الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[101/ 501]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ الْجَوْهَرِيُّ
(1)
، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخُو أَبِي مَعْمَرٍ
(2)
، قَالَ: نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدْعُونِي إِلَى السَّحُورِ
(3)
، وَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ الْغَدَاءَ
(4)
الْمُبَارَكَ».
* لا يُرْوَى هذا الحديث عن عُمَرَ إلا مِنْ هذا الوجه، ولا نعلم رَوَاه عن ابن عُيَيْنَةَ إلا محمَّدُ بن إبراهيم أخو
…
أبي مَعْمَرٍ: [عِيسَى بن السَّرِيِّ الحَجْوَانِيِّ
(5)
كُوفِيٌّ]
(6)
.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 270)، والضياء في "المختارة"(180)، مِن طريق الطبراني، به. وذكروا كلام الطبراني عقب الحديث، دون الجملة الأخيرة مِنه، وهى قوله: عِيسَى بن السَّرِيِّ الحَجْوَانِيِّ كُوفِيٌّ.
وذكره ابن كثير في "مسند الفاروق"(1/ 273) بإسناد الطبراني، ومتنه، وذكر كلام الطبراني عقبه.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، أبو جَعْفر الجَوهري، البغدادي.
روى عن: محمد بن إبراهيم، وعفان بن مُسْلِم، وعلي بن الجَعْد، وآخرين.
روى عنه: أبو القاسم الطبراني، وأحمد بن كامل، وابن قانع، وآخرون.
(1)
الجَوْهَرِي: بِفَتْح الْجِيم وَالْهَاء، بَينهمَا وَاو سَاكِنة، وَفِي آخرهَا الرَّاء، نِسْبَة إلى بيع الجَوْهَر. "اللباب"(1/ 313).
(2)
أبو مَعْمَر هذا هو: إِسْمَاعِيل بن إبراهيم بن مَعْمَر بن الحسن الهُذَلي، أبو مَعْمَر القَطِيعِيّ الهروي. يُنظر:"التاريخ الكبير"(1/ 342)، "الكنى والأسماء" للإمام مسلم (ص/792)، "تهذيب الكمال"(3/ 19).
(3)
السحور: بِالْفَتْحِ: اسمُ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعام والشَّراب، وبالضَّم: المصدرُ والفعلُ نفسُه. يُنظر: "النهاية"(2/ 347).
(4)
قال الخطَّابي في "غريب الحديث"(2/ 480): سماه غداءً؛ لأنه للصائم بمنزلة الغداء للمُفْطِر، وأول وقت الغداء عند العرب قبيل الفجر الثاني، ويقال لمن خرج في ذلك الوقت: قد غدا في حاجته، فمن خرج قبل ذلك الوقت، قيل: أدلج. وقال في "معالم السنن"(2/ 104): سماه غداءً: لأنَّ الصائم يتقوى به على صيام النهار، فكأنَّه قد تَغَدَّى.
(5)
لم أقف على حقيقة هذه النسبة - على حد بحثي - والله أعلم.
(6)
ما بين المعقوفتين هكذا بالأصل، ونقله عنه ابن كثير في "مسند الفاروق"(1/ 273)؛ بينما رواه الخطيب، والضياء - كما فَصَّلتُه في التخريج - مِن طريق المُصَنِّف رضي الله عنه، وليس عندهما هذه الجملة، وفي "مجمع البحرين"(1504)، أشار محققه الفاضل بأنَّ هذه العبارة ثابتةٌ في بعض النُّسخ، وأنَّها لا معنى لها. قلتُ: وهو كما قال - جزاه الله خيراً -؛ فأبو مَعْمر ليس هو عيسى بن السَّري، وإنَّما هو: إِسْمَاعِيل بن إبراهيم الهُذَلي - كما سبق -، وبعد البحث لم أقف على أحدٍ يُسمَّى (عيسى بن السَّري)؛ ولم أجد توجيهاً لسبب إقحام هذه العبارة في الأصل، إلا القول بأنَّها خطأ مِن الناسخ، وليست مِن المُؤلف بدليل عدم ثبوتها عنه في الرواية، كما عند الخطيب، والمقدسي، مع عدم ثبوتها في بعض نُسخ "مجمع البحرين"، والله أعلم.
حاله: قال الخطيب البغدادي: ثِقَةٌ. وقال الذهبي: حافظٌ، ثِقَةٌ، صاحبُ حديثٍ.
(1)
2) محمد بن إبراهيم بن مَعْمَر بن الحَسن أبو بكر الهُذَليُّ القَطِيعِيُّ.
روى عن: سفيان بن عيينة، ويحيى بن سُلَيم الطائفي، وحمَّاد بن خالد الخيَّاط، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم بن مُساور الجوهري، قال الخطيب: ولا أعلم روى عنه غيره.
(2)
حاله: سُئل يحيى بن معين عن أبي مَعْمر الهُذلي، فقال: مثله لا يُسْأَل عنه، وهو وأخوه مِن أهل الحديث. وقال موسى بن هارون الحمَّال: صدوقٌ لا بأس به.
(3)
3) سُفْيَان بن عُيَيْنَة: "ثقةٌ ثبتٌ حافظٌ إمامٌ حجةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
4) إِبْرَاهِيم بن ميسرة الطائفيُّ، من الموالي.
روى عن: أنس بن مالك، وطاووس بن كَيْسان، وعطاء بن أبي رباح، وآخرين.
روى عنه: سفيان ابن عُيَيْنَة، والثوري، وشعبة بن الحَجَّاج، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، وابن معين، وأحمد، والعِجْلي، والنَّسائي: ثِقَةٌ. وقال ابن عُيَينة: كان يُحَدِّث على اللفظ، وكان ثقةً، مأموناً، مِن أوثق مَن رأَيتُ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": كان من المُتْقِنين. وروى له الجماعة. فحاصله كما قال الحافظ ابن حجر: "ثَبْتٌ حافظٌ".
(4)
5) طاووس
(5)
بن كَيْسَان اليمانيُّ، أبو عبد الرحمن الحِمْيَريُّ.
روى عن: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عُمَر، وأبي هُرَيْرة، وآخرين.
روى عنه: إبراهيم بن مَيْسَرة، وعَمرو بن دِينار، ومُجاهد بن جبر، والنَّاس.
حاله: قال ابن معين، وأبو زرعة: ثِقَةٌ. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أحداً قط مثل طاوس. وقال ابن حبَّان: مِن عُبَّاد أهل اليمن وفُقهائهم ومِنْ سَادَات التَّابِعين. وقال ابن حجر: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ".
(6)
6) عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
(1)
يُنظر: "تاريخ بغداد" 5/ 574، "تاريخ الإسلام" 6/ 887، "السير" 13/ 552، "إرشاد القاصي والدَّاني"(ص/151).
(2)
قلتُ: وبعد البحث لم أقف على أحدٍ روى عنه غير أحمد بن القاسم، كما قال الخطيب - والله أعلم -.
(3)
يُنظر: "تاريخ بغداد"(2/ 270).
(4)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 328، "الثقات" للعِجْلي 1/ 208، الجرح والتعديل 2/ 133، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 14، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/112)، "تهذيب الكمال" 2/ 221، "التقريب"(260).
(5)
قال ابن مَعِين: سُمي طاووساً، لأنه كان طاووس القراء. وقيل: اسمه ذَكْوان، وطاووس، لقبٌ له. "التهذيب"(13/ 358).
(6)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 4/ 500، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 391، "تهذيب الكمال" 13/ 357، "التقريب"(3009).
والحديث ذكره الهيثمي، وقال: رواه الطَّبرانيُّ في "الأوسط"، وفيه محمَّد بن إبراهيم أخو أبي مَعْمَرٍ - ونقل أقوال أهل العلم في توثيقه - وبقيَّةُ رجالِه رِجَالُ الصَّحِيحِ. وقال الألباني: إسناده صحيحٌ.
(1)
قلتُ: وفي الباب في ثبوت بركة السّحُور، دون تسميته بالغداء، ما أخرجه البخاري، ومسلم في "صحيحيهما" عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» .
(2)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لا يُرْوَى هذا الحديث عن عُمَرَ إلا مِنْ هذا الوجه، ولا نعلم رَوَاه عن ابن عُيَيْنَةَ إلا محمَّدُ بن إبراهيم أخو أبي مَعْمَرٍ.
قلتُ: مِنْ خلال ما سبق يتضح صحة قول المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال ابن المنذر: أجمع العلماء أن السحور مندوب إليه مستحب، ولا مأثم على من تركه، وحضَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أمته، عليه ليكون قوة لهم على صيامهم.
(3)
وقال الحافظ ابن حجر: البركة في السَّحور تحصل بجهات مُتَعددة، وهي: اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يُثيره الجوع، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام.
قال ابن دقيق العيد: هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية: فإنَّ إقامة السُنَّة يُوجب الأجر وزيادته؛ ويُحْتَمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية: كقوة البدن على الصوم، وتيسيره من غير إضرار بالصائم.
قال: ومما يُعَلَّلُ به استحباب السحور: المخالفة لأهل الكتاب، لأنه مُمْتَنِعٌ عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية. وقال أيضا: وقع للمتصوفة في مسألة السحور كلام من جهة اعتبار حكمة الصوم، وهي: كسر شهوة البطن والفرج؛ والسحور قد يباين ذلك، قال: والصواب أن يقال: ما زاد في المقدار حتى تنعدم هذه الحكمة بالكلية فليس بمستحب، كالذي يصنعه المترفون من التأنق في المآكل وكثرة الاستعداد لها وما عدا ذلك تختلف مراتبه.
(4)
ويحصل السُّحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب، فقد أخرج ابن حبَّان في "صحيحه"(3476) بإسناد حسن، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرو رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ» .
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(3/ 151)، "السلسلة الصحيحة"(6/ 1205).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1923) ك/الصوم، ب/ بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ، ومسلم في "صحيحه"(1095) ك/الصيام، ب/ فَضْلِ السُّحُورِ وَتَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِهِ، وَاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهِ وَتَعْجِيلِ الْفِطْرِ.
(3)
يُنظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (4/ 45).
(4)
يُنظر: "فتح الباري"(4/ 140).
[102/ 502]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ.
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ وُضِعَ لَهُ سِوَاكُهُ، ووَضُوءُهُ
(1)
.
* لَمْ يَرْوِ هذا الحديث [عن]
(2)
سَعْدٍ إلا زُرَارَةُ، ولا عن زُرَارَةَ إلا بَهْزٌ، تَفَرَّدَ به: حَمَّادُ بن سَلَمَة.
هذا الحديث مداره على بَهْز بن حَكِيم، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: بَهْز بن حَكِيم، عن زُرَارَةَ بن أَوْفَى، عن سَعْدِ بن هِشَام، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها.
الوجه الثاني: بَهْز بن حَكيم، عن زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
وبيان ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
بَهْز بن حَكِيم، عن زُرَارَةَ بن أَوْفَى، عن سَعْدِ بن هِشَام، عن عَائِشَةَ.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه أبو داود في "سننه"(56) ك/الطهارة، ب/السِّوَاك لِمَنْ قام مِنَ اللَّيْل، وبرقم (1349) ك/الصلاة، ب/صلاة اللَّيل، وابن المنذر في "الأوسط"(342)، والطبراني في "الأوسط" - رواية الباب -.
ثلاثتهم مِن طُرقٍ عن حَمَّاد بن سلمة، عن بَهْز بن حَكِيم، بسنده، بنحو رواية الباب، وبزيادة عند بعضهم. وقال ابن المُلقن: رواهُ أبو دَاوُد بإسنادٍ جيِّد.
(3)
• وأحمد في "المسند"(25988)، قال: حدَّثنا يُونُس بن محمَّد المُؤدِب، حدَّثنا عِمْرَان بن يَزِيد العَطَّار، عن بَهْز، عن زُرَارَة، عن سَعْد بن هِشَام، قال: قلتُ لأمِّ المُؤْمنين عائشة: كَيْفَ كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَنَامُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ وَضُوءُهُ مُغَطًّى، وَسِوَاكُهُ اسْتَاكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ،
…
الحديث".
ب متابعات للوجه الأول:
• وأخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(746) ك/صلاة المسافرين وقصرها، ب/جَامِعِ صَلَاةِ اللَّيْلِ، مِن طريق قتادة بن دِعَامة السدوسي، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ:" كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ، وَيَتَوَضَّأُ،
…
الحديث" مُطولاً.
(1)
قال الخطابي في "مشارق الأنوار"(2/ 289): إِذا كَانَ المُرَاد المَاء المُسْتَعْمل في ذَلِك فبالفتح، وَإِذا أردْت الفِعْل فبالضم، وقال الخَلِيل: الفتحُ في الوجهين، وكذلك عندهم الطَّهُور والطُّهُور والغَسْل والغُسْل، قال ابن الأنباري: والوجه الأول يعني التَّفْرِيق هو المعروف، والَّذِي عليه أهل اللُّغَة.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط مِن الأصل، وهى زيادة مهمةٌ ليستقيم بها الكلام.
(3)
يُنظر: "البدر المنير"(1/ 708).
ت دراسة إسناد الوجه الأول (إسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَفَّان بن مسلم بن عَبْد اللَّهِ الصَّفَّار، أبو عثمان البَصْرِيّ.
روى عن: الحمادين، وشعبة، ويحيى القطَّان، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، والبخاري، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، والنَّاس.
حاله: قال ابن المديني: كان إذا شك في حرفٍ مِن الحديث تركه. وقال العِجْلي: ثَبْتٌ صَاحبُ سُنَّةٍ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ مُتْقنٌ مَتينٌ. وقال ابن حجر: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ". وروى له الجماعة.
(1)
3) حَمَّاد بن سَلمة بن دِينار البَصْرِيّ.
روى عن: بَهْز بن حَكيم، وخاله حميد الطويل، وثابت البُناني، وآخرين.
روى عنه: عَفَّان بن مسلم، وشعبة، ومالك بن أنس، والنَّاس.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، والنَّسائي، وابن حبَّان: ثِقَةٌ. وعاب ابنُ حبَّان على البخاري لعدم إخراج حديثه.
(2)
، وقال الذهبي في "الكاشف": ثِقَةٌ صدوقٌ، يغلط، وليس في قوة مالك. وفي "المغني": إِمَامٌ ثِقَةٌ له أَوْهَامٌ وغرائب، وغيره أثبت منه. وقال ابن حجر: ثقةٌ عابدٌ، أثبت الناس في ثابتٍ، تغيَّر حِفظه بآخرةٍ.
(3)
- وقال ابن معين: من أراد أن يكتب حديث حمَّاد بن سلمة فعليه بعفَّان بن مُسْلم. وقال النَّسائي: أثبت أصحاب حمَّاد بن سلمة: ابن مهدي، وابن المبارك، وعبد الوهاب الثَّقفي.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 140، "الجرح والتعديل" 7/ 30، "تهذيب الكمال" 20/ 160، "التقريب، وتحريره"(4625)، وزاد ابن حجر في "التقريب" قوله:"ورُبَّما وهم"، وتعقَّبه صاحبا "التحرير" بأنَّه لا معنى لإيرادها فَمن الذي سَلِم؟!. ونقل ابن حجر عن ابن معين قوله: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة ومئتين، ومات بعدها بيسير. وتعقبه الذهبي في "السير"(10/ 254)، فقال: كُلُّ تَغَيُّرٍ في مرض الموت، ليس بِقَادِحٍ في الثِّقَةِ، فإنَّ غالب النَّاس يَعْتَرِيْهِم في المرض الحادِّ نحو ذلك، وإنَّما المَحْذُوْرُ أَنْ يَقَعَ الاختلاط بالثِّقَةِ، فَيُحَدِّثُ في حال اختلاطه بما يَضْطَرِبُ في إسناده، أو مَتْنِهِ، فَيُخَالَفُ فِيْهِ. وفي "الميزان" (3/ 82): هذا من تغير مرض الموت، وما ضره، لأنَّه ما حدَّث فيه بخطأ. وقال العلائي في "المختلطين" (ص/85): الظاهر أنَّ هذا تغير المرض ولم يتكلم فيه أحد فهو من القسم الأول. وقال برهان الدين في "الاغتباط"(ص/250): وما ينبغي أن يُذكر مع هؤلاء. ولذا لم يُورده ابن الكيَّال في "الكواكب النيرات". ويُنظر: "معجم المختلطين"(ص/240).
(2)
فقال في "الثقات"(6/ 216): لم يُنصف من جَانب حَدِيثه وَاحْتج بِأبي بكر بن عَيَّاش فِي كِتَابه، وبابن أخي الزُّهْرِيّ؛ فَإِن كَانَ تَركه إِيَّاه لما كان يُخطئ، فَغَيره من أقرانه مثل الثَّوْريّ وَشعْبَة ودونهما يُخطؤون، فَإِن زعم أَن خطأه كَثُرَ من تَغَيُّر حفظه فقد كان ذلك في أبي بكر بن عَيَّاش، وأنَّى يَبْلغ أبو بكر بن عَيَّاش حَمَّادَ بن سَلمَة في إتقانه أو في جمعه أو في ضَبطه.
(3)
وهذا التغير ليس المراد به الاختلاط الاصطلاحي، وإنَّما هذا التغيُّر مِن قبل حفظه، فقد أصابه ذلك كما أصاب غيره مِن الثقات لمَّا كَبُر سِنُّه. ومِمَّا عابه عليه أهل العلم، ما ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في "شرح علل الترمذي"(2/ 676)، فقال: كان حمَّاد بن سلمة إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة فالظاهر أنَّ لفظهم لم يتفق، فلا يُقْبَل هذا الجمع إلا مِن حافظٍ مُتقِنٍ لحديثه يَعْرِف اتفاق شيوخه واختلافهم.
- وقال أحمد، وابن معين، وابن المديني، والدَّارقطني: حمَّاد بن سلمة أعلم الناس بثابت. وقال أحمد: حمَّاد أثبت الناس في حُميد الطويل سمع منه قديماً.
- وقال يحيى بن سعيد: حماد بن سلمة عن زياد الأعلم وقيس بن سعد ليس بذلك.
(1)
4) بَهْز بن حكيم بن مُعَاوية بن حَيْدَة القُشَيري، أبو عبد الملك البَصْرِيّ.
روى عن: أبيه، وزرارة بن أَوفى. روى عنه: الحمَّادان، والزهري، ويحيى القطان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن المديني، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي: ثِقَةٌ. وقال أبو زرعة: صالحٌ، وليس بالمشهور. وقال ابن عدي: أرجو أنَّه لا بأس به، ولم أر له حديثاً مُنْكراً. وقال الدَّارقطني: لا بأس به. وقال الذهبي: صَدُوقٌ فيه لِينٌ، وحديثه حسنٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ. وفي "الفتح": مُوثقٌ عند الجمهور.
- وقال أبو حاتم: شيخٌ، يُكْتَبُ حديثه ولا يُحْتَج به. وقال ابن حبَّان: يُخطئ كثيراً، واحتج به أحمد، وتركه جماعةٌ، وذكر حديثاً، ثُمَّ قال: ولولا هذا الحديث لأدخلناه في الثِّقات، وهو مِمَّن أستخير اللَّه عز وجل فيه.
قلتُ: وكلام ابن حبَّان هذا، قد تعقبه فيه الذهبي في "تاريخ الإسلام"، وأجاب عنه.
فالحاصل: أنَّه مُختلفٌ فيه، والعمل على توثيقه - كما فعل الحافظ في "لسان الميزان" -.
(2)
5) زُرَارة بن أَوفى العامريُّ، أبو حاجب البَصْرِيّ.
روى عن: سعد بن هشام، وأبي هُرَيْرة، وابن عبَّاس، وآخرين.
روى عنه: بهز بن حكيم، وقتادة بن دِعامة السدوسي، وأيوب السختياني، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، وابن سعد، والنَّسائي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وروى له الجماعة.
(3)
6) سَعْد بن هِشَام بن عَامِر الأَنْصارِيُّ المَدَنِيُّ، ابن عم أَنَس بن مالك.
روى عن: أَنَس بن مَالِك، وعبد الله بن عَبَّاس، وعائشة أم المؤمنين، وآخرين.
روى عنه: زرارة بْن أوفى، والحَسَن البَصْرِيّ، وحُميد بن عَبْد الرَّحْمَنِ الحِمْيَري، وآخرون.
حاله: قال النَّسائي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": كان من عُبَّاد التابعين. وقال الذهبي: كان مُقْرِئًا، صَالِحًا، فَاضِلا، نَبِيلًا. وروى له الجماعة.
(4)
7) عائشة بنت أبي بكر رضى الله عنها: زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 319، "الجرح والتعديل" 3/ 140، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 216، "تهذيب الكمال" 7/ 253، "الكاشف" 1/ 349، "المغني في الضعفاء" 1/ 279، "الميزان" 1/ 590، "تهذيب التهذيب" 3/ 11، "التقريب"(1499).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 430، "المجروحين" 1/ 194، "الكامل" 2/ 254، "التهذيب" 4/ 259، "المغني" 1/ 181، "تاريخ الإسلام" 3/ 824، "الميزان" 1/ 353، "لسان الميزان" 9/ 270، "التقريب"(772)، "فتح الباري" 13/ 355.
(3)
"الثقات" للعِجْلي 1/ 370، "الجرح والتعديل" 3/ 603، "الثقات" 4/ 266، "التهذيب" 9/ 339، "التقريب"(2009).
(4)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 66، "الجرح والتعديل" 4/ 96، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 294، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/115)، "تهذيب الكمال" 10/ 307، "تاريخ الإسلام" 2/ 937، "التقريب"(2258).
ثانياً: - الوجه الثاني:
بَهْز بن حَكيم، عن زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(25987)، وأبو داود في "سننه"(1347)، ك/الصلاة، ب/صلاة اللَّيل، عن يزيد بن هارون الواسطي، عن بَهْزٍ، قال: سَمِعْتُ زُرَارَةَ، يقول: سُئِلَتْ عائشةُ عن صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ كَانَ " يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَنَامُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ وَضُوءُهُ مُغَطًّى، وَسِوَاكُهُ اسْتَاكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ،
…
الحديث".
• وأخرجه أبو داود في "سننه"(1346) ك/الصلاة، ب/صلاة اللَّيل، قال: حدَّثنا عليُّ بن الحُسَيْن الدِّرْهَمِيُّ، حدَّثنا محمد بن أبي عَدِيٍّ، عن بَهْز بن حَكِيم، بنحو رواية يزيد.
• وأخرجه أبو داود في "سننه"(1346) ك/الصلاة، ب/صلاة اللَّيل، قال: حدَّثنا عُمَرُ بن عُثْمان، حدَّثنا مَرْوَانُ بن مُعَاوِيَة، عن بَهْز بن حكيم، بنحو رواية يزيد.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد الإمام أحمد):
1) يَزيد بن هارون الواسطي: "ثِقَةٌ مُتْقِنٌ عَابِدٌ".
(1)
2) وبقية رجال الإسناد: سبقت دراستهم في الوجه الأول.
ثالثاً: - النظر في الخلاف في هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبيَّن أنَّ الحديث مداره على بَهْز بن حَكِيم، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: بَهْز بن حَكِيم، عن زُرَارَةَ بن أَوْفَى، عن سَعْدِ بن هِشَام، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها.
ورواه عن بهز بهذا الوجه حمَّاد بن سلمة، وعِمْران بن يزيد العَطَّار، وتُوبع بَهزٌ على هذا الوجه، تابعه قتادة، كما عند مُسلمٍ في "صحيحه".
الوجه الثاني: بَهْز بن حَكيم، عن زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
بينما رواه الثقات بهذا الوجه، منهم: يزيد بن هارون، ومحمد بن أبي عَدي، ومَرْوان، بأسانيد صحيحة.
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الأول هو الأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:
1) أنَّ الحديث مداره على بهزٍ، وتكلم فيه البعض كما سبق في ترجمته، وقال ابن حبَّان: يُخطئ كثيراً، (وإن كان العمل على توثيقه كما سبق)، وقد اضطرب في هذا الحديث، فيُرجح مِن الوجهين ما تُوبع عليه، وقد تُوبع على الوجه الأول، دون الثاني.
2) ترجيح الأئمة للوجه الأول: فسُئل أبو حاتم عن الوجهين، أيُّهما أَصَحُّ؟ فقال: إن كان حَفِظَ حمَّاد، فهذا أشبَهُ.
(2)
وقال الدَّارقطني: قول قتادة أصح - أي بروايته عن زُرارة عن سعدٍ عن عائشة.
(3)
وقال المزي:
(1)
يُنظر: "التقريب"(7789).
(2)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 424/مسألة 21).
(3)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (14/ 316/مسألة 3657).
وقد روى زرارة بن أوفى عن عائشة، والمحفوظ أنَّ بينهما سعد بن هشام.
(1)
وقال المنذري: رواية زرارة، عن سعد بن هشام هي المحفوظة، وفي سماع زرارة، عن عائشة نظر.
(2)
رابعاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتبيَّن أنَّ الحديث مِن وجهه الراجح بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته"، وقد أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" - كما سبق في التخريج - بسنده مِن طريق قتادة عن زُرارة عن سعدٍ عن عائشة رضي الله عنها.
خامساً: - النظر في كلام المصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لَمْ يَرْوِه عن سَعْدٍ إلا زُرَارَةُ، ولا عن زُرَارَةَ إلا بَهْزٌ، تَفَرَّدَ به: حَمَّادُ بن سَلَمَة.
قلتُ - والله أعلم -: بالنَّظر في التخريج نجد أنَّ هذا الحديث لم يَروه عن سعد إلا زُرارة، لكن لم يَنْفرد به بهزٌ عن زُرارة؛ بل تابعه على الإسناد قتادة كما عند مسلم في "صحيحه"، ولم يَنْفرد به أيضاً حمَّاد بن سلمة؛ بل تابعه على الإسناد عِمْران بن يزيد العَطَّار
(3)
كما عند أحمد في "المسند".
- وقد تَعَقَّبه الشيخ/ الحويني بمتابعة عِمْرَان بن يزيد العطَّار وحده، دون رواية قتادة.
(4)
- لكن لعلَّ الإمام الطبراني يقصد - والله أعلم - بقوله: ولم يَروه عن زُرَارَةَ إلا بَهْزٌ، تَفَرَّدَ به: حَمَّادُ بن سَلَمَة، أي بهذا اللفظ، فروايتهما (عِمْران، وقتادة) ليست بلفظ رواية حمَّاد، وإنَّما بنحوه مُطولاً.
- ويُؤيد ما قلته - والله أعلم - أنَّه يَبعد أن تخفى هذه المتابعات على الإمام الطبراني رضي الله عنه، خاصة وهى في "مسند أحمد"، و"صحيح مسلم" - أسأل الله التوفيق -.
* * *
(1)
يُنظر: "تهذيب الكمال"(9/ 340).
(2)
يُنظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني (5/ 255)، "عون المعبود شرح سنن أبي داود"(4/ 226).
(3)
يُنظر ترجمته في: "الثقات" للعِجْلي 2/ 191، "الإكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد مِن الرجال" 1/ 325، "تعجيل المنفعة" لابن حجر 2/ 85.
(4)
يُنظر: "تنبيه الهاجد لما وقع مِنْ النَّظر في كتب الأماجد" حديث رقم (1333).
[103/ 503]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: نا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ
(1)
.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُخْتَار إلا مَنْصُور، تَفَرَّدَ به: سَعِيدُ بن سُلَيْمَان.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه المزي في "تهذيب الكمال"(28/ 520)، مِن طريق المُصَنِّف رضي الله عنه، عن أحمد بن القاسم، به.
• وأخرجه أبو داود في "سننه"(1282) ك/الصلاة، ب/الصلاة قبل المغرب، وأبو العبَّاس السَّراج في "مسنده"(613 و 1159)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1355 و 2118)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(5496)، والدَّارقطني في "سننه"(1050)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(10/ 138).
كلهم مِن طُرقٍ عن سَعِيد بن سُلَيْمَان، بنحوه، وبزيادة عند الجميع: قال: قُلْتُ لأنس: أَرَأَىكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: «نَعَمْ، رَأَىنَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا، وَلَمْ يَنْهَنَا» .
• وأخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(836) ك/صلاة المسافرين، ب/اسْتِحْبَاب ركعتين قبل صلاة المغرب، وأبو يَعْلى في "المسند"(3956)، وأبو العبَّاس السَّراج في "مسنده"(612، 1158)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1354، 2119)، وأبو نُعيم في "المُستخرَج"(1885)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4496).
كلهم مِن طُرقٍ عِدَّة عن محمد بن فُضيل بن غَزْوان، عن المُختار بن فُلْفُل، عن أنسٍ رضي الله عنه، وذكر حديثاً، وفيه: وَكُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ. فَقُلْتُ: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلاهُمَا؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَانَا".
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(625) ك/الآذان، ب/ كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ، بسنده مِن طريق عَمْرَو بن عَامِرٍ الأَنْصَارِيّ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «كَانَ المُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ
…
الحديث".
• وأخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(837) ك/صلاة المسافرين، ب/اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بسنده مِن طريق عَبْدِ الْعَزِيزِ بن صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:«كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا» .
(1)
فُلْفُل: بفاءين مضمومتين، ولامين الأولى ساكنة. "التقريب"(6524).
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) سَعِيد بن سُلَيْمان الضَّبِّيّ، أبو عُثْمَان الواسطي، البَزَّاز المعروف بِسَعْدويه.
روى عن: مَنْصور بن أَبي الأَسْود، وعبد الله بن المُبارك، والليث بن سعد، وآخرين.
روى عنه: البخاري، وأبو داود، والرَّازيان، وأحمد بن القاسم، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي، وابن سعد، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وزاد ابن حجر: حافظٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ مأمونٌ، ولعلَّه أَوثَق مِن عَفَّان إن شاء الله. وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(1)
وروى له الجماعة.
(2)
3) مَنْصور بن أبي الأَسْود، واسمه فيما قيل: حازم، اللَّيْثيُّ الكوفيُّ.
روى عن: المختار بن فُلْفُلٍ، وسُلَيْمان الأعمش، وعاصم بن كُلَيْب، وآخرين.
روى عنه: عبد الرحمن بن مَهْدي، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وسعيد بن سُلَيْمان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال ابن معين أيضاً: ليس به بأس، مِن الشيعة الكبار. وقال النَّسَائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: صدوقٌ شيعيٌّ. وقال ابن حجر: صدوقٌ رُمى بالتشيُّع. وقال أبو حاتم: يُكْتب حديثه.
(3)
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، مِنْ الشيعة الكبار".
4) مُخْتَار بن فُلْفُل القُرَشيّ المَخْزُوميُّ الكُوفيُّ.
روى عن: أنس بن مَالِك، والحسن البَصْرِيّ، وطَلْق بن حَبيب، وآخرين.
روى عنه: مَنْصور بن أبي الأسود، والثوري، وجرير بن عبد الحميد، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، والعِجْلي، وابن عمَّار الموصلي، ويعقوب بن سُفْيان، والنَّسائي، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال أحمد أيضاً: لا أعلم إلا خيراً.
- وقال أبو حاتمٌ: شيخٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: يُخْطئ كثيراً. ونقل الذهبي في "الميزان" عن السُّليماني أنَّه ذكر المُخْتار فيمن عُرف برواية المناكير مِن أصحاب أنس. وقال ابن حجر: صدوقٌ له أوهام.
وأجاب صاحبا "تحرير التقريب" - جزاهما الله خيرا -، فقالا: بل "ثِقَةٌ"، أطلق توثيقه جماعة مِن أهل العلم،
…
وقول السُّليماني جرحٌ تفرَّد به أمام توثيق الجمهور، فضلاً عن أنَّ مُسلماً أخرج له مِن روايته عن أنس
(4)
،
(1)
تكلم فيه الإمام أحمد، وأجاب عنه الإمام الذهبي، فقال في "السير" (10/ 482): وأمَّا أحمد بن حنبل: فكان يَغُضُّ منه، ولا يَرَى الكِتابة عَنْهُ؛ لكونه أجاب في المحنة تَقِيَّةً، ويقول: صاحبُ تَصْحِيْفٍ ما شِئْتَ. ونقل الحافظ في "مقدمة الفتح"(ص/405) قول الإمام أحمد، وعن الدارقطني قوله: يتكلمون فيه. وعقب عليه، فقال: هذا تليين مُبْهمٌ لا يُقْبَل.
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 400، "الجرح والتعديل" 4/ 26، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 267، "تاريخ بغداد" 10/ 119، "تهذيب الكمال" 10/ 483، "الميزان" 2/ 141، "التقريب"(2329).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 170، "الثقات" 7/ 475، "التهذيب" 28/ 518، "الكاشف" 2/ 296، "التقريب"(6896).
(4)
يُنظر: "صحيح مسلم" حديث رقم (196، 400، 426، 2304، 2369).
فهو يحتاج أنْ يكون مُفسراً مُبيناً، ليُنْظر فيه. قلتُ: وأخرج له الترمذي بروايته عن أنس، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(1)
وذكر ابن حجر في "الفتح" حديثاً بروايته عن أنس، وقال: سنده صحيحٌ على شرط مسلمٍ.
(2)
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ" - والله أعلم -.
(3)
5) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابي، جليل، مُكثر"، تَقدَّم في الحديث رقم (10).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يتبيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته"؛ وللحديث مُتابعات مُخرجة في "الصحيحين" - كما سبق في التخريج، والله أعلم -.
شواهد للحديث:
وللحديث شاهدٌ عند البخاري عن عَبْد اللَّهِ المُزَنِيّ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ» ، قَالَ:«فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً» .
(4)
وعند البخاري أيضاً عن مَرْثَد بن عَبْد اللَّه اليَزَنِيّ، قَالَ: أَتَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ، فَقُلْتُ: أَلَا أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ؟ فَقَالَ عُقْبَةُ: إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الآنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ.
(5)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن المُخْتَار إلا مَنْصُور، تَفَرَّدَ به: سَعِيدُ بن سُلَيْمَان.
قلتُ - والله أعلم -: أمَّا قوله: "لم يَرْوه عن المُخْتار إلا مَنْصور":
فمِمَّا سبق في التخريج يتَّضح لنا أنَّ الحديث لم يَنْفرد به مَنْصور بن أبي الأسود عن المُخْتار، بل تابعه محمد بن فُضَيل بن غَزْوان، كما عند مسلم في "صحيحه"، وغيره.
إلا إذا كان مقصود الطبراني رضي الله عنه: أنَّه لم يروه عن المُخْتار إلا مَنْصور، أي بلفظ رواية الباب؛ لأنَّ جميع مَن أخرج الحديث مِن طريق محمد بن فُضَيل قد أخرجوه بنحوه، وفيه زيادة - كما سبق في التخريج -.
- وأمَّا قوله: "تَفَرَّدَ به: سَعِيدُ بن سُلَيْمَان".
فبالنظر في التخريج يتَّضح أنَّ الحديث مِن طريق مَنصور مَداره على سعيد بن سُليمان.
(1)
يُنظر: "سنن الترمذي" حديث رقم (3352).
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(10/ 45).
(3)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 267، "الجرح والتعديل" 8/ 310، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 429، "تاريخ دمشق" 57/ 139، "تهذيب الكمال" 27/ 319، "الكاشف" 2/ 248، "الميزان" 4/ 80، "تهذيب التهذيب" 10/ 69، "التقريب، وتحريره"(6524).
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1183) ك/التهجد، ب/الصَّلاة قبل المغرب، وبرقم (7368) ك/الاعتصام، ب/ نهي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم على التَّحْريم إلا ما تُعْرَفُ إباحته، وكذلك أمره.
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1184) ك/التهجد، ب/الصَّلاة قبل المغرب.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي
(1)
: في هذه الروايات استحباب ركعتين بين المغرب وصلاة المغرب، وفي المسألة وجهان لأصحابنا، أشهرهما: لا يُسْتحب، وأصحهما عند المحققين يُسْتحب؛ لهذه الأحاديث. وفي المسألة مذهبان للسلف، واستحبهما جماعة من الصحابة، والتابعين، ومن المتأخرين أحمد وإسحاق، ولم يستحبهما أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وآخرون من الصحابة، ومالك وأكثر الفقهاء. وقال النخعي: هي بدعة.
وحُجَّة هؤلاء أن استحبابهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها قليلاً. وزعم بعضهم في جواب هذه الأحاديث أنها منسوخة، والمختار: استحبابها؛ لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة. وفي "صحيح البخاري" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ» ، قَالَ:«فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً» .
(2)
وأما قولهم يُؤدي إلى تأخير المغرب: فهذا خيال منابذ للسنة فلا يلتفت إليه، ومع هذا فهو زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها.
وأمَّا مَن زعم النَّسْخ فهو مُجَازِفٌ؛ لأنَّ النَّسْخ لا يُصار إليه إلا إذا عجزنا عن التأويل والجمع بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس هنا شيء من ذلك، والله أعلم. ا. هـ
(3)
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(6/ 123 - 124).
(2)
سبق تخريجه في الشواهد.
(3)
ومَن رام المزيد فليُراجع: "ناسخ الحديث ومنسوخه" للأثرم 1/ 106، "فتح الباري" لابن رجب 5/ 346 - 350، "فتح الباري" لابن حجر (2/ 107 - 110 و 3/ 59 - 60 و 3/ 105 - 106)، "شرح مُشْكِل الآثار"(14/ 113 - 120).
[104/ 504]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ النَّطَّاحِ
(1)
، قَالَ: نا أَرْطَاةُ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ: نا ابْنُ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَحَدٌ أَعْظَمُ عِنْدِي يَدًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَاسَانِي بِمَالِهِ، وَنَفْسِهِ، وأَنْكَحَنِي ابنَتَهُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن جُرَيج إلا أَرْطَاةُ، تَفَرَّدَ به: محمَّد بن صالح.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة"(238) مِن طريق الطبراني، عن أحمد بن القاسم، به.
وقال الضياء: وَأَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وابنُ مَعِينٍ، غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحٍ كَنَّاهُ بِأَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، فَقَالَ: أَرْطَاةُ بْنُ الْمُنْذِرِ السَّكُونِيُّ أَبُو عَدِيٍّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ كُنْيَتَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
• وأخرجه المُصَنِّف أيضاً في "الكبير"(11461)، و"الأوسط"(3835) عن عَلِيّ بن سَعِيد؛ والآجري في "الشريعة"(1265) عن عَبْد اللَّهِ بن محمَّد بن نَاجِيَة؛ وابن عدي في "الكامل"(2/ 143) - ومِن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(30/ 60) - عن ابن نَاجِيَةَ وإسحاق بن إبراهيم بن يونس؛ وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(30/ 60 - 61)، والضياء المقدسي في "المختارة"(239) كلاهما عن محمد بن هارون الحَضْرمي.
أربعتهم (عليّ، وابن ناجية، وإسحاق، والحضرمي) عن محمد بن صالح بن النَّطَّاح، به.
وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن جُرَيج إلا أَرْطَاةُ، تَفَرَّدَ به: محمَّد بن صالح.
وقال ابن عدي: حديثُ ابن جُرَيج لا يُعْرَفُ إلا عن أَرْطَاة، عن ابن جُرَيْج.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) مُحَمَّد بن صالح بن مِهْران البَصْرِيّ، أبو عَبد الله، ويُقال: أبو جعفر ابن النَّطَّاح.
رَوَى عَن: أرطاة أبي حاتم، وأبيه صالح بن مهران، ومعتمر بن سُلَيْمان، وآخرين.
رَوَى عَنه: أحمد بن القاسم، وابن أبي الدُّنيا، ويحيى بن صاعدٍ، وآخرون.
حاله: ذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الخطيب البغدادي: كان إخبارياً ناسباً، راويةً للسير، وله كتاب "الدولة" وهو أول من صنف في أخبارها كتابًا. وقال الذهبي: روى عنه أَسْلم بن سَهل حديثاً كذباً لَعَلَّه وَهْمٌ. وقال ابن حجر: "صدوقٌ أخباريٌّ".
(2)
3) أَرْطَاةُ بن المُنْذِر، يُكَنَّى أبو حاتم، بَصْري. وليس هو الحِمْصِيّ التابعي المشهور.
روى عن: ابن جُريج، وعُبَيد اللَّهِ بْنُ عُمَر، وجعفر بن محمد بن على بن الحسين، وآخرين.
(1)
النَّطَّاح: هو جد محمد بن صالح. "اللباب في تهذيب الأنساب"(3/ 315).
(2)
"الثقات" 9/ 125، "تاريخ بغداد"3/ 328، "التهذيب" 25/ 381، "الميزان" 3/ 582، "اللسان" 6/ 408، "التقريب"(5963).
روى عنه: محمد بن صالح بن مِهْران، ولم أقف - على حد بحثي - على من روى عنه غيره.
حاله: قال ابن عدي: له أحاديث كثيرة غَيْرَ ما ذكرتُهُ، في بعضها خطأٌ وغَلَطٌ. وقال الدَّارقطني: ضعيفٌ بَصْري، فقيل له: ابْنُ مَنْ؟ قال: لا يُعرف. قلتُ: بينما سمَّاه ابن عدي، وتبعه الذهبي وابن حجر، وذكره الدُّولابي في "الكنى" ولم يُسَمِّه. وقال الهيثميُّ: ضعيفٌ.
(1)
4) عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ فاضلٌ يُدلس ويُرسل" ولا يُتوقف في عنعنته عن عطاءٍ خاصةً لكثرة روايته عنه، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
5) عطاء بن أبي رَبَاح: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ فاضلٌ كثير الإرسال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (37).
6) عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يتبيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضعيفٌ"؛ قال الهيثمي: فيه أرطاة أَبُو حَاتِمٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
(2)
والحديث ذكره ابن عدي في "الكامل"، والذهبي في "الميزان" في ترجمة أرطاة بن المنذر، والله أعلم.
بينما قال الألباني: حَسَنٌ (أي بمتابعاته وشواهده).
(3)
مُتابعات للحديث:
قلتُ: وقد صحَّ الحديث مِن طرقٍ أُخرى عن ابن عبَّاس، مِنْها:
- ما أخرجه البخاري (467) ك/الصلاة، ب/الخَوْخَة والمَمَرِّ في المسجد، مِن طريق يَعْلَى ابن حَكِيم، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ» .
شواهد للحديث:
- وأخرج البخاري في "صحيحه"(3661) ك/المناقب، ب/ قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً» ، عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "وذكر الحديث، وفيه: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي، مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا.
- وعليه فالحديث بمجموع طرقه، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، دون قوله:"وأنكحني ابنته"،
(1)
يُنظر: "الكامل" 2/ 143، "الكنى والأسماء" للدولابي 1/ 438، "العلل" للدَّارقطني (13/ 3/مسألة 2893)، "مجمع الزوائد" 9/ 46، "الميزان" 1/ 170، "لسان الميزان" 2/ 19.
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(9/ 46).
(3)
يُنظر: "صحيح الجامع"(5517). ويُنظر: "السلسلة الصحيحة"(2214).
فقد انفرد بها أرطاة عن ابن جُريج، ولم أقف على ما يُقويها مِنْ مُتابعٍ أو شاهدٍ، والله أعلم.
رابعاً: - النظر في كلام المصنف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن ابن جُرَيج إلا أَرْطَاةُ، تَفَرَّدَ به: محمَّد بن صالح.
وقال ابن عدي: حديث ابن جُرَيج لا يُعْرَفُ إِلا عَنْ أَرْطَاةَ، عنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
(1)
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ به ابْنُ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
(2)
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يتبيَّن صحة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
(1)
يُنظر: "الكامل" لابن عدي (2/ 144).
(2)
يُنظر: "أطراف الغرائب والأفراد"(1/ 485)، ونقله عن الدَّارقطني الضياء المقدسي في "المختارة"(11/ 241).
[105/ 505]- حَدَّثنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: نا هَاشِمٌ - جَلِيسٌ لأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ
(1)
-، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي خَالِدٍ الدَّالانِيِّ
(2)
، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ
(3)
، فَغَلَتِ الْقُدُورُ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَأُمِرْنَا بإكْفَائِهَا، وَقُسِمَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنَّا شَاةً.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي خالد إلا هاشم، هذا الشَّيْخُ، تَفَرَّدَ به: محمَّد بن عِمْرَانَ.
هذا الحديث مَدَاره على يزيد بن عبد الرحمن الدَّالانيّ، واختلفُ عليه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: يَزِيدُ بن عبد الرحمن، عن قيس بن مُسْلِم، عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، عن أبيه.
الوجه الثاني: يزيد، عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن قيس بن مُسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
يَزِيدُ بن عبد الرحمن، عن قيس بن مُسْلِم، عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، عن أبيه.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - بهذا الوجه إلا برواية الباب، وهو كذلك بـ"مجمع البحرين"(4097).
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) مُحَمَّد بن عِمْران بن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبي ليلى، أَبُو عبد الرَّحْمَنِ الكوفي.
روى عن: هاشم جليس لأبي معاوية الضرير، ومحمد بن فُضَيل بن غَزْوان، وأبيه عِمْران، وآخرين.
روى عنه: البخاري، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، وأحمد بن القاسم، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: صدوقٌ، أملى علينا كتاب "الفرائض" عَن أبيه، عن ابن أَبي ليلى، عن الشعبي من حفظه الكتاب كله، لا يُقَدِّم مسألة عن مسألة. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال مسلمة بن قاسمٌ: ثِقَةٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(4)
(1)
هو محمد بن خازم - بمعجمتين - أبو معاوية الضرير الكوفي، عمي وهو صغيرٌ، "ثِقَةٌ" مِنْ أحفظ النَّاس لحديث الأعمش، وقد يَهِمُ في حديث غيره، وروى له الجماعة. يُنظر:"التقريب"(5841).
(2)
الدالاني: بِفَتْح الدَّال، وَسُكُون الْأَلفَيْنِ، بَينهمَا لَام مَفْتُوحَة، وَفِي آخرهَا نون، هَذِه النِّسْبَة إِلَى دالان بن سَابِقَة، ليس منهم وإنَّما كَانَ ينزل فِيهم فنسب إِلَيْهِم. يُنظر:"اللباب"(1/ 488).
(3)
ثَبت في بعض روايات الحديث كما عند أحمد وغيره - كما سيأتي بإذن الله عز وجل أنَّ ذلك وقع في غزوة خيبر.
(4)
"الجرح والتعديل" 8/ 41، "الثقات" 9/ 82، "التهذيب" 26/ 229، "تهذيب التهذيب" 9/ 381، "التقريب، وتحريره"(6197).
3) هاشمٌ، أبو عبد الله، كان جليساً لأبي مُعاوية الضرير.
روى عن: يزيد بن عبد الرحمن الدَّالانِيّ. روى عنه: محمد بن عِمْران الكوفي.
حاله: لم أقف له - على حد بحثي - على ترجمة له، وإنَّما ذكره المزي في "التهذيب" ضمن شيوخ محمد بن عِمْرَان. ولم يعرفه كذلك الهيثمي في "المجمع"، ولم يعرفه أيضًا د/عبد القدوس بن محمد نذير في تحقيقه لكتاب "مجمع البحرين"، وكذلك لم يعرفه الشيخ/حسين سليم أسد في تحقيقه لـ"سنن" الدارمي.
(1)
فالحاصل: أنَّه "مجهول العين"، والله أعلم.
4) يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وفي اسم أبيه أقوالٌ -، أَبُو خَالِدٍ الدَّالانِيُّ - مشهورٌ بكنيته -.
روى عن: عَمرو بن مُرَّة، وقيس بن مُسْلم، وزيد بن أبي أُنَيْسة، والمنهال بن عَمرو، وآخرين.
روى عنه: هاشم جليسٌ لأبي معاوية، والثوري، وشعبة، وزُهير بن معاوية، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، والنَّسائي: ليس به بأسٌ. وقَال البُخارِيُّ: صدوقٌ، وإنما يهم في الشيء. وقال أبو حاتم: صدوقٌ ثِقَةٌ. وقال الذهبي: مشهورٌ، حسنُ الحديث. وقال أيضًا: له أوهامٌ، وهو صدوقٌ.
- وقال ابن سعد: مُنْكَر الحديث. وقال ابن عدي: لينٌ، يُكتب حديثه. وقال الحاكم أبو أحمد: لا يتابع فِي بعض حديثه. وقال ابن حجر: صدوقٌ يُخطئ كثيرًا، وكان يُدَلِّس. وذكره في المرتبة الثالثة، وقال: وصفه حسين الكرابيسي بالتدليس. قلتُ: لم أقف - على حد بحثي - على أحد وصفه بالتدليس، إلا ما نقله ابن حجر عن الكرابيسي، ولعلَّ مُراده الإرسال، فقد أنكر الإمام أحمد والبخاري سماعه مِنْ قتادة.
(2)
وفي "الخلاصة" للخزرجي: مات سنة مائة مِنْ الهجرة. فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ"، والله أعلم.
(3)
5) قيس بن مُسلم، أبو عمرو الجَدَليُّ الكوفيُّ.
روى عن: عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، وسَعِيد بن جُبَيْر، وطارق بن شهاب، وآخرين.
روى عنه: أَبُو خَالِد الدالانيُّ، وشعبة، والثوري، والأعمش، وآخرون.
حاله: قال أحمد: ثِقَةٌ في الحديث. وقال ابن معين، وأبو حاتم، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: ثَبْتٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، رُمي بالإرجاء.
وقال أَبُو نُعَيْم، والبخاري، ومطين، والذهبي: مات سنة عشرين ومئة. روى له الجماعة.
(4)
(1)
يُنظر: "تهذيب الكمال" 26/ 230، "مجمع الزوائد" 5/ 49، "مجمع البحرين" 7/ 89، "سنن الدارمي" 3/ 1606.
(2)
يُنظر: "تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل"(ص/362).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 277، "الكامل" 9/ 168، "تهذيب الكمال" 33/ 273، "المغني في الضعفاء" 2/ 422 و 2/ 463، "الميزان" 4/ 432، "تهذيب التهذيب" 12/ 82، "طبقات المدلسين"(ص/48)، "التقريب"(8072)، "الخلاصة"(ص/448)، وبالغ ابن حبَّان في تضعيفه في "المجروحين"(3/ 105)، وذكر في ترجمته حديثًا وهاه بسببه، لكن تعقبَّه الدَّارقطني في "تعليقاته على المجروحين"(ص/284)، فليُراجع.
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 103، "الثقات" 7/ 326، "التهذيب" 24/ 81، "الكاشف" 2/ 141، "التقريب"(5591).
6) عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى - واسمه: يسار -، أَبُو عيسى الكوفي.
روى عن: كعب بن عُجْرَة، وحُذيفة بن اليَمَان، وأبيه أبي ليلى، وبلال بن رَباح، وآخرين.
روى عنه: الحكم بن عُتيبة، وثابت البُناني، ومجاهد، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وروى له الجماعة. فحاصله: أنَّه "ثِقَةٌ"، وقد اخْتُلف في سَمَاعه مِن بعض الصحابة.
(1)
7) أَبُو ليلى الأَنْصارِيّ، والد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبي ليلى، اختلف في اسمه، وهو مشهورٌ بكنيته.
روى عن: النَّبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: ابنه عَبْد الرحمن بن أبي ليلى، وعدي بن ثابت الأَنْصارِيّ ولم يدركه.
له صحبة ورواية. صحب النبي صلى الله عليه وسلم وشهد معه أحدًا وما بعدها من المشاهد، ثم انتقل إلى الكوفة، وله بها دار في جهينة، وشهد هو وابنه عبد الرحمن مع على بن أبي طالب رضي الله عنه مشاهده كلها.
(2)
ثانيًا: - الوجه الثاني:
يزيد بن عبد الرحمن، عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن قيس بن مُسلم، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، عن أبيه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير"(4587)، قال: حدَّثنا محمد بن عِمْرَان بن أبي ليلى، قال: حدَّثني هَاشِمٌ أبو عَبْد اللَّهِ جَلِيسًا كان لأبي مُعَاوِيَة، عن يَزِيدَ بن عبد الرَّحْمَن - يعني: أبا خَالِدٍ الدَّالانِيّ -، عن ابن أبي أُنَيْسَة - يعني: زَيْد بنَ أبي أُنَيْسَة -، عن قَيْسِ بن مُسْلِم، عن عَبْد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عن أبي ليلى، قال: كُنَّا مَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ، فَفَارَتِ الْقُدُورُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِكْفَائِهَا، وَقَسَّمَ بَيْنَ المُسْلِمين لِكُلِّ عَشَرَةٍ شَاةٌ، فَكُنَّا بَنِي عَمْرو بْنَ عَوْف عَشَرَةً متفرِّقين، فجمَعَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَأَعْطَانَا شَاةً.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) مُحَمَّد بن عِمْران بن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبي ليلى: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
2) هَاشِمٌ أبو عَبْد اللَّهِ، جَلِيسًا كان لأبي مُعَاوِيَة:"مجهول العين"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
3) يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَبُو خَالِدٍ الدَّالانِيُّ:"صَدُوقٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
4) زيد بن أبي أُنيسة الجَزَريُّ: "ثِقَةٌ، فَقِيْهٌ، له أفراد"، تَقَدَّم في الحديث رقم (9).
5) قيس بن مُسلم، أبو عمرو الجَدَليُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
6) عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى، أَبُو عيسى الكوفي:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
7) أَبُو ليلى الأَنْصارِيّ، والد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبي ليلى:"له صحبةٌ، وروايةٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 86، "الجرح والتعديل" 5/ 301، "الثقات" 5/ 100، "التهذيب" 17/ 372، "التقريب" (3993). وقالوا: لم يصح سماعه مِنْ عُمر، وعُثمان، ومُعَاذ بن جبل، والمقداد، وصحَّ سماعه مِنْ عليّ بن أبي طالب.
(2)
يُنظر: "الاستيعاب" 4/ 1581، "أسد الغابة" 6/ 264، "تهذيب الكمال" 34/ 238، "الإصابة" 12/ 575.
ثالثًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مَدَاره على يزيد بن عبد الرحمن الدَّالانيّ، واختلفُ عليه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: يَزِيدُ بن عبد الرحمن، عن قيس بن مُسْلِم، عن عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، عن أبيه.
الوجه الثاني: يزيد، عن زيد بن أبي أُنَيْسة، عن قيس بن مُسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه.
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الاضطراب في هذا الحديث مِنْ هاشم - الذي كان جليسًا لأبي مُعاوية الضرير -، فإنَّه "مجهول العين"، وقد رواه عنه الثقات بالوجهين، فدل ذلك على أنَّ الخطأ منه.
وأخشى أن يكون هذا الشيخ قد سرق هذا الحديث؛ فالحديثُ محفوظٌ مِنْ رواية عُبيد الله بن عَمرو عن زيد بن أبي أُنَيْسَة - كما سيأتي بإذن الله عز وجل.
رابعًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث "ضَعيفٌ" بالوجهين؛ فمَدَارهما على هاشم أبي عبد الله وهو "مجهول العين".
متابعات للحديث:
• أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة - كما في "الإتحاف" للبوصيري (4502) -، - ومِنْ طريقه الطحاوي في "المشكل"(2993) -، وأحمد في "مسنده"(19058)، و الدارمي في "سننه"(2513)، وابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير"(4588)، والحاكم في "المستدرك"(2602)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن زَكَرِيّا بن عَدِيٍّ، عن عُبَيد الله بن عمرو، عن زيد ابن أبي أُنَيْسَةَ - مِنْ أصح الأوجه عنه
(1)
-،، عن قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي لَيْلَى، عن أَبِيهِ، قَالَ:"شَهِدْتُ فَتْحَ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا هَزَمْنَاهُمْ، وَقَعَدْنَا في رحالهم، وأخذنا ما كان من جزر، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ فَارَتِ الْقُدُورُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، وَقَسَّمَ بَيْنَ كُلِّ عَشَرَةٍ شَاةً". واللفظ لابن أبي شيبة، والباقون بنحوه، وعند الحاكم مطولاً.
وقال الحاكم: صَحِيحُ الإِسْنَادِ، ولم يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي. وقال البوصيري: رُوَاتُهُ رُوَاةِ الصَّحِيحِ.
• وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(930)، والطبراني في "الكبير"(6426)، وفي "الأوسط"(6576)، والبيهقي في "الكبرى"(18696)، مِنْ طريق غَيْلَانَ بن جَامِعٍ، عن قَيْسِ بن مُسْلِمٍ، قال: حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، به، البعض مطولا وفيه قصة، والبعض مُختصراً.
شواهد للحديث:
• أخرج البخاري، ومُسْلمٌ في "صحيحيهما" مِنْ حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، أَصَبْنَا حُمُرًا خَارِجًا مِنَ الْقَرْيَةِ، فَطَبَخْنَا مِنْهَا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلا إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْهَا، فَإِنَّهَا رِجْسٌ مِنْ
(1)
يُنظر: "سنن الدارمي" حديث رقم (2512 و 2513)، "التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة (3/ 229 - 230).
عَمَلِ الشَّيْطَانِ»، فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا، وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِمَا فِيهَا.
(1)
واللفظ لمسلم.
وعليه فالحديث بمجموع طرقه، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعاً: - النَّظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن أبي خالد إلا هاشم، هذا الشَّيْخُ، تَفَرَّدَ به: محمَّد بن عِمْرَانَ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّفُ رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: اختلف العلماء في المسألة، فقال الجماهير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم بتحريم لحومها؛ لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة، وقال ابن عباس: ليست بحرام، وعن مالك ثلاث روايات، أشهرها أنها مكروهة كراهية تنزيه شديدة، والثانية حرام، والثالثة مباحة، والصواب: التحريم كما قاله الجماهير للأحاديث الصريحة.
(2)
* * *
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4199) ك/المغازي، ب/غزوة خيبر، وبرقم (5528) ك/الذبائح والصيد، ب/لحوم الحمر الأنسية، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1940) ك/الصيد والذبائح، ب/تَحْرِيمِ أَكْلِ لَحْمِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ.
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(13/ 91)، "فتح الباري" لابن حجر (9/ 655 - 656).
[106/ 506]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: نا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ.
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، ولا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن قَيسٍ إلا عليُّ بن الجَعْدِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو نُعيم في "الحلية"(3/ 144) عن المُصَنِّف رضي الله عنه، عن أحمد بن القاسم، به.
• وأخرجه الشافعي في "الأم"(1747 و 1772 و 2845 و 4236) - ومِن طريقه البغوي في "شرح السنة"(2231)، وفي "تفسيره"(2/ 173) -، وأبو بكر بن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(31437)، وفي "المسند"(144)، والحُميدي في "مسنده"(551) - ومِن طريقه الطبراني في "الكبير"(412/ 1)، وأبو نُعيم في "الحلية"(3/ 145) -، وسعيد بن منصور في "سننه"(135)، وأبو الجهم العلاء بن موسى في "جزئه"(107)، وأحمد في "مسنده"(21747)، ومسلمٌ في "صحيحه"(1614) ك/الفرائض، وابن ماجه في "سننه"(2729) ك/الفرائض، ب/مِيرَاثِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وأبو داود في "سننه"(2909) ك/الفرائض، ب/ هَلْ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ؟ - ومِن طريقه ابن حزم في "المحلى"(11/ 198) -، والترمذي في "سننه"(2107) ك/الفرائض، ب/ مَا جَاءَ فِي إِبْطَالِ المِيرَاثِ بَيْنَ المُسْلِمِ وَالكَافِرِ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(454)، والبزار في "مسنده"(2581، 2583)، ومحمد بن نصر المروزي في "السنة"(386)، والنَّسائي في "الكبرى"(6343) ك/الفرائض، ب/ فِي الْمُوَارَثَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وابن الجارود في "المنتقى"(954)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(5593)، وعلي بن محمد الحِمْيري في "جزئه"(42)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(5294 و 5295)، وابن حبَّان في "صحيحه"(6033)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(12224)، والخطيب البغدادي في "الكفاية"(18)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 286)، وفي "معجم شيوخه"(243 و 1252)، والمزي في "تهذيب الكمال"(22/ 154).
كلهم مِن طرقٍ عدة عن سُفْيان بن عُيَيْنة، به. وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
• وأخرجه عبد الله بن المبارك في "مسنده"(162)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده"(665)، وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(9851 و 9852 و 19304) - ومِن طريقه أحمد في "مسنده"(21766)، وأبو الوليد الأزرقي في "أخبار مكة"(925)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2985)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(5596)، وابن المنذر في "الإقناع"(101)، والطبراني في "المعجم الكبير"(412/ 2)، والمزي في "تهذيب الكمال"(22/ 156) -، وسعيد بن منصور في "سننه"(136)، وأحمد في "مسنده"(21752 و 21808 و 21820)، وابن زنجويه في "الأموال"(765)، والدَّارمي في "سننه"(3041 و 3043 و 3044)، والبخاري
في "صحيحه"(4283) ك/الفتح، ب/ أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ يَوْمَ الفَتْحِ؟ وبرقم (6764) ك/الحدود، ب/لا يَرِثُ المسلم الكافر ولا الكافر المُسلم، وابن ماجه في "سننه"(2730) ك/الفرائض، ب/مِيرَاثِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، والترمذي في "سننه"(2107/ 2) ك/الفرائض، ب/ مَا جَاءَ فِي إِبْطَالِ المِيرَاثِ بَيْنَ المُسْلِمِ وَالكَافِرِ، والبزار في "مسنده"(2584، 2585)، ومحمد بن نصر المروزي في "السنة"(392)، والنَّسائي في "الكبرى"(6337 و 6338 و 6344 و 6345 و 6346 و 6347 و 6349) ك/الفرائض، ب/في المُوَارَثَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(5594 و 5595)، وأبو بكر بن المنذر في "الإقناع"(198)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(5297)، وابن الأعرابي في "معجمه"(1383)، والطبراني في "الأوسط"(5013)، وفي "الكبير"(412/ 3 - 10)، والدَّارقطني في "سننه"(4065)، وأبو نُعيم في "الحلية"(3/ 144)، والبيهقي في "الكبرى"(12223)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 287 - 290).
كلهم مِن طرقٍ، عن الزهري، البعض بلفظه، والبعض بنحوه، والبعض بمعناه، وبزيادة عند بعضهم.
(1)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَليُّ بن الجَعْد بن عُبَيد الجَوْهَريُّ، أبو الحسن البغدادي.
رَوَى عَن: قيس بن الربيع، ومالك بن أَنَس، وشعبة، والسُفْيَانين، والحمَّادين، وآخرين.
رَوَى عَنه: البخاري، وأَبُو داود، والرَّازيان، وأحمد بن القاسم، وأحمد بن حنبل، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ صدوقٌ، ثِقَةٌ صدوقٌ. وقال أيضاً: أثبت البغداديين في شعبة. وقال أبو حاتم: كان مُتْقِناً صَدوقاً، ولم أر مِنْ المُحَدِّثين مَنْ يحفظ، ويأتي بالحديث على لفظ واحد لا يُغَيِّرْه سوى قبيصة، وأبي نعيم في حديث الثوري، ويحيى الحِمَّاني في حديث شَرِيك، وعلي بن الجَعْد في حديثه. وقال أبو زرعة: كان صدوقاً في الحديث. وقال النَّسائي: صدوقٌ. وقال الدارقطني: ثقةٌ مَأمونٌ. وقال ابن قانع: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال ابن عدي: ما أرى بحديثه بأساً، ولم أر في رواياته إِذَا حَدَّث عن ثِقَةٍ حديثاً مُنْكراً، والبخاري مع شدة استقصائه يَرْوي عنه في صِحَاحِه. وقال الذهبي في "المغني": حافظٌ ثَبتٌ، وَدَعَه مُسلمٌ، فَلم يخرج لَهُ فِي "الصَّحِيح"؛ لأَنَّه فيه بِدْعَةٌ، قال مَرَّة: من قال القُرْآن مَخْلُوقٌ لم أعنفه، قال مُسلمٌ: ثِقَة وَلكنَّه جهميٌّ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ، رُمِي بالتشيع.
(2)
(1)
ويُنظر: "الفصل للوصل المدرج في النقل"(2/ 689 - 690)، و"النكت على كتاب ابن الصلاح" لابن حجر (2/ 676).
(2)
قال د/بشار عوَّاد في تعليقه على "تهذيب الكمال"(20/ 352): لم أجد له ذكراً ولا روايةً في كتب الشيعة. قلتُ: وقد أجاب الإمام الذهبي عن كل ما رُمي به علي بن الجَعْد مِمَّا يتعلق بعقيدته في كتابه الماتع "سير أعلام النبلاء"(10/ 459 - 468)، ويُنظر:"الميزان"(3/ 116 - 117). وأمَّا من تكلم فيه مِن جهة ضبطه، فأجاب عنه الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(7/ 292)، فقال: إنْ ثَبَتَ هذا، فلعلَّه كان في أول الحال لم يَثْبُت، فضبط، كما قال أبو حاتم. ويُنظر:"هدي الساري"(ص/430)، ومَن رام المزيد فليُراجعها مأجوراً بإذن الله تعالى. وقد أطال وأجاد أستاذنا الفاضل أ .. د/عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي في تحقيقه لـ"مسند ابن الجعد" حيث ذكر أقوال أهل العلم فيه المُعدِّلين، والمُجرِّحين، وبين أسباب الجرح، مُبيناً أنَّها تقوم في الأساس على قوله في القرآن، ووقوعه في الصحابة الكرام، وقام بتفنيدهما وبيَّن بالأدلة النظرية والعملية عدم ثبوت كلا الأمرين عنه، بل نقل ما يدل على ثبوت ما يُخالف ذلك عنه. وأمَّا ما يتعلق بضبطه فأجاب عنه أيضاً، مُبَيِّناً أنَّ ذلك مُخالفٌ لقول الجمهور، والجرح به غير مُفَسَّر فَيُقدَّم التعديل عليه، بل وأجاب عن قول الحافظ ابن حجر - وهو قوله السابق: إنْ ثَبَتَ هذا، فلعلَّه كان في أول الحال لم يَثْبُت، فضبط -، بقوله: ما قاله ابن حجر لا وجه له؛ إذ لو كان كذلك لبيَّنه جهابذة القوم، فَمِن دأبهم بيان أحوال الرجل تفصيلاً لا إجمالاً، فهم يقولون: ثَبْتٌ في رواية فلان، ليِّنٌ في رواية فلان، ضَبْطٌ تَغَيَّر في وقت كذا وكذا مِمَّا يَدُل على أنَّ تعديلهم العام لابن الجعد إنَّما هو مِن بداية إلى نهاية أمره، وعليه يندفع قول ابن المديني. يُنظر: مقدمة "مسند ابن الجعد" بتحقيق أ. د/عبد المهدي عبد القادر (1/ 79 - 188).
والحاصل: أنَّه: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، أثبت البغداديين في شعبة".
(1)
3) قَيْس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي.
رَوَى عَن: ابن عُيَيْنة، وشعبة بن الحجاج وهو من أقرانه، وسماك بن حرب، وآخرين.
رَوَى عَنه: علي بن الجَعْد، وشعبة، وابن المُبارك، وآخرون.
حاله: ارتضاه شعبة، وكان يقول: ارتحلوا إليه قبل أنْ يموت. وكان الثوري يُثْنِى عليه. وقال ابن عُيَيْنة: ما رأيتُ رجلاً أجود حديثاً مِن قيس. وكان مُعاذ بن مُعاذ يُحْسِنُ الثَّناء عليه. وقال أبو الوليد الطيالسي: ثِقَةٌ حسن الحديث. وقال ابن عدي: لا بأس به، وعامة رواياته مُسْتقيمة.
- وقال عليٌّ بن المديني: كان وكِيعٌ يُضَعِّفُهُ. وقال ابن معين: ليس بشيء. وكان يحيى بن سعيد، وابن مَهْدي لا يُحدِّثان عنه. وقال العِجْلي: يُضَعِّفونه، وكان شُعْبَة يَرْوى عَنهُ، وَكَانَ مَعْرُوفا بِالْحَدِيثِ صَدُوقًا، وَيُقَال: إنَّ ابنه أفسد عَلَيْهِ كُتبه بِأخرَة، فَترك النَّاس حَدِيثه. وقال أبو حاتم: لا يَنْشط النَّاس في الرواية عنه، وأمَّا الآن فأراه أحلى، ومحله الصدق، وليس بقوي، يُكْتَب حديثُه (أي للاعتبار) ولا يحتج به، وهو أحب إلىَّ مِن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا يحتج بحديثهما. وقال أبو زرعة: فيه لينٌ. وقال النَّسائي: متروك الحديث.
(2)
وقال الذهبي في "المغني" و"الميزان": صدوقٌ سيء الحفظ. وقال ابن حجر: صدوقٌ تغيَّر لمَّا كَبِرَ وأَدخل عليه ابنه ما ليس مِن حديثه فحدَّث به.
- وقال ابن حبَّان: سبرتُ أَخْبَار قيس مِن رِوَايَة القدماء والمتأخرين وتَتَبَّعْتُها فرأيته صَدُوقًا مَأْمُوناً حَيْثُ كَانَ شَابًّا، فَلَمَّا كَبِرَ سَاءَ حفظه، وامتُحِنَ بِابن سُوءٍ فَكَانَ يُدْخِل عَلَيْه الحَدِيث فيُجِيبُ فيه ثِقَةً منه بِابْنِهِ، فَلَمَّا غلبَ المَنَاكِير على صَحِيح حَدِيثه ولم يتَمَيَّز استُحِقَّ مجانبته عِنْد الِاحْتِجَاج (يعني: بمفرده). وَقَال أَبُو دَاوُد: إِنَّمَا أُتي من قِبَل ابنه، كَانَ يأخذ حديث النَّاس فيُدْخِلُها في فرج كتاب قَيْس ولا يعرف الشيخ ذلك.
(3)
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 178، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 466، "الكامل" لابن عدي 6/ 366، "تاريخ بغداد" 13/ 281، "تهذيب الكمال" 20/ 341، "المغني في الضعفاء" 2/ 10، "تهذيب التهذيب" 7/ 289، "التقريب"(4689).
(2)
وتعقبه الذهبي في "السير"(8/ 43)، فقال: لا يَنْبغي أنْ يُتْرك.
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 156، "الثقات" للعِجْلي 2/ 220، "الجرح والتعديل" 7/ 96، "المجروحين" لابن حبَّان 2/ 218، "تهذيب الكمال" 24/ 25، "المغني في الضعفاء" 2/ 125، "الميزان" 3/ 393، "التقريب، وتحريره"(5573).
- والحاصل: أنَّه "ضعيفٌ" يُعتبر به؛ لقبوله التلقين ولم يَتَميَّز حديثه، أمَّا هو في نفسه فلا بأس به، وبهذا يُجْمع بين مَن عَدَّله ومَن ضَعَّفه، وهذا ظاهر كلام ابن حبَّان وغيره - والله أعلم -.
4) سُفْيَان بن عُيَيْنَة: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، حافظٌ إمامٌ حُجَّةٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (78).
5) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حَافِظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، لكنه يُرسل، ويُدلس؛ إلا أن مراسيله يُمكن قبولها والاحتجاج بها، وتدليسه مُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
6) عَليُّ بن الحُسَين بن عَليّ بن أَبي طَالب القُرشيُّ الهاشِميُّ.
رَوَى عن: عَمرو بن عُثْمان بن عَفَّان، وأبيه الحُسين، وعبد الله بن عبَّاس، وآخرين.
روى عنه: الزُّهْري، وزيد بن أسلم، وعمرو بن دِينار، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي: ثِقَةٌ. وقال ابن سعد: كان ثقةً مأموناً. وقال الزهري: لم أُدْرِك مِن أهل البيت رجلاً كان أفضل من على بن الحسين، وكان قليل الحديث. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب. وقال الإمام مالك: كان يُسمى زَين العابدين لعبادته. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ عابدٌ فَقِيهٌ فاضلٌ مشهورٌ.
(1)
7) عَمْرو
(2)
بن عُثْمان بن عَفَّان القُرشيُّ الأُمَوِيُّ المَدَنيُّ.
(1)
"الجرح والتعديل" 6/ 178، "تاريخ دمشق" 14/ 360، "التهذيب" 20/ 382، "التقريب"(4715).
(2)
وسماه الإمام مالك في روايته لحديث الباب: عُمَر بدل عَمرو، وكان يُناظر عَلَيْهِ، ويقول: هَذِهِ دار عَمْرو بن عثمان وهذه دار عُمَر بْن عثمان. كما في "الموطأ" - برواية يحيى - حديث رقم (1475).
لكن ذهب جمهور أهل العلم إلى أنَّ مالكاً قد وهم في ذلك، ولم يُتابعه أحدٌ عليه، بل رواه سائر الرواة عن الزهري عن علي بن الحُسين عن عَمرو بن عُثمان، وهو المحفوظ. قاله الشافعي كما في "تاريخ دمشق" 46/ 291، والبخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 353، وإسماعيل بن أبي أُويس كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 6/ 248، وأبو حاتم وأبو زرعة كما في "العلل" لابن أبي حاتم (4/ 549 - 551/مسألة 1635)، والترمذي في "سننه" عقب حديث رقم (2107)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1/ 329)، والنَّسائي كما في "تحفة الأشراف"(1/ 56)، والبزار في "مسنده"(7/ 35)، وابن الصلاح في "معرفة علوم الحديث"(ص/244 - 245)، والمزي في "تهذيب الكمال"(21/ 459 و 22/ 155)، والذهبي في "السير"(4/ 401)، وفي "الميزان"(3/ 213)، وابن حجر في "التقريب"(ص/574)، وقال في "تهذيب التهذيب" (7/ 482): وحاصله: أنَّ لعُمر بن عثمان وجوداً في الجملة، كما قال ابن عبد البر في "التمهيد" (9/ 160 - 162): أن أهل النسب لا يختلفون أن لعثمان ابناً يُسَمَّى عُمر وآخر عَمرا، فليس الاختلاف في أن لعثمان ابنا يسمى عُمرا، وإنما الاختلاف في هذا الحديث هل هو لعُمر أو عَمرو؟ وقد ذكر ابن سعد عُمر بن عثمان، وقال: كان قليل الحديث. وذكر عَمرو بن عثمان، وقال: كان ثقة وله أحاديث، لكنَّ عَمرو بن عُثمان هو الذي روى عن أسامة بن زيد حديث: "لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ،
…
".
وقال ابن عبد البر في "الاستذكار"(15/ 490): ورواه جماعةٌ عن الزهري عن عليّ عن عَمرو، وهؤلاء جماعة أئمةٌ حُفَّاظ، وهم أولى أنْ يُسَلَّم لهم، ويُصَوب قولَهم. ومالكٌ حافظ الدنيا، ولكنَّ الغَلَط لا يَسْلم مِنْه أحدٌ.
وقال في "التمهيد"(9/ 162): وقال علي بن المديني عن سفيان بن عيينة، أنه قيل له: إن مالكاً يقول في حديث "لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ،
…
" عُمر بن عثمان؛ فقال سفيان: لقد سمعته من الزهري كذا وكذا مرة وتفقدته منه فما قال إلا عَمرو بن عثمان.
روى عن: أسامة بْن زيد، وأبيه عُثْمَان بْن عفان.
روى عنه: علي بْن الحسين، وسَعِيد بن المُسَيّب، وعَبد اللَّه بن ذَكْوَان، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، والعِجْلي، وابن حبَّان، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وروى له الجماعة.
(1)
8) أُسامة بن زَيد بن حَارثة بن شَراحِيل الكَلْبِيُّ، المدني، الحب ابن الحب. مولى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. رَوَى عَن: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وعن بلال بْن رباح، وأبيه زيد بن حارثة، وآخرين.
رَوَى عنه: عَمْرو بن عُثْمان، وعبد الله بن عبَّاس، وأبو هُريرة، وآخرون.
(2)
أخرج البخاري في "صحيحه" عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما، حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالحَسَنَ فَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا، فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا» .
(3)
وفضائله كثيرة.
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
ومِمَّا سبق يتبيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضعيفٌ"؛ لأجل قيس بن الربيع "ضعيفٌ، إلا إذا تُوبع".
قلتُ: ولم يَنْفرد به قيس، بل تابعه جماعة مِن الأئمة الحُفَّاظ عن سُفْيان بن عُيَيْنَة، والحديث عند مُسلم في "صحيحه" مِن طريق يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، ثلاثتهم عن سُفْيان بن عُيَيْنَة، به، ورواه أيضاً جماعة مِن الأئمة عن الزُّهْري، وهو عند البخاري في "صحيحه" مِن طريق ابن جُريجٍ عن الزهري به. وعليه فالحديث بمتابعاته يرتقي مِن "الضعيف" إلى "الصحيح لغيره" - والله أعلم -.
رابعاً: - النَّظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قَيسٍ إلا عليُّ بن الجَعْدِ.
قلتُ: ومن خلال ما سبق في التخريج يتضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، فلم يروه عن قيس إلا عليُّ بن الجَعْد، لكنَّ علي بن الجَعْد "ثقةٌ ثبتٌ" لا يَضر تَفَرُّده بالحديث، وأمَّا قيس بن الربيع فهو وإن كان ضعيفاً، فقد تُوبع على روايته عن ابن عُيَيْنة، كما سبق بيانه في التخريج، وعند الحكم على الحديث.
خامساً: - التعليق على الحديث:
يُشترط في التوارث: أنْ يَجْتمع دين الوارث والمُورِّث، ولا خلاف بين أهل العلم أنَّ الكافر لا يرث مِن المسلم، لكنهم اختلفوا هل يرث المُسلم الكافر؟ والراجح ما يَدُل عليه حديث الباب، وهو عدم جواز الحالتين
(1)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 5/ 168، "تهذيب الكمال" 22/، "الكاشف" 2/ 83، "التقريب"(5077).
(2)
يُنظر: "معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 9، "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 1/ 224، "الاستيعاب" 1/ 75، "أسد الغابة" 1/ 194، "تهذيب الكمال" 2/ 338، "الإصابة" 1/ 102.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(3735) ك/فضائل الصحابة، ب/ذِكْرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وبرقم (3747) ك/فضائل الصحابة، ب/مَنَاقِب الحَسَن وَالحُسَيْن رضي الله عنهما، وبرقم (6003) ك/الأدب، ب/وَضْع الصَّبِيّ عَلَى الفَخِذِ.
معاً، فلا يَرث الكافرُ المُسلمَ، ولا يَرثُ المسلمُ الكافرَ.
قال الترمذي: العَمَلُ على هذا الحديث عند أهل العلم واخْتَلَف أهل العلم في مِيرَاثِ المُرْتَدِّ، فَجَعَلَ بعض أهل العلم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم المال لِوَرَثَتِهِ مِنَ المُسْلِمِين، وقال بعضهم: لا يَرِثُهُ ورَثَتُهُ مِنَ المُسْلِمِين، واحتجُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ،
…
". وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
(1)
وقال ابن المنذر: فعلى ظاهر هذا الحديث لا يَرِثُ المُرْتدَّ وَرَثَتُه مِن المُسْلِمين، ولا يَرِثُهم لأنَّه كافرٌ، ولكنَّ الإمام يأمر بقبض ماله ويضعه فِي بيت مال الفيء ليفرقه فيما يجب، وقال: وبهذا نقول.
(2)
وقال الخطيب البغدادي: بَابُ تَخْصِيصِ السُّنَنِ لِعُمُومِ مُحْكَمِ الْقُرْآنِ وَذِكْرُ الْحَاجَةِ فِي الْمُجْمَلِ إِلَى التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}
(3)
، فَكَانَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَالِدٍ يَرِثُ وَلَدَهُ، وَكُلَّ مَوْلُودٍ يَرِثُ وَالِدَهُ، حَتَّى جَاءَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ مَعَ اتِّفَاقِ الدِّينِ بَيْنَ الْوَالِدَيْنَ وَالْمَوْلُودِينَ، وَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَ الدِّينَانِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنَ التَّوَارُثِ، وَاسْتَقَرَّ الْعَمَلُ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ.
(4)
وقال البغوي: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد عَامَّة أهل الْعلم من الصَّحَابَة، فَمن بعدهمْ، أنَّ الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم، والمسلمَ لَا يرثُ الْكَافِر، لقطع الْولَايَة بنيهما، إِلا مَا رُوِيَ عَنْ مُعاذ، وَمُعَاوِيَة، قَالا: الْمُسلم يرثُ الْكَافِر، وَلَا يَرِثهُ الْكَافِر.
(5)
وقال الحكيم الترمذي: هذا من أجل أن الميراث إنما يرثه باتصال الرحم، والكافر لا وصلة له؛ لأنه منقطع عن الله، ومن انقطع عن الله لم يتصل رحمه بشيء؛ لأن الرحم بدت وشق لها اسما من اسمه. فهذا المسلم إنما يستحق مال الميت باتصاله بميته، وإنما اتصل بميته لاتصاله برحمه، وإنما اتصل برحمه لاتصاله بالرحمن الذى بدت منه. فإذا انقطع عن الله فمتى يتصل؟!
(6)
(7)
* * *
(1)
يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (2107).
(2)
يُنظر: "الإقناع"(2/ 288 و 586).
(3)
سورة "النِّساء"، آية (11).
(4)
يُنظر: "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي (1/ 73).
(5)
يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (8/ 364 - 365).
(6)
يُنظر: "المنهيات"(ص/60).
(7)
ومَن رام المزيد فليُراجع مأجوراً بإذن الله عز وجل: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (3/ 265 - 268)، "المحلى" لابن حزم (7/ 197 - 198)، "الاستذكار" لابن عبد البر (15/ 490 - 503)، "فتح الباري" لابن حجر (12/ 50 - 52).
[107/ 507]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: نا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الطَّاحِيُّ
(1)
، قَالَ: نا ثُمَامَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَعَثَتْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ عَمِلَتْ لَهُ وَطْبَةً
(2)
.
فَطَلَبْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ عَبْدٍ لَهُ خَيَّاطٍ، وَقَدْ عَمِلَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ذَرْوَةٌ وَقَرْعٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الْقَرْعَ، ويُنَحِّي الذَّرْوَةَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ صَنَعَتْ لَكَ وَطْبَةً، وَهِيَ تُحِبُّ أَنْ تَأْكُلَ مِنْهَا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَكَلَ مِنْهَا.
فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ أَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَاغْفِرْ لَهُ» .
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه البيهقي في "الدلائل"(6/ 196) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(9/ 354) -، قال: أخبرنا عَلِيُّ بن أحمد بن عَبْدَانَ، أنبأنا أحمد بن عُبَيْدٍ، حدَّثنا محمد بن بِشْرٍ أخو خَطَّابٍ، حدَّثنا سَعِيدُ بن مِهْرَانَ، قال: حدَّثنا نُوحُ بن قَيْسٍ، قال: حدَّثنا ثُمَامَةُ بن أنسٍ، عن أنس بن مَالِكٍ، قال: قالت أُمُّ سُلَيْمٍ يَا رَسُولَ اللهِ: أَنَسٌ خَادِمُكَ ادْعُ اللهَ لَهُ، قَالَ:"اللهُمَّ عَمِّرْهُ، وَأَكْثِرْ مَالَهُ، وَاغْفِرْ لَهُ".
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) سَعِيْدُ بن عُثْمَان البَصريُّ.
روى عن: نوح بن قيس الطَّاحيّ. روى عنه: أحمد بن القاسم الجوهريُّ.
حاله: لم أقف له - على حد بحثي - على ترجمة، وإنَّما ذكره المزي في الرواة عن نوح بن قيس.
قلتُ: وفي الرواة سعيد بن عُثْمان آخر: ذكره البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبَّان في "الثقات"؛ وقال ابن أبي حاتم: بصري، وقال ابن حبَّان: عِدَاده في أهل البصرة، وذكروا أنَّه روى عن: مُسْلم بن أبي بكرة، وروى عنه: عبد الصَّمد بن عَبْد الْوَارِث، وأبو قُتَيْبَة سلم بن قُتَيْبَة
(3)
، فإن كان هذا هو صاحبنا فهو "مجهول الحال"؛ والذي يترجح لدي - والله أعلم - أنَّه بصريّ آخر؛ لكون صاحبنا متأخر الطبقة عنه، فالذي ذكروه عَدَّه ابن حبَّان في طبقة أتباع التابعين، فالحاصل: أنَّه "مجهول العين".
(1)
الطَّاحيُّ: بفتح الطاء المهملة، وفي آخرها الحاء المهملة، نسبة إلى بنى طاحية، وهي محلة بالبصرة، وطاحية قبيلة من الأزد نزلت هذه المحلة، فنُسِبَت إليهم، ويُنسب إليها جماعةٌ، منهم: نوح بن قيس. يُنظر: "اللباب"(2/ 267).
(2)
الوَطْبَة: الحَيْسُ، يُجْمَعُ فيها بَيْنَ التَّمر والأقِط والسَّمْن. يُنظر:"النهاية"(5/ 203). والأقط هو: لَبَنٌ مُجَففٌ يَابِسٌ مُسْتَحْجِر يُطْبَخُ بِهِ. يُنظر: "النهاية"(1/ 57).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 503، "الجرح والتعديل" 4/ 47، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 370.
3) نُوحُ بن قَيْس الحُدّانيّ الطَّاحيُّ البَصْريُّ، أبو رَوْح.
روى عن: ثُمامة بن عبد الله بن أنس، وأخيه خالد بن قيس، وعبد الله بن عون، وآخرين.
روى عنه: سَعيد بن عُثْمَان البصريُّ، وسعيد بن منصور، وعَفَّان بن مُسْلم، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، والعجليّ، وأبو داود: ثِقَةٌ. وقال ابن المديني: صالحٌ، وليس بالقوي. وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي في "الكاشف": حسنُ الحديث، وقد وُثِّق. وفي "الميزان": صالح الحال. وقال ابن حجر: صدوقٌ. وقال عمرو بن علي الفلاس - كما في "الإتحاف" لابن حجر -: لم يَتَكَلَّم أحدٌ فيه بحجة. وروى له الجماعة، سوى البخاري. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(1)
4) ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ الأَنْصَارِيُّ.
روى عن: جده أنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأبي هُرَيْرة، ولم يدركه.
روى عنه: نُوح بن قَيس، وحَمَّاد بن سلمة، وحُميد الطويل، وعبد الله بن عون، وآخرون.
حاله: قال أحمد، والعِجْلي، والنَّسائيُّ، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: مِنْ فقهاء الأنصار. وقال ابن حجر: صدوقٌ. وقال ثُمَامة: صحبت جدي ثلاثين سنة. وروى له الجماعة. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(2)
5) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سعيد بن عُثمان البصري "مجهول العين".
قلتُ: وقد تُوبع على بعض حديثه:
• فأخرجه البيهقي في "الدلائل" - كما سبق في التخريج - بإسناد صحيحٍ مِنْ طريق سعيد بن مِهْرَان، عن نوح بن قيس، بذكر قصة الدُّعاء فقط.
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(380) ك/الصلاة، ب/الصلاة على الحصير، وأيضًا برقم (860) ك/الآذان، ب/وُضُوءِ الصِّبْيَانِ، وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمُ الغُسْلُ وَالطُّهُورُ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(658) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/جواز الجماعة في النافلة، مِنْ طريق مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ:«قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ» ، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا، قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَفَفْتُ وَاليَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَاءِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 8/ 111، "الجرح والتعديل" 8/ 483، "الثقات" 9/ 210، "التهذيب" 30/ 53، "الكاشف" 2/ 327، "الميزان" 4/ 279، "تهذيب التهذيب" 10/ 486، "إتحاف المهرة" 7/ 17، "التقريب"(7209).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 2/ 177، "الثقات" للعِجْلِيّ 1/ 261، "الجرح والتعديل" 2/ 466، "الثقات" 4/ 96، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/118)، "تهذيب الكمال" 4/ 405، "الكاشف" 1/ 285، "التقريب"(853).
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(1982) ك/الصوم، ب/مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ، مِنْ طُرُقٍ عن حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قَالَ:«أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ» ، ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ المَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَّةً، قَالَ:«مَا هِيَ؟» ، قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ، فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلَا دُنْيَا إِلا دَعَا لِي بِهِ، قَالَ:«اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالا وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ» .
• وأخرج الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(660) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/جواز الجماعة في النافلة، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا وَمَا هُوَ إِلا أَنَا، وَأُمِّي، وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي، فَقَالَ:«قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاةٍ» ، فَصَلَّى بِنَا،
…
ثُمَّ دَعَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»، فَقَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللهِ خُوَيْدِمُكَ ادْعُ اللهَ لَهُ، قَالَ:«فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ، وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ، أَنْ قَالَ: اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ» .
• وأخرج الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(2481) ك/الفضائل، ب/فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه، مِنْ طريق عِكْرِمَة، قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ: جَاءَتْ بِي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللهَ لَهُ، فَقَالَ:«اللهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ» ، قَالَ أَنَسٌ: فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ، الْيَوْمَ.
وعليه فتبقى قصة الخيَّاط على ضَعْفها، حتى نقف على ما يقويها مِنْ المتابعات أو الشواهد، والله أعلم.
* * *
[108/ 508]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُعَاذٍ الأَعْوَرِ.
عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلا أَنَّ الْكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ، لأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ
(1)
». فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو
(2)
: مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِيهِ - وَاللَّهِ - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُعَاذٍ الأعور إلا حمَّاد بن زيد، تَفَرَّدَ به: خالد بن خِدَاشٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه علي بن الجَعْد في "مسنده"(3302) - ومِن طريقه البغوي في "شرح السنة"(2780)، وفي "تفسيره"(3/ 141) - وأحمد في "مسنده"(16788 و 20547 و 20548 و 20562 و 20571)، وفي "العلل"(345)، وفي "مسائله" برواية ابنه صالح (846)، وعبد بن حُميد كما في "المُنتخب"(502)، والدارمي في "سننه"(2051)، وابن ماجه في "سننه"(3205) ك/الصيد، ب/النَّهْيِ عَنِ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ، إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ حَرْثٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، وأبو داود في "سننه"(2845) ك/الصيد، ب/في اتخاذ الكلب للصيد وغيره، والترمذي في "سننه"(1486) ك/الأحكام والفوائد، ب/مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الكِلَابِ، وأيضاً برقم (1489) ك/الأحكام والفوائد، ب/مَا جَاءَ مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا مَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ، والنَّسائي في "الكبرى"(4773) ك/الصيد، ب/صِفَةُ الْكِلَابِ الَّتِي أُمِرَ بِقَتْلِهَا، وفي "الصغرى"(4280)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1092)، وأبو بكر الرُّويَاني في "مسنده"(868 و 892 و 1287)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(5703)، وابن حبَّان في "صحيحه"(5656 و 5657)، وابن الأعرابي في "معجمه"(196)، وابن أخي ميمي في "فوائده"(211)، وأبو نُعيم في "الحلية"(7/ 111)، وفي "معرفة الصحابة"(4518 و 4519)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(4/ 489)، وابن عساكر في "معجمه"(907).
كلهم مِن طُرقٍ عدَّة
(3)
عن الحسن عن عبد الله بن مُغَفَّل، البعض بلفظه، والآخرون مُطولاً. وقد وقع التصريح بسماع الحسن مِن عبد الله بن مُغَفَّل لهذا الحديث عند الإمام أحمد وابن حبَّان وغيرهما، بإسنادٍ صحيحٍ مِن طريق أبي سُفيان بن العلاء عن الحسن، وفيه: فقال له رجلٌ: يا أبا سعيد! مِمَّن سَمِعْتَ هذا الحديث؟ فقال: حَدَّثَنِيهِ - ثُمَّ حَلَفَ - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُذْ كَذَا وَكَذَا، ولقد حدَّثنا في ذلك
(1)
قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 167): البُهْم جَمْعُ بَهِيم، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الَّذِي لَا يُخالط لونَه لونٌ سِوَاهُ.
(2)
لم أهتدي إليه على حد بحثي، والله أعلم.
(3)
قال أبو نُعيم في "معرفة الصحابة" عقب تخريجه لحديث الباب رقم (4519): رَوَاهُ عن الحسن جماعة، وهم: قتادةُ، ويُونُسُ بن عُبَيْدٍ، ومنصورُ بن زَاذانَ، وعِمْرَانُ بن مُسْلِمٍ القَصِيرُ، وأبو سُفْيان، ومُعَاذٌ ابنا العلاء، وأبو حُرَّةَ، وواصلُ بن عبد الرَّحمن، وعُبَيْدُ اللهِ بن طلحة بن عُبَيْدِ اللهِ بن كَرِيزٍ، والسُّدِّيُّ بن يَحْيى، ومُبَارَكُ بن فَضَالة، والحسنُ بن دِينَار، وإسماعيلُ بن مُسْلِم، وأبو حمزة العطَّارُ، ومُعَاذٌ الأعورُ، والهيثم بن أبي الهيثم.
المجلس، وزاد الإمام أحمد في "مسائله": كأنَّهُ أراد غير هذا الحديث (أي سمع مِنْه هذا الحديث وغيره).
واستدل الإمام أحمد بهذا الوجه على ثبوت سماع الحسن مِن عبد الله بن مُغَفَّل، وكان شعبة ويحيى بن سعيد القطان يشتهيان سماع هذا الحديث مِن أبي سُفْيان بن العلاء لما فيه مِنْ إثبات سماع الحسن مِن عبد الله بن مُغَفَّل - كما سيأتي بيانه في دراسة الإسناد إن شاء الله عز وجل.
وقال الترمذي: حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• وأخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(280) ك/الطهارة، ب/حكم ولوغ الكلب، وبرقم (1573) ك/المساقاة، ب/ الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها إلَّا لِصَيْدٍ، أو زَرْعٍ، أو ماشِيَةٍ ونحو ذلك، بسنده مِن طريق شُعْبَة، عن أَبِي التَّيَّاحِ، أنَّه سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ الْمُغَفَّلِ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلابِ، ثُمَّ قَالَ:«مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلابِ؟» ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ.
شواهدٌ للحديث:
أخرج الإمام مسلمٌ في "صحيحه" عن جَابِر بن عَبْدِ اللهِ، قال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلابِ، حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدَمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ:«عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ، فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ»
(1)
.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) خالد بن خِدَاش بن عَجْلان الأَزْدِيُّ، أَبُو الهيثم البَصْرِيّ، والد محمد بن خِداش.
رَوَى عَن: حَمَّاد بن زيد، ومالك بن أنس، وعَبْد اللَّهِ بن وهب، وآخرين.
رَوَى عَنه: مسلم، وأحمد بن حنبل، وأحمد بن القاسم، والرَّازيان، وآخرون.
حاله: قال سُليمان بن حرب: صدوقٌ لا بأس به، وأثنى عليه خيراً، وقال: كان كثير الاختلاف إلى حمَّاد ابن زيد، أو كثير اللزوم له. وقال يحيى بن معين، وأبو حاتم، وصالح بن محمد جزرة: صدوقٌ. وقال محمد ابن سعد، وابن قانع: ثِقَةٌ. وقال يعقوب بن شيبة: ثِقَةٌ صَدوقٌ. وقال الدَّارقطني: ثِقَةٌ رُبَّما وهم. وذكره
…
ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: صدوقٌ يُخطئ.
- وقال ابن المديني، وزكريا الساجي: ضعيفٌ. وأجاب الخطيب البغدادي عن تضعيفه، فقال: ومَن ضَعَّفه ليس لهم في ذلك حجةٌ، غير ما ذُكر مِن انفراده بأحاديث، وهذا ليس بقادحٍ لوجود ذلك في حديث مالك والأئمة. وقال الذهبي: أكثر ما نقموا عليه أنه يتفرَّد بأحاديث عن حمّاد بن زيد، ولا يُنْكَر ذلك فإنّه كان ملازمًا له. وذكروا له بعض مناكيره، وأجاب عنها الخطيب بأنَّ لها أصولٌ عَمَّن رواها عنه.
(2)
(1)
أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(1572) ك/المساقاة، ب/ الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها إلَّا لِصَيْدٍ، أو زَرْعٍ، أو ماشِيَةٍ ونحو ذلك.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 327، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 225، "تاريخ بغداد" 9/ 244، "تهذيب الكمال" 8/ 45، "تاريخ الإسلام" 5/ 560، "تهذيب التهذيب" 3/ 86، "التقريب"(1623).
- والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"؛ فقد وثقه غير واحدٍ، وفيهم أبو حاتم وقد رَوَى عنه.
3) حَمَّاد بن زَيد بن دِرْهَم الأَزْدِيُّ، أَبُو إسماعيل البَصْرِيّ.
رَوَى عَن: مُعاذ الأعور، وأيوب السختيانيُّ، وثابت البُنانيُّ، وآخرين.
رَوَى عَنه: خالد بن خِدَاش، وسُليمان بن حربٍ، والسُفيانان، والنَّاس.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ، أعلم النَّاس بأيوب. وقال حمَّاد: جالست أَيُّوب عشْرين سنة. وقال العِجْلي: ثِقَةٌ ثَبْتٌ في الحديث. وقال أبو زرعة: حمَّاد بن زيد أثبت مِن حمَّاد بن سلمة بكثير، أصح حديثاً وأتقن. وقال ابن سعد: كان ثقةً ثبتاً كثيرَ الحديثِ. وقال ابن حجر: ثقةٌ ثبتٌ فقيهٌ. روى له الجماعة.
(1)
4) مُعَاذ بن سَعْد الأَعْوَر، وقال بعضهم: مُعْاذ بن سَعِيد.
روى عن: الحسن البصري، وعطاء بن أبي رَباح، وآخرين. روى عنه: حمَّاد بن زيد، مهدي بن ميمون.
حاله: قال ابن حجر في "التقريب": مجهولٌ.
(2)
5) الحسن بن أبي الحسن، أبو سعيد البصري:"ثِقَةٌ فَقِيهٌ، فاضلٌ وَرِعٌ، كثير الإرسال، وأمَّا عَنْعَنته فمحمولة على الاتصال والسَّماع في روايته عمَّن صَحَّ له سماعه مِنْه في الجملة، إلا في روايته عن سَمرة بن جُنْدب فإنَّه يُدلس عنه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (31).
وأمَّا عن سماعه مِن عبد الله بن مُغَفَّل فقد ثبت سماعه منه - كما في رواية الباب -، وقال الإمام أحمد: سمع الحسن مِن ابن مُغَفَّلٍ
(3)
، وقد روى الإمام أحمد حديث الباب - كما سبق في التخريج - وفيه
(4)
: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا سعيد! مِمَّن سَمِعْتُ هَذَا؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِيهِ - ثُمَّ حَلَفَ - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُذْ كَذَا وَكَذَا، وَلَقَدْ حَدَّثَنَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وزاد في "المسائل": كأنَّهُ أراد غير هذا الحديث (أي سمع مِنه حديث الكلاب وغيره)، وقال الإمام أحمد أيضاً
(5)
: قَالَ شُعْبَةُ: كُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ - يَعْنِي حَدِيث الباب - لِأَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنَ ابن مُغَفَّلٍ. وقال البخاري
(6)
: قال يحيى القَطَّان: كنتُ أشتهي أن أسمع من أبي سُفْيان بن العَلاء حديث الحسن عن عَبْد اللَّه بن مُغَفَّل، كان يقول فيه: حدَّثني ابن مُغَفَّل.
6) عَبد اللَّهِ بن مُغَفَّل بن عَبد نَهْم بن عفيف، أبو سَعِيد المُزَنِّيُّ، صاحب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
رَوَى عَن: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وعثمان بْن عفان، وآخرين.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 319، "الجرح والتعديل" 3/ 138، "تهذيب الكمال" 7/ 239، "التقريب"(1498).
(2)
يُنظر: "تهذيب الكمال" 28/ 124، "تهذيب التهذيب" 10/ 191، "التقريب"(6734).
(3)
يُنظر: "مسائل الإمام أحمد" برواية ابنه صالح (2/ 248/844).
(4)
يُنظر: "العلل" للإمام أحمد (1/ 250/345)، "مسائل الإمام أحمد" برواية ابنه صالح (2/ 250/846).
(5)
يُنظر: "العلل" للإمام أحمد (1/ 250/344).
(6)
يُنظر: "التاريخ الكبير"(9/ 39).
رَوَى عَنه: الحسن البَصْرِيّ، وثابت بن أسلم البُنَاني، وعبد اللَّه بن بُرَيدة، وآخرون.
كان مِنَ البَكَّائِينَ، وبايع تَحْت الشَّجَرَة بالحُدَيْبِية، وقال الحسن: كان عَبْد اللَّهِ بن مُغَفَّل أَحد العشرة الذين بعثهم إلينا عُمَر يُفَقِّهون النَّاس، وكان مِن نُقَباء أصحابه. وروى له الجماعة.
(1)
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضعيفٌ"؛ لأجل مُعاذٍ الأَعْور، "مجهول الحال".
ومُعاذٌ هذا قد تابعه جماعةٌ عن الحسن، كما سبق في التخريج، وأسانيدها صحيحة، وأصل الحديث عن عبد الله بن مُغَفَّل في "صحيح مسلم". وفي الباب عن جابر بن عبد الله عند مسلم، كما سبق في التخريج.
وعليه فالحديث بمتابعاته، وشواهده يرتقي مِن "الضعيف" إلى "الصحيح لغيره".
رابعاً: - النَّظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن مُعَاذٍ الأعور إلا حمَّاد بن زيد، تَفَرَّدَ به: خالد بن خِدَاشٍ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يتضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، وتفرد حمَّاد بن سلمة به لا يضر؛ فهو إمامٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، وهو مِمَّن يُحْتَمل تَفَرُّده، وتفرُّد خالد بن خِدَاش عن حمَّاد لا يُؤثر كذلك لشدة لزومه لحمَّاد واختلافه إليه - كما سبق بيانه في دراسة الإسناد -، والله أعلم.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الخطابيُّ: يريد أَنَّهُ لا يأمر بإفناء أمة بأسرها حتى لا يغادر لها أصلاً ولا يبقي منها نسلاً، فإنَّ في كل أمة من خلق اللَّه حكمة، وفي كل جيل من الحيوان منفعةٌ، ولكنَّه أمر بقتل السُّود منها إذا كانت تَقِلُّ منفعتها وتَكْثُر مَضَرتها. ويُقال: إِنَّ سُودَ الكِلابِ شِرَارُهَا وَعُقَّرُهَا. وقال في الكلب الأَسْوَدِ: " إِنَّهُ شَيْطَانٌ "
(2)
.
(3)
وقال البغوي: وحُكِي عن أحمد وإسحاق أَنَّهُمَا قالا: لا يحلُّ صيد الكلب الأَسود، وقيل: جعل الأسود مِنْهَا شَيْطَاناً لِخُبْثَها، لأنَّ الأسود البَهيم أضرها وأعقرها، والكلب أسرع إليه منه إلى جَمِيعها، وهي مع هذا أقلها نفعاً، وأسوئها حراسةً، وأبعدها من الصَّيْد، وأكثرها نعاسًا. وقِيل فِي تَخْصِيص كلاب الْمدِينة بِالقَتْلِ: من حَيْثُ أَن الْمدِينة كانت مهبط الملائكة بالوحي، وهم لا يدخلونَ بَيْتاً فيه كلب. ورُوِي عنْ عمْرو بْن دِينار، عنِ ابْن عُمر: أنّ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمر بِقتْلِ الكِلابِ إِلّا كلْب صيْدٍ، أوْ كلْب غنمٍ، أوْ ماشِيةِ
(4)
.
(5)
(1)
يُنظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر 3/ 996، "أسد الغابة" 3/ 395، "تهذيب الكمال" 16/ 173، "الإصابة" 8/ 312.
(2)
أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(1572) ك/المساقاة، ب/ الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها إلَّا لِصَيْدٍ، أو زَرْعٍ، أو ماشِيَةٍ ونحو ذلك، وسبق ذكر متنه في الشواهد.
(3)
يُنظر: "غريب الحديث"(2/ 141).
(4)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(1571) ك/المساقاة، ب/ الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها إلَّا لِصَيْدٍ، أو زَرْعٍ، أو ماشِيَةٍ ونحو ذلك.
(5)
يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (11/ 212).
وقال الإمام النووي: أجمع العلماء على قتل الكلب العقور، واختلفوا في قتل مالا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولاً بقتلها كلها، ثم نسخ ذلك ونهي عن قتلها إلا الأسود البهيم، ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب التي لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره، ويَسْتدل لما ذكره بحديث ابن المُغَفَّل (أي الذي أخرجه مسلم مِن طريق مُطَرِّف عن ابن المُغَفَّل، وقد سبق ذكره في التخريج).
وقال القاضي عياض: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب إلا ما استثنى من كلب الصيد وغيره، قال: وهذا مذهب مالك وأصحابه. قال واختلف القائلون بهذا: هل كلب الصيد ونحوه منسوخ من العموم الأول في الحكم بقتل الكلاب وأن القتل كان عاما في الجميع أم كان مخصوصا بما سوى ذلك؟ قال: وعندي أن النهي أولاً كان نهياً عاماً عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها، ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية، قال النووي: وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث ويكون حديث ابن المغفل مخصوصاً بما سوى الأسود، لأنه عام فيخص منه الأسود بالحديث الآخر.
(1)
قلتُ: أي أنَّ حديث الباب مُقَيِّدٌ لعموم ما ورد في "صحيح مسلم مِن طريق مُطرف عن عبد الله بن المُغَفَّل، فالأمر بقتل الكلاب منسوخٌ بحديث الباب وغيره إلا ما استثناه النبي صلى الله عليه وسلم وهو الكلب البهيم، ولا يجوز اقتناء الكلاب إلا ما استثناه النبي صلى الله عليه وسلم مِن كلب صيدٍ أو غنمٍ أو زرعٍ أو ماشيةٍ، والله أعلم.
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(10/ 235 - 236).
[109/ 509]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ مِنْ حِفْظِهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مُنْتَهِبٍ
(1)
، ولا مُخْتَلِسٍ
(2)
، ولا خَائِنٍ
(3)
قَطْعٌ».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزُّهْرِيِّ إلا يُونُسُ، ولا عن يُونُسَ إلا ابنُ وَهْبٍ، تَفَرَّدَ به: أبو مَعْمَرٍ.
هذا الحديث مداره على يُونس بن يَزيد، واختُلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: يُونس بن يَزيد، عن الزُّهريِّ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
الوجه الثاني: يونس بن يَزيد، عن الزُّهْريِّ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
يُونس بن يَزيد، عن الزُّهْري، عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة"(2612) بسنده مِنْ طريق الطبراني، عن أحمد بن القاسم، عن أبي مَعْمَر إسماعيل بن إبراهيم، قال: أملى عَليَّ عبد الله بن وهبٍ مِن حفظه، عن يونس بن يَزيد، به.
والحديث ذكره الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 365) بإسناد الطبراني، ومتنه، وقوله، وعزاه إلى "الأوسط".
• وأخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(953)، والخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي"(1466)، والذهبي في "السير"(15/ 488)، مِن عِدَّةِ طُرقٍ عن أحمد بن القاسم، به.
وقال الذهبي: غَرِيبٌ جِدّاً، مع عدالة رُوَاته، فلا تَنْبَغِي الرِّواية إلا مِنْ كتاب، فإنِّي أَرَى ابنَ وَهْبٍ مع حِفْظه وَهِم فيه، وللمتن إسنادٌ غيرُ هذا.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (إسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مَعْمَر بن الحسن الهُذَلي، أَبُو مَعْمَر القَطِيعِيّ الهَرَويّ.
روى عن: عبد الله بن وهب، وابن عُيَيْنَة، وعبد الله بن المُبَارك، وآخرين.
(1)
النَّهْبُ: الْغَارَةُ والسَّلْب: أَيْ لَا يَخْتلس شَيْئًا لَهُ قيمةٌ عالِية. يُنظر: "النهاية"(5/ 133). وفي "عون المعبود"(12/ 59): النَّهب: هو الأخذ على وجه العلانية قَهْراً، والنَّهب وإن كان أقبح مِن الأخذ سراً لكن ليس عليه قَطْعٌ لعدم إطلاق السرقة عليه.
(2)
الخُلْسة: هي مَا يُؤْخَذُ سَلْبا ومُكابَرة. "النهاية"(2/ 61). وفي "لسان العرب" لابن منظور (10/ 156): السَّارِقُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ جَاءَ مُسْتَتِراً إِلَى حِرْزٍ فَأَخَذَ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ، فَإِنْ أَخْذَ مَنْ ظَاهِرٍ فَهُوَ مُخْتَلِس ومُسْتَلِب ومُنْتَهِب ومُحْتَرِس، فَإِنْ مَنَعَ مِمَّا في يَدَيْهِ فَهُوَ غَاصِبٌ. وفي "عون المعبود" (12/ 59): الاختلاس: أخذ الشيء مِن ظاهره بسرعة.
(3)
الخيانة: الأخذُ مِمَّا في يَدِهِ على وجه الأمانة، فيأخذ المال خُفْية، مع إظهار النصح للمالك. "عون المعبود"(12/ 59).
روى عنه: أحمد بن القاسم، والبخاري، ومسلم، والرّاَزيان، وآخرون.
حاله: قال يحيى بن معين، وابن حجر: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال ابن سعد، وابن قانع: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثِّقات". وقال الذهبي: ثَبْتٌ سُنِّيٌّ.
(1)
3) عَبد اللَّهِ بن وَهْب بن مُسْلم القُرَشيُّ، أبو مُحَمَّد المِصْرِي الفقيه.
روى عن: يُونس بن يَزيد الأيليِّ، ومالك بن أنس، واللَّيث بن سعدٍ، وخلقٌ سواهم.
روى عنه: إسماعيل بن إبراهيم، واللَّيث بن سعد، وعلي بن المديني، وخلقٌ.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، وابن سعد، وأبو زرعة، والنَّسائي، والخليلي: ثِقَةٌ. وقال أحمد: صحيحُ الحديثِ، يَفْصِل السَّمَاع مِن العرض، والحديثَ مِن الحديث، ما أَصَحَّ حَدِيثه وأَثْبَتَه. وقال أبو حاتم: صالحُ الحديثِ صدوقٌ. وقال الذهبي: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ حافظٌ عابدٌ. وروى له الجماعة.
- وقال أبو زرعة: نظرتُ في نحو ثلاثين ألف حديثٍ مِن حديث ابن وهب بمصر وغير مصر، لا أعلم أنِّي رأيتُ له حديثاً لا أصل له. وقال النَّسائي: ما أعلمه رَوَى عن الثقات حديثاً مُنْكراً. وقال ابن عدي: مِن أجلَّة النَّاس وثقاتهم، ولا أعلم له حديثاً مُنْكراً إذا حدث عنه ثقةٌ.
- وقال ابن معين: ليس بذاك في ابن جُريج، كان يُستصغر. قال ابن رجب: لأنَّه سَمِعَ مِنه وهو صغير. وقال أحمد: في حديثه عن ابن جريج شيءٌ. قال أبو عوانة: صَدَقَ؛ لأنَّه يَأتي عنه بأشياء لا يأتي بها غيره.
- فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ ثَبْتٌ" في حديثه عن ابن جُريجٍ شيءٌ.
(2)
4) يُونس بن يَزيد الأَيْليُّ، أبو يَزيد القُرَشِيُّ، مَولى مُعَاوية بن أَبي سُفْيَان.
روى عن: الزُّهْري، ونافع مولى ابن عُمَر، وهشام بن عُرْوة، وآخرين.
روى عنه: ابنُ وهبٍ، وابن المبارك، واللَّيث بن سعدٍ، وآخرون.
حاله: قال العِجْليُّ، والنَّسائي: ثِقَةٌ. وقال ابن المبارك، وابن مهدي: كتابه صحيحٌ. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي في "الكاشف": أحد الأثبات. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، إلا أنَّ في روايته عن الزهري وهماً قليلاً، وفي غير الزهري خطأ.
(3)
وروى له الجماعة.
- وقال ابن المبارك: ما رأيتُ أحداً أَرْوَى للزهري مِنْ مَعْمَر، إلا أنَّ يونس أحفظ للمسند، لأنه كان يكتب.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 157، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 102، "تاريخ بغداد" 7/ 247، "تهذيب الكمال" 3/ 19، "الكاشف" 1/ 243، "تهذيب التهذيب" 1/ 274، "التقريب"(415).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 65، "الجرح والتعديل" 5/ 189، "الكامل" 5/ 341، "الإرشاد" للخليلي 1/ 255، "التهذيب" 16/ 277، "تاريخ الإسلام" 4/ 1143، "شرح علل الترمذي" لابن رجب 2/ 492، "تهذيب التهذيب" 6/ 73، "التقريب"(3694).
(3)
وتعقبه صاحبا "تحرير التقريب"(7919)، فقالا - ما ملخصه -: بل ثقةٌ، إمامٌ في الزهري وغيره، ونقلا أقوال أهل العلم في توثيقه وبيان حاله في الزهري، كما سأذكره، ثم قالا: على أنَّه على سعة روايته عن الزهري قد تأتي بعض أحاديث يُخالفُ فيها أقرانه، فكان ماذا؟. قلتُ: وهذا هو ما ذهب إليه ابن حجر في "هدي الساري"، و"فتح الباري" كما سيأتي بإذن الله عز وجل.
وقال يحيى بن معين: مَعْمَر ويُونس عالمان بحديث الزهري. وقال أيضاً: يُونس أسند عن الزهري. وقال أحمد ابن صالح: نحن لا نُقَدِّم في الزهري على يُونس أحداً. وقال أحمد: تَتَبَّعْتُ أحاديثَ يُونس عن الزهري فوجدتُ الحديث الواحد رُبَّمَا سَمِعَهُ مِن الزُّهْريِّ مِرَارًا، وكان الزُّهْري إذا قَدِمَ أيلة نَزَلَ على يُونس، وإذا سار إلى المدينة زامله يونس. وقال ابن حبَّان في "المشاهير": مِن مُتْقِني أصحاب الزهري. وقال المزي: صحب الزُّهْرِيّ ثنتي عشرة سنة، وقيل أربع عشرة سنة. وقال الذهبي في "السير": أكثر عن الزهري، وهو مِن رُفَعاء أصحابه.
- وقال وكيعٌ: سيئ الحفظ. وقال: لقيتُ يُونس وذاكرته بأحاديث الزهري، وجهدت أن يُقِيم لي حديثاً فما أقامه. قال أحمد: سَمِعَ مِنْهُ وَكيعٌ ثلاثةَ أحاديث، ويونس كثير الخطأ عن الزهري، في حديثه مُنْكراتٌ عنه.
قلتُ: أمَّا تضعيف وكيع له، فقد شَذَّ بقوله هذا كما قال الذهبي في "الميزان". وأمَّا كلام البعض في روايته عن الزهري، فمحمول على بعض الأحاديث التي انفرد بها، أو التي خالف فيها أقرانه، وهو مِمَّن يُحْتمل تفرُّده خاصة عن الزهري لطول ملازمته له، ولإتقانه وضبطه؛ وأمَّا المخالفة والغلط فهي لا تُساوي شيئاً بجانب ما روى، فقد أكثر عن الزهري كما سبق؛ لذا لم يتأخر الجمهور كابن معين، وابن المبارك، وابن حبَّان، والذهبي، وغيرهم، على ذكره في أصحاب الزهري والمُقَدَّمين فيه. وهذا هو ما ذهب إليه ابن حجر في "هدي الساري"، فقال: صاحب الزهري، وثَّقَه الجمهور مُطلقاً، وإنَّما ضَعَّفوا بعض روايته حيث يُخالف أقرانه أو يُحَدِّث مِن حفظه فإذا حَدَّث مِن كتابه فهو حجةٌ. وقال في "الفتح": كان مِن خواص الزهري المُلازمين له.
(1)
- فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، إمامٌ في الزهري وغيره" رُبَّما يُخالف إذا حَدَّث مِنْ حفظه، والله أعلم.
(2)
5) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبولٌ، ومُحتملٌ ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
6) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثِرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
ثانياً: - الوجه الثاني:
يونس، عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوفٍ، عن أبيه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه ابن ماجه في "سننه"(2592) ك/الحدود، ب/الخائن والمُنْتَهِب والمُخْتَلِس، قال: حدَّثنا محمَّد بن يحيى، قال: حدَّثنا محمَّدُ بن عاصم بن جَعْفَر المِصْرِيُّ، قال: حدَّثنا المُفَضَّلُ بن فَضَالة، عن يُونُس بن يَزيد، عن ابن شِهَابٍ، عن إبراهيم ابن عبد الرَّحمن بن عوف، عن أبيه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يقول:«لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ» .
وأخرجه المزي في "تهذيب الكمال"(25/ 425)، بسنده مِن طريق المُفَضَّل بن فَضَالة، به.
(1)
يُنظر: "هدي الساري"(ص/455)، "فتح الباري"(13/ 368).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 379، "الجرح والتعديل" 9/ 247، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 648، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/214)، "تهذيب الكمال" 32/ 551، "الكاشف" 2/ 404، "السير" 6/ 297، "الميزان" 4/ 484، "التقريب"(7919).
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد ابن ماجه):
1) محمد بن يحيى بن عبد الله الذُّهْلي: "ثِقَةٌ حافظٌ جليلٌ".
(1)
2) محمد بن عاصم بن جَعْفر المَعَافري: "ثِقَةٌ".
(2)
3) المُفَضَّل بن فَضَالة بن عُبَيد المِصْري: "ثِقَةٌ فاضلٌ عَابدٌ".
(3)
4) يُونس بن يزيد الأَيْلي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، إمامٌ" رُبَّما يُخالف إذا حدَّث مِن حفظه، تَقَدَّم في الوجه الأول.
5) محمد بن مسلم بن شهاب الزُّهْري: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
6) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: "ثِقَةٌ، ويُقال: له رُؤيَةٌ".
(4)
7) عبد الرحمن بن عوف: "صحابيٌّ جليلٌ، وأحد العشرة".
(5)
ثالثاً: - النظر في الخلاف في هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مداره على يُونس بن يزيد، واختُلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: يُونس بن يَزيد، عن الزُّهريِّ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
ولم يَروه عن يُونس بهذا الوجه إلا عبد الله بن وهب وقد حَدَّث به مِن حِفظه، كما سبق.
الوجه الثاني: يونس بن يَزيد، عن الزُّهْريِّ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه رضي الله عنه.
ولم يَروه عن يُونس بهذا الوجه إلا المُفَضَّل بن فَضَالة، وهو ثِقَةٌ كما سبق.
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأقرب إلى الصواب؛ للقرائن الآتية:
أنَّ الوجه الأول قد رواه عبد الله بن وهبٍ عن يُونس بن يزيد، وابن وهبٍ مع إمامته وضبطه وإتقانه، لعلَّه قد وَهِمَ فيه لمَّا حدَّث به مِن حِفظه. وهذا هو ما ذهب إليه الإمام الذهبي رحمه الله، حيث أعلَّ الحديث برواية ابن وهب له مِن حِفْظه، فقال بعد أنْ أخرجه بسنده مِن طريق أحمد بن القاسم: غَرِيبٌ جِدّاً، مع عدالة رُوَاته، فلا تَنْبَغِي الرِّواية إلا مِنْ كتاب، فإنِّي أَرَى ابنَ وَهْبٍ مع حِفْظه وَهِم فيه، وللمتن إسنادٌ غيرُ هذا.
(6)
قلتُ: وأهل الحديث قد يُعِلُّون بعض الأحاديث بعلة لا يُعِلون بها أحاديث أخرى، وهذا هو ظاهر كلام الإمام الذهبي رحمه الله. واستدل الذهبي على ذلك بقوله: وَللمَتْن إِسْنَادٌ غَيْرُ هَذَا.
قلتُ: فالحديث قد أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4984)، والدَّارقطني في "سننه"(3411)،
(1)
يُنظر: "التقريب"(6387).
(2)
يُنظر: "التقريب"(5984).
(3)
يُنظر: "التقريب"(6858).
(4)
يُنظر: "تهذيب الكمال"(2/ 135)، "التقريب"(206).
(5)
يُنظر: "الإصابة"(6/ 543)، "التقريب"(3973).
(6)
يُنظر: "سير أعلام النبلاء"(15/ 489).
كلاهما عن يُونُس بن عبد الأعلى، وابن حزم في "المحلى"(11/ 359 - 360) مِن طريق سَحْنون، كلاهما (يونس، وسحنون) عن ابن وَهْبٍ، قال سَمِعْتُ ابن جُرَيْجٍ، يُحَدِّثُ عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جابر، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ وَلا عَلَى الْمُخْتَلِسِ وَلا عَلَى الْمُنْتَهِبِ قَطْعٌ» .
فابن وهب لمَّا حدَّث بالحديث مِن حِفظه، كما في رواية الباب، عن يونس عن الزهري عن أنسٍ، وخالف فيه غيره حيث رواه المُفَضَّل بن فَضَالة عن يونس عن الزهري عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، وهو عند ابن وهبٍ مِن وجه آخر عن ابن جُريجٍ عن أبي الزبير عن جابر، استدل الإمام الذهبي بذلك على أنَّ ابن وهب لمَّا حدَّث بالحديث مِن حِفظه وَهِمَ فيه، والله أعلم.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
وبناءً على كلام الإمام الذهبي فالحديث بإسناد الطبراني "شاذٌ"؛ لأجل ابن وهبٍ قد حَدَّث به مِن حفظه، مَعَ مُخالفته لما رواه غيره عن يونس بن يَزيد. بينما قال الحافظ ابن حجر: رِجَاله ثِقَاتٌ.
(1)
قلتُ: وليس هناك تعارضٌ بين كلام الحافظين الذهبي وابن حجر؛ فكلاهما أثبت ثقة رجاله، وظاهر كلام الحافظ ابن حجر أنَّه حكم عليه دون النَّظر في سلامة الحديث مِن الشذوذ والعلة، حيث قال:"رجاله ثقاتٌ"، ولم يقل "حديثٌ صحيحٌ، والفرق بينهما معلومٌ عند أهل هذا الفن، والله أعلم.
ب الحكم على الحديث مِن وجهه الراجح بإسناد ابن ماجه:
ومِن خلال ما سبق يَتبيَّن أنَّ الحديث بإسناد ابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوفٍ "صحيحٌ لذاته".
وقال البوصيري: هذا إسنادٌ صَحِيحٌ رِجَاله ثِقَاتٌ. وقال ابن حجر: رَوَاهُ ابن ماجه بإسنادٍ صَحِيحٍ.
(2)
قلتُ: وحديث ابن ماجه يدلُ على أنَّ المُخْتَلس ليس عليه قَطْعٌ؛ أمَّا المُنْتَهِب والخائن فليس عليه قَطْعٌ أيضاً لما رواه أبو الزبير عن جابرٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ ولا عَلَى الْمُخْتَلِسِ ولا عَلَى الْمُنْتَهِبِ قَطْعٌ» .
(3)
وحديث جابر "صحيحٌ" بمجموع طرقه وشواهده. قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ. وقال الشوكاني: وهذه الأحاديث يُقوي بعضها بعضا. وقال ابن حجر: حديثٌ قويٌ، ثُمَّ أخرج طُرُقَه، وقال: فَقَوِى الحديث (أي بمجموع طرقه)، وقد أجمعوا على العمل به إلا من شذَّ.
(4)
(1)
يُنظر: "الدراية في تخريج أحاديث الهداية"(2/ 110).
(2)
يُنظر: "مصباح الزجاجة"(2/ 113)، "التلخيص الحبير"(4/ 123).
(3)
أخرجه أحمد في "مسنده"(15070)، وابن ماجه في "سننه"(2591) ك/الحدود، ب/الخائن والمُنْتَهِب والمُخْتَلِس، وأبو داود في "سننه"(4391 - 4393) ك/الحدود، ب/القطع في الخلسة والخيانة، والترمذي في "سننه"(1448) ك/الحدود، ب/ما جاء في الخائن والمُخْتلس والمُنْتَهب، والنَّسائي في "الكبرى"(7419 - 7427) ك/قطع السارق، ب/ما لا قطع فيه، وغيرهم.
(4)
يُنظر: "سنن الترمذي" حديث رقم (1448)، "عون المعبود"(12/ 61)، "فتح الباري"(12/ 91 - 92).
رابعاً: - النَّظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن الزُّهْرِيِّ إلا يُونُسُ، ولا عن يُونُسَ إلا ابنُ وَهْبٍ، تَفَرَّدَ به: أبو مَعْمَرٍ.
قلتُ: مِن خلال ما سبق في التخريج يتضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه؛ أي بالوجه الأول.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الخطابي: أجمع عامة أهل العلم على أن المُخْتَلس والخائن لا يُقْطَعان، وذلك أنَّ الله سبحانه إنَّمَا أوجب القطع على السارق؛ والسرقة إنما هي أخذ المال المحفوظ سراً عن صاحبه، والاختلاس غير محترز منه فيه. وقد قيل: إنَّ القطع إنما سقط عن الخائن لأنَّ صاحب المال قد أعان على نفسه في ذلك بائتمانه إياه، وكذلك المختلس، وقد يُحتمل: أن يكون إنَّما سقط القطع عنه لأنَّ صاحبه قد يمكنه رفعه عن نفسه بمجاهدته، وبالاستغاثة بالناس، فإذا قَصَّر في ذلك ولم يفعل صار كأنه أتي من قبل نفسه.
وحُكي عن إياس بن معاوية أنَّه قال: يُقطع المختلس، ويحكى عن داود أنه كان يرى القطع على من أخذ مالاً لغيره سواء أخذه من حرز أو غير حرز وهذا الحديث حجة عليه.
(1)
قال النووي: صان الله تعالى الأموال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغضب؛ لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمور وتسهل إقامة البينة عليه، بخلاف السرقة فإنه تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها، وقد أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة وإن اختلفوا في فروع منه.
(2)
وقال ابن حجر: وأجمعوا أنّه لا قطع على المُخْتلس إلا مَن شَذَّ، وأجمعوا على أن لا قطع على الخائن، ولا على المنتهب إلا إن كان قاطع طريق، والله أعلم.
(3)
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يقطع المنتهب والخائن والمختلس، قال ابن الهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَعَلَيْهِ بَاقِي الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عمر وابن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ، لَكِنَّ مَذْهَبَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فِي جَاحِدِ الْعَارِيَةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ. انْتَهَى
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "معالم السنن"(3/ 306).
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(11/ 180 - 181).
(3)
يُنظر: "فتح الباري"(12/ 92).
(4)
يُنظر: "عون المعبود"(12/ 59).
[110/ 510]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْغَضِيضِيُّ
(1)
، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لا يَنْكِح الْمُحْرِمُ، ولا يَخْطُبُ، ولا يُخْطَبُ عَلَيْهِ، ولا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، ولا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ إلا عُمَرُ، تَفَرَّدَ به: ابنُ وَهْبٍ.
الشق الأول مِنْ هذا الحديث بقوله: "لا يَنْكِح الْمُحْرِمُ، ولا يَخْطُبُ، ولا يُخْطَبُ عَلَيْهِ» مداره على نافعٍ، واختلف عنه مِن ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنه (مرفوعًا).
الوجه الثاني: نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنه (موقوفًا).
الوجه الثالث: نَافِعٍ، عن نُبَيْهِ بن وَهْبٍ، عن أَبَانَ بن عُثْمَانَ، عن أَبِيهِ عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه (مرفوعًا).
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنه (مرفوعًا).
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الدارقطني في "العلل"(13/ 74/مسألة 2963) - مُعَلَّقًا -، قال: يرويه ميمون بن زيد، عن عمر بن محمد، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• وأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 151)، والدَّارقطني في "سننه"(3650)، مِنْ طريق مُسْلِمِ بن خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ، عن إِسْمَاعِيلَ بن أمية؛ والدَّارقطني في "سننه"(3651)، مِنْ طريق الضَّحَّاك بن عُثْمَان الحِزَاميّ؛ كلاهما عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُحْرِمُ لا يَنْكِحُ ولا يُنْكَحُ» . وزاد الضَّحَّاك: «ولا يَخْطُبُ ولا يَخْطُبُ عَلَى غَيْرِهِ» . وقال العُقيلي: هذا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وهذا رَجُلٌ ضَعِيفٌ، يعني: الزَّنْجِيّ.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) محمد بن يوسف بن الصَّبَّاح الغَضِيضيُّ.
روى عن: ابن وهبٍ، وابن عُيَيْنَة، ورِشْدين بن سعد، وآخرين.
(1)
الغَضِيضيُّ: بِفَتْح الغَيْن، وكسر الضَّاد، وسُكُون الياء، وفي آخرها ضاد ثَانِيَة، وهي: نسبة إلى حَمْدونة بنت غَضِيض، أُمِّ وَلَدِ الرَّشِيد، كان يتولى أمرها، فَنُسِبَ إليها. يُنظر:"تاريخ بغداد"(4/ 620)، "اللباب"(2/ 384).
روى عنه: أحمد بن القاسم، وأبو زرعة، وأبو يعلى المَوصليّ، وآخرون.
حاله: ذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: كان راوياً لابن وهبٍ. وقال الخطيب، والذهبي: ثِقَةٌ.
(1)
3) عَبد اللَّهِ بن وَهْب بن مسلم القُرشيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ" في حديثه عن ابن جُريجٍ شيءٌ، تَقَدَّم في رقم (109).
4) عُمَر بن مُحَمَّد بن زَيْد بن عَبد الله بن عُمَر بن الخطاب القرشيُّ.
روى عن: نافع، وجده زيد بن عبد الله، وزيد بن أسلم، وآخرين.
روى عنه: ابنُ وهبٍ، والسُفْيانان، وشعبة، وآخرون.
حاله: قال أحمد، وابن معين، والعِجْلي، وأبو داود، والدَّارقطني، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ صَدُوقٌ. وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ صَدُوقٌ".
(2)
5) نَافع مولى ابن عُمر: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقيهٌ، مَشْهورٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (29).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنه (موقوفًا).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه مالك في "الموطأ" - برواية يحيى الليثي - (999) عن نافعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ:«لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ ولا يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ، ولا عَلَى غَيْرِهِ» .
ومِنْ طريق مالك أخرجه أبو مصعب الزهري (1179 و 1541)، ومحمد بن الحسن الشيباني (437)، والشافعي في "مسنده"(1277)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 151)، بسنده عن القعنبي، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4200)، بسنده عن بِشْر بن عُمر.
• وابن الجعد في "مسنده"(2892)، عن ابن أبي ذئب، والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 151)، مِنْ طُرُقٍ عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عن أيوب السختيانيّ، والعقيلي أيضاً في "الضعفاء الكبير"(4/ 152)، والبيهقي في "الكبرى"(14200)، كلاهما مِنْ طريق مطر بن طهمان الورَّاق، ويعلى بن حكيم.
أربعتهم (ابن أبي ذئب، وأيوب، ومطر، ويعلى) عن نافع، عن ابن عمر، بنحوه.
وقال العقيلي: قال الحُمَيْدِيُّ: ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا أَدْرِي، وَلَا يَخْطُبُ في الحديث أم لا؟ فَأَمَّا في حَدِيثِ ابن عُمَرَ قَوْلُهُ فَلَيْسَ فِيهِ شَكٌّ، وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ النُّفَيْلِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزنجيّ.
وقال البيهقي: وَرُوِيَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِالشَّكِّ، وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 120، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 84، "تاريخ بغداد" 4/ 620، "تاريخ الإسلام" 5/ 936.
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 171، "الجرح والتعديل" 6/ 131،"الثقات" لابن حبَّان 7/ 165، "تاريخ بغداد" 13/ 5، "تهذيب الكمال" 21/ 499، "الكاشف" 2/ 69، "التقريب"(4965).
وقال ابن شاهين في "ناسخ الحديث ومنسوخه" - بعد أن أخرج الحديث رقم (513) مِنْ طريق نافع مِنْ حديث عثمان بن عفَّان رضي الله عنه: وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، ولا يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
متابعات للوجه الثاني الموقوف عن ابن عمر:
• أخرجه ابن شاهين في "ناسخ الحديث ومنسوخه"(519)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلا يَنْكِحُ غَيْرُهُ، وَلا يَخْطُبُ عَلَى غَيْرِهِ.
ثالثاً: - الوجه الثالث:
نَافِعٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه (مرفوعاً).
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه مالك في "الموطأ"(997) - ومِنْ طريقه الشافعي في "مسنده"(1271)، وأحمد في "مسنده"(401)، ومسلمٌ في "صحيحه"(1409/ 1) ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ، وابن ماجه في "سننه"(1966) ك/النكاح، ب/المحرم يتزوج، وأبو داود في "سننه"(1841) ك/المناسك، ب/المحرم يتزوج، والنَّسائي في "الكبرى"(3811 و 3812) ك/المناسك، ب/النهي عن النكاح للمحرم، وبرقم (5390) ك/النكاح، ب/النهي عن نكاح المحرم، والنَّسائي أيضًا في "الصغرى"(2842 و 2843 و 3275)، وابن الجارود في "المنتقى"(444 و 694)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2649)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3081)، والطحاوي في "شرح المشكل"(5793)، وفي "شرح معاني الآثار"(4199)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4123 و 4139)، والدَّارقطني في "سننه"(2640 و 2641)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث"(1/ 127)، والبيهقي في "الكبرى"(9151 و 14198)، والبيهقي أيضًا في "المعرفة"(9739 و 14126) -، قال: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمُحْرِمُ لا يَنْكِحُ، وَلا يُنْكِحُ، وَلا يَخْطُبُ» .
• وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(74 و 88) - ومِنْ طريقه الخطيب البغدادي في "الفصل للوصل المدرج في النقل"(2/ 853) -، وعلي بن الجعد في "مسنده"(2894)، والبزار في "مسنده"(366)، والطحاوي في "شرح المشكل"(5793) وفي "شرح معاني الآثار"(4199)، عن ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، ولا يَخْطُبُ» .
• وأحمد في "مسنده"(462)، ومسلمٌ في "صحيحه"(1409/ 3) ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ، والنَّسائي في "الكبرى"(5391) ك/النكاح، ب/إنكاح المحرم، وفي "الصغرى"(3276)، وابن شاهين في "ناسخ الحديث ومنسوخه"(513)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3084 و 4135)، والبيهقي في "الكبرى"(9152 و 14200)، مِنْ طُرُقٍ عن سَعِيد بن أبي عروبة، عَنْ مَطَرٍ بن طهمان الوراق، وَيَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَان، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، ولا يُنْكِحُ، ولا يَخْطُبُ» .
• وأحمد في "مسنده"(492 و 535)، وعبد بن حُميد في "مسنده" كما في "المنتخب"(45)، والدارمي في "سننه"(1864)، ومسلمٌ في "صحيحه"(1409/ 2) ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ، والترمذي في "سننه"(840) ك/الحج، ب/ما جاء في كراهية تزويج المحرم، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3082)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4128)، والبيهقي في "الكبرى"(14199)، من طرق عن أَيُّوب السختيانيّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَرَادَ عمر بن عبيد الله بْنُ مَعْمَرٍ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ ابْنَةَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ، فَبَعَثَنِي إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَهُوَ أَمِيرُ الْمَوْسِمِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَخَاكَ أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يُشْهِدَكَ ذَاكَ، فَقَالَ: أَلا أُرَاهُ عِرَاقِيًّا جَافِيًا إِنَّ الْمُحْرِمَ لا يَنْكِحُ وَلا يُنْكِحُ، ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ عُثْمَانَ بِمِثْلِهِ يَرْفَعُهُ.
وقال الترمذي: حَدِيثُ عُثْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لَا يَرَوْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ المُحْرِمُ، قَالُوا: فَإِنْ نَكَحَ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ.
متابعات للوجه الثالث عن عُثْمَان رضي الله عنه مرفوعاً:
• وأخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(1409/ 5) ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ، مِنْ طريق سَعِيد بن أبي هِلَالٍ، عَنْ نُبَيْهِ بن وَهْبٍ، وذكره بلفظ رواية أيوب السختيانيّ.
رابعاً: - وأمَّا الشق الثاني مِنْ الحديث بقوله:
• فأخرجه مالك في "الموطأ"(1994)، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» . ومن طريق مالك أخرجه: أحمد في "مسنده"(5304)، والبخاري في "صحيحه"(2139)، ك/البيوع، ب/لَا يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ، ومسلم في "صحيحه"(1412)، ك/البيوع، ب/تَحْرِيمِ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وابن ماجه في "سننه"(2171)، ك/التجارات، ب/لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، والنَّسائي في "الكبرى"(6050)، ك/البيوع، ب/بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وأبو يعلى في "مسنده"(5801)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4225)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4047 و 4965).
• وابن طهمان في "مشيخته"(184)، وأحمد في "مسنده"(4722 و 6276)، وعبد بن حميد في "مسنده" - كما في "المنتخب"(756) -، والدارمي في "سننه"(2222)، ومسلم في "صحيحه"(1412/ 2)، ك/النكاح، ب/ تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ، وأيضاً في ك/البيوع، ب/تَحْرِيمِ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وابن ماجه في "سننه"(1868) ك/النكاح، ب/لَا يَخْطُبِ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وأبو داود في "سننه"(2081)، ك/النكاح، ب/فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، والنسائي في "الكبرى"(6051)، ك/البيوع، ب/ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4224)،
وابن حبَّان في "صحيحه"(4966)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، ولا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ» .
• وعبد الرزَّاق في "المصنَّف"(14868)، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ العُمريّ.
• وابن الجعد في "مسنده"(3159) - ومن طريقه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4228)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4051) -، عَنْ صَخْرٍ بْنُ جُوَيْرِيَةَ.
• وابن الجعد في "مسنده" برقم (3160)، وأحمد في "مسنده"(6088 و 6411)، ومسلم في "صحيحه"(1412/ 4)، ك/النكاح، ب/ تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ، عن حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوب.
• وأحمد في "مسنده"(6034 و 6036)، والطبراني في "الشاميين"(2949)، مِنْ طريق شُعَيْب بن أبي حمزة.
• وأحمد في "مسنده"(6060)، ومسلم في "صحيحه"(1412/ 1)، ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ، والترمذي في "سننه"(1292)، ك/البيوع، ب/مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ البَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، والنسائي في "الكبرى"(5334)، ك/النكاح، ب/النَّهْيُ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وفي "الصغرى"(3238)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن الليث بن سعد.
…
وقال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• والبخاري في "صحيحه"(5142)، ك/النكاح، ب/لَا يَخْطُبُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَدَعَ، والنسائي في "الكبرى"(5340)، ك/النكاح، ب/خِطْبَتُهُ إِذَا أَذِنَ الْخَاطِبُ، مِنْ طُرُقٍ عن ابن جُرَيْجٍ.
ستتهم (العُمري، وصخر، وأيوب، وشُعيب، والليث، وابن جُريج)، عن نافع، بنحوه.
خامسًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الشق الأول مِنْ هذا الحديث بقوله: "لا يَنْكِح الْمُحْرِمُ، ولا يَخْطُبُ، ولا يُخْطَبُ عَلَيْهِ» مداره على نافعٍ، واختلف عنه مِن ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنه (مرفوعًا).
الوجه الثاني: نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنه (موقوفًا).
الوجه الثالث: نَافِعٍ، عن نُبَيْهِ بن وَهْبٍ، عن أَبَانَ بن عُثْمَانَ، عن أَبِيهِ عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه (مرفوعًا).
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني، والثالث هما الأقرب إلى الصواب؛ للقرائن الآتية:
أ أمَّا الوجه الأول فقد روي عن نافع مِنْ طُرُقٍ ثلاثة لم يَسْلم مِنْها مِنْ الضعف إلا الطريق الأول الذي أخرجه الطبراني في "الأوسط" رواية الباب، ومع ذلك فقد خالفه راويه ما رواه عامة الثقات عن نافع، كما في الوجه الثاني والثالث، لذا أنكر العقيلي الوجه الأول، وأعلَّه بالوجه الثاني والثالث - كما سبق في التخريج -.
ب ترجيح الأئمة للوجه الثاني، والثالث: فقال العقيلي: قال الحُمَيْدِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ: حَدِيث ابن عُمَرَ قَوْلُهُ لَيْسَ فيه شَكٌّ، وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ النُّفَيْلِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزنجيّ.
وقال الدارقطني: والصحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ، موقوفًا، وعن نافع، عن نُبَيْه بن وهب، عن أبان بن عثمان، عن عثمان مرفوعًا.
(1)
وقال البيهقي: وَرُوِيَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِالشَّكِّ، وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ.
ت وجود مُتابعات للحديث على الوجه الثاني والثالث، دون الأول.
قلتُ: وأمَّا الشق الثاني مِنْ الحديث بقوله: «ولا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، ولا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ» فلم يُختلف فيه على نافع، بل رواه الجماعة - كما سبق - عن نافع عن ابن عمر (مرفوعًا).
وبهذا يَتبيَّن أنَّ عُمر بن محمد قد أخطأ في رواية الباب حين ساق الحديث بشقيه، وجعلهما جميعًا مِنْ رواية نافع عن ابن عُمر مرفوعاً؛ والصواب أنَّ الشق الأول مِنْ الحديث إنَّما هو عن ابن عُمر مَوقوفًا، والشق الثاني وحده عن ابن عُمر مرفوعًا - والله أعلم -.
سادسًا: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "شاذٌّ" بشقه الأول، دون شقه الثاني؛ فقد خالف فيه عُمر بن محمد ما رواه عامة الثقات عن نافع، حيث رفع ما أوقفوه، وأمَّا الحديث بشقه الثاني "فصحيحٌ لذاته"، فلم يخالف فيه الثقات، بل تابعه الجماعة عليه - كما سبق في التخريج -.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط" عن أحمد بن القاسم، فإن كان أحمد بن القاسم بن عطية فهو ثقة، وإن كان غيره فلم أعرفه، وبقية رجاله لم يتكلم فيهم أحد.
(2)
قلتُ: بل هو أحمد بن القاسم بن مُساور الجوهري، بدليل ما قبله، وما بعده مِنْ الأحاديث، وهو:"ثِقَةٌ".
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح - الثاني، والثالث - "صحيحٌ لذاته"، والله أعلم.
سابعًا: - النَّظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ إلا عُمَرُ، تَفَرَّدَ به: ابنُ وَهْبٍ.
قلتُ: وبالتأمل في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه، وبالنظر في طرق الحديث ومتونه بعد التخريج، يَتَبَيَّن بجلاءٍ ووضُوحٍ دقة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه، وسعة اطلاعه على الروايات، فالحديث لم يروه عن نافع، عن ابن عُمر إلا عُمر بن محمد، تَفَرَّد به ابن وهبٍ، أي: بهذا السياق، بجعل الحديث بشِقَّيْه - الأول، والثاني - مِنْ حديث ابن عُمر مرفوعًا؛ مع العلم أنَّه قد رواه عن نافع اثنان مِنْ الرواة، وهما: إسماعيل بن أمية، والضحاك بن عُثْمَان؛ لكنهما رويا هذا الحديث بغير هذا السياق، فكلاهما روى الحديث بشقه الأول فقط؛ والله أعلم.
(1)
يُنظر: "العلل"(13/ 74/مسألة 2963).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 268).
ثامنًا: - التعليق على الحديث:
قال الإمام مَالِك: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا نرَى - واللَّهُ أعلم - "ولا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ": أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، فَتَرْكَنَ إِلَيْهِ، وَيَتَّفِقَانِ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ تَرَاضَيَا، فَهِيَ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهَا، فَتِلْكَ الَّتِي نَهَى أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُوَافِقْهَا أَمْرُهُ، وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْهِ، أَنْ لَا يَخْطُبَهَا أَحَدٌ، فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ.
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "الموطأ"(2/ 27).
[111/ 511]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: نا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا إِسْرَائِيلُ، قَالَ: نا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَخِي جُوَيْرِيَةَ.
عَنْ جُوَيْرِيَةَ، قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ تُوُفِّيَ إلا بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَسِلاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي إسحاقَ إلا إسرائيلُ، تَفَرَّدَ به: مُؤَمَّلٌ.
هذا الحديث مداره على إسرائيل بن يُونس، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: إسرائيل بن يُونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث، عن جُوَيْرِيَة، مِن قولها.
الوجه الثاني: إسرائيل بن يُونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث، مِن قوله.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث، عن جُوَيْرِيَة، مِن قولها.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف - على حد بحثي - على أحدٍ رواه عن إسرائيل بهذا الوجه إلا مُؤَمَّل - برواية الباب -.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) إِبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّد بن عَرْعَرَة بن البِرِنْد بن النُّعْمَان، أبو إسحاق البَصْرِيّ.
رَوَى عَن: عبد الرحمن بن مَهْدي، ويحيى بن سعيد القَطَّان، ومُؤمَّل بن إسماعيل، وآخرين.
رَوَى عَنه: الإمام مسلم، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، وأحمد بن القاسم، وآخرون.
حاله: قال يحيى بن معين: ثِقَةٌ مَعْروفٌ بالحديث، كان يحيى بن سعيد يُكْرمه، مَشْهورٌ بالطلب، كَيِّسُ الكِتَاب، ولكنه يُفْسِدُ نَفْسَه يَدْخل في كلِّ شيءٍ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ. وذكره ابن حِبَّان في "الثقات". وقال الخليلي، وابن قانع، وابن نقطة: ثِقَةٌ. وقال الذهبي في "الكاشف": ثِقَةٌ حافظٌ يُغْرِبُ. ووثَّقه في "الميزان" مُطْلَقاً. وقال ابن حجر: ثقةٌ حافظٌ تكلم أحمد في بعض سماعه.
(1)
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ حافظٌ".
(2)
(1)
سُئل الإمام أحمد عن حديث قتادة، عن أبي حسَّان، عن ابن عباس:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَزُورُ البَيْتَ كُلَّ لَيْلَة؟ " فقال: كتبوه من كتاب مُعَاذ (أي ابن قتادة)، ولم يسمعوه. فقيل له: إنَّ ابن عَرْعَرَة يزعم أنَّه سَمِعه مِنْه! فتغير وجهه، ونفض يده، واستعظم ذلك منه. وسُئل عنه، فقال: أُفٍ، لا يُبَالون عمَّن كَتَبوا، يعني إبراهيم بن عَرْعَرَة. وأجاب الخطيب البغدادي في "تاريخه"(7/ 77)، فقال: ما الذي يمنع أن يكون ابن عَرْعَرة سَمِعَ هذا الحديث من مُعاذ مع سماعه منه غيره؟ وقد قال أبو حاتم: صدوقٌ. وقال الذهبي في "السير"(11/ 482): صَدَقَ أبو بكر، ولا سِيَّمَا وإبراهيمُ مِنْ كِبَارِ طَلَبَةِ الحديثِ المعنِيِّيْنَ به.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 130، "الثقات" لابن حِبَّان 8/ 77، "تاريخ بغداد" 7/ 75، "تهذيب الكمال" 2/ 178، "الكاشف" 1/ 222، "السير" 11/ 479، "الميزان" 1/ 56، "إكمال تهذيب الكمال" 1/ 282، "تهذيب التهذيب" 1/ 155، "التقريب"(238).
3) مُؤَمَّل بن إِسماعيل القرشي العدوي، أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ البَصْرِيّ.
روى عن: إسرائيل بن يُونس، والحمَّادين، والسُفْيانين، وشعبة، وآخرين.
رَوى عنه: ابن عَرْعَرة، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وإسحاق بن راهُويه: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: رُبَّما أخطأ. وقال الدَّارقطني: ثقةٌ كثير الخطأ.
- وقال أبو حاتم: صدوقٌ، شديدٌ في السُّنَّة، كثير الخطأ، يُكتب حديثه. وقال أبو زرعة: في حديثه خطأٌ كثير. ولمَّا سُئل أبو داود عنه: رَفَعَ مِنْ شأنه وعَظَّمَه، وقال: إلا أنَّه يَهِمُ في الشيء. وقال يعقوب بن سُفْيان: كان مَشْيَخَتُنا يُوصون به، إلا أنَّ حديثَه لا يُشْبِه حديثَ أصحابه، وقد يجب على أهل العلم أن يَقِفُوا عن حديثه؛ فإنَّه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشد؛ فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنَّا نجعل له عُذْرًا. وقال محمد بن نصر المروزي: المُؤَمَّل إذا انفرد بحديثٍ وجب أن يُتَوقف ويُتَثَبتُ فيه؛ لأنَّه كان سيئ الحفظ كثير الغلط. وقال الذهبي في "الميزان": يُخطئ. وقال ابن حجر: صدوقٌ سيّئُ الحفظِ.
(1)
- والحاصل: أنَّه "ضعيفٌ يُعتبر به"، فالتوثيق محمولٌ على العدالة، والتضعيف محمولٌ على الحفظ والضبط، وبهذا يُجْمع بين القولين وهو أولى. ويَدُل على ذلك قول أبي حاتم فيه "صدوقٌ" وفسر ذلك بقوله: شديدٌ في السُّنَّة. بالإضافة إلى أنَّ الجرح هو قول الأكثرين، وهو مُفَسَّرٌ بكثرة الخطأ والمخالفة فيُقدَّم على التعديل، لذا فبعض مَن وثَّقه قيَّد التوثيق بكثرة الخطأ، والله أعلم.
4) إسرائيل بن يُونس بن أَبي إسحاق السَّبِيعيُّ، أبو يوسف الكُوفيُّ.
روى عن: جده أبي إسحاق السَّبِيعيِّ، والثوري، ومنصور بن المُعْتمر، وآخرين.
روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيعٌ بن الجرَّاح، ومُؤَمَّل بن إسماعيل، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، والعجلي، وابن سعد: ثِقَةٌ. وقال أحمد: إسرائيل صاحبُ كتابٍ. وسُئل أحمد: إذا تفرَّد إسرائيل بحديثٍ يُحْتج به؟ فقال: إسرائيل ثبتٌ في الحديث. وَقَال أبو حاتم: ثقةٌ مُتقنٌ، مِن أتقن أصحاب أبي إسحاق. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": مِن المُتْقِنين. وقال الذهبي: ثقةٌ حافظٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، تُكُلِّم فيه بلا حجةٌ. وروى له الجماعة.
- وقَال إسرائيل: كنت أحفظ حديث أَبِي إِسْحَاق كما أحفظ السورة من القرآن. وقال ابن مَهْدِيٍّ: إسرائيل فِي أَبِي إِسْحَاق أثبت من شُعْبَة والثوري. وقال الذهبي: وإليه أذهب. وقال عيسى بن يونس: كان أصحابنا سفيان، وشريك وعَدَّ قوماً إذا اختلفوا في حديث أبي إسحاق يَجيئون إلى أبي، فيقول: اذهبوا إلي ابني إسرائيل، فهو أَرْوَى عنه مِنِّي وأتقن لها مِنِّي، وهو كان قائد جده.
(2)
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 374، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 187، "تهذيب الكمال" 29/ 176، "الميزان" 4/ 228، "تهذيب التهذيب" 10/ 380، "التقريب، وتحريره"(7029).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 222، "الجرح والتعديل" 2/ 330، "الثقات" 6/ 79، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/200)، "الكامل" 2/ 135، "تاريخ بغداد" 7/ 477، "التهذيب" 2/ 515، "تاريخ الإسلام" 4/ 307، "الميزان" 1/ 208، "التقريب"(401)،
…
وأطال الذهبي في ترجمته والجواب عن كل مَن ضعَّفه، وبيَّن أنَّه أثبت في جده مِن سُفيان وشعبة في "السير" 7/ 355.
- والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ مُتْقِنٌ، مِنْ أثبت أصحاب أبي إسحاق".
5) أبو إسحاق عَمرو بن عبد الله، السَّبيعيُّ: "ثِقَةٌ، إمامٌ، عابدٌ، مُكْثِرٌ، مُدَلِّسٌ من الثالثة - فلا بد أن يُصَرِّح بالسماع، إلا أذا كان الراوي عنه شعبة، أو روى هو عن أبي الأحوص -، اختلط بآخرةٍ - فيُقبل حديثه من رواية القدماء عنه، لا المتأخرين -، تَقَدَّم في الحديث رقم (9).
6) عَمْرو بن الحارث بن أَبي ضِرار، أخو جُوَيْرِيَة بنت الحارث زوج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
روى عن: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وعَن أبيه الحارث، وعبد اللَّه بْن مسعود، وآخرين.
روى عنه: أَبُو إِسْحَاق، وأبو عُبَيدة بْن عَبد الله بْن مسعود، وزياد بْن أَبي الجعد، وآخرون.
لَهُ ولأبيه صحبة، وروى له الجماعة.
(1)
7) جُوَيْرِيَة بنت الحارث بن أبي ضِرَار الخُزَاعية المُصْطَلقية أم المؤمنين.
روت عن: النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. روى عنها: عَبد الله بْن شداد، وعبد الله بن عبَّاس، وعُبَيد بن السَّبَّاق، وآخرون.
سباها رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوم المُرَيْسِيع وهي غزوة بني المصطلق، وكانت المريسيع في السنة الخامسة، وقيل: في السادسة، وكان اسمها بَرَّة، فسماها رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جُوَيْرِيَة. روى لها الجماعة. وماتت سنة خمسين على الصحيح، كما قال الحافظ ابن حجر في "التقريب".
(2)
ثانيًا: - الوجه الثاني:
إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث، مِن قوله.
أ تخريج الوجه الثاني: ورواه عن إسرائيل بهذا الوجه جماعة:
• فأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 275)، قال: أخبرنا عُبيد الله بن موسى بن باذام العبسيُّ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عَمرو بن الحارث، قال: لم يَتْرك رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إلا بَغْلَتَهُ البَيْضَاء، وَسِلاحاً، وأرضاً جَعَلها صَدَقَةً.
والطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 44/94)، بسنده عن عُبَيد الله بن موسى، بنحوه.
• وأخرجه عُمر بن شَبَّة في "تاريخ المدينة"(1/ 200)، عن عبد الله بن رجاء بن عُمر، وأبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزُّبير، كلاهما عن إسرائيل بن يُونس، به.
• والترمذي في "الشمائل المحمدية"(400)، قال: حدَّثنا أحمد بن مَنِيعٍ، قال: حدَّثنا حُسَيْنُ بن محمَّد بن بهرام التَّميميُّ، قال: حدَّثنا إسرائيل، به.
(1)
يُنظر: "الاستيعاب" 3/ 1171، "أسد الغابة" 4/ 197، "تهذيب الكمال" 21/ 569، "الإصابة" 8/ 429.
(2)
يُنظر: "الاستيعاب" 4/ 1804، "أسد الغابة" 7/ 57، "التهذيب" 35/ 145، "التقريب"(8554)، "الإصابة" 13/ 255.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد ابن سعدٍ):
1) عُبيد الله بن موسى بن بَاذَام العَبْسي: "ثِقَةٌ، قال أبو حاتم: كان أثبت في إسرائيل مِن أبي نُعيم".
(1)
2) وأمَّا بقية الإسناد: فسبق بيان حالهم في الوجه الأول.
ت مُتابعات للوجه الثاني: ولم يَنْفرد إسرائيل برواية هذا الوجه، بل تابعه جماعةٌ مِن الثقات، كالآتي:
• أخرجه ابن الجعد في "مسنده"(2631) - ومِن طريقه ابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 207)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(7/ 273)، وابن عساكر في "الأربعون البلدانية"(ص/117)، وابن الأثير في "أسد الغابة"(4/ 199) -، وابن سعد في "الطبقات"(2/ 275)، والبخاري في "صحيحه"(2739) ك/الوصايا، ب/الوصايا، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2760)، والطبراني في "الكبير"(17/ 44/92)، والدَّارقطني في "سننه"(4400)، وأبو نُعيم في "الحلية"(4/ 345)، وفي "معرفة الصحابة"(5030)، والبيهقي في "الكبرى"(11895)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(6/ 560)، وفي "المتفق والمفترق"(1148) - ومِن طريقه الذهبي في "السير"(19/ 24)، وفي "تاريخ الإسلام"(10/ 560) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(62/ 11)، وفي "الأربعون البلدانية"(ص/116)، والذهبي في "السير"(21/ 266)، والعلائي في "إثارة الفوائد"(202). كلهم مِن طُرقٍ عِدَّه عن زُهَير بن مُعَاوية الجُعْفِيّ - مِن أصح الأوجه عنه
(2)
-.
• وابن سعد في "الطبقات"(2/ 275)، وأحمد في "مسنده"(18458)، وهنَّاد بن السَّري في "الزهد"(735)، والبخاري في "صحيحه"(2873) ك/الجهاد، ب/بَغْلَة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم البَيْضَاءِ - وفيه صَرَّح أبو إسحاق بسماع هذا الحديث مِن عَمرو بن الحارث، وفي غير موضعٍ -، والبخاري برقم (2912) ك/الجهاد، ب/مَنْ لَمْ يَرَ كَسْرَ السِّلَاحِ عِنْدَ المَوْتِ، وبرقم (3098) ك/فرض الخُمس، ب/نَفَقَة نِسَاء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ، وابن شَبَّة في "تاريخ المدينة"(1/ 200)، والفسوي في "المعرفة"(2/ 621 - 622)، والنَّسائي في "الكبرى"(6389) ك/الإحباس، ب/ (1)، وفي "الصغرى"(3595)، والطبراني في "الكبير"(17/ 44/93)، والدَّارقطني في "سننه"(4397، 4398)، والبيهقي في "الكبرى"(11894)، كلهم مِن طُرقٍ عن سُفْيان الثوري.
• والبخاري في "صحيحه"(4461) ك/المغازي، ب/مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِهِ، والنَّسائي في "الكبرى"(6388) ك/الإحباس، ب/ (1)، وفي "الصغرى"(3594) - ومِن طريقه الدَّارقطني في "سننه"(4399) -، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 215). كلهم مِن طُرقٍ عن أبي الأحوص سَلَّام بن سُليم.
• والنَّسائي في "الكبرى"(6390) ك/الإحباس، ب/ (1)، وفي "الصغرى"(3596) - ومِن طريقه الدَّارقطني في "سننه"(4401) -. مِن طريق يونس بن أبي إسحاق.
أربعتهم (زُهير، والثوري، وأبو الأحوص، ويونس)، عن أبي إسحاق السبيعيّ، به.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 335، "التقريب"(4345).
(2)
يُنظر: "صحيح ابن خزيمة"(2489)، "المستدرك على الصحيحين"(1528).
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتبيَّن أنَّ هذا الحديث مَدَاره على إسرائيل بن يُونس، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث، عن جُوَيْرِيَة، مِن قولها.
ولم يَروه عن إسرائيل بهذا الوجه إلا مُؤَمَّل بن إسماعيل، وهو "ضَعيفٌ" كما سبق.
الوجه الثاني: إسرائيل بن يُونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن الحارث، مِن قوله.
بينما رواه عن إسرائيل بن يُونس بهذا الوجه جماعةٌ مِن الثقات، وفيهم: عُبيد الله بن موسى مِن أثبت أصحاب إسرائيل، كما سبق. ولم يَنْفَرد إسرائيل برواية هذا الوجه عن أبي إسحاق، بل تابعه جماعةٌ مِن الثقات، وكلهم مِن أصحاب أبي إسحاق المُقدَّمين فيه، وقد أخرجه البخاري في "صحيحه" مِن طريق زُهير بن مُعاوية، وسُفيان الثوري، وأبي الأحوص الكوفي ثلاثتهم عن أبي إسحاق بهذا الوجه.
وعليه؛ فالذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأقرب إلى الصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية: فالوجه الثاني رواية الجماعة، بينما انفرد مُؤَمَّل بن إسماعيل بالوجه الأول.
2) الأحفظية: فرواة الوجه الثاني ثقات، بخلاف مُؤَمَّل راوية الوجه الأول فهو "ضعيفٌ".
3) وجود متابعات للوجه الثاني، بخلاف الوجه الأول فلم يُتابع إسرائيل عليه مِن وجهٍ يَصحُ.
4) إخراج البخاري للوجه الثاني في "صحيحه".
5) ذِكْرُ الأئمة (ابن قانع، وأبو نُعيم، وابن الأثير) لهذا الحديث في ترجمة عَمرو بن الحارث، ولم يَذكره أحدٌ في ترجمة جُوَيْرِيَة.
6) ترجيح الأئمة للوجه الثاني: فرجَّح الدَّارقطني الوجه الثاني، وقال: وهو الصواب.
(1)
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِن خلال ما سبق يَتَبيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكَرٌ"؛ لأجل مُؤَمَّل بن إسماعيل "ضَعيفٌ"، وقد انفرد به، مَع مُخالفته لِمَا رواه عامةُ الثقات عن إسرائيل بن يُونس.
بينما قال الهيثمي: رَوَاهُ الطبرانيُّ في "الأوسط"، وإسناده حَسَنٌ.
(2)
قلتُ: وفيه نظرٌ لا يَخفى.
ب الحكم على الحديث مِن وجهه الراجح:
والحديث مِن وجهه الراجح "صحيحٌ لذاته"، وقد أخرجه البخاري في عِدَّة مواضع مِن "صحيحه".
(1)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (15/ 292/مسألة 4038).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(9/ 40).
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي إسحاقَ إلا إسرائيلُ، تَفَرَّدَ به: مُؤَمَّلٌ.
قُلتُ - والله أعلم -: هذا الكلام فيه نظر؛ فقد أخرج ابن خُزيمة في "صحيحه"(2489)، قال: حدَّثنا يَزِيدُ بن سِنَان، حدَّثنا حُسَيْنُ بن الحسن الأَشْقر، حدَّثنا زُهَيْرٌ، عن أبي إسحاق، عن عَمْرِو بن الحارث، عن جُوَيْرِيَة، قالت: وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا، وَلا دِرْهَمًا، ولا عَبْدًا ولا أَمَةً إِلا بَغْلَتَهُ، وَسِلاحَهُ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(1528)، قال: أخبرني عَبْدُ اللَّهِ بن الحسين، ثنا الحارثُ بن محمَّد، ثنا أبو النَّضْرِ، ثنا زُهَيْرٌ، به. وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ.
فرواية ابن خُزيمة والحاكم تُثبت وتؤكد أنَّ إسرائيل بن يُونس لم يَنْفَرد بهذا الوجه عن أبي إسحاق، بل تابعه زُهير بن مُعاوية - بإحدى الأوجه عنه -.
إلا أنَّ مُتابعة زُهيرٍ بهذا الوجه لا يُعْتبر بها فإسناد ابن خُزيمة فيه الحُسين بن الحسن الأشقر "ضعيفٌ"
(1)
مع مخالفته لِمَا رواه عامة الثقات عن زُهير، وأمَّا إسناد الحاكم فهو وإنْ كان رجاله ثقاتٌ، لكنَّ أبا النَّضر هاشم بن القاسم قد خالف ما رواه عامة الثقات عن زُهير بن معاوية، وقد أخرجه البخاري في "صحيحه" - كما سبق في التخريج - مِن طريق زُهير عن أبي إسحاق عن عَمرو بن الحارث مِن قوله - والله أعلم -.
وعليه؛ فكلام الطبراني رضي الله عنه غير مُسَلَّم على إطلاقه؛ ولو قال: لم يَرْوه عن إسرائيل إلا مُؤَمَّل بن إسماعيل لكان أولى، أو أن يُقيد كلامه فيقول: لم يروه عن أبي إسحاق إلا إسرائيل مِنْ وجهٍ صحيحٍ ثابت، والله أعلم.
تنبيه: كلام الطَّبراني مُقَيَّدٌ بالوجه الأول، كما هو ظاهرٌ، والله أعلم.
سادساً: - التعليق على الحديث:
كان النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن أغنى النَّاس مادياً حتى يأتيه الرجل فيُعطيه غنماً بين جبلين فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال:" مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسْلَامِ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الْفَاقَةَ "
(2)
، وكان صلى الله عليه وسلم أغنى النَّاس معنوياً بربه جل جلاله، ومع هذا فهو صلى الله عليه وسلم أزهد النَّاس في الدنيا، فيموت النَّبي صلى الله عليه وسلم وليس له في الدنيا ما يملكه إلا بَغْلته البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقةً في سبيل الله جل جلاله، فإنَّ الدنيا بحذافيرها كانت أحقر عنده - كما هي عند الله - من أن يسعى لها أو يتركها بعده ميراثا، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين،
(3)
لذا وجب على المؤمن أن يستأنس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا حصَّل من الدنيا شيئاً فليؤد حق الله جل جلاله فيما أخذه منها، ولا يَطْمع في الدنيا،
(1)
يُنظر: "تهذيب الكمال" 6/ 368، "تحرير التقريب"(1318).
(2)
أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(2312) ك/الفضائل، ب/ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لَا، وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ.
(3)
يُنظر: "البداية والنهاية" لابن كثير (8/ 179) ..
وليكن في الدنيا كأنه غريبٌ أو عابر سبيلٍ
(1)
.
قال ابن كثير: قد وَرَدَتْ أحاديثُ كثيرةٌ في ذكر أشياء كان يختصُّ بها، صلواتُ اللَّهِ وسلامُهُ عليه، في حياته; مِنْ دُورٍ ومَسَاكِنِ نِسَائِه وإمَاءٍ وعَبِيدٍ وَخُيُولٍ وإبلٍ وَغَنَمٍ وسلاحٍ وبَغْلة وَحِمَارٍ وَثِيَابٍ وَأَثَاثٍ وَخَاتَمٍ، وغير ذلك، فَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقَ بكثير منها في حياته مُنْجِزًا، وأعتق مَنْ أَعْتَقَ مِنْ إِمَائِهِ وَعَبِيدِهِ، وَأَرْصَدَ مَا أَرْصَدَهُ مِنْ أَمْتِعَتِهِ مَعَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ به مِنَ الْأَرَضِينَ مِنْ بني النَّضِيرِ وخَيْبَرَ وَفَدَكَ، في مصالح المُسْلِمِين، إلا أنَّه لم يُخَلِّفْ مِنْ ذلك شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ قَطْعًا.
(2)
وقال المُهَلَّب: كان أهل الجاهلية إذا مات رئيسهم عهد بكسر سلاحه وحرق متاعه وعقر دوابه، فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم فِعْلَهم وترك بغلته وسلاحه وأرضه غير معهود فيها بشيء إلا صدقة في سبيل الله عز وجل.
(3)
* * *
(1)
أخرج البخاري في "صحيحه"(6416) ك/الرِّقاق، ب/ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» بسنده عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنه، قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي، فَقَالَ:«كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» .
(2)
يُنظر: "البداية والنهاية"(8/ 184).
(3)
يُنظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بَطَّال (5/ 102).
[112/ 512]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ، قَالَ: نا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: نا الْبَخْتَرِيُّ
(1)
بن عَبْدِ الْحَمِيدِ
(2)
، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الصَّوْتُ، وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ تُمَيَّزُ الْقَبَائِلُ، وَفِي ذِي الْحِجَّةِ يُسْلَبُ الْحَاجُّ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن شَهْرِ بن حَوْشَبٍ إلا البَخْتَرِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ: نُوحُ بْنُ قَيْسٍ.
هذا الحديث مداره على شهر بن حوشب، واختلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعًا).
الوجه الثاني: شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه (موقوفًا).
الوجه الثالث: شهر بن حوشب، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم (مرسلاً).
الوجه الرابع: شهر بن حوشب، مِنْ قوله.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعًا).
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) إِبْرَاهِيمُ بن مُحَمَّد بن عَرْعَرَة، أبو إسحاق البصريُّ:"ثِقَةٌ حافظٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (111).
3) نُوحُ بن قَيْس الحُدّانيّ الطَّاحيُّ البَصْريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (107).
(1)
البخْترِي: بِالبَاء المُوَحدَة، وَالخَاء المُعْجَمَة الساكنة، والتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، هذا اسم يُشْبِه النِّسْبَة. "اللباب"(1/ 125).
(2)
وقع بالأصل: "البَخْتَريّ، عن عبد الحميد"، وكذلك بالمطبوع، بينما وقع في "مجمع البحرين"(4444)، و"مجمع الزوائد" (7/ 310): البخْتريّ بن عبد الحميد. ونقل السيوطي في "اللآلاء المصنوعة"(2/ 386) الحديث بإسناد الطبراني ومتنه، وفيه: حدَّثنا البَخْتَريُّ عن شَهر بن حوشب. وقول الطبراني عقب الحديث يؤكد أنَّ الراوي عن شهر بن حوشب هو البَخْتَريّ، وليس عبد الحميد. وفي ترجمة نوح بن قيس مِنْ "تهذيب الكمال"(30/ 53)، ذكر المزي في شيوخه: البَخْتَريّ بن عبد الحميد. بينما في ترجمة شهر بن حوشب لم أقف - على حد بحثي - على أحد ذكر البَخْتَريّ في الرواة عنه، وإنَّما ذكروا عبد الحميد بن بَهْرَام. قلتُ: فالقرائن كلها قوية وهي تدل على أنَّ ما في الأصل خطأ، والصواب ما أثبتَّه، وهذا ما ذهب إليه المحقق الفاضل ل"المعجم الأوسط" ط/دار الحرمين، لكنَّه لم يستطع الجزم بذلك لعدم وقوفه على ترجمة البَخْتريّ بن عبد الحميد، ولعدم ذكرهم له في الرواة عن شهر بن حوشب.
4) البختريُّ بن عبد الحميد.
روى عن: شَهْرُ بن حَوشب. روى عنه: نوح بن قيس.
حاله: لم أقف له على ترجمة. وقال الهيثمي: لم أعرفه.
(1)
فالحاصل: أنَّه "مجهول العين".
5) شَهْرُ بن حَوْشَب الأَشْعَريُّ، أبو سَعِيد، مولى أسماء بنت يزيد بن السَّكَن.
روى عن: أبي هريرة، وابن عُمر، وابن عبَّاس رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: عبد الحميد بن بَهْرَام، وثابت البُنانيُّ، وليث بن أبي سُليم، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعجلي، ويعقوب بن شيبة: ثِقَةٌ. ووثَّقه أحمد، وقال: ما أحسن حديثه. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال الترمذي، عن البخاري: شهرٌ حسن الحديث، وقوَّى أَمْرَه، وقال: إنَّما تَكَلَّم فيه ابن عون. وقال الذهبي في "الديوان": مُخْتَلفٌ فيه، وحديثه حسنٌ. وفي "السير": الرجل غير مدفوع عن صدق وعلم، والاحتجاج به مترجح. وفي "الميزان": قد ذهب إلى الاحتجاج به جماعة. وروى له البخاري في "الأدب"، ومسلمٌ مقرونًا بغيره، والباقون.
- وقال موسى بن هارون: ضَعيفٌ. وقال النَّسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبَّان: كان ممن يروي عن الثقات المعضلات وعن الأثبات المقلوبات. وقال ابن عدي: ليس بالقوي في الحديث، وهو مِمَّن لا يُحْتَجُّ بحديثه، ولا يُتديَّنُ به. وقال ابن حجر: صدوقٌ، كثير الإرسال، والأوهام.
- فالحاصل: أنَّه "حسن الحديث، كثير الإرسال".
(2)
6) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ جَليلٌ، مُكْثِرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه (موقوفًا).
أ تخريج الوجه الثاني:
• وأخرجه نُعيم بن حَمَّاد في "الفتن"(645)، قال: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: في رَمَضَانَ هَدَّةٌ تُوقِظُ النَّائِمَ، وَتُخْرِجُ الْعَوَاتِقَ مِنْ خُدُورِهَا، وَفِي شَوَّالٍ مَهْمَهَةٌ، وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ تَمْشِي الْقَبَائِلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَفِي ذِي الْحِجَّةِ تُهَرَاقُ الدِّمَاءُ، وَفِي الْمُحَرَّمِ وَمَا الْمُحَرَّمُ؟» يَقُولُهَا ثَلاثًا، قَالَ: وَهُوَ عِنْدَ انْقِطَاعِ مُلْكِ هَؤُلاءِ
(3)
.
قال ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 191): وروى إِسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ، عن لَيْثٍ، عن شَهْر بن حَوْشَبٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ (مَوْقُوفًا)، قال: يَكُونُ في رَمَضَانَ هَدَّةٌ تُوقِظُ النَّائِمَ وَتُقْعِدُ الْقَائِمَ وَتُخْرِجُ الْعَوَاتِقَ مِنْ خُدُورِهَا.
قال ابن الجوزي: وَأَمَّا إِسْمَاعِيل وَلَيْث وَشهر فثلاثتهم ضعفاء مجروحون.
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 310).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 1/ 461، "الجرح والتعديل" 4/ 382، "المجروحين" 1/ 361، "الكامل" 5/ 63، "تاريخ دمشق" 23/ 217، "تهذيب الكمال" 12/ 578، "الديوان" 1/ 383، "السير" 4/ 378، "الميزان" 2/ 284، "التقريب"(2830).
(3)
يقصد بني العبَّاس، فأخرجه نُعيم بن حَمَّاد في باب/مَا يُذْكَرُ مِنْ عَلَامَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا فِي انْقِطَاعِ مُلْكِ بَنِي الْعَبَّاسِ.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) نُعيم بن حَمَّاد، أبو عبد الله المروزيُّ: قال الذهبي في "السير": من كبار أوعية العلم، لكن لا تركن النفس إلى رواياته. وقال: لا يجوز لأحد أن يحتج به، وقد صنف كتاب "الفتن"، فأتى فيه بعجائب ومناكير. وقال في "الميزان": أحد الأئمة الأعلام على لين في حديثه. وقال ابن حجر: صدوقٌ يُخْطئ كثيراً.
(1)
2) إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشِ: "صَدُوقٌ في روايته عن الشاميين، مُخَلِّطٌ في غيرهم"، تَقَدَّم في الحديث (38).
3) الليث بن أبى سُليم بن زُنَيْم الكوفيُّ: "صدوقٌ، اختلط جدًا، ولم يتميّز حديثه فَتُرِك".
(2)
4) شَهْرُ بن حَوْشَب الأَشْعَريُّ: "حسن الحديث، كثير الإرسال"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
5) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ جَليلٌ، مُكْثِرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثًا: - الوجه الثالث:
شهر بن حوشب، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم (مرسلاً).
أ تخريج الوجه الثالث:
• وأخرجه نُعيم بن حَمَّاد في "الفتن"(630 و 980 و 989)، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وفي الموضع الثاني، والثالث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَكُونُ فِي رَمَضَانَ صَوْتٌ، وَفِي شَوَّالٍ مَهْمَهَةٌ، وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ تَحَازُبُ الْقَبَائِلِ، وَفِي ذِي الْحِجَّةِ يُنْتَهَبُ الْحَاجُّ، وَفِي الْمُحَرَّمِ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَلا إِنَّ صَفْوَةَ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ فُلانٌ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا".
ب دراسة إسناد الوجه الثالث:
1) نُعيم بن حَمَّاد بن مُعاوية، أبو عبد الله المروزيُّ:"صدوقٌ يُخْطئ كثيراً"، تَقَدَّم في الوجه الثاني.
2) الوليد بن مُسْلم: "ثِقَةٌ، كثير التدليس والتسوية"، ستأتي ترجمته بإذن الله عز وجل في الحديث رقم (116).
3) عَنْبَسة بن عبد الرحمن القرشيُّ: "متروكٌ، رماه أبو حاتم بالوضع"، تَقَدَّم في الحديث رقم (30).
4) سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف القرشيُّ: "ثِقَةٌ".
(3)
5) شَهْرُ بن حَوْشَب الأَشْعَريُّ: "حسن الحديث، كثير الإرسال"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
رابعًا: - الوجه الرابع:
شهر بن حوشب، مِنْ قوله.
أ تخريج الوجه الرابع:
• وأخرجه الطبري في "تهذيب الآثار"(689)، قال: حَدثني مُحَمَّد بن عمَارَة الأَسدي، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى، قَالَ: أخبرنَا عَنْبَسَة بن سعيد، عَن شهر بن حَوْشَب، قَالَ: يكون فِي رَمَضَان صَوت، وَفِي شَوَّال: همهمة أَو مهمهة، وَفِي ذِي
(1)
يُنظر: "سير أعلام النبلاء"(10/ 600 - 609)، "الميزان"(4/ 267)، "التقريب"(7166).
(2)
يُنظر: "التقريب"(5685).
(3)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 1/ 420، "الجرح والتعديل" 4/ 164.
الْقعدَة تحازب الْقَبَائِل، وَفِي ذِي الْحجَّة يسلب الْحَاج، وَفِي الْمحرم، وَلَو أخْبركُم بِمَا فِي الْمحرم، قَالَ: قُلْنَا لَهُ: وَمَا فِي الْمحرم؟ قَالَ: يُنَادي مُنَاد من السَّمَاء: أَلا إِن فلانا خيرة الله من خلقه، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا.
ب دراسة إسناد الوجه الرابع:
1) مُحَمَّد بن عمَارَة بن صبيح الكُوفِي: ذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(1)
2) عُبيد الله بن موسى بن باذام: "ثِقَةٌ".
(2)
3) عنبسة بن سعيد القطان: "ضَعيفٌ".
(3)
خامسًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مداره على شهر بن حوشب، واختلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعًا).
الوجه الثاني: شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه (موقوفًا).
الوجه الثالث: شهر بن حوشب، عن النَّبي رضي الله عنه (مرسلاً).
الوجه الرابع: شهر بن حوشب، مِنْ قوله.
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الحديث ليس محفوظًا مِنْ وجوهه الأربعة؛ فمدَاره على شَهْر بن حوشب، وليس هو مِمَّن يُحتمل مِنْه تَعَدُّد الأسانيد؛ بالإضافة إلى عدم صحة الأسانيد إليه:
فالوجه الأول: في إسناده البَخْتَريّ بن عبد الحميد "مجهول العين".
والوجه الثاني: مُسَلْسَلٌ بالعلل؛ ففيه نُعيم بن حَمَّاد "ضَعيفٌ"، وأخرج الحديث في كتابه "الفتن"، قال فيه الذهبي: أتى فيه بعجائب ومناكير. وفيه أيضًا: إسماعيل بن عَيَّاش "مُخَلِّطٌ في روايته عن غير الشاميين"، وهذه مِنْها، فلقد رواه عن الليث بن أبي سُليم وهو كوفي. والليث "اختلط جدًا، ولم يتميّز حديثه فَتُرِك".
والوجه الثالث: فيه عَنْبَسة بن عبد الرحمن "متروكٌ، رماه أبو حاتم بالوضع"، والوليد بن مُسلم "يُدلِّس تدليس التسوية"، وقد رواه بالعنعنة، وفيه: نُعيم بن حَمَّاد، وأخرجه في كتابه "الفتن".
والوجه الرابع: فيه محمد بن عمارة الكوفي، لم أقف فيه على جرحٍ أو تعديل، وإنَّما ذكره ابن حبَّان وحده في "الثقات"، فهو "مجهول الحال". وعَنْبَسة بن سعيد القَطَّان "ضَعيفٌ".
سادسًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ في إسناده البَخْتَريّ "مجهول العين".
(1)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 9/ 112.
(2)
يُنظر: "التقريب"(4345).
(3)
يُنظر: "التقريب"(5204).
وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه: شهر بن حوشب، وفيه ضعف، والبختري بن عبد الحميد لم أعرفه.
(1)
متابعات للحديث:
• أخرج العقيلي في "الضعفاء"(3/ 52) - ومِنْ طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 190) -، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن سَعِيدِ الأَزْدِيُّ، قال: حدَّثنا عَلِيُّ بن الحُسَيْنِ الموصلِيُّ، قال: حدَّثنا عَنْبَسَةُ بن أبي صَغِيرَةَ الهَمْدَانِيُّ، عن الأَوْزَاعِيِّ، قال: حدَّثني عَبْدُ الْوَاحِدِ بن قَيْسٍ، قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَكُونُ فِي رَمَضَانَ هَدَّةٌ تُوقِظُ النَّائِمَ وَتُقْعِدُ الْقَائِمَ وَتُخْرِجُ الْعَوَاتِقَ مِنْ خُدُورِهَا، وَفِي شَوَّالٍ هَمْهَمَةٌ، وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ تَمَيَّزُ الْقَبَائِلُ بَعْضُهَا إِلَي بَعْضٍ، وَفَى ذِي الْحِجَّةِ تُرَاقُ الدِّمَاءُ، وَفَى الْمُحْرِمِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ عِنْدَ انْقِطَاعِ مُلْكِ هَؤُلاءِ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ:«الَّذِينَ يَلُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ» .
وقال العقيلي: ليس لهذا الحَدِيثِ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ ثِقَةٍ، ولا مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ.
وأخرجه العقيلي في ترجمة عبد الواحد بن قَيْسٍ. وتعقَّبَهُ الذهبي، فقال: هذا كذب على الأوزاعي، فأساء العقيلي في كونه ساقه في ترجمة عبد الواحد، وهو برئ منه، ولم يلق أبا هريرة، إنَّما روايته عنه مرسلة.
(2)
وقال ابن الجوزي: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وقال السيوطي: موضوعٌ.
(3)
قلتُ: في إسناده عَنْبَسة بن أبي صغيرة، قال الذهبي: أتى عن الأوزاعي بخبرٍ باطل.
(4)
• وأخرجه نُعيم بن حَمَّاد في "الفتن"(628) - ومِنْ طريقه الحاكم في "المستدرك"(8580)، وأبو نُعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 199) -، قال: حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ، عن مَسْلَمَةَ بن عَلَيٍّ، عن قَتَادَةَ، عن سَعِيدِ بن المُسَيِّبِ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«تَكُونُ آيَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ تَظْهَرُ عِصَابَةٌ فِي شَوَّالٍ، ثُمَّ تَكُونُ مَعْمَعَةٌ فِي ذِيِ الْقَعْدَةِ، ثُمَّ يُسْلَبُ الْحَاجُّ فِي ذِيِ الْحِجَّةِ، ثُمَّ تُنْتَهَكُ الْمَحَارِمُ فِي الْمُحْرِمِ، ثُمَّ يَكُونُ صَوْتٌ فِي صَفَرٍ، ثُمَّ تَنَازُعُ الْقَبَائِلِ فِي شَهْرَيْ رَبِيعٍ، ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ بَيْنَ جُمَادَى وَرَجَبٍ، ثُمَّ نَاقَةٌ مُقْتِبَةٌ خَيْرٌ مِنْ دَسْكَرَةٍ تَغِلُّ مِائَةَ أَلْفٍ» .
قال نُعَيْم بن حَمَّاد: لا أَعْلَمُ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ - إِنْ شاء اللَّهُ -، وبَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتَادَةَ رَجُلٌ.
وقال الحاكم: قَدِ احْتَجَّ الشَّيْخَانِ رضي الله عنهما بِرُوَاةِ هذا الحَدِيثِ عَنْ آخِرِهِمْ غَيْرَ مَسْلَمَةَ بن عُلَيٍّ الخُشَنِيِّ، وهو حَدِيثٌ غَرِيبُ المَتْنِ، وَمَسْلَمَةُ أيضًا مِمَّنْ لا تَقُومُ الحُجَّةُ بِهِ. وقال الذهبي: ذا موضوعٌ، ومسلمة ساقطٌ متروكٌ. وقال ابن الجوزي: قَالَ يَحْيَى: مسلمة لَيْسَ بشيء. وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارقطني: مَتْرُوك.
(5)
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 310).
(2)
يُنظر: "الميزان"(2/ 675).
(3)
يُنظر: "اللآلاء المصنوعة"(2/ 386).
(4)
يُنظر: "الميزان"(3/ 301).
(5)
يُنظر: "الموضوعات"(3/ 191).
وقال الألباني: موضوعٌ.
(1)
قلتُ: ونُعيم بن حمَّاد "ضَعيفٌ لا يُحتج به"، وقد اضطرب في روايته.
• وروي عن قتادة مِنْ وجه آخر: فأخرجه نُعيم بن حَمَّاد في "الفتن"(629 و 988)، قال: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ:«يَأْتِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ زَمَانٌ يَكُونُ مِنْهُ صَوْتٌ فِي رَمَضَانَ، وَفِي شَوَّالٍ تَكُونُ مَهْمَهَةٌ، وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ تَنْحَازُ فِيهَا الْقَبَائِلُ إِلَى قَبَائِلِهَا، وَذُو الْحِجَّةِ يُنْهَبُ فِيهِ الْحَاجُّ، وَالْمُحَرَّمُ وَمَا الْمُحَرَّمُ» .
قلتُ: وفيه الوليد بن مُسلم "يُدَلِّس تدليس التسوية"، ورواه بالعنعنة. وصدقة بن يزيد "ضَعيفٌ".
(2)
شواهد للحديث:
وفي الباب عن فيروز الديلمي، وعبد الله بن عَمرو، وابن مسعود رضي الله عنهم:
• أخرجه الطبراني في "الكبير"(18/ 332/برقم 853) - ومِنْ طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 191) -، قال: حدَّثنا أحمد بن عَبْدِ الوَهَّابِ، حدَّثنا عبد الوَهَّابِ بن الضَّحَّاكِ، حدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ، عن الأَوْزَاعِيّ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: بنحوه، وفيه زيادة.
قال ابن الجوزي: هَذَا حَدِيث لَا يَصح. قَالَ العقيلِيّ: عَبْد الْوَهَّاب لَيْسَ بشيء. وَقَالَ ابْن حِبَّانَ كَانَ يسرق الحَدِيث لَا يَحِلُّ الاحْتِجَاجُ بِهِ. وَقَالَ الدَّارقطني: مُنكر الْحَدِيث. وَعَبدَة لَمْ ير فيروزًا، وفيروز لَمْ ير رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقد روى هَذَا الْحَدِيث غُلَام خَلِيل عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيمَ البياضي عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ عَنْ أَبِي المُهَاجر عَنِ الأَوْزَاعِيّ، وَكلهمْ ضِعَاف فِي الْغَايَة، وَغُلَام خَلِيل كَانَ يضع الحَدِيث. أ. هـ
وقال الهيثمي: فيه عبد الوهاب بن الضحاك، وهو متروك.
(3)
وقال الذهبي: هذا باطلٌ في سنده مَنْ يُتَّهم.
(4)
وقال السيوطي: لا يصح، عبد الوهاب متروكٌ، وإسماعيل ضَعيفٌ، وعبدة لم ير فَيْروزاً، وفيروز لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(5)
وقال الألباني: موضوعٌ.
(6)
• وأخرجه نُعيم بن حَمَّاد في "الفتن"(631 و 986) - ومِنْ طريقه الحاكم في "المستدرك"(8537) -، قال: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْمَقْدِسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث بنحوه، وفيه زيادة. قال الذهبي: سنده ساقطٌ. قلتُ: أبو يوسف المقدسي لم أقف له على ترجمة.
(1)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(13/ 393/ حديث رقم 6178).
(2)
يُنظر: "الضعفاء والمتروكون" للنَّسائي (ص/139)، "الجرح والتعديل"(4/ 431)، "المجروحين"(1/ 374)، "الميزان"(2/ 313).
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 312).
(4)
يُنظر: "تلخيص الموضوعات"(ص/325).
(5)
يُنظر: "اللآلاء المصنوعة"(2/ 389).
(6)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(13/ 397/حديث رقم 6179).
• وأخرجه نُعيم بن حَمَّاد في "الفتن"(638) - ومِنْ طريقه أبو سعيد الشاشي في "مسنده"(837) -، قال: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، بنحوه، وفيه زيادة.
قلتُ: شيخه أبو عمر "مجهولٌ". وابن لهيعة "ضَعيفٌ يُعتبر به".
(1)
وعبد الوهاب بن حُسَيْن "مجهولٌ".
(2)
ومحمد بن ثابت "ضَعيف الحديث"، وقال ابن حبَّان: يروي عن أبيه ما ليس من حديثه كأنه ثابت آخر، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه.
(3)
فيبقى الحديث على ضَعفه؛ وقد حكم عليه بالوضع بعض الأئمة: كابنُ الجوزي، والذهبيُّ، والسيوطيُّ، والألباني - كما سبق -، وقال العقيلي: ليس لهذا الحَدِيثِ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ ثِقَةٍ، ولا مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ.
سابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن شَهْرِ بن حَوْشَبٍ إلا البَخْتَرِيُّ، تَفَرَّدَ بِهِ: نُوحُ بْنُ قَيْسٍ.
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه؛ لكنَّه مُقَيَّدٌ بالوجه الأول، والله أعلم.
* * *
(1)
سيأتي - بإذن الله تعالى - تفصيل ترجمته في الحديث رقم (135).
(2)
يُنظر: "لسان الميزان"(5/ 303).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 217، "المجروحين" 2/ 252، "التهذيب" 24/ 547، "التقريب"(5765).
[113/ 513]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ، قَالَ: نا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا، وَزَوْجُهَا كَارِهٌ لذَلِكَ، لَعَنَهَا كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَمُرُّ عَلَيْهِ، غَيْرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، حَتَّى تَرْجِعَ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عَمْرِو بن دِينَارٍ إلا محمَّد بن زيد، تَفَرَّدَ به: سُوَيدُ بن عبد العزيز.
أولاً: - تخريج الحديث:
• هذا الحديث مِن طريق عَمرو بن دِينار لم أقف عليه إلا برواية الباب.
• وقد جاء الحديث مِن طريقٍ آخر؛ مِن طريق لَيْث بن أبي سُليم، ومَداره عليه، وقد اضطرب فيه، واختلف عنه مِن عِدَّة أوجه:
- فأخرجه الطيالسي في "مسنده"(2063) - ومِن طريقه البيهقي في "الكبرى"(14713) -، وعَبْدُ بن حُميد في "مسنده" كما في "المنتخب"(811)، ومُسدد كما في "المطالب العالية"(1664/ 2)، مِن طُرقٍ عن لَيْث بن أبي سُليم، عن عطاءٍ، عن ابن عُمَرَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهُ، فَقَالَتْ: مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ؟ فَقَالَ: «لا تَمْنَعُهُ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ،
…
وذكر الحديث، وفيه: وَأَنْ لا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إلا بِإِذْنِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَتْ: لَعَنَتْهَا المَلائكَةُ، مَلائكَةُ الْغَضَبِ، وَمَلائكَةُ الرَّحْمَةِ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تُرَاجَعَ» قِيلَ: وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا؟ قَالَ: «وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا» .
- وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصَنَّف"(17124)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 231) مِن طريق الليث بن أبي سُليم، عن عبد الملك بن أبي سُليمان، عن عطاءٍ، عن ابن عُمَرَ، بنحو ما سبق، وزاد فيه: قالت: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا يَمْلِكُ عَلَيَّ أَحَدٌ أَمْرِي بَعْدَ هَذَا أَبَدًا مَا بَقِيتُ.
- وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(14714) مِن طريق الليث، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه مرفوعاً، بنحوه مُخْتصراً. وقال البيهقي: تَفَرَّدَ بِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُليم.
- وأخرجه أبو يَعْلي - كما في "المطالب العالية"(1664/ 5) - مِن طريق الليث، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابن عباس رضي الله عنه قَالَ سَأَلْتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
قال الحافظ ابن حجر - بعد أنْ ذكر أوجه الاختلاف فيه على اللَيْث بن أبي سُليم -: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مِنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) عيسى بن المُساور، أَبُو موسى البغدادي، الجَوْهَريُّ.
روى عن: سُوَيد بن عبد العزيز، والوليد بن مسلم، ومَرْوان بن مُحَمَّد الطَاطِريِّ، وآخرين.
روى عنه: النَّسَائي، وأحمد بن علي الخَزَّاز، وابن أخيه أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، وآخرون.
حاله: قال النَّسائي: لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الخطيب البغدادي: ثِقَةٌ. وقال ابن حجر: صَدوقٌ. وحاصله: أنَّه "ثِقَةٌ".
(1)
3) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
4) مُحَمَّد بن زيد بن عَبد اللَّهِ بن عُمَر بن الخطاب، القُرشيُّ العَدويُّ المَدَنيُّ.
روى عن: عمرو بن دينار، وعبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عبَّاس، وآخرين.
روى عنه: سُويد، والأعمش، وأبناؤه زيد وعاصم وعُمر وواقد، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وروى له الجماعة.
(2)
5) عَمرو بن دِينار المكيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (99).
6) عبد الله ابن عمر بن الخطَّاب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
• مِن خلال ما سبق يَتَبيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز.
قال المُنْذري: رواه الطَّبرانيّ في "الأوسط"، ورُواته ثِقَاتٌ إلا سُوَيْد بن عبد العزيز.
(3)
وقال الهيثمي: رواهُ الطَّبرانيُّ في "الأوسط"، وفيه: سُوِيد بن عبد العزيز، وهو "مَتْرُوكٌ"، وقد وثَّقهُ دُحَيمٌ، وغيرُهُ، وبقيَّةُ رِجَالهِ ثقاتٌ.
(4)
قلتُ: قوله "وثَّقه دُحَيْمٌ، وغيره"، فيه نظر، فلم أقف على أحدٍ وثَّقَه غير دُحَيْم، وقال الذهبي: وثَّقَه دُحَيْمٌ وحده، كما سبق بيانه في ترجمة سُويدٍ في الحديث رقم (65). وقال الألباني: ضعيفٌ جداً.
(5)
• قلتُ: وأما الحديث مِن طريق الليث بن أبي سُليم فهو كذلك "ضعيفٌ"؛ لأجل ليث بن أبي سُليم مَدار الحديث عليه، وقد اضطرب فيه، فَرُوي عنه مِن عِدَّة أوجهٍ كما سبق، والليث "ضعيفٌ"
(6)
وقد انفرد به كما قال
(1)
يُنظر: "الثقات" 8/ 495، "تاريخ بغداد" 12/ 485، "تاريخ دمشق" 48/ 3، "التهذيب" 23/ 28، "التقريب"(5323).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 256، "الثقات" 5/ 365، "التهذيب" 25/ 226، "السير" 5/ 106، "التقريب"(5892).
(3)
يُنظر: "الترغيب والترهيب"(2855).
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 313).
(5)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة" حديث رقم (1102 و 5341).
(6)
قال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(5685): صدوقٌ اختلط جداً ولم يتميَّز حديثه فَتُرك.
البيهقي، والاضطراب في هذا الحديث مِنْه كما قال ابن حجر رحمه الله، والله أعلم.
• وللحديث عِدَّةُ شواهد، في التحذير مِن خروج المرأة مِن بيت زوجها بغير إذنه، أو وهو كارهٌ، مع العقوبة الواردة في حديث الباب مِن لَعْن الملائكة لها حتى تتوب أو ترجع، أو هي في سخط الله كما في بعض الروايات، لكن لا يخلو إسنادٌ منها مِن متروكٍ لا تصلح روايته للاعتبار.
(1)
• ومع عدم وقوفي - على حد بحثي - على ما يصلح شاهداً لهذا الحديث بجزئيه - التحذير مِن خروج المرأة بغير إذن زوجها، مع لعن الملائكة لها - إلا أنَّ هنالك الكثير من الأدلة تدل على استحباب طاعة الزوجة لزوجها في المعروف، والنهي عن عِصْيان أمره ما لم يأمر بمعصية الله جل جلاله، بل إن طاعة زوجها أوْجبُ عليها من طاعة والديها، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
- أخرج النَّسائي في "السنن الكبرى" عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ» .
(2)
- وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، لأمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا".
(3)
- وأخرج الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» . وقال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(4)
- وأخرج البخاري، ومسلمٌ في "صحيحيهما عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ، لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» .
(5)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف: لم يَرْوه عن عَمْرِو بن دِينَارٍ إلا محمَّد بن زيد، تَفَرَّدَ به: سُوَيدُ بن عبد العزيز.
مِن خلال ما سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
(1)
فمن رام النظر في هذه الشواهد، فليُراجع - مشكوراً، مأجوراً مِن الله بإذنه - ما يلي:"المسند" لأبي يَعْلى المَوْصلي (2455)، "تاريخ بغداد" 7/ 155، "المطالب العالية"(1665)، "السلسلة الضعيفة"(1020، 3515).
(2)
أخرجه النسائي برقم (5324) ك/النكاح، ب/أي النساء خير؟، وبرقم (8912) ك/عشرة النساء، ب/طاعة المرأة زوجها.
(3)
أخرجه أحمد في "مسنده"(12614)، وهو صحيحٌ بشواهده.
(4)
أخرجه الترمذي في "سننه"(1159) ك/النكاح، ب/مَا جَاءَ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ.
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(3237) ك/بدء الخلق، ب/إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ وَالمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ، آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وبرقم (5193، 5194) ك/النكاح، ب/إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، ومسلمٌ في "صحيحه"(1436) ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ امْتِنَاعِهَا مِنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا.
[114/ 514]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ القَاسِمِ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِيُّ
(1)
، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ العَصَرِيُّ
(2)
، قَالَ: نا غَالِبٌ القَطَّانُ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَقَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي اسْمَ اللَّهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى.
فَأَعْرَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ.
فَقَامَتْ فَتَوَضَّأَتْ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَبِاسْمِكَ العَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلتَ بِهِ أَعْطَيْتَ.
فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّهَا لَفِي هَذِهِ الأسْمَاءِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن غَالِب القطَّان إلا محمَّد بن عبد اللَّهِ العَصَرِيُّ، تَفَرَّدَ به: القَوَارِيرِيُّ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطَّبراني رضي الله عنه في "الدعاء"(120)، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم بن مُساور، به.
• وقد رُوي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه مِن وجهٍ آخر، ولكن بلفظٍ آخر؛ فأخرجه الطَّبراني أيضاً في "الدعاء"(118)، قال: حدَّثنا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بن صالح، حدَّثني اللَّيْثُ، عن إسحاق بن أَسِيد - بالفتح -، عن رَجُلٍ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ عائشة، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي اسْمَ اللَّهِ الْعَظِيمَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَوْمِي فَتَوَضَّئِي ثُمَّ ادْعِي حَتَّى أَسْمَعَ» . قَالَتْ: فَفَعَلْتُ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ، وَبِاسْمِكَ الْكَبِيرِ الأَكْبَرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَصَبْتِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» .
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) عُبَيد الله بن عُمَر بن مَيْسَرة، القَوَاريري، أَبُو سَعِيد البَصْرِيّ.
رَوَى عَن: محمد العَصَري، وحمَّاد بن زيد، وعبد الرحمن بن مَهْدي، وآخرين.
رَوَى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأحمد بن القاسم، وآخرون.
(1)
القَوَاريري: بفتح القاف والواو، وهي نسبةٌ لمن يعمل القوارير أو يبيعها. يُنظر:"اللباب"(3/ 62).
(2)
العَصَري: بِفَتْح الْعين وَالصَّاد، وَفِي آخرهَا رَاء، هَذِه النِّسْبَة إِلَى عصر، وَهُوَ بطنٌ مِن عبد القَيْس، وهو: عَصَر بن عَوْف بن عَمْرو. يُنظر: "الأنساب" للسمعاني (8/ 466)، "اللباب"(2/ 343).
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، وابن سَعْد، والنَّسائي، ومَسْلمة بن قاسم: ثِقَةٌ. وروى عنه أبو حاتم، وقال: صدوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن قانع، وابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ.
(1)
3) مُحَمَّد بن عبد الله العَصَريُّ، البَصْريُّ. قال ابن حجر: الظاهر أنَّ اسم أبيه: عُبَيد الله مُصَغَّراً.
(2)
رَوَى عن: أنس بن مالك، وثابت البُنَانيِّ.
رَوَى عنه: عُبيد الله القَوَاريري، ومحمد بن أبي بكر المُقَدَّمِي.
حاله: قال ابن حِبَّان: مُنْكَرُ الحديث جداً، يَرْوِي عن ثابتٍ مالا يُتَابع عليه كأَنَّهُ ثَابتٌ آخر، لا يَجُوز الاحتجاجُ به ولا الاعتبار بما يَرْويه إلا عند الوِفَاق للاستئناس به.
(3)
4) غَالب بن خطَّاف
(4)
، وهو ابن أبي غَيْلان القَطَّان، أَبُو سُلَيْمان، ويُقال: أَبُو عفان البَصْرِيّ.
روى عن: أنس بن مالك فيما قيل، وبَكْر بْن عَبد اللَّهِ المزني، والحسن البَصْرِيّ، وآخرين.
روى عنه: شعبة بن الحَجَّاج، وإسماعيل بن عُلَيَّة، وبِشْر بن المُفَضَّل، وآخرون.
حاله: قال أحمد: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وقال ابن معين، وابن سعد، والنَّسائي، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ صالحٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي في "الميزان": صدوقٌ مشهورٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ.
- وقال ابن معين: ضعيفٌ. وقال ابن حبَّان في "المشاهير": كان ردئ الحفظ. وقال ابن عدي: له غير ما ذكرتُ مِن الأحاديث، وفي حديثه بعض النُّكْرة، والضَّعْفُ على أحاديثه بَيِّنٌ.
وتعقَّب الذَّهبيُّ في "المغني" ابنَ عدي، فقال: بل ثِقَةٌ مشهورٌ، فَلَعَلَّ الَّذِي ضعفه ابْن عدي غَالبٌ آخر فليُتَأَمَّل. وبيَّن في "الميزان" أنَّ الأحاديث التي ذكرها ابن عدي في ترجمته الحمل فيها على غيره، وقال: هو مِن رجال "الصحيحين"، وقال أحمد: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وبنحوه قال ابن حجر في "هدي الساري". وأجاب عن تضعيف ابن حبَّان، فقال في "الدِّيوان": جَرَّحَهُ ابن حِبَّان بلا حُجَّة. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ". وروى له الجماعة.
(5)
5) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (13).
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 327، "الثقات" 8/ 405، "تاريخ بغداد" 12/ 25، "التهذيب" 19/ 130، "التقريب"(4325).
(2)
ذكره ابن حبَّان في "المجروحين"(2/ 282) مُكَبَّراً (محمد بن عبد الله)، وتبعه على ذلك ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكون"(3/ 78)، والذهبي في "المغني"(2/ 219)، وفي "الميزان"(3/ 597). بينما ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 170) مُصَغَّراً (محمد بن عُبيد الله)، وتبعه على ذلك السمعاني في "الأنساب"(8/ 466).
(3)
يُنظر: "المجروحين" لابن حبَّان 2/ 282، "ميزان الاعتدال" 3/ 597، "لسان الميزان" 7/ 232.
(4)
ضبطه أحمد: بفتح الخاء، وضبطه ابن المديني وابن معين: بالضم. يُنظر: "تهذيب الكمال" 23/ 85، و"تاريخ الإسلام" 3/ 949، و"تهذيب التهذيب" 8/ 242، وقال ابن حجر في "التقريب" (5346): خُطاف: بضم الخاء، وقيل: بفتحها.
(5)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 48، "الثقات" 7/ 308، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/186)، "الكامل" 7/ 112، "تهذيب الكمال" 23/ 84، "الكاشف" 2/ 115، "المغني" 2/ 92، "الديوان"(3316)، "الميزان" 3/ 330، "تهذيب التهذيب" 8/ 242، "التقريب، وتحريره"(5346)، "هدي الساري"(ص/434، 463).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
• مِن خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضعيفٌ"؛ لأجل محمد بن عبد الله العَصَري "مُنْكَر الحديث جداً"، وانفرد به كما قال الطَّبراني، والله أعلم.
وقال الهيثمي: رواه الطَّبرانيُّ في "الأوسط"، وفيه مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ العَصَرِيُّ، وهو "ضَعِيفٌ".
(1)
• وأمَّا ما أخرجه الطبراني في "الدعاء" عن أنسٍ رضي الله عنه، مِن وجهٍ آخر، بسنده مِنْ طريق الليث بن سعد، عن إسحاق بن أَسيد، عن رجلٍ، عن أنسٍ؛ إسناده "ضعيفٌ"؛ فيه عِدَّة علل، منها:
ففيه إسحاق بن أَسيد الأنصاري، أبو محمد الخُرساني، قال ابن حبَّان: كان يُخْطئ. وقال الذهبي: جائز الحديث. وقال ابن حجر: فيه ضَعْفٌ.
(2)
وقوله "عن رَجُلٍ"، هذا مُبْهمٌ، لم أقف على تعينه.
• وفي الباب عن عائشة رضي الله عنه، لكن ليس فيه ما يشهد لحديث الباب إلا لسؤال عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم أنْ يُعَلِّمها اسم الله الأعظم.
فأخرج ابن ماجه في "سننه" بسنده مِن طريق إبراهيم بن محمد الفَزَاريِّ، عن أبي شَيْبَة، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عُكَيْم الجُهَنِيِّ، عن عائشة، قالت: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول:
…
وذكرت الحديث، وفيه:«يَا عَائِشَةُ! هَلْ عَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ دَلَّنِي عَلَى الاسْمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَعَلِّمْنِيهِ. قَالَ: «إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لَكِ يَا عَائِشَةُ» . قَالَتْ: فَتَنَحَّيْتُ وَجَلَسْتُ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِيهِ. قَالَ: «إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لَكِ يَا عَائِشَةُ أَنْ أُعَلِّمَكِ، إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لَكِ أَنْ تَسْأَلِي بِهِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا» . قَالَتْ: فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ اللَّهَ، وَأَدْعُوكَ الرَّحْمَنَ، وَأَدْعُوكَ الْبَرَّ الرَّحِيمَ، وَأَدْعُوكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى كُلِّهَا، مَا عَلِمْتُ مِنْهَا، وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، أَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، قَالَتْ: فَاسْتَضْحَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:«إِنَّهُ لَفِي الأسْمَاءِ الَّتِي دَعَوْتِ بِهَا» .
(3)
قال البوصيري: هذا إسنادٌ فيه مَقَالٌ؛ أبو شيبة لم أر مَنْ جَرَّحه ولا مَنْ وَثَّقَهُ، وباقِي رجاله ثِقَاتٌ.
(4)
وقال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيفٌ، وفي الاستدلال به نظرٌ لا يَخْفى.
(5)
وأبو شيبة هذا ذكره الحافظ ابن حجر في "التقريب"
(6)
، وقال: يُحْتمل أنْ يكون أحدَ هؤلاء - وقد ذكر قبله جماعة كل واحدٍ مِنْهم يقال له: أبو شَيْبَة -، وإلا فهو مجهول.
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 156).
(2)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 6/ 50، "الميزان" 1/ 184، "التقريب"(342).
(3)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(3859) ك/الدعاء، ب/اسم الله الأعظم.
(4)
يُنظر: "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه"(ص/497).
(5)
يُنظر: "فتح الباري"(11/ 224).
(6)
يُنظر: "التقريب"(8165).
قلتُ: وبعد البحث يُحتمل أن يكون أبو شيبة هذا هو: عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث أبو شيبة الواسطي، فهو الذي يروي عنه إبراهيم الفَزَاري، وعبد الرحمن هذا قال عنه ابن حجر:"ضعيف"
(1)
.
وحديث عائشة هذا أخرجه البيهقي أيضاً في "الأسماء والصفات"(9)، بسنده مِن طريق صالح بن بَشِير المُرِّي، عن جعفر بن زيد، عن عائشة، بنحوه مُخْتصراً، وليس فيه:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ اللَّهَ، وَأَدْعُوكَ الرَّحْمَنَ، وَأَدْعُوكَ الْبَرَّ الرَّحِيمَ"، وقال لها النَّبي صلى الله عليه وسلم:«أَصَبْتِهِ أَصَبْتِهِ» . قلتُ: وفيه صالح المُرِّي "ضَعِيْفٌ".
(2)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن غَالِب القطَّان إلا محمَّد العَصَرِيُّ، تَفَرَّدَ به: القَوَارِيرِيُّ.
مِن خلال ما سبق يتَّضح صحة ما قال المُصَنِّف رضي الله عنه، والله أعلم.
خامساً: - التعليق على الحديث:
• اختلف العلماء في القول بإثبات أنَّ لله تعالى اسماً أعظم، له خصائصه الخاصة به التي يَفْضل ويتميَّز بها على غيرها مِن أسماء الله جل جلاله، على قولين: قائلٌ بنفي أنْ يكون لله تعالى اسم أعظم، وقائلٌ بإثبات ذلك
(3)
. وأمَّا القائلين بالإثبات؛ فقد اختلفوا في ظهور هذا الاسم وخفائه على ثلاثة أقوال
(4)
:
- فذهب البعض إلى أنَّ الاسم الأعظم مَخْفي في الأسماء الحسنى، وذلك كليلة القدر، لا يَعْلمه النَّاس، وعلة ذلك عندهم: حتى يصير ذلك سبباً لمواظبة الخلق على ذكر جميع الأسماء، ولهذا السبب أيضاً أخفى الله ليلة القدر في الليالي.
- وذهب بعضهم إلى أنَّ الله تعالى يختص بمعرفته مَنْ يَشاء مِن الأنبياء والأولياء دون غيرهم مِن سائر النَّاس.
- بينما ذهب البعض إلى تعين اسم الله الأعظم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، لكنَّهم اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً، حتى أوصله بعضهم إلى ستين قولاً
(5)
، وقد وردت جملة مِن الأحاديث النبوية في ذلك، إلا أنَّها تختلف مِن حيث الثبوت قُوةً وضَعْفاً، ومِن حيث الدَّلالة والبيان تصريحاً وتلميحاً، مِمَّا أدى ذلك إلى اختلاف مفاهيم العلماء في تحديد هذا الاسم.
(6)
(1)
يُنظر: "التقريب"(3799).
(2)
يُنظر: "التقريب"(2845).
(3)
يُنظر: "اسم الله الأعظم" د/عبد الله بن عُمر الدّميجي (ص/93 - 101).
(4)
يُنظر تفصيلها: "اسم الله الأعظم" د/عبد الله بن عُمر الدّميجي (ص/111 - 165).
(5)
فعدَّها الحافظ ابن حجر أربعة عشر قولاً. يُنظر: "فتح الباري"(11/ 227). وعدَّها الإمام السيوطي عشرين قولاً. يُنظر: "الدر المنظم في الاسم الأعظم ضمن الحاوي في الفتاوي"(1/ 394). وعَدَّها الشوكاني أربعين قولاً. يُنظر: "تحفة الذاكرين"(ص/80). وأوصلها محمد بن موسى الرَّوحاني إلى ستين قولاً. يُنظر: "فتح الله"(ص/557)، نقلاً عن "اسم الله الأعظم" لمحمد بن محمود بن عبد الهادي (ص/51).
(6)
يُنظر: "اسم الله الأعظم" د/عبد الله بن عُمر الدّميجي (ص/7).
وذهب الدكتور/عبد الله بن عُمر الدّميجي - بعد أنَّ فَصَّل القول في هذه المسألة، وذكر أدلة كل فريق، وقام بمناقشتها - إلى ترجيح القول الأول، فقال
(1)
: والذي يَظْهرُ - والله أعلم - أنَّ تحديد هذا الاسم على وجه القطع غير مُتَيَسَّر، وقد أخفاه الله تعالى عنَّا بعد أنْ بيَّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أهم خصائصه، لنجتهد في الثَّناء على الله تعالى واللهج بأسمائه عز وجل، والتوسل إليه بأكبر قدرٍ مُمْكن مِن أسمائه الحسنى، واستدل على ذلك بِعِدَّة أدلة، منها:
- أنَّ العلم بهذا الاسم توقيفي، لا مجال للاجتهاد أو التجارب في تحديده.
- أنَّ النصوص الصحيحة الواردة لم تُحدد هذا الاسم على وجه التعين.
- أنَّ الحكمة في عدم التنصيص على تحديده لا تبعد أن تكون مثل الحكمة في عدم تحديد الأسماء التسعة والتسعين الموعود محصيها بدخول الجنة.
- قلة المأثور عن الصحابة والسلف في هذه المسألة دليل على أن هذا الاسم ما كان ظاهراً معلوماً لهم وإلا اشتهر وانتشر.
- الأقوال الواردة في تعيين الاسم الأعظم كلها اجتهادات من العلماء في فهم النصوص وليست مبنية على أدلة قاطعة، ولذلك كثرة الاختلافات في تحديده.
(2)
• قال الطيبي: والفرق بين قوله: "إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى" وبين قوله: "إِذَا دُعِى بِهِ أَجَابَ": أن الثاني أبلغ؛ فإنَّ إجابة الدعاء تدل على شرف الدَّاعي ووجاهته عند المجيب، فَتَتَضَمَّنُ أيضاً قضاء حاجته؛ بخلاف السؤال فقد يكون مَذْمُوماً، ولذلك ذَمَّ السائل في كثير مِنْ الأحاديث ومدح المتعفف، على أنَّ في الحديث دلالة على فضل الدعاء على السؤال.
(3)
* * *
(1)
يُنظر: المصدر السابق (ص/163 - 165)، و (ص/175 - 177).
(2)
وللمزيد يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/ 224 - 225)، "الحاوي للفتاوي" للإمام السيوطي (1/ 394 - 397)، "تحفة الذاكرين"(ص/79 - 82).
(3)
يُنظر: "فيض القدير"(1/ 511).
[115/ 515]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالَ: نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
جَلَسْتُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسًا، مَا جَلَسْتُ
(1)
قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ أَغْبَطَ عِنْدِي مِنْهُ: خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأُنَاسٌ عِنْدَ حُجْرَتِهِ يَتَجَادَلُونَ بِالْقُرْآنِ، فَخَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ كَأَنَّمَا رُضِحَ
(2)
فِي وجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ، أَوْ كَأَنَّمَا يَقْطُرُ مِنْ وَجْهِهِ الدَّمُ، فَقَالَ:«يَا قَوْمُ! أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ، أَنْ تُجَادِلُوا بِالْقُرْآنِ، بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ مُتَشَابِهًا فَآمِنُوا بِهِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن سُلَيْمان التَّيْمِيِّ إلا ابْنُهُ، تَفَرَّدَ به: عَمْرٌو النَّاقِدُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه عبد الرَّزَّاق في "مصنَّفه"(20367) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(6741)، والآجري في "الشريعة"(143)، والطبراني في "الأوسط"(2995)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2258)، وفي "المدخل"(790)، والبغوي في "شرح السنة"(121) -، عن مَعْمر عن الزهري - مِن أصح الأوجه عنه
(3)
-.
- وأحمد في "المسند"(6668 و 6845 و 6846)، وابن ماجه في "سننه"(85) ك/الإيمان، ب/في القدر، وابن أبي عاصم في "السنَّة"(406)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(179، 180)، كلهم مِن طرقٍ عن داود بن أبي هند. قال البوصيري: هذا إسنادٌ صَحيحٌ، رجاله ثِقَاتٌ.
(4)
- وأحمد في "المسند"(6702)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(812)، عن سلمة بن دينار.
- والذهبي في "السير"(16/ 241)، عن عَمرو بن دِينار.
أربعتهم (الزهري، وداود، وسلمة، وعَمرو) عن عَمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جدِّه، بنحوه، مُطولاً ومُخْتصراً، والبعض بتقديم وتأخير، وفي رواية داود بن أبي هندٍ في إحدى الروايات عنه: أنَّهم كانوا يتكلَّمون في القدر، وفي بعضها: أنَّهم يتنازعون في آيات القرآن التي فيها ذكر القدر.
(1)
بالأصل تكرار، ففيه "مَا جَلَسْتُ مَا جَلَسْتُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ".
(2)
الرَضْحُ: هُوَ كَسْرُ الحَصَى أَو النَّوَى بالحجر. يُنظر: "لسان العرب" لابن منظور (2/ 450).
(3)
فقد أخرجه الطبراني في "الأوسط"(5378)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1120) بسندهما مِن طريق صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وقال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَّا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ " وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ. قلتُ: وصالح بن أبي الأخضر قال عنه ابن حجر في "التقريب"(2844): "ضَعيفٌ يُعْتَبَرُ به".
(4)
يُنظر: "مصباح الزجاجة" حديث رقم (10).
• وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(2400) - ومِن طريقه البيهقي في "الشعب"(2257) - وسعيد بن منصور في "سننه" - كما في "التفسير مِن سنن سعيد بن منصور"(36) - وابن أبي شيبة في "المصنَّف"(30166)، وأحمد في "المسند"(6801)، ومسلمٌ في "صحيحه"(2666) ك/العلم، ب/النَّهْي عن اتِّباع مُتَشَابِهِ القُرآن، والتَّحْذِير مِنْ مُتَّبِعِيهِ، والنَّهي عن الاخْتِلاف فيه، والبزَّار في "مسنده"(2489 و 2490)، والنَّسائي في "الكبرى"(8041) ك/فضائل القرآن، ب/المِرَاءُ في القُرآن، وبرقم (11830) ك/المواعظ
(1)
، والآجري في "الشريعة"(142)، والطبراني في "الأوسط"(2451 و 3961)، والبيهقي في "الشعب"(2259).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن عبد الله بن عَمرو، مختصراً، ولفظه عند مسلم: عن عَبْدِ اللهِ بن عَمْرو، قال: هَجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، قال: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ:«إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، بِاخْتِلافِهِمْ فِي الْكِتَابِ» .
• وله شاهدٌ في النهي عن المِرَاء في القرآن أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(2667) ك/العلم، ب/النَّهْي عن اتِّباع مُتَشَابِهِ القُرآن، والتَّحْذِير مِنْ مُتَّبِعِيهِ، والنَّهي عن الاخْتِلاف في القُرآن، بسنده عن جُنْدَبِ بن عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقُومُوا» .
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَمْرو بن مُحَمَّد بن بُكير بن سَابور النَّاقد، أَبُو عُثْمَان البغدادي الحافظ.
روى عن: معتمر بْن سُلَيْمان، وابن عُيَيْنة، وإسماعيل بن عُلية، وآخرين.
روى عنه: البخاري، ومسلم، وأَبُو داود، وأحمد بن القاسم، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ثقةٌ أمينٌ وصدوقٌ. وقال ابن معين: صدوقٌ. وقال أبو داود، وابن قانع: ثِقَةٌ. وقال الحُسَيْن بن فَهْم: كان ثقةً، صاحبَ حديثٍ، فقيهاً، مِن الحُفَّاظِ المعدودين. وذكره ابن حِبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: حافظٌ حجةٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ حافظٌ، وَهِمَ في حديث.
(2)
3) مُعْتَمِر بن سُلَيْمان التَّيْمِيّ: "ثِقَةٌ، أعلم النَّاس بحديث أبيه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (87).
4) سُليمان بن طَرْخان التَّيْمِيُّ، أبو المُعْتَمر:"ثِقَةٌ حافظٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (11).
5) عَمرو بن شُعَيب: "ثِقَةٌ في نفسه، وحديثه صحيحٌ إذا رَوَى عن الثقات غير أبيه، وحديثه عن أبيه عن جده مِن أعلى مراتب الحَسَن وأقل مراتب الصحيح، ويُتجنَّب ما جاء مِن مناكيره"، تَقَدَّم في الحديث (26).
(1)
وهو مِن الزيادات التي استدركها المحقق الفاضل الشيخ/شُعيب الأرنؤوط على الكتاب مِمَّا وقف عليه في "تحفة الأشراف" وليس في أصل المخطوط، كما بيَّن فضيلته في المقدمة، والله أعلم.
(2)
"الجرح والتعديل" 6/ 262، "الثقات" 8/ 487، "التهذيب" 22/ 213، "السير" 11/ 147، "التقريب"(5106).
6) شُعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص: "صدوقٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
7) عبد الله بن عَمرو بن العاص: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
ثالثاً: - الحكم علي الحديث:
- مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "حَسَنٌ"؛ لأجل شُعيب بن محمد والد عَمرو بن شُعيب "صَدوقٌ" كما سبق، بالإضافة إلى أنَّ رواية عَمرو بن شُعيب عن الثقات غير أبيه صحيحةٌ، وروايته عن أبيه عن جَدِّه مِن أعلى مراتب الحسن وأقل مراتب الصحيح.
- وقد تُوبِعَ شُعيبٌ في روايته لهذا الحديث عن جدِّه، تابعه جماعة مِن الثقات، مِنهم: عبد الله بن رَبَاح الأنصاري كما عند الإمام مسلم في "صحيحه".
- وعليه فالحديث بمتابعاته، وشواهده يرتقي مِن الحَسَنِ، إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
- وأمَّا عن تَفَرُّد المُعْتَمِر به عن أبيه، فلا يُؤَثِّر في صحته؛ لكونه "ثِقَةٌ"، بل وأعلم النَّاس بحديث أبيه.
- وتَفَرُّد عَمرو بن مُحمَّد النَّاقد به عن المُعْتَمِر، لا يُؤَثِّر كذلك في صِحَّته؛ لكونه "ثِقَةٌ"، بل وعَدَّ العلماء أوهامه، فوجدوه لم يَهِم إلا في حديثٍ واحدٍ كما سبق، مِمَّا يَدُل على شِدَّة ضبطه، والله أعلم.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن سُلَيْمان التَّيْمِيِّ إلا ابْنُهُ، تَفَرَّدَ به: عَمْرٌو النَّاقِدُ.
مِن خلال ما سبق في التخريج يَتَبَيَّن صِحَّة ما ذهب إليه المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
المِرَاءُ صفةٌ قبيحة مِن الصفات المرذولة، المُبْعِدَة عن الله، وعن الأخوة والأحباب، وهذا إذا كان في الحق الذي لا يأتي بثمرته، والباطل على وجه العموم في الدين وغيره، فكيف إذا كان المِرَاءُ في القرآن؟! فلا شك أنَّه أشد حُرْمَةً وجُرْماً.
قال البيهقي: قال الحَلِيمِيُّ رحمه الله: والمِرَاءُ - والله أعلم - هو أنْ يَسْمع الرَّجل مِنَ الآخَرِ قِرَاءةً أو آيَةً أو كلمةً لم تكن عنده فيَعْجَلُ عليه ويُخَطِّئُه، فيَنْسِبُ ما يقرأ إلى أنَّه ليس بِقُرْآن، ويُجَادله في ذلك، أو يُجَادِلُهُ في تأويل ما يَذْهبُ إليه، ولم يكن عنده، وَيُخَطِّئُهُ وَيُضَلِّلُهُ، فلا يَنْبَغِي له أنْ يفعل ذلك، فإِنَّ اللِّجَاجَ رُبَّمَا أزاغه عن الحقِّ، فَلِهَذَا حُرِّمَ المِرَاءُ في القُرْآن وسُمِّي كُفْرًا؛ لِأَنَّهُ يُشْرِفُ بِصَاحِبه على الكُفْر، فإنَّ ذلك لو كان في نَفْي حرفٍ أو إِثْبَاتِهِ، أو نفي كلمةٍ أو إثباتها، لكان الزَّائِغُ مِنَ المُتَمَارِينَ عن الحقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ، كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يكُونَ مُنْكِراً لشيءٍ مِنَ القُرآن، أو يَكُونُ مُدِّعيَ زيادة فيه.
قال: والمِرَاءُ: الإِصْرَارُ على التَّغْلِيط والتَّضْلِيل، وتَرْكِ الإِذْعَانِ لما يُقَامُ مِنَ الحُجَّة، فأمَّا المُبَاحَثَةُ التي لا يَكَادُ المُشْكَلُ يَنْفَتِحُ إلَّا بِهَا فليست بِحرام، واللهُ أعلم.
(1)
وقال النووي: يَحْرمُ المِرَاءُ في القرآن والجدال فيه بغير حق، فَمِنْ ذلك: أن يَظْهَر فيه دلالة الآية على
(1)
يُنظر: "شعب الإيمان"(2/ 417).
شيء يُخَالف مذهبه، ويَحْتَمِل احتمالاً ضعيفاً موافقة مذهبه، فيَحْمِلُهَا على مذهبه، ويُنَاظر على ذلك، مع ظهورها في خلاف ما يقول؛ وأمَّا مَن لا يظهر له ذلك فهو مَعْذُورٌ.
قال الخطابي: المراد بالمِرَاء: الشك. وقيل: الجدال المشكك فيه. وقيل: هو الجدال الذي يفعله أهل الأهواء في آيات القدر ونحوها.
(1)
وقال الذهبي: هذا الحديث دَالٌّ عَلَى تَحْرِيْمِ الجِدَالِ، وَالاخْتِلَافِ فِي الكِتَابِ، مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوَضِّحَ الحَقَّ لَهُمَا فِي تِلْكَ الآيَةِ، وَيُبَيِّنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُصِيْبٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ، بَلْ سَدَّ البَابَ، وَلَوْ كَانَ تَبْيِيْنُ ذَلِكَ مِمَّا تَمَسُّ إِلَيْهِ الحَاجَةُ، لأَوْضَحَهُ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ نَصٍّ أَلقَاهُ إِلَى أُمَّتِهِ، وَلَمْ يَزِدْهُم فِيْهِ تَفْسِيْراً، وَلَا هُمْ سَأَلُوْهُ، بَلْ وَلَا فَسَّرُوهُ لِمَنْ بَعدَهُم، فَإِنَّ قِرَاءتَهُ تَفْسِيْرُهُ، فَلا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلَا يُبْحَثُ فِيْهِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي أَسْمَاءِ اللهِ، وَصِفَاتِهِ المُقَدَّسَةِ.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "التبيان في آداب حملة القرآن"(ص/168).
(2)
يُنظر: "سير أعلام النبلاء"(12/ 220 - 221).
[116/ 516]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْد، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ.
أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«الْقَمْحُ بِالشَّعِيرِ، اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَدًا بَيْدٍ، ولا يَصْلُحُ نَسِيئَةً» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن قَتَادَةَ إلا سَعِيدُ بن بُشَيْرٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الشاميين"(2691)، عن الحُسَيْن بن إسحاق التُّسْتَرِيّ، عن دَاوُد بن رُشَيْدٍ، به.
• وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(20604 و 22492 و 36504) - ومِنْ طريقه مُسلمٌ في "صحيحه"(1587/ 3) ك/البيوع، ب/الصَّرْفِ وَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ نَقْدًا، وأبو داود في "سننه"(3350) ك/البيوع، ب/في الصرف، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(5392)، وابن حبان في "صحيحه"(5018)، والبيهقي في "الكبرى"(10483/ 1)، وفي "معرفة السنن والآثار"(11028) -، وأحمد في "مسنده"(22727)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1587/ 3) ك/البيوع، ب/الصَّرْفِ وَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ نَقْدًا، والترمذي في "سننه"(1240) ك/البيوع، ب/مَا جَاءَ أَنَّ الحِنْطَةَ بِالحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَرَاهِيَةَ التَّفَاضُلِ فِيهِ، والبزار في "مسنده"(2732)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(5390 و 5391)، وأبو سعيد الشاشي في "مسنده"(1250)، وابن الجارود في "المنتقى"(650)، والدَّارقطني في "سننه"(2876)، والبيهقي في "الكبرى"(10483/ 2).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عَنْ خَالِدٍ الحذَّاء، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . واللفظ لمسلم.
وقال الترمذي: حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قلتُ: بينما أخرجه أبو سعيد الشاشي في "مسنده"(1257)، والطبراني في "مسند الشاميين"(2132)، مِنْ طريق محمد بن المُصَفًّى، ثنا بَقِيَّةُ بن الوليد، عن عُمَرَ بن المغيرة، عن سَعِيدِ بن أبي عَرُوبَةَ، عن قَتَادَةَ، عن جَابِرِ بن زَيْدٍ أبي الشَّعْثَاءِ، عن قَبِيصَةَ بن ذُؤَيْبٍ، عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لا بَأْسَ بِالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ» .
قال ابن أبي حاتمٍ في "العلل"(3/ 633/مسألة 1148): سألتُ أبي عن هذا الحديث - يقصد الحديث برواية قتادة، عن جابر بن زيد -، فقال أبي: هذا حديثٌ مُنْكَرٌ؛ وإنَّما هو: قَتَادة، عن أبي قِلَابة، عن أبي الأَشْعَث الصَّنعانيّ، عن عُبَادَة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) دَاوُد بن رُشَيْد الهاشميُّ، مولاهم، أبو الفضل الخوارزميُّ، سكن بغداد.
روى عن: الوليد بن مُسلم، وهُشَيْم بن بَشير، ومَرْوان بن مُعاوية الفَزَاريّ، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، ومُسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن سعد، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وزاد الذهبيُّ: صاحبُ حَدِيثٍ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الدَّارقطني: ثِقَةٌ نَبيلٌ.
(1)
3) الوليدُ بن مُسْلِم القُرشيُّ، أبو العبَّاس الدمشقيُّ.
روى عن: سعيد بن بَشير، والأَوزاعِيَّ، وعبد الرَّحمَن بن يَزِيد بن جَابِر، والثَّوريَّ، والليث، ومالك، وآخرين.
روى عنه: داود بن رُشَيْد، وأحمد بن حَنْبَل، وابن راهويه، وزُهير، وابن المدينيُّ، والحُمَيديُّ، وآخرون.
حاله: قال الطاطريُّ: عالمٌ بحديث الأوزاعيّ. وقال أبو مِسْهر: كان مَعْنيَّاً بالعلم، ومِنْ ثِقَات أصحابنا. وقال أحمد: كثير الخطأ. وقال علي بن المدينيّ: أَغْرَب الوليد أحاديثَ صحيحة لم يشاركه فيها أحدٌ. وقال ابن سعد، والعِجْليُّ، ويعقوب بن شيبة: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يُكتب حديثه. وروى له الجماعة.
- وقال أبو مُسْهِر: كان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعيّ، وكان ابن أبي السفر كذَّابٌ، وهو يقول فيها قال الأوزاعيّ. وقال أيضًا: كان الوليد بن مسلم يُحَدِّث بأحاديث الأوزاعيّ عن الكذَّابين، ثُمَّ يُدَلِّسها عنهم. وقال الدَّارقطني: الوليد بن مسلم يُرسل، يَروي عن الأَوزاعيّ أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخٍ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأَوزاعيّ، مثل: نافع، وعطاء، والزُّهريّ، ويُسقط أسماء الضعفاء، ويجعلها عن الأَوزاعيّ عن نافع، وعن الأَوزاعيّ عن عطاء، يعني: مثل عبد الله بن عامر الأسلمي وإسماعيل بن مسلم.
- وقال الذهبي في "الديوان": ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ، لا سيَّما في شيوخ الأوزاعيّ. وفي "المغني": إِمَامٌ مَشْهُورٌ، صَدُوقٌ، ولكنَّه يُدَلِّس عن ضعفاء لا سِيَّمَا في الأَوْزَاعِيّ، فاذا قال: ثنا الأوزاعيّ، فهو حُجَّةٌ. وفي "تاريخ الإسلام": إذا قال: حَدَّثَنَا، فهو ثِقَةٌ، وصاحبا "الصحيح" يُنَقّبان حديثه إذا أخرجا لَهُ. وفي "الكاشف": كان مُدَلِّسًا، فيُتَّقى مِنْ حديثه ما قال فيه عن. وفي "السير": وكان من أوعية العلم، ثِقَةً حَافِظًا، لكنه ردئ التدليس، فإذا قال: حَدَّثَنَا فهو حُجَّةٌ، هو في نفسه أوثق من بقية، وأعلم. وقال ابن حجر في "طبقات المدلِّسين": موصوفٌ بالتَّدليس الشديد مع الصدق. وذكره العلائي، وابن حجر في المرتبة الرابعة مِنْ المُدَلِّسين
(2)
. وزاد العلائي: ويعاني التسوية. وفي "التقريب": ثِقَةٌ، لكنَّه كثير التَّدليس والتَّسوية.
(3)
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 412، "الثقات" 8/ 236، "تاريخ بغداد" 9/ 340، "التهذيب" 8/ 388، "التقريب"(1784).
(2)
وهم مَنْ اتَّفق الأئمة على عدم الاحتجاج بشيء مِنْ حديثهم إلا بما صَرَّحوا فيه بالسَّماع لكثرة تدليسهم عن الضُّعفاء.
(3)
يُنظر: "الثقات" للعِجْليّ 2/ 343، "الجرح والتعديل" 9/ 16، "تاريخ دمشق" 63/ 274، "التهذيب" 31/ 86، "الكاشف" 2/ 355، "المغني" 2/ 388، "تاريخ الإسلام" 4/ 1240، "السير" 9/ 211، "الميزان" 4/ 347، "جامع التحصيل"(ص/111 و 113)، "طبقات المُدَلِّسين"(ص/51)، "التقريب"(7456).
4) سَعِيدُ بن بَشير الأَزْدِيُّ، ويُقال: النَّصْريُّ، أبو عَبْد الرحمن، ويُقال: أبو سَلَمَة، الشاميُّ.
روى عن: قتادة، والزُّهريّ، وأبي الزُّبير محمد بن مسلم المكيّ، وآخرين.
روى عنه: الوليد بن مسلم، وهُشَيْم بن بَشير، ووكيعٌ الجَرَّاح، ومَرْوان الطاطري، وآخرون.
حاله: قال دُحيم: يُوثِّقونه، وكان حافِظًا. وسُئل شُعبةُ عنه، فقال: ذاك صدوق اللسان. وقال البخاري: يَتكلَّمون في حفظه، وهو يُحتمل. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة: محله الصدق عندنا، وهو شيخٌ يُكتب حديثه. وأنكر أبو حاتم على من أدخله في كتاب الضعفاء وقال: يحول منه. وقال ابن شاهين: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال ابن عدي: لعلَّه يَهِمُ في الشيء بعد الشيء، ويغلط، والغالب على حديثه الاستقامة، والغالب عليه الصدق. وقال البَزَّار: صالحٌ، ليس به بأسٌ، حسنُ الحديث، لا يُحتجُّ بما انفرد به. وقال الذهبي: صدوقٌ.
- وقال ابن معين، وابن المديني، وأبو داود، والنَّسائيُّ، والدَّارقطني، وابن حجر: ضَعيفٌ. وقال ابن نُمير: مُنْكرُ الحديث، ليس بشيء، ليس بقوي الحديث، يَروي عن قتادة المُنْكَرات. وقال ابن حبَّان: كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، يَروي عن قتادة مالا يُتَابع عليه، وعن عمرو بن دينار ما ليس يعرف مِنْ حديثه.
فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ، يَروي عن قتادة المُنْكرات".
(1)
5) قَتَادة بن دِعَامة السَّدُوسي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، كان يُدَلِس، ويُرسل كثيراً".
لكن ينبغي التنبيه هنا على عِدَّة أمور، وهى:
أ ينبغي قبل إعلال الحديث بعنعنة قتادة، التأكد هل سَمِع قتادة من الشيخ الذي يَروي عنه أم لا، فإن كان لم يَسْمَعْ منه فلا تُعل روايته عنه بالتدليس، بل تُعلُّ بالانقطاع.
ب إذا كان الراوي عنه شُعبة؛ فلا يُتوقّف في عنعنته لما سبق بيانه في ترجمته.
ت إذا كان شيخه ممَّن أَكْثَرَ الرواية عنه، وكَثُرَت ملازمته له كأنس بن مالك، والحسن البصري - كما سبق ذكره - فلا يُتوقف كذلك في عنعنته عنهم، ولا تُردّ إلا بقرينةٍ. تقدَّم في الحديث رقم (75).
سماع قتادة مِنْ أبي قلابة عبد الله بن زيد: قال ابن معين: لم يَسْمَع من أبي قِلَابَة، إنَّما حَدَّث عن صحيفة أبي قِلَابَة. وقال يعقوب بن سُفْيَان، وأحمد، والفَلَّاس: لم يَسْمَع مِنْ أبي قلابة شيئًا، وإنَّما بَلَغَه عنهُ. وعن شعبة، قال: كنت أعرف إذا جاء ما سمع قتادة مما لم يسمع; كان إذا جاء ما سمع، قال: حدَّثنا أنس بن مالك، حدَّثنا الحسن، حدَّثنا مُطَرِّف، حدَّثنا سَعِيد. وإذا جاء ما لم يسمع، قال: قال سَعِيد بن جبير، قال أبو قِلَابة. وقال أبو حاتم: يُقَال لم يسمع من أبي قلَابَة الا اطرافا مِنْهُ وَقع اليه كتاب من كتب أبي قلَابَة. وقال المِزِّيُّ في ترجمة أبي قِلَابة: روى عنه قتادة - وقيل: لم يَسْمَع مِنْه -.
(2)
(1)
"التاريخ الكبير" 3/ 460، "الجرح والتعديل" 4/ 6، "المجروحين" 1/ 319، "الكامل" 4/ 422، "تاريخ دمشق" 21/ 22، "السير" 7/ 304، "مَنْ تُكُلِّم فيه وهو مُوثَّق"(ص/219)، "الميزان" 2/ 128، "تهذيب التهذيب" 4/ 10، "التقريب"(2276).
(2)
يُنظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص/168)، "التهذيب" 23/ 510 و 14/ 544، "جامع التحصيل"(ص/255)، "تحفة التحصيل"(ص/263).
قلتُ: وقتادة عاصر أبا قِلَابَة يقيناً، وقد اعتمد مسلمٌ روايته عن أبي قلابة في "صحيحه"
(1)
، فهي عنده على الاتصال؛ بناءً على مذهبه المشهور في الاكتفاء بالمعاصرة في ثبوت الاتصال.
6) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، أَبُو قِلابَةَ الْجَرْمِيُّ الْبَصْرِيُّ.
روى عن: أنس بن مالك رضي الله عنه، وأبي الأشعث الصَنْعانِيّ، وسالم بن عبد الله بن عُمر، وآخرين.
روى عنه: قتادة، وخالد الحذَّاء، وأيوب السِّخْتِيَانيّ، وحُميد الطويل، وآخرون.
حاله: قال ابن سيرين، وسُليمان بن حرب، وابن سعد، والعِجْلِيّ، وابن خِرَاش: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ، لا يُعرف له تدليسٌ. وقال ابن حبَّان: مِنْ عُبَّاد التابعين وزُهَّادهم. وقال الذهبي في "السير": كان يُرْسِلُ كثيرًا، وهو يُدَلِّس، وكان من أئمة الهُدى. وعَقَّب على قول أبي حاتم: لا يُعرف له تدليس، فقال: معنى هذا: أنه إذا روى شيئًا عن عُمر، أو أبي هريرة مثلًا مُرْسَلًا لا يُدْرَي مَنْ الذي حدَّثه به، بخلاف تدليس الحسن البصري، فإنَّه كان يأخذ عن كل ضرب، ثم يسقطهم، كعلي بن زيد تلميذه. وعقب ابن حجر في "تهذيب التهذيب"، فقال: هذا - أي قول أبي حاتم - مِمَّا يقوي مَنْ ذهب إلى اشتراط اللقاء في التدليس لا الاكتفاء بالمعاصرة. وفي "الميزان": ثِقَةٌ في نفسه، إلا أنَّه يُدَلِّس عمَّن لحقهم، وعمَّن لم يلحقهم، وكان له صحف يُحَدِّث مِنْهَا ويُدَلِّس. وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى مِنْ مراتب المُدَلِّسين
(2)
، وقال: وصفه به الذهبي، والعلائي. وقال محمد بن طلعت: كلام الذهبي معناه: أنَّه كان يُرسل، فالذهبي كان يُطلق التدليس كثيراً على الإرسال الخفي، ثُمَّ أطال - جزاه الله خيرًا - في بيان ذلك، والاستدلال له.
وقال ابن حجر في "التقريب": "ثِقَةٌ فَاضِلٌ، كَثِيرُ الإرسال". وروى له الجماعة.
(3)
7) شَرَاحيل بن آدة، أبو الأشعث، الصَّنْعانيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (70).
8) عُبَادة بْن الصَّامت بن قيس بن أصرم، أبو الوليد الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجيُّ رضي الله عنه.
روى عن: النَّبيّ صلى الله عليه وسلم. روى عنه: أبو الأشعث، وأنس بن مالك، ومحمود بن الرَّبيع رضي الله عنهم، وآخرون.
أحد النُّقباء ليلة العَقَبة، شهِد بدْرًا والمشاهدَ، ووُلِّي قضاء فلسطين، وسكن الشام.
(4)
(1)
يُنظر: "صحيح مسلم" الحديث رقم (2577/ 4 و 2889/ 2).
(2)
وهم مَنْ لم يُوصف بذلك إلا نادرًا.
(3)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 2/ 30، "الجرح والتعديل" 5/ 58، "الثقات" 5/ 2، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/114)، "تاريخ دمشق" 28/ 283، "التهذيب" 14/ 542، "تاريخ الإسلام" 3/ 193، "السير" 4/ 468، "الميزان" 2/ 246، "جامع التحصيل"(ص/211)، "تهذيب التهذيب" 5/ 226، "طبقات المُدَلِّسين"(ص/21)، "التقريب"(3333)، "معجم المُدَلِّسين"(ص/271).
(4)
يُنظر: "الاستيعاب" 2/ 807، "أسد الغابة" 3/ 158، "الإصابة" 5/ 567.
ثالثًا: الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ فيه الوليد بن مُسلم "يُدَلِّس تدليس التسوية"، وقد رواه بالعنعنة، وسعيد بن بَشير "صدوقٌ، يروى عن قتادة المُنْكرات"، وقتادة لم يَسْمَع مِنْ أبي قِلابَة، فيما قاله: أحمد، وابن معين، والفَلَّاس، وأبو حاتم، والمِزِّيّ؛ وعلى فرض ثبوت سماعه، فإنَّه يُدَلِّس، وقد رواه بالعنعنة.
شواهد للحديث:
• أخرج البخاريُّ، ومُسلمٌ في "صحيحيهما"، عن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إِلا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَدًا بِيَدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ.
(1)
واللفظ لمُسلمٍ.
• وأخرج الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ اسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى، إِلا مَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ» .
(2)
وللحديث مُتابعات في "صحيح مُسلم"، سبق ذكرها في التخريج؛ وعليه فالحديث يرتقي بمتابعاته، وشواهده إلى "الصحيح لغيره"، دون قوله:"اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ"، لمخالفتها لما صَحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ"، ولعَلَّ هذه اللفظة مِنْ مُنْكرات سعيدٍ بن بَشير، عن قتادة، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قَتَادَةَ إلا سَعِيدُ بن بُشَيْرٍ.
قلتُ: وحكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف على ما يدفعه، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبِيٌّ.
التعليق على الحديث:
قال الإمام الترمذي: وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، لا يَرَوْنَ أَنْ يُبَاعَ البُرُّ بِالبُرِّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْأَصْنَافُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ مُتَفَاضِلًا إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: أَنْ تُبَاعَ الحِنْطَةُ بِالشَّعِيرِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ.
(3)
* * *
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2175) ك/البيوع، ب/بيع الذَّهب بالذَّهب، وبرقم (2182) ك/البيوع، ب/بَيْعِ الذَّهَبِ بِالوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1590) ك/البيوع، ب/النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ دَيْنًا،
(2)
أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(1588/ 1)، ك/البيوع، ب/ الصَّرْفِ وَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ نَقْدًا.
(3)
"سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (1240) ك/البيوع، ب/مَا جَاءَ أَنَّ الحِنْطَةَ بِالحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَرَاهِيَةَ التَّفَاضُلِ فِيهِ.
[117/ 517]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَمِّي عِيسَى بْنُ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ - يَعْنِي: النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ فِي الصَّلاةِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أَشْعَثَ إِلا مَرْوَانُ، تَفَرَّدَ به: عِيسَى بن المُسَاوِرِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنَّف"(7256 و 36276) مِن طريق عبد الرحمن بن حُميد الرؤاسي.
- وابن أبي شيبة أيضاً في "المُصَنَّف"(7263)، وأحمد في "مسنده"(14859)، وابن أخي ميمي في "فوائده"(237)، مِنْ طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
- وأحمد في "مسنده"(14654، 14750) مِن طريق ابن لهيعةَ.
- وأبو العبَّاس السَّراج في "مسنده"(701)، والبزَّار - كما في "كشف الأستار"(573) -، وأبو يعلى في "مسنده"(2172)، وفي "معجمه"(98) مِن طريق الحَجَّاج بن أبي عثمان الصَّواف.
- وأبو العَبَّاس السَّراج في "مسنده"(702) مِن طريق موسى بن عُقْبة.
- وأبو القاسم تَمَّام بن محمد في "فوائده" - كما في "الروض البَّسام"(366) -، والخليلي في "الإرشاد"(189)، مِن طريق سُفيان الثوري.
سِتَّتُهم (الرؤاسي، وابن أبي ليلى، وابن لهيعة، والصَّواف، وموسى، والثوري) عن أبي الزبير، عن جابرٍ، به، وعند بعضهم: تقيد ذلك بالصلاة، وعند أبي يَعْلى مُطولاً، وفيه قصةٌ.
ولم يُصَرِّح أبو الزبير بالسماع مِن جابر، بل رواه بالعنعنة في جميع الروايات، إلا في إحدى الروايات عن ابن لهيعة عند أحمد، فصرَّح فيها بالسماع، لولا أنَّ في سندها ابن لهيعة!
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عِيسى بن المُسَاور، الجوهريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
3) مَرْوَان بن مُعَاوية بن الحارث الفَزَارِيُّ، أبو عبد الله الكوفيُّ.
روى عن: حُمَيد الطويل، وعاصم الأَحْول، وأشعث بن سَوَّار، وآخرين.
روى عنه: عيسى بن مُساور، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المديني، والنَّاس.
حاله: قال العِجْلي: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال أحمد: ثَبْتٌ حافظٌ. وقال ابن معين، وابن سعد، والنَّسائي: ثقةٌ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ، وتكثر روايته عن الشيوخ المجهولين. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: ثِقَةٌ حُجَّةٌ لكنَّه يَكْتبُ عَمَّن دبَّ ودَرَجَ فَيُنْظر فِي شُيُوخه. وروى له الجماعة.
- وقال العِجْلي: وما حَدَّث عن المَجْهولين فليس حديثه بشيء، وأمَّا عن المَعْرُوفين فصحيحٌ. وقال ابن معين: ثقةٌ فيما روى عمن يُعْرَف، يَروي عن أقوامٍ لا يُرْوَي عنهم ويُغَيْر أسماءهم. وبنحوه قال ابن المديني.
- والحاصل: ما قاله ابن حجر في "التقريب": "ثِقَةٌ حافظٌ، كان يُدَلِّس أسماء الشيوخ".
(1)
4) أَشَعَثْ بن سَوَّار، الكِنْدِيُّ، النَّجَار، الكوفيُّ:"ضعيفٌ، يُعْتَبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (62).
5) أبو الزُبير محمد بن مسلم بن تَدْرُس: "ثِقَةٌ يُدلِّس عن جابر خاصةً - لذا لا يُتوقف في عنعنته عن غير جابر - فلا يُقبل من حديثه عن جابر إلا ما صرَّح فيه بسماعه منه، أو كان من رواية الليث بن سعد عنه - للقصة المشهورة - "، تَقَدَّم في الحديث رقم (47).
6) جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، من المكثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (20).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
- مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطَّبراني "ضعيفٌ"؛ لأجل أشعث بن سَوَّار "ضعيفٌ يُعْتبر به"؛ وفيه أيضاً: أبو الزبير يُدلِّس عن جابر خاصة، ولم يُصَرِّح بالسمَّاع.
- أمَّا أَشْعث بن سَوَّار فقد تابعه جماعة عن أبي الزبير كما سبق في التخريج، وأمَّا تدليس أبو الزبير فَيزول بالشواهد التي أخرجها البخاري ومسلمٌ في "صحيحيهما"، وهي كالآتي:
شواهد للحديث:
أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» .
(2)
وفي "الصحيحين" أيضاً عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «التَّسْبِيحُ للرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ» .
(3)
وهذا لفظ البخاري بإحدى الروايات، والحديث عنده في باقي الروايات وعند مُسلم مُطولاً وفيه قصة.
- وعليه؛ فالحديث بمتابعاته وشواهده يرتقي مِن الضعيف إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعاً: - النظر في كلام المُصّنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن أَشْعَثَ إِلَّا مَرْوَانُ، تَفَرَّدَ به: عِيسَى بن المُسَاوِرِ.
ومِن خلال ما سبق في التخريج يتضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، ومَرْوان وعيسى "ثقتان".
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 270، "الجرح والتعديل" 8/ 273، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 483، "تاريخ بغداد" 15/ 191، "تهذيب الكمال" 27/ 403، "المغني في الضعفاء" 2/ 292، "الميزان" 4/ 93، "التقريب"(6575).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1203) ك/العمل في الصلاة، ب/التَّصْفِيق لِلنِّسَاءِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(422) ك/الصلاة، ب/تَسْبِيح الرَّجُلِ وَتَصْفِيقِ الْمَرْأَةِ إِذَا نَابَهُمَا شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ.
(3)
أخرجه البخاري برقم (684) ك/الآذان، ب/مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، جَازَتْ صَلَاتُهُ، وبرقم (1204) ك/العمل في الصلاة، ب/التَّصْفِيق لِلنِّسَاءِ، وبرقم (1234) ك/السهو، ب/الإِشَارَة فِي الصَّلَاةِ، وبرقم (2690) ك/الصلح، ب/مَا جَاءَ فِي الإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا، وبرقم (7190) ك/الأحكام، ب/الإِمَام يَأْتِي قَوْمًا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، ومُسْلمٌ برقم (421) ك/الصلاة، ب/تَقْديم الْجَمَاعَةِ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ إِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَخَافُوا مَفْسَدَةً بِالتَّقْدِيمِ.
خامساً: - التعليق على الحديث:
- يُبَيُّن النَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنَّ مَن نابه شيء وهو في الصلاة فليُسَبِّح الرجال، وليُصَفِّق النِّساء، فجعل التصفيق للنِّساء، والتسبيح للرجال، ولمَّا صَفَّق الصحابة في الصلاة خلف أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه أنْكر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك، وقال:«مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ، مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ التُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» .
(1)
وذكر الإمام الترمذي: أن العمل على هذا الحديث عند أهل العلم.
(2)
وقال ابن رجب الحنبلي: وممن رُوي عنه، أنه أفتى بذلك: أبو هريرة، وسالم بن أبي الجعد، وقال به: الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو يوسف، وجُمْهُورُ العُلماء مِنْ السَّلَف والخلف.
ثُمَّ قال: ومذهب مالك وأصحابه: أنه يسبح الرجال والنساء.
وحملوا قوله: "إنَّمَا التَّصْفِيْقُ للنِّسَاء" على أن المراد: أنَّه من أفعال النساء، فلا يفعل في الصلاة بحال، وإنما يسبح فيها. وأجاب غير واحدٍ مِن أهل العلم أنَّ تقيد ذلك في بعض الروايات بالصلاة يَدُل على بطلان هذا التأويل الذي ذهب إليه مالك رحمه الله، وأنَّ التسبيحُ خاص بالرجال، والتصفيق خاصٌ بالنساء.
(3)
وقال أبو العبَّاس القُرطُبيُّ بعد ذكره لمذهب الجُمْهُور: وهذا القول هو الصَّحِيحُ خَبَرًا وَنَظَرًا. وقال ابن حزم: رَوَيْنَا عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدريِّ أنَّهُما قالا: "التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ"، ولا يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.
(4)
وقال ابن رجبٍ أيضاً: وإنَّمَا تُصَفِّقُ المرأة إذا كان هناك رجال. فأمَّا إن لم يكن معها غير النساء، فقد ثبت أنَّ عائشة سبَّحت لأختها أسماء في صلاة الكسوف
(5)
، فإنَّ المحذور سماع الرجال صوت المرأة، وهو مأمون هاهنا، فلا يُكْره للمرأة أن تُسبِّح للمرأة في صلاتها. ويُكْره أن تُسبِّح مع الرجال. ومن أصحابنا من قال: لا يُكْره. والأول: الصحيح. وقال بعض أصحابنا: الأفضل في حقها مع النساء التنبيه بالتصفيق، أيضاً.
- وقال ابن رجب: قالوا: ولو سَبَّحت المرأة، أو صَفَّق الرجل، فقد خالفا السنة، ولم تبطل صلاتهما بذلك. ويدل عليه: أن الصحابة أكثروا التصفيق خلف أبي بكر الصديق، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة
(6)
، وإنما أمرهم بالأكمل والأفضل. وقد قال طائفة من الفقهاء: متى أكثروا التصفيق بطلت الصلاة. والحديث يدل على
(1)
أخرجه البخاري برقم (684) ك/الآذان، ب/مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ، فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ، جَازَتْ صَلَاتُهُ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(421) ك/الصلاة، ب/تَقْديم الْجَمَاعَةِ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ إِذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَخَافُوا مَفْسَدَةً بِالتَّقْدِيمِ.
(2)
يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (369).
(3)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (9/ 308 - 309)، ويُنظر أيضاً:"طرح التثريب"(2/ 242 - 243).
(4)
يُنظر: "طرح التثريب"(2/ 244)، "فتح الباري" لابن حجر (2/ 170).
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1053) ك/صلاة الكسوف، ب/صَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الكُسُوفِ.
(6)
سبق تخريجه قريباً.
خلافه، إلاّ أن يُحْمل على أنَّهم لم يكونوا يعلمون مَنْعَه، فيكون حُكْمُهم حُكْمُ الجاهل.
(1)
- وقال العراقي: استدل البعض بهذا الحديث بأنَّه لا يجوز للرجل التصفيق باليدين مطلقاً، لا في الصلاة ولا في غيرها؛ لكونه جعل التصفيق للنِّساء، لكنَّه محمول على حالة الصلاة، بدليل تقييده بذلك في رواية البخاري ومسلم وغيرهما، ومقتضى قاعدة من يأخذ بالمطلق وهم الحنابلة والظاهرية عدم جوازه مطلقاً، ومتى كان في تصفيق الرجل تشبه بالنساء فيدخل في الأحاديث الواردة في ذم المتشبهين من الرجال بالنساء، ولكن ذلك إنما يأتي في ضرب بطن إحدى اليدين على بطن الأخرى، ولا يأتي في مطلق التصفيق.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (9/ 310 - 311)، ويُنظر أيضاً:"طرح التثريب"(2/ 246 - 247).
(2)
يُنظر: "طرح التثريب"(2/ 250)، وللمزيد يُراجع:"طرح التثريب"(2/ 242 - 251)، "فتح الباري" لابن حجر (2/ 168 - 170)، "فيض القدير"(3/ 281 - 282).
[118/ 518]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْكُوفِيُّ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ
(1)
.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَوْصِنِي.
فَقَالَ: «دَعْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الشَّعْبِيِّ إلا السَّرِيُّ بن إِسْمَاعِيلَ.
هذا الحديث مَدَاره على الشَعْبِيّ، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: الشَّعْبِيُّ، عن مَسْروقٍ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الشَّعْبِيُّ، عن وَرَّادٍ كاتب المُغِيرَة، عن المُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الشَعْبِيُّ، عن مَسْروقٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول: لم يَرْوه عن الشعبي بهذا الوجه إلا السَّرِيُّ بن إسماعيل:
• فأخرجه الطَّحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(3198)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 538) - في ترجمة السَّرِي -، وأبو بكر الخرائطي في "مكارم الأخلاق"(396)، من طريق فَيض بن الفَضْل، عن السَّرِي بن إسماعيل، عن الشَّعْبِيّ قال: حدَّثنا مَسْرُوقٌ، عن عَبْدِ اللهِ، قال: أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم آتٍ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إنِّي مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، فَبِمَ آمُرُهُمْ؟، قَالَ:" مُرْهُمْ بِإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَقِلَّةِ الْكَلامِ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِمْ "، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَمَّ أَنْهَاهُمْ؟ قَالَ:" انْهَهُمْ عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ"، يَعْنِي بِالْمَالِ: الْحَيَوَانَ أَنْ لا يُضَيَّعَ، وَيُحْسِنَ إلَيْهِمْ - هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ -:"وَانْهَهُمْ عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ ".
وذكره ابن عدي بهذا الوجه وبهذا اللفظ، وكذلك بلفظ الطبراني، وقال: لا يرويهما عن الشعبي غير السَّرِي. بينما ذكره الخرائطي مختصراً، بدون جزئه الأخير.
• والجرجاني في "تاريخه"(123)، عن أحمد بن القاسم، برواية الباب. وزاد:"ولا تُؤْتُوا السُفهَاء أَمْوالكم".
• وأبو نُعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 195) مِن طريق الفَضْلِ بن مُوفَّق، عن السَّرِيّ بن إِسْمَاعِيلَ، ثنا عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، عن مَسْرُوقٍ، عن عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آتٍ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، فِيمَا آمُرُهُمْ. قَالَ:«بِإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَقِلَّةِ الْكَلامِ إِلا فِيمَا يُغْنِيهِمْ» .
(1)
قال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(15/ 311): يُقَال: إنَّه سُرِقَ وهو صَغِيرٌ، ثُمَّ وُجِدَ فَسُمِّيَ مَسْرُوقاً.
• والخطيب في "تاريخ بغداد"(11/ 444)، مِن طريق عَلِيّ بن مُسْلِمٍ الطُّوسِيّ، قال: حدَّثنا محمَّد بن كَثِيرٍ، عن السَّرِيِّ بن إسماعيل، عن الشعبي، عن مَسْرُوقٍ، عن ابن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: " أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ". وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي. فَقَالَ:" دَعْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ".
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَمْرو بن محمد النَّاقد: "ثِقَةٌ حَافِظٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (115).
3) مُحَمَّدُ بن كَثير القُرشيُّ، أبو إسحاق الكوفيُّ.
روى عن: السَّري بن إسماعيل، والليث بن أبي سُليم، وعمرو بن قَيْسٍ، وآخرين.
روى عنه: عَمرو النَّاقد، وابن المديني، وابن معين، وآخرون.
حاله: قال أحمد: خَرَقْنا حديثه ولم نَرْضه، حدَّث عن ليثٍ بأحاديث كلها مقلوبة. وقال البخاري: مُنْكرُ الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيفٌ، وكان ابن معين يُحَسِّن القول فيه. وقال ابن حبَّان: ينْفَرد عَن الثِّقَات بالأشياء المقلوبات، لا يُحْتَج به بِحال. وقال ابن عدي: الضعفُ على حديثه بَيِّنٌ. وقال السَّاجي: متروك الحديث. وقال الذهبي: ليِّنٌ. وحاصله: ما قاله ابن حجر: "ضعيفٌ".
(1)
4) السَّرِيّ بن إِسْمَاعِيل الهَمْدَاني، الكوفي، ابن عم الشَعْبيّ.
روى عن: سَعِيد بن وهب الهَمْدَانِيّ، وعامر الشَّعبيّ، وقيس بن أبي حازم.
روى عنه: محمد بن كثير الكوفي، والفضل بن مُوَفَّق، وفَيض بن الفَضْل، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن القطَّان: استبان لي كذبه في مَجْلِس. وقال أحمد: ليس بالقوي، وترك النَّاس حديثه. وقال ابن سعد: قليلُ الحديث. وقال أبو حاتم: ذاهبٌ. وقال ابن حبَّان: كان يَقْلبُ الأسانيد ويَرْفَع المراسيل. وقال النَّسائي، وأبو داود: متروك الحديث. وقال ابن عدي: لا يُتابع على حديثه، وهو إلى الضعف أقرب. وقال الذهبي: تركوه. وحاصله: ما قاله ابن حجر: "متروك الحديث".
(2)
5) عامر بن شَراحيل الشَّعْبي: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مَشْهورٌ فاضلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (72).
6) مَسْرُوق بن الأَجْدَع الهَمْدَانيُّ، أبو عائشة الكوفي.
روى عن: عبد الله بن مسعود، وخبَّاب بن الأَرَت، وعائشة، وآخرين.
روى عنه: عامر الشَّعبي، وإبراهيم النَّخَعيُّ، وأبو إسحاق السَّبيعي، وآخرون.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 217، "الجرح والتعديل" 8/ 68، "المجروحين" 2/ 287، "الكامل" لابن عدي 7/ 500، "السير" 10/ 383، "لسان الميزان" 7/ 459، "التقريب"(6253).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 176، "الجرح والتعديل" 4/ 282، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 355، "تهذيب الكمال" 10/ 227، "الكاشف" 1/ 427، "التقريب"(2221).
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، وابن سَعْد: ثِقَةٌ، وزاد ابن معين: لا يُسْئل عنه. وقال الذهبي: مِنْ كِبَار التابعين، ومِن المُخَضْرمين الذين أسلموا في حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن حجر:"ثِقَةٌ فَقيهٌ عابدٌ، مُخَضْرمٌ".
(1)
7) عبد الله بن مسعود: "صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ كبار الصحابة"، تَقَدَّم في الحديث رقم (28).
ثانياً: - الوجه الثاني:
الشَّعْبِيُّ، عن وَرَّادٍ كاتب المُغِيرَة، عن المُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني: ورواه عن الشَّعْبِيِّ بهذا الوجه جماعةٌ، كالآتي:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(18147)، قال: حدَّثنا حُسَيْن بن بِهْرَام، ثنا شَيْبَانُ بن عبد الرحمن، عن مَنْصُور بن المُعْتَمِر، عن الشَّعْبِيِّ، عن وَرَّادٍ، عن المُغِيرَةِ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ. وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَأْدَ الْبَنَاتِ، وَعُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ".
- والبخاري في "صحيحه"(2408) ك/الاستقراض، ب/مَا يُنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ المَالِ، وبرقم (5975) ك/الأدب، ب/عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ مِنَ الكَبَائِرِ - ومِن طريقه البغوي في "شرح السنة"(3426) -، ومسلمٌ في "صحيحه"(1716/ 1،2) ك/الأقضية، ب/النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَالنَّهْيِ عَنْ مَنْعٍ وَهَاتِ، والنَّسائي في "الكبرى"(11784) ك/الرَّقائق
(2)
، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "حديثه"(2462)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(6388 و 6392)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(3197)، وخيثمة بن سُليمان في "حديثه"(ص/197)، وابن حبَّان في "صحيحه"(5555)، والطبراني في "الكبير"(20/ 384/901 و 903)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(297)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(11340)، وفي "المدخل"(280)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(8/ 688)، وأبو القاسم الأصبهاني - الملقب بقوام السنة - في "الترغيب والترهيب"(467 و 2208)، وابن العديم في "تاريخ حلب"(7/ 3391)، كلهم مِن طُرُقٍ عن مَنْصور بن المُعْتمر، به.
• وأخرجه أحمد في "مسنده"(18179)، قال: حدَّثنا إسماعيل بن عُلَيَّة، حدَّثنا خالدٌ الحَذَّاءُ، حدَّثني سعيد بن عَمرو بن أَشْوَعَ، عن الشَّعْبِيِّ، قال: حدَّثني ورَّاد، عن المُغيرة، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ".
- والبخاري في "صحيحه"(1477) ك/الزكاة، ب/قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} ، ومسلمٌ في "صحيحه"(1716/ 3) ك/الأقضية، ب/النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(6389، 6390)، وابن حبَّان في "صحيحه"(5719)، والطبراني في "الكبير"(20/ 384/900)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص/100)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه"(1014). كلهم مِن طُرُقٍ عن خالد الحَذَّاء، عن ابن أَشْوع، به.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 273، "الجرح والتعديل" 8/ 397، "التهذيب" 27/ 451، "السير" 4/ 64، "التقريب"(6601).
(2)
وهو مِن الزيادات التي استدركها الشيخ/شُعيب، مِن "تحفة الأشراف"، ويُنظر:"التحفة"(8/ 497/ 11536).
وقال الحاكم: سَعِيدُ بن عَمْرِو بن أَشْوَع شَيْخٌ مِنْ ثِقَاتِ الكُوفِيِّينَ يُجْمَعُ حَدِيثهُ وَيُعَزُّ وُجُودُهُ، وليس هذا الحديث عند الكوفيِّين عنه، إنَّما يَنْفَرِدُ به خالد بن مِهْرَان الحَذَّاء البصريُّ عنه.
• وأخرجه أحمد في "مسنده"(18192، 18232) - ومِن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد"(21/ 291)، و"الاستذكار"(41498) -، قال: حدَّثنا هُشَيْم بن بَشير، أخبرنا غيرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ مُغِيرَةُ بن مِقْسم الضبِّيّ - مِن أصح الأوجه عنه
(1)
-، عن الشَّعْبِيِّ، عن وَرَّادٍ، عن المُغيرة،
…
وذكر حديثاً، وفيه:"وَكَانَ " يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ، وَعُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ".
- والبخاري في "صحيحه"(6473) ك/الرِّقَاق، ب/مَا يُكْرَهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ، وابن خزيمة في "صحيحه"(742)، كلاهما مِن طريق مُغيرة، به.
• وأخرجه ابن حبَّان في "صحيحه"(5556)، والطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 385/902)، مِن طريق عاصم بن أبي النَّجُود - مِن أصح الأوجه عنه
(2)
-، عن الشعبي، به.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
هذا الوجه أخرجه البخاري، ومسلمٌ في "صحيحيهما"، وهذا كافٍ لإثبات صحته، وثقات رواته.
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَدَاره على الشعبي، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: الشَّعْبِيُّ، عن مَسْروق، عن عبد الله بن مسعود.
ولم يَرْوه عن الشَّعبي بهذا الوجه إلا السَّرِي بن إسماعيل، وهو متروك الحديث، كما سبق.
الوجه الثاني: الشَّعْبِيُّ، عن وَرَّادٍ كاتب المُغِيرَة، عن المُغِيرَةِ بن شُعْبَةَ.
بينما رواه عن الشعبي بهذا الوجه جماعة مِن الثقات، وقد أخرجه البخاري ومسلمٌ.
وعليه؛ فيتبيَّن - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية، والأحفظية.
2) أنَّ الوجه الأول رواه السَّري بن إسماعيل، وهو متروك الحديث، وقد انفرد به.
3) إخراج البخاري ومسلم للوجه الثاني في "صحيحيهما".
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل السَّري بن إسماعيل "متروك الحديث"، وقد انفرد به - كما قال الطبراني، وابن عدي، وكما هو واضحٌ مِن التخريج -، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "عمل اليوم والليلة" للنَّسائي (130)، "العلل" للدَّارقطني (7/ 118/مسألة 1245).
(2)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (7/ 119/مسألة 1245).
لذا أخرجه ابن عدي في ترجمته، وقال: لا يرويه عن الشَّعْبيِّ غير السَّري، وأحاديثه التي يرويها لا يُتَابعه أحدٌ عليها خاصةً عن الشَّعْبِيّ فإنَّ أحاديثه عنه منكرات لا يرويها عنه غيره، وهو إلى الضعف أقرب.
(1)
وقال الهيثمي: رواه الطَّبرانيُّ في "الأوسط"، وفيه السَّرِيُّ بن إسماعيل، وهو مَتْرُوكٌ.
(2)
ب الحكم على الحديث مِن وجهه الراجح:
ومِن خلال ما سبق يتبيَّن أنَّ الحديث مِن وجهه الراجح "صحيحٌ لذاته"، وهو مُتَّفَقٌ عليه.
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الشَّعْبِيِّ إلا السَّرِيُّ بن إِسْمَاعِيلَ.
قُلْتُ: وقال ابن عدي: لا يرويه عن الشعبي غير السَّرِي بن إسماعيل.
(3)
ومِن خلال ما سبق بيانه في التخريج يتبيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف، وابن عدي، وأنَّه لم يروه عن الشعبي عن مسروقٍ عن ابن مسعود رضي الله عنه إلا السَّرِي بن إسماعيل.
سادساً: - التعليق على الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: قوله "كَرِه لكم قِيلَ وَقَالَ"، قال المحب الطبري: في "قيل وقال" ثلاثة أوجه، أحدها: أنهما مصدران للقول، تقول: قلت قولاً وقيلاً وقالاً، والمراد: الإشارة إلى كراهة كثرة الكلام؛ لأنَّها تؤل إلى الخطأ، قال: وإنَّما كَرَّرَه للمبالغة في الزجر عنه. ثانيها: إرادة حكاية أقاويل الناس والبحث عنها ليخبر عنها، فيقول: قال فلان كذا، وقيل كذا، والنهي عنه: إمَّا للزجر عن الاستكثار منه، وإما لشيءٍ مخصوصٍ مِنْهُ، وهو ما يَكْرهه المَحْكي عنه. ثالثها: أنَّ ذلك في حكاية الاختلاف في أمور الدين، كقوله: قال فلان كذا وقال فلان كذا، ومحل كراهة ذلك: أنْ يُكْثِر مِنْ ذلك بحيث لا يَأمن مع الإكثار مِن الزلل، وهو مخصوص بمن ينقل ذلك من غير تَثَبُّت ولكن يُقَلِّد مَن سَمِعَهُ ولا يَحْتَاط له.
قلت (ابن حجر): ويُؤَيِّد ذلك الحديث الصحيح «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»
(4)
.
(5)
وقال ابن عبد البر: المعنى في "قِيلَ وَقَالَ": الخَوْضُ في أَحَادِيثِ النَّاسِ التي لا فائدة فيها، وإنَّمَا جُلُّهَا الغَلَطُ والحَشْو والغِيبَةُ وما لا يُكْتَبُ فيه حَسَنَةٌ ولا سَلِمَ القائل والمُسْتَمِعُ فيه مِنْ سَيِّئِهِ.
(6)
(1)
يُنظر: "الكامل" لابن عدي (4/ 539).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(1/ 158).
(3)
يُنظر: "الكامل" لابن عدي (4/ 539).
(4)
أخرجه مسلم في المقدمة مِن "صحيحه"(5) ب/النَّهْيِ عَنِ الْحَدِيثِ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً.
(5)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 407).
(6)
يُنظر: "الاستذكار"(27/ 362).
قوله: "وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"، قال ابن حجر: اختلف العلماء في المراد منه، على أقوال: هل هو سؤال المال؟ أو السؤال عن المشكلات والمعضلات؟ أو أعم من ذلك؟ والأولى حمله على العموم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به: كثرة السؤال عن أخبار النَّاس وأحداث الزمان، أو كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله فإنَّ ذلك مما يَكْرهه المسئول غالباً، وقد ثبت النهي عن الأغلوطات
(1)
، وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يَسْتَحيل وُقُوعها عادةً أو يَنْدُر جداً، وإنَّمَا كرهوا ذلك: لِمَا فيه من التَنَطُّع، والقول بالظن، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ.
(2)
وقال ابن عبد البر: قال مالك: أمَّا نَهْي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال، فلا أدري: أهو الذي أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، أم هو مسألة الناس.
قال ابن عبد البر: الظاهر في لفظ هذا الحديث كراهة السؤال عن المسائل، إذا كان ذلك على الإكثار لا على الحاجة عند نزول النازلة، لأنَّ السؤال في مسألة الناس إذا لم يجز فليس ينهى عن كثرته دون قلته، بل الآثار في ذلك آثار عموم لا تفرق بين القلة والكثرة لمن كره له ذلك.
(3)
قوله: "وَإِضَاعَةَ الْمَالِ"، قال الحافظ ابن حجر: حمله الأكثرون على الإسراف في الإنفاق، وقيَّده بعضهم بالإنفاق في الحرام، والأقوى: أنَّه ما أُنْفِقَ في غير وجهه المأذون فيه شرعاً سواء كانت دينية أو دنيوية، فَمُنِعَ منه؛ لأنَّ الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح، إمَّا في حق مُضَيِّعِها، وإما في حق غيره، ويُسْتَثْنَى مِن ذلك: كثرة إنفاقه في وجوه البِر لتحصيل ثواب الآخرة مَا لم يُفَوِّت حقاً أُخْرَوياً أهم منه.
والحاصل في كثرة الإنفاق، ثلاثة أوجه: الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعاً، فلا شك في منعه. والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعاً، فلا شك في كونه مطلوباً بالشرط المذكور. والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة، كملاذ النفس، فهذا ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله، فهذا ليس بإسراف. والثاني: ما لا يليق به عُرفاً، وهو ينقسم أيضا إلى قسمين: أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة، فهذا ليس بإسراف. والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك، فالجمهور على أنه إسراف، وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف، قال لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح، وإذا كان في غير معصية فهو مباح له. قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال. والذي
(1)
أخرجه أحمد في "مسنده"(23688)، وأبو داود في "سننه"(3656) ك/العلم، ب/التَّوَقِّي فِي الْفُتْيَا، مِن طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ الصُّنَابِحِيّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الغُلُوطَاتِ» ، وإسناده ضَعيفٌ، فيه: عبد الله بن سَعْد بن فَرْوَة البَجَلي "مجهولٌ"، يُنظر:"تحرير التقريب"(3349).
(2)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 407 - 408).
(3)
يُنظر: "الاستذكار"(27/ 363)، "التمهيد"(21/ 289 - 290).
يترجح أنه ليس مذموماً لذاته، لكنه يُفْضِي غالباً إلى ارتكاب المحذور، كسؤال الناس وما أدى إلى المحذور فهو محذور.
(1)
وقال ابن عبد البر: للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: أحدهما: أنَّ المال أُرِيدَ به ملك اليمين من العبيد والإِماءِ والدَّوابِّ وسائر الحيوان الذي في ملكه، أن يُحْسِن إليهم ولا يُضَيِّعهم فيضيعون، وهو قول السَّرِيِّ بن إِسْمَاعِيلَ عن الشَّعْبِيِّ. والثَّاني: تَرْكُ إِصْلَاحه والنَّظر فيه وتنميته وكسْبِه.
والثَّالِثُ: إِنْفَاقُهُ في غَيْرِ حَقِّهِ مِنَ البَاطِلِ وَالإِسْرَافِ وَالْمَعَاصِي، وهو الصَّوَابُ عند ذوي الدين والألباب.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 408 - 409).
(2)
يُنظر: "الاستذكار"(27/ 364)، "التمهيد"(21/ 289 - 290).
[119/ 519]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ
(1)
، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا وَقَعَ فِيهِمُ النَّقْصُ، جَعَلَ الرَّجُلُ يَرَى أَخَاهُ عَلَى الذَّنْبِ، فَيَنْهَاهُ عَنْهُ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ، فلا يَمْنَعُهُ مَا رَأَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ خَلِيطَهُ، وَأَكِيلَهُ، وَشَرِيبَهُ، فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَنَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ:{كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}
(2)
».
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْخُذُوا عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا
(3)
».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن سُفْيَانَ إلا عَبْدُ الكَبِيرِ الحَنَفِيُّ، وعَبْدُ اللَّهِ بن المُبَارَكِ، والأَشْجَعِيُّ.
هذا الحديث مَدَاره على سُفْيَان الثوري، واختلف عنه مِن ثلاثة أوجهٍ:
الوجه الأول: الثوري، عن علي بن بَذِيمَة، عن أبي عُبيدة، عن عبد الله بن مَسْعود رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الثوري، عن علي بن بَذِيمَة، عن أبي عُبيدة، عن مَسْروقٍ، عن ابن مَسْعود رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الثوري، عن علي بن بَذِيمَة، عن أبي عُبيدة، مُرْسلاً.
وتفصيل ذلك على النَّحو التالي:
أولاً: - الوجه الأول:
الثوري، عن علي بن بَذِيمَة، عن أبي عُبيدة، عن ابن مَسْعود رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول: ورواه عن الثوري بهذا الوجه جماعة، وهم:
1) عبد الرَّزَّاق الصَّنْعَاني: أخرجه عبد الرَّزَّاق في "التفسير"(1/ 194)، عن الثوري، به.
2) عبد الله بن المبارك: أخرجه الطبراني في "الأوسط"(519)، وهي رواية الباب.
3) أبو بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحَنَفِيُّ: أشار الطبراني إلى روايته كما في رواية الباب، وذكره الدَّارقطني في "العلل"(5/ 252/مسألة 862) و (5/ 286/مسألة 889) مُعَلَّقاً. ولم أقف عليه.
4) عُبيد الله بن عُبيد الرحمن الأشْجَعي: ذكره الطبراني كما في رواية الباب، ولم أقف عليه.
5) وعلي بن قادم الخُزَاعيُّ: ذكره الدَّارقطني في "العلل"(5/ 252/مسألة 862) مُعَلَّقاً.
6) وعبَّاد بن موسى أبو عُقْبَة الأَزْرَق القُرشيُّ: أخرجه الدَّارقطني في "العلل"(5/ 288)، بسندٍ صحيحٍ
(1)
قال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(4692): بفتح المُوحدة، وكسر المُعْجَمة الخفيفة، بعدها تحتانية ساكنة.
(2)
سورة "المائدة"، الآيات (78 - 81).
(3)
قال ابن الأثير في "النهاية"(1/ 53): "تَأْطِرُوه عَلَى الْحَقِّ أطْراً": أَيْ تَعْطِفوه عَلَيْهِ.
إلى عبَّاد بن موسى - وهو ثقةٌ
(1)
-، عن سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، به.
7) وشُعيب بن صَفْوان: ذكره الدَّارقطني في "العلل"(5/ 286/مسألة 889) مُعَلَّقاً.
ب متابعات للوجه الأول: وقد تُوبع سُفيان على روايته لهذا الوجه، تابعه جماعة، كالآتي:
• فأخرجه أحمد في "مسنده"(3713)، والترمذي في "سننه"(3047) ك/تفسير القرآن، ب/ (6) مِن سورة المائدة، والطبراني في "الكبير"(10265)، مِن طريقين عن شَرِيكٍ بن عبد الله النَّخعيّ. وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ.
• وابن ماجه في "سننه"(4006/ 2) ك/الفتن، ب/الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والترمذي في "سننه"(3048) ك/تفسير القرآن، ب/ (6) مِن سورة المائدة، وابن جرير الطبري في "التفسير"(12310)، ثلاثتهم مِنْ طريق محمد بن مسلم بن أبي الوَضَّاح.
• وأبو داود في "سننه"(4336) ك/الملاحم، ب/الأمر والنَّهي - ومِن طريقه أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن"(2/ 316 و 4/ 108)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(20196) -، مِنْ طريق يُونُسُ بن رَاشِدٍ.
• والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(1164)، مِنْ طريق مُوسَى بن أَعْيَنَ.
• والطبراني في "الكبير"(10264)، وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام وأهله"(66)، كلاهما مِن طريقين عن سُليمان بن مِهْران الأعمش، بنحوه مُخْتصراً.
• والطبراني في "الكبير"(10266)، مِن طريق مِسْعَر بن كِدَام.
ستتهم (شريك، وابن أبي الوضَّاح، ويونس، وموسى، والأعمش، ومِسْعَر) عن علي بن بَذِيمَة، بنحوه.
ت دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) أحمد بن جَمِيْل، أبو يوسف المَرْوَزي.
روى عن: عبد الله بن المُبَارك، وعبد العزيز بن عبد الصمد، ومُعْتمر بن سُليمان، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وابن أبي الدُّنيا، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وعبد الله بن أحمد: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(2)
3) عبد الله بن المبارك: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَالمٌ، جُمِعَتْ فيه خِصال الخير"، تَقَدَّم في الحديث (96).
4) سُفيان الثوري: "ثِقَةٌ حافظٌ فقيهٌ عابدٌ إمامٌ حُجَّةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (86).
5) عَلِيُّ بن بَذِيْمَة أبو عبد الله الجَزَرِيُّ الحَرَّانِيُّ، مولى جَابر بن سَمُرَة.
روى عن: أبي عُبَيدة بن عَبْد اللَّهِ بن مسعود، وسَعِيد بن جُبَيْر، وعامر الشَّعْبِي، وآخرين.
(1)
يُنظر: "تاريخ بغداد"(12/ 403)، "التقريب"(3147).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل"(2/ 44)، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 11، "تاريخ بغداد" 5/ 121.
روى عنه: الثوري، والأعمش، ومِسْعَر بن كِدَام، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي، وابن معين، وأبو زرعة، وابن سعد، والنَّسائي، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال أحمد: صالحُ الحديث، وكان رأساً في التَّشيع. وقال أيضاً: ثِقَةٌ، وفيه شيءٌ. وقال أبو حاتم: صالحُ الحديثِ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وحاصله: ما قاله ابن حجر: "ثِقَةٌ رُمِى بالتَّشيُّع".
(1)
6) أبو عُبيدة بن عبد الله بن مسعود: "ثِقَةٌ، لم يَصِح سماعه مِنْ أبيه"، تَقَدَّم في الحديث (28).
7) عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (28).
ثانياً: - الوجه الثاني:
الثوري، عن عليٍّ، عن أبي عُبيدة، عن مَسْروقٍ، عن ابن مَسْعود رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني: ولم أقف على أحدٍ رواه عن الثوري بهذا الوجه إلا مُؤَمَّل بن إسماعيل:
• أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(12308)، قال: حدَّثنا عَلي بن سَهْل الرَّمْلي، حدثنا المُؤَمَّل بن إسماعيل، حدثنا سُفْيَان، حدَّثنا عَلِيّ بن بَذِيْمَة، بنحوه.
قال الدَّارقطني: وَهِمَ مُؤَمَّل بن إسماعيل في ذكر مَسْرُوقٍ.
(2)
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) عليُّ بن سَهْل الرَّمْلي: "ثقةٌ".
(3)
2) مُؤَمَّل بن إسماعيل: "ضعيفٌ يُعتبر به إذا تُوبع"، تَقَدَّم في الحديث رقم (111).
ثالثاً: - الوجه الثالث:
الثوري، عن علي بن بَذِيمَة، عن أبي عُبيدة، مُرْسلاً.
أ تخريج الوجه الثالث: ورواه عن الثوري بهذا الوجه جماعة:
• فأخرجه ابن ماجه في "سننه"(4006/ 1) ك/الفتن، ب/الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، والترمذي في "سننه"(3048) ك/تفسير القرآن، ب/ (6) مِن سورة المائدة، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(12309)، ثلاثتهم قال: حدَّثنا بُنْدار محمد بن بَشَّار، عن عبد الرحمن بن مَهْدي.
• وأخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(12311)، مِنْ طريق وكيعٍ بن الجَرَّاح.
• وأخرجه البيهقي في "الشعب"(7544)، بسند ضَعيف
(4)
مِن طريق محمَّد بن يُوسُفَ الفِرْيَابيّ.
ثلاثتهم (ابن مهدي، ووكيع، والفِرْيَابيّ) عن سُفْيَانُ، عن عَلِيِّ بن بَذِيمَةَ، به.
وقال الترمذي: قال عبد الله بن بِهْرام: قال يزيد بن هارون: كان الثَّوْرِيُّ لا يقول فيه عن عَبْدِ اللَّهِ.
(1)
"الثقات" للعِجْلي 2/ 152، "الجرح والتعديل" 6/ 176، "التهذيب" 20/ 328، "الكاشف" 2/ 35، "التقريب"(4692).
(2)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (5/ 252/مسألة 862) و (5/ 286/مسألة 889).
(3)
يُنظر: "تهذيب الكمال" 20/ 456، "تحرير التقريب"(4741).
(4)
فيه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن الفضل الفَحَّام "مجهول الحال"، لم أقف له على ترجمة، إلا ما ذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام"(7/ 609)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تَعْديلاً.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث (إسناد ابن ماجه):
1) مُحَمَّد بن بَشَّار، بُنْدَار:"ثِقَةٌ".
(1)
2) عبد الرحمن بن مَهْدي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ حافظٌ، عارفٌ بالرجال والحديث".
(2)
رابعاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِن خلال ما سبق يَتَبيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على سُفيان الثوري، وقد اختلف عنه مِن ثلاثة أوجهٍ:
الوجه الأول: الثوري، عن علي بن بَذِيمَة، عن أبي عُبيدة، عن عبد الله بن مَسْعود.
وهذا الوجه هو رواية الجماعة عنه، خاصةً وفيهم عبد الرَّزَّاق، وابن المبارك، وعُبيد الله الأشجعي، وغيرهم، وهؤلاء الثلاثة مِن أصحاب الثوري ومِنَ المُقَدَّمين فيه.
(3)
بل وتُوبع سُفيان على رواية هذا الوجه، تابعه جماعة مِن الثِّقات كما سبق في التخريج.
الوجه الثاني: الثوري، عن علي بن بَذِيمَة، عن أبي عُبيدة، عن مَسْروقٍ، عن ابن مَسْعود.
بينما لم يَرْوه عن سُفْيان بهذا الوجه إلا مُؤَمَّل بن إسماعيل، وهو "ضَعيفٌ"، ولم يُتابع عليه، لذا وهَّمَه الدَّارقطني في هذا الحديث في موضعين مِن "العلل" كما سبق بيانه.
الوجه الثالث: الثوري، عن علي بن بَذِيمَة، عن أبي عُبيدة، مُرْسلاً.
ورواه عن الثوري بهذا الوجه إمامان جبلان في الثوري وهما عبد الرحمن بن مَهْدي، ووكيعٌ بن الجَرَّاح، ولم يخْتلف أحدٌ على أنَّهما مِن أثبت النَّاس في الثوري.
(4)
وتابعهما محمد بن يوسف الفريابي عن سُفيان، إلا أنَّ الإسناد إليه فيه ضَعْفٌ.
ولذلك رجَّح الإمام الدَّارقطني هذا الوجه في "العلل"، فقال: والمُرْسل أصحُّ مِن المُتَّصِل.
(5)
وأمَّا ما نقله الإمام الترمذي عن يَزيد بن هارون، أنَّه قال: كان سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لا يقول فيه عن عَبْدِ اللَّهِ. فيُحْتمل أنْ يكون هذا باعتبار عِلْمه وما اطَّلع عليه،
(6)
لذا أعقب الترمذي قوله بذكر الحديث عن الثوري بالوجهين الموصول، والمرسل، والله أعلم.
قلتُ: فلعلَّ الحمل في هذا الحديث على الثوري، فنشط أحياناً فوصله، وقَصَّر مَرَّة فأرسله، وعليه فلا
(1)
يُنظر: "التقريب"(5754).
(2)
يُنظر: "التقريب"(4018).
(3)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي 2/ 538 - 545.
(4)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي 2/ 538 - 545.
(5)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (5/ 253/مسألة 862).
(6)
ولا يَعِيبه ذلك رحمه الله، فهو الإمام الثقة المتقن المُحدِّث، لكن خفي عليه بعض العلم، كما خفي على مَن هو أفضل مِنْه أبو بكر وعُمر وأمثالهما، ولم يكن ذلك مِن مثالبهما رضوان الله عليهم، وفوق كل ذي علمٍ عليم، والله أعلم.
إشكال على رواية ابن مَهْدي، ووكيع، فهما قد رويا ما سَمِعَاه مِن الثوري، والله أعلم.
وعليه؛ فيتبيَّن مِن خلال ما سبق أنَّ الحديث محفوظٌ بالوجهين الأول، والثالث؛ وأنَّ المُرْسل لا يُعِلُّ الموصول؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية: فالحديث بالوجه الأول هو رواية الجماعة، بينما لم يروه بالوجه الثالث إلا عبد الرحمن بن مَهْدي، ووكيعٌ بن الجَرَّاح، والفريابي.
2) وجود متابعات للثوري بالوجه الأول: فقد تُوبع سُفيان على روايته بالوجه الأول، بينما لم يُتابع على روايته بالوجه الثالث، مِمَّا يُؤَكد أنَّ الحمل فيه على سُفْيان كما سبق، وأنَّه أوصله حيناً، وأرسله أُخرى.
3) أنَّ الحديث محفوظٌ عن أبي عُبيدة عن عبد الله بن مَسْعودٍ رضي الله عنه، وعليه يَرْجع الحديث: قال أبو حاتم في "العلل" - بعد أن ساق الخلاف في هذا الحديث على أبي عُبيدة، وأنَّه يُروى عنه مرَّة عن أبي موسى، ومَرَّة عن أبيه، ومَرَّة مُرسلاً -: والحديثُ مَرجِعُهُ إلى أَبِي عُبَيدة، عن عبد الله، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
وكذلك فعل الدَّارقطني، فبعد أنْ ساق الخلاف في هذا الحديث، على الثوري، وعلى أبي عُبيدة، قال: وَالصَّحِيحُ عَنِ العلاء بن المُسَيَّبِ، عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي عُبَيدة، عن عَبْدِ اللَّهِ. وحديثُ عَلِيِّ بن بَذِيمَة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله.
(2)
4) أمَّا الوجه الثاني فخطأه ظاهرٌ، لا يحتاج إلى بيان، والله أعلم.
خامساً: - الحكم على الحديث:
مِن خلال ما سبق يتضح أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ للانقطاع بين أبي عُبَيدة وابن مَسْعود، فلم يَصح له سماعٌ مِن أبيه، وإنْ أدركه، ومَدار الحديث ومرجعه عليه، كما سبق.
قال المنذري: أبو عُبيدة لم يسمع مِن أبيه فهو مُنْقطعٌ.
(3)
وبهذه العلة؛ أعلَّه غير واحدٍ مِن أهل العلم: كالشيخ/ مُقْبل بن هادي الوادعي، والألباني، والحويني
(4)
.
وقال الألباني: فقول الترمذي عقب الحديث: "حديثٌ حسنٌ غريب"، مِمَّا يتعارض مع الانقطاع الذي اعترف به هو نفسه، وذلك من تساهله الذي عُرِفَ به.
(5)
قلتُ: ولعلَّ الترمذي رضي الله عنه حسَّنه بشواهده، فإن وقفنا عليها زال الإشكال، وإلا فيبقى الحديث على ضعفه.
وعلى كل حال: فالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر
(1)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (5/ 60 - 62/مسألة 1801).
(2)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (5/ 288/مسألة 889).
(3)
يُنظر: "عون المعبود" 11/ 488.
(4)
يُنظر: "أحاديث مُعلَّة ظاهرها الصِّحة"(ص/272 - 273)، "السلسلة الضعيفة" حديث رقم (1105)، "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة"(1/ 24 - 31/حديث رقم 6).
(5)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(3/ 230/حديث رقم 1105).
كثيرة لا تخفى على أحد، والله أعلم.
سادساً: - النَّظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن سُفْيَانَ إلا عَبْدُ الكَبِيرِ الحَنَفِيُّ، وابن المُبَارَكِ، والأَشْجَعِيُّ.
قلتُ - والله أعلم -: لم يُسَلَّم للمُصَنِّف رضي الله عنه في ذلك، فلم يَنْفَرد به مَن ذكرهم فقطٌ عن سُفيان؛ بل رواه جماعة عن سُفيان غيرَهم، منهم: عبد الرَّزَّاق، وعلي بن قادم، وعبَّاد بن موسى، وشُعيب بن صَفْوان - كما سبق بيانه في التخريج -، والله أعلم.
وبمثل ذلك تعقَّبه الشيخ/ أبو إسحاق الحويني في "تنبيه الهاجد".
(1)
سابعاً: - التعليق على الحديث:
الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر أصل عظيمٌ مِن أصول هذا الدين، بل هو سبب خيرية هذه الأمة على غيرها مِن الأمم، قال الله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
(2)
.
وبيَّن ربنا جل جلاله في كتابه أنَّ الذين كفروا مِنْ بني إسرائيل لُعِنوا على لسان داود وعيسى بن مريم؛ وبيَّن أنَّ مِن أسباب هذا اللعن هو تركهم النَّهى عن المنكر، فقال جل جلاله:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)}
(3)
، قال القرطبي: في هذه الآية ذمٌ لتركهم النهي، وكذا مَنْ بَعْدَهم يُذَمُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهم. ثُمَّ قال القرطبي: قال ابن عطية: والإجماع مُنْعَقِدٌ على أنَّ النَّهي عن المنكر فرضٌ لِمَن أطاقه وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين، فإن خاف فيُنْكِر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه. وقال حُذَّاقُ أهل العلم: وليس من شرط الناهي أن يكون سليما عن معصية بل ينهى العصاة بعضهم بعضا.
(4)
وفي المقابل أخبرنا ربنا عز وجل عن قوم مِن أهل الكتاب كانوا يُنكرون المنكر على مَنْ فعله، وأنَّ الله عز وجل نجَّاهم مِن العذاب الذي وقع على العُصاة، فقال سبحانه وتعالى:{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
(5)
، فنص ربنا سبحانه وتعالى على نجاة مَن يَنْهَون عن المُنْكر،
(1)
يُنظر: "تنبيه الهاجد إلى ما وقع مِنْ النظر في كتب الأماجد" حديث رقم (866).
(2)
سورة "آل عمران"، آية (110).
(3)
سورة "المائدة"، آية (78 - 79).
(4)
يُنظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 6/ 253 - 254. ومن رام المزيد فليُراجع: "الجامع لأحكام القرآن"4/ 46 - 49.
(5)
سورة "الأعراف"، آية (164 - 165).
وسكت على السَّاكتين، والسلف في هؤلاء على قولين: البعض على أنَّهم مِن الناجين، والبعض على أنَّهم مِن الهالكين، والأول أولى كما قال ابن كثير
(1)
.
وحذرنا ربنا عز وجل مِن مُخالطة العصاة والكافرين، فقال سبحانه وتعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}
(2)
، قال القرطبي: في هذه الآية دليلٌ على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم مُنْكَرٌ، لأنَّ مَن لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل:{إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} ، فكل من جلس في مجلس معصية ولم يُنكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن يُنكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية، وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بَيَّنا فَتَجَنُّبُ أهل البدع والأهواء أولى.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ"، في رواية أبي داود بلفظ:"بِبَعْض"، قال العظيم آبادي في "عون المعبود": قال ابن الملك رحمه الله: البَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أي سَوَّدَ اللَّهُ قلب من لم يعص بِشُؤْمِ مَنْ عصى فَصَارَتْ قُلُوبُ جَمِيعِهِمْ قَاسِيَةً بَعِيدَةً عَنْ قَبُولِ الحَقِّ والخَيْرِ أو الرَّحْمَةِ بِسَبَبِ المَعَاصِي ومُخَالطة بعضهم بعضا. قال القاري: وقوله: "قلب مَنْ لم يَعْصِ" ليس على إطلاقه لأنَّ مُؤَاكَلَتَهُمْ وَمُشَارَبَتَهُمْ مِنْ غير إكراه وإلجاء بعد عَدَمِ انتهائِهِم عن مَعَاصِيهِم مَعْصِيَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ لأنَّ مُقْتَضَى البُغْضِ في اللَّهِ أنْ يَبْعُدُوا عنهم ويُهاجروهُمُ. قُلْتُ (العظيم آبادي): ما قال القاري حَقٌّ صُرَاحٌ.
(3)
* * *
(1)
يُنظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير 3/ 496.
(2)
سورة "النساء"، آية (140).
(3)
يُنظر: "عون المعبود"(11/ 487 - 488).
[120/ 520]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَ: نا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ أَبُو بَدْرٍ، قَالَ: نا الرُّحَيْلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الرُّحَيْلِ إلا شُجَاعُ بن الوليد.
هذا الحديث مَدَاره على يَزيد الرَّقاشي، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: يَزيد الرَّقَاشي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه (موصولاً).
الوجه الثاني: يزيد الرَّقاشي، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم (مرسلاً).
وتفصيل ذلك على النحو التالي:
أولاً: - الوجه الأول:
يَزيد الرَّقَاشي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، (موصولاً).
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 332)، مِن طريق خَلادٌ الصَّفَّارُ؛ وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(106) مِن طريق مُوسَى بن أبي عائشة
(1)
؛
وفي "المُصَنَّف" أيضاً برقم (114 و 36466)، وأبو بكر ابن عبدويه في "الفوائد"(848) - الشهير بالغيلانيات -، - ومن طريقه الخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(2/ 453) - كلاهما (ابن أبي شيبة، وابن عبدويه) مِن طريق الهَيْثَمِ بن جَمَّاز؛ وابن ماجه في "سننه"(431) ك/الطهارة، ب/ما جاء في تخليل اللحية مِنْ طريق يحيى بن كَثِير أبي النَّضْرِ؛ وأحمد بن مَنيع - كما في "اتحاف الخيرة المهرة"(567) -، وأبو الحسين ابن جُميع الصيداوي في "معجم شيوخه"(ص/279) عن أبي غَسَّان مالك بن يحيى، كلاهما (ابن منيع، وأبو غَسَّان) عن أبي بَدْر شُجَاع بن
(1)
وقد اختلف فيه على موسى بن أبي عائشة مِن عِدَّة طُرقٍ: فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصَنَّف"(36465)، وأبو جعفر ابن البَخْتَري في "الجزء الحادي عشر من فوائده"(53) - مطبوع ضمن "مجموع فيه مصنَّفات أبي جعفر ابن البَخْتَري"(549)، باعتناء سعد الدين جرَّار - مِن طريق الحسن بن صالح عن موسى بن أبي عائشة عن رجلٍ عن يزيد عن أنس. وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(530)، وأبو جعفر البختري في "الجزء الحادي عشر من فوائده"(52) - مطبوع ضمن "مجموع فيه مصنَّفات أبي جعفر ابن البختري"(548) - مِنْ طريق محمد بن إبراهيم الفَزَاري عن موسى بن أبي عائشة عن أنس. وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 367) مِن طريق جَعْفَرِ بن الحارث أبي الأَشْهَبِ عن موسى بن أبي عائشة عن زيد بن أبي أُنَيْسة عن يزيد عن أنس. وقال البوصيري في "اتحاف الخيرة المهرة"(566)، وابن حجر في "المطالب العالية (91): قَالَ مُسَدَّد: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عز وجل أَنْ أُخَلِّلَ. قال أبو حاتم في "العلل"(1/ 40): كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ غَرِيبٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَنَا عِلَّتُهُ، فَقَدْ حَدَّثَ بِهِ حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، وَسَقَطَ مِنَ الإِسْنَادِ الأَوَّلِ - أي إسناد الحاكم - رَجُلانِ ..
الوليد عن الرُّحَيْل بن مُعَاوية؛ وابن حبَّان في "الثقات"(8/ 304) مِن طريق مُوسَى الجُهَنِيُّ.
ستتهم (الصَفَّار، وابن أبي عائشة، والهيثم، والرُّحيل، وموسى) عن يزيد بن أبان الرَّقَاشي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه به، وبعضهم يزيد على بعض، فزاد ابن سعد:"بِهَذا أَمَرَنِي رَبِّي عز وجل "، وعند ابن ماجه:"وفَرَّج أصابعه مرَّتين"، وعند أحمد بن مَنيع وابن جُمَيع "ويُخَلل لحيته مَرَّتين، ورُبَّما فعله ثلاثاً أو أكثر مِنْ ذلك مَرَّتين"، وعند ابن حبَّان:"وخلل لحيته مَرَّتين"، بينما في رواية الهيثم بن جَمَّاز قال:"أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ لِحْيَتَكَ".
وقال ابن حبان: الحديثُ بَاطِلٌ، ويزيد الرَّقَّاشِيُّ قد تَبَرَّأنا مِن عُهْدَتِه.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) أَحْمَد بن مَنِيْع بن عَبْد الرَّحْمَنِ البغويُّ، أَبُو جَعْفَر الأصم.
روى عن: أبي بدر شجاع بن الوليد، وابن عُيَيْنَة، وابن عُلَيَّة، وآخرين.
روى عنه: أبو حاتم، وأبو زرعة الرَّزيان، والجماعة سوى البخاري، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: صدوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال النَّسائي، وصالح جزرة، ومسلمة بن قاسم، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال الدَّارقطني: لا بأس به. وقال ابن حجر: "ثِقَةٌ حافِظٌ".
(1)
3) شُجَاع بن الوَلِيد بن قَيْس السَّكُونيُّ، أبو بدر الكوفيُّ.
روى عن: الرُّحَيْل بن معاوية، وأخيه زُهير، وسُليمان الأعمش، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن مَنِيْع، وزُهير بن حَرْب، وعلي بن المديني، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال أحمد: صدوقٌ. وحدَّث عنه الإمام أحمد وهو حي - وهذا يعني أنَّه كان عنده ثِقَة -. وقال العِجْلي، والنَّسائي، وأبو زرعة: لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: ثِقَةٌ مشهورٌ. وفي "الميزان": صدوقٌ مشهورٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ ورعٌ له أوهامٌ. وروى له الجماعة.
- وقال أبو حاتم: لَيِّنُ الحديث، شيخٌ ليس بالمتين، لا يُحْتَج به، إلا أنَّ عنده عن محمد بن عمرو بن علقمة أحاديث صِحَاحاً، وقال: روى حديث قابوس في العرب وهو حديثٌ مُنْكرٌ. وأجاب عنه الذهبي في "السير"، فقال: قَدْ قَفَزَ القَنْطَرَةَ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ. وقال ابن حجر في "هدي الساري": تكلم فيه أبو حاتم بِعَنَتٍ. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، مشهورٌ".
(2)
4) رُحَيْل بن مُعَاوية بن حُدَيْج بن الرُّحَيْل بن زُهَيْر بن خَيْثَمَة الجُعْفِيُّ الكوفيُّ.
روى عن: يزيد الرَّقَاشيِّ، وأبي إسحاق السَّبيعي، وأبي الزُّبير المكي، وآخرين.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل"(2/ 78)، "الثقات" 8/ 22، "التهذيب" 1/ 495، "السير" 11/ 483، "التقريب"(114).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 450، "الجرح والتعديل" 4/ 379، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 451، "تهذيب الكمال" 12/ 382، "المغني في الضعفاء" 1/ 423، "السير" 9/ 354، "التقريب، وتحريره"(2750)، "هدي السَّاري"(ص/462).
روى عنه: شجاع بن الوليد، وأخوه زُهير، وزياد بن عَبد الله البَكَّائيُّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ليس به بأسٌ ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: صدوقٌ. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"، فلم أقف فيه على جرحٍ.
(1)
5) يزيد بن أبان الرَّقَاشيُّ، أبو عَمْرو البَصْرِيّ القاص، مِنْ زُهَّاد أهل البصرة.
روى عن: أبيه أبان الرقاشي، وأنس بْن مالك، والحسن البَصْرِيّ، وآخرين.
روى عنه: الرُّحيل بن معاوية، والحسن البَصْري، وحمَّاد بن سلمة، وآخرون.
حاله: قال أحمد: مُنْكر الحديث، فوق أبان بن أبي عيَّاش. وقال ابن معين: ضَعيفٌ. وقال أيضاً: حديثه ليس بشيء. وقال أبو حاتم: كان واعظاً بَكَّاءً، كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر، صاحب عبادة وفي حديثه ضَعْفٌ. وقال مسلمٌ، والنَّسائي، وأبو أحمد الحاكم: متروك الحديث. وقال ابن حبَّان: غَفَلَ عن صِناعَة الحَدِيث وحِفْظِها، واشتغل بِالعبَادَة وأسبابها، حَتَّى كان يَقْلِبُ كَلَام الحسن فَيَجْعَلهُ عن أنس عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم، فَلَمَّا كثر في رِوَايَته مَا لَيْسَ من حَدِيث أنس وغيره من الثِّقَات بَطل الاحْتِجَاج به، فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا على سَبِيل التَّعَجُّب. وقال الدَّارقطني، والبَرْقاني، والذهبي، وابن حجر: ضعيفٌ. وقال الذهبي في "السير": لا يَثْبت حديثه؛ لوهنه في ضبط الأحاديث. وقال في "الميزان": تالفٌ. وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير"، وفي "مختصر زوائد البزار": ضعيفٌ جداً، وقال في "المطالب العالية": سيء الحفظ جداً، كثير المناكير، لا يضبط الإسناد فيلزق بأنسٍ كل ما سَمِعَه مِن غيره. فالحاصل: أنَّه "متروك الحديث".
(2)
6) أنس بن مالك: "صحابيٌّ جليلٌ مُكثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
ثانياً: - الوجه الثاني:
يزيد الرَّقاشي، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مرسلاً).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الدَّارقطني في "سننه"(558، 559)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(250) مِن طريقين عن الأوزاعيُّ
(3)
، قال: حدَّثني عَبْدُ الواحد بن قَيْسٍ، عن قتادة، ويَزيد الرَّقاشيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ بَعْضَ الْعَرْكِ، وَشَبَّكَ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ. وقال الدَّارقطني: والمرسل هو الصواب.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 515، "الثقات" 6/ 309، "التهذيب" 9/ 172، "تهذيب التهذيب" 3/ 270، "التقريب"(1930).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 252، "المجروحين" 3/ 98، "التهذيب" 32/ 64، "الميزان" 4/ 418، و 4/ 464، "السير" 17/ 233، "التقريب"(7683)، "التلخيص الحبير" 1/ 100، "مختصر زوائد البزار" 2/ 147، "المطالب العالية" 18/ 545.
(3)
وقد روى بأوجه أخرى عن الأوزعي: فأخرجه الدَّارقطني في "سننه"(557) عن الأوزاعيِّ، عن عبد الواحد عن قتاد، ويزيد الرَّقَاشِيّ، عن أَنَسٍ. وابن ماجه في "سننه"(432)، والدَّارقطني في "سننه"(374، 555)، والبيهقي في "الكبرى"(249) عن الأوزاعيّ، عن عَبْدِ الواحد، عن نافع، عن ابن عُمَر مرفوعاً. والدَّارقطني في "سننه"(375، 556)، والبيهقي في "الكبرى"(251) عن الأوزاعيّ، عن عَبْدِ الواحد، عن نافع، عن ابن عُمَر مَوْقوفاً. وقال الدَّارقطني: والموقوف هو الصواب. ويُنظر: "نصب الراية"(2/ 149 - 198)، و"الإتحاف" لابن حجر (2/ 238/حديث رقم 1622) و (9/ 158/حديث رقم 10775).
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد الدَّارقطني):
1) إسماعيل بن محمد الصَفَّار: قال الخليلي، والدَّارقطني، والذهبي:"ثِقَةٌ".
(1)
2) إبراهيم بن هانئ: قال ابن أبي حاتم: ثِقَةٌ صدوقٌ. وقال أحمد، والدارقطني: ثِقَةٌ.
(2)
3) أبو المغيرة عبد القدوس بن الحَجَّاج: "ثقةٌ".
(3)
4) عبد الرحمن بن عمرو بن أبى عمرو الأوزاعي: "ثِقَةٌ، جليلٌ".
(4)
5) عبد الواحد بن قيس السُّلمي: "ضَعيفٌ يُعْتبر به".
(5)
6) يزيد بن أبان الرَّقَاشيُّ: "متروك الحديث"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَدَاره على يَزيد الرَّقاشي، واختلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: يَزيد الرَّقَاشي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه (موصولاً).
الوجه الثاني: يزيد الرَّقاشي، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم (مرسلاً).
ومَدَار الوجهين على يَزيد الرَّقاشي، وهو "متروك الحديث"، وكان يَلْزق بأنسٍ كل ما سمعه مِنْ غيره، كما قال ابن حبَّان. لذا قال أبو حاتم: كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر - كما سبق -.
وعلى الرغم مِن كون الوجهين باطلين؛ بسبب يَزيد؛ إلا أنَّ الوجه الثاني (المرسل)، هو الأقرب للصواب، وهو ما رجَّحه ابن أبي حاتم، فقال - بعد أن ذكر رواية الأوزاعي المرسلة -: وهذا هو الأشبه بالصَّواب.
(6)
ورجحه كذلك الدارقطني كما سبق، والله أعلم.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِن طريق يَزيد بن أبان الرَّقاشي بوجهيه "ضَعيفٌ جداً" فلا يُعْتبر به؛ لأجل يَزِيد الرَّقاشي "متروك الحديث". وقال ابن حبان: الحديثُ بَاطِلٌ، ويزيد الرَّقَّاشِيُّ قد تَبَرَّأنا مِن عُهْدَتِه.
(7)
لكن للحديث طُرُق أخرى عن أنس، وشواهد أخرى عن عُثمان وغيره، يصِحُّ الحديث بها، وقد سبق بيانها
(1)
يُنظر: "الإرشاد" للخليلي 2/ 613، "تاريخ بغداد" 7/ 301، "تاريخ الإسلام" 7/ 766، "الميزان" 2/ 165.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 144، "تاريخ بغداد" 7/ 160.
(3)
يُنظر: "التقريب"(4145).
(4)
يُنظر: "التقريب"(3967).
(5)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 23، "المجروحين" لابن حبَّان 2/ 154، "الكاشف" 1/ 673، "التقريب، وتحريره"(4248).
(6)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 485/مسألة 59). ورواه الدارقطني عن ابن أبي حاتم كما في "السنن"(1/ 190). وأسنده البيهقي إلى الدارقطني في "السنن الكبرى"(1/ 91).
(7)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان (8/ 304).
في الحديث رقم (52)، فلتُراجع.
خامساً: - النَّظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الرُّحَيْلِ إلا شُجَاعُ بن الوليد.
قلتُ: ومِن خلال ما سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، فقد أخرجه أحمد بن مَنيع - كما في "اتحاف الخيرة المهرة"(567) -، وأبو الحسين ابن جُميع الصيداوي في "معجم شيوخه"(ص/279) عن أبي غَسَّان مالك بن يحيى، كلاهما (ابن منيع، وأبو غَسَّان) عن أبي بَدْر شُجَاع بن الوليد عن الرُّحَيْل بن مُعَاوية عن يَزيد الرَّقاشي، ولم يَنْفرد به الرُّحَيْل عن يَزيد، بل تابعه جماعة كما سبق في التخريج، والله أعلم.
* * *
[121/ 521]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، وَبَشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا نِكَاحَ إلا بِإِذْنِ وَلِيٍ مُرْشِدٍ، أَوْ سُلْطَانٍ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث مُسْنَدًا عن سُفْيَانَ إلا ابنُ دَاوُدَ، وَبِشْرٌ، وابنُ مَهْدِيٍّ، تَفَرَّدَ به: القواريريُّ.
هذا الحديث مَدَاره على سُفْيَان الثوريّ، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: سُفْيَان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (مرفوعًا).
الوجه الثاني: سُفْيَان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (موقوفًا).
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
سُفْيَان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (مرفوعًا).
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة"(223)، مِنْ طريق الطبراني، عن أحمد بن القاسم، به.
• وأخرجه الطبراني في "الكبير"(12483) - ومِنْ طريقه الضياء في "المختارة"(333) -، قال: حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بن أحمد بن حَنْبَلٍ، ثنا عُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيرِيُّ، ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، وَبِشْرُ بن المُفَضَّلِ، عن سُفْيَانَ، به.
• والبيهقي في "السنن الكبرى"(13713)، مِنْ طريق مُعَاذ بن المُثَنَّى، ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، به؛ لكنَّه قال: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنْ شَاءَ اللهُ -.
قال البيهقي: كذا قال أبو المُثَنَّى مُعَاذُ بن المُثَنَّى، وَرَوَاهُ غيره عن عُبَيْدِ اللهِ القَوَارِيرِيِّ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، تَفَرَّدَ بِهِ الْقَوَارِيرِيُّ مَرْفُوعًا، وَالْقَوَارِيرِيُّ ثِقَةٌ، إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ أنَّه مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاس.
• والحافظ شرف الدين الدمياطي - كما في "البدر المنير"(7/ 552) - مِنْ طريق مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، به. ثمَّ قال: قال أبو الفَتْح بن أبي الفوارس الحافظ: هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ حديث سُفْيَان الثَّوْريّ عن أبي عُثْمَان تَفَرَّد به مُؤَمَّل بن إِسْمَاعِيل عن سُفْيَان، والمَحْفُوظ عن سُفْيَان مَوْقُوفٌ.
قال الدمياطي: دفن مُؤَمل كتبه، وكان يُحَدِّث مِنْ حفظه فكثر خَطؤُهُ.
(1)
متابعات للوجه الأول:
• أخرجه الدارقطني في "سننه"(3521)، والبيهقي في "الكبرى"(13716)، مِنْ طُرُقٍ عن عَدِيّ بن الفَضْلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَهَا وَلِيُّ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» .
(1)
قلتُ: ومُؤمل بن إسماعيل "ضعيفٌ يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (111).
قال الدَّارقطني: رَفَعَهُ عَدِيُّ بن الفَضْلِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُهُ.
وقال البيهقي: كذا رَوَاهُ عَدِيُّ بن الفَضْلِ وهو ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ.
قلتُ: وعدي بن الفضل قال فيه الحافظ ابن حجر "متروكٌ"
(1)
.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عُبَيد الله بن عُمَر بن مَيْسَرة، القَوَاريري:"ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (114).
3) عَبد اللَّهِ بن دَاوُد بن عَامِر، أبو عبد الرحمن، الشَّعبي، الخُرَيْبِيُّ.
(2)
روى عن: سفيان الثوري، وسُليمان الأعمش، ومِسْعر بن كِدَام، وآخرين.
روى عنه: القَوَاريري، وبُنْدار محمد بن بَشَّار، ومُسَدَّد بن مُسَرْهد، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ مَأمونٌ. وقال أبو زرعة، وابن سعد، والنَّسائي، والدارقطني، وابن قانع: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": كان مُتْقِناً. وقال الذهبي: ثقةٌ حجةٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ عابدٌ. فحاصله: "ثِقَةٌ مُتْقنٌ". روى له الجماعة إلا مسلمٌ.
(3)
4) بِشْر بن المُفَضَّل بن لاحق الرَّقَاشِيُّ، أبو إسماعيل البَصْرِيّ.
روى عن: الثوري، وشعبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرين.
روى عنه: القواريري، وأحمد بن حنبل، وابن المديني، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي: ثِقَةٌ ثَبْتٌ حسنُ الحديث. وقال أحمد: إليه المُنْتَهى في التَّثَبْتِ بالبصرة. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن سعدٍ، والنَّسائي، والبزَّار: ثِقَةٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابدٌ.
(4)
5) عَبْد الرَّحْمَن بن مَهْدي، أَبُو سَعِيد البَصْرِيّ.
روى عن: السُفْيانين، والحمَّادين، وشعبة، ومالكٌ، والنَّاس.
روى عنه: القَوَاريري، وابن معين، وابن المديني، والنَّاس.
حاله: اتفقوا على أنَّه مِن أثبت أصحاب سُفْيان الثوري. وقال أبو حاتم: إمامٌ ثقةٌ، أَثْبَت مِن يحيى بن سعيد، وأَتْقَن مِن وكيع، وكان عرض حديثه على سفيان الثوري. وقال علي بن المديني: أعلم الناس بالحديث. وقال ابن حبَّان: كان من الحُفَّاظ المُتْقِنين وأهل الورع في الدَّين مِمَّن حَفِظ وجمع وتَفَقَّه وصنَّف وحدَّث، وأبى
(1)
يُنظر: "التقريب"(4545).
(2)
الخُرَيبيُّ: بِضَم الْخَاء وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء، نسبةً إلى خُرَيْبَة البصرة. وسُميت بذلك: لأنَّ المرزُبان ابْتَنَاها قصراً، ثم خرب، فبناها المسلمون، وسمّوها الخُرَيْبَة. "المؤتلف والمختلف"(2/ 937)، "اللباب" 1/ 437، "معجم البلدان" 2/ 363.
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 47، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 60، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/193)، "تاريخ دمشق" 28/ 19، "تهذيب الكمال" 14/ 458، "الكاشف" 1/ 549، "تهذيب التهذيب" 5/ 200، "التقريب"(3297).
(4)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 247، "الجرح والتعديل" 2/ 366، "الثقات" 6/ 97، "التهذيب" 4/ 147، "التقريب"(703).
الرِّوَايَة إِلَّا عن الثِّقَات. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ حَافِظٌ، عَارِفٌ بالرجال والحديث.
(1)
6) سُفْيان الثوري: "ثِقَةٌ حَافِظٌ فَقِيْهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (86).
7) عَبدُ اللَّهِ بن عُثْمَان بن خُثَيْم، أَبُو عُثْمَان المكيُّ.
روى عن: سَعِيد بن جُبَير، وعطاء بن أبي رَبَاح، ونافع مولى بن عُمَر، وآخرين.
روى عنه: السُفْيانان، وزُهَير بن مُعاوية، وإسماعيل بن عُلية، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي، وابن سعد، والنَّسائي، وابن خلفون: ثِقَةٌ. وقال ابن معين: ثِقَةٌ حُجَّةٌ. وقال أبو حاتم: ما به بأسٌ، صالح الحديث. وقال ابن حبَّان: كان يُخْطئ. وقال في "المشاهير": كان مِن أهل الفضل والنسك والفقه والحفظ. وقال ابن عدي: عزيز الحديث، وأحاديثه أحاديث حِسَان مِمَّا يَجب أن تُكْتَب عنه. وقال الفَلَّاس: كان يحيى وعبد الرحمن يُحَدِّثان عنه. وقال البزار: حَسَنُ الحديثِ لا نعلَمُ أحدًا تَرَكَ حديثه. وقال ابن حجر: صدوقٌ. واستشهد به البخاري في "الصحيح"، ومسلمٌ في المتابعات، والباقون.
- وقال ابن معين - مَرَّة -: أحاديثه ليست بالقوية. وقال ابن المديني: منكر الحديث. وقال النَّسائي - مَرَّة -: ليِّن الحديث. وقال الدَّارقطني: ضَعيفٌ.
- وحاصله: أنَّه "ثقةٌ"، لموافقة ذلك ما قاله الجمهور، والجرح فيه غير مُفَسَّر فَيُقَدَّم التعديل عليه.
(2)
8) سَعيد بن جُبير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيْهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
9) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
سُفْيَان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بن خُثَيْم، عَنْ سعيد بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (موقوفًا).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(10483) - ومِنْ طريقه البيهقي في "الكبرى"(13714) -، عن الثَّوْرِيِّ، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عُثْمَانَ بن خُثَيْمٍ، عن ابن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:«لا نِكَاحَ إِلا بِإِذْنِ وَلِيٍّ أَوْ سُلْطَانٍ» .
• وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(15923)، حدَّثنا وكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، به، وفيه:«أَوْ سُلْطَانٍ مُرْشِدٍ» .
متابعات للوجه الثاني:
• أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(533) - ومِنْ طريقه البيهقي في "الكبرى"(13715) -، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، به، وزاد:«فَإِنْ أَنْكَحَهَا سَفِيهٌ مَسْخُوطٌ عَلَيْهِ فَلا نِكَاحَ عَلَيْهِ» .
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 1/ 251 - 262 و 5/ 289 - 290، "الثقات" 8/ 373، "التهذيب" 17/ 431، "التقريب"(4018).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 46، "الجرح والتعديل" 5/ 112، "السنن الصغرى" للنسائي (حديث/5113)، "الثقات" 5/ 34، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/112)، "الكامل" 5/ 268، "التهذيب" 15/ 279، "الميزان" 2/ 459، "مسند البزار"(حديث/5092)، "تهذيب التهذيب" 5/ 315، "الإلزامات والتتبع" للدَّارقطني (ص/352)، "التقريب"(3466).
• وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(13650)، وفي "المعرفة"(13548)، مِنْ طريق الشافعيّ، قال: أنبأ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، به، وزاد فيه:" وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ ".
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد ابن أبي شيبة):
1) وكيعٌ بن الجرَّاح بن مَليحٍ الرُؤاسيُّ: "ثِقَةٌ حافظٌ عابدٌ".
(1)
2) سُفْيان الثوري: "ثِقَةٌ حَافِظٌ فَقِيْهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (86).
3) عَبدُ اللَّهِ بن عُثْمَان بن خُثَيْم، أَبُو عُثْمَان المكيُّ:"ثقةٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
4) سَعيد بن جُبير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيْهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
5) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - النظر في الخلاف في هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مَدَاره على سُفْيَان الثوريّ، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: سُفْيَان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (مرفوعًا).
الوجه الثاني: سُفْيَان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (موقوفًا).
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:
أ ترجيح الأئمة للوجه الثاني: كالبيهقي، والدَّارقطني، وأبي الفَتْح بن أبي الفوارس - كما سبق بيانه -.
ب الوجه الثاني تُوبع عليه الثوري بأسانيد صحيحة، بخلاف الوجه الأول فمتابعاته ضعيفة الإسناد.
ت أنَّ الوجه الأول رواه عبيد الله بن عمر القواريريّ - وهو متفق على توثيقه - عن جماعة من الثقات، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خُثيم، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عبَّاس مرفوعاً، هكذا رواه عنه اثنان جازمين بالرفع، ورواه عنه ثالث وفيه التردد برفع الحديث، فيبدو أنه وقع له تردد في رفعه بعد أن كان جازماً بالرفع، وقد خالفه في رفع الحديث عن سفيان الثوري وكيع وعبد الرزاق - كما سبق -، ولهذا قال البيهقي: تَفَرَّد به القواريريُّ مرفوعاً، والقواريريُّ ثِقَةٌ إلا أن المشهور بهذا الإسناد موقوفٌ على ابن عباس، ورواية ثقتين بوقف الحديث أولى من رواية ثقة واحد برفعه، وخاصة إذا تردد في رفعه في بعض الأوقات. ثم إذا ارتقينا درجة في سلم الإسناد لوجدنا مسلم بن خالد وجعفر بن الحارث يرويان الحديث عن ابن خثيم موقوفاً، وهذا يؤكد صحة رواية هذين الثقتين، وأن الثالث قد وهم، والله أعلم.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "شاذٌّ"؛ لأجل عُبَيْد الله بن عُمر القواريريّ، فهو وإنْ كان ثِقَةً؛ لكنَّه تَفَرَّد به عن عبد الرحمن بن مهدي وبِشْر بن المُفَضْل وعبد الله بن داود، مع مخالفته لما رواه الثِّقات
(1)
يُنظر: "التقريب"(7414).
عن سُفْيَان الثوري، بل وخالف ما رواه الثِّقات عن عبد الله بن عُثْمَان بن خُثَيم غير الثوري.
قال البيهقي: تَفَرَّدَ بِهِ الْقَوَارِيرِيُّ مَرْفُوعًا، وَالْقَوَارِيرِيُّ ثِقَةٌ، إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ أنَّه مَوْقُوفٌ على ابْنِ عَبَّاس.
بينما قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
(1)
وقال ابن حجر: إسناده حسنٌ.
(2)
وعزاه السيوطي إلى البيهقي مِنْ حديث ابن عبَّاس، ورمز له بالصحة.
(3)
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح - بالوجه الثاني - "صحيحٌ" موقوفًا على ابن عبَّاس رضي الله عنه.
شواهد للحديث:
وللحديث جملة مِنْ الشواهد
(4)
، مِنْ أمثلها:
• ما أخرجه أبو داود، والترمذي، وغيرهما، بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي إِسْحَاقَ، عن أبي بُرْدَةَ، عن أبي مُوسَى رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ» .
(5)
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 286).
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(9/ 191).
(3)
يُنظر: "الجامع الصغير"(ص/586).
(4)
ولمزيد مِنْ الشواهد، يُنظر:"نصب الراية"(3/ 183 - 190)، "البدر المنير"(7/ 543 - 569)، "مجمع الزوائد"(4/ 285)، "إرواء الغليل"(6/ 235 - 243)، "التحقيق الجلي لحديث لا نكاح إلا بولي" د/مفلح بن سليمان الرشيدي، "حديث لا نكاح إلا بولي - رواية ودراية" د/ صلاح الدين بن أحمد الإدلبي.
(5)
أخرجه الطيالسي في "مسنده"(525)، وسعيد بن منصور في "سننه"(527)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(15937 و 36119)، وأحمد في "مسنده"(19518 و 19710 و 19746)، والدَّارمي في "سننه"(2228 و 2229)، وابن ماجه في "سننه"(1881) ك/النكاح، ب/لا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ، وأبو داود في "سننه"(2085) ك/النكاح، ب/في الولي، والترمذي في "سننه"(1101) ك/النكاح، ب/لا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ، والبزار في "مسنده"(3105 - 3116)، وأبو يعلى في "مسنده"(7227)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4077 و 4078 و 4083 و 4090)، والطبراني في "الأوسط"(681 و 7900)، والدَّارقطني في "سننه"(3514 و 3518)، والحاكم في "المستدرك"(2710 - 2716)، والبيهقي في "الكبرى"(13611 - 13630).
…
واختُلف فيه على أبي إسحاق في وصله وإرساله، وقد تنازع الأئمة في أيهما أصح، حديث إسرائيل، وقد وصله، أم حديث سفيان وشعبة، وقد أرسلاه؟ والذي مال إليه جمهورُ الحفاظ أن حديث إسرائيل أصح - أي الموصول -، فقال البخاري فيما نقله عنه البيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 175): الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس ثقة، وإن كان شعبة والثوري أرسلاه، فإن ذلك لا يضر الحديث. وقال الترمذي: وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» ، عِنْدِي أَصَحُّ. وقال البزار: وَالْحَدِيثُ لِمَنْ زَادَ إِذَا كَانَ حَافِظًا، وَإِسْرَائِيلُ حَافِظٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
…
فَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا قَدْ تَوَاصَلَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ فِي اتَّصَالِهِ وَرَفْعِهِ وَإِنْ قَصَّرَ بِهِ مُقَصِّرٌ، فَالْخَبَرُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وقال ابن حبَّان: سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا، فَمَرَّةً كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ أَبِيهِ مُسْنِدًا، وَمَرَّةً يُرْسِلَهُ، وَسَمِعَهُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ أَبِي بُرْدَةَ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا مَعًا، فَمَرَّةً كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ مَرْفُوعًا وَتَارَةً مُرْسَلًا، فَالْخَبَرُ صَحِيحٌ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا مَعًا لَا شَكَّ، وَلَا ارْتِيَابَ فِي صِحَّتِهِ. وقال الحاكم: هَذِهِ الْأَسَانِيدُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَقَدْ عَلَوْنَا فِيهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ وَصَلَهُ الْأَئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ فِي رِوَايَاتِهِمْ، عَنْ إِسْرَائِيلَ مِثْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيعٌ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ حَكَمُوا لِهَذَا الْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ
…
وروى بإسناده عن عليّ بن المدينيّ، قال: حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ صَحِيحٌ فِي «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» ؛ وبإسناده عن مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذهليّ، قَالَ: حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ صَحِيحٌ عِنْدِي
…
ثُمَّ قال الحاكم: لَسْتُ أَعْلَمُ بَيْنَ أَئِمَّةِ هَذَا الْعِلْمِ خِلَافًا عَلَى عَدَالَةِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَإِنَّ سَمَاعَهُ مِنْ أَبِي بُرْدَةَ مَعَ أَبِيهِ صَحِيحٌ، ثُمَّ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى يُونُسَ فِي وَصْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، فَفِيهِ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أَبِيهِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَصْحَابِهِ، لَا مِنْ جِهَةِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
…
إلى أن قال: فَقَدِ اسْتَدْلَلْنَا بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَبِأَقَاوِيلِ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى، بِمَا فِيهِ غَنِيَّةٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
وقال المروزي: سألت أحمد ويحيى عن حديث لا نكاح إلا بولي؟ فقالا: صحيح. نقله ابن قدامة في المغني (9/ 345).
ويُنظر لزامًا "البدر المنير"(7/ 543 - 569)، وفيه قال ابن الملقن: هذا الحديث رواه ثلاثون صحابيًا، وقال: فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثُونَ صحابيًّا رووا هَذَا الحَدِيث؛ فَلَا يعدل عَنهُ، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب. وقال المناوي: وقد أفرد الدمياطي طرقه بتأليف. وبالغ في القول، فقال: وهو متواتر. يُنظر: "فيض القدير"(6/ 437)، ويُنظر:"نظم المتناثر"(ص/147). ولا شك أنَّ دعوى التواتر بعيدة كل البعد عن التحقيق العلميّ، والدراسة الدقيقة لجميع طرق الحديث. والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" بمجموع طرقه، وشواهده، فقال: وخلاصة القول أن الحديث صحيح بلا ريب، فإن حديث أبى موسى قد صححه جماعة من الأئمة كما عرفت
…
وإذا نظرنا إلى الحديث من مجموع هذه الطرق والشواهد فإن القلب يطمئن لصحته، لاسيما وقد صح عن ابن عباس موقوفًا عليه - كما سبق -، ولم يُعرف له مخالف من الصحابة، وقد روى ابن عدى في "الكامل" (2/ 156) عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: أحاديث: " أفطر الحاجم والمحجوم "، و" لا نكاح إلا بولي "، يشد بعضها بعضا، وأنا أذهب إليها.
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ: لم يَرْوِه مُسْنَدًا عن سُفْيَانَ إلا ابنُ دَاوُدَ، وَبِشْرٌ، وابنُ مَهْدِيٍّ، تَفَرَّدَ به: القواريريُّ.
أمَّا قوله: "لم يَرْوِه مُسْنَدًا عن سُفْيَانَ إلا ابنُ دَاوُدَ، وَبِشْرٌ، وابنُ مَهْدِيٍّ":
قلتُ: بل تابعهم مُؤَمَّل بن إسماعيل، فرواه عن سُفيان الثوري مرفوعًا - كما سبق في التخريج -.
وزعم أبو الفتح بن أبي الفوارس - كما سبق في التخريج - أنَّ الحديث غريبٌ مِنْ حديث سُفْيَان الثَّوْريّ عن أبي عُثْمَان تَفَرَّد به مُؤَمَّل بن إِسْمَاعِيل عن سُفْيَان - أي مرفوعًا -؛ وقوله مُتَعَقَّبٌ برواية الثلاثة.
وأمَّا قوله: "تَفَرَّدَ به: القواريريُّ":
أي تَفَرَّد به عن ابن داود، وبشر، وابن مهدي؛ ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ذلك.
وقد وافقه على ذلك الإمامُ البيهقي، فقال: تَفَرَّدَ بِهِ الْقَوَارِيرِيُّ مَرْفُوعًا، وَالْقَوَارِيرِيُّ ثِقَةٌ، إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ أنَّه مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاس.
سادسًا: - التعليق على الحديث:
قال الإمام الترمذي: والعَمَلُ في هذا الباب على حديثِ النَّبِيِّ: «لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ» عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ: عُمَرُ بن الخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم وَغَيْرُهُمْ.
وهكذا رُوِيَ عن بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ، مِنْهُمْ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَشُرَيْحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وَغَيْرُهُمْ.
وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
(1)
وأخرج الترمذي في "سننه" عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا".
(2)
قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ؛ وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بِهَذَا الحَدِيثِ، وَلَيْسَ في هَذَا الحَدِيثِ مَا احْتَجُّوا بِهِ لأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ» ، وَهَكَذَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«لا نِكَاحَ إلا بِوَلِيٍّ» ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا" عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ الوَلِيَّ لَا يُزَوِّجُهَا إِلاَّ بِرِضَاهَا وَأَمْرِهَا، فَإِنْ زَوَّجَهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ عَلَى حَدِيثِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ، حَيْثُ زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِكَاحَهُ.
(3)
* * *
(1)
يُنظر: "السنن" للإمام الترمذي عقب الحديث رقم (1102).
(2)
أخرجه الترمذي في "سننه"(1108)، ك/النِّكاح، ب/مَا جَاءَ فِي اسْتِئْمَارِ البِكْرِ وَالثَّيِّبِ.
(3)
يُنظر: "السنن" للإمام الترمذي عقب الحديث رقم (1108).
[122/ 522]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى البُدِّيِّ
(1)
، عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ.
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَارِبَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن زكريا بن يحيى إلا جَرِيرٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(25493)، وفي "المسند"(518) - ومِن طريقه أبو الفضل الزُّهري في "حديثه"(214) -، وأحمد في "مسنده"(19263 و 19273)، ومحمد بن أسلم الطوسي في "الأربعون"(41)، وعبد بن حُميد في "مسنده"(264)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(3/ 233) - ومِنْ طريقه البيهقي في "شعب الإيمان"(6445) -، والترمذي في "سننه"(2761) ك/الأدب، ب/ ما جاء في قَصِّ الشَّارب، والبزار في "مسنده"(4332)، والنَّسائي في "السنن الكبرى"(14) ك/الطهارة، ب/قَصُّ الشَّارب، وأيضاً برقم (9248) ك/الزينة، ب/إحفاء الشَّارب، وإعفاء اللِّحَى، وفي "السنن الصغرى"(13، 5047) - ومِنْ طريقه القضاعي في "مسند الشهاب"(357، 358)، والسَّمْعَاني في "أدب الإملاء والاستملاء"(1/ 28) -، وأبو بكر بن الخلَّال في "السنة"(1451)، والعُقَيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 159)، وابن حبَّان في "صحيحه"(5477)، والطبراني في "الكبير"(5033 و 5034 و 5036) - ومِن طريقه بالموضع الأول أبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(2980)، والمزي في "تهذيب الكمال"(5/ 406) -، وابن عدي في "الكامل"(8/ 87)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(356)، والبيهقي في "الآداب"(692)، وابن عبد البر في "التمهيد"(21/ 63) و (24/ 144)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(13/ 225).
كلهم مِن طُرُقٍ عِدَّة عن يوسف بن صُهَيب الكِنْدي - مِن أصح الأوجه عنه
(2)
-، عن حَبيبٍ بن يَسَار، به.
(3)
الأكثرون بلفظه، والبعض بنحوه بلفظ:«مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِن شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا» .
(1)
البدَّي: بفتح الباء المنقوطة بواحدة، وتشديد الدال المهملة، نسبة الى بنى بداء وهو بطن من حمير نزل الكوفة. هكذا ضبطه السَّمعاني في "الأنساب" 2/ 111، بينما قال ابن ناصر الدين الدِّمشقي في "توضيح المشتبه" (9/ 49): وجدت نسبته: البُدِّيِّ: بِضَم الموحدة، مع التَّشْدِيد في الدَّال، في " تَارِيخ " يحيى بن معِين، رِوَايَة عَبَّاس الدوري. وضبطه كذلك الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(3/ 513)، بضم الباء. وقال الشيخ/ عبد الفتاح أبو غُدة في تعليقه على "لسان الميزان" (3/ 506): بأنَّه وجده في بعض النُّسخ مضبوطاً بضم الباء.
(2)
يُنظر: "شرح مُشْكِل الآثار" للطحاوي (1349)، و"العلل" للدارقطني (12/ 442/مسألة 2878).
(3)
والحديث أخرجه العُقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 159)، والطبراني في "المعجم الكبير"(5035)، وفي "الأوسط"(3027)، وفي "الصغير"(278)، وابن عدي في "الكامل"(8/ 86)، كلهم مِن طريق مُصْعَب بن سَلَّام التَّيْمي، قال: حدَّثنا الزِّبْرِقَانُ السَّرَّاجُ، عن حبيب بن يَسَار، عن زيد بن أرقم الحديث. وقال الطبراني: لم يَرْوِه عن الزِّبْرِقَانِ إلا مُصْعَبُ بن سَلَّامٍ. وأخرجه العقيلي وابن عدي في ترجمة مُصْعب هذا، وكلاهما عن الإمام أحمد أنَّه قال: مُصْعَبُ بن سَلَّامٍ انقلبت عليه أحاديث يوسف بن صُهَيْبٍ، جعلها عن الزِّبْرِقَانِ السَّرَّاجِ. ثُمَّ رواه ابن عدي مِن طريق يوسف بن صُهيب، وقال: وهذا هو الصواب.
وقال الترمذي: هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يُحَدِّثُ به عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلا زَيْدُ بن أَرْقَمَ، ولا نعلم له إسنادًا إلا هذا الإسناد.
(1)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) إسماعيل بن إبراهيم، أبو مَعْمَر القَطِيْعِيُّ:"ثِقَةٌ، مأمونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (109).
3) جَرير بن عبد الحميد بن قُرْط الضَّبِّيُّ، أَبُو عَبْد الله الرَّازيُّ.
روى عن: زكريا بن يحيى البَدِّي، وسُليمان الأعمش، ومُغِيْرَة بن مِقْسَم الضَّبِّيِّ، وآخرين.
روى عنه: أبو مَعْمَر القَطِيْعيُّ، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن المبارك، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، والعِجْلي، والنَّسائي، والدارقطني: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ يُحْتج به. وقال أبو زرعة، وابنُ خِرَاش: صدوقٌ. وقال اللالكائي: مُجْمَعٌ على ثِقَته. وقال الذهبي: كان النَّاس يَرْحلون إليه لِعِلْمِه وإتْقَانه، وهو ثِقَةٌ مُحْتَجٌ به في كتب الإسلام كلها. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ صَحيح الكتاب. وروى له الجماعة.
(2)
4) زَكَرِيَا بن يَحْيى بن حَكِيم، أبو يحيى الكوفي، الحَبَطِيُّ، الكِنْدي، البُدِّيُّ. يُنسب كثيراً لجده.
روى عن: حبيب بن يَسار، وإبراهيم النَّخَعي، والشَّعْبي، وآخرين.
روى عنه: جرير بن عبد الحميد، وعَمرو بن النُّعْمان الباهليّ، وغسَّان بن الرَّبيع، وآخرون.
حاله: قال ابن المديني: هالكٌ. وقال أحمد: ليس بشيء، ترك الناس حديثه. وقال ابن معين: ليس بشيء.
(1)
قلتُ: أمَّا قوله: "لا نعلم أحدًا يُحَدِّثُ به عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلا زَيْدُ بن أَرْقَمَ": إنْ كان يَقْصد به مِن وجهٍ صحيح فنعم - فلم أقف على حد بحثي على أحدٍ رواه بهذا اللفظ إلا زيد بن أرقم -، ولعلَّ هذا هو مُراد الإمام رحمه الله. وأمَّا إن كان يقصد بذلك مُطلقاً ففيه نظر؛ فأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (23480) قال: حدَّثنا حَسَن بن موسى، حدَّثنا ابن لهيعة، حدَّثنا يزيد بن عَمْرو المعَافِرِيُّ، عن رجل مِنْ بني غِفَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ لَمْ يَحْلِقْ عَانَتَهُ، وَيُقَلِّمْ أَظْفَارَهُ، وَيَجُزَّ شَارِبَهُ فَلَيْسَ مِنَّا". وفي "سنده ابن لهيعة، والرجل مِن بني غِفَارٍ لم يُسم، وليس فيه ما يدل على صحبته. ويُنظر: "الضعيفة" (4654).
وأمَّا قوله: "ولا نعلم له إسنادًا إلا هذا الإسناد": فالإمام البزار أخرجه عن عَمْرو بن علي الصيرفي، قَال: حَدَّثنا المعتمر بن سليمان، قَال: حَدَّثنا يُوسُفُ بن صُهَيْبٍ عن حَبيب بن يَسَارٍ، عن زيد بن أَرْقَمَ. فإن كان يقصد به مُطلقاً مِن أول السند برواية عَمرو بن علي عن المُعْتمر بن سُليمان، عن يوسف بن صُهيب، ففيه نظرٌ؛ لأنَّه قد روي مِن طُرُقٍ عِدَّة عن يوسف بن صُهَيب غير طريق المُعْتمر كما هو واضحٌ وبينٌ في التخريج؛ لكن لعل مُراد الإمام رحمه الله يقصد بالإسناد: أي رواية يوسف عن حبيب عن زيد؛ فالحديث لم يَثبت مِن وجه صحيحٍ إلا بهذا الوجه كما سبق بيانه، وإلا فقد ورد مِن طُرقٍ أخرى عن حبيبٍ بغير هذا الوجه، لكن في سندها مقال. والله تعالى أعلم.
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 267، "الجرح والتعديل" 2/ 506، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 145، "الإرشاد" للخليلي 2/ 568، "تهذيب الكمال" 4/ 540، "تاريخ الإسلام" 4/ 821، "التقريب"(916).
وقال أيضاً: ليس بثقةٍ. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس بقوى. وقال ابن حبَّان: يَرْوِي عن الأثبات مالا يشبه أحاديثهم حَتَّى يُسْبق إلى القلب أنَّه المُتَعَمد لها لا يجوز الاحتجاج بِخَبَرِهِ. وقال ابن عدي: قليلُ الحديث. وقال الدارقطني: ضَعيفٌ. فحاصله: أنَّه "هالكٌ، ليس بشيء".
(1)
5) حبيب بن يَسَار الكِنْدِيُّ الكُوفيُّ.
روى عن: زيد بن أَرْقَم، وعبد الله بْن أَبي أوفى، وعبد الله بن عباس، وآخرين.
روى عنه: زكريا بن يحيى، وعمارة الأحمر، ويوسف بن صهيب، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو زرعة، وأبو داود، والذهبي، وابن حجر: ثَقَةٌ.
(2)
6) زَيْد بن أَرْقَم بن زَيْد بن قَيْس بن النُّعْمَان، الأَنْصارِيّ، الخَزْرَجيُّ رضي الله عنه.
روى عن: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وعن علي بن أَبي طَالِب رضي الله عنه.
روى عنه: حَبيب بن يَسَار، وأَنَس بن مَالِك، وأبو إسحاق السَّبيعيُّ، وآخرون.
غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، واستُصغر يوم أحد، وكان يتيماً في حِجْر عبد الله بن رَواحة. وكانت وفاته، في سنة ثمان وستين. وروى له الجماعة.
(3)
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضعيفٌ جداً"؛ لأجل زكريا بن يحيى البُدِّي، قال ابن المديني: هالكٌ. وقال أحمد وابن معين: ليس بشيء. فلا يُعتبر بها.
مُتابعات للحديث: هذا الحديث قد ثبت مِن عِدَّة طُرقٍ عن يُوسف بن صُهَيب عن حَبيب بن يَسَار عن زيد بن أرقم، به؛ وعليه فالحديث عن زيد بن أرقم بهذا الوجه "صحيحٌ لذاته"، والله أعلم.
قال الإمام الترمذي - عقب تخريجه للحديث -: هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقال ابن حجر: أخرجه الترمذي والنسائي من حديث زيد بن أرقم مرفوعاً وسنده قوي.
(4)
وعزاه السيوطي إلى أحمد والترمذي والنسائي، ورمز له بالحسن.
(5)
وقال العجلوني: رواه أحمد والترمذي - وصححه - والنسائي بسند قوي عن زيد بن أرقم.
(6)
وقال الألباني: إسناده جيدٌ.
(7)
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 596 و 3/ 602، "المجروحين" 1/ 314، "الكامل" 4/ 171، "ميزان الاعتدال" 2/ 72 و 2/ 75، "لسان الميزان" 3/ 505.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 111، "الثقات" 4/ 143، "تهذيب الكمال" 5/ 405، "الكاشف" 1/ 310، "التقريب"(1109).
(3)
يُنظر: "الاستيعاب" 2/ 535، "أسد الغابة" 2/ 342، "تهذيب الكمال" 10/ 9، "الإصابة" 4/ 68.
(4)
يُنظر: "فتح الباري"(10/ 337).
(5)
يُنظر: "الجامع الصغير"(9016).
(6)
يُنظر: "كشف الخفاء"(2786).
(7)
يُنظر: تعليقه على "مشكاة المصابيح"(4438).
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن زكريا بن يحيى إلا جَرِيرٌ.
قلتُ: ومِنْ خلال ما سبق في التخريج يتضح صحة قول المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ الْفِطْرَةِ؛ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " الْفِطْرَةُ خَمْسٌ - أَوْ: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ - الْخِتَانُ وَالاسْتِحْدَادُ وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ وَنَتْفُ الإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ "
(1)
.
وَاتَّفَقَوا كذلك عَلَى أَنَّ الأَخْذَ مِنَ الشَّارِبِ مِنَ السُّنَّةِ، لِلْحَدِيث السَّابِق، ولحديث الباب.
قال النووي: وَأَمَّا قَصُّ الشَّارِبِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ.
(2)
وفي "طرح التثريب": الحديث فيه استحباب قص الشارب، وهو مُجْمَعٌ على استحبابه، وذهب بعض الظاهرية إلى وجوبه لِمَا رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «قُصُّوا الشَّوَارِبَ»
(3)
، وعند مسلم بلفظ:«جُزُّوا الشَّوَارِبَ»
(4)
.
(5)
وقال المناوي: أخذ بظاهره جمعٌ فأوجبوا قَصَّه، والجمهور على الندب.
(6)
لَكِن اختلف الْفُقَهَاءُ فِي ضَابِطِ الأَخْذِ مِنَ الشَّارِبِ، هَلْ يَكُونُ بِالْقَصِّ أَمْ بِالْحَلْقِ أَمْ بِالإِحْفَاءِ؟
وفصَّل القول في ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله، فقال: وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَحَلْقِهِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ مالك: يُؤْخَذُ مِنَ الشَّارِبِ حَتَّى تَبْدُوَ أَطْرَافُ الشَّفَةِ، وَهُوَ الْإِطَارُ، وَلَا يَجُزُّهُ فَيُمَثِّلَ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ: أَشْهَدُ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَأَرَى أَنْ يُوجَعَ ضَرْبًا مَنْ فَعَلَهُ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَلَمْ أَجِدْ عَنِ الشَّافِعِيِّ شَيْئًا مَنْصُوصًا فِي هَذَا، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَا - المزني والربيع - كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبَهُمَا، وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أَخَذَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله.
وَأَمَّا أبو حنيفة وأصحابه فَكَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي شَعَرِ الرَّأْسِ وَالشَّوَارِبِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ؛ فَقَالَ الأثرم: رَأَيْتُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُحْفِي شَارِبَهُ شَدِيدًا، وَقَالَ حنبل: قِيلَ لأبي عبد الله: تَرَى الرَّجُلَ يَأْخُذُ شَارِبَهُ أَوْ يُحْفِيهِ؟ أَمْ كَيْفَ يَأْخُذُهُ؟ قَالَ: إِنْ أَحْفَاهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ أَخَذَهُ قَصًّا فَلَا
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5889) ك/اللباس، ب/قَصّ الشَّارِبِ، وبرقم (5891) ك/اللباس، ب/تَقْلِيم الأَظْفَارِ، وبرقم (6297) ك/الاستئذان، ب/الخِتَان بَعْدَ الكِبَرِ وَنَتْفِ الإِبْطِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(257) ك/الطهارة، ب/خِصَال الْفِطْرَةِ.
(2)
يُنظر: "المجموع" 1/ 287.
(3)
أخرجه أحمد في "مسنده"(7132).
(4)
أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(260) ك/الطهارة، ب/خِصَال الفِطْرة.
(5)
يُنظر: "طرح التثريب شرح التقريب" 2/ 76.
(6)
يُنظر: "فيض القدير" 6/ 222.
بَأْسَ.
(1)
قال المباركفوري: ذَهَبَ الطَّبَرِيُّ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِحْفَاءِ وَالْقَصِّ، وقد دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَيهما، وَلَا تَعَارُضَ، فَإِنَّ الْقَصَّ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ وَالْإِحْفَاءَ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ.
(2)
قَالَ الْحَافِظُ ابن حجر: وَيُرَجِّحُ قَوْلَ الطَّبَرِيِّ ثُبُوتُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ.
(3)
قُلْتُ (المباركفوري): مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ هُوَ الظَّاهِرُ.
وقال السندي
(4)
: قوله: "فَلَيْسَ مِنَّا" أي: من أهل سنتنا وطريقتنا، وقيل: هو تغليظٌ. وبالجملة، ففيه تأكيدٌ أكيد بأخذ الشارب، وأنه لا ينبغي إهمالُه، ثم في قوله:"مِنْ شَارِبِه" إشارةٌ إلى أنَّه يكفي أخذُ البعض، كمذهب مالك، والله تعالى أعلم.
(5)
* * *
(1)
يُنظر: "زاد المعاد"(1/ 172 - 175) بتصرف.
(2)
يُنظر: "تحفة الأحوذي"(8/ 42 - 43).
(3)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 347).
(4)
يُنظر: التعليق على "مسند أحمد"(32/ 9).
(5)
ومَنْ رام المزيد مِن الشرح والبيان، فليُراجع مشكوراً ما يَلي:"التمهيد" لابن عبد البر (21/ 63 - 67) و (24/ 143)، "المجموع" للنووي (1/ 287)، "طرح التثريب شرح التقريب"(2/ 76 - 77)، "فتح الباري" لابن حجر (10/ 346 - 349).
[123/ 523]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِم، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخُو أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ» .
هذا الحديث مَدَاره على سُهيل بن أبي صالح، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: سُهَيْل بن أبي صَالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: سُهَيْل بن أبي صَالِحٍ، عن أبيه، عن رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
سُهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه مالكٌ في "الموطأ"(2739) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(8880)، والبخاري في "خلق أفعال العباد"(459)، والنَّسائي في "الكبرى"(10350) ك/عمل اليوم والليلة، ب/مَا يَقُولُ إِذَا خَافَ شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ حِينَ يُمْسِي، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(16)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1021)، والطبراني في "الدعاء"(346)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(365)، والبغوي في "شرح السنة"(93 و 1348)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة"(175) -.
• وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(29799)، وأحمد في "مسنده"(7898)، والترمذي في "سننه"(3604/ 1) ك/الدعوات، ب/الاستعاذة مِنْ جهنم وبكلمات الله تعالى، والنَّسائيّ في "الكبرى"(10351) ك/اليوم والليلة، ب/ما يَقُولُ إِذَا خَافَ شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ - ومِنْ طريقه الطحاوي في "شرح المشكل"(20) -، كلهم مِنْ طريق يَزِيد بن هارون، عن هِشَام بن حسَّان القُردوسيّ. وقال الترمذي: هذا حديثٌ حَسَنٌ.
• والبخاري في "أفعال العباد"(460)، والبزار في "مسنده"(9065)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(10352) ك/اليوم والليلة، ب/ما يَقُولُ إِذَا خَافَ شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ - ومِنْ طريقه الطحاوي في "شرح المُشْكَل"(22) -، وأبو يعلى في "مسنده"(6688)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1036)، مِنْ طُرُقٍ عن عُبَيْد اللَّهِ بن عُمَرَ.
• والبخاري في "أفعال العباد"(460)، والطحاوي في "شرح المُشْكَل"(21)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1022)، والطبراني في "الدعاء"(349)، والحاكم في "المستدرك"(8280)، مِنْ طُرُقٍ عن جَرِيرِ بن حَازِمٍ.
وقال الحاكم: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ على شَرْطِ مُسْلِمٍ، ولم يُخْرِجَاهُ بهذه السِّيَاقَةِ. وسكت عنه الذهبي.
• والبخاري في "خلق أفعال العباد"(461)، مِنْ طريق سَعِيد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيّ.
• وابن ماجه في "سننه"(3518) ك/الطب، ب/رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، والنَّسائي في "الكبرى"(10353)
ك/اليوم والليلة، ب/مَا يَقُولُ إِذَا خَافَ شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ - ومِنْ طريقه الطحاوي في "شرح المُشْكَل"(23) -، والطبراني في "الدعاء"(349)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 258)، مِنْ طُرُقٍ عن عُبَيْد اللَّهِ الْأَشْجَعِيّ، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(17)، مِنْ طريق أبي حذيفة موسى بن مسعود النَّهْدِيّ، كلاهما عَنْ سُفْيَانَ الثوري - بإحدى الروايات عنه -.
وقال الخطيب البغدادي: تفرد برواية هذا الحديث عن سفيان الثوري، هكذا مجودًا الأشجعي، ورواه غير واحد، عن الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن رجل من أسلم.
قلتُ: بل تابعه موسى بن مسعود النَّهْديّ - كما هو ظاهرٌ في التخريج -، وعُبَيْدُ اللَّهِ الْأَشْجَعِيُّ أبو عبد الرحمن الكوفي: ثقة مأمون، أثبت الناس كتابا في الثوري.
(1)
وقال البوصيري: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح رِجَاله ثِقَات.
(2)
• والبزار في "مسنده"(9066)، مِنْ طريق عبد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي.
• والنَّسائي في "الكبرى"(10349)، ك/اليوم والليلة، ب/مَا يَقُولُ إِذَا خَافَ شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ - ومِنْ طريقه الطحاوي في "شرح المُشْكل"(19)، وابن السنيّ في "اليوم والليلة"(714/ 1) -، والطبراني في "الأوسط"(6038)، وابن السنيّ في "اليوم والليلة"(714/ 2)، مِنْ طريق حَمَّادِ بن زَيْدٍ - بإحدى الروايات عنه -.
وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ مُجَوَّدًا، عن أبى هُرَيْرَةَ إلا مُحَمَّدُ بن سُلَيْمَانَ، ورواهُ النَّاسُ عن حَمَّادٍ، عن سُهَيْلٍ، عن أَبِيهِ، عن رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(18)، والطبراني في "الدعاء"(347)، وأبو العبَّاس العصمي في "جزئه"(5)، مِنْ طُرُقٍ عن مُحَمَّد بن المِنْهَالِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن زُرَيْعٍ، حدَّثنا رَوْحُ بن القَاسِمِ.
وقال أبو العبَّاس العصمي: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ رَوْحٍ عن سُهَيْلٍ في هذا الباب لم يَرْوِهِ عَنْهُ إِلا يَزِيدُ.
• وأبو بكر الخرائطي في "مكارم الأخلاق"(869)، مِنْ طريق محمَّد بن سُلَيْمَانَ الأصْبَهَانِيّ.
• وابن عبدويه في "الغيلانيات"(612)، مِنْ طريق عبد العَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلَمَة الماجِشُونُ.
• والطبراني في "الأوسط"(2644)، وفي "الدعاء"(348)، عن أبي عَاصِمٍ النَّبيل، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رِفَاعَةَ. وقال الطبراني: لم يَرْوِه عن محمَّد بن رِفَاعَةَ إلا أبو عَاصِمٍ.
• والطبراني في "الأوسط"(1387)، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: نا سَلْمُ بْنُ سَلَّامٍ أَبُو الْمُسَيَّبِ قَالَ: نا شُعْبَةُ - بإحدى الروايات عنه -.
كلهم (مالك، وهشام بن حسَّان، وعُبيد الله بن عُمر، وجرير بن حازم، والجُمَحِيّ، والثوري، والدراوردي، وحمَّاد بن زيد، وروح بن القاسم، والأصبهاني، والماجشون، ومحمد بن رفاعة، وشعبة)، عن سُهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، بنحوه، بألفاظ متقاربة، ويزيد بعضهم على بعضٍ.
(1)
يُنظر: "التقريب"(4318).
(2)
يُنظر: "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه"(4/ 72).
• وقال الدارقطني في "العلل"(10/ 176/مسألة 1965): رَوَاهُ عبيد الله بن عُمَرَ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وروح بن القاسم، وهشام بن حسان، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رِفَاعَةَ الْقَرَظِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
متابعات للحديث بالوجه الأول:
• وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(2709)، ك/الذكر والدعاء، ب/فِي التَّعَوُّذِ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَغَيْرِهِ، مِنْ طريق القَعْقَاع بن حَكِيمٍ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ:" أَمَا لَوْ قُلْتَ، حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ ".
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) محمد بن إبراهيم، أبو بكر القَطِيْعِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
3) إبراهيم بن أبي بكر بن المُنْكَدِر بن عبد الله بن الهُدَيْر، التَّيْمِيُّ المَدَنيُّ.
روى عن: سُهيل بن أبي صالح، وعمه محمد بن المُنْكدر، وصفوان بن سُليم، وآخرين.
روى عنه: أبو بكر القَطيعيُّ، وعبد الله بن وهب، والحميدي، وآخرون.
حاله: ذكره البخاري، وابن أبي حاتم ولم يَذْكرا فيه جرحاً ولا تَعْديلاً. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الدَّارقطني: ضَعيفٌ. وقال الأزدي: مُنْكر الحديث. فالحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ".
(1)
4) سُهَيْل بن أَبي صَالح، واسم أبي صالح: ذَكْوَان السَّمَّان، أَبُو يَزيد المَدَنِيُّ.
روى عن: أبيه، وسُليمان الأعمش، وعبد الله بن دِينار، وآخرين.
روى عنه: إبراهيم بن أبي بكر، والسُّفْيانان، وشعبة، ومالكٌ، ويحيى بن سعيد، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي، وابن معين، وابن سعد، والنَّسائي، وأبو يَعْلى الخليلي، وابن عبد البر: ثِقَةٌ. وقال أحمد: سُهَيل أثبت عندهم من محمد بن عمرو
(2)
، ما أصلح حديثه. وقال ابن عُيَيْنَة: كان ثَبْتاً في الحديث. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: كان يُخطئ. وقال ابن عدي: ولسهيل نسخٌ، روى عنه الأئمة، وحدَّث عن أبيه وعن جماعة عن أبيه، وهذا يدل على تمييز الرجل، لكونه ميَّز ما سَمِعَ مِن أبيه وما سمع من غير أبيه عنه، وهو عندي ثبتٌ لا بأس به مقبول الأخبار. وقال الذهبي في "المغني": ثِقَةٌ، تَغَيَّر حِفْظه. وقال في "الديوان": ثِقَةٌ. وفي "الميزان": أحد الثقات، وغيره أقوى مِنه. وقال ابن حجر في "التقريب": صدوقٌ تغَيَّر حفظه بآخرة. بينما قال في "اللسان": ثِقَةٌ، ورمز له بـ"صح" التي تدل على أنَّه مُتكلم فيه بلا حجة. وروى له الجماعة،
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 276، "الجرح والتعديل" 2/ 90، "الثقات" 6/ 12، "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي 1/ 27، "الميزان" 1/ 24، "لسان الميزان" 1/ 252.
(2)
هو محمد بن عَمرو بن علقمة، "صدوقٌ، يُحَسَّن حديثه"، سبق الإشارة إليه في الحديث رقم (12).
والبخاري مَقْرُوناً
(1)
، وأكثر له مسلمٌ، لكن أغلبها في الشواهد.
- وقال الخليلي: قال البخاريُّ: مات ابْنٌ
(2)
لِسُهَيلٍ فَحَزِنَ عليه، فَنَسِيَ في آخِرِ عُمْرِهِ كَثِيرًا مِنْ حَدِيثِهِ، ولم يُخْرِجْهُ في "صَحِيحَهِ"، وأخرجه مُسْلِمٌ. وقال الذهبي في "السير": كان مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ، لَكِنَّهُ مَرِضَ مَرضَةً غَيَّرَتْ مِنْ حِفْظِه. قال العلائي: يمكن أن يكون تغيُّره مِن القسم الأول.
- وقال ابن معين: ليس بحجة. وقال أبو حاتم: سُهَيل ابن أبي صالح يُكْتَب حديثه، ولا يُحْتَج به، وهو أحبُّ إليَّ من عَمرو بن أبي عَمرو، وأحبُّ إليَّ من العلاء عن أبيه عن أبي هريرة.
- والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، يُتَجَنَّب ما أُنْكِر عليه"؛ فقد أطلق توثيقه جمعٌ مِن أهل العلم كما سبق، وروى عنه الكبار كمالك وشعبة والسفيانان، لكنَّه ليس في الحفظ كمالك وشعبة والكبار. وأمَّا تَغَيُّرَه فهو مِن القسم الأول الذي لا يَضر حديثه، أو يُراد به مُطْلق الخطأ والوهم. وأمَّا تضعيف ابن معين وأبو حاتم: فابن معين وثَّقه حيناً وضَعَّفه أخرى فيُقْبَل مِنْه ما وافق قول الجمهور؛ وأمَّا أبو حاتم فهو مِن المتشددين، والجرح مِنه غير مُفَسَّر فيُقَدَّم التعديل عليه، أو يُحْمل تَضْعِيفهما على التَّغير، فقد ذكره الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" في فصل مَن ضُعِّف بأمر مَرْدود، وقال: ذُكِرَ فيمن تَغَيَّر.
(3)
5) ذَكْوَان بن عبد الله، أَبُو صَالِح السَّمَّان الزَّيَّات
(4)
، المَدَنِيُّ.
روى عن: أبي هُريرة، وأبي سعيد الخُدري، وعبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: أبناؤه، وعبد الله بن دينار، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، وابن سعد، وأبو زرعة، والذهبي: ثِقَةٌ. وزاد أبو زرعة: مستقيم الحديث. وقال أحمد: ثِقَةٌ ثِقَةٌ، مِن أجلِّ النَّاس وأوثقهم، ومِن أصحاب أبي هُريرة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث يُحْتج بحديثه. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وروى له الجماعة.
(5)
6) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدّم في الحديث رقم (6).
(1)
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ: لِمَ تَرَكَ البُخَارِيُّ سُهَيْلاً فِي "الصَّحِيْحِ"؟ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لَهُ فِيْهِ عُذراً، فَقَدْ كَانَ النَّسَائِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ لِسُهَيْلٍ، قَالَ: سُهَيْلٌ - وَاللهِ - خَيْرٌ مِنْ أَبِي اليَمَانِ، وَيَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَغَيْرِهِمَا، وكِتَابُ البُخَارِيِّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَلآنُ، وَخَرَّجَ لِفُلَيْحِ بنِ سُلَيْمَانَ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهاً. يُنظر:"سُؤَالات السُّلمي للدارقطني"(ص/183).
(2)
وقال الذهبي في "السير"(5/ 460): قَالَ ابنُ المَدِيْنِيِّ: مَاتَ أَخٌ لِسُهَيْلٍ، فَوَجَدَ عَلَيْهِ، فَنَسِيَ كَثِيْراً مِنَ الحَدِيْثِ.
(3)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 440، "الجرح والتعديل" 4/ 247، "الثقات" 6/ 418، "الكامل" 4/ 525 - 526، "الإرشاد" 1/ 218، "تهذيب الكمال" 12/ 223، "المغني في الضعفاء" 1/ 415، "ديوان الضعفاء" 1/ 366، "السير" 5/ 459، "الميزان" 2/ 243، "المختلطين" للعلائي (ص/50)، "لسان الميزان" 9/ 320، "التقريب، وتحريره"(2675).
(4)
قال البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 260): كَانَ يَجلِبُ السَّمن، أو الزَّيت، إلى الكُوفة.
(5)
"الثقات" للعِجْلي 1/ 345، "الجرح والتعديل" 3/ 451، "التهذيب" 8/ 513، "الكاشف" 1/ 386، "التقريب"(1841).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
سُهَيْل بن أبي صَالِحٍ، عن أبيه، عن رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(15709) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(7169) -، عن محمد بن جَعْفَرٍ، والنَّسائي في "الكبرى"(10357)، ك/عمل اليوم والليلة، ب/مَا يَقُولُ إِذَا خَافَ شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ حِينَ يُمْسِي، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(28)، مِنْ طُرُقٍ عن أَسَد بن مُوسَى، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(25)، مِنْ طريق وَهْب بن جَرِيرٍ، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(7169)، مِنْ طريق علي بن الجعد، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(7170) من طريق سليم بن سلام؛ خمستهم (محمد بن جعفر، وأسد بن موسى، ووهب بن جرير، وعلي بن الجعد، وسُليم)، عن شعبة - بإحدى الروايات عنه -.
• وأحمد في "مسنده"(23083)، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، والنَّسائي في "الكبرى"(10356)، ك/عمل اليوم والليلة، ب/مَا يَقُولُ إِذَا خَافَ شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ، عن قُتَيْبة بن سعيد، كلاهما عن الثوري - بإحدى الروايات عنه -.
• وأبو داود في "سننه"(3898) ك/الطب، ب/كيف الرُّقَى؟، والنَّسائي في "الكبرى"(10355)، ك/اليوم والليلة، ب/مَا يَقُولُ إِذَا خَافَ شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ، والطحاوي في "شرح المُشْكَل"(26)، عن زُهير بن معاوية.
• والنَّسائي في "الكبرى"(10354)، ك/عمل اليوم والليلة، ب/مَا يَقُولُ إِذَا خَافَ شَيْئًا مِنَ الْهَوَامِّ حِينَ يُمْسِي - ومِنْ طريقه الطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(29) -، مِنْ طريق وُهَيْب بن خالد الباهليّ.
• والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(27)، مِنْ طريق أبي عَوَانَة الوضَّاح بن عبد الله اليَشْكريّ.
• والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(24)، مِنْ طريق سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ.
ستتهم (شعبة، والثوري، وزُهير، ووُهيب، واليَشْكُريّ، وابن عُيَيْنَة)، عن سُهيل بن أبي صالح، بنحوه.
• وقال الدَّارقطني في "العلل"(10/ 177/مسألة 1965): وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ
…
وَاخْتُلِفَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَعَنْ شُعْبَةَ، وَعَنْ زُهَيْرُ، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
…
والصَّحِيحُ عَنْ شُعْبَةَ: الْمُرْسَلُ.
ثالثًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على سُهيل بن أبي صالح، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: سُهَيْل بن أبي صَالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: سُهَيْل بن أبي صَالِحٍ، عن أبيه، عن رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ رضي الله عنه.
وقد اختلف العلماء في الترجيح بين الوجهين:
فَرَجَّح الإمام الطحاوي الوجه الأول - بجعل الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقال: وَلَمَّا وَجَدْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، لَا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ، قَوِيَ فِي قُلُوبِنَا أَنَّ أَصْلَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، لَا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ.
(1)
(1)
يُنظر: "شرح مُشْكِل الآثار"(1/ 27).
ولعلَّ هذا هو الظاهر مِنْ قول الإمام الذهبي، حيث قال: رواه الناس عن سهيل، فقالوا: عن أبي هريرة.
(1)
بينما رجَّح الإمام الدارقطني الوجه الثاني - بجعل الحديث عن رجلٍ عن أسلم -، فقال: وَالْمَحْفُوظُ: عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ؛ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سُهَيْلٌ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً هَكَذَا فَحَفِظَهُ عَنْهُ مَنْ حَفِظَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ حُفَّاظٌ ثِقَاتٌ، ثُمَّ رَجَعَ سُهَيْلٌ إِلَى إِرْسَالِهِ.
(2)
بينما قال الخطيب البغدادي - بعد أن ذكر الاختلاف في هذا الحديث على سُهيل بن أبي صالح -: ونرى أن سهيلا كان يضطرب فيه ويرويه على الوجهين جميعا، والله أعلم.
(3)
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الحديث محفوظ بالوجهين؛ لتكافؤ القرائن في الوجهين: قال ابن حجر، في "أمالي الأذكار" فيما نقله عنه ابن علان في "الفتوحات الربانية" (3/ 95): أن مالكاً أحفظ لحديث المدنيين من غيره، وأن الدارقطني كأنه رَجَّح حديث الرجل من أسلم بالكثرة، ثم قال: والذي يظهر لي أنه كان عند سهيل على الوجهين؛ فإنَّ له أصلاً مِنْ رواية أبي صالح عن أبي هريرة - كما تقدَّم في "صحيح مسلم" -.
رابعًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لأجل إبراهيم بن أبي بكر بن المُنْكَدِر "ضَعيفٌ".
قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه محمد بن إبراهيم أخو أبي معمر ولم أعرفه.
(4)
قلتُ: وقد تابعه جماعة عن سُهيل بن أبي صالح - كما سبق في التخريج -.
شواهد للحديث:
وأخرجه مسلم في "صحيحه"(2708) ك/الذكر والدعاء، ب/فِي التَّعَوُّذِ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَغَيْرِهِ، عن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ، تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ".
وعليه فالحديث بمتابعاته، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
وقال ابن عبد البر: هَذَا حَدِيثٌ مُسْنَدٌ مُتَّصِلٌ.
(5)
وقال البغوي: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(6)
وقال ابن حجر: وعند أبي داود والنسائي بسند صحيح عن سهيل، عن أبيه، عن رجلٍ من أسلم.
(7)
(1)
يُنظر: "ميزان الاعتدال"(4/ 405).
(2)
يُنظر: "العلل"(10/ 179/مسألة 1965).
(3)
يُنظر: "تاريخ بغداد"(2/ 259).
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 120).
(5)
يُنظر: "الاستذكار"(8/ 444).
(6)
يُنظر: "شرح السنة"(1/ 184).
(7)
يُنظر: "فتح الباري"(10/ 196).
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال ابن عبد البر: وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ عز وجل غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَعَلَى ذَلِكَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَجْمَعُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالرَّأْيِ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَوْ كَانَ كَلَامُ اللَّهِ أَوْ كَلِمَاتُ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا أَنْ يَسْتَعِيذَ بِمَخْلُوقٍ؛ دَلِيله قَوْلُ اللَّهِ عز وجل {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)}
(1)
.
وَفِيهِ إِبَاحَةُ الرُّقَى بِكِتَابِ اللَّهِ، أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْمُعَالَجَةِ، وَالتَّطَبُّبِ، وَالرُّقَى.
(2)
وقال ابن القيم: اعْلَمْ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ الطَّبِيعِيَّةَ الْإِلَهِيَّةَ تَنْفَعُ مِنَ الدَّاءِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وَتَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ وُقُوعًا مُضِرًّا، وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا، وَالْأَدْوِيَةُ الطَّبِيعِيَّةُ إِنَّمَا تَنْفَعُ، بَعْدَ حُصُولِ الدَّاءِ، فَالتَّعَوُّذَاتُ وَالْأَذْكَارُ، إِمَّا أَنْ تَمْنَعَ وُقُوعَ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَإِمَّا أَنْ تَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَمَالِ تَأْثِيرِهَا بِحَسَبِ كَمَالِ التَّعَوُّذِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ، فَالرُّقَى وَالْعُوَذُ تُسْتَعْمَلُ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ، وَلِإِزَالَةِ الْمَرَضِ.
(3)
* * *
(1)
سورة "الجن"، آية رقم (6).
(2)
يُنظر: "التمهيد"(21/ 241).
(3)
يُنظر: "زاد المعاد"(4/ 167).
[124/ 524]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَمِّي عِيسَى بْنُ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}
(1)
، قَالَ: فَتْحُ مَكَّةَ، نُعِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسُهُ، فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ حَضَرَ أَجْلُكَ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن سُفْيَانَ إلا سُوَيْدٌ.
هذا الحديث مَدَاره على سعيد بن جُبَيْر، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عبَّاس (موقوفاً).
الوجه الثاني: سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عبَّاس (مرفوعاً).
أولاً: - الوجه الأول:
سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عبَّاس (موقوفاً).
أ تخريج الوجه الأول: رواه عن سعيدٍ بهذا الوجه جماعة، كالآتي:
• أخرجه عبد الرَّزَّاق في "تفسيره"(2/ 405)، وأحمد في "مسنده"(3127)، وفي "فضائل الصحابة"(1871)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 515) - ومِن طريقه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي"(677) -، والبزَّار في "مسنده"(192، 5147)، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"(143)، كلهم مِن طرقٍ عن هُشَيْم بن بَشِيْر.
- وأخرجه البخاري في "صحيحه"(3627) ك/المناقب، ب/علامات النُّبُوَّة في الإسلام، وأيضاً برقم (4430) ك/المغازي، ب/مَرَض النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاته، والترمذي في "سننه"(3362) ك/التفسير، ب/سُورَة الفتح، والنَّسائي في "الإغراب"(22)، والطبري في "تفسيره"(24/ 708)، والطبراني في "الكبير"(10616)، والحاكم في "المستدرك"(6296)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(7/ 167)، كلهم مِن طُرُقٍ عن شُعْبة بن الحجَّاج.
وقال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقال الحاكم: حديثٌ صَحِيحٌ على شرط الشَّيْخَيْنِ، ولم يُخَرِّجَاهُ.
قلتُ: بل أخرجه البخاري - كما سبق -، لذا تعقَّبَه الزيلعي
(2)
. وقال الذهبي: على شرطيهما.
- وأخرجه البخاري أيضاً في "صحيحه"(4294) ك/المغازي، ب/مَنْزِل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الفَتْحِ، وبرقم (4970) ك/التفسير، ب/قوله تعالى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}
(3)
، والطبراني في "الكبير"(10617) - ومِن طريقه أبو نُعيم في "الحلية"(1/ 317) -، والبيهقي في "الدلائل"(5/ 446)
(1)
سورة "النصر"، آية (1).
(2)
يُنظر: "تخريج أحاديث الكشَّاف"(4/ 321).
(3)
سورة "النصر"، آية (3).
و (7/ 134)، مِنْ طُرُقٍ عن أبي عَوانة الوضَّاح بن عبد الله اليَشْكُري.
- وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(524) - وهي رواية الباب - عن أحمد بن القاسم عن عيسى بن مُساور؛ وأيضاً في "المعجم الكبير"(12445) عن الحُسَيْن بن إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيّ، ثنا علِيُّ بن بَحْرٍ؛ كلاهما (عيسى، وعلي) عن سُويد بن عبد العزيز عن سُفْيان بن حُسَيْن.
أربعتهم (هُشَيْم، وشُعْبة، واليَشْكُري، وسُفيان بن حُسين) عن أبي بِشْرٍ جعفر بن إياسٍ الواسطي.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(4969) ك/التفسير، ب/قوله تعالى:{وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}
(1)
، وعبد الله بن أحمد في (زوائده) على "فضائل الصحابة"(1933)، والطبري في "تفسيره"(24/ 708)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(5/ 447)، كلهم مِن طُرُقٍ عن الثوري، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ.
• وأخرجه البلاذري في "أنساب الأشراف"(4/ 1460)، والنَّسائي في "الكبرى"(7040) ك/وفاة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً برقم (11647) ك/التفسير، ب/سورة النصر، وفي "الوفاة"(1)، وابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 209)، مِن طُرُقٍ عن عَبْدِ الملك بن أبي سليمان العَرْزَميُّ.
ثلاثتهم (جعفر بن إياس، وحبيب بن أبي ثابت، وعبد الملك العَرْزَميّ)، عن سعيد بن جُبَيْر، بنحوه، وعند بعضهم مختصراً، والبعض مطولاً، وفيه قصة.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (إسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
3) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
4) سُفْيَان بن حُسَين بن الحَسَن، أَبُو مُحَمَّد، ويُقال: أَبُو الحَسَنِ، الواسطي.
روى عن: جعفر بن إياس، والزُّهْري، وحُميد الطويل، وآخرين.
روى عنه: سُويد بن عبد العزيز، وشعبة بن الحجَّاج، ويَزيد بن هارون، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، والبزار، والذهبي في "الديوان": ثِقَةٌ. وفي "الميزان": صدوقٌ مشهورٌ. وقال ابن سعد: ثقة يُخْطِئ في حديثه كثيراً.
- وقال ابن معين: ثِقَةٌ، وهو ضَعِيفٌ عن الزُّهْرِيّ. وبه قال أحمد، وعثمان بن سعيد، ويعقوب ابن أبي شيبة، والنَّسائي، وابن عدي. وقال ابن حبَّان: ثِقَة فِي غير حَدِيث الزُّهْرِيّ، اخْتَلَطت عليه صحيفة الزُّهْري فكان يأتي بها على التَّوَهُّم، فالإنصاف في أمره تنكب ما روى عن الزُّهْرِيّ والاحتجاج بِمَا روى عن غَيره.
- وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يُكْتب حديثه ولا يُحْتج به. وقال ابن خِراش: ليِّنُ الحديث.
(1)
سورة "النصر"، آية (2).
- وحاصله: ما قاله ابن حجر: "ثِقَةٌ في غير الزُّهْري باتفاقهم". وعليه يُحمل قول مَن ضَعَّفه.
(1)
5) جَعْفَر بن إياس، وهو ابن أَبي وَحْشِيَّة اليَشْكُريُّ، أَبُو بِشْر الواسطيُّ.
روى عن: سعيد بن جُبير، وعطاء بن أبي رَبَاح، ومَيْمون بن مِهْرَان، وآخرين.
روى عنه: سُفْيان بن حُسين، وشُعْبة بن الحَجَّاج، وهُشيم بن بَشير، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، وابن سعد، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنَّسائي، والذهبي: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال البرديجي: ثِقَةٌ، مِن أثبت النَّاس في سعيد بن جُبير. روى له الجماعة.
- وقال ابن معين: كان شعبة يُضَعِّف أحاديث أبي بشر عن حبيب بن سالم، ومجاهد، وكان يقول: لم يَسْمع أبو بِشر مِن حَبيب بن سالم.
- والحاصل: ما قاله الحافظ ابن حجر: "ثِقَةٌ، مِنْ أَثْبَت النَّاس في سعيد بن جُبير، وضَعَّفه شُعْبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد".
(2)
6) سَعيد بن جُبير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيْهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
7) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثانياً: - الوجه الثاني:
سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عبَّاس (مرفوعاً).
أ تخريج الوجه الثاني:
ولم أقف على أحدٍ رواه عن سعيد بن جُبَير بهذا الوجه إلا عطاء بن السَّائب، وقد اضطرب فيه:
• فأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة - كما في "إتحاف الخيرة المهرة"(5907/ 1) - وأحمد في "مسنده"(1873)، قال: حدَّثنا محمَّد بن فُضَيْلٍ، حدَّثنا عَطَاءٌ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}
(3)
، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، بِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ".
- ومِن طريق أحمد أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة"(301)، لكنَّه زاد يزيد بن أبي زياد بين محمد بن فُضَيل وعطاء.
- والبلاذري في "أنساب الأشراف"(1123)، وأبو يعلى - كما في "إتحاف الخيرة المهرة"(5907/ 2)، ومِن طريقه الضياء في "المختارة"(300) -، والطبري في "تفسيره"(24/ 709) - ومِن طريقه الثعلبي في "تفسيره"(10/ 320) -، كلهم عن محمد بن فُضيل، به. وعند الطبري بلفظ:«كَأَنِّي مَقْبُوضٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ» .
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 407، "الجرح والتعديل" 4/ 228، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 404، "المجروحين" 1/ 358، "تهذيب الكمال" 11/ 140، "ديوان الضعفاء" 1/ 335، "الميزان" 2/ 165، "تهذيب التهذيب" 4/ 108، "التقريب"(2437).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 271، "الجرح والتعديل" 2/ 473، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 133، "تهذيب الكمال" 5/ 5، "الميزان" 1/ 402، "التقريب"(930).
(3)
سورة "النصر"، آية (1).
• بينما أخرجه أبو بكر بن مَرْدَويه - كما في "المختارة" للمقدسي (10/ 286) - مِن طريق علي بن خَشْرَم عن محمد بن فُضَيل، لكن جعله عن عطاءٍ عن أبيه عن ابن عبَّاس، مثله.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد الإمام أحمد):
1) محمد بن فُضَيْل بن غَزْوان: "ثِقَةٌ".
(1)
2) عطاء بن السائب الثقفي الكوفي: "ثِقَةٌ، اختلط بآخرةٍ".
(2)
3) سَعيد بن جُبير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيْهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
4) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على سعيد بن جُبَيْر، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عبَّاس (موقوفاً).
وقد رواه عن سَعيد بن جُبير بهذا الوجه جماعة مِن الثقات، وأخرجه البخاري في "صحيحه".
الوجه الثاني: سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عبَّاس (مرفوعاً).
ولم أقف على أحدٍ رواه عن سَعيد بن جُبَيْر بهذا الوجه - على حد بحثي - إلا عطاء بن السائب، وقد اضطرب فيه؛ فرواه مَرَّة عن سعيد عن ابن عبَّاس مرفوعاً، ورواه أخرى عن أبيه عن ابن عبَّاس.
وعطاء هذا قد اختلط بآخرة، ومحمد بن فُضَيل قد رَوَى عنه بعد الاختلاط كما نص على ذلك يَعْقُوب بن سُفيان الفسوي. وقال أبو حاتم: وما روى عنه ابن فضيل ففيه غلط واضطراب، رفع أشياء كان يرويها عن التابعين فرفعها إلى الصحابة. وقال أحمد: كان يرفع عن سَعِيد بن جبير شيئاً لم يكن يرفعها.
(3)
وعليه فالذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الأول هو الأقرب والأشبه للصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية، والأحفظية.
2) إخراج البخاري له في "صحيحه".
3) أنَّ الوجه الأول قد رواه أبو بِشْر الواسطي، وهو مِن أثبت النَّاس في سعيد بن جُبير.
4) الوجه الثاني انفرد به عطاء بن السائب، واضطرب فيه، ومحمد بن فُضَيل روى عنه بعد الاختلاط.
5) ترجيح الأئمة للوجه الأول الموقوف: فقال ابن كثير: في إسناده - أي الوجه الثاني المرفوع - عَطَاء بن السائب
(4)
، وفيه ضَعْفٌ، تَكَلَّمَ فيه غَيْرُ واحِدٍ مِنَ الأئمَّة، وفي لَفْظِهِ نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ، وهو قوله: "بِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ فِي
(1)
يُنظر: "تحرير التقريب"(6227).
(2)
يُنظر: "تهذيب الكمال"(20/ 90 - 91)، "تهذيب التهذيب"(7/ 206 - 207)، "التقريب"(4592).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل"(6/ 333 - 334)، "المعرفة والتاريخ"(3/ 84)، "تهذيب التهذيب"(7/ 206 - 207).
(4)
في المطبوع عطاء بن أبي مسلم، وهو خطأ - وقد نبه عليه محققه الفاضل -، والصواب ما أثبته بدليل أنَّ غير واحدٍ مِمَّن أخرجه مِن طريق محمد بن فُضَيل، قال: عن عطاء بن السائب. بالإضافة إلى أنَّ عطاء بن أبي مسلم وإن كان يروي عن سعيد بن جُبير، لكن محمد بن فُضَيل لا يَرْوي عنه، كما في "تهذيب الكمال".
تِلْكَ السَّنَةِ"، وهذا باطلٌ، فإنَّ الفتح كان في سَنَةِ ثَمَانٍ في رمضان منها، وهذا ما لا خلاف فيه. وقد تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في رَبِيعٍ الأوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ، بلا خلافٍ أَيْضًا.
(1)
وقال الحافظ ابن حجر
(2)
: ووهم عطاء بن السائب فروى هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس مَرْفوعاً؛ والصواب رواية حبيب بن أبي ثابت بلفظ: "نُعِيَتْ إليه نَفْسُهُ".
رابعاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز "ضَعيفٌ يُعْتبر به".
لكن للحديث مُتابعات عند البخاري، يرتقي بها مِن الضعيف إلى "الصحيح لغيره".
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن سُفْيَانَ إلا سُوَيْدٌ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، والتفَرُّد هنا نسبي، فسُويدٌ وإن كان ضَعيفاً، لكن تابعه غير واحدٍ عن أبي بِشْرٍ كما سبق بيانه في التخريج، وبالتالي فتفرُّده لا يضر في صحة الحديث، والله أعلم.
سادساً: - التعليق على الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لابن عباس، وتأثير لإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه الله التأويل ويفقهه في الدين
(3)
. وفيه: جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا لإظهار نعمة الله عليه وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته، وغير ذلك من المقاصد الصالحة لا للمفاخرة والمباهاة. وفيه: جواز تأويل القرآن بما يُفهم من الإشارات وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم.
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "البداية والنهاية"(6/ 624).
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(8/ 736).
(3)
أخرج البخاري في "صحيحه"(143) ك/الوضوء، ب/وَضْعِ المَاءِ عِنْدَ الخَلَاءِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(2477) ك/فضائل الصحابة، ب/مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بسنديهما مِن طريق عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الخَلَاءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءً، قَالَ:«مَنْ وَضَعَ هَذَا فَأُخْبِرَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» . والبخاري أيضاً برقم (75) ك/العلم وبرقم (7270) ك/الاعتصام بسنده مِن طريق عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ» . وأيضاً برقم (3756) ك/فضائل الصحابة، ب/ذِكْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مِن طريق آخر عن عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ:«اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ» .
(4)
يُنظر: "فتح الباري"(8/ 736).
[125/ 525]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عِيسَى بْنُ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا سُوَيْدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى.
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَّةَ، وَقَدْ كَثُرَ هَوَامُّ
(1)
رَأْسِي.
فَقَالَ: «يَا كَعْبُ! إِنَّ هَذَا لأَذَىً؟»
قُلْتُ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلْ مِنْ رُخْصَةٍ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ، انْسُكْ نَسِيكَةً، أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن سُفْيَانَ إلا سُوَيْدٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(18108)، مِنْ طريق شُعْبَة، وأبو داود في "سننه"(1860) ك/المناسك، ب/فِي الْفِدْيَةِ - ومِنْ طريقه البيهقي في "الكبرى"(9095)، وابن عبد البر في "التمهيد"(2/ 234) -، مِنْ طريق أبان بن صالح، كلاهما عن الحكم بن عُتَيْبَة، قال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجْرَةَ، بنحوه. وعند أبي داود:«أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ انْسُكْ شَاةً» .
• وأخرجه مالك في "الموطأ"(1251) - ومِنْ طريقه البخاري في "صحيحه"(1814) ك/ الحج، ب/ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
(2)
، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4750)، والطبراني في "الكبير"(19/ 109/برقم 220)، والبيهقي في "الكبرى"(9091)، وفي "المعرفة"(9642)، والبغوي في "شرح السنة"(1994) -، وأبو داود الطيالسي في "مسنده"(1161)، والحُمَيْدي في "مسنده"(726 و 727)، وسعيد بن منصور في "التفسير مِنْ سننه"(290 و 291)، وأحمد في "مسنده"(18101 و 18106 و 18107 و 18113 و 18128 و 18131)، والبخاري في "صحيحه"(1815) ك/الحج، ب/ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{أَوْ صَدَقَةٍ} وَهِيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، والبخاري أيضًا برقم (1817 و 1818) ك/الحج، ب/النُّسْكُ شَاةٌ، والبخاري أيضًا برقم (4159 و 4190 و 4191) ك/المغازي، ب/غَزْوَة الحُدَيْبِيَةِ، والبخاري كذلك برقم (5665) ك/المرضى، ب/قَوْلِ المَرِيضِ: إِنِّي وَجِعٌ، والبخاري أيضًا برقم (5703)، ك/ الطب، ب/ الحَلْق مِنَ الأَذَى، والبخاري برقم (6708) ك/ الكفارات، ب/ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
…
(1)
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(4/ 14): الهوامُّ: بتشديد الميم، جمع هامة، وهي ما يدب من الأخشاش، والمراد بها: ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف، وقد عين في كثير من الروايات أنَّها القُمَّل.
(2)
سورة البقرة، الآية (196).
{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}
(1)
،
ومُسْلِمٌ في "صحيحه"(1201) ك/الحج، ب/جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى، وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ لِحَلْقِهِ، وَبَيَانِ قَدْرِهَا، والترمذي في "سننه"(953) ك/الحج، ب/مَا جَاءَ فِي المُحْرِمِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي إِحْرَامِهِ مَا عَلَيْهِ، والترمذي أيضًا برقم (2974) ك/التفسير، ب/ومِنْ تفسير سورة "البقرة"، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني" (2058 و 2059 و 2060 و 2063)، والنَّسائي في "الكبرى" (4095 و 4096 و 4097) ك/المناسك، ب/فِدْيَةُ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ يَوْمَ النَّحْرِ، والنَّسائي أيضًا برقم (10963) ك/التفسير، ب/قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}
(2)
، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3643 و 3644 و 3645 و 3646 و 3648)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4745 - 4749)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(1783 و 1784)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3978 - 3983)، والطبراني في "الأوسط"(1812 و 6945)، وفي "الكبير"(19/ 107 - 115/برقم 215 - 240)، والدَّارقطني في "سننه"(2780 - 2783)، والبيهقي في "الكبرى"(7718 و 8704 و 9093 و 9901 و 10074 و 10245).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن مُجاهد بن جبر أبي الحجَّاج المكي، عن ابن أبي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، بنحوه،
وفيه عند الحُمَيْديّ في الموضع الأول: مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ أَوْ بُرْمَةٍ، وَالْقُمَّلُ يَتَهَافَتُ مِنْ رَأْسِي. وفي "الصحيحين" في بعض الروايات، وغيرهما:«أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً» . وفي "الصحيحين" أيضًا في بعض الروايات، وغيرهما:«أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ» . وفي بعض الروايات في "الصحيحين"، وغيرهما:«أَوْ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ» . وعند مسلم: «أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ» . ووقع عند أحمد في بعض الروايات: «أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَكَ» . وعند مسلم في بعض الروايات: قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ هذه الآية {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
(3)
.
…
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• وأخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده"(507) - ومِنْ طريقه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2061) -، وأحمد في "مسنده"(18117)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1201/ 6) ك/الحج، ب/جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى، وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ لِحَلْقِهِ، وَبَيَانِ قَدْرِهَا، وأبو داود في "سننه"(1856) ك/المناسك، ب/فِي الْفِدْيَةِ، وابن خزيمة في "صحيحه"(2676 و 2677 و 2678)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3642)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3984 و 3986)، والبيهقي في "الكبرى"(9094).
كلهم مِنْ طريق أَبِي قِلَابَةَ عبد الله بن زيد بن عَمرو الجَرْميّ - مِنْ أصح الأوجه عنه
(4)
-، عَنْ ابْنِ أَبِي
(1)
سورة "المائدة"، الآية (89) ..
(2)
سورة "البقرة"، الآية (196).
(3)
سورة البقرة، الآية (196).
(4)
يُنظر: "مسند الإمام أحمد" حديث رقم (18102)، "فتح الباري"(4/ 13).
لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ لَهُ:«آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«احْلِقْ رَأْسَكَ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ، عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» . واللفظ لمسلم.
• والبخاري في "صحيحه"(1816) ك/الحج، ب/الإِطْعَامُ فِي الفِدْيَةِ نِصْفُ صَاعٍ، وبرقم (4517) ك/التفسير، ب/قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}
(1)
، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1201/ 7 - 8) ك/الحج، ب/جَوَازِ حَلْقِ الرَّأْسِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى، وَوُجُوبِ الْفِدْيَةِ لِحَلْقِهِ، وَبَيَانِ قَدْرِهَا، مِنْ طريق عَبْدِ اللهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبٍ رضي الله عنه وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}
(2)
؟ فَقَالَ كَعْبٌ رضي الله عنه: نَزَلَتْ فِيَّ، كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي، فَحُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقُمَّلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ:«مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟» فَقُلْتُ: لا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} قَالَ: «صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ، طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ» ، قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً. واللفظ لمسلم.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
3) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
4) سُفْيَان بن حُسَين بن الحَسَن: "ثِقَةٌ، ضَعيفٌ في الزُّهري خاصه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (124).
5) الحَكَم بن عُتَيْبَة الكِنْدِيُّ، أبو مُحَمَّد، ويُقال: أبو عَبْد اللَّهِ، ويُقال: أَبُو عُمَر، الكوفيُّ.
روى عن: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإبراهيم النَّخَعيُّ، ونافع مولى ابن عُمَر، وآخرين.
روى عنه: سُفْيَان بن حُسَين، وشُعْبة بن الحَجَّاج، ومِسْعَر بن كِدَام، وآخرون.
حاله: قال ابن مَهْديُّ، والعِجْليُّ، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ في الحديث. وقال ابن معين، وابن سعد، وأبو حاتم، ويَعْقوب بن سُفْيان، والذهبي: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: كان يُدلس. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ، إلا أنَّه رُبَّما دَلَّس. وروى له الجماعة.
- وذهب يحيى القَطَّان، وأحمد، وابن معين، والعجلي: إلى أنَّه أثبت أصحاب إبراهيم النَّخعي.
- وقال البخاري: قال يَحْيَى القطان: قال شُعبة: الحكم، عن مجاهد، كتاب، إلا ما قال: سَمِعتُ. وقال ابن حبَّان في "المشاهير": ما سمع التفسير عن مجاهد أحدٌ غير القاسم بن أبى بَزَّة، نظر الحكم بن عُتيبة وليث بن أبى سُلَيْم وابن أبى نَجيح وابن جُريج وابن عُيَيْنَة في كتاب القاسم ونسخوه ثم دلَّسُوه عن مجاهد. وقال شعبة: لم يَسْمع الحكم من مِقْسَم بن بُجْرة إلا خمسة أحاديث، وعدَّها يحيى القطان: حديث الوتر،
(1)
سورة "البقرة، الآية (196).
(2)
سورة "البقرة، الآية (196).
وحديث القنوت، وحديث عزمه الطلاق، وجزاء ما قتل من النعم، والرجل يأتي امرأته وهي حائض، قالا: وما عدا ذلك كتاب. وبه قال الإمام أحمد
(1)
. ووصفه ابن حبَّان، والنَّسائي بالتدليس، وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثانية مِن المدلسين، وقال ابن حجر في "التقريب": ربَّمَا دَلَّس.
(2)
- فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، أثبت أصحاب النَّخَعي، وأمَّا تدليسه فخاصٌ بروايته التفسير عن مُجاهدٍ، فلم يَسْمعه مِنْه إنَّمَا نَسخه مِن كتاب القاسم بن أبي بَزَّة، وخاصٌ بروايته عن مِقْسَم بن بُجْرة فلم يَسْمع منه سوى عِدَّة أحاديث والباقي كتابٌ" ورواية الحكم عن مُجاهد في "الصحيحين" لكن في غير التفسير، والله أعلم.
6) عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (105).
7) كَعْب بن عُجْرَة الأَنْصارِيّ، أبو محمد، وقيل: غير ذلك، صاحب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
روى عن: النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وبلال بن رباح، وعُمَر بن الخطاب، وآخرين.
روى عنه: عبد الرحمن بن أبي لَيْلَى، وعَبْد اللَّهِ بن عباس، وعبد اللَّه بن عُمَر، وآخرون.
كان قد استأخر إسلامه. وشهد بيعة الرضوان، وغيرها مِن المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سويد بن عبد العزيز "ضَعيفٌ".
قلتُ: وللحديث جملة مِنْ المتابعات في "الصحيحين"، وغيرهما - كما سبق ذكرها في التخريج -، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن سُفْيَانَ إلا سُوَيْدٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه.
وقال أحمد بن صالح المصري: حديث كعب بن عُجْرَة في الفدية سنةٌ مَعْمُولٌ بها، لم يروها من الصحابة غيره، ولا رواها عنه الا ابن أبي ليلى، وابن معقل، قال: وهي سنةٌ أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة.
وتعقبه الحافظ ابن حجر، فقال: فيما أطلقه ابن صالحٌ نظرٌ، فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من
(1)
هكذا في "جامع التحصيل"، و"تهذيب التهذيب"، بينما هو في "العلل" للإمام أحمد (1/ 536/مسألة 1269): أربعة أحاديث فقط وعدَّها دون إتيان الرجل امرأته وهي حائض. وزاد في "العلل" أيضاً (3/ 93/مسألة 4333) عن شعبة حديث الحِجَامة في الصيام، قال شعبة: لم يسمعه الحكم مِن مِقْسَم.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 2/ 332، "الثقات" للعِجْلي 1/ 312، "الجرح والتعديل" 3/ 125، "الثقات" 4/ 144، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/176)، "التهذيب" 7/ 114، "الكاشف" 1/ 344، "جامع التحصيل"(ص/106 و 113 و 167)، "تهذيب التهذيب" 2/ 432، "تعريف أهل التقديس"(ص/30)، "التقريب"(1453)، "معجم المدلسين"(ص/163).
(3)
يُنظر: "معجم الصحابة" للبغوي 5/ 100، "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 5/ 2371، "الاستيعاب" 3/ 1321، "أسد الغابة" 4/ 454، "تهذيب الكمال" 24/ 179، "الإصابة" 9/ 279.
الصحابة غير كعب، منهم: عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبري والطبراني، وأبو هريرة عند سعيد بن منصور، وابن عُمر عند الطبري، وفضالة الأنصاري عمن لا يتهم من قومه عند الطبري أيضًا، ورواه عن كعب بن عجرة غير المذكورين أبو وائل عند النسائي، ومحمد بن كعب القرظي عند ابن ماجه، ويحيى بن جعدة عند أحمد، وعطاء عند الطبري، وجاء عن أبي قلابة والشعبي أيضًا عن كعبٍ، وروايتهما عند أحمد، لكن الصواب أن بينهما واسطة وهو ابن أبي ليلى على الصحيح.
(1)
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال مالكٌ في فدية الأَذَى: إنَّ الأمر فيه أنَّ أَحَدًا لا يَفْتَدِي حتَّى يَفْعَلَ ما يُوجِبُ عليه الفِدْيَةَ، وإِنَّ الكَفَّارَةَ إنَّما تكون بعد وُجُوبِهَا على صَاحِبِهَا، وأنَّه يَضَعُ فِدْيَتَهُ حَيْثُ ما شَاءَ، النُّسُكَ، أو الصِّيَامَ، أو الصَّدَقَةَ بمكة، أو بغيرها مِنَ البلاد؛ ولا يَصْلُحُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَنْتِفَ مِنْ شَعرِهِ شَيْئًا، ولا يَحْلِقَهُ، ولا يُقَصِّرَهُ، حتى يَحِلَّ، إلا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى في رَأْسِهِ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(2)
وقال ابن خزيمة: وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَجْمَلَ فَرِيضَةً، وَبَيَّنَ مَبْلَغَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذِ اللَّهُ عز وجل أَمَرَ بِالْفِدْيَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِي كِتَابِهِ بِصِيَامٍ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ عَدَدَ أَيَّامِ الصِّيَامِ، وَلَا مَبْلَغَ الصَّدَقَةِ، وَلَا عَدَدَ مَنْ يُصَدَّقُ بِصَدَقَةِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِمْ، وَلَا وَصَفَ النُّسُكَ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي وَلَّاهُ اللَّهُ عز وجل بَيَانَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهِ أَنَّ الصِّيَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالصَّدَقَةَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينٍ، وَأَنَّ النُّسُكَ شَاةٌ، وَذِكْرُ النُّسُكِ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَقُولُ إِنَّ الْحُكْمَ بِالْمِثْلِ وَالشَّبَهِ وَالنَّظِيرِ وَاجِبٌ، فَسُبْعُ بَقَرَةٍ، وَسُبْعُ بَدَنَةٍ فِي فِدْيَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ جَائِزٌ أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ، وَسُبْعُ بَدَنَةٍ يَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ فِي الْفِدْيَةِ، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ سُبْعَ بَدَنَةٍ، وَسُبْعَ بَقَرَةٍ يَقُومُ كُلُّ سُبْعٍ مِنْهَا مَقَامَ شَاةٍ فِي هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ عُشْرَ بَدَنَةٍ يَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَمَنْ أَجَازَ عُشْرَ بَدَنَةٍ فِي ذَلِكَ كَانَ لِسُبْعِهِ أَجوزَ إِذِ السُّبْعُ أَكْثَرُ مِنَ الْعُشْرِ، واعلم أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ يُوجِبُ الشَّيْءَ فِي كِتَابِهِ بِمَعْنًى، وَقَدْ يَجِبُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ إِمَّا
عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم أَوْ عَلَى لِسَانِ أُمَّتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا أَوْجَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ فِي رَأْسِهِ أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَقَدْ تَجِبُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْفِدْيَةُ عَلَى حَالِقِ الرَّأْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ، وَلَا كَانَ مَرِيضًا، وَكَانَ عَاصِيًا بِحَلْقِ رَأْسِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ أَذًى، وَلَا كَانَ بِهِ مَرِضٌ.
(3)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري"(4/ 13).
(2)
يُنظر: "الموطأ" برواية يحيى بن يحيى الليثيّ (1/ 558).
(3)
يُنظر: "صحيح ابن خزيمة" عقب الحديث (2678). ومَنْ رام المزيد فليُراجع: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 13 - 20).
[126/ 526]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبِي، وَعَمِّي عِيسَى بْنُ مُسَاوِرٍ، قَالا: نا سُوَيْدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ، تُوجَدُ فِي الأرْضِ الْمَسْكُونَةِ، فِي الْمَسِيلِ الْمَاءِ
(1)
؟
فَقَالَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وإلا فَهِيَ لَكَ» .
وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ تُوجَدُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ؟ فَقَالَ: «فِيهَا وَفِي الرِّكَازِ
(2)
الْخُمُسُ».
وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ؟ فَقَالَ: «خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ»
(3)
.
وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الإبِلِ؟ فَقَالَ: «دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا
(4)
وَسِقَاءَهَا
(5)
، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ».
وَسُئِلَ عَنْ حَرِيسَةِ الْجَبَلِ؟ فَقَالَ: «يُضْرَبُ ضَرَبَاتٍ، ويُضَعَّفُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْمُرَاحِ
(6)
فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ
(7)
- وَهُوَ الدِّينَارُ - فَفِيهَا الْقَطْعُ، وَإِذَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ ضُرِبَ ضَرَبَاتٍ، وضُوعِفَ فِيهِ الْغُرْمُ».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن سُفْيَانَ إلا سُوَيْدٌ.
(1)
هكذا بالأصل، والحديث أخرجه الدَّارقطني في "سننه"(3436) مِنْ طريق محمد بن هاشم البَعْلَبَكِّيّ، قال: حدَّثنا سويد بن عبد العزيز، به، وفيه:"سُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ تُوجَدُ فِي الْأَرْضِ الْمَسْكُونَةِ، وَالسَّبِيلِ الْمِيتَاءِ".
(2)
الركاز: هي كُنوز الجَاهِلِيَّةِ المدفونة في الأَرْضِ، وَعِنْدَ أَهْلِ العِراق: المعَادِن، والقولان تَحْتَمِلُهما اللُّغَةُ؛ لأَنَّ كُلًّا مِنهما مَرْكُوزٌ فِي الْأَرْضِ: أَيْ ثابِت. يُقَالُ: رَكَزَهُ يَرْكُزُهُ رَكْزاً إِذَا دَفَنه، وأَرْكَزَ الرجُل إِذَا وجَد الرِّكَاز. وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الخُمس لِكَثْرَةِ نَفْعه وسُهولة أخْذه. يُنظر:"النهاية في غريب الحديث"(2/ 258).
(3)
فيه دليل على أنه إن هذا حكمها إذا وجدت بأرض فلا يخاف عليها الذئاب فيها، فأما إذا وجدت في قرية وبين ظهراني عمارة فسبيلها سبيل اللقطة في التعريف إذ كان معلوماً إن الذئاب لا تأوي إلى الأمصار والقرى. "معالم السنن"(2/ 88).
(4)
حِذَاؤها: بكسر الحاء، وبذال معجمة، والحِذَاء بالمَدِّ: النَّعْل، والمراد به: خفافها؛ أرادَ أَنَّهَا تَقْوَى عَلَى المشْي وقَطْع الْأَرْضِ، وَعَلَى قَصْد الْميَاه وَوُرودِها ورَعْي الشَّجَر، والامْتِناع عَنِ السِّبَاع المُفْتَرِسَة، شَبَّههَا بِمَن كَانَ معَه حِذَاء وسِقَاء فِي سَفَره. وَهَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَى الإبلِ مِنَ الخَيْل والبقَر والحَمِير. يُنظر:"النهاية"(1/ 357)، "معالم السنن" للخطابي (2/ 88).
(5)
سِقَاؤها: أُريد به الجوف. قال الخطابي: وأما ضالة الإبل فإنه لم يجعل لواجدها أن يتعرض لها؛ لأنها قد ترد الماء وترعى الشجر وتعيش بلا راع وتمتنع على أكثر السباع، فيجب أن يخلي سبيلها حتى يأتي ربها، وفي معنى الإبل الخيل والبغال والظباء وما أشبهها من كبار الدواب التي تمعن في الأرض وتذهب فيها. "معالم السنن"(2/ 88).
(6)
المُراح: بِالضَّمِّ: المَوضِع الَّذِي تَرُوحُ إِلَيْهِ الماشيةُ: أَيْ تَأْوِي إِلَيْهِ لَيْلًا. وَأَمَّا بِالْفَتْحِ: فَهُوَ المَوضِع الَّذِي يَرُوح إِلَيْهِ الْقَوْمُ أَوْ يَرُوحُونَ مِنْهُ، كَالْمَغْدَى، لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُغْدَى مِنْهُ. يُنظر:"النهاية"(2/ 273).
(7)
المِجَنُّ: هُو التُّرْس. يُنظر: "النهاية"(1/ 308).
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الدَّارقطني في "سننه"(3436)، مِنْ طريق محمد بن هاشم البَعْلَبَكِّيّ، قال: حدَّثنا سويد بن عبد العزيز، حدَّثنا سُفْيَان بن حُسَيْن الواسطي، به، مُطَولًا.
• وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(18597)، مِنْ طريق ابن جُريجٍ، قال: أخبرني عمرو بن شُعيب، بنحوه.
• والحميديُّ في "مسنده"(608) - ومِنْ طريقه الحاكم في "المستدرك"(2374) -، مِنْ طريق دَاوُد بن شَابُورَ، ويعقوب بن عَطَاءٍ، والطبراني في "الأوسط"(1983)، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، عند الحميدي بنحو جزئه الأول، والثاني، وفيه: عن جده عبد الله بن عَمرو. وعند الطبراني بنحوه مُطولاً، وبتقديم وتأخير.
• وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(21631)، وأحمد في "مسنده"(6683 و 6891 و 6936)، وأبو داود في "سننه"(1713) ك/اللقطة، ب/التعريف باللقطة، مِنْ طريق محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شُعيب، عند ابن أبي شيبة بنحو جزئه الأول فقط. وعند أحمد، وأبي داود بنحوه مُطولاً، وبتقديم وتأخير.
• وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(28090)، عن محمد بن إسحاق، في «الْقَطْع في ثَمَنِ الْمِجَنِّ» فقط.
• وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(21657)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5796) ك/اللقطة، ب/ما وُجِدَ مِنْ اللقطة في القرية غير العامرة ولا المسكونة، وبرقم (7405) ك/قطع الارق، ب/القطع في سرقة ما آواه المُرَاح مِنْ المواشي، وابن الجارود في "المنتقى"(670 و 827)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2327)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(4730)، وفي "شرح معاني الآثار"(6071)، والبيهقي في "الكبرى"(7641)، مِنْ طريق عمرو بن الحارث، وهشام بن سعد، عن عمرو بن شُعيب، وعند ابن أبي شيبة عن هشام بن سعدٍ وحده، وبنحو جزئه الثالث، والرابع فقط، في السؤال عن ضالة الإبل، والغنم. وعند الباقون بنحو جزئه الأول والثاني في السؤال عن اللقطة، وفي الموضع الثاني عن النَّسائيّ، وابن الجارود: بنحو جزئه الأخير.
• وأحمد في "مسنده"(6746)، مِنْ طريق عبد الرَّحْمَنِ بن الحَارِثِ، عن عمرو بن شُعيب، بنحوه.
• وابن ماجه في "سننه"(2596) ك/الحدود، ب/مَنْ سرق مِنْ الحرز، وأبو داود في "سننه"(1711)، ك/اللقطة، ب/التعريف باللقطة، والبيهقي في "الكبرى"(12068)، مِنْ طريق الوليد بن كثير، عن عمرو بن شُعيب، بنحو جزئه الأخير فقط. وعند أبي داود بنحوه مُطولاً.
• وأبو داود في "سننه"(1710) ك/اللقطة، ب/التعريف باللقطة، والنَّسائي في "الكبرى"(5795) ك/اللقطة، ب/ما وجد مِنْ اللقطة في القرية الجامعة، والبيهقي في "الكبرى"(12058)، مِنْ طريق محمد بن عجلان، وأبو داود أيضًا برقم (1712)، والنَّسائي في "الكبرى"(2285) ك/الزكاة، ب/زكاة المَعْدَن، وبرقم (5797) ك/اللقطة، ب/ما وُجِدَ مِنْ اللقطة في القرية العامرة، وفي "الصغرى"(2494)، مِنْ طريق عُبَيْد الله بن الأخنس، كلاهما عن عمرو بن شُعَيْب، بنحوه. وعند النَّسائيّ، والبيهقي بنحو جزئه الأول، والثاني.
• والطبرانيُّ في "الأوسط"(2650)، مِنْ طريق عُبيد الله بن عَمرو، عن عمرو بن شُعيب، بنحوه.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، البَغْدَادِي، الجَوْهَريُّ.
روى عن: سويد بن عبد العزيز، ومَرْوان بن مُعَاوية الفَزَاري، وشُعيب بن إسحاق، وآخرين.
روى عنه: لم أقف على أحد روى عنه إلا ابنه أحمد بن القاسم.
حاله: لم أقف فيه على جرح أو تعديل، فهو "مجهول الحال".
(1)
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) سُفْيَان بن حُسَين بن الحَسَن: "ثِقَةٌ، حديثه ضَعيفٌ في الزُّهري خاصه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (124).
6) عَمرو بن شُعَيب: "ثقةٌ في نفسه، وحديثه صحيحٌ إذا رَوَى عن الثقات غير أبيه، وحديثه عن أبيه عن جده مِن أعلى مراتب الحَسَن وأقل مراتب الصحيح، ويُتجنَّب ما جاء مِنْ مناكيره"، تَقَدَّم في رقم (26).
7) شُعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص: "صدوقٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
8) عبد الله بن عَمرو بن العاص: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سويد بن عبد العزيز "ضَعيفٌ، يُعْتَبَر به".
شواهد للحديث:
• وفي الباب عن زيد بن خالد الجُهنيّ، في حكم اللقطة، وضالة الإبل والغنم:
- فأخرج البخاري، ومُسْلمٌ في "صحيحيهما"، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَة، فَقَالَ:«اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلا فَشَأْنَكَ بِهَا» .
قَالَ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ» .
قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا، وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» .
(2)
(1)
يُنظر: "تاريخ بغداد" 14/ 422، "تاريخ دمشق" 49/ 209.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(91) ك/العلم، ب/الغَضَبِ فِي المَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ، إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، وبرقم (2372) ك/المساقاة، ب/شُرْبِ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ مِنَ الأَنْهَارِ، وبرقم (2427) ك/اللقطة، ب/ضالة الإبل، وبرقم (2428) ك/اللقطة، ب/ضالة الغنم، وبرقم (2429) ك/اللقطة، ب/إِذَا لَمْ يُوجَدْ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا، وبرقم (2436) ك/اللقطة، ب/إِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ، وبرقم (2438) ك/اللقطة، ب/مَنْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى السُّلْطَانِ، وبرقم (6112) ك/الأدب، ب/مَا يَجُوزُ مِنَ الغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لِأَمْرِ اللَّهِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1722) ك/اللقطة.
• وفي الباب عن أُبَيّ بن كعبٍ رضي الله عنه، في حكم اللقطة وحدها:
- أخرجه البخاري، ومُسْلمٌ في "صحيحيهما"، عن أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«عَرِّفْهَا حَوْلا» ، قَالَ: فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ:«عَرِّفْهَا حَوْلا» ، فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ، فَقَالَ:«عَرِّفْهَا حَوْلا» ، فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، فَقَالَ:«احْفَظْ عَدَدَهَا، وَوِعَاءَهَا، وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلا، فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» ، فَاسْتَمْتَعْتُ بِهَا، فَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: لا أَدْرِي بِثَلاثَةِ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلٍ وَاحِدٍ، وفي رواية شُعْبَة، قال: فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، يَقُولُ: عَرَّفَهَا عَامًا وَاحِدًا. واللفظ لمسلم.
(1)
وعليه فالحديث في حكم اللقطة، وضالة الغنم والإبل يرتقي بمتابعاته، وشواهده إلى "الصحيح لغيره"، وبقية أجزاء الحديث يرتقي بمتابعاته - المفَصَّلة في التخريج - إلى "الحسن لغيره" - والله أعلم -.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن سُفْيَانَ إلا سُوَيْدٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرد نسبيٌّ - والله أعلم -.
* * *
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2426) ك/اللقطة، ب/إِذَا أَخْبَرَهُ رَبُّ اللُّقَطَةِ بِالعَلَامَةِ دَفَعَ إِلَيْهِ، وبرقم (2437) ك/اللقطة، ب/هَلْ يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ وَلَا يَدَعُهَا تَضِيعُ حَتَّى لَا يَأْخُذَهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1723) ك/اللقطة.
[127/ 527]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ
(1)
، قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ
…
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْهُذَيْلِ الرَّبَعِيُّ، قَالَ: أَخَذَ أَبُو دَاوُدَ بِيَدِي، فَقَالَ:
أَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ بِيَدِي، فَقَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي، فَقَالَ:«مَا مِنْ مُؤْمِنِينَ يَلْتَقِيَانِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ، لا يَأْخُذُ بِهَا حِينَ يَأْخُذُ إلا لِمَوَدَّةٍ فِي اللَّهِ، فَيَفْتَرِقَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا» .
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه ابن عساكر في "تاريخه"(55/ 85)، عن الوليد بن مُسْلم، عن عبد الرحمن بن يزيد، بنحوه.
- بينما أخرجه الطبرانيُّ في "مسند الشاميين"(348 و 617)، مِنْ طريق يحيى بن حمزة الحضرمي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدَّثني مَعْبَد بن هلال، حدَّثني أبو داود، بنحوه مُطَوَّلًا.
• وأحمد في "مسنده"(18548)، قال: حدَّثنا عبد الله بن نُمير؛ والطبراني في "الأوسط"(7630)، مِنْ طريق الفرات بن خالد الضَبي، كلاهما (ابن نُمير، والفرات) عن مالك بن مِغْول.
- وابن أبي الدنيا في "الإخوان"(111)، والرويانيّ في "مسنده"(425)، مِنْ طريق أبي بكر بن عيَّاش؛ والطبراني في "مسند الشاميين"(762)، مِنْ طريق عبد الله بن عيسى، كلاهما عن أبي إسحاق السَّبيعيّ.
- والطبرانيُّ في "الشاميين"(349)، مِنْ طريق يحيى بن حمزة، عن سعيدٍ التنوخيّ، عن مَعْبَد بن هلال.
ثلاثتهم (مالك، وأبو إسحاق، ومَعْبَد) عن أبي داود نُفيع بن الحارث، بنحوه. ورواية مالك، ومَعْبَد مُطولاً.
وقال الطبراني: لم يَرْوه عن مالك بن مِغْوَلٍ إلا الفُرَاتُ بن خَالِد. قلتُ: بل تابعه ابن نُمَير كما نرى.
• ورواه عن البراء جماعةٌ، منهم: أبو إسحاق السَّبيعيُّ، وعطاء بن أبي مسلم، وزيد بن أبي الشعثاء:
- فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنَّف"(25717) - ومن طريقه ابن ماجه في "سننه"(3703) ك/الأدب، ب/المصافحة، وأبو داود في "سننه"(5212) ك/الأدب، ب/المصافحة، والبيهقي في "الكبرى"(13571)، والبغوي في "شرح السنة"(3326) -، وأحمد في "مسنده"(18547 و 18699) - ومِنْ طريقه الضياء في "المصافحة"(4)، والذهبي في "معجم الشيوخ"(2/ 322) -، والترمذي في "سننه"(2727) ك/الآداب، ب/ما جاء في المصافحة، وابن عدي في "الكامل"(2/ 137)، وابن المقرئ في "معجمه"(1224)، مِنْ طُرُقٍ عن الْأَجْلَحِ بن عبد الله؛ وابن شاهين في "الترغيب"(434)، مِنْ طريق عليّ بن عابس الأزرق؛ وابن شاهين في "الترغيب"(429)، والبيهقي في "الشعب"(8954)، مِنْ طريق قيس بن الربيع.
ثلاثتهم (الأَجْلح، وعليّ، وقيس) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ، إِلا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» . وفي رواية علي بن عابس قال: "فَيَتَصَافَحَانِ وَيَدْعُوَانِ اللَّهَ"، وفي رواية قيس
(1)
رُشيد: بالتصغير. يُنظر: "التقريب"(1784).
بن الربيع: "رُفِعَتْ خَطَايَاهُمَا عَلَى رؤوسهما فَتَحَاتَّتْ كَمَا تَتَحَاتُّ أَوْرَاقُ الشَّجَرِ".
وقال الترمذي: هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أبي إسحاق عن البَرَاءِ، وقد رُوِيَ عن البَرَاءِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ. وقال الذهبي: والأجلح وسطٌ. وعَدَّ هذا الحديث مِنْ غرائبه عن أبي إسحاق.
(1)
قلتُ: بل تُوبع عليه.
قلتُ: الحديث بهذا الوجه فيه: أبو إسحاق السَّبيعيّ ثِقَةٌ، إمامٌ، لكنَّه مُدَلِّسٌ، فلا بد أن يُصرِّح بالسَّماع، وقد رواه بالعنعنة، واختلط بآخرة، فلا يُقبل حديثه إلا مِنْ رواية القدماء عنه، والرواة عنه في هذا الحديث مِمَّن لم يَتَمَيَّز حديثهم هل رووا عنه قبل الاختلاط أم بعده.
(2)
- وأخرجه ابن وهبٍ في "الجامع"(215)، قال: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ عطاء بن أبي مسلم، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، بنحوه. قلتُ: وفي سنده عُثْمَان بن عطاء بن أبي مُسلم "ضَعيفٌ".
(3)
- وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(787)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 396)، وأبو داود في "سننه"(5211) ك/الأدب، ب/المصافحة - ومِنْ طريقه البيهقي في "الكبرى"(13570)، وابن عبد البر في "التمهيد"(21/ 14) -، ويعقوب الفسوي في "مشيخته"(138)، وابن أبي الدنيا في "الإخوان"(112)، وأبو يعلى في "مسنده"(1673)، والرويانيُّ في "مسنده"(428)، والدولابي في "الكنى"(863)، وابن السنيّ في "عمل اليوم والليلة"(194)، والبيهقي في "الكبرى"(13569)، وفي "الآداب"(268)، وفي "الشعب"(8956)، والضياء المقدسي في "المصافحة"(3)، والمزيُّ في "تهذيب الكمال"(10/ 80 - 81).
كلهم مِنْ طريقين عن أَبِي بَلْجٍ يحيى بن سُليم الكوفي، عَنْ زَيد بْن أَبي الشَّعثاء أَبو الحَكَم العَنَزيّ
(4)
، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا لَقِيَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ فَصَافَحَهُ وَحَمِدَا اللَّهَ عز وجل وَاسْتَغْفَرَاهُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا» .
قلتُ: والحديث بهذا الوجه: فيه زيد بن أبي الشَعْثاء، قال الذهبي: يروي عن البراء في المصافحة، وعنه أبو بَلْج وحده، لا يُعرف. وقال ابن حجر: مقبولٌ - أي إذا تُوبع، وإلا فليّن الحديث -.
(5)
(1)
يُنظر: "الميزان"(1/ 79).
(2)
وقد سبقت ترجمته في الحديث رقم (9).
(3)
يُنظر: "التقريب"(4502).
(4)
هكذا رواه هُشَيم بن بَشير، وتابعه أبو عوانة الوَضَّاح بن عبد الله اليَشْكُريّ، عن أبي بَلْجٍ، عن زيد بن أبي الشعثاء، عن البراء رضي الله عنه؛ وخالفهما زُهير بن مُعاوية: فأخرجه أحمد في "مسنده"(18594)، مِنْ طريق زُهير، عن أبي بَلْجٍ، عن أبي الحكم علي البصري، عن أبي بحر، عن البراء. وظاهر كلام البخاري، والذهبي، وابن حجر يُشير إلى ترجيح رواية هُشَيم لمتابعة أبي عوانة له. يُنظر:"التاريخ الكبير"(3/ 396)، "ميزان الاعتدال"(2/ 104)، "تعجيل المنفعة"(2/ 27). بينما ذهب الإمام أبو حاتم إلى جعل رواية زُهير محفوظة أيضًا، باعتبارها مِنْ زيادة الثقة المقبولة، فقال في "العلل" (6/ 63/مسألة 2318): قد جوَد زهير هذا الحديث، ولا أعلم أحداً جوَد كتجويد زهير هذا. وقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: هو محفوظ؟ قال: زهير ثقة.
قلتُ: وعلى كل حال، فالحديث أينما دار فإنَّما يدور على زيد بن أبي الأشعث، وهو "مجهولٌ".
(5)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 565، "الثقات" 4/ 248، "تهذيب الكمال" 10/ 79، "الميزان" 2/ 104، "التقريب"(2141).
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) دَاوُد بن رُشَيْد الهاشِميُّ: "ثِقَةٌ نبيلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (116).
3) عُمَر بن عبد الواحد بن قَيْس السُّلَمِيُّ، أبو حفص الدِّمَشْقِيُّ.
روى عن: عبد الرَّحْمَنِ بن يزيد بن جَابِر، والأوزاعي، ومالك بن أنس، وآخرين.
روى عنه: دَاوُد بن رُشَيْد، وأبو مُسْهِر عبد الأعلى بن مُسْهِر، وإسحاق بن راهويه، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، والعِجْلي، وابن حبَّان، ودُحيم، وابن حجر: ثِقَةٌ.
(1)
4) عبد الرحمن بن يَزيد بن جابر الأَزْدي، أبو عُتْبَة السُّلَمِيُّ الدِّمَشْقيُّ.
روى عن: زيد بن أسلم، والزُّهْري، ونافع مولى ابن عُمر، وآخرين.
روى عنه: عُمر بن عبد الواحد، وابن المبارك، والوليد بن مسلم، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن سعد، والعِجْلي، وأبو داود، والنَّسائي، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ليس به بأسٌ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": مِن مُتْقني الشاميين. وقال أبو بكر بن أبي داود: ثِقَةٌ مأمونٌ. وروى له الجماعة.
(2)
5) أبو الهُذَيْلُ الرَّبَعِيُّ. روى عن: نُفَيْع بن الحَارث. روى عنه: عبد الرحمن بن يَزيد بن جابر.
حاله: لم أقف - على حد بحثي - على أحدٍ روى عنه غير عبد الرحمن بن يَزيد، ولم أقف له على ترجمة؛ وعليه فهو "مجهول العين"، والله أعلم.
6) نُفَيْع بن الحارث، أبو داود الأَعْمَى الدارمي، الكوفي القاص، ويُقال: اسمه نافع.
روى عن: البراء بن عازب، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وآخرين.
روى عنه: سُليمان الأعمش، وأبو إسحاق السَّبيعي، وسُفْيان الثوري، وآخرون.
حاله: كذَّبه ابن معين، وقتادة. وقال ابن معين: يَضَع، ليس بشيء. وقال البخاري: قاصٌ يَتَكَلَّمُون فيه. وقال أبو حاتم: مُنْكَر الحديثِ ضَعيفُ الحديثِ. وقال أبو زرعة: لم يكن بشيء. وقال العُقَيلي: مِمَّن يَغْلو في الرفض. وقال ابن عدي: مِن جملة الغالية بالكوفة. وقال النَّسائي، والدَّارقطني، والدولابي، وابن حجر: متروك الحديث. وقال الذهبي: هالكٌ تركوه. والحاصل: أنَّه "متروكٌ، هالكٌ، مُتَّهمٌ بالوضع".
(3)
7) البراء بن عَازب رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (50).
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 170، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 441، "تهذيب الكمال" 21/ 448، "التقريب"(4943).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 90، "الجرح والتعديل" 5/ 300، "الثقات" 7/ 81، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/211)، "تاريخ بغداد" 11/ 472، "تهذيب الكمال" 18/ 5، "الكاشف" 1/ 648، "الميزان" 2/ 598، "التقريب"(4041).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 8/ 114، "الجرح والتعديل" 8/ 490، "المجروحين" لابن حبَّان 3/ 55، "الكامل" لابن عدي 8/ 327، "تهذيب الكمال" 30/ 9، "الكاشف" 2/ 357، "التقريب"(7181).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيف جدًا"؛ لأجل أبي داود نُفَيع بن الحارث "متروكٌ".
قال المنذري، والهيثميّ: رواه الطبراني في الأوسط، وأبو داود الراوي عن البراء متروكٌ.
(1)
شواهد للحديث:
• أخرج الطبرانيُّ في "المعجم الكبير"(6150)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(8950)، بسندٍ صحيحٍ مِنْ طريق أبي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبُهُمَا، كَمَا تَتَحَاتُ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، وَإِلَّا غُفِرَ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» .
قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير سالم بن غيلان وهو ثقة.
(2)
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(6263) ك/الاستئذان، ب/المصافحة، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَكَانَتِ المُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: «نَعَمْ» .
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(6264) ك/الاستئذان، ب/المصافحة، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ.
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(4418) ك/المغازي، ب/حديث كعب بن مالك، ومُسلمٌ في "صحيحه"(2769) ك/التوبة، ب/حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، عن كعب بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة تخلفه عن تبوك، وفيه: قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ.
وعليه فالحديث بمجموع طُرُقه - التي سبق ذكرها في التخريج -، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره".
وقال الشيخ الألباني: الحديث بمجموع طرقه، وشواهده "صحيحٌ، أو على الأقل "حسنٌ".
(3)
رابعًا: - التعليق على الحديث:
قال ابن بطال: المصافحة حسنة عند عامة العلماء، وقد استحبها مالك بعد كراهته.
وقال النووي: المصافحة سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عليها عند التلاقي.
وقال ابن حجر: وعلى جوازها جماعة العلماء سلفًا وخلفًا، والله أعلم.
(4)
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(8/ 37).
(2)
يُنظر: "الترغيب والترهيب"(4112)، "مجمع الزوائد"(8/ 37).
(3)
يُنظر: "السلسلة الصحيحة"(2/ 59/برقم 525).
(4)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(17/ 101)، "فتح الباري" لابن حجر (11/ 55).
[128/ 528]- وَبِهِ
(1)
: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، قَالَ: نا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ بُشِيْرَ بْنَ يَسَارٍ
(2)
، أَخْبَرَهُ، أَنَّ حُصَيْنَ بْنَ مِحْصَنٍ أَخْبَرَهُ.
عَنْ عَمَّتِهِ، أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا:«أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟» قَالَتْ
(3)
: نَعَمْ.
قَالَ
(4)
: «كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟» قَالَتْ: مَا آلوهُ
(5)
إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «انْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الأَوْزَاعِيِّ إلا شُعَيْبُ بن إِسْحَاقَ.
هذا الحديث مَدَاره على يحيى بن سعيد الأنصاري، واختُلِف عليه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: يحيى بن سعيد، عن بُشَير بن يسار، عن حُصَين بن مِحْصَن، عن عَمَّته، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: يحيى بن سعيد، عن بُشير بن يَسار، عن حُصين، أن عَمَّته أتت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مُرْسلاً).
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
يحيى بن سعيد، عن بُشَير، عن حُصَين، عن عَمَّته، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه النَّسائي في "الكبرى"(8913) ك/عشرة النِّساء، ب/طاعةُ المرأة زوجها، مِنْ طريق عبد الوهاب بن سعيد السُّلميّ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(56/ 129)، مِنْ طريق سُليمان بن عبد الرحمن، كلاهما عن شُعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، بنحوه.
لكن وقع في إسنادهما: عبد الله بن مِحْصَن، بدلاً مِنْ حُصَيْن بن مِحْصن، وهذا خطأ نبه عليه الدَّارقطني في "العلل"، والمزي في "التحفة".
(6)
• والحميدي في "مسنده"(358) - ومِنْ طريقه الحاكم في "المستدرك"(2769)، والبيهقي في "الكبرى"(14706)، وابن بَشْكوال في "غوامض الأسماء المبهمة"(18) -، والنَّسائي في "الكبرى"(8915) ك/عشرة
(1)
أي بالإسناد السابق عن أحمد بن القاسم، عن داود بن رُشيد.
(2)
بُشَيْرٌ: بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَيَسَارٌ: بِالْيَاءِ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ. يُنظر: "أسد الغابة"(2/ 37)، "تعجيل المنفعة"(2/ 348 - 349).
(3)
في الأصل "قال"، والصواب ما أثبته لمناسبة السياق، وهو موافق لما في "مجمع البحرين" حديث رقم (2320).
(4)
في الأصل "قالت"، والصواب ما أثبته لمناسبة السياق، وهو موافق لما في "مجمع البحرين" حديث رقم (2320).
(5)
أَي: مَا أُقَصِّرُ، وَلَا أترك مِنْ حَقِّه إِلَّا مَا لَا أقدر عَلَيْهِ. يُنظر:"مشارق الأنوار"(1/ 31).
(6)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (15/ 419/مسألة 4111)، "تحفة الأشراف"(13/ 113/حديث رقم 18370).
النِّساء، ب/طاعةُ المرأة زوجها، مِنْ طريق سُفْيَان بن عُيَيْنَة
(1)
. وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(8/ 425)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(2183)، قال: أخبرنا يَعْلَى بن عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ - بإحدى الروايات عنه -. وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(2183)، قال: أَخْبَرَنَا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثَّقَفِيُّ. وابن أبي الدُنيا في "مُداراة النَّاس"(174)، مِنْ طريق جرير بن عبد الحميد، ويزيد بن هارون - بإحدى الروايات عنهما -. وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(3357)، والطبراني في "المعجم الكبير"(25/ 183/برقم 450)، مِنْ طريق حمَّاد بن زيد. والنَّسائي في "الكبرى"(8914) ك/عشرة النِّساء، ب/طاعةُ المرأة زوجها، والبيهقي في "الشعب"(8730)، والمزي في "تهذيب الكمال"(6/ 539)، مِنْ طريق اللَّيْث بن سعد. والنَّسائي في "الكبرى"(8920) ك/عشرة النِّساء، ب/طاعةُ المرأة زوجها، مِنْ طريق سعيد بن أبي هلال. والطبراني في "المعجم الكبير"(25/ 183/برقم 449)، مِنْ طريق حَمَّاد بن سلمة. والبيهقي في "الآداب"(58)، وفي "الشعب"(8731)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(1519)، مِنْ طريق عبد الرحيم بن سُليمان الكناني.
عَشَرَتُهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، بنحوه.
ووقع عند النَّسائي في رواية ابن عُيَيْنَة: عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي. وفي رواية سعيد بن أبي هلال: عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ قَالَ: أخبرتني عَمَّتِي.
وقال الحاكم: وهو صَحِيحٌ، ولم يُخَرِّجَاهُ. وقال الذهبي: صحيحٌ.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) دَاوُد بن رُشَيْد الهاشِميُّ: "ثِقَةٌ نبيلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (116).
3) شُعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن بن عَبد اللَّهِ بن راشد القُرشيُّ، أبو مُحَمَّد الدمشقيُّ.
روى عن: الأوزاعي، والحسن بن دِينار، والثوريّ، وآخرين.
روى عنه: داود بن رُشَيْد، والقاسم بن مُساور، والليث بن سعد، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وابن سعد، وأبو داود، والنَّسائي، ودُحيم، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وأسند ابن أبي حاتم: أنَّ الأوزاعي كان يُقَرِّبُه ويُدْنِيه. وقال أبو حاتم: صدوقٌ. قال ابن حجر في "التهذيب": ونقل أبو الوليد الباجي عن أبي حاتم، قال: ثقةٌ مأمونٌ. وقال ابن حبَّان في "الثقات": كان يَنْتحل مذهب أهل الرأي، وفي "المشاهير": كان مُتقناً. وروى له الجماعة سوى الترمذي. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ مأمونٌ".
(2)
(1)
وأخرجه ابن بَشْكوال في "غوامض الأسماء المبهمة"(20)، مِنْ طريق نصر بن عَلِيٍّ، قال: ثنا سُفْيَانُ بن عُيَيْنَة، بسنده، وفيه: عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ، أَخْبَرَتْهُ عَمَّتُهُ أَسْمَاءُ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ
…
الحديث. وقال الدَّارقطني في "العلل"(15/ 419/مسألة 4111): وليس ذلك بمحفوظ. وسَمَّاها ابن حبَّان في "الثقات"(4/ 157): بأم قيس، وقال: لها صحبة.
(2)
"الجرح والتعديل" 4/ 341، "الثقات" 6/ 439، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/218)، "التهذيب" 12/ 501، "تاريخ الإسلام" 4/ 863، "تهذيب التهذيب" 4/ 348، "الكواكب النيرات" ترجمة سعيد بن أبي عَروبة 1/ 195، "التقريب"(2793).
4) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعيُّ: "ثِقَةٌ، فَقيهٌ، عابدٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
5) يحيى بن سعيد الأنصاري: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، حَافِظٌ، فَقِيْهٌ"، تَقَدّم في الحديث رقم (17).
6) بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ، الحارثيُّ، الأَنْصارِيُّ، الْمَدَنِيُّ.
روى عن: حُصَيْن بن مِحْصَن، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وسعيد بن عُبَيْد الطائيّ، والوليد بن كثير، وآخرون.
حاله: وقال ابن سعد: كان شيخًا كبيرًا فقيهًا، وكان قد أدرك عامة أصحاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وكان قليل الحديث. وقال ابن معين، والنَّسائيُّ، والذهبيُّ: ثِقَةٌ. وزاد ابن معين: وليس هو أخًا لسليمان بن يَسار. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، فَقِيهٌ. روى له الجماعة.
(1)
7) حصين بن محصن الأَنْصارِيّ الخطمي المدني.
روى عن: هرمي بن عَمْرو الواقفيّ، وقال البخاري: سَمِعَ عَمَّته.
روى عنه: بُشَيْر بن يَسَار، وعبد اللَّه بن عَلِيّ بن السائب المطلبيّ.
حاله: ذكره البغوي في "معجم الصحابة". وذكره ابن حبَّان في ثِقَات التابعين، وقال: عِدَاده في أهل المدينة. وقال ابن الأثير: قال عبدان، سمعت أحمد بن سيار، يقول: مِنْ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
…
ولا نَدْرِي له صُحْبَةٌ أَمْ لا؟ وقد أخرجه أبو أحمد العسكري في الصحابة". وقال الذهبي في "المغني": تابعيٌّ مجهولٌ. وفي "الديوان": مُخَضْرَمٌ مجهولٌ. وأكد في "الميزان" أنَّه تابعيّ، ونقل توثيق ابن حبَّان له. وقال ابن حجر في "الإصابة": اختلف في صحبته، وذكره عبدانُ، وابنُ شاهين، والعسكريُّ، والطبرانيُّ في الصحابة، قال ابن السكن: يقال لهُ صُحبَةٌ، غير إن روايته عن عَمَّته، وليست له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر: أخرجوا حديثه، فقالوا: عن حُصَيْن بن مِحْصَن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه النّسائيّ كما قال ابن السّكن، وهو الصحيح، وذكره في التابعين البخاريُّ، وابنُ أبي حاتم، وابن حبان، فاللَّه أعلم. وقال في "لسان الميزان": تابعيٌّ ثِقَةٌ. وفي "التقريب": مَعْدُودٌ في الصحابة، وروايتُهُ عن عَمَّتِه.
(2)
فالحاصل: أنَّه "تابعيٌّ، ثِقَةٌ"؛ فلم يصح روايته عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم على الراجح - كما قال ابن حجر.
8) عَمَّةُ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَطْمِيِّ، يُقال: اسمها أسماء، ويُقال: أم قيس.
روت عن: النَّبيّ صلى الله عليه وسلم. روى عنها: ابن أخيها حُصَيْن بن مِحْصن. صحابيةٌ لها حديُثٌ.
(3)
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 394، "الثقات" 4/ 73، "التهذيب" 4/ 188، "السير" 4/ 591، "التقريب"(730).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 5، "معجم الصحابة" للبغوي 2/ 159، "الجرح والتعديل" 3/ 196، "الثقات"(4/ 157)، "أسد الغابة" 2/ 36، "التهذيب" 6/ 538، "المغني" 1/ 263، "الديوان" 1/ 210، "الميزان" 1/ 554، "الإصابة" 2/ 566، "تهذيب التهذيب" 2/ 389، "لسان الميزان" 9/ 284، "التقريب" (1384). قلتُ: وفَرَّق ابن حجر في "الاصابة" بين حُصَيْن بن مِحْصَن بن النُّعْمَان، وبين حُصَيْن بن مِحْصَن بن عامر بن أَبي قيس بن الأَسْلَت، مع انه جمع بينهما في زياداته على التهذيب.
(3)
يُنظر: "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 6/ 3581، "أسد الغابة" 7/ 416، "تهذيب التهذيب" 12/ 488، "التقريب"(8794).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
يحيى، عن بُشير، عن حُصين، أن عَمَّته أتت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مُرْسلاً).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(17125)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ، أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَطْلُبُ حَاجَةً، فَلَمَّا قَضَتْ حَاجَتَهَا قَالَ:«أَلَكِ زَوْجٌ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:«فَأَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ؟» قَالَتْ: مَا آلُوهُ خَيْرًا، إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ:«انْظُرِي، فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ» .
• وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(2182)، وابن أبي الدنيا في "النفقة على العيال"(529/ 1)، مِنْ طريق جرير بن عبد الحميد. وأحمد في "مسنده"(19003) - ومِنْ طريقه ابن الأثير في "أسد الغابة"(2/ 36) -، وابن أبي الدنيا في "النفقة على العيال"(529/ 2)، والنَّسائي في "الكبرى"(8918) ك/عشرة النِّساء، ب/طاعةُ المرأة زوجها، والبغوي في "معجم الصحابة"(519)، والطبراني في "المعجم الكبير"(25/ 183/برقم 448)، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(8071)، وابن الأثير في "أسد الغابة"(7/ 416)، مِنْ طريق يَزِيد بن هَارُون. وأحمد في "مسنده" برقم (27352)، قال: حدَّثنا يحيى بن سعيد القَطَّان، ويَعلى بن عُبَيْد الطَنَافسيّ. والنَّسائي في "الكبرى"(8916) ك/عشرة النِّساء، ب/طاعةُ المرأة زوجها، مِنْ طريق يَعلى بن عُبَيْد الطَنَافسيّ، وبرقم (8917)، مِنْ طريق يحيى بن سعيد القَطَّان. والنَّسائي في "الكبرى"(8919) ك/عشرة النِّساء، ب/طاعةُ المرأة زوجها - ومِنْ طريقه ابن بَشْكوال في "غوامض الأسماء المبهمة"(18) -، مِنْ طريق مالك بن أنس - مِنْ أصح الأوجه عنه
(1)
-. والطبراني في "المعجم الكبير"(25/ 183/برقم 448)، مِنْ طريق سُليمان بن بلال. ستتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، بنحوه.
وقال أبو القاسم البغوي: وقد روى هذا الحديث غير يزيد عن يحيى بن سعيد، عن بُشير بن يَسار، عن حُصَيْن بن مِحْصَن، عن عَمَّتِه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم بهذا الإسناد غير هذا.
ثالثًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَدَاره على يحيى بن سعيد الأنصاري، واختُلِف عليه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: يحيى بن سعيد، عن بُشَير بن يسار، عن حُصَين بن مِحْصَن، عن عَمَّته، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: يحيى بن سعيد، عن بُشير بن يَسار، عن حُصين، أن عَمَّته أتت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مُرْسلاً).
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الأول - الموصول - هو الأشبه بالصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية: فرواة الوجه الأول أكثر عددًا مِنْ رواة الوجه الثاني.
2) ترجيح الأئمة للوجه الموصول: وهذا هو الظاهر مِنْ كلام الإمام البخاريّ، فقال في "التاريخ الكبير" في ترجمة حُصين: سَمِعَ عَمَّته.
(2)
وقال ابن حجر: قال ابن السكن: يقال لهُ صُحبَةٌ، غير إن روايته عن
(1)
يُنظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر (16/ 398).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير"(3/ 5).
عَمَّته، وليست له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قال: أخرجوا حديثه، فقالوا: عن حُصَيْن بن مِحْصَن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه النّسائيّ كما قال ابن السّكن، وهو الصحيح، لذا ذكره في التابعين البخاريُّ، وابنُ أبي حاتم، وابن حبان.
(1)
قلتُ: لأجل ذلك اختلف العلماء في إثبات الصحبة لحُصَيْن بن مِحْصن، فأثبتها البعض بناءً على ما ثبت في بعض طُرُقِ هذا الحديث بما يدل في الظاهر على ثبوت الصحبة له - كما في الوجه الثاني -؛ بينما نفاها عنه الأكثرون لرُجحان الوجه الأول بروايته للحديث عن عَمَّته، وقوله في بعض الطرق: حدَّثتني، وفي بعضها: أخبرتني، بما يدل على عدم سماعه لهذا الحديث مِنْ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهذه مِنْ فوائد دراسة العلل.
رابعًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
وقال الهيثميّ: رواه أحمد، والطبراني، ورجاله رجال الصحيح خلا حصين، وهو ثِقَةٌ.
(2)
وقال المُنْذري: رواه أحمد، والنَّسائي بإسنادين جيدين.
(3)
ورمز له السيوطي بالحُسْنِ.
(4)
وقال الألباني: رجاله ثقات رجال الشيخين، غير حُصَيْن بن مِحْصَن، ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، لكن ذكره جمع في "الصحابة"، وكأن الحافظ مال إلى ذلك فقال في "التقريب": معدود في الصحابة.
(5)
وقال في "صحيح الجامع": حديثٌ حسنٌ.
(6)
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الأَوْزَاعِيِّ إلا شُعَيْبُ بن إِسْحَاقَ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ صحة ما قاله المُصَنِّفُ رضي الله عنه، وتَفَرد شُعيب بن إسحاق عن الأوزاعي لا يضر الحديث، وأسند ابن أبي حاتم في ترجمة شُعيب: أنَّ الأوزاعي كان يُقَرِّبُه ويُدْنِيه - كما سبق في ترجمته -.
* * *
(1)
يُنظر: "الإصابة"(2/ 566).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 306).
(3)
يُنظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (4/ 121).
(4)
يُنظر: "الجامع الصغير"(ص/163/حديث رقم 2744).
(5)
يُنظر: "السلسلة الصحيحة"(6/ 220/حديث رقم 2612).
(6)
يُنظر: "صحيح الجامع"(1/ 316/حديث رقم 1509).
[129/ 529]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاهِرٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: نا أَبِي، قَالَ: نا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ، يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَشْبَهِ النَّاسِ هَدْيًا
(1)
، وَسَمْتًا
(2)
، [وَنَحْوًا]
(3)
بِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حِينَ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّى يَعُودَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الأعمش، عن زَيْدِ بن وَهْبٍ إلا دَاهِرٌ الرَّازِيُّ.
هذا الحديث مَدَاره على الأعمش، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن حذيفة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الأعمش، عن شقيق بن سلمة الأسدي، عن حذيفة رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن حذيفة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
رواه بهذا الوجه عبد الله بن داهر الرَّازي، واضطرب فيه:
• فرواه مَرَّة عن أبيه، عن الأعمش، به - كما في رواية الباب -.
• ورواه مَرَّة عن عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، به: أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير"(8490)، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاهِرٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْب، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَشْبَهِ النَّاسِ هَدْيًا وَسَمْتًا وَنَحْوًا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
…
الحديث».
ب مُتابعات للوجه الأول:
• وأخرجه البزار في "مسنده"(2812)، مِنْ طريق عِمْرَان بن أَبَانَ الوَاسِطِيّ، قال: أخبرنا يَزِيدُ بن عَطَاءٍ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن زَيْدِ بن وَهْبٍ، عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: " مَا أَحَدٌ أَشْبَهَ هَدْيًا، ولا دَلًّا بِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ حَيْثُ
(1)
هَدْيًا: قال أبو عبيد: الهدي، والدَّلُّ متقاربان، يقال في السكينة، والوقار، وفي الهيبة، والمنظر، والشمائل، قال: والسمت يكون في حسن الهيئة والمنظر من جهة الخير والدين، لا من جهة الجمال والزينة، ويطلق على الطريق، وكلاهما جيدٌ، بأن يكون له هيئة أهل الخير على طريقة أهل الإسلام. يُنظر:"فتح الباري"(10/ 510).
(2)
سَمْتًا: وهو حُسْنُ المنظر في أمر الدين، ويطلق أيضًا على القصد في الأمر، وعلى الطريق. "فتح الباري"(10/ 510).
(3)
هكذا بالأصل، وبالمطبوع "ونَجْوًا" بالجيم المعجمة، وأخرجه الطبراني في "الكبير"(8490)، مِنْ طريق عبد الله بن عبد القدُّوس، عن الأعمش، وفيه:"ونَحْرًا" بالحاء المهملة، بعدها راء، ولعلَّه تصحيف؛ ووقع في جميع طُرُقِ الحديث - كما عند البخاري، وغيره، وكما في التخريج - " دَلًّا " بفتح المهملة، وتشديد اللام، هو حسن الحركة في المشي والحديث، ويطلق على الطريق. "فتح الباري" (10/ 510). وقال البغوي في "شرح السنة" (14/ 148): وَالدَّلُّ والسمت وَالْهَدْيُ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَهُوَ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَحُسْنُ الْهَيْئَةِ، وَالْمَنْظَرِ، يُرِيدُ شَمَائِلَهُ فِي الْحَرَكَةِ وَالْمَشْيِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الدِّينِ، لَا فِي الزِّينَةِ وَالْجَمَالِ.
يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ". وقال البزار: وحديثُ إسماعيل، عن زَيْدٍ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ إلا عِمْرَانُ، عن يَزِيدَ بن عَطَاءٍ، ولم يُسْنِدْ إسماعيلُ، عن زَيْدٍ، عن حُذَيْفَةَ إلا هذا الحَدِيثَ.
قلتُ: بل أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير"(8491)، مِنْ طريق مُحَمَّد بن أَبَانَ الْوَاسِطِيّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، بنحوه. ومحمد بن أبان أخو عِمْران، وكلاهما يَروي عن يزيد.
ت دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَبد الله بن داهر بن يَحْيى بن داهر الرازيُّ، أبو سليمان، وقيل أبو يَحْيَى، يُعْرَف بالأحمريُّ.
روى عن: أبيه، وعبد الله بن عبد القدُّوس، والأعمش، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، ومحمد بن حُمَيْد، وعليّ بن سعيد، والرَّازيون.
حاله: قال أحمد، وابن معين: ليس بشيء، ما يَكتب عنه إنسان فيه خير. وقال العُقَيْليُّ: رَافِضِيٌّ خَبِيثٌ، يروي عن عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ القُدُّوسِ، أَشَرُّ مِنْهُ، رَافِضِيَّانِ. وقال ابن عدي: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ في فضائل علي، وَهو فيه متهم. وقال الذهبي: رَافِضِيٌّ ضَعَّفُوهُ. وفي "الميزان" ذكر في ترجمته بعض مروياته في فضائل سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وعقب الذهبي بقوله: قد أغنى الله عليًا عن أن تقرر مناقبه بالأكاذيب والأباطيل. وقال الذهبي أيضًا: واهٍ. وقال الهيثمي: متروكٌ. بينما قال ابن حبَّان: كان ممن يُخطئ كثيرًا حتى خرج عن حد الاحتجاج به فيما لم يوفق الثقات، والاعتبار بما وافق الثقات.
(1)
فالحاصل: أنَّه "رافضيٌّ، مُتَّهمٌ.
3) داهر بن يحيى الرازي، أبو عبد الله المُقْرئ، الكوفيُّ، ويُقال: اسمه محمد، وداهرٌ لقبه.
روى عن: الأعمش، ومحمد بن أبي ليلى، وليث بن أبي سُلَيم، وآخرين.
روى عنه: ابنه عبد الله، ومحمد بن عمرو - زُنَيْج -، ومحمد بن حُميد، وآخرون.
حاله: قال العُقَيْليُّ: كان مِمَّنْ يَغْلُو في الرَّفْضِ، ولا يُتَابَعُ على حَدِيثِهِ. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أحاديث رواها داهرٌ، وعرضت عليه تلك الأحاديث، فقال: ليس تدل هذه الأحاديث على صدقه. وقال الذهبي: رافضيٌّ بغيضٌ، لا يُتَابع على بلاياه
…
وذكر حديثًا، ثُمَّ قال: فهذا باطل، ولم أر أحدًا ذكر داهرًا حتى ولا ابن أبي حاتم بلدية.
(2)
وعلق المحقق، فقال: وفي بعض النُّسخ: وإنما البلاء من ابنه عبد الله فإنه متروكٌ. وفي "لسان الميزان": وإنَّما لم يذكروه؛ لأنَّ البلاء كله من ابنه عبد الله، وقد ذكروه واكتفوا به.
(3)
(1)
يُنظر: "الضعفاء الكبير" للعُقَيْليّ 2/ 250، "الجرح والتعديل" 5/ 161، "المجروحين" 2/ 10، "الكامل" 5/ 380، "تاريخ بغداد" 11/ 120، "المغني" 1/ 479، "الميزان" 2/ 417 و 2/ 492، "مجمع الزوائد" 9/ 168.
(2)
بل ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(7/ 310)، باسم محمد بن عبد الله المقرئ، أبو عبد الله المعروف بداهر.
(3)
يُنظر: "الضعفاء الكبير" 2/ 46، "الجرح والتعديل" 7/ 310، "المغني" 1/ 315، "الميزان" 2/ 3، "لسان الميزان" 3/ 391.
4) سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الأَعْمَشُ، الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَسَدِيُّ مَوْلاهُمُ، الكُوفِيُّ، الحَافِظُ المُقْرِئُ.
روى عن: زيد بن وهب الجهنيّ، وإبراهيم التميميّ، وإبراهيم النخعيّ، وآخرين.
روى عنه: داهر بن يحيى، والسُفْيَانان، وشُعْبَةُ بن الحجَّاج، والنَّاس.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال العجلي: ثِقَةٌ ثبتٌ في الحَدِيث، وكان كثير الحَدِيث، عَالمًا بِالْقُرْآنِ، رَأْسًا فِيهِ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ يُحْتَجُّ بحديثه. وقال أبو زرعة: إمامٌ. وقال النَّسَائيُّ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ.
وعن مغيرة، قال: ما أفسد أحدٌ حديث الكوفة إلا أبو إسحاق السبيعيّ، وسُلَيْمان الأعمش.
(1)
وقال شُعبة: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وقتادة، وأبي إسحاق. وقال الذهبي في "الميزان": أحد الأئمة الثقات ما نقموا عليه إلا التدليس. وَقَال أيضا: وهو يدلس، ورُبَّما دلس عن ضعيف ولا يدري به، فمتى قال: حَدَّثَنَا فلا كلام، ومتى قال: عن تطرق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وأَبي وائل وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال. وَقَال ابن حجر: ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع، لكنه يدلس. وقال في "هدي الساري": اعْتمد البُخَارِيّ على حَفْص بن غياث في حَدِيث الأَعْمَش لأَنَّهُ كَانَ يُمَيّز بَين مَا صَرَّح به الأَعْمَش بِالسَّمَاعِ وَبَين ما دلَّسه، نَبَّه على ذلك أبو الفضل بن طَاهِر، وهو كما قال. وذكره العلائي، وابن حجر في المرتبة الثانية مِنْ مراتب المدلسين.
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، لكنَّه يُدلس، فيُتوقف في عنعنته، إلا في شيوخه الذين أكثر الرواية عنهم، أو كان الراوي عنه شُعبة، أو حفص بن غياثٍ".
(2)
5) زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ الْجُهَنِيُّ الْكُوفِيُّ.
روى عن: سمع عُمَر بْن الخطاب، وَعلي بْن أَبِي طَالِبٍ، وَحذيفة بْن اليمان رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: سليمان الأعمش، وسلمة بن كُهَيْل، وإسماعيل بن أبي خَالِد، وآخرون.
حاله: أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَاجَرَ إِلَيْهِ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَبَلَغَتْهُ وَفَاتُهُ فِي الطَّرِيقِ. وقال ابن معين، وابن خراش، والعجليُّ، وابن حبَّان: ثِقَةٌ. وقال الذهبي: تَابِعِيٌّ جليلٌ ثَبْتٌ. وقال ابن حجر في "اللسان": ثِقَةٌ جَبَلٌ. وفي "التقريب": مُخَضْرَمٌ، ثِقَةٌ، جليلٌ، لم يُصب مَنْ قال: في حديثه خللٌ. وروى له الجماعة.
(3)
6) حُذَيْفَة بن اليَمَان، واسم اليَمان حِسْلٌ - ويقال: حُسَيْلٌ - على التصغير - بن جابر بن أُسَيْد.
روى عن: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وعن عُمَر بْن الخطاب رضي الله عنه.
(1)
علَّق الذهبي على ذلك في "الميزان"، فقال: كأنه عنى الرواية عمن جاء، وإلا فالأعمش عدل صادق ثبت، صاحب سنة وقرآن، ويحسن الظن بمن يحدثه، ويروي عنه، ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذي يُدَلِّسه، فإن هذا حرام.
(2)
"الثقات" للعجلي 1/ 432، "الجرح والتعديل" 4/ 146، "الثقات" 4/ 302، "تاريخ بغداد" 10/ 5، "التهذيب" 12/ 76، "الميزان" 2/ 224، "تهذيب التهذيب" 4/ 222، "طبقات المدلسين"(ص/33)، "التقريب"(2615)، "هدي الساري"(ص/398).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 574، "الثقات" 4/ 250، "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 3/ 1202، "تاريخ بغداد" 9/ 444، "تهذيب الكمال" 10/ 111، "الميزان" 2/ 107، "تهذيب التهذيب" 3/ 427، "لسان الميزان" 9/ 306، "التقريب"(2159).
روى عنه: زيد بْن وهب الجهني، وجابر بْن عَبد اللَّهِ، وجندب بْن عَبد اللَّهِ البجليُّ رضي الله عنهم، وآخرون.
مِنْ كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أحدًا، ولم يشهد بدرًا، لأن المشركين أخذوا عليه الميثاق لا يقاتلهم، فسأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: هل يقاتل أم لا؟ فقال: بل نفي لهم، ونستعين اللَّه عليهم.
(1)
وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتُوُفّي بعد عثمان رضي الله عنه بأربعين يومًا.
(2)
ثانيًا: - الوجه الثاني:
الأعمش، عن شقيق بن سلمة الأسدي، عن حذيفة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(23341 و 23342) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخه"(33/ 125) -، وفي "فضائل الصحابة"(1543)، والبخاري في "صحيحه"(6097) ك/الأدب، ب/في الهدي الصالح - ومِنْ طريقه البغوي في "شرح السنة"(3945) -، والبزار في "مسنده"(2875 و 2876)، والمحاملي في "أماليه"(29)، والطبرانيُّ في "الكبير"(8480)، والحاكم في "المستدرك"(5376)، وابن عساكر في "معجم شيوخه"(410)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن الأعمش، قال: سَمِعْتُ شَقِيقًا - وهو أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي -، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ، يَقُولُ:«إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلًّا وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لابنُ أُمِّ عَبْدٍ، مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ، لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ إِذَا خَلَا» . واللفظ للبخاري. وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. ووافقه الذهبي.
ثالثًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على الأعمش، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن حذيفة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الأعمش، عن شقيق بن سلمة الأسدي، عن حذيفة رضي الله عنه.
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب للصواب، للقرائن الآتية:
1) الأكثرية: فرواه الجماعة بالوجه الثاني.
2) كما أنَّ الوجه الأول مَدَاره على عبد الله بن داهر الرَّازي، وهو "رافضيٌّ مُتَّهمٌ"، وقد اضطرب فيه.
قلتُ: وأمَّا متابعة إسماعيل بن أبي خالد، ففي سندها يزيد بن عطاء اليَشْكُري، وهو "لين الحديث".
(3)
3) تخريج البخاري للوجه الثاني في "صحيحه".
رابعًا: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبرانيّ:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل عبد الله بن داهر "رافضيٌّ مُتَّهمٌ"، وقد
(1)
أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(1787) ك/الجهاد والسير، ب/الوفاء بالعهد.
(2)
يُنظر: "الاستيعاب" 1/ 334، "أسد الغابة" 1/ 706، "التهذيب" 5/ 495، "الإصابة" 2/ 496.
(3)
يُنظر: "التقريب"(7756).
خالف الثقات عن الأعمش، مع اضطرابه فيه؛ وفيه داهر بن يحيى "رافضيٌّ بغيضٌ، لا يُتَابع على بلاياه".
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
وأمَّا الحديث مِنْ وجهه الراجح "فصحيحٌ لذاته"، وقد أخرجه البخاري في "صحيحه".
وأخرجه البخاري في "صحيحه"(3762) ك/المناقب، ب/مناقب عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه، مِنْ طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالهَدْيِ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ، فَقَالَ:«مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» .
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الأعمش، عن زَيْدِ بن وَهْبٍ إلا دَاهِرٌ الرَّازِيُّ.
قلتُ: بل أخرجه الطبراني في "الكبير"(8490)، مِنْ طريق عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاهِرٍ، ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْب، به، والله أعلم.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
في الحديث فضيلة لابن مسعود جليلة لشهادة حذيفة له بأنه أشد الناس شبها برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخصال، وفيه توقى حذيفة حيث قال: من حين يخرج إلى أن يرجع، فإنَّه اقتصر في الشهادة له بذلك على ما يمكنه مشاهدته، وإنما قال لا أدري ما يصنع في أهله؛ لأنه جوز أن يكون إذا خلا يكون في انبساطه لأهله يزيد أو ينقص عن هيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله، ولم يرد بذلك إثبات نقص في حق عبد الله رضي الله عنه. وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" من طريق زيد بن وهب، قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه، قال: اعلموا أن حسن الهدي في آخر الزمان خير من بعض العمل. وسنده صحيح، ومثله لا يقال من قبل الرأي، فكأن ابن مسعود لأجل هذا كان يحرص على حسن الهدي.
(1)
وَمَا ورد فِي فضل ابْن مَسْعُود شَيْءٌ كثيرٌ جدًا، ويُزاد عليه بأنَّه عُني بتفقيه أهل الْكُوفَة، وتعليمهم الْقُرْآن من سَنَةِ بِنَاء الكُوفَة، إلى أَوَاخِر خلَافَة عُثْمَان رضي الله عنه، عناية لا مزِيد عَلَيْهَا، إِلَى أَن امْتَلَأت الكُوفَة بالقراء، وَالْفُقَهَاء الْمُحدثين، بِحَيْثُ أبلغ بعض ثِقَات أهل الْعلم عدد من تفقه عَلَيْهِ، وَعَلَى أَصْحَابه، نَحْو أَرْبَعَة آلَاف عَالم، حَتَّى إِن عَلّي بن أبي طَالب كرم الله وَجهه، لما انْتقل إِلَى الْكُوفَة سُرَّ من كَثْرَة فقهائها، وَقَالَ: رحم الله ابْن أم عبد، قد مَلأ هَذِه الْقرْيَة علما. وَفِي لفظ: أَصْحَاب ابْن مَسْعُود، سُرُج هَذِه الْقرْيَة.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري"(10/ 510).
(2)
مِنْ كلمات الشيخ/محمد زاهد الكوثري في "عجلة المستوفز"، نقلاً عن المكتبة الشاملة.
[130/ 530]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو خَالِدٍ الْخَبَّازُ
(1)
، قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ
(2)
، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ:
قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: إِنَّ أُمَّكُمْ قَدْ جَاءَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَإِنَّهَا زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا، وَزَوْجَتُهُ فِي الآخِرَةِ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي حَصِينٍ إلا أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الكبير"(23/ 39/برقم 100) - ومِنْ طريقه المزي في "التهذيب"(14/ 533) -، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ الْجَوْهَرِيُّ، به، دون قوله: إِنَّ أُمَّكُمْ قَدْ جَاءَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(7100) ك/الفتن، ب/الفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ، مِنْ طريق يَحْيَى بن آدَمَ؛ والترمذي في "سننه"(3889) ك/المناقب، ب/مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، والحاكم في "المستدرك"(6718)، مِنْ طريق عبد الرحمن بن مَهْدِيٍّ؛ وأبو عُروبة الحَرَّاني في "أحاديثه"(31)، قال: حدَّثنا محمد بن العلاء؛ وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(43/ 459)، مِنْ طريق أحمد بن عبد الله بن يُونس.
أربعتهم (يحيى، وابن مهدي، ومحمد بن العلاء، وأحمد بن عبد الله) عن أبي بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِيُّ، قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى البَصْرَةِ، بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَدِمَا عَلَيْنَا الكُوفَةَ، فَصَعِدَا المِنْبَرَ، فَكَانَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوْقَ المِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ، وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الحَسَنِ، فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ، فَسَمِعْتُ عَمَّارًا، يَقُولُ: إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى البَصْرَةِ، وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى ابْتَلَاكُمْ، لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ». واللفظ للبخاري.
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقال الحاكم: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. قلتُ: بل أخرجه البخاري. وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(3772) ك/المناقب، ب/فَضْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، مِنْ طريق شعبة، وبرقم (7101) ك/الفتن، ب/الفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ البَحْرِ، مِنْ طريق عبد الملك بن حميد بن أبى غنية، كلاهما (شعبة، وعبد الملك) عن الحكم بن عتيبة الكندي، قال: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ، عَمَّارًا، وَالحَسَنَ إِلَى الكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ، خَطَبَ عَمَّارٌ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا. واللفظ لشعبة.
(1)
الخَبَّاز: بِفَتْح الخَاء، وَتَشْديد الباء المُوَحدَة، نِسْبَة إلى الخُبْزِ، وخَبْزِه، وبيعه. "اللباب في تهذيب الأنساب"(1/ 416).
(2)
أبو حَصِين: بفتح الحاء، وكسر الصاد، أبو حَصِين عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي. يُنظر:"الإكمال"(2/ 480).
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) يَزيدُ بن مِهْرَان الأَسَدِيُّ، أَبُو خالد الخَبَّاز الكُوفيُّ.
روى عن: أبي بكر بن عيَّاش، ويحيى بن يَمَان، ومحمد بن أسباط القرشيُّ، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم بن مُساور، وأبو حاتم الرَّازيّ، ومُطَيَّن، وآخرون.
حاله: قال مُحَمَّد بن عبد اللَّهِ الحَضْرَميّ - مُطَيّنُ -، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم، وابن حجر: صدوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: يُغْرِب. وقال ابن قانع: صالحٌ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(1)
3) أَبُو بَكْر بنُ عَيَّاشِ الأَسَدِيُّ: "ثِقَةٌ عابدٌ، لمَّا كَبر ساء حفظه، وكتابه صحيحٌ"، تَقَدَّم في الحديث (43).
4) عُثْمَان بن عَاصِم بن حُصَيْن، ويُقال: عُثْمَان بْن عَاصِم بْن زَيْد، أَبُو حَصِين الأَسَدِيُّ الكُوفِيُّ.
روى عن: عبد الله بن زياد، وسَمِع ابن عَبّاس، وسَعِيد بْن جُبَير، وشُرَيحًا، والشَّعبِيّ، وآخرين.
روى عنه: أبو بكر بن عَيَّاش، وسَمِعَ منه الثَّورِيّ، وشُعبة، وابْن عُيَينَةَ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو حاتم، والعِجْلِيُّ، ويعقوب بن شيبة، والنَّسائيُّ، وابن خراش: ثِقَةٌ. وزاد العِجْليُّ: وكان صاحب سُنَّةٍ. وقال ابن مهدي: لا ترى حافظًا يختلف على أبي حَصِين. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": مِنْ مُتْقِني الكوفيين. وقال الذهبي: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، صاحبُ سُنَّة. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، سُنِّيٌّ، رُبَّما دَلَّس. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، سُنِّيٌّ". وقول ابن حجر: رُبَّما دلَّس، ليس له فيها سلفٌ.
(2)
5) عَبدُ اللَّهِ بن زِيَاد، أَبُو مريم الأَسَديُّ الكوفيُّ.
روى عن: الحسن بن علي بن أَبي طالب، وعبد الله بن مَسْعُود، وعمَّار بن ياسر رضي الله عنهم.
روى عنه: أشعث بن أبي الشعثاء، وشمر بن عطية، وأبو حَصِين عُثْمَان بن عاصم الأسديُّ، وآخرون.
حاله: قال العِجْلِيُّ، والدَّارقطني، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(3)
6) عمَّار بن ياسر العَنْسِيُّ، أَبُو اليقظان مولى بْني مخزوم، صاحب رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأمه سُمَيَّه.
روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
روى عنه: عبد الله بن زياد، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وابن عبَّاس رضي الله عنهم، وآخرون.
أحدُ السَّابقين الأولين، والأَعْيَانِ البَدْرِيِّيْنَ. شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأجمعوا على أنه قتل مع علي بصفّين سنة سبع وثمانين في ربيع وله ثلاث وتسعون سنة. وقال ابن حجر: وتواترت الأحاديث عن
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 290، "الثقات" 9/ 275، "التهذيب" 32/ 252، "الكاشف" 2/ 390، "التقريب"(7784).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 6/ 240، "الثقات" للعِجْليّ 2/ 129، "الجرح والتعديل" 6/ 160، "الثقات" 7/ 200، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/197)، "تهذيب الكمال" 19/ 401، "الكاشف" 2/ 8، "التقريب"(4484).
(3)
يُنظر: "الثقات" للعِجْليّ 2/ 30، "الثقات" 5/ 58، "التهذيب" 14/ 533، "تهذيب التهذيب" 5/ 221، "التقريب"(3327).
النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّ عَمَّاراً تقتله الفئة الباغيةُ.
(1)
، وروى له الجماعة.
(2)
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "صحيحٌ لذاته"، والحديث أخرجه البخاري - كما سبق -.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي حَصِينٍ إلا أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: قوله في الحديث: "لتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا" قيل: الضمير لعليٍّ، لأنه الذي كان عمار يدعو إليه، والذي يظهر أنه لله عز وجل، والمرادُ بإتباع الله اتباعُ حكمه الشرعي في طاعة الإمام، وعدم الخروج عليه، ولعله أشار إلى قوله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}
(3)
فإنه أمرٌ حقيقيٌّ خُوطِبَ به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كانت أم سلمة تقول: لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي صلى الله عليه وسلم، والعذر في ذلك عن عائشة أنها كانت متأولة هي وطلحة والزبير، وكان مرادهم إيقاع الإصلاح بين الناس، وأخذ القصاص من قتلة عثمان، وكان رأي عليٍّ الاجتماعَ على الطاعة، وطلب أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه.
(4)
وقال: ومراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع عليّ، وأن عائشة مع ذلك لم تخرج بذلك عن الإسلام، ولا أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فكان ذلك يعد من إنصاف عمَّار وشدة ورعه وتحريه قول الحق، وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن أبي يزيد المديني قال: قال عمار بن ياسر لعائشة، لما فرغوا من الجمل: ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم يشير إلى قوله تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ، فقالت أبو اليقظان؟ قال: نعم، قالت: والله إنك ما علمتُ لقوال بالحق. قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك.
(5)
* * *
(1)
أخرج البخاري في "صحيحه"(447) ك/الصلاة، ب/التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ المَسْجِدِ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ - أي: في بناء المسجد النبوي -، فَرَأَىهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أي: رأى عَمَّاراً - فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ:«وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الفِتَنِ. وأخرجه أيضاً بنحوه برقم (2812) ك/الجهاد، ب/مَسْحِ الغُبَارِ عَنِ الرَّأْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(2915) مُختصراً ك/الفتن وأشراط الساعة، ب/لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ، فَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الْمَيِّتِ مِنَ الْبَلَاءِ.
(2)
يُنظر: "الاستيعاب" 3/ 1135، "أسد الغابة" 4/ 122، "التهذيب" 21/ 215، "الإصابة" 7/ 291.
(3)
سورة "الأحزاب"، آية (33).
(4)
يُنظر: "فتح الباري"(7/ 108).
(5)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (13/ 58).
[131/ 531]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تَسْقِهَا، وَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تُرْسِلْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ
(1)
الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ فِي رِبَاطِهَا؛ وَدَخَلَتْ مُومِسَةٌ
(2)
الْجَنَّةَ، إِذْ مَرَّتْ عَلَى كَلْبٍ عَلَى طَوِيٍّ
(3)
، يُرِيدُ الْمَاءَ، فَلا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا أَوْ مُوقَهَا
(4)
، فَرَبَطْتُهُ فِي خِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ، فَسَقَتْهُ حَتَّى أَرْوَتْهُ».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُغِيرَةِ بن أبي لَبِيدٍ إلا محمد بن إِسْحَاقَ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه ابن الفاخر في "موجبات الجنَّة"(254)، مِنْ طريق المُصَنِّف، عن أحمد بن القاسم، به.
• وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(6044)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، به.
• وأخرجه ابن معين في "الجزء الثاني مِنْ فوائده"(196 و 197)، وهَنَّاد بن السريّ في "الزهد"(1341)، كلاهما قال: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، بلفظه، إلا أحرفًا يسيرة.
• وأخرجه أحمد في "مسنده"(10583 و 10584)، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2245) ك/البر والصلة، ب/فَضْلِ سَاقِي الْبَهَائِمِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِطْعَامِهَا، وأبو يعلى في "مسنده"(6035) - ومِنْ طريقه ابن حبَّان في "صحيحه"(386) -، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال"(516)، مِنْ طريق هِشَام بن حَسَّان.
- والبخاري في "صحيحه"(3321) ك/بدء الخلق، ب/إذا وَقَعَ الذُّبَابُ في شراب أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، فَإِنَّ في إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وفي الأُخْرَى شِفَاءً، مِنْ طريق عوف بن أبي جميلة العبديّ.
- والبخاري أيضًا برقم (3467) ك/أحاديث الأنبياء، ب/حديث الغار - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(15819) -، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2245/ 2) ك/البر والصلة، ب/فَضْلِ سَاقِي الْبَهَائِمِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِطْعَامِهَا، مِنْ طريق أيوب السختياني.
ثلاثتهم عن محمد بن سيرين - وعند البخاري في بدء الخلق: عن الحسن، وابن سيرين -، بنحوه.
ووقع عند أحمد في الموضع الأول بجزئه الثاني فقط، وفي الموضع الثاني بجزئه الأول فقط. وعند الباقين بجزئه الثاني فقط. وعند البخاري، ومسلم:"بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ".
(1)
أَيْ هَوامِّها، وحشَراتِها. يُنظر:"النهاية في غريب الحديث"(2/ 33).
(2)
مُومِسَة: بضم الميم، الفاجرة، والمجاهرة. يُنظر:"مشارق الأنوار"(2/ 288).
(3)
طَوِيّ: بفتح الطَّاء، وكسر الواو، آخره مشدد، البئر المطوية بالحجارة، وجمعها أطواء. "مشارق الأنوار"(1/ 323).
(4)
الموق: ضرب من الخفاف، فارسية معربة ويجمع أمواقا. يُنظر:"الفائق في غريب الحديث" للزمخشري (1/ 434).
• وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(2243) ك/السلام، ب/تحريم قتل الهرة، قال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ بن عروة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ، لَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَسْقِهَا، وَلَمْ تَتْرُكْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» .
• وفي الباب عن عبد الله بن عُمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري في "صحيحه"(2365) ك/المساقاة، ب/فَضْلِ سَقْيِ المَاءِ، وبرقم (3318) ك/بدء الخلق، ب/خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ، وبرقم (3485) ك/أحاديث الأنبياء، ب/حديث الغار، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2242) ك/السلام، ب/تحريم قتل الهرَّة، وفي ك/البر، ب/تَحْرِيمِ تَعْذِيبِ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْذِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، ولا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» . واللفظ لمسلم.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) محمد بن العلاء بن كُرَيْب، أبو كُرَيْب الهَمْدانيُّ الكوفيُّ الحافظ.
روى عن: عَبْدَة بن سُلَيْمان، وعبد الله بن المبارك، ووكيعٌ بن الجَرَّاح، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبخاري، ومُسْلمٌ، وأصحاب السُّنَنِ، والنَّاس.
حاله: قال أبو حاتم: صدوقٌ. وقال النَّسائي، ومسلمة بن القاسم، والذهبي: ثِقَةٌ. ذكره ابن حبَّان في الثقات". وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، حافظٌ. وروى له الجماعة.
(1)
3) عَبْدة بن سُليمان أبو محمد الكِلابيّ الكوفيُّ.
روى عن: محمد بن إسحاق، وهشام بن عُروة، والأعمش، وعُبيد الله بن عُمر، وآخرين.
روى عنه: محمد بن العلاء، ومحمد بن عبد الله بن نُمَيْر، وأبو بكر بن أبي شيبة، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، وابن معين، والعِجْليُّ، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: مُسْتَقيم الحديث جداً. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وروى له الجماعة.
(2)
4) محمد بن إسحاق بن يسار، المُطَّلبيُّ المَخْرَميُّ المَدَنِيّ، أَبُو بكر، ويقال: أَبُو عَبْد الله الأحول.
روى عن: المغيرة بن أبي لبيد، والزهريّ، ونافع، وخلق سواهم.
روى عنه: عبدة بن سُليمان، والثوري، وشعبة، والنَّاس.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 52، "الثقات" 9/ 105، "تاريخ دمشق" 55/ 52، "التهذيب"(26/ 243)، "السير" 11/ 394، "تهذيب التهذيب" 9/ 386، "التقريب"(6204).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 108، "الجرح والتعديل" 6/ 89، "الثقات" 7/ 164، "التهذيب" 18/ 530، "التقريب"(4269).
حاله: اختلف فيه أقوال النّقاد اختلافًا واسعًا، ففيه الجرح والتعديل المطلق والمُقيَّد، والمُجْمَل والمُفَسَّر، والجرح المُفَسَّر مِنْه ما هو قادحٌ وما ليس بقادحٍ، ومِنْ توثيقه ما هو أعلا التوثيق، ومِنْه ما هو أوسطه، ومِنْهُ ما هو أدناه، وكذلك الجرح، والجرح والتعديل مِنْهُ ما صدر مِنْ مُتَشَدِّد، وما صدر مِنْ مُعتدلٍ، وما صدر مِنْ مُتساهلٍ، وما صدر عن فحصٍ لمروياته وسبرها، ومِنْ العلماء مَنْ أشار إلى الخلاف فيه دون ترجيح، ومِنْهم مَنْ تصدَّى للترجيح؛ لذا سنشير إلى طرفٍ مِنْ هذه الأقوال، ثُمَّ أذكر حاصل هذه الأقوال، كالآتي:
- قال يزيد بن هارون، وابن عُيَيْنَة، وشعبة: أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن معين: ثبتٌ في الحديث. وقال أيضًا: كان ثِقَةً، وكان حسن الحديث - أي: في سياقه للمتون -. وقال العجلي، وابن سعد: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: كان من أحسن الناس سياقًا للأخبار وأحفظهم لمتونها. وقال البخاري: مُحَمَّد بْن إِسْحَاق ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فِيهَا أحد - وهذا دليلٌ على سعة مروياته -. وَقَال ابن البرقي: لم أر أهل الحديث يختلفون في ثقته وحسن حديثه. واستشهد به البخاري في "الصحيح"، وروى له في "القراءة خلف الإمام" وغيره، وروى لَهُ مسلم في المتابعات، واحتج بِهِ الباقون.
- وقال شعبة، وابن معين، وأبو زرعة: صدوقٌ في الحديث. وقال عليّ بن المدينيّ: صَدُوقٌ؛ وَالدَّلِيل على صدقه، أَنَّهُ مَا روى عَنْ أحد من الجلة إِلَّا وروى عَنْ رجل عَنْهُ فَهَذَا يدل على صدقه. وقال أحمد: حسنُ الحديث. وقال ابن عدي: وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد فِي أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، ورُبما أخطأ أو وهم فِي الشيء بعد الشيء كما يُخطئ غيره، ولم يتخلف عنه فِي الرواية عنه الثقات والأئمة، وَهو لا بأس به. وقال الذهبي في "الكاشف": كان صدوقًا من بُحور العلم، وله غرائب في سعة ما روى تُسْتَنْكر، واختلف في الاحتجاج به، وحديثه حسنٌ، وقد صَحَّحَه جماعةٌ. وفي "المغني": أحدُ الْأَعْلَام صَدُوقٌ، قوي الحَدِيث، إِمَامٌ لا سِيَّمَا في السّير. وفي "تاريخ الإسلام": الَّذِي استقر عَلَيْهِ الأمر أن ابن إسحاق صالح الحديث، وأنه في المغازي أقوى مِنْهُ في الأحكام. وفي "تذكرة الحفاظ": أحد أوعية العلم، حَبْرًا في معرفة المغازي والسير، وليس بذاك المُتْقِن فانحط حديثه عن رتبة الصحة، وهو صدوقٌ في نفسه مرضي. وفي "الميزان": وهو صالح الحديث، ماله عندي ذنب إلا ما قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة، والأشعار المكذوبة. ثُمَّ توسَّع في ترجمته، فعرض عامة الأقوال فيها على اختلافها توثيقًا وتجريحًا، وردَّ على مَنْ كَذَّبه، أو نسبه إلى ما يقتضي رد حديثه مُطلقًا، أو شدة ضعفه، وفي نهاية عرضه للآراء، وما ذكره مِنْ الرُدود، قال: فالذي يظهر لي، أنَّ ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال، صدوقٌ، وما انفرد به ففيه نكارةٌ، فإنَّ في حفظه شيئاً، وقد احتج به الأئمة.
وأمَّا في كتابه "السير" - الذي بَيَّضه بعد تأليفه للميزان بوقت قصير -، قال: وهذان الرجلان - يقصد ابن إسحاق، ومالك لما كان بينهما مما هو معروفٌ - كل منهما قد نال من صاحبه، لكن أثَّر كلام مالك في محمد بعض اللين، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة، وارتفع مالك، وصار كالنجم، والآخر فله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير، وأما في أحاديث الأحكام، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد مُنْكَرًا، هذا الذي عندي في حاله. وكلام الذهبي يُشير إلى اختياره تصحيح حديث ابن إسحاق في السير ونحوها، وتحسين حديثه في الأحكام،
بشرط عدم الشذوذ. وقال ابن حجر: إمام المغازي، صدوقٌ، يُدَلِّس، ورُميَ بالتشيع، والقدر.
- وقال ابن معين: ما أحب ان أحتج به في الفرائض. وقال مَرَّة أخرى: ليس بذاك، هو ضعيفٌ. وقال حمَّاد بن سلمة: لولا الاضطرار ما رويت عن ابن إسحاق شَيئًا. وقال أحمد: ليس بحجة. وقال أبو حاتم: ليس عندي في الحديث بالقوى، ضعيف الحديث، وهو أحب إلي من أفلح بن سعيد، يُكتب حديثه. وقال النَّسائيُّ: ليس بالقوي. وَقَال الدَّارَقُطنِيّ: اختلف الأئمة فيه وليس بحجة إنما يُعتبر به.
- وقال الشافعي: مَنْ أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيالٌ على ابن إسحاق. وسُئل الزهري عن مرويات ابن إسحاق في المغازي والسير، فقال: هذا أعلم النَّاس بها. وقال أيضًا: مَنْ أراد المغازي فعليه بابن إسحاق. وأخرج البيهقي عن أبي العبَّاس الدغوليّ، قال: ابن إسحاق إمامٌ في المغازي، صدوقٌ في الرواية.
- وقال الإمام أحمد: كثير التدليس جدًا، فكان أحسن حديثه عندي ما قال: أخبرني وسمعت. وقال ابْن أَبِي فديك: رَأَيْت ابن إِسْحَاق كثير التدليس، فإذا قَالَ: حدّثني، وأخبرني، فهو ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: إِنَّمَا أُتِي مَا أُتِي لِأَنَّهُ كَانَ يُدَلس على الضُّعَفَاء، فَوَقع الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته من قبل أُولَئِكَ، فَأَمَّا إِذا بَيَّن السماع فِيمَا يرويهِ فَهُوَ ثَبْتٌ يُحْتَج به. ووصفه بالتدليس الذهبي وغيره، وعدَّه العلائي وابن حجر في الطبقة الرابعة مِنْ المدلِّسين - التي اتفق العلماء على أنَّه لا يُحْتجُّ بحديثهم إلا بما صَرَّحوا فيه بالسماع لغلبة تدليسهم وكثرته عن الضعفاء والمجهولين -؛ وعليه يكون المُعْتمد رَدُّ ما دلَّسه ابن إسحاق وإن لم يقدح في عدالته.
(1)
- فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ، حسن الحديث، يُدلِّس، فلا يُحْتجُّ بروايته إلا ما صرَّح فيه بالسماع، مع تجنب ما شَذَّ به، أو وهم فيه، ولكنَّه يُقَدَّم في المغازي والسيرة عند الترجيح لإمامته فيهما.
5) المُغيرَة بْن أبي لبيد. روى عن: محمد بن سيرين. روى عنه: محمد بن إسحاق بن يَسار.
حاله: ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، ولم يذكرا فيه جرحًا، ولا تعديلاً، وإنَّما أورد البخاري حديث الباب في ترجمته. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". فهو:"مجهول الحال".
(2)
(1)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 2/ 232، "الجرح والتعديل" 7/ 191، "الثقات" 7/ 380، "الكامل" 7/ 270، "تاريخ بغداد" 2/ 7، "تهذيب الكمال" 24/ 405، "الكاشف" 2/ 156، "المغني" 2/ 159، "تاريخ الإسلام" 4/ 193، "تذكرة الحفاظ" 1/ 172، "السير" 7/ 33، "الميزان" 3/ 468، "جامع التحصيل"(ص/109 و 113 و 261)، "طبقات المدلِّسين"(ص/51)، "التقريب"(5725)، ويُنظر لزاماً تعليق أستاذنا الفاضل الأستاذ الدكتور/أحمد معبد على "النفح الشذي في شرح جامع الترمذي"(2/ 698 - 791)، ففيه أطال وأجاد - كعادته - في جمع الأقوال ودراستها، ومناقشتها، والجمع بينها - بناء على أصول وقواعد هذا الفن - وتوصل في النهاية إلى أنَّه في مرتبة الحسن لذاته، ما لم يُدَلِّسه، أو يشذ به، سواء في ذلك ما تعلَّق بالأحكام، أو ما تعلَّق بالمغازي والسيرة ونحوهما، ولكنَّه يُقَدَّم في المغازي والسيرة عند الترجيح لإمامته فيهما .. وقد جعل أستاذنا الفاضل الأستاذ الدكتور/مروان شاهين رسالته للعالمية (الدكتوراه) سنة 1399 هـ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر، والتي بعنوان/ "محمد بن إسحاق وجهوده الحديثية"، وانتهى فيها - جزاه الله عنَّا خيراً - إلى تصحيح حديثه.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 325، "الجرح والتعديل" 8/ 228، "الثقات" 7/ 466.
6) مُحَمَّد بن سيرين الأَنْصارِيّ، أبو بكر بْن أبي عُمَرة البَصْرِيّ، مولى أنس بْن مالك.
روى عن: أبي هريرة، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وآخرين.
روى عنه: أَيُّوب السختياني، وثابت البُنانيُّ، والمغيرة بن أبي لبيد، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وأبو زرعة، والعِجْلي: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: كان فَقِيهًا فاضلًا حَافِظًا مُتْقِنًا، يُعبِّر الرُّؤْيَا، رأى ثَلَاثِينَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وقال الذهبي: ثقةٌ حجةٌ، كبير العلم. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ عابدٌ، كبير القدر، كان لا يَرى الرواية بالمعنى. روى له الجماعة.
7) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، من المُكثرين"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لأجل المغيرة بن أبي لبيد "مجهول الحال".
وللحديث متابعات، وشواهد في "الصحيحين"، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُغِيرَةِ بن أبي لَبِيدٍ إلا محمد بن إِسْحَاقَ.
قلتُ: وحكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيح، لم أقف على حد بحثي على ما يدفعه، وهو تفرد نسبيٌّ.
ووافقه على ذلك الإمام الدَّارقطني، فقال: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيث المُغيرَة بن أبي لبيد، تَفَرَّد بِهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَنهُ، وَهُوَ غَرِيب عَنهُ.
(1)
خامساً: - التعليق على الحديث:
في الحديث دليل لتحريم قتل الهرة، وتحريم حبسها بغير طعام أو شراب، وأمَّا دخولها النار بسببها: فظاهر الحديث أنَّها كانت مسلمةٌ، وإنِّما دخلت النار بسبب الهرة، وذكر القاضي: أنَّه يجوز أنها كافرة عُذِّبت بكفرها، وزيد في عذابها بسبب الهرة، واستحقت ذلك لكونها ليست مؤمنة تُغفر صغائرها باجتناب الكبائر، قال الإمام النووي: والصواب أنها كانت مسلمة، وأنَّها دخلت النَّار بسببها كما هو ظاهر الحديث، وهذه المعصية ليست صغيرة، بل صارت بإصرارها كبيرة، وليس في الحديث أنها تُخَلَّد في النَّار.
وفي هذا الحديث: الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم، وهو ما لا يُؤمر بقتله، فأمَّا المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع في قتله، وأمَّا المحترم فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه أيضًا بإطعامه وغيره، سواء كان مملوكًا أو مباحًا، وسواء كان مملوكًا له أو لغيره، والله أعلم.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للإمام الدارقطني"(5/ 247).
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(14/ 240)، "فتح الباري" لابن حجر (6/ 358).
[132/ 532]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبِي، وَعَمِّي، قالا: نا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا
(1)
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ
(2)
فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الأوزاعيِّ، عن يحيى، عن أبي سلمة إلا رَوَّادٌ.
هذا الحديث مَداره على الأوزاعيِّ، واختلف عليه فيه مِن ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن رَجُلٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن بُسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول: ولم يَرْوه عن الأوزاعي بهذا الوجه إلا رَوَّاد بن الجَرَّاح:
• لم أقف عليه بهذا الوجه - على حد بحثي - إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (إسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) رَوَّاد بن الجَرَّاح الشامي، أبو عصام العَسْقَلانيُّ.
روى عن: الأَوزاعِيّ، وصدقة بن يَزيد، وسفيان الثوري، وآخرين.
روى عنه: عيسى بن مُساور، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال أيضاً: لا بأس به، إنما غلط في حديثٍ عن سفيان. وقال أحمد: لا بأس به، صاحب سنة، إلا أنَّه حَدَّث عن سفيان أحاديث مناكير. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، تغير حفظه في آخر عمره، وكان محله الصدق. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: يُخْطئ ويُخَالف.
- وقال البخاري: اختلط، لا يكاد أن يقوم حديثُه. وقال النَّسائي: ليس بِالقويّ، روى غير حَدِيث مُنكر، وكان قد اخْتَلَط. وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه عن مشايخه لا يُتابعه النَّاس عليه، وهو مِمَّن يُكتب حديثه. وقال الدَّارقطني: متروكٌ.
(1)
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(6/ 50): "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا": أي هيَّأ له أسباب سفره.
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(6/ 50): "خَلَفَه": بفتح المعجمة واللام الخفيفة، أي: قام بحال من يتركه.
- وقال ابن حجر: "صدوقٌ، اختلط بآخرة فَتُرِكَ، وفي حديثه عن الثوري ضَعْفٌ شَديدٌ".
(1)
5) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعيُّ: "ثِقَةٌ، فَقيهٌ، عابدٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
6) يحيى بن أبي كثير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، كثير الإرسال والتدليس"، تَقَدَّم في الحديث رقم (53).
7) أَبُو سلمة بن عَبْد الرحمن بن عوف القُرَشِيُّ، الزُّهْرِيُّ، المَدَنِيُّ، قيل: اسمه عَبد اللَّه، وقيل: إِسْمَاعِيل، وقِيلَ: اسمه وكنيته واحد.
روى عن: أبي هُرَيْرة، وجابر بن عَبد اللَّهِ، وعبد الله بن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: يحيى بن أبي كثير، وسَعِيد بن أبي سَعِيد المَقْبُرِيّ، والزُّهْري، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي، وابن سعد، وأبو زرعة، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: كان إِمَامًا حُجَّةً، وَاسِعَ العلم. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ مُكْثِرٌ. وروى له الجماعة.
(2)
8) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، من المُكثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (8).
ثانياً: - الوجه الثاني:
الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن رَجُلٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أبو محمد الحارث - المعروف بابن أبي أسامة - في "مسنده" - كما في "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث"(623) -، قال: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الأزدي، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن محمد الفَزَاري، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، به.
• وذكره كذلك البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة"(4300)، بإسناد الحارث، وقال: هذا إسناد ضعيفٌ، لجهالة التابعي. والحديث أيضاً في "المطالب العالية"(1958).
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد الحارث):
1) مُعاوية بن عَمْرو بن المُهَلَّب الأزدي: "ثِقَةٌ".
(3)
2) إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري: "ثقةٌ حافظٌ، له تصانيف".
(4)
3) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعيُّ: "ثِقَةٌ، فَقيهٌ، عابدٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
4) يحيى بن أبي كثير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، كثير الإرسال والتدليس"، تَقَدَّم في الحديث رقم (53).
5) عن رجلٍ: "مُبْهمٌ"، لعلَّه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، كما في بقية طرق الحديث بالأوجه الأخرى.
6) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، من المُكثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (8).
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 336، "الجرح والتعديل" 3/ 524، "الثقات" 8/ 246، "الكامل" 4/ 114، "تاريخ دمشق" 18/ 211، "التهذيب" 9/ 227، "الميزان" 2/ 55، "الاغتباط"(ص/123)، "الكواكب النَّيرات" 1/ 176، "التقريب"(1958).
(2)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 5/ 1، "تهذيب الكمال" 33/ 370، "تاريخ الإسلام" 2/ 1198، "التقريب"(8142).
(3)
يُنظر: "التقريب"(6768).
(4)
يُنظر: "التقريب"(230).
ثالثاً: - الوجه الثالث:
الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن بُسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(5228)، وفي "مكارم الأخلاق"(143)، قال: حدَّثنا أحمد بن المُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، وعَبْدَانُ بن أحمد، قالا: ثنا هِشَامُ بن خَالِدٍ، ثنا عُقْبَةُ بن عَلْقَمَة، ثنا الأوزاعيُّ، ثني يَحْيَى بن أبي كثير، ثني محمَّد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبو سَلَمَة بن عَبْدِ الرَّحمن، عن بُسْرِ بن سَعِيدٍ، به.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث (إسناد الطبراني):
1) أحمد بن المُعَلَّى بن يزيد الدِّمَشْقيُّ: روى عنه النَّسائي، وقال: لا بأس به.
(1)
2) هشام بن خالد بن زيد الأزرق: "ثِقَةٌ".
(2)
3) عُقْبَة بن عَلقمة بن حُدَيْج البَيْرُوتِيُّ: "ثِقَةٌ".
(3)
4) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعيُّ: "ثِقَةٌ، فَقيهٌ، عابدٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
5) يحيى بن أبي كثير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، كثير الإرسال والتدليس"، تَقَدَّم في الحديث رقم (53).
6) محمد بن عبد الرحمن بن ثَوبان العَامري: "ثِقَةٌ".
(4)
7) أبو سلمة بن عَبْد الرحمن بن عوف القُرَشِيُّ: "ثِقَةٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الوجه الأول.
8) بُسْر بن سَعيد المَدَنيُّ العابد: "ثِقَةٌ جليلٌ".
(5)
9) زيد بن خالد الجُهَنيُّ: "صحابيٌّ مشهورٌ".
(6)
ت مُتابعات للوجه الثالث: تُوبع الأوزاعي في هذا الحديث على روايته بهذا الوجه، تابعه جماعة:
• فأخرجه الطيالسي في "مسنده"(998 و 1427)، والترمذي في "سننه"(1631) ك/الجهاد، ب/مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا، والنَّسائي في "الكبرى"(4375) ك/الجهاد، ب/فَضْل مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا، وفي "الصغرى"(3181)، والطبراني في "الكبير"(5229)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 333).
كلهم مِن طُرقٍ عن حرب بن شَدَّاد. وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
(1)
يُنظر: "تهذيب الكمال" 1/ 485، "تهذيب التهذيب" 1/ 81، "التقريب"(108).
(2)
يُنظر: "التقريب، وتحريره"(7291).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 314، "الكامل" لابن عدي 6/ 491، "تهذيب الكمال" 20/ 211، "الميزان" 3/ 87، "تهذيب التهذيب" 7/ 247، "التقريب"(4645). وإنَّما ضُعِّف حديثه مِن رواية ابنه محمد عنه؛ كان يُدْخل في حديثه ما ليس مِنْه.
(4)
يُنظر: "التقريب"(6069).
(5)
يُنظر: "التقريب"(666).
(6)
يُنظر: "التقريب"(2133).
• وأخرجه أحمد في "مسنده"(17045 و 21681)، والبخاري في "صحيحه"(2843) ك/الجهاد، ب/فَضْل مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ خَلَفَهُ بِخَيْرٍ - ومِن طريقه البغوي في "شرح السنة"(2624)، وفي "تفسيره (4/ 111) -، ومسلمٌ في "صحيحه" (1895/ 2) ك/الإمارة، ب/فَضْل إِعَانَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَرْكُوبٍ وَغَيْرِهِ، وأبو داود في "سننه" (2509) ك/الجهاد، ب/مَا يُجْزِئُ مِنَ الْغَزْوِ، وأبو عوانة في "المُستخرَج" (7403 و 7404) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (56/ 286) -، والطبراني في "الكبير" (5230)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (17841). كلهم مِن طُرُقٍ عن الحُسين بن ذكوان المُعَلِّم.
• وأحمد في "مسنده"(17056)، والطبراني في "الكبير"(5226)، مِن طريق علي بن المبارك الهُنَائيُّ.
• وعبد بن حُميد - كما في "المنتخب"(277) -، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(255)، وابن الجارود في "المنتقى"(1037)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(7405) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخه"(56/ 286) -، والطبراني في "الكبير"(5227)، كلهم مِن طريق شَيْبان بن عبد الرحمن النَّحوي.
• والترمذي في "سننه"(1628) ك/الجهاد، ب/مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا، والطبراني في "الكبير"(5225)، مِن طريق أبي إسماعيل إبراهيم بن عبد الملك القنَّاد. وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
خمستهم (حرب، والحُسين، وعلي، وشَيْبان، وإبراهيم) عن يحيى بن أبي كثيرٍ، به.
رابعاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَداره على الأوزاعيِّ، واختلف عنه مِن ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن رَجُلٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن بُسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ رضي الله عنه.
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثالث هو الأقرب والأشبه للصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الوجه الأول انفرد به رَوَّاد، وهو وإن كان صدوقاً في نفسه، لكنَّه اختلط بآخرة فتُرِك حديثه.
2) وجود متابعات للأوزاعي على الوجه الثالث، بخلاف الوجه الأول والثاني فلم يُتابع عليهما، وهذا يدل - ولا شك - على حفظه وضبطه للوجه الثالث عن يحيى بن أبي كثير.
3) ذكر الإمام أحمد: أنَّ الأوزاعي كان لا يُقِيْمُ حديث يحيى بن أبي كثير، ولم يكن عنده في كتاب، وإنَّما كان يُحدِّث به مِن حفظه ويهم فيه.
(1)
فلعلَّه حدَّث بهذا الحديث مِن حفظه فوهم فيه، فلمَّا تابعه الثقات عن يحيى بالوجه الثالث دلَّ ذلك على ضبطه لهذا الوجه دون غيره.
4) إخراج البخاري ومسلم للحديث في "صحيحيهما" برواية يحيى بن أبي كثير بالوجه الثالث.
5) ترجيح الأئمة للوجه الثالث: فَسُئل الإمام الدَّارقطني عن هذا الحديث بالوجه الثاني، فقال: الصَّحِيحُ
(1)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (2/ 486).
عن يَحْيَى، عن أبي سَلَمَة، عن بُسْرِ بن سَعِيدٍ، عن زَيْدِ بن خَالِدٍ الجُهَنِيِّ.
(1)
خامساً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني رضي الله عنه:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنكرٌ"؛ لأجل رَوَّاد بن الجَرَّاح "اختلط بآخرة" ولم يتميَّز حديثه، وقد انفرد به فلم يُتابعه عليه أحدٌ، مع مخالفته لما رواه عامة الثقات عن يحيى بن أبي كثير.
ب الحكم على الحديث مِن وجهه الراجح (بإسناد الطبراني في "المعجم الكبير"):
ومِنْ خلال ما سبق يتَّضح أنَّ الحديث مِن وجهه الراجح عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن بُسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ رضي الله عنه، "إسناده صحيحٌ لذاته"، وله متابعات مُخَرَّجة في "الصحيحين" وغيرهما، والله أعلم.
سادساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن الأوزاعيِّ، عن يحيى، عن أبي سلمة إلا رَوَّادٌ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرد نسبيٌّ؛ لكنَّه مُقَيَّد برواية أبي هريرة رضي الله عنه، فلقد رواه عُقْبة بن عَلْقَمة، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن بُسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ رضي الله عنه والله أعلم -.
سابعاً: - التعليق على الحديث:
قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» : أي حصل له أجرٌ بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهادٍ، وسواء قليله وكثيره؛ ولكل خالف له في أهله بخير: من قضاء حاجة لهم، وإنفاق عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته. وفي هذا الحديث: الحث على الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين، أو قام بأمر من مهماتهم.
(2)
وقوله صلى الله عليه وسلم "فَقَدْ غَزَا": قال ابن حبان: معناه أنَّه مثله في الأجر وإنْ لم يغز حقيقةً، ثُمَّ أخرجه من وجه آخر عن بسر بن سعيد رضي الله عنه بلفظ:"كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ"
(3)
.
ولابن ماجة، وابن حبان من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحوه، بلفظ:«مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرْجِعَ»
(4)
، قال الحافظ ابن حجر: أفادت فائدتين:
(1)
يُنظر: "العلل"(11/ 242/مسألة 2263).
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(13/ 40).
(3)
يُنظر: "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبَّان"(10/ 490 - 491).
(4)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(2758) ك/الجهاد، ب/مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا، واللفظ له، وابن حبَّان في "صحيحه"(4628).
إحداهما: أنَّ الوعد المذكور مرتب على تمام التجهيز، وهو المراد بقوله:"حَتَّى يَسْتَقِلَّ".
ثانيهما: أنَّه يستوي معه في الأجر إلى أن تنقضي تلك الغزوة.
وأمَّا ما أخرجه مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي لَحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَالَ:«لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا، وَالأَجْرُ بَيْنَهُمَا»
(1)
، وفي رواية: ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِ: «أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ، كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ»
(2)
ففيه: إشارة إلى أن الغازي إذا جهز نفسه، أو قام بكفاية من يخلفه بعده كان له الأجر مرتين.
وقال القرطبي: لفظة "نصف" يشبه أن تكون مُقْحَمَة أي: مزيدة من بعض الرواة. وقد احتج بها من ذهب إلى أن المراد بالأحاديث التي وردت بمثل ثواب الفعل حصول أصل الأجر له بغير تضعيف، وأنَّ التضعيف يختص بمن باشر العمل. قال القرطبي: ولا حجة له في هذا الحديث لوجهين:
أحدهما: أنَّه لا يتناول محل النزاع؛ لأنَّ المطلوب إنَّما هو: أنَّ الدال على الخير مثلاً هل له مثل أجر فاعله مع التضعيف أو بغير تضعيف، وحديث الباب إنما يقتضي المشاركة والمشاطرة فافترقا.
ثانيهما: ما تقدم من احتمال كون لفظة نصف زائدة.
قلت (ابن حجر): ولا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح. والذي يظهر في توجيهها: أنَّها أُطْلِقَت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير، فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر، فلا تعارض بين الحديثين.
وأمَّا من وُعِدَ بمثل ثواب العمل وإن لم يعمله إذا كانت له فيه دلالة أو مشاركة أو نية صالحة فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد، وصرف الخبر عن ظاهره يَحتاج إلى مستند، وكأنَّ مستند القائل: أنَّ العامل يباشر المشقة بنفسه، بخلاف الدال ونحوه، لكن مَن يُجهز الغازي بماله مثلاً وكذا من يَخلفه فيمن يترك بعده يباشر شيئا من المشقة أيضاً، فإنَّ الغازي لا يتأتى منه الغزو إلا بعد أن يكفى ذلك العمل، فصار كأنَّه يُبَاشر معه الغزو، بخلاف من اقتصر على النية مثلاً، والله أعلم. أ. هـ
(3)
* * *
(1)
أخرجه مسلمٌ (1896/ 1) ك/الجهاد، ب/فَضْلِ إِعَانَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَرْكُوبٍ وَغَيْرِهِ، وَخِلَافَتِهِ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ.
(2)
عند مسلم في "صحيحه"(1896/ 4)، في الموضع السابق.
(3)
يُنظر: "فتح الباري"(6/ 50).
[133/ 533]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: نا عُبَيْدَةُ بْنُ الأسْوَدِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَمُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بِتُّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ لِحَاجَتِهِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ رُومِيَّةٌ، فَتَمَسَّحَ فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ألا نَزَعْتَهُمَا؟
قَالَ: «إِنِّي لَبِسْتُهُمَا عَلَى طُهْرٍ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن القاسم بن الوليد ومُجَالِد إلا عُبَيْدَةُ بن الأسود، تَفَرَّدَ به: عَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ بن أَبَانَ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(871)، عن أحمد بن القاسم بن مُساور، به.
• وأخرجه أحمد في "مسنده"(18141) عن عَبْدَة بن سُلَيْمَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الكِلَابِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وذكر الحديث بنحوه. ولم يذكر فيه: عروة.
(1)
• وأخرجه الحميدي في "مسنده"(776) - ومِن طريقه الدَّارقطني في "سننه"(753) -، وأحمد في "مسنده"(18193 و 18196 و 18235 و 18239 و 18242)، والدَّارمي في "سننه"(740)، والبخاري في "صحيحه"(206) ك/الوضوء، ب/إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، وأيضاً برقم (5799) ك/اللباس، ب/لُبْسِ جُبَّةِ الصُّوفِ في الغَزْوِ - ومِن طريقه البغوي في "شرح السنة"(235)، وفي "التفسير"(2/ 20) -، ومسلمٌ في "صحيحه"(274/ 6،7) ك/الطهارة، ب/المسح على الخفين، وأبو داود في "سننه"(151) ك/الطهارة، ب/المسح على الخفين - ومِنْ طريقه ابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 128) -، والترمذي في "سننه"(1768) ك/اللباس، ب/مَا جَاءَ في لُبْسِ الجُبَّةِ وَالخُفَّيْنِ، وفي "الشمائل"(71)، والنَّسائي في "الكبرى"(111) ك/الطهارة، ب/المسح على العِمامة مع النَّاصية، وفي "الصغرى"(82)، وابن خزيمة في "صحيحه"(190، 191)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(699 - 702)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(5654)، وفي "معاني الآثار"(133)، وابن الأعرابي في "معجمه"(2400)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(3/ 87)، وابن حبان في "صحيحه"(1326)، والطبراني في "الأوسط"(3525 و 5287 و 8933)، وفي "الكبير"(20/ 371/864 - 870)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "(264 و 322)، وأبو بكر القطيعي
(1)
قلتُ - والله أعلم -: وأصح الأوجه عن الشعبي، أنَّه رواه عن عُروة بن المغيرة عن أبيه، كما سيأتي. ولعلَّ رواية مُجالد هذه مِمَّا وهم فيه بسبب اختلاطه، وقد خالف فيه عامة الرواة عن الشعبي، فقد رواه غير واحدٍ مِن الثقات - وبعضهم في "الصحيحين" كما في التخريج - عن الشعبي عن عروة عن أبيه. وقال الدَّارقطني في "العلل"(7/ 100/مسألة 1235) بعد أنْ ساق الروايات عن الشعبي، ومِنْها رواية مُجالد هذه: وأحسنها إسناداً: حديث الشعبي عن عروة عن أبيه.
في "جزء الألف دينار"(100)، وأبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن البغدادي في "حديثه"(226)، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(6229)
(1)
،
والبيهقي في "السنن الكبرى"(1336).
كلهم مِن طُرقٍ عِدَّة، عن الشعبي - مِن أصح الأوجه عنه
(2)
-، بسنده، البعض بنحوه، والبعض مطولاً، وبعضهم مُخْتصراً. وعند البخاري ومسلم:"جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ". وفي رواية أبي داود: "وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ". وعند الترمذي: "لَبِسَ جُبَّةً رُومِيَّةً ضَيِّقَةَ الكُمَّيْنِ". وعند النسائي، وبعض الروايات عند أبي عوانة:"وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ". وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(182) ك/الوضوء، ب/الرَّجل يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ، وبرقم (203) ك/الوضوء، ب/المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ، وبرقم (4421) ك/المغازي، ب/81، ومسلمٌ في "صحيحه"(274/ 1،2) ك/الطهارة، ب/المسح على الخفين، بسندهما مِن طريق نَافِع بن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ.
- ومسلمٌ في "صحيحه"(274/ 8 - 11) ك/الطهارة، ب/المَسْحِ على النَّاصِيَةِ وَالعِمَامَةِ بسنده مِن طريق بكر بن عبد الله المُزني. كلاهما (نافع، وبكر) عن عروة بن المغيرة، عن أبيه، بنحوه.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(363) ك/الصلاة، ب/الصَّلَاةِ فِي الجُبَّةِ الشَّامِيَّةِ، وبرقم (388) ك/الصلاة، ب/الصَّلَاةِ فِي الخِفَافِ، وبرقم (2918) ك/الجهاد، ب/الجُبَّةِ فِي السَّفَرِ وَالحَرْبِ، وبرقم (5798) ك/اللباس، ب/مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الكُمَّيْنِ فِي السَّفَرِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(274/ 4،5) ك/الطهارة، ب/المسح على الخفين، بسندهما مِن طريق مسروقٍ بن الأَجْدع.
- ومسلمٌ في "صحيحه"(274/ 3) ك/الطهارة، ب/المسح على الخفين، مِن طريق الأسود بن هلال.
كلاهما (مسروق، والأسود) عن المغيرة بن شُعبة، بنحوه.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
(1)
وقال أبو نُعيم عقب تخريجه للحديث: رواه عن الشعبي: أبو إسحاق، وحصين، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد الله بن أبي السفر، ويونس بن أبي إسحاق، والقاسم بن الوليد، ومجالد، وبكر بن عامر، وداود الأودي، ومسلم مولى الشعبي.
ورواه عن عروة بن المغيرة: نافع بن جبير، وعباد بن زياد، وأبو الزناد. ورواه حمزة بن المغيرة، عن أبيه مختصراً.
ورواه عن المغيرة: مسروق، وأبو وائل، والأسود بن هلال، وسالم بن أبي الجعد، وطلحة بن نافع، وعلي بن ربيعة، وبشر بن حنيف، وعامر الشعبي، وهذيل بن شرحبيل، وسعد بن عبيدة، وعبد الرحمن بن أبي نعيم البجلي، وأبو بردة بن أبي موسى، وعبد الله بن بريدة، وقبيصة بن برمة، وفضالة الزهراني، وعمرو بن وهب الثقفي، والحسن البصري، وزرارة بن أوفى، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو السائب مولى هشام بن زهرة، وأبو إدريس الخولاني، كلهم، رووا عن المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، منهم من ساق القصة، ومنهم من اقتصر على المسح على الخفين والجوربين.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(1/ 307): ذكر البزار أنَّ حديث المغيرة هذا رواه عنه ستون رجلاً.
(2)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (7/ 96 - 100/مسألة 1235).
2) عَبد اللَّهِ بن عُمَر بن مُحَمَّد بن أبان، أبو عبد الرحمن الْقُرَشِي الأُمَوِي، لقبه: مُشْكدَانة.
(1)
روى عن: عُبَيْدَة بن الأسود، وعبد الله بن المبارك، ومحمد بن فُضَيل، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، ومسلمٌ، وأبو داود، وآخرون.
حاله: قال أحمد، والذهبي في "الكاشف": ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم، والذهبي في "الميزان"، وابن حجر: صدوقٌ. وزاد الذهبي: صاحب حديث. وزاد ابن حجر: فيه تَشَيُّعٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال صالح جزرة: كان غاليًا في التَّشَيُّعِ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"؛ فقد وثَّقه أحمد، وأمَّا أبو حاتم فمُتَشَدِّدٌ، وقد روى عنه.
(2)
3) عُبَيدة بن الأسود بن سَعِيد الهَمْدَانيُّ الكوفيُّ.
روى عن: سَعِيد بن أبي عَرُوبَة، والقاسم بن الوَلِيد الهَمْدَانيِّ، ومُجَالد بن سَعِيد، وآخرين.
روى عنه: عبد الله بن عُمَر بن أبان، وعُثمان بن أبي شَيْبَة، ويُوسف بن عدي، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ما بحديثه بأسٌ. وقال أبو زرعة: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: يُعْتَبر حَدِيثه إذا بَيَّن السماع، وكان فَوْقه ودونه ثِقَاتٌ. وقال ابن حجر: صَدُوقٌ رُبَّما دَلَّس. وذكره في المرتبة الثالثة مِن مراتب المدلِّسين.
(3)
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"؛ لتوثيق أبي حاتم وأبي زرعة له، وكفاه! بل وذكره ابن حبَّان أيضاً في "الثقات".
وأمَّا عن تدليسه: فقد وسمه ابن حجر في "التقريب" بقلَّتِه، فقال: رُبَّما دَلَّس. ولمَّا ذكره في "الطبقات"، لم يذكر إلا قول ابن حبَّان، وهو قولٌ انفرد به، فلا عبرة به، أو يُحمل تدليسه على الإرسال الخفي وهو أولى
(4)
.
4) القاسم بن الوليد الهَمْدَانِيُّ، أَبُو عبد الرحمن الكوفي القاضي.
روى عن: الشَّعْبي، وعاصم بن بَهْدَلَة، وقَتَادة، وآخرين.
روى عنه: عُبَيدة بن الأسود، والفضل بن دُكين، وحُسين الجُعْفي، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْليُّ، وابن سعد، والذهبيُّ: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر:
(1)
أسند ابن حبَّان في "الثقات"(8/ 358)، عن عبد الله بن عُمر بن أبان، قال: لقبني به أبو نُعيم، كنت إِذا أَتَيْتُه تلبَّسْتُ وتَطَيَّبْتُ، فَإِذا رَأَىنِي قال: قد جاء مُشْكُدَانة. ونقل المزي في "تهذيب الكمال"(15/ 347)، عن أبي بكر بن منجويه، قال: وقيل: سمَّاه به أهل خُراسان، ومُشْكُدانة بلغتهم: وعاءُ المِسْك. وأمَّا عن ضبطه: فقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(11/ 156): وضبط ابن الصَّلاح مُشْكَدَانَةَ: بِضَمِّ أَوَّلِه، وَفَتْحِ ثَالِثِهِ. وقال شيخنا المِزِّيُّ: في الكاف الضَمُّ أيضاً، وذلك جَائِزٌ. وضبطه ابن حجر في "التقريب" (3493): بضم الميم والكاف بينهما معجمةٌ ساكنةٌ، وبعد الألف نون. قال: وهو وعاءُ المِسْك بالفارسيةِ.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 111، "الثقات" 8/ 358، "التهذيب" 15/ 345، "الكاشف" 1/ 578، "سير أعلام النبلاء" 11/ 155، "الميزان" 2/ 466، "التقريب"(3493).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 95، "الثقات" 8/ 437، "تهذيب الكمال" 19/ 272، "تعريف أهل التقديس"(ص/42)، "التقريب"(4415)، "معجم المدلسين"(ص/324).
(4)
يُنظر: "تذهيب تقريب التهذيب"(3/ 459).
صَدُوقٌ يُغْرب. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(1)
5) مُجَالد بن سَعِيد بن عُمَير بن بِسْطَام، الهَمْدَانِيّ الكوفي.
روى عن: الشعبي، وزياد بن عِلاقة، وقيس بن أبي حازم، وآخرين.
روى عنه: عُبَيْدة بن الأسود، وشعبة بن الحَجَّاج، وعبد الله بن المبارك، والسُّفْيانان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال العِجْلي: جَائِز الحديث حسن الحديث، صالح الكتاب. وروى له مُسْلمٌ مَقْروناً بغيره، والباقون سوى البخاري.
- وقال أحمد: ليس بشيء، يرفع حديثاً كثيراً لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس. وقال ابن معين أيضاً: لا يُحْتج بحديثه. وقال البخاري: كان يَحيى القَطّان يُضَعِّفُهُ، وكان ابن مَهديّ لا يروي عنه. وقال أبو حاتم: لا يُحتج بحديثه، ليس بقوي الحديث. وقال النَّسائي: ضعيفٌ. وقال ابن حبَّان: رَدِيء الحفظ يقلب الأسانيد وَيرْفَع المَرَاسِيل لا يجوز الاحتجاج به. وقال الدَّارقطني: ليس بقوي. وقال الذهبي: في حديثه لِيْنٌ.
- وقال ابن مهدى: حديث مجالد عند الأحداث يحيى بن سعيد وأبى أسامة ليس بشيء، ولكن حديث شعبة وحمَّاد بن زيد وهُشَيم وهؤلاء القدماء. قال ابن أبي حاتم: يعني أنه تغيَّر حفظه في آخر عمره.
- والحاصل فيه ما قاله ابن حجر: "ليس بالقوي، وقد تَغَيَّر في آخر عمره".
(2)
6) عامر بن شَراحيل الشَّعْبيُّ: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مَشْهورٌ فاضلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (72).
7) عُرْوَة بن المُغِيْرة بن شُعْبَة الثَّقفيُّ، أبو يَعْفور الكوفيُّ.
روى عن: أبيه المغيرة بن شعبة، وعائشة أم المؤمنين.
روى عنه: الشعبيُّ، والحسن البصريُّ، ونافع بن جُبير بن مُطْعِم، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: كان مِنْ أفاضل أهل بيته. وروى له الجماعة.
(3)
8) المُغِيْرة بن شُعْبَة بن أبي عامر، أَبُو عيسى، ويُقال: أَبُو مُحَمَّد، الثقفي صاحب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
روى عن: النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. روى عنه: ابنه عروة بن المغيرة، وزياد بن عِلاقة، ومسروق بن الأَجْدَع، وآخرون.
أول مشاهده الحديبية. وشهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأُصيبت عينُه يوم اليرموك. وكان يَلزم النَّبي صلى الله عليه وسلم في مقامه وأسفاره، ويَحْمل وضوءه معه. وروى له الجماعة.
(4)
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 213، "الجرح والتعديل" 7/ 123، "الثقات" 7/ 334، "التهذيب" 23/ 456، "الكاشف" 2/ 131، "التقريب"(5503). ونقل المزي في "تهذيب الكمال"، وابن حجر في "تهذيب التهذيب" عن ابن حبَّان أنَّه قال: يُخْطئ ويُخالف. ولم أقف عليه في المطبوع. فإن صحَّ ذلك عنه فهو محمولٌ على أنَّه مِمَّا تشدَّد فيه ابن حبَّان، لانفراده به، والله أعلم.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 8/ 9، "الثقات" للعِجْلي 2/ 264، "الجرح والتعديل" 8/ 361، "المجروحين" 3/ 10، "تهذيب الكمال" 27/ 219، "سير أعلام النبلاء" 6/ 285، "الميزان" 3/ 438، "التقريب"(6478).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 32، "الثقات" للعِجْلي 2/ 134، "الثقات" 5/ 195، "التهذيب" 20/ 37، "التقريب"(4569).
(4)
يُنظر: "الاستيعاب" 4/ 1445، "أسد الغابة" 5/ 238، "تهذيب الكمال" 28/ 369، "الإصابة" 10/ 300.
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "إسناده صحيحٌ"، ومُجالدٌ وإنْ كان ضَعيفاً فلم يَنْفَرد به، فقد ساق الطبراني روايته مقرونة برواية القاسم بن الوليد، والقاسم "ثِقَةٌ". وللحديث مُتابعات كثيرة في "الصحيحين".
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن القاسم بن الوليد ومُجَالِد إلا عُبَيْدَةُ بن الأسود، تَفَرَّدَ به: عَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ بن أَبَانَ.
قلتُ: وحكم الإمام بالتَّفرد صحيح، لم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرد نسبيٌّ.
ولعلَّ مراد الإمام بقوله: "لم يَرْوِه عن القاسم بن الوليد ومُجَالِد إلا عُبَيْدَةُ بن الأسود"، أي مقرونين؛ وإلا فقد أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(18141) عن عَبْدَة بن سُلَيْمَانَ أبي مُحَمَّدٍ الكِلَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وذكر الحديث بنحوه.
ولا يُتَعَقَّب على المُصَنَّف رضي الله عنه بذلك، فَعَبْدَة بن سُليمان إنَّما رواه عن مُجالد وحده، غير مقرونًا برواية القاسم بن الوليد؛ أضف إلى ذلك أنَّ عَبْدَة بن سُليمان رواه عن الشَّعبيّ عن المغيرة رضي الله عنه مباشرة، بدون ذكر عروة.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث فيه جملة من الفوائد - أي مِن مجموع رواياته -، مِنْها: الإبعاد عند قضاء الحاجة، والتواري عن الأعين، واستحباب الدوام على الطهارة لأمره صلى الله عليه وسلم المغيرة أن يتبعه بالماء مع أنه لم يستنج به وإنَّما توضأ به حين رجع، وفيه: جواز الاستعانة عند الوضوء، وغسل ما يصيب اليد من الأذى عند الاستجمار وأنَّه لا يكفي إزالته بغير الماء، والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه، وفيه: الانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق نجاستها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لبس الجُبَّة الرومية ولم يستفصل، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت؛ لأن الجبة كانت شامية، وكانت الشام إذ ذاك دار كفر ومأكول أهلها الميتات، كذا قال. وفيه: الرد على من زعم أن المسح على الخفين منسوخ بآية الوضوء التي في المائدة لأنها نزلت في غزوة المريسيع وكانت هذه القصة في غزوة تبوك وهي بعدها باتفاق. وفيه: التشمير في السفر ولبس الثياب الضيقة فيه؛ لكونها أعون على ذلك. وفيه: المواظبة على سنن الوضوء حتى في السفر. وفيه: أن الاقتصار على غسل معظم المفروض غسله لا يجزئ لإخراجه صلى الله عليه وسلم يديه من تحت الجبة ولم يكتف فيما بقي منهما بالمسح عليه. أ. هـ
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري"(1/ 307 - 308).
[134/ 534]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْحَسَنِ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْربُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» .
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ يَكُونُ ذَاكَ؟
قَالَ: «يَخْرُجُ الإيمانُ مِنْهُ، فَإِنْ تَابَ رَجَعَ إِلَيْهِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي حَمْزَة إلا ابن أبي ليلى، تَفَرَّدَ به: وَلَدُهُ عَنْهُ.
هذا الحديث مَدَاره على الحسن البصري، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: الحسن البصري، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الحسن البصري، عن أبي هُريرة رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الحسن البصري، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(519) قال: حدَّثنا أبو مُوسَى عِمْرَانُ بن مُوسَى المُؤَدِّبُ، ثنا محمَّد بن عِمْرَانَ بن أبي ليلى، عن أبيه، عن ابن أبي ليلى.
• وأخرجه محمد بن نصر المَرْوَزي في "تعظيم قدر الصلاة"(531) قال: حدَّثنا أبو عليٍّ البِسْطَامِيُّ، ثنا أحمد بن عبد الله بن يُونُسَ، ثنا أَبُو شِهَابٍ عبد ربه بن نافع.
كلاهما (ابن أبي ليلى، وأبو شهاب) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ يونس بن خَبَّاب، عن الحسن، بنحوه.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) محمد بن عِمْران بن أبي ليلى: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (105).
3) عِمْران بن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبي ليلى الأَنْصارِيُّ الكوفيُّ.
روى عن: أبيه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى القاضي.
روى عنه: ابنه محمد، وسهل بن عُثْمَان العسكري، وعثمان بن محمد بن أبي شيبة، وآخرون.
حاله: ذكره البخاري، وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً أو تعديلاً. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: مقبولٌ. وتعقبه صاحبا "تحرير التقريب"، فقالا: بل: صدوقٌ حسن الحديث، فقد روى عنه جمعٌ،
وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، ولا نعلم فيه جرحاً. وروى له التِّرمذيّ، وابن ماجه.
(1)
4) مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبي ليلى الأَنْصارِيّ، أَبُو عبد الرحمن الكوفي قاضي الكوفة.
روى عن: أبي حمزة يُونس بن خبَّاب، وعطاء بن أَبي رباح، ونافع مولى ابن عُمر، وآخرين.
روى عنه: ابنه عِمْران، والسفيانان، وشعبة، وآخرون.
حاله: قال شعبة: أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة. وقال أيضًا: ما رأيت أحدًا أسوأ حفظًا من ابن أبي ليلى. وقال أحمد: كان سيء الحفظ مضطرب الحديث، وكان فقه ابن أبي ليلى أحب إلينا مِنْ حديثه، حديثه فيه اضطراب. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال أيضاً: سيئ الحفظ جداً. وقال أبو حاتم: محله الصدق، كان سيئ الحفظ؛ شُغِلَ بالقضاء فساء حفظه، لا يُتَهم بشيء من الكذب إنما يُنْكر عليه كثرة الخطأ، يُكتب حديثه ولا يُحتج به. وقال النَّسائي: ليس بالقوي في الحديث. وقال ابن حبَّان: كان رَدِيء الحفظ، كثير الوهم، فاحش الخطأ، يروي الشَّيء على التَّوَهُّم، ويُحدِّث على الحُسْبان، فكثرة المناكير في روايَته، فاستحقَّ التّرْك. وقال ابن عدي: هو مع سوء حفظه يُكتب حديثه. وقال الدَّارَقُطنِيّ: كان ردئ الحفظ، كثير الوهم. وقال الذهبي: صدوقٌ إمامٌ، سيئ الحفظ، وقد وُثِّق. وقال ابن حجر: صدوقٌ، سيئ الحفظ جداً.
والحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ يُكتب حديثه للاعتبار"، وقول الذهبي وابن حجر وغيرهما: صدوقٌ. فهو محمول على العدالة، وعدم الكذب، يدل عليه قول أبي حاتم، وقد اتفقوا على سوء حفظه، والله أعلم.
(2)
5) يُونس بن خَبَّاب الأُسَيْدِيُّ، أبو حمزة، ويُقال: أَبُو الجهم، الكوفي، مولى بني أُسَيِّد.
روى عن: الحسن، ومُجاهد، والزُّهْري، وآخرين. روى عنه: ابن أبي ليلى، والثوري، وشعبة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: رجل سوءٍ، لا شيء. وقال يحيى بن سعيد: كان كَذَّاباً. وقال العِجْلي: شيعي خَبِيث. وقال الجُوزَجَانيُّ: كَذَّابٌ مُفْتر. وقال ابن حبَّان: كان رجل سوءٍ؛ غالياً في الرَّفْضِ، كان يزعم أَنَّ عُثْمَان بن عَفَّان قتل ابْنَتي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لا يحل الرِّوَايَة عَنهُ؛ لِأَنَّهُ كان دَاعِيَةً إلى مَذْهبه، ثمَّ مع ذلك يَنْفَرد بِالمَنَاكِيرِ التي يَرْوِيهَا عن الثِّقَات، والأحاديث الصِّحَاح الَّتِي يسرقها عن الأثبات فيَرْويها عَنْهُم.
- وقال البخاري: مضطرب الحديث، مُنْكر الحديث. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ليس بالقوى. وقال النَّسائي: ضعيفٌ. وقال ابن عدي: أحاديثه مع غُلوه تُكْتب. وقال الساجي: صدوقٌ في الحديث تكلموا فيه من جهة رأيه السوء. وقال ابن حجر: صدوقٌ يُخْطئ، ورُمي بالرَّفْضِ. وروى له البخاري في "الأدب"، والباقون سوى مُسلم.
(3)
فالحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ يُكتب حديثه، ورُمِي بالرَّفْضِ"، وكذبه محمولٌ على الرأي.
(1)
"التاريخ الكبير" 6/ 426، "الجرح والتعديل"6/ 305، "الثقات" 8/ 496، "التهذيب"22/ 349، "التقريب وتحريره"(5166).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 162، "الجرح والتعديل" 7/ 322، "المجروحين" لابن حبان 2/ 244، "الكامل" لابن عدي 7/ 388، "تهذيب الكمال" 25/ 622، "الميزان" 3/ 613، "التقريب، وتحريره"(6081).
(3)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 377، "الجرح والتعديل" 9/ 238، "المجروحين" لابن حبَّان 3/ 140، "الكامل" لابن عدي 8/ 515، "تهذيب الكمال" 32/ 503، "الميزان" 4/ 479، "تهذيب التهذيب" 11/ 437، "التقريب"(7903).
6) الحسن بن أبي الحسن، أبو سعيد البصري:"ثِقَةٌ فَقِيهٌ فاضلٌ وَرِعٌ، كثير الإرسال، وأمَّا عَنْعَنته فمحمولة على الاتصال في روايته عمَّن صَحَّ له سماعه مِنْه في الجملة"، تقدَّم في الحديث رقم (31).
7) أبو سعيد الخُدْري: "صحابيٌّ جليلٌ مُكثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (19).
ثانياً: - الوجه الثاني:
الحسن البصري، عن أبي هُريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(9007)، قال: حدَّثنا بَهْزٌ، وعَفَّانُ، قالا: حدَّثنا هَمَّامٌ، عن قَتَادَةَ، عن الحَسَنِ، وعَطَاءٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا يسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَغُلُّ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ حِينَ يَنْتَهِبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، وَقَالَ عَطَاءٌ:«ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، قَالَ بَهْزٌ: فَقِيلَ لَهُ: قَالَ: «إِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهُ الإيمَانُ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» .
- وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(6364، 6443) مِن طريق هَمَّام، به مُخْتَصراً.
• وأخرجه البزار في "مسنده"(9285)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(518)، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(1862 و 1863)، ثلاثتهم مِن طريق الحَكَم بن عَبْدِ المَلِكِ، عن قَتَادَة، عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بنحوه.
وقال البزار: وهذا الحديثُ لا نعلم أحدًا رَوَاهُ عن قتادة يَجْمَع فيه سعيد بن المسيب والحسن وعطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه، إلا الحكم بن عبد الملك ولم يكن بالحافظ، وحدَّث عنهُ جَمَاعَةٌ، وَاحْتَمَلُوا حَدِيثَهُ.
(1)
• وأخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(520) مِن طريق حَجَّاج بن نُصَير، عن مُبَارك بن فَضَالة، عن الحسن، عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَزْنِي الزَّانِي حِيْنَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ".
قلتُ: وفيه الحَجَّاج بن نُصَير: ضَعيفٌ كان يَقْبل التلقين.
(2)
ومُبارك بن فَضَالة: صَدوقٌ يُدَلِّس ويُسَوِّي.
(3)
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد الإمام أحمد):
1) بَهْز بن أَسد العَمِّيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ".
(4)
2) عَفَّان بن مُسلم، أبو عُثْمان الصَّفَّار:"ثِقَةٌ ثَبْتٌ".
(5)
3) هَمَّام بن يَحْيَى بن دِينار البصري: "ثِقَةٌ".
(6)
(1)
وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(1451): ضَعيفٌ.
(2)
يُنظر: "التقريب"(1139).
(3)
يُنظر: "التقريب"(6464).
(4)
يُنظر: "التقريب"(771).
(5)
يُنظر: "التقريب"(4625).
(6)
يُنظر: "التقريب، وتحريره"(7319).
4) قتادة بن دِعَامة السَّدُوسي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، كثير الإرسال والتدليس" ولا يُتوقف في عنعنته عن شيوخه الذين أكثر الرواية عنهم، كأنس، والحسن، فلا تُعَل إلا بقرينة. تَقَدَّم في الحديث رقم (75).
5) الحسن البصري: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ، كثير الإرسال"، وعَنْعَنته محمولة على الاتصال في روايته عمَّن صَحَّ له سماعه مِنْه في الجملة"، تَقَدَّم في الحديث رقم (31)، ولم يسمع مِنْ أبي هُريرة رضي الله عنه، فروايته عنه مُرْسلةٌ
(1)
.
6) عطاء بن أبي رَبَاح: "ثقةٌ، كثير الإرسال"، تَقَدَّم في رقم (37)، وقد صحَّ سماعه مِن أبي هُريرة رضي الله عنه
(2)
.
7) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكثرٌ"، تَقَدّم في الحديث رقم (6).
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على الحسن، واختُلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: الحسن البصري، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الحسن البصري، عن أبي هُريرة رضي الله عنه.
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأقرب والأشبه بالصواب؛ للقرائن الآتية:
1) كون الإسناد بالوجه الأول "ضعيفٌ" فيه يونس بن خَبَّاب "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه، ورُمي بالرفض"، مع انفراده بهذا الوجه عن الحسن، ومخالفته لما رواه الثقات، والإسناد فيه أيضًا ابن أبي ليلى "سيء الحفظ".
2) وهذا بخلاف الوجه الثاني؛ فقد رواه قَتَادة بن دِعَامة، وهو مِن أثبت أصحاب الحسن: قال أبو حاتم: أكثر أصحاب الحسن قتادة. وقال أبو زرعة: قتادة من أعلى أصحاب الحسن. وعن قتادة، قال: جالستُ الحَسَن ثلاث عشرة سَنَة.
(3)
والإسناد إلى قتادة بهذا الوجه "صحيحٌ"، فَتُقَدَّم روايته على غيره عند المخالفة.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكَرٌ"؛ لأجل يُونس بن خَبَّاب "ضَعيفٌ" وقد انفرد به، مع مخالفته لِمَا رواه قتادة عن الحسن البصري، وقتادة مِنْ أثبت أصحاب الحسن كما سبق.
قال الهيثمي: فيه محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى وثَّقه العِجْلِيُّ، وَضَعَّفَهُ أحمدُ وغيرُهُ لِسُوءِ حِفْظِهِ.
(4)
ب الحكم على الحديث مِن وجهه الراجح (بإسناد الإمام أحمد):
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الإمام أحمد "صحيحٌ" مِن جهة عطاء بن أبي رَبَاح، وأمَّا الحسن
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 41، "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص/34 - 35)، "تهذيب الكمال" 6/ 99، "سير أعلام النبلاء" 4/ 566، "جامع التحصيل"(ص/114 و 164)، "تحفة التحصيل"(ص/69).
(2)
روايته عن أبي هريرة في "صحيح البخاري" برقم (772 و 5678)، و"صحيح مسلم" برقم (175 و 396 و 2752).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 133، "تهذيب الكمال" 23/ 498.
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد" 1/ 101.
البصري فلم يَسْمع مِن أبي هُريرة فالإسناد مِنْ جهته "منقطعٌ".
وللحديث طُرُقٍ أخرى عن أبي هريرة في "الصحيحين":
• فأخرجه البخاري ومسلمٌ في "صحيحيهما" مِن طُرُقٍ عن ابن شِهاب الزُّهْري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي وسعيد بن المُسَيِّب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، ثلاثتهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، بنحو حديث أحمد، ويزيد بعضهم فيه على بعض.
(1)
• وأخرجه البخاري ومسلمٌ أيضاً في "صحيحيهما" بسندهما مِن طريق شُعْبَة بن الحَجَّاج، عن سُليمان الأعمش، عن ذكوان أبي صالح السَمَّان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بنحوه.
(2)
• وأخرجه مُسلمٌ بسنده عن عَطاء بن يَسار وحُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هُريرة رضي الله عنه.
(3)
• وعند مسلمٌ أيضاً بسنده مِن طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هُريرة رضي الله عنه.
(4)
شواهد للحديث:
وأخرج البخاري في "صحيحه" مِن طريق عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا يَزْنِي العَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» قَالَ عِكْرِمَةُ: قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْزَعُ الإِيمَانُ مِنْهُ؟ قَالَ: «هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا، فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» .
(5)
وعليه؛ فالحديث مِنْ طريق الحسن البصري عن أبي هُريرة بمجموع طُرقه، وشواهده يرتقي مِن "الضعيف" إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن أبي حَمْزَة إلا ابن أبي ليلى، تَفَرَّدَ به: وَلَدُهُ عَنْهُ.
قلتُ: مِن خلال ما سبق في التخريج يَتَبَيَّن أَنَّ هذا الحديث لم يَنْفَرد به ابن أبي ليلي عن أبي حمزة، بل تابعه أبو شِهاب عبد ربه بن نافع؛ فقد أخرجه المَرْوزي في "تعظيم قدر الصلاة"(513) بسنده - ورواته ثقات - إلى أبي شِهاب عبد ربه بن نافع، عن أبي حَمْزة، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، والله أعلم.
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2475) ك/المظالم، ب/النُّهْبَى بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ، وبرقم (5578) ك/الأشربة، ب/ (1)، وبرقم (6772) ك/الحدود، ب/لَا يُشْرَبُ الخَمْرُ، ومسلمٌ في "صحيحه"(57/ 1 - 3) ك/الإيمان، ب/بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6810) ك/الحدود، ب/إِثْمِ الزُّنَاةِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(57/ 6،7) ك/الإيمان، ب/بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله.
(3)
أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(57/ 4) ك/الإيمان، ب/بيان نقصان الإيمان بالمعاصي.
(4)
أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(57/ 5) ك/الإيمان، ب/بيان نقصان الإيمان بالمعاصي.
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6782) ك/الحدود، ب/السَّارِقِ حِينَ يَسْرِقُ، وبرقم (6809) ك/الحدود، ب/إِثْمِ الزُّنَاةِ.
سادساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه: فالقول الصحيح الذي قاله المحققون: أنَّ معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، ويراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة، وإنما تأولناه على ما ذكرناه لحديث أبي ذر وغيره:"مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ " قُلْتُ (أبو ذر): وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ:«عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ.
(1)
، وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور: أنهم بايعوه صلى الله عليه وسلم على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا
…
إلى آخره، ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم:"فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ".
(2)
، فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح مع قول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}
(3)
، مع إجماع أهل الحق على أنَّ الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يُكفرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان، إن تابوا، سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شاء الله تعالى عفا عنهم، وأدخلهم الجنة أولًا، وإن شاء عذبهم، ثم أدخلهم الجنة، وكل هذه الأدلة تضطرنا إلى تأويل هذا الحديث وشبهه.
(4)
* * *
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1237) ك/الجنائز، ب/مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وبرقم (3222) ك/بدء الخلق، ب/ذِكْرِ المَلَائِكَةِ، وبرقم (5827) ك/اللباس، ب/الثِّيَابِ البِيضِ، وبرقم (6268) ك/الاستئذان، ب/مَنْ أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وبرقم (6444) ك/الرقاق، ب/قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا» ، ومسلمٌ في "صحيحه"(94) ك/الإيمان، ب/مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا دَخَلَ النَّارَ.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(18) ك/الإيمان، ب/عَلَامَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وبرقم (3892) ك/مناقب الأنصار، ب/وُفُودِ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، وَبَيْعَةِ العَقَبَةِ، وبرقم (4894) ك/التفسير، وبرقم (6784) ك/الحدود، ب/الحُدُودُ كَفَّارَةٌ، وبرقم (6801) ك/الحدود، ب/تَوْبَةِ السَّارِقِ، وبرقم (7213) ك/الأحكام، ب/بيعة النساء، وبرقم (7468) ك/التوحيد، ب/فِي المَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(1709) ك/الحدود، ب/ الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا.
(3)
سورة "النساء"، آية (48).
(4)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(2/ 41 - 42).
[135/ 535]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ الْجَحْدَرِيُّ
(1)
، قَالَ: نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنِ الْقَاسِمِ.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«مَا أَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ منَ الدُّنْيَا، ولا أَعْجَبَهُ مِنْهَا إلا وَرَعًا» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن القَاسِمِ إلا أبو الأسود، تَفَرَّدَ به: ابنُ لهيعة.
هذا الحديث مَدَاره على ابن لهيعة، واختلف عنه مِن أربعة أوجه:
الوجه الأول: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن القاسم، عن عائشة.
الوجه الثاني: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُروة، عن عائشة.
الوجه الثالث: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُروة والقاسم، عن عائشة.
الوجه الرابع: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عاصم بن عُمر، عن عليِّ بن حُسين، عن عائشة.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن القاسم، عن عائشة.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(24400) عن حسن بن موسى الأَشْيَب؛ وأبو يعلى في "مسنده"(4552) قال: حدَّثنا محمَّد بن عَبَّاد، عن عبد الرَّحمن بن عبد الله مولى بني هاشم؛ والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 194) مِن طريق منصور بن عَمَّار القَّاص؛ والطبراني في "الأوسط"(535) - وهي رواية الباب - عن أحمد بن القاسم، عن كامل بن طلحة؛ والدَّارقطني في "العلل"(14/ 217/مسألة 3572)(مُعَلَّقاً) عن يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وكذلك عن عبد الله بن ثابت المصري.
سِتَّتُهم (حسن، وعبد الرَّحمن، ومنصور، وكامل، وابن بُكَيْر، وابن ثابت) عن ابن لهيعة، به.
ولفظه أحمد مثل لفظ الطبراني، غير أنَّه قال:"ولا أَعْجَبَهُ أَحَدٌ قَطُّ إلا ذُو تُقًى". ولفظ أبي يعلى: «مَا أَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلا ذَا تُقًى» . ولفظ العقيلي: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَزِيدُ عِنْدَهُ حَسَبٌ ولا يُنْقِصُ، إلا أَنْ يَكُونَ ذَا تُقًى» .
ب دراسة إسناد الوجه الأول (إسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) كَامِل بن طَلْحَة الجَحْدَريُّ، أبو يحيى البَصْرِيّ.
روى عن: ابن لهيعة، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، وأبو حاتم الرَّازي، وزُهير بن حَرْب، وآخرون.
(1)
الجَحْدَري: بفتح الجيم، وسكون الحاء، وفتح الدَّال، آخره راء، نسبة إلى "جحدر" اسم رجل. يُنظر:"الأنساب"(3/ 206).
حاله: قال ابن معين: ليس بشيء. بينما قال أحمد: مُقَارب الحديث. وقال أيضاً: هو عِنْدي ثِقَةٌ. وسُئل عنه، فقال: ما أعلم أحداً يَدْفَعه بحجة. وقال أبو حاتم: لا بأس به، ما كان له عَيبٌ إلا أن يُحَدِّث في مسجد الجامع. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال الذهبي في "السير": صَدُوْقٌ - إن شاء اللهُ - ولا ريب أَنَّ له عن ابن لهيعة ما يُنْكَرُ ولا يُتَابَعُ عليه، فلعلَّهُ حَفِظَهُ (أي: لعلَّ الخطأ فيه مِن ابن لهيعة، وكامل حفظ ما سمعه). وقال في "الميزان": شيخٌ مشهورٌ. وقال ابن حجر: لا بأس به.
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"، فقد وثقه: أحمد وأبو حاتم وابن حبَّان والدَّارقطني، وهو مِن شيوخ أبي حاتم.
(1)
3) عَبد اللَّهِ بن لَهِيعَة بن عُقْبَة، أبو عبد الرحمن المصري، الفقيه، قاضي مصر.
روى عن: محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، ويزيد بن أبي حبيب، وأبي الزبير المكي، وآخرين.
روى عنه: كامل بن طلحة، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهبن وآخرون.
حاله: اختلف فيه أهل العلم اختلافاً بيناً، حتى تعددت فيه أقوال العالم الواحد؛ فمنهم مَنْ صَحح حديثه مُطلقاً، ومِنهم مَنْ ضَعفه مُطلقاً، ومِنْهم مَنْ توسط في حاله فحسَّن حديثه، ومِنهم مَنْ وصفه بالاختلاط فقال يُقْبل حديث مَنْ روى عنه قبل الاختلاط، ومنهم مَن قَيَّد ذلك برواية العبادلة (عبد الله بن وهبٍ، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقري، وعبد الله بن مسلمة القعنبي) عنه فقط؛ لكونهم أضبط في التحمل عنه مِن غيرهم لكونهم كان يكتبون مِنْ أصوله بخلاف غيرهم، ومِنْهم مَنْ تركه وشدد القول فيه، وذكر غير واحدٍ مِن أهل العلم مِن المتقدمين ومِنْهُم بعض تلامذته (كما هو مبسوطٌ ومُفصَّل في كتب التراجم) وجماعة مِن المتأخرين على رأسهم الحافظ الذهبي وابن حجر - مِنْ مجموع كلامه - أنَّه يُكتب حديثه للاعتبار به في الشواهد والمتابعات ولا يُحتج به عند الانفراد، ومِن هؤلاء مَن سبر حديثه كالإمام أحمد وابن حبَّان وغيرهما؛ وهذه الأقوال كلها مبسوطة ومُفَصَّلة في كتب التراجم، وسأكتفي فقط بذكر ما يُشير إلى ما أجملته بدون تطويل، مُبَيِّناً مصادر ترجمته لمن رام المزيد، مُعقباً بخلاصة حاله، كالآتي:
- قال ابن وهبً: حَدَّثني والله الصادق البار عَبد الله بن لَهِيعَة. وقال أحمد: مَنْ كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثِهِ وضَبْطِهِ وإِتْقَانِهِ؟. وقال ابن حجر في "التقريب": صدوقٌ، خلط بعد احتراق كتبه.
- وقال ابن معين: ليس حديثه بذلك القوي. وقال أيضاً: ضعيف الحديث. وقال أحمد والنَّسائي: ضعيفٌ. وأخرج له مُسلمٌ مقروناً، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة.
- وقال سعيد بن أبي مريم: كان حَيْوة بن شُرَيح أوصى بكتبه إلى وصي، وكان ممن لا يتقي الله يَذهب فيكتب من كُتب حيوة الشيوخ الذين قد شاركه ابن لَهِيعَة فيهم، ثم يحمل إليه، فيقرأ عليهم.
- وقال ابن معين: هو ضَعيفٌ قبل وبعد احتراق كتبه. وقال أحمد: ما حَدِيثُ ابن لهيعة بِحُجَّةٍ، وإنِّي لأكتب كثيرًا مِمَّا أكتبُ أعتبرُ به وهو يُقَوِّي بَعْضهُ بِبَعْضٍ. وقال أبو حاتم: أمره مضطربٌ، يُكتب حديثه على
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 172، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 28، "تاريخ بغداد" 14/ 514، "تهذيب الكمال" 24/ 95، "سير أعلام النبلاء" 11/ 107، "الميزان" 3/ 400، "لسان الميزان" 9/ 397، "التقريب"(5603).
الاعتبار، فقيل له: إذا كان من يروى عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك وابن وهب يُحتج به؟ قال: لا. وسئل أبو زرعة عن ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ فقال: آخره وأوله سواء إلا أن ابن المبارك وابن وهب كانا يَتَتَبَّعَان أصوله فيكتبان منها، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ (أي: مِن حفظه، أو مِمَّا يُقرأ عليه). وقال ابن خزيمة: وابن لهيعة لست ممن أُخَرِّج حديثه في هذا الكتاب إذا انفرد، وإنَّما أخرجته لأن معه جابر ابن إسماعيل. وقال ابن حبَّان: قد سبرت أخبار ابن لهيعة مِنْ رِوَايَة المُتَقَدِّمين والمتأخرين عَنهُ فَرَأَيْتُ التَّخْلِيط في رِوَايَة المُتَأَخِّرين عنه موجودًا، وما لا أصل له مِنْ رواية المُتَقَدِّمين كثيرًا، فرجعتُ إلى الاعتبار فرأيتُه كان يُدَلس عن أَقوام ضعفى عن أقوام رَأَىهُمْ ابن لهيعة ثقات فالتزقت تلك الموضوعات به، وأمَّا رواية المُتَأَخِّرين عنه بعد احتراق كتبه ففيها مَنَاكِير كثيرة وذاك أنَّه كان لا يُبَالي ما دُفِعَ إليه قِرَاءَة سواء كان ذلك مِنْ حديثه أو غير حديثه؛ فَوَجَبَ التَّنَكُّبُ عن رواية المُتَقَدِّمين عنه قبل احتراق كتبه لما فيها مِنْ الأخبار المُدَلَّسة عن الضُّعَفَاء والمتروكين وَوَجَب ترك الاحتجاج برواية المُتَأَخِّرين عنه بعد احتراق كتبه لما فيه مِمَّا ليس مِنْ حديثه. وقال الفلاس: احترقت كتبه، فمن كتب عنه قبل ذلك مثل ابن المبارك وعبد الله بن يزيد المقري أصح من الذين كتبوا بعد ما احترقت الكتب، وهو ضعيف الحديث. وقال ابن عدي: ضَعيفٌ. وقال أيضاً: حسن الحديث يُكتب حديثه. وقال الدارقطني: يُعتبر بما يروي عنه العبادلة ابن المبارك، والمقرئ، وابن وهب.
وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": يُروى حديثه في المتابعات ولا يحتج به (أي: عند الانفراد). وقال في "السير": ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مَنَاكِيْرَ، فانحطَّ عن رُتْبَةِ الاحتجاج به عندهم، وبعض الحفَّاظ يروي حديثه، ويذكره في الشَّوَاهِدِ والاعتبار، والزُّهْدِ، والملاحم، لا في الأُصُولِ، وبعضهم يُبَالِغُ في وَهْنِهِ، ولا يَنْبَغِي إِهدَارُهُ، وَتُتَجَنَّبُ تلك المناكير، فإنَّهُ عَدْلٌ في نَفْسِهِ. وقال ابن حجر في "الفتح": لا يُحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟، وقال أيضاً في موضع آخر: لا بأس به في المتابعات. وغيرها مِن الأقوال.
- وقال السعدي: ابن لَهِيعَة لا يُوقف على حديثه، ولا ينبغي أن يُحتج بروايته أو يُعتد بروايته.
- وقد قام أستاذنا الفاضل أ. د/ أحمد مَعْبِد - حفظه الله ورعاه - بدراسة حال ابن لَهيعة فيما يزيد على أكثر مِن سبعين صفحة، بجمع أكثر ما وقف عليه مِن أقوال أهل العلم فيه مِن تلامذته الذين خَبَروه، وغيرهم مِن المتقدمين، والمتأخرين، بل والمعاصرين أيضاً، مع الجمع والترجيح بين الأقوال المتعارضة بعضها لبعضٍ حتى بالنسبة لأقوال العالم الواحد، مع التحليل لمجموع أقوال كل عالم، ثُمَّ بَيَّن في النهاية خلاصة حاله، مستخلصاً ذلك مِن مجموع أقوال جمهور أهل العلم مِن المتقدمين وأشهر المُحققين مِن المتأخرين، ويمكن تلخيص ما وصل إليه أستاذنا الفاضل - حفظه الله - في النقاط التالية:
1) أنَّه صدوقٌ في نفسه، وأنَّ ما وقع في روايته من الخطأ والوهم إنما لسوء حفظه، ولمْ يقصد الكذب، لذا نفاه عنه غير واحدٍ من أهل العلم، وعليه فتوثيق بعض أهل العلم له إنما يُقصد به عدالته وصدقه.
2) أنَّ مجموع كلام أهل العلم فيه - بعد النظر فيها، والجمع بين المتعارض منها - يدلُّ على أنَّه ضعيفٌ من جهة حفظه وضبطه، قبل وبعد احتراق كتبه، لكنَّه بعد احتراق كتبه أسوأ حفظًا، إلا أنَّ ضعْفه مما يُعتبر به في المتابعات والشواهد، ويرجع سوء حفظه في آخر حياته إلى عدة أسباب، منها:
أ احتراق كتبه: فلا شكّ أنَّه كان له تأثيرٌ في زيادة ضعفه.
ب إصابته بالفالج - وهو نوْعٌ من الشلل يصيب أحد شقي الجسم طُولًا - في آخر حياته، وبيَّن تلميذه عثمان السَّهمي أنَّ هذا هو السبب الحقيقي لسوء حفظه، إلَّا أنَّ هذا السبب لمْ يشتهر مثل احتراق كتبه.
ت تساهله في الأداء حيث كان يَقرأ عليه بعض طلاب الرواية ما ليس من حديثه، فَيُقِرُّه به إما بتحديثه به، أو بسكوته عنه، لذا دخل في مرويَّاته عن شيوخه مَا لم يروه عنهم، مع قلة ذلك في مرويَّاته لكونه كان قبل موته بأربع سنين، بالإضافة إلى قلة الفاعلين له من تلامذته مِمَّن لا يتقِ الله سبحانه وتعالى.
3) وأمَّا ما ذهب إليه بعض العلماء بصحة رواية العبادلة عنه ليس المُراد بها الصحة الاصطلاحية، بل المُراد بها أنَّ رواية هؤلاء العبادلة عنهم وأمثالهم تُعتبر أقوى الضعيف، وأنَّها أقل ضَعْفًا من رواية غيرهم؛ لِما تميَّزوا به عن غيرهم من حيث الثقة والأخذ عنه قبل زيادة سوء حفظه مع التحرِّي لمرويّاته بحيث كان منهم مَن ينقل مِن أصوله الخطية بجانب السماع منه؛ كابن المبارك، وابن وهبٍ، ويُؤيِّد ذلك عدة أمورٍ، منها:
أ إنَّ بعض هؤلاء العبادلة قد انتقد بنفسه ابن لهيعة من جهة ضبطه وحفظه، ثم جاء مَنْ بعدهم كأحمد، وأبي حاتم، وأبي زُرعة، وغيرهم، وصرَّحوا بأنَّه يُكتب حديثه للاعتبار.
ب كما ذكر غير واحدٍ من أهل العلم كالبخاري، وابن حبَّان، وابن عدي، والذهبي، وابن حجر، وغيرهم، جملة من الأحاديث المُنتقدة على ابن لهيعة من رواية بعض هؤلاء العبادلة عنه، وحَكَمُوا بنكارتها.
ت كما أنَّ بعض العلماء جمعوا في سياقٍ واحد بين تضعيف ابن لهيعة وعدم الاحتجاج به، وبين تقوية رواية بعض هؤلاء العبادلة وأمثالهم عنه.
لكن قد يُستفاد من تقوية رواية العبادلة ومَنْ روى عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه عند الاختلاف في الرواية عن ابن لهيعة، فيُرجَّحُ مِنْها ما كان قبل احتراق كتبه، أو ما كان من رواية أحد العبادلة عنه، وينجبر عند وجود ما يُقوِّيه من مُتابعٍ أو شاهدٍ.
4) وأمَّا عن مسألة احتراق كتبه: فقد اختلف فيها أهل العلم بين مُثْبتٍ لها ونافٍ، ولعلَّ الراجح هو: ما نُقل عن بعض تلامذته بأنَّ دار ابن لهيعة قد احترقت، واحترق بعض ما كان يقرأ منه - وهي نسخه الفرعية التي كان قد نسخها لنفسه ليقرأ منها -، وسَلِمت نُسَخُهُ الأصلية التي أثبت عليْها سماعاته من شيوخه، والتي لم يُحدِّث مِنها إلا مَرَّة واحدة في بداية حياته، ثُمَّ حفظها ولم يُمكن أحداً مِنْها إلا بعض خواص تلامذته كابن وهبٍ وابن المبارك وغيرهما، حفاظاً عليها مِن العبث والتغير فيها.
5) وأمَّا عن اختلاطه: فاختلف فيه أهل العلم أيضًا، فنفاه عنه أهل بلده؛ خاصةً بعض تلامذته، ومعاصريه؛ كالليث بن سعد، وغيره، وأثبته البعض، ولعلّ الراجح هو عدم ثبوت اختلاطه، وأنَّ مَرَدَّ ضعفه إلى سوء حفظه وقلة ضبطه، لذا نقل برهان الدين الحلبي في "الاغتباط" عن بعض مشايخه وصفه ابن لهيعة بالاختلاط، ثم أعقب ذلك بقوله: والعمل على تضعيف حديثه، والله تعالى أعلم.
(1)
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 5/ 182، "الجرح والتعديل" 5/ 145، "المجروحين" لابن حبَّان 2/ 11، "الكامل" لابن عدي 5/ 237، "تهذيب الكمال" 15/ 487، "الكاشف" 1/ 590، "تاريخ الإسلام" 4/ 668، "تذكرة الحفَّاظ"(ص/237)، "سير أعلام النبلاء" 8/ 11، "ميزان الاعتدال" 2/ 475، "المختلطين" للعلائي (ص/65)، "تهذيب التهذيب" 5/ 373، "تعريف أهل التقديس"(ص/54)، "الكواكب النيرات" 1/ 481، "التقريب"(3563)، "فتح الباري" 2/ 253 و 4/ 93، "النفح الشذي في شرح جامع الترمذي" بتحقيق أستاذنا الفاضل أ. د/ أحمد معبد عبد الكريم - حفظه الله - (2/ 790 - 863).
6) مُحَمَّد بن عَبْد الرحمن بن نوفل، أبو الأسود، المدنيّ يَتِيْمُ عُرْوَة.
روى عن: القاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبير، وسُلَيْمان بن يسار، وآخرين.
روى عنه: عبد الله بن لهيعة، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحَجَّاج، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم، وابن سعد، والنَّسائي، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: مِنْ المُتْقِنِين. وقال ابن البرقي: لا يُعلم له رواية عن أحد من الصحابة مع أنَّ سِنَّه يَحْتَمِلُ ذلك. وروى له الجماعة.
(1)
7) القاسم بن مُحَمَّد بن أَبي بكر الصديق القرشيّ، أبو مُحَمَّد، ويُقال: أبو عَبْد الرَّحْمَنِ المدنيّ.
روى عن: عمَّته عائشة، وابن عُمَر، وابن عبَّاس رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: أبو الأسود، والزهريّ، ونافع مولى ابن عُمَر، وآخرون.
حاله: قال ابن عُيَيْنَة: أفضلَ أهل زمانه. وقال أيضاً: أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة، وذكر مِنْهم: القاسم. وقال العِجْلي: ثِقَةٌ، مِن خِيار التابعين وفُقَهائهم. وقال ابن حبَّان: مِنْ سادات التَّابِعين ومِنْ أفضل أهل زمانه. وقال الذهبي: ثِقَةٌ حُجَّةٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، أحد الفقهاء بالمدينة. وروى له الجماعة.
(2)
8) عائشة بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنها: زوج النبي صلى الله عليه وسلم، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
ثانياً: - الوجه الثاني:
ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُروة، عن عائشة.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الدَّارقطني في "العلل"(14/ 216/مسألة 3572)(مُعلقاً) عن سعيد الفرَّاء؛ وأبو نُعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 215)(مُعلقاً) عن محمد بن بُكير، عن عبد الله بن ثابت؛ كلاهما عن ابن لهيعة، به.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) سعيد الفَرَّاء: لم أعرفه بعد طول بحثٍ، والله أعلم.
2) عبد الله بن ثابت: لم أعرفه - بعد البحث -، ولعلَّه المروزي النَّحوي فهو مُعاصرٌ لمالك، أو الذي يروى عنه محمد بن حِمْيَر، وكلاهما "مجهولٌ".
(3)
3) عبد الله بن لهيعة: ضَعيفٌ يُعتبر به في المتابعات والشواهد، تَقَدَّم في الوجه الأول.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 321، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 364، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/158)، "تهذيب الكمال" 25/ 645، "تاريخ الإسلام" 3/ 730، "تهذيب التهذيب" 9/ 308، "التقريب"(6085).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 211، "الثقات" 5/ 302، "التهذيب" 23/ 427، "تاريخ الإسلام" 3/ 138، "التقريب"(5489).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 20، "المغني" 1/ 475، "الميزان" 2/ 399، "لسان الميزان" 4/ 444، "التقريب"(3241).
ثالثاً: - الوجه الثالث:
ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُروة والقاسم، عن عائشة.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(24403)، قال: حدَّثنا يحيى بن إسحاق، قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوَةَ، والقاسم، عن عائشة، قالت:«مَا أُعْجِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَيْءٍ، ولا أَعْجَبَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا، إلا أَنْ يَكُونَ فِيهَا ذُو تُقًى» .
- وأخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد"(255) عن عبَّاس الدُّوري، عن يحيى بن إسحاق، بنحوه.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث:
1) يحيى بن إسحاق السِّيْلَحِيني: "صدوقٌ".
(1)
2) عبد الله بن لهيعة: "ضعيفٌ يُعتبر به في المتابعات والشواهد"، تقدَّم في الوجه الأول.
رابعاً: - الوجه الرابع:
ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عاصم بن عُمر بن قتادة، عن عليِّ بن حُسين، عن عائشة رضي الله عنها.
أ تخريج الوجه الرابع:
• أخرجه الدَّارقطني في "العلل"(14/ 216/مسألة 3572) عن عبد الرحمن بن إبراهيم الرَّاسبي، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عاصم بن عُمر، به. وقال الدَّارقطني: عبد الرحمن بن إبراهيم: ضَعيفٌ.
خامساً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على ابن لهيعة، وقد اختلف عليه مِنْ أربعة أوجه:
الوجه الأول: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن القاسم، عن عائشة.
الوجه الثاني: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُروة، عن عائشة.
الوجه الثالث: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُروة والقاسم، عن عائشة.
الوجه الرابع: ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عاصم بن عُمر، عن عليِّ بن حُسين، عن عائشة.
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الأول هو الأقرب إلى الصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية: فالوجه الأول عن ابن لهيعة، هو رواية الجماعة.
2) الأحفظية: فرواة الوجه الأول أحفظ مِن غيرهم كما سبق بيانه، وأمَّا يحيى بن إسحاق الذى روى الحديث عن ابن لهيعة بالوجه الثالث فهو وإن كان صدوقاً لكنه لا يقوى لمناهضة رواية الجماعة.
3) أنَّ كامل بن طلحة - أحد الرواة بالوجه الأول - قد روى عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه.
(2)
4) ضعف الرواة عن ابن لهيعة بالوجه الثاني والرابع؛ وأمَّا الوجه الثالث فقد رواه يحيى بن إسحاق، وهو "صدوقٌ"، ولم أقف على مَن تابعه، ولم تَتَمَيَّز روايته عن ابن لهيعة، هل قبل احتراق كتبه أم بعده؟.
(1)
يُنظر: "التقريب"(7499).
(2)
يُنظر: "النفح الشذي" بتحقيق أ. د/ أحمد مَعْبِد (2/ 801 - 803).
سادساً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أن الحديث مِن وجهه الراجح بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل عبد الله بن لهيعة "ضَعيفٌ يُعتبر بحديثه إذا تُوبع، ولا يُحتج به عند الانفراد"، وقد انفرد به، مع اضطرابه فيه إسناداً ومتناً، بل ومع مخالفته أيضاً ما صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج الإمام أحمد في "مسنده" عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا: النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ". والحديث صحيحٌ بمجموع طرقه.
(1)
وقال الدَّارقطني - بعد أن ساق الخلاف فيه على ابن لهيعة -: والحديث غير ثابت.
(2)
وقال الهيثمي: رواهُ أحمد، وفيه ابن لهيعة وهو لَيِّنٌ، وبقيَّةُ رجاله رجال الصَّحِيحِ.
(3)
وقال أيضاً: رواه الطَّبرانيُّ في "الأوسط"، ورجالُهُ رجالُ الصَّحِيحِ غير ابنِ لهيعة، وقد وُثِّقَ على ضعفه، وشيخ الطَّبرانيِّ: أحمد بن القاسم لم أعرفه.
(4)
قلتُ: لكن عرفه الخطيب البغدادي والذهبي، وكلاهما وثَّقه، كما سبق بيانه في الحديث رقم (101).
سابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن القَاسِمِ إلا أبو الأسود، تَفَرَّدَ به: ابنُ لهيعة.
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، فَمَدار الحديث على ابن لهيعة ولم يُتابع عليه.
* * *
(1)
أخرجه أحمد في "مسنده"(12293، 12294، 13057، 14037)، والنَّسائي في "السنن الكبرى"(8836، 8837) ك/عِشْرَةِ النِّسَاءِ، ب/حُبُّ النِّسَاءِ، والحاكم في "المستدرك"(2676)، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ، ولم يُخَرِّجَاهُ. وقال الذهبي: على شرط مسلم. وقال الذهبي في "الميزان"(2/ 177): أخرجه النسائي، وإسناده قوى. وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير" (3/ 249): رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
(2)
يُنظر: "العلل"(14/ 217/مسألة 3572).
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(8/ 84).
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 296).
[136/ 536]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ القَاسِمِ، قَالَ: نا عِصْمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الخَزَّازُ
(1)
، قَالَ: نا سَلَّامٌ
(2)
الطَّوِيلُ، عَنْ زَيْدٍ العَمِّيِّ
(3)
، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: لَسْتُ بناظرٍ فِي حَقِّ عَبْدِي حَتَّى يَنْظُرَ عَبْدِي فِي حَقِّي» .
* لا يُرْوَى هذا الحديث عن ابن عَبَّاسٍ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: سَلَّامٌ الطَّوِيلُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه المصَنِّف في "الكبير"(12922) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "الحلية"(2/ 304) -، عن أحمد بن القاسم، به. وقال أبو نُعيم: غريبٌ مِنْ حديث مُعَاوية بن قُرَّةَ، تَفَرَّدَ به عنه زَيْدٌ، ولا أعلمُهُ رُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مرفوعًا مِنْ حديث ابن عَبَّاسٍ إلا مِنْ هذا الوجه.
• وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(4/ 309) - في ترجمة سلَّام بن سَلْم - مِن طريق أحمد بن الحسين بن عَبَّاد البغدادي، عن عِصْمة بن سُليمان، به. وقال ابن عدي: وهذه الأحاديث التي ذكرتها لسلَّام الطويل عَمَّن رَوَى عنهم ما يُتَابع على شيء مِنْهَا، ما كان عن زيد وعن غيره.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عِصْمَة بن سُلَيْمَان، أبو سُلَيْمَان الخَزَّاز الكوفيُّ.
روى عن: سلَّام الطويل، وسُفيان الثوري، وزُهير بن مُعاوية، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، وأبو حاتم الرَّازي، والحارث بن أبي أسامة، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ما كان به بأسٌ، كان أحمد بن حنبل في حانوته. وقال البيهقي: لا يُحتج به. وقال الذهبي: مستورٌ. وقال الهيثمي: ثِقَةٌ. فالحاصل: أنَّه "ما كان به بأسٌ". والجرح فيه غير مُفَسَّر.
(4)
3) سَلَّام بن سَلْم، ويُقال: ابن سُلَيْم، قال المزي: والصواب ابن سَلْم، التَّمِيْمِيُّ، السَّعْدِيُّ، أَبُو سُلَيْمان،
(1)
في الأصل "القزاز" بالقاف، والصواب ما أثبته بالخاء المعجمة "الخزَّاز، والتصويب مِن "المعجم الكبير" (12922) فقد رواه عن أحمد بن القاسم عن عِصْمَة، وقال: الخَزَّاز، وهذا هو الموافق لما في ترجمته. و"الخَزَّاز": بفتح الخاء وتشديد الزاي الأولى بينها وبين الزَّاي الثَّانِيَة ألف، نسبة إلى بيع الخزِّ، اشتهر بهذه الحرفة جماعة من أهل العراقيين من أئمة الدين وعلماء المسلمين. يُنظر: "الأنساب" (5/ 102)، "اللباب" (1/ 439).
(2)
سَلَّام: بتشديد اللام. يُنظر: "التقريب"(2702).
(3)
قال علي بن مصعب: سُمي زيد العمي؛ لأنه كلما سُئل عن شيءٍ قال: حتى أسأل عمى. "الجرح والتعديل"(3/ 561).
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 20، "تاريخ بغداد" 14/ 225، "تلخيص كتاب الموضوعات" للذهبي (ص/231)، "مجمع الزوائد" 8/ 67، "لسان الميزان" 5/ 437.
ويُقال: أبو أيوب، المدائني. خراساني الأصل. وهو سلَّام الطويل.
روى عن: زيد العَميِّ وجُل روايته عنه، وحُميد الطَّويل، وزياد بن مَيْمون، وآخرين.
روى عنه: عِصْمة بن سُليمان، وعلي بن الجَعْد، وعِيسَى بن خالد البَلْخِيُّ، وآخرون.
حاله: قال البخاري: تركوه. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أيضاً: ضَعيفٌ لا يُكتب حديثه. وقال أحمد: مُنكر الحديث. وعلي بن المديني: ضَعَّفَه جداً. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، تركوه. وقال ابن حبَّان: يَرْوِي عن الثِّقَات الموضوعات كَأَنَّهُ كان المُتعَمِّد لها. وذكره ابن عدي في "الكامل"، وذكر جملةً مِن مناكيره، ومنها حديث الباب، وقال: عامة ما يرويه لا يتابعه عليها أحد. وقال النَّسائي، وابن خِراش، وعلي بن الجنيد، والدَّارقطني، والذهبي في "المغني"، وابن حجر: متروك الحديث. وقال أبو نُعيم: متروكٌ بالاتفاق. وقال ابن خِراش أيضاً: كذَّابٌ. والحاصل: أنَّه "متروك الحديث".
(1)
4) زَيْد بن الحَواري العَمِّيُّ، أبو الحَواريّ، البَصْرِيّ.
روى عن: مُعاوية بن قُرة، وسَعِيد بن جُبَيْر، ونافع مولى ابن عُمَر، وآخرين.
روى عنه: سلَّام الطويل، وسُفْيَان الثوري، وشُعْبة بن الحَجَّاج، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد: صالحٌ. وقال السَّعديُّ: مُتَمَاسِكٌ.
- وقال ابن معين أيضاً: يُكتب حديثه. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يُكتب حديثه ولا يُحتج به. وقال أبو زرعة: ليس بقوي، واهي الحديث، ضعيفٌ. وقال العِجْلي: ضَعِيفُ الحديث ليس بِشَيْء. وقال ابن حبَّان: لا يجوز الاحتجاج بخبره ولا كتابة حديثه إلا للاعتبار. وقال النَّسائي: ضَعيفٌ. وقال ابن عدي: وهو مِن الضعفاء الذين يُكتب حديثهم. وقال الذهبي في "المغني": مُقارب الحال. وفي "الديوان": ليس بالقوي. وقال ابن حجر: ضعيفٌ. فالحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ" يُعتبر بحديثه، ولا يُحتج به عند الانفراد.
(2)
5) مُعاوية بن قُرَّة بن إِياس بن هِلال بن رِئاب المُزَنيُّ، أبو إياس البَصْرِيّ.
روى عن: عبد الله بن عبَّاس، وأنس بن مالك، وعبد الله بن مُغَفَّل المُزنيِّ رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: زيد العَميُّ، وشعبة بن الحجَّاج، وثابت البُنانيُّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْليُّ، وأبو حاتم، وابن سعد، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: عالمٌ عاملٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ عالمٌ. روى له الجماعة.
(3)
(1)
يُنظر: "الضعفاء الكبير" 4/ 133، "الجرح والتعديل" 4/ 260، "المجروحين" 1/ 339، "الكامل" 4/ 306، "تاريخ بغداد" 10/ 271، "التهذيب" 12/ 277، "المغني" 1/ 389، "الميزان" 2/ 175، "تهذيب التهذيب" 4/ 282، "التقريب"(2702).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 378، "الجرح والتعديل" 3/ 560، "المجروحين" 1/ 309، "الكامل" 4/ 147، "تهذيب الكمال" 10/ 56، "المغني في الضعفاء" 1/ 358، "ديوان الضعفاء" 1/ 312، "التقريب"(2131).
(3)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 285، "الجرح والتعديل" 8/ 379، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 412، "تاريخ دمشق" 59/ 262، "تهذيب الكمال" 28/ 210، "الكاشف" 2/ 277، "التقريب"(6769).
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل سلَّام الطويل "متروك الحديث"، وقد انفرد به، كما قال الطبراني وابن عدي وأبو نُعيم، وكما هو واضحٌ في التخريج.
وقال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "الكبير"، وفي إسناده سَلَّام الطَّوِيلُ، وهو مَتْرُوكُ الحديث، ولم أر مَنْ وَثَّقَهُ.
(1)
وعزاه المتقي الهندي إلى الطبراني في "الكبير"، وقال: وضُعِّفَ.
(2)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لا يُرْوَى عن ابن عَبَّاسٍ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: سَلَّامٌ الطَّوِيلُ.
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، ولم أقف على ما يدفعه، وبه أيضاً قال ابن عدي، وأبو نُعيم:
فقال ابن عدي بعد أنْ أخرج رواية الباب وغيرها: وهذه الأحاديث التي ذكرتها لسلَّام الطويل عَمَّن رَوَى عنهم ما يُتَابع على شيء مِنْهَا، ما كان عن زيد وعن غيره.
وقال أبو نُعيم عقب إخراجه لرواية الباب: غريبٌ مِنْ حديث مُعَاويةَ بن قُرَّةَ، تَفَرَّدَ به عنه زَيْدٌ، ولا أعلمُهُ رُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مرفوعاً مِنْ حديث ابن عَبَّاسٍ إلا مِنْ هذا الوجه.
* * *
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(1/ 51).
(2)
يُنظر: "كنز العمال"(15/ 799).
[137/ 537]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَنَزِيُّ
(1)
، قَالَ: نا نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَرَكَ الصَّفَّ الأَوَّلَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا، أَضْعَفَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ الصَّفِّ الأَوَّلِ» .
* لا يُرْوَى هذا الحديث عن ابن عَبَّاسٍ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: الوليدُ بن الفَضْلِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه ابن حبَّان في "المجروحين"(3/ 48)، وابن عدي في "الكامل"(8/ 295)، وأبو القاسم القزويني في "أخبار قزوين"(2/ 20) - مُعلَّقاً - مِنْ طريق أَصْرم بن حَوْشب عن نُوح بن أبي مَريم، به. وفيه:"فَصَلَّى فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ"، قال ابن حبَّان: أَصْرَمُ بن حَوْشَب وزيد العَمِّيُّ قد تبرأنا من عُهْدَتِهِمَا. وقال ابن عدي: والحديث عن زَيْدٍ العَمِّيِّ عن سَعِيد بن جُبَير غير محفوظٍ.
• والحديث عزاه المتقي الهندي إلى الطبراني في "الأوسط"، وابن النَّجار، مِن حديث ابن عبَّاس.
(2)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) الوليد بن الفضل أبو محمد العنزيُّ البغداديُّ.
روى عن: جرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن إدريس، ونُوح بن أبي مريم، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، والحسن بن عرفة العبديُّ، وَمُحَمَّد بن خلف المروزيُّ، وآخرون.
حاله: قال ابن حبَّان: شيخٌ يروي المَنَاكِير التي لا يشك من تبحر في هذه الصِّنَاعَة أَنَّهَا مَوْضُوعَة لا يجوز الاحتجاج به بِحَال إذا انْفَرد. وأورد له ابن عدي حديثاً في فضل أبي بكر وعُمر، وقال: وما أظن أن للوليد بن الفضل غير هذا الحديث، وإن كان اليسير من الحديث عنده. وقال الحاكم، وأبو نُعيم، وأبو سعيد النَّقاش: يَرْوي عن الكوفيين الموضوعات. وقال الدَّارقطني: ضَعيفٌ. وقال الذهبي: ساقطٌ.
(3)
3) نُوْحٌ بن أبي مَرْيَم، أبو عِصْمَة القرشي قاضي مرو، ويعرف بنوح الجامع
(4)
.
(1)
العَنَزي: بفتح العين والنُّون، وفي آخرهَا زَاي، نسبة إلى عنزة وهو حي من ربيعة، وهو عنزة بن أسد بن ربيعة. يُنظر:"الأنساب"(9/ 76)، "اللباب"(2/ 361).
(2)
يُنظر: "كنز العمال"(7/ 635/حديث 20647).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 13، "المجروحين" لابن حبَّان 3/ 82، "الكامل" لابن عدي 8/ 360، "الضعفاء" لأبي نُعيم (ص/157)، "تاريخ بغداد" 15/ 615، "ميزان الاعتدال" 4/ 343، "لسان الميزان" 8/ 389.
(4)
قال ابن عدي في "الكامل"(8/ 292): وإِنَّما سمى الجامع: لأنه أخذ الرأي عَن أبي حنيفة وابن أبي ليلى، والحديث عن حجاج بْن أرطاة ومَنْ كَانَ فِي زمانه، وأخذ المغازي عن مُحَمد بْن إِسْحَاق، والتفسير عن الكلبي ومقاتل، وكان مع ذلك عالما بأمور الدنيا فسمى نوح الجامع. وقال أبو نُعيم في "الضعفاء" (ص/151): كان جامعاً في الخطأ والكذب. قال ابن حِبَّانَ - كما في "تاريخ الإسلام"(4/ 758) -: قد جَمَعَ كُلَّ شَيْءٍ إلا الصِّدْقَ.
روى عن: زيد العَمِّي، وثابت البُنانيِّ، وابن جُريجٍ، وآخرين.
روى عنه: الوليد بن الفضل، وأصرم بن حَوْشب، وشعبة بن الحَجَّاج، وآخرون.
حاله: قال وكيعٌ: حَدَّثَنَا شيخ يقال له: أَبُو عصمة كان يضع كما يضع المعلى بن هلال. وقال ابن معين: ليس بِثِقَةٍ، ولا يُكْتب حديثه. وقال البخاري: ذاهِبُ الحديثِ جِدًّا. وقال نُعيم بن حمَّاد، ومُسْلمٌ، وأبو حاتم، والدولابي، والدَّارقطني: متروك الحديث. وقال النَّسائي: ليس بثقة ولا مأمون، ولا يُكتب حديثه. وقال ابن حبَّان: لا يَجُوز الاحتجاج به بحال. وذكر الحاكم: أنه وضع حديث فضائل القرآن. وقال ابن حجر: كذَّبوه في الحديث، وقال ابن المبارك: كان يَضَعُ.
(1)
فالحاصل: أنَّه "متروكٌ، كان يَضَعُ الحديث".
4) زَيْد بن الحَواري العَمِّيُّ: "ضَعيفٌ يُعتبر بحديثه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (136).
5) سَعيد بن جُبير: "ثقةٌ ثبتٌ فقيهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "موضوعٌ"؛ لأجل نوح بن أبي مَرْيم "متروكٌ، كان يَضَعُ الحديث"، وقد انفرد به، مع مخالفته لما صَحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحث على ملازمة الصف الأول والاستهام عليه، فقد أخرج البخاري ومسلمٌ في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا
…
الحديث»
(2)
.
وقال ابن حبَّان: أَصْرَمُ بن حَوْشَب وزيد العَمِّيُّ قد تبرأنا من عُهْدَتِهِمَا.
(3)
وقال ابن عدي: والحديث عن زَيْدٍ العَمِّيِّ عن سَعِيد بن جُبَير غير محفوظٍ.
(4)
وقال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
(5)
وقال الألباني: موضوعٌ.
(6)
وقال الحويني: هذا حديث باطلٌ، منكرٌ جدًا، ومخالفٌ
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 8/ 111، "الجرح والتعديل" 8/ 484، "المجروحين" 3/ 48، "الكامل" 8/ 299، "تهذيب الكمال" 30/ 56، "الميزان" 4/ 279، "التقريب"(7210).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6/ 5) ك/الآذان، ب/الاستِهَامِ في الأَذَانِ، وبرقم (653) ك/الآذان، ب/فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ، وبرقم (721) ك/الآذان، ب/الصَّفِّ الأَوَّلِ، وبرقم (2689) ك/الشهادات، ب/القُرْعَةِ فِي المُشْكِلَاتِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(437) ك/الصلاة، ب/فضل النداء والصف الأول والتكبير وصلاة العتمة والصبح.
(3)
يُنظر: "المجروحين"(3/ 48).
(4)
يُنظر: "الكامل" لابن عدي (8/ 295).
(5)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(2/ 95 - 96).
(6)
يُنظر: "ضعيف الترغيب والترهيب" حديث رقم (260).
للأحاديث الصحيحة الحاضَّة على لزوم الصف الأول والاستهام عليه، والوليد بن الفضل وأصرم بن حوشب ونوح بن أبى مريم، ثلاثتهم هلكى.
(1)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لا يُرْوَى عن ابن عَبَّاسٍ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: الوليدُ بن الفَضْلِ.
قلتُ - والله أعلم -: لم يَنْفَرد به الوليد بن الفضل، بل تابعه أصرم بن حَوْشب عن نوح بن أبي مريم أخرج روايته ابن حبَّان، وابن عدي، كما هو مُوضَّحٌ في التخريج.
ولذا تعقبه الحويني، فقال بعد أنْ ذكر كلام الطبراني: رضى الله عنك! - يقصد الطبراني - فلم يتفرد به الوليد بن الفضل، فتابعه أصرم بن حوشب، ثنا نوح بن أبى مريم بسنده سواء.
(2)
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال ابن رجب الحنبلي
(3)
: قوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ» : يعني: لو يعلمون ما فيهما من الفضل والثواب، ثم لم يجدوا الوصول إليهما إلا بالاستهام عليهما - ومعناه: الإقراع - لاستهموا عليهما تنافساً فيهما ومشاحة في تحصيل فضلهما وأجرهما.
وقد دل الحديث على القرعة في التنافس في الصف الاول إذا استبق اليه اثنان وضاق عنهما وتشاحا فيه، فإنَّه يقرع بينهما. وهذا مع تساويهما في الصفات، فإن كان أحدهما أفضل من الآخر توجه أنْ يُقدم الأفضل بغير قرعة، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»
(4)
.
* * *
(1)
يُنظر: "تنبيه الهاجد"(1/ 346/حديث رقم 270).
(2)
يُنظر: "تنبيه الهاجد"(1/ 346/حديث رقم 270).
(3)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (5/ 286 - 288).
(4)
أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(432/ 1،2) مِنْ حديث أبي مسعود عُقْبة بن عَمرو الأنصاري رضي الله عنه، وبرقم (432/ 3) عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه ك/الصلاة، ب/تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، وَإِقَامَتِهَا، وَفَضْلِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا، وَالَازْدِحَامِ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَالْمُسَابَقَةِ إِلَيْهَا، وَتَقْدِيمِ أُولِي الْفَضْلِ، وَتَقْرِيبِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ.
[138/ 538]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا الحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ المُكْتِبُ
(1)
، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَطَاءٍ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَمَضْمَضْ، وَلْيَسْتَنْشِقَ، والأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عطاءٍ إلا إسماعيلُ، تَفَرَّدَ به: عَلِيُّ بن هَاشِمٍ.
هذا الحديث مَدَاره على إسماعيل بن مُسْلم، واختلف عنه مِن ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: إسماعيل بن مُسلم، عن عطاءٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: إسماعيل بن مسلم، عن عطاءٍ، عن ابن عَبَّاس رضي الله عنه.
الوجه الثالث: إسماعيل بن مسلم، عن عطاءٍ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
إسماعيل بن مُسلم، عن عطاءٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(6370)، والطبري في "تفسيره"(11383)، عن الحسن بن شبيب؛ وابن حبَّان في "المجروحين"(2/ 110) مِن طريق زكريا بن يحيى الواسطي؛ والدَّارقطني في "سننه"(347) مِن طريق إسحاق بن كعب؛ ثلاثتهم عن علىّ بن هاشم، عن إسماعيل بن مُسْلم، به.
وفيه عند أبي يعلى: "وَلْيَسْتَنْثِرْ"، وعند الطبري مُختصراً بجزئه الأخير فقط.
وقال الدارقطني: وحديث إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن أبي هريرة لا يصح.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) الحَسَن بن شبيب بن راشد، أبو عليّ البَغْداديُّ، المُكْتِب.
روى عن: عليّ بن هاشم، وشريك بن عبد الله، وخلف بن خليفة، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، وأبو يَعْلى الموصلي، ويحيى بن صاعد، وآخرون.
حاله: قال أحمد: لا أعرفه. وذكره ابن أبي حاتم ولم يَذكر فيه جرحاً أو تعديلاً. وقال ابن حبَّان: رُبَّما أغرب. وقال ابن عدي: حَدَّث عن الثقات بالبواطيل، وأوصل أحاديث هي مرسلة، وقَلَّما يُتابع على حديثه. وقال الدَّارقطني: إخباري يُعتبر به، وليس بالقوي. وقال الذهبي: المُتعيَّن ما قال ابن عدي فيه.
(2)
(1)
المُكْتِب: بضم الميم، وسكون الكاف، وكسر التَّاء، نسبة لمن يُعَلِّم الصّبيان الخط والأدب. يُنظر:"اللباب"(3/ 251).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 18، "الثقات" 8/ 172، "الكامل" 3/ 178، "الميزان" 1/ 495، "لسان الميزان" 3/ 56.
3) عَليُّ بن هَاشِم بن البَرِيد، أبو الحسن الكوفيُّ.
روى عن: إسماعيل بن مسلم، والأعمش، وهشام بن عروة، وآخرين.
روى عنه: الحسن بن شَبيب، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن المديني، والعِجْليُّ، ويعقوب بن شَيْبة: ثِقَةٌ. وقال أحمد، والنَّسائي: ليس به بأسٌ. وقال ابن المديني - بإحدى الروايات عنه -، وأبو زرعة: صدوقٌ. وقال ابن سعد: كان صالح الحديثِ صدوقاً. وقال أبو داود: ثَبْتٌ يتشيَّع. وقال ابن حبَّان: كان يَتَشَيَّع. وقال ابن عدي: هو من الشيعة المعروفين بالكوفة، ويروي في فضائل علي أشياء لا يرويها غيره بأسانيد مختلفة، هو إن شاء الله صدوقٌ في روايته. وقال الذهبي في "المغني": صَدُوقٌ شِيعيٌّ جَلدٌ. وقال في "الديوان": له مناكير. وقال في "السير": الحافظ الصدوق. وقال ابن حجر: صدوقٌ يَتَشَيَّع. وروى له البخاري في "الأدب"، والباقون.
- وقال أبو حاتم: كان يَتشيَّع، ويُكتب حديثه. وذكره ابن حبَّان أيضاً في "المجروحين"، وقال: كان غالياً في التَّشَيُّع مِمَّن يَروي المناكير عن المشاهير حتَّى كثر ذلك في رواياته مع ما يقلب مِنْ الأسانيد، وأخرج رواية الباب في ترجمته. وقال ابن نُمير: كان مفرطاً في التشيع منكر الحديث. وضَعَّفه الدَّارقطني.
- وقال البخاري: هو وأبوه غَاليان في سوء مذهبهما. وقال الذهبي في "الميزان": ولغلوه ترك البخاري إخراج حديثه، فإنه يَتجنب الرافضة كثيراً، كأنَّه يَخاف من تدينهم بالتقية ولا نراه يَتجنب القدرية ولا الخوارج ولا الجهمية، فإنهم على بدعهم يلزمون الصدق. وقال د/بشار عَوَّاد في تعليقه على "تهذيب الكمال": ذكره مؤرخو الشيعة وذكروا أنَّه مِنَ أصحاب الصادق، وأخرج له الكليني في "الكافي".
(1)
- والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، ويُتجنَّب مِن روايته ما يُؤيد بدعته، وما أخطأ فيه مِن مناكيره"، فقد وثَّقه غير واحدٍ كما سبق، وأمَّا مَا جَرَّحه به ابن حبَّان مِن كثرة روايته المناكير، فلم يذكره عنه أحد من المتقدمين، بل وثَّقه ابن معين وغيره، ولم يذكر ابن حبان مِثالاً واحداً لِمَا قال، وقد تَعَوَّدنا منه مُخالفة الأئمة في جَرْحِه وتعديله، مع أنَّه ذكره في الثقات فناقض نفسه
(2)
، ويُحمل تضعيف غيره علي مذهبه، وأبو حاتم مُتشدد وخالف قول الجمهور، والجرح مِنه غير مُفَسَّر، والله أعلم.
4) إِسْمَاعِيل بن مسلم، أَبُو إِسْحَاق البَصْرِيّ، المكيُّ.
(3)
روى عن: عطاء بن أبي رَباح، وقتادة، والزهري، وآخرين.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 159، "الجرح والتعديل" 6/ 208، "الثقات" 7/ 213، "المجروحين" 2/ 110، "الكامل" 6/ 311، "تاريخ بغداد" 13/ 606، "التهذيب" 21/ 163، "المغني" 2/ 27، "تاريخ الإسلام" 4/ 932، "الديوان"(2973)، "سير أعلام النبلاء" 8/ 342، "الميزان" 3/ 160، "تهذيب التهذيب" 7/ 393، "لسان الميزان" 9/ 377، "التقريب"(4810).
(2)
يُنظر: تعليق الدكتور/عبد الله الرحيلي على "مَن تكلم فيه وهو موثَّق"(ص/392 - 393).
(3)
قال الدوري في "تاريخ ابن معين" بروايته (4/ 82): قال أبو الفضل: وقال غير يحيى: إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ لم يكن مكيا وَلَكِن كَانَ يكثر التِّجَارَة وَالْحج وَإِلَى مَكَّة فَسُمي مكياً.
روى عنه: علي بن هاشم، وابن المبارك، والسفيانان، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ضعيف الحديث مُخَلِّط، فقيل له: هو أحب إليك أو عمرو بن عُبيد؟ قال: جميعاً ضعيفين، وإسماعيل: ضعيف الحديث ليس بمتروك، يُكتب حديثه. وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة عن أهل الحجاز والبصرة والكوفة، إلا أنَّه مِمَّن يُكتب حديثه.
- وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن المديني: لا أكتب حديثه، وأجمعوا على ترك حديثه. وقال يحيى القطان: لم يزل مختلطاً كان يحدثنا بالحديث الواحد على ثلاثة ضروب. وقال أحمد: منكر الحديث جداً. وقال البخاري: تَرَكه ابنُ المبارك، ورُبَّما روى عَنْهُ، وتركه يحيى، وابنُ مهدي. وقال أبو زرعة وابن حبَّان وابن حجر: ضَعيف الحديث. وقال الجُوزجاني: واهي الحديث جداً. وقال النَّسائي وعلي بن الجنيد والدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن خزيمة: أنا أبرأ من عهدته. وقال الذهبي: سَاقِطُ الحديث مَتْرُوك.
- والحاصل: أنَّه "متروك الحديث" فهذا هو قول جمهور أهل العلم.
(1)
5) عطاء بن أبي رَبَاح: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ فاضلٌ، كثير الإرسال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (37).
6) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مِنْ المُكثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (8).
ثانياً: - الوجه الثاني:
إسماعيل بن مسلم، عن عطاءٍ، عن ابن عَبَّاس رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• وأخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(4/ 381 و 7/ 416)، والدارقطني في "سننه"(282 و 346) مِنْ طريق سُوَيد بن سَعِيدٍ، قال: حدَّثنا القاسم بن غُصْنٍ، عن إسماعيل بن مُسْلِمٍ، عن عَطَاءٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْمَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقُ سُنَّةٌ، وَالأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ ".
وقال الدَّارقطني: إسماعيلُ بن مُسْلِم ضَعِيفٌ، والقاسم بن غُصْنٍ مِثْلُهُ.
(2)
ب مُتابعات للوجه الثاني:
• ورواه عن عطاءٍ، جماعة، كالآتي:
• فرواه جابر بن يزيد الجُعْفيّ، واختُلِفَ عنه:
- فأخرجه ابن عدي في "الكامل"(1/ 309)، والدارقطني في "السنن"(341) - ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق في مسائل الخلاف"(156) -، وأبو طاهر المُخَلِّص في "الجزء السادس مِن الفوائد المنتقاة
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 372، "أحوال الرجال" للجُوزجانيّ (ص/255)، "المجروحين" 1/ 120، "الكامل" لابن عدي 1/ 454، "تهذيب الكمال" 3/ 198، "المغني" 1/ 142، "الميزان" 1/ 248، "تهذيب التهذيب" 1/ 332، "التقريب"(484).
(2)
القاسم بن غُصن، قال فيه أحمد: يُحَدِّث بأحاديث مناكير. وقال أبو حاتم: ضَعيف الحديث. وقال أبو زرعة: ليس بالقوي. وقال ابن حبَّان: يروي المناكير عن المشاهير، ويقلب الأسانيد حتى يرفع المراسيل ويسند الموقوف، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، فأمَّا فيما وافق الثقات فإن اعتبر به معتبر لم أر بذلك بأساً. يُنظر:"الجرح والتعديل" 7/ 116، "المجروحين" 2/ 212، "الميزان" 3/ 377، "لسان الميزان" 6/ 379.
العوالي" (213)، مِنْ طريق أحمد بن بَكْرٍ أبي سعيد البَالِسِيّ، قال: حَدَّثَنا محمد بن مُصْعَبٍ القَرْقَسَانِيُّ، حدَّثنا إِسْرَائِيلُ بن يونس؛ والدَّارقطني في "سننه" (342)، مِنْ طريق الحسن بن صالح؛ والدَّارقطني في "سننه" (343)، مِنْ طريق عليّ بن يونس عن إبراهيم بن طَهْمان؛ ثلاثتهم (إسرائيل، والحسن، وإبراهيم)، عن جَابِرٍ بن يزيد الجُعْفيّ، عن عَطَاءٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَمَضْمَضْ، وَلْيَسْتَنْشِقْ، والأُذنان مِنَ الرَّأْسِ". وفي رواية الحسن بن صالح:«وَلْيَسْتَنْثِرْ» .
قال ابن عدي: وهذا الحديثُ لا يُعْرَفُ إلا بأحمد بن بَكْرٍ، وقال فيه: روى مناكير عن الثقات.
- بينما أخرجه الدَّارقطني في "سننه"(344)، مِنْ طريق الحكم بن عَبْدِ اللَّهِ أبي مُطِيعٍ الخراسانيّ، عن إبراهيم بن طَهْمَان، عن جَابِرٍ بن يزيد الجُعْفيّ، عن عَطَاءٍ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَضْمَضَةَ والاسْتِنْشَاقَ مِنْ وَظِيفَةِ الْوُضُوءِ لا يَتِمُّ الْوُضُوءُ إِلا بِهِمَا، وَالأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» .
قال الدارقطني: جَابِرٌ ضَعِيفٌ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَأَرْسَلَهُ إبراهيم بن طَهْمَانَ، عن جَابِرٍ، عن عَطَاءٍ، وهو أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ.
• ورواه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، واختُلف عنه:
- فأخرجه ابن عدي في "الكامل"(4/ 35)، والدارقطني في "سننه"(333 و 334)، وأبو نُعيم في "الحلية"(8/ 281)، مِنْ طُرُقٍ عن الرَّبيع بن بَدْرٍ، وابن عدي في "الكامل"(4/ 35 و 5/ 327)، وابن شاهين في "حديثه"(10) - برواية ابن المهتدي، مطبوع ضمن مجموع فيه مصنفات أبي حفص ابن شاهين -، والدَّارقطني في "سننه"(331 و 332)، مِنْ طريق أبي كامل فُضَيل بن حُسين الجَحْدريّ، قال: حَدَّثَنا غندر، كلاهما (الربيع، وغُنْدر)، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عَبَّاس، قَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَضْمِضُوا، وَاسْتَنْشِقُوا، وَالأُذُنَانِ مِنْ الرَأْسِ". ورواية غُنْدَر بقوله: " الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ" فقط.
وقال ابن عدي: وهذا عن ابن جُرَيجٍ لا يرويه غير الربيع بن بدر، وغُنْدَر صاحب شُعْبَة، ومن حديث غندر ليس بالمحفوظ. وقال: وعامة أحاديث الربيع ورواياته مِمَّا لا يُتابعه أحدٌ عليه. وقال ابنُ عَدِي أيضًا، وابن شاهين: قال أبو كامل: لم أكتب عن غُنْدَر غير هذا الحديث، أفادني عنه عَبد اللَّه بن سلمة الأفطس، وهذا الحديث لا أعلم يروه عن غندر بهذا الإسناد غير أبي كامل.
وقال ابن شاهين: تَفَرَّدَ بهذا الحديثِ ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَ به عَنْهُ غُنْدَرٌ، وقيل: الرَّبِيعُ بن بَدْرٍ.
وقال الدَّارقطني: تَفَرَّدَ به أبو كَامِلٍ، عن غُنْدَرٍ، وَوُهِمَ عَلَيْهِ فيه، تَابَعَهُ الرَّبِيعُ بن بَدْرٍ وهو "مَتْرُوكٌ"، عن ابن جُرَيْجٍ، والصَّوَابُ عن ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بن مُوسَى، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
(1)
(1)
لكن تعقبه ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف"(1/ 164)، فقال: أَبُو كَامِلٍ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا طَعَنَ فِيهِ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، كَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِرِوَايَةِ الْمُوَافِقِ اعْتُبِرَ بِهَا، ومن عَادَةِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا مَنْ وَقَفَ الْحَدِيثَ وَمَنْ رَفَعَهُ وقفو مَعَ الْوَاقِفِ احْتِيَاطًا، وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ، وَمِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ جُرَيْجٍ سَمِعَهُ مِنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا، وَقَدْ رَوَاهُ لَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ مُسْنَدٍ.
وتبعه كذلك ابن القطان في "الوهم والإيهام"(5/ 263)، فقال: هَذَا الْإِسْنَاد صَحِيح بِثِقَة رَاوِيه واتصاله، وَإِنَّمَا أعله الدَّارَقُطْنِيّ بِالِاضْطِرَابِ فِي إِسْنَاده، وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْب فِيهِ؛ وَالَّذِي قَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ أَن أَبَا كَامِل تفرد بِهِ عَن غنْدر، وَوهم فِيهِ عَلَيْهِ، هَذَا مَا قَالَ، وَلم يُؤَيّدهُ بِشَيْء وَلَا عضده بِحجَّة، غير أَنه ذكر أَن ابْن جريح الَّذِي دَار الحَدِيث عَلَيْهِ، يرْوى عَنهُ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُرْسلا. وَمَا أَدْرِي مَا الَّذِي يمْنَع أَن يكون عِنْده فِي ذَلِك حديثان: مُسْند ومرسل؟!
وذكر ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(1/ 206 - 207) نص كلام ابن القطان، وعقب عليه بقوله: هذا فيه نظرٌ كثير. ثُمَّ قال: وهذه الطَريقة التي سلكها المؤلف - يقصد ابن الجوزي - ومن تابعه (في أنَّ الأخذ بالمرفوع في كل موضعِ) طريقةٌ ضعيفةٌ، لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل في الحديث.
وقال الذهبي في "تنقيح التحقيق"(1/ 60) - بعد أن ذكر كلام ابن الجوزي -: هذا كلام من لا شَمَّ العلل.
وقال الحافظ ابن حجر في "إتحاف المهرة"(7/ 404/8067) - بعد أن نقل كلام ابن القطان -: لَكِنْ فِي سَمَاعِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنَ ابْنِ جُرَيْجٍ نَظَرٌ، وَمِنْهُمْ غُنْدَرٌ، فَرِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى سَالِمَةٌ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ، فَلِهَذَا رَجَّحَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وزاد في "النكت" (1/ 412): أن أبا كامل قال - فيما رواه أحمد بن عدي عنه -: لم أكتب عن غُنْدَر إلا هذا الحديث أفادنيه عنه عبد الله بن سلمة الأفطس. والأفطس ضعيفٌ جدًا، فلَعَلَّه أدخله على أبي كامل. وقال في "النكت" أيضًا (1/ 413) - بعد أن ذكر علة هذا الحديث، وتصحيح ابن القطان وابن دقيق العيد -: وليس بجيد، لأن فيه العلة التي وصفناها، والشذوذ، فلا يحكم له بالصحة، كما تَقَرَّر - والله أعلم -.
قلت: وما قاله ابن القطان مِن أنَّ الدارقطني لم يذكر حجته، غير صواب؛ فلقد ساق الدَّارقطني الحديث مِن طريق ستة مِن الرواة كلهم رووه عن ابن جريج عن سُليمان بن موسى مُرسلاً. وعليه فالوجه المرفوع عن ابن جُريج "شاذٌ" لمخالفة غُندر لما رواه عامة الثقات عن ابن جريج مُرسلاً، مع تفرَّد أبو كامل به عن غُندر.
قلتُ: لذا قال البيهقي كما في "مختصر خلافيات البيهقي"(1/ 198) - بعد أن ذكر الخلاف في الحديث عن ابن جريج -: وَهَؤُلَاء الَّذين وصلوا هَذَا الْإِسْنَاد: تَارَةً عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابْن عَبَّاس، وَتارَةً عن ابن جريج، عن سُلَيْمَان، عن الزُّهْرِيّ، عن عُرْوَة، عن عَائِشَة - وغير ذلك مِمَّا سبق ذِكْرِنَا لَهُ -، لَيْسُوا مِنْ أهل الصِدْق والعَدَالَة بِحَيْثُ إذا تَفَرَّدوا بِشَيْء يُقْبَل ذَلِك مِنْهُم، أَو جَازَ الاحْتِجَاج بهم، فكيف إِذا خالفوا الثِّقَات، وباينوا الأَثْبَات، وعمدوا إلى المُعْضِلات فَجَوَّدَوها، وقصدوا إلى المَرَاسِيل والموقوفات فأسندوها، والزِّيَادَة إِنَّمَا هِيَ مَقْبُولَة عن المَعْرُوف بِالْعَدَالَةِ، وَالمَشْهُور بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة، دون من كَانَ مَشْهُورًا بِالْكَذِبِ والخيانة، أَو مَنْسُوبا إِلَى نوع من الْجَهَالَة، وَقد رُوِيَ عن الثَّوْريّ عَن ابْن جريج عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، قال: قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الصَّوَاب، وَبِغير ذَلِك لَا تثبت الْحجَّة عندنَا. ووافقه الحافظ ابن حجر كما في "التلخيص الحبير"(1/ 160)، و"الدراية في تخريج أحاديث الهداية"(1/ 21/10).
وقال أبو نعيم: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ في المَضْمَضَةِ والاسْتِنْشَاقِ، لا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْهُ إِلَّا الرَّبِيعُ.
- بينما أخرجه الطبري في "تفسيره"(11382)، والدَّارقطني في "سننه" برقم (278) من طريق إسماعيل بن عيَّاش، وبرقم (277 و 335) من طريق وكيعٍ، وعبد الرزاق، وبرقم (279 و 280 و 336) من طريق سفيان الثوري، وبرقم (337) من طريق صلة بن سليمان، وبرقم (338) من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، ستتهم عن ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» .
- وأخرجه الدارقطني في "سننه"(339) - ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق"(154) - بسنده من طريق علي بن عاصم، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن أبي هريرة مرفوعاً «الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» .
وقال الدارقطني: وَهِمَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ في قَوْلِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالَّذِي قَبْلَهُ أَصَحُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وقال ابن عبد الهادي: والصَواب ما قاله الدَارَقُطْنِيُ أنَه مرسلٌ.
(1)
- وأخرج الدارقطني برقم (281 و 340) - ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق في مسائل الخلاف"(155) -، من طريق الفَضْل بن مُوسَى السِّينَانِيّ، وبرقم (275 و 276) مِنْ طريق عِصَام بن يوسف عن عبد الله بن المبارك، كلاهما (الفضل، وابن المبارك)، عن ابن جُرَيْجٍ، عن سُلَيْمَانَ بن موسى، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوَةَ، عن عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَتَمَضْمَضْ وَلْيَسْتَنْشِقْ، وَالأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» .
وقال الدَّارقطني: وهذا خَطَأٌ، والمُرْسَلُ أَصَحُّ. وقال أيضًا: تَفَرَّدَ به عِصَامٌ، عن ابْنِ المُبَارَكِ، وَوَهِمَ فيه، والصَّوَابُ عن ابْنِ جُرَيْجِ، عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى مُرْسَلًا، وَأَحْسَبُ عِصَامًا حَدَّثَ به مِنْ حِفْظِهِ، فاختلط عليه، فاشْتَبَهَ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عن سُلَيْمَانَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوَةَ، عن عَائِشَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
• ورواهُ عُمَرُ بن قَيْسٍ المَكِّيُّ، عن عَطَاءٍ، عن ابن عَبَّاسِ (مَوْقُوفًا):
فأخرجه الدَّارقطني في "سننه"(354)، مِنْ طريق عُمَر بن قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ في الْوُضُوءِ، وَمِنَ الْوَجْهِ في الإِحْرَامِ» . قال الدَّارقطني: عُمَرُ بن قَيْسٍ ضَعِيفٌ.
ثالثاً: - الوجه الثالث:
- إسماعيل بن مسلم، عن عطاءٍ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثالث:
• قال البيهقي - كما في "مختصر خلافيات البيهقي"(1/ 187) -: رُوِيَ عَن سَلام، قال: حدَّثنَا إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، وَإِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ، عن عطاءٍ، عن جابرٍ (مَرْفُوعًا).
وقال البيهقي: وَذِكْرُ جَابر فيه خطأٌ، وقد اخْتلف فيه على إِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ، والأَشْبَه بِالصَّوَابِ حديث عطاءٍ عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ذكري له -، والله أعلم.
رابعاً: - النظر في الخلاف والترجيح:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على إسماعيل بن مُسْلم، واختلف عنه مِن ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: إسماعيل بن مُسلم، عن عطاءٍ، عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: إسماعيل بن مسلم، عن عطاءٍ، عن ابن عَبَّاس صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثالث: إسماعيل بن مسلم، عن عطاءٍ، عن جابر بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
يُنظر: "تنقيح التحقيق"(1/ 208).
وقد روي عن عطاء مِنْ أوجه أخرى:
• فرواه جابر بن يزيد الجُعْفيّ، واختُلِفَ عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: جَابِرُ بن يزيد الجُعْفيّ، عن عَطَاءٍ، عن ابن عَبَّاسٍ (موصولًا).
الوجه الثاني: جَابِرُ بن يزيد الجُعْفيّ، عن عَطَاءٍ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مُرْسلًا).
• ورواه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج، واختُلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: ابن جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عَبَّاس (مَوصولًا).
الوجه الثاني: ابن جريج، عن سُليمان بن موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مُرْسلًا).
الوجه الثالث: ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن أبي هريرة (موصولًا).
الوجه الرابع: ابن جُرَيْجٍ، عن سُلَيْمَانَ بن موسى، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوَةَ، عن عَائِشَةَ (موصولًا).
• ورواهُ عُمَرُ بن قَيْسٍ المَكِّيُّ، عن عَطَاءٍ، عن ابن عَبَّاسِ (مَوْقُوفًا).
والذي يظهر - والله أعلم - أنَّ المرسل عن عطاءٍ، وسُليمان بن موسى، هو الأشبه بالصواب، وهذا هو ما رجَّحه جمهور الأئمة كابن عدي، والدَّارقطني، والبيهقي، وابن عبد الهادي، والذهبي، وابن حجر.
خامساً: - الحكم على الحديث:
• مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جدًا"؛ فيه إسماعيل بن مُسلم المكي "متروك الحديث"، مع مخالفته لما رواه عامة الثقات عن عطاءٍ بن أبي رباح.
وقال الدارقطني: وحديث إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن أبي هريرة لا يصح.
• واختلف أهل العلم في الحكم على الحديث فصححه بعضهم، وحسنه آخرون، وضعفه البعض الآخر:
- فصححه الزيلعي من بعض طرقه عن عبد الله بن زيد
(1)
، وابن عبَّاس، مُعْتمداً في ذلك على تصحيح ابن القطان لحديث ابن عبَّاس.
(2)
قلتُ: وسبق الجواب عنه، وبيان مخالفة أهل العلم له، منهم: الدارقطني، والبيهقي، وابن عبد الهادي، والذهبي، وابن حجر. وأمَّا حديث عبد الله بن زيد فقد قال الحافظ ابن حجر: قَوَّاهُ الْمُنْذِرِيُّ، وابنُ دَقِيقِ العِيدِ، وقد بَيَّنْتُ أَنَّهُ مُدْرَجٌ في كتابي في ذلك.
(3)
قلتُ: ولم أقف - على حد بحثي على هذا الكتاب، ومُراده أنَّ قوله:"والأذنان من الرأس" الصواب فيها أنَّها من قول عبد الله بن زيد، وأنَّها مُدْرجة في المرفوع مِن بعض الرواة.
(1)
حديث عبد الله بن زيد أخرجه ابن ماجه في "سننه"(443) ك/الطهارة، ب/الأذنان من الرأس، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» .
(2)
يُنظر: "نصب الراية"(1/ 19).
(3)
يُنظر: "التلخيص الحبير"(1/ 160)، "النكت على ابن الصلاح"(1/ 411 - 412).
وصححه كذلك الصنعانيّ، فقال: حَدِيثُ: «الأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدِهِ مَقَالٌ، إلَّا أَنَّ كَثْرَةَ طُرُقِهِ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَشْهَدُ لَهَا أَحَادِيثُ مَسْحِهِمَا مَعَ الرَّأْسِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، عَنْ عَلِيٍّ، وابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُثْمَانَ، كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ مَسَحَهُمَا مَعَ الرَّأْسِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
(1)
وصححه مِن المُحْدَثين الشيخ العلامة أحمد شاكر رضي الله عنه، فقال: والراجح عندي أنَّ الحديث صحيحٌ.
(2)
وصححه أيضاً الشيخ الألباني، فقال في "الصحيحة" - بعد أنْ ذكر الحديث بطرقه عن جماعةٍ مِنْ الصحابة -: وحديث عبد الله بن زيد لا يمنع أنْ يكون حسناً لغيره، وإذا انضم إليه الطرق الصحيحة عن الصحابة الآخرين ازداد قوة، بل إنَّه ليرتقي إلى درجة المتواتر عند بعض العلماء.
(3)
وفي "صحيح أبي داود" - بعد ذكره للحديث عن أبي أمامة -: حديثٌ صحيحٌ، وحسَّنَه الترمذي في بعض نسخ "السنن"، وقَوَّاه المُنْذِريّ، وابن دقيق العيد، وابن التركمانيُّ، والزيلعيُّ، ثم ذكر طرق الحديث، وأشار إلى شواهده، ثم قال: وبالجملة فالحديث عندنا صحيحٌ بهذه الطرق والشواهد الكثيرة.
(4)
قلتُ: واعتمد في نقل تحسين الترمذي للحديث على "سنن الترمذي" بتحقيق الشيخ/أحمد شاكر رحمه الله، مبيناً أنَّ ذلك وقع في بعض نسخ "السنن"؛ بينما علق د/ بشار عواد في تحقيقه "لسنن الترمذي"، فقال: لفظة حسن لا أصل لها في "التحفة"، ولا في "التهذيب"، ولا في النسخ المعتمدة، إنَّما أضافها العلامة أحمد شاكر مِن نسخة السندي فقط، ولم يحسن الصنع، فالحديث ضعيفٌ معلول - يقصد حديث أبي أمامة - كما بيناه في تعليقنا على ابن ماجه
(5)
.
- وقال ابن دقيق العيد: الحديث عندنا حسنٌ.
(6)
وقال العلائي: وهذا الحديث رُبَّما ينتهي ببعض طرقه إلى درجة الحسن.
(7)
وحسَّنه الحافظ ابن حجر رحمه الله بمجموع طرقه، فقال - بعد أن ذكره عن جماعة من الصحابة -: وإذا نظر المُنْصِف إلى مجموع هذه الطرق علم أن للحديث أصلًا، وأنَّه ليس مِمَّا يُطْرَح، وقد حسنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه - والله أعلم -.
(8)
(1)
يُنظر: "سبل السلام"(1/ 69).
(2)
يُنظر: تعليقه على "سنن الترمذي"(1/ 53 - 55/برقم 37).
(3)
يُنظر: "السلسلة الصحيحة"(1/ 81 - 93/برقم 36).
(4)
يُنظر: "صحيح أبي داود"(1/ 217 - /رقم 123)، ويُنظر:"إرواء الغليل"(1/ 124/84).
(5)
يُنظر: "سنن ابن ماجه" بتعليق د/بشار عوَّاد (1/ 367/ حديث رقم 444).
(6)
يُنظر: "نصب الراية"(1/ 18).
(7)
يُنظر: "النكت على ابن الصلاح" لابن حجر (1/ 409).
(8)
يُنظر: "النكت"(1/ 415).
وحَسَّنَه مِنْ المُعاصرين الدكتور/ بَشَّار عوَّاد مِن حديث عبد الله بن زيد.
(1)
- بينما قال البيهقي: حديث "الأذنان من الرأس" رُوي بأسانيد كَثِيرَة، ما مِنْهَا إِسْنَاد إلا وله عِلّة، رُوِيَ ذلك عن ابن عمر، وابن عَبَّاس، وجابر بن عبد الله، وأبي موسى، وأبي هُرَيْرَة، وأنس، وأبي أُمَامَة، وعبد الله بن زيد، وسمرَة بن جُنْدُب، وَعَائِشَة رضي الله عنهم.
(2)
وقال حرب: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل -: الأذنان من الرَأس؟ قال: نعم. قلت: صحَ فيه شيءٌ عن النَبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: لا أعلم.
(3)
وقال النووي: الحديث ضعيفٌ مِنْ جميع طرقه.
(4)
وضَعفه أيضاً مِن المُحْدَثين الشيخ/ شعيب الأرنؤوط، فقال - بعد أنْ خرَّج الحديث، وأشار إلى شواهده -: وهذه الأحاديث لا يصح منها شيءٌ مرفوعاً، فأسانيدها لا يخلو واحد منها من مقال، فهي إما ضعيفة بضعف بعض رواتها، أو معلولة بانقطاع وغيره، وقد بسط الكلام في تبيين ضعفها وتعليلها بما لا مزيد عليه الدارقطني في "سننه"، لكن قد ثبت موقوفاً عن غير واحد من الصحابة.
(5)
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن عطاءٍ إلا إسماعيلُ، تَفَرَّدَ به: عَلِيُّ بن هَاشِمٍ.
قلتُ: وحكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف على ما يدفعه، وهو تَقَرَّدٌ نسبيٌّ؛ وكلام المُصَنِّف رضي الله عنه مُقَيَّدٌ برواية الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وإلا فقد رواه غير واحدٍ عن عطاءٍ، وعن إسماعيل لكنَّهم جعلوا الحديث عن غير أبي هريرة رضي الله عنه - كما هو مُفَصَّل في التخريج -.
سادساً: التعليق على الحديث:
قال الإمام الترمذي: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، أَنَّ الأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَا أَقْبَلَ مِنَ الأُذُنَيْنِ فَمِنَ الْوَجْهِ، وَمَا أَدْبَرَ فَمِنَ الرَّأْسِ.
قَالَ إِسْحَاقُ: وَأَخْتَارُ أَنْ يَمْسَحَ مُقَدَّمَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ، وَمُؤَخَّرَهُمَا مَعَ رَأْسِهِ.
(6)
وقال النووي: مَذْهَبُنَا أَنَّ الأذنين لَيْسَتَا مِنْ الْوَجْهِ، ولا مِنْ الرَّأْسِ، بَلْ عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ، يُسَنُّ مَسْحُهُمَا
(1)
يُنظر: تعليقه على "سنن ابن ماجه"(1/ 366/حديث رقم 443).
(2)
يُنظر: "مختصر خلافيات البيهقي"(1/ 172 - 174).
(3)
يُنظر: "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي 1/ 205.
(4)
يُنظر: "المجموع شرح المهذب"(1/ 415).
(5)
يُنظر: تحقيقه لـ"مسند أحمد"(36/ 557/ حديث رقم 22223).
(6)
يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (37).
على الِانْفِرَادِ، ولا يَجِبُ، وبه قال جَمَاعَةُ مِنْ السَّلَفِ، حَكَوْهُ عن ابْنِ عُمَرَ، والحَسَنِ، وعَطَاءٍ، وأبي ثَوْرٍ، وقال الزُّهْرِيُّ: هُمَا مِنْ الْوَجْهِ، فَيُغْسَلَانِ معه، وقال الاكثرون: هما من الرأس. قال ابْنُ المُنْذِرِ: رويناه عن ابن عَبَّاسٍ، وابن عُمَرَ، وأبي موسى رضي الله عنهم، وبه قال عَطَّاء، وابنُ المسيب، والحسنُ، وعُمَرُ بن عَبْدِ العَزِيزِ، والنَّخَعِيُّ، وابنُ سِيرِينَ، وسعيدُ بن جُبَيْرٍ، وقتادةُ، ومالكٌ، والثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأحمد.
(1)
وقال ابن حجر: معنى هذا المتن أن الأذنين حكمهما حكم الرأس في المسح لا أنهما جزء من الرأس، بدليل أنه لا يُجزئ المسح على ما عليهما من شعر عند من يجتزئ بمسح بعض الرأس بالاتفاق، وكذلك لا يجزئ المحرم أن يقصر مما عليهما من شعر بالإجماع - والله الموفق -.
(2)
وقال المناوي: قوله صلى الله عليه وسلم: «الأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» : لا من الوجه ولا مستقلتان، يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء، بل يُجزئ مسحهما ببلل ماء الرأس، وإلا لكان بيانًا للخلقة فقط، والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يُبعث لذلك، وبه قال الأئمة الثلاثة، واستظهروا بآية {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}
(3)
، قالوا: بإذنه؛ وقال الشافعية: هما عضوان مستقلان، وإضافتها هنا إلى الرأس إضافة تقريب لا تحقيق، بدليل خبر البيهقي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذه لرأسه، والآية فيها خلاف للمفسرين.
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "المجموع شرح المهذب"(1/ 413 - 416).
(2)
يُنظر: "النكت على ابن الصلاح"(1/ 415).
(3)
سورة "الأعراف"، آية (150).
(4)
يُنظر: "فيض القدير" للمناوي (3/ 173).
[139/ 539]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:
قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْتُمْ وَرُبُعُ الْجَنَّةِ لَكُمْ، وَلِسَائِرِ النَّاسِ ثَلاثَةُ أَرْبَاعِهَا؟» .
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ [أَعْلَمُ]
(1)
.
قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ وَالشَّطْرُ لَكُمْ؟» .
قَالُوا: ذَاكَ أَكْثَرُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، لَكُمْ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن القاسم بن عبد الرَّحمن
(2)
إلا الحارثُ، تَفَرَّدَ به: عبدُ الواحدِ بنُ زِيَادٍ.
هذا الحديث مَدَاره على عبد الواحد بن زِيَاد، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: عبد الواحد، عن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: عبد الواحد، عن الحارث، عن زيد بن وهبٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
أولاً: - الوجه الأول:
عبد الواحد بن زِيَاد، عن الحارث بن حَصِيْرَة، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الطبراني في "الكبير"(10350)، وفي "الصغير"(82) - ومِن طريقه أبو نُعيم في "صفة الجنة"(239)، والخطيب في "المتفق والمفترق"(1331) -، عن أحمد بن القاسم، به، وفي "الصغير"، والباقون بذكر "الصفوف" فقط. وذكره ابن كثير في "تفسيره"(2/ 101) بإسناد الطبراني كما في رواية الباب.
- وابن أبي شيبة في "المصنف"(31715)، وفي "مسنده"(380)، وأحمد في "مسنده"(4328)، والبزار في "مسنده"(1999) عن عَمرو بن بِشْر النَّاجي، وأبو يَعلى في "مسنده"(5358) عن زُهير بن حرب، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(365) عن إبراهيم بن مَرْزوق.
(1)
ما بين المعكوفتين ليست بالأصل، واستدركتها مِن "المعجم الكبير"(10350) للمصَنِّف، فالحديث فيه بإسناده ومتنه كما هو واضحٌ في التخريج، وهي مهمةٌ فلا يستقيم الكلام بدونها، وهو كذلك عند ابن كثير في "تفسيره"(2/ 101).
(2)
بالأصل القاسم بن عبد الله، والصواب ما أثبته كما هو ظاهرٌ في الإسناد، وكلام الإمام الطبراني هذا نقله عنه الإمام ابن القيم في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح"(1/ 252 - 253) وهو فيه كما أثبته، والله أعلم.
ستتهم (أحمد بن القاسم، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وعَمرو، وزُهير، وإبراهيم) عن عَفَّان بن مُسلم.
وقال البزار: هذا الحديثُ لا نعلمه يُروى عن عبد الله بن مسعود إلا بهذا الإسناد.
• وعزاه البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة"(7950) إلى مُسَدَّد - ومِن طريقه أخرجه الحاكم في "المستدرك" كما في "إتحاف المهرة" لابن حجر (12814)، والحديث في المطبوع مِن "المستدرك"(275) مُعَلَّقاً عن الحارث، بدون ذكر إسناده إليه -.
كلاهما (عفَّان بن مسلم، ومُسَدَّد) عن عبد الواحد بن زياد، عن الحارث بن حَصِيْرَة، به.
وقال الحاكم: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يَسمع مِن أبيه في أكثر الأقوال. وقال الذهبي: لم يَسمع عبد الرحمن مِن أبيه. قلتُ: وسيأتي في دراسة الإسناد أقوال أهل العلم في بيان ذلك، وتفصيله.
وقال البوصيري: رُوَاتُهُ كُلُّهُم ثقاتٌ، وهو في الصَّحيح باختصار.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَفَّانُ بن مُسْلِم بن عَبْد اللَّهِ الصَّفَّار: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (102).
3) عبد الواحد بن زياد العَبْدِيُّ، أبو بِشر، وقيل: أبو عُبَيدة البَصْرِيّ.
روى عن: الحارث بن حَصِيرة، والأعمش، ومَعْمَر بن راشد، وآخرين.
روى عنه: عَفَّان بن مسلم، وعبد الرحمن بن مهدي، ومُسَدَّد بن مُسَرْهد، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وابن سعد، وأبو حاتم، وأبو زرعة: ثِقَةٌ. وقال العِجْلي: ثِقَةٌ حسنُ الحديثِ. وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": كان مُتْقِناً ضابطاً. وقال الدَّارقطني: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال ابن عبد البر: أجمعوا مِن غير خلافٍ بينهم على أنَّه "ثِقَةٌ ثَبْتٌ". وقال الذهبي: احتجَّا به في "الصحيحين"، وتجنَّبا تلك المناكير التي نُقِمَت عليه. وروى له الجماعة.
- وسُئل ابن معين: أبو عوانة أحب إليك (يعني في الأعمش) أو عبد الواحد؟ فقال: أبو عوانة أحب إلىَّ، وعبد الواحد ثِقَةٌ. وسُئل ابن معين: مَنْ أثبت أصحاب الأعمش؟ فقال: بعد سُفْيان وشعبة: أبو مُعاوية الضرير، وبعده عبد الواحد بن زياد. وجعله أبو حاتم: بعد الثوري وأبي معاوية وحفص بن غِياث. وقال ابن عدي: حدَّث عنه الثقات المعروفون بأحاديث مستقيمة، عن الأَعْمَش وغيره، وهو مِمَّن يَصْدُق في الروايات.
- بينما قال يحيى القطان: كنَّا نجلس على بابه يوم الجمعة فنذاكره حديث الأَعْمَش لا يعرف منه حرفا. وقال أبو دَاوُد الطيالسي: عَمد إلى أحاديث كان يُرْسِلها الأعمش فوصلها كلها. وجعله النَّسائي في الطبقة السادسة مِن أصحاب الأعمش. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، في حديثه عن الأعمش وحده مقالٌ.
- والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ مأمونٌ" وذلك في حديثه عن الأعمش وغيره، فقد أطلق توثيقه الجمهور، بل وقال ابن حبَّان: كان مُتْقناً ضابطاً. وجعله ابن معين وأبو حاتم مِن أصحاب الأعمش المُقَدَّمين فيه بعد سفيان وشعبة وأبي معاوية الضرير وحفص بن غياث، وقال ابن عدي: حدَّث عنه الثقات المعروفون بأحاديث مستقيمة، عن الأَعْمَش وغيره. لذا احتجَّ البخاري ومسلمٌ بروايته عن الأعمش وغيره، لكن يُتجنَّب المناكير
التي نُقِمت عليه كما قال الذهبي، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" كلام يحيى القطان، وعقب عليه بقوله: هذا غير قادحٍ لأنَّه كان صاحب كتابٍ، وقد احتج به الجماعة. وذكر في الأحاديث المنتقدة على البخاري حديثاً أعله الدَّارقطني بمخالفة عبد الواحد لمن هو أوثق مِنه، وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن ما رواه عبد الواحد أصح لوجود مُتابعٍ له، لذا أخرج البخاري روايته.
قلتُ: وقد قام أ. د/عبد السلام أبو سَمْحَة في "معرفة أصحاب الرواة وأثرها في التعليل دراسةً نظرية وتطبيقية في علل أصحاب الأعمش" بدراسة حال عبد الواحد بن زياد في الأعمش، وتوصل إلى: أنَّه مِن الطبقة الأولى أهل الحجة المُكْثرون مِن أصحاب الأعمش، لكنَّه بعد الثوري وأبي معاوية وغيرهما كما قال ابن معين وأبو حاتم، وبيَّن - بعد الاستقراء التام لكتب العلل ومظانها - أنَّه لم يقف على أحاديث مُعلَّلة لعبد الواحد عن الأعمش والتي خالف فيها الثقات مِن أصحاب الأعمش إلا على ثلاثة أحاديث فقط.
قلتُ: فلعلَّ هذه الأحاديث هي التي قصدها أبو داود الطيالسي مِن كلامه، ولا شك أنَّ هذا العدد قليلٌ جداً بالنسبة لما رواه عن الأعمش، لذا احتج البخاري ومسلمٌ بروايته عنه، والله أعلم.
(1)
4) الحارث بن حَصِيْرَة، الأزديُّ، أبو النعمان الكوفيُّ.
روى عن: القاسم بن عبد الرحمن، وعبد الله بن بُريدة، والقاسم بن جُنْدُب، وآخرين.
روى عنه: عبد الواحد بن زياد، والثوري، وعبد الله بن نُمير، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعجلي، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وزاد ابن معين: كان شيعياً. وقال أبو داود: شيعي صدوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وأخرج له البخاري في "الأدب"، والنسائي في "الخصائص".
- وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه، لولا أنَّ الثوري روى عنه لتُرك حديثه. وقال ابن عدي: أحد مَنْ يُعَدُّ مِنْ المُحْتَرِقين بالكوفة في التشيع، وهو مع ضعفه يُكتب حديثه. وقال العقيلي: له غير حديث مُنكر، لا يُتابع عليه. وقال ابن حجر: صدوقٌ يُخْطئ، ورُمى بالرفض، وله ذكر في مقدمة مسلم
(2)
.
- والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ له مناكير، وكان غالياً في التشيع"، ويُحمل تضعيف أبي حاتم - وهو مِن المُتشدِّدين - وابن عدي، على غلوه في التشيع أو على مناكيره؛ فقد وثَّقَه جمعٌ كما سبق، والله أعلم.
(3)
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 107، "الجرح والتعديل" 6/ 21، "الطبقات" للنسائي - مطبوع ضمن مجموعة رسائل للنسائي والخطيب البغدادي بعناية صبحي السامرائي (ص/17) - "الثقات" لابن حبَّان 7/ 123، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/190)، "الكامل" لابن عدي 6/ 523، "تهذيب الكمال" 18/ 450، "الميزان" 2/ 672، "تهذيب التهذيب" 6/ 435، "مقدمة الفتح" لابن حجر 1/ 364 و 1/ 422، "التقريب، وتحريره"(4240)، "معرفة أصحاب الرواة وأثرها في التعليل دراسةً نظرية وتطبيقية في علل أصحاب الأعمش" 1/ 248 - 274 و 1/ 443 و 1/ 491 - 492 و 2/ 781.
(2)
قال الإمام مُسْلمٌ في "مقدمة صحيحه"(1/ 21): سمعت أبا غسَّان محمد بن عَمرو الرازي، قال: سألت جرير بن عبد الحميد، فقلت: الحارث بن حَصِيْرَة لقيته؟ قال: «نعم، شيخٌ طويلُ السكوتِ، يُصِرُّ على أمرٍ عظيم» .
(3)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 277، "الجرح والتعديل" 3/ 72، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 173، "الكامل" لابن عدي 2/ 454، "تهذيب الكمال" 5/ 224، "الميزان" 1/ 432، "التقريب، وتحريره"(1018).
5) القاسم بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن عَبد الله بن مسعود، أبو عَبْد الرَّحْمَنِ الكوفيُّ.
روى عن: أبيه، وجابر بن سَمْرة، ومسروق بن الأجدع، وآخرين.
روى عنه: الحارث بن حصيرة، والأعمش، ومِسْعر بن كِدام، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن سعد، والعِجْلي، وابن خراش: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وفي "المشاهير": مِن خِيَار الكوفيين وعُبَّادهم. وروى له الجماعة سوى مسلمٌ. وقال ابن حجر: "ثِقَةٌ عابدٌ".
(1)
6) عَبْد الرَّحْمَن بن عَبد اللَّهِ بن مَسْعُود الهُذَليُّ، الكوفيُّ.
روى عن: أبيه، ومسروق بن الأَجْدَع، والأشعث بن قيس، وآخرين.
روى عنه: ابناه القاسم ومَعْن، وسماك بن حرب، وعبد الملك بن عُمَير، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْليُّ، وابن خراش، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صالحٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال يعقوب بن شيبة: ثِقَةٌ قليلُ الحديثِ. وروى له الجماعة.
سماعه مِن أبيه: اختلف أهل العلم في سماعه مِن أبيه على أقوال:
- فقال ابن معين - برواية الدوري عنه -، وشعبة، والنَّسائي، والحاكم: لم يَسمع مِن أبيه.
- بينما أثبته أبو حاتم، وابن معين - برواية معاوية بن صالحٍ عنه -، وقال البخاري: قال عبد الملك بن عُمير: سمع مِن أبيه. وقال العلائي: الصحيح أنَّه سَمِع مِن أبيه دون أخيه أبي عُبَيْدة.
- وسُئل الإمام أَحْمَد: هل سمع عَبْد الرَّحْمَنِ بن عبد الله مِن أبيه؟ فقال: أمَّا الثوري وشَرِيك، فإنهما لا يقولان: سمع، وأما إسرائيل، فإنه يقول فِي حديث الضب: سَمِعْتُ. وقال العِجْلي: يُقَال: إِنَّه لم يَسمع مِنْ أبيه إِلَّا حرفاً واحدًا "مُحَرِّمُ الْحَلَالِ كَمُسْتَحِلِّ الْحَرَامِ". وَقَال ابن المديني في "العلل": سمع مِن أبيه حديثين حديث الضب وحديث تأخير الوليد بن عقبة للصلاة. وأخرج البخاري في "التاريخ الأوسط" مِن طريق عبد الرحمن بن عبد الله، أنَّه لمَّا حضرت عبد الله الوفاة، قلتُ له (القائل: عبد الرحمن، أي: لأبيه): أوصني؟ قال: ابك على خطيئتك.
(2)
وقال الذهبي: تُوُفِّيَ أبوه وله سِتُّ سنين، وقد حفظ عن أبيه شَيْئًا، وحديثُهُ في السُّنَنِ الأربعة عن أبيه. وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة مِن مراتب المدلسين، ونقل أقوال أهل العلم في سماعه مِن أبيه، وعقب على ذلك بقوله: فعلى هذا يكون الذي صَرَّح فيه بالسماع مِن أبيه أربعة أحاديث، أحدها موقوفٌ، وحديثه عنه كثير، ففي "السنن" خمسة عشر، وفي "المسند" زيادة على ذلك سبعة أحاديث معظمها بالعنعنة، وهذا هو التدليس. وقال في "التقريب": سَمِع مِن أبيه لكن شيئاً يسيراً.
(3)
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 211، "الجرح والتعديل" 7/ 112، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 303، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/133)، "تهذيب الكمال" 23/ 379، "تهذيب التهذيب" 8/ 322، "التقريب"(5469).
(2)
قال ابن حجر في "تعريف أهل التقديس"(ص/40): وسنده لا بأس به.
(3)
يُنظر: "التاريخ" لابن معين 3/ 355، "التاريخ الكبير" 5/ 299، "الثقات" للعِجْلي 2/ 81، "الجرح والتعديل" 5/ 248، "الثقات" 5/ 76، "التهذيب" 17/ 239، "تاريخ الإسلام" 2/ 855، "جامع التحصيل"(ص/53 - 54 و 223)، "تحفة التحصيل"(ص/200)، "تهذيب التهذيب" 6/ 216، "طبقات المدلِّسين"(ص/40)، "التقريب"(3924)، "معجم المدلسين"(ص/299).
- والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، لم يَسْمع مِن أبيه إلا أربعة أحاديث - حديث الضب، ومُحَرِّم الحلال، وتأخير الوليد للصلاة، والرابع موقوفٌ بوصية أبيه له -، وما عداها فقد دلَّسها عنه، فيُتوقف في عنعنته عن أبيه خاصةً، وأمَّا عن غير أبيه فلا يُتوقف في عنعنته إذا صحَّ سماعه مِن الشيخ الذي يروي عنه".
7) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، مِن كبار الصحابة"، تَقَدَّم في الحديث رقم (28).
ثانياً: - الوجه الثاني:
عبد الواحد بن زِيَاد، عن الحارث بن حَصَيْرة، عن زيد بن وهبٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(10398)، قال: حدَّثنا محمَّد بن أحمد بن أبي خيثمة، ثنا أحمد بن محمَّد بن نيزك
(1)
، ثنا يعقوبُ بن إسحاق، ثنا عبدُ الواحد بن زِيَاد، عن الحارث بن حَصِيرَة، عن زيد بن وهب، عن عبد اللهِ بن مسعود، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، أُمَّتِي مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا» .
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) محمد بن أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة زُهَيْر بن حَرْب بن شَدَّاد: "ثِقَةٌ حَافظٌ".
(2)
2) أحمد بن مُحَمَّد بن نَيْزَك بن حبيب أَبُو جَعْفَر الطوسيُّ: ذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال الذهبي في "الميزان": قال ابن عقدة: في أمره نظر، ومشاه غيره. وقال ابن حجر: صدوقٌ، في حفظه شيء.
(3)
3) يعقوب بن إسحاق الحَضْرميُّ: قال أحمد، وأبو حاتم، وابن حجر: صدوقٌ. وقال الذهبي: ثِقَةٌ.
(4)
4) عبد الواحد بن زِياد: "ثِقَةٌ مأمون"، تقدَّم في الوجه الأول.
5) الحارث بن حَصِيْرَة: "ثِقَةٌ له مناكير، وكان غالياً في التشيع"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
6) زيد بن وهب الجُهني: "ثِقَةٌ جَليلٌ".
(5)
7) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، مِن كبار الصحابة"، تَقَدَّم في الحديث رقم (28).
(1)
قَيَّدَه ابن حجر في "التقريب"(101) بكسر النون بعدها تحتانيةٌ ساكنةٌ، ثم زاي مفتوحة ثم كاف، وهو صنيع الخزرجي في "الخلاصة"(12)، بينما قيَّده السمعاني في "الأنساب"(12/ 182) بفتح النون، وتابعه ابن الأثير في "اللباب"(3/ 341)، ولم يعترض عليه، وفي معجمات اللغة: النَّيْزك - بالفتح - الرمح القصير. يُنظر: تعليق د/بشَّار على "التهذيب"(1/ 475).
(2)
يُنظر: "تاريخ بغداد" 2/ 137، "إرشاد القاصي والدَّاني إلى تراجم شيوخ الطبراني"(ص/491).
(3)
يُنظر: "الثقات" 8/ 47، "تهذيب الكمال" 1/ 475، "الكاشف" 1/ 203، "الميزان" 1/ 151، "تهذيب التهذيب" 1/ 77، "لسان الميزان" 9/ 253، "التقريب"(101). ورمز له في "اللسان" بـ (هـ) وهي تدل على أنَّه مختلفٌ فيه، والعمل على توثيقه.
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 204، "التهذيب" 32/ 314، "الكاشف"(2/ 393)، "التقريب"(7813).
(5)
يُنظر: "التقريب"(2159).
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَدَاره على عبد الواحد بن زِيَاد، واختلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: عبد الواحد، عن الحارث، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه.
ورواه عن عبد الواحد بن زِياد بهذا الوجه اثنان مِن الثقات الأثبات: عفَّان بن مسلم، ومُسدد بن مُسرْهد.
الوجه الثاني: عبد الواحد بن زِياد، عن الحارث بن حَصَيْرة، عن زيد بن وهبٍ، عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه.
بينما لم يروه عن عبد الواحد بهذا الوجه إلا يعقوب بن إسحاق، قال أحمد وأبو حاتم وابن حجر: صدوقٌ، وقال الذهبي: ثِقَةٌ. ولم أقف - على حد بحثي - على أحدٍ تابعه عن عبد الواحد بهذا الوجه. وقد رواه عن يعقوب: أحمد بن محمد بن نَيْزَك، وأحمد هذا في حفظه شيءٌ.
وعليه؛ فالذي يظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الأول هو الأقرب إلى الصواب، للقرائن الآتية:
1) الأكثرية، والأحفظية: فرواة الوجه الأول أكثر عددًا، وأضبط حفظًا مِنْ رواة الوجه الثاني.
2) ضعف الإسناد إلى الوجه الثاني: ففيه أحمد بن محمد بن نَيْزَك، وهو: صدوقٌ في حفظه شيءٌ.
(1)
رابعاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِن وجهه الراجح بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لانقطاع سنده: فيه عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود لم يَسْمع مِنْ أبيه على الراجح إلا أربعة أحاديث - وهذا الحديث ليس مِنْها -، ودلَّس عنه الباقي، فيُتَوقف في عنعنته عن أبيه خاصة، ولم أقف - على حد بحثي - على رواية صرَّح فيها بالسماع.
قال الحاكم: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يَسمع مِن أبيه في أكثر الأقوال. وقال الذهبي: لم يَسمع عبد الرحمن مِن أبيه. وقال البوصيري: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثقاتٌ، وهو في الصَّحيح باختصار.
(2)
وقال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يَعْلَى، والبزَّار، والطَّبرانيُّ في الثَّلاثة، وَرِجَالُهُم رجال الصَّحِيحِ غير الحارث بن حَصِيْرَة، وقد وُثِّقَ.
(3)
وقال الشيخ/أحمد شاكر: إسناده صحيحٌ.
قلتُ: ولعلَّ الإمام الهيثمي، والشيخ شاكر اعتمدا قول مَن أثبت سماعه مِن أبيه، وسبق تفصيله.
قلتُ: وأصل الحديث عن ابن مسعود في "الصحيحين" وغيرهما باختصار، أي: بدون ذكر "الصفوف":
• فأخرج البخاري ومسلمٌ مِن طريق أبي إسحاق السَّبِيعيِّ، عن عَمْرِو بن مَيْمُون، عن ابن مسعود، قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ
(1)
وقد اعتبر محقق "مسند أحمد" ط/ دار الرسالة الحديث بالوجه الثاني مِن طريق عبد الواحد بن زِياد، عن الحارث بن حَصَيْرة، عن زيد بن وهبٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، مُتابع للحديث مِنْ وجهه الأول، وليس هذا على منهج النقاد أهل هذا الفن، لكون ما ترجح خطأ الرواة فيه فلا يصح الاعتبار به، وهنا تظهر أهمية دراسة علم العلل، والله أعلم.
(2)
وسبق ذكر هذه الأقوال في التخريج.
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 403).
- صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلا، فَقَالَ:«أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» . قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ. فَقَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» . فَقُلْنَا: نَعَمْ. فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَاكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ» .
(1)
والحديث عندهما مِن طريق شُعبة وغيره عن أبي إسحاق، وصَرَّح أبو إسحاق في بعض الطرق عند البخاري بالسماع، وهذا اللفظ لمسلمٍ مِن طريق شُعْبة عن أبي إسحاق، والباقون بنحوه.
وأمَّا الزيادة التي ذُكرت في رواية الباب بذكر الصفوف بقوله صلى الله عليه وسلم: «أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، لَكُمْ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا» ، فلها عِدَّة شواهدٍ عن جماعة مِن الصحابة، مِن أمثلها:
• ما أخرجه أحمد، والترمذي، وابن حبَّان، والحاكم، مِنْ طُرقٍ عن ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ، عن مُحَارِبِ بن دِثَارٍ، عن عبد الله بن بُريدة بن الحُصَيب الأسلميّ، عن أبيه، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَهْلُ الجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ» .
(2)
وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.
(3)
واللفظ له.
قلتُ: لكون شيخ الترمذي في الإسناد فيه ضَعْفٌ، لكنَّه تُوبع.
وقال الحاكم: هذا حديثٌ صَحِيحٌ على شرط مُسلمٍ ولم يُخَرِّجَاهُ. وقال الذهبي: على شرط مسلم.
وقال ابن القيم - بعد أنْ ذكر الحديث عن بُرَيْدة -: رواه الإمام أحمد والترمذي وإسناده على شرط الصحيح
…
ثُمَّ ذكر جملة مِن الأحاديث الواردة في الباب، ثُمَّ قال: وهذه الأحاديث قد تعددت طرقها، واختلفت مخارجها، وصح سند بعضها ولا تنافي بينها وبين حديث الشطر؛ لأنَّه رجا أولاً أن يكونوا شطر أهل الجنة فأعطاه الله سبحانه رجاءه وزاد عليه سدسا آخر.
(4)
وذكره السيوطي في "الجامع الصغير" مِن حديث ابن مسعود، وابن عبَّاس، وأبي موسى وعزاها إلى الطبراني في "الكبير"، ومِن حديث بُريدة وعزاه إلى أحمد والترمذي وغيرهما، ورمز له بالصحة.
(5)
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6528) ك/الرقاق، ب/كَيْفَ الحَشْرُ، وبرقم (6642) ك/الأيمان والنذور، ب/كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ومسلمٌ في "صحيحه"(221/ 1 - 3) ك/الإيمان، ب/كَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده"(22940 و 23002 و 23061)، والترمذي في "سننه"(2546) ك/صفة الجنَّة، ب/مَا جَاءَ فِي صَفِّ أَهْلِ الجَنَّةِ، وابن حبَّان في "صحيحه"(7459)، والحاكم في "المستدرك"(273).
(3)
وعلق الشيخ الألباني في "مشكاة المصابيح"(5644) على إسناد الترمذي بقوله: إسناده صحيح.
(4)
يُنظر: "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح"(1/ 252 - 254).
(5)
ولمزيد مِن الشواهد، يُراجع:"المصنف" لابن أبي شيبة (31712 و 31716)، "المعجم الكبير"(10682)، "مجمع الزوائد"(10/ 402 - 403)، "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (2/ 101 - 102)، "فتح الباري" لابن حجر (11/ 387 - 388).
وصححه الألباني بمجموع طرقه وشواهده.
(1)
قلتُ: وعليه فالحديث بمجموع طُرُقه، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن القاسم إلا الحارثُ، تَفَرَّدَ به: عبدُ الواحدِ بنُ زِيَادٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يتضح لنا صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
والحديث أخرجه البزَّار في "مسنده" - كما سبق - عن عَمْرو بن بِشْر النَّاجي، عن عفَّان بن مُسلم، عن عبد الواحد بن زِياد، بسنده، وقال البَزَّار: لا نعلمه يُروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد.
قلتُ: لكن لم يَنْفرد به عَمْرو بن بِشْر عن عَفَّان بن مُسلم، بل تابعه خمسة مِن الرواة مِنهم: أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وزُهير بن حرب، وأحمد بن القاسم الجوهري، وغيرهم.
ولم يَنْفرد به عَفَّان بن مُسلم أيضاً، بل تابعه مُسدد بن مُسَرْهد، وقد سبق تخريج هذه المتابعات.
بالإضافة إلى أنَّ الحديث قد جاء مِن وجهٍ آخر عن ابن مسعود - كما عند الطبراني في "الكبير" -، وهو الوجه الثاني الذي أخرجته في حديث الباب.
ولا يُعترض على البزار برواية البخاري ومسلم عن عَمرو بن ميمون، إذ ليس فيها ذكر الصفوف.
وعليه؛ فعبارة المُصَنِّف رضي الله عنه في إطلاق التفرد على الحديث جاءت أدقُّ مِن عبارة البَزَّار رحمه الله، لكون التفرد توقف عند عبد الواحد بن زِياد، ثُم اشتهر عنه، والله أعلم.
سادساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: قَوْلُهُ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ:«أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ:«إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . أمَّا تكبيرهم فَلِسُرُورِهِم بهذه البِشَارَةِ العظيمةِ، وأمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:"رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ الشَّطْرَ" ولم يقُل أوَّلًا شَطْرَ أهل الجنَّة، فلفائدة حسنة: وهي أنَّ ذلك أوقع في نُفُوسِهِم، وأبلغ في إكرامهم، فإنَّ إعطاء الإنسان مرَّةً بعد أخرى دَلِيلٌ على الاعتناء به ودوام مُلَاحظته. وفيه فائدةٌ أُخْرَى: هي تكريرُهُ البشارة مرَّة بعد أُخْرَى. وفيه أيضا: حملهم على تجديد شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه. ثُمَّ إِنَّهُ وقع في هذا الحديث "شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ" وفي الرِّواية الأُخرى "نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ "أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا" فهذا دَلِيلٌ على أنَّهم يكونون ثُلُثَي أهل الجنَّة، فيكون النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أخبر أوَّلا بحديث الشَّطر ثُمَّ تَفَضَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالزِّيَادَةِ فأُعلم بحديث الصفوف، فأخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ولهذا نَظَائِرُ كثيرةٌ في الحديث معروفةٌ.
(2)
(1)
يُنظر: "صحيح الجامع"(2526).
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح مسلم"(3/ 95 - 96).
بينما قال الطيبي: يُحْتَمِلُ أَنْ يكون الثَّمَانُونَ صَفًّا مُسَاوِيًا في العدد للأربعين صفًّا وأن يَكُونُوا كما زاد على الرُّبُعِ والثُّلُثِ يزيد على النِّصْفِ كرامة له صلى الله عليه وسلم.
لكن تعقبه المباركفوري، فقال: وَأَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيِّ فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ" أَنْ يَكُونَ الصُّفُوفُ مُتَسَاوِيَةً.
(1)
قلتُ: وقد أخرج الإمام ابن حبَّان الحديث في "صحيحه" مِن حديث بُريدة، وعلق عليه بقوله: البَيَان بأنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ليس بعددٍ أُرِيدَ به النَّفْيُ عَمَّا وَرَاءَهُ.
(2)
وقال ابن القيم في "نونيته"
(3)
:
هَذَا وإنَّ صُفُوفَهُمْ عِشْرُونَ مَعْ
مائَةٍ وَهَذِي الأمَّة الثُّلثَان
يَرْوِيهِ عَنْهُ بُرَيْدَةٌ إِسْنَادُهُ
شَرْطُ الصَّحِيحِ بِمُسْنَدِ الشَّيْبَانِي
وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْـ
ـرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحِبْرِ زَمَان
أعني ابنَ عَبَّاسٍ وَفِي إِسْنَادِهِ
رَجُلٌ ضَعِيفٌ غَيْرُ ذِي إِتْقَان
وَلَقَدْ أَتانا فِي الصَّحِيحِ بِأَنَّهُمْ
شَطْرٌ وَمَا اللَّفْظَانِ مُخْتَلِفَان
إِذْ قَالَ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَهُمْ
هَذَا رَجَاءٌ مِنْهُ لِلرَّحْمَن
أَعْطَاهُ رَبُّ العَرْشِ مَا يَرْجُو وَزَا
دَ مِنَ العَطَاءِ فِعَالَ ذِي الإِحْسَان
فاللهم إنِّي العبد الضعيف الذليل المذنب الفقير إليك، أسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، وبفضلك، ومنِّك، وكرمك، وجودك، وإحسانك، وعفوك، وحلمك، وسترك، وباسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت، أن تجعلنا مِنْ أهل الجنة مع النَّبيِّن والصدِّقين والشهداء والصالحين، نحن وآبائنا، وأمهاتنا، وأزواجنا، وأولادنا، وإخواننا، وأخواتنا، وجميع أقاربنا، ومشايخنا، وكل مَنْ له الفضل علينا، وجميع المسلمين، آمين آمين آمين يا رب العالمين، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
* * *
(1)
يُنظر: "تحفة الأحوذي"(7/ 255).
(2)
يُنظر: "صحيح ابن حبَّان"(7459).
(3)
يُنظر: "الكافية الشافية في الانتصار للفرق الناجية" لابن القيم (4/ 928 - 930).
[140/ 540]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: نا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَهَا
(1)
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَامًا
(2)
، وَبَنَى بِهَا حَلالاً، ثُمَّ مَاتَتْ بِسَرِفٍ
(3)
، وَذَلِكَ قَبْرُهَا تَحْتَ السَّقِيفَةِ
(4)
.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الحسن بن دينارٍ إلا شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه تَمَّام بن محمد في "فوائده" - كما في "الروض البَسَّام"(626) -، مِنْ طريق هشام بن خالد بن يزيد الأزرق، عن شُعيب بن إسحاق، به. وفيه، قال: يعني ميمونة.
• وأحمد في "مسنده"(2565)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ؛ وأحمد أيضًا في "مسنده"(3384 و 3400)، قال: حدَّثنا إسماعيل بن عُلَيَّة؛ والبخاري في "صحيحه"(4258) ك/الحج، ب/عُمْرَةِ القَضَاءِ، والدَّارقطني في "سننه"(3665/ 1)، مِنْ طريق وُهَيْب بن خالد الباهلي؛ وأبو داود في "سننه"(1844) ك/المناسك، ب/المُحْرِمِ يَتَزَوَّجُ، والترمذي في "سننه"(843) ك/الحج، ب/ما جاء في الرخصة في تزويج المُحْرِم، والطبراني في "الكبير"(11863)، والدَّارقطني في "سننه"(3664)، مِنْ طريق حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ؛ وأبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(1169)، مِنْ طريق خَارِجَة بن مُصْعب؛ والدَّارقطني في "سننه"(3665/ 2)، مِنْ طريق عبد الوارث بن سعيد العَنْبَري.
ستتهم عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بنحوه. وقال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• وأحمد في "مسنده"(2200)، والنَّسائي في "الكبرى"(3808) ك/الحج، ب/الرُّخْصَةُ فِي النِّكَاحِ لِلْمُحْرِمِ، وفي "السنن الصغرى"(2839)، مِنْ طريق يُونُس بن محمد المُؤدِب؛ وعَبْد بن حُمَيْد في "المنتخب"(584)، قال: حدَّثني أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ؛ والنَّسائي في "الكبرى"(3809) ك/الحج،
(1)
أي عقد العقد على أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم، فهي التي تَزَوَّجها النَّبي صلى الله عليه وسلم بِسَرِفٍ، وبها ماتت رضي الله عنها، ووقع التصريح باسمها عند تَمَّام في "فوائده"، وفي غيرها مِنْ طُرُق الحديث - كما سيأتي بيانه في التخريج -.
(2)
حرامًا: أي مُحْرِمًا، أَحْرَمَ الرَّجُلُ يُحْرِمُ إِحْرَاماً إِذَا أهلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ وباشَر أسْبابَهُما وشُروطَهما مِنْ خَلْع المَخِيط واجتِناب الْأَشْيَاءِ الَّتِي مَنَعه الشرعُ مِنْهَا كالطِّيب وَالنِّكَاحِ والصَّيد وَغَيْرِ ذَلِكَ". يُنظر:"النهاية في غريب الحديث"(1/ 373).
(3)
سَرِف: بالفتح، ثم الكسر، وآخره فاء، موضع على ستة أميال من مكة، تبعد عن مكة المكرمة شمالاً، بما يُقَدَّر بحوالي 12 كم، وفيها بنى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين ميمونة سنة سبع للهجرة، ثُمَّ ماتت بنفس المكان، وبها قبرها، وبها اليوم مسجد يُعرف بمسجد ميمونة. "معجم ما استعجم"(3/ 735)، "معالم مكة التاريخية"(ص/132)، "أطلس الحديث النَّبوي"(ص/218).
(4)
السَّقِيفةُ: كُلُّ بِنَاءٍ سُقِفَتْ بِهِ صُفَّةٌ أَو شِبْهُها مِمَّا يَكُونُ بارِزاً. يُنظر: "لسان العرب"(9/ 155).
ب/الرُّخْصَةُ فِي النِّكَاحِ لِلْمُحْرِمِ، وفي "السنن الصغرى"(2840)، مِنْ طريق أحمد بن إسحاق الحضرميّ؛ والطبراني في "الكبير"(11919)، مِنْ طريق حَجَّاج بن المِنْهَالِ؛ والطبراني في "الأوسط"(4631)، مِنْ طريق الحَسَنِ بن بِلَالٍ؛ والدارقطني في "سننه"(3663)، مِنْ طريق عَبَّاس بن الوليد النَّرْسِيّ.
ستتهم عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن حُمَيْدٍ الطويل، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ. وعند النَّسائيّ برواية الحضرمي وحده، قال:«تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» .
وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن حُمَيْدٍ إلا حَمَّاد بن سَلَمَة، تَفَرَّدَ به: الحَسَنُ بن بِلَالٍ.
قلتُ: لم يَنْفرد به الحسن بن بلال، بل تابعه جماعة - كما سبق -.
- أحمد في "مسنده"(2492 و 2592 و 3109)، والنَّسائي في "الكبرى"(5389) ك/النكاح، ب/ الرُّخْصَةُ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وفي "الصغرى"(3271)، مِنْ طُرُقٍ عن سَعِيد بن أبي عَرُوبَةَ، عن يَعْلَى بن حَكِيمٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ لا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَيَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بِمَاءٍ، يُقَالُ لَهُ: سَرِفُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَلَمَّا قَضَى نَبِيُّ اللَّهِ حَجَّتَهُ، أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَعْرَسَ بِهَا.
وفي الموضع الأخير عند أحمد، والنَّسائي: قَرَن يعلى بن حَكيم بقتادة بن دِعَامة. وعند النَّسائي مُختصرًا.
- وأحمد في "مسنده"(3233 و 3319)، والترمذي في "سننه"(842) ك/الحج، ب/مَا جَاءَ فِي الرخصة في تَزْوِيجِ المُحْرِمِ، وأبو نُعيم في "الحلية"(8/ 389)، مِنْ طُرُقٍ عن هِشَام بن حسَّان القَرْدُوسيّ، قال: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
وزاد في الموضع الأول عند أحمد: وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وزاد في الموضع الثاني عند أحمد: ثُمَّ دَخَلَ بِهَا بَعْدَمَا رَجَعَ بِسَرِفٍ. وقال الترمذي: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَهْلُ الكُوفَةِ.
- وأحمد في "مسنده"(3283)، والطبرانيّ في "الكبير"(11972)، عن عَبْدُ الأعلى بن عبد الأعلى القُرَشيّ؛ والطبرانيّ في "الأوسط"(2683)، مِنْ طريق وُهَيب بن خالد؛ كلاهما عن خَالِدٍ بن مهران الحَذَّاء، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحْرِمٌ. وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ خَالِدٍ إِلَّا وُهَيْبٌ.
قلتُ: لم يَنْفرد به وُهَيْبٌ، بل تابعه عبد الأعلى بن عبد الأعلى - كما في رواية أحمد، والطبراني -.
- وابن حبَّان في "صحيحه"(4129)، مِنْ طريق دَاوُد بن أبي هِنْدَ، عن عِكْرِمَةَ، بنحوه، مُختصراً.
• وأخرجه أبو داود الطيالسيّ في "مسنده"(2733)، والحُمَيدي في "مسنده"(513) - ومِنْ طريقه الحاكم في "المُستدرَك"(6798)، والبيهقي في "الكبرى"(9158) -، وابن الجعد في "مسنده"(2547)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(12957) - ومِنْ طريقه مسلمٌ في "صحيحه"(1409/ 1) ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ نِكَاحِ
الْمُحْرِمِ -، وأحمد في "مسنده"(2014 و 1919 و 2437 و 2581 و 2980 و 3116 و 3413)، والدَّارميّ في "مسنده"(1863)، والبخاري في "صحيحه"(5114) ك/النِّكاح، ب/نكاح المُحْرِمِ، ومسلم في "صحيحه"(1409/ 2 - 3) ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ، وابن ماجه في "سننه"(1965) ك/النِّكاح، ب/الْمُحْرِمِ يَتَزَوَّجُ، والترمذي في "سننه"(842) ك/الحج، ب/مَا جَاءَ فِي الرخصة في تَزْوِيجِ المُحْرِمِ، والنَّسائي في "الكبرى"(3806) ك/الحج، ب/الرُّخْصَةُ فِي النِّكَاحِ لِلْمُحْرِمِ، وفي "الصغرى"(2837)، والنَّسائي في "الكبرى"(5386) ك/النكاح، ب/ الرُّخْصَةُ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وفي "الصغرى"(3272)، وأبو يعلى في "مسنده"(2393)، وابن الجارود في "المُنتقى"(446 و 696)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3086 و 3087 و 3088)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4131)، وأبو بكر القطيعيّ في "جزء الألف دينار"(197)، والدَّارقطنيّ في "سننه"(3666)، والبيهقي في "الكبرى"(13365 و 14201 و 14203).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكح وَهُوَ مُحْرِمٌ. وفي بعض الروايات: تَزَوَّج. وفي بعضها: قَالَ عَمْرٌو: وَقَالَ لِي جَابِرٌ: نُرَاهَا مَيْمُونَةَ.
وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، واختَلَفُوا في تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا في طريق مَكَّةَ، فقال بَعْضُهُمْ: تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَظَهَرَ أَمْرُ تَزْوِيجِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ بِسَرِفَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَمَاتَتْ مَيْمُونَةُ بِسَرِفَ حَيْثُ بَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَدُفِنَتْ بِسَرِفَ. وقال الذهبي: صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وأخرجه أبو داود الطيالسيّ في "مسنده"(2778)، والبخاري في "صحيحه"(1837) ك/الحج، ب/تَزْوِيجِ المُحْرِمِ، مِنْ طُرُقٍ عن عطاء بن أبي رَبَاح، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
- وأحمد في "مسنده"(2560 و 3029 و 3075 و 3412)، وأبو يعلى في "مسنده"(2726)، والطبراني في "الكبير"(12476 و 12477)، مِنْ طُرُقٍ عن عبد اللَّهِ بن عُثْمَانَ بن خُثَيْمٍ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: نَكَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَالَتِي مَيْمُونَةَ الْهِلالِيَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ. وزاد في الموضع الأول، والثالث عند أحمد: وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) شُعيب بن إسحاق الدمشقيُّ: "ثِقَةٌ مأمونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (128).
4) الحَسَنُ بنُ دِينَارٍ البَصْرِيُّ، وَيُقَالُ: هو الحَسَنُ بنُ وَاصِلٍ التَّمِيمِيُّ، أَبُو سَعِيدٍ.
(1)
روى عن: أيوب، وعبد اللَّهِ بن دينار، والحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وآخرين.
(1)
قال ابن حبَّان في "المجروحين"(1/ 231): هو الحسن بن واصل، واسم أبيه: الواصل، إِنَّمَا قيل الحسن بن دِينَار: لِأَنَّ دِينَاراً كان زوج أمه فنُسِبَ إِلَيْهِ.
روى عنه: شُعيب بن إسحاق، والثوري، وزُهير بن مُعاوية، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: تركه يَحْيَى، وابن مهدي، ووكيع، وابن المبارك. وقال أحمد: لا يُكتب حديثه. وقال أبو حاتم، والنَّسائي، وابن الجنيد، والدارقطني: متروك الحديثِ. وزاد أبو حاتم: كذَّاب. وقال أبو زرعة: اضربوا على حديثه. وقال ابن حبَّان: يُحدِّث الموضوعات عن الأَثْبَات، ويُخَالف الثِّقَات في الرِّوَايَات حَتَّى يسْبق إلى القلب أنَّه كان المُتعمّد لها. وقال ابن عدي: أجمعوا على ضعفه، وهو إلى الضعف أقرب. وقال ابن حجر في "التهذيب": ذكره في الضعفاء كل من صنَّف فيهم، ولا أعرف لأحد فيه توثيقًا، وجاء عن شعبة ما يدل على أنه لا يَتَعَمَّد الكذب. فالحاصل: أنَّه "متروك الحديث".
(1)
5) أَيُّوب بن أَبي تَمِيْمَة، واسمه كَيْسَان، السَّخْتِيَانيُّ، أبو بكر البَصْرِيّ.
روى عن: عكرمة، وسعيد بن جُبير، ومحمد بن سيرين، وآخرين.
روى عنه: الحسن بن دِينار، والحمَّادان، والسفيانان، وشعبة، والنَّاس.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ صالحٌ صدوقٌ. وقال شُعبة: سَيِّدُ المُسْلِمين. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ لا يُسأل عن مثله. وقال ابن المديني: ثَبْتٌ، وليس في القوم مِثله. وقال النَّسائي: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال الذهبي: إليه المُنْتَهَى في التَّثَبُّتِ. وقال ابن حجر: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ مِنْ كِبَار الفقهاء العُبَّاد". وروى له الجماعة.
(2)
6) عكرمة مولى ابن عبَّاس: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ عالمٌ بالتَّفسير"، تَقَدَّم في الحديث رقم (79).
7) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب رضي الله عنهم: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ جدًا"؛ فيه الحسن بن دينار "متروك الحديث".
وللحديث مُتابعاتٌ كثيرةٌ، بعضها في "الصحيحين" - كما سبق -، فيرتقي المتن بها إلى "الصحيح لغيره".
والحديث يُعارضه ما صَحَّ عن ميمونة رضي الله عنها، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم تزوَّجها وهي حَلالٌ، وقد رُوي ذلك أيضًا عن أبي رافعٍ، وعُثْمان بن عَفَّان رضي الله عنهم؛ وقد جمع العلماء بينهما - وسيأتي بيان ذلك إنْ شاء الله عز وجل بشيء مِنْ التفصيل عند التعليق على الحديث -، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الحسن بن دينارٍ إلا شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ.
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام الطبراني بالتفرد صحيح، ولم أقف على ما يدفعه، وهو تفرد نسبي.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 2/ 292، "الجرح والتعديل" 3/ 12، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 231، "الكامل" لابن عدي 3/ 116، "تاريخ الإسلام" 4/ 332، "الميزان" 1/ 487، "تهذيب التهذيب" 2/ 276، "لسان الميزان" 3/ 40.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 409، "الجرح والتعديل" 2/ 256، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 53، "تهذيب الكمال" 3/ 457، "تاريخ الإسلام" 3/ 621، "تهذيب التهذيب" 1/ 399، "التقريب"(605).
خامسًا: - التعليق على الحديث:
أخرج الإمام مسلم في "صحيحه"، عن يَزِيد بن الأَصَمِّ، حدَّثتني مَيْمُونَةُ بِنْتُ الحَارِثِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلالٌ. قال يزيد: وَكَانَتْ خَالَتِي، وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(1)
وأخرج الإمام مسلم في "صحيحه"، مِنْ طُرُقٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ، أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَحْضُرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ، فَقَالَ أَبَانُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، ولا يُنْكَحُ، ولا يَخْطُبُ» .
(2)
وقال الإمام الترمذي: حَدِيثُ عُثْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، والعَمَلُ على هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم، وهو قَوْلُ بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: لا يَرَوْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ المُحْرِمُ، قَالُوا: فَإِنْ نَكَحَ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ.
(3)
فذهب جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلى أن نكاح المحرم لا يَصِحُّ؛ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، وميمونة رضي الله عنها، خلافا لأبى حَنِيفَةَ رضي الله عنه، ولأنَّ أكثر الصحابة رووا أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، ولم يَرْوِ أنَّه تزوجها مُحْرِمًا إلا ابن عَبَّاسٍ وَحْدَهُ، وَرَوَتْ مَيْمُونَةُ وَأَبُو رَافِعٍ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَهُمْ أَعْرَفُ بِالْقَضِيَّةِ لِتَعَلُّقِهِمْ به، بخلاف ابن عباس رضي الله عنه، وتأولَّ بعضهم حديث ابن عَبَّاسٍ على أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا في الحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ، وَيُقَالُ لِمَنْ هو في الحَرَمِ مُحْرِمٌ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا، وهي لُغَةٌ شَائِعَةٌ مَعْرُوفَةٌ، ولأنَّه عند تَعَارَض الْقَوْل والفعل، فالصَّحِيحُ عند الأصوليين ترجيح القول؛ لأنَّه يَتَعَدَّى إلى الغير، والفعل قد يكون مقصورًا عليه.
(4)
فقال ابن حبَّان: هذان خَبَرَانِ في نِكَاحِ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ تَضَادَا في الظَّاهِرِ، وَعَوَّلَ أَئِمَّتُنَا فِي الفصل فيهما، بأن قالوا: إِنَّ خَبَرَ ابن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، "وَهْمٌ" قاله سَعِيدُ بن المُسَيِّبِ، وخَبَرُ يَزِيدَ بن الأَصَمِّ يُوَافِقُ خَبَرَ عُثْمَانَ بن عَفَّانَ رضي الله عنهم في النَّهْيِ عن نِكَاحِ المُحْرِمِ وإنكاحه، وهو أَوْلَى بِالقَبُولِ لتأييد خَبَرِ عُثْمَانَ رضي الله عنه إِيَّاهُ، والذي عندي أَنَّ الخَبَرَ إِذَا صَحَّ عن المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم، غَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُ استعماله، إلا أَنْ تَدُلَّ السُّنَّةُ على إباحة تَرْكِهِ، فإن جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يقول: وَهِمَ ابنُ عَبَّاسٍ، وَمَيْمُونَةُ خَالَتُهُ في الخبر الذي ذَكَرْنَاهُ، جَازَ لِقَائِلٍ آخَرَ أن يقول: وَهِمَ يَزِيدُ بنُ الأَصَمِّ في خَبَرِهِ؛ لأنَّ ابنَ عَبَّاسٍ أَحْفَظُ وَأَعْلَمُ وَأَفْقَهُ مِنْ مِئَتَيْنِ مِثْلِ يَزِيدَ بن الأَصَمِّ، ومعنى خَبَرِ ابن عَبَّاسٍ عِنْدِي، حَيْثُ قال: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَيْمُونَةَ وهو مُحْرِمٌ، يُرِيدُ بِهِ وهو داخل الحَرَم، لا أنَّه كان مُحْرِمًا، كما يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا دَخَلَ الظُّلْمَةَ: أَظْلَمَ، وَأَنْجَدَ: إِذَا دَخَلَ نَجْدًا، وَإِذَا
(1)
أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(1411) ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ.
(2)
أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(1409) ك/النكاح، ب/تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَكَرَاهَةِ خِطْبَتِهِ.
(3)
يُنظر: "السنن" عقب الحديث رقم (840).
(4)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(9/ 194).
دَخَلَ الحَرَمَ: أَحْرَمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِنَفْسِهِ مُحْرِمًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم عَزَمَ على الخُرُوجِ إلى مَكَّةَ في عَمْرَةِ القَضَاءِ، فَلَمَّا عَزَمَ على ذلك بَعَثَ مِنَ المَدِينَةِ أبا رَافِعٍ، وَرَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ إلى مَكَّةَ لِيَخْطُبَا مَيْمُونَةَ له، ثُمَّ خَرَجَ صلى الله عليه وسلم وَأَحْرَمَ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طاف
وَسَعَى وَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَتَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا، ثُمَّ سَأَلَهُ أَهْلُ مَكَّةَ الْخُرُوجَ مِنْهَا، فَخَرَجَ مِنْهَا، فَلَمَّا بَلَغَ سَرِفَ بَنَى بِهَا بِسَرِف وَهُمَا حَلَالَانِ، فَحَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ نَفْسَ العَقْدِ الَّذِي كَانَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ دَاخِلَ الْحَرَمِ بِلَفْظِ الحَرَامِ، وحكى يَزِيدُ بن الأَصَمِّ القِصَّةَ على وَجْهِهَا، وأخبر أبو رَافِعٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهُمَا حَلَالَانِ، وكان الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا، وكذلك حَكَتْ مَيْمُونَةُ عَنْ نَفْسِهَا فَدَلَّتْكَ هذه الأشياء مع زَجْرِ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم عن نِكَاحِ المُحْرِمِ وإنكاحه على صِحَّةِ ما أَصَّلْنَا ضِدَّ قول مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَخْبَارَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم تَتَضَادُ وَتَتَهَاتَرُ حَيْثُ عَوَّلَ عَلَى الرَّأْيِ الْمَنْحُوسِ وَالْقِيَاسِ الْمَعْكُوسِ.
(1)
بينما قال ابن عبد البَرِّ: اخْتَلَفَتِ الآثَارُ في هذا الحُكْم، لكنَّ الرِّوَايَةَ أنَّهُ تَزَوَّجَهَا وهو حَلَالٌ جَاءَتْ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى، وحديثُ ابن عَبَّاسٍ صَحِيحُ الإِسْنَادِ لَكِنَّ الوَهْمَ إلى الواحد أَقْرَبُ إلى الوَهْمِ مِنَ الجَمَاعَةِ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِ الخَبَرَيْنِ أن يَتَعَارَضَا فَتُطْلَبُ الحُجَّةُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ صَحِيحٌ في مَنْعِ نِكَاحِ المُحْرِمِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ والرواية أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وهو حلالٌ متواترةٌ عن ميمونة بعينها، وعن أبي رافع مولى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وعن سليمان بن يسار مولاها، وعن يزيد الأصم ابن أختها، وهو قول ابن المسيب، وسليمان بن يسار، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وجمهور علماء المدينة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يَنْكح ميمونة إلا وهو حلالٌ، قبل أن يُحْرِم، وما أعلم أحدًا مِنْ الصحابة روى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ ميمونة، وهو مُحْرِم إلا ابن عباس.
وقال أيضا: ورواية مَنْ ذكرنا معارضة لروايته، والقلب إلى رواية الجماعة أَمْيل، لأن الواحد أقرب إلى الغلط، وأكثر أحوال حديث ابن عباس أن يُجعل متعارضا مع رواية من ذكرنا، فإذا كان كذلك سقط الاحتجاج بجميعها، ووجب طلب الدليل على هذه المسألة من غيرها، فوجدنا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه قد روى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه نَهَى عن نِكَاح المُحْرِم، وقال: لا يَنْكح المحرم ولا يُنْكح، فوجب المصير إلى هذه الرواية التي لا معارض لها، لأنه يَسْتَحيل أن يَنهى عن شيء ويفعله، مع عمل الخلفاء الراشدين لها، وهم عمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهم، وأكثر أهل المدينة.
(2)
قلتُ: وقول ابن عبد البر: "وما أعلم أحدًا مِنْ الصحابة روى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ ميمونة، وهو مُحْرِم إلا عبد الله بن عباس"، أجاب عنه الحافظ ابن حجر في "الفتح"، بأنَّه رُوي أيضًا عن أبي هريرة، وعائشة رضي الله عنهم، وذكر أنَّ حديث عائشة أُعِلَّ بالإرسال، وحديث أبي هريرة ضَعيف الإسناد.
(3)
* * *
(1)
يُنظر: "الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان" عقب الحديث رقم (4129 و 4139).
(2)
يُنظر: "التمهيد" لابن عبد البر (3/ 152 - 153).
(3)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 165 - 166)، ومَنْ رام المزيد فليُراجع:"السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 345)، و"معالم السنن"(2/ 183)، و"عون المعبود مع حاشية ابن القيم"(5/ 207)، والمغنى (5/ 162)، و"زاد المعاد"(5/ 112 - 113).
[141/ 541]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ الْعَبَّادَانِيُّ
(1)
، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْمَلِيحِ الْهُذَلِيَّ
(2)
يُحَدِّثُ.
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَاةَ حُنَيْنٍ
(3)
فِي سَنَةِ ثَمَانٍ فِي رَمَضَانَ
(4)
،
فَوَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، يَوْمَ
(1)
العبَّاداني: بفتح العين المهملة، وتشديد الباء الموحدة مع فتحها، وفتح الدَّال المُهْملَة، وفي آخرهَا نون، نِسْبَة إِلَى عبَّادان، وَهِي: بليدَة بنواحي البَصْرَة في البَحْر، وكان يسكنها جماعةٌ مِنْ العلماء والزُّهاد للعبادة والخلوة. يُنظر:"الأنساب"(8/ 335)، و"اللباب"(2/ 309)، و"معجم البلدان"(4/ 74).
(2)
الهُذلِيّ: بِضَم الهَاء، وفتح الذَّال، نسبة إلى: هُذَيل، وهي قبيلة، يقال لها: هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، يُنسب إليها جماعةٌ، منهم: أسامة الهذلي والد أبى المليح، له صحبة ورواية. يُنظر:"الأنساب"(12/ 315)، "اللباب"(3/ 383).
(3)
سبق بيان معناها وموقعها، يُنظر الحديث رقم (8).
(4)
اتفق أهل السير على أنَّ غزوة حنين كانت في شهر شوال، وأمَّا فتح مكة فهو الذي كان في رمضان. يُنظر:"المغازي" للواقدي 3/ 889 - 892، "الطبقات الكبرى" لابن سعد 2/ 150، "الفصول في السيرة" لابن كثير (ص/204)، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (8/ 27): قال أهل المغازي: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين لستٍ خلت من شوال، وقيل: لليلتين بقيتا من رمضان، وجمع بعضهم بأنَّه بدأ بالخروج في أواخر رمضان، وسار سادس شوال، وكان وصوله إليها في عاشره. أ. هـ وأخرج الطبراني في "الأوسط"(3883) بسنده مِن طريق سَعِيد بن بَشِيرٍ، عن قَتَادَةَ، عن أَنَسٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ لِثَمَانِ عَشَرَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَهُوَ صَائِمٌ، فَمَرُّوا بِنَهْرٍ، فَشَدَّدُوا النَّظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَشْرَبُونَ؟» فَقَالُوا: نَشْرَبُ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟
…
الحديث» وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قَتَادَةَ إلا سَعِيدُ بن بَشِيرٍ، تَفَرَّدَ به: زَيْدُ بن يحيى بن عُبَيْدٍ. قلتُ: وسعيد بن بَشير الأزدي قال فيه ابن معين: عنده أحاديث غرائب عن قتادة وليس حديثه بكل ذاك. وقال ابن نُمَير والسَّاجي: حدَّث عن قتادة بمناكير. وقال ابن حبَّان: كان ردئ الحفظ، فاحش الخطأ، يروى عن قتادة ما لا يتابع عليه. وقال ابن حجر: ضَعيفٌ. يُنظر في ترجمته: "تاريخ ابن معين" برواية ابن محرز 1/ 74، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 319، "تهذيب الكمال" 10/ 350، "تهذيب التهذيب" 4/ 9، "التقريب"(2276).
لكن! قال الدكتور/إبراهيم قريبي في "مرويات غزوة حنين"(1/ 99): إنَّ تاريخ غزوة حُنين مرتبط بوقت فتح مكة المكرمة، ذلك أن غزوة حنين ناشئة عنه ومتممة له، ومن هنا أطلقت بعض الروايات الخروج إلى حنين في شهر رمضان، والمعروف أن هذا إنما كان في غزوة الفتح؛ فقد أخرج البخاري في "صحيحه"(4332) ك/المغازي، ب/غَزْوَةِ الطَّائِفِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(1059/ 5) ك/الزكاة، ب/إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتَصَبُّرِ مَنْ قَوِيَ إِيمَانُهُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ،
…
الحديث. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(8/ 54): المراد بقوله: "يوم فتح مكة" زمان فتح مكة، وهو يشمل السنة كلها، ولمَّا كانت غزوة حنين ناشئة عن غزوة مكة أضيفت إليها، وقد قرر ذلك الإسماعيلي، فقال: المراد غنائم هوازن، فإنَّه لم يكن عند فتح مكة غنيمة تُقَسَّم، ولكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم غزا حُنيناً بعد فتح مكة في تلك الأيام القريبة، وكان السبب في هوازن فتح مكة، لأنَّ الخلوص إلى محاربتهم كان بفتح مكة.
وأخرج البخاري في "صحيحه"(4277) ك/المغازي، ب/غَزْوَة الفَتْحِ في رَمَضَانَ، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: "خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ، وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ، فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ،
…
الحديث". قال الحافظ في "الفتح" (8/ 5): استشكله الإسماعيلي بأنَّ حُنينًا كانت بعد الفتح فيحتاج إلى تأمل! قلتُ (ابن حجر): وتأويله ظاهر، فإنَّ المراد بقوله "إلى حنين": أي التي وقعت عقب الفتح، لأنها لما وقعت إثرها أطلق الخروج إليها، وبهذا جمع المحب الطبري، وقال غيره: يجوز أن يكون خرج إلى حنين
في بقية رمضان قاله ابن التين،
…
إلى أن قال ابن حجر: فيكون الخروج إلى حنين في شوال.
قلتُ: وعليه؛ فإطلاق الروايات بأنَّ حُنيناً وقعت في رمضان، إنَّما هو مِن باب إضافة وقت الشيء إلى سببه، والله أعلم.
مَطِير، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلالاً فَنَادَى: «الصَّلاة في الرِّحَالِ
(1)
».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي معاوية العبَّادانيِّ إلا عَليُّ بن الجعد.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه البغوي في "الجعديات"(3581) - ومِنْ طريقه ابن عدي في "الكامل"(4/ 407)، وابن الآبنوسي في "مشيخته"(13) -، وابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 12) عن بِشْر بن موسى، كلاهما (البغوي، وبشر) عن عليِّ بن الجَعْد، بنحوه، وفيه عند البغوي:"غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ حُنَيْنٍ فِي ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ". وقال البغوي: أبو مُعَاوية العبَّادانيّ هو عِنْدِي سَعِيدُ بن زَرْبِيٍّ لِأَنَّ هذه الأحاديثَ حدَّث بها سَعِيدُ بن زَرْبِيٍّ. ونقل الآبنوسي عن البغوي، أنَّه قال: وأبو مُعاوية لم يسمه لنا ابن الجعد. وتعقبه ابن عدي: وذهب إلى أنَّ أبا مُعاوية ليس هو سعيد بن زَرْبي، فأبو مُعاوية عبَّاداني، وأمَّا سعيد فبصري، بالإضافة إلى أنَّ سعيد كنيته أبو عُبَيْدة على الصحيح، وخطَّأ مَنْ كناه بأبي مُعاوية. وفي "العلل" لابن أبي حاتم، قال: سألت أبي: مَن أبو مُعاوية في هذا الحديث؟ فقال: هو سعيدُ بن زَرْبي.
(2)
(1)
قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 209): الرِّحال: الدُّورَ والمَسَاِكنَ والمَنَازِلَ، وَهِيَ جمعُ رَحْلٍ، يُقَالُ: لِمْنزِل الإنسانِ ومَسْكنَه: رَحْلُهُ، وانْتَهَيْنا إِلَى رِحَالِنَا: أَيْ مَنازِلنا.
(2)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 541/مسألة 576).
قلتُ: نُحَقِّقُ أولاً كنية سعيد بن زَرْبي ونِسْبَته، ثُمَّ نعود إلى التعليق على ما ذكره البغوي وابن عدي، فأقول - ومِنْه سبحانه وتعالى العون والتوفيق -: قال ابن معين برواية الدُّوري عنه - كما في "إكمال تهذيب الكمال"(5/ 291)، ولم أقف عليه في المطبوع مِنْ "تاريخه" -: سعيد بن زربي: ليس بثقة وليس هو أبو عبيدة صاحب الموعظة، هو رجل آخر. وفي "سؤالات ابن الجنيد لابن معين"(ص/392)، قلت ليحيى: ما تقول في سعيد بن زربي؟ فقال: ليس بشيء. قلت ليحيى: ما تقول في أبي عاصم العبَّاداني؟ قال: ضعيف الحديث. قلت ليحيى: فإنهم يزعمون أن أبا عاصم العبَّاداني هو سعيد بن زربي؟ قال: «لا» . قال إبراهيم بن الجنيد: فوجدت في بعض سماعنا من البصريين: سعيد بن زربي أبو عبيدة القارئ.
قلتُ: وأبو عاصم العبَّاداني هذا ذكره ابن حجر في "التقريب"(8195)، وقال: أبو عاصم العبَّاداني البَصْري، اسمه: عبد الله بن عُبيد الله، أو بالعكس، ويُقال: ابن عَبْدٍ، بغير إضافة:"ليِّن الحديث". ويُنظر ترجمته في "تهذيب الكمال" 34/ 7. وكان زاهداً واعظاً كما في "الميزان" (2/ 458).
وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 473)، والدَّارقطني في "الضعفاء والمتروكون"(ص/237)، والذهبي في "المقتنى في سرد الكنى" (2/ 86): سعيد بن زَربي أبو مُعاوية البَصْري. وكنَّاه الإمام مسلمٌ في "الكنى والأسماء"(ص/758)، والنَّسائي في "الضعفاء والمتروكون"(ص/129)، والعقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 106) بأبي معاوية، ولم يَنْسبوه. وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(4/ 22)، وأبو أحمد العسكري في "تصحيفات المحدثين"(2/ 572)، وقالا: سعيد بن زَرْبي أبو مُعاوية
. . . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .
العبَّاداني. وقال الدُّولابي في "الكنى"(2/ 876): أبو عُبيدة سعيد بن زربي. وقال ابن حبَّان في "المجروحين"(1/ 318): سَعيد بن زَرْبي مِن أهل البصرة، كنيته أبو مُعاوية، وقد قيل: كنيته أبو عُبيدة. وقال ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكون"(1/ 318): سعيد بن زربي أَبُو عُبَيْدَة وَقيل أَبُو مُعَاوِيَة البَصْرِيّ العَبادَانِي. بينما قال ابن عدي في "الكامل"(4/ 406): سَعيد بن زربي يُكنَّى أبو عبيدة، وقِيلَ: أبو معاوية، وأَبُو عبيدة أصح، ومَنْ قَالَ أبو معاوية فقد أخطأ، ثُمَّ أخرج رواية الباب عن أبي القاسم البغوي عن علي بن الجَعْد عن أبي مُعاوية العبَّاداني، به، ونقل قول البغوي - السابق نَقْلُه في الأصل -، ثُم قال: كيف يحكم البغوي بذلك! وعلي بن الجعد يقول: حدَّثنا أبو مُعاوية العبَّاداني، وسَعيد بن زَرْبي بَصْري، وأخطأ البخاري والبغوي جميعاً، حيث كنياه بأبي مُعاوية، وإنَّما هو أبو عُبَيْدة.
قلتُ: لكن خالفه أبو حاتم، ففي "العلل"(2/ 541/ مسألة 576) لابن أبي حاتم، قال: سألتُ أَبِي عن حديثٍ رواه عليُّ ابن الجَعْد، عن أبي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي المَلِيح بنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "غَزَوْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوةَ حُنَيْن،
…
" مَنْ أَبُو معاويةَ هَذَا؟ فَقَالَ: هُوَ سعيدُ بْنُ زَرْبي.
ثُمَّ قال ابن عدي: ذِكْرُ الأحاديث التي قال البغوي: إنَّ هذه الأحاديث رواها سَعيد بن زَرْبي: وأخرج ابن عدي بسنده تلك الأحاديث التي رواها سَعيد بن زَرْبي واستدل بها البغوي على أنَّ العبَّاداني الذي يروي عنه على بن الجَعْد هو سَعيد بن زَرْبي لأنَّه روى هو أيضاً هذه الأحاديث، وبلغ بها تسعة أحاديث ومِنها حديث الباب؛ ثُمَّ قال: ذِكر الأحاديث التي ذُكر فيها سعيد بن زَرْبي، وكنيته: أبو عُبيدة، فَجُمِعَ بين الكنية والاسم: وذكر خمسة أحاديث رواها سعيد بن زَرْبي، وفيها جمع الرواة بين ذكر اسمه: سَعيد بن زَرْبي، وكنيته: أبو عُبيدة؛ ثُمَّ قال: وقد صح ما ذكرناه وبيَّناه أنَّ سَعِيد بن زَرْبي يُكَنَّى أبا عبيدة، وما قاله البُخارِيّ أنه يُكَنَّى أبا معاوية البصري فقد أخطأ، إلاَّ أنَّه مع خطئه أعذر من البغوي، لأنَّ البغوي ذكر في أحاديثه أبو معاوية العبَّاداني، وسعيد بن زربي ليس بعبَّاداني، فأخطأ البغوي في ذلك أَيضًا، وكنيته أبو عُبَيدة كما ذكرناه. أ. هـ وقال المزي في "تهذيب الكمال" (10/ 430): سَعِيد بن زربي الخُزَاعِيّ، البَصْرِيّ العبَّاداني، أبو معاوية، ويُقال: أَبُو عُبَيدة، وهُوَ الصحيح، والأول خطأ فيما قاله أَبُو أَحْمَد بن عدي. لكنَّه في "تحفة الأشراف" (1/ 133) قال: سعيد بن زَرْبِيّ أبو معاوية العبَّادانيُّ عن ثابت عن أنس. واعتمد الذهبي كلام ابن عدي في "تاريخ الإسلام"(4/ 376)، ولم يعزه إليه. وذكره في "الميزان" فقال: سَعيد بن زَرْبي أبو عُبيدة البَصْري. ومِنْ بعد هؤلاء جاء الإمام علاء الدين مُغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال"(5/ 290 - 292)، واستنكر على المزي اعتماده على قول ابن عدي فقط دون تحقيق القول فيه، ثُمَّ نقل أقوال مَن سبق ذكرهم مِن أهل العلم وغيرهم، ثُمَّ قال: فهذا كما ترى هؤلاء الأئمة أكثرهم جزم بأبي معاوية وبعضهم سوى بينهما، فلو رجَّح (المزي) مُرَجِّح أبا معاوية على أبي عبيدة لكان مصيباً، وأقل الأحوال أن يكونا متساويين، وأمَّا تخطئة ما رضيه جماعة العلماء فغير صواب مِمَّن قاله كائناً مَنْ كان، فكان ينبغي للمزي أن ينقل كلام أبي أحمد مستغرباً له في جنب كلام مَن قدَّمناه، وأمَّا أنَّه ينقله عنه مُكْتَفياً به مُتَّبِعَاً صاحب "الكمال" فليس جيداً. ثُمَّ بيَّن مُغلطاي أنَّ في الرواة مَن يُسمَّى سَعيد بن زَرْبي ويُكنى أبا عُبَيْدة لكنَّه ليس هو صاحبنا الذي يروي عن أبي المليح وثابت البُناني، وإنَّما هو شَخصٌ آخر يروي عن مُجاهد ويُعرف بصاحب الموعظة، ونقل عن ابن معين أنَّه فرَّق بينهما، فقال: وقد ذكر الدوري عن ابن معين كلاماً يُشْبه أن يكون فصلاً في هذا، وهو: قال ابن معين: سعيد بن زربي: ليس بثقة وليس هو أبو عبيدة صاحب الموعظة، هو رجل آخر. فَبَيَّن يحيى أن صاحب الموعظة يكنى أبا عبيدة، وأمَّا هذا فلم يُكَنِّه يحيى، ثُمَّ نقل أنَّ ابن حبَّان فرَّق بينهما حيث ذكر صاحبَ أبي المليح وثابت في "المجروحين"، وذكر صاحب الموعظة في "الثقات"(6/ 362)، وقال: سعيد بن زربي يَروي عن مُجَاهِد، روى عنه القاسم بن مَالك المُزنِيّ، وليس هذا بِسَعِيد بن زربي صاحب ثابت، ذاك ضَعِيفٌ وهذا صَدُوقٌ. ثُمَّ قال مُغْلطاي: ويُشْبِه أن يكون كلام يحيى وما شابهه، مستند البخاري، ومن بعده في تكنية صاحب ثابت بأبي معاوية، تفرقة بينه وبين صاحب مجاهد. وأمَّا الحافظ ابن حجر فقد نقل كلام ابن عدي في "تهذيب التهذيب"(4/ 29)، ثُمَّ عقَّب عليه بقوله: وليس ما جزم به من خطأ البغوي في ذلك بلازم. ثُمَّ قال:
. . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .
تمييز، وذكر: سعيد بن زَرْبي أبو عُبَيْدة الذي يَروي عن مُجاهد، وبيَّن أنَّ ابن معين وابن حبَّان قد فَرَّقا بينه وبين صاحب أبي المليح، ثُمَّ قال: وقد تقدَّم في الذي قبله ما يدل على أن بعضهم خلطهما. وفي "التقريب": ذكر أبا معاوية العبَّاداني في الكنى، وقال: هو سعيد بن زربي.
وقفة مع الأحاديث التي ذكرها البغوي في "الجعديات" مِنْ طريق أبي مُعاوية العبَّاداني، وقال فيها: هو عِنْدِي سَعِيدُ بن زَرْبِيٍّ لأنَّ هذه الأحاديث حَدَّثَ بها سَعِيدُ بن زَرْبِيٍّ، وذكر أربعة أحاديث، وهي كالآتي:
أخرج البغوي رواية الباب عن علي بن الجَعْد، عن أبي مُعاوية العبَّاداني كما سبق ذكره في التخريج.
قلتُ: وبَيَّنتُ في التخريج أنَّ هذا الحديث رواه يزيد بن هارون، ومسلمٌ بن إبراهيم، وصالح بن مالك ثلاثتهم عن سَعيد بن زَرْبي عن أبي المليح، ولم يَذْكر أحدٌ مِنهم نسبته أو كنيته. وقد رواه علي بن الجعد وحده عن أبي مُعاوية العبَّاداني، وعليه فقد يُفهم مِن صَنيع الطبراني أنَّه يفَرِّق بين أبي مُعاوية العبَّاداني، وسعيد بن زَرْبي، حيث أخرج الحديث في "الأوسط" برواية علي بن الجعد عن أبي معاوية العبَّاداني عن أبي المليح، ثُمَّ قال: لم يَرو هذا الحديث عن أبي مُعاوية العبَّاداني إلا عليُّ بن الجَعْد. وأخرج الحديث أيضاً في "المعجم الكبير"(498) مِن طريق مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن زَرْبي، فاعتبرهما راويان. ومِمَّا يؤكد ما ذهبت إليه مِن كون الطبراني يُفَرِّق بينهما أنَّه أخرج في "المعجم الأوسط" عِدَّة روايات مِن طريق سعيد بن زربي وذكره هكذا باسمه ولم يُكنِّه ولم يَنسبه، كما في الحديث رقم (3956 و 7614 و 8877) لكنَّه في الموضع الثاني قال: الخزاعي. وذكر الموضع الأول في "الكبير" برقم (18/ 158/ 346) وقال: سعيد بن زربي أبو عُبيدة الباجي. فمجموع ذلك عند الطبراني يدل على أنَّ سعيد بن زربي عنده هو أبو عُبيدة الباجي الخزاعي. وليس هو أبو مُعاوية العبَّاداني الذي يروي عنه علي بن الجعد.
…
قال البغوي: حدَّثنا عَلِيٌّ، أنَا أبو مُعَاوِيَةَ، عن حَمَّادٍ بن أبي سُليمان، عن إبراهيم النَّخعي، عن علقمة بن قيس، عن ابن مَسْعودٍ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ زِينَةُ الْقُرْآنِ» .
قلتُ: وهذا الحديث أخرجه البزار في "مسنده"(1553)، وأبو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(2958) - ومِن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(41/ 173) -، وأبو سعيد الشَّاشي في "المسند"(318)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 408)، والخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(2/ 135)، خمستهم مِن طريق مُسْلم بن إبراهيم، وأخرجه الدُّولابي في "الكنى"(1542)، والطبراني في "الكبير"(10023) - ومِن طريقه أبو نُعيم في "الأربعون على مذهب المتحققين مِن الصوفية"(56) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(41/ 173) ثلاثتهم مِن طريق أبي صالح عبد الغفار بن داود الحرَّاني، وأبو نُعيم في "الحلية"(4/ 235 - 236) مِن طريق أبي ربيعة زيد بن عوف، ثلاثتهم (مسلم بن إبراهيم، والحرَّاني، وزيد بن عوف) قالوا: عن سَعيد بن زَرْبي، إلا في رواية أبي صالح الحرَّاني فإنَّه جمع بين الاسم والكنية، وكنَّاه بأبي عُبيدة. وقال البزار: وهذا الحديثُ لا نعلم رواه عن حَمَّادٍ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عَبْدِ اللَّهِ إلا سعيدُ بنُ زَرْبِيٍّ، وسَعِيدُ بنُ زَرْبِيٍّ هذا ليس بالقَوِيِّ. وقال الخطيب البغدادي: وسعيد بن زربي هو أبو مُعاوية العبَّاداني الذي روى عنه علي بن الجعد هذا الحديث.
بينما أخرجه أبو نُعيم في "الأربعون على مذهب المتحققين مِن الصوفية"(56) مِن طريقين، فقال: حدَّثنا سُليمان بن أحمد، عن يحيى بن أيوب العلاف، عن عبد الغفَّار بن داود الحرَّاني، عن أبي عُبَيْدة سعيد بن زربي - وهو الطريق السابق ذكره - (ح)، وحدَّثنا سُليمان بن أحمد، عن أحمد بن القاسم بن مُساور، عن عليِّ بن الجعد، عن أبي مُعاوية العبَّاداني، قالا (سعيد بن زربي، وأبو مُعاوية العبَّاداني) حدَّثنا حمَّاد، به.
لكن أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(41/ 173 - 174) بسنده مِن طريق الدَّارقطني، والخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(2/ 135) عن أبي القاسم البغوي عن علي بن الجعد عن أبي مُعاوية العبَّاداني، به، وقال الدَّارقطني: غريبٌ مِن حديث حَمَّاد عن إبراهيم، تَفَرَّد به أبو مُعاوية العبَّاداني وهو سَعيد بن زَرْبي عنه بهذه الألفاظ. ويُنظر:"أطراف الغرائب والأفراد"(2/ 26). وسبق ذكر كلام الخطيب بأنَّ أبا معاوية العبَّاداني هو سعيد بن زربي.
. . . . . . . . . .. . . . . . . . . . .
قلتُ: فالحديث رواه سعيد بن زَرْبي وكنَّاه أبو صالح الحرَّاني بأبي عُبيدة، ولم يروه عن أبي مُعاوية العبَّاداني إلا علي بن الجعد، وكما نرى فلم يُفَرِّق الدَّارقطني والخطيب البغدادي بينهما، واعتبراهما راوياً واحداً، بينما سلك أبو نُعيم مسلك شيخه الطبراني - كما سبق في الحديث الأول - في التفرقة بين أبي مُعاوية العبَّاداني وأبي عُبَيْدة سعيد بن زَرْبي، واعتبرهما راويان، ويؤكد ذلك أيضاً أنَّ أبا نُعيم أخرج حديثاً بسنده في "الحلية"(2/ 160) مِن طريق أبي عُبيدة عن الحسن، فعقَّب عليه بقوله: وأبو عُبيدة هو سعيد بن زَرْبي. وأمَّا البزار فلم أستطع قراءة رأيه في ذلك، لأنَّه لم يَتَبَيَّن لي: هل اطلع البزار على رواية ابن الجعد عن أبي مُعاوية العبَّاداني، أم لا؟! فإن كان اطلع عليها - وهو الأقرب - فهو بذلك لم يُفرق بينهما.
…
وقال البغوي: حدَّثنا عليٌّ، أخبرني أبو مُعَاوِيَة، عن ثابت، عن أنس، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيَ أَبُو مُوسَى مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ عليه السلام» .
قلتُ: وهذا الحديث أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 107)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 408)، وأبو نُعيم في "الحلية"(1/ 258) مِن طريق مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن زَرْبي، عن ثابتٍ، به.
وقال البغوي: وَبِهِ - أي: بالإسناد السابق - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمْنَا الْبَصْرَةَ مَعَ أَبِي مُوسَى وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ لَهُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ لَوْ رَأَيْتَ إِلَى نِسْوَتِكَ وَقَرَابَتِكَ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِكَ، فَقَالَ:«لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا يَسْمَعُ قِرَاءَتِي لَزَيَّنْتُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى بِصَوْتِي وَلَحَبَّرْتُهُ تَحْبِيرًا» .
قلتُ: وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(32/ 84) مِن طريق البغوي عن علي بن الجعد، به.
خلاصة ما سبق ذكره: مِن خلال ما سبق عرضه نستخلص النتائج الآتية:
هناك أربعةٌ مِن الرواة يجب أنْ نذكرهم أولاً، وهم:
سعيد بن زَرْبي أبو عُبيدة صاحب الموعظة، يَروي عن مُجاهد، وأقل أحواله كما قال ابن حبَّان: صدوقٌ.
سعيد بن زَرْبي أبو عُبيدة أو أبو مُعاوية، يَروي عن ثابتٍ وأبي المليح، وهو ضَعيفٌ.
أبو عاصم العبَّاداني، وليس هو سَعيد بن زَرْبي، وإنَّما هو عبد الله بن عُبيد الله أو العكس، وكان واعظاً، ليِّن الحديث.
أبو مُعاوية العبَّاداني، يَروي عن ثابتٍ وأبي المليح، ويروي عنه علي بن الجَعْد ولم يُسمِّه.
والراجح مِن أقوال أهل العلم: أنَّ سعيد بن زَرْبي الذي يروي عن مُجاهد ليس هو سَعيد بن زَرْبي الذي يروي عن ثابتٍ وأبي المليح، فالأول ثقةٌ، والثاني ضَعيفٌ، وقد خلط البعض بينهما كما قال ابن حجر.
والراجح أيضاً: أنَّ أبا عاصم العبَّاداني ليس هو سعيد بن زَرْبي، وقد جمع البعض بينهما وأنكر ذلك ابن معين وفرَّق بينهما، وتبعه على ذلك غير واحد مِن أهل العلم، مِنهم: ابن حجر وغيره.
لكن يبقى الخلاف حول: هل أبو معاوية العبَّاداني هو سعيد بن زَرْبي الضعيف، فكلاهما يروي عن ثابتٍ وأبي المليح وغيرهما؟! فاختلف العلماء في ذلك: ففرَّق البعض بينهما، وجمع بينهما آخرون.
سعيد بن زَرْبي الضعيف: كنَّاه إبراهيم بن الجُنيد والدُّولابي بأبي عُبيدة. وكنَّاه البخاري ومُسلمٌ وأبو حاتم والنَّسائي وابن أبي حاتم وأبو أحمد العسكري والعقيلي والدَّارقطني: بأبي مُعاوية. بينما جمع ابن حبَّان وابن الجوزي والذهبي ومُغلطاي وابن حجر بين الكنيتين معاً. وذكر البخاري وابن حبَّان والدَّارقطني والذهبي بأنَّه: بَصْري. وذكر أبو حاتم وابن أبي حاتم والعسكري بأنَّه: عبَّاداني. بينما جمع ابن الجوزي والمقدسي والمزي وابن حجر بينهما البصري والعبَّاداني.
وذهب ابن عدي وحده - على حد بحثي - إلى ترجيح أبي عُبيدة وخطَّأ مَن كنَّاه بأبي معاوية، وذلك لأنَّه فرَّق بين سعيد بن زربي وأبي معاوية العبَّاداني: فجعل سعيد بن زربي بَصْري فقط وليس عبَّاداني، وكنيته أبو عُبَيْدة.
…
وقد صرَّح غير واحد مِن أهل العلم بأنَّ سَعيد بن زَرْبي هو: أبو مُعاوية العبَّاداني، ولم يُفَرِّقوا بينهما منهم: أبو حاتم في "العلل"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، وأبو أحمد العسكري في "تصحيفات المحدِّثين"، والبغوي في "الجعديات"، والدَّارقطني في "الغرائب"، والخطيب البغدادي في "الموضح لأوهام الجمع والتفريق"، والمزي في "التحفة"، ومُغْلطاي في "الإكمال"، وابن حجر في "التقريب". وهذا هو الظاهر مِن صنيع جمهور أهل العلم كالبخاري وابن حبَّان والمزي وغيرهم.
بينما نجد الظاهر مِنْ صنيع الإمام الطبراني وتلميذه أبي نُعيم أنَّهما يُفَرِّقان بينهما. وهذا هو ما صرَّح به ابن عدي، فجعل سعيد بن زَرْبي أبو عُبَيْدة البَصْري وخطأ مَنْ كنَّاه بأبي مُعَاوية، وأمَّا أبو مُعاوية فهو العبَّاداني، وكلاهما يروي عن ثابتٍ وأبي المليح، لكنَّ البَصْري يروي عنه مُسلم بن إبراهيم وغيره، والعبَّاداني يَروي عنه علي بن الجَعْد.
واعتمد البغوي في عدم التفريق على أنَّ الأحاديث التي رواها أبو مُعاوية العبَّاداني هي الأحاديث التي رواها سعيد بن زربي، وقد سبق ذكرها ودراستها. لكن تعقبه ابن عدي بأنَّ بعض هذه الأحاديث قد جمع فيها الرواة بين اسم سعيد وتكنيته بأبي عُبيدة، وأمَّا علي بن الجعد فهو وحده يذكره بأبي معاوية العبَّاداني، فكيف يجعلهما واحداً وهذا عبَّاداني، وهذا بصري، وخطَّأ البغوي في ذلك. فجاء الحافظ ابن حجر وتعقَّب ابن عدي في قوله ذلك، فقال: وليس ما جزم به من خطأ البغوي في ذلك بلازم. قلتُ: لأنَّه لا مانع أنْ تكون للراوي كنيتان، لذا ذكره البعض بالبصري، والبعض بالعبَّاداني، وجمع البعض بينهما.
…
قلتُ - والله أعلم -: وعليه فلعلَّ الأقرب إلى الصواب هو ما اعتمده ابن حجر بأنَّ أبا مُعاوية العبَّاداني هو: سعيد بن زَرْبي. وعلى كلٍ فكلاهما ضَعيفٌ، فأينما دار الحديث دار على ضَعيفٍ. ألا أنَّ ثَمرته تظهر عند التقوية بالمتابعات؛ فيصلح تقوية أحدهما للآخر عند مَنْ فرَّق بينهما، ولا يصلح ذلك عند مَنْ لم يُفرق بينهما إذ لا يَصلح أنْ يكون الشخص مُتابعاً لنفسه.
• وأخرجه ابن سَعد في "الطبقات"(9/ 43)، قال: أخبرنا يَزيد بن هارون؛ والطبراني في "الكبير"(498)، قال: حدَّثنا علي بن عبد العزيز، ثنا مُسْلم بن إبراهيم - مِنْ أصح الأوجه عنه
(1)
-؛ وابن عدي في "الكامل"(4/ 408)، قال: أخبرنا أبو يعلى، ثنا صالح بن مالك.
ثلاثتهم (يزيد، ومسلم، وصالح) قالوا: حدَّثنا سعيد بن زَرْبي، به، مُختصراً عن ابن سعد، والباقون بنحوه، وفيه عند الطبراني:"فَخَرَجْنَا إِلَى حُنَيْنٍ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَوَافَقَنَا يَوْمُ جُمُعَةٍ يَوْمٌ مَطِيرٌ". وفيه عند ابن عدي: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ حُنَيْنٍ فِي ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ".
• وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(1417) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(780) -، عن عبَّاد بن منصور. وابن سعد في "الطبقات"(2/ 144)، وعلي بن الجعد في "مسنده"(995) - ومِنْ طريقه ابن حبَّان في "صحيحه"(2082)، والطبراني في "الكبير"(497/ 3)، والضياء في "المختارة"(1407) -، وأحمد في "مسنده"(20700 و 20702 و 20703 و 20711 و 20713 و 20715 و 20720) - ومِن طريقه بالموضع الأول ابن الأثير في "أسد الغابة"(1/ 198) -، وأبو داود في "سننه"(1057) ك/الصلاة، ب/الجُمُعَة في اليوم المَطِيرِ، والنَّسائي في "الكبرى"(929) ك/الصلاة، ب/العُذْرُ في تَرْكِ الجَمَاعَةِ، وفي "الصغرى"(854)، والبزار في "مسنده"(2332 و 2333 و 2334)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1658)، وابن حبَّان في "صحيحه"(2083)، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "مسنده"(1469 و 1470 و 1472)، والطبراني في "الكبير"(497 و 501) - وفي الموضع الثاني قرن الطبراني قتادة بزياد بن أبي المليح -، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5648)، كلهم مِن طُرقٍ عن قتادة.
(1)
يُنظر: "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم حديث رقم (781).
- وأخرجه عبد الرَّزَّاق في "المصنَّف"(1924) - ومِنْ طريقه الطبراني في "الكبير"(496)، ومِنْ طريق الطبراني أخرجه الضياء في "المختارة"(1404) -، وابن أبي شيبة في "المصنَّف"(6265)، وفي "المسند"(899) - ومِنْ طريقه ابن ماجه في "سننه"(936) ك/الصلاة، ب/الجَمَاعَة في اللَّيْلَةِ المَطِيرَةِ، والطبراني في "الكبير"(500)، ومِنْ طريق الطبراني أخرجه الضياء في "المختارة"(1405) -، وأحمد في "مسنده"(20704 و 20705 و 20707)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 21)، والفاكهي في "أخبار مكة"(2886)، وأبو داود في "سننه"(1059) ك/الصلاة، ب/الجُمُعَة في اليوم المَطِيرِ - ومِن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد"(13/ 278) -، وابن خزيمة في "صحيحه"(1657)، وابن حبَّان في "صحيحه"(2079)، وأبو الشيخ في "ذكر الأقران"(346)، والحاكم في "المُستدرَك"(1085)، والبيهقي في "الكبرى"(5649)، كلهم مِنْ طرق عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجَرْمي. وقال الحاكم: صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وقد احتجَّ الشَّيْخَانِ بِرُوَاتِهِ، وهو مِنَ النَّوع الذي طَلَبُوا المُتَابِع فيه لِلتَّابِعِيِّ عن الصَّحَابِيِّ، ولم يُخَرِّجَاهُ. وقال الذهبي: صحيحٌ.
- وأحمد في "مسنده"
(1)
(20280)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 11)، عن أبي بِشْر الحلبي.
- والطبراني في "الكبير"(499) - ومِن طريقه أبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(782) -، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5024)، مِن طريق عامر بن عُبيدة البَّاهلي.
خمستهم (عبَّاد، وقتادة، وأبو قلابة، وأبو بِشْر، وعامر) عن أبي المليح، بسنده، واللفظ بنحوه، دون قوله:"في رمضان" فلم يذكرها - على حد بحثي - إلا أبو مُعاوية العبَّاداني، ووقع عند بعضهم:"حنين"، وعند البعض:"الحديبية"، وعند ابن أبي شيبة بالشك "عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ حُنَيْنٍ". قال الضياء: وَقَدْ رُوِيَ: "زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةَ"، وَرُوِيَ:"يَوْمَ حُنَيْنٍ" مِنْ أَوْجُهٍ؛ وهذا يَدُلُّ على أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أجاز لهم ذلك زمن الحُديبية ويوم حُنَيْن.
(2)
بينما قال الألباني
(3)
: ولعلَّ الأرجح "حُنَيْن" لموافقتها لرواية سَمُرة.
(4)
بينما في رواية عامر بن عُبيدة الباهلي قال: «مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ فَلْيُصَلِّ» .
(1)
هكذا في المطبوع مِن "مُسند أحمد" ط/الرسالة: أنَّه برواية الإمام أحمد، بينما ذكره ابن كثير في "جامع المسانيد"(390)، وابن حجر في "إتحاف المهرة" (1/ 334): وكلاهما عَدَّه مِن زوائد عبد الله على المسند. وبالرجوع إلى "المسند" ط/المكنز (20605): وجدتهم أثبتوه في الأصل كما في "الإتحاف"، وأشاروا في الهامش إلى أنَّ جميع نسخ "المسند" ذكروه مِن رواية الإمام أحمد، وشيخ الإمام أحمد في هذا الحديث هو: داود بن عَمرو الضَّبي، وقد روى عنه أحمد وابنه عبد الله كما في ترجمته مِن "تهذيب الكمال"(8/ 428)، والله أعلم.
(2)
يُنظر: "المختارة"(4/ 193).
(3)
يُنظر: "إرواء الغليل"(2/ 342).
(4)
ورواية سَمُرة هذه أخرجها ابن أبي شيبة في "المصنف"(6266)، وأحمد في "مسنده"(20092 و 20153 و 20170 و 20211 و 20260 و 20261) مِن طرق عن قَتَادَةَ، عن الحسن، عن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، "أَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ يَوْمًا مَطِيرًا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُنَادِيَهُ: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الرِّحَالِ". وفيه: عنعنة الحسن عن سَمُرَة.
قال أبو نُعيم: وعامرٌ يَتَفَرَّد بلفظة غريبة.
(1)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَليُّ بن الجَعْد بن عُبَيد الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (106).
3) سَعِيد بن زَرْبِيُّ، البَصْرِيُّ العَبَّادانِيُّ، أبو معاوية، أو أَبُو عُبَيدة، وصَحَّح ابن عدي الثاني، وخطَّأ مَن قال الأول. وأمَّا البخاري ومسلمٌ وأبو حاتم وغيرهم فقد جزموا بالأول، مع ذكر بعضهم للثاني.
(2)
روى عن: أبي المَليح بن أُسامة، وثابت البُنانيُّ، والحَسن البَصْرِيّ، وآخرين.
روى عنه: علي بن الجَعْد، ويزيد بن هارون، ويُونس بْن مُحَمَّد المؤدِّب، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ليس بشيء، هو كثير الخطأ. وقال البخاري، ومسلم: صاحب عجائب. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، عنده عجائب من المناكير. وقال أبو داود: ضَعيفٌ. وقال النَّسائي: ليس بثقةٍ. وقال الدَّارقطني: متروكٌ. وقال أبو أحمد الحاكم: مُنكر الحديث جداً. وقال الذهبي: ضَعَّفوه. وحاصله: ما قاله الحافظ ابن حجر: مُنْكر الحديث.
(3)
4) أبو المليح بن أسامة بن عُمير الهُذَليُّ. قِيلَ: اسمه عامر، وقيل: زيد.
(4)
روى عن: أبيه أسامة الهذلي، وأنس بن مالك رضي الله عنه، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: سَعيد بن زَرْبي، وأيوب السختياني، وخالد الحذَّاء، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، والعِجْلي، وأبو زرعة، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ثقةٌ وَرِعٌ، بَخٍ بَخٍ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وروى له الجماعة.
(5)
5) أُسَامَةُ بن عُمَير بن عَامر الهُذَليُّ رضي الله عنه. وحديثه في "السنن" الأربعة.
روى عن: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. روى عنه: لم يرو عنه غير ابنه أبو المليح، قال المزي: قاله جماعة مِن الحفَّاظ.
(6)
(1)
وقال أبو نُعيم: ومِمَّن روى هذا الحديث، عن أبي المليح: أبو قلابة، وقتادة، وزياد بن أبي المليح، وشعيب بن رزيق، وسعيد بن زربي، وعامر بن عبدة الباهلي، وعامر يتفرد بلفظة غريبة. قلتُ: لعلَّه يقصد التفرُّد النسبي، أي تَفَرَّد بها عن أبي المليح، وإلا فلها شاهدٌ صحيحٌ مِنْ حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه سبق ذكره في الحديث رقم (84).
(2)
ورَجَّح مُغلطاي في "الإكمال"(5/ 291) قولَ الجمهور. وكذلك ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(4/ 29). وقد سبق تفصيل ذلك وبيانه، وهناك ذكرت أنَّ أبا معاوية العبَّاداني هو سعيد بن زربي.
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 473، "الكنى والأسماء" لمسلم 2/ 758، "الجرح والتعديل" 4/ 23، "المجروحين" 1/ 318، "الكامل" 4/ 406، "التهذيب" 10/ 430، "الكاشف" 1/ 435، "الميزان" 2/ 136، "الإكمال" 5/ 291، "التقريب"(2304).
(4)
قال ابن حبَّان في "الثقات"(5/ 190): وَمن زعم أَنَّ اسْمه زِيَاد أَو زيد بن أُسَامَة فقد وهم.
(5)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 319، "الثقات" 5/ 190، "التهذيب" 34/ 316، "الكاشف" 2/ 464، "التقريب"(8390).
(6)
يُنظر: "الاستيعاب" 1/ 78، "أسد الغابة" 1/ 198، "تهذيب الكمال" 2/ 352، "الإصابة" 1/ 105.
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل أبي مُعاوية العبَّاداني "مُنكر الحديث".
وورد في بعض الطرق تحديد اليوم بقوله: "لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ"، وبعض الروايات:"ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ"، فهذه اللفظة "مُنْكرةٌ جداً" لانفراد أبو مُعاوية بها، كما سبق بيانه، فلم يُتابعه أحدٌ - على حد بحثي - عن أبي المليح بها، مع مُخالفته لما اتفق عليه أهل السير مِن أنَّ غزوة حُنَيْن إنَّما وقعت في شهر شوال، وأنَّ فتح مكة هي التي وقعت في شهر رمضان، ولو وقعت الرواية بإطلاق ذلك فقط في رمضان لاختلف الأمر، وَلَوَسِعَنَا الجواب عنها بما أجاب به الحافظ ابن حجر - كما سبق ذكره قبل ذلك - بأنَّ المراد بقوله "إلى حنين في رمضان": أي التي وقعت عقب الفتح، لأنها لما وقعت إثرها أطلق الخروج إليها.
لكن لمَّا وردت بعض الروايات بتحديد ذلك وتعينه بيوم السابع عشر، وبعضها بيوم الثامن عشر دلَّ ذلك على اضطراب الراوي ووهمه فيها، فلمَّا وجدناه انفرد بها عن أبي المليح دون سائر الرواة ازدد الأمر تأكيداً على ثبوت وَهَنِهَا ونكارتها.
قلتُ: وأبو مُعاوية العبَّاداني لم ينفرد ببقية الحديث، بل تابعه جماعةٌ مِنْ الثقات عن أبي المليح كما سبق بيانه في التخريج، مِنْهم: قتادة، وأبي قلابة عبد الله بن زيد وغيرهما بأسانيد صحيحة.
والحديث أخرجه ابن خزيمة وابن حبَّان في "صحيحيهما" مِن طرقٍ عن أبي المليح بسنده، وأخرجه كذلك الحاكم في "المُستدرَك"، وقال: هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وقد احتجَّ الشَّيْخَانِ بِرُوَاتِهِ، ولم يُخَرِّجَاهُ. وقال الذهبي: صحيحٌ. وقال الحافظ ابن حجر: وفي "السنن" بإسناد صحيح عن أبي المليح عن أبيه أنَّهم مطروا يوماً فرخص لهم.
(1)
وحكم الألباني على الحديث بإسناد أبي داود، فقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(2)
وللحديث شواهد في "الصحيحين" عن جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عبَّاس، سبق ذكرها في الحديث رقم (84).
وعليه؛ فالحديث يرتقي بمتابعاته وشواهده إلى "الصحيح لغيره"، دون ما ذكرناه، والله أعلم.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي معاوية العبَّادانيِّ إلا عَليُّ بن الجعدِ.
قلتُ: سبق أنْ بَيَّنتُ الخلاف بين أهل العلم في أبي مُعاوية العبَّاداني هل هو: سعيد بن زَرْبي أم لا؟ وذكرت أنَّ الظاهر مِن صَنيع الإمام الطبراني وتبعه على ذلك تلميذه أبو نُعيم، أنَّهما يُفَرِّقان بين أبي مُعاوية العَبَّاداني وسعيد بن زربي ويجعلوهما راويان، وصرَّح ابن عدي أيضاً بذلك.
(1)
يُنظر: "فتح الباري"(2/ 113).
(2)
يُنظر: "صحيح سنن أبي داود" حديث رقم (967).
وبناءً عليه؛ فكلام المُصَنِّف مُسَلَّمٌ له، فلم يروه عن أبي مُعاوية إلا ابن الجعد كما سبق بيانه في التخريج.
وأمَّا على الراجح مِنْ أقوال أهل العلم في عدم التفرقة بينهما وهو ما صرَّح به غير واحدٍ كما سبق بيانه، فيكون كلام المصَنِّف رضي الله عنه غير مُسَلَّمٍ له فيه، فلم يَنْفَرد به علي بن الجعد، بل تابعه جماعة مِن الرواة، وهم: يَزيد بن هارون، ومسلم بن إبراهيم، وصالح بن مالك، فثلاثتهم رووه عن سعيد بن زربي.
قلتُ: لكن لو فرضنا جدلاً أنَّ الإمام الطبراني يذهب مذهب الجمهور في عدم التفرقة بينهما، فيكون لقوله هذا مَخْرجٌ، وهو: أنَّ جميع الرواة الذين رووا هذا الحديث قالوا: سعيد بن زَرْبي. فذكروه باسمه دون كنيته أو نسبته، ولم يذكره بكنيته: أبو مُعاوية، ونسبته: العبَّاداني إلا علي بن الجَعْد - كما هو واضحٌ في التخريج -، وقال أبو القاسم البغوي - فيما ذكره عنه الآبنوسي -: ولم يُسَمِّه لنا ابن الجعد.
ويكون المراد بقوله هذا: أي لم يذكره بهذه الكنية والنسبة (أبو معاوية العبَّاداني) إلا علي بن الجَعد، فلعلَّ هذا هو مُراد الإمام الطبراني رضي الله عنه، والله أعلم.
قلتُ: وقال الحاكم - عقب تخريجه للحديث -: وهذا الحديث هو مِنَ النَّوع الذي طَلَبُوا المُتَابِع فيه لِلتَّابِعِيِّ عن الصَّحَابِيِّ. يَقْصد بذلك أنَّه لم يروه عن أسامة بن عُمير إلا أبو المليح، وسبق أنْ ذكرت أنَّ جماعة مِن الحفَّاظ قالوا: لم يرو عن أسامة إلا ابنه أبو المليح - والله أعلم -.
* * *
[142/ 542]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: نا قَتَادَةُ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن أَبَانَ إلا عَفَّانُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الضياء في "الجزء الثالث مِنْ أحاديث عفَّان بن مسلم" - مطبوع ضمن "أحاديث الشيوخ الكبار"(326) باعتناء د/حمزة أحمد الزين - بسنده مِنْ طريق الطبراني، عن أحمد بن القاسم، به.
• والدَّارمي في "مسنده"(772)، والبزار في "مسنده"(1389)، وابن الجارود في "المنتقى"(126)، وابن المنذر في "الأوسط"(545)، والشاشي في "المسند"(1036)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 250)، والدَّارقطني في "سننه"(697)، مِن طُرق عن عَفَّان بن مسلم، به. وقال الدارمي: صَحَّ إِسْنَادُهُ.
• وأحمد في "مسنده"(18319)، عن عفَّان، ويُونُس بن محمد بن مُسلم. وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "مسنده"(14)، عن يُونُس بن محمَّد - وحده -، كلاهما عن أَبَان بن يَزِيد العَطَّار، به.
• وابن أبي شيبة في "المصنف"(1686 و 36290)، وفي "مسنده"(435)، وأبو داود في "سننه"(327) ك/الطهارة، ب/التيمم، والترمذي في "سننه"(144) ك/الطهارة، ب/ما جاء في التيمم، والبزار في "مسنده"(1387)، والنَّسائي في "الكبرى"(302) ك/الطهارة، ب/ (179)، وأبو يعلى في "مسنده"(1608 و 1638)، وابن خزيمة في "صحيحه"(267)، وأبو العباس السَّرَّاج في "مسنده"(13)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(669)، والشاشي في "المسند"(1037)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1303 و 1308)، والدَّارقطني في "سننه"(696)، والبيهقي في "الكبرى"(1010)، وفي "معرفة السنن والآثار"(1586).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سَعِيدِ بن أبي عَرُوبَةَ - مِنْ أصحِّ الأوجه عنه
(1)
-، عن قَتَادَةَ، به، وعند بعضهم:"فَأَمَرَنِي بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً". وقال الترمذي: حديثُ عمَّار حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(338) ك/التيمم، ب/المُتَيَمِّمُ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا؟، وبرقم (339 و 340 و 341 و 342 و 343) ك/التيمم، ب/التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(368/ 3،4) ك/الحيض، ب/التيمم، وغيرهما مِن طُرقٍ عن سعيد بن عبد الرحمن، به، مطولاً وفيه قصة.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَفَّان بن مسلم بن عَبْد اللَّهِ الصَّفَّار: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (102).
3) أَبَان بن يزيد العَطَّار، أبو يزيد البَصْرِيُّ.
(1)
يُنظر: "مسند البزار"(1388)، "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 323).
روى عن: قَتادة بن دِعَامة السَّدُوسي، وعَمرو بن دِينار، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، وآخرين.
روى عنه: عفَّان بن مسلم، وابن المبارك، ويحيى بن سعيد القطَّان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، والنَّسائي: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ثَبْتٌ في كل المشايخ. وقال ابن حبَّان: مِنْ ثِقَات البصريين وحُفَّاظِهم. وقال الذهبي في "المغني": ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وفي "الديوان": ثِقَةٌ ليَّنه بعضهم بلا حُجَّة. وفي "الميزان": ثِقَةٌ حجةٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ له أفراد. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ ثَبْتٌ". وروى له الجماعة.
(1)
4) قَتَادة بن دِعَامة السَّدُوسي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، كان يُدَلِس، ويُرسل كثيراً".
لكن ينبغي التنبيه هنا على عِدَّة أمور، وهى:
أ ينبغي قبل إعلال الحديث بعنعنة قتادة، التأكد هل سَمِع قتادة من الشيخ الذي يَروي عنه أم لا، فإن كان لم يَسْمَعْ منه فلا تُعل روايته عنه بالتدليس، بل تُعلُّ بالانقطاع.
ب إذا كان الراوي عنه شُعبة؛ فلا يُتوقّف في عنعنته لما سبق بيانه في ترجمته.
ت إذا كان شيخه ممَّن أَكْثَرَ الرواية عنه، وكَثُرَت ملازمته له كأنس بن مالك، والحسن البصري - كما سبق ذكره - فلا يُتوقف كذلك في عنعنته عنهم، ولا تُردّ إلا بقرينةٍ. تقدَّم في الحديث رقم (75).
5) عَزْرَة بن عبد الرحمن بن زُرَارَة الخُزَاعيُّ الكُوفيُّ.
روى عن: سعيد بن عبد الرحمن بن أَبْزَى، وسعيد بن جُبَيْر، والشَّعبي، وآخرين.
روى عنه: قَتادة، وخالد الحَذَّاء، وسُليمان التَّيْميُّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن المديني، والعِجْلي، وابن حبَّان، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ.
(2)
6) سَعِيد بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبْزَى الخُزَاعِيّ، مولاهم، الكوفيُّ.
روى عن: أبيه عبد الرحمن بن أَبْزَى، وعبد الله بن عبَّاس، وواثلة بن الأَسْقَع رضي الله عنهم.
روى عنه: عَزْرَة بن عبد الرحمن، والحكم بن عُتَيْبة، وذر بن عبد الله الهَمْدانيُّ، وآخرون.
حاله: قال أحمد: حسن الحديث. وقال النَّسائي، وابن حبَّان، وابن حجر: ثِقَةٌ.
(3)
وروى له الجماعة.
7) عَبد الرَّحمَن بْن أَبزَى، مَولَى خُزاعة، الكُوفيّ رضي الله عنه.
روى عن: النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعمَّار بن ياسر رضي الله عنه، وعُمر بن الخطاب رضي الله عنه، وآخرين.
روى عنه: ابنه سعيد، وعامر الشَّعْبيُّ، وأبو إسحاق السَّبيعيُّ، وآخرون.
قال البخاري، والترمذي، والدَّارقطني، وآخرون: له صحبة. وقال أبو حاتم، وابن عبد البر، وابن الأثير: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه. وقال الذهبي: له صحبة وروايةٌ، وفِقْهٌ وعِلْمٌ. وقال ابن حجر في "الإصابة":
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 199، "الجرح والتعديل" 2/ 299، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 68، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/189)، "تهذيب الكمال" 2/ 24، "المغني" 1/ 39، "الديوان" 1/ 41، "الميزان" 1/ 16، "التقريب"(143).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 134، "الجرح والتعديل" 7/ 21، "الثقات" 7/ 300، "التهذيب" 20/ 51، "التقريب"(4576).
(3)
"التاريخ الكبير" 3/ 494، "الجرح والتعديل" 4/ 39، "التهذيب" 10/ 524، "تهذيب التهذيب" 4/ 54، "التقريب"(2346).
أخرج ابن سعد وأبو داود بسندٍ حسن إلى عبد الرحمن بن أَبْزَى أنَّه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
بينما ذكره ابن حبَّان في طبقة التابعين مِن "الثقات". وقال المزي: مُخْتلفٌ في صِحْبته. وعقَّب ابن حجر على ذِكر ابن حبَّان له في التابعين، بقوله: وقرأتُ بخط مُغْلطاي: لم أر مَن وافقه على ذلك. ثُمَّ ذكر أقوال أهل العلم فيه، وعقَّب على ذلك بقوله: العُمْدة على قول الجمهور.
قلتُ: فالراجح ثبوت صُحْبته، فهو قول جمهور أهل العلم، بل وأخرج البخاري في "صحيحه" عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: «كُنَّا نُصِيبُ المَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
…
الحديث».
(1)
وقال ابن عبد البر: قال فيه عمر بن الخطاب: عبد الرحمن بن أبزى مِمَّن رفعه الله بالقرآن.
(2)
8) عَمَّارُ بنُ يَاسِرِ: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (130).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ فيه قتادة، وقد رواه بالعنعنة، ولم أقف - على حد بحثي - على تصريحه بالسماع. وللحديث مُتابعات في "الصحيحين" وغيرهما عن سعيد بن عبد الرحمن كما سبق في التخريج، وله شواهد عن عائشة وابن عبَّاس كما قال الترمذي.
وعليه؛ فالحديث بمتابعاته وشواهده يرتقي مِن "الضعيف" إلى "الصحيح لغيره".
قلت: لذا قال الترمذي بعد أنْ أخرج الحديث مِن طريق قتادة: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ثُم أعقب ذلك بالإشارة إلى ذكر المتابعات والشواهد، فقال: وقد رُوِيَ عن عَمَّارٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وفي الباب عن عائِشَةَ، وابن عَبَّاسٍ.
والحديث أخرجه الدَّارمي مِن طريق قتادة، وقال: صَحَّ إِسْنَادُهُ.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن أَبَانَ إلا عَفَّانُ.
قلتُ: ومِن خلال ما سبق في التخريج يَتَّضح أنَّ الحديث لم يَنْفرد به عفَّان بن مسلم عن أَبَان بن يَزيد؛ بل تابعه يُونس بن محمد بن مُسلم البغدادي أبو مُحمد المُؤَدِّب، وقد أخرج روايته الإمام أحمد وأبو العبَّاس السَّرَّاج كما سبق في التخريج، وعليه فلا يُسلم للمُصَنَّف رضي الله عنه في قوله ذلك، والله أعلم.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام الترمذي: ذهب غير واحدٍ مِنْ أهل العلم مِنْ أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، وعَمَّارٌ، وابنُ عَبَّاسٍ، وغير واحدٍ مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ: الشَّعْبِيُّ، وعطاءٌ، ومكحُولٌ، قَالُوا: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ.
وقال بعض أهل العلم مِنْهُمْ: ابنُ عُمَرَ، وجابرٌ، وإبراهيمُ، والحسنُ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2254) ك/السلم، ب/السَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 5/ 245، "معجم الصحابة" للبغوي 4/ 466، "الجرح والتعديل" 5/ 209، "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 149، "الثقات" 5/ 98، "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 4/ 1823، "الاستيعاب" 2/ 822، "أسد الغابة" 3/ 419، "التهذيب" 16/ 501، "تاريخ الإسلام" 2/ 854، "الإصابة" 6/ 446، "الرواة المُخْتلف في صحبتهم في الكتب الستة" 2/ 373.
المِرْفَقَيْنِ، وبه يقول سُفْيَانُ، ومالكٌ، وابن المُبَارَكِ، والشَّافعيُّ.
وقد رُوِيَ عن عَمَّارٍ أنَّهُ قال: «تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَنَاكِبِ وَالآبَاطِ»
(1)
فَضَعَّفَ بعضُ أهل العلم حَدِيثَ عَمَّارٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في التَّيَمُّمِ للوجه والكفَّيْنِ لمَّا رُوِيَ عنهُ حَدِيثُ المَنَاكِبِ والآبَاطِ.
وقال إسحاقُ بنُ إبراهيم: حديثُ عَمَّارٍ في التَّيَمُّمِ للوجه والكَفَّيْنِ هو حديثٌ صحيحٌ، وحديثُ عَمَّارٍ:«تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَنَاكِبِ وَالآبَاطِ» ليس هُوَ بِمُخَالِفٍ لحديث الوجه والكفَّيْنِ، لأنَّ عمَّارًا لم يَذْكُرْ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، وإنَّما قال: فَعَلْنَا كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ لمَّا سألَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِالوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ، والدَّلِيلُ على ذلك ما أَفْتَى به عَمَّارٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في التَّيَمُّمِ أنَّهُ قال: الوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ، ففي هذا دلالةٌ أنَّهُ انْتَهَى إلى ما عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
(2)
وقال ابن عبد البر: أكثر الآثار المرفوعة عن عمَّار في هذا الحديث إنما فيها ضربة واحدة للوجه واليدين، وكل ما يروى في هذا الباب عن عمار مِن ضربتين فمضطرب مختلف فيه، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أن أصح حديث روي عن عمار حديث قتادة عن عزرة.
(3)
وقال الخطابي: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه وللكفين، وهو قول عطاء ومكحول، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق، وعامة أصحاب الحديث، وهذا المذهب أصح في الرواية.
(4)
وقال الحافظ ابن حجر تحت قول الإمام البخاري: باب التيمم للوجه والكفين: أي هو الواجب المجزئ، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما ضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، فأما حديث جهيم، فورد بذكر اليدين مجملاً، وأما حديث عمار، فورد بذكر الكفين في "الصحيحين" وبذكر المرفقين في "السنن" وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط، فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع، ففيهما مقال، وأما رواية الآباط، فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده، فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به، ومما يقوي رواية "الصحيحين" في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمَّار كان يُفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابي المجتهد.
(5)
(1)
أخرجه أحمد في "مسنده"(18322 و 18888 و 18891)، وابن ماجه برقم (565 و 566) ك/الطهارة، ب/سبب التيمم، وأبو داود في "سننه"(320) ك/الطهارة، ب/التيمم، والنَّسائي في "الكبرى"(296 و 297) ك/الطهارة، ب/التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ.
(2)
يُنظر: "سنن الترمذي"(1/ 268 - 271).
(3)
يُنظر: "التمهيد"(19/ 287).
(4)
يُنظر: "معالم السنن"(1/ 100 - 101).
(5)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 444 - 445). ومن رام المزيد فليُراجع مشكوراً: "فتح الباري" لابن رجب (2/ 245 - 259)، "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (2/ 319 - 320).
[143/ 543]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ، قَالَ: نا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: نا طَاوُسٌ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِيَّاكُمْ وَالْكِبْرَ، فَإِنَّ الْكِبَرَ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ وَإِنَّ عَلَيْهِ الْعَبَاءَةَ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن طَاوُسٍ إلا عَبْدُ اللَّهِ بن حُمَيْدٍ، تَفَرَّدَ به: سُوَيْدٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• لم أقف عليه إلا برواية الباب. وذكره الهيثمي في "مجمع البحرين"(4937) بإسناد الطبراني ومتنه.
وذكره المنذري
(1)
، والهيثمي
(2)
، وابن حجر
(3)
، والسيوطيُّ
(4)
عن ابن عُمر، وقال المنذري: رواه الطبراني في "الأوسط" ورواته ثقاتٌ. وتبعه على ذلك الهيثمي وابن حجر.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
3) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
4) عبد الله بن حميد بن عبيد الأنصاري الكوفي.
(5)
روى عن: طاووس بن كَيْسان، وعطاء، والشعبي، وآخرين.
روى عنه: سُويد بن عبد العزيز، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وأبو أسامة حمَّاد بن أسامة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ليس به بأسٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(6)
5) طاووس بن كَيْسَان اليماني: "ثِقَةٌ فَقيهٌ فاضلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
(1)
يُنظر: "الترغيب والترهيب"(4198).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 226).
(3)
يُنظر: "فتح الباري"(10/ 491).
(4)
يُنظر: "الجامع الصغير"(2928).
(5)
قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة"(14/ 401) بعد أن أورد الحديث بإسناد الطبراني: عبد الله بن حُميد لم أعرفه، وفي طبقته عبد الله بن حميد بن عبيد الأنصاري الكوفي فَيُحتمل أنَّه هو. قلتُ: ولقد بحثت عن عبد الله بن حُميد الذي يروي عن طاووس، ويروي عنه سويد بن عبد العزيز، فلم أهتدي إليه، ولم أقف إلا على عبد الله بن حُميد بن عُبيد الذي يروي عن عطاء والشعبي، فلعلَّه هو كما قال الشيخ الألباني، لذا ترجمت له، والله أعلم.
(6)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 37، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 15.
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز "ضَعيفٌ"، وقد انفرد به، فلم أقف - على حد بحثي - على مَن تابعه على رواية هذا الحديث.
وقال الألباني: "ضَعيفٌ جداً"، وأعلَّه بسويد بن عبد العزيز.
(1)
قلتُ: وسبق أن ذكرتُ قول المنذري في "الترغيب والترهيب": رواه الطبراني في "الأوسط" ورواته ثقاتٌ. وتبعه على ذلك الهيثمي، وابن حجر. ولعلَّ هذه مِنْ الزلات التي لم يَسْلم مِنْها أحدٌ مِنْ البشر، فلكل عالم زلة، ولكل جوادٍ كبوة - نسأل الله أن يَغْفر لنا ولهم أجمعين -، ففي الإسناد كما نرى سُويد بن عبد العزيز ضَعَّفه الجمهور بل ووهاه بعضهم - كما سبق في ترجمته -، بالإضافة إلى أنَّ هؤلاء الأئمة (المنذري، والهيثمي، وابن حجر) مع الجمهور في تضعيفه.
(2)
قلتُ: ويُغني عن ذلك ما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير مِن الكبر، وما أكثر ما ورد في ذلك، مِنها على سبيل المثال لا الحصر:
ما أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ
(3)
مُسْتَكْبِرٌ ".
(4)
وأخرج البخاري ومسلمٌ في "صحيحيهما" عن حَارِثَة بن وَهْبٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:«أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ
(5)
، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ» ثُمَّ قَالَ:«أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «كُلُّ عُتُلٍّ
(6)
......................................................................
(1)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(5263، 6667).
(2)
فضَعفه المنذري في "الترغيب والترهيب" حديث رقم (2855، 4589)، وقال الهيثمي:"متروك الحديث" يُنظر "مجمع الزوائد"(1/ 15 و 1/ 166 و 2/ 240 و 4/ 36 و 4/ 313 و 5/ 159 و 5/ 206 و 5/ 290 و 7/ 160). وقال أيضاً: ضَعيفٌ جداً. يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 403). وقال أيضاً: أجمعوا على ضَعفه. يُنظر: "مجمع الزوائد"(1/ 141). وقال: ضَعيفٌ. يُنظر: "مجمع الزوائد"(2/ 62 و 2/ 126 و 2/ 231) وغيرها مِن المواضع. وقال ابن حجر في "التقريب"(2692)، وفي "فتح الباري" (1/ 572): ضَعيفٌ. وقال في "إتحاف المهرة"(1/ 587/816): ضَعيفٌ جداً. وفي "الإتحاف" أيضاً (14/ 672/18456) بعد أن نقل تصحيح الحاكم لإسنادٍ فيه سُويد بقوله صحيحٌ على شرط مسلم، فقال الحافظ: لا والله فسُويد بن عبد العزيز قد تركاه جميعاً. فلعلَّ الهيثمي وابن حجر اعتمدا على قول المنذري دون الرجوع إلى "الأوسط" والنظر في إسناده، والله أعلم.
(3)
قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر"(3/ 323): العائل: هو الفقير.
(4)
أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(107) ك/الإيمان، ب/بَيَان غِلَظِ تَحْرِيمِ إِسْبَالِ الْإِزَارِ.
(5)
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(8/ 663): مُتَضَعِّف: بكسر العين وبفتحها وهو أضعف، والمراد بالضعيف: مَنْ نفسه ضعيفة، لتواضعه وضعف حاله في الدنيا، والمستضعف: المحتقر لخموله في الدنيا.
(6)
قال الحافظ في "الفتح"(8/ 663): عُتُلّ: بضم المهملة والمثناة، بعدها لام ثقيلة، وقال الفراء: الشديد الخصومة. وقيل: الجافي عن الموعظة. وقال أبو عبيدة: العتل الفظ الشديد من كل شيء، وهو هنا الكافر. وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن الحسن: الفاحش الآثم. وقال الخطابي: الغليظ العنيف. وغير ذلك مِن الأقوال.
جَوَّاظٍ
(1)
مُسْتَكْبِرٍ».
(2)
واللفظ لمسلم.
وأخرج البخاري ومسلمٌ في "صحيحيهما" عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَحَاجَّتِ النَّارُ، وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ، وَالْمُتَجَبِّرِينَ،
…
الحديث".
(3)
وأخرج الإمام مسلمٌ في "صحيحه" عن عَبْدِ اللهِ بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» . قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ:«إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» .
(4)
وغيرها مِنْ الأحاديث.
رابعاً: - النظر في كلام المصنف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن طَاوُسٍ إلا عَبْدُ اللَّهِ بن حُمَيْدٍ، تَفَرَّدَ به: سُوَيْدٌ.
قلتُ: ومِن خلال ما سبق في التخريج يتضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال المُناوي: قوله: "إِيَّاكُمْ وَالْكِبْرَ": فإنَّما أهلك إبليسَ الكبرُ، قال: أنا خير منه، وإنما كملت فضائل آدم عليه السلام باعترافه على نفسه. وقوله:"وَإِنَّ عَلَيْهِ الْعَبَاءَةَ": مِنْ شِدَّة الحاجة وضنك المعيشة وقلة الشيء، ولا يمنعه رثاثة حاله عن النظر في عاقبته وماله، وما ينبغي لمن خرج من مخرج البول مرتين أن يتكبر. وقيل: التواضع مع الجهل والبخل أَحْمَدُ عند الحكماء من الكبر مع الأدب والسخاء.
(5)
وقال الإمام النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولا يُزَكِّيهِمْ ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ
…
وذكر مِنْهم: وَعَائِلٌ
(1)
قال ابن حجر في "الفتح"(8/ 663): الجَوَّاظ: بفتح الجيم وتشديد الواو، وآخره معجمة، الكثير اللحم المختال في مشيه، حكاه الخطابي، وقال ابن فارس، قيل: هو الأكول وقيل الفاجر.
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4918) ك/التفسير، ب/ قول الله تعالى:{عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} ، وبرقم (6071) ك/الأدب، ب/الكِبْرِ، وبرقم (6657) ك/الأيمان والنذور، ب/ قول الله تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} ، ومسلمٌ في "صحيحه"(2853) ك/الجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، ب/النَّارُ يَدْخُلُهَا الْجَبَّارُونَ وَالْجَنَّةُ يَدْخُلُهَا الضُّعَفَاءُ.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4849 و 4850) ك/التفسير، ب/قول الله تعالى {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} ، وبرقم (7449 و 7450) ك/التوحيد، ب/مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ} ، ومسلمٌ في "صحيحه"(2846) ك/الجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا، ب/النَّارُ يَدْخُلُهَا الْجَبَّارُونَ وَالْجَنَّةُ يَدْخُلُهَا الضُّعَفَاءُ.
(4)
أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(91) ك/الإيمان، ب/تَحْرِيم الكِبْرِ وَبَيَانِهِ.
(5)
يُنظر: "فيض القدير"(3/ 132).
مُسْتَكْبِرٌ": قال القاضي عياض: وتخصيص هؤلاء سببه أنَّ كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بُعْدِها مِنْه وعدم ضرورته إليها وضعف دواعيها عنده، وإن كان لا يعذر أحد بذنب، لكن لمَّا لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة أشبه إقدامهم عليها المعاندة والاستخفاف بحق الله تعالى وقصد معصيته لا لحاجة غيرها، فإنَّ الشيخ لكمال عقله وتمام معرفته بطول ما مَرَّ عليه مِن الزمان وضعف أسباب الجماع والشهوة للنساء واختلال دواعيه لذلك عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا ويخلي سره منه، فكيف بالزنى الحرام! وإنما دواعي ذلك الشباب والحرارة الغريزية وقلة المعرفة وغلبة الشهوة لضعف العقل وصغر السن؛
…
وكذلك العائل الفقير قد عُدِمَ المال، وإنما سبب الفخر والخيلاء والتكبر والارتفاع على القرناء: الثروة في الدنيا لكونه ظاهراً فيها وحاجات أهلها إليه، فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويحتقر غيره؛ فلم يبق فعله وفعل الشيخ الزاني والإمام الكاذب إلا لضرب من الاستخفاف بحق الله تعالى.
(1)
وقال الإمام النووي: وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» : فقد اختلف في تأويله: فذكر الخطابي فيه وجهين: أحدهما: أنَّ المراد التكبر عن الإيمان، فصاحبه لا يدخل الجنة أصلاً إذا مات عليه. والثاني: أنَّه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة، كما قال الله جل جلاله {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}
(2)
. وهذان التأويلان فيهما بُعْدٌ؛ فإنَّ هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف، وهو: الارتفاع على الناس واحتقارهم ودفع الحق، فلا ينبغي أن يُحمل على هذين التأويلين المُخرجين له عن المطلوب، بل الظاهر: ما اختاره عياض وغيره مِن المُحَقِّقين أنَّه لا يدخل الجنة دون مجازاةٍ إن جازاه. وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه. وقد يَتَكَرم بأنَّه لا يُجازيه، بل لا بد أن يَدخل كل الموحدين الجنة إما أولاً، وإمَّا ثانياً، بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها. وقيل: لا يدخلها مع المتقين أول وهلة.
(3)
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح مسلم"(2/ 117 - 118).
(2)
سورة "الأعراف" آية (43)، وسورة "الحجر" آية (43).
(3)
يُنظر: "المنهاج شرح مسلم"(2/ 91)، "فتح الباري" لابن حجر (490 - 491).
[144/ 544]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبِي، قَالَ: نا سُوَيْدٌ، عَنْ
(1)
قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمْرَهُ أَنْ يُنَادِيَ فِي أَهْلِ مِنًى فِي [بُرْدَيْنِ]
(2)
: لا يَصُومَنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ أَحَدٌ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ.
هذا الحديث مَدَاره على الزهري، واختلف عنه مِن عِدَّة أوجهٍ:
الوجه الأول: الزُّهْرِيُّ، عن مسعود بن الحكم، عن عبد الله بن حذافة السَّهمي رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الزُّهْرِيُّ، عن مسعود بن الحكم، عن رجلٍ مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثالث: الزُّهْرِيُّ، قال: أُخْبِرْتُ أنَّ مَسْعود بن الحكم قال: أخبرني بعض أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه رأى عبد الله بن حُذافَة رضي الله عنه
…
الحديث.
الوجه الرابع: الزُّهْريُّ، قال: بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حُذافة يُنادي في النَّاس
…
(مُرسلاً).
الوجه الخامس: الزُّهْريُّ، عن سَعيد بن المسيّب، عن عبد الله بن حذافة رضي الله عنه.
الوجه السادس: الزُّهريُّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هُريرة رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الزُّهْرِيُّ، عن مسعود بن الحكم، عن عبد الله بن حذافة السَّهمي رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول: ولم يَروه عن الزهري بهذا الوجه إلا قُرة بن عبد الرحمن:
• أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(817)، عن هشامُ بن عَمَّارٍ، عن سُوَيْدُ بن عبد العزيز، حدَّثني قُرَّةُ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن الزُّهْرِيِّ، عن مَسْعُودِ بن الحكم، عن عبد اللَّه بن حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُؤْذِنَ فِي أَهْلِ مِنًى فِي مُؤْذِنِينَ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لا يَصُمْ هَذِهِ الأيامَ أَحَدٌ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ طُعْمٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» .
وأخرجه ابن قانعٍ في "معجم الصحابة"(2/ 98)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 367) كلاهما مِن طريق هِشَام بن عَمَّار. والطبراني في "الأوسط"(8217)، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(4070) مِن طريق
(1)
في الأصل "بن" بالباء الموحدة، والصواب ما أثبته بالعين المهملة، بدليل الحديث الذي بعده، وقال الطبراني بعد أنْ ذكر جملة مِن الأحاديث - كما سيأتي إنْ شاء الله عز وجل -: لم يَرو هذه الأحاديث عن قُرَّة إلا سُويدٌ ورُشْدين، وأخرجه المُصَنِّف في "الأوسط"(8217)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(817) مِن طرقٍ عن سُويد، قال: نا قُرَّة بن عبد الرحمن.
(2)
هكذا بالأصل "بُرْدَيْن"، والحديث أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(817)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 367) مِنْ طريق هِشَام بن عَمَّار؛ وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(4070) مِن طريق إسحاق بن راهويه؛ كلاهما (هِشَام، وإسحاق) عن سُويد بن عبد العزيز، به، وفيه:"في مُؤَذِّنِين بَعَثَهُم"، وكلاهما مُحْتَمل، وهذا أقرب إلى الصواب، والله أعلم.
إسحاق بن راهويه. وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(27/ 346) مِن طريق علي بن بَحْر بن بَرِّيِّ القَطَّان.
ثلاثتهم (هِشَام، وإسحاق، وعلي) عن سُويد بن عبد العزيز.
- والحاكم في "المُستدرَك"(6650)
(1)
، مِنْ طريق سُوَيْد بن سعيد.
كلاهما (سُويد بن عبد العزيز، وسُويد بن سعيد) عن قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن، به.
(2)
وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزُّهْرِيِّ إلا قُرَّةُ، تَفَرَّدَ به: سُوَيْدُ بن عبد العزيز.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
4) قُرَّة بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن حَيْويل، أبو محمد، ويُقال: أبو حَيْويل المِصْرِي، مدني الأصل.
روى عن: أبيه، والزُّهْري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرين.
روى عنه: سُويد بن عبد العزيز، والليث بن سعد، والأوزاعي، وآخرون.
حاله: ذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن معين: ضَعيفُ الحديث، كان يتساهل في السَّمَاع وفي الحديث، وليس بكذَّاب. وقال أحمد - بإحدى الروايات عنه -: ضَعيفٌ. وقال العِجْلي: يُكتب حديثه. وقال أبو حاتم، والنَّسائي، والدَّارقطني: ليس بالقوي. وقال أبو زرعة، وأبو داود: في حديثه نكارة. وقال ابن عدي: ولقُرَّة أحاديث صالحة يَرويها عنه رشدين وسويد وغيرهم، ولم أر في حديثه حديثاً مُنْكراً جداً فأذكره، وَأَرْجُو أَنَّهُ لا بَأْسَ به. وقال الذهبي: صُويلح الحديث. وقال ابن حجر في "التقريب": صدوقٌ له مناكير. وقال في "التلخيص": ضَعيفٌ، اختُلف فيه. وروى له مُسْلمٌ مَقْروناً بغيره، والباقون سوى البخاري.
- وأسند ابن أبي حاتم وابن حبَّان عن يَزيد بن السمط، قال: كان الأوزاعي يقول: ما أحدٌ أعلم بالزهري مِنْ قُرَّة بن عبد الرحمن. وهذا الكلام تعقبه ابن حبَّان
(3)
، وبيَّن الحافظ ابن حجر أنَّ مُرَاد الأوزاعي: أنَّه أعلم
(1)
ويُنظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر (6/ 577/ حديث رقم 7009).
(2)
والحديث أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 99)، مِن طريق يُونس بن يَزيد الأيْلي، عن الزُّهري، به. واختُلف فيه على يونس، وروايته عن يونس بهذا الوجه الأول عن الزهري مَرْجوحة، كما سيأتي في الوجه الثالث إن شاء الله عز وجل.
(3)
فقال ابن حبَّان في "الثقات"(7/ 343): هَذَا الَّذِي قَالَه يزِيد بن السمط لَيْسَ بِشَيْء يحكم بِهِ على الْإِطْلَاق، وَكَيف يكون قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ أعلم النَّاس بالزهري وكل شَيْء روى عَنْهُ لَا يكون سِتِّينَ حَدِيثا؛ بل أتقن النَّاس فِي الزُّهْرِيّ: مَالك وَمعمر والزُّبيدي وَيُونُس وَعقيل وَابْن عُيَيْنَة هَؤُلَاءِ السِّتَّة أهل الْحِفْظ والإتقان والضبط والمذاكرة، وبهم يعْتَبر حَدِيث الزُّهْرِيّ إِذا خَالف بعض أَصْحَاب الزُّهْرِيّ بَعْضًا فِي شَيْء يرويهِ. وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (8/ 374): أورد ابن عدي كلام الأوزاعي من رواية رجاء بن سهل عن أبي مسهر، ولفظه: ثنا يزيد بن السمط، قال: ثنا قُرَّة، قال: لم يكن للزهري كتابٌ إلا كتاب فيه نسب قومه، وكان الأوزاعي يقول: ما أحد أعلم بالزهري من قُرَّة. فيَظهر مِنْ هذه القصة أنَّ مُرَاد الأوزاعي أنَّه أعلم بحال الزهري مِن غيره لا فيما يرجع إلى ضبط الحديث، وهذا هو اللائق، والله أعلم.
بحال الزهري من غيره لا فيما يرجع إلى ضبط الحديث؛ ثُمَّ قال: وهذا هو اللائق.
- وقال أحمد - بإحدى الروايات عنه -: مُنكر الحديث جداً.
- فالحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"؛ فقد ضَعفه الجمهور، وقال العِجْلي: يُكتب حديثه. وأخرج له مسلمٌ مَقْروناً بغيره. وأمَّا قول الإمام أحمد في الرواية الثانية عنه: مُنْكر الحديث جداً. فلم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه عليها، بل قال ابن عدي: لم أر في حديثه حديثاً مُنْكراً جداً فأذكره. وهذا يدل على سبر حديثه. بالإضافة إلى أنَّ الإمام أحمد قد رُوى عنه ما يُخالف ذلك ويوافق رأي الجمهور، فيُؤخذ مِن قوليه ما وافق فيه رأي الجمهور، والله أعلم.
(1)
5) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حَافِظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنَّه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
6) مَسْعُود بن الحَكَم بن الرَّبيع بن عامِر الزُّرَقي الأَنْصارِيّ، أَبُو هارون المدني.
روى عن: عبد الله بن حُذافة، وعلي بن أبي طالب، وأمِّه حبيبة - ولها صُحبة -، وآخرين.
روى عنه: الزُّهري، ومحمد بن المُنْكَدِر، ونافع بن جُبير، وآخرين.
حاله: قال ابن حبَّان، وابن عبد البر: ولد في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم. وزاد ابن عبد البر: ويُعدُّ مِنْ أجلَّة التابعين وكبارهم. وقال ابن حجر: له رؤية، ورواية عن بعض الصحابة. وروى له الجماعة سوى البخاري.
(2)
7) عَبْدُ اللهِ بنُ حُذَافَةَ بنِ قَيْسِ، أَبُو حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ.
روى عن: النَّبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: مَسْعود بن الحكم، وسُليمان بن يَسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ويقال: كلاهما (سُليمان، وأبو سلمة) عنه مرسل. أحد السَّابقين، والمهاجرين الأولين، وكان صاحب دُعَابة، وأرسله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى كسرى
(3)
، وفيه نزل قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}
(4)
(5)
، وأمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية
(6)
،
وقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم: "أَبُوْكَ حُذَافَةُ"
(7)
، تُوفي بمصر في خلافة
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 217، "الجرح والتعديل" 7/ 132، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 342، "الكامل" لابن عدي 7/ 184، "تهذيب الكمال" 23/ 581، "مَن تُكلِّم فيه وهو مُوثَّق"(ص/436)، "التقريب"(5541)، "التلخيص الحبير"1/ 407.
(2)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 5/ 440، "تهذيب الكمال" 27/ 471، "الكاشف" 2/ 257، "التقريب"(6609).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4424) ك/المغازي، ب/كِتَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ.
(4)
سورة "النساء"، آية (59).
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4584) ك/التفسير، ب/قوله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} ، ومسلمٌ في "صحيحه"(1834) ك/الإمارة، ب/وُجُوب طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ، موقوفاً مِن قول حبر الأمة وتَرْجُمان القرآن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه.
(6)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4340) ك/المغازي، ب/سَرِيَّة عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ، ومسلم في "صحيحه"(1840) ك/الإمارة، ب/وُجُوب طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ ..
(7)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(93) ك/العلم، ب/مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ المُحَدِّثِ، وبرقم (540) ك/مواقيت الصلاة، ب/وَقْتُ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ، وبرقم (6362) ك/الدعوات، ب/التَّعَوُّذ مِنَ الفِتَنِ، وبرقم (7089) ك/الفتن، ب/التَّعَوُّذ مِنَ الفِتَنِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(2359) ك/الفضائل، ب/تَوْقِيرِه صلى الله عليه وسلم، وَتَرْكِ إِكْثَارِ سُؤَالِهِ عَمَّا لَا ضَرُورَةَ إِلَيْهِ.
سيدنا عثمان رضي الله عنه.
(1)
ثانياً: - الوجه الثاني:
الزُّهري، عن مسعود بن الحكم، عن رجلٍ مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(21950) - ومِنْ طريقه الضياء في "المختارة"(224) -، والنَّسائي في "الكبرى"(2893) ك/الصيام، ب/النهي عن صيام أيام التشريق، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4116)، وفي "أحكام القرآن"(880)، مِنْ طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، بنحوه.
• وأخرجه الدَّارقطني في "سننه"(2290 و 2412)، بسنده مِن طريق سُلَيْمَان بن أبي دَاوُدَ الحَرَّانِيّ، عن الزُّهْرِيُّ، بسنده، مُطولاً. وقال الدَّارقطني: سُليمان بن أبي داود: ضَعيفٌ.
(2)
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد الإمام أحمد):
1) عبد الرَّزَّاق الصَنْعاني: "ثِقَةٌ حافظٌ مُصَنِّفٌ، عَمى في آخر عُمره فَتغيَّر"، تَقَدَّم في الحديث (86).
2) مَعْمر بن راشد الأزدي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، له أوهام معروفةٌ"، قال الإمام الذهبي: ما نزال نحتج بِمَعْمر حتى يَلوح لنا خطؤه بمخالفة من هو أحفظ منه، أو نعده من الثقات. تَقَدَّم في الحديث رقم (83).
ثالثاً: الوجه الثالث:
عن الزُّهري، قال: أُخْبِرْتُ أنَّ مَسْعود بن الحكم قال: أخبرني بعض أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه رأى عبد الله بن حُذافَة رضي الله عنه
…
الحديث.
أ تخريج الوجه الثالث: ورواه عن الزهري بهذا الوجه جماعة:
• أخرجه النَّسائي في "الكبرى"(2894) ك/الصيام، ب/النهي عن صيام أيام التشريق، وذِكْرُ الاختلاف فيه على الزُّهريِّ، قال: أخبرنا أبو داود الحرَّاني، قال: حدَّثنا محمَّد بن سُلَيْمَان، قال: حدَّثنا شُعَيْبٌ بن أبي
(1)
قال البخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 8): عَبد الله بن حذافة السهمي القرشي، لا يصح حديثه، مرسل. وعلَّق ابن عدي في "الكامل"(5/ 367) علي ذلك - بعد أن أخرج رواية الباب بسنده -، فقال: وهذا الحديث هو الذي أشار إليه البُخارِيّ لعبد الله بن حذافة لا يصح. وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(2/ 11): لَهُ رِوَايَةٌ يَسِيْرَةٌ. وقال: قال أبو بكر بن البَرْقِيِّ: الذي حُفِظَ عنه ثلاثة أحاديث ليست بمتَّصلة. قلت: فالظاهر أنَّه مع ثبوت صحبته بما صح نقله بإرسال النَّبي صلى الله عليه وسلم له إلى كسرى، وكون النَّبي صلى الله عليه وسلم أمَّره على سرية، وذكر له نسبه، وغير ذلك، إلا أنَّ روايته عن النَّبي صلى الله عليه وسلم يسيرة كما قال الذهبي، بل ولم تصح مِن جهة الاتصال كما قال ابن البرقي، وقد نقل ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، والذهبي في "السير"، وابن حجر في "تهذيب التهذيب" و"الإصابة" كلام ابن البرقي، ولم يتعقبه واحدٌ مِنهم بشيء، والله أعلم. يُنظر ترجمته في:"معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 3/ 1615، "الاستيعاب" 3/ 888، "أسد الغابة" 3/ 213، "الإصابة" 6/ 95.
(2)
وقال البخاري: مُنْكر الحديث". وقال أبو حاتم: ضَعيف الحديث جداً. وقال أبو زرعة: متروك الحديث. يُنظر: "التاريخ الكبير" (4/ 11)، "الجرح والتعديل" (4/ 111 و 4/ 116).
حمزة، عن الزُّهْرِيِّ، أنَّ مَسْعُودَ بن الحكم، قال: أخبرني بعض أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه رأى عبد اللهِ بنَ حُذَافَةَ وهو يَسِيرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ يُنَادِي أَهْلَ مِنًى: «ألا لا يَصُومَنَّ هَذِهِ الأيامَ أَحَدٌ فَإِنَّهُنَّ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» .
- وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(27/ 346) مِن طرقٍ عدة، عن أبي اليمان الحكم بن نافع، قال: أخبرني شُعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، به.
وقال النَّسائي: الزُّهْرِيُّ لم يَسْمَعْ مِنَ مَسْعُودِ بن الحَكَمِ.
• والنَّسائي في "الكبرى"(2895) ك/الصيام، ب/النهي عن صيام أيام التشريق، قال: أخبرنا كثير بن عُبَيْدٍ، قال: حدَّثنا محمَّد بن حرب، عن محمد بن الوليد الزُّبَيْدِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، به.
• والطحاوي في "أحكام القرآن"(881)، قال: حدَّثنا الرَّبِيعُ بن سُليمان المُرَادِيُّ، أنَّ ابنَ وَهْبٍ حدَّثهم، قال: أخبرني يُونُسُ بن يَزيد الأَيْليُّ - مِن أصح الأوجه عنه
(1)
-، عن ابن شِهَابٍ، به.
• وابن أبي حاتم في "العلل"(3/ 47)(مُعلَّقاً)، عن عبد الرحمن بن خالد بن مُسَافر، عن الزّهري، به.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث (إسناد الإمام النَّسائي):
1) سُليمان بن سَيف، أبو داود الحرَّاني:"ثِقَةٌ حافظٌ".
(2)
2) محمد بن سُليمان بن أبي داود الحرَّاني: "ثِقَةٌ".
(3)
3) شُعيب بن أبي حَمزة الأُمَوي: "ثِقَةٌ عابدٌ، مِن أثبت النَّاس في الزُّهري".
(4)
رابعاً: - الوجه الرابع:
عن الزُّهْري، قال: بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حُذافة (مُرسلاً).
أ تخريج الوجه الرابع: ورواه عن الزُّهْري بهذا الوجه جماعة:
• أخرجه مالك في "الموطأ"(1102) - برواية يحيى الليثي -، وبرقم (846 و 1368) - برواية أبي مصعب الزُّهري -، - ومِن طريقه النَّسائيُّ في "الكبرى"(2897) -، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَعَثَ
…
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ أَيَّامَ مِنًى يَطُوفُ. يَقُولُ: «إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ» .
• وابن سعد في "الطبقات"(2/ 168)، مِنْ طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن الزهري، به.
• والطبري في "تفسيره"(3471 و 3915)، وفي "تهذيب الآثار"(406)، قال: حدثني يعقوب بن إبراهيم الدَّورقي، قال: حدثني هُشَيْمُ بن بَشِيْر، عن سُفيان بن حُسين الواسطي، عن الزهري، به.
• والطبري في "تهذيب الآثار"(405)، قال: حدَّثنا ابنُ حُمَيْدٍ (محمد أبو عبد الله الرَّازي)، قال: حدَّثنا
(1)
يُنظر: "معجم الصحابة" لابن قانع (2/ 99).
(2)
يُنظر: "التقريب"(2571).
(3)
يُنظر: "تهذيب الكمال" 25/ 303، "الكاشف" 2/ 176، "التقريب"(5927).
(4)
يُنظر: "التقريب"(2798).
هَارُونُ (ابن المغيرة أبو حمزة الرَّازي)، عن عَمْرِو بن شُعَيْبٍ القرشي، عن الزُّهْرِيِّ، به.
• وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(12/ 124) - بعد أن ذكر الخلاف فيه على الزُّهري -: ورواه يونس بن يزيد، وابن أبي ذئب، وعبد الله بن عمر العمري، عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة مرسلاً، هكذا كما رواه مالك سواء، وهو الصحيح في حديث ابن شهاب هذا.
خامساً: الوجه الخامس:
الزُّهْري، عن سَعيد بن المسيّب، عن عبد الله بن حذافة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الخامس: ولم أقف على أحدٍ رواه عن الزهري بهذا الوجه إلا سُليمان بن أرقم:
• أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 98)، والدَّارقطني في "السنن"(2289)، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(4069) - ومِن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(27/ 346) -، كلهم مِن طريق الحُسَيْنُ بن الكُمَيْتٍ المَوْصِلِيُّ، نا أحمد بن أبي نَافِعٍ، نا العبَّاسُ بن الفضل، نا سُلَيْمَانُ أبو مُعَاذٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَعِيدِ بن المُسَيّبِ، عن عبد اللَّهِ بن حُذَافَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَنَادَى:«إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عز وجل، لا صَوْمَ فِيهِنَّ، إلا صَوْمَ هَدْي» . واللفظ لابن قانع.
قال ابن قانع: وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن الزُّهْرِيِّ، عن مَسْعُودِ بن الحكم، وهو الصَّحِيحُ.
وقال ابن حجر
(1)
: قال الدَّارقطني: وسليمان، هو: ابن أرقم، متروكٌ.
(2)
سادساً: - الوجه السادس:
الزُّهري، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هُريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه السادس:
• أخرجه أحمد في "المسند"(10664 و 10917)، قال: حدَّثنا رَوْحٌ بن عُبَادة، حدَّثنا صالح ابن أبي الأخضر، حدَّثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المُسَيِّب، عن أبي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ يَطُوفُ فِي مِنًى أَنْ لا تَصُومُوا هَذِهِ الأيّامَ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ عز وجل.
والنَّسائي في "الكبرى"(2896) ك/الصيام، ب/النهي عن صيام أيام التشريق، والطبري في "تفسيره"(3912)، وفي "تهذيب الآثار"(408)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4100)، وفي "أحكام القرآن"(868)، والدَّارقطني في "السنن"(2287 و 2288)، وأبو نُعيم في "الحلية"(3/ 380)، وفي "معرفة الصحابة"(4068) - ومِن طريقه ابن عساكر في "تاريخه"(27/ 347) -، والخطيب في "تاريخ بغداد"(16/ 404 - 405)، وابن عبد البر في "التمهيد"(12/ 124)، كلهم مِن طُرقٍ عن صالح بن أبي الأخضر، به.
وقال أبو عبد الرَّحْمَنِ النَّسائي: صَالِحٌ هذا هو ابن أبي الأخضر وحديثه هذا خطأ، لا نعلم أحدًا قال في
(1)
يُنظر: "إتحاف المهرة"(6/ 576/7009)، وذكر الحديث بإسناد الدَّارقطني. وهذا القول ليس في المطبوع مِنْ "سننه".
(2)
قال أحمد: ليس بشيء. وقال ابن معين: ليس يُساوي فلساً، ليس بشيء. وقال البخاري: تركوه. وقال أبو حاتم، وأبو داود، والترمذي، وابن خراش، والنَّسائي، والذهبي: متروك الحديث. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث ذاهب الحديث. يُنظر: "التاريخ الكبير"(4/ 2)، "الجرح والتعديل"(4/ 100)، "المجروحين"(1/ 328)، "التهذيب"(11/ 351)، "الكاشف"(1/ 456).
هذا: سَعِيدُ بن المُسَيَّبِ، غير صَالِحٍ
(1)
، وهو كَثِيرُ الخطأ ضَعِيفُ الحديثِ في الزُّهْرِيِّ.
وقال ابن حجر
(2)
: قال الدَّارقطني: صالحٌ ليس بقوي، وقد احتملوه.
(3)
• بينما أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(344)، والدَّارقطني في "سننه"(4754)، بسندهما مِن طريق سعيد بن سلَّام العَطَّار، نا عبد اللَّهِ بن بُدَيْلٍ الخُزَاعِيُّ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى: «ألا إِنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، ألا ولا تَعْجَلُوا الأنفُسَ أَنْ تَزْهَقَ، وَأَيَّام مِنًى أَيَّام أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» .
وقال الدَّارقطني
(4)
: سعيد بن سلَّام وابن بُديل ضَعيفان.
(5)
سابعاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَداره على الزهري، واختلف عليه مِن أوجه
(6)
:
الوجه الأول: الزهري، عن مسعود بن الحكم، عن عبد الله بن حذافة السَّهمي رضي الله عنه.
ولم يَروه عن الزُّهري إلا قُرة بن عبد الرَّحمن، فهذا الوجه "مُنكرٌ"؛ لضعف قُرَّة مع الانفراد والمخالفة.
الوجه الثاني: الزُّهري، عن مسعود بن الحكم، عن رجلٍ مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم.
بينما رواه عن الزُّهري بهذا الوجه مَعْمر بن راشد، وجعله ابن رجب في الطبقة الأولى مِن أصحاب الزُّهري. وذكره الجُوزَجاني في أصحاب الزُّهري، وقال: إلا أنَّه يَهِم في أحاديث. وقال أبو حاتم الرَّازي:
(1)
قلتُ: سبق في الوجه الخامس أنَّ هذا الحديث رواه سُليمان بن أرقم عن الزُّهري، وقال فيه: عن سعيد بن المُسيّب أيضاً، لكنَّه جعله عن عبد الله بن حُذافة، والله أعلم.
(2)
يُنظر: "إتحاف المهرة" لابن حجر (14/ 768/ حديث رقم 18673). وهذا القول ليس في "سنن الدَّارقطني".
(3)
وقال البخاري، وأبو حاتم: ليِّن الحديث. وقال البخاري: ليس بشيءٍ عن الزُّهْرِيّ. وقال أبو زرعة: ضَعيفُ الحديث. وأسند ابن أبي حاتم عن صالح بن أبي الأخضر، لمَّا سُئل عن حديثه عن الزهري قال: منه ما حدَّثني، ومنه ما قرأتُ على الزهري، ومنه ما سمعتُ، ومنه ما وجدتُ في كتاب، ولست أفصل ذا مِن ذا. وقال ابن حبَّان: يَرْوِي عن الزُّهْرِيّ أشياء مَقْلُوبَة، اخْتَلَط عَلَيْهِ ما سمع من الزُّهْرِيّ بِمَا وجد عِنْده مَكْتُوبًا. وقال ابن حجر: ضَعيفٌ يُعتبر به. يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 273، "الجرح والتعديل" 4/ 394، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 368، "تهذيب الكمال" 13/ 8، "التقريب"(2844).
(4)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (9/ 177/ مسألة 1699).
(5)
أمَّا عن سعيد بن سلَّام: فقال البخاري، وابن حبَّان: مُنكر الحديث. وقال البخاري أيضاً: يُذكر بوضع الحديث. وقال ابن نُمير: كذَّاب. وقال أبو حاتم: مُنْكر الحديث جداً. وقال الدَّارقطني: متروكٌ. يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 481، "الجرح والتعديل" 4/ 32، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 321، "الكامل" لابن عدي 4/ 461، "تاريخ الإسلام" 5/ 322.
وأمَّا عبد الله بن بُديل بن ورقاء: فقال ابن معين: صالحٌ. وقال ابن عدي: له أحاديث مِمَّا تنكر عَلَيْهِ الزيادة فِي متنه أَوْ إسناده. وقال ابن حجر: صدوقٌ يخطئ. يُنظر: الجرح والتعديل" 5/ 15، "التهذيب" 14/ 326، "التقريب" (3224).
(6)
قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(6/ 98): والاختلاف فيه كثيرٌ جداً.
الزُّبيدي أثبت مِنْ مَعْمَر في الزُّهري خاصة لأنَّه سمع مِنه مرتين.
(1)
وقال الإمام الذهبي: ما نزال نحتج بِمَعْمر حتى يَلوح لنا خطؤه بمخالفة من هو أحفظ منه، أو نعده من الثقات، كما سبق.
وقد تابعه على هذا الوجه سُليمان بن أبي داود، لكنَّه ضَعيفٌ، كما سبق.
وعليه؛ فهذا الوجه "شاذٌ"؛ لِمُخالفة مَعْمر لِمَا رواه مَن هو أوثقُ مِنه في الزُّهري خاصةً.
الوجه الثالث: عن الزُّهري، قال: أُخْبِرْتُ أنَّ مَسْعود بن الحكم قال: أخبرني بعض أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه رأى عبد الله بن حُذافَة رضي الله عنه
…
الحديث. بينما رواه عن الزُّهري بهذا الوجه جماعةٌ مِن أصحابه، وهم:
شُعيب بن أبي حمزة: وهو مِن أثبت النَّاس في الزُّهري، كما سبق، ومِنْ أصحاب الطبقة الأولى. وقال ابن رجب: والزُّبيدي وشُعيب لَزِماه لُزوماً طويلاً إذ كانوا معه في الشام.
(2)
ومحمد بن الوليد بن عامر الزُّبيدي: قال فيه ابن حجر: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، مِن كبار أصحاب الزُّهري".
وقال ابن رجب: إذا صحَّت الرواية عن الزُّبيدي فهو مِن أثبت النَّاس فيه.
(3)
ويونس بن يَزيد الأيلي: مِنْ الطبقة الأولى في الزُّهري. وقال ابن المبارك وابن مهدي: كتابه صحيحٌ.
(4)
عبد الرحمن بن خالد بن مسافر: ثِقَةٌ. وعدَّه ابن رجب في الطبقة الثانية مِن أصحاب الزُّهري.
(5)
وهذا الوجه قد رجَّحه جمعٌ مِن أهل العلم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
الوجه الرابع: عن الزُّهْري، قال: بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حُذافة يُنادي في النَّاس
…
(مُرسلاً).
ورواه عن الزُّهري بهذا الوجه أيضاً جماعة، وهم:
الإمام مالك بن أنس: وقالت طائفةٌ مِن أهل العلم: مالكٌ أثبت النَّاس في الزُّهري.
(6)
وابن أبي ذئب: قال ابن معين: عَرَض على الزُّهري، وحديثه عنه ضَعيفٌ، يُضَعِّفونه في الزُّهري.
(7)
وسُفيان بن حُسين: قال ابن حجر: ثِقَةٌ في غير الزُّهري باتفاقهم. ومِنْ الطبقة الثالثة في الزُّهري.
(8)
وعَمرو بن شُعيب: وهو وإن كان ثِقَة، إلا أنَّ الإسناد إليه فيه: محمد بن حُميد الرازي، ضَعيفٌ.
(9)
(1)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (1/ 399) و (2/ 482) و (2/ 485).
(2)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (1/ 399)، و (2/ 482).
(3)
يُنظر: "التقريب"(6372)، و"شرح علل الترمذي" لابن رجب (2/ 482).
(4)
يُنظر: "شرح علل الترمذي"(1/ 399)، و (2/ 485).
(5)
يُنظر: "تحرير التقريب"(3849)، و"شرح علل الترمذي"(1/ 399).
(6)
يُنظر: "شرح علل الترمذي"(2/ 479).
(7)
يُنظر: "شرح علل الترمذي"(2/ 481).
(8)
يُنظر: "التقريب"(2437)، و"شرح علل الترمذي"(1/ 399).
(9)
يُنظر: "التقريب"(5834).
وعبد الله بن عُمر العُمري: قال ابن حجر: "ضَعيفٌ عابدٌ".
(1)
وهذا الوجه قد رجَّحه الإمام ابن عبد البر، كما سبق، وقال: وهو الصحيح في حديث ابن شهاب هذا.
الوجه الخامس: الزُّهْري، عن سَعيد بن المسيّب، عن عبد الله بن حذافة رضي الله عنه.
ولم يروه عن الزُّهري بهذا الوجه إلا سُليمان بن أرقم، وهو "متروك الحديث" - كما سبق -.
الوجه السادس: الزُّهري، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هُريرة رضي الله عنه.
ورواه عن الزُّهري بهذا الوجه صالح بن أبي الأخضر: وهو مع ضَعفه قد اختلط عليه حديثه عن الزُّهري كما سبق بيانه. وعدَّه ابن رجب في الطبقة الثالثة مِن أصحاب الزُّهري.
(2)
لذا قال النَّسائي - كما سبق -: حديثه هذا خطأ، وصَالِحٌ كَثِيرُ الخطأ، ضَعِيفُ الحديثِ في الزُّهْرِيِّ.
وتابعه عبد الله بن بُديل بن ورقاء: لكنَّه ضَعيفٌ، وقد رواه عنه سعيد بن سلَّام، وهو "متروك الحديث" - كما سبق -، بل وخالف ما رواه عامة الثقات عن الزُّهري إسناداً ومتناً؛ والله أعلم.
مِن خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ جميع الأوجه مَرجوحة، ما عدا الوجه الثالث والرابع: ولَعَلَّ الخلاف فيه مِن الزُّهري، فكان يُرْسله أحياناً، ثُم يَنشط فَيُوصله أحياناً أُخرى؛ فلقد رواه عن الزُّهري بالوجه الثالث جماعةٌ مِن أصحابه الثِّقات المُقَدَّمين فيه، مِنْهم: ابن أبي حَمْزة والزُّبَيْدي وغيرهما، ورواه بالوجه الرابع الإمام مالكٌ بن أنس وهو مِن أثبت النَّاس في الزُّهري ولم يُخْتلف عليه فيه كما قال ابن عبد البر، وقد تُوبع مالك على روايته مُرْسلاً، إلا أنَّ هذه المتابعات لا يسلم واحد مِنها مِن كلامٍ فيها، وهذا بخلاف الوجه الثالث فجميع طُرقه إلى الزُّهري صحيحةٌ مع كون رواته مِن أثبت النَّاس في الزُّهري.
قلتُ: والذي يظهر - والله أعلم -، أنَّ الوجه الثالث هو الأقرب إلى الصواب، وأنَّ الإرسال إنَّما هو مِنْ الإمام مالك رضي الله عنه، فلقد كان مِنْ عادته أنَّه يُرسل الحديث مهابة
(3)
؛ لذا رجَّح غير واحد مِنْ أهل العلم الوجه الثالث: فقال ابن قانع: وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن الزُّهْرِيِّ، عن مَسْعُودِ بن الحكم، وهو الصَّحِيحُ.
(4)
وقال أبو حاتم - بعدما سُئل عن هذا الحديث مِن طريق قُرَّة بن عبد الرحمن بالوجه الأول -: هذا خطأٌ؛ إنَّمَا هو: الزُّهْري، قال: حُدِّثْتُ عَنْ مَسْعُودٍ، عن عبد الله بن حُذَافَة.
(5)
وقال أبو زُرْعَةَ: الصَّحيحُ عِنْدِي مِنْ حَدِيثِ الزُّهْري: أُخبِرتُ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ بعضِ أَصْحَابِ
(1)
يُنظر: "التقريب"(3489).
(2)
يُنظر: "شرح علل الترمذي"(1/ 399).
(3)
يُنظر: "صحيح ابن حبَّان" - كما في "الإحسان"(11/ 591)، و"العلل" للدارقطني (14/ 425/مسألة 3772)، و"الإرشاد" للخليلي (1/ 165)، و"شرح التبصرة" للعراقي (1/ 289)، و"شرح علل الترمذي"(2/ 488).
(4)
يُنظر: "معجم الصحابة"(2/ 98).
(5)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (3/ 125 - 126/مسألة 746).
النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه رأى عبد الله بن حُذَافَة.
(1)
وقال الدَّارقطني: قول الزُّبيدي أشبهها بالصواب - يقصد الوجه الثالث معنا -.
(2)
ثامناً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الإمام الطبراني "مُنْكرٌ"؛ لأجل قُرة بن عبد الرحمن "ضَعيفٌ"، وقد انفرد بروايته عن الزُّهري عن مَسْعود بن الحكم عن عبد الله بن حُذافة رضي الله عنه، مع المُخالفة، كما سبق.
ب الحكم على الحديث مِن وجهه الراجح (بإسناد النَّسائي):
مِن خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِن وجهه الراجح بإسناد النَّسائي "ضَعيفٌ"؛ لكون الزُّهري لم يُبَيِّن مَن حدَّثه بهذا الحديث عن مَسْعود بن الحكم، ولم أقف على تعينه مِن طريق آخر.
وقال أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسائي: الزُّهْرِيُّ لم يَسْمَعْ مِنَ مَسْعُودِ بن الحَكَمِ.
شَواهد للحديث:
أخرج الإمام مُسلم في "صحيحه" عَنِ كعب بن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَأَوْسَ بن الحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَنَادَى:«أَنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» .
(3)
وأخرج الإمام مُسلمٌ في "صحيحه" عن نُبَيْشَةَ الهُذَلِيِّ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» . وفي رواية: وَزَادَ فِيهِ «وَذِكْرٍ لِلَّهِ» .
(4)
وفي الباب عن جماعة مِن الصحابة غير ما ذكرت
(5)
، وقال الألباني: الحديث متواتر.
(6)
قلتُ: وعليه فالحديث بشواهده يرتقي مِن "الضَعيف" إلى "الصحيح لغيره"، إلا إرسالُ النَّبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن حُذافة السَّهمي رضي الله عنه، فلم أقف - على حد بحثي - على ما يؤيِّد أنَّه كان مِمَّن أرسلهم النَّبي صلى الله عليه وسلم في مِنى ليُنادي في النَّاس بذلك، فيَبقى هذا على ضَعْفه حتى يأتي ما يُقويه.
وقد صحَّ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أرسله بكتابه إلى كسرى، وأمَّره على سَرِيَّة - كما سبق - فلعلَّ هذا في عمومه يؤيد
(1)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (3/ 47/مسألة 681).
(2)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (9/ 177/ مسألة 1699).
(3)
أخرجه الإمام مسلمُ في "صحيحه"(1142) ك/الصيام، ب/تَحْرِيم صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
(4)
أخرجه الإمام مسلمُ في "صحيحه"(1141/ 2،1) ك/الصيام، ب/تَحْرِيم صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
(5)
ولمزيد مِن الشواهد، يُنظر:"السنن" للدَّارقطني (2281 - 2286) و (2407 - 2409)، "التمهيد"(12/ 125 - 126)، "نصب الراية"(2/ 484 - 485)، "البدر المنير"(5/ 684 - 688)، "التلخيص الحبير"(2/ 375 - 377).
(6)
يُنظر: "السلسلة الصحيحة"(3/ 277/ حديث رقم 1282).
أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أرسله يوم مِنى، فمجموع الأدلة يدل على أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يَستعمله في مِثل ذلك، والله أعلم.
تاسعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزُّهْرِيِّ إلا قُرَّةُ، تَفَرَّدَ به: سُوَيْدُ بن عبد العزيز.
(1)
قلتُ - والله أعلم -: مِن خلال ما سبق في التخريج يَتَّضح أنَّ ما قاله المُصَنِّف "لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزُّهْرِيِّ إلا قُرَّةُ"، مُسَلَّمٌ له فيه.
وأمَّا قوله: "تَفَرَّدَ به: سُوَيْدُ بن عبد العزيز"، فغير مُسَلَّم له فيه؛ فلقد تابعه سُويد بن سعيد كما عند الحاكم في "المُستدرَك"(6650) كما سبق في التخريج.
عاشراً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي
(2)
: الحديث فيه دليل لمن قال لا يصح صوم أيام التشريق بحال، وهو أظهر القولين في مذهب الشافعي، وبه قال أبو حنيفة وابن المنذر وغيرهما. وقال جماعة من العلماء: يجوز صيامها لكل أحدٍ تطوعاً وغيره، حكاه ابن المنذر عن الزبير بن العوام وابن عمر وابن سيرين. وقال الإمام مالك والأوزاعي وإسحاق والشافعي - في أحد قوليه -: يجوز صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي، ولا يجوز لغيره، واحتج هؤلاء بحديث البخاري عن ابن عمر وعائشة قَالَا:«لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ، إِلا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ»
(3)
قال ابن حجر
(4)
: قال الطحاوي: إنَّ قول ابن عمر، وعائشة "لَمْ يُرَخَّصْ" أخذاه من عموم قول الله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}
(5)
لأن قوله: {فِي الْحَجِّ} يعم ما قبل يوم النحر وما بعده، فيدخل أيام التشريق، فعلى هذا فقولهما ليس بمرفوع بل هو بطريق الاستنباط منهما عمَّا فهماه من عموم الآية، وقد ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق وهو عام في حق المتمتع وغيره، وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن وعموم الحديث المشعر بالنهي، وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظرٌ لو كان الحديث مرفوعاً! فكيف وفي كونه مرفوعاً نظر؛ فعلى هذا يترجح القول بالجواز.
وقال ابن حجر
(6)
: والراجح عند البخاري جواز صيامها للمتمتع، فإنَّه ذكر في الباب حديثي عائشة وابن عمر في جواز ذلك ولم يورد غيره.
(7)
(1)
ذكر ذلك عقب الحديث رقم (8217) مِنْ "الأوسط".
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح مسلم"(8/ 17).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1997) ك/الصيام، ب/صِيَام أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
(4)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 243).
(5)
سورة "البقرة"، آية (196).
(6)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (4/ 242).
(7)
ومَن رام المزيد في تفصيل ذلك وبيانه، فليُراجع:"التمهيد" لابن عبد البر (12/ 127)، "شرح معاني الآثار" للطحاوي (2/ 244 - 249)، وغيرها.
قلتُ: وقد أطال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - عفا الله عنا وعنه - في هذه المسألة، وأجاب على قول الطحاوي بأنَّه مردود بإجماع المسلمين أنَّ الحاج إذا طاف طواف الإفاضة، بعد رمي جمرة العقبة، والحلق: أنه يحل له كل شيء حرم عليه بالحج من النساء، والصيد، والطيب، وكل شيء. فقد زال عنه الإحرام بالحج بالكلية، وصار حلالاً حِلاً تاماً كل التمام. وذلك ينافي كونه يطلق عليه أنه في الحج، فإن صام أيام التشريق فقد صامها في غير الحج; لأنَّه تحلل من حجه، وقضى مناسكه. ومن أصرح الأدلة في ذلك أن الله صرح بأنه لا رفث في الحج، وأيام التشريق يجوز فيها الرفث بالجماع فما دونه، فدل على أن ذلك الرافث فيها ليس في الحج.
ثُمَّ قال: والراجح مِنْ أقوال أهل العلم أنَّ قول الصحابي: رُخِّص لنا في كذا، أنَّه موقوفٌ لفظاً، مرفوعٌ حكماً، سواءٌ قال ذلك في زمان النَّبي صلى الله عليه وسلم أم بعده، وهو قول جمهور المُحدِّثين. وبهذا نعلم أنَّ حديث ابن عُمر وعائشة عند البخاري له حكم الرفع. وعليه فلا مانع مِن أنْ يُخصص به عُموم الأدلة مِن القرآن والسنة.
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"(5/ 603 - 611). ويُنظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 399 - 401)، "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (1/ 538 - 540).
[145/ 545]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبِي وَعَمِّي، قالا: نا سُوَيْدٌ، عَنْ قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: طَرَقَتْنِي الْحَيْضَةُ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَانْسَلَلْتُ حَتَّى وَقَعْتُ بِالأَرْضِ.
فَقَالَ: «مَا شَأْنُكِ؟» . فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي حِضْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَشُدَّ عَلَيَّ إِزَارِي إِلَى أَنْصَافِ فَخِذَيَّ، وَأَنْ أَرْجِعَ.
هذا الحديث مَدَاره على الزُّهري، واختُلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: الزُّهريُّ، عن عُرْوة، عن عائشة رضي الله عنها.
الوجه الثاني: الزُّهريُّ، عن سعيد بن المُسيّب، عن عائشة رضي الله عنها.
الوجه الثالث: الزُّهريُّ، عن حبيب مولى عُروة، عن نَدَبة مولاة ميمونة، عن مَيْمونة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الرابع: الزُّهري، عن عُروة، عن نَدَبة مَولاة مَيْمُونة، عن ميمونة.
الوجه الخامس: الزُّهْري، عن نَدَبة مولاة ميمونة، عن مَيْمونة.
الوجه السادس: الزُّهري، عن نَبْهان - مولى أمِّ سلمة -، عن أمِّ سلمة.
الوجه السابع: الزُّهري، عن أُمِّ سلمة.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الزُّهْريُّ، عن عُرْوة، عن عائشة رضي الله عنها.
أ تخريج الوجه الأول: ورواه عن الزهري بهذا الوجه اثنان مِن الرواة، كالآتي:
• أخرجه ابن سمعون في "أماليه"(216) عن أحمد بن سُليمان الكِنْدِي، عن هِشَام بن عَمَّار، عن سُويد ابن عبد العزيز، عن قُرَّة بن عبد الرحمن، عن الزُّهري، به.
• والطبراني في "الأوسط"(7625)، قال: حدَّثنا محمَّد بن المَرْزُبَانِ، نا محمَّد بن حكيم، نا الحارث بن مُسْلِم، نا بَحْرُ بن كَنِيز السَّقَّاء، حدَّثني الزُّهْرِيُّ، عن عُرْوَةَ، عن عائشة، قالت:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُضَاجِعُنِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَنَغْتَسِلُ جَمِيعًا مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ» .
والمحفوظ عن الزُّهري عن عُروة عن عائشة، بذكر الغُسْل في إناءٍ واحدٍ، دون المضاجعة في الحيض.
(1)
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
(1)
فقد أخرجه البخاري في "صحيحه"(250) ك/الغسل، ب/غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ مِن طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، ومُسلمٌ في "صحيحه"(319/ 1) ك/الحيض، ب/ غُسْلِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِن طريق مالك، وبرقم (319/ 2) مِن طريق الليث بن سعد، وسُفيان بن عُيَيْنة، أربعتهم (ابن أبي ذئب، ومالك، والليث، وسُفْيان) عن الزُّهري، عن عُروة، عن عائشة بذكر الغُسل في إناء واحدٍ، دون المضاجعة في الحيض.
3) عيسى بن مُسَاور الجوهريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) قُرَّة بن عبد الرحمن المصري: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تَقَدَّم في الحديث رقم (144).
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
7) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
8) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّمت في الحديث رقم (5).
ثانياً: - الوجه الثاني:
الزُّهري، عن سعيد بن المُسيّب، عن عائشة.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أبو عبد الله محمد بن مخلد الدُّوري في "منتقى حديثه"(83) - مخطوطٌ نشر ضمن برنامج جوامع الكلم -، قال حدَّثنا حاتم بن الليث، نا عُبيد الله بن موسى، أنبا بَحْر بن كَنيز السَّقَّاء - بالرواية الثانية عنه - عن الزُّهري، عن سَعيد بن المُسيّب، عن عائشة أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُضَاجِعُ بَعْضَ نِسَائِه وَهِي حَائِضٌ.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) حاتم بن الليث، أبو الفضل الجوهريُّ:"ثِقَةٌ".
(1)
2) عبيد الله بن موسى بن أبى المختار: "ثِقَةٌ كان يَتَشَيَّع".
(2)
3) بَحْر بن كَنيز السَّقَّاء: "متروك".
(3)
وجعله ابن رجب في الطبقة الخامسة مِن أصحاب الزُّهْري.
(4)
ثالثاً: - الوجه الثالث:
الزُّهري، عن حبيب، عن نَدَبة، عن مَيْمونة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم.
أ تخريج الوجه الثالث: ورواه عن الزُّهري بهذا الوجه جماعة، كالآتي:
• فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنَّف"(16832)، قال: حدَّثنا شَبَابَةُ، عن الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن حَبِيبٍ - مولى عُرْوَةَ -، عن نُدْبَة - مولاة مَيْمُونَة -، عن مَيْمُونة زوج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرُ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، إِذَا كَانَ عَلَيْهَا إِزَارٌ يَبْلُغُ أَنْصَافَ الْفَخِذَيْنِ أَوِ الرُّكْبَتَيْنِ مُحْتَجِزةً بِهِ.
- وأحمد في "مسنده"(26820 و 26850)، والدَّارمي في "سننه"(1097)، وأبو داود في "سننه"(267) ك/الطهارة، ب/في الرَّجُلِ يُصِيبُ مِنْهَا ما دُونَ الجِمَاع - ومِن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 167) -، ويَعْقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 421)، والنَّسائي في "الكبرى"(276) ك/الطهارة، ب/مَوْضِعُ
(1)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان (8/ 211)، "تاريخ الإسلام"(6/ 308)، "سير أعلام النبلاء"(12/ 519).
(2)
يُنظر: "التقريب"(4345).
(3)
يُنظر: "تهذيب الكمال" 4/ 13، "الكاشف" 1/ 263، "ميزان الاعتدال" 1/ 298، "التقريب"(637).
(4)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (1/ 400).
الْإِزَارِ، وفي "الصغرى"(287 و 376) - ومِن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد"(3/ 166) -، وأبو يَعْلى في "مسنده"(7104)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4375 و 4376)، وفي "أحكام القرآن"(156)، وأبو جعفر النَّحاس في "الناسخ والمنسوخ"(204)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1365)، والطبراني في "الكبير"(24/ 12/18)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1502).
كلهم مِن طرق عن الليث بن سعد، به، وعند النَّسائي والطحاوي مقروناً برواية يونس بن يَزيد.
• والنَّسائي في "الكبرى"(276) ك/الطهارة، ب/مَوْضِعُ الْإِزَارِ، وفي "الصغرى"(287 و 376) - ومِن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 166) -، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4375)، والطبراني في "الكبير"(24/ 12/20)، من طريق يونس بن يزيد الأَيْليّ، عن الزُّهري، به.
• وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(1234) - ومِن طريقه الطبراني في "الكبير"(24/ 11/16) -، عن ابن جُريج.
• والطبراني في "الكبير"(24/ 12/19) بسنده مِن طريق عبد الرَّحمن بن إسحاق بن عبد الله القرشي.
• والطبراني في "الكبير"(24/ 13/21) و (24/ 25/63) مِن طريقين عن صَالِحِ بن كَيْسَان.
• والبيهقي في "الكبرى"(1503) بسنده مِن طريق شُعَيْبِ بن أبي حمزة.
• وأبو الفتح بن أبي الفوارس في "الجزء السابع مِنْ الفوائد المنتقاة"(84)، قال: حدَّثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدَّثنا زيد بن أخزم، حدَّثنا مُعاذ بن هشام، عن أبيه هشام بن أبي عبد الله الدَّستوائي.
ستتهم (يونس، وابن جريج، وعبد الرحمن، وصالح، وشعيب، وهشام)، عن الزهري، به.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث (إسناد بن أبي شيبة، برواية الليث بن سعد):
1) شَبَابة بن سَوَّار المدائني: "ثِقَةٌ حافظٌ".
(1)
2) الليث بن سعد أبو الحارث المصري: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إمامٌ مشهورٌ". مِنْ الطبقة الثانية في الزُّهري.
(2)
3) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثقة، حافظ، متفق على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تقدَّم في الحديث رقم (10).
4) حَبيب الأَعْور المدني، مولى عُروة بن الزُّبير: قال ابن سعد: كان قليل الحديث. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: يُخْطئ. واحتجَّ به في "صحيحه"
(3)
. وقال الذهبي: صدوقٌ. وقال ابن حجر: مقبولٌ. وأخرج له مسلمٌ حديثاً واحداً مُتابعة. فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ"، والله أعلم.
(4)
5) نَدَبَة مولاة مَيْمُونَة: ذكرها ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: روى عنها الزُّهري. وذكرها ابن مندة وأبو نُعيم في الصحابة. وذكرها الذهبي في المجهولات مِن "الميزان"، وقال: تَفرَّد عنها حبيب الأعور. وقال ابن حجر:
(1)
يُنظر: "التقريب"(2733).
(2)
يُنظر: "التقريب"(5684)، "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (1/ 399).
(3)
يُنظر: "صحيح ابن حبَّان"(الإحسان/1365).
(4)
يُنظر: "الثقات" 6/ 180، "التهذيب" 5/ 408، "تاريخ الإسلام" 3/ 395، "تهذيب التهذيب" 2/ 193، "التقريب"(1112).
مقبولة، ويُقال: إنَّ لها صُحبة. وذكرها في القسم الأول مِن الصحابيات في "الإصابة"، وقال: لها ذكرٌ في حديث عائشة. وتعقبه صاحبا "تحرير التقريب"، فقالا: بل مجهولة، كما قال الذهبي، وذكرها ابن حبَّان وحده في "الثقات". فالحاصل: أنَّها إنْ لم يُحسَّن حديثها - لذكر ابن حبَّان لها في "الثقات"، ولم أقف - على حد بحثي - فيها على جرح، وهي في طبقة التابعين فتثبت عدالتها بشهادة النَّبي صلى الله عليه وسلم لطبقتها بالخيرية، وقد روى عنها الزُّهري وحبيب الأعور -، فأقل أحوالها أنَّها مقبولة كما قال الحافظ ابن حجر، فَيُعتبر بحديثها عند المتابعة، وإلا فهي ليِّنة الحديث، والله أعلم.
(1)
6) مَيْمونة بنت الحارث الهلالية: "زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم ".
(2)
رابعاً: - الوجه الرابع:
الزُّهريُّ، عن عُروة، عن نَدَبة مَولاة مَيْمُونة، عن ميمونة.
أ تخريج الوجه الرابع: ولم يَروه - على حد بحثي - عن الزهري بهذا الوجه إلا ابن إسحاق:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(26819)، والطبري في "تفسيره"(4240)، عن يَزِيد بن هَارُون، قال: أخبرنا محمَّد بن إسحاق، عن الزُّهْرِيِّ، به، بنحو رواية الليث، وفيه قصةٌ.
ب دراسة إسناد الوجه الرابع (إسناد الإمام أحمد):
1) يَزيد بن هارون، أبو خالد الواسطي:"ثِقَةٌ مُتْقنٌ عابدٌ".
(3)
2) محمد بن إسحاق بن يَسَار: "صدوقٌ يُدلِّس". وذكره النَّسائي في الطبقة الخامسة مِن أصحاب الزهري. وذكره ابن رجب في الطبقة الثالثة مِن أصحاب الزُّهري.
(4)
خامساً: - الوجه الخامس:
الزُّهْري، عن نُدْبة مولاة ميمونة، عن مَيْمونة.
أ تخريج الوجه الخامس: ورواه عن الزُّهري بهذا الوجه اثنان مِن الرواة:
• فأخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(1233) - ومِن طريقه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(2025)، وأحمد في "مسنده"(26853)، والطبراني في "الكبير"(24/ 11/16) -، قال: أخبرنا مَعْمَر، عن الزُّهْرِيِّ، عن نُدْبَة، عن مَيْمونة، بنحو رواية الليث، وفيه قصة.
- وأبو يَعْلى في "مسنده"(7089) بسنده مِن طريق عبد الله بن المبارك، عن مَعْمَر، به.
• والطبراني في "الكبير"(24/ 12/17)، قال: حدَّثنا مُعَاذُ بن المُثَنَّى، ثنا مُسَدَّدٌ، ثنا حُصَيْنُ بن نُمَيْرٍ، ثنا سُفْيَانُ بن حُسَيْنٍ، حدَّثني الزُّهْرِيُّ، عن مولاة لميمونة، به.
(1)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 5/ 487، "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 6/ 3457، "أسد الغابة" 7/ 269، "تهذيب الكمال" 35/ 315، "الميزان" 4/ 610، "تهذيب التهذيب" 12/ 455، "التقريب، وتحريره"(8692)، "الإصابة" 14/ 241.
(2)
يُنظر: "التقريب"(8688).
(3)
يُنظر: "التقريب"(7789).
(4)
يُنظر: "التقريب"(5725)، "تهذيب التهذيب"(9/ 45)، "شرح علل الترمذي"(1/ 399).
سادساً: - الوجه السادس:
الزُّهري، عن نَبْهان - مولى أمِّ سلمة -، عن أمِّ سلمة.
أ تخريج الوجه السادس:
• أخرجه الطبراني في "الأوسط"(7624)، وفي "الكبير"(23/ 302/679)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(6/ 361)، مِن طرق عن صَالِحِ بن أبي الأَخْضَر - بإحدى الروايات عنه -، عن الزُّهْرِيِّ، عن نَبْهَانَ - مولى أُمِّ سلمة -، عن أُمِّ سلمة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرُهَا وَهِيَ طَامِثٌ، وَعَلَيْهَا إِزَارٌ إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ.
قال الطبرانيُّ: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزُّهْرِيِّ إلا صَالِحُ بن أبي الأخضر، تَفَرَّدَ به: حَفْصُ بن عُمَرَ.
ب دراسة إسناد الوجه السادس (إسناد الطبراني):
1) محمد بن المرزبان الآدمي الشيرازي: "مجهول الحال".
(1)
2) محمَّد بن حَكِيم الرَّازِيُّ: لم أقف له على ترجمة.
3) حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْإِمَامُ، أبو عِمْران الرَّازي:"ضَعيفٌ".
(2)
4) صالح بن أبي الأخضر: "ضَعيفٌ يُعتبر به".
(3)
سابعاً: الوجه السابع:
الزُّهري، عن أمِّ سلمة.
أ تخريج الوجه السابع:
• أخرجه الطبراني في "الأوسط"(5508)، بسنده مِن طريق صَالِح بن أبي الأَخْضَر - بإحدى الروايات عنه -، عن الزُّهْرِيِّ، عن أمِّ سلمة، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرُهَا وَعَلَيْهَا إِزَارٌ إِلَى رُكْبَتَيْهَا.
وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزُّهْرِيِّ إلا صَالِحُ، تَفَرَّدَ به: عَنْبَسَةُ بن عَبْدِ الوَاحِدِ.
ثامناً: - النَّظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على الزُّهري، واختُلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: الزُّهري، عن عُرْوة، عن عائشة.
ورواه عن الزُّهْري بهذا الوجه قُرَّة بن عبد الرحمن، وهو "ضَعيفٌ" كما سبق. وتابعه بَحر بن كَنيز وهو "متروك الحديث"، مع اضطرابه فيه، وجعله ابن رجب في الطبقة الخامسة مِن أصحاب الزُّهري.
الوجه الثاني: الزُّهري، عن سعيد بن المُسيّب، عن عائشة.
ولم يَرْوه عن الزُّهري بهذا الوجه إلا بَحْر بن كَنيز، وهو "متروك الحديث"، واضطرب فيه كما سبق.
الوجه الثالث: الزُّهري، عن حبيب مولى عُروة، عن نُدْبة مولاة ميمونة، عن مَيْمونة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم.
بينما رواه عن الزُّهْري بهذا الوجه الليث بن سعد وهو "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، ومِن الطبقة الثانية في أصحاب الزُّهري،
(1)
يُنظر: "إرشاد القاصي والدَّاني إلى تراجم شيوخ الطبراني"(ص/614).
(2)
يُنظر: "التقريب"(1426).
(3)
يُنظر: "التقريب"(2844).
ولم يَنْفرد به، وتابعه جماعة مِن الثِّقَات الأثبات، وفيهم مَنْ هم في الطبقة الأولى مِنْ أصحاب الزُّهْري: كيونس بن يَزيد، وشُعيب بن أبي حمزة، وصالح بن كَيْسان، وغيرهم.
الوجه الرابع: الزُّهري، عن عُروة، عن نُدْبة مَولاة مَيْمُونة، عن ميمونة.
ولم يَرْوه عن الزُّهْري بهذا الوجه إلا محمد بن إسحاق، وقد جعله النَّسائي في الطبقة الخامسة مِن أصحاب الزُّهري، وجعله ابن رجب في الطبقة الثالثة.
الوجه الخامس: الزُّهْري، عن نُدْبة مولاة ميمونة، عن مَيْمونة.
ورواه عن الزُّهري بهذا الوجه مَعْمر بن راشد، وجعله ابن رجب في الطبقة الأولى مِن أصحاب الزُّهري. وذكره الجُوزَجاني في أصحاب الزُّهري، وقال: إلا أنَّه يَهِم في أحاديث. وقال الذهبي: ما نزال نحتج بِمَعْمر حتى يَلوح لنا خطؤه بمخالفة من هو أحفظ منه، أو نعده من الثقات، كما سبق بيانه في الحديث السابق.
ولم يَنْفرد به مَعْمَر، بل تابعه سُفيان بن حُسين، لكنَّهم اتفقوا على أنَّه ضَعيفٌ في الزُّهْري.
(1)
الوجه السادس: الزُّهري، عن نَبْهان - مولى أمِّ سلمة -، عن أمِّ سلمة.
ولم يَرْوه عن الزُّهري بهذا الوجه إلا صالح بن أبي الأخضر وهو "ضَعيفٌ"، مع اضطرابه.
الوجه السابع: الزُّهري، عن أُمِّ سلمة. ومَدار هذا الوجه أيضاً على صالح بن أبي الأخضر، فهو كسابقه.
ومِنْ خلال ما سبق يتضح أنَّ الوجه الثالث هو الأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية: فالوجه الثالث مِن رواية الجماعة عن الزُّهري.
2) الأحفظية: فرواة الوجه الثالث أحفظ وأثبت في الزُّهري مِن رواة الأوجه الأخرى.
3) ترجيح الأئمة للوجه الثالث: قال الدَّارقطني: رواه الليث بن سعد، ويُونس بن يزيد، وابن سَمْعان، وعبَّاد بن إسحاق، عن الزُّهري، عن حَبيب - مولى عُروة -، عن نُدْبة، عن ميمونة، وهو أصح.
(2)
تاسعاً: الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكرٌ"؛ لأجل قُرَّة بن عبد الرحمن "ضَعيفٌ"، مع المخالفة.
ب الحكم على الحديث مِن وجهه الراجح (بإسناد ابن أبي شيبة):
ومِن خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِن وجهه الراجح بإسناد ابن أبي شيبة "ضَعيفٌ".
مُتابعاتٌ، وشواهد للحديث:
قلتُ: ولم تَنْفرد نُدْبة بهذا الحديث عن مَيمونة، بل تابعها غير واحدٍ، مِن ذلك:
- ما أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه" بسنده عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:
(1)
يُنظر: "التقريب"(2437).
(2)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (15/ 269/مسألة 4023).
كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ.
(1)
- وأخرج البخاري ومسلمٌ في "صحيحيهما" بسندهما عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ. واللفظ لمسلم.
(2)
- وأخرج البخاري ومُسْلمٌ عن أُمَّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الخَمِيلَةِ، إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيْضَتِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَنَفِسْتِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ.
(3)
- وأخرج البخاري ومُسلمٌ في "صحيحيهما" مِن طريق الأسود بن يَزيد، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَأْتَزِرُ بِإِزَارٍ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. واللفظ لمسلم.
(4)
قلتُ: وعليه فالحديث يرتقي بمتابعاته وشواهده إلى "الصحيح لغيره".
عاشرًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ.
(5)
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.
وأخيراً: - التعليق على الحديث:
قال ابن رجب الحنبلي: دَلَّت هذه الأحاديث على جواز نوم الرجل مع المرأة في حال حيضها، وجواز مباشرته لها، واستمتاعه بها مِن فوق الإزار.
(6)
وقال النووي: اعلم أن مباشرة الحائض أقسامٌ:
أحدها: أن يُباشرها بالجماع في الفرج، فهذا حرام بإجماع المسلمين بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة. قال أصحابنا: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافراً مُرتداً، ولو فعله إنسان غير معتقد حله: فإن كان ناسياً أو جاهلاً بوجود الحيض أو جاهلاً بتحريمه أو مُكرهاً فلا إثم عليه ولا كفارة.
وإن وطئها عامداً عالماً بالحيض والتحريم مختاراً فقد ارتكب معصيةً كبيرةً، ونص الشافعي على أنها كبيرة
(1)
أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(295) ك/الحيض، ب/الاضْطِجَاعِ مع الحائض في لحافٍ وَاحِدٍ.
(2)
أخرجه البخاري (303) ك/الحيض، ب/مُبَاشَرَة الحَائِضِ، ومُسْلمٌ (294) ك/الحيض، ب/مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(298) ك/الحيض، ب/مَنْ سَمَّى النِّفاس حيضاً، ومسلمٌ في "صحيحه"(296) ك/الحيض، ب/الاضْطِجَاعِ مع الحائض في لحافٍ وَاحِدٍ.
(4)
أخرجه البخاري (300 و 303) ك/الحيض، ب/مُبَاشَرَة الحَائِضِ، ومُسلمٌ (293) ب/مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ.
(5)
وهذا القول ذكره المُصَنِّف رضي الله عنه عقب الحديث رقم (553) - كما سيأتي بإذن الله عز وجل.
(6)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (2/ 30).
وتجب عليه التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي: أصحهما وهو الجديد وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير السلف: أنه لا كفارة عليه. وممن ذهب إليه من السلف: عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وأيوب السختياني والثوري والليث بن سعد. والقول الثاني وهو القديم الضعيف أنه يجب عليه الكفارة، وهو مروي عن ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جُبير وقتادة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الثانية عنه، والصواب ألا كفارة.
القسم الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك: وهو حلال باتفاق العلماء. وقد نقل الشيخ أبو حامد الاسفرايني وجماعة كثيرة الإجماع على هذا.
وأما ما حُكي عن عبيدة السلماني وغيره من أنَّه لا يُباشر شيئا منها بشيء منه فشاذٌ مُنكرٌ غير معروف ولا مقبول، ولو صح عنه لكان مردودًا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار وإذنه في ذلك بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده.
ثم إنه لا فرق بين أن يكون على الموضع الذى يستمتع به شيء من الدم أو لا يكون، هذا هو الصواب المشهور الذي قطع به جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء للأحاديث المطلقة.
القسم الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر، وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها عند جماهيرهم وأشهرها في المذهب أنها حرام. والثاني: أنها ليست بحرام ولكنها مكروهة كراهة تنزيه، وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل وهو المختار. والوجه الثالث: إن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه إما لضعف شهوته وإمَّا لشدة ورعه جاز وإلا فلا وهذا الوجه حسنٌ.
ومِمَّن ذهب إلى الوجه الأول وهو التحريم مطلقاً مالك وأبو حنيفة، وهو قول أكثر العلماء، منهم: سعيد بن المسيب وشريح وطاووس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة. ومِمَّن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود، وقد قدمنا أن هذا المذهب أقوى دليلاً، واحتجوا بحديث أنس «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ» .
(1)
قالوا: وأمَّا اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار: فمحمول على الاستحباب.
وأما قول الله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}
(2)
فالمراد: اعتزلوا وطأهن ولا تقربوا وطأهن، والله أعلم. وقال ابن حجر: وفي الحديث جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع معها في لحاف واحد واستحباب اتخاذ المرأة ثياباً للحيض غير ثيابها المعتادة.
(3)
* * *
(1)
أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(302) ك/الحيض، ب/اصنعوا كل شيء إلا النكاح.
(2)
سورة "البقرة"، آية (222).
(3)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(3/ 202 - 207)، "فتح الباري" لابن حجر (1/ 403).
[146/ 546]- وَعَنِ ابن شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ» .
هذا الحديث مداره على قُرَّة بن عبد الرحمن، واختلف عنه في المتن مِنْ وجهين:
الوجه الأول: قُرَّة بن عبد الرحمن، عن الزُّهْري، عن أبي سلمة، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ» .
الوجه الثاني: قُرَّة بن عبد الرحمن، عن الزُّهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الإِمَامُ صُلْبَهُ» .
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
قُرَّة بن عبد الرحمن، عن الزُّهْري، عن أبي سلمة، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ».
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الطبراني في "الأوسط"(546)، برواية الباب، ولم أقف عليه مِنْ طريق قُرَّة إلا عنده.
ب مُتابعات للوجه الأول: وهذا الوجه لم يَنْفرد به قُرَّة عن الزُّهري بل تابعه جماعة مِن الرواة، كالآتي:
• فأخرجه مالك في "الموطأ" - مِنْ أصح الأوجه عنه
(1)
- برواية يحيى الليثي برقم (15)، وبرواية أبي مصعب الزهري برقم (16)، وبرواية محمد بن الحسن الشيباني برقم (131) - ومِنْ طريق مالك أخرجه البخاري في "صحيحه"(580) ك/مواقيت الصلاة، ب/مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً، وفي "القراءة خلف الإمام"(135 و 146)، ومُسلم في "صحيحه"(607) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/مَن أَدرك ركعة مِنْ الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، وأبو داود في "سننه"(1121) ك/الجمعة، ب/مَنْ أدرك مِنَ الجمعة ركعةً - ومِن طريقه البيهقي في "الكبرى"(5731) -، والبزار في "مسنده"(7859)، والنَّسائي في "الكبرى"(1549) ك/الصلاة، ب/مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، وفي "الصغرى"(553)، وأبو يَعْلى في "مسنده"(5988)، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "مسنده"(926 و 931)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1529 و 1530)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(2320)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1483 و 1487)، والبيهقي في "الكبرى"(1813)، وابن عبد البر في "التمهيد"(7/ 64)، والبغوي في "شرح السنة"(400) -.
• والشافعي في "الأم"(460) - ومِن طريقه البيهقي في "الكبرى"(5731)، وفي "المعرفة"(6444) -، والحميدي في "مسنده"(976) - ومِنْ طريقه أبو عوانة في "المُستخرَج"(1534) -، وأحمد في "مسنده"(7284)، ومسلم في "صحيحه"(607/ 3) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/مَن أَدرك ركعة مِنْ الصلاة فقد
(1)
يُنظر: "التمهيد" لابن عبد البر (7/ 64)، و"فتح الباري" لابن رجب (5/ 14).
أدرك تلك الصلاة، وابن ماجه في "سننه"(1122) ك/إقامة الصلاة، ب/ما جاء فيمن أدرك مِنَ الجُمُعَةِ ركعةً، والترمذي في "سننه"(524) ك/الصلاة، ب/فِيمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الجُمُعَةِ رَكْعَةً، والبزار في "مسنده"(7857)، والنَّسائي في "الكبرى"(1753) ك/الجمعة، ب/مَنْ أدرك ركعة مِنْ الجمعة - ومِنْ طريقه الطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(2321) -، وأبو يعلى في "مسنده"(5962)، وابن الجارود في "المنتقى"(323)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1848)، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "مسنده"(924)، والبغوي في "شرح السنة"(401)، كلهم مِن طُرُقٍ عن سُفْيَان بن عُيَيْنة. وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
• وعبد الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(3369 و 5478) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(7665 و 7765)، والبخاري في "القراءة خلف الإمام"(143)، والسَّرَّاج في "مسنده"(930)، وابن المنذر في "الأوسط في السنن"(1854)، والدَّارقطني في "العلل"(9/ 223/مسألة 1730)، والبيهقي في "الكبرى"(5734) -، ومسلم في "صحيحه"(607/ 4) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/مَن أَدرك ركعة مِنْ الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، وأبو يَعْلى في "مسنده"(5988)، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "مسنده"(926)، والبيهقي في "الكبرى"(5731)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن مَعْمَر - مِنْ أصح الأوجه عنه
(1)
-.
• وعبد الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(3370) - ومِنْ طريقه البخاري في "القراءة خلف الإمام"(143) -، مِنْ طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج.
• وأحمد في "مسنده"(8883)، والبخاري في "القراءة خلف الإمام"(139)، ومسلم في "صحيحه"(607/ 5) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/مَن أَدرك ركعة مِنْ الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، والبزار في "مسنده"(7858)، والنَّسائي في "الكبرى"(1548) ك/الصلاة، ب/مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، وأيضاً برقم (1754) ك/الجمعة، ب/مَنْ أدرك ركعة مِنْ الجمعة، وفي "الصغرى"(554)، وأبو يَعْلى في "مسنده"(5967)، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "مسنده"(927 و 928)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1104 و 1532)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1485)، والدَّارقطني في "العلل"(9/ 222/مسألة 1730)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(6451)، كلهم مِن طُرُقٍ عن عُبيد الله بن عُمر العُمري، عن الزُّهْري، به.
• والبخاري في "القراءة خلف الإمام"(138)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1531)، والبيهقي في "الكبرى"(5732)، مِنْ طريق شُعيب بن أبي حمزة.
• والبخاري في "القراءة خلف الإمام"(139)، مِن طريق يحيى بن سعيد الأنصاريّ.
• والبخاري في "القراءة خلف الإمام"(139 و 141 و 142 و 144)، ومسلم في "صحيحه"(607/ 2) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/مَن أَدرك ركعة مِنْ الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، وأبو يَعْلى في "مسنده"(5988)، والسَّرَّاج في "مسنده"(925 و 926)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1533)، والدَّارقطني في "العلل"(9/ 223/مسألة 1730)، والبيهقي في "الكبرى"(5731 و 5733)، وفي "معرفة السنن والآثار"(6448)،
(1)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (9/ 217/مسألة 1730).
كلهم مِن طرق عن يونس بن يَزيد الأَيْلِيّ - مِن أصح الأوجه عنه
(1)
-.
• والبخاري في "القراءة خلف الإمام"(140)، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(2319)، والطبراني في "الأوسط"(8771)، مِنْ طريق الليث بن سعد، عن يَزيد بن عبد الله الليثيّ - مِن أصح الأوجه عنه
(2)
-.
• ومسلمٌ في "صحيحه"(607/ 5) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/مَن أَدرك ركعة مِنْ الصلاة، والنَّسائي في "الكبرى"(1550) ك/الصلاة، ب/مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، وأبو يَعْلى في "مسنده"(5988)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1849 و 1850)، والسَّرَّاج في "مسنده"(926)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1535)، وابن المنذر في "الأوسط"(2021)، والحاكم في "المُستدرَك"(1077)، والبيهقي في "الكبرى"(5731)، كلهم مِنْ طرقٍ عن عبد الرحمن بن عَمرو الأوزاعي - مِنْ أصح الأوجه عنه
(3)
-.
عشرتهم عن الزُّهريّ، به، وفي بعض الروايات عن عُبَيْد الله العُمريّ:«فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ كُلَّهَا» .
ت دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) قُرَّة بن عبد الرحمن المصري: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تَقَدَّم في الحديث رقم (144).
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
7) أَبُو سلمة بن عَبْد الرحمن بن عوف القُرَشِيُّ: "ثِقَةٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (132).
8) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، من المُكثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (8).
ثانياً: - الوجه الثاني:
قُرَّة بن عبد الرحمن، عن الزُّهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُريرة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ».
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه البخاري مُعلقاً في "الأدب المفرد"(137)، فقال - بعد أن أخرج الحديث بالوجه الأول مِنْ
(1)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 431/مسألة 491) و (2/ 463/مسألة 519) و (2/ 580/مسألة 607)، "السنن" للدارقطني (2/ 321 - 322/حديث رقم 1606)، و"العلل" للدَّارقطني (9/ 216/مسألة 1730).
(2)
يُنظر: "شرح مُشْكِل الآثار" للطحاوي (6/ 91/حديث رقم 2318)، و"العلل" للدَّارقطني (9/ 218/مسألة 1730)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 258)، و"التمهيد"(7/ 63).
(3)
يُنظر: "السنن الكبرى" للنَّسائي (2/ 211/حديث رقم 1551)، و"العلل" للدَّارقطني (9/ 215/مسألة 1730).
رواية مالك -: وزاد ابنُ وهبٍ، عن يحيى بن حُمَيْدٍ، عن قُرَّةَ، عن ابنِ شِهَابٍ، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الإِمَامُ صُلْبَهُ» . وقال البخاري عقبه: وأمَّا يحيى بن حُمَيْدٍ فمجهُولٌ لا يُعْتَمَدُ على حديثه غيرُ مَعْرُوفٍ بصحَّةٍ خبره، وليس هذا ممَّا يَحْتَجُّ به أهلُ العِلْمِ.
قلتُ: وقَبْلَه أخرج الحديث برواية مالكٍ عن الزُّهري بالوجه الأول، ثُمَّ قال: ولم ينفرد به مالكٌ، بل تابعه في حديثه عُبيد الله بن عُمر ويحيى بن سعيد وابن الهاد ويونس وشُعيب ومَعْمَر وابن عُيَيْنة وابن جُريج
…
، وهذا خبرٌ مُسْتفيضٌ عند أهل العلم بالحجاز وغيرها، فقوله:"قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الإِمَامُ صُلْبَهُ" لا معنى له، ولا وجه لزيادته.
• والحديث وصله ابن خزيمة في "صحيحه"(1595)، قال: أخبرنا عِيسَى بنُ إبراهيم الغَافِقِيُّ، ثنا ابنُ وَهْبٍ، عن يحيى بن حُمَيْدٍ، عن قُرَّةَ بن عبد الرَّحْمَن، عن ابنِ شِهَابٍ، قال: أخبرني أبو سلمة بنُ عبد الرَّحْمَن، عن أبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الإِمَامُ صُلْبَهُ» .
• وأخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 398)، وأبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(964)، وابن عدي في "الكامل"(9/ 78) - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(2575) -، والدَّارقطني في "سننه"(1313)، كلهم مِنْ طرقٍ عن ابن وهبٍ، به.
وقال العقيلي: ولعلَّ هذه الزيادة - أي قوله: «قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الإِمَامُ صُلْبَهُ» - مِنْ كلام الزُّهْرِيِّ فأدخلهُ يَحْيَى بنُ حُمَيْدٍ في الحديث ولم يُبَيِّنْهُ. وقال ابن عدي: وهذه الزِّيادةُ يقُولُها يحيى بنُ حُمَيْدٍ، وهو مِصْرِيٌّ، ولا أعرفُ له، ولا يَحْضُرُنِي غير هذا.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد ابن خُزيمة):
1) عيسى بن إبراهيم بن عيسى الغَافِقِيّ: "ثِقَةٌ".
(1)
2) عبد الله بن وهب القُرَشِيّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ" في حديثه عن ابن جُريجٍ شيءٌ، تَقَدَّم في الحديث (109).
3) يَحيى بن حُميد بن أبي شَعبان المعافري المِصْريُّ: قال البخاري: لا يُتابع في حديثه. وذكره ابن عدي في "الكامل" وذكر له هذا الحديث، وقال: لا أعرف له غيره. وضعَّفَه الدَّارقطني. وقال ابن حجر: ذكره ابن يُونس، وقال: أسند حديثاً واحداً وله مقطعات.
(2)
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على قُرَّة بن عبد الرحمن، وقد اخُتلف عنه في متنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: قُرَّة بن عبد الرحمن، عن الزُّهْري، عن أبي سلمة، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ» .
(1)
يُنظر: "التقريب"(5285).
(2)
يُنظر: "الكامل" لابن عدي (9/ 78)، "الميزان"(4/ 370)، "لسان الميزان"(8/ 431 - 432).
الوجه الثاني: قُرَّة بن عبد الرحمن، عن الزُّهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الإِمَامُ صُلْبَهُ» .
ومِنْ خلال ما سبق يَتَّضح رُجحان الوجه الأول، للقرائن الآتية:
1) وجود متابعات للوجه الأول: فلم يَنْفرد قُرَّة بن عبد الرحمن عن الزُّهري، بل تابعه جماعة مِنْ الثقات، مِمَّا يُؤكد أنَّه قد ضبط هذا الحديث عن الزُّهري.
2) إخراج البخاري ومسلم للحديث في "صحيحيهما" مِنْ طُرقٍ عن الزُّهري بالوجه الأول.
3) إنكار غير واحد مِن أهل العلم لتلك الزيادة التي تَفَرَّد بها يحيى بن حُميد عن قُرة بن عبد الرحمن: لضَعْفه، مع عدم وجود مُتابع له، وترجيحهم لرواية الجماعة عن الزُّهري - وسبق ذكر بعضها في التخريج عن البخاريّ، والعُقَيْليّ، وابن عَديّ، ونزيد عليها ما يلي:
• قال الدارقطني - بعد أن أطال النَّفس في ذكر الاختلاف في هذا الحديث على الزُّهري، وذِكْره لرواية قُرَّة بن عبد الرحمن -: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَمَالِكٍ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ عَلَى الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ. وهذه الزيادة زادها قُرَّة بن عبد الرحمن فيه.
(1)
• وقال البيهقي: والصحيح رواية الجماعة عن الزُّهري.
(2)
• وقال ابن رجب الحنبلي - بعد أن ذكر الحديث مِن رواية قُرَّة بالوجه الثاني -: ليس هذا اللفظ بمحفوظ عن الزهري، وقرة هذا مختلف في أمره، وتفرد بهذا الحديث عنه يحيى بن حميد بهذه الزيادة، وقد أنكرها عليه البخاري والعقيلي وابن عدي والدارقطني وغيرهم.
(3)
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث مِن وجهه الراجح (بإسناد الطبراني):
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ في إسناده سُويد، وقُرَّة، وهما ضعيفان.
وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين" وغيرهما، فيرتقي بها الحديث إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
ب الحكم على الحديث مِن وجهه المرجوح:
وأمَّا الزيادة التي تفرَّد بها يَحيى بن حُميد "فمُنْكرةٌ"، لضَعف راويها مع انفراده بها، والله أعلم.
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما
(1)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (9/ 222/مسألة 1730)، ويُنظر أيضاً "البدر المنير" لابن الملقن (4/ 507).
(2)
يُنظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (3/ 287).
(3)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (5/ 18).
يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.
سادساً: - التعليق على الحديث:
قال ابن عبد البر: ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ» يُوجب الإدراك التام للوقت والحكم والفضل - إن شاء الله عز وجل إذا صلى تمام الصلاة، ألا ترى أن من أدرك الإمام راكعًا فدخل معه وركع قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركعة أنَّه مُدرك عند الجمهور حكم الركعة، وأنَّه كمن ركعها من أول الإحرام مع إمامه، فكذلك مدرك ركعة من الصلاة مدرك لها.
وقد أجمع علماء المسلمين أن من أدرك ركعة مِنْ صلاته لا تجزئه ولا تغنيه عن إتمامها، وفي "الصحيحين" عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"
(1)
وهذا نص يكفي ويشفي، فدل إجماعهم في ذلك على أنَّ حديث الباب ليس على ظاهره، وأنَّ فيه مُضْمَراً بَيَّنَه الإجماع والتوقيف وهو إتمام الصلاة وإكمالها، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من الصلاة مع إمامه ثم قام بعد سلام إمامه وأتم صلاته وحده على حكمها فقد أدركها، كأنَّه قد صلاها مع الإمام من أولها.
وإذا كان ذلك كذلك فغير مُمْتنع أن يكون مدركاً لفضلها وحكمها ووقتها، فالذي عليه مدار هذا الحديث وفِقْهه أنَّ مُدرك ركعة من الصلاة مُدرك لحكمها في السهو وغيره، وأما الفضل فلا يُدرك بقياسٍ ولا نظرٍ لأنَّ الفضائل لا تُقاس، فربَّ جماعة أفضل من جماعة، وكم من صلاة غير متقبلة من صاحبها، وإذا كانت الأعمال لا تقع المجازاة عليها إلا على قدر النيات - وهذا ما لا اختلاف فيه - فكيف يُعرف قدر الفضل مع مغيب النيات عنا، والمطلع عليهما العالم بها يُجازي كلا بما يشاء لا شريك له، وقد يَقصد الإنسان المسجد فيجد القوم منصرفين من الصلاة فيُكتب له أجر من شهدها لصحة نيته، والله أعلم.
وظاهر هذا الحديث حجة لمن تقلده، وفي هذا الحديث من الفقه أيضاً: أنَّ من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى فصلى ركعتين، ومَنْ لم يُدرك منها ركعة صلى أربعاً؛ لأنَّ في هذا الحديث دليلاً على أنَّ مَن لم يُدرك منها ركعة فلم يُدركها، ومن لم يُدرك الجمعة صلى أربعاً، وهذا موضع اختلف الفقهاء فيه.
(2)
* * *
(1)
أخرجه البخاري (636) ك/الآذان، ب/لا يَسْعَى إلى الصَّلَاةِ، وليأْتِ بالسَّكِينَةِ والوَقَارِ، وبرقم (908) ك/الجمعة، ب/المَشْيِ إلى الجُمُعَةِ، ومسلمٌ (602) ك/الصلاة، ب/اسْتِحْبَابِ إِتْيَانِ الصَّلَاةِ بِوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ، وَالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِهَا سَعْيًا.
(2)
يُنظر: "التمهيد" لابن عبد البر (7/ 66 - 77)، ومَن رام المزيد فليُراجع:"فتح الباري" لابن رجب (5/ 14 - 27)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 57).
[147/ 547]- وَعَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ.
عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» .
هذا الحديث مَداره على سُويد بن عبد العزيز، واختلف عنه مِن وجهين
(1)
:
الوجه الأول: سُويد، عن قُرَّة بن عبد الرحمن، عن ابن شِهاب، عن سالم، عن ابن عُمر رضي الله عنه.
الوجه الثاني: سُويد، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُبَيْدٍ الكَلَاعِيِّ، عن مَكْحُولٍ، عن نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: الوجه الأول:
سُويد، عن قُرَّة بن عبد الرحمن، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عُمر.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الطبراني في "الأوسط"(547)، ولم أقف عليه مِنْ رواية سويد عن قُرَّة إلا عنده.
ب مُتابعات للوجه الأول:
• أخرجه البخاري في "صحيحه"(894) ك/الجمعة، ب/هل على مَنْ لم يَشْهد الجُمُعةَ غُسْلٌ مِنَ النِّساء والصِّبْيَان وغيرهم؟، عن شُعَيْب بن أبي حمزة، عن الزُّهْرِيِّ، حدَّثني سالمُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ: أنَّه سمع ابن عُمَر، به.
• والبخاري برقم (919) ك/الجمعة، ب/الخُطبة على المِنْبَرِ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذِئْبٍ.
• ومسلمٌ في "صحيحه"(844/ 3) ك/الجمعة، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج.
• ومسلمٌ في "صحيحه"(844/ 4) ك/الجمعة، بسنده، عن يُونس بن يزيد الأَيْليّ.
أربعتهم (شُعيب، وابن أبي ذئب، وابن جريج، ويونس)، عن الزُّهريّ، به.
ت دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) قُرَّة بن عبد الرحمن المصري: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تَقَدَّم في الحديث رقم (144).
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
(1)
وقد اختلف في هذا الحديث على الزُّهري مِنْ أوجهٍ أخرى، لكنَّها لا تُؤثِّر في رواية الباب، فآثرتُ عدم تفصيلها، ورأيت مِنْ الأولى التركيز والاهتمام برواية سُويد، فمن رام المزيد، فليُراجع:"العلل الكبير" للترمذي (ص/85 - 86)، و"السنن"(2/ 364 - 367)، و"السنن الكبرى" للنَّسائي (2/ 264 - 265)، و"العلل" للدَّارقطني (6/ 95/1003 و 12/ 288/ 2721).
7) سَالِم بن عَبد اللَّهِ بن عُمَر بن الخطاب أَبُو عُمَر، ويُقال: أَبُو عَبْد اللَّهِ القرشي، المَدَنِيّ.
روى عن: أبيه، وأبي هريرة، وعائشة، وآخرين.
روى عنه: الزُّهري، ونافع، وموسى بن عقبة، وآخرون.
حاله: قال ابْن سعد: كان ثقة كثير الحديث، عالياً من الرجال ورعاً. وقال العِجْلي: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: كان يُشْبه أَبَاهُ في السمت والهدى. وقال ابن حجر: أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عالماً عابداً فاضلاً.
وقال أحمد، وإسحاق بن راهويه: أصح الأسانيد: الزُّهْرِيّ، عن سَالِم، عن أَبِيهِ. وروى له الجماعة.
(1)
عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث (6).
ثانياً: الوجه الثاني:
سُويد، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُبَيْدٍ، عن مَكْحُولٍ، عن نافع، عن ابن عُمر.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الطبراني في "الأوسط"(18 و 2007)، وفي "الشاميين"(1361 و 3619)، وابن جُميع الصيداوي في "معجم شيوخه"(ص/288 - 289) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخه"(38/ 41) -، مِن طُرُقٍ عن عبد الوهاب بن نجدة الحَوْطِيّ، قال: نا سُوَيْدُ بنُ عبد العَزِيز، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُبَيْدٍ الكَلَاعِيِّ، عن مَكْحُولٍ، عن نافع، عن ابن عُمَر، أسند حديثًا إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«مَنْ أَتَى مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» .
(2)
وقال الطبراني: لم يَرْوه عن مَكْحُولٍ إلا أبو وَهْبٍ، ولا عن أبي وَهْبٍ إلا سُوَيْدٌ، تَفَرَّدَ به: الحَوْطِيُّ.
• قلتُ: بل أخرجه ابن حبَّان في "المجروحين" مِن طريق محمد بن راشد، عن مَكْحُول، لكنَّها مُتابعةٌ لا يُفرح بها، كما سيأتي بيانه عند ذكر المتابعات.
ب مُتابعات للوجه الثاني:
• أخرجه ابن حبَّان في "المجروحين"(1/ 158) عن أبي بشر أحمد بن محمَّد بن مُصْعَب بن بشر بن فضَالة، قال: حدَّثنا أبي وعمِّي، قالا: ثنا أبي، ثنا هَاشِمُ بن مَخْلَد، عن محمَّد بن رَاشِد المَكْحُوليّ، عن مَكْحُولٍ، عن نَافِع، عن ابن عُمَر، قال: قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَاحَ مِنْكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ".
قلتُ: أخرجه ابن حبَّان في ترجمة أبي بشر أحمد بن محمد، وقال فيه: كان مِمَّن يضع المُتُون للآثار ويَقْلب الأسانيد للأخبار، حتى غَلب قلبه أخبار الثقات، وَرِوَايَته عن الأثبات بالطامات، فاستحق التّرك، ولعلَّه قد أقلب على الثِّقَات أكثر مِن عشرة آلاف حديث، كَتَبْتُ أنا مِنْهَا أكثر مِنْ ثَلاثة آلاف مِمَّا لَمْ أَشك أَنَّهُ قَلبها.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 383، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 305، "تهذيب الكمال" 10/ 145، "التقريب"(2176).
(2)
قلتُ: والحديث أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(38/ 41)، بسنده مِنْ طريق داود بن رُشيد، قال: نا سُويد بن عبد العزيز، أنا أبو وهب عبيد الله بن عتبة، عن مكحول، عن ابن عمر، يقول: أشد حديث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» . قال ابن عساكر: كذا كان في الأصل، وفيه خطأ في موضعين:
الأول: - قوله: عُبيد الله بن عتبة وإنما هو ابن عُبيد.
والثاني: - قوله: مكحول عن ابن عمر، ومكحول لم يسمع من ابن عمر شيئاً، وإنَّما روى هذا الحديث عن نافع.
• والبخاري في "صحيحه"(877) ك/الجمعة، ب/فضل الغسل يوم الجمعة، عن مَالِك بن أنس، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ» .
• ومسلمٌ في "صحيحه"(844/ 1،2) ك/الجمعة، مِن طريق الليث بن سعد، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمر، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقول:«إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» .
(1)
ت دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد الطبراني):
1) أحمد بن عبد الوهاب بن نَجْدَة أبو عبد الله الشامي الحَوْطِيّ: "ثِقَةٌ".
(2)
2) عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ نَجْدَةَ الحَوْطِيُّ: "ثِقَةٌ".
(3)
3) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
4) عُبَيد اللَّه بن عُبَيد، أَبُو وهب الكَلَاعِيّ:"صدوقٌ".
(4)
5) مَكُحول، أبو عبد الله الشَّامي:"ثِقَةٌ، فَقيهٌ، كثير الإرسال، مشهورٌ".
(5)
6) نَافع مولى ابن عُمر: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقيهٌ، مَشْهور"، تَقَدَّم في الحديث رقم (29).
7) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَداره على سُويد بن عبد العزيز، واختلف عنه مِن وجهين:
الوجه الأول: سُويد، عن قُرَّة بن عبد الرحمن، عن ابن شِهاب، عن سالم، عن ابن عُمر رضي الله عنه.
الوجه الثاني: سُويد، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُبَيْدٍ الكَلَاعِيِّ، عن مَكْحُولٍ، عن نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنه.
وقد سبق أنَّ سُويد بن عبد العزيز "ضَعيفٌ يُعْتبر به"، وقد رواه عنه بالوجهين الثقاتُ مِنْ أصحابه، مع صحة الأسانيد إليهم، فدل ذلك على أنَّ الاضطراب في هذا الحديث مِنْ سويد، وأنَّه لم يحفظه ولم يَضبطه، فيبقى الشك: هل هذا الحديث مِنْ رواية سُويد عن قُرَّة؟ أم مِنْ رواية سُويد عن عُبيد الله الكَلَاعي؟!
قلتُ: ولم أقف له على مَنْ تابعه بالوجه الأول عن قُرَّة، ولا على مَن تابعه بالوجه الثاني عن الكَلاعي،
(1)
قال ابن الملقن في "البدر المنير"(4/ 650): ذكر ابْن مَنْدَة فِي "مُستخرَجه" أَن هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن نَافِع مولَى ابْن عمر عَن ابن عمر، جماعات عَددهمْ فَوق الثلاثمائة، وَأَن جماعات تابعوا أَيْضا نَافِعًا، وَأَنه رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم غير ابن عمر أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ صحابيًّا ثمَّ ذكرهم. وقال ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 357) و"التلخيص الحبير" (2/ 133): وَقَدْ جَمَعْتُ طُرُقَهُ عَنْ نَافِعٍ فَبَلَغُوا مِائَةً وَعِشْرِينَ نَفْسًا.
(2)
يُنظر: "التقريب"(73)، "إرشاد القاصي والدَّاني إلى تراجم شيوخ الطبراني"(ص/132 - 133).
(3)
يُنظر: "التقريب"(4264).
(4)
يُنظر: "التقريب"(4319).
(5)
يُنظر: "التقريب"(6875).
وسُويد ليس مِمَّن يُحتمل مِن مثله تَعدد أسانيده.
والذي عندي - والله أعلم - عدم ترجيح أحد الوجهين حتى يأتي لأحدهما ما يُقويه ويُرجحه، والله أعلم.
والحديث له أصل صحيح عن الزُّهري، وعن نافع - كما سبق - لكن مِنْ غير طريق سُويدٍ، والله أعلم.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضعيفٌ"؛ فيه: سُويد بن عبد العزيز "ضَعيفٌ يُعتبر به"، وقد اضطرب في هذا الحديث فرُوي عنه مَرَّة عن قُرَّة بن عبد الرحمن، عن ابن شِهاب، عن سالم، عن ابن عُمر، ومَرَّة عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُبَيْدٍ الكَلَاعِيِّ، عن مَكْحُولٍ، عن نافع، عن ابن عُمر.
قلتُ: والحديثُ في "الصحيحين" - كما سبق ذكره في المتابعات - مِنْ طُرُقٍ عن الزُّهري، عن سالم، عن أبيه، وفي "الصَحيحين" أيضاً مِن طُرُقٍ عن نافع، عن ابن عُمر.
والحديث عدَّه أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني في "نظم المتناثر" مِنْ المتواتر.
(1)
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ.
(2)
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.
سادساً: - التعليق على الحديث:
قَالَ الإمام مَالِكٌ: مَنِ اغتسل يوم الجمعة، أول نهاره، وهو يُرِيدُ بذلك غُسْلَ الجمعة، فإنَّ ذلك الغُسْل لا يجزي عنه، حتى يَغتَسِلَ لِرَوَاحِهِ، وذلك أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: في حديث ابن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ»
(3)
؛ قَالَ: ومَنِ اغتسل يوم الجمعة مُعَجِّلاً أو مُؤَخِّرًا، وهو يَنْوِي بذلك غُسْلَ الجمعة، فأصابه ما يَنْقُضُ وُضُوءَهُ، فليس عليه إلا الوُضُوءُ، وغُسْلُهُ ذلك مُجْزِئٌ عنه.
(4)
قال الحافظ ابن حجر: قال ابن دقيق العيد: في الحديث دليلٌ على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة، واستدل به لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغُسل متصلاً بالذهاب، ووافقه الأوزاعي والليث؛ بينما قال الجمهور: يُجزئ مِنْ بعد الفجر؛ ومقتضى النظر: أن يُقال: إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة والتنظيف رعاية الحاضرين من التأذي بالرائحة الكريهة، فمن خشي أن يُصيبه في أثناء النَّهار ما
(1)
يُنظر: "نظم المتناثر مِنْ الحديث المتواتر"(ص/110 - 112).
(2)
وهذا القول ذكره المُصَنِّف رضي الله عنه عقب الحديث رقم (553) - كما سيأتي بإذن الله عز وجل.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(877) ك/الجمعة، ب/فضل الغُسْلِ يوم الجُمُعَةِ، وبرقم (894) ك/الجمعة، ب/هل على مَنْ لم يَشْهَدِ الجمعة غُسْلٌ مِنَ النِّسَاءِ والصِّبْيَانِ وغيرهم؟، وبرقم (919) ك/الجمعة، ب/الخطبة على المِنْبَرِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(844) ك/الجمعة، وفي بعض الروايات عند مُسلم، بلفظ:«إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» .
(4)
يُنظر: "الموطأ"(1/ 159).
يُزيل تنظيفه، استحب له أن يُؤخر الغُسل لوقت ذهابه، ولعل هذا هو الذي لحظه مالكٌ فشرط اتصال الذهاب بالغسل ليحصل الأمن مما يُغاير التنظيف.
(1)
وقال الإمام النووي: واختلف العلماء في غُسل الجمعة: فحُكي وجوبه عن طائفة من السلف، حكوه عن بعض الصحابة، وبه قال أهل الظاهر، وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك.
وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه سنَّةٌ مُستحبةٌ وليس بواجب، قال القاضي: وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه.
واحتج من أوجبه بظواهر الأحاديث، واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة، منها: ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قال: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا، أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللهِ رضي الله عنه يَقُولُ:«إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ» .
(2)
ووجه الدلالة: أن عثمان فعله، وأقرَّه عمر، وحاضروا الجمعة، وهم أهل الحل والعقد، ولو كان واجبا لَمَا تركه، ولألزموه
…
الخ.
(3)
وقال ابن حبَّان: في هذا الخبر دليلٌ صَحِيحٌ على نَفْيِ إيجاب الغُسْل للجُمُعَةِ على مَنْ يَشْهَدُهَا، لأنَّ عُمَرَ ابن الخطَّابِ، كان يخطُبُ، إذ دخل المسجدَ عُثْمَانُ بن عَفَّانَ، فأخبره أنَّهُ ما زاد على أن توضَّأ، ثُمَّ أتى المسجدَ، فلم يأمره عُمَرُ ولا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالرُّجُوعِ والاغتسال للجمعة، ثُمَّ العود إليها، ففي إجماعهم على ما وَصَفْنَا أبينُ البيان بأنَّ الأمرَ كان مِنَ المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم بالاغْتِسَالِ للجُمُعَةِ أمرُ نَدْبٍ لا حَتْمٍ.
(4)
وقال ابن رجب الحنبلي: وأكثر العلماء على أنه يستحب، وليس بواجب.
وذكر الترمذي أن العمل على ذلك عند أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.
وهذا الكلام يقتضي حكاية الإجماع على ذلك.
(5)
(6)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري"(2/ 358).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(882) ك/الجُمعة، ب/فَضْل الجُمُعَةِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(845) ك/الجُمعة.
(3)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(6/ 123 - 134).
(4)
يُنظر: "صحيح ابن حبَّان"(4/ 32/الإحسان).
(5)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (8/ 78 - 83).
(6)
ومَن رام المزيد فليُراجع: "اختلاف الحديث" للشافعي 8/ 626، "ناسخ الحديث ومنسوخه" لابن شاهين (ص/51 - 52)، "معالم السنن" للخطابي 1/ 105 - 107، "شرح معاني الآثار" للطحاوي 1/ 115 - 120، "نصب الراية" 1/ 87 - 88، "فتح الباري" لابن رجب 8/ 73 - 83 و 8/ 143 - 152، "فتح الباري" لابن حجر 2/ 357 - 370.
[148/ 548]- وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ.
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَفْلَحَ بْنَ أَبِي الْقُعَيْسِ
(1)
اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ:«لِيَلِجْ عَلَيْكِ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ» .
وَقَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» .
هذا الحديث مَدَاره على الزُّهريّ، واختلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: الزُّهريّ، عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنها.
الوجه الثاني: الزُّهري، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها.
(1)
الحديث أخرجه مالكٌ في "الموطأ"(1764) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(25443)، والبخاري في "صحيحه"(5103)، ومسلمٌ في "صحيحه"(1445) -؛ وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(13937) - ومِنْ طريقه مُسْلمٌ في "صحيحه"(1445/ 4) -، وأحمد في "مسنده"(24054)، عن مَعْمَر؛ وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(17041)، عن ابن عُيَيْنَةَ؛ وأحمد في "مسنده"(26334)، والمروزيّ في "السنة"(303)، مِنْ طريق محمد بن عبد الله بن مُسلم - ابن أخي الزُّهريّ -، والبخاري في "صحيحه"(4796)، عَنِ شُعيب ابن أبي حمزة؛ والبخاري في "صحيحه"(6156)، عَنْ عُقَيْلٍ بن خالد؛ ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1445/ 3)، مِنْ طريق يُونُس بن يزيد؛ وابن حبَّان في "صحيحه"(5799) من طريق محمد بن الوليد الزُّبيديّ؛ كلهم (مالك، ومَعْمَر، وابن عُيَيْنَة، وابن أخي الزهري، وشُعيب، وعُقيل، ويُونس، والزُّبيديّ) عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقَعِيسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا
…
الحديث".
بينما أخرجه الحُمَيْديّ في "مُسْنَده"(231)، وسعيد بن منصور في "سننه"(951)، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1445/ 2) عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ أَفْلَحُ بْنُ أَبِي الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ
…
الحديث". وعلي بن الجعد في "مسنده" (161)، قال: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ بن عُتَيْبة، عَنْ عِرَاكٍ بن مالك، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ بْنُ أَبِي قُعَيْسٍ
…
الحديث". وأبو داود في "سننه" (2057) مِنْ طريق سُفْيَان الثوري، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَفْلَحُ بْنُ أَبِي الْقُعَيْسِ فَاسْتَتَرْتُ مِنْهُ
…
الحديث".
وأخرجه مُسلمٌ في "صحيحه"(1445/ 8)، مِنْ طريق ابن جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: اسْتأذَنَ عَلَيَّ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ أَبُو الْجَعْدِ فَرَدَدْتُهُ؛ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ لِي هِشَامٌ: إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْقَعِيسِ
…
الحديث.
…
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(9/ 150): وَالْمَحْفُوظُ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ، وَيُحْتَمل أن يكون اسمُ أبيه قُعَيْسًا أو اسمُ جَدِّهِ، فَنُسِبَ إليه، فتكونُ كُنْيَةُ أبي القُعَيْسِ وَافَقَتِ اسم أبيه أو اسم جَدِّهِ؛
…
وعامة أصحاب الزُّهريّ، وسائر الرواة عن هشام، وكذا سائر أصحاب عُروة رووه بلفظ: أنَّ أفلح أخا أبي القُعيس، وهو المحفوظ
…
وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ الَّذِي اسْتَأْذَنَ هُوَ أَفْلَحُ، وَأَبُو الْقُعَيْسِ هُوَ أَخُوهُ؛ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كُلُّ مَا جَاءَ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَهْمٌ، إِلَّا مَنْ قَالَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ، أَو قال أَبُو الجَعْدِ؛ لِأَنَّهَا كُنْيَةُ أَفْلَحَ؛ قُلْتُ (ابن حجر): وَإِذَا تَدَبَّرْتَ مَا حَرَّرْتُ عَرَفْتَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الرِّوَايَاتِ لَا وَهْمَ فِيهِ، وَلَمْ يُخْطِئْ عَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ أَبُو الجَعْدِ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَفِظَ كُنْيَةَ أَفْلَحَ، وَأَمَّا اسْمُ أَبِي القُعَيْسِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إِلَّا فِي كَلَامِ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَقَالَ: هُوَ وَائِلُ بن أَفْلَحَ الأَشْعَرِيُّ، وَحَكَى هَذَا ابن عَبْدِ الْبَرِّ، ثُمَّ حَكَى أَيْضًا أَنَّ اسْمَهُ الْجَعْدُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَخُوهُ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ أَبِيهِ؛ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو الْقُعَيْسِ نُسِبِ لِجَدِّهِ، وَيَكُونَ اسْمُهُ وَائِلَ بْنَ قُعَيْسِ بْنِ أَفْلَحَ بْنِ الْقُعَيْسِ، وَأَخُوهُ أَفْلَحُ بْنُ قعيس بن أَفْلح أَبُو الْجَعْد. أ. هـ بتصرف
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الزُّهريّ، عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنها.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه مالكٌ في "الموطأ"(1764) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(25443)، والبخاري في "صحيحه"(5103) ك/النكاح، ب/لبن الفحل، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1445) ك/الرضاع، ب/ تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، وأبو عبد الله المروزيّ في "السنة"(301)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5448) ك/النِّكاح، ب/لبن الفحل -، وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(13937) - ومِنْ طريقه مُسْلمٌ في "صحيحه"(1445/ 4) ك/الرضاع، ب/تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، والمروزيّ في "السنة"(302)، والنَّسائيُّ في "الصغرى"(3316)، والدَّارقُطنيّ في "سننه"(4375)، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(1050) -، وأحمد في "مسنده"(24054)، عن مَعْمَر، والحُمَيْديّ في "مُسْنَده"(231)، وسعيد بن منصور في "سننه"(951)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(17041) - ومِنْ طريقه مُسْلمٌ في "صحيحه"(1445/ 2) ك/الرضاع، ب/ تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، وابن ماجه في "سننه"(1948) ك/النكاح، ب/لَبَن الْفَحْلِ -، وأحمد في "مسنده"(24085 و 24102)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5444) ك/النِّكاح، ب/لبن الفحل، وفي "الصغرى"(3317)، والدَّارقُطني في "سننه"(4374)، عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وأحمد في "مسنده"(26334)، وأبو عبد الله المروزيّ في "السنة"(303)، مِنْ طريق محمد بن عبد الله بن مُسلم - ابن أخي الزُّهريّ -، والبخاري في "صحيحه"(4796) ك/التفسير، ب/قوله تعالى {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)}
(1)
،
والطبراني في "مسند الشاميين"(3084)، مِنْ طريق شُعيب بن أبي حمزة، والبخاري في "صحيحه"(6156) ك/الأدب، ب/قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«تَرِبَتْ يَمِينُكِ، وَعَقْرَى حَلْقَى» ، مِنْ طريق عُقيل بن خالد بن عَقيل الأيليّ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1445/ 3) ك/الرضاع، ب/تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، وأبو عبد الله المروزيّ في "السنة"(305)، مِنْ طريق يُونس بن يزيد الأيليّ، وابن حبَّان في "صحيحه"(5799)، مِنْ طريق محمد بن الوليد الزُّبيديّ.
كلهم عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ، وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ أَبَا عَائِشَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: وَاللهِ، لا آذَنُ لأَفْلَحَ، حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَنِي يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ، فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ، قَالَتْ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ائْذَنِي لَهُ» ، قَالَ عُرْوَةُ: فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ
(1)
سورة "الأحزاب"، الآية (54 - 55).
تَقُولُ: «حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ» . واللفظ لمسلم برواية يُونس بن يزيد، والباقون بنحوه، وبعضهم يزيد على بعض.
ب متابعات للوجه الأول:
• وأخرجه مالكٌ في "الموطأ"(1763) - ومِنْ طريقه البخاريُّ في "صحيحه"(5239) ك/النكاح، ب/ما يَحِلُّ مِنَ الدُّخُولِ وَالنَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ فِي الرَّضَاعِ، وابن حبَّان في "صحيحه"(4109) -؛ وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(13938) - ومِنْ طريقه أبو عبد الله المروزيّ في "السنة"(302) - عن مَعْمَر؛ وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(13940)، قال أخبرني ابن جريجٍ؛ وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(13941)، وأبو داود في "سننه"(2057) ك/النِّكاح، ب/لبن الفحل، عن سُفيان الثوري؛ والحُميديّ في "مسنده"(232)، وسعيد بن منصور في "سننه"(951)، وأحمد في "مُسنده"(24102)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5444) ك/النِّكاح، ب/لبن الفحل، عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة؛ وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(700)، عن عيسى بن يُونس؛ وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(701)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1445/ 7) ك/الرضاع، ب/تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير؛ وأحمد في "مسنده"(25620)، عن يحيى بن سعيد القَطَّان؛ والدَّارميّ في "مسنده"(2294)، عن جعفر بن عون؛ ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1445/ 5) ك/الرضاع، ب/تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، وابن ماجه في "سننه"(1949) ك/النِّكاح، ب/لبن الفَحْلِ، والترمذي في "سننه"(1148) ك/الرضاع، ب/مَا جَاءَ فِي لَبَنِ الفَحْلِ، مِنْ طريق عبد الله بن نُمير؛ ومُسلمٌ برقم (1445/ 6) ك/الرضاع، ب/تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، وأبو يعلى في "مسنده"(4501)، مِنْ طريق حَمَّاد بن زيد؛ وابن حبَّان في "صحيحه"(4219 و 4220)، مِنْ طريق حَمَّاد بن سلمة.
كلهم عن هشام بن عُروة، عن أَبِيهِ، عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْمِرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: إِنَّ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ، عَمُّكِ» ، قُلْتُ: إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ، وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَ:«إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ» .
…
واللفظ لمسلم، والباقون بنحوه، وزاد مالكٌ، والدَّارميّ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ.
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْل أَصْحَابِ صلى الله عليه وسلم، وَغَيْرِهِمْ: كَرِهُوا لَبَنَ الفَحْلِ، وَالأَصْلُ فِي هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ، وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي لَبَنِ الفَحْلِ وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ.
- وأخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(13949)، عن مَعْمَر، وسعيد بن منصور في "سننه"(952)، عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عن هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت:«يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ» . وعند سعيد: قَالَتْ عَائِشَةُ: «يَا ابْنَ أُخْتِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» .
- ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1444/ 2) ك/الرضاع، ب/يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ، مِنْ طريق أبي أسامة حمَّاد بن أسامة، وعليّ بن هاشم بن البريد، كلاهما عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ،
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ» .
- وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(13939) - ومِنْ طريقه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(702)، وأحمد في "مسنده"(25651)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1445/ 8) ك/الرضاع، ب/تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، وأبو عبد الله المروزيّ في "السنَّة"(307)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5445) ك/النِّكاح، ب/لبن الفحل، وفي "الصغرى"(3314) -، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: اسْتأذَنَ عَلَيَّ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ أَبُو الْجَعْدِ فَرَدَدْتُهُ. - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ لِي هِشَامٌ: إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْقَعِيسِ - فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ. قَالَ: " فهلا أَذِنْتِي لَهُ تَرِبَتْ يَمِينُكِ - أَوْ قَالَ: يَدُكِ - ".
- وأخرجه مالكٌ في "الموطأ"(1778) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(24170 و 24242)، والدَّارمي في "مسنده"(2295)، وأبو داود في "سننه"(2055) ك/النِّكاح، ب/يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، والترمذي في "سننه"(1147) ك/الرضاع، ب/ما جَاءَ يُحَرَّمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يُحَرَّمُ مِنَ النَّسَبِ، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5413) ك/النِّكاح، ب/مَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعَةِ، وفي "الصغرى"(3300)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4223) -، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ
…
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ» .
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا.
- والبخاري في "صحيحه"(2644) ك/الشهادات، ب/الشَّهَادَةِ عَلَى الأَنْسَابِ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1445/ 10) ك/الرضاع، ب/تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، مِنْ طريق شُعْبَة، عَنِ الْحَكَمِ بن عُتَيبة، عَنْ عِرَاك بن مالك، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، بنحوه، دون قول عائشة.
- ومُسلمٌ في "صحيحه"(1445/ 9) ك/الرضاع، ب/تَحْرِيمِ الرَّضَاعَةِ مِنْ مَاءِ الْفَحْلِ، مِنْ طريق يَزِيد بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ يُسَمَّى أَفْلَحَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ، فَأَخْبَرَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا:«لا تَحْتَجِبِي مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» .
ت دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) قُرَّة بن عبد الرحمن المصري: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تَقَدَّم في الحديث رقم (144).
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
7) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
8) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّمت في الحديث رقم (5).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
الزُّهري، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الطبراني في "الأوسط"(7435)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، نَا يَحْيَى بْنُ الفَضْلِ الخِرَقِيُّ، ثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن بُدَيْلِ بن وَرْقَاءَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَفْلَحَ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ، وَإِنَّمَا أَرْضَعْتِنِي امْرَأَةُ أَخِيهِ؟ فَقَالَ:«ائْذَنِي لَهُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ» .
قال الطبراني: لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) محمد بن أبان أبو مسلم المَدِينيّ الأصبهانيّ: "ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ، وكان أحد الفقهاء".
(1)
2) يحيى بن الْفضل بن يحيى بن كيسَان الخِرَقِيّ: "صدوقٌ".
(2)
3) عبد الملك بن عَمْرو القَيْسيُّ، أبو عامر العَقَدِيُّ:"ثِقَةٌ".
(3)
4) عَبْدُ اللَّهِ بنُ بُدَيْلِ بن وَرْقَاءَ: "ضَعيفٌ يُعتبر به".
(4)
5) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
6) أَبُو سلمة بن عَبْد الرحمن بن عوف القُرَشِيُّ: "ثِقَةٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (132).
7) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، من المُكثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (8).
ثالثًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث على الزُّهريّ، واختلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: الزُّهريّ، عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنها.
الوجه الثاني: الزُّهري، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها.
(1)
يُنظر: "تاريخ الإسلام"(6/ 1002).
(2)
يُنظر: "التقريب"(7622).
(3)
يُنظر: "التقريب"(4199).
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 15، "المؤتلف والمختلف"(ص/167)، "التهذيب" 14/ 326، "التقريب"(3224).
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الأول هو الراجح؛ وذلك للقرائن الآتية:
1) الأكثرية، والأحفظية: فرواة الوجه الأول أكثر عددًا، وأحفظ مِنْ رواة الوجه الثاني.
2) صحة إسناد الحديث بالوجه الأول - مِنْ غير إسناد الطبراني -.
3) إنَّ الحديث بالوجه الثاني ضَعيفٌ، ففي سنده عبد الله بن بُديل بن ورقاء، وقد انفرد به عن الزُّهري، مع مخالفته لما رواه أصحاب الزُّهري عنه.
4) وجود مُتابعات للحديث بالوجه الأول، وبعضها مُخَرَّجٌ في "الصحيحين".
5) إخراج البخاري ومُسلمٌ للحديث بالوجه الأول.
6) تصحيح الأئمة كالترمذي، وابن حبَّان للحديث بالوجه الأول.
7) ترجيح الأئمة للوجه الأول: قال الطبراني: لَمْ يَرْوِه عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ.
رابعًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز، وقُرَّة بن عبد الرحمن.
وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين"، وغيرهما عن الزُّهريّ، وللحديث طُرُق أخري عن عُروة مِنْ غير طريق الزُّهريّ، وبعضها مُخَرَّجٌ في "الصحيحين"، فيرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره" - والله أعلم -.
شواهد للحديث:
• والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(2646) ك/الشهادات، ب/الشَّهَادَةِ عَلَى الأَنْسَابِ، وبرقم (3105) ك/فرض الخُمس، ب/مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَا نُسِبَ مِنَ البُيُوتِ إِلَيْهِنَّ، وبرقم (5099) ك/النكاح، ب/ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}
(1)
، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1444) ك/الرضاع، ب/يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ، مِنْ طريق مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُرَاهُ فُلَانًا» لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا - لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ - دَخَلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
…
«نَعَمْ، إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الوِلَادَةِ» .
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(2645) ك/الشهادات، ب/الشَّهَادَةِ عَلَى الأَنْسَابِ، وبرقم (5100) ك/النكاح، ب/ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ}
(2)
، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1447) ك/الرضاع، ب/ تَحْرِيمِ
(1)
سورة "النساء"، آية (23).
(2)
سورة "النساء"، آية (23).
ابْنَةِ الْأَخِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، مِنْ طُرُقٍ عن قَتَادَة، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ، فَقَالَ:
…
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ.
(1)
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.
سادسًا: - التعليق على الحديث:
• قال الإمام النووي: هذه الأحاديثُ مُتَّفِقَةٌ على ثُبُوتِ حرمة الرَّضَاعِ، وأجمعت الأُمَّةُ على ثُبُوتِهَا بَيْنَ الرَّضِيعِ والمُرْضِعَةِ، وأنَّه يَصِيرُ ابْنَهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا أَبَدًا، وَيَحِلُّ له النَّظَرُ إليها، والخلوةُ بها، والمُسَافَرَةُ، ولا يترتَّبُ عليه أحكام الأُمُومَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فلا يَتَوَارَثَانِ، ولا يَجِبُ على واحد منهما نَفَقَةُ الآخَرِ، ولا يُعْتَقُ عليه بالملك، ولا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لها، ولا يَعْقِلُ عنها، ولا يَسْقُطُ عنها القِصَاصُ بِقَتْلِهِ، فهما كالأَجْنَبِيَّيْنِ في هذه الأحكام، وأجمعوا أيضًا على انْتِشَارِ الحُرْمَةِ بين المُرْضِعَةِ وأولاد الرَّضِيعِ، وبين الرَّضِيعِ وأولاد المُرْضِعَةِ، وأنَّهُ في ذلك كولدها مِنَ النَّسَبِ لهذه الأحاديث.
وأمَّا الرَّجُلُ المَنْسُوبُ ذلك اللَّبَنُ إليه لكونه زَوْجَ المرأة أو وطئها بِمِلْكٍ أو شُبْهَةٍ فمذهبنا ومذهب العُلَمَاءِ كافَّةً ثُبُوتُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بينه وبين الرَّضِيعِ ويصِيرُ وَلَدًا له، وأولاد الرَّجُلِ إِخْوَةَ الرَّضِيعِ وأخواته، وتكون إخوة الرَّجُلِ أعمام الرَّضِيعِ، وأخواتُهُ عَمَّاتِهِ، وتكون أولاد الرَّضِيعِ أولاد الرَّجُلِ، ولم يُخَالِفْ في هذا إلا أَهْلُ الظاهر وابن عُلَيَّة، فقالوا: لا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بَيْنَ الرجل والرضيع، ونقله المازري عن ابن عُمَرَ وعائشة، واحتجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}
(2)
ولم يَذْكُرِ البنت والعَمَّةَ كما ذكرهُمَا في النَّسَبِ، واحتجَّ الجُمْهُورُ بهذه الأحاديث الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ في عَمِّ عائشة وعَمِّ حَفْصَةَ، وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ إِذْنِهِ فِيهِ «إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الوِلَادَةِ» . وأجابوا عمَّا احْتُجُّوا به مِنَ الْآيَةِ أنَّهُ ليس فيها نَصٌّ بإِبَاحَةِ البنت والعَمَّةِ ونحوهما؛ لأنَّ ذكر الشَّيءِ لا يَدُلُّ على سُقُوطِ الحكم عمَّا سِوَاهُ لو لم يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ آخَرُ، كيف وقد جاءت هذه الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ؟! وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(3)
* * *
(1)
وهذا القول ذكره المُصَنِّف رضي الله عنه عقب الحديث رقم (553) - كما سيأتي بإذن الله عز وجل.
(2)
سورة "النساء"، آية (23).
(3)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(10/ 19).
[149/ 549]- وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ.
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي، وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْفِرَاشِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(2374) - ومِنْ طريقه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(635)، وأحمد في "مسنده"(25637)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1418/ 2)، وابن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع"(2451) -، عن مَعْمَر بن راشد.
- وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(2375)، والحُميدي في "مسنده"(171) - ومِنْ طريقه أبو عوانة في "المُستخرَج"(1418/ 1) -، وابن أبي شيبة في "المُصنَّف"(2893) - ومِنْ طريقه مُسلمٌ في "صحيحه"(512/ 1) ك/الصلاة، ب/الِاعْتِرَاضِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، والبيهقي في "الكبرى"(5224) -، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(600)، وأحمد في "مسنده"(24088)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(512/ 1) ك/الصلاة، ب/الِاعْتِرَاضِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، وابن ماجه في "سننه"(956) ك/إقامة الصلاة، ب/مَنْ صَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ، وابن خزيمة في "صحيحه"(822)، والبيهقي في "الكبرى"(3492 و 3696 و 5224)، والبغوي في "شرح السنة"(546)، وابن عبد البر في "التمهيد"(21/ 168)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
- وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(601)، مِنْ طريق صالح بن أبي الأخضر.
- وأحمد في "مسنده"(24562)، والقطيعي في "الألف دينار"(102)، وابن عبد البر في "التمهيد"(21/ 168)، مِنْ طريق عبد الرحمن بن عَمرو الأوزاعي.
- والدَّارميّ في "مسنده"(1453)، والبخاريُّ في "صحيحه"(383) ك/الصلاة، ب/الصَّلَاة على الفِرَاشِ، مِنْ طريق عُقيل بن خالد الأَيْلِيّ.
- والبخاري في "صحيحه"(514) ك/الصلاة، ب/مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، مِنْ طريق محمد بن عبد الله بن مسلم - ابن أخي الزُّهريّ -.
- والطبراني في "الشاميين"(1751)، والذهبي في "المعجم"(2/ 83)، عن محمد بن الوليد الزُّبَيْديِّ.
سبعتهم عن الزُّهريّ، بنحوه، وعند بعضهم فيه قصَّةٌ.
• وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(1555 و 1560 و 1516)، وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(2373)، وابن الجعد في "مسنده"(1597 و 1598)، وابن أبي شيبة في "المُصنَّف"(8756)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(602 - 605 و 636 و 821)، وأحمد في "مسنده"(24236 و 24359 و 24562 و 24629 و 24664 و 24947 و 25024 و 25207 و 25432 و 25599 و 25647 و 25696 و 25942)، والبخاري في "صحيحه"(512) ك/الصلاة، ب/الصَّلَاة خَلْفَ النَّائِمِ، والبخاري أيضًا برقم (997) ك/الوتر، ب/إِيقَاظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَهُ بِالوِتْرِ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(512/ 2 - 3) ك/الصلاة، ب/الِاعْتِرَاضِ بَيْنَ يَدَيِ
الْمُصَلِّي، وأبو داود في "سننه"(711) ك/الصلاة، ب/مَنْ قَالَ الْمَرْأَةُ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ، والنَّسائيّ في "الكبرى"(837) ك/الصلاة، ب/الرُّخْصَةُ في الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّائِمِ، وأبو يعلى في "مسنده"(4490 و 4820)، والدولابي في "الكنى"(956)، وابن خزيمة في "صحيحه"(823)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1419 و 1420)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2660 و 2661)، وابن حبَّان في "صحيحه"(2341 و 2344 و 2345 و 2390)، والطبراني في "الأوسط"(4060 و 4280 و 7045 و 8065 و 9463)، وابن بِشْران في "أماليه"(49، 789)، والبيهقي في "الكبرى"(3493 و 3494)، والبغوي في "شرح السنة"(546).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن عُروة، بنحوه، وعند بعضهم فيه زيادة.
(1)
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(382) ك/الصلاة، ب/الصَّلَاة على الفِرَاشِ، والبخاري في "صحيحه"(513) ك/الصلاة، ب/التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأَةِ، والبخاري أيضًا برقم (514) ك/الصلاة، ب/مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، والبخاري أيضًا برقم (519) ك/الصلاة، ب/ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَيْ يَسْجُدَ؟، ومُسلمٌ في "صحيحه"(512/ 4 - 6) ك/الصلاة.
مِنْ طُرُقٍ عن عائشة رضي الله عنها، بنحوه، وفي بعضها فيه زيادة، وفي بعضها بمعناه.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) قُرَّة بن عبد الرحمن المصري: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تَقَدَّم في الحديث رقم (144).
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
7) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
8) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّمت في الحديث رقم (5).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز، وقُرَّة بن عبد الرحمن.
وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين"، وغيرهما عن الزُّهريّ، وللحديث طُرُق أخري عن عُروة مِنْ غير طريق
(1)
وأخرجه البخاري في "صحيحه"(384) ك/الصلاة، ب/الصلاة على الفِرَاش، بسنده مِنْ طريق عِرَاك بن مالك، عَنْ عُرْوَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ عَلَى الفِرَاشِ الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ». قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 492): وصورة سياقه بهذا الإرسال لكنه محمول على أنه سمع ذلك من عائشة بدليل الرواية التي قبلها والنكتة في إيراده أن فيه تقييد الفراش بكونه الذي ينامان عليه.
الزُّهريّ، وله طرق أخرى أيضًا عن عائشة مِنْ غير طريق عُروة، وجُلُّها مُخَرَّجٌ في "الصحيحين"، فيرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره" - والله أعلم -.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ.
(1)
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: وفيه أن الصلاة إلى النائم لا تكره وقد وردت أحاديث ضعيفة في النهي عن ذلك وهي محمولة - إن ثبتت - على ما إذا حصل شغل الفكر به.
(2)
قلتُ: وقد ورد في بعض طرق الحديث في "الصحيحين" عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ -، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحَمِيرِ وَالْكِلابِ، وَاللهِ لَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ» .
(3)
واللفظ لمسلم.
وهذا يُعارض في ظاهره لما أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَقْطَعُ الصَّلاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» .
(4)
وقد اختلف العلماء في توجيه هذه الأدلة، فسلكوا في ذلك مسالك شتى؛ فمنهم مَنْ ذهب إلى الترجيح، بين مُرَجِّح لحديث عائشة، وآخر مُرَجّح لحديث أبي هريرة؛ وآخرون قائلون بالنسخ، وأنَّ حديث عائشة ناسخٌ لحديث أبي هريرة، وقائلون بالتأويل، وتعدَّدت أقوالهم، منها: أنَّ القطع في حديث أبي هريرة ليس المراد به بطلان الصلاة، وإنَّما المراد به قطع كمالها وخشوعها، وذلك بالانشغال عنها؛ وذهب آخرون إلى الجمع بين طرفي الأدلة - ولعلَّه هو الأولى، عملاً بجميع الأدلة -، وملخص كلامهم: أنَّ القطع في حديث أبي هريرة خاص بصلاة الفريضة فقط، وقال آخرون: ولعلَّ القطع خاصٌ بالمرور دون النوم أو الجلوس؛ وعدم القطع المفهوم مِنْ حديث عائشة خاصٌ بصلاة النافلة، وقال آخرون: بل هو محمول على النوم والجلوس دون المرور، لذا قال الحافظ ابن حجر: فالظاهر أن عائشة إنما أنكرت إطلاق كون المرأة تقطع الصلاة في جميع الحالات، لا المرور بخصوصه. والأمر مُفصَّلٌ في كتب أهل العلم، فليراجعها مَنْ رام المزيد، والله أعلم.
(5)
(1)
وهذا القول ذكره المُصَنِّف رضي الله عنه عقب الحديث رقم (553) - كما سيأتي بإذن الله عز وجل.
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(1/ 492).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(514) ك/الصلاة، ب/مَنْ قَالَ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، والبخاري أيضًا برقم (519) ك/الصلاة، ب/ هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَيْ يَسْجُدَ؟، ومُسلمٌ في "صحيحه"(512/ 4 - 6) ك/الصلاة.
(4)
أخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(511) ك/الصلاة، ب/قَدَرِ مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّي.
(5)
يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (2/ 461 - 463)، "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (3/ 200 - 201)، و"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" للحازمي (ص/75 - 76)، و"المغني" لابن قدامة (3/ 94 و 97 - 103)، و"التمهيد" لابن عبد البر (21/ 168 - 170)، "فتح الباري" لابن رجب (4/ 106 - 140). و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 589).
[150/ 550]- وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُحْدِثُ فِي صَلاتِهِ؟
قَالَ: «لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» .
هذا الحديث مَدَاره على الزُّهريّ، واختلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: الزُّهريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الزُّهريّ، عن سَعِيد بن المُسَيّب، وعَبَّادِ بن تَمِيمٍ، عن عَمِّه عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الزُّهريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه.
الوجه الرابع: الزُّهريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مُرْسلًا).
الوجه الخامس: الزُّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه السادس: الزُّهريّ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الزُّهريّ، عن سعيد بن المُسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه القاسم بن سلَّام في "الطَهور"(403)، عن ابن لهيعة، عن عُقَيْل بن خالد الأَيْليّ؛ والبزار في "مسنده"(7748)، مِنْ طريق الهيثم بن جميل، وزمعة بن صالح.
ثلاثتهم (عُقَيْل، والهيثم، وزمعة) عن ابْنِ شِهَابٍ، عن سَعِيدِ بن المُسَيِّبِ، عن أبي هُرَيْرَةَ، بنحوه.
وقال البزار: وهذا الحديث أصحاب ابن عُيَينة يروونه، عَن ابن عُيَينة، عَن الزُّهْرِيّ عن عباد بن تميم عن عَمِّه، ولا نعلم أحدًا قال: عن ابن عُيَينة، عن سَعِيدٍ، عن أبي هُرَيرة إلا الهيثم، وتابعه زمعة.
قلتُ: بل تابعهما عُقَيْل، وقُرَّة. واضطرب فيه الهيثم، فرواه بالوجه الأول، والثاني - كما سيأتي -. واضطرب فيه زمعة أيضًا، فرواه بالوجه الأول، والسادس - كما سيأتي -.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبرانيّ):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) قُرَّة بن عبد الرحمن المصري: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تَقَدَّم في الحديث رقم (144).
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
7) سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بن حَزْنُ بْنُ أَبِي وَهْبِ، أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ، المَخْزُومِيُّ، المَدَنِيُّ.
روى عن: أبي هُريرة - وكان زوج ابته، وأعلم النَّاس بحديثه -، وابن عَبَّاس، وابن عُمر رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: الزُّهريُّ، وقتادة، ويَحيى بن سعيد الأنصاريُّ، والنَّاس.
حاله: قال ابن عمر: هو والله أحد المُفْتِين. وقال قتادة: ما رأيت أحدًا قط أعلم بالحلال والحرام منه. وقال الزُّهريُّ: كان أفقه الناس. وقال أحمد، والعِجْليُّ: ثِقَةٌ. وَقَال أَبُو حاتم: ليس في التابعين أنبل منه، وهو أثبتهم فِي أبي هُرَيْرة. وقال أبو زرعة: ثِقَةٌ إمامٌ. وقال الذهبي: ثِقَةٌ حُجَّةٌ فَقِيهٌ، رفيع الذكر رأسٌ في العلم والعمل.
وقال الشافعيُّ: إرسال سَعِيد بْن المُسَيَّب عندنا حَسَنٌ. وقال الإمام أحمد: مُرْسلاًت سَعِيد بْن المُسَيَّب صحاح، لا يرى أصح مِنْ مُرْسلاًته. ومناقبه وفضائله كثيرة جدًا. وروى له الجماعة.
وقال ابن حجر: مِنْ العلماء الأثبات، والفقهاء الكبار، اتَّفقوا على أنَّ مُرْسَلاته أصح المراسيل.
(1)
8) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مِنْ المُكثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (8).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
الزُّهريّ، عن سَعِيدٍ، وعَبَّادِ بن تَمِيمٍ، عن عَمِّه عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الحُميديُّ في "مسنده"(417) - ومِنْ طريقه ابن المنذر في "الأوسط"(148)، وابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 28) -، والبخاري في "صحيحه"(137) ك/الوضوء، ب/مَنْ لا يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(361) ك/الطهارة، ب/الدَّلِيل على أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ شَكَّ في الحَدَثِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِطَهَارَتِهِ تِلْكَ، وابن ماجه في "سننه"(513) ك/الطهارة، ب/لا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ، وأبو داود في "سننه"(176) ك/الطهارة، ب/إِذَا شَكَّ في الحَدَثِ، والنَّسائي في "الكبرى"(151) ك/الطهارة، ب/الْأَمْرُ بِالْوَضُوءِ مِنَ الرِّيحِ، وفي "الصغرى"(160)، وابن الجارود في "المنتقى"(3)، وابن المنذر في "الأوسط"(28)، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(5100)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عن الزُّهريّ، بنحوه.
• والشافعي في "مسنده"(29) - ومِنْ طريقه أبو عوانة في "المُستخرَج"(651 و 742)، والبيهقي في "الكبرى"(555)، وفي "المعرفة"(880 و 1351)، والبغوي في "شرح السنة"(172) -، وأبو بكر بن أبي شيبة في "المُصنَّف"(7995) - ومِنْ طريقه مُسلمٌ في "صحيحه"(361) ك/الطهارة، ب/الدَّلِيل على أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ شَكَّ في الحَدَثِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِطَهَارَتِهِ تِلْكَ، وأبو نُعيم في "المُستخرَج"(796)، والبيهقي في "الكبرى"(15133) -، وأحمد في "مسنده"(16450)، والبخاري في "صحيحه"(177) ك/الوضوء، ب/مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِنَ المَخْرَجَيْنِ: مِنَ القُبُلِ وَالدُّبُرِ، والبخاري أيضًا في "صحيحه"(2056) ك/البيوع، ب/مَنْ
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 4/ 59، "الثقات" 4/ 274، "التهذيب" 11/ 66، "الكاشف" 1/ 444، "التقريب"(2396).
لَمْ يَرَ الوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا مِنَ الشُّبُهَاتِ، والبزار في "مسنده"(7748/ 2) - مِنْ طريق الهيثم بن جميل -، وابن خزيمة في "صحيحه"(25 و 1018)، أبو عوانة في "المُستخرَج"(650)، والبيهقي في "الكبرى"(3374).
مِنْ طُرُقٍ عن ابن عُيَيْنَة، عن الزُّهري، عن عبَّاد بن تميم - وحده -، عن عَمِّه عبد الله بن زيد، بنحوه.
وقد اختُلف في رواية سعيد بن المُسَيّب، هل شيخه عَمّ عبَّاد بن تميم - وهو عبد الله بن زيد -، أمَّ أنَّ الحديث عنه مُرْسَلٌ؟ - كما سيأتي بإذن الله تعالى في الوجه الرابع -، والأمر يحتمل الأمرين؛ قال الحافظ ابن حجر
(1)
: إنَّ شيخ سعيد فيه يُحتمل أن يكون عَمّ عبَّاد، كأنَّه قال: كلاهما عن عَمِّه - أي عم الثاني، وهو عبَّاد -، ويُحتمل أن يكون محذوفًا، ويكون مِنْ مَراسيل ابن المُسَيّب، وعلى الأول جرى "صاحب الأطراف"
(2)
. وهذا يعني أنَّ المِزِّيّ رَجَّح الاتصال، برواية سعيد عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
والحديث بهذا الوجه أخرجه البخاريُّ، ومُسلمٌ في "صحيحيهما"، وهذا كافٍ لإثبات صحته.
ثالثًا: - الوجه الثالث:
الزُّهريّ، عن سعيد بن المُسَيب، عن أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه ابن ماجه في "سننه"(514) ك/الطهارة، ب/لا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ، قال: حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا المُحَارِبِيُّ، عن مَعْمَرِ بن رَاشِدٍ، عن الزُّهْرِيِّ، بنحوه.
• وأخرجه العُقَيْليُّ في "الضعفاء الكبير"(2/ 347 - 348)، قال: حدَّثنا عبدُ اللَّهِ بن أحمد بن حنبلٍ، قال: عَرَضْتُ على أبي حَدِيثًا حدَّثناهُ عَلِيُّ بن الحَسَنِ أبو الشَّعْثَاءِ، وأبو كُرَيْبٍ، قالا: حدَّثنا المُحَارِبِيُّ، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَعِيدِ بن المُسَيِّبِ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، وذكر الحديث، فأنكرهُ أبي، وَاسْتَفْظَعَهُ، ثُمَّ قال لي: المُحَارِبِيُّ، عن مَعْمَرٍ؟ قلتُ: نَعَمْ، وَأَنْكَرَهُ جِدًّا؛ قال أبو عَبْدِ اللَّهِ: ولم نَعْلَمْ أَنَّ المُحَارِبِيَّ سَمِعَ مِنْ مَعْمَرٍ شَيْئًا، وبلغنا أنَّ المُحَارِبِيَّ، كان يُدَلِّسُ.
(3)
وقال البوصيري: رجاله ثقات، إلا أنَّه مُعَلَّل بأنَّ الحفاظ مِنْ أصحاب الزهري رووا عنه عن سعيد، عن عبد الله بن زيد، وكان الإمام أحمد ينكر حديث المحاربي عن معمر لأنه لم يسمع من معمر.
(4)
رابعًا: - الوجه الرابع:
الزُّهريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مُرْسلًا).
أ تخريج الوجه الرابع:
• أخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(534)، عن الزُّهْرِيِّ، عن ابن المُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ
(1)
يُنظر: "فتح الباري"(1/ 237).
(2)
"تحفة الأشراف"(4/ 336/5296). وفيه: عن سعيد بن المسيب وعبَّاد بن تميم، كلاهما عن عمِّه عبد الله بن زيد بِهِ.
(3)
ويُنظر: "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد - برواية ابنه عبد الله - (3/ 363/مسألة 5597).
(4)
يُنظر: "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه"(ص/105/حديث برقم 188).
يَشْتَبِهُ فِي صَلاتِهِ، قَالَ:«لا يَنْصَرِفُ إِلا أَنْ يَجِدَ رِيحًا، أَوْ يَسْمَعَ صَوْتًا» .
• والعُقيليّ في "الضعفاء"(2/ 348) - مُعلَّقًا -، قال: وهذا الحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَعِيدِ بن المُسَيِّبِ (مُرْسَلًا).
خامسًا: - الوجه الخامس:
الزُّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الخامس:
• أخرجه العُقَيْليُّ في "الضعفاء"(2/ 348) - مُعَلَّقًا -، قال: وعن عبد الرَّحمَنِ بن جَعْفَرٍ المَدَنِيِّ، عن صَالِحِ بن أبي الأَخْضَرِ؛ وأبو بكر بن المُقرئ في "المعجم"(126)، مِنْ طريق وسَّاج بن عَمْرٍو، عن الهقل بن زِيَادٍ، عن الأَوْزَاعِيِّ، كلاهما (صالح، والأوزاعي) عن الزُّهْرِيِّ، أَبَى سَلَمَةَ، نحوه.
وفي رواية صالح بن أبي الأخضر مَقْرُونًا بسعيد بن المُسَيِّب.
ب دراسة إسناد الوجه الخامس:
قلتُ: صالح بن أبي الأخضر "ضَعيفُ الحديث، ليس بشيءٍ في الزُّهري".
(1)
وعدَّه ابن رجب في الطبقة الثالثة مِن أصحاب الزُّهري.
(2)
وأمَّا رواية الأوزاعي ففي إسناده وسَّاج بن عَمرو "مجهول الحال".
(3)
سادسًا: - الوجه السادس:
الزُّهريّ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه السادس:
• أخرجه العُقَيْليّ في "الضعفاء"(2/ 348) - مُعَلَّقًا -، قال: وقال عَلِيُّ بن قَادِمٍ، عن زَمْعَةَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أَنَسٍ، ولا يَصِحُّ عن أَنَسٌ.
(4)
قلتُ: في إسناده زَمْعة بن صالح "ضَعيفٌ، كثير الغلط عن الزُّهريّ".
(5)
سابعًا: - النظر في الخلاف في هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على الزُّهريّ، واختلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: الزُّهريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الزُّهريّ، عن سَعِيد بن المُسَيّب، وعَبَّادِ بن تَمِيمٍ، عن عَمِّه عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(1)
وقال البخاري: ليس بشيءٍ عن الزُّهْرِيّ. وأسند ابن أبي حاتم عن صالح بن أبي الأخضر، لمَّا سُئل عن حديثه عن الزهري قال: منه ما حدَّثني، ومنه ما قرأتُ على الزهري، ومنه ما سمعتُ، ومنه ما وجدتُ في كتاب، ولست أفصل ذا مِن ذا. وقال ابن حبَّان: يَرْوِي عن الزُّهْرِيّ أشياء مَقْلُوبَة، اخْتَلَط عَلَيْهِ ما سمع من الزُّهْرِيّ بِمَا وجد عِنْده مَكْتُوبًا. يُنظر:"التاريخ الكبير" 4/ 273، "الجرح والتعديل" 4/ 394، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 368، "تهذيب الكمال" 13/ 8، "التقريب"(2844).
(2)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (1/ 399).
(3)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 9/ 231، "التهذيب" 30/ 441، "تهذيب التهذيب" 11/ 116، "التقريب، وتحريره"(7406).
(4)
ويُنظر "العلل" للدَّارقطني (12/ 183 - 184/مسألة 2594).
(5)
وقال البخاري: يُخالف في حديثه. وقال النَّسائيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، كثير الغَلَط عن الزُّهْرِيّ. يُنظر:"التاريخ الكبير" 3/ 451، "الجرح والتعديل" 3/ 624، "التهذيب" 9/ 388، "الميزان" 2/ 81، "التقريب"(2035).
الوجه الثالث: الزُّهريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه.
الوجه الرابع: الزُّهريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مُرْسلًا).
الوجه الخامس: الزُّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه السادس: الزُّهريّ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب للصواب، والوجه الرابع (المرسل) مُحْتَملٌ أيضًا - كما سبق بيانه -؛ للقرائن الآتية:
1) أنَّ الوجه الثاني مِنْ رواية ابن عُيَيْنَة، عن الزُّهريّ، وهو مِنْ أثبت النَّاس فيه، ومِنْ الطبقة الأولى.
(1)
2) إخراج البخاري ومسلم للوجه الثاني في "صحيحيهما".
3) وأمَّا الوجه الأول فقد رواه عن الزُّهريّ أربعة مِنْ الرواة، وهم: قُرَّة بن عبد الرحمن، وعُقيل بن خالد، والهيثم بن جميل، وزَمْعَة بن صالح؛ أمَّا قُرَّة فضَعيفٌ، وأمَّا عُقيلٌ ففي الإسناد إليه ابن لهيعة، وأمَّا الهيثم، وزَمْعَة فقد اضطربا في هذا الحديث - كما سبق بيانه -، وزَمْعة "كثير الغلط عن الزُّهريّ" - كما سبق -.
4) وأمَّا الوجه الثالث فقد أنكره الإمام أحمد - كما سبق بيانه -.
5) وأمَّا الوجه الخامس، والسادس فسندهما "ضَعيفٌ" - كما سبق تفصيله -.
ثامنًا: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكرٌ"؛ لأجل قُرَّة عبد الرحمن "ضَعيفٌ"، مع المخالفة.
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح "صَحيحٌ"، فقد أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحيهما".
والحديث أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(362) ك/الطهارة، ب/الدَّلِيل على أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، ثُمَّ شَكَّ في الحَدَثِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِطَهَارَتِهِ تِلْكَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لا، فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» .
تاسعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.
* * *
(1)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب (1/ 399).
[151/ 551]- وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ عَلَى أَتَانٍ، وَقَدْ قَارَبْتُ الْحُلُمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ، حَتَّى جَاوَزْتُ بَعْضَ الصَّفِّ، ثُمَّ سَرَّحْتُهَا، فَرَجَعْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ، فَلَمْ يُعِدْ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا».
أولًا: - تخريج الحديث:
• أخرجه مالكٌ في "الموطأ"(426) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(3184 و 3185)، والبخاري في "صحيحه"(76) ك/العلم، ب/متى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ؟، وبرقم (493) ك/الصلاة، ب/سُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ، وبرقم (861) ك/الآذان، ب/وُضُوءِ الصِّبْيَانِ، ومتى يَجِبُ عَلَيْهِمُ الغُسْلُ وَالطُّهُورُ، وَحُضُورِهِمُ الجَمَاعَةَ وَالعِيدَيْنِ وَالجَنَائِزَ، وَصُفُوفِهِمْ، وبرقم (4412/ 1) ك/الحج، ب/حَجَّةِ الوَدَاعِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(504/ 1) ك/سُترة المُصلي، وأبو داود في "سننه"(715/ 1) ك/الصلاة، ب/مَنْ قَالَ: الحِمَارُ لا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 517)، والنَّسائي في "الكبرى"(5833) ك/العلم، ب/مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ، وابن خزيمة في "صحيحه"(834/ 2)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1431)، وابن المنذر في "الأوسط"(2477)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2639/ 1)، وابن حبَّان في "صحيحه"(2151 و 2393)، وأبو الفضل الزُّهريّ في "حديثه"(61)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3479 و 3501)، وفي "معرفة السنن والآثار"(4236 و 4237)، والبغوي في "شرح السنة"(548) -.
- وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(2359) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(3454)، ومُسلمٌ (504/ 4) ك/الصلاة، ب/سُترة المُصلي، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1432) -، والترمذي في "سننه"(337) ك/الصلاة، ب/مَا جَاءَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وابن خزيمة في "صحيحه"(834/ 1)، مِنْ طريق مَعْمَر.
- والحُميديُّ في "مُسْنَده"(481) - ومِنْ طريقه الفسوي في "المعرفة والتاريخ"(1/ 517) -، وابن أبي شَيْبَة في "المُصَنَّف"(2865 و 2887)، وأحمد في "مسنده"(1891)، والدَّارمي في "مسنده"(1455)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(504/ 3) ك/الصلاة، ب/سُترة المُصلي، وابن ماجه في "سننه"(947) ك/إقامة الصلاة، ب/مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(56/ 270) -، وأبو داود في "سننه"(715/ 1) ك/الصلاة، ب/مَنْ قَالَ: الحِمَارُ لا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، والنَّسائيّ في "السنن الكبرى"(830) ك/الصلاة، ب/ذِكْرُ مَنْ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَمَنْ لا يَقْطَعُهَا إذا لم يَكُنْ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي سُتْرَة، وفي "الصغرى"(752)، وأبو يعلى في "مسنده"(2382)، وابن الجارود في "المنتقى"(168)، وابن خزيمة في "صحيحه"(833)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1430)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2638)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3500)، وفي "معرفة السنن والآثار"(4247)، وابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 191)، والخطيب البغدادي في "الأسماء المبهمة"(4/ 250)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(56/ 271)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"(4/ 478)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
- وأحمد في "مسنده"(2376)، والبخاري في "صحيحه"(1857) ك/الحج، ب/حَجِّ الصِّبْيَانِ، مِنْ طريق محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب الزهريّ - ابن أخي الزُّهريّ -.
- والبخاري في "صحيحه"(4412/ 2) ك/الحج، ب/حَجَّةِ الوَدَاعِ، ومُسلمٌ (504/ 2) ك/الصلاة، ب/سُترة المُصلي، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1433)، والطحاوي في "شرح المعاني"(2639/ 2)، وأبو الفضل الزُّهريّ في "حديثه"(61)، وابن المنذر في "الأوسط"(2477)، مِنْ طريق يُونس بن يزيد الأَيْليّ.
- وأبو الفضل الزُّهريّ في "حديثه"(63)، مِنْ طريق عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله القُرشيُّ.
خمستهم (مالك، ومَعْمَر، وسفيان، وابن أخي الزُّهريّ، ويونس، وعبد الرحمن) عن ابن شِهَابٍ الزُّهريّ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ بن عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، بنحوه. وفي بعض الطرق:«يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى» ، وفي بعضها:«قَائِمٌ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ» . وقال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) قُرَّة بن عبد الرحمن المصري: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تَقَدَّم في الحديث رقم (144).
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
7) عُبَيدُ الله بْن عُتْبَة بن مسعود الباهليُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقِيهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (98).
8) عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ فيه سُويدٌ، وقُرَّة "ضَعيفان".
وللحديث مُتابعات في "الصحيحين"، وغيرهما - كما سبق -، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.
* * *
[152/ 552]- وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَ عَامَ الْفَتْحِ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ
(1)
، ثُمَّ أَفْطَرَ، وَأَفْطَرَ أَصْحَابُهُ، فَهُمْ يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ النَّاسِخُ الْمُحْكَمُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه مالك في "الموطأ"(806) - ومِنْ طريقه الدارميّ في "مسنده"(1749)، والبخاري في "صحيحه"(1944) ك/الصوم، ب/إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3222 و 3223)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3563)، والبيهقي في "الكبرى"(8141)، وفي "معرفة السنن والآثار"(8763)، والفريابي في "الصيام"(87)، والخطيب البغدادي في "الفصل للوصل المدرج في النقل"(1/ 320)، والبغوي في "شرح السنة"(1766)، والحازمي في "الناسخ والمنسوخ"(ص/142) -.
- وأبو داود الطيالسي في "مسنده"(2841)، والحميدي في "مسنده"(524)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(8968 و 9005 و 36934) - ومِنْ طريقه مُسلمٌ في "صحيحه"(1113/ 2) ك/الصيام، ب/جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ -، وأحمد في "مسنده"(1892) - ومِنْ طريقه الخطيب البغدادي في "المدرج في النقل"(1/ 322) -، والبخاري في "صحيحه"(2953) ك/الجهاد والسير، ب/الخُرُوجِ فِي رَمَضَانَ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1113/ 2) ك/الصيام، ب/جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ إِذَا كَانَ سَفَرُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، والنَّسائي في "الكبرى"(2634) ك/الصيام، ب/الرُّخْصَةُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَ بَعْضًا وَيُفْطِرَ بَعْضًا، وفي "الصغرى"(2313)، وابن الجارود في "المُنتقى"(398)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2035)، والبيهقي في "الكبرى"(8173)، والفريابي في "الصيام"(84 و 85 و 86)، والخطيب البغدادي في "المدرج في النقل"(1/ 322)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
- وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(4471 و 7762 و 9738) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(3089 و 3460)، وعَبْد بن حُميد في "المنتخب"(645)، والبخاري (4276) ك/المغازي والسير، ب/غَزْوَةِ الفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، ومُسلمٌ (1113/ 3) ك/الصيام، ب/جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ، وابن الجارود في "المُنتقى"(398)، والبيهقي في "الكبرى"(8142)، والفريابي في "الصيام"(89)، والحازمي في "الناسخ والمنسوخ"(ص/143)، والخطيب في "المدرج في النقل"(1/ 325) -، عن مَعْمَر بن راشد.
(1)
الكديد: بفتح أوّله، وكسر ثانيه، ودالين مهملتين، موضعٌ بين مكة والمدينة، يُسمى اليوم (الحمض)، ويقع على بُعْد (90) كم من مكة المكرمة، على طريق المدينة المنورة. يُنظر:"معجم ما استعجم من أسماء البلاد" لأبي عُبيد البكري (4/ 1119)، "مشارق الأنوار"(1/ 351)، "المنهاج شرح مسلم"(7/ 230)، "معجم البلدان"(4/ 442)، "أطلس الحديث النبوي"(ص/315).
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(4/ 181): قال القاضي عياض: اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر النَّبي صلى الله عليه وسلم فيه، والكل في قصة واحدة، وكلها متقاربة، والجميع من عمل عسفان.
- وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(4472)، والقاسم بن سلَّام في "الناسخ والمنسوخ"(76)، وأحمد في "مسنده"(3258)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3223)، والخطيب البغدادي في "المدرج في النقل"(1/ 321)، مِنْ طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج.
- والقاسم بن سلَّام في "الناسخ والمنسوخ"(77)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1113/ 1) ك/الصيام، ب/جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وابن حبَّان في "صحيحه"(3555 و 3564)، والفريابي في "الصيام"(83)، والخطيب في "المدرج في النقل"(1/ 323)، مِنْ طريق الليث بن سعد.
- والقاسم بن سلَّام في "الناسخ والمنسوخ"(78)، وأحمد في "مسنده"(2329) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(49) -، والخطيب في "المدرج في النقل"(1/ 326)، مِنْ طريق محمد بن إسحاق.
- وعبد بن حُميد في "المُنتخب"(648)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1113/ 4) ك/الصيام، ب/جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ، والبيهقي في "الكبرى"(8174)، والفريابي في "الصيام"(88)، والخطيب البغدادي في "المدرج في النقل"(1/ 324)، مِنْ طريق يُونس بن يزيد الأَيْليّ.
- والبخاري في "صحيحه"(4275) ك/المغازي والسير، ب/غَزْوَةِ الفَتْحِ، مِنْ طريق عُقيل بن خالد.
كلهم (مالك، وابن عُيَيْنَة، ومَعْمَر، وابن جُريج، والليث، وابن إسحاق، ويونس، وعُقيل)، مِنْ طريق الزُّهريّ، بنحوه. وفي بعض الروايات:"خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ". وفي بعض الروايات مُختصرًا، بدون قوله: فَهُمْ يَتَّبِعُونَ الأَحْدَثَ فَالأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
…
الخ.
وعند عبد الرَّزَّاق، وعَبْد بن حُميد، والبخاري، ومسلم، والفريابي، برواية مَعْمر: قال الزُّهْرِيُّ: فَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْآخِر فَالْآخِر.
وعند الحُميدي، ومسلم، وابن خزيمة: قال سُفْيَانُ: لا أَدْرِي قالهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَوْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وعند أحمد برواية سُفْيَان: قِيلَ لِسُفْيَانَ: قَوْلُهُ: «إِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ» مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: كَذَا فِي الْحَدِيثِ.
وقال البخاري في ك/الجهاد: هَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَإِنَّمَا يُقَالُ بِالْآخِرِ، مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وعند مسلم، والبيهقي برواية يونس بن يزيد: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانُوا يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَرَوْنَهُ النَّاسِخَ الْمُحْكَمَ.
وقال ابن الجارود: قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ بَيَّنَ ذَلِكَ مَعْمَرٌ.
وقال الخطيب البغدادي: قوله: "فَكَانَ النَّاسُ يأخذون بالأحدث فَالأَحْدَثِ أَوْ بِالآخِرِ فَالآخِرِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ": لَيْسَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وأُدْرِج في الحَدِيثِ؛ رَوَى ذَلِكَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَبَيَّنَاهُ، وَفَصَلا كَلامَ الزُّهْرِيِّ مِنْ كَلامِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وقال ابن حجر: وهذه الزيادة في آخره من قول الزهري وقعت مدرجة، وبذلك جزم البخاري في الجهاد.
(1)
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(1948) ك/الصوم، ب/مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وبرقم (4279) ك/المغازي والسير، ب/غَزْوَةِ الفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، ومسلمٌ في "صحيحه"(1113/ 5 - 6) ك/الصيام، ب/جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلْمُسَافِرِ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَافَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَشَرِبَهُ نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ أَفْطَرَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَصَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. واللفظ لمسلم.
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(4277 و 4278) ك/المغازي والسير، ب/غَزْوَةِ الفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، مِنْ طُرُقٍ عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، بنحو رواية طاوس.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) قُرَّة بن عبد الرحمن المصري: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تَقَدَّم في الحديث رقم (144).
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلِّس؛ وتدليسه مقبولٌ، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
7) عُبَيدُ الله بْن عُتْبَة بن مسعود الباهليُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقِيهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (98).
8) عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ فيه سُويدٌ، وقُرَّة "ضَعيفان".
وللحديث مُتابعات في "الصحيحين"، وغيرهما - كما سبق -، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ.
(2)
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.
(1)
يُنظر: "فتح الباري"(4/ 181).
(2)
وهذا القول ذكره المُصَنِّف رضي الله عنه عقب الحديث رقم (553) - كما سيأتي بإذن الله عز وجل.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال النووي: فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الجُمْهُورِ أَنَّ الصَّوْمَ وَالفِطْرَ جَائِزَانِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَصُومَ بَعْضَ رَمَضَانَ دُونَ بَعْضٍ وَلَا يَلْزَمُهُ بِصَوْمِ بَعْضِهِ إِتْمَامُهُ
قَوْلُهُ: وَكَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّبِعُونَ الْأَحْدَثَ فَالْأَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا عَلِمُوا مِنْهُ النَّسْخَ، أَوْ رُجْحَانَ الثَّانِي مَعَ جَوَازِهِمَا، وَإِلَّا فَقَدْ طَافَ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعِيرِهِ، وَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِنَ الْجَائِزَاتِ الَّتِي عَمِلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً لِبَيَانِ جَوَازِهَا وَحَافَظَ على الأفضل منها.
قوله: قال ابن عَبَّاسٍ: "فَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ": فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ جَمِيعًا.
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(7/ 231).
[153/ 553]- وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلاثِينَ» .
* لم يَرْوِ هذه الأحاديثَ عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ، وَرِشْدِينٌ.
هذا الحديث مَدَاره على الزهري، واختُلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: الزُّهْريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الزُّهْريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الزُّهْريّ، عن سالم عن ابن عُمر رضي الله عنهم.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الزُّهْريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه إبراهيم بن سعد الزُّهري في "جزئه"(1407) - (مطبوع ضمن مجموع باسم الفوائد لابن مندة)، ومِنْ طريقه الطيالسيّ في "مسنده"(2425)، وأحمد في "مُسْنَدِه"(7581)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1081/ 1) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالْفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وابن ماجه في "سننه"(1655) ك/الصيام، ب/ما جَاءَ في صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، والنَّسائيّ في "الكبرى"(2440) ك/الصيام، ب/إِكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ إِذَا كَانَ غَيْمٌ، وفي "الصغرى"(2119)، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(3771 و 3772)، وفي "شرح المعاني"(2542)، وأبو بكر ابن المقرئ في "الأربعون"(57)، والدَّارقُطني في "العلل"(9/ 170)، وأبو نُعيم في "المُسْتخرَج"(2427)، والبيهقي في "الكبرى"(7934) -، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاثِينَ يَوْمًا» .
- وأخرجه الدَّارقُطنيّ في "العلل"(9/ 171)، مِنْ طريق إبراهيم بن إسماعِيل بن مُجَمِّعٍ الأَنْصَارِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، به. وقال: ورَوَاهُ إبراهيمُ بن سَعْدٍ، وابن أبي ذِئْبٍ، وإبراهيمُ بن إسماعيل، وَقُرَّةُ، عَنِ الزهري، به.
• قلتُ: والحديث محفوظٌ أيضًا مِنْ طُرُقٍ أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه:
- فأخرجه البخاري في "صحيحه"(1909) ك/الصوم، ب/قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1081/ 2 - 3) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالْفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، مِنْ طُرُقٍ عن محمد بن زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بنحوه.
- ومُسلمٌ في "صحيحه"(1081/ 4 - 5) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالْفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، بنحوه.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) قُرَّة بن عبد الرحمن المصري: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تَقَدَّم في الحديث رقم (144).
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلِّس؛ وتدليسه مقبولٌ، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
7) سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بن حَزْن القُرَشِيُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقِيهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (150).
8) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مِنْ المُكثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (8).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
الزُّهْريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(7516)، مِنْ طريق مَعْمَر بن راشد؛ وابن خُزَيمة في "صحيحه"(1908)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3443)، مِنْ طريق يُونس بن يَزيد الأَيْليّ.
كلاهما (مَعْمر، ويُونس) عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن أبي هُرَيْرَةَ، به.
• وأخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(7305) - ومِنْ طريقه إسحاق بن راهويه في "مُسنَده"(495)، وأحمد في "مُسْنَدِه"(7778)، والبَزَّار في "مُسْنَدِه"(7636)، وابن الجارود في "المُنْتَقى"(395)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3457)، والدَّارقُطنيّ في "سننه"(2164)، وفي "العلل"(9/ 171) -، عن مَعْمَر بن راشد، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي سَلَمَةَ، وابن المُسَيِّبِ - أو أحدهما -، عن أبي هُرَيْرَةَ، به.
ب مُتابعات للوجه الثاني:
• أخرجه أحمد في "مُسْنَدِه"(9654 و 10451)، والترمذي في "سننه"(684) ك/الصوم، ب/ما جَاءَ لا تقدّموا الشَّهْرَ بِصَوْمٍ، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(3773 و 3774)، وفي "شرح المعاني"(2544)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3459)، والدَّارقُطنيّ في "سننه"(2160 - 2163)، والبيهقيّ في "الكبرى"(7944)، والبغوي في "شرح السنَّة"(1719)، مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّد بن عَمرو بن عَلقمة الليثيّ، عن أبي سَلَمَةَ، به.
وزاد أغلبهم في أوله: «لا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ ولا بيَوْمَيْنِ، إلا أَنْ يُوَافِقَ أَحَدُكُمْ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ» .
وقال الترمذي: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقال الدَّارقُطنيّ: هذه أسانيد صِحَاحٌ. وقال البغوي: هذا حديثٌ صحيحٌ.
ثالثًا: - الوجه الثالث:
الزُّهْريّ، عن سالم عن ابن عُمر رضي الله عنهم.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه إبراهيم بن سعد الزُّهري في "جزئه"(1406) - مطبوع ضمن مجموع باسم الفوائد لابن مندة!، ومِنْ طريقه الطيالسيّ في "مسنده"(1919)، وأحمد في "مُسْنَدِه"(6323)، وابن ماجه في "سننه"(1654) ك/الصيام، ب/ما جَاءَ في صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وأبو يعلى في "مُسْنَدِه"(5448 و 5452)، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(3758)، وفي "شرح المعاني"(2539)، والخطيب في "جزء فيه طرق حديث ابن عمر في ترائي الهلال"(1) -؛ والبخاري في "صحيحه"(1900) ك/الصوم، ب/هَلْ يُقَالُ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا، والخطيب في "جزء فيه طرق حديث ابن عمر في ترائي الهلال"(2)، مِنْ طريق اللَّيْث بن سعد، عن عُقَيْل بن خالد الأَيْليّ؛ ومُسلمٌ في "صحيحه"(1080/ 7) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالْفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، والنَّسائيّ في "الكبرى"(2441) ك/الصيام، ب/إِكْمَالُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ إِذَا كَانَ غَيْمٌ، وابن خزيمة في "صحيحه"(1905)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(3759)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3441)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7924)، والخطيب البغدادي في "جزء فيه طرق حديث ابن عمر في ترائي الهلال"(1)، مِنْ طُرُقٍ عن يُونس بن يَزيد الأَيْليّ.
ثلاثتهم (إبراهيم بن سعد، وعُقَيل، ويُونس)، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن سَالِمِ بن عَبْدِ اللَّهِ، عن ابن عُمَرَ، أَنَّهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» .
• قلتُ: والحديث محفوظٌ أيضًا مِنْ أوجه أخرى عن ابن عُمر:
- فأخرجه البخاري في "صحيحه"(1906) ك/الصوم، ب/قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1080/ 1 - 6) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالْفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، مِنْ طُرُقٍ عن نَافِعٍ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، به.
- وأخرجه البخاري في "صحيحه"(1907) ك/الصوم، ب/قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1080/ 8) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالْفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، بنحوه.
رابعًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مَدَاره على سعيد بن المُسَيّب، واختُلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: الزُّهْريّ، عن سعيد بن المُسَيّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الزُّهْريّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الزُّهْريّ، عن سالم عن ابن عُمر رضي الله عنه.
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ جميع الوجوه عن الزُّهريّ محفوظةٌ؛ قال الدَّارقُطنيّ - بعد أن ذكر جميع الأوجه المُختلف فيها على الزُّهْريّ -: وَكُلُّهَا مَحْفُوظَةٌ، وَاللَّهُ أعلم.
(1)
خامسًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ فيه سُويدٌ، وقُرَّة "ضَعيفان".
وللحديث مُتابعات في "الصحيحين"، وغيرهما - كما سبق -، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
سادسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قُرَّةَ إلا سُوَيْدٌ وَرِشْدِينٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تفرَّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية رِشْدين عن قُرَّة - والله أعلم -.
* * *
(1)
يُنظر: "العلل" للدَّارقُطنيّ (9/ 170/مسألة 1695).
[154/ 554]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: نا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ.
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ، وَمَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الشَّيْبَانِيِّ إلا جَرِيرٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الضياء في "المختارة"(1167 و 1170)، مِنْ طريق المُصَنِّف، عن أحمد بن القاسم، به.
• وأخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(11614)، وأحمد في "مسنده"(21201)، وابن ماجه في "سننه"(1541) ك/الجنائز، ب/ما جاء في ثواب مَنْ صَلَّى على جنازة ومَنِ انتظر دَفْنَهَا، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(1267)، وأبو سعيد الشَّاشي في "مسنده"(1482).
كلهم مِنْ طريق حجَّاج بن أرطاة، عن عدي بن ثابت، به، بدون قوله: " وَمَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ
…
"، وزاد ابن أبي شيبة: "الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ". وعند أحمد، والطحاوي، والشاشي: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَهُوَ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِهِ مِنْ أُحُدٍ"، وعند ابن ماجه: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! الْقِيرَاطُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ هَذَا".
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) إسماعيل بن إبراهيم، أبو مَعْمَر القَطِيْعِيُّ:"ثِقَةٌ، مأمونٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (109).
3) جَرير بن عبد الحميد، أَبُو عَبْد الله الرَّازيُّ:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (122).
4) سُلَيْمان بن أَبي سُلَيْمان، أَبُو إِسْحَاقَ الشيباني الكوفي.
روى عن: عدي بن ثابت، والشَّعبي، وعكرمة، وآخرين.
روى عنه: جرير بن عبد الحميد، وشُعبة، والسفيانان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي، والنَّسائي، والدَّارقطني، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ ثقةٌ، صالح الحديث. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وروى له الجماعة.
(1)
5) عدي بن ثابت الأنصاري: "ثِقَةٌ، رُمِي بالتشيع - مع نظرٍ في ذلك - "، تقدَّم في الحديث رقم (35).
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 429، "الجرح والتعديل" 4/ 135، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 301، "تهذيب الكمال" 11/ 444، "تاريخ الإسلام" 3/ 882، "التقريب"(2568).
6) زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ بْنِ حُبَاشَةَ بْنِ أَوْسٍ، أَبُو مَرْيَمَ الأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ.
روى عن: أُبي بن كعب، وابن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وآخرين.
روى عنه: أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانيّ، وعدي بن ثابتٍ، والشَّعبي، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن سعد، والعِجْلي: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن عبد البر: أدرك الجاهلية ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من جلّة التابعين، كان عالماً بالقرآن قارئاً فاضلاً. وقال ابن حجر:"ثِقَةٌ جليلٌ، مُخضرمٌ". وروى له الجماعة.
(1)
7) أُبَي بن كعب رضي الله عنه: "صحابي جليلٌ، من كبار الصحابة"، تقدم في الحديث رقم (39).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
- وللحديث شاهدٌ في "الصحيحين" بجزئه الأول، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ وَلَمْ يَتْبَعْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ تَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ» ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ» .
(2)
واللفظ لمسلم.
وأخرج الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه" عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَإِنْ شَهِدَ دَفْنَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ، الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ» .
(3)
- وله شاهدٌ في "الصحيحين" أيضاً بجزئه الثاني، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا، حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا» يَعْنِي الثُّومَ.
(4)
واللفظ لمسلم.
- وفي الباب أيضاً عند البخاري ومُسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه
(5)
، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه
(6)
، وعند مُسلم عن أبي هُريرة رضي الله عنه
(7)
، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
(8)
.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 370، "الجرح والتعديل" 3/ 623، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 269، "الاستيعاب" 2/ 563، "تهذيب الكمال" 9/ 335، "التقريب"(2008).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(47) ك/الإيمان، ب/اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ، وبرقم (1323 و 1324) ك/الجنائز، ب/فَضْل اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وبرقم (1325) ك/الجنائز، ب/مَنِ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(945/ 1 - 6) ك/الجنائز، ب/فَضْل الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ وَاتِّبَاعِهَا.
(3)
أخرجه الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه"(946/ 1 - 2) ك/الجنائز، ب/فَضْل الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ وَاتِّبَاعِهَا.
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(853) ك/الآذان، ب/مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيِّ وَالبَصَلِ وَالكُرَّاثِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(561) ك/الصلاة، ب/نَهْي مَنْ أَكَلِ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ نَحْوَهَا.
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم (856 و 5451)، ومسلمٌ في "صحيحه" برقم (562).
(6)
أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم (854 و 855 و 5452 و 7359)، ومسلمٌ في "صحيحه" برقم (563 و 564).
(7)
أخرجه مُسلمٌ في "صحيحه" برقم (562/ 2).
(8)
أخرجه مُسلمٌ في "صحيحه" برقم (565).
رابعاً: - النظر في كلام المُصّنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الشَّيْبَانِيِّ إلا جَرِيرٌ.
ومِنْ خلال مَا سبق في التخريج يَتَّضح صحة مَا قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
- قال الإمام النووي: في هذا الحديث تصريح ينهى من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد، وهذا مذهب العلماء كافة، إلا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات مسلم:"فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا"
(1)
، وحجة الجمهور:"فَلا يَأْتِيَنَّ الْمَسَاجِدَ"
(2)
.
(3)
وقال ابن رجب الحنبلي: هذا صريحٌ بعموم المساجد، والسياق يدل عليه؛ ففي بعض الرِّوايات أنَّ ذلك وقع بخيبر
(4)
، ولم يكن بخيبر مسجد بني للنبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان يصلي بالناس في موضع نزوله منها.
(5)
- وقال النووي: ثُمَّ إنَّ هذا النهي إنَّما هو عن حضور المسجد لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما، فهذه البقول حلال بإجماع من يُعتد به، وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها، لأنَّها تمنع عن حضور الجماعة، وهي عندهم فرض عين، وحجة الجمهور: قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب: «كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لا تُنَاجِي»
(6)
.
(7)
وقال ابن رجب: وقد دلت أحاديث هذا الباب على أن أكل الثوم غير محرمٍ في الجملة، وإنما ينهى من أكله عن دخولِ المسجدِ حتى يذهبَ ريحه، وعلى هذا جمهور العلماءِ.
(8)
- وقال النووي: قال العلماء: ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ماله رائحة كريهة من المأكولات وغيرها، قال القاضي: ويلحق به من أكل فجلا وكان يتجشى. قال القاضي: وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة
(1)
أخرجها مُسْلمٌ في "صحيحه"(562/ 2) ك/الصلاة، ب/نَهْي مَنْ أَكَلِ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ نَحْوَهَا.
(2)
أخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(561) ك/الصلاة، ب/نَهْي مَنْ أَكَلِ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ نَحْوَهَا.
(3)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(5/ 48 - 50).
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(853) ك/الآذان، ب/مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النِّيِّ وَالبَصَلِ وَالكُرَّاثِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(561) ك/الصلاة، ب/نَهْي مَنْ أَكَلِ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ نَحْوَهَا، كلاهما عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وذكره.
(5)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (8/ 5).
(6)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(7359) ك/الاعتصام، ب/الأَحْكَام الَّتِي تُعْرَفُ بِالدَّلَائِلِ، وَكَيْفَ مَعْنَى الدِّلَالَةِ وَتَفْسِيرُهَا، ومُسلمٌ في "صحيحه"(564) ك/الصلاة، ب/نَهْي مَنْ أَكَلِ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ نَحْوَهَا.
(7)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(5/ 48 - 50).
(8)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (8/ 14 - 19).
غير المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات، وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها، ولا يلتحق بها الأسواق ونحوها.
(1)
- وقال ابن رجب الحنبلي: وقد استدل قومٌ من العلماء بأحاديث هذا الباب على أن حضور الجماعة في المساجد ليست فرضاً؛ لأنها لو كانت فرضاً لم يُرخص في أكل الثوم وينهى مَن أكله عن حضور المسجد، وجعلوا أكل هذهِ البقولِ التي لها ريحٌ خبيثةٌ عذراً يبيح ترك الجماعةِ.
ورد عليهم آخرون: فقال الخطابي: قد توهم هذا بعضُ الناس؛ قال: وإنما هو - يعني: النهي عن دخول المسجد - توبيخٌ له وعقوبةٌ على فعله إذ حرم فضيلة الجماعةَ.
- ثُمَّ قال ابن رجب: ودخولُ المسجد مع بقاء ريح الثوم محرمٌ، وهو قولُ طائفةٍ من أصحابنا وابن جرير وغيرهم من العلماء.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(5/ 48 - 50).
(2)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (8/ 14 - 19). ومَن رام المزيد، فليُراجع "فتح الباري" لابن حجر (2/ 339 - 345).
[155/ 555]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو خَالِدٍ الْخَبَّازُ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ:
مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ؟ فَقَالَ: هُوَ ذَاكَ بَيْتُهُ.
قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ؟ قَالَ: مَا أَقُولُ فِي رَجُلٍ أَذْنَبَ ذَنْبًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، فَعَفَا عَنْهُ، وأَذْنَبَ ذَنْبًا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، فَقَتَلْتُمُوهُ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُجَاهِدٍ إلا مُجَالِدٌ، ولا عن مُجَالِدٍ إلا أبو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، تَفَرَّدَ به: يَزِيدُ بن مِهْرَانَ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه المُصَنِّف في "المعجم الكبير"(13533)، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم، وبشر بن موسى، قالا: حدَّثنا يَزيد بن مِهْران، به.
• وأخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(32042)، والبخاري في "صحيحه"(3704)، وأبو طاهر المُخَلِّص في "المُخَلِّصيَّات"(57) - ومِن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(39/ 498) -، مِنْ طريق سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قال:"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ عَنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ، قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ مَحَاسِنَ عَمَلِهِ، قَالَ: هُوَ ذَاكَ بَيْتُهُ، أَوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤكَ؟ قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ انْطَلِقْ فَاجْهَدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ". واللفظ للبخاري، وابن أبي شيبة مُختصراً.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) يَزِيدُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو خَالِدٍ الْخَبَّازُ: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (130).
3) أَبُو بَكْر بنُ عَيَّاشِ الأَسَدِيُّ: "ثِقَةٌ عابدٌ، لمَّا كَبُر ساء حفظه، وكتابه صحيحٌ"، تَقَدَّم في الحديث (43).
4) مُجَالِدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ عُمَيْرِ بنِ بِسْطَامَ الهَمْدَانِيُّ: "ليس بالقوي"، تَقَدَّم في الحديث رقم (133).
5) مُجاهد بن جبر: "ثقةٌ إمامٌ في التفسير وفي العلم"، تَقَدَّم في الحديث رقم (81).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث (6).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ فيه مُجالدُ بن سعيد "ضَعيفٌ يُحتمل حديثه"، وقد تُوبع بمتابعة قاصرة، تابعه سَعيد بن عُبيدة عن ابن عُمر رضي الله عنه، أخرجها البخاري في "صحيحه"، كما سبق ذكره في التخريج، وعليه فالحديث بمتابعاته يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُجَاهِدٍ إلا مُجَالِدٌ، ولا عن مُجَالِدٍ إلا أبو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، تَفَرَّدَ به: يَزِيدُ بن مِهْرَانَ.
مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
[156/ 556]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِيُّ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ الأَفْطَسُ، قَالَ: نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ طَاوُسٍ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَا جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن سُفْيَانَ، عن أَيُّوبَ بن موسى إلا عَبْدُ اللَّهِ بن سَلَمَة، تَفَرَّدَ به: القَوَارِيرِيُّ.
وَرَوَاهُ أبو نُعَيْمٍ، والنَّاسُ: عن سُفْيَانَ، عن أبي مُوسَى اليَمَانِيِّ.
هذا الحديث مَداره على سُفيان الثوري، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عن أَيُّوبَ بن مُوسَى، عن طَاوُسٍ، عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عن أبي مُوسَى اليَمَانِيّ، عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عن أَيُّوبَ بن مُوسَى، عن طَاوُسٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول: ولم أقف على مَنْ رواه عن سُفْيان بهذا الوجه إلا عبد الله بن سلمة الأفطس:
أخرجه الطبراني في "الأوسط"(556) - وهي رواية الباب -.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) عُبَيد الله بن عُمَر بن مَيْسَرة، القَوَاريري:"ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (114).
3) عَبْدُ الله بْن سَلَمَةَ، أبو عَبْد الرحمن البصْريّ الأفطس.
روى عن: الثوري، والأعمش، وموسى بْن عُقْبة، وآخرين.
روى عنه: عَمرو بن علي الفلاس، وأبو كامل الجَحْدَريّ، وعُبيد الله القَواريريّ، وآخرون.
حاله: قال أحمد: ترك النَّاس حديثه، وكان خبيث اللسان. وقال يحيى بن سعيد: ليس بثقةٍ. وقال ابن المديني: ذهب حديثه. وقال أبو حاتم، وعَمرو بن علي الفلَّاس، والنَّسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبَّان: كان سيء الحِفْظ فاحش الخَطَأ كثير الوهم. وقال ابن عدي: هو مع ضَعْفه يُكتب حديثه. وقال الذهبي: كان يستخف بالأئمّة، قال: يكذب سُفْيان، وتكلّم في غُنْدَر، وقال عن القطّان: ذاك الأحول، وكذا سُنّة الله في كلّ من ازدرى بالعلماء، بقي حقيرًا. فالحاصل: أنَّه "متروك الحديث".
(1)
4) سُفيان الثوري: "ثقةٌ حافظٌ فقيهٌ عابدٌ إمامٌ حجةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (86).
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 5/ 100،"الجرح والتعديل" 5/ 69، "الضعفاء والمتروكون" للنَّسائي (ص/152)، "المجروحين" لابن حبَّان 2/ 20، "الكامل" لابن عدي 5/ 326، "تاريخ الإسلام" 4/ 1139، "ميزان الاعتدال" 2/ 431، "لسان الميزان" 4/ 487.
5) أَيُّوب بن موسى بن عَمْرو بن سَعِيد بن العاص بن سَعِيد بن العاص، أَبُو موسى المكي.
روى عن: الزُّهري، وطاووس، وعطاء بن أبي ربَاح، وآخرين.
روى عنه: السُّفْيانان، وشعبة، ومالك، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن سعد، والعِجْلي، وأبو زرعة، وأبو داود، والنَّسائي، والدَّارقطني، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ثِقَةٌ ليس به بأسٌ. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن عبد البر: ثِقَةٌ حافظ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وروى له الجماعة.
(1)
6) طاووس بن كَيْسَان اليماني: "ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
7) عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ثانياً: - الوجه الثاني:
سُفْيَانُ، عن أبي مُوسَى اليَمَانِيّ، عن وَهْبِ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني: ورواه عن سُفْيَان بهذا الوجه الجماعة، كالآتي:
• أخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(32957) - ومِنْ طريقه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1090) -، قال: حدَّثنا وَكِيعٌ، قال: ثنا سُفْيَانُ، به، بدون قوله:"وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ". وقال ابن عبد البر: إلى ها هنا انْتَهَى حَدِيثُ وَكِيعٍ، وكان يَخْتَصِرُ الأحاديث ويحذفها كثيرًا.
• وأحمد في "مسنده"(3362)، والترمذي في "سننه"(2256) ك/الفتن، ب/69، والنَّسائي في "السنن الكبرى"(4802) ك/الصيد، ب/اتِّبَاعُ الصَّيْدِ، وفي "الصغرى"(4309)، وفي "الإغراب"(200)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1089)، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ، حدَّثنا سُفْيَانُ، به.
وقال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حديث ابن عَبَّاسٍ، لا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ حديث الثَّوْرِيِّ.
• والبخاري في "التاريخ الكبير"(9/ 649)، وأبو داود في "سننه"(2859) ك/الصيد، ب/اتِّبَاعُ الصَّيْدِ، عن يحيى بن سَعِيدٍ القطان، عن سُفْيَانَ، به، وعند أبي داود: قال سفيان مَرَّة: ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
• وأبو عُمر السُّلمي في "جزئه"(1016) - ومِنْ طريقه الذهبي في "معجم الشيوخ"(2/ 256) -، مِن طريق سَعْد بن الصَّلْتِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، به. وقال الذهبي: تَفَرَّد به الثوري.
• والطبراني في "المعجم الكبير"(11030) - ومِنْ طريقه البيهقي في "الكبرى"(20253) -، قال: حدَّثنا عَلِيُّ بن عَبْدِ العَزِيزِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الفضل بن دُكين، ثنا سُفْيَانُ، به.
• وأبو نُعيم في "حلية الأولياء"(4/ 72) - ومِنْ طريقه الذهبي في "السير"(4/ 552) -، والبيهقي في "الكبرى"(20254)، وأبو الخير التَّبْريزي في "النَّصيحة للراعي والرعية"(ص/62)، مِنْ طريق الطبراني، قال: ثنا محمَّد بن الحسن بن كَيْسَان، قال: ثنا أبو حُذَيْفَة موسى بن مسعود النَّهْديّ، قال: ثنا سُفْيَانُ، به.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 241، "الجرح والتعديل" 2/ 257، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 53، "تهذيب الكمال" 3/ 494، "تهذيب التهذيب" 1/ 412، "التقريب"(625).
وقال أبو نُعيم: رواهُ أبو نُعَيْم وأبو قُرَّةَ عن سُفْيَان نحوه. وأبو موسى هو اليَمَانِيُّ لا نَعْرِفُ له اسْمًا. وقال التبريزي: هذا حديثٌ حسنٌ. وقال الذهبي: أبو موسى مجهولٌ.
• وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1091)، بسنده مِن طريق مُصْعب بن ماهان، عن الثوري، به.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد أحمد):
1) عبد الرحمن بن مَهْدي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ حافظٌ عارفٌ بالرجال والحديث".
(1)
2) سُفيان الثوري: "ثقةٌ حافظٌ فقيهٌ عابدٌ إمامٌ حجةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (86).
3) أبو موسى اليماني: ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ولم يُوردا فيه جرحاً أو تعديلاً. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي في "السير": مجهول. وقال في "الميزان": شيخ يماني يُجَهَّل، وما روى عنه غير الثوري، ولعله إسرائيل ابن موسى، وإلا فهو مجهول. وقال ابن حجر في "التقريب": مجهولٌ، ووهم مَنْ قال: إنَّه إسرائيل بن موسى.
(2)
(3)
4) وهب بن مُنَبِّه بن كامل اليماني: "ثِقَةٌ".
(4)
5) عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثاً: - النظر في الخلاف والترجيح:
أ النظر في الخلاف: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَداره على الثوري، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عن أَيُّوبَ بن مُوسَى، عن طَاوُسٍ، عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
ولم يَروه عن سُفيان بهذا الوجه إلا عبد الله بن سلمة الأفطس، وهو متروك الحديث، كما سبق.
الوجه الثاني: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عن أبي مُوسَى اليَمَانِيّ، عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
بينما رواه بهذا الوجه عن الثوري جماعةٌ مِن الثقات أهل الحفظ والإتقان، كوكيع بن الجرَّاح، ويحيى بن سعيد القطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وآخرون.
ب الترجيح بين الوجهين: مِنْ خلال مَا سبق يَتَّضح أنَّ الوجه الثاني هو الراجح؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية، والأحفظية: حيث رواه الجماعة مِنْ الثقات بالوجه الثاني.
2) أنَّ الوجه الأول انفرد به عبد الله بن سلمة الأفطس، وهو متروك الحديث.
(1)
يُنظر: "التقريب"(4018).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 9/ 70، "الجرح والتعديل" 9/ 438، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 664، "سير أعلام النبلاء" 4/ 552، "الميزان" 4/ 578، "تهذيب التهذيب" 12/ 252، "التقريب"(8404).
(3)
قلتُ: وليس هو إسرائيل بن موسى "الثقةٌ"، وإن كان كلاً منهما يَروى عن وهب بن مُنَبِّه، ويَروي عنه سُفيان الثوري، إلا أنَّ هذا بَصْري، وذاك يَمانيٌّ، وقال الحافظ ابن حجر في "التهذيب": وقد فرق بينهما غير واحد. وقال في "التقريب": ووهم مَنْ قال إنَّه إسرائيل بن موسى. يُنظر: "تهذيب الكمال" 2/ 514، "تهذيب التهذيب" 1/ 261، "التقريب"(8404).
(4)
يُنظر: "التقريب"(7485).
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِنْ خلال مَا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل عبد الله بن سلمة الأفطس "متروك الحديث"، وقد انفرد به مع المخالفة.
ب الحكم على الحديث مِن وجهه الراجح:
مِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح بإسناد الإمام أحمد "ضَعيفٌ"؛ فيه أبو موسى اليماني "مجهول الحال".
وأخرج الخطيب البغدادي في "الكفاية"(1/ 296/243) بسنده عن شعبة، قال: لا تحملوا عن الثَّوْرِيِّ إلا عَمَّنْ تَعْرِفُونَ، فإنَّه كان لا يُبَالي عمَّن حمل. وبسنده أيضاً قال: سُفْيَانُ ثِقَةٌ يَرْوِي عن الكذَّابِينَ.
والحديث ضَعَّفَه العقيلي في "الضعفاء الكبير".
(1)
وقال ابن القَطَّان: وأبو مُوسَى هذا لا يُعرف البَتَّةَ، وقول التِّرمذيّ فيه: حسنٌ، هُوَ باعتبار قول من يَقبل أحاديث هذا النَّوع، ولا يَبْتَغِي فيهم على الإسلام مزيداً، ما لم يثبت فيه ما يُتْرك له رواياتهم، وسواء عند هؤلاء روى عن أحدهم وَاحِدٌ أو أَكثر.
(2)
وقال النووي: رواه الطبراني في "الكبير"، وفي إسناده نظرٌ.
(3)
بينما قال ابن عبد البر: وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "مَنْ لَزِمَ الْبَادِيَةَ جَفَا".
(4)
وقال التبريزي: هذا حديثٌ حسنٌ.
(5)
وجوَّد إسناده ابن مُفلح جازماً بأنَّ أبا موسى هو: إسرائيل بن موسى.
(6)
وسبق قول الحافظ ابن حجر: ووهم مَنْ قال: إنَّه إسرائيل بن موسى. وذكره السيوطي، وعزاه إلى الطبراني، ورمز له بالحسن.
(7)
قلتُ: سبق قول غير واحدٍ مِنْ أهل العلم القول بجهالة أبي موسى اليماني هذا، ولعلَّ مَنْ صحح الحديث اعتبر أبا موسى هو إسرائيل بن موسى كما فعل ابن مُفلح، والصواب التفريق بينهما، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "الضعفاء الكبير" للعقيلي 4/ 410.
(2)
يُنظر: "بيان الوهم والإيهام"(4/ 362/1949).
(3)
يُنظر: "المجموع شرح المهذب"(15/ 293).
(4)
يُنظر: "التمهيد"(18/ 144).
(5)
يُنظر: "النَّصيحة للراعي والرعية"(ص/62).
(6)
يُنظر: "الآداب الشرعية" 3/ 350.
(7)
يُنظر: "الجامع الصغير"(8558).
مُتابعات للحديث:
وللحديث طريقٌ آخر عن ابن عبَّاس رضي الله عنه، أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 409)، والبيهقي في "شُعب الإيمان"(9402)، كلاهما مِن طريق يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ بن بُكَيْرٍ، عن يَحْيَى بن صَالِحٍ الأَيْلِيّ، عن إسماعيل بن أُمَيَّةَ، عن عطاءٍ، عن عبد اللهِ بن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَلَّقَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ لَزِمَ الْبَادِيَةَ جَفَا، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ".
وقال العقيلي: يحيى بن صَالِحٍ الأَيْلِيُّ عن إسماعيل بن أُمَيَّةَ، عن عَطَاءٍ، أحاديثُهُ مناكِيرٌ، أخشى أن تكون، مُنْقَلِبَةً، فإنَّها لعُمر بن قيس
(1)
أشبه. وقال البيهقي: تَفَرَّدَ به يَحْيَى بن صَالِحٍ بإسنادِهِ. وقال ابن عدي: وقد رُوى عن يَحْيى بن بُكَير، عن يَحْيى بن صالح الأَيْلِي غير ما ذكرت، وكلها غير محفوظة.
(2)
وهذا الحديث عدَّه الذهبي وابن حجر أيضاً مِنْ مَناكير يحيى بن صالح.
(3)
قلتُ: وعليه فهذه المتابعة لا يُفرح بها فهي ضَعيفةٌ لا تصلح للاعتبار، لكونها مِنْ مناكير راويها.
شواهدٌ للحديث:
وللحديث شاهدٌ مِنْ حديث أبي هُريرة رضي الله عنه، والبراء بن عازب رضي الله عنه، ومَدار حديثهما على الحسن بن الحكم النَّخعي، وقد اختلف عليه فيه مِنْ ثلاثة أوجه
(4)
،
أصَحها عنه
(5)
:
(1)
وعُمر بن قيسٍ هذا قال عنه الحافظ ابن حجر: متروك. يُنظر: "التقريب"(4959).
(2)
يُنظر: "الكامل" لابن عدي 9/ 109.
(3)
يُنظر: "الميزان" للذهبي 4/ 386، "لسان الميزان" 8/ 451.
(4)
الوجه الأول: الحسن بن الحكم النَّخَعِيّ، عن عَدِيِّ بن ثَابِتٍ، عن أبي حازم، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الحسنُ بن الحكم، عن عديِّ بن ثَابِتٍ، عن شَيْخٍ مِنَ الأنصَارِ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الحسن بن الحكم، عن عَدِيِّ بن ثَابِتٍ، عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنه.
أمَّا الوجه الأول فقد رواه عن الحسن: إسماعيل بن زكريا الخُلْقانيُّ، قال فيه ابن حجر في "التقريب" (445): صدوقٌ يُخطئ قليلاً. وأمَّا الوجه الثالث فقد رواه عن الحسن: شريك النَّخعي، قال ابن حجر في "التقريب" (2787): صدوقٌ يُخْطئ كثيراً. وكلاهما (إسماعيل، وشريك) قد خالفا ما رواه الثقات عن الحسن بالوجه الثاني، كما سيأتي إن شاء الله عز وجل.
وليس لأحدٍ أن يقول: إنَّ الشيخ الأنصاري المذكور في الوجه الثاني، قد ورد تسميته في الوجه الأول، فرواه عدي بن ثابت عن أبي حازم، وليس هذا بصحيح؛ فالراوي المبهم في الوجه الثاني أنصاري، وأمَّا أبو حازم فكوفي وهو الأشجعي.
(5)
وللمزيد في ذلك يُنظر: "العلل الكبير" للترمذي 2/ 829، "العلل" لابن أبي حاتم 2/ 246، "العلل" للدارقطني 8/ 240، "السنن الكبرى" للبيهقي 10/ 173، "شُعب الإيمان" للبيهقي 7/ 48، "المقاصد الحسنة" للسخاوي 1/ 415، "أحاديث مُعلةٌ ظاهرها الصحة" مقبل بن هادي الوادعي (ص/421).
ما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(9683)، قال: حدَّثنا يَعْلَى، ومحمَّد، ابنا عُبَيْدٍ، قالا: حدَّثنا الحسنُ بن الحكم، عن عديِّ بن ثابت، عن شيخٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَا جَفَا، وَمَنْ تَبِعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتُتِنَ، وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا، إِلا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ عز وجل بُعْدًا» .
(1)
قلتُ: وهذا الحديث له علَّتان:
الأولى: الحسن بن الحكم النَّخعي: وثقه أحمد وابن معين. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. بينما تكلم فيه ابن حبَّان، فقال: يُخطئ كثيراً ويهم شديداً، لا يُعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، وذكر له هذا الحديث في ترجمته، وقال: الخبر بهذا اللفظ باطلٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ يُخطئ.
(2)
والثانية: إبهام الراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه. قلتُ: وعليه فيبقى الحديث على ضَعفه، والله أعلم.
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن سُفْيَانَ، عن أَيُّوبَ بن موسى إلا عَبْدُ اللَّهِ بن سَلَمَة، تَفَرَّدَ به: القَوَارِيرِيُّ. وَرَوَاهُ أبو نُعَيْمٍ، والنَّاسُ: عن سُفْيَانَ، عن أبي مُوسَى اليَمَانِيِّ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
وقال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حديث ابن عَبَّاسٍ، لا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ حديث الثَّوْرِيِّ.
(3)
قلتُ: ذكر ابن عبد البر أن هذا الحديث رواه الثوري، وابن عُيَيْنَة عن أبي موسى اليماني عن وهبٍ عن ابن عبَّاس رضي الله عنه.
(4)
ولم أقف عليه مِنْ رواية ابن عُيَيْنَة، فالله أعلم.
بل وَرُوي الحديث مِنْ طريقٍ آخر عن ابن عبَّاس رضي الله عنه، فقد أخرجه العقيلي والبيهقي - كما سبق ذكره في المتابعات - مِنْ طريق يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ بن بُكَيْرٍ، عن يَحْيَى بن صَالِحٍ الأَيْلِيّ، عن إسماعيل بن أُمَيَّةَ، عن عطاءٍ، عن عبد اللهِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه، والله أعلم.
* * *
(1)
وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(429) عن عيسى بن يُونس، وبرقم (430) عن يَعلى بن عُبيد، وأبو داود في "سننه"(6860) ك/الصيد، ب/اتِّباع الصيد، - ومِن طريقه البيهقي في "الشعب"(9404) - عن محمد بن عُبيد، ثلاثتهم (عيسى، ويَعلى، ومحمد) عن الحسن بن الحكم، به.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 7، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 233، "الميزان" 1/ 486، "التقريب"(1229).
(3)
يُنظر: "السنن" للترمذي حديث رقم (2256).
(4)
يُنظر: "التمهيد"(18/ 144).
[157/ 557]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن القَاسِمِ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بن جَمِيلٍ المَرْوَزِيُّ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بن المُبَارَكِ، قَالَ: نا رَوْحُ بن القَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بن أَبِي بَكْرٍ.
عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ» . وَأَشَارَ بِإصْبِعَيْهِ الإِبهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا.
* لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَوْحٍ إلا ابنُ الْمُبَارَكِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
- أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 311) عن محمد بن عبد الرحيم، عن أحمد بن جَميل، به.
- وأخرجه أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن حرب في "البر والصلة"(153)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 310) عن بشر بن محمد السختياني، كلاهما (الحُسين، وبشر) عن عبد الله بن المبارك، به.
- وأخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(25439)
(1)
- ومِنْ طريقه البيهقي في "الشعب"(8674)، وفي "الآداب"(24)، والمزي في "التهذيب"(26/ 14) -، والبخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 166)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(2631) ك/البر والصلة، ب/فضل الإحسان إلى البنات، كلهم عن أبي أحمد الزُّبيري.
وأخرجه أبو عوانة - كما في "إتحاف المهرة" لابن حجر (2/ 134/حديث رقم 1389) - مِنْ طريق محمد بن عُبيد الطَّنَافسي. كلاهما (الزبيري، والطَّنَافسي) عن محمد بن عبد العزيز الرَّاسبي - مِنْ أصح الأوجه عنه
(2)
- عن عبيد الله بن أبي بكر، بنحوه. ولفظ مسلم:«مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.
(1)
وقع في المطبوع مِنْ "المُصَنَّف" لابن أبي شيبة: عن أبي بكر بن عُبيد الله بن أنس، وهو خطأ، فقد أخرجه البيهقي في "الشعب" وفي "الآداب" والمزي في "تهذيب الكمال" مِن طريق ابن أبي شيبة على الصواب.
(2)
يُنظر: "الأدب المفرد" للبخاري (894)، "التاريخ الكبير"(1/ 166)، والترمذي في "سننه"(1914)، وابن أبي الدنيا في "النفقة على العيال"(111)، والحاكم في "المستدرك"(7350)، والخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(1/ 37)، والبغوي في "شرح السنة"(1682)، فهؤلاء جميعاً أخرجوه مِنْ طريق محمد بن عُبيد الطَّنَافسي، عن أبي بكر بن عُبَيْد اللَّه بن أنسٍ، وقد وقع في رواية محمد بن عُبيد خطأ في أمرين: حيث قلب اسم الراوي، فقال: عن أبي بكر بن عُبيد الله، بدلاً مِنْ عُبيد الله بن أبي بكر؛ واضطرب في هذا الحديث، فقال مرَّة عن أبيه عن أنس - كما عند البخاري -، ومَرَّة عن جده أنس بن مالك مباشرة بدون ذكر أبيه - كما عند الباقون -، والصواب ما أخرجه مُسلمٌ رحمه الله في "صحيحه" مِنْ طريق أبي أحمد الزبيري كما هو مُثْبَتٌ في الأصل، قال الترمذي: هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هذا الوجه، وقد روى محمَّدُ بن عُبَيْد الطَّنافسي، عن محمَّد بن عبد العزيز غير حديثٍ بهذا الإسناد، وقال: عن أبي بكر بن عُبَيْد اللَّه بن أنسٍ، والصَّحِيحُ هو عُبَيْدُ اللَّه بن أبي بكر بن أنسٍ. وقال المزي في "تهذيب الكمال" (19/ 10): وهو المحفوظ. وفي "إتحاف المهرة" لابن حجر (2/ 134/حديث برقم 1389)، قال: حَدِيثٌ: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ .... " أخرجه أبو عوانة في البر والصلة: عن عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ وزَيْدِ بن إسماعيل الصَّائغ وإبراهيم بن إسحاق بن أبي العَنْبَسِ القاضي، ثلاثتهم عن محمَّد بن عُبَيْدٍ، عن محمَّد بن عَبْدِ العزيز الرَّاسبيِّ، عن عُبيد الله بن أبي بكرٍ، عن أنس بن مالك، لكن في رواية إبراهيم: عن عُبَيْدِ اللَّهِ، عن أبيه، عن جدِّهِ، ولم يَقُلْهُ رفيقاه، ورَوَاهُ أبو أحمد الزُّبَيْرِيُّ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي بكر فلم يَقُلْهُ. وفي "الإتحاف" أيضاً (2/ 396/حديث رقم 1976) بعد أنْ ذكر الحديث بإسناد الحاكم عن أبي بكر بن عُبيد الله، قال: المتنُ في مسلمٍ، أخرجه مِنْ طريق: أبي أحمد الزُّبَيْرِيِّ، عن الرَّاسِبِيِّ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي بكر بن أنسٍ، عن أنسٍ. وأمَّا رِوَايَةُ الحاكم هذه فَوَهَمٌ. ويُنظر أيضاً:"تهذيب الكمال" 19/ 9، "ميزان الاعتدال"(3/ 3)، "تهذيب التهذيب"(7/ 3).
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) أحمد بن جَمِيْل، أبو يوسف المَرْوَزي:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (119).
3) عبد الله بن المبارك: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَالمٌ، جُمِعَتْ فيه خِصال الخير"، تقدَّم في الحديث (96).
4) رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، أَبُو غِيَاثٍ التَّمِيمِيّ البَصْرِيُّ.
روى عن: عُبيد الله بن أبي بكر، ومنصور بن المُعْتَمر، وهشام بن عُروة، وآخرين.
روى عنه: عبد الله بن المُبَارك، وإسماعيل بن عُلية، ويَزيد بن زُريع - وهو راويته -، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وابن المبارك، وأبو حاتم، وأبو زرعة: ثِقَةٌ. وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ. وقال ابن حبَّان: كان حافظاً مُتْقناً. وقال الدَّارقطني، وابن حجر: حافظٌ ثِقَةٌ. وقال الذهبي في "الكاشف": ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وفي "تاريخ الإسلام": أحد الحُفَّاظِ المُجَوِّدِينَ. وروى له الجماعة سوى التِّرْمِذِيّ.
(1)
5) عُبَيْدُ اللَّهِ بن أَبِي بَكْرِ بن أَنَسِ بن مَالِكٍ، أَبُو مُعَاذٍ الأَنْصَارِيُّ، البَصْرِيُّ.
روى عن: جده أنس بن مالك رضي الله عنه.
روى عنه: رَوح بن القاسم، وشُعبة، وحمَّاد بن سلمة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وأبو داود، والنَّسائي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صالحٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وروى له الجماعة.
(2)
6) أنس بن مالك: "صحابي جليلٌ مُكثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (10).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ". والحديث مِنْ طريق عُبيد الله بن أبي بكرٍ أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه" كما سبق في التخريج.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 310، "الجرح والتعديل" 3/ 496 و 3/ 495، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 305، "تهذيب الكمال" 9/ 252، "الكاشف" 1/ 399، "تاريخ الإسلام" 3/ 863، "التقريب"(1970).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 309، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 65، "تهذيب الكمال" 19/ 15، "التقريب"(4279).
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصّنِّف رضي الله عنه: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَوْحٍ إلا ابنُ الْمُبَارَكِ.
ومِنْ خلال مَا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام ابن حبَّان: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ" أراد به في الدُّخُول والسَّبْقِ لا أنَّ مَرْتَبَةَ مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أو أُخْتَيْن في الجنَّة كمرتبة المُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم سواء.
(1)
وفي "طرح التثريب"، قال: المراد بالإحسان إليهن صيانتهن، والقيام بما يُصلحهن من نفقة وكسوة وغيرها، والنظر في أصلح الأحوال لهن، وتعليمهن ما يجب تعليمه، وتأديبهن وزجرهن عما لا يليق بهن فكل ذلك من الإحسان، وإن كان بنهر أو ضرب عند الاحتياج لذلك.
وينبغي للإنسان أن يخلص نيته في ذلك ويقصد به وجه الله تعالى فالأعمال بالنيات، ومن تمام الإحسان أن لا يظهر بهن ضجرا ولا قلقا ولا كراهة، ولا استثقالا فإن ذلك يكدر الإحسان.
إنما خص البنات بذلك لضعف قوتهن وقلة حيلتهن وعدم استقلالهن واحتياجهن إلى التحصين وزيادة كلفتهن والاستثقال بهن وكراهتهن من كثير من الناس؛ بخلاف الصبيان فإنهم يخالفونهن في جميع ذلك، ويحتمل أن هذا خرج على واقعة مخصوصة فلا يكون له مفهوم، ويكون الصبيان كذلك، ويدل لهذا ما ورد في كافل اليتيم فإنه لم يخص بذلك الأنثى.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبَّان"(2/ 192).
(2)
يُنظر: "طرح التثريب في شرح التقريب"(7/ 67 - 68). ويُنظر أيضاً: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(16/ 180)، "فتح الباري" لابن حجر (10/ 428 - 429).
[158/ 558]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ القَاسِمِ، قَالَ: نا أَبِي، وَعَمِّي عِيسَى بْنُ المُسَاوِرِ، قالا: نا رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سَبْعَةٌ مِنَ السُّنَةِ فِي الصَّبِيِّ يَوْمَ السَّابِعِ: يُسَمَّى، ويُخْتَنُ، ويُمَاطُ عَنْهُ الأَذَى، وتُثْقَبُ أُذُنُهُ، ويُعَقُّ عَنْهُ، ويُحْلَقُ رَأْسُهُ، ويُلَطَّخُ بِدَمِ عَقِيقَتِهِ، ويُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعَرِهِ في رَأْسِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عَبْدِ الملك إلا رَوَّادٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
هذا الحديث لم أقف عليه - على حد بحثي - إلا برواية الباب.
والحديث ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" عن ابن عباس، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط".
(1)
وذكره ابن حجر في "الفتح" وعزاه كذلك إلى الطبراني.
(2)
وقال في "التلخيص": وفي الأَحْمَدِينَ مِنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ "الأوسط" في ترجمة أحمد بن القاسم مِنْ حديث عطاء، عن ابن عَبَّاسٍ فذكره.
(3)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
4) رَوَّاد بن الجَرَّاح الشامي: "صدوقٌ، اختلط بآخرة فَتُرِكَ"، تقدَّم في الحديث رقم (132).
5) عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، واسم أبيه مَيْسَرة، العَرْزَمِيُّ، الكُوفِيُّ.
روى عن: عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جُبير، وأنس بن سيرين، وآخرين.
روى عنه: سُفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، ورَوَّاد بن الجَرَّاح، وآخرون.
حاله: قال سُفْيان الثوري: مِنْ الحُفَّاظ، ثِقَةٌ فقيهٌ مُتْقِنٌ، وكان ميزاناً. وقال ابن معين، وأحمد، والنَّسائي، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال العِجْلي: ثِقَةٌ ثَبتٌ في الحديث. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: رُبَّما أخطأ. وقال ابنُ عَمَّارٍ: ثِقَةٌ، حُجَّةٌ. وقال الفَسَوِيُّ: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، فَقِيْهٌ. وقال الذهبي في "الميزان": ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، تَكلَّم فيه شُعْبَة للتفرد بِخَبَر الشُّفْعَة. وفي "تاريخ الإسلام": أحد الحُفَّاظ. وقال ابن حجر: صدوقٌ له أوهام.
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 59).
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(9/ 589).
(3)
يُنظر: "التلخيص الحبير"(4/ 272).
- وقال أحمد: مِنْ الحُفَّاظ، إلا أنَّه كان يُخالف ابن جُريج في إسناد أحاديث، وابن جريج أثبت منه. وقال أيضاً: وكان مِنْ أحفظ أهل الكوفة إلا أنَّه رفع أحاديث عن عطاء. وسُئل يحيى بن معين: عبد الملك أحب إليك أو ابن جريج؟ فقال: كلاهما ثقتان. وسُئل أبو حاتم: عبد الملك أحب إليك في عطاء أم الربيع بن صبحى؟ فقال: عبد الملك، وهو أحب إلى من الحجاج بن أرطاة، إلا أن يُخبر الحَجَّاج الخبر.
- وقال شُعبة: لو أنَّ عبد الملك روى حديثاً آخر مثل حديث الشفعة
(1)
لطرحت حديثه. وقيل لشعبة: إنَّك تحدث عن محمد بن عُبَيد اللَّهِ، وتدع عَبد الملك بن أبي سليمان، وهو حسن الحديث؟ قال: مِنْ حُسْنِها فَرَرْتُ. ولكن تعقبه ابن معين، والترمذي، وابن حبَّان، والخطيب البغدادي، والذهبي.
(2)
- فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ فَقيهٌ مُتْقِنٌ".
(3)
6) عطاء بن أبي رَبَاح: "ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ كثير الإرسال"، تقدَّم في الحديث رقم (37).
7) عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
(1)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(2494) ك/الشفعة، ب/الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ، وأبو داود في "سننه"(3518) ك/البيوع، ب/في الشفعة، والترمذي في "سننه"(1369) ك/الأحكام، ب/مَا جَاءَ فِي الشُّفْعَةِ لِلْغَائِبِ، والنَّسائي في "الكبرى"(6264) ك/البيوع، ب/الشُّفَعِ وَأَحْكَامِهَا، وبرقم (11714) ك/الشروط كما في "تحفة الأشراف"(2432)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، يُنْتَظَرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» . وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(2)
قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: حَدِيثُهُ فِي الشُّفْعَةِ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ النَّاسُ ولكنه ثِقَةٌ لا يُرَدُّ عَلَى مِثْلِهِ. يُنظر: "تاريخ الإسلام"(3/ 919).
وقال الترمذي في "سننه"(3/ 643/حديث رقم 1369): وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الحَدِيثِ، وَعَبْدُ المَلِكِ هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرَ شُعْبَةَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الحَدِيثِ.
وقال ابن حبَّان في "الثقات"(7/ 97 - 98): كان عبد الملك مِنْ خِيَار أهل الكوفة وحُفَّاظِهم، والغالب على مَنْ يحفظ ويحدِّث مِنْ حفظه أن يهم، وليس مِنْ الإنصاف ترك حديث شيخٍ ثبت صحت عَدَالَته بأوهام في رِوَايَته، ولو سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك حَدِيث الزُّهْرِيّ وابن جُريج والثَّوري وشُعْبَة لأنَّهم أهل حفظٍ وإتقانٍ، وكانوا يُحَدِّثُونَ مِنْ حفظهم، ولم يكونوا معصومين حتَّى لا يَهِمُوا في الرِّوَايَات، بل الاحتياط والأولى في مثل هذا قبُول ما يَرْوى الثبت مِنْ الرِّوَايَات، وترك ما صَحَّ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهَا ما لم يفحش ذلك مِنْهُ حتَّى يَغْلب على صَوَابه فإن كان كذلك استحق التّرْك حِينَئِذٍ.
وقال الخطيب في "تاريخ بغداد"(12/ 135): قد أساء شعبة في اختياره حيث حدَّث عن محمَّد بن عُبَيد الله العرزمي، وترك التحديث عن عَبد المَلِك بن أَبي سُلَيْمان، لأن محمد بن عُبَيد الله لم يختلف الأئمة من أهل الأثر في ذهاب حديثه وسقوط روايته، وأما عَبد المَلِك فثناؤهم عليه مستفيض وحسن ذكرهم له مشهور.
وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام"(3/ 919): وقد أنكر عليه شُعْبَةُ حَدِيثَهُ فِي الشُّفْعَةِ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَالِحُ الإِسْنَادِ.
(3)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 103، "الجرح والتعديل" 5/ 366، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 97، "تاريخ بغداد" 12/ 132، "تهذيب الكمال" 18/ 322، "المغني في الضعفاء" 1/ 574، "تاريخ الإسلام" 3/ 918، "الميزان" 2/ 656، "التقريب"(4184).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"، لأجل رَوَّاد بن الجَرَّاح وإنْ كان صدوقاً في نفسه لكنَّه كما قال ابن حجر "اختلط بآخرة، فتُرك حديثه"، وقد انفرد به عن عبد الملك كما قال الطبراني.
• قلتُ: الحديث ضَعيفٌ، دون قوله:"ويُلَطَّخُ بِدَمِ عَقِيقَتِهِ، ويُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعَرِهِ في رَأْسِهِ ذَهَبًا"، فالحديث بهذه الأمور "ضَعيفٌ جداً"، لأجل التفرد مع المخالفة:
- أمَّا التلطيخ بدم عقيقته: فقد صحَّ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فقد أخرج ابن حبَّان في "صحيحه" بسندٍ صحيحٍ عن عائشة رضي الله عنه، قالت: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا عَقُّوا عَنِ الصَّبِيِّ خَضَبُوا قُطْنَةً بِدَمِ الْعَقِيقَةِ، فَإِذَا حَلَقُوا رَأْسَ الصَّبِيِّ وَضَعُوهَا عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اجْعَلُوا مَكَانَ الدَّمِ خَلُوقًا» .
(1)
وأخرج الإمام أبو داود في "سننه" عن بُرَيْدَةَ بن الحُصَيْب الأسلمي، قال: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لأحَدِنَا غُلامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالإسْلام كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً، وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ.
(2)
- وأمَّا التصدق بوزن شعره ذهباً: فهو مُخالفٌ لمَا اتفقت عليه جميع الروايات، قال الحافظ ابن حجر: الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى ذِكْرِ التَّصَدُّقِ بِالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ الذَّهَبِ.
(3)
• وأمَّا بقية الحديث فله جملةٌ مِنْ الشواهد، نذكر منها ما يلي:
- عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:«كُلُّ غُلامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ وَيُسَمَّى» .
(4)
(1)
أخرجه ابن حبَّان في "صحيحه"(5308).
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(2843) ك/الضحايا، ب/في العَقِيقَةِ، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(3/ 64 و 3/ 75)، والحاكم في "المستدرك"(7594)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(19288)، وقال الحاكم: هذا حديثٌ صَحِيحٌ على شرط الشَّيخين ولم يُخَرِّجَاهُ. وقال الذهبي: صحيح على شرط البخاري ومسلم. قال الألباني في "إرواء الغليل"(4/ 389): إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن الحسين بن واقد لم يخرج له البخاري إلا تعليقا.
(3)
يُنظر: "التلخيص الحبير"(4/ 272).
(4)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(3165) ك/الذبائح، ب/العقيقة، وأبو داود في "سننه"(2838) ك/الضحايا، ب/العقيقة، والترمذي في "سننه"(1522) ك/الأضاحي، ب/العقيقة، والنَّسائي في "السنن الكبرى"(4532) ك/العقيقة، ب/متى يُعق، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سَعِيد بن أبي عَرُوبَةَ، عن قَتَادَةَ، عن الحسن، عن سَمُرَةَ، به. وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُذْبَحَ عَنِ الغُلَامِ العَقِيقَةُ يَوْمَ السَّابِعِ، فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ يَوْمَ السَّابِعِ فَيَوْمَ الرَّابِعَ عَشَرَ، فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ عُقَّ عَنْهُ يَوْمَ حَادٍ وَعِشْرِينَ.
وعند البخاري في "صحيحه" عقب الرواية رقم (5471)، أخرج بسنده عن حَبِيبِ بن الشَّهِيدِ، قال: أمرني ابنُ سِيرِينَ: أَنْ أَسْأَلَ الحَسَنَ: مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ العَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ:«مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ» .
- وأخرج البخاري في "صحيحه" مِنْ حديث سَلْمَان بن عَامِرٍ الضَّبِّيّ، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَعَ الغُلَامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى» .
(1)
• أقوال العلماء في الحكم على هذا الحديث:
قال ابن حجر في "الفتح": أخرجه الطبراني في الأوسط وفي سنده ضعف.
(2)
وقال في "التلخيص": فِيهِ رُوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
(3)
وقال الشوكاني: وفي إسناده رَوَّاد بن الجَرَّاح، وهو ضعيفٌ، وبقية رجاله ثقات، وفي لفظه ما ينكر، وهو: ثقب الأذن، والتلطيخ بدم العقيقة.
(4)
وقال الألباني: مُنكرٌ بهذا التَّمام.
(5)
بينما قال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
(6)
وتعقبه الألبانيُّ، فقال: هذا مِنْ تساهله أو ذهوله، وقد اغتررت به زمانا من دهري قبل أن أقف على رجال إسناده وقول الطبراني أن روَّاداً تفرَّد به، فلمَّا وقفت على ذلك تبينت لي الحقيقة وتركت قول الهيثمي!.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن عَبْدِ الملك إلا رَوَّادٌ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5471) ك/العقيقة، ب/إِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الصَّبِيِّ فِي العَقِيقَةِ. ويُنظر:"فتح الباري"(9/ 592).
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(9/ 589).
(3)
يُنظر: "التلخيص الحبير"(4/ 272).
(4)
يُنظر: "الدراري المضية شرح الدرر البهية"(2/ 350)، "نيل الأوطار"(5/ 161).
(5)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(11/ 717/حديث رقم 5432).
(6)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 59).
[159/ 559]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ نَدْبَةَ، قَالَ: نا رَاشِدٌ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَلَيْهِ فَرْوٌ أَحْمَرُ، فَقَالَ:«كَانَتْ لُحُفُنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَلْبَسُهَا ونُصَلِّي فِيهَا» .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن رَاشِدٍ إلا الحَسَنُ بْنُ حَبِيبٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الضياء في "المختارة"(2116) بسنده مِنْ طريق الطبراني، عن أحمد بن القاسم، به.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) عُبَيد الله بن عُمَر بن مَيْسَرة، القَوَاريري:"ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (114).
3) الحسن بن حبيب بن نَدَبة: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (47).
4) راشد بن نَجيح، أَبُو مُحَمَّدٍ الحِمَّانِيُّ البَصْرِيُّ.
روى عن: أنس بن مالك، والحسن البَصْرِيّ، وزيد بن هلال، وآخرين.
روى عنه: الحسن بن حبيب بن نَدبة، وحمَّاد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال البزار: بَصْرِيٌّ ليس به بَأْسٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: رُبَّما أخطأ. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام": شَيْخٌ مُقل مِنْ الرواية، ما علمت به بأساً. وفي "الديوان": صَدُوقٌ. وفي "الميزان": كان عارفا برسم المصاحف. وقال ابن حجر في "التقريب": صدوقٌ رُبَّما أخطأ. وقال في "الأمالي المطلقة": صدوقٌ مِنْ صغار التابعين. روى له البخاري في "الأدب"، وابن ماجه. فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ"، لانفراد ابن حبَّان بقوله: رُبَّما أخطأ.
(1)
5) أنس بن مالك: "صحابي جليلٌ مُكثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (10).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "حسنٌ لذاته"، لأجل راشد بن نجيح الحِمَّاني "صَدُوقٌ".
وأمَّا قول الطبراني: لم يَرْوِه عن رَاشِدٍ إلا الحَسَنُ بن حَبِيبٍ، فالحسن هذا "ثِقَةٌ" لا يَضر تفرُّده بالحديث.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 294 مع التعليق عليه، "الجرح والتعديل" 3/ 484، "مسند البزار" 10/ 82/حديث رقم (4148)، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 234، "تهذيب الكمال" 9/ 16، "تاريخ الإسلام" 3/ 860، "ديوان الضعفاء" 1/ 284، "الميزان" 2/ 36، "التقريب"(1857)، "الأمالي المطلقة"(ص/75).
قال الهيثمي: رواه الطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط"، عن أحمد بن القاسم، فإن كان هو ابن الرَّيَّان فهو ضَعِيفٌ، وإنْ كان غَيْرَهُ فلم أعرفهُ، وبقيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.
(1)
قلتُ: بل هو أحمد بن القاسم بن المساور الجوهري، وهو "ثِقَةٌ"، ويدل عليه السياق قبله وبعده.
وقال السيوطي: أخرجه الطبراني في "الأوسط"، رجالُ إسناده ثِقَاتٌ، إلا أحمد بن القاسم.
(2)
قلتُ: بل أحمد بن القاسم "ثِقَةٌ" كما تقدَّم في ترجمته.
وقال الألباني: إسناده جيدٌ، وأجاب عن كلام الهيثمي، بقوله: هذه غفلة منه، لأن أحمد بن القاسم هذا ليس هو الريان، وإنَّما هو أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري.
(3)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن رَاشِدٍ إلا الحَسَنُ بْنُ حَبِيبٍ.
مِنْ خلال ما سبق في التخريج يَتَّضح صحة مَا قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(5/ 130).
(2)
يُنظر: "الحاوي للفتاوي"(1/ 19).
(3)
يُنظر: "السلسلة الصحيحة"(6/ 690/حديث رقم 2791).
[160/ 560]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبِي، قَالَ: نا غَسَّانُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: نا زَكَرِيَّا بْنُ حَكِيمٍ
(1)
الْحَبَطِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ طَلَّقَهَا وَهِيَ طَاهِرٌ فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه المزي في "تهذيب الكمال"(9/ 369) بسنده مِنْ طريق الطبراني، عن أحمد بن القاسم، به. ووقع في روايته: زكريا بن عَدي الحَبَطيّ، وقال المزي: هكذا وقع في هذه الرِّوَايَةِ، والمعروف زكريا بنُ حَكِيم الحَبَطيُّ، يُعْرَفُ بالبُدِّيِّ، يَرْوِي عن الشَّعْبِيِّ وغيره، ويَرْوِي عنه محمَّد بن بكَّار بن الرَّيَّان وغيرُهُ.
• وأبو داود الطيالسي في "مسنده"(2056) قال: حدَّثنا شَيْبَانُ، عن جابر بن يَزيد الجُعْفِيّ، قال: سألتُ الشَّعْبِيَّ عن رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فقال: تَعْتَدُّ بِالتَّطْلِيقَةِ ولا تَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ، أَقُولُهُ: عَنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قلتُ: وقد اضطرب فيه جابر، فأخرجه الدَّارقطني في "سننه" بسند صحيح مِنْ طريق إسرائيل بن يونس، عن جابر، عن نافع، عن ابن عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ. قال الدَّارقطني: لَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ.
قلتُ - والله أعلم -: ولعلَّ روايته عن جابر عن نافع عن ابن عمر هي الأقرب إلى الصواب، لوجود متابعات له في "الصحيحين" عن نافعٍ - كما سيأتي بإذن الله عز وجل فدلَّ ذلك على أنَّه ضبطه عن نافع.
• وأخرجه الدَّارقطني في "سننه"(3918) مِنْ طريق الحسن بن سلام، والبيهقي في "السنن الكبرى"(14926) مِنْ طريق زُهير بن حرب، وأبو عبد الله الجلابي في "جزئه"(5) - مخطوطٌ نشر ضمن برنامج جوامع الكلم - مِنْ طريق عُبيد الله بن موسى بن باذام، ثلاثتهم (الحسن، وزُهير، وعُبيد الله) عن محمد بن سابق، وقال زُهير: نا محمَّد بنُ سَابِق أبو جعفر إملاءً مِنْ كتابه، نا شيبان بن عبد الرَّحمن، عن فِرَاس بن يحيى، عن عَامِرٍ الشَّعْبي، قال: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ وَاحِدَةً، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَهُ إِذَا طَهُرَتْ أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الطَّلاقَ فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ تَحْتَسِبُ بِالتَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
(1)
هكذا وقع في الأصل "زكريا بن حكيم" بالحاء المهملة، بعدها كاف، والحديث أخرجه المزي في "التهذيب"(9/ 369) مِنْ طريق الطبراني، وفيه:"عن زَكريا بن عدي" بالعين المهملة بعدها دال، وقال المزي: هكذا وقع في هذه الرِّوَايَةِ، والمعروف زكريا بنُ حَكِيم. وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (3/ 332): زكريا بن عدي الحَبَطِيّ، عن الشعبي، وعنه غسَّان بن عُبيد، هكذا وقع في "المعجم الأوسط" للطبراني، والمعروف زكريا بن حكيم الحَبَطِيّ. قلتُ: فلا أدري هل وقع للحافظ ابن حجر نسخة أخرى للمعجم الأوسط، ووجد فيها: زكريا بن عدي، أم أنَّه أطلق ذلك بناءً على ما في "التهذيب"، والعلم عند الله تعالى.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (126).
3) غسَّان بْن عُبَيْد المَوْصِليّ الأزْديّ.
روى عن: زكريا الحَبَطيّ، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وآخرين.
روى عنه: القاسم بن مُساور، وعبد الجبار بن عاصم، وسعدان بن نصر، وآخرون.
حاله: ذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: يَروي عن شُعْبَة نُسْخَة مُسْتَقِيمَة. وقال الدَّارقطني: صالحٌ.
وقال ابن معين: ضَعيف الحديث، لا يَعرف الحديث، إلا أنَّه لم يكن مِنْ أهل الكذب، ولكنَّه كان لا يَعقل الحديث، ولم يَسمع "الجامع" مِنْ سفيان، وإنَّما عَرَضه عليه. وقال أحمد: سَمِعَ مِنْ سفيان أحاديث يسيرة، وكتبتُ منها أحاديث، وخَرَّقْتُ حديثه منذ حين، وأَنْكَر أن يكون سمع "الجامع" من سفيان. وقال محمَّد بن عبد اللَّه بن عَمَّار: كان يُعالج الكيمياء، وما عرفناه بشيء مِنَ الحديث، ولا حدَّث ههنا بشيء. وذكر ابن عدي جملة مِنْ مناكيره، وقال: والضعف على حديثه بَيِّنٌ. ونقل الذهبي قول ابن عمَّار بأنَّه كان يُعالج الكيمياء، ثُمَّ قال: هذا يدلّ على قِلَّة وَرَعِه. وذكر في "الميزان" جملة مِنْ مناكيره.
(1)
4) زَكَرِيَّا بنُ حَكِيمٍ الحَبَطِيُّ، الكُوفِيُّ البُدِّي. ويُقال: زكريا بن عدي. وهو ابن يحيى بن حكيم.
روى عن: الشَّعبيِّ، وأبي رجاء العُطَارِدِيِّ، والحسنِ، وآخرين.
روى عنه: غسَّان بن عُبيد، وبِشْرُ بنُ الوَلِيدِ، ومحمَّدُ بنُ بَكَّارِ بنِ الرَّيَّانِ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد: ليس بشيء. وقال ابن معين أيضاً، والنَّسائي: ليس بثقة. وقال ابن المديني: هالكٌ. وقال أحمد: ترك الناس حديثه. وقال أبو حاتم: ضَعيف الحديث ليس بقوي. وقال ابن حبَّان: يَرْوِي عن الأثبات مالا يُشبه أحاديثهم حتَّى يسبق إلى القلب أنَّه المُتَعَمد لها لا يَجُوز الاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ. وقال الدَّارقطني، وابن حجر: ضَعيفٌ. وقال ابن عدي: هو في جُمْلَةِ الكُوفِيِّينَ الذين يُجْمَعُ حَدِيثُهُمْ (أي عزيز الحديث). فالحاصل: أنَّه "متروك الحديث".
(2)
5) عامر بن شَراحيل الشَّعْبي: "ثقةٌ فقيهٌ مَشْهورٌ فاضلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (72).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث (6).
(1)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 9/ 1، "الكامل" لابن عدي 7/ 113، "تاريخ بغداد" 14/ 281، "تاريخ الإسلام" 4/ 1179، "الميزان" 3/ 335، "لسان الميزان" 6/ 305،
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 419 مع التعليق عليه، "الجرح والتعديل" 3/ 596، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 314، "الكامل" لابن عدي 4/ 171، "تهذيب الكمال" 9/ 369، "تاريخ الإسلام" 4/ 366، "الميزان" 2/ 72، "تهذيب التهذيب" 3/ 332، "لسان الميزان" 3/ 505 مع التعليق عليه، "التقريب"(2025).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
• مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضعيفٌ جداً"؛ فهو مُسلسلٌ بالضُعفاء، فيه القاسم بن مُساور الجوهري "مجهول الحال"، وقد رواه عن: غَسَّان بن عُبيد الموصلي وهو "ضَعيفُ الحديث"، ورواه غَسَّان عن: زكريا الحَبَطي وهو "متروك الحديث"، قال ابن المديني: هالكٌ. وقال أحمد: ترك النَّاس حديثه. وقال ابن حبَّان: لا يجوز الاحتجاج بخبره.
• قلتُ: لكنَّه صَحَّ عن الشعبي مِنْ طريقٍ آخر، فقد أخرجه الدَّارقطني والبيهقي وأبو عبد الله الجلابي - كما سبق في التخريج - مِنْ طُرُقٍ عن محمد بن سابق، قال: نا شيبان بن عبد الرَّحمن، عن فِرَاس بن يحيى، عن عَامِرٍ الشَّعْبي، قال: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ وَاحِدَةً، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَأَمَرَهُ إِذَا طَهُرَتْ أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الطَّلاقَ فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ تَحْتَسِبُ بِالتَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
وهذا "إسناده مُرسلٌ صَحيحٌ" وهو مِنْ مراسيل الشَّعْبِيّ. وقال العِجْلِيّ: مُرْسل الشّعبِيّ صَحِيحٌ لا يَكَاد يُرْسل إلا صَحِيحاً.
(1)
وقال أبو داود: مُرْسل الشَّعْبِيّ أحب إلي مِنْ مُرْسل النَّخَعِيّ.
(2)
• ويرتقي الحديث بمتابعاته إلى "الصحيح لغيره"، فالحديث في "الصحيحين" مِنْ طُرُقٍ عِدَّة عن ابن عُمر، منها: ما أخرجه البخاري، ومسلمٌ في "صحيحيهما" مِنْ طريق مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ عز وجل أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» .
(3)
واللفظ لمسلم.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي (2/ 12).
(2)
يُنظر: "تهذيب التهذيب"(5/ 68).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5251) ك/الطلاق، ب/ (1)، ومسلمٌ في "صحيحه"(1471/ 1) ك/الطلاق، ب/تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَأَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَيُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا.
وأخرجه البخاري في "صحيحه"(5332) ك/الطلاق، ب/ چـ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ چـ[سورة "البقرة"، آية (228)] فِي العِدَّةِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(1471/ 2) ك/الطلاق، ب/تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ بِغَيْرِ رِضَاهَا، كلاهما (البخاري، ومسلمٌ) مِن طريق الليث بن سعد، ومُسلم في "صحيحه"(1471/ 3) مِنْ طريق عُبيد الله بن عُمر العُمَري، وبرقم (1471/ 5) مِنْ طريق أيوب السختياني، ثلاثتهم (الليث، وعُبيد الله، وأيوب) عن نافع، عن ابن عُمر، بنحوه.
وللحديث طُرق أخرى كثيرة عن ابن عُمر، يُنظر:"صحيح البخاري" الأرقام الآتية (5252 و 5253 و 5258 و 4908 و 7160)، و"صحيح مسلم" ك/الطلاق، ب/تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَأَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَقَعَ الطَّلَاقُ.
رابعاً: التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها، فلو طلقها أَثِمَ، ووقع طلاقه، ويُؤمر بالرجعة، لحديث ابن عمر المذكور في الباب.
وشَذَّ بعض أهل الظاهر، فقال: لا يقع طلاقه لأنَّه غير مأذون له فيه، فأشبه طلاق الأجنبية.
والصواب الأول، وبه قال العلماء كافة، ودليلهم: أمره صلى الله عليه وسلم بمراجعتها، ولو لم يقع لم تكن رجعة.
فإن قيل: المراد بالرجعة الرجعة اللغوية، وهي الرد إلى حالها الأول، لا أنه تُحسب عليه طلقة؛ قلنا: هذا غلط، لوجهين: أحدهما: أنَّ حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية يُقَدَّم على حمله على الحقيقة اللغوية كما تقرر في أصول الفقه. الثاني: أنَّ ابن عمر صَرَّح في روايات مسلم وغيره بأنَّه حسبها عليه طلقة، والله أعلم.
وأجمعوا على أنه إذا طلقها يُؤمر برجعتها، كما ذكرنا وهذه الرجعة مستحبةٌ لا واجبةٌ، هذا مذهبنا، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وفقهاء المحدثين وآخرون.
وقال مالك وأصحابه: هي واجبة.
فإن قيل ففي حديث ابن عمر هذا أنَّه أمر بالرجعة ثم بتأخير الطلاق إلى طهر بعد الطهر الذي يلي هذا الحيض، فما فائدة التأخير؟ فالجواب من أربعة أوجه:
أحدها: لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق، فوجب أن يمسكها زماناً كان يحل له فيه الطلاق، وإنما أمسكها لتظهر فائدة الرجعة، وهذا جواب أصحابنا.
والثاني: عقوبة له وتوبة من معصية باستدراك جنايته.
والثالث: أنَّ الطهر الأول مع الحيض الذي يليه وهو الذي طلق فيه كقرء واحد، فلو طلقها في أول طهر لكان كمن طلق في الحيض.
والرابع: أنَّه نهي عن طلاقها في الطهر ليطول مقامه معها، فلعلَّه يُجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها، والله أعلم.
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(10/ 60 - 69)، "فتح الباري" لابن حجر (9/ 346 - 355).
[161/ 561]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: نا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
* لم يَرْوِ هذا الحديث إلا وُهَيْبٌ، عن ابن خُثَيمٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه المُصَنِّف في "المعجم الكبير"(12475) - ومِنْ طريقه الضياء المقدسي في "المختارة"(219 و 220) -، عن أحمد بن القاسم، به.
• وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(26111) - ومِنْ طريقه الضياء في "المختارة"(222) -، وأحمد في "مسنده"(3037) - ومِنْ طريقه الضياء في "المختارة"(221) -، وأبو يَعلى في "مسنده"(2540)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 66)، وابن حبَّان في "صحيحه"(417)، مِنْ طُرُقٍ عن عَفَّان بن مُسلم، به.
• وابن ماجه في "سننه"(2609) ك/الحدود، ب/مَنِ ادَّعَى إلى غير أبيه أو تولَّى غير مواليه، قال: حدَّثنا أبو بِشْرٍ بكرُ بنُ خَلَف، قال: حدَّثنا محمد بن أبي الضيف؛ وابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" - مسند علي بن أبي طالب - (324)، قال: حدَّثني عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بن الحُرِّ، قال: حدَّثنا علي بن عاصم بن صُهيب، كلاهما (محمد، وعلي) عن عبد الله بن عُثْمان بن خُثيم، به.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَفَّان بن مسلم بن عَبْد اللَّهِ الصَّفَّار: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (102).
3) وُهَيْبُ - بالتصغير - بنُ خَالِدِ بنِ عَجْلانَ البَاهِلِيُّ، أبو بَكْرٍ البَصْرِيُّ.
روى عن: عبد الله بن عثمان بن خُثيم، وأيوب السختياني، ومنصور بن المُعْتمر، وآخرين.
روى عنه: عَفَّان بن مسلم، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القَطَّان، وآخرون.
حاله: قال ابن مهدي: كان من أبصر أصحابه بالحديث وبالرجال. وقال العِجْلي: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال ابن معين، والطيالسي، وأبو حاتم: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ما أنقى حديثه لا تكاد تجده يُحَدِّث عن الضعفاء. وقال ابن حبَّان: كان مُتْقِناً. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ لكنَّه تَغَيَّر قليلاً بآخرة. وروى له الجماعة.
(1)
4) عَبدُ اللَّهِ بن عُثْمَان بن خُثَيْم: "ثقةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (121).
5) سَعيد بن جُبير: "ثقةٌ ثبتٌ فقيهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 346، "الجرح والتعديل" 9/ 35، "الثقات" 7/ 560، "التهذيب" 31/ 167، "التقريب"(7487).
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
وأمَّا وُهيب بن خالد فقد وصفه الحافظ ابن حجر بالتغير، ولم يصفه بالاختلاط، بل وقيد ذلك أيضاً بالقلة، فقال:"تغيَّر قليلاً بآخرة"، وليس مَنْ تَغَيَّر كمن اختلط.
شَواهدٌ للحديث: أخرج البخاري ومُسْلم في "صحيحيهما" عن عَلِيّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنه، قال: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ - صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ - فَقَدْ كَذَبَ،
…
وَفِيهَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، ولا عَدْلاً» .
(1)
واللفظ لمُسلم، وليس عند البخاري:"وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ".
وأخرج الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ، ولا صَرْفٌ» .
(2)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث إلا وُهَيْبٌ، عن ابن خُثَيمٍ.
قلتُ: لم يَنْفرد به وُهيب بن خالد، بل تُوبع في هذا الحديث عن عبد الله بن عُثمان بن خُثَيْم:
- فأخرج ابن ماجه في "سننه"(2609) عن أبي بشر بكر بن خلف، عن محمد بن أبي الضَيف، عن عبد الله بن عُثمان بن خُثيم، به.
وبكر بن خلف هذا قال أبو حاتم: ثِقَةٌ.
(3)
وأمَّا محمد بن أبي الضَعيف، فقال ابن حجر:"مستورٌ. وقال صاحبا "تحرير التقريب": "مجهول الحال"، فقد روى عنه اثنان فقط، ولم يُوثِّقه أحد.
(4)
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1870) ك/فضائل المدينة، ب/حَرَم المَدِينَةِ، وبرقم (3172) ك/الجزية والموادعة، ب/ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَجِوَارُهُمْ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، وبرقم (3179) ك/الجزية، ب/إِثْم مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ، وبرقم (6755) ك/الفرائض، ب/إِثْم مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيهِ، وبرقم (7300) ك/الاعتصام، ب/مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ فِي العِلْمِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1370) ك/الحج، ب/فضل المدينة، وبرقم (1508/ 20) ك/العتق، ب/تحريم تولي العتيق غير مواليه.
(2)
أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(1508/ 19) ك/العتق، ب/تحريم تولي العتيق غير مواليه. وقال السيوطي في "الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج" (4/ 134):"من تولى قوما بِغَيْر إِذن موَالِيه": هُوَ جَار على الغَالِب لا مَفْهُوم لَهُ، وَقيل: لَهُ مَفْهُوم، وَأَنَّه يجوز التولي بإذنهم. وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/ 42 - 43): زعم الخطابي أن له مفهوماً، والأولى ما قال غيره: إن التعبير بالإذن ليس لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه، وإنما ورد الكلام بذلك على أنه الغالب.
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل"(2/ 385).
(4)
يُنظر: "التقريب، وتحريره"(5973). و"تهذيب الكمال" 25/ 404، "الكاشف" 2/ 182، "تهذيب التهذيب" 9/ 234.
- وأخرجه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" - مسند علي بن أبي طالب - (324)، قال: حدَّثني عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بن الحُرِّ، قال: حدَّثنا علي بن عاصم بن صُهيب، عن عبد الله بن عُثمان، به.
وعلي بن الحسين هذا "ثِقَةٌ".
(1)
وأمَّا علي بن عاصم فـ "ضَعيفٌ يُعتبر به".
(2)
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: هذا الحديث صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه، أو انتماء العتيق إلى ولاء غير مواليه، لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك، مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق.
(3)
وقال ابن بطال: ليس معنى الحديث أن من اشتهر بالنسبة إلى غير أبيه أن يدخل في الوعيد كالمقداد بن الأسود، وإنَّما المراد به من تحول عن نسبته لأبيه إلى غير أبيه عالماً عامداً مختاراً، وكانوا في الجاهلية لا يستنكرون أن يتبنى الرجل ولد غيره ويصير الولد يُنسب إلى الذي تبناه حتى نزل قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}
(4)
وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ}
(5)
فنسب كل واحد إلى أبيه الحقيقي، وترك الانتساب إلى من تبناه، لكن بقي بعضهم مشهوراً بمن تبناه، فيذكر به لقصد التعريف لا لقصد النسب الحقيقي، كالمقداد بن الأسود وليس الأسود أباه وإنما كان تبناه واسم أبيه الحقيقي عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة، وكان أبوه حليف كندة فقيل له الكندي، ثم حالف هو الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبنى المقداد فقيل له ابن الأسود.
(6)
* * *
(1)
يُنظر: "التقريب، وتحريره"(4713).
(2)
يُنظر: "التقريب، وتحريره"(4758).
(3)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(9/ 144).
(4)
سورة "الأحزاب"، آية (5).
(5)
سورة "الأحزاب"، آية (4).
(6)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (12/ 55).
[162/ 562]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى القَنَادِيلِيُّ
(1)
، قَالَ: نا صَالِحٌ المُرِّيُّ
(2)
، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ صَبَاحٍ، وَلا رَوَاحٍ إلا وبقَاعُ الأَرْضِ تُنَادِي بَعْضُهَا بَعْضًا: يَا جَارَةُ هَلْ مَرَّ بِكِ الْيَوْمَ عَبْدٌ صَالِحٌ صَلَّى عَلَيْكِ أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ؟ فَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ، رَأَتْ لَهَا بِذَلِكَ عَلَيْهَا فَضْلاً» .
* لا يُرْوَى هذا الحديثُ عن أنسٍ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: صَالِحٌ المُرِّيُّ.
هذا الحديث مَدَاره على صالح المُرِّيِّ، واضطرب فيه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: صَالِحٌ المُرِّيُّ، عن جعفر بن زيدٍ، وميمون بن سِيَاهٍ، عن أنس بن مالك (مرفوعاً).
الوجه الثاني: صَالِحٌ المُرِّيُّ، عن جعفر بن زيدٍ، عن أنس بن مالك (موقوفاً).
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
صَالِحٌ المُرِّيُّ، عن جعفر بن زيدٍ، وميمون بن سِيَاهٍ، عن أنس (مرفوعاً).
أ تخريج الوجه الأول: لم أقف عليه على حد بحثي إلا برواية إسماعيل بن عيسى، عن صالح:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - إلا برواية الباب - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "الحلية"(6/ 174) - عن أحمد بن القاسم، عن إسماعيل بن عيسى القناديلي، عن صالح المُرِّيِّ، به.
وقال أبو نُعيم: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ، تَفَرَّدَ به إِسْمَاعِيلُ.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) إِسْمَاعِيل بن عِيسَى القَنَادِيليُّ، طَبْخَة - بالموحدة، بعدها خاءٌ معجمة -، وقيل: طَنْجَة - بالنون، بعدها جيمٌ معجمةٌ -. روى عن: جرير بن حَازِم، وصالح المُرِّي. روى عنه: أحمد بن القاسم الجوهري.
حاله: لم أقف على أحد ترجم له، إلا ما ذكره الحافظ ابن حجر في "نزهة الألباب في معرفة الألقاب"، ولم يذكر فيه جرحاً أو تعديلاً، ولم أقف على أحدٍ روى عنه غير أحمد بن القاسم، وقال الألباني: لم أجد له ترجمة. وقال محقق "مجمع البحرين": لم أجده. فالحاصل: أنَّه "مجهول الحال".
(3)
3) صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ، أَبُو بِشْرٍ المُرِّيُّ، وَاعِظُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، القَاصُّ الزَّاهِدُ الخَاشِعُ.
(1)
لم أقف - على حد بحثي - على ما يُميز هذه النسبة، والله أعلم.
(2)
المُرِّي: بضم الميم، وتشديد الراء، نسبة إلى قبيلة مُرَّة بن الحارث بن عبد القيس. يُنظر:"اللباب"(3/ 201).
(3)
يُنظر: "نزهة الألباب في الألقاب" لابن حجر (1/ 443 و 1/ 447)، "السلسلة الضعيفة"(9/ 469/حديث رقم 4486)، التعليق على "مجمع البحرين في زوائد المعجمين"(1/ 459/حديث رقم 611) د/عبد القدوس بن محمد نذير.
روى عن: جعفر بْن زَيْد، وميمون بن سياه، وثابت البُناني، وآخرين.
روى عنه: إسماعيل بن عيسى القَنَاديليّ، وخالد بن خِدَاش، وعفَّان بن مسلم، وآخرون.
حاله: قال البخاري: مُنْكر الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث، يُكتب حديثه، وكان من المتعبدين، ولم يكن في الحديث بذاك القوى. وقال الترمذي: له غرائب يَنْفرد بها لا يُتابع عليها. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مُنْكَرات يُنْكرها الأئمة عليه، وليس هو بصاحب حديث، وإنَّما أُتي مِنْ قلة معرفته بالأسانيد والمتون، وعندي مع هذا لا يتعمد الكذب بل يغلط.
- بينما قال أحمد: كان صاحب قصص يقص، ليس هو صاحب آثار وحديث، ولا يَعرف الحديث. وقال ابن معين: ضَعيفُ الحديث. وقال أيضاً: ليس بشيء. وقال ابن المديني: ليس بشيء، ضَعيفٌ. وقال أيضاً: ضَعيفٌ جداً. وقال عمرو الفلَّاس: منكر الحديث جداً، يُحدِّث عن قوم ثقات أحاديث مناكير. وقال أبو داود: لا يُكتب حديثه. وقال النَّسائي، والدُّولابي: متروك الحديث. وقال ابن حبَّان: غلب عليهِ الخير والصَّلاح حتى غفل عن الإتقان في الحفظ، فكان يَرْوِي الشَّيء الذي سمعه مِنْ ثَابتٍ والحسن على التَّوَهُّم، فيجعله عن أنس عن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فظهر في رِوَايَته الموضوعات التي يَرْوِيهَا عن الأثبات، واستحق التّرك عند الاحْتِجَاج. وقال السعدي: واهي الحديث. وقال الدَّارقطني: لَا أعلمهُ يُسند شَيْئاً مِنْ وَجهٍ يَصح. وقال الذهبي: ما في ضَعْفِهِ نِزَاعٌ، إنَّما الخلافُ هل يُتْرَكُ حديثُهُ أو لا؟
- والحاصل: ما قاله ابن حجر: "ضعيفٌ".
(1)
4) جَعْفَر بن زيد العَبْدي من أهل البَصْرَة.
روى عن: أنس بن مالك، وأبيه. روى عنه: صالح المُرِّي، سلام بن مسكين، وحمَّاد بن زيد، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(2)
5) ميمون بن سِياه أَبُو بَحر البَصْرِيُّ.
روى عن: أنس بن مالك، وجُنْدب بن عَبد اللَّهِ البَجَلِيّ، والحسن البَصْرِيّ، وآخرين.
روى عنه: صالح المُرِّيّ، وحمَّاد بن جعفر، وحميد الطويل، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ثِقَةٌ. ووثَّقه البخاري كما نقله عنه الذهبي. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: يُخطئ، ويُخالف. وقال الدَّارقطني: يُحتج به. وقال الذهبي: ورعٌ تقيٌّ صدوقٌ. وأخرج له البخاري، والنَّسائي. قال ابن حجر في "هدي الساري": ما له في البخاري سوى حديث واحد عن أنس بمتابعة حُميد الطويل.
- وقال ابن معين: ضَعيفٌ. وقال أبو داود: ليس بذاك. وقال يعقوب بن سُفيان: ليِّن الحديث. وذكره ابن
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 273، "الجرح والتعديل" 4/ 396، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 372، "الكامل" لابن عدي 5/ 92، "تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبَّان"(ص/133)، "تاريخ بغداد" 10/ 415، "تهذيب الكمال" 13/ 16، "تاريخ الإسلام" 4/ 653، "الميزان" 2/ 289، "التقريب"(2845).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 480، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 133.
حبَّان أيضاً في "المجروحين"، وقال: كان مِمَّن يَنْفَرد بالمَنَاكِيرِ عن المَشَاهِير لا يُعجبنِي الاحتجاج بخبره إذا انفرد، فأمَّا فيما وافق الثِّقَات، فإن اعتبر به مُعْتَبر مِنْ غير احتجاج به لم أر بذلك بأساً. وقال ابن عدي: كان مِنْ الزُّهاد، والزُّهاد لا يضبطون الحديث كما يجب، وأرجو أنَّه لا بأس به.
- والحاصل: ما قاله ابن حجر في "التقريب": صدوقٌ عابدٌ يُخطئ.
(1)
6) أنس بن مالك: "صحابي جليلٌ مُكثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (10).
ثانياً: - الوجه الثاني:
صَالِحٌ المُرِّيُّ، عن جعفر بن زيدٍ، عن أنس بن مالك (موقوفاً).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(335)، قال: أخبرنا صَالِحٌ المُرِّيُّ، قال: حدَّثنا جعفرُ بن زَيْدٍ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: " مَا مِنْ صَبَاحٍ، ولا رَوَاحٍ، إلا تُنَادِي بِقَاعُ الأَرْضِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ،
…
وذكره".
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) عبد الله بن المُبارك المروزي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقيهٌ عالمٌ".
(2)
2) صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ، أَبُو بِشْرٍ الْمُرِّيُّ:"ضَعيفٌ"، تقدَّم في الوجه الأول.
ت مُتابعات للوجه الثاني:
وهذا الوجه لم يَنْفرد به صالح المُرِّي، بل تابعه مِسْعر بن كِدام، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(34757)، قال: حدَّثنا محمَّد بن بِشْرٍ، قال: حدَّثنا مِسْعَرٌ، عن محمَّد بن خالد (الضَّبيّ): أنَّ أَنَسًا كان يقول: " مَا مِنْ رَوْحَةٍ ولا غَدْوَةٍ إلا تُنَادِي كُلُّ بُقْعَةٍ جَارَتَهَا: يَا جَارَتِي، هَلْ مَرَّ بك الْيَوْمَ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ عَبْدٌ ذَاكِرٌ لِلَّهِ عَلَيْكَ؟ فَمِنْ قَائِلَةٍ: نَعَمْ، وَمِنْ قَائِلَةٍ: لا ".
قلتُ: وفيه محمد بن خالد الضَّبِّي "صدوقٌ"
(3)
، لكنَّه لم يَسْمع مِنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال العلائي: قال أحمد: مِنْ أين أدرك محمد بن خالد أنساً أو رآه؟! وقال ابن معين: لم يسمع مِنْ أنس ووثَّقَهُ.
(4)
ثالثاً: - النظر في الخلاف على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على صالح المُرِّيِّ، واضطرب فيه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: صَالِحٌ المُرِّيُّ، عن جعفر بن زيدٍ، وميمون بن سِيَاهٍ، عن أنس بن مالك (مرفوعاً).
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 233، "الثقات" 5/ 418، "المجروحين" 3/ 6، "الكامل" 8/ 161، "التهذيب" 29/ 204، "الكاشف" 2/ 311، "الميزان" 4/ 233، "لسان الميزان" 9/ 434، "التقريب"(7045)، "هدي الساري"(ص/447).
(2)
يُنظر: "التقريب"(3570).
(3)
يُنظر: "التقريب"(5851).
(4)
يُنظر: "جامع التحصيل في أحكام المراسيل"(ص/263)، "تحفة التحصيل"(ص/276).
الوجه الثاني: صَالِحٌ المُرِّيُّ، عن جعفر بن زيدٍ، عن أنس بن مالك (موقوفاً).
مِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثاني (الموقوف) هو الأقرب إلى الصواب، للقرائن الآتية:
1) الأحفظية: فراوية الوجه الثاني (عبد الله بن المبارك) أحفظ وأثبت مِنْ راوية الوجه الأول.
2) قال ابن حبَّان في ترجمة صالح المُرِّي: كان يَرْوِي الشَّيء الذي سمعه مِنْ ثَابتٍ والحسن وهؤلاء على التَّوَهُّم، فيجعله عن أنس عن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وقال الدَّارقطني: لَا أعلمهُ يُسند شَيْئاً مِنْ وَجهٍ يَصح.
3) وجود مُتابعات للوجه الثاني عن أنس موقوفاً، دون الوجه الأول، كما سبق.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكرٌ"؛ لأجل إسماعيل بن عيسى القَنَاديليّ "مجهول العين"، وانفرد به مرفوعاً عن صالح المُرِّي، مع مُخالفته لِمَا رواه مَنْ هو أوثق مِنْه وأثبت كما سبق.
وقال الهيثمي: رَوَاهُ الطبرانيُّ في "الأوسط"، وفيه: صالحٌ المُرِّيُّ ضَعِيفٌ.
(1)
وقال الألباني - بعد أنْ ذكر الحديث بإسناد الطبراني -: ضَعيفٌ.
(2)
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
- وأمَّا الحديث مِنْ وجهه الراجح (الموقوف) فإسناده "ضَعيفٌ"، لأجل صالح المُرِّي "ضَعيفٌ".
- قلتُ: والحديث أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المُصَنَّف" - كما سبق في التخريج - قال: حدَّثنا محمَّد بن بِشْرٍ، قال: حدَّثنا مِسْعَرٌ، عن محمَّد بن خالد، عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، وذكر الحديث بنحوه، دون قوله:"فَإِذَا قَالَتْ: نَعَمْ، رَأَتْ لَهَا عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَضْلاً"، وسنده "ضَعيفٌ" لأجل محمد بن خالد الضَّبِّي، قال أحمد وابن معين: لم يَسْمع مِنْ أنس بن مالك، كما سبق بيانه.
وعليه فالحديث بمجموع الطريقين يرتقي مِنْ "الضَعيف" إلى "الحسن لغيره"، دون قوله:"فَإِذَا قَالَتْ: نَعَمْ، رَأَتْ لَهَا عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَضْلاً"، فهي على ضَعفها حتى نقف على مَا يَشْهد لها.
- وفي الباب عن ابن عبَّاس رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(11470)، قال: حدَّثنا محمَّد بن عبد اللهِ الحضرميُّ، ثنا أحمد بن بكر البَالِسِيُّ، ثنا محمَّد بن مُصْعَب القُرْقَسَانيُّ، ثنا الأَوْزَاعِيُّ، عن عطاء، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ بُقْعَةٍ يُذْكَرُ اللهُ فِيهَا بِصَلاةٍ، إلا فَخَرَتْ عَلَى مَا حَوْلَهَا مِنَ الْبِقَاعِ، واسْتَبْشَرَتْ بِذِكْرِ اللهِ مُنْتَهَاهَا إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» .
قلتُ: وفيه محمد بن مُصَعب القُرْقَسانيّ، "ضَعيفٌ يُعتبر به"، وتكلَّم غير واحد مِنْ أهل العلم في روايته
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(2/ 6).
(2)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(9/ 469/حديث رقم 4486).
عن الأوزاعي على وجه الخصوص، قال الإمام أحمد: كان القُرْقَساني صغيراً في الأوزاعي. وقال أبو زرعة: محمد بن مُصَعب يُخطئ كثيراً عن الأوزاعي.
(1)
ولم أقف - على حد بحثي - على أحدٍ تابعه في هذا الحديث عن الأوزاعي. ورواه عنه أحمد بن بكر البَالِسِيّ ذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: كان يُخطئ. وقال الدَّارقطني: ضَعيفٌ. وقال الأزدي: كان يَضع الحديث.
(2)
وقال الهيثمي: رواه الطَّبرانيُّ، وفيه أحمد بن بكرٍ البَالِسِيُّ، وهو ضَعِيفٌ جِدَّاً.
(3)
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لا يُرْوَى هذا الحديثُ عن أنسٍ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: صَالِحٌ المُرِّيُّ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّفُ رضي الله عنه.
والحديث أخرجه أبو نُعيم في "الحلية" - كما سبق - مِنْ طريق الطبراني، وقال أبو نُعيم عقب الحديث: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ، تَفَرَّدَ به إِسْمَاعِيلُ.
* * *
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 103، "المجروحين" لابن حبَّان 2/ 293، "الكامل" لابن عدي 7/ 516، "تهذيب الكمال" 26/ 461، "الكاشف" 2/ 222، "الميزان" 4/ 42، "شرح علل الترمذي" لابن رجب 2/ 548، "تهذيب التهذيب" 9/ 459، "التقريب، وتحريره"(6302).
(2)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 8/ 51، "لسان الميزان" 1/ 411.
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 79).
[163/ 563]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ القَاسِمِ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُؤَمَّلِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، يُحَدِّثُ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي الرُّكْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ
(1)
، لَهُ لِسَانٌ، وَشَفَتَانِ، يَشْهَدَانِ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالْحَقِّ، وَهُوَ يَمِينُ اللَّهِ عز وجل الَّتِي يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عطاء، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرو إلا عَبْدُ اللَّهِ بن المُؤَمَّلِ.
هذا الحديث مَدَاره على عبد الله بن المُؤَمَّل، واضطرب فيه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: عبد الله بن المُؤَمَّل، عن عطاء بن أبي رَبَاح، عن عبد الله بن عَمرو مرفوعاً.
الوجه الثاني: عبد الله بن المُؤَمَّل، عن عطاء بن أبي رَبَاح، عن ابن عَبَّاسٍ مرفوعاً.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
عبد الله بن المُؤَمَّل، عن عطاء، عن عبد الله بن عَمرو مرفوعاً.
أ تخريج الوجه الأول: ورواه عن عبد الله بن المُؤَمَّل بهذا الوجه اثنان مِنْ الرُّواة، وهما:
• أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(945)، مِنْ طريق أحمد بن القاسم، عن سَعيد بن سُليمان، عن عبد الله بن المُؤَمَّل، به. وقال ابن الجوزي: وهذا لا يَثْبت، وأعلَّه بعبد الله بن المُؤَمِّل.
• وابن خزيمة في "صحيحه"(2737)، وأبو حفص ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال"(336)، والحاكم في "المستدرك"(1681) - ومِنْ طريقه البيهقي في "الأسماء والصفات"(729) -، ثلاثتهم مِنْ طُرُقٍ عن سعيد بن سُليمان - بإحدى الروايات عنه -، بنحوه.
وقال الحاكم: صَحيحٌ. وقال الذهبي: عبد الله بن المُؤَمَّل واهٍ. وقال البيهقي: وفي إسناده ضَعْفٌ.
• وأحمد في "مسنده"(6978)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(1058)، كلاهما مِنْ طريق سُريج بن النُّعمان الجوهري، عن عبد الله بن المُؤَمَّل، به، دون قوله:"يَشْهَدَانِ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالْحَقِّ، وَهُوَ يَمِينُ اللَّهِ عز وجل الَّتِي يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ". وقال المُنذري: رواه أحمد بإسناد حسن!
(2)
(1)
أبو قُبيس، بضم القاف: جبلٌ مَشْهورٌ بمكة، مُشْرِفٌ على الصفا، سُمِّي بِرَجُلٍ مِنْ مُذْحَجٍ كان يُكنى بأبي قُبيس؛ لأنَّه أول من بَنى فيه، وقيل: سُمِّي بذلك لأنَّه اقتُبس منه الركن، قال ابن حبَّان: والأول أصح. وكان يُسمى في الجاهلية: الأمين؛ لأن الركن كان مستودعاً فيه عام الطوفان، وهو أحد الاخشبين. يُنظر:"مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن" لابن حبَّان (1/ 330)، و"مشارق الأنوار"(2/ 199)، و"المنهاج شرح صحيح مُسلم"(12/ 155)، و"الجبال والأمكنة والمياه" للزمخشري (ص/27)، "معجم البلدان"(1/ 80)، "أطلس الحديث النبوي"(ص/26).
(2)
يُنظر: "الترغيب والترهيب" حديث رقم (1683).
ب دراسة إسناد الوجه الأول (إسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) سَعِيدُ بن سُلَيْمان الضَّبِّيُّ، أبو عُثْمَان الواسطيُّ:"ثِقَةٌ مأمونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (103).
3) عَبد اللَّهِ بن المُؤَمَّل القرشي: "ضَعيفٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (88).
4) عطاء بن أبي رَبَاح: "ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ كثير الإرسال"، تقدَّم في الحديث رقم (37).
5) عَبْد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاص، أبو مُحَمَّدٍ، القُرَشِيُّ:"صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
ثانياً: - عبد الله بن المُؤَمَّل، عن عطاء بن أبي رَبَاح، عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• وأخرجه أبو عبد الله الفاكهي في "أخبار مكة"(14)، قال: حدَّثني محمَّد بن صالح، قال: ثنا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ، قال: ثنا عَبْدُ اللهِ بن المُؤَمَّلِ، عن عطاءٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " يُبْعَثُ الرُّكْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ لِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، وَعَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَهُو يَمِينُ اللهِ تَعَالَى الَّتِي يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ ".
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد الفاكهي):
1) محمد بن صالح بن عبد الرحمن، أبو بكر الأنماطي:"ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقِنٌ".
(1)
2) سَعِيد بن سُلَيْمان الضَّبِّيّ، أبو عُثْمَان الواسطي:"ثِقَةٌ مأمونٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (103).
3) عَبد اللَّهِ بن المُؤَمَّل القرشي: "ضَعيفٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (88).
4) عطاء بن أبي رَبَاح: "ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ كثير الإرسال"، تقدَّم في الحديث رقم (37).
5) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ت مُتابعات للوجه الثاني: وقد تُوبع عبد الله بن المُؤَمَّل على روايته لهذا الوجه، كالآتي:
فأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(11432)، وفي "الأوسط"(2665)، قال: حدَّثنا إبراهيم بن أحمد الوكيعيُّ، ثنا بَكْرُ بن محمَّد القرشيُّ، ثنا الحارثُ بن غَسَّانَ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَبْعَثُ اللهُ الْحَجَرَ الأسْوَدَ، وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهُمَا عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَشْهَدَانِ لِمَنِ اسْتَلَمَهُما بِالْوَفَاءِ» . وقال في "الأوسط": لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن جُرَيْجٍ إلا الحارثُ بن غَسَّانَ.
وقال الهيثمي: رواهُ الطَّبرانيُّ في "الكبير" مِنْ طريق بَكْرِ بن محمَّد، عن الحَارِثِ بن غَسَّانَ، وكلاهما لم أعرفهُ.
(2)
وقال الألباني: "منكر بذكر: الركن اليماني" وأعلَّه ببكر بن محمد القُرشي وشيخه الحارث،
(1)
يُنظر: "تاريخ بغداد" 3/ 330، "التقريب"(5962).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(3/ 242).
وبمخالفته لِمَا رواه سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس فليس فيه ذكر الركن اليماني.
(1)
وسيأتي الإشارة إلى رواية سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس إنْ شاء الله عز وجل.
قلتُ: أمَّا بكر بن محمد القرشي، فلم أقف له - على حد بحثي - على مَنْ ترجم له، وقد روى عنه جماعة مِنْ الثقات
(2)
، فهو "مجهول الحال".
وأمَّا الحارث بن غَسَّان فهو المُزني: قال البَزَّار: بَصْري، ليس به بأس، حدَّث عنه جماعة مِنْ أهل العلم.
(3)
وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(4)
بينما قال أبو حاتم: شيخٌ مجهولٌ.
(5)
وقال العقيلي: حدَّث بمناكير. وذكر له حديثين أحدهما عن ابن جُريجٍ، وقال: لا يُتابع عليهما جميعاً بهذا الإسناد.
(6)
وقال الأزدي: ليس بذاك.
(7)
وتناوله الذهبي في "الميزان".
(8)
قلتُ: وهذه المتابعة لا يُفرح بها، فالحارث بن غَسَّان قد خالف مَا رواه مَنْ هو أوثق مِنْه عن ابن جُريجٍ، وبيان ذلك كالآتي:
• فأخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(8882)، وأبو الوليد الأزرقي في "أخبار مكة"(427)، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى، عن أبيه، عن محمد بن عبد الملك بن جُريج. وأبو محمد الفاكهي في "أخبار مكة"(28)، قال: حدَّثنا ميمون بن الحكم، ثنا محمد بن جُعْشُم. ثلاثتهم (عبد الرَّزَّاق، ومحمد بن عبد الملك، وابن جُعْشُم) عن ابن جُريجٍ، عن مُجاهدٍ، قال:«الرُّكْنُ وَالمَقَامُ يَأْتِيَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْظَمَ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنَانِ، وَلِسَانَانِ، وَشَفَتَانِ، تَشْهَدَانِ لِمَنْ وَافَاهُمَا بَالْوَفَاءِ» . واللفظ لعبد الرَّزَّاق، والباقون بنحوه.
قلتُ: وإسناد عبد الرَّزَّاق رواته ثِقاتٌ، لكن فيه: ابن جُريج كان يُدلس ويُرسل
(9)
، ولم يُصرِّح بالسَّماع. وفي "جامع التحصيل": قال ابن الجنيد: سألت ابن معين: سمع ابن جريج من مجاهد؟ قال: في حرف أو حرفين
(1)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(14/ 322/حديث 6638).
(2)
مِنْهم: إبراهيم بن أحمد الوكيعي "ثِقَةٌ". يُنظر: "إرشاد القاصي والداني"(ص/51). وصالح بن شُعيب البصري "صدوقٌ". يُنظر: "إرشاد القاصي والداني"(ص/333). ومحمد بن غالب بن حرب تمتام "ثِقَةٌ مأمون". يُنظر: "تاريخ بغداد"(4/ 242)، "تاريخ الإسلام"(6/ 819).
(3)
يُنظر: "مسند البزار" حديث رقم (5184 و 7388).
(4)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان (6/ 175).
(5)
يُنظر: "الجرح والتعديل"(3/ 86).
(6)
يُنظر: "الضعفاء الكبير" للعُقيلي (1/ 219).
(7)
يُنظر: "لسان الميزان"(2/ 523).
(8)
يُنظر: "ميزان الاعتدال"(1/ 441).
(9)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم (51).
في القراءة، لم يسمع غير ذلك.
(1)
وكذلك قال البرديجي: لم يسمع من مجاهد إلا حرفاً واحداً.
(2)
وعليه: فالراجح عن ابن جُريجٍ، عن مُجاهدٍ مِنْ قوله؛ وأمَّا رواية الحارث بن غَسَّان عن ابن جُريجٍ عن عطاءٍ عن ابن عبَّاسٍ مرفوعاً فهي رواية "مُنْكرةٌ"؛ لمخالفة الحارث بن غَسَّان لِمَا رواه غير واحد عن ابن جُريجٍ، ولعلَّها مِنْ مناكيره، التي لا يُتابع على إسنادها كما قال العقيلي، والله أعلم.
• وأخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(8920)، ومحمد بن أبي عُمر في "مسنده" كما في "المطالب العالية"(1223)، وأبو الوليد الأزرقي في "أخبار مكة"(420)، والفاكهي في "أخبار مكة"(20)، كلهم عن ابن جُريجٍ، عن محمد بن عبَّاد بن جَعْفر، عن ابن عبَّاسٍ، قال:«إِنَّ هَذَا الرُّكْنَ الأسْوَدَ يَمِينُ اللَّهِ عز وجل في الأرْضِ، يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ مُصَافَحَةَ الرَّجُلِ أَخَاهُ» . واللفظ لأبي الوليد الأزرقي، والباقون بنحوه، وقد صرَّح ابن جُريجٍ بالسَّماع مِنْ محمد بن عبَّاد عند الأزرقي والفاكهي.
قلتُ: وإسناد عبد الرَّزَّاق "صَحِيحٌ"، ومحمد بن عبَّاد بن جعفر هو: المخزومي "ثِقَةٌ".
(3)
وعبد الرَّزَّاق مِنْ أصحاب ابن جُريجٍ المُقَدَّمين فيه، قال الإمام مسلمٌ: عبد الرَّزَّاق وهشام بن سُليمان أكبر في ابن جُريج مِن ابن عُيَيْنَة.
(4)
وقال ابن تيمية: رواهُ محمَّد بن أبي عُمَرَ، والأَزْرَقِيُّ بإسنادٍ صَحِيحٍ.
(5)
وقال البوصيري: رواه محمَّد بن يحيى بن أبي عُمَرَ مَوْقُوفًا بإسنادٍ صَحِيحٍ.
(6)
وقال ابن حجر في "المطالب العالية": هذا موقوفٌ صحيحٌ.
ث طريق آخر للحديث عن عطاءٍ عن ابن عبَّاس، موقوفاً عليه:
قلتُ: وقد ورد الحديث مِنْ طريق إبراهيم بن يزيدٍ الخُوزيّ، ومَدَاره عليه، وقد اضطرب فيه:
- فأخرجه ابن قُتيبة في "غريب الحديث"(2/ 337)، بسنده عن إبراهيم بن يزيد، عن عطاءٍ، عن ابن عَبَّاس، قال:"الحَجَرُ الأَسْوَد يَمِين الله في الأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ - أو قَالَ: خَلْقَهُ - كَمَا يُصَافِحُ النَّاسُ بَعضِهِم بَعْضًا".
- وأخرجه عبد الرزاق في "المُصَنَّف"(8919)، قال: عن إبراهيم بن يَزِيد، أنَّهُ سَمِعَ محمَّد بن عَبَّادٍ يُحَدِّثُ، أنَّهُ سَمِعَ ابن عَبَّاسٍ، يَقُولُ:«الرُّكْنُ - يَعْنِي الْحَجَرَ - يَمِينُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ مُصَافَحَةَ الرَّجُلِ أَخَاهُ، يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالْبِرِّ وِالْوَفَاءِ، وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِيَدِهِ، مَا حَاذَى بِهِ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» .
(1)
يُنظر: "جامع التحصيل" للعلائي (ص/229).
(2)
يُنظر: "تهذيب التهذيب"(6/ 405).
(3)
يُنظر: "التقريب"(5992).
(4)
نقلاً عن "شرح علل الترمذي" لابن رجب (2/ 493).
(5)
يُنظر: "شرح عُمدة الفقه" لابن تيمية (3/ 435).
(6)
يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري (2524).
قلتُ: وإسناده "ضَعيفٌ جداً"، لأجل إبراهيم بن يَزيد الخُوزي "متروك الحديث".
(1)
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على عبد الله بن المُؤَمَّل، واضطرب فيه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: عبد الله بن المُؤَمَّل، عن عطاء بن أبي رَبَاح، عن عبد الله بن عَمرو مرفوعاً.
الوجه الثاني: عبد الله بن المُؤَمَّل، عن عطاء بن أبي رَبَاح، عن ابن عَبَّاسٍ مرفوعاً.
ومِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحمل في هذا الحديث على عبد الله بن المُؤَمَّل، فلعلَّ هذا مِنْ سوء حفظه، وأنَّه لم يَضبطه؛ حيث اضطرب فيه: فرواه مَرَّة عن عطاءٍ عن عبد الله بن عَمرو بن العاص (مرفوعاً)، ومَرَّة عن عطاءٍ عن ابن عبَّاسٍ (مَرفوعاً)، ولم يُتابع على الوجهين بروايته عن عطاءٍ مِنْ وجهٍ صَحيحٍ يَثْبت، أو يصلح للاعتبار.
ولم أقف - على حد بحثي - على قرينة تُرَجِّحُ أحد الوجهين على الآخر، وهذا يَدُل على عدم ثبوت الوجهين عن عطاءٍ، وأنَّه مِمَّا أخطأ فيه عبد الله بن المُؤَمَّل، فليس هو مِمَّن يُحتمل تَفَرُّده عن مثل عطاءٍ.
بل لقد خالف عبد الله بن المُؤَمَّل ما رواه الثقات عن ابن عبَّاس رضي الله عنه، فجعل قوله:"وَهُو يَمِينُ اللهِ تَعَالَى الَّتِي يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ" مِنْ حديث ابن عبَّاسٍ مرفوعاً؛ بينما أخرجه عبد الرَّزَّاق وغيره - كما سبق - عن ابن جُريجٍ عن محمد بن عَبَّاد بن جعفر، عن ابن عبَّاسٍ (موقوفاً)، وصَحَّحَ الموقوف جمعٌ مِنْ أهل العلم، منهم: ابن تيمية، والبوصيري، وابن حجر - كما سبق -.
لذا ذهب غير واحدٍ مِنْ أهل العلم أنَّ المحفوظ عن ابن عباس رضي الله عنه في هذه الجملة أنَّها مِنْ قوله، وليست مرفوعة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن تيمية: والحديثُ قَدْ رُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ لا يَثْبُتُ، والمشهُورُ إنَّما هو عن ابن عَبَّاسٍ (أي موقوفاً).
(2)
وقال ابن الدَّيبع الشيباني - بعد أنْ ذكر الحديث برواية الطبراني عن ابن عبَّاس مرفوعاً -: وقد رُوي موقوفاً على ابن عبَّاس رضي الله عنه، قال شيخنا (السخاوي): هو موقوفٌ صحيحٌ.
(3)
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث مِنْ وجهه الأول بإسناد الطبراني مِنْ حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكَرٌ"؛ لأجل عبد الله بن المُؤَمَّل "ضَعيفٌ"، وقد انفرد به عن عطاءٍ، مع مُخالفته، واضطرابه فيه. والحديث أخرجه ابن الجوزي في "العلل" كما سبق مِنْ طريق أحمد بن القاسم (شيخ الطبراني)، وقال: وهذا لا يَثْبت، وأعلَّه بعبد الله بن المُؤَمِّل.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك"، مِنْ طريق سعيد بن سُليمان عن عبد الله بن المُؤَمَّل، وقال: صحيحٌ.
(1)
يُنظر: "التقريب"(272). ويُنظر: "السلسلة الضعيفة" للألباني (1/ 390/حديث رقم 223).
(2)
يُنظر: "مجموع الفتاوى"(6/ 397)، و"التدمرية في الأسماء والصفات"(ص/72).
(3)
يُنظر: "تمييز الطيب من الخبيث"(ص/82).
وتعقبه الذهبي، فقال: عبد الله بن المُؤَمَّل واهٍ. وقال البيهقي: وفي إسناده ضَعْفٌ. وقال الهيثمي: رواهُ أحمد والطَّبرانيُّ في "الأوسط"، وزاد (أي الطبراني):«يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالْحَقِّ، وَهُوَ يَمِينُ اللَّهِ عز وجل يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ» . وفيه: عَبْدُ اللَّهِ بن المُؤَمَّلِ، وَثَّقَهُ ابن حِبَّانَ، وقال: يُخْطِئُ، وفيه كَلَامٌ، وبقيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
(1)
قلتُ:
• أمَّا الحديث بجزئه الأول فقد ثَبَتَ عن ابن عبَّاس رضي الله عنه مرفوعاً، فأخرج الإمام أحمد في "مسنده"، والترمذي في "سننه"، وغيرهما مِنْ طُرُقٍ عن عبد الله بن عُثمان بن خُثيم، عن سَعِيد بن جُبَيْرٍ، عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الحَجَرِ: «وَاللَّهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ» .
(2)
واللفظ للترمذي، وقال: هذا حديثٌ حَسَنٌ. وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه. وقال الذهبي: صحيحٌ. قلتُ: عبد الله بن عُثمان بن خُثيم، قال فيه ابن حجر: صدوقٌ.
(3)
• وأمَّا الحديث بجزئه الثاني، بقوله:"وَهُوَ يَمِينُ اللَّهِ عز وجل الَّتِي يُصَافِحُ بِهَا خَلْقَهُ"، فالصواب فيه مَا أخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(8920)، وغيره - كما سبق -، عن ابن جُريجٍ، عن محمد بن عبَّاد بن جَعْفر، عن ابن عبَّاسٍ، قال:«إِنَّ هَذَا الرُّكْنَ الأسْوَدَ يَمِينُ اللَّهِ عز وجل في الأرْضِ، يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ مُصَافَحَةَ الرَّجُلِ أَخَاهُ» . وصححه موقوفاً على ابن عبَّاس جماعة كما سبق، منهم: ابن تيمية، والبوصيري، وابن حجر.
وللحديث بهذا الجزء عِدَّة شواهدٍ مِنْ أمثلها:
ما أخرجه ابن بِشْران في "أماليه"(12)، قال: أخبرنا أبو سَهْلٍ: أحمد بن محمَّد بن عبد اللَّهِ بن زِيَادٍ القطَّانُ، ثنا محمَّد بن صالح بن حاتمٍ، ثنا يحيى بن بِشْرٍ الكوفيُّ، ثنا أبو مَعْشَرٍ، عن محمَّد بن المُنْكَدِرِ، عن جَابِرِ بن عَبْدِ اللَّهِ، قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ عز وجل في الأرْضِ، يُصَافِحُ بِهِ عِبَادَهُ» .
قلتُ: وإسناده "ضَعيفٌ جداً"، فيه محمد بن صالح بن حاتم، لم أهتدي إليه، ولم أجد مَنْ ترجم له، ولم أقف - بعد البحث - على أحد روى عنه غير أبو سهلٍ أحمد القطَّان، فهو "مجهول العين".
(4)
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(3/ 242).
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده"(2215 و 2398 و 2643 و 2796 و 2797 و 3511)، والدَّارمي في "سننه"(1881)، وابن ماجه في "سننه" ك/المناسك، ب/استلام الحجر، والترمذي في "سننه"(961) ك/الحج، ب/ ما جاء في الحجر الأَسْوَدِ، وأبو يعلى في "مسنده"(2719)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2735 و 2736)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3711 و 3712)، والطبراني في "المعجم الكبير"(12479)، والحاكم في "المستدرك"(1680)، وغيرهم، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن عبد الله بن عُثمان بن خُثيم، بنحوه.
(3)
يُنظر: "التقريب"(3466).
(4)
وللحديث عن أبي مَعْشَر طُرُق أخرى، كالآتي: فأخرجه ابن عدي في "الكامل"(1/ 557)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(7/ 339) - ومِنْ طريقهما ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(944) -، بسندهما مِنْ طريق إِسْحَاق بن بِشْرٍ الكاهِلِيّ، قال: حدَّثنا أبو مَعْشَرٍ المدينِيُّ، عن محمَّد بن المنكدرِ، عن جابرِ بن عبد اللَّهِ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ ". قال ابن عدي: إسحاق بن بشر في عِدَاد مَنْ يضعُ الحديث. وقال ابن الجوزي: هذا حديثٌ لا يصح، إسحاق بن بشر قد كَذَّبه أبوبكر بن أبي شَيْبَة وغيره، وقال الدارقطني: هُوَ في عِدَادِ مَنْ يضع الحديث، قال: وأبو معشر ضعيف. وقال المُناوي في "فيض القدير"(3/ 409): وقال ابن العربي: هذا حديث باطل فلا يلتفت إليه.
وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(52/ 217) بسنده مِنْ طريق أحمد بن يُونس عن أبي مَعْشَر، به. لكن في إسناده: الحسن بن علي الأهوازي "مُتَّهمٌ بالوضع". يُنظر ترجمته مِن "تاريخ دمشق"(13/ 143)، "ميزان الاعتدال"(1/ 512). والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الصغير"(3804) إلى الخطيب، وابن عساكر، ورمز له بالضعف. ويُنظر:"السلسلة الضعيفة" للألباني (1/ 390/حديث رقم 223).
وفي الباب عن أنس بن مالك رضي الله عنه، مرفوعاً، عزاه السيوطي في "الجامع الصغير"(3805) إلى الديلمي في "مسند الفردوس"، بلفظ:"الحَجَرُ يَمِينُ الله فَمَنْ مَسَحَهُ فَقَدْ بايَعَ الله أن لا يعصيه". وقال المُناوي في "فيض القدير"(3/ 410): لم أر الديلمي ذكره بهذا السياق، بل لفظه:"الحجر يمين الله، فمن مسح يده على الحجر فقد بايع الله عز وجل أن لا يعصيه"، وفيه: علي ابن عمر العسكري أورده الذهبي في "الضعفاء"، وقال: صدوقٌ، ضعفه البرقاني، وفيه: العلاء بن مسلمة الرَوَّاس، قال الذهبي: متهم بالوضع. قلتُ: ويُنظر ترجمته في "ميزان الاعتدال"(3/ 105).
خلاصة الحكم: إنَّ الحديث بجزئه الأول قد ثَبَتَ بإسنادٍ حسنٍ عن سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس مَرْفوعاً، وأمَّا الحديث بجزئه الثاني فقد صحَّ مِنْ طريق ابن جُريجٍ عن محمد بن عبَّاد بن جعفر عن ابن عبَّاس موقوفاً، ولم أقف - على حد بحثي - عليه مرفوعاً مِنْ وجهٍ صحيحٍ يَثْبُت، والله أعلم.
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن عطاء، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرو إلا عَبْدُ اللَّهِ بن المُؤَمَّلِ.
قلتُ: ومِنْ خلال مَا سبق في التخريج يَتَّضِحُ صحة ما قاله المُصَنِّفُ رضي الله عنه.
سادساً: - التعليق على الحديث:
قال البيهقي: قال أهل النَّظر: اليَمِينُ هَهُنَا عِبَارَةٌ عن النِّعْمَةِ، وقيل: إِنَّهُ تَمْثِيلٌ، فإنَّ الملك إذا صَافِحَ رَجُلًا قَبَّلَ الرَّجُلُ يَدَهُ، وَفِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ ضَعْفٌ.
(1)
وقال ابن فورك: وقد تَأَوَّل أهل العلم ذلك على وَجْهَيْن مِنْ التَّأويل:
أحدهما: أنَّ المُرَاد بذلك الحجر أَنَّه مِنْ نعم الله على عباده، بأن جعله سبباً يثابون على التَّقَرُّب إلى الله تَعَالَى بمصافحته، فيُؤْجَرُون على ذلك، ومِن المعلوم أَنَّ العرب تُعَبِّرُ عن النِّعَم باليَمِينِ واليَد.
وزعم بَعضهم: أَنَّ هذا تَمْثِيلٌ، وأصله أَنَّ الملك إذا صَافح رجلاً قَبَّل الرجلُ يَدَه، فكأنَّ الحجر لله تعالى بِمَنْزِلَة اليَمين للملك.
ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن يكون قوله: "الحجر يَمِين الله في أرضه" إِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَيْهِ على طَرِيق التَّعْظِيم
(1)
يُنظر: "الأسماء والصفات"(2/ 163).
للحجر، وهو فعل من أَفعَال الله عز وجل، سَمَّاهُ يَمِينا وَنسبه إِلَى نَفسه وَأمر النَّاس باستلامه ومصافحته، ليظهر طاعتهم بالائتمار وتقربهم إِلَى الله عز وجل فَيحصل لَهُم بذلك البركَة والسعادة.
(1)
وقال العجلوني: ومعناه كما قال المحب الطبري: أن كل ملك إذا قدم عليه قبلت يمينه، ولما كان الحاج والمعتمر يسن لهما تقبيله نزل منزلة يمين الملك على سبيل التمثيل ولله المثل الأعلى؛ ولذلك من صافحه كان له عند الله عهد كما أن الملك يعطي العهد بالمصافحة.
(2)
بينما قال ابن تيمية: الحديث صريحٌ في أن الحجر الأسود ليس هو صفة لله، ولا هو نفس يمينه، لأنه قال:"يَمِينُ اللَّهِ عز وجل في الأرْضِ"، وقال:"فَمَن قَبَّلَهُ وَصَافَحَهُ فَكَأَنَّمَا صَافَح الله وَقَبَّل يَمِيْنَه"، ومعلوم أن المشبّه غير المشبَّه به، ففي نص الحديث بيان أن مستلمه ليس مصافحاً لله، وأنَّه ليس هو نفس يمينه، فكيف يجعل ظاهره كفراً، وأنَّه محتاج إلى التأويل! مع أن هذا الحديث إنَّما يُعرف عن ابن عباس.
(3)
وقال الألباني: يُغْنينا عن ذلك كله التنبيه على ضعف الحديث، وأنه لا داعي لتفسيره أو تأويله؛ لأن التفسير فرع التصحيح كما لا يخفى.
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "مشكل الحديث"(1/ 117).
(2)
يُنظر: "كشف الخفاء ومزيل الإلباس"(1/ 396).
(3)
يُنظر: "التدمرية في الأسماء والصفات" لابن تيمية (ص/70 - 73)، و"مجموع الفتاوى"(3/ 44 و 6/ 397 - 398).
(4)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة" للألباني (1/ 390/حديث 223).
[164/ 564]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبِي وَعَمِّي عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ، قَالَ: نا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ.
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» .
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(20608) - ومِنْ طريقه الطبراني في "الكبير"(417) -، والحُميدي في "مُسْنده"(556)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(17642 و 37282)، وفي "المسند"(154) - ومِنْ طريقه محمد المُخَلِّص في "المُخَلِّصِيَّات"(387)، والذهبي في "السير"(11/ 126) -، وأحمد في "مسنده"(21746 و 21829)، والبخاري في "صحيحه"(5096) ك/النكاح، ب/ما يُتَّقَى مِنْ شُؤْمِ المَرْأَةِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(2740 و 2741) ك/الذكر والدعاء، ب/أَكْثَرُ أَهْلِ الجنَّة الفُقَرَاءُ وأكثرُ أهل النَّار النِّساء وبيان الفِتْنَة بالنِّسَاء، وابن ماجه في "سننه"(3998) ك/الفتن، ب/فتنة النِّساء، والترمذي في "سننه"(2780) ك/الأدب، ب/مَا جَاءَ فِي تَحْذِيرِ فِتْنَةِ النِّسَاءِ، والحارث بن أبي أسامة في "عواليه"(55) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "الحلية"(3/ 35) -، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث"(3/ 930)، والبزَّار في "مسنده"(1255 و 2597)، والنَّسائي في "الكبرى"(9108) ك/عِشْرة النِّساء، ب/مُدَارَاةُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ، وأيضاً برقم (9225) ك/عِشْرة النِّساء، ب/ما ذكر في النِّساء، وأبو يعلى في "مسنده"(972)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(4023 و 4024)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(4322 و 4323 و 4324)، وأبو بكر الخرائطي في "اعتلال القلوب"(213)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 10)، وابن عبدويه في "الفوائد" - الشهير بالغيلانيات - (137 - 146) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(8/ 46) -، وابن حبَّان في "صحيحه"(5967 و 5969 و 5970)، وفي "الثقات"(6/ 82)، والطبراني في "الكبير"(415 - 420)، وأبو عَمرو السُّلمي في "جزئه"(992)، وأبو بكر القطيعي في "جزء الألف دينار"(192)، وابن سَمْعُون في "أماليه"(314)، وابن بِشْران في "أماليه"(1422)، وأبو عَمرو الدَّاني في "السنن الواردة في الفتن"(37)، وأبو عبد الله
القُضَاعي في "مسند الشهاب"(784 و 786 و 787)، والبيهقي في "الكبرى"(13522)، وفي "الشعب"(5410)، وفي "الآداب"(743)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(14/ 283)، وأبو رجاء الجَرْكاني في "جزئه"(5)، والبغوي في "شرح السنة"(2242)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(8/ 47)، وأيضاً في "معجمه"(540).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عِدَّة - بما يزيد عن عشرين راوياً -، عن سُليمان التيمي، عن أبي عُثمان النَّهْدي، به.
وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ. وقال أبو نُعيم: هذا حديثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ، رَوَاهُ عن سُلَيْمَانَ عِدَّةٌ مِنَ الأئمَّةِ والأعلام، منهم: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وشُعْبَةُ ومَعْمَرٌ وزُهَيْرٌ والقَاسِمُ بن مَعْنٍ في آخَرِينَ.
ووقَع في الموضع الثاني عند مُسلم في "صحيحه"، وعند الترمذي، والبَزَّار، وغيرهم مِنْ طريق المُعْتمر بن سُليمان، عن أبيه، عن أبي عُثمان النَّهدي، عن أُسامة، وقرن معه سَعيد بن زيد بن عَمرو بن نُفيل.
- وقال الترمذي: والحديث قد رَوَاه غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ عن سُلَيْمَانَ، عن أبي عُثْمَانَ، عن أُسَامَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَذْكُرُوا فيه عن سعيد بن زَيْدِ، ولا نَعْلَمُ أحدًا قال: عن أُسَامَةَ، وسَعِيدُ غَيْرُ المُعْتَمِرِ.
- وقال البزار: وهذا الحديثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عن سَعِيدِ بن زَيْدٍ إلا مِنْ هذا الوجه، وإنَّما يُحْفَظُ هذا الحَدِيثُ عن أبي عُثْمَانَ، عن أُسَامَة بن زَيْدٍ، فجَمَعَهُمَا المُعْتَمِرُ، عن أبيه.
- وذكر الدَّارقطني في "علله" الخلاف فيه على سُليمان التَّيْمي، وقال: ورواية الجماعة أحب إليَّ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي "الصَّحِيحِ" الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا.
(1)
• وأخرجه البَزَّار في "مسنده"(2598)، وأبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(1677)، والطبراني في "الأوسط"(3675 و 5669)، وأبو عبد الله القضاعي في "مسند الشهاب"(785)، ثلاثتهم مِنْ طريق منْدَل - مُثَلث الميم
(2)
- ابن علي العَنَزي، عن عاصم الأحول، عن أبي عُثمان، به.
وقال البَزَّار: وهذا الحديثُ لا نَعْلَمُ رَوَاهُ عن عاصمٍ، عن أبي عُثْمَانَ، عن أُسَامَةَ إلا مَنْدَلٌ، وإنَّما يُعْرَفُ مِنْ حديث التَّيْمِيِّ، عن أبي عُثْمَانَ، عن أُسَامَةَ. وقال الطبراني: لم يَرْوِهَ عن عَاصِمٍ الأَحْوَلِ إلا منْدَلٌ.
قلتُ: ومنْدَل بن علي قال عنه ابن حجر في "التقريب": "ضَعيفٌ".
(3)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تقدَّم في الحديث رقم (65).
5) المُغِيرة بن قيس، البَصْري، التَّميميُّ.
روى عن: أبي عُثمان النَّهْدي، وعمرو بن شُعيب، وعُروة بن الزُّبير، وآخرين.
روى عنه: سُويد بن عبد العزيز، وعبد الملك بن عَمرو العَقَدي، وإسماعيل بن عيَّاش، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: مُنْكرُ الحديث. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"! وقال الذهبي في "المغني": لا يُعرف، أتى عنه إسماعيل بن عيَّاش بمناكير. فالحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ".
(4)
6) عبد الرحمن بن مُلٍّ بن عَمرو، أبو عُثمان النَّهْدي:"ثِقَةٌ ثَبْتٌ عابدٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (70).
7) أُسامة بن زَيد بن حَارثة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صحابي جليلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (106).
(1)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (4/ 430/مسألة 675).
(2)
يُنظر: "التقريب"(6883).
(3)
يُنظر: "التقريب"(6883).
(4)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 326، "الجرح والتعديل" 8/ 227، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 168، "المغني في الضعفاء" 2/ 320، "ميزان الاعتدال" 4/ 165، "لسان الميزان" 8/ 135.
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز، والمُغيرة بن قيس، كلاهما ضَعيفان، وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين"، وغيرهما مِنْ طُرُقٍ عِدَّة عن سُليمان بن طَرْخان التَّيميِّ، عن أبي عُثْمان النَّهْديِّ، عن أُسامة بن زيدٍ رضي الله عنه، كما سبق، فيرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
والحديثُ أخرجه الترمذي في "سننه"، وقال: هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ. وأخرجه أبو نُعيم في "الحلية"، وقال: هذا حديثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُغِيرَةِ إلا سُوَيْد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ.
(1)
قلتُ: ومِنْ خلال مَا سبق يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
حَذَّر الإسلام مِنْ الفتنة بالنساء، فالشهوة أمرها خطيرٌ، وشرها جسيمٌ، فكم من عابدٍ لله حولته الشهوة إلى فاسق، وكم من عالم حولته إلى جاهل، وكم أخرجت أناسا من الدين كانوا في نظر من يعرفهم أبعد الناس عن الضلال والانحراف.
قال الحافظ ابن كثير: في تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ}
(2)
: يُخبر تعالى عمَّا زُيِّن للنَّاس في هذه الحياة من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأنَّ الفتنة بهن أشد كما ثبت في "الصحيح" أنه صلى الله عليه وسلم قال:«مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» ، فأمَّا إذا كان القصد بهنَّ الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوبٌ مرغوبٌ فيه، مندوبٌ إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والإكثار منه، وعن ابن عبَّاس قال لسعيدٍ بن جُبير «تَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً»
(3)
وقوله صلى الله عليه وسلم: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» .
(4)
.
(5)
وقال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشدُّ من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ}
(6)
فجعلهنَّ من حب الشهوات، وبدأ بهنَّ قبل بقية الأنواع إشارة إلى
(1)
أخرج المُصَنِّف سبعة أحاديث مِنْ طريق سُويد بن عبد العزيز عن المُغيرة بن قيس، مِنْ الحديث رقم (564) إلى الحديث رقم (570)، ثُمَّ قال: لم يَرْو هذه الأحاديث عن المُغِيرَةِ إلا سُوَيْد بن عَبْدِ العزيز.
(2)
سورة "آل عمران"، آية (14).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5069) ك/النكاح، ب/كثرة النِّساء.
(4)
أخرجه مُسلمٌ في "صحيحه"(1467) ك/النكاح، ب/خَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ.
(5)
يُنظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (2/ 19).
(6)
سورة "آل عمران"، آية (14).
أنَّهنَّ الأصل في ذلك
…
، وغَيْرُ الصالحة مِنْهُنَّ تَحْمِلُ الرَّجُلَ على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين، كشغله عن طلب أمور الدين، وحمله على التهالك على طلب الدنيا، وذلك أشد الفساد.
(1)
وقال المُلا علي القاري: قوله صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي" أي: ما أتركُ، وعَبَّرَ بالماضي لتَحَقُّقِ الموت، وقوله:"فِتْنَةً" أي: امتحانًا وبليَّةً، وقوله:«أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» ، لِأَنَّ الطِّبَاعَ كَثِيرًا تَمِيلُ إِلَيْهِنَّ، وَتَقَعُ في الحرام لأجْلِهِنَّ، وَتَسْعَى لِلْقِتَالِ والعَدَاوَةِ بِسَبَبِهِنَّ، وَأَقَلُّ ذلك أَنْ تُرَغِّبَهُ في الدُّنْيَا، وأيُّ فَسَادٍ أضر مِنْ هذا؟، وَحُبُّ الدُّنْيَا رأسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وإنَّما قال:"بَعْدِي"؛ لأنَّ كونهنَّ فِتْنَةً أَضَرُّ، ظهر بَعْدَهُ.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 138).
(2)
يُنظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"(5/ 2044).
[165/ 565]- وَعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ
(1)
.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَسْتَقِيمُ لَكَ الْمَرْأَةُ عَلَى خَلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ، إِنَّمَا هِيَ كَالضِّلْعِ، إِنْ تُقِمْهَا
(2)
تَكْسِرْهَا، وَإنْ تَتْرُكْهَا تَسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ».
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه البخاري في "صحيحه"(3331) ك/الأنبياء، ب/خلق آدم صلوات الله عليه وذريته، وبرقم (5186) ك/النكاح، ب/الوصاة بالنِّسَاءِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1468/ 4) ك/الرضاع، ب/الوصية بالنِّساء، بسندهما مِنْ طريق مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ، عن أبي حَازِمٍ سلمان الأَشْجَعِيِّ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» . واللفظ لمُسْلمٍ.
وأخرجه البخاري أيضاً في "صحيحه"(5184) ك/النكاح، ب/المُدَارَاةِ مع النِّسَاءِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1468/ 3) ك/الرضاع، ب/الوصية بالنِّساء، مِنْ طريقين عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاقُهَا» . واللفظ لمُسْلمٍ.
وأخرجه مُسلمٌ في "صحيحه"(1468/ 1 - 2) ك/الرضاع، ب/الوصية بالنِّساء، مِنْ طريق يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ، إِذَا ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ» .
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به إذا تُوبع"، تقدَّم في الحديث رقم (65).
(1)
وهو أبو سعيد، واسمه كيسان، المَقْبُري، قال ابن حبَّان: سُمِّيَّ المَقْبُري؛ لأنَّه كان يَأوي المقبرة بالليل، وقد قيل: إنَّ داره كانت بجنب المقبرة فنسب إليها. وقال إبراهيم الحربي: سمعتُ أنَّ عُمر جعله على حفر القبور، فَسُمِّي بذلك. يُنظر:"الثقات"(5/ 340)، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/94)، "تهذيب الكمال"(24/ 241).
(2)
هكذا بالأصل "تُقِمْهَا"، والحديث بسنده ومتنه في "مجمع البحرين"(2328)، وفيه:"تُقِيْمُهَا".
5) المُغِيرة بن قيس، البَصْري:"ضَعيفٌ، يُعْتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (164).
6) أَبُو سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ، كَيْسَانُ، المَدَنِيُّ، صاحب العَبَاء، والد سَعِيد بن أبي سَعِيد المَقْبُريّ.
روى عن: أبي هُريرة، وأبي سعيد الخُدْري، وأُسامة بن زيدٍ، وآخرين.
روى عنه: المُغيرة بن قَيْس، وابنه سعيد بن أبي سعيد، وحُمَيْدُ بن زِيَادٍ، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي: ثِقَةٌ. وقال أحمد، والنَّسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَثِقَاتِهِم. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وروى له الجماعة.
(1)
7) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ، حافظ الصحابة"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز، والمُغيرة بن قيس، كلاهما "ضَعيفان"، وللحديث مُتابعات في "الصحيحين"، وغيرهما مِنْ طُرُقٍ عِدَّة عن أبي هريرة رضي الله عنه، به، كما سبق في التخريج، فيرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
وقال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبرانيُّ في "الأوسط"، وفيه: سُوَيْدُ بن عَبْدِ العزيز، وثَّقَهُ دُحَيْمٌ، وَهُشَيْمٌ، وضعَّفَهُ الجُمْهُورُ، وبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.
(2)
قلتُ: أمَّا دُحَيم، فقال: ثِقَةٌ، وكانت له أحاديث يَغلط فيها.
(3)
بل وقال أبو حاتم: قيل لدُحَيْمٍ: سُويد مِمَّنْ إذا دُفع إليه مِنْ غير حديثه قرأه على ما في الكتاب؟ فقال: نعم.
(4)
وقال الذهبي: وَثَّقه دُحيمٌ وحده.
(5)
وأمَّا هُشَيْم؛ فقد أسند ابن عساكر عن علي بن حُجْرٍ، قال: سألتُ هُشَيْم بن بَشير عن سُويد بن عبد العزيز، فأثني عليه خيراً. وقال: نُعيم بن حَمَّاد: كان هُشيم يُحَسِّنُ أمر سُويد بن عبد العزيز.
(6)
فمجموع كلاهما مع قول جمهور أهل العلم، يَدُل على أنَّ توثيق دُحَيم، وثناء هُشيم ليس مُطلقاً كما يُفْهم مِنْ كلام الهيثمي، بل محمول على العدالة لا على الضبط، ويُؤكد ذلك أنَّه ولي القضاء على بَعْلبك، كما هو مُثْبَتٌ في ترجمته.
وأمَّا قوله: "وبَقيَّة رِجَالِهِ ثِقَاتٌ"، فَغَيْرُ مُسَلَّم له فيه، بل في الإسناد: القاسم بن مُساور الجوهري "مجهول الحال"، والمُغيرة بن قيس "ضَعيف"، كما سبق بيانه في ترجمة كل واحدٍ منهما، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 405، "الجرح والتعديل" 7/ 166، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 340، "تهذيب الكمال" 24/ 240، "تاريخ الإسلام" 2/ 1198، "تهذيب التهذيب" 8/ 453، "التقريب"(5676).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 304).
(3)
يُنظر: "تهذيب الكمال"(12/ 260).
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل"(4/ 238).
(5)
يُنظر: "تاريخ الإسلام"(4/ 1123).
(6)
يُنظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (72/ 350)، و"تهذيب الكمال"(12/ 261).
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُغِيرَةِ إلا سُوَيْد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قلتُ: ومِنْ خلال مَا سبق يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاقُهَا» : العوج: ضبطه بعضهم بفتح العين، وضبطه بعضهم بكسرها، ولعل الفتح أكثر، وضبطه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وآخرون بالكسر وهو الأرجح، والضلع: بكسر الضاد وفتح اللام، وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أنَّ حَوَّاء خُلقت من ضلع آدم، قال الله تعالى
…
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}
(1)
، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّها خلقت من ضلع، وفي هذا الحديث ملاطفة النساء، والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها، والله أعلم.
(2)
وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس، وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ العفو عنهنَّ والصبر عليهنَّ، وأنَّ مَنْ رام تقويمهنَّ، فاته النفع بهنَّ، مع أنَّه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها، ويستعين بها على معاشه، فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها.
* * *
(1)
سورة "النساء"، آية (1).
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(10/ 57). ويُنظر أيضاً: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 368 و 9/ 252).
[166/ 566]- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْغَدَاةَ، وَخَلْفَهُ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ، فَإِذَا سَلَّمَ، خَرَجْنَ فِي مُرُوطِهِنَّ
(1)
، مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ
(2)
.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(1562)، والحُميدي في "مسنده"(174) - ومِنْ طريقه ابن المنذر في "الأوسط"(1064) -، وأبو بكر بن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(3234)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(588 و 589 و 590 و 591)، وأحمد في "مسنده"(24051 و 24096 و 26110)، والدَّارمي في "سننه"(1252)، والبخاري في "صحيحه"(372) ك/الصلاة، ب/في كم تُصَلِّي المرأةُ في الثِّيَابِ، وأيضاً برقم (578) ك/مواقيت الصلاة، ب/وَقْت الفَجْرِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(645/ 1 - 2) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، وابن ماجه في "سننه"(669) ك/الصلاة، ب/وقت صلاة الفجر، والنَّسائي في "الكبرى"(1287) ك/الصلاة، ب/الوقتُ الَّذي يَنْصَرِفُ فيه النِّسَاءُ مِنَ الصَّلَاةِ، وأيضاً برقم (1539) ك/الصلاة، ب/التَّغْلِيسُ في الحَضَرِ، وفي "الصغرى"(546 و 1362)، وأبو يَعْلى في "مسنده"(4415 و 4416)، وابن خُزيمة في "صحيحه"(350)، والسَّرَّاج في "مسنده"(616 - 623 و 1162 - 1169)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(1091 - 1094)، والطحاوي في "شرح الآثار"(1047 و 1048)، وأبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(1890)، وابن البَخْتري في "فوائده"(522)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1499 و 1500)، والطبراني في "الأوسط"(8773)، وفي "مسند الشاميين"(77 و 2881 و 3096)، والبيهقي في "الكبرى"(2134 و 2135 و 3268)، وفي "معرفة السنن والآثار"(2758).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن الزُّهْري، عن عُروة، عن عائشة، بنحوه.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(867) ك/الآذان، ب/خُرُوج النِّسَاءِ إلى المَسَاجِدِ باللَّيلِ والغَلَسِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(645/ 3) ك/المساجد ومواضع الصلاة، ب/استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها وهو التغليس، بسندهما مِنْ طريق مَالِكٍ، عن يحيَى بن سَعِيدٍ، عن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ.
وأخرجه البخاري في "صحيحه"(872) ك/الآذان، ب/سُرْعَة انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنَ الصُّبْحِ وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ في المَسْجِدِ، بسنده مِنْ طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن القَاسِمِ، عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكرٍ، عن عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ المُؤْمِنِينَ لَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ - أَوْ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا -.
(1)
أي: أكسيتهنَّ، ويكون مِنْ صُوفٍ، ورُبما كَانَ مِنْ خَزٍّ أَوْ غَيْرِه. يُنظر:"النهاية في غريب الحديث والأثر"(4/ 319).
(2)
الغَلَس: ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ إِذَا اخْتَلَطَتْ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ. يُنظر: "النهاية" لابن الأثير (3/ 377). وأمَّا الإسفار بالصبح: فقال ابن الأثير: أَسْفَرَ الصبح إذ انكَشَف وأضاءَ. يُنظر: "النهاية"(2/ 372).
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به إذا تُوبع"، تقدَّم في الحديث رقم (65).
5) المُغِيرة بن قيس، البَصْري:"ضَعيفٌ، يُعْتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (164).
6) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فقيهٌ، مِنْ أعلم النَّاس بحديث عائشة"، تقدَّم في الحديث (145).
7) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز، والمُغيرة بن قيس، كلاهما "ضَعيفان"، وللحديث مُتابعات في "الصحيحين"، وغيرهما مِنْ طُرُقٍ عِدَّة عن الزُّهري، عن عُروة بن الزُّبير، عن عائشة رضي الله عنها، بنحوه، كما في التخريج، فيرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُغِيرَةِ إلا سُوَيْد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قلتُ: ومِنْ خلال مَا سبق يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال ابن رجب: هل الأفضل التغليس بصلاة الصبح في أول وقتها، أم الإسفار بها؟ وفيه قولان:
أحدهما: أن التغليس بها أفضل؛ وروي التغليس بها عن أبي بكر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وغيرهم، وهو قول الليث، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وآخرون.
وذهب آخرون إلى أن الإسفار بها أفضل؛ وروي ذلك عن عثمان، وعلي، وابن مسعود، وغيرهم.
واستدل من رأى الإسفار: بما روى عَاصِم بن عُمَرَ بن قَتَادَةَ، عن محمود بن لَبِيدٍ، عن رَافِعِ بن خَدِيجٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«أَسْفِرُوا بِصَلاةِ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ للأَجْرِ» . خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
(1)
وقال الأثرم: ليس في أحاديث هذا الباب أثبت منه.
(1)
أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(15819 و 17257 و 17279) ويُنظر التعليق عليه، وابن ماجه في "سننه"(672) ك/الصلاة، ب/وَقْت صَلَاةِ الفَجْرِ، وأبو داود في "سننه"(424) ك/الصلاة، ب/في وَقْت الصُّبْحِ، والترمذي في "سننه"(154) ك/الصلاة، ب/مَا جَاءَ في الإِسْفَارِ بِالفَجْرِ، والنَّسائي في "السنن الكبرى"(1542 و 1543) ك/الصلاة، ب/الْإِسْفَارُ بِالصُّبْحِ، وابن حبَّان في "صحيحه"(1489 و 1490 و 1491)، وقال ابن حبَّان: أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإسفار لصَلَاةِ الصُّبْحِ؛ لأنَّ العلَّةَ في هذا الأمر مُضْمَرَةٌ، وذلك أنَّ المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يُغَلِّسُونَ بصلاة الصُّبْحِ، واللَّيَالِي المُقْمِرَةُ إذا قَصَدَ المَرْءُ التَّغْلِيسَ بصلاة الفجر صَبِيحَتَهَا رُبَّمَا كان أَدَاءُ صَلَاتِهِ باللَّيْلِ، فَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم بالإسفَارِ بمقدار ما يَتَيَقَّنُ أنَّ الفجر قد طَلَعَ، أي: إنَّكُمْ كُلَّمَا تَيَقَّنْتُمْ بِطُلُوعِ الفجر، كان أعظم لأُجُورِكُمْ مِنْ أَنْ تُؤَدُّوا الصَّلَاةَ بِالشَّكِّ.
وأجاب من يرى التغليس أفضل عن هذا بأجوبةٍ:
منها: تضعيفه، وسلك ذلك بعض أصحابنا الفقهاء، وسلكه ابن عبد البر،
…
، ومنها: تأويله، واختلف المتأولون له: فقال الشافعي وأحمد وإسحاق وغيره: المراد بالإسفار: أن يتبين الفجر ويتضح، فيكون نهياً عن الصلاة قبل الوقت، وقبل تيقن دخول الوقت. وذكر الشافعي: أنه يحتمل أن بعض الصحابة كان يصلي قبل الفجر الثاني، فأمر بالتأخير إلى تبين الفجر وتيقنه.
ورد ذلك بعضهم بأن قوله: "فَإِنَّهُ أَعْظَمُ للأَجْرِ" يدل على أن في ترك هذا الإسفار أجراً، ولا أجر في الصلاة قبل وقتها إلا بمعنى أنها تصير نافلة.
ومنهم من قال: أُمِرُوا أن لا يدخلوا في صلاة الفجر حتى يتيقنوا طلوع الفجر، وقيل لهم: هو أفضل من الصلاة بغلبة الظن بدخوله.
وقال آخرون: بل الإسفار يكون باستدامته الصلاة، لا بالدخول فيها، فيدخل فيها بغلس، ويطيلها حتى يخرج منها وقد أسفر الوقت. وقد رَدَّ هذا القول على من قاله كثيرٌ من العلماء، منهم: الشافعي وابن عبد البر والبيهقي، وقال: أكثر الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل فيها بغلس، ويخرج منها بغلس؛ لحديث عائشة وغيره، وكذلك أكثر أصحابنا، وإن كان منهم من كان يخرج منها بإسفار ويطيل القراءة.
ومن الناس من ادعى أن في هذه الأحاديث ناسخاً ومنسوخاً، وهم فرقتان: فرقة ادَّعت أن الأحاديث في الإسفار منسوخة. وفرقةً ادعت أن أحاديث التغليس منسوخة، منهم: الطحاوي. وهذا في غاية البعد.
وذهب الإمام أحمد إلى أنَّ الحديث في التغليس أقوى، وكأنَّه يشير إلى أنه مع تعارض الأحاديث يُعمل بالأقوى منها، وأحاديث التغليس أقوى إسناداً وأكثر. وكذلك الشافعي أشار إلى ترجيح أحاديث التغليس بهذا، وعضده: موافقاً ظاهر القرآن من الأمر بالمحافظة على الصلوات.
(1)
وقال ابن رجب أيضاً: وهذا الحديث يدل على سرعة خروجهن من المسجد عقيب انقضاء الصلاة مبادرة لما بقي من ظلام الغلس، حتى ينصرفن فيه، فيكون أستر لهن. وهذا المعنى لا يوجد في غير الصبح من سائر الصلوات؛ فلذلك خصه البخاري بالتبويب عليه، فقال: سُرْعَة انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنَ الصُّبْحِ وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ في المَسْجِدِ. والله أعلم.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (4/ 425 - 455). ويُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(5/ 143 - 146)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 55 و 2/ 351)، و"النهاية" لابن الأثير (2/ 372).
(2)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (8/ 50).
[167/ 567]- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «أُعْطِيتُ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ في البَطْشِ وَالنِّكَاحِ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلا أُعْطِيَ قُوَّةَ عَشَرَةٍ، وَجُعِلَتِ الشَّهْوَةُ عَلَى عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ، وَجُعِلَتْ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهَا في النِّسَاءِ، وَوَاحِدَةٌ في الرِّجَالِ، ولولا مَا أُلقِيَ عَلَيْهِنَّ مِنَ الحَيَاءِ مَعَ شَهَوَاتِهِنَّ، لَكَانَ لِكُلِّ رَجُلٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ مُغْتَلمَاتٍ
(1)
».
أولاً: - تخريج الحديث:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - إلا برواية الباب -، وذكره الهيثمي بإسناد الطبراني ومتنه في "مجمع البحرين"(2300).
• وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة": حديث: "شَهْوَةُ النِّسَاءِ تُضَاعِفُ عَلَى شَهْوَةِ الرِّجَالِ"، والطبراني في "الأوسط" عن ابن عمرو مرفوعاً، بلفظ:"فُضِّلت المرأةُ على الرَّجُلِ، بِتِسْعَةٍ وتِسْعِين مِنْ اللَّذَةِ، وَلَكِنَّ اللَّه أَلْقَى عَلَيْهِنَّ الحَيَاءَ".
(2)
ونقل الشوكاني في "الفوائد المجموعة"
(3)
كلام السخاوي بنصه، ولم يَزِد عليه.
قلتُ: ولم أقف عليه في "الأوسط" باللفظ الذي ذكره السخاوي، فلعلَّه يقصد رواية الباب، وقد نقلها بمعناها، أو مِنْ حفظه، والله أعلم.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به إذا تُوبع"، تقدَّم في الحديث رقم (65).
5) المُغِيرة بن قيس، البَصْري:"ضَعيفٌ، يُعْتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (164).
6) عَمرو بن شُعَيب: "ثقةٌ في نفسه، وحديثه صحيحٌ إذا رَوَى عن الثقات غير أبيه، وحديثه عن أبيه عن جده مِن أعلى مراتب الحَسَن وأقل مراتب الصحيح"، تقدَّم في الحديث رقم (26).
7) شُعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص: "صدوقٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (26).
8) عبد الله بن عَمرو بن العاص: "صحابي جليلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (26).
(1)
قال ابن الأثير: الغَلِمَة: هَيَجان شَهْوة النِّكاح مِنَ الْمَرْأَةِ والرجُل وغَيرهما. يُقَالُ: غَلِمَ غُلْمَة، واغْتَلَمَ اغْتِلَاماً. يُنظر:"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 382).
(2)
يُنظر: "المقاصد الحسنة"(1/ 255/حديث 605).
(3)
يُنظر: "الفوائد المجموعة"(ص/132/حديث 386).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز، والمُغيرة بن قيس، كلاهما "ضَعيفان"، وقد انفرد به سُويد بن عبد العزيز عن المُغيرة بن قيس، كما قال الطبراني.
وقال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبرانيُّ في "الأوسط"، وفيه المُغِيرَةُ بن قَيْسٍ، وهو ضَعِيفٌ.
(1)
والحديث ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" - كما سبق - بمعناه، وعزاه إلى الطبراني.
وقال الألباني: ضَعيفٌ جداً، وأعلَّه بسويد بن عبد العزيز، فقال: متروكٌ.
(2)
شواهد للحديث: وللحديث بجزئه الأول بقوله: "أُعْطِيتُ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ في البَطْشِ وَالنِّكَاحِ" عِدَّة شواهد، منها:
- ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(268) ك/الغسل، ب/إذا جامع ثُمَّ عاد، ومن دَارَ على نِسَائِهِ في غُسْلٍ وَاحِدٍ، قال: حَدَّثَنَا محمَّد بن بَشَّارٍ، قال: حدَّثنا مُعَاذُ بن هِشَامٍ، قال: حدَّثني أبي، عن قتادة، قال: حدَّثنا أنس بن مالكٍ، قال:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ، مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ» . قَالَ: قُلْتُ لأنَسٍ أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ «أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ» .
قال الحافظ ابن حجر: ووقع في رواية الإسماعيلي مِنْ طريق أبي موسى محمد بن المُثنى العَنَزي، عن مُعاذ بن هشام "أَرْبَعِين"، بدل ثلاثين، وهي شاذةٌ مِنْ هذا الوجه، لكن في مراسيل طاووس مثل ذلك، وفي حديث عبد الله بن عَمرو مرفوعاً "أُعْطِيتُ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ في البَطْشِ وَالنِّكَاحِ".
(3)
- وأخرج الطبراني بإسنادٍ حسنٍ، عن مُجَاهِدٍ، قال: قال ابن عُمَرَ: «لَقَدْ أُعْطِيتُ مِنْهُ شَيْئًا مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أُعْطِيَهُ إلا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الْجِمَاعَ -» .
(4)
وقال الهيثمي: رجاله ثِقَاتٌ.
(5)
قلتُ: بل في إسناده يحيى بن عبَّاد الضُّبَعي، قال ابن حجر: صدوقٌ.
(6)
- وأخرج الطبراني في "الأوسط"(7492)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم "(732)، قالا: حدَّثنا محمَّد بن شُعَيْبٍ، نا عَبْدُ السَّلَامِ بن عاصم الرَّازِيُّ، نا مُعَاذُ بن هِشَامٍ، حدَّثني أبي، عن قتادة، عن الحَسَنِ، عن حِطَّان بن عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، عن جابرِ بن عَبْدِ اللَّهِ، قال: أُعْطِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الكَفِيتُ. قيل للحَسَنِ: وَمَا
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 392 و 8/ 269).
(2)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(14/ 403/حديث 6668).
(3)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 378).
(4)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(13512)، وفي "الأوسط"(1398 و 9398).
(5)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 293).
(6)
يُنظر: "التقريب"(7576). ويُنظر ترجمته: "الجرح والتعديل"(9/ 173)، "تهذيب الكمال"(31/ 395).
الكَفِيتُ؟ قال: البِضَاعُ. ووقع عند أبي الشيخ، بلفظ:"الجماع"، بدل البِضَاع.
وقال الطبراني: لم يَرْوِه عن قَتَادَةَ، عن الحَسَنِ إلا هِشَامٌ، ولا عن هِشَامٍ إلا ابْنُهُ، تَفَرَّدَ به: عَبْدُ السَّلَامِ بن عَاصِمٍ. وقال الهيثمي: رِجَاله رِجال الصحيح خلا عبد السلام بن عاصم الرَّازي، وهو: ثِقَةٌ.
(1)
قلتُ: بل سنده ضَعيفٌ؛ ففيه: محمد بن شُعيب أبو عبد الله التاجر "صاحب غرائب، لا يُحتج به".
(2)
وفيه أيضاً عبد السلام بن عاصم الجُعْفي الرَّازي، قال عنه ابن حجر:"مقبولٌ".
(3)
أي: إذا تُوبع، وإلا فليِّن الحديث. ولم أقف على مَنْ تابعه - على حد بحثي -، وبيَّن الطبراني أنَّه انفرد به. بينما قال صاحبا "تحرير التقريب": بل صدوقٌ حسن الحديث، فقد روى عنه جمعٌ مِنْ الثقات، وقال أبو حاتم: شيخٌ.
(4)
قلتُ: وأمَّا عنعنة قتادة، فلا يُتوقف فيها في هذا الحديث؛ لأنَّه روى الحديث عن الحسن، وهو مِنْ شيوخه الذين أكثر عنهم في الرواية، فلا يُتوقف في عنعنته عنه، ولا تُرَدُّ إلا بقرينة.
(5)
- وأخرج أبو بكر الدّينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(1623 و 3038)، والطبراني في "الأوسط"(6816)، وفي "مسند الشاميين"(2607) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(4/ 22) -، وأبو بكر الإسماعيلي في "معجمه"(2/ 621) - ومِنْ طريقه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(8/ 619)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(268) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(4/ 22)، كلهم مِنْ طريق سَعِيد بن بَشِيرٍ، عن قَتَادَةَ، عن أَنَسٍ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِأَرْبَعٍ: بِالسَّخَاءِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَكَثْرَةِ الْجِمَاعِ، وَشِدَّةِ الْبَطْشِ» .
وقال ابن الجوزي: وهذا حديثٌ لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورده الذهبي في "الميزان"، وقال: هذا خبرٌ مُنْكرٌ.
(6)
وقال ابن حجر: الضَعفُ فيه مِنْ قبل سعيد بن بَشير.
(7)
ورمز له السيوطي في "الجامع الصغير" بالضعف.
(8)
وقال الألباني: باطلٌ، وأعلَّه بسعيدٍ بن بشير.
(9)
قلتُ: ومَدَاره على سعيد بن بشير، وقد ضَعَّفه الجمهور عُموماً، وفي روايته عن قتادة خُصوصاً، فقال ابن
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 293).
(2)
يُنظر: "إرشاد القاصي والدَّاني"(ص/561).
(3)
يُنظر: "التقريب"(4071).
(4)
يُنظر: "تحرير التقريب"(4071). ويُراجع ترجمته: "الجرح والتعديل"(6/ 49)، "تهذيب الكمال"(18/ 82).
(5)
وقد سبق تفصيل الأمر في تدليس قتادة في ترجمته في الحديث رقم (75).
(6)
يُنظر: "ميزان الاعتدال"(4/ 93).
(7)
يُنظر: "لسان الميزان"(3/ 195).
(8)
يُنظر: "الجامع الصغير"(5884).
(9)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(4/ 101/حديث 1597).
معين: عنده أحاديث غرائب عن قتادة، وليس حديثه بكل ذاك.
(1)
وقال ابن نُمير: ليس بقوي الحديث، يروي عن قتادة المنكرات.
(2)
وقال ابن حبَّان: رَدِيء الحِفْظ، فاحش الخَطَأ، يَرْوِي عن قَتَادَة مالا يُتَابع عَلَيْهِ.
(3)
وقال الساجي: حدَّث عن قتادة بمناكير.
(4)
وقال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط" وإسنادهُ رجالهُ مُوَثَّقُونَ.
(5)
وقال في موضع آخر: رواه الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ"، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
(6)
لكن تعقبه المُناوي، فقال: غَرَّهُ قول شيخه العراقي: رجاله ثقاتٌ.
(7)
ثُم نقل أقوال أهل العلم السابقة في تضعيفه.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُغِيرَةِ إلا سُوَيْد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قلتُ: ومِنْ خلال مَا سبق يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: في هذا الحديث عِدَّة فوائد، منها: ما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم مِنْ القوة على الجماع، وهو دليلٌ على كمال البنية وصحة الذكورية، والحكمة في كثرة أزواجه أنَّ الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليها فينقلنها.
(8)
* * *
(1)
يُنظر: "تاريخ ابن معين" برواية ابن محرز (1/ 74).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل"(4/ 7)، "تهذيب الكمال"(10/ 354).
(3)
يُنظر: "المجروحين" لابن حبَّان (1/ 319).
(4)
يُنظر: "تهذيب التهذيب"(4/ 10).
(5)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(8/ 269).
(6)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(9/ 13).
(7)
يُنظر: "فيض القدير"(4/ 439).
(8)
يُنظر: "فتح الباري"(1/ 379).
[168/ 568]- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لا يأْتِينَهُ إلا تَفِلاتٌ
(1)
».
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(5121)، والحميدي في "مسنده"(1008)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(7609)، وأحمد في "مسنده"(9645 و 10144 و 10835)، والدَّارمي في "سننه"(1315 و 1316)، وأبو داود في "سننه"(565) ك/الصلاة، ب/خُرُوج النِّسَاء إلى المسجد - ومِنْ طريقه ابن حزم في "المحلى"(4/ 78) -، وأبو يَعْلى في "مسنده"(5915 و 5933)، وابن الجارود في "المنتقى"(332)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1679)، والسَّرَّاج في "مسنده"(798)، والطحاوي في "أحكام القرآن"(1058 و 1059)، وابن حبَّان في "صحيحه"(2214)، وابن حزم في "المحلى"(3/ 130)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5377)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(6/ 509)، والبغوي في "شرح السنة"(860).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن محمد بن عَمرو بن علقمة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، به.
وقال الدَّارمي: قال سعيد بن عامر - أحد رواة الحديث عن محمد بن عَمرو -: التَّفِلَةُ: الَّتِي لَا طِيبَ لَهَا. وقال البغوي: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وفيه دَلِيلٌ على جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلى المساجد، وتَخْرُجُ غير مُتَطَيِّبَةٍ، وقوله:«تَفِلاتٍ» أي: تَارِكَاتٍ لِلطِّيبِ، يُرِيدُ: ليخرُجْنَ بمنزلة التَّفِلات، والتَّفَلُ: سُوءُ الرَّائِحَةِ.
• وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 79)، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "مسنده"(797)، بسنده مِنْ طريق سلمة بن صفوان الزُّرَقيّ، عن أبي سلمة، به.
شواهدٌ للحديث:
أخرج البخاري ومسلمٌ في "صحيحيهما" عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ» .
(2)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به إذا تُوبع"، تقدَّم في الحديث رقم (65).
5) المُغِيرة بن قيس، البَصْري:"ضَعيفٌ، يُعْتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (164).
(1)
قال ابن الملقن في "البدر المنير"(5/ 47): "تَفِلات": بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة، وَكسر الْفَاء، أَي: غير عطرات، أَي: تاركات للطيب، أَرَادَ ليخرجن بِمَنْزِلَة التفلات، وهُن المنتنات الرّيح. ويُنظر:"غريب الحديث" لابن قتيبة (2/ 94).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(900) ك/الجمعة، ب/ هل على مَنْ لم يَشْهَدِ الجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟، ومُسلمٌ في "صحيحه"(442/ 3) ك/الصلاة، ب/خُروج النِّسَاءِ إلى المساجد إذا لم يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنةٌ، وأن لا تَخْرُجْ مُطَيَّبَةً.
6) أَبُو سلمة بن عَبْد الرحمن بن عوف القُرَشيّ: "ثِقَةٌ مُكْثر"، تَقَدَّم في الحديث رقم (132).
7) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ، حافظ الصحابة"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز، والمُغيرة بن قيس، كلاهما "ضَعيفان". وللحديث مُتابعات عن محمد بن عَمرو بن علقمة، وسلمة بن صفوان، كلاهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وللحديث شاهدٌ عن ابن عُمر في "الصحيحين"، كما سبق بيانه في التخريج. وعليه فالحديث بمتابعاته، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره".
والحديث أخرجه البغوي مِنْ طريق محمد بن عَمرو، وقال: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وقال ابن الملقن: صححه ابن حبَّان، وإسناده على شرط الشيخين.
(1)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُغِيرَةِ إلا سُوَيْد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قلتُ: ومِنْ خلال مَا سبق يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال ابن رجب: هذا الحديث يَدُل على أمرين: أحدهما: أنَّ المرأة لا تخرج إلى المسجد بدون إذن زوجها، فإنَّه لو لم يكن له إذن في ذلك لأمرها أن تخرج إنْ أذن أو لم يأذن. ولا نعلم خلافاً بين العلماء أن المرأة لا تخرج إلى المسجد إلا بإذن زوجها، وهو قول ابن المبارك والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم.
لكن من المتقدمين من كان يكتفي في إذن الزوج بعلمه بخروج المرأة من غير منع؛ كما قال بعض الفقهاء: إن العبد يصير مأذونا له في التجارة بعلم السيد بتصرفه في ماله من غير منعٍ.
فرُوي عن ابن عُمَرَ، قال: كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» .
(2)
والأمر الثاني: أنَّ الزوج منهيٌ عن منعها إذا استأذنته، وهذا لابد من تقييده بما إذا لم يخف فتنةً أو ضرراً. وقد أنكر ابن عمر على ابنه لما قال له: والله، لنمنعهنَّ، أشد الإنكار، وسبَّه، ففي "صحيح مسلم" عن ابن عُمر، قال: قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا» قَالَ: فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ: " أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ: وَاللهِ
(1)
يُنظر: "البدر المنير"(5/ 46).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(900) ك/الجمعة، ب/هل على مَنْ لم يَشْهَدِ الجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟.
لَنَمْنَعُهُنَّ؟!.
(1)
وقد تقدم من عمر عدم المنع.
ومن هؤلاء من حمل قوله: "لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ" على النهي عن منعهن من حجة الاسلام، وهو في غاية البعد، ورواية من روى تقييده بالليل تُبْطل ذلك. ومنهم من حمله على الخروج للعيدين، وهو بعيد أيضاً؛ فان النَّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن من عادته صلاة العيدين في المسجد.
ومن أصحابنا من قال: يُكره مَنْعِهنَّ إذا لم يكن في خُرُوجِهِنَّ ضَرَرٌ ولا فتنهٌ، فحملوا النهي على الكراهة. قلت (ابن رجب): وهو ظاهر ما رُوي عن عمر وابن عمر، كما تقدم.
وبكل حال؛ فصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.
خرَّج الإمام أحمد وأبو داود من حديث حَبِيب بن أبي ثَابِتٍ، عن ابن عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» .
(2)
وخرَّج الإمام أحمد، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما" مِنْ حديث أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ، قَالَ:«قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي، وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِي» .
(3)
(4)
* * *
(1)
أخرجه مُسلمٌ في "صحيحه"(442/ 2) ك/الصلاة، ب/خُروج النِّسَاءِ إلى المساجد إذا لم يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنةٌ.
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده"(5468)، وأبو داود في "سننه"(567) ك/الصلاة، ب/خروج النساء إلى المسجد.
(3)
أخرجه أحمد في "مسنده"(27090)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1689)، وابن حبَّان في "صحيحه"(2217)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 33 - 34): رواهُ أحمدُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وقال ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 3489): رواه أحمد بإسنادٍ حسن.
(4)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (8/ 51 - 56). ويُنظر أيضاً: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(4/ 161 - 162)، و"طرح التثريب في شرح التقريب"(2/ 314 - 317).
[169/ 569]- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ يَوْمًا وَاحِدًا إلا مَعَ زَوْجٍ، أَوْ ذِي مَحْرَمٍ» .
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه البخاري في "صحيحه"(1088) ك/الصلاة، ب/في كم يَقْصُرُ الصَّلَاة، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1339/ 2) ك/الحج، ب/سَفَر المَرْأَةِ مع مَحْرَمٍ إلى حجٍّ وغيره، مِنْ طريق ابن أبي ذئب، قال: حدَّثنا سَعِيدٌ المَقْبُرِيُّ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لامرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ» .
وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(1339/ 1) ك/الحج، ب/سَفَر المَرْأَةِ مع مَحْرَمٍ إلى حَجٍّ وغيره، مِنْ طريق اللَّيْث بن سعد، عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ، عن أبيه، أنَّ أبا هُرَيْرَةَ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ لامرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إلا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا» .
وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(1339/ 3) ك/الحج، ب/سَفَر المَرْأَةِ مع مَحْرَمٍ إلى حَجٍّ وغيره، بسنده مِنْ مَالِكٍ، عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«لا يَحِلُّ لامرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا» .
• وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(1339/ 3) ك/الحج، ب/سَفَر المَرْأَةِ مع مَحْرَمٍ إلى حَجٍّ وغيره، بسنده مِنْ طريق سُهَيْل بن أبي صَالح، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ لامرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلاثًا إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» .
شواهدٌ للحديث:
أخرج البخاري، ومُسْلمٌ في "صحيحيهما" عن ابن عُمر رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاثًا، إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» . واللفظ لمسلمٍ.
(1)
وأخرج الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه" عن ابن عبَّاس، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، يَقُولُ:«لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، ولا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» .
(2)
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1086 و 1087) ك/الصلاة، ب/في كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاة، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1338) ك/الحج، ب/سَفَر المَرْأَةِ مع مَحْرَمٍ إلى حَجٍّ وغيره.
(2)
أخرجه الأمام مُسْلمٌ في "صحيحه"(1341) ك/الحج، ب/سَفَر المَرْأَةِ مع مَحْرَمٍ إلى حَجٍّ وغيره.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به إذا تُوبع"، تقدَّم في الحديث رقم (65).
5) المُغِيرة بن قيس، البَصْري:"ضَعيفٌ، يُعْتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (164).
6) أَبُو سلمة بن عَبْد الرحمن بن عوف: "إمامٌ ثِقَةٌ مُكْثِرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (132).
7) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ، حافظ الصحابة"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سُويد بن عبد العزيز، والمُغيرة بن قيس، كلاهما "ضَعيفان". وللحديث مُتابعاتٌ، وشواهد عن ابن عُمر وابن عبَّاس في "الصحيحين" - كما سبق بيانها في التخريج -، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُغِيرَةِ إلا سُوَيْد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قلتُ: ومِنْ خلال مَا سبق يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ": مفهومه أن النهي المذكور يختص بالمؤمنات فتخرج الكافرات كتابية كانت أو حربية، وأجيب: بأنَّ الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشارع فينتفع به وينقاد له فلذلك قُيَّد به، أو أنَّ الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يُقصد به إخراج ما سواه.
(1)
وقال الإمام الترمذي: والعملُ على هذا عند أهل العلم: يكرهون للمرأة أن تُسَافِرَ إلا مع ذي مَحْرَمٍ.
واخْتَلَفَ أهل العلم في المرأة إذا كانت مُوسِرَة ولم يَكُنْ لها مَحْرَمٌ، هل تَحُجُّ؟
فقال بعض أهل العلم: لا يَجِبُ عليها الحَجُّ لأنَّ المَحْرَمَ مِنْ السَّبِيلِ، لقول اللهِ عز وجل {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}
(2)
، فقالوا: إذا لم يَكُنْ لها مَحْرَمٌ فلا تَسْتَطِيعُ إليه سَبِيلاً، وهو قول الثَّوْرِيِّ، وأهل الكُوفَةِ.
وقال بعضُهم: إذا كان الطَّرِيقُ آمِنا فإنَّهَا تخرج مع النَّاس في الحجِّ، وهو قول مَالِكٍ، والشَّافعيِّ.
(3)
وقال النووي: وأجمعت الأمة على أن المرأة يلزمها حجة الإسلام إذا استطاعت لعموم قوله تعالى {وَلِلَّهِ
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (2/ 568).
(2)
سورة "آل عمران"، آية (97).
(3)
يُنظر: "سنن الترمذي"(2/ 461/حديث 1169).
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}
(1)
، واستطاعتها كاستطاعة الرجل، لكن اختلفوا في اشتراط المحرم لها، فأبو حنيفة يشترطه لوجوب الحج عليها إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل، ووافقه جماعة من أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، وقال عطاء وسعيد بن جُبير وابن سيرين ومالك والأوزاعي والشافعي في المشهور عنه: لا يُشترط المَحْرم بل يُشترط الأمن على نفسها، قال أصحابنا: يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات، ولا يلزمها الحج عندنا إلا بأحد هذه الأشياء، فلو وجدت امرأة واحدة ثقة لم يلزمها، لكن يجوز لها الحج معها هذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا: يلزمها بوجود نسوة أو امرأة واحدة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة.
واختلف أصحابنا في خروجها لحج التطوع وسفر الزيارة والتجارة ونحو ذلك من الأسفار التي ليست واجبة؛ فقال بعضهم: يجوز لها الخروج فيها مع نسوة ثقات كحجة الإسلام، وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم، وهذا هو الصحيح للأحاديث الصحيحة، وقد قال القاضي: واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي محرم إلا الهجرة من دار الحرب، فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام، وإن لم يكن معها محرم، والفرق بينهما: أن إقامتها في دار الكفر حرام إذا لم تستطع إظهار الدين وتخشى على دينها ونفسها، وليس كذلك التأخر عن الحج.
(2)
وقال ابن عبد البر: قد اضطربت الآثار المرفوعة في هذا الباب في ألفاظها، ومحملها عندي أنَّها خرجت على أجوبة السائلين، فحدَّث كل واحد بمعنى ما سمع، كأنه قيل له صلى الله عليه وسلم في وقت ما: هل تسافر المرأة مسيرة يوم بلا محرم؟ فقال: لا، وقيل له في وقت آخر: هل تسافر المرأة مسيرة يومين بلا محرم؟ فقال: لا، وقال له آخر: هل تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم؟ فقال: لا، ونحو ذلك، فأدى كل واحد ما سمع على المعنى. ويجمع معاني الآثار في هذا الباب - وإن اختلفت ظواهرها - الخطر على المرأة أن تسافر سفراً يُخاف عليها الفتنة بغير محرم، قصيراً كان أو طويلاً.
(3)
وقال النووي: قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد،
…
، وكله صحيح وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يُسمى سفراً، فالحاصل: أنَّ كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك.
(4)
* * *
(1)
سورة "آل عمران"، آية (97).
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(9/ 104).
(3)
يُنظر: "التمهيد"(21/ 55).
(4)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(9/ 103).
[170/ 570]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبِي وَعَمِّي، قالا: نا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: نا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ
(1)
.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لا تُغَالُوا بِصَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً عِنْدَ النَّاسِ، أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، لَكَانَ أَحَقُّهُمْ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَمْ يَنْكِحِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، ولا أَنْكَحَ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِهِ إلا عَلَى اثْنَتَي عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشٍّ
(2)
؛ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيُغَالِي بِصَدَاقِ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَقُولَ: أَمَا كُلِّفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ
(3)
القِرْبَةِ.
قَالَ: وَكُنْتُ غُلامًا مُوَلَّدًا، فَلَمْ أَدْرِي
(4)
مَا عَلَقُ الْقِرْبَةِ؟.
* لم يَرْوِ هذه الأحاديث عن المُغِيرَةِ إلا سُوَيْدٌ بن عَبْدِ العَزِيزِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطيالسي في "مُسْنَدِه"(64) - ومِنْ طريقه الطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(5103) -، عن سَعِيد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ وعبد الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(10399)، والحميديّ في "مُسْنَدِه"(23)، وسعيد بن مَنْصور في "سننه"(595)، وأحمد في "مُسْنَده"(340)، وأبو داود في "سننه"(2106) ك/النِّكاح، ب/الصَّدَاق، والترمذي في "سننه"(1114) ك/النِّكاح، ب/ما جاء في مُهور النِّساء، والضياء في "المختارة"(291 و 293)، والمِزِّيُّ في "التهذيب"(34/ 80)، مِنْ طُرُقٍ عن أيوب السِّختِيانيّ؛ وعبد الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(10400)، عن عاصم بن سُليمان الأحول؛ وسعيد بن منصور في "سننه"(596 و 2547)، والدَّارميّ في "مُسْنَدِه"(2246)، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(5048 و 5049)، عن مَنْصور بن زاذان.
أربعتهم (سعيد، وأيوب، وعاصم، ومنصور)، عن محمد بن سيرين، به، دون قوله:"وَنَشٍّ". بعضها مُطولاً، وبعضها مختصرًا. ووقع التصريح بسماع ابن سيرين مِنْ أبي العَجْفاء عند سعيد بن مَنْصُور، وأحمد.
وقال الترمذي: هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَبُو العَجْفَاءِ السُّلَمِيُّ: اسْمُهُ هَرِمٌ، والأُوقِيَّةُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَثِنْتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً أَرْبَعُ مِائَةٍ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا.
(1)
السُّلمِيّ: بِضَم السِّين، وَفتح اللَّام، نِسْبَة إِلَى سليم بن مَنْصُور، قَبيلَة مَشْهُورَة. يُنظر:"اللباب"(2/ 129).
(2)
أُوقِيَّة: بِضَم الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء، ونَشَّا: بنُون مَفْتُوحَة، ثمَّ شين مُعْجمَة، فَتلك خَمْسمِائَة دِرْهَم، فهذا صدَاق رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه. قال النَّوَوِيّ: فَإِن قيل فصداق أم حَبِيبَة كَانَ أَرْبَعمِائَة دِينَار؛ فَالْجَوَاب: أَن هذا القدر تبرع بِهِ النَّجَاشِيّ من ماله إِكْرَامًا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أَدَّاهُ وَعقد به. يُنظر: "شرح السيوطي على مسلم"(4/ 31). وقال البغوي في "شرح السُّنة"(9/ 124): وَالْأُوقِية: أَرْبَعُونَ درهما، والنش: عشرُون، قَالَ ابْن الأَعْرَابِيّ: النش: النّصْف من كل شَيْء، ونش الرَّغِيف: نصفه.
(3)
علق القربة: هُوَ حَبْلُها الَّذِي تُعَلَّق بِهِ. يُنظر: "النهاية في غريب الحديث"(3/ 290).
(4)
هكذا بالأصل.
- وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(597)، والنَّسائي في "الصغرى"(3349)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(5047)، عن إسماعيل بن عُلَيَّة، قال: أنا أَيُّوبُ، وابنُ عَوْنٍ، وَهِشَام بن حسَّان القردوسيّ - مِنْ أثبت النَّاس في ابن سيرين
(1)
-، - مقرونين برواية سلمة بن عَلْقَمة، إلا أنَّ سلمة قال: نُبِّئتُ عن ابن سيرين، بخلاف الآخرون، قالوا: عن، كما سيأتي -؛ وأبو بكر بن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(16371)، مِنْ طريق أشعث بن سَوَّار الكِنْدِيّ، وهشام بن حَسَّان؛ وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(16372) - ومِنْ طريقه ابن ماجه في "سننه"(1887/ 1) ك/النِّكاح، ب/صَدَاق النِّساء -، وابن ماجه في "سننه"(1887/ 2) ك/النِّكاح، ب/صَدَاق النِّساء، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(5046 و 5050)، والحاكم في "المُستدرَك"(2725)، والمِزِّيُّ في "تهذيب الكمال"(34/ 80)، عن عبد الله بن عونٍ - وحده -؛ وابن حبَّان في "صحيحه"(4620)، والضياء في "المختارة"(292)، مِنْ طريق عبد الله بن عون، وهِشَام بن حَسَّان.
أربعتهم (أيوب، وابن عون، وهشام، وأشعث)، عن ابن سِيرِينَ، عن أبي العَجْفَاءِ، به، دون قوله:"وَنَشٍّ". وبعضها مُطولاً، وبعضها مختصرًا.
وقال الحاكم: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، ولم يُخَرِّجَاهُ، وقد رَوَاهُ أَيُّوبُ، وَحَبِيبٌ الشَّهِيدُ، وهِشَامُ بن حَسَّانَ، وسَلَمَةُ بن عَلْقَمَةَ، ومَنْصُورُ بن زَاذَانَ، وعَوْفُ بن أبي جَمِيلَةَ، كُلُّ هذه التَّرَاجِمِ مِنْ رِوَايَاتٍ صَحِيحَةٍ عن محمد بن سِيرِينَ، وأبو العَجْفَاءِ السُّلَمِيُّ اسْمُهُ: هَرِمُ بن حَيَّانَ، وهو مِنَ الثِّقَاتِ
…
فقد تواترت الأسانيد الصحيحة بصحة خطبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك، وهذا الباب لي مجموع في جزء كبير.
ولم يَتَعَقَّبه الذهبي في الحكم على الحديث، وإنَّما تَعَقَّبه في اسم أبي العَجْفاء، فقال: بل هو هرم بن نسيب.
وقال الدَّارقُطنيّ: رَوَاهُ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وابنُ عَوْنٍ، وَهِشَامُ بن حَسَّانَ، ومَنْصُورُ بن زَاذَانَ، وأَشْعَثُ بن سَوَّارٍ، وَمَطَرٌ الوَرَّاقُ، والصَّلْتُ بن دِينَارٍ، ومحمد بن عَمْرٍو الأنصاريُّ، وعَوْفٌ الأعرابيُّ، وإسماعيل بن مُسْلِمٍ، وَمُجَّاعَةُ بن الزُّبَيْرِ، وَعَبِيدَةُ بن حَسَّانَ، وعُقْبَةُ بن خَالِدٍ، وَيَحْيَى بْنُ عَتِيقِ، وَأَبُو حُرَّةَ، وَأَخُوهُ، كلهم عَنْ مُحَمَّدِ بن سِيرِينَ، عن أبي العَجْفَاءِ، به. واتَّفَقَ ابن عُيَيْنَةَ، وحَمَّادُ بن زَيْدٍ، وابن عُلَيَّةَ، والحَارِثُ بن عُمَيْرٍ، وعبد الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، ومَعْمَرٌ، وحَمَّادُ بن سَلَمَةَ، عن أيوب السِّخْتيانيّ.
(2)
• بينما أخرجه البيهقي في "الكبرى"(14348)، مِنْ طريق عَمْرو ابن أبي قَيْسٍ، عن أَيُّوب السَّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عن ابن أبي العَجْفَاءِ، عن أبيه، عن عُمَر بن الخَطَّابِ رضي الله عنه: بِنَحْوِهِ.
• وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(597)، وأحمد في "مُسْنَدِه"(285 و 287)، والنَّسائيُّ في "الصغرى"(3349)، عن ابن عُلَيَّة، ثنا سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين، قال: نُبِّئْتُ عن أبي العَجْفَاءِ، به.
وفي رواية سعيد بن منصور مقرونًا برواية أيوب وابن عونٍ وهشامٍ، لكنَّهم قالوا: عن ابن سيرين، بخلاف
(1)
يُنظر: "التقريب"(7289).
(2)
يُنظر: "العلل" للدَّارقُطنيّ (2/ 233).
سلمة فقال: نُبِّئْتُ. وعند أحمد في الموضع الثاني: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَذَكَرَ أَيُّوبُ، وَهِشَامٌ، وَابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي العَجْفَاءِ، عَنْ عُمَرَ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَقُلْ مُحَمَّدٌ: نُبِّئْتُ عَنْ أَبِي العَجْفَاءِ.
وقال الدَّارقُطنيّ: ففي رِوَايَةِ سَلَمَة بن عَلْقَمَةَ تَقْوِيَّةٌ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بن أبي قَيْسٍ، عَنْ أَيُّوبَ.
(1)
وقال أيضًا: كان عَمْرُو بنُ أبي قَيْسٍ، حَفِظَهُ عَنْ أَيُّوبَ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ سِيرِينَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي العَجْفَاءِ، وَحَفِظَهُ عَنِ ابن أبي العَجْفَاءِ، عَنْ أَبِيهِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ وَهُوَ من الثقات الحفاظ، عن ابن سيرين، حدثنا أَبُو العَجْفَاءِ، وَلِكَثْرَةِ مَنْ تَابَعَهُ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(2)
وقال الخطيب: يُشبه أن يكون ابن سيرين سمعه من أبي العَجْفَاء، وحفظه أيضًا عن ابن أبي العَجْفَاء.
(3)
• وذكر الدَّارقُطني للحديث طُرُقًا أخرى عن عُمَرٍ رضي الله عنه، وقال: ولا يَصِحُّ الحَدِيثُ إلا عَنْ أبي العَجْفَاءِ.
(4)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به إذا تُوبع"، تقدَّم في الحديث رقم (65).
5) هِشَامُ بْنُ حَسَّان. أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيُّ القُرْدُوسِيُّ، البَصْرِيُّ:"ثِقَةٌ، مِنْ أثبت النَّاس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مَقَالٌ، لأنَّه قيل: كان يُرْسِل عنهما"، تَقَدَّم في الحديث رقم (41).
6) المُغِيرة بن قيس، البَصْري:"ضَعيفٌ، يُعْتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (164).
7) مُحَمَّد بن سيرين: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ عابدٌ، كبير القدر، كان لا يَرى الرواية بالمعنى"، تَقَدَّم في رقم (131).
8) أَبُو العَجْفَاء السُّلَمِيُّ البَصْرِيّ، قيل: اسمه هَرِم بن نُسَيْب، وقيل: نُسَيْب بن هَرِم، وقيل: ابن نُصيب.
روى عن: عُمر بن الخطاب، وعَمرو بن العاص، وعبد الله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهم.
روى عنه: محمد بن سيرين، وابنه عبد الله، والحارث بن حَصِيرة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والدَّارقُطنيّ: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم. ورمز له ابن حجر في "لسان الميزان" بـ[صَحَّ]. وقال في "التقريب": مقبولٌ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(5)
9) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث (6).
(1)
يُنظر: "العلل" للدَّارقُطنيّ (2/ 236).
(2)
يُنظر: "العلل" للدَّارقُطنيّ (2/ 237).
(3)
يُنظر: "تاريخ بغداد"(4/ 421).
(4)
يُنظر: "العلل" للدَّارقُطنيّ (2/ 238).
(5)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 8/ 244، "الجرح والتعديل" 9/ 110، "الثقات" 5/ 514، "التهذيب" 34/ 78، "الميزان" 4/ 550، "تهذيب التهذيب" 12/ 165، "لسان الميزان" 9/ 476، "التقريب"(8246).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ فيه سُويد بن عبد العزيز "ضَعيفٌ يُعتبر به.
وفيه أيضًا المُغيرة بن قيس "ضَعيفٌ يُعتبر به"، لكن تابعه هِشَام بن حَسَّان.
قلتُ: وللحديث مُتابعاتٌ كثيرةٌ، سبق ذكرها في التخريج.
شواهد للحديث:
• أخرج الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(1426) ك/النِّكاح، ب/الصَّدَاقِ، وَجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ، وَخَاتَمَ حَدِيدٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، وَاسْتِحْبَابِ كَوْنِهِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ لِمَنْ لَا يُجْحِف به، عن أبي سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنَّه قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَزْوَاجِهِ.
وعليه فالحديث بمتابعاته وشواهده يرتقي بها إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
والحديث أخرجه الترمذي مِنْ طريق أيوب السّخْتِيَانيّ، عن ابن سيرين، وقال: حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وأخرجه الحاكم مِنْ طريق عبد الله بن عَون، عن ابن سيرين، وقال: حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، ولم يُخَرِّجَاهُ.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن المُغِيرَةِ إلا سُوَيْد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يَدْفعه، وهو تَفَرُّد نِسْبيّ، والله أعلم.
* * *
[171/ 571]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا أَبِي وَعَمِّي عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ، قالا: نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ:
سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا جَامِعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ وَرَاءِهَا فِي فَرْجِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}
(1)
.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه عبد الرَّزَّاق في "تفسيره"(1/ 79)، والحميدي في "مسنده"(1300)، وسعيد بن منصور كما في "التفسير مِنْ سننه"(366 و 367)، وابن الجعد في "مسنده"(1739 و 1740 و 1741)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(16662)، والدَّارمي في "سننه"(1172 و 2260)، والبخاري في "صحيحه"(4528) ك/التفسير، ب/قوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1435/ 1 - 3) ك/النكاح، ب/جواز جِمَاعِهِ امْرَأَتَهُ في قُبُلِهَا، مِنْ قُدَّامِهَا، ومِنْ وَرَاءِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلدُّبُرِ، وابن ماجه في "سننه"(1925) ك/النكاح، ب/النَّهْي عن إِتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ، وأبو داود في "سننه"(2163) ك/النكاح، ب/جَامِع النِّكَاحِ - ومِنْ طريقه البيهقي في "الكبرى"(14100) -، والترمذي في "سننه" بإثر الحديث (2978) ك/التفسير، ب/سورة البقرة، والنَّسائي في "الكبرى"(8924) ك/عشرة النِّساء، ب/إتيان المرأة مُجَبَّاة، وبرقم (8925 و 8926 و 8927) ك/عشرة النِّساء، ب/تأويل قوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، وأيضاً برقم (10971 و 10972) ك/التفسير، ب/قوله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، والطبري في "تفسيره"(4339 و 4340 و 4346)، وأبو يعلى في "مسنده"(2024)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(4284 - 4291)، والطحاوي في "معاني الآثار"(4387 - 4392)، وفي "مُشْكل الآثار"(6119 - 6126)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(2133)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4166 و 4197)، والطبراني في "الأوسط"(8035 و 8806)، والصيداوي في "معجم شيوخه"(ص/94)، والحاكم في "علوم الحديث"(ص/20)، وأبو نُعيم في "الحلية"(3/ 154)، والبيهقي في "الكبرى"(14101 - 14104)، والخطيب البغدادي في "تاريخه"(14/ 510 و 15/ 351)، وفي "الجامع لأخلاق الراوي"(2/ 291)،
والبغوي في "تفسيره"(1/ 260)، وفي "شرح السنة"(2296).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عِدَّة عن محمد بن المُنْكَدر، بسنده، والبعض بلفظه. والحديث عند البخاري ومُسْلم مِنْ طريق سُفْيان الثوري، وعند مُسْلم مِنْ طريق أيوب السِّخْتياني، وأبي حازم سلمة بن دينار، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وشُعْبة بن الحَجَّاج، والزهري، وسُهيل بن أبي صالح، كلهم عن محمد بن المُنْكدر.
(1)
سورة "البقرة"، آية (223).
وقال أبو نُعيم: هذا حديثٌ صَحِيحٌ ثابتٌ، رَوَاهُ النَّاسُ عن محمَّد بن المُنْكَدِرِ.
وقال الحاكم: هذا الحديثُ وأشباهُهُ مُسْنَدَةٌ عن آخِرِهَا، وليست بِمَوْقُوفَةٍ، فإنَّ الصَّحَابِيَّ الذي شَهِدَ الوحي والتَّنْزِيلَ فأخبر عن آيَةٍ مِنَ القُرْآنِ أنَّها نَزَلَتْ في كذا وكذا فإنَّهُ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ. وبنحوه قال الخطيب.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
4) مَرْوَان بن مُعَاوية الفَزَارِيُّ: "ثِقَةٌ حافظٌ، كان يُدَلِّس أسماء الشيوخ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (117).
5) مُعَاوِيَة بن أبي العَبَّاس القيسيُّ، العبسيُّ، كان جاراً للثوري، والظاهر - والله أعلم - أنَّه ليس هو مُعاوية بن هشام القَصَّار
(1)
.
(1)
مُعاوية بن هشام القَصَّار هذا ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 337)، والعِجْلي في "الثقات"(2/ 285)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(8/ 385)، وابن حبَّان في "الثقات"(9/ 166)، وابن عدي في "الكامل"(8/ 148)، والمزي في "تهذيب الكمال"(28/ 218)، ولم يذكر واحدٌ منهم أنَّه هو مُعاوية بن أبي العبَّاس الذي يروي عنه مَرْوان الفَزَاري.
وكذلك الذهبي ذكره في غير كتابٍ له، ولم يذكر أنَّه هو ابن أبي العبَّاس، غير أنَّه ذكر في ترجمته كلام ابن الجوزي - الآتي ذكره بعد قليل - وتَعَقَّبَه، فقال في "الميزان": ما ذكرته لشيء فيه، إلا لقول أبي الفرج: روى ما ليس من سماعه فتركوه. قلت (الذهبي): هذا خطأ منك، ما تركه أحد. يُنظر:"الكاشف"(2/ 277)، و"مَنْ تُكلِّم فيه وهو مُوثَّق"(ص/493)، و"الميزان" (4/ 138). وقال مُغْلطاي في "الإكمال" (11/ 277): وقال أبو الفرج فيه قولاً لم أر له فيه سلفاً، فيُنْظَر.
بينما ذكر ابن الجوزي في "الضعفاء والمتروكون"(3/ 128) مُعاوية بن هشام القَصَّار، وقال: وقيل: هو مُعاوية بن أبي العبَّاس، رَوى ما ليس بِسَمَاعِهِ فَتَرَكُوهُ. وكذلك ابن حجر في "التقريب"(6771) في ترجمة القَصَّار هذا، قال: ويُقال: هو مُعاوية بن أبي العبَّاس. وكلاهما ذكر ذلك بصيغة التمريض؛ بينما ظاهر صنيع ابن حجر في "لسان الميزان" يدل على أنَّه يُفَرِّق بينهما، فقد ذكر معاوية القَصَّار (9/ 426)، ورمز له بـ (صح) التي تدل على أنَّه مُتكلمٌ فيه بغير حجة. بينما ذكر معاوية بن أبي العبَّاس (8/ 99)، ونقل أقوال أهل العلم التي تدل على سرقته للحديث، كما ذكرته في أصل الترجمة.
قلتُ: وبالنظر في أقوال أهل العلم في مُعاوية القَصَّار نجد بعضهم: كالعجلي، وأبي داود، وابن حبَّان، والذهبي قد وثَّقوه. وبعضهم: كابن سعدٍ، وأبي حاتم، وغيرهما قالوا: صدوقٌ. وبعضهم: كأحمد، وابن معين، والدَّارقطني، وابن حجر، قد ضَعَّفوه. والحاصل: أنَّ أقل أحواله أنَّه لا يَنزل عن رتبة الحسن، فتضعيفه محمولٌ على بعض أفراده وأخطائه، لكنها مُحْتَمَلَة في جنب ما روى، فقد كان كثير الرواية كما هو مُصرَّح به في ترجمته.
بَيْنما صَرَّح ابن نُمير، وابن عُقْدة بأنَّ مُعاوية بن أبي العبَّاس كان يَسْرق أحاديث الثوري، لذا تركه أبو زُرعة. وعليه فما ذكره ابن الجوزي في ترجمة القَصَّار - تَرَكُوهُ - إنَّما هو في معاوية بن أبي العبَّاس، وليس في مُعاوية القَصَّار.
فهذا كله بإذن الله عز وجل يُشير إلى أنَّهما مختلفين، وهذا يوافق ما ذهب إليه الشيخ/المُعَلِّمِيّ اليماني في تعليقه على "الموضح لأوهام الجمع والتفريق" للخطيب البغدادي (2/ 426) كما سيأتي تفصيله بإذن الله تعالى.
وذهب الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة"(6/ 687/2790) إلى احتمال أن يكون هو مُعاوية بن أبي عيَّاش الزُّرَقي، لاتِّفاقهم في الطبقة. قلتُ: لم يذكر أحدٌ مِمَّن ترجم للزُّرَقي هذا أنَّه روى عنه مَرْوان بن مُعاوية الفَزَاري، بينما صَرَّح غير واحد بأنَّ مَرْوان الفَزَاري قد روى عن مُعاوية بن أبي العبَّاس القيسي، كما ذكرته في ترجمته في الأصل.
روى عن: محمد بن المُنْكدر، وعلي بن ربيعة الأسدي، وإسماعيل بن عُبيد الله المَخْزومي، وآخرين.
روى عنه: لم أقف - على حد بحثي - على مَنْ روى عنه غير مَرْوان بن مُعاوية الفَزَاري.
حاله: سُئل أبو زرعة، عن معاوية بن أبي العباس؟ فقال: نظرت بدمشق في كتابٍ لمَرْوان بن معاوية، عن معاوية هذا، فرأيت أحاديث عن شيوخ الثوري، وأحاديث يُعرف بها الثوري، وأبواباً للثوري، فاستربته وتركته. قال أبو زرعة: فذكرت ذلك لابن نُمير، فقال: كان هذا جار الثوري، أخذ كتب الثوري فرواها عن شيوخه، يعني أنَّه ادَّعاها.
ومِنْ طريق ابن عقدة، عن عَبد الله بن إبراهيم بن قتيبة، قال: سئل ابن نُمير عن معاوية هذا، فقال: هذا جار الثوري، فلمَّا مات الثوري أخذ كتبه فجعل يرويها عن شيوخ الثوري، ففطنوا به، فتركوه وافتضح، نسأل الله العافية. قال: فقلت له فمروان عرف هذا؟ قال: لو وقف على حاله لما حدَّث عنه.
وعن الدارقطني، عن ابن عقدة، قال: كان معاوية هذا يسرق أحاديث الثوري فيُحدِّث بها عن شيوخه.
- وعن الدارقطني، قال: قال لي أبو طالب أحمد بن نصر: معاوية بن أبي العباس هو عندي: معاوية بن هشام القَصَّار صاحب الثوري، دلَّس اسمَه مَرْوَانُ بن معاوية، وروى عنه عن شيوخ الثوري، وأسقط الثوري، ثم ذكر أحاديث وآثارًا مِنْ رواية مَرْوَان عن معاوية هذا، عن عَلِيّ بن ربيعة، وابن عقيل وزياد بن إسماعيل ومنصور وسالم الأفطس، وغيرهم، وكلها معروفة من حديث الثوري.
قال الدارقطني: قول أبي طالب عندي أولى وأليق بمَرْوَان؛ لأنَّه يروي عن شيوخ فيدلس أسماء آبائهم ويُكثر من ذلك.
قلتُ: وعلَّق الشيخ/ المُعَلِّمي اليماني على ذلك في "الموضح لأوهام الجمع والتفريق"، فقال ما محصله: ما ظنَّه أبو طالب وقَوَّاه الدَّارقطني غير صوابٍ، والصواب هو ما ذهب إليه ابن نُمير وأبو زُرعة وابن عُقْدة؛ وذلك لأمور منها:
أ أنَّ مَرْوان وإنْ عُرِفَ بتغير أسماء بعض شيوخه، فلم يُعرف بتدليس التسوية، ولم يُوصف به.
(1)
ب إنَّ ابن نُمير ثبتٌ مُتْقنٌ فاضلٌ إليه المنتهى في معرفة شيوخ الكوفيين، والثوري كوفي، وجاره هذا كوفي، ومُعاوية بن هشام كوفي، وقد صحب ابنُ نُمير جماعةً مِنْ أصحاب الثوري وروى عنهم، وكان مُعاوية بن هشام معه في البلد، وعرف مَرْوان وروى عنه، وقد قال ما قاله في مُعاوية بن أبي العبَّاس، فقوله مُقَدَّم
(1)
سبق أنْ ذكرت أقوال العلماء في ترجمة مَرْوان الفَزَاري، وهي تُؤيد ما قاله المُعَلِّمي هنا، أذكر منها ما يلي:
قال العِجْلي: مَرْوان الفَزَاري: ما حَدَّث عن الرِّجال المَجْهولين فليس حديثه بشيء، وما حَدَّث عن المَعْرُوفين فصحيحٌ. وقال ابن معين: ثقةٌ فيما رَوى عمَّن يُعْرَف، كان يَروي عن أقوامٍ لا يُرْوَي عنهم ويُغَيْر أسماءهم. وبنحوه قال ابن المديني. وقال أبو حاتم: تَكْثُر روايته عن الشيوخ المجهولين. وقال الذهبي: ثِقَةٌ حُجَّةٌ لكنَّه يَكْتبُ عَمَّن دبَّ ودَرَجَ فَيُنْظر فِي شُيُوخه. يُنظر: "الثقات" للعِجْلي (2/ 270)، "الجرح والتعديل"(8/ 273)، "المغني في الضعفاء"(2/ 292)، "الميزان"(4/ 93).
لخبرته به.
ت بالإضافة إلى أنَّ الحديث عن مُعاوية بن هشام مُشْتهرٌ ومُنْتشرٌ، فلو كان مَرْوان إنَّما روى تلك الأحاديث عنه، لظفر الحفَّاظ بعددٍ منها، قد رواه غير مَرْوان عن مُعاوية بن هشام على الوجه كما رواه مَرْوان عن مُعاوية بن أبي العبَّاس، والظاهر أنَّهم لم يَظفروا بشيء مِنْ ذلك.
وفي هذا وما دونه ما يكفي لتوهين تظني أبي طالب، وإنْ قَوَّاه الدَّارقطني، والله المُوفق.
(1)
6) محمد بن المُنْكدر: "ثقة، فاضل"، تقدّم في الحديث رقم (30).
7) جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "صَحَابِيٌّ جَليلٌ، مُكْثِرٌ"، تَقَدّم في الحديث رقم (20).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل مُعاوية بن أبي العبَّاس كان يَسْرق أحاديث الثوري فَيَرويها عن شُيوخه، فافتُضِحَ أمره فتركوه، والحديث مَعْروفٌ مِنْ حديث الثوري عن محمد بن المُنْكَدر، أخرجه البخاري ومُسْلمٌ كما سبق في التخريج.
قلتُ: قد صَحَّ الحديث مِنْ طُرُقٍ أُخْرى عن محمد بن المُنْكدر، فأخرجه البخاري ومُسْلم مِنْ طريق الثوري، وأخرجه مُسلمٌ مِنْ طريق جماعة، منهم: ابن عُيَيْنَة والزهري وشُعْبَة، وآخرون، كلهم عن ابن المُنْكدر، به.
لذا قال أبو نُعيم عقب روايته لحديث الباب: هذا حديثٌ صَحِيحٌ ثابتٌ، رَوَاهُ النَّاسُ عن ابن المُنْكَدِرِ.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْو هذا الحديث عن مُعاوية إلا مَرْوَان.
(2)
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام البغوي: اتّفق أهل الْعلم على أَنَّهُ يجوز للرجل إتيانُ زَوجته في قُبِلها مِنْ جانب دُبُرِهَا، وعلى أَي صفة شاء، وفيه نزلت الْآيَة: قَالَ ابْن عَبَّاس: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}
(3)
، قال: ائْتِهَا مِنْ بين يديها، ومِنْ خلفهَا بعد أن يكون فِي المأتى. وقال عِكْرِمة: إنَّما هُوَ الفرج.
أمَّا الإِتيان في الدُّبُر فَحَرَامٌ، فمن فعله جَاهِلاً بِتَحْرِيمِهِ، نُهِىَ عنهُ، فإن عاد عُزِّرَ، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا» .
(4)
(1)
يُنظر: "الموضح لأوهام الجمع والتفريق"(2/ 423 - 427)، "لسان الميزان"(8/ 99).
(2)
ذكر المُصَنِّف ثلاثة أحاديث وهي الحديث رقم (171 و 172 و 173)، مِنْ طريق مَرْوان بن مُعاوية الفَزَاري، عن معاوية بن أبي العبَّاس، ثُمَّ قال: لم يَرو هذه الأحاديث عن مُعاوية إلا مَرْوان، كما سيأتي في الحديث رقم (173).
(3)
سورة "البقرة"، آية (223).
(4)
أخرجه أحمد في "مسنده"(9733 و 10206)، وأبو داود في "سننه"(2162) ك/النكاح، ب/جامع النكاح.
وَرُوِيَ أنَّ عُمَر ضرب رجلاً في مثل ذلك، وسُئل أَبُو الدَّرْدَاء عن ذلك، فقال: وهل يَفْعَلُ ذلك إلا كافرٌ.
وذُكر لابن عُمَر ذلك، فقال: هل يَفْعَله أحدٌ مِنْ المُسلمين؟.
(1)
وقال النووي: قال العلماء: وقوله تعالى {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي موضع الزرع مِنْ المرأة وهو قُبُلها الذي يزرع فيه المني لابتغاء الولد، ففيه إباحة وطئها في قُبُلِها إن شاء من بين يديها وإن شاء من ورائها وإن شاء مكبوبة، وأمَّا الدُّبُر فليس هو بحرث ولا موضع زرع، ومعنى قوله {أَنَّى شِئْتُمْ} أي كيف شئتم، واتفق العلماء الذين يُعْتَدُّ بهم على تحريم وطء المرأة في دُبُرها حائضاً كانت أو طاهراً لأحاديث كثيرة، قال أصحابنا: لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال.
(2)
وقال ابن القيم: ومِنْ ها هُنَا نَشَأَ الغَلَطُ على مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الإبَاحَةُ مِنَ السَّلَفِ والأئمَّة، فإنَّهُم أباحوا أنْ يكونَ الدُّبُرُ طريقًا إلى الوَطْءِ في الفرج، فَيَطَأُ مِنَ الدُّبُرِ لا في الدُّبُرِ، فاشتبه على السَّامِعِ "مِنْ" بـ "فِي" ولم يَظُنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، فهذا الذي أباحهُ السَّلَفُ والأئمَّة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغَلَطِ وأفحشه.
وقال مجاهد: سألتُ ابنَ عَبَّاسٍ عن قوله تعالى {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}
(3)
، فَقَالَ: تأتيها من حيثُ أُمِرْتَ أن تَعْتَزِلَهَا، يعني في الحيض. وقال علي بن أبي طلحة، عنه: في الفرج، ولا تَعْدُهُ إلى غيره.
وقد دلَّت الآية على تحريم الوطء في دُبُرِهَا؛ لأنَّه أباح إِتْيَانَهَا في الحَرْثِ، وهو موضعُ الولد لا في الحُشِّ الذي هو موضع الأذى، وموضعُ الحَرْثِ هو المراد من قوله:{مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} ؛ وإتيانها في قلبها مِنْ دُبُرِهَا مُسْتَفَادٌ مِنَ الآية أيضاً؛ لأنَّه قال: {أَنَّى شِئْتُمْ} ، أي: مِنْ أين شِئْتُمْ مِنْ أَمَامٍ أو مِنْ خَلْفٍ.
وإذا كان اللَّهُ حَرَّمَ الوطء في الفرج لأجل الأذى العَارِضِ، فما الظَّنُّ بِالحُشِّ الذي هو مَحَلُّ الأذى اللَّازم مع زيادة المفسدة بالتَّعَرُّض لانقطاع النَّسْلِ والذَّريعة القريبة جدّاً مِنْ أَدْبَارِ النِّسَاءِ إلى أَدْبَارِ الصِّبْيَانِ.
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (9/ 106).
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(10/ 6).
(3)
سورة "البقرة"، آية (222).
(4)
يُنظر: "زاد المعاد"(4/ 230)، "الطب النبوي"(1/ 195). ومَنْ رام المزيد، فليُراجع:"جامع البيان" للطبري (4/ 413)، و"شرح المُشْكِل" للطحاوي (15/ 434)، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 90)، "تفسير القرآن" لابن كثير (1/ 588).
[172/ 572]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَمِّي عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ، قَالَ: نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: نا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَ عَلَيَّ مَا هُوَ مَفْتُوحٌ لأُمَّتِي بَعْدِي، فَسَرَّنِي» .
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} إِلَى قَوْلِهِ: {فَتَرْضَى}
(1)
، أَعْطَاهُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ أَلْفَ قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ، تُرَابُهَا الْمِسْكُ، فِي كُلِّ قَصْرٍ مَا يَنْبَغِي لَهُ.
هذا الحديث مَدَاره على إسماعيل بن عُبَيْد الله المَخْزُومي، واختُلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: إسماعيل بن عُبَيْد اللَّه، عن عليِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ، عن أبيه (مَرْفُوعاً).
الوجه الثاني: إسماعيل بن عُبَيْد اللَّه، عن عليِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ، عن أبيه (مَوْقُوفاً).
الوجه الثالث: إسماعيل بن عُبَيْد اللَّه، عن عليِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ (مُرْسلاً).
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
إسماعيل، عن عليِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ، عن أبيه (مَرْفُوعاً).
أ تخريج الوجه الأول:
أخرجه الطبراني في "الأوسط"(572) - وهي رواية الباب -، - ومِنْ طريقه الضياء المقدسي في "المختارة"(380) -، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم، قال: نا عَمِّي عيسى بن المُسَاوِرِ، قال: نا مَرْوَانُ بن مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيُّ، قال: نا مُعَاوِيَةُ بن أبي العبَّاس، عن إسماعيل بن عُبَيْدِ اللَّهِ المَخْزُومِيِّ، به.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (إسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (101).
2) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (113).
3) مَرْوَان بن مُعَاوية الفَزَارِيُّ: "ثِقَةٌ حافظٌ، كان يُدَلِّس أسماء الشيوخ"، تقدَّم في الحديث رقم (117).
4) مُعَاوِيَة بن أبي العَبَّاس القَيْسيُّ: "كان يَسْرق أحاديث الثوري فَيَرويها عن شُيوخه، فافتُضِحَ أمره فتركوه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (171).
5) إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي المُهَاجِرِ، أَبُو عَبْدِ الحَميِد المَخْزُومِيُّ، مَوْلاهُمُ، الدِّمَشْقِيُّ.
روى عن: أنس بن مالك، وعلي بن عبد الله بن عبَّاس، وأمِّ الدَّرداء الصُّغْرى، وآخرين.
روى عنه: الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، ومُعاوية بن أبي العبَّاس، وآخرون.
حاله: قال الأوزاعي: كان مأموناً على ما حدَّث. وقال سعيد بن عبد العزيز: كان ثِقَةً صدوقاً، وكان ثَبْتاً.
(1)
سورة "الضحى"، آية (4 - 5).
وقال العِجْلي، ويعقوب بن سُفْيَان، والدَّارقطني، والذهبي، وابن حجر: ثقةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". روى له الجماعة، سوى التِّرْمِذِيّ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ ثَبْتٌ".
(1)
6) عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الهَاشِمِيُّ، المَدَنِيُّ، السَّجَّادُ.
روى عن: أبيه عبد الله بن عبَّاس، وعبد الله بن عُمر، وأبي هريرة، وآخرين.
روى عنه: إسماعيل بن عُبيد الله، والزُّهري، ومنصور بن المُعْتمر، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، والعِجْلي، وأبو زرعة: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: "ثِقَةٌ عابدٌ". وروى له البخاري في "الأدب" والباقون.
(2)
7) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ثانياً: - الوجه الثاني:
إسماعيل، عن عليِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ، عن أبيه (مَوْقُوفاً).
أ تخريج الوجه الثاني:
- أخرجه الطبري في "تفسيره"(24/ 488)، وابن أبي حاتم في "العلل"(5/ 18/مسألة 1775)، والآجري في "الشريعة"(1109)، والطبراني في "الكبير"(10650)، وفي "الأوسط"(3209) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "الحلية"(3/ 212)، والضياء المقدسي في "المختارة"(381) -، وتَمَّام الرَّازي في "فوائده" - كما في "الروض البَسَّام"(1370) -، والسَّكن بن جُميع في "حديثه"(ص/419)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عِدَّة عن عَمْرُو بن هاشمٍ، قال: سمعتُ الأَوْزَاعِيَّ يُحَدِّثُ عن إسماعيل بن عُبَيْدِ اللَّهِ، عن عَلِيِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ، عن أبيه، قال: عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، كَفْرًا كَفْرًا
(3)
، فَسُرَّ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}
(4)
فَأَعْطَاهُ فِي الْجَنَّةِ أَلْفَ قَصْرٍ، فِي كُلِّ قَصْرٍ مَا يَنْبَغِي مِنَ الأَزْوَاجِ وَالْخَدَمِ.
وقال أبو محمد ابن أبي حاتم: سألتُ أبي عن هذا الحديث، فقال: هذا غَلَطٌ؛ إنما هو: عن عليِّ بن عبد الله؛ قال: عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
…
بلا "أَبِيهِ"؛ وهذا مِمَّا أُنْكِرَ على عَمرِو بن هاشمٍ.
وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن إسماعيل بن عُبَيْدِ اللَّه إلا الأَوْزَاعِيُّ، ولا رَوَاهُ عن الأَوْزَاعِيِّ إلا عَمْرُو بن هَاشِمٍ، وسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، تَفَرَّدَ به يحيى بن يَمَانٍ، عن سُفْيَانَ.
قلتُ: لم أقف - على حد بحثي - على رواية يحيى بن يمان عن سُفيان مُسْنَدةً، لكن أخرجها البيهقي مُعلَّقةً في "دلائل النبوة"(7/ 62)، فقال: ورواه يحيى بن اليمان عن الثَّوْرِيِّ، فَوَقَفَهُ.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 227، "الجرح والتعديل" 2/ 182، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 40، "تهذيب الكمال" 3/ 143، "تاريخ الإسلام" 3/ 614، "التقريب"(466).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 156، "الجرح والتعديل" 6/ 192، "الثقات" 5/ 160، "التهذيب" 21/ 35، "التقريب"(4761).
(3)
أي: قريةً قريةً. يُنظر: "غريب الحديث" لأبي عُبيد (5/ 213)، و"النهاية" لابن الأثير (4/ 189).
(4)
سورة "الضحى"، آية (5).
- وأخرجه الآجري في "الشريعة"(1108)، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي داود، حدَّثنا محمود بن خالد، حدَّثنا عُمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عُبيد الله، به.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد الآجري مِنْ طريق عُمر بن عبد الواحد):
1) عبد الله بن سُليمان الأشعث، أبو بكر بن أبي داود:"ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ".
(1)
2) محمود بن خالد السُّلميّ: "ثِقَةٌ".
(2)
3) عُمَر بن عبد الواحد بن قيس السُّلَميّ: "ثِقَةٌ"، وقال مَرْوَان بن محمد الطَّاطري، قال: نظرنا في كتب أصحاب الأَوْزَاعِيّ فما رأيت أحداً أصح حديثاً عن الأوزاعيّ مِنْ عُمَر بن عبد الواحد.
(3)
4) عبد الرحمن بن عَمْرو بن أبي عَمْرو الأوزاعي: "ثِقَةٌ جليلٌ فقيهٌ".
(4)
5) إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي المُهَاجِرِ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
6) عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
7) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثاً: - الوجه الثالث:
إسماعيل بن عُبَيْد اللَّه، عن عليِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ (مُرْسلاً).
أ تخريج الوجه الثالث:
- أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل"(5/ 19/مسألة 1775)، قال: حدَّثَنا أَبُو زُرْعَةَ، قال: حدَّثنا عَمرو بن هاشم البَيْروتيُّ بمكةَ، عن الأَوْزاعيِّ، عن إسماعيلَ بن عُبَيد الله بن أبي المُهَاجِرِ المَخْزُوميِّ، عن عليِّ بن عبد الله بن عبَّاسٍ، قال: عُرِضَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
ليس فيه: "عَنْ أَبِيهِ".
قال ابن أبي حاتم: فأَحْسَبُ أنَّه سَمِعَ أبو زُرْعَةَ مِنْ عَمْرو بن هاشم بمكة على الصِّحَّةِ، ثم لعلَّه لُقِّنَ بعدَ ذلك:«عَنْ أَبِيهِ» ، فَتَلَقَّنَ؛ فسمع مُوسَى بن سَهْلٍ منه على تلقين الخطأ.
- وابن أبي حاتم في "العلل"(5/ 21/مسألة 1775)، قال: حدَّثنا أبو زُرْعة؛ وأخرجه أبو إسحاق الثعلبي في "تفسيره"(10/ 224)، مِنْ طريق عبد بن حُميد؛ والبيهقي في "دلائل النبوة"(7/ 62) مِنْ طريق إبراهيم بن هانئ النَّيسابوري؛ ثلاثتهم (أبو زرعة، وعبد بن حُميد، وإبراهيم) عن قَبِيْصَة بن عُقْبة - مِنْ أصح الأوجه عنه
(5)
-، عن سُفْيَان الثوري
(6)
، عن الأَوْزاعيِّ، عن إسماعيلَ، عن عليِّ بن عبد الله بن عبَّاسٍ، مُرسَلاً.
(1)
يُنظر: "تاريخ بغداد" 11/ 136، "سير أعلام النبلاء" 13/ 221، "ميزان الاعتدال" 2/ 433.
(2)
يُنظر: "التقريب"(6510).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 122، "تهذيب الكمال" 21/ 448، "التقريب"(4943).
(4)
يُنظر: "التقريب"(3967).
(5)
يُنظر: "الشريعة" للآجري حديث رقم (1110)، "دلائل النبوة" للبيهقي (7/ 61).
(6)
ورواه يحيى بن يَمان عن سُفيان الثوري عن الأوزاعي عن عليّ بن عبد الله بن عبَّاس عن أبيه، وبإسقاط إسماعيل بن عُبيد الله بن أبي المُهاجر؛ فقال أبو زرعة: حديث ابن يَمان خطأٌ، أسقط "إسماعيل"، وقال:"عن ابن عبَّاس". يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (5/ 20/مسألة 1775).
وقال ابن أبي حاتم: والصَّحيحُ عند أبي زُرْعَةَ: ما حدَّثَنا به عن قَبِيصَةَ بن عُقْبةَ، وما وقع عنده عن عَمرِو بن هاشم، مُرسَلاً.
- وأخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(33980)، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(24/ 488)، مِنْ طريقين عن رَوَّاد بن الجَرَّاح - مِنْ أصح الأوجه عنه
(1)
-، عن الأَوْزَاعِيِّ، عن إسماعيل بن عُبَيْدِ اللَّه، عن عَلِيٍّ بن عبد الله بن عَبَّاس، في قوله:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}
(2)
، قال: أَلْفُ قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ أَبْيَضَ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ، وَفِيهِنَّ مَا يُصْلِحُهُنَّ.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث (بإسناد ابن أبي حاتم، مِنْ طريق عَمرو بن هاشمٍ):
1) عُبيد الله بن عبد الكريم، أبو زرعة الرَّازي:"إمامٌ حافظٌ ثِقَةٌ مَشْهورٌ".
(3)
2) عَمرو بن هاشم البَيْرُوتي: "قال محمد بن مُسْلم بن وَارَة: كان قليل الحديث، ليس بذاك، كان صغيراً حين كتب عن الأَوْزَاعِيّ. وقال ابن عدي: ليس به بأسٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ يُخْطئ.".
(4)
3) عبد الرحمن بن عَمْرو بن أبي عَمْرو الأوزاعي: "ثِقَةٌ جليلٌ فقيهٌ".
(5)
رابعاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَدَاره على إسماعيل بن عُبَيْد الله المَخْزُومي، واختُلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: إسماعيل بن عُبَيْد اللَّه، عن عليِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ، عن أبيه (مَرْفُوعاً).
الوجه الثاني: إسماعيل بن عُبَيْد اللَّه، عن عليِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ، عن أبيه (مَوْقُوفاً).
رواه الأوزاعي - بإحدى الأوجه عنه - بهذا الوجه؛ وجاء عن الأوزاعي مِنْ ثلاث طُرُقٍ:
الأول: ما أخرجه الآجري في "الشريعة" بسندٍ صحيحٍ، عن عُمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عُبيد الله، به. وعُمر بن عبد الواحد:"ثِقَةٌ، مِنْ أثبت النَّاس في الأوزاعي" كما سبق بيانه.
الثاني: ما أخرجه الطبري وغير واحدٍ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ عن عَمْرو بن هاشم البَيْرُوتي - بإحدى الأوجه عنه - عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عُبيد الله، به. والبَيْرُوُتِيُّ:"ليس بذاك في الأوزاعي" كما سبق.
قلتُ: وهذا الوجه قد أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" كما سبق، مِنْ طريق عَمرو بن هاشمٍ وحده عن
(1)
يُنظر: "المستدرك على الصحيحين" للحاكم حديث رقم (3943)، وتعليق الذهبي عليه، و"أسباب النزول" للواحدي (ص/459)، و"العلل" لابن أبي حاتم (5/ 20 - 21/مسألة 1775).
(2)
سورة "الضحى"، آية (5).
(3)
يُنظر: "التقريب"(4316).
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 268، "تاريخ دمشق" 46/ 451، "تهذيب الكمال" 22/ 276، "التقريب"(5127).
(5)
يُنظر: "التقريب"(3967).
الأوزاعي، ولم يذكر بقية الطرق عن الأوزاعي بهذا الوجه، ثم ذكر قول أبي حاتم: بأنَّه غلطٌ، وأنَّه مِمَّا أُنْكر على عَمرو بن هاشمٍ، ثُمَّ رجح الوجه المرسل كما سبق بيانه.
مع العلم أنَّ عَمرو بن هاشم قد اختُلف عنه في هذا الحديث، فَرواه مَرَّةً عن الأوزاعي عن إسماعيل بهذا الوجه الموقوف، ورَواه مَرَّة عن الأوزاعي عن إسماعيل بالوجه الثالث المرسل كما سبق، وهذا بخلاف عُمر بن عبد الواحد فلم يُختلف عليه في هذا الحديث.
الثالث: ما رواه البيهقي مُعلَّقاً عن يحيى بن اليمان عن سُفْيان الثوري - بإحدى الأوجه عنه - عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عُبيد الله، به. ويحيى بن اليَمان: ضَعَّفَه أحمد بن حنبل، وقال: حدَّث عن الثوري بعجائب لا أدري لم يزل هكذا أو تَغَيَّر حين لقيناه أو لم يزل الخطأ في كتبه، وروى مِنْ التفسير عن الثوري عجائب. وقال وكيع: هذه الأحاديث التي يحدِّث بها يحيى بن يمان ليست من أحاديث الثوري. وقال ابن معين: ليس بالقوي في حديثه عن سُفيان.
(1)
الوجه الثالث: إسماعيل بن عُبَيْد اللَّه، عن عليِّ بن عبد اللَّه بن عَبَّاسٍ (مُرْسلاً).
وأمَّا هذا الوجه (المرسل) فقد رواه الأوزاعيّ أيضاً، وجاء عنه مِنْ طريقين، وهما:
الأول: ما أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبي زُرْعة عن عَمرو بن هاشم البَيْروتي - بإحدى الأوجه عنه - عن الأوزاعيّ عن إسماعيل بن عُبيد الله، به (مُرْسلاً).
قلتُ: وعَمرو بن هاشم: "ليس بذاك في الأوزاعي"، وقد اختُلف عنه في هذا الحديث كما سبق بيانه.
ومع ذلك فقد قال ابن أبي حاتم بعد أنْ أخرج الحديث بهذا الوجه: أَحْسَبُ أنَّ أبا زُرْعَةَ سَمِعَه مِنْ عَمْرو بن هاشم بمكة على الصِّحَّةِ، ثم لعلَّه لُقِّنَ بعدَ ذلك:«عَنْ أَبِيهِ» ، فَتَلَقَّنَ؛ فسمع مُوسَى بن سَهْلٍ منه على تلقين الخطأ. وذكر أنَّ أبا حاتم وأبا زُرْعة قد رَجَّحَا هذا الوجه.
قلتُ: لكنَّ عَمرو بن هاشم لم يَنْفرد عن الأوزاعي بذكر "أبيه"، بل تابعه عُمر بن عبد الواحد عن الأوزاعيّ، وعُمر هذا "ثِقَةٌ" مِنْ أثبت النَّاس في الأوزاعي، مع صحة الإسناد إليه، وعدم الاختلاف عنه في هذا الحديث؛ فلعلَّ ابن أبي حاتم رضي الله عنه قد جانبه الصواب في الاحتمال الذي ذكره، والله أعلم.
الثاني: ما أخرجه غير واحدٍ مِنْ طُرقٍ عن قَبِيْصة عن الثوري عن الأوزاعي عن إسماعيل، به (مُرْسلاً).
قلتُ: وقَبيصة بن عُقْبة قد تكلَّموا في روايته عن الثوري، فقال ابن معين: ثقةٌ إلا في حديث الثوري ليس بذلك القوى، فإنَّه سَمِع وهو صغير. وقال أحمد: كان كثير الغلط في روايته عن سُفْيان، وكان صَغيراً لا يضبط. وقال الذهبي: الرَّجل ثِقَةٌ، وما هو في سُفْيَانَ كابن مَهْدِيٍّ، ووكِيْعٍ، وقد احْتَجَّ به الجماعةُ في سُفْيَانَ وغيره.
(2)
وقد اختُلف فيه على قَبِيْصة كما سبق، وقد خالفه يحيى بن اليمان فرواه عن الثوري (موقوفاً)، كما سبق بيانه في الوجه الثاني.
(1)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب 2/ 541، "تهذيب الكمال" 32/ 55، "تهذيب التهذيب" 11/ 306.
(2)
"الجرح والتعديل" 7/ 126، "شرح علل الترمذي" لابن رجب 2/ 539، "التهذيب" 23/ 481، "سير النبلاء" 10/ 133.
فَمِن خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثاني (الموقوف) لعلَّه هو الأقرب إلى الصواب؛ للقرائن الآتية:
1) أنَّ الوجه الثاني قد رواه عُمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي، وعُمرٌ هذا:"ثِقَةٌ، مِنْ أثبت النَّاس في الأوزاعيّ"، وقد صَحَّ الإسناد إليه، ولم يُخْتلف عليه في هذا الحديث.
2) أنَّ الوجه الأول (المرفوع) في إسناده مُعاوية بن أبي العبَّاس: "كان يَسْرق أحاديث الثوري، فتركوه"، مع مخالفته لمَا رَوَاه الأوزاعي عن إسماعيل بن عُبيد الله.
3) أمَّا الوجه الثالث فقد رواه عَمرو بن هاشم البَيْرُوتي عن الأوزاعي، وقد اختُلِف فيه على عَمرو بن هاشم: فَرُوي عنه مَرَّة بالوجه الثاني (الموقف)، ورُوي عنه مَرَّة بالوجه الثالث (المرسل)، وعَمروٌ هذا "ليس بذاك في الأوزاعي" فدَّل ذلك على أنَّه لم يَضبط هذا الحديث عن الأوزاعي، فَيُرجح مِنْ الوجهين ما تُوبع عليه، وقد تابعه عُمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي بالوجه الثاني (الموقوف).
وأمَّا متابعة الثوري له على الوجه الثالث (المرسل): فقد رواها قَبِيْصَةُ بن عُقْبة عن الثوري، وقد تكلَّموا في روايته عن الثوري، وقد اختُلف فيه أيضاً على قبيصة مِمَّا يدل على أنَّه لم يَضبط هذا الحديث عن الثوري، فلعلَّه مِمَّا أخطأ فيه عن الثوري.
قلتُ: وأمَّا ترجيح الإمام أبي حاتمٍ وأبي زُرْعة للوجه الثالث (المرسل)، فهو صحيحٌ باعتبار ما ذكره فقط، بدون رواية عُمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي، فلعلَّه لم يَقف عليها أو غير ذلك مِنْ الأسباب، فالله أعلم.
خامساً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل مُعاوية بن أبي العبَّاس "كان يَسْرق أحاديث الثوري فَيَرويها عن شُيوخه، فتركوه"، وقد خالف ما رواه الثقات عن إسماعيل بن عُبيد الله.
قال الهيثمي: فيه مُعَاوِيَةُ بن أبي العبَّاس، لم أعرفه، وبقيَّةُ رجاله ثِقَاتٌ.
(1)
قلتُ: بل سبق بيانه.
ب الحكم على الحديث بالوجه الراجح (بإسناد الآجري في "الشريعة" عن عُمر بن عبد الواحد):
مِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِنْ الوجه الراجح (الموقوف) بإسناد الآجري في "الشريعة" بسنده عن عُمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عُبيد الله عن عليّ بن عبد الله بن عبَّاس عن أبيه: "إسناده صحيحٌ"، وهو مِنْ الموقوف الذي له حكم الرفع، فمثله لا يُقال إلا بتوقيفٍ، والله أعلم.
قلتُ: والحديث أخرجه الطبري وابن أبي حاتمٍ والطبراني وغيرهم، مِنْ طُرُقٍ عن عَمرو بن هاشم البَيْرُوتي عن الأوزاعي، به. وقال الهيثمي: إسناد الطبراني في "الكبير" حسنٌ.
(2)
وقال ابن كثير: رواه ابن جرير مِنْ طريق الأوزاعي بسنده عن ابن عبَّاس، وإسناده صحيحٌ إلى ابن عبَّاس، ومِثْلُ هذا لا يُقال إلا عن توقيف.
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 139).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 139).
وقال ابن الجزري: رواه ابنُ جَرِيرٍ وابنُ أبي حاتمٍ مِنْ طريق الأوزاعي، وهذا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إلى ابن عبَّاسٍ. ومثل هذا لا يقال: إلا عن تَوْقِيفٍ فهو في حكم المرفوع عند الجماعة.
(1)
قلتُ: إسناد ابن جرير وابن أبي حاتم لا يَنْهض أنْ يكون صَحِيْحَاً لذاته، ففي سنده عَمرو بن هاشم البَيْرُوتِيّ، قال ابن وَارَة: كان قليل الحديث، ليس بذاك، كان صغيراً حين كتب عن الأَوْزَاعِيّ. وقال ابن حجر: صدوقٌ يُخطئ.
(2)
لكن؛ لعلَّه صحيحٌ بمجموع طرقه، فقد تابعه عُمَر بن عبد الواحد عن الأوزاعي.
سادساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْو هذا الحديث عن مُعاوية إلا مَرْوَان.
(3)
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
(1)
يُنظر: "النشر في القراءات العشر"(2/ 408).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 268، "تهذيب الكمال" 22/ 276، "التقريب"(5127).
(3)
ذكر المُصَنِّف ثلاثة أحاديث، وهي الحديث رقم (171 و 172 و 173)، مِنْ طريق مَرْوان بن مُعاوية الفَزَاري، عن معاوية بن أبي العبَّاس، ثُمَّ قال: لم يَرو هذه الأحاديث عن مُعاوية إلا مَرْوان، كما سيأتي في الحديث رقم (173).
[173/ 573]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبِي، قَالَ: نا مَرْوَانُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
(1)
، قَالَ: «هُمْ مِنْ عُكْلٍ
(2)
».
* لم يَرْوِ هذه الأحاديث عن مُعَاوِيَةَ إلا مَرْوَانُ.
هذا الحديث مَدَاره على أيوب السِّخْتِيَانيّ، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: أيوب السَّخْتِيَانيّ، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مرفوعًا).
الوجه الثاني: أيوب السَّخْتِيَانيّ، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه (موقوفًا).
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولًا: - الوجه الأول:
أيوب السَّخْتِيَانيّ، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مرفوعًا).
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الخطيب البغداديُّ في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(2/ 424)، مِنْ طريق محمد بن غَالب التّمْتَام، حدَّثنا عِيسَى بن مُسَاوِرٍ الجَوْهَرِيُّ، حدَّثنا مَرْوَانُ، عن مُعَاوِيَةَ بن أبي العَبَّاسِ، عن أَيُّوب، به.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَريُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عيسى بن مُسَاور الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
3) مَرْوَان بن مُعَاوية الفَزَارِيُّ: "ثِقَةٌ حافظٌ، كان يُدَلِّس أسماء الشيوخ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (117).
4) مُعَاوِيَة بن أبي العَبَّاس القيسيُّ: "كان يَسْرق أحاديث الثوري فَيَرويها عن شُيوخه، فافتُضِحَ أمره فتركوه"، تقدَّم في الحديث (171).
5) أَيُّوب بن أَبي تَمِيْمَة، السَّخْتِيَانيُّ:"ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِن كِبَار الفقهاء العُبَّاد"، تقدَّم في الحديث رقم (140).
6) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، أَبُو قِلابَةَ الْجَرْمِيُّ:"ثِقَةٌ فَاضِلٌ، كَثِيرُ الإرسال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (116).
7) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (13).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
أيوب السَّخْتِيَانيّ، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه (موقوفًا).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(1810)، وفي "شرح معاني الآثار"(5001)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ
(1)
سورة "المائدة"، آية (33).
(2)
عُكْلٌ: بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَإِسْكَانِ الْكَافِ، قَبِيلَةٌ مِنْ تَيْمِ الرَّبَابِ، مِنْ عَدْنَانَ. يُنظر:"فتح الباري"(1/ 337).
يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ}، قَالَ:" هُمْ قَوْمٌ مِنْ عُكْلٍ قَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ ".
• وأخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(17133) - ومِنْ طريقه أحمد في "مُسْنَدِه"(12639)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(6112/ 2) -، والنَّسائي في "الكبرى"(3476) ك/المحاربة، ب/تَأْوِيلُ قَوْلِ اللهِ عز وجل {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} ، وفي "الصغرى"(4027)، عن سُفْيَان الثوري، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ نَاسًا أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عُكْلٍ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِذَوْدِ لِقَاحٍ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا. واللفظ لعبد الرَّزَّاق.
• وأبو داود في "سننه"(4366) ك/الحدود، ب/المُحَارَبَةِ، والنَّسائي في "الكبرى"(3474 و 3475) ك/المحاربة، ب/تَأْوِيلُ قَوْلِ اللهِ عز وجل {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} ، وبرقم (11078) ك/التفسير، ب/قَوْلُ الله عز وجل:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} وفي "الصغرى"(4025 و 4026)، مِنْ طُرُقٍ عن الأَوْزَاعِيِّ، عن يَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ، عن أبي قِلَابَةَ، عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه، وذكر الحديث بنحو رواية حمَّاد بن زيد الآتية، وفيه: قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل في ذلك: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} الآيَةَ.
• وأصل الحديث في "الصحيحين"، مِنْ طُرُقٍ عن أيوب السَّخْتِيَانيّ:
- فأخرجه البخاري في "صحيحه"(233) ك/الوضوء، ب/أَبْوَالِ الإِبِلِ، وبرقم (6805) ك/الحدود، ب/لَمْ يُسْقَ المُرْتَدُّونَ المُحَارِبُونَ حَتَّى مَاتُوا، عن حَمَّاد بن زيد؛ وبرقم (3018) ك/الجهاد والسِّيَر، ب/إِذَا حَرَّقَ المُشْرِكُ المُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ، وبرقم (6804) ك/الحدود، ب/لَمْ يُسْقَ المُرْتَدُّونَ المُحَارِبُونَ حَتَّى مَاتُوا؛ عن وُهَيْبٍ بن خَالد، كلاهما عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فَهَؤُلَاءِ سَرَقُوا وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. واللفظ لحمَّاد، والباقون بنحوه.
- ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1671) ك/القسامة والمحاربين، ب/حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ وَالْمُرْتَدِينَ، مِنْ طريق حَمَّاد بن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، مَوْلَى أَبِي قِلابَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو قِلابَةَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ مِنْ عُكْلٍ، أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا،
…
الحديث.
(1)
(1)
قال أبو عوانة في "المُستخرَج"(4/ 87): سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خِرَاشٍ، يَقُولُ: أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ اسْمُهُ سَلْمَانُ، وَلَعَلَّ أَيُّوبَ سَمِعَهُ مِنْهُمَا، رَوَاهُ هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ هَكَذَا، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ أَيُّوبُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُ: ثُبُوتُ أَبِي رَجَاءٍ وَحَذْفُهُ في حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّ أَيُّوبَ حَدَّثَ بِهِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ خَاصَّةً، وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهَا، وَحَدَّثَ بِهِ أَيُّوبُ أَيْضًا عَنْ أَبِي رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَزَادَ فِيهِ قِصَّةً طَوِيلَةً لِأَبِي قِلَابَةَ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، فَالطَّرِيقَانِ جَمِيعًا صَحِيحَانِ، وَالله أعلم. يُنظر:"فتح الباري" لابن حجر (1/ 336).
ثالثًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على أيوب السِّخْتِيَانيّ، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: أيوب السَّخْتِيَانيّ، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (مرفوعًا).
الوجه الثاني: أيوب السَّخْتِيَانيّ، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه (موقوفًا).
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب للصواب؛ لانفراد مُعاوية بن أبي العَبَّاس بروايته عن أيوب بالوجه الأول؛ مع مخالفته لِمَا رواه الثِّقات عن أيوب.
قلتُ: ومُعاوية بن أبي العَبَّاس: "كان يَسْرق أحاديث الثوري، فَيَرويها عن شُيوخه، فافتُضِحَ أمره فتركوه" - كما سبق في ترجمته -، والحديث رواه الثوري عن أيوب بالوجه الثاني؛ فلَعَلَّ الحديث سرقه مُعاوية بن أبي العَبَّاس مِنْ الثوري، ورواه عن أيوب، ثُمَّ أخطأ فيه فرفعه، والله أعلم.
رابعًا: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل مُعاوية بن أبي العبَّاس "كان يَسْرق أحاديث الثوري فَيَرويها عن شُيوخه، فتركوه"، وقد خالف ما رواه الثقات عن أيوب السَّخْتِيَانيّ.
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح "صَحيحٌ"، وأصله مِنْ طُرُقٍ عن أيوب في "الصحيحين".
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْو هذا الحديث عن مُعاوية إلا مَرْوَان.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
سادسًا: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: اختلف العلماء في المُرَادِ بهذه الْآيَةِ الكَرِيمَةِ، فقال مَالِكٌ: هي على التَّخْيِيرِ، فَيُخَيَّرُ الإِمَامُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُحَارِبُ قَدْ قَتَلَ فَيَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ؛ وقال أبو حَنِيفَةَ، وَأَبُو مُصْعَبٍ الْمَالِكِيُّ: الإِمَامُ بِالْخِيَارِ وَإِنْ قَتَلُوا؛ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَآخَرُونَ: هِيَ عَلَى التَّقْسِيمِ، فَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا، وَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، فَإِنْ أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ، فَإِنْ أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا وَلَمْ يَقْتُلُوا طُلِبُوا حَتَّى يُعَزَّرُوا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ عِنْدَنَا؛ قَالَ أَصْحَابُنَا: لِأَنَّ ضَرَرَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مُخْتَلِفٌ فَكَانَتْ عُقُوبَاتُهَا مُخْتَلِفَةً، وَلَمْ تَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْمُحَارَبَةِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَهَلْ تَثْبُتُ فِي الْأَمْصَارِ؟ فِيهِ خِلَافٌ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَثْبُتُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: تَثْبُتُ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رضي الله عنه: واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في مَعْنَى حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ هَذَا، فَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ، وَآيَةِ الْمُحَارَبَةِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ، فَهُوَ مَنْسُوخٌ؛ وَقِيلَ: لَيْسَ مَنْسُوخًا، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ مَا فَعَلَ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ مِثْلَ ذَلِكَ.
(1)
وقال الحافظ ابن حجر: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ أَوَّلًا فِيهِمْ وَهِيَ تَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهَا مَنْ حَارَبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ لَكِنَّ عُقُوبَةَ الْفَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِمْ إِذَا ظَفِرَ بِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ يُنْظَرُ فِي الْجِنَايَةِ فَمَنْ قَتَلَ قُتِلَ، وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ، وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا نُفِيَ، وَجَعَلُوا (أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ، وَقَالَ مَالِكٌ: بَلْ هِيَ لِلتَّخْيِيرِ فَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْمُحَارِبِ الْمُسْلِمِ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ الْأَوَّلَ.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(11/ 153).
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(12/ 109 - 110)، ومَنْ رام المزيد، فليُراجع:"جامع البيان" للطبري (10/ 243 - 251)، "معالم التنزيل" للبغوي (3/ 47 - 50)، "المغني" لابن قدامة (12/ 473)، "تفسير القرءان العظيم" لابن كثير (3/ 90 - 99)، "فتح الباري" لابن حجر (12/ 112).
[174/ 574]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبُو بِلالٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: نا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ: لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عَطَاءٍ إلا أبو الأَحْوَصِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - بهذا الوجه عن سيدنا عليّ بن أبي طالبً رضي الله عنه، إلا برواية الباب.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) أَبُو بِلَالٍ بن مُحَمَّدِ بن الحَارِثِ بن عَبْد اللهِ بن أبي بُرْدَة بن أبي مُوسَى الأَشْعَريُّ. اختُلف في اسمه، فقيل: مِرْداس، وقيل: محمد، وقيل: عبد الله. وقيل: اسمه وكنيته واحد، وهو الصواب.
روى عن: أبي الأحوص سلَّام بن سُليم، وقيس بن الربيع، ومالك بن أنس، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، ومحمد بن عُثْمان بن أبي شيبة، وأبو حاتم الرَّازي، والنَّاس.
حاله: قال ابن حبَّان: يُغْرِب ويَتَفَرَّد. وقال الدَّارقُطني: ضَعيفٌ. وقال البيهقي: لا يُحْتَجُّ به.
(1)
3) سَلاَّمُ بنُ سُلَيْمٍ، أَبُو الأَحْوَصِ الحَنَفِيُّ، الكُوْفِيُّ.
روى عن: عطاء بن السَّائب، وسُليمان الأعمش، وأبي إسحاق السَّبيعي، وآخرين.
روى عنه: أبو بلال الأشعري، وعبد الرحمن بن مَهْدي، ووكيع بن الجَّراح، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن حجر: ثِقَةٌ مُتْقِنٌ. وقال العِجْلي، وأبو زرعة، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ دون زائدة وزُهيرٍ في الإتقان. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": مِنْ الأَثْبات في الرِّوايات. وقال الذهبي في "الميزان": صدوقٌ ثقةٌ، وغيره أثبت منه. وروى له الجماعة.
(2)
4) عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ مَالِكٍ الثَّقَفِيُّ، أَبُو زَيْدٍ الْكُوفِيُّ.
روى عن: أبي البَخْتَرِيّ الطائيّ، وسعيد بن جُبَيْر، ومُجاهد بن جَبْر، وآخرين.
روى عنه: سَلَّام بن سُلَيْم، إسماعيل بن عُلَيَّة، وجرير بن عبد الحميد، والسُفْيَانان، وشُعبة، وآخرون.
حاله: قال أيوب السختيانيّ، وابن معين، والعِجْليّ، والطبرانيّ، والنَّسائيّ: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ثِقَةٌ ثِقَةٌ.
وقال ابن معين: اختلط. وقال يَحيى القَطّان: ما سَمِعتُ أحدا من الناس يَقُولُ فِي عَطاء بْن السائب شيئًا
(1)
يُنظر: "السنن الكبرى" للبيهقي عقب الحديث رقم (17962)، "الجرح والتعديل" 9/ 350، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 199، "تاريخ الإسلام" 5/ 737، "ميزان الاعتدال" 4/ 507، "لسان الميزان" 8/ 26 و 9/ 32.
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 444، "الجرح والتعديل" 4/ 259، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 417، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/203)، "تهذيب الكمال" 12/ 282، "السير" 8/ 281، "الميزان" 2/ 176، "التقريب"(2703).
في حديثه القديم. وقال أحمد: من سمع منه قديمًا كان صحيحًا، ومَنْ سَمِعَ منه حديثًا لم يكن بشيء، سمع منه قديمًا: شعبة وسفيان، وسمع منه حديثًا: جرير، وخالد بن عبد الله، وإسماعيل بن عُلَيَّة، وعلي بن عاصم. وقال وُهيب: لمَّا قَدِمَ عطاءٌ البصرة، قال: كتبتُ عن عُبَيْدة ثلاثين حديثًا، ولم يسمع من عبيدة شيئًا، فهذا اختلاطٌ شديدٌ. وقال أبو حاتم: محله الصدق قديمًا قبل أن يختلط، صالح مستقيم الحديث، ثُمَّ بآخرة تَغَيَّر حفظه في حديثه تخاليط كثيرة، وحديث البصريين الذين يحدثون عنه تخاليط كثيرة لأنَّه قدم عليهم في آخر عمره، وما روى عنه ابن فضيل ففيه غلطٌ واضطرابٌ رفع أشياء كان يرويه عن التابعين فرفعها إلى الصحابة. وقال الذهبيّ: مِنْ كِبَار العلماء، لكنَّه ساء حفظه قليلاً في أواخر عمره. وقال ابن حجر: صدوقٌ اختلط. وعلَّق د/بَشَّار في "تهذيب الكمال"، فقال: يُتَّقَى جدًا من غير حديثه القديم، فإن الشيعة قد رووا له كما يظهر في كتبهم، بل ساق له الخوئي حديثًا في التقية، ثم قال: هذه الرواية تدل على أن عطاء بن السائب كان شيعيًا، ويظهر مما ذكره غير واحد من علماء العامة (يعني: السنة) من أنه ثِقَةٌ في حديثه القديم لكنَّه اختلط وتَغَيَّر: وأنَّه كان من العامة سابقًا ثم استبصر!! فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، اختلط بآخرة".
(1)
1) سَعِيدُ بن فَيْرُوزَ، أَبُو البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ مَوْلاهُمُ، الْكُوفِيُّ.
روى عن: أبيه فَيْروز، وعبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عبَّاس، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، وغيرهم.
روى عنه: عبد الملك بن عُمَير، وعَمرو بن مُرَّة، وحبيب بن أبي ثابت، وعطاء بن السائب، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والعجلي، وابن حبَّان: ثِقَةٌ. وزاد أبو حاتم: صدوقٌ. وقال الذهبي: صدوقٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فيه تشيُّعٌ قليلٌ، كثير الإرسال. وروى له الجماعة.
وقال ابن سعد: كثير الحديث، يُرْسِلُ، ويروي عن الصحابة، ولم يَسمع مِنْ كثير أحدٍ، فما كان من حديثه سماعاً فهو حسن، وما كان "عن" فهو ضعيفٌ. وقال ابن معين: لم يسمع من علي شيئًا. وقال المِزِّيّ: روى عن عليّ بن أبي طالب مُرْسَل. وقال الذهبي: أشار أبو أحمد الحاكم إلى تليينه، وما ذاك إلا لكونه يُرسل عن عليٍّ والكبار. وقال العلائي، وابن حجر: كثير الإرسال. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، كثير الإرسال".
(2)
5) عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (9).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"، لأجل أبي بلالٍ الأشًعريّ "ضَعيفٌ"، وعطاء بن السائب "اختلط بآخرة"، وقد روى عنه سَلَّام بن سُلَيْم، ولم تَتَمَيَّز روايته، هل روى عنه قبل الاختلاط أم بعده؟، وسعيد بن فَيْروز: لم يَسْمَع مِنْ سيدنا عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه شَيئاً، فهو "مُنْقَطِعٌ".
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 6/ 465، "الثقات" للعجلي 2/ 135، "الجرح والتعديل" 6/ 332، "الثقات" 7/ 251، "الكامل" 7/ 72، "تهذيب الكمال" 20/ 86، "السير" 6/ 110، "المختلطين"(ص/82)، "الكواكب النيّرات" 1/ 319، "التقريب"(4592).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 4/ 54، "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص/121)، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 286، "تهذيب الكمال" 11/ 32، "الميزان" 4/ 494، "جامع التحصيل"(ص/183)، "تهذيب التهذيب" 4/ 73، "التقريب"(2380).
قال الهيثميُّ: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه أبو بلال الأشعريّ، ضَعَّفَه الدَّارقُطنيّ.
(1)
شواهد للحديث:
• أخرج البخاري، ومُسلمٌ في "صحيحيهما" مِنْ حديث عِتْبَان بن مالك رضي الله عنه، أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:" إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ".
(2)
• وأخرج البخاري، ومُسلمٌ في "صحيحيهما" مِنْ حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ:«يَا مُعَاذُ!» . قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ:«يَا مُعَاذُ!» . قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ:«يَا مُعَاذُ!» . قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ:«مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ» ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلا أُخْبِرُ بِهَا فَيَسْتَبْشِرُوا، قَالَ:«إِذًا يَتَّكِلُوا» ، فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذُ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا.
(3)
• وأخرج الإمام مُسلمٌ في "صحيحه" عن عُبَادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ النَّارَ» .
(4)
• وأخرج البخاري، ومُسلمٌ في "صحيحيهما" عن أبي ذَرّ رضي الله عنه، أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:" مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ " قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ:«عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ» قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ.
(5)
وعليه؛ فالحديث يرتقي بشواهده إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(2/ 323).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(425) ك/الصلاة، ب/المَسَاجِد في البُيُوتِ، وبرقم (1186) ك/التَّهجد، ب/صَلَاة النَّوَافِلِ جَمَاعَةً، وبرقم (5401) ك/الأطعمة، ب/الخَزِيرَةِ، وبرقم (6423) ك/الرقاق، ب/العَمَلِ الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وبرقم (6938) ك/اسْتِتَابَةِ المُرْتَدِّينَ وَالمُعَانِدِينَ وَقِتَالِهِمْ، ب/مَا جَاءَ فِي المُتَأَوِّلِينَ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(33) ك/الإيمان، ب/مَنْ لَقِي اللهَ بِالْإِيمَانِ وَهُو غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحُرِّمَ عَلَى النَّارِ.
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(128) ك/العلم، ب/مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ، كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا، ومُسلمٌ في "صحيحه"(32) ك/الإيمان، ب/مَنْ لَقِي اللهَ بِالْإِيمَانِ وَهُو غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحُرِّمَ عَلَى النَّارِ.
(4)
أخرجه مُسلمٌ في "صحيحه"(29) ك/الإيمان، ب/مَنْ لَقِي اللهَ بِالْإِيمَانِ وَهُو غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَحُرِّمَ عَلَى النَّارِ.
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1237) ك/الجنائز، ب/مَا جَاءَ فِي الجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وبرقم (3222) ك/بدء الخلق، ب/ذِكْرِ المَلَائِكَةِ، وبرقم (5827) ك/اللباس، ب/الثِّيَابِ البِيضِ، وبرقم (6268) ك/الاستئذان، ب/مَنْ أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وبرقم (7487) ك/التوحيد، ب/كَلَامِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ، وَنِدَاءِ اللَّهِ المَلَائِكَةَ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(94) ك/الإيمان، ب/مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا دَخَلَ النَّارَ.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن عَطَاءٍ إلا أبو الأَحْوَصِ.
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرد صحيحٌ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
الحديث فيه دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الحَقِّ أَنَّهُ لا يَخْلُدُ أَصْحَابُ الكَبَائِرِ في النَّارِ، خلافًا للخوارج والمعتزلة.
قال الزَّيْنُ بن المُنير: حديثُ أبي ذَرٍّ مِنْ أحاديث الرَّجَاء التي أَفْضَى الاتِّكَالُ عليها بِبَعْضِ الجَهَلَةِ إلى الإِقْدَامِ على المُوبِقَاتِ، ولَيْسَ هو على ظاهره؛ فإنَّ القَوَاعِدَ اسْتَقَرَّتْ على أنَّ حُقُوقَ الآدَمِيِّينَ لا تَسْقُط بِمُجَرَّدِ المَوْت على الإيمان، ولكن لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ سُقُوطِهَا أن لا يَتَكَفَّلَ اللَّهُ بها عَمَّنْ يُريدُ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ صلى الله عليه وسلم على أبي ذَرٍّ اسْتِبْعَادَهُ، ويحتملُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ بِقَوْلِهِ:"دَخَلَ الْجَنَّةَ" أَيْ: صَارَ إِلَيْهَا إِمَّا ابْتِدَاءً مِنْ أَوَّلِ الحال، وإِمَّا بَعْدَ أَنْ يَقَعَ مَا يَقَعُ مِنَ الْعَذَابِ، نَسْأَلُ اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ.
وفي الحديث أَنَّ أَصْحَابَ الكَبَائِرِ لا يُخَلَّدُونَ في النَّارِ، وَأَنَّ الْكَبَائِرَ لَا تَسْلُبُ اسْمَ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ غَيْرَ الْمُوَحِّدِينَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَكَأَنَّ أَبَا ذَرٍّ اسْتَحْضَرَ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم:"لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ" لِأَنَّ ظَاهِرَهُ مُعَارِضٌ لِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ، لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوَاعِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْإِيمَانِ الْكَامِلِ، وَبِحَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى عَدَمِ التَّخْلِيدِ فِي النَّارِ.
هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب، وما في معناه من تحريم النار على من قال لا إله إلا الله على أقوال كثيرة، والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر وبه تجتمع الأدلة ولا تتعارض، أن تحمل على أحوال ثلاثة: الأولى: من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات، فالحديث حينئذ على ظاهره، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقًا. الثانية: أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة ولكنه ربما تهاون ببعض الواجبات وارتكب بعض المحرمات، فهذا ممن يدخل في مشيئة الله ويغفر له. الثالثة: كالذي قبله، ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن محارم الله كما في حديث أبي ذر المتفق عليه:" وإن زنى وإن سرق. . . " الحديث، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله، فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار، فهو وإن دخلها، فلا يخلد معهم فيها بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة ولابد.
(1)
* * *
(1)
يُنظر في شرح الحديث والتعليق عليه: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(7/ 75)، "فتح الباري"(1/ 226 و 3/ 111)، "التمهيد" لابن عبد البر (9/ 242، وما بعده)، "السلسلة الصحيحة"(3/ 299).
[175/ 575]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ:
قُلْتُ لِعَلِيٍّ: أَخْبِرْنِي عَنْ مَسِيرِكَ، هَذَا، أَعَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَلَكِنْ رَأَيًا رَأَيْتَهُ.
(1)
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن يُونُسَ إلا ابنُ عُلَيَّةَ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه عبد الله في "زوائده على المُسْنَد"(1271)، وفي "السنَّة"(1266) - ومِنْ طريقه الضياء المقدسي في "المختارة"(704) -، وأبو داود في "سننه"(4666) ك/السُّنَّة، ب/مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الكَلَامِ فِي الفِتْنَةِ، والخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(1/ 393)، كلهم عن إِسْمَاعِيل بن إبراهيم بن مَعْمر أبي مَعْمَرٍ الهُذَليّ، قال: حَدَّثَنَا إسماعيل بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بن عُبَيْد، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ مَسِيرَكَ هَذَا عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا؟ قُلْتُ: دِينَنَا دِينَنَا، قَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنْ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ. واللفظ لعبد الله بن أحمد، والخطيب، وعند أبي داود مُخْتصرًا.
وقال ابن الجزري: هذا إسنادٌ صحيحٌ لا شك فيه، فرضي الله عنه وأرضاه لم يأل فيما قال عن الحق، ومحض الصدق، وهذا هو المظنون به رضوان الله عليه.
(2)
• ونُعيم بن حَمَّاد في "الفتن"(191)، قال: حدَّثنا سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، عن يُونُسَ بن عُبَيْد، وذكره بنحو الرواية السابقة.
• وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(20971) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(1207) -، ونُعيم بن حَمَّاد في "الفتن"(174)، وابن شَبَّة في "تاريخ المدينة"(4/ 1166)، عن مَعْمَرٍ، عن عَلِيِّ بن زَيْد بن جُدْعَان، عن الحَسَنِ، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ، وذكره بنحوه مُطولاً، وزاد فيه:"وَلَكِنَّ النَّاسَ وَقَعُوا عَلَى عُثْمَانَ فَقَتَلُوهُ، فَكَانَ غَيْرِي فِيهِ أَسْوَأَ حَالا وَفِعَالا مِنِّي، ثُمَّ رَأَيْتُ أَنِّي أَحَقُّهُمْ لِهَذَا الأَمْرِ فَوَثَبْتُ عَلَيْهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَصَبْنَا أَمْ أَخْطَأْنَا".
• والطبرانيُّ في "الأوسط"(1278)، مِنْ طريق الوليد بن مُسْلِمٍ، قال: حدَّثني عَبْدُ العَزِيزِ بن حَصِينٍ، عن دَاوُدَ بن أبي هِنْد، أنَّ الحَسَنَ، كان يُحَدِّثُ أَنَّ قَيْسَ بن عُبَادٍ وابن الكَوَّاء كانا مع عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ، فَأَصَابَتْهُمَا جِرَاحَةٌ يَوْمَ صِفِّينَ، فَقَالَ: عَلَي مَا نَقْتُلُ أَنْفُسُنَا؟ انْطَلِقْ بِنَا إلى هَذَا الرَّجُلِ نَسْأَلُهُ، أَكَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا أَوْ رَأَيًا رَأَىهُ؟ وذكره بنحوه، وزاد فيه: "فَقَالا لَهُ:
(1)
الحديث هكذا بالأصل، وقد جاء مِنْ طُرُقٍ أخرى بأتمّ مِمَّا هنا - كما سيأتي بيانه في التخريج بإذن الله عز وجل.
(2)
يُنظر: "مناقب الأسد الغالب مُمزق الكتائب ومُظهر العجائب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه "(ص/38).
عَلَى مَا نُهْرِيْقُ مُهَجَ دِمَائِنَا على رَأْيِ الرِّجَالِ؟ فَجَلَسَا فِي بُيُوتِهِمَا".
وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن دَاوُدَ إلا عَبْدُ العَزِيزِ، تَفَرَّدَ به: الوليدُ.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) إسماعيل بن إبراهيم، أبو مَعْمَر القَطِيْعِيُّ:"ثِقَةٌ، مَأمُونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (109).
3) إسماعيلُ بن إبراهيم بن مِقْسَم - المعروف بابن عُلَيَّة -: "ثِقَةٌ حافظٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
4) يونس بن عُبَيد بن دِيْنَار العَبْدِيُّ، أَبُو عَبد اللَّهِ، ويُقال: أَبُو عُبَيد البَصْرِيّ، مولى عبد القيس.
روى عن: محمد بن سيرين، والحسن، وثابت البُنَانيِّ، وآخرين.
روى عنه: الثوري، وشعبة، وحمَّاد بن زيد، وحمَّاد بن سلمة، وإسماعيل بن عُليَّة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وأبو حاتم، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: مِنْ سَادَات أهل زمانه علمًا وفضلًا وحفظًا وسُنَّةً، وبُغْضًا لأهل البدع. وقال الذهبي: كان ثقةً ثبتًا، حافظًا، ورعاً، رأساً في العلم والعمل. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فاضلٌ، ورعٌ. وذكره في المرتبة الثانية مِنْ مراتب المدلسين. وروى له الجماعة.
- وقال ابن المديني: يونس أثبت في الحسن من عبد الله بن عون. وقال أبو زرعة: يونس بن عُبيد أحب إلىّ في الحسن مِنْ قتادة؛ لأنَّ يونس مِنْ أصحاب الحسن، وقتادة ليس من أقران يونس.
(1)
5) الحَسَنُ بن أبي الحسن البَصْريُّ: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ، فَاضِلٌ وَرِعٌ، كثير الإرسال، وعنعنته محمولةٌ على الاتصال والسماع في روايته عَمَّن صَحَّ له سماعه منه في الجملة، إلا في روايته عن سَمْرة بن جُنْدب فإنَّه يدلِّس عنه؛ وأما في روايته عمن لم يسمع منه - وإن عاصره أو لقيه - فلا بدَّ أن يصرح بسماعه منه في الجملة، وإلا فمنقطعٌ - لإرساله - والله أعلم. تقدَّم في الحديث رقم (31).
6) قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ القَيْسِيُّ الضُّبَعِيُّ البَصْرِيُّ.
روى عن: عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عُمَر، وسَعْد بن أبي وَقَّاص رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: الحسن البَصْري، ومحمد بن سِيْرين، وأبو مُجْلَز لاحق بن حُمَيْد، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، والعِجْليّ، والنَّسائيّ، وابن خراش: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال أبو نُعيم: لا يَصِحُّ لَهُ صُحْبَةٌ ولا رُؤْيَةٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ مُخضرم، وَوَهِمَ مَنْ عَدَّه في الصحابة.
(2)
7) عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، وابن عَمّ النَّبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّم في الحديث رقم (9).
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 242، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 647، "تهذيب الكمال" 32/ 517، "تاريخ الإسلام" 3/ 760، "جامع التحصيل"(ص/112)، "تهذيب التهذيب" 11/ 445، "طبقات المدلسين"(ص/36)، "التقريب"(7909).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 221، "الجرح والتعديل" 7/ 101، "الثقات" 5/ 308، "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 4/ 2331، "تاريخ دمشق" 49/ 434، "تهذيب الكمال" 24/ 64، "التقريب"(5582).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "صحيحٌ لذاته".
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن يُونُسَ إلا ابنُ عُلَيَّةَ.
قلتُ: بل تابعه سُفْيَان بن عُيَيْنَة عن يُونس، أخرجه نُعيم بن حَمَّاد في "الفتن" - كما سبق في التخريج -.
* * *
[176/ 576]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا أَبُو بِلالٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: نا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ:
نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ:«قَدْ طَهَّرَ اللَّهُ أَهْلَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ، مَا لَمْ تُضِلُّهُمُ النُّجُومُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن يُونُسَ، عن الحَسَنِ، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ إلا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو بِلالٍ.
وقد رَوَاهُ موسى بن دَاوُدَ الضَّبِّيُّ، والحَسَنُ بن عَطِيَّةَ: عن قَيْسٍ، عن يُونُسَ، عن الحَسَنِ، عن الأَحْنَفِ بن قَيْسٍ، عن العَبَّاسِ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
هذا الحديث مَدَاره على الحسن، واختُلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: الحَسَنِ، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الحَسَنِ، عن الأَحْنَفِ بن قَيْسٍ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الحَسَنِ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولًا: - الوجه الأول:
الحَسَنِ، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه أبو بكر بن عَبْدَويه الشافعيّ في "الفوائد" - الشهير بالغيلانيات - (302) - ومِنْ طريقه الخطيب البغدادي في "تلخيص المتشابه في الرسم"(1/ 241) -، قال: حدَّثنا عَلِيُّ بن بَيَانٍ البَاقِلَّانِيُّ، ثنا أبو بِلَالٍ الأَشْعَرِيُّ - بإحدى الأوجه عنه -، قَالَ: ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عن يُونُسَ بن عُبَيْدٍ، عن الحَسَنِ، بنحوه.
وقال ابن عَبْدَويه: هكذا رَأَيْتُهُ في أَصْلِ عَلِيِّ بن بَيَانٍ، عن أبي بِلَالٍ، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ عن العَبَّاسِ، وقال:"لَقَدْ بَرَى". وقال الخطيب البغدادي: هذا الحديثُ إنَّمَا يُرْوَى عن قَيْسِ بن الرَّبِيعِ، عن يُونُسَ، عن الحَسَنِ، عن الأَحْنَفِ بن قَيْسٍ، عن العَبَّاسِ، رَوَاهُ هكذا مُوسَى بن دَاوُدَ الضَّبِّيُّ، والحَسَنُ بن عَطِيَّةَ الكُوفِيُّ، وهكذا رَوَاهُ إبراهيم بنُ الوَلِيدِ الجَشَّاشُ، عن أبي بِلالٍ، عن قَيْسٍ بِخِلافِ ما قال عَلِيُّ بنُ بَيَانٍ.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) أَبُو بِلَالٍ بن مُحَمَّدِ بن الحَارِثِ بن عَبْد اللهِ بن أبي بُرْدَة بن أبي مُوسَى الأَشْعَريُّ: "ضَعيفٌ"، وقال ابن حبَّان: يُغرب، ويَتَفَرَّد. تَقَدَّم في الحديث رقم (174).
3) قَيْس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي:"ضَعيفٌ يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (106).
4) يونس بن عُبَيد بن دِيْنَار العَبْدِيُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فاضلٌ، ورعٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (175).
5) الحَسَنُ بن أبي الحسن البَصْريُّ: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ، فَاضِلٌ وَرِعٌ، كثير الإرسال، وعنعنته محمولةٌ على الاتصال والسماع في روايته عَمَّن صَحَّ له سماعه منه في الجملة، إلا في روايته عن سَمْرة بن جُنْدب فإنَّه يدلِّس عنه؛ وأما في روايته عمن لم يسمع منه - وإن عاصره أو لقيه - فلا بدَّ أن يصرح بسماعه منه في الجملة، وإلا فمنقطعٌ - لإرساله - والله أعلم. تقدَّم في الحديث رقم (31).
6) قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ القَيْسِيُّ الضُّبَعِيُّ البَصْرِيُّ:"ثِقَةٌ، مُخضرم"، تَقَدَّم في الحديث رقم (175).
7) الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ بن عَبْد مناف، أَبُو الفضل القُرَشِيُّ الهاشميُّ، عم رَسُول صلى الله عليه وسلم.
روى عن: النَّبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: الأحنف بن قيس، وقَيْس بن عُبَاد، وأبناؤه الثلاثة، وآخرون.
كَانَ أسن من رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بسنتين أَوْ ثَلاث، شهد بدرًا مع المشركين، وكان خرج إليها مُكْرَهًا، وأُسِرَ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ أسلم بعد ذَلِكَ، وقيل: إنه أسلم قبل ذَلِكَ، وكان يكتم إسلامه. وروى له الجماعة.
(1)
ثانيًا: - الوجه الثاني:
الحَسَنِ، عن الأَحْنَفِ بن قَيْسٍ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أبو عليّ بن شاذان في "جزئه"(176)، والبَزَّار في "مُسْنَدِه"(1304)، ومكرم البَزَّاز في "فوائده"(6)، وابن عَبْدَويه في "الفوائد" - الشهير بالغيلانيات - (301/ 1) - ومِنْ طريقه ابن العديم في "بُغية الطلب في تاريخ حلب"(3/ 1302) -، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(5329)، وفي "تاريخ أصبهان"(1/ 225)، مِنْ طُرُقٍ عن مُوسَى بن دَاوُدَ، عن قَيْس بن الربيع، عن يُونُسَ، عن الحَسَنِ، عن الأَحْنَفِ بن قيس، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ، قال: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، فقال:«لَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ أَهْلَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ مِنَ الشِّرْكِ، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تُضِلَّهُمُ النُّجُومُ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ تُضِلُّهُمُ النُّجُومُ؟ قَالَ: «يَقُولُونَ: الْغَيْثَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا» .
وعند بعضهم: «لَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ هَذِهِ الْجَزِيرَةَ» . وقال البَزَّار: لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بهذا اللَّفْظِ إلا عن العَبَّاسِ رضي الله عنه، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ولا نَعْلَمُ له إِسْنَادًا، عن العَبَّاسِ إلا هذا الإِسْنَادَ. وقال أبو نُعيم: وَرَوَاهُ قَتَادَةُ، عن الحَسَنِ، عن العَبَّاسِ؛ ورَوَاهُ عَوْفٌ، عن الحَسَنِ، عن مَنْ أخبرهُ عن العَبَّاسِ، ولم يذكر هو ولا قَتَادَةُ الأَحْنَفَ بن قَيْسٍ.
• والبزار في "مُسنَده"(1303)، وأبو يَعْلَى في "مُسْنَدِه"(6709)، وابن عَبْدَويه في "الفوائد"(301/ 2) - ومِنْ طريقه ابن العديم في "بُغية الطلب"(3/ 1302) -، عن أبي كُريب محمد بن العَلَاءِ، قال: نا الحَسَنُ بن عَطِيَّةَ، قال: نا قَيْسٌ، عن يُونُسَ، عن الحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بنحوه.
• وأخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(1066)، والخطيب البغدادي في "تلخيص المتشابه في الرسم"(1/ 242)، عن إبراهيم بن الوليد الجَشَّاش، نا أبو بِلَالٍ الأَشْعَرِيُّ، نا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ الأسَدِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بنحوه.
(1)
يُنظر: "الاستيعاب" 2/ 810، "أسد الغابة" 3/ 163، "التهذيب" 14/ 226، "الإصابة" 5/ 577.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد البَزَّار مِنْ طريق موسى بن داود):
1) أحمد بن محمد بن الوليد أبو محمد الازرقيُّ: "ثِقَةٌ".
(1)
2) موسى بن داود الضَبِّيّ، أَبُو عَبد اللَّهِ الطَّرَسُوسيُّ:"ثِقَةٌ".
(2)
3) قَيْس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي:"ضَعيفٌ يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (106).
4) يونس بن عُبَيد بن دِيْنَار العَبْدِيُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فاضلٌ، ورعٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (175).
5) الحَسَنُ بن أبي الحسن البَصْريُّ: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ، فَاضِلٌ وَرِعٌ، كثير الإرسال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (31).
6) الأَحْنَفُ - وهذا لقبه، واسمه الضَّحَّاك - بن قيس التَّمِيميَّ:"ثِقَةٌ، مُخَضْرَمٌ".
(3)
7) الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ: "صحابيٌّ جليلٌ، وعَمُّ النَّبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّم في الوجه الأول.
ثالثًا: - الوجه الثالث:
الحَسَنِ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(6714)، وابن خزيمة - كما في "الإتحاف" لابن حجر (6/ 477/حديث برقم 6849) -، وأحمد بن محمد بن عمران في "الفوائد الحسان الغرائب"(15)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(1479)، مِنْ طُرُقٍ عن عُمَر بن إبراهيم، عن قَتَادَةَ، عن الحَسَنِ، عن العَبَّاسِ بن عبد المُطَّلِبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال:«إِنَّ اللَّهَ قَدْ طَهَّرَ هَذِهِ الْقَرْيَةَ مِنَ الشِّرْكِ إِنْ لَمْ تُضِلَّهُمُ النُّجُومُ» .
وقال ابن خزيمة: الحَسَنُ لم يَسْمَعْ مِنَ العَبَّاسِ. وقال البوصيري في "الإتحاف"(3/ 252/حديث برقم 2680): رَوَاهُ أبو يَعْلَى بِسَنَدٍ فيه انقطاع.
• وأبو بكر بن خلاد النصيبي في "فوائده"(73)، قال حدَّثنا محمد بن عُثْمَان بن أبي شيبة، قال: نا أبي، قال: وجدت في كتاب أبي، عن مُسْتلم بن سعيد، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن العبَّاس، بنحوه.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث:
في إسناده عُمر بن إبراهيم العَبْديّ (صاحب الهَرَوي): "صدوقٌ، في حديثه عن قتادة ضَعْفٌ".
(4)
رابعًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مَدَاره على الحسن، واختُلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: الحَسَنِ، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الحَسَنِ، عن الأَحْنَفِ بن قَيْسٍ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 70، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 7، "التهذيب" 1/ 481، "التقريب"(104).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 141، "الثقات" 9/ 160، "التهذيب" 29/ 57، "الكاشف" 2/ 303، "التقريب"(6959).
(3)
يُنظر: "التقريب"(288).
(4)
يُنظر: "التقريب"(4863).
الوجه الثالث: الحَسَنِ، عن العَبَّاسِ بن عَبْدِ المُطَّلِبِ رضي الله عنه.
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني لَعَلَّه هو الأشبه والأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الحديث بالوجه الأول رواه أبو بلال الأشعريّ، وهو "ضَعيفٌ، يُغرب، ويَتَفَرَّد"، وقد اضطرب فيه، فرواه بالوجه الأول، وبالوجه الثاني، ولم يُتابع على روايته بالوجه الأول، بَيْنَمَا تُوبع على روايته للوجه الثاني.
2) وأمَّا الحديث بالوجه الثالث: فقد ورد عن الحسن مِنْ طريقين:
أمَّا الطريق الأول: ففي إسناده عُمر بن إبراهيم العَبْدِيّ "حديثه عن قتادة ضَعيفٌ"، يروي عنه ما لا يُتابع عليه. وأمَّا الطريق الثاني: فهي وجادة.
3) وأمَّا الحديث بالوجه الثاني: فرواه موسى بن داود، والحسن بن عطيَّة وهما "ثِقَتَان"، وأبو بلالٍ الأَشْعَريّ - مِنْ أصح الأوجه عنه -، عن قيس بن الربيع، عن يونس بن عُبيد، عن الحسن.
تنبيهٌ: الوجه الثاني مَدَاره على قيس بن الربيع، وهو "ضَعيفٌ"، وامتُحِنَ بِابن سُوءٍ فَكَانَ يُدْخِل عَلَيْه الحَدِيث فيُجِيبُ فيه ثِقَةً منه بِابْنِهِ؛ وقد اضطرب في هذا الحديث، فرواه بالوجه الأول، والثاني؛ مِمَّا يَدل على عدم حفظه، وضبطه لهذا الحديث، والله أعلم.
خامسًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بهذا اللفظ "مُنْكَرٌ"؛ فيه قيس بن الربيع "ضَعيفٌ"، واضطرب فيه: فرواه مَرَّة بالوجه الأول، ومَرَّة بالوجه الثاني، بالإضافة إلى أنَّ الشِطَر الأول مِنْ الحديث مُخالفٌ لِمَا صَحَّ عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري في "صحيحه"(7116) ك/الفتن، ب/تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَ الأَوْثَانُ، ومُسْلِمٌ في "صحيحه"(2906) ك/الفتن، ب/لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعْبُدَ دَوْسٌ ذَا الخَلَصَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ
(1)
، حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ
(2)
».
وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِتَبَالَةَ
(3)
. ففي هذا الحديث دليلٌ على عودة عبادة الأصنام في جزيرة العرب مَرَّة أخرى.
(1)
أَلَيَاتُ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَاللَّامِ، وَمَعْنَاهُ: أعجازهن جمع ألية كجفنة وجفنات، والمراد: يضطربن مِنَ الطَّوَافِ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ أَيْ يَكْفُرُونَ وَيَرْجِعُونَ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَتَعْظِيمِهَا. قَالَ بن التِّينِ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ نِسَاءَ دَوْسٍ يَرْكَبْنَ الدَّوَابَّ مِنَ الْبُلْدَانِ إِلَى الصَّنَمِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِاضْطِرَابِ أَلَيَاتِهِنَّ. وقال ابن حجر: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُنَّ يَتَزَاحَمْنَ بِحَيْثُ تَضْرِبُ عَجِيزَةُ بَعْضِهِنَّ الْأُخْرَى عِنْدَ الطَّوَافِ حَوْلَ الصَّنَمِ. يُنظر: "المنهاج شرح مسلم"(18/ 33)، "فتح الباري" لابن حجر (13/ 76).
(2)
ذُو الْخَلَصَةِ: بِفَتْحِ الخَاءِ، وَاللَّامِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، حَكَى الْقَاضِي فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا هَذَا، وقَالُوا: وَهُوَ بَيْتُ صَنَمٍ بِبِلَادِ دَوْسٍ. يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجَّاج"(18/ 33).
(3)
وَتَبَالَةُ: بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبَعْدَ الْأَلِفِ لَامٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ، وهي قَرْيَةٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْيَمَنِ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَهِيَ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ، فَيُقَالُ: أَهْوَنُ مِنْ تَبَالَةَ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا أَوَّلُ شَيْءٍ وَلِيَهُ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهَا سَأَلَ مَنْ مَعَهُ عَنْهَا فَقَالَ: هِيَ وَرَاءَ تِلْكَ الْأَكَمَةِ، فَرَجَعَ، فَقَالَ: لا خَيْرَ في بَلَدٍ يَسْتُرُهَا أَكَمَةٌ، وَكَلَامُ صَاحِبِ "الْمَطَالِعِ" يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مَوْضِعَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ تَبَالَةَ الْحَجَّاجِ، وَكَلَامُ يَاقُوتٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا هِيَ. ورجَّح النووي الثاني. يُنظر:"المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجَّاج"(18/ 33)، "فتح الباري" لابن حجر (13/ 76).
قال ابن بَطَّال: هذا الحَدِيثُ وما أَشْبَهَهُ ليس المُرَادُ به أَنَّ الدِّينَ يَنْقَطِعُ كُلُّهُ في جَمِيعِ أَقْطَارِ الأرض حتى لا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ؛ لأنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الإسلام يَبْقَى إلى قِيَامِ السَّاعَةِ إلا أَنَّهُ يَضْعُف، وَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ.
(1)
قلتُ: إلا إذا كان المقصود بالمدينة في الحديث "المدينة المنورة"، فهذا أمر آخر؛ لكنَّه ورد في بعض طرق الحديث بلفظ:«لَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ هَذِهِ الْجَزِيرَةَ» ؛ لذا صَدَّرتُ الحكم بقولي "مُنْكَرٌ".
وأمَّا الحديث بالشطر الثاني فيُغني عنه ما أخرجه البخاري، ومُسلمٌ في "صحيحيهما" عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ في إِثْرِ السَّمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:«هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» . قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:" قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ ".
(2)
وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى، والبزار بنحوه، والطبراني في "الأوسط"، وفيه قيس بن الربيع، وثَّقَهُ شعبة، والثوري، وضَعَّفَه النَّاس، وبقية رجال أبي يعلى ثِقَاتٌ.
(3)
وقال الهيثمي أيضًا: رواه أبو يعلى والطبراني في "الأوسط" باختصار، وإسناد أبي يعلى حسن.
(4)
وقال الألباني: ضَعيفٌ.
(5)
وأعاده مَرَّة أخرى، وقال: مُنْكرٌ؛ لمخالفة شطره الأول ما صَحَّ عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم.
(6)
سادسًا: - النظر في كلام المُصَنِّفُ رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ: لم يَرْوِه عن يُونُسَ، عن الحَسَنِ، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ إلا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَبُو بِلالٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرد صحيح، ولم أقف على ما يدفعه.
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (13/ 76).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(846) ك/الآذان، ب/يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ النَّاسَ إِذَا سَلَّمَ، وبرقم (1038) ك/الاستسقاء، ب/قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ، وبرقم (4147) ك/المغازي، ب/غَزْوَةِ الحُدَيْبِيَةِ، وبرقم (7503) ك/التوحيد، ب/قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(71) ك/الإيمان، ب/بَيَانِ كُفْرِ مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِالنَّوْءِ.
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(3/ 299 و 5/ 116 و 10/ 54).
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(8/ 114).
(5)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(9/ 305/حديث رقم 4316).
(6)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(14/ 681/حديث رقم 6802).
سابعًا: - التعليق على الحديث:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ "مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا"، عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ كُفْرٌ بِاللَّهِ سبحانه وتعالى، سَالِبٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ، مُخْرِجٌ مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، قَالُوا: وَهَذَا فِيمَنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا أن الكوكب فَاعِلٌ مُدَبِّرٌ مُنْشِئٌ لِلْمَطَرِ، كَمَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُ؛ وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَالشَّافِعِيُّ مِنْهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ؛ قَالُوا: وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءٍ كَذَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبِرَحْمَتِهِ، وَأَنَّ النَّوْءَ مِيقَاتٌ لَهُ وَعَلَامَةٌ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مُطِرْنَا فِي وَقْتِ كَذَا، فَهَذَا لَا يَكْفُرُ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهِ، وَالْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لَكِنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لا إِثْمَ فِيهَا؛ وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ: أَنَّهَا كَلِمَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ، فَيُسَاءُ الظَّنُّ بِصَاحِبِهَا؛ وَلِأَنَّهَا شِعَارُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ؛ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي أَصْلِ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ: كُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِصَارِهِ عَلَى إِضَافَةِ الْغَيْثِ إِلَى الْكَوْكَبِ، وَهَذَا فِيمَنْ لَا يَعْتَقِدُ تَدْبِيرَ الْكَوْكَبِ.
(1)
وقال ابن الأثير: وَإِنَّمَا غَلَّظ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أَمْرِ الْأَنْوَاءِ، لأنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَنْسبُ الْمَطَرَ إِلَيْهَا. فَأَمَّا مَن جَعَل الْمَطَرَ مِنْ فِعْل اللَّه تَعَالَى، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ:«مُطِرنا بِنَوْءِ كَذَا» أَيْ فِي وَقْتِ كَذَا، وَهُوَ هَذَا النَّوء الْفُلَانِيُّ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ: أَيْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أجْرَى الْعَادَةَ أَنْ يأتَيَ المطرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجَّاج"(2/ 60).
(2)
يُنظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (5/ 122). ويُنظر أيضاً: "فتح الباري" لابن رجب (9/ 258 - 266)، "فتح الباري" لابن حجر (2/ 523)، "القول في علم النجوم" للخطيب البغدادي فقد أطال فيه رضي الله عنه وأجاد.
[177/ 577]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَخَّرَ
(1)
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الْعِشَاءِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظُوا، فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: الصَّلاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَخَرَجَ، فَصَلَّى بِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمْ تَوَضَّئُوا.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن يُونُسَ إلا حَمَّادٌ، تَفَرَّدَ به: يُونُسُ بن محمد المُؤَدِّبُ، وابن عَائِشَةَ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الكبير"(11346)، قال: حدَّثنا أحمد بن القَاسِمِ بن مُسَاوِرٍ الجَوْهَرِيُّ، ثنا ابنُ عائشة، ثنا حمَّادُ بن سَلَمَةَ، عن أَيُّوب، وَيُونُس، عن عَطَاءٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
- والطبراني في "الكبير"(11345)، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "مُسْنَدِه"(1123)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(3442)، مِنْ طريق الحَجَّاج بن المِنْهَالِ؛ ومحمد بن أحمد الأثرم في "سننه"(106)، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل التَّبُوذَكيُّ؛ وأبو العَبَّاس الأصم في "حديثه"(49)، حدثنا محمد بن أبي داود، نا يونس بن محمد المؤدب؛ ثلاثتهم (الحَجَّاج، وموسى، ويُونس) عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن أَيُّوب، وَقَيْسِ بن سَعْدٍ، عن عَطَاءٍ، به. وعند الطحاوي عن أيوب، وحده.
- وأحمد في "مُسْنَدِه"(2195)، قال: حدَّثنا يُونُسُ بن مُحمَّد المُؤَدِّب، وعَفَّانُ بن مُسْلم، قالا: حدَّثنا حَمَّادُ ابن سَلَمَةَ، عن أَيُّوب، قال عفَّانُ: أخبرنا أَيُّوبُ، وَقَيْسٌ، عن عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ، به.
• والنسائي في "الكبرى"(1525) ك/الصلاة، ب/مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وفي "الصغرى"(532)، وأبو يَعلى في "مُسْنَدِه"(2398)، مِنْ طريق سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عن عَمْرٍو بن دينار، عن عَطَاءٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، وعن ابن جُرَيْجٍ، عن عَطَاءٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، بنحوه، مُطولاً.
• والبخاري في "صحيحه"(847) ك/الآذان، ب/يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ النَّاسَ إِذَا سَلَّمَ، مِنْ طريق حُمَيْدٍ، عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ:«إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ» .
• بينما أخرجه أبو داود في "سننه"(201) ك/الطهارة، ب/الوُضُوء مِنَ النَّوْمِ - ومن طريقه البيهقي في "الكبرى"(593) -، وأبو يَعلى في "مُسْنَدِه"(3306 و 3309 و 3310)، وأبو عوانة في "المُسْتَخْرَج"(740)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(3443)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4544)، مِنْ طُرُقٍ عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ،
(1)
تَصَحَّفت في "الأصل - كلمة غير مقروءة -، والتصويب مِنْ "المعجم الكبير" (11345 و 11346).
عن ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: أُقِيمَتْ صَلاةُ الْعِشَاءِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي حَاجَةً، فَقَامَ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَعَسَ الْقَوْمُ، أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ وُضُوءًا.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عُبَيد الله بن محمد بن حَفْص، أبو عبد الرحمن القُرَشيّ التَّيْميّ الإخباريّ المعروف بابن عائشة.
روى عن: حماد بن سلمة، وابن عُيَيْنَة، وعبد الواحد بن زياد، وآخرين.
روى عنه: أحمد الأَبَّار، وأحمد بن حنبل، وأبو داود، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: صدوقٌ، ثقةٌ. وقال ابن قانع: ثِقَةٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ جَوَّاد.
(1)
3) حَمَّاد بن سَلمة بن دينار البصري: "ثقةٌ عابدٌ، أثبت الناس في ثابتٍ، تغيَّر حِفظه بآخرةٍ"، وهذا التَّغير ليس المراد به التَّغير الاصطلاحي، وإنَّما هو التَّغير مِنْ قِبَل حفظه، تقدَّم في الحديث رقم (102).
4) يونس بن عُبَيد بن دِيْنَار العَبْدِيُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فاضلٌ، ورعٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (175).
5) قَيْسُ بن سَعْد المكيُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (81).
6) عطاء بن أبي رَبَاح: "ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ كثير الإرسال"، تقدَّم في الحديث رقم (37).
7) عَبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن يُونُسَ إلا حَمَّادٌ، تَفَرَّدَ به: يُونُسُ بن محمد المُؤَدِّبُ، وابن عَائِشَةَ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرد صَحيحٌ، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبِيٌّ، ولم أقف - بعد البحث - على رواية يونس بن محمد المُؤَدِّب، عن حَمَّاد بن سلمة، عن يُونس بن عُبَيْد.
* * *
(1)
"الجرح والتعديل" 5/ 335، "الثقات" 8/ 405، "التهذيب" 19/ 147، "تهذيب التهذيب" 7/ 46، "التقريب"(4334).
[178/ 578]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدِينِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ رَأَى مِنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ، وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن محمَّد بن جُبَيْرٍ إلا ابنُهُ سَعِيدٌ، تَفَرَّدَ به: عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - مِنْ طريق عبد الله بن جعفر المَدِينيّ إلا عند المُصَنِّف.
• أخرجه البخاري في "صحيحه"(6490) ك/الرقاق، ب/لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2963/ 1) ك/الزُّهْدِ، مِنْ طُرُقٍ عن أبي الزِّنَادِ، عن الأَعْرَجِ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال:«إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ» .
• وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(2963/ 2) ك/الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، مِنْ طريق مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ سَوَاءً.
• وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(2963/ 3) ك/الزُّهْدِ، مِنْ طريق الأَعْمَشِ، عن أبي صَالِحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، ولا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ» .
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) إسماعيل بن إبراهيم، أبو مَعْمَر القَطِيْعِيُّ:"ثِقَةٌ، مَأمُونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (109).
3) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ، أَبُو جَعْفَرٍ، المَدِينِيُّ ثُمَّ الْبَصْرِيُّ والد علي ابن المديني.
روى عن: سَعِيد بن محمد بن جُبَيْر، وأبي حازم سلمة بن دِينَار، وسُهَيل بن أبي صالح، وآخرين.
روى عنه: أبو مَعْمَر القَطِيعِيُّ، وبهز بن أسد، وأبو داود الطيالسيُّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: مُنْكر الحديث جدًا، ضعيف الحديث، يُحدِّث عن الثِّقَات بالمناكير، يُكْتَبُ حديثه ولا يُحْتَجُ به، كان عليٌّ لا يُحدِّثنا عن أبيه، وكان قوم يقولون: عليٌّ يَعُقُّ أباه لا يُحدِّث عنه، فلمَّا كان بآخرة حدَّث عنه. وقال النَّسائي: متروك الحديث. وقال أيضًا: ليس بثقة. وقال ابن حبَّان: كان مِمَّن يَهِمُ في الأخبار حتى يأتي بها مقلوبة ويُخطئ في الآثار حتى كأنها معمولة. وقال ابن عدي: عامة حَدِيثه لا يُتابعه أحدٌ عليه، وهو مع ضعفه مِمَّن يُكتب حَدِيثه. وقال الدَّارقطني: كثير المناكير.
وقال الذهبي: مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ. وقال ابن حجر: ضَعيفٌ.
(1)
4) سَعِيد بن مُحَمَّدِ بن جبير بن مطعم الْقُرَشِيّ، النوفلي، المدنيّ.
روى عن: أبيه مُحَمَّد بن جُبَير، وجده جُبَيْر بن مُطْعِم، وأبي هريرة، وآخرين.
روى عنه: عبد الله بن جعفر، ومحمد بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي ذئب، وهشام بن عمارة، وآخرون.
حاله: ذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي في "الكاشف": وُثِّق. وفي "تاريخ الإسلام": ما أعلم به بأسًا. وقال ابن حجر: مقبولٌ. فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ، حسنُ الحديث".
(2)
5) مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ، أبو سعيد القُرَشِيُّ:"إمامٌ، فَقِيْهٌ، ثَبْتٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (54).
6) أبو هريرة الدُّوسيّ رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ فيه عبد الله بن جعفر بن نَجيح المديَنيّ "ضَعيفٌ".
وللحديث مُتابعات في "الصحيحين" - كما سبق في التخريج -، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن محمَّد بن جُبَيْرٍ إلا ابنُهُ سَعِيدٌ، تَفَرَّدَ به: عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وهو تَفَرَّدٌ نَسبِيٌّ.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال الإمام ابن جرير: هَذَا حَدِيث جَامع لأنواع من الخَيْر لأن الإنسان إذا رأى من فُضِّل عليه في الدُّنْيَا طلبت نَفسه مثل ذلك واستصغر مَا عِنْده من نعْمَة الله تَعَالَى وحرص على الازدياد، وإذا نظر إِلَى من هُوَ دونه فِيهَا ظَهرت لَهُ نعْمَة الله فشكرها وتواضع وَفعل فِيهِ الخَيْر.
(3)
قال الحافظ ابن حجر: قوله: "إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ": بِالفَاءِ والمُعْجَمَةِ على البِنَاءِ للمَجْهُولِ. قَوْلُهُ: "فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ": بِفَتْحِ الْخَاءِ، أَيِ الصُّورَةِ، ويحتمل أَنْ يَدْخُلَ في ذلك الأَوْلَادُ والْأَتْبَاعُ، وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنَ "الغَرَائِبِ" لِلدَّارَقُطْنِيِّ "وَالْخُلُقُ" بِضَمِّ الْخَاءِ وَاللَّامِ. قَوْلُهُ: "فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ
(1)
يُنظر: "الضعفاء والمتروكون" للنسائيّ (ص/148)، "الجرح والتعديل" 5/ 22، "المجروحين" 2/ 14، "الكامل" 5/ 297، "تهذيب الكمال" 14/ 379، "تاريخ الإسلام" 4/ 659، "الميزان" 2/ 401، "التقريب"(3255).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 514، "الجرح والتعديل" 4/ 57، "الثقات" 4/ 290، "التهذيب" 11/ 43، "الكاشف" 1/ 443، "تاريخ الإسلام" 3/ 240، "التقريب"(2385).
(3)
يُنظر: "شرح السيوطي على مسلم"(6/ 276).
أَسْفَلَ مِنْهُ": المُرَادُ بِذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا.
قال ابن بَطَّال: هذا الحديثُ جَامِعٌ لمعاني الخَيْرِ؛ لأنَّ المَرْءَ لا يكون بحالٍ تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ مُجْتَهِدًا فِيهَا إِلَّا وَجَدَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ، فَمَتَى طَلَبَتْ نَفْسُهُ اللَّحَاقَ بِهِ اسْتَقْصَرَ حَالَهُ، فَيَكُونُ أَبَدًا فِي زِيَادَةٍ تُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ عز وجل، ولا يَكُونُ على حَالٍ خَسِيسَةٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَجَدَ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ هُوَ أَخَسُّ حَالًا مِنْهُ، فإذا تَفَكَّرَ في ذلك عَلِمَ أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ وَصَلَتْ إِلَيْهِ دُونَ كَثِيرٍ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ أَوْجَبَهُ، فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الشُّكْرَ فَيَعْظُمُ اغْتِبَاطُهُ بِذَلِكَ فِي مَعَادِهِ.
وقال غيره: في هَذَا الْحَدِيثِ دَوَاءُ الدَّاءِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُؤَثِّرَ ذَلِكَ فِيهِ حَسَدًا، وَدَوَاؤُهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَاعِيًا إِلَى الشُّكْرِ.
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/ 322 - 323).
[179/ 579]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ:
…
نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا طَعَنَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عُمَرَ، طَعَنَهُ طَعْنَتَيْنِ، فَظَنَّ عُمَرُ أَنَّ لَهُ ذَنْبًا
(1)
إلى النَّاسِ لا يَعْلَمُهُ.
فَدَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ - وَكَانَ يُحِبُّهُ، ويُدْنِيهِ، ويَسْتَمِعُ مِنْهُ -، فَقَالَ لَهُ: أُحِبُّ أَنْ تَعْلَمَ عَنْ مَلأٍ مِنَ النَّاسِ كَانَ هَذَا؟
فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِمَلإٍ مِنَ النَّاسِ إلا وَهُمْ يَبْكُونَ.
فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: مَا أَتَيْتُ عَلَى مَلإٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إلا وَهُمْ يَبْكُونَ، كَأَنَّمَا فَقَدُوا الْيَوْمَ
…
أبكارَ
(2)
أَوْلادِهِمْ.
فَقَالَ: مَنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: أَبُو لُؤْلُؤَةَ الْمَجُوسِيُّ عَبْدُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَأَيْتُ الْبِشْرَ فِي وَجْهِهِ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَبْتَلِنِي بِقَوْلِ أَحَدٍ يُحَاجُّنِي بِقَوْلِ: لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، أَمَا إِنِّي قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَجْلِبُوا إِلَيْنَا مِنَ الْعُلُوجِ
(3)
أَحَدًا، فَعَصَيتُمُونِي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِي إِخْوَانِي.
قَالُوا: وَمَنْ؟ قَالَ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فِي حَجْرِي، فَلَمَّا جَاءُوا، قُلْتُ: هَؤُلاءِ قَدْ حَضَرُوا.
فَقَالَ: نَعَمْ، نَظَرْتُ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَدْتُكُمْ أَيُّهَا السِّتَّةُ رُءُوسَ النَّاسِ، وَقَادَتَهُمْ، ولا يَكُونُ هَذَا الأَمْرُ إلا فِيكُمْ مَا اسْتَقَمْتُمْ يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ، وَإِنْ يَكُنِ اخْتِلافٌ يَكُنْ فِيكُمْ.
فَلَمَّا سَمِعْتُ ذِكْرَ الاخْتِلافِ، وَالشِّقَاقِ ظَنَنْتُ أَنَّهُ كَائِنٌ، لأَنَّهُ قَلَّ مَا قَالَ شَيْئًا إلا رَأَيْتُهُ، ثُمَّ نَزَفَ الدَّمَ، فَهَمَسُوا بَيْنَهُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ.
فَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيٌّ بَعْدُ، ولا يَكُونُ خَلِيفَتَانِ يَنْظُرُ أَحَدُهُمَا إِلَى الآخَرِ.
فَقَالَ: احْمِلُونِي، فَحَمَلْنَاهُ، فَقَالَ: تَشَاوِرُوا ثَلاثًا، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ.
(1)
في الأصل "ذنبٌ".
(2)
في الأصل "أبكارًا"، والتصويب مِنْ "مجمع البحرين" حديث رقم (3673).
(3)
العِلْج: الرَّجُلَ مِنْ كُفار العَجم، وَغَيْرِهِمْ، والأَعْلَاج: جَمْعه، ويُجْمَع عَلَى عُلُوج أَيْضًا. يُنظر:"النهاية"(3/ 286).
قَالَ: مَنْ نُشَاوِرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: شَاوِرُوا الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، وسَرَاةَ مَنْ هُنَا مِنَ الأَجْنَادِ.
ثُمَّ دَعَا بِشَرْبَةٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ، فَخَرَجَ بَيَاضُ اللَّبَنِ مِنَ الْجُرْحَيْنِ، فَعَرَفَ أَنَّهُ الْمَوْتُ.
فَقَالَ: الآنَ لَوْ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا كُلَّهَا لافْتَدَيتُ بِهَا مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ، وَمَا ذَاكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِنْ أَكُونُ رَأَيْتُ إلا خَيْرًا.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَإنْ قُلْتَ ذَلِكَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، أَلَيْسَ قَدْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعِزَّ اللَّهُ بِكَ الدِّينَ وَالْمُسْلِمِينَ إِذْ يَخَافُونَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا أَسْلَمْتَ كَانَ إسْلامُكَ عِزًّا، وَظَهَرَ بِكَ الإِسْلامُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَهَاجَرْتَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانَتْ هِجْرَتُكَ فَتْحًا، ثُمَّ لَمْ تَغِبْ عَنْ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ يَوْمِ كَذَا وَيَوْمِ كَذَا، ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، فَوَازَرْتَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَضَرَبْتِ مَنْ أَدْبَرَ بِمَنْ أَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ النَّاسُ فِي الإِسْلامِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، ثُمَّ قُبِضَ الْخَلِيفَةُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ وُلِّيتَ بِخَيْرِ مَا وُلِّيَ النَّاسُ، مَصَّرَ اللَّهُ بِكَ الأَمْصَارَ، وَجَبَى بِكَ الأَمْوَالَ، وَنَفَى بِكَ الْعَدُوَّ، وَأَدْخَلَ اللَّهُ بِكَ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ تَوَسُّعِهِمْ فِي دِينِهِمْ، وتَوَسُّعِهِمْ فِي أَرْزَاقِهِمْ، ثُمَّ خَتَمَ لَكَ بِالشَّهَادَةِ، فَهَنِيئًا لَكَ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ الْمغرورَ مَنْ تَغُرُّونَهُ. ثُمَّ قَالَ: أَتَشْهَدُ لِي يَا عَبْدَ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَلْصِقْ خَدِّي بِالأَرْضِ يَا عَبْدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ فَوَضَعْتُهُ مِنْ فَخِذِي عَلَى سَاقِي.
فَقَالَ: أَلْصِقْ خَدِّي بِالأَرْضِ، فَتَرَكَ لِحْيَتَهُ وَخَدَّهُ حَتَّى وَقَعَ بِالأَرْضِ.
فَقَالَ: وَيْلَكَ وَوَيْلَ أُمِّكَ [يَا]
(1)
عُمَرُ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَكَ؛ ثُمَّ قُبِضَ رحمه الله.
فَلَمَّا قُبِضَ أَرْسَلُوا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: لا آتِيكُمْ [إِنْ](1) لَمْ تَفْعَلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ مُشَاوَرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وسَرَاةِ مَنْ هَا هُنَا مِنَ الأَجْنَادِ.
قَالَ الْحَسَنُ - وَذُكِرَ لَهُ فِعْلُ عُمَرَ عِنْدَ مَوْتِهِ وخَشْيَتِهِ مِنْ رَبِّهِ -، فَقَالَ: هَكَذَا الْمُؤْمِنُ جَمَعَ إِحْسَانًا
(2)
وَشَفَقَةً، وَالْمُنَافِقُ
(3)
جَمَعَ إساءةً وَغِرَّةً، وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ فِيمَا مَضَى ولا فِيمَا بَقِيَ عَبْدًا ازْدَادَ إِحْسَانًا إلا ازْدَادَ مَخَافَةً
(1)
ما بين المعقوفتين ليس بالأصل.
(2)
في الأصل "إحسانٌ".
(3)
في الأصل "المنافع".
وَشَفَقَةً مِنْهُ، ولا وَجَدْتُ فِيمَا مَضَى، ولا فِيمَا بَقِيَ عَبْدًا ازْدَادَ إساءةً إلا ازْدَادَ غِرَّةٍ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ إلا مُبَارَكُ بن فَضَالَةَ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(10623)، قال: حدَّثنا أحمد بن القَاسِمِ بن مُسَاوِرٍ الجَوْهَرِيُّ، ومحمَّد بنُ الفَضْلِ السَّقَطِيُّ، قالا: ثنا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ الوَاسِطِيُّ، بسنده، مُختصرًا بذكر قول ابن عبَّاس لعُمرٍ رضي الله عنه، مِنْ قوله:"جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا"، إلى قوله:"ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ".
• وأخرجه أبو موسى المديني في "اللطائف من دقائق المعارف في علوم الحفاظ الأعارف"(15)، قال: أخبرنا أبو علي الحداد، ثنا أبو نعيم الحافظ، ثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن القاسم بن مساور، ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، به. وقال أبو موسى: قال الطبراني: لم يروه عن عبيد الله إلا مبارك، وعنى الطبراني بذلك إدخال ابن عباس في الحديث، ورواه غيره عن عبيد الله، فجعله من مسند ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أعني الدعاء لعمر رضي الله عنه، وهو عال من حديث مبارك بن فضالة، وعداده في التابعين.
• وابن أبي عاصم في "السنة"(1263)، ثنا الحَسَنُ بن عَلِيٍّ، حدَّثنا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ، بسنده، مُختصرًا بذكر قول ابن عبَّاس لعُمرٍ رضي الله عنه، مِنْ قوله:"جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا"، إلى قوله:"ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ".
• وابن الأعرابي في "معجمه"(275) - ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(44/ 26) -، والحاكم في "المستدرك"(4484)، عن محمَّد بن غَالِبٍ، نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اللَّهُمَّ أَعِزَّ الدِّينَ بِعُمَرَ» . وعند الحاكم بلفظ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرَ» ، وقال الحاكم: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وقال الذهبي: صحيحٌ.
• وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(93)، قال: حدَّثنا الحَسَنُ بن البَزَّارِ، نا شَبَابَةُ بن سَوَّارٍ، عن مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، به، مُخْتصرًا مثل رواية الطبراني في "المعجم الكبير".
• وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(44/ 441 - 442)، مِنْ طريق شبابة بن سَوَّار، عن مبارك بن فضالة، به، مُطولًا بمثل رواية الباب في "الأوسط".
• وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(34494)، وابن حبَّان في "صحيحه"(6891)، والحاكم في "المستدرك"(4515)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(4872)، وفي "إثبات عذاب القبر"(221)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(44/ 442)، مِنْ طُرُقٍ عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبيّ، عن ابن عبَّاس، مُخْتصرًا.
• والبخاري في "صحيحه"(3692) ك/المناقب، ب/مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، عَنِ المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ، قال: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ، لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ
صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ، قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الأَرْضِ ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عز وجل، قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(3684) ك/المناقب، ب/مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَازِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) سَعِيدُ بن سُلَيْمان الضَّبِّيُّ، أبو عُثْمَان الواسطيُّ:"ثِقَةٌ مأمونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (103).
3) مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، أَبُو فَضَالَةَ الْقُرَشِيُّ، الْعَدَوِيُّ، الْبَصْرِيُّ.
روى عن: الحسن البصريّ، وعُبيد الله بن عُمر، وثابت البُنانيّ، وحُميد الطويل، وآخرين.
روى عنه: سَعيد بن سُليمان، وعبد الله بن المبارك، ووكيعٌ بن الجَرَّاح، وآخرون.
حاله: قال عَفَّان، وابن معين: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ما روى عن الحسن يُحتجُّ به. وَقَالَ مُبَارَكٌ: جَالَسْتُ الْحَسَنَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً. وقال العِجْليُّ: لا بأس به. وقال البزار: ليس به بأس. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة. وقال الذهبي: حسن الحديث، ومن أوعية العلم. وَقَال ابن حجر: صَدُوقٌ يُدَلِّس ويُسَوي. واستشهد به البخاري في "الصحيح"، وروى له في "الأدب"، ولم يَذْكُرْهُ البُخاريُّ في كتاب "الضُّعَفَاءِ". وروى له أبو داود، والتِّرْمِذِيّ، وابن ماجه.
- وقال ابن معين، والنَّسائيُّ: ضَعيفٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: كان يُخطئ. وفي "المشاهير": ردئ الحفظ. وقال الدَّارقُطنيّ: لَيِّنٌ، كثير الخطأ، يُعتبر به.
- وقال عليّ بن المديني: عنده أحاديث مناكير عن عُبَيْد الله وغيره.
- وقال أحمد: كان المبارك يُدَلِّس. وقال ابن مهدي: كنًّا نَتَّبِع مِنْ حديثه ما قال فيه حدَّثنا الحسن. وقال أبو زُرعة: يُدَلِّس كثيرًا، فإذا قال: حدَّثنا فهو ثِقَةٌ. وقال أبو دَاوُد: كان شديد التَدْلِيس، فإذا قال: حدَّثنا فهو ثَبْتٌ. وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة مِنْ مراتب الموصوفين بالتدليس.
- فالحاصل: أنَّه "صَدُوقٌ، يُدَلِّسُ"، والله أعلم.
(1)
4) عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَبُو عُثْمَانَ الْعَدَوِيُّ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ.
روى عن: نافع مولى ابن عُمر، وسالم بن عبد الله بن عُمر، وثابت البُنَانيّ، وآخرين.
روى عنه: مُبَارك بن فَضَالة، وعبد الله بن المبارك، والليث بن سعد، والنَّاس.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعجليّ 2/ 263، "الجرح والتعديل" 8/ 338، "الثقات" 7/ 501، "الكامل" 8/ 26، "تاريخ بغداد" 15/ 279، "التهذيب" 27/ 180، "السير" 7/ 284، "طبقات المدلسين"(ص/43)، "التقريب" (6464). وقد أطال د/ حاتم بن عارف العوني في ترجمته في كتابه:"المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس"(ص/342 - 365)، وبَيَّن أنَّه:"صَدُوقٌ يُدَلِّس"، فلا بد أن يُصَرِّح بالسَّمَاع، إلا إذا روى عن الحسن البصري، فإذا عنعن عنه فحديثه حسَنٌ، وإذا صَرَّح بالسَّماع منه فحديثه صحيحٌ؛ لطول ملازمته للحسن البصري، فقد لازمه ثلاث عشرة سنة، ولم يصح وصفه بالتسويه، ولم يصفه بذلك إلا الحافظ ابن حجر.
حاله: قال أبو زرعة، وأبو حاتم: ثِقَةٌ. وقال ابن معين، والعِجْليُّ، والنَّسائيّ، وابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال ابن حبَّان: مِنْ سَادَات أهل الْمَدِينَة، وأشراف قُرَيْشٍ فضلًا وعلمًا وحفظًا وإتقانًا. وروى له الجماعة.
(1)
5) نَافع مولى ابن عُمر: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقيهٌ، مَشْهورٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (29).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "حَسَنٌ"؛ لأجل مُبارك بن فَضَالة، والله أعلم.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده حسن.
(2)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن عُبَيْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ إلا مُبَارَكُ بن فَضَالَةَ.
مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، والله أعلم.
* * *
(1)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 2/ 113، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 149، "تهذيب الكمال" 19/ 124، "التقريب"(4324).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(9/ 76).
[180/ 580]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخُو أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي هَارُونَ العَبْدِيِّ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«التَّسْبِيحُ في الصَّلاةِ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» .
هذا الحديث مَدَاره على الأَعْمش، واختُلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: الأَعْمَش، عن أبي هارون العَبْديّ، عن أبي سَعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الأَعْمَش، عن أبي صالحٍ ذكوان السمَّان، عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الأَعْمَش، عن إبراهيم النَّخعيّ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
الأَعْمَش، عن أبي هارون العَبْديّ، عن أبي سَعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - عن الأَعْمَش، بهذا الوجه إلا برواية الباب.
• وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة - كما في "المطالب العالية"(560) -، قال حدَّثنا مالك بن إسماعيل النَّهديّ، ثنا جَعْفر بن زياد الأحمر؛ والطبرانيُّ في "مُسْنَد الشَّاميين"(401)، مِنْ طريق إِسْمَاعِيل بن عَيَّاشٍ، عن بُرْدِ بن سِنَانٍ الشَّاميّ؛ وابن عدي في "الكامل"(6/ 148)، مِنْ طريق حمَّاد بن زيد.
ثلاثتهم (جَعفر، وبُرْدٍ، وحَمَّاد) عن أبي هَارُونَ العَبْديّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه، به، دون قوله:"في الصَّلاةِ ".
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) محمد بن إبراهيم، أبو بكر القَطِيْعِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
3) عبد الله بن عبد القُدّوس التّميميُّ السَّعديّ الرّازيُّ.
روى عن: جابر الجعفي، وسُلَيْمان الأعمش، وعبد الملك بن عُمَير، وآخرين.
روى عنه: محمد بن إبراهيم بن مَعْمَر، محمد بن حُميد الرازيُّ، ويحيى بن المغيرة الرازيُّ، وآخرون.
حاله: قال البخاريُّ: في الأصل صدوقٌ، إلا إنَّه يَروي عن أقوام ضِعَافٌ. وقال أيضًا: مُقَاربُ الحَدِيثِ. وقال ابن حبَّان: رُبَّما أَغْرَب. وقال محمد بن عيسى الطَّبَّاع: ثِقَةٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ رُمي بالرفض، وكان يُخطئ. واستشهد به البخاريُّ. وقال ابن معين: ليس بشيء، رافضيٌّ خبيثٌ. وقال أبو داود، والنَّسائيُّ، والدَّارقُطني: ضَعيفُ الحديث. وقال النَّسائي أيضًا: ليس بثِقَةً. وقال أبو أحمد الحاكم: في حديثه بعض المناكير. وقال الذهبي: كُوفيٌّ رافضِيٌّ.
(1)
(1)
يُنظر: "العلل الكبير" للترمذي (ص/326)، "الضعفاء والمتروكون" للنَّسائي (ص/145)، "الجرح والتعديل" 5/ 104، "الثقات" 7/ 48، "الكامل" 5/ 330، "التهذيب" 15/ 242، "الميزان" 2/ 457، "التقريب"(3446).
4) سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الأَعْمَشُ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، لكنَّه يُدلس، فيُتوقف في عنعنته، إلا في شيوخه الذين أكثر الرواية عنهم، أو كان الراوي عنه شُعبة، أو حفص بن غياثٍ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (129).
5) عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ، أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ.
روى عن: ابن عُمَر، وأبي سَعِيد الخُدْرِيّ رضي الله عنهم. روى عنه: الأعمش، والحمَّادان، والثوريُّ، وآخرون.
حاله: قال حمَّاد بن زيد، والجُوزَجَانِيُّ: كَذَّابٌ. وقال أحمد، والنَّسائيُّ، والذهبي: متروك الحديث. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة: ضَعيفُ الحديث. وقال ابن حبَّان: رافضيٌّ، يَروي عن أبي سعيدٍ ما ليس مِنْ حديثه، لا يَحِلُ كتابة حديثه إلا على جهة التَّعجب. وقال ابن حجر: مَتْرُوكٌ، ومِنْهم مَنْ كَذَّبه، شِيعِيٌّ.
(1)
6) أبو سعيد الخُدْري رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكْثِرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (19).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
الأَعْمَش، عن أبي صالحٍ ذِكْوَان السمَّان، عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الطَّيالسيّ في "مُسْنَدِه"(2521)، وأحمد في "مُسْنَده"(10213)، عن شُعْبَة؛ وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(4070)، عَنِ الثَّوْرِيِّ؛ وأحمد في "مُسْنَدِه"(7550)، وأبو عوانة في "المُسْتَخْرَج"(1974)، وابن المُنْذر في "الأوسط في السنن"(1576)، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(1759)، وفي "شرح المعاني"(2600)، وفي "أحكام القرآن"(404)، وأبو نُعيم في "الحلية"(9/ 252)، عن يَعْلَى بن عُبَيد الطَّنَافسيّ؛ وأحمد في "مُسْنَدِه"(9681)، عن مُحَمَّد بن عُبَيْدٍ الطَّنَافسيُّ؛ ومسلمٌ في "صحيحه"(422/ 2) ك/الصلاة، ب/تَسْبِيحِ الرَّجُلِ وَتَصْفِيقِ الْمَرْأَةِ إِذَا نَابَهُمَا شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(548) ك/الصلاة، ب/التَّسْبِيحُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ النَّائِبَةِ، وبرقم (1133) ك/الصلاة، ب/التَّسْبِيحُ فِي الصَّلَاةِ، وفي "الصغرى"(1209/ 1)، عن الفُضَيْل بن عِيَاضٍ؛ ومسلمٌ في "صحيحه"(422/ 2) ك/الصلاة، ب/تَسْبِيحِ الرَّجُلِ وَتَصْفِيقِ الْمَرْأَةِ، والترمذي في "سننه"(369) ك/الصلاة، ب/ما جَاءَ أَنَّ التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ، والبَزَّار في "مُسْنَدِه"(9161)، وأبو عوانة في "المُسْتَخْرَج"(1974)، والبيهقي في "الكبرى"(3336)، عن أبي مُعَاوِيَةَ محمد بن خازم الضرير؛ ومسلمٌ في "صحيحه"(422/ 2) ك/الصلاة، ب/تَسْبِيحِ الرَّجُلِ وَتَصْفِيقِ الْمَرْأَةِ، عن عِيسَى بن يُونُسَ، والنَّسائي في "الصغرى"(1209/ 2)، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "حديثه"(761)، عن عَبْد اللَّهِ بن المبارك، وأبو العبَّاس السَّرَّاج في "حديثه"(760)، مِنْ طريق جرير بن عبد الحميد.
تسعتهم عن الأَعْمَشِ، قال: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ أبا صَالِحٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» . وزاد عند أبي داود الطيالسيّ، والنَّسائيّ "في الصَّلاةِ ". وقال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(1)
يُنظر: "الضعفاء والمتروكون" للنَّسائيّ (ص/192)، "الجرح والتعديل" 6/ 363، "المجروحين" 2/ 177، "التهذيب" 21/ 232، "الكاشف" 2/ 53، "الميزان" 3/ 173، "تهذيب التهذيب" 7/ 413، "التقريب"(4840).
ثالثًا: - الوجه الثالث:
الأَعْمَش، عن إبراهيم النَّخعيّ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة الأسدي، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
• أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(8/ 664)، مِنْ طريق عَلِيّ بن عُمَرَ الدَّارقُطني، قال: حدَّثنا الحُسَيْنُ بن محمد بن الحُسَيْنِ الدَّبَّاغُ مِنْ أَصْلِهِ، قال: حدَّثنا الحُسَيْنُ الدَّبَّاغُ، قال: حدَّثنا عُبَيْدَةُ بن حُمَيْدٍ، قال: حدَّثنا الأَعْمَشُ، به. قال الدَّارقُطنيّ: كذا كتبناه من أصله، وما سمعناه بهذا الإسناد إِلا منه.
رابعًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على الأَعْمش، واختُلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: الأَعْمَش، عن أبي هارون العَبْديّ، عن أبي سَعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: الأَعْمَش، عن أبي صالحٍ ذكوان السمَّان، عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه.
الوجه الثالث: الأَعْمَش، عن إبراهيم النَّخعيّ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية، والأحفظية: فرواة الوجه الثاني أكثر وأحفظ مِنْ رواة الأوجه الأخرى.
2) الوجه الأول انفرد به عبد الله بن عبد القُدُّوس، مع مخالفته لما رواه الأَثْبَات عن الأعمش.
(1)
3) إخراج الإمام مُسْلم للوجه الثاني في "صحيحه".
خامسًا: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبرانيّ:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "مُنْكرٌ"؛ لضعف راويه، مع المخالفة.
وقد جاء الحديث مِنْ طُرُقٍ أخرى، غير طريق الأعمش - كما سبق في التخريج -، ومَدَارها على أبي هارون العبدي، وهو "متروك الحديث"؛ فالحديث لم يَثبت ولم يَصِحّ عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ رضي الله عنه.
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح "صحيحٌ لذاته"، فقد أخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه".
* * *
(1)
لقد بَيَّن فضيلة الدكتور/عبد السَّلام أبو سَمْحَة في رسالته - العالمية - والتي بعنوان "معرفة أصحاب الرواة وأثرها في التعليل دراسة نظرية وتطبيقية في علل أصحاب الأعمش"(1/ 411): أنَّ عبد الله بن عبد القدوس هذا قد روى عن الأعمش سبعة عشر حديثًا، المعلول منها ثلاثة عشر حديثًا - وذكر رواية الباب منها، ولم يُوافق إلا في أربعة أحاديث فقط.
[181/ 581]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ الْمُهَلَّبِيُّ
(1)
، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ.
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي.
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ إلا خَالِدُ بن خِدَاشٍ.
هذا الحديث قد اختُلف فيه على حمَّاد بن زيد، ومحمد بن سيرين، ويوسف بن مَاهَك، كالآتي:
فاختُلف فيه على حمَّاد بن زيد مِنْ وجهين:
الوجه الأول: حمَّاد بن زيد، عن يحيى بن عتيق، عن محمد بن سيرين، عن أيوب السِّخْتِيَانيّ، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: حَمَّاد بن زيد، عن أيوب السِّختيانيّ، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.
واختُلف فيه على محمد بن سيرين مِنْ وجهين:
الوجه الأول: محمد بن سيرين، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.
الوجه الثاني: محمد بن سيرين، عن أيوب، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.
واختُلف فيه على يُوسف بن مَاهَك، مِنْ وجهين:
الوجه الأول: يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حِزامٍ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عِصْمة، عن حكيمٍ بن حِزَام رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
· ذكر الاختلاف فيه على حَمَّاد بن زيد:
أولاً: - الوجه الأول:
حمَّاد بن زيد، عن يحيى بن عتيق، عن محمد بن سيرين، عن أيوب السِّخْتِيَانيّ، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه المزي في "تهذيب الكمال"(8/ 50) - في ترجمة خالد بن خِدَاش -، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"(6/ 26)، مِنْ طريق الطبراني، عن أحمد بن خُليد، به.
• والطبراني في "الكبير"(3101) - ومِنْ طريقه أبو موسى المديني في "اللطائف"(510 و 650) -،
(1)
المُهَلَّبِيُّ: بضم الميم، وفتح الهاء، وتشديد اللام، وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة، هذه النسبة إلى أبى سعيد المهلب بن أبى صُفْرَة الأزديّ، نُسب إليها كثيرٌ مِنْ العلماء نِسْبَةً وَوَلاءً، منهم: أبو الهيثم خالد بن خِدَاش بن عجلان المُهَلَّبِيّ، مولى آل المُهَلَّب بن أبى صُفْرَة. يُنظر:"الأنساب"(11/ 541 وما بعدها)، "اللباب"(3/ 275).
قال: حَدَّثَنَا أحمد بن القاسم بن مُسَاوِرٍ الجَوهريُّ، والحسنُ بن عَلِيٍّ الفَسَوِيُّ؛ والنَّسائي في "الكبرى"(11679)، ك/الشروط، عن الحسن بن إسحاق المَرْوَزِيّ؛ والطبراني في "الأوسط"(5143)، وفي "الصغير"(770)، قال: حدَّثنا محمد بن عَلِيِّ بن شُعَيْبٍ السِّمْسَارُ؛ وأبو الشيخ الأصبهاني في "ذكر الأقران وروايتهم عن بعضهم بعضا"(123)، مِنْ طريق إبراهيم بن عُبيد الجَوهريّ، وإبراهيم بن راشد؛ وتَمَّام بن محمد في "فوائده"(الروض/678)، مِنْ طريق أبي عَمرو عُثْمان بن عبد الله بن محمد خُرَّزاذ؛ وأبو نُعيم في "الحلية"(6/ 264) - ومِنْ طريقه أبو موسى المديني في "اللطائف"(510) -، مِنْ طريق الحسن بن عليّ بن الوليد الفسويّ؛ وأبو موسى المديني في "اللطائف"(511 و 651)، مِنْ طريق زكريا بن يحيى المكفوف.
كلهم (أحمد بن القاسم، والفسوي، والمروزيّ، والسِّمْسَار، وإبراهيم الجوهري، وإبراهيم بن راشد، وأبو عَمرو خَرَّزاذ، والمكفوف) عن خالد بن خِدَاشٍ، عن حَمَّاد بن زيد، به.
وعند النَّسائيّ، وأبي نُعيم: قال حمَّادُ بن زيد: حدَّثَنِيهِ أَيُّوبُ، عن يُوسُفَ، عن حَكِيمٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
وقال الطبرانيُّ: لم يَرْوِ هذا الحديث عن يَحْيَى بن عَتِيقٍ إلا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: خَالِدُ بن خِدَاشٍ.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبرانيّ):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) خالد بن خِدَاش بن عَجْلان الأَزْدِيُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (108).
3) حَمَّاد بن زَيد الأَزْدِيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ، مِنْ أثبت النَّاس في أيوب"، تَقَدَّم في الحديث رقم (108).
4) يحيى بن عَتِيق الطُّفَاويُّ، البَصْرِيُّ.
روى عن: محمد بن سيرين، والحسن البصريّ، ومُجاهد بن جبر، وآخرين.
روى عنه: الحَمَّادان، وهَمَّام بن يحيى، وإسماعيل بن عُلَيَّة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وأبو حاتم، والنَّسائيُّ، والذهبيُّ، وابن حجر: ثِقَةٌ.
(1)
5) مُحَمَّد بن سيرين: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ عابدٌ، كبير القدر، كان لا يَرى الرواية بالمعنى"، تَقَدَّم في رقم (131).
6) أَيُّوب بن أَبي تَمِيْمَة السَّخْتِيَانيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (140).
7) يوسف بن مَاهَكَ الفارسيُّ، مولى المَكِّيّين.
روى عن: حكيم بن حِزَام، وعبد الله بن عِصْمة، وعبد الله بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: أيوب السَّخْتِيَانيُّ، وأبو بِشْر جعفر بن أبي وحشية، ويعلى بن حكيم، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والنَّسائيُّ، والذهبيُّ، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال ابن خِرَاش: ثِقَةٌ عَدْلٌ. روى له الجماعة. ومات سنة (106 هـ). وقال العلائيُّ: يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام: قال الإمام أحمد: مُرْسَلٌ. قلت (العلائيُّ): أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، والأصح ما قال الإمام أحمد، بينهما عبد الله بن عصمة.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 176، "الثقات" 7/ 594، "التهذيب" 31/ 456، "الكاشف" 2/ 371، "التقريب"(7603).
وقال البخاري - في ترجمة عبد الله بن عِصْمة -: سَمِعَ حَكِيم بن حِزام، سَمِعَ منه يُوسف بن مَاهَك.
(1)
8) حَكِيمُ بن حِزَام بن خُوَيْلِدِ بن أَسَدِ بن عَبْدِ العُزَّى القُرَشِيُّ أَبُو خالد، وعمته خديجة رضي الله عنها.
روى عن: النَّبيّ صلى الله عليه وسلم. روى عنه: يُوسفُ بن مَاهَك، وعبد الله بن عِصْمَة، وعُروة بن الزُّبَيْر، وآخرون.
كان مِنْ مَسْلَمَة الفتح، ومِنْ أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، ومِنْ المُؤَلَّفة قلوبهم، أعطاه الرَسُول صلى الله عليه وسلم يَوْم حنين مائة بعير، ثم حسن إسلامه، ومات سنة أربعٍ وخمسين أو بعدها.
(2)
ثانيًا: - الوجه الثاني:
حَمَّاد بن زيد، عن أيوب، عن يوسف بن مَاهَك، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الترمذي في "سننه"(1233) ك/البيوع، ب/ما جاء في كَرَاهِيَةِ بَيْعِ ما لَيْسَ عِنْدَكَ، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(11678) ك/الشروط، كلاهما (الترمذيّ، والنَّسائيُّ) عن قُتَيْبَة بن سعيد؛ والطبراني في "الكبير"(3100) - ومِنْ طريقه أبو موسى المديني في "اللطائف مِنْ دقائق المعارف"(652) -، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10421)، كلاهما (الطبرانيّ، والبيهقيّ) مِنْ طريق سُليمان بن حرب؛ والطبرانيُّ في "الكبير"(3103)، مِنْ طريق الحَجَّاج بن المِنْهَال؛ وأبو الفضل الزُّهري في "حديثه"(616)، مِنْ طريق شِهَاب بن عَبَّاد؛ والخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق"(848)، مِنْ طريق إسماعيل بن مَسْلمة بن قعنب الحارثيّ.
خمستهم (قُتَيْبة، وسُلَيْمان، والحَجَّاج، وشِهَاب، وإسماعيل)، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ، عن يُوسُفَ بن مَاهَكَ، عن حَكِيمِ بن حِزَامٍ رضي الله عنه، قال:«نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي» . وبزيادة عند بعضهم.
وقال الترمذي: حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، رَوَى أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَأَبُو بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَرَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَوْفٌ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، إِنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ.
وقال أبو موسى المديني: وربما يظن من لا خبرة له بالحديث أن حمَّاد أرسله عن أيوب أو دلسه عنه، ولا يُعرف أن حماداً من أهل التدليس، فبين سماع حمَّاد لهذا عن أيوب بما زاده أبو نُعيم، قال: قال حماد: وحدثني أيوب، عن يوسف، عن حكيم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله. ثُمَّ قال أبو موسى: ولقد كانوا يتسمعون الحديث نازلاً أولاً ثُمَّ يهتدون بعد ذلك إلى سماعه عالياً، فلا يدعون رواية النازل أصلاً بل كانوا يَرْوُونَهُ مَرَّة نازلاً ومَرَّة عالياً؛ قضاء لحق كل واحد من الشيخين، ومعرفة لحق من أسمعه أولاً ذلك الحديث، وهذا هو حق العلم.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد الترمذي):
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 5/ 158، "الجرح والتعديل" 5/ 126 و 9/ 229، "تاريخ دمشق" 74/ 257، "التهذيب" 32/ 451، "الكاشف" 2/ 400،"جامع التحصيل"(ص/305)، "التقريب"(7878).
(2)
يُنظر: "الاستيعاب" 1/ 362، "أسد الغابة" 2/ 58، "التهذيب" 7/ 170، "الإصابة" 2/ 605.
1) قُتَيْبَةُ بن سعيد بن جَميل التَّقَفِيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ".
(1)
2) حَمَّاد بن زَيد الأَزْدِيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ، مِنْ أثبت النَّاس في أيوب"، تَقَدَّم في الحديث رقم (108).
3) أَيُّوب بن أَبي تَمِيْمَة السَّخْتِيَانيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (140).
4) يوسف بن مَاهَكَ الفارسيُّ، مولى المَكِّيّين:"ثِقَةٌ عَدْلٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
5) حَكِيمُ بن حِزَام بن خُوَيْلِدِ بن أَسَدِ بن عَبْدِ العُزَّى القُرَشِيُّ: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
قلتُ: وعليه فالذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الحديث محفوظٌ بالوجهين عن حَمَّاد بن زيد، وأنَّه سَمِعَه مَرَّة مِنْ يحيى بن عَتيق، ومَرَّةً مِنْ أيوب السّختِيَانيّ، فرواه مَرَّة عن هذا ومَرَّة عن ذاك، بدليل ما ثبت عند النَّسائي وأبي نُعيم - كما سبق في الوجه الأول -: قال حمَّادُ بن زيد - بعد أن رواه عن يحيى بن عتيق -: حدَّثَنِيهِ أَيُّوبُ، عن يُوسُفَ، عن حَكِيمٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. وهو عين ما ذهب إليه الإمام أبو موسى المدينيّ.
· ذكر الاختلاف فيه على محمد بن سيرين:
أولاً: - الوجه الأول:
محمد بن سيرين، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه النَّسائي في "الكبرى"(11681) ك/الشروط، عن عِمْرَانَ بن يَزِيدَ، عن مَرْوَانَ الفَزَارِيِّ؛ والطبرانيُّ في "الكبير"(3137)، مِنْ طريق هوذة بن خليفة؛ كلاهما عن عَوْف بن أبي جميلة.
- والطبراني في "الأوسط"(2466)، وفي "الكبير"(3139)، بإسنادٍ حسنٍ عن عبد الله بن عَوْنٍ المُزنيّ.
- والطبراني في "الأوسط"(6011)، بسندٍ صحيحٍ عن أبي كَعْب عبد ربه بن عُبَيْد - صَاحِب الحَرِيرِ -.
- والطبراني في "الكبير"(3140)، مِنْ طريقين عن الرَّبِيع بن صُبَيْحٍ.
- والطبراني في "الكبير"(3141)، مِنْ طريق أبي هِلَال محمد بن سليم الراسبيّ.
- الطبراني في "الكبير"(3143)، بإسنادٍ صحيحٍ مِنْ طريق خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ.
ستتهم (عوف، وابن عون، وأبو كعب، والرَّبيع، والراسبيّ، وخالد)، عن ابن سيرين، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، بنحوه. وقال الترمذي: وَرَوَاه عَوْفٌ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ ابن سِيرِينَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، إِنَّمَا رَوَاهُ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه.
(2)
ثانيًا: - الوجه الثاني:
ابن سيرين، عن أيوب، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الترمذي في "سننه"(1235) ك/البيوع، ب/مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، قال: حدَّثنا الحسن بن عليّ الخَلَّال، وعَبْدَةُ بن عبد الله الخُزاعيّ البَصْريّ أبو سَهْلٍ، وغير واحدٍ، قالوا: حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ
(1)
يُنظر: "التقريب"(5522).
(2)
يُنظر: "السنن" للترمذي عقب الحديث رقم (1233).
ابن عَبْدِ الوَارِثِ؛ وابن الأعرابي في "معجمه"(869)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى"(10855/ 2)، كلاهما (ابن الأعرابي، والبيهقيّ)، مِنْ طريق أبي سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكيّ؛ كلاهما (عبد الصمد، والتَّبُوذَكيُّ) عن يَزِيدَ بن إِبْرَاهِيمَ، عن ابن سِيرِينَ، عن أَيُّوبَ، عَنْ يُوسُفَ بن مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بن حِزَامٍ رضي الله عنه، قَالَ:«نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي» . ولفظ أبو سلمة التبوذكيّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» .
وقال الترمذي: وَرَوَى وَكِيعٌ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَصَحُّ، وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: كَرِهُوا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ.
· ذكر الاختلاف فيه على يُوسف بن مَاهَك:
أولًا: - الوجه الأول:
يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حِزامٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الطيالسي في "مسنده"(1456) - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(10422) -، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(20499)، وأحمد في "مسنده"(15311 و 15573 و 15312 و 15315) - ومِنْ طريقه الخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(1/ 348) -، وابن ماجه في "سننه"(2187) ك/التجارات، ب/النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وأبو داود في "سننه"(3503)، ك/البيوع، ب/في الرَّجُلِ يَبِيعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، والترمذي في "سننه"(1232) ك/البيوع، ب/مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ - ومِنْ طريقه ابن الأثير في "أسد الغابة"(2/ 58) -، والنسائي في "الكبرى"(6162) ك/البيوع، ب/بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وفي "الصغرى"(4613)، والطبرانيُّ في "الكبير"(3097 و 3098 و 3099)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى"(10705)، مِنْ طُرُقٍ عن أبي بشر جَعْفَر بن إِيَاسَ.
• وأحمد في "مسنده"(15313)، قال: حدَّثنا إِسْمَاعِيلُ بن إِبْرَاهِيمَ - المعروف بابن عُليَّة -؛ والطبرانيُّ في "الكبير"(3104)، بسندٍ صحيحٍ مِنْ طريق وُهَيب بن خالد الباهليّ؛ والطبرانيُّ في "الكبير"(3105)، بسندٍ صحيحٍ مِنْ طريق عبد الوارث بن سعيد العَنْبَريّ؛ والبيهقيُّ في "معرفة السنن والآثار"(10953)، مِنْ طريق الشافعيّ قال: أخبرنا الثِّقَةُ؛ ورواه حَمَّاد بن زيد - كما سبق تخريجه عند ذكر الخلاف عليه -، وكذلك محمد بن سيرين - كما سبق تخريجه عند ذكر الخلاف عليه -.
جميعهم (ابن عُلَيَّة، وَوُهَيب، وعبد الوارث، وشيخ الشافعي، وحَمَّاد، وابن سيرين)، عن أَيُّوب السِّختيانيّ.
كلاهما (أبو بِشْر جعفر بن إياس، وأيوب السَّخْتِيَانِيّ)، عن يُوسُفَ بن مَاهَكَ، عن حَكِيمِ بن حِزَامٍ، به.
ثانيًا: - الوجه الثاني:
يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عِصْمة، عن حكيمٍ بن حِزَام رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني: رواه يحيى بن أبي كثيرٍ، واختُلف عنه:
• فأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(1415) - ومِنْ طريقه الخطيب في "تالي تلخيص المتشابه
في الرسم" (320) -، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10684)، مِنْ طريق هِشَام الدَّستوائيّ - بإحدى الروايات عنه -؛ وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف" (14214)، قال: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بن رَاشِدٍ، أو غَيْرُهُ؛ وابن معين في "معرفة الرجال" (2/ 186/615) - برواية ابن محرز -، قال: سمعت على بن المدينيّ، يقول: حدَّثني حبَّان بن هلال، قال: حدَّثنا همَّام بن يحيى - بإحدى الروايات عنه -؛ والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (13/ 375)، مِنْ طريق عَلِيّ بن رَاشِدٍ المُخَرِّمِيّ، قال: حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بن عَبْدِ الوَارِثِ، قال: حدَّثنا حَرْب بن شدَّاد؛ أربعتهم (هشام، وعُمر، وهَمَّام، وحَرْب)، عن يحيى بن أبي كَثِيرٍ، عن يُوسُفَ بن مَاهَكَ، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عِصْمَةَ، عن حَكِيمِ بن حِزَامٍ، بنحوه.
وفي "تاريخ بغداد"، قال يحيى بن أبي كثير: حدَّثنا يوسف بن ماهك. وعند الباقين بالعنعنة.
قلتُ: وإسناد الخطيب البغداديّ فيه: علىّ بن راشد المُخَرِّميّ "مجهول الحال"، وخالف جميع الرواة عن يحيى بن أبي كثير، فرواه مع التَّصريح بالتَّحديث، والباقون رووه بالعنعنة، والله أعلم.
وقال البيهقيُّ: لم يَسْمَعْهُ يَحْيَى بن أبي كَثِيرٍ مِنْ يُوسُفَ إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ يُوسُفَ.
• بينما أخرجه النَّسائي في "الكبرى"(6163) ك/البيوع، ب/بَيْعُ ما لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وابن الجارود في "المنتقى"(602/ 2)، والطبرانيُّ في "الكبير"(3108)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى"(10685)، والمِزِّيُّ في "التهذيب"(15/ 310)، مِنْ طُرُقٍ عن شَيْبَانَ بن عبد الرحمن التَّميميّ.
- وابن الجارود في "المنتقى"(602/ 1)، مِنْ طريق هِشَام الدَّستوائيّ - بإحدى الروايات عنه -.
- وابن الجارود في "المنتقى"(602/ 3)، وابن حبَّان في "صحيحه"(4983)، والدَّارقُطني في "سننه"(2822)، مِنْ طريق حَبَّان بن هلال، قال: ثنا هَمَّامُ بن يحيى - بإحدى الروايات عنه -.
- والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(5645)، والدَّارقُطني في "سننه"(2820 و 2821)، مِنْ طريق أَبَانَ بن يَزِيدَ العَطَّار.
- والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(5646)، مِنْ طريق الوَلِيد بن مُسْلِمٍ، عن الأَوْزَاعِيِّ.
خمستهم (شَيْبَان، وهِشَام، وهَمَّام، وأبان، والأوزاعيّ)، عن يَحْيَى بن أبي كثير، عن يَعْلَى بن حَكِيمٍ، عن يُوسُفَ بن مَاهَكٍ، عن عَبْدِ اللهِ بن عِصْمَةَ، عن حَكِيمِ بن حِزَامٍ، بنحوه.
وقال ابن حبَّان: هَذَا الْخَبَرُ مَشْهُورٌ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ، وَهَذَا خَبَرٌ غَرِيبٌ. وقال البيهقيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ.
قلتُ: ولعلَّ هذا الاختلاف مِنْ يحيى بن أبي كثير، فإنَّه كان يُدَلِّسُ ويُرْسِلُ، فأوصله مَرَّة، وأرسله أخرى.
• ولم يَنْفَرد به يَعلى بن حكيم؛ فأخرجه الطبراني في "الكبير"(3107)، بإسنادٍ حسنٍ، عن عَامِر بن عبد الواحد الأَحْوَلِ، عن يُوسُفَ ابن مَاهَكَ، عن عَبْدِ اللهِ بن عِصْمَةَ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَبِيعُ بُيُوعًا كَثِيرَةً، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ:«لا تَبِيعَنَّ مَا لَمْ تَقْبِضْ» .
• وقال العلائي: يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام: قال الإمام أحمد: مُرْسَلٌ. قلت (العلائيُّ): أخرجه
ابن حبان في "صحيحه"، والأصح ما قال الإمام أحمد بينهما عبد الله بن عصمة.
(1)
• وقال ابن عبد الهادي: قال أبو محمَّد بن حزم: عبد الله بن عِصْمة مجهولٌ. وصحَّح الحديث من رواية يوسف نفسه عن حكيم، لأنَّه قد جاء التصريح بسماعه منه في هذا الحديث في بعض الروايات، والصحيح أنَّ بين يوسف وحكيم في هذا الحديث: عبد الله بن عصمة، وهو الجشميُّ، حجازيُّ، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات". وقال عبد الحق - بعد ذكره هذا الحديث -: عبد الله بن عصمة ضعيفٌ جدًّا. وتبعهُ على تضعيفه ابنُ القطَّان، وكلاهما مخطئ في ذلك، وقد اشتبه عليهما: عبد الله بن عصْمة هذا، بالنَّصيبيِّ، أو غيره ممن يسمَّى: عبد الله بن عِصْمة، والله أعلم.
(2)
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لانقطاعه، ففيه يُوسف بن مَاهَك لم يَسْمع مِنْ حكيم بن حِزام رضي الله عنه كما قال الإمام أحمد، ووافقه العلائي -، وإنَّما سَمِعَه مِنْ عبد الله بن عِصْمَة - كما وقع التصريح به في بعض الروايات، وهو ما أشار إليه البخاري في "التاريخ الكبير" -، والله أعلم.
والحديث أخرجه غير واحدٍ - كما سبق -، مِنْ طريق يعلى بن حكيم، وعامر بن عبد الواحد الأحول، كلاهما عن يُوسف بن مَاهَك، عن عبد الله بن عِصْمة، عن حكيمٍ بن حِزَام رضي الله عنه، بنحوه.
قلتُ: وفيه عبد الله بن عِصْمة الجُشَمِيُّ الحِجَازيُّ: ذكره البخاريُّ، وابن أبي حاتم ولم يَذكرا فيه جرحًا أو تعديلًا، وذكره ابن حبَّان في "الثِّقَات"، وقال: شيخٌ يَرْوِي عن حَكِيم بن حزَام، رَوَى عَنْهُ يُوسُف بن مَاهك. وأخرج له في "صحيحه". وقال الذهبيُّ في "الكاشف": ثِقَةٌ. وفي "الميزان": لا يُعرف. ونقل الحافظ ابن حجر عن شيخه العِرَاقيّ، أنَّه قال: لا أعلم أحدًا مِنْ أئمة الجرح والتعديل تَكَلَّم فيه، بل ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن حجر في "التقريب": مَقْبولٌ.
(3)
شواهد للحديث:
• يشهد له ما أخرجه أبو داود، والترمذي، والحاكم، وغيرهم مِنْ طُرُقٍ عن عَمْرو بن شُعَيْبٍ، قال: حدَّثني أَبِي، عن أَبِيهِ، حتَّى ذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، ولا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، ولا رِبْحُ مَا لَمْ تَضْمَنْ، ولا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» .
(4)
(1)
يُنظر: "جامع التحصيل"(ص/305).
(2)
يُنظر: "تنقيح التحقيق"(4/ 55).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 5/ 158، "الجرح والتعديل" 5/ 126، "الثِّقات" 5/ 27، "تالي تلخيص المتشابه في الرسم" 2/ 525، "التهذيب" 15/ 309، "الكاشف" 1/ 574، "الميزان" 2/ 461، "تهذيب التهذيب" 5/ 322، "التقريب"(3477).
(4)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3504) ك/البيوع، ب/فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، والترمذي في "سننه"(1234/ 2) ك/البيوع، ب/مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(6160) ك/البيوع، ب/مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وبرقم (6182) ك/البيوع، ب/شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، والحاكم في "المستدرك"(2185).
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ عَلَى شَرْطِ جُمْلَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ صَحِيحٌ. وقال الذهبيُّ: صحيحٌ.
• ويشهد له بالمعنى ما أخرجه البخاريُّ ومُسلمٌ في "صحيحيهما" عن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ إِذَا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» . وفي رواية: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ» .
(1)
وعليه فالحديث يرتقي بشواهده إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ إلا خَالِدُ بن خِدَاشٍ.
مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنَّف رضي الله عنه، وهذا تَفَرُّدٌ نِسْبِيٌّ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، والله أعلم. والحديث أخرجه الطبرانيُّ أيضًا في "الأوسط" برقم (5143)، وقال: لم يَرْوِ هذا الحديث عن يَحْيَى بن عَتِيقٍ إلا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: خَالِدُ بن خِدَاشٍ.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قوله: «لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» : يُرِيدُ بيع العين دون بيع الصفة، فإنَّه أجاز السلم إلى الآجال، وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال، وإنَّما نهى عن بيع ما ليس عند البائع من قبل الغرر، وذلك مثل أن يبيعه جمله الشارد، ويدخل في ذلك كل شيء ليس بمضمون عليه، مثل: أن يشتري سلعة فيبيعها قبل أن يقبضها، ويدخل في ذلك بيع الرجل مال غيره موقوفاً على إجازة المالك؛ لأنه يبيع ما ليس عنده، ولا في ملكه، وهو غرر، لأنَّه لا يدري هل يجيزه صاحبه أم لا، والله أعلم.
(2)
* * *
(1)
أخرجه البخاريُّ في "صحيحه"(2124) ك/البيوع، ب/ما ذُكِرَ فِي الأَسْوَاقِ، وبرقم (2126) ك/البيوع، ب/الكَيْلِ عَلَى البَائِعِ وَالمُعْطِي، وبرقم (2133) ك/البيوع، ب/ما يُذْكَرُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ وَالحُكْرَةِ، وبرقم (2136) ك/البيوع، ب/بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ - قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/ 349): لم يذكر في أحاديث الباب بيع ما ليس عندك وكأنَّه لم يثبت على شرطه، فاستنبطه من النهي عن البيع قبل القبض، ووجه الاستدلال منه بطريق الأولى -، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1526) ك/البيوع، ب/بُطْلَانِ بَيْعِ المَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
(2)
يُنظر: "معالم السنن" للخطابيّ (3/ 140).
[182/ 582]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا بَلَغَنِي مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَهْلُ الإِفْكِ، هَمَمْتُ أَنْ آتِيَ قَلِيبًا فَأَطْرَحُ نَفْسِي فِيهِ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أَيُّوبَ إلا [حَمَّادُ بن زَيْدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: خَالِدُ بن خِدَاشٍ]
(1)
.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الكبير"(23/ 121/برقم 157) - ومِنْ طريقه عبد الغنيّ المقدسي في "حديث الإفك"(6) -، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، به.
- وذكره ابن حجر مِنْ طريق ابن أبي مُلَيْكَة، وعزاه إلى الطبراني، وقال: وأخرجه أبو عوانة أيضًا.
(2)
• والطبراني في "الكبير"(23/ 121/برقم 158)، قال: حدَّثنا عبد الله بن الحَسَنِ الحَرَّانِيُّ، ثنا أبو شُعَيْبٍ عبد الله بن الحسن الحَرَّانيُّ، ثنا عَبْدُ اللهِ بن جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، ثنا ابن المُبَارَكِ، عن مَالِكِ بن مِغْوَلٍ، عن أبي حُصَيْنٍ عُثْمَان بن عاصم، عن مُجَاهِدٍ، عن عَائِشَةَ، قالت: لمَّا قِيْلَ، فَذَكَرَهُ.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) خالد بن خِدَاش بن عَجْلان الأَزْدِيُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (108).
3) حَمَّاد بن زَيد الأَزْدِيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ، مِنْ أثبت النَّاس في أيوب"، تَقَدَّم في الحديث رقم (108).
4) أَيُّوب بن أَبي تَمِيْمَة السَّخْتِيَانيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (140).
5) عَبد الله بن عُبَيد الله بن أَبي مُلَيْكَة: "ثِقَةٌ مُتْقِنٌ فَقِيهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (88).
6) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه الطَّبَرَانِيِّ بإسنادٍ صَحِيحٍ، عن أَيُّوب، عن ابن أبي مُلَيْكَةَ، عن عَائِشَةَ.
(3)
والحديثُ أخرجه الطبراني أيضًا في "المعجم الكبير" - كما سبق في التخريج -، بسنده مِنْ طريق مجاهدٍ، عن عائشة رضي الله عنها، وإسناده صحيحٌ.
(1)
ما بين المعقوفتين جاء بالأصل هكذا: "حَمَّاد حَمَّاد بن زيد خالد بن خِدَاش"؛ والتصويب مِنْ "مجمع البحرين"(3833).
(2)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 466).
(3)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (8/ 466).
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن أَيُّوبَ إلا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: خَالِدُ بن خِدَاشٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرُّد صحيحٌ، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبِيٌّ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يَدْفعه، وحَمَّاد بن زيد ثِقَةٌ ثَبْتٌ، ومِنْ أثبت النَّاس في أيوب، وخالد بن خِدَاش ثِقَةٌ، فَتَفَرّد كل مِنْهما مُمْكِنٌ، ولا يَضُر في صحة الحديث.
* * *
[183/ 583]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ النَّخَّاسُ
(1)
، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عز وجل: مَنْ أَخَذْتُ حَبِيبَتَيْه
(2)
،
فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ، لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي بِشْرٍ إلا هُشَيْمٌ، ولا يُرْوَى عن ابن عَبَّاسٍ إلا بهذا الإسناد.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الضياء المقدسيُّ في "المختارة"(79)، مِنْ طريق المُصَنِّف، عن أحمد بن القاسم، به.
• وأخرجه أبو يَعْلى في "مسنده"(2365)، وفي "مُعْجَمه"(331 و 335) - ومِنْ طريقه ابن حبَّان في "صحيحه"(2930) -؛ والطبراني في "الكبير"(12452) - ومِنْ طريقه الضياء في "المختارة"(78) -، عن عَلِيّ بن سَعِيدٍ الرَّازِيّ؛ والخطيب في "تاريخ بغداد"(16/ 400) مِنْ طريق عبد اللَّهِ بن إِسْحَاق بن حَمَّادٍ.
ثلاثتهم (أبو يَعلى، وعليّ، وعبد الله) عن يَعقوب بن مَاهَان، عن هُشَيْم بن بَشير، به؛ جميعهم بلفظ:"إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْ عَبْدِي". ووقع تصريح هُشَيْم بالسَّمَاع مِنْ أبي بِشْر، عند أبي يَعلى، والخطيب.
وزاد عند الخطيب: قال: ولم يُحَدِّثْ هذا الحديث غير يَعْقُوبَ بن مَاهَانَ. قلت (الخطيب): أظنُّ هذا كلام المدائنيُّ عبد الله بن إسحاق، والله أعلم. قلتُ: ورواية الباب تدفعه، فقد تابعه الوليد بن صالح.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) الوَلِيْدُ بن صَالِح، أبو محمد الضَّبّيُّ الجَزَريُّ النَّخَّاس.
روى عن: هُشَيْم بن بَشِير، والحمَّادين، وعيسى بن يُونس، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، والبخاريُّ، وأبو حاتم، وأحمد بن إبراهيم الدَّورقيُّ، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتمٌ، وأحمد بن إبراهيم الدَّورقيّ، وأبو عوانة، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في
(1)
بالأصل، وكذلك بالمطبوع "النَّحَّاس" بالحاء المهملة، والصواب ما أثبته بالخاء المعجمة، والتصويب مِنْ "مجمع البحرين" حديث رقم (1179)، وكما هو مُثْبَتٌ في جميع مصادر ترجمته، والله أعلم. ويُنظر:"التقريب"(7429).
والنَّخَّاس: بِفَتْح النُّون، والخَاء المُشَدّدَة، آخره سين مُهْملَة، يُقَال هذا لمن يَبِيع الغلمان والجواري وَالدَّوَاب، وجماعة من العلماء كانوا يعملون هذا وآباؤهم. يُنظر:"الأنساب"(12/ 55)، "اللباب"(3/ 302).
(2)
بالأصل، وكذلك بالمطبوع "حبيبته" بالإفراد، وليس بالتثنية، والتصويب مِنْ "المختارة" للضياء المقدسي، فقد أخرج الحديث بسنده مِنْ طريق المُصَنِّف، والحديث عنده كما أثبته، والحديث كذلك في "مجمع البحرين" حديث رقم (1179).
والمراد بهما: العينين. قال الحافظ ابن حجر: وَالمُرَادُ بِالحَبِيبَتَيْنِ المَحْبُوبَتَانِ؛ لأَنَّهُمَا أَحَبُّ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ إِلَيْهِ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ بِفَقْدِهِمَا مِنَ الْأَسَفِ عَلَى فَوَاتِ رُؤْيَةِ مَا يُرِيدُ رُؤْيَتَهُ مِنْ خَيْرٍ فَيُسَرُّ بِهِ، أَوْ شَرٍّ فَيَجْتَنِبُهُ. يُنظر:"فتح الباري"(10/ 116).
"الثقات". وقال الذهبيُّ: صدوقٌ. وقال أحمد: تركته لسوء صلاته. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(1)
3) هُشَيم بن بَشِيْر بن أبي خازم قاسم بن دينار، الحافظ أبو مُعَاوية السُّلميُّ الواسطيُّ.
روى عن: أبي بِشْر جَعْفَر بن أبي وَحْشِيَّة، وعَمرو بن دِيْنَار، ومنصور بن زاذان، وآخرين.
روى عنه: الوليد بن صالح، وشُعْبَة بن الحَجَّاج، وابن المبارك، وأحمد، وابن مهديّ، والنَّاس.
حاله: قال ابن مهديّ: ما رأيتُ أحفظ من هُشيم، وكان أحفظ للحديث مِنْ الثوريّ. وقال ابن سعد، والعِجْليّ، وأبو حاتم: ثِقَةٌ. وزاد ابن سعد: ثَبْتٌ. وزاد العِجْليّ: كان يُعَدُّ مِنْ حُفَّاظ الحديث. وروى له الجماعة.
وعن ابن المبارك: قلت لهُشيم: لم تُدَلِّس وأنت كثير الحديث، فقال: كبيراك قد دَلَّسا الأعمش وسفيان. وقال ابن سعد: يُدَلِّس كثيرًا، فما قال في حديثه أخبرنا فهو حُجَّةٌ، وما لم يقل فيه أخبرنا فليس بشيءٍ. وقال العِجْليّ: يُدَلِّسُ. وقال ابن عدي: لا بأس به، إلا أَنَّهُ نُسِبَ إلى التَّدْلِيس. وذكره العلائيُّ في المرتبة الثانية مِنْ المُدَلِّسين. بينما ذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة، وقال: دَلَّس ما يَنْبَغي أن يُسَمَّى بتدليس العطف.
وقال الذهبيُّ: إمامٌ، ثِقَةٌ، مُدَلِّسٌ. وَقَال ابن حجر في "التقريب": ثِقَةٌ ثَبْتٌ كثير التَّدْلِيس والإرسال الخفي. وفي "هدي الساري": أحد الأئمة متفق على توثيقه، إلا أنَّه كان مشهورًا بالتدليس، وروايته عن الزهري خاصة لينة عندهم، ولم يخرج له البخاري إلا ما صَرَّح فيه بالتحديث، وليس له في الصحيحين شيء عن الزهري.
(2)
4) جَعْفَر بن إياس، وهو ابن أَبي وَحْشِيَّة اليَشْكُريُّ، أَبُو بِشْر الواسطيُّ:"ثِقَةٌ، مِنْ أَثْبَت النَّاس في سعيد بن جُبير"، تَقَدَّم في الحديث رقم (124).
5) سَعيد بن جُبير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيْهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لأجل هُشَيم بن بَشِير "ثِقَةٌ، يُدَلِّس"، وقد رواه بالعنعنة، ووقع التصريح بسماعه عند أبي يَعلى، والخطيب البغدادي - كما سبق في التخريج -.
شواهد للحديث:
أخرج البخاري في "صحيحه"(5653) ك/المرضى، ب/فَضْل مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ ". يُرِيدُ: عَيْنَيْهِ.
وعليه فالحديث بمتابعاته، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره".
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 7، "الثقات" 9/ 225، "تاريخ بغداد" 15/ 613، "التهذيب" 31/ 28، "الكاشف" 2/ 352، "تهذيب التهذيب" 11/ 137، "التقريب"(7429).
(2)
"الثقات" للعِجْليّ 2/ 334، "الجرح والتعديل" 9/ 115، "الكامل" 8/ 456، "التهذيب" 30/ 272، "الكاشف" 2/ 338، "جامع التحصيل"(ص/113 و 294)، "التقريب"(7312)، "طبقات المدلِّسين"(ص/47)، "هدي الساري"(ص/449).
وقال الهيثميّ: رواه أبو يعلى والطبراني في "الكبير"، و"الأوسط"، ورجال أبي يعلى ثقات.
(1)
وقال ابن حجر: صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط" مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هُشَيْمِ.
(2)
والحديث عَدَّه الكتانيّ في "نظم المتناثر" مِنْ المتواتر، وقال: وفي "اللآلئ المصنوعة" أنَّه ورد بأسانيد بعضها صحيحٌ، وبعضها حسنٌ، وبعضها ضعيفٌ، قال (أي السيوطي في "اللآلئ"): وقد سقتها في الأحاديث المتواترة. قال الكتانيّ: ولم أره في الأزهار.
(3)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن أبي بِشْرٍ إلا هُشَيْمٌ، ولا يُرْوَى عن ابن عَبَّاسٍ إلا بهذا الإسناد.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرد صحيحٌ، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، وظاهر كلام المُصَنِّف رضي الله عنه يُفِيدُ أنَّ التَّفرُّد يَقِفُ عند هُشَيم بن بَشَير.
خامساً: التعليق على الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصْبِرُ مُسْتَحْضِرًا ما وَعَدَ اللَّهُ بِهِ الصَّابِرَ مِنَ الثَّوَابِ، لا أَنْ يَصْبِرَ مُجَرَّدًا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَابْتِلَاءُ اللَّهِ عَبْدَهُ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ مِنْ سُخْطِهِ عَلَيْهِ، بَلْ إِمَّا لِدَفْعِ مَكْرُوهٍ، أَوْ لِكَفَّارَةِ ذُنُوبٍ، أَوْ لِرَفْعِ مَنْزِلَةٍ، فَإِذَا تَلَقَّى ذَلِكَ بِالرِّضَا تَمَّ لَهُ الْمُرَادُ وَإِلَّا يصبر.
وقَوْلُهُ: "عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ" هَذَا أَعْظَمُ الْعِوَضِ لأَنَّ الِالْتِذَاذَ بِالْبَصَرِ يَفْنَى بِفِنَاءِ الدُّنْيَا، والالتذاذَ بِالجَنَّةِ بَاقٍ بِبَقَائِهَا، وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِك بِالشّرطِ الْمَذْكُورِ، والصَّبْرَ النَّافِعَ هُوَ مَا يَكُونُ فِي أَوَّلِ وُقُوعِ الْبَلَاءِ، فَيُفَوِّضُ وَيُسَلِّمُ، وَإِلَّا فَمَتَى تَضَجَّرَ وَتَقَلَّقَ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ ثُمَّ يَئِسَ فَيَصْبِرُ لا يَكُونُ حصل المَقْصُودُ.
(4)
قال ابن بطال: هذا الحديث حجة في أنَّ الصبر على البلاء ثوابه الجنة، ونعمة البصر على العبد وإن كانت من أجلِّ نِعَمِ الله تعالى، فعوض الله عليها الجنة أفضل من نعمتها في الدنيا، لنفاذ مدة الالتذاذ بالبصر في الدنيا وبقاء مدة الالتذاذ به في الجنة.
(5)
* * *
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(2/ 308).
(2)
يُنظر: "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية"(11/ 88).
(3)
يُنظر: "نظم المتناثر مِنْ الحديث المتواتر"(ص/115/حديث رقم 99).
(4)
يُنظر: "فتح الباري"(10/ 116).
(5)
يُنظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بَطَّال (9/ 377).
[184/ 584]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي عِيسَى بْنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيُّ، قَالَ: نا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ القَيْسِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسَدِيِّ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ.
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ - وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ -، أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُعَاوِيَةَ بن أبي العَبَّاس إلا مَرْوَانُ، تَفَرَّدَ به: عِيسَى بْنُ المُسَاوِرِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبرانيُّ في "الدعاء"(1844)، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم، به، بدون ذكر قصة الاستحلاف.
• وابن عديّ في "الكامل"(2/ 142) - ومِنْ طريقه ابن العديم في "تاريخ حلب"(4/ 1604) -، وأبو بكر الإسماعيليّ في "معجم شيوخه"(322)، مِنْ طريق أيوب بن محمد الوَزَّان، عن مَرْوان بن مُعاوية، به.
• وأخرجه السَّرِيُّ بن يحيى في "حديث الثوري"(209)، وأحمد في "مُسْنَدِه"(2)، وفي "فضائل الصحابة"(142) - ومِنْ طريقه ابن الأثير في "أسد الغابة"(3/ 330)، والضياء في "المختارة"(8) -، وابن ماجه في "سننه"(1395) ك/إقامة الصلاة، ب/مَا جَاءَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ كَفَّارَةٌ، والمروزيّ في "مسند أبي بكر رضي الله عنه "(9)، والبَزَّار في "مسنده"(9)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(10177) ك/عمل اليوم والليلة، ب/مَا يَفْعَلُ مَنْ بُلِيَ بِذَنْبٍ، وأبو يَعلى في "مُسْنَدِه"(12 و 15)، والطبريُّ في "تفسيره"(7854)، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(6043)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(1842/ 1)، وتَمَّام في "فوائده" - كما في "الروض البَسَّام"(414) -، وابن العِشَاريّ في "فضائل أبي بكر رضي الله عنه "(30) - بذكر الموقوف فقط -، وابن العديم في "تاريخ حلب"(4/ 1604)، وابن الجزريّ في "مناقب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه "(48 و 50)، مِنْ طُرُقٍ عن سُفْيَان الثوريّ.
- والمروزي في "زوائده على الزهد لابن المبارك"(1088)، والبَزَّار في "مسنده"(11)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(6048)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(1842/ 6)، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال"(175)، مِنْ طريق شَرِيك بن عبد الله النَّخَعيّ.
- والطَّيالسيّ في "مُسْنَدِه"(1) - ومِنْ طريقه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(4180 و 5946) -، وأحمد في "مُسْنَدِه"(47 و 48)، والمروزيّ في "مسند أبي بكر رضي الله عنه "(10)، والبَزَّار في "مُسْنَده"(8)، وأبو يَعلى في "مُسْنَدِه"(13 و 14) - ومِنْ طريقه الضياء في "المختارة"(9) -، والطبريُّ في "تفسيره"(7853)، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(6041 و 6042)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(1841)، مِنْ طريق شُعْبة بن الحَجَّاج.
- والطيالسيّ في "مُسْنَده"(2) - ومِنْ طريقه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(5947) -، وأحمد في "مُسْنَدِه"(56)، وفي "فضائل الصحابة"(642)، وأبو داود في "سننه"(1521) ك/الصلاة، ب/في الاستغفار،
والترمذي في "سننه"(406) ك/الصلاة، ب/مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ، وبرقم (3006) ك/التفسير، ب/مِنْ سورة آل عِمْران، والمروزيّ في "مسند أبي بكر رضي الله عنه "(11)، والبَزَّار في "مسنده"(10)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(10178) ك/عمل اليوم والليلة، ب/مَا يَفْعَلُ مَنْ بُلِيَ بِذَنْبٍ، وبرقم (11012) ك/التفسير، ب/ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}
(1)
، وأبو يَعلى في "مُسْنَدِه"(11) - ومِنْ طريقه الضياء في "المختارة"(10) -، والطحاوي في "شرح المُشْكِل"(6045 و 6046)، وابن حبَّان في "صحيحه"(623)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(1842/ 5)، وابن عديّ في "الكامل"(2/ 142) - ومِنْ طريقه ابن العديم في "تاريخ حلب"(4/ 1604) -، وابن بِشْرَان في "أماليه"(678)، والبغوي في "شرح السنَّة"(1015)، وفي "تفسيره"(2/ 108)، وأبو طاهر السِّلفيُّ في "الطيوريَّات"(637)، والضياء في "المختارة"(11)، مِنْ طريق أبي عوانة الوَضَّاح بن عبد الله اليَشْكُريُّ.
- والحُمَيْدِيُّ في "مُسْنَدِه"(1 و 4) - ومِنْ طريقه العُقَيْلِيُّ في "الضعفاء"(1/ 106)، وابن عساكر في "الأربعون البلدانية"(ص/52)، والضياء في "المختارة"(7) -، وابن أبي شَيْبَة في "المُصَنَّف"(7642)، وأحمد في "مُسْنَدِه"(2)، وفي "فضائل الصحابة"(142) - ومِنْ طريقه ابن الأثير في "أسد الغابة"(3/ 330)، والضياء في "المختارة"(8) -، وابن ماجه في "سننه"(1395) ك/إقامة الصلاة، ب/مَا جَاءَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ كَفَّارَةٌ، والمروزيّ في "مسند أبي بكر رضي الله عنه "(9)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(10175 و 10176) ك/عمل اليوم والليلة، ب/مَا يَفْعَلُ مَنْ بُلِيَ بِذَنْبٍ، وأبو يَعلى في "مُسْنَدِه"(12)، والطبريُّ في "تفسيره"(7854)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(1842/ 2)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 142)، وتَمَّام بن محمد في "فوائده" - كما في "الروض البَّسَّام"(414) -، وأبو نُعيم في "تاريخ أصبهان"(1/ 142)، وابن الجزريّ في "مناقب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه "(48 و 50)، مِنْ طُرُقٍ عن مِسْعَر بن كِدَام.
- وأبو يَعلى في "مُسْنَدِه"(1) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "الأربعون البلدانية"(ص/54) -، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(6047)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(1842/ 3)، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال"(175)، والخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية"(43)، مِنْ طريق قيس بن الرَّبيع.
ستتهم عن عُثْمَان بن المُغِيرة الثَّقَفِيّ - مِنْ أصح الأوجه عنه
(2)
-، عن عليّ بن رَبِيْعَة، به.
وفي بعض الروايات عن شُعبة، قال: عن أسماء، أو أبي أسماء الفَزَاري. وأحيانًا يقول: عن أسماء، أو ابن أسماء. وقال البَزَّار: وهذا الحَدِيثُ رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَمِسْعَرٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَرِيكٌ، وَأَبُو عَوَانَةَ وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، ولا نَعْلَمُ أَحَدًا شَكَّ في أَسْمَاءَ أو أبي أَسْمَاءَ إِلَّا شُعْبَةُ.
قلتُ: والصواب رواية الجماعة، وكان شُعَبَةُ يُخْطئ في أسماء الرواة.
(3)
(1)
سورة "آل عمران"، آية (135).
(2)
يُنظر: "الدعاء" للطبرانيّ حديث رقم (1843)، و"العلل" للدَّارقُطنيّ (1/ 178/مسألة 8)، "تاريخ حلب"(4/ 1606).
(3)
يُنظر: "تهذيب الكمال"(12/ 494).
وفي بعض الروايات بدون ذكر الاستحلاف، وزاد في آخره في بعض الروايات عن شُعبة: ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} ، الْآيَةَ، {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ}
(1)
الْآيَةَ. وفي رواية: وتلا إحدى هاتين الآيتين. وزاد أبو عوانة: ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
وقال الترمذي: وفي البَابِ عن ابن مَسْعُودٍ، وأبي الدَّرْدَاءِ، وأنسٍ، وأبي أُمَامَةَ، وَمُعَاذٍ. وحديثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، لا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ هذا الوجهِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بن المُغِيرَةِ، ولا نَعْرِفُ لأسماءَ بن الحَكَمِ حَدِيثًا إلا هذا.
وقال البَزَّار: وهذا الكَلَامُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلا مِنْ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ - يَقصد الحديث مِنْ طريق علي بن ربيعة عن أسماء، ومِنْ طريق عبد الله بن سعيد عن جدِّه أبي سعيد المَقْبُريّ -، وَقَوْلُ عَلِيٍّ: إِنَّمَا رَوَاهُ أَسْمَاءُ بن الحَكَمِ، وأَسْمَاء مَجْهُولٌ، لم يُحَدِّثْ بِغَيْرِ هذا الحَدِيثِ، ولم يُحَدِّثْ عنه إلا عَلِيُّ ابن رَبِيعَةَ، والكلامُ لم يُرْوَ عن عَلِيٍّ إلا مِنْ هذا الوَجْهِ.
وقال العُقَيليُّ: وقد رَوَى عَلِيٌّ عن عُمَرَ ولم يَسْتَحْلِفْهُ. وقال: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن الحَسَنِ، عن عَلِيِّ بن المَدِينِيِّ، قال: قد رَوَى عُثْمَانُ بن المُغِيرَةِ أَحَادِيثَ نَكِرَةً مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ.
وقال ابن عدي: طَرِيقُهُ حَسَنٌ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وأسماءُ لا يُعْرَفُ إلا به، وَلَعَلَّ لَهُ حَدِيثًا آخَرَ.
وقال البغوي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا يُعْرَفُ إِلا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَيَرْوِي عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.
وقال ابن عساكر: هَذَا حَدِيثٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، انْفَرَدَ بِهِ عَنْهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، ولم يروه عَنهُ إِلَّا أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَّارِيِّ.
وأسند ابن العديم عن مكي بن هارون الزنجاني، قال: أسماء بن الحكم الفزاري لا يعرف إلّا بهذا الحديث، ويقال إنه قد روى أيضا حديثا لم يتابع عليه، ولا أحفظه، وهذا الحديث مداره على عثمان بن المغيرة، رواه عنه الثوري، وشعبة، ومسعر، وزائدة، واسرائيل، وأبو عوانة، وعند الحفاظ أجمع وأهل المعرفة بهذا الشأن أنه لم يروه عن علي بن ربيعة غير عثمان، وقد تابعه معاوية بن أبي العباس، وهو طريق غريب عجيب.
(2)
• والحُمَيْدِيُّ في "مُسْنَده"(5 - 7)، والطبريُّ في "تفسيره"(7855)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(1846)، مِنْ طريقين عن عبد اللَّهِ بن سَعِيد بن كيسان المَقْبُرِيّ، عن جَدِّهِ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن عَلِيٍّ رضي الله عنه، بنحوه.
قلتُ: وعبد الله بن سعيد المَقْبُريّ "متروك الحديث".
(3)
وذكر الدَّارَقُطْنِيّ في "العلل"(1/ 176 - 180) طرقاً أُخْرَى كَثِيرَة لهذا الحَدِيث، وبعضهَا عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي "الدُّعَاء" برقم (1843، 1845، 1847)، ثُمَّ قال الدَّارَقُطْنِيّ - بعد ذكره لما فِيهِ مِنْ الاخْتِلَاف، وما في
(1)
سورة "النساء"، آية (110).
(2)
يُنظر: "بغية الطلب في تاريخ حلب"(4/ 1606).
(3)
يُنظر: "التقريب"(3356).
بَعْضهَا مِنْ الضَّعْف الشَّديد -: وأحسنها إِسْنَادًا وأصحها ما رَوَاهُ الثَّوْريّ، وَمَنْ تابعه عن عُثْمَان بن المُغيرَة.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
3) مَرْوَان بن مُعَاوية الفَزَارِيُّ: "ثِقَةٌ حافظٌ، كان يُدَلِّس أسماء الشيوخ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (117).
4) مُعَاوِيَة بن أبي العَبَّاس القَيْسيُّ: "كان يَسْرق أحاديث الثوري فَيَرويها عن شُيوخه، فافتُضِحَ أمره فتركوه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (171).
5) عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ الوَالِبِيُّ الأَسَدِيُّ، ويُقال: البَجَليُّ، أَبُو المُغِيرَةِ الْكُوفِيُّ.
روى عن: أسماء بن الحكم الفَزَاريّ، وعلي بن أبي طالب، والمُغيرة بن شُعبة رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: مُعَاوية بن أبي العَبَّاس القَيْسيُّ، وأبو إسحاق السَّبِيعيُّ، وسَعِيد بن عُبَيد الطائيُّ، وآخرون.
حاله: قال ابن مَعين، وابن سعد، والعِجْليُّ، والنَّسائيُّ، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره ابن حبَّان في "الثِّقات". وقال الذَّهبيُّ: مِنْ العلماء الأَثْبَات. وروى له الجماعة.
(1)
6) أسماء بن الحَكَم الفَزَاريُّ، وقيل: السُّلَمِيُّ، أبو حَسَّان الكُوفِيُّ.
روى عن: عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. روى عنه: عليّ بن رَبيعة، والرُّكينُ بن الرَّبيع
(2)
، وزيد بن أبي رجاء.
حاله: شَهِدَ صِفِّين مع عليّ رضي الله عنه. وقال ابن سعد: قليل الحديث. وقال البخاري: لم يُرو عنه إلا هذا الواحد، وحديثٌ آخر
(3)
،
ولم يُتابع عليه، وقد روى أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بعضُهم عَنْ بعضٍ، فلم يُحَلِّف بعضُهم بعضًا.
وقال البزار: مَجْهُولٌ لم يُحَدِّثْ ألا بهذا الحديث، ولم يُحَدِّثُ عنه غير عليِّ بن رَبِيعَةَ، ولا يُحْتَجُّ بِكُلِّ ما كان هكذا مِنَ الحديث. وتَعَقَّبه موسى بن هارون، فقال: ليس بمجهولٍ؛ فقد روى عنه علي بن ربيعة، والرُّكَين بن الرَّبيع، وعليٌّ قد سمع من عليٍّ، فلولا أن أسماء عنده مرضيًا ما أدخله بينه وبينه في هذا الحديث.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 185، "الثقات" 5/ 160، "التهذيب" 20/ 430، "السير" 4/ 489، "التقريب"(4733).
(2)
ورواية الرُّكين بن الرَّبيع، عن أسماء بن الحكم في "مُصَنَّف عبد الرَّزَّاق" حديث رقم (1695).
(3)
لعلَّه يقصد به ما أخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(1695)، عن إسرائيل، عن الرُّكين بن الرَّبيع، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: عَنِ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: هِيَ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا. بينما أخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(7474)، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الرُّكَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ، بنحوه.
قلتُ: والحديث أخرجه البخاريُّ في "صحيحه"(415) ك/الصلاة، ب/كَفَّارَة البُزَاقِ في المَسْجِدِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(552) ك/الصلاة، ب/البزاق في المسجد خطيئة، عن أَنَس بن مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» .
ولأسماء حديثٌ آخر موقوفاً، أخرجه ابن العِشَاريّ في "فضائل أبي بكر رضي الله عنه "(45)، مِنْ طريق مُوسَى بْنُ زَكَرِيَّا، عن رَوْحِ بن عَبْدِ المُؤْمِنِ، عن يَعْقُوب الحَضْرَمِيّ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: كَانَا أَمِينَيْنِ هَادِيَيْنِ رَشِيدَيْنِ مُرْشِدَيْنِ مُفْلِحَيْنِ مُنْجِحَيْنِ خَرَجَا مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصَيْنِ.
وقال العِجْليُّ: تابعيٌّ ثِقَةٌ. وذكره ابن حبّان في "الثِّقات"، وقال: يُخْطئ. ومع ذلك فقد خَرَّج حَدِيْثَه في "صحيحه"
(1)
. واعترض ابن حجر على ذلك فقال: وأخرج له هذا الحديث في "صحيحه"، وهذا عجيبٌ؛ لأنَّه إذا حكم بأنه يُخْطِئ، وجزم البخاري بأنَّه لم يرو غير حديثين يخرج من كلاهما أن أحد الحديثين خطأ، ويلزم من تصحيحه أحدهما انحصار الخطأ في الثاني.
وقال ابن عدي: لا يُعْرَفُ إلا بهذا الحديثِ، ولَعَلَّ له حَدِيثًا آخَرَ. وقال الذهبي: وُثِّق، وماله سوى هذا الحديث. وقال ابن الجزريُّ: ثِقَةٌ. وقال ابن حجر في "التقريب": صدوقٌ. وقال الشيخ/أحمد شاكر: ثِقَةٌ.
فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ"، روى عنه اثنان مِنْ الثِّقات، ووثِّق، وحَسَّن حديثَه آخرون - كما سيأتي -.
(2)
7) عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، وابن عَمّ النَّبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّم في الحديث رقم (9).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل مُعاوية بن أبي العبَّاس كان يَسْرق أحاديث الثوري فَيَرويها عن شُيوخه، فافتُضِحَ أمره فتركوه، والحديث مَعْروفٌ مِنْ حديث الثوري عن عُثْمَان بن المغيرة عن عليّ بن ربيعة - كما سبق في التخريج -.
قلتُ: والحديث رواه الجماعة (سُفْيَان الثوريّ، وشريك بن عبد الله النَّخعيّ، وشُعبة بن الحَجَّاج، وأبو عوانة الوَضَّاح بن عبد الله اليَشْكُريّ، ومِسْعَر بن كِدَام، وقيس بن الرَّبيع)، عن عُثْمَان بن المُغيرة، عن عليّ بن ربيعة، عن أسماء بن الحكم، عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، به.
والحديث مِنْ هذا الطريق "حسنٌ لذاته"؛ لأجل أسماء بن الحكم "صدوقٌ".
شواهد للحديث:
وفي الباب عن عُثْمان بن عَفَّان رضي الله عنه، يَشْهَد لما رفعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:
أخرجه البخاريُّ، ومسلمٌ في "صحيحيهما" عن عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .
(3)
وعليه فالمرفوع يرتقي بشواهده إلى "الصحيح لغيره"؛ ويبقى الموقوفُ عن سيدنا عليّ رضي الله عنه على حُسْنه.
(1)
فقد أخرج رواية الباب في "صحيحه" حديث برقم (623).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير"(2/ 54)، "الثِّقات" للعِجْليّ 1/ 223، "مُسْنَد البَزَّار" 1/ 188، "الضعفاء الكبير" للعُقَيْلِيّ 1/ 107، "الثِّقات" لابن حبَّان 4/ 59، "الكامل" 2/ 143، "بغية الطلب في تاريخ حلب" 4/ 1602، "التهذيب" 2/ 533، "الميزان" 1/ 256، "مناقب الأسد الغالب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه " لابن الجزريّ (ص/45)، "تهذيب التهذيب" 1/ 267، "التقريب"(408)، "مُسْنَد أحمد" بتحقيق الشيخ/شاكر حديث رقم (2)، "سنن الترمذي" بتحقيق الشيخ/شاكر حديث رقم (406).
(3)
أخرجه البخاريُّ في "صحيحه"(159 و 160) ك/الوضوء، ب/الوُضُوءُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وبرقم (164) ك/الوضوء، ب/المَضْمَضَةِ فِي الوُضُوءِ، وبرقم (1934) ك/الصوم، ب/سِوَاكِ الرَّطْبِ وَاليَابِسِ لِلصَّائِمِ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(226) ك/الطهارة، ب/صِفَةِ الْوُضُوءِ وَكَمَالِهِ، وبرقم (227) ك/الطهارة، ب/فَضْلِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ عَقِبَهُ.
- والحديث حسَّنه الترمذي، وابن عديّ، والبغويّ، وابن الجزري. وقال الدَّارقُطْنيّ - بعد أن ذكر طُرُقه عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: وأحسنها إِسْنَادًا وأصحها ما رَوَاهُ الثَّوْريّ، وَمَنْ تابعه عن عُثْمَان بن المُغيرَة. وقال ابن عساكر: هَذَا حَدِيثٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه كما سبق ذكره في التخريج -.
وقال الذَّهبيُّ: رواه مِسْعَر، وشريكٌ، وسفيان، وأبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، وإسناده حسن.
(1)
وقال ابن كثير: هذا الحديث قد ذكرنا طرقه والكلام عليه مستقصى في "مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه "، وبالجملة فهو حديثٌ حسنٌ، وهو من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ثُمَّ ذكر له شواهد عن أمير المؤمنين عُمَر بن الخطَّاب رضي الله عنه، وأمير المؤمنين عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه، ثُمَّ قال: فقد ثبت هذا الحديث من رواية الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، عن سيد الأولين والآخرين ورسول رب العالمين، كما دل عليه الكتاب المبين من أن الاستغفار من الذنب ينفع العاصين.
(2)
والحديث حَسَّنه الحافظ ابن حجر في "الفتح"، وقال في "التهذيب": هذا الحديث جَيّدُ الإسناد.
(3)
وقال الألباني - في الحكم على الحديث بإسناد أبي داود -: إسناده صحيحٌ، رجاله ثِقَاتٌ رجال البخاريّ؛ غير أسماء بن الحكم على خلافٍ فيه لا يَضُر، والحديث صَحَّحه ابن حبَّان، وحسَّنَه الترمذيّ.
(4)
وقال الشيخ/ أحمد شاكر: هذا الحديث حديثٌ صحيحٌ.
(5)
- بينما ذهب بعض أهل العلم إلى القول بنكارة الحديث الموقوف على سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، في استحلافه مَنْ حدَّثه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:
فالحديث ذكره البخاري، وأعلَّه بقوله: ولم يُروَ عَنْ أسماء بن الحَكَم، إلا هذا الواحد، وحديث آخر ولم يُتابع عليه؛ وقد روى أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بعضُهم، عَنْ بعضٍ، فلم يُحَلِّف بعضُهم بعضا.
(6)
وتبع العُقَيْليُّ البُخَاريَّ في إنكار الاستحلاف، وقال: قد سمع عليٌّ مِنْ عُمر فلم يَسْتَحْلِفْهُ.
(7)
وقال البَزَّار - كما سبق في التخريج -: وهذا الكَلَامُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلا مِنْ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ - يَقصد الحديث مِنْ طريق علي بن ربيعة عن أسماء، ومِنْ طريق عبد الله بن سعيد عن جدِّه أبي سعيد المَقْبُريّ -، وَقَوْلُ عَلِيٍّ: إِنَّمَا رَوَاهُ أَسْمَاءُ بن الحَكَمِ، وأَسْمَاء مَجْهُولٌ، لم يُحَدِّثْ بِغَيْرِ هذا
(1)
يُنظر: "تذكرة الحُفَّاظ"(ص/10 - 11)، "المغني في الضعفاء"(1/ 145)، "الميزان"(1/ 255).
(2)
يُنظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (2/ 124).
(3)
يُنظر: "فتح الباري"(11/ 98)، "تهذيب التهذيب"(1/ 268).
(4)
يُنظر: "صحيح أبي داود"(5/ 252/حديث برقم 1361).
(5)
يُنظر: تعليقه على "مُسْنَد الإمام أحمد" حديث رقم (2)، و"سنن الترمذي" حديث رقم (406).
(6)
يُنظر: "التاريخ الكبير"(2/ 54).
(7)
يُنظر: "الضعفاء الكبير"(1/ 107).
الحَدِيثِ، ولم يُحَدِّثْ عنه إلا عَلِيُّ ابن رَبِيعَةَ، والكلامُ لم يُرْوَ عن عَلِيٍّ إلا مِنْ هذا الوَجْهِ.
قلتُ: أمَّا قول البخاري، فأجاب عنه المِزِّيُّ بقوله: ما ذكره البخاري رضي الله عنه لا يَقدح في صحة هذا الحديث، ولا يُوجب ضعفه، أمَّا كونه لم يُتابع عليه، فليس شرطًا في صحة كل حديث صحيح أن يكون لراويه مُتَابع عليه، وفي الصحيح عِدَّة أحاديث لا تُعرف إلا من وجه واحد، نحو حديث:"الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ"، الذي أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول وغير ذلك؛ وأما ما أنكره من الاستحلاف، فليس فيه أن كل واحد من الصحابة كان يستحلف من حدثه عَن النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بل فيه أن عليًا رضي الله عنه كان يفعل ذلك، وليس ذلك بمنكر أن يحتاط في حديث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، كما فعل عُمَر رضي الله عنه في سؤاله البينة بعض من كان يروي له شيئا عَنِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم
(1)
، كما هو مشهور عنه، والاستحلاف أيسر من سؤال البينة، وقد رُوي الاستحلاف عن غيره أيضا؛ على أنَّ هذا الحديث له مُتابع، رواه سُلَيْمان بْن يزيد الكعبي عن المَقْبُريّ، عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه، عن عليّ رضي الله عنه، ورواه عبد الله بن سَعِيد بن أبي سَعِيد المَقْبُريّ، عن جده، عن علي، ورواه داود بن مهران الدباغ، عَن عُمَر بن يزيد عن أبي إسحاق، عن عَبْد خير، عن عليّ، ولم يذكروا قصة الاستحلاف، والله أعلم.
(2)
وتعقَّبه مُغلطاي، فقال - ما ملخصه -: كلام المزي فيه نظر في مواضع:
الأول: قوله: ما قاله لا يقدح في صحة هذا الحديث، لأن كلام البخاري لا يتمخض لهذا الحديث، ولقائل أن يقول: إنَّما عنى الحديث الآخر الذي أشار إليه إذ هو أقرب مذكور، فَعَطْف الكلام عليه أولى، ويكون قد رد الحديثين جميعًا، الأول: بإنكاره الحلف، والثاني: بعدم المتابعة، لا يتجه غير هذا، وهذا من حسن تصنيف البخاري رضي الله عنه، ولهذا قال حين بلغه أن ناسا طعنوا في شيء من "تاريخه": إن شيوخهم لا يهتدون لوضعه.
الثاني: قوله: وقد روى الاستحلاف عن غيره أيضًا مردود بأمرين: الأول: من هو هذا الذي روى عنه ذلك؟ ومن ذكره؟ وفي أي موضع هو؟ بل لقائل أن يقول: لو كان رآه لذكره كما ذكر المتابع، وليس قوله بأولى من قول البخاري النافي، وليست مسألة النافي والمثبت، لعدم التساوي. والثاني: على تقدير وجود واحد أو اثنين لا يقدح في عموم قول البخاري، لاحتمال أن يكون من صغار الصحابة فعله اقتدى بعلي وتقليداً له.
الثالث: قوله ليس فيه - يعني في الحديث - أن كل واحد من الصحابة كان يستحلف من حدَّثه مردود بأن البخاري رضي الله عنه لم يقله، ولا هو موجود في كلامه، ولو أراده لما أطاقه، لعدم الإحاطة بكل فرد.
الرابع: قوله: المتابعة ليست شرطاً في صحة الحديث، ومسلم وغيره يشترط أن يكون المنفرد حافظاً ضابطاً ثقة، أما إذا كان بمثل أسماء فيحتاج إلى متابعين.
(3)
(1)
أخرجه البخاريّ في "صحيحه"(6245) ك/الاستئذان، ب/التَّسْلِيم وَالِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا، وبرقم (2062) ك/البيوع، ب/الخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2153) ك/الآداب، ب/الاستئذان.
(2)
يُنظر: "تهذيب الكمال"(2/ 534).
(3)
يُنظر: "إكمال تهذيب الكمال"(2/ 136 - 138).
وتعقَّبه ابن حجر أيضًا فيما ذكره مِنْ المتابعات، فقال: والمتابعات التي ذكرها لا تشد هذا الحديث؛ لأنها ضعيفة جدًا، ولعلَّ البخاري إنما أراد بعدم المتابعة في الاستحلاف أو الحديث الآخر الذي أشار إليه.
(1)
وقال ابن حجر أيضًا: وأما صنيع علي رضي الله عنه في الاستحلاف فقد أنكر البخاري صحته؛ وعلى تقدير ثبوته، فهو مذهب تفرد به، والحامل له على ذلك هو المبالغة في الاحتياط، والله أعلم.
(2)
قلتُ: مجموع كلام مَنْ استنكر الحديث مِنْ أهل العلم إنَّما يَدور حول انْفَراد أسماء بن الحكم بهذا الحديث عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، والقول بضعفه، فمثله لا يُحتمل مِنْه التَّفرد؛ لكن - بفضل الله عز وجل بعد أن ثبت أنَّه "صدوقٌ"، وقد شَهِدَ صِفِّين مع سيدنا عليّ رضي الله عنه كما ذكره ابن العديم في "تاريخ حلب -، فأصبح مثله يُحتمل مِنْه التَّفرد، خاصة إذا كان التَّفرد في هذه الطبقة، مع عدم وجود ما يُخالفه، بل ويؤيده ما كان سيدنا عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يَفعله مِنْ سؤال البينة، فهو يدل على أنَّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحتاطون في رواية الحديث عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كلٌّ بطريقته الخاصة، فهذا كُلُّه يَدُل على أنَّ الحديث ليس فيه نكارة، ولا غرابة؛ لذا ذهب غير واحد مِنْ أهل العلم إلى القول بقبوله - كما سبق -، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن مُعَاوِيَةَ بن أبي العَبَّاس إلا مَرْوَانُ، تَفَرَّدَ به: عِيسَى بْنُ المُسَاوِرِ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، إلا في قوله: تَفَرَّدَ به: عِيسَى بْنُ المُسَاوِرِ، فقد جانبه الصواب في ذلك، حيث تابعه أيوب بن محمد الوَزَّان، أخرجه ابن عديّ، والإسماعيلي.
خامسًا: التعليق على الحديث:
قال الباقلاني: لم يرد أبو الحسن رضي الله عنه بهذا القول إحلاف عُمر سيد المهاجرين والأنصار، وإنما عنى بذلك أنه كان يُحَلِّف من لا صحبة له طويلة، ولا ضبط كضبط غيره، مِمَّن يجوز عليه الغلط، وشيء من التساهل في الحديث على المعنى ونحو ذلك.
(3)
وقال الحافظ ابن حجر: الحديث فيه إِشَارَةٌ إلى أَنَّ مِنْ شَرْطِ قَبُولِ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يُقْلِعَ المُسْتَغْفِرُ عَنِ الذَّنْبِ، وإلا فالاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ مع التَّلَبُّسِ بالذَّنْبِ كالتَّلَاعُبِ.
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "تهذيب التهذيب"(1/ 268).
(2)
يُنظر: "النُّكت على ابن الصلاح"(1/ 246).
(3)
يُنظر: "إكمال تهذيب الكمال"(2/ 136).
(4)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/ 99).
[185/ 585]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.
عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن دَاوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ إلا إِسْمَاعِيلُ بن زَكَرِيا، تَفَرَّدَ بِهِ: سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الكبير"(2342)، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم بن مُسَاور، به.
• وأبو عوانة في "المستخرج"(107)، مِنْ طريق زكريا بن عدي، قال: ثنا إسماعيل بن زكريا، به.
• وأبو بكر الخرائطيُّ في "مكارم الأخلاق"(768)، مِنْ طريق سُفْيان بن عُيَيْنَة، قال: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، وَمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، به.
• والحُمَيْديُّ في "مُسْنَدِه"(816)، وأحمد في "مُسْنَدِه"(19228)، وأبو بكر الخَلَّال في "السُّنَّة"(1206)، والطبرانيُّ في "الكبير"(2351)، مِنْ طريق سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عن مُجَالِد بن سعيد - ووقع عند الطبرانيّ مقرونًا برواية إسماعيل بن أبي خالد -.
- وأحمد في "مُسْنَدِه"(19195)، والبخاريُّ في "صحيحه"(7204) ك/الأحكام، ب/كَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ النَّاسَ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(56/ 3) ك/الإيمان، ب/بَيَان أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، ومحمد بن نصر المروزيّ في "تعظيم قدر الصلاة"(762)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(8670) ك/السير، ب/الطَّاعَةُ فِيمَا يَسْتَطِيعُ، وفي "الصغرى"(4189)، والطبرانيُّ في "الأوسط"(1143)، وفي "الكبير"(2354)، وأبو بكر الأبهري في "فوائده"(14)، وابن مَنْدَة في "الإيمان"(279)، وأبو نُعيم في "المُسْتَخرَج"(196)، والبيهقي في "الكبرى"(16555)، مِنْ طريق هُشَيْم بن بَشِير، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أبو الحكم العنزيّ.
ثلاثتهم (مُجَالد، وإسماعيل، وسَيَّار)، عن الشَّعْبِيّ، به. وزاد الحُمَيْدِيُّ:"عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ". وفي رواية سَيَّار: مخْتصرًا بذكر السمع والطاعة، والنُّصح لكل مُسلم.
• والبخاريُّ في "صحيحه"(57) ك/الإيمان، ب/قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"الدِّينُ النَّصِيحَةُ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، وبرقم (524) ك/الصلاة، ب/البَيْعَة على إِقَامِ الصَّلَاةِ، وبرقم (1401) ك/الزكاة، ب/البَيْعَة على إِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وبرقم (2715) ك/الشروط، ب/مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الإِسْلَامِ وَالأَحْكَامِ وَالمُبَايَعَةِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(56/ 1) ك/الإيمان، ب/بَيَان أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، مِنْ طريق إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِدٍ، عن قَيْس بن أبي حازم، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ:«بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» .
- والبخاري في "صحيحه"(2714) ك/الشروط، ب/مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الإِسْلَامِ وَالأَحْكَامِ
وَالمُبَايَعَةِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(56/ 2) ك/الإيمان، ب/بَيَان أَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، مِنْ طريق سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، سَمِعَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ:«بَايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» .
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) سَعِيدُ بن سُلَيْمان الضَّبِّيُّ، أبو عُثْمَان الواسطيُّ:"ثِقَةٌ مأمونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (103).
3) إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا الْخُلْقَانِيُّ، أَبُو زِيَادٍ الْكُوفِيُّ.
روى عن: داود بن أبي هند، وسليمان الأعمش، وعاصم الأحول، وآخرين.
روى عنه: سعيد بن سُلَيْمان، وسعيد بن مَنْصُور، ومحمد بن الصباح الدولابيُّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وأبو داود: ثِقَةٌ. وقال ابن معين، وأحمد: ليس به بأسٌ. وقال أحمد: حديثه حديثٌ مُقارب. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبيُّ في "من تُكلم فيه وهو مُوَثَّقٌ": ثِقَةٌ مُصَنِّفٌ، شيعيٌّ.
- وقال أبو حاتم: صالحٌ. وقال النَّسَائيُّ: أرجو أن لا يكون به بأس. وقال ابن خِراش: صدوقٌ. وقال ابن عدي: حسنُ الحديث، يُكتب حديثه. وقال الذهبيُّ في "الميزان" وغيره: صَدُوقٌ يَتَشَيَّعُ. ورمز له ابن حجر في "اللسان" بـ (صح): التي تدلُّ على أنَّه مِمَّن تُكُلِّم فيه بلا حجة. وفي "التقريب": صَدوقٌ، يُخطئ قليلًا.
- وقال ابن معين، وأحمد، والعِجْليُّ: ضَعيفُ الحديث.
فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ"، وتضعيفه محمولٌ على الخطأ، أو التَّشَيُّع، فقد روى له الجماعة، والله أعلم.
(1)
4) دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ دِينَارِ بْنِ عَذَافِرَ الْبَصْرِيُّ.
روى عن: عامر الشَّعْبيّ، والحسن البصريّ، وسعيد بن المُسيب، وعاصم الأحول، وآخرين.
روى عنه: إسماعيل بن زكريا، والحمَّادان، وشعبةُ، والثوريّ، ويحي بن سعيد الأنصاري، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو حاتم: ثِقَةٌ، وهو أحبُّ إليّ مِنْ عاصم الأحول. وقال أحمد: ثِقَةٌ ثِقَةٌ، ومِثْلُه لا يُسأل عنه. وقال النَّسائيُّ، والذهبيُّ: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: مِنْ خِيَار أهل البَصْرَة مِنْ المُتْقِنِيْنَ في الرِّوَايَات، إِلَّا إِنَّه كان يَهِمُ إِذا حَدَّث مِنْ حفظه، روى عن أنس أحاديث ولم يَسْمع منه شيئًا. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، كان يَهِمُ بآخرة. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ". استشهد به البخاري، وروى له الباقون.
(2)
5) عامر بن شَراحيل الشَّعْبي: "ثقةٌ فقيهٌ مَشْهورٌ فاضلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (72).
6) جَريرُ بن عَبْد اللَّهِ أَبُو عمرو البَجَليُّ: "صحابيٌّ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (38).
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْليّ 1/ 225، "الجرح والتعديل" 2/ 170، "الثِّقات" 6/ 44، "الكامل" 1/ 517، "التهذيب" 3/ 93، "الكاشف" 1/ 246، "تاريخ الإسلام" 4/ 580، "الديوان" 1/ 84، "من تُكُلِّم فيه وهو مُوَثَّقٌ"(ص/105)، "الميزان" 1/ 228، "تهذيب التهذيب" 1/ 298، "لسان الميزان" 9/ 260،
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 411، "الثقات" 6/ 278، "التهذيب" 8/ 464، "السير" 6/ 376، "التقريب"(1817).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "حَسَنٌ لذاته"؛ لأجل إسماعيل بن زكريا.
وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين" - كما سبق في التخريج - يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن دَاوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ إلا إِسْمَاعِيلُ، تَفَرَّدَ بِهِ: سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ.
قلتُ: لم يَنْفَرد به إسماعيل بن زكريا عن داود بن أبي هندٍ، بل تابعه سُفْيَان بن عُيَيْنَة عند الخرائطي في "مكارم الأخلاق"، ولم يَنْفَرد به كذلك سعيد بن سُليمان عن إسماعيل بن زكريا، بل تابعه زكريا بن عديّ بن رزيق كما عند أبي عوانة في "المُستخرَج" - وقد سبق بيان ذلك في التخريج -، والله أعلم.
وتعقبه الشيخ/ الحويني في "تنبيه الهاجد" بمتابعة زكريا بن عدي وحده.
(1)
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَانَتْ مُبَايَعَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه بِحَسَبِ ما يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ تَجْدِيدِ عَهْدٍ، أو تَوْكِيدِ أَمْرٍ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ.
(2)
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير"(2395)، مِنْ طريق زِيَاد بن أبي سُفْيَانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بن جَرِيرٍ البَجَلِيُّ، عن أَبِيهِ، قال: غَدَا أَبُو عَبْدِ اللهِ إِلَى الْكُنَاسَةِ لِيَبْتَاعَ مِنْهَا دَابَّةً، وَغَدَا مَوْلًى لَهُ فَوَقَفَ فِي نَاحِيَةِ السُّوقِ، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ تَمُرُّ عَلَيْهِ، فَمَرَّ بِهِ فَرَسٌ فَأَعْجَبَهُ، فَقَالَ: لِمَوْلاهُ انْطَلِقْ فَاشْتَرِ ذَلِكَ الْفَرَسَ، فَانْطَلَقَ مَوْلاهُ، فَأَعْطَى صَاحِبَهُ بِهِ ثَلاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَبِيعَهُ فَمَاكَسَهُ، فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَبِيعَهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَنْطَلِقَ إِلَى صَاحِبٍ لَنَا نَاحِيَةَ السُّوقِ؟ قَالَ: لا أُبَالِي فَانْطَلَقَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مَوْلاهُ: أَنِّي أَعْطَيْتُ هَذَا بِفَرَسِهِ ثَلاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَبَى، وَذَكَرَ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ صَاحِبُ الْفَرَسِ: صَدَقَ أَصْلَحَكَ اللهُ فَتَرَى ذَلِكَ ثَمَنًا، قَالَ: لا فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ تَبِيعُهُ بِخَمْسِمائةٍ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ ثَمَانَمائةٍ، فَلَمَّا أَنْ ذَهَبَ الرَّجُلُ أَقْبَلَ عَلَى مَوْلاهُ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ انْطَلَقْتَ لِتَبْتَاعَ لِي دَابَّةً، فَأَعْجَبَتْنِي دَابَّةُ رَجُلٍ، فَأَرْسَلْتُكَ تَشْتَرِيهَا، فَجِئْتَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُودُهُ وَهُوَ يَقُولُ: مَا تَرَى مَا تَرَى، وَقَدْ بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ
مُسْلِمٍ.
* * *
(1)
يُنظر: "تنبيه الهاجد لما وقع مِنْ النَّظر في كتب الأماجد" حديث رقم (1484).
(2)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 139).
[186/ 586]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا أَبِي، وَعَمِّي عِيسَى، قالا: نا سُوَيْدٌ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن سُفْيَانَ إلا سُوَيْدٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنَا المُسَاوِرِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(14/ 422) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(49/ 210) -، مِنْ طريق المُصَنِّف، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم، به.
• وأبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(952)، قال: أخبرنا أحمد بن القاسم، نا عميّ عيسى بن مُسَاور، نا سويد بن عبد العزيز، به.
• وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(17/ 321 و 54/ 197)، مِنْ طريق إسماعيل بن حِصْن الجبيليّ، قال: نا سُويد بن عبد العزيز، به.
• والبخاريُّ في "صحيحه"(6622) ك/الأيمان والنذور، وبرقم (7146) ك/الأحكام، ب/مَنْ لَمْ يَسْأَلِ الإِمَارَةَ أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وبرقم (6722) ك/الكفارات والأيمان، ب/الكَفَّارَةِ قَبْلَ الحِنْثِ وَبَعْدَهُ، وبرقم (7147) ك/الأحكام، ب/ مَنْ سَأَلَ الإِمَارَةَ وُكِلَ إِلَيْهَا، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1652) ك/الأيمان، ب/نَدْبِ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، أَنْ يَأْتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ، وبرقم (1824) ك/الإمارة، ب/النَّهْيِ عَنْ طَلَبِ الإِمَارَةِ وَالحِرْصِ عَلَيْهَا، مِنْ طُرُقٍ عن الحسن البصري، به.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوهري:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) القاسم بن المُسَاور، الجَوْهَريُّ:"مجهول الحال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (126).
3) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
4) سُويد بن عبد العزيز بن نُمَير السُّلَّميُّ: "ضعيفٌ، يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (65).
5) سُفْيَان بن حُسَين بن الحَسَن الواسطيُّ: "ثِقَةٌ في غير الزُّهْري"، تَقَدَّم في الحديث رقم (124).
6) الحَسَنُ بن أبي الحسن البَصْريُّ: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ، فَاضِلٌ وَرِعٌ، كثير الإرسال، وعنعنته محمولةٌ على الاتصال والسماع في روايته عَمَّن صَحَّ له سماعه منه في الجملة، إلا في روايته عن سَمْرة بن جُنْدب فإنَّه يدلِّس عنه؛ وأما في روايته عمن لم يسمع منه - وإن عاصره أو لقيه - فلا بدَّ أن يصرح بسماعه منه في الجملة، وإلا فمنقطعٌ - لإرساله - والله أعلم. تقدَّم في الحديث رقم (31).
7) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبِ بْن عَبْد شَمْسِ بْن عَبْد مَناف بْن قُصَيٍّ، أَبُو سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ.
روى عن: النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وعن معاذ بْن جبل رضي الله عنه.
روى عنه: الحسن البَصْرِيّ، وسعيد بن المُسيب، ومحمد بن سيرين، وآخرون.
أَسْلَمَ يَوْمَ الفَتْحِ، وشهد غزوة تبوك مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم شهد فتوح العراق، وهو الّذي افتتح سجستان وغيرها في خلافة عثمان، ثم نزل البصرة، ومات بها سنة خمسين. وقيل: سنة إحدى وخمسين.
(1)
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل سويد بن عبد العزيز.
وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين" - كما سبق في التخريج - يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
رابعًا: - النظر في كلام المُصنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن سُفْيَانَ إلا سُوَيْدٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنَا المُسَاوِرِ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن أنَّه لم يَروه عن سُفْيَان بن حُسين إلا سُويد، بينما لم ينفرد به ابنا المُساور، بل تابعهما إسماعيل بن حِصْن الجبيليّ، عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق".
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي رضي الله عنه: في الحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا: كَرَاهَةُ سُؤَالِ الْوِلَايَةِ، سَوَاءٌ وِلَايَةُ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْحِسْبَةِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْهَا: بَيَانُ أَنَّ مَنْ سَأَلَ الْوِلَايَةَ لَا يَكُونُ مَعَهُ إِعَانَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَكُونُ فيه كفاية لذلك العمل فينبغي أن لا يُوَلَّى؛ وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم:"لا نُوَلِّي عَمَلَنَا مَنْ طَلَبَهُ أَوْ حَرَصَ عَلَيْهِ".
(2)
وقال ابن دقيق العيد رضي الله عنه: لمَّا كَانَ خَطَرُ الْوِلَايَةِ عَظِيمًا، بِسَبَبِ أُمُورٍ فِي الْوَالِي، وَبِسَبَبِ أُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهُ كَانَ طَلَبُهَا تَكَلُّفًا، وَدُخُولًا فِي غَرَرٍ عَظِيمٍ، فَهُوَ جَدِيرٌ بِعَدَمِ الْعَوْنِ، وَلَمَّا كَانَتْ إذَا أَتَتْ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا هَذَا التَّكَلُّفُ كَانَتْ جَدِيرَةً بِالْعَوْنِ عَلَى أَعْبَائِهَا وَأَثْقَالِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَى أَلْطَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَبْدِ بِالْإِعَانَةِ عَلَى إصَابَةِ الصَّوَابِ فِي فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، تَفَضُّلًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ التَّكْلِيفِ وَالْهِدَايَةِ إلَى النَّجْدَيْنِ".
(3)
* * *
(1)
يُنظر: "الاستيعاب" 2/ 835، "أسد الغابة" 3/ 450، "التهذيب" 17/ 157، "الإصابة" 6/ 490.
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(11/ 116).
(3)
يُنظر: "إحكام الأحكام"(2/ 253)، وينظر:"فتح الباري"(13/ 124).
[187/ 587]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}
(1)
: قَالَ: اللِّينَةُ: النَّخْلَةُ.
{وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} قَالَ: اسْتَنْزَلُوهُمْ مِنْ حُصُونِهِمْ، وَأُمِرُوا بِقِطْعٍ النَّخْلِ، فَحَكَّ فِي صُدُورِهِمْ.
فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: قَطَعْنَا بَعْضَهَا وَتَرَكْنَا بَعْضَهَا، فَلَنَسْأَلَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ لَنَا فِيمَا قَطَعْنَا مِنْ أَجْرٍ؟ وَهَلْ عَلَيْنَا فِيمَا تَرَكْنَا مِنْ وِزْرٍ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن حَبِيبِ بن أَبِي عَمْرَةَ إلا حَفْصٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: عَفَّانُ.
هذا الحديث مَدَاره على حَفْص بن غِيَاث، واختُلِفَ عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: حَفْصُ بن غِيَاثٍ، عن حَبِيب بن أبي عَمْرَةَ، عن ابن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ (مَوْصولاً).
الوجه الثاني: حَفْصُ بن غِيَاثٍ، عن حَبِيب بن أبي عَمْرَةَ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مُرْسَلاً).
الوجه الثالث: حَفْصٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جَابِرٍ رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
حَفْصٌ، عن حَبِيب بن أبي عَمْرَةَ، عن ابن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ (مَوْصولاً).
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه الضياء في "المختارة"(143)، مِنْ طريق المُصَنِّف، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم، به.
- والترمذي في "سننه"(3303) ك/التفسير، ب/مِنْ سورة الحشر، وفي "العلل الكبير"(666)، والنَّسائي في "الكبرى"(8556) ك/السير، ب/تَأْوِيلُ قَوْلِ اللهِ عز وجل:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} ، وبرقم (11510) ك/التفسير، ب/قوله تعالى:{وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} - ومِنْ طريقه الطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(1111) -، عن الحَسَن بن مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيّ؛ والبَزَّار في "مُسْنَدِه"(5145)، قال: حَدَّثنا الفضل بن سَهْل.
كلاهما (الحسن، والفضل) قالا: حدَّثنا عَفَّانُ بن مُسْلِمٍ، قال: حدَّثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، به.
وقال الترمذي في "السنن": هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وقال في "العلل": سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَاسْتَغْرَبَهُ وَسَمِعَهُ مِنِّي. وعند النَّسائي: قال الزَّعْفَرَانِيُّ: كان عَفَّانُ حدَّثنا بهذا الحَدِيثِ، عن عَبْدِ الوَاحِدِ، عن حَبِيبٍ، ثُمَّ رَجَعَ فَحَدَّثْنَاهُ عَنْ حَفْصٍ.
(1)
سورة "الحشر"، آية (5).
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبرانيّ):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَفَّان بن مسلم بن عَبْد اللَّهِ الصَّفَّار: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (102).
3) حَفْصُ بن غِيَاث بن طلق بن معاوية النَّخعيُّ: "ثقةٌ فقيه تغيَّر حفظه قليلاً في الآخر". ووصفه بالاختلاط ليس هو المعنى الاصطلاحي، وإنَّما بسبب سوء الحفظ، تَقَدَّم في الحديث رقم (92).
4) حَبِيبُ بن أبي عَمْرة القَصَّاب، أبو عبد اللَّهِ الحِمَّانِيُّ، مولاهم، الكوفي بياع القصب.
روى عن: سَعِيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعائشة بنت طلحة بن عُبَيد اللَّه، وآخرين.
روى عنه: حفص بن غِياث، وجرير بن عبد الحميد، وسُفيان الثوري، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، والنَّسائيُّ، والذَّهبيّ، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(1)
5) سَعيد بن جُبير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فقيهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
حَفْصٌ، عن حَبِيبٍ، عن ابن جُبَيْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مُرْسَلاً).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الترمذي في "سننه"(3303/ 2) ك/التفسير، ب/مِنْ سورة الحشر، وفي "العلل"(666/ 2)، قال: حدَّثنا عبد اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ - وفي "العلل": ذَاكَرْتُ بهذا الحَدِيثِ عَبْدَ اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فقال: أخبرنا هارون بن مُعَاوِيَةَ -، عن هَارُونَ بن مُعَاوِيَةَ، عن حَفْصِ بن غِيَاثٍ، عن حَبِيبِ بن أبي عَمْرَةَ، عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً: سَمِعَ مِنِّي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الحَدِيثَ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) عبدُ الله بن عبد الرحمن الدَّارميُّ: "ثِقَةٌ فاضلٌ مُتْقِنٌ".
(2)
2) هارون بن معاوية بن عُبيد الله بن يَسار الأشعريُّ: "صدوقٌ".
(3)
3) وبقية رجال الإسناد: سبقت تراجمهم في الوجه الأول.
ثالثًا: - الوجه الثالث:
حَفْصٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جَابِرٍ.
• أخرجه أَبُو يَعْلَى في "مُسْنَده"(2189)، قال: ثنا سُفْيَانُ بن وَكِيعٍ، ثنا حَفْصٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، عنْ سُلَيْمَانَ بن مُوسَى، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جَابِرٍ رضي الله عنه، قال: رخص لهم، فِي قَطْعِ النَّخْلِ، ثُمَّ شُدِّدَ عَلَيْهِمْ فَأَتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيْنَا إِثْمٌ فِيمَا قَطَعْنَا، أَوْ علينا فِيمَا تَرَكْنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عز وجل:
…
{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} .
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 106، "الثقات" 6/ 177، "التهذيب" 5/ 386، "الكاشف" 1/ 309، "التقريب"(1102).
(2)
يُنظر: "التقريب"(3434).
(3)
يُنظر: "التقريب"(7241).
قال البوصيري: هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، لِضَعْفِ سُفْيَانَ بن وَكِيعِ.
(1)
وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى عن شيخه سفيان بن وكيع، وهو ضعيفٌ.
(2)
رابعًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مَدَاره على حَفْص بن غِيَاث، واختُلِفَ عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: حَفْصُ بن غِيَاثٍ، عن حَبِيب بن أبي عَمْرَةَ، عن ابن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ (مَوْصولاً).
الوجه الثاني: حَفْصُ بن غِيَاثٍ، عن حَبِيب بن أبي عَمْرَةَ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مُرْسَلاً).
الوجه الثالث: حَفْصٌ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن سُلَيْمَانَ بن مُوسَى، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جَابِرٍ رضي الله عنه.
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الأول هو الأقرب للصواب؛ فالوجه الأول رواه عَفَّان بن مُسلمٌ وهو أوثق وأثبت، ومعه زيادة علم؛ بالإضافة إلى أنَّ الوجه الثالث رواه سُفْيَان بن وكيع، وهو "ضَعيفٌ".
خامسًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "صَحيحٌ لذاته".
وأخرج البخاريُّ، ومُسْلمٌ في "صحيحيهما" عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهِيَ البُوَيْرَةُ
(3)
، فَنَزَلَتْ:{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} .
(4)
رابعًا: - النظر في كلام المُصنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن حَبِيبِ بن أَبِي عَمْرَةَ إلا حَفْصٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: عَفَّانُ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
سادسًا: - التعليق على الحديث:
قَوْله: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} صِنْفٌ مِنَ النَّخْلِ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: في تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ إِيمَاءٌ إلى أَنَّ الذي يَجُوزُ قَطْعُهُ مِنْ شَجَرِ العَدُوِّ ما لا يَكُونُ مُعَدًّا للاقتيات؛ لأَنَّهُم كانوا يَقْتَاتُونَ العَجْوَةَ والبَرْنِيَّ دُونَ اللِّينَةِ.
وفي هذا الحديث جَوَازُ قطع شَجَرِ الكُفَّارِ وإحرَاقِهِ، وبه قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن القاسم، ونافع مولى بن عُمَرَ، وَمَالِكٌ، والثَّوْرِيُّ، وأبو حَنِيفَةَ، والشَّافِعِيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ، والجُمْهُورُ، وقال أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، واللَّيْثُ بن سَعْدٍ، وأبو ثَوْرٍ، والأَوْزَاعِيُّ رضي الله عنهم في رِوَايَةٍ عنهم لا يَجُوزُ.
(5)
(1)
يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة"(6/ 284/5856).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 122).
(3)
البُوَيْرَةُ: مُصَغَّرُ بُؤْرَةٍ، مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَتَيْمَاءَ، مِنْ جِهَةِ قِبْلَةِ قَبَاءَ إِلَى جِهَةِ الغَرْبِ. "فتح الباري"(7/ 333).
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(4031) ك/المغازي، ب/حَدِيث بَنِي النَّضِيرِ، وبرقم (4884) ك/التفسير، ب/قوله تعالى {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1746) ك/الجهاد والسير، ب/جَوَازِ قَطْعِ أَشْجَارِ الكُفَّارِ وَتَحْرِيقِهَا.
(5)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(12/ 50)، "فتح الباري" لابن حجر (7/ 333 و 8/ 629).
[188/ 588]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عِصْمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَزَّازُ، قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فلا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إلا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فلا يَقْعُدَنَّ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن لَيْثٍ إلا الحَسَنُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة - كما في "إتحاف الخيرة المهرة"(1/ 302/برقم 512/ 2 - 3) -، - ومِنْ طريقه أبو يَعلى في "مسنده"(1925) -، والترمذي في "سننه"(2801) ك/الأدب، ب/مَا جَاءَ في دُخُولِ الحَمَّامِ، وابن عدي في "الكامل"(3/ 154)، مِنْ طريق مُصْعَب بن المِقْدَامِ، عن الحَسَنِ بن صَالِح، به.
وزاد فيه: "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُدْخِلْ حَلِيلَتَهُ الحَمَّامَ".
وقال الترمذيُ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ طَاوُوسٍ، عن جَابِرٍ إلا مِنْ هذا الوَجْهِ، قال البخاريُّ: لَيْثُ بن أبي سُلَيْمٍ صَدُوقٌ ورُبَّمَا يَهِمُ في الشَّيءِ. وقال البخاريُّ أيضًا: قال أحمد بن حَنْبَلٍ: لَيْثٌ لا يُفْرَحُ بِحَدِيثِهِ، كان لَيْثٌ يَرْفَعُ أَشْيَاءَ لا يَرْفَعُهَا غَيْرُهُ، فلذلك ضَعَّفُوهُ.
• وأحمد في "مُسْنَده"(14651)، مِنْ طريق ابن لهيعة.
- والدَّارميُّ في "مسنده"(2137)، وابن بِشْرَان في "أماليه"(189)، مِنْ طريق الحسن بن أبي جعفر.
- والنَّسائيُّ في "الكبرى"(6708) ك/الوليمة، ب/النَّهْيُ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ، وفي "الصغرى"(401)، والطبرانيُّ في "الأوسط"(1694 و 8214)، والحاكم في "المستدرك"(7779)، والبيهقيُّ في "الشعب"(5596)، مِنْ طريق مُعاذ بن هشام، عن أبيه هشام بن أبي عبد الله الدّستوائيّ، عن عطاء.
- وأبو يعلى في "مسنده"(1807)، والعُقيليُّ في "الضعفاء"(1/ 312)، مِنْ طريق حَمَّاد بن شُعيب.
- وابن خزيمة في "صحيحه"(249)، وأبو سعيد بن الأعرابيُّ في "معجمه"(391)، والحاكم في "المستدرك"(581)، مِنْ طريق زُهير بن مُعاوية.
- والطبرانيُّ في "الأوسط"(688)، مِنْ طريق إبراهيم بن طَهْمَان.
- والطبرانيُّ أيضًا في "الأوسط"(2510)، مِنْ طريق عَبَّاد بن كثير المكيّ.
سبعتهم عن أبي الزُّبير، عن جابر رضي الله عنه، وعند أحمد، والطبرانيّ، وابن بِشْران، والبيهقي بنحوه مُطولاً. وعند الدَّارميّ، والنَّسائيّ في "الكبرى" مُختصرًا بجزئه الثاني فقط. وعند النَّسائيّ في "الصغرى" مُخْتصرًا بجزئه الأول. ولفظه عند أبي يَعلى، وابن خزيمة، وابن الأعرابيّ، والحاكم، والعُقيليّ: عَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْخُلَ الْمَاءُ إلا بِمِئْزَرٍ. وقال الطبرانيُّ: يُقَالُ: إِنَّ عَطَاءً الَّذِي رَوَى عَنْهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ. وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وتعقَّبه الذهبي، فقال: على
شرط مسلم. وقال العُقَيْليّ: حَمَّاد ضَعيفٌ، وَلَا يُتَابِعَهُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ هُوَ دُونَهُ أَوْ مِثْلَهُ.
وقال البوصيري - بعد أن ذكره بإسناد أبي يَعْلى -: هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ؛ لِضَعْفِ حَمَّادِ بن شُعَيْبٍ.
(1)
وقال الذهبيُّ في ترجمة حَمَّاد بن شُعيب: ومن مناكيره ما رواه جماعة عنه، عن أبي الزبير، عن جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل الماء إلا بمئزر.
(2)
• وأخرجه الدَّارقُطنيّ في "الثاني مِنْ الأفراد"(12)، مِنْ طريق المعلى بن هلال، عن عطاء بن عجلان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: وثنا المعلى بن هلال، عن ليث بن أبي سليم، عن بَحْرِ، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فلا يَقْعُد عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَب عَلَيْهَا الْخَمْرُ» .
وقال الدَّارقُطني: غريب من حديث عطاء بن عجلان، عن أبي الزبير، عن جابر، تَفَرَّد به المعلى بن هلال عنه. قلتُ: وعطاء بن عجلان "متروكٌ، بل أطلق عليه ابن معين، والفلَّاس، وغيرهما الكذب".
(3)
والمُعَلَّى بن هلال: اتَّفَقَ النُّقَّادُ على تَكْذِيبه.
(4)
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عِصْمَة بن سُلَيْمَان، أبو سُلَيْمَان الخَزَّاز:"ما كان به بأسٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (136).
3) الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، الْفَقِيهُ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ الْعَابِدُ.
روى عن: ليث بن أبي سُليم، وشُعْبَة بن الحَجَّاج، وعاصم الأحول، وآخرين.
روى عنه: عصمة بن سُلَيْمَان، ووكيع بن الجَرَّاح، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وآخرون.
حاله: قال أحمد: صحيحُ الرَّواية، يَتَفَقَّه، صائنٌ لنفسه في الحديث والورع. وقال ابن معين: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، حَافِظٌ. وقال أبو زرعة: اجتمع فيه إتقانٌ، وفقهٌ، وعبادةٌ. وقال النَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: كان مِنْ المُتْقِنِيْن وأهل الفضل في الدين. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، فَقِيهٌ، عابدٌ، رُميَ بالتَّشيع.
(5)
(1)
يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة"(1/ 303/برقم 514).
(2)
يُنظر: "ميزان الاعتدال"(1/ 596).
(3)
يُنظر: "التقريب"(4594).
(4)
يُنظر: "التقريب"(6807).
(5)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 18، "الثقات" 6/ 164، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/201)، "التهذيب" 6/ 177، "الكاشف" 1/ 326، "الميزان" 1/ 496، "تهذيب التهذيب" 2/ 288، "التقريب" (1250). وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديمٌ، لكن استقر الأمر على ترك ذلك؛ لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه، ففي وقعة الحرة، ووقعة ابن الأشعث، وغيرهما عظة لمن تدبر، وبمثل هذا الرأي لا يَقدح في رجل قد ثبتت عدالته واشتهر بالحفظ والإتقان والورع التام، والحسن مع ذلك لم يخرج على أحد؛ وأمَّا ترك الجمعة ففي جملة رأيه ذلك أن لا يصلي خلف فاسقٍ، ولا يصحح ولاية الإمام الفاسق، فهذا ما يُعتذر به عن الحسن، وإن كان الصواب خلافه فهو إمامٌ مُجتهدٌ.
4) لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ الكُوفِيُّ القُرَشِيُّ.
روى عن: مُجاهد بن جبر، وطاووس بن كَيْسان، وعامر الشَّعبيُّ، وآخرين.
روى عنه: الحسن بن صالح، وسُفْيَان الثوريُّ، وشُعبة بن الحَجَّاج، وزُهير بن معاوية، وآخرون.
حاله: قال العجليُّ: جائز الحديث. وقال: لا بأس به. وقال ابن معين، والنَّسائيُّ، والدَّارقُطنيّ: ضَعيفٌ. وزاد ابن معين: إلا أنَّهُ يُكتب حديثه. وقال أحمد: مُضْطَرب الحديث، ولكن حدَّث النَّاس عنه. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة: لا يُشتغل به، هو مُضْطَربُ الحديث. وقال أبو زرعة: لَيِّن الحديث، لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث. وقال ابن حبَّان: اختلط في آخر عمره. وقال ابن عدي: مع ضَعْفِه، يُكتب حديثه. ونقل البرقاني عن الدَّارقُطنيّ، أنَّه قال: صاحب سنة، يُخَرَّج حديثه، ثُمَّ قال: إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء، وطاووس، ومجاهد، حسب. وقال الذهبي في "الكاشف": فيه ضَعْفٌ يسيرٌ مِنْ سوء حفظه. وفي "السير": بعض الأئمة يحسن لليث، ولا يبلغ حديثه مرتبة الحسن، بل عداده في مرتبة الضعيف المُقارب، فيُروى في الشواهد والاعتبار، وفي الرغائب، والفضائل، أمَّا في الواجبات، فلا. استشهد به البخاري في "الصحيح"، وروى له في "رفع اليدين فِي الصلاة "، وغيره، وروى له مُسْلِم مقرونا بغيره، وروى له الباقون.
(1)
5) طاووس بن كَيْسَان اليماني: "ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
6) جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، مُكْثِرٌ"، تَقَدّم في الحديث رقم (20).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لأجل ليث بن أبي سُليم.
وللحديث مُتابعاتٌ عن أبي الزُّبير، عن جابر، لا يخلو كلُ طريق مِنْها مِنْ ضَعْفٍ في إسنادها، بالإضافة إلى أنَّ أبا الزُّبير قد رواه بالعنعنة عن جابر رضي الله عنه، فالحديث يرتقي بمجموعها إلى "الحسن لغيره".
لذا قال الترمذي: وقال الترمذيُ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ طَاوُوسٍ، عن جَابِرٍ إلا مِنْ هذا الوَجْهِ، ونقل الاختلاف في ليث بن أبي سُليم - كما سبق -، فلعلَّه حسَّنه بمتابعاته، والله أعلم.
وقال ابن حجر: أخرجه النَّسائيُّ مِنْ حديث جابرٍ مرفوعًا، وإسناده جيد، وأخرجه الترمذي من وجه آخر بسندٍ فيه ضعفٌ، وأبو داود عن ابن عمر بسند فيه انقطاع.
(2)
(1)
يُنظر: "الثقات" للعجليّ 2/ 231، "الجرح والتعديل" 7/ 177، "المجروحين" 2/ 231، "الكامل" 7/ 233، "التهذيب" 24/ 279، "الكاشف" 2/ 151، "السير" 6/ 184، "الميزان" 3/ 420.
(2)
يُنظر: "فيض القدير"(6/ 211 - 212). وقال البُوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة"(1/ 304): وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سعيد الخدري، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَالْمِقْدَامِ رضي الله عنهم. قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (3/ 398): رَوَاهُ البَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، وَمِنْ حَدِيثٍ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَأَسَانِيدُهَا ضِعَافٌ. ويُنظر:"مجمع الزوائد" للحافظ الهيثميّ (1/ 282 - 284).
رابعًا: - النَّظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن لَيْثٍ إلا الحَسَنُ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرُّد صَحيحٌ، وهو تَفَرُّدٌ نسبيٌّ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه.
وقد وافقه على ذلك الإمام الترمذي رضي الله عنه، فقال - كما سبق في التخريج -: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ طَاوُوسٍ، عن جَابِرٍ إلا مِنْ هذا الوَجْهِ.
* * *
[189/ 589]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عِصْمَةُ الْخَزَّازُ، قَالَ: نا شَرِيكٌ، عَنْ مَجْزَأَةَ
(1)
بْنِ زَاهِرٍ.
عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ:
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مَجْزَأَةَ إلا شَرِيكٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير"(5312/ 1)، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم بن مُساور، به.
• وابن أبي شيبة في "مسنده"(644)، والمحامليّ في "أماليه"(65)، عن أبي أحمد محمد بن عبد الله الزُّبيريّ؛ والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 442)، عن مالك بن إسماعيل؛ وابن أبي خيثمة في "التاريخ"(3/ 18)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(2276)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 237)، عن أبي جعفر محمد بن سعيد الأصبهاني؛ والبَزَّار - كما في "كشف الأستار"(1047)، و"جامع المسانيد والسنن"(3096) -، وابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 237)، وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(3083)، مِنْ طريق عليّ بن حكيم الأوديّ؛ والدُّولابي في "الكنى"(1659)، عن أبي محمد الحسن بن عَنْبَسَة الوَرَّاق؛ والبغوي في "معجم الصحابة"(899) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "تاريخ أصبهان"(1/ 284) -، وابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 237)، والطبراني في "الكبير"(5312/ 2)، عن يحيى بن عبد الحميد الحمَّانيّ؛ وابن أخي ميمي في "فوائده"(95)، عن عليّ بن الجَعْد. سَبْعَتُهُم عن شريك، بنحوه.
وعند ابن أبي شيبة: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. وعند البخاري: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَومَ عاشُوراءَ: مَن أَصبَحَ صائِمًا فَليَصُم. وعند ابن أبي خيثمة، والطحاوي: بنحوه، وفيه:"فليَصُم بِاسْمِ اللَّه". وعند الدُّولابي: "فَلْيَصُمْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ".
وقال البَزَّار: لا نَعْلم روى زاهرًا إلا هذا وآخر. وذكر البغوي في ترجمة زاهر بن الأسود حديثًا آخر في تحريم لحوم الحُمُر الأهليّة، وقال: ولا أعلم لزاهر مُسندًا غير هذين الحديثين.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عِصْمَة بن سُلَيْمَان، أبو سُلَيْمَان الخَزَّاز:"ما كان به بأسٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (136).
3) شريك بن عبد الله النَّخَعيّ: "ضعيفٌ، يُعتبر بحديثه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (20).
4) مَجْزَأَةُ بْنُ زَاهِرٍ بن الأَسْوَد الأَسْلَمِيُّ الْكُوفِيُّ.
روى عن: أبيه زاهر بن الأسود، وعبد الله بن أبي أوفى، وعطاء النَّهديّ، وآخرين.
(1)
مَجْزَأَة: بفتح أوله، وسكون الجيم، وفتح الزاي، وبعدها همزة مفتوحةٌ. يُنظر:"التقريب"(6485).
روى عنه: إسرائيل بن يونس، وشَرِيك بن عبد الله النَّخعيُّ، وشعبة بن الحَجَّاج، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وروى له البخاري، ومسلم.
(1)
5) زَاهِرُ بن الأَسْوَد بن الحَجَّاج الأَسْلَميُّ.
روى عن: النَّبيّ صلى الله عليه وسلم. روى عنه: ابنُه مَجْزَأَة.
صحابيٌّ جليلٌ، شَهِد الحُدَيْبِيَة وخَيْبَر. وقال البخاري: بايع تحت الشجرة، يُعَدُّ في الكوفيين. وعَدَّه الإمام مُسلمٌ في طبقة الصحابة، وقال: لم يَرْو عنه إلا ابنه مَجْزَأَة بن زَاهِر. كان مِنْ أصحاب عمرو بن الحمق؛ يعني لما كان بمصر، فيُؤخذ مِنْه أنَّه عاش إلى خلافة عثمان بن عَفَّان رضي الله عنه.
(2)
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لأجل شريك بن عبد الله النَّخعيّ.
وقال الهيثمي: رواه البَزَّار، والطبرانيُّ في "الكبير"، و"الأوسط"، ورجال البَزَّار ثِقَاتٌ.
(3)
وقال البوصيري: رَوَاهُ أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ، ورجاله ثِقَاتٌ.
(4)
شواهد للحديث:
• أخرج البخاري ومُسلمٌ في "صحيحيهما" عن سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ:«مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ إِلَى اللَّيْلِ» .
(5)
قلتُ: وعليه فالحديث بشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن مَجْزَأَةَ إلا شَرِيكٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام بالتَّفرد صحيحٌ، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبِيٌّ؛ ولم أقف على ما يدفعه.
وقال الإمام مُسْلم - في ترجمة زاهر بن الأسود -: لم يَرْو عنه إلا ابنه مَجْزَأَة بن زَاهِر.
وعليه فصحيح العبارة - على منهج المُصَنِّف -: لم يَروه عن زاهر إلا ابنه مَجْزَأَة، تَفَرَّد به شريكٌ.
* * *
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 416، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 457، "التهذيب" 27/ 241، "التقريب"(6485).
(2)
"التاريخ الكبير" 3/ 442، "المنفردات والوحدان" ص/38، "الاستيعاب" 2/ 509، "أسد الغابة" 2/ 301، "الإصابة" 4/ 5.
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(3/ 186).
(4)
يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة"(3/ 82/برقم 2229).
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1924) ك/الصوم، ب/إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا، وبرقم (2007) ك/الصوم، ب/صيام يوم عاشوراء، وبرقم (7265) ك/أخبار الآحاد، ب/مَا كَانَ يَبْعَثُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأُمَرَاءِ وَالرُّسُلِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1135) ك/الصيام، ب/مَنْ أَكَلَ فِي عَاشُورَاءَ فَلْيَكُفَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ.
[190/ 590]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ النَّطَّاحِ، قَالَ: نا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ دَارَهُ، فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ لأَبِي بَكْرٍ مَجْلِسٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لا يَقُومُ عَنْهُ إلا لِلْعَبَّاسِ، فَكَانَ يَسُرُّ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ الْعَبَّاسُ يَوْمًا، فَزَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ مَجْلِسِهِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا لَكَ؟» .
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَمُّكَ قَدْ أَقْبَلَ.
فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مُبْتَسِمًا، فَقَالَ: «هَذَا الْعَبَّاسُ قَدْ أَقْبَلَ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ [بِياضٌ]
(1)
، وَسَيَلْبَسُ وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ السَّوَادَ، ويَمْلِكُ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً».
فَلَمَّا جَاءَ الْعَبَّاسُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا قُلْتِ لأَبِي بَكْرٍ؟
قَالَ: «مَا قُلْتُ إلا خَيْرًا» .
قَالَ: صَدَقْتَ بِأَبِي وَأُمِّي لا تَقُولُ إلا خَيْرًا.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن إِسْحَاقَ إلا حَفْصٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بن صَالِحٍ.
أولًا: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبرانيُّ في "المعجم الكبير"(10675)، قال: حدَّثنا أحمد بن القاسم، به، مُخْتصرًا.
• بينما أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(8/ 266)، مِنْ طريق أبي محمد القاسم بن عُمر الأَثْرَم، قال: نا محمد بن صالح بن مِهْرَان، نا جعفر بن عمر بن الشِّخِّير، حدثني إسحاق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن عبَّاس، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِيْنِهِ، فَأَبْصَرَ أَبُو بَكْرٍ الْعَبَّاسَ بَنَ عَبْدِ الْمُطَّلِب يَوْمًا مُقْبِلاً تَنَحَّى لَهُ عَنْ مَكَانِه، وَلَمْ يَرَه النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا نَحَّاكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: هَذَا عَمُّكَ
(1)
ما بين المعكوفتين ليس بالأصل، وألحقتها مِنْ "المعجم الكبير"(10675)، فقد أخرج الحديث عن أحمد بن القاسم؛ والحديث في "مجمع البحرين" برقم (3767)، وهي مُثْبَتةٌ فيه؛ وآخر الحديث يدل عليها. وفي المطبوع "بيضٌ"، وقال محققه الفاضل: زيادةٌ مِنْ "مجمع البحرين". قلتُ: وهي في "المجمع" كما أثبتها، وهو الصواب؛ لموافقتها لما في "المعجم الكبير"، والله أعلم.
يَا رَسُوَلَ الله، قَالَ: فَسُّرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رُؤي ذَلِكَ مِنْ وَجْهِهِ.
قلتُ: فذكر في إسناده: جَعْفَر بن عُمَر بن الشِّخِّير، بدل حفص بن عبد الله بن الشِّخِّير؛ وكلاهما لم أقف له - على حد بحثي - على ترجمة.
• وأخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات"(2/ 35)، مِنْ طريق إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ بن سِنِينَ، حدَّثني محمد بن صَالِحِ بن النَّطَّاحِ، حدَّثنا محمد بن دَاوُدَ بن على بن عبد الله بن عَبَّاسٍ، حدَّثني جَدِّي دَاوُدُ بن عَلِيٍّ، عن عَلِيِّ بن عبد الله بن عَبَّاسٍ، عن أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ عِنْدَهُ:"يَكُونُ الْمُلْكُ فِي وَلَدِكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: لا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِكَ".
قال ابن الجوزي: الأحاديث فِي ذكر ملك أَوْلَاد العَبَّاس، ولبسهم السَّوَاد: قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ من حَدِيث عَليّ، وجَابِر، وأنس، وابن عَبَّاسٍ، وأبي مُوسَى رضي الله عنهم
…
وذكر هذه الأحاديث، ثُمَّ قال: هذا حَدِيثٌ لا يصح مِنْ جَمِيع طُرُقِهِ
…
ثُمَّ أفاض رضي الله عنه في بيان عِلَّة كل حديث، ومِنها قوله: أما حَدِيث ابْن عَبَّاسٍ الأَوَّل فَقَالَ ابْن حِبَّانَ: مُحَمَّد بْن صَالِحٍ يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير لَا يجوز الِاحْتِجَاج بأفراده.
قلتُ: محمد بن صالح بن النَّطَّاح ذكره ابن حبَّان في "الثِّقات" - كما سبق في ترجمته -، وقول ابن حبَّان هذا إنَّما ذكره في ترجمة محمد بن صالح المدنيّ، وليس ابن النَّطَّاح.
(1)
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) مُحَمَّد بن صالح بن مِهْران النَّطَّاح: "صَدُوقٌ إخْبَاريٌّ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (104).
3) حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: لم أقف له على ترجمة؛ فهو "مجهول العين".
4) إِسْحَاق بْن عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس، الأمير أبو الحَسَن الهاشْميُّ.
روى عن: أبيه، وأبي جعفر المنصور.
روى عنه: حفص بن عبد الله بن الشِّخِّير، وجعفر بن عُمر بن الشِّخِّير، وإبراهيم بن رَيَّاح، وآخرون.
حاله: كان مِنْ وُجُوه بني هَاشم وأعيانهم، ولي إمرة المَدِينَة للمهدي، وولاَّه الرشيد البَصْرَة، ثمَّ ولاَّه دمشق بعد عزل عبد الملك بن صَالح سنة تسع وسبعين وَمِائَة. تُوُفّي سنة ثلاثٍ ومائتين.
(2)
5) عِيسَى بن عَلِيّ بن عَبْدِ اللَّهِ بن العَبَّاسِ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَيُقَالُ: أَبُو مُوسَى الْهَاشِمِيُّ.
روى عن: أبيه عليّ بن عبد الله، وأخيه محمد بن عليّ،
روى عنه: ابناه داود، وإسحاق، وهارون الرَّشيد، وشَيْبَان بن عبد الرحمن النَّحويّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ليس به بأسٌ، كان له مَذْهَبٌ جميلٌ، مُعْتَزِلاً للسُّلطَان. وعن الرَّشيد أنَّه قال لابنه:
(1)
يُنظر: "المجروحين"(2/ 260).
(2)
يُنظر: "تاريخ دمشق" 8/ 266، "تاريخ الإسلام" 5/ 28، "الوافي بالوفيات" 8/ 272.
كان أبو العباس عيسى بن عَلِيّ راهبنا وعالمنا أهل البيت. وقال الذهبي: وكان يَرْجِعُ إلى عِلمٍ وَدِينٍ وَصَلاحٍ، خَدَمَ أَبَاهُ وانتفع به، ولم يَتَوَلَّ إِمْرَةً على بَلَدٍ تَوَرُّعًا. وروى له أبو داود، والتِّرْمِذِيّ.
وقال ابن حجر: صَدُوقٌ مُقِلٌّ، كان مُعْتَزِلاً للسلطان.
(1)
6) عَليُّ بن عبد اللَّهِ بن عَبَّاس بن عبد المُطَّلِبِ، السّجَّاد:"ثِقَةٌ عَابدٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (172).
7) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضعيفٌ"؛ فيه حفص بن عبد الله بن الشِّخِّير، لم أقف له على ترجمة، فهو "مجهول العين". والحديث رواه محمد بن صالح بن النَّطَّاح "صدوقٌ إِخْبَاريّ"، وقد اضطرب فيه: فرواه مَرَّة عن حفص بن عبد الله بن الشِّخِّير، ورواه مَرَّة عن جعفر بن عمر بن الشِّخِّير، ورواه مَرَّة عن محمد بن دَاوُدَ بن على بن عبد الله بن عَبَّاسٍ.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير" باختصار، وفيه جماعة لم أعرفهم.
(2)
مُتابعات للحديث:
• والحديث أخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 529) - ومِنْ طريقه البيهقي في "الدلائل"(6/ 518) -، والعُقَيْليّ في "الضعفاء الكبير"(1/ 284) - ومِنْ طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1137) -، مِنْ طريق حَجَّاج بن تَمِيمٍ، عن مَيْمُونِ بن مِهْرَانَ، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإذا مَعَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام وَأَنَا أَظُنُّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ، فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ لَوَسَخُ الثِّيَابِ، وَسَيَلْبِسُ وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ السَّوَادَ، فَقُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَرَرْتُ فَكَانَ مَعَكَ دِحْيَةُ، فَذَكَرَهُ، وَقِصَّةَ ذِهَابِ بَصَرِهِ وَرَدِّهَا عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ. واللفظ لابن عدي.
وقال العُقَيْلي: حَجَّاجُ بن تَمِيمٍ الجَزَرِيُّ روى عن مَيْمُونِ بن مِهْرَانَ أحَادِيثَ لا يُتَابَعُ على شَيْءٍ مِنْهَا. وقال البيهقي: تَفَرَّدَ بِهِ حَجَّاجُ بْنُ تَمِيمٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وقال ابن الجوزي: هذا حَدِيثٌ لا أَصْلَ لَهُ. والحديث ذكره الذهبي في ترجمة حَجَّاج هذا، وقال: أَحادِيثُهُ تَدُلُ على أَنَّه واه.
(3)
قلتُ: فهذه مُتابعة لا يُعْتدُّ بها، ولا يُعتبر، والله أعلم.
(1)
"تاريخ بغداد" 12/ 467، "تاريخ دمشق" 47/ 330، "التهذيب" 23/ 5، "تاريخ الإسلام" 4/ 471، "التقريب"(5312).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(9/ 270).
(3)
يُنظر: "ميزان الاعتدال"(1/ 461).
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن إِسْحَاقَ إلا حَفْصٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بن صَالِحٍ.
قلتُ: لم يَتَفَرّد به حفص بن عبد الله، بل تابعه جعفر بن عمر بن الشِّخِّير - كما سبق ذكره في التخريج عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق" -، وتَفَرَّد بالرواية عنهما محمد بن صالح، ولم أقف لهما - حفص، وجعفر - على ترجمة، وأخشى أن يكون أحدهما تصحيفٌ، والله أعلم.
* * *
[191/ 591]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عِيسَى بْنُ الْمُسَاوِرِ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا بُنِىَ الْمِنْبَرُ، حَنَّ الْجِذْعُ، فَاحْتَضَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَسَكَنَ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الأَوْزَاعِيِّ إلا الوليدُ بن مُسْلِمٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: عِيسَى بن المُسَاوِرِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(12/ 485)، مِنْ طريق المُصَنِّف، به.
• وأبو نُعيم في "دلائل النبوة"(302)، عن أحمد بن عليّ الخَرَّاز، قال: ثنا عيسى بن المُساور، به، وزاد فيه: قَالَ جَابِرٌ: وَأَنَا شَاهِدٌ حِينَ حَنَّ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
• والبخاري في "صحيحه"(918) ك/الجمعة، ب/الخُطْبَة على المِنْبَرِ، وبرقم (3585) ك/المناقب، ب/عَلَامَات النُّبُوَّةِ في الإِسْلَامِ، مِنْ طريق يَحْيَى بن سَعِيدٍ، قال: أَخْبَرَنِي حفص بن عُبَيْد الله بن أَنَسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ المِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ العِشَارِ
(1)
، حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ».
• والبخاري في "صحيحه"(2095) ك/البيوع، ب/النَّجَّار، وبرقم (3584) ك/المناقب، ب/عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلَامِ، مِنْ طريق عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا قَالَ:«إِنْ شِئْتِ» ، قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ المِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا، حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهَا، فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ:«بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ» .
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عيسى بن مُسَاور الجوهري: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (113).
3) الوليدُ بن مُسْلِم، أبو العبَّاس الدمشقيُّ:"ثِقَةٌ، لَكِنَّه يُدَلِّسُ تدليس التسوية". وقال أبو مُسْهِر: كان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعيّ، وكان ابن أبي السفر كذَّابٌ، وهو يقول فيها قال الأوزاعيّ. وقال أيضًا: كان الوليد بن مسلم يُحَدِّث بأحاديث الأوزاعيّ عن الكذَّابين، ثُمَّ يُدَلِّسها عنهم. وقال الدَّارقطني: الوليد
(1)
العِشَارُ: النوقُ الحواملُ، واحدتها: عُشَرَاء، وهي التي أتى عليها في الحمل عشرةُ أشهرٍ، فَتُسَمَّى بذلك حتى تَضَع، وبعد أن تضع. "فتح الباري" لابن رجب (8/ 236)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 400).
بن مسلم يُرسل، يَروي عن الأَوزاعيّ أحاديث عند الأوزاعي عن شيوخٍ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأَوزاعيّ، مثل: نافع، وعطاء، والزُّهريّ، ويُسقط أسماء الضعفاء، ويجعلها عن الأَوزاعيّ عن نافع، وعن الأَوزاعيّ عن عطاء، يعني: مثل عبد الله بن عامر الأسلمي وإسماعيل بن مسلم. تَقَدَّم في الحديث رقم (116).
4) عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعيُّ: "ثِقَةٌ، فَقيهٌ، عابدٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (26).
5) يحيى بن أبي كثير: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ، كثير الإرسال والتدليس"، تَقَدَّم في الحديث رقم (53).
6) أَبُو سلمة بن عَبْد الرحمن بن عوف: "ثِقَةٌ مُكْثِرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (132).
7) جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "صَحَابِيٌّ جَليلٌ، مُكْثِرٌ"، تَقَدّم في الحديث رقم (20).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل الوليد بن مُسلم يُدَلّسُ تدليس التسوية، وقد رواه بالعنعنة، ويحيى بن أبي كثير يُدَلِّس، ورواه أيضًا بالعنعنة.
وللحديث مُتابعاتٌ عند البخاري في "صحيحه" - كما سبق ذكرها في التخريج -.
شواهد للحديث:
• أخرجه البخاري في "صحيحه"(3583) ك/المناقب، ب/علامات النبوة في الإسلام، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الجِذْعُ فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ.
وعليه فالحديث بمتابعاته وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره".
وقال القاضي عياضٌ: هُوَ فِي نَفْسِهِ مَشْهُورٌ مُنْتَشِرٌ .. وَالْخَبَرُ بِهِ مُتَوَاتِرٌ قَدْ خَرَّجَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ، وَرَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ
…
وذكرهم، ثُمَّ قال: فَهَذَا حَدِيثٌ كَمَا تراه خرّجه أهل الصحة .. ورواه من الصحابة من ذكرنا وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ضِعْفُهُمْ إلى مَنْ لَمْ نَذَكُرْهُ .. وَبِدُونِ هَذَا الْعَدَدِ يَقَعُ الْعِلْمُ لِمَنِ اعْتَنَى بِهَذَا الْبَابِ.
(1)
وقال الدّميريّ: قال الشيخ أبو عبد الله بن النعمان في كتاب "المستغيثين بخير الأنام": حديث حنين الجذع الذي كان يخطب إليه النبي صلى الله عليه وسلم، مُتواترٌ، رواه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم العدد الكثير، والجم الغفير
…
ثُمَّ قال الدميري: وحنين الجذع إليه، وتسليم الحجر عليه، لم يثبت لواحد من الأنبياء إلا له صلى الله عليه وسلم.
(2)
وقال ابن كثير: وَقَدْ وَرَدَ حديث حنين الجذع مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ وَفُرْسَانِ هَذَا الْمَيْدَانِ.
(3)
وقال الحافظ ابن حجر: حَنِينَ الجِذْعِ وَانْشِقَاقَ القَمَرِ نُقِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَقْلًا مُسْتَفِيضًا يُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ مَنْ
(1)
يُنظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم "(1/ 581 - 587).
(2)
يُنظر: "حياة الحيوان الكبرى"(2/ 159).
(3)
يُنظر: "البداية والنهاية"(8/ 679).
يَطَّلِعُ عَلَى طُرُقِ ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا مُمَارَسَةَ لَهُ في ذَلِكَ.
(1)
وقال الكتانيّ: وفي "شرح ألفية السير للعراقي" للشيخ/عبد الرؤوف المناوي، قال: ورد حنين الجذع من طرق كثيرة صحيحة يفيد مجموعها التواتر المعنوي، ثم ذكر أنه ورد عن جمع من الصحابة نحو العشرين، ونص على تواتره أيضاً التاج السبكي في "شرحه لمختصر ابن الحاجب" الأصلي.
(2)
والحديث عَدَّه السيوطيُّ، والكتاني مِنْ الأحاديث المتواترة.
(3)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن الأَوْزَاعِيِّ إلا الوليدُ بن مُسْلِمٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: عِيسَى بن المُسَاوِرِ.
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام بالتَّفرد صحيحٌ، وهو تَفَرُّدٌ نسبيٌّ، ولم أقف على ما يدفعه.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال المُبارك بن فَضَالة: كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى، فقال: يَا عِبادَ اللَّهِ، الْخَشَبُ يَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَوْقًا إِلَى لِقَائِهِ، أَفَلَيْسَ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَرْجُونَ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَقَّ أَنْ يَشْتَاقُوا إِلَيْهِ؟.
(4)
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَمْرِ الْحَنَّانَةِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَأَمْرُ الْحَنَّانَةِ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَعْلَامِ النَّيِّرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَرِوَايَةُ الْأَحَادِيثِ فِيهِ كَالتَّكْلِيفِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَبِهِ الْعِيَاذُ وَالْعِصْمَةُ.
(5)
وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْجَمَادَاتِ قَدْ يَخْلُقُ اللَّهُ لَهَا إِدْرَاكًا كَالْحَيَوَانِ بَلْ كَأَشْرَفِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِقَوْلِ مَنْ يَحْمِلُ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}
(6)
على ظَاهره وَقد نقل ابن أَبِي حَاتِمٍ فِي "مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ" عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا، فَقُلْتُ: أَعْطَى عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى، قَالَ: أَعْطَى مُحَمَّدًا حَنِينَ الْجِذْعِ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ.
(7)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 592).
(2)
يُنظر: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"(ص/211/برقم 263).
(3)
"قطف الأزهار المتناثرة"(ص/268/برقم 98)، "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"(ص/210/برقم 263).
(4)
أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(14/ 512)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(2384).
(5)
يُنظر: "دلائل النبوة"(2/ 563).
(6)
سورة "الإسراء"، آية (44).
(7)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (6/ 603).
[192/ 592]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ الْمَطَرَ قُحِطَ
(1)
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، حَتَّى غَلا السِّعْرُ، وخَشُوا الهَلاكَ عَلَى الأَمْوَالِ، وَخَشِينَا الْهَلاكَ عَلَى أَنْفُسِنَا.
فَقُلْنَا: ادْعُ رَبَّكَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، ولا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ بَيْضَاءَ، ولا وَاللَّهِ مَا قَبَضَ يَدَهُ حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ تَشَقَّقُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، حَتَّى رَأَيْتُ رُكَامًا، فَصَبَّ سَبْعَ لَيَالٍ وأَيَّامَهُنَّ، مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَالسَّمَاءُ تَسْكُبُ.
فَقَالُوا: خَشِينَا الْغَرَقَ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَحْبِسَهَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَافِعًا يَدَيْهِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ خَضْرَاءَ، فَقَالَ:«اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولا عَلَيْنَا» .
قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَبَضَ يَدَهُ حَتَّى رَأَيْتُ السَّمَاءَ تَصَدَّعُ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُبَارَكٍ، عن الحَسَنِ وثَابِتٍ جَمِيعًا، إلا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ.
أولاً: تخريج الحديث:
• أخرجه الطبرانيُّ في "الدعاء"(2183)، حدَّثنا أحمد بن يحيى الحُلوَانِيُّ، ثنا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ، به.
• والبَزَّار في "مسنده"(6681)، مِنْ طريق أَسَدِ بن مُوسَى، والبَزَّار أيضًا برقم (6682)، مِنْ طريق سَهْلِ بن حَمَّادٍ أبي عَتَّابٍ، كلاهما قال: حدَّثنا مُبَارَكُ بن فَضَالَةَ، عن الحَسَنِ - وحده -، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وقال البَزَّار: لا نعلمُ رَوَاهُ عن الحَسَنِ، عن أَنَسٍ إلا مُبَارَكٌ، وقد رَوَاهُ ثَابِتٌ، وَقَتَادَةُ، ويَحْيَى بن سَعِيدٍ، وشَرِيكُ بن أبي نَمِرٍ، عن أَنَسٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِنَ السَّوَاءِ.
• وأحمد في "مسنده"(13867)، وأبو يعلى في "مسنده"(3509)، مِنْ طُرُقٍ عن حَمَّاد بن سلمة.
- وأحمد في "مسنده"(13016)، وعبد بن حُميد في "مسنده" - كما في "المُنتخب"(1280) -، ومسلمٌ في "صحيحه"(897/ 4) ك/الاستسقاء، ب/الدُّعَاءِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1893)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(2182/ 5)، مِنْ طُرُقٍ عن سُلَيْمَان بن المُغِيرَةِ.
- والبخاري في "صحيحه"(932) ك/الاستسقاء، ب/رَفْعِ اليَدَيْنِ في الخُطْبَةِ، وبرقم (3582) ك/المناقب، ب/علامات النبوة في الإسلام، وأبو داود في "سننه"(1174) ك/الصلاة، ب/رَفْعِ الْيَدَيْنِ في الِاسْتِسْقَاءِ،
(1)
قُحِطَ المَطَرُ وقَحَطَ إِذَا احْتَبَس وانْقَطع، وأَقْحَط النَّاسُ إِذَا لَمْ يُمْطَروا، والقَحْط: الجَدْب؛ لِأَنَّهُ مِنْ أثَرِه. "النهاية"(4/ 17).
والبَزَّار في "مسنده"(6955)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(2496)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(2182/ 1)، والبيهقي في "الكبرى"(6444)، مِنْ طُرُقٍ عن حمَّاد بن زيد، عن يونس بن عُبيد.
- والبخاري في "صحيحه"(1021) ك/الاستسقاء، ب/الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ المَطَرُ حَوَالَيْنَا ولا عَلَيْنَا، ومسلمٌ في "صحيحه"(897/ 3) ك/الاستسقاء، ب/ الدُّعَاء في الاستِسْقَاءِ، والبَزَّار في "مسنده"(6954)، والنَّسائي في "الكبرى"(1835) ك/الاستسقاء، ب/الدعاء، وأبو يعلى في "مسنده"(3334)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1423)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(2495)، وابن حبَّان في "صحيحه"(2858)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(2182/ 3)، والبيهقي في "الكبرى"(6432)، مِنْ طُرُقٍ عن عُبيد الله بن عُمر العُمَريّ.
- ومسلمٌ في "صحيحه"(897/ 6) ك/الاستسقاء، ب/ الدُّعَاءِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، والطبرانيُّ في "الدعاء"(2182/ 4)، مِنْ طريق جعفر بن سُليمان.
خمستهم عن ثَابِتٍ - وحده -، عَنْ أَنَسٍ، بنحوه، مختصرًا، ومُطولاً.
وقال البَزَّار: ولم يَرْوِ هذا الحديثَ عن يُونُس إلا حَمَّادُ بن زَيْدٍ.
• والبخاري في "صحيحه"(933) ك/الجمعة، ب/الاسْتِسْقَاءِ في الخُطْبَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وبرقم (1013) ك/الاستسقاء، ب/الاستِسْقَاء في المَسْجِدِ الجَامِعِ، وبرقم (1014) ك/الاستسقاء، ب/الاستِسْقَاءِ في خُطْبَةِ الجُمُعَةِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَةِ، وبرقم (1015) ك/الاستسقاء، ب/الاستِسْقَاءِ على المِنْبَرِ، وبرقم (1016) ك/الاستسقاء، ب/مَنِ اكْتَفَى بِصَلَاةِ الجُمُعَةِ في الِاسْتِسْقَاءِ، وبرقم (1017) ك/الاستسقاء، ب/الدُّعَاءِ إِذَا تَقَطَّعَتِ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ، وبرقم (1018) ك/الاستسقاء، ب/مَا قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُحَوِّلْ رِدَاءَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وبرقم (1019) ك/الاستسقاء، ب/إِذَا اسْتَشْفَعُوا إلى الإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدَّهُمْ، وبرقم (1029) ك/الاستسقاء، ب/رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإِمَامِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وبرقم (1033) ك/الاستسقاء، ب/مَنْ تَمَطَّرَ في المَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ، وبرقم (6093) ك/الأدب، ب/التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ، وبرقم (6342) ك/الدعوات، ب/الدُّعَاءِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَةِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(897/ 1،2،5) ك/الاستسقاء، ب/ الدُّعَاءِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، مِنْ طُرُقٍ عِدَّة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، بنحوه، مُطولًا، ومُختصرًا.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) سَعِيدُ بن سُلَيْمان الضَّبِّيُّ، أبو عُثْمَان الواسطيُّ:"ثِقَةٌ مأمونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (103).
3) مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: "صَدُوقٌ، يُدَلِّسُ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (179).
4) الحَسَنُ بن أبي الحسن البَصْريُّ: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ، فَاضِلٌ وَرِعٌ، كثير الإرسال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (31).
5) ثَابت بن أَسْلم البُنَانيُّ: "ثِقَةٌ عابدٌ، صَحِب أنس أربعين سنة"، تَقَدَّم في الحديث رقم (83).
6) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكثر"، تقدم في الحديث رقم (13).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لأجل مُبَارك بن فضالة، يُدَلِّسُ، ورواه بالعنعنة.
وللحديث طُرُق عِدَّة عن أنس في "الصحيحين" - كما سبق -، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره".
وقال ابن كثير - بعد أن ذكر الحديث مِنْ وُجُوهٍ كثيرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لأنها تُفِيدُ الْقَطْعَ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ.
(1)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن مُبَارَكٍ، عن الحَسَنِ وثَابِتٍ جَمِيعًا، إلا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه، وقد رواه أسد بن موسى، وسهل بن حَمَّاد، كلاهما عن المُبارك، عن الحسن - وحده -، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، والله أعلم.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال ابن رجب: هذا الحديث باهرة من آيات النبوة ومعجزاتها.
وفي هذا الحَدِيثِ - بمجموع رواياته - مِنَ الفَوَائِد: جَوَازُ مُكَالَمَةِ الإمام في الخُطْبَةِ لِلحَاجَةِ.
وفيه: القِيَامُ في الخُطْبَةِ، وأنَّها لا تَنْقَطِعُ بالكلام، ولا تَنْقَطِعُ بالمطر. وفيه: قِيَامُ الوَاحِدِ بِأَمْرِ الجَمَاعَةِ، وإنَّما لم يُبَاشِرْ ذلك بَعْضُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ؛ لأنَّهم كانوا يَسْلُكُونَ الأدب بالتَّسْلِيم، وترك الابتداء بالسُّؤَالِ.
وفيه: إدخال دُعَاءِ الاستسقاء في خُطْبَةِ الجُمُعَةِ، والدُّعَاءُ به على المِنْبَرِ، ولا تحويل فيه، ولا اسْتِقْبَالَ، والاجتزاء بصلاة الجُمُعَةِ عن صلاة الاستِسْقَاء؛ وليس في السِّيَاقِ ما يَدُلُّ على أنَّه نواها مع الجُمُعَةِ.
وفيه: عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ في إِجَابَةِ اللَّهِ دُعَاءَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم عَقِبَهُ، أو مَعَهُ، ابْتِدَاءً في الاستسقاء، وانتهاءً في الاستِصْحَاءِ، وامْتِثَالِ السَّحَابِ أمره بِمُجَرَّدِ الإِشَارَةِ. وفيه: الأدبُ في الدُّعَاء؛ حيثُ لَمْ يَدْعُ بِرَفْعِ الْمَطَرِ مُطْلَقًا، لاحتمال الاحتياجِ إلى اسْتِمْرَارِهِ، فاحترز فيه بما يَقْتَضِي رفع الضَّرَر، وإبقاء النَّفْعِ.
ويُسْتَنْبَطُ منه أنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِنِعْمَةٍ لا يَنْبَغِي له أَنْ يَتَسَخَّطَهَا لعارضٍ يَعْرِضُ فِيهَا، بل يَسْأَلُ اللَّهَ رَفْعَ ذلك العَارِضِ، وإبقاء النِّعْمَةِ. وفيه: أَنَّ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الضَّرَرِ لا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، وَإِنْ كان مقام الأفضل التَّفْوِيض؛ لأنَّهُ صلى الله عليه وسلم كان عَالِمًا بِمَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الجَدْبِ، وأخَّر السُّؤَالَ في ذلك تَفْوِيضًا لِرَبِّهِ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ إلى الدُّعَاءِ لَمَّا سَأَلُوهُ في ذلك، بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَتَقْرِيرَ السُّنَّةِ في هذه العِبَادَةِ الخَاصَّةِ. وفيه: جَوَازُ الصِّيَاحِ في المَسْجِدِ بِسَبَبِ الحَاجَةِ المُقْتَضِيَةِ لذلك. وفيه: اليَمِينُ لِتَأْكِيدِ الكلام، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذلك جرى على لِسَانِ أَنَسٍ رضي الله عنه بغير قَصْدِ اليَمِينِ. واسْتُدِلَّ به على جَوَازِ الاستسقاء بغير صلاةٍ مَخْصُوصَةٍ.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "البداية والنهاية"(8/ 595).
(2)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (8/ 273)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 506 - 507).
[193/ 593]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا أَبُو بِلالٍ، قَالَ: نا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ، فَاقْدُرُوا» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عَدِيِّ بن الفَضْلِ إلا أبو بِلالٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(19498) - ومِنْ طريقه الخطيب البغدادي في "حديث ابن عمر في ترائي الهلال"(27) -، عَنْ مَعْمَرٍ.
- وأحمد في "مُسْنَده"(4488) - ومِنْ طريقه الخطيب البغدادي في "حديث ابن عمر في ترائي الهلال"(20) -، ومُسْلِمٌ في "صحيحه"(1080/ 5) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، والبَزَّار في "مُسْنَدِه"(5584)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1918)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3593)، والدَّارقُطنيُّ في "سننه"(2168)، والبيهقي في "الكبرى"(7923)، والخطيب البغدادي في "حديث ابن عمر في ترائي الهلال"(16)، عن إسماعيل بن عُلَيَّة.
- والدَّارميُّ في "مُسْنَدِه"(1732)، وأبو داود في "سننه"(2320) ك/الصوم، ب/الشَّهْر يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ - ومِنْ طريقه أبو بكر الجَصَّاص في "أحكام القرآن"(1/ 249)، والخطيب البغدادي في "حديث ابن عمر في ترائي الهلال"(17) -، والبيهقي في "الكبرى"(7923)، مِنْ طريق حَمَّاد بن زيد.
- والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(3779)، مِنْ طريق عُبَيْد الله بن عَمرو الرَّقيّ.
أربعتهم (مَعْمَر، وإسماعيل، وحمَّاد، وعُبَيْد الله) عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مُطولًا، ومُختصراً.
• والبخاري في "صحيحه"(1906) ك/الصوم، ب/قَوْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» ، ومُسْلِمٌ في "صحيحه"(1080/ 1 - 4،6) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، مِنْ طُرُقٍ عن نافع، به.
• والبخاري في "صحيحه"(1900) ك/الصوم، ب/هَلْ يُقَالُ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا، وبرقم (1907) ك/الصوم، ب/قَوْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» ، ومُسْلِمٌ في "صحيحه"(1080/ 7) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، مِنْ طُرُقٍ عن ابن عُمر، به.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) أَبُو بِلَالٍ بن مُحَمَّدِ بن الحَارِثِ بن عَبْد اللهِ بن أبي بُرْدَة بن أبي مُوسَى الأَشْعَريُّ: "ضَعيفٌ"، وقال ابن حبَّان: يُغرب، ويَتَفَرَّد. تَقَدَّم في الحديث رقم (174).
3) عَدِيُّ بن الفَضْلِ التَّيْمِيُّ، أبو حاتم البَصْرِيُّ، مولى بَنِي تَيْم بن مُرَّة.
روى عن: أيوب السَّختيانيّ، وخالد الحَذَّاء، وداود بن أبي هند، وآخرين.
روى عنه: أبو بلال الأَشْعَرِيُّ، وعبد الوهاب بن عَطَاء الخَفَّاف، وعلي بن الجَعْد، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ليس بشيء، فقيل له: يُكتب حديثه؟ فقال: لا ولا كرامة. وقال أبو حاتم، والنَّسائيُّ، والدَّارقُطنيّ، وابن حجر: متروك الحديث. وقال أبو داود: ليس بشيء، لا يُكتب حديثه.
(1)
4) أَيُّوب بن أَبي تَمِيْمَة، السَّخْتِيَانيُّ:"ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِن كِبَار الفقهاء العُبَّاد"، تقدَّم في الحديث رقم (140).
5) نَافع مولى ابن عُمر: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقيهٌ، مَشْهورٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (29).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ جدًا"؛ لأجل عديّ بن الفضل "متروك الحديث"، وانفرد به عنه: أبو بلال الأشعري، وهو:"ضَعيفٌ"، وقال ابن حبَّان: يُغرب، ويَتَفَرَّد.
ويُغني عنه الطرق الأخرى عن أيوب السَّختياني، وبعضها في "صحيح مُسلم"، وللحديث أيضًا طُرُق عن نافع، وطُرُق أخرى عن ابن عُمر، وكلها في "الصحيحين" - كما سبق في التخريج -.
شواهد للحديث:
والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(1909) ك/الصوم، ب/قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» ، ومسلمٌ في "صحيحه"(1081) ك/الصيام، ب/وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَالفِطْرِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاثِينَ يَوْمًا» .
وعليه، فالحديث بمتابعاته، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن عَدِيِّ بن الفَضْلِ إلا أبو بِلالٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرد صحيحٌ، وهو تَفرد نسبيٌّ؛ ولم أقف على ما يدفعه، والله أعلم.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 4، "المجروحين" 2/ 187، "التهذيب" 19/ 539، "التقريب"(4545).
(2)
وللتعليق على الحديث يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(7/ 189)، "فتح الباري"(4/ 121).
[194/ 594]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا أَبُو بِلالٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: نا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَافَّةً عَنِّي، حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ إلا قَيْسٌ، تَفَرَّدَ به: أبو بِلالٍ.
هذا الحديث مَدَاره على هِشَام بن عُروة، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: هِشَام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنه (موصولاً).
الوجه الثاني: هِشَام بن عُروة، عن أبيه (مُرْسلاً).
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
هِشَام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة (موصولاً).
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(66/ 339)، مِنْ طريق إبراهيم بن إسحاق الحربيّ، قال: حدَّثني أبو بلال الأَشْعَريّ، به. وقال ابن عساكر: كذا قال "كافة" بالفاء، والمحفوظ كاعة بالعين.
• والحاكم في "المستدرك"(4243) - ومِنْ طريقه البيهقي في "دلائل النبوة"(2/ 349)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(66/ 339) -، مِنْ طُرُقٍ عن العَبَّاس بن محمد الدُّورِيُّ، قال: حدَّثنا يحيى بن مَعِينٍ، قال: حدَّثنا عُقْبَةُ المُجَدَّرُ، عن هشام بن عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:
«مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةٌ عَنِّي، حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ» .
وقال الحاكم: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولم يُخَرِّجَاهُ.
وقال ابن عساكر: كذا قالا - أي قيس بن الرَّبيع، وعُقبة المُجَدَّر - عن عائشة، والمحفوظ مرسلٌ.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) أَبُو بِلَالٍ بن مُحَمَّدِ بن الحَارِثِ بن عَبْد اللهِ بن أبي بُرْدَة بن أبي مُوسَى الأَشْعَريُّ: "ضَعيفٌ"، وقال ابن حبَّان: يُغرب، ويَتَفَرَّد. تَقَدَّم في الحديث رقم (174).
3) قَيْس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي:"ضَعيفٌ يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (106).
4) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
5) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
6) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّمت في الحديث رقم (5).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
هِشَام بن عُروة، عن أبيه (مُرْسلاً).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه ابن معين في "تاريخه" - برواية الدُّوريّ - (3/ 43) - ومِنْ طريقه أبو سُليمان الخَطَّابيُّ في "غريب الحديث"(1/ 128 - 129)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(66/ 339) -، قال: حدَّثنا عقبة المُجَدَّر، نا هشام بن عروة، عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّة عَنِّي، حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ» .
• والبيهقي في "دلائل النبوة"(2/ 349)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(66/ 339)، مِنْ طُرقٍ عن أحمد بن عبد الجَبَّار، قال: حدّثنا يونس بن بُكَيْر، عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، بنحوه.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) يحيى بن مَعِين بن عَون، أبو زكريا البغداديّ:"ثِقَةٌ، حافظٌ، مَشْهورٌ، إمام الجرح والتعديل".
(1)
2) عُقْبَةُ بن خالد بن عُقْبة المُجَدَّر: "ثِقَةٌ".
(2)
3) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
4) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
ثالثًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على هِشَام بن عُروة، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: هِشَام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنه (موصولاً).
الوجه الثاني: هِشَام بن عُروة، عن أبيه (مُرْسلاً).
والذي يَظهر - والله أعلم -، أنَّ الحديث صحيحٌ مِنْ الوجهين مَعًا:
حيث إنَّ الحديث رواه عُقْبة المُجَدَّر، عن هِشَام بن عُروة بالوجهين، مع صحة الإسناد إليه بالوجهين.
بالإضافة إلى أنَّ الحديث أخرجه الحاكم بالوجه الموصول، وقال: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولم يُخَرِّجَاهُ؛ وعليه فالوجه الموصول لا يُعلُّ بالوجه المُرْسَل، والله أعلم.
وأمَّا قول ابن عَساكر: كذا قالا - أي قيس بن الرَّبيع، وعُقبة المُجَدَّر - عن عائشة، والمحفوظ مرسلٌ: فَلَعَلَّه بسبب أنَّ عُقبة المُجَدَّر قد تُوبع على الوجه المرسل؛ فتابعه يُونس بن بُكير - كما عند البيهقي في "الدلائل"، وابن عساكر في "تاريخه" -، وإسناده صحيحٌ.
بينما تابعه قيس بن الرَّبيع، عن هشام، بالوجه الموصول - كما في رواية الباب - لكن إسنادها ضَعيفٌ.
قلتُ: لكنَّ عُقْبَة لمَّا رواه بالوجهين معاً، مع ثِقَته، واتحاد المخرج عنه في الوجهين، وصحة الإسناد إليه، دَلَّ ذلك على أنَّ الحديث محفوظٌ عنه بالوجهين، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "التقريب"(7651).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 310، "التهذيب" 20/ 196، "التقريب، وتحريره"(4636).
رابعًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"، لأجل قيس بن الرَّبيع، وأبي بلال الأشعري "ضَعيفَان"، وفيه علَّة أخرى، وهي: قوله في الحديث " كَافَّةً عَنِّي"، فقد خالف فيها قيس بن الربيع ما رواه الثقات عن هِشَام بن عروة، حيث قالوا:"مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّة عَنِّي".
لذا قال ابن عساكر: كذا قال - أي أبو بلال الأَشْعريّ - "كافةٌ" بالفاء، والمحفوظ كاعَّةٌ بالعين.
وكاعةٌ: جَمْعُ كَائِعٍ، وهو الجَبَانُ، كما يقال: بائع وباعة، وقائد وقَادةٌ، يريد: أنَّه كان يحوط رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويَذُبُّ عَنْه، فكانت قُريْش تَكِيع وتَجْبُن عن أذاه، يقال: كَعَّ الرجلُ عن الأَمر إذا جَبُن وانْقَبَض، أَرَادَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْبُنُون عَنْ أذى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في حياة أبي طَالِبٍ، فَلَمَّا مَاتَ اجْتَرَأوا عَلَيْهِ.
(1)
وقال الهيثميّ: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه أبو بلال الأشعري وهو ضعيفٌ.
(2)
قلتُ: والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" بسند صحيح، مِنْ طريق عُقْبَة المُجَدَّر، عن هِشَام بن عروة، عن أبيه، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةٌ عَنِّي، حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ» .
وقال الحاكم: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولم يُخَرِّجَاهُ.
فالحديث بهذه المتابعة يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
وقال الحاكم: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لمَّا مَاتَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ لَقِيَ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ أَذًى مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ ابْتُلُوا وَشَطَّتْ بِهِمْ عَشَائِرُهُمْ تَفَرَّقُوا، وَأَشَارَ قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَكَانَتْ أَرْضًا فِيهِ تَرْحَلُ إِلَيْهَا قُرَيْشٌ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ، فَكَانَتْ أُولَى الْهِجْرَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَى النَّجَاشِيِّ لِعَدْلِهِ.
(3)
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ إلا قَيْسٌ، تَفَرَّدَ به: أبو بِلالٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام على الحديث بالتَّفرد صحيحٌ، لكنَّه مُقَيَّدٌ بقوله في الحديث:" كَافَّةً عَنِّي"، فلم يَروه عن هشام بن عروة بهذا اللفظ إلا قيس بن الربيع، تَفَرَّد به: أبو بلال.
بينما رواه عُقْبَة المُجَدَّر، ويُونس بن بُكير عن هشام بن عروة، بلفظ:"كَاعَّة عَنِّي".
* * *
(1)
يُنظر: "غريب الحديث"(1/ 129)، و"الفائق في غريب الحديث" للزمخشري (3/ 290)، "النهاية" لابن الأثير (4/ 180).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(6/ 15).
(3)
يُنظر: "المستدرك"(2/ 679).
[195/ 595]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، قَالَ: نا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ أَحَبُّ الدُّعَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْعُوَ ثَلاثًا.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي إِسْحَاقَ، عن أبي عُبَيْدَةَ إلا زَائِدَةُ، تَفَرَّدَ به: حُسَيْنٌ، وَرَوَاهُ أصحاب أبي إسحاق: عن أبي إِسْحَاقَ، عن عَمْرِو بن مَيْمون
(1)
، عن عَبْدِ اللَّهَ.
هذا الحديث مَدَاره على أبي إسحاق، واختلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: أبو إسحاق، عن أبي عُبَيْدة، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: أبو إسحاق، عن عَمرو بن مَيْمُون، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
الوجه الثالث: أبو إسحاق، عن عَمرو بن مَيْمُون، عن أبي عُبَيْدة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
أبو إسحاق، عن أبي عُبَيْدة، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - بهذا الوجه إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَبد اللَّهِ بن عُمَر بن مُحَمَّد بن أبان، مُشْكدَانة: "ثِقَةٌ، تَقَدَّم في الحديث رقم (133).
3) الحُسَيْنُ بن عليّ بن الوليد الجُعْفيُّ، مولاهم، الكُوفيُّ المُقْرِئ الزَّاهد، أبو عَبْد اللَّه وأبو محمد.
روى عن: زائدة بن قدامة، وسُلَيْمان الأعمش، والفُضَيل بن عِيَاض، وآخرين.
روى عنه: عبد الله بن عُمر بن أبان، وأحمد بن حَنْبَل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال العِجْليّ: ثِقَةٌ، وكان رأسًا في القرآن، صحيح الكتاب، ومِنْ أروى النَّاس عن زائدة. وقال عثمان بن أبي شيبة: بخٍ بخٍ ثِقَةٌ صَدُوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وروى له الجماعة. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ عَابِدٌ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، عَابِدٌ، مِنْ أروى النَّاس عن زائدة".
(2)
4) زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، أَبُو الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ، الْكُوفِيُّ.
روى عن: أبي إسحاق السَّبِيْعِيّ، وسُليمان الأعمش، وحُميد الطويل، وآخرين.
روى عنه: الحُسين بن عليّ الجُعْفِيُّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وآخرون.
(1)
بالأصل "عَمرو بن مُرَّة"، والصواب ما أثبته، والتصويب مِنْ "مجمع البحرين" حديث برقم (4619)، ولموافقته لما في التخريج.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 55، "الثقات" 8/ 184، "التهذيب" 6/ 449، "تهذيب التهذيب" 2/ 359، "التقريب"(1335).
حاله: قال العجليُّ، والنَّسائيُّ، والدَّارقُطنيّ: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ، صاحب سُنَّةٍ. وقال أبو زرعة: صَدُوقٌ، مِنْ أهل العلم. وقال ابن حبَّان: كان مِنْ الحُفَّاظ المُتْقِنِين، ولا يَعُدُّ السماع حَتَّى يسمعهُ ثلاث مَرَّاتٍ، ولا يُحَدِّث أحدًا حَتَّى يَشْهَد عِنْده عدلٌ أنَّه مِنْ أهل السُنَّةٍ. وقال الذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ حُجَّةٌ صاحبُ سُنَّةٍ.
- وقال الإمام أحمد: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزُهير، فلا تبال أن لا تسمعه عن غيرهما، إلا حديث أبي إسحاق. وقال أبو داود الطيالسي: ولم يكن زائدة بالأستاذ في حديث أبي إسحاق.
(1)
5) أبو إسحاق عَمرو بن عبد الله، السَّبيعيُّ: "ثِقَةٌ، إمامٌ، عابدٌ، مُكْثِرٌ، مُدَلِّسٌ من الثالثة - فلا بد أن يُصَرِّح بالسماع، إلا أذا كان الراوي عنه شعبة، أو روى هو عن أبي الأحوص -، اختلط بآخرةٍ - فيُقبل حديثه من رواية القدماء عنه، لا المتأخرين -، تَقَدَّم في الحديث رقم (9).
6) أبو عُبيدة بن عبد الله بن مسعود: "ثِقَةٌ، لم يَصِح سماعه مِنْ أبيه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (28).
7) عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (28).
ثانياً: - الوجه الثاني:
أبو إسحاق، عن عَمرو بن مَيْمُون، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الطبراني في "الدعاء"(53)، قال: حدَّثنا عَبْدَانُ بن أحمد، ثنا أحمد بن محمد بن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القَطَّانُ، ثنا الحُسَيْنُ بن عَلِيٍّ الجُعْفِيُّ، عن زَائِدَةَ، عن زُهَيْر بن مُعاوية.
- وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(325) - ومِنْ طريقه أبو داود في "سننه"(1524) ك/الصلاة، ب/في الاستغفار، والبيهقي في "الدعوات الكبير"(268) -، والشاشيُّ في "مسنده"(678)، عن زُهَيْر بن مُعاوية.
- وأحمد في "مسنده"(3744 و 3769)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(10218) ك/عمل اليوم والليلة، ب/الاقتصار على ثلاث مَرَّاتٍ - ومِنْ طريقه ابن السُّنيّ في "عمل اليوم والليلة"(369) -، وأبو يعلى في "مسنده"(5277)، والشاشيُّ في "مسنده"(677)، وابن حبَّان في "صحيحه"(923)، والطبرانيُّ في "الكبير"(10317)، وفي "الدعاء"(51) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "الحلية"(4/ 347) -، وابن سمعون في "أماليه"(339)، وتَمَّام في "فوائده"(الروض/1607)، مِنْ طُرُقٍ عن إسرائيل بن يُونس.
- والطبرانيُّ في "الدعاء"(52)، والدَّارقُطني في "العلل"(5/ 228/مسألة 838)، عن سُفْيان الثوري.
- وأبو نُعيم في "الحلية"(4/ 153 و 4/ 347)، مِنْ طريق زكريا بن أبي زائدة.
أربعتهم (زُهير، وإسرائيل، والثوري، وزكريا)، عن أبي إسحاق، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلاثًا، وَيَسْتَغْفِرَ ثَلاثًا. وعند بعضهم بدون ذكر الاستغفار.
وقال الدَّارقُطني: ورواه شُعْبَةُ، عن أبي إسحاق، عن عَمرو بن مَيْمُون، عن عبد الله - ولم أقف عليه -.
وقال أبو نُعيم في الموضع الأول: رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَزُهَيْرٌ، وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَهُ.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 613، "الثقات" 6/ 340، "التهذيب" 9/ 273، "الكاشف" 1/ 400، "التقريب"(1982).
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد الإمام أحمد):
1) يَحْيَى بن آدَمَ بن سُلَيْمَان الكُوفيُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، فاضِلٌ".
(1)
2) إسرائيل بن يُونس: "ثِقَةٌ مُتْقِنٌ، مِنْ أثبت أصحاب أبي إسحاق"، تَقَدَّم في الحديث رقم (111).
3) أبو إسحاق عَمرو بن عبد الله، السَّبيعيُّ: "ثِقَةٌ، إمامٌ، عابدٌ، مُكْثِرٌ، مُدَلِّسٌ من الثالثة - فلا بد أن يُصَرِّح بالسماع، إلا أذا كان الراوي عنه شعبة، أو روى هو عن أبي الأحوص -، اختلط بآخرةٍ - فيُقبل حديثه من رواية القدماء عنه، لا المتأخرين -، تَقَدَّم في الحديث رقم (9).
4) عَمرو بن مَيْمُون الأَوْدِيّ: "ثِقَةٌ، عابدٌ، ومُخَضْرمٌ، مَشْهورٌ".
(2)
5) عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (28).
ثالثًا: - الوجه الثالث:
أبو إسحاق، عن عَمرو بن مَيْمُون، عن أبي عُبَيْدة، عن عبد الله رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه الدَّارقُطني في "العلل"(5/ 228/مسألة 838) - مُعَلَّقًا -، فقال - بعد أن ذكر رواية الجماعة بالوجه الثاني -: وخالفهم عبد الكبير بن دينار، فرواه عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عن أبي عبيدة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؛ وَذَلِكَ وَهْمٌ. وَقِيلَ: عَنْ عَبْدِ الْكَبِيرِ مِثْلَ قَوْلِ شُعْبَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث:
1) عبد الكبير بن دينار مِنْ أهل مَرو: لم أقف على أحدٍ ترجم له غير ابن حبَّان في "الثقات".
(3)
2) أبو إسحاق السَّبيعيُّ: "ثِقَةٌ، إمامٌ، عابدٌ، مُكْثِرٌ، مُدَلِّسٌ، مُخْتَلِطٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (9).
3) عَمرو بن مَيْمُون الأَوْدِيّ: "ثِقَةٌ، عابدٌ، ومُخَضْرمٌ، مَشْهورٌ"، تَقَدَّم في الوجه الثاني.
4) أبو عُبيدة بن عبد الله بن مسعود: "ثِقَةٌ، لم يَصِح سماعه مِنْ أبيه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (28).
5) عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (28).
رابعًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مَدَاره على أبي إسحاق، واختلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: أبو إسحاق، عن أبي عُبَيْدة، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
الوجه الثاني: أبو إسحاق، عن عَمرو بن مَيْمُون، عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
الوجه الثالث: أبو إسحاق، عن عَمرو بن مَيْمُون، عن أبي عُبَيْدة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(1)
يُنظر: "التقريب"(7496).
(2)
يُنظر: "التقريب"(5122).
(3)
يُنظر: "الثقات"(7/ 139).
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:
1) الأكثرية، والأحفظية؛ فرواه بالوجه الثاني: شُعبة، والثوري، وإسرائيل، وغيرهم، وهؤلاء مِنْ أثبت النَّاس في أبي إسحاق، ومِمَّن رووا عنه قبل الاختلاط.
(1)
2) والوجه الأول مِنْ رواية زائدة بن قُدامة، وقد اضطرب فيه، فرواه مَرَّة بالوجه الأول، ومَرَّة بالوجه الثاني، وقد تَكَلَّم الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي في روايته عن أبي إسحاق، فَيُرجح مِنْهما ما وافق رواية الجماعة.
3) وأمَّا الوجه الثالث فرواه عبد الكبير بن دينار، ولم أقف على أحد وثَّقه غير ابن حبَّان، وهو مَرْوَزيٌّ، وليس الحديث بالوجه الثالث معروفًا عند الكوفيين، بالإضافة إلى اضطرابه فيه؛ لذا وَهَّمه الدَّارقُطنيّ.
4) إخراج ابن حبَّان للوجه الثاني في "صحيحه" - والله أعلم -.
خامسًا: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "شاذٌّ"؛ لأجل زائدة بن قُدامة، تُكُلِّم في روايته عن أبي إسحاق، مع مخالفته لمَا رواه الثِّقات - شُعبة، والثوري، وإسرائيل، وغيرهم -، عن أبي إسحاق.
وفي الحديث عِلَّةٌ أُخرى، وهى "الانقطاع"، فأبو عُبيدة بن عبد الله بن مسعود:"ثِقَةٌ، لم يَصِح سماعه مِنْ أبيه" - على الراجح -، كما سبق في ترجمته - والله أعلم -.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.
(2)
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح - بإسناد الإمام أحمد - "صحيحٌ".
وأمَّا الاختلاط الذي وُصِفَ به أبو إسحاق، فالحديث رواه عنه: إسرائيل بن يُونس، وشعبة، والثوريّ، وهؤلاء مِنْ أَثْبَتِ النَّاس في أبي إسحاق، ومِمَّن رووا عنه قبل الاختلاط، فزال ما نخشاه مِنْ اختلاطه.
وأمَّا التدليس: فَمَدْفُوعٌ برواية شُعبة بن الحَجَّاج - التي أشار إليها الدَّارقُطني، كما في التخريج -، فَيُتَوقَّف في عَنْعَنة أبي إسحاق إلا إذا كان الحديث مِنْ رواية شُعبة بن الحَجَّاج عنه، فالمعروف أنَّه كان لا يحمل عن شيوخه المعروفون بالتدليس إلا ما سمعوه، فقد رُوي عن شُعبة، قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبو إسحاق، وقتادة - كما سبق في ترجمته -.
قلتُ: والحديث ضَعَّفه الألباني، فقال: ضَعيفٌ
…
رجاله ثقات؛ غير أن أبا إسحاق كان قد اختلط، ثم هو إلى ذلك مُدَلِّس وقد عنعنه
…
نعم؛ برواية سفيان الثوري تزول شبهة الاختلاط؛ فإنه مِمَّن سَمِعَ منه قديماً بالاتفاق، وتترجح روايته على رواية إسرائيل، ولا سيما وقد تابعه زُهَيْر، ولكن تبقى العلة الأخرى وهي
(1)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (2/ 519).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 151).
العنعنة، فإن وجد تصريحه بالتحديث أو السماع صحت جملة الدعاء، والله أعلم.
(1)
قلتُ: برواية شُعبة بن الحَجَّاج يَزول ما نَخْشَاه مِنْ تدليسه - كما سبق -.
سادسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي إِسْحَاقَ، عن أبي عُبَيْدَةَ إلا زَائِدَةُ، تَفَرَّدَ به: حُسَيْنٌ، وَرَوَاهُ أصحاب أبي إسحاق: عن أبي إِسْحَاقَ، عن عَمْرِو بن مَيْمون، عن عَبْدِ اللَّهَ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج، وبيان الخلاف على أبي إسحاق، يَتَبَيَّن صحة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
(1)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(9/ 275/برقم 4281).
[196/ 596]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - أَخُو أَبِي مَعْمَرٍ -، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْوَاسِطِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ
(1)
.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الأَعْمَشِ إلا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ المَلِكِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الدَّارقُطنيّ في "سننه"(4556)، والبيهقي في "الكبرى"(20542)، مِنْ طُرُقٍ عن أحمد بن القاسم، به. وقال الدَّارقُطنيُّ، والبيهقيُّ: محمد بن عَبْدِ المَلِكِ لم يَسْمَعْهُ مِنَ الأَعْمَشِ، بَيْنَهُمَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ.
• بينما أخرجه الدَّارقُطني في "سننه"(4557) - ومِنْ طريقه البيهقيُّ في "الكبرى"(20543)، والخطيب البغداديُّ في "تاريخ بغداد"(16/ 580) -، مِنْ طُرُقٍ عن وَهْبِ بن بَقِيَّةَ، قال: نا محمد بن عَبْدِ المَلِكِ، عن أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَدَائِنِيِّ، عن الأَعْمَشِ، عن أبي وَائِلٍ، عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، به.
وقال البيهقي: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَدَائِنِيُّ رَجُلٌ مَجْهُولٌ. وقال الخطيب البغداديُّ: رَوَاهُ محمد بن إبراهيم أخو أبي مَعْمَرٍ القَطِيعِيُّ، عن محمد بن عَبْدِ المَلِكِ، وهو الوَاسِطِيُّ، عن الأَعْمَشِ، ولم يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَدَائِنِيَّ. وقال البيهقي: وهذا لا يَصح.
(2)
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) محمد بن إبراهيم، أبو بكر القَطِيْعِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
3) مُحَمَّد بن عَبد المَلِك الواسطي الكبير، كنيته أَبُو إسماعيل.
روى عن: إِسْمَاعِيل بن أبي خالد، والحسن بن عُبَيد الله، ويحيى ابن أبي كثير، وآخرين.
روى عنه: مُحَمَّد بن أبان، ووهب بن بقية - الواسطيان -، وأبو بكر القطيعيُّ، وآخرون.
حاله: قال ابن حبَّان: يُعْتَبر حَدِيثه إِذا بَيَّن السَّمَاع في رِوَايَتِه؛ فَإِنَّهُ كَانَ مُدَلِّسًا، يُخطئ. وقال الذهبيّ: مُدَلِّسٌ، قاله ابن حبان. وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة مِنْ مراتب المُدَلِّسين. وفي "التقريب": مقبولٌ.
(3)
4) سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الأَعْمَشُ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، لكنَّه يُدلس، فيُتوقف في عنعنته، إلا في شيوخه الذين أكثر الرواية عنهم، أو كان الراوي عنه شُعبة، أو حفص بن غياثٍ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (129).
5) شقيق بن سلمة، أَبُو وائل الأسدي.
روى عن: حذيفة بْن اليمان، وعَبْد اللَّهِ بن مسعود، وأبي سَعِيد الخُدْرِيّ رضي الله عنهم، وآخرين.
(1)
القابلةُ: يُقال: قَبِلَت القابِلَةُ الولدَ تَقْبَلُه، إِذَا تَلَقَّتْهُ عِنْدَ وِلادته مِنْ بطْن أُمِّهِ. يُنظر:"النهاية في غريب الحديث"(4/ 9).
(2)
يُنظر: "معرفة السنن والآثار"(14/ 262).
(3)
يُنظر: "الثقات" 9/ 49، "التهذيب" 26/ 26، "الميزان" 3/ 632، "طبقات المُدَلِّسين"(ص/44)، "التقريب"(6102).
روى عنه: سُلَيْمان الأعمش، وعَمْرو بن مُرَّة، ومنصور بن المُعْتَمِر، وآخرون.
حاله: قال وكيعٌ: ثِقَةٌ. وقال ابن معين: ثِقَةٌ، لا يُسأل عنه. وقال البخاريُّ، وابن حبَّان: أدرك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَسْمَع منه. وقال العجلي: ثِقَةٌ، صَالِحٌ جاهليٌّ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ مُخضرم. وروى له الجماعة.
(1)
6) حُذَيْفَة بن اليَمَان: "صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ كبار أصحاب النَّبيّ صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّم في الحديث رقم (129).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل محمد بن عبد الملك الواسطي ذكره ابن حبَّان وحده في "الثِّقات"، وقال: يُخطئ، ومع ذلك فهو مُدَلِّسٌ، لا يُقبل مِنْ حديثه إلا ما بَيَّن فيه السَّماع؛ لذا ذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة، وقال في "التقريب": مقبولٌ.
والحديث أخرجه الدَّارقُطني - كما سبق في التخريج -، مُبَيّنًا الواسطة بين محمد بن عبد الملك والأعمش، فأخرجه مِنْ طريق آخر عن وَهْبِ بن بَقِيَّةَ، قال: نا محمد بن عَبْدِ المَلِكِ، عن أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَدَائِنِيِّ، عن الأَعْمَشِ، عن أبي وَائِلٍ، عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، به.
وأبو عبد الرحمن المدائني هذا، قال عنه الدَّارقُطني، والبيهقي: مجهولٌ. وقال البيهقي: وهذا لا يَصِحُّ.
قلتُ: وأمَّا تدليس الأعمش: فالحديث رواه الأعمش عن أبي وائل، وهو مِنْ شيوخه الذين أكثر الرواية عنهم، فلا يُتوقَّف في عنعنته - كما سبق تفصيل ذلك في ترجمته -، والله أعلم.
وقال ابن عبد الهادي: حديث حذيفة لم يخرِّجوه، وهو حديثٌ باطلٌ لا أصل له.
(2)
وقال الذهبي: إسناده واهٍ
…
ورواه الدَّارقُطنيّ وَوَهَّاه.
(3)
وقال الهيثميُّ: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من لم أعرفه.
(4)
وقال الألبانيُّ: ضَعيفٌ.
(5)
شواهد للحديث:
لم أقف - على حد بحثي - عن شاهدٍ له مرفوعًا إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وهناك بعض الأخبار الموقوفة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، مِنْ أمثلها:
• ما أخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(13986)، عن سُفْيَان الثوريّ؛ والدَّارقُطني في "سننه"(4558)، مِنْ طريق أبان بن تَغْلِبَ؛ والبيهقي في "الكبرى"(20544)، مِنْ طريق سَعِيد بن مَنْصُورٍ، قال: ثنا أَبُو
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 245، "الجرح والتعديل" 4/ 371، "الثقات" 4/ 354، "التهذيب" 12/ 548، "التقريب"(2816).
(2)
يُنظر: "تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق"(5/ 79).
(3)
يُنظر: "تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق"(2/ 327).
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 201).
(5)
يُنظر: "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل"(8/ 306/برقم 2684).
عَوَانَةَ، وَهُشَيْمٌ؛ أربعتهم (الثوريّ، وأبان، وأبو عوانة، وهُشَيم) عن جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن نُجَيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قال:«شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ جَائِزَةٌ عَلَى الاسْتِهْلالِ» . زَادَ أَبُو عَوَانَةَ: "وَحْدَهَا".
وقال البيهقي: هذا لا يَصِحُّ، جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ مَتْرُوكٌ، وَعَبْدُ اللهِ بن نُجَيٍّ فيه نَظَرٌ. ثُمَّ قال البيهقيّ: وَرَوَاهُ سُوَيْدُ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، عن غَيْلَانَ بن جَامِعٍ، عن عطاء بن أبي مَرْوَانَ، عن أَبِيهِ، عن عَلِيٍّ، وَسُوَيْدٌ هذا ضَعِيفٌ. وقال إِسْحَاقُ الحَنْظَلِيُّ: لَوْ صَحَّتْ شَهَادَةُ القَابِلَةِ عن عَلِيٍّ رضي الله عنه لَقُلْنَا بِهِ، ولكن في إِسْنَادِهِ خَلَلٌ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: لو ثَبَتَ عن عَلِيٍّ صلى الله عليه وسلم صِرْنَا إِلَيْهِ - إِنْ شَاءَ اللهُ -، لَكِنَّهُ لا يَثْبُتُ عِنْدَكُمْ، ولا عِنْدَنَا.
قلتُ: وفيه جابر بن يزيد بن الحارث الجُعْفِيّ: "ضَعيفٌ رافضيٌّ".
(1)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الأَعْمَشِ إلا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ المَلِكِ.
قلتُ: بل رواه أبو عبد الرحمن المدائني عن الأعمش، أخرجه الدَّارقُطني - كما سبق في التخريج -.
* * *
(1)
يُنظر: "التقريب"(878).
[197/ 597]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ.
عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ، قَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ:
لا تَخْرُجْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكَ لَنْ تَنَالَهَا أَنْتَ، ولا أَحَدٌ مِنْ وَلَدِكَ.
فَلَمَّا أَبَى إلا الخُرُوجَ، قَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ مَقْتُولٍ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الشَّعْبِيِّ إلا يَحْيَى بن إِسْمَاعِيلَ بن سَالِمٍ، ولا رَوَاهُ عن يَحْيَى بن إِسْمَاعِيلَ إلا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ، وَشَبَابَةُ بن سَوَّارٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو عليّ الصَوَّاف في "فوائده"(51)، والطبرانيُّ في "الكبير"(13/ 69/برقم 13699)، وأبو نُعيم في "الحلية"(4/ 331)، عن أحمد بن يحيى الحُلْوانِيّ، ثنا سعيد بن سُلَيمان، به، مُختصرًا، بلفظ: خُيِّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين الدُّنيا والآخِرَة؛ فاختارَ الآخِرَة. وقال أبو نُعيم: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى.
• وابن أبي عاصم في "الزهد"(267)، وأبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(2409) - ومِنْ طريقه الآجري في "الشريعة"(1668)، والخطابي في "العزلة"(13)، والبيهقي في "الكبرى"(13320)، وفي "الشعب"(1451)، وابن عساكر في "تاريخه"(4/ 126 و 14/ 202) -، وابن حبَّان في "صحيحه"(6968)، والبيهقي في "الدلائل"(6/ 470) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخه"(14/ 201)، وابن العديم في "تاريخ حلب"(6/ 2603) -، مِنْ طُرُقٍ عن شَبَابة بن سَوَّار، عن يحيى بن إسماعيل، بنحوه.
• والطيالسيُّ في "مسنده" - كما في "البداية والنهاية" لابن كثير (9/ 240) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(14/ 201)، عن الحسن بن قتيبة، كلاهما (أبو داود، والحسن) عن يحيى بن إسماعيل، بنحوه.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) سَعِيدُ بن سُلَيْمان الضَّبِّيُّ، أبو عُثْمَان الواسطيُّ:"ثِقَةٌ مأمونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (103).
3) يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الأَسَدِيُّ.
روى عن: الشَّعبيّ، وأبيه إسماعيل بن سالم.
روى عنه: سعيد بن سُلَيْمان، وأبو داود الطَّيَالسيّ، وشَبَابة بن سَوَّار.
حاله: ذكره البخاري، وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. وجعله ابن حبَّان راويان، فذكره في "الثقات" في طبقة أتباع التابعين، وقال: يروي عن: الشّعبِيّ، روى عَنْهُ: شَبَابه بن سَوَّار؛ ثُمَّ أعاد ذكره في طبقة الآخذين عن أتباع التابعين، وقال: يروي عن: أَبِيه، روى عنه: سعيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ. ولم يُفَرِّق
بينهما غيره. فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ"، فقد وروى عنه جمعٌ مِنْ الثقات، ولم أقف فيه على جرح.
(1)
4) عامر بن شَراحيل الشَّعْبي: "ثقةٌ فقيهٌ مَشْهورٌ فاضلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (72).
5) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث (6).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سَبَق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "حسنٌ"؛ لأجل يحيى بن إسماعيل الأسديّ، ذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وروى عنه جماعةٌ مِنْ الثقات، والله أعلم.
وقال الهيثميُّ: رواه البزار، والطبراني في "الأوسط"، ورجال البزار ثقات.
(2)
وقال الهيثميُّ - بعد أن ذكر المتن بلفظه في "المعجم الكبير" -: رواه الطبراني، وإسناده حسن.
(3)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الشَّعْبِيِّ إلا يَحْيَى بن إِسْمَاعِيلَ بن سَالِمٍ، ولا رَوَاهُ عن يَحْيَى بن إِسْمَاعِيلَ إلا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ، وَشَبَابَةُ بن سَوَّارٍ.
قلتُ: أمَّا قوله: لم يَرْوِه عن الشَّعْبِيِّ إلا يَحْيَى بن إِسْمَاعِيلَ بن سَالِمٍ: فبمراجعة التخريج يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه، وقد وافقه على ذلك الإمام أبو نُعيم، فقال: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى.
وأمَّا قوله: ولا رَوَاهُ عن يَحْيَى بن إِسْمَاعِيلَ إلا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ، وَشَبَابَةُ بن سَوَّارٍ: فغير مُسَلَّم له في ذلك، بل هو مُنْخَرِمٌ بمتابعة أبي داود الطيالسي، والحسن بن قُتيبة لهما عن يحيى بن إسماعيل، والله أعلم.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
قال ابن كثير: هذا الكلامُ الحَسَنُ الصَّحِيحُ المُتَوَجِّهُ المَعْقُولُ مِنْ هذا الصَّحَابِيِّ الجليل، يَقْتَضِي أنَّه لا يَلِي الخلافة أَحَدٌ مِنْ أهل البَيْتِ إلا محمد بن عَبْدِ اللَّهِ المَهْدِيَّ، الذي يكون في آخِرِ الزَّمَانِ وَقْتَ نُزُولِ عِيسَى بن مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرضِ.
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 8/ 260، "الجرح والتعديل" 9/ 126، "الثقات" 7/ 610 و 9/ 256،
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(9/ 192).
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(9/ 20).
(4)
يُنظر: "البداية والنهاية"(15/ 539).
[198/ 598]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، قَالَ: نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى
(1)
،
عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْلِمٍ
(2)
، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» .
(1)
بالبحث في الرواة تبيَّن أنَّ معاوية بن يحيى اثنان، أحدهما: الأطرابلسيّ، والثاني: الصَّدَفيّ، والأول منهما ثِقَةٌ - كما سيأتي في دراسة الإسناد بإذن الله تعالى -، والثاني منهما مُتَّفقٌ على ضعفه - يُنظر ترجمته:"الجرح والتعديل"(8/ 383)، "التهذيب"(28/ 221)، "التقريب"(6772) -، ورواية الباب أخرجها ابن عدي في "الكامل"(8/ 142) في ترجمة الأطرابُلسيّ، وليس الصدفي، وتبعه على ذلك ابن القيسرانيّ في "ذخيرة الحفَّاظ"(1/ 244)، وبه قال الإمام أبو سعد الخركوشيّ في "شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم "(5/ 191)؛ بينما ذكره الذهبي في "الميزان"(4/ 139)، وابن حجر في "تهذيب التهذيب"(10/ 220) في ترجمة الصدفي، وتبعهما على ذلك الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة"(1/ 288/برقم 156 و 9/ 15 - 16/برقم 4011).
قلتُ: وبقية بن الوليد يروي عنهما معًا، عن الصدفيّ، والطرابُلسيّ - كما في "تهذيب الكمال"(4/ 194) -، ولعلَّ الأقرب - والله أعلم - أنَّ عدم تمييزه مِنْ بقيّة بن الوليد، فإنَّه كان يُدَلِّسُ كثيرًا فيما يتعلق بالأسماء - كما سبق في ترجمته -، فأطلق اسمه، ولم يُبَيّن هل هو الصدفي، أم الأطرابُلسيّ؟ فاختلف العلماء، فأخرج بعضهم الحديث في ترجمة الأطرابلسيّ - كما فعل ابن عدي -، وذكره البعض في ترجمة الصًّدَفيّ - كما فعل الذهبيّ، وابن حجر -.
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة معاوية بن يحيى الأطرابلسيّ مِنْ "تاريخ دمشق"(59/ 289)، والمزيُّ في "التهذيب" (28/ 224): أنَّ معاوية بن يحيى قد روى عن سُليمان بن سُليم. ووقع في بعض الروايات - كما سيأتي بإذن الله تعالى في تخريج رواية الباب -، أنَّ مُعاوية بن يحيى روى حديث الباب عن سُليمان بن سُليم؛ ووقع كذلك في بعض الأحاديث غير حديث الباب، أنَّ مُعاوية بن يحيى يروي عن سُلَيْمَان بن مُسلم، ويُسمى في بعض الروايات بسُلَيْمَان بن سُلَيْم، وذلك كالآتي:
فأخرج القاسم بن سلام في "فضائل القرآن"(104) - ومِنْ طريقه ابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال"(194) -، مِنْ طريق نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ نَظَرًا عَلَى مَنْ يَقْرَؤُهُ ظَاهِرًا كَفَضْلِ الْفَرِيضَةِ عَلَى النَّافِلَةِ» . فسمَّاه سُليمان بن مُسلم؛ بينما وقع في المطبوع مِنْ "الترغيب" لابن شاهين: سُليمان بن سُليم.
قلتُ: والحديث ذكره ابن كثير في "فضائل القرءان"(ص/210) بإسناد أبي عُبيدة بن سلام، وقال: وهذا الإسناد فيه ضعف، فإن معاوية بن يحيى هذا هو الصدفي أو الأطرابلسي، وأيا ما كان فهو ضعيف. وقال محققه الفاضل الشيخ/أبو إسحاق الحويني: وقع الاضطراب في هذا الاسم، ففي بعض النُّسخ "سُليم بن مُسلم"، وفي بعضها "سُليمان بن مُسلم".
ولم أقف - على حد بحثي - على أحد ذكر في شيوخ الصدفيّ سُليمانَ بن مُسلم، أو سُليمان بن سُليم؛ وعليه فيكون الأقرب إلى الصواب - والله أعلم - أن يكون معاوية بن يحيى هو الأطرابُلسيّ، وليس الصدفيّ.
(2)
هكذا بالأصل، وبالمطبوع:"سُليمان بن مُسلم"، وهو كذلك في "مجمع البحرين" حديث برقم (3105)، وفي "المطالب العالية" لابن حجر - وقد ذكر الحديث بإسناد المُصَنِّف - حديث برقم (2722)، وهو كذلك عند كل مَنْ أخرج الحديث مِنْ طريق بقية بن الوليد - كما هو ظاهر في التخريج -، إلا أنَّ الحديث ذكره الذهبي في "الميزان"(4/ 139)، وابن حجر في "تهذيب التهذيب"(10/ 220)، وعزوه إلى البخاريّ في "الضعفاء" مِنْ طُرُقٍ أُخرى عن بقية بن الوليد، ووقع عندهما سُليمان بن سُليم، بدل: سُليمان بن مُسلم، وعليهما اعتمد الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة"(1/ 288/برقم 156).
* لم يُرْوَ هذا الحديث عن أَنَسٍ إلا بهذا الإسنادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: بَقِيَّةُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• ذكره ابن حجر في "المطالب العالية"(11/ 867/برقم 2722)، بإسناد المُصَنِّف، ومتنه، وقوله.
• وأخرجه البخاري في "الضعفاء" - كما في "الميزان"(4/ 139)، و"تهذيب التهذيب"(10/ 220) -، وابن أبي الدنيا في "مداراة الناس"(113)، عن داود بن رُشَيْد، به.
وذكره الذهبي، وابن حجر في ترجمة مُعاوية بن يحيى الصَّدَفيّ، ووقع عندهما: سُلَيْمان بن سُلَيْم.
• والطبراني في "الأوسط"(9458)، عن سَلْمِ بن قَادم، وابن عديّ في "الكامل"(8/ 142) - في ترجمة مُعاوية بن يحيى الأطرابُلْسيّ -، عن عُمر بن عُثْمان، كلاهما (سلم، وعُمر) عن بَقِيَّة بن الوليد، به.
وقال الطبرانيُّ: لا يُرْوَى هذا الحديثُ عن أَنَسٍ إلا بهذا الإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ.
وقال أبو سعد عبد الملك بن محمد الخركوشي: ومعاوية بن يحيى المذكور هو الأطرابلسي، الدمشقي لا الصدفي.
(1)
وقال ابن القيسراني: رَوَاهُ مُعَاوِيَة بن يحيى الأطرابلسي، عَن سُلَيْمَان بن مُسلم، عَن أنس.
(2)
• بينما أخرجه ابن أبي الدُنيا في "مدارة النَّاس"(115)، عن داود بن رُشَيْد؛ وأبو عبد الله القضاعي في "مسند الشهاب"(24)، مِنْ طريق أبو التقي هشام بن عبد الملك؛ كلاهما (داود، وهشام) عن بَقِيَّةِ بن الوَلِيدِ، عن الوَلِيدِ بن كَامِلٍ البَجَلِيِّ، عن نَصْرِ بن عَلْقَمَةَ الحَضْرَمِيِّ، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَائِذٍ الأَزْدِيِّ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الْحَزْمِ أَنْ تَتَّهِمَ النَّاسَ» . واللفظ لابن أبي الدنيا.
• وأبو الفضل الهروي في "المعجم في مشتبه أسامي المحدثين"(ص/33)، وتَمَّام بن محمد في "فوائده"(الروض/1167)، مِنْ طُرُقٍ عن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد المَقْدِسِيّ، عن عبد الله بن الوليد العدنيّ، عن إبراهيم بن طَهْمَان، عن أبان، عن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم «احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» .
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) دَاوُد بن رُشَيْد الهاشِميُّ: "ثِقَةٌ نبيلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (116).
3) بَقِيَّةُ بن الوليد الكَلاعيُّ، أبو يُحْمِد الحمصيُّ: "ثِقَةٌ إذا روى عن الثقات - خاصةً مِنْ الشاميين -، بشرط أن يُصَرِّح بالسماع في كل طبقات الإسناد؛ لأنَّه كان يُدلس تدليس التسوية - بشرط أنَّ يكون التصريح بالسماع محفوظاً عنه، كما سبق بيانه -، وأمَّا إذا روى عن الضعفاء - خاصة مِنْ أهل الحجاز والعراق - فلا يُحيج بحديثه صَرَّح أو لم يُصَرِّح، ولا يُحتمل تَفَرُّده، فلا يُحتج بما تَفَرَّد به؛ تقدَّم في الحديث رقم (26).
(1)
يُنظر: "شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم "(5/ 191).
(2)
يُنظر: "ذخيرة الحفاظ"(1/ 244/برقم 119).
4) مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى، أَبُو مُطِيعٍ الأَطْرَابُلُسِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ.
روى عن: سُلَيْمَان بن مُسْلِم، وسُليمان بن سُليم، ومحمد بن عجلان، وآخرين.
روى عنه: بَقِيَّةُ بن الوليد، وهِشَام بن عَمَّار، والوليد بن مُسْلِم، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، ودُحيم، وأبو داود، والنَّسائيُّ: ليس به بأسٌ. وزاد ابن معين: وهو أقوى مِنْ الصَّدَفيّ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ مُستقيم الحديث. وقال أبو زرعة، وأبو عليّ النَّيسابوريُّ، وهشام بن عَمَّار، وجزرة: ثِقَةٌ. وقال ابن عدي: في بعض رواياته ما لا يُتَابَعُ عليه. وقال البغويُّ، والدَّارقُطنيّ: ضَعيفٌ. وزاد الدَّارقُطني: هو أكثر مَنَاكِيرَ مِنَ الصَّدَفِيِّ. وقال الذهبي: لَهُ غَرَائِبُ وَأَفْرَادٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ له أوهام.
فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ حسن الحديث"، فقد وثَّقه جماعة، وضَعَّفَه آخرون لبعض أوهامه.
(1)
5) سُليمان بن مُسلم، يروي عن: أنس بن مالك رضي الله عنه، وروى عنه: مُعاوية بن يحيى.
حاله: لم أعرفه، ولم أقف له على ترجمة، ولم يعرفه كذلك المحقق الفاضل لـ"مجمع البحرين".
قلتُ: وفي الرواة سُلَيْمان بن مُسْلِم مؤذن مسجد ثابت البناني: قال فيه العُقَيْليُّ - بعد أن ذكر له حديثًا عن ثابت عن أنسٍ رضي الله عنه: لا يُتابع على حديثه، ولا يُعْرَف إلا به.
(2)
وسليمان بن مسلم الخَشَّاب: يروي عن سُليمان التَّيْميّ، وقال ابن حبَّان: لا تحل الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار. وقال ابن عدي: قليل الحديث، وَهو شبه المجهول ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا، ومقدار ما يرويه لا يتابع عليه، وذكر له حديثان، وقال: هذان مُنْكران جدًا. وقال الذهبي: هما موضوعان في نقدي.
(3)
وأمَّا سُليمان بن سُليم، فهو: أبو سلمة الكنانيّ الكَلْبيّ، وذكره ابن معين، وغيره في تابعي أهل الشام.
روى عن: لم أقف على رواية له عن أنس رضي الله عنه، ولم يذكره أحدٌ في شيوخه، وإنَّما روى عن: الزُّهري، وزيد بن أسلم، وآخرين. روى عنه: مُعاوية الأطرابلسيّ، وبَقيّةُ بن الوليد، وإسماعيل بن عَيَّاش، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وأبو حاتم، وأبو داود، والدَّارقُطنيُّ: ثِقَةٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ عابدٌ.
(4)
6) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكثر"، تَقَدَّم في الحديث رقم (13).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ فيه بَقِيَّةُ بن الوليد يُدَلِّس، وقد رواه بالعنعنة، وسُلَيْمان بن مُسلم لم أعرفه - على حد بحثي -، فإنْ كان هو سُليمان بن سُلَيْم فهو ثِقَةٌ، لكن يبقي ثبوت سماعه مِنْ أنس بن مالك رضي الله عنه، والذي يغلب على ظني عدم ثبوت سماعه منه، فلم يذكره أحدٌ في شيوخه، ولم
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 384، "الكامل" 8/ 143، "تاريخ دمشق" 59/ 289، "التهذيب" 28/ 224، "تاريخ الإسلام" 4/ 746، "الميزان" 4/ 139، "تهذيب التهذيب" 10/ 221، "التقريب"(6773).
(2)
يُنظر: "ميزان الاعتدال"(2/ 223).
(3)
يُنظر: "المجروحين" 1/ 332، "الكامل" 4/ 287، "ميزان الاعتدال"(2/ 223).
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 4/ 121، "تاريخ دمشق" 22/ 324، "التهذيب" 11/ 439، "التقريب"(2566).
أقف على رواية له عن أنس رضي الله عنه، وأغلب شيوخه في التابعين.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه بقية بن الوليد، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقاتٌ.
(1)
قلتُ: وهذا يَدُل على أنَّه اعتبر مُعاوية بن يحيى الأطرابُلسيّ، وسُليمان بن سُليم، وليس بن مُسْلم.
وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه الطَّبَرَانِيُّ في "الأَوْسَطِ" مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وهو مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ بِالعَنْعَنَةِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بن يَحْيَى، وهو ضَعِيفٌ، فَلَهُ عِلَّتَانِ؛ وَصَحَّ مِنْ قَوْلِ مُطرف التَّابِعِيّ الْكَبِير، أخرجه مُسَدّد.
(2)
وذكره السيوطي، وعزاه إلى الطبرانيّ في "الأوسط"، وابن عدي في "الكامل"، ورمز له بالضعف.
(3)
وقال الألباني: ضَعيفٌ جدًا، وأعلَّه بمعاوية بن يحيى، وقال: هو الصدفيّ، وهو ضَعيفٌ جدًا، ثُمَّ أعله بنكارة المتن - وسيأتي بإذن الله عز وجل بيان ذلك، وتفصيله، والجواب عنه -.
(4)
قلتُ: واضطرب فيه بَقِيَّةُ بن الوليد، فروي عنه مِنْ وجهٍ آخر - كما سبق في التخريج -، عن الوَلِيدِ بن كَامِلٍ البَجَلِيِّ، عن نَصْرِ بن عَلْقَمَةَ الحَضْرَمِيِّ، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عَائِذٍ الأَزْدِيِّ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الْحَزْمِ أَنْ تَتَّهِمَ النَّاسَ» . وفيه: الوليد بن كامل: قال البخاري: عنده عجائب. وقال أبو حاتم: شيخٌ. وقال ابن حبَّان: يروي المَرَاسِيل والمقاطيع. وقال ابن حجر: لَيِّنُ الحديث.
(5)
وأمَّا عبد الرحمن بن عائذ: فقال أبو حاتم: روى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرسلاً، ولا صحبة له، هو من التابعين. وقال الذهبيُّ: يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَلا يَصِحُّ. وقال ابن حجر: وَهِمَ مَنْ ذكره في الصحابة.
(6)
قلتُ: والحديث بهذا الوجه ذكره الذهبيُّ في ترجمة الوليد بن كامل، وقال: مُرْسلٌ.
(7)
وذكره أيضًا العلائي، وقال: قال أبو حاتم: هو مُرْسَلٌ، ليست لابن عائذ صحبةٌ، بل هو مِنْ التَّابعين.
(8)
متابعات للحديث:
• والحديث أخرجه أبو الفضل الهروي في "معجم المحدثين"(ص/33)، وتَمَّام في "فوائده"(الروض/1167)، مِنْ طُرُقٍ عن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد المَقْدِسِيّ، عن عبد الله بن الوليد العدنيّ، عن إبراهيم بن طَهْمَان، عن أبان، عن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم «احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» .
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(8/ 89).
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(10/ 531).
(3)
يُنظر: "الجامع الصغير"(ص/20/برقم 231).
(4)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة" للألباني (1/ 288/برقم 156).
(5)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 14، "الثقات" 7/ 554، "الكامل" 8/ 362، "التهذيب" 31/ 70، "التقريب"(7450).
(6)
يُنظر: "الجرح والتعديل"(5/ 270)، "تاريخ الإسلام"(2/ 1132)، "التقريب"(3910).
(7)
يُنظر: "الميزان"(4/ 344).
(8)
يُنظر: "المراسيل"(ص/124)، "جامع التحصيل"(ص/223).
قلتُ: وفيه إسماعيل بن أبي خالد: "مجهول الحال".
(1)
وأمَّا أبان الراوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: هل هو أبان بن صالح بن عُمَير القرشيّ، أم أبان بن أبي عَيَّاش البَصْريّ؟ فكلاهما يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ والأقرب إلى الصواب - والله أعلم - أنَّه أبان بن أبي عَيَّاش: لكون إبراهيم بن طَهْمَان تُوفي سنة ثمان وستين بعد المئة.
(2)
وأبان بن صالح تُوفي سنة مئة وبضعة عشر.
(3)
وأمَّا أبان بن أبي عَيَّاش فمُتَوفَّي في حدود مئة وأربعين مِنْ الهجرة، وأبان هذا "متروكٌ".
(4)
قلتُ: وهذا هو ما ذهب إليه السخاوي رضي الله عنه، في "المقاصد الحسنة"، فبَيَّن أنَّه أبان بن أبي عَيَّاش.
(5)
شواهد للحديث:
• وللحديث شاهدٌ مِنْ حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أخرجه تَمَّام بن محمد في "فوائده"(الروض/1168) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(57/ 126) -، قال: حدَّثني أبو محمد بن عبد الله بن جعفر الرَّازي، حدَّثني أبو العبَّاس محمود بن محمَّد بن الفَضْلِ الرَّافِقِيُّ، حدَّثني أبو عبد اللَّهِ أحمد بن أبي غَنَائِمٍ الرَّافِقِيُّ، ثنا محمد بن يوسف الفِرْيَابِيُّ، عن الأَوْزَاعِيِّ، عن حَسَّانَ بن عَطِيَّةَ، عن طَاوُسٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ حَسَّنَ ظَنَّهُ بِالنَّاسِ كَثُرَتْ نَدَامَتُهُ» .
قلتُ: وفي إسناده محمود بن محمد بن الفضل الرَّافِقِيّ المُقْرِئ الأديب "مجهول الحال".
(6)
وأبو عبد الله أحمد بن أبي الغنائم الرَّافقي: لم أجد له ترجمة، ولم أقف له إلا على هذا الحديث.
- وأخرجه ابن أبي الدنيا في "مداراة الناس"(114)، قال: حَدَّثَنِي أَبِي رحمه الله، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ الْحَزْمِ سُوءُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ» .
رجاله ثِقَاتٌ، إلا أنَّه مُرْسَلٌ، ومُنْقَطِعٌ.
- بينما أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(7/ 131)، قال: قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ بن نُصَيْر، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بن مِهْرَان، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:"احترسوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ".
• والحديث قد رُوي موقوفًا، ومقطوعاً:
- فأخرجه ابن شبة في "تاريخ المدينة"(3/ 801)، وأبو نُعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 220)، مِنْ طريقين
(1)
يُنظر: "المعجم في مشتبه أسامي المحدثين" لأبي الفضل الهروي (ص/33)، "المتفق والمفترق"(1/ 361).
(2)
يُنظر: "التقريب"(189).
(3)
يُنظر: "التقريب"(137).
(4)
يُنظر: "التقريب"(142).
(5)
يُنظر: المقاصد الحسنة" (ص/23/برقم 32).
(6)
يُنظر: "تاريخ دمشق" 57/ 126، "تاريخ الإسلام" 7/ 198.
عن فَرَجِ بن فَضَالَةَ، قال: حدَّثنا عَمَرو بن شُرَحْبيل، قال: قال عُمَرُ رضي الله عنه: «إِنَّ مِنَ الْحَزْمِ سُوءَ الظَّنِّ بِالنَّاسِ» .
قلتُ: وفيه فَرَجُ بن فَضَالة "ضَعيفٌ".
(1)
- والحديث عزاه السخاوي إلى أبي الشيخ، ومِنْ طريقه الديلمي في "مسنده"، عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، من قوله:"الحَزْمُ سُوُءُ الظَّنِّ".
(2)
وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة": ثم رأيت الحديث في "مسند الفردوس" للديلمي (ص/109/مصورة الجامعة)، فإذا فيه - مع وقفه - هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وهو متروكٌ.
(3)
- وأخرجه أحمد في "الزهد"(1354)، وأبو نُعيم في "الحلية"(2/ 210)، والبيهقي في "الكبرى"(20416) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(58/ 330) -، مِنْ طُرُقٍ عن مَهْدِيّ بن مَيْمُونٍ، ثنا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بن الشِّخِّير: " احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ ".
وقال البيهقي: وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا، وَالْحَذَرُ مِنْ أَمْثَالِهِ سُنَّةٌ متَّبَعَةٌ.
وذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح"، وعزاه لمُسَدد، وصَحَّحَهُ.
(4)
• فالحديث بمجموع طرقه، وشواهده يتقوى بعضها ببعضٍ، ويرتقي إلى "الحسن لغيره".
قال السخاوي - بعد أن ذكر جملة مِنْ طرقه، شواهده -: وكلها ضعيفة، وبعضها يتقوى ببعض، وقد أفردته في جزء.
(5)
وقال الصنعانيُّ: وكُلُّ طُرُقِهِ ضَعِيفَةٌ، وَبَعْضُهَا يُقَوِّي بَعْضًا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا.
(6)
• دفع التعارض عن الحديث:
أنكر البعض هذا الحديث لكونه يتعارض في الظاهر مع قول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}
(7)
، ولما صَحَّ عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في الأمر بإحسان الظن في التعامل مع النَّاس:
فقال الألباني رضي الله عنه: إن الحديث منكر عندي؛ لمخالفته للأحاديث التي يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها المسلمين بأن لا يُسيئوا الظن بإخوانهم، منها قوله صلى الله عليه وسلم:"إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ"
(8)
؛ ثُمَّ إنه لا يمكن التعامل مع الناس
(1)
تَقَدَّم في الحديث رقم (17).
(2)
يُنظر: "المقاصد الحسنة"(ص/23/برقم 32).
(3)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة" للألباني (3/ 291 - 292/برقم 1151). ويُنظر ترجمة الكلبي: "لسان الميزان"(8/ 338).
(4)
يُنظر: "فتح الباري"(10/ 531).
(5)
يُنظر: "المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص/23/برقم 32).
(6)
يُنظر: "سبل السلام"(2/ 665).
(7)
سورة "الحجرات"، آية (12).
(8)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5143) ك/النكاح، ب/لا يَخْطُبُ على خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَدَعَ، وبرقم (6064) ك/الأدب، ب/ مَا يُنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ، ومسلمٌ (2563) ك/البر والصلة، ب/تَحْرِيمِ الظَّنِّ، وَالتَّجَسُّسِ، وَنَحْوِهَا.
على أساس سوء الظن بهم، فكيف يعقل أن يأمر صلى الله عليه وسلم أمته أن يتعاملوا على هذا الأساس الباطل؟!
قلتُ: وأجاب بعض أهل العلم عن هذا التعارض، بعدة أجوبة، كالآتي:
- قال أبو سعد الخركوشي: أنكر بعضهم الحديث لمخالفته عندهم الأمر النبوي بحسن الظن بالمسلم، والحقيقة أنه لا يعارض ذلك لأن أمر المؤمن العاقل وسط، يعقل ويتوكل لا يفعل واحدا دون الاخر، يتوكل مع أخذ الحذر والحيطة، يتقدم تارة عزما، ويتأخر حزما تارة أخرى.
(1)
- وقال المناوي: ولا يعارض هذا خبر: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ"؛ لأنَّه فيمن تحقق حسن سريرته وأمانته، والأول فيمن ظهر منه الخِدَاع والمكر والخيانة، والقرينة تغلب أحد الطرفين؛ فمن ظهرت عليه قرينة سوء يستعمل معه سوء الظن، وفيه تحذير مِنْ التَغَفُّل، وإشارة إلى استعمال الفطنة، فإن كل إنسان لا بد له من عدو بل أعداء يأخذ حذره منهم؛ قال بعض العارفين: هذه حالة كل موجود، لا بد له من عدو وصديق، بل هذه حالة سارية في الحق والخلق، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
(2)
، فهم عبيده، وهم أعداؤه، فكيف حال العبيد بعضهم مع بعض، بما فيهم من التنافس والتباغض والتحاسد والتحاقد؟.
(3)
- وقال العجلوني: ويجاب بحمل الحديث: على أهل التهمة ونحوهم، والآية ونحوها على خلافهم.
(4)
- وقال الصنعانيّ: قَسَّمَ الزَّمَخْشَرِيُّ الظَّنَّ إلى واجبٍ، ومَنْدُوبٍ، وحرامٍ، ومُبَاحٍ، فالواجبُ: حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ، والحرامُ سُوءُ الظَّنِّ بِهِ تَعَالَى، وبكلِّ مَنْ ظَاهِرُهُ العدالة مِنْ المُسْلِمِينَ، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:«إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ» ، والمندوب حُسْنُ الظَّنِّ بِمَنْ ظاهره العَدَالَةُ مِنْ المُسْلِمِينَ
…
وَمِنْ الجائز: سُوءُ الظَّنِّ بِمَنْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ بِمُخَالَطَةِ الرّيبِ، والمُجَاهِرَةِ بالخبائث فلا يَحْرُمُ سُوءُ الظَّنِّ به؛ لأنَّه قد دَلَّ على نَفْسِهِ، وَمَنْ سَتَرَ على نفسه لَمْ يُظَنَّ به إلا خَيْرًا، وَمَنْ دَخَلَ في مداخل السُّوءِ اتُّهِمَ، وَمَنْ هَتَكَ نَفْسَهُ ظَنَنَّا به السُّوءَ، والذي يُمَيِّزُ الظُّنُونَ التي يَجِبُ اجْتِنَابُهَا عما سِوَاهَا: أَنَّ كُلَّ ما لا تُعْرَفُ له أَمَارَةُ صَحِيحَةُ وَسَبَبٌ ظَاهِرٌ كان حَرَامًا واجب الاجْتِنَابِ، وذلك إذا كان المَظْنُونُ به مِمَّنْ شُوهِدَ مِنْهُ السَّتْرُ والصَّلَاحُ، وَمَنْ عُرِفَتْ مِنْهُ الأَمَانَةُ في الظَّاهِرِ فَظَنُّ الفَسَادِ، والخيانة به مُحَرَّمٌ، بخلاف مَنْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ بِتَعَاطِي الرّيبِ فَنُقَابِلُهُ بِعَكْسِ ذَلِكَ.
(5)
- وقال الشيخ أبو يعقوب إسحاق بن محمد النَّهْرَجُورِيّ في قوله صلى الله عليه وسلم «احترسوا من النّاس بسوء الظّنّ» : فقال: بسوء الظن في أنفسكم بأنفسكم، لا بالناس.
(6)
(1)
يُنظر: "شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم "(5/ 191).
(2)
سورة "الممتحنة"، آية (1).
(3)
يُنظر: "فيض القدير"(1/ 181 - 182).
(4)
يُنظر: "كشف الخفاء ومزيل الإلباس"(1/ 71).
(5)
يُنظر: "سبل السلام"(2/ 665).
(6)
يُنظر: "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" لابن العَمَّاد الحنبلي (4/ 169).
- وقال الإمام السخاوي: وقد أفردته في جزء، وأوردت فيه الجمع بينه، وبين قوله تعالى:{اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ}
(1)
وما أشبهها مما هو في الحديث.
(2)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يُرْوَ هذا الحديث عن أَنَسٍ إلا بهذا الإسنادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: بَقِيَّةُ.
قلتُ: بل أخرجه أبو الفضل الهروي في "المعجم في مشتبه أسامي المحدثين"(ص/33)، وتَمَّام بن محمد في "فوائده"(الروض/1167)، مِنْ طُرُقٍ عن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد المَقْدِسِيّ، عن عبد الله بن الوليد العدنيّ، عن إبراهيم بن طَهْمَان، عن أبان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، به.
لكن الإسناد فيه أبان بن أبي عَيَّاش، وهو "متروك الحديث" - كما سبق بيانه -.
* * *
(1)
سورة "الحجرات"، آية (12).
(2)
يُنظر: "المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص/23/برقم 32).
[199/ 599]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ، وَالْفَضْلُ بْنُ غَانِمٍ، قَالا: نا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
…
عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلاثٌ، وَأَكْثَرُهُ عَشْرٌ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مَكْحُولٍ إلا العَلاءُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الكبير"(7586)، وفي "الشاميين"(1515 و 3420)، قال: حدَّثنا أحمد بن بَشِيرٍ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا الفضل بن غَانِمٍ، ثنا حَسَّانُ بن إبراهيم، عن عَبْدِ المَلِكِ، عن العَلَاءِ بن الحَارِثِ، عن مَكْحُولٍ، به، فجعله عن العلاء بن الحارث، وليس ابن كثير. وفي "الشاميين": عبد الملك الحِنَّائيّ.
(1)
• وأخرجه ابن حبَّان في "المجروحين"(2/ 182)، مِنْ طريق إسحاق بن شاهين، وابن عدي في "الكامل"(3/ 255)، مِنْ طريق سويد بن سعيد، والدَّارقُطني في "سننه"(845)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1554)، وفي "معرفة السنن والآثار"(2265)، مِنْ طريق عَمرو بن عَوْنٍ؛ والدَّارقُطني في "السنن الكبرى"(846)، مِنْ طريق إبراهيم بن مهديّ المِصِّيصِيّ - ومِنْ طريقه ابن الجوزي في "التحقيق في مسائل الخلاف"(1/ 367/برقم 334)، وفي "العلل المتناهية"(642) -؛ أربعتهم عن حَسَّانِ بن إبراهيم الكِرْمَانِيّ، قال: أنا عَبْدُ المَلِكِ، عن العَلَاءِ، قال: سَمِعْتُ مَكْحُولًا، يَقُولُ عن أبي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَكُونُ الحَيْضُ لِلْجَارِيَةِ البِكْر وَالثَّيِّبِ الَّتِي قَدْ أَيِسَتْ مِنَ الْحَيْضِ أَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ولا أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ أَكْثَر مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، فَإذا زَادَت عَلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا قَضَتْ، وَدَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ فَاتِرٌ تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، وَدَمُ الْمُسْتَحَاضَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ تَعْلوه صُفْرَةٌ، فَإِنْ
(1)
الحديث في "الأوسط" عن العلاء بن كثير، وهو كذلك في "مجمع البحرين" حديث رقم (502)، عن العلاء بن كثير. بينما أخرجه الطبراني في "الكبير"، و"الشاميين" عن أحمد بن بشير، عن الفضل بن غانم، عن حسَّان بن إبراهيم، عن عبد الملك، وجعله عن العلاء بن الحارث؛ والذي يَظهر - والله أعلم - ثبوته هكذا في الرواية في "المعجم الكبير" عن العلاء بن الحارث، قال العراقي في "ذيل ميزان الاعتدال" (ص/261): وَقع في "المعجم الكَبِير" للطبراني: العلاء بن الحَارِث. لكنَّ هذا وهمٌ مِنْ الراوي، والراجح ما رواه الطبراني في "الأوسط" بجعله عن العلاء بن كثير؛ فأحمد بن خُليد شيخ الطبراني في "الأوسط""ثِقَةٌ"، وقد رواه عن الفضل بن غانم، وجعله عن العلاء بن كثير، وخالفه أحمد بن بَشير شيخ الطبراني في "الكبير""لَيِّنٌ" فرواه عن الفضل بن غانم، وجعله عن العلاء بن الحارث. ويُؤيِّد ذلك أنَّ الفضل بن غانم تابعه مُحرز بن عونٍ وهو "ثِقَةٌ" كما في رواية الباب، بجعل الحديث عن العلاء بن كثير؛ لذا قال ابن حبَّان في "المجروحين" (2/ 182): ومِنْ أصحابنا مَنْ زعم أنَّه العلاء بن الحارث، وليس كذلك. والحديث أعلَّه الدارقُطني بالعلاء بن كثير، وتبعه البيهقي، وابن الجوزي، وابن عبد الهادي، والزيلعي - كما هو مُوضَّحٌ في التخريج -. قلتُ: فهذا كله يُؤكد صحة ما ذهب إليه ابن حبَّان بتوهيم مَنْ جعل الحديث عن العلاء بن الحارث؛ وأنَّ الصواب ما رواه مُحرز بن عون، والفضل بن غانم بجعل الحديث عن العلاء بن كثير، والله أعلم.
غَلَبَهَا فَلْتَحْتَشِي كُرْسُفًا، فَإِنْ غَلَبَهَا فَلْتُعْلِيهَا بِأُخْرَى، فَإِنْ غَلَبَهَا فِي الصَّلاةِ فلا تَقْطَعِ الصَّلاةَ وَإِنْ قَطَرَ، ويأتيها زوجها وتصوم».
وعند ابن حِبَّان: عبدُ الملك بن عُمير. وتَعَقَّبه الدَّارقُطني، فقال: قَوْلُهُ في هَذَا الإِسْنَادِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ وَهْمٌ؛ حسان بن إبراهيم لم يسمع من عبد الملك بن عُمَيْر، وعبد الملك بن عُمَيْر لا يُحَدِّث عَن العلاء بن كثير، وَإِنَّمَا هُوَ عبد الملك رجلٌ مَجْهُولٌ، غير مَنْسُوبٍ، ولا مَعْرُوفٍ، وَهُوَ بلية الحَدِيث.
(1)
وعند ابن عدي، قال: رجلٌ مِنْ أهل الكوفة.
والحديث أخرجه ابن حبَّان في ترجمة العلاء بن كثير، وقال: وهو الذي روى عن مَكْحُولٍ عن أبي أُمامة هذا الحديث؛ ثُمَّ قال: والعلاء بن كثير كان مِمَّن يَروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل الاحتجاج بما روى وإن وافق فيها الثقات؛ ومِنْ أصحابنا مَنْ زعم أنَّه العلاء بن الحارث، وليس كذلك؛ لأنَّ العلاء بن الحارث حضرميٌّ مِنْ اليمن، وهذا من موالي بني أمية، وذاك صدوقٌ، وهذا ليس بشيء في الحديث.
بينما أخرجه ابن عدي في ترجمة حسَّان بن إبراهيم، وقال: له حديثٌ كثيرٌ
…
ولم أجد له أنكر مِمَّا ذكرته مِنْ هذه الأحاديث، وحَسَّان عندي مِنْ أهل الصدق، إلا أنَّه يغلط في الشيء
…
وهو عِنْدي لا بأس به.
وقال الدَّارقُطنيّ - وتبعه البيهقي، وابن الجوزي، وابن عبد الهادي
(2)
، والزيلعي
(3)
-: وَعَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَالعَلَاءُ هُوَ ابنُ كَثِيرٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ شَيْئًا. وقال البيهقي: إسناده ضَعيفٌ، وروينا عن البخاري، قال: العلاء بن كثيرٍ عن مكحولٍ مُنْكرُ الحديث، وقال الإمام أحمد: ورُوي ذلك مِنْ أوجهٍ أُخر كُلّها ضعيفةٌ. ونقل ابنُ الجوزي كلامَ الدَّارقُطني، وزاد عليه قول ابن حبَّان في العلاء بن كثير، ثُمَّ قال: وقال أحمد: العلاء بن كثير ليس بشيء. وقال أبو زرعة: واهي الحديث.
• وأخرجه ابن حبَّان في "المجروحين"(1/ 333)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 224)، مِنْ طريق سُليمان بن عَمرو، عن يَزيد بن جابر، عن مكحولٍ، عن أبي أمامة، بنحوه.
وقال ابن حبَّان: سُليمان بن عَمرو أبو داود النَّخعي كان رجلًا صالحًا في الظاهر، إلا أنه كان يضع الحديث وضعًا، وكان قدريًا لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة الاختبار، ولا ذكره إلا من طريق الاعتبار.
(4)
• وأخرجه الدَّارقُطني في "سننه"(847)، قال: حدَّثنا أبو حَامِدٍ محمَّدُ بن هَارُونَ، نا محمَّد بن أحمد بن أَنَسٍ الشَّامِيُّ، ثنا حَمَّادُ بن المِنْهَالِ البَصْرِيُّ، عن محمَّد بن رَاشِدٍ، عن مَكْحُولٍ، عن وَاثِلَةَ بن الأَسْقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَكْثَرَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» .
وقال الدَّارقُطني: حمَّادُ بن مِنْهَالٍ مَجْهُولٌ، ومحمَّدُ بن أحمد بن أنسٍ ضَعِيفٌ.
(1)
يُنظر: "تعليقات الدَّارقُطني على المجروحين لابن حبَّان"(ص/206).
(2)
يُنظر: "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 410).
(3)
يُنظر: "نصب الراية"(1/ 191).
(4)
ويُنظر: "ميزان الاعتدال"(2/ 217)، "لسان الميزان"(4/ 163).
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) مُحْرِزُ بن عَوْنٍ بن أبي عَوْن الهِلاليُّ، أبو الفضل البغداديُّ.
روى عن: حسَّان بن إبراهيم الكرماني، ومالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن القاسم، وأحمد بن علي الأَبَّار، وأحمد بن حنبل، وابن معين، ومُسْلمٌ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثقةٌ، ليس به بأس. وقال ابن سعد: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال صالح بن محمد الأسدي، وابن قانع: ثِقَةٌ. وقال النَّسَائيُّ: ليس به بأسٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: صدوقٌ.
والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"، فقد وثَّقه جمعٌ، واحتج به مُسْلمٌ في "صحيحه"، ولم أقف فيه على جرحٍ.
(1)
3) الفَضْلُ بن غَانِم، أبو عليّ الخُزَاعِيُّ، المَرْوَزِيُّ، سكن بغداد.
روى عن: حَسَّان بن إبراهيم، ومالك بن أنس، وسليمان بن بلال، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن أبي خَيْثَمة، وأبو القاسم البغويُّ، وأحمد بن القاسم، وآخرون.
حاله: قال أحمد: مَنْ يَقْبل عنه حديثًا؟! قال ابن أبي حاتم: يعني من يكتب عنه. وقال ابن معين: ضَعيفٌ ليس بشيء. وقال الدَّارقُطنيّ: ليس بالقويّ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". فالحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ".
(2)
4) حَسَّان بن إِبْرَاهِيم بن عَبد اللَّه الكِرْمَانِيُّ، أَبُو هِشَام العَنَزِيُّ، قاضي كِرْمَان.
روى عن: عبد الملك، رجل من أهل الكوفة، وسُفْيَان الثوريّ، ويونس بن يزيد الأيليُّ، وآخرين.
روى عنه: مُحْرِز بن عون، والفضل بن غانم، وعليّ بن المدينيّ، وسعيد بن مَنْصور، وآخرون.
حاله: قال أحمد، وأبو زرعة: لا بأس به. وزاد أحمد: وحديثه حديث أهل الصدق. وقال ابن معين، والدَّارقُطنيّ، والذهبي في "الكاشف": ثِقَةٌ. وقال ابن معين أيضًا: ليس به بأسٌ إذا حدَّث عن ثِقَةٍ. وقال ابن حبَّان: رُبَّما أخطأ. وَاسْتَنْكَرَ له أحمد غير حَدِيثٍ. وقال ابن عدي: حدث بأفرادات كثيرة، وهو من أهل الصدق إلا أنه يغلط. وقال النَّسائيُّ: ليس بالقوي. وروى له البُخَارِيّ، ومسلم، وأبو داود.
وقال الذهبيُّ في "من تُكلم فيه وهو موثَّق": صدوقٌ. وقال ابن حجر في " مقدمة الفتح ": له في الصحيح أحاديث يسيرة تُوبع عليها. وفي "التقريب": صدوقٌ يُخطئ.
والحاصل: أنَّه "صدوقٌ"، فقد وثَّقه الأئمة، ولعلَّ مَنْ تَكَلَّم فيه بسبب بعض أوهامه، وأفراداته.
(3)
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 346، "الثقات" 9/ 191، "تاريخ بغداد" 15/ 352، "تهذيب الكمال" 27/ 279، "تهذيب التهذيب" 10/ 58، "التقريب"(6503).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 66، "الثقات" 9/ 6، "تاريخ بغداد" 14/ 321، "تاريخ الإسلام" 5/ 900، "الميزان" 3/ 357.
(3)
يُنظر: "الضعفاء والمتروكون" للنَّسائي (ص/89)، "الجرح والتعديل" 3/ 238، "الثقات" 6/ 224، "الكامل" 3/ 261، "تاريخ بغداد" 9/ 173، "التهذيب" 6/ 8 "الكاشف" 1/ 320، "مَنْ تُكُلِّم فيه وهو مُوَثَّق"(ص/168)، "الميزان" 1/ 477، "هدي الساري"(ص/394)، "التقريب"(1194).
5) عبد الملك رجلٌ مِنْ الكوفة. روى عن: العلاء بن كثير. روى عنه: حَسَّان بن إبراهيم، وقتادة.
حاله: قال الدَّارقطني: عبد الملك هذا رجلٌ مَجْهولٌ.
(1)
6) العَلاءُ بن كَثِيرٍ الليْثِيُّ، أبو سَعْدٍ الشَّامِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، مولى بني أمية، سكن الكوفة.
روى عن: مكحول الشامي، وأَبي الدَّرْدَاء مُرْسلاً.
روى عنه: عَبْدُ المَلِك شيخٌ من الكوفة، وسُلَيْمان بن عَمْرو النخعيُّ، وعَنْبَسة بن عبد الرحمن، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد: ليس حديثه بشيء، وليس بشيء. وقال ابن المديني: ضَعيفُ الحديث جدًا. وقال البخاري: العلاء بن كثير، عن مكحولٍ مُنْكرُ الحديث. وقال أبو حاتم: ضَعيفُ الحديث، مُنْكرُ الحديث، لا يُعرفُ بالشام. وقال أبو زرعة: ضَعيفُ الحديث، واهي الحديث، يُحَدِّثُ عن مَكْحولٍ عن واثلة بمناكير. وقال النَّسائي: ضَعيفٌ. وقال أيضًا: متروك الحديث. وقال ابن حبَّان: كان مِمَّن يَروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل الاحتجاج بما روى وإن وافق فيها الثقات. وقال ابن عدي: وللعلاء بن كَثِيرٍ عن مَكْحُولٍ عن الصحابة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُسَخٌ كلها غير محفوظةٍ، وهو مُنْكَر الحديث. وقال الأزدي: ساقِطٌ لا يُكتب حديثه. وقال ابن حجر في "اللسان": تالفٌ. وفي "التقريب": متروكٌ.
(2)
7) مكحول الشاميُّ، أَبُو عَبْد اللَّه، ويُقال: أبو أيوب. والمحفوظ أَبُو عَبْد اللَّهِ، الدِّمَشْقِيُّ الفقيه.
روى عن: النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً، وواثلة بن الأسقع، وأبي أُمامة رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: العلاء بن كثير، والعلاء بن الحارث، والزُّهريّ، ومحمد بن الوليد الزُّبَيْديّ، وآخرون.
حاله: قال العِجْليُّ: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه مِنْ مَكْحُولٍ.
وقال ابن معين: ليس يُثَبِّتونه في رواية أبي أُمامة. وقال أبو حاتم: لا يصح لمكحولٍ سماع مِنْ أبي أُمامة. وقال أبو سعيد بن يُونس: كان فقيهًا عالمًا، رأى أبا أُمامة الباهليّ، وأنس بن مالك، وسمع واثلة بن الأسقع. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، فَقِيهٌ، كثير الإرسال.
(3)
8) أبو أمامة صُدَي بن عَجْلان البَاهِلِيُّ: "صَحَابِيٌّ جَليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (3).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جدًا"؛ لأجل العلاء بن كثير "متروك الحديث"، وفيه أيضًا: عبد الملك رجل مِنْ أهل الكوفة "مجهولٌ". ومكحولٌ لم يَسمع مِنْ أبي أُمامة.
(4)
(1)
يُنظر: "السنن" للدَّارقُطنيّ (1/ 406).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 6/ 520، "الجرح والتعديل" 6/ 360، "المجروحين" 2/ 182، "الكامل" 6/ 377، "تاريخ دمشق" 47/ 224، "التهذيب" 22/ 535، "الميزان" 3/ 104، "تهذيب التهذيب" 8/ 191، "لسان الميزان" 4/ 7، "التقريب"(5254).
(3)
يُنظر: "الثِّقات" للعِجْليّ 2/ 296، "الجرح والتعديل" 8/ 407، "التهذيب" 28/ 464، "جامع التحصيل"(ص/28)، "تهذيب التهذيب" 10/ 290، "التقريب"(6875).
(4)
وللحديث جملةٌ مِنْ الشواهد، لا تنهض للاعتبار، فمدارها إمَّا على متروكٍ أو وَضَّاع، يُنظر:"مجمع الزوائد"(1/ 280)، "التحقيق" لابن الجوزي (1/ 366 - 372)، "العلل المتناهية"(ص/382 - 384)، "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 408 - 413)، "التنقيح" للذهبي (1/ 90)، "نصب الراية"(1/ 191 - 193)، "السلسلة الضعيفة"(3/ 600 - 609/حديث 1414).
والحدث عن أبي أمامة ذكره الهيثمي، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط"، وفيه: عبد الملك الكوفي عن العلاء بن كثير، لا ندري من هو.
(1)
قلتُ: ولم يُفَرِّق الهيثميّ بين إسناد الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط"، ففي "الكبير" العلاء بن الحارث، وفي "الأوسط" العلاء بن كثير - كما سبق بيانه -؛ والعلاء بن كثير "متروكٌ" - سبقت ترجمته -.
وذكره السيوطي عن أبي أمامة، وعزاه إلى الطبراني في "الكبير"، ورمز له بالضعف.
(2)
وقال الإمام أحمد: ورُوي ذلك مِنْ أوجهٍ أُخر كُلّها ضعيفةٌ.
وقال ابن حِبَّان - كما سبق -: العلاء بن كثير كان مِمَّن يَروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل الاحتجاج بما روى وإن وافق فيها الثقات.
وقال ابن عدي: وللعلاء بن كَثِيرٍ عن مَكْحُولٍ عن الصحابة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُسَخٌ كلها غير محفوظةٍ.
وقال الدَّارقُطنيّ - وتبعه البيهقي، وابن الجوزي، وابن عبد الهادي، والزيلعي -: وَعَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَالعَلَاءُ هُوَ ابنُ كَثِيرٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ شَيْئًا.
وقال الدَّارقُطني أيضًا: وعبد الملك رجلٌ مَجْهُولٌ، غير مَنْسُوبٍ، ولا مَعْرُوفٍ، وَهُوَ بلية الحَدِيث.
وقال البيهقي: وَقَدْ رُوِيَ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ أَحَادِيثُ ضِعَافٌ قَدْ بَيَّنْتُ ضَعْفَهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ.
(3)
وقال ابن رجب: المرفوع كله باطل لا يصح، وكذلك الموقوف طرقه واهية، وقد طعن فيها الأئمة.
(4)
وقال ابن تيمية: هذا حديثٌ بَاطِلٌ، بَلْ هُوَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الحَدِيثِ
…
فَهُمْ يَقُولُونَ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عَنْ أَصْحَابِهِ في هذا شَيْءٌ، والمرجعُ في ذلك إلى العادة.
(5)
وقال ابن القيم: تقدير أقل الحَيْضِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ بِعَشَرَةٍ ليس فيها شيءٌ صَحِيحٌ بل كله باطلٌ.
(6)
وتعقَّبه المُلا علي القاري، فقال: وَله طرق مُتعَدِّدَة رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَتَعَدُّدُ الطُّرُقِ وَلَوْ ضَعُفَتْ يُرَقِّي الْحَدِيثَ إِلَى الْحسن فالحكم بِالْوَضْعِ عَلَيْهِ لَا يُستحسن.
(7)
وقال بدر الدين العيني - بعد أن ذكر طُرُق الحديث، وأقوال العلماء في تضعيفها -: قد شهد لمذهبنا عدة
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(1/ 280).
(2)
يُنظر: "الجامع الصغير"(ص/84).
(3)
يُنظر: "السنن الكبرى"(1/ 481).
(4)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب الحنبلي (2/ 150).
(5)
يُنظر: "الفتاوى الكبرى"(1/ 419)، "مجموع الفتاوي"(21/ 623).
(6)
يُنظر: "المنار المنيف في الصحيح والضعيف"(ص/122).
(7)
يُنظر: "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة"(ص/481).
أحاديث من عدة عن الصحابة من طرق مختلفة كثيرة يشد بعضها بعضاً، وإن كان كل واحد ضعيفاً، لكن يحدث عند الاجتماع ما لا يحدث عند الانفراد، على أن بعض طرقها صحيحة!! وذلك يكفي للاحتجاج.
(1)
وقال ابن الهَمَام - بعد أن ذكر الحديث بطرقه وشواهده -: فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُتَعَدِّدَةُ الطُّرُقِ، وَذَلِكَ يَرْفَعُ الضَّعِيفَ إلَى الْحَسَنِ، وَالْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ مِمَّا لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، فَالْمَوْقُوفُ فِيمَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ، بَلْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِكَثْرَةِ مَا رَوَى فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِمَّا أَجَادَ فِيهِ ذَلِكَ الرَّاوِي الضَّعِيفُ؛ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ.
(2)
قلتُ: ومِنْ المقرر عند أهل هذا الفن أن ليس كل ضَعيفٍ يصلح للاعتبار
(3)
، كما هو الحال في حديث الباب، فجميع طُرُقه تدور بين متروكٍ أو مُتَّهمٍ، لذا أنكره غير واحدٍ مِنْ أهل العلم، والله أعلم.
وقال الألباني: مُنْكَرٌ.
(4)
قلتُ: والحديث مع شدة ضعف راويه فهو مُخالفٌ لمَا صَحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:
أخرج البخاري ومُسْلمٌ في "صحيحيهما" عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» .
(5)
وأخرج الإمام مالك، والبخاري - تعليقًا -، قال: وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدّرَجَةِ
(6)
فِيهَا الكُرْسُفُ فِيهِ
(1)
يُنظر: "البناية شرح الهداية"(1/ 618)، "عمدة القاري شرح صحيح البخاري"(3/ 307).
(2)
يُنظر: "فتح القدير"(1/ 165).
(3)
قال ابن الصلاح في "معرفة علوم الحديث"(ص/104): ليسَ كلُّ ضَعْفٍ في الحديثِ يزولُ بمجيئِهِ مِنْ وجوهٍ، بلْ ذلكَ يتفاوتُ: فمنهُ ضَعْفٌ يُزيلُهُ ذلكَ، بأنْ يكونَ ضَعْفُهُ ناشئاً مِنْ ضَعْفِ حفظِ راويهِ مَعَ كونِهِ مِنْ أهلِ الصِّدقِ والديانةِ، فإذا رأينا ما رواهُ قدْ جاءَ مِنْ وجهٍ آخرَ، عَرَفنا أنَّهُ ممَّا قدْ حفظَهُ، ولَمْ يختلَّ فيهِ ضبطُهُ لهُ، وكذلكَ إذا كانَ ضَعْفُهُ مِنْ حيثُ الإرسالُ، زالَ بنحوِ ذلكَ، كما في المرسلِ الذي يُرسِلُهُ إمامٌ حافظٌ، إذ فيهِ ضَعْفٌ قليلٌ يزولُ بروايتِهِ منْ وجهٍ آخرَ، ومِنْ ذلكَ ضَعفٌ لا يزولُ بنحوِ ذلكَ لقوّةِ الضَّعْفِ وتقاعدِ هذا الجابرِ عَنْ جَبْرِهِ ومقاومَتِهِ، وذلكَ كالضَّعْفِ الذي ينشأُ مِنْ كونِ الراوي متَّهَماً بالكذِبِ أو كونِ الحديثِ شاذّاً. وهذهِ جملةٌ تفاصيلُها تُدْرَكُ بالمباشرةِ والبحثِ، فاعلمْ ذلكَ فإنَّهُ مِنَ النَّفائِسِ العزيزةِ، واللهُ أعلمُ.
(4)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(3/ 600/حديث 1414).
(5)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(228) ك/الوضوء، ب/غسل الدم، وبرقم (306) ك/الحيض، ب/الاستحاضة، وبرقم (320) ك/الحيض، ب/إِقْبَالِ المَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ، وبرقم (331) ك/الحيض، ب/إِذَا رَأَتِ المُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ، ومسلمٌ في "صحيحه"(333) ك/الحيض، ب/الْمُسْتَحَاضَةِ وَغَسْلِهَا وَصَلَاتِهَا.
(6)
الدِّرَجَة: بكسر أوله، وفتح الراء والجيم، جمع دُرْج بالضم ثم السكون، قال ابن بطال: كذا يرويه أصحاب الحديث، وضبطه ابن عبد البر: بالضم ثم السكون، والمراد به: ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا، وقوله: الكُرْسُف بضم الكاف والسين المهملة، بينهما راء ساكنة، هو القطن. "فتح الباري" لابن حجر (1/ 420).
الصُّفْرَةُ، فَتَقُولُ: لا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّةَ البَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الحَيْضَةِ.
(1)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن مَكْحُولٍ إلا العَلاءُ.
قلتُ: بل أخرجه ابن حبَّان في "المجروحين"، وابن عدي في "الكامل"، مِنْ طريق سُليمان بن عَمرو، عن يَزيد بن جابر، عن مكحولٍ، عن أبي أمامة، بنحوه. لكن أعلَّه ابن حبَّان بسليمان بن عمرو أبي داود النَّخعيّ، واتَّهمه بالوضع - كما سبق بيانه في التخريج -، والله أعلم.
* * *
(1)
أخرجه مالكٌ في "الموطأ"(189)، والبخاري في "صحيحه" - تعليقًا - ك/الحيض، ب/إِقْبَالِ المَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ.
[200/ 600]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ.
عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يُوشِكُ الرَّجُلُ أَنْ يهمَّهُ
(1)
مَنْ أَنْ
(2)
يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ مِنْهُ، فلا يَجِدْهُ».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُبَارَكٍ إلا سَعِيدٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه البخاري في "صحيحه"(1413) ك/الزكاة، ب/الصدقة قبل الرد، مِنْ طريق سَعْدَان بن بِشْر، قال: حدَّثنا أبو مجاهد سَعْد الطائيّ، حدَّثنا مُحِلُّ بن خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ، قال: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رضي الله عنه، يقول: وذكره مُطولاً، وفيه: فَإِنَّ السَّاعَةَ لا تَقُومُ، حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ، لا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ
…
الحديث.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(3595) ك/المناقب، ب/علامات النبوة في الإسلام، مِنْ طريق إسرائيل بن يُونس، أخبرنا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أخبرنا مُحِلُّ بن خَلِيفَةَ، عن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ، قَالَ: وذكره بنحو الرواية السابقة، وفيه: وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فلا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ
…
الحديث.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) سَعِيدُ بن سُلَيْمان الضَّبِّيُّ، أبو عُثْمَان الواسطيُّ:"ثِقَةٌ مأمونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (103).
3) مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: "صَدُوقٌ، يُدَلِّسُ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (179).
4) مُحَمَّد بن سيرين: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ عابدٌ، كبير القدر، كان لا يَرى الرواية بالمعنى"، تَقَدَّم في رقم (131).
5) بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ.
روى عن: عدي بن حاتم، وأنس بن مالكٍ، وابن عُمر، وابن عبَّاس رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: مُبَارك بن فَضَالة، وقتادة، وحُميد الطويل، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْليُّ، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وقال أبو زُرْعة: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال ابن حِبَّان: كان عابدًا فاضلًا، وكان أبوه مِنْ الصحابة. وقال الذهبيُّ: ثِقَةٌ إمامٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، جليلٌ. وروى له
(1)
يهمَّه: قال النووي: ضبطوه بوجهين، أشهرهما: بضم أوله، وكسر الهاء، أي يُحْزِنَه وَيَهْتَمُّ لَهُ؛ والثاني بفتح أوله، وضم الهاء، يَهُمُّ رَبُّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ أي يقصده، والله أعلم. يُنظر:"المنهاج"(7/ 97)، "فتح الباري"(3/ 282).
(2)
في المطبوع، قال المحقق الفاضل: لعَلَّ "أن" الثانية زائدةٌ.
الجماعةُ. وقال ابن المديني، وغيره: مات سنة 106 هـ.
(1)
6) عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ، أبو طريف الطائي، ويكنى أبا وهب.
روى عن: النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وعن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه.
روى عنه: محمد بن سيرين، وأَبُو عُبَيدة بن حذيفة بن اليمان، وعامر الشَّعْبيّ، وآخرون.
وفد على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ، فَأَكْرَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، واحترمه، وَكَانَ سَيِّدُ قَوْمِهِ؛ وثبت على إسلامه في الرِّدَّة، وأحضر صدقة قومه إلى أبي بكر رضي الله عنه. ومات سنة 68 هـ.
(2)
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ فيه: مُبارك بن فَضَالة "يُدَلِّسُ"، وقد عنعنه.
والحديثُ أخرجه البخاريُّ في "صحيحه"، فيرتقي بمتابعاته إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُبَارَكٍ إلا سَعِيدٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبيُّ، والله أعلم.
* * *
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْليّ 1/ 251، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 74، "التهذيب" 4/ 216، "الكاشف" 1/ 274، "التقريب"(743).
(2)
يُنظر: "الاستيعاب" 3/ 1057، "أسد الغابة" 4/ 8، "تاريخ الإسلام" 2/ 678، "الإصابة" 7/ 122.
[201/ 601]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاهِبِ الحَارِثِيُّ، قَالَ: نا مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ
(1)
، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن هِشَامٍ، عن أبيه، عن عبد اللَّهِ بنِ عَمْرٍو إلا مُسْلِمٌ.
هذا الحديث مداره على هِشَام بن عُرْوَة، واختلف عليه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو رضي الله عنه.
الوجه الثاني: هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه (مُرْسلاً).
الوجه الثالث: هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.
الوجه الرابع: هِشَام بن عُرْوة، عن عُبَيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
الوجه الخامس: هِشَام بن عُرْوة، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
الوجه السادس: هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه بهذا الوجه إلا برواية الباب، وذكره الزيلعيُّ في "نصب الرَّاية"(4/ 289)، قال: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "معجمه الوسط"، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن القَاسِمِ بن مُسَاوِرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ الوَاهِبِ الحَارِثِيُّ، ثنا مُسْلِمُ بن خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو مَرْفُوعًا، وقال: تَفَرَّدَ به مُسْلِمُ ابن خَالِدٍ، عن هِشَامٍ، عن أَبِيهِ، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو، انْتَهَى.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه مسلم الزَّنجي وَثَّقَهُ ابن معين، وضعفه أحمد وغيره.
(2)
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
(1)
الزَّنْجِيُّ: بفتح الزاي، وسكون النون، وكسر الجيم، وهو لقبٌ له، كان أبيض أحمر فَلُقِّب بالزَّنْجيّ. وقال عَبد اللَّهِ بن أَحْمَد بن حنبل: قلت لسويد بْن سَعِيد: لم سمي الزنجي؟ قال: كان شديد السواد. وَقَال عَبْد الرحمن بْن أَبي حاتم: كان أبيض مشربا حمرة، وإنما لقب بالزنجي لمحبته التمر، قالت له جاريته: ما أنت الأزنجي لأكل التمر، فبقي عليه هذا اللقب. "إكمال الإكمال" لابن نُقطة (3/ 93)، "تهذيب الكمال"(27/ 512)، "اللباب في تهذيب الأنساب"(2/ 77).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 158).
2) محمد بن عبد الواهب بن الزبير، أبو جعفر الحارثيُّ الكوفيُّ.
روى عن: مُسْلِم بن خالد الزَّنْجيّ، ومحمد بن مُسلم الطائفي، ومحمد بن أبان الجعفيُّ، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن خُليد، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو القاسم البغويّ، وآخرون.
حاله: قال جزرة، والحاكم: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: رُبَّما أخطأ. وقال الدَّارقُطنيّ: ثِقَةٌ، عنده غرائب.
(1)
3) مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، المَكِّيُّ، الْفَقِيهُ أَبُو خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ.
روى عن: هشام بن عُروة، وازُّهريّ، وعَمرو بن دينار، وآخرين.
روى عنه: محمد بن عبد الواهب الحارثيّ، ومَرْوان بن محمد الطاطري، وسُفْيَان الثوريّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال أيضًا: ليس به بأسٌ. وقال ابن أبي حاتم: إمامٌ في الفقه والعلم. وقال ابن حبَّان: كان يُخطئ أحيانًا. وقال ابن عدي: حسنٌ الحديث، وأرجو أنَّه لا بأس به.
- وقال البخاري: مُنْكرُ الحديث. وقال ابن المدينيُّ: ليس بشيء. وقال ابن معين أيضًا، وأبو جعفر النُّفيليُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ: ضَعيفٌ. وقال أبو حاتم: ليس بذاك القوى، مُنْكَرُ الحديث، يُكتب حديثه ولا يُحْتَجُّ به، تَعْرِفُ وتُنْكِرُ. وقال السَّاجيُّ: صدوقٌ، كثير الغلط.
- وقال الذهبيُّ في "المغني": إِمَامٌ صَدُوقٌ يَهِمُ. وفي "السير": بعض النُّقاد يُرَقِّي حديث مُسْلِم إلى درجة الحسن. وفي "الميزان": ذكر له جملة مِنْ مناكيره، ثُمَّ قال: فهذه الأحاديث وأمثالها تُرَدُّ بها قُوَّة الرجل ويُضَعَّفُ. وقال ابن حجر: صدوقٌ كثير الأوهام. والحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ يُعتبر به"، والله أعلم.
(2)
4) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
5) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
6) عَبْد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاص: "صحابيٌّ جليلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (163).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه (مُرْسلاً).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" برواية يحيى الليثي برقم (2166)، وبرواية أبي مُصْعب الزُّهري برقم (2893) - ومِنْ طريقه البغويُّ في "شرح السنَّة"(2189) -، وبرواية محمد بن الحسن الشيباني برقم (833)، والشافعي في "المسند"(1119 و 1794) - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(11781)، وفي "معرفة السنن والآثار"(12171) -، أربعتهم (يحيى، وأبو مُصْعب، ومحمد، والشافعي) عن مالك.
(1)
يُنظر: "تاريخ بغداد" 3/ 678، "لسان الميزان" 7/ 232، "الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة" 8/ 446.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 260، "الضعفاء والمتروكون" للنَّسائي (ص/228)، "الجرح والتعديل" 8/ 183، "الثِّقات" 7/ 448، "الكامل" 8/ 6، "التهذيب" 27/ 509، "المغني في الضعفاء" 2/ 295، "سير النبلاء" 8/ 177، "الميزان" 4/ 102، "إكمال تهذيب الكمال" 11/ 171، "تهذيب التهذيب" 10/ 128، "التقريب"(6625).
قال الإمام مالك: والعِرْقُ الظَّالِمُ: كُلُّ مَا احْتُفِرَ أَوْ أُخِذَ أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ.
(1)
- ويحيى بن آدم في "الخراج"(266)، قال: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ.
- ويحيى بن آدم أيضًا في "الخراج"(267) - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(11774) -، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ.
- ويحيى بن آدم أيضًا في "الخراج"(268)، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن سِيَاه الأسديّ.
- ويحيى بن آدم أيضًا في "الخراج"(272) - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(11775) -، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ بن يزيد الأَوديّ.
- وأبو عُبَيد القاسم بن سلام في "الأموال"(714) - ومِنْ طريقه البغوي في "شرح السنَّة"(2167) -، قال: حدَّثنا سعيد بن عبد الرحمن الجُمحيُّ، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير.
قَالَ الْجُمَحِيُّ: قَالَ هِشَامٌ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ، أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ إِلَى أَرْضٍ قَدْ أَحْيَاهَا رَجُلٌ قَبْلَهُ، فَيَغْرِسُ فِيهَا، أَوْ يُحْدِثُ فِيهَا شَيْئًا، لِيَسْتَوْجِبَ بِهِ الأَرْضَ، هَذَا الْكَلامُ أَوْ نَحْوُهُ.
- وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(22382)، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ بن الجَرَّاح.
- وابن زنجويه في "الأموال"(1053)، مِنْ طريق سُفْيَان الثوريّ - مِنْ أصح الأوجه عنه -.
- وأبو محمد السرقسطيُّ في "الدلائل في غريب الحديث"(13)، مِنْ طريق يَعْقُوب بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
- والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5730) ك/إحياء الموات، ب/مَنْ أحيا أرضًا مَيْتةً ليست لأحدٍ، قال: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بن سعد، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القًطَّان.
كلهم (مالكٌ، وقيس بن الربيع، وابن عُيَيْنَة، ويزيد بن عبد العزيز، وعبد الله بن إدريس، والجُمحيُّ،
…
وأبو معاوية الضريرُ، ووكيعٌ، والثوريُّ، ويعقوب بن عبد الرحمن، ويحيى القَطَّان)، عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عن أبيه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» .
وعند النَّسائيّ: قَالَ اللَّيْثُ: ثُمَّ كَتَبْتُ إِلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.
قلتُ: وجميعهم مِنْ الثِّقات، ومِنْ أثبت النَّاس في هشام بن عُروة، قال الدَّارقُطني: أثبت الرواة عن هشام ابن عروة: الثوريُّ، ومالكٌ، ويحيى القَطَّان، وابن نُمَير، والليث بن سعد.
(2)
وقال البغوي: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ أَيُّوبُ، عَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقال الدَّارقُطنيّ: وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
(1)
وفي "الموطأ" بتحقيق فضيلة الدكتور/ محمد مصطفى الأعظمي، قال بهامشه: بهامش الأصل: من الناس من يرويه بإضافة العرق إلى الظالم وهو الغارس، ومنهم من يجعل الظالم من نعت العرق يريد به الغراس والشجر، وجعله ظالماً لأنه ثبت في غير حقه». ثُمَّ قال: وبهامشه أيضاً، قال ابن وضاح:"وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ" من كلام هشام. أ. هـ
(2)
يُنظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب (2/ 680).
الْأُمَوِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا
…
وَالْمُرْسَلُ عَنْ عُرْوَةَ أَصَحُّ.
(1)
وقال الدَّارقُطني أيضًا: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عبد الله بن إدريس، وأبو أسامة، وغيرهم عن هشام، عن أبيه مرسلًا، والصحيح عن عروة مرسلًا.
(2)
وقال ابن عبد البر: هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ لا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فيه على هشام فروته عند طَائِفَةٌ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا - كما رَوَاهُ مَالِكٌ - وَهُوَ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -، وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ، وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عبد الرحمان بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَابِرٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ جَابِرٍ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ
…
هَذَا الِاخْتِلَافُ عَنْ عُرْوَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ الْإِرْسَالُ، كَمَا رَوَى مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ، وَهُوَ أَيْضًا صَحِيحٌ مُسْنَدٌ على ما أَوْرَدْنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَغَيْرِهِمْ.
(3)
ب متابعات للوجه الثاني:
• والحديث أخرجه أبو يوسف في "الخراج"(ص/64 - 65)، ويحيى بن آدم في "الخراج"(274 و 275)، وأبو عُبيد في "الأموال"(716)، مِنْ طُرُقٍ عن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عن يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ".
وعند أبي يوسف: قَالَ عُرْوَةُ: فَحَدَّثَنِي مَنْ رَأَى ذَلِكَ النَّخْلَ يُضْرَبُ فِي أَصْلِهِ بِالفُئُوسِ.
• وأبو داود في "سننه"(3076) ك/الخراج، ب/إحياء الموات - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(11773) -، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الآمُلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ الأَرْضَ أَرْضُ اللَّهِ، وَالْعِبَادَ عِبَادُ اللَّهِ، وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، جَاءَنَا بِهَذَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ جَاءُوا بِالصَّلَوَاتِ عَنْهُ.
ثالثاً: - الوجه الثالث:
هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم - صاحب الإمام أبي حنيفة - في "الخراج"(ص/64)، قال: حَدَّثَنِي هِشَام بن عُرْوَة، عن أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، به.
قلتُ: ويعقوب: خالف ما رواه الثِّقات عن هشام بن عُروة - كما سبق -، وضَعَّفه غير واحدٍ مِنْ أهل
(1)
يُنظر: "العلل"(4/ 415/مسألة 665).
(2)
يُنظر: "العلل"(14/ 111 - 112/مسألة 3460).
(3)
يُنظر: "التمهيد"(22/ 280 - 284).
العلم، بينما قال الذهبي في "الميزان": إذا روى عنه ثِقَةٍ، وروى هو عن ثِقَةٍ فلا بأس به.
(1)
.
• وأخرجه أبو يَعْلَى في "مُسْنَدِهِ" - كما في "نصب الرَّاية" للزيلعيّ (4/ 288) -، قال: حدثنا زُهَيْرٌ، ثنا إسماعيل بن أبي أُوَيْسٍ، حدَّثني أَبِي، عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ، به.
قلتُ: وإسماعيل بن أبي أويس، اختلف فيه أهل العلم، فوثَّقه بعضهم، وَضَعَّفه آخرون. وقال الذهبي: استقرّ الأمرُ على توثيقه وتجنُّب ما يُنكر له. وقال ابن حجر في "هدي الساري": لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائيُّ وغيره، إلا إن شاركه فيه غيره، فيُعتبر به. وهو أولى؛ لذا قال الذهبي في "الميزان": مُحَدِّثٌ مُكْثِرٌ، فيه لِينٌ. والله أعلم.
(2)
وأمَّا والده: أبو أُويس عبد الله بن عبد الله بن أويس فـ "ضَعِيفٌ".
(3)
• وأخرجه الدَّارقُطني في "المؤتلف والمختلف"(4/ 1849)، قال: حدَّثنا الحَسَن بن رشيق بمصر، حَدَّثَنا أبو الحُسَين فقير بن موسى بن فَقِير، قال أبو حنيفة قَحْزَم بن عَبد الله بن قَحْزَم بأسوان، حَدَّثَنا أبو عَبد الله مُحمَّد بن إدريس الشافعي، حَدَّثَنا مَالِك بن أنس، عن هِشَام بن عُرْوَة، به، بدون جزئه الثاني.
وقال الدَّارقُطني: أَسْنَدَهُ عن عائشة، وغَيْرُه يُرْسِلُه.
قلتُ: وفيه: الحسن بن رشيق أبو محمد العسكري: وثَّقه جماعةٌ، وأنكر عليه الدارقطني أنه كان يُصلح في أصله ويُغيِّر.
(4)
وأبو حنيفة قَحْزَم بن عبد الله بن قَحْزَم: فقال ابن عبد البر: يَرْوِي عن الشافعيّ كثيرًا مِنْ كتبه، وكان مفتيًا، كتب كثيرًا مِنْ كتب الشافعيّ وصحبه.
(5)
قلتُ: وخالف فيه راويه ما صَحَّ عن الشافعيّ، وما رواه في "مسنده" - كما سبق -، بل وخالف أيضًا ما رواه مالكٌ في "الموطأ"، وما رواه عنه عامةُ أصحابه - كما سبق -، فلعلَّه سلك فيه الجادة، وهو ما يَدُلُّ عليه كلام الدَّارقُطني: أَسْنَدَهُ عن عائشة، وغَيْرُه يُرْسِلُه.
وقال الدَّارقُطني أيضًا: ورواه الحجاج بن أرطاة، وعبد الله بن الأجلح، وسعيد بن الصلت، وعائذ بن حبيب، وأبو أويس، ويزيد بن سنان، وأبو قرة الجندي، رووه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
ورواه عثمان بن خالد العثماني والد أبي مروان، عن مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن عائشة، وَوَهِمَ فِيهِ عَلَى مَالِكٍ. وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا.
(6)
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 8/ 397، "الجرح والتعديل" 9/ 201، "تاريخ بغداد" 16/ 359، "تاريخ الإسلام" (4/ 1021، "الميزان" 4/ 447، "اللسان" 8/ 518.
(2)
"الجرح والتعديل" 2/ 180، "التهذيب" 3/ 124، "تاريخ الإسلام" 5/ 535، "الميزان" 1/ 222، "هدي الساري"(ص/388).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 92، "المجروحين" 2/ 24، "التهذيب" 15/ 168.
(4)
يُنظر: "ميزان الاعتدال"(1/ 490).
(5)
يُنظر: "تاريخ الإسلام"(6/ 591).
(6)
يُنظر: "العلل"(14/ 111 - 112/مسألة 3460).
ب متابعات للحديث بالوجه الثالث:
• أخرجه البخاريُّ في "صحيحه"(2335) ك/المزارعة، ب/مَنْ أحيا أرضًا مواتًا، وغيره، مِنْ طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - يتيم عُروة -، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ» ، قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه في خِلَافَتِهِ.
(1)
رابعًا: - الوجه الرابع:
هِشَام بن عُرْوة، عن عُبَيد الله، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الرابع:
• أخرجه يحيى بن آدم في "الخراج"(259)، وأبو عُبيد القاسم بن سلَّام في "الأموال"(712) - ومِنْ طريقه البغوي في "شرح السنَّة"(1651) -، والبيهقي في "السنن الكبرى"(11815)، عن أبي مُعَاوِيَة محمد بن خازم الضرير؛ وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(22381)، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ؛ وأحمد في "مسنده"(14361)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5724/ 1) ك/إحياء الموات، ب/الحثُّ على إحياء الموات، وبرقم (5724/ 2) ك/إحياء الموات، ب/الحثُّ على إحياء الموات، وابن حبَّان في "صحيحه"(5203)، مِنْ طريق يَحْيَى بن سعيد القطان؛ وأحمد في "مسنده"(14500)، مِنْ طريق عبد اللَّهِ بن عَقِيلٍ؛ وأحمد في "مسنده"(15081)، والدَّارميّ في "مسنده"(2649)، مِنْ طريق أبي أسامة حَمَّاد بن أسامة؛ وابن زنجويه في "الأموال"(1050)، مِنْ طريق ابن أبي الزِّنَادِ؛ وابن حبَّان في "صحيحه"(5202)، مِنْ طريق حَمَّاد بن سلمة؛ والبيهقي في "السنن الكبرى"(11814)، مِنْ طريق أنس بن عِيَاض.
ثمانيتهم (أبو مُعاوية الضرير، ووكيعٌ، ويحيى القَطَّان، وابن عَقيل، وحمَّاد بن أسامة، وابن أبي الزِّناد، وحمَّاد بن سلمة، وأنس) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَلَهُ أَجْرٌ فِيهَا، وَمَا أَكَلْتِ الْعَافِيَةُ مِنْهَا، فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ". وفي "الأموال" للقاسم بن سلَّام، وعند أحمد برواية حَمَّاد بن أسامة، بلفظ:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ مِنْهَا فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ» .
واختلفوا في عُبيد الله: فقال بعضهم عُبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وقال بعضهم: ابن أبي رافع.
قال الدَّارقُطني: ورواه حماد بن سلمة، عن هشام، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي رافع، عن جابر. وقال يحيى القطان، وأبو معاوية الضرير، عن هشام، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رافع الأنصاري، عن جابر. وقال يحيى بن سعيد الأموي، وشعيب بن إسحاق، وابن هشام بن عروة، وابن أبي الزناد، عن هشام،
(1)
والحديث رواه الزُّهري، عن عُروة، عن عائشة أيضًا؛ لكن أنكره غير واحدٍ مِنْ أهل العلم كأبي حاتم، وابن عدي، والدَّارقُطني، مِنْ هذا الوجه، ورجَّحوا المرسل عن عُروة؛ يُنظر:"المُسند" لأبي داود الطيالسيّ (1543)، "العلل" لابن أبي حاتم (4/ 279/مسألة 1422)، "المعجم الأوسط" للطبراني (4102 و 7267)، "الكامل" لابن عدي (4/ 200)، "السنن" للدَّارقُطني (4506)، "العلل" للدَّارقُطني (4/ 415/مسألة 665)، و (14/ 111/مسألة 3460)، "السنن الكبرى" للبيهقي (11780)، "التمهيد" لابن عبد البر (22/ 283)، "التلخيص الحبير" لابن حجر (3/ 120).
عن عبيد الله بن رافع، عن جابر. وقال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عروة، عن هشام، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ جابر. ويُشْبِه أن يكون حديث هشام بن عروة، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رافع محفوظًا، وحديث هشام، عن وهب بن كيسان أيضا.
(1)
خامسًا: - الوجه الخامس:
هِشَام بن عُرْوة، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الخامس:
• أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"(14271)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5726) ك/إحياء الموات، ب/الحثُّ على إحياء الموات، وابن حجر في "تغليق التعليق"(3/ 309 - 310)، مِنْ طريق عَبَّاد بن عَبَّادٍ المُهَلَّبِيّ، عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عن وَهْبِ بن كَيْسَانَ، عن جَابِرِ بن عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَلَهُ مِنْهَا - يَعْنِي أَجْرًا -، وَمَا أَكَلَتِ الْعَوَافِي مِنْهَا، فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ".
• وأخرجه أحمد في "مسنده"(14636)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى"(11816)، كلاهما (أحمد، والبيهقي) مِنْ طريق حَمَّاد بن زَيْدٍ؛ والترمذي في "سننه"(1379) ك/الأحكام، ب/ما ذُكِرَ في إِحْيَاءِ أَرْضِ المَوَاتِ، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5725) ك/إحياء الموات، ب/الحثُّ على إحياء الموات، والطبرانيُّ في "الأوسط"(4779)، وابن حجر في "تغليق التعليق"(3/ 309)، أربعتهم (الترمذي، والنَّسائيُّ، والطبرانيُّ، وابن حجر) مِنْ طريق عَبْد الوَهَّابِ بن عبد المجيد الثَّقفيّ، قال: حدَّثنا أَيُّوبُ السَّختيانيُّ.
كلاهما (حَمَّاد، وأيوب)، عن هِشَام بن عُرْوَةَ، عن وَهْبِ بن كَيْسَانَ، عن جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ". وعند الترمذي، وابن حجر مُختصرًا بجزئه الأول فقط. بينما وقع عند النَّسائيّ والطبرانيّ مُطولاً، لكن بلفظ:"مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً، فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ".
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقال الطبرانيُّ: لم يَرْوِ هذا الحديث عن أَيُّوبَ إلا عَبْدُ الوَهَّابِ.
وقال ابن حجر: وقد أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/المزارعة، ب/مَنْ أحيا أرضًا مواتًا، مُعَلَّقًا بصيغة التمريض، فقال: وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ جَابِرٍ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِن قيل: لِمَ مَرَّضه البُخَارِيّ، وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ؟ قلت: التِّرْمِذِيّ اتَّبَع ظاهر إِسْنَاده، وأمَّا البُخَارِيّ فَإِنَّهُ عِنْده مُعَلَّلٌ للاخْتِلَاف فيه على هِشَام في إِسْنَاده وَلَفظ مَتنه، أمَّا اخْتِلَاف اللَّفْظ فقد مضى، وأمَّا اخْتِلَاف الإِسْنَاد فَرَوَاهُ يحيى بن سعيد القطَّان وهو مِنْ جبال الحفظ
…
وأبو ضَمرَة أنس بن عِيَاض المدنِي وَأَبُو مُعَاوِيَة كلهم عَن هِشَام عَن ابن رافع عن جَابر رضي الله عنه، وَرَوَاهُ عبد الله ابن إدريس وغيره عن هِشَام بن عُرْوَةَ عن أَبِيهِ عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُرْسلًا، وكذا رَوَاهُ يحيى بن عُرْوَة عن أبيه، وَرَوَاهُ أبو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيه اخْتِلَاف غير هَذَا فَلهَذَا لم يجْزم بِهِ - والله أعلم -، وإن كان ظاهر الإِسْنَاد الصِّحَّة فإنَّه رُبَّمَا مَرَّض أَحَادِيث صَحِيحَة الإِسْنَاد لعلل فِيهَا.
(1)
يُنظر: "العلل"(13/ 387/مسألة 3279).
• وأخرجه ابن حبَّان في "صحيحه"(5205) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلَّانَ بِأَذَنَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الزِّمَّانِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ أَحْيَى أَرْضًا مَيْتَةً، فَهِيَ لَهُ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَوَافِي مِنْهَا، فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ".
قلتُ: هكذا في المطبوع عبد الوهاب عن هشام بن عُروة مباشرة، وقد سبق روايته عن أيوب عن هشام.
(1)
وقال ابن حبَّان: وقد سَمِعَ هِشَامُ بن عُرْوَةَ هذا الخَبَرَ مِنْ وَهْبِ بن كَيْسَانَ، وعبد اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن رَافِعِ بن خَدِيجٍ عن جَابِرِ بن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، وهما طَرِيقَانِ مَحْفُوظَانِ.
سادسًا: - الوجه السادس:
هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه السادس:
• أخرجه أبو داود في "سننه"(3073) ك/الخَراج، ب/إحياء الموات - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(11538 و 11772) -، والبَزَّار في "مسنده"(1256)، والضياءُ في "المختارة"(1096)، عن محمد بن المُثَنَّى؛ والترمذي في "سننه"(1378)، ك/الأحكام، ب/ما ذُكِرَ في إِحْيَاءِ أَرْضِ المَوَاتِ، عن محمد بن بَشَّارٍ؛ والنَّسائيُّ في "الكبرى"(5728) ك/إحياء الموات، ب/مَنْ أحيا أرضًا مَيْتةً ليست لأحدٍ، عن محمد بن يَحْيَى بن أَيُّوب بن إبراهيم؛ وأبو يعلى في "مسنده"(957) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(64/ 153)، والضياء في "المختارة"(1097) -، عن مُوسَى بن حَيَّانَ البَصْرِيّ؛ والضياء في "المختارة"(1098)، مِنْ طريق محمد بن يَحْيَى بن أبي عُمَرَ العَدَنِيّ.
خمستهم عن عبد الوَهَّابِ الثَّقفي، قال: حدَّثنا أيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، عن هشام بن عُرْوَةَ، عن أبيه، عن سَعِيدِ بن زَيْدٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» .
وقال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً.
وقال البَزَّار: وهذا الحَدِيثُ قد رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، ولا نَحْفَظُ أَحَدًا، قَالَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ إِلَّا عَبْدَ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ.
قلتُ: بل رواه الثوري - بإحدى الرِّوايات عنه -، عن هشام، عن أبيه عن سعيد بن زيد، وسيأتي قريبًا.
قال النَّسائيُّ: خَالَفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَلَيْثُ بن سَعْدٍ. قلتُ: فروياه عن هشام عن أبيه مرسلًا، كما سبق.
وقال الدَّارقُطني: يَرْوِيهِ أَيُّوبُ، عَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، تَفَرَّدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْهُ.
(2)
وقال الدَّارقُطني أيضًا: وقال أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبيه، عن سعيد بن زيد، قال ذلك الثقفي، عن أيوب وهو وهمٌ، والصحيح عن هشام، عن أبيه مرسلًا.
(3)
(1)
وهو كذلك في "موارد الظمآن بزوائد ابن حبَّان"(4/ 19/1139)، "إتحاف المهرة" لابن حجر (3/ 593/برقم 3820).
(2)
يُنظر: "العلل"(4/ 414/مسألة 665).
(3)
يُنظر: "العلل"(14/ 111 - 112/مسألة 3460).
وقال الدَّارقُطني: واختلف عن أيوب؛ فرواه عبد الوارث، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن أيوب، عن هشام، عن أبيه، عن جابر، وخالفهما عبد الوهاب الثقفي، رواه عن أيوب، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جابر، وكذلك رواه حماد بْنُ زَيْدٍ، وَعَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ هشام، عن وهب بن كيسان.
وقال أيضًا: وَرَوَاهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبيه، عن جابر.
(1)
وقال ابن المُلَقِّن: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي "سنَنه" بِإِسْنَاد صَحِيح رِجَاله رجال الصَّحِيح.
(2)
• وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(64/ 153)، مِنْ طريق يحيى بن داود بن سيار بن أبي عتاب البصري بدمشق، قال: نا محمد بن مسكين بن نميلة اليمامي، نا محمد بن يوسف الفريابي، نا سفيان الثوري - بإحدى الروايات عنه -، نا هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.
قلتُ: وفي إسناده يحيى بن داود بن سَيَّار "مجهول العين"
(3)
، ورُوي مِنْ طريق آخر - كما سبق - عن محمد بن يُوسف الفريابيّ، عن الثوري، عن هشام بن عُروة، عن أبيه (مُرْسلًا).
ب دراسة إسناد الوجه السادس (بإسناد أبي داود):
1) محمدُ بن المُثَنَّى بن عُبَيد العَنَزِيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ".
(4)
2) عبد الوهَّاب بن عبد المجيد بن الصلت الثَّقفيّ: "ثِقَةٌ تَغَيَّر قبل موته بثلاث سنين".
(5)
3) أيوب بن أبى تَمِيمَة: كَيْسَان السّخْتِيَانِيُّ، أبو بكر البصرىُّ:"ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، حُجَّةٌ، مِنْ كبار الفقهاء".
(6)
4) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
5) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
6) سعيدُ بن زيد بن عَمرو بن نُفَيل العدويُّ: "صحابيٌّ، جليلٌ، أحد العشرة المُبَشَّرين بالجنَّة".
(7)
سابعًا: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مداره على هِشَام بن عُرْوَة، واختلف عليه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو رضي الله عنه.
الوجه الثاني: هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه (مُرْسلاً).
(1)
يُنظر: "العلل"(13/ 386 - 387/مسألة 3279).
(2)
يُنظر: "البدر المنير"(6/ 766).
(3)
يُنظر: "تاريخ دمشق"(64/ 153).
(4)
يُنظر: "التقريب"(6264).
(5)
يُنظر: "التقريب"(4261).
(6)
يُنظر: "التقريب"(605).
(7)
يُنظر: "التقريب"(2314).
الوجه الثالث: هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.
الوجه الرابع: هِشَام بن عُرْوة، عن عُبَيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
الوجه الخامس: هِشَام بن عُرْوة، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
الوجه السادس: هِشَام بن عُرْوة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الحديث بالوجه الأول "مُنْكرٌ"، وبالوجه الأخير "شاذٌّ"، وأنَّ الحديث محفوظٌ بالوجه الثاني، والثالث، والرابع، والخامس؛ وذلك للقرائن الآتية:
1) إنَّ الوجه الأول قد رواه أبو خالد مُسْلم بن خالد الزَّنجي، وهو "ضَعيفٌ" ولم يُتابع عليه عن هِشَام بن عُرْوَة، مع مخالفته لِمَا رواه عامة الرواة عن هِشَام.
2) وأمَّا الوجه الأخير فقد انفرد به عبد الوهاب الثَّقفيّ عن أيوب السختيانيّ، وعبد الوهاب قد اختلط بآخرة - كما سبق -؛ وتابعه سُفيان الثوريّ عن هشام بن عُروة، إلا أنَّ الإسناد إلى الثوريّ فيه يحيى بن داود بن سَيَّار وهو "مجهول العين"، مع مخالفته لِمَا رواه الثِّقات عن الثوريّ بالوجه المُرسل - كما سبق -، وبالتالي فمتابعة الثوريّ لا يُعتبر بها - والله أعلم -. لذا فقد تتابع العلماء على إنكار هذا الوجه:
فقال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً.
وقال البَزَّار: وهذا الحَدِيثُ قد رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا، ولا نَحْفَظُ أَحَدًا قَالَ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ إِلَّا عَبْدَ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ.
وقال الدَّارقُطني: يَرْوِيهِ أَيُّوبُ، عَنْ هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، تَفَرَّدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْهُ.
(1)
وقال الدَّارقُطني أيضًا: قال ذلك الثقفي، عن أيوب وهو وهمٌ، والصحيح عن هشام، عن أبيه مرسلًا.
(2)
3) وأمَّا الوجه الثاني فقد رواه عن هِشَام بن عُرْوَة جماعة مِنْ الثِّقات الأثبات، فيهم: مالك، والثوري، وابن عُيَيْنَة، ويحيى القَطَّان، ووكيعٌ، وأبو مُعاوية الضرير، وغيرهم، وكلهم مِنْ أهل الحفظ والإتقان؛ بالإضافة إلى وجود مُتابعات لهذا الوجه عن عُروة؛ لذا رَجَّحه الدَّارقُطني، وابن عبد البر - كما سبق -.
4) وأمَّا الوجه الثالث وإن كان في بعض أسانيدها مَقَالٌ، لكنَّ الحديث بهذا الوجه له مُتابعاتٌ عند البخاري في "صحيحه" عن عُروة، عن عائشة رضي الله عنها.
5) وأمَّا الوجه الرابع فقد رواه عن هِشَام جماعةٌ مِنْ أهل الحفظ والإتقان، وبعضهم قد رواه مَرَّة عن هِشَام بالوجه الثاني، ومَرَّة عن هِشَام بالوجه الرابع كأبي مُعاوية الضرير، ووكيعٍ، ويحيى القَطَّان، مِمَّا يدلُ على أنَّهم حَفِظُوا الحديث عن هِشَام بن عُروة بالوجهين؛ لذا رَجَّحه الدَّارقُطنيّ، وابن حبَّان.
6) وأمَّا الوجه الخامس فرواه عن هِشَام ثلاثةٌ مِنْ الثِّقات، وأخرجه البخاريُّ في "الصحيح" مُعَلَّقًا، وصححه الترمذي؛ لذا رَجَّحه الدَّارقُطنيّ، وابن حبَّان - والله أعلم -.
(1)
يُنظر: "العلل"(4/ 414/مسألة 665).
(2)
يُنظر: "العلل"(14/ 111 - 112/مسألة 3460).
ثامنًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "مُنْكرٌ"؛ فيه مُسلم بن خالد الزَّنجيّ "ضَعيفٌ"، وانفرد به عن هِشَام، ولم أقف على مَنْ تابعه عليه، مع مُخالفته لِمَا رواه عامة الثِّقات عن هِشَام بن عُروة - والله أعلم -.
وأمَّا الحديث مِنْ وجهه الراجح "فصحيحٌ لذاته"، وصَحَّح الترمذي بعض طرقه - والله أعلم -.
تاسعًا: - النظر في كلام المُصَنَّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن هِشَامٍ، عن أبيه، عن عبد اللَّهِ بنِ عَمْرٍو إلا مُسْلِمٌ.
قلتُ: مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبِيٌّ، ولم أقف على ما يدفعه - والله أعلم -.
عاشرًا: - التعليق على الحديث:
قال الترمذي: وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالُوا: لَهُ أَنْ يُحْيِيَ الأَرْضَ المَوَاتَ بِغَيْرِ إِذْنِ السُّلْطَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْيِيَهَا إِلاَّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ. وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّ عَنْ قَوْلِهِ: وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ، فَقَالَ: الغَاصِبُ الَّذِي يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ. قُلْتُ (الترمذي): هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَغْرِسُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ؟، قَالَ: هُوَ ذَاكَ.
(1)
قال الخطابي: إحياء الموات إنَّما يكون بحفره وتحجيره وبإجراء الماء إليه وبنحوها من وجوه العمارة، فمن فعل ذلك فقد ملك به الأرض، سواء كان ذلك بإذن السلطان أو بغير إذنه، وذلك لأن هذا كلمة شرط وجزاء فهو غير مقصور على عين دون عين ولا على زمان دون زمان، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يملكها حتى يأذن له السلطان في ذلك، وخالفه صاحباه فقالا كقول عامة العلماء.
(2)
وقال ابن حبَّان: لَمَّا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْخَبَرِ: "وما أكلت العوافي مِنْهَا، فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ" كَانَ فِيهِ أَبْيَنُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ فِي هَذَا الْخَبَرِ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَأَنَّ الذِّمِّيَّ لَمْ يَقَعْ خِطَابُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِذَا أَحْيَى الْمَوَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، إِذِ الصَّدَقَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْمُسْلِمِينَ.
(3)
قال ابن حجر: تعقبه المحب الطبري بأن الكافر إذا تصدق يُثاب عليه في الدنيا، فيُحمل الأجر في حقه على ثواب الدنيا، وفي حق المسلم على ما هو أعم من ذلك، وما قاله محتمل، إلا أنَّ الذي قاله ابن حبَّان أسعد بظاهر الحديث، ولا يُتبادر إلى الفهم من إطلاق الأجر إلا الأخروي.
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "السنن" عقب الحديث رقم (1378). وينظر "الفتح" لابن حجر (5/ 19).
(2)
يُنظر: "معالم السنن"(3/ 46 - 47)، "شرح السنة" للبغوي (8/ 270 - 271).
(3)
يُنظر: "الإحسان بترتيب صحيح ابن حبَّان"(11/ 616 - 617).
(4)
يُنظر: "فتح الباري"(5/ 20).
[202/ 602]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: نا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ.
عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، ويَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ: الْحِدَأَةُ، وَالْحَيَّةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» .
* لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ إلا ابنُ أَبِي لَيْلَى، تَفَرَّدَ بِهِ: وَلَدُهُ عَنْهُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الأوسط"(5480)، قال: حَدَّثَنَا محمَّد بن عُثْمَانَ بن أبي شَيْبَةَ، قال: نا محمَّد بن عِمْرَانَ بن أبي لَيْلَى، به، دون قوله:"ويَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ" وجعل "الغُراب" بدل "الحَيَّة".
وقال: لم يَرْوِ هذا الحديث عن إِسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّة إلا ابن أبي لَيْلَى، تَفَرَّدَ بِهِ: محمد بن عِمْرَانَ، عن أَبِيهِ.
• وأخرجه عبد الرَّزَّاق في "المُصنَّف"(8374) - ومِنْ طريقه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(689)، وأحمد في "مسنده"(25310)، والدَّارميّ في "مسنده"(1858)، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1198/ 6) ك/الحج، ب/ما يَنْدُبُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(3859) ك/المناسك، ب/قَتْلُ الْحِدَأَةِ فِي الْحَرَمِ، وفي "الصغرى"(2890)، وابن حبَّان في "صحيحه"(5632) -، وأحمد في "مسنده"(24052 و 26223)، والبخاري في "صحيحه"(3314) ك/بدء الخلق، ب/خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1198/ 5) ك/الحج، ب/ما يَنْدُبُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ، والترمذي في "سننه"(837) ك/الحج، ب/مَا يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ، وأبو عوانة في "المستخرج"(3634)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(19363). كلهم مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَعْمَرٍ.
- وأحمد في "مسنده"(24569)، مِنْ طريق شُعيب بن أبي حمزة.
- وأحمد في "مسنده"(25311 و 26230)، مِنْ طريق محمد بن عبد الله بن مسلم - ابن أخي الزُهْريّ -.
- والبخاري في "صحيحه"(1829) ك/جزاء الصيد، ب/مَا يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1198/ 7) ك/الحج، ب/ما يَنْدُبُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(3857) ك/المناسك، ب/ قَتْلُ الْفَأْرَةِ فِي الْحَرَمِ، وفي "الصغرى"(2888)، وأبو عوانة في "المستخرج"(3633)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10032) مِنْ طريق يُونُس بن يزيد الأيليّ.
- والنَّسائيُّ في "الكبرى"(3856) ك/المناسك، ب/قَتْلُ الْعَقْرَبِ فِي الْحَرَمِ، وفي "الصغرى"(2887)، وأبو عوانة في "المستخرج"(3632)، مِنْ طريق أَبَانِ بن صَالِحٍ بن عُمير القرشيّ.
خمستهم (مَعْمَر، وابن أبي حمزة، وابن أخي الزهريّ، ويُونس، وأبان) عن الزُّهريّ، به.
وعند النَّسائيّ برقم (3859)، قال: قال عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْمَرًا كَانَ يَذْكُرُهُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وجميعهم بجعل "الغُرَاب" بدل "الحَيَّة"، وعند أحمد برقم (26230) ذكر "الحيَّة"، وجعل "الغراب" بدل "الفأرة"، وقال الإمام أحمد عقبه: وفي كِتَابِ يَعْقُوبَ - شيخه في الحديث - في مَوْضِعٍ آخَرَ مَكَانَ "الحَيَّةِ"، "الْفَأْرَةُ".
• وأخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(1198) ك/الحج، ب/ما يَنْدُبُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، مِنْ طُرُقٍ عن هِشَام بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، به، بجعل "الغُرَاب" بدل "الحَيَّة".
• وصح أيضًا مِنْ وجهٍ آخر عن الزُّهري: أخرجه البخاري في "صحيحه"(1828) ك/جزاء الصيد، ب/مَا يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ، مِنْ طريق يُونس بن يزيد؛ ومُسلمٌ في "صحيحه"(1200) ك/الحج، ب/ما يَنْدُبُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، مِنْ طريق ابن عُيَيْنَة؛ كلاهما عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم: قَالَتْ حَفْصَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهَا فَاسِقٌ لا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ". واللفظ لمسلم، وعند البخاري به، لكن بتقديمٍ وتأخيرٍ.
- وأخرجه مُسلمٌ في "صحيحه"(1199) ك/الحج، ب/ما يَنْدُبُ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ قَتْلَهُ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، مِنْ طريق ابن عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بنحو رواية حفصة.
قال ابن حجر: وقد كان ابن عيينة يُنْكِرُ طريق الزهريّ، عن عروة؛ قال الحميدي: عن سفيان، حدَّثنا والله الزهري، عن سالم، عن أبيه، فقيل له: إن معمرًا يرويه عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، فقال: حدَّثنا والله الزهري، لم يذكر عروة؛ قلت (ابن حجر): وطريق مَعْمَر المشار إليها أوردها البخاري في بدء الخلق من طريق يزيد بن زريع عن الزُّهري، ورواها النسائي من طريق عبد الرزاق، وفيه: قال عبد الرزاق: ذكر بعض أصحابنا أنَّ مَعْمَرًا كان يذكره عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، وعن عروة عن عائشة، وطريق الزهري عن عروة رواها أيضًا شعيب بن أبي حمزة عند أحمد، وأبان بن صالح عند النسائي، ومن حَفِظَ حُجَّةٌ على مَنْ لم يَحْفَظ، وقد تابع الزهريَّ عن عروة هشامٌ بن عروة، أخرجه مسلم.
(1)
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) محمد بن عِمْران بن أبي ليلى: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (105).
3) عِمْران بن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبي ليلى: "صدوقٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (134).
4) مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبي ليلى الأَنْصارِيّ: "ضَعيفٌ يُعتبر به"، تَقَدَّم في الحديث رقم (134).
5) إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الأُمَوِيُّ الْمَكِّيُّ.
روى عن: الزُّهريّ، ونافع مولى ابن عُمر، وسعيد بن أبي سعيد المَقْبُريّ، وآخرين.
(1)
يُنظر: "فتح الباري"(4/ 36).
روى عنه: محمد بن عبد الرحمن بن أَبي ليلى، وابنُ جُريجٍ، والسفيانان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو حاتم، وأبو زُرْعة، والنَّسائيُّ، والذهبيُّ: ثِقَةٌ. وزاد أبو حاتم: صالحٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وروى له الجماعة.
(1)
6) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتَّفَقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تَقَدَّم في الحديث رقم (10).
7) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
8) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّمت في الحديث رقم (5).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لأجل ابن أبي ليلى "ضَعيفٌ يُعتبر به".
وللحديث طُرُقٌ أخرى عن الزُّهريّ، وبعضها مُخَرَّجٌ في "الصحيحين" كما سبق في التخريج.
وفي الباب بالأمر بقتل الحَيَّة، ما أخرجه البخاريّ، ومسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّه بن مسعودٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ:{وَالْمُرْسَلَاتِ}
(2)
وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا، وَإِنِّي لَأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اقْتُلُوهَا» ، فَابْتَدَرْنَاهَا، فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا» .
(3)
قال البخاري: إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهَذَا أَنَّ مِنًى مِنَ الحَرَمِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بِقَتْلِ الحَيَّةِ بَأْسًا.
وعليه فالحديث بمتابعاته وشواهده يرتقي مِنْ "الضعيف" إلى "الصحيح لغيره".
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لَمْ يَرْوِه عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ إلا ابنُ أَبِي لَيْلَى، تَفَرَّدَ بِهِ: وَلَدُهُ عَنْهُ.
مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبيٌّ، ولم أقف على ما يدفعه.
والحديث أخرجه الطبرانيُّ أيضًا في "الأوسط" برقم (5480)، وقال: لم يَرْوِ هذا الحديث عن إِسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّة إلا ابن أبي لَيْلَى، تَفَرَّدَ بِهِ: محمد بن عِمْرَانَ، عن أَبِيهِ.
* * *
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 159، "الثقات" 6/ 29، "التهذيب" 3/ 45، "الكاشف" 1/ 244، "التقريب"(425).
(2)
سورة "المرسلات"، الآية رقم (1).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1830) ك/جزاء الصيد، ب/مَا يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ، وبرقم (3317) ك/بدء الخلق، ب/خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ، وبرقم (4930 و 4931) ك/التفسير، ب/سورة والمرسلات، وبرقم (4934) ك/التفسير، ب/ {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2234) ك/السلام، ب/قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَغَيْرِهَا.
[203/ 603]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ رَجُلٍ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنَ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي خِلاسُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي رَافِعٍ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يُصَلِّي إِلَيْهَا أُخْرَى» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن قَتَادَةَ إلا هَمَّامٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(10359)، وفي "العلل"(2/ 343)، والنَّسائيُّ في "الكبرى"(463) ك/الصلاة، ب/عَدَدُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، والدَّارقُطني في "سننه"(1433 و 1434 و 1531)، والحاكم في "المستدرك"(1014)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1776)، كلهم مِنْ طريق هَمَّام بن يحيى.
- وأحمد في "مسنده"(7216)، عن محمد بن أبي عَدِيٍّ، وأحمد في "مسنده"(10339)، عن محمد بن جَعْفَرٍ، وروح بن عُبادة، وأبو عَمرو السمرقندي في "فوائده"(44)، والبيهقي في "الكبرى"(1777)، مِنْ طريق روح بن عُبادة وحده، والبَزَّار في "مسنده"(9494)، مِنْ طريق عَمرو بن محمد الخزاعيّ، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(3976)، وفي "شرح معاني الآثار"(2328)، مِنْ طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، والطبراني في "الأوسط"(6660)، وفي "مسند الشاميين"(916)، مِنْ طريق المُطْعِم بن المِقْدَامِ الصَّنْعَانِيّ.
ستتهم (ابن أبي عديّ، وابن جعفر، وروح، وعَمرو، وعبد الوهاب، والمُطعم)، عن سعيد بن أبي عروبة.
كلاهما (هَمَّام، وسعيد)، عن قتادة، بنحوه، وفي بعض طُرُقِ هَمَّام بلفظ:«يُتِمُّ صَلاتَهُ» ، وعند الدَّارقُطنيّ برقم (1434)، والحاكم برقم (1014)، مِنْ طريق هَمَّام، ورواية سعيد بن أبي عروبة فبنحوه، بدون السؤال.
• بينما أخرجه أحمد في "مسنده"(8056 و 8570 و 10751)، والبزَّار في "مسنده"(9554)، وابن خزيمة في "صحيحه"(986)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1581)، والدَّارقُطنيّ في "سننه"(1435 و 1436)، والحاكم في "المستدرك"(1013)، مِنْ طُرُقٍ عن هَمَّام بن يحيى، قال: حدَّثنا قَتَادَةُ، عن بَشِيرِ بن نَهِيكٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ صَلَّى مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى» .
وقال البَزَّار: وهذا اللفظ لَا نَعْلَمْهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عنه.
وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ بْنَ عَتِيقٍ الْمَرْوَزِيَّ هَذَا ثِقَةٌ، إِلَّا أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى بِإِسْنَادٍ آخَرَ. وقال الذهبي: الإسنادان صحيحان على شرطهما.
• وأخرجه النَّسائيُّ في "الكبرى"(463) ك/الصلاة، ب/عَدَدُ صَلَاةِ الصُّبْحِ، والدَّارقُطنيّ في "سننه"(1432)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1778)، والمزي في "تهذيب الكمال"(20/ 48)، مِنْ طُرُقٍ عن مُعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدَّستُوائيّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِذَا
صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى».
وقال المزي: قال الخطيب: تَفَرَّد بالرواية عن عزرة قتادة، ولا يُحفظ له عن أبي هُرَيْرة سوى هذا الحديث.
• وقال ابن أبي حاتم: سألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ سعيد ابْنُ أَبِي عَروبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَن خِلَاسٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: فِيمَنْ أدرَكَ مِنْ صَلاة الصُّبْحِ ركعةً قبل أن تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فطَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَلْيُصَلِّي إليها أُخرى. فقلتُ لَهُ: ما حالُ هَذَا الحديثِ؟
فقال: قال أَبِي: قد روى هذا الحديثَ معاذُ بنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَن عَزْرَة بْن تَميم، عَنْ أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ هَمَّام بْن يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَن النَّضْر بْن أَنَسٍ، عن بَشِير بْن نَهِيك، عَنْ أَبِي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثلَهُ. قَالَ أَبِي: أَحْسَبُ الثلاثةَ كلُّها صِحاحٌ، وقتادةُ كان واسعَ الحديث، وأحفَظُهم: سعيدُ بنُ أبي عَروبة قبل أن يختَلِطَ، ثُمَّ هشامٌ، ثُمَّ همَّامٌ.
(1)
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(556) ك/الصلاة، ب/مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوبِ، مِنْ طريق يَحْيَى بن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ، قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» .
وأخرجه البخاري في "صحيحه"(579) ك/الصلاة، ب/مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الفَجْرِ رَكْعَةً، ومسلمٌ في "صحيحه"(608/ 1) ك/الصلاة، ب/من أدرك ركعة من الصبح، مِنْ طُرُقٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعَنِ الأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ» .
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَفَّان بن مسلم بن عَبْد اللَّهِ الصَّفَّار: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (102).
3) هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى بْنِ دِينَارٍ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ العَوْذِيُّ، مَوْلاهُمُ، الْبَصْرِيُّ.
روى عن: قتادة بن دِعَامة، وابن عُيَيْنة، ويحيى بن أبي كثير، وآخرين.
روى عنه: عفَّان بن مسلم، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وآخرون.
حاله: قال أحمد: ثَبْتٌ في كل المشايخ. وقال ابن معين: ثِقَةٌ صالحٌ. وقال أحمد، والعجليّ: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ صَدُوقٌ في حِفْظِه شيءٌ. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن عدي: همَّام أشهر وأصدق من أن يُذكر له حديثٌ مُنْكَر، وأحاديثه مستقيمة عَن قَتادَة، وهو مُقَدَّمٌ أَيضًا في يحيى بن أبي كثير، وعامة ما يرويه مُستقيمٌ. ونقل العقيلي في "الضعفاء" عن الحسن بن علي الحلواني قال:
(1)
يُنظر: "العلل"(2/ 81/مسألة 228).
سمعت عفَّان، قال: كان هَمَّام لا يكاد يرجع إلى كتابه ولا ينطر فيه، وكان يخالف فلا يرجع إلى كتابه، وكان يكره ذلك؛ قال ثم رجع بعد فنظر في كتبه، فقال: يا عفان كنَّا نُخطئ كثيرًا فاستغفر الله. وعلق على ذلك ابن حجر في "التهذيب" قائلا: وهذا يقتضي أن حديث همَّام بآخرة أصح مِمَّن سمع منه قديمًا، وقد نص على ذلك أحمد بن حنبل. وقال الساجيُّ: صدوقٌ سيء الحفظ، ما حدَّث مِنْ كتابه فهو صالحٌ، وما حَدَّث مِنْ حفظه فليس بشيءٍ. وَقَال ابن حجر في "التقريب": ثِقَةٌ رُبَّما وَهِمَ. روى له الجماعة.
وَقَال علي ابن المديني - وذكر أصحاب قتادة -: كان هشام الدستوائي أرواهم عنه، وكان سَعِيد أعلمهم به، وكان شعبة أعلمهم بما سمع قتادة وما لم يسمع، قال: ولم يكن هَمَّام عندي بدون القوم في قتادة. وقال ابن معين: وهو في قتادة أحب إلى من حماد بن سلمة، وأحسنهما حديثا عن قتادة. وقال أبو حاتم: وهو في قتادة أحب إلى من حمَّاد بن سلمة، ومن أبان العطار. وقال عبد الله بن المبارك: همَّام ثَبْتٌ في قَتَادَة.
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، مِنْ أثبت النَّاس في قتادة"، والله أعلم.
(1)
4) قَتَادة بن دِعَامة السَّدُوسي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، كان يُدَلِس، ويُرسل كثيراً"، لن يُلاحظ عِدَّة أمور:
ث ينبغي قبل إعلال الحديث بعنعنة قتادة، التأكد هل سَمِع قتادة من الشيخ الذي يَروي عنه أم لا، فإن كان لم يَسْمَعْ منه فلا تُعل روايته عنه بالتدليس، بل تُعلُّ بالانقطاع.
ج إذا كان الراوي عنه شُعبة؛ فلا يُتوقّف في عنعنته لما سبق بيانه في ترجمته.
ح إذا كان شيخه ممَّن أَكْثَرَ الرواية عنه، وكَثُرَت ملازمته له كأنس بن مالك، والحسن البصري - كما سبق ذكره - فلا يُتوقف كذلك في عنعنته عنهم، ولا تُردّ إلا بقرينةٍ. تقدَّم في الحديث رقم (75).
5) خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو الْهَجَرِيُّ الْبَصْرِيُّ.
روى عن: أبي رافع الصائغ، وأبي هريرة، وعائشة، وآخرين.
روى عنه: قتادة، ومالك بن دينار، وداود بن أبي هند، وآخرون.
حاله: قال أحمد، وأبو داود: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وقال ابن معين، والعِجْليّ: ثِقَةٌ. وقال ابن عدي: لم أر بعامة حديثه بأسًا. وقال الذهبيّ: ثِقَةٌ كبيرٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، وكان يُرْسِل.
(2)
6) أبو رافع الصائغ المَدَنِيُّ، ثُمَّ البَصْرِيُّ، مَوْلَى آلِ عُمَرَ، اسْمُهُ نُفَيْعٌ.
روى عن: أبي هريرة، وعُثمان بن عَفَّان، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: خِلَاس بن عَمرو، وثابت البُنَانيّ، والحسن البَصْريّ، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، والعِجْليّ، والدَّارقُطنيّ: ثِقَةٌ. وزاد العِجْليّ: مِنْ خِيَار التَّابِعين. وقال أبو حاتم: ليس به
(1)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 1/ 335، "الجرح والتعديل" 9/ 107، "الثقات" 7/ 586، "الكامل" 8/ 447، "التهذيب" 30/ 303، "تهذيب التهذيب" 11/ 68، "التقريب"(7319).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعجليّ 1/ 338، "الجرح والتعديل" 3/ 402، "الكامل" 3/ 520، "التهذيب" 8/ 364، "مَنْ تُكُلِّم فيه وهو مُوَثَّقٌ"(ص/191)، "الميزان" 1/ 658، "التقريب"(1770).
بأسٌ. وقال الذهبيُّ: ثِقَةٌ نَبِيلٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وروى له الجماعة.
(1)
7) أبو هريرة الدُّوسيّ رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صَحيحٌ لذاته".
وقد صَرَّح قتادة بسماعه هذا الحديث مِنْ خِلَاس بن عَمرو عند أحمد في الحديث رقم (10359).
وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين" سبق ذكرها في التخريج، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قَتَادَةَ إلا هَمَّامٌ.
قلتُ: لم يَنْفرد به همَّام عن قَتَادة، بل تابعه سعيد بن أبي عَروبة - كما سبق في التخريج -، بإسنادٍ صحيحٍ، وبعض الرواة عنه قد رووا عنه قبل الاختلاط كروح بن عُبادة، وعبد الوهاب الخفَّاف.
ولعلَّ مُراد الطبراني أنَّه لم يروه عن قتادة إلا هَمَّام بذكر السؤال الوارد في الحديث، فجميع الروايات عن سعيد بن أبي عَروبة لم يرد فيها ذكر سؤال السائل لقتادة، وإنَّما روى الحديث مرفوعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا أَدْرَكْتَ رَكْعَةً مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى» ، أو نحو هذا اللفظ.
خامسًا: - التعليق على الحديث:
وفي الحديث دليل على أن من دخل في الصلاة، فصلى ركعة، وخرج الوقت كان مدركاً لجميعها، وتكون كلها أداء. قال الترمذي: وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَهُمْ لِصَاحِبِ العُذْرِ، مِثْلُ الرَّجُلِ يَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ يَنْسَاهَا فَيَسْتَيْقِظُ، وَيَذْكُرُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا ".
وقال ابن رجب: وفي هذه النصوص كلها: دليل صريح على أن من صلى ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس ثم طلعت الشمس أنه يتم صلاته وتجزئه، وكذلك كل من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الفجر فإنه يتم صلاته وتجزئه، وهو قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْليّ 2/ 319، "الجرح والتعديل"8/ 489، "التهذيب" 30/ 15، "الكاشف" 2/ 325، "التقريب"(7182).
(2)
يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (186)، "فتح الباري" لابن رجب (5/ 8)، "شرح السنة"(2/ 249 - 250)، و"الفتح" لابن حجر (2/ 57)، و"التمهيد"(7/ 63 - 78).
[204/ 604]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: نا شَرِيكٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمرو بْنِ جَرِيرٍ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَضَى حَاجَتَهُ، أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ، فَيَسْتَنْجِي بِهِ، ويَمْسَحُ يَدَهُ بِالأَرْضِ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي زُرْعَةَ إلا إِبْرَاهِيمُ بن جَرِيرٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: شَرِيكٌ.
هذا الحديث مَدَاره على إبراهيم بن جرير، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: إبراهيم بن جرير، عن أبي زُرعة بن عَمرو بن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: إبراهيم بن جرير، عن أبيه جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
إبراهيم بن جرير، عن أبي زُرعة بن عَمرو بن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• فأخرجه ابن ماجه في "سننه"(358/ 2) ك/الطهارة، ب/مَنْ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، قال: قَالَ: أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ شَرِيكٍ، به.
• وأخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده"(164)، وأحمد في "مسنده"(8104 و 8105 و 9861)، وابن ماجه في "سننه"(358/ 1) ك/الطهارة، ب/مَنْ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وأبو داود في "سننه"(45) ك/الطهارة، ب/الرَّجُلِ يَدْلُكُ يَدَهُ بِالْأَرْضِ إِذَا اسْتَنْجَى - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(520)، والبغوي في "شرح السنة"(196) -، والنَّسائيّ في "الكبرى"(48) ك/الطهارة، ب/دَلْكُ الْيَدِ بِالْأَرْضِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وفي "الصغرى"(50)، وابن حبَّان في "صحيحه"(1405).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن شريك، بسنده، واللفظ بنحوه، وبزيادة عند بعضهم.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) سَعِيدُ بن سُلَيْمان الضَّبِّيُّ، أبو عُثْمَان الواسطيُّ:"ثِقَةٌ مأمونٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (103).
3) شريك بن عبد الله النَّخَعيّ: "ضعيفٌ، يُعتبر بحديثه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (20).
4) إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ: "صدوقٌ، لم يَسْمع مِنْ أبيه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (38).
5) أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ، اسْمُهُ فِيمَا قِيلَ: هَرِمٌ، وقيل غير ذلك.
روى عن: أبي هريرة، وجرير بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: إبراهيم بن جرير بن عبد الله، وإبراهيم النَّخعي، وأبو حيَّان التَّيْميّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال ابن خراش: صدوقٌ ثِقَةٌ. وقال الذهبيّ: كان ثِقَةً نَبِيلًا شريفًا
كثير العِلْمِ، وَفَدَ مَعَ جَدِّهِ على مُعَاوِيَةَ. وروى له الجماعة.
(1)
6) أبو هريرة الدُّوسيّ رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
إبراهيم بن جرير، عن أبيه جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• وشريكٌ قد خُولف في هذا الحديث، خالفه أبان بن عبد الله البجليّ، واختُلف عنه فيه:
- فأخرجه الدَّارميُّ في "مسنده"(706)، عن محمد بن يُوسف الفريابيّ - بإحدى الروايات عنه -؛ وابن ماجه في "سننه"(359) ك/الطهارة، ب/مَنْ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وابن خزيمة في "صحيحه"(89)، والطبراني في "الكبير"(2393)، مِنْ طريقين عن أبي نُعيم الفضل بن دُكين؛ والبيهقي في "السنن الكبرى"(521)، مِنْ طريق محمَّد بن عُبَيْدِ اللهِ أبي عُثْمَان الكُوفِيّ؛ ثلاثتهم (الفريابيّ، وأبو نُعيم، وأبو عثمان)، عن أَبَان بن عَبْدِ اللَّهِ البجليّ، قال: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بن جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ فَاسْتَنْجَى، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، رِجْلَيْكَ قَالَ:" إِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَينِ ". واللفظ للبيهقي، والباقون بنحوه، ولم يذكر المسح على الخُفَيّن إلا الطبراني، والبيهقيّ.
وقال البيهقي: هكذا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَشُعَيْبُ بن حَرْبٍ، عَنْ أَبَانَ بن عَبْدِ اللهِ؛ قال أبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: هذا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ البيهقيُّ: وَقَدْ قِيلَ عَنْ أَبَانَ بن عَبْدِ اللهِ، عن مَوْلًى لأبي هُرَيْرَةَ، عن أبي هُرَيْرَةَ.
- بينما أخرجه أحمد في "مسنده"(8695)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى"(522)، عن محمد بن عبد الله بن الزُّبير أبي أحمد الزُّبيريّ؛ والدَّارميّ في "مسنده"(705) عن محمد بن يوسف الفريابيّ؛ وأبو يعلى في "مسنده"(6136) - ومِنْ طريقه ابن عدي في "الكامل"(2/ 68) -، مِنْ طريق أبي داود الطيالسيّ؛ ثلاثتهم (الزُّبيريّ، والفريابيّ، والطيالسيّ) عن أَبَان بن عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيّ، عَنْ مَوْلًى لأبي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْخَلاءَ، فَأَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَاسْتَنْجَى، وَمَسَحَ يَدَهُ بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ.
واللفظ لأبي يعلى، والباقون بنحوه، وبزيادة عند بعضهم.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (مِنْ الطريق الأول بإسناد ابن ماجه):
1) محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذُّهْليُّ: "ثِقَةٌ حافظٌ جليلٌ".
(2)
2) أبو نُعيم الفضل بن دُكين الكوفيُّ التَّيْميُّ المُلَائيُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ".
(3)
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 265، "التهذيب" 33/ 323، "تاريخ الإسلام" 2/ 1196، "التقريب"(8103).
(2)
يُنظر: "التقريب"(6387).
(3)
يُنظر: "التقريب"(5401).
3) أبان بن عبد الله بن أبي حازم البجليُّ: قال ابن معين، وأحمد، والعجليّ، وابن نُمير: ثِقَةٌ. وقال أحمد: صدوقٌ صالح الحديث. وقال النَّسائيّ: ليس بالقوي. وأخرج ابن عدي رواية الباب في ترجمته، وقال: وَأَبَانُ هذا عَزِيزُ الحَدِيثِ، عَزِيزُ الرِّوَايَاتِ، ولم أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرَ المَتْنِ فَأَذْكُرُهُ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لا بَأْسَ به. وقال الذهبي: له مناكير، حسن الحديث. وفي "الميزان": حسنُ الحديث. وقال ابن حجر: صدوقٌ في حفظه لينٌ.
(1)
4) إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ: "صدوقٌ، لم يَسْمع مِنْ أبيه"، تَقَدَّم في الحديث رقم (38).
5) جَريرُ بن عَبْد اللَّهِ أَبُو عمرو البَجَليُّ: "صحابيٌّ جليلٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (38).
ثالثًا: - النظر في الخلاف على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث مَدَاره على إبراهيم بن جرير، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: إبراهيم بن جرير، عن أبي زُرعة بن عَمرو بن جرير، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
الوجه الثاني: إبراهيم بن جرير، عن أبيه جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
والحديث بالوجه الثاني رواه أبان بن عبد الله البَجَليّ، واختُلف عنه:
- فرواه محمد بن يوسف الفريابيّ، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وأبو عثمان محمد بن عُبَيد الله الكوفي، ثلاثتهم عن أبان بن عبد الله، عن إبراهيم بن جرير، عن أبيه رضي الله عنه.
- ورواه أبو أحمد محمد بن عبد الله الزُّبيريّ، وأبو داود الطيالسيّ، ومحمد بن يُوسف الفريابي، ثلاثتهم عن أبان بن عبد الله، عن مولى لأبي هريرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الحديث برواية أبان بن عبد الله البجليّ بطريقيه أشبه وأقرب إلى الصواب مِنْ رواية شريك بن عبد الله النَّخعيّ؛ للقرائن الآتية:
1) للأحفظية: فأبان بن عبد الله أحفظ مِنْ شريك، فقد أطلق توثيقه الجمهور - كما سبق -.
2) ترجيح النَّسائيّ، والبيهقي لرواية أبان بطريقه الأول - كما سبق -.
3) إنَّ الحديث برواية أبان بطريقه الثاني أخرجه ابن عدي في "الكامل" - كما سبق - في ترجمة أبان، وقال: وَأَبَانُ هذا عَزِيزُ الحَدِيثِ، عَزِيزُ الرِّوَايَاتِ، ولم أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرَ المَتْنِ فَأَذْكُرُهُ، وَأَرْجُو أَنَّهُ لا بَأْسَ به.
4) إنَّ الحديث برواية أبان رواه عنه ثلاثةٌ مِنْ الثَّقات بالطريق الأول بجعل الحديث عن جرير بن عبد الله، ورواه عنه أيضًا ثلاثةٌ مِنْ الثِّقات بالطريق الثاني بجعل الحديث عن أبي هريرة؛ ولا مانع أن يكون لأبان في هذا الحديث روايتان، مَرَّة عن إبراهيم بن جريرٍ عن أبيه رضي الله عنه، ومَرَّة عن مولى أبي هريرة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
رابعًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "مُنْكرٌ"؛ فيه شريكٌ "ضَعيفٌ"، مع المخالفة، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعجليّ 1/ 199، "الجرح والتعديل" 2/ 296، "الكامل" 2/ 68، "التهذيب" 2/ 14، "المغني" 1/ 38، "الميزان" 1/ 9، "التقريب"(140).
وأمَّا الحديث برواية أبان بن عبد الله عن إبراهيم بن جرير، عن أبيه جرير بن عبد الله رضي الله عنه، ففيه انقطاع، ابراهيم بن جرير لم يسمع مِنْ أبيه - كما سبق -. والحديث كذلك برواية أبان بن عبد الله عن مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، "فضعيفٌ" أيضًا؛ في سنده راوٍ مُبْهم لم يُسمّ.
والحديث بالطريقين يرتقي إلى "الحسن لغيره"، والله أعلم.
شواهد للحديث بذكر الاستنجاء بالماء:
ففي "الصحيحين" عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:«كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ الْخَلاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي، إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ، وَعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» . واللفظ لمسلم.
(1)
خامسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي زُرْعَةَ إلا إِبْرَاهِيمُ بن جَرِيرٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: شَرِيكٌ.
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ صحة ما قاله المُصَنِّفُ رضي الله عنه، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه، والله أعلم.
سادسًا: - التعليق على الحديث:
قال الإِمَامُ البغوي رحمه الله: ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ العلم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَنْ بَعْدَهُمْ إلى أَنَّهُ لو اقْتَصَرَ على المسح بالحَجَرِ في الغائط والبول، ولم يَغْسِلْ ذلك المَحَلُّ بالماء أَنَّهُ يَجُوزُ إذا أَنْقَى بالحَجَرِ أثَرَ الغَائِطِ والبول، غير أَنَّ الاختيارَ أَنْ يَغْسِلَ بالماء، لأنَّهُ أَنْقَى، والأفضل أَنْ يَغْسِلَهُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الحَجَرِ.
قال: وَإِنَّمَا يَجُوزُ الاقْتِصَارُ على الحجر إذا لم يَنْتَشِرِ الخَارِجُ انْتِشَارًا مُتَفَاحِشًا خَارِجًا عن العَادَةِ، فإِنْ تَفَاحَشَ، وَجَبَ الغَسْلُ بالماء، وإذا غَسَلَ مَحَلَّ الاستِنْجَاءِ بِالمَاءِ، يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْلُكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ يَغْسِلَهَا، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ.
(2)
* * *
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(150) ك/الوضوء، ب/الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، وبرقم (152) ك/الوضوء، ب/حَمْلِ العَنَزَةِ مَعَ المَاءِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، ومسلمٌ في "صحيحه"(270 و 271) ك/الطهارة، ب/الاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ مِنَ التَّبرُّزِ.
(2)
يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (1/ 390).
[205/ 605]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: نا أَبُو هِشَام
(1)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّدُوسِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ
(2)
بْنِ مُزَاحِمٍ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْيَوْمُ الرِّهَانُ، وَغَدًا السِّبَاقُ، وَالْغَايَةُ الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ، وَالْهَالِكُ مَنْ دَخَلَ النَّارَ، أَنَا أَوَّلٌ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْمُصَلِّي، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الثَّالِثُ، ثُمَّ النَّاسُ بَعْدِي عَلَى السَّبْقِ، الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن قُرَّةَ إلا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، تَفَرَّدَ به: الوَلِيدُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبرانيّ في "الأوسط"(4010 و 7887)، وفي "الكبير"(12645) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "فضل الخلفاء الراشدين"(180) -، وابن عدي في "الكامل"(2/ 96) - ومِنْ طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 328) -، وابن سمعون في "أماليه"(21) - ومِنْ طريقه ابن الجوزي في "حفظ العمر"(ص/33) -، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(7/ 491)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(41/ 331).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن أصرم بن حوشب، عن قُرَّة بن خالد، به.
وقال الطبرانيّ: لم يَرْوِ هذا الحديث، عن قُرَّةَ إلا أَصْرَمُ بن حوشب.
وقال ابن الجوزيّ: هذا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) الوليد بن الفضل أبو محمد العَنَزِيُّ البغداديُّ: "ساقطٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (137).
3) عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ حَوْشَب الشَّاميُّ، الحمصيُّ.
روى عن: قُرَّة بن خالد، وثوبان بن شهر. روى عنه: الوليد بن الفضل، وسعيد بن مَرْثَد.
حاله: ذكره البخاري، وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا أو تعديلًا. قال العِجْليّ: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال أبو المحاسن الحُسَيْنيّ في "الإكمال": مجهولٌ. فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ".
(3)
4) قُرّة بْن خالد السدوسيُّ، أَبُو خالدٌ، ويُقال: أَبُو مُحَمَّد البَصْرِيُّ.
روى عن: الضَّحَّاك بن مُزاحم، وقتادة بن دِعَامة، وعمرو بن دينار، وآخرين.
(1)
هكذا بالأصل "أبو هِشَام"، وبالمطبوع، وفي "مجمع البحرين" حديث رقم (5065):"أبو همام".
(2)
في الأصل: "عن الضَّحَّاك عن الضَّحَّاك بن مُزاحم"، والصواب ما أثبته، لموافقته لما في "مجمع البحرين"(5065).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 5/ 273، "الثقات" للعجليّ 2/ 77، "الجرح والتعديل" 5/ 226، "الثقات" 7/ 73، "الإكمال في ذكر مَنْ له رواية في مسند الإمام أحمد مِنْ الرجال"(ص/260).
روى عنه: عبد الرحمن بن حوشب، وشعبة، وعبد الرحمن بن مهدي، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وابن سعد، وأبو حاتم، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: كان مُتْقِنًا، مِنْ حُفَّاظ أهل البصرة ومُتْقِنيهم. وقال الذهبيُّ: ثَبْتٌ عالمٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ ضابطٌ. وروى له الجماعة.
(1)
5) الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْهِلالِيُّ الْخُرَاسَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: أَبُو الْقَاسِمِ.
روى عن: ابن عَبَّاس، وأنس بن مالك، وأبي هريرة رضي الله عنهم، ولم يثبت له سماعٌ مِنْ أحدٍ مِنْ الصحابة.
روى عنه: قُرَّة بن خالد، وعبد الملك بن ميسرة، وعبد العزيز بن أبي رَوَّاد، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو زرعة: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال الذهبيُّ: كان من أوعية العلم، وليس بالمُجَوِّد لحديثه، وهو صَدُوقٌ في نفسه. وقال ابن حجر: صدوقٌ كثير الإرسال.
قال يحيى بن سعيد: كان شعبة يُنْكِر أن يكون الضحاك لقى ابن عباس. وأسند ابن أبي حاتم عن عبد الملك بن ميسرة، قال: قلت للضحاك سمعت من ابن عباس؟ قال لا. وقال ابن حبَّان: لَقِي جمَاعَة من التَّابِعين ولم يشافه أحدًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّه لقى ابن عَبَّاس فقد وهم.
(2)
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ جدًا"، فيه الوليد بن الفضل العَنَزيّ "ساقطٌ"، والضَّحَّاك بن مُزاحم لم يسمع مِنْ ابن عبَّاس.
ورواه جماعةٌ - كما سبق في التخريج - مِنْ طُرُقٍ عِدَّة عن أصرم بن حوشب، عن قُرَّة بن خالد، به.
قلتٌ: وهذه متابعةٌ لا يُفرح بها، فمدارها على هذا الأصرم، وهو "متروك الحديث"، وقال ابن معين: كَذَّابٌ خبيثٌ، وقال ابن حبَّان: يضع الحديث على الثِّقات"، وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته، والله أعلم.
(3)
وقال ابن الجوزي: هذا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم.
قال الهيثميّ: رواه الطبراني في "الأوسط"، و"الكبير" بنحوه، وفيه أصرم بن حوشب، وهو متروكٌ، وفي إسناد "الأوسط" الوليد بن الفضل العنزي، وهو ضعيفٌ جدًا.
(4)
وقال الشوكانيّ: رواه ابن عدي عن ابن عبَّاس مرفوعًا، وهو موضوعٌ وضَعَه أصرم بن حوشب.
(5)
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 130، "الثِّقات" لابن حبَّان 7/ 342، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/186)، "التهذيب" 23/ 577، "الكاشف" 2/ 136، "التقريب"(5540).
(2)
"الجرح والتعديل" 4/ 458، "التهذيب" 13/ 291، "السير" 4/ 598، "جامع التحصيل"(ص/199)، "التقريب"(2978).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 2/ 56، "الجرح والتعديل" 2/ 336، "المجروحين" 1/ 181، "ميزان الاعتدال" 1/ 272.
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 228).
(5)
يُنظر: "الفوائد المجموعة" للشوكانيّ (ص/300/حديث رقم 1068).
وقال الألباني: موضوعٌ بهذا التَّمام.
(1)
قلتُ: والحديث قد صَحَّ بعضه موقوفًا على بعض الصحابة.
(2)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن قُرَّةَ إلا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، تَفَرَّدَ به: الوَلِيدُ.
قلتُ: لم يَنْفَرد به عبد الرحمن عن قُرَّة، بل تابعه أصرم بن حوشب.
لذا تَعَقَّبه الشيخ/ الحوينيّ، فقال: لم يَنْفَرد به عبد الرحمن، بل تابعه أصرم بن حوشب - وهو أصرم الخير، فقد كان كَذَّابًا -، فرواه عن قُرَّة بن خالد بسنده سواء، أخرجه ابن عدي في "الكامل"، والخطيب.
(3)
قلتُ: وهذه المتابعة أخرجها الطبراني في "الأوسط"، وفي "الكبير" - كما سبق في التخريج -، وقال الطبراني عقبها: لم يَرْوِ هذا الحديث، عن قُرَّةَ إلا أَصْرَمُ بن حوشب.
وعليه فيُتعقَّبُ عليه في رواية الباب بهذه، ويُتَعَقَّب عليه في رواية أصرم بتلك، والله أعلم.
* * *
(1)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(10/ 477/حديث برقم 4872).
(2)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(10/ 478 - 480).
(3)
يُنظر: "تنبيه الهاجد إلى ما وقع مِنْ النَّظر في كتب الأماجد"(2/ 121/برقم 593).
[206/ 606]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: نا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ حَبِيبِ أَبِي مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفَرَزْدَقَ بْنِ غَالِبٍ، يَقُولُ:
لَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ بِالشَّامِ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ الْفَرَزْدَقُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: أَنْتَ الشَّاعِرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: أَمَا إِنَّكَ إِنْ بَقِيتَ لَقِيتَ قَوْمًا يَقُولُونَ: لا تَوْبَةَ لَكَ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَقْطَعَ رَجَاءَكَ مِنَ اللَّهِ
(1)
.
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن الفَرَزْدَقِ إلا حَبِيبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: صَالِحٌ الْمُرِّيُّ.
أولًا: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو نُعيم في "المنتخب مِنْ كتاب الشعراء"(ص/30)، عن سُليمان بن أحمد الطبرانيّ، به.
• وابن أبي الدنيا في "التوبة"(204)، مِنْ طريق عبد العزيز بن السَّريّ؛ وابن حبَّان في "الثقات"(6/ 180)، وأبو نُعيم في "الحلية"(6/ 155)، مِنْ طريق الخصيب بن ناصح الحارثيّ؛ وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(12/ 47)، مِنْ طريق المنهال بن عَمَّار بن عُمَر بن سلمة.
ثلاثتهم (عبد العزيز، والخصيب، والمنهال) عن صالح المُرِّيّ، عن حبيب أبي محمد البصريّ، بنحوه.
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) خالد بن خِدَاش بن عَجْلان الأَزْدِيُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (108).
3) صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ، أَبُو بِشْرٍ المُرِّيُّ، الوَاعِظُ:"ضَعيفٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (162).
4) حبيب بن محمد، ويُقال: ابن عيسى، أبو محمد العجمي، البصريُّ الزَّاهد، أَصله من فَارس.
روى عن: الفرزدق الشاعر، والحسن، ومحمد بن سيرين، وآخرين.
روى عنه: صالح المُرِّيّ، وجعفر بن سُلَيْمَان، ومُعْتَمر بن سُلَيْمَان، وآخرون.
حاله: قال أحمد، وأبو المظفر السَّمعانيّ: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: كان عابدًا فاضلًا ورعًا تقيًا مِنْ المجابين الدعوة في الأوقات. وقال ابن عبد البر: ثِقَةٌ وفوق الثِّقَةِ، ولكنَّه قليل الحديث. وقال الذهبيُّ: ما علمت فيه جرحًا، وإنما ذكرته لئلا يلحق بالزُّهاد الذين يَهِمُون في الحديث. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ عابدٌ.
(2)
(1)
هكذا بالأصل، والحديث في "مجمع البحرين" برقم (4733)، وفيه: فَإِيَّاكَ أَنْ تَقْطَعَ رَجَاءَكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
(2)
يُنظر: "الثقات" 6/ 180، "تاريخ دمشق" 12/ 45، "التهذيب" 5/ 389، "إكمال التهذيب" 3/ 373، "تهذيب التهذيب" 2/ 189، "الميزان" 1/ 457، "التقريب"(1104).
5) الفَرَزدَق - واسمه همام - بن غالب، أَبو فِرَاس، الشاعر، المُجاشِعِيُّ، التَّمِيمِيُّ.
روى عن: أبي هريرة، وعبد الله بن عُمر، وأبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: حبيب أبو محمد البصريّ، وخالدٌ الحَذَّاء، وابن أبي نجيح، وآخرون.
حاله: قال ابن حبَّان: روى أحاديث يسيرة، وكان ظاهر الفسق، هَتَّاكًا للحرم، قَذَّافًا للمُحْصَنَات، ومن كان فيه خصلة من هذه الخصال استحق مجانبة روايته على الأحوال.
(1)
6) أبو هريرة الدُّوسيّ رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثرين"، تَقَدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ هذا الأثر "ضَعيفٌ"، لأجل صالح المُرِّيّ "ضَعيفٌ"، والفرزدق كان "ظاهر الفسق".
وقال الهيثميُّ: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه صالح المُرِّيّ، وهو ضعيفٌ في الحديث.
(2)
وقال ابن عسكر: شهد الحسن جنازة أبي رجاء العطاردي على بغلة، والفرزدق معه على بعيره، فقال له الفرزدق: يا أبا سعيد، يستشرفنا الناس، فيقولون: خير الناس، وشر الناس، فقال الحسن: يا أبا فراس، كم أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، ذاك خير من الحسن، وكم من شيخ مشرك أنت خير منه يا أبا فراس، قال: الموت يا أبا سعيد، قال له الحسن: وما أعددت له يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال: إن للا إله إلا الله شروطًا، فإياك وقذف المحصنة، يا أبا فراس كم من محصنة قد قذفتها، فاستغفر الله، قال: فهل من توبة أبا سعيد؟ قال: نعم.
(3)
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن الفَرَزْدَقِ إلا حَبِيبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: صَالِحٌ الْمُرِّيُّ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، ولم أقف على ما يدفعه، والله أعلم.
* * *
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 139، "الجرح والتعديل" 7/ 93، "المجروحين" 2/ 204، "تاريخ دمشق" 74/ 48.
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 214).
(3)
يُنظر: "تاريخ دمشق"(74/ 65).
[207/ 607]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى،
…
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .
وَتُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ بِلَحْمٍ، فَأَهْدَتْ مِنْهُ لِعَائِشَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عَنْ قَتَادَةَ إلا هَمَّامٌ.
أولًا: - تخريج الحديث:
• أخرجه الضياء في "المختارة"(266)، مِنْ طريق الطبراني، عن أحمد بن القاسم، به.
• وعَفَّان بن مسلم في "أحاديثه"(220 و 270) - الموضع الأول مُختصرًا بالولاء فقط -، - ومِنْ طريقه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(29114)، وأحمد في "مسنده"(2542)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(4378)، وفي "شرح معاني الآثار"(2992)، والضياء في "المختارة"(267) -، قال: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، بنحوه.
• وأحمد في "مسنده"(3405)، عن بَهْز بن أسد؛ والطبراني في "الكبير"(11826) - ومِنْ طريقه الضياء في "المختارة"(265) -، مِنْ طريق هُدْبة بن خالد؛ والدَّارقُطني في "سننه"(3777) - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(15602) -، مِنْ طريق حبَّان بن هلال؛ والبيهقي في "السنن الكبرى"(14264)، مِنْ طريق محمد بن سنان؛ أربعتهم (بهز، وهُدْبة، وحبَّان، ومحمد) عن هَمَّام، بنحوه.
• وابن أبي حاتم في "العلل"(4/ 129/مسألة 1310)، عن أبي زرعة؛ والطبرانيّ في "الأوسط"(3881)، وابن عدي في "الكامل"(7/ 523)، عن عليّ بن سعيد الرَّازيّ؛ والبيهقي في "السنن الكبرى"(15603)، مِنْ طريق محمد بن حمَّاد الدَّباغ؛ ثلاثتهم (أبو زرعة، وعليّ، ومحمد) عَنْ مُحَمَّدِ بن جَامِع العطَّار، قال: نا المُعْتَمِرُ بن سُلَيْمَانَ، عن الحَجَّاجِ البَاهِلِيِّ، عن قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عن ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ مَوَالِيهَا: لا، إلا أَنْ تَجْعَلِي لَنَا الْوَلاءَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«اشْتَرِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، فَاشْتَرَتْهَا، وَأَعْتَقَتْهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، ألا مَنْ شَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . قَالَ: وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ يُدْعَى: مُغِيثًا، وَجَعَلَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخِيَارَ، قَالَ: وَحَدَّثَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ عَلَيْهَا عِدَّةَ الْحُرَّةِ. واللفظ للطبراني في "الأوسط".
قال ابن أبي حاتم: قال أبو زرعة: اضرِبُوا عَلَيْهِ! وَأَبَى أَنْ يقرأَهُ، وَقَالَ: هُوَ خطأٌ، وأظنُّهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ جامِع، وَقَالَ: محمدُ بنُ جامِع شيخٌ فِيهِ لِينٌ، وَلَمْ يُكتَبْ هَذَا الحديثُ عَنْ مُعتَمِر عَنْ أحدٍ غيرِه.
وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن قَتَادَةَ إلا الحَجَّاجُ الباهليُّ، وهمَّامُ بن يَحْيَى، ولا عن الحَجَّاجِ إلا مُعْتَمِرٌ، تَفَرَّدَ به: محمد بن جَامِعٍ، ولم يَذْكُرْ هَمَّامٌ في حديثه حديث ابن عَبَّاسٍ، عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
وقال ابن عديّ: وَمُحمد بن جَامِعٍ اضْطَرَبَ في مَتْنِ هذا الحديث وفي إسناده، فَمَرَّة قال: مُعْتَمِرٌ عن
حَجَّاجٍ البَاهِلِيِّ، عن قَتادَة، عن عِكرمَة، عن ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: الولاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَمَرَّةً قَالَ: عن مُعْتَمِرٌ، عن أبيه، عن قتادة، عن عِكرمَة، عن ابن عَبَّاسٍ، عن أبي بَكْرٍ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وتَابَعَهُ سويد، عن مُعْتَمِر، عن أبيه، عن قَتادَة. ومحمَّد بن جَامِعٍ له عن حَمَّادِ بن زَيْدٍ، وعن البَصْرِيِّينَ أحاديثُ مِمَّا لا يُتَابِعُونَهُ عليه. وقال ابن عدي أيضًا: أظن أن الذي خلط في هذا الحديث مُعْتَمِر.
(1)
• بينما أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(2074) - ومِنْ طريقه أبو يعلى في "مسنده"(3244)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(13248) -، وأحمد في "مسنده"(12159 و 12324 و 12858 و 13922 و 13923)، والبخاري في "صحيحه" في "صحيحه"(1495) ك/الزكاة، ب/إِذَا تَحَوَّلَتِ الصَّدَقَةُ، ومسلمٌ في "صحيحه"(1074) ك/الزكاة، ب/إِبَاحَةِ الْهَدِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وأبو داود في "سننه"(1655) ك/الزكاة، ب/الْفَقِيرِ يُهْدِي لِلْغَنِيِّ مِنَ الصَّدَقَةِ، والنَّسائي في "الكبرى"(6559) ك/الهبة، ب/عَطِيَّةُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، وفي "الصغرى"(3760)، وأبو يعلى في "مسنده"(2919 و 3004)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(4388)، والمزيُّ في "التهذيب"(22/ 230).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن شُعْبَة، قال: أنبأنا قَتَادَةُ، عن أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَحْمٍ، فَقَالَ:«مَا هَذَا؟» ، قَالَ: هَذَا شَيْءٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، قَالَ:«هُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ وَعَلَيْهَا صَدَقَةٌ» .
ثانيًا: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن القاسم بن مُسَاوِر، الجَوْهَرِيُّ:"ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (101).
2) عَفَّان بن مسلم بن عَبْد اللَّهِ الصَّفَّار: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (102).
3) هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى بْنِ دِينَارٍ: "ثِقَةٌ، مِنْ أثبت النَّاس في قتادة"، تَقَدَّم في الحديث رقم (203).
4) قَتَادة بن دِعَامة السَّدُوسي: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، كان يُدَلِس، ويُرسل كثيراً"، تَقَدَّم في الحديث رقم (75).
5) عكرمة مولى ابن عبَّاس: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ عالمٌ بالتَّفسير"، تَقَدَّم في الحديث رقم (79).
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"، فيه قتادة يُدَلِّس، وقد رواه بالعنعنة.
وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ: إِحْدَى السُّنَنِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ البَيْتِ، فَقَالَ:«أَلَمْ أَرَ البُرْمَةَ فِيهَا لَحْمٌ» ، قَالُوا: بَلَى، وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، وَأَنْتَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ قَالَ:«عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» .
(2)
(1)
يُنظر: "الكامل"(4/ 497).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5279) ك/الطلاق، ب/لا يَكُونُ بَيْعُ الأَمَةِ طَلَاقًا، وبرقم (1493) ك/الزكاة، ب/الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وبرقم (5284) ك/الطلاق، ب/شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ، وبرقم (2578) ك/الهبة، ب/قَبُولِ الهَدِيَّةِ، به، واللفظ للبخاري. أخرجه البخاري في "صحيحه"(456) ك/الصلاة، ب/ ذِكْرِ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى المِنْبَرِ فِي المَسْجِدِ، وبرقم (2155) ك/البيوع، ب/البَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ النِّسَاءِ، وبرقم (2560) ك/المكاتب، ب/المُكَاتِبِ، وبرقم (2561) ك/المكاتب، ب/مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ المُكَاتَبِ، وبرقم (2564) ك/المكاتب، ب/بَيْعِ المُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ، وبرقم (2717) ك/الشروط، ب/الشُّرُوطِ فِي البُيُوعِ، ومُسْلِمٌ في "صحيحه"(1075) ك/الزكاة، ب/إِبَاحَةِ الْهَدِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، ومُسلمٌ أيضًا برقم (1504) ك/العتق، ب/إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، مختصرًا.
وعليه فالحديث بشواهده عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها يرتقي إلى "الصيح لغيره".
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عَنْ قَتَادَةَ إلا هَمَّامٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّنُ صحة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه.
وأمَّا رواية الحَجَّاج الباهليّ عن قتادة - كما عند ابن أبي حاتم، والطبراني في "الأوسط" وغيرهما -، فلا يُعترض بها على المُصَنِّف، لكون روايته مُختصرة بذكر قضية الولاء فقط، دون قصة بَريرة، والله أعلم.
* * *
[208/ 608]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ
(1)
، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ [بْنُ]
(2)
الْعَلاءِ الزُّبَيْدِيُّ
(3)
، قَالَ: نا أَبُو عَوْنٍ ثَوَابَةُ بْنُ عَوْنٍ التَّنُوخِيُّ
(4)
، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ السَّكُونِيِّ
(5)
.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَىنِي
(6)
فِي الْمَنَامِ، فَكَأَنَّمَا رَأَىنِي فِي الْيَقَظَةِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ
لا يَتَمَثَّلُ بِي».
* لا يُعْلَمُ يُرْوَى عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو إلا من هذا الوجه.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(14558)، قال: حدثنا جعفرُ بن محمَّد الفِرْيابي، وأحمدُ بن علي الأَبَّار؛ وفي "مسند الشاميين"(2542)، قال: حدَّثنا عَمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن زِبرِيْقٍ الحِمْصِيُّ؛ وأخرجه أبو عوانة في الرؤيا - كما في "إتحاف المهرة"(12029) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 321 - 322) عن محمد بن عوف الطائي.
أربعتهم (الفريابي، والأبَّار، وعَمرو بن إسحاق، ومحمد بن عوف) عن إبراهيم بن العلاء، به، وفيه قصة عند ابن عساكر. وفي "الإتحاف": عمرو بن قيس عزيز الحديث عن عبد الله بن عمرو.
• وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(7/ 181) من حديث عبد الله بن عَمرو، وعزاه إلى الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، وقال: رجاله ثقاتٌ.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم، أبو العباس، الأَبَّار البغدادي.
روى عن: إبراهيم بن العلاء، ومُسَدَّد بن مُسَرْهَد، وعلي بن الجعد، وخلق.
(1)
الْأَبَّار: بِفَتْح الألف، وتشديد البَاء المنقوطة بواحدة، وفي آخرها الرَّاء، هذه النِّسْبَة إلى عمل الإبر، وهي جمع الإبرة التي يُخاط بها الثِّيَاب. يُنظر:"اللباب في تهذيب الأنساب"(1/ 23).
(2)
ما بين المعكوفتين سقط من الأصل، واستدركته مِن "المعجم الكبير"(14558).
(3)
الزبيدِيّ: بِضَم الزَّاي، وَفتح الْبَاء، وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا، وَفِي آخرهَا دَال مُهْملَة، هذه النِّسْبَة إلى زُبَيد، وهي قبيلة من مذحج، واسم زُبيد: مُنَبّه ابن صَعب بن سعد العَشِيرَة. يُنظر: "اللباب في تهذيب الأنساب"(2/ 60).
(4)
التَّنُوخي: بفتح التَّاء، وضم النُّون المخففة، وفي آخرها الخاء المعجمة، هذه النِّسْبَة إلى تنوخ، وهو اسم لعدة قبائل اجتمعوا قَدِيماً بالبحرين، وتحالفوا على التناصر، فأقاموا هناك، فَسُموا تنوخاً، والتَّنُوخ: الإقامة. يُنظر: "اللباب"(1/ 225).
(5)
السَّكُونِي: بِفَتْح السِّين المهملة، وضم الكاف، وسكون الواو وفي آخرها نون، هذه النِّسْبَة إلى السّكُون، وهو بطن من كِنْدَة، وهو السّكُون بن أَشْرَس ابن ثَوْر. يُنظر:"اللباب في تهذيب الأنساب"(2/ 124).
(6)
تصحفت في الأصل في الموضعين إلى (زارني)، وهو تصحيف واضح، والتصويب مِن "المعجم الكبير"(14558).
روى عنه: الطبراني - وأكثر عنه -، وأبو بكر القطيعي، ويحيى بن صاعد، وآخرون.
حاله: قال جعفر الخُلْدي: كان مِن أزهد النَّاس. وقال الدارقطني: ثقةٌ. وقال الخطيب البغدادي: كان ثِقَةً حافظاً مُتْقناً، حسنَ المذهب. وقال الذهبي: الحافظُ، المُتْقِنُ، الإمامُ، الرَّبَّانِيّ، مِنْ علماء الأثر ببغداد، وله "تاريخ" مُفيدٌ وقد رأيته، وقد وثَّقه الدَّارقطني، وجمع حديث الزُّهري. وقال ابن حجر: مِنْ كبار الحفَّاظ. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ".
(1)
2) إبراهيم بن العلاء بن الضَّحَّاك بن المُهاجر، أبو يعقوب الزُّبَيْديّ، الحمصيّ يُعْرف بابن زِبْرِيق.
روى عن: ثوابة بن عون، وإسماعيل بن عيَّاش، والوليد بن مسلم، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأَبَّار، وأبو داود، وأبو زرعة وأبو حاتم الرَّازيان، وغيرهم.
حاله: قال أبو حاتم: صدوقٌ. وقال أبو داود، ومسلمة الأندلسي: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: شيخٌ صدوقٌ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(2)
3) ثوابة بن عون، أبو عون، ويقال: أبو عثمان، التَّنُوخيُّ الحَمَويُّ، مِنْ جند حِمص.
روى عن: عمرو بن قيس السَّكوني. روى عنه: إبراهيم بن العلاء.
حاله: بَيَّض له ابن أبي حاتم. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". فالحاصل: أنَّه "مجهول الحال".
(3)
4) عَمْرُو بن قَيْسِ بن ثَوْرِ بن مَازِنِ بن خَيْثَمَةَ، أبو ثَوْرٍ السَّكُونِيُّ الكِنْدِيُّ الحِمْصِيُّ.
روى عن: عبد الله بن عَمرو بن العاص، ومُعاوية، وعبد الله بن بُسْر، وآخرين.
روى عنه: ثوابة بن عون، وإسماعيل بن عيَّاش، والأوزاعي، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعجلي، وأبو حاتم، والنَّسائي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(4)
5) عَبْد اللَّهِ بن عَمْرِو بن العاص: "صحابيٌّ جليلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (163).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتبيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل ثوابة بن عون التَّنُوخي "مجهول الحال".
وأمَّا قول الهيثمي
(5)
: رجاله ثقات؛ فلعلَّه اعتمد على ذكر ابن حبَّان لثوابة بن عون هذا في "الثقات".
(1)
يُنظر: "تاريخ بغداد" 5/ 501، "تاريخ دمشق" 5/ 72، "تاريخ الإسلام" 6/ 683، "السير" 13/ 443، "لسان الميزان" 1/ 543، "إرشاد القاصي والداني"(ص/142).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 307، "الجرح والتعديل" 2/ 121، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 71، "تاريخ دمشق" 7/ 87، "تهذيب الكمال" 2/ 161، "الكاشف" 1/ 220، "إكمال تهذيب الكمال" 1/ 263، "تهذيب التهذيب" 1/ 148، "التقريب، وتحريره"(226).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 470، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 130،
(4)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 2/ 184، "الجرح والتعديل" 6/ 254، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 180، "تاريخ دمشق" 46/ 311، "تهذيب الكمال" 22/ 195، "التقريب"(5099).
(5)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 181).
قلتُ: وثوابة بن عون كما سبق لم أقف - على حد بحثي - على أحد روى عنه غير إبراهيم بن العلاء، وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحٌ أو تعديلٌ، فهو "مجهول الحال"، وابن حبَّان معروفٌ بتساهله في التعديل، وبتوثيقه للمجاهيل.
قلتُ: وللحديث شواهدٌ في "الصحيحين"، وغيرهما، يرتقي الحديث بها إلى "الصحيح لغيره"، منها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَىنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَىنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَمَثَّلُ بِي» . واللفظ لمسلم.
(1)
وأخرج البخاري في "صحيحه" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَىنِي فِي المَنَامِ فَقَدْ رَأَىنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَتَخَيَّلُ بِي، وَرُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» .
(2)
وأخرج الإمام مسلمٌ في "صحيحه" من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ رَأَىنِي فِي النَّوْمِ فَقَدْ رَأَىنِي، إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ فِي صُورَتِي» .
(3)
وقال الترمذي: وفي الباب عن أبي هُرَيْرَة، وأبي قتادة، وابن عبَّاس، وأبي سَعِيدٍ، وجابرٍ، وأنسٍ، وأبي مالكٍ الأَشْجَعِيِّ عن أبيه، وأبي بَكْرَةَ، وأبي جُحَيْفَة.
(4)
والحديث ذكره الكتَّاني في "نظم المتناثر"، وذكر له ثمانية عشر صحابياً، وقال: صرَّح المُناوي بتواتره.
(5)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لا يُعْلَمُ يُرْوَى عن عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو إلا من هذا الوجه.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال القرطبي: اختلف في معنى الحديث: فقال قوم: هو على ظاهره، فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(110)، ك/العلم، ب/إِثْمِ مَنْ كَذَبَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وبرقم (6197)، ك/الأدب، ب/ مَنْ سَمَّى بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وبرقم (6993) ك/التعبير، ب/مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ، وأخرجه مسلم في "صحيحه"(2266/ 1 - 2)، ك/الرؤيا، ب/ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ رَأَىنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَىنِي".
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6994)، ك/التعبير، ب/ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في المَنَامِ.
(3)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(2268/ 1 - 2)، ك/الرؤيا، ب/ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ رَأَىنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَىنِي".
(4)
يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (2276).
(5)
يُنظر: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"(ص/218).
رآه في اليقظة سواء، قال: وهذا قول يُدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحدٌ إلا على صورته التي مات عليها، وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين، وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك: أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء، فيُزار مجرد القبر ويُسلم على غائب؛ لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل.
وقالت طائفة: معناه أن من رآه رآه على صورته التي كان عليها، ويلزم منه أن من رآه على غير صفته أن تكون رؤياه من الأضغاث؛ ومن المعلوم أنه يُرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به، وتقع تلك الرؤيا حقاً، ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله:"فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي"، فالأولى أن تُنزه رؤياه، وكذا رؤيا شيء منه، أو مما يُنسب إليه عن ذلك، فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته.
قال: والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثاً؛ بل هي حق في نفسها ولو رؤي على غير صورته، فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قِبَل الله؛ وقال: وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره، ويؤيده قوله:"فَقَد رَأَى الحَقَ"، أي: رأى الحق الذي قُصد إعلام الرائي به، فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها، ولا يُهمل أمرها؛ لأنها إمَّا بشرى بخير، أو إنذار من شر، إما ليخيف الرائي، وإما لينزجر عنه، وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه.
قوله: "فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي"، فمعناه: لا يتشبه بي؛ وأما قوله: "فِي صُورَتِي"، فمعناه: لا يصير كائناً في مثل صورتي، وقوله:"لا يَسْتَطِيعُ"، يشير إلى أن الله تعالى وإن أمكنه من التصور في أي صورة أراد فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذهب إلى هذا جماعة، فقالوا: في الحديث إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها، ومنهم من ضيق الغرض في ذلك، حتى قال: لا بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة، والصواب: التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره وقد يكون لما خالف ذلك تعبير يتعلق بالرائي.
ويؤخذ من هذا أنَّ النائم لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بشيء هل يجب عليه امتثاله ولا بد، أو لا بد أن يعرضه على الشرع، فالظاهر أنَّ الثاني هو المعتمد.
(1)
أسأل الله عز وجل أن يرزقنا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، ومجاورته في الآخرة، وأن يرزقنا صدق محبته، والعمل بشريعته، آمين آمين آمين يا رب العالمين.
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (12/ 383 - 389).
[209/ 609]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو حَفْصٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: نا صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
…
أَبُو مُعَاوِيَةَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ
(1)
، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ جِبْرِيلَ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ:«مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ» .
* لَمْ يَرْوِ هذا الحديث عن عبد الكريم إلا صدقةُ، تَفَرَّدَ به: عُمَرُ.
هذا الحديث مداره على صدقة بن عبد الله، واختلف عليه فيه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: صدقة بن عبد الله، عن عبد الكريم الجزري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
الوجه الثاني: صدقة بن عبد الله، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
الوجه الثالث: صدقة بن عبد الله، عن إبراهيم بن أبي كريمة، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
صدقة بن عبد الله، عن عبد الكريم الجزري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول: رواه أبو حفص عُمر بن سعيد الدمشقي عن صدقة، واضطرب فيه من وجهين:
• فأخرجه الطبراني في "الأوسط"(609) - وهي رواية الباب
(2)
-، عن أحمد بن علي بن مُسلم الأبَّار؛ وأبو إسحاق الثعلبي في "تفسيره"(8/ 318) بسنده مِنْ طريق محمد بن يحيى الأزدي؛ كلاهما (الآبار، والأزدي) عن عُمَرُ بن سَعِيدٍ أبي حفصٍ الدِّمَشْقِيّ، قال: نا صَدَقَةُ بن عبد اللَّه أبو مُعَاوِيَة: أخْبَرَنِي عبد الكريم الجَزَريُّ، عن أنس بن مالكٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عن جِبْرِيلَ، عن اللَّهِ تعالى، قال:«مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا، فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ» . والفظ للطبراني، وعند الثعلبي مُطولاً بنحو رواية ابن أبي الدنيا الآتية في الوجه الثاني.
والحديث أخرجه البزار - كما في "جامع العلوم والحكم"(2/ 333) - مِنْ طريق صدقة، به.
• بينما أخرجه البغوي في "تفسيره"(7/ 194)، وفي "شرح السنة"(1249)، بإسناد فيه مجاهيل مِنْ طريق الحسين بن الفضل البَجَليّ، قال: حدَّثنا أبو حفصٍ عمر بن سعيدٍ الدِّمَشْقِيُّ، حدَّثنا صَدَقَةُ بن عَبْدِ اللَّهِ،
(1)
الجَزرِي: هذه النِّسْبَة إلى الجزيرة، وهي عدَّة بلاد، منها: الموصل، وحران، والرها، والرقة، ورأس العين وغيرها، وهي بلاد بين دجلة والفرات، وإنَّما قيل لها الجزيرة لهذا. يُنظر:"اللباب"(1/ 277).
(2)
هذا الحديث ذكره ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"(2/ 332) مِنْ طريق الحسن بن يحيى الخُشَنيّ، عن صدقة، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وعزاه إلى الطبراني.
قلتُ: والمُثبت في أصل المخطوط مِنْ "المعجم الأوسط" أنَّه مِنْ طريق أبي حفص عُمر بن سعيد، عن صدقة، عن عبد الكريم الجزري، عن أنسٍ، وهو كذلك في "مجمع البحرين"(4952)، والحديث ذكره كذلك السيوطي في "الحاوي للفتاوي"(1/ 362) بإسناد الطبراني وعزاه إليه في "الأوسط"؛ فإن كان الإمام ابن رجب رحمه الله يقصد بعزوه إلى "المعجم الأوسط" فهو وهمٌ - والله أعلم -، وإن كان يقصد غيره مِنْ كتب الطبراني، فلم أقف عليه على حد بحثي - والله أعلم -.
حدَّثنا هِشَامٌ الكِنَانِيُّ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عن جِبْرِيلَ، عن اللَّهِ عز وجل، قَالَ: " مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ،
…
الحديث " مُطولاً، بنحو رواية ابن أبي الدنيا الآتية.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (إسناد الطبراني في "الأوسط"):
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عُمَر بن سعيد بن سُلَيْمَان، أبو حفص، القرشيّ الدمشقيّ.
روى عن: صدقة بن عبد الله، وسعيد بن بَشير، وسعيد بن عبد العزيز، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأبَّار، والحارث بن أبي أسامة، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وآخرون.
حاله: قال أحمد: تركته؛ أخرج لنا كتاب سَعِيد بن بَشير، فقال هذه أحاديث سعيد بن أبي عروبة، فتبين أمره فتركوه. وقال مسلم: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: كتبت حديثه وطرحته. وقال النَّسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبَّان: كان مِمَّن يَروي كتباً لم يَسْمعها عن أقوامٍ أكرههم. وقال الدارقطني: روي بواطيل. وقال الساجي: كذاب. وقال الذهبي: تركوه. فالحاصل: أنَّه "متروكٌ".
(1)
3) صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ، أبو محمد السَّمِينُ:"ضَعيفٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (59).
4) عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ، أَبُو سَعِيدٍ الْحَرَّانِيُّ.
روى عن: سعيد بن المُسيب، وسعيد بن جُبير، ومجاهد، وآخرين. ورأى أنس بن مالك.
روى عنه: صدقة بن عبد الله، والسُّفيانان، ومالك، وآخرون.
حاله: قال أحمد: ثقةٌ ثبتٌ. وقال ابن معين، والعجلي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنَّسائي، والدَّارقطني: ثقةٌ. وقال الذهبي: قفز القنطرة، واحتج به الشيخان. وقال ابن حجر: ثقةٌ مُتْقنٌ. ورَوَى له الجَمَاعَة.
(2)
5) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكثر"، تقدم في الحديث رقم (13).
ثانياً: - الوجه الثاني:
صدقة بن عبد الله، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه ابن أبي الدنيا في "الأولياء"(1)، قال: حدَّثنا الهيثم بن خارجة، والحكم بن موسى؛ والبيهقي في "الأسماء والصفات"(231)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(205)، وابن عساكر في "تاريخه"(7/ 96 و 41/ 285)، ثلاثتهم مِنْ طريق الهيثم بن خارجة؛ وأبو نُعيم في "الحلية"(8/ 318 - 319)، والبغوي في "شرح السنة"(1249/ 2)، وابن الجوزي في "العلل"(27)، ثلاثتهم مِنْ طريق الحكم بن موسى؛
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 6/ 160، "الجرح والتعديل" 6/ 111، "المجروحين" لابن حبَّان 2/ 89، "تاريخ بغداد" 13/ 33، "تاريخ دمشق" 45/ 63، "المغني في الضعفاء" 2/ 42، "الميزان" 3/ 199، "لسان الميزان" 6/ 106.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 6/ 88، "الثقات" للعجلي 2/ 100، "الجرح والتعديل" 6/ 58، "تاريخ دمشق" 36/ 450، "تهذيب الكمال" 18/ 253، "الميزان" 2/ 645، "التقريب"(4154).
والقضاعي في "مسند الشهاب"(1456)، والشجري في "أماليه"(2/ 204)، مِنْ طريق هشام بن عمَّار.
ثلاثتهم (الهيثم، والحكم، وهشام)، عن الحسن بن يحيى الخُشَنِيُّ، عن صدقة، عن هشام الكنانيِّ، عن أنسٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن رَبِّه تعالى، قال:«مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ، وَمَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ مَا تَرَدَّدْتُ فِي قَبْضِ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ؛ لأَنَّهُ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ ولا بُدُّ لَهُ مِنْهُ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُرِيدُ بَابًا مِنَ الْعلْمِ فَأَكُفُّهُ عَنْهُ لا يَدْخُلُهُ عُجْبٌ فَيَفْسَدُ لِذَلِكَ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيَ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَنَفَّلُ لِي حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعًا، وَبَصَرًا، وَيَدًا، وَمُؤَيِّدًا، دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ، وَسَأَلَنِي فَأَعْطَيْتُهُ، وَنَصَحَ لِي فَنَصَحْتُ لَهُ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إلا الْغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لأفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ لَمَنْ لا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إلا الْفَقْرُ، وَلَوْ بَسَطْتُ لَهُ لأفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يُصْلِحُ لَهُ إِيمَانَهُ إلا الصِّحَّةُ، وَلَوْ أَسْقَمْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إلا السَّقَمُ، وَلَوْ أَصْحَحْتُهُ لأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، إِنِّي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي بِعِلْمِي، إِنِّي عَلِيمٌ خَبِيرٌ» . ولفظ القضاعي مُختصراً.
وقال أبو نُعيم: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، لم يَرْوِهِ عنه بهذا السِّيَاقِ إلا هِشَامٌ الكنانيُّ، وعنه صدقةُ بن عبد اللهِ أبو مُعَاوِيَة الدِّمَشْقِيُّ، تَفَرَّدَ به: الحسن بن يحيى الخُشَنِيّ.
قلتُ: بل رواه عبد الكريم الجزري عن أنس بنحو هذا السياق، أخرجه الثعلبي في "تفسيره" كما سبق في الوجه الأول؛ بالإضافة إلى أنَّ هذا الحديث لم يَنْفرد به الحسن بن يحيى الخُشَنيّ عن صدقة بن عبد الله، بل رواه أبو حفص عُمر بن سعيد الدمشقي، أخرجه البغوي في "شرح السنة" كما سبق بيانه في الوجه الأول.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح؛ فيه الخُشَني، قال الدَّارقطني: متروك، وصدقة مجروح.
• بينما أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(37/ 35)، بسنده مِنْ طريق إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المُخَرّمي، نا الحكم بن موسى، نا عبد الملك بن صدقة الدمشقي، عن أبيه، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الله تبارك وتعالى، قال: «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ ".
قال ابن عساكر: رواه أحمد بن الحسن، عن الحكم بن موسى، عن الحسن بن يحيى، عن صدقة؛ فيُحتمل: أنه كان عند الحكم عنهما جميعاً، والأظهر أنه خطأ - والله أعلم - فإنَّا لم نجده إلا من هذا الوجه.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد ابن أبي الدنيا):
1) الهيثم بن خارجة، الخراساني:"ثقةٌ".
(1)
2) الحكم بن موسى بن أبى زهير البغدادي: "ثقةٌ".
(2)
3) الحَسَنِ بن يَحْيَى الخُشَنِيِّ: قال ابن حبَّان: منكر الحديث جداً. وقال الدارقطني: "متروكٌ". وقال ابن
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 86، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 236، "تهذيب الكمال" 30/ 374، "التقريب"(7364).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 128، "تهذيب الكمال" 7/ 139، "التقريب"(1462).
حجر: صدوقٌ كثير الغلط.
(1)
4) صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ: "ضعيفٌ"، تقدَّم في الوجه الأول.
5) هشام بن عبد الله الكناني: ترجم له ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، وذكر أنَّه هو الذي روى حديث الولاية عن أنس بن مالك، ولم يذكر فيه جرحٌ أو تعديل، وقال ابن رجب: هشامٌ لا يُعْرَفُ، وسُئِلَ ابن معين عن هشام هذا: مَنْ هو؟ قال: لا أحد، يعني: لا يُعْتَبَرُ به. فأقل أحواله أنَّه "مجهول الحال".
(2)
6) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكثر"، تقدَّم في الحديث رقم (13).
ثالثاً: - الوجه الثالث:
صدقة بن عبد الله، عن إبراهيم بن أبي كريمة، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(7/ 95)، قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم، وأبو محمد بن الأكفاني، قالا: نا عبد العزيز بن أحمد، أنا تَمَّام بن محمد، أنا أبو الحسن أحمد بن سليمان بن حَذْلم، نا يزيد بن محمد بن عبد الصمد، نا سلامة بن بشر، نا صدقة، عن إبراهيم بن أبي كريمة، به، مُطولاً.
قال ابن عساكر: ورواه الحسن بن يحيى الخُشَنِيُّ، عن صدقة، عن هشام، ولم يذكر فيه إبراهيم بن أبي كريمة؛ ثم ساق الحديث بإسناده بالوجه الثاني.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث:
1) علي بن إبراهيم بن العباس بن الحسن الحسيني: "ثقةٌ".
(3)
2) عبد العزيز بن أحمد بن محمد، أبو محمد التميمي:"ثقةٌ مُتقنٌ".
(4)
3) تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي: "ثقةٌ حافظٌ".
(5)
4) أحمد بن سُلَيْمَان بن أيوب بن دَاوُد بن عبد اللَّه بن حَذْلَم: "ثقةٌ مأمونٌ نبيلٌ".
(6)
5) يزيد بن محمد بن عبد الصمد القرشي: "ثقةٌ حافظٌ".
(7)
6) سلامة بن بشر بن بُدَيل العُذْري: "ثقةٌ".
(8)
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 44، "المجروحين" 1/ 235، "تهذيب الكمال" 6/ 339، "التقريب، وتحريره"(1295).
(2)
يُنظر: "تاريخ دمشق" 74/ 21، "جامع العلوم والحكم" 2/ 333.
(3)
يُنظر: "تاريخ دمشق" 41/ 244.
(4)
يُنظر: "تاريخ دمشق" 36/ 262.
(5)
يُنظر: "تاريخ دمشق" 11/ 43، "السير" 17/ 289.
(6)
يُنظر: "تاريخ الإسلام" 7/ 848.
(7)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 288، "تهذيب الكمال" 32/ 234، "التقريب، وتحريره"(7770).
(8)
يُنظر: "تهذيب الكمال" 12/ 302، "التقريب، وتحريره"(2712).
7) صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ: "ضعيفٌ"، تقدم في الوجه الأول.
8) إبراهيم بن أبي كريمة الصيداوي: ترجم له ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، وبين أنَّه روى حديث الباب عن هشام الكناني، ولم يذكر فيه جرحٌ أو تعديل، فأقل أحواله أنَّه "مجهول الحال".
(1)
9) هشام بن عبد الله الكناني: "مجهول الحال"، تقدم في الوجه الثاني.
10) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكثر"، تقدم في الحديث رقم (13).
رابعاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مداره على صدقة بن عبد الله، واختُلف عنه مِنْ ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: صدقة بن عبد الله، عن عبد الكريم الجزري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
ورواه عن صدقة بهذا الوجه أبو حفص عُمر بن سعيد الدمشقي، واضطرب فيه أيضاً، فرواه عن صدقة بالوجهين؛ مرَّة بالوجه الأول، ومرَّة بالوجه الثاني - كما سبق تفصيله -؛ وأبو حفص هذا "متروكٌ الحديث".
الوجه الثاني: صدقة بن عبد الله، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
بينما رواه غير واحد، عن الحسن بن يحيى الخُشَني، عن صدقة بهذا الوجه؛ قال الدَّارقطني: الخُشَنيّ متروكٌ، وقال ابن حجر: صدوقٌ كثير الغلط؛ وأخرجه ابن الجوزي في "العلل" مِنْ هذا الوجه، وقال: هذا الحديث لا يصح. وقال ابن حبان: هذا الطريق لا يصح.
(2)
وذكره كذلك ابن رجب، وقال: الخُشَنِيُّ وصَدَقَةُ ضعيفان، وهشامٌ لا يُعْرَفُ، وسُئِلَ ابن معين عن هشام هذا: مَنْ هو؟ قال: لا أحد، يعني: لا يُعْتَبَرُ به.
(3)
الوجه الثالث: صدقة بن عبد الله، عن إبراهيم بن أبي كريمة، عن هشام الكناني، عن أنس بن مالك.
بينما أخرجه ابن عساكر بإسناد رواته ثقات إلى صدقة بن عبد الله بهذا الوجه.
ومِنْ خلال ما سبق يتضح أنَّ الوجه الثالث هو أقرب الوجوه إلى الصواب؛ لكون إسناده إلى صدقة بن عبد الله: رواته ثِقات.
قلتُ: إلا أنَّ هذا الحديث مداره على صدقة بن عبد الله، وقد ضَعفَّه الجمهور - كما سبق -، وقد اضطرب في هذا الحديث، فالتلون مِنْ مثله في الحديث الواحد يدل على وهن راويه، ويُنبئ بقلة ضبطه، وعدم حفظه لهذا الحديث - كما قال الحافظ ابن حجر
(4)
-، وقد انفرد صدقة بن عبد الله بهذا الحديث، ولم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه على وجه مِنْ الوجوه الثلاثة، فيبقى الحديث على ضعفه، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "تاريخ دمشق" 7/ 95.
(2)
يُنظر: "الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان" عقب الحديث رقم (347).
(3)
يُنظر: "جامع العلوم والحكم"(2/ 333).
(4)
يُنظر: "التلخيص الحبير"(2/ 414)، "الإرشادات في تقوية الحديث بالشواهد والمتابعات"(ص/287).
خامساً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ فيه أبو حفص عُمر بن سعيد الدِّمَشقيّ "متروك الحديث"، وفيه أيضاً صدقة بن عبد الله "ضَعيفٌ"، وعليه مدار الحديث، وقد اضطرب فيه، مِمَّا يَدل على عدم ضبطه لهذا الحديث.
وقال الهيثمي: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في "الأوسط"، وفيه عُمَرُ بن سَعِيدٍ، وهو ضَعِيفٌ.
(1)
وعزاه الحافظ ابن حجر إلى الطبراني وغيره، وقال: في سنده ضعفٌ.
(2)
قلت: بل في سنده عُمر بن سعيد، وهو "متروك الحديث" - كما سبق بيانه في ترجمته -.
ب الحكم على الحديث من وجهه الثالث:
وأمَّا الحديث مِنْ وجهه الثالث - أقرب الوجوه إلى الصواب - فسنده "ضَعيفٌ"، مُسلسلٌ بالعلل:
فيه صدقة بن عبد الله "ضَعيفٌ"، وعليه مدار الحديث، وقد اضطرب فيه، مِمَّا يَدل على عدم ضبطه لهذا الحديث؛ وفيه أيضاً إبراهيم بن أبي كريمة "مجهول الحال"، وهشام الكناني لا يُعرف.
بالإضافة إلى وجود نكارة في المتن، فالمؤمن يُصاب بسبب ذنبٍ، وبغير ذنبٍ، وذلك ابتلاءً من الله عز وجل.
شواهد للحديث:
ويُغني عنه ما أخرجه البخاري في "صحيحه" مِنْ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ".
(3)
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 270).
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(11/ 342).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(6502)، ك/الرقاق، ب/التواضع. والحديث أخرجه البخاري عن مُحَمَّد بن عُثْمَانَ بن كَرَامَةَ، قال: حدَّثنا خالدُ بن مخلدٍ، حدَّثنا سُلَيْمَانُ بن بِلَالٍ، حدَّثني شَرِيكُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن أبي نَمِرٍ، عن عطاءٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ.
وقال الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد القَطَواني مِنْ "الميزان"(1/ 641): هذا الحديث مِمَّا انفرد به خالد بن مخلد، وهو حديثٌ غريبٌ جداً، ولولا هيبة "الجامع الصحيح" لعَدُّوه في مُنكرات خالد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يُرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في "مسند أحمد"، وقد اختلف في عطاء فقيل: هو ابن أبي رباح، والصحيح أنه عطاء به يسار.
قلت: وعَقَّب الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(11/ 341 - 342) على كلام الذهبي بقوله: ليس هو في "مسند أحمد" جزماً، وإطلاق أنه لم يُرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردودٌ؛ ومع ذلك فشريك شيخُ شيخِ خالد فيه مقال أيضا، وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدَّم وأخر، وتفرَّد فيه بأشياء لم يُتابع عليها؛ ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلاً، فرُوي عن عائشة، وأبي أمامة، وعلي، وابن عباس، وأنس، وحذيفة، ومعاذ بن جبل، وعزاها إلى مخرجيها، وتكلم عليها.
وقد أطال وأجاد الشيخ/الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة"(4/ 183 - 190/حديث رقم 1640)، في دراسة هذه الشواهد، وزاد عليها، وختم الكلام بقوله: وخلاصة القول: إن أكثر هذه الشواهد لا تصلح لتقوية الحديث بها، إما لشدة ضعف إسنادها، وإما لاختصارها، اللهم إلا حديث عائشة، وحديث أنس بطريقيه، فإنهما إذا ضما إلى إسناد حديث أبي هريرة اعتضد الحديث بمجموعها وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء الله تعالى، وقد صححه جمع مِنْ العلماء.
قلتُ: أمَّا حديث أنس فيقصد بطريقيه: الوجه الأول والثاني اللذين معنا في الباب، وقد سبق أنْ بَيَّنت أنَّ حديث أنس مداره على صدقة بن عبد الله وقد ضَعَّفه الجمهور، وقد اضطرب في هذا الحديث مِنْ ثلاثة أوجه، مِمَّا يدل على عدم ضَبطه لهذا الحديث، لعدم وجود مُتابعٍ له - على حد بحثي - على وجهٍ مِنْ هذه الوجوه الثلاثة، وعليه فحديث أنس لا يصلح للاعتبار والاستشهاد، ويبقى حديث عائشة، وأبي هريرة رضي الله عنهم، فيصح الحديث بمجموع طرقهما - والله أعلم -.
سادساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لَمْ يَرْوِ هذا الحديث عن عبد الكريم إلا صدقةُ، تَفَرَّدَ به: عُمَرُ.
مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قال المُصَنِّف رضي الله عنه؛ ويَتَبَيَّن أنَّ عبارة المُصَنِّف في الحكم على الحديث بالتفرد أدق مِنْ عبارة أبي نُعيم في "الحلية"، كما سبق ذكره والتعليق عليه عند تخريج الوجه الثاني.
سابعاً: - التعليق على الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: قوله: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا"، المراد بولي الله: العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته؛ وقد استُشكل وجود أحد يعاديه، لأن المعاداة إنما تقع من الجانبين، ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه، وأجيب: بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلاً، بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب، كالرافضي في بغضه لأبي بكر، والمبتدع في بغضه للسني، فتقع المعاداة من الجانبين، أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله، وأما من جانب الآخر فلما تقدم؛ وقد تطلق المعاداة ويراد بها الوقوع من أحد الجانبين بالفعل ومن الآخر بالقوة.
وقال ابن هبيرة في "الإفصاح": قوله "عَادَى لِي وَلِيًّا" أي اتخذه عدواً، ولا أرى المعنى إلا أنه عاداه من أجل ولايته، وهو وإن تضمن التحذير من إيذاء قلوب أولياء الله ليس على الإطلاق، بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع إلى استخراج حق أو كشف غامض، فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة، وبين العباس وعلي إلى غير ذلك من الوقائع. انتهى ملخصاً موضحاً
وتعقبه الفاكهاني: بأن معاداة الولي لكونه وليا لا يفهم إلا إن كان على طريق الحسد الذي هو تمني زوال ولايته وهو بعيد جداً في حق الولي، فتأمله! قلت (ابن حجر): والذي قدمته أولى أن يعتمد.
وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعلة من الجانبين، مع أن المخلوق في أسر الخالق، والجواب: أنه من المخاطبة بما يفهم، فإن الحرب تنشأ عن العداوة، والعداوة تنشأ عن المخالفة، وغاية الحرب الهلاك، والله لا يغلبه غالب؛ فكأن المعنى فقد تعرض لإهلاكي إياه، فأطلق الحرب وأراد لازمه، أي: أعمل به ما يعمله العدو
المحارب. قال الفاكهاني: في هذا تهديدٌ شديدٌ، لأن من حاربه الله أهلكه، وهو من المجاز البليغ، لأن من كره من أحب الله خالف الله، ومن خالف الله عانده، ومن عانده أهلكه؛ وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة، فمن والى أولياء الله أكرمه الله، وقال الطوفي: لما كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة، وقد أجرى الله العادة بأن عدو العدو صديق وصديق العدو عدو، فعدو ولي الله عدو الله فمن عاداه كان كمن حاربه ومن حاربه فكأنما حارب الله.
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري" 11/ 341 - 342.
[210/ 610]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا أَبُو حَصِينٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيمٍ، عَنْ نَافِعٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ قَبْرِي
(1)
وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ،
…
[وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي]
(2)
».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابنِ خُثَيمٍ إلا يَحْيَى، تَفَرَّدَ به: أَبُو حَصِينٍ.
أولاً: تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الأوسط"(733)، عن أحمد بن علي بن مُسلم الأبَّار، بإسناده ومتنه سواء، وزاد فيه:"وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي"، كما ذكرته، ولا أدري ما علة تكراره.
• ورواه عن نافعٍ جماعة، وتفصيل روايتهم كالآتي:
1) مالك بن أنس، واختلف عنه:
أ فأخرجه بقي بن مخلد في "الحوض والكوثر"(9 و 10)، والعقيلي في "الضعفاء"(4/ 73)، وابن أبي حاتم في "العلل"(3/ 300/مسألة 885)، والآجري في "الشريعة"(1837)، وابن المُقْرئ في "المنتخب من غرائب مالك"(21)، وأبو الحسين الكلابي في "جزئه"(24)، وأبو نُعيم في "الحلية"(9/ 324)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(49/ 118 و 51/ 52)، كلهم مِنْ طرقٍ عن عبد اللَّهِ بن نافعٍ الصَّائِغ؛ وأخرجه الطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(2874)، والعقيلي في "الضعفاء"(4/ 72)، وتَمَّام بن محمد في "فوائده" - كما في "الروض البسام"(660) -، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(14/ 55)، وفي "المهروانيات"(100)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن أحمد بن يحيى المَسْعُودِيُّ؛ وأخرجه العقيلي في "الضعفاء"(4/ 73)، مِنْ طريق حَبَّاب بن جلبة الدَّقاق؛ وأخرجه ابن الجوزي في "مثير العزم الساكن"(449)، مِنْ طريق إسماعيل بن أبي أويس.
أربعتهم (عبد الله بن نافع، وأحمد بن يحيى، وحبَّاب، وإسماعيل) عن مالكٍ بن أنس، عن نَافِعٍ، عن ابن
(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة"(ص/120)، و"مجموع الفتاوي" (1/ 236): الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ"، هذا هو الثابت في الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال:"قَبْرِي"، وهو صلى الله عليه وسلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر بعدُ صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة، لما تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصاً في محل النزاع، ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه.
وفي "فتح الباري"(3/ 70): قال القرطبي: الرواية الصحيحة "بَيْتِي" ويُروى " قَبْرِي"، وكأنَّه بالمعنى لأنه دُفن في بيت سكناه.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، واستدركته مِنْ "المعجم الأوسط"(733)، فقد أعاد ذكر الحديث عن أحمد بن علي بن مسلم الأبَّار، بسنده ومتنه، وفيه هذه الزيادة، وهو كذلك في "مجمع البحرين"(1823) بإسناده ومتنه كما ذكرته، والله أعلم.
عُمَرَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ مِنْبَرِي لَعَلَى حَوْضِي» .
- قال أبو زرعة: عبد الله بن نافع عندي منكر الحديث، وعَدَّ له هذا الحديث في مناكيره عن مالك.
(1)
- وقال أَبُو جَعْفَر الطحاوي: وهذا مِنْ حديث مالك، يقول أهل العلم بالحديث: إِنَّهُ لم يُحَدِّثْ به عن مَالِكٍ أحدٌ غيرُ أحمد بن يحيى هذا، وغير عبد اللهِ بن نافعٍ الصَّائِغِ. قلتُ: بل رواه غيرهما كما سبق.
- والحديث ذكره ابن عبد البر مِنْ رواية أحمد بن يحيى عن مالك، وقال: هذا إسناد خطأ لم يُتابع عليه، ولا أصل له.
(2)
قلتُ: بل تُوبع عليه، كما سبق.
- وقال الخطيب في "المهروانيات": هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ حديث مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ أَحمد بْنُ يَحْيى الأَحول، وتابعه عبد الله بن نافع. قلتُ: بل رواه غيرهما كما سبق.
- وقال ابن عساكر: غريبٌ مِنْ حديث مالك عن نافع.
ب وأخرجه العقيلي في "الضعفاء"(4/ 72)، وابن الأعرابي في "معجمه"(1970)، وعُثمان السمرقندي في "فوائده"(61)، وأبو نُعيم في "الحلية"(3/ 264 و 6/ 341)، كلهم عن محمَّد بن سُلَيْمَانَ بن معاذٍ، عن مالكُ، عن ربيعة بن أبي عبد الرَّحمنِ، عن سعيد بن المُسَيِّبِ، عن ابن عُمَرَ، عن أبيه عُمَرُ بن الخطَّاب، بنحوه.
- وقال العقيلي: محمد بن سُليمان عن مالك مُنكر الحديث.
- وقال الدَّارقطني - بعد أن ذكر الحديث بالوجهين -: وهذا الحديث مُنْكرٌ عن مالك لم يُتابع عليه.
(3)
- وقال أبو نُعيم: هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ محمَّد بن سُلَيْمَانَ عن مَالِكٍ عنه.
- وقال ابن عبد البر: ومحمد بن سليمان هذا ضَعيفٌ، ولم يُتابعه أحدٌ على هذا الإسناد عن مالك.
(4)
ت بينما أخرجه البخاري في "صحيحه"(7335) ك/الاعتصام بالكتاب والسنة، ب/ما ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَحَضَّ عَلَى اتِّفَاقِ أَهْلِ العِلْمِ، وغيره، من طرقٍ عدة عن مالك، عن خُبَيْبِ بن عبد الرَّحمن، عن حَفْصِ بن عَاصِمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» .
قلتُ: والراجح مِنْ هذه الوجوه عن مالكٍ، هو الوجه الثالث، وهو ما أخرجه البخاري في "صحيحه"، لذا ذهب غير واحدٍ مِنْ أهل العلم إلى اعتبار الوجه الأول والثاني عن مالكٍ مِنْ مناكير الرواة، لمخالفتهم لما رواه أصحاب مالكٍ، ولعلَّهم سلكوا فيه الجَّادة؛ لذا رجَّحه غير واحدٍ مِنْ أهل العلم، وصرَّحوا بأنَّه هو المحفوظ:
- فقال العقيلي - بعد أن ذكر الوجوه عن مالكٍ -: وحديثُ القَعْنَبِيِّ أَوْلَى - أي بالوجه الثالث -.
(5)
(1)
يُنظر: "سؤالات البرذعي لأبي زرعة"(2/ 375).
(2)
يُنظر: "التمهيد"(17/ 181).
(3)
يُنظر: "تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان"(ص/247).
(4)
يُنظر: "التمهيد"(18/ 180).
(5)
يُنظر: "الضعفاء الكبير"(4/ 72 - 73).
- وقال ابن أبي حاتم في: سُئِلَ أبو زُرْعَةَ عن هذا الحديث؟ فقال: هكذا كان يقول عبد الله بن نافعٍ، وإنَّما هو: مالكٌ، عن خُبَيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
(1)
- وقال الدَّارقطني: يرويه مالك، عن نافع، عن ابن عمر، وهو غريب عنه، رواه عنه: عبد الله بن نافع، وأحمد بن يحيى؛ ورُوي عن موسى الجهني، وعن ابن خثيم، عن نافع، عن ابن عمر، وهو غريب عنهما.
(2)
2) عُبيد الله بن عُمر العُمَري، واختلف عنه:
أ أخرجه الطحاوي في "المُشْكِل"(2873)، والدَّارقطني في "العلل"(13/ 54)، من طرقٍ عن عُبَيْدِ اللهِ، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي ".
ب وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(13156)، مِنْ طريق محمَّد بن بِشْرٍ العَبْدِيّ، ثنا عُبَيْدُ اللهِ بن عُمَرَ، عن أبي بكر بن سالم، عن سالم، عن ابن عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بنحوه، لكن بلفظ "قبري".
ت وأخرجه الدَّارقطني في "العلل"(8/ 221/مسألة 1531) عَنِ أبي عُبَيْدَةَ بن أبي السَّفَرِ، عن عبد الله بن نُمَيْرٍ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ، عن أبي الزِّنَادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرة، بنحوه.
وقال الدَّارقطني: تَفَرَّدَ به أبو عُبَيْدَةَ بن أبي السَّفَرِ، عن ابن نُمَيْرٍ بهذا الإسناد.
ث بينما أخرجه البخاري في "صحيحه"(1196) ك/فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، ب/فضل ما بين القبر والمنبر، وبرقم (1888) ك/فضائل المدينة، ب/ كراهية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أن تُعرى المدينةُ، وبرقم (6588) ك/الرقاق، ب/في الحوض، ومسلمٌ في "صحيحه"(1391) ك/الحج، ب/ما بين القبر والمنبر روضةٌ من رياض الجنَّة، وغيرهما، مِنْ طرقٍ عدة، عن عُبَيْدِ اللَّهِ، قال: حدَّثني خُبَيْبُ بن عبد الرَّحمن، عن حَفْصِ بن عاصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» .
قلتُ: والراجح مِنْ هذه الوجوه هو الوجه الرابع، وهو ما أخرجه البخاري ومسلمٌ؛ لذا رجَّحه الدَّارقطني:
- فقال الدَّارقطني: والمعروف والمحفوظ عن عُبَيْدِ اللَّهِ، عن خُبَيْبِ، عن حفص، عن أبي هريرة.
(3)
3) عبد الله بن عُمر العُمري، واختلف عنه:
أ أخرجه الدولابي في "الكنى"(1483)، وابن خزيمة في "مختصر المختصر" - كما في "الميزان" للذهبي (4/ 226) -، مِنْ طريق موسى بن هلالٍ العَبْدي، قال: حدَّثنا عبد اللَّهِ بن عُمَرَ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي، وَمَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي تُرْعَةٌ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» .
قلتُ: والحديث عدَّه الذهبي مِنْ أَنْكَرِ ما رواه موسى بن هلال، وقال: قال العقيلي: لا يُتابع على
(1)
يُنظر: "العلل"(3/ 301/مسألة 885).
(2)
يُنظر: "العلل"(13/ 53/مسألة 2945).
(3)
يُنظر: "العلل"(8/ 221/مسألة 1531)، و"العلل"(13/ 54/مسألة 2946).
حديثه.
(1)
ب وأخرجه أحمد في "مسنده"(9215)، قال: حدَّثنا نوح بن ميمون؛ والطبراني في "الأوسط"(98)، بسنده عن عبد الرَّحمن بن أشرس؛ كلاهما عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» ، وزاد أحمد:«ومِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ» .
وقال الطبراني: لم يَرْوِ هذا الحديث عن عبد اللَّهِ إلا عبد الرَّحمن بن أشرس.
قلتُ: بل تابعه نوح بن ميمون - كما عند أحمد -، وهو "ثِقَةٌ".
(2)
وعبد الرحمن بن أشرس "ضَعيفٌ".
(3)
ت بينما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(31659)، وأحمد في "مسنده"(9214)، مِنْ طُرُقٍ عن عبد اللَّهِ، عن خُبَيْبِ بن عبد الرَّحمن، عن حفص بن عاصمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» ، واللفظ لأحمد.
قلتُ: والوجه الثالث عن عبد الله بن عُمر هو أقرب الوجوه إلى الصواب، لوجود متابعات له في "الصحيحين" عن مالكٍ، وعُبيد الله، كلاهما عن خُبيب بن عبد الرحمن، به، كما سبق، والله أعلم.
4) موسى بن عبد الله الجُهَنيّ، واختلف عنه:
أ فأخرجه ابن خزيمة - كما في "إتحاف المهرة"(11427) -، قال: ثنا محمَّد بن هشام، ثنا أبو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عن موسى الجُهَنِيُّ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ (مرفوعاً):" مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ".
قلتُ: أمَّا محمد بن هشام بن عيسى الطالقاني، فهو "ثِقَةٌ".
(4)
وأبو مُعاوية الضرير محمد بن خازم "ثِقَةٌ، أحفظ النَّاس لحديث الأعمش، وقد يَهم في حديث غيره.
(5)
وموسى بن عبد الله الجُهني، فهو "ثِقَةٌ عابدٌ".
(6)
ب وأخرجه أبو نُعيم في "أخبار أصبهان"(1/ 353) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخه"(43/ 528) -، قال: ثنا أحمد بن جعفر، ثنا عُمَرُ بن أحمد بن السُّنِّيِّ، ثنا نصرُ بن عليٍّ، ثنا زياد بن عبد اللَّهِ، عن مُوسَى الجُهَنِيِّ، عن نافع، عن ابن عُمَرَ، بنحوه (موقوفاً). وقال البوصيري: رَوَاهُ مُسَدَّدٌ مَوْقُوفًا، ورجاله ثِقَاتٌ.
(7)
قلتُ: بل فيه زياد بن عبد الله بن الطفيل البَكَّائي، "صدوقٌ ثَبْتٌ في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن
(1)
يُنظر: "ميزان الاعتدال"(4/ 225 - 226).
(2)
يُنظر: "التقريب"(7211).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 214، "الميزان" 2/ 548،
(4)
يُنظر: "التقريب"(6364).
(5)
يُنظر: "التقريب"(5841).
(6)
يُنظر: "التقريب"(6985).
(7)
يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة"(2699).
إسحاق لينٌ".
(1)
وعُمر بن أحمد بن بشر المعروف بابن السني، "عامة أحاديثه مُستقيمةٌ".
(2)
ولعلَّ الوجه الأول (المرفوع) هو الأقرب للصواب، ولا يُعَلّ بالوجه الثاني فهو أيضاً مِمَّا له حكم الرفع.
وعليه؛ فمِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّه لم يَسلم مِنْ هذه الطرق كلها عن نافعٍ عن ابن عُمر إلا رواية موسى الجهني.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) أبو حصين بن يحيى بن سليمان الرازي. قال أبو حاتم: قلت لأبي حُصين: هل لك اسم؟ قال: لا، اسمى وكنيتي واحد؛ فقلت: فأنا قد سميتك عبد الله فتبسم. وقال الطبراني: قيل إنَّ اسم أبي حُصَيْن يحيى بنُ سليمان.
روى عن: يحيى بن سُليم، وسُفيان بن عُيَيْنة، وأبي مُعاوية الضرير، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأبَّار، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم، والطبراني، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال ابن أبي حاتم: ثِقَةٌ صدوقٌ.
(3)
3) يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، أَبُو مُحَمد، ويُقال: أَبُو زَكَرِيَّا القُرَشِيُّ الطَّائِفِيُّ.
روى عن: عبد الله بن عثمان بن خُثَيم، والثوري، وإسماعيل بن أمية، وآخرين.
روى عنه: أبو حصين الرازي، وعبد الله بن المبارك، ووكيع، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، وابن معين، وأحمد، والعجلي، والذهبي في "الكاشف": ثِقَةٌ. وقال ابن معين أيضاً: ليس به بأسٌ، يُكتب حديثه. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: يُخطئ. وقال ابن عدي: أحاديثه صالحة، وله إفرادات وغرائب يتفرد بها عن مشايخه، وأحاديثه متقاربة، وهو صدوقٌ لا بأس به.
_ وقال أحمد: كان قد أتقن حديث ابن خُثَيْم، وكانت عنده في كتاب. وعن يحيى، قال: قال لي يحيى بن سُليم: قرأتُ على ابن خُثَيْم هذه الأحاديث.
_ وقال ابن حجر في "تهذيبه": قال البخاري في "تاريخه" في ترجمة عبد الرحمن بن نافع: ما حدَّث الحميدي عن يحيى بن سليم فهو صحيح. قلتُ: وقد رجعت إلى "التاريخ الكبير" فلم أجده.
_ وقال أحمد: وقعت على يحيى بن سليم وهو يحدث عن عبيد الله أحاديث مناكير فتركته، ولم أحمل عنه إلا حديثًا. وقال البخاري: يَروي أحاديث عن عُبيد الله يَهم فيها. وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ، مُنْكر الحديث عن عُبيد الله بن عُمر. وقال الساجي: أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمر. وقال ابن حجر في "الفتح": والتحقيق أن الكلام فيه إنما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة.
_ وقال أحمد: رأيته غلط في الحديث فتركتُه. وسُئل عنه، فقال: يحيى بن سُليم كذا وكذا، والله إنَّ حديثه
(1)
يُنظر: "التقريب"(2085).
(2)
يُنظر: "تاريخ بغداد"(13/ 61).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 364، "المعجم الصغير" للطبراني 1/ 218، "تهذيب الكمال" 33/ 249، "الكاشف" 2/ 420، "تهذيب التهذيب" 12/ 75، "التقريب"(8054).
يَبلغني فيه شيء، فكأنَّه لم يحمده. وقال أبو حاتم: شيخٌ محله الصدق، ولم يكن بالحافظ، يُكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النَّسائي، وأبو بشر الدولابي: ليس بالقوي. وقال الخليلي: أخطأ في أحاديث. وقال الدَّارقطني: سيء الحفظ. وقال ابن حجر: صدوقٌ سيء الحفظ.
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ لحديث ابن خُثَيْم، مُنْكر الحديث في روايته عن عُبيد الله بن عُمر خاصة".
(1)
4) عَبدُ اللَّهِ بن عُثْمَان بن خُثَيْم: "ثقةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (121).
5) نَافع مولى ابن عُمر: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقيهٌ، مَشْهور"، تَقدَّم في الحديث رقم (29).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته"؛ وللحديث شواهد في "الصحيحين" عن أبي هُريرة رضي الله عنه، وغيره، كما سبق ذكره في التخريج. والحديث عدَّه السيوطي، والكتاني في الأحاديث المتواترة.
(2)
وقال الهيثمي - بعد أن ساقه عن ابن عُمر -: رواه الطبرانيُّ في "الكبير"، "والأوسط"، ورجاله ثقاتٌ.
(3)
قلتُ: أمَّا حديث ابن عُمر عند الطبراني في "الكبير" فليس مِنْ طريق نافعٍ؛ وإنَّما أخرجه مِنْ طريق محمَّد بن بِشْرٍ العَبْدِيّ، عن عُبَيْد اللهِ بن عُمَرَ، عن أبي بكر بن سالم، عن سالم، عن ابن عُمَرَ، وهذا الوجه "شاذٌ"، لمخالفته ما رواه عامة الثقات عن عُبيد الله بن عُمر، كما سبق تفصيله في التخريج، ولله الحمد والمنة.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابنِ خُثَيمٍ إلا يَحْيَى، تَفَرَّدَ به: أَبُو حَصِينٍ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث؛ وأمَّا يحيى بن سُليم فلا يَضر تَفَرُّده عن ابن خُثَيم، فقد صرَّح الإمام أحمد وغيره أنَّه مُتْقِنٌ لحديث ابن خُثيم، وكانت عنده في كتاب.
وكلام المُصَنِّف وافقه على بعضه الإمام الدَّارقطني، فقال: ورُوي عن موسى الجهني، وعن عبد الله بن عثمان بن خثيم، جميعاً، عن نافع، عن ابن عمر، وهو غريب عنهما.
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 2/ 353، "الضعفاء والمتركون" للنَّسائي (ص/251)، "الجرح والتعديل" 9/ 156، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 615، "الكامل" لابن عدي 9/ 62، "الإرشاد" للخليلي 1/ 385، "تهذيب الكمال" 31/ 365، "الكاشف" 2/ 367، "ميزان الاعتدال" 4/ 383، "تهذيب التهذيب" 11/ 227، "التقريب"(7563)، "فتح الباري" 4/ 418.
(2)
يُنظر: "قطف الأزهار المتناثرة"(ص/187/رقم 69)، "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"(ص/200/رقم 243).
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(4/ 9).
(4)
يُنظر: "العلل"(13/ 53/مسألة 2945).
[211/ 611]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتّليُّ
(1)
، قَالَ: نا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: مَا كُنَّا [نَرَى]
(2)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ يَوْمَ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّ رَجُلاً، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ النَّارَ.
قِيلَ لَهُ: قَدْ كَانَ يَسْتَعْمِلُكَ؟ فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ كَانَ يُحِبُّ رَجُلاً.
قَالُوا: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: كَانَ يُحِبُّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ.
* لم يَرْوِ
(3)
هذا الحديث عن ابن عَوْنٍ إلا أَزْهَرُ، تَفَرَّدَ به: عَبَّادٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة"(1606)، قال: ثنا أزهر بن سعد، عن ابن عون، بسنده، وبنحوه، وزاد:"قِيلَ لَهُ: ذَاكَ قَتِيلُكُمْ يَوْمَ صِفِّينَ، قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ قَتَلْنَاهُ".
• وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(3/ 243) - وعنه ابن عساكر في "تاريخه"(43/ 397) -، والنَّسائي في "الكبرى"(8216)، وفي "فضائل الصحابة"(169)، والحاكم في "المستدرك"(5677)، كلهم مِنْ طرقٍ عن مُعاذ بن مُعاذ العَنْبَري؛ والبلاذري في "أنساب الأشراف"(1/ 174)، عن إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي.
كلاهما (مُعاذ، وإسماعيل) عن ابن عونٍ، بسنده، وبنحوه، وفيه زيادة.
وقال الحاكم: هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإسناد، على شرط الشَّيْخَيْن، إن كان الحسنُ بن أبي الحسنِ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بن العاص، فإنَّهُ أدركه بالبصرةِ بلا شكٍّ. وتعقبه الذهبي، فقال: لكنَّه مُرْسلٌ.
• وأخرجه ابن سعدٍ في "الطبقات"(3/ 244) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخه"(43/ 397) -، وأحمد في "مسنده"(17807)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(43/ 397)، كلهم عن جرير بن حازم - مِنْ أصح الأوجه عنه
(4)
-، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(46/ 150) بسنده عن المبارك بن فَضَالة.
كلاهما (جرير، والمبارك) عن الحسن، بنحوه، وفيه زيادة.
• وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(1064) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخه"(33/ 123) -؛ وأحمد بن مَنيع - كما في "المطالب العالية"(4048) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (33/ 122
(1)
قيَّدها الحافظ ابن حجر في "التقريب"(3143) بضم المعجمة، وتشديد المثناة المفتوحة. بينما قيَّدها السمعاني في "الأنساب"(5/ 44) بضم الخاء والتاء المشددة، وهي نسبة إلى ختلان، وهى بلاد مجتمعة وراء بَلْخ.
(2)
ما بين المعقوفتين سقط مِنْ الأصل، واستدركته مِنْ "مجمع البحرين"(3852).
(3)
بالأصل "لم يرو"، والصواب ما أثبته.
(4)
يُنظر: "تاريخ بغداد"(1/ 489)، "تاريخ دمشق" لابن عساكر (33/ 123 و 43/ 396).
و 43/ 397)، كلاهما (أحمد، وابن عساكر) مِنْ طريق يزيد بن هارون؛ وأحمد في "مسنده"(17781) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخه"(46/ 197) -، قال: حدَّثنا عَفَّانُ - واللفظ له -؛ وابن عساكر في "تاريخه"(46/ 197)، بسنده مِنْ طريق الحَجَّاج بن المنهال.
أربعتهم (أبو داود، ويزيد، وعفَّان، والحَجَّاج) عن الأسود بن شَيْبَانَ، قال: حدَّثنا أبو نَوْفَلِ بنُ أبي عَقْرَبٍ، قال: جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا هَذَا الْجَزَعُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ: إِنِّي وَاللهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا كَانَ ذَلِكَ، أَمْ تَأَلُّفًا يَتَأَلَّفُنِي، وَلَكِنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا: ابْنُ سُمَيَّةَ، وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ، فَلَمَّا حَدَّثَهُ وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الْغِلَالِ مِنْ ذَقْنِهِ، وَقَالَ: اللهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلا يَسَعُنَا إِلَّا مَغْفِرَتُكَ، وَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ حَتَّى مَاتَ.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَبَّاد بن موسى، أبو محمد الخُتّليّ.
روى عن: أزهر بن سعد، وأبي مُعاوية الضرير، ومَرْوان بن مُعاوية الفَزَاريّ، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأبَّار، وأبو زرعة، ومُسْلم بن الحجَّاج، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو زرعة، وصالح بن محمد، وابن حبَّان، والخطيب، وابن حجر: ثِقَةٌ.
(1)
3) أزهر بن سعد السَّمَّان، أبو بكر البَاهليُّ، مولاهم البَصْرِيّ.
روى عن: عبد الله بن عَون، وسُليمان التَّيْميّ، وهشام بن عبد الله الدَّسْتُوائيِّ، وآخرين.
روى عنه: عبَّاد بن موسى، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن سعد، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن قانع: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال الذهبي في "الكاشف": حُجَّةٌ. وفي "تاريخ الإسلام": كان ثِقَةً نبيلاً. وفي "الميزان": ثقةٌ مشهورٌ، تناكر العقيلي بإيراده في كتاب "الضعفاء"، وما ذكر فيه أكثر من قول أحمد بن حنبل: ابن أبي عدى أحب إلى من أزهر السمان؛ ثم ساق له حديثاً في أمر فاطمة بالتسبيح لمَّا شكت مَجَلْ يَدَيْهَا، وصله أزهر وخولف فيه
(2)
، فكان ماذا؟! لذا قال ابن حجر في "التهذيب": ليس هذا بجرح يوجب إدخاله في الضعفاء.
_ وقال ابن معين: أروى الناس عن ابن عون وأعرفهم به أزهر. وقال عفَّان بن مسلم: كان حمَّاد بن زيد، وعبد الرحمن بن مهدي يُقَدِّمان أزهر على أصحاب ابن عون. وروى له الجماعة.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 87، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 436، "تاريخ بغداد" 12/ 404، "تهذيب الكمال" 14/ 161، "تهذيب التهذيب" 5/ 105، "التقريب"(3143).
(2)
قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(1/ 203): ذكر العقيلي عن على المديني، قال: رأيت في أصل أزهر في حديث على في قصة فاطمة في التسبيح عن ابن عون عن محمد بن سيرين، مرسلاً، فكلمت أزهر فيه وشَكَّكْتُه، فأَبَى.
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، مِنْ أثبت النَّاس في ابن عون".
(1)
4) عبد الله بن عون بن أَرْطَبان المُزَني: "ثقةٌ، ثبتٌ، فاضلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (72).
5) الحسن بن أبي الحسن، أبو سعيد البصري:"ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ ورعٌ، كثير الإرسال، وأمَّا عَنْعَنته فمحمولة على السَّماع في روايته عمَّن صَحَّ له سماعه مِنْه في الجملة"، تقدَّم في الحديث رقم (31).
وروايته عن عمرو بن العاص مُرْسلةٌ، نص على ذلك الذهبي في "السير".
(2)
والحسن أدرك عمرو بن العاص بلا شك، لكن أغلب الظن أنَّه لم يلقه، فإن عَمراً كان بمصر والشام، والحسن في المدينة والبصرة، وإلا فإنَّ عَمراً توفي على الصحيح سنة ثلاث وأربعين، والحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وأدرك عثمان، وسمعه يخطب على المنبر؛ لذا رجَّح الذهبي أنَّ روايته عن عَمرٍ مُرسلة، والله أعلم.
6) عَمْرو بن العاص بن وائل القُرَشِيّ، أَبُو عبد الله، وقيل: أبو محمد، السهمي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها.
روى عنه: الحسن البَصْرِيّ، وابنه عَبد الله، وعروة بن الزبير، وآخرون.
كان إسلامه قبل الفتح سنة ثمانٍ مِنْ الهجرة، ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل؛ أصله مكي نزل المدينة، ثم سكن مصر، ومات بها. ومناقبه وفضائله كثيرة جداً. وروى له الجماعة.
(3)
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ فيه الحسن بن أبي الحسن البصري روايته عن عَمرو بن العاص مُرْسلةٌ، كما قال الذهبي، والإسناد رجاله ثقاتٌ، والله أعلم.
مُتابعاتٌ للحديث:
وقد صَحَّ الحديث مِنْ طُرُقٍ - كما عند أحمد وغيره، كما سبق في التخريج -، عن الأسود بن شَيْبَانَ، عن أبي نَوْفَلِ بن أبي عَقْرَبٍ، قال: جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا هَذَا الْجَزَعُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ؟
…
الحديث". وذكرتُ نصه في التخريج. والحديث إسناده صحيحٌ. قال الهيثمي: رواهُ الطبرانيُّ في "الأوسط"، "والكبير"، وزاد فيه: قال: «ذَاكَ قَتِيلُكُمْ يَوْمَ صِفِّينَ، قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ قَتَلْنَاهُ» . وقال: وأخرجه أحمد، ورجالُ أحمد رجال الصَّحيح.
(4)
قلتُ: وعليه فالحديث بمتابعاته يرتقي إلى "الصحيح لغيره".
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 460، "الجرح والتعديل" 2/ 315، "تهذيب الكمال" 2/ 323، "الكاشف" 1/ 231، "تاريخ الإسلام" 5/ 26، "الميزان" 1/ 172، "إكمال تهذيب الكمال" 2/ 44، "تهذيب التهذيب" 1/ 203، "التقريب"(307).
(2)
يُنظر: "السير"(3/ 55).
(3)
يُنظر: "الاستيعاب" 3/ 1184، "أسد الغابة" 4/ 232، "تهذيب الكمال" 22/ 78، "الإصابة" 7/ 410.
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(9/ 290 و 9/ 294).
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن عَوْنٍ إلا أَزْهَرُ، تَفَرَّدَ به: عَبَّادٌ.
• ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح أنَّ هذا الحديث لم يَنْفَرد به أزهر بن سعدٍ عن عبد الله بن عَونٍ، بل تابعه مُعاذ بن مُعاذ العَنْبري، وإسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي:
_ فأخرجه ابن سعدٍ، والنَّسائيُّ، والحاكم - كما سبق في التخريج - عن مُعاذٍ، عن ابن عونٍ، به.
_ وأخرجه البلاذري في "أنساب الأشراف" - كما في التخريج - عن الكرابيسي، عن ابن عونٍ، به.
وكلاهما (مُعاذ، والكرابيسي) ثِقاتٌ، والإسنادُ إليهما صحيحٌ.
• وأمَّا قوله: "تَفَرَّدَ به: عَبَّادٌ": فغير مُسلم له أيضاً، فلم يَنْفرد به عَبَّاد بن موسى عن أَزْهر بن سعدٍ، بل تابعه الإمام أحمد بن حنبل؛ فأخرجه في "فضائل الصحابة" - كما سبق في التخريج - عن أزهر، بإسناده.
وبهذا تعقَّبه الشيخ/ أبو إسحاق الحويني في "تنبيه الهاجد".
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "تنبيه الهاجد إلى ما وقع مِنْ النظر في كتب الأماجد" حديث رقم (729).
[212/ 612]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللاحِقِيُّ
(1)
، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ فَيْرُوزَ.
عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ، قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ مَتَقَابِلَتَيْنِ
(2)
.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عبد الملك إلا حَمَّادٌ، ولا رُوِيَ عن فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ إلا بهذا الإسناد.
هذا الحديث مَدَاره على حمَّاد بن سلمة، واختُلف عليه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: حمَّاد بن سلمة، عن عبد الملك بن عُمَيْرٍ، عن سعيد بن فَيْرُوز، عن أبيه رضي الله عنه.
الوجه الثاني: حمَّاد بن سلمة، عن الحجَّاج بن أَرْطَاة، عن عبد الملك، عن سعيد بن فَيْرُوز، عن أَبِيهِ.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
حمَّاد بن سلمة، عن عبد الملك بن عُمَيْرٍ، عن سعيد بن فَيْرُوز، عن أبيه.
أ تخريج الوجه الأول:
أخرجه الطبراني في "الأوسط"(612) - وهي رواية الباب -، قال: حدَّثنا أحمد بن علي الأَبَّار، قال: نا عليُّ بن عثمان اللاحِقِيُّ، قال: نا حمَّاد بن سلمة، به.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
2) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
3) عليّ بن عثمان بن عبد الحميد، أبو الحسن، اللّاحقيّ البَصْريُّ.
روى عن: حمَّاد بن سلمة، وداود بن أبي الفُرات، وعبد الواحد بن زياد، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأَبَّار، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: ثِقَةٌ صاحب حديث.
(3)
4) حَمَّاد بن سَلمة بن دينار البصري: "ثقةٌ عابدٌ، أثبت الناس في ثابتٍ، تغيَّر حِفظه بآخرةٍ"، وهذا التَّغير ليس المراد به التَّغير الاصطلاحي، وإنَّما هو التَّغير مِنْ قِبَل حفظه، تقدَّم في الحديث رقم (102).
5) عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرِ بنِ سُوَيْدِ بنِ حَارِثَةَ، اللَّخْمِيُّ، أبو عَمْرٍو، ويُقال: أبو عُمَرَ، الكُوْفِيُّ القُرَشِيُّ.
روى عن: سَعِيد بن فيروز الدَّيْلَمِيّ، وجُنْدَب بن عبد الله البَجَليّ، وجابر بن سمرة، وآخرين.
روى عنه: حماد بن سلمة، والسفيانان، وشعبة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثقةٌ إلا أنَّه أخطأ في حديث أو حديثين. وقال العجلي، ويعقوب بن سُفْيان: ثِقَةٌ.
(1)
اللاحقي: بكسر الحاء، وفي آخرها قافٌ، نسبة إلى لاحق، وهو جد عِمرَان بن سوار بن لاحق. "اللباب"(3/ 398).
(2)
القبال: هي زمام النَّعْل. يُنظر: "الفائق في غريب الحديث"(3/ 153)، "النهاية في غريب الحديث"(4/ 8).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 196، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 465، "الميزان" 3/ 144.
وقال ابن نُمير: ثقةٌ مُتْقِنٌ للحديث. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ. وقال الذهبي: ثِقَةٌ مشهورٌ، لكنَّه طال عمره، وساء حفظه. وروى له الجماعة.
_ وقال أحمد: مضطرب الحديث جداً مع قلة حديثه، ما أرى له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها. وقال ابن معين: مُخَلِّطٌ. وقال أبو حاتم: لم يُوصف بالحفظ، هو صالحٌ، تغيَّر حفظه قبل موته. وقال الذهبي في "الميزان": لم يورده ابن عدي، ولا العقيلي، ولا ابن حبان، وقد ذكروا من هو أقوى حفظاً منه، وأما ابن الجوزي فذكره فحكى الجرح، وما ذكر التوثيق؛ والرجل من نظراء أبي إسحاق السَّبِيعِيّ، وسعيد المَقْبُريّ لمَّا وقعوا في هِرَم الشيخوخة نقص حفظهم، وساءت أذهانهم، ولم يختلطوا، وحديثهم في كتب الإسلام كلها. وقال العلائي: إنَّ اختلاطه احتمله بعضهم؛ لأنه لم يأت فيه بحديث منكر، فهو من القسم الأول. وقال ابن حجر في "التقريب": ثِقَةٌ، فَصيحٌ، عالمٌ، تَغَيَّر حِفْظُه، ورُبَّما دَلَّس. وقال ابن حجر: احتج به الجماعة، وأخرج له الشيخان من رواية القدماء عنه في الاحتجاج، ومن رواية بعض المتأخرين عنه في المتابعات، وإنَّما عِيب عليه أنه تغير حفظه لكبر سنه؛ لأنَّه عاش مائة وثلاث سنين.
_ وصفه بالتدليس: قال ابن حبَّان: كان مُدَلِّساً. وذكره العلائي في المدلسين، وقال: مشهورٌ به. وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة مِنْ المدلِّسين، وقال: مشهورٌ بالتدليس، وصفه ابن حبَّان والدَّارقطني وغيرهما.
_ قلتُ: أمَّا وصفه بالتدليس: فأشار الحافظ ابن حجر في "التقريب" إلى قلة تدليسه، فقال: رُبَّما دَلَّس، وفي "هدي الساري" ذكره في فصل مَنْ ضُعِّفَ بأمرٍ مَردودٍ، وقال:"ذُكِرَ فيمن تَغَيَّر"، ولم يذكره بالتدليس؛ فدلَّ ذلك على أحد أمرين: إمَّا على قلة تدليسه ونُدْرَتِه، وإمَّا على أنَّ المراد بالتدليس: الإرسال، فقد وُصِفَ بأنَّه كان يُرْسل عن بعض الصحابة كأبي عُبَيْدة بن الجَرَّاح، وعدي بن حاتم، وغيرهما.
(1)
فالحاصل: أنه "ثِقَةٌ، يغلط قليلاً، وساء حفظه في آخر عمره، فتقبل روايته قبل كبره وسوء حفظه، ولا تقبل بعد ذلك - إنْ أمكن تميز ذلك -، - وهذا ما فعله البخاري ومسلم، كما قال ابن حجر -، أو تُرَدُ بسوء الحفظ عند وجود قرينة، كالمخالفة ونحوها، والله أعلم.
(2)
6) سَعِيدُ بْن فَيْرُوزَ، أَبُو البَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ:"ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، كثير الإرسال"، تَقَدَّم في الحديث رقم (174).
7) فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ، ويُقال: ابن الديلمي، أبو عَبد اللَّهِ، ويُقال أبو عبد الرحمن، ابنُ أخت النَّجَاشِيّ.
روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: بنوه سَعيد، وعبد الله، والضَّحاك، ومَرْثَد بن عبد الله اليَزَنِيّ، وآخرون.
وفد على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وحديثه عنه في الأشربة حديثٌ صحيحٌ، وهو قاتل الأسود العنسيّ الكذّاب الذي ادَّعى
(1)
يُنظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص/132).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 2/ 104، "الجرح والتعديل" 5/ 360، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 116، "تهذيب الكمال" 18/ 372، "المغني" 1/ 576، "الميزان" 2/ 660، "المختلطين" للعلائي (ص/76)، "جامع التحصيل"(ص/108)، "إكمال تهذيب الكمال" 8/ 329، "تهذيب التهذيب" 6/ 411، "الكواكب النيرات" 1/ 486، "التقريب"(4200)، "هدي الساري"(ص/422).
النبوة فِي أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، له صُحبةٌ وروايةٌ، وحديثه في السنن الأربعة.
(1)
ثانياً: - الوجه الثاني:
حمَّاد بن سلمة، عن الحجَّاج بن أَرْطَاة، عن عبد الملك، عن سعيد بن فَيْرُوز، عن أَبِيهِ.
أ تخريج الوجه الثاني:
أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2925)، قال: حدَّثنا إبراهيم بن مَرْزُوقٍ، قال: ثنا أبو رَبِيعَةَ؛ وابن قانع في "معجم الصحابة"(2/ 328)، قال: حدَّثنا عبد اللَّهِ بن أحمد بن حنبلٍ، نا إبراهيم بن الحَجَّاجِ.
كلاهما (أبو ربيعة، وإبراهيم) عن حمَّاد بن سلمة، عن الحجَّاج، عن عبد الملك، بسنده، وبنحو لفظه.
والحديث أخرجه ابن قانع في ترجمة فيروز الثقفي!؛ وتعقبه الحافظ ابن حجر، فقال: وأنا أخشى أن يكون هو الّذي بعده - أي فيروز الدَّيْلَميّ -، وأن قول ابن قانع: إنَّه ثقفيٌّ خطأ منه.
(2)
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد ابن قانع):
1) عبد الله بن أحمد بن محمد بن حَنْبَل: "ثِقَةٌ".
(3)
2) إبراهيم بن الحجَّاج بن زيد السَّاميُّ: "ثِقَةٌ، يَهِمُ قليلاً".
(4)
8) حَمَّاد بن سَلمة بن دينار البصري: "ثقةٌ عابدٌ، أثبت الناس في ثابتٍ، تغيَّر حِفظه بآخرةٍ"، وهذا التَّغير ليس المراد به التَّغير الاصطلاحي، وإنَّما هو التَّغير مِنْ قِبَل حفظه، تقدَّم في الحديث رقم (102).
3) حَجَّاج بن أَرطاة النَّخَعيّ: "صدوقٌ، كثير الخطأ والتدليس".
(5)
4) وبقية رجال الإسناد: سبقت ترجمتهم في الوجه الأول.
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على حمَّاد بن سلمة، واختُلف عليه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: حمَّاد بن سلمة، عن عبد الملك بن عُمَيْرٍ، عن سعيد بن فَيْرُوز، عن أبيه رضي الله عنه.
ورواه عن حَمَّاد بن سلمة بهذا الوجه: عَلِيُّ بن عُثمان اللاحِقِيُّ، وهو "ثِقَةٌ"، والإسناد إليه "صَحيحٌ".
الوجه الثاني: حمَّاد بن سلمة، عن الحجَّاج بن أَرْطَاة، عن عبد الملك، عن سعيد بن فَيْرُوز، عن أَبِيهِ.
بينما رواه عن حَمَّاد بن سلمة بهذا الوجه اثنان مِنْ الرواة، وهما:
(1)
يُنظر: "معجم الصحابة" لابن قانع 2/ 327 - 329، "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 4/ 2297، "الاستيعاب" 3/ 1264، "أسد الغابة" 4/ 354، "تهذيب الكمال" 23/ 322، "الإصابة" 8/ 563.
(2)
يُنظر: "الإصابة"(8/ 563).
(3)
يُنظر: "التقريب"(3205).
(4)
يُنظر: "التقريب"(162).
(5)
يُنظر: "التقريب"(1119).
أبو ربيعة زيد بن عوفٍ العامري، وهو "متروك الحديث"
(1)
، فلا يُفرح بمتابعته.
وإبراهيم بن الحَجَّاج بن زيد السَّامي، وهو "ثِقَةٌ، يَهِمُ قليلاً"، والإسناد إليه "صَحيحٌ".
قلتُ: ولعلَّ الاختلاف فيه مِمَّا وهم فيه حمَّاد بن سلمة، فقد قال الذهبي كما سبق في ترجمته: إِمَامٌ ثِقَةٌ له أَوْهَامٌ وغرائب، وغيره أثبت منه؛ ولعلَّ الوجه الأول هو الأشبه بالصواب، والله أعلم.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صَحيحٌ لذاته"؛ وأمَّا عبد الملك بن عُمير فلا يُخشى مِنْ تَغيُّره، لكونه مِنْ رواية حمَّاد بن سلمة، وقد أخرج الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه" مِنْ رواية حمَّاد بن سلمة عن عبد الملك بن عُمير، فدلَّ ذلك على أنَّ روايته عنه قبل كبره وسوء حفظه، فزال ما نخشاه، والله أعلم.
وقال الهيثمي: رَوَاهُ الطبرانيُّ في "الأوسط"، ورجاله ثِقَاتٌ.
(2)
شواهد للحديث:
أخرج البخاري ومسلمٌ في "صحيحيهما" عن أبي مَسلمة سَعِيد بن يزيد الأَزْدِيّ، قال: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
(3)
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوه عن عبد الملك إلا حَمَّادٌ، ولا رُوِيَ عن فَيْرُوزَ إلا بهذا الإسناد.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، فلم يروه عن عبد الملك بن عُمير إلا حمَّاد بن سلمة؛ وأمَّا قوله:"ولا رُوي عن فيروز الدَّيْلمي إلا بهذا الإسناد": فغيرُ مُسَلَّم له فيه، فقد أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، وابن قانع في "معجمه" - كما سبق في التخريج -، كلاهما مِنْ طريقين عن حمَّاد بن سلمة، عن الحجَّاج بن أَرْطَاة، عن عبد الملك بن عُمير، عن سعيد بن فَيْرُوز، عن أَبِيهِ.
سادساً: - التعليق على الحديث:
قال ابن رجب الحنبلي: الصلاة في النعلين جائزة، لا اختلاف بين العلماء في ذلك، وقد قال أحمد: لا بأس أن يصلي في نعليه إذا كانتا طاهرتين، وليس مراده: إذا تحقق طهارتهما، بل مراده: إذا لم تتحقق نجاستهما.
وفي الحديث دليلٌ على أن عادة النبي صلى الله عليه وسلم المستمرة الصلاة في نعليه، وكلام أكثر السلف يدل على أن الصلاة في النعلين أفضل من الصلاة حافيا.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 404، "الجرح والتعديل" 3/ 570، "الميزان" 2/ 105.
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(2/ 55).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(386) ك/الصلاة، ب/الصلاة في النِّعال، وبرقم (5850) ك/اللباس، ب/النعال السِّبتية، ومسلمٌ في "صحيحه"(555) ك/الصلاة، ب/جواز الصلاة في النعلين.
وقد أنكر ابن مسعود على أبي موسى خلعه نعليه عند إرادة الصلاة، قال لهُ: أبالوادي المقدس أنت؟!
وكان أبو عمرو الشيباني يضرب الناس إذا خلعوا نعالهم في الصلاة.
وأنكر الربيع بن خُثَيْم على من خلع نعليه عند الصلاة، ونسبه إلى أنه أحدث، يريد: أنه ابتدع.
وكان النخعي، وأبو جعفر محمد بن على: إذا قاما إلى الصلاة لبسا نعالهما وصليا فيها.
وأمر غير واحد منهم بالصلاة في النعال، منهم: أبو هريرة وغيره.
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب 3/ 41 - 46، و"فتح الباري" لابن حجر 1/ 495.
[213/ 613]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ بَحْرٍ الْعَسْكَرِيُّ
(1)
، قَالَ: نا عَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، عَنِ [أبي]
(2)
الْقَاسِمِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: لَمَّا فَتْحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَقَعَ النَّاسُ فِي الثَّومِ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ [الخَبِيْثَةِ]
(3)
، فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُطَرِّفٍ إلا عَبْثَرٌ، تَفَرَّدَ به: أحمد بن بَحْرٍ، ولا يُرْوَى عن أبي بكر إلا بهذا الإسناد.
هذا الحديث مَداره على مُطَرِّف بن طريف، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: مُطَرِّفِ، عن أبي الجَهْمِ، عن أبي القاسم مولى أبي بكر، عن أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه.
الوجه الثاني: مُطَرِّفِ بن طَرِيفٍ، عن أبي الجَهْمِ، عن أبي القاسم مولى أبي بكر الصِّدِّيقِ.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
مُطَرِّفِ، عن أبي الجَهْمِ، عن أبي القاسم، عن أبي بكر الصِّدِّيق.
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه ابن المديني في مسند أبي بكر الصديق - كما في "العلل" للدَّارقطني (1/ 288/مسألة 79) -؛ والطبراني في "الأوسط"(613) - وهي رواية الباب -، عن أحمد بن علي الأَبَّار.
كلاهما (علي بن المديني، وأحمد الأَبَّار) عن أحمد بن بحر العسكريُّ، قال: نا عَبْثَرُ بن القاسم، عن مُطَرِّفِ بن طَريف، به.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
(1)
العسكري: بفتح العين، وسكون السِّين المهملتين، وفتح الكاف، وبعدها راء، هذه النِّسْبَة إلى مواضع، فأشهرها: عَسْكَر مكرم، وهي مدينة مِنْ كور الأهواز، يقال لها بالعجمية "لشكر"، ومكرم الذي ينسب إليه هو مكرم الباهليّ، وهو أول من اختطها من العرب، وإليها يُنسب أحمد بن بحر العسكري، كما هو مُثَبَتٌ في ترجمته. يُنظر:"اللباب"(2/ 340)، و"الجرح والتعديل"(2/ 42)، و"تاريخ الإسلام"(5/ 754).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط مِنْ الأصل، وما أثبته رأيته هكذا في "مجمع البحرين"(593)، وكذلك ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 17)، فقال: رواه الطبرانيُّ في "الأوسط" من رواية أبي القاسم مولى أبي بكر. وهكذا كنَّاه الإمام مُسْلم رحمه الله في "الكنى والأسماء"(ص/690)، بينما قال ابن الأثير في "أسد الغابة" (4/ 357): القاسم مولى أبي بكر الصديق، ذكره البغوي، ويحيى بن يونس، وجعفر المستغفري هكذا، والأشهر فيه أبو القاسم، قاله أبو مُوسَى. وقال ابن حجر في "الإصابة" (12/ 532): أبو القاسم مولى أبي بكر الصديق، شهد خيبر، ويقال: اسمه القاسم.
(3)
ما بين المعقوفتين سقط مِنْ الأصل، واستدركته مِنْ "مجمع البحرين"(593)، وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 17) الحديث بهذه اللفظة، وعزاها إلى الطبراني في "الأوسط" مِنْ رواية أبي القاسم عن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه.
2) أحمد بن بحر العَسْكريُّ، أبو جعفرٍ السِّمْسَارُ.
روى عن: عَبْثَر بن القاسم، وعمر بن عُبَيْد، وعليّ بن مُسْهِر، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأَبَّار، وإسماعيل بن إسحاق، وعلي بن الحسن الهسنجاني، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: حديثه صَحيحٌ، ولا أعرفه. وقال الذهبي: ما علمت بالرجل بأساً.
(1)
3) عَبْثَرُ بْنُ القَاسِمِ، أَبُو زُبَيْدٍ الْكُوفِيُّ، الزُّبَيْدِيُّ.
روى عن: مُطَرِّف بن طَريف، والأعمش، والثوري، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن بحر العسكري، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وقتيبة بن سَعِيد، وآخرون.
حاله: قال ابن سعد، وابن معين، وابن المديني، ويعقوب بن سُفيان، وابن نُمير، والنَّسائي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ثِقَةٌ صدوقٌ. وقال أبو داود: ثِقَةٌ ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وروى له الجماعة.
(2)
4) مُطَرِّفُ بن طريف الحَارِثِيُّ، العَابِدُ، أبو بكر، ويُقال: أبو عَبْد الرحمن الكوفي.
روى عن: أبو الجهم سُليمان بن الجهم، وسُليْمان الأعمش، والشعبي، وآخرين.
روى عنه: عَبْثَر بن القاسم، والثوري، وابن عُيَيْنة، وآخرون.
حاله: قال ابن المديني، وابن عُيَيْنَة، وابن معين، وأحمد، وأبو زرعة، وأبو داود: ثِقَةٌ. وقال يعقوب بن شيبة: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: ثِقَةٌ إمامٌ عابدٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ فاضلٌ.
(3)
5) سُلَيْمان بن الجهم بن أبي الجهم، أبو الجهم الأَنْصارِيّ، الحارثيّ - مولى البراء بن عازب -.
روى عن: القاسم مولى أَبِي بَكْرٍ الصديق، ومولاه البراء بن عازب، وخالد بن وهْبَان، وآخرين.
روى عنه: مُطَرِّف بن طَريف، روح بن جَناح الدمشقي، وأخوه مروان بن جَناح - إن كان محفوظا -.
حاله: قال ابن نُمير: ليس به بأسٌ، ثِقَةٌ. وقال العِجْلي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(4)
6) أبو القاسم مولى أبي بكر الصديق، ويُقال: اسمه القاسم.
روى عن: النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
روى عنه: سُليمان بن الجهم.
حاله: قال ابن عبد البر: له صحبةٌ وروايةٌ. وذكره ابن حجر في القسم الأول، وقال: شهد خيبر.
وقيل لأبي زرْعَة: له صُحْبَة؟ فقال: ما أرى. وقال أبو نُعيم: ذكرهُ المَنِيعِيُّ في "الصَّحابة"، ولم يُتَابَع عليه.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 42، "تاريخ الإسلام" 5/ 754، "الميزان" 1/ 84.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 43، "الثقات" 7/ 307، "تاريخ بغداد" 14/ 258، "التهذيب" 14/ 270، "التقريب"(3197).
(3)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 2/ 282، "الجرح والتعديل" 8/ 313، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 493، "تهذيب الكمال" 28/ 62، "الكاشف" 2/ 269، "تاريخ الإسلام" 3/ 981، "تهذيب التهذيب" 10/ 172، "التقريب"(6705).
(4)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 393، "الجرح والتعديل" 4/ 104، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 310، "تهذيب الكمال" 11/ 381، "الإكمال" 6/ 47، "تهذيب التهذيب" 4/ 177، "التقريب"(2543).
وكلام الدَّارقطني يَدُل على أنَّ روايته مُرْسلة، فقال - بعد أنْ ذكر حديث الباب -: رواه الجماعة، ولم يَذْكروا فيه أبا بكر، وأرسلوه. وصَرَّح ابن مُنْدة بأنَّ روايته عن النَّبي صلى الله عليه وسلم مُرْسلةٌ. وقال العلائي: ذكره الصغاني فيمن اختلف في صحبته، وجزم ابن عبد البر بها، ولم يذكره ابن حبان فيهم.
(1)
قلتُ: فالحاصل: أنَّه مُخْتلفٌ في صحبته، وأكثر الأقوال على أنَّ روايته مُرْسلةٌ.
(2)
7) عَبد اللَّهِ بن عثمان - وهو أَبُو قحافة - بن عامر، أبو بكر الصديق، القرشي التَّيْمِيّ.
روى عن: النَّبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: أنس بن مالك، والبَرَاء بن عازب، وعبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهم، وآخرون.
خليفة رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وصاحبه فِي الغار، كان أول الناس إسلاماً، وهاجر مع رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وشهد معه بدراً وأحداً، والمشاهد كلها؛ ومناقبه وفضائله كثيرة جداً.
(3)
ثانياً: - الوجه الثاني:
مُطَرِّفِ، عن أبي الجَهْمِ، عن أبي القاسم مولى أبي بكر الصِّدِّيقِ.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه الدولابي في "الكنى"(465)، قال: حدَّثنا الحسنُ بن عليِّ بن عفَّان، قال: ثنا أَسْبَاطُ بن محمد؛
وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة"(1990)، قال: حدثني جدي، قال: نا عَبيدة بن حُميد؛ وأبو نُعيم في "معرفة الصحابة"(6957)، قال: حدَّثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ومحمد بن عليِّ بن حُبَيْش، قالا: ثنا أحمد بن يحيى الحُلوانيُّ، ثنا أحمد بن يونس، ثنا زُهَيْر بن مُعاوية؛ وابن عبد البر في "التمهيد"(424) - مُعَلَّقاً -، عن جرير بن عبد الحميد، وزُهير بن مُعاوية.
أربعتهم (أسباط، وعَبيدة، وزُهير، وجرير) عن مُطَرِّفِ بن طَرِيفٍ، عن أبي الجهم، عن أبي القاسم مولى أبي بكر، قال: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَقَعَ النَّاسُ فِي الثَّوْمِ يَأْكُلُونَ مِنْهُ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الْبَقْلَةَ الْخَبِيثَةَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا مِنْ فِيهِ» . واللفظ لأسباط بن محمد، والباقون بنحوه.
وعزاه الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(12/ 532) إلى ابن أبي خيثمة مِنْ طريق مُطَرِّف، عن أبي الجهم،
(1)
يُنظر: "معجم الصحابة" 5/ 78، "معرفة الصحابة" لأبي نُعيم 6/ 2992 و 4/ 2355، "الاستيعاب" 3/ 1272 و 4/ 1731، "أسد الغابة" 4/ 357، "فتح اللباب"(ص/34)، "جامع التحصيل"(ص/254)، "الإصابة" 12/ 532.
(2)
وأحاديثه قليلةٌ، ولم يذكروا له في ترجمته إلا حديث الباب، وحديث آخر: أخرجه الدولابي في "الكنى"(295)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(914) بسندهما مِنْ طريق مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، عَنِ الْقَاسِمِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَ: ضَرَبَ رَجُلٌ أَخَاهُ بِالسَّيْفِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ:«أَرَدْتَ قَتْلَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اذْهَبْ فَعِشْ مَا اسْتَطَعْتَ» .
قلتُ: ونص الحديثين ليس فيهما تصريحٌ بصحبته، ليس إلا نقل لوقائع حدثت على عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولم أقف على رواية تدل على صحبته - على حد بحثي - إلا ما ذكره ابن حجر في "الإصابة"(12/ 532)؛ حيث ذكر رواية الباب، وعزاها إلى ابن أبي خيثمة بلفظ: "لمَّا فُتِحَتْ خَيْبَر أَكَلْنَا مِنْ الثَّوْمِ
…
".
(3)
يُنظر: "الاستيعاب" 3/ 963، "أسد الغابة" 3/ 310، "تهذيب الكمال" 15/ 282،"الإصابة" 6/ 271.
به، ولفظه بنحوه، إلا أنَّه ذكره بلفظ: "لمَّا فُتِحَتْ خَيْبَر أَكَلْنَا مِنْ الثَّوْمِ
…
".
وقال البغوي - بعد أن أخرج له حديثاً أخر -: ولا أعرف للقاسم غير هذا، ولا أعلم رواه غير مُطَرِّف.
وقال أبو نُعيم: رَوَاهُ خَالِدٌ، وأسْبَاطٌ، ومحمد بن فُضَيْلٍ، وأبو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عن مُطَرِّفٍ، مِثْلَهُ، ورَوَاهُ عَبْثَرٌ، عن مُطَرِّفٍ، عن أبي الجَهْمِ، عن أبي القَاسِمِ - مولى أبي بكر الصِّدِّيقِ -، عن أبي بكر الصِّدِّيقِ رضي الله عنه.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد الدولابي):
1) الحسن بن علي بن عَفَّان العامريُّ: "ثِقَةٌ".
(1)
2) أَسْبَاط بن محمد بن عبد الرحمن القرشي: "ثِقَةٌ، يُخطئ عن الثوري".
(2)
3) وبقية رواة الإسناد: سبقت تراجمهم في الوجه الأول.
ثالثاً: - النظر في الخلاف على هذا الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَداره على مُطَرِّف بن طريف، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: مُطَرِّفِ، عن أبي الجَهْمِ، عن أبي القاسم مولى أبي بكر، عن أبي بكر الصِّدِّيق.
ولم يَروه عن مُطَرِّف بن طَريف بهذا الوجه إلا عَبْثَر بن القاسم، تَفَرَّد به عنه أحمد بن بحر العسكري.
الوجه الثاني: مُطَرِّفِ بن طَرِيفٍ، عن أبي الجَهْمِ، عن أبي القاسم مولى أبي بكر الصِّدِّيقِ.
بينما رواه عن مُطَرِّف بهذا الوجه جماعةٌ، منهم: أسباط بن محمد، وعَبيدةُ بن حُميد، وجرير بن عبد الحميد، وزُهير بن مُعاوية، وخالد بن عبد الله، ومحمد بن فُضَيْلٍ بن غَزْوان، ومحمد بن ميمون، وغيرهم.
وبه يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه بالصواب، لكونه مِنْ رواية الجماعة؛ لذا رجَّحه الدَّارقطني في "العلل"، فقال - بعد أن ذكر الوجهين -: وقول الجماعة أشبه بالصواب.
(3)
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "شاذٌ"؛ لمخالفة عَبْثَر بن القاسم ما رواه الجماعة عن مُطَرِّف.
وقال الهيثمي: رواه الطبرانيُّ في "الأوسط" مِنْ رواية أبي القاسم - مولى أبي بكر -، ولم أجد من ذكره، وبقيَّةُ رجاله مُوَثَّقُونَ.
(4)
قلتُ: أبو القاسم - مولى أبي بكرٍ - ذكره غير واحدٍ، كما سبق تفصيله في ترجمته، وكون رجاله مُوَثَّقُون لا يتعارض مع الحكم على الحديث بالشذوذ، كما هو مُقَرَّر عند أهل هذا الفن.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 22، "التهذيب" 6/ 257، "السير" 13/ 26، "تهذيب التهذيب" 2/ 302، "التقريب"(1261).
(2)
يُنظر: "التقريب، وتحريره"(320).
(3)
يُنظر: "العلل"(1/ 288/مسألة 79).
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(2/ 17).
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مِنْ وجهه الراجح بإسناد الدُّولابي في "الكنى"، "إسناده صحيحٌ لذاته"، على قول مَنْ أثبت الصحبة لأبي القاسم مولى أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه؛ وأمَّا على اعتبار مَنْ قال بأنَّ روايته مُرْسلة - وهم الأكثرون -، فإسناده "مُرْسلٌ، ورجاله ثِقَاتٌ"، وعلى كل حال فالحديث له عِدَّة شواهد كثيرة في "الصحيحين" وغيرهما، يَصح الحديث بها، وقد سبق ذكر هذه الشواهد في الحديث رقم (154).
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف: لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُطَرِّفٍ إلا عَبْثَرٌ، تَفَرَّدَ به: أحمد بن بَحْرٍ، ولا يُرْوَى عن أبي بكر إلا بهذا الإسناد.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
[214/ 614]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: نا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: نا الْمُطْعِمُ بْنُ الْمِقْدَامِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، يَقُولُ:
«لِتَأْخُذْ أُمَّتِي مَنَاسِكَهَا، فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا» .
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه المُصَنِّف رضي الله عنه في "مسند الشاميين"(908)، قال: حدَّثنا أحمد بن عليّ الأَبَّار، بسنده، ولفظه:«لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ حَجَّةً أُخْرَى» .
• وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3559)، قال: حدَّثنا محمد بن إبراهيم المروزي، نا عليّ بن حُجْر، به.
• وأخرجه أحمد في "مسنده"(14219 و 14553 و 14946)، وابن ماجه في "سننه"(3023) ك/المناسك، ب/الوقوف بجمع، والترمذي في "سننه"(886) ك/الحج، ب/ما جاء في الإفاضة مِنْ عرفات، والنَّسائي في "الكبرى"(4002) ك/المناسك، ب/الأمر بالسكينة في الإفاضة مِنْ عرفة، وأبو يعلى في "مسنده"(2147)، والطحاوي في "أحكام القرآن"(1359 و 1498)، وابن حكيم المديني في "جزئه"(35)، وابن عدي في "الكامل"(9/ 61)، والبيهقي في "الكبرى"(9524)، والقزويني في "أخبار قزوين"(3/ 341).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سُفْيَان الثوري، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جَابِرٍ، بنحوه، وفي بعضها زيادة.
وقال الترمذي: حديث جابر حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
_ وابن سعد في "الطبقات"(2/ 163)، وأحمد في "مسنده"(14419 و 15041) - ومِنْ طريقه أبو داود في "سننه"(1970) ك/الحج، ب/رمي الجمار -، ومُسلمٌ في "صحيحه"(1297) ك/الحج، ب/استحباب رمي جَمْرَةِ العَقَبَة يوم النَّحْرِ راكبًا - ومِنْ طريقه البغوي في "شرح السنة"(1946) -، والفاكهي في "أخبار مكة"(2642)، والنَّسائي في "الكبرى"(4054) ك/المناسك، ب/رمي الجمرة راكباً، وفي "الصغرى"(3062)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2877) - ومِنْ طريقه البيهقي في "الدلائل"(5/ 448) -، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3558)، وأبو نُعيم في "المُستخرَج"(2995 و 2997)، والبيهقي في "الكبرى"(9552).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن ابن جُريج، قال: أخبرني أبو الزُّبَيْرِ، أنَّه: سَمِعَ جَابِرًا، وذكر الحديث بنحوه.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَلِيُّ بن حُجْرِ بن إِيَاسِ بن مُقَاتِل بن مُشَمْرِج، أبو الحسن المروزيُّ. ولجده مُشَمْرِج صُحْبَة.
روى عن: الهيثم بن حُميد، وسُفيان بن عُيَيْنَة، وعبد الله بن المبارك، وآخرين.
روى عنه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنَّسائي، وأحمد بن علي الأَبَّار، وآخرون.
حاله: قال النَّسائي: ثِقَةٌ مأمونٌ حافظٌ. وقال الحاكم: ثِقَةٌ شيخٌ فاضلٌ. وقال الخطيب البغدادي: صدوقٌ مُتْقِنٌ حافظٌ. وقال الذهبي: ثقةٌ، حافظٌ، رحّالٌ، عالي الإسناد، كبير القدر. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ حافظٌ.
(1)
3) الهَيْثَمُ بن حُمَيْدٍ، الغَسَّانِيُّ مَوْلَاهُم، أبو أحمد، وأبو الحَارِث، الدِّمَشْقِيُّ.
روى عن: المُطْعِمُ بن المِقْدَام، والأوزاعيّ، والنُّعْمان بن المنذر، وآخرين.
روى عنه: عليُّ بن حُجْر، ومَرْوان بن محمد الطاطري، والربيع بن نافع، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو داود، وابن حبَّان، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال دُحيم: ثقةٌ، أعلم النَّاس بحديث مكحول. وبنحوه قال أبو زرعة. وحاصله:"أنَّه ثِقَةٌ، أعلم الناس بحديث مكحول".
(2)
4) الْمُطْعِمُ بْنُ الْمِقْدَامِ بْنِ غُنَيْمٍ، الصَّنْعَانِيُّ، الشَّامِيُّ.
روى عن: أبي الزبير المكي، ونافع مولى ابْن عُمَر، وسعيد بن أبي عَروبة، وآخرين.
روى عنه: الهيثم بن حُميد، والأوزاعي، ويحيى بن حمزة الحضرميّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والأوزاعي: ثقةٌ. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال ابن حبَّان: مُتْقِنٌ. وقال الحاكم: عزيزُ الحديث. وقال الذهبي: ثِقَةٌ نبيلٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ. وحاصله: أنَّه "ثِقَةٌ".
(3)
5) محمد بن مُسلم بن تَدْرُس، أبو الزُّبير، المكّي، القُرَشيّ:"ثقة، يُدَلِّس عن جابرٍ خاصة، فلا يُقبل من حديثه عنه إلا ما صرَّحَ فيه بالسماع، أو كان من رواية الليث بن سعد عنه"، تقدَّم في الحديث رقم (47).
6) جابر بن عبد الله الأنصاري: صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثِرين، تقدم في الحديث رقم (20).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته"؛ وأمَّا عن تدليس أبي الزبير، فقد صَرَّح في بعض طرق الحديث بالسَّماع، كما سبق في التخريج عند الإمام مسلم وغيره مِنْ طريق ابن جُريجٍ، عنه.
والحديث أخرجه الترمذي في "سننه" مِنْ طريق سُفْيان الثوري عن أبي الزبير، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوه عن المُطْعِمِ إلا الهيثمُ بن حُمَيْدٍ، تَفَرَّدَ به: عَلِيُّ بن حُجْرٍ.
(4)
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 6/ 272، "الجرح والتعديل" 6/ 183، "تاريخ بغداد" 13/ 362، "تاريخ دمشق" 41/ 296، "تهذيب الكمال" 20/ 355، "تاريخ الإسلام" 5/ 1186، "تهذيب التهذيب" 7/ 294، "التقريب"(4700).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 82، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 235، "تهذيب الكمال" 30/ 370، "التقريب، وتحريره"(7362).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 411، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 509، "تاريخ دمشق" 58/ 348، "تهذيب الكمال" 28/ 74، "الكاشف" 2/ 269، "تهذيب التهذيب" 10/ 176، "التقريب، وتحريره"(6708).
(4)
أخرج الإمام الطبراني هذا الحديث، وساق بعده حديثين بنفس طريق حديث الباب، ثم قال بعدها: لم يَرْو هذه الأحاديث عن المُطْعِمِ إلا الهيثمُ بن حُمَيْدٍ، تَفَرَّدَ بها: عَلِيُّ بن حُجْرٍ، وسيأتي ذلك عقب الحديث رقم (616).
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: هذا الحديث فيه دلالة لما قاله الشافعي وموافقوه، أنَّه يُستحب لمن وصل منى راكبًا أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، ولو رماها ماشيا جاز، وأمَّا من وصلها ماشياً فيرميها ماشياً، وهذا في يوم النحر، وأمَّا اليومان الأولان من أيام التشريق: فالسنة أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشياً، وفي اليوم الثالث يرمي راكباً، وينفر، هذا كله مذهب مالك والشافعي وغيرهما.
وقال أحمد وإسحاق: يُستحب يوم النحر أن يرمي ماشياً.
قال ابن المنذر: وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة، قال: وأجمعوا على أن الرمي يجزيه على أي حال رماه إذا وقع في المرمى.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم "لِتَأْخُذْ أُمَّتِي مَنَاسِكَهَا": فهذه اللام لام الأمر، ومعناه: خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيتُ بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات، وهي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس.
وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة:"صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"
(1)
.
قال الطحاوي: وكان ذلك منه صلى الله عليه وسلم ليتبعوا آثاره، ويكونوا فيما يفعلونه في حجهم متبعين ممتثلين لأفعاله، غير خارجين عنها إلى زيادة عليها، ولا إلى نقصان عنها. "شرح مشكل الآثار"(9/ 135).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا": فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه، وانتهاز الفرصة من ملازمته، وتعلم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع. والله أعلم
(2)
* * *
(1)
جزء مِنْ حديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(631) ك/الآذان، ب/الأذان للمُسَافر، إذا كانوا جماعة، والإقامة، وبرقم (6008) ك/الأدب، ب/رحمة النَّاس والبهائم، وبرقم (7246) ك/أخبار الآحاد، ب/ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام.
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(9/ 45).
[215/ 615]- وَبِهِ
(1)
:
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي أَوَّلَ يَوْمٍ ضُحًى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَاحِدَةً، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَعِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو عوانة في "المُستخرَج"(3572): حدَّثنا محمد بن إبراهيم المروزي، نا عليّ بن حُجْر، به.
• وأخرجه ابن سعدٍ في "الطبقات"(2/ 163)، عن محمد بن بكر البُرْساني، وعبد الوهاب بن عطاء؛ وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(14583) - ومِنْ طريقه الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه"(1299/ 1) ك/الحج، ب/بيان وقت استحباب الرَّمي، والدَّارقطني في "سننه"(2682)، وابن أخي ميمي في "فوائده"(176)، وابن حزم في "حجة الوداع"(190)، والبغوي في "شرح السنة"(1967) -، مِنْ طريق عبد الله بن إدريس بن يزيد، وأبو خالد سليمان الأحمر؛ وأحمد في "مسنده"(14354)، والنَّسائي في "الكبرى"(4055) ك/المناسك، ب/وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر، وفي "الصغرى"(3063)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2968/ 3)، وابن حبَّان في "صحيحه"(3886)، والطبراني في "الأوسط"(639)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن عبد الله بن إدريس؛ وأحمد في "مسنده" برقم (14435) - ومن طريقه أبو داود في "سننه"(1971) ك/الحج، ب/رمي الجمار، وابن عبد البر في "التمهيد"(7/ 272) -، والدَّارقطني في "سننه"(2683)، مِنْ طريق يحيى بن سعيد القطان؛ وأحمد أيضاً في "مسنده" برقم (15291)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3995 و 3996)، والطبراني في "الأوسط"(8919)، من طريق حمَّاد بن سلمة؛ والدَّارمي في "سننه"(1937)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3571)، من طريق عُبيد الله بن موسى العَبْسي؛ ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1299/ 2) ك/الحج، ب/بيان وقت استحباب الرَّمي، والترمذي في "سننه"(894) ك/الحج، ب/ما جاء في رمي يوم النَّحر ضُحىً، وابن الجارود في "المنتقى"(474)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2876/ 1 و 2968/ 1)، كلهم مِنْ طريق عيسى بن يونس؛ وابن ماجه في "سننه"(3053) ك/المناسك، ب/رمي الجمار أيام التشريق، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3570)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3994)، وفي "أحكام القرآن"(1491)، من طريق عبد الله بن وهب؛ وابن خزيمة في "صحيحه"(2876/ 2 و 2968/ 4)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3568)، عن محمد بن بكر
البُرْساني؛ وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3569)، من طريق مكي بن إبراهيم البَلْخي؛ والدَّارقطني في "سننه"(2682)، من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد.
كلهم (البُرْسانيّ، وعبد الوهاب، وعبد الله بن إدريس، ويحيى القطَّان، وحمَّاد بن سلمة، والعَبْسي، وعيسى بن يونس، وابن وهبٍ، والبَلْخي، وعبد المجيد) عن ابن جُريجٍ، قال أخبرني أبو الزُّبير، أنَّه سَمِعَ جابر بن عبد الله، قَالَ:«رَمَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ» . واللفظ لعيسى بن يونس عند مسلم
(1)
أي بالإسناد السابق.
في "صحيحه"، والباقون بنحوه، وعند أحمد مِنْ طريق يحيى، قال:"يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَحْدَهُ". وعند ابن خزيمة بالطريق الثاني، قال:"يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَاحِدًا، يَعْنِي: جَمْرَةً وَاحِدَةً".
وقال الترمذي: حَسَنٌ صَحِيحٌ. والعملُ عليه عند أكثر أهل العلم، فلا يَرْمي بعد يوم النَّحْرِ إلا بعد الزَّوال.
وقال الطبراني - عقب الحديث رقم (639) -: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن ابن جُرَيجٍ إلا ابن إِدْرِيسَ.
قلتُ: بل رواه جماعةٌ عن ابن جُريجٍ، غير ابن إدريس، كما هو واضحٌ في التخريج.
وقال الطبراني - عقب الحديث رقم (8919) -: لم يَرْوِ حَمَّادُ بن سلمة، عن ابن جُرَيْجٍ، عن أبي الزُّبَيْرِ حديثًا مُسْنَدًا غير هذا.
• وأخرجه أحمد في "مسنده"(14671)، عن حسن بن موسى الأشيب، حدَّثنا ابنُ لَهِيعَةَ، حدَّثنا أبو الزُّبَيْرِ، قال: سَأَلْتُ جَابِرًا، مَتَى كَانَ يَرْمِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ:" أَمَّا أَوَّلَ يَوْمٍ فَضُحًى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، فَعِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ ".
• وذكره البخاريُّ في "صحيحه"، ك/الحج، ب/رمي الجمار، تَعْلِيقاً بصيغة الجزم، في ترجمة الباب فقال: وقال جابر: «رَمَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم النَّحْر ضُحًى، وَرَمَى بعد ذَلِك بعد الزَّوَال» .
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَلِيُّ بن حُجْرِ، أبو الحسن المروزيُّ:"ثِقَةٌ حافظٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (214).
3) الهَيْثَمُ بن حُمَيْدٍ: "ثِقَةٌ، أعلم الناس بحديث مكحول"، تقدَّم في الحديث رقم (214).
4) المُطْعِمُ بْنُ الْمِقْدَامِ: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (214).
5) محمد بن مُسلم بن تَدْرُس، أبو الزُّبير، المكّي، القُرَشيّ:"ثقة، يُدَلِّس عن جابرٍ خاصة، فلا يُقبل من حديثه عنه إلا ما صرَّحَ فيه بالسماع، أو كان من رواية الليث بن سعد عنه"، تقدَّم في الحديث رقم (47).
6) جابر بن عبد الله الأنصاري: صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثِرين، تقدم في الحديث رقم (20).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته"؛ وأمَّا عن تدليس أبي الزبير، فلقد صَرَّح في بعض طرق الحديث بالسَّماع، كما سبق في التخريج عند الإمام مسلم وغيره مِنْ طريق ابن جُريجٍ، عنه.
والحديث أخرجه الترمذي في "سننه" مِنْ طريق ابن جُريج، عن أبي الزبير، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
والحديث سيأتي - بإذن الله تعالى - مِنْ طريق ابن إدريس عن ابن جُريج في الحديث رقم (239).
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوه عن المُطْعِمِ إلا الهيثمُ بن حُمَيْدٍ، تَفَرَّدَ به: عَلِيُّ بن حُجْرٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
[216/ 616]- وَبِهِ:
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ
(1)
.
* لم يَرْوِ هذه الأحاديث عن المُطْعِمِ إلا الهيثمُ بن حُمَيْد، تَفَرَّدَ بها: عليُّ بن حُجْرٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"(909)، قال: حدَّثنا أحمد بن علي الأَبَّار، به.
• وأخرجه أبو عوانة في "المُستخرَج"(3550)، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم المروزي، ومحمد بن أبي العوام البِسْطامي، قالا: أخبرنا علي بن حُجْر، به.
• وأخرجه الشافعي في "الأم"(1356) - ومن طريقه البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(10110)، والبغوي في "شرح السنة"(1947) -، وابن سعد في "الطبقات"(2/ 163)، وأحمد في "مسنده"(14360 و 14437 و 14831)، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1299)، ك/الحج، ب/استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخَذْفِ، والترمذي في "سننه"(897)، ك/الحج، ب/الجمار التي يُرمى بها مثلُ حصى الخَذْفِ، والنَّسائي في "الكبرى"(4067)، ك/المناسك، ب/المكان الذي تُرمى منه جمرة العقبة، وفي "الصغرى"(3075)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3545 و 3546 و 3547)، والطحاوي في "أحكام القرآن"(1505)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 453)، وأبو نُعيم في "المُستخرَج"(3000)، والبيهقي في "الكبرى"(9536).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن ابن جُرَيْجٍ، قال: أخبرنا أبو الزُّبَيْرِ، أنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بن عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ:«رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» . واللفظ لمسلم، والباقون بنحوه، وعند البعض مطولاً.
وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ، واختارهُ أهلُ العلم بأن تكونَ الجِمَارُ التي يُرْمَى بها مثل حصى الخَذْفِ.
_ وأخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(13903)، وأحمد في "مسنده"(14219 و 14553 و 14946 و 15207)، والدَّارمي في "سننه"(1892)، وابن ماجه في "سننه"(3023)، ك/المناسك، ب/الوقوف بجمعٍ، وأبو داود في "سننه"(1944)، ك/المناسك، ب/التعجيل من جمعٍ، والترمذي في "سننه"(886)، ك/الحج، ب/ما جاء في الإفاضة من عرفات، والنَّسائي في "الكبرى"(4002)، ك/المناسك، ب/الأمر بالسَّكِينَةِ في الإفاضة من عرفة، وأيضاً برقم (4044)، ك/المناسك، ب/الأمر بالسكينة في السير، وفي "الصغرى"(3021)، وأبو يعلى في "مسنده"(2147)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3543 و 3544)، والطحاوي في "أحكام القرآن"(1498)، والبيهقي في "الكبرى"(9524 و 9535).
(1)
قال الشافعي في "الأم"(3/ 560) - عقب تخريجه للحديث -: والخَذْفُ: ما خَذَفَ به الرجل، وقدر ذلك أصغر من الأنملة طولاً وعرضاً، وإن رمى بأصغر من ذلك أو أكبر كرهتُ ذلك، وليس عليه إعادة. وقال القاضي عياض في "مشارق الأنوار" (1/ 231): الْخذف هُوَ الرَّمْي بحصا أَو نوى بَين السبابتين أَو بَين الْإِبْهَام والسبابة. ويُنظر: "النهاية"(2/ 16).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سفيان الثوري، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جابر، رَفَعَهُ، قَالَ:«ارْمُوهَا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» . وهذا لفظ ابن أبي شيبة، والباقون بنحوه مختصراً، ومطولاً. وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
_ وأخرجه أحمد في "مسنده"(14983)، قال: حدَّثنا أبو دَاوُدَ الطيالسي، حدَّثنا رَبَاحٌ بن أبي معروف المكِّيُّ، عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جَابِرِ بن عَبْدِ اللهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا الْجِمَارَ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ.
_ وأخرجه أحمد في "مسنده"(14618)، قال: حدَّثنا حَسَنُ بن موسى الأَشْيَبُ، حدَّثنا ابنُ لَهِيعَةَ، حدَّثنا أبو الزُّبَيْرِ، عن جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ عَلَى بَعِيرِهِ بِحَصَى الْخَذْفِ
…
مطولاً.
_ وأخرجه النَّسائي في "الكبرى"(4066)، ك/المناسك، ب/المكان الذي تُرمى منه جمرة العقبة، وفي "الصغرى"(3074)، وأبو يعلى في "مسنده"(2108)، وابن خزيمة في "صحيحه"(2875).
كلهم مِنْ طريق عُبيد الله بن عُمر - مِنْ أصح الأوجه عنه
(1)
-، وعند أبي يعلى مقروناً برواية يحيى بن أبي أُنيسة، كلاهما عن أبي الزبير، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ.
• وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(14705) - ومِنْ طريقه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(1218) ك/الحج، ب/حجة النَّبي صلى الله عليه وسلم، والدَّارمي في "سننه"(1892)، وابن ماجه في "سننه"(3074)، ك/المناسك، ب/حجة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود في "سننه"(1905)، ك/المناسك، ب/حجة النَّبي صلى الله عليه وسلم، والنَّسائي في "الكبرى"(4046)، ك/المناسك، ب/الإيضاع في وادي مُحَسِّر، وأيضاً في "الكبرى"(4068)، ك/المناسك، ب/عدد الحصى الذي يُرمى به الجمار، وفي "الصغرى"(3054)، وابن الجارود في "المنتقى"(469)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(3509)، وابن حزم في "حجة الوداع"(135).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر، وذكر الحديث الطويل في مناسك الحج، وفيه:"فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ".
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَلِيُّ بن حُجْرِ، أبو الحسن المروزيُّ:"ثِقَةٌ حافظٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (214).
3) الهَيْثَمُ بن حُمَيْدٍ: "ثِقَةٌ، أعلم الناس بحديث مكحول"، تقدَّم في الحديث رقم (214).
4) المُطْعِمُ بْنُ الْمِقْدَامِ: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (214).
5) محمد بن مُسلم بن تَدْرُس، أبو الزُّبير، المكّي، القُرَشيّ:"ثقة، يُدَلِّس عن جابرٍ خاصة، فلا يُقبل من حديثه عنه إلا ما صرَّحَ فيه بالسماع، أو كان من رواية الليث بن سعد عنه"، تقدَّم في الحديث رقم (47).
6) جابر بن عبد الله الأنصاري: صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثِرين، تقدم في الحديث رقم (20).
(1)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (3/ 287/مسألة 874).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته"؛ وأمَّا عن تدليس أبي الزبير، فلقد صَرَّح في بعض طرق الحديث بالسَّماع، كما سبق في التخريج عند الإمام مسلم وغيره مِنْ طريق ابن جُريجٍ، عنه.
والحديث أخرجه الترمذي في "سننه" مِنْ طريق ابن جُريج والثوري، عن أبي الزبير، وقال: حسنٌ صحيحٌ.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوه عن المُطْعِمِ إلا الهيثمُ بن حُمَيْدٍ، تَفَرَّدَ به: عَلِيُّ بن حُجْرٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
[217/ 617]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرَكَانِيُّ
(1)
، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلِمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَصَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ الْحُلُمَ مِمَّنْ أَتَى الْجُمُعَةَ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن محمد بن المُنْكَدِرِ، عن عطاءٍ إلا عبد الرحمن، تَفَرَّدَ به: محمد بن جعفر.
هذا الحديث مَدَاره على محمد بن المُنْكَدر، وصفوان بن سُلَيْم، واختُلف عنهما، كالآتي:
أمَّا محمد بن المُنْكدر، فقد اختُلف عليه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: محمد بن المُنْكدر، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه (موقوفًا).
الوجه الثاني: محمد بن المُنْكدر، عن أبي بكر بن المُنْكدر، عن عَمرو بن سُليم عن أبي سعيد (مرفوعًا).
الوجه الثالث: محمد بن المُنْكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم (مرفوعًا).
وأمَّا صفوان بن سُلَيْم، فقد اختُلف عليه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: صفوان بن سُليم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (موقوفاً).
الوجه الثاني: صفوان بن سُليم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه (مرفوعاً).
وتفصيل ذلك كالآتي:
·
أولاً: - أمَّا محمد بن المُنْكدر، فقد اختُلف عنه مِنْ ثلاثة أوجه:
أولاً: - الوجه الأول:
محمد بن المُنْكدر، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه على حد بحثي إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مُحَمَّد بن جَعْفَر بن زِيَاد بن أَبي هاشم، الوَرَكَانيُّ، أبو عِمْران الخُراسانيُّ، سكن بغداد.
روى عن: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والفُضَيل بن عِيَاض، ومالك بن أنس، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأَبَّار، ومُسْلم بن الحَجَّاج، وأبو داود، وأبو زرعة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن قانع، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو زرعة: كان أحمد يرضاه، وكان صدوقاً ما علمته. وقال أبو داود: رأيت أحمد يَكتب عنه. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(2)
(1)
قال ابن حجر في "التقريب"(5783): الوَرَكاني: بفتحتين. بينما ضبطها السَّمْعاني بسكون الراء، وهى نسبة إلى وركان، قرية من قرى قاشان، بلدة عند قُم، وإليها يُنسب جعفر بن محمد بن زياد. "الأنساب"(12/ 249)، "اللباب"(3/ 361).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 222، "الثقات" 9/ 89، "تاريخ بغداد" 2/ 480، "التهذيب" 24/ 580، "التقريب"(5783).
3) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن زَيْدِ بن أَسْلَمَ، العَدَوِيُّ، العُمَرِيُّ، المَدَنِيُّ.
روى عن: أبيه زيد بن أسلم، ومحمد بن المُنْكدر، وصفوان بن سُليم، وآخرين.
روى عنه: محمد بن جعفر الوَرَكَانيّ، وابن عُيَيْنة، وإسماعيل بن أبي أُوَيْس، وآخرون.
حاله: قال أحمد، وأبو زرعة، والنَّسائي، وابن حجر: ضَعيفٌ. وقال أبو حاتم: ليس بقوي الحديث، كان في نفسه صالحاً، وفي الحديث واهياً. وقال ابن عدي: له أحاديث حِسَان، وهو مِمَّن يُكتب حديثه. وقال الذهبي: فيه لينٌ. وفي "الموقظة": مِنْ المتوسطين، وليس مِنْ المتروكين. وقال ابن حجر في "موافقة الخُبْر الخَبَر": ضَعيفُ الحفظ، يُكتب حديثه في المتابعات. فحاصله: أنَّه "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه في المتابعات والشواهد".
(1)
4) محمد بن المُنْكدر: "ثقةٌ، فاضلٌ"، تقدّم في الحديث رقم (30).
5) عطاء بن يسار الهلالي: "ثِقَةٌ فاضلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (95).
6) أبو سعيد الخَدْري: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (64).
ثانياً: - الوجه الثاني:
محمد بن المُنْكدر، عن أخيه أبي بكر، عن عَمرو بن سُليم، عن أبي سعيد.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1744)، وأبو بكر ابن عبدويه الشافعي في "الغيلانيات"(757)، عن عبد اللَّهِ بن رَجَاءٍ، عن سَعِيد بن سَلَمَة، عن محمَّد بن المُنْكَدِرِ، به.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد ابن خزيمة):
1) محمد بن عبد الرحيم، أبو يحيى البَزَّاز، المعروف بصاعقة:"ثِقَةٌ حَافِظٌ".
(2)
2) عبد الله بن رَجاء بن عُمر الغُدَانيُّ: "ثِقَةٌ، له أوهام".
(3)
3) سعيد بن سلمة بن أبي الحُسام العدوي: "صدوقٌ صحيح الكتاب، يُخطئ مِنْ حفظه".
(4)
4) محمد بن المُنْكدر: "ثقةٌ، فاضلٌ"، تقدّم في الحديث رقم (30).
5) أبو بكر بن المُنْكدر بن عبد الله التَّيْميُّ: "ثِقَةٌ".
(5)
6) عَمرو بن سُليم بن خَلْدة الزُّرَقيُّ: "ثِقَةٌ، مِنْ كبار التابعين، يُقال: له رؤيةٌ".
(6)
7) أبو سعيد الخَدْري: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (64).
(1)
"التاريخ الكبير" 5/ 284، "الجرح والتعديل" 5/ 233، "المجروحين" 2/ 57، "الكامل" 5/ 441، "تهذيب الكمال" 17/ 114، "السير" 8/ 349، "الموقظة"(ص/33 - 34)، "تهذيب التهذيب" 6/ 179، "موافقة الخُبْر الخَبَر" 1/ 376، "التقريب"(3865).
(2)
يُنظر: "التقريب"(6091).
(3)
يُنظر: "تهذيب الكمال" 14/ 495، "تهذيب التهذيب" 5/ 210، "التقريب"(3312)، "فتح الباري" 7/ 10.
(4)
يُنظر: "التقريب"(2326).
(5)
يُنظر: "التقريب"(7989).
(6)
يُنظر: "التقريب"(5044).
ت متابعات للوجه الثاني:
وقد تُوبع محمد بن المُنْكدر على روايته للحديث بهذا الوجه:
• فأخرج البخاري في "صحيحه"(880) ك/الجمعة، ب/الطِّيبِ لِلْجُمُعَةِ، بسنده مِنْ طريق شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكرِ بْنِ المُنكَدِرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ» .
قال البخاري: هو أخو محمَّد بن المُنْكَدِرِ، ولم يُسَمَّ، ورواهُ عنه بُكَيْرٌ، وسَعِيدُ بن أبي هِلَالٍ، وعدَّةٌ.
• وأخرجه مُسلمٌ في "صَحيحه"(846) ك/الجمعة، ب/الطِّيب والسِّوَاك يوم الجُمُعَةِ، من طريق عَمْرو بن الحَارِثِ، أنَّ سعيد بن أبي هلالٍ، وبُكَيْرَ بن الأَشَجِّ، حدَّثَاهُ عن أبي بَكْرِ بن المُنْكَدِرِ، عن عَمْرِو بن سُلَيْمٍ، عن عبد الرَّحمن بن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عن أبيه، به. قال مُسلم: إلا أنَّ بُكَيْراً لم يذكر عبدَ الرَّحْمَنِ.
(1)
ثالثاً: - الوجه الثالث:
محمد بن المُنْكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1746)، والطبراني في "الأوسط"(4267)، وابن عدي في "الكامل"(4/ 181)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن عَمْرو بن أبي سلمة التِّنِّسيِّ، قال: نا زُهَيْرٌ بن محمَّد، عن محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» .
_ وقال ابن خزيمة: لَسْتُ أُنْكِرُ أن يكون محمَّد بن المُنْكَدِرِ سَمِعَ من جابر ذِكْرَ إيجاب الغُسْلَ على المُحتلم دون التَّطَيُّبِ، ودون الاستنان، وروى عن أخيه أبي بَكْرِ بن المُنْكَدِرِ، عن عمرو بن سُلَيْم، عن أبي سعيدٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إيجاب الغُسْلِ، وإمساس الطِّيبِ إنْ كان عنده؛ لأنَّ داود بن أبي هِنْدَ، قد روى عن أبي الزُّبَيْرِ، عن جابرٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ، وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» .
قلتُ: قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه داود بن أبي هندٍ، عن أبي الزبير، وذكر الحديث؛ فقال: هذا خطأٌ؛ إنَّما هو - على ما رَوَاهُ الثِّقات -: عن أبي الزُّبَير، عن طَاوُسٍ، عن أبي هريرة، موقوفاً.
(2)
_ وقال الطبراني: لم يَرْوِه عن محمَّد بن المُنْكَدِرِ إلا زُهَيْرُ بن محمَّد، تَفَرَّدَ به: عَمْرُو بن أبي سلمة.
_ وقال ابن عدي: ولا أعلم يروه، عن ابن المُنْكَدِرِ غيرُ زُهَيْرٍ.
_ وسُئل أبو حاتم عن هذا الحديث، فقال: هذا خطأ.
(3)
(1)
قلتُ: وإخراج البخاري ومُسلم للوجهين بذكر عبد الرحمن بن أبي سعيد، وبدونه يَدُلُ على أنَّ الحديث محفوظٌ عنه بالوجهين؛ قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/ 365): والذي يظهر أن عمرو بن سُليم سمعه من عبد الرحمن بن أبي سَعِيدٍ، عن أبيه، ثُمَّ لقي أبا سعيد فحدَّثه، وسماعه منه ليس بمنكر؛ لأنه قديم، وُلد في خلافة عمر بن الخطاب، ولم يوصف بالتدليس.
(2)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 471/مسألة 49).
(3)
يُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 561/مسألة 592) و (2/ 585/مسألة 614).
- وقال الدارقطني: ورواه زُهَيْرُ بن محمَّد، فقال: عن محمَّد بن المُنْكَدِرِ، عن جابرٍ، وَوَهِمَ فيه.
(1)
ب دراسة إسناد الوجه الثالث (إسناد ابن خزيمة):
1) مُحَمَّدُ بْنُ مَهْدِيٍّ العَطَّارُ، الفَارِسِيُّ: أخرج له ابن خزيمة في "صحيحه"، ولم أقف له على ترجمة.
(2)
2) عمرو بن أبي سلمة التَّنِّيسيُّ، أبو حفصٍ الدمشقي:"ثِقَةٌ، له أوهام". قال أحمد: روى عن زهير أحاديث بواطيل، كأنَّه سمعها من صدقة بن عَبد الله فغلط فقلبها عن زهير.
(3)
3) زُهَير بن مُحَمد التَّمِيميّ، الخُراسانيُّ: قال البخاري: روى عنه أهل الشام أحاديث مناكير، قال أحمد: كأنَّ الذي رَوَى عنه أهل الشام زُهَير آخر، فَقُلِبَ اسمه. وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ، وعند عَمرو بن أبي سلمة عنه مناكير. وقال الذهبي في "السير": روى عنه عَمْرُو بنُ أبي سَلَمَة مناكير.
(4)
4) محمد بن المُنْكدر: "ثقةٌ، فاضلٌ"، تقدّم في الحديث رقم (30).
5) جابر بن عبد الله الأنصاري: "صحابيٌّ جليلٌ مُكْثِرٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (20).
رابعاً: - النظر في الخلاف على محمد بن المُنْكدر:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ محمد بن المُنْكدر قد اختُلف عليه في رواية هذا الحديث مِنْ ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: محمد بن المُنْكدر، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه.
ورواه عن محمد بن المُنْكدر بهذا الوجه: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو:"ضَعيفٌ، يُكتب حديثه"، فلا يُحْتج به عند الانفراد، ولم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه على هذا الوجه.
لذا أعله الطبراني، فقال: لم يَرْوِه عن ابن المُنْكَدِرِ، عن عطاءٍ إلا عبد الرحمن، تَفَرَّدَ به: محمد بن جعفر.
الوجه الثاني: محمد بن المُنْكدر، عن أبي بكر بن المُنْكدر، عن عَمرو بن سُليم، عن أبي سعيد الخُدْري.
بينما رواه عن محمد بن المُنْكدر بهذا الوجه: سعيدُ بن سلمة بن أبي الحسام، وهو "صدوقٌ، صحيحُ الكتاب"، وقد تُوبع محمد بن المُنْكدر على هذا الوجه بمتابعات في "الصحيحين" كما سبق في التخريج.
الوجه الثالث: محمد بن المُنْكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
ورواه عن محمد بن المُنْكدر بهذا الوجه زُهير بن محمد التَّميمي، ورواه عن زُهير عَمرُو بن أبي سلمة التِّنِّيسيُّ؛ وقال الطبراني، وابن عدي: ولم يروه عن محمد بن المُنْكدر - أي بهذا الوجه - إلا زُهير بن محمد، وزاد الطبراني: تَفَرَّد به عنه عَمرو بن أبي سلمة.
(1)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (11/ 276/مسألة 2281).
(2)
يُنظر: "صحيح ابن خزيمة" حديث رقم (1746 و 2698).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 235، "تاريخ دمشق" 46/ 60، "تهذيب الكمال" 22/ 51، "الميزان" 3/ 262، "تهذيب التهذيب" 8/ 44، "هدي الساري"(ص/430)، "التقريب"(5043).
(4)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 427، "الجرح والتعديل" 3/ 590، "الثقات" 6/ 337، "الكامل" 4/ 177، "تهذيب الكمال" 9/ 414، "تاريخ الإسلام" 4/ 367، "السير" 8/ 189، "الميزان" 2/ 84، "تهذيب التهذيب" 3/ 349، "التقريب"(2049).
وقد اتفقوا على أنَّ عمرو بن أبي سلمة قد روى عن زُهير بن محمد مناكير، بل قال الإمام أحمد: روى عنه أحاديث بواطيل - هكذا قال -؛ وهذا الحديث منها؛ لذا أخرجه ابن عدي في "الكامل" في ترجمة زُهير، وقال أبو حاتم عنه: هذا خطأ. وقال الدَّارقطني: وَهِمَ فيه زُهير بن محمد، والله أعلم.
فَمِنْ خلال ما سبق يَتَّضح أنَّ الوجه الثاني هو الأقرب إلى الصواب؛ للقرائن الآتية:
1) وجود مُتابعات للوجه الثاني في "الصحيحين".
2) أنَّ الوجه الأول مِمَّا انفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ وأمَّا الوجه الثالث فهو أيضاً مِمَّا انفرد به زُهير بن محمد، واتفقوا على أنَّه مِنْ مناكيره.
·
ثانياً: - وأمَّا صفوان بن سُلَيْم، فقد اختُلف عنه مِنْ وجهين:
أولاً: - الوجه الأول:
صفوان بن سُليم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (موقوفاً).
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مُحَمَّد بن جَعْفَر، الوَرَكَانيُّ:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الوجه الأول عند ذكر الاختلاف على محمد بن المُنْكدر.
3) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن زَيْدِ بن أَسْلَمَ: "ضَعيفٌ، يُعتبر به"، تقدَّم في الوجه الأول.
4) صَفْوان بن سُلَيم المدني: "ثِقَةٌ، عابدٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (95).
5) عطاء بن يسار الهلالي: "ثِقَةٌ فاضلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (95).
6) أبو سعيد الخَدْري: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (64).
ثانياً: - الوجه الثاني:
صفوان بن سُليم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخُدري (مرفوعاً).
أ تخريج الوجه الثاني: ورواه عن صفوان بهذا الوجه جماعة:
_ فأخرجه مالكٌ في "الموطأ"(269) - ومِنْ طريقه أخرجه الشافعي في "الرسالة"(839)، وأحمد في "مسنده"(11578)، والدارمي في "سننه"(1578)، والبخاري في "صحيحه"(879)، ك/الجمعة، ب/فضل الغُسْل يوم الجُمُعَة، وبرقم (895)، ك/الجمعة، ب/ هل على مَنْ لم يَشهد الجمعةَ غُسْلٌ مِنَ النِّساء والصِّبْيَان وغيرهم؟، ومُسلمٌ في "صحيحه"(846)، ك/الجمعة، ب/وُجُوب غُسْلِ الجمعة على كلِّ بالغٍ مِنَ الرِّجَالِ، وأبو داود في "سننه"(341)، ك/الطهارة، ب/الغسل للجمعة، والنَّسائي في "الكبرى"(1680)، ك/الجمعة، ب/إيجابُ الغُسْلِ يوم الجمعة، وفي "الصغرى"(1377)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1742/ 3)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(2557)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(704)، وأبو العبَّاس الأصم في "مجلسٍ مِنْ أماليه"(3) - مطبوع ضمن مجموع فيه مصنفات أبي العباس الأصم (382) -، وابن حبَّان في "صحيحه"(1228)، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل"(626)، وأبو نُعيم في "المُستخرَج"(1903)، والبيهقي في
"الكبرى"(1401 و 1402 و 5661)، وفي "المعرفة"(2091)، والبغوي في "شرح السنة"(331) -.
عن صَفْوَانَ، عن عَطَاءٍ، عن أبي سَعِيدٍ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» .
_ وأخرجه عبد الرزاق في "المُصَنَّف"(5307)، والحُميدي في "مسنده"(753)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(4988)، وأحمد في "مسنده"(11027)، والدارمي في "سننه"(1579)، والبخاري في "صحيحه"(858)، ك/الآذان، ب/وُضُوء الصِّبْيَان، ومتى يجب عليهم الغُسْلُ، وبرقم (2665)، ك/الشهادات، ب/بلوغ الصِّبْيَان وشَهَادَتِهِم، وابن ماجه في "سننه"(1089)، ك/إقامة الصلاة والسنة فيها، ب/ما جاء في الغُسْلِ يوم الجُمُعَة، وأبو يعلى في "مسنده"(978 و 1127)، وابن الجارود في "المنتقى"(284)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1742/ 1)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(2558) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "الأربعون حديثاً من المساواة"(ص/63) -، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(703)، والبيهقي في "المعرفة"(2091).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سفيان بن عُيَيْنَة، عن صَفْوَان، عن عَطَاءٍ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، به.
_ وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1742)، مِنْ طريق أبي علقمة الفروي، عن صَفْوَان بن سُلَيْمٍ، به.
_ وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(703)، بسنده مِنْ طريق أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، به.
_ وابن عدي في "الكامل"(1/ 363)، بسنده مِنْ طريق إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سُليم، به.
_ وأبو نُعيم في "الحلية"(8/ 138)، بسنده مِنْ طريق الفُضيل بن عِياض، عن صفوان، به.
وقال أبو نُعيم: غَرِيبٌ مِنْ حديث الفُضَيْلِ، صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ حديث صَفْوَانَ.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
هذا الوجه أخرجه البخاري ومُسْلمٌ في "صحيحيهما" مِنْ طريق الإمام مالكٍ، وأخرجه البخاري في "صحيحه" مِنْ طريق سفيان بن عُيَيْنَة، وهذا كافٍ لثبوت صحته، والله أعلم.
ثالثاً: - النظر في الخلاف على صفوان بن سُليم:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ صَفْوان بن سُليم، قد اختُلف عليه في رواية هذا الحديث مِنْ وجهين:
الوجه الأول: صفوان بن سُليم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (موقوفاً).
ورواه عن صَفْوان بن سُليم بهذا الوجه: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو:"ضَعيفٌ، يُكتب حديثه"، فلا يُحْتج به عند الانفراد، ولم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه على هذا الوجه.
الوجه الثاني: صفوان بن سُليم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه (مرفوعاً).
بينما رواه عن صَفْوان بهذا الوجه جماعة، منهم: الإمام مالك بن أنس، وسفيان بن عُيَيْنَة، وآخرون، والحديث بهذا الوجه مُخَرَّجٌ في "الصحيحين"، كما سبق في التخريج.
فَمِنْ خلال ما سبق يَتَّضح أنَّ الوجه الثاني هو الأقرب للصواب؛ للقرائن الآتية:
1) للأكثرية، والأحفظية: فرواة الوجه الثاني أكثر وأحفظ مِنْ رواة الوجه الأول.
2) كون هذا الوجه مُخَرَّجٌ في "الصحيحين".
3) أنَّ الوجه الأول قد رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو "ضَعيفٌ"، وقد انفرد به، ولم يُتابع عليه، كما قال الإمام الطبراني، وكما هو واضحٌ في التخريج، والله أعلم.
تنبيه: مِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ عبد الرحمن بن زيد قد روى هذا الحديث عن محمد بن المُنْكدر وصفوان بن سُليم، وجمع بينهما في رواية واحدة، وجعل الحديث عنهما عن عطاءٍ بن يَسار، عن أبي سعيد الخُدْري موقوفاً، ولم أقف على مَنْ تابعه على ذلك - على حد بحثي -، وتَبَيَّن أنَّ الصواب في هذا الحديث عن محمد بن المُنْكدر: عن أبي بكر بن المُنْكدر، عن عَمرو بن سُليم، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه؛ وأنَّ الصواب عن صَفْوان بن سُليم: عن عطاءٍ بن يَسار، عن أبي سَعيد الخُدْري رضي الله عنه مرفوعاً؛ فأخطأ عبد الرحمن بن زيد حين جمع بينهما في رواية واحدة، وساق الحديث عنهما بإسنادٍ واحد، وقد خالفه الثقات في ذلك.
·
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق في التخريج ودراسة الإسناد يَتَّضح أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكرٌ"؛ فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "ضَعيفٌ"، وقد انفرد به، مع مُخالفته لِمَا رواه الثقات عن محمد بن المُنْكدر، وصفوان بن سُليم.
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح عن محمد بن المُنْكدر:
وأمَّا الحديث مِنْ وجهه الراجح عن محمد بن المُنْكدر، عن أبي بكر بن المُنْكدر، عن عَمرو بن سُليم، عن أبي سَعيدٍ الخُدْري رضي الله عنه "فصحيحٌ"، وله مُتابعات في "الصحيحين"، كما سبق ذكره وبيانه في التخريج.
ت الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح عن صفوان بن سُليم:
والحديث كذلك مِنْ وجهه الراجح عن صَفْوان بن سُليم، عن عطاءٍ بن يَسار، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه بالوجه المرفوع "صحيحٌ"، وهو مُخَرَّجٌ في "الصحيحين"، والله أعلم.
· رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن ابن المُنْكَدِرِ، عن عطاءٍ إلا عبد الرحمن، تَفَرَّدَ به: محمد بن جعفر.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
(1)
* * *
(1)
وللتعليق على الحديث، يُراجع الحديث رقم (147).
[218/ 618]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْجَلَّالَةِ
(1)
، عَنْ لُحُومِهَا، وَأَلْبَانِهَا، وَظُهُورِهَا.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عُمَرَ إلا إسماعيلُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الكبير"(13187)، قال: حدَّثنا أحمد الأَبَّار، به، بدون قوله:"عَنْ لُحُومِهَا".
• وابن عدي في "الكامل"(6/ 39)، عن أحمد بن موسى بن زَنْجَوَيْه، عن هِشَامُ بن عمَّار، به.
• ومحمد بن إبراهيم بن عبد الملك بن مَرْوان في "الخامس والعشرون مِنْ فوائد أبي عبد الله بن مَرْوان"(41) - مخطوط نُشر ضمن برنامج جوامع الكلم -، قال: حدَّثنا سُليمان بن أيوب الأسدي، حدَّثنا سليمان بن عبد الرحمن التميمي، حدَّثنا إسماعيل بن عَيَّاش، حدَّثني عُمر بن محمد، عن سالم، أو نافع، عن ابن عُمر، قَالَ: نَهَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ أَكل لِحُوم الْجَلالَةِ وَأَلْبَانِهَا وَظُهُورِهَا.
• ورواه مُسَدَّد بن مُسَرْهِد - كما في "المطالب العالية"(1146) -، - ومِنْ طريقه أبو داود في "سننه"(2557)، ك/الجهاد، ب/في ركوب الجلالة، والبيهقي في "الكبرى"(10330 و 19474) -، قال: حدَّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ العَنْبَري، عن أَيُّوبَ بن أبي تميمة السَّخْتَيَانِيِّ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ، قال:«نُهِيَ عَنْ رُكُوبِ الْجَلَّالَةِ» . وقال البوصيري: رواهُ مُسَدَّدٌ مَوْقُوفًا، وحكمهُ الرفعُ، ورجالهُ ثِقَاتٌ.
(2)
_ وأخرجه أبو داود في "سننه"(2558)، ك/الجهاد، ب/ركوب الجلالة، وبرقم (3787)، ك/الأطعمة، ب/النهي عن أكل الجلالة، والبزار في "مسنده"(5839)، والحاكم في "المستدرك"(2249).
ثلاثتهم مِنْ طريق عبد اللَّهِ بن الجهم، عن عَمْرو ابن أبي قَيْسٍ، عن أَيُّوبَ السَّخْتَيَانِيِّ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ، قال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الجَلَّالَةِ فِي الإِبِلِ: أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا، أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا. واللفظ لأبي داود.
وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رَوَاهُ عن أَيُّوبَ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَر إلا عَمْرو بن أبي قَيْسٍ.
قلتُ: لعلَّه يَقصد: أي بهذا اللفظ، بنسبة النهي إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد رواه مُسَدَّد عن عبد الوارث العَنْبري، عن أيوب، بسنده، لكن بلفظ:«نُهِيَ عَنْ رُكُوبِ الْجَلَّالَةِ» .
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
(1)
قال الخطابي في "معالم السنن"(2/ 250): الجلَّالة: الإبل التي تأكل العذرة، والجَلة: البعر، كره صلى الله عليه وسلم ركوبها، كما نهى عن أكل لحومها؛ فإنَّ الإبل إذا اجتلت أنتن روائحها إذا عرقت، كما تنتن لحومها. ويُنظر:"النهاية" لابن الأثير (1/ 288).
(2)
يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة"(2413).
2) هِشَامُ بنُ عَمَّارِ بنِ نُصَيْرِ بنِ مَيْسَرَةَ بنِ أَبَانٍ، أَبُو الوَلِيْدِ السُّلَمِيُّ.
روى عن: إسماعيل بن عَيَّاش، ومالك بن أنس، ومَرْوَان بن مُعاوية الفَزَاري، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأَبَّار، والبخاري، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم، والدَّارقطني: صدوقٌ. وقال النَّسائي: لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن عساكر: أحد المكثرين الثقات. وقال الذهبي في "السير": هِشَامٌ عظيمُ القَدْرِ، بعيد الصِّيْتِ، وغيرُهُ أَتْقَنُ منهُ وأعدلُ. وفي "الميزان": صدوقٌ مُكْثِرٌ، له ما يُنْكَر.
وقال أبو حاتم: لمَّا كبر تغيَّر، وكلمَّا دُفِعَ إليه قرأه، وكلمَّا لُقِّنَ تَلَقَّن، وكان قديماً أصح، كان يقرأ من كتابه. وقال القَزَّاز: آفته أنه رُبَّما لُقِّن أحاديث فتلقنها. وقال ابن حجر: صدوقٌ، مُقْرئٌ، كَبِرَ فصار يَتَلقَّن، فحديثُه القديم أصحُّ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، كَبِرَ فصار يَتَلقَّن، فحديثُه القديم أصحُّ، كان يقرأ مِنْ كتابه". وثَّقه جَمْعٌ.
(1)
3) إسماعيل بن عيَّاش العَنْسيُّ: "صَدُوقٌ في روايته عن الشاميين، مُخَلِّطٌ في غيرهم"، سبق في (38).
4) عُمَر بن مُحَمَّد بن زَيْد بن عَبد الله بن عُمَر بن الخطاب: "ثِقَةٌ، صَدُوقٌ"، تقدَّم في الحديث (110).
5) سَالِم بن عَبد اللَّهِ بن عُمَر بن الخطاب: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ عابدٌ فاضلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (147).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث (6).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكَرٌ"؛ فيه إسماعيل بن عَيَّاش، قال الإمام أحمد: إذا حدَّث عن غير الشاميين أتى بالمناكير. وقال الذهبي: مُضْطَربٌ جداً في حديث أهل الحجاز.
(2)
قلتُ: وقد انفرد برواية هذا الحديث عن عُمر بن محمد بن زيد العُمري القرشي، عن سالم بن عبد الله، فهذه مِنْ مناكيره عن غير الشاميين، كما قال أحمد؛ وهذا بالإضافة إلى اضطرابه في رواية هذا الحديث، فقد رواه عنه سليمان بن عبد الرحمن التميمي، فقال: عن عُمر بن محمد، عن سالمٍ أو نافعٍ.
والحديث رواه الثقات كما سبق في التخريج عن نافعٍ، ولم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه برواية الحديث عن سالم بن عبد الله، فهذا يُؤكد أنَّ هذا الحديث مِنْ مناكيره واضطرابه في حديثه عن الحجازيين.
قلتُ: وقد صَحَّ الحديث مِنْ طُرُقٍ أخرى عن أيوب السختياني، عن نافعٍ، عن ابن عُمر، - كما سبق في التخريج - فلله الحمد والمنَّة.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن عُمَرَ إلا إسماعيلُ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 2/ 333، "الجرح والتعديل" 9/ 66، "الثقات" 9/ 233، "تاريخ دمشق" 74/ 32، "التهذيب" 30/ 242، "السير" 11/ 420، "الميزان" 4/ 302، "المختلطين"(ص/126)، "الكواكب النيرات" 1/ 424، "التقريب"(7303).
(2)
يُنظر: "تهذيب الكمال"(3/ 175)، "المغني في الضعفاء"(1/ 139).
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الخطابي: يُكره أكل لحوم الجلالة وألبانها تنزهاً وتنظفاً؛ وذلك أنها إذا اغتذت بها وجد نتن رائحتها في لحومها، وهذا إذا كان غالب علفها منها؛ فأمَّا إذا رعت الكلأ واعتلفت الحب وكانت تنال مع ذلك شيئاً من الجلة فليست بجلالة، وإنما هي كالدجاج ونحوها من الحيوان الذي رُبَّما نال الشيء منها، فلا يكره أكله.
واختلف الناس في أكلها: فكره ذلك أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وقالوا: لا تُؤكل حتى تحبس أياماً، وتُعلف علفاً غيرها، فإذا طاب لحمها فلا بأس بأكله، ففي الحديث: أنَّ البقر تُعلف أربعين يوماً ثم يؤكل لحمها
(1)
، وكان ابن عمر رضي الله عنه يَحبس الدَّجاجة ثلاثاً ثم يذبح.
(2)
وقال إسحاق بن راهويه: لا بأس أن يؤكل لحمها بعد أن يغسل غسلاً جيداً. وكان الحسن البصري لا يرى بأساً بأكلها، وكذلك مالك بن أنس. أ. هـ
(3)
قال ابن حجر: أطلق الشافعية كراهة أكل الجلالة إذا تغيَّر لحمها بأكل النجاسة، وفي وجه إذا أكثرت من ذلك، ورجح أكثرهم أنها كراهة تنزيه؛ ومن حجتهم أن العلف الطاهر إذا صار في كرشها تنجس فلا تتغذى إلا بالنجاسة، ومع ذلك فلا يحكم على اللحم واللبن بالنجاسة، فكذلك هذا؛ وتُعُقِّب: بأنَّ العلف الطاهر إذا تنجس بالمجاورة جاز إطعامه للدابة، لأنها إذا أكلته لا تتغذى بالنجاسة وإنما تتغذى بالعلف، بخلاف الجلالة؛ وذهب جماعة من الشافعية، وهو قول الحنابلة: إلى أن النهي للتحريم، وبه جزم ابن دقيق العيد عن الفقهاء، وصححه القفال، وإمام الحرمين، والبغوي، والغزالي، وألحقوا بلبنها ولحمها بيضها؛ والمعتبر في جواز أكل الجلالة: زوال رائحة النجاسة بعد أن تعلف بالشيء الطاهر على الصحيح؛ وجاء عن السلف فيه توقيت: كما تقدَّم عن ابن عُمر، وأخرج البيهقي بسند فيه نظر، عن عبد الله بن عمرو، مرفوعاً، أنها لا تؤكل حتى تعلف أربعين يوماً.
(4)
* * *
(1)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(4753)، والحاكم في "المستدرك"(2269)، والبيهقي في "الكبرى"(19480)، مِنْ طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مُهَاجِرٍ، عن أبيه، عن عبد اللَّهِ بن بَابَاه، عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو، قال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإبِلِ الْجَلَّالَةِ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا، ولا يُشْرَبَ لَبَنُهَا، ولا يُحْمَلَ عَلَيْهَا إلا الأُدُمَ، ولا يُذَكِّيَهَا النَّاسُ حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. واللفظ للدَّارقطني. وقال الحاكم: صَحِيحُ الإسنادِ. وقال البيهقي: إسناده ليس بالقوي. وقال الذهبي: إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر وأبوه ضعيفان. والحديث ضَعَّفه ابن الجوزي في "التحقيق"(10/ 299)، وابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق"(4/ 672)، وابن المُلقن في "البدر المنير"(9/ 387)، وابن حجر في "الفتح"(9/ 648)، والألباني في "إرواء الغليل"(8/ 152).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(8717)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(24608)، وقال ابن حجر في "الفتح" (9/ 648): أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيحٍ، عن ابن عمر.
(3)
يُنظر: "معالم السنن"(4/ 244).
(4)
يُنظر: "فتح الباري"(9/ 648).
[219/ 619]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: نا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ
(1)
.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عبد الحميد بن جعفرٍ إلا حاتمُ بنُ إسماعيلَ، تَفَرَّدَ به محمدٌ.
هذا الحديث مَدَاره على محمد بن عَبَّاد المكي، واختلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: محمد بن عَبَّاد، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الحميد بن جَعْفَر، عن نافع، عن ابن عُمر.
الوجه الثاني: محمد بن عَبَّاد، عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عُقبة، عن نافع، عن ابن عُمر.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: الوجه الأول:
محمد بن عبَّاد، عن حاتم، عن عبد الحميد بن جَعْفَر، عن نافع، عن ابن عُمر.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مُحَمَّد بن عَبّاد بن الزِّبْرِقَان المكّيّ، أبو عبد الله البغداديُّ.
روى عن: حاتم بن إسماعيل، وابن عُيَيْنَة، ومَرْوان بن مُعاوية الفَزَاريّ، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأَبَّار، والبخاري، ومُسلمٌ، وأبو زرعة الرازي، وآخرون.
(1)
أخرج ابن طهمان في "مشيخته"(169)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده"(2338)، وابن سعدٍ في "الطبقات"(2/ 99)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(36859)، وأحمد في "مسنده"(11149 و 11847 و 11848)، وأبو يعلى في "مسنده"(1263)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(1368)، وفي "شرح معاني الآثار"(4144)، والبيهقي في "الدلائل"(4/ 151)، والمزي في "التهذيب"(33/ 7 - 8)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي إبراهيم الأنصاريِّ، عن أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ حَلَقُوا رُءُوسَهُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأَبَا قَتَادَةَ، فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً. وفي الموضع الأول عند أحمد بلفظ:"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ وَأَصْحَابُهُ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، غَيْرَ عُثْمَانَ وَأَبِي قَتَادَةَ فَاسْتَغْفَرَ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً". وعند الطحاوي في "المشكل": "غَيْرَ رَجُلَيْنِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ". قلتُ: والحديث رجاله ثِقَات، غير الأنصاري هذا، فقد قال فيه أبو حاتم: لا يُدْرى مَنْ هو ولا أبوه. وقال الذهبي: مجهولٌ. وقال أيضاً: روى عنه يحيى بن أبي كثير فقط. وقال ابن حجر: مقبولٌ. يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 332، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 15، "تهذيب الكمال" 33/ 5، "الكاشف" 2/ 405، "الميزان" 4/ 486، "التقريب"(7922). وذكره الهيثمي في "المجمع"(3/ 265)، وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، وفيه: إبراهيم الأنصاري، جَهَّلَه أبو حاتم، وبقية رجاله رجال الصحيح.
حاله: قال ابن معين، وصالح جزرة: لا بأس به. وقال أحمد: حديثه حديث أهل الصدق، وأرجو أن لا يكون به بأس. وقال أيضاً: يقع في قلبي أنَّه صدوقٌ. وقال ابن قانع: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: صدوقٌ يَهِمُ. وقال في "الفتح": ثِقَةٌ، مَشْهورٌ، وليس له عند البخاري غير حديثٍ واحد. وروى له الجماعة سوى أبي داود. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"، له أوهام، أشار إليها الحافظ ابن حجر، بقوله: يَهِمُ.
(1)
3) حَاتِمُ بن إِسْمَاعِيلَ، الحافظُ، أَبُو إِسْمَاعِيلَ المَدَنِيُّ.
روى عن: عبد الحميد بن جعفر، وموسى بن عُقْبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرين.
روى عنه: محمد بن عَبَّاد المكي، وقُتيبة بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعجلي: ثِقَةٌ. وقال أحمد: زعموا أن حاتماً كان فيه غفلة، إلا أن كتابه صالحٌ. وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ. وقال الدارقطني: ثِقَةٌ، وزيادته مقبولةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي: ثِقَةٌ. وفي "الميزان": ثِقَةٌ، مَشْهُورٌ صَدوقٌ. وتكلم ابن المديني في روايته عن جعفر الصادق. وقال ابن حجر: صَحيحُ الكتاب، صدوقٌ يَهِمُ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ". وروى له الجماعة.
(2)
4) عَبْد الحميد بْن جَعْفَر بْن عَبْد الله بْن الحَكَم بْن رافع الأنصاريُّ المدنيُّ.
روى عن: نافعٍ مولى ابن عُمر، ومحمد بن شهاب الزهريّ، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرين.
روى عنه: حاتم بن إسماعيل، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القَطَّان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد: ليس به بأسٌ، ثِقَةٌ. وقال عليُّ بن المديني، ويعقوب بن سُفيان، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ. وقال ابن حبَّان: رُبَّما أخطأ. وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وهو مِمَّن يُكْتَبُ حديثُه. وقال ابن حجر: صدوقٌ، رُمي بالقدر، ورُبَّما وَهِمَ. واحْتجَّ به الجماعةُ سوى البخاريِّ. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، رُبَّما وَهِم".
(3)
(4)
5) نَافع مولى ابن عُمر: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقيهٌ، مَشْهور"، تَقدَّم في الحديث رقم (29).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (6).
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 175، "الجرح والتعديل" 8/ 14، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 90، "تهذيب الكمال" 25/ 435، "تهذيب التهذيب" 9/ 245، "التقريب، وتحريره"(5993)، "فتح الباري" 7/ 318.
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 275، "الجرح والتعديل" 3/ 259، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 210، "تهذيب الكمال" 5/ 187، "الكاشف" 1/ 300، "الميزان" 1/ 428، "تهذيب التهذيب" 2/ 128، "التقريب، وتحريره"(994).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 10، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 122، "الكامل" لابن عدي 7/ 5، "تهذيب الكمال" 16/ 417، "الكاشف" 1/ 614، "السير" 7/ 21، "الميزان" 2/ 539، "تهذيب التهذيب" 6/ 112، "التقريب، وتحريره"(3756).
(4)
وقد تُكُلِّم فيه؛ إمَّا لخروجه مع محمَّد بن عبد اللَّهِ بن حسن العلوي، أو للقدر، لذا قال الذهبي في "السير": قد لُطِخَ بالقدر جماعةٌ، وحديثُهُم في "الصَّحِيْحَيْنِ" أو أحدهما؛ لأنَّهم موصوفونَ بالصِّدْقِ والإتقانِ. بالإضافة إلى أنَّ الجرح فيه غير مُفَسَّر، ووثَّقه جَمْعٌ، فيُقَدَّم التعديل عليه؛ وأمَّا الوهم فهو قليلٌ - كما هو الظاهر من تعبيرهم - فلا يضر.
ثانياً: الوجه الثاني:
محمد بن عَبَّاد، عن حاتم، عن موسى بن عُقبة، عن نافع، عن ابن عُمر.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أبو عوانة في "المُستخرَج"(3223/ 1)، قال: حدَّثنا محمد بن إسحاق الصَّغَانِيُّ، عن محمَّد بن عَبَّاد
(1)
، نَا حَاتِمٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني:
1) محمد بن إسحاق الصَّغَاني: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ".
(2)
2) مُحَمَّد بن عَبّاد بن الزِّبْرِقَان المكّيّ: "ثِقَةٌ، يَهِمُ"، تقدَّم في الوجه الأول.
7) حَاتِمُ بن إِسْمَاعِيلَ، أَبُو إِسْمَاعِيلَ المَدَنِيُّ:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الوجه الأول.
3) موسى بن عُقْبة بن أبي عَيَّاش الأسدي: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ في المغازي".
(3)
4) نَافع مولى ابن عُمر: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقيهٌ، مَشْهور"، تَقدَّم في الحديث رقم (29).
5) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (6).
ت متابعات للوجه الثاني:
وقد تُوبع محمد بن عَبَّاد على رواية هذا الوجه، كالآتي:
أ مُتابعاتٌ تامةٌ لمحمد بن عَبَّاد، عن حاتم بن إسماعيل:
_ أخرجه الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه"(1304/ 2) ك/الحج، ب/ تَفْضِيلِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ، وأبو العبَّاس السَّراج في "حديثه"(360) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "المُستخرَج"(3009/ 5) -، وأبو عمرو السلمي في "جزئه"(971) - مطبوع ضمن مجموع باسم الفوائد لابن مندة! -، عن قُتَيْبَة بن سعيد.
_ وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(13412)، من طريق خالد بن خِدَاشٍ.
كلاهما عن حاتم، عن موسى بن عُقْبة، عن نافع، عن ابن عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
ب مُتابعاتٌ قاصرةٌ لمحمد بن عَبَّاد، عن موسى بن عُقبة في "الصحيحين":
_ وأخرجه البخاري في "صحيحه"(4411) ك/المغازي، ب/حَجَّة الوَدَاعِ، بسنده عن ابن جُرَيْجٍ، عن موسى، عن نَافِعٍ، أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ، أخبره، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ.
_ والبخاري في "صحيحه"(4410)، عن أنس بن عِياض، عن مُوسَى بن عُقْبَة، به، مُخْتصراً.
_ وأخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"(1304/ 1) ك/الحج، ب/ تَفْضِيل الحَلْقِ على التَّقْصِير وجواز التَّقصير، بسنده عن يعقوب بن عبد الرَّحمن القاريُّ، عن مُوسَى بن عُقْبَة، به، مُخْتَصراً.
(1)
تَصَحَّف في المطبوع إلى "عُبَادة"، والصواب ما أثبته؛ فقد ذكروا محمد بن عَبَّاد في تلاميذه، ولم يَذكروا فيهم ابن عُبادة.
(2)
يُنظر: "التقريب"(5721).
(3)
يُنظر: "التقريب"(6992).
ثالثاً: - النظر في الخلاف على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على محمد بن عَبَّاد المكي، واختلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: محمد بن عَبَّاد، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الحميد بن جَعْفَر، عن نافع، عن ابن عُمر.
ورواه عن محمد بن عبَّاد بهذا الوجه: أحمد بن علي بن مُسلم الأَبَّار، وهو "ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، حافظٌ" - كما سبق في ترجمته -؛ ولم أقف - على حد بحثي - على مُتابعاتٍ له بهذا الوجه، بل ذكر الطبراني بأنَّه انفرد به، فقال: لم يَرْوِه عن عبد الحميد بن جعفرٍ إلا حاتمُ بنُ إسماعيلَ، تَفَرَّدَ به محمدٌ بن عبَّاد.
قلتُ: ومحمد بن عبَّاد نصَّ البعض - كما سلف في ترجمته - أنَّ له أوهام، والله أعلم.
الوجه الثاني: محمد بن عَبَّاد، عن حاتم، عن موسى بن عُقبة، عن نافع، عن ابن عُمر.
ورواه عن محمد بن عبَّاد بهذا الوجه: محمد بن إسحاق الصَّغاني، وهو أيضاً "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ"؛ إلا أنَّ محمد بن عبَّاد قد تُوبع على رواية هذا الوجه بمتابعات تامة وقاصرة:
- فرواه قُتيبة بن سعيد عند مُسلم في "صحيحه"، وخالد بن خِرَاش عند الطبراني في "الكبير" - كما سبق في التخريج -، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عُقْبة، به.
- وتابعه جماعةٌ - كما سبق في التخريج - عند البخاري ومسلم عن موسى بن عُقبة، به.
وعليه؛ فمِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه، والأقرب إلى الصواب، والله أعلم.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "شاذٌ"؛ لأجل محمد بن عبَّاد، فهو وإن كان ثِقَةً، إلا أنَّه يَهِمُ، وقد اضطرب فيه، فرواه مَرَّة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الحميد بن جعفر، ولم يُتابع على هذا الوجه، ورواه مَرَّة عن حاتم بن إسماعيل عن موسى بن عُقْبة، وقد تابعه الثقات عليه؛ فلمَّا خالف الثقات عن حاتم بن إسماعيل، وانفرد بالوجه الأول، وكان الرواة عنه بالوجهين ثقاتٌ أثبات، دلَّ ذلك على أنَّه ضبط الوجه الثاني دون الأول، فيكون الوجه الأول "شاذٌ"، والثاني "محفوظٌ"، والله أعلم.
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بالوجه الثاني بإسناد أبي عوانة "صَحيحٌ لذاته"، وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين" بهذا الوجه، سبق ذكرها في التخريج، والله أعلم.
تنبيهٌ: وللحديث طُرُقٌ أخرى في "الصحيحين" عن نافعٍ عن ابن عُمر مِنْ غير طريق موسى بن عُقْبة:
_ فأخرجه البخاري في "صحيحه"(1726) ك/الحج، ب/الحلق والتقصير عند الإحلال، من طريق شُعَيْب بن أبي حَمْزَة، قال: نَافِعٌ: كان ابنُ عُمَرَ، يَقُولُ:«حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ» .
_ وأخرج البخاري في "صحيحه"(1729) ك/الحج، ب/الحلق والتقصير عند الإحلال، بسنده عن جُوَيْرِيَة بن أسماء، عن نافعٍ، أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ، قَالَ: حَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ.
- وأخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(1301/ 1)، ك/الحج، ب/ تَفْضِيلِ الْحَلْقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَجَوَازِ التَّقْصِيرِ، من طريق الليث بن سعد، عن نافعٍ، أنَّ عَبْدَ اللهِ، قَالَ: حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحَلَقَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَحِمَ اللهُ الْمُحَلِّقِينَ» مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:«وَالْمُقَصِّرِينَ» .
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن عبد الحميد بن جعفرٍ إلا حاتمُ بنُ إسماعيلَ، تَفَرَّدَ به محمدٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
[220/ 620]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: نا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ صُدَيْقِ
(1)
بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَعْطَى اللَّهُ عز وجل الرَّجُلَ مِنْ أَمَةِ مُحَمَّدٍ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ، فَيُقَالُ: افْدِ بِهَذَا نَفْسَكَ مِنَ النَّارِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن صُدَيقٍ إلا حَفْصٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو القاسم حمزة بن محمد الكنانيّ في "جزء البطاقة"(5)، قال: أخبرنا سَعِيدُ بن عُثْمَانَ الحَرَّانِيُّ، ثنا مَخْلَدُ بن مَالِكٍ، ثنا حَفْصُ بن مَيْسَرَةَ، عن صُدَيقِ بن مُوسَى، وإسماعيل بن رَافِعٍ، وأبي الفضل الكوفيِّ، عن أبي بُرْدَةَ بن أبي مُوسَى الأشعريِّ، عن أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَعْطَى اللَّهُ الرَّجُلَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: افْدِ بِهَذَا نَفْسَكَ ".
قال حمزة بن محمد: وهذا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لا أعلم أحدًا رَوَاهُ غَيْرُ حَفْصِ بن مَيْسَرَةَ، ولا رواهُ عن حَفْصٍ غَيْرُ مخلد بن مَالِكٍ، واللَّهُ أعلمُ.
• وأبو داود الطيالسيّ في "مسنده"(501)، وأحمد في "مسنده"(19485 و 19486 و 19560)، ومُسلمٌ في "صحيحه"(2767/ 2،3) ك/التوبة، ب/قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ وَإِنْ كَثُرَ قَتْلُهُ، وأبو يعلى في "مسنده"(7281)، وأبو بكر الروياني في "مسنده"(488)، وابن حبَّان في "صحيحه"(630)، وأبو الفضل الزُّهريّ في "حديثه"(374)، والبيهقي في "البعث والنشور"(86)، وفي "شعب الإيمان"(376)، مِنْ طريق هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إلا أَدْخَلَ اللهُ مَكَانَهُ النَّارَ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا» . واللفظ لمسلمٍ، والباقون بنحوه، وفي الرواية الثانية والثالثة عند الإمام أحمد، ومسلم، وابن حبَّان، والبيهقي سعيد بن أبي بُردة مقرونًا بعون بن عبد الله بن عُتبة، وعند أبي داود، وفي الرواية الثانية والثالثة عند الإمام أحمد، ومسلم، والبيهقي، قال: فَقَدَمَ أَبُو بُرْدَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَهُ، فَاسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَقَدْ حَدَّثَهُ بِهَذَا أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
• ونُعيم بن حَمَّاد في "الفتن"(1722 و 19675)، وأحمد في "مسنده"(19670)، وعبد بن حُميد في "مسنده" - كما في "المنتخب"(537) -، ومُسلمٌ في "صحيحه"(2767/ 1) ك/التوبة، ب/قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ
(1)
صُدَيْق: بضم الصاد، وفتح الدال المُخففة، مُصَغَّراً. يُنظر:"المؤتلف والمختلف" للدَّارقطني 3/ 1436، "الإكمال" لابن ماكولا 5/ 178، "توضيح المشتبه" 5/ 419، "تبصير المنتبه"(3/ 834). بينما ضبطه في المطبوع مِنْ "المعجم الأوسط" هكذا "صِدِّيق" بكسر الصاد، وكسر الدال المشددة.
وَإِنْ كَثُرَ قَتْلُهُ، والبيهقي في "البعث والنشور"(84 و 85)، وفي "شعب الإيمان"(375)، وأبو جعفر محمد بن عاصم الثَّقفيّ في "جزئه"(28) - ومِنْ طريقه الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1375)، وأبو نُعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 80) -، مِنْ طُرُقٍ عن طَلْحَة بن يَحْيَى، عن أبي بُرْدَةَ، عن أبيهِ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، دَفَعَ اللهُ عز وجل إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ ". واللفظ لمسلمٍ، وفيه زيادة عند عبد بن حُميد. وقال محمد بن عاصم: سَمِعْتُ أَبَا أُسَامَةَ حمَّاد بن أسامة، يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَإِسْنَادُهُ كَأَنَّكَ تَنْظُرُ فِيهِ.
• ومُسلمٌ في "صحيحه"(2767/ 4) ك/التوبة، ب/قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ وَإِنْ كَثُرَ قَتْلُهُ، والبيهقي في "البعث والنشور"(90)، مِنْ طريق غَيْلَانَ بن جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:«يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيَغْفِرُهَا اللهُ لَهُمْ وَيَضَعُهَا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى» ، فِيمَا أَحْسِبُ أَنَا. قَالَ أَبُو رَوْحٍ: لا أَدْرِي مِمَّنِ الشَّكُّ، قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: أَبُوكَ حَدَّثَكَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
وقال البيهقي: اللَّفْظ الذي تَفَرَّدَ به شَدَّادٌ أَبُو طَلْحَةَ بِرِوَايَتِهِ في هذا الحديث، وهو قوله: ويضعها على اليهود النَّصَارى مع شَكِّ الرَّاوِي فيه لا أَرَاهُ مَحْفُوظًا، والكافرُ لا يُعَاقَبُ بذنب غيره، قال اللَّهُ عز وجل:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
(1)
، وإِنَّما لفظُ الحديث على ما رواهُ سَعِيدُ بن أبي بُرْدَةَ، وغيرهُ، عن أبي بُرْدَةَ وَوَجْهُهُ؛ وقد عَلَّلَ البُخَارِيُّ حديث أبي بُرْدَةَ باختلاف الرُّوَاةِ عليه في إسناده، ثُمَّ قال: والخبر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الشَّفاعة، وأن قومًا يُعَذَّبون، ثُمَّ يخرجون، أكثر وأَبيَنُ وأَشهَرُ.
(2)
قال أحمدُ: ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حديثُ الفداء في قَوْمٍ قد صَارَتْ ذُنُوبُهُمْ مُكَفَّرَةً في حياتهم، وحديثُ الشَّفَاعَةِ في قَوْمٍ لم تَعُدْ ذُنُوبُهُمْ مُكَفَّرَةً في حَيَاتِهِمْ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكون هذا القول لهم في حَدِيثِ الفداء بعد الشَّفَاعَةِ، فلا يَكُونُ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ا. هـ كلام البيهقي.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مَخْلَد بن مالك بن شَيْبَان، أبو محمد الحَرَّانيُّ، القرشيُّ.
روى عن: حفص بن مَيْسرة، وعيس بن يونس، وإسماعيل بن عَيَّاش، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأَبَّار، وأبو زرعة، ومحمد بن يحيى الحَرَّاني، وآخرون.
حاله: قال أبو زرعة، وابن حجر: لا بأس به. وقال أبو حاتم: شَيْخٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر في "الأمالي": ثِقَةٌ. وفي "القول المسدد": وثَّقَهُ أبو زرعة، ولا أعلم لأحدٍ فيه جرحاً. فهو "ثِقَةٌ".
(3)
(1)
سورة "الأنعام"، الآية (164)، وسورة "الإسراء"، الآية (15)، وسورة "فاطر"، الآية (18)، وسورة "الزمر"، الآية (7).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير"(1/ 39).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 349، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 186، "تهذيب الكمال" 27/ 342، "التقريب"(6539)، "الأمالي المطلقة"(ص/234)، "القول المسدد في الذب عن مسند أحمد"(ص/23).
3) حَفْصُ بن مَيْسَرة العُقَيْلِيُّ، الصَّنْعانيُّ:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
4) صُدَيْقُ بن موسى بن عبد الله بن الزُّبير، التَّيْمي، الجَزَري الأصل.
روى عن: أبي بُرْدة بن أبي موسى، ومحمد بن أبي بكر بن محمد بن عَمرو بن حزم، وآخرين.
روى عنه: حفص بن مَيْسرة، وابن جُرَيْج، وعُثْمان بن أبي سُليمان، وآخرون.
حاله: قال البخاري: قال ابن عُيَيْنَة: كان شُويباً ها هنا - يعني: شاباً -
(1)
. ولم يذكر فيه البخاري، وابن أبي حاتم جرحاً. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وفي "المعرفة" للبيهقي ذكر حديثاً، وصُديق أحد الرواة في إسناده، فقال: قال أحمد: وَضَعُفَ هذا لانقطاعه، فأمَّا رُوَاتُهُ فَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
وقال الذهبي: ليس بالحجة. وقال ابن عبد الهادي: ليس بذاك المشهور.
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"، لتوثيق أحمد، وابن حبَّان، وعدم وقوفنا فيه على جرحٍ مُعتبر، والله أعلم.
(2)
5) أبو بُرْدة عامر بن عبد الله بن قيْس: روى عن: أبيه، "ثقة"، تقدم في الحديث رقم (14).
6) أبو مُوسى عبد الله بن قيْس الأشْعري: "صحابيٌّ جليلٌ"، تقدم في الحديث رقم (14).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "صحيحٌ لذاته"، والحديث أخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه".
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن صُدَيْقٍ إلا حَفْصٌ.
مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه، وهو تَفَرُّدٌ نِسْبِيٌّ، ولم أقف - على حد بحثي - على ما يدفعه؛ ووافقه على ذلك، وزاد عليه الإمام أبو القاسم حمزة بن محمد الكناني في "جزء البطاقة" - كما سبق في التخريج -، فقال: وهذا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لا أعلم أحدًا رَوَاهُ غَيْرُ حَفْصِ بن مَيْسَرَةَ، ولا رواهُ عن حَفْصٍ غَيْرُ مخلد بن مَالِكٍ، واللَّهُ أعلمُ.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: معنى هذا الحديث: ما جاء في حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا لَهُ مَنْزِلانِ: مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِذَا مَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ
…
الحديث"، فالمؤمنُ إذا دَخَلَ الجنَّة خلفهُ الكافرُ في النَّار، لاستحقاقه ذلك بكفره.
(1)
هكذا في "التاريخ الكبير"(4/ 330)، بينما ذكره الذهبي في "الميزان"(2/ 314)، فقال: قال ابن عيينة: كان شريفا مهنأ. وفي "اللسان"(4/ 318): كان شريفاً ها هنا.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 330، "الجرح والتعديل" 4/ 455، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 385، "معرفة السنن والآثار" 14/ 239، "المغني" 1/ 441، "الميزان" 2/ 314، "تنقيح التحقيق" 5/ 67، "لسان الميزان" 4/ 318.
ومعنى "فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ": أنَّك كنت معرَّضًا لدخول النَّارِ، وهذا فَكَاكُكَ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى قَدَّرَ لها عددًا يَمْلَؤُهَا فإذا دخلها الكُفَّارُ بِكُفْرِهِمْ وذُنُوبِهِم صاروا في معنى الفَكَاكِ للمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا رواية "يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ": فمعناهُ أنَّ اللَّهَ تعالى يَغْفِرُ تلكَ الذُّنُوبَ لِلْمُسْلِمِينَ ويُسْقِطُهَا عنهم، ويضعُ على اليهود والنَّصَارى مثلها بكفرهم وذُنُوبِهِم فيُدْخِلُهُمُ النَّارَ بِأَعْمَالِهِم لا بذنوب المسلمين ولا بُدَّ مِنْ هذا التَّأْوِيلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى عز وجل:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
(1)
وقال البيهقي: وَوَجْهُ هَذَا الحديث عِنْدِي - واللَّهُ أَعْلَمُ - أنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعَدَّ لِلْمُؤْمِنِ مقعدًا في الجَنَّةِ، ومقعدًا في النَّارِ، كذلك الكافرُ، فالمُؤْمِنُ يدخلُ الجنَّة بَعْدَمَا يَرَى مقعدَهُ مِنَ النَّار لِيَزْدَادَ شُكْرًا، والكافرُ يَدْخُلُ النَّارَ بعدما يرى مقعدَهُ مِنَ الجنَّة لِتَكُونَ عليه حَسْرَةٌ، فكأنَّ الكَافِرَ يُورَثُ على المؤمِنِ مقعدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، والمُؤْمِنُ يُورَثُ على الكَافِرِ مقعدُهُ مِنَ النَّارِ فَيَصِيرُ في التَّقديرِ كأنَّهُ فِدَى المُؤْمِنَ بالكافرِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(2)
وقال البيهقي أيضًا: وقد عَلَّلَ البُخَارِيُّ رحمه الله وذكر الخلاف فيه على أبي بُردة، ثُمَّ قال: الخَبَرُ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الشَّفَاعَةِ، وأنَّ قومًا يُعَذَّبُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ أَكْثَر وَأَبَيْن
(3)
.
قال البيهقي: وَحَدِيثُ أبي بُرْدَةَ، عن أبيه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قد صَحَّ عند مُسْلِمٍ رحمه الله، وذلك لا يُنَافِي حديث الشَّفَاعَةِ، فإنَّ حديث الفداء وإن وَرَدَ مَوْرِدَ العُمُومِ في كُلِّ مُؤْمِنٍ فيُحْتَمَلُ أن يَكُونَ المراد به كُلَّ مُؤْمِنٍ قد صَارَتْ ذُنُوبُهُ مُكَفَّرَةً بما أصابه مِنَ البَلَايَا في حياته
…
وحديثُ الشَّفَاعَةِ يَكُونُ فِيمَنْ لَمْ تَصِرْ ذُنُوبُهُ مُكَفَّرَةً في حَيَاتِهِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشَّفَاعَةِ، واللهُ أعلم.
(4)
قال الإمام النووي: قوله " فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ ": إِنَّمَا اسْتَحْلَفَهُ لِزِيَادَةِ الاستيثاق وَالطُّمَأْنِينَةِ، ولما حَصَلَ له مِنَ السُّرُورِ بهذه البِشَارَةِ العظيمة لِلْمُسْلِمِينَ أجمعين؛ ولأنَّهُ إن كان عنده فيه شَكٌّ وخوفٌ، غَلَطٌ أو نِسْيَانٌ، أو اشْتِبَاهٌ أو نحو ذلك، أمسك عَنِ اليَمِينِ، فإذا حلف تَحَقَّقَ انتفاءُ هذه الأمور، وعرف صِحَّةَ الحديث، وقد جاء عن عُمَر بن عبد العزيز والشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أنَّهما قالا: هذا الحديث أرجى حديثٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وهو كما قالا؛ لِمَا فيه مِنَ التَّصْرِيحِ بِفِدَاءِ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَتَعْمِيمِ الفِدَاءِ، وللَّه الحَمْدُ.
(5)
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(17/ 85).
(2)
يُنظر: "البعث والنشور"(ص/96).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير"(1/ 39).
(4)
يُنظر: "شعب الإيمان"(1/ 342).
(5)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم"(17/ 86).
[221/ 621]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا سُلَيْمَانُ بْنُ النُّعْمَانِ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: نا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ.
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «نِعْمَ الإِدَامُ
(1)
الْخَلُّ».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُحَارِبٍ إلا حَفْصٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 67) بسنده من طريق حفص بن سليمان، عن محارب، به.
• وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(24614)، وأبو داود في "سننه"(3820)، ك/الأطعمة، ب/في الخلِّ، والترمذي في "سننه"(1842)، ك/الأطعمة، ب/ما جاء في الخلِّ، وفي "الشمائل"(154)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(8372)، والطبراني في "الأوسط"(8817)، والعقيلي في "الضعفاء"(4/ 227)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(4/ 404)، والبغوي في "شرح السنة"(2867).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن سُفْيَان الثوري - مِنْ أصح الأوجه عنه
(2)
-.
_ وأحمد في "مسنده"(14988)، مِنْ طريق عُبيد الله بن الوليد الوصَّافي - مِنْ أصح الأوجه عنه
(3)
-.
_ وابن ماجة في "سننه"(3317)، ك/الأطعمة، ب/الائتدام بالخل، من طريق قيس بن الربيع.
_ وأبو يعلى في "مُسْنده"(1981 و 2201)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(8371)، والدولابي في "الكنى"(1201)، وابن حبَّان في "المجروحين"(3/ 118)، وابن عدي في "الكامل"(9/ 89)، مِنْ طريق أبي طالب يحيى بن يعقوب الأنصاري القاص - خال أبي يوسف القاضي -.
_ وأبو عوانة في "المُستخرَج"(8373)، مِنْ طريق عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي.
_ والطبراني في "الأوسط"(8817)، من طريق مِسْعر بن كِدَام - مقروناً برواية سُفْيَان -.
ستتهم (الثوري، والوصَّافي، وقيس، وأبو طالب، والمسعودي، ومِسْعر) عن مُحارب بن دِثَار، به، وعند أحمد مِنْ طريق الوصَّافي فيه قصة؛ وزاد أبو طالب يحيى بن يعقوب في روايته:"وَكَفَى بِالْمَرْءِ شَرًّا أَنْ يَسْخَطُ مَا قُرِّبَ إِلَيْهِ". قال ابن حبَّان: زاد فيه هذا الكلام الأخير الذي ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1)
قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث"(1/ 31): الإِدام بالكسر، والأُدْمُ بالضَّمِّ: ما يُؤكَلُ مع الخبز أي شيءٍ كان. وقال النووي في "شرح مسلم"(14/ 6): قال أهل اللغة: الادام بكسر الهمزة ما يؤتدم به، يقال: أدم الخبز يأدمه بكسر الدال، وجمع الإدام: أدم بضم الهمزة والدال، كإهاب وأهب، وكتاب وكتب، والأدم بإسكان الدال مفرد كالإدام.
(2)
يُنظر: "سنن الترمذي"(1839)، فقد أخرجه بسنده مِنْ طريق مُبارك بن سعيد الثوري، عن أخيه سُفْيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر، ثم أخرجه برقم (1842) مِنْ طريق معاوية بن هشام، عن سُفْيَان الثوري، عن مُحارب بن دِثَار، عن جابر، ثُمَّ قال الترمذي: هذا أصح مِنْ حديث مُبَارك بن سعيد. وبنحو هذا قاله العقيلي في "الضعفاء"(4/ 226 - 227).
(3)
يُنظر: "مسند أحمد"(14985).
• وأخرجه مُسلمٌ في "صحيحه"(2052/ 1 - 4)، ك/الأشربة، ب/فضيلة الخل والتَّأدم به، مِنْ طُرُقٍ عن أبي سُفيان طلحة بن نافع، عن جابر بن عبد الله أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ، فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ، وَيَقُولُ:«نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ، نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ» . وفي رواية، قال: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأُخْرَجَ إِلَيْهِ فِلَقًا مِنْ خُبْزٍ، فَقَالَ:«مَا مِنْ أُدُمٍ؟» فَقَالُوا: لا إلا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ، قَالَ:«فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الأُدُمُ» ، قَالَ جَابِرٌ: فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقَالَ طَلْحَةُ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) سُليْمَان بن النُّعمان، أبو أيوب الشَّيْبانيّ البَصْريُّ.
روى عن: حفص بن سُليمان.
روى عنه: أحمد بن علي الأَبَّار، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: شَيْخٌ.
(1)
وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(1)
قال الذهبي في "الميزان"(2/ 385)، في العباس بن الفضل: سمع منه أبو حاتم، وقال: شيخٌ، فقوله: شيخ ليس هو عبارة جرح، ولهذا لم أذكر في كتابنا أحداً ممن قال فيه ذلك، ولكنها أيضا ما هي عبارة توثيق، وبالاستقراء يلوح لك إنه ليس بحجة.
قلتُ: وفَسَّر ابن أبي حاتم لفظة "شيخٌ" في كلام أبيه بأنَّه "صدوقٌ"، ففي ترجمة أحمد بن محمد بن أيوب الواسطي مِنْ "الجرح والتعديل"(2/ 71)، قال: محله الصدق كتبنا عنه مع أبي، سئل أبي عنه فقال: شيخ. وفي ترجمة عَبَّاد بن الوليد بن خالد الغُبَري (6/ 88)، قال: سَمعت منه مع أبي، وهو: صدوقٌ، سُئل أبي عنه، فقال: شَيْخٌ. وعَبَّاد بن الوليد هذا ذكره ابن حبَّان في "الثقات"(8/ 436)، واعتمد الحافظ ابن حجر كلام ابن أبي حاتم في هذا الراوي فقال في "التقريب" (3151): صدوقٌ. ولم أقف على كلام أحد مِنْ أهل العلم فيه غير ذلك. يُنظر: "تهذيب الكمال"(14/ 172)، "تهذيب التهذيب"(5/ 108). وبيَّن ابن أبي حاتم في باب بيان درجات رواة الآثار (2/ 37)، بأنَّ مَنْ قيل فيه "شَيْخٌ" فهو مِثْلُ الصدوق "يُكتب حديثه ويُنظر فيه"، لكنَّه في مرتبةٍ دون الصدوق، فقال: إذا قيل في الراوي إنَّه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو مِمَّن يُكتب حديثه ويُنظر فيه وهي المنزلة الثانية، وإذا قيل شيخٌ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية.
قلتُ: مِنْ مجموع ذلك يَتَبَيَّن أنَّ مَنْ قال فيه أبو حاتم "شَيخٌ"، فهو مِمَّنْ يُكتب حديثه، ويُنظر فيه، فُيُحتجُ به عند عدم المخالفة، فكيف إذا تُوبع!؛ وعليه فمُراد الذهبي بقوله:"وبالاستقراء يلوح لك إنه ليس بحجة"، أي عند المخالفة، والله أعلم.
قلتُ: وهذا في الروي الذي قال فيه أبو حاتم "شَيْخٌ"، دون أنْ يُقْرن ذلك بعبارة أخرى؛ فالمُتَتَبع لكتاب "الجرح والتعديل" يقف على تراجم كثيرة يقول أبو حاتم فيها "شَيخٌ"، لكنه يُقرن ذلك أحياناً بلفظ توثيق، فيقول:"شَيْخٌ ثِقَةٌ"، أو "شَيْخٌ لا بأس به"، يُنظر:"الجرح والتعديل"(2/ 113 و 2/ 161 و 2/ 324 و 3/ 88)، وأحياناً يُقرنها بلفظ تضعيف، فيقول:"شيخٌ ضَعيفُ، أو "شَيخٌ ليس بالقوي"، أو شيخٌ يأتي بالمناكير، ونحو ذلك، يُنظر:(2/ 206 و 2/ 546 و 2/ 300 و 2/ 312 و 2/ 315 و 3/ 82)؛ أو عند انفراد أبو حاتم بالحكم عليه، ولم تقف على أقوال غيره مِنْ أهل العلم المعتبرين، فإذا وجدنا أقوال غيره مِنْ أهل العلم حكمنا عليه بمجموع هذه الأقوال، بما يَتَّفق مع قواعد أهل هذا الفن.
وهذا هو اجتهادي القاصر، وإلا فالموضوع مهم، ويحتاج إلى دراسة مُستقلة، تقوم على التَّتبع والاستقراء، والتحليل، والمقارنة، لمعرفة الصواب في ذلك، والله أعلم.
فالحاصل: أنَّه "مستور الحال، يُكتب حديثه ويُنظر فيه".
(1)
3) حَفْصُ بن سُلَيْمَانَ أبو عُمَرَ، الأَسَدِيُّ الكُوفِيُّ، شَيْخُ القُرَّاءِ، وَيُقَالُ لَهُ: حَفْصُ بْنُ أَبِي داود.
روى عن: مُحَارب بن دِثَار، وعاصم بن أبي النَّجود، وأيوب السختياني، وآخرين.
روى عنه: سُليمان بن النُّعمان، عَمرو بن عُثمان الرَّقي، وعمرو بن محمد النَّاقد، وآخرون.
حاله: قال أحمد: صالحٌ. وقال أيضاً: ما به بأسٌ. وقال ابن معين: كان حفص بن سُلَيْمان، وأبو بكر بن عَيَّاش مِنْ أعلم النَّاس بقراءة عاصم، وكان حفص أقرأ مِنْ أبي بكر، وكان كَذَّاباً، وكان أبو بكر صدوقاً. وقال صالح جَزَرَةُ: لا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وقرأ القرآن على عاصم مَرَّاتٍ، وَجَوَّدَهُ، وكان القدماءُ يَعُدُّون حفصاً في الإتقان للحروف فوق أبي بكر بن عَيَّاشٍ، ويصفونه بالضَّبْطِ.
_ وقال ابن معين: ليس بثقةٍ. وقال البخاري: تركوه. وقال أحمد، ومسلمٌ، والنَّسائي: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: لا يُكتب حديثه، وهو ضعيف الحديث، لا يُصَدَّق، متروك الحديث. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال ابن خِراش: كذَّابٌ، متروكٌ، يضع الحديث. وقال ابن حبَّان: كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، ويأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها من غير سماع. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه غير محفوظة.
_ وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام": كان حُجَّةً في القراءة، واهيًا في الحَدِيثِ. وفي "الميزان": كان ثَبْتَاً في القراءة، واهياً في الحديث، لأنَّه كان لا يُتْقِنُ الحديث ويُتْقِنُ القرآن ويُجَوِّدْه، وإلا فهو في نفسه صادقٌ. وإنَّما دَخَلَ عليه الدَّاخل في الحديث لتهاونه به. وقال ابن حجر: متروك الحديث، مع إمامته في القراءة.
_ فالحاصل: أنَّه "متروك الحديث، مع إمامته في القراءة".
(2)
4) مُحارب بن دِثَار بن كُرْدوس بْن قِرْواش السَّدُوسيُّ الكوفيُّ.
روى عن: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عُمر، وعبد الله بن بُرَيْدة، وآخرين.
روى عنه: سُفْيَان الثوري، وشعبة، ومِسْعَر بن كِدَام، وآخرون.
حاله: قال الثوري، وابن معين، وأحمد، والعِجْلي، والنَّسائي، والدَّارقطني، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ صَدوقٌ. وقال أبو زرعة: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال الذهبي: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وروى له الجماعة.
(3)
5) جابر بن عبد الله الأنصاري: صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثِرين، تقدم في الحديث رقم (20).
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 4/ 147، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 276، "تاريخ الإسلام" 5/ 329.
(2)
يُنظر: "التا ريخ الكبير" 2/ 363، "الضعفاء والمتروكون" للنَّسائي (ص/82)، "الجرح والتعديل" 3/ 173، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 255، "الكامل" لابن عدي 3/ 268، "تاريخ بغداد" 9/ 64، "تهذيب الكمال" 7/ 11، "تاريخ الإسلام" 4/ 602، "الميزان" 1/ 558، "تهذيب التهذيب" 2/ 401، "التقريب"(1405).
(3)
يُنظر: "الثِّقَات" للعِجْلي 2/ 266، "الجرح والتعديل" 8/ 416، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 452، "تاريخ دمشق" 57/ 54، "التهذيب" 27/ 255، "تاريخ الإسلام" 3/ 305، "السير" 5/ 217، "تهذيب التهذيب" 10/ 49، "التقريب"(6492).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل حفص بن سُليمان "متروك الحديث".
مُتابعات وشواهد للحديث:
وقد صحَّ الحديث مِنْ طُرُقٍ أخرى عن مُحارب، وأخرجه مُسلمٌ في "صحيحه" مِنْ طريق أخرى عن جابر:
_ فلم يَنْفرد حفص بن سُليمان به عن مُحارب بن دِثَار، بل تابعه جماعة كما سبق في التخريج، منهم: سُفْيان الثوري، وعُبيد الله بن الوليد، وقيس بن الربيع، وآخرون، وبعض هذه الطُرُق صحيحٌ إلى راويه.
_ والحديث أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" مِنْ طريق طلحة بن نافع، عن جابر رضي الله عنه، كما سبق في التخريج.
_ وللحديث شاهدٌ، أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(2051)، ك/الأشربة، ب/فضيلة الخَلِّ وَالتَّأَدُّمِ به، عن عَائِشَة، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«نِعْمَ الأُدُمُ - أَوِ الإِدَامُ - الْخَلُّ» .
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُحَارِبٍ إلا حَفْصٌ.
قلتُ: لم يَنْفرد به حفص بن سُليمان عن مُحارب بن دِثَار، بل تابعه ستة مِنْ الرواة عنه، كما سبق في التخريج؛ وهم: سُفْيان الثوري، وعُبيد الله بن الوليد الوَصَّافي، وقيس بن الربيع، وأبو طالب يحيى بن يعقوب الأنصاري، وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، ومِسْعر بن كِدَام، وطريق الثوري "صحيحٌ"، وبقية الطرق الأخرى لا تخلو مِنْ ضَعْفٍ. وبعض هذه المُتابعات أخرجها المُصَنِّف في "الأوسط"، كما سبق في التخريج.
لذا تعقَّبَه الحويني في "تنبيه الهاجد".
(1)
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال أبو سُليْمان الخطابِيّ: معنى هذا الكلام مدحُ الاقتصاد في المآكل، ومنع النَّفس عن ملاذ الأطعمة، وفيه من الفقه أن مَنْ حلف لا يأتدمُ، ولا يأكلُ خبزًا بإدامٍ، فأكله بخلِّ يحنثُ.
(2)
وقال ابن القيم: «نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ» ، هذا ثَنَاءٌ عليه بحسب مُقْتَضَى الحال الحاضر، لا تَفْضِيلٌ له على غيره.
(3)
وقال أيضاً: وكان يمدح الطعام أحيانا، كقوله، لما سأل أهله الإدام، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به فجعل يأكل منه ويقول:«نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ» ، وليس في هذا تفضيل له على اللبن واللحم والعسل والمرق، وإنما هو مدح له في تلك الحال التي حضر فيها، ولو حضر لحم أو لبن كان أولى بالمدح منه، وقال هذا جبراً
(1)
يُنظر: "تنبيه الهاجد"(1/ 86/برقم 41).
(2)
يُنظر: "شرح السنة" للبغوي (11/ 309).
(3)
يُنظر: "زاد المعاد في هدي خير العباد"(4/ 201).
وتطييباً لقلب من قدَّمه، لا تفضيلا له على سائر أنواع الإدام.
(1)
وقال النووي: وفي الحديث فضيلة الخل، وأنه يسمى أُدْمَاً، وأنه أدم فاضل جيد، وفيه استحباب الحديث على الأكل تأنيسا للآكلين؛ وأما معنى الحديث: فقال الخطابي، والقاضي عياض: معناه مدح الاقتصار في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة، تقديره: ائتدموا بالخل، وما في معناه مِمَّا تخف مؤنته ولا يعز وجوده، ولا تتأنقوا في الشهوات، فإنها مفسدة للدين مسقمة للبدن، هذا كلام الخطابي ومن تابعه؛ والصواب الذي ينبغي أن يُجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر.
وأما قول جابر: فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فهو كقول أنس "فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ"
(2)
، وهذا مما يؤيد ما قلناه في معنى الحديث أنه مدح للخل نفسه، وقد ذكرنا مرات أن تأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين، وهذا كذلك بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ فيتعين اعتماده.
(3)
* * *
(1)
يُنظر: "زاد المعاد في هدي خير العباد"(2/ 367).
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(2092)، ك/البيوع، ب/ذكر الخيَّاط، وبرقم (5379)، ك/الأطعمة، ب/مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالَيْ القَصْعَةِ مَعَ صَاحِبِهِ، إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ كَرَاهِيَةً، وبرقم (5420)، ك/الأطعمة، ب/الثريد، وبرقم (5433)، ك/الأطعمة، ب/الدباء، وبرقم (5435)، ك/الأطعمة، ب/مَنْ أَضَافَ رَجُلًا إِلَى طَعَامٍ وَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ، وبرقم (5436)، ك/الأطعمة، ب/المرق، وبرقم (5439)، ك/الأطعمة، ب/مَنْ نَاوَلَ أَوْ قَدَّمَ إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى المَائِدَةِ شَيْئًا، ومُسلمٌ في "صحيحه"(2041)، ك/الأشربة، ب/جَوَاز أَكْلِ الْمَرَقِ، وَاسْتِحْبَابِ أَكْلِ الْيَقْطِينِ، مِنْ طُرُقٍ عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
يُنظر: "شرح النووي على مسلم"(14/ 6).
[222/ 622]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا نَصْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْمُؤَدِّبُ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَإِنَّ الْبَعِيرَ الضَّابِطَةَ
(1)
وَالْمَزَادَتَيْنِ
(2)
أَحَبُّ إِلَى الرَّجُلِ مِمَّا يَمْلِكُ».
هذا الحديث مَدَاره على إسماعيل بن أبي خالد، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
أولاً: - الوجه الأول:
إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعاً).
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) نصر بن الحكم بن زياد أبو منصور الياسري.
روى عن: إسماعيل بن عيَّاش، وخلف بن خليفة، وهُشيم بن بَشير، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي بن مُسلم الأَبَّار، والحسن بن علويه القَطَّان، وعَبَّاد بن الوليد الغُبَري، وآخرون.
حاله: ذكره ابن حبَّان، وترجم له الخطيب، والذهبي ولم يَذكرا فيه شيئاً. فحاصله: أنَّه "مجهول الحال".
(3)
3) إسماعيل بن عيَّاش العَنْسيُّ: "صَدُوقٌ في روايته عن الشاميين، مُخَلِّطٌ في غيرهم"، سبق في (38).
4) إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ البَجَلِيُّ، الكوفي:"ثِقَةٌ، ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (50).
5) أبو خالد البجلي الكوفي، والد إِسْمَاعِيل بْن أَبي خالد، يقال: اسمه سعد، ويُقال: هرمز، ويُقال: كثير.
روى عن: أبي هُريرة، وجابر بن سَمْرة.
روى عنه: ابنه إسماعيل بن أبي خالد. وقال الذهبي في "الميزان": ما روى عنه سوى ولده.
حاله: ذكره البخاري، وابن أبي حاتم ولم يُوردا فيه جرحًا ولا تعديلًا. وأخرجه له الترمذي في "سننه" حديثاً، وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: مقبولٌ.
فالحاصل: أنَّه "مجهول الحال"، فلم يَرو عنه سوى ولده؛ وأمَّا تصحيح الترمذي للحديث فبمجموع طُرُقه.
(4)
(1)
قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث"(3/ 72): البعير الضَّابِط: القَويُّ على عمله.
(2)
قال القاضي عِياض في "مشارق الأنوار"(1/ 314): مزادتين: المزادة والراوية سَوَاء، وَقيل: مَا زيد فِيهِ جلد ثَالِث بَين جلدتين ليتسع، وَقيل: المزادة القرْبَة، وَقيل: القِرْبَة الكَبِيرَة التي تُحمل على الدَّابَّة. ويُنظر: "الفائق في غريب الحديث"(2/ 177).
(3)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 9/ 215، "تاريخ بغداد" 15/ 385، "تاريخ الإسلام" 5/ 947.
(4)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 55، "الكنى والأسماء" للإمام مُسلم (ص/278)، "سنن الترمذي" حديث رقم (1853)، "الجرح والتعديل" 4/ 98، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 300، "تهذيب الكمال" 33/ 272، "الميزان" 4/ 520، "التقريب، وتحريره"(8071).
6) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ، حافظ الصحابة"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
ثانياً: - الوجه الثاني:
إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (موقوفاً).
أ تخريج الوجه الثاني: ورواه عن إسماعيل بهذا الوجه اثنان مِنْ الرواة، كالآتي:
• فأخرجه أبو عَمرو الدَّاني في "السنن الواردة في الفتن"(308)، مِنْ طريق مَرْوان بن مُعاوية الفَزَاري.
• وأخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(37602)، عن وكيعٍ بن الجَرَّاح (واللفظ له).
كلاهما (مَرْوان، ووكيع)، عن إِسْمَاعِيل بن أبي خالد، عن أَبِيه، عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قال:«يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ الْجَمَلُ الضَّابِطُ أَحَبَّ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ» . وزاد مَرْوان: "وَمَزَادَتَانِ".
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد ابن أبي شيبة):
1) وكيعٌ بن الجَرَّاح بن مَليح الرُّؤاسي: "ثِقَةٌ حافظٌ عابدٌ".
(1)
2) إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ الْبَجَلِيُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (50).
3) أبو خالد البجلي الكوفي: "مجهول الحال"، تقدَّم في الوجه الأول.
4) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ، حافظ الصحابة"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
ثالثاً: - النظر في الخلاف على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على إسماعيل بن أبي خالد، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعاً).
ولم يَروه عن إسماعيل بهذا الوجه إلا إسماعيل بن عيَّاش، واتَّفقوا على أنَّه "صَدوقٌ في روايته عن الشَّاميين، مُخَلِّطٌ في غيرهم"، ورواه عن إسماعيل بن أبي خالد الكوفيٌّ، وخالف فيه الثقات، فرفع ما وقفوه، فلعلَّه مِمَّا خَلَّط وأخطأ فيه، وتَفَرَّد به نصر بن الحكم عنه، وهو "مجهول الحال"، فلعلَّ الخطأ فيه مِنْه.
الوجه الثاني: إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (موقوفاً).
بينما رواه عن إسماعيل بهذا الوجه اثنان مِنْ الثقات، وهما: وكيعٌ بن الجَرَّاح، ومَرْوان بن معاوية الفَزَاري.
وبهذا يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثاني هو الأقرب للصواب؛ للأكثرية، والأحفظية، ولكون الوجه الأول مِنْ رواية إسماعيل بن عَيَّاش، عن الكوفيين، وهو ضَعيف في روايته عنهم، مع مخالفته لِمَا رواه الثقات، والله أعلم.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكرٌ"؛ لأجل إسماعيل بن عَيَّاش "مُخَلِّطٌ في روايته عن غير الشَّاميين"، وهذا الحديث مِنْ روايته عن الكوفيين، وقد خالف فيه ما رواه الثقات عن إسماعيل بن أبي خالد.
(1)
يُنظر: "التقريب"(7414).
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه إسماعيل بن عيَّاش، وفيه ضعفٌ فيما رواه عن غير الشاميين، وهذا من روايته عن إسماعيل بن أبي خالد وهو كوفي، وبقية رجاله ثقات.
(1)
قلتُ: وفيه أبو خالد البجلي - والد إسماعيل بن أبي خالد - "مجهول الحال"، كما سبق، والله أعلم.
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد ابن أبي شيبة "ضَعيفٌ"؛ لأجل أبي خالدٍ البَجَليّ - والد إسماعيل بن أبي خالد -، "مجهول الحال"، وقال ابن حجر في "التقريب":"مقبول"، أي إذا تُوبع، وإلا فَلَيِّنُ الحديث.
وعلى فرض صحته، فله حكم الرفع، لكونه مِنْ الأمور الغيبية، التي لا دخل للرأي والاجتهاد فيها.
قلتُ: ثُمَّ وقفت على ما قد يشهد له، فأخرج الإمام عبد الرزاق في "المُصَنَّف"(18250) - ومِنْ طريقه الطبراني في "المعجم الكبير"(1660) -، قال: عن الثَّوْرِيِّ، عن إسماعيل بن مُسْلِم، عن الحسن، عن جُنْدُبِ بن عبد اللَّهِ، قال: جَلَسْتُ إِلَيْهِ في إِمَارَةِ الْمُصْعَبِ، فقال: إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ قَدْ وَلَغُوا في دِمَائِهِمْ، وَتَحَانَقُوا على الدُّنْيَا، وَتَطَاوَلُوا في الْبُنْيَانِ، وَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ إِلا يَسِيرٌ، حَتَّى يَكُونَ الْجَمَلُ الضَّابِطُ، وَالْحُمْلانُ، وَالْقَتَبُ أَحَبَّ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنَ الدَّسْكَرَةِ الْعَظِيمَةِ، تَعْلَمُونَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«لا يَحُولَنَّ بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ، وَهُوَ يَرَى بَابَهَا مِلْءُ كَفٍّ مِنْ دَمِ امْرئٍ مُسْلِمٍ، أَهْرَاقَهُ بِغَيْرِ حِلِّهِ، ألا مَنَ صَلَّى صلاة الصُّبْحِ، فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ» .
وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
(2)
قلت: بل فيه إسماعيل بن مُسلم المكي: "ضَعيفُ الحديث".
(3)
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن إسماعيل بن أبي خالدٍ إلا إسماعيلُ بن عَيَّاش، تَفَرَّدَ به: نَصْرٌ.
(4)
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف، وأنَّه لم يروه عن إسماعيل بن أبي خالد إلا إسماعيل بن عَيَّاش، تَفَرَّد به نصر بن الحكم، وهذا مُقَيَّدٌ بالوجه الأول (المرفوع)؛ وإلا فقد رواه وكيعٌ بن الجَرَّاح، ومَرْوان بن مُعاوية الفَزَاريُّ، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد لكن بالوجه الثاني (الموقوف).
* * *
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 332).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 298).
(3)
يُنظر: "التقريب"(483)؛ وليس هو إسماعيل بن مسلم العبدي الثقة، فالعبدي لا يروي عنه الثوري، كما في ترجمته مِنْ "تهذيب الكمال"(3/ 196 - 197).
(4)
سيأتي كلام المُصَنِّف عقب الحديث الآتي إن شاء الله عز وجل.
[223/ 623]- وَبِهِ:
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مَدِينَةَ هِرَقْلَ، أَوْ قَيْصَرَ، وتَقْتَسِمُونَ أَمْوالَهَا بِالتِّرَسَةِ، وَيُسْمِعُهُمُ الصَّرِيخُ أَنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي أَهَالِيهِمْ، فَيُلْقُونَ مَا مَعَهُمْ، وَيَخْرُجُونَ فَيُقَاتِلُونَ» .
* لم يَرْوِ هذين الحديثينِ عن إسماعيل بن أبي خالد إلا إسماعيلُ بن عَيَّاشٍ، تَفَرَّدَ بهما: نَصْرٌ.
هذا الحديث مَدَاره على إسماعيل بن أبي خالد، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعاً).
الوجه الثاني: إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (موقوفاً).
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعاً).
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه على حد بحثي إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) نصر بن الحكم بن زياد: "مجهول الحال"، تقدَّم في الوجه الأول.
3) إسماعيل بن عيَّاش العَنْسيُّ: "صَدُوقٌ في روايته عن الشاميين، مُخَلِّطٌ في غيرهم"، سبق في (38).
4) إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ البَجَلِيُّ، الكوفي:"ثِقَةٌ، ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (50).
5) أبو خالد البجلي الكوفي: "مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (223).
6) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ، حافظ الصحابة"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
ثانياً: - الوجه الثاني:
إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (موقوفاً).
أ تخريج الوجه الثاني: ورواه عن إسماعيل بهذا الوجه اثنان مِنْ الرواة، كالآتي:
• فأخرجه نُعيم بن حمَّاد في "الفتن"(1488)، قال: حدَّثنا عيسى بن يُونُسَ.
• وأخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(37523)، قال: حدَّثنا عبد الله بن نُمَير.
كلاهما (عيسى بن يونس، وابن نُمير)، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال:" لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُفْتَحَ مَدِينَةُ قَيْصَرَ أَوْ هِرَقْلَ، وَيُؤَذِّنُ فِيهَا الْمُؤَذِّنُونَ، وَيَقْتَسِمُونَ الأَمْوَالَ فِيهَا وَالأَتْرِسَة، فَيُقْبِلُونَ بِأَكْثَرَ مَالٍ عَلَى الأَرْضِ، فَيَتَلَقَّاهُمُ الصَّرِيخُ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ، فَيُلْقُونَ مَا مَعَهُمْ، فَيَجِيئُونَ فَيُقَاتِلُونَهُ ".
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد نُعيم بن حمَّاد):
1) عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي: "ثِقَةٌ مأمون".
(1)
2) إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ البَجَلِيُّ، الكوفي:"ثِقَةٌ، ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (50).
3) أبو خالد البجلي الكوفي: "مجهول الحال"، تقدَّم في الحديث رقم (223).
4) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ، حافظ الصحابة"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
ثالثاً: - النظر في الخلاف على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على إسماعيل بن أبي خالد، واختُلف عنه مِنْ وجهين:
الوجه الأول: إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (مرفوعاً).
ولم يَروه عن إسماعيل بهذا الوجه إلا إسماعيل بن عيَّاش، واتَّفق أهل العلم على أنَّه "صَحيحُ الحديث في روايته عن الشَّاميين، مُخَلِّطٌ في روايته عن غيرهم"، وقد رواه عن إسماعيل بن أبي خالد وهو كوفيٌّ، وخالف غيره مِنْ الثقات، فرفع ما وقفوه، فدلَّ ذلك على أنَّ هذا الحديث مِمَّا خَلَّط وأخطأ فيه، وتَفَرَّد به نصر بن الحكم الياسريّ، عن إسماعيل بن عَيَّاش، وهو "مجهول الحال"، ولعلَّ الخطأ في هذا الحديث مِنْه، والله أعلم.
الوجه الثاني: إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (موقوفاً).
بينما رواه عن إسماعيل بهذا الوجه اثنان مِنْ الثقات، وهما: عيسى بن يُونس، وعبد الله بن نُمير.
وبهذا يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثاني هو الأقرب للصواب؛ للأكثرية، والأحفظية، ولكون الوجه الأول مِنْ رواية إسماعيل بن عَيَّاش، عن الكوفيين، وهو ضَعيف في روايته عنهم، مع مخالفته لِمَا رواه الثقات، والله أعلم.
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكرٌ"؛ لأجل إسماعيل بن عَيَّاش "مُخَلِّطٌ في روايته عن غير الشَّاميين"، وهذا الحديث مِنْ روايته عن الكوفيين، وقد خالف فيه ما رواه الثقات عن إسماعيل بن أبي خالد.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله ثقات.
(2)
بل فيه إسماعيل بن عيَّاش "مُخلِّط في روايته عن غير الشاميين"، وأبو خالد البجلي "مجهول الحال".
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد نُعيم بن حمَّاد "ضَعيفٌ"؛ لأجل أبي خالدٍ البَجَليّ - والد إسماعيل بن أبي خالد -، وهو "مجهول الحال"، وقال ابن حجر في "التقريب":"مقبول"، أي إذا تُوبع، وإلا فَلَيِّنُ الحديث.
(1)
يُنظر: "التقريب"(5341).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 349).
شواهد للحديث:
• أخرج الإمام أبو سعيد الأعرابي في "معجمه"(2155) - ومِنْ طريقه أبو عمرو الدَّاني في "السنن الواردة في الفتن"(597) -، قال: نا عبد الملك الميمونيُّ، نا محمَّد بن عُبيد الطنافسي، نا الأعمشُ، عن خَيْثَمَة، عن عبد اللَّهِ بن عَمرو، قَالَ: يُجَيِّشُ الرُّومُ فَيُخْرِجُونَ أَهْلَ الشَّامِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِكُمْ، فَتُغِيثُونَهُمْ، فَلا يَتَخَلَّفُ عَنْهُمْ مُؤْمِنٌ، فَيَقْتَتِلُونَ، فَيُقْتَلُونَ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ قَتْلٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ يَهْزِمُونَهُمْ فَيَنْتَهُونَ إِلَى أُسْطُوَانَةٍ إِنِّي لأعْلَمُ مَكَانَهَا عَلَيْهِمْ عِنْدَهَا الدَّنَانِيرُ، فَيَكْتَالُونَهَا بِالتِّرَاسِ، فَيَتَلَقَّاهُمُ الصَّرِيخُ بِأَنَّ الدَّجَّالَ يَحُوشُ ذَرَارِيكُمْ، فَيُلْقُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، ثُمَّ يَؤُوبُونَ. وإسناده صحيحٌ.
• وأخرج الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(2899)، ك/الفتن، ب/إقبال الرُّوم في كثرة القتل عند خُرُوج الدَّجَّال، عن يُسَيْرِ بن جَابِرٍ، قال: هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هجِّيرَى إلا: يا عَبْدَ اللهِ بن مَسْعُودٍ جَاءَتِ السَّاعَةُ، قال: فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لا تَقُومُ، حَتَّى لا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، ولا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ، ثُمَّ قال: بِيَدِهِ هَكَذَا - وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّام -، فَقَالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لأَهْلِ الإسلامِ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الإسلامِ، قُلْتُ: الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتَكُونُ عِنْدَ ذَالكُمُ الْقِتَال رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ لا تَرْجِعُ إِلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لا تَرْجِعُ إِلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لا تَرْجِعُ إلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يُمْسُوا، فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ، نَهَدَ إِلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الإِسْلامِ، فَيَجْعَلُ اللهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتُلُونَ مَقْتَلَةً، حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ، فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا، فَيَتَعَادُّ بَنُو الأَبِ، كَانُوا مِائَةً، فَلا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ
يُفْرَحُ؟ أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ، هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمُ الصَّرِيخُ، إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَيُقْبِلُونَ، فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ - أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ -» .
وعليه فالحديث يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، وله حكم الرفع، فهو مِمَّا لا يُقال مِنْ قِبل الرأي والاجتهاد.
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن إسماعيل بن أبي خالدٍ إلا إسماعيلُ بن عَيَّاش، تَفَرَّدَ به: نَصْرٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف، وأنَّه لم يروه عن إسماعيل بن أبي خالد إلا إسماعيل بن عَيَّاش، تَفَرَّد به نصر بن الحكم، وهذا مُقَيَّدٌ بالوجه الأول (المرفوع)؛ وإلا فقد رواه عيسى بن يُونس، وعبد الله بن نُمير، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد لكن بالوجه الثاني (الموقوف).
* * *
[224/ 624]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتّليُّ، قَالَ: نا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمُعَلِّمِ، عَنْ بُكَيْر بْنِ الأَخْنَسِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا يُحَدِّثُ.
عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.
قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَرَحَلْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، وَقُلْتُ: نَحْنُ نَكْرَهُ الْمَوْتَ.
فَقَالَتْ: لَيْسَ ذَاكَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا ذَاكَ عِنْدَ الْمَوْتِ يَرَى الْمُؤْمِنُ مَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ فَيُحِبُّ لِقَاءَهُ، وَالْكَافِرُ يُبْغِضُ الْمَوْتَ، ويُبْغِضُهُ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن بُكَيْرٍ إلا عُتْبَةُ، ولا عن عُتْبَةَ إلا أبو إسماعيل، تَفَرَّدَ به: عَبَّادٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه"(2684/ 1 - 2)، ك/الذكر والدعاء، ب/مَنْ أَحَبَّ لقاء اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءهُ ومَنْ كَرِهَ لقاء اللهِ كَرِهَ اللهُ لقاءهُ، بسنده مِنْ طريق سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قالتْ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ» . فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ، فَقَالَ:«لَيْسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ» .
• وأخرجه أيضاً مُسْلمٌ في "صحيحه"(2684/ 3)، ك/الذكر والدعاء، ب/مَنْ أَحَبَّ لقاء اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءهُ ومَنْ كَرِهَ لقاء اللهِ كَرِهَ اللهُ لقاءهُ، بسنده مِنْ طريق شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ، وَالْمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللهِ» .
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَبَّاد بن موسى، أبو محمد الخُتّليّ:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (211).
3) إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمان بن رزين البغدادي، أبو إسماعيل المؤدب، مؤدب أبي عُبَيد الله الأشعري.
روى عن: عُتبة بن أبي عُمر، وسُليمان الأعمش، وعاصم بن أبي النَّجود، وآخرين.
روى عنه: عَبَّاد بن موسى، وهارون بن معروف، وأبو بكر بن أبي شيبة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ صحيحُ الكتاب. وقال مَرَّة: ضَعيفٌ. وقال أحمد، والنَّسائي: ليس به بأسٌ. وقال
العِجْلي، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال أبو داود: ثِقَةٌ، رأيتُ أحمد يكتب أحاديثه بنزولٍ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن عدي: هو عندي حسن الحديث، وله أحاديث كثيرة غرائب حسان، وتدل على أنه من أهل الصدق، وهو مِمَّن يُكتب حديثه. وقال ابن حجر: صدوقٌ يُغْرب. فحاصله: أنَّه "ثِقَةٌ يُغرب".
(1)
4) عُتْبَة بن أبي عُمَرَ المُعَلِّم.
روى عن: بُكير بن الأخنس. روى عنه: إبراهيم بن سليمان المُؤدِّب.
حاله: لم أقف له على ترجمة. فهو "مجهول الحال".
5) بُكَيْرُ بن الأَخْنَسِ الكُوفِيُّ، السَّدوسِيُّ، ويُقال: الليْثِيُّ.
روى عن: مَسْروقٍ، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عُمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: سليمان الأعمش، ومِسْعر بن كِدَام، وعتبة بن أبي عُمر، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، والعجلي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنَّسائي، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ.
(2)
6) مَسْرُوق بن الأَجْدَع الهَمْدَانيُّ: "ثِقَةٌ فَقيهٌ عابدٌ، مُخَضْرمٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (118).
7) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل عُتْبَة بن أبي عُمر المُعَلِّم "مجهول الحال".
والحديث أخرجه مُسلمٌ في "صحيحه" مِنْ طُرُقٍ أخرى عن عائشة كما سبق، وله شواهدٍ في "الصحيحين".
شواهد للحديث:
• أخرج البخاري في "صحيحه"(6507)، ك/الرقاق، ب/مَنْ أَحَبَّ لقاء اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءهُ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2683)، ك/الذكر، ب/مَنْ أَحَبَّ لقاء اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءهُ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» . قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ، قَالَ:«لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» . لفظ البخاري.
• وأخرج الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه"(2685)، ك/الذكر والدعاء، ب/مَنْ أَحَبَّ لقاء اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءهُ ومَنْ كَرِهَ لقاء اللهِ كَرِهَ اللهُ لقاءهُ، بسنده مِنْ طريق شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ» ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عَنْ
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 1/ 289، "الثقات" للعجلي 1/ 202، "الجرح والتعديل" 2/ 102، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 14، "الكامل" لابن عدي 1/ 404، "تاريخ بغداد" 6/ 609، "تهذيب الكمال" 2/ 99، "تهذيب التهذيب" 1/ 125، "التقريب"(181).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 1/ 253، "الجرح والتعديل" 2/ 401، "التهذيب" 4/ 235، "الكاشف" 1/ 275، "التقريب"(755).
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا إِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَقَدْ هَلَكْنَا، فَقَالَتْ: إِنَّ الْهَالِكَ مَنْ هَلَكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ» ، وَلَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، فَقَالَتْ: قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ، وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ، وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ، وَتَشَنَّجَتِ الْأَصَابِعُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ.
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(6508)، ك/الرقاق، ب/مَنْ أَحَبَّ لقاء اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءهُ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2686)، ك/الذكر والدعاء، ب/مَنْ أَحَبَّ لقاء اللهِ أحبَّ اللهُ لقاءهُ ومَنْ كَرِهَ لقاء اللهِ كَرِهَ اللهُ لقاءهُ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» .
قلتُ: وعليه فالحديث بمتابعاته وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن بُكَيْرٍ إلا عُتْبَةُ، ولا عن عُتْبَةَ إلا أبو إسماعيل، تَفَرَّدَ به: عَبَّادٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام النووي: هذا الحديث يفسر آخره أوله ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة، ومعنى الحديث: أنَّ الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فحينئذ يُبَشَّر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أُعِدَّ له، ويُكشف له عن ذلك، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أُعِدَّ لهم ويحب الله لقاءهم، أي فيجزل لهم العطاء والكرامة؛ وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم، أي يبعدهم عن رحمته وكرامته، ولا يريد ذلك بهم، وهذا معنى كراهته سبحانه لقاءهم، وليس معنى الحديث أن سبب كراهة الله تعالى لقاءهم كراهتهم ذلك ولا أن حبه لقاء الآخرين حبهم ذلك بل هو صفة لهم.
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(17/ 10). ويُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/ 360).
[225/ 625]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: نا سَلَمَةُ بْنُ صَالِحٍ الأَحْمَرُ،
(1)
، عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ
(2)
، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ.
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُعَلِّمَكَ آيَةً مِنْ سُورَةٍ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي غَيْرَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ» .
فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا بَلَغَ أُسْكُفَّةَ الْبَابِ
(3)
، قَالَ:«بِأَيِّ شَيْءٍ تَسْتَفْتِحُ صَلاتَكَ وقِرَاءَتَكَ؟»
قُلْتُ: بِـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
(4)
.
قَالَ: «هِيَ هِيَ. ثُمَّ أَخْرَجَ رِجْلَهُ الأُخْرَى» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن بُرَيْدَةَ إلا عَبْدُ الْكَرِيمِ، ولا عن عَبْدِ الْكَرِيمِ إلا يَزِيدُ أبو خَالِدٍ، تَفَرَّدَ به: سَلَمَةُ بن صالح.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو أحمد الحاكم في "شعار أصحاب الحديث"(41)، قال: نا محمد بن عبد الرحمن الضَّبِّيُّ، نا أحمد بن عليٍّ الأَبَّار، نا عليُّ بن الجعد، نا سلمة بن صَالِحٍ الأحمر، عن يزيد بن أبي خالدٍ، به.
• وأخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(1225)، والدَّارقطني في "سننه"(1183)، والبيهقي في "الكبرى"(20023)، والثَّعْلبي في "تفسيره"(1/ 102)، مِنْ طُرُقٍ عن سلمة بن صالح، عن يزيد، به.
• بينما أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(16306)، وأبو نُعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 187)، مِنْ طريق أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، عن سلمة بن صالح، عن عبد الكريم أبي أُميَّة، به.
(1)
وقع بالأصل، برواية سلمة بن صالح، عن عبد الكريم، عن يزيد، بزيادة عبد الكريم بينهما، ولا أدري مَنْ هو عبد الكريم هذا! والحديث أخرجه أبو أحمد الحاكم في "شعار أصحاب الحديث"(41)، مِنْ طريق أحمد بن عليّ الأَبَّار، عن عليّ بن الجَعْد، عن سلمة بن صالح، عن يزيد، بدون ذكر عبد الكريم بينهما، فلعَلَّها زيادة؛ بسبب انتقال البصر، ويُؤكد ذلك كلام المُصَنِّف عقب الحديث، حيث قال: لم يروه عن عَبْدِ الْكَرِيمِ إلا يَزِيدُ، تَفَرَّدَ به: سَلَمَةُ. ولم يذكر عبد الكريم هذا بين سلمة ويزيد، وأخرجه غير واحد كما هو واضحٌ في التخريج، مِنْ طُرُقٍ عن سلمة بن صالح بدون ذكر عبد الكريم هذا، والله أعلم.
(2)
الحديث أخرجه أبو أحمد الحاكم في "شعار أصحاب الحديث"(41)، والبيهقي في "السنن الكبرى "(20023)، والثعلبي في "تفسيره"(1/ 102)، وفيه عندهم: عن يزيد بن أبي خالد، وبقية المُخرجين للحديث ذكروه كما في الأصل.
(3)
قال القاضي عياض في "مشارق الأنوار"(1/ 48): أُسْكُفَّة الباب: بضم الهمزة، وسكون السِّين، وضم الكاف، وتشديد الفاء، وهي عتبته السُّفْلى. وقال ابن الأثير في "النهاية" (3/ 175): العَتَبَة في الأصل: أُسْكُفَّةُ البَابِ.
(4)
سورة "الفاتحة"، آية رقم (1).
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَليُّ بن الجَعْد بن عُبَيد الجَوْهَريُّ: "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (106).
3) سَلَمَةُ بْنُ صَالِحٍ، أَبُو إِسْحَاقَ الأَحْمَرُ، الكوفي.
روى عن: يزيد أبي خالد، ومحمد بن المُنْكدر، وحمَّاد بن أبي سُليمان، وآخرين.
روى عنه: عليُّ بن الجعد، وأحمد بن مَنيع، ومحمد بن الصَبَّاح، وآخرون.
حاله: قال ابن عدي: حسن الحديث، ولم أر له متنًا مُنْكرًا، إنَّما أرى رُبَّما يَهِمُ في بعض الأسانيد.
_ وقال ابن معين: ليس بثقة. وقال ابن معين، وأحمد: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: واهي الحديث، ذاهب الحديث، لا يُكتب حديثه. وقال ابن عَمَّار، وأبو داود، والنَّسائي، والذهبي في "المغني": متروك الحديث. وقال ابن حبَّان: يروي عن الأثبات الأشياء الموضوعات، لا يحل ذكر أحاديثه، ولا كتابتها إلا على جهة التعجب.
_ وقال ابن المديني: كان يروي عن حمَّاد أحاديث فيقلبها ولا يضبطها، كتبت عنه كثيرًا ورميت به. وقال البخاري، وأبو حاتم: غَلَّطوه فِي حَماد بْن أَبي سُليمان. فالحاصل: أنَّه "متروك الحديث".
(1)
4) يَزيد، أبو خالد، ويُقال ابن أبي خالد.
روى عن: عبد الكريم بن أبي المخارق. روى عنه: سلمة بن صالح.
حاله: لم أقف على ما يُميزه، ولا على ترجمة له. فهو "مجهول العين".
5) عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ، أَبُو أُمَيَّةَ الْمُعَلِّمُ الْبَصْرِيُّ.
روى عن: أنس بن مالك، ومجاهد، وسعيد بن جُبير، وآخرين.
روى عنه: مالكٌ، وحمَّاد بن سلمة، والسُّفْيَانَانِ، وطائفةٌ.
حاله: قال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن معين أيضاً، وأبو حاتم، والذهبي: ضَعيف الحديث. وقال أحمد: ليس بشيء، شبه المتروك. وقال أبو زرعة: لَيِّنٌ. وقال النَّسائي، والدَّارقطني: متروك. وقال ابن عدي: الضَّعْفُ بَيِّنٌ على كل ما يرويه. استشهد به البخاري؛ قال الذهبي: وهذا يدل على أنه ليس بمطرح.
والحاصل: ما قاله ابن حجر في "التقريب": "ضَعيفٌ".
(2)
6) عَبْدُ اللهِ بنُ بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْبِ الأَسْلَمِيُّ، أَبُو سَهْلٍ، المَرْوَزِيُّ، قَاضِي مرو.
روى عن: أبيه، وعبد الله بن مُغَفَّل المُزَنيِّ، وعِمْرَان بن حُصَيْن، وآخرين.
روى عنه: عامر الشَعْبي، وكَهْمَس بن الحسن، وعطاء الخُراسانيُّ، وآخرون.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 84، "الضعفاء" للنسائي (ص/119)، "الجرح والتعديل" 4/ 165، "المجروحين" 1/ 338، "الكامل" لابن عدي 4/ 353، "العلل" للدارقطني (2/ 89/132)، "المغني" 1/ 396، "الميزان" 2/ 190، "لسان الميزان" 4/ 118.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 6/ 89، "الجرح والتعديل" 6/ 59، "الكامل" لابن عدي 7/ 37، "تهذيب الكمال" 18/ 259، "تاريخ الإسلام" 3/ 455، "السير" 6/ 83، "الميزان" 2/ 646، "تهذيب التهذيب" 6/ 378، "التقريب"(4156).
حاله: قال ابن معين، وأبو زرعة، والعِجْلي، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وذكروا أنَّه أرسل عن جماعة، منهم: عُمر، وعائشة، وغيرهما. وروى له الجماعة.
(1)
7) بُرَيْدَةُ بْنُ الحُصَيب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَسْلَمِيُّ.
روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: ابناه عبد الله وسُليْمان، وعبد الله بن عبَّاس، وعامر الشَّعْبي، وآخرون.
أسلم قبل بدر ولم يشهدها، ثم قدم عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعد أحد، فشهد معه مشاهده، وشهد الحديبية، وبيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان معه اللِّواء، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقة قومه. وسكن المدينة، ثم انتقل إِلَى البصرة، ثم انتقل إِلَى مرو، ومات بها. وروى له الجماعة.
(2)
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ فيه: سلمةُ بن صالح "متروك الحديث"، وقد انفرد به، فلم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه عليه، ويزيد أبو خالد لم أعرفه، ولم أقف على أحدٍ روى عنه غير سلمة بن صالح فهو "مجهول العين"، وعبد الكريم بن أبي المخارق "ضَعيفٌ".
_ قال البيهقي - عقب تخريجه للحديث -: إسناده ضَعيفٌ.
(3)
_ وقال ابن كثير - عقب رواية ابن أبي حاتم -: هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف.
(4)
_ وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه ابن أبي المخارق وهو ضعيف لسوء حفظه وفيه من لم أعرفهم.
(5)
_ وقال السيوطي - بعد أن عزاه إلى الطبراني -: إسناده ضَعيفٌ.
(6)
_ وقال الألباني: ضَعيفٌ جداً.
(7)
متابعات، وشواهد للحديث:
_ قال ابن كثير في "جامع المسانيد"(924)، وابن حجر في "إتحاف المهرة" (2258): وعند الطبراني من طريق أبي خالدٍ، عن علقمة، عن سُليمان، عن أبيه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنبيك بآية لم تَنْزِل عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ سُلَيْمَان بن دَاوُد غَيْرِي: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 22، "الجرح والتعديل" 5/ 13، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 16، "تهذيب الكمال" 14/ 328، "الكاشف" 1/ 540، "جامع التحصيل"(ص/207)، "تهذيب التهذيب" 5/ 158، "التقريب"(3227).
(2)
يُنظر: "معجم الصحابة" لابن قانع 1/ 75، "الاستيعاب" 1/ 185، "أسد الغابة" 1/ 367، "الإصابة" 1/ 533.
(3)
يُنظر: "السنن الكبرى" للبيهقي حديث رقم (20023).
(4)
يُنظر: "تفسير القرآن العظيم"(6/ 189).
(5)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(2/ 109).
(6)
يُنظر: "الإتقان"(1/ 268).
(7)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(12/ 611/حديث رقم 5779).
قلتُ: ولم أقف على إسناد في المطبوع مِنْ كتب الطبراني - على حد بحثي -، والله أعلم.
_ وأخرج الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد البغدادي في "أماليه"(88)، وأبو العبَّاس المُسْتَغْفري في "فضائل القرآن"(586)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(2328)، مِنْ طريق خلَّاد بن أسلم، قال: ثنا المُعْتَمِرُ بن سليمان، عن لَيْثٍ - هو ابن أبي سُليم -، عن مُجَاهِدٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: أَغْفَلَ النَّاسُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل، وَمَا أُنْزِلَتْ عَلَى أَحَدٍ، إِلا أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
قال السيوطي: إسناده حسنٌ.
(1)
قلتُ: بل في سنده ليث بن أبي سُليم، قال ابن حجر: صدوقٌ اختلط جداً، ولم يَتَميَّز حديثه فتُرِكَ.
(2)
وقال الذهبي: فيه ضعف يسير من سوء حفظه، وبعضهم احتج به.
(3)
_ وأخرج الطبراني في "الأوائل"(41)، قال: مِنْ طريق موسى بن عبد الرَّحمن الصَّنْعَانيُّ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن عطاء، عن ابن عَبَّاسٍ، قَالَ:«أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُلَيْمَانُ عليه السلام» .
قلتُ: وإسناده ضَعيفٌ جداً؛ فيه موسى بن عبد الرحمن الصَّنْعاني الثقفي، قال ابن حبَّان: شيخٌ دجَّال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير.
(4)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن ابن بُرَيْدَةَ إلا عَبْدُ الْكَرِيمِ، ولا عن عَبْدِ الْكَرِيمِ إلا يَزِيدُ، تَفَرَّدَ به: سَلَمَةُ.
قلتُ: ومِمَا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
(1)
يُنظر: "الإتقان"(1/ 268).
(2)
يُنظر: "التقريب"(5685).
(3)
يُنظر: "الكاشف"(2/ 151).
(4)
يُنظر: "المجروحين"(2/ 242)، "ميزان الاعتدال" 4/ 211.
[226/ 626]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، قَالَ: نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَشْجَعِيُّ
(1)
، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ نَافِعٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن محمد بن عَمْرٍو إلا الأشجعيُّ، تَفَرَّدَ به: مَسْرُوقٌ.
هذا الحديث مَدَاره على محمد بن عَمرو بن عَلْقَمة، واختُلف عنه مِنْ عِدَّة أوجه:
الوجه الأول: محمد بن عَمرو، عن نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنهم.
الوجه الثاني: محمد بن عَمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عُمر رضي الله عنهم.
الوجه الثالث: محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
محمد بن عَمرو، عن نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنهم.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مَسْرُوقُ بن المَرْزُبَان بن مسروق بن مَعْدان، أبو سعيد الكندي.
روى عن: أبي عبد الرحمن الأَشْجعي، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن علي الأَبَّار، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ليس بقوي، يُكتب حديثه. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال صالح بن محمد، والذهبي: صدوقٌ معروفٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ له أوهام.
(2)
3) عُبَيد اللَّه بن عُبَيد الرحمن، ويُقال: ابن عبد الرحمن، الأشجعيُّ، أبو عبد الرحمن الكوفيُّ.
روى عن: محمد بن عَمرو بن علقمة، وسُفْيَان الثوري، وشُعْبة، وآخرين.
روى عنه: مَسْروق بن المَرْزُبَان، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن المبارك، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال أيضاً: ما كان بالكوفة أحدٌ أعلم بسفيان من الأشجعيّ، كان أعلم
(1)
الأَشْجَعِيّ: نسبة إلى أَشْجَع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان، قبيلة مَشْهُورَة. يُنظر:"اللباب"(1/ 64).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 397، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 206، "تهذيب الكمال" 27/ 458، "المغني" 2/ 294، "الميزان" 4/ 98، "تهذيب التهذيب" 10/ 112، "التقريب، وتحريره"(6603).
به من عبد الرحمن بن مهدي، وغيره. وقال النَّسائي: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: كان راوياً للثوري. وقال الذهبي: إمامٌ ثَبْتٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ مأمونٌ، أثبت النَّاس كتاباً في الثوري.
(1)
4) مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، أَبُو الْحَسَنِ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ.
روى عن: نافع مولى ابن عُمَر، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبيه عَمْرو بن علقمة، وآخرين.
روى عنه: أبو عبد الرحمن الأشجعي، والسُفْيَانان، وشعبة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والنَّسائي: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يُكتب حديثه. وقال ابن حبَّان: يُخطئ. وقال ابن عدي: أرجو أنَّه لا بأس به. وقال الذهبي: صدوقٌ. وفي "الميزان": شيخٌ، حسن الحديث، مُكْثِرٌ عن أبي سلمة. وفي "التقريب": صدوقٌ، له أوهام. وفي "مقدمة الفتح": صدوقٌ تَكَلَّم فيه بعضهم من قِبَلِ حِفْظِه. وروى له البخاري مَقْروناً بغيره، ومسلم في المتابعات، والباقون. فحاصله: أنَّه "صدوقٌ".
(2)
5) نَافع مولى ابن عُمر: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقيهٌ، مَشْهور"، تَقدَّم في الحديث رقم (29).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (6).
ثانياً: - الوجه الثاني:
محمد بن عَمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عُمر رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني: ورواه بهذا الوجه جماعة:
• فأخرجه أبو داود الطَّيَالسيُّ في "مسنده"(2028)، وأحمد في "مسنده"(5820)، والطبراني في "المعجم الكبير"(13268)، مِنْ طرق عن هَمَّام بن يحيى البصري - مِنْ أصح الأوجه عنه
(3)
-.
• وأحمد في "مسنده"(4644)، والنَّسائي في "السنن الكبرى"(5077)، ك/الأشربة، ب/تحريم كل شراب أسكر، وفي "الصغرى"(5587)، عن يحيى بن سعيد القطان.
• وأحمد في "مسنده"(4831)، وابن أبي الدُّنيا في "ذم المُسْكر"(17)، وأبو يَعْلى في "مسنده"(5621)، والدَّارقطني في "سننه"(4624)، مِنْ طُرُقٍ عن مُعَاذ بن مُعَاذٍ التَّميميُّ.
• وأحمد في "مسنده"(4863)، وفي "الأشربة"(7)، وابن ماجه في "سننه"(3390)، ك/الأشربة، ب/كل مُسْكر حرام، والنَّسائي في "الكبرى"(5191)، ك/الأشربة، ب/ذكر الأخبار التي اعتل بها مَنْ أباح شُرْبَ المُسْكر، وفي "الصغرى"(5701)، والطحاوي في "معاني الآثار"(6436)، مِنْ طُرُقٍ عن يَزِيد بن هَارُونَ.
• والترمذي في "سننه"(1864)، ك/الأشربة، ب/ما جاء كل مسكر حرام، مِنْ طريق عبد الله بن إدريس.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 5/ 323، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 150، "تاريخ بغداد" 12/ 13، "تهذيب الكمال" 19/ 107، "الكاشف" 1/ 684، "تهذيب التهذيب" 7/ 35، "التقريب"(4318).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 31، "الثقات" 7/ 377، "الكامل" لابن عدي 7/ 455، "التهذيب" 26/ 212، "من تُكلِّم فيه وهو موثَّق"(ص/461)، "الميزان" 3/ 674، "تهذيب التهذيب" 9/ 377، "التقريب"(6188)، "هدي الساري"(ص/441).
(3)
يُنظر: "العلل" للدارقطني (2/ 76/ مسألة 121) و (9/ 290/ مسألة 1767).
• وأبو يَعْلى في "مسنده"(5622)، وابن الجارود في "المنتقى"(859)، عن محمد بن عُبَيْد الطَّنَافسيّ.
• والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(6435)، مِنْ طريق عبد الوهاب بن عطاء.
• وابن حبَّان في "صحيحه"(5369)، مِنْ طريق يزيد بن زُرَيع التَّيمي.
كلهم (هَمَّام، ويحيى، ومُعاذ، وابن هارون، وابن إدريس، والطنافسي، وعبد الوهاب، وابن زُريع)، عن محمد بن عَمْرٍو، عن أبي سلمة، عن ابن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» .
وقال الترمذي: هذا حديثٌ حَسَنٌ، وقد رُوِيَ عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوه، وعن أبي سَلَمَة، عن ابن عُمَرَ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وكلاهما صَحِيحٌ.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد أحمد مِنْ طريق يحيى القَطَّان):
1) يحيى بن سعيد بن فَرُّوخ، أبو سعيد القَطَّان:"ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، حافظٌ، إمامٌ، قدوة".
(1)
2) محمد بن عَمْرِو بن عَلْقَمَة بن وَقَّاص: "صدوقٌ"، تقدَّم في الوجه الأول.
3) أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: "ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (132).
4) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثاً: - الوجه الثالث:
محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(23744)، قال: حدَّثنا محمد بن بِشْرٍ، قال: حدَّثنا محمد بن عَمْرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» .
• والنَّسائي في "الكبرى"(5078)، ك/الأشربة، ب/تحريم كل شراب أسكر، عن يحيى القطان، به.
• والنَّسائي أيضاً في "الكبرى"(5079)، ك/الأشربة، ب/تحريم كل شراب أسكر، عن عَلِيّ بن حُجْرٍ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن جعفر، عن محمد بن عَمْرو، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ، وَالْمُزَفَّتِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» .
• وقال الدَّارقطني في "العلل"(9/ 290/مسألة 1767): رواهُ إسماعيلُ بن جَعْفَرٍ، وعيسى بن يُونُسَ، والمُحَارِبِيُّ، عن محمد بن عَمْرٍو، عن أبي سَلَمَة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بِهَذَا اللَّفْظِ - أي بلفظ رواية إسماعيل بن جعفر عند النَّسائي -، وزاد المُحَارِبِيُّ فيه:" وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ".
ب دراسة إسناد الوجه الثالث (بإسناد النَّسائي مِنْ طريق يحيى القَطَّان):
1) محمد بن المُثَنَّى بن عُبَيْد العَنَزي: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ".
(2)
(1)
يُنظر: "التقريب"(7557).
(2)
يُنظر: "التقريب"(6264).
2) يحيى بن سعيد بن فَرُّوخ، أبو سعيد القَطَّان:"ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، حافظٌ، إمامٌ، قدوة"، تقدَّم في الوجه الثاني.
3) محمد بن عَمْرِو بن عَلْقَمَة بن وَقَّاص: "صدوقٌ"، تقدَّم في الوجه الأول.
4) أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: "ثِقَةٌ، مُكْثِرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (132).
5) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ، حافظ الصحابة"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
رابعاً: - النظر في الخلاف على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على محمد بن عَمرو بن عَلْقَمة، واختُلف عنه مِنْ عِدَّة أوجه:
الوجه الأول: محمد بن عَمرو، عن نافع، عن ابن عُمر رضي الله عنهم.
ولم يَروه عن محمد بن عَمرو بهذا الوجه إلا أبو عبد الرحمن الأَشْجَعيّ، تَفَرَّد به عنه مَسْروق بن المَرْزُبان - قاله الطبراني -؛ ومَسْروقٌ هذا "صدوقٌ، له أوهام"، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يُكتب حديثه.
بالإضافة إلى أنَّ الحديث بهذا الوجه قد أعلَّه الدَّارقطني مِنْ جهتي الإسناد والمتن:
_ أمَّا مِنْ جهة الإسناد، فقال: حدَّث به مَسْروق بن المَرْزُبان، عن الأشجعي، عن محمد بن عَمرو، عن نافعٍ، وهو وهم. والصحيح: عن محمد بن عَمْرٍو، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، وقد رواه أبو سلمة أيضا، عن أبي هريرة، وعائشة.
_ وأمَّا مِنْ جهة المتن، فقال - حين سُئل عن حديث نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ " -: ليس هذا اللفظ بمحفوظ عن نافع، والمحفوظ:" كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ".
رواه أيوب، وعبيد الله، ومالك، وابن عجلان، وإبراهيم الصائغ، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وليث بن أبي سُلَيْمٍ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ".
(1)
الوجه الثاني: محمد بن عَمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عُمر رضي الله عنهم.
بينما رواه عن محمد بن عَمْرو بهذا الوجه جماعة - كما سبق في التخريج -، بأسانيد صحيحة.
وهذا الوجه رجَّحه الترمذي، والدَّارقطني في "العلل" - كما سبق نقل ذلك عنهما -.
وقد رُوى عن يحيى بن سعيد القَطَّان بالوجهين الثاني والثالث - كما سبق في التخريج -.
الوجه الثالث: محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ورواه عن محمد بن عَمرو بهذا الوجه أيضاً جماعة - كما سبق في التخريج -، ورجَّحه الترمذي في "سننه" - كما سبق نقل ذلك عنه -.
وقال الدَّارقطني: وعند أبي سَلَمَة بن عبد الرَّحْمَن في هذا أحاديث، منها: ما رواه محمد بن عَمْرٍو، عن أبي سَلَمَةَ، عن ابن عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وما يَرْوِيه محمد بن عَمْرٍو أيضا، عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هريرة، عن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، ومنها ما رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عن أبي سَلَمَة، عن عائشةَ - وسيأتي ذكره في الشواهد -، عن النَّبي
(1)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (13/ 85/مسألة 2972).
- صلى الله عليه وسلم، وكُلُّهَا محفوظةٌ عن أبي سلمة.
(1)
وقال في موضع آخر: والأقاويلُ الثَّلاثةُ محفوظةٌ عن أبي سَلَمَةَ.
(2)
وبهذا يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثاني، والثالث محفوظان عن محمد بن عَمرو، كما قال الإمامان الترمذي، والدَّارقطني؛ وأمَّا الوجه الأول فهو وهمٌ مِنْ مَسْروقٍ، كما قال الإمام الدَّارقطني رحمه الله تعالى، والله أعلم.
خامساً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "شاذٌ"؛ لمخالفة مَسْروق بن المَرْزُبان ما رواه عامة الثقات عن محمد بن عَمرو.
تنبيه: إذا كان هذا الحديث غير محفوظ مِنْ طريق محمد بن عَمرو عن نافع، فقد صحَّ الحديث مِنْ أوجهٍ أخرى عن نافعٍ، منها:
_ ما أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(2003/ 1)، ك/الأشربة، ب/بيان أنَّ كل مُسْكِرٍ خَمْرٌ وأنَّ كُلَّ خَمْرٍ حَرَامٌ، بسنده مِنْ طريق أَيُّوب السختياني، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ» .
_ وأيضاً عند مسلم في "صحيحه"(2003/ 2)، ك/الأشربة، ب/بيان أنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، بسنده مِنْ طريق مُوسَى بن عُقْبَةَ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» .
_ وعند مسلم في "صحيحه"(2003/ 4)، ك/الأشربة، ب/بيان أنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، بسنده مِنْ طريق عُبَيْدِ اللهِ بن عُمر، عن نافعٌ، عن ابن عُمَرَ، قَالَ: ولا أَعْلَمُهُ إِلا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» .
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بالوجهين الثاني والثالث "إسناده حسنٌ"، فمدار أسانيدهما على محمد بن عَمرو بن عَلْقَمة، وهو "صدوقٌ" حسن الحديث.
قال الإمام الترمذي - بعد تخريجه للحديث بالوجه الثاني -: هذا حديثٌ حسنٌ.
قلتُ: وللحديث مُتابعات عن ابن عُمر أخرجها الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه" - سبق ذكرها -، وله شواهدٌ في "الصحيحين"، وغيرهما، نذكر منها ما يلي:
شواهد للحديث:
• أخرج البخاري في "صحيحه"(242)، ك/الوضوء، ب/لا يجوزُ الوُضُوءُ بالنَّبِيذِ، ولا المُسْكِرِ، وأيضاً برقم (5585 و 5586)، ك/الأشربة، ب/الخَمْرُ مِنَ العَسَلِ، وهو البِتْعُ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(2001)،
(1)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (2/ 76/ مسألة 121).
(2)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (9/ 289 - 291/مسألة 1767).
ك/الأشربة، ب/بيان أنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وأنَّ كُلَّ خَمْرٍ حَرَامٌ، مِنْ طُرُقٍ عن ابن شِهَابٍ، عن أبي سَلَمَةَ بن عبد الرَّحْمَنِ، عن عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِتْعِ، فَقَالَ:«كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» .
• وقال الترمذي - بعد تخريجه للحديث بالوجه الثاني -: وفي الباب عن عُمَرَ، وعليٍّ، وابن مسعودٍ، وأبي سَعِيدٍ، وأبي مُوسَى، والأشجِّ العُصَرِيِّ، ومَيْمُونَةَ، وابن عَبَّاسٍ، وقَيْسِ بن سَعْدٍ، والنُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ، ومُعَاوِيَةَ، ووائِلِ بن حُجْرٍ، وقُرَّةَ المُزَنِيِّ، وعَبْدِ اللَّهِ بن مُغَفَّلٍ، وأمِّ سَلَمَةَ، وبُرَيْدَةَ، وأبي هُرَيْرَةَ، وعَائِشَةَ، رضي الله عنهم.
• وأخرج الإمام الترمذي في "سننه"(1865)، ك/الأشربة، ب/ما جاء ما أَسْكَرَ كثيره فقليلُهُ حَرَامٌ، عن ابن المُنْكَدِرِ، عن جَابِرِ بن عَبْدِ اللَّهِ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» .
وقال الترمذي: وفي الباب عن سَعْدٍ، وعَائِشَةَ، وعَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو، وابن عُمَرَ، وخَوَّاتِ بن جُبَيْرٍ، وهذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
• وأخرج النَّسائي في "السنن الكبرى"(5097)، ك/الأشربة، ب/تحريم كل شراب أسكر كثيره، قال: أخبرنا عُبَيْدُ اللهِ بن سَعِيدٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن سَعِيد، عن عُبَيْدِ اللهِ، قال: حدَّثنا عَمْرُو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّهِ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» .
قلتُ: وعليه؛ فالحديث بمتابعاته وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
سادساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن محمد بن عَمْرٍو إلا الأشجعيُّ، تَفَرَّدَ به: مَسْرُوقٌ.
قلتُ: وبالنظر في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، لكنَّه مُقيَّد برواية محمد بن عَمرو عن نافعٍ، فلم يروه عن محمد بن عَمرو بهذا الوجه إلا الأشجعي، تَفَرَّد به مَسْروقٌ.
بينما رواه جماعةٌ عن محمد بن عمرو، لكن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عُمر، وأبي هُرَيْرَة.
* * *
[227/ 627]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُؤَمَّلُ بْنُ إِهَابٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ، حَدَّثَنِي ابْنُ سَعِيدٍ الأنصَارِيُّ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: مَتَى كُنْتُمْ تُصَلُّونَ الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن يحيى إلا عبد اللَّه.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الأوسط"(4113)، قال: حدَّثنا عليّ بن سعيد الرَّازي، نا مُؤَمَّل بن إهَاب، به.
• وابن عدي في "الكامل"(5/ 313)، قال: حدَّثنا إسحاقُ بن إبراهيم بن يونس، عن مُؤَمَّل بن إهاب، به.
وقال ابن عدي: وهذا الحديثُ لا يَرْوِيه، عن يحيى بن سَعِيد غير عبد الله بن ميمون.
• وأخرجه البخاري في "صحيحه"(548)، ك/مواقيت الصلاة، ب/وقت العصر، ومُسلمٌ في "صحيحه"(621/ 4)، ك/الصلاة، استحباب التبكير بالعصر، مِنْ طريق إسحاق بن عبد اللَّهِ بن أبي طَلْحَة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قَالَ:«كُنَّا نُصَلِّي العَصْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَنَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ العَصْرَ» .
_ والبخاري في "صحيحه"(550)، ك/مواقيت الصلاة، ب/وقت العصر، مِنْ طريق شُعَيْبٍ، عن الزُّهْرِيِّ، قال: حدَّثني أنسُ، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى العَوَالِي، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ.
_ والبخاري أيضاً في "صحيحه" برقم (551)، ك/مواقيت الصلاة، ب/وقت العصر، ومسلمٌ في "صحيحه"(621/ 3)، ك/الصلاة، استحباب التبكير بالعصر، بسنده مِنْ طريق مالكٍ، عن ابن شِهَابٍ، عن أَنَسِ بن مَالِكٍ، قال:«كُنَّا نُصَلِّي العَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ، فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ» .
_ وأخرجه مسلمٌ في "صحيحه"(621/ 1)، ك/الصلاة، استحباب التبكير بالعصر، بسنده مِنْ طريق اللَّيْث، عن ابن شِهَابٍ، عن أَنَسِ بن مَالِكٍ، بلفظ رواية شُعَيْب.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مُؤَمَّل بن إهَاب بن عبد العزيز بن قفل الرَّبَعيُّ، أبو عبد الرحمن، الكوفيُّ.
روى عن: عبد الله بن ميْمون، وعبد الرزاق الصنْعَانيّ، ومحمد بن عُبَيْد الطَّنَافسيّ، وآخرين.
روى عنه: أبو حاتم، وأبو داود، والنَّسائي، وأحمد بن عليّ الأَبَّار، وآخرون.
حاله: قال ابن الجُنَيد: سئل عنه ابن معين فكأنَّه ضعفه. وقال أبو حاتم، والذهبي في "الكاشف": صدوقٌ. وقال النَّسائي، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال مسلمة بن قاسم: ثِقَةٌ صدوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن
حجر: صدوقٌ له أوهام. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ". فقد انفرد ابن الجُنيد بنقل تضعيفه عن ابن معين.
(1)
3) عَبْد اللَّه بن مَيْمُون بن دَاوُد القَدَّاح المَخْزوميُّ، مولاهم الْمَكِّيّ.
روى عن: يحيى بن سعيد الأنصاري، وجَعْفر بن محمد بن علي، وعبد العزيز بن أبي رَوَّاد، وآخرين.
روى عنه: مُؤمَّل بن إهاب، وإبراهيم بن المُنْذر، وإسماعيل بن أبي خالد، وآخرون.
حاله: قال البخاري: ذاهب الحديث. وقال أبو حاتم: مُنْكر الحديث. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال ابن حبَّان: يَروي المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وقال ابن عدي: عامة ما يَرويه لا يُتابع عليه. وقال الحاكم: روى عن عبيد الله بن عمر أحاديث موضوعة. وقال ابن حجر: مُنْكر الحديث، متروكٌ.
(2)
4) يحيى بن سعيد الأَنْصاري: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، حافظٌ، فقيهٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (17).
5) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكثر"، تقدم في الحديث رقم (13).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ فيه: عبد الله بن مَيْمون القَدَّاح "مُنْكرُ الحديث، مَتْروكٌ"، وقد انفرد به عن يحيى بن سعيد الأنصاري - كما قال الطبراني، وابن عدي -، ولم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه برواية هذا الحديث عن يحيى بن سَعيد الأنصاري، والله أعلم.
قلتُ: وقد صَحَّ الحديث مِنْ طُرُقٍ أخرى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، مِنْ غير طريق يحيى بن سعيد؛ فقد سبق ذكره في التخريج مِنْ طريق إسحاق بن عبد اللَّهِ بن أبي طَلْحَة عن أنسٍ، ومِنْ طُرُقٍ عِدَّة عن الزُّهْري عن أنسٍ، في "الصحيحين". وللحديث جملةٌ مِنْ الشواهد في "الصحيحين"، نذكر بعضاً مِنْهَا على النحو التالي:
شواهد للحديث:
_ أخرج الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه"(613)، ك/الصلاة، ب/أوقات الصلوات الخمس، عن سُلَيْمَانَ بن بُرَيْدَة، عن أبيه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ، فَقَالَ لَهُ: «صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ - يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ -، فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ الظُّهْرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ،
…
الحديث».
_ والبخاري في "صحيحه"(544)، ك/مواقيت الصلاة، ب/وقت العصر، وبرقم (3103)، ك/فرض الخمس، ب/ما جاء في بُيُوتِ أزواج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(611)، ك/الصلاة، ب/أوقات الصلوات الخمس، عن عَائِشَةَ، قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي العَصْرَ، وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا» .
قال الترمذي: حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 375، "الثقات" 9/ 188، "تاريخ بغداد" 15/ 235، "تاريخ دمشق" 61/ 253، "تهذيب الكمال" 29/ 180، "الكاشف" 2/ 310، "تاريخ الإسلام" 6/ 219، "الميزان" 4/ 229، "تهذيب التهذيب" 10/ 382، "التقريب"(7030).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 5/ 206، "الجرح والتعديل" 5/ 172، "المجروحين" 2/ 21، "الكامل" لابن عدي 5/ 313، "تهذيب الكمال" 16/ 198، "السير" 9/ 320، "تهذيب التهذيب" 6/ 49، "التقريب"(3653).
وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ: عُمَرُ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةُ، وَأَنَسٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ: تَعْجِيلَ صَلَاةِ العَصْرِ وَكَرِهُوا تَأْخِيرَهَا.
وبه يقول عبدُ اللهِ بن المُبَارك، والشَّافِعِيُّ، وأحمدُ، وإسحاقُ.
(1)
_ وأخرج البخاري في "صحيحه"(2485)، ك/الشركة، ب/الشَّرِكَة في الطَّعَامِ وَالنِّهْدِ وَالعُرُوضِ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(625)، ك/الصلاة، استحباب التبكير بالعصر، عن رَافِعَ بن خَدِيجٍ رضي الله عنه، قال:«كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ تُنْحَرُ الْجَزُورُ، فَتُقْسَمُ عَشَرَ قِسَمٍ، ثُمَّ تُطْبَخُ، فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ» .
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن يحيى إلا عبد اللَّه.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
وقد وافقه على ذلك الإمام ابن عدي، فقال - بعد أنْ أخرج الحديث -: وهذا الحديثُ لا يَرْوِيه، عن يحيى بن سَعِيد غير عبد الله بن ميمون.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (159).
(2)
يُنظر: "الكامل" لابن عدي (5/ 313).
[228/ 628]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسَرَّح
(1)
الْحَرَّانِيُّ
(2)
، قَالَ: نا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«لا تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ
(3)
».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن يَحْيَى إلا حَفْصٌ، تَفَرَّدَ به: مَخْلَدٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة"(2727)، بسنده مِنْ طريق الطبراني، عن أحمد الأَبَّار، به.
• وأخرجه ابن حبَّان في "صحيحه"(6721)، عن أحمد بن خالد بن عبد الملك، عن عمه الوليد بن عبد الملك، بهذا الإسناد، ولفظه:" لا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ عِنْدَ لُكَعِ بن لُكَعٍ ".
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) الوليد بن عبد الملك بن مُسَرَّح، أبو وَهْب الحَرَّانيُّ.
روى عن: مَخْلد بن يَزيد، وسُلَيْمَان بن عطاء الحَرَّانيّ، وعبيد اللَّه بْن عديّ بن عديّ، وآخرين.
روى عنه: أحمد الأَبَّار، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: صدوقٌ. وقال ابن حبَّان: مُسْتَقِيم الحديث إذا روى عن الثِّقَات. فحاصله: "ثِقَةٌ".
(4)
3) مَخْلَد بن يزيد. أبو يحيى، ويُقال: أبو خداش، ويُقال: أبو الحسن، ويُقال: أبو خالد الحرَّانيُّ.
روى عن: حفص بن ميسرة، وسُفْيان الثوري، وابن جُرَيْج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وآخرين.
روى عنه: الوليد بن عبد الملك بن مُسَرَّح، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو داود، ويعقوب بن سُفْيَان، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال أحمد: لا بأس به، كتبتُ عنه،
(1)
بالأصل مسروح، والصواب ما أثبته، والتصويب مِنْ "المختارة" للضياء (2727)، و"مجمع البحرين" (4474). ويُنظر:"المؤتلف والمختلف" للدَّارقطني (4/ 2096)، "الإكمال" لابن ماكولا (7/ 251)، وضبطه بضم الميم، وفتح السين المهملة، وتشديد الراء، وتبعه على ذلك ابن ناصر الدين في "توضيح المشتبه"(8/ 163)، وابن حجر في "تبصير المنتبه"(4/ 1290).
(2)
الحَرَّانِي: بِفَتْح الحاء، وتشديد الرَّاء، وفي آخرها نون، نسبةٌ إلى حَرَّان، وهي مدينة بالجزيرة، وهي مِنْ دِيَار مُضَر على الصحيح. يُنظر:"اللباب"(1/ 353).
(3)
قال ابن الأثير في "النهاية"(4/ 268): اللُّكَع عند العرب: العَبد، ثُمَّ اسْتُعمِل في الحُمق والذَّم. ويُقَالُ للرجل: لُكَعُ، وللمرأة لَكَاع. وقد لَكِعَ الرجلُ يَلْكَعُ لَكْعاً فَهُوَ أَلْكَعُ. وأكثرُ ما يقع في النِّدَاءِ، وهو اللَّئيم. وقيل: الوسخ، وقد يُطلق على الصَّغير.
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 10، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 227، "تاريخ الإسلام" 5/ 959.
وكان يَهِمُ. وقال السَّاجي: كان يَهِمُ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام": مُجْمَعٌ عَلَى ثقته. وفي "الميزان": صدوقٌ مشهورٌ، وذكر أنَّه وصل حديثاً أرسله النَّاس. وروى له الجماعة سوى الترمذي. فحاصله: أنَّه "ثِقَةٌ"، فمن مِنْ الثقات من لا يَهِم؟!
(1)
4) حَفْصُ بن مَيْسَرة العُقَيْلِيُّ، الصَّنْعانيُّ:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
5) يحيى بن سعيد الأَنْصاري: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، حافظٌ، فقيهٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (17).
6) أنس بن مالك رضي الله عنه: "صحابيٌّ جليلٌ مُكثر"، تقدم في الحديث رقم (13).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح، غير الوليد بن عبد الملك بن مُسَرَّح، وهو "ثِقَةٌ".
(2)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن يَحْيَى إلا حَفْصٌ، تَفَرَّدَ به: مَخْلَدٌ.
مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، وتفرد حفص بن مَيْسرة عن يحيى بن سعيد الأنصاري لا يضر، لكونه ثقةٌ، ولم يظهر في هذه الرواية ما يدل على وهمه فيها، والله أعلم.
* * *
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 347، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 186، "تاريخ دمشق" 57/ 172، "تهذيب الكمال" 27/ 344، "الكاشف" 2/ 249، "تاريخ الإسلام" 4/ 1204، "الميزان" 4/ 84، "تهذيب التهذيب" 10/ 77، "التقريب"(6540).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 325 - 326).
[229/ 629]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ
(1)
، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلَيْحَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ.
عَنِ الهِرْمَاسِ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى نَاقَتِهِ، فَقَالَ:
«إِيَّاكُمْ وَالْخِيَانَةَ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ، [وَإِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]
(2)
، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحُّ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الشُّحُّ، حَتَّى سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ».
* لا يُرْوَى عن الهِرْمَاسِ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: أحمد بن نصرٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(538)، قال: حدَّثنا أحمد بن عليٍّ الأَبَّارُ، به.
• وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"(2/ 167 و 8/ 113)، وأبو داود في "سننه"(1954)، ك/المناسك، ب/مَنْ قال: خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ، وابن حبَّان في "صحيحه"(3875)، وفي "الثقات"(3/ 437)، والطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 203/533) - ومِنْ طريقه المزي في "تهذيب الكمال"(30/ 164) - وابن عدي في "الكامل"(6/ 481)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه"(464)، كلهم مِنْ طريق هِشَام بن عبد الملك أبي الوليدِ الطَّيَالِسِيّ، قال: حدَّثنا عِكْرِمَةُ بن عَمَّار، قال: حدَّثني الهِرْمَاسُ بن زِيَاد البَاهِلِيُّ، قال: أَبْصَرْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي مُرْدِفي وَرَاءَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، وَأَنَا صَبِيُّ صَغِيرٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ يَوْمَ الأَضْحَى بِمِنى. وزاد عند الطبراني قوله: فَقُلْتُ لأَبِي: مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: يَقُولُ: «ارْمُوا الْجِمَارَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» .
_ وابن سعد في "الطبقات"(2/ 167 و 8/ 113)، وابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(5860) - ومِنْ طريقه ابنُ أبي عاصم في "الآحاد"(1252) -، وأحمد في "مسنده"(15969)، عن أبي النَّضْرِ هاشم بن القَاسِم.
_ وأحمد في "مُسْنَدِه"(15968)، قال: حدَّثنا يحيى بن سَعِيد القَطَّان.
_ وأحمد أيضاً في "مسنده"(20074)، قال: حدَّثنا بَهْزٌ بن أسد العَمِّيُّ.
_ وأحمد في "مسنده"(20075)، قال: حدَّثنا عبد الصَّمَد بن عبد الوارث التَّميميُّ.
_ والبخاري في "تاريخه"(8/ 246)، وأبو نُعيم في "الصحابة"(3048)، عن عَاصِم بن علي بن عاصم.
_ والنَّسائي في "السنن الكبرى"(4080)، مِنْ طريق عبد الرَّحمن بن غَزْوَانَ الخزاعيُّ.
(1)
النَّيْسَابُورِي: بِفَتْح النُّون، وَسُكُون الْيَاء، وَفتح السِّين الْمُهْملَة، وَسُكُون الْألف، وَضم الْبَاء الموحدة، وَبعدهَا وَاو وَرَاء، هَذِه النِّسْبَة إِلَى نيسابور، وَهِي أحسن مدن خُرَاسَان وأجمعها لِلْخَيْرَاتِ. يُنظر:"اللباب"(3/ 341).
(2)
ما بين المعقوفتين تكررت بالأصل، والحديث في "مجمع البحرين"(2559).
- وأبو يعلى في "المعجم"(224) - ومِنْ طريقه ابن حبَّان في "الثقات"(7/ 62 و 8/ 56)، وابن عدي في "الكامل"(6/ 481)، وأبو الفتح الأزدي في "المخزون في علم الحديث"(75)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(43/ 147)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"(14/ 181)، وفي "الميزان"(3/ 91)، والعراقي في "الأربعون العشارية"(39) -، قال: حدَّثنا عبد اللَّهِ بن بَكَّارٍ بالبَصْرَةِ.
_ وابن خزيمة في "صحيحه"(2953)، مِنْ طريق أبي محمد النَّضْر بن مُحَمَّدٍ اليمامي.
_ وابن قانع في "معجم الصحابة"(3/ 210)، مِنْ طريق أحمد بن إسحاق الحَضْرَمِيّ.
تسعتهم (هاشم، والقَطَّان، وبهز، وعبد الصمد، وعاصم، وعبد الرحمن، وابن بكار، والنضر، وأحمد بن إسحاق) عن عكرمة بن عَمَّار، بنحو رواية هِشَام بن عبد الملك.
وقال الحافظ ابن حجر - في ترجمة الهِرْمَاس بن زياد -: وروى حديثه أبو داود وغيره بإسنادٍ صحيحٍ.
(1)
وقال الذهبي، والعراقي - عقب تخريجهما للحديث مِنْ طريق عبد الله بن بَكَّار، عن عكرمة بن عَمَّار -: هذا حديثٌ حسنٌ. قلتُ: وذلك لأجل عبد الله بن بكار.
(2)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) أحمد بن نصر بن زياد القرشي، أبو عَبْد اللَّهِ النَّيْسَابُورِيّ المقرئ الفقيه الزاهد.
روى عن: عبد الله بن عبد الرحمن بن مُلَيْحة، وأحمد بن حَنْبَل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وآخرين.
روى عنه: أحمد الأَبَّار، والترمذي، والنَّسائي، والبخاري، ومسلم - خارج "الصحيح" -، وآخرون.
حاله: قال أحمد بن سَيَّار، وأبو أحمد الفَرَّاء: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال النَّسائي: ثِقَةٌ. وأثني عليه أبو بكر بن خُزَيْمة - وكان ابن خزيمة تَفَقَّه على يديه -. وقال ابن حبَّان: كان مِنْ خِيَار عباد الله، وأصلب أهل بلده في السّنة، ومنه تعلم محمد بن إسحاق أصُول السّنة. وقال الخليلي: ثقةٌ مُتَّفَقٌ عليه. وقال الحاكم: فقيه أهل الحديث. وقال الذهبي: ثِقَةٌ مأمونٌ نبيلٌ صاحبُ سنةٍ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ فقيهٌ حافظٌ.
(3)
3) عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ مُلَيْحَة، أبو محمد النَّيْسَابُورِيُّ.
روى عن: عكرمة بن عَمَّار، وشُعْبة، والثَّوْريّ، ونَهْشَل بن سَعِيد، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن نَصر النَّيْسابوري، وأحمد بن حرب الزاهد.
حاله: قال الحاكم: الغالب على رواياته المَنَاكِير. وقال ابن دقيق العيد: أوهى أَسَانِيد الخراسانيين عبد الله
(1)
يُنظر: "الإصابة"(11/ 216).
(2)
فعبد الله بن بَكَّار، هذا: ذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال الذهبي: رَوَى عَنْهُ أبو يعلى الموصلي، وهو من كبار شيوخه. يُنظر:"الثقات" لابن حبَّان 7/ 62، و"تاريخ الإسلام"(5/ 847).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 79، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 21، "تاريخ دمشق" 6/ 45، "تهذيب الكمال" 1/ 498، "تاريخ الإسلام" 5/ 1072، "تهذيب التهذيب" 1/ 86، "التقريب"(117).
بن عبد الرحمن بن مُلَيْحة، عن نَهْشَل بن سعيد، عن الضَّحَّاك، عن ابن عَبَّاس. وفي "لسان الميزان": اجتمع بعبد الرحمن بن مهدي فخطأه في حديثين.
(1)
4) عِكْرمة بْن عمَّار العِجْليُّ اليماميُّ، أَبُو عَمَّار. عِدَاده في صِغَار التابعين.
روى عن: الهِرْماس بن زِيَاد، وإياس بن سلمة الأكوع، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وآخرين.
روى عنه: عبد الله بن عبد الرحمن بن مُلَيْحة، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعجلي، وأبو داود، وابن عَمَّار، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ثِقَةً ثَبْتاً. وقال يعقوب بن شيبة: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال ابن عدي: مستقيم الحديث إذا روى عنه ثِقَةٌ.
_ وقال أحمد: مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمة، وكان حديثه عن إياس صالحٌ، وحديثه عن ابن أبي كثير مضطربٌ. وقال البخاري: مضطربٌ في حديثه عن ابن أبي كَثِيرٍ، ولم يكن عنده كتاب. وقال أبو حاتم: كان صدوقاً، ورُبَّما وَهِمَ في حديثه، ورُبَّما دَلَّس، وفى حديثه عن ابن أبي كثير بعض الأغاليط. وقال أبو داود: في حديثه عن ابن أبي كثير اضطرابٌ. وقال النسائي: ليس به بأسٌ، إلا في حديثه عن ابن أبي كثير. وقال ابن حبَّان: رِوَايَتُه عن يحيى بن أبي كثير فيها اضْطِرَابٌ، كان يُحَدِّثُ مِنْ غير كِتَابَه.
_ وقال الذهبي: ثقةٌ، إلا في يحيى بن أبي كثير فمضطربٌ. وقال ابن حجر في "التقريب": صدوقٌ يغلط، وفي روايته عن يحيي بن أبي كثير اضطرابٌ. وذكره في المرتبة الثالثة مِنْ مراتب المدلسين.
_ فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، إلا في روايته عن يحيى بن أبي كثير، فَضَعيفةٌ؛ لاضطرابه فيها".
(2)
5) الهِرْمَاسُ بْنُ زِيَادٍ، أَبُو حُدَيْرٍ الْبَاهِلِيُّ، البَصْريُّ، له صحبة.
روى عن: النَّبي صلى الله عليه وسلم.
…
روى عنه: حنبل بن عبد الله، وعكرمة بن عمَّار.
وهو آخر مَنْ مات مِنْ الصحابة باليمامة. وروى له أبو داود، والنَّسائيُّ.
(3)
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
• مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل عبد الله بن عبد الرحمن بن مُلَيْحة، قال الحاكم: الغالب على رواياته المَنَاكِير.
وقد انفرد بزيادة في الحديث عن عكرمة بن عَمَّار، لم يُتابعه عليها أحدٌ؛ فلقد رواه عَشْرَةٌ مِنْ الرواة، فيهم: يحيى بن سعيد القَطَّان، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعبد الرحمن بن غَزْوان، وغيرهم مِنْ الثقات، كلهم عن عكرمة بن عَمَّار، بدون هذه الزيادة، وهي قوله: «إِيَّاكُمْ وَالْخِيَانَةَ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ، وَإِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ، فَإِنَّهُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ
(1)
يُنظر: "الاقتراح في بيان الاصطلاح" لابن دقيق العيد (ص/261)، "المغني" 1/ 491، "تاريخ الإسلام" 5/ 99، "الميزان" 2/ 454، "النكت على ابن الصلاح" 1/ 402، "النكت على ابن الصلاح" لابن حجر (1/ 500)، "لسان الميزان" 4/ 513.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 10، "الثقات" 5/ 233، "الكامل" 6/ 478، "تاريخ بغداد" 14/ 185، "التهذيب" 20/ 256، "الكاشف" 2/ 33، "الميزان" 3/ 91، "تهذيب التهذيب" 7/ 263، "طبقات المدلسين"(ص/42)، "التقريب"(4672).
(3)
يُنظر: "معجم الصحابة" لابن قانع 3/ 210، "الاستيعاب" 4/ 1548، "أسد الغابة" 5/ 367، "الإصابة" 11/ 216.
الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحُّ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الشُّحُّ، حَتَّى سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ».
لذا قال الإمام الطبراني رضي الله عنه: لا يُرْوَى هذا الحديث عن الهِرْمَاسِ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: أحمد بن نصرٍ. قلتُ: أي بهذه الزيادة - كما سيأتي بيانه -.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن عبد الرحمن بن مُلَيْحة، وهو ضعيفٌ.
(1)
وقال الألباني: ضَعيفٌ؛ لأجل عبد الله بن عبد الرحمن بن مُلَيْحة؛ قال الحاكم: "الغالب على رواياته المناكير ". وخَطَّأه عبد الرحمن بن مهدي في حديثين - كما ذكر الحافظ في " اللسان " -.
قلت (الألباني): ولعل أحدهما هذا الحديث؛ فقد خالفه أبو الوليد الطيالسي فقال: أخبرنا عكرمة بن عمار: قال: حدَّثني الهِرْمَاسُ بن زِيَاد البَاهِلِيُّ، قال: أَبْصَرْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي مُرْدِفي وَرَاءَهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، وَأَنَا صَبِيُّ صَغِيرٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ يَوْمَ الأَضْحَى بِمِنى. فمخالفته لهؤلاء في زيادته هذه الخطبة تدل على نكارتها.
وجاءت الخطبة عن جمع من الصحابة، منهم: جابر، وأبو هريرة، وابن عمرو، بدون حديث الترجمة.
(2)
• قلتُ: والحديث بدون هذه الزيادة، قد صَحَّ مِنْ طُرُقٍ أخرى كثيرة عن عكرمة بن عَمَّار، كما سبق بيانه.
• وأمَّا الزيادة التي في الحديث فقد صَحَّت مِنْ أحاديث أخرى، منها:
_ ما أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(2578)، ك/البر والصلة، ب/تحريم الظلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» .
_ وأخرج ابن حبَّان في "صحيحه"(1029)، بإسناد صحيحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ» .
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لا يُرْوَى عن الهِرْمَاسِ إلا بهذا الإسناد، تَفَرَّدَ به: أحمد بن نصرٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، مع العلم أنَّ مراد الطبراني: أي لا يُروى بهذا المتن - أي بطوله - عن الهِرْمَاس إلا بهذا الإسناد؛ وإلا فقد رواه جماعة عن عكرمة بن عَمَّار، لكن مُخْتصراً، بدون الزيادة التي تَفَرَّد بها ابن مُليحة، والله أعلم.
* * *
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(5/ 235).
(2)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(14/ 367 - 368/ برقم 6653).
[230/ 630]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ، فَقَالَ:«أَمَّا بَعْدُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن ثابت إلا حَمَّادٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه عبد بن حُميد في "مسنده" - كما في "المنتخب"(1318) -، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(3986/ 1)، مِنْ طريق محمد بن الفضل عارم السَّدُوسِيّ، قال: ثنا حَمَّادُ بن سَلَمَةَ، ثنا ثابتٌ، عن أنسٍ: أنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ سَرِيرَتِهِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ عز وجل وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنَامُ وَأُصَلِّي، وَأتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» .
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عُبَيد الله بن محمد بن حَفْص، المعروف بابن عائشة: ثِقَةٌ جَوَّاد، تقدَّم في الحديث رقم (177).
3) حَمَّاد بن سَلمة بن دينار البصري: "ثقةٌ عابدٌ، أثبت الناس في ثابتٍ"، تقدَّم في الحديث رقم (102).
4) ثَابت بن أَسْلم البُنَانيُّ: "ثِقَةٌ عابدٌ، صَحِب أنس أربعين سنة"، تَقَدَّم في الحديث رقم (83).
5) أنس بن مالك رضي الله عنه: صحابيٌّ، جليلٌ، مُكثرٌ، تقدَّم في الحديث رقم (10).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صَحيحٌ لذاته"؛ وحمَّاد بن سلمة مِنْ أثبت النَّاس في ثابتٍ، فلا يَضر تَفَرُّده بالحديث عن ثابتٍ، والله أعلم.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن ثابت إلا حَمَّادٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
[231/ 631]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُعَلَّلُ بْنُ نُفَيْلٍ، قَالَ: نا هَارُونُ بْنُ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ، قَالَ: نا خُصَيْفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الأَمْنُ وَالْعَافِيَةُ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن خُصَيْفٍ إلا هَارُونُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(12231) - ومن طريقه أبو نُعيم في "الطب النبوي"(103) -، قال: حدَّثنا أحمد بن عليّ الأَبَّار، به.
• وابن عدي في "الكامل"(3/ 525)، قال: حدَّثنا عبد العَزِيزِ بن سُلَيْمَان الحرمليُّ، حدَّثنا أبو خَيْثَمَة مُصْعَبُ بن سَعِيد، حدَّثنا هَارُونُ بن حَيَّانَ الرَّقِّيُّ، به. وقال ابن عدي: وهذا يَرْوِيهِ عن خُصَيْف هارونٌ.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مُعَلَّلُ بن نُفَيْل بن عَليّ بن نُفَيْل، الحَرَّانِي، أَبُو أَحْمد النَّهْدِيّ.
روى عن: هارون بن حيَّان، موسى بن أعين، وعُبيد الله بن عَمْرو، وآخرين.
روى عنه: أحمد الأَبَّار، وأنس بن سُليم، والحسين بن أبي مَعْشر السُّلمي، وآخرون.
حاله: ذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال الطبرانيُّ، والهيثميُّ: ثِقَةٌ. مات سنة تسعٍ وثلاثينَ ومائتينِ.
(1)
3) هَارُونُ بْنُ حَيَّانَ الرَّقِّيُّ.
روى عن: خُصَيْف، محمد بن المُنْكَدِر، وليث بن أبي سُليم، وآخرين.
روى عنه: مُعَلَّلُ بن نُفيل، وعَمرو بن عثمان الكِلابيُّ، ومحمد بن كثير الصنعانيُّ، وآخرون.
حاله: قال البخاري: في حديثه نظر. وقال أبو زرعة: مُنْكر الحديث جداً. وقال ابن حبَّان: ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، فلمَّا فَحُش مخالفته للثقات فيما يرويه عن الأثبات صار ساقط الاحتجاج به. وقال الحاكم: كان يضع الحديث. وقال الدارقطني: ليس بالقويّ.
(2)
4) خُصَيْفُ بن عبد الرحمن الجَزَرِيُّ: "ضَعيفٌ يُعتبر به"، تقدَّم في الحديث رقم (28).
5) سَعيد بن جُبير: "ثقةٌ ثبتٌ فقيهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
(1)
"الثقات" لابن حبَّان 9/ 201، "المعجم الصغير" 1/ 184، "تاريخ الإسلام" 5/ 943، "مجمع الزوائد" 6/ 294 و 7/ 23.
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 88، "المجروحين" 3/ 94، "المغني في الضعفاء" 2/ 361، "تاريخ الإسلام" 4/ 759، "ميزان الاعتدال" 4/ 283، "لسان الميزان" 8/ 305.
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
• مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل هارون بن حيَّان الرقي، قال البخاري: في حديثه نظر. وقال أبو زرعة: مُنْكر الحديث جداً. وقال الحاكم: كان يضع الحديث.
_ قلتُ: وقد انفرد به عن خُصَيْف بن عبد الرحمن - كما قال الطبراني -.
_ وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط" و"الكبير"، ورجاله وُثِّقُوا، على ضعفٍ في بعضهم.
…
ولابن عَبَّاس حديثٌ في "الصحيح" بلفظ: "الصحة والفراغ".
(1)
_ وقال الألباني: إسناده ضعيفٌ جداً، أو موضوعٌ؛ آفته هارون بن حيَّان الرقيّ.
(2)
• قلتُ: وأخرج البخاري في "صحيحه"(6412)، ك/الرقاق، ب/لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخِرَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ".
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن خُصَيْفٍ إلا هَارُونُ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
(1)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(10/ 289).
(2)
يُنظر: "السلسلة الضعيفة"(7/ 393/ برقم 3380).
[232/ 632]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا أَبُو الأَصْبَغِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: نا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ نُصَيْرِ بْنِ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَشَى في جَنَازَةٍ، وَرَكِبَ حِينَ أَقْبَلَ فَرَسًا عُرْيًا لَيْسَ عَلَيْهِ إلا لِجَامُهُ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن نُصَيْرٍ إلا مَخْلَدٌ.
أولًا: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير"(1994)، قال: حدَّثنا أحمد بن عَلِيٍّ الأَبَّارُ، ثنا أبو الأَصْبَغِ الحَرَّانِيُّ، ثنا عِيسَى بن يُونُسَ، عن نُصَيْرِ بن أبي الأَشْعَثِ، به.
قلتُ: هكذا في المطبوع مِنْ "المعجم الكبير": أبو الأصبغ عن عيس بن يونس عن نُصير؛ بينما وقع في الأصل مِنْ "المعجم الأوسط": مَخْلد بن يزيد بدل عيس بن يُونس، وكلاهما مُحتملٌ سَمَاعه مِنْ نُصير، وأبو الأصبغ يروي عن عيسى بن يونس ومخلد بن يزيد معًا.
• وأخرجه أبو داود الطيالسيّ في "مسنده"(796) - ومِنْ طريقه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(11246)، والترمذي في "سننه"(1013) ك/الجنائز، ب/ما جاء في الرُّخصة في الركوب خلف الجنازة، وابن حبَّان في "صحيحه"(7157)، والطبرانيُّ في "الكبير"(1900)، وأبو بكر بن المنذر في "الأوسط في السنن والإجماع"(3048)، وأبو نُعيم في "المُسْتخرَج"(2167)، وابن الأثير في "أسد الغابة"(6/ 333) -، وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(6285)، وأحمد في "مسنده"(20834 و 20894) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "المُستخرَج"(2167) -، ومسلمٌ في "صحيحه"(965/ 2) ك/الجنائز، ب/رُكُوبِ الْمُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ إِذَا انْصَرَفَ، وعبد الله بن الإمام أحمد في "زوائده على المسند"(20935)، وأبو داود في "سننه"(3178) ك/الجنائز، ب/الرُّكُوبِ فِي الْجَنَازَةِ، وابن حبَّان في "صحيحه"(7158)، والطبرانيُّ في "الكبير"(1899)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6853)، وأبو نُعيم في "المُستخرَج"(2167)، وفي "معرفة الصحابة"(1347)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن شُعْبَة، عن سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، بنحوه، والبعض مُطولاً، ووقع في رواية
…
عبد الرَّزَّاق، وأبي نُعيم في "الصحابة": أنَّه ركب الفرس بعد الفراغ مِنْ الجنازة، وعند مُسلم، وأبي داود، وابن حبَّان، والطبرانيّ، والبيهقيّ، وأبي نُعيم في "المُستخرَج": أنَّه ركب بعد الصلاة عليه.
- وأخرجه أبو داود الطيالسيّ في "مسنده"(797)، والطبراني في "الكبير"(2018)، مِنْ طريق قَيْس بن الرَّبيع، عَنْ سِمَاكٍ، يُحَدِّثُ عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا رَكِبَ الْفَرَسَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ.
- وأحمد في "مسنده"(20976)، ومسلمٌ في "صحيحه"(965/ 1) ك/الجنائز، ب/رُكُوبِ الْمُصَلِّي عَلَى الْجَنَازَةِ إِذَا انْصَرَفَ، والنَّسائي في "الكبرى"(2164) ك/الجنائز، ب/الرُّكُوبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْجِنَازَةِ، وفي "الصغرى"(2026)، والطبرانيُّ في "الكبير"(1992 و 1993)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى" (1204
و 6852)، وأبو نُعيم في "المُستخرَج"(2166)، وفي "معرفة الصحابة"(1527)، وفي "تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن أبي نُعيم الفضل بن دُكين"(67)، والذهبي في "معجم الشيوخ"(2/ 399).
كلهم مِنْ طُرُقٍ عن مَالِك بن مِغْوَلٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِفَرَسٍ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ جَنَازَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ، فَرَكِبَ وَنَحْنُ حَوْلَهُ نَمْشِي» . واللفظ لأحمد، والباقون بنحوه.
- والترمذي في "سننه"(1014) ك/الجنائز، ب/ما جاء في الرخصة في الركوب خلف الجنائز، مِنْ طريق الجَرَّاحِ بن مَليح الرُّؤاسيّ، عن سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّبَعَ جَنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ مَاشِيًا، وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ» . وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
- والطبرانيُّ في "الكبير"(1943)، مِنْ طريق أَسْبَاط بن نصر، عن سِمَاكٍ، عن جَابِر بن سَمْرَة رضي الله عنه، قَالَ:«لَمَّا مَاتَ ابْنُ الدَّحْدَاحِ تَبِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جِنَازَتَهُ، فَلَمَّا دُفِنَ وَفَرَغَ مِنْهُ، أُتِيَ بِفَرَسٍ فَرَكِبَهُ فَرَجَعَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم» .
- والطبرانيُّ في "الكبير"(2010)، مِنْ طريق الحَسَنِ بن صَالِحٍ بن صالح الهمدانيّ، عن سِمَاكِ بن حَرْبٍ، حدَّثني جَابِرُ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:«صَلَّيْنَا عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ - رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ -، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْهُ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِفَرَسٍ حصانٍ فَرَكِبَهُ حِينَ رَجَعَ مِنَ الْجِنَازَةِ» .
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَبْدُ العَزِيْز بن يَحْيَى بن يُوسُفَ البَكَّائِيُّ، أبو الأَصْبَغ الحَرَّانِيُّ، مولى بني البَكَّاء.
روى عن: مَخْلد بن يزيد، وسُفْيان بن عُيَيْنة، وعيسى بن يونس، وآخرين.
روى عنه: أحمد الأَبَّار، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، وأبو داود، وآخرون.
حاله: أخرج البخاري له حديثاً في "التاريخ الكبير"، وقال: لا يُتابع عليه. وقال أبو حاتم: صدوقٌ. وقال أبو داود، والذهبي: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن عدي، وابن الحذَّاء: لا بأس برواياته.
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"؛ لم يُتابع على حديثٍ، فكان ماذا؟!
(1)
3) مَخْلَد بن يَزِيْد الحَرَّانيُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (228).
4) نُصَيْر بْن أَبِي الأشعث، ويُقال: ابن الأشعث الأسدي، أبو الوليد الكوفي.
روى عن: سِمَال بن حَرْب، وشعبة بن الحَجَّاج، وأبي إسحاق السَّبيعيّ، وآخرين.
روى عنه: مَخْلد بن يَزيد، وإسرائيل بن يونس، وأبو نُعيم الفضل بن دُكين، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن حبَّان، والدَّارقطني، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ.
(2)
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 6/ 19، "الجرح والتعديل" 5/ 399، "الثقات" 8/ 397، "الكامل" لابن عدي 6/ 510، "تهذيب الكمال" 18/ 215، "الكاشف" 1/ 659، "الميزان" 2/ 638، "تهذيب التهذيب" 6/ 362، "التقريب"(4130).
(2)
"الجرح والتعديل" 8/ 492، "الثقات" 7/ 543، "تهذيب الكمال" 29/ 368، "الكاشف" 2/ 320، "التقريب"(7126).
5) سِمَاكُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ أَبُو الْمُغِيرَةِ الذُّهَلِيُّ الْبَكْرِيُّ الْكُوفِيُّ.
روى عن: جابر بن سَمْرَة، والنُّعْمان بن بَشير، وأنس بن مالك، وآخرين.
روى عنه: نُصير بن أبي الأشعث، وسُفْيَان الثوري، وشُعْبَة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ، عابوا عليه أحاديث أسندها لم يُسْنده غيره. وقال أبو حاتم: صدوقٌ ثِقَةٌ. وقال ابن عدي: صدوقٌ لا بأس به. وقال العِجْلي: جائز الحديث، إلا في حديثه عن عكرمة. وَقَال النَّسَائي: ليس به بأسٌ، وفي حديثه شيء. وقال الذهبي في "الكاشف": ثِقَةٌ، ساء حفظه. وفي "المغني" وفي "من تُكُلِّم فيه وهو موثَّق": صدوقٌ جليلٌ. وفي "الديوان": صالح الحديث. وفي "الميزان": صدوقٌ صالحٌ مِنْ أوعية العلم، احتج به مسلمٌ في روايته عن جابر بن سَمُرَة، والنُّعْمَان بن بَشير، وجماعة.
_ وقال ابن المبارك: ضعيفٌ في الحديث. وقال أحمد: مضطرب الحديث، وهو أصلح حديثاً مِنْ عبد الملك بن عُمير. وقال ابن حبَّان: يُخطئ كثيراً. وقال ابن خِرَاش: في حديثه لِينٌ.
_ وقال ابن المديني: أحاديثه عن عكرمة مضطربة. وقال يعقوب السدوسي: روايته عَنْ عكرمة خاصة مضطربة، وفي غيره صالحٌ، ومَنْ سَمِعَ منه قديمًا كشعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيحٌ، والذي قاله ابن المبارك إنَّما فيمن سمع منه بآخرة. وقال الدَّارَقُطْنِيّ: إذا حدَّث عنه شعبة والثوري وأبو الأحوص، فأحاديثهم عنه سليمة، وما كان عن شريك، وحفص بن جُمَيْع ونظرائهم، ففي بعضها نكارة. وقال الذهبي في "السير": سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: نسخة عدة أحاديث، فلا هي على شرط مسلم؛ لإعراضه عن عكرمة، ولا هي على شرط البخاري؛ لإعراضه عن سماك، ولا ينبغي أن تُعَدّ صحيحة؛ لأن سماكًا إنما تُكُلَّم فيه من أجلها. وقال ابن حجر: صدوقٌ، وروايته عن عكرمة خاصة مُضْطربةٌ، وقد تَغَيَّر بآخرة فكان رُبَّما تَلَقَّن.
_ والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، إلا في روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، واختلط بآخرة، فيُحْتَجُّ بحديث مَنْ روى عنه قديماً كشعبة والثوري وأبي الأحوص، ومَنْ روى عنه بآخرة كشريك وحفص بن جُمَيع، فَيُعْتبر به"؛ وثَّقه جماعةٌ، واحتج به مُسْلمٌ، ومَنْ تَكَلَّم فيه إنَّما هو خاصٌ بروايته عن عكرمة، أو لاختلاطه، والله أعلم.
(1)
6) جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ بْنِ جُنَادَةَ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو خَالِدٍ السُّوَائِيُّ.
روى عن: النَّبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، وأبيه سَمُرَة، وخاله سعد بن أبي وقَّاص، وآخرين.
روى عنه: سِمَاك بن حَرْب، وعبد الملك بن عُمَير، وعامر الشَّعْبي، وآخرون.
له، ولأبيه صُحْبة، وروى له الجماعة. وحديثهُ في الكُتُبِ كَثِيرٌ.
(2)
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 173، "الثقات" للعِجْلي 1/ 436، "الجرح والتعديل" 4/ 279، "الثقات" 4/ 339، "الكامل" لابن عدي 4/ 543، "تاريخ بغداد" 10/ 296، "تهذيب الكمال" 12/ 115، "الكاشف" 1/ 465، "المغني" 1/ 410، "السير" 5/ 248، "الميزان" 2/ 232، "المختلطين" للعلائي (ص/49)، "تهذيب التهذيب" 4/ 234، "التقريب"(2624).
(2)
يُنظر: "الاستيعاب" 1/ 224، "أسد الغابة" 1/ 488، "تهذيب الكمال" 4/ 437، "الإصابة" 2/ 115.
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته"، والحديث أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"، وقال الإمام الترمذيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والله أعلم.
رابعًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن نُصَيْرٍ إلا مَخْلَدٌ.
قلتُ: لم يَنْفرد به مَخْلد بن يزيد، بل تابعه عيس بن يُونس بن أبي إسحاق السَّبيعيّ عن نُصير بن
…
أبي الأشعث، وهذه المتابعة أخرجها المُصَنِّف رضي الله عنه في "المعجم الكبير" - كما سبق في التخريج -، وذلك إذا كان ما في المطبوع مِنْ "المعجم الكبير" صحيحًا ومحفوظًا، وليس تصحيفًا، لاتحاد الإسناد في "الأوسط"، و"الكبير"، فإن كان تصحيفًا صَحَّ كلام المُصَنِّف رضي الله عنه والله أعلم -.
* * *
[233/ 633]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: نا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهَا لِي عَبْدٌ فِي الدُّنْيَا إلا كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا، أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن أبي ذِئْبٍ إلا مُوسَى.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الضياء في "المختارة"(96)، بسنده مِنْ طريق الطبراني، عن أحمد الأَبَّار، به. والحديث ذكره ابن كثير في "تفسيره"(3/ 104 و 4/ 176)، وفي "البداية والنهاية"(20/ 278)، بإسناد الطبراني، ومتنه.
• وأخرجه ابن مردويه - كما في "تفسير" ابن كثير (3/ 104) -، وأحمد بن مَنيع - كما في "إتحاف الخيرة المهرة"(915/ 2)، و"المطالب العالية"(246/ 3) - والزبير بن عدي الهَمْداني في "جزئه"(64) - مخطوطٌ نُشر ضمن برنامج جوامع الكلم -، وأبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف"(29590)، وعبد بن حُميد في "مسنده" - كما في "المُنْتخب"(688) -، وإسماعيل بن إسحاق الجهضمي في "فضل الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم "(48)، وابن أبي عاصم في "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "(73)، وأبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"(2080)، والضياء في "المختارة"(97)، مِنْ طريق مُوسَى بن عُبَيْدَةَ، عن مُحَمَّدِ بن عَمْرِو بن عَطَاءٍ، به.
وقال الضياء: موسى بن عُبيدة لم نعتمد على رِوَايَته، وإنَّما ذكرناهُ شاهدًا. وقال البوصيري: ضَعيفٌ.
(1)
• وأخرجه أبو نُعيم في "الحلية"(7/ 96)، مِنْ طريق خالد بن يزيد، عن الثَّوْرِيُّ، عن محمد بن عُبَيْدَة، عن ابن سِيرِينَ، عن ابن عبَّاس، قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَسْأَلُ اللهَ عَبْدٌ لِيَ الْوَسِيلَةَ إلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وقال أبو نُعيم: غريبٌ؛ تَفَرَّدَ به خالد بن يزيد العُمَرِيُّ.
قلتُ: وخالد العُمري هذا: قال ابن معين: كذَّاب. وقال البخاري، وأبو حاتم: ذاهب الحديث.
(2)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) الوليد بن عبد الملك بن مُسَرَّح، أبو وَهْب الحَرَّانيُّ:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (228).
(1)
قلتُ: وموسى بن عُبيدة، هو: ابن نَشيط الرَّبذي، وقد ضَعَّفوه الجمهور؛ فقال ابن معين، وابن المديني، والنَّسائي، والدارقطني، وابن حجر: ضَعيفٌ. وقال أحمد، وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال أبو زرعة: ليس بقوى الحديث. يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 291، "الجرح والتعديل" 8/ 152، "تهذيب الكمال" 29/ 110، "الميزان" 4/ 213، "التقريب"(6989).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 184، "الجرح والتعديل" 3/ 360، "ميزان الاعتدال" 1/ 646.
3) مُوسَى بن أَعْيَن الجَزَريُّ، أَبُو سَعِيد الحَرَّانِيُّ.
روى عن: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وسُفيان الثوري، وسليمان الأعمش، وآخرين.
روى عنه: الوليد بن عبد الملك، وابنه محمد، ومُعَلَّل بن نُفيل، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ صالحٌ. وقال أبو حاتم، وأبو زرعة، والدَّارقطني، والذهبي: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: مِنْ مُتْقِني أهل الجزيرة. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ عابدٌ.
(1)
4) مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن بْن المغيرة بْن الحارث ابْن أَبِي ذئب، أبو الحارث العامري، المدني.
روى عن: محمد بن عَمْرو بن عطاء، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، ومحمد بن المُنْكدر، وآخرين.
روى عنه: موسى بن أَعْيَن، وعبد الله بن المبارك، وأبو نُعيم الفضل بن دُكَيْن، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنَّسائي، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال الذهبي في "الميزان": متفقٌ على عدالته. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: ثِقَةٌ فقيهٌ فاضلٌ.
(2)
5) مُحَمَّد بْن عَمْرو بْنِ عَطَاءٍ بن عَلْقَمَة، أبو عَبْد اللَّهِ المدنيُّ.
روى عن: عبد الله بن عبَّاس، وأبي هُرَيْرة، وعبد الله بن الزُّبير، وآخرين.
روى عنه: ابن أبي ذئب، ومحمد بن عَجْلان، وموسى بن عُقْبة، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ثِقَةٌ صالح الحديث. وقال ابن سعد، وأبو زرعة، والنَّسائي، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: مِنْ مُتْقني أهل المدينة. وروى له الجماعة.
(3)
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صَحيحٌ لذاته".
وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه الوليد بن عبد الملك الحَرَّانيُّ، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات. قلت (الهيثمي): وهذا من روايته عن موسى بن أعين، وهو ثقة.
(4)
ورمز له السيوطي في "الجامع" بالصحة.
(5)
وقال المناوي: رمز المصنف - أي السيوطي - لصحته وليس كما ظن بل هو "حَسَنٌ"؛ لأنَّ في سنده من فيه خلاف، قال الهيثمي، تبعاً للمنذري: فيه الوليد بن عبد
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 136، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 458، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/218)، "تهذيب الكمال" 29/ 27، "الكاشف" 2/ 301، "تهذيب التهذيب" 10/ 335، "التقريب"(6944).
(2)
"الجرح والتعديل" 7/ 313، "الثقات" 7/ 390، "الكاشف" 2/ 194، "الميزان" 3/ 620، "التقريب"(6082).
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 29، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 368، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/98)، "تهذيب الكمال" 26/ 210، "السير" 5/ 225، "تهذيب التهذيب" 9/ 374، "التقريب"(6187).
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(1/ 333).
(5)
يُنظر: "الجامع الصغير"(4704).
الملك، قال ابن حبان: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات.
(1)
وقال الألباني: حسنٌ.
(2)
قلتُ: بل كل رجاله ثِقَاتٌ، كما سبق، ولم أقف - على حد بحثي - له على إسنادٍ صحيحٍ عن ابن عبَّاس إلا بإسناد الباب، ولم يُخَرِّجه غير الطبراني، وبقية الأسانيد عن ابن عبَّاس ضَعيفةٌ، كما سبق بيانه.
شواهد للحديث:
• أخرج الإمام مسلمٌ في "صحيحه"(384)، ك/الصلاة، ب/القول مثل قول المُؤَذِّن لمن سمعه، ثمَّ يصلِّي على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثمَّ يَسْأَلُ له الوسيلة، عن عَبْدِ اللهِ بن عَمْرِو بن العاص، أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» .
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(614)، ك/الآذان، ب/الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ، بسنده عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ» .
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف
رضي الله عنه:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن أبي ذِئْبٍ إلا مُوسَى.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام ابن كثير: الوسيلة: هي التي يُتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضا: علم على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش، وفي صحيح مُسلم عن عَبْدِ اللهِ بن عَمْرِو، أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ
…
، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ،
…
الحديث».
(3)
(4)
وقال المناوي: إنَّما سُميت الوسيلة لأنَّها أقرب الدرجات إلى العرش، ولهذا كانت أفضل الجنة وأعظمها نوراً ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق عبودية لربه وأشدهم له خشية كانت منزلته أقرب المنازل لعرشه.
(5)
* * *
(1)
يُنظر: "فيض القدير"(4/ 109).
(2)
يُنظر: "صحيح الجامع"(3637).
(3)
أخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(384)، ك/الصلاة، ب/القول مثل قول المُؤَذِّن، ثمَّ يصلِّي على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثمَّ يَسْأَلُ له الوسيلة.
(4)
يُنظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (3/ 103).
(5)
يُنظر: "فيض القدير"(4/ 109).
[234/ 634]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ جَدِّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ أَعُودُهُ فِي مَرَضِهِ.
فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَصِحَّ، فَلا تَمْرَضَ؟
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:
«إِنَّ الصُّدَاعَ وَالْمَلِيلَةَ
(1)
يُولَعَانِ بِالْمَرْءِ حَتَّى لا يَدَعْنَ عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ».
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبرانيُّ في "مسند الشاميين"(351)، قال: حدَّثنا أحمد بن أنس بن مالكٍ الدِّمَشْقِيُّ، وأحمد بن عَلِيٍّ الأَبَّارُ، قالا: ثنا إبراهيمُ بن هِشَامِ بن يَحْيَى الغَسَّانِيُّ، به.
وقال الطبرانيُّ: قال إبراهيمُ بن هِشَام: سَعِيدُ بن عَبْدِ العَزِيزِ، عن مُعَاذِ بن سَهْلِ بن أَنَسٍ وَوَهِمَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ سَهْلُ بن مُعَاذِ بن أَنَسٍ.
• وأبو نعيم في "الطب النبوي"(592)، مِنْ طريق الحسن بن سُفْيَان، عن إبراهيم بن هِشَام الغَسَّانيّ، عن سعيد بن عبد العزيز، حدَّثنا يزيد بن أبي حبيب، عن سهل بن مُعاذ بن أنس، عن أبيه، عن جده، بنحوه.
• بينما أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(9/ 386)، مِنْ طريق قُتيبة بن سعيد، عن إبراهيم بن هِشَام الغَسَّانيّ، حدَّثنا سعيد بن عبد العزيز، حدَّثنا يزيد بن أبي حبيب، عن مُعاذ بن سهل بن أنس الجُهَنِيّ، عن أبيه، عن جده، بنحوه. وقال ابن عساكر: كذا وقع في هذه الرواية، والصواب: سهل بن معاذ بن أنس.
• والحديث رواه عبد الله بن لهيعة، واضطرب فيه:
- فأخرجه أحمد في "مُسْنَدِه"(21728)، قال: حدَّثنا حسن بن موسى الأشيب؛ وابن أبي الدنيا في "المرض والكفَّارات"(41) - ومِنْ طريقه البيهقي في "شعب الإيمان"(9901) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(9/ 387)، مِنْ طريق الوليد بن مُسْلِمٍ؛ كلاهما (الحسن، والوليد)، عن عبد الله بن لَهِيعَةَ، قال: حدَّثني يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، عن سَهْلِ بن مُعَاذِ بن أَنَسٍ الجُهَنِيِّ، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، بنحو رواية الباب.
- بينما أخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات"(219) - ومِنْ طريقه البيهقي في "شعب الإيمان"(9902) -، قال: حدَّثنا الحَسَنُ بن عَبْدِ العَزِيزِ الجَرَوِيُّ، حدَّثنا يحيى بن حَسَّانَ، حدَّثنا ابن لَهِيعَةَ، حدَّثنا يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، عن سَهْلِ بن مُعَاذٍ، عن أَبِيهِ، عن أبي الدَّرْدَاءِ، بنحوه.
- وأخرجه الحارث بن أبي أسامة - كما في "بغية الباحث عن زوائد مُسْنَد الحارث"(245) -، حدَّثنا
(1)
الْمَلِيلَةُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ مَكْسُورَةٌ - هِيَ الْحُمَّى تَكُونُ فِي الْعَظْمِ. "إتحاف الخيرة المهرة"(4/ 404).
يحيى بن إِسْحَاقَ؛ وابن شاهين في "فضائل الأعمال"(402)، مِنْ طريق سَعِيد بن شُرَحْبِيلَ الكِنْدِيّ؛ كلاهما (يحيى، وسعيد) عن ابن لَهِيعَةَ، عن يَزِيدَ بن أبي حَبِيبٍ، عن مُعَاذِ بن سَهْلٍ، عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ، بنحوه.
- وأخرجه أحمد في "مسنده"(21736)، وأحمد بن مَنِيعٍ - كما في "إتحاف الخيرة المهرة"(4/ 403/برقم 3835) -، عن الحسن بن موسى الأشيب؛ والطبرانيُّ في "الأوسط"(3119)، مِنْ طريق عبد الله بن يوسف التَّنيسيّ، وشعيب بن يحيى بن السائب؛ ثلاثتهم (الحسن، والتَّنيسيّ، وشُعيب)، عن ابن لَهِيعَةَ، قال: حدَّثنا زَبَّانُ بن فَائد، عن سَهْلِ بن مُعَاذٍ، عن أَبِيهِ، عن أبي الدَّرْدَاءِ، بنحو رواية الباب.
وقال الطبرانيُّ: لا يُرْوَى هذا الحَدِيثُ عن أبي الدَّرْدَاءِ إلا بهذا الإسْنَادِ، تَفَرَّدَ به ابن لَهِيعَةَ.
قلتُ: بل رُوي بغير هذا الإسناد، كما في رواية الباب.
وقال الحافظ ابن حجر: روى أحمد في "مسنده"، وتمّام في "فوائده"، من طريق ابن لهيعة، والطبراني في "مسند الشّامّيين"، وأبو الميمون بن راشد في "فوائده"، من طريق سعيد بن عبد العزيز، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب، عن معاذ بن سهل بن أنس، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي الدّرداء، حديثًا في فضل الصداع والمرض، فكأن سهلًا نُسب في هذه الرواية إلى جده، والصواب: معاذ بن سهل بن معاذ بن أنس، فهو من رواية معاذ بن أنس عن أبي الدرداء.
(1)
• قلتُ: وخُولف فيه ابن لهيعة: فأخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات"(42)، قال: حدَّثني القَاسِمُ بن هَاشِمٍ، حدَّثنا عَلِيُّ بن عَيَّاشٍ الحِمْصِيُّ، حدَّثنا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ، حدَّثنا يَزِيدُ بن أَبِي حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَزَالُ الصُّدَاعُ وَالْمَلِيلَةُ بِالمَرْءِ المُسْلِمِ حَتَّى يَدَعَهُ مِثْلَ الفِضَّةِ المُصَفَّاةِ» .
قلتُ: وهو الصواب عن يزيد بن أبي حبيب (مُرْسلاً)، وإسناده حسنٌ مُرسلٌ؛ فيه: القاسم بن هاشم السِّمْسَار قال الخطيب البغداديُّ: "صدوقٌ"، وقال الدَّارقُطنيُّ: لا بأس به.
(2)
وبقية رجاله ثِقَاتٌ.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، أبو إسحاق الغَسَّانِيُّ الدِّمشقيُّ.
روى عن: سعيد بن عبد العزيز، وأبيه هشام، وسويد بن عبد العزيز، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن عليّ الأَبَّار، وأبو زرعة الدمشقي، ويعقوب الفَسَويّ، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: أظنه لم يطلب العلم، وهو كَذَّابٌ، وحكى عنه ما يدل على أنَّه لا يعي الحديث. وقال ابن الجُنيد: صَدَقَ أبو حاتم، ينبغي أن لا يُحَدَّث عنه. وقال أبو زرعة: كَذَّاب.
وقال الذهبيُّ: هو صاحب حديث أبي ذرّ الطّويل؛ تفرَّد به، عن أبيه، عن جدّه. قال الّطبرانيّ: لم يروه
(1)
يُنظر: "الإصابة"(1/ 265).
(2)
يُنظر: "تاريخ بغداد" 14/ 426، "تاريخ دمشق" 49/ 213، "تاريخ الإسلام" 6/ 137.
عن يحيى إلا ولده، وهم ثقات. وذكره ابن حبان في "الثقات ". وخَرَّج حديثه الطّويل وصحّحه.
والحاصل: ما قاله الذهبي في "الميزان" - في ترجمة يحيى بن سعيد القرشي -: "أحد المتروكين الذين مشاهم ابن حبان فلم يُصب".
(1)
3) سَعِيد بن عَبْد العَزِيزِ بن أبي يَحْيَى التَّنُوخِيُّ، أبو مُحَمَّد، ويُقال: أَبُو عَبْد الْعَزِيزِ، الدِّمَشْقِيّ.
روى عن: معاذ بن سهل بن أنس، والأوزاعي، وقتادة، والزهري، وآخرين.
روى عنه: إبراهيم بن هشام الغَسَّاني، وشعبة بن الحَجَّاج، وعبد الرحمن بن مهدي، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والوليد بن مسلم، وأبو حاتم، والعِجْلي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ليس بالشام رجل أصح حديثا من سعيد بن عبد العزيز، وسعيد والأوزاعي عندي سواء. وقال النَّسائي: ثِقَةٌ ثَبْتٌ. وقال ابن حبَّان: مِنْ عُبَّاد أهل الشَّام، وفقهائهم، ومُتْقِنِيهم في الرِّوَايَة. وقال الذهبي: ثِقَةٌ، وليس هو في الزهري بذاك.
_ وقال ابن معين: اخْتَلَط قبل مَوته وَكَانَ يُعْرَض عليه قبل أَن يَمُوت، وكان يقول: لا أُجيزها. وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر، يقول: رأيت أصحابنا يعرضون على سعيد بن عبد العزيز حديث المعراج، عن يزيد بن أبي مالك، عن أنس، فقلت له: يا أبا محمد! أليس حدثتنا عن يزيد بن أبي مالك، قال: حدثنا أصحابنا عن أنس بن مالك؟ قال: نعم، إنما يقرون على أنفسهم.
وقال أبو مُسْهر، وأبو داود، وحمزة الكناني، وابن حجر: اختلط قبل موته.
_ والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، إمامٌ، فقيه أهل الشام، ومفتيهم بدمشق بعد الأَوزاعِيّ، وليس هو بذاك في الزهري". وأمَّا اختلاطه فلا يضر، فكانوا يعرضون عليه فلا يُقِرّهم، ولا يُجيز لهم، والله أعلم.
(2)
4) معاذ بن سهل بن أنس الجهني.
روى عن: أبيه، عن جده نسخة. روى عنه: سعيد بن عبد العزيز، ويزيد بن أبي حبيب، والليث، وآخرين.
حاله: قال ابن حجر في "اللسان": قال ابن يونس في "تاريخ مصر": فيه نظر.
بينما ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير"، وغير واحد فقال: سَهْل بن مُعاذ بن أَنَسٍ الْجُهَنِيّ - وهو الصواب، كما قال الطبراني، وابن عساكر، وسبق نقل كلامهما في التخريج -.
قَالَ ابْن لَهِيعة: هو من أهل الشام. وقال العِجْلي في سهل: مصريٌّ تابعيٌّ ثِقَةٌ. وقال ابن معين: ضعيفٌ. وقال ابن حبَّان: سهل بن مُعَاذ بن أنس الجُهَنِيّ، لا يُعْتَبر حَدِيثه ما كَانَ من رِوَايَة زَبَّان بْن فائد عَنهُ. وقال في "المشاهير": كان ثَبْتًا وإنَّما وقعت المناكير في أخباره من جهة زَبَّان بن فائد. وقال ابن عبد البر: ليِّنُ
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 142، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 79، "تاريخ دمشق" 7/ 267، "الضعفاء والمتروكون" لابن الجوزي 1/ 59، "تاريخ الإسلام" 5/ 779، "الميزان" 1/ 72، و 4/ 378، "لسان الميزان" 1/ 381، وحديثه عن أبي ذر في ركعتي تحية المسجد أخرجه ابن حبَّان في "صحيحه" برقم (361).
(2)
"التاريخ الكبير" 3/ 497، "الجرح والتعديل" 4/ 43، "الثقات" 6/ 369، "تاريخ دمشق" 21/ 193، "التهذيب" 10/ 539، "الميزان" 2/ 149، "الاغتباط"(ص/136)، "تهذيب التهذيب" 4/ 60، "الكواكب النيرات" 1/ 213، "التقريب"(2358).
الحديث، إلا أنَّ أحاديثه حِسَانٌ في الرغائب والفضائل.
والحاصل: ما قاله ابن حجر في "التقريب": لا بأس به إلا في روايات زَبَّان.
(1)
5) مُعاذ بْن أَنَس، الجُهَنِيُّ.
روى عن: النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وكعب الأحبار رضي الله عنه، وأَبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه.
روى عنه: ابنه سهل بن معاذ بن أنس ولم يَرو عنه غيره.
مَعْدُودٌ في أهل مصر. وله صحبةٌ. وقال البرقي: جاء عنه نحو من خمسين حديثًا من طريق أهل مصر كلها، غير حديثٍ واحدٍ رواه أهل الشام عنه.
(2)
6) أنس الجُهَنِيُّ: له صحبة على ما قيل في بعض الروايات، نزل الشام، وكان بدمشق عند مرض أبي الدرداء، روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه حديثًا. قاله ابن عساكر. وقال ابن حجر في "تعجيل المنفعة": الصَّوَاب: أنَّه سهل بن معَاذ بن أنس، وَأَن أنسًا لا رِوَايَة لَهُ، وإنَّما انقلب اسمه، والرِّوَايَة لمعاذ بن أنس، وله صُحْبَة.
(3)
ثالثًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ جدًا"؛ لأجل إبراهيم بن هِشَام الغَسَّانيّ "مَتْروكٌ".
قلتُ: وتابعه عبد الله بن لهيعة - كما سبق في التخريج -، لكنَّ متابعته لا يُعتبر بها، لضعفه مع اضطرابه في رواية هذا الحديث - كما سبق تحريره -، ولمخالفته لما رواه الثِّقة عن يزيد بن أبي حبيبٍ:
فالحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات"(42)، قال: حدَّثني القَاسِمُ بن هَاشِمٍ، حدَّثنا عَلِيُّ بن عَيَّاشٍ الحِمْصِيُّ، حدَّثنا اللَّيْثُ بن سَعْدٍ، حدَّثنا يَزِيدُ بن أَبِي حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَزَالُ الصُّدَاعُ وَالْمَلِيلَةُ بِالمَرْءِ المُسْلِمِ حَتَّى يَدَعَهُ مِثْلَ الفِضَّةِ المُصَفَّاةِ» . وهذا مُرْسَلٌ إسناده حسنٌ - كما سبق -، والله أعلم.
• وقال الهيثميُّ: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام.
(4)
• وقال البوصيري: ورواه ابن أبي الدنيا، والطبرانيّ مِنْ طريق سهل بن معاذ، ومدار هذه الطُّرُقِ عليه، وهو ضَعيفٌ.
(5)
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 4/ 98، "الثقات" للعِجْلي 1/ 440، "الجرح والتعديل" 4/ 204، "الثقات" 4/ 321، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/148)، "الاستيعاب" 3/ 1402، "التهذيب" 12/ 208، "لسان الميزان" 8/ 94، "التقريب"(2667).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 360، "الجرح والتعديل" 8/ 245، "الثقات" 3/ 370، "الاستيعاب" 3/ 1402، "أسد الغابة" 5/ 186، "التهذيب" 28/ 105، "الإصابة" 10/ 201.
(3)
يُنظر: "تاريخ دمشق" 9/ 388، "الإصابة" 1/ 264، "تعجل المنفعة" 1/ 322 و 1/ 623.
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(2/ 301).
(5)
يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة"(4/ 404).
شواهد للحديث بالوجه المرسل عن يزيد بن أبي حبيبٍ:
• وأخرج الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ على أمّ السَّائب، أو أمّ المُسَيِّب، فقال: "مالكِ يا أم السائب! أو يا أمّ المُسَيِّب! تُزَفزفين
(1)
؟ " قالت: الحُمَّى. لا بارك الله فيها. فقال: "لا تَسُبِّي الحُمَّى! فإنها تُذهب خطايا بني آدم، كما يُذهِب الكِيرُ خَبثَ الحديد".
(2)
• أخرج الإمام أحمد، والنسائي، والحاكم، وغيرهما من طُرُقٍ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجْرَة، قال: حدثتني زينب ابنة كعب بن عُجْرة، عن أبي سعيد الخُدري، قال: قال رجلٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذه الأمراض الَّتِي تُصِيبُنَا مَا لَنَا بِهَا؟ قَالَ: " كَفَّارَاتٌ "، قَالَ أُبَيٌّ: وَإِنْ قَلَّتْ؟ قَالَ: " وَإِنْ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا "، قَالَ: فَدَعَا أُبَيٌّ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لا يُفَارِقَهُ الْوَعْكُ حَتَّى يَمُوتَ فِي أَنْ لا يَشْغَلَهُ عَنْ حَجٍّ، ولا عُمْرَةٍ ولا جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، ولا صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فِي جَمَاعَةٍ فَمَا مَسَّهُ إِنْسَانٌ، إلا وَجَدَ حَرَّهُ حَتَّى مَاتَ. واللفظ لأحمد، والباقون بنحوه، إلا النسائي فمُختصرًا.
وقال الحاكم: على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(3)
• ومِمَّا يشهد لعموم معناه، الأحاديث التي تدل على تحصيل الحسنات والأجر، وتكفير الذنوب والسيئات للمريض، وأصحاب المصائب، وهي كثيرة، منها:
ما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:" مَا مِنْ شَيْءٍ يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ حَتَّى الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ، إِلا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ"
(4)
، واللفظ لمسلم.
وعليه فالحديث مِنْ الوجه المرسل، يرتقي بشواهده إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
(5)
* * *
(1)
تزفزفين: قال النووي: بزاءين معجمتين، وفاءين، والتاء مضمومة، قال القاضي: تضم وتفتح هذا هو الصحيح المشهور في ضبط هذه اللفظة، معناه: تتحركين حركة شديدة، أي ترعدين. "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(16/ 131).
(2)
أخرجه مسلمٌ (2575)، ك/البر والصلة، ب/ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حُزن أو نحوه، حتى الشوكة يُشاكها.
(3)
أخرجه أحمد في "مسنده"(11183)، والنسائي في "الكبرى"(7447)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"(995)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(2219، 2220)، وابن حبان في "صحيحه"(2928)، والحاكم في "المستدرك"(7854).
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(5640)، ك/ المرضى، ب/ ما جاء في كفارة المرض، ومسلم في "صحيحه"(2572/ 1 - 6)، ك/ البر والصلة والآداب، ب/ ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرضٍ أو حَزْن، حتى الشوكة يُشاكُها.
(5)
ويُنظر: الحديث رقم (45)، و السلسلة الضعيفة للألباني (5/ 452/2433).
[235/ 635]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ هَاشِم
(1)
بْنِ مَرْزُوقٍ، قَالَ: نا أَبِي، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ
…
أَبِي قَيْسٍ
(2)
، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ بلالٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْبَيْتَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَنْ يَسَارِ الأُسْطُوَانَةِ الثَّانِيَةِ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن أبي لَيْلَى إلا عَمْرٌو.
هذا الحديث مَداره على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختُلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال رضي الله عنه.
الوجه الثاني: ابن أبي ليلى، عن عكرمة بن خالد، عن يحيى بن جَعْدة، عن ابن عُمر، عن بلال رضي الله عنه.
الوجه الثالث: ابن أبي ليلى، عن عكرمة بن خالد، عن يحيى بن جَعْدة، عن ابن عُمر، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن، عن بلال رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه - على حد بحثي - إلا برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عليُّ بن هاشم بن مرزوق، أَبُو الْحَسَن الرّازيّ.
روى عن: أبيه هاشم، وهُشيم بن بَشير، وعبَّاد بن العَوَّام، وآخرين.
روى عنه: أخمد بن عليّ الأَبَّار، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرَّازيان، وابن ماجه، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: صدوقٌ. فحاصله: أنَّه "ثِقَةٌ".
(3)
3) هاشم بن مَرْزُوق، الرَّازي.
روى عن: عمرو بن أبي قيس، وسفيان الثوري، وأبي جعفر الرَّازي، وآخرين.
روى عنه: ابنه عليّ، وزكريا بن يحيى السِمَّان، وحَجَّاج بن حمزة، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". فحاصله: أنَّه "ثِقَةٌ".
(4)
4) عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ الْكُوفِيُّ، ثُمَّ الرَّازِيُّ، الأَزْرَقُ.
(1)
بالأصل "هشام"، وهو كذلك بالمطبوع، والصواب ما أثبته، كما هو مُثْبتٌ في ترجمته، وبالنظر في الشيوخ والتلاميذ.
(2)
بالأصل "عمرو بن قيس"، وكذلك بالمطبوع، والصواب ما أثبته، كما في ترجمته، وبالنظر في الشيوخ والتلاميذ.
(3)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 208، "الثقات" لابن حبَّان 8/ 475، "تهذيب الكمال" 21/ 170، "التقريب"(4811).
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 9/ 104،"الثقات" لابن حبَّان 9/ 243.
روى عن: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي، يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن المُنْكدر، وآخرين.
روى عنه: هاشم بن مَرْزُوق، وإبراهيم بن المُخْتار، وعبد الله بن الجهم، وآخرون.
حاله: دخل الرَّازيون على الثوري، فسألوه الحديث، فقال أليس عندكم الأزرق؟ يعني ابن أبي قيس. وقال ابن معين: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": من جلّة أهل الريّ، ومُتْقِنِيهم، واحتج به في "صحيحه". وقال البزار: مستقيم الحديث. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام": كان مِنْ أوعية الحديث.
_ وقال أبو داود: لا بأس به، في حديثه خطأ. وقال عثمان بن أبي شيبة: لا بأس به، كان يهم قليلًا.
_ وقال الذهبي "الميزان"، وابن حجر في "التقريب": صدوقٌ، له أوهام. وفي "الفتح": صدوقٌ.
فالحاصل: أنَّه "صدوقٌ"، لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، ولعلَّه "ثِقَةٌ، له أوهام"، فقد وثَّقه جَمْعٌ.
(1)
5) مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبي ليلى: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تقدَّم في الحديث رقم (134).
6) عِيسَى بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبي ليلى، الأَنْصارِيّ الكوفي.
روى عن: أبيه عبد الرحمن، وزِرْ بن حُبَيْش الأسديّ، وعبد اللَّه بن عُكَيْم الجهنيّ، وآخرين.
روى عنه: أخوه محمد، وابنه عبد الله، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فَرْوة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: مِنْ المُتْقِنِيْنَ. وقال الذهبي: وثَّقوه.
(2)
7) عَبْد الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث (105).
8) بلال بن رباح، القُرشيُّ:"صحابي جَليلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (66).
ثانياً: - الوجه الثاني:
ابن أبي ليلى، عن عكرمة بن خالد بن العاص، عن يحيى بن جَعْدة بن هُبَيْرة، عن ابن عُمر، عن بلال رضي الله عنه.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه أبو بكر الروياني في "مسنده"(750)، قال: نا محمد بن إسحاق الصَّاغَانِيُّ، نا محمد بن حُمَيْد الرَّازيّ، نا هَارُونُ بن المُغِيرَة، عن عَمْرِو بن أبي قَيْس، عن ابن أبي لَيْلَى، عن عكرمة بن خالد، عن يحيى بن جَعْدَة بن هُبَيْرَة، عن ابن عُمَرَ، عن بِلالٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِ الأسْطُوَانَةِ الثَّانِيَةِ.
• والطبراني في "الكبير"(1057)، قال: حدَّثنا عبد اللهِ بن أحمد بن حَنْبَل، حدَّثني حَجَّاجُ بن يُوسُفَ الشَّاعِرُ، ثنا أبو الجوَّابِ الأحوص بن جواب، عن عَمَّارِ بن رُزَيْق، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى،
(1)
يُنظر: "مسند البزار" عقب الحديث رقم (1295)، "الجرح والتعديل" 6/ 255، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 220، "مشاهير علماء الأمصار"(ص/232)، "تهذيب الكمال" 22/ 203، "تاريخ الإسلام" 4/ 468، "الميزان" 3/ 285، "إكمال تهذيب الكمال" 10/ 249، "تهذيب التهذيب" 8/ 93، "التقريب"(5101)، "فتح الباري" 10/ 131.
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 6/ 390، "الجرح والتعديل" 6/ 281، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 230، "مشاهير علماء الأنصار"(ص/196)، "تهذيب الكمال" 22/ 629، "الكاشف" 2/ 111، "التقريب"(5307).
عن عِكْرِمَةَ بن خالد، عن يَحْيَى بن جَعْدَة، عن عبد اللهِ بن عُمَرَ، قال: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَانْطَلَقْتُ سَرِيعًا، فَلَقِيتُ بِلالا، فَقُلْتُ: أصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الْبَيْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الأُسْطَوَانَتَيْنِ، وَجَعَلَ الأُسْطَوَانَةَ الْيُمْنَى عَنْ يَمِينِهِ.
• بينما أخرجه الطبراني في "الأوسط"(6492)، قال: حدَّثنا محمد بن عيسى بن شَيْبَة، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريُّ، ثنا أبو الجوَّاب، عن عَمَّار بن رُزَيْق، عن عكرمة بن خالدٍ، عن يَحْيَى بن جَعْدَةَ، عن ابن عُمَرَ، قال: لَقِيتُ بِلالا فَقُلْتُ: أَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الأُسطُوَانَتَيْنِ، وَجَعَلَ الأُسْطُوَانَةَ الْوُسْطَى عَلَى يَمِينِهِ.
وقال الطبراني: لم يَرْوِه عن يحيى بن جَعْدَة إلا عكرمةُ، ولا عن عكرمة إلا عَمَّارُ، تَفَرَّدَ به أبو الجَوَّابِ.
• وأخرجه الدَّارقطني في "السنن"(1747) - ومِنْ طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(3791) -، قال: حدَّثنا عبد اللَّهِ بن محمد بن عبد العَزِيزِ البغويُّ، ثنا وَهْبُ بن بَقِيَّة الواسطيُّ، ثنا خالد بن عبد الله الطَّحان، عَنِ ابن أبي ليلى، عن عِكْرِمَةَ بن خَالِد، عن يَحْيَى بن جَعْدَةَ، عن عَبْدِ اللَّهِ بن عُمَرَ، قال: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ وَبِلالٌ خَلْفَهُ، فَقُلْتُ لِبِلالٍ: هَلْ صَلَّى؟، قال: لا، قال: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَخَلَ، فَسَأَلْتُ بِلالا: هَلْ صَلَّى؟ قَالَ: نَعَمْ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ اسْتَقْبَلَ الْجَزَعَةَ، وَجَعَلَ السَّارِيَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ يَمِينِهِ.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد الدَّارقطني):
1) عبد اللَّهِ بن محمد بن عبد العَزِيزِ البغويُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ".
(1)
2) وَهْبُ بن بَقِيَّة بن عُثْمَان الواسطيُّ: "ثقةٌ".
(2)
3) خالد بن عبد الله الطَّحان الواسطي: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ".
(3)
4) مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبي ليلى: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تقدَّم في الحديث رقم (134).
5) عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بن هِشَام المَخْزُوميّ: "ثِقَةٌ".
(4)
6) يحيى بن جَعْدَة بن هُبَيْرَة المَخْزُوميّ: "ثِقَةٌ".
(5)
7) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (6).
8) بلال بن رباح، القُرشيُّ:"صحابي جَليلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (66).
(1)
يُنظر: "تاريخ بغداد" 11/ 325، "تاريخ الإسلام" 7/ 323.
(2)
يُنظر: "التقريب"(7469).
(3)
يُنظر: "التقريب"(1647).
(4)
يُنظر: "التقريب"(4668).
(5)
يُنظر: "التقريب"(7520).
ثالثاً: - الوجه الثالث:
ابن أبي ليلى، عن عكرمة بن خالد بن العاص، عن يحيى بن جَعْدة، عن ابن عُمر، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه الدَّارقطني - مُعلَّقاً - في "العلل"(7/ 191)، قال: رواه عبدُ اللَّهِ بن الأَجْلَحِ، عن ابن أبي ليلى، عن عِكْرِمَةَ بن خَالِدٍ، عن يَحْيَى بن جَعْدَةَ، عن ابن عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
…
الحديث، ولم يَذْكُر بِلالا.
ب دراسة إسناد الوجه الثالث:
1) عبد الله بن الأَجْلَح، أبو محمد الكوفي:"صدوقٌ".
(1)
2) مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبي ليلى: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تقدَّم في الحديث رقم (134).
3) وبقية رجال الإسناد: سبق دراستهم في الوجه الثاني.
ثالثاً: - النظر في الخلاف على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث مَداره على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختُلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال رضي الله عنه.
ورواه عن ابن أبي ليلى بهذا الوجه عَمرو بن أبي قيس، وقد رُوى عن عَمرو بالوجهين: مَرَّة بالوجه الأول، ومَرَّة بالوجه الثاني، ولم أقف على مَنْ تابعه على رواية هذا الحديث بالوجه الأول، بينما تابعه غير واحدٍ - كما سبق في التخريج - على رواية الوجه الثاني. وعَمرو بن أبي قيس، قال فيه أبو داود: في حديثه خطأ.
الوجه الثاني: ابن أبي ليلى، عن عكرمة بن خالد، عن يحيى بن جَعْدة، عن ابن عُمر، عن بلال رضي الله عنه.
ورواه عن ابن أبي ليلى بهذا الوجه، جماعة، منهم: عَمرو بن أبي قيس، وتابعه عَمَّار بن رُزَيق - بإحدى الأوجه عنه -، وخالد بن عبد الله الطحان، وأبو يوسف القاضي
(2)
.
قلتُ: وخالد بن عبد الله "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ"، والإسناد إليه "رجاله ثِقَاتٌ" - كما سبق في دراسة إسناد هذا الوجه -.
الوجه الثالث: ابن أبي ليلى، عن عكرمة بن خالد، عن يحيى بن جَعْدة، عن ابن عُمر، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
بينما رواه بهذا الوجه عبد الله بن الأَجْلَح، ولم أقف - على حد بحثي على مَنْ تابعه -.
قلتُ: بعد أنَّ ذكر الدَّارقطني الأوجه عن ابن عُمر، قال: والصحيح قول مَنْ ذكر فيه بلالاً.
(3)
وبهذا يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثاني هو الأشبه والأقرب إلى الصواب، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "التقريب"(3202).
(2)
أشار إلى روايته الدَّارقطني في "العلل"(7/ 190/مسألة 1286)، ولم أقف - على حد بحثي - على روايته، والله أعلم.
(3)
يُنظر: "العلل" للدَّارقطني (7/ 191).
رابعاً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "شاذٌ"؛ لمخالفة عَمرو بن أبي قيس ما رواه الثقات.
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح (بإسناد الدَّارقطني):
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الدَّارقطني "ضَعيفٌ"؛ ابن أبي ليلى "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار".
مُتابعات للحديث:
_ أخرجه البخاري في "صحيحه"(397)، ك/الصلاة، ب/قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ، وبرقم (1167)، ك/التهجد، ب/ما جاء في التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى، بسنده عن مُجَاهِدٍ، قَالَ: أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الكَعْبَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلالا قَائِمًا بَيْنَ البَابَيْنِ، فَسَأَلْتُ بِلَالا، فَقُلْتُ: أَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ، بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى فِي وَجْهِ الكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ.
_ وأخرج البخاري في "صحيحه"(1598)، ك/الحج، ب/إغلاق البَيْتِ، ويُصَلِّي في أيِّ نواحي البَيْتِ شاء، بسنده عن سَالِمٍ، عن أَبِيه، أَنَّهُ قال: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم البَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلجَ، فَلَقِيتُ بِلالا فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ بَيْنَ العَمُودَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ.
_ وأخرج الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(1329)، ك/الحج، ب/اسْتِحْبَاب دُخُولِ الكعبة للحَاجِّ وغيره، والصَّلاة فيها، والدُّعاء في نَوَاحِيهَا كُلِّهَا، بسنده، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ مَكَثَ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَأَلْتُ بِلالا، حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ - وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ - ثُمَّ صَلَّى.
_ وعليه فالحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
خامساً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن أبي لَيْلَى إلا عَمْرٌو.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، لكنَّه مُقَيَّد بالوجه الأول، أي برواية ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن، عن بلالٍ رضي الله عنه؛ وإلا فقد رواه غير واحدٍ - غير عَمرو بن أبي قيس - عن ابن أبي ليلى، لكن بالوجه الثاني؛ أي: عن ابن أبي ليلى، عن عكرمة بن خالد، عن يحيى بن جَعْدة، عن ابن عُمر، عن بلال رضي الله عنه كما سبق بيانه في التخريج -، والله أعلم.
سادساً: - التعليق على الحديث:
قال الإمام الترمذي: والعمل علي هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: لا يرون بالصَّلَاةِ في الكعبة بأسا، وقال مالك بن أنس: لا بأس بالصَّلَاة النَّافِلَة في الكعبة، وكره أن تُصَلَّى المكتوبة في الكَعْبَةِ، وقال الشَّافِعِيُّ: لا بأس أن تُصَلَّى المكتوبة والتَّطَوُّعُ في الكعبة؛ لأنَّ حكم النَّافلة والمكتوبة في الطَّهارة والقِبْلَةِ سَوَاءٌ.
(1)
وقال النووي: ذكر مسلم رحمه الله في الباب بأسانيده عن بلال رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى فيها بين العمودين، وبإسناده عن أسامة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم دعا في نواحيها ولم يُصَلّ
(2)
؛ وأجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال؛ لأنه مُثْبِتٌ فمعه زيادة عِلْمٍ، فواجبٌ ترجيحه، والمراد: الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود، ولهذا قال ابن عمر - كما في بعض طُرق الحديث -:"فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ".
وأمَّا نفي أسامة، فسببه: أنهم لمَّا دخلوا الكعبة، أغلقوا الباب، واشتغلوا بالدعاء، فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ثم اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت، والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى، وبلال قريب منه، ثُمَّ صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه بلال لقربه، ولم يره أسامة لبعده، واشتغاله، وكانت صلاة خفيفة، فلم يرها أسامة لإغلاق الباب مع بعده واشتغاله بالدعاء، وجاز له نفيها عملا بظنه، وأما بلال فحققها، فأخبر بها، والله أعلم.
واختلف العلماء في الصلاة في الكعبة إذا صلى متوجها إلى جدار منها، أو إلى الباب وهو مردودٌ:
فقال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد والجمهور: تصح فيها صلاة النفل وصلاة الفرض.
وقال مالك: تصح فيها صلاة النفل المطلق، ولا يصح الفرض، ولا الوتر، ولا ركعتا الفجر.
وقال محمد بن جرير وأصبغ المالكي وبعض أهل الظاهر: لا تصح فيها صلاة أبداً لا فريضة ولا نافلة، وحكاه القاضي عن ابن عباس أيضًا.
ودليل الجمهور حديث بلال، وإذا صحت النافلة صحت الفريضة؛ لأنهما في الموضع سواء في الاستقبال في حال النزول، وإنما يختلفان في الاستقبال في حال السير في السفر، والله أعلم.
(3)
* * *
(1)
يُنظر: "سنن الترمذي" عقب الحديث رقم (874).
(2)
الحديث أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(1330)، ك/الحج، ب/اسْتِحْبَاب دُخُولِ الكعبة للحَاجِّ وغيره، والصَّلاة فيها، والدُّعاء في نَوَاحِيهَا كُلِّهَا، عن أُسَامَة بن زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ.
(3)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج"(9/ 82 - 85).
[236/ 636]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا زُنيجٌ
(1)
أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: نا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ نَافِعٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ عَلَى الأَرْضِ، فَإِنَّ الْكَفَّيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ» .
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(4501) - ومِنْ طريقه أبو داود في "سننه"(892)، ك/الصلاة، ب/أعضاء السجود -، والنَّسائي في "الكبرى"(683)، ك/الصلاة، ب/وضع اليدين مع الوجه في السجود، وفي "الصغرى"(1092)، وابن خزيمة في "صحيحه"(630)، والسَرَّاج في "مسنده"(339)، والحاكم في "المستدرك"(823)، والبيهقي في "الكبرى"(2639)، مِنْ طرقٍ عن إِسْمَاعِيل بن عُلَيَّة، عن أَيُّوب، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ، رَفَعَهُ، قَالَ:" إِنَّ الْيَدَيْنِ تَسْجُدَانِ، كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ، فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَهُ، فَلْيَرْفَعْهُمَا ".
وقال الحاكم: هذا حديثٌ صَحِيحٌ على شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولم يُخَرِّجَاهُ. وقال الذهبي: على شرطهما.
_ وأخرجه ابن الجارود في "المنتقى"(201)، والسَرَّاج في "مسنده"(338)، وأبو بكر بن المنذر في "الأوسط"(1434)، والبيهقي في "الكبرى"(2644)، مِنْ طريق وُهَيْب بن خالد الباهلي، عن أيُّوب، بنحوه.
_ وخالفهم حَمَّاد بن زيد، فرواه موقوفاً: فأخرجه البيهقي في "الكبرى"(2638/ 2) - ومِنْ طريقه ابن حجر في "التغليق"(2/ 327) -، مِنْ طريق حَمَّاد بن زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ، عن نافعٍ، عن ابن عُمَرَ، قال: وذكره بنحوه.
• ورواه مالك وابن جُريج والعُمري، عن نافعٍ موقوفاً، فأخرجه مالك في "الموطأ"(450)، وعبد الرَّزَّاق في "المُصَنَّف"(2934)، عن ابن جُريجٍ، وأيضاً برقم (2935)، عن عبد الله بن عُمر العُمري، ثلاثتهم (مالك، وابن جُريج، والعُمري)، عن نافعٍ، أنَّ عبد اللَّهِ بن عُمَرَ، كان يقول: وذكر الحديث بنحوه.
قال الألباني: وقد رواه مالك أيضا في "الموطأ" عن نافع موقوفا؛ ولا يخدج وقفه في رفعه؛ لأنَّ الرفع زيادة، وقد جاءت من ثقة وهو أيوب السختياني، رواها عنه ثقتان ابن علية ووهيب، فوجب قبولها. وبالجملة فالحديثُ صحيحٌ مرفوعًا وموقوفًا.
(2)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) أَبُو غَسَّان مُحَمَّد بن عَمْرو بن بكر الرَّازِيُّ، ولقبه زُنَيْج.
روى عن: حَكَّام بن سَلْم، وجرير بن عبد الحميد، وبَهْز بن أسد العَمِّيّ، وآخرين.
(1)
زُنَيْج: بالأصل غير منقوطة، وهي: بالزاي المضمومة، والنون المفتوحة، بعدها ياء ساكنة معجمة باثنتين مِنْ تحتها، وآخرها جيمٌ، مُصَغَّراً. يُنظر:"المؤتلف والمختلف" للدَّارقطني (2/ 1103)، "الإكمال" 4/ 188، "التقريب"(6180).
(2)
يُنظر: "إرواء الغليل"(2/ 18/حديث رقم 313).
روى عنه: أحمد الأَبَّار، وأبو حاتم، وأبو زرعة، ومُسْلم بن الحَجَّاج، وأبو داود، وابن ماجة، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم، والدَّارقطني، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(1)
3) حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ الْكِنَانِيُّ الرَّازِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
روى عن: عَنْبَسة بن سَعِيد الرَّازِيّ، وعثمان بن زائدة، وعَمرو بن أبي قيس، وآخرين.
روى عنه: زُنَيْج أبو غَسَّان، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأبو حاتم، والعِجْلي، ويعقوب بن شيبة، ويعقوب بن سُفْيان، والذهبي: ثِقَةٌ.
وقال الإمام أحمد: يُحدِّثُ عن عنبسة بن سعيد أحاديث غرائب. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ له غرائب.
(2)
4) عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ بن الضُّرَيْس الأَسَديّ، أَبُو بكر الكوفيُّ، الرَّازيُّ، قاضي الريّ.
روى عن: ابن أبي ليلى، وسُليْمان الأعمش، وسِمَاك بن حَرْب، وآخرين.
روى عنه: حَكَّام بن سَلْم، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن المبارك، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وأحمد، وأبو زرعة، والعِجْلي، وأبو داود، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ، لا بأس به. وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ. وقال ابن حبَّان: كان مِمَّن يُخْطئ.
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"، وقد انفرد ابن حبَّان بوصفه بالخطأ، بينما أطلق الجمهور توثيقه، والله أعلم.
(3)
5) مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبي ليلى: "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، تقدَّم في الحديث رقم (134).
6) نَافع مولى ابن عُمر: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقيهٌ، مَشْهور"، تَقدَّم في الحديث رقم (29).
7) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه للاعتبار"، وللحديث مُتابعاتٌ عن نافع، سبق ذكرها في التخريج، وأسانيدها صَحيحةٌ، وعليه؛ فالحديث بمجموع طُرُقه يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
* * *
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 8/ 34، "الثقات" 9/ 112، "تهذيب الكمال" 26/ 200، "الكاشف" 2/ 206، "التقريب"(6180).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 311، "الجرح والتعديل" 3/ 318، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 242، "تاريخ بغداد" 9/ 207، "تهذيب الكمال" 7/ 83، "الكاشف" 1/ 343، "تهذيب التهذيب" 2/ 423، "التقريب"(1437).
(3)
يُنظر: "الثِّقات" للعِجْلي 2/ 194، "الجرح والتعديل" 6/ 399، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 289، "تهذيب الكمال" 22/ 406، "المغني في الضعفاء" 2/ 78، "تهذيب التهذيب" 8/ 155، "التقريب"(5/ 200).
[237/ 637]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن سَعِيدٍ إلا إبراهيم، ولا رواهُ عن أبي الزُّبَيْرِ إلا سَعِيدٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "الدعاء"(2038)، وفي "مسند الشاميين"(277)، قال: حدثنا أحمد الأَبَّار، به.
وقال الطبراني في "الدعاء": وفَسَّرَ أهلُ العلم معنى هذا الحديث أنَّهُ قول النَّاس: أَفْقَرَنَا الدَّهْرُ، وأَضَرَّ بنا الدَّهْرُ، فقالوا: يقول اللَّهُ عز وجل: إنَّ الدَّهْرَ لا يَضُرُّ بأحدٍ، ولا يَنْفَعُ، وأنَّ الأمر كُلَّه بيدي.
• وأخرجه أبو بكر بن المُقْرئ في "الثالث عشر مِنْ فوائده"(99/ 2) - مخطوط نُشر ضمن برنامج "جوامع الكلم" -، - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(7/ 267 - 268 و 55/ 97) -، وتَمَّام في "فوائده" - كما في "الرض البَسَّام"(1135) -، - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(13/ 36) -، مِنْ طريق إبراهيم بن هشام الغَسَّاني، لكنه قال: عن سُويد بن عبد العزيز، عن أبي الزُّبير، فذكره.
_ قال ابن عساكر: قال ابن المقرئ: هكذا قالوا: سويد؛ والصحيح سعيد بن عبد العزيز، وسويد لا يُحفظ له شيء عن أبي الزبير، وقد حدَّث غير هؤلاء عن إبراهيم بن هشام، وقال: عن سعيد بن عبد العزيز.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتْقنٌ، زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى، أبو إسحاق الغَسَّانِيُّ:"متروكٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (234).
3) سَعِيد بن عَبْد العَزِيزِ التَّنُوخِيُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فقيه أهل الشام، ومُفْتيهم"، تقدَّم في الحديث رقم (234).
4) محمد بن مُسلم بن تَدْرُس، أبو الزُّبير، المكّي، القُرَشيّ:"ثقة، يُدَلِّس عن جابرٍ خاصة، فلا يُقبل من حديثه عنه إلا ما صرَّحَ فيه بالسماع، أو كان من رواية الليث بن سعد عنه"، تقدَّم في الحديث رقم (47).
5) جابر بن عبد الله الأنصاري: صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثِرين، تقدم في الحديث رقم (20).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل إبراهيم بن هِشَام الغَسَّانِيُّ: "متروكٌ"، وانفرد به عن سعيد بن عبد العزيز، كما قال الطبراني، ولم أقف على مَنْ تابعه - كما في سبق التخريج -.
قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن هشام الغَسَّانيّ، وثَّقه ابن حبان وغيره، وضَعَّفه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قلتُ: قال الذهبي: أحد المتروكين، الذين مشاهم ابن حبان فلم يُصب - كما سبق في ترجمته -.
شواهد للحديث:
_ أخرج الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه"(2246/ 5)، ك/الألفاظ مِنْ الأدب، ب/النَّهي عن سب الدَّهر،
بسنده مِنْ طريق ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ» .
_ والبخاري في "صحيحه"(4826)، ك/التفسير، ب/قوله تعالى {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} ، وبرقم (7491)، ك/التوحيد، ب/قَوْله تَعَالَى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} ، ومُسْلمٌ - واللفظ له - (2246/ 2،3)، ك/الألفاظ مِنْ الأدب، ب/النَّهي عن سب الدَّهر، عن الزُّهْرِيِّ، عن ابنِ المُسَيِّبِ، عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ اللهُ عز وجل: " يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَلا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا ".
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن سَعِيدٍ إلا إبراهيم، ولا رواهُ عن أبي الزُّبَيْرِ إلا سَعِيدٌ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الحافظُ المُنْذِرِيُّ: ومعنى الحديث أنَّ العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلةٌ، أو أصابتهُ مُصِيبَةٌ، أو مكروهٌ يَسُبُّ الدَّهر؛ اعْتِقَادًا منهم أنَّ الذي أَصابه فِعْلُ الدَّهر، كما كانت العرب تَسْتَمْطِرُ بالأنواء، وتقول: مُطِرْنَا بِنُوءِ كذا، اعْتِقَادًا أنَّ ذلك فعل الأنواء، فكان هذا كاللعن للفاعل، ولا فاعل لكلِّ شَيءٍ إلا اللَّهُ سبحانه وتعالى خالقُ كلَّ شَيءٍ وفاعلُهُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكان ابنُ دَاوُدَ يُنْكِرُ رواية أهل الحديثِ "وَأَنَا الدهرُ" بِضَمِّ الرَّاء، ويقول: لو كان كذلك كان الدَّهْرُ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ سبحانه وتعالى، وكان يرويه "وَأَنَا الدهرَ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" - بِفَتْحِ رَاءِ الدَّهْرِ، على الظَّرْفِ -، معناه: أنا طول الدَّهرِ والزَّمَانِ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، ورجَّح هذا بعضهم، ورواية مَنْ قال:"فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ" يَرُدُّ هذا، والجمهور على ضَمِّ الرَّاءِ، واللَّهُ أعلمُ.
(1)
_ وقال النووي: وأما قوله: "وَأَنَا الدهرُ" فإنه برفع الراء، هذا هو الصواب المعروف الذي قاله الشافعي وأبو عبيد وجماهير المتقدمين والمتأخرين؛ قال العلماء: وهو مجاز، وسببه: أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك، فيقولون: يا خيبة الدهر، ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ» ، أي: لا تسبوا فاعل النوازل، فإنكم إذا سببتم فاعلها، وقع السب على الله تعالى؛ لأنَّه هو فاعلها ومنزلها، وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له، بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى، ومعنى:"فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ"، أي: فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات، والله أعلم.
(2)
* * *
(1)
يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة" للبوصيري (6/ 64 - 65).
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلمٌ بن الحجاج"(15/ 2 - 3)، و"النهاية في غريب الحديث"(2/ 144).
[238/ 638]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ
(1)
، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «[عَلَيْكُمْ] بِثِيَابِ الْبَيَاضِ فَالْبَسُوهَا، وَكَفِّنُوا [فِيهَا]
(2)
مَوْتَاكُمْ».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزُّهْرِيِّ إلا المُوَقَّرِيُّ، تَفَرَّدَ به: عَلِيُّ بن حُجْرٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(13100)، قال: حدَّثنا أحمد بن عليّ الأَبَّار، به.
• وأخرجه ابن عدي في "الكامل"(8/ 350)، عن الحسن بن سُفيان، عن عليِّ بن حُجْرٍ، بسنده، وبنحوه.
وقال ابن عدي: وهذا أيضًا، عن الزُّهْريّ بهذا الإسناد يرويه عنه المُوَقَّريّ.
• وأخرجه أبو بكر الروياني في "مسنده"(1436)، مِنْ طريق ابن أبي ليلى، عن نَافِعٍ، عن ابن عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبَيَاضَ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ؛ فَإِنَّهَا أَطْيَبُ وَأَنْظَفُ، أَوْ أَنْظَفُ وَأَطْيَبُ» .
• وأخرجه الدَّارقطني في "الغرائب والأفراد" - كما في "الأطراف" لابن القيسراني (3413) -، - ومِنْ طريقه أبو القاسم القزويني في "التدوين في أخبار قزوين"(3/ 256) -، وسنده عند القزويني مِنْ طريق الدارقطني، قال: ثنا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم المُلْحَمِيُّ، حدَّثني محمد بن عبد الرحمن الكلاعِيُّ، ثَنَا إسحاق القزوينيُّ، عن نافعٍ بن أبي نُعَيْمٍ القاريِّ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبِيضَ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ ". وقال الدَّارقطني: غريبٌ مِنْ حديث نافع بن أبي نُعيم، عن نافع.
قلتُ: وفيه محمد بن عبد الرحمن بن بَحِيْر الكَلاعِيُّ "متروكٌ، مُتَّهمٌ".
(3)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتْقنٌ، زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَلِيُّ بن حُجْرِ، أبو الحسن المروزيُّ:"ثِقَةٌ حافظٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (214).
3) الوليد بن محمد المُوَقَّرِيُّ، أبو بشر البَلْقاويُّ، صاحب الزُّهريّ.
روى عن: الزّهري، وعطاء الخراسانيّ، وثور بن يزيد الرَّحبيّ، وآخرين.
روى عنه: عليّ بن حُجر، وعُبَيد بن هشام الحلبيّ، والوليد بن مُسْلم، وآخرون.
(1)
المُوَقَّريّ: بضم الميم، وفتح الواو، والقاف المُشَدّدَة، وفي آخرها راء، نسبة إلى مُوَقَّر حصن بالبلقاء. "اللباب"(3/ 270).
(2)
ما بين المعقوفتين في الكلمتين (عليكم، وفيها)، سقط مِنْ الأصل، واستدركتهما مِنْ "المعجم الكبير"(13100)، ففيه أخرجه عن أحمد بن عليّ الأَبَّار، به، ومِنْ "مجمع البحرين"(4207).
(3)
يُنظر: "ميزان الاعتدال" 3/ 621، "لسان الميزان" 7/ 279.
حاله: قال ابن معين: ليس بشيء، كذَّاب. وقال ابن المديني: ضعيفٌ، لا يُكتب حديثه. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قلتُ لأبي: المُوَقَّريّ يروي عن الزُّهْرِيّ عجائب؟ قال: آه! ليس ذاك بشيءٍ. وقال البخاري: في حديثه مناكير. وقال أبو حاتم: ضَعيف الحديث، وكان لا يقرأ من كتابه، وإذا دُفِعَ إليه كتاب قرأه. وقال أبو زرعة: لينُ الحديث. وقال ابن حبَّان: كان مِمَّن لا يُبَالي، ما دُفِعَ إليه قرأه، روى عن الزهري أشياء موضوعة لم يُحَدِّث بها الزهري قط، وكان يرفع المراسيل، ويُسند الموقوف، لا يجوز الاحتجاج به بحال. وقال الجُوزجانيُّ: غير ثقة، يروي عن الزُّهْرِيّ عِدَّة أحاديث ليس لها أصول. وقال النَّسائي، والدَّارقطني، وابن حجر: متروك الحديث. وقال البزَّار: ليِّنُ الحديث، حدَّث عن الزُّهري بأحاديث لم يُتابع عليها. وقال ابن عدي: كل أحاديثه غير محفوظة. فالحاصل: أنَّه "متروك الحديث".
(1)
4) محمد بن مُسْلم بن شهاب الزُّهْريُّ: "ثقةٌ، حافظٌ، متفقٌ على جلالته، وإتقانه، وإمامته، لكنه مع ذلك يُرسل، ويُدلس؛ إلا أن مراسيله يُمكن قبولها والاحتجاج بها، وتدليسه مقبول، ومُحتمل ما لم يأت نافٍ لذلك"، تقدَّم في الحديث رقم (10).
5) القاسم بن مُحَمَّد بن أَبي بكر الصديق القرشي: "ثِقَةٌ، حُجَّةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (135).
6) عبد الله بن عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جَليلٌ، مُكْثرٌ"، تَقدَّم في الحديث رقم (6).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ جداً"؛ لأجل الوليد بن محمد المُوَقَّريّ: "متروك الحديث"، وانفرد به عن الزُّهْريّ، كما قال الإمام الطبراني، ولم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه على رواية هذا الحديث عن الزُّهري - كما سبق بيانه في التخريج، وقال ابن حبَّان: روى عن الزهري أشياء موضوعة لم يُحَدِّث بها الزهري قط، وقال البزار: حدَّث عن الزُّهري بأحاديث لم يُتابع عليها.
قلتُ: والحديث عَدَّه ابن عدي في "الكامل"، والذهبي في "الميزان" مِنْ مناكير الوليد بن محمد المُوَقَّريّ.
(2)
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه الوليد بن محمد الموقري، وهو متروك.
(3)
متابعات للحديث:
وللحديث طرق أخرى عن ابن عُمر - كما سبق بيانها في التخريج:
_ فأخرجه الروياني في "مسنده" مِنْ طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن نافعٍ، عن ابن عُمر؛ وابن أبي ليلى "ضَعيفٌ"، ولم أقف على مَنْ تابعه مِنْ وجه صحيح على رواية هذا الحديث عن نافعٍ - كما سبق بيانه في التخريج -.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 8/ 155، "الجرح والتعديل" 9/ 15، "المجروحين" لابن حبَّان 3/ 76، "الكامل" لابن عدي 8/ 348، "تاريخ دمشق" 63/ 257، "تهذيب الكمال" 31/ 77، "الميزان" 4/ 346، "التقريب"(7453).
(2)
يُنظر: "الكامل" لابن عدي 8/ 348، و"ميزان الاعتدال" 4/ 346.
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(5/ 128).
- وأخرجه الدَّارقطني مِنْ طريق نافع بن أبي نُعيم، عن نافع، عن ابن عُمر؛ لكنَّها متابعةٌ لا يُفرح بها، ففي سندها محمد بن عبد الرحمن بن بَحِيْر الكَلاعِيُّ "متروكٌ، مُتَّهمٌ" - كما سبق تفصيله في التخريج -.
شواهد للحديث:
وللحديث شواهد أخرى صحيحة، يصح المتن بها، مِنها:
• ما أخرجه الإمام أحمد، وغيره مِنْ طُرُقٍ، عن عبد اللَّهِ بن عُثْمَانَ بن خُثَيْمٍ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمِ الْبِيضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ،
…
الحديث».
(1)
وأخرجه الترمذي، وقال: وفي الباب عن سَمُرَةَ، وابن عُمَرَ، وعائشة، وحديثُ ابن عَبَّاسٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وأخرجه الحاكم، وقال: هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ على شَرْطِ مُسْلِمٍ، ولم يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي.
وقال ابن كثير: هذا حديث جيد الإسناد، رجاله على شرط مسلم.
(2)
وقال الحافظ ابن حجر: وحديث ابن عبَّاس صحَّحَهُ ابن القَطَّان.
(3)
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الزُّهْرِيِّ إلا المُوَقَّرِيُّ، تَفَرَّدَ به: عَلِيُّ بن حُجْرٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
* * *
(1)
أخرجه أحمد في "مسنده"(2219 و 2479 و 3035 و 3342 و 3426)، وابن ماجه في "سننه"(1472)، ك/الجنائز، ب/ما جاء فيما يُستحب مِنْ الكفن، وبرقم (3566)، ك/اللباس، ب/البياض مِنْ الثياب، وأبو داود في "سننه"(387)، ك/الطب، ب/في الأمر بالكحل، وبرقم (4061)، ك/اللباس، ب/في البياض، والترمذي في "سننه"(994)، ك/الجنائز، ب/ما يُستحب مِنْ الأكفان، وأبو يعلى في "مسنده"(2410 و 2727)، وابن حبَّان في "صحيحه"(5423)، والحاكم في "المستدرك"(1308 و 7378)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن عبد الله بن عُثْمان بن خُثَيْم، بنحوه.
(2)
يُنظر: "تفسير ابن كثير"(3/ 406).
(3)
يُنظر: "التلخيص الحبير"(2/ 139/ برقم 662).
[239/ 639]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ.
عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَرَمَى سَائِرَهُنَّ بَعْدَ الزَّوَالِ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن جُرَيجٍ إلا ابن إدريس.
أولاً: - تخريج الحديث:
• سبق تخريج الحديث، واستيفاء طُرقه عن ابن جُريجٍ في الحديث رقم (215) - ولله الحمد، والمنة -، فليُراجعه مَنْ شاء - مشكوراً، مأجوراً بإذن الله تعالى -.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتْقنٌ، زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) يَحْيَى بن مَعِينٍ، أبو زكريا البغداديّ، إمام أهل الحديث في زمانه، والمشار إليه من بين أقرانه.
روى عن: عبد الله بن إدريس، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، والنَّاس.
روى عنه: أحمد بن عليّ الأَبَّار، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والبخاري، والنَّاس.
حاله: قال ابن المديني: انتهى علم النَّاس إلى يحيى بن معين. وقال أبو حاتم: إمامٌ. وقال النَّسائي: ثِقَةٌ مأمون، أحد أئمة الحديث. وقال ابن حبَّان: مِنْ أهل الدَّين والفضل، وَمِمَّنْ رفض الدُّنْيَا في جمع السّنَن، وَكَثُرت عنايته بها، وَجَمْعِه لها، وَحِفْظِه إيَّاها، حَتَّى صَار عَلَمَاً يُقْتَدى به في الأَخْبَار، وإمامًا يُرجع إليه في الآثَار. وقال الخطيب البغدادي: كان إمامًا ربَّانيًا عالِمًا، حافظًا، ثَبْتَاً، مُتْقِنًا. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، حافظٌ، مَشْهورٌ، إمام الجرح والتعديل. وروى له الجماعة.
(1)
3) عَبْد الله بن إدريس بن يزيد بن عَبْد الرَّحْمَن، أبو محمد الأَوْدِيُّ الكوفيُّ.
روى عن: ابن جُرَيْج، وشعبة بن الحَجَّاج، والثوري، والأعمش، وآخرين.
روى عنه: يحيى بن معين، وعبد الله بن المبارك، ومالك بن أنس، وأبو بكر بن أبي شيبة، وآخرون.
حاله: قال ابن المديني، وابن معين، وابن خِرَاش: ثِقَةٌ. وقال العِجْلي: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، صاحبُ سُنِّةٍ. وقال أبو حاتم: أحاديث ابن إدريس حجةٌ يُحتج بها، وهو إمامٌ مِنْ أئمة المسلمين، ثقةٌ. وقال النَّسَائيُّ: ثقةٌ ثَبْتٌ. وقال الدَّارقطني: ثِقَةٌ حافظٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، فقيهٌ، عابدٌ. وروى له الجماعة.
(2)
4) عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج: "ثقةٌ فقيهٌ فاضلٌ يُدلس ويُرسل" ولا يُتوقف في عنعنته عن عطاءٍ خاصةً لكثرة روايته عنه، تقدَّم في الحديث رقم (51).
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل"(1/ 314 - 318 و 9/ 192)، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 262، "تاريخ بغداد" 16/ 263 - 276، "تاريخ دمشق" 65/ 3 - 43، "تهذيب الكمال" 31/ 543 - 568، "التقريب"(7651).
(2)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 2/ 21، "الجرح والتعديل" 5/ 9، "تهذيب الكمال" 14/ 293،
5) محمد بن مُسلم بن تَدْرُس، أبو الزُّبير، المكّي، القُرَشيّ:"ثقة، يُدَلِّس عن جابرٍ خاصة، فلا يُقبل من حديثه عنه إلا ما صرَّحَ فيه بالسماع، أو كان من رواية الليث بن سعد عنه"، تقدَّم في الحديث رقم (47).
6) جابر بن عبد الله الأنصاري: صحابيٌّ جليلٌ، مِنْ المُكْثِرين، تقدم في الحديث رقم (20).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته"؛ وأمَّا عن تدليس ابن جُريج، وأبي الزبير، فلقد صَرَّح كل واحدٍ منهما في بعض طُرُق الحديث بالإخبار والسَّمَاع، فقد أخرجه الإمام مُسْلمٌ في "صحيحه"(1299/ 2) بسنده مِنْ طريق عِيسَى بن يونس، قال: أخبرنا ابنُ جُرَيْجٍ، قال: أخبرني أبو الزُّبَيْرِ، أنَّه سَمِعَ جَابِرَ بن عَبْدِ اللهِ، يقول: وذكر الحديث - كما سبق بيانه في التخريج -، فزال - بحمد الله تعالى - ما كنا نَخْشاه مِنْ تدليسهما، والله أعلم.
والحديث أخرجه الإمام مُسلمٌ في "صحيحه"(1299/ 1)، وابن خزيمة، وابن حبَّان في "صحيحيهما" - كما سبق في التخريج -، مِنْ طريق عبد الله بن إدريس، عن ابن جُريجٍ، به.
وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(1299/ 2)، والترمذي في "سننه"(894) - كما سبق في التخريج -، مِنْ طريق عيسى بن يُونس، عن ابن جُريج، عن أبي الزبير، وقال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابن جُرَيجٍ إلا ابن إدريس.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن أنَّ هذا الحديث لم يَنْفرد به عبد الله بن إدريس عن ابن جُريجٍ؛ بل تابعه جماعةٌ، وقد وقفتُ - بعون الله تعالى - على تسعة مِنْ الرواة - غير ابن إدريس - كلهم رووه عن ابن جُريج، وهم:
محمد بن بكر البُرْساني، وعبد الوهاب بن عطاء، وأبو خالد سُليْمان الأحمر، ويحيى بن سعيد القَطَّان، وحمَّاد بن سلمة، وعُبيد الله بن موسى العَبْسي، وعيسى بن يونس، ومكي بن إبراهيم البَلْخي، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، كلهم عن ابن جُريج، به.
وأحاديث بعضهم عند بعض أصحاب الكتب الستة - كما سبق بيانه في التخريج -، فلله الحمد والمنَّة.
* * *
[240/ 640]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُعَلَّلُ بْنُ نُفَيْلٍ، قَالَ: نا الْعَلاءُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْخَلِيلِ
(1)
بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لا تَنَالُهُمَا شَفَاعَتِي: إِمَامٌ غَشُومٌ، وغَالٍ فِي الدِّينِ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن الخَلِيلِ إلا العَلاءُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه مُسدد - كما في "إتحاف الخيرة المهرة"(4187)، و"المطالب العالية"(2157) -، - ومِنْ طريقه إبراهيم الحربي في "غريب الحديث"(2/ 665)، والطبراني في "الكبير"(8079) -، والمؤمل بن إهاب في "جزئه"(6)، والجرجانيّ في "أماليه"(44) - مخطوط نُشر في جوامع الكلم -، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(654)، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(2105)، والتبريزيّ في "النَّصيحة للراعي والرعية"(ص/47)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن المُعَلى بن زِيَاد - مِنْ أصح الأوجه عنه
(2)
-، عن أبي غالب، بنحوه.
_ وعزاه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(1/ 840/ حديث رقم 470) إلى الجرجاني في "الفوائد"(112/ 1)، وابن أبي الحديد السُّلمي في "حديث أبي الفضل السُّلمي"(2/ 1)، وأبو بكر الكلاباذي في "مفتاح المعاني"(360/ 2)، مِنْ طُرُقٍ عن المعلى بن زياد، عن أبي غالب، بنحوه.
_ وأخرجه الروياني في "مسنده"(1186)، مِنْ طريق أبان بن أبي عَيَّاشٍ
(3)
، عن أبي غالبٍ، بنحوه.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ، حافظٌ، مُتْقنٌ، زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مُعَلَّلُ بن نُفَيْل بن عَليّ بن نُفَيْل، الحَرَّانِي:"ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (231).
3) العلاء بن سليمان، أبو سليمان الرقي.
روى عن: الخليل بن مُرَّة، والزُّهْريّ، ومَيْمون بن مِهْران، وآخرين.
روى عنه: مُعَلَّل بن نُفَيْل، مَخْلَد بن الحسين، وعبد الجبار بن عاصم، وآخرون.
حاله: قال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: مُنْكر الحديث، يأتي بأسانيد لا يُتابعه عليها أحد. وقال الأَزْدِيّ: سَاقِطٌ لا تَحِلّ الرِّوَاية عنه. وفي "لسان الميزان": ذكره البرقي في باب: من اتُهم بالكذب في روايته عن الزهري. والحاصل: أنَّه "ليس بالقوي".
(4)
(1)
تصحفت في الأصل إلى "الخليد"، والصواب ما أثبته، بدليل قوله في آخر الحديث، وبالنظر في الشيوخ والتلاميذ.
(2)
يُنظر: "السنة" لابن أبي عاصم (35 و 423)، والطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 213/495)، "النصيحة للراعي والرعية" للتبريزي (ص/45)، و"السلسلة الصحيحة" للألباني (1/ 841/470).
(3)
قلتُ: وأبان بن أبي عَيَّاش "متروك الحديث". يُنظر: "التقريب"(142).
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 356، "الكامل" لابن عدي 6/ 384، "ميزان الاعتدال" 3/ 101، "لسان الميزان" 5/ 464،
4) الخليل بن مُرَّة، الضُّبَعيُّ البَصْرِيُّ.
روى عن: أبي غالب صاحب أبي أُمَامة، وشعبة بن الحَجَّاج، والحسن البصري، وآخرين.
روى عنه: العلاء بن سُليمان، والليث بن سعد، ووكيع بن الجَرَّاح، وآخرون.
حاله: قال ابن مَعين، والنَّسائي، وابن حجر: ضَعيفٌ. وقال البخاري: فيه نظر، روى مناكير. وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث، هو شَيْخٌ صالحٌ. وقال أبو زرعة: شَيْخٌ صالحٌ. وقال ابن حبَّان: مُنْكَر الحديث عن المشاهير، كثير الرواية عن المجاهيل. وقال ابن عدي: يُكتب حديثه، وليس بمتروك الحديث. وقال الذهبي: كان مِنْ الصالحين. والحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه".
(1)
5) أَبُو غالب البَصْرِيّ، ويُقال: الأصبهاني صاحب أَبِي أمامة، اسمه حَزَوَّر، وقيل: سَعِيد بن الحَزَوَّر، وقيل: نافع. قال ابن أبي حاتم: وحَزَوَّر أصح.
روى عن: أبي أمامة، وعبد الله بن عُمر، وأنس بن مالك، وآخرين.
روى عنه: الخليل بن مُرَّة، وابن عُيَيْنَة، وجعفر بن سُليمان، وحمَّاد بن سلمة، والأعمش، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ليس به بأسٌ. وقال موسى بن هارون، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال التِّرْمِذِيّ في بعض أحاديثه: هذا حديثٌ حسنٌ، وفي بعضها: هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. وقال ابن عدي: لم أر في حديثه حديثاً مُنْكراً جداً، وأرجو أنَّه لا بأس به.
وقال ابن سعد: مُنْكر الحديث. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال النَّسائي: ضَعيفٌ. وقال ابن حبان: منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به، إلا فيما يوافق الثقات. وقال الذهبي: فيه شيء. وقال ابن حجر: صدوقٌ يُخْطئ. فالحاصل: أنَّه "ليس به بأسٌ".
(2)
6) أبو أمامة صُدَي بن عَجْلان الباهلي: "صحابيٌّ جليلٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (3).
ثالثاً: الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ فيه: العلاء بن سُليمان، والخليل بن مُرَّة، وكلاهما "ضَعيفان"، كما سبق في دراسة الإسناد.
مُتَابعاتٌ للحديث:
والحديث أخرجه غير واحدٍ - كما سبق في التخريج -، مِنْ طُرُقٍ عن المُعَلى بن زِيَاد، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة؛ وإسناد المُعلى "حسنٌ"، لأجل أبي غالب "ليس به بأسٌ" - كما سبق في دراسة الإسناد -.
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 199، "الجرح والتعديل" 3/ 379، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 286، "الكامل" لابن عدي 3/ 504، "تهذيب الكمال" 8/ 342، "ميزان الاعتدال" 1/ 667، "التقريب"(1757).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 3/ 134، "الجرح والتعديل" 4/ 13، "المجروحين" لابن حبَّان 1/ 267، "الكامل" 2/ 861، "تاريخ دمشق" 12/ 365، "تهذيب الكمال" 34/ 170، "الميزان" 4/ 560، "تهذيب التهذيب" 12/ 198، "التقريب"(8298).
قال المنذري: رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله ثِقَاتٌ.
(1)
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"، ورجال "الكبير" ثقات.
(2)
ورمز له السيوطي في "الجامع الصغير": بالضعف.
(3)
وحسنَّه الألباني في "صحيح الجامع"، وفي "السلسلة الصحيحة".
(4)
شواهد للحديث:
أخرج ابن أبي عاصم في "السنَّة"(41)، وأبو يعلى في "مسنده" - كما في "المطالب العالية"(2158/ 1) -، والروياني في "مسنده"(1303)، وأبو عُثمان البحيري في "السابع مِنْ فوائده"(141) - مخطوط نُشِرَ في جوامع الكلم -، والطبراني في "الكبير"(20/ 213/496)، والبيهقي في "البعث والنشور"(18)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن عبد الله بن المُبَارَكِ، حدَّثني مَنِيعٌ، حدَّثني مُعَاوِيَةُ بن قُرَّةَ، عن مَعْقل بن يَسَارٍ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " رَجُلانِ مَا تَنَالُهُمَا شَفَاعَتِي: إِمَامٌ ظَلُومٌ غَشُومٌ، وَآخَرُ غَالٍ فِي الدِّينِ مَارِقٌ مِنْهُ ".
قلتُ: وفي "الفوائد" للبحيري، قال: منيع يعني ابن عبد الرحمن.
وقال البيهقي: تَفَرَّدَ به مَنِيعُ بن عبد الرَّحْمَن البصريُّ، وَرُوِيَ مِنْ أوجهٍ أخرى ضَعِيفَةٍ.
وقال الهيثمي: في إسناده منيع، قال ابن عدي: له أفراد، وأرجو أنه لا بأس به، وبقية رجاله ثقات.
(5)
قلتُ: وذكر ابن حبَّان في "الثقات" مَنيع بن عبد الله، وقال: يروي عن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، وحنظلة السدوسِيُّ، وروى عنهُ ابن المبارك.
(6)
، وعلى كلا الأمرين فهذا الإسناد لا ينزل عن درجة الحسن - إن شاء الله عز وجل.
قلتُ: وعليه؛ فالحديث بمجموع طُرُقه، وشواهده يرتقي إلى "الحسن لغيره"، والله أعلم.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن الخَلِيلِ إلا العَلاءُ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّفُ رضي الله عنه.
* * *
(1)
يُنظر: "الترغيب والترهيب"(3228).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(5/ 235).
(3)
يُنظر: "الجامع الصغير"(5043).
(4)
يُنظر: "صحيح الجامع"(3798)، "السلسلة الصحيحة"(1/ 841/ برقم 470).
(5)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(5/ 235)، وترجمة مَنيع بن عبد الرحمن في "الكامل" لابن عدي (8/ 226)، "المغني في الضعفاء"(2/ 328)، "ميزان الاعتدال"(4/ 193)، "لسان الميزان"(8/ 165).
(6)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان (7/ 515).
[241/ 641]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: نا أَخِي مُخْتَارٌ.
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ
(1)
، قَالَ: رَأَيْتُ خَلْفَ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ كَلْبًا يَتْبَعُهُ.
فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا أَبَا يَحْيَى؟ قَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السَّوْءِ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو نُعيم في "الحلية"(2/ 384)، قال: حدَّثنا أحمد بن جعفر بن سالم، عن أحمد الأَبَّار، به.
• ومحمد بن خلف بن المَرْزُبَان في "فضل الكلاب على كثير مِمَّن لبس الثياب"(ص/139)، والخطابي في "العزلة"(ص/146)، وأبو طاهر المُخَلِّص في "الفوائد المنتقاة" - كما في "المخلصيات"(1977 و 3185) -، وفي "جزء مِنْ أماليه"(91) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(56/ 419) -، والبيهقي في "الزهد الكبير"(158)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(15/ 355)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عن مُحْرِز بن عَوْن، به. لكن قال المَرْزُبان: عن مُحْرِز بن عون، عن رجلٍ، عن جَعْفر بن سُليمان.
• وابن حبَّان في "روضة العقلاء"(ص/87)، قال: أنبأنا محمد بن أحمد بن الفرج البغدادي، حدَّثنا إبراهيم بن حمَّاد ابن زياد، حدَّثنا عبد العزيز بن الخَطَّاب، قال: رؤى إلى جنب مالك بن دينار كَلْبٌ عَظِيْمٌ ضَخْمٌ أَسْوَدٌ رَابِضٌ، فَقِيْلَ له: يَا أَبَا يَحْيَى! أَلا تَرَى هَذَا الكَلْبَ إِلَى جَنْبِك، قَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ جَلِيْسِ السَّوْءِ.
قلتُ: وفي إسناده شيخ ابن حبَّان: محمد بن أحمد بن الفرج "مجهول الحال" ترجمه الخطيب، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً
(2)
؛ وإبراهيم بن حَمَّاد بن زياد "مجهول الحال"، لم يذكره سوى ابن حبَّان
(3)
.
• وأخرجه أبو نُعيم في "الحلية"(2/ 384)، قال: حدَّثنا محمد بن عليٍّ، قال: ثنا أحمد بن عبد اللهِ الوكيل، قال: ثنا إبراهيم بن الجُنَيْدِ، قال: ثنا عَمَّارُ بن زَرْبِيٍّ، قال: ثنا حَمَّادُ بن واقدٍ الصَّفَّارُ، قال: جِئْتُ يَوْمًا مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ، وَهُوَ جَالِسٌ وَحْدَهُ، وَإِلَى جَانِبِهِ كَلْبٌ، وَقَدْ وَضَعَ خُرْطُومَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَهَبْتُ أَطْرُدُهُ، فَقَالَ: دَعْهُ هَذَا خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ هَذَا لا يؤْذِينِي.
قلتُ: وفي سنده: عَمَّار بن زَرْبيّ، أبو المعْتمر، قال أبو حاتم: كَذَّابٌ، مَتْرُوكُ الحديثِ.
(4)
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
(1)
الضبعِي: بِضَم الضَّاد، وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِي آخرهَا عين مُهْملَة، نِسْبَة إلى المحلة التي سكنها بنو ضبيعة بالبصرة، نزلها غيرهم فنُسِبُوا أيضا إليها، منهم: جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضُّبَعيُّ. يُنظر: "اللباب في تهذيب الأنساب"(2/ 260).
(2)
يُنظر: "تاريخ بغداد"(2/ 179)، "إرشاد القاصي والدَّاني إلى تراجم شيوخ الطبراني"(ص/497).
(3)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان (8/ 74).
(4)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 6/ 392، "الكامل" لابن عدي 6/ 145، "الميزان" 3/ 164، "لسان الميزان" 6/ 45.
2) مُحْرِز بن عَوْنٍ بن أبي عَوْن الهِلاليُّ: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (199).
3) مُخْتَارُ بن عَوْن بن أبي عون، أخو مُحْرِز بن عون.
روى عن: جعفر بن سُليْمان.
…
روى عنه: مُحْرِزُ بن عون.
حاله: ذكره ابن حبَّان في "الثقات". فالحاصل: أنَّه "مجهول الحال". فلم أقف - على حد بحثي - على أحدٍ روى عنه غير مُحْرِزُ بن عون - وهو ثِقَةٌ -، وابن حبَّان مَعْروفٌ بتوثيق المجاهيل، والله أعلم.
(1)
4) جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَبُو سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، الْبَصْرِيُّ، كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ.
روى عن: مالك بن دينار، وثابت البُنانيّ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيْج، وآخرين.
روى عنه: مُخْتار بن عون، وسُفْيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والعِجْلي: ثِقَةٌ. وزاد العِجْلي: وكان يَتَشَيَّع. وقال ابن سعد: ثقة، فيه ضعف. وقال أحمد: لا بأس به. وقال ابن حبَّان: كان مِنْ الثِّقَات المُتْقِنين في الرِّوَايَات، غير أنَّه كان يَنْتَحِلُ الميل إلى أهل البيت، ولم يكن بداعية إلى مذهبه.
(2)
وقال البزار: لم نسمع أحدًا يطعن عليه في الحديث، ولا في خطأ فيه، إنَّما ذُكِرَت عنه شيعيته، وأما حديثه فمستقيم. وقال ابن عدي: حسنُ الحديث، معروفٌ بالتَّشيع، وأحاديثه ليست بالمنكرة، وما كان مِنْها مُنْكراً فلعَلَّ البلاء فيه مِنْ الراوي عنه، وهو عندي مِمَّن يجب أن يُقبل حديثه. وقال الذهبي في "الكاشف": ثِقَةٌ، فيه شيء. وفي "المغني": صَدُوقٌ صَالحٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، فيه تشيع، وله مَا يُنكر. وقال ابن حجر: صدوقٌ زاهدٌ، وكان يَتَشَيَّع. واحتج به مُسْلمٌ في "صحيحه".
_ وقال أحمد بن سنان: رأيت ابن مهدي لا ينشط لحديثه، وأنا أستثقل حديثه. وقال ابن المديني: أكثر جعفر عن ثابت، وكتب مراسيل، وفيها أحاديث مناكير عن ثابتٍ. وقال سُليمان بن حرب: لا يُكتب حديثه.
_ والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، زاهدٌ، وكان يَتَشَيَّع"، فقد وثَّقه جمعٌ، ومَنْ تَكَلَّم فيه فمحمول على مذهبه، أو بعض مناكيره، فتشيعه عليه، ومناكيره تُطْرَح، وأحاديثه الجيدة تُقْبَل - إن شاء الله تعالى -.
(3)
5) مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ الزَّاهِدُ، أَبُو يَحْيَى الْبَصْرِيُّ.
روى عن: أنس بن مالك، وثابت البُنانيّ، ومحمد بن سيرين، وآخرين.
روى عنه: جعفر بن سُليمان، وأبان بن يزيد العَطَّار، وسعيد بن أبي عروبة، وآخرون.
(1)
يُنظر: "الثقات" لابن حبَّان 9/ 194، "تاريخ بغداد" 15/ 355.
(2)
وبقية كلام ابن حبَّان: وليس بين أهل الحَدِيث مِنْ أَئِمَّتنَا خلاف أنَّ الصدوق المتقن إذا كان فيه بِدعَة ولم يكن يدعو إليها أنَّ الاحْتِجَاج بأخباره جَائِزٌ، فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره، ولهذه العلَّة ما تركوا حديث جماعة مِمَّن كانوا ينتحلون البدع ويدعون إليها وإن كانوا ثِقَات، واحتججنا بأقوام ثقات انتحلوا البدعة غير أَنهم لم يكونوا يدعون إلى ما ينتحلون؛ وانتحال العبد بينه وبين ربه، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه، وعلينا قبول الرِّوَايَات عنهم إذا كانوا ثقات.
(3)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 269، "الجرح والتعديل" 2/ 481، "الثقات" 6/ 140، "الكامل" لابن عدي 2/ 379، "تهذيب الكمال" 5/ 43، "الكاشف" 1/ 294، "المغني" 1/ 202، "الميزان" 1/ 408، "تهذيب التهذيب" 2/ 95، "التقريب"(942).
حاله: قال ابن المديني: له نحو أربعين حديثًا. وقال ابن سعد: كان ثِقَةً قليلَ الحديثِ. وقال النَّسائي، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال ابن حبَّان: من زهاد التَّابِعين، والأخيار، والصَّالِحِينَ. وقال الذهبي: صدوقٌ، وما علمت به بأسًا، ولكن ما احْتَجَّا به في "الصَّحِيحَيْنِ"، وقد استشهد به البُخَارِيّ، وروى له مُسلمٌ فيما أظن مُتَابعَة، فإذا صَحَّ السَّنَد إليه فهو حجَّة، ولا يُلْتَفتُ إلى قول مَنْ قال هو مِنْ الصَّالِحين الذين لا يُحْتَج بِحَدِيثِهِم فهذا النَّسَائِيّ قد وَثَّقَهُ، وهو لا يُوَثِّق أحدًا إلا بعد الجهد. وفي "السير": معدودٌ في ثقات التابعين، واستشهد به البخاري، وحديثه في درجة الحسن. وفي "الميزان": صدوقٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ عابدٌ.
فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ"، فقد وثَّقه النَّسائيّ، وغيره، واحتج به، وكفاه.
(1)
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"، لأجل مُختار بن عَوْن "مجهول الحال".
قلتُ: وقد تابعه عبد العزيز بن الخَطَّاب، كما عند ابن حبَّان في "روضة العقلاء"، بإسنادٍ فيه ضَعْفٌ - كما سبق بيانه في التخريج -.
وعليه؛ فالحديث بمجموع الطريقين يرتقي إلى "الحسن لغيره"، والله أعلم.
* * *
(1)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 309، "الجرح والتعديل" 8/ 208، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 383، "تاريخ دمشق" 56/ 393، "تهذيب الكمال"، "المغني" 2/ 139، "السير" 5/ 362، "الميزان" 3/ 426، "التقريب"(6435).
[242/ 642]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُحْرِزُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: يَا مُوسَى يَخْلُقُ رَبُّكَ عز وجل خَلْقًا، ثُمَّ يُعَذِّبُهُمْ؟
فَأَوْحَى اللَّهُ عز وجل إِلَيْهِ: «أَنِ ازْرَعْ» ، فَزَرَعَ.
ثُمَّ قَالَ: «احْصُدْ» ، فَحَصَدَ. ثُمَّ قَالَ:«ذُرْهُ» ، فَذَرَاهُ.
فَاجْتَمَعَ [الْقَشُّ]
(1)
، فَقَالَ:«لأَيِّ شَيْءٍ يَصْلُحُ هَذَا؟» قَالَ: لِلنَّارِ.
قَالَ: «فَكَذَلِكَ لا أُعَذِّبُ مِنْ خَلْقِي إِلا مَنِ اسْتَأْهَلَ النَّارَ» .
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أبو نُعيم في "الحلية"(4/ 286)، عن محمد بن يزيد الرَّفاعي، عن يحيى بن اليَمَان، بنحوه.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مُحْرِز بن عَوْنٍ بن أبي عَوْن الهِلاليُّ: "ثِقَةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (199).
3) يَحْيَى بن اليَمَان العِجْليّ الكوفيُّ، أبو زكريّا الحافظ.
روى عن: أشعث بن إسحاق، وسُفْيَان الثوري، وسُليمان الأعمش، وآخرين.
روى عنه: مُحْرز بن عون، وقُتَيْبة بن سعيد، ويحيى بن معين، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال العِجْلي: مِنْ كبار أَصْحَاب الثَّوْريّ، ثِقَةٌ جَائِزُ الحَدِيثِ، صَدُوقًا. وقال يعقوب بن شَيْبة: صدوقٌ، كثير الحديث، وإنَّما أُنْكِرَ عليه كثرة الغلط، وليس بحجة إذا خُولف. وقال الذهبي في "الكاشف": صدوقٌ، فلج فساء حفظه. وفي "السير": قد رضيه مُسْلمٌ، وحديثه مِنْ قبيل الحسن.
_ وقال ابن معين: لا يشبه حديثه عن الثوري أحاديث غيره عن الثوري.
_ وقال ابن معين: ضَعيفٌ. وقال أحمد: يضطرب في حديثه، ليس بحجة. وقال البخاري: فيه نظر. وقال أبو حاتم: مضطربٌ، ومحله الصدق. وقال النَّسائيُّ: ليس بالقوي، لا يُحتج بحديثه لسوء حفظه، وكثرة خطئه. وقال أيضاً: كان يُضَعَّف في آخر عمره. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ، وهو في نفسه لا يَتَعَمَّد الكذب، وإنَّما يُخطئ ويشتبه عليه. وقال ابن حجر: صدوقٌ عابدٌ، يُخطئ كثيرًا، وقد تَغَيَّر.
_ وقال ابن المديني: صدوقٌ، وكان قد أفلج فَتَغَيَّر حفظه. وقال ابن معين: كان يُضَعَّف في آخر عُمره
(1)
تصحفت بالأصل إلى "القماش"، والتصويب مِنْ "مجمع البحرين"(3263).
في حديثه. وقال العِجْلي: فَلِجَ بِآخِرهِ، فَتغيَّر حفظه.
_ والحاصل: أنَّه "صدوقٌ، تَغَيَّر في آخر عُمره، فساء حفظه، وكثر خطئه"، فقد رضيه مُسلمٌ - كما قال الذهبي -، ولا يُحتج بحديثه عند الانفراد أو المخالفة، ومَنْ ضَعَّفه يُحمل على تَغَيُّره في آخر عُمُره.
(1)
4) أَشْعَثُ بن إِسْحَاق بن سعد بن مالك بن هانئ، الأَشْعَرِيُّ، القُمِّيُّ.
روى عن: جعفر بن أبي المغيرة، والحسن البصري، وشمر بن عطية، وآخرين.
روى عنه: يحيى بن اليمان، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن سعد الدشتكيّ، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والنَّسائي: ثِقَةٌ. وقال أحمد: صالح الحديث. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: صدوقٌ. وحاصله: "ثِقَةٌ"، فقد وثَّقه ابن معين، والنَّسائي، وهو لا يُوَثِّق أحدًا إلا بعد الجهد.
(2)
5) جَعْفَرُ بْنُ أَبِي المُغِيرَةِ، الخُزَاعِيُّ، القُمِّيُّ.
روى عن: سعيد بن جُبَيْر، وسَعِيد بن عبد الرحمن بن أَبْزى، وعكرمة مولى ابن عباس، وآخرين.
روى عنه: أشعث بن إسحاق، ومِنْدَل بن عليّ العَنَزيُّ، ومُطَرِّف بن طَريف، وآخرون.
حاله: قال أحمد: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن مندة: ليس بالقوى في سعيد بن جُبَيْر. وقال الذهبي: صدوقٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ يَهِمُ. وحاصله: "ثِقَةٌ، وليس بالقوي في سعيد بن جُبير".
(3)
6) سَعيد بن جُبَيْر: "ثقةٌ ثبتٌ فقيهٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (78).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل يحيى بن اليمان "تَغَيَّر في آخر عمره، فكثر غلطه، وساء حفظه"، ولم يتميَّز حديثه، ولم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه عليه، وفيه أيضاً: جعفر بن أبي المُغيرة "ثِقَةٌ، وليس بالقوي في سعيد بن جُبير"، وهذا مِنْ روايته عنه، والله أعلم.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح!
(4)
* * *
(1)
"الثقات" للعِجْلي 2/ 360، "الجرح والتعديل" 9/ 199، "الكامل" 9/ 91، "تاريخ بغداد" 16/ 183، "التهذيب" 32/ 55، "الكاشف" 2/ 379، "السير" 8/ 356، "الميزان" 4/ 416، "المختلطين" للعلائي (ص/131)، "التقريب"(7679).
(2)
"الجرح والتعديل" 2/ 269، "الثقات" 8/ 128، "التهذيب" 3/ 259، "تهذيب التهذيب" 1/ 350، "التقريب"(521).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 2/ 200، "الجرح والتعديل" 2/ 490، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 134، "تهذيب الكمال" 5/ 112، "تاريخ الإسلام" 3/ 388، "الميزان" 1/ 417، "تهذيب التهذيب" 3/ 108، "التقريب"(960).
(4)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 201).
[243/ 643]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَحُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: افْتَخَرَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: النِّسَاءُ أَكْثَرُ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الرِّجَالِ.
فَنَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: أَتَسْمَعُونَ مَا يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالثَّانِيَةَ وُجُوهُهُمْ كَأَضْوَإِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ الْجِلْدِ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ
(1)
».
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن يُونُسَ، وحَبِيبٍ، وحُمَيْدٍ، إلا حَمَّادٌ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه أحمد في "مسنده"(8542)، عن عَفَّان بن مُسْلم، وأيضاً برقم (9443) عن الحسن بن موسى الأشيب، كلاهما (عَفَّان، والحسن)، عن حمَّاد بن سلمة، عن يُونس بن عُبَيد، عن ابن سيرين، به، مُخْتصراً.
_ وأسلم بن سهل الواسطي في "تاريخ واسط"(ص/180)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(10/ 122)، مِنْ طريق سَعِيد بن عِيسَى الواسطي - جار محمد بن الصَّبَّاح -، عن حمَّاد بن سلمة، عن أَيُّوبَ وَيُونُسَ وَحُمَيْدٍ، عن ابن سِيرِينَ، به. وعند أسلم:"وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ عَزَبٌ".
• وأخرجه عبد الرزاق في "المصنَّف"(20879) - ومِنْ طريقه أبو نُعيم في "صفة الجنة"(244/ 1)، والبيهقي في "البعث والنشور"(299) -، عن معمر.
_ وحُسين المروزي في زياداته على "الزهد"(1585)، وأحمد في "مسنده"(7152) - ومِنْ طريقه ابن بِشْران في "أماليه"(344) -، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2834/ 1)، ك/الجنة وصفة نعيمها، ب/أَوَّلُ زُمْرَةٍ تدخل الجنَّة، والبيهقي في "البعث والنشور"(335)، مِنْ طُرُقٍ عن إسماعيل بن عُليَّة.
(1)
قال الإمام النووي في "المنهاج"(17/ 171): هكذا في جميع نسخ بلادنا "أعزب" بالألف، وهي لغة، والمشهور في اللغة:"عزب" بغير ألف؛ ونقل القاضي: أن جميع رواتهم رووه "وَمَا فِي الْجَنَّةِ عَزَب" بغير ألف، إلا العذري فرواه بالألف، قال القاضي: وليس بشيء؛ والعزب: من لا زوجة له، والعُزُوب: البعد، وسُميّ عزبًا: لبعده عن النساء. ويُنظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 81). وقال الزَّبيدي في "تاج العروس"(3/ 361): العَزَبُ مُحَرَّكَة: مَنْ لا أَهْلَ له، ولا تقل "أَعْزَبُ" بالأَلف على أَفْعَل، كما صَرَّح به الجوهريُّ، وثعلبٌ، والفَيُّومِيُّ، وهو قولُ أَبي حَاتِم، أَي: لكونه غير وَارِدٍ، ولا مَسْمُوعٍ، أو قَلِيلٌ؛ وأجازه غيرُه، واستدَلَّ بحديث:"مَا فِي الجَنَّةِ أَعْزَبُ".
- والحميدي في "مسنده"(1177)، وأحمد في "مسنده"(7375)، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2834/ 1)، ك/الجنة، ب/أَوَّلُ زُمْرَةٍ تدخل الجنَّة، وابن حبَّان في "صحيحه"(7420)، مِنْ طُرُقٍ عن سُفْيَان بن عُيَيْنَة.
ثلاثتهم (مَعْمَر، وابن عُلَيَّة، وابن عُيَيْنَة)، عن أَيُّوب السِّخْتِيَانيِّ، عن ابن سيرين، به، والبعض بنحوه.
وفيه عند عبد الرَّزَّاق، وحسين المروزي، والحميدي، والبيهقي:"وَمَا فِي الْجَنَّةِ عَزَبٌ".
• والبخاري في "صحيحه"(3245)، ك/بدء الخلق، ب/ما جاء في صفة الجنَّة وأنَّها مَخْلُوقةٌ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2834)، ك/صفة الجنة ونعيم أهلها، ب/صفات الجنَّة وأهلها وتسبيحهم فيها بُكْرَةً وعشيًّا، مِنْ طُرُقٍ عن مَعْمَر، عن هَمَّامِ بن مُنَبِّهٍ، قال: هذا ما حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ، صُوَرُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمْتَخِطُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ فِيهَا، آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الأَلُوَّةِ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، مِنَ الْحُسْنِ، لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» . واللفظ لمسلم.
• والبخاري في "صحيحه"(3246)، ك/بدء الخلق، ب/ما جاء في صفة الجنَّة وأنَّها مَخْلُوقةٌ، مِنْ طريق أبي الزِّنَادِ، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، لَا يَسْقَمُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمْ الأَلُوَّةُ - قَالَ أَبُو اليَمَانِ: يَعْنِي العُودَ -، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ ".
• والبخاري في "صحيحه"(3254)، ك/بدء الخلق، ب/ما جاء في صفة الجنَّة وأنَّها مَخْلُوقةٌ، مِنْ طريق هلال بن أبي ميمونة القرشي، عن عبد الرَّحمن بن أبي عَمْرَة، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لا تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ ولا تَحَاسُدَ، لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الحُورِ العِينِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ العَظْمِ وَاللَّحْمِ» .
• والبخاري في "صحيحه"(3327)، ك/الأنبياء، ب/خلق آدَمَ صلواتُ اللَّه عليه وَذُرِّيَّتِهِ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2834/ 3)، ك/الجنة وصفة نعيمها، ب/أَوَّلُ زُمْرَةٍ تدخل الجنَّة، مِنْ طُرُقٍ عن عُمَارَةَ بن القَعْقَاعِ، عن أبي زُرْعَة بن عَمرو البَجَليّ، قال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وذكره بنحوه.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عُبَيد الله بن محمد بن حَفْص، المعروف بابن عائشة: ثِقَةٌ جَوَّاد، تقدَّم في الحديث رقم (177).
3) حَمَّاد بن سَلمة بن دينار البصري: "ثقةٌ عابدٌ، أثبت الناس في ثابتٍ"، تقدَّم في الحديث رقم (102).
4) أَيُّوب بن أَبي تَمِيْمَة، السَّخْتِيَانيُّ:"ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِن كِبَار الفقهاء العُبَّاد"، تقدَّم في الحديث رقم (140).
5) يونس بن عُبَيد بن دِيْنَار العَبْدِيُّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فاضلٌ، ورعٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (175).
6) حبيب بن الشهيد الأزدي أَبُو مُحَمَّد، ويُقال: أَبُو شهيد، البَصْرِيّ، تابعي أدرك أبا الطُّفيل.
روى عن: محمد بن سيرين، والحسن البصري، وثابت البُنَانيِّ، وآخرين.
روى عنه: حمَّاد بن سلمة، والثَّوريُّ، وشعبةُ بن الحَجَّاج، ويحيى بن سعيد القَطَّان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن المديني، والعِجْلي، وأبو حاتم، والنَّسائي، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ثقةٌ مأمونٌ، وهو أثبت من حُميد الطويل. وقال الذهبي: ثَبْتٌ. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ. وروى له الجماعة.
(1)
7) حُمَيْدُ بن مِهْرَان، وهو ابن أبي حُمَيْد الخَيَّاط الكِنْديُّ، ويُقال: المالكيُّ، أبو عَبْد اللَّهِ البَصْرِيّ.
روى عن: محمد بن سيرين، وقتادة، والحسن البصريّ، وآخرين.
روى عنه: حمَّاد بن سلمة، وأبو داود الطيالسيّ، وأبو عاصم النَّبيل، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال أبو داود، والنَّسَائيُّ: ليس به بأسٌ. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(2)
8) مُحَمَّد بن سيرين الأَنْصارِيّ: "ثقةٌ ثَبْتٌ عابدٌ، كبير القدر"، تقدَّم في الحديث رقم (131).
9) أبو هريرة رضي الله عنه: "صحابيٌّ، جليلٌ، مُكْثِرٌ، حافظ الصحابة"، تقدَّم في الحديث رقم (8).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
والحديث أخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه" مِنْ طريق إسماعيل بن عُلَيَّة، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، كلاهما عن أيوب، عن ابن سيرين، به، والحديث في "الصحيحين" مِنْ طُرُقٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه كما سبق في التخريج -.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن يُونُسَ، وحَبِيبٍ، وحُمَيْدٍ، إلا حَمَّادٌ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
فالحديث رواه حمَّاد بن سلمة عن أربعة مِنْ الرواة، وهم: أَيُّوب بن أَبي تَمِيْمَة السَّخْتِيَانيُّ، ويونس بن عُبَيد بن دِيْنَار العَبْدِيُّ، وحبيب بن الشهيد الأزدي، وحُمَيْدُ بن مِهْرَان الخَيَّاط الكِنْديُّ، كلهم عن ابن سيرين.
وبالنظر في التخريج يَتَّضح أنَّ الحديث لم يَروه عن يُونس، وحبيب، وحُميد، إلا حمَّاد بن سلمة.
بينما لم يَنْفرد حمَّاد بروايته عن أيُّوب؛ بل تابعه مَعْمَر، وإسماعيل بن عُلَيَّة، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، ثلاثتهم عن أيوب، عن ابن سيرين، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "الثقات" للعِجْلي 1/ 283، "الجرح والتعديل" 3/ 103، "تهذيب الكمال" 5/ 378، "الكاشف" 1/ 308، "تهذيب التهذيب" 2/ 186، "التقريب"(1097).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 3/ 228، "الثقات" 6/ 191، "تهذيب الكمال" 7/ 398، "الكاشف" 1/ 355، "التقريب"(1560).
خامساً: - التعليق على الحديث:
الحديث واضح الدلالة على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال، واحتج بعضهم على أن الرجال أكثر، واستدل بحديث:"رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"
(1)
؛ والجواب: أنه لا يلزم من كونهن أكثر أهل النار أن يكن أقل ساكني الجنة، فيكون الجمع بين الحديثين أن النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة، وبذلك يكن أكثر من الرجال وجوداً في الخلق - على نحو ما قاله الحافظ ابن حجر -.
(2)
وقال ابن رجب: ورام بعضهم الجمع بين الحديثين، بأن قلة النساء في الجنة، إِنَّمَا هو قبل خروج عصاة الموحدين من النار، فَإِذَا خرجوا منها كان النساء حينئذ أكثر، والصحيح أن أبا هريرة أراد أن جنس النساء في الجنة أكثر من جنس الرجال، لأنّ كل رجل منهم له زوجتان، ولم يرد أن النساء من ولد آدم أكثر من الرجال؛ ويدل عَلَى هذا، أنّه ورد في بعض روايات حديث أبي هريرة:"لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الحُورِ العِينِ"
(3)
.
(4)
وقال القاضي عياض: ويخرج من مجموع الحديثين أنَّ النساء أكثر ولد آدم، قال: وهذا كله في الآدميات، وإلا فقد جاء للواحد من أهل الجنة من الحور العين العدد الكثير.
(5)
* * *
(1)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(1462)، ك/الزكاة، ب/الزكاة على الأقارب، مِنْ حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(79)، ك/الإيمان، ب/بيان نُقْصَانِ الإيمان بِنَقْصِ الطَّاعَاتِ، مِنْ حديث عبد الله بن عُمر رضي الله عنه.
(2)
يُنظر: "فتح الباري"(6/ 325).
(3)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(3254)، ك/بدء الخلق، ب/ما جاء في صفة الجنَّة وأنَّها مَخْلُوقةٌ، وسبق في التخريج.
(4)
يُنظر: "التخويف من النار" - مطبوع ضمن "مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي"(4/ 374) -.
(5)
يُنظر: "المنهاج بشرح صحيح مسلم" للنووي (17/ 172).
[244/ 644]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ، قَالَ: نا أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ
(1)
، عَنْ مُسَاوِرِ بْنِ سَوَّارٍ.
عَنْ جَدِّهِ زَهْدَمَ الْجَرْمِيِّ
(2)
، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى، وَهُوَ يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ.
فَقَالَ: هَلُمَّ.
فَقُلْتُ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ قَذَرًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ لا آكُلَهُ.
فَقَالَ: اجْلِسْ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُه.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُسَاوِرٍ إلا أبو هِلالٍ، تَفَرَّدَ [به]
(3)
: ابن عَائِشَةَ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(16035) - ومِنْ طريقه أحمد في "مسنده"(19592) -، والحميدي في "مسنده"(783)، وأحمد في "مسنده"(19519 و 19554 و 19593)، والدَّارمي في "سننه"(2100)، والبخاري في "صحيحه"(4385)، ك/المغازي، ب/قُدُومِ الأَشْعَرِيِّينَ وأهل اليمن، وبرقم (5517)، ك/الذبائح والصيد، ب/لحم الدَّجاج، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1649/ 6)، ك/الأيمان والنذور، ب/نَدْب مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فرأى غيرها خيرًا مِنْهَا أن يأتيَ الذي هو خَيْرٌ وَيُكَفِّرُ عن يَمِينِهِ، والترمذي في "سننه"(1827)، ك/الأطعمة، ب/أكل الدجاج، وفي "الشمائل"(155)، والبزار في "مسنده"(3039 و 3043)، والنَّسائي في "الكبرى"(4839)، ك/الصيد، ب/إِبَاحَةُ أَكْلِ لَحْمِ الدَّجَاجِ، وفي "الصغرى"(4346)، وابن الجارود في "المنتقى"(888)، وابن حبَّان في "صحيحه"(5222)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "أخلاق النَّبيّ صلى الله عليه وسلم "(623)، والبيهقي في "الكبرى"(19481)، وفي "شعب الإيمان"(5905)، والبغوي في "شرح السنة"(2807)، مِنْ طُرُقٍ عن أيوب السختيانيّ، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرميّ، عن زَهْدَم، بنحوه، وعند بعضهم مطولاً.
وفيه عند عبد الرزاق، والحميدي، والنَّسائي، وأحمد، وابن الجارود: أنَّ زَهْدَم ليس هو صاحب القصة مع أبي موسى، وإنَّما هو رجلٌ آخر دخل على أبي موسى، وزَهْدَم حاضرٌ، وفي رواية عبد الرزاق، قال: "فَقَامَ
(1)
الرَّاسِبِي: بِفَتْح الرَّاء، وسُكُون الألف، وكسر السِّين المهملة، وفي آخرهَا باء مُوَحدَة، وهذه نسبة إلى بني راسب، وهي قبيلة نزلت البصرة، وقيل لأبي هلال محمد بن سليم راسبيّ: لأنَّهُ نزل في بني راسب. يُنظر: "اللباب"(2/ 6).
(2)
الجَرْمِي: بِفَتْح الجيم، وسُكُون الرَّاء، وفي آخرها الميم، نسبة إلى قبيلة جرم. يُنظر:"اللباب"(1/ 273). وزَهْدَم: على وزن جعفر، قاله الحافظ ابن حجر في "التقريب"(2039).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط مِنْ الأصل، وأضفتها ليتضح المعنى، والله أعلم.
رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَابِسٍ
(1)
فَاعْتَزَلَ"، وفيه عند أحمد في الموضع الأخير: "حَدَّثَنِي أَبُو قِلابَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، يُقَالُ لَهُ: زَهْدَمٌ قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأُتِيَ بِلَحْمِ دَجَاجٍ"، وعند أحمد في بعض طرقه، والدَّارمي، والترمذي مُخْتصراً.
وقال الترمذي: وهذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وقد روى أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ هذا الحديث أيضًا، عن القَاسِمِ التَّمِيمِيِّ، وعن أبي قِلَابَةَ، عن زَهْدَمٍ. وقال البغوي: هذا حديثٌ متفقٌ على صحته.
_ وأخرجه أحمد في "مسنده"(19591 و 19637 و 19638)، والدارمي في "سننه"(2099)، والبخاري في "صحيحه"(5518)، ك/ الذبائح، ب/لحم الدَّجاج، وبرقم (6721)، ك/كفارات الأيمان، ب/الكفَّارة قبل الحِنْثِ وَبَعْدَهُ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1649/ 5)، ك/الأيمان، ب/نَدْب مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فرأى غيرها خيرًا مِنْهَا، والنَّسائي في "الكبرى"(4840)، ك/الصيد، ب/إِبَاحَةُ أَكْلِ لَحْمِ الدَّجَاجِ، وفي "الصغرى"(4347)، والمزي في "تهذيب الكمال"(9/ 397)، مِنْ طُرُقٍ عن أيوب السختياني، عن القاسم بن عاصم التميميّ، عن زَهْدَم، بنحوه، مطولاً. وفيه:"وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ، فَلَمْ يَدْنُ".
_ وأخرجه أحمد في "مسنده"(19594 و 19639)، والبخاري في "صحيحه"(3133)، ك/فرض الخمس، ب/الخُمُسَ لنوائب المسلمين، والبخاري أيضاً برقم (6649)، ك/الأيمان، ب/لا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم، والبخاري أيضاً (7555)، ك/التوحيد، ب/قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(1649/ 3،4)، ك/الأيمان والنذور، ب/نَدْب مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فرأى غيرها خيرًا مِنْهَا، وأبو إسحاق الجهضمي في "جزء فيه مِنْ أحاديث أيوب السختياني"(38)، والبزار في "مسنده"(3038)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(5926 و 5927)، وابن حبَّان في "صحيحه"(5255)، والبيهقي في "الكبرى"(19948 و 19952)، مِنْ طُرُقٍ عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، والقاسم التميميّ، كلاهما عن زَهْدَم، بنحوه، مطولاً.
وفيه عند بعضهم: "وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ المَوَالِي، فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ لَا آكُلُ".
قال ابن معين: حَدِيث أَيُّوب عَن أبي قلَابَة عَن زَهْدَم عَن أبي مُوسَى فِي الدَّجَاج؛ قال يحيى: وسَمعه أَيُّوب أيضا من القَاسم بن عاصم عن زَهْدَم الجَرْمِي.
(2)
• وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(1649/ 7)، ك/الأيمان والنذور، ب/نَدْب مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فرأى غيرها خيرًا مِنْهَا،، وأبو إسحاق الجهضمي في "جزء فيه مِنْ أحاديث أيوب السختياني"(39)، والبزار في "مسنده"(3044)، والطبراني في "المعجم الصغير"(150)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(19842)، مِنْ طريق مَطَر
(1)
قال محققه الفاضل - الشيخ/ حبيب الرحمن الأعظمي -: كذا في "الأصل"(عابس)، ولعلَّ الصواب (عائش)، فقد ورد في "الصحيح" أنَّ الرجل كان مِنْ بني تيم الله، وعائش هو الذي مِنْ بني تيم الله، وقد تَبَيَّن أنَّ الممتنع مِنْ الأكل رجلٌ آخر غير زَهْدَم الراوي، فإنَّ زَهْدَم جَرْمي، وجرم وإن كان مِنْ تيم الله، فهو مِنْ تيم الله بن رَفيدة، وأمَّا عائش فهي مِنْ تيم الله بن ثَعْلبة، وفي هذا ردٌ على الحافظ ابن حجر حيث ذهب إلى اتحادهما. أ. هـ قلتُ: وسيأتي في التعليق على الحديث إن شاء الله عز وجل.
(2)
يُنظر: "تاريخ ابن معين" برواية الدوري (4/ 284).
ابن طهمان الورَّاق، عن زَهْدَم، بنحوه، مُطولاً. وفيه: أنَّ صاحب القصة هو زَهْدَم الجَرمي.
• وأخرجه الترمذي في "سننه"(1826)، ك/الأطعمة، ب/ما جاء في أكل الدجاج، والبزار في "مسنده"(3042)، والرويانيّ في "مسنده"(564) - ومِنْ طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(4/ 239) -،
…
وأبو الشيخ الأصبهاني في "أخلاق النَّبيّ صلى الله عليه وسلم "(624)، مِنْ طريق قَتَادة، عن زَهْدَم، بلفظ مُقَارب.
وفيه: أنَّ صاحب القصة هو زَهْدَم الجَرمي. وقال الترمذي: هذا حديثٌ حَسَنٌ، وقد رُوِيَ هذا الحَدِيثُ مِنْ غير وجهٍ عَنْ زَهْدَمٍ، ولا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ حَدِيثِ زَهْدَمٍ.
• وأخرجه البزار في "مسنده"(3040 و 3041)، مِنْ طريق ضُريب بن نُقير، عن زَهْدَم، بنحوه.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عُبَيد الله بن محمد بن حَفْص، المعروف بابن عائشة:"ثِقَةٌ جَوَّاد"، تقدَّم في الحديث رقم (177).
3) مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ الرَّاسِبِيُّ، أَبُو هلال البَصْرِيّ، لم يكن من بني راسب، وإنما نزل فيهم فنسب إليهم.
روى عن: مُساور بن سَوَّار، وقتادة بن دِعَامة السَّدُوسيّ، ومحمد بن سيرين، وآخرين.
روى عنه: عُبيد الله ابن أبي عائشة، ووكيع بن الجَرَّاح، ويزيد بن زُرَيْع، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: صُويلح. وقال أيضاً: ليس له كتاب، ليس به بأسٌ. وقال أبو داود، والدَّارقطني: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: محله الصدق لم يكن بذاك المتين. وقال ابن أبي حاتم: أدخله البخاري فِي كتاب "الضعفاء"، وسمعت أبي، يقول: يُحول منه. وقال الذهبي: صدوقٌ. وقال ابن حجر: صدوقٌ فيه لينٌ. واستشهد به البخاري في "الصحيح".
_ وقال أبو زرعة: ليِّنٌ. وقال النَّسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبَّان: كان شيخًا صدوقًا، إلا أنه كان يُخطئ كثيرًا مِنْ غير تعمد، حتى صار يرفع المراسيل ولا يعلم، وأكثر ما كان يُحَدِّث مِنْ حفظه، فوقع المناكير في حديثه مِنْ سوء حفظه.
(1)
_ وقال ابن معين: روايته عن قَتَادة فيها ضعفٌ. وقال ابن معين: حمَّاد بن سلمة أحب إلىّ في قَتَادة مِنْه، وأبو هلال صدوقٌ. وقال أحمد: احتمل حديثه، إلا أنَّه يُخالف في حديث قتادة، وهو مضطرب الحديث عن قتادة. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه عن قتادة غير محفوظة، وهو مِمَّن يُكتب حديثه.
_ والحاصلُ: أنَّه "صدوقٌ، ويُقبل مِنْ حديثه ما تُوبع فيه، أو انفرد به ما لم يُخالف، ولم يكن مُنْكراً، فإذا
(1)
وبقية كلام ابن حبَّان: والذي أميل إليه في أبي هلال الراسبي ترك ما انفرد من الأخبار التي خالف فيها الثقات، والاحتجاج بما وافق الثقات، وقبول ما انفرد من الروايات التي لم يخالف فيها الأثبات التي ليس فيها مناكير، لأن الشيخ إذا عرف بالصدق والسماع ثم تبين منه الوهم ولم يفحش ذلك منه لم يستحق أن يعدل به عن العدول إلى المجروحين إلا بعد أن يكون وهمه فاحشًا وغالبا، فإذا كان كذلك استحق الترك؛ فأمَّا من كان يخطئ في الشيء اليسير فهو عدل، وهذا مما لا ينفك عنه البشر، إلا أن الحكم في مثل هذا إذا علم خطؤه تجنبه واتباع ما لم يخطئ فيه. أ. ه
خالف فلا يُحتج به؛ وحديثه عن قتادة مُضْطَرِبٌ، عامة أحاديثه عنه غير محفوظة، فيُضَعَّف فيه".
(1)
4) مُسَاور بن سَوَّار بن عبد الحميد، الورَّاق الكوفي، أخو سَيَّار أبي الحكم لأمه.
روى عن: جده زَهْدَم الجَرْميّ، وجعفر بن عمرو بن حريث، وسعيد بن جُبَيْر، وآخرين.
روى عنه: أبو هلال الرَّاسبي، ووكيع بن الجَرَّاح، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال أحمد: ما أرى به بأساً. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: صدوقٌ. وروى له مُسْلمٌ في "صحيحه". والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(2)
5) زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ الأَزْدِيُّ، أَبُو مُسْلم، الجَرْمِيُّ البَصْرِيُّ.
روى عن: عبد اللَّهِ بن عبَّاس، وأبي مُوسَى عَبد الله بْن قيس الأشعري، وعِمْران بن حُصَيْن، وآخرين.
روى عنه: سبطه مُسَاور بن سَوَّار، وقتادة بن دِعَامة، والقاسم بن عاصم التَّميميّ، وآخرون.
حاله: قال العِجْلي، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". روى له البخاري، ومسلمٌ.
(3)
6) أبو مُوسى عبد الله بن قيْس الأشْعري: صحابي جليل، تقدم في الحديث رقم (14).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
والحديث أخرجه البخاري، ومُسلمٌ في "صحيحيهما"، وقال الترمذي: وهذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وقال البغوي: هذا حديثٌ متفقٌ على صحته - وقد سبق نقل قولهم في التخريج -.
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن مُسَاوِرٍ إلا أبو هِلالٍ، تَفَرَّدَ به: ابن عَائِشَةَ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه.
وقال الترمذي: وقد رُوِيَ هذا الحَدِيثُ مِنْ غير وجهٍ عَنْ زَهْدَمٍ، ولا نَعْرِفُهُ إلا مِنْ حَدِيثِ زَهْدَمٍ.
ومِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله الإمام الترمذي رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال الحافظ ابن حجر: وقع في بعض الروايات أنَّ زَهْدَمَ الجَرْمي هو صاحب القصة مع أبي موسى رضي الله عنه، وقد أشكل هذا لكونه وصف الرجل في بعض روايات الحديث، بأنه من بني تيم الله، وزهدم من بني جرم؛
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 273، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 379، "الكامل" لابن عدي 7/ 437، "تهذيب الكمال" 25/ 292، "من تُكلم فيه وهو مُوَثَّق"(ص/452)، "الميزان" 3/ 574، "تهذيب التهذيب" 9/ 195، "التقريب"(5923).
(2)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 7/ 418، "الجرح والتعديل 8/ 351، "الثقات" لابن حبَّان 7/ 502، "تهذيب الكمال" 27/ 425، "إكمال تهذيب الكمال" 11/ 142، "تهذيب التهذيب" 10/ 103، "التقريب" (6588).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير"3/ 448، "الثقات" للعِجْلي 1/ 371، "الجرح والتعديل" 3/ 617، "الثقات" لابن حبَّان 4/ 269، "تهذيب الكمال" 9/ 396، "الكاشف" 1/ 406، "التقريب"(2039)، "فتح الباري" 9/ 646.
فقال بعض الناس: الظاهر أنهما امتنعا معا زهدم والرجل التيمي، وحمله على دعوى التعدد استبعاد أن يكون الشخص الواحد ينسب إلى تيم الله وإلى جرم، ولا بُعْدَ في ذلك، فقد أخرج الإمام أحمد، فقال في روايته: عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ: زَهْدَمٌ قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأُتِيَ بِلَحْمِ دَجَاجٍ
(1)
؛ فعلى هذا فلعل زهدمًا كان تارة ينسب إلى بني جرم، وتارة إلى بني تيم الله، وجرم قبيلة في قضاعة، يُنْسَبُون إلى جرم بن زبان - بزاي، وموحدة ثقيلة - بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وتيم الله بطن من بني كلب، وهم قبيلة في قضاعة أيضًا، يُنْسَبون إلى تيم الله بن رفيدة - براء، وفاء مصغراً - بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، قال الرشاطي في "الأنساب": وكثيرًا ما يَنْسِبُون الرجل إلى أعمامه.
قلت (ابن حجر): ورُبَّمَا أبهم الرجل نفسه، فلا بُعْدَ في أن يكون زَهْدَم صاحب القصة، والأصل عدم التعدد؛ والحديث أخرجه غير واحد مِنْ عِدَّة طُرُقٍ، وصَرَّحَ زَهْدَم فيها بأنَّه صاحب القصة، فهو المُعْتَمد، ولا يُعَكِّرُ عليه إلا ما وقع في "الصحيحين" مِمَّا ظاهره المغايرة بين زَهْدَم، والممتنع من أكل الدجاج، ففي رواية: عن زَهْدَم، قال: "كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ المَوَالِي
…
الحديث"، فإنَّ ظاهره أن الداخل دخل وزَهْدَم جالسٌ عند أبي موسى، لكن يجوز أن يكون مراد زَهْدَم بقوله: "كُنَّا" قومه الذين دخلوا قبله على أبي موسى، وهذا مجاز قد استعمل غيره مثله، كقول ثابت البناني: خطبنا عمران بن حُصَين، أي: خطب أهل البصرة، ولم يدرك ثابت خطبة عمران المذكورة، فيُحْتَمل أن يكون زَهْدَم دخل، فجرى له ما ذكر، وغاية ما فيه: أنه أبهم نفسه، ولا عجب فيه.
قوله: "إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ قَذَرًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ لا آكُلَهُ": كأنَّه ظن أنها أكثرت من ذلك بحيث صارت جَلَّالة، فَبَيَّن له أبو موسى أنها ليست كذلك، أو أنَّه لا يلزم من كون تلك الدجاجة التي رآها، أن يكون كل الدجاج كذلك.
(2)
وقال المباركفوري: في الحديثِ دُخُولُ المَرْءِ على صديقه في حال أكله، واسْتِدْنَاءُ صاحب الطَّعَام الدَّاخِلَ، وعَرْضُهُ الطَّعَامَ عليه، ولو كان قَلِيلًا؛ لأنَّ اجْتِمَاع الجماعةِ على الطَّعَام سَبَبٌ لِلْبَرَكَةِ فيه؛ وفيه إباحةُ لحم الدَّجَاجِ، وملاذِّ الأَطْعِمَةِ.
(3)
* * *
(1)
أخرجه أحمد في "مسنده"(19593).
(2)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (9/ 646 - 647).
(3)
يُنظر: "تحفة الأحوزي"(5/ 449)، و"المنهاج شرح صحيح مسلم"(11/ 111 - 113).
[245/ 645]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَمَّارُ بْنُ نَصْرٍ أَبُو يَاسِرٍ، قَالَ: نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَاقَعَ بَعْضَ أَهْلِهِ، فَكَسِلَ أَنْ يَقُومَ، ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ، فَتَيَمَّمَ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامٍ إلا إِسْمَاعِيلُ.
هذا الحديث مَدَاره على هشام بن عُرْوة، واختلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: هشام، عن أبيه، عن عائشة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَاقَعَ بَعْضَ أَهْلِهِ، ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ، فَتَيَمَّمَ.
الوجه الثاني: هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة، في الرَّجُلِ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ فَيُرِيدُ أَنْ يَنَامَ، قَالَتْ: يَتَوَضَّأُ أَوْ يَتَيَمَّمُ.
الوجه الثالث: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَلا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
هشام، عن أبيه، عن عائشة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَاقَعَ بَعْضَ أَهْلِهِ، ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ، فَتَيَمَّمَ.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه إلا برواية الباب، وذكره مُغْلطاي، وابن رجب، بإسناد الطبراني، ومتنه.
(1)
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَمَّار بن نصر، أبو ياسر السَّعْديّ الخُراسانيّ، المَرْوَزِيّ.
روى عن: بقية بن الوليد، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عُيَيْنَة، ووكيع، وابن المبارك، وآخرين.
روى عنه: أحمد بن عليّ الأَبَّار، وأبو حاتم الرَّازي، وأبو يعلى الموصلي، وابن أبي الدنيا، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم، وابن حجر: صدوقٌ. وقال صالح جزرة: لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(2)
3) بَقِيَّةُ بن الوليد الكَلاعيُّ، أبو يُحْمِد الحمصيُّ: "ثِقَةٌ إذا روى عن الثقات - خاصةً مِنْ الشاميين -، بشرط أن يُصَرِّح بالسماع في كل طبقات الإسناد؛ لأنَّه كان يُدلس تدليس التسوية - بشرط أنَّ يكون التصريح بالسماع محفوظاً عنه، كما سبق بيانه -، وأمَّا إذا روى عن الضعفاء - خاصة مِنْ أهل الحجاز والعراق -
(1)
يُنظر: "شرح ابن ماجه" لمغلطاي (1/ 738)، "فتح الباري" لابن رجب (1/ 358).
(2)
"الجرح والتعديل" 6/ 394، "الثقات" 8/ 518، "التهذيب" 21/ 210، "تهذيب التهذيب" 7/ 407، "التقريب"(4834).
فلا يُحيج بحديثه صَرَّح أو لم يُصَرِّح، ولا يُحتمل تَفَرُّده، فلا يُحتج بما تَفَرَّد به؛ تقدَّم في الحديث رقم (26).
4) إسماعيل بن عيَّاش العَنْسيُّ: "صَدُوقٌ في روايته عن الشاميين، مُخَلِّطٌ في غيرهم"، سبق في (38).
5) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
6) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (74).
7) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تَقَدَّمت في الحديث رقم (5).
ثانياً: - الوجه الثاني:
هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة، في الرَّجُلِ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ فَيُرِيدُ أَنْ يَنَامَ، قَالَتْ: يَتَوَضَّأُ أَوْ يَتَيَمَّمُ.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(676)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(968)، عن عَثَّام بن عَلِيٍّ، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، في الرَّجُلِ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَيُرِيدُ أَنْ يَنَامَ، قَالَتْ: يَتَوَضَّأُ أَوْ يَتَيَمَّمُ.
قال ابن حجر: رواه البيهقي بإسناد حسن، ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء.
(1)
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد ابن أبي شيبة):
1) عَثَّام بن عليّ بن هُجَير الكِلابي: "ثِقَةٌ".
(2)
2) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
3) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
4) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
ثالثاً: - الوجه الثالث:
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَلا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ.
أ تخريج الوجه الثالث:
• بينما أخرجه مالكٌ في "الموطأ"(119) - ومِنْ طريقه الطحاوي في "شرح الآثار"(772)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار"(1517) -، عن هشام بن عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عائشة، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَلا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ.
• وأخرجه ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف"(661)، عن وَكِيعٍ، والطحاوي في "شرح الآثار"(773)، عن محمد بن سعيد، والخطيب في "تاريخ بغداد"(6/ 346)، مِنْ طريق قيس بن الربيع.
ثلاثتهم عَنْ هِشَامٍ، بنحوه، وزاد ابن أبي شيبة، والطحاوي:"فَإِنَّهُ لا يَدْرِي لَعَلَّهُ يُصَابُ فِي مَنَامِهِ".
(1)
يُنظر: "فتح الباري"(1/ 394).
(2)
يُنظر: "التقريب، وتحريره"(4448).
رابعاً: - النظر في الخلاف:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مَداره على هشام بن عُرْوة، واختلف عنه مِنْ أوجهٍ:
الوجه الأول: هشام، عن أبيه، عن عائشة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَاقَعَ بَعْضَ أَهْلِهِ، ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى الْحَائِطِ، فَتَيَمَّمَ.
الوجه الثاني: هشام، عن أبيه، عن عائشة، في الرَّجُلِ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ فَيُرِيدُ أَنْ يَنَامَ، قَالَتْ: يَتَوَضَّأُ أَوْ يَتَيَمَّمُ.
الوجه الثالث: هشام، عن أبيه، عن عائشة، إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَلا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ.
ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الثالث هو الأقرب إلى الصواب؛ للقرائن الآتية:
1) أنَّ الوجه الأول لم يَروه عن هشام - أي بذكر التيمم مِنْ فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم عند الجنابة - إلا إسماعيل بن عَيَّاش، وبه صَرَّح الأمام الطبراني - كما سبق -، وإسماعيل "مُخَلِّطٌ في روايته عن الحجازيين"، وهذه مِنْها؛ وفي الإسناد أيضاً بقيَّة بن الوليد "يُدلِّس تدليس التسوية"، ولم يُصَرِّح بالسماع، مع مخالفته لما رواه الثقات عن عائشة بذكر الوضوء عند الجنابة مِنْ فعل النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، دون ذكر التيمم.
وقال ابن رجب: وهذا المرفوع لا يثبت، وإسماعيل بنِ عياش رواياته عَن الحجازيين ضعيفة، وعَمَّار بن نصر ضعيفٌ، ورواية عَثَّام الموقوفة أصح.
(1)
قلتُ: عَمَّار "ثِقَةٌ"، كما سبق بيانه في دراسة الإسناد.
2) وأمَّا الوجه الثاني: فهو وإن كان ظاهره الصحة، إلا أنَّ عَثَّام قد انفرد بروايته عن هشام، فلم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه عليه، وقد خالف فيه ما رواه عامة الثقات - كما في الوجه الثالث -.
3) بينما رواه الجماعة بالوجه الثالث عن هشام، وهم: مالك بن أنس، ووكيع بن الجَرَّاح، وقيس بن الربيع، وغيرهم، ولم يذكر واحدٌ منهم أمر التَّيَمُّم عند الجنابة.
خامساً: - الحكم على الحديث:
أ الحكم على الحديث بإسناد الطبراني:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "مُنْكَرٌ" بذكر التَّيَمُّم عند الجنابة مِنْ فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ لأجل إسماعيل بن عَيَّاش "مُخَلِّطٌ في روايته عن الحجازيين"، وهذه مِنْها، وقد انفرد بالحديث - كما سبق -، مع مخالفته لما رواه عامة الثقات، فلم أقف - على حد بحثي - على مَنْ تابعه بجعل التَّيَمُّم مِنْ فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ وفي الإسناد أيضاً بقيَّة بن الوليد "يُدلِّس تدليس التسوية"، ولم يُصَرِّح بالسماع.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه بقية بن الوليد، وهو مدلس.
(2)
والحديث ذكره السيوطي مِنْ حديث عائشة، وعزاه إلى الطبراني، ورمز له بالضعف.
(3)
(1)
يُنظر: "فتح الباري" لابن رجب (1/ 358).
(2)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(1/ 264).
(3)
يُنظر: "الجامع الصغير"(6816).
بينما قال الألباني: صحيحٌ، وقوَّاه بمتابعة عَثَّام بن عليّ!
(1)
ب الحكم على الحديث مِنْ وجهه الراجح:
وأمَّا الحديث مِنْ وجهه الراجح فإسناده "صحيحٌ لذاته".
قلتُ: وقد صَحَّ الحديث مِنْ طُرُقٍ أخرى عن عائشة، بجعل الوضوء عند الجنابة مِنْ فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم:
• أخرج البخاري في "صحيحه"(288)، ك/الغسل، ب/الجُنُبِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَنَامُ، مِنْ طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن نوفل، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ.
• وأخرج البخاري في "صحيحه"(286)، ك/الغسل، ب/كَيْنُونَةِ الجُنُبِ في البَيْتِ إِذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، عن يحيى بن أبي كثير، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(305)، ك/الحيض، ب/جواز نوم الجنب واستحباب الغسل له، عن ابن شِهَابٍ؛ كلاهما عن أبي سلمة بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن عائشة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، قَبْلَ أَنْ يَنَامَ.
• وأخرج مُسْلمٌ في "صحيحه"(307)، ك/الحيض، ب/جواز نوم الجنب واستحباب الغسل له، عن عَبْدِ اللهِ بن أبي قَيْسٍ، قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي الْجَنَابَةِ؟ أَكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ؟ أَمْ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ يَفْعَلُ، رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ، وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ، قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الأَمْرِ سَعَةً.
شواهد للحديث:
وقد صحَّ الحديث كذلك مِنْ قول النَّبي صلى الله عليه وسلم:
• فأخرج البخاري في "صحيحه"(287)، ك/الغسل، ب/نوم الجنب، وبرقم (289)، ك/الغسل، ب/الجنب يتوضأ ثم ينام، ومسلمٌ في "صحيحه"(306)، ك/الحيض، ب/جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ» .
قلتُ: وبهذا يَتَبَيَّن لنا أنَّ الوضوء عند الجنابة محفوظٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قولاً، وفعلاً، ومحفوظ مِنْ قول عائشة أيضاً؛ وأمَّا ذكر التَّيَمُّم فغير ثابتٍ مِنْ فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصح مِنْ قول عائشة - كما سبق -؛ وعلى فرض ثبوت وصحة الوجه الثاني - برواية عَثَّام -، فهو مِنْ قول عائشة فقط، وباجتهاد مِنْها، أو يُحمل عند عُسْر وجود الماء - كما قال الحافظ ابن حجر -، لكن مِنْ المُسْتَبْعَدِ أن يكون الأمر ثابتٌ عند عائشة مِنْ قول النَّبي صلى الله عليه وسلم، ومِنْ فعله، ثُمَّ تُفْتِي هي بخلافه، والله أعلم.
(1)
يُنظر: "صحيح الجامع الصغير"(4794)، "آداب الزفاف في السنة المطهرة"(ص/118 - 119).
سادسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامٍ إلا إِسْمَاعِيلُ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن أنَّ حكم الإمام بالتَّفرد صحيحٌ.
سابعًا: - التعليق على الحديث:
قال الملا علي القاري
(1)
: قولها: "كَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ": أي لتكون طهارة في الجملة، إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله، ويؤخذ منه: أنه لو كسل أحد من الوضوء أيضاً تيمم، فإنه نوع طهارة، فهو خير من أن ينام على حدث، أو جنابة، ثُمَّ ذكر رواية الباب عند الطبراني، ثُمَّ قال: وهذا كله مبني على الاستحباب إذ ورد في هذا الباب أنه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلا يَمَسُّ مَاءً
(2)
.
وقال ابن دقيق العيد: جاء الحديث بصيغة الأمر، وجاء بصيغة الشرط، وهو متمسك لمن قال بوجوبه.
وقال ابن عبد البر: ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه، وهو شذوذ.
وقال ابن العربي: قال مالك، والشافعي: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ.
واستنكر بعض المتأخرين هذا النقل، وقال: لم يقل الشافعي بوجوبه، ولا يعرف ذلك أصحابه.
قال ابن حجر: وهو كما قال، لكن كلام ابن العربي محمول على أنه أراد نفي الإباحة المستوية الطرفين، لا إثبات الوجوب، أو أراد بأنه واجب وجوب سنة، أي: متأكد الاستحباب، ويدل عليه أنه قابله بقول ابن حبيب هو واجب وجوب الفرائض، وهذا موجود في عبارة المالكية كثيرًا؛ وأشار ابن العربي إلى تقوية قول ابن حبيب، وبوب عليه أبو عوانة في "صحيحه": باب/إيجاب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم، ثم استدل بعد
(1)
يُنظر: "شرح مُسْنَد أبي حنيفة"(ص/47).
(2)
أخرجه ابن ماجه في "سننه"(581 و 582 و 583)، ك/الطهارة، ب/في الجنبِ يَنَامُ كَهَيْئَتِهِ لا يَمَسُّ مَاءً، وأبو داود في "سننه"(228)، ك/الطهارة، ب/في الجنب يُؤَخِّرُ الغُسْلَ، والترمذي في "سننه"(118 و 119)، ك/الطهارة، ب/فِي الجُنُبِ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، والنسائي في "الكبرى"(9003)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(757 - 762)، كلهم مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبيعي، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، يَقُولُ:«هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ» يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ. وقال الترمذي: وَيَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وقال الطحاوي: قَالُوا: هَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ، اخْتَصَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فَأَخْطَأَ فِي اخْتِصَارِهِ إِيَّاهُ .. وقال ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (1/ 362): وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث مِن السلف على إنكاره على أبي إسحاق، مِنهُم: إسماعيل بنِ أبي خالد، وشعبة، ويزيد بن هارون، وأحمد بنِ حنبل، وأبو بكر بنِ أبي شيبة، ومسلم بنِ حجاج، وأبو بكر الأثرم، والجوزجاني، والترمذي، والدَّارقطني، وقال أحمد بنِ صالح المصري الحافظ: لا يحل أن يروي هَذا الحديث. يعني: أنَّهُ خطأ مقطوع بهِ، فلا تحل روايته مِن دونَ بيان علته. وأما الفقهاء المتأخرون، فكثير مِنهُم نظر إلى ثقة رجاله، فظن صحته، وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواة ثقة فَهوَ صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث. ووافقهم طائفة مِن المحدثين المتأخرين كالطحاوي والحاكم والبيهقي.
ذلك هو وابن خزيمة على عدم الوجوب بحديث ابن عباس مرفوعًا «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوَضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلاةِ»
(1)
.
وقد قدح في هذا الاستدلال ابن رشد المالكي، وهو واضحٌ.
ونقل الطحاوي عن أبي يوسف: أنه ذهب إلى عدم الاستحباب، وتمسك بما رواه أبو إِسْحَاقَ السَّبيعي، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلا يَمَسُّ مَاءً.
وتُعِقِّبَ: بأنَّ الحُفَّاظ قالوا: إن أبا إسحاق غلط فيه، وبأنه لو صح حُمِلَ على أنَّه ترك الوضوء لبيان الجواز، لئلا يُعتقد وجوبه، أو أنَّ معنى قوله:"لا يَمَسُّ مَاءً" أي: للغسل.
ثم جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه، كما رواه مالك في "الموطأ".
وأجيب: بأنه ثبت تقييد الوضوء بالصلاة من روايته، ومن رواية عائشة - كما تقدم -، فيعتمد، ويُحمل ترك ابن عمر لغسل رجليه على أن ذلك كان لعذر.
وقال جمهور العلماء: المراد بالوضوء هنا الشرعي، والحكمة فيه: أنه يخفف الحدث، وقيل: الحكمة فيه أنه إحدى الطهارتين، فعلى هذا يقوم التيمم مقامه.
وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق عند القيام إلي الصلاة، واستحباب التنظيف عند النوم؛ قال ابن الجوزي: والحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك، والله أعلم. أ. هـ
(2)
* * *
(1)
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(35)، وأبو عوانة في "المُستخرَج"(799).
(2)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (1/ 394)، و"فتح الباري" لابن رجب (1/ 355 - 365).
[246/ 646]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ بِثَلاثِ سِنِينَ.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامٍ إلا إِسْمَاعِيلُ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه ابن عساكر في "تاريخه"(3/ 198)، مِنْ طريق الحسن بن سُفْيَان الشيباني، عن هشام بن عَمَّار، به.
• وأخرجه أحمد في "مسنده"(24310 و 25658)، وفي "فضائل الصحابة"(1589)، والبخاري في "صحيحه"(6004)، ك/الأدب، ب/ حُسْنُ العَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ، وفي "التاريخ الأوسط"(48)، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2435/ 1)، ك/فضائل الصحابة رضي الله عنهم، ب/فضائل خديجة أُمِّ المؤمنين، وأبو بِشْر الدولابي في "الذرية الطاهرة"(39)، مِنْ طرقٍ عن أبي أُسَامَةَ حَمَّاد بن أُسَامَةَ، قال: أنا هشام بن عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عَائِشَة، قالت: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خَدِيجَةَ بِثَلاثِ سِنِينَ. وهذا لفظ البخاري في "التاريخ"، والباقون بنحوه مطولاً.
_ والبخاري في "صحيحه"(3817)، ك/مناقب الأنصار، ب/ تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَدِيجَةَ وَفَضْلِهَا، وفي "التاريخ الأوسط"(44)، والنَّسائي في "الكبرى"(8305)، ك/المناقب، ب/مَنَاقِبُ خَدِيجَةَ رضي الله عنها، وبرقم (8864)، ك/عشرة النِّساء، ب/الغيرة، وفي "فضائل الصحابة"(258)، مِنْ طُرُقٍ عن حُمَيْد بن عَبْدِ الرَّحْمَن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عَائِشَة، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا، قَالَتْ: وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عز وجل، أَوْ جِبْرِيلُ عليه السلام أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ.
_ وأبو بِشْر الدولابي في "الذرية الطاهرة"(38)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(14797)، وفي "الدلائل"(2/ 351) - ومِنْ طريقه الحافظ عبد الرحمن بن عساكر في "كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين"(3) -، مِنْ طريق يُونُس بن بُكَيْرٍ، عن هشام بن عُرْوَةَ، وذكره بنحو رواية حُميد بن عبد الرحمن.
_ والطبراني في "المعجم الكبير"(23/ 11/ برقم 15)، مِنْ طريق عَبْد اللهِ بن محمد بن يحيى بن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وذكره بنحو رواية حُميد بن عبد الرحمن، مُطولاً.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) هِشَامُ بنُ عَمَّارِ السُّلَمِيُّ: "ثِقَةٌ، كَبِرَ فصار يَتَلقَّن، فحديثُه القديم أصحُّ"، تقدم في الحديث رقم (218).
3) إسماعيل بن عيَّاش العَنْسيُّ: "صَدُوقٌ في روايته عن الشاميين، مُخَلِّطٌ في غيرهم"، سبق في (38).
4) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
5) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
6) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل هشام بن عَمَّار "كَبِرَ فصار يَقْبَلُ التلقين، فحديثه القديم أصح"، وفيه أيضاً إسماعيل بن عَيَّاش "مُخَلِّطٌ في روايته عن الحجازيين"، وهذه مِنْها.
وللحديث مُتابعاتٌ في "الصحيحين" - كما سبق في التخريج -، فالحديث بمجموع طُرُقه "صَحيحٌ لغيره".
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامٍ إلا إِسْمَاعِيلُ.
قلتُ: ومِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن أنَّ الحديث لم يَنْفَرد به إسماعيل بن عَيَّاش عن هشام بن عُروة؛ بل تابعه جماعة، منهم: أبو أسامة حمَّاد بن أسامة، وحُميد بن عبد الرحمن، ويحيى بن بُكير، ومحمد بن يحيى بن عُرْوَةَ بن الزُّبَيْر، كلهم رووه عن هشام بن عُروة، به، مُطولاً، وبعض هذه المتابعات في "الصحيحين".
قلتُ: وكنت في بداية الأمر أظن أنَّ مُراد الطبراني: أنَّه لم يَروه عن هشام إلا إسماعيل، أي: بلفظه؛ حتى وقفت - بعد زيادة مِنْ البحث - على رواية أبي أسامة عند البخاري في "التاريخ الأوسط"، بلفظه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
قال ابن عبد البر: واختلف فِي وقت وفاة أُمّ المؤمنين خديجة، فقال أبو عُبَيْدة مَعْمَر بن المُثَنَّى: توفيت قبل الهجرة بخمس سنين. وقيل بأربع سنين. وكانت وفاتها قبل تزويج رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عائشة. وقال قتادة: توفيت خديجة قبل الهجرة بثلاث سنين. قال ابن عبد البر، وابن الأثير: قول قتادة عندنا أصحّ.
(1)
* * *
(1)
يُنظر: "الاستيعاب"(4/ 1825)، و"أسد الغابة"(7/ 86)، "فتح الباري" لابن حجر (7/ 136).
[247/ 647]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالَ: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامٍ إلا ابنُ أبي حَازِمٍ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• أخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه"(2624/ 2)، ك/البر، ب/الوصية بالجار، والطبراني في "مكارم الأخلاق"(204)، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، والبيهقي في "الشعب"، عن أبي الموجة محمد بن عَمرو المروزي.
ثلاثتهم (مسلمٌ، وعبد الله، والمروزي)، عن عَمْرو بن محمد النَّاقِدُ، به.
• والبخاري في "صحيحه"(6014)، ك/الأدب، ب/الوصاة بالجار، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2624/ 1)، ك/البر والصلة، ب/الوصية بالجار والإحسان إليه، عن عَمْرَةَ، عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، به.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَمْرو بن محمد النَّاقد: "ثِقَةٌ حَافِظٌ"، تَقَدَّم في الحديث رقم (115).
3) عبد العزيز بن أبي حازم، واسم أبيه سَلَمة بن دينار. الفقيه أبو تمّام المدنيُّ.
روى عن: هشام بن عروة، وأبيه أبي حازم سلمة بن دينار، وسُهيل بن أبي صالح، وآخرين.
روى عنه: عَمرو بن محمد النَّاقد، وقُتَيْبَة بن سعيد، وابن المديني، وابن مهدي، وآخرون.
حاله: قال ابن معين: صدوقٌ، ثِقَةٌ، ليس به بأسٌ. وقال العِجْلي، وابن نُمير، والذهبي: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال النَّسائي: ليس به بأسٌ. وقال أيضاً: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال في "المشاهير": مِنْ خيار أهل المدينة، ومُتْقِنِيهم. وقال ابن حجر: صدوقٌ فقيهٌ. وروى له الجماعة.
وقال أحمد: لم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه من عبد العزيز بن أبي حازم. فالحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ، فقيهٌ".
(1)
4) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
5) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
6) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
(1)
"الثقات" للعِجْلي 2/ 96، "الجرح والتعديل" 5/ 382، "الثقات" 7/ 117، "المشاهير"(ص/171)، "التهذيب" 18/ 120، "تاريخ الإسلام" 4/ 913، "السير" 8/ 363، "الميزان" 2/ 626، "تهذيب التهذيب" 6/ 334، "التقريب"(4088).
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صحيحٌ لذاته".
وأخرجه مُسْلمٌ في "صحيحه" عن عَمرو بن محمد النَّاقد. وهو مُتَّفقٌ عليه مِنْ طريق عَمْرة، عن عائشة.
وقال الإمام الذهبي: هذا الباب متواتر المتن عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
شواهد للحديث:
• والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(6015)، ك/الأدب، ب/الوصاة بالجار، ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2625)، ك/البر والصلة، ب/الوصية بالجار والإحسان إليه، مِنْ حديث ابن عُمَرَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» .
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّفُ رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامٍ إلا ابنُ أبي حَازِمٍ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّفُ رضي الله عنه.
خامساً: - التعليق على الحديث:
في هذا الحديث الوصية بالجار، وبيان عظم حقه، وفضيلة الإحسان إليه.
(2)
قال ابن بطال: الحديث فيه الأمر بحفظ الجار، والإحسان إليه، والقيام بحقوقه، ألا ترى تأكيد الله جل جلاله لذكره بعد الوالدين والأقربين، فقال تعالى:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}
(3)
، وقال أهل التفسير:
…
{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} هو الذى بينك وبينه قرابة، فله حق القرابة وحق الجوار، وعن ابن عباس، وغيره: أي: الجار المجاور، وقيل: هو الجار المسلم؛ والجار الجنب: الغريب، وقيل: هو الذى لا قرابة بينك وبينه.
(4)
وقال الذهبي: ويفهم مِنْ الحديث تعظيم حق الجار من الإحسان إليه، وإكرامه، وعدم الأذى له، وإنَّما جاء الحديث في هذا الأسلوب؛ للمبالغة في حفظ حقوق الجار، وعدم الإساءة إليه، حيث أنزله الرسول صلى الله عليه وسلم منزلة الوارث تعظيماً لحقه، ووجوب الإحسان إليه، وعدم الإساءة إليه بأي نوع من أنواع الأذى.
(5)
قال الطحاوي: فتأمَّلنا هذا الحديث لنقف على المعنى الذي به ظنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ جبريل عليه السلام سَيُوَرِّثُ به الجار، فوجدنا النَّاس قد كانوا في أَوَّلِ الإسلام يَتَوَارَثُونَ بالتَّبَنِّي، فكان مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا وَرِثَهُ دُونَ النَّاس، كما تَبَنَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زيدَ بن حارثة، وكما تَبَنَّى أبو حُذَيْفَةَ سَالِمًا، ثمَّ رَدَّ اللهُ عز وجل ذلك بقوله تعالى:
…
(1)
يُنظر: "حق الجار" للإمام الذهبي (ص/24).
(2)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مُسْلمٌ بن الحجاج"(16/ 176).
(3)
سورة "النساء"، آية (36).
(4)
يُنظر: "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (9/ 221).
(5)
يُنظر: "حق الجار" للإمام الذهبي (ص/24).
{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}
(1)
، وبقوله عز وجل:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}
(2)
؛ وكانوا يَتَوَارَثُونَ أيضًا بالحِلْفِ، حتَّى رَدَّ اللهُ عز وجل ذلك بقوله:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}
(3)
، فَرَدَّ اللهُ عز وجل بذلك أُمُورَهُم إلى خلاف المواريث مِنَ النُّصْرَةِ وَالرِّفْدَةِ والوَصِيَّةِ، فاحْتُمِلَ أن يكون كان ذلك مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي كان المِيرَاثُ يكونُ بالتَّبَنِّي، وبما ذكرنا سواهُ، فكان الجَارُ قد وُكَّدَ مِنْ أمره مع الجار ما هو فوق ذلك أو الحلف أو مِثلِهِمَا، فلم يُنْكَرْ أن يكونَ كما كان المِيرَاثُ يكون مع واحدٍ منهما أن يكونَ ما هو مثلهما أو بما هو فوقهما، فكان ما كان مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثمَّ نَسَخَ اللهُ عز وجل ذَلِكَ بما قد نَسَخَهُ به.
(4)
* * *
(1)
سورة "الأحزاب"، آية (40).
(2)
سورة "الأحزاب"، آية (5).
(3)
سورة "النساء"، آية (33).
(4)
يُنظر: "شرح مُشْكِل الآثار"(7/ 222)، وللمزيد:"فتح الباري" لابن حجر (10/ 442).
[248/ 648]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ
(1)
: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَرْضٍ، يُقَالُ لَهَا: عَذرَةُ، فَسَمَّاهَا: خَضِرَةً.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامٍ إلا عَبْدَةُ.
هذا الحديث مداره على هشام بن عروة، واختلف عنه مِنْ ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة (موصولاً).
الوجه الثاني: هشام بن عُروة، عن أبيه (مُرْسلاً).
الوجه الثالث: هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة (موصولاً).
أ تخريج الوجه الأول:
• أخرجه السرقسطي في "الدلائل في غريب الحديث"(131)، وأبو يعلى في "مسنده"(4556)، والطحاوي في "شرح مُشْكِل الآثار"(1849)، وابن حبَّان في "صحيحه"(5821)، والطبراني في "الأوسط"(8008)، والخطابي في "غريب الحديث"(1/ 528)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(5228)، مِنْ طُرُقٍ عن محمد بن عبد الله بن نُمير، عن عَبْدة بن سُليمان، عن هشام بن عُرْوة، برواية الباب.
(2)
• وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث"(3/ 994)، عن عبد الله بن عون، عن عبدة بن سُليمان، به.
(3)
• والترمذي في "سننه"(2839)، ك/الأدب، ب/ما جاء في تَغْيِيرِ الأسماء، وفي "العلل الكبير"(642)، وابن عدي في "الكامل"(6/ 92)، عن أبي بكر محمد بن أحمد بن نافع، عن عُمَر بن عَلِيٍّ المُقَدَّمِيّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُغَيِّرُ الاسْمَ الْقَبِيحَ إِلَى الاسْمِ الْحَسَنِ.
(1)
في الأصل: "قال"، وهو تصحيفٌ ظاهرٌ، والله أعلم.
(2)
وقع عند الطبراني، والبيهقي، بلفظ:"عَذِرَةٌ"، بالعين المهملة، والذال المعجمة، بعدها راء. بينما وقع عند الباقون، بلفظ:"غَدِرَةٌ"، بالغين المعجمة، والدال المهملة. وقال السرقسطي في "الدلائل" (131): وَإِنَّمَا كَرِهَ صلى الله عليه وسلم اسْمَهَا تَفَاؤُلًا به، وَالْغَدِرَةُ: المظلمة السَّوَدَاءُ، ومنه قيل: ليلةٌ غَدِرَةٌ، ومُغْدِرةٌ، أي: بَيِّنَةُ الغَدرِ، وهي الشَّدِيدَةُ الظُّلْمَة، والغَدِرَةُ أيضًا: المهلكة مأخوذٌ مِنَ الغَدْرِ. وقال الطحاوي في "شرح المُشْكَل"(1849): كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم في كراهيةٍ نَفَاهَا على اسمها الأول، خوفاً أن ينزلها نَازِلٌ واسمها عندهُ غَدِرَةٌ، فَيَتَطَيَّرُ بذلك، فحوَّل النَّبي صلى الله عليه وسلم اسمها إلى خَضِرَةٍ، مِمَّا لا طِيَرَةَ فيه. قلت: أي مِنْ باب درء المفاسد. وقال ابن الأثير في "النهاية"(3/ 345): "غَدِرَةٌ": كَأَنَّها كانت لا تسمح بالنَّبَات، أو تُنْبِتُ ثُمَّ تُسْرِع إليه الآفة، فشُبَّهَت بالغَادِر لأنَّه لا يَفي.
(3)
لكن وقع عنده بلفظ: "عَقِرَة" بالعين المهملة، والقاف، بعدها راءٌ. قال إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (3/ 1001): كره لها اسم العُقْرِ، لأنَّ العَاقِرَ: المرأةُ لا تَلِدُ، وَشَجَرَةٌ عَاقِرٌ: لَا تَحْمِلُ.
قال الترمذي في "العلل": قال البخاري: إنَّما يُرْوَى هذا عن هشام، عن أبيه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
• وأخرجه الطبراني في "الصغير"(349) - ومِنْ طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد"(8/ 357) -، وابن عدي في "الكامل"(5/ 30)، والدَّارقطني في "العلل"(14/ 193/مسألة 3542)، مِنْ طريق إسحاق بن يوسف الأزرق، عن شَرِيك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ اسْمًا قَبِيحًا غَيَّرَهُ، فَمَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا عَفِرَةٌ، فَسَمَّاهَا خَضِرَةً» . واللفظ للطبراني. وقال الطبراني: لم يَرْوِهِ عن شَرِيكٍ إلا إِسْحَاقُ.
(1)
• وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(2766)، والدَّارقطني في "العلل"(14/ 193/ مسألة 3542)، مِنْ طريق محمد بن الحسن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ الاسْمَ القَبِيْحَ غَيَّرَهُ. ومحمد بن الحسن نسبه الطبراني، فقال: المُزَني الواسطي. بينما قال الدَّارقطني: الهَمْدَانيّ.
• وأخرجه الدَّارقطني في "العلل"(14/ 194/ مسألة 3542)، مِنْ طريق عَمرو بن عبد الجبار السنجاري، عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن هشام بن عروة، بنحو رواية محمد بن الحسن.
ب دراسة إسناد الوجه الأول (بإسناد الطبراني):
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) مُحَمَّد بن عَبد اللَّهِ بْن نُمَيْر الهَمْدَانيُّ الخَارِفِيُّ، أبو عبد الرحمن الكوفي الحافظ.
روى عن: عَبْدَة بن سُلَيْمان، وأبيه، وابن عُلَيَّة، وابن عُيَيْنَة، وآخرين.
روى عنه: أحمد الأَبَّار، والبخاري، ومسلم في "الصحيحين"
(2)
، وأبو داود، وابن ماجة، وآخرون.
حاله: قال أحمد: دُرَّةُ العراق. وقال العِجْلي: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: ثِقَةٌ، يُحتج بحديثه. وقال أبو داود: أثبت مِنْ أبيه. وقال النَّسائي: ثِقَةٌ مأمونٌ. وقال ابن حبَّان: مِنْ الحفاظ المُتْقِنين، وأهل الورع في الدَّين. وقال الذهبي: له كلام فِي الجرح والتعديل والعِلَل. وقال ابن حجر: ثِقَةٌ، حافظٌ، فاضلٌ. وروى له الجماعة.
(3)
3) عَبْدة بن سُليمان أبو محمد الكِلابيّ: "ثِقَةٌ، ثَبْتٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (131).
4) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
5) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
(1)
وفي "ذخيرة الحفاظ"(3/ 1749): "عقرة" بالقاف. وعند الدَّارقطني: "عَثِرَةٌ" بالثاء المثلثة. وقال ابن الأثير في "جامع الأصول"(1/ 376): العَفْرة: من عُفرة الأرض، وهو لونها، ورويت "عَثِرَةٌ" بالثاء، وهي التي لا نبات فيها، إنما هي صعيد قد علاها العثير، وهو الغبار. وقال الخطابي في "معالم السنن" (4/ 128): عفرة نعت للأرض التي لا تنبت شيئاً، أخذت من العفرة وهي لون الأرض، فسماها "خضرة"، على معنى التفاؤل لتخضر وتمرع.
(2)
قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": روى عنه البخاري (22) حديثًا، ومسلم (573) حديثًا.
(3)
يُنظر: "الثقات" للعجلي 2/ 243، "الجرح والتعديل" 7/ 307، "الثقات" لابن حبَّان 9/ 85، "تهذيب الكمال" 25/ 566، "تاريخ الإسلام" 5/ 921، "تهذيب التهذيب" 9/ 283، "التقريب"(6053).
6) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
ثانياً: - الوجه الثاني:
هشام بن عُروة، عن أبيه (مُرْسلاً).
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنَّف"(25896)، قال: حدَّثنا وَكِيعٌ، عن هِشَامٍ، عن أَبِيهِ، قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ الاسْمَ الْقَبِيحَ حَوَّلَهُ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ.
• وأخرجه الترمذي في "سننه"(2839)، ك/الأدب، ب/ما جاء في تَغْيِيرِ الأسماء، وفي "العلل الكبير"(642)، عن أبي بكر محمد بن أحمد بن نافع، عن عُمَر بن عَلِيٍّ المُقَدَّمِيّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، به.
قال أبو بكر بن نافع: ورُبَّمَا قال عُمَرُ: هشام، عن أبيه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلًا، ولم يَذْكُرْ فيه عن عائشة.
قال الترمذي في "العلل": قال البخاري: إنَّما يُرْوَى هذا عن هشام، عن أبيه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا.
• وقال الدَّارقطني: ورواه عبدة بن سليمان، وحماد بن سلمة، عن هشام، مرسلاً، وهو الصحيح.
(1)
• وقال ابن عدي: وجماعة قد رووه مرسلاً، لا يذكرون عائشة، ولا أبا هريرة.
(2)
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد ابن أبي شيبة):
1) وكيعٌ بن الجرَّاح بن مَليح الرؤاسي الكوفيُّ: "ثِقَةٌ، حافظٌ، عابدٌ".
(3)
2) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
3) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
ثالثاً: - الوجه الثالث:
هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن أبي هريرة.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه ابن عدي في "الكامل"(6/ 92)، وأبو الشيخ في "أخلاق النَّبي صلى الله عليه وسلم "(799)، والدَّارقطني في "العلل"(14/ 194/ مسألة 3542)، والبغوي في "شرح السنة"(3375)، مِنْ طُرُقٍ عن عُمَر بن عليّ المقدَّمِيّ، عن هِشَام بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُغَيُّرُ الاسْمَ القَبِيْحَ إِلى الاسْمِ الحَسَنِ.
_ قال الدَّارقطني: كذا قال: عن أبي هريرة، وهو وهمٌ مِنْ عُمَر بن عليِّ.
رابعاً: - النظر في الخلاف:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث مداره على هشام بن عروة، واختلف عنه مِنْ ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن عائشة (موصولاً).
الوجه الثاني: هشام بن عُروة، عن أبيه (مُرْسلاً).
(1)
يُنظر: "العلل" للدارقطني (14/ 193/ مسألة 3542).
(2)
يُنظر: "الكامل" لابن عدي (5/ 30).
(3)
يُنظر: "التقريب"(7414).
الوجه الثالث: هشام بن عُرْوة، عن أبيه، عن أبي هريرة.
ومِنْ خلال ما سبق في التخريج ودراسة الإسناد يَتَبَيَّن أنَّ الوجه الأول، والثاني هُما الأقرب والأشبه بالصواب، وأنَّهما محفوظان عن هشام بن عُروة، وأنَّ الاختلاف فيه لعلَّه مِنْ هِشَام بن عُروة، فكان يَنْشط تارة فَيُسْنِدُه، ثُمَّ يُرْسله أخرى، أو لعلَّه حدَّث به تارةً مِنْ حفظه فيُرْسله مهابة للحديث؛ وذلك للقرائن الآتية:
1) رواية الجماعة عن هشام للحديث بالوجهين؛ فرواه عنه بالوجه الأول: عبدة، والمُقَدَّميّ، وشريك، ومحمد بن الحسن المُزَنيّ، والطفاوي؛ ورواه عنه بالوجه الثاني: وكيع، وحمَّاد بن سلمة، والمُقَدَّميّ، وعبدة بن سُليمان.
2) أنَّ عبدة بن سُليمان "ثِقَةٌ ثَبْتٌ"، وقد رواه عنه بالوجهين، مِمَّا يدل على أنَّه محفوظٌ بالوجهين.
3) أقوال الأئمة، ووصفهم لحال الخلاف على هشام بن عُرْوَة:
_ قال يعقوب بن شيبة: هشام مع تثبته، رُبَّمَا جاء عنه بعض الاختلاف، وذلك فيما حَدَّث بالعراق خاصة، ولا يكاد يكون الاختلاف عنه فيما يَفْحُش، يُسْنِدُ الحديثَ أحياناً، ويُرْسِله أحياناً، لا أنه يقلب إسناده، كأنه على ما يذكر من حفظه، يقول: عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أتقنه أسنده، وإذا هابه أرسله. قال ابن رجب: وهذا فيما نرى أن كتبه لم تكن معه في العراق فيرجع إليها.
(1)
_ وقال أحمد: ما أحسن حديث الكوفيين عن هشام بن عروة، أسندوا عنه أشياء. قال: وما أرى ذاك إلا على النشاط، يعني أن هشاماً ينشط تارة فيُسْنِد، ثم يُرسل أخرى. قيل له: تغير؟ قال: ما بلغني عنه تغير.
(2)
_ وقال الذهبي: في حديث العراقيين عن هشام أوهام تحتمل، كما وقع في حديثهم عن معمر أوهام.
(3)
_ وقال الذهبي أيضاً: لمَّا قدم العراق في آخر عمره حدَّث بجملة كثيرة من العلم، في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها، ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الثقات.
(4)
خامساً: - الحكم على الحديث:
مِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "صَحيحٌ لذاته".
وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى، والطبراني في "الأوسط"، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.
وقال: رواه الطبراني في "الصغير"، ورجاله رجال الصحيح.
(5)
قلتُ: بل فيه شريك بن عبد الله النَّخعيّ.
وذكره البوصيري في "الإتحاف" بإسناد أبي يعلي، وقال: هَذَا إِسْنَادٌ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
(6)
(1)
يُنظر: "شرح العلل" لابن رجب (2/ 604).
(2)
يُنظر: "شرح العلل" لابن رجب (2/ 487).
(3)
يُنظر: "سير أعلام النبلاء"(6/ 46).
(4)
يُنظر: "ميزان الاعتدال"(4/ 302).
(5)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(8/ 51).
(6)
يُنظر: "إتحاف الخيرة المهرة" برقم (5491).
والحديث صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة".
(1)
سادساً: - النظر في كلام المُصَنِّفُ رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هِشَامٍ إلا عَبْدَةُ.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَّضح صحة ما قاله المُصَنِّف رضي الله عنه، لكنَّه مُقَيَّد بلفظ رواية الطبراني، وإلا فقد تابعه شريك بن عبد الله النَّخعيّ، لكنَّه قال: عن عائشة، قالت:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَمِعَ اسْمًا قَبِيحًا غَيَّرَهُ، فَمَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا عَفِرَةٌ، فَسَمَّاهَا خَضِرَةً» ؛ بينما لفظ رواية الطبراني: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَرْضٍ، يُقَالُ لَهَا: عَذرَةُ، فَسَمَّاهَا: خَضِرَةً. قلتُ: فإن كان هذا هو مُرَاد الطبراني فنعم، وإلا فلا، والله أعلم.
سابعاً: - التعليق على الحديث:
قال الطبري: لا تنبغي التسمية باسم قبيح المعنى، ولا باسم يقتضي التزكية له، ولا باسم معناه السب، ولو كانت الأسماء أعلام للأشخاص لا يقصد بها حقيقة الصفة، لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم فيظن أنه صفة للمسمى، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يحول الاسم إلى ما إذا دعي به صاحبه كان صدقًا، وقد غَيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أسماء، وليس ما غير من ذلك على وجه المنع من التسمي بها، بل على وجه الاختيار؛ ومن ثم أجاز المسلمون أن يُسمى الرجل القبيح بحسن، والفاسد بصالح، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لم يلزم حَزْنًا لمَّا امتنع من تحويل اسمه إلى سهل بذلك، ولو كان ذلك لازمًا لمَّا أقره على قوله: لا أغير اسمًا سَمَّانِيه أبي.
(2)
(3)
قال النووي: معناه تغيير الاسم القبيح أو المكروه إلى حسن، وقد ثبت أحاديث بتغييره صلى الله عليه وسلم أسماء جماعة كثيرين من الصحابة، وقد بين صلى الله عليه وسلم العلة في النوعين وما في معناهما وهى التزكية أو خوف التطير.
(4)
* * *
(1)
يُنظر: "السلسلة الصحيحة"(1/ 418 - 419/ برقم 208).
(2)
الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه"(6190)، ك/الأدب، ب/اسم الحزن، وبرقم (6193)، ك/الأدب، ب/تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه، مِنْ طريق ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ» قَالَ: حَزْنٌ، قَالَ:«أَنْتَ سَهْلٌ» . قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي. قَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: «فَمَا زَالَتِ الحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ» .
(3)
يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (10/ 577).
(4)
يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مُسْلم"(14/ 120).
[249/ 649]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ [اللَّهِ]
(1)
الْحَلَبِيُّ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَرُدَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَخُذْ لَهُ» .
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن هشام إلا إِسْمَاعِيلُ، وعِكْرَمَةُ بن إبراهيم الأَزْدِيُّ.
أولاً: - تخريج الحديث:
• ذكره ابن حجر في "التلخيص"(4/ 157) فقال: وفي الباب عن عائشة عند الطَّبرانيِّ في "الأوسط".
• وأخرجه ابن مندة في "مجلس مِنْ أماليه"(61)، مِنْ طريق النضر بن شُمَيْل، عن هشام بن عروة، به.
ثانياً: - دراسة الإسناد:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عَبْد الرَّحْمَن بن عُبَيد الله بن حكيم الأسدي، أَبُو مُحَمَّد الحلبي الكبير المعروف بابن أخي الإمام.
روى عن: إسماعيل بن عيَّاش، وعبد الله بن المبارك، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وآخرين.
روى عنه: أحمد الأَبَّار، وأبو حاتم الرَّازي، وأبو داود، والنَّسائي، وآخرون.
حاله: قال أحمد بن إسحاق الوزَّان: ثِقَةٌ. وقال أبو حاتم: صدوقٌ، وكان يفهم الحديث. وقال النَّسائي: لا بأس به. وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، وقال: رُبَّما أخطأ. وقال ابن حجر: صدوقٌ. والحاصل: أنَّه "ثِقَةٌ".
(2)
3) إسماعيل بن عيَّاش العَنْسيُّ: "صَدُوقٌ في روايته عن الشاميين، مُخَلِّطٌ في غيرهم"، سبق في (38).
4) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: "ثِقَةٌ، فقيهٌ، إمامٌ حُجَّةٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
5) عُروة بن الزُّبير بن العَوَّام بن خُوَيْلد: "ثِقَةٌ فَقِيهٌ مشهورٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (74).
6) عائشة بنت أبي بكر: "أم المؤمنين، وزوج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "، تقدَّمت في الحديث رقم (5).
ثالثاً: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّن أنَّ الحديث بإسناد الطبراني "ضَعيفٌ"؛ لأجل إسماعيل بن عَيَّاش "مُخَلِّطٌ في روايته عن الحجازيين"، وهذه مِنْها.
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط" مِنْ رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وفيها ضعفٌ.
(3)
(1)
ما بين المعقوفتين سقط مِنْ الأصل، والاستدراك مِنْ "مجمع البحرين"(4372)، وكما هو مُثْبتٌ في ترجمته، والله أعلم.
(2)
"الجرح والتعديل" 5/ 258، "الثقات" 8/ 382، "التهذيب" 17/ 265، "تهذيب التهذيب" 6/ 224، "التقريب"(3939).
(3)
يُنظر: "مجمع الزوائد"(7/ 264).
متابعات للحديث:
قلتُ: ولم يَنْفرد به إسماعيل بن عَيَّاش، بل تابعه عكرمة بن إبراهيم الأزدي، كما أشار إلى روايته الطبراني في رواية الباب - ولم أقف على روايته -، قلتُ: وعكرمة هذا قال فيه ابن معين، وأبو داود: ليس بشيء. وقال النَّسائي: ضَعيفٌ. وقال الذهبي: مجمعٌ على ضَعْفه.
(1)
وتابعه كذلك النضر بن شُميل - كما سبق في التخريج -، لكن متابعته لا يُفْرح بها، ففي سندها علي بن محمد بن عبد الله، قال الذهبي: له معرفةٌ وحِفْظٌ، لكنّه يروي المناكير. وقال الحاكم: كان يكذب مثل السُّكَّر.
(2)
وسيف بن ريحان: لم أقف له - على حد بحثي - على ترجمة له.
شواهد للحديث:
وللحديث عِدَّة شواهد، منها:
• ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(6952)، ك/الإكراه، ب/ يَمِين الرَّجل لصاحبه إنَّه أخوه إذا خاف عليه القَتْل، عن أنس رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ:«تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» .
(3)
وأخرجه الترمذي، مِنْ حديث أنس، وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وفي الباب عن عائشة.
(4)
• ومُسْلمٌ في "صحيحه"(2584)، ك/البر، ب/نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ، فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ» .
قلتُ: وعليه فالحديث بشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره".
رابعاً: - النظر في كلام المُصَنِّفُ رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِ هذا الحديث عن هشام إلا إِسْمَاعِيلُ، وعِكْرَمَةُ بن إبراهيم الأَزْدِيُّ.
قلتُ: بل تابعهما النضر بن شُميل - كما سبق في التخريج -، والنضر وإن كان "ثِقَةً" لكن السند إليه شديد الضعف - كما سبق بيانه -.
* * *
(1)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 7/ 11، "المجروحين" لابن حبَّان 2/ 188، "الكامل" لابن عدي 6/ 487، "المغني في الضعفاء" 2/ 1، "الميزان" 3/ 89، "لسان الميزان" 5/ 460.
(2)
يُنظر: "تاريخ الإسلام"(7/ 909 و 8/ 35)، "الميزان"(3/ 155)، "لسان الميزان"(6/ 22).
(3)
وأخرجه البخاري أيضاً (2443 و 2444)، ك/المظالم، ب/أَعِنْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا.
(4)
يُنظر: "سنن الترمذي"(2255).
[250/ 650]- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَضَيَّفْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ
(1)
، وَهِيَ لَيْلَتَئِذٍ حَائِضٌ لا تُصَلِّي، فَأَلْقَتْ لِي كِسَاءً، وَجَعَلَتْ لِي وِسَادَةً إِلَى جَنْبِهَا، وَفَرَشَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَسْجِدِ أَلْقَى ثَوْبَهُ، وَأَخَذَ خِرْقَةً فَلَبِسَهَا، ثُمَّ اضْطَّجَعَ إِلَى جَنْبِهَا.
* لم يَرْوِ هذا الحديث عن عبد اللَّهِ بن الحارث إلا جَبَلَةُ بن عطيَّة، تَفَرَّدَ به: محمدُ بن ثابتٍ.
هذا الحديث مَدَاره على محمد بن ثابت العَبْدِيّ، واختُلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: محمد بن ثابت، عن جبلة بن عطية، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما.
الوجه الثاني: محمد بن ثابت، عن جبلة، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما.
الوجه الثالث: محمد بن ثابت، عن جبلة، عن إسحاق بن عبد الله، عن كُريب، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما.
وتفصيل ذلك كالآتي:
أولاً: - الوجه الأول:
محمد بن ثابت، عن جبلة بن عطية، عن عبد الله بن الحارث،
…
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما.
أ تخريج الوجه الأول:
• لم أقف عليه بهذا الوجه إلا عند الطبراني برواية الباب.
ب دراسة إسناد الوجه الأول:
1) أحمد بن علي بن مسلم الأَبَّار: "ثِقَةٌ حافظٌ مُتْقنٌ زاهدٌ"، تقدم في الحديث رقم (608).
2) عُبَيد الله بن محمد بن حَفْص، المعروف بابن عائشة:"ثِقَةٌ جَوَّاد"، تقدَّم في الحديث رقم (177).
3) مُحَمَّدُ بن ثَابِت العَبْدِيُّ، أَبُو عَبْد اللَّهِ البَصْرِيّ.
روى عن: جَبَلَة بن عَطِيَّة، وعَمرو بن دينار، ونافع مولى ابن عُمر، وآخرين.
روى عنه: عُبيد الله بن محمد، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وآخرون.
حاله: قال ابن المديني: صالحٌ، ليس بالقوي. وقال ابن معين: يُنكر عليه حديث ابن عمر في التيمم لا
(1)
ميمونة بنت الحارث الهلالية، زوج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قيل: كان اسمها بَرَّةٌ، فسماها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ميمونة، وتزوجها بِسَرِفٍ، سنة سبعٍ، وماتت بها، ودُفنت سنة إحدى وخمسين على الصحيح. وروى لها الجماعةُ. يُنظر:"الاستيعاب" 4/ 1914، "أسد الغابة" 7/ 262، "تهذيب الكمال" 35/ 312، "الإصابة" 14/ 221، "الإصابة"(8688).
غير. وقال أحمد: ليس به بأس، روى حديثًا منكرًا في اليمم، لا يتابعه أحد. وقال العجلي: ثِقَةٌ.
وقال ابن معين، وأبو داود: ليس بشيء. وقال أحمد: يُخطئ في حديثه. وقال البخاري: يُخالف في حديثه، في حديثه شيء. وقال أبو حاتم: ليس هو بالمتين، يُكتب حديثه، روى حديثًا مُنْكَرًا. وقال النَّسائي: ليس بالقوي. وقال ابن حبَّان: يرفع المراسيل، ويُسند الموقوفات توهمًا مِنْ سُوء حفظه. وساق له ابن عدي جملة مِنْ حديثه، وقال: وليس حديثه بالكثير، وعامة حديثه لا يُتابع عليه. وقال ابن حجر: صدوقٌ، لَيُّن الحديث.
فالحاصل: أنَّه "ضَعيفٌ، يُكتب حديثه"، فحديثه ليس بالكثير، ومع ذلك يُخالف، وعامته لا يُتابع عليه.
(1)
4) جَبَلَةُ بن عَطِيَّة الفلسطينيُّ.
روى عن: إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل، وعبد الله بْن محيريز، ويحيى بْن الوليد، وآخرين.
روى عنه: حمَّاد بن سلمة، ومحمد بن ثابت، وأَبُو هلال الراسبي، وهشام بن حسان، وآخرون.
حاله: قال ابن معين، وابن نُمير، والذهبي، وابن حجر: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات".
(2)
5) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَبُو مُحَمَّدٍ المدني. أُمُّه هند بنت أبي سُفْيَان.
روى عن: النَّبي صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً، وأُبَيّ بن كعب، وعبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنهم، وآخرين.
روى عنه: أبناؤه إسحاق وعبد الله وعُبيد الله، وأبو إسحاق السَّبيعيُّ، والزُّهْريُّ، وآخرون.
حاله: ولد على عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فحنَّكه النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قال ابن المديني، وابن معين، والعجلي، وأبو زرعة، والنَّسائيُّ: ثِقَةٌ. وذكره ابن حبَّان في "الثقات". وقال ابن حجر: له رؤيةٌ. وروى له الجماعة.
(3)
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ثانيًا: - الوجه الثاني:
محمد بن ثابت، عن جبلة، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث،
…
عن ابن عبَّاس ¶.
أ تخريج الوجه الثاني:
• أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في "زوائده على المسند"(2572)، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بن عائشة؛ وأبو الشيخ الأصبهانيّ في "أخلاق النَّبيّ صلى الله عليه وسلم "(483) - ومِنْ طريقه البغويُّ في "الأنوار في شمائل النَّبيّ المختار"(840) -، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكَّارٍ؛ كلاهما (عُبَيْد الله، وعبد الله بن بَكَّار) عن مُحَمَّد بن ثَابِتٍ العَبْدِيّ العَصَرِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ
(1)
"التاريخ الكبير" 1/ 50، "الضعفاء الصغير"(ص/102)، "الجرح والتعديل" 7/ 216، "الضعفاء" للعقيلي 4/ 38، "المجروحين" 2/ 251، "الكامل" 7/ 308، "التهذيب" 24/ 554، "الميزان" 3/ 495، "تهذيب التهذيب" 9/ 82، "التقريب"(5771).
(2)
يُنظر: "الجرح والتعديل" 2/ 509، "الثقات" لابن حبَّان 6/ 147، "تهذيب الكمال" 4/ 500، "الكاشف" 1/ 289، "تهذيب التهذيب" 2/ 62، "الميزان" /، "لسان الميزان" 2/ 420، "التقريب"(898).
(3)
يُنظر: "التاريخ الكبير" 5/ 63، "الثقات" للعجلي 2/ 25، "الجرح والتعديل" 5/ 30، "الثقات" لابن حبَّان 5/ 9، "تاريخ دمشق" 27/ 313، "تهذيب الكمال" 14/ 396، "تهذيب التهذيب" 5/ 181، "التقريب"(3265).
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَضَيَّفْتُ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ خَالَتِي وَهِيَ لَيْلَةَ إِذْ لا تُصَلِّي، فَأَخَذَتْ كِسَاءً فَثَنَتْهُ، وَأَلْقَتْ عَلَيْهِ نُمْرُقَةً، ثُمَّ رَمَتْ عَلَيْهِ بِكِسَاءٍ آخَرَ، ثُمَّ دَخَلَتْ فِيهِ، وَبَسَطَتْ لِي بِسَاطًا إِلَى جَنْبِهَا، وَتَوَسَّدْتُ مَعَهَا عَلَى وِسَادِهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَأَخَذَ خِرْقَةً فَتَوَزَّرَ بِهَا، وَأَلْقَى ثَوْبَهُ، وَدَخَلَ مَعَهَا لِحَافَهَا، وَبَاتَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَامَ إِلَى سِقَاءٍ مُعَلَّقٍ فَحَرَّكَهُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ فَأَصُبَّ عَلَيْهِ، فَكَرِهْتُ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ مُسْتَيْقِظًا، قَالَ: فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَتَى الْفِرَاشَ، فَأَخَذَ ثَوْبَيْهِ، وَأَلْقَى الْخِرْقَةَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَقَامَ فِيهِ يُصَلِّي، وَقُمْتُ إِلَى السِّقَاءِ، فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَتَنَاوَلَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى وَصَلَّيْتُ مَعَهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ
قَعَدَ، وَقَعَدْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ مِرْفَقَهُ إِلَى جَنْبِي، وَأَصْغَى بِخَدِّهِ إِلَى خَدِّي، حَتَّى سَمِعْتُ نَفَسَ النَّائِمِ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بِلالٌ، فَقَالَ: الصَّلاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسَارَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَاتَّبَعْتُهُ، فَقَامَ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَأَخَذَ بِلالٌ فِي الإِقَامَةِ. واللفظ لأحمد، والباقون بنحوه.
ب دراسة إسناد الوجه الثاني (بإسناد أحمد):
1) الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيْبَانيُّ أبو عبد الله المروزيُّ: "ثِقَةٌ حافظٌ فقيهٌ حُجَّةٌ".
2) عُبَيد الله بن محمد بن حَفْص، المعروف بابن عائشة:"ثِقَةٌ جَوَّاد"، تقدَّم في الحديث رقم (177).
3) مُحَمَّدُ بن ثَابِت العَبْدِيُّ، أَبُو عَبْد اللَّهِ:"ضَعيفٌ يُكتب حديثه"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
4) جَبَلَةُ بن عَطِيَّة الفلسطينيُّ: "ثِقَةٌ"، تَقَدَّم في الوجه الأول.
5) إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَبُو يَعْقُوبَ الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ:"ثِقَةٌ".
(1)
6) عبد الله بن عبَّاس بن عبد المُطَلب: "صحابيٌّ جَليلٌ مُكْثرٌ"، تقدَّم في الحديث رقم (51).
ثالثًا: - الوجه الثالث:
محمد بن ثابت، عن جبلة، عن إسحاق بن عبد الله، عن كُريب،
…
عن ابن عبَّاس ¶.
أ تخريج الوجه الثالث:
• أخرجه أبو طاهر السِّلفيّ في "المشيخة البغدادية"(7) - ومِنْ طريقه الذهبيّ في "سير أعلام النبلاء"(19/ 165) -، قال: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ وَدْعَانَ، قَالَ: أنا عَمِّي أَبُو الْفَتْحِ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ وَدْعَانَ، نا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ، نا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى التَّمِيمِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكَّارٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ، نا جَبَلَةُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وذكره بنحو رواية أحمد السابقة في الوجه الثاني.
قلتُ: وفيه: محمد بن عليّ بن عُبيد الله بن ودعان "هالكٌ مُتَّهمٌ بالكذب".
(2)
(1)
يُنظر: "الثقات" للعجليّ 1/ 219، "الثقات" 6/ 46، "التهذيب" 2/ 442، "الكاشف" 1/ 237، "التقريب"(366).
(2)
يُنظر: "تاريخ الإسلام" 10/ 760، "ميزان الاعتدال" 3/ 657.
رابعًا: - النظر في الخلاف والترجيح:
مِمَّا سبق يَتَبيَّن أنَّ الحديث مَدَاره على مُحمد بن ثابت العَبْديّ، واختُلف عنه مِنْ أوجه:
الوجه الأول: محمد بن ثابت، عن جبلة بن عطية، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عبَّاس ¶.
الوجه الثاني: محمد بن ثابت، عن جبلة، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن ابن عبَّاس ¶.
الوجه الثالث: محمد بن ثابت، عن جبلة، عن إسحاق بن عبد الله، عن كُريب، عن ابن عبَّاس ¶.
والذي يَظهر - والله أعلم - أنَّ الحديث غير محفوظٍ بأي وجه مِنْ هذه الوجوه الثلاثة:
فَمَدَارها جميعًا على محمد بن ثابت العبديّ، وهو "ضَعيفٌ يُكتب حديثه"، وحديثه ليس بالكثير، وعامة حديثه لا يُتابع عليه - كما سبق في ترجمته -، وقد اضطرب فيه، ولم يُتابع في هذا الحديث على وجهٍ مِنْ الوجوه، وليس مُثله مِمَّن يُحتمل منه تَعَدُّد الأسانيد، والحديث محفوظٌ عن ابن عبَّاس ¶ مِنْ طُرُقٍ أخرى - كما سيأتي بيانها -.
خامسًا: - الحكم على الحديث:
مِمَّا سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ الحديث بإسناد الطبرانيّ "ضَعيفٌ"؛ لأجل محمد بن ثابت العبديّ "ضَعيفٌ"، وقد اضطرب في روايته لهذا الحديث، ولم يُتابع على روايته - كما سبق بيانه - والله أعلم -.
قلتُ: والحديثُ محفوظٌ عن ابن عبَّاس ¶ مِنْ طُرُقٍ أخرى، كما يلي:
• فأخرجه البخاري في "صحيحه"(117)، ك/العلم، ب/السَّمَرِ فِي العِلْمِ، وبرقم (697) ك/الآذان، ب/يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ، بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ، وبرقم (699) ك/الآذان، ب/إِذَا لَمْ يَنْوِ الإِمَامُ أَنْ يَؤُمَّ، ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ، مِنْ طرق عن سَعِيد بن جُبَيْرٍ، عن ابن عَبَّاسٍ ¶، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ زَوْجِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم العِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ:«نَامَ الغُلَيِّمُ» أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ، حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ أَوْ خَطِيطَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ.
• وأخرجه البخاريُّ في "صحيحه"(183)، ك/الوضوء، ب/قِرَاءَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحَدَثِ، وبرقم (698) ك/الآذان، ب/إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ، لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا، وبرقم (726) ك/الآذان، ب/إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وبرقم (859) ك/الآذان، ب/وُضُوءِ الصِّبْيَانِ، وبرقم (992) ك/الوتر، ب/ما جَاءَ فِي الوِتْرِ، وبرقم (1198) ك/العمل في الصلاة، ب/اسْتِعَانَةِ اليَدِ فِي الصَّلَاةِ، ومُسلمٌ في "صحيحه"(763) ك/الصلاة، ب/الدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، مِنْ طُرُقٍ عن كُرَيْبٍ - مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ¶ -، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ¶ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ خَالَتُهُ، فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ،
…
الحديث.
سادسًا: - النظر في كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث:
قال المُصَنِّف رضي الله عنه: لم يَرْوِه عن عبد اللَّهِ بن الحارث إلا جَبَلَةُ، تَفَرَّدَ به: محمدُ بن ثابتٍ.
قلتُ: ومِمَّا سبق يَتَبَيَّن صحة كلام المُصَنِّف رضي الله عنه على الحديث.
* * *
الخاتمة
وضمنتها أهم النتائج والتوصيات
أهم النتائج التي توصلت إليها مِنْ خلال معايشتي للبحث:
وبعد الدراسة المتواضعة مع جزء من هذا الكتاب الفذ تبين لي بعض النتائج، أجملها فيما يلي:
1) تقدم الحافظ الطبراني وإمامته فى هذا الفن، وسعة حفظه واطلاعه، فهو بحق أحد أركان هذا العلم العظيم.
2) دقة هذا العلم - أعنى علم الأفراد - فإنَّه يُعتبر بحقٍ مِنْ أدق أنواع علم الحديث، ولولا
…
أن الله عز وجل يسر لهذا العلم رجالًا كبارًا أمثال: الحافظ الناقد الطبراني لما تمكن أمثالي من خوض غمار هذا العلم الشريف.
3) يُعدُّ الإمام الطبراني أحد أئمة النقد والعلل الذين يتسمون بمنهج الاعتدال فى النقد، فهو يسير وفق قواعد المحدثين فى الإعلال بالقرائن.
4) يُعتبر كتاب "المعجم الأوسط" للإمام الطبراني مصدرًا رئيسًا فى ذكر أفراد وغرائب الرواة فى الإسناد والمتن، وإعلال الأحاديث بالتفرد ورواية الجماعة، وغيرها من أنواع العلل.
5) يمتاز الكتاب بإخراجه جملة من الأحاديث، التي تَفَرَّد بها الإمام الطبراني ولا توجد إلا في كتابه، ومن طريقه، ولم أقف - على حد بحثي - على هذا الحديث إلا في "الأوسط" مِنْ مُسْند الصحابي المذكور في الإسناد، مِمَّا يدل على علو كعب هذا الإمام في علم الحديث، وسعة روايته، وكثرة رحلاته، فليس بغريب أن يأتي بما لم يأت به غيره - كما سبق بيانه في ترجمته -، وهذه الأحاديث مِنْها ما هو "ضعيفٌ جداً"، كما في الحديث رقم (71)، ومنها ما هو "ضَعيفٌ" كما في الحديث رقم (40 و 45 و 174) وله شواهد يَصِحُّ الحديث بها، ومِنْها ما هو "حسنٌ لذاته" كما في الحديث رقم (159)، ويَنْفرد أحياناً بالحديث مِنْ الوجه المُخَرَّج، وهذا النوع كثير، كما في الحديث رقم (50).
6) عَلَّق الإمامُ على جُلِّ الأحاديث بالحكم عليها بالتفرد، وغالب ذلك من نوع التفرد النسبي، ولا يوجد - في الجزء الذى قمت بتحقيقه - إلا حديثٌ واحدٌ مِنْ باب التَّفرد المُطْلَق، وهو برقم (7).
7) بلغ عدد الأحاديث التي حكم عليها بالتَّفرُّد (225) حديثًا، تُقَدَّر بنسبة (90 %).
8) جاءت هذه الأحاديث التي حكم عليها الإمام بالتَّفرد على أنواع:
منها ما سَلَّمتُ للإمام في الحكم عليها بالتَّفرد، ولم أقف فيها - على حد بحثي - على ما يدفع التَّفرد - وذلك بعد استفراع الجهد، وطول البحث، وعناء ومشقة في التنقيب والتفتيش -، وبلغ عدد هذه الأحاديث (180) حديثًا، تُقدر بنسبة (80%) - مِنْ مجموع ما حكم عليه الإمام بالتَّفرد -.
وهناك جملة مِنْ الأحاديث وقفت فيها بفضل الله تعالى على ما يدفع الحكم عليها بالتَّفرد، وبلغ عدد هذه الأحاديث (46) حديثًا، بنسبة (20%) - مِنْ مجموع ما حكم الإمام عليه بالتَّفرد -، ودفعتُ بعض هذه الأحاديث بمتابعات صحيحة، وبعضها في صحيح مسلم، وعددها (19) حديثًا، بنسبة (8.4%)، ودفعتُ بعضها بمتابعات حسنة، وعددها حديثان فقط، بنسبة (8 و%)، ودفعتُ بعضها بمتابعات ضعيفة، وعددها (11) حديثًا، بنسبة (4.8%)، وبعضها بمتابعات شديدة الضعف، وعددها (14) حديثًا، بنسبة (6.2%) - مِنْ مجموع ما حكم عليه الإمام بالتَّفرد -.
9) قد يخرِّج الإمام الطبراني ما يدفع التفرد فى بعض كتبه الأخرى، كما فى حديث رقم (99 و 129 و 246)، ومنها ما هو في "المعجم الأوسط"، كما في حديث رقم (221).
10) وأحيانًا تكون عِبَارة المُصَنِّف في الحكم بالتَّفرد أدق وأضبط مِنْ عبارة غيره مِنْ أهل العلم، كما في الحديث رقم (48 و 66 و 67 و 96 و 139 و 209)؛ وبالعكس أحيانًا تكون عبارة غيره أضبط وأدق مِنْ عبارة المُصَنِّف، كما في الحديث رقم (13 و 61).
11) تبين من خلال العمل فى هذا الجزء أن الإمام الطبراني يعتبر بالرواية الضعيفة فى دفع التفرد.
12) ظهر لي أن حكم الإمام الطبراني على الأحاديث بالتفرد قد يتغير.
13) لقد تأثر الحافظ أبو نعيم الأصبهاني بشيخه الإمام الطبراني فى قضية التفرد - كما يظهر ذلك من خلال كتابه "حلية الأولياء" -، وكذلك الإمام الدارقطني وإن كان لا يصرح.
14) ذكر الإمام الطبرانيُّ رضي الله عنه بعض الأحاديث دون أنْ يُعَلِّق عليها بالتَّفرد، وعددها (25) حديثًا، تُقَدَّر بنسبة (10%).
15) وهذه الأحاديث التي لم يحكم عليها بالتَّفرد، وجدتها على ثلاثة أقسام:
القسم الأول مِنْها: لم يحكم عليه في الحديث محلّ الدِّراسة، ولكنَّه حكم عليها في مواضع أخرى، إمَّا في "الأوسط"، أو في "المعجم الصغير"، وهي بالأرقام التالية (77 و 78 و 123 و 127)، وهذا القسم أتعامل معه - غالبًا - بالنظر في أحكام الإمام عليها بالتَّفرُّد، كأحاديثي محل الدِّراسة تماماً.
والقسم الثاني: لم أقف - على حد بحثي - على حكم للإمام الطبرانيّ عليها بالتَّفرُّد، وإنَّما وقفتُ على أحكام غيره مِنْ أهل العلم بوصف الحديث بالتَّفرُّد في طبقةٍ مِنْ طبقات الإسناد، كالترمذي، والبَزَّار، والدَّارقُطني، وأبي نُعيم، وغيرهم، وهي بالأرقام:(9 و 24 و 25 و 79 و 81 و 87).
والقسم الثالث: لم أقف - على حد بحثي - على حكمٍ لأحدٍ مِنْ أهل العلم بالتَّفرُّد، وبعد التخريج تَبَيَّن وقوع التَّفرد في إحدى طبقات الإسناد، مِنْها على سبيل المثال: تفرد التابعي عن الصحابي كما في الحديث رقم (5 و 23 و 29)؛ وتَفَرُّد تابع التابعي عن التابعي كما في الحديث رقم (8 و 107).
16) جاءت هذه الأحاديث التي قمتُ على خدمتها بالتحقيق والدراسة، والتي بلغ عددها (250) حديثًا على قسمين:
القسم الأول: أحاديث لم يقع فيها خلاف على أحد رواتها، وبلغ عدد أحاديث هذا القسم (155) حديثًا، بنسبة (62%) - مِنْ مجموع ما درسته -، وهذا القسم على أنواع:
- منها ما هو "صحيحٌ لذاته"، وعددها (38) حديثًا، بنسبة (15.2%) - مِنْ مجموع ما درسته.
- ومنها ما هو "حسنٌ لذاته"، وعددها (5) أحاديث، بنسبة (2%) - مِنْ مجموع ما درسته -، ارتقى منها إلى "الصحيح لغيره" حديثان فقط.
- ومنها ما هو "ضَعيفٌ"، وعددها (85) حديثًا، بنسبة (34%) - مِنْ مجموع ما درسته -، وارتقى منها إلى "الحسن لغيره"(8) أحاديث، بنسبة (3.2%) - مِنْ مجموع ما درسته -، وارتقى مِنْها إلى "الصحيح لغيره"(60) حديثًا، بنسبة (24%) - مِنْ مجموع ما درسته -، وبلغ عدد الأحاديث التي لم أقف على ما يرقيها (17) حديثًا، بنسبة (6.8%) - مِنْ مجموع ما درسته -.
- ومنها ما هو "ضَعيفٌ جدًا"، وعددها (25) حديثًا، بنسبة (10%) - مِنْ مجموع ما درسته -،
وصَحَّ متن بعضها بشواهده، وعددها (14) حديثًا، بنسبة (5.6%) - مِنْ مجموع ما درسته -.
- ومنها ما هو "موضوعٌ"، وهو حديثان فقط، بنسبة (8 و %) - مِنْ مجموع ما درسته -.
وأمَّا القسم الثاني: وهي الأحاديث التي وقع فيها خلافٌ على أحد رواتها، وبلغ عدد أحاديث هذا القسم (95) حديثًا، بنسبة (38%) - مِنْ مجموع ما درسته -، وهذا القسم على أنواع:
- منها ما كان محفوظًا بوجه الطبرانيّ، أو محفوظًا بالوجهين، وعددها (24)، بنسبة (9.6%).
وهذا النوع مِنْه ما هو "صحيحٌ لذاته"، وعددها (7) أحاديث، بنسبة (2.8%).
ومنه ما هو "حسنٌ لذاته"، وارتقى إلى "الصحيح لغيره"، وهو حديثٌ واحدٌ فقط.
ومنه ما هو "ضَعيفٌ"، وعددها (15)، بنسبة (6%) - مِنْ مجموع ما درسته -، وارتقى منها إلى "الصحيح لغيره"(14) حديثًا، بنسبة (5.6%) - مِنْ مجموع ما درسته -.
ومنها ما هو "ضَعيفٌ جدًا"، وهو حديثٌ واحدٌ فقط.
- ومنها ما كان مرجوحًا بوجه الطبرانيّ، أو غير محفوظٍ بالوجهين، وعددها (71) حديثًا، بنسبة (28.4%) - مِنْ مجموع ما درسته -.
وهذا النوع مِنْه ما هو "شاذٌّ" لمخالفة راويها الثِّقة لما رواه مَنْ هو أوثق مِنْه أو أكثر عددًا، وعددها (24) حديثًا، بنسبة (9.6%) - مِنْ مجموع ما درسته -.
ومِنْه ما هو "مُنْكرٌ" لمخالفة الضَعيف لما رواه الثقات، وعددها (33) حديثًا، بنسبة (13.2%) - مِنْ مجموع ما درسته -.
ومِنْه ما هو "ضَعيفٌ جدًا"، وعددها (10) أحاديث، بنسبة (4%) - مِنْ مجموع ما درسته -.
- وجاء الحديث مِنْ وجهه الراجح على أنواع:
مِنْها ما هو "صحيح لذاته"، وعددها (35) حديثًا، بنسبة (14%) - مِنْ مجموع ما درسته -.
ومِنْها ما هو "حسن لذاته"، وارتقى إلى "الصحيح لغيره"، وهو حديثٌ واحدٌ فقط.
ومِنْها ما هو "ضَعيفٌ"، وعددها (27) حديثًا، بنسبة (10.8%)، وارتقى مِنْها إلى "الحسن لغيره"(3) أحاديث، بنسبة (1.2%)، وارتقى إلى "الصحيح لغيره"(17) حديثًا، بنسبة (6.8%).
ومِنْ خلال ما سبق يَتَبَيَّنُ أنَّ حكم الأحاديث التي قُمْتُ بدراستها عمومًا - باعتبار إسناد الطبراني -، كالآتي:
م
حكم الحديث
العدد
النسبة
1
الصحيح لذاته
45
18%
2
الصحيح لغيره
92
36.8%
3
الحسن لذاته
7
2.8%
4
الحسن لغيره
8
3.2%
5
الضعيف
100
40%
6
الشاذ
24
9.6%
7
المنكر
33
13.2%
8
الضعيف جدًا
36
14.4%
9
الموضوع
2
8 و%
17) وبعد هذه الدراسة تبين لنا أن قول الحافظ الذهبي رضي الله عنه عن هذا الكتاب: "فيه كل نفيس وعزيز ومنكر"، محمولٌ على طرق أحاديثه بأسانيد الطبراني وحده، والله أعلم.
18) على الباحثين فى هذا الميدان ألا يعتمدوا على أسانيد الطبراني وحده فى هذا الكتاب دون النظر فى الطرق الأخرى للحديث عند غيره؛ لأن ذلك قد يجرهم إلى تقوية الأحاديث بالأوجه المنكرة والشاذة، وهذا معيب عند علماء هذا الفن، والله أعلم.
أهم التوصيات:
1) ضرورة العناية بإبراز منهج الإمام الطبراني فى هذا الكتاب مع مقارنة ذلك بمناهج الأئمة السابقين عليه كالبزار، واللاحقين له كأبي نعيم تلميذه والدارقطني وابن شاهين.
2) ضرورة الاهتمام بمسألة التَّفرد، وبيان موقف الأئمة تجاه غرائب وأفراد الرواة، وإظهار ذلك عند كل إمامٍ على حده مِنْ الجانب التطبيقي العملي، ومقارنة مناهج الأئمة مع بعضها البعض، وعرض ذلك على الجانب النظري.
3) ضرورة الاهتمام بنظرية الاعتبار وسبر الروايات فهي الوسيلة الوحيدة لمعرفة ضبط الراوي وخطئه، ولو أفردت رسائل علمية فى الرواة الذين عليهم مدار المرويات أمثال: الأعمش وأبى إسحاق السبيعي وغيرهما لتمكن الباحثون من معرفة درجات مدارات الروايات، ومعرفة أحوال أصحابهم، ولحصل بهذا ثراء للبحث العلمي الخاص بنقد المرويات.
4) إزالة الغبار عن أهم الرسائل العلمية التي ملأت مكتبات هذه الجامعة، والعمل على طبعها ليستفيد منها الباحثون فى الداخل والخارج.
5) لقد رتب الإمام الطبراني هذا الكتاب على أسماء شيوخه، فلو قام أحد الإخوة بترتيبه على الكتب الفقهية لسهل على الباحثين وقتا كبيرًا.
6) عدم أخذ أقوال العلماء كمسلمات، لأن العصمة دفنت بموت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل ينبغي وضعها فى الاعتبار، ومقارنتها بأقوال غيرهم، ثم تحكيم قوانين الرواية للخروج إلى نتيجة مرضية بإذنه تعالى.
والحمد لله أولًا وأخيرًا
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
«اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ،
وَلكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيُّومُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ،
وَلكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ،
وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةٌ حَقٌّ، وَالنَّبيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ،
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِليكَ أَنَبْتُ،
وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِليكَ حَاكَمْتُ
فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ
أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
«اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ بِالْإِسْلَامِ، وَلَكَ الْحَمْدُ بِالْقُرْآنِ، وَلَكَ الْحَمْدُ بِالْأَهْلِ وَالْمَالِ،
بَسَطْتَ رِزْقَنَا، وَأَظْهَرْتَ أَمْنَنَا، وَأَحْسَنْتَ مُعَافَاتَنَا، وَمِنْ كُلِّ مَا سَأَلْنَاكَ رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا،
فَلَكَ الْحَمْدُ كَثِيرًا، كَمَا تُنْعِمُ كَثِيرًا، وَصَرَفْتَ شَرًّا كَثِيرًا،
فَلِوَجْهِكَ الْجَلِيلِ الْبَاقِي الدَّائِمِ الْحَمْدُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
«اللهم يا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ،
مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ،
أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ،
اللهم لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ».
فهرس المصادر والمراجع
1 -
القرآن الكريم
حرف الألف
2 -
"الآثار" لمحمد بن الحسن الشيباني (ت:189 هـ) تحقيق: خالد العواد، دار النوادر، الطبعة الأولى 1429 هـ
3 -
"الآثار" لأبى يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، تحقيق: أبو الوفاء الأفغاني، لجنة إحياء المعارف العثمانية - حيدر آباد، 1355 هـ.
4 -
"إثارة الفوائد المجموعة في الإشارة إلى الفرائد المسموعة" لصلاح الدين خليل العلائي (ت: 761 هـ)، المحقق: مَرْزُوق بن هيَاس، الناشر: مكتبة العلوم والحكم، ط: الأولى، 1425 هـ.
5 -
"الآحاد والمثاني" لابن أبى عاصم، أحمد بن عمرو أبى بكر الشيباني (ت 287 هـ)، تحقيق: د/ باسم فيصل أحمد الجوابرة، الطبعة: الأولى، 1411 هـ، دار الراية - الرياض.
6 -
"الآداب" لأبي بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقي (ت 458 هـ)، تحقيق /محمد عبد القادر أحمد عطا، الطبعة الأولى 1406 هـ، دار الكتب العلمية - بيروت.
7 -
"الآداب الشرعية" لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي (ت:763 هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعمر القيام، الطبعة الثانية 1417 هـ، مؤسسة الرسالة - بيروت.
8 -
"الأباطيل والمناكير، والصحاح والمشاهير" للحسين بن إبراهيم الجوزقاني (ت 543 هـ)، تحقيق وتعليق الدكتور عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، الطبعة الثالثة 1415 هـ، دار الصميعي - الرياض.
9 -
"الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة" لأبي عبدالله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت 387 هـ)، تحقيق د/عثمان عبدالله آدم الأثيوبي، ورضا بن نعسان، ود/يوسف الوابل، الطبعة الثانية، 1418 هـ، دار الراية للنشر والتوزيع - الرياض.
10 -
"إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة" لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت 840 هـ)، تحقيق/دار المشكاة للبحث العلمي، بإشراف أبى تميم ياسر بن إبراهيم، الطبعة الأولى 1420 هـ، دار الوطن للنشر - الرياض.
11 -
"إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة" لأبى الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852 هـ)، تحقيق: مركز خدمة السنة والسيرة، بإشراف د/زهير بن ناصر الناصر وآخرين، الطبعة الأولى، 1415 هـ - 1994 م، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (بالمدينة).
12 -
"إثبات عذاب القبر" لأحمد بن الحسين أبى بكر البيهقي (ت 458 هـ)، تحقيق: د/ شرف محمود القضاة، الطبعة الثانية، 1405 هـ، دار الفرقان - عمان الأردن.
13 -
"الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف" لأبى بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (ت 318 هـ)، حققه د/ أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف، الطبعة الثانية 1424 هـ، دار عالم الكتب.
14 -
"الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس رضي الله عنه " لأبى الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود الدارقطني (ت 385 هـ) تحقيق: أبي عبد الباري رضا بن خالد الجزائري، الطبعة الأولى، 1997 م، الناشر: شركة الرياض للنشر والتوزيع - الرياض.
15 -
"أحاديث الشيوخ الثقات" الشهير بالمشيخة الكبرى؛ رواية القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري المعروف بقاضي المارستان (ت 535 هـ)، دراسة وتحقيق: الشريف حاتم بن عارف العوني، الطبعة الأولى 1422 هـ، دار عالم الفوائد - مكة المكرمة.
16 -
"الأحاديث الطوال" لأبى القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت: 360 هـ)، المحقق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، الناشر: مكتبة الزهراء - الموصل، الطبعة: الثانية، 1404 هـ - 1983 م.
17 -
"أحاديث عَفَّان بن مسلم الباهلي"، أبو عثمان الصفار البصرى (ت: بعد 219 هـ)، تحقيق: حمزة أحمد الزين، الناشر: دار الحديث - القاهرة.
18 -
"الأحاديث المختارة" للضياء المقدسي أبى عبد الله ضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت 643 هـ)، تحقيق الدكتور/ عبد الملك بن عبد الله بن دهيش. الطبعة الأولى 1410 هـ، مكتبة النهضة الحديثة.
19 -
"أحاديث يزيد بن أبي حبيب المصري"(ت: 128 هـ)، تحقيق: حمزة أحمد الزين، دار الحديث - القاهرة.
20 -
"الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان" ترتيب الأمير علاء الدين على بن بلبان الفارسي (ت/ 739 هـ)، حققه وخرج أحاديثه: شعيب الأرنؤوط، الطبعة الثانية، 1414، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت.
21 -
"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" لأبى الفتح محمد بن علي القشيري، المعروف بابن دقيق العيد (ت: 702 هـ)، تحقيق: مصطفى شيخ مصطفى ومدثر سندس، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1426 هـ.
22 -
"أحكام العيدين" لجعفر بن محمد الفِرْيابِي (ت: 301 هـ)، المحقق: مساعد سليمان راشد، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة.
23 -
"أحكام القرآن" لأحمد بن علي الرازي الجصاص أبى بكر (ت: 370 هـ)، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1405 هـ.
24 -
"أحكام القرآن الكريم" لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الحجري المصري المعروف بالطحاوي (المتوفى: 321 هـ)، تحقيق: الدكتور سعد الدين أونال، الطبعة الأولى المجلد 1: 1416 هـ - 1995 م، والمجلد 2: 1418 هـ - 1998 م، مركز البحوث الإسلامية التابع لوقف الديانة التركي - استانبول.
25 -
"أخبار الصلاة" لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى: 600 هـ)، تحقيق: محمد عبد الرحمن النابلسي، الناشر: دار السنابل - دمشق، الطبعة: الأولى، 1416 هـ.
26 -
"أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه" لأبى عبد الله محمد بن إسحاق الفاكهي (ت 272 هـ) حققه: د. عبد الملك دهيش، الطبعة الثانية، 1414 هـ، الناشر: دار خضر- بيروت.
27 -
"أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار" لأبى الوليد محمد بن عبد الله المكي المعروف بالأزرقي (ت: 250 هـ)، المحقق: رشدي الصالح، الناشر: دار الأندلس للنشر - بيروت.
28 -
"أخبار المكيين لابن أبي خيثمة" أحمد بن زهير بن حرب (ت 279 هـ)، تحقيق: إسماعيل حسن حسين، الناشر: دار الوطن، سنة النشر: 1997 م.
29 -
"اختصار علوم الحديث" للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت:774 هـ)، وبهامشه "الباعث الحثيث" للشيخ أحمد شاكر، دار التراث - القاهرة، الطبعة الثالثة 1399 هـ.
30 -
"اختلاط الرواة الثقات دراسة تطبيقية على رواة الكتب الستة" للدكتور عبد الجبار سعيد، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1426 هـ.
31 -
"اختلاف الحديث" لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (ت/204 هـ)، تحقيق: عامر أحمد حيدر، الطبعة الأولى، 1405 هـ، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
32 -
"الإخوان" لعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
33 -
"أخلاق العلماء" لأبى بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ البغدادي (ت: 360 هـ)، قام بمراجعة أصوله وتصحيحه والتعليق عليه: فضيلة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري، الناشر: رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - السعودية.
34 -
"أخلاق النبي وآدابه" لأبي الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني (ت 369 هـ) حققه / د/صالح بن محمد الونيان، دار المسلم للنشر.
35 -
"الأدب" لابن أبي شيبة (ت: 235 هـ)، المحقق: د/محمد رضا القهوجي، الناشر: دار البشائر الإسلامية - لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ.
36 -
"أدب النساء" الموسوم بكتاب "العناية والنهاية"؛ لعبد الملك بن حَبِيب القرطبي (ت: 238 هـ)، المحقق: عبد المجيد تركي، الناشر: دار الغرب الإسلامي.
37 -
"الأدب المفرد" لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت، الطبعة الثالثة 1409 هـ - 1989 م.
38 -
"الأذكار" لأبى زكريا محيي الدين النووي (ت: 676 هـ)، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط رحمه الله، الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان، طبعة جديدة منقحة، 1414 هـ.
39 -
"الأربعون" للإمام محمد بن أسلم الطوسي، حققها وعلق عليه: مشعل بن باني الجبرين، الناشر: دار ابن حزم، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1421 هـ.
40 -
"الأربعون الأبدال العوالي المسموعة بالجامع الأموي بدمشق" لأبي القاسم ابن عساكر (ت: 571 هـ)، المحقق: محمد بن ناصر العجمي، الناشر: دار البشائر الإسلامية، الطبعة: الأولى، 1425 هـ - 2004 م.
41 -
"الأربعون البلدانية"، المؤلف: مسافر بن محمد الدمشقي (المتوفى: 420 هـ) الشاملة.
42 -
"الْأَرْبَعُوْنَ الصُّغْرَى" لأَبي بَكْر أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيّ، بتحقيق شيخنا/ أَبى إِسْحَاق الْحُوَيْنِيّ الْأَثَرِيّ، الطَّبْعَةُ الْأُوْلَى: 1408 هـ، الناشر: دَارُ الْكِتَاب الْعَرَبِيِّ بَيْرُوْت.
43 -
"الأربعون من عوالي المجيزين" لأبى بكر بن الحسين المراغي (ت: 816 هـ)، تخريج: الحافظ ابن حجر، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، الناشر: مكتبة التوبة - الرياض، عام النشر: 1420 هـ.
44 -
"الأربعين البلدانية" للحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد السِّلفي (ت/576 هـ)، بتحقيق عبد الله رابح، الطبعة الأولى 1992 م، دار البيروتي، دمشق.
45 -
"الإرشاد في معرفة علماء الحديث" لأبى يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي القزويني، تحقيق: د/محمد سعيد عمر إدريس، الطبعة الأولى، 1409 هـ، مكتبة الرشد - الرياض.
46 -
"الاستذكار" لأبى عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، الطبعة الأولى 1421 هـ - 2000 م، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
47 -
"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لأبى عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر (ت 463 هـ) حققه د/طه محمد الزيني، الطبعة الأولى 1414 هـ، مكتبة ابن تيمية _ القاهرة.
48 -
"أسد الغابة فى معرفة الصحابة" لأبى الحسن على بن محمد بن الأثير الجزري (ت/ 603 هـ) تحقيق/ محمد البنا وآخرين، طبعة 1970 م، دار الشعب _ القاهرة.
49 -
"الأسماء المبهمة فى الأنباء المحكمة" لأبي بكر أحمد الخطيب البغدادي (ت/ 436 هـ)، بتحقيق د/
…
عز الدين على السيد، الطبعة الثالثة 1417 هـ، مكتبة الخانجي _ القاهرة.
50 -
"الأسماء والصفات" لأَبي بَكْر أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْنِ عَلِيٍّ الْبَيْهَقِيُّ (ت/458 هـ)، حققه/ عبد الله بن محمد الحاشدي، الطبعة: الأولى، الناشر: مكتبة السوادي - جدة.
51 "الأسماء والصفات" لأبى الحسن على بن عمر الدارقطني (ت/385 هـ)، تحقيق عبد الله الحاشدي.
52 -
"الإصابة في تمييز الصحابة" لأبى الفضل أحمد ابن حجر العسقلاني (ت/ 852 هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، الطبعة الأولى، 1412، الناشر: دار الجيل - بيروت.
53 -
"اصطناع المعروف" لعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: محمد خير رمضان يوسف، الناشر: دار ابن حزم.
54 -
"أطراف الغرائب والأفراد" لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، نسخه وصححه: جابر بن عبد الله السريع، الناشر: دار التدمرية، وابن حزم.
55 -
"إطراف المُسْنِد المعتَلِي بأطراف المسنَد الحنبلي" لابن حجر، حققه وعلق عليه: زهير بن ناصر الناصري. الطبعة الأولى 1414 هـ، دار ابن كثير، والكلم الطيب - دمشق - بيروت.
56 -
"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" لأبى بكر محمد الحازمي (ت: 584 هـ)، الناشر: دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد، الطبعة: الثانية، 1359 هـ.
57 -
"الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث" لأبى بكر البيهقي، تحقيق: أحمد أبو العينين، دار الفضيلة، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
58 -
"اعتلال القلوب" لأبى بكر محمد بن جعفر الخرائطي (ت:327 هـ)، تحقيق: حمدي الدمرداش، مكتبة نزار مصطفى الباز، 1420 هـ.
59 -
"إعلام العالم بعد رسوخه بناسخ الحديث ومنسوخه" لجمال الدين أبي الفرج الجوزي (ت: 597 هـ)، تحقيق: أحمد بن عبد الله الغماري، الناشر: ابن حزم، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1423 هـ - 2002 م.
60 -
"إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لمحمد ابن قيم الجوزية (ت: 751 هـ)، المحقق: محمد حامد الفقي، الناشر: مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية.
61 -
"الإقناع" لمحمد بن المنذر النيسابوري (ت: 319 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين، الطبعة: الأولى، 1408 هـ.
62 -
"إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لمغلطاي بن قليج المصري (ت: 762 هـ)، تحقيق: عادل بن محمد - أسامة بن إبراهيم، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر.
63 -
"إكمال الإكمال"(تكملة لكتاب ابن ماكولا)؛ لمحمد ابن نقطة البغدادي (ت: 629 هـ)، المحقق: د/
…
عبد القيوم عبد رب النبي، الناشر: جامعة أم القرى - مكة المكرمة.
64 -
"الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب" الأمير الحافظ ابن ماكولا، تحقيق: دار الكتاب الاسلامي الفارق الحديثة.
65 -
"الإلزامات والتَّتَبع" للإمام أبي الحسن على بن عمر الدارقطني (ت:385 هـ)، تحقيق: مقبل بن هادي الوادعي، الطبعة الثالثة 1430 هـ، دار الآثار للنشر.
66 -
"الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع" للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار التراث/المكتبة العتيقة - القاهرة/تونس، ط/ 1379 هـ.
67 -
"الأم" لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (ت: 204 هـ) تحقيق د/رفعت فوزى، طبعته دار الرسالة.
68 -
"الأمالي" لعبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران (ت: 430 هـ)، عادل بن يوسف العزازي، الطبعة الأولى 1418 هـ، دار الوطن للنشر _ الرياض.
69 -
"أمالي ابن سمعون" للإمام محمد بن أحمد ابن عنبس البغدادي (ت: 387 هـ)، دارسة وتحقيق الدكتور عامر حسن صبري، دار البشائر الإسلامية 1423 هـ.
70 -
"الأمالي الشجرية" ليحيى بن الحسين الشجري (ت: 499 هـ)، طُبع سنة 1403 هـ، عالم الكتب _ بيروت.
71 -
"أمالي المحاملي" لأبى عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي (ت: 330)، رواية ابن البيع، تحقيق د/ إبراهيم القيسي، الناشر: المكتبة الإسلامية، دار ابن القيم، عمان.
72 -
"أمثال الحديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم " لأبى الحسن الرامهرمزي، تحقيق: أحمد عبد الفتاح تمام، الطبعة الأولى 1409 هـ، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
73 -
"الأمثال فى الحديث النبوي" لعبد الله بن محمد بن حبان أبى الشيخ الأصبهاني (ت/369 هـ)، تحقيق الدكتور: عبد العلى عبد الحميد، 1408 هـ، الدار السلفية.
74 -
"الأموال" لحميد بن مخلد المعروف بابن زنجويه (المتوفى: 251 هـ)، تحقيق د: شاكر ذيب فياض، الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث، السعودية، الطبعة: الأولى، 1406 هـ.
75 -
"الأموال" لأبى عُبيد القاسم بن سلاّم البغدادي (المتوفى: 224 هـ)، المحقق: خليل محمد هراس، الناشر: دار الفكر - بيروت.
76 -
"الأنساب" لأبي سعد عبد الكريم التميمي السمعاني (ت: 562 هـ)، تقديم: عبد الله عمر البارودي، مركز الخدمات والابحاث الثقافية، دار الجنان.
77 -
"أنساب الأشراف" لأحمد بن يحيى البَلَاذُري (ت: 279 هـ)، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، الناشر: دار الفكر - بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ.
78 -
"الأهوال" لعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: مجدي فتحي السيد، دار النشر: مكتبة آل ياسر - مصر.
79 -
"الأوائل" لابن أبي عاصم الشيباني (ت: 287 هـ)، المحقق: محمد بن ناصر العجمي الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت.
80 -
"الأوائل" لأبى عروبة الحسين بن محمد الحرَّاني (ت: 318 هـ)، المحقق: مشعل بن باني الجبرين، الناشر: دار ابن حزم - لبنان / بيروت، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م.
81 -
"الأوائل" لأبي القاسم الطبراني (ت: 360 هـ)، المحقق: محمد شكور بن محمود الحاجي، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، الطبعة: الأولى، 1403 هـ.
82 -
"الأولياء" لعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
83 -
"الإيمان" لمحمد بن إسحاق بن يحيى بن مندة (ت: 395 هـ)، تحقيق: د/ علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية، 1406.
84 -
"الإيمان" لمحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني (ت: 243 هـ) تحقيق: حمد بن حمدي الجابري الحربي، الطبعة الأولى 1407 هـ، الدار السلفية - الكويت.
85 -
"الإيمان" لأبى عُبيد القاسم بن سلاّم البغدادي (ت: 224 هـ)، المحقق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، 1421 هـ.
حرف الباء
86 -
"البحر الزخار المعروف بمسند البزار" لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار (ت/292 هـ)(من مجلد 1 إلى 9)، تحقيق الدكتور محفوظ الرحمن السلفي، الطبعة الأولى 1409 هـ، مؤسسة علوم القرآن - بيروت.
87 -
"البحر الزخار المعروف بمسند البزار" للبزار (ت/292 هـ)(من مجلد 10 إلى 12)، تحقيق: عادل بن سعد، مراجعة وتقديم: بدر بن عبد الله البدر، وأبى عبيدة مشهور بن حسن، الطبعة الأولى 1424 هـ، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة.
88 -
"البداية والنهاية " للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 هـ)، حققه/ علي شيري، دار إحياء التراث، الطبعة الأولى 1408 هـ.
89 -
"البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير" لأبي حفص عمر بن علي المعروف
…
بابن الملقن (ت: 804 هـ)، تحقيق /مصطفى أبو الغيط وعبدالله بن سليمان وياسر بن كمال، الناشر: دار الهجرة للنشر - الرياض - السعودية، 1425 هـ.
90 -
"البدع والنهي عنها" لمحمد بن وضاح القرطبي (ت: 286 هـ)، تحقيق ودراسة: عمرو عبد المنعم سليم، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة - الطبعة الأولى، 1416 هـ.
91 -
"البر والصلة"(عن ابن المبارك وغيره)؛ للحسين بن الحسن المروزي (ت: 246 هـ)، المحقق: د/محمد سعيد بخاري، الناشر: دار الوطن - الرياض، الطبعة: الأولى، 1419 هـ.
92 -
"البر والصلة" لابن الجوزي؛ لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (ت: 597 هـ)، تحقيق: عادل
…
عبد الموجود، وعلي معوض، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1413 هـ - 1993 م.
93 -
"البعث والنشور" لأبي بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقي (ت/458 هـ)، تحقيق: محمد السعيد زغلول، الطبعة الأولى 1408 هـ، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.
94 -
"البعث" لأبي بكر بن أبي داود (ت: 316 هـ)، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1407 هـ.
95 -
"بدائع الفوائد" لابن قيم الجوزية (ت: 751 هـ)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
96 -
"بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث بن أبي أسامة"(ت:282 هـ)؛ للحافظ نور الدين الهيثمي (ت:807)، تحقيق: د/ حسين الباكري، مركز خدمة السنة - المدينة المنورة، 1413 هـ.
97 -
"بلوغ المرام من أدلة الأحكام" لأحمد ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، تحقيق: سمير بن أمين الزهري، الناشر: دار الفلق - الرياض، الطبعة: السابعة، 1424 هـ.
98 -
"بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام" للحافظ ابن القطان أبى الحسن علي بن محمد بن عبد الملك (ت:628 هـ)، تحقيق د. الحسين آيت سعيد، الطبعة الأولى 1418 هـ، الناشر: دار طيبة _ الرياض.
حرف التاء
99 -
"التاريخ الأوسط" لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت/256 هـ)، تحقيق/محمد بن إبراهيم اللحيدان، الطبعة الأولى 1418 هـ، دار الصميعي _ الرياض.
100 -
"التاريخ الكبير" لأبي بكر أحمد بن أبي خيثمة (ت: 279 هـ)، المحقق: صلاح بن فتحي هلال، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1427 هـ.
101 -
"التاريخ الكبير" للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 هـ)، تحقيق/ الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، مصورة دار الكتب العلمية - بيروت.
102 -
"التحقيق في أحاديث الخلاف" للإمام جمال الدين أبى الفرج عبد الرحمن الجوزي (ت: 597 هـ)، حققه: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، الطبعة: الأولى، 1415 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
103 -
"التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار" لابن رجب البغدادي (ت: 795 هـ)، المحقق: بشير محمد عيون، دار النشر: مكتبة المؤيد - دمشق.
104 -
"التدوين في أخبار قزوين" لعبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (ت: 623 هـ)، تحقيق عزيز الله العطاري،1987 م، دار الكتب العلمية، بيروت.
105 -
"التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" لمحمد بن أحمد القرطبي (ت: 671 هـ)، تحقيق: الدكتور: الصادق ابن محمد، الناشر: دار المنهاج للنشر، الرياض، الطبعة الأولى، 1425 هـ.
106 -
"الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك" لعمر بن أحمد المعروف بابن شاهين (ت: 385 هـ) تحقيق: صالح أحمد مصلح، الطبعة الأولى 1415 هـ، دار ابن الجوزي - الدمام.
107 -
"الترغيب والترهيب من الحديث الشريف" لعبد العظيم المنذري (ت:656 هـ)، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، ط، 1417، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
108 -
"الترغيب والترهيب" لإسماعيل بن محمد، الملقب بقوام السنة (ت: 535 هـ)، المحقق: أيمن بن صالح، الناشر: دار الحديث - القاهرة، الطبعة: الأولى 1414 هـ.
109 -
"التفرد فى رواية الحديث ومنهج المحدثين فى قبوله أو رده دراسة تأصيلية تطبيقية" لعبد الجواد حمام، ط: دار النوادر - دمشق.
110 -
"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" لابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1419 هـ.
111 -
"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" لأبى عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463 هـ)، تحقيق/مصطفى بن أحمد العلوى و محمد عبد الكبير البكري.
112 -
"التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" لعبد الرحمن المعلمي (ت: 1386 هـ)، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة: الثانية، 1406 هـ.
113 -
"التواضع والخمول" لابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: محمد عبد القادر أحمد عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
114 -
"التوبيخ والتنبيه" لعبد الله بن محمد أبِي الشيخ الأصبهاني (ت: 369 هـ)، المحقق: مجدي السيد إبراهيم، الناشر: مكتبة الفرقان - القاهرة.
115 -
"التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد" لأبى عبد الله ابن مندة (ت:395 هـ)، تحقيق د: على بن محمد الفقيهي، الطبعة الأولى 1423 هـ، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة.
116 -
"التيسير بشرح الجامع الصغير" للإمام الحافظ زين الدين عبد الرؤوف المناوي، دار النشر/مكتبة الإمام الشافعي - الرياض - 1408 هـ - 1988 م، الطبعة: الثالثة.
117 -
"تاريخ ابن معين" برواية أحمد بن محرز؛ لابن معين (ت: 233 هـ)، المحقق: محمد كامل القصار، الناشر: مجمع اللغة العربية - دمشق، الطبعة: الأولى، 1405 هـ.
118 -
"تاريخ ابن معين" برواية الدوري؛ للإمام ابن معين، تحقيق: د/أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي - مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1399 هـ.
119 -
"تاريخ ابن معين" برواية عثمان الدارمي؛ لأبى زكريا يحيى بن معين، تحقيق: د/أحمد محمد نور سيف، الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق، 1400 هـ.
120 -
"تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام" للذهبي، تحقيق: د/بَشَّار عَوَّاد معروف. دار الغرب الإسلامي.
121 -
"تاريخ الرقة ومن نزلها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين والفقهاء والمحدثين" لمحمد بن سعيد القشيري (المتوفى: 334 هـ)، المحقق: إبراهيم صالح، الناشر: دار البشائر، الطبعة: الأولى 1419 هـ.
122 -
"تاريخ المدينة المنورة" لابن شبة عمر بن شبه البصري (ت 262 هـ) حققه: فهيم محمد شلتوت، الطبعة الأولى 1410 هـ، دار الفكر - قم - إيران.
123 -
"تاريخ جرجان" لأبي القاسم حمزة بن يوسف الجرجاني (ت: 427 هـ)، تحقيق: د/محمد عبد المعيد خان، الطبعة الثالثة، 1401 هـ، الناشر: عالم الكتب - بيروت.
124 -
"تاريخ حلب" المسمى "بغية الطلب فى تاريخ حلب" لابن العديم عمر بن أحمد بن أبى جرادة، تحقيق سهيل بن زكار، دار الفكر.
125 -
"تاريخ علماء الأندلس" لعبد الله بن محمد، المعروف بابن الفرضي (ت: 403 هـ)، عنى بنشره؛ وصححه: السيد عزت العطار الحسيني، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م.
126 -
"تاريخ مدينة السلام" لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) بتحقيق الدكتور/ بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامى، الطبعة الأولى 1422 هـ.
127 -
"تاريخ مدينة دمشق" لأبي القاسم على بن الحسن ابن عساكر (ت 571 هـ)، تحقيق/ عمر بن غرامة الغمرواي، طبعة 1995 م، دار الفكر - بيروت.
128 -
"تاريخ واسط" لأسلم بن سهل الرزاز الواسطي، المعروف بـ"بحشل"(ت 292 هـ)، حققه /كوركيس عواد، الطبعة: الأولى 1406 هـ، الناشر: عالم الكتب.
129 -
"تالي تلخيص المتشابه" لأبى بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت/463 هـ)، حققه/مشهور بن حسن آل سلمان، الطبعة الأولى 1417 هـ، دار الصميعي للنشر - الرياض.
130 -
"تأويل مختلف الحديث" لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت: 276 هـ)، الناشر: المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق، الطبعة الثانية - مزيده ومنقحة 1419 هـ.
131 -
"تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" لابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، تحقيق: محمد النجار، مراجعة: علي البجاوي، الناشر: المكتبة العلمية، بيروت.
132 -
"تحرير تقريب التهذيب" د: بشار عواد، وشعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، 1417 هـ.
133 -
"تحريم النرد والشطرنج" للإمام أبي بكر محمد بن الحسن الآجري (ت: 360 هـ)، دراسة وتحقيق: محمد سعيد عمر، الطبعة الأولى 1402 هـ.
134 -
"تحريم نكاح المتعة" لنصر بن إبراهيم النابلسي المقدسي (ت: 490 هـ)، حقق نصوصها: حماد بن محمد الأنصاري، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع.
135 -
"تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (ت 1353 هـ)، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: دار الفكر.
136 -
"تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" للإمام أبى الحجاج المزي (ت: 742 هـ)، تحقيق: عبد الصمد
…
شرف الدين، طبعة: المكتب الإسلامي، والدار القيّمة.
137 -
"تحفة المودود بأحكام المولود" لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)، المحقق:
…
عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: مكتبة دار البيان - دمشق، الطبعة: الأولى، 1391 هـ.
138 -
"تخريج أحاديث إحياء علوم الدين" المؤلفون: العِراقي (ت/806 هـ)، ابن السبكي (ت/771 هـ)، والزبيدي (ت/1205 هـ) استِخرَاج: مَحمُود بِن مُحَمّد الحَدّاد (ت/1374 هـ)، الناشر: دار العاصمة للنشر الرياض، الطبعة: الأولى، 1408 هـ.
139 -
"تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي" لجلال السيوطي (ت:911 هـ)
140 -
"تذكرة الحفاظ" للإمام محمد بن أحمد الذهبي (ت:748 هـ)، تحقيق/ عبد الرحمن بن يحيى المعلميّ اليماني، الطبعة الأولى 1419 هـ، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت.
141 -
"تَذْكِرَةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّم في أَدَب العَالِم والمُتَعَلِّم" لمحمد بن إبراهيم ابن جماعة، المتوفى سنة 733 هـ.
142 -
"تذكرة الموضوعات" لمحمد طاهر بن علي الصديقي الهندي الفَتَّنِي (ت: 986 هـ)، إدارة الطباعة المنيرية، الطبعة: الأولى، 1343 هـ.
143 -
"تسمية ما انتهى إلينا من الرواة" لأبي نعيم الأصبهاني (ت: 430 هـ)، تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع، الناشر: مطابع الرشيد، المدينة المنورة.
144 -
"تصحيفات المحدثين" لأبى أحمد الحسن بن عبد الله العسكري (ت: 382 هـ)، المحقق: محمود أحمد ميرة، الناشر: المطبعة العربية الحديثة - القاهرة.
145 -
"تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة" لابن حجر العسقلاني (ت/852 هـ)، حققه: د/ إكرام الله إمداد الحق، الطبعة: الأولى ـ 1996 م، الناشر: دار البشائر ـ بيروت.
146 -
"تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس" لابن حجر العسقلاني، حققه: د/عاصم بن عبد الله القريوني، الطبعة: الأولى، الناشر: مكتبة المنار- الأردن.
147 -
"تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي، تحقيق: د/عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، الطبعة الأولى، 1406، الناشر: مكتبة الدار - المدينة المنورة.
148 -
"تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان" للدارقطني (ت: 385 هـ)، تحقيق: خليل العربي، الناشر: الفاروق الحديثة - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1414 هـ.
149 -
"تغليق التعليق على صحيح البخاري" لابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، حققه: سعيد القزقي، الطبعة الأولى، 1405، الناشر: المكتب الإسلامي، دار عمار - بيروت.
150 -
"تفسير ابن أبى حاتم" للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تحقيق: أسعد محمد الطيب، الناشر: المكتبة العصرية، الطبعة الأولى - سنة 1417 هـ 1997 م.
151 -
"تفسير القرآن العظيم" لابن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق/سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420 هـ.
152 -
"تفسير سفيان الثوري" لأبى عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ.
153 -
"تفسير عبد الرزاق" لعبد الرزاق بن همَّام الصنعاني (ت: 211 هـ) دراسة وتحقيق: د/محمود عبده، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، سنة 1419 هـ.
154 -
"تفسير مجاهد" لمجاهد بن جبر المكي (ت: 104 هـ)، المحقق: د/محمد عبد السلام، الناشر: دار الفكر الإسلامي، مصر، الطبعة: الأولى، 1410 هـ.
155 -
"تقريب التهذيب" لابن حجر العسقلاني (ت:852)، تحقيق سعد بن نجدت عُمر، ط/الرسالة.
156 -
"تقييد المهمل وتمييز المشكل"(شيوخ البخاري المهملون)؛ لأبى علي الحسين الجياني (ت:498 هـ)، تحقيق/محمد أبى الفضل، سنة الطبع/ 1418 هـ، الناشر: وزارة الأوقاف المغربية.
157 -
"تكملة الإكمال" لمحمد بن عبد الغني البغدادي، تحقيق: د/عبد القيوم عبد رب النبي، دار النشر: جامعة أم القرى - مكة المكرمة - الطبعة: الأولى 1410 هـ.
158 -
"تلخيص المتشابه فى الرسم" لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، تحقيق: سكينة الشهابي، الطبعة الأولى 1985 م، دار طلاس / دمشق.
159 -
"تلخيص المستدرك" لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت:748 هـ) مطبوع بذيل المستدرك للحاكم، طبعة 1398 هـ، مصورة دار الفكر - بيروت.
160 -
"تلخيص كتاب الموضوعات لابن الجوزي" مؤلِّفه/محمد بن أحمد الذهبي (ت: 748 هـ)، المحقق: ياسر بن إبراهيم، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولى، 1419 هـ.
161 -
"تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" لابن عراق الكناني (ت: 963 هـ)، المحقق: عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الله الغماري، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1399 هـ.
162 -
"تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق" لمحمد ابن عبد الهادي الحنبلي (ت: 744 هـ)، تحقيق: سامي بن محمد، وعبد العزيز بن ناص، دار النشر: أضواء السلف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1428 هـ.
163 -
"تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق" لمحمد بن أحمد الذهبي (ت: 748 هـ)، المحقق: مصطفى أبو الغيط، الناشر: دار الوطن - الرياض، الطبعة: الأولى، 1421 هـ.
164 -
"تهذيب الآثار" لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310 هـ)، تحقيق: علي رضا بن عبد الله، الناشر: دار المأمون للتراث /سوريا، 1416 هـ.
165 -
"تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى 1404 هـ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
166 -
"تهذيب الكمال" ليوسف بن الزكي عبدالرحمن أبى الحجاج المزي، تحقيق: د/بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ.
167 -
"توجيه النظر إلى أصول الأثر" للشيخ /طاهر الجزائري الدمشقي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية - حلب الطبعة الأولى، 1416 هـ.
168 -
"توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار" لمحمد بن إسماعيل المعروف بالأمير الصنعاني (ت:1182 هـ)، تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى 1417 هـ.
169 -
"توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم"، المؤلف /ابن ناصر الدين محمد بن عبد الله الدمشقي، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، دار النشر/مؤسسة الرسالة - بيروت - 1993 م.
حرف الثاء
170 -
"الثبات عند الممات" للإمام عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبى الفرج، تحقيق: عبد الله الليثي الأنصاري، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ.
171 -
"الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة" لقاسم بن قُطْلُوْبَغَا الحنفي (ت: 879 هـ)، دراسة وتحقيق: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان.
172 -
"الثقات" لمحمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي، تحقيق: السيد شرف الدين أحمد، الناشر: دار الفكر، الطبعة الأولى 1395 هـ - 1975 م.
173 -
"ثواب قضاء حوائج الإخوان وما جاء في إغاثة اللهفان" لمحمد بن علي، أبو الغنائم الكوفي (ت: 510 هـ)، المحقق: د/عامر حسن صبري، الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت -، الطبعة: الأولى، 1414 هـ.
حرف الجيم
174 -
"الجامع الكبير" المعروف بسنن الترمذي؛ لمحمد بن عيسى الترمذي (ت: 279 هـ)، المحقق: بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي - بيروت، سنة النشر: 1998 م.
175 -
"الجامع فى الحديث" لعبد الله بن وهب بن مسلم المصري (ت:197 هـ)، تحقيق د/مصطفى حسن أبو الخير، الطبعة الأولى 1416 هـ، دار ابن الجوزي، الدمام.
176 -
"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للإمام أبى بكر أحمد بن على المعروف بالخطيب البغدادي (ت:463 هـ)، تحقيق الدكتور/محمد عجاج، مؤسسة الرسالة.
177
"الجرح والتعديل" للإمام عبد الرحمن بن أبى حاتم الرازي (ت/327 هـ) اعتنى به: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند سنة 1271 هـ.
178 -
"الجزء الأول من الفوائد الصحاح والغرائب والأفراد" لعبد الرحمن أبى القاسم الحُرْفي (ت: 423 هـ)، رواية: الشريف أبي الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري، تحقيق: حمزة الجزائري، الناشر: الدار الأثرية الطبعة: الأولى، 2007 م.
179 -
"الجزء الأول من فوائد ابن أخي ميمي" لأبي الحسين البغدادي (ت/390 هـ)، تحقيق/نبيل سعد الدين جرار، الطبعة الأولى 2002 م، دار: أضواء السلف.
180 -
"الجزء الخامس من الأفراد" لعمر بن أحمد المعروف بابن شاهين (ت: 385 هـ)، تحقيق: بدر البدر، الناشر: دار ابن الأثير - الكويت، الطبعة: الأولى 1415 هـ.
181 -
"الجزء فيه الثاني من حديث الوزير أبي القاسم عيسى بن علي الجراح"(ت/391 هـ) المحقق:
…
أبو إسحاق الحويني، الناشر: دار التقوى، الطبعة: الأولى 1431 هـ - 2010 م.
182 -
"الجهاد" لأحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك أبى بكر، تحقيق: مساعد بن سليمان، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
183 -
"الجهاد" لعبد الله بن المبارك (ت:181 هـ) تحقيق: نزيه حماد، الناشر: التونسية - تونس، 1972 م.
184 -
"جامع البيان في تأويل القرآن" لمحمد بن جرير، أبى جعفر الطبري [ت/310 هـ]، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ.
185 -
"جامع التحصيل في أحكام المراسيل" لأبى سعيد بن خليل العلائي، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الثانية 1407 هـ.
186 -
"جامع المسانيد والسُّنَن" لابن كثير الدمشقي (ت: 774 هـ)، المحقق: د عبد الملك الدهيش، الناشر: دار خضر للطباعة بيروت، الطبعة: الثانية، 1419 هـ.
187 -
"جامع بيان العلم وفضله" ليوسف بن عبد الله القرطبي (ت:463 هـ)، دراسة وتحقيق: فواز أحمد زمرلي، الناشر: مؤسسة الريان - دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1424 هـ.
188 -
"جزء ابن الغطريف" لمحمد بن أحمد بن الغطريف الجرجاني، تحقيق: د/عامر حسن صبري، الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ.
189 -
"جزء ابن فيل" لأَبي طَاهِر الحَسَن ابن فِيْلٍ البَالِسِيّ (المتوفى: 311 هـ)، المحقق: موسى إسماعيل البسيط، الناشر: مطبعة مسودي - القدس، الطبعة: الأولى 1421 هـ.
190 -
"جزء أبى الجهم" العلاء بن موسى البغدادي (ت/228 هـ) تحقيق: د/عبد الرحيم بن محمد القشقري، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى.
191 -
"جزء أبي عروبة" برواية الأنطاكي؛ لأبى عروبة الحسين بن محمد (ت: 318 هـ)، تحقيق: عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض.
192 -
"جزء الألف دينار" لأبى بكر أحمد بن جعفر البغدادي، تحقيق/بدر بن عبدالله البدر، الناشر: دار النفائس - الكويت، الطبعة الأولى، 1993 م.
193 -
"جزء البطاقة" لحمزة بن محمد الكناني المصري (ت: 357 هـ)، المحقق: عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر، الناشر: مكتبة دار السلام - الرياض.
194 -
"جزء الحسن بن رشيق العسكري عن شيوخه من الأمالي"(ت: 370 هـ)، طُبع: ضمن مجموع فيه ثلاثة أجزاء الحديثية، المحقق: جاسم بن محمد بن حمود، الناشر: مكتبة أهل الأثر، الطبعة الثانية 2005 م.
195 -
"جزء المؤمل بن إيهاب" لمؤمل بن إيهاب بن عبد العزيز الرملي أبى عبد الرحمن، تحقيق: عماد بن فرة، الناشر: دار البخاري - بريدة، الطبعة الأولى، 1413 هـ.
196 -
"جزء فيه أحاديث أبي عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان أبي الشيخ الأصبهاني" المؤلف: أبو بكر أحمد بن مُوْسَى بن مَرْدَوَيْه الأصبَهَانِيّ (ت: 498 هـ)، المحقق: بدر بن عبد الله البدر، مكتبة الرشد - الرياض.
197 -
"جزء فيه حديث المصيصي لوين" لأبي جعفر محمد بن سليمان المصيصي (ت/246 هـ)، تحقيق:
…
أبو عبد الرحمن مسعد بن عبد الحميد السعدني، الناشر: أضواء السلف - الرياض، سنة النشر 1418 هـ.
198 -
"جزء فيه حديث سفيان بن عيينة" لسفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي، تحقيق: أحمد بن عبد الرحمن الصويان، الناشر: مكتبة المنار، الطبعة الأولى 1407.
199 -
"جزء فيه حديثٌ من حديث أهل حردان" لأبي القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر
…
(ت: 571 هـ)، المحقق: أبو عبد الله مشعل المطيري، الناشر: دار ابن حزم.
200 -
"جزء فيه ذكر ترجمة الطبراني" ليحيى بن عبد الوهاب ابن مندة (ت: 511 هـ)، رواية: أبى جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني، المحقق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - الموصل، الطبعة: الثانية، 1404 هـ - 1983 م.
201 -
"جزء فيه قراءات النبي صلى الله عليه وسلم " لحفص بن عمر بن عبدالعزيز، تحقيق: د/حكمت بشير ياسين، الناشر: مكتبة الدار - المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1988 م.
202 -
"جزء فيه ما انتقى أبو بكر ابن مردويه على أبي القاسم الطبراني من حديثه لأهل البصرة" المؤلف: أبو القاسم الطبراني (ت:360 هـ)، المحقق: بدر البدر، الناشر: أضواء السلف، الطبعة: الأولى،1420 هـ.
203 -
"جزء فيه من أحاديث الإمام أيوب السختياني" للقاضي إسماعيل بن إسحاق البصري (ت: 282 هـ)، المحقق: د/سليمان بن عبد العزيز العريني، الناشر: مكتبة الرشد - السعودية.
204 -
"جزء فيه من عوالي هشام بن عروة وغيره" جمع: أبي الحجاج الدمشقي (ت: 648 هـ)، المحقق: حمزة الجزائري، الناشر: الدار الأثرية، الطبعة: الأولى 2009 م.
205 -
"جزء محمد بن عاصم الثقفي الأصبهاني"(ت: 262 هـ)، تحقيق وتخريج: مفيد خالد عيد، الناشر: دار العاصمة، الرياض - السعودية، الطبعة: الأولى، 1409 هـ.
206 -
"جزء من فوائد حديث: أبي ذر عبد بن أحمد الهروي"(ت/434 هـ)، المحقق: الحسن سمير بن حسين، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ.
207 -
"جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام" لابن قيم الجوزية (ت: 751 هـ)، المحقق: شعيب الأرناؤوط - عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار العروبة - الكويت، الطبعة: الثانية 1407 هـ - 1987 م.
208 -
"جمهرة الأمثال" لأبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري، الناشر: دار الفكر - بيروت.
حرف الحاء
209 -
"الحافظ الطبراني وجهوده فى خدمة السنة النبوية" د/محمد أحمد رضوان، دار الشريف - الرياض.
210 -
"الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة" لأبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني، الملقب بقوام السنة (ت: 535 هـ)، تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي المدخلي، 1419 هـ، دار الراية_ السعودية / الرياض.
211 -
"الحلم" لابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1413 هـ.
212 -
"الحوض والكوثر" لبقي بن مخلد الأندلسي (ت: 276 هـ)، المحقق: عبد القادر محمد عطا صوفي، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1413 هـ.
213 -
"حجة الوداع" لأبي محمد بن على بن أحمد ابن حزم الأندلسي القرطبي (ت 456 هـ)، تحقيق أبى صهيب الكرمي طبعة 1418 هـ، بيت الأفكار الدولية - الرياض.
214 -
"حديث أبى الفضل عبيد الله الزهري"(ت:381 هـ)، دراسة: الدكتور حسن بن محمد، الناشر: أضواء السلف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ.
215 -
"حديث أبي الطاهر محمد بن أحمد الذهلي" لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (ت: 385 هـ)، المحقق: حمدي عبد المجيد السلفي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ.
216 -
"حديث خيثمة بن سليمان" لخيثمة بن سليمان الأطرابلسي، تحقيق: د/عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، 1400 هـ.
217 -
"حديث سفيان بن سعيد الثوري"(ت: 161 هـ)، رواية: السريّ بن يحيى عن شيوخه عن الثوري، ورواية: محمد بن يوسف الفريابي عن الثوري، المحقق: عامر حسن صبري، الناشر: دار البشائر الإسلامية، الطبعة: الأولى، 2004 م.
218 -
"حديث سفيان بن عيينة"(ت: 198 هـ) برواية: أبى يحيى المروزي (ت 270 هــ)، تحقيق: مسعد بن عبد الحميد، الناشر: دار الصحابة للتراث بطنطا، الطبعة: الأولى 1412 هـ.
219 -
"حديث مصعب بن عبد الله الزبيري" لأبي القاسم البغوي (ت: 317 هـ)، المحقق: صالح عثمان اللحام، الناشر: الدار العثمانية - الأردن/عمان.
220 -
"حسن الظن بالله" لابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: مخلص محمد، الناشر: دار طيبة - الرياض.
221 -
"حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" لأبي نُعيم الأصبهاني، الطبعة الرابعة، 1405 هـ، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت.
حرف الخاء
222 -
"الخراج ليحيى بن آدم" ليحيى بن آدم القرشي (ت: 203 هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الطبعة الأولى 1974 م، المكتبة العلمية - لاهور.
223 -
"الخراج" لأبى يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت: 182 هـ)، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، تحقيق: طه عبد الرؤف سعد، سعد حسن محمد.
224 -
"الخلافيات" لأبي بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقي (ت: 458 هـ)، تحقيق/مشهور حسن سلمان، الطبعة الأولى 1414 هـ، دار الصميعي الرياض.
225 -
"خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للحافظ أحمد بن عبد الله الخزرجي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، 1416 هـ، مكتب المطبوعات الإسلامية/دار البشائر، حلب.
226 -
"خلق أفعال العباد" للإمام محمد إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: د/عبدالرحمن عميرة، الناشر: دار المعارف السعودية - الرياض، 1398 هـ - 1978 م.
حرف الدال
227 -
"الدر المنثور" لجلال الدين السيوطي (ت: 911 هـ)، الناشر: دار الفكر - بيروت.
228 -
"الدراية في تخريج أحاديث الهداية" لابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، الناشر: دار المعرفة - بيروت.
229 -
"الدرة الثمينة في أخبار المدينة" لمحمد بن محمود ابن النجار (ت: 643 هـ)، المحقق: حسين محمد، الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم.
230 -
"الدعاء" لأبي القاسم الطبراني (ت: 360 هـ)، المحقق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1413 هـ.
231 -
"الدعاء" لأبي عبد الرحمن محمد بن فضيل الضبي (ت: 195 هـ)، تحقيق: الدكتور عبد العزيز بن سليمان البعيمي، الطبعة الأولى 1419 هـ، مكتبة الرشد - الرياض.
232 -
"الدعاء" للقاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي (ت: 330 هـ)، تحقيق: الدكتور سعيد بن عبد الرحمن القزي، الطبعة الأولى 1992 م، دار الغرب - بيروت.
233 -
"الدعوات الكبير" لأحمد بن الحسين البيهقي (ت:458 هـ)، تحقيق بدر بن عبد الله البدر، سنة النشر 1414 هـ -، منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق - الكويت.
234 -
"الدلائل في غريب الحديث" لقاسم بن ثابت السرقسطي (ت: 302 هـ) تحقيق: د/محمد بن عبد الله القناص، الناشر: مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة: الأولى 1422 هـ.
235 -
"الديات" لأبي بكر بن أبي عاصم (ت: 287 هـ)، الناشر: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية - كراتشي.
236 -
"دلائل النبوة" لأبي بكر البيهقي (ت:458 هـ)، تحقيق الدكتور عبد المعطى قلعجي، الطبعة الأولى 1405 هـ، دار الكتب العلمية - بيروت.
237 -
"دلائل النبوة" لأبي بكر جعفر بن محمد الفِرْيابِي (ت: 301 هـ)، المحقق: عامر حسن صبري، الناشر: دار حراء - مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1406 هـ.
238 -
"دلائل النبوة" لأبي نُعيم الأصبهاني (ت: 430 هـ)، دار الوعي - حلب.
حرف الذال
239 -
"الذرية الطاهرة" لأبي بشر محمد بن أحمد الدولابي (ت:310 هـ)، تحقيق: سعد المبارك الحسن، الطبعة الأولى 1416 هـ، دار السلف - الرياض.
240 -
"ذخيرة الحفاظ" لمحمد بن طاهر المقدسي (ت:507 هـ)، تحقيق د/عبد الرحمن الفريوائي، الناشر: دار السلف - الرياض، سنة النشر 1416 هـ.
241 -
"ذكر أخبار أصبهان" لأبي نُعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت:430 هـ)، دار الكتاب الإسلامى، الفاروق الحديثة للطباعة.
242 -
"ذكر الأقران وروايتهم عن بعضهم بعضا" لأبي الشيخ الأصبهاني (ت: 369 هـ)، المحقق: مسعد السعدني، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1417 هـ.
243 -
"ذكر المصافحة" لضياء الدين المقدسي (ت: 643 هـ)، تحقيق: عمرو عبد المنعم سليم، الناشر: الصحابة - طنطا، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م.
244 -
"ذكر النار" لعبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (ت: 600 هـ)، المحقق: أديب محمد الغزاوي، الناشر: دار البشائر الإسلامية، الطبعة: الأولى، 1415 هـ.
245 -
"ذكر من تكلم فيه وهو مُوَثَّق" لمحمد بن أحمد الذهبي (ت: 748)، تحقيق محمد شكور أمرير، الناشر: مكتبة المنار، الزرقاء، سنة النشر 1406.
246 -
"ذم الغيبة والنميمة" لابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، حققه وخرج أحاديثه: بشير محمد عيون، الناشر: مكتبة دار البيان، دمشق - سورية، مكتبة المؤيد، الرياض - السعودية، الطبعة: الأولى، 1413 هـ - 1992 م.
247 -
"ذم الكلام وأهله" لشيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري الهروي (ت:481 هـ)، تحقيق عبد الرحمن الشبل، 1418 هـ، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة.
248 -
"ذيل تاريخ بغداد" للإمام محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي (ت: 643 هـ)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية- لبنان، الطبعة الأولى.
249 -
"ذيل طبقات الحنابلة" للحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (ت: 795 هـ)، تحقيق: د/ عبد الرحمن العثيمين، مكة، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، 1425 هـ.
250 -
"ذيل ميزان الاعتدال" لأبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت: 806 هـ)، المحقق: علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1995 م.
حرف الراء
251 -
"الرحلة في طلب الحديث" للحافظ أحمد بن علي بن ثابت البغدادي (ت: 463 هـ)، تحقيق: نور الدين عتر، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1395 هـ.
252 -
"الرد على الجهمية" لعثمان بن سعيد الدارمي السجستاني (المتوفى: 280 هـ)، المحقق: بدر بن عبد الله البدر، الناشر: دار ابن الأثير - الكويت، الطبعة: الثانية، 1416 هـ.
253 -
"الرسالة" للإمام محمد بن إدريس الشافعي، للشيخ / أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الكتب العلمية.
254 -
"رفع اليدين" للإمام البخاري (256 هـ)، اعتنى به: بديع الدين الراشدي، الطبعة الأولى 1416 هـ، دار ابن حزم - بيروت.
255 -
"الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" لأبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي، تحقيق: عبد الفتاح
…
أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية- حلب، الطبعة الثالثة، 1407 هـ.
256 -
"الروض البَسَّام بترتيب وتخريج فوائد تمام" لجاسم بن سليمان الفهيد الدَّوسري، الطبعة الأولى 1408 هـ، دار البشائر الإسلامية - بيروت.
257 -
"الروض الداني - المعجم الصغير - " للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: محمد شكور محمود الحاج، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1405 هـ.
258 -
"روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" لمحمد بن حبَّان أبو حاتم البُستي (المتوفى: 354 هـ)، المحقق: محمد محي الدين عبد الحميد، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
259 -
"روضة المحبين ونزهة المشتاقين" لمحمد ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة: 1403 هـ/1983 م.
260 -
"رؤية الله عز وجل " لأبي الحسن الدارقطني (المتوفى: 385 هـ)، قدم له وحققه: إبراهيم محمد العلي، أحمد فخري، الناشر: مكتبة المنار، الزرقاء - الأردن، عام النشر: سنة 1411 هـ.
حرف الزاي
261 -
"الزهد الكبير" لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458 هـ)، حققه وخرج أحاديثه/الشيخ عامر أحمد حيدر، الطبعة الأولى 1408 هـ، دار الجنان للنشر - بيروت.
262 -
"الزهد" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275 هـ)، تحقيق: ضياء الحسن السلفي، الطبعة الأولى 1413 هـ، الدار السلفية.
263 -
"الزهد" لأحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني أبى بكر، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، دار الريان للتراث - القاهرة، الطبعة الثانية، 1408 هـ.
264 -
"الزهد" لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (241 هـ)، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية.
265 -
"الزهد" لعبد الله بن المبارك بن واضح المروزي، ومعه الزهد لنعيم بن حماد، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
266 -
"الزهد" للمعافي بن عمران الموصلي (ت: 185 هـ)، الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت، المحقق: الدكتور عامر حسن صبري.
267 -
"الزهد" لهناد بن السري الكوفي، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت، الطبعة الأولى، 1406.
268 -
"الزهد" لوكيع بن الجَرَّاح بن مليح الرؤاسي (ت: 197 هـ)، حققه الدكتور/ عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، الطبعة الثانية 1415 هـ، دار الصميعي للنشر - الرياض.
269 -
"زاد المعاد في هدي خير العباد" لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (ت: 751 هـ)، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت - مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة: السابعة والعشرون، 1415 هـ.
حرف السين
270 -
"السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة راويين عن شيخ واحد" للخطيب البغدادي (ت: 463 هـ) بتحقيق: محمد بن مطر الزهراني، الناشر: دار الصميعي، الرياض، الطبعة: الثانية، 1421 هـ/2000 م.
271 -
"السنة لابن أبي عاصم" تخريج الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة: الثالثة 1413 هـ - 1993 م.
272 -
"السنة" لأبى عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المروزيّ (ت:294 هـ)، تحقيق: سالم أحمد السلفي، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
273 -
"السنة" لأبي بكر أحمد الخلال (ت:311 هـ)، المحقق: عطية بن عتيق الزهراني، دار الراية - الرياض.
274 -
"السنة" لأبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: د/محمد سعيد سالم القحطاني، الناشر: دار ابن القيم - الدَّمَّام، الطبعة الأولى، 1406 هـ.
275 -
"السنن الكبرى" لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت/303 هـ)، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، إشراف: شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى 1421 هـ، مؤسسة الرسالة.
276 -
"السنن الكبرى" لأحمد بن الحسين، أبى بكر البيهقي (ت: 458 هـ)، المحقق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنات، الطبعة: الثالثة، 1424 هـ.
277 -
"السنن المأثورة" للإمام أبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (ت/204 هـ)، تحقيق الدكتور عبد المعطى أمين قلعجي، الطبعة الأولى 1406 هـ، دار المعرفة - بيروت.
278 -
"السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها" لعثمان بن سعيد أبى عمرو الداني، (ت: 444 هـ)، المحقق: د/رضاء الله بن محمد المباركفوري، الناشر: دار العاصمة - الرياض، الطبعة: الأولى، 1416 هـ.
279 -
"السنن" لمحمد بن يزيد ابن ماجه القزويني (ت/275 هـ)، تحقيق/شعيب الأرنؤوط، الطبعة الأولى 1430 هـ، مؤسسة الرسالة.
280 -
"السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت: 1250 هـ)، دار ابن حزم، الطبعة الأولى.
281 -
"سبعة مجالس من أمالي أبي طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص"(ت: 393 هـ)، تحقيق: محمد بن ناصر العجمي، الناشر: دار البشائر الإسلامية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1425 هـ - 2004 م.
282 -
"سبل السلام" لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ت: 1182 هـ)، الناشر: مكتبة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة: الرابعة 1379 هـ.
283 -
"سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" للشيخ/محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1412 هـ / 1992 م.
284 -
"سلسلة الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" للشيخ/محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: مكتبة المعارف الرياض. الطبعة الأولى مِنْ سنة 1995 م - 2002 م.
285 -
"سنن أبي داود" للإمام أبى داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت/275 هـ)، حققه: شعيب الأرنؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 2009 م.
286 -
"سنن الدارقطني" للإمام علي بن عمر أبى الحسن الدارقطني (ت/385 هـ)، حققه/شعيب الأرنؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1424 هـ.
287 -
"سنن سعيد بن منصور" لأبي عثمان سعيد بن منصور الخراساني المكي (ت/227 هـ)، تحقيق الشيخ الدكتور/ سعد آل حُمَيِّد، الطبعة الأولى 1414 هـ، دار الصميعي - الرياض.
288 -
"سؤالات ابن الجنيد لابن معين"، تحقيق د/أحمد نور سيف، مكتبة الدار بالمدينة، الأولى 1408 هـ.
289 -
"سؤالات أبى عبد الرحمن السلمي للدارقطني" لأبي عبد الرحمن السلمي (ت: 412 هـ) تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف وعناية د/سعد بن عبد الله الحميد و د/خالد بن عبد الرحمن الجريسي.
290 -
"سؤالات أبي داود للإمام أحمد بن حنبل في جرح الرواة وتعديلهم" تحقيق د/زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، 1414 هـ.
291 -
"سؤالات أبي عبيد الآجري لأبى داود السجستاني" لأبي داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني (ت: 275 هـ) بتحقيق: محمد علي قاسم العمري، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، السعودية، الطبعة: الأولى، 1403 هـ/1983 م.
292 -
"سؤالات البرقاني للدارقطني" للدارقطني، تحقيق: د/عبدالرحيم محمد أحمد القشقري، الناشر: كتب خانه جميلي - باكستان، الطبعة الأولى، 1404 هـ.
293 -
"سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني" لأبي الحسن الدارقطني (ت: 385 هـ) بتحقيق: د/موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1404 هـ.
294 -
"سير أعلام النبلاء" للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748 هـ)، أشرف على تحقيق الكتاب وخرج أحاديثه: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة التاسعة 1413 هـ.
حرف الشين
295 -
"الشمائل المحمدية" لمحمد بن عيسى الترمذي (ت: 279 هـ)، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
296 -
"شذرات الذهب في أخبار من ذهب" لعبد الحي بن أحمد الحنبلي (ت: 1089 هـ)، تحقيق عبد القادر الأرنؤوط، محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير - دمشق، سنة النشر 1406 هـ.
297 -
"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" لأبي القاسم هبة الله بن الحسن اللالكائي (ت:418 هـ)، تحقيق: سيد عمران 1425 هـ، دار الحديث - القاهرة.
298 -
"شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1424 هـ.
299 -
"شرح السنة" للإمام الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516 هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط - زهير الشاويش، المكتب الإسلامي - دمشق ـ بيروت ـ 1403 هـ، الطبعة الثانية.
300 -
"شرح سنن ابن ماجه" لمغلطاي بن قليج بن عبد الله المصري الحنفي، أبى عبد الله (ت: 762 هـ)، تحقيق: كامل عويضة، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1419 هـ.
301 -
"شرح سنن أبي داود" لمحمود بن أحمد الحنفي بدر الدين العيني (ت: 855 هـ)، تحقيق: خالد بن إبراهيم المصري، مكتبة الرشد - الرياض الطبعة الأولى 1420 هـ.
302 -
"شرح صحيح البخاري" لأبي الحسن علي بن خلف ابن بطال القرطبي (ت: 449 هـ)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد - السعودية / الرياض - الطبعة: الثانية، 1423 هـ.
303 -
"شرح علل الترمذي" لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (ت:795 هـ)، تحقيق د/نور الدين عتر، الطبعة الأولى 1398 هـ، دار الملاح للطباعة.
304 -
"شرح مشكل الآثار" للإمام أبى جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (ت: 321 هـ)، تحقيق/شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، لبنان/ بيروت، سنة النشر 1408 هـ.
305 -
"شرح معاني الآثار" لأبي جعفر الطحاوي (ت:321 هـ) حققه: محمد زهري النَّجار، ومحمد سيد، وراجعه ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: د يوسف المرعشلي، عالم الكتب، الطبعة الأولى - 1414 هـ.
306 -
"شرف أصحاب الحديث" لأبي بكر الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ)، بتحقيق: د/محمد سعيد خطي، الناشر: دار إحياء السنة النبوية.
307 -
"شعب الإيمان" لأحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458 هـ)، حققه: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد، الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض، الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2003 م.
حرف الصاد
308 -
"الصلاة" لأبي نُعيم الفضل، المعروف بابن دُكَيْن (ت: 219 هـ)، المحقق: صلاح بن عايض، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة/ السعودية، الطبعة: الأولى، 1417 هـ.
309 -
"الصمت وآداب اللسان" للحافظ عبد الله بن محمد بن أبى الدنيا (ت: 281 هـ)، بتحقيق: أبي إسحاق الحويني، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ.
310 -
"الصيام" لأبى بكر جعفر بن محمد الفريابي (ت: 301 هـ)، تحقيق: عبدالوكيل الندوي، الطبعة الأولى سنة 1412 هـ، الدار السلفية.
311 -
"صحيح ابن خزيمة" لمحمد بن إسحاق بن خزيمة أبى بكر النيسابوري (ت:311 هـ)، تحقيق: د/محمد مصطفى الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، 1390 هـ.
312 -
"صحيح البخاري" المسمى: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه"؛ للإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، أبى عبد الله (ت/256 هـ)، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى 1422 هـ.
313 -
"صحيح مسلم" للإمام مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
314 -
"صحيفة همام بن منبه الصنعاني"(ت: 131 هـ)، المحقق: علي حسن علي عبد الحميد، الناشر: المكتب الإسلامي، دار عمار - بيروت، عمان، الطبعة: الأولى، 1407 هـ.
315 -
"صفة الجنة" لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت: 430 هـ)، المحقق: علي رضا عبد الله، الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق/سوريا.
316 -
"صفة الجنة" لعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، تحقيق ودراسة: عمرو عبد المنعم سليم، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة - مصر، مكتبة العلم، جدة.
317 -
"صفة النار" لعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: محمد خير رمضان يوسف، الناشر: دار ابن حزم - لبنان / بيروت.
حرف الضاد
318 -
"الضعفاء الكبير" لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي المكي (ت: 322 هـ)، حققه: الدكتور عبد المعطى أمين قلعجي، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان - الطبعة الثانية 1418 هـ.
319 -
"الضعفاء والمتروكون" لأبى الحسن الدارقطني (المتوفى: 385 هـ)، المحقق: د/عبد الرحيم محمد القشقري، الناشر: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة، الطبعة:1403 هـ.
320 -
"الضعفاء والمتروكون" للإمام أحمد بن على بن شعيب النسائي (ت:303 هـ)، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار المعرفة - بيروت، الطبعة الاولى 1406 هـ.
321 -
"الضعفاء" لأبي نُعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت: 430 هـ)، المحقق: فاروق حمادة، الناشر: دار الثقافة - الدار البيضاء، الطبعة: الأولى، 1405 هـ - 1984 م.
322 -
"الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت: 902 هـ)، الناشر: منشورات دار مكتبة الحياة - بيروت.
حرف الطاء
323 -
"الطب النبوي" لأبي نُعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت: 430 هـ)، المحقق: مصطفى خضر التركي، الناشر: دار ابن حزم، الطبعة: الأولى، 2006 م.
324 -
"الطبقات الكبرى" لمحمد بن سعد (ت:230 هـ)، الناشر: دار صادر - بيروت.
325 -
"الطهور" لأبي عُبيد القاسم بن سلَّام الهروي (ت: 224 هـ)، حققه/مشهور حسن آل سلمان، الطبعة الأولى 1414 هـ، مكتبة الصحابة - جدة.
326 -
"طبقات الحنابلة" لأبي الحسين ابن أبي يعلى، محمد بن محمد (ت: 526 هـ)، المحقق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار المعرفة - بيروت.
327 -
"طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها" لأبي الشيخ عبد الله بن محمد الأصبهاني (ت:369 هـ)، دراسة وتحقيق الدكتور: عبد الغفور البلوشي، الطبعة الثانية 1412 هـ، مؤسسة الرسالة - بيروت.
328 -
"طرح التثريب في شرح التقريب" لعبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت: 806 هـ)، أكمله ابنه: أحمد أبو زرعة ابن العراقي (ت: 826 هـ)، الناشر: الطبعة المصرية القديمة.
حرف العين
329 -
"العبر في خبر من غبر" لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي (ت: 748 هـ)، المحقق: محمد السعيد زغلول، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
330 -
"العزلة" لأبى سليمان الخطابي (ت:388 هـ)، المطبعة السلفية - القاهرة.
331 -
"العظمة" لعبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني أبى الشيخ، تحقيق: رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري، الناشر: دار العاصمة - الرياض، الطبعة الأولى 1408 هـ.
332 -
"العلل الكبير" للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت:279 هـ) ترتيب: أبى طالب القاضي، تحقيق صبحي السامرائي، وآخرين، الناشر: عالم الكتب، بيروت، 1409 هـ.
333 -
"العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت: 597 هـ)، تحقيق: خليل الميس، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ.
334 -
"العلل الواردة في الأحاديث النبوية" لأبى الحسن علي بن عُمَر الدارقطني (ت: 385 هـ)، تحقيق: د/محفوظ الرحمن زين الله، دار طيبة الرياض، الأولى 1405 هـ - 1985 م، وأتمه/محمد صالح الدباسي.
335 -
"العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني (ت:241 هـ)، برواية عبد الله ابنه، تحقيق: وصي الله بن محمد عباس، الناشر: المكتب الإسلامي، الرياض، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
336 -
"العلم" لأبي خيثمة زهير بن حرب (ت: 234 هـ)، المحقق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الثانية، 1403 هـ - 1983 م.
337 -
"العيال" لعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: د/نجم عبد الرحمن خلف، الناشر: دار ابن القيم - السعودية - الدَّمَّام.
338 -
"عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" لمحمد بن عبد الله المعافري، أبى بكر ابن العربي
…
(ت: 543 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان.
339 -
"علل أحاديث كتاب صحيح مسلم" لأبي الفضل محمد بن أبي الحسين ابن عمار الشهيد (ت:317 هـ) تحقيق: أبو النضر خالد بن خليل، الطبعة الأولى 1430 هـ، دار الصميعي.
340 -
"علل الحديث ومعرفة الرجال والتاريخ" لعلي بن عبد الله السعدي المديني (ت: 234)، دار ابن الجوزي.
341 -
"علل الحديث" للحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم الرازي (ت: 327 هـ)، تحقيق فريق من الباحثين بإشراف د/سعد بن عبد الله آل حميد، الطبعة الأولى 1427 هـ.
342 -
"علوم الحديث" لابن الصلاح، ونكت العراقي وابن حجر، جمعها وحققها: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد، دار ابن القيم وابن عفان، الطبعة الأولى، 1429 هـ.
343 -
"عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي (ت:855 هـ)، دار إحياء التراث - بيروت.
344 -
"عمل اليوم والليلة سلوك النبي مع ربه عز وجل ومعاشرته مع العباد" لأحمد بن محمد المعروف بـ «ابن السُّنِّي» (ت: 364 هـ)، المحقق: كوثر البرني، الناشر: دار القبلة /بيروت.
345 -
"عمل اليوم والليلة" للإمام أحمد بن شعيب بن علي النسائي أبى عبد الرحمن (ت:303 هـ)، تحقيق: د/ فاروق حمادة، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الثانية، 1406 هـ.
346 -
"عوالي الحارث بن أبي أسامة"(ت: 282 هـ)، تحقيق: أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله الهليل، الطبعة: الأولى، 1411 هـ.
347 -
"عوالي الليث بن سعد" لقاسم بن قطلوبغا (ت: 879 هـ)، رواية حسن بن الطولوني، دار الوفاء، جدة، الطبعة الأولى 1408 هـ.
348 -
"عون المعبود شرح سنن أبي داود" لمحمد شمس الحق العظيم آبادي أبى عبد الرحمن، الناشر: دار الحديث - القاهرة، 1422 هـ، خرج أحاديثه: عصام الضابطي.
حرف الغين
349 -
"غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب" لمحمد بن أحمد السفاريني (ت: 1188 هـ)، الناشر: مؤسسة قرطبة - مصر، الطبعة: الثانية، 1414 هـ / 1993 م.
350 -
"غريب الحديث" لإبراهيم بن إسحاق الحربي أبى إسحاق، تحقيق: د/سليمان إبراهيم محمد العايد، جامعة أم القرى - مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1405 هـ.
351 -
"غريب الحديث" لحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي أبى سليمان (ت: 388 هـ) تحقيق: عبد الكريم إبراهيم العزباوي، الناشر: جامعة أم القرى - مكة المكرمة، 1402 هـ.
352 -
"غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث المسندة" لخلف بن عبد الملك بن بشكوال
…
(ت: 578)، تحقيق د/عز الدين علي السيد، ومحمد كمال الدين، الناشر: عالم الكتب بيروت، 1407 هـ.
حرف الفاء
353 -
"الفتن" لنُعيم بن حمَّاد الخُزَاعيّ المروزي (ت: 228 هـ)، المحقق: سمير أمين الزهيري، الناشر: مكتبة التوحيد - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1412 هـ.
354 -
"الفصل للوصل المدرج في النقل" لأحمد بن علي بن ثابت البغدادي (ت: 463 هـ)، تحقيق: محمد مطر الزهراني، الناشر دار الهجرة - الرياض، سنة النشر 1418 هـ.
355 -
"الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (ت: 463 هـ) تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، الناشر: دار ابن الجوزي بالسعودية، سنة 1417 هـ.
356 -
"الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" لمحمد بن علي الشوكاني (ت: 1250 هـ) المحقق: عبد الرحمن بن يحي المعلمي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
357 -
"الفوائد المعللة"(الجزء الأول والثاني من حديثه)؛ لعبدالرحمن بن عمرو النصري أبي زرعة الدمشقي (ت/281 هـ) تحقيق: رجب بن عبدالمقصود، توزيع مكتبة الإمام الذهبي الكويت.
358 -
"الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب"(المهروانيات) لأبي القاسم يوسف بن محمد المهرواني (ت:468 هـ)، تخريج أبى بكر أحمد بن على الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ)، تحقيق/خليل بن محمد العربي، الطبعة الأولى 1419 هـ، دار الراية - الرياض.
359 -
"الفوائد المنتقاة الحسان العوالي" لعثمان بن محمد السمرقندي (ت: 345 هـ)، حققه وخرج أحاديثه:
…
أبو إسحق الحويني، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م.
360 -
"الفوائد" الشهير بـ "الغيلانيات" لأبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي (ت:354 هـ)، تحقيق حلمي كامل، الناشر دار ابن الجوزي - السعودية، 1417 هـ.
361 -
"الفوائد" لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (ت: 751 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الثانية، 1393 هـ - 1973 م.
362 -
"فتح الباري شرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، أشرف على مقابلة بعضه الشيخ عبد العزيز بن باز، ورقمه الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، دار الريان.
363 -
"فتح الباري" لأبي الفرج عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795 هـ)، تحقيق: أبو معاذ طارق بن عوض الله، دار ابن الجوزي - السعودية/ الدمام - الطبعة: الثانية، 1422 هـ.
364 -
"فتح المغيث شرح ألفية الحديث" لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت: 902 هـ)، تحقيق على حسين علي، الطبعة الأولى 1415 هـ، مكتبة السنة - القاهرة.
365 -
"فضائل الأوقات" لأحمد بن الحسين البيهقي أبى بكر (ت: 458 هـ)، تحقيق: عدنان عبد الرحمن مجيد القيسي، الناشر: مكتبة المنارة - مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
366 -
"فضائل الشام ودمشق" لعلي بن محمد الربعي، أبو الحسن (ت: 444 هـ)، المحقق: صلاح الدين المنجد، الناشر: مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق.
367 -
"فضائل الصحابة" لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت: 303 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ.
368 -
"فضائل الصحابة" للإمام أحمد بن حنبل أبى عبد الله الشيباني، تحقيق: د/وصي الله محمد عبَّاس، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ.
369 -
"فضائل القرآن" لجعفر بن محمد الفِرْيابِي (ت: 301 هـ)، تحقيق وتخريج ودراسة: يوسف عثمان فضل الله جبريل، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة: الأولى، 1409 هـ.
370 -
"فضائل القرآن" لجَعْفَر بن مُحَمَّدِ المُسْتَغْفِرِيّ (ت: 432 هـ)، المحقق: أحمد بن فارس السلوم، الناشر: دار ابن حزم، الطبعة: الأولى، 2008 م.
371 -
"فضائل القرآن" لعمر بن محمد البجيري (ت/311 هـ)، المحقق: الدكتور محمد بن بكر إبراهيم عابد، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - المدينة، دار العلوم والحكم - دمشق.
372 -
"فضائل القرآن" لمحمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الرازي (ت: 294 هـ)، تحقيق: غزوة بدير، الناشر: دار الفكر، دمشق - سورية، الطبعة: الأولى، 1408 هـ.
373 -
"فضائل بيت المقدس" لأبي المعالي المشرف بن المرجى المقدسي (492 هـ)، المحقق: أيمن نصر الدين الأزهري، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1422 هـ.
374 -
"فضائل بيت المقدس" لضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت: 643 هـ)، المحقق: محمد مطيع الحافظ، الناشر: دار الفكر - سورية.
375 -
"فضل الجهاد والمجاهدين" لأَحْمَد بن عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيّ، المُلَقَّب بِالبُخَارِيِّ (ت: 623 هـ)، المحقق: مبارك بن سيف الهاجري، الناشر: الدار السلفية.
376 -
"فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " لإسماعيل بن إسحاق القاضي (ت: 282 هـ)، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت، الطبعة: الثالثة 1977 م، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني.
377 -
"فضيلة الشكر لله على نعمته" لمحمد بن جعفر الخرائطي (ت: 327 هـ)، المحقق: محمد مطيع، د/عبد الكريم اليافي، الناشر: دار الفكر - دمشق، الطبعة: الأولى 1402 هـ.
378 -
"فوائد ابن أخي ميمي" للدقاق، تحقيق نبيل سعد الدين جرار، طبعة: أضواء السلف.
379 -
"فوائد أبى يعلى الخليلي" للخليل بن عبد الله الخليلي القزويني (ت:446 هـ)، دراسة وتحقيق أبى مصعب طلعت الحلواني، دار ماجد عسيري، الطبعة الأولى 1422 هـ.
380 -
"فوائد أبي القاسم الحنائي" لأبي القَاسِمِ الحُسَيْن الدِّمَشْقِيّ (ت: 459 هـ) تخريج: النخشبي، المحقق: خالد رزق محمد، الناشر: أضواء السلف، الطبعة: الأولى، 1428 هـ.
381 -
"فوائد أبي علي محمد بن أحمد الصواف البغدادي"(ت: 359 هـ)، تحقيق: محمود بن محمد الحداد، الناشر: دار العاصمة - الرياض.
382 -
"فوائد أبي محمد الفاكهي" المسمى: "بحديث أبى محمد عبد الله بن محمد الفاكهي" عن أبى يحيى بن أبى مسرة عن شيوخه؛ له (ت:353 هـ)، دراسة وتحقيق: محمد بن عبد الله بن عايض، الطبعة الأولى 1419 هـ، مكتبة الرشد - الرياض.
383 -
"فوائد حديث: أبي ذر عبد بن أحمد الهروي"(ت: 434 هـ)، المحقق: أبو الحسن سمير بن حسين الحسني، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض.
384 -
"فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير" لمحمد عبد الرؤوف المناوي
…
(ت:1031 هـ)، دار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الاولى 1415 هـ.
حرف القاف
385 -
"اقتضاء العلم العمل" لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ)، المحقق: محمد
…
ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة: الرابعة، 1397 هـ.
386 -
"القدر" لجعفر بن محمد الفريابي (ت/301 هـ)، حققه وخرج أحاديثه: عبد الله بن حمد المنصور، الطبعة الأولى 1418 هـ، أضواء السلف _ الرياض.
387 -
"القدر" لعبد الله بن وهب المصري القرشي (ت: 197 هـ)، حققه/عمر بن سليمان الحفيان، الطبعة الأولى 1422 هـ، دار العطاء - الرياض.
388 -
"القراءة خلف الإمام" للبخاري (ت/256 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
389 -
"قرائن الترجيح فى المحفوظ والشاذ وفى زيادة الثقة عند الحافظ ابن حجر فى فتح الباري" جمع ودراسة: نادر بن السنوسي العمراني، ط: مكتبة الرشد - الرياض.
حرف الكاف
390 -
"الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة" للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الذهبي
…
(ت:748 هـ)، بتحقيق: محمد عوامة وغيره، دار القبلة، جدة، الطبعة الأولى 1413 هـ.
391 -
"الكامل في ضعفاء الرجال" لعبدالله بن عدي الجرجاني (ت: 365 هـ)، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، الناشر: دار الفكر - بيروت، سنة النشر 1409 هـ.
392 -
"الكرم والجود وسخاء النفوس" لمحمد بن الحسين البُرْجُلاني (ت: 238 هـ)، المحقق: د/عامر حسن صبري، الناشر: دار ابن حزم - بيروت، الطبعة: الثانية، 1412 هـ.
393 -
"الكفاية في علم الرواية" للحافظ أحمد بن علي الخطيب البغدادي (ت:463 هـ)، تحقيق وتعليق:
…
أبي إسحاق الدمياطي، مكتبة دار ابن عباس، سمنود - مصر.
394 -
"الكنى والأسماء" لأبي بشر محمد بن أحمد الدولابي (ت:310 هـ)، تحقيق: نظر محمد الفاريابي، الناشر: دار ابن حزم، بيروت/ لبنان، سنة النشر 1421 هـ.
395 -
"الكنى والأسماء" لمسلم بن الحجاج (ت: 261 هـ)، المحقق: عبد الرحيم محمد القشقري، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1404 هـ/1984 م.
396 -
"الكواكب النيرات فى معرفة من اختلط من الرواة الثقات" لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال (ت:939 هـ)، تحقيق: عبد القيوم عبد رب النبي، المكتبة الإمدادية، الطبعة الثانية 1420 هـ.
397
"كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة" لنور الدين على بن سليمان الهيثمي (ت:807 هـ)، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، الرسالة، بيروت 1409 هـ.
398
"كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" لإسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (ت: 1162 هـ)، الناشر: مكتبة القدسي - القاهرة، عام النشر: 1351 هـ.
حرف اللام
399 -
"اللآلاء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" لعبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت: 911 هـ)، تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م.
400 -
"اللباب في تهذيب الأنساب" لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني الجزري
…
(ت:630 هـ) الناشر دار صادر - بيروت، 1400 هـ.
401 -
"اللطائف مِنْ دقائق المعارف في علوم الحفاظ الأعارف" لأبي موسى المديني، (ت:581 هـ)، بتحقيق: أبو عبد الله محمد علي سمك، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1420 هـ - 1999 م.
402 -
"لسان الميزان" للحافظ أحمد بن علي بن حجر أبى الفضل العسقلاني (ت/852 هـ)، شارك فى تحقيقه د/ عبد الفتاح أبو غُدَّة، دار البشائر الإسلامية.
حرف الميم
403 -
"المتفق والمفترق" لأبي بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادي (ت/463 هـ)، دراسة وتحقيق الدكتور محمد صادق الحامدي، دار القادري - دمشق، 1417 هـ.
404 -
"المجالسة وجواهر العلم" لأبي بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي (ت: 333 هـ) تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، جمعية التربية الإسلامية (البحرين) 1419 هـ.
405 -
"المجتبى من السنن" للإمام أحمد بن شعيب أبى عبد الرحمن النسائي (ت:303 هـ)، ترقيم وفهرسة: تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب الطبعة الثانية، 1406.
406 -
"المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين" للحافظ محمد بن حبان أبى حاتم البستي
…
(ت: 354 هـ)، تحقيق: حمدي السلفي، دار الصميعي، الطبعة الأولى 1420 هـ.
407 -
"المجموع شرح المهذب" لأبي زكريا النووي (ت: 676 هـ) تكملة الشيخ محمد نجيب المطيعي،
…
مكتبة الإرشاد - جدة.
408 -
"المحتضرين" لعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: محمد خير رمضان يوسف، الناشر: دار ابن حزم - بيروت - لبنان.
409 -
"المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" للقاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت: 360 هـ)، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، الطبعة الثالثة 1404 هـ، دار الفكر - بيروت.
410 -
"المحلى" لأبي محمد علي بن أحمد ابن حزم الظاهري (ت: 456 هـ)، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر، الناشر: مطبعة النهضة - القاهرة.
411 -
"المختلف فيهم" للحافظ عمر بن شاهين (ت: 385 هـ)، ترتيب وتحقيق ودراسة د/عبد الرحيم بن محمد القشيري، مكتبة الرشد - الرياض.
412 -
"المخزون في علم الحديث" لأبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي (ت: 374 هـ)، المحقق: محمد إقبال السلفي، الناشر: الدار العلمية - الهند.
413 -
"المخلصيات وأجزاء أخرى" لأبي طاهر محمد بن عبد الرحمن البغدادي المخَلِّص (ت: 393 هـ)، المحقق: نبيل سعد الدين جرار، الناشر: وزارة الأوقاف لدولة قطر.
414 -
"المراسيل" لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت:275 هـ)، تحقيق د/عبد الله بن مساعد الزهراني، دار الصميعي، الطبعة الأولى 1422 هـ.
415 -
"المراسيل" لعبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (ت:327 هـ)، تحقيق/شكر الله نعمة الله قوجاني، مؤسسة الرسالة - بيروت، سنة النشر 1397 هـ.
416 -
"المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس" للدكتور/الشريف حاتم بن عارف العوني، الطبعة الأولى 1418 هـ، دار الهجرة للنشر والتوزيع - الرياض.
417 -
"المرض والكفارات" لعبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: عبد الوكيل الندوي، الناشر: الدار السلفية، الطبعة: الأولى 1411 هـ.
418 -
"المستدرك على الصحيحين" لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت:405 هـ)، ومعه "تلخيص الذهبي"، تصوير دار الفكر - بيروت عن النسخة الهندية.
419 -
"المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم" لأبي نُعيم الأصبهاني (ت:430 هـ)، تحقيق: محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، 1417 هـ، الطبعة الأولى.
420 -
"المسند" لإسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي (ت:238 هـ)، تحقيق: د/عبد الغفور بن عبد الحق، الناشر: مكتبة الإيمان - المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1412 هـ.
421 -
"المسند" لعبد الله بن المبارك بن واضح (181 هـ)، تحقيق: صبحي البدري السامرائي، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة الأولى، 1407 هـ.
422 -
"المسند" للإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت: 241 هـ)، المحقق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثانية 1420 هـ.
423 -
"المصاحف" لأبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني (ت: 316 هـ)، تحقيق: محمد عبدة.
424 -
"المُصنَّف ابن أبي شيبة" لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (ت/235 هـ)، تحقيق: محمد عوامة، طبعة الدار السلفية الهندية القديمة.
425 -
"المُصَنَّف" لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت: 211 هـ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الثانية، 1403.
426 -
"المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، تحقيق: مجموعة من المحققين، مع تنسيق فضيلة الدكتور/سعد بن ناصر الشثري، الطبعة الأولى 1419 هـ، دار العاصمة.
427 -
"المعجم الأوسط" لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت: 360 هـ)، تحقيق: طارق بن عوض الله ابن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، الناشر: دار الحرمين - القاهرة، 1415 هـ.
428 -
"المعجم الكبير" لسليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (360 هـ)، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - الموصل، الطبعة الثانية، 1404 هـ.
429 -
"المعجم" لابن الأعرابي، أبى سعيد أحمد بن محمد بن زياد (ت: 341 هـ)، تحقيق: عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، الطبعة الأولى 1418 هـ، دار ابن الجوزي - الدَّمَّام.
430 -
"المعجم" لابن المقرئ؛ لأبي بكر محمد بن إبراهيم الأصبهاني (ت: 381 هـ)، تحقيق: عادل بن سعد، الطبعة الأولى 1419 هـ، مكتبة الرشد - الرياض.
431 -
"المعجم" لأبي يعلى أحمد بن علي الموصلي (ت: 307 هـ)، المحقق: إرشاد الحق الأثري، الناشر: إدارة العلوم الأثرية - فيصل آباد، الطبعة: الأولى، 1407 هـ.
432 -
"المعرفة والتاريخ" لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي (ت: 347 هـ)، تحقيق: خليل المنصور، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
433 -
"المغني في الضعفاء" للإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748 هـ)، تحقيق الدكتور نور الدين عتر، الطبعة الأولى 1391 هـ، دار المعارف _ دمشق.
434 -
"المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني" لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت:620 هـ)، تحقيق د/عبد الله بن عبد المحسن التركي، وعبد الفتاح محمد الحلو، الأولى 1406 هـ، هجر للطباعة - الجيزة.
435 -
"المفاريد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأبي يعلى أحمد بن علي الموصلي (ت: 307 هـ)، المحقق: عبد الله بن يوسف الجديع، الناشر: مكتبة دار الأقصى - الكويت.
436 -
"المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" لمحمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (ت: 902 هـ)، المحقق: محمد عثمان الخشت، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ - 1985 م.
437 -
"المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي" لنور الدين الهيثمي (ت: 807 هـ)، تحقيق: سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.
438 -
"المقنع في علوم الحديث" لعمر بن علي بن أحمد الأنصاري (ت: 804 هـ)، تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع، الناشر: دار فواز للنشر - السعودية، الطبعة الأولى، 1413 هـ.
439 -
"المنار المنيف في الصحيح والضعيف" لابن قيم الجوزية (ت: 751 هـ)، المحقق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة: الأولى، 1390 هـ.
440 -
"المناسك" لابن أبي عروبة البصري (ت: 156 هـ)، دراسة: الدكتور عامر حسن صبري، الناشر: دار البشائر الإسلامية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1421 هـ.
441 -
"المنتخب من العلل للخلال" للإمام موفّق الدين عبدالله بن أحمد الشهير بابن قدامة المقدسي (ت:620 هـ) بتحقيق الشيخ طارق بن عوض الله، الطبعة الأولى 1419 هـ، دار الراية للنشر - الرياض.
442 -
"المنتخب من مسند عبد بن حميد" لأبي محمد عبد بن حميد الكشي (ت:249)، تحقيق: صبحي البدري السامرائي، محمود محمد خليل الصعيدي، الناشر: مكتبة السنة - القاهرة، الطبعة الأولى 1408 هـ.
443 -
"المؤتلف والمختلف" للإمام أبى الحسن على بن عمر الدارقطني (385 هـ)، تحقيق ودراسة: الدكتور/ موفق بن عبد القادر، دار الغرب الإسلامى، 1406 هـ.
444 -
"الموضوعات" لعبد الرحمن بن علي الجوزي (ت: 597 هـ) تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، الطبعة: الأولى جـ 1، 2: 1386 هـ - 1966 م. جـ 3: 1388 هـ - 1968 م.
445 -
"الموطأ برواياته الثمانية (يحيى الليثي، والقعنبي، وأبى مصعب الزهري، والحدثاني، وابن بكير، وابن القاسم، وابن زياد، ومحمد بن الحسن) حققه وضبط نصوصه وخرج أحاديثه ووضع فهارسه الشيخ/ سليم الهلالي، مجموعة الفرقان التجارية، دبى 1424 هـ.
446 -
"الموطأ" للإمام مالك بن أنس أبى عبدالله الأصبحي (ت: 179 هـ)، رواية يحيى بن يحيى الليثي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - مصر.
447 -
"الموطأ" للإمام مالك بن أنس أبى عبدالله الأصبحي، رواية محمد بن الحسن، تحقيق: د/تقي الدين الندوي، الناشر: دار القلم - دمشق، الطبعة: الأولى 1413 هـ.
448 -
"ما رواه أبو الزبير عن غير جابر" لأبي محمد عبد الله بن محمد المعروف بأبِي الشيخ الأصبهاني (ت: 369 هـ)، المحقق: بدر البدر، الناشر: مكتبة الرشيد - الرياض.
449 -
"مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن" لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي (ت: 597 هـ)، المحقق: مرزوق علي إبراهيم، الناشر: دار الراية، الطبعة: الأولى 1415 هـ - 1995 م.
450 -
"مجرد أسماء الرواة عن مالك" ليحيى بن علي بن عبد الله المصري، المعروف بالرشيد العطار (ت: 662 هـ)، المحقق: سالم بن أحمد بن عبد الهادي، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة: الأولى 1418 هـ.
451 -
"مجلس الرؤية" لأبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الدَّقَّاق؛ قدم له وقرأه وعلق عليه: الشريف حاتم بن عارف العوني، مكتبة الرشد، الرياض.
452 -
"مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش، دار الفكر، بيروت - 1412 هـ.
453 -
"مجموع الفتاوى" لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت: 728 هـ)، تحقيق: أنور الباز - وعامر الجزار، الناشر: دار الوفاء، الطبعة: الثالثة، 1426 هـ.
454 -
"مجموع فيه مصنفات أبي جعفر ابن البختري"(ت: 339 هـ)، تحقيق نبيل سعد الدين جرار، دار البشائر الاسلامية - بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ.
455 -
"مختصرُ استدرَاك الحافِظ الذّهبي على مُستدرَك أبي عبد اللهِ الحَاكم" لابن المُلَقِّن أبي حفص عمر بن علي الشافعي (ت: 804 هـ)، تحقيق: جـ 1، 2: عَبد الله بن حمد اللحَيدَان، جـ 3 - 7: سَعد بن عَبد الله بن عَبد العَزيز آل حميَّد، الناشر: دَارُ العَاصِمَة، الرياض -، الطبعة: الأولى، 1411 هـ.
456 -
"مداراة الناس" لعبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281 هـ)، المحقق: محمد خير رمضان، الناشر: دار ابن حزم - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ.
457 -
"مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع" لعبد المؤمن بن عبد الحق، البغدادي، الحنبلي
…
(ت: 739 هـ)، الناشر: دار الجيل، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412 هـ.
458 -
"مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" لأبي الحسن عبيد الله بن محمد المباركفوري (ت: 1414 هـ)، الناشر: إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء - بالهند، الطبعة: الثالثة - 1404 هـ، 1984 م.
459 -
"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" علي بن سلطان القاري (ت: بعد 1014 هـ)، دار الكتب العلمية.
460 -
"مرويات أبى عبيدة عن أبيه جمعا ودراسة" لعبد الله بن عبد الرحيم البخاري، دار أضواء السلف المصرية.
461 -
"مساوئ الأخلاق" لأبي بكر محمد بن جعفر الخرائطي (ت: 327 هـ)، حققه وخرج نصوصه/مصطفى بن أبى النضر الشلبي، الطبعة الأولى 1412 هـ، مكتبة السوادي - جدة.
462 -
"مسائل الإمام أحمد" برواية أبي داود السجستاني (ت: 275 هـ)، حققه: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد، الناشر: مكتبة ابن تيمية، مصر، الطبعة: الأولى، 1420 هـ.
463 -
"مسند ابن الجعد" لأبي الحسن علي بن الجعد، ويعرف بالجعديات (ت: 230 هـ)، تحقيق: عامر أحمد حيدر، الناشر: مؤسسة نادر-بيروت، الطبعة الأولى، 1410 هـ.
464 -
"مسند أبي بكر الصديق" لأحمد بن علي المروزي (ت:292 هـ)، المحقق: شعيب الأرناؤوط، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت.
465 -
"مسند أبي يعلى" لأحمد بن علي بن المثنى الموصلي (ت:307 هـ)، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق، الطبعة الأولى، 1404 هـ.
466 -
"مسند الحميدي" لأبي بكر عبدالله بن الزبير الحميدي (ت: 219 هـ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: دار الكتب العلمية، مكتبة المتنبي - بيروت، القاهرة.
467 -
"مسند الدارمي" لأبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي (ت:255 هـ)، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، خالد السبع، الناشر: دار الكتاب العربي- بيروت، الطبعة الأولى، 1407.
468 -
"مسند الروياني" لأبي بكر محمد بن هارون الرُّوياني (ت: 307 هـ)، المحقق: أيمن علي أبو يماني، الناشر: مؤسسة قرطبة - القاهرة، الطبعة: الأولى 1416 هـ.
469 -
"مسند السراج" للإمام محمد بن إسحاق الثقفي (برواية زاهر بن طاهر الشحامي)، حققه: الأستاذ إرشاد الحق الأثري، الناشر إدارة العلوم الأثرية فيصل آباد - باكستان.
470 -
"مسند الشاشي" لأبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي (ت: 335 هـ)، تحقيق الدكتور/محفوظ الرحمن زين الله، الطبعة الأولى 1410 هـ، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة.
471 -
"مسند الشاميين" لسليمان بن أحمد بن أيوب أبى القاسم الطبراني (ت: 360 هـ)، تحقيق: حمدي السلفي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى، 1405.
472 -
"مسند الشهاب" لمحمد بن سلامة بن جعفر أبى عبد الله القضاعي (ت/454 هـ)، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية 1407 هـ.
473 -
"مسند الطيالسي" لأبي داود سليمان بن داود بن الجارود (ت:204 هـ)، تحقيق: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، الناشر: هجر للطباعة، الطبعة: الأولى، 1419 هـ.
474 -
"مسند الموطأ" لأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي الجوهري (ت:449 هـ)، تحقيق: لطفي بن محمد الصغير وطه بن علي بو سريح، طبعة دار الغرب الإسلامي.
475 -
"مشارق الأنوار على صحاح الآثار" للقاضي أبى الفضل عياض بن موسى اليحصبي المالكي
…
(ت:544 هـ)، دار النشر: المكتبة العتيقة - تونس، ودار التراث - القاهرة.
476 -
"مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار" لمحمد بن حبان بن أحمد بن حبان أبو حاتم البُستي
…
(ت: 354 هـ)، حققه: مرزوق على إبراهيم، الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، الأولى 1411 هـ.
477 -
"مشيخة إبراهيم بن طهمان"(ت:163 هـ)، تحقيق الدكتور محمد طاهر مالك، طبعة مجمع اللغة العربية دمشق، لسنة 1403 هـ.
478 -
"مشيخة ابن البخاري" لأحمد بن محمد الحنفي مشيخة ابن البخاري (ت: 696 هـ)، تحقيق د/عوض عتقي سعد الحازمي، دار عالم الفؤاد، السعودية، 1419 هـ.
479 -
"مشيخة ابن جماعة" لمحمد ابن جماعة الشافعي (ت: 733 هـ)، تحقيق: موفق بن عبد القادر، الناشر: دار العرب الإسلامي - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1988 م.
480 -
"مشيخة ابن شاذان الصغرى" للحسن بن أحمد ابن شاذان (ت: 425 هـ)، المحقق: عصام موسى، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة - السعودية، الطبعة: الأولى، 1419 هـ.
481 -
"مشيخة أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم المقدسي البرزالي"(ت: 739 هـ)، المحقق: إبراهيم صالح، الناشر: دار البشائر - دمشق، الطبع الأولى، 1417 هـ.
482 -
"مشيخة الآبنوسي" لأَبي الحُسَيْنِ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ، ابن الآبَنُوْسِيِّ البَغْدَادِيّ (ت:457 هـ)، تحقيق:
…
د/خليل حسن حمادة، الناشر: جامعة الملك سعود - كلية التربية - قسم الدراسات الإسلامية، الطبعة: الأولى 1421 هـ.
483 -
"مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه" لأحمد بن أبي بكر البوصيري (ت:840 هـ) تحقيق: محمد المنتقى الكشناوي، الناشر دار العربية - بيروت، سنة النشر 1403 هـ.
484 -
"معالم التنزيل في تفسير القرآن" لأبى محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت: 510 هـ) المحقق: حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر، وعثمان جمعة ضميرية، وسليمان مسلم الحرش، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الرابعة، 1417 هـ - 1997 م.
485 -
"معالم السنن" لأبي سليمان حمد بن محمد المعروف بالخطابي (ت: 388 هـ)، الناشر: المطبعة العلمية - حلب، الطبعة: الأولى 1351 هـ - 1932 م.
486 -
"معجم أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي" لأبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي
…
(ت:371 هـ)، تحقيق: د/زياد محمد منصور، دار النشر: مكتبة العلوم والحكم،1410 هـ، الطبعة: الأولى.
487 -
"معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي" لابن الأبار، محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي
…
(ت: 658 هـ)، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية - مصر، الطبعة: الأولى، 1420 هـ.
488 -
"معجم البلدان" لشهاب الدين أبى عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت: 626 هـ)، الناشر: دار الفكر.
489 -
"معجم الشيوخ" لأبي الحسين محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي (ت: 402 هـ)، تحقيق: الدكتور عمر عبد السلام تدمري، الطبعة الثانية 1407 هـ، مؤسسة الرسالة.
490 -
"معجم الشيوخ" لأبي القاسم المعروف بابن عساكر (ت: 571 هـ)، المحقق: الدكتورة وفاء تقي الدين، الناشر: دار البشائر - دمشق، الطبعة: الأولى 1421 هـ - 2000 م.
491 -
"معجم الشيوخ" لأبي القاسم على بن الحسن ابن عساكر الشافعي (ت/571 هـ)، تحقيق الدكتورة/ وفاء تقي الدين، دار البشائر/دمشق.
492 -
"معجم الصحابة" لعبد الباقي بن قانع أبى الحسين (ت: 351 هـ)، تحقيق صلاح بن سالم المصراتي، الناشر مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة، سنة النشر 1418 هـ.
493 -
"معجم الصحابة" لعبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي (ت: 317 هـ)، المحقق: محمد الأمين الجكني، الناشر: مكتبة دار البيان - الكويت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ.
494 -
"معجم المؤلفين" تأليف: عمر رضا كحالة، الناشر: مكتبة المثنى - بيروت، دار إحياء التراث العربي بيروت، بدون تاريخ.
495 -
"معجم قبائل العرب القديمة والحديثة" لعمر بن رضا كحالة (ت: 1408 هـ)، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: السابعة، 1414 هـ - 1994 م.
496 -
"معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع" لعبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (ت: 487 هـ)، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1403 هـ.
497 -
"معرفة الثقات" لأحمد بن عبد الله بن صالح أبى الحسن العجلي الكوفي، تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي، الناشر: مكتبة الدار - المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1405 هـ.
498
"معرفة السنن والآثار" لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت: 458 هـ)، حققه الدكتور عبد المعطى أمين قلعجي، الطبعة الأولى 14111 هـ، دار الوفاء - القاهرة.
499 -
"معرفة الصحابة" لابن مندة؛ لمحمد بن إسحاق بن مَنْدَة (ت: 395 هـ)، حققه وعلق عليه: الدكتور/ عامر حسن صبري، الناشر: مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة، الطبعة: الأولى، 1426 هـ - 2005 م.
500 -
"معرفة الصحابة" لأبى نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، تحقيق عادل يوسف العزازي، الطبعة الأولى 1419 هـ، دار الوطن - الرياض.
501 -
"معرفة علوم الحديث" لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت:405 هـ)، تحقيق: السيد معظم حسين، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الثانية، 1397 هـ.
502 -
"مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها" لأبي بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي (ت:327 هـ)، تحقيق ودراسة الدكتور / عبد الله بن بجاش بن ثابت الحميري، طبعة مكتبة الرشد سنة 2006 م.
503 -
"مكارم الأخلاق" لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت:360 هـ)، تحقيق فاروق حمادة، الطبعة الأولى 1400 هـ، الرئاسة العامة لإدارة البحوث - الرياض.
504 -
"من اسمه شعبة" لأبي نُعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت: 430 هـ)، المحقق: طارق محمد العموي، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة - السعودية.
505 -
"من حديث عبد الله بن يزيد المقرئ" المؤلف: ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت: 643 هـ)، تحقيق: عامر حسن صبري، الناشر: دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1998 م.
506 -
"مناقب الأسد الغالب مُمزق الكتائب ومُظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " لأبي الخير محمد بن محمد ابن الجزري (ت: 833 هـ)، المحقق: طارق الطنطاوي، الناشر: مكتبة القرآن، الطبعة: الأولى 1994 م.
507 -
"منهج النقد في علوم الحديث" لنور الدين محمد عتر الحلبي، الناشر: دار الفكر دمشق - سورية، الطبعة: الطبعة الثالثة 1418 هـ - 1997 م.
508 -
"موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" لنور الدين الهيثمي (ت: 807 هـ)، المحقق: حسين الدّاراني، الناشر: دار الثقافة العربية، دمشق، الطبعة الأولى، 1411 هـ.
509 -
"موافقة الخبر الخبر فى تخريج أحاديث المختصر" أحمد ابن حجر (ت:852 هـ)، تحقيق: حمدي
…
عبد المجيد السلفي، وصبحى السامرائي، الطبعة الثالثة 1419 هـ، مكتبة الرشد - الرياض.
510 -
"موجبات الجنة" لمعمر ابن الفاخر، الأصبهاني (المتوفى: 564 هـ)، المحقق: ناصر بن أحمد بن النجار الدمياطي، الناشر: مكتبة عباد الرحمن، الطبعة: الأولى، 1423 هـ.
511 -
"موضح أوهام الجمع والتفريق" لأبي بكر الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ) تحقيق: د/عبد المعطي أمين قلعجي، دار المعرفة - بيروت، سنة النشر: 1407 هـ.
512 -
"ميزان الاعتدال في نقد الرجال" لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت: 748 هـ)، تحقيق على البجاوي، الطبعة الأولى 1382 هـ، دار المعرفة - بيروت.
حرف النون
513 -
"الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النَّحَّاس أحمد بن محمد النحوي (ت: 338 هـ)، المحقق: د. محمد عبد السلام، الناشر: مكتبة الفلاح - الكويت، الطبعة: الأولى 1408 هـ.
514 -
"الناسخ والمنسوخ" للحافظ عمر بن أحمد أبى حفص ابن شاهين (ت:385 هـ)، تحقيق: على بن معوض، وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1412 هـ.
515 -
"النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" ليوسف بن تغري بردي الحنفي، أبو المحاسن، جمال الدين (ت: 874 هـ)، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب، مصر.
516 -
"النفح الشذي فى شرح جامع الترمذي" لأبي الفتح محمد بن محمد ابن سيد الناس اليعمري، بتحقيق شيخنا الدكتور/أحمد معبد عبد الكريم، الطبعة الأولى 1409 هـ، دار العاصمة، الرياض.
517 -
"النكت على مقدمة ابن الصلاح" لبدر الدين الزركشي (ت: 794 هـ)، بتحقيق: د/زين العابدين بن محمد، الناشر: أضواء السلف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1419 هـ.
518 -
"النهاية في غريب الحديث والأثر" لأبي السعادات المبارك الجزري (ت: 606 هـ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - ومحمود الطناحي، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت، 1399 هـ.
519 -
"نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار" لابن حجر العسقلاني (ت/852 هـ)، المحقق: حمدي
…
عبد المجيد السلفي، الناشر: دار ابن كثير، الطبعة: الثانية 1429 هـ.
520 -
"نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، المحقق: عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، مطبعة سفير بالرياض، الطبعة: الأولى، 1422 هـ.
521 -
"نصب الراية لأحاديث الهداية" للإمام جمال الدين عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (ت: 762 هـ)، تحقيق: محمد عوامة، مؤسسة الريان - بيروت، دار القبلة - جدة - الطبعة الأولى، 1418 هـ.
522 -
"نظم المتناثر من الحديث المتواتر" لأبي عبد الله محمد بن أبي الفيض الشهير بالكتاني (ت: 1345 هـ)، المحقق: شرف حجازي، الناشر: دار الكتب السلفية - مصر.
523 -
"نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عز وجل من التوحيد" المؤلف: أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي (ت: 280 هـ)، الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع.
524 -
"نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار" للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت: 1255 هـ)، الناشر: إدارة الطباعة المنيرية.
حرف الهاء
525 -
"هدي الساري مقدمة فتح الباري" لأبى الفضل ابن حجر العسقلاني (852 هـ)، دار الريان بمصر.
حرف الواو
526 -
"وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" لأبي العبَّاس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت:681 هـ)، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر - بيروت.