أحمد والنسائى إن الله تعالى اذا بدا لشيء من خلقه خشع له، ولفظ ابن ماجه "فإذا تجلى الله تعالى لشيء من خلقه خشع له "فهاهنا خشوعان، خشوع أوجب كسوفهما بذهاب ضوئهما وانمحائه فتجلى الله لهما فحدث لهما عند تجليه تعالى خشوع آخر بسبب التجلى كما حدث للجبل إذ تجلى له تعالى خشوع أن صار دكاً وساخ في الأرض وهذا غاية الخشوع، لكن الرب تعالى يثبتهما لتجلية عناية بخلقة لانتظام مصالحهم بهما، ولو شاء سبحانه لثبت الجبل لتجليه كما يثبتهما، ولكن أرى كليمه أن الجبل العظيم لم يطق الثبات لتجليه له، فكيف تطبق أنت الثبات للرؤية التي سألتها {وقال القاضى تاج الدين السبكى} في منع الموانع الكبير، الخلاف بين الفلاسفة وغيرهم من الفرق ثلاثة أقسام، قسم لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين وليس من ضرورة الشرع منازعتهم فيه {قال الغزالي} في كتاب "تهافت الفلاسفة" كقولهم خسوف القمر عبارة عن انمحاء ضوئه بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث أنه يقتبس نوره من الشمس، والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب، فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس، وكقولهم إن خسوف الشمس معناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس، وذلك عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة، وهذا الفن لسنا نخوض في إبطاله، إذ لا يتعلق به غرض، قال الغزالي ومن ظن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين فقد جنى على الدين وضعّف أمره، وان هذه الأمور يقوم عليها براهين هندسية حسابية لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها ويحقق أدلتها حتى يخبر بسببها عن وقت الكسوف وقدره ومدة بقائه الى الانجلاء اذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع لم يسترب فيه وإنما يستريب في الشرع، وضر والشرع ممن ينصره لا بطريقة أكثر من ممن يطعن فيه؛ وهو كما قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل {فان قيل} فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحايته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا الى ذكر الله والصلاة" فكيف يلائم هذا ما قالوه؟ {قلنا} ليس في هذا لا يناقض ما قالوه، إذ ليس فيه إلا نفى الكسوف لموت أحد وحياته والأمر بالصلاة عنده، والشرع الذي يأمر بالصلاة عند الزوال والغروب وا لطلوع من أين يبعد منه أن يأمر عند الخسوف بهما استحباباً {فإن قيل} فقد روى في آخر الحديث ولكن الله اذا تجلى لشيء خشع له، فيدل أن الكسوف خشوع بسبب التجلى {قلنا} هذه الزيادة لم يصح نقلها فيجب تكذيب ناقلها، ولو كان صحيحاً لكان تأويله أهون من مكابرة أمور قطيعة، فكم من ظواهر أوّلت بالأدلة العقلية التي لا تنتهي في الوضوح الى هذا الحد، وأعظم ما يفرح به الملحد أن يصرح ناصر الشرع بأن هذا وأمثاله على خلاف الشرع فيسهل عليه طريق إبطال الشرع، {قال التاج السبكي} وهو صحيح غير أن إنكار حديث "ان الله تعالى اذا تجلى لشئ من خلقه
-[مذاهب العلماء في صلاة كسوف الشمس ركعتين كسائر النوافل]-
.....
خشع له" ليس بجيد، فإنه مروى في النسائى وغيره ولكن تأويله ظاهر، فأى بعد في أن العالم بالجزئيات ومقدر الكائنات سبحانه يقدّر في أزل الآزال خسوفها بتوسط الأرض بين القمر والشمس ووقوف جرم القمر بين الناظر والشمس ويكون ذلك وقت تجليه سبحانه وتعالى عليهما فالتجلى سبب لكسوفهما، قضت العادة بأنه يقارن توسط الأرض ووقف جرم القمر لا مانع من ذلك، ولا ينبغي منازعة القوم فيه اذا دلت عليه براهين قطعية اهـ {وفي الباب} عن بلال رضى الله عنه قال "كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فاذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها" وأورده الهيثمى وقال رواه البزار والطبرانى في الأوسط والكبير، وعبد الرحمن بن أبى ليلى لم يدرك بلالاً، وبقية رجاله ثقات {وروى ابن أبى شيبة في مصنفه} بسند صحيح عن إبراهيم (كانوا يقولون إذا كان ذلك "يعنى الكسوف" فصلوا كصلاتهم حتى تنجلى) قال وحدثنا وكيع حدثنا إسحاق بن عثمان الكلابى عن أبى أيوب الهجرى قال "انكسفت الشمس بالبصرة وابن عباس أمير عليها فقام بصلى بالناس فقرأ فأطال القراءة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه ثم سجد ثم فعل مثل ذلك في الثانية فلما فرغ، قال هكذا صلاة الآيات، قال فقلت بأي شيء قرأ فيهما؟ قال بالبقرة وآل عمران" قال وحدثنا وكيع عن يزيد بن ابراهيم عن الحسن "أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف ركعتين فقرأ في إحداهما بالنجم" {الأحكام} أحاديث الباب تدل على جوام صلاة كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركوع واحد كصلاة العيد والنوافل، وإلى ذلك ذهب الكوفيون والحنفية محتجين بأحاديث الباب وبما ورد في ذلك من الآثار (قال العينى) قال ابن حزم في المحلىَّ وقد أخذ بهذا طائفة من السلف منهم عبد الله بن الزبير صلى في الكسوف ركعتين كسائر الصلوات {فإن قيل} قد خطَّأه في ذلك أخوه عروة، قلنا عروة أحق بالخطأ من عبد الله الصاحب الذي عمل بعلم وعروة أنكر ما لم يعلم، وذهب ابن حزم إلى العمل بما صح من الأحاديث فيها، ونحا نحوه ابن عبد البر فقال وإنما يصير كل عالم الى ما روى عن شيوخه ورآى عليه أهل بلده، وقد يجوز أن يكون ذلك اختلاف إباحة وتوسعة، قال البيهقى وبه قال ابن راهويه وابن خزيمة وأبو بكر بن إسحاق والخطابى، واستحسنه ابن المنذر، وقال ابن قدامة مقتضى مذهب أحمد أنه يجوز أن تصلى صلاة الكسوف على كل صفة، وقال ابن عبد البر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف مراراً، فحكى كلٌّ ما رآى وكلهم صادق كالنجوم من اقتدى بهم اهتدى اهـ وقال أبو بكر بن المنذر وكان بعض أصحابنا يقول الاختيار في صلاة الكسوف ثابت والخيار في ذلك للمصلى، إذن شاء فى كل ركعة ركوعين، وإن شاء ثلاثة وان شاء أربعة، ولم يصح عنده ذلك، قال وهذا يدل
-[كلام العيني في جواز صلاة كسوف الشمس ركعتين ركعتين]-
(4)
باب من روى أنها ركعتان فى كل ركعة ركوعان
وكونها فى المسجد جماعة وبيان مراتب الأركان طولا وقصرا
(1694)
عن عمرة قالت سمعت عائشة رضى الله عنهما قالت جاءتني يهودية تسألنى (1) فقالت أعاذك الله من عذاب القبر، فلمَّا جاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
على أن النبى صلى الله عليه وسلم في كسوفات كثيرة اهـ {وفي حديث النعمان بن بشير} رضى الله عنه أى الأخير من أحاديث الباب دليل على جواز صلاة الكسوف ركعتين ركعتين كصلاة النوافل حتى تنجلى الشمس لقوله "وكان يصلى ركعتين ثم يسأل ثم يصلى ركعتين ثم يسأل حتى انجلت الشمس" وبه قالت الحنفية أيضاً، وقال مخالفوهم يحتمل أن يكون معنى قوله (ركعتين) أى ركوعين وأن يكون السؤال وقع بالاشارة فلا يلزم التكرار (قال العينى) مراد هذا القائل الرد على الحنفية في قولهم إن صلاة الكسوف كسائر الصلوات بلا تكرار الركوع لما ذكرنا وجه ذلك ولا يساعد ما يذكره. لأن تأويله ركعتين بركوعين تأويل فاسد باحتمال غير ناشئ عن دليل وهو مردود {فان قلت} فعلى ما ذكرت فقد دل الحديث على أنه يصلىَّ للكسوف ركعتان بعد ركعتين ويزاد أيضاً الى وقت الانجلاء فأنتم ما تقولون به {قلت} لا نسلم ذلك وقد روى الحسن عن أبى حنيفة إن شاؤا صلوا ركعتين، وإن شاؤا صلوا أربعاً، وإن شاؤا صلوا أكثر من ذلك، ذكره في المحيط وغيره، فدل ذلك على أن الصلاة إن كانت بركعتين يطوِّل ذلك بالقراءة والدعاء في الركوع والسجود الى وقت الانجلاء، وإن كانت أكثر من ركعتين فالتطويل يكون بتكرار الركعات وقول القائل المذكور وأن يكون السؤال وقع بالاشارة، قلت يرد هذا ما أخرجه عبد الرزاق باسناد صحيح عن أبى قلابة أنه صلى الله عليه وسلم كلما ركع ركعة أرسل رجلاً لينظر هل انجلت، فهذا يدل على أن السؤال في حديث النعمان كان بالارسال لا بالاشارة، وأنه كلما كان يصلى ركعتين على العادة يرسل رجلاً يكشف عن الانجلاء اهـ أما القائلون بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان فتقدم الكلام على مذاهبهم وذكر أدلتهم في أحكام الباب الأول والله أعلم
(1694)
عن عمرة {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا يحيى عن يحى ابن سعيد قال حدثتنى عمرة قالت سمعت عائشة رضى الله عنها "الحديث"{غريبة} (1) الظاهر أنها جاءت تسألها صدقة فقالت لها ذلك كما هي عادة السائل الدعاء للمحسن، والظاهر أن هذه اليهودية علمت ذلك من التوراة وكانت عائشة رضى الله عنها لم تسمع
-[ثبوت عذاب القبر واستحباب التعوذ منه]-
قلت يا رسول الله أنعذَّب فى القبور؟ قال عائذٌ بالله (1) فركب مركبًا فخسفت الشَّمس فخرجت فكنت بين الحجر (2) مع النِّسوة فجاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من مركبه (3) فأتى مصلَاّه فصلَّى النَّاس وراءه فقام فأطال القيام (4) ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع (5) ثمَّ رفع رأسه فأطال القيام (6) ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع ثمَّ
بعذاب القبر قبل ذلك فلم تصدقها، وسألت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت "انعذب في القبور؟ "(1) هكذا رواية الامام أحمد عائذ بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى أنا عائذ، ورواية الشيخين عائذاً بالنصب على المصدرية تقديره أعوذ عائذاً بالله، أى أعوذ عياذاً بالله، ويجوز أن يكون عائذاً على بابه ويكون منصوباً على الحال وصاحب الحال محذوف تقديره أعوذ حال كونى عائذاً بالله، وكان ذلك قبل أن يوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر؛ يدل عليه ما رواه مسلم والامام أحمد عن عائشة وسيأتى في كتاب الجنائز في أبواب عذاب القبر قالت "دخل علىّ النبى وعندي امرأة من اليهود وهي تقول أشعرت أنكم تفتنون في القبور فارتاع النبى صلى الله عليه وسلم وقال إنما تفتن اليهود، قالت عائشة فلبثنا ليالى ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم هل شعرت أنه أوحى إلىَّ أنكم تفتنون في القبور؟ قالت عائشة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بستعيذ من عذاب القبر"(وقوله فركب مركباً) أى خرج مخرجاً كما في رواية عند النسائى (2) الحجر بضم المهملة وفتح الجيم جمع حجرة، وهى بيوت أزواجه صلى الله عليه وسلم وكانت لاصقة بالمسجد (3) لفظ البخارى والموطأ "فرجع ضحى" أى من مركبه ذلك، وضحى مقصور منون أى عند ارتفاع الشمس أول النهار (وقولها فأتى مصلاه) تعنى موقفه الذى كان يصلى فيه في المسجد (4) أى بنحو سورة البقرة كما في بعض روياتها (5) أى نحواً مما قام كما في بعض الروايات (6) أى وهو دون القيام الأول وهكذا كل قيام وركوع وسجود يكون الركعة الأولى، وكذلك الركوع الأول في الثانية يكون أقل من الركوع الأخير في الأولى، ومثل ذلك السجود ورجحه الحافظ، ويؤيد ذلك ما جاء مصرحاً به في حديث جابر عند مسلم والامام أحمد وسيأتى بلفظ "ليس فيها ركعة إلا التى قبلها أطول من التى بعدها إلا أن ركوعه نحو من قيامه" أى الذى قبله (وقوله ثم رفع رأسه فأطال القيام ثم سجد الخ) هذا التصريح بطول القيام بعد الرفع من الركوع الثاني جاء في هذا الباب عند الامام أحمد في هذا الحديث وحديث أسماء وجابر الآيتين، وجاء في حديث جابر عند مسلم أيضاً بلفظ
-[حجة القائلين بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان]-
رفع رأسه فأطال القيام ثمَّ سجد فأطال السُّجود (1) ثمَّ قام أيسر من قيامه الأوَّل، ثمَّ ركع أيسر من ركوعه الأوَّل، ثمَّ قام أيسر من قيامه الأوَّل، ثمَّ ثمَّ ركع أيسر من ركوعه الأوَّل، ثمَّ سجد أيسر من سجوده الأوَّل، فكانت أربع ركعاتٍ وأربع سجداتٍ (2) فتجلَّت الشَّمس، فقال إنَّكم تفتنون فى القبور كفتنة الدَّجَّال؛ قالت فسمعته بعد ذلك يستعيذ بالله من عذاب القبر (3)
(1695)
عن الزُّهريِّ قال أخبرني عروة بن الزُّبير أنَّ عائشة رضى الله عنها زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت كسفت الشَّمس فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ثم رفع فأطال ثم سجد سجدتين ثم قام فصنع نحواً من ذاك "الحديث" قال النووى هذا ظاهره أنه طوّل الاعتدال الذى يلى السجود ولا ذكر له في باقى الروايات ولا في رواية جابر من جهة غير أبى الزبير؛ وقد نقل القاضى إجماع العلماء أنه لا يطول الاعتدال الذي يلى السجود؛ وحينئذ يجاب عن هذه الرواية بجوابين (أحدهما) أنها شاذة مخالفة برواية الأكثرين فلا يعمل بها (والثانى) أن المراد بالاطالة تنفيس الاعتدال ومدِّه قليلاً، وليس المراد إطالته نحو الركوع اهـ {قلت} أما قول الأمام النووى رحمه الله فانها شاذة فليس كذلك، لأن الامام أحمد روى مثلها من حديثى عائشة وأسماء فلا شذوذ فيها (وأما) حملها على تنفيس الاعتدال ومده قليلاً فيخالفه سياق الحديث، فان عبارة التطويل واحدة بلفظ واحد فيه وفي جميع الأركان، فان صح الاجماع كما نقل عن القاضى عياض حملت الاطالة في هذا الموضع على تنفيس الاعتدال كما قال الامام النووى وإلا فلا والله أعلم (1) أى نحو الركوع لما في حديث جابر عند مسلم "وسجوده نحو من ركوعه" (2) أى باعتبار أن في كل ركعة ركوعان (3) أيى تمتحنون فيقال ما علمك بهذا الرجل فيقول المؤمن هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول المنافق سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، هكذا جاء مفسراً في الصحيح، وسيأتى قريباً في باب الخطبة، ويأتى أيضاً بأوسع منه في باب هول القبر وفتنته من كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى (وقوله كفتنة المسيح الدجال) يعنى فتنة شديدة جداً وامتحاناً هائلاً، ولكن يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت (4) أى لمّا علم ذلك بطريق الوحى {تخريجه} (ق. لك. نس. وغيرهم)
(1695)
عن الزهرى {سنده} حدثنا عبد الله حدثنى أبي ثنا بشر بن
-[حديث عائشة وفيه تطويل الأركان ومراتبها - وقصة عروة بن الزبير وأخيه عبد الله]-
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام فكبَّر وصفَّ النَّاس وراءه فكبَّر واقترأ قراءةً طويلةً، ثمَّ كبَّر فركع ركوعًا طويلًا، ثمَّ قال سمع الله لمن حمده فقام ولم يسجد، فاقترأ قراءةً طويلةً هي أدنى من القراءة الأولى، ثمَّ كبَّر وركع ركوعًا طويلًا هو أدنى من الرُّكوع الأوَّل، ثمَّ قال سمع الله لمن حمده ربَّنا لك الحمد، ثمَّ سجد ثمَّ فعل في الرَّكعة الأخرى مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعاتٍ وأربع سجداتٍ وانجلت الشَّمس قبل أن ينصرف ثمَّ قام فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله، ثمَّ قال إنَّما هما آيتان من آيات الله عز وجل لا ينخسفان لموت أحدٍ ولا لحينه، فإذا أيتموهما فافزعوا للصَّلاة، وكان كثير بن عبَّاس يحدِّث أنَّ عبد الله بن عباسٍ كان يحدّث عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشَّمس مثل ما حدَّث عروة عن عائشة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلت لعروة فإنَّ أخاك يوم كسفت الشَّمس
شعيب قال حدثني أبي عن الزهري قال أخبرني عروة "الحديث"{غريبة} (1) فيه مشروعية فعلها في المسجد وصلاتها جماعة لقوله "فكبر وصف الناس وراءه (2) كذا عند البخاري أيضًا، وفي رواية مسلم " ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" قال ذلك في الرفع من الركوعين الأول والثاني من الركعة الأولى، وتقدم أنه يستحب الجمع بين هذين اللفظين وهو مذهب الشافعي، ومن وافقه (3) أي بعد جلسوه للتشهد وقبل الإسلام كما في رواية أخرى للبخاري بلفظ "ثم جلس ثم جلَّى عن الشمس" (4) كذا عند البخاري أيًا، وفي رواية مسلم "ثم قام فخطب الناي فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال إن الشمس والقمر آيتان إلى قوله فافزعوا للصلاة" (5) بفتح الزاى أي التجئوا وتوجهوا، وفيه إشارة إلى المبادرة إلى المأمور به وأن الالتجاء إلى الله عز وجل عند المخاوف بالدعاء والاستغفار سبب لمحو ما فرط من العصيان، يرجى به زوال المخاوف، وأن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة والآجلة نسأل الله تعالى رحمته وعفوه أنه آمين (6) هو أخو عبد اله بن عباس عب المطلب الهاشمي أبو تمام صحابي صغير مات بالمدينة أيام عبد الملك، قال الحافظ في التقريب (7) القائل هو الزهري.
-[حديث أسماء وفيه تطويل الأركان كلها عدا الرفع من السجود]-
بالمدينة لم يزد على ركعتين مثل صلاة الصُّبح، فقال أجل إنَّه أخطأ السُّنَّة (1696) عن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما قالت صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف قالت فأطال القيام، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ قام فأطال القيام، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ رفع فأطال القيام، ثمَ سجد فأطال السُّجود، ثمَّ رفع ثمَّ سجد فأطال السُّجود، ثمَّ قام فأطال القيام، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ رفع فأطال القيام، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ رفع ثمَّ سجد فأطال السُّجود، ثمَّ رفع ثمَّ سجد فأطال السُّجود، ثمَّ انصرف فقال دنت منِّي الجنَّة حتَّى لو اجترأت لجتئكم بقطافٍ من قطافها، ودنت منِّي
يقول لعروة بن الزبير (فإن أخاك) يعني عبد الله بن الزبير، وفي رواية للبخاري من وجه آخر "فقلت لعروة والله ما فعل ذاك أخوك عبد الله بن الزبير، انخسفت وهو بالمدينة زمن أراد أن يشير أن يسير إلى الشام فما صلى إلا مثل الصبح"(1) هو مثل نهم وزنًا ومعنى، ولفظ البخاري "أجل لأنه أخطأ السنة" وفي رواية ابن حبان "فقال أجل كذلك صنع وأخطأ السنة"(قال الحافظ) واستدل به على أن السنة أن يصلي صلاة الكسوف في كل ركعة ركوعان، وتعقب بأن عروة تابعي وعبد الله صحابي فالأخذ بفعله أولى (وأجيب) بأن قول عروة وهو تابعي السنة كذا وإن قلنا إنه مرسل على الصحيح، لكن قد ذكر عروة مستندة في ذلك وهو خبر عائشة المرفوع فانتفى عنه احتمال كونه موقوفًا أو منقطعًا فيرجح المرفوع على الموقوف، فلذلك حكم على صنيع أخيه بالخطأ وهو أمر نسبي، وإلا فما صنعه عبد الله يتأدى به أصل السنة وإن كان فيه تقصير بالنسبة إلى كمال السنة، ويتحمل أن يكون عبد الله أخطأ السنة عن غير قصد، لأنها لم تبلغه والله أعلم أه (تخريجه)(ق. هق. والأربعة)
(1696)
عن أسماء بنت أبي بكر (سنده) حدقنا عبد الله حدثني أبي ثنا موسى بن داود قال ثنا نافع ابن عمر عن ابن أب أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر "الحديث"(غريبه)(2) فيه أنه لم يطل القيام بعد الرفع من الركوع الثاني من الركعة الثانية كما أطالع في الركعة الأولى، وفيه أيضاً عدم التصريح بطول الاعتدال بين
-[حجة القائلين بأنها ركعتان في كل ركعة ركوعات]-
النَّار حتَّى قلت يا ربِّ وأنا معهم وإذا امرأة تخدشها هرَّةٌ، قلت ما شأن هذه؟ قيل لي حبستها حتَّى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض (وعنها من طريقٍ ثانٍ) قالت انكسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فصلَّى فأطال القيام، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ رفع فأطال القيام، ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ رفع فأطال القيام، ثمَّ سجد
سجدتين، ثمَّ فعل في الثَّانية مثل ذلك (الحديث بنحو ما تقدم)
(1697)
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال كسفت الشَّمس فقام رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وأصحابه فقرأ سورةً طويلةً ثمَّ ركع، ثمَّ رفع رأسه فقرأ ثمَّ ركع وسجد سجدتين، ثمَّ قام فقرأ وركع، ثمَّ سجد سجدتين، أربع ركعاتٍ وأربع سجداتٍ في ركعتين
(1698)
حدّثنا عبد الله حدَّثني أبي حدَّثنا إسحاق يعني ابن عيسى قال أنا مالكٌ عن زيدٍ يعني ابن أسلم عن عطاء بن بسار عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال خسفت الشَّمس فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
السجدتين في الركعتين الأولى والثانية، وسائر الأركان مصرح بتطويلها (1) المعنى يارب أتعذبهم وأنا معهم وقد قلت {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم الآية} وتقدم الكلام على ذلك في شرح حديث عبد الله لن عمرو رقم 1688 في الباب السابق (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قنا وكيع عن نافع بن عمر ابن أبي مليكة عن أسماء "الحديث"(تخريجه)(ق. د. نس. جه)
(1697)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدني أبي ثنا إسحاق يعني ابن يوسف عن شريك عن خصيف عن مقسم عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(3) يعني ركوعات (تخريجه)(نس) وسنده جيد
(1698)
حدثنا عبد الله (غريبه)(4) زاد القعنبي على عهد رسول الله
-[حديث ابن عباس رضى الله عنهما وفيه مراتب الأركان]-
والنَّاس معه فقام قيامًا طويلًا قال نحوًا من سورة البقرة ثمَّ ركع ركوعًا طويلًا ثمَّ رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأوَّل ثمَّ ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الرُّكوع الأوَّل، ثمَّ سجد ثمَّ قام فقام قيامًا طويلًا وهو دون الرُّكوع الأوَّل قال أبي وفيما قرأت على عبد الرَّحمن قال ثمَّ قام قيامًا طويلًا دون القيام الأول، ثمَّ ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الرُّكوع الأوَّل ثمَّ رفع فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأوَّل، ثمَّ ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الرُّكوع الأوَّل، ثمَّ سجد ثمَّ انصرف ثمَّ رجع إلى حديث إسحاق
صلى الله عليه وسلم (1) فيه مشروعية الجماعة فيها (2) فيه أن القراءة كانت سرَّا، وكذا قول عائشة في بعض طرق حديثها فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ بسورة البقرة، وقول بعضهم كان ابن عباس صغيرًا فمقامه آخر الصفوف فلم يسمع القراءة فحزر المدة مردود بقول ابن عباس قمت إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفًا قاله أبو عمر (3) أي نحو قيامه كما في بعض الروايات (4) قدروه بنحو آل عمران، وفيه أن الركعة الثانية أقصر من الأولى (5) يعني سجدتين فأطال فيهما نحو الركوع على ما دلت عليه الأحاديث الأخرى (6) هكذا جاء في المسند بلفظ " وهو دون الرجوع الأول" وهذه الرواية رواها الإمام أحمد عن إسحاق بن عيسى من أول الحديث إلى آخر الأول" فروايتهم " وهو دون القيام الأول" ولما كانت هذه الجملة تخالف رواية الجماعة أتى الإمام أحمد رحمه الله بروايته الأخرى لمتفق عليها التي رواها عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك أيضًا، وهذا معنى قول عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله؛ قال أي وفيما قرأت على عبد الرحمن قال "ثم قام قيامًا طويلاً دون القيام الأول" إلى قوله "ثم سجد ثم انصرف" فلله درّ الإمام أحمد ما أحفظه للسنة وأجمعه للرواية (7) أي الذي قبله من الركعة الأولى وكذا قوله في الركوع "وهو دون الركوع الأول" يعني الذي قبله من الركعة الأولى وهذا هو المختار عند جمهور العلماء، وقال بعضهم يحتمل أن يراد به القيام الأول والركوع الأول من الركعة الأولى، قال ابن عبد البر وأي ذلك كان فلا حرج إن شاء الله تعالى (قلت) ويقال مثل هذا في الباقي والله أعلم، قال ابن بطال ولا خلاف في أن الركعة الأولى بقيامها وركوعها أطول من الثانية بقيامها وركوعها (8) يعني أن
-[خرق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم وشيء من معجزاته]-
ثمَّ انصرف وقد تجلت الشَّمس فقال إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله؛ قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك ثمَّ رأيناك تكعكعت فقال إنِّي رأيت الجنَّة تناولت منها عنقودًا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدُّنيا
الإمام أحمد رحمه الله رجع إلى رواية إسحاق بن عيسى فأكمل بها الحديث، وهي من قوله ثم انصرف وقد تجلت الشمس إلخ الحديث (1) أي تأخرت يقال كعَّ الرجل إذا نكص على عقبيه، قال الخطابي أصله تكعَّعْت فاستثقلوا اجتماع ثلاث عينات فأبدلوا من أحدهما حرفاً مكرراً (2) ظاهرة أنها رؤية عين فمن العلماء من حمله على أن الحجب كشفت له صلى الله عليه وسلم دونها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها العنقود وهذا أشبه بظاهر الحديث، ويؤيده حديث أسماء قبل حديث واحد من هذا الباب وفيه " دنت مني الجنة حتى اجترأت لجئتكم بقطاف من قطافها" ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط كما تنطبع الصور في المرأة فرأى جميع ما فيها، ويؤيده حديث أنس عند البخاري في التوحيد "لقد عرضت على الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي" وفي رواية "لقد مثلت" ولمسلم (لقد صورت) قال الحفاظ ولا يرد على هذا، الانطباع إنما هو في الأجسام الصقيلة لأنا نقول هو شرط عادي فيجوز أن تتخرق العادة خصوصاً للنبي صلى الله عليه وسلم لكن هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر، ولا مانع أن يرى الجنة والنار مرتين بل مرارًا على صور مختلفة، وأبعد من قال إن المراد بالرؤية رؤية العلم (يعني بطريق الوحي) قال القرطبي لا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى اله عليه وسلم إدراكًا خاصًا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما أهـ (3) ظاهر قوله "ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا" أنه لم يأخذه، وهو ينافي ما قبله من قوله "تناولت منها عنقودًا" قال الحافظ (وأجيب) بحمل التناول على تكلف الآخذ لا حقيقة الأخذ، وقيل المراد تناولت لنفسي ولو أخذته لأكلتم، حكاه الكرماني وليس بجيد، وقيل المراد بقوله تناولت أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرًا على تحويله لكن لم يقدر لي قطفه ولو أصبته أي لو تمكنت من قطفه، ويدل عليه قوله في حديث عقبة بن عامر ابن خزيمة أهوى بيده يتناول شيئًا وللمصنف (يعني البخاري) في حديث أسماء في أوائل الصلاة حتى لو اجترأت عليها، وكأنه لم يؤذن له في ذلك
-[أكثر أهل النار النساء]-
ورأيت النَّار فلم أر كاليوم منظرًا قطُّ ورأيت أكثر أهلها النِّساء قالوا لم يا رسول الله؟ قال بكفرهنّ، قيل أيكفرن بالله؟ قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدَّهر ثمَّ رأت منك
فلم يجترئ، وقيل الإرادة مقدرة أي أردت أن أتناول ثم لم أفعل، ويؤيده حديث جابر عند مسلم "ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من قمرها لينظروا إليه ثم بدالي أن لا أفعل" ومثله للمصنف (أي البخاري) من حديث عائشة بلفظ "لقد رأيتني أريد أن أخذ قطفًا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم" ولعبد الرزاق من طريق مرسلة "أردت أن آخذ منها لأريكموه فلم يقدّر لي" ولأحمد من حديث جابر "فحيل بيني وبينه" قال ابن بطال يأخذ العنقود لأنه من طعام الجنة وهو لا يفنى، والدنيا فانية لا يجوز أن يؤكل فيها مالا يفنى، وقيل لأنه لو رآه الناس لكان من إيمانهم بالشهادة لا بالغيب فيخشى أن يقع رفع العقوبة فلا ينفع نفس إيمانها، وقيل لأن الجنة جزاء الأعمال والجزاء بها لا يقع إلا في قانون التأويل عن بعض شيوخه أنه قال قوله لأكلتم منه إلخ أن يخلق في نفس الآكل مثل الذي يأكل دائمًا بحيث لا يغيب عن ذوقه، وتعقب بأنه رأى فلسفي مبني على أن دار الآخرة لا حقائق لها وإنما هي أمثال؛ والحق أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة وإذا قطعت خلقت في الحال، فلا مانع أن يخلق الله مثل ذلك في الدنيا إذا شاء، والفرق بين الدارين في وجوب الدوام وجوازه (فائدة) بيَّن سعيد ابن منصور في روايته من وجه آخر عن يزيد بن أسلم أن التناول المذكور كان حين قيامه الثاني من الركعة الثانية أفاد الحافظ (1) لفظ البخاري (فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع) أي أشنع وأسوأ، والمراد باليوم الوقت الذي هو فيه، أي لم أر منظرًا مثل منظر رأيته اليوم فخذف المرئى وأدخل التشبيه على اليوم بشاعة ما رأى فيه وبعده عن المنظر المألوف، وقيل الكاف اسم والتقدير ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرًا (2) استشكل مع حديث أبي هريرة "إن أدنى أهل لجنة منزلة من له زوجتان من الدنيا" فمقضتاه أن النساء ثلثا أهل الجنة؛ وأجيب بحمله على ما بعد خروجهن من النار (3) أي الزوج وقوله " ويكفرن الإحسان" بيان لقوله يكفرن العشير لأن المراد كفر إحسانه لا كفر ذاته فالجملة مع الواو مبينة للأولى نحو أعجبني الإسلام وسماحته، والمراد بكفر الإحسان تغطيته أو جحده ويدل عليه قوله " ولو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله) أي مدة عمر الرجل أو الزمان مبالغة "ثم رأت منك شيئًا" قليلا لا يوافق غرضها من أي نوع كان "قالت م رأيت منك خيرًا قط"
-[المبادرة إلى الصلاة عند كسوف الشمس أو القمر]-
شيئًا قالت ما رأيت منك خيرًا قطُّ
(1699)
عن أبي شريح الخزاعيِّ قال كسفت الشَّمس في عهد عثمان ابن عفَّان رضي الله عنه وبالمدينة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال فخرج عثمان فصلَّى بالنَّاس تلك الصَّلاة ركعتين وسجدتين في كلِّ ركعةٍ، قال ثمَّ انصرف عثمان فدخل داره وجلس عبد الله بن مسعودٍ إلى حجرة عائشة رضي الله عنها وجلسنا إليه، فقال إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالصَّلاة عند كسوف الشَّمس والقمر، فإذا رأيتموه قد أصابهما فافزعوا إلى الصَّلاة فإنِّها كانت الَّتي تحذرون كانت وأنتم على غير غفلةٍ، وإن لم تكن
(تخريجه)(ق. لك. والأربعة)
(1699)
عن أبي شريح الخزاعي (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب حدثنا عن أبي بن إسحاق ثنا الحارث بن فضيل الأنصاري ثم الخطمى عن سفيان بن أبي العوجاء السلمى عن أبي شريح الخزاعى (الحديث)(غريبه)(1) يعني فإذا رأيتم الكسوف قد أصاب الشمس أو القمر (فافزعوا إلى الصلاة) أي بادروا إليها (2) يريد والله أعلم إرسال عذاب أو قيام الساعة، ويدل عل ذلك ما رواه مسلم عن أبي موسى قال خصفت الشمس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعًا يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود (الحديث) فإن قيل هذا قد يستشكل من حيث أن الساعة لها مقدمات كثيرة لابد من وقوعها ولم تكن وقعت كطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة والنار والدجال وقتال الترك وأشياء أخر لابد من وقوعها قبل الساعة كفتوح الشام والعراق ومصر وغيرهما، وانفلق كنوز كسرى في سبيل الله تعالى وقتال الخوارج وغير ذلك من الأمور المشهودة في الأحاديث الصحيحة (قال النووي) ويجاب عنه بأجوبة (أحدها) لعل هذا الكسوف كان قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور (الثاني) لعله خشى أن تكون بعض مقدماتها (الثالث) أن الراوي ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة وليس يلزم من ظنه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خشي ذلك حقيقة بل خرج النبي صلى اله عليه وسلم مستعجلاً مهمتًا بالصلاة وغيرها من أمر الكسوف مبادرًا إلى ذلك وربما
-[حديث جابر في كونها ركعتين في كل ركعة ركوعات]-
كنتم قد أصبتم خيرًا واكتسبتموه
(1700)
عن جابر بن عبد الله الأنصاريٍّ رضي الله عنهما قال خسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومٍ شديد الحرِّ فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فأطال القيام حتَّى جعلوا يخرُّون ثمَّ ركع فأطال الرُّكوع، ثمَّ رفع رأسه فأطال، ثمَّ ركع فأطال، ثمَّ رفع رأسه فأطال ثمَّ سجد سجدتين، ثم قام فصنع مثل ذلك، ثمَّ جعل يتقدَّم ثمَّ جعل يتأخَّر، فكانت أربع ركعاتٍ وأربع سجداتٍ، ثمَّ قال إنَّه عرض عليَّ كلُّ شيءٍ توعدونه فعرضت عليَّ الجنَّة حتَّى لو تناولت منها قطفًا أخذته أو قال تناولت منها قطفًا فقصرت يدي عنه شكَّ هشامٌ (أحد الرواة) وعرضت عليَّ النَّار فجعلت أتأخَّر رهبة أن تغشاكم فرأيت فيها امرأة حميريَّةً سوداء طويلة تعذَّب
خاف أن يكون نوع عقوبة كما كان صلى الله عليه وسلم عند هبوي الريح تعرف لكراهة في وجهه ويخاف أن يكون عذابًا فظن الراوي خلال ذلك، ولا اعتبار بظنه أهـ (1) أي بامتثال الأمر وأداء الصلاة (تخريجه)(هق) وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والبزار ورجاله موثقون.
(1700)
عن جابر بن عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا كثير بن هشام ثنا هشام بن أبي عبد الله صاحب الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر (غريبه)(2) أي يسقطون على الأرض من طول القيام (3) فيه إطالة الاعتدال بعد الرفع من الركوع الثاني، وتقدم الكلام عليه في شرح الحديث الأول من أحاديث الباب (4) أي لتناول القطف من الجنة كما تقدم " وقوله ثم جعل يتأخر" أي عن النار مخافة أن يصيبه من لفحها كما مر (5) أي ركوعات وأربع سجدات في ركعتين (6) أي من أمور الدنيا والآخرة التي تختص بكم، وفي رواية لمسلم من حديث جابر أيضًا "أنه عرض على كل شيء "تولجونه" أي تدخلونه من جنة ونار وقبر ومحشر وغيرها (7) أي امتنعت، وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم وأن في الجنة ثمارًا وهذا
-[عدم الرأفة بخلق الله يوجب العذاب بالنار]-
في هرَّة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالكٍ يجرُّ قصبه في النًّار، وإنَّهما آيتان من آيات الله عز وجل يريكموهما، فإذا خسفت فصلُّوا حتَّى تنجلي
كله مذهب أهل السنة خلافًا للمعتزلة (1) هو صاحب المحجن، وتقدم الكلام عليه في شرح حديث عمرو بن العاص في الباب السابق، "وقوله قصبه" بضم القاف وإسكان الصاد وهي الأمعاء (تخريجه)(م. د. نس. هق){وفي الباب} عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الشمس انكسفت لمون عظيم من العظماء، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فأطال القيام حتى قيل لا يركع من طول القيام، ثم ركع فأطال الركوع حتى قيل لا يرفع من طول الركوع، ثم رفع فأطال القيام نحوًا من قيامه الأول، ثم ركع فأطال الركوع كنحو ركوعه الأول، ثم رفع رأسه فسجد؛ ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك، فكانت أربع ركعات وأربع سجدات، ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة" أورده الهيثمي وقال رواه البزار من طريقين في إحداهما مسلم بن خالد وهو ضعيف وقد وثق، وفي الأحرى عدى بن الفضل وهو متروك (وروى البخاري ومسلم والنسائي) منه من رواية قاسم بن محمد عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشمس والقمر لا يخسفات لموت أحد ولا لحياته ولكنهما أية من لآيات اله فإذا رأيتموهما فصلوا" (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه قال" كسفت الشمس على عهد رسول اله صلى اله عليه وسلم فقام فصلى للناس فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول، ثم رجع فأطال الرجوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود وهو دون السجود الأول، ثم قام فصلى ركعتين وفعل فيهما مثل ذلك، ثم سجد سجدتين يفعل فيهما مثل ذلك حتى فزع من صلاته، ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته؛ فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله عز وجل وإلى الصلاة" رواه النسائي (الأحكام) أحاديث الباب تدل على أن صلاة الكسوف لها هيئة تخصها من التطويل الزائد على العادة في القيام والركوع والاعتدال والسجود، وقد بينا مراتب هذا الطول في خلال الشرح (وفيها دليل) على أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان، وأما السجود فسجدتان في كل ركعة كغيرها من الصلوات، وإليه ذهب
-[مذاهب العلماء في كيفية صلاة الكسوف وكونها جماعة بالمسجد]-
(5)
باب من روى أنها ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات
(1701)
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال كسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك اليوم الَّذي مات فيه إبراهيم عليه السلام بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النَّاس إنَّما كسفت الشَّمس لموت إبراهيم، فقام النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فصلَّى بالنَّاس ستَّ ركعاتٍ في أربع سجداتٍ، كبَّر ثمَّ قرأ فأطال القراءة ثمَّ ركع نحوًا ممَّ قام، ثمَّ رفع رأسه فقرأ دون الراءة الأولى، ثمَّ ركع نحوًا ممَّا قام ثمَّ رفع رأسه فقرأ دون القراءة الثَّانية، ثمَّ ركع نحوًا ممَّا قام، ثمَّ رفع رأسه فانحدر للسُّجودن فسجد سجدتين، ثمَّ قام فركع ثلاث ركعاتٍ قبل أن يسجد ليس فيها ركعةٌ إلَّا الَّتي قبلها أطول من الَّتي بعدها، إلَّا أن ركوعه
الأئمة (مالك والشافعي وأحمد والليث وأبو ثور) وجمهور علماء الحجاز وتقدم الكلام على ذلك في أحكام الباب الأول (وفيها مشروعية) كونها في المسجد الجامع جماعة لما جاء في حديث عائشة المتفق عليه من أحاديث الباب "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام فكر وصف الناس وراءه" قال النووي ويستحب أن تصلي في المسجد جماعة، ويجوز في مواضع من البلد، وتسن للمرأة والعبد والمسافر والمنفرد، هذا هو المذهب، وبه قطع الأصحاب في طريقهم، قال وحكى الرافعي وجهًا أنه يشترط لصحتها الجماعة؛ ووجهًا أنها لا تقام إي في جماعة واحدة كالجمعة وهما شاذان مردودان، قال أصحابنا ولا تتوقف صحتها على صلاة الإمام ولا إذنه. قال الشافعي والأصحاب فإن خرج الإمام فصلى بهم جماعة خرج الناس معه فإن لم يخرج طلبوا إماماً يصلي بهم، فإن لم يجدوا صلوا فرادى، فإن خافوا الإمام لوصلوا علانية صلوها سرًا، وبهذا قال:(مالك وأحمد وإسحق) وقال الثوري ومحمد إذا لم يصل الإمام صلاة فرادى (أهـ. ج. والله أعلم
(1701)
عن جابر عبد الله (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى عن عبد الملك أخبرني عطاء عن جابر بن عبد اله "الحديث"(غريبه)(1) يعني القيام الثاني، وعلى هذا فركوعه الثاني أقل من ركوعه الأول، لأن قيامه الثاني أقل من الأول (وقوله ثم ركع نحوا مما قام) يعني أن ركوعه الثالث كان قدر قيامه الثالث.
-[حجة القائلين بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات]-
نحوٌ من قيامه ثمَّ تأخَّر في صلاته وتأخَّرت الصُّفوف معه ثمَّ تقدَّم فقام في مقامه وتقدَّمت الصُّفوف فقضى الصَّلاة وقد طلعت الشَّمس، فقال يا أيُّها النَّاس إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل وإنَّهما لا ينكسفان لموت بشرٍ، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلُّوا حتَّى تنجلي، إنَّه ليس من شيءٍ توعدونه إلَّا قد رأيته في صلاتي هذه، ولقد جيء بالنَّار فذلك حين رأيتموني تأخَّرت مخافة أن يصيبني من لفحها حتَّى قلت أي ربِّ وأنا فيهم، ورأيت فيها صاحب المحجن يجرُّ قصبه في النَّار، كان يسرق الحاجُّ بمحجنه فإن فطن به قال إنَّما تعلق بمحجني، وإن غفل عنه ذهب به، وحتَّى رأيت فيها صاحبة الهرَّة التَّي ربطتها فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض حتَّى ماتت جوعًا، وجيء بالجنَّة فذلك حين رأيتموني تقدَّمت حتَّى قمت في مقامي فمددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثمَّ بدالي أن لا أفعل
(1702)
عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في صلاة
(1) يعني القيام الذي قبله (ولفظ مسلم)"وركوعه نحوا من سجوده"(2) رواية مسلم "وتأخرت الصفوف معه حتى انتهينا إلى النساء ثم تقدم إلخ" قال النووي فيه أن العمل القليل لا يبطل الصلاة، وضبط أصحابنا القليل بما دون ثلاث خطوات متتابعات، وقالوا الثلاث متتابعات تبطلها، ويتأولون هذا الحديث على أن الخطوات كانت متفرقة لا متوالية، ولا يصح تأويله على أ، هـ كان خطوتين، لأن قوله انتهينا إلى النساء يخالفه، وفيه استحباب صلاة الكسوف للنساء، وفيه حضورهن وراء الرجال أهـ (تخريجه)(م. د. هق)
(1702)
عن عائشة رضي الله عنها (سنده) حدثنا عبد الله أبي ثنا عبد الصمد ثنا حماد قال ثنا قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة "الحديث"
-[ماذا يفعل من صلى ركعة ثم تجلت الشمس]-
الآيات فيركع ثلاث ركعاتٍ ثمَّ يسجد، ثمَّ يركع ثلاث ركعاتٍ ثمَّ يسجد،
(فصل منه)
فيمن صلاها ركعتين بثلاث ركوعات في الأولى فانجلت فصلى الثانية بركوع واحد
(1703)
خط حدَّثنا عبد الله وقال وجدت في كتاب أبي بخطِّ يده حدَّثني عبد المتعال بن عبد الوهَّاب ثنا يحيى بن سعيدٍ الأمويُّ ثنا المجالد عن عامرٍ قال كسفت الشَّمس ضحوة حتَّى اشتدَّت ظلمتها فقام المغيرة بن شعبة فصلَّى بالنَّاس فقام قدر ما يقرأ سورةً من المثاني ثمَّ كع مثل ذلك، ثمَّ رفع رأسه، ثمَّ ركع مثل ذلك، ثمَّ رفع رأسه فقام مثل ذلك، ثمَّ رفع الثَّانية مثل ذلك، ثمَّ إن الشَّمس تجلَّت فسجد، ثمَّ قام قدر ما يقرأ سورةً، ثمَّ
(غريبه)(1) أي الكسوف ونحوه (2) أي في الركعة الأولى (3) أي في الركعة الثانية (تخريحه)(م. نس) ولفظ النسائي قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة في صلاة الآيات عن عطاء عن عبيد بن عمير عن طائشة " أن النبي قلى الله عليه وسلم صلى ستا ركعات في أربع سجدات قلت لمعاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لاشك ولا مرية" ورواه مسلم من هذا الطريق عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات"(ورواه مسلم) أيضًا مطولاً قال حدثنا إسحاق عن إبراهيم أخبرنا محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء يقول سمعت عبيد بن عمير يقول حدثني من أصدق حسبته يريد عائشة " أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قيمًا شديدًا يقوم قائمًا ثم يركع، ثم يقوم ثم يركع، ثم يقوم ثم يركع، ركعتين في ثلاث ركعات وأربع سجدات، فانصرف وقد تجلت الشمس، وكان إذا ركع قال الله أكبر ثم يركع، وإذا رفع رأسه قال سمع الله لمن حمده، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنها من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفًا فاذكروا الله حتى ينجليا".
(1703)
(خط) حدثنا عبد الله (غريبه)(4) المثاني هي السور التي تقصر عن المئين، أي عن السور ذات المائة آية وتزيد عن المفصل كالأنفال ونحوها (5) هكذا بالأصل ولعل صوابه
-[قصة عمرو بن عامر الخزاعي الذي غير دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم]-
ركع وسجد، ثمَّ انصرف فصعد المنبر فقال إنَّ الشَّمس كسفت يوم توفيَّ إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ، وإنَّما هما آيتان ومن آيات الله عز وجل، فإذا انكسف واحد منهما فافزعوا إلى الصَّلاة؛ ثمَّ نزل فحدَّث أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كان في الصَّلاة فجعل ينفخ بين يديه، ثمَّ إنَّه مدَّ يده كأنَّه يتناول شيئًا، فلمَّا انصرف قال إنَّ النَّار أدنيت منِّي حتّي نفخت حرَّها عن وجهي، فرأيت فيها صاحب المحجن والَّذي بحَّر البحيرة
الثالث كما يدل عليه سياق الحديث وصحف من الناسخ (1) أي ثم ركع في الركعة الثانية ركوعًا واحدًا لأن الشمس تجلت بعد الركوع الثالث من الأولى (2) صاحب المحجن تقدم الكلام عليه والذي بحَّر البحيرة هو عمرو بن عامر الخزاعي، والبحيرة هي التي ذكرت في القرآن في قوله تعالى {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} روى البخاري بسنده في صحيحه عن سعيد بن المسيب، قال البحيرة التي يمنع در! ها للطواغيت فلا يجلبها أحد من الناس، والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يجعل عليها شيء، قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم ثنى بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر، والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه عن الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي" وكذا (رواه مسلم والنسائي) من حديث إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد (وروى ابن جرير) قال حدثنا هناد ثنا يونس بن بكير ثنا محمد بن اسحق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي صالح عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون "يا أكثم رأيت عمرو بن لحيي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلاً أشبه برجل منك به ولا به منك، فقال أكثم تخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم لا؟ انك مؤمن وهو كافرًا، أنه أول من غير دين إبراهيم وبحَّر البحيرة وسيَّب السائبة وحمى الحامي (قلت) عمرو بن لحيي المذكور في هذا الحديث هو عمرو بن عامر الخزاعي ولحيي بضم اللازم وفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية لقب لوالده عامر، وقد تكرر ذكره في الحديث، أحيانًا ينسب
-[مذاهب العلماء في صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات والقول بتعدد الواقعة]-
وصاحبة حمير صاحبة الهرَّة
لوالده باسمه وأحيانًا بلقبه (تخريجه)"الحديث" أخرجه الشيخان وغيرهما بدون قصة عامر، ولم أقف على من أخرج هذه القصة غير الإمام أحمد (وفي الباب عن ابن عباس) رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم" أنه صلى في كسوف فقرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد سجدتين والأخرى مثلها" رواه الترمذي وقال حديث ابن عباس حديث حسن صحيح (وعن سليمان الأحول) قال سمعت طاوسا يقول خسفت الشمس فصلى بنا ابن عباس في صفَّة زمزم ست ركعات ثم أربع سجدات" رواه الإمام الشافعي في مسنده (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية صلاة كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات، وهو نوع من الأنواع المشروعية في ذلك، وبه قال جمع من الصحابة، منهم حذيفة وابن عباس رضي الله عنهم، وممن قال بجوازه ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وغيرهم من الشافعية (وحكى ابن قدامه) عن الإمام أحمد القول بجواز صلاة الكسوف على كل صفة رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم كقوله في صلاة الخوف، إلا أن اختياره من ذلك ركعتان في كل ركعة ركوعان كالشافعية ومن وافقهم بأحاديث الباب السابق، وهي عندهم أرجح للاتفاق عليها، بل منهم من أعلى أحاديث الباب ولم يجوَّز العمل بها مع أ، ها في صحيح مسلم والإمام أحمد وغيرها، وممن أعلها البيهقي وابن عبد البر وآخرون لأنهم يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة، وهذه الدعوى يدرها ثبوت حديثي الباب عن عائشة وجابر في صحيح مسلم وحديث ابن عباس عند الترمذي وصححه، وقد ذكرناه بلفظه في الشرح، والذي حملهم على ذلك إرجاع الأحاديث كلها إلى حكاية صلاته صلى الله عليه وسلم يوم توفى ابنه إبراهيم عليه السلام، وأن الواقعة لم تتعدد، ولكن هذا يعطل كثيرًا من الأحاديث الصحيحة الواردة باختلاف كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم في الكسوف التي تدل على تعدد الواقعة (والذي أميل إليه) أن الواقعة تعددت وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها مرارًا بكيفيات مختلفة؛ وكل كيفية صح فيها الحديث فالعمل بها جائز، وقد ذهب إلى ذلك كثير من العلماء تقدم ذكرهم، وهنا عَقَبة أخرى لم أقف على من لَّلها أو تكلم فيها بكلام شاف، وهي حديث الباب المروي عن عطاء عن جابر عند الإمام أحمد ومسلم قال "كشفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك اليوم الذي مات فيه إبراهيم "الحديث"، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات"؛ والحديث الآخر المروي عن أبي الزبير عن جابر أيضًا عند مسلم والإمام أحمد وتقدم في الباب السابق، وفيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان" وظاهر هذا التعارض، وما وجدت كلامَا لأحد من العلماء في الجمع بين
-[الجمع بين حديثي جابر المتعارضين والتوفيق بين الأحاديث المختلفة في صلاة الكسوف]-
(6)
باب من روى أنها ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات
(1704)
عن رجلٍ يدعى حنشًا عن عليّ رضي الله عنه قال كسفت
هاتين الروايتين، وكأنهم رأوا أن رواية أبي الزبير أرجح لاتفاق الشيخين على تخريحها، ورواية عطاء مرجوحة لانفراد مسلم بها فأهملوها عملاً بقاعدة " إذا تعارض الدليلان عمل بأرجحهما" ولكن هذا إذا لم يمكن الجمع (وقد هداني اله تعالى) للجمع بين هاتين الروايتين بأن الواقعة تعددت وأن الصفة التي رواها عطاء عن جابر كانت يوم وفاة إبراهيم كما صرح فيها بذلك، والصفة التي رواها أبو الزبير عن جابر كانت في واقعة أخرى قبلها (فإن قيل) جاء في رواية أي الزبير عن جابر عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان ثم قال "وإنهم كانوا يقولون إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم وإنهما آيتان من آيات الله يريكموهما فإذا خسفا فصلوا حتى تنجلي" ففي قوله صلى الله عليه وسلم ذلك دليل على أ، هـ إنما صلاها يوم توفى ابنه إبراهيم عليه السلام وقال هذه المقالة ردًّا لقولهم إنما كسفت لموته (قلت) ليس في قوله صلى الله عليه وسلم ذلك تصريح بأنه كان يوم وفاة إبراهيم فيحتمل أنه كان في واقعة أخرى، ولا مانع من قوله صلى اله عليه وسلم ذلك في كل واقعة تحذيرًا لهم من هذه العقيدة الباطلة، لأنها كانت عقيدة أ÷ل الجاهلية قبل الإسلام وقد جاء التصريح بذلك في حديث النعمان بن بشير رقم 1693 قبل باب حيث قال:"إن ناسًا من الجاهلية يقولون أو يزعمون أن الشمس والقمر إذا انكسف واحد منهما فإنما ينكسف لموت عظيم من عظماء أهل الأرض وأن ذلك ليس كذلك "الحديث" رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ وأٌره الذهبي، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين ركعتين، فها كان ذلك يوم وفاة إبراهيم (وقصارى القول) أني تتبعت الأحاديث الواردة في أبواب الكسوف في الكتب الستة وغيرها الموجودة عندي بحسب اجتهادي فلم أجد حديثًا جمع بين كيفية الصلاة والتصريح بأنها كانت يوم وفاة إبراهيم سوى رواية عطاء عن جابر، وسائر الأحاديث بعضها صفة الصلاة دون التصريح بيوم الوفاة، وبعضها فيه التصريح بيوم الوفاة دون صفة الصلاة، فما جاء منها مصرحًا فيه بيوم الوفاة يحمل على رواية عطاء عن جابر في صفة الصلاة، وما جاء مصرحًا فيه بصفة غير ما ذكر في رواية عطاء عن جابر عمل بها كما هي، وتعتبر واقعة أخرى، وبهذا يحصل التوفيق بين مختلف الأحاديث والعمل بجميعها، هذا ما ظهر لي والله أعلم.
(1704)
عن رجل يدعى حنشا (سنده) حدثنا عبد الله أبي ثنا
-[حجة القائلين بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات]-
الشَّمس فصلَّى عليٌّ رضي الله عنه للنَّاس فقرأ يس أو نحوها، ثمَّ ركع نحوًا من قدر السُّورة، ثمَّ رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده، ثمَّ قام قدر السُّورة يدعو ويكبِّر، ثمَّ ركع قدر قراءته أيضًا، ثمَّ قال سمع الله لمن حمده، ثمَّ قام أيضًا قدر السُّورة، ثمَّ ركع قدر ذلك أيضًا حتى صلَّى أربع ركعاتٍ ثمَّ قال سمع الله لمن حمده، ثمَّ سجد، ثمَّ قام في الرَّكعة الثَّانية ففعل كفعله في الرَّكعة الأولى ثمَّ جلس يدعو ويرغَّب حتَّى انكشفت الشَّمس، ثمَّ حدَّثهم أنَّ رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كذلك فعل
(1705)
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم صلَّى عند كسوف الشَّمس ثماني ركعاتٍ وأربع سجداتٍ
يحيى بن آدم ثنا زهير الحسن بن الحر ثنا الحكم بن عتيبة عن رجل يدعى حنشا عن علي رضي الله عنه "الحديث"(غريبه)(1) فيه أن الركوع قدر القيام في كل الركعات وأن القيام الأول قدر الثاني والثاني قدر الثالث وهكذا، وأنه لم يقرأ إلا في القيام الأول، ما الثاني والثالث والرابع فكان يدعو فيها ويكبر، وكذلك كان يفعل في الركعة الثانية، وهذه صفة غريبه (2) يعني أربع ركوعات في الركعة الثانية، وفي قوله ثم أجلس يدعو دليل على أنه إذا انتهى من الصلاة قبل الانجلاء يستحب له الذكر والدعاء حتى تنجلي (تخريجه)(هق) وأورده الهيثمي وقال رواه أحمد ورجاله ثقات.
(1705)
عن ابن عباس (سند) حدثنا عبد الله حدثني أبي قنا إسماعيل أنبأنا سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(3) المعنى أنه ركع ثمان مرات كل أربع في ركعة وسجد سجدتين في كل ركعة، وقد صرح بذلك في رواية عند مسلم سنذكرها عقب التخريج (تخريجه)(م. د. نس. هق) ولفظ مسلم عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن الني صلى الله عليه وسلم " أنه صلى في كسوف قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد قال والأخرى مثلها" وله في راوية أخرى عن ابن عباس أيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات وعن علي مثل ذلك، هذا لفظ مسلم
-[حجة القائلين بأنها ركعتان في كل ركعة أربعة ركوعات]-
(7)
باب من روى أنها ركعتان في كل ركعة خمسة ركوعات
(1706)
ز عن أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال انكسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى بهم فقرأ بسورةٍ من الطُّول ثمَّ ركع خمس ركعاتٍ وسجد سجدتين ثمَّ قام الثَّانية فقرأ بسورة من الطُّول ثمَّ ركع خمس ركعاتٍ وسجد سجدتين ثمَّ جلس كما هو مستقبل القبلة يدعوا حتَّى انجلى كسوفها
وقوله " وعن عليّ مثل ذلك" يشير إلى حديث عليّ الذي تقدم ذكره " وفي الباب عن حذيفة رضي الله عنه" أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلى عند كسوف الشمس فقام فكبر ثم ثرأ، ثم ركع كما قرأ، ثم رفع كما ركع، ثم ركع كما قرأ، فصنع ذلك أربع ركعات قبل أن يسجد سجدتين، ثم قام إلى الثانية فصنع مثل ذلك ولم يقرأ بين الركوع، أورده الهيثمي وقال رواه البزار وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام أهـ (الأحكام) أحاديث الباب مع ما ذكرنا في الشرح تدل على مشروعية صلاة كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة أربعة ركعات (وفيها) استحباب كون الركوع مساويًا للقيام في كل الركعات، وهذا نوع من أنواع صلاة كسوف الشمس، قال النووي وقد قال بكل نوع جماعة من الصحابة أهـ وقال بجوازه الإمام أحمد وابن خزيمة وابن المنذر والخاطبي وغيرهم والله أعلم.
(1706)
عن أبي بن كعب (سنده) حدثنا عبد الله قنا روح بن عبد المؤمن المقرئ ثنا عمرو بن شقيق ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبيّ ابن كعب "الحديث"(غريبه)(1) بضم الطاء المهملة وفتح الواو كالكُبر جمع الكُبرى والمعنى أنه قرأ بسورة من السبع الطول، وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والتوبة (2) يعني في الركعة الأولى (3) يعني الركعة الثانية "وقوله ثمّ جلس كما هو" أي على هيئة جلوسه للصلاة يدعو حتى انجلت الشمس (تخريجه)(دك. هق) وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه، وقال الشوكاني قال البيهقي هذا سند لم يحتج الشيخان بمثله، وهذا توهين منه للحديث بأن سنده مما لا يصلح للاحتجاج به عند الشيخين، لا أنه تقوية للحديث وتعظيم لشأنه كما فهمه بعض المتأخرين، وروى عن ابن السكن تصحيح هذا الحديث، وقال الحاكم رواته صادقون، وفي إسناده أبو جعفر عيسى بن عبد الله بن ماهان الرازي، قال الفلاس سيء الحفظ، وقال ابن
-[مذهب القائلين بأن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة خمسة ركوعات]-
(8)
باب ما جاء في طول صلاة الكسوف وحضور النساء جماعتها بالمسج
(1707)
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما؛ قالت فزع يوم كسفت الشَّمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ درعًا حتَّى أدرك بردائه، فقام بالنَّاس قيامًا طويلًا، يقوم ثمَّ يركع، فلو جاء إنسانٌ بعد ما ركع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
المديني يخلط عن المغيرة، وقال ابن معين ثقة أهـ (الأحكام) حديث الباب يدل على جواز صلاة كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة خمسة ركعات، وإلى ذلك ذهبت العترة جمعيًا مستدلين بهذا الحديث نقله الشوكاني عن صاحب البحر (قلت) إن صح الحديث يكون دليلاً لذلك وإلا فلا والله أعلم.
(1707)
عن أسماء بنت أبي بكر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا روح ثنا ابن جريح، قال حدثني منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن أسماء بنت أبي بكر "الحديث"(غريبه)(1) رسول فاعل فزع أي فزع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس؛ ومعنى الفزع الخوف، أي خاف وقوع أمر مهم من أنواع العذاب على أهل الأرض، كما أتى على من قبلهم من الأمم، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث عبد الله بن عمر ورقم 1688 "رب لم تعذبهم وأنا فيهم- الحديث" وأشدّة خوفه واهتمامه أسرع إلى المسجد وأخذ درع بعض زوجاته يعني قميصها يظنه رداءه ففطن لذلك بعض أ÷ل البيت فأرسلوا من أدركه بردائه (وفي حديث أبي موسى) عند الشيخين والنسائي، قال "خسفت الشمس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم "فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة" وظاهره أنّ سبب الفزع هو خشية قيام الساعة، فيكون مفسرًا لحديث الباب، ولكن كيف يخشى قيام الساعة ولها مقدمات وعلامات أخبر بوقوعها صلى الله عليه وسلم قبل قيام الساعة ولم تقع بعد، قال الكرماني، هذا تمثيل من الراوي كأنه قال فزعا كالخاشي أن تكون القيامة، وإلا فكان النبي صلى الله عليه وسلم طالما بأن الساعة لا تقوم وهو بين أظهرهم، وقد وعده الله أعلاه دينه على الأديان كلها، ولم يبلغ الكتاب أجله أهـ وللنووي أجوبة عن ذلك تقدمت في باب من روى أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان، في شرح حديث رقم 1699 وحكاها العيني عن النووي أيضًا وقال كل واحد من هذه الأجوبة لا يخلو عن نظر إذا تأمله الناظر، وحكى ما قاله الكرماني أيضًا ثم قال والأوجه في ذلك ما قاله الكرماني، أو أنه صلى الله عليه وسلم جعل ما سيقع كالواقع إظهارًا لتعظيم شأن الكسوف وتنبيهًا لأمته أنه إذا وقع بعده يخشون أمر ذلك، ويفزعون إلى ذكر الله
-[مذاهب العلماء في حضور النساء إلى المسجد لصلاة الكسوف]-
لم يعلم أنَّه ركع ما حدَّث نفسه أنَّه ركع من طول القيام، قالت فجعلت أنظر إلى المرأة الَّتي هي أكبر منِّي، وإلى المرأة الَّتي هي أسقم منِّي قائمةً وأنا أحقُّ أن أصبر على طول القيام منها
(9)
باب في الخطبة بعد صلاة كسوف الشمس
عن هشامٍ عن فاطمة عن أسماء (بنت أبي بكر رضي الله عنهما،
والصلاة والصدقة، لأن ذلك مما يدفع الله به البلاء أهـ (1) يعني أنها ضجرت من طول القيام، فجعلت تنظر إلى من هي أضعف منها من النساء لترى حالها، فتجدها قائمة صابرة فكانت تلوم نفسها على الضجر وعدم الصبر (تخريجه)(م. هق. وغيرهما)(الأحكام) حديث الباب يدل على استحباب المبادرة إلى المسجد عند رؤية الكسوف والشروع في الصلاة مع طول القيام جدًّا زيادة عن الصلاة المكتوبة؛ مع عدم مراعاة التخفيف فيها لأنها غير متكررة، والمقصود منها ذل النفس وقهرها بالعبادة، واعتراف الخلق لله عز وجل بالقدرة والقهر والغلبة، مع الاعتراف بعجزهم، والالتجاء إليه في كشف ما نزل بهم (وفيه) أيضًا جواز حضور النساء بالمسجد لصلاة الكسوف مع الجماعة، وترجم لذلك البخاري، فقال "باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف" وأورد فيه حديث أسماء الآتي بعد هذا، وهو جائز، لكن بالشروط المتقدمة في (باب الأذن، لهن بالخروج) من أبواب الجماعة وإلا صلينها في بيوتهن ورخص الإمامان (أبو حنيفة ومالك) للعجائز في حضورها وكرهاه للشابة، وعند أبي يوسف ومحمد يخرجن في جميع الصلوات لعموم المصيبة فلا يختص ذلك بالرجال، (وقال الإمام الشافعي) في الأم في أخر كتاب الكسوف، لا أكره لمن لا هيئة لها بارعة من النساء، ولا للعجوز، ولا للصبية شهود صلاة الكسوف مع الإمام بل أحبها لهن، وأحب إليَّ لذوات الهيئة أن يصلينها في بيوتهن، قال وإن كسفت وهناك رجل مع نساء فيهن ذوات محرم منه صلى بهن، وإن لم يكن فيهن ذوات محرم منه كرهت ذلك له، وإن صلى بهن فلا بأس أهـ ورأى إسحاق أن يخرجن شبابًا كنّ أو عجائز ولو كان حيّضًا وتعتزل الحيّض المسجد ولا يقربن منه والله أعلم.
عن هشام بن عروة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قنا ابن نمير، قال حدثنا هشام عن فاطمة "الحديث"(غريبه)(2) هو ابن عروة بن الزبير بن العوام (وفاطمة) هي بنت المنذر بن الزبير بن العوام زوج هشام بن عروة المذكور
-[حجة القائلين بمشروعية الخطبة بعد الصلاة لصلاة الكسوف]-
قالت خسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت على عائشة فقلت ما شأن النَّاس يصلُّون؟ فأشارت برأسها إلى السَّماء فقلت آية قالت نعم، فأطال رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام جدًا حتَّى تجلَّاني الغشى، فأخذت قربةً إلى جنبي، فجعلت أصبُّ على رأسي الماء، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلَّت الشَّمس، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال أمَّا بعد ما من شيءٍ لم أكن رأيته إلّا قد رأيته في مقامي هذا حتَّى الجنَّة والنَّار إنه قد أوحي إلىَّ أنَّكم تفتنون في القبور قريبًا أو مثل فتنة المسيح
وبنت عمه، كانت من فضليات النساء وثقها الحفاظ (1) يعني انكسفت الشمس، وفيه امتناع الكلام بالصلاة وجواز الإشارة، ولا كراهة فيها إذا كانت لحاجة (2) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي هذه علامة للعذاب كأنها متقدمة له، قال تعالى:{وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} وعلامة لقرب زمان قيام الساعة، ويجوز حذف همزة الاستفهام كما هنا وإثباتها (3) بفوقيه وجيم ولام ثقيلة أي غطاني (والغشى) بفتح الغين وإسكان الشين المعجمتين، وروى أيضًا بكسر الشين وتشديد الياء؛ طرف من الإغماء من طول تعب الوقوف، والمراد به هنا الحالة القريبة منه، فأطلقته مجازًا، ولذلك قالت:"فجعلت أصب على رأسي الماء" أي في تلك الحالة ليذهب، فأنّ توليها الصب يدل على أن حواسها كانت مدركة، وذلك لا ينقض الوضوء ولا يبطل الصلاة أيضًا، لأنه محمول على أن أفعالها كانت غير متوالية، وهو الواقع لأنها ما كانت تصب إلا عند شعورها بالتعب، ووهم من قال إن صبها كان بعد الأفاقة، قال ابن بطال الغشى مرض بمرض من طول التعب والوقوف، وهو ضرب من الإغماء إلا أنه دون، ولو كان شديدًا لكن كالإغماء، وهو ينقض الوضوء بالإجماع (4) فيه مشروعية الخطبة بعهد صلاة الكسوف وهو حجة للشافعية ومن وافقهم (5) ضبط بالحركات الثلاث فيهما كما قال الحافظ وغيره، ومفاد الأغياء أنه لم يرهما مع أنه رآهما ليلة المعراج وهو (6) أي تمتحنون وتختبرون، قال الباجي يقال إنه أعلم بذلك في ذلك الوقت، وليس الاختبار في القبر بمنزلة التكاليف والعبادة، وإنما معناه إظهار العمل وإعلام بالمآل والعاقبة
-[ثبوت سؤال الملكين في القبر]-
الدَّجال "لا أدري أيَّ ذلك، قالت أسماء" يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرّجل فأمَّا المؤمن أو الموقن لا أدري أيَّ ذلك، قالت أسماء فيقول هو محمد، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم جائنا بالبيِّنات والهدى فأجبنا واتَّبعنا ثلاث مرَّاتٍ فيقال له قد كنَّا نعلم إن كنت
كاختبار الحساب، لأن العمل والتكليف قد انقطع بالموت (1) قال الكرماني ووجه الشبه بين الفتنتين الشدة والهول والهموم، وقال الباجي شبهها بها لشدتها وعظم المحنة بها وقلة الثبات معها أهـ والقائل لا أدري فاطمة بنت المنذر، يعني أ، ها قالت لا أدري أي اللفظين قالته أسماء هل قالت قريب فتنة المسيح الدجال " بدون تنوين قريب" كما في بعض الروايات، أو قالت مثل فتنة المسيح الدجال تشك فاطمة في ذلك (2) الآي ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير، رواه الترمذي وكذا ابن حبان، وسيأتي الكلام في ذلك مستوفي في باب هول القبر وفتنته من كتاب الجنائز إن شاء الله (3) إنما يقال له ما علمك بهذا الرجل ولا يقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امتحانًا له وإغرابًا عليه لئلا يتلقن منهما إكرام النبي صلى الله عليه وسلم ورفع مرتبته فيعظمه هو تقليدًا لهما لا اعتقادًا، ولهذا يقول المؤمن هو رسول الله، ويقول المنافق لا أدري؛ {فيثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} ، قاله النووي (4) الشك من فاطمة هل قالت أسماء فأما المؤمن أو قالت فأما الموقن والمعنى واحد، وهو المصدق بنبوته صلى الله عليه وسلم، والأظهر أنه المؤمن لقوله الآتي:" كما نعلم إن كنت لتؤمن به"(5) أي المعجزات الدالة على نبوته (والهدى) الدلالة الموصلة إلى الله عز وجل (6) بحذف ضمير المفعول للعلم به في الموضعين، أي قبلنا نبوته متبعين (وقوله ثلاث مرات) أي يقول ذلك ثلاث مرات، والظاهر أن الحكمة في التكرير هو التلذذ بذكر النبي صلى الله عليه وسلم والفرح بافجابة، ويحتمل أن السؤال يكون ثلاثًا والجواب كذلك، ويكون الغرض التأكد من صحة قوله، أو إظهار شرفه بسرعة الإجابة (7) كلمة إن هذه هي المخففة من الثقيلة، أي أن الشأن كنت وهي مكسورة، ودخلت اللام في قوله لتؤمن لتفرق بين أن هذه وبين إن النافية، هذا قول البصرين وقال الكوفيون إن بمعنى ما واللام بمعنى ألا مثل قوله تعالى:{أن كل نفس لمّا عليها حافظ} أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، أو يكون التقدير ها هنا ما كانت إلا موقنًا، وحكى السفاقسي فتح أن على جعلها مصدرية أي علمنا كونك مؤمنًا به، ويرد ما قالته دخول اللام
-[ثبوت عذاب القبر - وقول أما بعد في الخطبة]-
لتؤمن به فنم صالحًا وأمَّا المنافق أو المرتاب لا أدري أيَّ ذلك قالت أسماء فيقول ما أدري، سمعت النَّاس يقولون شيئًا فقلت
(1709)
عن سمرة (بن جندبٍ) رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم خطب حين انكسفت الشَّمس فقال أمَّا بعد
(فصل منه في وعظ الناس وحثهم على الصدقة والذكر والدعاء والتكبير)
(1810)
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت خسفت الشَّمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت رجَّة النَّاس وهو يقولون آيةً
(1) قال الباجي أراد بالنوم العود لما كان عليه من الموت، سماه نومًا لما صحبه من الراحة وصلاح الحال أهـ "وقوله صالحًا" أي منتفعًا بأعمالك وأحوالك، إذ الصلاح كون الشيء في حد الانتفاع ويقال لا روع عليك مما يروع به الكفار من عرضهم على النار أو غيره من عذاب القبر، ويجوز أن يكون معناه صالحًا لأن تكرم بنعيم الجنة (2) أي غير المصدق بقلبه لنبوته صلى الله عليه وسلم وهو في مقابله المؤمن "وقوله أو المرتاب" أي الشاك وهو في مقابلة الموقن (3) أي قلت كما يقول الناس وفيه ذم التقليد خصوصًا في العقائد، وفي بعض الروايات الصحيحة أيضًا زيادة، فيقال له لا رديت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصبح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين، نسأل الله السلامة والعافية من فتن الدنيا والآخرة آمين (تخريجه)(ق. لك. وغيرهم)
(1709)
عن سمرة بن جندب (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عمر ين سعد أبو داود الحفري ثنا سفيان عن الأسود بن قيس ثعلبة بن عياد عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(4) تقدم الكلام على معنى أما بعد في شرح حديث رقم 1585 في باب ما جاء في الخطبتين يوم الجمعة (تخريجه)(نس. هق) وسنده جيد
(1710)
عن أسماء بنت أبي بكر (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا شريح بن النعمان ثنا فليح عن محمد بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر "الحديث"(غريبه)(5) أي اضطرابهم وضجيجهم وكثرة أصواتهم حينئذ
-[مشروعية الخطبة على المنبر بعد صلاة الكسوف]-
(فذكرت نحو الحديث المتقدِّم وفيه) فصلَّيت معهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغ من سجدته الأولى قالت فقام رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم قيامًا طويلًا حتَّى رأيت بعض من يصلِّي ينتضح بالماء، ثمَّ ركع فركع ركوعًا طويلًا، ثمَّ قام ولم يسجد قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأوَّل ثمَّ ركع ركوعًا طويلًا وهو دون ركوعه الأوَّل، ثمَّ سجد، ثمَّ سلَّم وقد تجلَّت الشَّمس، ثمَّ رقى المنبر فقال أيُّها النَّاس، إنَّ الشَّمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصَّلاة وإلى الصَّدقة وإلى ذكر الله، أيُّها النَّاس إنَّه لم يبق شئٌ لم أكن رأيته إلَّا رأيته في مقامي هذا، وقد رأيتكم تفتنون في قبوركم، يسأل أحدكم ما كنت تقول وما كنت تعبد؟ فإن قال لا أدري، رأيت النَّاس يقولون شيئًا فقلته ويصنعون شيئًا فصنعته، قيل له أجل، على الشَّكِّ عشت وعليه متَّ هذا مقعدك من النَّار، وإن قال أشهد أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله قيل على اليقين عشت وعليه متَّ، هذا مقعدك من الجنَّة، وقد رأيت خمسين
(1) تعني بالسجدة الركعة الأولى، فكأنها لم تدرك إلا الركعة الثانية كما وصفت (2) أي من طول القيام، ولعلها تعني بذلك نفسها كما تقدم في حديثها السابق؛ ويحتمل أن غيرها حصل له ذلك، والانتضاح هنا هو الرش بالماء خوفًا من الإغماء (3) أي الذي قبله من الركعة الثانية ومثل ذلك يقال في الركوع (4) يعني أنه لم يكن ذا عقيدة ثابتة بل كان يقول كما يقول الناس سواء أكان خطأ أو صوابًا، فاستحق بذلك أن يكون من أهل النار لإهماله التعليم خصوصًا في العقائد، فالواجب على كل مكلف أن يعرف العقائد بأدلتها ويهتم بأمرها أكثر مما يهتم بطلب قوته، ولكنا نجد الناس الآن يهتمون بأمور الدنيا ويكدحون لها وهم عن الآخرة غافلون، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وفي إطلاعه على مقعده من النار زيادة ألم وحسرة نعوذ بالله من ذلك، أمتا من اجتهد في تعلم ما يجب عليه. وعمل بمقتضاه، فيلهمه الله عز وجل النطق بالشهادتين والإجابة على سؤال الملكين فيقال له على اليقين عشت وعليه مت، يعني أنه
-[منقبة لعكاشة بن محصن وأنه مع السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب]-
أو سبعين ألفًا يدخلون الجنَّة في مثل صورة القمر ليلة البدر فقام إليه رجلٌ فقل ادع الله أن يجعلني منهم، فقال اللَّهمَّ اجعله منهم، أيها النَّاس إنَّكم لن تسألوني عن شيءٍ حتَّ أنزل إلا أخبرتكم به فقام رجلٌ فقال من أبي قال أبوك فلانٌ الَّذي كان ينسب إليه
(1711)
وعنها أيضًا قالت وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتاقة
جوابه صادر عن عقيدة راسخة في القلب لا عن تردد وشك فيريانه مقعده من الجنة ليزداد سروره بما أعده الله له من النعيم المقيم والثواب الجسيم، قال تعالى:{يثبت اله الذين أمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} نسأل الله أن يجعلنا منهم أمين (1) أي تضيء وجوههم بالنور كضوء القمر ليلة أربعة عشر (2) هو عكاشة بن محصن صحابي جليل من السابقين الأولين وشهد بدرا وقد صرح باسمه في رواية أخرى عند الشيخين والإمام أحمد من حديث أبي هريرة وابن عباس في السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فقال عكاشة "ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت منهم، فقام آخر فقال سبقك بها عكاشة" وقد ضرب بها المثل يقال للسبق في الأمر سبقك بها عكاشة (3) قال العلماء هذا القول منه صلى الله عليه وسلم محمول على أنه أوحى إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل عنه من المغيبات إلا بإعلام من الله تعالى " وقوله فقام رجل" هو عبد الله بن حذافة بن قيس رضي الله عنه وقد صرح باسمه في حديث أنس وأبي هريرة عند الشيخين والإمام أحمد وتقدم في حديث رقم 33 في كتاب العلم من الجزء الأول، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به، فقال عبد الله بن حذافة من أبي يا رسول الله؟ قال أبوك حذافة بن قيس" وكان سبب سؤاله أن بعض الناس كان يطعن في نسبه على عادة الجاهلية من الطعن في الأنساب (تخريجه) لم أقف عليه مطولاً بهذا السياق إلا عند الإمام أحمد، وأورده الشيخان وغيرهما مجزأ في مواضع مختلفة من طرق متعددة.
(1711)
وعنها أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال ثنا معاوية ابن عمرو وقال ثنا زائدة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء، قالت ولقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه (الحديث)(غريبه)(4) العتاقة بفتح العين الحرية، وهي عتق الرقيق، يقال عتق العبد عتقا من باب ضرب وعتاقا وعتاقة بفتح الأوائل والعتق بالكسر أصم منه فهو عاتق، ويتعدى بالهمزة، اعتقه فهو معتق على قياس الباب،
-[الأمر بالعتاقة والصدقة والذكر عند الكسوف]-
في صلاة كسوف الشَّمس (وعنها من طريقٍ ثانٍ قالت) إن كنَّا لنؤمر بالعتاقة في صلاة الخسوف
(1712)
عن عائشة رضي الله عنها "تصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف بطول القيام؛ وأنَّه صلَّاها ركعتين في كلِّ ركعةٍ ركوعان كما تقدَّم في أحاديثها السَّابقة وفيه قالت "فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلَّت الشَّمس فخطب النَّاس فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثمَّ قال إنَّ الشَّمس والقمر من آيات الله، وإنَّهما لا يخسفان لموت أحدٍ ولالحياته، فإذا رأيتموهما فكبِّروا وادعوا الله عز وجل صلُّوا وتصدَّقوا، يا أمَّة محمَّدٍ ما من أحدٍ أغير
ولا يتعدى بنفسه، فلا يقال عتقته، قال في البارع ولا يقال عتق العبد وهو ثلاثي مبني للمفعول، ولا أعتق هو بالآلف مبنيًا للفاعل، بل الثلاثي لازم والرباعي متعدّ، ولا يجوز عبد معتوق، لأن مجيء مفعول من أفعلت شاذ مسموع لا يقاس عليه، وهو عتيق فعيل بمعنى مفعول، وجمعه عتقاء مثل كرماء، وربما جاء عتاق مثل كرام، وأمة عتيق أيضًا بغير هاء، وربما ثبتت فقيل عتيقة، وجمعه عتائق قاله في المصباح (والمعنى) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم بعتق الرقيق في صلاة الكسوف لأنه من أفعال البر التي يثاب عليها المرء، وهو مرغَّب فيه في كل وقت إلا أنه عند ظهور الآيات يكون أشد استحبابًا ليدفع الله ببركته ما نزل بهم (1)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عثام بن علي أبو على العامري قال ثنا هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء قالت إن كنا إلخ (تخريجه)(خ. د. ك. هق)
(1712)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن نمير أنا هشام عن أبيه عن عائشة "الحديث"(غريبه)(2) زاد النسائي في حديث سمرة وشهد أنه عبد الله ورسوله (3) فيه معنى الأشفاق كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه بقوله يا بنيّ، كذا قيل، وكان قضية ذلك أن يقول، يا أمتي لكن لعدوله عن المضمر إلى المظهر حكمة وكأنها بسبب كون المقام تحذير وتخويف لما في الإضافة إلى الضمير من الأشعار بالتكريم، ومثله يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئًا "الحديث"(4) بالنصب على أنه الخبر
-[معنى غيرة الله عز وجل وتقبيح الزنا]-
من الله عز وجل أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمَّة محمَّدٍ والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلًا، ألا هل بلَّغت؟
وعلى أن من زائدة، ويجوز فيه الرفع على لغة تميم، وأغير مخفوض بالفتحة صفحة لأحد، والخبر محذوف تقديره موجود قاله الحافظ، قال وأغير أفعل تفضيل من الغيرة بفتح الغين المعجمة، وهي في اللغة تغير يحصل من الحمية والأنفة، وأصلها في الزوجين والآهلين، وكل ذلك محال على الله تعالى لأنه منزه عن كل تغير ونقص، فيتعين حمله على المجاز، فقيل لمَّا كانت ثمره الغيرة صون الحريم ومنعهم وزجر من يقصد إليهم أطلق عليه ذلك لكونه منع من فعل ذلك وزجر فاعله وتوعده، فهو من باب تسمية الشيء بما يترتب عليه، وقال ابن فورك المعنى ما أحد أكثر زجرًا عن الفواحش من الله، وقال غيرة الله ما يغَّير من حال العاصي بانتقامه منه في الدنيا والآخرة أو في إحداهما؛ ومنه قوله تعالى:{أن الله لا يغيَّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم} وقال ابن دقيق العيد أهل التنزيه في مثل هذا على قولين، إما ساكت وإما مؤوّل على أن المراد بالغيرة شدة المنع؟ فهو من مجاز الملازم، وقال الطيبي وغيره وجه اتصال هذا المعنى بما قبله من قوله {فاذكروا الله} إلخ من جهة أنه لما أمروا باستدفاع البلاء بالذكر والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء، وخص منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك، وقيل لمّا كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي وأشدها تأثيرًا في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذه رب الغيرة وخالقها سبحانه وتعالى أهـ (وقوله) أن يزني عبده أو تزني أمته متعلق بأغير وحذف من قبل أن قياس مستمر، وتخصيصها بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله لتنزهه عن الزوجة والأهل ممن يتعلق بهم الغيرة غالبًا، ثم كرر النداء فقال (يا أمة محمد) ويؤخذ منه أن الواعظ ينبغي له حال وعظه أن لا يأتي بكلام فيه تفخيم نفسه بل يبالغ في التواضع لأنه أقرب إلى انتفاع السامع (1) صدّر هذه الجملة بالقسم لتأكيد الخبر وأن كان السامع غير شاك فيه (قال الحافظ) وقوله لو تعلمون ما أعلم أي من عظيم قدره الله وانتقامه من أهل الإجرام، وقيل معناه لو دام علمكم كما دام علمي لأن علمه صلى الله عليه وسلم متواصل بخلاف غيره، وقيل معناه لو علمتم من سعة رحمة الله وحلمه وغير ذلك ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك (وقوله ولضحكتم قليلا) قيل معنى القلة هنا العدم، والتقدير لتركتم الضحك ولم يقه منكم إلا نادرًا لغلبة الخوف واستيلاء الحزن، وحكى ابن بطال عن المهلب أن سبب ذلك ما كان عليه الأنصار من محبة اللهو والغناء وأطال في تقرير ذلك بما لا طائل فيه ولا دليل
-[مذاهب العلماء في حكم الخطبة بعد كسوف الشمس]-
.....
عليه، ومن أين له أن المخاطب بذلك الأنصار دون غيرهم والقصة كانت في أواخر زمنه صلى الله عليه وسلم حيث امتلأت المدينة بأ÷ل مكة ووفود العرب، وقد بالغ الزين بن المنبر في الرد عليه والتشنيع بما يستغنى عن حكايته أهـ (وقوله ألا هل بلَّغت) معناه ما أمرت به من التحذير والإنذار وغير ذلك مما أرسل به صلى الله عليه وسلم والمراد تحريضهم على تحفظه واعتنائهم به لأنه مأمور بإنذارهم (تخريجه)(ق. لك. نس) وأخرجه أبو داود عن القعني عن مالك مختصرًا على قوله "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتهم ذلك فادعوا الله عز وجل وكبروا وتصدقوا"(وفي الباب عن أبي موسى الأشعري) رضي الله عنه قال خسفت الشمس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعا يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد فقام يصلي بأصول قيام وركوع وسجود ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال إن هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد لو لحياته ولكن الله يرسلها يخوّف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئًا فافزعوا إلى ذكره واستغفاره" رواه الشيخان وغيرهما (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف، ووعظ الناس وحثهم على أعمال وتحذيرهم من المعاصي، وإلى ذلك (ذهبت الشافعية وإسحاق وابن جرير) قال النووي واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على استحباب خطبتين بعد صلاة الكسوف وهما سنة ليسا لصحة الصلاة، قال أصحابنا وصفتهما كخطبتي الجمعة في الأركان والشروط وغيرهما سواء صلاها جماعة في مصر أو قرية أو صلاها المسافرون في الصحراء وأهل البادية، ولا يخطب من صلاها منفردًا ويحثهم في هذه الخطبة على التوبة من المعاصي وعلى فعل الخير والصدقة والعتاقة ويحذرهم الغفلة والاغترار ويأمرهم بإكثار الدعاء والاستغفار والذكر، ففي الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في خطبته، قال الشافعي في الأم ويجلس قبل الخطبة الأولى كما في الجمعة " هذا نصه" وقال النووي في موضع آخر نقلاً عن الإمام الشافعي في الأم أيضًا ما نصه " فإذا صلى النساء فليس من شأنهن الخطبة، لكن لو ذكرتهن أحداهن كان حسنًا" هذا نصع بحروفه وتابعه عليه الأصحاب أهـ ج (قلت) وذهب الأئمة (أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف وأحمد) في رواية إلى أن الكسوف لبس فيه خطبة، وأجابوا عن أحاديث الباب بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة والتكبير والصدقة ولم يأمرهم بالخطبة، ولو كانت سنة لأمرهم بها لأنها صلاة كان يفعلها المنفرد في بيته فلم يشرع لها خطبة، وإنما خطب صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ليعلمهم حكمها وكأنه مختص به (قال الحافظ) وتعقب هذا بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف والأصل مشروعية
-[حجة القائلين بمشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف]-
.....
الاتباع والخصائص لا تثبت إلا بالدليل؛ وقد استضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور قال إن الخطبى لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الآتيان بما هو المطلوب منها من الحمد والثناء والموعظة، وجميع ما ذكر من سبب الكسوف، فينبغي التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف، نعم نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك، وإلى ذلك نحا ابن المنير في حاشيته ورد على من أنكر أصل الخطبة لثبوت ذلك صريحًا في الأحاديث، وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطًا ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع أهـ. (قلت) رحم الله بن المنير لأنه لو اطلع على حديث أسماء عند الإمام أحمد وهو الحديث الرابع من أحاديث الباب "وفيه التصريح بذكر المنبر" لما احتاج إلى تزييف أقوالهم بهذا التكلف بل كان أفحمهم بحديث أسماء المذكور حيث جاء فيه "ثم سلَّم وقد تجلت، ثم رقِى المنبر فقال أيها الناس- الحديث" ومن الغريب أن الحافظ رحمه الله نقل عبارة بن المنير ولم يعلق عليها بشيء، وكأنه لم يطلع أيضًا على حديث أسماء عند الإمام أحمد، ولا غرابة، فسند الإمام أحمد رحمه اله كالبحر المحيط، فكم فيه من جواهر عسى اهتداء كثير من الحفاظ والمحدثين إليها وذلك لعدم ترتيبه، وقد هداني الله جل شأنه لهذا الترتيب فأصبح سهل التناول على عوام الناس فضلاً عن خواصهم "فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله"(وفي أحاديث الباب أيضًا) استحباب قول أما بعد في خطبة الكسوف لحديث سمرة بن جندب، وكذا في خطيب الوعظ المطلقة، وفي الجمعة والعيدين، وكذا في خطب الكتب المصنفة ونحو ذلك، وقد ترجم له البخاري فقال "باب قول الإمام في خطبته أما بعد" وذكر فيه حديثًا لأسماء مختصرًا معلقًا فقال:"قال أبو أسامة حدثنا هشام قال أخبرني فاطمة بنت المنذر عن أسماء قالت فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس فخطب فحمد اله بما هو أهله ثم قال أما بعد" وفيه حجة لمن بمشروعية الخطبة في الكسوف، وتقدم الكلام على معنى " أما بعد" في شرح حديث جابر رقم 1585 في باب ما جاء الخطبتين من أبواب الجمعة (وفيها أيضًا) المبادرة بالصلاة والدعاء والتكبير والصدقة والعتاقة لأن ذلك يدفع البلاء والعذاب والكسوف من جملة الآيات المنذرة بذلك (وفيها أيضًا) الزجر عن كثرة الضحك والحث على كثرة البكاء والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء والاعتبار بآيات الله (وفيها) الرد على من زعم أن للكواكب تأثيرًا في الأرض لانتفاء ذلك عن الشمس والقمر فكيف بما دونهما؟
-[حجة القائلين بصلاة الخسوف للقمر كالشمس سواء]-
.....
(تتمة في صلاة خسوف القمر)
إعلم أرشدني الله وإياك أني لم أقف على شيء من الأحاديث في السند ولا في الكتب الستة يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخسوف للقمر، ولكن روى الإمام الشافعي في مسنده قال أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن الحسن "يعني البصري" عن ابن عباس رضي الله عنهما أ، القمر كسف وابن عباس بالبصرة فخرج ابن عباس فصلى بنا ركعتين في كل ركعة ركعتان، ثم ركب فخطبنا فقال إنما صليت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم منها خاسفًا "وفي رواية كاسفًا" فليكن فزعكم إلى الله" قال الحافظ في التلخيص إبراهيم بن محمد ضعيف " يعني الذي روى عنه الإمام الشافعي" قال وقول الحسن خطبنا لا يصح، فإن الحسن لم يكن بالبصرة لمَّا كان ابن عباس بها، وقيل إن هذا من تدليساته، وإن قوله خطبنا أي خطب أهل البصرة، قال وروى الدارقطني من حديث عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات" وذكر القمر فيه مستغرب (وروى الدار قنطي أيضًا) من طريق حبيب عن طاوس عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس والقمر ثماني ركعات في أربع سجدات" وفي إسناده نظر وهو في مسلم بدون ذكر القمر أهـ (قلت) وهو في مسند الإمام أحمد كما عند مسلم (أما الأمر بصلاة الكسوف للشمس والقمر) فقد ورد في عدة أحاديث كثيرة من طريق متعددة صحيحة، وقلّ أن يخلو باب منها من الأبواب التي ذكرناها في صلاة الكسوف (ففي حديث جابر) إن الشمس والقمر إذا خسفنا أو أحدهما فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى ينجلي خسوف أيهما خسف (ففي حديث جابر) إن الشمس والقمر إذا خسفنا أو أحدهما فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى ينجلي خسوف أيهما خسف (ق. هق. خز. بز) (وفي حديث ابن عمر. وأبي مسعود) فإذا رأيتموهما فصلوا (وفي حديث محمود بن لبيد) فإذا رأيتموهما كذلك فافزعوا إلى المساجد (وفي حديث عبد الله بن عمر بن العاص) فإذا كسف أحدها فافزعوا إلى المساجد (وفي حديث أبي بكرة) فإذا رأيتم منهما شيئًا فصلوا (وفي حديث ابن مسعود) فإذا رأيتموه "يعني الكسوف" أصابهما فافزعوا إلى الصلاة (وفي حديث المغيرة بن شعبة) فإذا انكسف واحد منهما فافزعوا إلى الصلاة، وفيها غير ذلك كثير وكلها صحيحة (وهي تدل على مشروعية) صلاة الخسوف للشمس والقمر سواء، لأن الأحاديث لم تخصص أحدهما بشيء دون الآخر، فتستحب الجماعة في صلاة الخسوف للقمر كما تستحب في صلاة الكسوف للشمس، قال الحافظ وفي ذلك ردّ على من قال لا تندب الجماعة كسوف القمر وفرق بوجوب المشقة في الليل غالبًا دون النهار، ووقع عند ابن حبان
-[مذاهب العلماء في أحكام صلاة خسوف القمر]-
أبواب صلاة الاستسقاء
(1)
باب سبب منع المطر عن الناس
(1713)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال قال ربُّكم
من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم صلى كسوف القمر، ولفظه من طريق النضر بن شميل عن أشعث بإسناده في هذا الحديث "يعني حديث أب بكرة"(؟ في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم) وأخرجه الدارقطني أيضًا، وفي هذا ردّ على من أطلق كابن رشدي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه، ومنهم من أول قوله صلى "أي أمر بالصلاة" جمعًا بين الروايتين؛ وقال صاحب الهدى بم ينقل أنه صلى في كسوف القمر في جماعة، لكن حكى ابن حبان في السيرة له أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أولى صلاة كسوف في الإسلام، وهذا إن ثبت؟ التأويل المذكور، وقد جزم به؟ في سيرته المختصرة وتبعه في نظمها أهـ (وقد اختلف العلماء) في التجميع لصلاة خسوف القمر فذهب الأئمة (الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور) وجمهور العلماء إلى أن صلاة الكسوف والخسوف تسن الجماعة فيها (وقال أبو يوسف ومحمد) بل الجماعة شرط فيهما، وذهب (أبو حنيفة ومالك) إلى أنه ليس في خسوف القمر جماعة "قال العيسى" أبو حنيفة لم ينف الجماعة فيه؛ وإنما قال الجماعة فيه غير سنة بل هي جائزة وذلك لتعذر اجتماع الناس من أطراف البلد بالليل أهـ (قال الشوكاني) وحكى في البحر عن (أبي حنيفة ومالك) أن الانفراد شرط، وحكى النووي في شرح مسلم عن مالك أ، هـ يقول بأن الجماعة تسن في الكسوف والخسوف، وحكى في البحر عن العنزة أنه يصح الأمران (احتج الأولون) يعني (الشافعية ومن وافقهم) بالأحاديث الصحيحة المتقدمة، وليس لمن ذهب إلى أن الانفراد شرط أو أنه أولى من التجمع دليل، وأما من جوز الأمرين فقال لم يرد ما يقتضي اشتراط التجميع، لأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يدل على الوجوب فضلاً عن الشرطية وهو صحيح، ولكنه لا ينفي أولوية التجمع أهـ والله أعلم
(1713)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سليمان
-----
(*) قال الحافظ الاستسقاء لغة طلب سقي الماء من الغير للنفس أو للغير، وشرعا طلبه من الله تعالى عند حصول الجدب على وجه مخصوص اهـ وقال الرافعي هو أنواع أدناها الدعاء المجرد، وأوسطها الدعاء خلف الصلوات، وأفضلها الاستسقاء بركعتين وخطبتين، والأخبار وردت بجميع ذلك اهـ وستأتي كلها
-[الحث على طاعة الله وحسن الظن به والاكثار من قول لا إله إلا الله]-
عز وجل لو أنَّ عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر باللَّيل وأطلعت عليهم الشَّمس بالنَّهار، ولما أسمعتهم صوت الرَّعد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ حسن الظنِّ بالله من حسن عبادة الله، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم جدِّدوا إيمانكم، قيل يا رسول الله وكيف نجدِّد إيماننا؟ قال أكثروا من قول لا إله إلَّا الله
أبو داود يعنب الطيالسي ثنا صدقة بن موسى السلمى الدقيقي ثنا محمد بن واسع عن شتير بن نهار عن أبي هريرة "الحديث"(غريبه)(1) أي بفعل ما أمرهم الله به وتجنب ما نهاهم الله عنه (2) أي لأن نزول المطر بالليل فيه رحمة لهم لعدم المشقة، ونزوله بالنهار يعطل عليهم بعض المصالح ويمنعهم من السير والحركة، ويمنع طلوع الشمس لوجود الغيم فلا يحصل لهم انتفاع بضوئها (3) أي فلو أطاعوا الله عز وجل لرفع وجل لرفع عنهم جميع المشاق وأطلع عليهم الشمس بالنهار ولم يسمعهم صوت الرعد لئلا يزعجهم صوته، وفي ذاك غاية الرحمة (4) حسن الظن بالله، عدم القنوط من رحمته واعتقاد أ، هـ تعالى التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وأنه عز وجل يثيب الطائعين ويزيدهم من فضله، ويكرمهم في الدنيا والآخرة، وأنه جل شأنه بيده مقاليد السموات والأرض، وأن أنزال المطر بيد الله عز وجل وحده يصيب به من يشاء من عباده رحمة بهم، ويصرفه عمن يشاء عقابًا لهم، لا تأثير للكواكب فيه كما كان يعتقد أهل الجاهلية؛ فقد جاء في الحديث القدسي عند الشيخين والإمام أحمد، وسيأتي في الباب الذي قبل الأخير من هذه الأبواب ما لفظه (أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكواكب ومؤمن بالكواكب كافر بي،، فأما من قال مطرنا بفضل اله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب) فمن خالف عقيدة أهل الجاهلية وكانت عقيدته ما قدمنا فقد أحسن الظن بالله وكان ذلك من حسن عبادة الله، وهذا التفسير هو اللائق بسياق حديث الباب، وقد ورد في تحسين الظن بالله عند الموت أحاديث سيأتي الكلام عليها في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى (5) المراد بتجديد الإيمان الاستزادة منه (6) أي لأن كثرة ذكر الله عز وجل تملأ القلب نورًا ويزيده يقينًا (تخريجه)(ك) وأورده الهيمني وقال رواه أحمد والبزار وزاد فيه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (جددوا أيمانكم قالوا يا رسول الله فكيف نجدد
-[المعصية تجلب غضب الله ونقمته - والطاعة توجب رضاه ورحمته]-
.....
إيماننا قال جددوا إيمانكم بقول لا اله إلا الله) وقال لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد قلت ومداره على صدقة بن موسى الدقيقي ضعفه ابن معين وغيره، وقال مسلم بن إبراهيم حدثنا صدقة الدقيقي وكان صدوقًا انتهى كلام الحافظ الهيثمي، وكأنه رحمه الله لم يطلع على هذه الرواية المشتملة على الزيادة عند الإمام أحمد وإلا لما نسب الزيادة للبزار فقط والله أعلم (وفي الباب) عن ابن عمر رضي الله عنهما في حديث له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم ينقص قوم المكيال والميزان ألا أخذوا بالسنين وشدة المؤتة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا" قال الشوكاني ذكره ابن ماجة في كتاب الزهد مطولاً، وفي إسناده خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك وهو ضعيف، وقد ذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه قال (وفي الباب) عن بريدة عند الحاكم والبيهقي "ما نقض قوم العهد إلا كان فيهم القتل، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله تعالى عنهم القطر" واختلف فيه على عبد اله بن بريدة فقيل عنه هكذا وقيل عن ابن عباس (وأخرج أبو يعلى والبزار من حديث أبي هريرة) بلفظ (مهلاً عن الله مهلا، فأنه لولا شباب خشّع وبهائم رتّع وأطفال رضّع لصب عليكم العذاب صبا" وفي إسناده إبراهيم بن خثيم بن عراك بن مالك وهو ضعيف (وأخرجه أبو نعيم) من طريق مالك بن عبيدة ابن مسافع عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "فال لولا عباد لله ركّع، وصبية رضّع، وبهائم رتّع، لصب عليكم العذاب صبا"(وأخرجه البيهقي وابن عدى) ومالك بن عبيدة قال أبو حاتم وابن معين مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدى ليس له غير هذا الحديث، وله شاهد مرسل أخرجه أبو نعيم أيضًا في معرفة الصحابة عن أبي الزاهرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ما من يوم إلا وينادي مناد أيها الناس مهلا فإن الله سطوان، ولولا رجال خشع وصبيان رضع ودواب رتع لصب عليكم العذاب صبا، ثم رضضتهم به رضا"(وأخرج الدارقطني والحاكم) من حديث أبي هريرة رفعه قال: " خرج نبي من الأنبياء يستسقى فإذا هو بنملة رافعة بعض قوائمها إلى السماء، فقال ارجعوا فقد استجيب من أجل شأن النملة، وأخرج نحوه الإمام أحمد والطحاوي أهـ (الأحكام) حديث الباب مع ما ذكرناه في الشرح يدل على أن المطر لا يحبس عن الناس إلا بسبب المعاصي ولو أنهم أطاعوا الله عز وجل كما أمرهم لأرسل إليهم المطر بالليل، وأطلع عليهم الشمس بالنهار، أما وقد عصوا الله تعالى ولم يمتثلوا أمره فلله عز وجل أن يمنع عنهم المطر بتاتًا، ولكن لما كان في خلق الله تعالى قليل من الناس يعبده وبحافظ على طاعته ويلتجئ إليه، ومن هو غير مكلف ولا ذنب له كالصبية والبهائم اقتضت رحمته بخلقه أن يرسل إليهم المطر إكرامًا
-[حجة القائلين بأن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد]-
(2)
باب صفة صلاة الاستسقاء والخطبة لها والجهر بالقراءة فيها
(1714)
عن أبي هريرة رضي الله عنخ، قال خرج بنيُّ الله صلى الله عليه وسلم يومًا يستسقي وصلَّى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثمًّ خطبنا ودعا الله وحوَّل وجهه نحو القبلة رافعًا يده، ثمَّ قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن
(1715)
عن عبَّاد بن تميم قال سمعت عبد الله بن زيدٍ المازنيَّ يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلَّى واستسقى وحوَّل رداءه حين استقبل
لهؤلاء الضعفاء، ولا يبعد أن يمنعه بتاتًا إذا كثرت المعاصي واشتد غضب الله عليهم، قال تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة} وقال عز من قائل {أفأمنوا مكر الله؟ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} نسأل الله السلامة والهداية والاستقامة آمين
(1714)
عن أبي هريرة (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وهب ابن جريرة قال ثنا أبي قال سمعت النعمان يحدث عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (الحديث)(غريبه)(1) أي إلى المصلى كما سيأتي في حديث عبد الله بن زيد (2) أي يطلب السقى من الله عز وجل (3) فيه دليل للقائلين بأن الخطبة بعد الصلاة (4) أي جعل ظاهره باطنًا وباطنه ظاهرًا وهذه الكيفية تجعل الأيمن أيسر، الأيسر أيمن (تخريجه) رواه ابن ماجة وأبو عوانه والبيهقي وقال تفرد به النعمان بن راشد وقال في الخلافيات رواته ثقات
(1715)
عن عباد بن تميم (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك وحدثنا إسحاق قال حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم (الحديث)(غريبه)(5) هو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري المازني أبو محمد صحابي شهير؛ روى صفه الوضوء وغير ذلك، ويقال إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرّة سنة ثلاث وستين، قال الحافظ في التقريب (6) فيه استحباب الخروج للاستسقاء إلى الصحراء لأنه أبلغ في الافتقار والتواضع ولأنها أوسع للناس ولأنه ربما حضر الناس كلهم فلا يسمعوا الجامع (7) فيه استحباب تحويل الرداء واستقبال القبلة عند أرادة الدعاء، وقد جاء مصرحًا بذلك في رواية مسلم بلفظ (وأنه لما أراد
-[حجة القائلين بتقديم الصلاة على الخطبة]-
قال إسحق في حديثه وبدأ بالصَّلاة قبل الخطبة ثمَّ استقبل القبلة فدعا
(1716)
وعنه أيضًا عن عمِّه قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي فولَّى ظهره النَّاس واستقبل القبلة وحوَّل رداءه وجعل يدعوا وصلَّى ركعتين وجهر بالقراءة (وعنه من طريق ثان) عن عمِّه قال خرج رسول
أن يدعو استقبل القبلة وحول ردائه، قال العلماء والتحويل شرع تفاؤلاً بتغير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب ومن ضيق الحال إلى سعته (1) هذا الحديث رواه الإمام أحمد عبد الرحمن بن مهدي وعن إسحاق أيضًا كلاهما عن مالك، فرواية عبد الرحمن أنّهت عند قوله حين استقبل "وفي رواية لمسلم مثلها" أما رواية إسحاق فقد زاد فيها "وبدأ بالصلاة قبل الخطبة إلخ- الحديث" وفي هذه الزيادة التصريح بأن الصلاة كانت قبب الخطبة، وفيها حجة للجمهور، وفيها استحباب استقبال، القبلة للدعاء ويلحق له الوضوء والغسل والتيمم والقراءة والأذكار والأذان وسائر الطاعات إلا ما خرج بديل كالخطبة ونحوها، قاله النووي (تخريجه)(م. د. نس. هق) بدون زيادة إسحاق وأشار إليه الحافظ في التلخيص بالزيادة ولم يتكلم عليه، وإنما قال ولابن قتيبة في الغريب من حديث أنس نحوه
(1716)
وعنه أيضًا عن عمه (سنده) حدثنا عبد الله أبي ثنا يزيد قال أنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم "الحديث"(غريبه)(2) هو عبد الله بن زيد المازني المتقدم ذكره في الحديث السابق، ولكن ليس أخت لأبيه، وإنما قيل له عمه أنه كان زوج أمه، وقيل كان تميم أخا عبد الله لأمه وأمهما أم عمارة نسيبة، قاله الحافظ في التلخيص (3) رواية مسلم "فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله واستقبل القبلة وحول رداءه ثم صلى ركعتين" وإنما جعل صلى الله عليه وسلم إلى الناس ظهره ليستقبل القبلة في الدعاء وظاهر قوله " ثم صلى ركعتين" في هذه الرواية أنه قدم الدعاء على الصلاة وفي روايته السابقة وحديث أبي هريرة أيضًا أنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم استقبل القبلة فدعا، ويمكن الجمع بينهما بجواز الأمرين، أو أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب؛ فأقتصر بعض الرواة على شيء وبعضهم على شيء، وعبر بعضهم عن الدعاء بالخطبة (4) قال النووي ولم يذكر في رواية مسلم الجهر بالقراءة وذكره البخاري وأجمعوا على استحبابه (5)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عبادة بن تميم سمعت عبد الله المازني يقول خرج رسول الله صلى الله عليه
-[تحويل الرداء واستقبال القبلة والدعاء بخشوع وتواضع]-
الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلَّى فاستسقى وحوَّل رداءه حين استقبل القبلة
(1717)
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج متخشِّعًا متضرِّعًا متواضعًا متبذِّلًا مترسِّلًا فصلَّى بالنَّاس ركعتين كما يضلِّي في العيد لم يخطب كخطبتكم هذه
وآله وسلم "الحديث"(تخريجه)(ق. د. نس. هق) وروى الطريق الثاني منه مسلم بلفظه وسنده، وقد ترجم البخاري للطريق الأولى منه في صحيحه فقال (باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء) وأورده بسند حديث الباب بلفظ "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة".
(1717)
عن ابن عباس (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه عن ابن عباس "الحديث"(غريبه)(1) يعني خرج إلى المصلى لصلاة الاستسقاء متخشعًا أي مظهر للخشوع لأنه أقرب إلى إجابة المطلوب ووسيلة إلى القبول (متضرعًا) أي مظهرا للضراعة وهي التذلل عند طلب الحاجة (متبذلاً) أي في ثياب البذلة بكسر الباء وهي التي تلبس في حالة الشغل ومباشرة الخدمة وتصرّف الإنسان في بيته (مترسلاً) أي غير مستعجل في مشيه (2) احتج به (الشافعية ومن وافقهم) على أنه يكبر فيها كما يكبر في صلاة العيد، وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر بالقراءة وكونها قبل الخطبة (3) يعني لم تكن كخطبة العيد والجمعة بل خاصة بطلب السقى وما يتعلق به (تخريجه)(ك. قط. هق. والأربعة) ولفظ الترمذي قال حدثنا قتيبة يا حاتم بن إسماعيل عن هشام بن إسحاق وهو ابن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال أرسلني الوليد بن عقبة وهو أمير المدينة إلى أبن عباس أسأله عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج متبذلاً "الحديث" قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (قلت) وصححه أيضًا أبو عوانة وابن حبان، ورواه أبو داود بنحو رواية الترمذي إلا أ، هـ زاد ورقي المنبر (وفي الباب عن هشام بن عروة) عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت " شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد لله
-[مذاهب العلماء في حكم صلاة الاستسقاء]-
.....
عز وجل ثم قال أنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبّان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغًا إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول الناس ظهره وقلب أو حول رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال أشهد أن الله على كل شيء قدير واني عبد الله ورسوله، رواه أبو داود وقال هذا حديث غريب إسناده جيد، أهل المدينة يقرؤون "ملك يوم الدين" وأن هذا الحديث حجة لهم أهـ (وعن طلحة بن عبد الله بن عوف) قال سألت ابن عباس عن السنة في صلاة الاستسقاء، فقال السنة في صلاة الاستسقاء مثل السنة في صلاة العيد، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي فصلى ركعتين وقرأ فيهما وكبر في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات" أورده الهيثمي، وقال هو في السنن من غير بيان للتكبير- رواه البزار وفيه محمد بن عبد العزيز لن عمر الزهري وهو متروك أهـ (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية الاستسقاء وصلاة ركعتين كصلاة العيد في الصحراء بلا أذان ولا إقامة يجهر فيها بالقراءة (وفيها مشروعية الخطبة) والإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بتخشع وتذلل (وفيها أيضًا) مشروعية استقبال القبلة ورفع اليدين وتحويل الملابس ظهرًا لبطن عند لدعاء (أما حكم الاستسقاء) فقد اجمع العلماء على أن الخروج إليه والبروز عن المصر والدعاء إلى الله والتضرع إليه في نزول المطر سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلفوا في الصلاة، فقال النووي (قال أبو حنيفة) لا تمن له صلاة بل يستسقى بالدعاء بلا صلاة، وقال سائر العلماء من السلف والخلف، الصحابة والتابعون فمن بهدهم تسن الصلاة، ولم يخالف فيه إلا أبو حنيفة، وتعلق بأحاديث الاستسقاء التي ليس فيها صلاة، واحتج الجمهور بالأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى للاستسقاء ركعتين، وأما الأحاديث التي ليس فيها ذكر الصلاة فبعضها محمول على نسيان الراوي وبعضها كان في الخطبة للجمعة وبتعقبه الصلاة للجمعة فاكتفى بها، ولم لم يصلّ أصلاً كان بيانًا لجواز الاستسقاء بالدعاء بلا صلاة، ولا خلاف في جوازه، وتكون الأحاديث المتثبتة للصلاة مقدمة لأنها زيادة علم ولا معارضة بينهما، قال أصحابنا الاستسقاء ثلاثة أنواع "احدها" الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة "الثاني" في خطبة الجمعة أو
-[إختلاف العلماء في الخطبة هل هي قبل الصلاة أو بعدها]-
.....
في إثر صلاة مفروضة، وهو أفضل من النوع الذي قبله، "الثالث" وهو أملها أن يكون بصلاة ركعتين وخطبتين، ويتأهب قبله بصلاة وصيام وتوبة وإقبال على الخير ومجانبة الشر ونحو ذلك من طاعة الله تعالى أهـ (وأما الخطبة) فقد أجمع القائلون بمشروعية الصلاة على أن الخطبة أيضًا مشروعة وهي من سنن الاستسقاء لورود ذلك في الأحاديث، وحكى المهدي في البحر عن الهادي والمؤيد بالله أنه لا خطبة في الاستسقاء، واستدل لذلك بقول ابن عباس "لم يخطب كخطبتكم هذه" وغفلا عما رواه أبو داود في الحديث نفسه عن ابن عباس وفيه "ورقى المنبر" وإنما نفى ابن عباس وقوع خطبة منه صلى الله عليه وسلم مشابهة لخطبة المخاطبين ولم ينف وقوع مطلق الخطبة منه صلى الله عليه وسلم (وقد اختلفت الأحاديث) في تقديم الخطبة على الصلاة أو العكس، ففي حديث أبي هريرة والحديث الأول من حديثي عبد الله بن زيد أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالصلاة قبل الخطبة، وفي الحديث الثاني لعبد الله بن يزيد وحديث بن عباس وحديث عائشة المذكور في الشرح الذي رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالخطبة قبل الصلاة، ولكنه لم يصرح في الحديث الثاني من حديثي عبد الله بن زيد أنه خطب، وإنما ذكر تحويل الرداء والاستقبال والدعاء والصلاة، (وقال القرطبي) يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة بمشابهتها للعيد، وكذا ما نقرر من تقديم أمام الحاجة أهـ (وقال الحافظ) يمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك أنه بدأ بالدعاء عن الخطبة فلذلك وقع الاختلاف، والمرجح عند (الشافعية والمالكية) الشروع أولاً بالصلاة عن (أحمد) رواية كذلك قال النووي وبه قال الجماهير (وقال الليث) الصلاة بعد الخطبة وكان مالك يقول به ثم رجع إلى قول الجماهير، وقال أصحابنا ولو قدَّم الخطبة على الصلاة صحتا، ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها، وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز التقديم والتأخير؛ واختلفت الرواية في ذلك عن الصحابة أهـ (وقد اختلف في صفة صلاة الاستسقاء) فقال الشافعي وابن جرير وروى عن ابن المسيب وعمر بن العزيز أنه يكبر غيها كتكبير العيد، وبه قال زيد بن علي ومكحول، وهو مروي عن أبي يوسف ومحمد، (وقال الجمهور) لأنه لا تكبير فيها، واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك، (وقال داود) أنه بخير بين التكبير وتركه "استدل الأولون" بحديث ابن عباس بقوله "فصلى بالناس ركعتين كما يصلي في العيد" وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر بالقراءة وكونها قبل الخطبة، وقد أخرج الدارقطني والبزار من حديث ابن عباس أ، هـ يكبر فيها سبعًا وخمسًا كالعيد وأنه يقرأ فيها بسبح وهل أتلك، وفي إسناده محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري وهو متروك وتقدم في الشرح (وأما استقبال القبلة والدعاء ورفع اليدين عنده وتحويل
-[الاستسقاء على المنبر ورفع اليدين عند الدعاء]-
(3)
(باب) الاستسقاء بالدعاء في خطبة الجمعة ومن استسقا بغير صلاة
(1718)
عن حميدٍ قال سئل "أنس بن مالكٍ رضي الله عنه" هل كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يرفع يديه فقال قيل له يوم جمعةٍ يا رسول الله قحط المطر، وأجدبت الأرض، وهلك المال قال فرفع يديه حتَّى رأيت بياض إبطيه فاستسقى، ولقد رفع يديه وما نرى في الَّماء سحابةً، فما قضينا الصَّلاة حتَّى إنَّ قريب الدَّار الشَّابَّ يهمُّه الرَّجوع إلى أهله قال فلمَّا كانت الجمعة التَّي تليها، قالوا يا رسول الله، تهدَّمت البيوت، واحتبست الرُّكبان فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرعة ملالة ابن آدم، وقال اللَّهمَّ حوالينا ولا علينا
الرداء) فسيأتي الكلام عليه في أبوابه إن شاء الله (وأما الجهر بالقراءة فيها) فقال في شرح مسلم أجمعوا على استحبابه، وكذلك نقل الإجماع على استحباب الجهر ابن بطال ونقل النووي أيضًا الإجماع على أنه لا يؤذّن لها ولا يقام، لكن يستحب أن يقال بالصلاة جامعة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1718)
عن حميد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا ابن عدى عن حميد (حديث)(غريبه)(1) سيأتي الكلام عليه في بابه بعد باب (2) أي وهو قائم على المنبر يخطب خطبة الجمعة، كما يستفاد من الطرق الآتية " وقوله قحط" بفتح القاف مع فتح الحاء وكسرها أي امسك "وفي لفظ قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة بعض المسلمين فقال، يا رسول الله قحط المطر إلخ- الحديث"(وأجدبت الأرض) أي أصبحت لا نبات بها لعدم المطر (3) المراد بالمال هنا الماشية كما صرح بذلك في رواية البخاري أي ثقل عليه الرجوع لكثرة المطر حتى أوقعه في الهم أنه شاب وداره قريبة؛ وهذه مبالغة في كثرة المطر، لأنه استمر أسبوعا كاملاً من الجمعة إلى الجمعة لا ينقطع، كما يستفاد ذلك من الروايات الأخرى عند الإمام أحمد وغيره (5) يعني جماعة المسافرين على الدواب أي لكثرة المطر لم يمكنهم السفر (6) قال الحافظ بفتح اللام وفيه حذف تقديره، أجعل أو أمطر، والمراد به صرف عن الأبنية والدور (وقوله ولا علينا) فيه بيان للمراد بقوله حوالينا لأنها تشمل الطرق التي حولهم فأراد إخراجها بقوله ولا علينا (قال الطيبي) في إدخال الواو هنا معنى لطيف، وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيًا للآكام وما
-[من معجزاته صلى الله عليه وسلم نزول المطر عند طلبه والاحتياج إليه]-
فتكشَّطت (وفي لفظ فتكشَّفت) عن المدينة (ومن طريقٍ ثانٍ) عن ثابتٍ قال قال أنسٌ إنِّي لقاعدٌ عند المنبر يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال بعض أهل المسجد، يا رسول الله حبس المطر فذكر نحوه (ومن طريقٍ ثالثٍ) عن قتادة عن أنس بن مالكٍ أنَّ رجلًا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وهو يخطب النَّاس بالمدينة فقال يا رسول الله قحط المطر وأمحلت الأرض وقحط النَّاس فاستسق لنا ربَّك فنظر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى السَّماء وما نرى كثير سحابٍ فاستسقى ففشا السَّحاب بعضه إلى بعض، ثمَّ مطروا حتَّى سالت مثاعب المدينة، واضطردت طرقها أنهارًا فما زالت كذلك إلى يوم الجمعة المقبلة ما تقلع، ثمَّ قام ذلك الرَّجل أو غيره، ونبيُّ
معها فقط، ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكور ليس مقصودًا لعينه، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر، فليست الواو مخلصة للعطف ولكنها للتعليل، وهو كقولهم "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها" فإن الجوع ليس مقصودًا لعينه ولكن لكونه مانعًا عن الرضاع باجرة إذ كانوا يكرهون ذلك أنفا أهـ (1) أي انصرفت وزالت (2)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز وثنا حجاج قالا ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت "الحديث"(3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حسين في تفسير شيبان عن قتادة قال وحدثنا أنس أن رجلاً نادى إلخ (4) قال الحافظ لم أقف على تسميته في حديث أنس، وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مرة ما يمكن أن يفسر هذا المبهم بأنه كعب المذكور، قال وروى البيهقي في الدلائل من طريق مرسلة ما يمكن أن يفسر بأنه خارجة بن حسن بن حذيفة بن بدر الفزازي أهـ (قلت) حديث كعب بن مرة الذي أشار إليه الحافظ هو الحديث التالي وسيأتي الكلام عليه في شرحه (5) بالحاء المهملة أي أحدبت (6) أي كثر وانتشر (7) قال في القاموس الثعب مسيل الوادي جمعه ثعبان؛ ومتاعب المدينة مسايل مائها (8) أي صار الماء يجري في طرقها كما يجرى في رواية شريك عن أنس عند الشيخين بلفظ "قال شريك فسألت
-[من معجزاته صلى الله عليه وسلم حبس المطر عند عدم الحاجة إليه]-
الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال يا نبيَّ الله ادع لنا الله أن يحبسها عنَّا، فضحك نبي الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ قال، اللَّهمَّ حوالينا ولا علينا، فدعا ربَّه فجعل السَّحاب يتصدَّع عن المدينة يمينًا وشمالًا يمطر ما حولها ولا يمطر فيها شيئًا (ومن طريقٍ رابعٍ) عن اسحق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاريَّ قال حدَّثني أنس بن مالكٍ قال أصاب النَّاس سنةٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قام أعرابيٌّ فقال يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال فادع الله أن يسقينا، فرفع رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم يديه وما ترى في السَّماء قزعةٌ فثار سحابٌ أمثال الجبال ثمَّ لم يزل عن منبره حتَّى رأينا المطر يتحادر على لحيته فذكر الحديث
(1719)
عن شرحبيل بن السِّمط أنَّه قال لكعب بن مرَّة (رضي
أنسا هو الرجل الأول قال لا أدرى " لكن جاء في صحيح البخاري أيضًا من رواية يحيى ابن سعيد بلفظ "فأتى الرجل فقال رسول الله" ومثله لأبي عوانة من طريق حفص عن أنس بلفظ "فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الأعرابي في الجمعة الأخرى وأصله في مسلم (قال الحافظ) وهذا يقتضي الجزم بكونه واحدًا، فلعل أنسا تذكره بعد أن نسيه، أو نسيه بعد أن كان تذكره أهـ (1) أي يتشقق ويتفرق (3)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عفان همام أنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلعة "الحديث"(3) أي قحط (4) بفتح القاف والزاي هي القطعة من السحاب وجماعتها قزع، كقصبة وقصب، قال أبو عبيد وأكثر ما يكون ذلك في الخريف (تخريجه)(ق. د. نس. هق)
(1719)
عن شر حبيل بن المسط (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن شر حبيل بن الممط أنه قال لكعب بن مرة ياكعب بن مرة، حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- فذكر جملة أحاديث في أمور شتى وضعت في أبوابها، منها هذا الحديث (غريبه)(5) شر جيل بضم أوله وفتح الراء وسكون المهملة (والسمط)
-[إستشفاع الكفار بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء]-
الله عنه) يا كعب بن مرَّة، حدَّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وجاءه رجلٌ فقال استسق الله لمضر، قال فقال إنَّك لجريءٌ، ألمضر؟ قال يا رسول الله استنصرت الله عز وجل فنصرك ودعوت الله عز وجل فأجابك قال فرفع رسول الله صلَّى اللع عليه وعلى آله وسلَّم يديه يقول اللَّهمَّ اسقنا غيثًا مغيثًا مريعًا مريئًا طبقًا غدقُا عاجلًا غير رائث، نافعًا غير ضارّ، قال فأجيبوا، قال فما لبثوا أن أتوه فشكوا إليه كثرة المطر؛ فقالوا قد تهدَّمت البيوت، قال فرفع يديه
بكسر السين المهملة وسكون الميم (1) أي حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذر أن تكون سمعته من غيره (2) هذا الرجل المبهم هو كعب بن مرة نفسه كما ستعرف ذلك قريبًا (3) اسم قبيلة من قريش سميت باسم مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان عصت الله وآذت النبي صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم بقوله، اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف، وقد استجاب الله دعاءه، وابتلاهم بالقحط والجدب حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف (وتقدم لفظ الدعاء عليهم في أبواب القنوت في الجزء الثالث) فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشفعون به في كشف ما نزل بهم والدعاء لهم، فلهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الرسول قوله، وقال له إنك لجريء، يعني أتطلب مني الدعاء لقوم طلعوا وبغوا وعصوا الله ورسوله (4) يريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب من الله أن ينصره عليهم فنصره ودعا عليهم بالقحط فاستجاب الله دعاءه وابتلاهم به، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيمته العفو والرحمة رفع يديه وابتهل إلى الله عز وجل في رفع ما نزل بهم وإغاثتهم بالمطر فاستجاب الله دعاءه (5) الغيث المطر ويطلق على النبات تسمية له باسم سببه (مغيثًا) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وهو المنقذ من الشدة (مريعًا) بضم الميم وفتحها وكسر الراء هو الذي يأتي بالربع وهو الزيادة، مأخوذ من المراعة وهي الخطب، ومن فتح الميم جعله اسم مفعول أصله مريوع كمهيب ومعناه مخصب، (مريئًا) بالهمزة هو المحمود العاقبة المنمي للحيوان (طبقًا) هو المطر العام كما في القاموس (غدقًا) الغدق هو الماء الكثير وهو من باب قرح، وأغدق المطر، وأغدودق كبر قطره (غير رائث) الريث الإبطاء والرائث المطبيء (6) أي بسبب كثرة المطر، ولفظ ابن ماجه "فقالوا يا رسول الله تهدمت البيوت"
-[الاستسقاء بالاستغفار - واستشفاع المسلمين والكافرين بالنبى صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء]-
وقال اللَّهمَّ حوالينا ولا علينا قال فجعل السَّحاب يتقطَّع يمينًا وشمالًا
(تخريجه)(جه. هق) وسنده جيد، ورواه أيضًا الحاكم وقال، هذا حديث حسن صحيح إسناده على شرط الشيخين (قلت) وأقره الذهبي ورواه الإمام أحمد من طريق أخرى عن كعب بن مرة أيضًا قال " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتيته، فقلبت يا رسول الله إن الله عز وجل قد نصرك وأعطاك واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم، فأعرض عنه، قال فقلت يا رسول الله إن الله عز وجل قد نصرك وأعطاك واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا فاعد الله لهم، فقال اللهم اقنا غيثًا مغيثًا - الحديث" وسيأتي تماً بسنده وشرحه في باب ما ورد في بعض قبائل العرب مدحًا وذمًا من كتاب الفضائل إن شاء الله تعالى، فيستفاد من هذا الحديث أن الرجل المبهم الذي ذكر في حديث الباب هو كعب بن مرة (وفي الباب عن ابن عباس) رضي الله عنهما قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم لا يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله، ثم قال اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعاً طبقًا غدقًا عاجلاً غير رائث، ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قالوا قد أحيينا" رواه ابن ماجه ورجاله ثقات، وأخرجه أيضًا أبو عاونة وسكت عنه الحافظ في التخليص وقوله (لا يتزود لهم راع) أي لا يجد ما يطعمه لقلة الزاد عندهم لما أصابهم من الجدب والقحطـ، وخص الراعي بالذكر لأنه يعتني بطعامه أكثر من غيره لما يناله من المشقة والبعد عن المساكن (وقوله ولا يخطر لهم فحل) يعني أن مواشيهم قد بلغت لقلة الرعى إلى حد من الضعف لا تقوى معه على تحريك أذيلها، وفي القاموس خطر الفحل بذنبه إذا ضرب به يمينًا وشمالاً (وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال (أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي، فقال اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا عاجلاً غير أجل نافعًا غير ضار، فأطبقت عليهم السماء) رواه الحاكم، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبي (وعن الشعبي رحمه الله قال خرج عمر يستسقى فلم يزد على الاستغفار، فقالوا ما رأيناك استسقيت، فقال لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل له المطر ثم قرأ استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} الآية رواه سعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبة والبيهقي "وقوله بمجاديح السماء" بجيم ثم دال مهملة ثم حاء مهملة أيضًا جمع مجدح كمنبر؛ قال في القاموس مجاديح السماء أنواؤها أهـ، والمراد بالآنواء النجوم التي يحصل عنده المطر عادة فشبه الاستغفار بها، واستدل عمر بالآيتين على أن الاستغفار الذي ظن أن الاقتصار عليه
-[أنواع الاستسقاء ومذاهب العلماء في ذلك]-
(4)
باب تحويل الإمام والناس أروبتهم في الدعاء وصفه ووقته
(1720)
حدّثنا عبد الله حدَّثني أبي ثنا سفيان عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزمٍ سمع عبَّاد بن تميمٍ عن عمِّه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يكون استسقاء من أعظم الأسباب التي يحصل عندها المطر والخصب، لأن الله جل جلاله قد وعد عباده بذلك وهو لا يخلف الوعد، ولكن إذا كان الاستغفار واقعًا من صميم القلب وتطابق عليه الظاهر والباطن، وذلك مما يقل وقوعه؛ قال الشوكاني (الأحكام) أحاديث الباب مع ما ذكرنا في الشرح تدل على جواز الاستسقاء بالدعاء فقط وعلى إدخاله في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر والاكتفاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء (وفيها أيضًا) جواز الاستسقاء والدعاء فقط في غير الجمعة وفي غير المسجد كما يستفاد ذلك من حديث كعب بن مرة وما أوردناه في الشرح (وإليه ذهب الحنفية)(قل العيني) في شرح البخاري أعلم أن أبًا حنيقة قال ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، فإن صلى الناس وحدانا جاز، إنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار لقوله تعالى {استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا} عَّلق نزول الغيث بالاستغفار لا بالصلاة، فكان الأصل فيه الدعاء والتضرع دون الصلاة ويشهد لذلك أحاديث، ثم ساق أحاديث الباب مع ما ذكرناه في الشرح، وأحاديث وآثارًا أخرى أ'رضنا عن ذكرها لضعفها، ثم قال فهذه الأحاديث ولآثار كلها تشهد لأبي حنيفة أن الاستسقاء ودعاء، استغفار ودعاء، قال وأجيب عن الأحاديث التي فيها الصلاة أنه صلى الله عليه وسلم فعلها مرة وتركها أخرى، وذا لا يدل على السنية، وإنما يدل على الجواز أهـ (قلت) أما قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم فعله مرة وتركه مرة أخرى فلا يدل على السنية) فليس بشيء، لأنه ثبت بالأحاديث الصحيحة عند الشيخين والإمام أحمد وغيرهم "وتقدمت في الباب السابق" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس إلى المصلى وصلى بهم ركعتين ودعا وخطب، فتكون الصلاة مسنونة بلا شك ولا ريب، ودعاؤه المجرد كان في مرة أخرى كما يستفاد من أحاديث الباب (والذي أميل إليه) أن الاستسقاء ثلاثة أنواع كما قال الشافعية (أحدها) الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة، وهذا مستفاد من حديث كعب بن مرة ومما ذكرناه في الشرح (والثاني) والاستسقاء في خطبة الجمعة أو في أثر صلاة مفروضة وهذا يدل عليه حديث أنس بجميع رواياته (والثالث) أن يكون بصلاة ركعتين وخطبة ودعاء، وهو الأكمل، ويدل عليه أحاديث الباب السابق، والله سبحاه وتعالى أعلم.
(1720)
حدثنا عبد الله (غريبه)(1) هو عبد الله بن زيد بن عاصم
-[وقت الخروج إلى الاستسقاء وكيفية تحويل الرداء وغير ذلك]-
خرج إلى المصلَّى واستقبل القبلة وقلب رداءه وصلَّى ركعتين، قال سفيان قلب الرِّداء جعل اليمين الشِّمال، والشَّمال اليمين (ومن طريقٍ ثانٍ) عن عبد الله بن زيدٍ، قال قد رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم
المازني المتقدم ذكره في الباب الثاني (1) أي يستسقى بما في رواية الزهري عند البخاري، (قال الحافظ) ولم أقف في شيء من طريق حديث عبد الله بن زيد زيد على سبب ذلك ولا صفته صلى الله عليه وسلم حال الذهاب إلى المصلى ولا على وقت ذهابه، وقد وقع ذلك في حديث عائشة عند أبي داود وابن حبان قالت "شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر فأمر بمنبره فوضع له بالمصلى ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر "الحديث" (قلت) تقدم ف أحكام الباب السابق بتمامه، قاله وفى حديث أبي الدرداء عند البزار والطبراني "قحط المطر فٍالنا نبي الله أن يستسقى لنا فغدا نبي الله- الحديث" وقد حكة ابن المنذر الاختلاف في وقتها، والراجع أنه لا وقت لها معين وإن كان أكثر أحكامها كالعيد لكنها تخالفه بأنها لا تختص بيوم معين، وهل تصنع بالليل، استنبط بعضهم من كونه صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة فيها بالنهار أنها نهاية كالعيد وإلا فلو كانت تصلى بالليل لأسرَّ فيها بالنهار وجهر بالليل كمطلق النوافل، ونقل ابن قدامة الإجماع على أنها لا تصلى في وقت الكراهة، وأفاد ابن حبان أن خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المصلى للاستسقاء كان في شهر رمضان سنة ست من الهجرة أهـ (2) في الرواية وقلب رداءه، وفي الطريق الثانية وحول رداءه، وفسر التحويل في الطريق الثانية بالقلب، فدل ذلك على أنهما بمعنى واحد، واختلف في حكمة التحويل فجزم المهلب أنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه، وقيل غير ذلك وما قاله المهلب أثبت، ويؤيده ما رواه الدارقطني والحاكم وهذا لفظه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوا رداءه ليتحول القحط، قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (قلت) وقال الذهبي غريب عجيب صحيح (فائدة) ذكر الواقدي أن طول ردائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع وطول إزاره أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر أهـ (3) في الطريق الثانية فقلبه ظهرًا لبطن والمعنى واحد، لأنه إذا جعل الظاهر باطنًا والباطن ظاهرًا، صار اليمين شمالاً والشمال يمينًا (4)(سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يعقوب ثنا أب عن ابن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم الأنصاري أي ثم المازني عن عبد الله؟؟ بن عاصم وكان أحد؟ وكان عبد الله بن زيد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
-[مذاهب العلماء في كيفية تحويل الرداء]-
حين استسقى لنا أطال الدُّعاء وأكثر المسألة قال ثمَّ تحوَّل إلى القبلة، وحوَّل رداءه فقلبه ظهرًا لبطن وتحوَّل النَّاس معه
(1721)
عن عبد الله بن زيدٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصةٌ له سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه فقلبها عليه، الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن
شهد معه أحدا قال قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(1) هكذا في المسند بلفظ (وتحول الناس معه) لكن استشهد به الحافظ وعزاه للإمام أحمد بلفظ (وحول الناس معه) وأورده صاحب المنتفى وعزاه للإمام أحمد بلفظ (وتحول الناس معه) كما في حديث الباب، ولم أقف على هذه الجملة لغير الإمام أحمد، رواه الشيخان وأصحاب السنن مقتصرين على قوله وحول رداءه، وقد احتج بهذه الزيادة القائلون بتحويل الناس أرديتهم مع الإمام، وسيأتي ذكرهم في الأحكام (تخريجه)(ق. د. نس. هق) بمعناه ما عدا قوله وتحول الناس معه، فقد انفرد بها الأمام أحمد فيما، أعلم والله أعلم.
(1821)
عن عبد البه بن زيد (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سري ابن النعمان قال ثنا عبد العزيز الدراوردي عن عمارة بن غزيّة عن عبَّاد بن تميم عن عمه عبد الله ابن زيد "الحديث"(غريبه)(2) الخميصة كساء مربع أسود من صرف أو خز أو نحوه له علمان في طرفه (3) أي لما عسر عليه جعل أسفلها قلبًا ظهرًا لبطن، فصار طرفها الأيمن على يساره وطرفها الأيسر على يمينه (تخريجه)(د. فع. هق) والطحاوي وسنده جيد (الأحكام) حديثا الباب يدلان على مشروعية خروج الناس مع الإمام إلى المصلى للاستسقاء وصلاة ركعتين واستقبال القبلة وكثرة الدعاء وتحويل أرديتهم وكلها تقدم الكلام عليها مع اختلاف المذاهب فيها إلا تحويل الأردية (وقد اختلف العلماء فيه أيضًا) فذهب الأئمة (مالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء) إلى استحباب تحويل الرداء، ولم يستحبه (أبو حنيفة) واختلف القائلون بتحويل الرداء في صفة التحويل، فقال الإمامان (الشافعي ومالك) هو جعل الأسفل أعلى مع التحويل، وروى القرطبي عن الشافعي أنه أختار في الجديد تكنيس الرداء لا تحويله، والذي في الأم هو الأول (وذهب الجمهور) إلى استحباب التحويل فقط، واستدل الشافعي ومالك بهمَّه صلى الله عليه وسلم بقلب الخميصة لأنه لم يدع إلا لثقلها كما في الحديث الثاني من حديثي الباب، قال الحافظ
-[مذاهب العلماء في وقت تحويل الرداء وتحويل الناس أرديتهم مع الإمام]-
(5)
باب رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء وذكر أدعية مأثورة
(1722)
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم استسقى فأشار بظهر كفَّيه إلى السَّماء
(1723)
وعنه أيضًا قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيءٍ من دعاءه (وفي لفظٍ من الدُّعاء) إلَّا في الاستسقاء فإنَّه
ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط أهـ أي لأنه جمع بين التحويل والتنكيس (واستبدل الجمهور) على التحويل فقط بقوله في الحديث الأول من حديثي الباب (فقلبه ظهر لبطن)، وبقول سفيان قلب الرداء جعل اليمين الشمال والشمال اليمين (وقال بعض المالكية) إنه لا يستحب شيء من ذلك، كما ذهب إليه أبو حنيفة، وخالفهم الجمهور (واختلفوا أيضًا) في وقت تحويل الإمام، وهل يحول الناس أرديتهم تبعًا للإمام أم لا؟ فذهب (مالك والشافعي) إلى أنه يفعل ذلك عند الفراغ من الخطبة، والمشهور عند الشافعية قبيل الفراغ منها، وقال أبو يوسف يحول رداءه إذا مضى صدر من الخطبة، وروى ذلك أيضًا عن مالك، وكلهم يقول إنه إذا حول الإمام رداءه قائمًا حول الناس أرديتهم جلوسًا، لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما جعل الإمام ليؤتم به" إلا محمد
بن الحسن والليث بن سعد وبعض أصحاب مالك وحكاه العبدري عن الطحاوي عن أبي سويف، قال وروى عن ابن المسيب وعروة والثورى، فإن الناس عندهم لا يحولون أرديتهم بتحويل الإمام؛ وحجتهم أنه لم ينقل ذلك في صلاته عليه الصلاة والسلام، وما في الطريق الثانية من الحديث الأول من حديثي الباب من قوله "وتحول الناس معه" يدر عليهم وهو دليل الجمهور والله أعلم.
(1722)
عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله أبي ثنا حسن ابن موسى ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك "الحديث"(غريبه)(1) قال النووي قال جماعة من أصحابنا وغيرهم السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه، أن يرفع بين يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء واحتجوا بهذا الحديث (تخريجه)(م. هق).
(1723)
وعنه أيضًا (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي يحيى ثنا ابن أبي عروبة عن قتادة أن أنسا حدثهم قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحديث"(غريبه)(2) ظاهره عدم الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء وليس كذلك، فقد ثبت بالأحاديث
-[إستحباب رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء]-
كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه.
(1724)
عن عميرٍ مولى أبي اللحم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبًا من الزوراء قائمًا يدعو يستسقى رافعًا كفيه لا يجاوز بهما رأسه مقبل بباطن كفيه إلى وجهه
الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه عند الدعاء في غير باب الاستسقاء، وسيأتي الجمع بينهما والكلام عليها في الأحكام (1) أن قيل كيف يرى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم وهو لابس ثيابه (قلت) لعل كُمّي ثوبه صلى الله عليه وسلم كانا واسعين جدًا بحيث ينحسرا عن ذراعيه عند رفعهما فيرى بياض إبطيه أو لم يكن في هذا الوقت على النصف الأعلى منه ثوب غير الرداء، قال الحافظ واستدل به على أن أبطيه صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهما شعر، قال وفيه نظر فقد حكى المحب الطبري في الاستسقاء من الأحكام له أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره أهـ (تخريجه)(ق. د. نس. قط. ك. هق)
(1724)
عن عمير مولى ابي اللحم (سنده) حدثنا عبد الله أبي ثنا بن معروف قال ابن وهب أنا حيوة عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عمير مولى آبي اللحم "الحديث"(وله طريق ثان) بالسند المتقدم، إلا أن ابن وهب قال وأخبرني حيوة عن عمر بن مالك عن ابن الهاد إلخ. السند المتقدم (وله طريق ثالث) قال حدثنا عبد الله أبي ثنا قتيبة بن سعيد عن خالد بن يزيد عن سعد بن أبي هلال عن يزيد بن عبد الله عن عمير مولى أبي اللحم أنه رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يستسقى وهو مقنع بكفيه يدعو (غريبه)(2) أبي اللحم بمد الهمزة مختلف في اسمه، ولقب بذلك لأنه كان لا يأكل مما ذبح للأصنام في الجاهلية غفاري صحابي، وعنه مولاه عمير، استشهد يوم حنين سنة ثمان رضي الله عنه (3) اسم موضع بالمدينة من الحرَّة سميت بذلك لسواد أحجارها كأنها طليت بالزيت (والزوراء) موضع بالسوق بالمدينة كما فسره البخاري (4) هكذا بالأصل مقبل بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره، وهو مقبل، والمعنى أن باطن كفيه مقابلة لوجهه ومحاذية له لا يجاوز بهما رأسه، وهذه الكيفية تخالف ما تقدم في حديث أنس من قوله (ثم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء، فلعلها كيفية من كيفيات رفع اليدين عند الدعاء، والله أعلم (تخريجه)(د. نس. مذ) قال في التنقيح وسكت عليه أبو داود والمنذري ورجاله موثقون، ورواه أيضًا أحمد والحاكم
-[مذاهب العلماء في رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء وغيره - وذكر أدعية مأثورة]-
.....
بإسناد لا مطعن فيه. اهـ (قلت) رواه أبو داود والحاكم عن عمير مولى آبي اللحم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الباب، ورواه النسائي والترمذي من طريق قتيبة بسنده إلى عمير مولى أبي اللحم عن آبي اللحم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث"، وعمير صحابي أيضًا، فلا مانع من أن يروي الصحابي الحديث مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، ويرويه مرة أخرى بواسطة غيره، والله أعلم (وفي الباب) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال " أنى رجل أعرابي من أهل البادية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال يا رسول الله هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم معه يدعون- الحديث" رواه البخاري (وعن عمرو بن شعيب) عن أبيه عن جده قال" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال؛ اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت" رواه أبو داود والبيهقي والإمام مالك في الموطأ، وسنده جيد (وعن سمرة ابن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو إذا استسقى "اللهم أنزل في أرضنا بركتها وزينتها وسكنها وارزقنا وأنت خير الرازقين" رواه الطبراني في الكبير والبزار باختصار وإسناده حسن أو صحيح (الأحكام) أحاديث الباب تدل على مشروعية المبالغة في رفع اليدين عند الدعاء في الاستسقاء وجعل ظهر كفيه إلى السماء، وظاهر الحديث الثاني من أحاديث الباب لآنس نفى الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض للأحاديث الثابتة في الرفع فير غير الاستسقاء وهي كثيرة، وقد أفردها البخاري بترجمة في آخر كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث، وصنف المنذري في ذلك جزءًا (وقال النووي) في شرح مسلم هي أكثر من أن تحصر، قال وقد جمعت منها نحوًا من ثلاثين حديثًا من الصحيحين أو أحدهما، وقال وذكرتها في آخر باب صفة الصلاة في شرح المهذب أهـ. فذهب بعض أهل العلم إلى أن العمل بها أولى، وحمل حديث أنس على نفي رؤيته؛ وذلك لا يستلزم نفي رؤيته غيره (وذهب آخرون) إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على جهة مخصوصة إما على الرفع البليغ ويدل عليه قوله "حتى يرى بياض إبطيه" ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفه اليدين في الدعاء إنما المراد بها مد اليدين وبسطها عند الدعاء، وكأنه عند الاستسقاء زاد على ذلك فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه وحينئذ يرى بياض إبطيه، وإما على صفة رفع اليدين في ذلك كما في حديثه الأول من أحاديث الباب (ولأبي داود) من حديث أنس "كان يستسقى هكذا ومد يديه وجعل بطونها مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه" (قال الشوكاني) والظاهر أنه ينبغي البقاء على النفي المذكور عن أنس ترفع اليد في شيء من الأدعية إلا في المواضع التي ورد فيها الرفع
-[صفة رفع اليدين عند الدعاء والحكمة في ذلك]-
(6)
باب الاستسقاء بالصالحين ومن ترجى بركتهم
(1725)
عن سالمٍ عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال ربَّما ذكرت قول الشَّاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، على المنبر يستسقي فما ينزل حتَّى
ويعمل فيما سواها بمقتضى النفي، وتكون الأحاديث الواردة في الرفع في غير الاستسقاء أرجح من النفي المذكور في حديث أنس، إما لأنها خاصة فيبني العام على الخاص، أو لأنها مثبتة وهي أولى من لنفي، وغاية ما في حديث أنس أ، هـ نفى الرفع فيما يعلمه، ومن علم حجة على من لم يعلم أهـ. ونقل، الحافظ عن النووي أنه قال- قال العلماء السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع يديه جاعلاً ظهور كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء، وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء أهـ. قال الحافظ (وقال غيره) الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهرًا لبطن كما قيل في تحويل الرداء، أو هو إشارة إلى صفة المسئول، وهو يزول السحاب إلى الأرض أهـ (قلت) وحجة العلماء في القول يجعل الأكف إلى السماء إذا دعا بسؤال شيء وتحصيله ما رواه أبو داود في باب الدعاء من قوله صلى اله عليه وسلم "إذا سألتم الله فسلوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها"(وفي الأحاديث التي ذكرناها في الشرح) استحباب رفع الناس أيديهم مع الإمام عند الدعاء (وفيها أيضًا) استحباب الدعاء بالأدعية المأثورة التي وردت فيها والله أعلم.
(1725)
عن سالم عن أبيه (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو النضر ثنا أبو عقيل وهو عبد الله بن عقي ثنا عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ثنا سالم عن أبيه "الحديث"(غريبه)(1) هو أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلى الله عليه وسلم (2) لعله يشير إلى قصة وقعت في الإسلام خضرها هو لا مجرد ما دل عليه شعر أبي طالب، وهي ما رواه البيهقي في الدلائل من رواية مسلم الملائي عن أنس رضي الله عنه، قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أتيناك وما لنا بعير يئط ولا صبي يغط، ثم أنشد شعرًا يقول فيه.
وليس لنا إلا إليك فرارنا
…
وابن فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال اللهم اسقنا "الحديث" وفيه جاء أهل البطانة يصيحون الغرق الغرق، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم
-[بعض ما قيل في مدح النبى صلى الله عليه وسلم من أشعار العرب]-
يجيش كلُّ ميزابٍ، وأذكر قول الشَّاعر (وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمةً للأرامل) وهو قول أبي طالبٍ
حتى بدت نواجذه، ثم قال لله درُّ أبي طالب لو كان حاضرًا لقرت عيناه، من ينشدنا شعره؟ فقال علي يا رسول الله كأنك أردت قوله* وأبيض يستسقي الغمام بوجهه* فذكر أبياتًا منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل، فقام رجل من بني كنانة فأنشد أبياتًا
لك الحمد والحمد ممن شكر
…
سقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوة
…
وأشخص معها إليه البصر
فلم يك إلّا كلفّ الردا
…
وأسرع حتى رأينا الدرر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّ يكن شاعر أحسن فقد أحسنت" قال الحافظ وإسناد حديث أنس وإنّ كان فيه ضعف لكنه يصلح للمتابعة؛ وقد ذكره ابن هشام في زوائد السيرة تعليقًا عمن يثق به (وقوله يئط) بفتح أوله وكسر الهمزة وكذا يغط بالمعجمة، والأطيط صوت البعير المثقل، والغطيط صوت النائم كذلك، وكنى بذلك عن شدة الجوع لأنهما إنما يقعان غالبًا عند الشبع أهـ. (1) بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة، يقال جاش الوادي إذا زخر بالماء، وجاشت القدر إذا غلت، وجاش الشيء إذا تحرك، وهو كناية عن كثرة المطر (والميزاب) بكسر الميم وبالزاي معروف، وهو كل ما يسيل منه الماء من موضع عال (2) يجوز فيه ثلاثة أوجه؛ الضم والنصب والجر بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه غير مصروف، فالضم على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره وهو أبيض، والنصب عطفًا على قوله سيدًا في البيت الذي قبله وسيأتي، والجر على تقدير ربَّ، ورجح النصب (والغمام) الصحاب (وقوله ثمال) بكسر المثلثة وتخفيف الميم؛ هو المعاد والملجأ والمطعم والمغيث والأرامل جمع أرملة، وهب الفقيرة التي لا زوج لها، وقد يستعمل في الرجل أيضًا مجازًا، وهذب البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب ذكرها ابن اسحاق في السيرة بطولها، وذكرها ابن هشام في سبرته، وهي أكثر من تسعين بيتًا، ونقلها عنه الحافظ ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية) ثم قال وهذه قصيدة عظيمة بليغة جدًا لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه، وهي أفضل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعها، وقد أوردها الأموي في مغازية مطولة بزيادات أخر، والله أعلم أهـ. (3) أي من قصيدته المشار إليها وسيأتي بعضها (تخريجه) رواه البخاري تعليقًا وابن ماجه موصولاً كرواية الإمام أحمد وقصيدة
-[شيء من قصيدة أبي طالب - والتوسل بآل بيت النبى صلى الله عليه وسلم]-
.....
أبي طالب المشار إليها قالها لمَّا تمالأت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم ونفَّروا عنه من يريد الإسلام
أولها لما رأيت القوم لا ودّ فيهم .... وقد قطعوا كل العرى والوسائل
ومنها أعبد مناف أنتم خير قومكم
…
فلا تشركوا في أمركم كل واغل
ومنها وما ترك قوم لا أبّا لك سيدًا
…
يحوط الذمار بين بكر بن وائل
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلَاّك من آل هاشم .... فهم عنده في نعمة وفواضل
قال السهيلي فإن قيل كيف قال أبو طالب يستسقى الغمام بوجهه ولم يره قط استسقى، إنما كان ذلك من بعد الهجرة، وأجاب بما حاصله أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وسلم معه غلام أهـ (قال الحافظ) ويحتمل أن يكون أبو طالب مدحه بذلك لما رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه أهـ (وفي الباب) عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقينا" قال فيسقون (رواه البخاري) وظاهر قوله " كان إذا قحطوا استسقى بالعباس" أنه فعل ذلك مراراً كثيرة كما يدل عليه لفظ كان، فإن صح أنه لم يقه منع ذلك إلا مرة واحدة كانت كان مجردة عن معناها الذي هو الدلالة على الاستمرار (وقد بين الزبير ابن بكار في الأنساب) صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فاخرج بإسناده أن العباس لما استسقى به عمر قال " اللهم أنه لا ينزل بلاء إلا بذنب وبلم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث" فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس (وأخرج أيضًا) من طريق داود بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب وذكر الحديث وفيه "فخطب الناس عمر فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واتخذوا وسيلة إلى الله (وفيه) فما يرجوا حتى أسقاهم الله"(وأخرج البلاذري) من طريق هشام بن سعد عن زيد لن أسلم فقال عن أبيه بدل ابن عمر فيتحمل أن يكون لزيد فيه شيخان (وذكر ابن سعد) وغيره أن عام الرمادة كان سنة ثماني عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها ودام تسعة أشهر؛ والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فأغبّرت الأرض جدًا من عدم المطر (الأحكام) حديث الباب مع ما ذكر في الشرح يدل على ما لنبينا صلى الله عليه وسلم من المعجزات الباهرة والمفاخر
-[تفسير الأنواء - وكفر من قال مطرنا بنوء كذا]-
(7)
باب اعتقاد أن المطر بيد الله ومن خلقه وابداعه وكفر من قال مطرنا بنوء كذا
(1726)
عن زيد بن خالدٍ الجهنيِّ رضي الله عنه قال صلَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصُّبح بالحديبية على إثر سماءٍ كانت من الَّيل، فلمَّا انّصرف أقبل على النَّاس، قال هل تدرون ماذ قال ربُّكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال أصبح من عبادي مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب ومؤمنٌ بالكوكب كافرٌ بي، فأمَّا من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكوكب، وأمَّا من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب
الظاهرة التي لا يبلغها أحد من خلف الله عز وجل مهما عظم (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)(وفيها أيضًا) استخباب الاستشفاع بأهل الصلاح والتقوى وأهل بيت النبوة (وفيها) فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس رضي الله عنهما ومعرفته بحقه (وفيها) بيان ما كان عليه أبو طالب من الفصاحة والكرم والعطف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي بسط الكلام على أبي طالب في وفاته من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى والله أعلم.
(1726)
عن زيد بن خالد الجهني (سنده) حدقنا عبد الله حدثني أي قال قرأت على عبد الرحمن عن مالك، قال أبي ثنا إسحاق قال ثنا مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد اله بن عبد الله عن زيد بن خالد الجهني- الحديث" (غريبه) (1) تقدم تفسيرها فير مرة وسيأتي الكلام عليها مستفيضًا في بابها في الغزوات من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله (2) إثر بكسر وسكون التاء المثلثة وهو ما يكون عقب الشيء (وسماه) أي مطر، وأطلق عليه سماء لكونه ينزل من جهة السماء، وكل جهة علو تسمى سماء "وقوله فلما انصرف) أي من صلاته أو من مكانه (3) رواية النسائي" ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة" وهذا من الأحاديث الإلهية، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخذها عن الله عز وجل بلا واسطة أو بواسطة (4) لفظ البخاري "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر" أي كافر بالله (وهذا) يحتمل أن المراد بالكفر كفر الشرك بقرينة مقابلته بالإيمان، وذاك في حق من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب (ويحتمل) أن يراد به كفر النعمة إذا اعتقد أن الله تعالى هو الذي خلق المطر واخترعه ثم تكلم بهذا القول فهو مخطئ لا كافر، وخطؤه لأنه تشبه بالكفار في أقوالهم وقد نهينا عن التشبه بهم (5) النوء بفتح النون وسكون الواو (قال أبو عبيد) الأنواء ثمانية وعشرون نجما معروفة المطالع في أزمنة السنة كلها، يسقط منها
-[استحباب كشف الثوب عن بعض البدن ليصيبه المطر]-
(8)
باب ما يقول وما يصنع إذا رأى المطر
(1727)
عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال مطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فحسر ثوبه حتَّى أصابه المطر، قال فقيل له يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال لأنه حديث عهدٍ بربِّه
(1728)
قط وعنه أيضًا قال مطرنا بردًا وأبو طلحة رضي الله عنه
في كل ثلاث عشر ليلة نجم في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر مقابلة في المشرق من ساعته، وإنما شمس نوءًا لأنه إذا سقط الساقط ناء الطالع، وذلك النهوض هو النوء، وانقضاء هذه الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة، وكانت العرب في الجاهلية إذا سقط منها نجم وطلع آخر يقولون لابد أن يكون عند ذلك مطرًا وريح فيقولون مطرنا بنوء كذا، أي المطير كان من اجل أن الكوكب ناء وأنه هو الذي هاجه اهـ "وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه" عند النسائي "مطرنا بنوء المجدح" بكسر الميم وسكون الجيم وفتح الدال بعدها حاء مهملة، ويقال بضم أوله وهو الدبران بفتح الدال المهملة والباء الموحدة بعدها راء سمي بذلك لاستدباره الثريا وهو نجم أحمر منير (وقال ابن قتيبة) كل النجوم المذكورة لها نوء، غير أن بعضها أحمر وأغزر من غيره، ونوء الدبران غير محمود عندهم (تخريجه)(ق. د. نس. هق)(الأحكام) حديث الباب يدل على وجوب اعتقاد أن المطر من عند الله ومن خلقه وإبداعه، لا يقدر على حبسه وإنزاله إلا الله عز وجل، لا تأثير للكواكب في شيء من هذه عقيدة أهل الإيمان الموحدين، أما من اعتقد أن للنوء صنعًا في ذلك فهو كافر بالله تعالى كفر تشريك، أمَّا أن اعتقد أن ذلك من قبيل التجربة فليس بشرط؛ لكن يجوز إطلاق الكفر عليه وإرادة كفر النعمة، نسأل الله تعالى العصمة من الخطأ والزلل، والتوفيق لصالح القول والعمل آمين.
(1727)
عن أنس بن مالك (سنده) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بهز ابن أسد ثنا جعفر بن سليمان ثنا ثابت البنائي، قال جعفر لا أحسبه إلا عن أنس قال مطرنا "الحديث"(غريبه)(1) أي كشف ثوبه عن بعض بدنه (2) معناه أن المطر رحمة، وهي قربة العهد بخلق الله تعالى لها فيتبرك بها: قاله النووي (تخرجيه)(م. د. هق).
(1828)
(قط) وعنه أيضّا (سنده) حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ثنا شعبة عن قتادة وحميد عن أنس قال مطرنا بردًا- الحديث" (غريبه) (3) البرد بفتحين، شيء ينزل من السحاب يشبه الحصى، ويسمى حب الغمام "وأبو طلحة" هو زيد بن مهل بن الأسود بن حرام الأنصاري مشهور بكنيته، من كبار الصحابة، شهد بدرًا
-[إستحباب الدعاء بالمأثور عند نزول المطر]-
صائمٌ فجعل يأكل منه، قيل له أتأكل وأنت صائمٌ؟ فقال إنَّما هذا بركةٌ
(1729)
عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم كان إذا رأى المطر قال اللَّهمَّ صيبًا نافعًا
وما بعدها، وكان زوجًا لأم سليم بنت ملحان والدة أنش بن مالك، وسيأتي الكلام على مناقبه في كتاب مناقب الصحابة رضي الله عنهم (2) أي تطوعًا لأنه يجوز للصائم المتطوع الفطر وإن كان الصوم أفضل، يدل على ذلك ما سيأتي في أبواب صيام التطوع من كتاب الصيام من حديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها "إن المتطوع أمير على نفسه، فأن شئت فصومي وإن شئت فأفطري"(ومن حديث عائشة) عند النسائي مرفوعًا "إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها" وإنما أفطر أبو طلحة وإن كان الأفضل الصوم لئلا يفوته التبرك بأكل البرد، لأنه حديث عهد بربه كما جاء في الحديث السابق (تخريجه) لم أقف على هذا الأثر لغير الإمام أحمد وسنده جيد، وهو من زوائد القطيعي على مسند الإمام أحمد، وقد وجدت له في المسند أحد عشر حديثًا تقدم بعضها وجعلت الرمز له (قط) كما أشرت إلى ذلك في المقدمة فليعلم.
(1729)
عن عائشة (سنده) حدثنا عبد الله أبي ثنا عبده ثنا مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة- الحديث" (غريبه)(3) بالنصب بفعل مقدر أي اجعله صيبًا، ونافعًا صفة للصيب ليخرج الضار منه، والصيب المطر قاله ابن عباس وإليه ذهب الجمهور (تخريجه)(خ. نس. هق)(الأحكام) في أحاديث الباب دليل على أنه يستحب عند نزول المطر أن يكشف الإنسان عن بعض بدنه ليصيبه المطر تبركًا، وكذلك البرد يستحب أكله عند أول نزوله للتبرك أيضًا، (وفيها) أن المفضول إذا رأى من الفاضل شيئًا لا يعرفه أن يسأل عنه ليعلمه فيعمل به ويعلمه غيره (وفيها أيضًا) استحباب الدعاء عند نزول المطر بمثل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي من هذا الباب أيضًا أحاديث في باب ما يقال عند نزول المطر من كتاب الأذكار، وكذلك يأتي أحاديث تختص بالمطر والريح والرعد والبرق في أول كتاب خلف العالم إن شاء الله تعالى،
وإلى هنا انتهى الجزء السادس من (كتاب الفتح الرباني) مع شرحه (بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني) مختمًا بقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم صيبًا نافعًا" كما عودنا الله عز وجل اختتام كل جزء بالفأل الحسن، بدون قصد، والحمد لله أولاً وأخرًا وله الشكر والمنة على هذا التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وعلى آله الطاهرين وصحبه الغر الميامين ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرا،