المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سلسلة الأجزاء والكتب الحديثية (17)   الْفَوَائِد وَالأَخْبَار وَالْحِكَايَات عَنِ الشَّافِعِيِّ وَحَاتِمِ الأَصَمِّ - الفوائد والأخبار لابن حمكان

[ابن حمكان]

فهرس الكتاب

سلسلة الأجزاء والكتب الحديثية (17)

الْفَوَائِد وَالأَخْبَار وَالْحِكَايَات

عَنِ الشَّافِعِيِّ وَحَاتِمِ الأَصَمِّ ومعروف الكرخي وغيرهم

للمحدث الفقيه أَبِي عَلِيِّ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَمْكَانَ الهمذاني الشافعي

(المتوفى سنة 405 هـ)

دراسة وتحقيق وتعليق

الدكتور عامر حسن صبري

دار البشائر الإسلامية

الطبعة الأولى

1422 هـ - 2001 م

ص: -1

الْجُزْءُ الأَوَّلُ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالأَخْبَارِ وَالْحِكَايَاتِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَحَاتِمِ الأَصَمِّ وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم

رِوَايَةُ: أَبِي عَلِيِّ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَمْكَانَ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ

رواية: الشيخ أبي بكر محمد علي المقرئ المعروف بابن الخياط عَنْهُ

رِوَايَةُ: أَبِي مُحَمَّدِ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بن محمد بن الطراح المدير عَنْهُ

رِوَايَةُ: الشَّيْخِ الإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ عَنْهُ

رِوَايَةُ: الشَّيْخِ الإِمَامِ الْعَالِمِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بن عبد الواحد عنه

سماع: محمد بن عبد المنعم بن غازي بن عمر المقدسي منه

ص: 121

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلا حَوْلَ وَلا قوة إلا بالله العلي العظيم

أخبرنا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْعَالِمُ الْحَافِظُ الثِّقَةُ فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ شَمْسِ الدِّينِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيِّ، قَالَ: أخبرنا الشَّيْخُ الإِمَامُ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَبَرْزَدَ، أخبرنا يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّرَّاحِ، قال: أخبرنا الشيخ الجليل أبو بكر محمد ابن علي بن محمد المقرئ المعروف بابن الخياط أيده الله، قال: حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَمْكَانَ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، قَالَ:

1-

سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي زَكَرِيَّا الْفَقِيهُ بِهَمَذَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ الْفَقِيهَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ:

كَانَ لِلشَّافِعِيِّ فِي رَمَضَانَ سِتُّونَ خَتْمَةً، لا يَحْسِبُ مِنْهَا مَا يَقْرَأُ في الصلاة.

ص: 123

2-

وَبِإِسْنَادِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

لَسْتُ أَسْتَوْحِشُ مِنَ الإِفْلاسِ، لَقَدْ أَفْلَسْتُ ثَلاثَ مراتٍ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي آكُلُ السَّمَكَ بِالتَّمْرِ، لا أَجِدُ غَيْرَهُمَا.

ص: 124

3-

حدثنا ابن أبي زكريا قال: حدثنا ابْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: قَالَ الْحُمَيْدِيِّ.

قَدِمَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً مِنَ الْيَمَنِ، وَمَعَهُ عِشْرُونَ أَلْفَ دينارٍ، فَضَرَبَ خَيْمَةً خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ، فَمَا قَامَ حَتَّى فَرَّقَهَا كلها.

ص: 124

4-

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حرجة بِنَهَاوَنْدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغِلابِيُّ قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:

عُنْوَانُ صَحِيفَةِ الْمُؤْمِنِ، حُسْنُ ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ.

ص: 124

5-

حدثنا ابن حرجة قال: حدثنا أبو بكر محمد بن حسن البلغي قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ قَالَ:

كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ كعبٍ القرظي، فأتاه رجلٌ فقال: يا أبا عَبْدَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي التَّوْبَةِ؟ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَهَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لا أَعْصِيهِ أَبَدًا، قَالَ: فَقَالَ له محمد: فمن حينئذٍ أعظم جرماً منك، تألا عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُنَفِّذَ فِيكَ أَمْرَهُ.

ص: 125

6-

حدثنا عبدان بن يزيد الدقاق قال: حدثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل قال: حدثنا حيوة قال: حدثنا بقية قال: حدثني عمر بْنُ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ العوام قال:

ترك الزبير عليهم مِنَ الدَّيْنِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ لَهُ رجلٌ: تَرَكَ أَبُوكَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ دَيْنًا، وَكَانَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْفَضْلِ، فَقَالَ: إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ كُلَّهَا دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ مواعيدٌ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ مَوَاعِيدَهُ، كَمَا كتب دينه.

ص: 125

7-

قال: حدثني أبو أحمد الحسن العسكري قال: حدثنا ابْنُ الأَنْبَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ الْبَرْمَكِيُّ، لِوَلَدِهِ:

كَانُوا يَكْتُبُونَ أَحْسَنَ مَا يَسْمَعُونَ.

وَيَحْفَظُونَ أَحْسَنَ مَا يَكْتُبُونَ.

وَيَتَحَدَّثُونَ بِأَحْسَنِ مَا يحفظون.

ص: 126

8-

حدثنا علي قال: حدثنا أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَرَفَةَ يَحْكِي عَنْ ثَعْلَبٍ، عَنِ

⦗ص: 127⦘

ابْنِ الأَعْرَابِيِّ قَالَ: كَانَ يَقُولُ:

ثَمَرَةُ الْعِلْمُ حِفْظُهُ.

وَكَانَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ يَقُولُ:

اجْعَلْ مَا فِي كتابك رأس مالك، وما في صدرك النفقة.

ص: 126

9-

دُعَاءٌ لأَبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن النَّقَّاشُ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ بهراة قال: حدثنا أبو بكر ابن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا احْتَضَرَ أَبُو بكرٍ الصِّدِّيقُ حَضَرَهُ جماعةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إن رأيت أن تزودها شَيْئًا يَنْفَعُنَا، إِنَّا لَنَرَاكَ وَجِعًا، فَقَالَ لَهُمْ:

افْهَمُوا عَنِّي كلماتٍ، مَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ، جَعَلَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي الأُفُقِ الْمُبِينِ، قَالُوا: وَمَا الأُفُقُ الْمُبِينُ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: قاعٌ تَحْتَ الْعَرْشِ فِيهِ رياضٌ، وأشجارٌ، وأنهارٌ، وأطيارٌ، تغشاه في كُلَّ يومٍ أَلْفُ رحمةٍ، وَأَلْفُ مغفرةٍ، فَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ جَعَلَ اللَّهُ رُوحَهُ في ذلك المكان وحباه وَأَزْلَفَهُ، وَأَقَرَّ عَيْنَهُ.

⦗ص: 128⦘

اللَّهُمَّ إِنَّكَ بَدَأْتَ الْخَلْقَ مِنْ غَيْرِ حاجةٍ بِكَ إِلَيْهِمْ، بَلْ مَنًّا مِنْكَ عَلَيْهِمْ، فَجَعَلْتَهُمْ فَرِيقَيْنِ: فَرِيقًا لِلنَّعِيمِ، وَفَرِيقًا للجحيم.

اللهم فَاجْعَلْنِي مِنْ خَيْرِ الْفَرِيقَيْنِ، مِنْ فَرِيقِ النَّعِيمِ، وَلا تَجْعَلْنِي مِنْ فَرِيقِ الْجَحِيمِ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ جَعَلْتَ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ فِرَقًا، وَمَيَّزْتَهُمْ طُرُقًا، فَجَعَلْتَ مُنْهُمْ شَقِيًّا وَمِنْهُمْ سَعِيدًا، وَغَوِيًّا وَرَشِيدًا، فَأَسْعِدْنِي بِطَاعَتِكَ، ولا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَلِمْتَ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نفسٍ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَهَا، فَلا مَحِيصَ لَهَا مِمَّا عَلِمْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَا عَلِمْتَهُ مِنِّي.

اللَّهُمَّ إِنْ أَحَدًا لا يَشَاءُ حَتَّى تَشَاءَ، فَاجْعَلْ مَشِيئَتَكَ لِي أَنْ أَشَاءَ مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدَّرْتَ حَرَكَاتِ الْعِبَادِ، فَلا يَتَحَرَّكُ شيءٌ إِلا بِإِذْنِكَ، فَاجْعَلْ حَرَكَاتِي كُلَّهَا فِي تَقْوَاكَ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا أَهْلا وَعَامِلا يَعْمَلُ بِهِ، فَاجْعَلْنِي فِي خَيْرِ الْقِسْمَيْنِ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وجَعَلْتَ لِكُلِّ واحدةٍ مِنْهُمَا أَهْلا وَسُكَّانًا، فَاجْعَلْنِي مِنْ سُكَّانِ جَنَّتِكَ بِرَحْمَتِكَ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَرَدْتَ بقومٍ الْهُدَى وَشَرَحْتَ صُدُورَهُمْ، وَأَرَدْتَ لقومٍ الضَّلالَةَ، وَضَيَّقْتَ صُدُورَهُمْ، فَاشْرَحْ لِي صَدْرِي بِالإِيمَانِ،

⦗ص: 129⦘

وَزَيِّنْهُ فِي قَلْبِي، وَكَرِّهْ إِلَيَّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الرَّاشِدِينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَبَّرْتَ الأُمُورَ وَجَعَلْتَ مَصِيرَهَا إِلَيْكَ، فَأَحْيِنِي بَعْدَ الْمَوْتِ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَقَرِّبْنِي مِنْكَ زُلْفَى.

اللَّهُمَّ مَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى ثقته ورجاءه غَيْرُكَ، فَإِنَّكَ أَنْتَ ثِقَتِي وَرَجَائِي، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَحَفِظْتُ ذَلِكَ، فَأَنَا أَقُولُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، وَلَمْ يَزَلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَسْتَعِيدُنِي حَتَّى حَفِظَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا كُلُّهُ موجودٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل، وصدق أبو بكر.

ص: 127

10-

حدثنا أبو بكر محمد بن [أحمد بن إبراهيم بن يونس] ختن الليث الرازي بِالرَّيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ دِمَشْقَ عَلَى كِتَبَةِ الْحَدِيثِ، فَمَرَرْتُ بِحَلَقَةِ قَاسِمِ الْجُوعِيِّ، فَرَأَيْتُ نَفَرًا جُلُوسًا حَوْلَهُ وَهُو يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ، فَهَالَنِي مَنْظَرُهُمْ، فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِمْ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:

اغتْنِمُوا مِنْ أَهْلِ زَمَانِكُمْ خَمْسًا، مِنْهَا:

⦗ص: 130⦘

إِنْ حَضَرْتُمْ لَمْ تُعْرَفُوا.

وَإِنْ غِبْتُمْ لَمْ تُفْتَقَدُوا.

وَإِنْ شَهِدْتُمْ لَمْ تُشَاوِرُوا.

وَإِنْ قُلْتُمْ شَيْئًا لَمْ يَقْبَلُوا مِنْكُمْ.

وإن عملتم شَيْئًا لَمْ تُعْطُوا بِهِ.

وَأُوصِيكُمْ بخمسٍ أَيْضًا:

إن ظُلِمْتُمْ لَمْ تَظْلِمُوا.

وَإِنْ مُدِحْتُمْ لَمْ تَفْرَحُوا.

وَإِنْ ذُمِمْتُمْ لَمْ تَجْزَعُوا.

وَإِنْ كُذِّبْتُمْ فَلا تَغْضَبُوا.

وَإِنْ خَانُوكُمْ فَلا تَخُونُوا.

قَالَ: فَجَعَلْتُ هَذَا فَائِدَتِي مِنْ دِمَشْقَ.

ص: 129

11-

سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَاصِلٍ الْخَلالَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

⦗ص: 131⦘

مَا أَوْرَدْتُ الْحَقَّ والْحُجَّةَ عَلَى أحدٍ فَقَبِلَهَا مِنِّي إِلا هِبْتُهُ، وَاعْتَقَدْتُ مَوَدَّتَهُ.

وَلا كَابَرَنِي عَلَى الْحَقِّ أحدٌ وَدَافَعَ الْحُجَّةَ، إِلا سَقَطَ مِنْ عَيْنِي.

ص: 130

12-

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الدَّقَّاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَطَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:

جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ مظعونٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَلَبَنِي حَدِيثُ النفس فلم أُحِبُّ أَنْ أُحَدِّثَ شَيْئًا حَتَّى أَذْكُرُ ذَلِكَ لَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا تُحَدِّثُكَ نَفْسُكَ بِهِ يَا عُثْمَانُ؟ قلت: تحدثني نفسي أن أختصي، قال: مَهْلا يَا عُثْمَانُ، اعْلَمْ أَنَّ خِصَاءَ أُمَّتِي الصِّيَامُ.

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ نَفْسِي تحدثني أن أترهب في رؤوس الْجِبَالِ، قَالَ: مَهْلا يَا عُثْمَانُ فَإِنَّ تَرَهُّبَ أُمَّتِي الْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَواتِ.

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ، قَالَ: مَهْلا يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْغَزْوُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، والحج والعمرة.

⦗ص: 132⦘

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي بِأَنْ أُخْرِجَ مِنْ مَالِي كَذَا، قَالَ: مَهْلا يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ صَدَقَتَكَ يَوْمًا بيومٍ، وَتَكْفِ نَفْسَكَ وَعِيَالَكَ، وَتَرْحَمُ الْمَسَكيِنَ وَالْيَتِيمَ، وَتُطْعِمُهُ، أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ نفسي تحدثني أن أُطَلِّقَ خَوْلَةَ امْرَأَتِي، قَالَ: مَهْلا يَا عُثْمَانُ، فَإِنّ هِجْرَةَ أُمَّتِي مِنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، أَوْ هَاجَرَ فِي حَيَاتِي، أَوْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ مَاتَ وَلَهُ امرأةٌ، أَوِ امْرَأَتَانِ، أَوْ ثلاثةٌ، أَوْ أربعةٌ.

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي أَنْ لا أَغْشَاهَا، قَالَ: مَهْلا يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ إِذَا غَشِيَ أَهْلَهُ، فَإِنْ لم يكن له مِنْ وَقْعَتِهِ ولدٌ كَانَ لَهُ وصيفٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ وَقْعَتِهِ ذَلِكَ ولدٌ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ كَانَ فَرَطًا وَشَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فإن نفسي تحدثني أن لا آكُلَ اللَّحْمَ، قَالَ: مَهْلا يَا عُثْمَانُ، فَإِنِّي أُحِبُّ اللَّحْمَ وَآكُلُهُ إِذَا وَجَدْتُ، وَلَوْ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُطْعِمَنِي فِي كُلِّ يومٍ لأَطْعَمْنِيهِ.

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي بِأَنْ لا أَمَسَّ الطِّيبَ، قَالَ: مَهْلا يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرِني بِالطِّيبِ غِبًّا وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، لا مَتْرَكَ لَهُ يَا عُثْمَانُ، لا تَرْغَبْ عَنْ سُنَّتِي، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سنتي، ثم

⦗ص: 133⦘

مات قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ صَرَفَتِ الْمَلائِكَةُ وَجْهَهُ عَنْ حوضي.

ص: 131

13-

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نعيم الإستراباذي قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

أَشَدُّ الأَعْمَالِ ثلاثةٌ:

الْجُودُ مِنْ قِلَّةٍ.

وَالْوَرَعُ فِي خلوةٍ.

وَكَلِمَةُ الْحَقِّ عِنْدَ مَنْ يُرْجَى وَيُخَافُ.

ص: 133

14-

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطُّوسِيُّ بِهَمَذَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّاجِحُ بْنُ الحسن بحلب قَالَ: حَدَّثَنَا

⦗ص: 134⦘

مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ:

إِنَّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي الحاجة، فأبادر بها مخافة أن تبدو له.

ص: 133

15-

سمعت جعفر بن محمد بن نصير الخلدي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الدَّيْبُلِيَّ يَقُولُ: قُلْتُ لأبي يزيد: من أصحب؟ قال: من إِذَا مَرِضْتَ عَادَكَ.

وَإِذَا أَذْنَبْتَ تَابَ.

وَمَنْ يَعْلَمُ مِنْكَ مَا يَعْلَمْهُ اللَّهُ مِنْكَ.

ص: 134

16-

سمعت جعفر بن محمد بن نصير الخلدي يَقُولُ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ يَقُولُ: وَسُئِلَ عَنْ مَعْنَى الْمُرُوءَةِ، فَقَالَ:

احْتِمَالُ زَلَلِ الإِخْوَانِ.

ص: 134

17-

حدثنا أبو إسحاق المزكي قال: سمعت ابن خزيمة يقول: حَدَّثَنِي الْمُزَنِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

⦗ص: 135⦘

تَعَلَّمُوا مِمَّنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، وَعَلِّمُوا مَنْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ مِنْهُ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ عَلِمْتُمْ مَا جَهِلْتُمْ، وَحَفَظْتُمْ مَا عَلِمْتُمْ.

ص: 134

18-

حدثني أبو عبد الله بن مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَقِيهُ الْبَصْرِيُّ بِهَمَذَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْعَيْنَاءِ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ، قَالَ: فَسَمِعَ صَرِيرَ قَلَمِي عَلَى الدَّفْتَرِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا، قُلْتُ: عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ قَالَ: بَلْ وَلَدِي وَابْنُ أَخِي، مَا تَكْتُبُ؟

قُلْتُ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ، أَكْتُبُ شَيْئًا مِنَ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ.

فَقَالَ: النَّحْوُ فِي الْعُلُومِ كَالْمِلْحِ فِي الْقِدْرِ، إذا أكثرت منه صار القدر زعافاً، يَا بُنَيَّ، إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ صَدْرًا فِي الْمَجَالِسِ فَعَلَيْكَ بِالْفِقْهِ، وَمَعَانِي الْقُرْآنِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ مُنَادِمًا لِلْخُلَفَاءِ وَذَوِي الْمَرُوءَاتِ والأَدُبَاءِ فَعَلَيْكَ بِنُتَفِ الأَشْعَارِ وَمُلَحِ الأَخْبَارِ.

ص: 135

19-

حدثني أبو غانم سهيل بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بُلْبُلٍ الْفَقِيهُ بِوَاسِطَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّحَيْمِيُّ القاضي قال:

⦗ص: 136⦘

حدثنا أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

إِنَّمَا الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمُ الدِّينِ، وَعِلْمُ الدُّنْيَا.

وَالْعِلْمُ الَّذِي لِلدِّينِ فَهُوَ الْفِقْهُ.

وَالْعِلْمُ الَّذِي لِلدُّنْيَا فهو الطب.

ما سِوَى ذَلِكَ مِنَ الشِّعْرِ، وَالنَّحْوِ فَهُوَ غناءٌ، أو عبثٌ.

ص: 135

20-

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ لالٍ الْفَقِيهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيُّ إِمْلاءً قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بن عزير القطان المروزي قال: حدثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

النَّاسُ عيالٌ عَلَى هَؤُلاءِ الأَرْبَعَةِ:

فَمَنْ أَرَادَ أن يتبحر فِي الْمَغَازِي، فَهُوَ عيالٌ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق.

ومن أراد أن يتبحر فِي الشِّعْرِ فَهُوَ عيالٌ عَلَى زُهَيْرِ بْنِ أبي سلمى.

⦗ص: 137⦘

ومن أراد أن يتبحر فِي النَّحْوِ فَهُوَ عيالٌ عَلَى الْكِسَائِيِّ.

وَمَنْ أراد أن يتبحر فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ فَهُوَ عيالٌ عَلَى مُقَاتِلِ بن سليمان.

ص: 136

21-

أخبرنا أبو بكر محمد بن حسن النقاش المقرئ قال: حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ حَزْمٍ بِهَرَاةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَتَى يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا؟ فَقَالَ لِي:

يَكُونُ الرَّجُلُ عَالِمًا إذا هو حقق في تَعْلَّمَهُ، وَتَعَرَّضَ لِسَائِرِ الْعُلُومِ فَنَظَرَ فِيهَا، فَإِنَّهُ حكي لي عن جالنيوس أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ تَأْمُرُ لِلدَّاءِ الْوَاحِدِ بِالأَدْوِيَةِ الْكَثِيرَةِ الْمُجْتَمِعَةِ، أَفَكُلُّ الأَدْوِيَةِ دواءٌ لِذَلِكَ الدَّاءِ؟ قَالَ: لا، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ واحدٌ، وَإِنَّمَا يُجْعَلُ مَعَهُ غَيْرُهُ لِتَسْكُنَ حِدَّتُهُ، لأَنَّ الإفراد قاتل.

ص: 137

22-

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي قال: حدثنا ابن خزيمة قال: حدثنا إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ قَالَ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ:

مَنْ طلب الرياسة فِي غَيْرِ حِينِهَا، لَمْ يَزَلْ فِي ذُلِّ ما بقى.

ص: 137

23-

حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى بن المزكي قال: حدثنا ابن خزيمة الفقيه قال: حدثنا الْمُزَنِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى عِلْمِهِ، لَمْ يَشْعُرْ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ.

ص: 138

24-

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي قال: حدثنا ابن خزيمة قال: حدثنا الْمُزَنِيُّ قَالَ: خَرَجَ الشَّافِعِيُّ ذَاتَ يومٍ؛ فَقَالَ لَنَا:

لَيْسَ بعِلْمٍ مَا يَعِي الْقِمَطْرُ، لا خَيْرَ فِي علمٍ لا يَعِيهِ الصَّدْرُ. ثُمّ قَالَ لَنَا: الْعِلْمُ مَا دَخَلَ مَعَ صَاحِبِهِ الحمام.

ص: 138

25-

حدثنا النقاش قال: حدثنا محمد بن طريف بهراة قال: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعي عمن سَمِعَ قَتَادَةَ يَقُولُ:

إِنَّهُ لا يَزَالُ الرَّجُلُ عَاقِلا مَا دَامَ يَطْلُبُ الْعِلْمَ، فَإِذَا رَأَى أنه قد قَدِ اكْتَفَى فَهُوَ جاهلٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوِ اكْتَفَى أحدٌ مِنَ الْعِلْمِ لاكْتَفَى مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ، إِذْ يَقُولُ:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تعلمن مما علمت رشداً} ،

⦗ص: 139⦘

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رسول الله أسوةٌ حسنةٌ} ، وروت عنه عائشة أنه قال: لا بُورِكَ لِي فِي طُلُوعِ شَمْسِ يومٍ لا أَزْدَادُ فِيهِ عِلْمًا.

ص: 138

26-

أخبرنا ابن المزكي قال: حدثنا ابن خزيمة الفقيه قال: حدثنا الربيع قال: قال الشافعي:

من طلب الرياسة، فرت منه.

وإذا تصدر الحدث، فاته علمٌ كثيرٌ.

ص: 139

27-

حدثنا النقاش قال: حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ ذَاتَ يومٍ:

اسْتَعِينُوا عَلَى الْكَلامِ بِالصَّمْتِ، وعلى الاستنباط بالفكر.

ص: 139

28-

حدثنا النقاش قال: حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ

⦗ص: 140⦘

مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ:

يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إِذَا عَلِمَ أَنْ لا يَعْنِّفَ، وَإِذَا تَعَلَّمَ أن لا يأنف.

ص: 139

29-

حدثنا النقاش قال: حدثنا ابن خزيمة قال: حدثنا الرَّبِيعُ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

مَنْ ضُحِكَ مِنْهُ فِي مسألةٍ، لَمْ يَنْسَهَا أَبَدًا.

ص: 140

30-

حدثنا النقاش المقرئ قال: حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ حَزْمٍ بِهَرَاةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

اعْلَمُوا أن العلم والحصافة لا تُبْطِرُهُ الْمَنْزِلَةُ الرَّفِيعَةُ، وَلا تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ بِالْعِزِّ الْكَامِلِ، كَالْجَبَلِ لا يَتَزَعْزَعُ، وَإِنِ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ، وَالْخَفِيفُ السَّخِيفُ مِنَ النَّاسِ تُبْطِرُهُ أَدْنَى مَنْزِلَةً يَصِيرُ إِلَيْهَا، وَأَيْسَرُ ولايةٍ يَنَالُهَا، فَهُوَ مِثْلُ الْحَشِيشِ تُحَرِّكُهُ أَضْعَفُ الرِّيَاحِ.

ص: 140

31-

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّقَّاشُ المقرئ قال: حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ حَزْمٍ بِهَرَاةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ.

⦗ص: 141⦘

وَمَنْ تَفَقَّهَ نَبُلَ قَدْرُهُ.

وَمَنْ كَتَبَ الْحَدِيثَ قَوِيتَ حُجَّتُهُ.

وَمَنْ تَعَلَّمَ اللُّغَةَ رَقَّ طَبْعُهُ.

وَمَنْ تَعَلَّمَ الْحِسَابَ جَزِلَ رَأْيُهُ.

وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ ينفعه علمه.

ص: 140

32-

حدثنا الكندي أبو العباس قال: حدثنا إبراهيم بن عرفة نفطويه قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ يزيد بن هارون يقول:

من طلب الرياسة فِي غَيْرِ أَوَانِهَا، حَرَمَهُ اللَّهُ إِيَّاهَا فِي أوانها.

ص: 141

33-

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ قرقوب ابن التمار بهمذان قال: حدثنا أحمد بن ياسين المعروف بابن أبي تراب بطرسوس قال: حدثنا عبد الله بن يوسف المدايني قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَطَاءٍ -مِنْ وَلَدِ زِيَادٍ الصُّدَائِيِّ-، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،

⦗ص: 142⦘

عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ زِيَادٍ الصُّدَائِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِرِزْقِهِ.

ص: 141

34-

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبراهيم القاضي بالأهواز قال: حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَاضِي الأَنْصَارِيُّ قال: حدثنا أبو إبراهيم الترجماني قال: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَأَخَافُ أَنْ أُضَيِّعَهُ، فَقَالَ لَهُ:

تَعَلَّمِ الْعِلْمَ، فَإِنَّكَ إن مت عالماً خيرٌ مِنْ أَنْ تَمُوتَ جَاهِلا.

⦗ص: 143⦘

ثُمَّ جَاءَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَأَخَافُ أَنْ أُضَيِّعَهُ، فَقَالَ لَهُ: تَعَلَّمِ الْعِلْمَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَوَسَّدَ الْعِلْمَ خيرٌ مِنْ أَنْ تَوَسَّدَ الْجَهْلَ.

ثُمَّ جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَأَخَافُ أَنْ أُضَيِّعَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: تَعَلَّمِ العلم، فإنك لن تجد إضاعةً أَشَدَّ مِنْ تَرْكِهِ.

ص: 142

35-

حَدَّثَنَا أَوْسُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَوْسٍ بِهَمَذَانَ قال: حدثنا عبد الله بن محمود المروزي قال: حدثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن حكيم الفرماني قال: حدثنا سَهْلُ بْنُ مُزَاحِمٍ قَالَ:

كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَسَنَ الطُّعْمَةِ قَالَ: فَقِيلَ لَهُ؛ فَقَالَ: إِنَّ الدَّابَّةِ إِذَا لَمْ تُحْسِنْ إِلَيْهَا، لَمْ تَعْمَلْ.

ص: 143

36-

حدثنا أوس قال: حدثنا عبد الله بن محمود قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَقِيقٍ قال: حدثنا أَبُو وَهْبٍ قَالَ: قُلْتُ لأَخِي سَهْلٍ: أَوْصِنِي؟ فَقَالَ:

⦗ص: 144⦘

انْظُرْ مَا اسْتَحْسَنْتَ مِنْ غَيْرِكَ فَالْزَمْهُ، وَمَا اسْتَقْبَحْتَ مِنْ غَيْرِكَ فَاجْتَنِبْهُ.

ص: 143

37-

حدثنا أوس قال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ:

لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا بِحَذَافِيرِهَا جعلت لي حلالاً، لكنت أتقذرها.

ص: 144

38-

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَقُولُ:

سَأَلَنِي السَّرِيُّ؛ فَقَالَ: مَا غَايَةُ الشُّكْرِ؟ فَقُلْتُ: ألا يعصى اللَّهَ فِي نعمةٍ، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ يَا غُلامُ.

ص: 144

39-

سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانَ بِبَغْدَادَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الشِّبْلِيَّ يَقُولُ:

⦗ص: 145⦘

ليس لعارفٍ علاقةٌ.

ولا لمحبٍ شَكْوًى.

وَلا لخائفٍ قرارٌ.

وَلا لأحدٍ مِنَ الله فرارٌ.

ص: 144

40-

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ قَالَ: حدثنا [ابن] مَسْرُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ:

مَنْ طَلَبَ مِنْ بخيلٍ حَاجَةً، كَانَ كَمَنِ الْتَمَسَ صَيْدَ السَّمَكِ فِي الْمَفَازَةِ.

ص: 145

41-

حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الْفَرَّاءُ قال: حدثنا محمد بن يونس الكديمي قال: حدثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ قَالَ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ: مَنِ النَّاسُ؟ قَالَ: الْعُلَمَاءُ.

قُلْتُ: فَمَنِ الْمُلُوكُ؟ قَالَ: الزُّهَّادُ.

قُلْتُ: فَمَنِ السَّفَلَةُ؟ قَالَ: الَّذِي لا يُبَالِي مَا يَقُولُ، وَلا مَا يُقَالُ له.

ص: 145

42-

قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عاصمٍ النَّبِيلَ يَقُولُ: لا يذكر الناس بما يكرهون، إلا سفلةٌ لا ترجع إلى دينٍ.

ص: 146

43-

حدثنا موسى قال: حدثنا محمد قال: حدثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا: مَنِ السَّفَلَةُ؟ قَالَ: الَّذِي يَأْكُلُ بِدِينِهِ.

ص: 146

44-

حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن أَبِي عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ الزَّاهِدَ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ:

لَوْ أَنَّ رَجُلا ارْتَكَبَ كُلَّ خطيئةٍ مَا خَلا الشِّرْكَ بِاللَّهِ، وَخَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا سَلِيمَ الْقَلْبِ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ.

⦗ص: 147⦘

قَالَ: فَقِيلَ لأَبِي حفصٍ: هَلْ لِهَذَا فِي الْقُرْآنِ دليلٌ؟ قَالَ: بَلَى، قَوْلُهُ:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ، فَاتِّبَاعُهُ مَحَبَّةُ أَصْحَابِهِ لأَجْلِهِ.

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قال أبي: إني كنت بفارس، فسئلت عن هذه الحكاية؛ فأعدت عَلَيْهِمْ بَيْنَ الإِمْلاءِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالإِعَادَةِ، أَلْفَ مرةٍ فِي يومٍ واحدٍ.

ص: 146

45-

سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ عَتَّابُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَقوُلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ وهبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ معاذٍ يَقُولُ:

أَلا إِنَّ الْعَاقِلَ الْمُصِيبَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، مَنْ عَمِلَ ثَلاثًا:

تَرَكَ الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ تَتْرُكَهُ.

وَبَنَى قَبْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهُ.

وَأَرْضَى رَبَّهُ قَبْلَ أَنْ يَلْقَاهُ.

ص: 147

46-

قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ:

بِاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ، وَصَلُوا إِلَى تِلْكَ الْكَرَامَاتِ.

ص: 147

47-

قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ:

اجْعَلُوا قُلُوبَكُمْ رِبَاطًا.

وَالصِّدْقَ سِلاحًا.

وَمَنْ شَغَلَكُمْ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ عدوٌ لكم؛ فعلى هذا فقاتلوا.

ص: 148

48-

قال: سمعت يحيى، يقول في مناجاته:

كيف أغفل عمن هُوَ قائمٌ عَلَى مَفْرَقِ رَأْسِي.

أَمْ كَيْفَ أجهل عمن هو [قائمٌ] بِسِرِّ قَلْبِي.

أَمْ كَيْفَ أَفِرُّ مِمَّنْ هُوَ محيطٌ بكل شيءٍ.

أم كيف أعرض بقلبي عَمَّنْ لَيْسَ بمعرضٍ عَنِّي.

أَمْ كَيْفَ أَقْطَعُ عمن لا يقطع بِرُّهُ عَنِّي.

أَمْ كَيْفَ لا أَذْكُرُهُ، وَهُوَ ذَكَرَنِي قَبْلَ خَلْقِي.

ص: 148

49-

قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ:

الدُّنْيَا خرابٌ، وَأَخْرَبُ مِنْهَا قَلْبُ مَنْ يُعْمِّرُهَا.

وَالآخِرَةُ دَارُ عمرانٍ، وَأَعْمَرُ مِنْهَا قَلْبُ مَنْ يَطْلُبُهَا.

ص: 148

50-

قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ:

أَخُوكَ مَنْ عَرَّفَكَ الْعُيُوبَ.

وَصَدِيقُكُ مَنْ حَذَّرَكَ الذُّنُوبَ.

ص: 148

51-

قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ:

عَجِبْتُ مِمَّنْ يَحْزَنُ عَلَى نُقْصَانِ مَالِهِ، كَيْفَ لا يَحْزَنُ عَلَى نقصان عمره.

ص: 149

52-

قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ:

مَنْ شَخَصَ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ، انْفَجَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ، وجرت على لسانه.

ص: 149

53-

قال: وسمعته يَقُولُ:

عَلَى قَدْرِ خَوْفِكَ مِنَ اللَّهِ يَهَابُكَ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ حُبِّكَ لِلَّهِ يُحِبُّكَ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ شُغْلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ يَشْتَغِلُ الْخَلْقُ بأمرك.

ص: 149

54-

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: وكَانَ لِيَحْيَى بن معاذٍ ابنةٌ صغيرةٌ، فَطَلَبَتْ مِنْ أَبِيهَا شَيْئًا، فَقَالَ لَهَا: يَا ابْنَتِي، اطْلُبِي ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ. فَقَالَتْ: يا أبة، أوما أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ فِي شيء يؤكل.

ص: 149

55-

حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرْخَسِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ الْجُرْجَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْعَابِدَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ

⦗ص: 150⦘

الأَصَمُّ، وَذُكِرَ لَهُ رجلٌ: هَلْ أَحْمِلُ مَعِي الزَّادَ؟ فَقَالَ:

إِنْ كَانَ مَعَكَ مِائَةُ دِينَارٍ فَاحْمِلْهُ مَعَكَ وَلا تُضِيعُهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، ولكن لا تقول: هذه تكون معي رهباً، كأنك ليس تثق بالله فيما وعدك، ولكن إذا حملته فَكُلْ، وَأَطْعِمْ إِذَا رَأَيْتَ جَائِعًا.

وَقَالَ حاتمٌ: لو أن رجلين واثقين بالله أَرَادَا سَفَرًا، فَتَزَوَّدَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتَزَوَّدِ الآخَرُ، كَانَ الَّذِي تَزَوَّدَ أَفْضَلَ، لأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالَّذِي أُمِرَ وَاقْتَدَى.

ص: 149

56-

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسماعيل [الطوسي] قدم حاجاً بهمذان قال: حدثنا أَبُو الْحَسَنِ رَاجِحُ بْنُ الْحُسَيْنِ بِحَلَبَ قَالَ: وحدثنا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، عَنْ [عَبْدِ الرَّزَّاقِ] ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

الْفَقْرُ أمانةٌ، فَمَنْ كَتَمَهُ كَانَ عِبَادَةً، ومن أباح به فقد نكد إخوانه المسلمين.

ص: 150

57-

حدثنا أبو علي السَّرْخَسِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ حَاتِمًا الأَصَمَّ، يَقُولُ: وَقَدْ سَأَلَهُ سائلٌ: على أي شيءٍ بنيت أمرك؟ قال: عَلَى أَرْبَعِ خصالٍ:

عَلَى أَنْ لا أَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَسْتَكْمِلَ رِزْقِي.

وَعَلَى أَنَّ رِزْقِي لا يَأْكُلُهُ غَيْرِي.

وَعَلَى أَنَّ أَجَلِي لا أَدْرِي مَتَى هُوَ.

وَعَلَى أَنْ لا أَغِيبَ عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عينٍ.

ص: 151

58-

قَالَ: فَسَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ:

إِنَّ اللَّهَ جوادٌ كريمٌ، يُعْطِي الْكَثِيرَ، فَإِنْ أَعْطَاكَ الْكَثِيرَ فَخِفْتَ وأشفقت سَلِمْتَ مِنْهُ، لِمَا عَلِمَ مِنْ خَوْفِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ مَتَى خِفْتَ مِنَ الْكَثِيرِ، فَأَنْتَ أَبَدًا غنيٌ، وَمَتَى خِفْتَ مِنَ الْقِلَّةِ، فَأَنْتَ أَبَدًا فقيرٌ.

ص: 151

59-

قال: وسمعت حاتماً يقول:

متى ما شَغَلْتَ قَلْبَكَ بِالْمَضْمُونِ لَكَ فِي الرِّزْقُ، خِفْتَ أَنْ تُضَيِّعَ

⦗ص: 152⦘

الْمَفْرُوضَ عَلَيْكَ، وَإِذَا اشْتَغَلْتَ بِالْمَفْرُوضِ عَلَيْكَ، لَمْ تُضَيِّعِ الْمَضْمُونَ لَكَ.

ص: 151

60-

قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ:

فَرْضُكَ لا يُؤَدِّيهِ غَيْرُكَ.

وَرِزْقُكَ لا يَأْكُلْهُ غَيْرُكَ، فَاشْغَلْ قَلْبَكَ بما يُؤَدِّيهِ غَيْرُكَ، فَإِنَّ رِزْقَكَ لا يَأْكُلُهُ غَيْرُكَ.

وَلَوْ قِيلَ لَكَ: تَعِيشُ إِلَى غدٍ، فَلا تغتم لرزق غدٍ، فتتعجل الْغَمُّ الْيَوْمَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجِيءَ غَدًا.

ص: 152

61-

قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ:

إِذَا وَقَعَ بِيَدِكَ شيءٌ، فَلا تَقُلْ: قَدِ اسْتَغْنَيْتُ.

وَإِنْ خَرَجَ مَا فِي يَدِكَ فَلا تَقُلْ: قَدْ ضِقْتُ.

وَاحْفَظْ أَمْرَ اللَّهِ، وَدَعِ اللَّهَ يَحْكُمُ وَلا تُرِيدُ أَنْ تَحْكُمَ أَنْتَ عَلَى اللَّهِ.

ص: 152

62-

قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ:

لا تَخَافَنَّ الْفَقْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ خَوَّفَكَ بِالنَّارِ، وَلَمْ يُخَوِّفْكَ بِالْفَقْرِ.

ص: 152

63-

قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ:

إِذَا أَنْتَ اشْتَغَلْتَ بِالْعِبَادَةِ فَلا تَخَافَنَّ الْفَقْرَ، إِنَّمَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَخَافَ أَنْ تفْتَحَ عَلَيْكَ الدُّنْيَا، فَتَقْطَعُكَ عن العبادة.

ص: 152

64-

قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ:

إِذَا رَأَيْتَ رَجُلا يَقُومُ بِحَقِّ اللَّهِ فَلا تَخَافُهُ، فَإِنَّهُ ناظرٌ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا رَأَيْتَهُ يُضِيعُ حَقَّ اللَّهِ فَخَافَهُ، فَهُوَ لا يَعْرِفُ حَقَّ اللَّهِ، فَكَيْفَ يَعْرِفُ حقك؟! تهدي إليه هديةً فيكرم، وَتَنْصَحُهُ فِي دِينِهِ فَيَغْضَبُ عَلَيْكَ.

ص: 153

65-

قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ:

كُلُّ مَنْ أَعْطَاكَ وَلَمْ يَرَ أَنَّ الْفَضْلَ لَكَ عَلَيْهِ، فَلا تَقْبَلَنَّ مِنْهُ، وَلا تَقْبَلَنَّ مِمَّنْ إِذَا أَعْطَاكَ الْعَطِيَّةَ يُرِيدُ أَنْ تَذِلَّ لَهُ، إِنَّمَا يَنْبَغِي له أن يقول: إنما أعطيك العطية لئلا تذل لغيري.

ص: 153

66-

قال: وسمعت حَاتِمًا يَقُولُ:

لَوْ أَنَّ صَاحِبَ خبرٍ جَلَسَ إِلَيْكَ لِيَكْتُبَ كَلامَكَ لاحْتَرَزْتَ مِنْهُ، وَكَلامُكَ يُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ فَلا تَحْتَرِزُ!.

ص: 153

67-

قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ:

الْعُلَمَاءُ ثلاثةٌ:

عالمٌ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ.

وعالمٌ لا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ.

ومتعبدٌ قد أقبل على عبادته، وَتَرَكَ النَّاسَ، وَلَيْسَ لَهُ عِلْمُ هَذَيْنِ.

⦗ص: 154⦘

فَإِذَا أردت أن تسأل، فاسأل العالم الذي يعمل بعلمه، فإن فاتك فاسأل الْعَابِدَ، فَإِنْ فَاتَكَ هَذَيْنِ، فَتَعَالَ إِلَى الْعَالِمِ الَّذِي لا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فَتَبَيَّنْ مِنْهُ أَمْرَكَ، ثم فر منه، ولا تقتدي بعمله.

ص: 153

68-

سَمِعْتُ النَّقَّاشَ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ يَقُولُ: رَأَى بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ رَجُلا مِنْ إِخْوَانِهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَى فِيكَ هَمًّا، فَقَالَ: أُصَدِّقُكَ، أَنَا معيلٌ، فَقَالَ لَهُ: أَظُنُّ أَنَّهُ فَرَّغَكَ، فَلَمْ تَصْلُحْ لَهُ، فَشَغَلَكَ.

ص: 154

69-

حدثنا أبو علي السرخسي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْجُرْجَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الحسن بن علي العابد يقول: سمعت حاتم الأَصَمَّ يَقُولُ:

إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِالرِّزْقِ فَالاهْتِمَامُ لِمَاذَا؟!.

وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ عَدُوُّكَ فَالأَمْنُ لِمَاذَا؟!.

وَإِنْ كَانَ كُلُّ شيءٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَالسُّخْطُ لِمَاذَا؟!.

وَإِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا غدارةً، مكارةً، فالاطمأنينة لِمَاذَا؟!.

⦗ص: 155⦘

وَإِنْ كَانَ اللَّهُ مُطَّلِعًا عَلَى سَرِيرَتِكَ فَالْغَفْلَةُ لِمَاذَا؟!.

وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ وَضِيقَتُهُ حَقًّا، فَالْكِبْرُ لِمَاذا؟!.

وَإِنْ كَانَ الْمَشْيُ عَلَى الصِّرَاطِ حقاً، فاللعب والضحك لماذا؟!.

وإن كان عُقُوبَةُ اللَّهِ النَّارَ، فَالْمَعْصِيَةُ لِمَاذَا؟!.

وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ اللَّهِ الْجَنَّةَ، فَالرَّاحَةُ لِمَاذَا؟!.

وَإِنْ كَانَ الْمَوْتُ حَقًّا، فَالْفَرَحُ لِمَاذَا؟!.

وَإِنْ كَانَ الْعَرْضُ عَلَى الرَّحْمَنِ حَقًّا، فَالْخُيَلاءُ لِمَاذا؟!.

ص: 154

70-

قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاتِمًا يَقُولُ:

إِذَا أَرَدْتَ الشَّبَابَ، فَإِنَّ الْهَرَمَ خَلْفَهُ.

وَإِنْ طَلَبْتَ الْغِنَى، فَإِنَّ الْفَقْرَ خَلْفَهُ.

وَإِنْ طَلَبْتَ السُّرُورَ، فَإِنَّ الْهَمَّ خَلْفَهُ.

وَإِنْ طَلَبْتَ الصِّحَّةَ، فَإِنَّ الْمَرَضَ خَلْفَهُ.

وإن أردت الحياة، فإن الموت خلفه.

ص: 155

71-

حدثنا أبو العباس الفضل بن الفضل الكندي قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيُّ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ الرَّازِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ:

جُعِلَ الشَّرُّ كُلُّهُ فِي بيتٍ، وَجُعِلَ مِفْتَاحُهُ حُبَّ الدُّنْيَا.

⦗ص: 156⦘

وَجُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بيتٍ، وَجُعِلَ مِفْتَاحُهُ حُبَّ الزُّهْدِ في الدنيا.

ص: 155

72-

وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ زُرَيْقٍ الْبَغْدَادِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو يَزِيدَ الْبَسْطَامِيُّ:

عَشْرَةُ أَشْيَاءٍ رَاحَةُ الْبَدَنِ:

الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا، وَتَرْكُ مَا لا يَعْنِيهِ، وَقِلَّةُ الشَّيْءِ، وَالْفَقْرُ، وَتَرْكُ الْفُضُولِ، وَالرِّضَا مِنَ الدُّنْيَا بِالْقُوتِ، وَحِفْظُ اللسان، والفراغ، والقناعة، والاستعانة بالله.

ص: 156

73-

سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ زُرَيْقٍ الْبَغْدَادِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ الْقَزْوِينِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ مَتُّوَيْهِ الأَصْبَهَانِيَّ يَقُولُ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ يَقُولُ:

⦗ص: 157⦘

إِذَا كُنْتَ بِاللَّيْلِ نَائِمًا.

وبالنهار هائماً.

وبالمعاصي دائماً.

فمتى ترضي من هو بأمرك قائماً.

ص: 156

74-

سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إسحاق السرخسي بِهَمَذَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ الْجُرْجَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْعَابِدَ يَقُولُ:

سَمِعْتُ حَاتِمًا الأَصَمَّ، يَقُولُ وَقَدْ قَالَ لَهُ رجلٌ: بِمَا أَصَبْتَ هَذِهِ الْكَرَامَةَ وأنت أعجميٌ لا تحسن شيئاً؟ قال:

بثلاثة أشياءٍ:

اخْتَارَ النَّاسُ الْحَيَاةَ عَلَى الْمَوْتِ، وَأَنَا اخْتَرْتُ الْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ.

وَالثَّانِيَةُ: اخْتَارَ النَّاسُ الْفَرَحَ عَلَى الْحُزْنِ، وَأَنَا اخْتَرْتُ الْحُزْنَ عَلَى الْفَرَحِ.

وَالثَّالِثُ: اخْتَارَ النَّاسُ الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ، وأنا اخترت الفقر على الغنى.

ص: 157

75-

حدثنا أبو الحسين محمد بن هارون الزنجاني قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: حدثنا محمد بن الحسين البرجلاني قال: حدثنا أَبُو بَكْرٍ الْخَيَّاطُ قَالَ:

⦗ص: 158⦘

رَأَيْتُ كَأَنِّي دَخَلْتُ الْمَقَابِرَ، فَإِذَا أَهْلُ الْقُبُورِ جلوسٌ عَلَى قُبُورِهِمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمُ الرَّيْحَانُ، وَإِذَا أَنَا بمعروفٍ أَبِي محفوظٍ قائمٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ، يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، فَقُلْتُ: أبا محفوظٍ، ما صنع بك ربك؟ أو ليس قد مت؟! قَالَ: بَلَى، ثُمَّ أَنشأ يَقُولُ:

مَوْتُ التَّقِيِّ حياةٌ لا نفاد [لها]

قَدْ مَاتَ قومٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَحْيَاءُ.

ص: 157

76-

حدثني أبو محمد الحسن بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازُ الْبَغْدَادِيُّ -في دار أبي الحسن ابن المرزبان-قال: أخبرني أبو بكر ابن الزَّيَّاتِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِيرَوَيْهِ يَقُولُ:

كُنْتُ أُجَالِسُ مَعْرُوفًا الْكَرْخِيَّ كَثِيرًا، فَلَمَّا كَانَ ذات يومٍ، رَأَيْتُ وَجْهَهُ قَدْ خَلا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أبا محفوظٍ، بلغني أنك تمش عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ لِي: مَا مَشَيْتُ قَطُّ عَلَى الْمَاءِ، ولَكِنْ إِذَا هَمَمْتُ بِالْعُبُورِ

⦗ص: 159⦘

يُجْمَعُ لِي طَرَفَاهَا، فَأَتَخَطَّاهَا.

ص: 158

77-

سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ الْبَزَّازَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بكر بن الزَّيَّاتَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ شِيرَوَيْهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ مَعْرُوفًا يَقُولُ:

مَنِ اشْتَرَى وَبَاعَ، وَلَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ، بُورِكَ لَهُ فِيهِ، كَمَا يُبَارِكُ فِي الزرع المطر.

ص: 159

78-

سمعت أبا محمد الحسن بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدَوْيَهِ الْبَزَّازَ الْبَغْدَادِيَّ يَقُولُ: سمعت أبا بكر ابن الزَّيَّاتِ الْبَغْدَادِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ شِيرَوَيْهِ يَقُولُ:

دخل أبو محمد بن أخي معروفٍ الكرخي إلى أبي الحسن ابن بَشَّارٍ وَعَلَيْهِ جِبَّةُ صوفٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الحسن: يا أبا محمدٍ، صوفت

⦗ص: 160⦘

قَلْبَكَ أَوْ جِسْمَكَ، صُوفَ قَلْبِكَ، وَالْبِسِ الْقُوهِيَّ على القوهي.

ص: 159

79-

حدثنا أحد بن الحسن الحمصي قال: حدثنا أحمد بن مروان قال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: قَالَ معروفٌ:

لا تَفْرَحْ لَهَا حَيْثُ آتَتْكَ، وَلا تأس عَلَيْهَا لَوْ فَاتَتْكَ، فَإِنَّ لِلَّهِ عز وجل عِبَادًا إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِمْ قَالُوا: ذَنْبًا قَدْ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ قَالُوا: مَرْحَبًا بشعار الصالحين.

ص: 160

80-

حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ المقرئ ببغداد قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ بِنَيْسَابُورَ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْفَتْحِ يَقُولُ:

رَأَيْتُ أَبَا نَصْرٍ بِشْرَ بْنَ الْحَارِثِ فِي مَنَامِي، وَهُوَ قاعدٌ فِي بستانٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ مائدةٌ، وَهُوَ يَأْكُلُ مِنْهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا نصرٍ، مَا

⦗ص: 161⦘

فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ قَالَ: رَحِمَنِي، وَغَفَرَ لِي، وَأَبَاحَنِي الْجَنَّةَ بِأَسْرِهَا، وَقَالَ لِي: كُلْ مِنْ جَمِيعِ ثِمَارِهَا، وَاشْرَبْ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَتَمَتَّعْ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا، كَمَا كُنْتَ تَحْرِمُ نَفْسَكَ مِنَ الشَّهَوَاتِ فِي دَارِ الدُّنْيَا.

فَقُلْتُ لَهُ: زَادَكَ اللَّهُ يَا أَبَا نَصْرٍ، فَأَيْنَ أَخُوكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ! فَقَالَ: هُوَ قَائِمٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، يَشْفَعُ لأَهْلِ السُّنَّةِ مِمَّنْ يَقُولُ: إِنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ.

فَقُلْتُ لَهُ: فَمَا فَعَلَ معروفٌ الْكَرْخِيُّ؟ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قال لي: هيهات، حالت مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ الْحُجُبُ، إِنَّ مَعْرُوفًا لَمْ يَعْبُدِ اللَّهَ شَوْقًا إِلَى جَنَّتِهِ وَلا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ، وَإِنَّمَا عَبَدَهُ شَوْقًا إِلَيْهِ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ إِلَى الرَّفِيعِ الأَعْلَى، وَرَفَعَ الْحُجُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، ذَلِكَ التِّرْيَاقُ المَقْدِسِيُّ المُجَرَّبُ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حاجةٌ، فَلْيَأْتِ قَبْرَهُ وَلْيَدْعُ، فَإِنَّهُ

⦗ص: 162⦘

يُسْتَجَابُ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 160

81-

حدثنا أبو الحسن الدقيقي، قال: حدثنا محمد بن موسى الحلواني قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مَعْرُوفًا الْكَرْخِيَّ يَقُولُ:

مَنْ لَعَنَ إِمَامَهُ، حُرِمَ عَدْلُهُ.

ص: 162

82-

قَالَ: وَسَمِعْتُ مَعْرُوفًا يَقُولُ:

إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بعبدٍ خَيْرًا، اسْتَعْمَلَهُ وَأَسْكَنَهُ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ.

وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بعبدٍ غَيْرَ ذَلِكَ، مَنَعَهُ الْعَمَلَ، وَابْتَلاهُ بِالْجِدَالِ، وَأَسْكَنَهُ بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ.

ص: 162

83-

حدثنا أبو الحسن الدقيقي قال: حدثنا محمد بن موسى الحلواني قال: حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال:

كان معروفٌ يَوْمًا فِي الْمَسْجِدِ، وَكِسَاؤُهُ وَمُصْحَفُهُ موضوعٌ، فَجَاءَ إنسانٌ فَأَخَذَ الْمُصْحَفَ وَالْكِسَاءَ، فَفَطِنَ بِهِ معروفٌ فَتَبِعَهُ، وَقَالَ لَهُ: أَخِي، لا [وَاخَذَكَ] اللَّهُ، خُذِ الْكِسَاءَ، وَرُدَّ الْمُصْحَفَ، فَأَخَذَ الْمُصْحَفَ مِنْهُ، وترك الكساء.

ص: 163

84-

قال: سمعت مُحَمَّدَ بْنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ:

كُنَّا عِنْدَ معروفٍ الْكَرْخِيِّ وَجَاءَتْهُ امرأةٌ سائلةٌ، فَقَالَتْ: أَعْطُونِي شَيْئًا أُفْطِرُ عَلَيْهِ فَإِنِّي صائمةٌ، فَدَعَاهَا معروفٌ، فَقَالَ لَهَا: يَا أُخْتِي، سِرُّ اللَّهِ أَفْشَيْتِيهِ، وَتَأْمَلِينَ أن تعيشي إلى الليل!.

ص: 163

85-

قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَنْصُورٍ يَقُولُ:

كُنَّا عِنْدَ معروفٍ، فَقَالَ لَهُ رجلٌ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ: يَا

⦗ص: 164⦘

أَبَا محفوظٍ، تُقِيمُ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَلَدِ، فَقَالَ لَهُ معروفٌ: قَدْ كَانَ مَنْ هُوَ خيرٌ مِنَّا، مَعَ مَنْ هُوَ شرٌ مِنْ هَؤُلاءِ، كَانَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ مَعَ فِرْعَوْنَ، فَقَالَتْ:{رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} .

قَالَ: وَكَانَ يَمُرُّ بمعروفٍ الذي الَّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ فِي الْفِتْنَةِ، وَكَانَ معروفٌ يَقُولُ: اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ، اللَّهُمَّ اصْحَبْهُمْ، فَقِيلَ: تَدْعُو لِهَؤُلاءِ! فَقَالَ: أَخِي، إِنْ حَفِظَهُمْ لَمْ يَعْصُونَهُ.

ص: 163

86-

سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْكِنْدِيَّ بِهَمَذَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَخْلَدٍ الْعَطَّارُ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا نصر محمد بن أحمد المعروف بالفلاس يقول: سَمِعْتُ إِدْرِيسَ بْنَ عَبْدِ الْكَرِيمِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عبد الله بن محمد بن أَخِي مَعْرُوفٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمِّي مَعْرُوفًا يَقُولُ:

قال لي زريق الصياد: جلست على شط الدجلة ثلاث أيامٍ بلياليها، كلما ألقيت شبكتي لم تخرج بشيءٍ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ، أَلْقَيْتُ شَبَكَتِي وَقُلْتُ: بِجَاهِ بشرٍ أَلا رَزَقْتَنِي، ثُمَّ إِنِّي جَذَبْتَهَا فَلَمْ

⦗ص: 165⦘

تَخْرُجْ، فَاسْتَعَنْتُ بِمَنْ يُعِينُنِي، وَخَشِيتُ أَنْ يكون قد [تعلقت] بشيءٍ، وقلت: هؤلاء الصوفية مياسمٌ، لَمْ أَتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ، تَوَسَّلْتُ ببشرٍ فَأَخْرَجْتُهَا فَإِذَا بشبوطةٍ قَدْ خَرَجَتْ، فَأَلْقَيْتُهَا ثَانِيًا وَسَأَلْتُ ببشرٍ، فَأَخْرَجْتُهَا فَإِذَا فِيهَا شبوطةٌ أُخْرَى، أَحْسَنُ من الأولى، وحملتهما فشويتهما وَاشْتَرَيْتُ رُقَاقًا، وَحَمَلْتُ وَاحِدَةً إِلَى بَيْتِي، وَحَمَلْتُ الأُخْرَى إِلَى بَيْتِ بشرٍ، فَقَالَ لِي بشرٌ من داخل البيت: يا زريق، لَوْ قَبِلْنَا الْبِرْطِيلَ لَمَا كَانَ ذَلِكَ الْجَاهُ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَرَجَعْتُ بِهَا.

ص: 164

87-

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاعِظُ قال: حدثنا أحمد بن مروان قال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُوسَى قَالَ:

وَسَمِعْتُ مَعْرُوفًا يَقُولُ: وعنده رجلٌ يذكر رجلاً، فجعل يغتابه، فجعل معروفٌ، يَقُولُ لَهُ: اذْكُرِ الْقُطْنَ إِذَا وَضَعُوهُ عَلَى عَيْنَيْكَ، اذْكُرِ

⦗ص: 166⦘

الْقُطْنَ إِذَا وَضَعُوهُ عَلَى عَيْنَيْكَ.

ص: 165

88-

حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَنْصُورٍ الطُّوسِيَّ يَقُولُ:

قَعَدْتُ مَرَّةً بِالْقُرْبِ مِنْ معروفٍ الْكَرْخِيِّ فِي الْجَامِعِ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: وَاغَوْثَاهُ بِاللَّهِ، فَأَظُنُّهُ قَالَهَا عَشَرَةَ آلافِ مرةٍ.

قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: أَحَبُّ الدُّعَاءِ الاسْتِغَاثَةُ بِاللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم} .

ص: 166

89-

سمعت أبا الفتح الْحِمْصِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مَرْوَانَ يَقُولُ: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ: حَدَّثَنَا عمر بن موسى قال:

جَاءَ رجلٌ إِلَى معروفٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا محفوظٍ، أدع حتى نؤمن، فَقَالَ لَهُ معروفٌ: بَلِ ادْعُ أَنْتَ حَتَّى نؤمن، فَدَعَا الرَّجُلُ، وَأَمَّنَ معروفٌ عَلَى دُعَائِهِ.

⦗ص: 167⦘

قَالَ: وَجَاءَ رجلٌ إِلَى معروفٍ، فَقَالَ لَهُ: ادْعُ الله ليلين قلبي قال: فقال له: قُلْ: يَا مُلَيِّنَ الْقُلُوبِ لَيِّنْ قَلْبِي، قَبْلَ أَنْ تُلَيِّنَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ.

ص: 166

90-

حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ بِهَمَذَانَ، فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وأربعين وثلاثمائة، قال: حدثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي الحسن الجرجاني القاضي قال: حدثنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ، وَكَانَ مِنَ الْحُكَمَاءِ الْمُتَعَبِّدِينَ قَالَ:

مَنْ كَانَ فِيهِ خَمْسُ خصالٍ فَقَدْ مَتَّعَهُ اللَّهُ بِعَقْلِهِ:

حُبُّ الْفَقْرِ لِقِلَّةِ الْمَؤُنَةِ.

وَحُبُّ الْعَمَلِ لِنَيْلِ الثَّوَابَ.

وَحُبُّ الزُّهْدِ فَرَاغًا لِلْعِبَادَةِ.

وَحُبُّ الْحِكْمَةِ لِصَلاحِ الْقَلْبِ.

وَحُبُّ الْوِحْدَةِ لِمُنَاجَاةِ الرَّبِّ.

ص: 167

91-

قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ:

خمسٌ من كن فيه استوجبت خَمْسًا:

⦗ص: 168⦘

أَوَّلُهُ: إِذَا حَدَّثَ النَّاسَ لَمْ يَكْذِبْهُمْ.

وَإِذَا وَعَدَهُمْ لَمْ يُخْلِفْهُمْ.

وَإِذَا ائْتَمَنُوهُ لَمْ يَخُنْهُمْ.

وَإِذَا خَالَطَهُمْ لَمْ يَظْلِمْهُمْ.

وَإِذَا غَابَ عَنْهُمْ لَمْ يَغْتَبْهُمْ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمدٍ: فَأَمَّا الَّذِي يَجِبُ لَهُ عَلَى النَّاسِ:

أَنْ يُحِبُّوهُ بِقُلُوبِهِمْ.

وَأَنْ يَدْعُوا لَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ.

والثالث: أن يعينوه بأنفسهم.

والرابع: أن يواسوه بِأَمْوَالِهِمْ.

وَالْخَامِسُ: أَنْ يُقِرُّونَ لَهُ بِالْفَضْلِ عَلَى أنفسهم.

ص: 167

92-

قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ الْهَرَوِيَّ يَقُولُ:

مَنْ أُكْْرِمَ بِخَمْسِ خصالٍ فَقَدْ لَحِقَ بِالصَّالِحِينَ قَبْلَهُ، وَأَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ:

مَنْ طَلَبَ مَنَافِعَهُ فِي عَاقِبَتِهِ.

وَاحْتَمَلَ مَضَارَّهُ فِي عَاجِلَتِهِ.

وَقَدَّمَ فَضْلا ليوم فقره.

وباع دُنْيَاهُ بِآخِرَتِهِ.

⦗ص: 169⦘

وَجَعَلَ سُخْطَ نَفْسِهِ ثَمَنًا لِرَضَا خالقه.

ص: 168

93-

قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ:

جَوَاهِرُ الْبِرِّ سِتُّ خصالٍ:

كِتْمَانُ الْفَقْرِ حَتَّى يَظُنَّ النَّاسُ مِنْ عِفَّتِكَ أَنَّكَ غنيٌ.

وَكِتْمَانُ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّكَ بخيلٌ.

وَكِتْمَانُ الْغَضَبِ حَتَّى يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّكَ راضٍ.

وَكِتْمَانُ الشِّدَّةِ حَتَّى يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّكَ متنعمٌ.

وَكِتْمَانُ أَعْمَالِ الْبِرِّ حَتَّى يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّكَ لَمْ تَعْمَلْ.

ص: 169

94-

قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: لِلْمُزَاحِ عَشْرَةُ خصالٍ:

أَوَّلُهَا: ذَهَابُ الْوَرَعِ.

وَالثَّانِي: ذَهَابُ الْهَيْبَةِ.

وَالثَّالِثُ: ذَهَابُ الْبَهَاءِ مِنْ وَجْهِ.

وَالرَّابِعَةُ: فَسَادُ القلب.

والخامس: خيانة الجليس.

والسادس: أذاء الْحَفَظَةُ.

وَالسَّابِعُ: يَهْدِمُ الصَّدَاقَةَ الْقَدِيمَةَ، وَيَبْنِي الْعَدَاوَةَ.

وَالثَّامِنُ: يَذِمَّهُ الْعُقَلاءُ، وَيَسْخَرُ بِهِ السُّفُهَاءُ.

وَالتَّاسِعُ: فَرَحُهُ قليلٌ، وَتَرَحُهُ طويلٌ.

⦗ص: 170⦘

وَالْعَاشِرُ: عَلَيْهِ وِزْرُ مَنِ اقْتَدَى بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

ص: 169

95-

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدَانُ بْنُ يَزِيدَ الدَّقَّاقُ قال: حدثنا محمد بن نصر القطان قال: حدثنا هارون بن عبد الله الحمال قال: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ:

كَفَى بِالْمَرْءِ خِيَانَةً أن يكون أميناً للخونة.

وكفى بالمرء شراً أَنْ لا يَكُونَ صَالِحًا، وَيَقَعُ فِي الصَّالِحِينَ.

ص: 170

96-

حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إبراهيم بن محمد بالكرج قال: حدثنا أبو عوانة يعقوب إسحاق الإسفراييني قال: حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ وهبٍ يَقُولُ:

جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي كُلَّمَا اغْتَبْتُ إِنْسَانًا أَنْ أَصُومَ يَوْمًا، فَهَانَ عَلَيَّ، فَجَعَلْتُ على نفسي كلما اغتبت إنساناً أَتَصَدَّقَ بدرهمٍ، فَثَقُلَ

⦗ص: 171⦘

عَلَيَّ، فَتَرَكْتُ الْغَيْبَةَ.

آخِرُ خبر أبي علي ابن حَمْكَانَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وسلم تسليماً.

ص: 170

97-

قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ علي بن محمد المقرئ المعروف بابن الخياط أيده الله قال: أخبرنا ابن حمكان قال:

أخبرنا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ سَلامَةَ بْنِ نَصْرٍ الْمُفَسِّرُ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَرْخِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلامٍ السَّوَّاقُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ الْفَضْلَ بْنَ دُكَيْنٍ يَقوُلُ:

دَخَلْتُ الْكُوفَةَ، فَرَأَيْتُ فِي كِنْدَةَ يُنَادَى عَلَى لَحْمِ الْبَقَرِ تِسْعِينَ رَطْلا بدرهمٍ، وَيُنَادَى عَلَى لَحْمِ الْغَنَمِ سِتِّينَ رَطْلا بدرهمٍ، ثُمَّ قَدِمْتُ بَغْدَادَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَقِيتُ عَفَّانَ بْنَ مُسْلِمٍ الصَّفَّارَ، فَحَدَّثْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لِي: وَمَا تَعْجَبُ مِنْ هَذَا يَا بُنَيَّ، لَعَهْدِي بِي، وَفِي تِكَّتِي قطعةٌ،

⦗ص: 172⦘

فَوَقَعَتْ عَلَى قَدَمَيَّ، فَأَخَذْتُهَا وَتَقَدَّمْتُ إِلَى سوق الرزازين، واشتريت بها قفيز دقيق الأرز.

تم الجزء، الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً.

ص: 171