المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفوائد المخصصة بأحكام كي الحمصة للعلامة المرحوم خاتمة المحققين السيد محمد - الفوائد المخصصة بأحكام كي الحمصة - ط إسطنبول

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

الفوائد المخصصة بأحكام كي الحمصة

للعلامة المرحوم خاتمة المحققين السيد محمد عابدين

عليه رحمة أرحم الراحمين

آمين

ص: 53

الرسالة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين * وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين * وعلى التابعين والأئمة المجتهدين * ومقلد يهم باحسان إلى يوم الدين * (اما بعد) فيقول فقير رحمة ربه. واسير وصمة ذنبه * محمد امين * الشهير بابن عابدين * غفر الله تعالى ذنوبه * وملأ من زلال العفو ذنوبه * آمين * هذه رسالة (سميتها) الفوائد المخصصة * بأحكام كى الحمصة * الذي اخترعه بعض حذاق الاطباء فإنه ما اشتهرت قضيته * وعمت بليته * وقد رأيت فيها رسالتين الأولى لعمدة المحققين فقيه النفس أبي الإخلاص الشيخ حسن الشرنبلالي الوفائى رحمه الله تعالى وشكر سعيه والثانية لحضرة الأستاذ من جمع بين علمى الظاهر والباطن مرشد الطالبين ومربى السالكين سيدى عبد الغني النابلسي قدس الله تعالى سره واعاد علينا من بركاته آمين فأردت أن اذكر حاصل ما في هاتين الرسالتين مع التنبيه على ما تقربه العين ضاما إلى ذلك بعض النقول عن علماء المذهب مما يتضح به حكم المسألة مستعينا بالله تعالى مستمدا من مدد هذين الامامين الجليلين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم (قال) الإمام الجليل فخر الدين الشهير بقاضي خان في شرحه على الجامع الصغير المنسوب إلى الإمام المجتهد محرر المذهب النعماني الإمام محمد بن الحسن الشيباني نفطة قشرت فسأل منها ماء أو دم أو قيح أو صديد أن سال عن رأس الجرح نقض الوضوء وإن لم يسل لم بنقض والسيلان أن ينحدر عن رأس الجرح وإن علا على رأس الجرح وانتفخ ولم ينحدر لم يكن سائلا وعن محمد رحمه الله تعالى إذا انتفخ على رأس الجرح وصار أكثر من رأس الجرح انتقض الوضوء والصحيح ما قلنا لأن الحدث اسم للخارج النجس والخروج إنما يتحقق بالسيلان لأن البدن موضع الدماء السيالة فإذا انشقت الجلدة كانت بادية لا سائلة بخلاف البول إذا ظهر على رأس الاحليل حيث ينقض الوضوء لأن ذلك ليس بموضع البول فإذا ظهر على رأس الاحليل اعتبر خروجا وإن خرج منه دم فمسحه بخرقة أو اصبع أو القى عليه ترابا أو رمادا ثم انقطع ينظر إلى غالب ظنه أن كان بحال لو ترك يسيل نقض والا فلا * والماء والقيح والصديد بمنزلة الدم * وقال الحسن بن زياد الماء بمنزلة العرق والدمع لا يكون نجسا وخروجه لا يوجب انتقاض الطهارة والصحيح ما قلنا لانه دم رقيق لم يستتم نضجه فيصير لونه كلون الماء وإذا كان دما كان نجسا ناقضًا للوضوء

ص: 54

(ثم القى القليل والدم إذا لم يكن سائلا حتى لا يكون ناقضا للطهارة إذا أصاب الثوب لا يمنع جواز الصلاة وإن فحش هكذا ذكر الكرخي رحمه الله تعالى مفسرا أن ما ينقض خروجه الطهارة يكون نجسا في نفسه وما لا ينقض خروجه الطهارة لا يكون نجسا وذكر عاصم رحمه الله تعالى في مختصره أن على قول محمد رحمه الله تعالى يكون نجسا حتى لو اخذها بقطنة والقاها في الماء القليل يفسد الماء عنده وكذا لو كان على بدنه نجاسة قدر الدرهم وأصابه شيء مما ذكرنا على قول محمد يضم هذا إلى الدرهم فيمنع جواز الصلاة وعلى قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يضم * وجه قول محمد رحمه الله تعالى أنه دم وإن قل فيكون نجسا ولابي يوسف أن النجس هو الدم المسفوح فما لا يكون سائلا لا يكون نجسا كدم البعوض والبرغوث والدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح انتهى كلام قاضي خان عليه الرحمة والرضوان (وقال) الإمام المرغيناني صاحب الهداية في كتابه المسمى بالتجنيس والمزيد صاحب الجرح السائل إذا منع الجرح عن السيلان بعلاج يخرج من أن يكون صاحب جرح سائل فرق بين هذا وبين الحائض فإنها إذا حبست الدم عن الدرور لا تخرج من أن تكون حائضا والفرق أن القياس أن تخرج من أن تكون حائضا لانعدام الحيض حقيقة كما يخرج هو من أن يكون صاحب الجرح السائل إلا أن الشرع اعتبر دم الحيض كالخارج حيث جعلها حائضا مع الأمر بالحبس ولم يعتبر في حق صاحب الجرح السائل * فعلى هذا المقتصد لا يكون صاحب الجرح السائل * قال رضى الله تعالى عنه وهكذا سمعت الشيخ الإمام الاجل نجم الدين عمر بن محمد النسفي رحمة الله تعالى عليه يقول في المقتصد وهو مذكور في المنتقى انتهى * قلت وبالله تعالى التوفيق لا رب غيره قد استفيد مما نقلناه فوائد (الفائدة الأولى) أن المعتبر في النقض بالخارج من غير السبيلين إنما هو السيلان وفسروا السيلان بان ينحدر عن رأس الجرح ويصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير * وفائدة ذكر الحكم دفع ورود داخل العين وباطن الجرح إذا سال فيهما الدم فإن حقيقة التطهير فيهما ممكنة وإنما الساقط حكمه والمراد بحكم التطهير وجوبه في الوضوء والغسل كما افصح به صدر الشريعة وغيره. وخالفه في البحر الرائق شرح كنز الدقائق فقال مرادهم أن يتجاوز إلى موضع تجب طهارته أو تندب من بدن وثوب ومكان فجعل الحكم اعم من الواجب والمندوب * واستدل بما في المعراج وغيره لو نزل الدم إلى قصبة الانف نقض ولا شك أن المبالغة التى هى ايصال الماء إلى ما اشتد منه إنما هي

ص: 55

سنة * وبما في البدائع إذا نزل الدم إلى صماخ الاذن يكون حدثا وفي الصحاح صماخ الاذن خرقها وليس ذلك إلا لكونه يندب تطهيره في الغسل ونحوه * وقد صرح بالندب في فتح القدير فقال لو خرج من جرح في العين دم فسأل إلى الجانب الآخر منها لا ينقض لانه لا يلحقه حكم هو وجوب التطهير أو ندبه بخلاف ما لو نزل من الرأس إلى مالان من الانف لانه يجب غسله في الجنابة ومن النجاسة فينقض انتهى * قال في البحر وقول بعضهم المراد أن يصل إلى موضع تجب طهارته محمول على أن المراد بالوجوب الثبوت وقول الحدادى إذا نزل الدم إلى قصبة الانف لا ينقض محمول على أنه لم يصل إلى ما يسن ايصال الماء إليه في الاستنشاق فهو في حكم الباطن حينئذ توفيقا بين العبارتين وقول من قال إذا نزل الدم إلى مالان من الانف نقض لا يقتضى عدم النقض إذا وصل إلى ما اشتد منه إلا بالمفهوم والصريح بخلافه وقد اوضحه في غاية البيان والعناية انتهى * قال في النهر واقول هذا وهم وانى يستدل بما في المعراج وقد علل المسئلة بما يمنع هذا الاستخراج فقال ما لفظه * لو نزل الدم إلى قصبة الانف انتقض بخلاف البول إذا نزل إلى قصبة الذكر ولم يظهر فإنه لم يصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير وفي الانف وصل فإن الاستنشاق في الجنابة فرض كذا في المبسوط انتهى * وقد افصح هذا التعليل عن كون المراد بالقصبة مالان منها لانه الذي يجب غسله في الجنابة وكذا قال الشارح يعنى الزيلعى لو نزل الدم من الانف انتقض وضوءه * إذا وصل إلى مالان منه لانه يجب تطهيره وحل الوجوب في كلامه على الثبوت مما لا داعى إليه * وعلى هذا فيجب أن يراد بالصماخ الخرق الذى يجب ايصال الماء إليه في الجنابة (وبهذا ظهر) أن كلامهم مناف لتلك الزيادة مع أن ملاحظتها في المجاوزة إلى موضع من بدن أو ثوب أو مكان يقتضى أن الدم إذا وصل إلى موضع يندب تطهيره من واحد من الثلاثة انتقض وهذا مما لم يعرف في فروعهم عرف ذلك من تتبعها بل المراد بالتجاوز السيلان ولو بالقوة كما قال بعض المتأخرين لما قالوه من أنه لو مسح الخارج كلما خرج ولو ترك لسال نقض فالنقض بصورة الفصد كما قال صدر الشريعة غير وارد انتهى كلام النهر (قلت) ومراده بصورة الفصد ما قاله في البحر إذا اقتصد وخرج دم كثير وسال بحيث لم يتلطخ رأس الجرح فإنه ينقض الوضوء لكونه وصل إلى ثوب أو مكان يلحقهما حكم التطهير انتهى * فهذا مما وجد فيه السيلان بالقوة فعلى هذا لا حاجة إلى زيادة قوله من ثوب أو مكان على أنه يرد عليه أنه يقتضى أنه لو اقتصد ولم يتلطخ رأس الجرح ونزل الدم على عذرة أو جلد خنزير أو نحو ذلك لا ينتقض وضوءه لانه لم يصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير مع أنه

ص: 56

ينتقض كما لا يخفى نعم بحث صاحب النهر في زيادة الندب محل بحث بناء على ما في غاية البيان حيث قال قوله إلى ما لان من الانف أي إلى المارن وما بمعنى الذي (فإن قلت) لم قيد بهذا القيد مع أن الرواية مسطورة في الكتب عن أصحابنا أن الدم إذا نزل إلى قصبة الانف ينقض الوضوء ولا حاجة إلى أن ينزل إلى مالان من الانف فأى فائدة في هذا القيد إذن سوى التكرار بلا فائدة فإن هذا الحكم قد علم في أول الفصل من قوله والدم والقيح إذا خرجا من البدن فتجاوزا إلى موضع يلحقه حكم التطهير (قلت) بيانا لاتفاق أصحابنا جميعا لأن عند زفر لا ينتقض الوضوء ما لم ينزل الدم إلى مالان من الانف لعدم الظهور قبل ذلك انتهى * فحيث كان الحكم عندنا أنه ينتقض بنزول الدم إلى القصبة وإن لم يصل إلى ما لان لابد من تقييد السيلان بان يصل إلى موضع يجب تطهيره أو يندب كما وقع في كلام البحر والفتح والا لم يشمل هذه الصورة * وهذا مما يدل على تأويل الوجوب بالثبوت وتأويل كلام الحدادى بما تقدم عن البحر * ويدل أيضًا على أن قول المعراج لو نزل الدم إلى قصبة الانف انتقض على ظاهره ليس المراد منه نزوله إلى مالان نعم يؤول قوله فإن الاستنشاق في الجنابة فرض على أن المراد أصل الاستنشاق وإن من قيد بنزوله إلى مالان ليس للاحتراز عن وصوله إلى القصبة بل لبيان الاتفاق كما علمت من كلام غاية البيان والله تعالى أعلم وبه المستعان [الفائدة الثانية] ان اشتراط السيلان في نقض الطهارة كما قررناه فيه خلاف وإن الصحيح اشتراطه وإن اخذ أكثر من رأس الجرح خلافا لمحمد وجعلها في الظهيرية رواية شاذة عن محمد وفى التتارخاينة عن المحيط شرط السيلان لانتقاض الوضوء في الخارج من غير السبيلين وهذا مذهب علمائنا الثلاثة وانه استحسان وقال زفر رحمه الله تعالى إذا علا فظهر على رأس الجرح ينتقض وضوءه وهو القياس انتهى وفى فتح القدير وعن محمد إذا انتفخ على رأس الجرح وصار أكبر من رأسه نقض والصحيح لا ينقض وفى الدراية جعل قول محمد أصح ومختار السرخسي الأول وهو أولى انتهى ما في الفتح * وفيه أيضًا عن مبسوط شيخ الإسلام تورم رأس الجرح فظهر به قيح ونحوه لا ينقض ما لم يجاوز الورم لانه لا يجب غسل موضع الورم فلم يتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير انتهى * قال العلامة محمد بن امير حاج في شرحه على منية المصلى إذا انحدر الخارج عن رأس الجرح لكنه لم يجاوز المحل المتورم وإنما انحدر إلى بعض ذلك المحل فإنما لا ينتقض إذا كان يضره غسل ذلك المحل ومسحه أيضًا اما إذا كان لا يضرانه أو لا يضره أحدهما فينبغي أن ينتقض لانه يلحقه حكم التطهير اذ المسح تطهير له شرعا كالغسل فليتنبه

ص: 57

لذلك انتهى [الفائدة الثالثة] التفرقة بين الخارج من السبيلين والخارج من غيرهما في أن الخارج من السبيلين ينقض بمجرد الظهور وانقل من غير اشتراط سيلان قال في التتارخانية واجمعوا على أن الخارج من السبيلين لا يشترط فيه السيلان ويكتفى بمجرد الظهور [الفائدة الرابعة] شمل إطلاق السيلان الناقض ما لو كان سيلانه بنفسه وما لو سال بعصر وكان بحيث لو لم يعصر لم يسل وفي نقض الثاني خلاف ومختار صاحب الهداية عدم النقض لانه ليس بخارج وإنما هو مخرج وقال شمس الأئمة ينقض وهو حدث عمد عنده وهو الاصح كذا في فتح القدير معزيا إلى الكافي لانه لا تأثير يظهر للاخراج وعدمه في هذا الحكم بل لكونه خارجا نجسا وذلك يتحقق مع الاخراج كما يتحقق مع عدمه فصار كالفصد كيف وجميع الادلة المورودة من السنة والقياس يفيد تعلق النقض بالخارج النجس وهو ثابت في المخرج انتهى * وضعفه في العناية بان الاخراج ليس منصوص عليه وإن كان يستلزمه فكان ثبوته غير قصدي ولا معتبر به انتهى كذا في البحر * قال الشيخ خير الدين الرملي في حاشيته عليه أقول لا يذهب عليك أن تضعيف العناية لا يصادم قول شمس الأئمة وهو الاصح وقال الاتقانى وهذا هو المختار عندى لأن الاحتياط فيه وإن كان الرفق بالناس في الأول انتهى * وجزم في التتارخانية والخلاصة بالنقض ومشى عليه في متن التنوير وقال شارحه الشيخ علاء الدين أنه المختار كما في البزازية واعتمده القهستاني وفي القنية وجامع الفتاوى أنه الاشبه ومعناه أنه الاشبه بالنصوص رواية والراجح دراية فيكون الفتوى عليه "انتهى [الفائدة الخامسة] أن الصحيح أن الماء والقيح والصديد بمنزلة الدم خلافا للحسن بن زياد في الماء* قال في فتح القدير ثم الجرح والنفطة وماء السرة والثدى والاذن إذا كان لعلة سواء على الاصح * وعلى هذا قالوا من رمدت عينه وسال منها الماء وجب عليه الوضوء فإن استمر فلوقت كل صلاة* وفي التجنيس الغرب في العين إذا سال منه ماء نقض لانه كالجرح وليس بدمع ولو خرج من سرته ماء اصفر وسال نقض لانه دم قد نضج فاصفر وصار رقيقا والغرب بالتحريك ورم في المآقي انتهى * وقال في البحر وعن الحسن ان ماء النفطة لا ينقض قال الحلوانى وفيه توسعة لمن به جرب أو جدرى كذا في المعراج، وفي التبيين والقيح الخارج من الاذن أو الصديد أن كان بدون الوجع لا ينقض ومع الوجع بنقض لانه دليل الجرح روى ذلك عن الحلوانى انتهى * وفيه نظر بل الظاهر إذا كان الخارج قيحا أو صديدا ينقض سواء كان مع وجع أو بدونه لانهما لا يخرجان إلا عن علة * نعم هذا التفصيل حسن فيما إذا كان الخارج ماء ليس غير انتهى ما في البحر. قال في النهر واقول لم لا يجوز أن يكون القيح الخارج من الاذن

ص: 58

من جرح برئ وعلامته عدم التألم فالحصر ممنوع وقد جزم الحدادى بما في التبيين انتهى قلت على انك قد علمت أن الماء حكمه حكم الدم على الصحيح فلا فرق بينه وبين القيح والصديد والله تعالى أعلم [الفائدة السادسة] أن السيلان لا يشترط وجوده بالفعل للنقض قال في التتارخانية وإذا سمح الرجل الدم عن رأس الجراحة ثم خرج ثانيا فمسحه ينظر ان كان ما يخرج بحال لو تركه سال اعاد لوضوء وإن كان بحيث لو تركه لا يسيل لا ينتقض لوضوء ولا فرق بين أن يمسحه بخرقة أو اصبع وكذا إذا وضع عليه قطنة أو شيئًا آخر حتى نشف ثم وضعه ثانيا وثالثا فإنه يجمع جميع ما نشف فلو كان بحيث لو تركه سال جعل حدثا وإنما يعرف هذا بالاجتهاد وغالب الظن * وفي الينابيع وهذا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وكذلك أن القى عليه التراب ثم ظهر ثانيا فتربه ثم ثالثا أو القى عليه دقيقا أو نخالة فهو كذلك يجمع قالوا وإنما يجمع إذا كان في مجلس واحد مرة بعد أخرى اما إذا كان في مجالس مختلفة لا يجمع وكذلك أن وضع عليه دواء حتى نشف جميع ما يخرج فلم يسل عن رأس الجرح فإن كان ما نشف بحيث يسيل بنفسه يجعل حدثا ومالا فلا انتهى (وذكر) مسئلة الجمع في المجلس دون المجالس في الذخيرة أيضًا ونقلها صاحب البحر وقال الإمام الكاشاني في كتابه البدائع شرح التحفة ولو القى عليه الرماد أو التراب فتشرب فيه أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ونفذ قالوا يكون حدثا لانه سائل وكذا لو كان الرباط ذا ظاقين فنفذ إلى أحدهما لما قلنا انتهى وقال في فتح القدير ولو ربط الجرح فنفذت البلة إلى طاق لا إلى الخارج نقض ويجب أن يكون معناه إذا كان بحيث لولا الربط لسال لأن القميص لو تردد على الجرح فابتل لا ينجس ما لم يكن كذلك لانه ليس بحدث [الفائدة السابعة] أن ما ليس فيه قوة السيلان غير نجس ولذا قال في الكنز وغيره وما ليس بحدث ليس بنجس وفيه خلاف محمد كما مر قال في الخلاصة ثم الدم الذى ظهر على رأس الجرج ولم يسل عن محمد أنه نجس وعن أبي يوسف أن ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا وفائدة الخلاف تظهر في موضعين (أحدهما) إذا اخذ ذلك الدم بقطنة والقاها في الماء القليل على قول أبي يوسف لا يتنجس وعلى قول محمد يتنجس (الثاني) إذا أصاب ثوبه أو بدنه من ذلك الدم أكثر من قدر الدرهم هل يمنع جواز الصلاة على هذا الخلاف انتهى * ونقل في البحر والنهر عن الحدادى أن الفتوى على قول أبي يوسف فيما إذا أصاب الجامدات كالثياب والابدان فلا ينجسها وعلى قول محمد فيما إذا أصاب المائعات كالماء وغيره انتهى قال الشرنبلالي في رسالته لكن هذه التفرقة غير ظاهرة لأن الصحيح أن مالا يكون حدثا لا يكون نجسا فلا فرق بين اصابته مائعا أو جامدا

ص: 59

انتهى (قلت) وبعدم الفرق جزم في فتح القدير وعبارته قوله وهو الصحيح احتراز عن قول محمد أنه نجس وكان الاسكاف والهندواني يفتيان بقوله وجماعة اعتبروا قول أبي يوسف رفقا باصحاب القروح حتى لو أصاب ثوب أحدهم أكثر من قدر الدرهم لا يمنع الصلاة فيه مع أن الوجه يساعده لانه ثبت أن الخارج بوصف النجاسة حدث وإن هذا الوصف قبل الخروج لا يثبت شرعا والا لم يحصل لانسان طهارة فلزم أن ما ليس حدثا لم يعتبر خارجا شرعا وما لم يعتبر خارجا لم يعتبر نجسا فلو اخذ من الدم البادى في محله بقطنة والقى في الماء لم يتنجس انتهى

[الفائدة الثامنة] شمل إطلاق أن ما ليس فيه قوة السيلان غير نجس ما لو كان ذلك بصنعه كغرز ابرة ونحوها أو بدونه فلا ينقض الوضوء مطلقا قال في الذخيرة ولو غرز رجل ابرة في يده وخرج منه الدم وظهر أكثر من رأس الابرة لم ينتقض وضوءه قال الفقيه أبو جعفر كان محمد بن عبد الله رحمه الله تعالى يميل في هذا إلى أنه ينتقض وضوءه ورآه سائلا وفى فتاوى النسفى هكذا * وفي فتاوى خوارزم الدم إذا لم ينحدر عن رأس الجرح ولكن علا فصار أكثر من رأس الجرح لا ينقض وضوءه والفتوى في جنس هذه المسائل على أنه لا ينتقض وضوءه انتهى ومثله في التتارخانية * والخلاف مبنى على قول محمد من عدم اشتراط الانحدار عن رأس الجرح وتقدم الكلام عليه في الفائدة الثانية وقال في فتح القدير وفى المخيط مص القراد فامتلأ أن كان صغيرا لا ينقض كما لو مص الذباب وإن كان كبيرا نقض كمص العلقة انتهى قال في البحر وعللوه بان الدم في الكبير يكون سائلا قالوا ولا ينقض ما ظهر من موضعه ولم يرتق كالنفطة إذا قشرت ولا ما ارتقى من موضعه ولم يسل كالدم المرتقى من مغرز الإبرة والحاصل في الخلال من الاسنان وفى الخبز من العض وفى الاصبع من ادخاله في الانف انتهى

[الفائدة التاسعة] أن من قدر على منع الناقض بربط أو حشوا ونحوهما لا يكون معذورا فلا تصح صلاته حال سيلانه بخلاف من لم يقدر على ذلك قال في التتارخانية صاحب الجرح السائل إذا منع الدم عن الخروج يخرج من أن يكون صاحب جرح سائل والمستحاضة إذا منعت الدم عن الخروج ذكر هذه المسئلة في الفتاوى الصغرى انها تخرج من أن تكون مستحاضة حتى لا يلزمها الوضوء في وقت كل صلاة وذكر في موضع آخر انها لا تخرج من أن تكون مستحاضة انتهى * وقال في البحر واختلفوا في المستحاضة قيل كصاحب العذر وقيل كالحائض كذا في السراج انتهى (قلت) واقتصر في البزازية على القول الأول وفى البحر أيضًا ويجب أن يصلى جالسا بإيماء أن سال بالميلان لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث انتهى وإذا احطت خبرا بما تلى

ص: 60

عليك * وصار ما ذكرناه معلوما لديك * فقد آن لنا أن نتكلم على المقصود * مستمدين بالعون من الملك المعبود * فنقول إن هذا الكي الذي توضع فيه الحمصة ويوضع فوقها ورقة ويشد عليهما بخرقة تارة يكون الخارج منه رشحا تتشربه الحمصة والورقة وربما وصل إلى الخرقة ولكن ليس فيه قوة السيلان بنفسه لو ترك وإنما هو مجرد رطوبة ونداوة تجذبها الحمصة والورقة كما تجذبه لو وضعت على أرض ندية وتارة يكون الخارج منها سائلا بنفسه إذا قويت المادة لعارض في البدن وكل ذلك يعرف بالظن والاجتهاد كما مر (ففى الصورة الأولى) إذا كان صاحب تلك الجراحة متوضئا ووضع تلك الحمصة في وسطها والورقة فوقها وشد عليهما بخرقة وتشربت تلك الحمصة من ذلك الخارج الذي ليس فيه قوة السيلان بنفسه ووصلت الرطوبة والرشح إلى الورقة والخرقة والى القميص والثوب وبقيت يوما فأكثر لا ينتقض وضوءه ولا يتنجس ثوبه وتصح صلاته مع ذلك المصاب من ذلك الخارج ولا يكلف إلى تغيير الورقة والرباط ونحوه وإن فحش ما اصابه وزاد على قدر الدرهم كما نقلناه سابقا وإن أصاب ذلك الخارج أو المصاب عرق أو ماء الوضوء أو نحوه فهو طاهر أيضًا على ما مر تصحيحه تصح الصلاة معه ولا يكلف إلى غسله لما علمت من أن الخارج الذي ليس فيه قوة السيلان بنفسه طاهر غير ناقض وإن اصابه مائع إلا على قول محمد لكن الاحوط غسله إذا اصابه من ماء الوضوء ونحوه لما علمت من قول الحدادى أن الفتوى على قوله في المائعات دون الجامدات لأن الاحتياط في الدين مطلوب ومراعاة الخلاف أمر محبوب سواء كان قولا ضعيفا في المذهب او كان مذهب الغير كيف وقد صحح وكان الإمام أبو بكر الاسكاف والامام الهندواني يفتيان به فهو مختارهما وهما امامان جليلان من كبار مشايخ المذهب وناهيك بفضلهما هذا ولا يضر كون ذلك المخرج بعلاجه وقصده لاستخراجه كما مر في غرز الابرة (وفى الصورة الثانية) أعني ما إذا كان الخارج على الحمصة والورقة سائلا بنفسه ينتقض وضوءه وهو نجس لا تصح الصلاة معه ولا يضير صاحبه صاحب عذر لقدرته على منعه بعدم وضعه الحمصة وقد مر أن من قدر على منع حدثه لم يكن صاحب عذر نعم أن قويت المادة بنفسها ولم يقدر على منعها وإن رفع الحمصة واستوعبت وقتا كاملا فهو معذور تجرى عليه احكام المعذورين المبينة في كتب الفروع وهذا الذى قررناه هو الذي جرى عليه العلامة الشرنبلالي في رسالته * فلا بأس بنقل حاصل عبارته وإن كان معلوما مما ذكرناه لأن مبنى كلامنا هنا على التوضيح تقريبا على الافهام وتحصيلا لغاية المرام * فنقول قال فيها بعد نقله لبعض عبارات الفقهاء فبهذا علمت أن ماء الحمصة

ص: 61

الذي لا يسيل بقوة نفسه طاهر لا ينقض الوضوء ولا ينجس الثوب ولا الخرقة الموضوعة عليه ولا الماء إذا اصابه فإذا دخل صاحبه الحمام أو النهر أو الحوض فدخل الماء الجرح فعصر الجرح وخرج منه الماء وسال لا ينقض الوضوء لما علمت أن ما ليس بحدث لا يكون نجسا فلا ينجس الماء الذي وصل إلى الجرح الذي ليس فيه دم سائل ولا قيح سائل ولو كان الخارج من الحمصة له قوة السيلان بنفسه يكون ذلك السائل الخارج نجسا ناقضا للوضوء ويلزم غسل ما اصابه من الثوب ولا تجوز لصاحبه الصلاة حال سيلانه فإنه ناقض للوضوء نجس ولا يصير به صاحب عذر لأن صاحب العذر هو الذى لا يقدر على رد عذره ولو بالربط والحشو الذي يمنع خروج النجس وصاحب الحمصة التي يسيل الخارج منها بوضعها إذا ترك الوضع لا يبقى بالمحل شيء يسيل فلا يتصور له طهارة ولا صحة صلاة مع سيلانها لنقض وضوئه بالخارج الذى يقدر على منعه من الخروج بترك الوضع فلا يبقى له مخلص مع الوضع والسيلان لبقاء وضوئه وصحة صلاته إلا بالتقليد وهو أن يعتقد قول الإمام الشافعى أو الإمام مالك رحمهما الله تعالى في بقاء الطهارة وعدم نقض الخارج من غير السبيلين للطهارة ولكن عليه أن يراعى شروط من قلده إلى آخر ما قال فيها وهذا هو التقرير في المسئلة المقبول * الموافق لما اسفلناه من النقول * عن أئمتنا الفحول * ولكن جزمه بأنه لا يصير صاحب عذر مبنى على أن السيلان بسبب وضع الحمصة اما لو كان من ذاته يسيل الخارج من ذلك الجرح وإن لم يضع الحمصة ولا يقدر على منعه بربط ولا حشو فهو معذور تصح صلاته معه أن استغرق وقتا كاملا ولم يأت عليه بعده وقت كامل لم ير فيه ذلك العذر وصار كالمستحاضة والمبطون وذى الرعاف الدائم والجرح الذى لا يرقأ فيتوضأ لوقت كل صلاة وينقض وضوءه بخروج الوقت على ما هو المعتمد ويصلى بوضوئه ذلك ما شاء من الفرائض والنوافل عندنا ما دام الوقت باقيا قال في الخلاصة وينبغى لمن رعف أو سال من جرحه دم أن ينتظر آخر الوقت ان لم ينقطع الدم توضأ وصلى قبل خروج الوقت ويعصب الجرح ويربطه ولو ترك التعصيب لا بأس به فإن سال الدم بعد الوضوء حتى نفذ الرباط لا يمنعه من اداء الصلاة فإن أصاب ثوبه من ذلك الدم فعليه أن يغسله أن كان مفيدا اما إذا لم يكن مفيدا بان كان يصيبه مرة أخرى ثانيا وثالثا حينئذ لا يفترض عليه غسله وقال محمد بن مقاتل يفترض غسل ثوبه في وقت كل صلاة مرة والفتوى على الأول وإن سال الدم من موضع آخر اعاد الوضوء

ص: 62

انتهى ومثله في غير ما كتاب والله تعالى أعلم (وبقيت) فائدة لا بد من التنبيه عليها لكثرة وقوعها وهى أن الخارج قد يكون قليلا لكنه لو ترك ساعة مثلا يتقوى باجتماعه ويسيل عن محله فينظر إلى ما تشربته الخرقة أن كان ما تشربته في مجلس واحد بحيث لو ترك واجتمع لسال عن محله نقض والا فلا ولا يضم ما في مجلس إلى ما في مجلس آخر كما علم مما قدمناه في الفائدة السادسة عن التتارخانية وغيرها وكأنهم قاسوه على القئ لكن لما كان السبب هنا واحدا وهو الجراحة اقتصروا على اعتبار المجلس توسعة على أصحاب القروح فلو كان مما يسيل في المجلس فلا بد إذا أراد الصلاة أن يشد فوقه نحو جلدة مما يمنع النش ثم يربطها ربطا محكما حتى لا يخرج من اطرافها ثم يتوضأ ويصلى بعد غسل المحل الذي اصابه من ذلك الخارج السائل (هذا) وقد رأيت في مختارات النوازل لصاحب الهداية في فصل النجاسة ما نصه والدم إذا خرج من القروح قليلا قليلا غير سائل فذاك ليس بمانع وإن كثر وقيل لو كان بحال لو تركه لسال يمنع ا هـ ثم ذكر المسئلة أيضًا في فصل نواقض الوضوء كذلك (أقول) وظاهره أنه اختار القول الأول وهو وإن كان خلاف المشهور في كتب المذهب وإنما المشهور ما حكاه بعده بقيل لكن صاحب الهداية من اجل أصحاب الترجيح فيجوز للمبتلى تقليده لأن فيما ذكرناه مشقة عظيمة فجزاه الله تعالى خير الجزاء حيث اختار التوسيع والتسهيل الذى بنيت عليه هذه الشريعة الغراء السهلة السمحة (وحاصل) ما اختاره أنه لا ينظر إلى سيلانه مع اجتماعه وتكاثره وإنما ينظر إلى سيلانه عند خروجه فإن كان الخارج كثيرا يسيل بدون مهلة منع وإن كان يخرج شيئًا فشيئا ثم يتكاثر فيسيل لا يمنع (تنبيه) قد علمت مما قررناه حكم المسئلة الموافق لمنقول المذهب * الذى يعتمد عليه واليه يذهب * وقد وقع لسيدى العارف الكبير * والامام الشهير * الشيخ عبد الغني النابلسي قدس الله تعالى روحه واعاد علينا وعلى المسلمين من بركاته في رسالته المسماة المقاصد الممحصه في بيان كي الحمصه ما قد يخالف ما قررناه حيث قال ما حاصله بعد نقله حد السيلان وما فيه من الخلاف فالمفهوم من هذه العبارات أن الدم والقيح والصديد إذا علا على الجرح ولم يسل عنه إلى موضع صحيح من البدن لا ينقض الوضوء سواء كان الجرح كبيرا أو صغيرا وهذه الحمصة الموضوعة في موضع الكي من البدن وإن تعدد وضعها في مواضع مكوية منه لا ينقض الوضوء ما حل فيها من القيح والدم ونحو ذلك ما دامت موضوعة في محل الكي لكونها لم تنفصل عن موضع الكي بل هي فيه فما فيها من المادة لم يسل

ص: 63

عن موضعه فهو غير ناقض واما ما أصاب الورقة والخرقة فوق تلك الحمصة فهو غير سائل من موضعه ولا منفصل لأن الخرقة لاصقة فوقه مانعة له عن السيلان والمانع من السيلان سواء كان ربطا أو حشوا متى امكن اخرج المعذور عن كونه معذورًا كما قالوا فلولا أنه مانع من نقض الوضوء ما اخرج المعذور عن عذره حتى اوجبوا ذلك الفعل عليه فإذا وضع الخمصة في موضع الكي ثم وضع الورقة فوقها ثم الخرقة وعصبها بالعصابة فقد منع الدم والقيح أن يخرج إلى موضع يلحقه حكم التطهير فلا ينتقض وضوءه بعد ذلك ما دامت الحمصة والورقة في موضع الكي وهى معصبة بالعصابة وإن امتلأت تلك الحمصة دما وقيحها وامتلأت الورقة ما لم يسل من حول تلك العصابة أو ينفذ منها دم أو قيح سائل واما ظهور ذلك الدم وذلك القيح على الخرقة من غير أن يسيل منها فهو نظير ظهور ذلك من الجرح نفسه فإنه غير ناقض كما تقدم بيانه ويؤيد هذا ما في خزانة الروايات في الجراحة البسيطة إذا خرج الدم من جانب وتجاوز إلى جانب آخر لكن لم يصل إلى موضع صحيح فإنه لا ينقض الوضوء لانه لم يصل إلى موضع يلحقه حكم التطهير انتهى وفى مسئلتنا لو حل العصابة واخرج الورقة والخرقة ووجد فيهما دما أو قيحا لولا الربط لسال في غالب ظنه انتقض وضوءه في وقت الحل لا قبل ذلك وحكم بنجاسة تلك الورقة والخرقة حينئذ لمفارقتها موضع الجراحة وقد انفصلت النجاسة عن موضعها فحكم بها وقبل ذلك وهى مربوطة لم تنفصل النجاسة عن موضعها فلا حكم لها واما قول الفقهاء وإن علا الدم ونحوه على رأس الجرح فازيل بقطنة أو اهالة تراب عليه ونحو ذلك لوكان بحال إذا ترك سال بنفسه نقض الوضوء والا فلا ينقض فانت خبير بأنه انفصل عن الجرح في مسئلة ما إذا ازيل بقطنة وسال عنه فيما إذا اهيل عليه التراب ولهذا اختلط بالتراب فلأجل ذلك ينقض واما في مسئلة ما لو ربطت الجراحة ومنع الدم والقيح عن السيلان لم يوجد السيلان وإنما وجد مجرد الظهور وهو غير ناقض من غير السبيلين كما هو معلوم هذا خلاصة ما ذكره الأستاذ قدس سره وحاصله أنه اعطى العصابة الموضوعة على الجرح حكم الجرح في أن ما انتقل إليها كأنه فيه حكما لكونها ملاقية له فلم يكن ذلك المنتقل إليها منفصلا عن الجرح حكما فإذا خرج الدم ونحوه من ذلك الجرح واصاب العصابة أو الورقة الموضوعة عليه لم ينتقض الوضوء سواء كان ذلك الخارج فيه قوة السيلان اولا ولا يحكم بنجاسته ما دامت العصابة عليه لأخذها حكمه فذلك الدم إذا انتقل إلى تلك العصابة فهو نظير انتقاله في الجراحة

ص: 64

البسيطة من موضع إلى موضع آخر منها لأن سيلانه في وسط الجراحة غير ضار لانه لا يلحقه حكم التطهير كسيلانه في وسط الدين فكذلك العصابة وفيه بحث من وجوه (الأول) منع اعطاء العصابة الموضوعة على الجرح حكم الجرح لما مر عن البدائع من قوله ولو القى الرماد أو التراب فتشرب فيه أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ونفذ قالوا يكون حدثا لانه سائل وكذا لو كان الرباط ذا طافين فنفذ إلى أحدهما لما قلنا انتهى فهذا نص صريح في عدم اعطاء تلك العصابة حكم الجراحة بل انتقال ذلك الخارج إليها إذا نفذ إلى طلق منها سيلان ناقض للطهارة وقد مر ايضا عن فتح القدير تقييده بما إذا كان لولا الرباط لسال احترازا عما إذا كان ذلك المنتقل إلى الرباط ليس فيه قوة السيلان فإنه لا ينقض كما مر أيضًا فقد ظهر لك عدم تأييد ما في خزانة الروايات لما قاله فإنه مصور فيها ذا سال في وسط الجراحة نفسها والفرق ظاهر بينها وبين رباطها كما سمعت التصريح به (الوجه الثاني) تصريحه بان علة النقض إنما هي السيلان في صورة ما إذا اهيل التراب على الدم الخارج على رأس الجرح إذا كان بحال لو ترك سال بنفسه فليت شعرى ما الفرق بين التراب وبين العصابة الموضوعة على الجرح مع أن كلا منهما ملازم للجرح لم يفارقه فلم لم يعط التراب أيضًا حكم الجرح فلا يكون ما تشربه ناقضا كما أعطيت العصابة حكمه ولم كان ما تشربه التراب سائلا دون ما تشربته العصابة ولم كانت العصابة مانعة لذلك الخارج عن حد السيلان دون التراب (الوجه الثالث) لو سلمنا اخذ العصابة حكم الجراحة فلا نسلم أنه لا نقض إلا إذا سال من اطرافها لانه إنما يأخذ حكم اجراحة ما عليها فقط لأنَّه جعله نظير ظهور ذلك من الجرح نفسه فلا يكون حينئذ قد سال إلى ما يلحقه حكم التطهير وانت خبير بان جراحة الكى التي هي محل وضع الخمصة تكون في العادة كمقدار الظفر فتجاوز الخارج منها إلى ما وراءها سيلان إلى ما يلحقه حكم التطهير فإذا تشربت العصابة ذلك الخارج فما كان ملاقيا لتلك الجراحة يمكن ادعاء عدم سيلانه بخلاف ما لاقى الموضع الصحيح مما وراءها فإنه سيلان إلى ما يلحقه حكم التطهير بلا ريب فيكون ناقضا وإن لم يسل من اطرافها ويحكم بنجاسته وإن لم تنزع تلك العصابة عن محلها إذا زاد على قدر الدرهم ولا تجوز الصلاة معه حتى يزيله * واظن أن الذي حمل الأستاذ على ما قال عدم الاطلاع على ما نقلناه عن البدائع والفتح اذ لو رأى ذلك لم يسعه العدول عنه فإن ذلك مما لا يخفى على قدره السامي * وفضله الطامي * والعذر له ما قاله في آخر رسالته وقد صنفتها بالعجل في مقدار ساعة فلسية * بمعونة رب البرية * ولولا ما اخذ من العهود من الامر بالبيان * والنهي عن الكتمان * لكان الأولى لمثلى حفظ اللسان * وكبح العنان * عن الخوض في مثل هذا الميدان * مع مثل هذا السابق بين الفرسان * في مضمار الفضل والعرفان *

ص: 65

امدنا الله تعالى بإمداداته العظيمة الشأن * ونفعنا ببركاته الواضحة البرهان (ثم) بعد مدة من تحرير هذه الرسالة رأيت لحضرة الأستاذ سيدى عبد الغنى رسالة أخرى بخطه الشريف سماها الابحاث المخلصه في حكم كي الحمصه * وقال فيها أن الخرقة الموضوعة فوق الكى إذا تلطخت بالمادة ولم تنفذ إلى الخارج فهي طاهرة مادامت على الكي فإذا انفصلت فالذي فيها نجس والوضوء منتقض ح اخذا مما في الخلاصة رجل حشا احليله لكيلا يخرج منه شيء أو حشاد بره عن أبي يوسف لا وضوء عليه حتى يظهر وإن كان بحال لولا القطنة يخرج منه البول بعد ذلك إذا ابتل ما ظهر فهو حدث وإذا ابتل الداخل فلا وإذا خرجت القطنة فوجد عليها شيأ فهو حدث يتوضأ ولا يعيد ما صلى * ثم نقل عن السراج ما قدمناه عن البدائع * ثم قال واما الماء الأبيض الذي حول موضع الكي مما تجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير فحكمه حكم مسئلة النقطة * ثم ذكر حكمها والخلاف فيها كما قدمناه في المسئلة الخامسة * وقال ينبغي أن يحكم برواية عدم النقض هنا وإن ما يخرج من ذلك الكي فيتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير إذا كان ماء صافيا فهو غير ناقض ولا نجس كما قال شمس الأئمة الحلواني ان في هذا القول توسيعا لمن به جرب أو جدري فسال منه ماء ابيض * ثم بين أنه هل يصير به معذورا أم لا وختم به الرسالة (واقول) قد علمت ما في قوله فهي طاهرة ما دامت على الكي الخ وما ذكره من عبارة الخلاصة لا يشهد له لأن داخل الاحليل له حكم باطن البدن فمهما أصاب القطنة في داخله لا يضر ما لم يبتل الخارج أو تخرج القطنة وعليها شيء بخلاف خرقة الكي فإنها في ظاهر البدن فمتى أصابها ما فيه قوة السيلان كان نجسا ناقضا ونفوذ البلة إلى طاق آخر مما له طاقان دليل على السيلان كما قدمناه عن البدائع ونقله هو في هذه الرسالة الثانية عن السراج وأما ما ذكره من أنه إذا كان الخارج ماء فينبغي أن يحكم برواية عدم النقض فهو غير بعيد في موضع الضرورة وإن كان الصحيح النقض لجواز العمل بالقول الضعيف في موضع الضرورة كما اوضحناه في غير هذه الرسالة ولا سيما إذا كان ذلك الخارج بدون الم كما قدمناه عن البحر في الفائدة الخامسة والله تعالى أعلم (لكن) هذا إذا كان الخارج ماء صافيا كالخارج من نفطة النار اما إذا كان الخارج قيحا أو دما أو مختلطا كما هو العادة فليس منه مخلص إلا بما قدمناه من غسل المحل ثم ربطه بنحو جلدة لا تنش أو تقليد ما اختاره صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل من عدم النقض بما يخرج قليلا شيئا فشيئا وإن كثر فإن فيه فسحة عظيمة، وفى هذا القدر كفاية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم والحمد لله اولا وآخرا ظاهرا وباطنا وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين * وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الوريقات في سلخ جمادى الأولى سنة ألف ومأتين وسبع وعشرين على يد جامعها العبد الفقير * المعترف بالعجز والتقصير * محمد امين بن عمر الشهير بابن عابدين * غفر الله تعالى له ولوالديه. ولمشايخه ولمن له حق عليه * آمين والحمد لله رب العالمين

ص: 66