الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القولُ الفصل في حُكم تارك الصّلاة عمدًا حتّى يخرجَ وقتُها
تأليف: الشيخ محمّد تقي الدين الهلالي الحُسيني
خرّج أحاديث هذه النسخة الإلكترونية، وعلّق عليها: أبو سامي العبدان حُسن التَمام
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
كلفني أحد إخواننا في الله تعالى الاعتناء بهذه الرسالة لنفاستها في موضوعها، وهذا من حسن ظنه بالعبد الفقير إلى ربه، فأجبته إلى طلبه على وجل، فقمت بتخريجها مع الحكم على الأحاديث والآثار التي تضمنتها هذه الرسالة القيّمة، التي تطرقت إلى موضوع خطير ألا وهو ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، فتجد العلماء دائمًا يحملون هموم هذه الأمة، وعندهم الحرص على النصح، فيبذلون النفس والنفيس في التحذير من الشر، وإن مما ابتلي به أكثر الناس - إلا من رحم الله تعالى - التهاون في أداء الصلاة في أوقاتها، وهو أمر عظيم قد بيّن المؤلف خطورته في هذه الرسالة المباركة، فجزاه الله تعالى خير ما جزى عالِمًا عن الإسلام وأهله، قال ابن حزم في "المحلى" 2/ 242:
"وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد".
وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 394:
"وقد ذهب جماعة من الصحابة، ومن بعدهم، إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم، ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم".
والمؤلف رحمه الله تعالى منهجه في هذه الرسالة منهج العالم السلفي، الذي يستدل بالكتاب والسنة ويكون فهمه لهما من معين السلف الصالح، فبدأ بالنقل من كتاب "الصلاة" لابن القيم ذاكرًا أدلة كفر تارك الصلاة من الكتاب العزيز، ثم دلائل السنة على كفر تارك الصلاة، ثم ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم في حكم تارك الصلاة، ثم يذكر أن قبولَ الأعمال من العبد متوقفٌ على فعل الصلاة، ثم يسوق أقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة، وينقل عنهم من حكى الإجماع على ذلك، ثم يبيّن بالأدلة أن من نام عن صلاة أو نسيها فهو معذور وإن خرجت الصلاة عن وقتها، وأن وقتها في حقه حين يذكرها أو يستيقظ من نومه، ثم يبيّن أن من ترك صلاة عمدًا حتى يخرجَ وقتُها لا ينفعه قضاؤها، وفيه فوائد عظيمة جليلة غير ما ذكرتُ، فأترككم مع هذه الرسالة القيّمة، والله الموفق.
كتبه الفقير إلى الله تعالى
أبو سامي العبدان
حسن التمام
(17 - رجب - 1439 هجري)
المقدمة
الحمد لله وبه أستعين، وصلِّ اللهمّ على خير خلقك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، الذين كانوا على صلاتهم يحافظون، أما بعد:
فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربِّه، الوالي محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي، سألني جماعة من إخواننا الموحِّدين لربِّ العالمين، المتمسكين بسنة النبيّ الأميّ عن حكم تارك الصلاة عمدًا أهو كافر أم هو من عصاة المسلمين؟ وما هو عقابه في شريعة ربّ العالمين؟
فوجب عليّ أن أجيبهم بما يروي الغليل، ويشفي العليل، فأقول وبالله التوفيق.
الفصل الأول
أدلة كفر تارك الصلاة
أنقله من "كتاب الصلاة" لابن القيم، وربّما أضيف إلى كلامه زيادة إن شاء الله تعالى، قال الحافظ شمس الدين محمد بن أبي بكر المشهور بابن القيم
(1)
:
أدلة الكتاب العزيز:
قال الله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ. إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ. أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ. سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ. أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ. يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 35 - 43]، فوجه الدلالة من الآية أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته ولا بحكمه ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم ضد المسلمين، فقال:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، وأنهم يدعون إلى
(1)
في كتابه "الصلاة وأحكام تاركها"(ص 49 - 50)
السجود لربهم تبارك وتعالى، فيحال بينهم وبينه فلا يستطيعون السجود مع المسلمين، عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا، وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين، الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون كصياصي
(1)
البقر، ولو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود كما أذن للمسلمين.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 38 - 47]، فلا يخلو إما أن يكون كل واحد من هذه الخصال هو الذي سلكهم في سقر وجعلهم من المجرمين، أو مجموعها: فإن كان كل واحد منها مستقلا بذلك فالدلالة ظاهرة، وإن كان مجموع الأمور الأربعة فهذا إنما هو لتغليظ كفرهم وعقوبتهم، وإلا فكل واحد منها مقتض للعقوبة إذ لا يجوز أن يضم ما لا تأثير له إلى ما هو مستقل بها.
ومن المعلوم أن ترك الصلاة وما ذكر معه ليس شرطًا على التكذيب بيوم الدين، بل هو وحده كاف في العقوبة، فدل على أن كل وصف ذكر معه كذلك، إذ لا يمكن لقائل أن يقول: لا يعذب إلا من جمع هذه الأوصاف الأربعة! فإذا كان كل واحد منها موجبا للإجرام، وقد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين كان تارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر، وقد قال:{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر: 47، 48]، وقال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29]، فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين.
الدليل الثالث: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56]، فوجه الدلالة أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور، فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة، والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها.
(1)
في المطبوع من هذه الرسالة النافعة، وأيضا في "الصلاة" لابن القيم (كميامن البقر)، والصواب ما أثبته، ويشير إلى الحديث الصحيح الذي أخرجه إسحاق بن راهويه كما في "المطالب العالية"(4539)، و "إتحاف الخيرة"(7684)، وعبد الله بن أحمد في "السنة"(1203)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(278) و (281)، وابن خزيمة في "التوحيد" 2/ 583 - 584، والطبراني 9/ (9763)، والآجري في "الشريعة"(610)، والدارقطني في "الرؤية"(161) و (162)، والحاكم في "المستدرك" 2/ 376 و 4/ 589 - 592، وصححه، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(842)، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة"(29)، والبيهقي في البعث والنشور (434) من حديث ابن مسعود الطويل في حشر الخلائق يوم القيامة، وفيه "ويبقى أهل الِإسلام جثوما، فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد، قال: فيقول: فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا وبينه علامة، إن رأيناه عرفناه، قال: وما هي؟ قالوا: الساق، فيكشف عن ساق، قال: فيحني كل من كان لظهر طبق ساجدا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر، يريدون السجود فلا يستطيعون
…
الحديث".
ومعنى (صياصي البقر) أي قرونها، واحدتها صيصية. قاله ابن الأثير في "النهاية" 3/ 67.
الدليل الرابع: قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5] وقد اختلف السلف في معنى السهو عنها، فقال سعد بن أبي وقاص، ومسروق بن الأجدع، وغيرهما: هو تركها حتى يخرج وقتها.
روي في ذلك حديث مرفوع، قال محمد بن نصر المروزي: حدثنا
سفيان
(1)
بن أبي شيبة، حدثنا عكرمة بن إبراهيم، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، عن أبيه:"أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين هم عن الصلاة ساهون، قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها"
(2)
.
وقال حماد بن زيد: حدثنا عاصم، عن مصعب بن سعد، قال:"قلت: لأبي يا أبتا أرأيت قول الله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أينا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟ قال: إنه ليس ذاك ولكنه إضاعة الوقت" سنن البيهقي
(3)
.
وقال حيوة بن شريح: أخبرني أبو صخر، أنه سأل محمد بن كعب القرظي عن قوله:{الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قال: هو تاركها. ثم سأله عن الماعون قال: منع المال عن حقه.
إذا عرف هذا، فالوعيد بالويل اطَّرد في القرآن للكفار، كقوله:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 6، 7] وقوله: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا - إلى قوله - مُهِينٌ} [الجاثية: 7، 8]، وقوله:{وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم: 2]، إلا في موضعين وهما {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] و {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، فعلق الويل بالتطفيف وبالهمز واللمز، وهذا لا يكفر به بمجرده، فويل تارك الصلاة إما أن يكون ملحقا بويل الكفار أو بويل الفساق، فإلحاقه بويل الكفار أولى لوجهين:
الأول: أنه قد صح عن سعد بن أبي وقاص في هذه الآية أنه قال: "لو تركوها لكانوا كفارا ولكن ضيعوا وقتها"
(4)
.
الثاني: ما سنذكر من الأدلة على كفره يوضّحه:
الدليل الخامس: وهو قوله سبحانه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].
قال عبد الله بن مسعود:
"غي: واد في جهنم بعيد القعر"
(5)
.
فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات، ولو كان مع عصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار، ولم
(1)
كذا في المطبوع من هذه الرسالة النافعة، وأيضا في "الصلاة" لابن القيم، وهو تصحيف، وصوابه: شيبان بن أبي شيبة، وهو ابن فروخ: وثّقه الإمام أحمد، وغيره، وقال أبو زرعة: صدوق.
(2)
ضعيف مرفوعا - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(42)، وأبو يعلى (822)، وابن أبي حاتم في "العلل"(536)، والدولابي في "الكنى"(1445)، وابن المنذر في "الأوسط والاجماع"(1081)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(2276)، والبيهقي 2/ 214 عن شيبان بن أبي شيبة، والبزار (1145) من طريق يحيى بن حسان، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 377، والطبري في "التفسير" 24/ 632 - 633 من طريق عمرو بن الربيع بن طارق، والبيهقي 2/ 214 من طريق حرمي بن حفص القسملي، أربعتهم عن عكرمة بن إبراهيم به.
وقال أبو زرعة:
"هذا خطأ، والصحيح موقوف".
وقال البزار:
"وهذا الحديث قد رواه الثقات الحفاظ، عن عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، عن أبيه موقوفا، ولا نعلم أسنده إلا عكرمة بن إبراهيم، عن عبد الملك بن عمير، وعكرمة لين الحديث" وقال العقيلي:
"وقال الثوري وحماد بن زيد وأبو عوانة وقيس بن الربيع عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب ابن سعد، عن أبيه موقوفا.
وروى الأعمش عن مصعب بن سعد، عن أبيه موقوفا أيضا.
ورواه حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه موقوفا أيضا، والموقوف أولى.
ورواه ابن عيينة عن موسى الجهني، عن مصعب بن سعد، عن أبيه موقوفا أيضا".
وصوّب وقفه الدارقطني في "العلل"(592).
(3)
إسناده حسن - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(43)، وأبو يعلى (704) من طريق حماد بن زيد، وابن أبي شيبة 1/ 316 من طريق سفيان، والطبري 24/ 630 - 631 من طريق هشام الدستوائي، والبيهقي 2/ 214 من طريق أبان بن يزيد، أربعتهم تاما ومختصرا عن عاصم بن بهدلة به. وانظر التعليق الذي قبله حاشية رقم (4).
(4)
لم أجده - وهذا إنما ذكروه عن عبد الله بن مسعود:
أخرجه العدني في "الإيمان"(26)، وعبد الله بن أحمد في "السنة"(773)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(62) و (938)، والخلال في "السنة"(1385) و (1390)، والطبري في "التفسير" 18/ 216، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(1924)، وابن المنذر في "الأوسط"(1079)، والطبراني 9/ (8938) و (8939) و (8940)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(886)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1532) و (1533) و (1534)، وابن عبد البر في "التمهيد" 4/ 230 بإسناد منقطع.
(5)
إسناده ضعيف - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(35)، والطبري في "التفسير" 18/ 218، والطبراني 9/ (9111)، والحاكم 2/ 374، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 206، والبيهقي في "البعث والنشور"(470) من طريق شعبة، وأسد بن موسى في "الزهد"(11)، والطبراني (9106) عن إسرائيل، وأسد بن موسى في "الزهد"(12)، والطبراني (9107) عن قيس بن الربيع، وهناد في "الزهد"(276)، والطبري في "التفسير" 18/ 218، والطبراني (9110) من طريق سفيان، أربعتهم عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، في هذه الآية " {فسوف يلقون غيا} [مريم: 59] قال: نهر في جهنم خبيث الطعم، بعيد القعر".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وأقره الذهبي!
قلت: إسناده منقطع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
وأخرجه المعافى بن عمران في "الزهد"(176)، وأسد بن موسى في "الزهد"(14)، وابن أبي الدنيا في "صفة النار"(38)، والطبري في "التفسير" 18/ 218، والطبراني 9/ (9108)، والبيهقي في "البعث والنشور"(471) عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه، قال:"الغي نهر في جهنم يقذف فيه الذين اتبعوا الشهوات".
وأخرجه الطبراني (9109) من طريق شريك، عن أبي إسحاق به، وفيه "واد في جهنم من قيح".
وله طريق أخرى عن أبي عبيدة:
أخرجه أسد بن موسى في "الزهد"(13)، ومن طريقه الطبراني 19/ (1112) حدثنا مروان ابن معاوية، عن العلاء بن المسيب، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال:"هو نهر في النار يقال له غي".
وأخرجه الطبراني (9113) من طريق خلف بن خليفة، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، عن أبي عبيدة به.
يكونوا في هذا المكان الذي هو أسفلها، فإن هذا ليس من أمكنة أهل الإسلام، بل من أمكنه الكفار، ومن الآية دليل آخر وهو قوله تعالى:{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [مريم: 59، 60]، فلو كان مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان وأنه يكون تحصيلا للحاصل.
الدليل السادس: قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]، فعلّق أخوتهم للمؤمنين
(1)
بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوا، لم يكونوا إخوة للمؤمنين فلا يكونوا مؤمنين، لقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
الدليل السابع: قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى. وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31، 32]، فلما كان الإسلام تصديق الخبر، والانقياد للأمر جعل سبحانه له ضدين: عدم التصديق، وعدم الصلاة، وقابل التصديق بالتكذيب والصلاة بالتولي، فقال:{وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فكما أن المكذِّب كافر، فالمتولِّي عن الصلاة كافر، فكما يزول الإسلام بالتكذيب، يزول بالتولّي عن الصلاة.
قال سعيد: عن قتادة {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} : لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله، ولكن كذب بآيات الله، وتولّى عن طاعته {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى. ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34، 35]، وعيد على إثر وعيد.
الدليل الثامن: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9].
قال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح، يقول: هي الصلاة المكتوبة.
ووجه الاستدلال بالآية أن الله حكم بالخسران المطلق لمن ألهاه ماله وولده عن الصلاة، والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار، فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه فآخر أمره إلى الربح، يوضّحه أنه سبحانه وتعالى أكّد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد:
الأول: إتيانه بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل الدال على التجدد والحدوث.
الثاني: تعريف
(2)
الاسم بالألف
(1)
تمام الكلام كتب في الحاشية، فأثبته في الأصل إذ هو نفسه كلام ابن القيم إلا أن يكون الشيخ اختصره، فألحقه غيرُه بالحاشية!
(2)
كذا في "المطبوع"، وفي "الصلاة" لابن القيم (تصدير).
واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم، فإنك إذا قلت: زيد العالم الصالح أفاد ذلك إثبات كمال ذلك له بخلاف قولك عالم صالح.
الثالث: إتيانه سبحانه بالمبتدأ والخبر معرفتين وذلك من علامات انحصار الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] و [آل عمران: 104] و [التوبة: 88] و [النور: 51] و [الروم: 38] و [لقمان: 5]، وقوله تعالى:{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254]، وقوله {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4، 74]، ونظائره.
الرابع: إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر وهو يفيد مع الفصل فائدتين أخريين: قوة الاسناد، واختصاص المسنَد إليه بالمسند، كقوله:{وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحج: 64]، وقوله:{وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة: 76]، وقوله:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى: 5]، ونظائر ذلك.
الدليل التاسع: قوله سبحانه: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]،
ومن أعظم التذكير بآيات الله: التذكير بآيات الصلاة، فمن ذُكِّر بها ولم يتذكر، ولم يصلِّ لم يؤمن بها، لأنه سبحانه خصّ المؤمنين بها بأنهم أهل السجود، وهذا من أحسن الاستدلال وأقربه، فلم يؤمن بقوله تعالى:
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} إلا من التزم إقامتها.
الدليل العاشر: قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 48، 49]، ذكر هذا بعد قوله:{كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} ، ثم توعدهم على ترك الركوع: وهو الصلاة إذا دعوا إليها، ولا يقال: إنما توعدهم على التكذيب، فإنه سبحانه وتعالى إنما أخبر عن تركهم لها وعليه وقع الوعيد.
على أنا نقول لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها أصلا، فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقًا تصديقًا جازمًا أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشدّ العقاب، وهو مع ذلك مصرٌ على تركها، هذا من المستحيل قطعًا، فلا يحافظ على تركها مصدقٌ بفرضها أبدًا فإن الايمانَ يأمر صاحبَه بها، فحيث لم يكن في قلبه ما يأمر بها،
فليس في قلبه شيء من الإيمان،
ولا تُصغ إلى كلام من ليس له خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها، وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له من الفعل.
وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق، وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن يقوم بقلب العبد إيمانٌ جازمٌ لا يتقاضاه فعلُ طاعةٍ ولا ترك معصيةٍ، ونحن نقول: الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التصديق مجرد اعتقاد صدق المخبر دون الانقياد له، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين.
وقد قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33]، أي: يعتقدون أنك صادق {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33]، والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14]، وقال موسى لفرعون:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102]، وقال تعالى في اليهود:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]، وأبلغ من هذا قول النفرين اليهوديين لما جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسألاه عما دلهما على نبوته فقالا نشهد أنك نبي فقال:"ما يمنعكما من اتباعي" قالا إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود.
(1)
، فهؤلاء قد أقروا بألسنتهم إقرارا مطابقًا لمعتقدهم أنه نبيٌ، ولم يدخلوا بهذا التصديق والإقرار في الإيمان، لأنهم لم يلتزموا الطاعةَ والانقياد لأمره.
ومن هذا كفرُ أبي طالب فإنه عرف حقيقةَ المعرفة أنه صادقٌ وأقرّ بذلك بلسانه وصرّح به في شعره، ولم يدخل بذلك في الإسلام، فالتصديقُ إنما يتم بأمرين:
أحدهما: اعتقاد الصدق.
والثاني: محبة القلب وانقياده.
ولهذا قال تعالى لإبراهيم: {يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 104، 105]، وإبراهيم كان معتقدًا لصدق رؤياه من حين رآها، فإن رؤيا
(1)
ضعيف - أخرجه الترمذي (2733) و (3144)، والنسائي (4078)، وفي "الكبرى"(3527) و (8602)، وابن ماجه (3705)، وأحمد 4/ 239 و 240، والطيالسي (1260)، وابن أبي شيبة 8/ 562 و 14/ 289، وفي "المسند"(880)، وفي "الأدب"(3)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(6212) و (16161)، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 261، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2465)، والطحاوي 3/ 215، وفي "شرح مشكل الآثار"(63) و (64) و (65)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 11، والطبراني 8/ (7396)، وابن المقرئ في "تقبيل اليد"(4)، والحاكم 1/ 9، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 97، والبيهقي 8/ 166، وفي "دلائل النبوة" 6/ 268 من طرق عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن صفوان بن عسال، قال: "قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فقال صاحبه: لا تقل نبي، إنه لو سمعك كان له أربعة
أعين، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألاه عن تسع آيات بينات؟ فقال لهم: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت. قال: فقبلوا يديه ورجليه، فقالا: نشهد أنك نبي، قال: فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قالوا: إن داود دعا ربه أن لا يزال من ذريته نبي، وإنا نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود".
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
وقال الحاكم:
"صحيح لا نعرف له علة" وأقره الذهبي!
قلت: إسناده ضعيف، قال النسائي:
هذا حديث منكر، حكي عن شعبة قال: سألت عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة، فقال: تعرف وتنكر.
وقال البخاري: لا يتابع في حديثه.
وقال أبو حاتم: تعرف وتنكر.
وقال شعبة: روى عبد الله بن سلمة هذا الحديث بعد ما كبر - أي بعد تغير حفظه.
الأنبياء وحي
(1)
وإنما جعله مصدقا لها بعد أن فعل ما أُمر به.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه"
(2)
.
فجعل التصديق عمل الفرج لا ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في أن التصديق لا يصح إلا بالعمل.
وقال الحسن: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
وقد روي هذا مرفوعا
(3)
والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة والوعد على فعلها، والوعيد على تركها، وبالله التوفيق.
توضيح هذه الأدلة العشرة:
قال محمد تقي الدين: قد أقام الحافظ ابن القيم رحمه الله عشرة أدلة من كتاب الله على كفر تارك الصلاة كسلا مع اعترافه بوجوبها، وسأحاول أن أعيد ذكر هذه الأدلة بعبارة، أرجو أن تكون أسهل على فهم أهل هذا الزمان، وخصوصا العامة، وسألتزم الاختصار.
الدليل الأول: قال تعالى في سورة القلم من الآية 35 إلى الآية 43
{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: 35]، حاصل معنى ما ذكره أن الله قسم الناس إلى مسلمين ومجرمين، وأخبر أن عدله وحكمته يقتضيان إكرام المسلمين في الدنيا والآخرة، وأخبر أن تارك الصلاة ولو صلاة واحدة حتى يخرج وقتها من المجرمين، وأنه يدعى يوم القيامة إلى السجود فإذا أراد أن يسجد صار ظهره طبقة واحدة فعجز عن السجود، وسقط على ظهره، لأنه يدعى إلى السجود في الدنيا فيمتنع منه، ومن كان من المجرمين لا يكون من المسلمين، وليس هناك قِسْم ثالث، فهذا وجه استدلاله رحمه الله.
الدليل الثاني: قوله تعالى في سور المدثر الآية 38 إلى الآية 47، حاصل هذا الدليل أن الله تعالى أخبرنا أن أهل النار يُقال لهم ما الذي أدخلكم جهنم؟
فيخبرون بارتكابهم أربعة ذنوب:
الأول: أنهم لم يكونوا من المصلين.
الثاني: أنهم لم يكونوا يطعمون المسكين.
الثالث: أنهم كانوا يخوضون مع
(1)
صحيح موقوفًا - أخرجه ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" 7/ 24 حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أبو عبد الملك الكرندي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسرائيل بن يونس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رؤيا الأنبياء في المنام وحي".
وهذا إسناد ضعيف، أبو عبد الملك الكرندي: لم أجده، ورواية سماك عن عكرمة: مضطربة، وقد رواه عن سعيد بن جبير موقوفا:
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(463)، وأحمد بن منيع كما في "المطالب العالية"(2851)، والطبري في "التفسير"(18778) و (18779)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(11328)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(5761)، والطبراني 12/ (12302)، والحاكم 2/ 431 و 4/ 396 من طريق الثوري، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفًا.
وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين" وأقره الذهبي!
وقال في موضع آخر على شرط مسلم، وهو كما قال، فلم يحتج البخاري بسماك.
(2)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
ضعيف جدا - أخرجه السلمي في "الأربعين"(7) من طريق محمد بن إسماعيل الصائغ، وابن بشران في "الأمالي"(1224) من طريق أبي علي الحسن بن أحمد بن الليث الرازي، وابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" 2/ 34 من طريق السري بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، ثلاثتهم عن عبد السلام بن صالح، حدثنا يوسف بن عطية، عن قتادة، عن الحسن، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، والعلم علمان: علم باللسان، وعلم بالقلب، فعلم القلب النافع، وعلم اللسان حجة الله على ابن آدم".
وأخرجه أبو نعيم في "الأربعين على مذهب المتحققين"(43) حدثنا أبو الحسن سهل بن عبد الله التستري، حدثنا الحسين بن إسحاق، حدثنا عبد السلام بن صالح بمكة، حدثنا يوسف بن عطية، حدثنا قتادة، عن أنس به.
ليس فيه الحسن، والحديث مداره بإسناديه على يوسف بن عطية وهو الصفار: متروك الحديث.
وعبد السلام بن صالح هو أبو الصلت الهروي: قال الذهبي: واه شيعي، متهم مع صلاحه.
وأخرجه أحمد في "الزهد"(1483)، وابن أبي شيبة 11/ 22 و 13/ 504، وفي "الإيمان"(93) من طريق جعفر بن سليمان، قال: حدثنا زكريا، قال: سمعت الحسن، يقول:
"إن الإيمان ليس بالتحلي، ولا بالتمني، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل".
وهذا إسناد تالف، زكريا هو ابن حكيم الحبطي البصري، قال الذهبي في "الميزان" 2/ 72:
"قال علي بن المديني: هالك".
وقال ابن حبان: يروي عن الأثبات ما لا يشبه أحاديثهم حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد.
وأخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(1094) من طريق عباس الدوري، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا أبو عبيدة الناجي، عن الحسن به.
وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو عبيدة الناجي: متروك.
وأخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى"(1093)، والبيهقي في "الشعب"(65)، والخطيب في "اقتضاء العلم العمل"(56)، وابن العديم في "بغية الطلب" 10/ 4336 من طريق عبيد الله ابن موسى، أخبرنا أبو بشر الحلبي، عن الحسن بأتم منه.
وهذا إسناد جيد، أبو بشر الحلبي: قال الإمام أحمد: ليس به بأس.
وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" 6/ 294: صالح.
وذكره ابن حبان في "الثقات" 7/ 239.
وعبيد الله بن موسى هو باذام: ثقة.
فهذه الجملة ثابتة عن الحسن البصري، ولا تصحّ نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أشار إلى هذا ابن القيم إذ صدرّه بصيغة التمريض.
الخائضين، والخوض هو الكفر بآيات الله، والاستهزاء بها.
الرابع: أنهم كانوا يكذّبون بالبعث. ولا يمكن أن يكون دخولهم النار متوقفًا على هذه السيئات كلها، بل كل واحد منها موجب لدخول النار، وأوّلها ترك الصلاة، وقوله تعالى {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} يدل على خلودهم في النار، ولا يخلد في النار إلا كافر ترك الصلاة كفرا.
الدليل الثالث: قوله تعالى في سورة النور رقم 56، حاصله أن الله تعالى شرط لرحمته ثلاثة أمور:
الأول: إقامة الصلاة.
الثاني: إعطاء الزكاة.
الثالث: طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. فمن ترك واحدا منها لا تناله رحمة الله، ومن لم تنله رحمة الله فهو كافر.
الدليل الرابع: قوله تعالى في سورة الماعون {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]، استدل به ابن القيم رحمه الله على كفر تارك الصلاة بحديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات وموقوفها عليه في بعضها
(1)
أن السهو عنها ترْكها حتى يخرج وقتها.
الدليل الخامس: قوله تعالى في سورة مريم رقم 59 و 60 {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 59، 60]، وبيان ذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن غيا واد في جهنم بعيد القعر
(2)
، يعني في أسفل جهنم، والمؤمن لا يكون في الطبقة السفلى من جهنم.
والوجه الثاني: أن الله تعالى قال: {إلا من تاب وآمن} وهو دليل أنه ليس بمؤمن، لأن المؤمن لا يطلب منه أن يؤمن فدلّ ذلك على أنه كافر، وطلب الإيمان من المؤمن من تحصيل الحاصل، وهو محال،
(1)
تقدّم في الحاشية رقم (4) أنه لا يصح مرفوعًا، وبيّنت في الحاشية رقم (5) أن إسناده حسن موقوفا على سعد بن أبي وقاص.
(2)
إسناده ضعيف - وانظر بيان ضعفه في الحاشية رقم (7).
وبيانه أن كل شيء موجود لا يطلب وجوده.
الدليل السادس: قوله تعالى في سورة التوبة رقم 11 {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11]، وبيانه أن الله شرط لأخوّة المشركين للمؤمنين، ثلاثة شروط:
الأول: التوبة من الشرك.
الثاني: إقامة الصلاة، أي: أدائها بشروطها، ومن أخرجها عن وقتها لا يكون مقيمًا لها، ومن لم تثبت له أخوة المؤمنين فهو من الكافرين.
(1)
الدليل السابع: قوله تعالى في سورة القيامة رقم 31 و 32 {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى. وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31، 32]، قال ابن القيم رحمه الله: الإسلام أمر أن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به والانقياد لأمره، فمن لم يصدقه فهو كافر، وكذبك من امتنع من الانقياد لأمره بترك الصلاة فهو كافر، وقد جمعهما الله تعالى، فلا سبيل إلى التفرقة بينهما.
الدليل الثامن: قوله تعالى في سورة المنافقين رقم 9 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]، قال عطاء بن أبي رباح المراد بذكر الله هنا الصلوات المكتوبة، وقد حكم الله على من شغله ماله وولده وغير ذلك من شواغل الدنيا بالخسران المطلق، والخسران المطلق لا يكون إلا للكافر، قال تعالى في سورة الزمر:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15]، وقد أكّد الله تعالى خسرانهم بالتعريف بالألف واللام، وبالجملة الإسمية، وصيغة الحصر، وضمير الفصل وهو (هم)، فتمّ لهم الخسران المطلق، ولا يتم إلا للكافر.
الدليل التاسع: قوله تعالى في سورة السجدة رقم 15 {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا
(1)
ترك المصنف ذكر الشرط الثالث لأنه واضح، وهو إيتاء الزكاة.
ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]، وبيان الاستدلال بهذه الآية أن الله تعالى حصر الإيمان بآياته في الذين إذا ذُكِّروا بالصلاة صلوا، فمن ذُكِّر بها ولم يسجد ولم يصلِّ فليس بمؤمن، وهذا من أحسن الاستدلال.
الدليل العاشر: قوله تعالى في سورة المرسلات رقم 48 و 49 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 48، 49]، قد شرحه الإمام ابن القيم بما لا يحتاج إلى مزيد.
* * *
الفصل الثاني
دلائل السنة على كفر تارك الصلاة
الدليل الأول: ما رواه مسلم في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ" رواه أهل السنن، وصححه الترمذي
(1)
.
(1)
هذا حديث صحيح، وله طرق عن جابر:
الطريق الأول - أخرجه مسلم (82)، والترمذي (2618)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(886)، وابن منده في "الإيمان"(219)، والبيهقي 3/ 365 - 366،
وفي "الشعب"(2536) من طريق جرير، والترمذي (2618) من طريق أبي معاوية، والترمذي (2619)، وأبو عوانة (173) من طريق أسباط بن محمد، وأحمد 3/ 370، والخلال في "السنة"(1376)، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 256 من طريق أبي إسحاق الفزاري، وابن أبي شيبة 11/ 33، وفي "الإيمان"(45)، وابن الأعرابي في "المعجم"(507) عن عبيدة بن حميد، وعبد الله بن أحمد في "السنة"(767)، والخلال في "السنة"(1375)، وأبو يعلى (2102)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3175)، وأبو عوانة (174)،
وابن حبان (1453)، وإبراهيم بن عبد الصمد في "أماليه"(16)، وابن منده في "الإيمان"(219)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(869)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1515)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 178 من طريق سفيان الثوري، وأبو يعلى (1953) من طريق إسماعيل بن زكريا، وأبو عوانة (173)، وابن منده في "الإيمان"(219) من طريق أبي عوانة، وأبو عوانة (177) من طريق محمد بن فضيل، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 121 من طريق فضيل بن عياض، والطبراني في "الأوسط"(5289)، وفي "الصغير"(799)، ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد" 3/ 377 من طريق هدبة بن المنهال، كلهم جميعا عن الأعمش، عن أبي سفيان، قال: سمعت جابرا، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
وفي لفظ "بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".
وفي لفظ "بين الكفر والإيمان ترك الصلاة".
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح، وأبو سفيان اسمه: طلحة بن نافع".
الطريق الثاني - أخرجه مسلم (82)، والنسائي (464)، وفي "الكبرى"(328)، والدارمي (1233)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(888)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3178)، وأبو عوانة (171)، والآجري في "الشريعة"(266)، وابن الأعرابي (1465)، وابن منده في "الإيمان"(217)، والبيهقي 3/ 366، وفي "السنن الصغير"(560)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1516) و (1517) من طريق ابن جريج،
وأبو داود (4678)، والترمذي (2620)، وابن ماجه (1078)، وعبد الرزاق (5009)، وابن أبي شيبة 11/ 33، وفي "الإيمان"(44)، وعبد بن حميد (1022) -المنتخب،
وعبد الله بن أحمد في "السنة"(768)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(887)، والخلال في "السنة"(1373)، وأبو عوانة (172)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3176)، وإبراهيم بن عبد الصمد في "أماليه"(15)، وابن منده في "الإيمان"(218)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(868) و (870)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(267)، وتمام في "الفوائد"(1292)، والدارقطني 2/ 396 و 398، والبغوي في "شرح السنة"(347) من طريق سفيان الثوري، وأحمد 3/ 389، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1513) من طريق موسى بن عقبة، وعبد الرزاق (5007)، وعنه عبد بن حميد (1043)، والمروزي (890) عن عمر بن زيد، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3177) من طرق ابن لهيعة، والآجري في "الشريعة"(267) من طريق ليث،
ستتهم عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
الطريق الثالث - أخرجه أبو يعلى (1783)، وفي "المعجم"(179)، والمروزي (892)، والآجري في "الشريعة"(265)، والطبراني في "الصغير"(374)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(266)، والبيهقي 3/ 366 عن أبي الربيع سليمان بن داود الزهراني قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة".
رجاله رجال الصحيحين، وإسناده على شرط مسلم، وقال الطبراني: تفرد به أبو الربيع. وليس كما قال رحمه الله تعالى، فقد قال البيهقي: وكذلك رواه محمد بن عبد الله
الرقاشي عن حماد بن زيد.
الطريق الرابع - أخرجه المروزي (893)، والخلال في "السنة"(1379)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(876)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1538) من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني أبان بن صالح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت له: "ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الصلاة".
وهذا إسناد حسن.
الطريق الخامس - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(5006) عن معمر، عن قتادة، أن جابر بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"ليس بين أحدكم وبين أن يكفر إلا أن يدع صلاة مكتوبة".
وهذا إسناد منقطع، قتادة لم يسمع من جابر رضي الله عنه.
وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(4126)، وفي "مسند الشاميين"(2744) من طريق سعيد ابن بشير، عن قتادة، عن سليمان بن يسار، عن جابر بن عبد الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما بين الرجل والشرك والكفر إلا ترك الصلاة".
وهذا إسناد ضعيف، قتادة مدلس، ونفى ابن معين سماعه من سليمان بن يسار.
وسعيد بن بشير: ضعيف.
الطريق السادس - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(889) حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني، قال: حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه، عن أبيه عقيل، عن وهب بن منبه، قال:
"هذا ما سألت عنه جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما فأخبرني سألته في المصلين من طواغيت؟ قال: لا وسألته: هل فيهم من مشرك؟ قال: لا، وأخبرني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: بين الشرك والكفر ترك الصلاة. وسألته: أكانوا يدعون الذنوب شركا؟ قال: معاذ الله ولم يكن يدعون في المصلين مشركا".
وهب بن منبه: قال ابن معين: لم يلق جابر بن عبد الله إنما هو كتاب. وقال في موضع آخر: هو صحيفة ليست بشيء.
الطريق السابع - أخرجه أبو يعلى (2191) من طريق أبي أسامة، وأبو نعيم في "الحلية" 6/ 276 من طريق عبد الله بن رجاء البصري، كلاهما عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بين الرجل والكفر ترك الصلاة".
هشام بن حسان: في روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل: كان يرسل عنهما كما في "التقريب"، وينظر "طبقات المدلسين"(110).
الطريق الثامن - أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة"(770) من طريق شيبان، والطبراني في "الأوسط"(7683) من طريق مندل بن علي، كلاهما عن ليث، عن عطاء، عن جابر،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"بين الرجل وبين الشرك أن يترك الصلاة وبين الرجل وبين الكفر أن يترك الصلاة".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن ليث، عن عطاء إلا مندل بن علي".
قلت: وليس كما قال رحمه الله تعالى، فقد توبع مندل عليه، تابعه شيبان بن عبد الرحمن، وليث هو ابن أبي سليم: ضعيف.
وله شاهد من حديث أنس بن مالك:
أخرجه ابن ماجه (1080)، وعبد الله بن أحمد في "السنة"(732)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(897) و (898)، من طريق عمرو بن سعد، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(899) و (900)، وأبو يعلى (4100)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(882) من طريق عكرمة بن عمار، كلاهما عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك".
وفي إسناده يزيد الرقاشي: ضعيف.
وله طريقان آخران عن أنس:
الطريق الأول - أخرجه ابن الأعرابي في "المعجم"(270) حدثنا محمد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا أمية بن خالد، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة".
فيه عنعنة قتادة.
الطريق الثاني - أخرجه الطبراني في "الأوسط"(3348) حدثنا جعفر قال: حدثنا محمد بن أبي داود الأنباري قال: حدثنا هاشم بن القاسم، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس،
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر جهارا".
وقال الطبراني:
"لم يروه عن أبي جعفر الرازي إلا هاشم بن القاسم، تفرد به محمد بن أبي داود".
وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 295:
"رجاله موثقون، إلا محمد بن أبي داود، فإني لم أجد من ترجمه، وقد ذكر ابن حبان في الثقات محمد بن أبي داود البغدادي، فلا أدري هو هذا أم لا".
قلت: أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان: سيء الحفظ، وأما محمد بن أبي داود فهو أبو هارون محمد بن سليمان الأنباري من رجال أبي داود: صدوق.
وأبو النضر هاشم بن القاسم: خالفه ابن الجعد فرواه عن أبي جعفر، عن الربيع مرسلا كما في "العلل"(2446) للدارقطني، وقال:
"والمرسل أشبه بالصواب".
الدليل الثاني: ما رواه [بريدة بن الحصيب]
(1)
الأسلمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ" رواه الإمام أحمد، وأهل السنن
(2)
، وقال الترمذي:"حديث صحيح".
إسناده على شرط مسلم.
(1)
في المطبوع (يزيد بن الحبيب) وهو تحريف.
(2)
صحيح - أخرجه الترمذي (2621)، وابن ماجه (1079)، وأحمد 6/ 346، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(895) و (896)، والدارقطني 2/ 395، وابن المقرئ في "المعجم"(1046)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1519) و (1520)، والحاكم 1/ 6 - 7، والبيهقي 3/ 366 عن علي بن الحسن بن شقيق، وابن أبي شيبة 11/ 34، وفي "الإيمان"(46)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1518) عن يحيى بن واضح، والترمذي (2621)، والمروزي (894)، والنسائي (463)، وفي "الكبرى"(326)، وابن حبان (1454)، والحاكم 1/ 6 - 7، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1518)، وابن عبد البر في "التمهيد" 4/ 230 من طريق الفضل بن موسى، والترمذي (2621) من طريق علي بن الحسين بن واقد، وأحمد 5/ 355، وعنه ابنه عبد الله في "السنة"(769)، والخلال في "السنة"(1374)، والآجري في "الشريعة"(268)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(874)، واللالكائي (1518)، والبيهقي 3/ 366، وفي "الشعب"(2538) عن زيد بن الحباب، خمستُهم عن الحسين بن واقد، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه به.
وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجه من الوجوه، فقد احتجا جميعا بعبد الله بن بريدة، عن أبيه، واحتج مسلم بالحسين بن واقد ولم يخرجاه بهذا اللفظ" وأقره الذهبي.
قلت: لم يحتج الإمام مسلم بالحسين بن واقد وهو أحد الثقات إنما أخرج له متابعة، وله طريق أخرى عن عبد الله بن بريدة:
أخرجه ابن عدي في "الكامل" 3/ 448، والدارقطني 2/ 395 من طريق العلاء بن عمران أبي عبد الرحمن، حدثنا خالد بن عبيد العتكي، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثله سواء.
وإسناده ضعيف جدا، خالد بن عبيد العتكي: متروك.
ولم أجد للعلاء بن عمران ترجمة، وذكره ابن حبان في "المجروحين" 1/ 279 فيمن يروي عن خالد بن عبيد، وكذا المزي في "تهذيب الكمال" 8/ 125، والذهبي في "تاريخ الإسلام" 9/ 77.
تنبيه: قوله رواه أصحاب السنن، يوهم أن أبا داود أخرجه، ولم أجده في "سننه"، ولم يعزه المزي إليه في "تحفة الأشراف"(1960).
الدليل الثالث: ما رواه ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك" رواه هبة الله الطبري، وقال:"إسناده صحيح على شرط مسلم"
(1)
.
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1521) أخبرنا محمد بن الحسين الفارسي، قال: حدثنا محمد بن بكار بن إسحاق الدمشقي السكسكي، قال: أخبرنا شعيب بن إسحاق الدمشقي، قال: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا الوليد بن هشام، قال: حدثنا معدان بن أبي طلحة، قال: قلت لثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثنا حديثا ينفعنا الله به فسكت فقلت: حدثنا حديثا ينفعنا الله به قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: فذكره.
وقال العجلوني في " كشف الخفاء" 1/ 337:
"إسناد صحيح".
قلت: بل إسناده ضعيف، محمد بن الحسين الفارسي: ترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 52/ 359 - 360، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
ومحمد بن بكار بن يزيد السكسكي: قاضي بيت لِهْيا، هذا كل ما ذكره ابن عساكر في ترجمته من "تاريخ دمشق" 52/ 157 - 159، وكذا الذهبي في "تاريخ الإسلام" 7/ 663.
الدليل الرابع: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ذكر الصلاة يوما، فقال:"مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا؟ كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ"
(1)
رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو حاتم بن حبان في "صحيحه"، وإنما خصّ هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة.
وفيه نكتة بديعة وهو أن تارك المحافظة على الصلاة إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته، ووزارته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبيّ بن خلف.
(1)
إسناده حسن - أخرجه أحمد 2/ 169، وعنه ابنه عبد الله في "السنة"(782)، والخلال في "السنة"(1196)، وأبو يعلى كما في "إتحاف الخيرة"(766)، وعبد بن حميد (353) - المنتخب، والدارمي (2721)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(58)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3180) و (3181)، وابن حبان (1467)، والطبراني 13/ (163)، وفي "الأوسط"(1767)، وفي "مسند الشاميين"(245)، والآجري في "الشريعة"(275) و (276)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(895)، وابن شاهين في "فضائل الأعمال"(59)، والبيهقي في "الشعب"(2565)، والضياء في "حديث ابن المقرئ"(26) من طرق عن سعيد بن أبي أيوب، حدثني كعب بن علقمة، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو به.
وفي "شرح مشكل الآثار"(3180) ابن لهيعة مقرونا بسعيد بن أبي أيوب، وإسناده حسن، عيسى بن هلال الصدفي: روى عنه جمع، وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 385 - 386، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 6/ 290، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره يعقوب بن سفيان في ثقات التابعين من أهل مصر من "المعرفة والتاريخ" 2/ 515، ووثقه ابن حبان 5/ 213، وحسّن الترمذي إسناد حديث هو أحد رجاله، وباقي رجاله ثقات.
الدليل الخامس: ما رواه عبادة بن الصامت قال: أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"لا تشركوا بالله شيئا، ولا تتركوا الصلاة عمدا، فمن تركها عمدا متعمدا، فقد خرج من الملة"
(1)
رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في "سننه".
(1)
إسناده ضعيف - أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 75، وابن عبد الحكم في "فتوح مصر"(ص 300)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(920)، والطبري في "تهذيب الآثار"(686) - مسند عمر، والشاشي في "مسنده"(1309)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(5290) و (8058)، ومن طريقه اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1522)، والطبراني كما في "جامع المسانيد والسنن"(4867)، و"مجمع الزوائد" 4/ 216، والخطيب البغدادي في "تلخيص المتشابه" 2/ 661، والضياء في "المختارة"(350) و (351) تاما ومختصرا من طريق سعيد بن أبي مريم، أخبرنا نافع بن يزيد، حدثني سيار بن عبد الرحمن، عن يزيد بن قوذر، عن سلمة بن شريح، عن عبادة بن الصامت، قال:
"أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خلال فقال: لا تشركوا بالله شيئا وإن قطعتم وصلبتم، ولا تتركوا الصلاة متعمدين فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة، ولا تركبوا المعصية فإنها سخط الله، ولا تقربوا الخمر فإنها رأس الخطايا، ولا تفروا من الموت والقتل وإن كنتم في فيه، ولا تعص والديك وإن أمراك أن تخرج من الدنيا كلها فاخرج، ولا تضع عصاك عن أهلك وأنصفهم من نفسك" والسياق للشاشي، وعند ابن الحكم ابن لهيعة مقرونا بسعيد بن أبي مريم.
وقال البخاري:
"لا يعرف إسناده".
فتعقبه ابن ماكولا في "تهذيب مستمر الأوهام"(ص 278)، بقوله:
"ابن يونس أعرف بأهل بلده وكان قوله الأشبه وعليه التعويل فيما يورد عن تلك الأعمال".
قلت: يصحّ هذا لو كان البخاري قاله في ترجمة يزيد بن قوذر، أمَا إنه قاله في ترجمة سلمة بن شريح فله وجهه كما لا يخفى، ولهذا قال الذهبي في "الميزان" 2/ 190:
"سلمة بن شريح، عن عبادة بن الصامت: لا يعرف".
وأما ابن حبان فعلى عادته ذكره في "الثقات" 4/ 318!
الدليل السادس: ما رواه معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله"
(1)
رواه الإمام أحمد، ولو كان باقيا على إسلامه لكانت له ذمة الإسلام.
(1)
حسن - أخرجه أحمد 5/ 238 حدثنا أبو اليمان، أخبرنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن معاذ، قال:
"أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: "لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا، فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية فإن بالمعصية حل سخط الله عز وجل، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس، وإذا أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله".
وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 215:
"عبد الرحمن بن جبير بن نفير لم يسمع من معاذ".
وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(921)، والطبراني 20/ (156)، وفي "الأوسط"(7956)، وفي "مسند الشاميين"(2204)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" 9/ 306 من طريق عمرو بن واقد، عن يونس بن حلبس، عن أبي إدريس الخولاني، عن معاذ.
وإسناده ضعيف جدا، عمرو بن واقد: متروك، وتحرّف في مطبوع الحلية إلى هارون بن واقد!
وأخرجه الطبراني 20/ (233) و (234) من طريق بقية بن الوليد، حدثني أبو بكر بن أبي مريم قال: سمعت حريث بن عمرو الحضرمي يحدث، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:"يا معاذ بن جبل، من ترك الصلاة فقد برئت منه الذمة".
وفي لفظ "من ترك الصلاة متعمدا".
وإسناده ضعيف جدا، أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم: قال الدارقطني: متروك.
وله شواهد من حديث أميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأم أيمن، وعمر بن الخطاب، وأبي الدرداء.
أما حديث أميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم:
فأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(3447)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(912)، والطبراني 24/ (479)، والحاكم 4/ 41، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(7518) تاما ومختصرا من طريق يزيد بن سنان، عن سليم بن عامر أبي يحيى، عن جبير بن نفير، عن أميمة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت:
"كنت أصب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه فدخل رجل فقال: أوصني، فقال: لا تشرك بالله شيئا، وإن قطعت وحرقت بالنار، ولا تعصين والديك وإن أمراك أن تخلي عن أهلك ودنياك فتخله، ولا تشربن خمرا فإنها رأس كل شر، ولا تتركن صلاة متعمدا، فمن فعل ذلك برئت منه ذمة الله وذمة رسوله، ولا تفرن يوم الزحف، فمن فعل ذلك باء بسخط من الله، ومأواه جهنم وبئس المصير، ولا تزدادن في تخوم أرضك فمن فعل ذلك يأتي به على رقبته يوم القيامة
من مقدار سبع أرضين، وأنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عصاك عنهم، وأخفهم في الله".
وقال الذهبي:
"سنده واه".
قلت: يزيد بن سنان الرهاوي: ضعيف.
وأما حديث أم أيمن:
فأخرجه أحمد 6/ 421 عن الوليد بن مسلم، وعبد بن حميد (1594) - المنتخب: عن عمر بن سعيد الدمشقي، والبيهقي 7/ 304، وفي "الشعب"(7481) من طريق بشر بن بكر، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(913)، وأبو يعلى كما في "المطالب العالية"(2533)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 35/ 325 - 326 و 60/ 199 من طريق أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني، والخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي"(1700) من طريق يحيى بن صالح الوحاظي، خمستُهم تاما ومختصرا عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن مكحول، عن أم أيمن، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بعض أهله، فقال:
"لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت بالنار، ولا تفر يوم الزحف فإن أصاب الناس موت وأنت فيهم فاثبت، وأطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من مالك، ولا تترك الصلاة متعمدا، فإنه من ترك الصلاة متعمدا، فقد برئت منه ذمة الله، إياك والخمر فإنها مفتاح كل شر، وإياك والمعصية فإنها تسخط الله، لا تنازع الأمر أهله، وإن رأيت أن لك، أنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عصاك عنهم، وأخفهم في الله عز وجل".
وهذا إسناد منقطع، قال البيهقي:"في هذا إرسال بين مكحول وأم أيمن".
وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 62/ 224 من طريق إبراهيم بن زبريق، عن إسماعيل ابن عياش، حدثنا عبيد الله بن عبيد الكلاعي، عن مكحول وسليمان بن موسى، عن أم أيمن به.
وقال الألباني في "الإرواء" 7/ 90:
"وإبراهيم هذا لم أجد له ترجمة".
قلت: إبراهيم بن العلاء بن الضحاك بن زبريق: مستقيم الحديث، مترجم في "تهذيب الكمال" 2/ 161، وسليمان بن موسى هو الدمشقي، الأشدق: قال العلائي في
"جامع التحصيل"(ص 190):
"قال البخاري: لم يدرك سليمان أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الترمذي عنه في العلل".
وقال ابن عساكر:
"وقد روي عن مكحول من وجه آخر مرسلا".
ثم أخرجه في "تاريخه" 60/ 199 - 200 من طريق الحسين المروزي (وهو في زياداته على "البر والصلة" لابن المبارك (106)) حدثنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن يزيد بن جابر، قال: سمعت مكحولا، يقول: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أهله فقال: فذكره مرسلا.
وأخرجه العدني في "الإيمان"(33) حدثنا سفيان، عن ابن عجلان، ويزيد بن يزيد بن جابر، سمعا مكحولا، يقول:
"أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعض أهله، فقال: ولا تتركن صلاة متعمدا، فإنه من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله".
وله طرق عن مكحول يرويه مرسلا:
أ - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(5008) عن محمد بن راشد، أنه سمع مكحولا، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله".
وهذا مرسل جيد، محمد بن راشد هو الخزاعي: صدوق.
ب - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(917) من طريق محمد بن إسحاق، عن مكحول، قال:
"أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أوصى فقال: لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت أو حرقت، ولا تترك الصلاة عمدا فإنه من تركها عمدا برئت منه ذمة الله تعالى".
وأخرجه الخلال في "السنة"(1396) من طريق ابن إسحاق، وفيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للفضل بن العباس وهو يعظه".
وإسناده ضعيف فيه عنعنة محمد بن إسحاق.
جـ - أخرجه هناد في "الزهد" 2/ 483 حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن عجلان، عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بعض أهله، فقال: فذكره مرسلا.
حاتم بن إسماعيل: صدوق، وتابعه ابن عيينة عند العدني في "الإيمان"(33).
وأما حديث أبي الدرداء فهو الذي يأتي بعده.
وأما حديث عمر بن الخطاب:
فأخرجه قوام السنة في "الترغيب والترهيب"(1927) من طريق أبي عبد الرحمن محمد بن مأمون المروزي، حدثنا عون بن منصور المروزي، حدثنا موسى بن بحر الكوفي، حدثنا عمرو ابن الغفار الفقيمي، عن الحسن بن عمرو الفقيمي، حدثنا سعد بن سعيد الأنصاري،
عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر أبي طوالة الأنصاري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من ترك صلاة عمدا متعمدا أحبط الله عمله وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع لله عز وجل توبة".
وإسناده ضعيف جدا، عمرو بن عبد الغفار بن عمرو الفقيمي: قال ابن المديني: " كان رافضيا، رميت بحديثه، وقد كتبت عنه شيئا".
وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، متروك الحديث".
وقال العجلي: "الفقيمي كوفي نزل بغداد متروك وقد رأيته".
وقال العقيلي: منكر الحديث.
وقال ابن عدي: هو متهم إذا روى شيئا في الفضائل، وكان السلف يتهمونه بأنه يضع في فضائل أهل البيت، وفي مثالب غيرهم.
وموسى بن بحر الكوفي: قال الحافظ في "التقريب": "مقبول" يعني حيث يتابع وإلا فلين الحديث كما نصّ عليه في المقدمة.
وعون بن منصور المروزي: لم أجده.
الدليل السابع: ما رواه أبو الدرداء، قال:"أوصاني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن لا أترك الصلاة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة"
(1)
رواه عبد الرحمن ابن أبي حاتم في سننه.
(1)
حسن - أخرجه ابن ماجه (3371) و (4034)، والبخاري في "الأدب المفرد"(18)، وابن أبي عاصم في "الجهاد"(276)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(911)،
والطبري في "تهذيب اللآثار"(684) - مسند عمر، والطبراني كما في "المجمع" 4/ 216 - 217، وتمام في "الفوائد"(1791)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1524)، والبيهقي في "الشعب"(5200) تاما ومختصرا من طريق راشد أبي محمد الحماني، عن شهر ابن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال:
"أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسع: لا تشرك بالله شيئا؛ وإن قطعت أو حرقت، ولا تتركن الصلاة المكتوبة متعمدا، ومن تركها متعمدا برئت منه الذمة، ولا تشربن الخمر، فإنها مفتاح كل شر، وأطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من دنياك فاخرج لهما، ولا تنازعن ولاة الأمر وإن رأيت أنك أنت، ولا تفرر من الزحف، وإن هلكت وفر أصحابك، وأنفق من طولك على أهلك، ولا ترفع عصاك عن أهلك، وأخفهم في الله عز وجل".
وإسناده ضعيف من أجل شهر بن حوشب: صدوق كثير الإرسال والأوهام كما في "التقريب"، لكن الحديث له شواهد تقدّم الكلام عليها في الحاشية رقم (23) يصير بها الحديث حسنا، والله أعلم.
الدليل الثامن: ما رواه معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة"
(1)
وهو حديث صحيح مختصر ووجه الاستدلال به أنه أخبر أن الصلاة من الإسلام بمنزلة العمود الذي تقوم عليه الخيمة، فكما تسقط الخيمة بسقوط عمودها، فهكذا يذهب الإسلام بذهاب الصلاة، وقد احتج أحمد بهذا بعينه.
(1)
صحيح - أخرجه الترمذي (2616)، وابن ماجه (3973) من طريق عبد الله بن معاذ الصنعاني، والنسائي في "الكبرى"(11330)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(104) مختصرا، وكذا البيهقي في "الشعب"(3079) من طريق محمد بن ثور، وعبد الرزاق كما في "الجامع لمعمر"(20303)، ومن طريقه أحمد 5/ 231، وعبد بن حميد (112 - المنتخب)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(196)، والطبراني 20/ (266)، والبيهقي في "الآداب"(399)، والبغوي في "شرح السنة"(11) ثلاثتهم (عبد الله بن معاذ، ومحمد بن ثور، وعبد الرزاق) عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
"قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت. ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} {حتى إذا بلغ} {يعملون} ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا. قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟ ".
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
فتعقبه الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" 2/ 135، بقوله: "وفيما قاله رحمه الله نظر من وجهين:
أحدهما: أنه لم يثبت سماع أبي وائل من معاذ، وإن كان قد أدركه بالسن، وكان معاذ بالشام، وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمة - كأحمد وغيره - يستدلون على انتفاء السماع بمثل هذا، وقد قال أبو حاتم الرازي في سماع أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه، وكان بالكوفة، وأبو الدرداء بالشام، يعني: أنه لم يصح له سماع منه، وقد حكى أبو زرعة الدمشقي عن قوم أنهم توقفوا في سماع أبي وائل من عمر، أو نفوه، فسماعه من معاذ أبعد.
والثاني: أنه قد رواه حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، خرجه الإمام أحمد مختصرا، قال الدارقطني: وهو أشبه بالصواب، لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه".
قلت: قد جاء بإسناد موصول:
أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات"(3403)، ومن طريق ابن الجعد أخرجه ابن حبان (214)، والطبراني 20/ (122)، وفي "مسند الشاميين"(222) حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن معاذ بن جبل، وعن عمير بن هانئ، سمع عبد الرحمن بن غنم يحدث، أنه سمع معاذ بن جبل يحدث، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له: حدثني بعمل يدخل الجنة إذا هو عمله؟ قال:
"بخ بخ، سألت عن عظيم، وهو يسير لمن يسره الله له، تقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، ولا تشرك بالله شيئا".
وأخرجه البزار (27 - كشف) وتحرّف في المطبوع (أبيه) إلى (أمه)! وإسناده جيد.
وأخرجه هناد في "الزهد" 2/ 530 حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن عجلان، عن مكحول، عن معاذ بن جبل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
"ألا أنبئك برأس هذا الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قال: رأسه الإسلام، فمن أسلم سلم، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ألا أنبئك بأبواب الخير:
الصيام جنة، والصدقة تمحو الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل لله، قال: ثم تلا هذه الآية (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) حتى فرغ منها، ألا أنبئك بأملك الناس
من ذلك. فأشار إلى لسانه ثلاثا. قال: فقلت: وإنا لنؤاخذ بما نتكلم به؟ فضرب منكبي، ثم قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا هذا اللسان، إنك ما سكت سلمت، وإذا تكلمت فلك أو عليك".
وإسناده منقطع، مكحول لم يسمع من معاذ، وهو مدلس أيضا.
وله طرق أخرى عن عبد الرحمن بن غنم:
أخرجه ابن ماجه (72)، وأحمد 5/ 236 و 245، وابن المبارك في "الجهاد"(31)، وعبد ابن حميد (113 - المنتخب)، والبزار (2669) و (2670)، والطبراني 20/ (115) و (117)، والدارقطني 1/ 434، وابن عبد البر في "التمهيد" 5/ 65 - 66 مطولا ومختصرا من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس قبل غزوة تبوك
…
وفيه "ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت حدثتك يا معاذ برأس هذا الأمر، وقوام هذا الأمر و ذروة السنام. فقال معاذ: بلى بأبي وأمي أنت يا نبي الله فحدثني. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وإن قوام هذا الأمر إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه، ولا اغبرت قدم في عمل تبتغي فيه درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله، ولا ثقل ميزان عبد كدابة تنفق له في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله".
وشهر بن حوشب: مختلف فيه، ولم يتفرّد به فقد توبع عليه:
أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(195)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 426، والطبراني 20/ (137)، وابن بشران في "الأمالي"(818) من طريق سعيد بن مسروق، عن أيوب بن كريز، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ مطولا، وفيه "أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده فالصلاة، وأما ذروته فالجهاد".
وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(1478) من طريق سعيد بن مسروق، عن أيوب - قال الطحاوي وهو ابن عبد الله بن مكرز - عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن ابن غنم، عن معاذ بن جبل.
وليس الأمر كما قال الطحاوي رحمه الله تعالى، فإن أيوب هذا هو ابن كريز، وهو الذي يروي عن ابن غنم، ويروي عنه سعيد بن مسروق كما في "التاريخ الكبير" 1/ 421 للبخاري، و"الجرح والتعديل" 2/ 256 لابن أبي حاتم، و"الثقات" 6/ 54 لابن حبان، وقد وضّح ذلك يقينا رواية المروزي والبخاري والطبراني، وهو مجهول، وأما أيوب بن عبد الله بن مكرز فهو أعلى طبقة من ابن كريز فهو من الوسطى من التابعين يروي عن عبد الله بن مسعود، ووابصة بن معبد رضي الله عنهما، ويروي عنه شريح بن عبيد الحضرمي، والزبير أبو عبد السلام.
وأخرجه الطبراني 20/ (141) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، حدثني الزهري، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، حدثني معاذ بن جبل.
وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم: ضعيف.
ومن طريق شهر (وحده):
أخرجه أحمد 5/ 232 و 242 و 248، وفي "الزهد"(164) مختصرا، والطبراني 20/ (200).
وإسناده منقطع شهر لم يلق معاذا.
وله طرق أخرى عن معاذ:
الطريق الأول - أخرجه النسائي (2226)، وفي "الكبرى"(2547)، وأحمد 5/ 233 و 237، وابن أبي شيبة 5/ 286 و 9/ 64 و 11/ 6، وفي "الإيمان"(1)، وفي "الأدب"(220)، والطيالسي (561)، والحارث بن أبي أسامة (12 - بغية الباحث)، وابن أبي عاصم في "الجهاد"(16)، وفي "ذكر الدنيا"(7)، والطبراني 20/ (304) و (305)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(48)، والبيهقي في "الشعب"(2549) و (3078) و (3921) مطولا ومختصرا من طرق عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت عروة بن النزال،
يحدث عن معاذ بن جبل، قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة قال:
"بخ بخ لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله: صل الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة أفلا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ أما رأس الأمر فالإسلام من أسلم سلم، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله
…
الحديث".
وعروة بن النزال لم يسمعه من معاذ وهو مجهول.
الطريق الثاني- أخرجه النسائي (2224) و (2225) و (2227)، وفي "الكبرى"(2545) و (2546) و (2548)، وأحمد 5/ 233 و 237، وابن أبي شيبة 9/ 64 و 11/ 7، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(197)، وهناد في "الزهد" 2/ 529، وابن أبي الدنيا في "الصمت"(6)، والطبراني 20/ (292) و (293) و (294)، والشاشي في "مسنده"(1366)، والحاكم 2/ 76 و 412 - 413، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 376،
والواحدي في "الوسيط"(734)، والبيهقي 9/ 20، وفي "الشعب"(4607) من طريق ميمون بن أبى شبيب، عن معاذ بن جبل، وفيه "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وأقره الذهبي!
قلت: ميمون بن أبي شبيب لم يخرج له البخاري في الصحيح شيئا إنما أخرج له في "الأدب المفرد"، وكذا مسلم إنما خرج له في "المقدمة" 1/ 8، وإسناده منقطع بينه وبين معاذ.
الطريق الثالث - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(198) حدثنا أحمد بن محمد ابن أبي بكر المقدمي، حدثنا إسحاق بن محمد الفروي، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نعيم ابن وهب، عن معاذ بن جبل مختصرا.
وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، وإسحاق بن محمد الفروي مختلف فيه، ونعيم بن وهب لم أجد له ترجمة.
الطريق الرابع - أخرجه هناد في "الزهد" 2/ 531 حدثنا عبدة، وابن أبي الدنيا في "الصمت"(22)، والشاشي في "مسنده"(1400) من طريق يزيد بن هارون، والطبراني 2/ (374) من طريق عبد العزيز بن محمد، ثلاثتهم عن محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله، أوصني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك مع الموتى واذكر الله عند كل حجر وشجر، وإذا عملت السيئة فاعمل بجنبها حسنة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية، وأخبرك بما هو أملك بك من ذلك؟ قال: يا رسول الله، وما هو؟ قال: "هذا"، وأشار إلى لسانه، قال معاذ: يا رسول الله، هو ذا، وأشار إلى لسانه. قال: "وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا هذا".
وإسناده منقطع بين أبي سلمة ومعاذ.
الطريق الخامس - أخرجه البزار (2643)، والطبراني 20/ (258)، وابن البناء في "السكوت ولزوم البيوت"(5) من طريقين عن محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا أبو معاوية عمرو بن عبد الله النخعي، حدثنا أبو عمرو الشيباني، عن معاذ بن جبل، قال:
"قلت يا رسول الله، أنؤاخذ بكل ما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ بن جبل، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم؟ ".
وهذا إسناد رجاله ثقات، أبو عمرو الشيباني الكوفي سعد بن إياس: مخضرم.
تنبيه: لقد توهّم المعلقون على "مسند الإمام أحمد" 36/ 346 - طبعة الرسالة أن أبا معاوية عمرو بن عبد الله النخعي: هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وقد جاء التصريح بكنيته في "المعجم الكبير".
الطريق السادس- أخرجه أحمد 5/ 234، والبزار (2651)، والطبراني في "الشاميين"(1492)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 154 من طريق أبي بكر بن مريم، عن عطية بن قيس،
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجهاد عمود الإسلام، وذروة سنامه".
وهذا منكر، الحديث معروف بلفظ "الصلاة عمود الإسلام، والجهاد ذروة سنامه"، وأبو بكر ابن عبد الله بن أبى مريم الغساني: ضعيف وكان قد سرق بيته فاختلط، وإسناده منقطع عطية ابن قيس لم يسمع من معاذ.
الطريق السابع - أخرجه الطبراني 20/ (96)، وابن شاهين في "فضائل الأعمال"(435) من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم،
عن أبي أمامة، عن معاذ بن جبل، أنه قال:"يا رسول الله، ما رأس ما بعثت به؟ قال: الإسلام، من أسلم سلم، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله".
وإسناده ضعيف، علي بن يزيد الألهاني: ضعيف.
وعثمان بن أبي عاتكة: ضعفوه في روايته عنه.
وجاء من مسند عبادة بن الصامت:
أخرجه الحاكم 4/ 286 - 287 حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني أبو هانئ، عن عمرو بن مالك الجنبي، عن
فضالة بن عبيد، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خرج ذات يوم على راحلته وأصحابه معه بين يديه، فقال معاذ بن جبل:
يا نبي الله أتأذن لي في أن أتقدم إليك على طيبة نفس؟ قال: نعم فاقترب معاذ إليه فسارا جميعا، فقال معاذ: بأبي أنت يا رسول الله، أن يجعل يومنا قبل يومك أرأيت إن كان شيء ولا نرى شيئا إن شاء الله تعالى فأي الأعمال نعملها بعدك؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الجهاد في سبيل الله ثم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الشيء الجهاد، والذي بالناس أملك من ذلك فالصيام والصدقة قال: نعم الشيء الصيام والصدقة فذكر معاذ كل خير يعمله ابن آدم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعاد بالناس خير من ذلك قال: فماذا بأبي أنت وأمي عاد بالناس خير من ذلك؟ قال: فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فيه قال: الصمت إلا من خير قال: وهل نؤاخذ بما تكلمت به ألسنتنا؟ قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ معاذ، ثم قال: يا معاذ ثكلتك أمك - أو ما شاء الله أن يقول له من ذلك - وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا ما نطقت به ألسنتهم فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت عن شر، قولوا خيرا تغنموا واسكتوا عن شر تسلموا".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وأقره الذهبي!
قلت: رجاله ثقات، وليس هو على شرط الشيخين أو أحدهما، فلم يخرجا شيئا للربيع بن سليمان المرادي، وأبو هانئ هو حميد بن هانئ الخولاني المصري لم يخرج له البخاري إنما أخرج له في "الأدب المفرد"، ومسلم في "الصحيح"، وكذا عمرو بن مالك الهمداني الجنبي لم يخرجا له شيئا إنما أخرج له البخاري في "الأدب المفرد".
وله شواهد من حديث أبي هريرة، وعمر، وعلي:
أما حديث أبي هريرة:
فأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(199) حدثنا المقدمي، حدثنا الفروي، حدثنا عبد الله، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، مثل حديث نعيم.
يعني نعيم بن وهب، عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:
"وسأنبئك برأس الأمر وعموده، رأسه الإسلام، وعموده الصلاة".
وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، وإسحاق بن محمد الفروي مختلف فيه، ونعيم بن وهب لم أجد له ترجمة.
وأما حديث عمر:
فأخرجه البيهقي في "الشعب"(2550) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو حامد أحمد ابن محمد بن أحمد بن شعيب بن هارون بن موسى الفقيه، حدثنا زكريا بن يحيى بن موسى ابن إبراهيم النيسابوري، أخبرنا وهب بن جرير، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن عمر، قال:
"جاء رجل، فقال: يا رسول الله أي شيء أحب عند الله في الإسلام؟ قال: الصلاة لوقتها، ومن ترك الصلاة فلا دين له، والصلاة عماد الدين".
وقال البيهقي: "قال أبو عبد الله - يعني الحاكم -: عكرمة لم يسمع من عمر وأظنه أراد، عن ابن عمر".
قال الزيلعي في "تخريج الكشاف" 1/ 42:
"الظاهر أن عكرمة هذا هو عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص لا عكرمة مولى ابن عباس، وهو أوثق من مولى ابن عباس، وروى ابن أبي حاتم في "مراسيله" عن أحمد بن حنبل، أنه قال: لم يسمع عكرمة بن خالد من عمر، إنما سمع من ابن عمر. بل قال أبو زرعة: عكرمة ابن خالد عن عثمان مرسل فضلا عن عمر انتهى.
وقال ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام: عكرمة بن خالد رجلان وكلاهما مخزوميان:
أحدهما عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص، وهو تابعي يروي عن ابن عمر وابن عباس، وروى عنه عمرو بن دينار وإبراهيم بن مهاجر وابن جريج وعامر الأحول وحنظلة بن أبي سفيان، وثقه النسائي وابن معين وأبو زرعة، ولم يسمع فيه بتضعيف قط وقد أخرج له البخاري ومسلم.
والآخر عكرمة بن خالد بن سلمة يروي عن أبيه، وعنه مسلم بن إبراهيم ونصر بن علي ذكره إلياس في الضعفاء، قال البخاري وأبو حاتم هو منكر الحديث".
وأخرج أبو نعيم الفضل بن دكين في كتاب الصلاة كما في "تلخيص الحبير" 1/ 308 عن حبيب بن سليم، عن بلال بن يحيى، قال:
"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الصلاة؟ فقال: الصلاة عمود الدين".
وقال الحافظ:
"وهو مرسل ورجاله ثقات".
وأما حديث علي:
فأخرجه ابن شاهين في "فضائل الأعمال"(444)، وقوام السنة في "الترغيب"(2016) من طريق محمد بن عثمان العبسي، حدثنا أحمد بن طارق، حدثنا حبيب، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
"الصلاة عماد الإسلام، والجهاد سنام العمل".
وإسناده ضعيف جدا، الحارث الأعور: في حديثه ضعف، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض كما في "التقريب". وحبيب هو أخو حمزة كما جاء مصرّحا به في "الغرائب الملتقطة"، وهو ابن حبيب الزيات: قال الذهبي في "الميزان" 1/ 457:
"وهاه أبو زرعة، وتركه ابن المبارك".
وأحمد بن طارق الوابشي: لم أجده، وقد تفرّد بالرواية عنه محمد بن عثمان العبسي: وهذا الآخر قد اختلف فيه، ودافع عنه العلّامة المعلمي في "التنكيل" 2/ 694 - 696.
قوله (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد) قال ابن رجب:
"أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة أشياء: رأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه.
فأما رأس الأمر، ويعني بالأمر: الدين الذي بعث به وهو الإسلام، وقد جاء تفسيره في الرواية الأخرى بالشهادتين، فمن لم يقر بهما ظاهرا وباطنا، فليس من الإسلام في شيء.
وأما قوام الدين الذي يقوم به الدين كما يقوم الفسطاط على عموده فهو الصلاة، وفي الرواية الأخرى:"وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" وقد سبق القول في أركان الإسلام وارتباط بعضها ببعض.
وأما ذروة سنامه - وهو أعلى ما فيه وأرفعه - فهو الجهاد، وهذا يدل على أنه أفضل الأعمال بعد الفرائض، كما هو قول الإمام أحمد وغيره من العلماء.
وقوله في رواية الإمام أحمد: "والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله عز وجل" يدل على ذلك صريحا.
وفي " الصحيحين " عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال:"إيمان بالله وجهاد في سبيله".
الدليل التاسع: في "الصحيحين" و"السنن" و"المسانيد" من حديث عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان"
(1)
رواه الإمام أحمد، وفي بعض ألفاظه:"الإسلام خمس" فذكره.
ووجه الاستدلال به من وجوه:
أحدها: أنه جعل الإسلام كالقبة المبنية على خمسة أركان، فإذا وقع ركنها الأعظم وقعت قبة الإسلام.
الثاني: أنه جعل هذه الاركان في كونها أركانا لقبة الإسلام قرينة الشهادتين، فهما ركن، والصلاة ركن، والزكاة ركن، فما بال قبة الإسلام تبقى بعد سقوط أحد أركانها، دون بقية أركانها.
الثالث: أنه جعل هذه الأركان نفس الإسلام، وداخلة في مسمى اسمه، وما كان اسما لمجموع أمور، إذا ذهب بعضها ذهب ذلك المسمى، ولا سيما إذا كان من أركانه لا من اجزائه التي ليست بركن له، كالحائظ للبيت فإنه إذا سقط، سقط البيت بخلاف العود والخشبة واللبنة ونحوها.
(1)
متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر، وقد استوفيت طرقه في كتابي "الأربعون النووية بين الرواية والدراية"(3).
الدليل العاشر: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا"
(1)
.
ووجه الدلالة فيه من وجهين:
أحدهما: أنه إنما جعله مسلما بهذه الثلاثة، فلا يكون مسلما بدونها.
الثاني: أنه إذا صلى إلى الشرق لم يكن مسلما حتى يصلي إلى قبلة المسلمين، فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية؟!
(1)
أخرجه البخاري (391)، والنسائي (4997)، وابن عدي في "الكامل" 8/ 158، وابن منده في "الإيمان"(195)، والبيهقي 2/ 3 من طريق منصور بن سعد، عن ميمون بن سياه، عن أنس به.
وأخرجه البخاري (392)، وأبو داود (2641)، والترمذي (2608)، والنسائي (3967) و (5003)، وفي "الكبرى"(3415)، وأحمد 3/ 199 و 224 - 225، وابن أبي شيبة 12/ 380 مختصرا، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(9)، وابن حبان (5895)، والدارقطني 1/ 433، وابن منده في "الإيمان"(31) و (192)، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 173، والبيهقي 2/ 3، والخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 464، والبغوي (34) عن ابن المبارك (وهو في "مسنده" (240))، والبخاري (393) معلقا، وأبو داود (2642)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(10)، والطحاوي في "شرح المعاني" 3/ 215، والدارقطني 1/ 433، وابن منده في "الإيمان"(191)، والبيهقي 3/ 92، وفي "السنن الصغير"(348) من طريق يحيى بن أيوب، والنسائي (3966)، وفي "الكبرى"(3414)، والدارقطني 1/ 433، وابن منده في "الإيمان"(193) من طريق محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع، ثلاثتهم (ابن المبارك، ويحيى بن أيوب، ومحمد بن عيسى) عن حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم".
وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه".
الدليل الحادي عشر: ما رواه الدارمي بسنده عن [جابر بن]
(1)
عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مفتاح الجنة الصلاة"
(2)
وهذا يدل على أن من لم يكن من أهل الصلاة لم تفتح له الجنة، وهي تفتح لكل مسلم فليس تاركها مسلما، ولا تناقض بين هذا وبين الحديث الآخر وهو قوله:"مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله"
(3)
. فإن الشهادة أصل المفتاح، والصلاة وبقية الأركان أسنانه التي لا يحصل الفتح إلا بها، إذ دخول الجنة موقوف على المفتاح وأسنانه، وقال البخاري: وقيل لوهب بن منبه أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك.
(1)
ما بين المعكوفين ليس في المطبوع
(2)
ضعيف - أخرجه الترمذي (4)، وأحمد 3/ 340، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 136، والطبراني في "الأوسط"(4364)، وفي "الصغير"(596)، والبيهقي في "الشعب"(2455) من طريق حسين بن محمد المروذي، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(175) من طريق يحيى بن حسان، وابن عدي في "الكامل" 4/ 241 من طريق عبد الصمد بن النعمان، ثلاثتُهم عن سليمان بن قرم، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الطهور".
وقال ابن عدي:
"ولا أعلم يرويه، عن أبي يحيى غير سليمان بن قرم".
وقال الطبراني:
"لم يروه عن أبي يحيى القتات واسمه زاذان إلا سليمان بن قرم تفرد به الحسين".
وأخرجه الطيالسي (1899)، ومن طريقه أبو الشيخ في "الطبقات" 2/ 280، وعنه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 176، والبيهقي في "الشعب"(2456)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" 1/ 350 - 351 حدثنا سليمان بن معاذ الضبي، عن أبي يحيى القتات به.
وهذا إسناد ضعيف، أبو يحيى القتات: ليّن الحديث، وسليمان بن قرم هو نفسه سليمان بن معاذ الضبي: وهو سيء الحفظ، قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 4/ 136:"سليمان بن قرم الضبي وهو ابن قرم بن معاذ، روى عن سماك، وأبي إسحاق، والأعمش، وواقد مولى زيد بن خليدة، وسنان أبي حبيب، روى عنه الثوري، وأبو الأحوص، ويحيى بن آدم، وأبو الجواب، وسلمة بن الفضل، وأبو داود الطيالسي، ونسبه أبو داود إلى جده كي لا يفطن له، سمعت أبي يقول ذلك".
ثم نقل تضعيفه عن ابن معين وأبي حاتم وأبي زرعة، ونقل الخطيب في "الموضح" 1/ 350 هذا الكلام ثم قال:"قوله إن أبا دود نسبه إلى جده لئلا يفطن له بعيد لأن يعقوب بن إسحاق الحضرمي قد حدث عن سليمان بن معاذ، أفترى يعقوب أيضا قصد ألا يفطن له أنه سليمان بن قرم؟! هذا بعيد في نفسي والله أعلم، وموضع الشبهة في أمر هذين الرجلين أنهما في طبقة واحدة، وأنهما ضبيان، على أن سليمان بن معاذ قد نسب في رواية يعقوب ابن إسحاق الحضرمي عنه إلى بني تيم أو تميم فأما نسبه إلى بني ضبة فقد ذكر عن أبي داود في عدة أحاديث".
وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 4/ 214:
"وممن فرّق بينهما ابن حبان تبعا للبخاري، ثم ابن القطان، وذكر عبد الغني بن سعيد في "إيضاح الإشكال" أن من فرق بينهما فقد أخطأ.
وكذا قال الدارقطني، وأبو القاسم الطبراني.
وقال ابن حبان: كان رافضيا غاليا في الرفض، ويقلب الأخبار مع ذلك.
وقال في "الثقات": سليمان بن معاذ يروي عن سماك، وعنه أبو داود.
وجزم ابن عقدة بأنه سليمان بن قرم، وأن أبا داود الطيالسي أخطأ في قوله سليمان بن معاذ".
(3)
ضعيف - أخرجه أحمد 5/ 242، والبزار (2660)، والطبراني في "الدعاء"(1479)، وابن عدي في "الكامل" 5/ 60، وأبو نعيم في "صفة الجنة"(189)
من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل به.
وهذا إسناد ضعيف، فيه ثلاث علل:
الأولى: الانقطاع، قال البزار:"شهر بن حوشب لم يسمع من معاذ بن جبل".
الثانية: شهر بن حوشب ضعيف.
الثالثة: إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن أهل الحجاز.
وأخرجه المحاملي في "الأمالي" - رواية الفارسي (361) حدثنا محمد بن خلف المقرئ، قال: حدثنا حسين بن محمد، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن إسحاق، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن رجل، عن معاذ: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال له حين بعثه إلى اليمن:
"إنك ستأتي أهل الكتاب، ويسألونك عن مفتاح أهل الجنة؟ فقل شهادة أن لا إله إلا الله".
وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" 1/ 259 من طريق أبي أمية، حدثنا الحسين بن محمد، أخبرنا جرير بن حازم، عن محمد بن أبي بكر، عن رجل، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال له حين بعثه إلى اليمن:
"إنك ستأتي أهل الكتاب فيسألونك عن مفاتيح الجنة فقل: شهادة أن لا إله إلا الله".
ليس فيه ابن إسحاق، وإسناده ضعيف، فيه من أبهم، وأبو أمية هو محمد بن إبراهيم بن مسلم: قال الحاكم: صدوق كثير الوهم.
وقد خالفه محمد بن خلف المقرئ فذكر ابن إسحاق في إسناده، وروايته أولى بالصواب.
وأخرجه ابن شاهين في "فضائل الأعمال"(7)، والديلمي (8475)، وكما في "الغرائب الملتقطة" - مخطوط: عن جعفر بن أحمد بن محمد المروزي، قال: حدثنا السري بن يحيى، أخبرنا شعيب بن إبراهيم التيمي، أخبرنا سيف بن عمر، حدثنا سهل بن يوسف، عن أبيه، عن عبيد بن صخر بن لوذان الأنصاري - وكان فيمن بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمال اليمن - قال:
"فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم عماله، وبعث معاذ بن جبل معلما إلى اليمن وحضرموت، وقال: يا معاذ إنك تقدم على أهل الكتاب وإنهم سائلوك عن مفاتيح الجنة فأخبرهم أن مفاتيح الجنة لا إله إلا الله وأنها تخرق كل شيء حتى تنتهي إلى الله عز وجل، لا يحجب دونه. فمن جاء بها يوم القيامة مخلصا رجحت بكل ذنب".
وإسناده تالف، سيف بن عمر الضبي: قال ابن حبان: "يروي الموضوعات عن الأثبات. قال: وقالوا: إنه كان يضع الحديث".
وشعيب بن إبراهيم الكوفي: قال ابن عدي: "له أحاديث وأخبار، وهو ليس بذلك المعروف، ومقدار ما يروي من الحديث والأخبار ليست بالكثيرة، وفيه بعض النكرة، لأن في أخباره وأحاديثه ما فيه تحامل على السلف".
وقال الذهبي في "الميزان" 2/ 275: "فيه جهالة".
وسهل ين يوسف وأبوه: مجهولان، قال ابن عبد البر: لا يعرف، ولا أبوه.
وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 58/ 410 من طريق عبد الله بن محمد البغوي، حدثني السري بن يحيى أبو عبيدة التميمي، حدثنا سهل بن يوسف، عن أبيه عن عبيد بن صخر مطولا.
فسقط منه شعيب بن إبراهيم التيمي، وسيف بن عمر!
وجاء من حديث أنس، ومعقل بن يسار المزني:
أما حديث أنس:
فأخرجه أبو نعيم في "صفة الجنة"(190) حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد الحزار الكوفي، حدثنا أبي، حدثنا أبو عمرو الأودي، حدثنا أبي، عن طعمة بن عمرو، عن أبان، عن أنس، قال:"قال أعرابي: يا رسول الله، ما مفاتيح الجنة؟ قال: لا إله إلا الله".
إسناده ضعيف جدا، أبان بن أبي عياش: فيروز، ويقال: دينار: متروك.
وشيخ أبي نعيم، وأبوه: لم أجدهما، وفي "حلية الأولياء" 4/ 376 أبو عبد الله جعفر بن محمد بن الحسين الخراز الكوفي.
وأما حديث معقل:
فأخرجه الطبراني 20/ (497) من طريق داود بن بكر التستري، حدثنا حبان بن أغلب بن تميم، عن أبيه، عن المعلى بن زياد، عن معاوية بن قرة، عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لكل شيء مفتاح، ومفتاح السماوات قول لا إله إلا الله".
وهذا إسناد ضعيف جدا، أغلب بن تميم: قال المعلمي: في تعليقه على "الفوائد المجموعة"(ص 303): "تالف".
وابنه حَبان بن أغلب السعدي: قال الذهبي في "الميزان" 1/ 448: " شيخ لأبي حاتم، وهاه أبو حفص الفلاس.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث".
وداود بن بكر التستري: لم أجد له ترجمة، وعند البزار (10080) حديث داود بن بكر التستري قال: حدثنا حبان بن أغلب، حدثنا أبي، عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
"من قال لا إله إلا الله دخل الجنة".
الدليل الثاني عشر: ما رواه محجن بن الأدرع الأسلمي: "أنه كان في مجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأُذّن بالصلاة فقام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع، ومحجن في مجلسه، فقال له: ما منعك أن تصلي ألست برجل مسلم؟ قال: بلى ولكني صليت في أهلي، فقال له: إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت"
(1)
رواه الإمام أحمد، والنسائي.
فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة، وأنت تجد تحت ألفاظ الحديث أنك لو كنت مسلما لصليت، وهذا كما تقول: مالك لا تتكلم ألست بناطق؟ وما لك لا تتحرك ألست بحي؟ ولو كان الإسلام يثبت مع عدم الصلاة لما قال لمن رآه لا يصلي ألست برجل مسلم؟
(1)
حديث حسن - أخرجه النسائي (857)، وفي "الكبرى"(932)، وأحمد 4/ 34، والشافعي 1/ 102، وفي "السنن المأثورة"(6)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 4،
وابن وهب في "الموطأ"(440)، وفي "الجامع"(444)، ومن طريقه الدارقطني 2/ 283، وابن حبان (2405)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 363، والطبراني 20/ (697)، والحاكم 1/ 244، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(6203)، والبيهقي 2/ 300، وفي "المعرفة"(4307)، والبغوي في "شرح السنة"(856)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 4/ 294 - 295، والمزي في "تهذيب الكمال" 27/ 270 عن مالك (وهو في "الموطأ" 1/ 132)، وأحمد 4/ 34، والطبراني (699) عن عبد الرزاق (وهو في "المصنف"
(3933)
) عن معمر، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(958)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 68، والدارقطني 2/ 283، والحاكم 1/ 244 من طريق عبد العزيز بن محمد، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 362، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 68
من طريق ابن جريج، وابن شاهين في "ناسخ الحديث"(ص 243) من طريق مسلم بن خالد الزنجي، خمستهم عن زيد بن أسلم، عن بسر بن محجن، عن أبيه به.
ووقع الشك في رواية الطحاوي (وحده) في "شرح المعاني" 1/ 363 من طريق مالك (عن بسر بن محجن، عن أبيه، أو عن عمه).
وأخرجه أحمد 4/ 34 حدثنا عبد الرحمن، وأحمد 4/ 34، والبخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 4، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 363، والطبراني 20/ (696) عن أبي نعيم الفضل ابن دكين، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 363 من طريق الفريابي، وابن شاهين في "ناسخ الحديث"(ص 244) من طريق أبي داود الحفري، أربعتهم عن سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، عن بسر بن محجن الديلي، عن أبيه.
وأخرجه أحمد 4/ 338، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة"(1232) حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، - قال سفيان، مرة: عن بسر، أو بشر بن محجن، ثم كان يقول بعد عن ابن محجن الديلي، عن أبيه به.
وأخرجه ابن شاهين في "ناسخ الحديث"(ص 244) من طريق وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن بسر بن محجن، عن أبيه به.
وزاد أحمد "واجعلها نافلة".
وقال الإمام أحمد:
"ولم يقل أبو نعيم، ولا عبد الرحمن: واجعلها نافلة".
وقال الطبراني:
"كذا رواه سفيان، عن زيد بن أسلم، عن بشر بن محجن، ووهم فيه إنما هو بسر بن محجن، هكذا رواه مالك، وأصحاب زيد بن أسلم".
وقال البخاري:
"قال أبو نعيم وهم سفيان وإنما هو بسر".
وقال البيهقي:
"قال البخاري: حدثنا أبو نعيم قال: قال سفيان: قال بشر: قال أبو نعيم: بلغني أنه رجع عنه".
وأخرجه عبد الرزاق (3932) عن ابن جريج، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن ابن محجن الدئلي، عن أبيه، قال: "صليت الظهر والعصر في بيتي، ثم جئت
…
الحديث".
وعند الطبراني 20/ (698) عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، وداود بن قيس، عن زيد بن أسلم به.
وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 68 من طريق يحيى بن عبد الله، حدثنا داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن بشر بن محجن، عن أبيه.
وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 363، والطبراني (700) من طريق سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم به.
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح، ومالك بن أنس الحكم في حديث المدنيين، وقد احتج به في الموطأ".
فتعقبه الذهبي بقوله "محجن تفرد عنه ابنه".
وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" 5/ 22:
"بسر لا يعرف بغير رواية زيد بن أسلم عنه، ولا تعرف حاله".
قلت: وتفرّد ابن حبان 4/ 79 بتوثيقه، ومن هذا يعرف ما في قول الحافظ أنه صدوق!
تنبيه: سقط من مطبوع "معرفة الصحابة" صحابيّ الحديث!
وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(968) حدثنا محمد بن منصور بن إسحاق، حدثنا الليث بن سعد، عن عمران بن أبي أنس، عن أبي قتادة، عن ابن الدئلي رضي الله عنه، قال:
"جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فلم أصل معه، فلما فرغ قال: ما منعك أن تصلي معنا؟ قلت: قد صليت في بيتي، قال: وإن صليت في بيتك فصل معنا".
أبو قتادة تحريف، وصوابه قتادة كما يأتي، ولم أجد محمد بن منصور بن إسحاق، ولا يوجد لابن أبي عاصم شيخ بهذا الاسم سوى محمد بن منصور الطوسي فأخشى أن يكون في السند سقط فيكون ابن اسحاق هو السيلحيني فقد أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2813) حدثنا الحسن بن البزار، حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا الليث بن سعد، عن عمران بن أبي أنس، عن قتادة، عن ابن أبي الديل، رضي الله عنه قال: فذكره.
وهذا إسناد منقطع، قال الإمام أحمد:"ما أعلم قتادة سمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من أنس بن مالك".
وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 86 من طريق ابن حميد، حدثنا سلمة، عن محمد ابن إسحاق، عن عمران بن أبي أنس، عن حنظلة بن علي، عن بشر بن محجن،
قال: "صليت الظهر في منزلي ثم خرجت بإبل لأصدرها فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس الظهر في مسجده، فلم أصل وذكرت ذلك له، فقال: ما منعك أن تصلي معنا؟ قلت: كنت قد صليت في منزلي قال: وإن".
وهذا إسناد ضعيف، ابن حميد: قال الذهبي: وثقه جماعة والأولى تركه.
وسلمة إن كان هو ابن الفضل الأبرش فإنه ضعيف.
وهذا الحديث إنما يرويه بسر بن محجن عن أبيه كما تقدّم.
ويشهد له حديث يزيد بن الأسود الخزاعي:
أخرجه أبو داود (614) - مختصرا، والنسائي (1334)، وفي "الكبرى"(1258) - مختصرا، وأحمد 4/ 161، وعبد الرزاق (3934)، وابن خزيمة (1638)، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط، والدارقطني 2/ 281 و 282، والحاكم 1/ 244 - 245، والبيهقي 2/ 230 و 301، وفي "السنن الصغير"(551) عن سفيان الثوري، وأحمد 4/ 161، وعبد الرزاق (3934)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" 5/ 517، وابن خزيمة (1638)، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط، والطبراني 22/ (608) و (609)، والدارقطني 2/ 280 عن هشام بن حسان، وأبو داود (575) و (576)، وأحمد 4/ 161، والطيالسي (1343)، والدارمي (1367)، وابن خزيمة (1638)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 363، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 221 و 222، 5/ 2775، وابن حبان (1564)، والطبراني 22/ (610) و (611) و (618)، وفي "الأوسط"(8650)، والغطريفي في "حديثه"(87)، والدارقطني 2/ 280، والبيهقي 2/ 300، وفي "دلائل النبوة" 1/ 258 عن شعبة، وأحمد 4/ 161، وابن خزيمة (1638)، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط، والطبراني 22/ (615)، والدارقطني 2/ 280 من طريق شريك، والترمذي (219)، والنسائي (858)، وفي "الكبرى"(933)، وأحمد 4/ 160 - 161، ولوين في "حديثه"(102)، وابن أبي شيبة 2/ 274 - 275 و 14/ 186، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1462)، وابن خزيمة (1279) و (1638) و (1713)، وابن حبان (1565) و (2395)، والطبراني 22/ (614)، والدارقطني 2/ 280، والبيهقي 2/ 301، وفي "المعرفة"(4311) عن هشيم، والطبراني 22/ (616) و (619)، وفي "الأوسط"(4398)، وفي "الصغير"(603)، وفي "مسند الشاميين"(2483)، والدارقطني 2/ 282 من طريق غيلان بن جامع، وأبو بكر النجاد في "حديثه"، والطبراني 22/ (612) من طريق حماد بن سلمة، وابن المنذر في "الأوسط"(1116)، والطبراني 22/ (614)، والدارقطني 2/ 282 من طريق مبارك بن فضالة، وأبو بكر النجاد في "حديثه" - مخطوط: من طريق سعيد بن زيد، تسعتهم عن يعلى بن عطاء،
عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه، قال:
"شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته، فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف، قال: فلما قضى صلاته وانحرف، فإذا هو برجلين في أخريات القوم، لم يصليا معه، قال: علي بهما. فأتي بهما ترعد فرائصهما قال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: يا رسول الله، كنا قد صلينا في رحالنا قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنهما لكما نافلة".
وفي لفظ "صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم الفجر بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: ما منعكما أن تصليا مع الناس؟ ألستما مسلمين؟ قالا: بلى يا رسول الله، إنا كنا صلينا في رحالنا، فقال لهما: إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما الإمام فصليا معه فإنهما لكما نافلة".
وزاد بعضهم "فقال أحدهما: يا رسول الله استغفر لي، فقال: غفر الله لك".
وفي رواية أبي عاصم، عن سفيان "وليجعل التي صلى في بيته نافلة".
قال الدارقطني:
"خالفه أصحاب الثوري، ومعه أصحاب يعلى بن عطاء منهم، شعبة، وهشام بن حسان، وشريك، وغيلان بن جامع، وأبو خالد الدالاني، ومبارك بن فضالة، وأبو عوانة، وهشيم، وغيرهم، رووه عن يعلى بن عطاء، مثل قول وكيع، وابن مهدي. ورواه حجاج بن أرطأة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال: فتكون لكما نافلة والتي في رحالكما فريضة".
وأخرجه أحمد 4/ 161، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1463)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 222 - مختصرا، والطبراني 22/ (613)، والدارقطني 2/ 282 من طريق أبي عوانة الوضاح بن عبد الله، عن يعلى به مطولا.
وأخرجه الدارقطني 2/ 282 من طريق بقية: حدثني إبراهيم بن ذي حماية، حدثني عبد الملك ابن عمير، عن جابر بن يزيد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث شعبة.
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
قال الحافظ في "تلخيص الحبير" 2/ 62:
"قال الشافعي في القديم: إسناده مجهول. قال البيهقي: لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه، ولا لابنه جابر راو غير يعلى.
قلت: يعلى من رجال مسلم، وجابر وثقه النسائي وغيره، وقد وجدنا لجابر بن يزيد راويا غير يعلى، أخرجه ابن منده في "المعرفة" من طريق بقية، عن إبراهيم بن ذي حماية،
عن عبد الملك بن عمير، عن جابر".
فصل
قال محمد تقي الدين: إن بعض علماء أهل السنة تأوّلوا ما جاء في الأحاديث من كفر تارك الصلاة بأنه من باب كفر دون كفر، كقول النبي صلى الله عليه وسلم، "من أتى امرأة في دبرها فقد كفر"، فهذا الكفر لا يخرجه من الملة عند أهل السنة، لكن ماذا يصنع هؤلاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم "فقد برئت منه ذمة الله"
(1)
، وبقوله عليه الصلاة والسلام "فقد خرج من الملة"
(2)
، وسيأتي إجماع الصحابة.
(1)
حسن - وقد تقدم، انظر الحاشية (23).
(2)
ضعيف - تقدّم الكلام عليه انظر الحاشية رقم (22).
الفصل الثالث
فيما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم في حكم تارك الصلاة
قال ابن القيم في "كتاب الصلاة":
وأما إجماع الصحابة، فقال ابن زنجويه بسنده المتصل عن ابن عباس: "أنه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في المسجد، قال: فاحتملته أنا ورهط كانوا معي في المسجد حتى أدخلناه بيته، قال: فأمر عبد الرحمن بن عوف أن يصلي بالناس، قال: فلما دخلنا على عمر بيته غشي عليه من الموت فلم يزل في غشيته حتى أسفر، ثم أفاق، فقال: هل صلى الناس؟ قال: فقلنا نعم، فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاة. وفي سياق آخر: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى
…
وذكر القصة
(1)
.
فقال هذا بمحضر من الصحابة ولم ينكروه عليه، وقد تقدم مثل ذلك عن معاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة، ولا يعلم عن صحابي خلافهم.
وقال الحافظ عبد الحق الاشبيلي رحمه الله في كتابه في "الصلاة": ذهب جملة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى تكفير تارك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجابر، وأبو الدرداء، وكذلك روي عن علي بن أبي طالب هؤلاء من الصحابة. ومن غيرهم: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عيينة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وأبو خيثمة زهير بن حرب.
(1)
صحيح - أخرجه المحاملي في "أماليه"(10) - رواية الفارسي، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 44/ 423 من طريق يحيى بن أيوب الغافقي، وابن شبة في "تاريخ المدينة" 3/ 902 من طريق عبد الله بن وهب، كلاهما عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله: أن عبد الله بن عباس، أخبره:
"أنه جاء عمر بن الخطاب حين طعن في غلس السحر، قال: فاحتملته أنا ورهط كانوا معي في المسجد حتى أدخلناه بيته، قال: وأمر عبد الرحمن بن عوف أن يصلي بالناس، قال: فلما أدخلنا عمر بيته غشي عليه من النزف، فلم يزل في غشيته حتى أسفر، ثم أفاق، فقال: هل صلى الناس؟ قلنا: نعم، قال: لا إسلام لمن ترك الصلاة.
قال: ثم دعا بوضوء فتوضأ وصلى، وقال عمر رضي الله عنه حين أخبر أن أبا لؤلؤة هو الذي طعنه، قال: الحمد لله الذي قتلني من لا يحاجني عند الله بصلاة صلاها - وكان مجوسيا -".
يونس بن يزيد الأيلي: ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا، وتابعه معمر:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(581) و (5010)، ومن طريقه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(924)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1529) عن معمر، عن الزهري بإسناده، بلفظ "أما إنه لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة".
وأخرجه أحمد في "الزهد"(656)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1528) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، حدثنا عن أبيه، عن عروة، وسليمان بن يسار، عن المسور ابن مخرمة:
"أنه دخل هو وابن عباس على عمر بن الخطاب فقالا: الصلاة يا أمير المؤمنين بعدما أسفر، فقال: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى والجرح يثغب دما".
وأخرجه ابن أبي شيبة 11/ 25، وفي "الإيمان"(103) عن ابن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة، وابن عباس به.
وأخرجه مالك في "الموطأ" 1/ 39، ومن طريقه البيهقي 1/ 357، وفي "المعرفة"(2287)، والبغوي في "شرح السنة"(330) عن هشام بن عروة، عن أبيه:
"أن المسور بن مخرمة أخبره، أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال: عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر، وجرحه يثعب دما".
وأخرجه عبد الرزاق (579)، ومن طريقه الخلال في "السنة"(1371) عن الثوري، وابن أبي شيبة 14/ 582 حدثنا أبو أسامة، والمروزي (925)، والدارقطني 2/ 395 من طريق عبدة ابن سليمان، والمروزي (927) من طريق ابن إسحاق، والخلال (1381) من طريق وكيع، والدارقطني 2/ 266 من طريق أبي معاوية، ستتهم عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: حدثني سليمان بن يسار: أن المسور نحوه.
وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(923)، وابن الأعرابي في "المعجم"(1941)، والآجري في "الشريعة"(271)، والدارقطني 1/ 417 من طريق يونس، عن ابن شهاب،
أن سليمان بن يسار نحوه.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 3/ 351 من طريق ابن شهاب: أخبرنا سليمان بن يسار، عن حديث المسور بن مخرمة، عن عمر ليلة طعن: " دخل هو وابن عباس
…
فذكره.
وأخرجه عبد الرزاق (580) عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي مليكة، دخل ابن عباس، والمسور بن مخرمة
…
مرسلا.
وأخرجه العدني في "الإيمان"(32)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" 3/ 350، والمرزوي (926)، والخلال (1388)، وابن الأعرابي في "المعجم"(1942)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(872) و (873)، والدارقطني 1/ 417 من طريق أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: فذكره.
وأخرجه المروزي (928)، وابن الأعرابي في "المعجم"(407)، والآجري في "الشريعة"(272)، والطبراني في "الأوسط"(8181)، وأبو نعيم في "المعرفة"(191) من طريق وهب ابن جرير، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، عن المسور بن مخرمة به.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه ابن سعد 3/ 350، والمروزي (929) من طريق عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن ابن المسور بن مخرمة الزهري، عن عمته أم بكر بنت المسور بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة، قال: "دخلت مع عبد الله بن عباس
…
فذكره.
(فصل)
ثم ذكر ابن القيم كلاما طويلا في الذنوب التي لا تخرج من الملة، وإن سميت كفرا أو فسقا أو نفاقا، وانتهى إلى النتيجة التالية في (ص 523) من مجموعة الحديث النجدية
(1)
والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة، فهي مفتاح ديوانه ورأس مال ربحه، ومحال بقاء الربح بلا رأس مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها، وإن أتى بها صورة، وقد أشار إلى هذا في قوله:"فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع"
(2)
.
وفي قوله: "أول ما ينظر من أعماله الصلاة، فإن
(1)
وفي مطبوع دار عالم الفوائد (ص 104).
(2)
صحيح - أخرجه مالك في "الموطأ" 1/ 6، وعنه عبد الرزاق في "المصنف"(2038)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 193، والبيهقي 1/ 445 عن مالك، عن نافع: "أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لسواها أضيع
…
".
وإسناده منقطع، لأن نافعا لم يلق عمر لكن أخرجه عبد الرزاق (2039) عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مثله.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
جازت له نظر في سائر أعماله، وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من أعماله بعد"
(1)
ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها، ودعي إلى فعلها على رؤوس الملأ وهو يرى بارقة السيف على رأسه ويشد للقتل وعصبت عيناه وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول اقتلوني ولا أصلي أبدا! ومن لا يكفر تارك الصلاة، يقول هذا مؤمن مسلم يغسل يصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وبعضهم يقول إنه مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمانه جبريل وميكائيل، فلا يستحي من هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة والله الموفق.
* * *
(1)
ضعيف - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(194) حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني ابن عجلان، عن عون بن عبد الملك، قال: يقال: "إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته، أول شيء يسأل عنه، فإن جازت له نظر فيما سوى ذلك من عمله، وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد".
وهذا إسناد منقطع، ومثله ما أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" 1/ 173 عن يحيى بن سعيد، أنه قال: بلغني "أن أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة، فإن قبلت منه، نظر فيما بقي من عمله، وإن لم تقبل منه، لم ينظر في شيء من عمله".
والحديث صحيح بلفظ "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك".
أخرجه أبو داود (864) و (865)، والترمذي (413) وحسنه، والنسائي (465) و (466)، وفي "الكبرى"(321) و (322)، وابن ماجه (1425)، وأحمد 2/ 290 و 425، وابن أبي شيبة 14/ 123 و 146، والحاكم 1/ 262 وصححه من حديث
أبي هريرة.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أبي داود (866)، وابن ماجه (1426)، وأحمد 4/ 103، وابن أبي شيبة 11/ 41 و 14/ 108، والحاكم 1/ 262، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند الإمام أحمد 4/ 65 و 103 و 5/ 377، وابن أبي شيبة 14/ 133.
فصل
في سياق أقوال العلماء من التابعين ومن بعدهم في كفر تارك الصلاة ومن حكى الإجماع على ذلك
وقال محمد بن نصر بسنده عن أيوب، قال:"ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه"
(1)
.
وحكى محمد
(2)
بن نصر عن ابن المبارك قال: "من أخر صلاة حتى يفوت وقتها متعمدا من غير عذر فقد كفر"
(3)
.
وقال علي بن الحسن بن شقيق: سمعت عبد الله بن المبارك، يقول:"من قال إني لا أصلي المكتوبة اليوم فهو أكفر من حمار"
(4)
.
وقال يحيى بن معين: قيل لعبد الله بن المبارك: إن هؤلاء يقولون: من لم يصم ولم يصل بعد أن يقر به فهو مؤمن مستكمل الإيمان؟ فقال عبد الله: "لا نقول نحن ما يقول هؤلاء من ترك الصلاة متعمدا من غير علة حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر"
(5)
.
وقال ابن أبي شيبة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة فقد كفر. فيقال له ارجع عن الكفر فإن فعل وإلا قتل بعد أن يؤجله الوالي ثلاثة أيام"
(6)
.
وقال أحمد بن يسار: سمعت صدقة بن الفضل وسئل عن تارك الصلاة؟ فقال: كافر
(7)
.
(فصل)
من نام عن صلاة أو نسيها حتى خرج وقتها فليصلها ولا إثم عليه
روى البخاري ومسلم، واللفظ له عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من نسي صلاة، أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"
(8)
وروى مسلم عنه أيضا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها، فإن الله
(1)
أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(978) حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: فذكره.
وهذا إسناد صحيح، أبو النعمان هو محمد بن الفضل السدوسي المعروف بـ عارم.
(2)
جاء في المطبوع (وحكى محمد بن المبارك، قال: من أخر الصلاة) وهو خطأ بيّن، إنما هو محمد بن نصر المروزي، نقله عن المبارك.
(3)
أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(979) حدثنا محمد بن عبدة، قال: سمعت يعمر بن بشر أبا عمرو، قال: سمعت عبد الله بن المبارك رضي الله عنه قال: فذكره.
ورجاله ثقات.
(4)
أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(980) حدثنا أحمد بن سيار، قال: سمعت علي بن الحسن بن شقيق، يقول: سمعت عبد الله، يقول: فذكره.
وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(981) حدثنا أحمد، قال: حدثنا أحمد بن حكيم، قال: أخبرنا يحيى بن معين به.
وقال محقق "الصلاة للمروزي" تصحّف (يحيى بن معين) إلى (يحيى بن موسى)، وقام بتصحيحه من كتاب "الصلاة" لابن القيم!!، وليته لم يفعل وأثبت ما وجد في أصل الكتاب، فهو الصواب، قال الحافظ مغلطاي في "تهذيب الكمال" 12/ 371:
"يحيى بن موسى: ذكره البستي في "تاريخ المراوزة"، وزعم أنه يروي عن عبد الله بن المبارك قال: وكان من العباد، يكنى أبا محمد، روى عنه أحمد بن حكيم، ونضر بن صاحب، وعمير ابن أفلح".
وأحمد بن حكيم: لم أجده، وليس هو الذي يروي عن ابن عيينة، فهذا أعلى طبقة منه.
(6)
ذكره عنه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(988).
(7)
أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(989).
(8)
متفق عليه من حديث أنس، وقد استوفيت طرقه، وشواهده في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية" برقم (86).
يقول: {أقم الصلاة لذكري} [طه: 14] ".
وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر، سار ليله حتى إذا أدركه الكرى عرس، وقال لبلال: اكلأ لنا الليل. فصلى بلال ما قدر له، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر، فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بلال، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بلال؟ فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - بنفسك، قال: اقتادوا. فاقتادوا رواحلهم شيئا، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالا فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها. فإن الله قال: {أقم الصلاة لذكري} [طه: 14] "
(1)
.
(1)
أخرجه مسلم (680)، وغيره، وقد استوفيت تخريجه في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية" عند شواهد الحديث رقم (86).
(فصل)
من ترك صلاة عمدا حتى خرج وقتها هل ينفعه قضاؤها؟
الجواب تجده في وصية أبي بكر لعمر رضي الله عنهما، قال ابن القيم: فصل في قول أبي بكر الصديق الذي لا يعلم أن أحدا من الصحابة أنكره عليه، قال عبد الله بن المبارك: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن زيد: أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: إني موصيك بوصية إن حفظتها، إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وحقا بالليل لا يقبله بالنهار، وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة
…
"
(1)
.
فهذا أبو بكر قال: إن الله لا يقبل عمل النهار بالليل، ولا عمل الليل بالنهار، ومن يخالفنا بهذه المسألة يقولون بخلاف هذا صريحا، وأنه يقبل صلاة العشاء الآخرة وقت الهاجرة، ويقبل صلاة العصر نصف النهار.
قالوا: فهذا قول أبي بكر، وعمر، وابنه عبد الله، وسعد بن أبي وقاص،
وعبد الله بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وبديل
(2)
العقيلي، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، وغيرهم.
قال شعبة: عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله
(1)
ضعيف - أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(914)، وابن أبي شيبة 13/ 259 - 261 و 14/ 572 - 575، وهناد في "الزهد"(496)، وأبو داود في "الزهد"(28)، والخلال في "السنة"(337)، والآجري في "الشريعة"(1202) عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زبيد:
أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب: "إني موصيك بوصية
…
فذكره مطولا.
وهذا معضل، زبيد بن الحارث اليامي من الذين عاصروا صغار التابعين.
وأخرجه سعيد بن منصور في "التفسير من سننه"(942) من طريق سعيد بن المرزبان، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 36، وفي "فضائل الخلفاء الأربعة"(204)، وفي "معرفة الصحابة"
(114)
من طريق فطر بن خليفة، كلاهما عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، قال: "لما بلغ الناس، أن أبا بكر
…
فذكره.
وهذا مرسل إسناده صحيح.
وأخرجه ابن زبر الربعي في "وصايا العلماء عند حضور الموت"(ص 34 - 36) حدثنا مصعب بن إسماعيل، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا حجاج بن منهال، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة: "أن أبا بكر الصديق
…
فذكره.
وهذا على إنقطاعه لم أجد ترجمة لمصعب بن إسماعيل أبي الحسن وراق علي بن عبد العزيز.
وأخرجه ابن زبر الربعي في "وصايا العلماء عند حضور الموت"(ص 32 - 34) حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد اليازوري بالرملة، قال: حدثنا حميد بن عياش السافري، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح:
"أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة
…
فذكره.
وهذا إسناد ضعيف جدا، عبيد الله بن أبى حميد: متروك.
وأخرجه الطبري في "التفسير" 22/ 116 حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، قال: دعا أبو بكر عمر رضي الله عنهما
…
فذكره.
وهذا مرسل ضعيف، ليث هو ابن أبي سليم: ضعيف. وشيخ الطبري محمد بن حميد بن حيان الرازي: قال الذهبي: الحافظ، وثقه جماعة والأولى تركه.
(2)
في المطبوع (هذيل)، وهو تصحيف، وانظر "المحلى" 2/ 238 لابن حزم.
بن خراش (كذا) قال:
"رأى ابن عمر رجلا يقرأ في صحيفة قال له يا هذا القارئ إنه لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها، فصلِّ ثم إقرأ ما بدا لك"
(1)
.
وكان عبد الله بن مسعود، يقول:"إن للصلاة وقتا كوقت الحج، فصلوا الصلاة لميقاتها"
(2)
.
فهذا عبد الله قد صرّح بأن وقت الصلاة كوقت الحج، فإذا كان الحج لا يفعل في غير وقته، فما بال الصلاة تجزئ في غير وقتها؟!
تقدم ذكر أدلة تكفير تارك الصلاة من القرآن، ومن حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة، والتابعين، وغيرهم، ولم أجد حجة صريحة في عدم تكفير تارك الصلاة إلا حديثًا واحدا لا بد أن أذكره هنا وهو ما رواه الإمام أحمد ابن حنبل في "مسنده" عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"
(3)
.
(1)
أخرجه ابن حزم في "المحلى" 2/ 238 - 239 معلقا، بقوله: روينا من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن حراش، قال: رأى ابن عمر رجلا
…
فذكره.
عبد الله بن حراش: قال الشيخ أحمد شاكر: "كذا في الاصلين ولم أعرف من هو ولا صحة اسمه، ولم أجد له ترجمة، فليس يوجد في كتب الرجال إلا عبد الله بن خراش - بكسر الخاء المعجمة - وليس من هذه الطبقة بل هو متأخر من طبقة شعبة، مات بين سنة 160 و 170 وهو كذاب منكر الحديث، وليس من المعقول أبدا أن يكون هو".
(2)
ضعيف - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(2034) و (3747)، وفي "التفسير"(633)، ومن طريقه الطبراني 9/ (9375) عن معمر، عن قتادة، أن ابن مسعود، قال: فذكره.
وهذا إسناد منقطع، قال الإمام أحمد: ما أعلم قتادة سمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من أنس بن مالك.
وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(1080) حدثنا سهل بن عمار، قال: حدثنا اليسع بن سعدان، قال: حدثنا عصام، عن شعبة، عن قتادة، عن ابن مسعود، في قول الله {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] الآية. قال: إن للصلاة وقتا كوقت الحج فصلوا الصلاة لوقتها".
وإسناده تالف، سهل بن عمار: متهم.
وعلّقه ابن حزم في "المحلى" 2/ 240 من طريق عبد الأعلى، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن عبد الله بن مسعود
…
فذكره.
(3)
ضعيف بهذا اللفظ - أخرجه أحمد 5/ 315 - 316، والدارمي (1577)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(1029) عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، أن ابن محيريز القرشي ثم الجمحي أخبره، وكان: بالشام وكان قد أدرك معاوية، فأخبره أن المخدجي رجلا من بني كنانة، أخبره:
" أن رجلا من الأنصار كان بالشام يكنى أبا محمد أخبره أن الوتر واجب، فذكر المخدجي، أنه راح إلى عبادة بن الصامت، فذكر له: أن أبا محمد يقول: الوتر واجب. فقال: عبادة بن الصامت كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".
وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 296 و 14/ 235، والشاشي في "مسنده"(1281) حدثنا عيسى بن أحمد العسقلاني، والبيهقي في "السنن الصغير"(262) من طريق الحسن بن مكرم، ثلاثتهم (ابن أبي شيبة، وعيسى بن أحمد العسقلاني، والحسن بن مكرم) عن يزيد بن هارون به، لكن بلفظ "ومن انتقص من حقهن شيئا، جاء وليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة".
وهذا اللفظ يبيّن معنى قوله (ومن لم يأت بهن) أي: انتقص من حقهن شيئا، وليس تركهن بالكلية، وسيأتي مزيد إيضاح لهذا الحديث خلال تخريجه.
وأخرجه أبو داود (1420)، والنسائي (461)، وفي "الكبرى"(318)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(1030)، والشاشي (1284) و (1286)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3167)، والطبراني في "مسند الشاميين"(2181)، وابن المظفر في "غرائب مالك"(4)، والبيهقي 2/ 8 و 467 و 10/ 217، وفي "المعرفة"(2309)، والبغوي في "شرح السنة"(977)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ 92، والضياء في "الأحاديث المختارة"(447) و (448) و (449) عن مالك (وهو في "الموطأ" 1/ 123)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3168)، والبيهقي 2/ 467، وفي "الشعب"(2564)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ 92 من طريق الليث، كلاهما يحيى بن سعيد الأنصاري بلفظ يزيد بن هارون الأول.
وفي لفظ عن مالك والليث "ومن جاء وقد استخف بحقهن لم يكن له عند الله عز وجل عهد إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه".
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(4575) عن معمر، أو ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد به.
هكذا جاء على الشك في "مصنف عبد الرزاق" الطبعة التي حققها الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، وجاء في طبعة دار التأصيل (4623)"عن معمر، وابن عيينة"، وهو الصواب فقد أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"(2181) من طريق عبد الرزاق به، بعطف ابن عيينة على معمر.
وأخرجه الحميدي (392)، والطبراني في "مسند الشاميين"(2182)، وأبو الشيخ في "طبقات المحدثين" 4/ 115 عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان به.
وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3172) من طريق ابن عجلان (وحده) ليس فيه المخدجي.
ولفظه عن أبي الشيخ "خمس صلوات كتبهن الله على عباده، فمن أتى بهن لم ينتقص منهن شيئا كان حقا على الله أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن استخفافا بحقهن لم يكن له عند الله عهدا، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
وأخرجه البيهقي 1/ 361 من طريق حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى ابن حبان به، بلفظ "خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على عباده فمن وافى بهن ولم يضيعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له وأن يدخله الجنة، ومن لم يواف بهن استخفافا بحقهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
وأخرجه ابن حبان (1732) من طريق هشيم، أخبرنا يحيى بن سعيد، أخبرنا محمد بن يحيى بن حبان به، لكن لم يصرّح باسم المخدجي، ولفظه "خمس صلوات افترضهن الله على عباده فمن جاء بهن وقد أكملهن ولم ينتقصهن استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن جاء بهن وقد انتقصهن استخفافا بحقهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء رحمه".
وأخرجه أحمد 5/ 319 عن يحيى بن سعيد القطان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري بإسناده، وفيه "ومن ضيعهن استخفافا جاء ولا عهد له إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة".
والتضييع هنا مختص بحقوق الصلاة وليس الترك، فتدبر، وهذا كله على فرض ثبوت هذا الإسناد، وسأبيّن إن شاء الله تعالى ضعفه بعد استيفاء الاختلاف في لفظه، وأنت ترى أن يحيى بن سعيد الأنصاري لم يرو هذا الحديث على وتيرة واحدة، فجاء مرة بلفظ "ومن لم يأت بهن"، ومرة "ومن انتقص من حقهن"، ومرة "ومن جاء بهن وقد انتقصهن"، وقد تابعه على هذا اللفظ الأخير: عبد ربه بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن إسحاق، وعقيل بن خالد، وعمرو بن يحيى المازني، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وسعد بن سعيد بن قيس الأنصاري، وفي بعضها التصريح بأنه قد أتى بهن لكن انتقص من حقوقهن كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"(967)، والمروزي (1033)، وابن حبان في "الثقات" 5/ 570 - 571 مختصرا، والطبراني في "مسند الشاميين"(2186)، وابن المقرئ في "المعجم"(1254) من طريق نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم، عن محمد بن يحيى بن حبان به.
وعند الطبراني "ومن أتى بهن وقد انتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن كان أمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه".
وأخرجه ابن ماجه (1401)، والمروزي (1052)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(1570) و (1571)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3169)، وابن حبان
(2417)
، والضياء في "المختارة"(450) من طريق شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت محمد بن يحيى بن حبان بإسناده، وفيه "ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئا، استخفافا بحقهن، لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".
وفي لفظ "ومن لقيه وقد انتقص منهن شيئا استخفافا بهن فلا عهد له عند الله عز وجل إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه".
عبد ربه بن سعيد بن قيس: ثقة، وقال الذهبي: حجة.
وأخرجه أحمد 5/ 322، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3170) من طريق ابن إسحاق، حدثنا محمد بن يحيى بن حبان به، وفيه
"ومن لقيه وقد انتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن لقيه، ولا عهد له إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له".
ابن إسحاق: صدوق، وقد صرّح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه فحديثه حسن.
وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(1031)، والشاشي (1283) من طريق عمرو بن يحيى المازني، قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان به، بلفظ "وإن ضيعهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه" وليس في إسناده المخدجي!
وعمرو بن يحيى المازني: ثقة.
وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3171)، والطبراني في "مسند الشاميين" (2187) من طريق عقيل بن خالد قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان به، ليس فيه المخدجي، وفيه "ومن أضاع منهن شيئا لقيه ولا عهد له عنده، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة".
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"(2184) من طريق سعد بن سعيد بن قيس، عن محمد بن يحيى بن حبان به، وفيه "ومن أتى بهن وقد انتقص منهن شيئا استخفافا
بحقهن كان أمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء عفى عنه".
وسعد بن سعيد: صدوق سيء الحفظ كما في "التقريب"، وقد تابعه على هذا اللفظ الثقات فثبت لنا ضبطه لهذا الحديث.
وأخرجه المروزي (1032)، والطبراني في "مسند الشاميين"(2185) من طريق محمد بن إبراهيم، عن محمد بن يحيى بن حبان به، وفي الشاميين "ومن أتى بهن وقد انتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن كان أمره إلى الله عز وجل إن شاء عذبه، وإن شاء عفى عنه".
ولفظ المروزي "ومن لم يأت بهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء تركه".
محمد بن إبراهيم: لم أعرفه، وليس هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي فهذا أعلى طبقة منه، والله أعلم.
وأخرجه المروزي (1051)، والشاشي (1282) و (1287)، وابن حبان (1731) من طريق محمد بن عمرو، قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان به، وفيه "ومن جاء بهن وقد انتقص من حقهن شيئا جاء وليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء رحمه".
ولفظ الشاشي "ومن لم يأت بهن جاء وليس له عند الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه".
ومحمد بن عمرو بن علقمة: مختلف فيه، والراجح أن حديثه حسن، وفي خبره، وخبر عبد ربه ابن سعيد، وابن إسحاق، وعقيل بن خالد، وعمرو بن يحيى، وسعد بن سعيد بن قيس أنه قد أتى بهن لكنه انتقص من حقوقهن، وليس الترك بالكلية، وهو موافق ليحيى بن سعيد الأنصاري في بعض ألفاظه، فوجب الحكم بالشذوذ على لفظ "ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له" لاسيما أن هذا الحديث له طريق أخرى يرويه الصنابحي، عن عبادة بن الصامت بلفظ "خمس صلوات افترضهن الله على عباده من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، فأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه" وإسناده ظاهره الصحة لكنه معلول سيأتي بيانه في موضعه.
ومعنى (ومن لم يفعل) أي: لم يأت بهن على الوجه المطلوب من إحسان الوضوء، وتحري الوقت، وإتمام الركوع والسجود والخشوع، يعني عنده تقصير في هذا الجانب فكان تحت المشيئة، وأما الحديث الذي وقع الاختلاف في لفظه فمداره على أبي رفيع المخدجي الكناني وهو مجهول الحال: لم يرو عنه غير عبد الله بن محيريز، ووثقه ابن حبان 5/ 570 على قاعدته في توثيق المجاهيل، وله طريق أخرى عن عبد الله بن محيريز: أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"(35) من طريق يحيى بن أبي الخصيب، حدثنا عبد الله ابن هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة، عن عمه إبراهيم بن أبي عبلة قال: حدثني عبد الله ابن محيريز، عن المخدجي، قال:
"تنازعت أنا ورجل، من الأنصار في الوتر، فقال أبو محمد: هو فريضة كفريضة الصلاة فقلت: لا بل سنة لا ينبغي تركها، فركبت إلى عبادة بن الصامت وهو بطبرية، فحدثته ما قلت وما قال أبو محمد، فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لقال لي من فيه إلى أذني لا أقول لك حدثني فلان وفلان: يا عبادة، خمس صلوات فرضهن الله على خلقه، فمن لقيه لم ينتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن لقي الله وله عنده عهد أن يدخله به الجنة، ومن لقيه قد انتقص منهن شيئا استخفافا بحقهن لقي الله فلا عهد له عنده إن شاء أن يعذبه عذبه وإن شاء أن يغفر له غفر له".
وإسناده تالف، عبد الله بن هانئ بن أبي عبلة: اتهم بالكذب لكن رواه الطبراني في "الشاميين" أيضا (2188) وفيه هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة بدلا عن عبد الله بن هانئ بن عبد الرحمن، وهانئ: ذكره ابن حبان في "الثقات" 7/ 583 - 584، وقال:
"ربما أغرب".
والحديث له طرق أخرى عن عبادة:
1 -
أخرجه أبو داود (425)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(1034)، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات"(854)، والبيهقي 2/ 215 و 3/ 366، والبغوي في "شرح السنة"(978) من طريق يزيد بن هارون، وأحمد 5/ 317، ومن طريقه الضياء في "المختارة"(385) حدثنا حسين بن محمد، والطبراني في "الأوسط"(4658) و (9315)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" 5/ 130، والبيهقي 2/ 215، والضياء في "المختارة"(386) من طريق آدم بن أبي إياس، ثلاثتهم عن أبي غسان محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، قال:
"زعم أبو محمد أن الوتر واجب، فقال: عبادة بن الصامت كذب أبو محمد أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلوات افترضهن الله على عباده من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، فأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه".
وفي رواية آدم بن أبي إياس (أبو عبد الله الصنابحي)، وقال الضياء:"والمشهور أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا أبو غسان، وهشام بن سعد".
وقال في موضع آخر "تفرد به آدم!! ".
وهذا وهم منه رحمه الله تعالى، فلم يتفرّد به آدم فقد تابعه يزيد بن هارون، وحسين بن محمد، وللطبراني وهم آخر فيه، فإن قوله (لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا أبو غسان، وهشام بن سعد) يوهم أنه بنفس الإسناد، وليس كذلك فقد أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل"(239) حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو صالح، عن الليث، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن عبادة به.
وصحح أبو حاتم هذا الوجه، وحكم بالنكارة على رواية محمد بن مطرف، وقال:
"لم يضبط هذا الحديث".
فالحديث حديث المخدجي وهو مجهول الحال كما تقدّم بيانه، لكن الطريق إلى هشام بن سعد فيها أبو صالح كاتب الليث وهو صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة كما في "التقريب" لكن أبا حاتم عنده معرفة بحديثه المنكر، فقد قال كما في "الجرح والتعديل" 5/ 87:
"الأحاديث التي أخرجها أبو صالح في آخر عمره التي أنكروا عليه، نرى أن هذه مما افتعل خالد بن نجيح، وكان أبو صالح يصحبه، وكان سليم الناحية، وكان خالد بن نجيح يفتعل الحديث ويضعه في كتب الناس، ولم يكن وزن أبي صالح وزن الكذب، كان رجلا صالحا".
وأبو صالح قد أعاد الحديث إلى مساره الصحيح، فالحكم له، والله أعلم.
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الصنابحي، عن عبادة، ومشهوره رواية ابن محيريز، عن المخدجي، عن عبادة".
2 -
أخرجه الطيالسي (574)، والبزار (2724)، والمروزي (1054)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/ 126 عن زمعة، عن الزهري، عن أبي إدريس الخولاني، قال:
"جلست إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عبادة بن الصامت، فذكروا الوتر، فقال بعضهم: هو سنة، وقال بعضهم: هو واجب، فقال عبادة: لا أدري ما تقول غير أني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أتاني جبريل من عند الله تعالى وقال: إن ربك أرسلني إليك إني أفرضت على أمتك خمس صلوات فمن أداهن بحقوقهن وطهورهن، وما افترضت عليه فيهن، فإن له عهدا أن أدخله الجنة، ومن انتقص من حقوقهن شيئا فلا عهد له علي، إن شئت عذبته،
وإن شئت غفرت له".
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الزهري، لم يروه عنه بهذا اللفظ إلا زمعة، وإنما يعرف من حديث ابن محيريز، عن المخدجي، عن عبادة".
وزمعة بن صالح: ضعيف.
3 -
أخرجه البزار (2690) و (2723) حدثنا خالد بن يوسف بن خالد، قال: حدثني أبي، قال: أخبرنا موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى بن أخي عبادة بن الصامت، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من صلى المكتوبة فأداها، وصلاها لوقتها لقي الله تعالى وله عهد ألا يعذبه، ومن لم يقم المكتوبة ولم يصلها لوقتها لقي الله، ولا عهد له إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه".
وهذا إسناد تالف، يوسف بن خالد هو السمتي: هالك كما قال الذهبي، وابنه ضعيف.
4 -
أخرجه المروزي (1053) حدثنا محمد بن يحيى، والشاشي في "مسنده"(1177) حدثنا عباس الدوري، والشاشي (1285) حدثنا علي بن عبد العزيز، ثلاثتهم عن أبي نعيم، قال: حدثنا النعمان - نسبه أبو نعيم في غير هذا الحديث، فقال: ابن داود بن محمد بن عبادة بن الصامت - عن عبادة بن الوليد، عن أبيه الوليد بن عبادة:"أنه امترى رجلان من الأنصار فقال أحدهما: الوتر بعد العشاء بمنزلة الفريضة، وقال الآخر: هو سنة فلقينا عبادة فذكرنا له الذي امترينا فيه فقال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: افترض الله خمس صلوات على خلقه من أداهن كما افترض عليه لم ينتقص من حقهن شيئا استخفافا به لقي الله وله عنده عهد يدخله به الجنة، ومن انتقص من حقهن شيئا استخفافا لقي الله ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ولكنها سنة لا ينبغي تركها".
النعمان بن داود: مجهول الحال، لم يرو عنه غير أبي نعيم، وترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" 8/ 80، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 8/ 447، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.
5 -
أخرجه الشاشي في "مسنده"(1265) حدثنا أبو بكر الصغاني، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثني يعقوب القاري، عن عمرو، عن المطلب، عن عبادة بن الصامت،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد، فمن أتى بهن قد حفظ حقهن فإن له عند الله عهدا أن يدخله الجنة، ومن أتى بهن قد أضاع شيئا من حقهن استخفافا فإنه لم يكن له عند الله تعالى عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه".
وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع، المطلب بن عبد الله بن حنطب: نفى البخاري وأبو حاتم سماعه من أي أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وله شواهد من حديث أبي هريرة، وكعب بن عجرة، وأبي قتادة، وعائشة، وأبي ذر:
أما حديث أبي هريرة:
فأخرجه المروزي في "قيام الليل"(ص 271) من طريق خالد بن مخلد القطواني، حدثني سليمان بن بلال، حدثني سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كتب الله على العباد خمس صلوات، فمن أتى بهن وقد أدى حقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن أتى بهن وقد ضيع حقهن استخفافا لم يكن له عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه".
وهذا إسناد حسن، خالد بن مخلد: صدوق.
وأخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 179 من طريق إسماعيل بن يزيد القطان، حدثنا إبراهيم بن رستم، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من أدى خمس صلوات وأتمهن غفر له".
إسناده فيه لين، إسماعيل بن يزيد القطان: قال أبو نعيم: حسن الحديث، اختلط عليه بعض حديثه فِي آخر أيّامه.
وإبراهيم بن رستم: وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بذاك محله الصدق، وآفته الرأي.
وقال ابن عدي: ليس بمعروف الحديث عن الثقات.
وقال الدارقطني: ليس بقوي.
وذكره ابن حبان في "الثقات" 8/ 70، وقال:
" يخطئ".
وأخرجه البيهقي 1/ 433 من طريق محمد بن يزيد، والخطيب في "تاريخ بغداد" 6/ 70 - 71 من طريق يوسف بن موسى، كلاهما عن إبراهيم بن رستم، عن حماد بن سلمة بإسناده، بلفظ "من أذن خمس صلوات وأمهم إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
وأما حديث كعب بن عجرة:
فأخرجه أحمد 4/ 244، والطبراني 19/ (311)، وفي "الأوسط"(4764)، والسهمي في "تاريخ جرجان"(ص 296) من طريق عيسى بن المسيب البجلي، والطبراني 19/ (313) من طريق مسكين بن صالح، والطبراني 19/ (312)، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 247 من طريق السري بن إسماعيل، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3174) من طريق أبي حصين الأسدي، عن الشعبي، عن كعب بن عجرة، قال:
"خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ونحن سبعة رهط، أربعة من العرب وثلاثة من الموالي، فجلس فقال: أتدرون ما قال ربكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من صلى الصلاة لوقتها ولم يذرها استخفافا بها لقيني يوم القيامة وله عندي عهد أدخله به الجنة، ومن لم يصلها لوقتها وتركها استخفافا بها لقيني يوم القيامة وليس له عندي عهد إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له". وإسناده منقطع، جاء في "تاريخ ابن معين" - رواية الدوري (2561):"قيل ليحيى سمع الشعبي من كعب بن عجرة؟ قال: سمع من عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة".
وقد جاء تصريح الشعبي بالسماع في رواية الطبراني 19/ (311)، وفي "الأوسط"(4764) لكن الطريق إليه فيها عيسى بن المسيب البجلي وهو ضعيف.
وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 387، وابن أبي شيبة في "المسند"(512)، وعبد ابن حميد (371) - المنتخب، والدارمي (1226)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3173)، والطبراني 19/ (314) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الرحمن بن النعمان الأنصاري، عن إسحاق بن سعد بن كعب بن عجرة، عن أبيه، عن كعب بنحوه.
وفي "المعجم الكبير" 19/ (314)(سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة).
وقال البخاري:
"فالله أعلم به - يعني بإسحاق - أنه محفوظ أم لا، لأن إسحاق ليس يعرف إلا بهذا، لا أدري حفظه أم لا، قال أبو عبد الله إهاب أنه أراد سعد بن إسحاق".
قال الذهبي في "الميزان" 1/ 191 - 192:
"إسحاق بن سعد لا يدرى من هو، أو لا وجود له، بل أرى أنه انقلب اسمه على عبد الرحمن بن النعمان، ولهذا لم يذكره عامة من جمع في الضعفاء، والله أعلم".
ونقل الحافظ في "اللسان" 1/ 363 عن أبي زرعة قوله: كذا قال أبو نعيم، ونراه أراد سعد ابن إسحاق، فغلط.
فإذا ثبت أنه سعد بن إسحاق بن كعب فهو ثقة، لكن أباه إسحاق بن كعب: مجهول الحال.
وأما حديث أبي قتادة:
فأخرجه أبو داود (430) حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي، وابن ماجه (1403)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 1/ 273 عن يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، والطبراني في "الأوسط"(6807) من طريق سليمان بن عبد الرحمن، ثلاثتهم عن بقية، عن ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني، أخبرني ابن نافع، عن ابن شهاب الزهري، قال: قال سعيد بن المسيب: إن أبا قتادة بن ربعي أخبره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قال الله تعالى: إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي عهدا أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي".
وإسناده ضعيف، ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك: مجهول.
وبقية: مدلس.
وأما حديث عائشة:
فأخرجه الطبراني في "الأوسط"(4012) حدثنا علي بن سعيد قال: حدثنا عبد الله بن أبي رومان الإسكندراني قال: حدثنا عيسى بن واقد، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لم يوتر فلا صلاة له). فبلغ ذلك عائشة، فقالت: من سمع هذا من أبي القاسم صلى الله عليه وسلم؟ والله ما بعد العهد، وما نسيت، إنما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: من جاء بصلوات الخمس يوم القيامة، قد حافظ على وضوئها، ومواقيتها وركوعها، وسجودها،
لم ينقص منها شيئا، جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه، ومن جاء وقد انتقص منهن شيئا، فليس له عند الله عهد، إن شاء رحمه وإن شاء عذبه".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث، عن محمد إلا عيسى، تفرد بهما: عبد الله".
وإسناده ضعيف جدا، عبد الله بن أبي رومان: قال الذهبي في "الميزان" 2/ 422:
"ضعفه غير واحد، روى خبرا كذبا".
وقال الحافظ في "اللسان" 4/ 479:
"وهاه الدارقطني".
وعيسى بن واقد: قال الهيثمي في "المجمع" 1/ 293:
"لم أجد من ذكره".
وأما حديث أبي ذر:
فأخرجه أبو يعلى كما في "المطالب العالية"(216)، وإتحاف الخيرة" (767) حدثنا سفيان ابن وكيع، حدثنا أبي، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري، حدثنا صالح بن كيسان، عن ابن أبي مروان الأسلمي، عن أبيه، عن جده، قال: "جئنا أبا ذر رضي الله عنه، ونحن ستة نفر، سادسنا رجل من جهينة، ونحن من أسلم، فوجدناه مرتحلا يخرج من المدينة، فقال: مرحبا بكم، ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا نسلم عليك، ونقتبس منك. قال رضي الله عنه: نعم، سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: الصلوات الخمس من لقي الله تعالى بهن لم ينقص منهن شيئا غفر الله له ذنوبه وإن كانت ملء الأرض. فقلنا: فكيف لما مضى في الجاهلية؟ قال: تمحوه
التقى - مرتين- فقال له الجهني: أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سبحان الله!! أيحل للرجل أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ".
وقال البوصيري:
"هذا إسناد ضعيف لضعف سفيان بن وكيع".
قلت: وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري: ضعيف أيضا.
خلاصة هذا المبحث أن الحديث صحيح بلفظ "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من جاء بهن لم يضيع من حقهن شيئا، جاء وله عند الله عهد أن يدخله الله الجنة، ومن انتقص من حقهن شيئا، جاء وليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة".
قال محمد تقي الدين: وهذا الحديث لا حجة فيه من وجوه:
الوجه الأول: أنه خالف ما هو أصح منه، وهي الأحاديث التي رواها مسلم في "صحيحه"، وفيها التصريح بكفر تارك الصلاة، وقد ثبت عند جميع العلماء أن الأحاديث على درجات:
الدرجة الأولى: ما اتفق عليه البخاري ومسلم.
الدرجة الثانية: ما انفرد به البخاري.
الدرجة الثالثة: ما انفرد به مسلم.
الدرجة الرابعة: ما كان على شرطهما.
الدرجة الخامسة: ما كان على شرط مسلم
(1)
الدرجة السادسة: ما صحّ سنده وإن لم يكن على شرط أحد منهما.
الدرجة السابعة: ما كان إسناده حسنا.
الدرجة الثامنة: ما كان إسناده ضعيفا وليس فيه متروك ولا وضاع.
الدرجة التاسعة: ما كان في سنده متروك.
الدرجة العاشرة: ما كان في إسناده كذاب.
وأحاديث الدرجة العاشرة لا تحل روايتها إلا لبيان ما فيها من الكذب، وأحاديث الدرجة التاسعة ما يحتج بشيء منها إلا إذا تعددت طرق الحديث الواحد فإنه يرتقي إلى درجة الحسن ويحتج به إن لم يكن له معارض من درجة أعلى منه
(2)
وهذا الذي احتج به بعض
(1)
كذا في المطبوع، فلعله وقع شيء من كلام الشيخ رحمه الله تعالى، فالذي ينبغي أن يكون في القسم الخامس هو ما كان على شرط البخاري، والقسم السادس ما كان على شرط مسلم، فقد اصطلح المحدثون أن أعلى أقسام الصحيح ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما كان على شرطهما وإن لم يخرجاه، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم ما صححه غيرهما من الأئمة.
(2)
هذا التقرير فيه نظر، فالمتروك يبقى متروكا ولا يخرج من دائرة الضعف، فلا ينفعه تعدد طرقه، وأكبر شاهد على ذلك أن أئمة الحديث كانوا إذا تركوا الرجل طرحوا حديثه، فالحديث الذي اشتد ضعفه مطروح لا يعتبر به، فإن المحدثين عندهم تفريق بين الطريق الذي خفّ ضعفه فيقوى الحديث بمثله أو بتعدد طرقه، وبين ما اشتد ضعفه، فالصواب أن هذا إنما يصلح في القسم الثامن، وهو ما كان في إسناده ضعيف وليس فيه متروك ولا وضاع.
قال ابن الصلاح في "المقدمة"(ص 34): "ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت:
فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل، يزول بروايته من وجه آخر.
ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك، لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب، أو كون الحديث شاذا".
قال الحافظ في "الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة"(ص 66): "فقوله (لا يكون راويه متهما بالكذب) يشمل رواية المستور، والمدلس والمغفل والمعنعن، والمنقطع بين ثقتين حافظين، كالمرسل، فكل هذا إذا ورد اقتضى التوقف في الاجتماع به للجهل بحال المذكور فيه، أو الساقط، فإن ورد مثله، أو معناه من طريق أخرى، أو أكثر فإنها ترجح أحد الاحتمالين، لأن المستور مثلاً حيث يروي يحتمل أن يكون ضبط المروي، ويحتمل أن لا يكون ضبطه، فإذا ورد مثل ما رواه، أو معناه من وجه آخر غلب على الظن أنه ضبط، وكلما كثر المتابع قوي الظن كما في أفراد التواتر، فإن أولها من رواية الأفراد، ثم لا تزال تكثر إلى أن يقطع بصدق المروي، ولا يستطيع سامعه أن يدفع ذلك عن نفسه".
قلت: ولا يخفى على المشتغلين بهذا الفن أن الحديث الحسن لذاته في واقعه يتأرجح في أن يُحشر في قسم الحديث الضعيف، أو الصحيح إذ هو رواية مَنْ خفّ ضبطه، فلهذا جعله الحفّاظ قسمًا مستقلًا، فراوي الحديث الحسن لذاته رتبته صدوق، وأما الضعيف ففيه تفاوت فأعلى رتبة في إمكان ترشّحه للاحتجاج هو الصدوق الذي يهم، فإذا جاء من وجه آخر كان الحديث حسنا لغيره، فإذا جاء له طريق ثالث صار صحيحا بمجموع طرقه، قال الذهبي في "الموقظة" (ص 28):"لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك! فكم من حديث تردد فيه الحفاظ: هل هو حسن؟ أو ضعيف؟ أو صحيح؟ بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد: فيوما يصفه بالصحة، ويوما يصفه بالحسن، ولربما استضعفه! وهذا حق، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يرقيه إلى رتبة الصحيح، فبهذا الاعتبار فيه ضعف ما، إذ الحسن لا ينفك عن ضعف ما، ولو انفك عن ذلك، لصح باتفاق".
وقد فرّق الترمذي بين الحديث الحسن لذاته، والحسن لغيره، فإنه يقول في الحديث الحسن لذاته "حديث حسن غريب"، أي: لا يروى إلا من وجه واحد، وأما إذا كان الحديث حسنًا لغيره فلا يذكر الغرابة بل يطلقه بلا قيد، وهذا معناه أنه تقوى بمجموع طرقه، كما نصّ على ذلك في "العلل الصغير" بقوله:"كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن".
قال السيوطي في "التنقيح لمسألة التصحيح"(ص 24): "فإني استقرئت ما صححه هؤلاء - يعني المعاصرين لابن الصلاح ومَن بعده - فوجدته من قسم الصحيح لغيره لا لذاته، وقد أعطى أئمة المحدثين المتقدمون قاعدة:(وهو أنه إذا وجد للحسن طريق آخر يشبهه حكم بصحته ويكون صحيحا لغيره لا لذاته)، فعمل هؤلاء المصححون بهذه القاعدة، فصححوا الأحاديث التي صححوها لتعدد طرقها عملا بالقاعدة المذكورة فهم في ذلك تابعون للأئمة فيما أصَّلوه وعاملون بما أوصوا به
…
".
العلماء على عدم كفر تارك الصلاة، غاية الأمر أن يكون من أحاديث الدرجة السابعة، وأحاديث التكفير من الدرجة الثالثة، فلا تصح المعارضة لبعد ما بين الدرجتين.
الوجه الثاني: أن أحاديث التكفير مع كونها أصح وأعلى، فهي أكثر لأن عددها اثني عشر حديثا.
الوجه الثالث: إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة كما تقدم، وهم أعلم بالكتاب والسنة ممن جاء بعدهم.
الوجه الرابع: أن الأحاديث التي فيها "برئت منه ذمة الله"
(1)
و "خرج من الملة"
(2)
و "هو في جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبيّ بن خلف"
(3)
، وهي أكثر وأصح، صريحة في كفره بخلاف هذا الحديث، فإنه ليس فيه أكثر من رد المشيئة إلى الله تعالى
(4)
، قد علمنا من تلك الأدلة أن الله لا يشاء أن يغفر له.
الوجه الخامس: أقوال الصحابة ومن بعدهم في عدم صحة قضاء المتروكة عمدا بدون عذر.
الوجه السادس: أن الإمام أحمد بن حنبل الذي روى هذا الحديث من القائلين بكفر تارك الصلاة، وذلك دليل على أنه رجّح أدلة التكفير، أما بقية الأدلة التي احتج بها بعض العلماء على عدم كفر تارك الصلاة فهي عامة، والخاص مقدم على العام عند بعض علماء الأصول.
الوجه السابع: أن الله فرض صلاة الخوف في حال القتال بالكتاب والسنة والإجماع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء وقت الصلاة أن يجعل الجيشين طائفتين: طائفة تقابل العدو في القتال، وطائفة تصلي معه ركعة، ويبقى هو عليه الصلاة والسلام قائما حتى يصلوا لأنفسهم ركعة أخرى، ويسلموا ويتوجهوا لقتال العدو، ويجئ الذين لم يصلوا - أعني الذين كانوا مواجهين للعدو - فيصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية، ويبقى هو عليه الصلاة والسلام جالسا يذكر الله حتى يتمّوا لأنفسهم ركعة، ثم يسلم ويسلمون، ويلتحقون بإخوانهم لمواجهة العدو، هذا إذا كان في الإمكان أن يقسمهم الإمام إلى طائفتين، فإن لم يمكن ذلك لكثرة عدد العدو، وقلة عدد المسلمين وجب عليهم أن يصلوا على كل حال واقفين وماشين وراكبين، وهم يقاتلون مستقبلين القبلة أو مستدبرين، ودليل الحالة الأولى من كتاب الله، قوله
(1)
حديث حسن - تقدّم الكلام عليه انظر الحاشية رقم (23) و (24).
(2)
إسناده ضعيف - وقد تقدّم الكلام عليه انظر الحاشية رقم (22).
(3)
إسناده حسن - وقد تقدّم الكلام عليه انظر الحاشية رقم (21).
(4)
انظر ما تمّ تحريره في الحاشية (48).
قال محمد تقي الدين: إن كان المقاتلون يصلون صلاة السفر، وأمكن أن يقسمهم الإمام قسمين فالأمر واضح إلا في صلاة المغرب، فتصلي الطائفة الأولى مع الإمام ركعتين، ويبقى الإمام جالسا ويصلون لأنفسهم ركعة، ويتوجهون لقتال العدو، فيأت الذين لم يصلوا فيصلون مع الإمام الركعة الثالثة، ويصلون لأنفسهم يتشهدون بعد الثانية ويسلم الإمام ويسلمون معه، ويعودون إلى المعركة، وإن كانت الصلاة رباعية صلى كل فريق مع الإمام على الوجه المتقدم.
وأما دليل الصلاة في أثناء القتال فقوله تعالى في سورة البقرة رقم 238 و 239 {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238، 239]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:
"وقد ذهب الإمام أحمد فيما نص عليه إلى أن صلاة الخوف تفعل في بعض الأحيان ركعة واحدة إذا تلاحم الجيشان، وعلى ذلك ينزل الحديث الذي رواه مسلم والأربعة إلا الترمذي بسند متصل عن ابن عباس، قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة. وبه قال جماعة من الأئمة".
قال محمد تقي الدين: وهذا يدلنا بوضوح الشمس في رابعة النهار على أن من أخّر الصلاة عن وقتها فلا صلاة له، ولو صلى ألف ركعة لم تقبل منه، فيعتبر تاركا للصلاة، وقد تقدم أن ذلك خروج من الملة ولو كان هنالك عذر يبيح تأخير الصلاة عن وقتها ما شرعت صلاة الخوف بنوعيها، فمن ظن أن الله تعالى لا يقبل من المجاهدين أن يؤخروا الصلاة وهم في حالة
القتال بل يوجب عليهم فعلها وهم يقاتلون مشاة وراكبين للقبلة أو لغير القبلة وهم مشغولون بالضرب والطعن، ويقبلها من المتهاون الذي يؤخرها بلا عذر فظنه في غاية البعد عن العقل.
فائدة:
قال ابن القيم في الكتاب المذكور ردا على من لم يكفر تارك الصلاة اعتمادا على أحاديث عامة تثبت الإسلام لمن أتى بالشهادتين، ما نصه:
قال المكفرون: الذين رويت عنهم هذه الأحاديث التي استدللتم بها على عدم تكفير تارك الصلاة، هم الذين حفظ عنهم الصحابة تكفير تارك الصلاة بأعيانهم.
قال أبو محمد بن حزم:
وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد، قالوا: ولا نعلم لهؤلاء مخالفا من الصحابة وقد دل على كفر تارك الصلاة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة.
كلام صاحب "كشاف القناع" في حكم تارك الصلاة
قال شيخ مشايخ الإسلام وأحد الكبراء الفخام صاحب الإفتاء والتدريس العلامة الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي في كتابه "كشاف القناع" ما نصه (1/ 159) بعد الكلام على كفر جاحد وجوب الصلاة:
" (فإن تركها تهاونا وكسلا) لا جحودا (دعاه إمام أو نائبه إلى فعلها) لاحتمال أن يكون تركها لعذر يعتقد سقوطها به، كالمرض ونحوه ويهدده فيقول له: إن صليت وإلا قتلناك وذلك في وقت كل صلاة (فإن أبى) أن يصليها (حتى تضايق وقت التي بعدها) أي: بعد التي دعي لها عن فعل الثانية كما جزم به في مختصر المقنع تبعا للوجيز وغيره (وجب قتله) لقوله تعالى {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5]- إلى قوله - {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 5] فمن ترك الصلاة لم يأت بشرط التخلية، فيبقى على إباحة القتل ولقوله عليه الصلاة والسلام "من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله" رواه أحمد بإسناده عن مكحول وهو مرسل جيد قاله في المبدع.
ولأنها من أركان الإسلام لا تدخلها النيابة فقتل تاركها كالشهادتين ولا يقتل بترك الأولى، لأنه لا يعلم أنه عزم
على تركها إلا بخروج وقتها، فإذا خرج علمنا أنه تركها، ولا يجب قتله بها لأنها فائتة، فإذا ضاق وقت الثانية وجب قتله (ولا يقتل) من ترك الصلاة تهاونا وكسلا، وكذا من جحد وجوبها (حتى يستتاب ثلاثة أيام كمرتد) أي: كسائر المرتدين (نصا) ويضيق عليه.
وذكر القاضي أنه يضرب (فإن تاب) من ترك الصلاة تهاونا وكسلا (بفعلها) أي: بفعل الصلاة خلي سبيله، نقل صالح: توبته أن يصلي لأن كفره بالامتناع منها، فحصلت توبته بها، بخلاف جاحدها، فإن توبته إقراره بما جحده مع الشهادتين كما يعلم مما يأتي في باب المرتد (وإلا) أي: وإن لم يتب بفعل الصلاة (قتل بضرب عنقه) بالسيف، لقوله عليه الصلاة والسلام "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" رواه مسلم أي: الهيئة من القتل (لكفره) علة يقتل لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" رواه مسلم.
وروى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تركها فقد كفر" رواه الخمسة وصححه الترمذي
(1)
.
وروى عبادة مرفوعا "من ترك الصلاة متعمدا فقد خرج من الملة" رواه الطبراني بإسناد جيد
(2)
.
وقال عمر "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"
(3)
.
ولقوله صلى الله عليه وسلم "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون الصلاة"
(4)
قال أحمد: كل شيء ذهب آخره لم يبق منه شيء ولأنه يدخل بفعلها في الإسلام فيخرج بتركها منه كالشهادتين (وحيث كفر) فإنه يقتل بعد الاستتابة، ولا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين و (لا يرق ولا يسبى له أهل ولا ولد).
(1)
صحيح - وقد تقدّم انظر الحاشية رقم ().
(2)
إسناده ضعيف - وقد تقدّم انظر الحاشية رقم (22).
(3)
صحيح - وقد تقدّم انظر الحاشية رقم (56).
(4)
صحيح - أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 158، ومن طريقه القضاعي في "مسند الشهاب"(216)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"(171)، وتمام في "الفوائد"(191)، والضياء في "الأحاديث المختارة"(1583) عن موسى بن إسماعيل أبي سلمة التبوذكي، عن ثواب بن حجيل، قال: سمعت ثابتا، قال: قال أنس:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة".
وإسناده ضعيف، ثواب - أو تواب - بن حجيل: مجهول، تفرد بالرواية عنه التبوذكي، وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 2/ 158، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 2/ 471، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، ووثقه ابن حبان 6/ 122 - 123!
وله طريق أخرى عن أنس:
أخرجه أبو يعلى (4124) حدثنا أبو الربيع الزهراني، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(193) من طريق محمد بن الفضل عارم، كلاهما عن حماد، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أول ما افترض الله على الناس من دينهم الصلاة، وآخر ما يبقى الصلاة، وأول ما يحاسبون به الصلاة، يقول الله: انظروا في صلاة عبدي، فإن كانت تامة كتبت تامة،
وإن وجدت ناقصة قال: انظروا، هل له من تطوع؟ فإن وجد له تطوع تمت الفريضة من التطوع، ثم قال: انظروا هل زكاته تامة؟ فإن وجدت زكاته تامة كتبت تامة، وإن كانت ناقصة قال: انظروا، هل له صدقة؟ فإن كانت له صدقة تمت له زكاته من الصدقة".
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 6/ 265، وفي "أخبار أصبهان" 2/ 213 حدثنا أحمد بن إبراهيم بن يوسف، حدثنا محمد بن شيرزاد، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أول ما تفقدون من دينكم الصلاة".
وإسناده ضعيف، يزيد بن أبان الرقاشي: ضعيف زاهد.
وله شواهد من حديث عمر بن الخطاب، وأبي هريرة، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة:
أما حديث عمر بن الخطاب:
فأخرجه الطبراني في "الصغير"(387)، وعنه أبو نعيم في "الحلية" 2/ 174، والبيهقي في "الشعب"(4892) من طريق المعافى بن سليمان، حدثنا حكيم بن نافع، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة، ورب مصل لا خير فيه".
وقال الطبراني:
"لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا حكيم بن نافع تفرد به المعافى، ولا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد".
وإسناده ضعيف من أجل حكيم بن نافع.
وسعيد بن المسيب: ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه، قال أبو حاتم: لا يصح له سماع منه.
وأما حديث أبي هريرة:
فأخرجه أبو يعلى (6634) حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا أشعث بن براز، حدثنا قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أول ما يرفع من هذه الأمة الحياء والأمانة، وآخر ما يبقى منها الصلاة - يخيل إلي أن قال -: وقد يصلي قوم لا خلاق لهم".
وإسناده ضعيف جدا، أشعث بن براز: قال العلّامة المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة"(ص 279): "متروك".
وأما حديث ابن مسعود:
فأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 102 من طريق مالك بن مغول، والخلال في "السنة"(1391) من طريق سفيان، والطبراني 9/ (9754) من طريق شعبة، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق"(267) من طريق الأعمش، أربعتهم عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، قال: قال عبد الله:
"إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون الصلاة".
وهذا إسناد صحيح، وله حكم الرفع، وله طريق أخرى عن ابن مسعود:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(5981)، ومن طريقه الطبراني 9/ (8700) عن إسرائيل، وابن أبي شيبة 14/ 93 و 15/ 175، والخطيب في "تاريخ بغداد" 12/ 79 عن أبي الأحوص، ونعيم بن حماد في "الفتن"(1685)، وسعيد بن منصور في "التفسير من سننه"(97)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"(176)، والطبراني 9/ (8698) و (8699) و (9562)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(174)، والحاكم 4/ 504، والبيهقي في "الشعب"(1869) و (4891)، والداني في "السنن الواردة في الفتن"(269) و (272) من طريق السفيانين، والبيهقي 6/ 289 من طريق شعبة، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق"(274)، والخطيب البغدادي 12/ 79 من طريق جرير، والخطيب البغدادي 12/ 79 من طريق فضيل بن عياض، وشريك، وأبي بكر بن عياش، تسعتهم عن
عبد العزيز بن رفيع، عن شداد بن معقل قال: سمعت ابن مسعود، يقول:
"إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وإن آخر ما يبقى من دينكم الصلاة، وليصلين القوم الذين لا دين لهم، ولينتزعن القرآن من بين أظهركم. قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألسنا نقرأ القرآن، وقد أثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يسرى عليه ليلا فيذهب به من أجواف الرجال فلا يبقى منه شيء".
وإسناده حسن، وأخرجه الطبراني (8698) من طريق الثوري، عن أبيه، عن المسيب بن رافع، عن شداد بن معقل به.
وأما حديث حذيفة:
فأخرجه ابن أبي شيبة 13/ 381، والطبري في "تهذيب الآثار"(1006) - مسند ابن عباس، والدولابي في "الكنى"(1420)، وابن وضاح في "البدع"(153)، والحاكم 4/ 469 من طريق عبد الرحمن بن مهدي، والخلال في "السنة"(1292)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(8) و (716) من طريق عبد الملك بن عمرو، وأحمد في "الزهد"(1003)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 281 من طريق وكيع، ثلاثتهم عن عكرمة بن عمار، عن أبي عبد الله الفلسطيني، حدثني عبد العزيز بن أخي حذيفة، عن حذيفة رضي الله عنه:
"أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة".
وعند ابن وضاح "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة"، وجاء عند أكثرهم مطولا.
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد" وأقره الذهبي.
أبو عبد الله الفلسطيني: جاء عند ابن بطة (حميد بن أبي عبد الله الفلسطيني)، وعند الحاكم (حميد بن عبد الله الفلسطيني)، وعند ابن وضاح (حميد أبو عبد الله)، وعند الدولابي (جنيد أبو عبد الله الفلسطيني)، وعند الطبري (محمد بن أبي عبد الله الفلسطيني)، وعند الباقيين (أبو عبد الله الفلسطيني).
وهو أبو عبد الله حميد بن زياد الفلسطيني، ويقال: اليمامي: مجهول الحال، لا يعرف له توثيق إلا عن ابن حبان 6/ 191.
وانظر تمام الكلام عليه في كتابي "أحاديث الغربة وآثارها" عند شواهد الحديث الثاني عشر.
كلام ابن كثير في تكفير تارك الصلاة
قال الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير في تفسير قوله تعالى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، ما نصه:
"لما ذكر تعالى حزب السعداء وهم الأنبياء عليهم السلام، ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره، المؤدين فرائض الله التاركين لزواجره، ذكر أنه
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} أي: قرون أخر أضاعوا الصلاة، وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع، لأنها عماد
الدين وقوامه وخير أعمال العباد، وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، فهؤلاء سيلقون غيا، أي: خسارا يوم القيامة، وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة هاهنا، فقال قائلون: المراد بإضاعتها تركها بالكلية، قاله محمد بن كعب القرظي، وابن زيد بن أسلم، والسدي، واختاره ابن جرير، ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد، وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة للحديث (بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة).
والحديث الآخر (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) ".
جيش عرمرم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في كفر تارك الصلاة
قال الحافظ عبد العظيم المنذري رحمه الله تعالى في "الترغيب والترهيب" ما نصه:
" الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا:
1 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" رواه أحمد ومسلم.
وقال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
2 -
وروى أبو داود والنسائي ولفظه، "ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة".
3 -
وروى الترمذي ولفظه، قال:"بين الكفر والإيمان ترك الصلاة".
4 -
وروى ابن ماجه ولفظه، قال:"بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة"
(1)
.
5 -
وعن بريدة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم، وقال: صحيح ولا نعرف له علة
(2)
.
(1)
هذه الأحاديث التي جعلها المصنف بأربعة أرقام هي حديث واحد، وقد تقدم تخريجه انظر الحاشية (17).
(2)
صحيح - تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (19)، ولم أجده في "سنن أبي داود"، ولم يعزه إليه المزي في "تحفة الأشراف"(1960).
6 -
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: "أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع خصال، فقال: لا تشركوا بالله شيئا وإن قطعتم أو حرقتم أو صلبتم، ولا تتركوا الصلاة متعمدين فمن تركها متعمدا فقد خرج من الملة، ولا تركبوا المعصية فإنها سخط الله، ولا تشربوا الخمر فإنها رأس الخطايا كلها
…
الحديث" رواه الطبراني، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة بإسنادين لا بأس بهما
(1)
.
7 -
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي رضي الله عنه، قال:"كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة" رواه الترمذي
(2)
.
8 -
وعن ثوبان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة فإذا تركها فقد أشرك" رواه هبة الله الطبري بإسناد صحيح
(3)
.
9 -
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له" رواه البزار
(4)
.
10 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد". رواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير"، وقال: تفرد به الحسين بن الحكم الحِبَري
(5)
.
11 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال:"أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وإن حرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة، ولا تشرب الخمر فإنه مفتاح كل شر" رواه ابن ماجه والبيهقي عن شهر عن أم الدرداء عنه
(6)
.
(1)
إسناده ضعيف - وليس له إلا إسناد واحد، وقد تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (22).
(2)
صحيح - أخرجه الترمذي (2622)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(948) من طريق بشر بن المفضل، وابن أبي شيبة 11/ 49، وفي "الإيمان"(137) حدثنا عبد الأعلى،
والخلال في "السنة"(1378) من طريق إسماعيل بن إبراهيم، ثلاثتهم عن الجريري، عن
عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: فذكره.
واللفظ للترمذي، وإسناده صحيح، الجريري: ثقة لكنه اختلط، وقد سمع منه إسماعيل ابن علية قبل الاختلاط، ورواية بشر بن المفضل، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى عنه على شرط الشيخين.
وأخرجه الحاكم 1/ 7 من طريق قيس بن أنيف، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بشر بن المفضل، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة به.
وقال الذهبي: لم يتكلم عليه وإسناده صالح.
قلت: لقد تكلم على إسناده فقد ذكره شاهدا لحديث بريدة، فقال:"صحيح على شرطهما جميعا! ".
وليس كما قال، قيس بن أنيف: أبو عمرو قيس بن أنيف بن منصور البخاري: ذكره المزي في "تهذيب الكمال" 23/ 528 في الرواة عن قتيبة بن سعيد، باسم: قيس بن أبي
قيس البخاري، وكناه بأبي عمرو 31/ 255 فيمن روى عن يحيى بن جعفر بن أعين الأزدي.
وترجمه السمعاني في "الأنساب" 13/ 366 - 367، بقوله:"أبو عمرو قيس بن أنيف بن منصور الونوفاغي البخاري، يروى عن قتيبة بن سعيد، ومحمود بن غيلان، وعلى بن حجر، وسويد بن نصر، ومحمد بن واصل المروزيين، وغيرهم، روى عنه أبو نصر بن سهل البخاري، وتوفي بمكة بعد ما حج في سلخ ذي الحجة سنة ثمان وثمانين ومائتين".
هذا كل ما وجدته عن قيس بن أنيف، وقد خالف الترمذيَّ بزيادة أبي هريرة في إسناده، إذ رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد فلم يذكره، وقد رواه عن الجريري عبد الأعلى وابن علية فلم يذكراه، فثبت أنه خطأ، والله أعلم.
(3)
إسناده ضعيف - وقد تقدّم الكلام على إسناده انظر الحاشيىة رقم (20).
(4)
ضعيف جدا - أخرجه البزار (8539) حدثنا الحارث بن الخضر، وابن عدي في "الكامل" 4/ 390 و 5/ 270 من طريق هشام بن عمار، كلاهما عن سعد بن سعيد، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وأخرجه الروذباري في "ثلاثة مجالس من أماليه" - مخطوط، وابن العديم في "تاريخ حلب" 6/ 2742 من طريق أبي حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي، حدثنا سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري بإسناده مطولا.
وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 292:
"رواه البزار، وفيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد، وقد أجمعوا على ضعفه".
قال الذهبي في "الميزان" 2/ 120:
"عبد الله ساقط بمرة".
وسعد بن سعيد بن أبى سعيد المقبري: ليّن الحديث.
وأما الشطر الثاني منه فصحيح، وقد استوفيت تخريجه في "أحاديث الأحكام رواية ودراية" تحت الحديث رقم (29).
(5)
ضعيف - أخرجه الطبراني في "الأوسط"(2292)، وفي "الصغير"(162)، والمخلص في "الأجزاء المخلصيات"(2529)، وابن بطحاء في "جزءه" - مخطوط، وعنه ابن ثرثال في "جزءه"(206)، ومن طريقه القضاعي في "مسند الشهاب"(268)، والشجري في "الأمالي الخميسية"(147)، والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/ 9 من طريق الحسين بن الحكم ابن مسلم الحِبَري الكوفي، قال: حدثنا حسن بن حسين الأنصاري، قال: حدثنا مندل بن علي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا مندل، ولا عن مندل إلا حسن، تفرد به الحسين بن الحكم".
قلت: لم يتفرّد به الحسين بن الحكم فقد تابعه عليه إبراهيم بن بشر كما في "السابع عشر من الفوائد المنتقاة للحرمي"، والأولى ما قاله الحافظ الذهبي:
"تفرد به الحسن بن الحسين الأنصاري، عرف بالعرني وليس بعمدة".
قلت: ومندل بن علي: ضعيف أيضا.
تنبيه: قال الألباني في "ضعيف الترغيب"(213) - الحسين بن الحكم الحِبَري: "مجهول".
قلت: جاء في "سؤالات الحاكم للدارقطني"(90)"الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري: ثقة".
(6)
حديث حسن - تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (24).
12 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"لما قام بصري قيل نداويك وتدع الصلاة أياما؟! قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان" رواه البزار، والطبراني في "الكبير"، وإسناده حسن
(1)
.
قامت العين إذا ذهب بصرها.
13 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر جهارا" رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد لا بأس به
(2)
.
14 -
وروى محمد بن نصر في "كتاب الصلاة" ولفظه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"بين العبد والكفر أو الشرك ترك الصلاة، فإذا ترك الصلاة فقد كفر"
(3)
.
15 -
وروى ابن ماجه عن يزيد الرقاشي، عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك"
(4)
.
16 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال حماد بن زيد: ولا أعلمه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان" رواه أبو يعلى بإسناد حسن، ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، مرفوعا
(5)
. وقال فيه: "من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر ولا يقبل منه صرف ولا عدل، وقد حل دمه وماله".
17 -
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله علمني عملا إذا أنا عملته دخلت الجنة؟ قال: لا تشرك بالله شيئا وإن عذبت وحرقت، أطع والديك وإن أخرجاك من مالك ومن كل شيء هو لك، لا تترك الصلاة متعمدا
(1)
ضعيف - أخرجه البزار (343) - كشف، والطبراني 11/ (11782) عن محمد بن عبد الله المخرمي، حدثنا سهل بن محمود، حدثنا صالح بن عمر، عن حاتم بن أبي صغيرة،
عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: فذكره.
وقال البزار:
"لا نعلمه يروى مرفوعا إلا بهذا الإسناد، وقد وقفه بعضهم".
وقال الألباني في "الضعيفة"(4573):
"له ثلاث علل:
الأولى: ضعف سماك في روايته عن عكرمة، قال الحافظ:
"صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة".
الثانية: جهالة حال سهل بن محمود، فقد ترجمه ابن أبي حاتم (2/ 1/ 204) برواية اثنين آخرين، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
الثالثة: الوقف، كما أشار إليه البزار".
قلت: سهل بن محمود: ليس بمجهول، فقد جاء في سؤالات السلمي للدارقطني (157):"سئل الدارقطني عن سهل بن محمود، فقال: هو أبو السري، بغدادي فاضل، يروي عن أبي بكر بن عياش، يروي عنه محمد بن عبد الله المخرمي".
وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" 15/ 100 - أحداث سنة عشرين ومائتين -:
"وكان صالحا ناسكا ثقة، توفي كهلا في سنة خمس عشرة، قال يعقوب بن شيبة: كان أحد أصحاب الحديث، وأحد النساك".
وانظر ترجمته في "تاريخ بغداد" 9/ 117.
وأما الوقف فقد أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات"(2336)، ومن طريقه اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1535) من طريق شريك، عن سماك، عن عكرمة:
"عن ابن عباس أنه وقع في عينه الماء، فقيل له ننزع الماء من عينك على أنك لا تصلي سبعة أيام؟ فقال: لا، إنه من ترك الصلاة وهو يقدر لقي الله وهو عليه غضبان".
(2)
ضعيف - أخرجه الطبراني في "الأوسط"(3348) حدثنا جعفر قال: حدثنا محمد ابن أبي داود الأنباري قال: حدثنا هاشم بن القاسم، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال الطبراني:
"لم يروه عن أبي جعفر الرازي إلا هاشم بن القاسم، تفرد به محمد بن أبي داود".
وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 295: "رجاله موثقون، إلا محمد بن أبي داود، فإني لم أجد من ترجمه، وقد ذكر ابن حبان في الثقات محمد بن أبي داود البغدادي، فلا أدري هو هذا أم لا".
قلت: أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان: سيء الحفظ، وأما محمد بن أبي داود فهو أبو هارون محمد بن سليمان الأنباري من رجال أبي داود: صدوق.
وأبو النضر هاشم بن القاسم: خالفه ابن الجعد فرواه عن أبي جعفر، عن الربيع مرسلا كما في "العلل"(2446) للدارقطني، وقال:
"والمرسل أشبه بالصواب".
(3)
صحيح لغيره - أخرجه ابن ماجه (1080)، وعبد الله بن أحمد في "السنة"(732)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(897) و (898) من طريق عمرو بن سعد، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(899) و (900)، وأبو يعلى (4100)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(882) من طريق عكرمة بن عمار، كلاهما عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره، واللفظ للمروزي (899).
وفي إسناده يزيد الرقاشي: ضعيف.
وأخرجه ابن الأعرابي في "المعجم"(270) حدثنا محمد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا أمية بن خالد، حدثنا همام، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة".
فيه عنعنة قتادة.
والحديث بهذا اللفظ صحيح لغيره، يشهد له حديث جابر عند مسلم (82)، وانظر تخريجه الحاشية رقم (17).
(4)
هذا العزو يوهم أن الحديث الذي قبله ليس من رواية يزيد الرقاشي، وهو والذي قبله حديث واحد مداره على يزيد الرقاشي.
(5)
ضعيف - أخرجه أبو يعلى (2349)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1576) - ومن طريقه قوام السنة في "الترغيب"(1932) -، وابن عبد البر في "الاستذكار" 2/ 372 من طريق مؤمل، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، - قال حماد: ولا أعلمه إلا قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك منهن واحدة فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة المكتوبة وصوم رمضان. ثم قال ابن عباس: تجده كثير المال لا يزكي، فلا يزال بذاك كافرا فلا يحل دمه، وتجده كثير المال لم يحج فلا يزال بذاك كافرا، ولا يحل دمه".
وأخرجه الطبراني 12/ (12800) من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولا نعلمه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة، وصيام رمضان فمن ترك، واحدة منهن كان كافرا حلال الدم".
ومداره على مؤمل بن إسماعيل وهو سيء الحفظ، وذكره المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 382، وقال:
"رواه أبو يعلى بإسناد حسن!، ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس مرفوعا، وقال فيه:
من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر، ولا يقبل منه صرف، ولا عدل، وقد حل دمه وماله".
فإن من ترك الصلاة
متعمدا فقد برئت منه ذمة الله" الحديث رواه الطبراني في "الأوسط" ولا بأس بإسناده في المتابعات
(1)
.
18 -
وعنه رضي الله عنه، قال:"أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، قال: لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت، ولا تعص والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية فإن بالمعصية حل سخط الله، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس وإن أصاب الناس موت فاثبت، وأنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأخفهم في الله" رواه أحمد، والطبراني في "الكبير" وإسناد أحمد صحيح لو سلم من الانقطاع فإن عبد الرحمن بن جبير بن نفير لم يسمع من معاذ
(2)
.
19 -
وعن بريدة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من ترك الصلاة فقد كفر" رواه ابن حبان في "صحيحه"
(3)
.
20 -
وعن أميمة رضي الله عنها مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: "كنت أصب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه، فدخل رجل، فقال: أوصني؟ فقال: لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت بالنار، ولا تعص والديك وإن أمراك أن تتخلى من أهلك ودنياك فتخله، ولا تشربن خمرا فإنها مفتاح كل شر، ولا تتركن صلاة متعمدا فمن فعل ذلك فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله
…
الحديث" رواه الطبراني، وفي إسناده يزيد بن سنان الرهاوي
(4)
.
21 -
وعن زياد بن نعيم الحضرمي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع فرضهن الله في الإسلام، فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئا حتى يأتي بهن جميعا: الصلاة، والزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت" رواه أحمد وهو مرسل
(5)
.
(1)
حسن - تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (23).
(2)
حسن - تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (23).
(3)
ضعيف - أخرجه ابن حبان (1463) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي، حدثنا محمد بن حمير، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة،
عن عمه، عن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره.
عم أبي قلابة: هو أبو المهلب الجرمي، وإسناده ضعيف، إسحاق بن إبراهيم بن العلاء: صدوق يهم كثيرا وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب كما في "التقريب".
والحديث محفوظ عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي مليح، عن بريدة، وبلفظ أن أبا المليح قال:
"كنا مع بريدة في غزوة في يوم ذي غيم، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله".
وانظر تخريجه في "أحاديث الأحكام رواية ودراية"(81).
(4)
حسن - أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(3447)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(912)، والطبراني 24/ (479)، والحاكم 4/ 41، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(7518) تاما ومختصرا من طريق يزيد بن سنان، عن سليم بن عامر أبي يحيى، عن جبير بن نفير، عن أميمة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فذكره مطولا.
وقال الذهبي:
"سنده واه".
قلت: يزيد بن سنان الرهاوي: ضعيف، ولأكثر فقراته شواهد انظر الحاشية رقم (23).
(5)
ضعيف - أخرجه أحمد 4/ 200 - 201، وابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" 1/ 236 - السفر الثاني، وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة"(894)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 2/ 122 عن قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق، عن المغيرة بن أبي بردة، عن زياد بن نعيم الحضرمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال أبو القاسم:
"ولا أدري زياد بن نعيم الحضرمي هذا هو الذي روى عنه الإفريقي حديث زياد أم لا؟ فإن كان هو ذاك فلا أعرف له صحبة".
قلت: هو مرسل كما قال المنذري، وإسناده ضعيف، ابن لهيعة سيء الحفظ، قال الحافظ في "الإصابة" 3/ 20:
"تفرد به ابن لهيعة، وزياد بن نعيم الذي روى عنه الإفريقي تابعي باتفاق".
وقال في "إتحاف المهرة" 4/ 568، و"أطراف المسند" 2/ 365:
"ووقع في بعض النسخ عن زياد بن نعيم، عن عمارة بن حزم به".
أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة"(5221) من طريق أسد بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن محمد، عن زياد بن نعيم، عن عمارة بن حزم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره.
فجعله عن يزيد بن محمد بدلا عن يزيد بن أبي حبيب، وأسقط من إسناده اثنين: المغيرة بن أبي بردة، وأبا مرزوق التجيبي، وزاد فيه عمارة بن حزم، وقال أبو نعيم:
"رواه سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة، فقال: عن يزيد بن أبي حبيب".
قلت: وهذا سببه سوء حفظ ابن لهيعة، والله أعلم.
22 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة" رواه ابن حبان في "صحيحه"
(1)
.
23 -
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة متعمدا أحبط الله عمله وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع لله عز وجل توبة" رواه الأصبهاني
(2)
.
24 -
وعن أم أيمن رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تترك الصلاة متعمدا، فإنه من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله" رواه أحمد، والبيهقي، ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن مكحولا لم يسمع من أم أيمن
(3)
.
25 -
وعن علي رضي الله عنه، قال:"من لم يصل فهو كافر" رواه أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب "الإيمان" والبخاري في "تاريخه" موقوفا
(4)
.
26 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"من ترك الصلاة فقد كفر" رواه محمد بن نصر المروزي، وابن عبد البر موقوفا
(5)
.
27 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال:"من ترك الصلاة فلا دين له"
رواه محمد بن نصر أيضا موقوفا
(6)
.
28 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال:"من لم يصل فهو كافر" رواه ابن عبد البر موقوفا
(7)
.
29 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال:"لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له" رواه ابن عبد البر، وغيره موقوفا
(8)
.
30 -
وقال ابن أبي شيبة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة فقد كفر"
(9)
.
31 -
وقال محمد بن نصر المروزي: سمعت إسحاق، يقول:"صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر"
(10)
.
(1)
حديث حسن - استوفيت تخريجه في كتابي "أحاديث الغربة وآثارها" الحديث الثاني عشر.
(2)
إسناده ضعيف جدا - تقدم تخريجه ضمن الشواهد لحديث معاذ انظر الحاشية رقم (23).
(3)
حديث حسن - تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (23).
(4)
ضعيف - أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 387 و 11/ 47، وفي الإيمان" (126)، والخلال في "السنة" (1393)، والآجري في "الشريعة" (277)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (889)، والبيهقي في "الشعب" (41) عن ابن نمير، والعدني في "الإيمان" (63)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (933) عن مروان الفزاري، كلاهما عن محمد بن أبي إسماعيل، عن معقل الخثعمي: "أن رجلا، سأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن امرأة، لا تصلي؟ فقال علي رضي الله عنه: من لم يصل فهو كافر".
وزاد العدني، والخلال "قالوا: إنها مستحاضة، قال: تتخذ صوفة فيها سمن، أو زيت، ثم تغتسل وتصلي".
وبهذه الزيادة فقط في "سنن أبي داود"(302).
وإسناده ضعيف، معقل الخثعمي: مجهول العين، لم يرو عنه غير محمد بن أبي إسماعيل السلمي، وذكره ابن حبان في "الثقات" 5/ 432!
وتحرّف فيه (الخثعمي) إلى (الجشمي).
قال الذهبي في "الميزان" 4/ 147:
"لا يعرف".
وقال الحافظ في "التقريب"(6801):
"مجهول".
(5)
ضعيف - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(939) من طريق يحيى بن
عبد الحميد، قال: حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فذكره.
وإسناده ضعيف، سماك: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة.
وشريك النخعي: ضعيف.
ويحيى بن عبد الحميد الحماني: حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث كما في "التقريب".
(6)
إسناده حسن - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(935) من طريق شعبة، والمروزي (937) أيضا من طريق الأعمش، كلاهما عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال:
"كان عبد الله رضي الله عنه يعجبه أن يقعد حيث تعرض المصاحف فجاءه ابن الحضارمة رجل من ثقيف فقال: أي درجات الإسلام أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها من ترك الصلاة فلا دين له".
وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 387 و 11/ 34، وفي "الإيمان"(47)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب"(42) حدثنا شريك، عن عاصم بإسناده نحوه.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة"(772)، والمروزي (936)، والخلال في "السنة"(1387)، والطبراني 9/ (8941)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(888) من طرق عن سفيان، والطبراني 9/ (8942) من طريق أبي معاوية، كلاهما عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال:
"من لم يصل فلا دين له".
وإسناده حسن، عاصم بن بهدلة: مختلف فيه، والراجح أن حديثه حسن، والله أعلم.
(7)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 4/ 225، وفي "الاستذكار" 2/ 149 بصيغة التمريض، ولم يذكر إسناده.
(8)
إسناده صحيح - أخرجه أحمد في "السنة"(887)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(945)، والخلال في "السنة"(1384)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد"(1536)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(887) من طريق الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ابن جابر، قال: حدثني عبد الله بن أبي زكريا، أن أم الدرداء، حدثته أنها سمعت أبا الدرداء، يقول: فذكره.
وهذا إسناد صحيح، ابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي: ثقة.
(9)
ذكره عنه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(988)، وتمامه "فيقال له: ارجع عن الكفر، فإن فعل وإلا قتل بعد أن يؤجله الوالي ثلاثة أيام".
(10)
ذكره المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(990)، وتمام الكلام في الفقرة التي بعده.
32 -
وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
33 -
وروي عن حماد بن زيد، عن أيوب رضي الله عنه، قال:"ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه"
(1)
.
34 -
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما، فقال:"من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيّ بن خلف" رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني في "الكبير"، و "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"
(2)
.
35 -
وعن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه قال:"سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5]، قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها" رواه البزار من رواية عكرمة بن إبراهيم، وقال: رواه الحفاظ موقوفا ولم يرفعه غيره
(3)
.
قال الحافظ رضي الله عنه: وعكرمة هذا هو الأزدي مجمع على ضعفه، والصواب وقفه.
36 -
وعن مصعب بن سعد رضي الله عنه، قال: قلت لأبي يا أبتاه أرأيت قوله تبارك وتعالى {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5]، أينا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟ قال: ليس ذاك إنما هو إضاعة الوقت يلهو حتى يضيع الوقت" رواه أبو يعلى بإسناد حسن
(4)
.
37 -
وعن نوفل بن معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من فاتته صلاة فكأنما وتر أهله وماله" رواه ابن حبان في "صحيحه"
(5)
.
38 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من
(1)
قال المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(978): حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: فذكره.
وإسناده صحيح، أبو النعمان هو محمد بن الفضل، المعروف بعارم.
(2)
إسناده حسن - تقدم تخريجه انظر الحاشية رقم (21).
(3)
ضعيف مرفوعا - تقدّم الكلام عليه، انظر الحاشية رقم (4).
(4)
إسناده حسن - تقدّم الكلام عليه، انظر الحاشية رقم (4) و (5).
(5)
أخرجه البخاري (3602) حدثنا عبد العزيز الأويسي، ومسلم (2886 - 11)، وأبو عوانة في الفتن كما في "إتحاف المهرة"(17216) من طريق يعقوب بن إبراهيم،
كلاهما عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود، عن نوفل بن معاوية مرفوعا "من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله".
وأخرجه أحمد في "المسند"(القسم الملحق بمسند الأنصار) حدثنا فزارة بن عمر، حدثنا إبراهيم - يعني ابن سعد - حدثنا ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن ابن مطيع ابن الأسود، عن نوفل بن معاوية الديلي به.
وإسناده ضعيف من أجل فزارة بن عمر فقد تفرد بالرواية عنه الإمام أحمد، وقال أبو زرعة: لا أعرفه.
وقال الحسيني: فيه نظر.
وقد وهم في هذا الحديث، فأسقط صالح بن كيسان من إسناده.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(955)، وابن المظفر في "غرائب مالك"(7)، والبيهقي في "الشعب"(2583)، والمزي في "تهذيب الكمال" 17/ 408 من طريق خالد بن عبد الله الطحان، وابن المظفر في "غرائب مالك"(8) من طريق القاسم بن مبرور، كلاهما عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عبد الرحمن بن مطيع، عن نوفل بن معاوية، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"من الصلوات صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله - يعني صلاة العصر-".
وقال البيهقي:
"ورواه ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي بكر، عن نوفل بن معاوية في العصر دون ذكر عبد الرحمن بن مطيع في إسناده".
أخرجه أحمد 5/ 429، والشافعي 1/ 53، والطيالسي (1333) و (1912)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(953) و (954)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(3195)، وابن حبان (1468)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 154، وابن المظفر في "غرائب مالك"(6)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2685، والبيهقي 1/ 445، وفي "المعرفة"(2704) و (2710)، وفي "الشعب"(2584)، وابن الأثير في "أسد الغابة" 4/ 596 من طرق عن ابن أبي ذئب، وابن المظفر في "غرائب مالك"(5) من طريق مالك بن أنس، كلاهما عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن نوفل بن معاوية الديلي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:
"من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله".
وفي لفظ "من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله".
وآخر "من ترك الصلاة كأنما وتر أهله وماله".
وله طريقان آخران عن نوفل:
الطريق الأول - أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 342، وعنه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(952) حدثنا شبابة، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(952) من طريق يزيد بن هارون، كلاهما عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك، عن نوفل ابن معاوية بن عروة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من الصلوات صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله"، قال ابن عمر رضي الله عنه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"هي العصر".
وأخرجه النسائي (479)، ومن طريقه الخطيب في "الكفاية"(ص 414) أخبرنا عيسى بن حماد زغبة، والخطيب في "الكفاية"(ص 413) من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح، كلاهما عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عراك بن مالك أنه بلغه، أن نوفل بن معاوية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من الصلاة صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله"، قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هي صلاة العصر"
وأخرجه البيهقي في "المعرفة"(2708) من طريق يحيى بن بكير، عن الليث، عن ابن أبي ذئب، عن عراك، أنه: بلغه أن نوفل بن معاوية بن عروة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"هي العصر".
وقال الخطيب:
"وقد خالف الليثَ: جعفرُ بن ربيعة، فرواه عن عراك كذلك أن نوفلا حدثه به، وتابعه محمد ابن إسحاق فرواه عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك كذلك".
أخرجه النسائي (480)، وفي "الكبرى"(52) - ترقيم مائة حديث ساقطة من سنن النسائي الكبرى، وأحمد في "المسند"(القسم الملحق بمسند الأنصار)، والخطيب في "الكفاية"(ص 414) من طريق محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري، عن عراك بن مالك الغفاري، سمعت نوفل بن معاوية الديلي - وهو جالس مع ابن عمر بسوق المدينة - يقول: صلاة من فاتته، فكأنما وتر أهله وماله، قال: فقال عبد الله - يعني ابن عمر -: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي العصر".
وأخرجه النسائي (478)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 3/ 155، والبيهقي في "الشعب"(2586)، والخطيب في "الكفاية"(ص 414) من طريق جعفر بن ربيعة، أن عراك بن مالك حدثه، أن نوفل بن معاوية حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله"، قال عراك: وأخبرني عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله".
وقال الخطيب: "والحكم يوجب القضاء في هذا الحديث لجعفر بن ربيعة بثبوت إيصاله الحديث لثقته وضبطه، ورواية الليث ليست تكذيبا له، لجواز أن يكون عراك بلغه هذا الحديث عن
نوفل بن معاوية ثم سمعه منه بعد فرواه على الوجهين جميعا، والله أعلم".
الطريق الثاني - أخرجه عبد الرزاق (2220)، ومن طريقه الطبراني 19/ (1042)، وعنه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 5/ 2508 عن ابن أبي سبرة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن نوفل بن معاوية، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يوتر أحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة العصر".
وليس في مطبوع "مصنف عبد الرزاق"(العصر)، وقد أثبتها عن عبد الرزاق: ابن الأثير في "أسد الغابة" 4/ 439، وابن كثير في "جامع المسانيد والسنن"(10018)، والمتقي الهندي في "كنز العمال"(19403)، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني وأبو نعيم بإثباتها، وإسناده تالف، ابن أبي سبرة: قال ابن حبان في "المجروحين" 3/ 147:
"يروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل كتابة حديثه ولا الاحتجاج به بحال، كان أحمد بن حنبل يكذبه، سمعت محمد بن المنذر يقول: سمعت عباس بن محمد يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: أبو بكر بن أبي سبرة الذي يقال له السبري ليس حديثه بشيء".
وله شواهد من حديث أبي المليح، وابن عمر، وأبي الدرداء، انظر تخريجها في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية" برقم (81).
أبواب الكبائر" رواه الحاكم، وقال: حنش هو ابن قيس ثقة
(1)
.
39 -
وقد روى البزار من حديث الربيع بن أنس، عن أبي العالية، أو غيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:"ثم أتى - يعني النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخرة كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة" فذكر الحديث في قصة الإسراء وفرض الصلاة
(2)
.
قال محمد تقي الدين: هذا الحديث ليس فيه تصريح بالكفر ولكن قد علم بيقين أن من تثاقل عن الصلاة حتى خرج وقتها فهو كافر، فهذا الحديث يبين لنا كيف يكون عذابه.
قول جماعة من الصحابة بكفر تارك الصلاة
قال الحافظ عبد العظيم المنذري في "الترغيب والترهيب" ما نصه:
"قال أبو محمد بن حزم: وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ ابن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفا.
قال الحافظ عبد العظيم: قد ذهب جماعة من الصحابة، ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدا لتركها حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر ابن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم.
ومن غير الصحابة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب وغيرهم رحمهم الله تعالى".
خاتمة الكتاب بكلام ابن حزم في مسألة تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها
قال محمد تقي الدين: أختم هذا الكتاب راجيا أن ينفع الله به طالبي الحق، ويكون حجة على المعاندين بكلام الحافظ أبي محمد علي بن
(1)
إسناده ضعيف جدا - أخرجه الترمذي (188)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(5207)، وأبو يعلى (2751)، والطبراني 11/ (11540)، والدارقطني 2/ 247،
والحاكم 1/ 275، والبيهقي 3/ 169 من طرق عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره، وفيه زيادة عن بعضهم.
وقال الترمذي: "وحنش هذا هو أبو علي الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره".
وقال الدارقطني: "حنش هذا أبو علي الرحبي متروك".
وقال البيهقي: "تفرد به حسين بن قيس أبو علي الرحبي المعروف بحنش وهو ضعيف عند أهل النقل، لا يحتج بخبره".
وأما الحاكم، فقال:"حنش بن قيس الرحبي يقال له: أبو علي من أهل اليمن سكن الكوفة ثقة! " فتعقبه الحافظ الذهبي، بقوله:"بل ضعفوه".
(2)
منكر - أخرجه البزار (9518)، وابن جرير في "التفسير" 15/ 6 - 11، وفي "تهذيب الآثار"(727) - مسند ابن عباس، وابن بطة في "الإبانة الكبرى"(177)، وأبو نعيم في "صفة الجنة"(22)، والبيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 397 - 403 من طرق عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية أو غيره، عن أبي هريرة مختصرا ومطولا.
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد من هذا الوجه".
وإسناده ضعيف، أبو جعفر الرازي: سيء الحفظ.
وفي إسناده جهالة أيضا ففيه التردد بين أبي العالية أو غيره، وفي بعضها الشك عن أبي هريرة، أو غيره، لكنه جاء عند أبي نعيم، والبيهقي في رواية له بدون شك.
وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" 1/ 642: "تفرد به أبو جعفر الرازي، وليس هو بالقوي، والحديث منكر يشبه كلام القصاص، إنما أوردته للمعرفة لا للحجة".
وقال الحافظ ابن كثير في "التفسير" 5/ 36: "وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة، وفيه شيء من حديث المنام في رواية سمرة بن جندب في المنام الطويل عند البخاري، ويشبه أن يكون
مجموعا من أحاديث شتى، أو منام، أو قصة أخرى غير الإسراء".
حزم، قال رحمه الله في المجلد الأول صفحة 235 من "المحلى" ما نصه:
"مسألة: وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها، فهذا لا يقدر على قضائها أبدا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع، ليثقل ميزانه يوم القيامة، وليتب وليستغفر الله عز وجل.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يقضيها بعد خروج الوقت، حتى أن مالكا وأبا حنيفة قالا: من تعمد ترك صلاة أو صلوات فإنه يصليها قبل التي حضر وقتها - إن كانت التي تعمد تركها خمس صلوات فأقل - سواء خرج وقت الحاضرة أو لم يخرج، فإن كانت أكثر من خمس صلوات بدأ بالحاضرة.
برهان صحة قولنا قول الله تعالى: {فويل للمصلين} [الماعون: 4]{الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5] وقوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} [مريم: 59]، فلو كان العامد لترك الصلاة مدركا لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل، ولا لقي الغي، كما لا ويل، ولا غي، لمن أخرها إلى آخر وقتها الذي يكون مدركا لها.
وأيضا فإن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتا محدود الطرفين، يدخل في حين محدود، ويبطل
(1)
في وقت محدود، فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها، لأن كليهما صلى في غير الوقت، وليس هذا قياسا لأحدهما على الآخر، بل هما سواء في تعدي حدود الله تعالى، وقد قال الله تعالى:{ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} [الطلاق: 1].
وأيضا فإن القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله.
فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها، أهي التي أمره الله تعالى بها؟ أم هي غيرها؟ فإن قالوا: هي هي، قلنا لهم: فالعامد، لتركها ليس عاصيا، لأنه قد فعل ما أمره الله تعالى، ولا إثم على قولكم، ولا
(1)
كذا في "المحلى" فليراجع.
ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وهذا لا يقوله مسلم.
وإن قالوا: ليست هي التي أمره الله تعالى بها، قلنا صدقتم، وفي هذا كفاية إذ أقروا بأنهم أمروه بما لم يأمره به الله تعالى.
ثم نسألهم عمن تعمد ترك الصلاة
(1)
بعد الوقت: أطاعة هي أم معصية؟ فإن قالوا: طاعة، خالفوا إجماع أهل الإسلام كلهم المتيقن، وخالفوا القرآن والسنن الثابتة: وإن قالوا: هو معصية صدقوا، ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة.
وأيضا فإن الله تعالى قد حد أوقات الصلاة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وجعل لكل وقت صلاة منها أولا ليس ما قبله وقتا لتأديتها، وآخرا ليس ما بعده وقتا لتأديتها، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الأمة، فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقتها معنى، ولكان لغوا من الكلام وحاشا لله من هذا.
وأيضا فإن كل عمل علق بوقت محدود فإنه لا يصح في غير وقته، ولو صح في غير ذلك الوقت لما كان ذلك الوقت وقتا له، وهذا بين، وبالله تعالى التوفيق.
ونسألهم: لم أجزتم الصلاة، بعد الوقت، ولم تجيزوها قبل الوقت؟
فإن ادعوا الإجماع كذبوا، لأن ابن عباس، والحسن البصري يجيزان الصلاة قبل الوقت، لا سيما والحنفيون والشافعيون والمالكيون يجيزون الزكاة قبل الوقت، ويدعون أن قتال أبي بكر لأهل الردة، إنما كان قياسا للزكاة على الصلاة، وأنه قال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، وهم قد فرقوا ههنا بين حكم الزكاة والصلاة فليعجب المتعجبون، وإن ادعوا فرقا من جهة نص أو نظر لم يجدوه.
فإن قالوا: فإنكم تجيزون
(2)
الناسي والنائم والسكران على قضائها أبدا.
وهذا خلاف قولكم بالوقت؟ قلنا: لا بل وقت الصلاة للناسي والسكران والنائم ممتد غير منقض.
وبرهان ذلك أنهم ليسوا عصاة في تأخيرها إلى أي وقت صلوها فيه، وكل أمر الله عز وجل فإنه منقسم على ثلاثة أوجه لا رابع لها:
إما أمر غير معلق بوقت، فهذا يجزئ أبدا متى أدي، كالجهاد والعمرة وصدقة التطوع
(1)
صوابه: من تعمد ترك الصلاة وفعلها بعد الوقت.
(2)
قال الشيخ أحمد شاكر: ولعل الأحسن منه أن يكون (تجبرون).
والدعاء وغير ذلك، فهذا يجزئ متى أدي، والمسارعة إليه أفضل، لقول الله عز وجل:{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها} [آل عمران: 133].
وإما أمر معلق بوقت محدود الأول غير محدود الآخر كالزكاة ونحوها، فهذا لا يجزئ قبل وقته، ولا يسقط بعد وجوبه أبدا، لأنه لا آخر لوقته، والمبادرة إليه أفضل، لما ذكرنا.
وإما أمر معلق بوقت محدود أوله وآخره فهذا لا يجزئ قبل وقته ولا بعد وقته، ويجزئ في جميع وقته، في أوله وآخره وأوسطه كالصلاة والحج وصوم رمضان، ونحو ذلك.
ونقول لمن خالفنا: قد وافقتمونا على أن الحج لا يجزئ في غير وقته، وأن الصوم لا يجزئ في غير النهار، فمن أين أجزتم ذلك في الصلاة؟ وكل ذلك ذو وقت محدود أوله وآخره؟ وهذا ما لا انفكاك منه.
فإن قالوا قسنا العامد على الناسي.
قلنا القياس كله باطل، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل، لأن القياس عند القائلين به إنما هو قياس الشيء على نظيره، لا على ضده، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من أهل القياس، وقد وافقهم من لا يقول بالقياس، على أنه لا يجوز قياس الشيء على ضده، فصار إجماعا متيقنا وباطلا لا شك فيه.
والعمد ضد النسيان، والمعصية ضد الطاعة، بل قياس ذلك على ما ذكرنا من الحج أولى، لو كان القياس حقا، لا سيما والحنفيون والمالكيون لا يقيسون الحالف عامدا للكذب على الحالف، فيحنث غير عامد للكذب في وجوب الكفارة، بل يسقطون الكفارة عن العامد، ويوجبونها على غير العامد، ولا يقيسون قاتل العمد على قاتل الخطأ في وجوب الكفارة عليه، بل يسقطونها عن قاتل العمد، ولا يرون قضاء الصلاة على المرتد، فهذا تناقض لا خفاء به، وتحكم بالدعوى وبالله تعالى التوفيق.
ولو كان القضاء واجبا على العامد، لترك الصلاة حتى يخرج وقتها لما أغفل الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم-
ذلك، ولا نسياه، ولا تعمدا إعناتنا بترك بيانه {وما كان ربك نسيا} [مريم: 64] وكل شريعة لم يأت بها القرآن، ولا السنة فهي باطل.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" فصح أن ما فات فلا سبيل إلى إدراكه، ولو أدرك أو أمكن أن يدرك، لما فات، كما لا تفوت المنسية أبدا، وهذا لا إشكال فيه، والأمة أيضا كلها مجمعة على القول والحكم بأن الصلاة قد فاتت إذا خرج وقتها، فصح فوتها بإجماع متيقن، ولو أمكن قضاؤها وتأديتها لكان القول بأنها فاتت كذبا وباطلا.
فثبت يقينا أنه لا يمكن القضاء فيها أبدا.
وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وسعد بن أبي وقاص، وسليمان، وابن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وبديل العقيلي، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.
فروينا من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن حراش، قال:"رأى ابن عمر رجلا يقرأ صحيفة، فقال له: يا هذا القارئ، إنه لا صلاة، لمن لم يصل الصلاة لوقتها، فصل ثم اقرأ ما بدا لك"
(1)
.
وروينا من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن عمه الضحاك بن عثمان، أن عمر بن الخطاب، قال في خطبته بالجابية:"ألا، وإن الصلاة لها وقت شرطه الله لا تصلح إلا به"
(2)
.
ومن طريق محمد بن المثنى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري عن أبي نضرة، عن سالم بن الجعد، قال: قال سليمان
(3)
- هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة مكيال، فمن وفى وفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين"
(4)
.
قال علي: من أخر الصلاة عن وقتها فقد طفف.
ومن طريق وكيع، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن أبي النجود، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه أنه قال: في قول الله تعالى: {الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5] قال: "السهو الترك عن الوقت"
(5)
.
قال علي: لو أجزأت عنده بعد الوقت لما كان له الويل عن شيء قد أداه.
(1)
للفائدة انظر ما ذكرته في الحاشية رقم (48).
(2)
إسناده ضعيف - لم أجده إلا عنده، والضحاك بن عثمان لم يدرك عمر، قال الشيخ أحمد شاكر:"الضحاك بن عثمان اثنان: أحدهما (الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن الأسد) وهذا ليس مرادا هنا فإنه قديم وليس عما لإبراهيم بل هو عم جده، وإنما المراد هنا حفيد الأول وهو (الضحاك بن عثمان بن الضحاك) وهو من أصحاب مالك، وليس عم ابراهيم بن المنذر لحا، وانما هو عمه كلالة، لإن ابراهيم هو ابن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد وهو معروف بالرواية عن الضحاك الثاني الحفيد، وعلى كل فهذا الاثر منقطع لإن الضحاك الأول مات سنة 153، والثاني مات سنة 180 فلم يدرك واحدٌ منهما عمر".
(3)
كذا في المطبوع وهو تحريف، وصوابه (سلمان)، ولم ينبّه عليه الشيخ أحمد شاكر!
(4)
إسناده ضعيف - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(3750)، والدولابي في "الكنى"(1927)، والبيهقي 2/ 291، وفي "الشعب"(2881) عن السفيانيين، وابن أبي شيبة 1/ 290 حدثنا ابن فضيل، ثلاثتهم عن أبي نصر، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال سلمان: فذكره.
وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع، سالم بن أبي الجعد الكوفي لم يلق سلمان رضي الله عنه.
(5)
صحيح - أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 316، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم ابن أبي النجود، عن مصعب بن سعد، عن سعد، قال:
"السهو: الترك عن الوقت".
وأخرجه الطبري في "التفسير" 24/ 660 - طبعة هجر: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن مصعب بن سعد {الذين هم عن صلاتهم ساهون}
قال: فذكره، ليس فيه سعد!
وأخرجه أبو يعلى (705) من طريق صالح بن عمر، حدثنا حاتم، عن سماك، عن مصعب، قال: سألت أبي سعدا فقلت: يا أبه {الذين هم عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5] أسهو أحدنا في صلاته حديث نفسه؟ قال سعد: أوليس كلنا يفعل ذلك؟ ولكن الساهي عن صلاته الذي يصليها لغير وقتها، فذلك الساهي عنها".
قال مصعب مرة أخرى: تركه الصلاة في مواقيتها.
وأخرجه عبد الرزاق (3714)، والبيهقي 2/ 214 من طريقين عن طلحة بن مصرف، عن مصعب بن سعد، قال: "سئل سعد، عن قوله تعالى {الذين هم عن صلاتهم ساهون}
[الماعون: 5] قال: السهو عنها تركها لوقتها".
وجاء عن مصعب بن سعد، قال:"قلت: لأبي يا أبتا أرأيت قول الله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أينا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟ قال: إنه ليس ذاك ولكنه إضاعة الوقت".
وإسناده حسن، تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (5).
وبه إلى وكيع عن المسعودي، عن القاسم - هو ابن عبد الرحمن -، والحسن - هو ابن سعد - "قيل لعبد الله بن مسعود {الذين هم على صلاتهم دائمون} [المعارج: 23] {والذين هم على صلاتهم يحافظون} [المعارج: 34] فقال: ذلك على مواقيتها. قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على تركها، قال: تركها هو الكفر
(1)
.
وعن محمد بن المثنى: حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن عبد الله بن مسعود كان يقول: "إن للصلاة وقتا كوقت الحج، فصلوا الصلاة، لميقاتها"
(2)
.
وعن محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق، قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: "إن للصلاة وقتا واحدا، فإن الذي يصلي قبل الوقت مثل الذي يصلي بعد الوقت"
(3)
.
ومن طريق سحنون
(4)
، عن ابن القاسم، أخبرني مالك:"أن القاسم ابن محمد بن أبي بكر الصديق حين كانت بنو أمية يؤخرون الصلاة، أنه كان يصلي في بيته، ثم يأتي المسجد يصلي معهم، فكلم في ذلك الوقت، فقال: أصلي مرتين أحب إليّ من أن لا أصلي شيئا"
(5)
.
قال علي: فهذا يوضح أن الصلاة الأولى كانت فرضه والأخرى تطوع، فهما صلاتان صحيحتان، وإن الصلاة بعد الوقت ليست صلاة أصلا، ولا هي شيء.
وعن أسد بن موسى، عن مروان بن معاوية الفزاري: "أن عمر بن
عبد العزيز قال: سمعت الله تعالى ذكر أقواما فعابهم، فقال:{أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} [مريم: 59]، ولم تكن إضاعتهم إياها، أن تركوها، ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا، ولكن أخروها عن وقتها
(6)
.
قال علي: فهذا يوضح أن الصلاة الأولى كانت فرضه والأخرى تطوع، فهما صلاتان صحيحتان، وإن الصلاة بعد الوقت ليست صلاة أصلا، ولا هي شيء.
وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن بديل العقيلي، قال:"بلغني أن العبد إذا صلى الصلاة، لوقتها صعدت ولها نور ساطع في السماء، وقالت: حفظتني حفظك الله، وإذا صلاها لغير وقتها طويت كما يطوى الثوب الخلق فضرب بها وجهه"
(7)
.
ومن العجب أن بعضهم قال: معنى قول ابن عمر: "لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها"
(8)
، أي لا صلاة كاملة، وكذلك قال آخرون في قوله عليه السلام:"لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود"
(9)
.
وفي
(1)
إسناده ضعيف - قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى: "رواية القاسم والحسن ابن سعد عن ابن مسعود مرسلة، فإنهما لم يدركاه، وهذا الأثر رواه الطبري في "التفسير" 16/ 74 عن ابن وكيع، عن أبيه، وفيه (الحسن بن مسعود) وهو خطأ وصوابه (الحسن بن سعد) ".
(2)
ضعيف - تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (50).
(3)
الإسناد من محمد بن المثنى إلى ابن سيرين صحيح لكن لا ندري ما حال الذين فيما بين ابن حزم ومحمد بن المثنى.
(4)
"المدونة" 1/ 179.
(5)
إسناده منقطع - الإمام مالك يروي عن القاسم بن محمد بواسطة، وأستبعد أن يؤخر أمراء ذلك الزمان الصلاة حتى يخرج وقتها بالكلية، إنما هو ذهاب وقتها المستحب، وحينئذ يتبيّن نكارة هذا القول المنسوب للقاسم (أصلي مرتين أحب إليّ من أن لا أصلي شيئا).
(6)
جيد دون قوله (ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا) - أسد بن موسى، ومروان بن معاوية الفزاري: ثقتان، لكن يبقى النظر في الطريق إلى أسد بن موسى، وأيضا لم يذكروا مروان بن معاوية في تلاميذ عمر، ولا ذكروا عمر في شيوخه: فالظاهر أنه لم يلقاه، فإن عمر بن عبد العزيز توفي 101 هـ، وتوفي مروان بن معاوية 193 هـ، ثم الثابت عن عمر بن عبد العزيز غير هذا، فقد أخرج الطبري في "التفسير" 18/ 216 من طريق عيسى، والخطيب في "المتفق والمفترق" 1/ 198، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ 276 - 277 من طريق أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني، وابن عساكر 7/ 277 من طريق ابن المبارك، ثلاثتهم عن الأوزاعي، عن إبراهيم بن يزيد، قال: قال: عمر بن عبد العزيز:
"إن الله عز وجل ذكر قوما فقال: {أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} ولم يكن إضاعتهم إياها تركها ولكن أضاعوا الوقت".
ليس فيه (ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا)، وإسناده جيد، إبراهيم بن يزيد النصري: ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 335 وسكت عنه، وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 2/ 145:
"إبراهيم بن يزيد الدمشقي روى عن عمر بن عبد العزيز روى عنه الأوزاعي سمعت أبي يقول ذلك.
قال وسمعت أبا زرعة يقول: هو شيخ".
وكان أحد حراس عمر بن عبد العزيز، روى عنه: الأوزاعي، ورجاء بن أبي سلمة، وسلمة بن عبد الملك العوصي، ووثقه ابن حبان 6/ 25.
(7)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(2234)، وبديل العقيلي من صغار التابعين، ولا ندري عمن بلغه هذا الخبر.
(8)
أخرجه ابن حزم في "المحلى" 2/ 238 - 239 معلقا، بقوله: روينا من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن حراش، وقد تقدم الكلام عليه في الحاشية رقم (48)، فأغنى عن إعادته هنا.
(9)
صحيح - أخرجه ابن ماجه (871)، وأحمد 4/ 23، وابن أبي شيبة 1/ 287، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" 5/ 551، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(1678)،
ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1/ 275 - 276، والطحاوي 1/ 394، وفي "شرح مشكل الآثار"(3901)، وابن خزيمة (593) و (667) و (872)، وابن المنذر في "الأوسط"(1405)، وابن حبان (1891)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(4950)، والبيهقي 3/ 105 عن ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، أخبرني عبد الرحمن بن علي ابن شيبان، عن أبيه علي بن شيبان - وكان من الوفد - قال:
"خرجنا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه وصلينا خلفه، فلمح بمؤخر عينه رجلا لا يقيم صلاته، يعني - صلبه - في الركوع والسجود، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال: يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود". وفيه زيادة عند بعضهم.
وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.
وله شاهد من حديث أبي مسعود البدري مرفوعا "لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود".
أخرجه أبو داود (855)، والترمذي (265)، والنسائي (1027) و (1111)، وابن ماجه (870)، وأحمد 4/ 119 و 122.
وإسناده صحيح.
قوله عليه السلام: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"
(1)
.
قال علي: فيقال، لهؤلاء: ما حملكم على ما ادعيتم؟ فإن قالوا: هو معهود كلام العرب، قلنا: ما هو كذلك، بل معهود كلام العرب الذي لا يجوز غيره - أن " لا " للنفي والتبرئة جملة إلا أن يأتي دليل من نص آخر أو ضرورة حس على خلاف ذلك، ثم هبكم أنه كما قلتم، فإن ذلك حجة لنا، وهو قولنا، لأن كل صلاة لم تكمل ولم تتم فهي باطل كلها، بلا خلاف منا ومنكم.
فإن قالوا: إنما هذا فيما نقص من فرائضها، قلنا: نعم، والوقت من فرائض الصلاة بإجماع منا ومنكم ومن كل مسلم، فهي صلاة تعمد ترك فريضة من فرائضها.
قال علي: ما نعلم، لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفًا منهم، وهم يشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق أهواءهم، وقد جاء عن عمر،
وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد.
وهؤلاء الحنفيون والمالكيون لا يرون على المرتد قضاء ما خرج وقته.
فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم أيضا لا يرون على من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها قضاءً.
قال علي: وما جعل الله تعالى عذرا لمن خوطب بالصلاة في تأخيرها عن وقتها بوجه من الوجوه، لا في حال المطاعنة والقتال والخوف وشدة المرض والسفر.
وقال الله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} [النساء: 102]، وقال تعالى:{فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} [البقرة: 239]، ولم يفسح الله تعالى، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في تركها عن وقتها حتى صلاها بطائفتين من إحداهما وجوه، إحدى الطائفتين إلى غير القبلة، على ما نذكر في صلاة الخوف إن شاء الله عز وجل.
ولم يفسح تعالى في تأخيرها عن وقتها للمريض المدنف
(2)
، بل أمر إن عجز عن الصلاة قائما أنه يصلي قاعدا، فإن عجز عن القعود فعلى جنب، وبالتيمم إن عجز عن الماء، وبغير تيمم إن عجز عن التراب، فمن أين أجاز من أجاز تعمد تركها حتى يخرج وقتها؟! ثم أمره بأن يصليها بعد الوقت، وأخبره بأنها تجزئه كذلك، من غير قرآن، ولا سنة، لا صحيحة، ولا سقيمة، ولا قول لصاحب، ولا قياس.
(1)
متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت، وقد استوفيت تخريجه في كتابي "حتمية قراءة الفاتحة على الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة الجهرية والسرية وأن له الكفة الراجحة"(ص 9 - 31).
(2)
دَنِفَ المريضُ بالكسر، أي ثقل، وأدنف بالألف مثله، وأدنفه المرض، يتعدى، ولا يتعدى، فهو مُدْنِفٌ ومُدْنَفٌ. "الصحاح" 4/ 1361.
وقد أقدم بعضهم فذكر "صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق الظهر والعصر بعد غروب الشمس"
(1)
، ثم أشار إلى أنه عليه السلام تركها متعمدا ذاكرا لها.
قال علي: وهذا كفر مجرد ممن أجاز ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم مقرون معنا بلا خلاف من أحدهم، ولا من أحد من الأمة في أن من تعمد ترك صلاة فرض ذاكرا لها حتى يخرج وقتها، فإنه فاسق مجرح الشهادة، مستحق، للضرب والنكال، ومن أوجب شيئا من النكال على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو وصفه وقطع عليه بالفسق أو بجرحه في شهادته، فهو كافر مشرك مرتد كاليهود والنصارى، حلال الدم والمال، بلا خلاف من أحد من المسلمين.
وذكر بعضهم قول الله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] وقوله عليه السلام: "خمس صلوات كتبهن الله تعالى"
(2)
، وقال: قد صحّ وجوب الصلاة، فلا يجوز سقوطها إلا ببرهان نص أو إجماع.
قال علي: وهذا قول صحيح، وقد صح البرهان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب كل صلاة في وقت محدود أوله وآخره
(3)
، ولم يوجبها عليه السلام لا قبل ذلك الوقت، ولا بعده، فمن أخذ بعموم هذه الآية وهذا الخبر لزمه إقامة الصلاة قبل الوقت وبعده، وهذا خلاف لتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بوقتها.
وموه بعضهم بحديث رويناه من طريق أنس: "إنهم اشتدت الحرب غداة فتح تستر فلم يصلوا إلا بعد طلوع الشمس".
وهذا خبر لا يصح، لأنه إنما رواه مكحول: أن أنس بن مالك قال: ومكحول لم يدرك أنسا
(4)
ثم لو صح فإنه ليس فيه أنهم تركوها عارفين بخروج وقتها، بل كانوا ناسين لها بلا شك، لا يجوز أن يظن بفاضل من عرض المسلمين غير هذا، فكيف بصاحب من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كانوا ذاكرين لها لصلوها صلاة الخوف كما أمروا، أو رجالا وركبانا كما ألزمهم الله تعالى، لا يجوز غير هذا، فَلاحَ يقينًا كذب من ظنّ غير هذا، وبالله تعالى التوفيق. انتهى كلام الحافظ ابن حزم رحمه الله.
(1)
حديث صحيح - انظر تخريجه في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية"(87).
(2)
حديث صحيح - تقدّم تخريجه انظر الحاشية رقم (50).
(3)
جاء من حديث بريدة، وأبي موسى الأشعري، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وأبي مسعود الأنصاري، وعمرو بن حزم الأنصاري، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن أبي أوفى، وانظر تخريجها في "أحاديث الأحكام رواية ودراية"(تعيين أوقات الصلوات الخمس أوائلها وأواخرها) رقم (78).
(4)
على فرض التسليم بما قاله ابن حزم، فله طريق أخرى عن أنس:
أخرجه ابن أبي شيبة 13/ 28 من طريق همام بن يحيى، وخليفة بن خياط في "تاريخه"(ص 146) من طريق سعيد، كلاهما عن قتادة، عن أنس، أنه قال:"شهدت فتح تستر مع الأشعري، قال: فلم أصلِّ صلاة الصبح حتى انتصف النهار، وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا جميعا".
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وعلّقه البخاري في "صحيحه" 2/ 18 صلاة الخوف (باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو).