الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
أما بعد:
فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكل محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالةٌ وكل ضلالةٍ في النار.
• ثم أما بعد:
قال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا
(1)
فِي الدِّينِ} [التوبة: 122].
وعن حُميد بن عبد الرحمن، قال: سمعتُ معاوية خطيبًا يقول:
سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن يْرد اللهُ به خيرًا يُفقههُ في الدِّين، وإنما أنا قاسمٌ، والله يُعطي، ولن تزالَ هذهّ الأمَّةُ قائِمةً على أمرَ الله لا يضرُّهم من خالفَهم حتى يأتيَ أمرُ الله"
(2)
.
(1)
الفقهُ: هو التوصُّلُ إلى عِلْم غائب بعلمٍ شاهدٍ فهو أخصُّ من العلم قال تعالى: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]، والفقه العلم بأحكام الشريعة يُقال: فَقُهَ الرجل، فقاهةً إذا صار فقيهًا، وفقِهَ أي: فهم فقهًا؛ وفقهه؛ أي: فهمه وتفقه: إذا طلبه فتخصص به قال تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} .
[المفردات في غريب القرآن: للراغب الأصفهاني ص (384)].
(2)
وهو حديث صحيح: أخرجه البخاري رقم (71)، ومسلم رقم (1037).
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ يُرِدِ اللّهُ بهِ خيرًا يُفقِّههُ في الدين"
(1)
.
وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)} [المجادلة: 11].
أي: إنَّ الله يرفع المؤمن العالم على المؤمن الجاهل في الدنيا بعلو المنزلة، وَحُسْنِ الصيت، وفي الآخرة بكثرة الثوابِ، المؤدي لِرفعة الدرجات في الجنة
(2)
.
وعن عامر بن وَاثِلة: أنَّ نافع بنَ عبد الحارثِ لقيَ عُمَرَ بعُسْفَان
(3)
، وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي فقال: ابنُ أَبْزَى، قال: ومن ابنُ أبْزَى، قالَ: مولى من موالينا، قالَ: فاستخلفتَ عليهم مواليَ، قالَ: إنِّهُ قارئ لكتابِ الله عز وجل، وإنَّهُ عالمٌ بالفرائِض، قال عمر: أمَا إنَّ نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: "إنَّ اللّه يرفعُ بهذا الكتابِ أقوامًا، ويضعُ به آخرينَ"
(4)
.
واعْتَدَّ الله عز وجل بشهادة أهل العلم في وحدانيته فقال:" {شَهدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلم قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18].
فقرن الله عز وجل شهادتهم بشهادته، وشهادة الملائكة؛ وفي هذا رفْعٌ لقدر أهل العلم، وزيادة في شرفهم، وبيانِ فضلهم، وهم في كل زمان ومكان قادة وسادة، يردّون الناس إلى الله، ويدعونهم إليه، ويبعدونهم عن مخالفته وعصيانه، يقولون الحقَّ بلا خوف أو وجل.
(1)
وهو حديث صحيح: أخرجه أحمد (1/ 306)، والترمذي رقم (2645)، وقال: حديث حسن صحيح، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (1/ 285 رقم 132) وقال: حديث صحيح.
(2)
"زاد المسير في علم التفسير"، لابن الجوزي (8/ 193).
(3)
وهي منهل من مناهل الطريق بين "الجحفة" و"مكة" وسُميَّتْ عُسْفَان؛ لتعسُّف السيل فيها. [معجم البلدان لياقوت الحموي (4/ 121 - 122].
(4)
وهو حديث صحيح. أخرجه مسلم (6/ 98 - بشرح النووي)" وهو من الأحاديث التي تتبعها الدارقطني على مسلم في كتابه: "التتبع" ص (383)، ولم يجب عنه النووي في شرحه لمسلم، قلت: إن هذا التتبع لا يخدشُ بصحة الحديث؛ لأن الدارقطني نفسه قال في كتابه "العلل" (2/ 98 - 199) وقد سئل عن هذا الحديث قال: "رواه الزهري، عن أبي الطفيل.،. ورواه حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الفضيل موقوفًا غير مرفوع
…
وحديث الزهري هو الصواب؛ لأن الزهري أحفظ من حبيب بن أبي ثابت، وكلاهما مدلس من الطبقة الثالثة، لكن الزهريَّ صرَّح بالتحديث فيترجح حديثه".
وقد حكى الله عن قارونَ وماله وكبريائه، وافتتان الناس به، وإنكار العلماء تمنى مثل ما أوتي، فقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص: 80].
فمن رام الفلاحَ في الدنيا والآخرة، فعليه أن يخلص النية لله في طلب العلم، والتفقه في الدين، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عدم إخلاص النية لله في ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجْهُ الله، لا يتعلَّمُهُ إلَّا ليُصيب به عَرَضًا من الدُّنيا، لم يَجِدْ عَرْفَ الجنَّةِ يومَ القِيامةِ " يعني ريحها
(1)
.
وعن علي رضي الله عنه أنه ذكر فِتنًا تكونُ في آخرِ الزمان فقال لَه عمرُ رضي الله عنه: متى ذلكَ يا عليُّ؟ قال: "إذا تُفُقه لغير الدِّين، وتُعلِّم العلمُ لغير العملِ، والْتُمِسَتِ الدُّنيا بعملِ الآخرة"
(2)
.
وعن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعلَّمُوا العلَم لتُباهُوا به العلماء، ولا لِتُمَاروا به السُّفَهاءَ، ولا تَخَيَّرُوا به المجالس، فمن فعلَ ذلكً فالَنَّارَ النَّارَ"
(3)
.
ولقد جاء الحديث الصحيح يحمل الوعيد الشديد للثلاثة الذين أفسد الرياءُ أعمالهم، ونقلهم من ديوان المخلصين الصادقين إلى ديوان المرائين الكاذبين، فكانوا أول من تُسَعَّر
(1)
وهو حديث صحيح: أخرجه أبو داود (10/ 97 - مع العون)، وابن ماجه (1/ 92 رقم 252)، والحاكم (1/ 85)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(5/ 346 - 347) و (8/ 78)، وابن حبان (1/ 245 - الإحسان) كلهم من طريق أبي يحيى فليح بن سليمان الخزاعي، وهو صدوق كثير الخطأ، (التقريب: 2/ 114)، ولكن يشهد له حديثُ جابر الذي أخرجه، وابن ماجه (1/ 93 رقم 254)، والحاكم (1/ 86) وابنُ حبانَ (1/ 244 - الإحسان).
وحديث أنس عند البزار (1/ 101 رقم 178 - كشف) والخطيب في "اقتضاء العلم العمل" رقم (101). وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 46 رقم 100).
(2)
وهو أثر صحيح: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(11/ 360 رقم 20743)، والحاكم (4/ 451) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 48 رقم 107).
(3)
وهو حديث صحيح: أخرجه ابن ماجه (1/ 93 رقم 254)، وابن حبان في صحيحه (1/ 244 - الإحسان)، والحاكم (1/ 86)، وابن عبد البر في "الجامع"(1/ 187)، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب"(1/ 116)، "وكلهم من رواية يحيى بن أيوب الغافقي، عن ابن جريج عن أبي الزبير عنه، ويحيى هذا ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، ولا يلتفت إلى من شذّ فيه".
قلت: إنّ ابن جريج وشيخه أبا الزبير مُدَلِّسانِ من المرتبة الثالثة، وقد عَنْعَناهُ، غيرَ أن الحديث صحيحٌ على كل حال، فإنَّ له شواهدَ يتقوى بها، وتتقوى به.
(منها): حديث ابن عمر الذي أخرجه ابن ماجه رقم (253)، (ومنها) حديث أبي هريرة أيضًا أخرجه ابن ماجه رقم (260)، و (منها) حديث كعب بن مالك الذي أخرجه الترمذي (7/ 414 - مع التحفة)، وقد صحح الشيخ الألباني الحديث وشواهده في صحيح الترغيب رقم (102) و (104) و (105) و (101).
بهم النارُ يوم القيامة، ومنهم:"رجلٌ تعلمَ العلم وعلَّمَهُ، وقرأ القرآن، فأتي به فعرَّفَهُ نعَمهُ فعرفها، قال: فما عَملتَ فيها؟ قال: تعَلمتُ العلم وعلمتهُ، وقرأت فيكَ القرآنَ، قَال: كذبت، ولكنك تعلمتَ العلمَ ليقالَ عالمٌ، وقرأتَ القرآنَ ليقالَ هو قارئٌ، فقد قيلَ، ثم أمر به فسحب على وجههِ حتىَ أُلقي في النَّارِ"
(1)
.
وقد ذكر لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صورة مخيفةً من صور يوم القيامة لمن خالف عملُه علْمَهُ.
فعن أبي وائل قال: قال أسامة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُجاءُ بالرجل يومَ القيامة فَيُلقى في النار، فتندلق أقتابُهُ في النار، فيدورُ كما يدورُ الحمارُ برحاه، فيجتمعُ أهلُ النار عليه فيقولون: أي فلانُ، ما شأنك؟ أليسَ كنتَ تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنتُ آمرُكم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيهِ"
(2)
.
وعن لقمانَ - يعني: ابن عامر - قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: "إنما أخشى من ربِّي يومَ القيامة أن يدعوني على رؤوس الخَلائق فيقول لي: يا عُويمر! - اسمه - فأقول: لبيك ربِّ، فيقول: ما عَمِلتَ فيما عَلِمتَ"
(3)
.
وقال بعضهم
(4)
:
اعملْ بعلمِكَ تغنمْ أيُّها الرجلُ
…
لا ينفعُ العلمُ إن لم يَحسُنِ العملُ
والعلمُ زينٌ وتقوى الله زينتُهُ
…
والمتقونَ لهم في علمهم شُغُلُ
وَحُجَّةُ الله يا ذا العلمِ بالغةٌ
…
لا المكرُ ينفعُ فيها لَا ولا الحيلُ
تعلَّمِ العلمَ واعمل ما استطعتَ به
…
لا يُلْهينَّكَ عنهُ اللَّهُو والجدَلُ
وقد أوجب الله على المسلمين اتباعَ الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمرُ وينهى، فقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
(1)
وهو حديث صحيح: أخرجه مسلم (3/ 1513 رقم 1905) من حديث أبي هريرة.
(2)
وهو حديث صحيح: أخرجه البخاري رقيم (3267)، ومسلم رقم (2989).
(3)
وهو أثر صحيح أخرجه البيهقي في "الشُّعَب" رقم (1852) والدارميُّ (1/ 82)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2/ 2 و 3) وابن المبارك في الزهد رقم (39).
(4)
في كتاب: "اقتضاء العلم العمل" للخطيب البغدادي، تحقيق: المحدث العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ص (174).
أي: ما أعطاكم الرسول صلى الله عليه وسلم من الفيء فخذوه لكم حلالًا، وما نهاكم عن أخذه فانتهوا، "وَاتَّقُوا اللهَ" و في أمر الفيء، "إنَّ اللهَ شديدُ الْعقَاب" إذا فعلتم ما نهاكم عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا هو المعنى الأصلي للآية الذي يدلّ عليه السياق.
والآية وإن نزلت في الفيء فهي عامَّةٌ في كل شيء يأتي به رسولُ صلى الله عليه وسلم من أمرٍ، أو نهي، أو قولٍ، أو فعلٍ، والسبب وإن كان خاصًّا فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل شيء أتانا بهالله من الشرع؛ فقد أعطانا إياه، وأوصله إلينا.
فهذه الآية الكريمة نصٌّ صريح في أنّ كل ما أتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه إلينا من الأوامر وغيرها؛ سواءً كانت مذكورة في الكتاب، أي القرآن المجيد، أو السُّنَّة، أي كل ما صح رفعُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: واجب علينا قبوله، وكذا كلُّ ما نهانا عنه من المنهيَّات والمنكرات المبيَّنة في الكتابِ أو السُّنَّة: واجب علينا اجتنابهُ والانتهاءُ عنه
(1)
.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لعَنَ الله الواشماتِ والمستوشمات
(2)
، والنَّامصاتِ والمتنمصات
(3)
، والمتفلِّجات
(4)
للحُسْن، المغيِّرات خلقَ الله. قال: فبلغ ذلك امرأةً من بني أسد يُقال لها أمُّ يعقوب، وكانت تقرأ القرآنَ، فأتَتْهُ فقالت ما حديثٌ بلغني عنك أنكَ لعنتَ الواشماتِ والمستوشمات، والمتنمِصات والمتفلجات للحُسْن، المغيِّرات خلق الله؟ فقال عبدُ الله: وما لي لا ألعنُ مَن لعنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأةُ: لقد قرأتُ ما بين لَوْحَي المصحف فما وجدتُهُ؟ فقالَ: لئن كنتِ قَرَأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] فقالت المرأة: فإنّي أرى شيئًا من هذا على امرأتِكَ الآن، قال: اذهبي فانظري، قال: فدخلت على امرأةِ عبد الله فلم تر شيئًا فجاءتْ إليه، فقالت: ما رأيتُ شيئًا، فقال: أَمَا لوْ كان ذلك لم نُجَامِعهَا"
(5)
"
(6)
.
(1)
"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (18/ 17 - 19).
(2)
الواشمة: فاعلة الوشم، وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوها في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر، فإن طلبت فعل ذلك بها: فهي مستوشمة.
(3)
هي التي تُزيل الشعر من الوجه، والمتنمِّصة التي تطلب فعل ذلك بها.
(4)
المتفلِّجات هن اللواتي يُعالجن أسنانهنَّ بعدما شرعن في السنِّ حتى يكون لها تحدد ورقة وأشرٌ، فيشبهن بالشوابِّ.
(5)
أي: لم نصاحبها، ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها.
(6)
أخرجه مسلم في "صحيحه"(14/ 105 - 107 بشرح النووي).
قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59].
والمعنى إن اختلفتم أيها المؤمنون في شيء من أمر دينكم، فرُّدوه إلى الله، أي: فارتادوا معرفة حكم ذلك الذي اشتجرتم فيه من كتاب الله، فإن لم تجدوا علمَ ذلك في كتاب الله، فارتادُوا معرفة ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان حيًّا، أو بالنظر في سُنتهِ إن كان ميتًا
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ما نَهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلُوا منه ما استطعتُم، فإنما أهلكَ الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم"
(2)
.
وعن أبي رافع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا ألفينَّ أحدَكم مُتَّكئًا على أريكته، يأتيه الأمرُ من أمري مما أَمَرْتُ به أو نَهيتُ عنه فيقولُ: لا ندري، ما وجدنا في كَتاب الله اتبعْنَاهُ"
(3)
.
وقد حذّر اللّه تعالى من مخالفة أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
وعن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مَثَلي ومثلُ ما بعثني اللّه به كمثل رجل أتى أقوامًا فقال: يا قوم إني رأيتُ الجيشَ بعيني، وإني أَنا النذير العُرْيان
(4)
، فالنجاء، فأطاعَهُ طائفة من قومه فأدلَجوا
(5)
، فانطلقوا على مَهْلِهم فنَجَوا، وَكَذَّبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم فصبَّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحَهُم، فذلك مثلُ من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثلُ من عصاني وكذَّب بما جئتُ به مَن الحقِّ"
(6)
.
(1)
"الجامع لأحكام القران"، للقرطبي (5/ 261 - 262).
(2)
وهو حديث صحيح: أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 1830 رقم 1337).
(3)
وهو حديث صحيح: أخرجه أبو داود (12/ 356 - مع العون)، والترمذي (7/ 424 - مع التحفة)، وقال:"حديث حسن"، وفي بعض النسخ:"حسن صحيح"، وابن ماجه (1/ 7 رقم 13)، والبغوي في "شرح السُّنَّة"(1/ 200 - 201)، وقال:"هذا حديث حسن"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" رقم (7172).
(4)
وهو رجل من خَثْعَم، حمل عليه يوم ذي الخَلَصة .. فقطع يده ويدَ امرأته،
…
"لسان العرب"(15/ 48)، أو هو ربيئة القوم وعينُهم يكون في مكانٍ عالٍ، فإذا رأى العدو قد أقبل نزع ثوبه، وألاح به لينذر قومه ويبقى عُريانًا، (النهاية: 3/ 225).
(5)
معناه: ساروا من أول الليل.
(6)
وهو حديث صحيح: أخرجه البخاري رقم (7283)، ومسلم رقم (2283).
وقرن الله طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته في آيات كثيرة من القران الكريم فقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران: 132].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كلُّ أمتي يدخلونَ الجنَّةَ إلَّا من أبى" قالوا: يا رسول اللّه ومن يأبى؟، قال:"من أطاعني دخل الجنَّة، ومن عصاني فقد أبى"
(1)
.
كما حثّ الله - سبحانه - على الاستجابة لما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
ولم يبحْ للمؤمنين مطلقًا أن يخالفوا حكمه صلى الله عليه وسلم أو أمرًا من أوامره، فقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
واعتبر سبحانه وتعالى من علامات النفاقِ: الإعراضَ عن تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطنِ الخلاف، فقال تعالى:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور: 48 - 50].
وأقسم تعالى على نفي إيمان من لم يُحَكِّمِ الرسولَ صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
وأخيرًا فمهمةُ السنة النبوية بالنسبة للقرآن الكريم تبيين المجمل، وتفسير المشكل، وتخصيص العام، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] فبيانُ الرسول وتفسيره صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، ومن المعلوم أنّ الأخذ بهذه الأحاديثِ، والعملَ بمقتضاها واجب علينا.
وعلينا أن نعلم علمًا جازمًا لا يُداخلُه الشكُّ، أننا لن نضلَّ عن الطريق المستقيم، ولن نتيهَ في شِعاب الباطل، ما دمنا متمسكّين بكتاب الله العزيز، وبسنة الرسول الكريم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها النَّاسُ، فإنَّما أنا بَشَرٌ يوشِكُ أن يأتي رسولُ ربي فأُجيبَ، وأنا
(1)
وهو حديث صحيح: أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (7280).
تاركٌ فيكم ثِقلَيْنِ
(1)
أولهما: كتابُ الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به" فحثَّ على كتاب الله ورغبَ فيه، ثم قال: "وأهلُ بيتي
(2)
أُذَكركُم الله في أهلِ بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي"
(3)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "يأيها الناسُ، إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به؛ فَلَن تَضلُّوا أبدًا: كتابَ الله وسنةَ نبيه صلى الله عليه وسلم
(4)
.
فمن خالف الكتاب والسُّنَّة، فقد ضل ضلالًا بعيدًا، وخَسِرَ خُسْرانًا مبينًا، والعاقد عليهما بكلتا يديهِ مستمسكٌ بالعروة الوثقى، ظافرٌ بكل الخير دنيا وأخرى
(5)
.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاةُ الأمر بعده سُننًا، الأخذُ بها تصديقٌ بكتاب الله، واستعمالٌ بطاعة الله، وقوةٌ على دين الله، ليس لأحدٍ تغييرُها ولا تبديلُها، ولا النَّظَرُ في رأي مَنْ خالفها، من اقتدى بها فهو مُهتَدٍ ومن انتصر بها منصورٌ، ومن خالفها واتبعَ غَيْرَ سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولَّى وأصلاهُ جهنَّم وساءَت مصيرًا"
(6)
.
وقال الإمام الشافعي "أجمع الناسُ على أنّ: من استبانتْ له سنةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن له أن يدعَها لقول أحد من الناس"
(7)
.
وقال ابن خزيمة: "لا قولَ لأحدٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صحَ الخبرُ عنه"
(8)
.
(1)
سماهما ثقلين؛ لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، أو إعظامًا لقدرهما وتفخيمًا لشأنهما، (النهاية: 1/ 216).
(2)
لأنهم لم يعملوا إلا بسُنَّتي؛ فالإضافة إليهم؛ إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياهم؛ فلذا ذُكرَ أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث، [انظر "المرقاة" للقاري (1/ 199)]
(3)
وهو حديث صحيح: أخرجه مسلم (15/ 179 - 180 بشرح النووي) من حديث زيد بن أرقم، وأخرجه أحمد (4/ 366 - 367)، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (1550) و (1551)" والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/ 368)
(4)
وهو حديث صحيح بطرقه: أخرجه الحاكم (1/ 93) من حديث ابن عباس، وصححه ووافقه الذهبي " وانظر: طرق الحديث في "الصحيحة"(4/ 355 - 361) للشيخ الألباني رحمه الله.
(5)
انظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"، للقاضي عياض (2/ 554 - 554) و (2/ 559 - 562)"والفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي (1/ 143 - 154).
(6)
انظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض (2/ 555).
(7)
"إعلام الموقعين"، لابن القيم (2/ 282).
(8)
"إعلام الموقعين"، لابن القيم (2/ 283).
ولما ثبت في الحثِّ على تحصيل العلم، والاجتهادِ في اقتباسِه، وتعليمه لطالبه، والمحتاج إليه، والعملِ بمقتضاه بصدق وإخلاص؛ اندفعَ الراغبون في ثواب الله، والخائفون من عقابهِ إلى الاشتغال بالفقه، حتى استغرقَ منهم الأوقات، ورحلوا في طلبه حتى تمزقتْ منهم الأقدامُ.
فأثمرت تلك الجهودُ الكبيرة، والعزائم القوية، والعقول المبدِعةُ: مكتبةً إسلامية رائعة، ملأت الخافقين في جميع فنون العلم والمعرفة.
فشكر الله لهم سعيهم، وأجزل لهم المثوباتِ، وأحلَّهم في دار كرامتهِ أعلى المقامات، وجعل لنا نصيبًا من ذلك، ومن جميع الخيرات، وغفر لنا ولوالدينا، ولمشايخنا، ولمن أحسن إلينا، وللمسلمين والمسلماتِ، إنه سميع الدعاء، جزيلُ العطاء.
وها أنا الفقير - إلى رحمة الله تعالى - أدليت بدلوي بين الدِّلاء
، رغْمَ ضعفي وعجزي، وضيقِ وقتي، لا من أجل نيل شهادةٍ أو إحراز لقبٍ؛ بل:
* رَغبة وطمعًا في ثواب الله الذي أعده لمعلم الناس الخيرَ.
* ورهبةً من عقابه الأليم، وعذابه الشديد، لمن كتم علمه وأخفاه.
* وخدمةً لهذا الدين الذي أعزّنا الله به.
* ومشاركةً في الدعوة إلى الهدى والفضيلةِ؛ لإعلاء كلمة الحق.
* ومحاربةً للجهل والهوى والباطل؛ لإخمادِ كلمةِ الضلال.
* وفتحًا لباب الفهم عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
* وحرصًا على جمع المسلمين على الكتاب والسُّنَّةِ.
* وقضاءً على الخلاف وبدعةِ التعصُّب الذهبي.
* وتسهيلًا لإيصال الفقه إلى المسلمين، بعبارة واضحة، وأسلوب سهل، بعيدًا عن التعقيد، والمصطلحات الفنيةِ، والتفريعات المفترضة التي لم تقع، مستوعبًا كلَّ ما يحتاجُه المسلم في جميع أقسام الفقه الإسلامي بعون الله.
من أجل هذه الأسباب مجتمعة قمتُ بتأليف كتابي الذي أسميته: "اللباب في فقه السُّنَّةِ والكِتَاب".
وقد رتبته على النحو الآتي:
1 -
كتاب الطهارة.
2 -
كتاب الصلاة.
3 -
كتاب الصوم.
4 -
كتاب الزكاة.
5 -
كتاب الحج.
6 -
كتاب النكاخ.
7 -
كتاب البيوع والمعاملات الأخرى.
8 -
كتاب الأيمان.
9 -
كتاب النذور.
10 -
كتاب الأطعمة.
11 -
كتاب الطب.
12 -
كتاب اللباس.
13 -
كتاب الوصايا.
14 -
كتاب الفرائض.
15 -
كتاب الحدود.
16 -
كتاب القصاص.
17 -
كتاب الديات.
18 -
كتاب القضاء.
19 -
كتاب الجهاد.
فهذا كتاب "اللباب في فقه السنة والكتاب" يتضمن جميع كتب الفقه الإسلامي وأبوابه، مقرونةً بالدليل، ومعروضةً بسهولة ويُسْرٍ، ليفهمها الصغيرُ والكبير، دَون التقليد لمذهب من المذاهب، بل خضوعًا للدليل الصحيح، واتباعًا للقول الراجح من غير تعصب لطائفة على طائفة، بل أوافق كل طائفة على ما عندها من الحق، وأخالفها إذا جانبت الصوابَ، ولا أستثني من ذلك طائفةً ولا مقالة، وأرجو الله العلي القدير أن أحيا على ذلك، وأموت عليه، وألقى الله به.
لأنَّ الحق يتضحُ بالأدلة، كما تُعْرَفُ الشهورُ بالأهلةِ، والبرهان للأحكام كالعماد للخِيام، وطالب الحق ضيف الله، والدليل القاطع سيفُ اللَّه، به يفك العلم وينشر.
فلا يحل لأحدٍ مخالفةُ الحق بعد معرفته، ولا يلزم الناس طاعة أحد لأجل أنه عالمٌ أو إمام؛ وإنما يلزم الناس قبولُ الحق ممن جاء به على الإطلاق، ونبذُ الباطل ممن جاء به بالاتفاق؛ لأن الله تعالى قال في سورة يونس:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: 132].
هذا مع حفظ مراتب العلماء وموالاتِهم، وحسن الظن بهم؛ فإنَّ الخطأ الذي يقع فيه إمام منهم لا يكون عن سوء نيةٍ، ولا قُبح طوية، واعتقاد حرمتهم وأمانتهم واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه، فهم رضي الله عنهم، دائرون بين الأجر والأجرين والمغفرة.
ولكن هذا لا يوجب إهدار النصوص، وتقديم قول الواحدِ منهم عليها بشبهة أنه أعلمُ منك، بل عليك أن تعرض أقوالهم على النصوص، وتزنها بها، وتخالِف منها ما خالف النصَّ، وتأخُذ منها ما وافقه.
وما أروع ما قاله أبو عمر يوسف بن عبد البر النَّمِري القرطبي في كتابه "جامع بيان العلم وفضله"(2/ 172 - 173): "فعليك يا أخي بحفظ الأصولِ والعناية بها، واعلم أن من عُني بحفظ السُّننِ والأحكام المنصوصة في القرآن، ونظر في أقاويل الفقهاء، فجعله عونًا له على اجتهاده، ومفتاحًا لطرائق النظرِ، وتفسيرًا لجمل السن المحتملة للمعاني، ولم يقلِّد أحدًا منهم تقليد السُّنن التي يجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولم يُرحْ نفسه مما أخذ العلماءُ به أنفسهم من حفظ السنن وتدبُّرها، واقتدى بهم في البحث والتفهم والنظر، وشكر لهم سعيهم فيما أفادوه، ونبهوا عليه، وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر أقوالهم، ولم يُبَرِّئْهُمْ من الزلل كما لم يبرئُوا أنفسهم منه؛ فهذا هو الطالب المتمسكُ بما عليه السلف الصالح، وهو المصيب لحظه، والمعاينُ لرشده، والمتبع لسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهدي صحابته رضي الله عنهم، ومن أعفى نفسهُ من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السُّننَ برأيه، ورام أن يرُدَّها إلى مبلغ نظره فهو ضال مضل، ومن جهل ذلك كلَّه أيضًا وتقحم في الفتوى بلا علم فهو أشدُّ عمى وأضلُّ سبيلًا" اهـ.
•
وإليك أخي القارئ منهجي في تأليف الكتاب:
أولًا: تحديد المصادر، وجمع المادة لكل باب من أبواب الكتاب - وهي بحمد الله كثيرة - ككتب تفسير القرآن، وخاصَّة تفاسير آيات الأحكام، وكتب الحديث وخاصة التي تهتم بفقه الحديث، وكتبِ الفقه الذهبي والمقارنِ وخاصَّة التي تُعنى بالدليل، ومناقشةِ آراء المخالفين والرد عليها.
ثانيًا: تمحيص وترجيح النصوص والأقوال، ونصرةُ القول الراجحِ الذي قويت حجَّتُه، واتضحت أدلَّتُه، وليس هذا تلفيقًا، وإنما هو اتباع للدليل حيثما وجدته، وخضوع للحقِّ الواضح.
ثالثًا: تخريجُ الأحاديث، وبيانُ مرتبة كلِّ حديثٍ من الصحة والضعف.
وقد اعتمدت الحديث الصحيح أو الحسنَ حجَّةً، ورددت الحديث الضعيف والعملَ به حتى في فضائلِ الأعمال، كما قبلتُ مرسل الصحابي، وقدَّمت حديثَ الآحاد على عمل أهل المدينة، وكذلك عملت بخبر الآحادِ وإن خالف مقتضى القياس أو الأصول المقررة.
أما الآثار فأذكر مرتبتها من الصحة أو الضعفِ إذا كانت في مقام إلحجة والدليل فقط.
رابعًا: احترامُ الإجماع المتيقَّن الذي لم يثبت فيه خلاف.
خامسًا: إعمال القياس الصحيح إذا اتضحتْ عِلَّتُهُ الجامعةُ بين الأصل والفرع، ولم يكن بينهما فارقٌ ظاهر أو خفي، ولم يوجد معارض معتبر.
قال ابن تيمية في "رسالة القياس" ص (10): "القياسُ لفظٌ مجمل يدخلُ فيه القياسُ الصحيح والقياسُ الفاسد؛ فالقياسُ الصحيح: هو الذي وردَتْ به الشريعةُ
…
" اهـ.
وقال تلميذه ابنُ قيم الجوزية في "إعلام الموقِّعين"(1/ 130): "بل كانوا - أي الصحابة - متفقين على القولِ بالقياس، وهو أحد أصول الشريعة، ولا يستغني عنه فقيه" اهـ.
سادسًا: ضبطُ وشكلُ ما يلزم ضبطُه وشكلُه من ألفاظِ الأحاديثِ، والأعلام، والألقاب، والأماكن، والكلمات المُشْكِلةِ على القارئ.
سابعًا: التعرضُ لقضايا الفقه الجديدة، مستلهمًا قواعد الشريعة ومبادئها، ومقرَّراتِ الفقهاء.
وبعد هذا، فإني لا أَدَّعِي العصمةَ من الخطأ؛ فإنَّ العصمةَ لمن خصَّهم الله بها من عبادِه المرسلين، وكلُّ ما أدعيه: هو أني بذلتُ غايةَ ما أملك من جهدٍ في سبيل تقديم عمل أرجو أن يكون نافعًا لي وللمسلمين في الدنيا والآخرة.
فإن أكُن وُفِّقْتُ فهذا ما أبتغيه، ولله الفضل والمنة، وإن كان غيرَ ذلك، فحسبي أني أردتُ الخيرَ، وبذلتُ في سبيله ما وَسعني من جهد، وإنما الأعمال بالنيات.
اللهُمَّ اجعل أعمالنا كلها صالحةً، ولوجهك خالصةً، ولا تجعلْ فيها شركًا لأحد
…
آمين.
صنعاء صباح الجمعة
29 شوال 1420 هـ
4/ 2/ 2000 م
الكتاب الأول كتاب الطهاوة
ويتضمن عَشَرة أبوابٍ
الباب الأول: أقسام المياهِ.
الباب الثاني: النجاسات.
الفصل الأول: أَحكام النجاسات. الفصل الثاني: تطهير النجاسات.
الباب الثالث: السُّؤْر والعَرَق.
الفصل الأول السُّؤر. الفصل الثاني: العَرَق.
الباب الرابع: الآنية.
الباب الخامس: قضاء الحاجة.
الباب السادس: سُنَن الفِطْرَةِ.
الباب السابع: الوُضوء.
الفصل الأول: صفة الوضوءِ، وشروط صحته، وفرائضه.
الفصل الثاني: مستحبَّات الوضوء.
الفصل الثالث: نواقض الوضوء.
الفصل الرابع: ما يجب له الوضوء وما يُسْتَحَبُّ.
الفصل الخامس: المسح على الخفين.
الباب الثامن: الغُسل:
الفصل الأول: متى يجبُ الغسل؟.
الفصل الثاني: أركان الغُسل وسنته.
الفصل الثالث: متى يُسَنُّ الغُسل؟.
الباب التاسع: التيمم.
الباب العاشر: الحيض والنفاس والاستحاضة.
الفصل الأول الحيض.
الفصل الثاني: النفاس.
الفصل الثالث: الاستحاضة.
الطهارة
في الأصل الوَضَاءة والنظافة، يقال مِن ذلك تَطهَّر فهو مُتطهِّر ومُطَّهر، فتُدْغَمُ التاءُ في الطاءِ لقرب مخرجيهما، والطَّهُور: الماء.
قال ثعلبٌ: الطَّهور: الطاهِرُ في نَفْسِه المُطَهِّر لغيره، ويقال: فلان طاهرُ الثِّياب، إذا كان نقيًّا من الدَّنس والوسخ، وذكر أهل التفسير: أنَّ الطهارةَ في القرآنِ على ثلاثةِ عَشَر وجهًا
(1)
:
أحدها: انقطاعُ دمِ الحيض؛ ومنه قولهُ - تعالى - في سورة البقرة الآية (222): {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} .
والثاني: الاغتسال، ومنه قوله تعالى في سورة البقرة الآية (222):"فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتوهُنَّ". وفي سورة المائدة الآية (6): "وَإِنْ كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَهَّروا".
والثالث: الاستنجاءُ بالماء، ومنه قوله - تعالى - في سورة براءة الآية (108):" {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} " ونزلَتْ في أهل قُبَاءَ، وكانوا يستعملون الماءَ في الاستنجاء.
والرابع الطهارة من جميع الأحداث والأقذار، ومنه قوله - تعالى - في سورة الأنفال الآية (11):" {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} ".
والخامس: السلامةُ من سائر المستقْذَرَات؛ ومنه قوله - تعالى - في سورة البقرة الآية (25): {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} ، وفي سورة آل عمران الآية (15):{وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} .
والسادس: التنزُّه عن إتيان الرجال؛ ومنه قوله - تعالى - في سورة النمل الآية (56): {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} .
والسابع: الطهارة من الذنوب، ومنه قوله - تعالى - في سورة براءة الآية (103):{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ، وفي سورة المجادلة الآية (12):{فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} .
والثامن: الطهارةُ من الأوثان؛ ومنه قولهُ - تعالى - في سورة البقرة الآية (125):
(1)
قال الراغبُ الأصفهانيُّ في "المفردات"(ص 307): "والطهارةُ ضرْبانِ: طهارة جسمٍ، وطهارةُ نفسٍ، وحُمل عليها عامة الآيات" اهـ.
{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} ومثلها في سورة الحج الآية (26): {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} .
والتاسع: الطهارة من الشرك؛ ومنه قوله - تعالى - في سورة عبس الآية (14): {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} وفي سورة البينة الآية (2): {يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} .
والعاشر: الحلال؛ ومنه قوله - تعالى - في سورة هود الآية (78): {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أي: أحلُّ.
والحادي عشر: طهارةُ القلب من الريبة؛ ومنه قوله - تعالى - في سورة البقرة الآية (232): {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} يريد أطهرُ لقلب الرجل والمرأة من الريبة، وفي سورة الأحزاب الآية (53) {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي: من الريبة والدَّنَس.
والثاني عشر: التقصيرُ، ومنه ق وله - تعالى - في سورة المدثر الآية (4):{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ، أي: قصِّرْ؛ لأن تقصيرَ الثياب: تطهيرُها.
والثالث عشر: الطهارةُ من الفاحشة" ومنه قوله - تعالى - في سورة آل عمران الآية (42): {يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ}
(1)
.
وبدأت بالطهارة؛ لأنَّها شرطٌ من شروط الصلاة التي هي آكدُ أركان الإسلامِ بعد الشهادتين، والشرط مقدَّمٌ على المشروط.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفْتَاح الصَّلاة الطهُورُ، وتحريمُهَا التكبيرُ، وتحليلُها التسلِيمُ"، وهو حديث حسن
(2)
.
(1)
"نُزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر"، لابن الجوزي تحقيق: محمد عبد الكريم كاظم الراضي، ص (419 - 422).
(2)
أخرجه أبو داود (1/ 88 - مع العون)، والترمذي (1/ 36 - مع التحفة)، وابن ماجه (1/ 101 رقم 275)، وأحمد (3/ 159 - الفتح الرباني)، والدارمي (1/ 175)، والبيهقي (2/ 173، 379)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 372)، والخطيب في تاريخه (10/ 197)، والدارقطني (1/ 360 رقم 4) من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه مرفوعًا، وقال الإمام البغوي في "شرح السنة" (3/ 17):"هذا حديث حسن"، وقال المحدث الألباني في "الإرواء" (2/ 8 رقم 301):"الحديث صحيح بلا شك فان له شواهد يرقى بها إلى درجة الصحة".
قلت: انظر: شواهد الحديث في "نصب الراية"، للزيلعي (1/ 307 - 308).
الباب الأول أقسام المياه
أولًّا: الماءُ المُطْلقُ:
هو الماء العاري عن الإضافة اللازمةِ، وإن شئتَ قلتَ: هو ما كفى في تعريفه اسمُ ماءٍ، وهذا الحدُّ نصَّ عليه الشافعي رحمه الله في البويطي.
وقيل: هو الباقي على وصف خِلْقَتِهِ
(1)
.
• ويشتملُ الماءُ الطلقُ على:
1 - ماءُ المطرِ والثلج والبَرَد
، لقوله - تعالى - في سورة الأنفال الآية (11) {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}؛ ولقوله تعالى في سورة الفرقان الآية (48):{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} .
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا كبَّرَ في الصلاةِ سكَتَ هُنَيَّةً قبلَ أن يقرأ، فقلتُ: يا رسولَ الله بأبي أنتَ وأمي، أرأيتَ سكوتكَ بين التكبير والقراءةِ ما تقول؟ قال: "أقول: اللهمَّ باعدْ بيني وبين خطايايَ كما باعَدتَ بين المشرقِ والمغرِبِ، اللهُمَّ نقِّني من خطاياي كما يُنَقَّىَ الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس، اللهُمَّ اغسِلْني من خطاياي بالماء والثلجِ والبَرَد"
(2)
.
2 - ماءُ البحَر والنهرِ
؛ لحديث أبي هريرةَ كت قال: سألَ رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللَّهِ، إنّا نركبُ البحرَ، ونحمِلُ معنَا القليلَ من الماءِ، فإنْ توضَّأْنا بهِ عَطِشْنا، أفنتوضَّأ من ماء البحر؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هو الطهُور ماؤهُ، الحلُّ مَيْتَتُه" وهو حديث صحيح
(3)
.
ولظاهر نصِّ الكتاب، وهو قوله - تعالى - في سورة النساء الآية (43):{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وماء البحر من المياه فلا يجوز العدولُ إلى التيمُّم مع وجودِه
(4)
.
(1)
"المجموع"(1/ 80)، و "المغني"(1/ 36)، و "المنتقى" للباجي (1/ 55).
(2)
أخرجه البخاري رقم (744)، ومسلم رقم (598)، وغيرهما.
(3)
أخرجه أبو داود (1/ 64 رقم 83) والترمذي (1/ 100 رقم 69) وقال: حديث حسن صحح، والنسائي (1/ 50 رقم 59) و (176 رقم 332) و (7/ 2007 رقم 4350)، وابن ماجه (1/ 136 رقم 386)، وأحمد (2/ 237، 361، 378، 392)، والحاكم (1/ 140)، وفي علوم الحديث (ص 87)، والدارقطني (1/ 36 رقم 13) وغيرهم، وانظر:"نصب الراية"(1/ 95 - 99)، و "تلخيص الحبير"(1/ 21 - 24)، والإرواء رقم (9) والصحيحة رقم (480).
(4)
"المغني""لابن قدامة"(1/ 37).
3 - ماء زمزمَ
، لحديث علي رضي الله عنه في صفةِ حجِّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"ثم أفاضَ فدعا بسجْل من ماء زمزمَ فشربَ منه، وتوضَّأ، ثم قال: "انزعُوا يا بني عبد المطلب، فلولا أن تُغْلَبُوا عليها لنزعتُ"، وهو حديث حسن
(1)
.
* والسَّجْل: الدَّلو الملأَى ماءً، ويُجمع على سِجَالٍ
(2)
.
وقوله: "فولا أن تُغْلَبُوا": يعني لولا خوفي أن يعتقد الناسُ ذلك من مناسك الحج، ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم؛ لكثرة فضيلة هذا الاستقاء
(3)
.
4 - ماء البئر
؛ لحديثِ أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيلَ: يا رسول اللّه أنتوضَّأ من بئرِ بُضَاعةَ، وهي بِئْرٌ يُلقى فيها الحِيَضُ ولحومُ الكلاب والنَّتَنُ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الماءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شيء"، وهو حديث صحيح
(4)
.
* وقال ياقوت الحموي
(5)
بُضاعة: بالضم وقد كَسَرَهُ بعضهم، والأول أكْثَرُ، وهي دار بني ساعدة بالمدينة وبئرها معروفة".
وقال ابن الأثير
(6)
: هي بئر معروفة بالمدينة.
وقال أبو داود في "سننه"(1/ 129 - 130 - العون): "سمعتُ قُتيبة بن سعيدٍ قال: سألتُ قيم بئر بُضاعة عن عُمقِها، قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة. قلت: فإذا نقصَ؟ قال: دون العورةِ.
قال أبو داود: وقدَّرتُ أنا بئرَ بُضاعةَ بردائي مدَدْتُه عليها، ثم ذَرَعْتُهُ فإذا عرضُها ستةُ
(1)
أخرجه عبد اللّه بن الإمام أحمد في "زوائد المسند"(1/ 76) بسند جيد، ومعناه في "الصحيحين"، وقال الشوكاني في "النيل" (1/ 108):"سند هذا الحديث مستقيم"، وحسَّن الألباني الحديثَ في "الإرواء" رقم (13).
(2)
"النهاية"(2/ 343 - 344).
(3)
"الفتح الرباني"(1/ 203).
(4)
أخرجه أبو داود (1/ 55 رقم 67)، والترمذي (1/ 95 رقم 66) وقال:"حديث حسن"، والنسائي (1/ 174)، وأحمد (3/ 15، 31، 86)، والشافعي (1/ 21 رقم 35 - ترتيب المسند)، والطيالسي (ص 292 رقم 2199)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (47)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 11)، والدارقطني (1/ 29 رقم 10)، والبيهقي (1/ 4، 257)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (2/ 61) وقال:"حديث حسن صحيح"، وصححه أحمد في "التلخيص"(1/ 13)، والنووي في "المجموع"(1/ 82)، والألباني في "الإرواء" رقم (14).
(5)
"معجم البلدان"(1/ 442).
(6)
"النهاية"(1/ 134).
أذْرعُ، وسألتُ الذي فتح لي باب البستانِ فأدخلَني إليه، هل غُيِّر بناؤها عما كانت عليه؟ قال: لا، ورأيتُ فيها ماءً متغيِّر اللَّونِ" اهـ
5 - الماءُ المتغيِّرُ بطولِ المُكْثِ أو بسببِ مقرِّه أو بما خالَطَهُ
كطحلُبٍ، أو ورقِ شجرٍ، وما لا ينفك عنه غالبًا، فإنَّ اسمَ الماءِ المطلق يتناوله باتفاقِ العلماء.
والأصلُ في هذا البابِ أن كلَّ ما يصدُقُ عليه اسمُ الماء مطلقًا عن التقييد يصح التطهُّر به؛ لقولهِ - تعالى - في سورة المائدة الآية (6): "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا".
وقال ابن قدامة
(1)
: "والماءُ الآجنُ: وهو الذي يتغيُّر بطول مكْثِهِ في المكان، من غير مخالطةِ شيء يغيرهُ، باق على إطلاقه في قول أكثر أهل العلم" اهـ.
وقال ابن المنذر
(2)
: "أجمع كلُّ من نحفظُ قولَه من أهل العلم على أن الوضوءَ بالماء الآجنِ من غير نجاسةٍ حلَّتْ فيه جائز، غيرَ ابن سيرينَ فإنه كرهَ ذلك، وقول الجمهور أولى" ا هـ.
وقال ابن رشد
(3)
: "وكذلك أجمعوا على أنَّ كلَّ ما يُغيِّر الماءَ مما لا يَنْفَك عنه غالبًا أنه لا يسلبُه صفةَ الطهارةِ والتطهير؛ إلا خلافًا شاذًّا في الماءِ الآجنِ عن ابن سيرينَ، وهو محجوجٌ بتناولِ اسم الماء المُطْلقِ له" اهـ.
ثانيًا: الماءُ المسْتَعْمَلُ:
هو الماءُ المنفصلُ من أعضاءِ المتوضئ أو المغتسل.
1 - الماءُ المستعملُ طاهرٌ في نفسه
؛ لحديث جابر قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودُني وأنا مريضٌ لا أعقلَ، فتوضَّأ وصبَّ عليَّ من وَضُوئِهِ، فعقلْتُ .. "
(4)
.
ولحديث أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: "خرج علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، فَأُتِيَ بوَضُوءٍ فتوضَّأ، فجعل الناسُ يأخذون من فضلِ وضُوئِهِ فيتمسحونَ به، .. "
(5)
.
• أما قولُ بعضهم: إنَّ هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فمردودٌ؛ لأن الأصلَ أنَّ
(1)
"المغني"(1/ 42).
(2)
"الإجماع"(ص 33).
(3)
"بداية المجتهد"(1/ 72) بتحقيقي.
(4)
أخرجه البخاري رقم (194).
(5)
أخرجه البخاري رقم (187).
حكمَهُ وحكمَ أمته واحدٌ، إلا أنْ يقومَ دليلٌ يقضي بالاختصاصِ، ولا دليلَ، كما أن الحكم بكون الشيءَ نجسًا حكم شرعي يحتاج إلى دليل ولا دليل
(1)
.
2 - والدليل على أن الماءَ المستعمل مطهِّر لغيره
، حديث ابن عقيلٍ، عن الرُّبَيِّع - بنتِ مُعَوِّذ - "أن النبي صلى الله عليه وسلم مسحَ برأسِه من فضْلِ ماءٍ كان في يده"
(2)
. وهو حديث حسن.
فإن قيل: قد عارضه حديث عبد الله بن زيدِ بن عاصم الأنصاري رضي الله عنه: "
…
ثم أدخلَ يَدَهُ - في الإناء - فاستخرجَهَا فمسحَ برأسهِ، فأقبل بيديه وأدبرَ .. "
(3)
.
قلت: لا تعارض بينهما؛ لأنَّ التنصيص على شيءٍ بصيغة لا تدلُّ إلا على مجرد الوقوع، ولم يتعرض فيها لحصْرٍ على المنصوص عليه، ولا نفيٍ لما عداهُ، لا يستلزم عدمَ وقوع غيره
(4)
.
أما الحديث الذي أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير " رقم (2091) عن دهثم بن قُرآنَ، عن نمران بن جارية، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا للرأسِ ماءً جديدًا"، فهو حديث ضعيف جدًّا لا تقومُ به حجة.
وأما حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبدُ المسلمُ أو المؤمنُ، فغسلَ وجهَهُ، خرجَ من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطرِ الماءِ، فإذا غسل يديه، خرج من يديه كلُّ خطيئةٍ كان بطشتْها يداهُ معَ الماءِ، أو معَ آخر قطْرِ الماءِ، فإذا غسلَ رجليه، خرجت كلُّ خطيئةٍ مَشتْهَا رجلاهُ معَ الماءِ، أو مَع آخر قَطْرِ الماءِ حتى يخرجَ نقيًّا من الذنوبِ"
(5)
.
فقد قال الإمام النووي
(6)
: "المراد بخروجها مع الماء المجازُ والاستعارةُ في غفرانِها؛ لأنها ليست بأجسامٍ فتخرج حقيقةً". اهـ.
(1)
انظر: "نيل الأوطار" نهاية شرح الحديث رقم (4) بتحقيقي.
(2)
أخرجه أبو داود (1/ 91 رقم 130).
وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود"(1/ 100): "وابنُ عقيل هذا هو أبو محمد عبدُ الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وقدِ اختلفَ الحفَّاظُ في الاحتجاج بحديثه"، قلت: قال الذهبي في "الميزان"(2/ 485) بعدما أورد كلام الحفَّاظِ فيه: "حديثهُ في مرتبة الحسن".
وقد حسنه الألبانيُّ في "صحيح أبي داود"، وعبد القادر الأرناؤوط في تحقيق "جامع الأصول"(7/ 164).
(3)
أخرجه أحمد (4/ 38، 39)، والبخاري رقم (185)، ومسلم رقم (235).
(4)
"نيل الأوطار" خلال شرح الحديث رقم (7) بتحقيقي.
(5)
أخرجه مسلم رقم (244).
(6)
"شرح صحيح مسلم"(3/ 133).
وقال ابن حزم
(1)
: "قلنا: نعم ولله الحمدُ فكان ماذا؟ وإن هذا لما يغبطُ باستعمالهِ مرارًا إن أمكن لفضله، وما علمنا للخطايا أجرامًا تحلُّ في الماء" ا هـ.
وقال ابن حزم
(2)
: "فلا يختلفُ اثنان من أهل الإسلام في أن كلَّ متوضئٍ يأخذ الماء، فيغسلُ به ذراعيهِ من أطراف أصابعهِ إلى مرفقِه، وهكذا كلُّ عضو في الوضوءِ، وفي غسل الجنابة، وبالضرورة والحسِّ يدري كلُّ مشاهد لذلك أن ذلك الماءَ قد وضئت به الكفُّ وغسلتْ، ثم غسل به أولُ الذراع ثم آخِرُهُ، وهذا ماء مستعمل بيقينٍ، ثم إنه يردُّ يده في الإناء وهي تقطر من الماء الذي طهر به العضْوَ، فيأخذُ ماءً آخَرَ للعضوِ الآخَرِ، فبالضرورة يدري كلُّ ذي حسٍّ سليم أنه لم يطهِّر العُضْوَ الثاني، إلا بماء جديدٍ قد مازجهُ ماءٌ آخَرُ مستعملٌ في تطهير عضوٍ آخَرَ، وهذا لا مَخْلَصَ منه" اهـ.
ثالثًا: الماءُ الذي خالطَهُ طاهرٌ
؛ كزعفرانَ أو صابون أو عجينٍ أو غيرِ ذلك من الأشياء الطاهرة، التي تنفكُّ عنه غالبًا - طَهورٌ ما دام حافظًا لإطلاقه، فإِنْ خَرَجَ عن إطلاقهِ، بحيثُ لا يتناولُه اسمُ الماء المطلق، فيصبحُ طاهرًا في نفسِهِ، غيرَ مطهِّر لغيره.
لحديث أم عطيةَ رضي الله عنها قالت: لما ماتَتْ زينبُ بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم." اغسلْنَهَا وِتْرًا، ثلاثًا، أو خَمْسًا، واجعلْنَ في الَخامسةِ كافورًا، أو شيئًا من كافور، فإذا غسَّلْتُنَّها فَأَعْلِمْنَنِي" قالت: فأعلمناهُ فأعطانَا حقْوَهُ - إزاره - وقال: "أشْعِرْنَها إياهُ"، اجعلْنَ الإزار شعارًا لها
(3)
.
ولحديث أم هانئ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَ هُوَ وميمونةُ من إناءٍ واحدٍ، في قَصْعةٍ فيها أثَرُ العجين"، وهو حديث حسن
(4)
.
• ففي الحديثين وُجِدَ الاختلاط بين الماءِ والكافورِ، وبين الماء والعجين، إلا أنه لم يبلغْ من الكثرةِ ما يسلبُ إطلاقُ الماءِ عليه" فلذا جاز التطهُّر بهذا الماء
(5)
.
(1)
"المحلى"(1/ 189).
(2)
السابق: (1/ 184).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1253)، ومسلم رقم (939).
(4)
أخرجه النسائي (1/ 131 رقم 240)، وابن ماجه (1/ 134 رقم 378)، ورجاله ثقات. قال المحدث الألباني في تحقيق "مثسكاة المصابيح" (1/ 151):"رواه النسائي، وابن ماجه من طريق مجاهد عنها، ورجاله ثقات، لكن أعلَّه البيهقيُّ (1/ 7 - 8) بالانقطاع بين مجاهد وأم هانئ، لكن رواه النسائي من طريق عطاء، قال: حدثتني أم هانى به، وهو متصل وسنده حسن" اهـ.
(5)
"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(1/ 87 - 79)، بتحقيقي.
رابعًا: الماءُ الذى لاقَتْهُ نجاسةٌ:
1 - الماءُ القليل أو الكثير إذا وَقَعَتْ فيه نجاسةٌ
؛ فغيَّرت طعْمَهُ أو لونَهُ أو ريحَهُ، فإنه نجسٌ ولا يجوز التطهيرُ به.
ودليله الإجماع:
قال ابن المنذر
(1)
: "وأجمعوا على أن الماءَ القليلَ والكثيرَ إذا وقعتْ فيه نجاسةٌ، فغيَّرت الماءَ طعْمًا، أو لونا، أو ريحًا؛ أنه نجسٌ ما دام كذلك" اهـ.
وقال ابن رشد
(2)
: "واتفقوا على أن الماء الذي غيرت النجاسةُ؛ إما طعمه أو لونَه أو ريحهُ أو أكثر من واحد من هذه الأوصاف، فإنه لا يجوزُ به الوضوءُ ولا الطهورُ" اهـ.
2 - الماءُ القليل أو الكثير
، إذا وقعتْ فيه نجاسةٌ ولم تُغيِّر لونَهُ أو طعمهُ أو ريحه فهو طاهرٌ مطهِّر:
للأدلة التالية:
• حديث أبي سعيد الخدري الصحيح الوارد عند الكلام على "ماء البئر".
• وحديث ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الماءُ قُلَّتينِ لم يَحْمِلِ الخبثَ"، وفي لفظ ابن ماجة:"لم يُنَجِّسْهُ شيء" وهو حديث صحيح
(3)
.
• فالشارع قد نفى النجاسةَ عن مطلق الماء؛ كما في حديث أبي سعيد المتقدم، وما يشهدُ له، ونفاها عن الماء المقيَّد بالقُلَّتينِ كما في حديث ابن عمر المتقدم أيضًا، وكان النفي بلفظٍ هو أعم صيغ العامِّ.
فقال في الأول: "الماء طهور لا ينجِّسهُ شيء"، وقال في الثاني - أيضًا - كما في تلك الرواية:"لم ينجِّسْهُ شيء".
فأفاد ذلكَ أنَّ كل ماء يوجد على وجه الأرض طاهرٌ، إلا ما ورد فيه التصريحُ بما
(1)
الإجماع (ص 33 رقم 10)، ونقله عنه النووي في المجموع (1/ 110)، وابن قدامة في المغني (1/ 53) وغيرهم.
(2)
"بداية المجتهد"(1/ 72) بتحقيقي.
(3)
أخرجه أبو داود (1/ 51 رقم 63)، والترمذي (1/ 97 رقم 67)، والنسائي (1/ 175)، وابن ماجه (1/ 172 رقم 517)، وابن خزيمة في "صحيح"(1/ 49 رقم 92)، والحاكم (1/ 132)، وابن حبان رقم (117، 118 - موارد)، وأحمد (2/ 27)، والدارقطني في "السنن"(1/ 13 - 23 رقم 1 - 25) وأطال في طرقه.
يخصِّصُ هذا العامَّ، مصرِّحًا بأنه يصيرُ الماء نجسًا كما وقع في تلك الزيادة التي وقع الإجماع عليها، فإنها وردتْ بصيغةِ الاستثناء من ذلك الحديث، فكانت من المخصصاتِ المتصلة بالنسبة إلى حديث أبي سعيد، ومن المخصَّصات المنفصلة بالنسبة إلى حديث ابن عمرَ عَلى القول الراجح في الأصولِ، وهو أنه يبنى العامُّ على الخاصِّ مطلقًا.
فتقرر بهذا أنه لا منافاة بين مفهوم حديث القُلتين، وبين سائر الأحاديث، بل يقال فيه: إن ما دون القلتين إن حملَ الخبَثَ حملًا استلزم تغير ريح الماءِ، أو لونِهِ أو طعمِهِ، فهذا هو الأمر الموجب للنجاسة والخروج عن الطهورية، وإن حمله حملًا لا يغيِّر أَحَدَ تلك الأوصافِ فليس هذا الحملُ مستلزمًا للنجاسة"
(1)
.
*
فروع تتعلقُ بالبابِ الأولِ: أقسام المياهِ:
فرع (1):
الإجماعُ المتقدِّم آنفًا وقعَ على زيادة ضعيفةٍ وردت بصيغة الاستثناء في حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" "إنَّ الماءَ لا ينجِّسُهُ شيء، إلا ما غلبَ على ريحِهِ، وطعمِهِ، ولونِهِ" وهو حديث ضعيف
(2)
.
فرع (2) في تفسير القُلتين:
قال ابنُ التركماني
(3)
: "قد اخْتُلِفَ في تفسير القُلَّتينِ اختلافًا شديدًا كما ترى، ففُسِّرَتَا بخمس قِرَبٍ، وبأربع، وبأربعٍ وستين رطلًا، وباثنين وثلاثين، وبالجرتين مطلقًا، وبالجرتين بقيد الكبرِ، وبالخابيتينِ، والخابية الحبّ.
فظهر بهذا جهالةُ مقدار القلتين، فتعذَّر العملُ بها" اهـ.
(1)
"الدراري المضية"(1/ 75 - 76)، بتحقيقي.
(2)
أخرجه ابن ماجه (1/ 174 رقم 521)، والبيهقي (1/ 259)، والطبراني في "الكبير" رقم (7503)، و"الأوسط" رقم (744)، والدارقطني (1/ 28 رقم 3).
وأورده الهيثميُّ في "مجمع الزوائد"(1/ 214)، وقال: "
…
وفيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف".
قال الدارقطني: "لم يرفعه غيرُ رشدين بن سعدٍ، وليس بالقوي".
وقال الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 94): "وهذا الحديث ضعيف؛ فإن رشدين بن سعدٍ جرَحَهُ النسائي، وابن حبانَ، وأبو حاتم، ومعاوية بن صالح".
قلت: الحديث ضعيف بهذا الاستثناء، وأما قوله:"الماء طهورٌ لا ينجِّسُهُ شيء"، فهو حديث صحيح من رواية أبي سعيد الخدري المتقدمة عند الكلام على (ماء البئر).
(3)
"الجوهر النقي"(1/ 265) السنن الكبرى.
• قال الحافظ
(1)
: "
…
إلا أن مقدارَ القلتينِ لم يُتَّفَقْ عليه، واعتبره الشافعي بخمسِ قِرَبٍ من قربِ الحجازِ احتياطًا
…
" اهـ.
أما ما ورد في تخصيص القلتينِ بقلالِ هَجَرَ، فليس بجيد؛ لأنه لم يرد مرفوعًا إلا من طريق "المغيرة بن سقلاب" بسنده عن ابن عمرَ:"إذا بلغ الماء قُلَّتين من قلال هَجَرَ، لم ينجِّسْهُ شيء"، وهو حديث ضعيف بهذه الزيادة
(2)
.
فرع (3): تقديرُ الماء الكثير لا يستندُ إلى أصلٍ شرعيٍّ يُعتَمَدُ عليه:
• قال الإمام البغوي
(3)
: "وقدَّر بعضُ أصحابِ الرأي الماءَ الكثيرَ الذي لا ينجسُ، بأَنْ يكون عشَرَةَ أذرعٍ في عشرةِ أذرعٍ، وهذا تحديد لا يرجعُ إلى أصلٍ شرعي يُعْتَمَدَ عليه".
وأما حديث عبد الله بن مُغَفَّل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حفرَ بئرًا فَلَهُ أربعونَ ذراعًا عَطنًا لماشيتهِ"، وهو حديث حسن
(4)
.
فلا دليل فيه - أيضًا - على تحديد الماء الكثير الذي لا ينجس بأَنْ يكونَ عشرةَ أذرع في عشرةِ أذرع؛ لأن الواضحَ من الحديثِ أنَّ حريمَ البئر من كلِّ جانبٍ أربعونَ ذراعًا
(5)
.
ثم قال البغويُّ
(6)
. "وحدَّهُ بعضُهم بأَنْ يكونَ في غديرٍ عظيمٍ، بحيثُ لو حُرِّكَ منه جانبٌ لم يضطربْ منه الجانبُ الآخرُ، وهذا في غاية الجهالةِ؛ لاختلافِ أحوالِ المحرِّكينَ في القوةِ والضعفِ" اهـ.
• وقال الإمام الشوكاني
(7)
. "وللناس في تقدير القليل والكثيرِ أقوالٌ ليس عليها أثارةٌ من علم، فلا نشتغلُ بذكرِها" اهـ.
(1)
"الفتح"(1/ 342).
(2)
أخرجه ابن عدي في الكامل" (6/ 2358) في ترجمة المغيرة هذا، وقال عامةُ ما يرويه لا يُتَابَعُ عليه.
وقال ابن حجر في "التلخيص"(1/ 29) عن المغيرة: هذا منكرُ الحديث: ثم قال (1/ 30): "والحديث غيرُ صحيحٍ، يعني بهذه الزيادة".
(3)
الشرح السنة" (2/ 59 - 60).
(4)
أخرجه الدارمي (2/ 273)، وابن ماجه (2/ 831 رقم 2486).
(5)
انظر: كتاب "فتح باب العناية بشرح كتاب النُّقاية"، لعلي القاري (1/ 109).
(6)
الشرح السنة" (2/ 59 - 60).
(7)
"نيل الأوطار" في نهاية شرح الحديث رقم (13). بتحقيقي.
فرع (4): البولُ في الماءِ الراكِدِ مكروهٌ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَبُولنَّ أَحدُكم في الماء الدَّائِم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه"، وهذا لفظ البخاري، ولفظ الترمذي:"ثم يتوضأ منه"، ولفظ الباقين:"ثم يغتسلُ منه"
(1)
.
ففي الحديث نهي عن أن يُبَالَ في الماءِ الدائم، ثم يُغْتَسَلُ منه، ولا يعني ذلك نجاسة الماء بحلولِ ذلك البول فيه، وإن لم يُغيِّرْ أحدَ أوصافِه، فالقول بالتنجيس يحتاج إلى دليلٍ شرعيٍّ، وليس لنا دليل يفيدُ ذلك " فبقي الحديث على النهي للبائل أن يغتسلَ، أو يتوضأ، وله الانتفاعُ به ما عدا ذلك، وغير البائل مباحًا له الاغتسالُ والوضوء
(2)
.
فرع (5): النهي عن غمسِ المستيقظِ مِن النومِ يدَه في الإناءِ قبلَ غسْلِها للتنزيه:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظَ أحدُكم من نومه فلا يغمسْ يدهُ في الإناءِ، حتى يغسلَها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتتْ يده"، واللفظ لمسلم، وهو حديث صحيح
(3)
.
ففي الحديث نهي عن غَمْسِ المستيقظِ من النوم يده في الإناء قبل غسْلِها للتنزيه، ولا فرقَ بين نومِ الليلِ أو النهارِ، والأمرُ بالغَسل عند الجمهور على الندبِ، والقرينةُ الصارفةُ للأمر عن الوجوب التعليلُ بأمرٍ يقتضي الشكَّ.
ولو غمسَ المستيقظُ من النومِ يَده في الإناء قبل غسْلِها، ولم يعلم بها نجاسةً؛ يكره، ولا يفسدُ الماء عند أكثر أهل العلم
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (2/ 346) والبخاري رقم (239) ومسلم رقم (282) وأبو داود رقم (70) والترمذي رقم (68) والنسائي (1/ 49) وابن ماجه رقم (344).
(2)
"إحكام الأحكام"(1/ 21) و "المجموع"(1/ 116)، و "طرح التثريب"(2/ 33).
(3)
أخرجه البخاري رقم (162) ومسلم رقم (88/ 278) وأحمد (2/ 465، 471، 403) بدون ذِكر الثلاث، وأخرجه مسلم رقم (87/ 278) والترمذي (1/ 36 رقم 24) وقال " حديث حسن صحيح"، والنسائي (1/ 6 رقم 1)، و (1/ 99 رقم 161) وابن ماجه (1/ 138 رقم 393) وأحمد (2/ 241، 265، 284، 382، 455) مع ذِكْر الثلاث.
(4)
"شرح السنة" للبغوي (1/ 408) و "طرح التثريب"(2/ 44) و شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 50).
فرع (6): جواز وضوءِ وغُسْلِ الرجلِ والمرأةِ من إناءٍ واحدٍ:
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنتُ أغتسل أنا ورسولَ الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ - بيني وبينه - واحدٍ، فيبادِرُني حتى أقول: دَعْ لي، دَعْ لي، قالت: وهُمَا جُنُبَانِ
(1)
.
ولحديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم والمرأةُ من نسَائه يغتسلان من إناءٍ واحدٍ - زاد مسلم ووهبٌ عن شعبة - من الجنابةِ
(2)
.
فرع (7): جوازُ وضوءِ وَغُسْلِ الرجل من فَضْلِ طهورِ المرأة:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يغْتَسِلُ بِفَضْلِ ميمونَةَ رضي الله عنها"
(3)
.
ولأصحاب السنن: اغتسل بعض أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ، فجاء يغتسلُ منها، فقالت: إني كنتُ جُنبًا، فقال:"إن الماءَ لا يجْنبُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وأما حديث الحَكَم بن عمرو الغفاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نهى أن يتوضَأَ الرجلُ بفضل طهورِ المرأة"، فهو حديث صحيح
(5)
.
لكنه محمولٌ على نهي التنزيه؛ بقرينة أحاديثِ الجوازِ الكثيرة؛ والتي منها حديثُ ابن عباس الآنفُ الذكرِ، انظر:"فتح الباري"(1/ 300) و"المجموع"(2/ 191).
فرع (8): الطهارةُ من الحَدَث لا تصحُّ إلا بالماء، أو بالتراب عند فَقْدِ الماءِ، ولا تغني المائعاتُ كالنبيذُ وغيرهِ في الطهارة:
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (6)"فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعيدًا طَيّبًا"، فهذا نصٌّ في الانتقال إلى الترابِ عند عدمِ الماء.
• ولحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصعيدَ الطيِّبَ
(1)
أخرجه البخاري رقم (261)، ومسلم رقم (46/ 321)، واللفظ لمسلم.
(2)
أخرجه البخاري رقم (264).
(3)
أخرجه مسلم (1/ 257 رقم 48/ 323).
(4)
أخرجه أبو داود (1/ 55 رقم 68)، والنسائي (1/ 173 رقم 325)، والترمذي (1/ 94 رقم 65)، وقال:"حديث حسن صحيح"، وابن ماجه (1/ 132 رقم 370، 371).
(5)
أخرجه أحمد (5/ 66)، وأبو داود رقم (82)، والترمذي رقم (64)، وابن ماجه رقم (373)، والدارقطني (1/ 53)، والبيهقي (1/ 191).
طهورُ المسلم، وإن لم يجدِ الماءَ عَشْرَ سنينَ، فإذا وجَدَ الماءَ فَليُمِسَّهُ بشْرَتَهُ، فإنَّ ذلكَ خيرٌ". وهو حديث حسن
(1)
.
ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يُعْدَمُونَ الماء في أسفارهم، ومعهم الدهنُ وغيره من المائعات، وما نُقِلَ عن أحد منهم الوضوء بغير ماءٍ، ولا يصح القياسُ على الماء؛ فإن الماء جمعَ اللطافةَ وعدمَ التركيب من أجزاء، وليس كذلك غيره
(2)
.
• وأما الذين قالوا بجواز الطهارةِ بالنبيذ وغيره، فإنَّ أدلَّتَهم ضعيفةٌ لا تقومُ بها حجةٌ
(3)
.
(1)
أخرجه أبو داود (1/ 235 - 236 رقم 332، 333)، والنسائي (1/ 171)، والترمذي (1/ 211 رقم 124)، وقال حديث حسن صحيح، وأحمد (5/ 146 - 147، 155)، والحاكم (1/ 176 - 177) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والبيهقي (1/ 212)، والطيالسي (ص 66 رقم 484).
وصححه النووي في "المجموع"(1/ 94)، والشيخ الألباني في "الإرواء" رقم (153).
(2)
المجموع شرح المهذب (1/ 93).
(3)
انظر: تخريج تلك الأحاديثِ في كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الطهارة.
الباب الثاني بابُ النجاساتِ
الفصل الأول: فصلُ أحكامِ النجاسات
النجاساتُ: جمع نجاسةٍ، وهي كل شيء يستقذرُهُ أهلُ الطبائع السَليمة، ويتحفظون عنه، ويغسلُون الثيابَ إذا أصابَها كالعُذْرَةِ والبول
(1)
.
• والأصلُ الطهارةُ معلوم من كليات الشريعةِ المطهرةِ وجزئياتِها، ولا ريبَ أن الحكمَ بنجاسة شيء يستلزمُ تكليفَ العبادِ بحكم، والأصلُ البراءةُ من ذلك، ولا سيما من الأمور التي تعمُّ بها البلوى
…
فما لم يردْ فيه شيء من الأدلة الدالة على نجاسته، فليس لأحد من عباد الله أن يحكمَ بنجاسته بمجرَّدِ رأي فاسدٍ أو غلطٍ في الاستدلالِ
(2)
.
والنجاسات هي:
1 - بولُ الآدمي:
لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء أعرابيٌّ فبالَ في طائفةِ المسجدِة فزجَرَهُ الناسُ فنهاهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بَوْلَهُ أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم بذَنُوب من ماء فأُهْرِيقَ عليه"، وهو حديث صحيح
(3)
.
2 - غائطُ الآدمي:
لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطيءَ أحدُكُم بنعلهِ في الأذى، فإن الترابَ لها طهورٌ"، وهو حديث صحيح لغيره
(4)
.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطئَ أحدُكم الأذى بخُفَّيهِ فطهورُهُما الترابُ"، وهو حديث صحيح لغيره
(5)
.
(1)
الروضة الندية شرح الدرر البهية لمحمد صديق حسن خان بتحقيقي (1/ 69).
(2)
الدراري المضية (1/ 97). بتحقيقي، والروضة الندية (1/ 85). بتحقيقى.
(3)
أخرجه البخاري (1/ 324 رقم 221) ومسلم (1/ 236 رقم 284) والترمذي (1/ 276 رقم 148)، والنسائي (1/ 175) وابن ماجه (1/ 176 رقم 528) وأحمد (3/ 110 - 111) من طرق متعددة.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (385) والبغوي في شرح السنة رقم (300) والحاكم (1/ 166) والبيهقى (2/ 430) وابن حبان رقم (248 موارد).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (386) وابن خزيمة رقم (292) والحاكم (1/ 166) والبيهقي (2/ 430) وابن حبان (رقم 249 موارد).
3 - المذي:
المذى: بالتسكين، الماء الذي يخرجُ عند الملاعبةِ والتقبيلِ، ويكون ذلك للرجلِ والمرأةِ، يقال: مَذَى وأَمْذَى وَمَذَّى
(1)
.
عن علي رضي الله عنه قال: كنتُ رجلًا مَذَّاءً، وكنتُ أستحيي أن أسألَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لمكان ابنتهِ، فأمرتُ المقدادَ بن الأسود، فسألَهُ فقال:"يغْسلُ ذَكَرَهُ ويتوضأُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
4 - الوَدْيُ:
الوَدْيُ: بالتسكين ماءٌ يخرجُ بعد البول، وكذلك الوَدِيُّ بالتشديد
(3)
.
وهو نجسٌ، ودليله الإجماعُ، قال الإمام النوويُّ
(4)
: "أجمعتِ الأُمَّةُ على نجاسةِ المذي والودْي" اهـ.
وأخرج البيهقيُّ
(5)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "المنيُّ والمذيُ والودي، فالمنيُّ منه الغُسلُ، ومن هذينِ الوضوءُ، يغسل ذَكَرَهُ ويتوضأ" وهو أثرٌ حسنُ الإسناد.
5 - لعابُ الكلب:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وَلَغَ الكلبُ في إناء أحدِكم فَلْيُرِقهِ، ثم لِيَغسلُهُ سبعَ مَرَّاتٍ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
6 - دم الحيض:
لحديث أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: سألتِ امرأةٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيتَ إحدانا إذا أصاب ثوبَها الدمُ من الحيضةِ، كيف تصنعُ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا
= له شاهدان صحيحان يتقوَّى بهما
الأول: من حديث أبي سعيد عند أحمد (3/ 20)، وأبي داود رقم (650).
والثاني: من حديث عائشة عند أبي داود رقم (387).
(1)
أنيس الفقهاء: للقونوي ص (51)، وتحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص (38).
(2)
أخرجه البخاري رقم (178)، ومسلم رقم (17/ 303).
(3)
أنيسُ الفقهاء ص (51)، ومعجم مقاييس اللغة (6/ 97).
(4)
"المجموع"(2/ 552).
(5)
"السنن الكبرى"(1/ 115).
(6)
أخرجه مسلم (1/ 234 رقم 279)، والنسائي (1/ 176 - 177).
أصابَ ثوبَ إحداكُنَّ الدمُ من الحيضةِ فلتقرصْهُ، ثم لتنضحْهُ بماء، ثم لتصلِّ فيه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 - رَوْث ما لا يُؤكَلُ لحمُهُ:
لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتِيهُ بثلاثةِ أحجار، فوجدتُ حجرينِ والتمستُ الثالثَ فلم أجدْهُ، فأخذت روثةً فأتيتُهُ بها، فأخذَ الحجرين وألقى الروثةَ وقال:"هذا رِكْسٌ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
"رِكْسٌ": بكسر الراء، وإسكان الكاف، فقيل: هي لغةٌ في رجْسٍ بالجيم، ويدلُّ عليه رواية ابن ماجه، وابن خزيمة في هذا الحديث؛ فإنها عندهما بالجيم.
وقيل: الرِّكْسُ: الرجيعُ رُدَّ من حالة الطهارةِ إلى حالة النجاسةِ، قاله الخطابي وغيره، والأوْلَى أن يقال: رُدَّ من حالةِ الطعامِ إلى حالة الرَّوْثِ .. " اهـ
(3)
.
8 - الميتةُ:
الميتةُ: وهي ما مات حَتْفَ أنفهِ من غير ذكاةٍ شرعيةٍ.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دُبَغَ الإهابُ فقد طَهُرَ" وهو حديث صحيح
(4)
.
ففي هذا الحديث دلالة على أن جِلْدَ الميتةِ نجسٌ يطهِّره الدِّباغُ، ويلزمُ من ذلك أن الميتةَ نجسةٌ.
الإهاب: ككتاب: الجِلْدُ، أو ما لم يُدبَغْ، قاله في القاموس ص (77).
قال أبو داود
(5)
: "قال النضر بن شميل: إنما يُسمى إهابًا ما لم يدبغْ، فإذا دُبِغَ لا يقال: له إهابٌ، إنما يُسمى: شَنًّا وقِرْبةً".
وفي "الصحاح"
(6)
: "والإهابُ: الجلد ما لم يُدْبَغْ".
(1)
أخرجه البخاري (1/ 410 رقم 307)، ومسلم (1/ 240 رقم 291)، وأبو داود (1/ 255 رقم 360، 361، 362)، والترمذي (1/ 254 - 255 رقم 138)، والنسائي (1/ 155)، وابن ماجه (1/ 206 رقم 629)، وغيرهم.
(2)
أخرجه البخاري (1/ 256 رقم 156)، والترمذي (1/ 25 رقم 17)، والنسائي (1/ 39)، وابن ماجه (1/ 114 رقم 314)، وابن خزيمة (1/ 39 رقم 70).
(3)
فتح الباري (1/ 258).
(4)
أخرجه مسلم (1/ 277 رقم 366)، وأحمد (1/ 219)، والترمذي رقم (1728)، وابن ماجه رقم (3609).
(5)
في سننه (1/ 371 - 372)،
(6)
(1/ 89).
•
ما أُبِين من حيٍّ فهو ميتةٌ:
لحديث أبي واقد الليثي قال: قدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، وبها ناسٌ يعمَدُونَ إلى ألياتِ الغنمِ، وأسنمة الإبلِ يجُبُّونَها، فقال:"ما قُطِعَ من البهيمة وهي حيةٌ؛ فهو ميتةٌ"، وهو حديث حسن
(1)
.
•
ويستثنى من الميتة ما يلي:
1 - الآدميُّ المسلم لا ينجسُ بالموت:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيهُ في بعض طريق المدينة وهو جُنبٌ، فانخنستُ منه، فذهبَ فاغتسلَ ثم جاءَ، فقال: أينَ كنتَ يا أبا هريرة؟ قال: كنتُ جنبًا، فكرهتُ أن أجالسكَ، وأنا على غير طهارة، فقال:"سبحانَ الله! إنَّ المسلمَ لا ينجُسُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ووجه الاستدلالِ به أن صفةَ الإيمانِ لا تُسْلَبُ بالموت، وإن كانت باقيةً فهو غير نجسٍ - قاله الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(3/ 127).
• ولحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُنَجِّسوا موتَاكم، فإنَّ المسلمَ لا ينجسُ حيًّا ولا ميتًا"، وهو أثر صحيح
(3)
.
وقال الضياء في "الأحكام" بعد إيراده عن الدارقطني - كما في "التغليق"
(4)
- "إسناده عندي على شرط الصحيح"، والصوابُ وقْفُهُ على ابن عباس، ولا يصحُّ مرفوعًا. ولذلك قال ابن حجر معقبًا على ما سبق ذِكْرُهُ - كما في "التغليق"
(5)
-: "والذي يتبادرُ إلى ذهني أن الموقوفَ أصحُّ"، فقد رواه كذلك عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة، عن ابن عباس، موقوفًا
(6)
.
• ولحديث ابن عباس قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس عليكم في غُسْل مَيتكِم
(1)
أخرجه أحمد (5/ 218)، والترمذي رقم (1480)، وأبو داود رقم (2858)، والحاكم (4/ 239).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 235، 382، 471)، والبخاري رقم (283) و (285)، ومسلم رقم (371)، وأبو داود رقم (231)، والترمذي رقم (121)، والنسائي (1/ 145)، وابن ماجه رقم (534)، وابن حبان رقم (1259).
(3)
أخرجه الحاكم (1/ 385)، والدارقطني (2/ 70)، وصححه الحاكم على شرطهما.
(4، 5)(2/ 461).
(6)
أخرجه البيهقي (1/ 306) بإسناد صحيح.
غُسلٌ إذا غسَّلتُموه، فإن ميِّتَكُم ليس بنجسٍ، فَحَسبُكم أن تَغسِلُوا أيديَكُم"، وهو أثر صحيح
(1)
.
2 - أجزاءُ وشَعْرُ المسلم لا تنجسُ بالانفصال:
• لحديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رمى الجَمرة، ونحرَ نُسُكَهُ، وحَلَقَ نَاوَلَ الحلاقَ شِقَّهُ الأيمنَ فحلقَهُ، ثم دعا أبا طلحةَ الأنصاريَّ فأعطاهُ إياهُ، ثم ناولَهُ الشِّقَّ الأيْسَرَ، فقال:"احلقْهُ" فحلَقَهُ فأعطاهُ أبا طلحةَ وقال: "اقسمهُ بينَ الناسِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - ميتةُ السَّمكِ والجَرادِ:
• لحديث ابن عمرَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحِلَّ لنا ميتتان وَدَمَان، فأما الميتتانِ فالحوتُ والجرادُ، وأما الدَّمانِ فالكبدُ والطحالُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - ميتة ما لا دمَ له سائلٌ، طاهرةٌ؛ كالنحلة، والنملة، والخنفساء، والذباب، والعقرب:
• لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقعَ الذبابُ في شرابِ أحدكم، فليغمسْهُ كلَّهُ ثم ليطرحْهُ، فإن في أحد جناحيه شفاءً، وفي الآخر داءً"، وهو حديث صحيح
(4)
.
• وقال النووي
(5)
: "أما الدودُ المتولِّد في الأطعمة والماء؛ كدود التين، والتفاح، والباقلاء، والجبن، والخل، وغيرها فلا ينجسُ ما ماتَ فيهِ بلا خلاف
(6)
اهـ
(1)
أخرجه الحاكم (1/ 386)، والبيهقي في السن الكبرى (3/ 398) وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وانما هو حسنُ الإسناد كما قال الحافظ في "التلخيص"(1/ 239 - قرطبة)؛ لأن فيه عمرو بن عمرو وفيه كلامٌ، وقد قال الذهبي نفسه في "الميزان" بعد أن ساقَ أقوال الأئمة فيه:"حديثه صالحٌ حسن".
(2)
أخرجه البخاري رقم (171)، ومسلم رقم (1305).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 97)، وابن ماجه رقم (3218)، والدارقطني (4/ 271، 272)، والبيهقي (1/ 254) و (9/ 257) وانظر الصحيحة رقم (118).
(4)
أخرجه أحمد (2/ 229 - 230)، والبخاري (6/ 359 رقم 3320) وأبو داود (4/ 182 رقم 3844)، وابن ماجه (2/ 1159 رقم 3505)، وابن حبان في صحيحه (4/ 53 رقم 1246)، وابن خزيمة (1/ 56 رقم 105)، والطبراني في الأوسط رقم (2419).
(5)
في "المجموع"(1/ 131).
(6)
انظر: "شرح السنة" للبغوي (11/ 260 - 261).
5 - عَظْم الميتة وقَرْنُها وظُفْرُهَا وحَافِرُهَا، وشعرُها، وريشُها، ووبَرُهَا، ولبنُها، وأنفحَتُهَا طاهرٌ:
لأن الأصل في هذه كلِّها الطهارةُ، ولا دليلَ على النجاسة.
وقال الزهري في عظامِ الموتى - نحوَ الفيلِ وغيره -: أدركتُ ناسًا من سلَفِ العلماء يمتشطونَ بها، ويدَّهِنُون فيها، لا يرون به بأسًا
(1)
.
وقال حماد: لَا بأس بريشِ الميتة
(2)
.
وقال ابن سيرين وإبراهيمُ: ولا بأسَ بتجارة العاجِ
(3)
.
قال ابن حجر
(4)
عقب أثر ابن سيرين: "وهذا يدل على أنه كان يراه طاهرًا؛ لأنه لا يجيز بيعَ النجس ولا المتنجِّس، الذي لا يمكن تطهيرهُ، بدليل قصته المشهورة في الزيت"
(5)
اهـ.
6 - نجاسةُ لحم الحيوان الذي لا يُؤْكَلُ إذا ذُبِحَ:
لحديث سلمةَ بنِ الأكوع قَال: لما أمسى اليومُ الذي فُتحَتْ عليهم فيه خَيْبَرُ أوقدوا نيرانًا كثيرةً، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"ما هذه النَّارُ على أيِّ شيء توقدون؟ " قالوا: على لحمٍ، قالَ:"على أيِّ لحم؟ " قالوا: على لحَمِ الحُمُرِ الإنْسِيّة، فَقالَ:"أهْرِيقُوها واكسروها" وقال رَجلٌ: يا رسول الله، أوَنُهْرِيقُهَا ونغسِلُهَا؟ فقال:"أوَ ذاك" وفي لفظ: "فقال: اغْسِلُوا"، وهو حديث صحيح
(6)
.
ولحديث أنسٍ قال: أَصَبْنَا مِنْ لَحْم الحُمُر: يعني يومَ خيبرَ فنادَى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ورسولهُ ينهيانكم عن لحومِ الحمرِ؛ فإنها رِجْسٌ أو نَجَسٌ"، وهو حديث صحيح
(7)
.
هذان الحديثان يدُلَّانِ على نجاسة لحم الحيوانِ الذي لا يؤكلُ وإن ذُبِح لأنَّ الأمرَ بكسرِ الآنية أولًا، ثم الغسل ثانيًا، ثم قوله: فإنها رجسٌ أو نجسٌ ثالثًا، يدل على النجاسة، ولكنَ الحديثين نصٌّ في الحمر الإنسيةِ، وقياسٌ في غيرها مما لا يؤكل بجامع عدمِ الأكلِ.
(1)
ذكره البخاري في صحيحه (1/ 342 رقم الباب 67) معلقًا بصيغة الجزم.
(2)
المصدر السابق نفسه، ووصله عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 67 رقم 206).
(3)
المصدر السابق نفسه، ووصله عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 68 رقم 211).
(4)
في "الفتح"(1/ 343).
(5)
انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية"(21/ 96 - 104).
(6)
أخرجه أحمد (4/ 48) والبخاري رقم (4196) ومسلم رقم (1802).
(7)
أخرجه أحمد (3/ 115) والبخاري رقم (5528) ومسلم رقم (1940).
الفصل الثاني فصلُ تطهيرِ النَّجاسات
تُزالُ النجاساتُ بالماء، دون غيرهِ من المائعات المزيلةِ لعينِ وأثرِ النجاسة، كالخلِّ وماءِ الوردِ ونحوِهما؛ لأن الأصل في التطهير الماءُ، فلا يقوم مقامَه غيرُه إلا بإذن الشارع، كالدباغِ في تطهير الجلود، والدَّلكِ في تطهير أسفلِ النعلِ وغيره.
1 - تطهير الثوب من بول الرضيع:
لحديث أبي السَّمح قال: كنتُ أخدمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فكان إذا أرادَ أن يغتسلَ، قال:"ولِّني قفاكَ" فأولِّيه قفايَ، فأسْتُرهُ به، فأتي بحسن أو حسينٍ رضي الله عنهما، فبال على صدره، فجئتُ أغسِلُهُ، فقال:"يُغْسلُ من بولِ الجاريةِ، ويُرشُّ من بول الغلام"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - تطهير الأرض:
إن الأرض التي أصابتْها نجاسةٌ ففي طهارتها وجهان:
الأول: صبُّ الماء عليها؛ لحديث أنس الصحيحَ
(2)
، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أعرابيًّا قام إلى ناحية المسجد، فبال فيها فزجره الناسُ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بوله، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذَنُوبٍ من ماءٍ فأُهْرِيقَ عليه".
والوجه الثاني: جفافُها ويُبْسُها بالشمسِ أو الهواءِ، وذهابُ أثرِ النجاسة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: كنت أبيتُ في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنتُ فتىً عَزَبًا، وكانت الكلاب تبول وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشُّون شيئًا من ذلك"، وهو حديث صحيح
(3)
.
قال ابن حجر
(4)
: "واستدل أبو داود في السنن على أن الأرض تطهُرُ إذا لاقتْها النجاسة بالجفاف، يعني أن قولَه: "لم يكونوا يرشون" يدل على نفي صب الماء من باب أولى، فلولا أن الجفاف يفيدُ تطهير الأرض، ما تركوا ذلك، ولا يخفى ما فيه" اهـ.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (376)، والنسائي (1/ 158)، وابن ماجه رقم (526)، وصححه ابن خزيمة (1/ 143 رقم 283)، وصححه الحاكم (1/ 166)، ووافقه الذهبي.
(2)
سبق تخريجه في النجاسات رقم (1).
(3)
أخرجه أبو داود (2/ 41 - مع العون)، والبغوي في "شرح السنة"(2/ 82)، وقال: حديث صحيح، والبيهقي (1/ 243)، والبخاري في صحيحه معلقًا (1/ 278 - مع الفتح).
(4)
في "فتح الباري"(1/ 279).
وقال محمد شمس الدين الحق العظيم آبادي
(1)
: تعقيبًا على كلام ابن حجر هذا: "ليس عندي في هذا الاستدلال خفاءٌ بل هو واضح
…
" اهـ.
وقال المباركفوري
(2)
أيضًا: "واستدلال أبي داود بهذا الحديث على أن الأرض تطهرُ بالجفاف صحيح، ليس فيه عندي خدشة
…
" اهـ.
3 - تطهير الثوب إذا أصابه دمُ الحيض:
لحديث أسماءَ بنت أبي بكر رضي الله عنها الصحيح
(3)
-: عن أسماءَ بنت أبي بكر قالتْ: سألت امرأةٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيتَ إحدانا إذا أصابَ ثوبَها الدمُ من الحيضةِ، كيف تصنعُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أصابَ ثوبَ إحداكُنَّ الدمُ من الحيضَةِ فلتقرِصْهُ، ثم لتَنْضَحْهُ بماء، ثم لتصلِّ فيه".
ويعفى عن أثر الحيض في الثوب بعد غسْله وحَتِّه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت خولةُ: يا رسول الله، فإن لم يذهب الدَّمُ؟ قال:"يكفيك الماءُ، ولا يضرُّكِ أَثَرُهُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - تطهيرُ ذيل ثوب المرأةِ:
لحديث حُميدةَ أنها سالتَ أمَّ سلمةَ زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأةٌ أُطِيلُ ذيلي، وأمشي في المكان القَذِر؟ فقالت أم سلمة: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُطَهِّرُهُ ما بعدَهُ"، وهو حديث حسنٌ بشواهده
(5)
.
5 - تطهير الثوب من المذي بالنضح:
لحديث سهل بن حنيف، قال: كنتُ ألقى من المذي شِدَّةً، وكنتُ أُكْثِرُ من الاغتسالِ،
(1)
"عونُ المعبودِ شرحُ سننِ أبي داودَ"(1/ 43).
(2)
"تحفة الأحوذي"(1/ 462).
(3)
تقدمَّ تخريجُهُ في "النجاسات" رقم (6).
(4)
أخرجه أبو داود (1/ 256 رقم 365)، وأحمد (2/ 364، 380)، والبيهقي (2/ 408) بإسناد صحيح عنه، وهو وإن كان فيه ابنُ لهيعة، فإنه قد رواه عنه جماعة منهم:"عبد الله بن وهب" وحديثه عنه صحيح، كما قال غيرُ واحدٍ من الحفَّاظ.
(5)
أخرجه أبو داود (1/ 266 رقم 383)، والترمذي (1/ 266 رقم 143)، وابن ماجه (1/ 177 رقم 531)، وأحمد (6/ 290)، ومالك (1/ 24 رقم 16)، والدارمي (1/ 189).
فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقالَ: "إنما يجزيكَ من ذلكَ الوضوءُ"، قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيبُ ثوبي منه؟ قال: "يكفيكَ بأن تأخذ كَفًّا منْ مَاءٍ، فتنضحَ بها من ثوبكَ، حيثُ ترى أنه أصابَهُ"، وهو حديث حسن
(1)
.
6 - تطهيرُ أسفلِ النعل بالدَّلْكِ:
لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا جاءَ أحدُكم المسجدَ، فليقلبْ نعليهِ وَليَنْظُرْ فيهما، فإن رأى خَبثًا فليمْسَحْهُ بالأرضِ، ثُمَّ ليُصَلِّ فيهما"، وهَو حديث حسن
(2)
.
7 - تطهيرُ الإناءِ إذا ولغَ فيه الكلبُ:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"طَهُورُ إناء أحدِكُم، إذا وَلَغَ فيه الكلبُ، أن يغسلَهُ سبعَ مراتٍ، أولاهُنَّ بالترابِ"، وهو حديث صحيحَ
(3)
.
8 - تطهيرَ جلْدِ الميتةِ بالدباغ:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الصحيح
(4)
.
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذَا دُبِغَ الإهَابُ فقد طَهُرَ".
فروع تتعلق بالنجاسات
فرع (1): قيءُ الآدميِّ طاهرٌ:
لأن الأصلَ في جميع الأشياء هو الطهارةُ، وأنه لا يَنْقُلُ عن ذلك إلَّا ناقلٌ صحيح صالح للاحتجاج به، غيرَ معارَضٍ بما يرجُح عليه أو يساويه، فإن وجدنا ذلك فبها ونعمتْ، وإن لم نجدْ ذلك كذلك وجب علينا الوقوفُ في موقف المنع، ونقول لمدَّعي النجاسة: هذه
(1)
أخرجه أبو داود رقم (210)، والترمذي رقم (115) وابن ماجه رقم (506)، وفي إسناده محمد بن إسحاق، وقد صرح هنا بالتحديث.
(2)
أخرجه أحمد (3/ 20)، وأبو داود رقم (650)، والحاكم (1/ 260)، وابن خزيمة (1/ 384)، والدارمي (1/ 32)، والبيهقي (2/ 431) وغيرهم.
(3)
أخرجه مسلم رقم (91/ 279).
(4)
تقدم في "النجاسات" رقم (8).
الدَّعوى تتضمَّن أن الله - سبحانه - أوجب على عباده واجبًا هو غَسْلُ هذه العين التي تزعم أنها نجسة، وأنه يمنعُ وجودُها صحة الصلاة بها، فهاتِ الدليلَ على ذلك:
فإن قال: حديث عمَّار بن ياسر قال: أتى عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بئرٍ أدلو ماءً في ركوةٍ لي، فقال:"يا عمار، ما تصنعُ؟ ".
قلت: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - أغسل ثوبي من نخامةٍ أصابتْه، فقال:"يا عمَّار، إنما يُغْسلُ الثوبُ من خمسٍ: من الغائط، والبولِ، والقيء، والدمِ، والمنيِّ، يا عمَّار ما نخامتُك، ودموعُ عينيك، والماءَ الذي في ركوَتك إلَّا سواءٌ"
(1)
.
قلنا: هذا حديث باطل لا أصل له، لم يثبت من وجه صحيح ولا حسن، ولا بلغَ إلى أدنى درجةٍ من الدرجات الموجبة للاحتجاج به، والعمل عليه، فكيف يثبتُ به هذا الحكم الذي تعمُّ به البلوى؟، وهو لا يصَلح لإثبات أخفِّ حكم على فرد من أفراد العباد!.
فإن قال: قد ورد أنه ينقضُ الوضوءَ.
قلنا فهل ورد أنه لا ينقضُ الوضوءَ إلا ما هو نجسٌ؟
فإن قلت: نعم، فأنت لا تجدُ إليه سبيلًا، وإن قلتَ: قد قال بعضُ أهل الفروع: إن النقض فرع التنجيس.
قلنا فهل هذا القول من هذا البعض حجَّةٌ على أحد من عباد الله؟
فإن قلت: نعم؛ فقد جئتَ بما لم يقل به أحدٌ من أهل الإسلام، وإن قلتَ: لا، قلنا: فما لك والاحتجاج بما لم يحتجَّ به أحدٌ على أحدٍ.
فإن قال: إن القيء متفق على نجاسته.
قلنا: هذه دعوى منقوضة، فقد خالف في ذلك ابنُ حزم
(2)
، حيث صرَّح بطهارة قيء المسلم، كما لم يذكر الشوكاني في "الدرر البهية في المسائل الفقهية"، وشرحها "الدراري المضية" له، وصديق حسن خان في "الروضة الندية": أن القيء من النجاسات؛ بل رجَّحا طهارة قيء الآدميِّ مطلقًا
(3)
.
(1)
أخرجه الدارقطني (1/ 127)، وأبو يعلى في مسنده (3/ 185)، والبزار (1/ 131 رقم 248 - كشف)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 176)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 525).
(2)
في كتابه "المحلى"(1/ 183).
(3)
انظر: كتابَنَا: "إرشادُ الأمةِ إلى فقهِ الكتاب والسُّنَّة"، جزء الطهارة.
فرع (2): منيُّ الآدمي طاهرٌ:
• عن عائشة رضي الله عنها: " .... ولقد رأيتني أفرُكُه - أي المنيَّ - من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرْكًا، فيصلي فيه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولأبي داود
(2)
، عنها رضي الله عنها قالت:"كنتُ أفركُ المنيَّ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلِّي فيه"، وهو حديث صحيح.
وللترمذي
(3)
: عنها رضي الله عنها قالت: "
…
وربما فركتُهُ من ثوبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي"، وهو حديث صحيح.
وفي رواية لمسلم
(4)
: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "
…
لقد رأيتُني وإنِّي لأحُكُّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يابسًا بظُفُري"، وهو حديث صحيح.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ربما حَتَتُّهُ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي" لفظ الدارقطني، ولفظ ابن خزيمة:"أنها كانت تحتُّ المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي"
(5)
.
ولابن حبَّان
(6)
من حديث الأسود بن يزيدَ، عن عائشةَ قالت:"لقد رأيتُني أفرُك المنيَّ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي فيه"، وهو حديث صحيح
(7)
.
فرع (3): دمُ المسلم طاهرٌ ولا دليلَ على النجاسة:
لحديث جابر، قال:"خَرَجنْا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: في غزوةِ ذاتِ الرِّقاع - فأصابَ رجلٌ امرأةَ رجلٍ من المشركينَ، فحلفَ أنْ لا أنتهيَ حتى أُهريقَ دمًا في أصحابِ محمدٍ، فخرجَ يتبعُ أثرَ النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النَّبِيُّ منزلًا، فقال: "من رجُلٌ يكلؤُنَا" فانتدب رجلٌ من المهاجرينَ، وَرَجُلٌ من الأنصارِ، فقال: "كُونَا بفمِ الشِّعبِ"، قال: فلما خرجَ الرجُلانِ إلى فم الشِّعْبِ اضطجعَ المهاجرِيِ، وقامَ الأنصاريُّ يُصَلِّي، وَأتى الرجلُ،
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (105/ 288).
(2)
في سننه رقم (372).
(3)
في سننه رقم (116).
(4)
رقم (1/ 239 - 240 رقم 109/ 290).
(5)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 147 رقم 290)، والدارقطني (1/ 125)، والبيهقي (2/ 416) من حديث محارب بن دِثَارٍ.
(6)
في صحيحه (4/ 219 - 220 رقم 1380).
(7)
انظر: "المحلى"(1/ 125 - 128)، وفتح الباري (1/ 332 - 334).
فلمَّا رأى شخصَهُ عرفَ أنَّهُ ربيئةٌ للقوم فَرَمَاهُ بسهمٍ فوضعَهُ فيه، فنزعه، حتى رماهُ بثلاثةِ أسهمٍ، ثم ركعَ وسجدَ، ثم انتبه صاحبهُ، فلما عرفَ أنَّهُمْ قد نَذَرُوا به هربَ، ولما رأى المهاجريُّ ما بالأنصاري من الدَّم، قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أؤَّلَ ما رَمَى؟ قالَ: كنتُ في سورةٍ أقرأها، فلم أحِب أن أقطعها" وهو حديث حسن
(1)
.
• ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اطلع على ذلك، ولم ينكرْ عليه الاستمرارَ في الصلاة بعد خروج الدم، ولم يُنْقَلْ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخبره بأن صلاته بطلتْ، ولو كان الدم ناقضًا للوضوء لبيَّن له، ولمن معه، وكذلك لو كان الدمُ نجسًا لأوضحَ له ولمن معه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوزُ.
• وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يخوضون المعاركَ حتى تتلوَّثَ أبدانُهم وثيابُهم بالدم، ولم ينقل أنهم كانوا يتوضؤون لذلك، وكذلك يصلُّون بجراحاتِهم.
ولأثر هشام بن عروة، عن أبيه، أن المسورَ بن مخرمةَ أخبر أنه دخل على عمرَ بنِ الخطابِ بعد أن صلى الصبحَ من الليلةِ التي طُعِنَ فيها عمرُ، فأوقِظَ عمرُ، فقيل له: الصلاةَ لصلاةِ الصبح، فقال عمرُ: نعم ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاةَ، فصلَّى عمرُ وجُرْحُه يثغُبُ دمًا"
(2)
.
• وللأثر الذي ذكره البخاري
(3)
: "عَصَرَ ابنُ عمر بُثْرَةً، فخرج منها الدمُ، ولم يتوضأ"، بإسناد صحيح.
وقال ابن حجر
(4)
: وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وزاد قبل قوله: ولم يتوضأ "ثم صلى" اهـ.
• وللأثر الذي ذكره البخاري
(5)
: "وبزقَ ابنُ أبي أوفى دمًا فمضى في صلاته"، بإسناد صحيح.
(1)
أخرجه أبو داود (1/ 136 رقم 198)، وأحمد في المسند (3/ 344، 359)، والبيهقي (9/ 140)، وفي "الدلائل"(3/ 379)، وابن خزيمة (1/ 24 رقم 36)، وابن حبان في صحيحه (3/ 375 رقم 1096)، والدارقطني (1/ 223)، والحاكم (1/ 156 - 157).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 39 - 40)، والبغوي في شرح السنة (2/ 157 رقم 330) بإسناد صحيح.
(3)
في صحيحه معلقًا (1/ 280 رقم الباب 34).
(4)
في "الفتح"(1/ 282).
(5)
في صحيحه معلقًا (1/ 280 رقم الباب 34).
وقال ابن حجر
(1)
: " .. وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب أنه رآه فعلَ ذلك، وسفيان سمعَ من عطاء قبل اختلاطِهِ، فالإسناد صحيح" اهـ.
فرع (4): الدم المسفوح طاهرٌ ولا دليل على نجاستِه:
• لم يصح في كون كلِّ الدم نجسًا شيء من السنة - إلا نجاسة دم الحيض - وأما الاستدلال في الكتاب العزيز في قوله - سبحانه - في سورة الأنعام الآية (145): {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} .
قلنا: الآية لم تُسَقْ لبيان الطهارةِ والنجاسةِ، بل لبيان ما يحلُّ ويحرُمُ.
ولأثر محمد بن سيرين، عن يحيى الجزار قال:"صلَّى ابن مسعود وعلى بطنهِ فرث ودمٌ من جَزُورٍ نَحَرَهَا ولم يتوضأ"، بإسناد صحيح
(2)
.
ولأثر عائشةَ رضي الله عنها قالت "كنا نأكلُ اللحم والدمُ خطوطٌ على القِدْرِ"
(3)
، وهو أثر صحيح غريب، قاله ابن كثير في "تفسيره"
(4)
.
والخلاصةُ: أن القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حجةٌ إلَّا أنه محرَّمٌ بنص القرآن، فاستلزموا من التحريم التنجيسَ، كما فعلُوا تمامًا في الخمر
(5)
.
ولا يخفى أنه لا يلزمُ من التحريم التنجيسُ؛ بخلاف العكسِ؛ كما بيَّنَهُ الصنعانيُّ والشوكانيُّ وغيرهما.
فرع (5): الدليلُ على طهارة رطوبة فرجِ المرأة:
حديث عائشةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، قالت:"تتخذُ المرأةُ الخِرقةَ، فإذا فرغَ زوجُها ناولته فيمسحُ عنه الأذى، ومسحتْ عنها، ثم صلَّيا في ثوبَيْهما"، بإسناد صحيح
(6)
.
(1)
في "الفتح"(1/ 282).
(2)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(9/ 284 رقم 9219)، وعبد الرزاق في "المصنف"(1/ 125 رقم 459، 460) وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 58). ورواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
(3)
أخرجه ابن جرير في "جامع البيان"(5/ ج 8/ 71).
(4)
(3/ 352).
(5)
انظر: الفرع الآتي رقم (6).
(6)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 142 رقم 280).
وحديث القاسم بن محمد قال: سألت عائشة عن الرجل يأتي أهله، ثم يلبسُ الثوب فيعرقُ فيه، نجسًا ذلك؟ فقالت: قد كانت المرأةُ تعدُّ خِرْقَةً أو خرقًا، فإذا كان ذلك مسحَ بها الرجلُ الأذى عنه، ولم يرَ أن ذلك ينجِّسُهُ"، بإسناد صحيح
(1)
.
فرع (6): الخمر حرامٌ؛ وليس في نجاسة المسكِر دليلٌ يصلحُ للتمسُّك به:
أما الآية (90) من سورة المائدة: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} ، فليس المراد بالرِّجْسِ هنا النجسُ الحقيقيُّ، بل المراد الرجسُ المعنوي؛ لأن لفظ "رجس" خبر عن الخمر وما عُطِفَ عليها، وهو لا يوصَفُ بالنجاسة الحسِّية قطعًا، قال تعالى في سورة الحج الآية (30):"فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَان".
فالأوثان رجسٌ معنوي لا تُنَجِّس مَنْ مسَّها؛ ولتفسيره في الآية بأنه من عمل الشيطان، يوقِعُ العداوةَ والبغضاءَ، ويصدُّ عن ذِكْرِ الله، وعن الصلاة
(2)
.
قال صاحب "سبل السلام"
(3)
: "والحقُّ أن الأصلَ في الأعيان الطهارةُ، وأن التحريم لا يلازمُ النجاسةَ، فإن الحشيشة محرمةٌ وهي طاهرة، وأما النجاسة فيلازمُها التحريمُ، فكل نجسٍ محرَّمٌ، ولا عكسَ؛ وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنعُ عن ملامَسَتِها على كل حالٍ، فالحكم بنجاسة العين حكمٌ بتحريمها، بخلاف الحكمِ بالتحريمِ؛ فإنه يحرمُ لُبْسُ الحرير والذهب وهما طاهران ضرورةً وإجماعًا" اهـ.
ومن هذا فتحريم الخمر لا يلزم منه نجاستُها؛ بل لا بد من دليل آخر عليه ولا دليل
(4)
.
فرع (7): نجاسةُ المشركِ معنويةٌ:
في الآية (28) من سورة التوبة: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} تصريحٌ بنجاسة المشركين، ولكنْ وردَ من الأدلة ما يدلُ على أن هذه النجاسةَ ليست حِسِّيةً، بل هي نجاسةٌ معنوية؛ لأن المشرك ليس بنجس الذاتِ، ولكنه نجِسٌ في الاعتقاد والاستقذارِ
(5)
.
(1)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 142 رقم 279).
(2)
انظر: "جامع البيان"(10/ 17 ج/ 153 - 155).
(3)
(1/ 201 - 202) بتحقيقي.
(4)
انظر كتابنا "إرشادُ الأمة" جزء الطهارة.
(5)
انظر: "فتح القدير"(2/ 349) و "فتح الباري"(1/ 390).
فرع (8): لا دليل على نجاسة الخنزير، بل الدليلُ على تحريم أَكْلِهِ:
لم يصح في كون الخنزير نَجِسًا دليلٌ.
وأما الاستدلال في الآية (145) من سورة الأنعام: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} .
قلنا: المراد بالرجس هنا الحرامُ كما يفيدهُ سياق الآية، والمقصودُ منها؛ فإنها وردت فيما يحرم أكلُه لا فيما هو نجسٌ.
فرع (9): طهارة بولِ ورَوثِ ما يُؤْكَلُ لَحْمُهُ:
لحديث أنس بن مالك: أن رَهْطًا من عُكْلٍ أو قال عُرَينةَ قدِمُوا فاجتَووا المدينة فأمر لهم رسول الله بلقاحٍ، وأمرهُمْ أن يخرجُوا فيشرَبُوا من أبوالِها وألبانِها، وهو حديث صحيح
(1)
.
• ففي الحديث دليل على طهارة بول ما يؤكل لحمهُ، أما في الإبل فبالنصِّ، وأما في غيرها مما يُوْكَلُ لحمُهُ فبالقياس.
• وعن مالك بن الحارث السُّلمي عن أبيه، قال:"صلى بنا أبو موسى الأشعري في دار البريد - موضعٍ بالكوفة - كانتِ الرُّسلُ تنزَّلُ فيه إذا حضرتْ من الخلفاءِ إلى الأمراءِ، وكان أبو موسى أميرًا على الكوفة في زمن عمر، وفي زمن عثمان، وكانت الدارُ في طرف البلد، ولهذا كانت البريةُ إلى جَنْبِها - وهناك - سرقينُ الدوابِّ - أي زبلُ الدوابِّ - والبريَّةُ على الباب، فقالوا: لو صليت على الباب، فقال: ها هُنا وثمَّ سواءٌ"، وهو أثر صحيح.
• وقد رواه سفيان الثوري في جامعهِ عن الأعمش بسنده ولفظهُ: "صلَّى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقينُ"، وهذا ظاهرٌ في أنه بغير حائل.
• وعن عبد الله بن مغفل أنه كان يصلِّي وعلى رجليهِ أثرُ السرقينِ، وهو أثرٌ صحيحٌ.
• وعن عبيد بن عمير، قال: إن لي عُنَيْفًا - تصغير عَنَاقٍ، وهي الأنثى من ولد المعزِ - تبعر في مسجدي، وهو أثر صحيح.
(1)
أخرجه أحمد (3/ 107، 161)، والبخاري رقم (233)، ومسلم رقم (1671).
• وعن إبراهيمَ النخعي قال منصور: سألتُه عن السرقينِ يصيبُ خُفَّ الإنسانِ أو نعلَه أو قدَمَهُ؟ قال: لا بأسَ، وهو أثر صحيح.
• وعن الحسن البصري: لا بأسَ بأبوال الغنمِ، وهو أثر صحيح.
• وعن محمد بن علي بن الحسين، ونافع مولى ابن عمرَ، فيمن أصاب عمامته بولُ بعيرٍ، قالا جميعًا: لا يغسلهُ، وهو أثر صحيح
(1)
.
فرع (10): لم يردْ دليلٌ على نجاسة بولِ الجلَّالة ورجيعها - أي رَوْثُها - وإنما ورد كراهةُ أكلِ لحم الجلَّالةِ، وشربِ لبنِها، والركوَبِ عليها، تنزُّهًا وَتنظُّفًا:
• الجلَّالة: هي التي تأكل العُذْرَةَ - أي النجاسةَ - من الإبل، والبقرِ، والغنمِ، والدجاجِ، والأوَزِّ، وغيرها، حتى يتغيَّرَ ريحها.
فإن حُبِستْ بعيدةً عن العذرة زمنًا، وعُلِفَتْ طاهرًا فطابَ لحمها، وذهب اسم الجلَّالة عنها حلَّتْ، لأن علَّة النَّهي والتغيَير قد زالتْ.
فأما إذا رعتْ هذه الحيواناتُ الكلأَ، واعتلفتِ الحبَّ، وكانت تنالُ مع ذلك شيئًا من العذرة فليست بجلَّالةَ، ولا يُكْرَهُ أكلُها
(2)
.
• وما ورد في تحديد حبس الجلَّالة عن العذرة بأربعين ليلة فضعيفٌ.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة ألَّا يؤكلَ لحمُها، ولا يُشْرَبَ لبنُها، ولا يحملُ عليها إلا الآدمُ، ولا يركبُها الناسُ حتى تُعْلَفَ أربعينَ ليلة"، وهو حديث ضعيف
(3)
.
• وأما ما ورد في تحديد حبْسِ الدجاج عن العذرة ثلاثًا فصحيح.
عن ابن عمر أنه كان يحبسُ الدجاجة ثلاثًا، بسند صحيح
(4)
.
وقال الشيخ الألباني
(5)
: وهو أثر صحيح.
(1)
وهذه الآثار كلها صحيحه، قال ذلك ابن حزم في "المحلى"(1/ 171).
(2)
معالم السنن للخطابي (4/ 148 - هامش السنن)، وتحفة الأحوذي للمباركفوري (5/ 549 - 550).
(3)
أخرجه الدارقطني (4/ 283 رقم 44)، والبيهقي (9/ 333).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8/ 147 رقم 4660).
(5)
في "الإرواء" رقم (2505).
• وأما ما ورد في كراهة أكلِ لحومِ الجلّالة، وشرب ألبانِها، والركوبِ عليها فصحيحة:(منها): عن ابن عباسَ رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلَّالةِ"، وهو حديث صحيح
(1)
، (ومنها): عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلَّالة وألبانِها"، وهو حديث صحيح بشواهده
(2)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (3786)، والنسائي (7/ 240 رقم 4448)، والترمذي (4/ 270 رقم 1825)، وأحمد (1/ 226، 321، 339) وغيرهم.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (3785)، والترمذي (4/ 270 رقم 1824)، وابن ماجه رقم (3189)، والبيهقي (9/ 332)، ورجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس، وقد عَنْعنهُ، ولكنْ للحديث شاهدان:
الأول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وعن الجلالة: عن ركوبها، وأكلِ لحمها"، أخرجه أبو داود (4/ 164 رقم 3811)، والبيهقي (9/ 333).
والثاني: حديثُ ابن عباس المتقدم قبلَ هذا.
الباب الثالث باب السُّؤْر والعَرَقِ
الفصل الأول: فَصلُ السُّؤْرِ
1 - سُؤْرُ الآدمي المسلم طاهرٌ سواء كان جُنُبًا، أو حائِضًا، أو نفساءَ:
• السؤرُ: هو ما بقي في الإناء بعد الشُّرب.
لحديث أنس رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أتِيَ بلبنٍ قد شيبَ - أيُ خُلِطَ - بماءٍ، وعن يمينه أعرابيٌّ، وعلى يسارِه أبو بكرٍ رضي الله عنه، فشربَ، ثم أعطى الأعرابيَّ وقال:"الأيمنَ فالأيمنَ".
ولحديث أبي هريرة الصحيح
(1)
بلفظ: "سبحان الله! إن المسلمَ لا ينجسُ".
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنتُ أشربُ وأنا حائضٌ، ثم أُناولُهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيضعُ فاهُ على موضعِ فيَّ فيشربُ، وأتَعَرَّقُ العَرْقَ وأنا حائضٌ - أي آخذ اللحم من العَرْقِ بأسناني وهو عظمٌ أُخِذَ معظمُ اللحمِ منه وبقيتْ عليه - ثم أناوِلُهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيضعُ فاهُ على موضِعِ فيَّ".
2 - سؤرُ الآدميِّ الكافر طاهرٌ سواءٌ كان جُنبًا أو حائضًا، أو نفساء:
• قال تعالى في سورة المائدة الآية (5): {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} .
لقد أباح الله في هذه الآيةِ للمؤمنين طعامَ أهلِ الكتاب ومؤاكلتَهم، ولن يخلُو هذا من آثارهم، كما أباح للمؤمنين الزواجَ بالكتابية، والزواجُ يدعو إلى أتمِّ المخالطةِ، ولا يمكن مع هذه المخالطة الاحترازُ عن آثارهنَّ من عَرَقٍ وريقٍ في بدن المؤمنِ وثوبهِ وفراشِهِ، ومع ذلك فلا يجب من غسلِ الكتابية إلا ما يجبُ من غسلِ المؤمنةِ.
• وثبت من حديث عمرانَ بن حصينٍ أن الرسول صلى الله عليه وسلم استعمل مزادةً المشركةِ في الشرب، وأمر أحد أصحابِه أن يرفعَ الجنابة عنه من مائِها
(2)
.
(1)
تقدم فيما يُسْتَثْنَى من الميتةِ رقم (1) الآدميُّ المسلم لا ينجسُ بالموت.
(2)
أخرجه البخاري رقم (344) ومسلم رقم (682).
• وأخرج البيهقي
(1)
عن زيد بن أسلم عن أبيه: "أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه توضأ من ماءٍ في جرة نصرانية"، وهو أثر صحيح، وقد صححه النووي
(2)
.
• وكذلك أكلُ المشركين من طعام المسلمين، فقد جاءت وفودٌ كثيرةٌ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيدخلُهم مسجدَه، ويطعمُهم بأواني المسلمين، ولم يثبتْ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بتطهير الأواني لأكلِ المشركينَ بها، ولم يُنْقَلْ عن السلفِ الصالح رضي الله عنهم توقِّي رطوبات الكفارِ، كما ثبت في الصحيحين
(3)
: أنه صلى الله عليه وسلم "ثُمَامةَ بن أُثَالٍ" المشرك بسارية المسجد.
والخلاصةُ: قد دلت الآيةُ والأحاديثُ والآثارُ على طهارة الآدميِّ الكافر، وبالتالي طهارةُ سؤرِه سواءٌ كان جنبًا أو حائضًا أو نفساء.
3 - سؤرُ ما يؤكلُ لحمُه طاهرٌ:
سؤر ما يؤكل لحمه طاهرٌ؛ لأن لعابَهُ متولِّدٌ من لحم طاهرٍ، فأخذَ حُكْمَهُ، وقال ابن المنذر
(4)
: "وأجمعوا على أن سُؤْرَ ما أُكِلَ لحمُه طاهرٌ، ويجوز شُرْبُهُ والوضوءُ به".
وقال ابن رُشْدٍ
(5)
: "اتفق العلماءُ على طهارة أسآرِ المسلمين، وبهيمةِ الأنعامِ واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا كثيرًا" اهـ.
• عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه قال: "خَطَبَنَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بمنىً، وهو على راحلتهِ ولعابُها يسيلُ على كتفي"، وهو حديث صحيح لغيره
(6)
.
4 - سؤر ما لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ:
أ - سؤرُ الهِرَّةِ طَاهرٌ:
لحديث كبشةً بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادةَ: أنَّ أبا قتادةَ دَخلَ عليها
(1)
في "السنن الكبرى"(1/ 32).
(2)
في "المجموع"(1/ 263).
(3)
البخاري رقم (4372)، ومسلم رقم (1764).
(4)
في كتابه "الإجماع"، ص (34) رقم (12).
(5)
في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(1/ 79).
(6)
أخرجه أحمد (4/ 186 - 187، 238، 239)، والترمذي (4/ 434 رقم 2121)، وابن ماجه (2/ 905 رقم 2712)، والنسائي (6/ 247)، والطيالسي (ص 169 رقم 1217)، والدارمي (1/ 419)، وغيرهم.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الألباني في الإرواء (6/ 88 - 89): "لعل تصحيح الترمذي من أجل شواهدِه الكثيرة، وإلَّا فإنَّ شهرَ بن حوشب ضعيف لسوءِ حفظه".
فسكبتْ له وضوءًا، فجاءتْ هرَّة تشرَبُ منه، فأصغَى لها الإناءَ حتى شربَتْ، قالت كبشةُ: فرآني أنظرُ، فقال: أتعجبين يا ابنةَ أخي؟ فقلتُ: نعم، فقالَ: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليستْ بنجسٍ، إنها من الطَّوافينَ عليكم والطَّوافاتِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ب - سُؤْرُ الكلبِ نَجِسٌ:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وَلَغَ الكلبُ في إناء أحدكم فليُرِقْهُ، ثم ليَغْسلهُ سبعَ مراتٍ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
قال النووي
(3)
: "وفيه أيضًا: نجاسةُ ما وُلِغَ فيه وأنه إن كان طعامًا مائعًا حرام أكلُه؛ لأن إراقته إضاعةُ له، فلو كان طاهرًا لم يأمرْنَا بإراقته، بل قد نُهِينَا عن إضاعة المال، وهذا مذهَبُنَا، ومذهب الجماهير أنه يَنْجُسُ ما وُلِغَ فيه، ولا فرق بين الكلب المأذونِ في اقتنائهِ وغيرهِ، ولا بين كلبِ البدوي والحضري لعموم اللفظ".
وقال ابن خزيمة
(4)
: "وفيه دليلٌ على نقض قول من زعم أن الماء طاهرٌ، والأمرُ بِغَسْلِ الإناءِ تقيُّدٌ؛ إذ غيرُ جائز أن يأمرَ النبي صلى الله عليه وسلم بهراقةِ ماءٍ طاهرٍ غيرِ نجسٍ".
وإن قيل: إنَّ ظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]، يدلُّ على طهارة لعابهِ حيث أطلق عن الأمر بِغَسْلِ ما أصابَهُ ريقهُ، قلت: إن عدم الأمر في الآية بغسل ما أَصابه ريقه لا يدلُّ على المرادِ من طهارتِهِ؛ لإمكان أنَّ تَرْكَ التنصيص عليه، اكتفاءٌ بما في أدلة وجوب تطهير النجسَ، العامَّةِ لجميع أفراد ما يجب تطهيره، وكم من حُكمٍ ينصُّ عليه الشارعُ، ويحيلُ سائر ما يتبعهُ من الأحكام على ما ورد في محله"
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (5/ 296، 303، 309)، وأبو داود رقم (75)، والترمذي رقم (92)، والنسائي (1/ 55)، وابن ماجه رقم (367)، وصححه النووي في "المجموع"(1/ 171)، والألباني في الإرواء (1/ 192).
(2)
أخرجه مسلم رقم (279)، والنسائي (1/ 176 - 177).
(3)
في شرح صحيح مسلم (3/ 184).
(4)
في صحيحه رقم (1/ 51).
(5)
انظر: "الروض النضير"، للسياغي (1/ 247، 248، 249).
الفصل الثاني: العَرَق
1 - عَرَقُ الإنسان المسلمِ، والإنسانِ الكافرِ، الجنُبِ والحائضِ والنفساء طاهرٌ:
لحديث أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنها قالت: جاءتِ امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إحدانا يصيبُ ثوبَها من الحيضةِ: كيف تصنعُ به؟ فقال: تَحتُّهُ ثم تَقْرِصُهُ بالماء، ثم تَنضَحُهُ، ثم تصلي فيه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قلت: الحجةُ في الحديث هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحائضَ أن تغسِلَ دمَ الحيضِ من ثوبِها، ولم يأمر بغَسْلِ الثوب كلِّه، ولا شكَّ في كثرةِ العَرَقِ فيه"
(2)
.
وقال ابن المنذر في كتابه "الإجماع": (ص 36، رقم 25): "وأجمعُوا على أن عَرَقَ الجنُبِ طاهرٌ، وكذلك الحائضُ".
• وقد ثبت بالأدلة الصحيحة في الفصل الأول: السؤرُ (رقم 1 ورقم 2) أن سُؤر الآدمي المسلم والكافر الجنب والحائض والنفساء طاهرٌ، فَعَرَقُهُ طاهرٌ.
2 - عَرَقُ الحيوانِ المركوبِ عُرْيًا طاهرٌ:
لحديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس، وأجودَ الناس، وأشجعَ الناس، قال: وقد فزِعَ أهلُ المدينة ليلةً، سمِعُوا صوتًا قال: فتلقَّاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرسٍ لأبي طلحة عُرْيٍ، وهو متقلِّدٌ سيفَهُ، فقال:"لم تُرَاعُوا، لم تُرَاعُوا" ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وجدْتُهُ بَحْرًا" يعني: الفرس، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولحديث جابر بن سمرة قال: صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على ابنِ الدحدَاح، ثم أُتِيَ بفرسٍ عُرْيٍ، فعقلَهُ رجلٌ فركبه فجعلَ يتوقصُ بهِ - أي ينزو ويَثبُ ويقارب الخُطَا - ونحن نتبعُهُ نسعى خلفهُ قالَ: فقال رجلٌ من القومِ إن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "كم من عِذقٍ معلَّقٍ أو مدلَّي في الجنةِ لابن الدحدَاحِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (6/ 345، 353)، والبخاري رقم (227)، ومسلم رقم (291).
(2)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 186).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2627)، ورقم (2820)، ورقم (2857)، ورقم (2862)، ورقم (2866)، ورقم (2867)، ورقم (2908)، ورقم (2968)، ورقم (2969)، ورقم (3040)، ورقم (6033)، ورقم (6212).
(4)
أخرجه مسلم رقم (965).
*
فروع تتعلق بالباب الثالث: باب: السؤرِ والعَرَقِ
*
فرع: يُطلق اسمُ المشركين على أهل الكتاب وغيرهم:
إن الشرك المطلقَ في القرآن لا يدخلُ فيه أهلُ الكتاب، وإنما يدخلُون في الشرك المقيَّد، قال تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1]. فجعلَ المشركين قسمًا غير أهل الكتابِ.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: 17]. فجعلهم قِسْمًا غيرَهم.
فأما دخولُهم في المقيد ففي قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
فوصفهم بأنهم مشركون.
وسبب هذا أن أصلَ دينهم الذي أنزل اللّه به الكتب، وأرسلَ به الرسلَ ليس فيه شركٌ كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
ولكنهم بدَّلُوا وغيَّروا، فابْتَدَعُوا من الشرك ما لم يُنَزِّلْ بِهِ اللهُ سلطانًا، فصار فيهم شركٌ باعتبار ما ابتدعُوا لا باعتبارِ أصل الدين
(1)
.
فرع (2): بعض الأحاديث الموضوعة الواردةِ في سؤر السلم يُحذرْ منها:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مِنَ التواضع أن يشربَ
(1)
دقائق التفسير لابن تيمية (3/ 14).
الرجلُ من سؤر أخيهِ، ومن شَرِبَ من سؤرِ أخيه ابتغاءَ وجهِ الله، رُفعتْ له سبعونَ درجةً، ومُحِيتْ عنه سبعون خطيئةً، وكتب له سبعون حسنةً"، وهو حديث موضوع
(1)
.
2 -
"سؤرُ المؤمنِ شفاءٌ"، لا أصل له
(2)
.
3 -
"ريقُ المؤمن شفاءٌ"، ليس بحديث
(3)
.
(1)
أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات"(3/ 40)، وقال: "تفرَّد به نوحُ بن أبي مريم، وهو متروك، تركه مسلم، والدارقطني، والنسائي، وقال الذهبي: تركوه، وقال البخاري: منكر الحديث.
[الميزان (4/ 279)، والمغني (2/ 703)، والجرح والتعديل (8/ 484)].
وقد تعقب السيوطي ابن الجوزي في "اللآلي المصنوعة"(2/ 258) بأن له متابعًا أخرجه الإسماعيليُّ في معجمه. قلت: لكنَّ فيه الحسنَ بن رشيد المروزي، قال العقيلي:"في حديثه وهم"، وقال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 14): مجهول.
قلت: فلا فيمة لتعقيب السيوطي ولا طائل تحته.
وقال المحدث الشيخ الألباني رحمه الله في "الضعيفة" رقم (79): إن للحديث علَّة أخرى لم أر من تنبه لها، وهي عنعنةُ ابن جريج؛ فإنه على جلالة قدره كان مدلسًا، وحكم على الحديث بالوضع.
(2)
قال الشيخ الألباني في "الضعيفة" رقم (78): لا أصل له، وفي "كشف الخفاء"، للعجلوني (1/ 555) ليس بحديثٍ، وقال القاري في "المصنوع" ص (106): ليس له أصل في مرفوع.
(3)
قال العجلوني في "كشف الخفاء"(1/ 525): ليس بحديثٍ، وقال القاري في "المصنوع" ص (106): ليس له أصل في المرفوع.
*
الباب الرابع* بابُ الآنيةِ
1 - تحريم الأكلِ والشُّربِ في آنية الذهب والفضةِ:
لحديث حذيفةَ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقَول: "لا تَلْبَسُوا الحريرَ، ولا الديباجَ، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكُلُوا في صِحَافِهَا؛ فإنَّها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث أمِّ سلمةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الذي يشربُ في آنية الفضة إنما يُجَرْجِرُ في بطْنِهِ نَارَ جَهنم"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - تضبيبُ الإناءِ بالفضةِ جائزٌ:
لحديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: "أن قدحَ النبي صلى الله عليه وسلم انكسرَ، فاتَّخَذَ مكانَ الشَّعْبِ سلْسِلَةً من فضةٍ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - الرُّخصةُ في آنية الصُّفرِ ونحوِها:
لحديث عبد الله بن زيد قال: "أتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأخْرَجْنَا له ماءً في تُورٍ
(4)
من صُفْرٍ
(5)
فتوضَّأ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
4 - استحبابُ تخميرِ الأواني:
لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء أبو حميد - رجل من الأنصار - من النقيع بإناءٍ من لبنٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا خمَّرْتَهُ، ولو أنْ تعرُضَ عليه عودًا"، وهو حديث صحيح
(7)
.
5 - حكمُ استعمالِ آنية الكفار:
لحديث أبي ثعلبة الخُشنيِّ قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسولَ الله إنَّا بأرضِ أهل
(1)
أخرجه أحمد (5/ 385)، والبخاري رقم (5831)، ومسلم رقم (2067).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 304، 306)، والبخاري رقم (5633)، ومسلم رقم (2065).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 139، 155، 259)، والبخاري رقم (3109).
(4)
التُّور: يُشبه الطَّشت. وقيل: هو الطَّشت.
(5)
الصُّفْر: نوع من النحاس.
(6)
أخرجه البخاري رقم (197)، وأبو داود رقم (100)، وابن ماجه رقم (471).
(7)
أخرجه البخاري رقم (5606)، ومسلم رقم (2011).
الكتاب، أَفَنَأْكُلُ في آنيتهم؟
…
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ما ذكرتَ أنَّك بأرض أهلِ كتابٍ، فلا تأكلوا في آنيتهم إلا أن لا تجدوا بُدًا فإن لم تجدوا بُدًا فاغسلوهَا وَكُلُوا .. "، وهو حديث صحيح
(1)
.
* قال البغوي
(2)
: "قال الإمام: الأمرُ بغسلِ إناء الكفار فيما إذا علمَ نجاسته يقينًا".
ولحديث جابر بن عبد الله، قال:"كُنَّا نَغْزُو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصيبُ من آنيةِ المشركينَ وأسقيتهم، فنستمتعُ بها، ولا يعيبُ ذلك عليهم"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولحديث أبي ثعلبةَ الخششي قال: سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدورِ المجوس قال: "أنْقُوها غسلًا، واطبخوا فيها"، ونهى عن كل سَبُعٍ ذي ناب، وهو حديث صحيح
(4)
.
قال الحافظ
(5)
: "والحكم في آنية المجوسِ لا يختلفُ مع الحكم في آنية أهل الكتاب، لأن العلَّة إن كانت لكونِهم تحلُّ ذبائحهم كأهل الكتاب فلا إشكال، أو لا تحلُّ فتكون الآنيةُ التي يطبخون فيها ذبائحهم، ويغرفون قد تنجستْ بملاقاة الميتةِ، فأهل الكتاب كذلك باعتبار أنَّهم لا يتديَّنون باجتناب النجاسةِ، وبأنهم يطبخون فيها الخنزيرَ ويضعون فيها الخمرَ وغيرها"
(6)
.
6 - جواز إعداد الآنية للبول فيها بالليل:
لحديث حكيمة بنتِ أميمةَ عن أمها أميمة بنتِ رُقيقة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبولُ في قدح من عيدان، ثم يُوضع تحت سريرهِ"، وهو حديث حسن
(7)
.
(1)
آخرجه البخاري رقم (5478)، ومسلم رقم (1930)، وأبو داود رقم (3839)، والترمذي رقم (1560) و (1464)، وابن ماجه رقم (3207).
(2)
"شرح السنة"(11/ 200).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 379)، وأبو داود رقم (3838) من طريق برد بن سنان عن عطاء عنه، قال الألباني في "الإرواء" (1/ 76): "وهذا إسناد صحيح، وقد تابعه سليمان بن موسى عن عطاء به نحوه، أخرجه أحمد (3/ 327، 343، 389).
(4)
أخرجه الترمذي (5/ 512 - مع تحفة الأحوذي)، وقال الألباني في "الإرواء" (1/ 75):"وهذا سند صحيح على شرط مسلم .. " اهـ.
(5)
"فتح الباري"(9/ 623).
(6)
وانظر: ما كتبناه في الباب الثالث من هذا الكتاب رقم (2): سؤر الآدمي الكافر طاهرٌ سواء كان جنبًا أو حائضًا، أو نفساء.
(7)
أخرجه أبو داود رقم (24)، والبغوي في شرح السنة رقم (194)، والنسائي (1/ 31)، والبيهقي (1/ 99)، والطبراني في الكبير (ج 24 رقم 477)، وصححه الحاكم (1/ 167)، ووافقه الذهبي، وحسنه النووي وابن حجر وغيرهما.
*
الباب الخامس* باب قضاءِ الحاجة
1 - يُسْتَحَبُّ لمن أراد دخولَ الخلاءِ أن يقولَ: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبثِ والخبائثِ
؛ لحديث علي بن أبي طَالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَتْرُ ما بين أعيُن الجنِّ وعوراتِ بني آدمَ إذا دخل أحدُهم الخلاءَ أن يقول: بسم الله"، وهو حديث صحيح لغيره
(1)
.
ولحديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللهمَّ إني أعوذُ بِكَ من الخبثِ والخبائثِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - يستحبُّ إذا خرج من الخلاء أن يقول: غفرانك:
لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائطِ قال: "غفرانَكَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - إذا كان في الفضاء اسْتُحبَّ له الإبعادُ حتى لا يُرى:
لحديث المغيرة بن شعبةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهبَ المذهَب أبعَد"، وهو حديث حسن
(4)
.
4 - يستحب أَلَّا يرفعَ ثوبَه حتى يدنُوَ من الأرض:
لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا أرادَ حاجة لا يرفعُ ثوبَهُ حتى يدنُوَ من الأرض"، وهو حديث صحيح لغيره
(5)
.
(1)
أخرجه الترمذي رقم (606)، وابن ماجه رقم (297)، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قلت: وله شواهدُ من حديث أنس، وأبي سعيد الخدري ومعاوية بن حيدة. انظر: تخريجها في الإرواء رقم الحديث (50).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 99، 101، 282)، والبخاري رقم (142)، ومسلم رقم (375)، وأبو داود رقم (4) و (5) والترمذي رقم (5)، و (6)، والنسائي (1/ 20)، وابن ماجه رقم (298).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (30)، والترمذي رقم (7)، وقال حديث حسن غريب" وابن ماجه رقم (300).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (1)، والترمذي رقم (20)، والنسائي (1/ 18)، وابن ماجه رقم (331).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (14)، والترمذي رقم (14)، والبيهقي (1/ 96) من حديث أنس، وأخرجه أبو داود رقم (14)، والترمذي رقم (14)، والدارمي (1/ 171) من حديث ابن عمر، وانظر:"الصحيحة" رقم (1071).
5 - يحرمُ استقبالُ القبلةِ، واستدبارهُا في الصحراءِ، ويجوز في البنيان:
لحديث أبي أيوبَ الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتمُ الغائِطَ فلا تستقبلُوا القبلةَ ولا تستدبِرُوها، ولكنْ شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا"، وهو حديث صحيح.
قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدْنَا مراحيضَ بُنيتْ قِبَلَ القبلةِ، فننحرِفُ ونستغفرُ الله
(1)
.
ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نستَدْبِرَ القبلةَ أو نستقبلَهَا بفروجنا، ثم رأيتُهُ صلى الله عليه وسلم قبل موتِهِ بعامٍ يبولُ مستقبلَ القبلة"، وهو حديث حسن
(2)
.
قال ابن الجوزي
(3)
: "وقد ظنَّ جماعة نسخ الأول - أي حديث أبي أيوب - بالثاني - أي بحديث جابر - وليس كذلك، بل الأول محمول على من كان في الصحراء، والثاني على من كان في البنيان" اهـ.
6 - يُحرم التخلي في طريق الناس وفي ظلِّهم:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتَّقُوا اللعَّانَيْنِ" قالوا: وما اللَّعَّانانِ يا رسولِ الله؟ قال: "الذي يتخلَّى في طريق الناس أو في ظلهم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
7 - يُكْرَهُ أن يبولَ في مُسْتَحَمِّهِ:
لحديث حميد الحميري - وهو ابن عبد الرحمن - قال: لقيتُ رجلًا صحبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدُنا كلَّ يومٍ، أو يبولَ في مُغْتَسَلِهِ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (394)، ومسلم رقم (264)، وأبو داود رقم (9)، والترمذي رقم (8)، والنسائي (1/ 23)، وابن ماجه رقم (318).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (13)، والترمذي رقم (9)، وابن ماجه رقم (325)، وابن خزيمة رقم (58)، وأحمد (3/ 360)، والحاكم (1/ 154)، وابن الجارود رقم (31) وغيرهم.
قال الترمذي: حديث حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
قلت: وليس كما قالا، وابن إسحاق لم يُخْرِجْ له مسلمٌ في الأصول، والذهبي نفسُه صرَّح في "الميزان" أن محمد بنَ إسحاق لم يُخرج له مسلمٌ احتجاجًا، ومع ذلك فكل حديث يرويه الحاكم في المستدرك من طريق ابن إسحاق يقول فيه:"صحيح على شرط مسلم" ويوافقه الذهبي في كل ذلك فتنبه.
(3)
"إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث"، بتحقيقي، ص (34).
(4)
أخرجه مسلم رقم (269)، وأحمد (2/ 372)، وأبو داود رقم (25).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (28)، والنسائي رقم (238).
8 - يحرمُ البولُ في الماء الراكد:
لحديث جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى أن يُبالَ في الماء الراكد"، وهو حديث صحيح
(1)
.
9 - يجوز البولُ قائمًا:
لحديث حذيفةَ قال: كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سُباطةِ
(2)
قومٍ، فبال قائمًا فتنحَّيتُ، فقال:"ادْنُهْ" فدنوتُ حتى قمتُ عندَ عقبيهِ، فتوضأ، فمسحَ على خفيهِ، وهو حديث صحيح
(3)
.
* أما أحاديث النهي عن البول قائمًا فكلها ضعيفة لا تقوم بها حُجَّةٌ.
* وأما حديث عائشة فقد قالت: "من حدَّثَكَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالَ قائمًا فلا تُصدِّقْهُ، أنا رأيتُهُ يبولُ قاعدًا"
(4)
.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما بالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا منذ أُنْزِلَ عليه القرآنُ"، وهو حديث صحيح.
* وقال الحافظ ابن حجر
(5)
: "والجواب عن حديث عائشةَ أنه مستندٌ إلى علمها، فيحملُ على ما وقع منه في البيوت، وأما في غير البيوت فلم تطَّلِعْ هي عليه، وقد حفظه حذيفةُ، وهو من كبار الصحابة، وقد بينَّا أن ذلك كان بالمدينةِ فتضمَّن الردَّ على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن، وقد ثبت عن عمرَ، وعليٍّ، وزيد بنِ ثابت، وغيرهم أنهم بالوا قيامًا. وهو دال على الجواز من غير كراهةٍ إذا أمن الرَّشاشَ، والله أعلم" اهـ.
(1)
أخرجه مسلم رقم (94/ 281)، والنسائي (1/ 34)، وابن ماجه رقم (343).
(2)
السُّباطة والكُناسةُ: الموضعُ الذي يُرْمَى فيه الترابُ والأوساخُ، وما يكْنَس من المنازل
…
[النهاية (2/ 335)].
(3)
أخرجه البخاري رقم (225)، ومسلم رقم (73/ 273)، والترمذي رقم (13)، والنسائي رقم (18)، وأبو داود رقم (23)، وابن ماجه رقم (305).
(4)
أخرجه الترمذي رقم (12)، والنسائي رقم (29)، وابن ماجه رقم (307)، وفيه شريك بن عبد الله القاضي، وهو سيئ الحفظ، لكن تابعة سفيان عند أحمد في المسند (6/ 136، 192)، وأبو عوانة (1/ 198)، والحاكم (1/ 181)، والبيهقي (1/ 101) وسنده صحيح.
(5)
في "الفتح"(1/ 330).
10 - يجب الاستنزاه من البول:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال: "إنهما ليعذَّبان، وما يُعَذَّبَانِ في كبير، أما أحدُهُما فكان لا يستنزه من بولِه، وأما الآخَرُ فكان يمشي بين الناس بالنميمة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
11 - النهي عن الاستنجاء باليمين:
لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمسَّنَّ أحدُكم ذَكَرَهُ بيمينه، وهو يبولُ، ولا يتمسحْ من الخلاءِ بيمينه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
12 - جوازَ الاستنجاء بالماء، أو بالأحجارِ، أو ما يقوم مقامَها:
لحديث أنس رضي الله عنه قال: "كَان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخُلُ الخلاءَ، فأَحْمِلُ أنا وغلامٌ نحوي إداوة من ماءٍ، وعَنَزَة، فيستنجي بالماء"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذهب أحدُكم إلى الغائط، فليذهبْ معه بثلاثة أحجارٍ، فليستطبْ بها، فإنها تجزئ عنه"، وهو حديث حسن بشواهده
(4)
.
* أو ما يقوم مقامَها من جامد طاهرٍ مزيلٍ للعينِ، وليس له حُرْمَةٌ، ولا هو جزءٌ من حيوانٍ، مثل الخشب، والخرقِ، والآجُرِّ، والخَزَفِ. وهذا مذهب الجمهور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم:"نهى أن يُسْتَنْجَى بعظمٍ أو رَوْثٍ"، فيُفْهَمُ من ذلك أن ما لم يَنْهَ عنه يجوز الاستنجاءُ به إذا حصل به الإنْقَاءُ
(5)
.
13 - لا يجوز الاقتصارُ على أقلّ من ثلاثة أحجار:
لحديث سلمانَ رضي الله عنه قال: قيل له: قد علَّمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كُلَّ شيءٍ حتى الخراءَةَ، قال، فقال: أجل لقد نَهانا أن نستقبلَ القبلةَ لغائطٍ أو بولٍ، أو أنْ نستنجيَ باليمين، أو
(1)
أخرجه البخاري رقم (216)، ومسلم رقم (292)، والترمذي رقم (70)، وأبو داود رقم (20)، والنساني (1/ 28)، وابن ماجه رقم (347).
(2)
أخرجه البخاري رقم (154)، ومسلم رقم (63/ 267)، وأبو داود رقم (31)، والترمذي رقم (15)، والنسائي (1/ 25)، وابن ماجه رقم (310)، واحمد (5/ 310).
(3)
أخرجه البخاري رقم (152)، ومسلم رقم (70/ 271).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (40)، والنسائي رقم (44)، وأحمد (6/ 108).
(5)
المجموع (2/ 112 - 113). والمغني (1/ 178 - 179).
أن نستنجي بأقلَّ من ثلاثةِ أحجارٍ، أو أن نستنجىَ برجيع أو بعظمٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
14 - لا يجوز الاستجمار بالعظم والرَّوْثِ:
لحديث جابر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتَمَسَّح بعظمٍ أو ببعرٍ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
15 - يُسْتَحَبُّ الاستتارُ عند قضاء الحاجة:
لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "خُذِ الإداوةَ"، فانطلق حتى توارى عني، فقضى حاجتهُ، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (262) والترمذي رقم (16)، والنسائي رقم (41)، وأبو داود رقم (7)، وابن ماجه رقم (316).
(2)
أخرجه مسلم رقم (58/ 263)، وأبو داود رقم (38).
(3)
أخرجه البخاري رقم (363)، ومسلم رقم (75/ 274)، والنسائي رقم (82).
*
الباب السادس* سُنَنُ الفِطْرَةِ
* عن أبي هريرةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الفِطْرَةُ خَمْسٌ - أو خَمْسٌ من الفِطْرَةِ - الخِتَانُ، والاستحدادُ، وتقليمُ الأظفار، ونتفُ الإبط، وقصُّ الشارب"، وهو حديث صحيح
(1)
.
* وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عشرٌ من الفطرةِ: قصُّ الشاربِ، وإعفاءُ اللحيةِ، والسِّواك، واستنشاقُ الماء، وقصُّ الأظفارِ، وغسلُ البراجمِ، ونتفُ الإبطِ، وحلقُ العانةِ، وَانتِقَاصُ الماءِ".
قال زكريا: قال مصعبٌ: ونسيتُ العاشرةَ، إلا أن تكونَ المضمضةَ.
زادَ قتيبةُ: قال وكيعٌ: انتقاصُ الماءِ يعني الاستنجاءَ، وهو حديث حسن
(2)
.
1 - الخِتَانُ:
* والختانُ واجبٌ في حق الرجال والنساء؛ لأنه من شعائر الإسلام.
لحديث عُثيم بن كليب، عن أبيه، عن جدِّه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمتُ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ألقِ عنك شَعْرَ الكفرِ واخْتَتنْ"، وهو حديث حسن بشواهده
(3)
.
* والختانُ من ملَّةِ إبراهيم عليه السلام.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اختتنَ إبراهيمُ وهو ابن ثمانينَ سنةً بالقَدُّومِ"، وفي لفظ:"اختتن إبراهيمُ بعد ثمانينَ سنةً بالقدُّومِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (5889)، ومسلم رقم (49/ 257)، وأبو داود رقم (4180)، والترمذي رقم (2905)، والنسائي (1/ 14)، وابن ماجه رقم (292).
(2)
أخرجه مسلم رقم (56/ 261)، وأبو داود رقم (53)، والترمذي رقم (2906)، والنسائي (8/ 126)، وابن ماجه رقم (293).
(3)
أخرجه أبو داود (1/ 253 رقم 356)، والبيهقي (1/ 172)، وفي سنده ضعفٌ؛ لجهالة المخبر لابن جريج؛ ولجهالة عثيم، وابن كليب أيضًا.
لكن الحدبث حسن؛ لأن له شاهدينِ: (أحدهما) عن قتادة أبي هشام، (والآخر) عن واثلة بن الأسقع.
انظر: إرواء الغليل رقم (79)، وصحيح أبي داود رقم (383).
(4)
أخرجه البخاري رقم (3356)، ومسلم رقم (2370)، وأحمد (2/ 322، 418، 435).
وقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123].
* ويستحبُّ أن يكون الختانُ في اليوم السابع للمولود:
لحديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقَّ عن الحسن والحسين وَخَتَنَهُمَا لسبعةِ أيامٍ"
(1)
.
ولحديث ابن عباس قال: "سبعةٌ من السُّنَّةِ في الصبي يوم السابع: يُسَمَّى ويُخْتَتَنُ .... "
(2)
.
2 - إعفاءُ اللحيةِ وقصُّ الشارِب:
إعفاءُ اللحية واجبٌ، وحلْقُها حرام؛ لأنه تغييرٌ لخلق الله، وهو من عمل الشيطانِ؛ لقوله تعالى عنه في سورة النساء الآية (119):{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، وفي حلقها تشبُّهٌ بالنساء، وقد قال ابن عباس:"لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجاء بالنساء، والمتشبهاتِ من النساء بالرجال"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها، والأمرُ للوجوب كما هو معلومٌ.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جُزُّوا الشواربَ، وأرخُوا اللِّحى، خالفوا المجوسَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَالفُوا المشركينَ: أحْفُوا الشوارب وأوفُوا اللِّحى"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه الطبراني في "الصغير" ص (185) بسند رجاله ثقات، لكنْ فيه محمد بن أبي السري العسقلاني، وفيه كلام من قِبَلِ حفظه، والوليدُ بن مسلم يدلِّس تدليس التسوية، وقد عَنعَنَهُ.
(2)
أخرجه الطبراني في "الأوسط"(1/ 176 رقم 558)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 59) وقال:"رجاله ثقات" وأما الحافظ فقال في "الفتح"(9/ 483): "في سنده ضعف"، قال الألباني في تمام المنة ص (68): " .. لكن أحد الحديثين يقوِّي الآخرَ؛ إذ مُخْرِجُهُما مختلِفٌ، وليس فيهما متَّهمٌ
…
" اهـ
(3)
أخرجه البخاري رقم (5885).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (55/ 260).
(5)
أخرجه البخارى رقم (5892)، وسلم رقم (54/ 259).
وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يأخذْ شارِبَهُ فليس منَّا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
3 - السِّوَاكُ: السواكُ مستحبٌّ في كلِّ حال، ويتأكَّد استحبابُهُ في المواضع الآتية:
أ - عند الوضوء:
لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسِّواك مع الوضوء .. "، وهو حديث صحيح
(2)
.
ب - عند الصلاة:
لحديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشُقَّ على أمَّتي - المؤمنين - لأَمَرْتُهم بالسواكِ عند كلِّ صلاةٍ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
جـ - عند قراءة القرآن:
لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أُمِرْنَا بالسِّواكِ، وقال: إن العبدَ إذا قام يصلي أتاه الملكُ فقام خلْفَه يستمعُ القرآنَ ويدنُو، فلا يزالُ يستمعُ ويدنُو حتى يضعُ فاهُ على فيهِ، فلا يقرأ آيةً إلا كانت في جوفِ المَلَكِ"، وهو حديث صحيح بشواهده
(4)
.
د - عند دخولِ البيتِ:
لحديث المقدام بن شُريح، عن أبيه قال: سألت عائشةَ، قلتُ: بأي شيءٍ كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيتهُ؟ قالت: بالسِّوَاكِ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
هـ - عند القيام من الليل:
لحديث حذيفةَ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قام من الليل يشوصُ فاهُ بالسواك"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه النسائي (1/ 15 رقم 13)، وأحمد (4/ 366، 368)، والترمذي (5/ 93 رقم 2761)، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (6533).
(2)
أخرجه أحمد في المسند رقم (7406 - شاكر) بسند صحيح. وانظر: الإرواء رقم (70).
(3)
أخرجه البخاري رقم (887)، ومسلم رقم (42/ 252) وغيرهما.
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 38)، وانظر: شواهده في "الصحيحة" رقم (1213).
(5)
أخرجه مسلم رقم (3/ 253)، وأبو داود رقم (51)، وابن ماجه رقم (290/ والنسائي (1/ 13).
(6)
أخرجه البخاري رقم (245)، ومسلم رقم (255)، وأبو داود رقم (55)، والنسائي (1/ 8).
4 - تقليمُ الأظفار: سُنَّةٌ
.
5 - نتفُ الإبطِ: سُنَّةٌ
.
6 - حَلْقُ العانةِ: سُنَةٌ يجزئ فيها الحلقُ، والقصُّ، والنتف، والنُّورة
.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خَمسٌ من الفطرة: الاستحدادُ، والختانُ، وقصُّ الشارب، ونتفُ الإبط، وتقليمُ الأظافرِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
* وقد رخَّص في ترك هذهِ الأشياءِ إلى أربعينَ ليلةً.
لجديث أنس بن مالك قال: "وُقِّتَ لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبطِ، وحلقِ العانةِ ألَّا نَتْرُكَ أكثرَ من أربعينَ ليلة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - كراهة نَتْفِ الشَّيْبِ:
لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَنتِفُوا الشَّيب فإنه نُور المسلم، ما من مسلمٍ يشيبُ شيبةً في الإسلام إلَّا كتبَ اللهُ بها حسنةً ورفعهُ بها درجةً، وحَطَّ عنه بها خطيئةً"، وهو حديث حسن
(3)
.
8 - تغييرُ الشَّيب بالحِنَّاء والكَتْمِ ونحوهما، وتحريمُ السَّواد:
* عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أَحْسَنَ ما غُيِّرَ به هذا الشيبُ الحناءُ والكتم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
تقدَّم تخريجه في أول الباب السادس سننُ الفطرة.
(2)
أخرجه مسلم رقم (51/ 258)، وابن ماجه رقم (295)، وأحمد (3/ 122)، والترمذي رقم (2758) و (2759) وقال: هذا أصح من الأول والنسائي رقم (14)، وأبو داود رقم (4200).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 179، 207، 210)، وأبو داود رقم (4202)، والترمذي رقم (2821)، وقال: حديث حسن، والنسائي (8/ 136 رقم 3721)، وابن ماجه رقم (3721).
(4)
أخرجه أبو داود (4/ 416 رقم 4205)، والترمذي (4/ 232 رقم 1753)، والنسائي (8/ 139 رقم 5078)، وابن ماجه (2/ 1196 رقم 3622) - وأحمد (5/ 154، 156، 169)، قال الترمذي، هذا حديث حسن صحيح.
قال الألباني في "غاية المرام" ص (86): "ورجاله ثقاتٌ غيرَ الأجْلَحَ فقيه خلافٌ، لكنه لم ينفردْ به، فقد تابعه معمرٌ عن سعيد الجريري عن عبد الله بن بريدة به" اهـ
أخرجه أبو داود رقم (4205)، وأحمد (5/ 147، 150)، وابن حبان رقم (5474)، والطبراني في الكبير (2/ 153 رقم 1638) بسند صحيح.
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اليهودَ والنصارى لا يصبُغُونَ فَخَالِفُوهم"، وهو حديث صحيح
(1)
.
* وعن جابر بن عبد الله قال: جِيءَ بأبي قُحَافَةَ يومَ الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنَّ رأسَهُ ثُغَامةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اذهَبُوا به إلى بعض نسائه فلتُغَيِّرْهُ بشيءٍ، وجنِّبُوه السَّوادَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
* وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قومٌ يخضبونَ في آخر الزمانِ بالسوادِ كحواصل الحمامِ لا يُرِيحُونَ رائحةَ الجنَّة"، وهو حديث صحيح
(3)
.
9 - جوازُ اتِّخَاذِ الشَّعْرِ وإكرامه، واستحباب تقصيرهِ، وكراهة القزعِ:
* عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كَان شَعْرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقَ الوَفْرَة
(4)
، ودُونَ الجُمَّةِ"
(5)
، وهو حديث صحيح بطرقهِ
(6)
.
* عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضربُ شَعْرُهُ منكبيه"، وهو حديث صحيح
(7)
، وفي لفظ:"كان شعرُهُ رَجِلًا ليسَ بالجَعْدِ، ولا السَّبْطِ بين أذنيهِ وعاتِقِهِ"، وهو حديث صحيح
(8)
.
* عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له شعرٌ فليكرمْهُ"، وهو حديث حسن لغيره
(9)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (3462)، ومسلم رقم (2103)، والنسائي (8/ 137)، وأبو داود رقم (4203)، وابن ماجه رقم (3621)، وأحمد (2/ 240، 260، 309، 401).
(2)
أخرجه مسلم رقم (2102)، وأبو داود رقم (4204)، والنسائي (8/ 138)، وابن ماجه رقم (3624)، وأحمد (3/ 316، 322، 338) وغيرهم.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (4212)، والنسائي (8/ 138)، وأحمد (1/ 273)، وقد قمت بتخريجه بتوسُّع في تحقيقي "لنيل الأوطار" عند الحديث رقم (21/ 138).
(4)
الوَفْرةُ: الشَّعْرُ المجتمع على الرأس، أو ما سال على الأذنين منه، أو ما جاوزَ شحمة الأذن، القاموس المحيط ص (634 - 635).
(5)
الجُمَّةُ: مُجْتَمَعُ شَعْرِ الرأسِ، القاموس المحيط ص (1408).
(6)
أخرجه أحمد (6/ 108)، وأبو داود رقم (4187)، والترمذي رقم (1755)، وابن ماجه رقم (3635).
(7)
أخرجه البخاري رقم (5903)، و (5904)، ومسلم رقم (95/ 2338).
(8)
أخرجه البخاري رقم (5905) و (5906)، ومسلم رقم (94/ 2338).
(9)
أخرجه أبو داود رقم (4163)، وابن عبد البرِّ في التمهيد (24/ 10)، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (6455)، والطحاوي في "المشكل"(8/ 434 - 435 رقم 3365) بسند حسن، وانظر: تخريجه وتخريج شواهده في تحقيقي لنيل الأوطار عند الحديث رقم (31/ 148).
• عن وائل بن حجر قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولي شَعْرٌ طويلٌ فلما رآني قال: "ذبابٌ ذبابٌ"
(1)
قال: فرجعت فجززْتُه، ثم أتيتُه من الغدِ، فقال:"إن لم أَعْنِكَ وهذا أحسنُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
• عن نافع عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القَزَعِ، فقيل لنافعٍ: ما القزعُ؟ قال: "أن يُحْلَقَ بعضُ رأسِ الصبي ويُتْرَكَ بعض"، وهو حديث صحيح
(3)
.
10 - التطيُّبُ:
• لحديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حُبِّبَ إليَّ من الدُّنيا النِّسَاءُ، والطِّيبُ، وجُعِلَتْ قرةُ عيني في الصلاة"، وهو حديث حسن
(4)
.
• ولحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المسك: "هو أطيبُ طيبكُم"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
الذباب: الشؤم، كما في القاموس والمعالم، وقيل: غيرُ ذلك، وقيل: الشرُّ الدائم (النهاية: 2/ 152).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (4190)، والنسائي (8/ 131)، وابن ماجه رقم (3636).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 4، 39، 55)، والبخاري رقم (5920)، و (5921)، ومسلم رقم (2120)، وأبو داود رقم (4193)، والنسائي (8/ 130)، وابن ماجه رقم (3637).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 128، 199) 285)، والنسائي (7/ 61 - 62)، والحاكم (2/ 160)، وانظر: تخريجه في تحقيقي لنيل الأوطار عند الحديث رقم (39/ 156).
(5)
أخرجه مسلم رقم (2252)، وأبو داود رقم (3158)، والترمذي رقم (991)، والنسائي (4/ 39)، وأحمد (3/ 36)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
*
الباب السابع* بابُ الوضُوء
*
الفصل الأول* صفة الوضوءِ، وشروطُ صحته، وفرائضِه:
• الوُضُوءُ: يأتي بالضمِّ: الفعلُ، وبالفتح: ماؤُهُ وهو مصدرٌ أيضًا، أو لغتان ويُعنى بهما المصدرُ، وقد يُعنى بهما الماءُ: توضَّأْتُ للصلاةِ وتوضَّيْتُ لُغَيَّةٌ أو لُثْغَةٌ"
(1)
.
1 - صفة الوضوء:
عن حُمْران مولى عثمانَ، أن عثمانَ بن عفان رضي الله عنه دعا بوَضُوء فتوضَّأَ فغسلَ كفيه ثلاثَ مراتٍ، ثم مضمضَ واستنثرَ، ثم غسل وجهَهُ ثلاثَ مراتٍ، ثم غسل يدَهُ اليُمنى إلى المرفقِ ثلاثَ مراتٍ، ثم غسلَ يدَهُ اليُسرى مثلَ ذلك، ثم مسح رأسَهُ، ثم غسلَ رجْلَهُ اليمنى إلى الكعبين ثلاثَ مراتٍ. ثم غسَلَ اليُسْرَى مثلَ ذلكَ، ثم قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحوَ وضُوئي هذا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من توضَّأ نحوَ وضُوئي هذا، ثم قام فركعَ ركعتين، لا يُحدِّثُ فيهما نفسَهُ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - شروط صِحَّةِ الوضوء:
أ - النية بالقلب دون التلفظ بها:
لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمالُ بالنيةِ .. "
(3)
.
ب - التسمية:
لحديث أنس قال. طلبَ بعضُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وَضُوءًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل معَ أحدٍ منكم ماءٌ؟ " فوضع يده في الماء، ويقول:"توضَّؤُوا الله"، فرأيتُ الماءَ
(1)
القاموس المحيط ص (70)
(2)
أخرجه البخاري رقم (164)، ومسلم رقم (3/ 226) وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1)، ومسلم رقم (155/ 1907) وغيرهما.
يخرج من بين أصابعه، حتى توضَؤُوا من عند آخرهم. قال ثابت: قلتُ لأنس: كم تراهم؟ قال: نحوًا من سبعين، وهو حديث صحيح
(1)
.
جـ - الموالاة:
لحديث خالد بن معدان، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجُلًا يُصلي في ظهر قدمه لُمعةٌ قَدْر الدرهم لم يُصبها الماءُ، فأمرهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعيد الوضوءَ، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - فرائضُ الوضوءِ:
1 - غسَلُ الوجه، ومنه المضمضةُ والاستنشاقُ:
لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6].
أما كون المضمضة والاستنشاقِ من الوجه فتجبان، فلأنَّ الله - سبحان - قد أمر في كتابه العزيز بغسْلِ الوجه، وقد ثبت مداومةُ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في كل وضوء.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضَّأ أحدُكم فَليجعلْ في أنْفِهِ ماءً، ثم لِيَنْتَثرْ
…
"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولحديث لقَيطِ بن صَبْرةَ
…
قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء؟ قال:"أسبغ الوضوءَ، وخلِّل بين الأصابع، وبالغْ في الاستنشاق إلَّا أن تكون صائمًا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وفي رواية: "إذا توضأتَ فمضْمِضْ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه النسائي (1/ 61 - 62)، وابن خزيمة رقم (144)، والدارقطني (1/ 71 رقم 1)، والبيهقي (1/ 43) من حديث معمر عن ثابت، وقتادة عن أنس، به.
قال البيهقي: هذا أصح ما في التسمية.
وقال النووي في "المجموع"(1/ 385): "وإسناده جيد، واحتج به البيهقي في كتابه: "معرفة السنن والآثار" وضعَّفَ الأحاديثَ الباقية" اهـ
وقال الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود رقم (76): إسناده صحيح.
قلت: وهو كما قال رحمه الله وان كان قد تكلم في رواية معمر عن ثابت خاصة، فروايته عنه هنا مقرونة بقتادةَ، مما يقوِّيها، والله أعلم.
قلت: وأصلهُ في "الصحيحين" البخاري رقم (169)، ومسلم رقم (2279) بدون قوله:"توضؤوا بسم الله".
(2)
أخرجه أحمد (3/ 424)، وأبو داود رقم (175) وبقية صرح بالتحديث عند أحمد، وجهالة الصحابي غير قادحة.
(3)
أخرجه البخاري رقم (162)، ومسلم رقم (20/ 237).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (142)، وصححه الشيخ الألباني، رحمه الله.
(5)
أخرجه أبو داود رقم (144)، وصححه الشيخ الألباني، رحمه الله.
2 - غسْلُ اليدينِ إلى المرفقينِ:
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (6): {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} .
ولحديث حُمْرانَ مولى عثمان
(1)
وفي رواية: "هلمُّوا أتوضَّأ لكم وُضوءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسَلَ وجْهَهُ ويديْه إلى المرفقين، حتى مسَّ أطراف العضُدينِ، ثم مسح برأسِه، ثم أمرَّ يديهِ على أذنيهِ ولحيتهِ، ثم غسل رجليهِ"، إسنادُه حسن.
ولحديث نُعيم بن عبد الله المجمر قال: رأيتُ أبا هريرة يتوضَّأ فغسَلَ وجَههُ فأسبغَ الوضوءَ، ثم غسل يدهُ اليمنَى حتى أشرعَ في العضُد، ثم يَدَهُ اليُسْرَى حتى أشرعَ في العضد، ثم مسحَ رأسَهُ، ثم غسلَ رجلَهُ اليمنى حتى أشرعَ في السَّاق، ثم غسل رِجلَهُ اليُسرى حتى أشرعَ في الساق، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.
وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتمُ الغرُّ المحجَّلُون
(2)
يومَ القيامة، من إسباغِ الوضوء فمنِ استطاعَ منكم فليُطِلْ غُرَّته وتحجيلَهُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - مسحُ الرأس كلِّه، والأذنانِ من الرأس:
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (6): {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} .
ولحديث حمران مولى عثمانَ المتقدم في الباب السابع، الفصل الأول رقم (1) صفة الوضوء.
• أما وجوبُ استيعابِ الرأس بالمسح فلأنَّ الأَمْرَ بالمسح في القرآن مُجْمَلٌ، وقد بينته السُّنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم استوعب مسحَ رأسِهِ، وفي هذا دليلٌ على وجوب تكميل مسحِ الرأس.
• وأما كونُ الأذنين من الرأس فيجبُ مسحُهما؛ لحديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنانِ من الرأس"، وهو حديثٌ صحيح بطرقه الكثيرة
(4)
.
(1)
سبق تخريجه في الباب السابع الفصل الأول رقم (1) صفة الوضوء.
(2)
الغُرَّةُ: بياضٌ في جبهةِ الفرس، والتحجيل: بياضٌ في يديها ورِجْليْها.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 216 رقم 34/ 246).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (134)، والترمذي رقم (37)، وابن ماجه رقم (444)، وانظر: طرق الحديث في "الصحيحة" رقم (36).
• والحاصل أنه يجب استيعابُ الرأس بالمسح، والماسحُ إن شاء مسحَ على الرأس فقط، أو على العمامةِ فقط، أو على الرأس والعمامةِ، فالكلُّ صحيح ثابتٌ.
لحديث عمرو بن أميةَ الضِّمري قال: "رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يمسحُ على عمامته، وخُفَّيْهِ .. "
(1)
.
ولحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: "توضَّأ فمسحَ بناصيتهِ وعلى العمامة والخفين"
(2)
. وهو حديث صحيح.
4 - غَسْلُ الرِّجلينِ إلى الكعبين:
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (6): {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} .
ولحديث حمرانَ مولى عثمان السابق
(3)
؛ ولحديث نُعيم بن عبد الله المجمر
(4)
.
5 - تخليلُ أصابعِ اليدين والرِّجلَين:
لحديث لقيط بن صَبرة
…
قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء؟ قال: "أسبغ الوضوءَ، وخلِّلْ بين الأصابع،
…
"، وهو حديث صحيح
(5)
.
ولحديث المستورد بن شدَّاد قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا توضَّأ خلّلَ أصابعَ رجليه بخنصرهِ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
• قال الشوكاني
(7)
"والأحاديثُ قد صرحت بوجوب التخليل، وثبت من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله، ولا فرقَ بين إمكان وصولِ الماء بدون تخليل وعدمه، ولا بين أصابع اليدينِ، والرِّجلين، فالتقييدُ بأصابعِ الرجلين أو بعدم إمكان وصولِ الماء لا دَليل عليه" اهـ.
(1)
أخرجه البخاري (1/ 308 رقم 205)،
(2)
أخرجه مسلم رقم (83/ 274).
(3)
تقدم في الباب السابع، الفصل الأول رقم (1)، صفة الوضوء،
(4)
سبق أيضًا، وقد أخرجه مسلم رقم (34/ 246).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (142)، وصححه الشيخ الألباني، رحمه الله.
(6)
أخرجه أبو داود رقم (148)، والترمذي رقم (40)، وابن ماجه رقم (446)، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وأخرجه أحمد (4/ 229) بثلاثة أسانيد، كلُّهم من طريق ابن لهيعةَ، وقد صرَّح الترمذي بانفراده به، ولكنه ليس كذلك، فقد قال الحافظ في "التلخيص الحبير"(1/ 94)"تابَعَهُ الليثُ بن سعد، وعمرو بن الحارث، وأخرجه البيهقي - (1/ 77) - وأبو بشر الدولابي، والدارقطني في غرائب مالك من طريق ابن وهب عن الثلاثة، وصححه ابن القطان".
(7)
نيل الأوطار، في نهاية شرح الحدبث رقم (25/ 187). بتحقيقي.
*
الفصل الثاني* مُسْتَحَبَّاتِ الوضوءِ
1 - غسلُ الكفين إلى الرسغين ثلاثًا قبلَ الشروعِ في غسل أعضاء الوضوء:
لحديث حمران مولى عثمان المتقدم في الباب السابع، الفصل الأول رقم (1) صفة الوضوء.
2 - السِّواك عند الوضوء:
لحديث أبي هريرة المتقدم في الباب السادس: سننُ الفطرة رقم (3): السِّواك عند الوضوء.
3 - الجمع بين المضمضة والاستنشاق ثلاثًا بغرفةٍ واحدة:
لحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في تعليمه لوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه تمضمض واستنشق من كفٍّ واحدة، ففعل ذلك ثلاثًا، وهو حديث صحيح
(1)
.
4 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم:
لحديث لقيط بن صبرة المتقدم في الباب السابع، الفصل الأول رقم (3): فرائض الوضوء: غسلُ الوجه.
5 - تقديمُ اليمنى على اليسرى:
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعجبُهُ التيمُّن في تنعلِهِ، وترجُّلِهِ وطهوره، وفي شأنه كُلِّه"، وهو حديث صحيح
(2)
؛ ولحديث حمران مولى عثمان المتقدم في الباب السابع، الفصل الأول رقم (1) صفة الوضوء.
6 - الدلك:
لحديث عبد الله بن زيد قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بثلثيْ مُدٍّ فجعلَ يدلك ذراعيه"، وهو حديث حسن
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (159)، ومسلم رقم (18/ 235).
(2)
أخرجه البخاري رقم (168)، ومسلم رقم (268) وغيرهما.
(3)
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 62 رقم 118) بإسناد صحيح، والحاكم في "المستدرك" (1/ 144) وقال:"حديث صحيح على شرطِ الشيخين ولم يخرجاهُ"، وأخرجه أيضًا الحاكم (1/ 161) وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فقدِ احتجَّ بحبيب بن زيدٍ ولم يخرجاه".
7 - تخليل اللحية:
لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا توضَّأ أخذ كَفًّا من ماءٍ، فأدخله تحت حنكهِ فخلل به لحيته وقال:"هكذا أمرني ربِّي عز وجل"، وهو حديث صحيح لغيره
(1)
.
قال الشوكاني
(2)
: "
…
والإنصاف أنَّ أحاديثَ الباب بعد تسليم انتهاضِها للاحتجاج، وصلاحيتها للاستدلال لا تدلُّ على الوجوب؛ لأنها أفعالٌ، وما ورد في بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم:"هكذا أمرني ربي"، لا يفيدُ الوجوبَ على الأمةِ؟ لظهوره في الاختصاص به .. ".
8 - تثليث الغَسْلِ لكلِّ عضو:
لحديث أبي أنس، أن عثمانَ توضَّأ بالمقاعد، فقالَ:"ألا أريكم وضوءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم توضَّأ ثلاثًا ثلاثًا .. "، وهو حديث صحيح
(3)
.
• المقاعد: قيل: هي دكاكينُ عند دار عثمان بن عفانَ، وقيل: درجٌ، وقيل: موضعٌ يقرب المسجد اتخذه للقعود فيه لقضاء حوائجِ الناس والوضوء ونحو ذلك.
ويُسْتَحَبُّ تثليثُ مسح الرأس:
لحديث حمرانَ قال: رأيت عثمانَ بن عفَّانَ، .. وقال فيه: ومسحَ رأسَهُ ثلاثًا
…
ثم قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال:"من توضَّأ دون هذا كفَاهُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ولحديث شقيق بن سلمةَ قال: رأيت عثمانَ بنَ عفَّان غسل ذراعيهِ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا، وهو حديث صحيح
(5)
.
9 - الترتيبُ:
لأنَّ الغالِبَ في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كما حكاه من روى وضوءَهُ صلى الله عليه وسلم.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (145)، والبيهقي (1/ 54)، والبغوي في شرح السنة رقم (215) وفيه عامر بن شقيق لينُ الحديث، ولكن للحديث شواهدُ، انظر: تخريجها في تحقيقي لنيل الأوطار، وعند الحديث رقم (16/ 178).
(2)
"نيل الأوطار" في نهاية شرح الحديث (17/ 179). بتحقيقي.
(3)
أخرجه مسلم رقم (9/ 230)
(4)
أخرجه أبو داود رقم (107).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (110)، وقد قال الحافظ في "الفتح" (1/ 260):"وقد رواه أبو داود من وجهين صحَّحَ أحَدَهُمَا ابنُ خزيمةَ وغيرُه في حديث عئمانَ تثليثُ مسح الرأسِ، والزيادةُ من الثقةِ مقبولةٌ" اهـ. واختاره محمد بن إسماعيل الأمير في "سبل السلام"(1/ 236) بتحقيقي، وأيده الشيخ الالباني رحمه الله في "تمام المنة" ص (91).
لكنه قد صح عن المقدام بن معد يكرب: "أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَضُوء فتوضَّأ فغسلَ كفَّيه ثلاثًا، وغسلَ وجْهَهُ ثلاثًا، ثم غَسَلَ ذراعيهِ ثلاثًا، ثم تمضمضَ واستنثَرَ ثلاثًا، ثم مسح برأسِهِ وأذنيهِ ظاهِرِهما وباطِنِهما"، وهو حديث صحيح
(1)
.
10 - الدعاءُ بعده:
عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد يتوضَّأ، فيسبغُ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبُدُه ورسولُهُ، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة الثمانية يدخلُ من أيِّها شاء"
(2)
.
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضَّأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهدُ أن لا إله إلا أنتَ، أستغفركَ وأتوبُ إليكَ، كُتبَ في رقٍّ ثم طبع بطابعٍ، فلا يُكْسَرُ إلى يوم القيامة"، وهو حديث صحيح
(3)
.
11 - صلاةُ ركعتينِ بعدَه:
لقول عثمان بعد أن علَّمهم صفةَ وضوءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم توضَّأ نحو وضوئي هذا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من توضَّأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين لا يحدِّثُ فيهما نفسه، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلالٍ، عند صلاة الغداةِ:"يا بلالُ حدِّثني بأرْجَى عَمَل عَملتَه عندك في الإسلام منفعةً؛ فإني سمعتُ الليلةَ خشفَ نعليك بين يديّ في الجنة" قالَ بلال: ما عملتُ عملًا في الإسلام أرجى عندي منفعةً، من أني لا أتطهَّرُ طَهُورًا تامًّا، في ساعة من ليلٍ ولا نهار إلا صليتُ بذلك الطهورِ، ما كَتَبَ الله لي أن أصَلِّيَ، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (121)، وابن ماجه رقم (442) مختصرًا.
(2)
أخرجه مسلم رقم (17/ 234)، والترمذي رقم (55)، وزاد:"اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين"، وهو حديث صحيح.
(3)
أخرجه الحاكم (1/ 564) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم"، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" رقم (220).
(4)
أخرجه البخاري رقم (159)، ومسلم رقم (226).
(5)
أخرجه البخاري رقم (1149)، ومسلم رقم (2458).
*
الفصل الثالث* نواقض الوضوء
1 - ما خرج من السبيلين: "القبل والدُّبر
":
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (6): {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} ، وهو كنايةٌ عن قضاء الحاجة.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقْبَلُ صلاةُ مَنْ أحدثَ حتى يَتوضَّأَ"، قال رجل من حضرموتَ: ما الحدثُ يا أبا هريرة؟ قال: فساءٌ أو ضُراط، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذَّاءً، فأمرتُ المقدادَ أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال:"فيه الوضوء"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث صفوان بن عسَّال قال: "كُنَّا في سفر، فَأُمِرْنَا ألَّا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثلاثةَ أيام ولياليهنَّ إلا من جنابةٍ، ولكن من بولٍ، أو نومٍ، أو غائطٍ"، هكذا روايةُ الترمذي.
ورواية النسائي: "ثلاثةَ أيام بلياليهنَّ من غائطٍ، وبول، ونوم إلا من جنابةٍ"، وهو حديث حسن
(3)
.
ولحديث عبد الله بن زيد أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجُلَ الذي يُخَيَّلُ إليه أنه يجدُ الشيء في الصلاة فقال: "لا يَنْفَتِلُ - أو لا ينصرف - حتى يسمعَ صوتًا أو يجدَ ريحًا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ولأثر ابن عباس قال: "هو المني، والمذي، والودي، فأما المذيُ والوديُ فإنَّهُ يغسلُ ذَكَرَهُ ويتوضأ، وأما المني ففيه الغُسْلُ"
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (135)، ومسلم رقم (225).
(2)
أخرجه البخاري رقم (132)، ومسلم رقم (303) وغيرُهما.
(3)
أخرجه الترمذي رقم (96)، والنسائي (1/ 83)، وابن ماجه رقم (478)، والطيالسي رقم (1166)، وأحمد (4/ 239)، والدارقطني (1/ 196 رقم 15)، وابن خزيمة رقم (196)، وابن حبان رقم (179 - موارد).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ونقل عن البخاري أنه قال "أحسن شيءٍ في الباب حديثُ صفوان".
انظر: "نصبَ الرايةِ"(1/ 182 - 183)، والإرواء (1/ 140، 141 رقم 104).
(4)
أخرجه البخاري رقم (137)، ومسلم رقم (361) وغيرهما.
(5)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 159 رقم 610)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 47).
2 - النوم المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك:
لحديث صفوان بن عسَّال المتقدم في رقم (1) من فصل نواقض الوضوء.
ولحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكاءُ السَّهِ العينانِ، فمن نام فليتوضأ"، وهو حديث حسن
(1)
.
وكاء: هو الخيطُ الذي يُربط به الكيسُ وغيره. السَّه: الدُّبُرُ.
والمعنى: أن اليقظة تحفظُ ما في داخل الإنسانِ من الخروج؛ لأنه يحسُّ بذلك.
قال المحدث الشيخ الألباني
(2)
رحمه الله: "فالحق أن النوم ناقض مطلقًا، ولا دليل يصلحُ لتقييد حديث صفوان - الحسن المتقدم - بل يؤيده حديثُ علي - الحسنُ - فقد أمر صلى الله عليه وسلم كلَّ نائم أن يتوضَّأ" اهـ.
3 - زوالُ العقل:
قال ابن رشد الحفيد
(3)
: "وينبغي أن تعلمَ أن جمهور العلماء أوجبُوا الوضوءَ من زوال العقل بأيِّ نوع كان من قبل إغماءٍ، أو جنون، أو سُكْرٍ، وهؤلاء كلُّهم قاسُوهُ على النوم، أعني: أنهم رأوا أنه إذا كان النومُ يوجبُ الوضوءَ في الحالة التي هي سبب للحدثِ غالبًا، وهو الاستثقالُ، فأحرى أن يكون ذهابُ العقلِ سببًا لذلك" اهـ.
4 - مسُّ الفَرج من غير حائل إذا كان بشهوة:
لحديث بُسْرَةَ أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مسَّ أحدُكُمْ ذَكَرَهُ فليتوضَّأ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وحديث طلْق بن علي، قال: قَدِمْنَا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل كأنه بدويُّ،
(1)
أخرجه أبو داود رقم (203)، وابن ماجه رقم (477).
(2)
"تمام المنة" ص (100).
(3)
"بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(1/ 112). بتحقيقي.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (181)، والترمذي رقم (82)، والنسائي (1/ 100)، وابن ماجه رقم (479)، وابن خزيمة رقم (33)، والحاكم (1/ 136)، وابن حبان رقم (211 - 214 - موارد) وصححه الترمذي، وأحمد بن حنبل، والدارقطني، ويحيى بن معين، والبيهقي، والحازميُّ، وقال البيهقي: هذا الحديث وإن لم يخرِجْهُ الشيخانِ؛ لاختلافٍ وقعَ في سماع عروة منها، أو من مروانَ، فقد احتجا بجميع رواتهِ، واحتج البخاري بمروانَ بن الحكم في عدة أحاديث، فهو على شرط البخاري بكل حال، انظر:"تلخيص الحبير"(1/ 122 رقم 165)، والإرواء رقم (116)، وتحقيقي لـ:"بداية المجتهد"(1/ 104 - 105).
فقال: يا رسول الله، ما ترى في مسِّ الرجلِ ذَكَرَهُ بعد أن يتوضأ؟ فقال:"وهل هو إلَّا بضعةٌ منك"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قال المحدث الألباني
(2)
رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما هو بضعةٌ منك" فيه إشارة لطيفة إلى أن المسَّ الذي لا يوجبُ الوضوءَ إنما هو الذي لا يقترنُ معه شهوة؛ لأنه في هذه الحالة يمكنُ تشبيهُ مسِّ العضْو بمسِّ عضوٍ آخر من الجسم، بخلاف ما إذا مسَّه بشهوةٍ، فحينئذٍ لا يشبهُ مسُّه مسَّ العضوِ الآخرِ؛ لأنه لا يقترن عادة بشهوةٍ، وهذا أمر بيِّنٌ كما ترى، وعليه فالحديث ليس دليلًا للحنفية الذي يقولون بأن المسَّ مطلقًا لا ينقضُ الوضوءَ، بل هو دليلٌ لمن يقول: بأن المسَّ بغير شهوة لا ينقضُ، وأما المسُّ بالشهوة فينقضُ، بدليل حديث بُسْرَةَ، وبهذا يُجْمَعُ بين الحديثين" اهـ.
5 - أكلُ لحمِ الإبلِ:
لحديث البراء بن عازب قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوءِ من لحوم الإبل، فقال:"توضؤوا منها" وسئل عن لحوم الغنم فقال: "لا توضؤوا منها .. "، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلًا سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: "أتوضَّأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئتَ فتوضأ، وإن شئتَ فلا توضَّأ" قال: أتوضأُ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم، فتوضَّأ من لحوم الإبل"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (182)، والترمذي رقم (85)، والنسائي (1/ 101)، وابن ماجه رقم (483)، والحاكم (1/ 139)، وابن حبان رقم (207 - 209 موارد)، وأحمد (4/ 23)، وصححه: عمرو بن علي الفلاس، وقال: هو عندنا أثبتُ من حديث بُسْرَةَ، وصححهُ أيضًا ابنُ حبان، والطبراني، وابن حزم، انظر:"تلخيص الحبيرِ"(1/ 125)، وضعفهُ الشافعي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والدارقطني، والبيهقي، وابن الجوزي، وادَّعى فيه النسخ: ابنُ حبانَ، والطبراني، وابن العربي، والحازمي، وآخرون، انظر: هذا في تحقيقي لـ"بداية المجتهد"(1/ 107).
(2)
"تمام المنة" ص (103).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (184)، والترمذي رقم (81)، وابن ماجه رقم (494)، وأحمد (4/ 303)، والبيهقي (1/ 159).
(4)
أخرجه مسلم (1/ 275) رقم (360).
*
الفصل الرابع*
ما يجبُ له الوضوءُ
وما يُسْتَحَبُّ
* ما يجب له الوضوء:
1 - يجب الوضوء للصلاة:
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (6): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} .
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُقْبَلُ صلاةُ أحَدكُم إذا أحدثَ حتى يتوضأ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث ابن عمرَ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول: "لا يقبلُ الله صلاةً بغير طُهُور، ولا صدقةً من غَلُولٍ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - يجب الوضوء للطواف بالبيت:
لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطواف بالبيتِ صلاةٌ، إلا أن الله أحلَّ فيه الكلام"، وهو حديث صحيح
(3)
.
*
ما يُسْتَحَبُّ لهُ الوضوءُ:
1 - ذكرُ الله عز وجل:
لحديث المهاجرِ بن قنفذ: "أنه سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يردَّ عليه حتى توضأ، فرد عليه، وقال: "إنه لم يمنعني أن أردَّ عليك، إلا أني كرهتُ أن أذْكُر الله إلا على طهارة"، وهو حديث صحيح
(4)
.
2 - النوم:
لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتَ مضجعكَ فتوضَّأ
(1)
أخرجه البخاري رقم (6954)، ومسلم رقم (2/ 225).
(2)
أخرجه مسلم رقم (224)، والترمذي رقم (1).
(3)
أخرجه الحاكم (1/ 459) و (2/ 267)، والترمذي رقم (960)، وابن خزيمة رقم (2739)، والبيهقي (5/ 87)، والدَّارِمي (2/ 44)، والطراني في الكبير رقم (10955)، وابن الجارود رقم (461)، وابن عدي في الكامل (5/ 2001)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 128) من طرق.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (17)، وابن ماجه رقم (350).
وضوءك للصلاة، ثم اضطجعْ على شقِّكَ الأيمنِ، ثم قل: اللهم أسلمتُ نفسي إليك، ووجهتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إَليك، وألجأتُ ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابكَ الذي أنزلتَ، ونبيِّك الذي. أرسلتَ، فإن متَّ من ليلتكَ فأنت على الفطرةِ، واجعلهنَّ آخرَ ما تتكلَّم به"، وهو حديث صحيح
(1)
.
3 - الجُنبُ إذا أراد أن يأكُلَ أو يشربَ، أو ينام، أو يعاودَ الجماعَ:
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جُنُبًا، فأراد أن يأكلَ أو ينامَ توضَّأ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدُكُمْ أهْلَهُ، ثم أراد أن يعودَ فليتوضَّأ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - قبلَ الغُسْلِ، سواءٌ أكان واجبًا أم مُسْتَحَبًّا:
لحديث عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسلَ من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه، ثم يُفرغُ بيمينه على شماله، فيغسِلُ فرْجَهُ، ثم توضَّأ وضوءًا للصلاة .. "، وهو حديث صحيح
(4)
.
5 - أكلُ ما مسَّتْهُ النارُ:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنما أتوضَّأُ من أثوارِ أَقطِ أكلتُها؛ لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "توضؤوا مما مسَّتِ النارُ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
وهو محمول على الاستحباب؛ لحديث عمرو بن أمية الضّمري أنه رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يحتزّ من كتفٍ يأكلُ منها، ثم صلَّى ولم يتوضأ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (6311)، ومسلم رقم (2710).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 91)، ومسلم رقم (22/ 305).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 21)، ومسلم رقم (308)، وأبو داود رقم (220)، والترمذي رقم (141)، والنسائي (1/ 142)، وابن ماجه رقم (587).
(4)
أخرجه البخاري رقم (248)، ومسلم رقم (35/ 316).
(5)
أخرجه مسلم رقم (352)، والنسائي (1/ 105 رقم 173).
(6)
أخرجه البخاري رقم (208)، ومسلم رقم (92/ 355).
6 - لكلِّ صلاة:
لحديث بُرَيْدَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الصلواتِ يومَ الفتح بوضُوءٍ واحدٍ، ومسحَ على خُفَّيْهِ، فقالَ له عمرُ: لقد صنعتَ اليومَ شيئًا لم تكُنْ تصْنَعُهُ قال: "عمدًا صنعتُهُ يا عمرُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 - عند كلِّ حَدَثٍ:
لحديث بريدة رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فدعا بلالًا فقال: "يا بلالُ، بم سبقتْني إلى الجنة؛ إني دخلتُ البارحةَ الجنةَ فسمعتُ خَشْخَشَتَكَ أمامي؟ "، فقال بلال: يا رسول الله، ما أذَّنْتُ قطَّ إلا صليتُ ركعتين، ولا أصابني حدثٌ قطُّ إلا توضَّأت عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لهذا"، وهو حديث صحيح
(2)
.
8 - مِنْ حَمْلِ الميِّتِ:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من غَسَّلَ ميتًا فليغتَسِلْ، ومن حَمَلَهُ فليتوضأ"، وهو حديث حسن
(3)
.
• وقال المحدث الألباني رحمه الله
(4)
: "وظاهرُ الأمر يفيد الوجوبَ، وإنما لم نَقُلْ به لحديثين موقوفين، لهما حكمُ الرفع.
الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس عليكم في غسل ميتكم غُسلٌ إذا غسَّلْتموه؛ فإن ميتكم ليس بنجسٍ، فحسبكم أن تغسِلُوا أيديكم"، وهو أثر صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (86/ 277)، وأبو داود رقم (172)، والترمذي رقم (61)، وابن ماجه رقم (510)، والنسائي (1/ 86 رقم 133).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (3689)، وأحمد (5/ 360) بسند صحيح على شرط مسلم، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (7894)، وصحيح الترغيب رقم (196).
(3)
أخرجه الترمذي رقم (993) وحسنه، وأبو داود رقم (3162)، وابن ماجه رقم (1463) مختصرًا، وأحمد (14/ 106 رقم 7675) شاكر، كلُّهم من طريق سهيل بن صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا، وإسناده صحيح، إلا أن أبا داود أدخلَ بين أبي صالح وأبي هريرة - إسحاق مولى رائدة - وهو ثقة، وإعلالهُ بكونه روي موقوفًا عن أبي هريرة أيضًا ليس بشيء؛ لأن الرفع زيادة يجبُ قبولُها إذا جاءت عن ثقةٍ، قلت: وللحديث طريقان آخران عند أحمد (2/ 280)، وأبي داود رقم (3161)، وله شَواهد، انظر: تخريجها في كتابنا: "إرشادُ الأمَّةِ إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الطهارة.
(4)
"أحكام الجنائز وبدعها" ص (71 - 72).
(5)
تقدم تخريجه في الباب الثاني: باب النجاسات، الفصل الاول: فصل أحكام النجاساتِ، ويُسْتَثْنَى من الميتة رقم (1) الآدمي المسلم لا ينجسُ بالموت.
والثاني: قولُ ابن عمرَ: "كُنَّا نُغَسِّلُ الميتَ، فمنَّا من يغتسلُ، ومنَّا من لا يتغسلُ"
(1)
.
9 - من القيء:
لحديث مَعْدَانَ بن أبي طلحةَ عن أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاءَ فتوضَّأ، فلقيتُ ثوبانَ في مسجد دمشق، فذكرتُ له ذلك، فقال:"صدقَ أنا صببتُ له وَضُوءَهُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وقد نص شيخ الإسلام ابنُ تيمية
(3)
: على استحباب الوضوء من القيء؛ لهذا الحديث.
(1)
أخرجه الدارقطني (2/ 72 رقم 4)، والخطيب في تاريخه (5/ 424)، بإسناد صحيح كما قال الحافظ.
(2)
أخرجه أحمد (6/ 443)، والترمذي رقم (87) وغيرهما، وانظر: تخريجه في "نيل الأوطار" رقم (2/ 239) بتحقيقي.
(3)
"مجموع الرسائل الكبرى"(2/ 234).
*
الفصل الخامس* المسح على الخُفَّيْنِ
1 - مشروعيةُ المسحِ على الخُفَّيْنِ:
لحديث همامِ بن الحارثِ قال: رأيتُ جريرَ بن عبد الله بالَ، ثم توضَّأ ومسحَ على خُفَّيْهِ، ثم قام فصلَّى. فَسُئِلَ، فقال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم صنعَ مثلَ هذا، قال إبراهيم: فكان يعجبُهم؛ لأنَّ جريرًا كان من آخِرِ من أسلم
(1)
.
قال ابن المنذر
(2)
: "ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائزٌ، قال: وذلك أن كلَّ من رُوِيَ عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كَرِهَ المسْحَ على الخفين، فقد روي عنه غيرُ ذلك" اهـ.
وقال ابن عبد البرِّ
(3)
: "وكذلك لا أعلمُ في التابعينَ أحدًا يُنكرُ ذلك، ولا في فقهاء المسلمينَ إلَّا رواية جابرٍ عن مالك. والرواياتُ الصِّحَاحُ عنه بخلافه، وهي منكرةٌ يدفعُها موطؤه وأصولُ مذهبه" اهـ
وقال في "الاستذكار"
(4)
: "والقائلون بالمسح على الخفَّينِ هم الجَمُّ الغفيرُ، والعددُ الكثيرُ الذين لا يجوزُ عليهم الغَلَطُ، ولا التشاغُر، ولا التواطؤُ، وهم جمهور الصحابة والتابعينَ، وهم فقهاء المسلمينَ"
(5)
اهـ.
2 - يُشْتَرَطُ لجواز المسح أن يَلْبَسَ الخفينِ على وضوءٍ:
لحديث المغيرةِ بن شعبةَ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ في مسيرٍ، فقال لي:"أمعكَ ماءُ؟ " قلتُ: نعم، فنزل عن راحلتِهِ، فمشى حتى توارى في سوادِ الليل، ثم جاءَ فأفرغتُ عليه من الإداوة، فغسلَ وجهَهُ، وعليه جبة من صوفٍ، فلم يستطِعْ أن يُخرِج ذراعيه منها؛ حتى أخرجَهُمَا من أسفَلِ الجبة فغسلَ ذراعيه ومسحَ برأسه، ثم أهويتُ لأنزعَ خُفَّيهِ فقال:"دعْهُمَا، فإني أدخلتُهما طاهرتين، ومسح عليهما" وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (387)، ومسلم رقم (72/ 272) وغيرهما.
(2)
في "الأوسط"(1/ 434).
(3)
في "التمهيد"(11/ 141).
(4)
(2/ 237 رقم 2181).
(5)
انظر: "سنن الترمذي"(1/ 156)، و "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 272).
(6)
أخرجه البخاري رقم (306)، ومسلم رقم (79/ 274).
3 - يَمْسَحُ المقيمُ يومًا وليلةً، والمسافِرُ ثلاثةَ أيامٍ بلياليهنَّ:
عن شُريح بن هانئٍ، قال: أتيتُ عائشةَ أسألُها عن المسح على الخفين: فقالت: عليك بابن أبي طالب فسَلْهُ؛ فإنَّهُ كان يسافرُ معَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناهُ، فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيامٍ ولياليهنَّ للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم"، وهو حديث صحيح
(1)
.
4 - اختصاصُ المسحِ بظهْرِ الخُفِّ:
لحديث علي رضي الله عنه قال: لو كان الدينُ بالرأي لكان أسفلُ الخفِّ أولى بالمسح من أعلاهُ، لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحُ على ظَاهِرِ خُفَّيْهِ"، وهو حديث حسن
(2)
.
5 - المسحُ على الجوربين والنَّعلينِ:
لحديث المغيرةِ بن شعبةَ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضَّأ ومسحَ على الجوربينِ والنعلين"، وهو حديث صحيح
(3)
.
6 - ما يُبْطِلُ المسْحَ:
1 -
انقضاء المدة: لأن المسح مؤقت كما في حديث علي بن أبي طالب الصحيح المتقدم آنفًا، فلا يجوز الزيادة على المدة المذكورة.
2 -
الجنابة: لحديث صفوان: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يامرُنا إذا كنا سُفْرًا ألَّا ننزع خِفَافَنَا ثلاثة أيام ولياليهنَّ إلَّا من جنابةٍ، لكن من غائطٍ وبولٍ ونومٍ"، وهو حديث حسن
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (676).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (162)، والدارقطني (1/ 199 رقم 23)، والبيهقي (1/ 292)، والدارمي (1/ 181)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 181).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (159)، والترمذي رقم (99)، وابن ماجه رقم (559)، وأحمد (4/ 252)، والنساني في الكبرى (1/ 92 رقم 130)، وانظر: تخريجي للحديث في تحقيقي "لنيل الأوطار" رقم الحديث (5/ 227).
(4)
تقدم تخريجه في "الفصل الثالث: فصل نواقض الوضوء" رقم (1).
*
فروع الباب السابع (باب الوضوء)
*
فرع رقم (1): لم يثبتْ في مسح الرقبةِ حديث:
أخرج البزَّار
(1)
من حديث وائل بن حجر مرفوعًا في حديث طويل، وفيه:"ومسحَ ظاهِرَ رقبتِهِ"، وإسناده ضعيف فيه ثلاثُ عللٍ:
1 -
محمد بن حجر قال فيه البخاري: فيه بعضُ النظرِ، وقال الذهبي: له مناكير
(2)
.
2 -
سعدُ بن عبد الجبار، قال فيه النَّسائي: ليس بالقوي
(3)
.
3 -
أمُّ عبد الجبار بنِ وائل بن حجر، قال ابنُ التُّركماني
(4)
: "لم أعرفْ حالَها، ولا اسْمَهَا"، والخلاصة أن الحديث ضعيف.
• أخرج الطبراني
(5)
: من حديث طلحةَ بنِ مصرِّفٍ، عن أبيه، عن جده، وفيه:"مسحَ رأسَهُ. قال: هكذا وأَوْمَأَ بيدهِ من مَقْدِم رأسِه، حتى بلغ بهما إلى أسفل عنُقه من قِبَل قَفَاهُ"، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه ثلاثُ علل أيضًا:
1 -
أبو سلمة الكندي: هو عثمانُ بن مقسِم البرِّي، تركَهُ القطانُ، وابن المبارك.
وقال الجوزجاني: كذَّاب، وقال النسائي والدارقطني: متروك
(6)
.
2 -
ليثُ بن أبي سليم صدوقٌ اختلط، ولم يتميَّزْ حديثهُ فَتُرِك
(7)
.
3 -
طلحةُ بن مصرِّف مجهول
(8)
.
والخلاصة أن الحديث ضعيف جدًّا.
فرع رقم (2): لَمْسُ المرأةِ لا ينقضُ الوضوءَ:
لحديث عائشةَ بلفظ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبَّلَ بعضَ نسائِهِ، ثم خرجَ إلى الصلاة ولم يتوضَّأ، قال: قلتُ: من هي إلَّا أنتِ؟ قال: فضحكتْ"، وهو حديث صحيح
(9)
، وصححه الشيخ الألباني، رحمه الله.
(1)
(1/ 140 رقم 268 - كشف).
(2)
الميزان (3/ 511) رقم (739).
(3)
الميزان (2/ 147) رقم (3225).
(4)
في "الجوهر النقي"(2/ 30) ذيل السنن الكبرى للبيهقي.
(5)
في "الكبير"(19/ 180) رقم
…
/ 409).
(6)
الميزان (3/ 56) رقم (5568).
(7)
التقريب (2/ 138) رقم (9).
(8)
التقريب (1/ 380) رقم (46).
(9)
أخرجه الترمذي (1/ 133 رقم 86)، وأبو داود (1/ 123) رقم (178)، وابن ماجه (1/ 168 رقم 502)، والنسائي (1/ 104 رقم 170).
فرع رقم (3): لم يثبتْ في استحباب تنشيف أعضاءِ الوضوء حديث:
فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانت له خرقةٌ يتنشَّفُ بها بعدَ الوضوء"، وهو حديث ضعيف
(1)
.
قال الترمذيُّ: حديثُ عائشةَ ليس بالقائم، ولا يصحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، وأبو معاذٍ: يقولون: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث.
وقال الحاكم: أبو معاذ هذا هو: الفضل بن ميسرةَ، بصريُّ، روى عنه يحيى بن سعيد، وأثنى عليه.
وقال الدارقطني والبيهقي: أبو معاذ هذا هو سليمانُ بن أرقمَ وهو متروكٌ.
قلت: الصوابُ مع الترمذي، والدارقطني، والبيهقي؛ لأن هؤلاء الثلاثة أقعدُ من الحاكم في معرفة الرجال، والله أعلم.
وعن معاذ بن جبل قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضَّأ مسَحَ وجْهَهُ بطرفِ ثوبِهِ"، وهو حديث ضعيف
(2)
.
وإسناده ساقطٌ؛ وذلك لأنَّ عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيفٌ، وكان يدلِّس على محمد بن سعيد المصلوبِ بالزندقةِ
(3)
.
فرع رقم (4): جوازُ العاونةِ في الوضوءِ:
لحديث المغيرة بن شعبةَ: "أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، وأنهُ ذَهَبَ لِحَاجَةً له، وأنَّ مغيرَةَ جعلَ يَصُبُّ الماءَ عليه وهو يتوضَّأ، فغسَلَ وجههُ ويديهِ ومسحَ برأسِهِ، ومسحَ على الخُفَّيْنِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
فرع رقم (5): الدعاءُ على أعضاء الوضوء لا أصل لهُ:
قال الشيرازي
(5)
: "
…
وزاد غيره أن يدعُوَ على وضوئِهِ، فيقول عند غسل الوجه:
(1)
أخرجه الترمذي رقم (53)، والدارقطني (1/ 110)، والحاكم (1/ 154)، والبيهقي (1/ 185)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" رقم (147)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 1102).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (54)، والبيهقي (1/ 236)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" رقم (146)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 236).
(3)
انظر: "المجروحين"(2/ 50).
(4)
أخرجه البخاري رقم (182)، ومسلم رقم (274).
(5)
في "المهذب"(1/ 486).
اللهم بيضْ وجهي يوم تسْود الوجوه، وعلى غسل اليد: اللهم أعطني كتابي بيميني، ولا تعطِني بشمالي، وعلى مسح الرأس: اللهم حَرِّم شَعري وبَشَرى على النار، وعلى مسح الأذن: اللهم اجعلْني من الذين يستمعون القول فيتبعون أَحْسَنَهُ، وعلى غَسل الرِّجلين: اللهم ثبِّت قدمي على الصراط".
وقال الإمام النووي
(1)
: "وأما الدعاءُ المذكورُ فلا أصلَ لهُ، وذكره كثيرون من الأصحاب، ولم يذكره المتقدمون، وزاد فيه الماوردي فقال: يقولُ عند المضمضة: اللهم اسْقِني من حوضِ نبيِّك كأسًا لا أظما بعدَه أبدًا، وعند الاستنشاق: اللهم لا تحرِمني رائحة نعيمك وجِنَانِك، قال: ويقول عند الرأس: اللهم أظلَّني تحتَ عرشِك يوم لا ظِلِّ إلا ظلُّكَ" اهـ.
فرع رقم (6): لم يثبتْ دليلٌ على أن الضَّحكَ ينقضُ الوضوءَ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضحكَ في الصلاة، فلْيُعِدِ الوضوءَ والصلاة"، وهو حديث ضعيف جدًّا
(2)
.
فرع رقم (7): لم يثبتْ دليلٌ على أن الرُّعافَ أو القيء أو القَلْسَ ينقضُ الوضوءَ:
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصابهُ قيءٌ، أو رعافٌ، أو قَلْسٌ فلينصرفْ فليتوضأ، ثم لِيَبْنِ على صلاةٍ، وهو في ذلك لا يتكلم"، وهو حديث ضعيف
(3)
.
فرع رقم (8): دليل الوضوءِ من الغضب ضعيف:
لحديث أبي وائل القاصِّ، قال: دخلْنَا على عروةَ بن محمد السعدي، فكلَّمه رجُلٌ، فأغضبهُ، فقام فتوضَّأ، ثم رجعَ وقد توضَّأ، فقال: حدَّثَنِي أبي، عن جدي عطية قال:
(1)
في "المجموع"(1/ 489).
(2)
أخرجه الدارقطني (1/ 164)، وابن عدي (3/ 1027)، والخطيب في "تاريخ بغداد"(9/ 379)، وابن الجوزي في "العِلل"(1/ 369)، قال ابن عدي عقبَهُ: البلاءُ في هذا الإسناد من عبد العزيز بن حصين، وعبد الكريم هو عبد الكريم أبو أمية بصريُّ، وهما ضعيفان، قلت: والحسن لم يسمع من أبي هريرة، والحديث مروي من حديث ابن عمر، وأنسٍ، وعمرانَ بن الحصين، وجابر، وأبي المُليحِ، وأبي موسى، ومن مرسل إبراهيم النخعي، والزهري، ومَعْبَدٍ، وأبي العالية، انظر: تخريجها في كتابنا "إرشادُ الأمةِ إلى فقه الكتابِ والسنةِ" جزءُ الطهارة.
(3)
أخرخه ابن ماجه رقم (1221)، والدارقطني (1/ 154)، والبيهَقي (1/ 142)، وابن عدي (1/ 292)، وابن الجوزي في "العلل"(1/ 366).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغضبَ من الشيطانِ، وإن الشيطانَ خُلِقَ من النَّارِ، وإنما تُطْفأ النارُ بالماءِ، فإذا غضِبَ أحدُكم فليتوضأ"، وهو حديث ضعيف
(1)
.
فرع رقم (9): دليلُ الوضوء من الكلامِ الخبيثِ ضعيف:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحدثُ حَدَثَانِ: حَدَثُ اللسانِ، وحَدَثُ الفَرْجِ، وليسا سواءً، حدثُ اللسانِ أشدُّ من حَدَثِ الفرجِ، وفيهما الوضوءُ"، وهو حديث ضعيف
(2)
.
فرع رقم (10): دليلُ مشروعيةِ مَسْحِ أسفلِ الخفِّ ضعيفٌ:
لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخفِّ وأسفلَه، وهو حديث ضعيف
(3)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (4784)، وأحمد (4/ 226)، والبغوي في شرح السنة (13/ 161)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 241)، وضعفه الألباني رحمه الله في ضعيف أبي داود، وفي ضعيف الجامع رقم (1510).
(2)
أخرجه الجوزقاني في "الأباطيل"(1/ 353)، والديلمي في "الفردوس"، قال ابن الجوزي في "العلل" (1/ 365): هدا حديث لا يصحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيَّةُ مدلِّسٌ لعله سمعه من بعض الضعفاء.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (165)، والترمذي رقم (97)، وابن ماجه رقم (550)، وأَحمد (4/ 251)، والدارقطني (1/ 195)، والبيهقي (1/ 290) بسند منقطع مرسل؛ لأن ثورَ لم يسمعْه من رجاءٍ، وإنما قال: حُدِّثت عن رجاءٍ، كما رواه ابن المبارك عن ثور: حُدِّثْتُ عن رجاء، عن كاتبِ المغيرةِ مرسلًا، ولم يذكُرَ فيه المغيرةَ.
*
الباب الثامن* باب الغُسْلِ
*
الفصل الأول* متى يجب الغُسل
؟
1 - خروجُ المنيِّ في اليقظة، أو في النوم:
لحديث علي رضي الله عنه قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن المذْي؟ فقال: "من المذي الوضوءُ، ومن المنيِّ الغُسْلُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث أمِّ سلمةَ: أنَّ أمَّ سُليم قالت: يا رسولَ الله، إن الله لا يَسْتَحْيي من الحق، فهل على المرأةِ الغُسلُ إذا احتلمتْ؟ قال:"نعم إذا رأت الماءَ" فقالت أمُّ سلمة: وتحتلمُ المرأةُ؟ فقال: "تَرِبَتْ يداكِ فبما يُشْبِهُها ولدُها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
• ومن احتلمَ ولم يجد الماءَ فلا غُسْلَ عليه، ومن وجدَ الماءَ ولم يذكرِ احتلامًا فعليه الغُسْلُ؛ لحديث خولة بنت حَكيم أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأةِ ترى في منامِها ما يرى الرَّجلُ، فقال:"ليس عليها غسل حتى تُنزِلَ، كلما أنَّ الرجل ليس عليه غُسلُ حتى يُنْزِلَ" رواه أحمد، والنسائي مختصرًا ولفظه:"أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأةِ تحتلمُ في منامها، فقال: "إذا رأت الماءَ فلتغتسلْ"، وهو حديث حسن
(3)
.
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يَجدُ البلل ولا يذكرُ احتلامًا، فقال:"يغتسلُ" وعن الرجل يرى أن قد احتلم، ولا يجدُ البللَ، فقال:"لا غُسلَ عليه" فقالت أمُّ سليم: المرأةُ ترى ذلك عليها الغُسل؟ قال: "نعم، إنما النِّساءُ شقائِقُ الرِّجال"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه الترمذي رقم (114)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه رقم (504).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 302، 306)، والبخاري رقم (282)، ومسلم رقم (313).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 409)، والنسائي (1/ 115)، وابن ماجه رقم (602)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 80 - 81) وانظر:"الصحيحة" رقم (2187).
(4)
أخرجه أحمد (6/ 256)، وأبو داود رقم (236)، والترمذي رقم (113)، وابن ماجه رقم (612).
2 - الجِمَاعُ وإن لم يُنْزِلْ:
لحديث أبي هرِيرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلسَ بين شُعَبِها الأربعِ، ثم جَهَدَهَا، فقد وجب عليه الغُسْلُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قَعَدَ بين شُعَبها الأربع، ثم مسَّ الختانُ الختانَ فقد وجبَ الغُسلُ"، ولفظ الترمذي:"إذا جاوز الختانُ الختانَ وجب الغُسْلُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
والختان: موضعُ الخَتْنِ، وهو عند الصبيِّ: الجلدةُ التي تغطِّي رأس الذَّكَرِ قبلَ الخَتن، وعند الأُنْثَى: جلدةٌ في أعلى القُبُل مجاورةٌ لمخرجِ البولِ.
والمراد بالتقاءِ الختانين تحاذيهما، ويكون ذلك بدخول الحشفةِ في الفرجِ، وهو كناية عن الجماع.
3 - انقطاع الحيض والنِّفَاس:
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (222): {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} .
ولحديث عائشةَ قالتْ: جاءتْ فاطمةُ بنتُ أبي حُبيشٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني امرأةٌ اسْتَحَاضُ فلا أطْهُرَ، أفَأَدَعُ الصلاةَ؟ فقال:"لا، إنما ذلكَ عِرْقٌ، وليس بالحيضةِ، فإذا أقبلتِ الحيضةُ فدعي الصلاةَ، وإذا أدبرتْ فاغْسِلي عنكِ الدَّمَ وصَلِّي"، وهو حديث صحيح
(3)
.
قال الشيرازي
(4)
: "وأما دمُ النفاس فإنه يوجب الغسلَ؛ لأنه حيضٌ مجتمعٌ، ولأنه يحرمُ الصومُ والوَطْءُ، ويُسْقطُ فَرْضُ الصلاة، فأوجبَ الغسل كالحيضِ" اهـ.
وقال النووي
(5)
: "أجمع العلماءُ على وجوبِ الغُسْل بسبب الحيض، وبسبب النفاسِ، وممن نقل الإجماعَ فيهما ابن المنذر، وابن جرير الطبري وآخرون" اهـ.
(1)
أخرجه أحمد (2/ 293)، والبخاري رقم (291)، ومسلم رقم (348).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 47)، ومسلم رقم (349)، والترمذي رقم (109).
(3)
أخرجه البخاري رقم (306)، ومسلم رقم (333).
(4)
في "المهذب"(2/ 167 - مع المجموع).
(5)
في "المجموع"(2/ 168).
4 - إسلامُ الكافر:
لحديث قيس بن عاصم، قال:"أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أريدُ الإسلامَ، فأمرني أن أغتسلَ بماءٍ وسِدْرٍ"، وهو حديث حسن
(1)
.
5 - ما يحرمُ على الجُنُبِ:
1 - يحرم على الجنُب أن يمكُثَ في المسجد:
لحديث عائشة قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجُوهُ بيوتِ أصحابه شارعة في المسجد، فقال:"وجِّهوا هذه البيوتَ عن المسجد"، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القومُ شيئًا، رجاءَ أن تنزلَ فيهم رخصةٌ، فخرج إليهم بعدُ فقال:"وجِّهوا هذه البيوتَ عن المسجد؛ فإني لا أُحلُّ المسجدَ لحائِض، ولا جُنُبٍ"، وهو حديث حسن
(2)
2 - الصلاة
.
3 - الطوافُ:
وقد تقدمت أدلةُ ذلك في "الفصل الرابع": ما يجبُ له الوضوءُ.
(1)
أخرجه أحمد (5/ 61)، والترمذي رقم (605)، والنسائي (1/ 109)، وأبو داود رقم (355).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (232)، وقال الزيلعي في "نصب الراية عقبَ هذا الحديث: وهو حديث حسن، قال ابن القطان في كتابه:"قال أبو محمد عبد الحق في حديث جسرة هذا بأنه لا يثبتُ من قِبَل إسناده، ولم يُبيِّن ضعفه، ولستُ أقول: إنه حديث صحيح، وإنما أقول: إنه حسن، فإنه يرويه عبدُ الواحد بن زياد: ثنا أفلتُ بن خليفة، حدثتني جسرةُ بنت دجاجة عن عائشةَ، وعبدُ الواحد ثقة، لم يُذْكَر بقادحٍ، وعبد الحقِّ احتجَّ به في غير موضع من كتابه، وأفلتُ، ويقال: فُلَيْتُ بُن خليفة العامري، قال ابن حنبل: ما أرى به بأسًا، وقال فيه أبو حاتم: شيخ قلت: وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (1/ 82): صدوق.
وقال الذهبي في الكاشف (1/ 137): صدوق، وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/ 185):"قد أخرج حديثه ابنُ خزيمة، وقد روى عنه ثقات من ووثقه من تقدَّم، وذكَرَهُ ابنُ حبانَ في الثقاتِ، وحسَّنه ابنُ القطان" وأما جسرةُ بنتُ دجاجة فقال فيها الكوفي: تابعيةٌ، وقول البخاري في تاريخه الكبير: عندها عجائبُ، لا يكفي في إسقاط ما روتْ، روى عنها أفلتُ، وقدامةُ بن عبد الله بن عبدة العامري".
وانظر: مزيدًا من الكلام على هذا الحديث في "نصب الراية"(1/ 194).
وخلاصةُ القول أن الحديث حسن، والله أعلم.
*
الفصل الثاني* أركانُ الغسلِ وسننهِ
1 - أركانُ الغُسْلِ:
أ - النيةُ:
لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكُلِّ امرئٍ ما نوى"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ب - تعميمُ البدنِ بالماءِ
.
2 - سُننُ الغُسْلِ:
1 -
غسل يديه ثلاثًا.
2 -
غسل فرجه.
3 -
يتوضأ وضوءًا كاملًا كالوضوء للصلاة، وله تأخير غَسْل قدميه إلى أن يتم غُسْلَهُ.
4 -
يُفيضُ الماءَ على رأسه ثلاثًا، مع تخليل الشَّعْرِ؛ ليصلَ الماءُ إلى أصولهِ.
5 -
يفيضُ الماءَ على سائر بدنهِ بادئًا بالشقِّ الأيمنِ، ثم الأيسر.
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابةِ يبدأ فيغسلُ يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسلُ فرجهُ، ثم يتوضَّأ، ثم يأخذ الماءَ فيدخلُ أصابعه في أصول الشعر، ثم حفنَ على رأسه ثلاث حفناتٍ، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليهِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث ابن عباسٍ قال: قالت ميمونةُ: "وضعتُ للنبي صلى الله عليه وسلم ماءً للغُسلِ، فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا، ثم أفرغ على شماله فغسلَ مذاكيرَهُ، ثم مسح يده بالأرض، ثم مضمض واستنشق، وغسلَ وجهَهُ ويديهِ، ثم أفاض على جسده، ثم تحوَّل من: مكانه فغسل قدميهِ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1)، ومسلم رقم (1907).
(2)
أخرجه البخاري رقم (248)، ومسلم رقم (316).
(3)
أخرجه البخاري رقم (257)، ومسلم رقم (317).
3 - غُسْلُ المرأةِ:
غسل المرأة كغسل الرجلِ إلَّا أن المرأةَ يجب عليها نقضُ شعرِها في الغسل من الحيض؛ لحديث أمِّ سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأةٌ أشدُّ شعرَ رأسي، أفأنقضُهُ لغسل الجنابة؟ وفي رواية:"والحيضة" قال: "لا، إنما يكفيك أن تَحْثِي على رأسكِ ثلاث حثيَاتٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عبيدِ بن عُميرٍ قال: بلغ عائشةَ أن عبد الله بن عمرو يأمرُ النِّساءَ إذا اغتسلنَ أن يَنقُضنَ رؤوسهنَّ، فقالت:"يا عجبًا لابن عمرو، وهو يأمر النساء إذا اغتسلن بنقض رؤوسهنَّ! أوما يأمرهُنَّ أن يحلقْنَ رؤوسهنَّ، لقد كنتُ أغتسلُ أنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، وما أزيدُ على أن أُفْرِغَ على رأسي ثلاثَ إفراغاتٍ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ويُستحبُّ للمرأة إذا اغتسلت من حيضٍ أو نفاسٍ، أن تأخذ قطعةً من قطنٍ أو نحوه، وتضيفَ إليها مسكًا أو طيبًا، ثم تتبعُ بها أثر الدمِ؛ لتطيِّبَ المحلَّ، وتدفع عنه رائحةَ الدَّم الكريهة.
لحديث عائشة رضي الله عنها أن أسماءَ سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غُسْلِ المحيض؟ فقال: "تأخذ إحداكنَّ ماءَها وسدرتَها فتطهَّرُ، فتحسنُ الطَّهُورَ، ثم تَصُبُّ على رأسِها فتدلكهُ دلْكًا شديدًا، حتى تبلغ شؤون رأسِها، ثم تصبُّ عليها الماءَ، ثم تأخذُ فرصةً ممسَّكةً فتطهَرُ بها".
فقالت أسماءُ: وكيف تطهَّرُ بها؟ فقال: "سبحانَ الله! تطهَّرينَ بها".
فقالت عائشة رضي الله عنها: (كأنها تُخفي ذلك) تتبعينَ أثَرَ الدم، وسألتْه عن غُسْلِ الجنابةِ؟.
فقال: "تأخذُ ماءً فتطهر، فتحسنُ الطهُورَ أو تُبلغُ الطهورَ، ثم تَصُبّ على رأسها فتدلكهُ حتى تبلغَ شؤون رأسِها، ثم تفيضُ عليها الماء"، فقالت عائشة: نِعمَ النساءُ نساءُ الأنصارِ لم يكن يمنعهنّ الحياءُ أن يتفقهنَ في الدين
(3)
.
• يجوز للزوجين أن يغتسلا معًا في مكان واحدٍ، ومن إناء واحد.
(1)
أخرجه مسلم رقم (330)، وأبو داود رقم (251)، والترمذي رقم (105)، والنسائي (1/ 131).
(2)
أخرجه مسلم رقم (331)، وأحمد (6/ 43).
(3)
أخرجه مسلم رقم (61/ 332).
لحديث عائشةَ رضي الله عنها قالت: كنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ - بيني وبينه - واحد فيبادرني حتى أقولَ: دَعْ لي، دَعْ لي. قالت: وهما جُنُبَانِ، وهو حديث صحيح
(1)
.
•
جوازُ وضوء وغُسْلِ الرجلِ من فضل طهورِ المرأة:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: اغتسلَ بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنةٍ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها - أو يغتسلَ - فقالت له: يا رسول الله؛ إني كنتُ جنبًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الماءَ لا يجنبُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (261)، ومسلم رقم (46/ 321).
(2)
تقدم تخريجه في الفرع رقم (7) من الفروع التي تتعلق بالباب الأول: بابُ أقسام المياهِ.
*
الفصل الثالث* متَى يُسَنُّ الغُسْلُ
؟
1 - غُسلُ الجمعةِ:
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاءَ أحدكمُ الجمعةَ، فليغتسلْ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وصَرَفَهُ عن الوجوب، حديث سَمُرَة بن جُندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضَّأ يومَ الجمعة فبها ونعُمَتْ، ومن اغتسلَ فالغُسلُ أفضلُ"، وهو حديث حسن بمجموع طرقه
(2)
.
2 - غُسْلُ العيدين:
قال البزار
(3)
: لا أحفظُ في الاغتسال في العيدين حديثًا صحيحًا.
قلت: أخرج مالك
(4)
، والشافعي
(5)
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يغتسل يومَ الفطر قبلَ أن يغدو إلى المصلى"، وهو أثر صحيح.
3 - غُسْلُ مَنْ غَسَّلَ ميِّتًا:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من غَسَّلَ الميِّتَ فليغتسلْ، ومن حَمَلَهُ فليتوضَّأ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
وصرفه عن الوجوب:
حديثُ ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس عليكم في غسل ميتكم غُسْل إذا غسلتموه؛ فإن ميتكم ليس بنجسٍ، فحسبُكم أن تغسلوا أيديكم"، وهو أثر صحيح
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (877)، ومسلم رقم (844).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (354)، والنسائي (3/ 94)، والترمذي رقم (497)، وقال:"حديث حسن".
(3)
"تلخيص الحبير"(2/ 81).
(4)
الموطأ (1/ 177 رقم 2).
(5)
في الأم (1/ 265).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (3161)، والترمذي رقم (993)، وقال:"حديث حسن" وابن ماجه رقم (1463).
(7)
انظر: تخريجه في الباب الثاني - باب النجاسات، رقم (1): الآدمي. المسلم لا ينجسُ بالموتِ.
4 - الغُسْلُ للإحرام:
لحديث زيد بن ثابت: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرَّد لإهلاله واغتسلَ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - الغُسْلُ لدخول مكة:
لحديث نافع: "أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يقدُمُ مكةَ إلا باتَ بذي طُوَىً، حتى يصبِحَ ويغتسلَ، ثم يدخلَ مكة نهارًا، يذكرُ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله"، وهو حديث صحيح
(2)
.
6 - غُسْلُ المستحاضة لكل صلاة، أو للظهر والعصر جميعًا غُسْلًا، وللمغرب والعشاءِ جميعًا غُسلًا، وللفَجرِ غُسلًا:
لحديث عروة بن الزبير عن أسماء بنت عُميس قالت: قلتُ: يا رسول الله، إن فاطمة بنت حبيش اسْتُحِيضَتْ منذ كذا وكذا فلم تُصَلِّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذا من الشيطان، لتجلسْ في مركنٍ، فإذا رأتْ صُفْرةً فوقَ الماء فلتغتسلْ للظهر والعصر غُسلًا واحدًا، وَتغتسل للمغرب والعشاء غُسلًا واحدًا، وتغتسَل للفجر غُسلًا، وتتوضَّأ فيما بين ذلك"، وهو حديث صحيح
(3)
.
7 - الاغتسالُ بعد الإغماء:
لحديث عائشة رضي الله عنه قالت: ثَقِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصَلَّى الناسُ؟ فقُلنا: لا، هُم ينتظرونكَ يا رسولَ الله، فقال:"ضعُوا لي ماءً في المخْضَبِ" قالت: ففعلنا، فاغتسلَ، ثم ذهب لينوءَ فأُغمِىَ عليه ثم أفاقَ، فقال: أصَلَّى الناسُ؟ فقُلنا: لا، هُم ينتظرونكَ يا رسولَ الله، فقال:"ضعُوا لي ماءً في المخْضَبِ" قالت: ففعلنا، فاغتسلَ ثُمَّ ذهبَ لينُوءَ فأُغْمِىَ عليه ثم أفاق، قال: أصَلَّى الناسُ؟ فقُلنا: لا، هُم ينتظرونكَ يا رسولَ الله، فذكرت إرسالهُ إلى أبي بكر، وتمام الحديث، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه الترمذي رقم (830)، وقال:"حديث حسن غريب"، والدارقطني (2/ 220 رقم 230)، والبيهقي (5/ 32)، والطبراني في "الكبير"(5/ 135 رقم 4862).
(2)
أخرجه مسلم رقم (227/ 1259).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (296).
(4)
أخرجه أحمد (6/ 251)، والبخاري رقم (687)، ومسلم (418).
8 - الاغتسالُ من دفنِ المشركِ:
لحديث علي رضي الله عنه أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: إنَّ أبا طالبٍ ماتَ. فقال: "اذهب فواره"، قال: إنه ماتَ مشركًا، قال:"اذهب فوارِهِ"، فلما واريتُهُ رجعتُ إليه، فقال لي:"اغتسلْ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
9 - الاغتسال عند كلِّ جِماعٍ:
لحديث أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم طَافَ ذاتَ ليلةٍ على نسائِه يغتسلُ عند هذه، وعند هذه، قال: فقلت يا رسول الله! ألا تجعله واحدًا؟ قال: "هذا أَزكى وأطيبُ وأطهرُ"، وهو حديث حسن
(2)
.
(1)
أخرجه النسائي (1/ 110 رقم 190)، وأبو داود رقم (3214)، والبيهقي (3/ 398)، وانظر الكلام عليه في "أحكام الجنائز" ص (169 - 172).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (218)، وابن ماجه رقم (590).
*
فروع بابُ الغُسلِ
*
فرع رقم (1): جواز دخولِ الرجال الحمامَ - خارج المنزل - بِمِئْزرٍ، وتحريمُ دخولهِ على النساء:
لحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فلا يَدْخُلِ الحمَّامَ إلا بمئزرٍ، ومن كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فلا يُدخِلُ حليلتَهُ الحمَّامَ"، وهو حديث حسن
(1)
.
ولحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليكرمْ جارَهُ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَدْخُلِ الحمَّامَ إلا بمئزَرٍ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقلْ خيرًا أو ليصمُتْ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائِكم فلا تَدْخُل الحمَّامَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وفي الباب عن ابن عباس، وعن قاص الأجناد بالقسطنطينية، وعن أبي المليح الهذلي، وعن السائب
(3)
.
فرع رقم (2): دخولُ الوضوء في الغُسْلِ:
لحديث جابر بن عبد الله: أن أهلَ الطائِفِ قالوا: يا رسول الله، إن أرضَنَا أرضٌ باردة، فما يجزئنا من غسل الجنابة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفرغُ على رأسي ثلاثًا، وهو حديث صحيح
(4)
؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضَّأ بعد الغُسْل"، وهو حديث صحيح
(5)
.
قال المحدث الألباني
(6)
رحمه الله: "ينتجُ منهما - أي من الحديثين - أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالغسل الذي لم يتوضأ فيه ولا بعده، والله أعلم" اهـ.
(1)
أخرجه أحمد (3/ 339)، والنسائي (1/ 198)، والترمذي رقم (2801)، والحاكم (4/ 288)، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في "غاية المرام" رقم (190).
(2)
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (5597)، والبيهقي (7/ 309)، والحاكم (4/ 289)، والطبراني في "الكبير"(4/ 124 رقم 3873) من طرق.
(3)
انظر: تخريجها في كتابنا: "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الطهارة.
(4)
أخرجه مسلم رقم (56/ 328)
(5)
أخرجه أحمد (6/ 68)، وأبو داود رقم (250)، والترمذي رقم (107)، والنسائي (1/ 209)، وابن ماجه رقم (579).
(6)
في "تمام المنة" ص (129).
*
الباب التاسع* بابُ التيمُّمِ
1 - دليلُ مشروعيةِ التيمُّمِ:
قال تعالى في سورة المائدة الآية (6): {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} .
وعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "خرجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداءِ - أو بذاتِ الجيشِ - انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسِهِ، وأقام الناسُ مَعَهُ، وليسوا على ماء، فأتى الناسُ إلى أبي بكرٍ الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعتْ عائشةُ؟ أقامتْ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم والناسِ، وليسُوا على ماءٍ، وليسَ معهم ماءٌ، فجاء أبو بكر ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم واضعٌ رأسَهُ على فخذي قد نام، فقال: حَبَسْتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والناسَ، وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءٌ، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقالَ ما شاءَ الله أن يقولَ وجعل يطعنني بيده في خَاصِرتي، فلا يمنعُني من التحرُّك إلا مكانُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينَ أصبحَ على غير ماءٍ، فأنزل الله آية التيمم فتيمَّمُوا، فقال أُسَيدُ بن الحضير: ما هي بِأولِ بركتِكم يا آل أبي بكر. قالت: فبعثنا البعيرَ الذي كنتُ عليه، فأصبْنَا العقدَ تحتَه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - الأسبابُ المبيحةُ للتيمم:
يُبَاحُ التيمم عند العجزِ عن استعمال الماءِ لفقده، أو خوف ضرره من استعماله لمرض في الجسم، أو شِدَّةِ بَرْدٍ؛ لحديث عمرانَ بنِ حصينٍ قال: كُنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، فصلَّى بالناسِ، فإذا هو برجل معتزلٍ فقال:"ما منعك أن تصلِّي؟ قال: أصابتني جنابةٌ ولا ماء، قال: "عليك بالصَّعيدِ، فإنه يكفيك"، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (334)، ومسلم رقم (367).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 434)، والبخاري رقم (348)، ومسلم رقم (682).
ولحديث جابر قال: خرجنا في سفرٍ، فأصابَ رجلًا منا حجرٌ، فشجَّهُ في رأسهِ، ثم احتلم، فسألَ أصحابَهُ هل تجدونَ لي رُخصةً في التيمم؟ فقالوا: ما نجدُ لكَ رُخصةً وأنت تَقْدِرُ على الماء، فاغتسل فماتَ، فلما قَدِمْنَا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أُخبرَ بذلك، فقال:"قَتِلوِهُ قتلَهُمُ الله، ألا سألوا إذْ لم ليَعْلَمُوَا؟ فإنما شفاء العيِّ السؤالُ، إنما كان يكفيه أن يتيمَّمَ، ويَعْصِرَ، أو يعصبَ على جُرْحِهِ، ثم يمسحَ عليه ويغسلَ سائر جسده"، وهو حديث حسن بدون بلاغِ عطاءٍ
(1)
.
ولحديث عمرو بن العاص أنَّهُ لما بُعِثَ في غزوة ذاتِ السَّلاسل قال: احتلمتُ في ليلةٍ باردةٍ شديدةِ البردِ، فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلكَ فتيممتُ، ثم صليتُ بأصحابي صلاةَ الصبحِ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فقال:"يا عمرو صليتَ بأصحابك وأنت جُنُبٌ؟ " فقلتُ: ذكرتُ قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فتيممتُ ثم صليتُ، فضحكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولم يَقُلْ شيئًا"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - ما هوَ الصعيدُ
؟:
قال ابن منظور
(3)
: "الصعيدُ الأرض، وقيل: الأرض الطيبةُ. وقيل: هو كل تراب طيِّبٍ، وفي التنزيل:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}
…
"، وقال أبو إسحاق: الصعيدُ وجهُ الأرض، قال: وعلى الإنسان أن يَضْرِبَ بيديه وجْهَ الأرض ولا يبالي أكان في الموضعِ تُرابٌ أو لم يكن؛ لأن الصعيدَ ليس هو التراب، إنما هو وجهُ الأرض، ترابًا كان أو غيره،
(1)
أخرجه أبو داود رقم (336)، والبيهقي (1/ 228)، والدارقطني (1/ 189 - 190).
قلت: ولحديث جابر شاهدان عن ابن عباس:
الأول: أخرجَه أبو داود رقم (337)، وابن ماجه رقم (572)، والحاكم (1/ 165)، وابن حبان رقم (201 - موارد)، والدارمي (1/ 192).
والثاني: أخرجه الحاكم (1/ 178)، والدارقطني (1/ 190).
وخلاصة القول: أن حديثَ جابر حسنٌ بدون بلاغِ عطاءٍ.
(2)
أخرجه أحمد (4/ 203)، وأبو داود رقم (334، 335)، والدارقطي (1/ 178 رقم 12)، وابن حبان (رقم 202 - موارد)، والحاكم (1/ 177)، وصححه ووافقه الذهبي، وهو عند البخاري تعليقًا (1/ 454 - مع الفتح).
وقال الحافظ: "هذا المعلقُ وصله أبو داود والحاكم .. وإسنادُه قوي".
(3)
في "لسان العرب"(7/ 344).
قال: ولو أن أرضًا كانت كلُّها صخرًا لا ترابَ عليه، ثم ضربَ المتيمم يدَه على ذلك الصخرِ لكان ذلك طهورًا إذا مسحَ به وجْهَهُ .. "
(1)
اهـ.
4 - صفةُ التيمُّمِ:
عن عمار بن ياسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في التيميم: "ضربةٌ للوجه واليدين والكفين"
(2)
.
عن عبد الرحمن بن أَبْزَى قال: جاء رجلٌ إلى عمرَ بن الخطاب فقال: إني أجنبتُ فلم أصِبَ الماءَ؟ فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكرُ أنَّا كُنَّا في سفر أنا وأنتَ، فأما أنت فلم تصلِّ، وأما أنا فتمعكْتُ فصلَّيتُ، فذكرتُ للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إنما يكفيكَ هكذا" فضربَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بكفَّيْهِ الأرض، ونفخَ فيهما، ثم مسحَ بهما وجْهَهُ وكفَّيْهِ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
5 - جواز التيمم بالجدار:
عن الأعرج قال: "سمعتُ عُميرًا - مولى ابن عباس - قال: أقبلتُ أنا وعبد الله بنُ يسار، مولى ميمونةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخلْنَا على أبي جُهيم بنِ الحارثِ بن الصِّمة الأنصاري، فقال أبو الجُهيم: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئرِ جَمَلٍ، فلقيَهُ رجلٌ فسَلَّمَ عليه، فلم يَرُدَّ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، حتى أقبلَ على الجدَار، فمسح بوجهه ويديه، ثم ردَّ عليه السلام"، وهو حديث صحيح
(4)
.
6 - نواقضُ التيمُّم:
ينقض التيمم ما ينقضُ الوضوءَ، وينقضهُ أيضًا وجودُ الماء لمن فقدهُ، والقدرة على استعماله لمن عَجَزَ عنه، وما مضى من صلاتهِ فصحيحٌ لا تلزمه إعادتُهُ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلانِ في سفرٍ، فحضرتْ الصلاةُ وليس معهما ماءٌ، فتيمما صعيدًا طيبًا، فصليا، ثم وجدَا الماءَ في الوقت فأعادَ أحدُهما الوضوءَ والصلاةَ، ولم يُعد
(1)
انظر: "الروضة الندية"(1/ 174 - 176) بتحقيقي: "الخلاف في الصعيد الذي يُتيممُ به".
(2)
أخرجه أحمد (4/ 263)، وأبو داود رقم (327)، وفي لفظ للترمذي رقم (144) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرَهُ بالتيمم للوجه والكفين وهو حديث صحيح.
(3)
أخرجه البخاري رقم (338) ومسلم رقم (368).
(4)
أخرجه البخاري رقم (337) ومسلم رقم (369).
الآخرُ، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يُعِدْ:"أصبتَ السُّنَّةَ، وأجْزَأتْكَ صلاتُكَ"، وقال للذي توضأ وأعادَ:"لك الأجرُ مرتين"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 - الرخصةُ في الجماع لعادمِ الماءِ:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: اجتويَتُ المدينةَ، فأمرَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بإبلٍ فكنتُ فيها، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: هلك أبو ذرٍّ، قال:"ما حالُكَ؟ " قال: كنتُ أتعرَّضُ للجنابةِ، وليس قربي ماءٌ، فقال:"إن الصعيد طهورٌ لمن لم يجدِ الماءَ عشرَ سنينَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
8 - من كان به جُرْحٌ قد لَفَّهُ، أو كَسْرٌ قد جَبَرَهُ فقد سقطَ عنه غُسلُ ذاك الموضع، ولا يلزمه المسحُ عليه، ولا التيمم له:
قال ابن حزم
(3)
: "برهان ذلك قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمرٍ فَأتُوا منه ما استطعتُم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
فسقط بالقرآنِ والسنة كلُّ ما عجزَ عنه المرءُ، وكان التعويضُ منه شرعًا، والشرعُ لا يلزمُ إلا بقرآنٍ أو سُنَّةٍ، ولم يأت قرآنٌ ولا سُنَّةٌ بتعويض المسحِ على الجبائرِ، والدواءِ من غَسْلِ ما لا يقدِرُ على غسلِهِ، فسقطَ القولُ بذلك" اهـ.
9 - أدلة مشروعيةِ المسحِ على الجبيرةِ ضعيفة:
لحديث ابن عُمَر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسحُ على الجبائرِ"، وهو حديث ضعيف
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (338)، والنسائي (1/ 213 رقم 433).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 146)، وأبو داود رقم (333)، والأثرم، وهو لفظُهُ.
(3)
في "المحلى"(2/ 74 - 75).
(4)
أخرجه أحمد (428)، والبخاري رقم (7288)، ومسلم رقم (1337).
(5)
أخرجه الدارقطني (1/ 205)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 115)، وابن الجوزي في "العلل" (1/ 361). قال الدارقطني عقبه:"لا يصحُّ مرفوعًا، وأبو عمارة ضعيفٌ جدًّا".
وللحديث شاهدٌ أخرجه الطبراني في "الكبير"(8/ 154 رقم 7597).
عن أبي أمامةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما رماهُ ابن قَمئَةٍ يومَ أحُدٍ رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضَّأ حلَّ عن عصابِهِ ومسحَ عليها بالوضوءِ"، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 264) وقال: فيه حفصُ بن عمر العدني وهو ضعيف، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه - أي حفصٌ هذا - غيرُ محفوظ، والخلاصة أن الحديث ضعيفٌ.
• ولحديث علي رضي الله عنه قال: "انكسرتْ إحدى زنديَّ، فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر"، وهو حديث ضعيف
(1)
.
10 - خشية خروج الوقت لا تبيحَ للمسلم التيمم والصلاةَ إذا كان قادرًا على استعمال الماء:
قال المحدِّثُ الألباني
(2)
رحمه الله رحمة الأبرارِ -: " .. من الثابت في الشريعة أن التيمُّمَ إنما يُشْرعُ عند عدم وجودِ الماءِ بنصِّ القرآن الكريم، وتوسَّعتْ في ذلك السُّنةُ المطهَّرة فأجازتْه لمرضٍ، أو بَرْدٍ،
…
فأين الدليلُ على جوازه مع قدرتِهِ على استعمالِ الماء؟.
فإن قيل: هو خشيةُ خروج الوقت.
قلت: هذا وحده لا يصلحُ دليلًا؛ لأن هذا الذي خَشِيَ خروجَ الوقت له حالتانِ لا ثالث لهما:
إما أن يكون ضاق عليه الوقتُ بكسبهِ وتكاسُلِهِ، أو بسببِ لا يملِكُه مثلَ النوم والنِّسيانِ، ففي هذه الحالة الثانية فالوقتُ يبتدئُ من حين الاستيقاظِ، أو التذكُّر بقدرِ ما يتمكن من أداء الصلاة فيه كما أُمِرَ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"من نَسِيَ صلاةً، أو نامَ عنها فكفَّارتُها أن يصَلِّيها إذا ذَكَرَهَا" أخرجه الشيخان، وغيرهما، واللفظ لمسلمٍ.
فقد جعل الشارعُ الحكيم لهذا المعذورِ وقتا خاصًّا به، فهو إذا صلَّى كما أمر، يستعملُ الماء لغسلهِ أو وضوئه، فليس يخشى عليه خروجُ الوقت؛ فثبت أنه لا يجوزُ له أن يتيمم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية
(3)
، وذكر في "المسائل الماردينية"
(4)
أنه مذهب الجمهور.
وأما في الحالة الأولى، فمن المسلَّم أنه في الأصل مأمور باستعمال الماء، وأنه لا
(1)
أخرجه ابن ماجه رقم (657)، والدارقطني (1/ 226)، والبيهقي (1/ 228) قال ابن حزم في "المحلى" (2/ 75):"هذا خبر لا تحلُّ روايتهُ إلا على بيان سقوطِهِ؛ لأنه انفرد به أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي وهو مذكورٌ بالكذِبِ". وقال أبو حاتم - كما في "العلل" لابنه (1/ 46) -: "وهذا حديثٌ باطلٌ لا أصل له، وعمرو بن خالد متروك".
(2)
في "تمام المنة" ص (132 - 133).
(3)
كما في "الاختيارات" ص (12).
(4)
ص (65).
يتيممُ، فكذلك يجب عليه في هذه الحالةِ أن يستعملَ الماءَ، فإنْ أدركَ الصلاةَ فبها، وإن فاتته فلا يلومنَّ إلا نفسَه؛ لأنه هو الذي سَعَى إلى هذه النتيجة.
هذا هو الذي اطمأنت إليه نفسي، وانشرحَ له صدري، وإن كان شيخ الإسلام وغيره قالوا: إنه يتيمم ويصلِّي، واللّه أعلم.
ثم رأيتُ الشوكاني رحمه الله كأنه مال إلى هذا الذي ذكرته
(1)
.
* * *
(1)
راجع: "السيلَ الجرَّارَ"(1/ 126 - 127).
الباب العاشر الحيضُ والنفاس والاستحاضةُ
الفصل الأول: الحيض
1 - تعريف الحيض:
أصل الحيض في اللغة: السَّيلانُ، والمرادُ به هنا الدمُ الخارجُ من قُبل المرأةِ حالَ صِحَّتِها، من غير سببِ ولادةٍ ولا افتضاض.
2 - لونُ دمِ الحيض:
أ - السَّوَادُ؛ لحديث فاطمة بنتِ أبي حبيشٍ: أنها كانت تُستحاضُ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا كان دمُ الحيضة فإنه أسودُ يُعْرَفُ، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخَرُ فتوضَّئي وصلِّي، فإنما هو عِرق"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ب - الحمرة؛ لأنها أصلُ الدم.
جـ - الصُّفرة: وهي ماء تراه المرأةُ كالصديد يعلُوه اصْفِرَارٌ.
د - الكدرةُ: وهي التوسُّط بين لون البياض والسَّوادِ كالماءِ الوسخِ.
لحديث علقمةَ بن أبي علقمة، عن أمِّه مُرجَانةَ مولاةِ عائشةَ رضي الله عنها، قالت: "كانت النساء يبعثْنَ إلى عائشةَ بالدِّرَجَة
(2)
فيها الكُرْسف
(3)
فيه الصفرةُ، فتقول لا تعجلَنَّ حتى تريْنَ القَصَّة البيضاء
(4)
"، وهو حديث صحيح لغيره
(5)
.
وفي لفظٍ آخر عنها: "قالت: إذا رأت الدَّمَ فلتمسكْ عن الصلاةِ، حتى ترى الطُّهْرَ أبيضَ كالفضةِ، ثم تغتسلُ وتُصلي"
(6)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (286)، والنسائي (1/ 185)، والبيهقي (1/ 325)، والدارقطني (1/ 206 - 207)، وابن حبان رقم (1348).
(2)
الدِّرَجَة: جمع دُرْجٍ، وهو كالسَّفَطِ الصَّغير تضعُ فيه المرأةُ خفَّ متاعِها وطيبها، وقيل: إنما هو بالدُّرْجَة تأنيث دُرْج، وقيل: إنما هي الدُّرُجَة، وجمعَها الدُّرَجُ، تأنيث درجٍ، وهو ما تدخِلُهُ المرأةُ من قطنٍ وغيرِه؛ لتعرف هل بقيَ من أثر الحيض شيءٌ أم لا.
(3)
الكرسف: القطنُ.
(4)
القَصَّةُ: القطنةُ، أي حتى تخرُجَ القطنةُ بيضاءَ نقيةً لا يخالِطُها صُفْرةٌ.
(5)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 59 رقم 57)، والبخاري تعليقًا (1/ 420 الفتح).
(6)
أخرجه الدارمي (1/ 214) بسند حسن.
وإنما تكون الصُّفْرةُ والكدرةُ حيضًا في أيام الحيضِ، وفي غيرها لا تعتبر حيضًا لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت:"كنا لا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ والكدرةَ بعدَ الطهر شيئًا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
3 - مُدَّةُ الحيضِ:
لم يأتِ في تقدير أقلِّه وأكثرِهِ ما تقومُ به الحجَّةُ، وكذلك الطُّهْرُ؛ لأنَّ ما ورد إما موقوف لا تنهضُ به الحجة، أو مرفوعٌ لا يَصِحُّ.
* وأما ذاتُ العادةِ المتقررة تعمل عليها:
لحديث عائشة رضي الله عنها أنما قالت: قالت فاطمةُ بنتُ أبي حُبيش لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللّه، إني لا أطهُرُ، أَفَأَدَعُ الصلاةَ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"إنما ذلك عِرْق وليس بالحيضةِ، فإذا أقبلت الحيضةُ فاتركي الصلاةَ، فإذا ذهبَ قَدْرُها فاغسليَ عنك الدمَ وصلي"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث أمُّ سلمة رضي الله عنها أنها استفتتْ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم في امرأةٍ تُهراقُ الدَّمَ، فقال:"لتنظُرْ قَدْرَ الليالي والأيامِ التي كانت تحيضُهُنَّ، وقَدْرَهُنَّ من الشهر، فتدعْ الصلاة، ثم لتغتسلْ، ولتستثفِرْ ثم تُصلِّي"، وهو حديث صحيح
(3)
.
* وإن لم تكن لها عادةٌ متقررة، ترجعُ إلى القرائن المستفادة من الدم؛ لحديث فاطمة بنت أبي حبيش الصحيح المتقدِّم في هذا الباب رقم (2) لونُ دم الحيض.
فدل الحديثُ على أنَّ دمَ الحيض متميِّزٌ عن غيره، معروفٌ لدى النساء.
4 - يباح الاستمتاع بالحائض فيما دونَ الفرجِ:
لحديث أنس رضي الله عنه أن اليهود كانت إذا حاضت المرأةُ فيهم لم يُؤَاكلُوها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اصْنَعُوا كلَّ شيءِ إلَّا النِّكَاحَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (307)، والبخاري رقم (326)، ولم يذكر لفظة:"بعد الطهْرِ".
(2)
أخرجه البخاري رقم (306).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 320)، وأبو داود رقم (274): والنسائي (1/ 182)، وابن ماجه رقم (623)، والبيهقي (1/ 333).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 132)، ومسلم رقم (16/ 302) وأبو داود رقم (258)، والترمذي رقم (2977) والنسائي (1/ 187)، وابن ماجه رقم (644).
5 - كفارةُ من يأتي زوجته وهي حائضٌ:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأتَهُ وهي حائضٌ قال: "يتصدَّقُ بدينارٍ، أو بنصفِ دينار"، وهو حديث صحيح
(1)
.
والتخييرُ في الحديث راجعٌ إلى التفريق بين أول الدم وآخِره؛ لما روي عن ابن عباس موقوفًا: "إن أصابَهَا في فورِ الدم تصدَّق بدينار، وإن كان في آخره فنصفُ دينار"، وهو أثر صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد (1/ 229)، وأبو داود رقم (264)، والنسائي (1/ 153)، والترمذي رقم (137)، وابن ماجه رقم (640) وغيرهم، وانظر: تحقيقي "لسبل السلام" رقم (8/ 133).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (265)، وقال الألباني رحمه الله: صحيحٌ موقوف.
الفصل الثاني: النِّفاسُ
1 - تعريف النفاس:
النِّفاسُ: مدَّةُ تعقب الوضعَ لتعودَ فيها الرحِمُ، والأعضاءُ التناسليةُ إلى حالتِها السَّويَّةِ قبل الحملِ، وشرعًا: هو الدمُ الخارجُ عقبَ الوِلادةِ.
2 - أكثر النفاسِ أربعونَ يومًا:
لحديث أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: "كانت النُّفساءُ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تقعدُ بعد نِفَاسِها أربعينَ يومًا، أو أربعين ليلةً، وكُنَّا نُطْلِي على وجوهِنا الوَرْسَ
(1)
، تعني من الكَلَف"
(2)
، وهو حديث حسن
(3)
.
3 - لا حدَّ لأقلِّ النفاسِ، لأنه لم يأت في ذلك دليلٌ:
أما إذا انقطع الدم قبل الأربعين انقطعَ عنها حكمُ النفاس، وإذا جاوزَ دمُها الأربعين عاملتْ نفسَها معاملةَ المستحاضةِ.
4 - ما يحرمُ بالحيضِ والنفاس:
يحرم بالحيض والنفاس ما يحرمُ على الجُنبِ:
1 -
يحرم على الجنب أن يمكثَ في المسجد. 2 - يحرم على الجنب الصلاة.
3 -
يحرم على الجنب الطوافُ، وقد تقدم الكلام عليها في الباب الثامن (باب الغسل) الفصل الأول: فصل متى يجب الغُسل؟ تحت عنوان: "ما يحرمُ على الجُنب".
4 -
الصومُ وتقضيه إذا طَهُرَتْ؛ لحديث معاذةَ قالت: سألت عائشةَ فقلتُ: ما بالُ الحائض تقضي الصومَ ولا تقضي الصلاةَ؟ قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فنؤمَرُ بقضاءِ الصومِ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"، وهو حديث صحيح
(4)
.
5 -
الوَطْءُ في الفَرْج: تقدم الدليل على ذلك في الباب العاشر، باب الحيض والنفاسِ والاستحاضةِ، الفصل الأول، فصل الحيض رقم (4).
(1)
الوَرْس: بفتح الواو، وإسكان الراء، وهو نَبْتٌ أصفرُ يُصبَغُ به، ويتخذُ منه حمرة للوجه لتحسين اللون.
(2)
الكلف: بالكاف واللام المفتوحتين، حمرةٌ كدرةٌ تعلو الوجْهَ، أو هو لونٌ بين السوادِ والحمرةِ.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (311)، والترمذي رقم (139) وغيرهما.
(4)
أخرجه أحمد (6/ 232)، والبخاري رقم (321)، ومسلم رقم (335)، وأبو داود رقم (262)، والترمذي رقم (130)، والنسائي (1/ 191، 192)، وابن ماجه رقم (631).
الفصل الثالث: الاستحاضةَ
1 - تعريفها:
هي دم يخرجُ في غير أوقاتِ الحيضِ والنفاسِ أو متَّصلًا بهما:
فإن كان الأول فواضحٌ.
وإن كان الثاني: فإن كانت المرأةُ معتادةً فما زاد على عادتها فهو استحاضةٌ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن أمَّ حبيبةَ سألت رسولَ صلى الله عليه وسلم عن الدَّمِ؟. فقالت عائشةُ: رأيتُ مِركَنَها مَلآنَ دَمًا، فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"امْكُثي قَدْرَ ما كانت تحبِسُك حَيضتُكِ، ثم اغتسلي وصَلِّي"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وإن كانت مميزةً بين الدَّمَيْنِ، فالحيض هو الأسودُ المعروفُ، وغيره استحاضةٌ، لحديث فاطمةَ بنتِ أبي حبيش أنها كانت تُسْتَحَاضُ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"إذَا كان دَمُ الحيضة فإنه دمٌ أسودٌ يُعرفُ، فإذا كانَ ذلكَ فأمسكي عن الصَّلاة، فإذا كانَ الآخر فتوضئي وصلِّي، فإنما هو عِرْقٌ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
* فإن بلغت مستحاضةً، ولا تستطيع التمييز رجعتْ إلى غالب عادة نسائِها؛ لحديث حمنةَ بنت جحش، وفيه فقال لها:"إنما هذه ركضةٌ من ركضات الشيطان، فتحيضي ستةَ أيام أو سبعة في علم اللّه، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنكِ قَد طَهُرْت واسْتَنْقَيْت فصلِّي أربعًا وعشرين، أو ثلاثًا وعشرين ليلةً وأيامَها، وصُومي؛ فإنَّ ذلكَ يجزيكَ، وَكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيضُ النساء، وكما يطهرنَ لميقات حيضهنَّ وطُهْرِهِنَّ"، وهو حديث حسن
(3)
.
2 - أحكامها:
لا يحرم على المستحاضة شيءٌ مما يحرُمُ بالحيضِ، إلا أنه يلزمُها الوضوءُ لكل صلاة، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش الصحيح المتقدم أعلاه.
ويُسَنُّ لها الغُسَلُ لكل صلاة، لحديث أسماءَ بنتِ عميس
(4)
.
تم كتاب الطهارة والحمد لله
(1)
أخرجه أحمد (6/ 204، 222، 262)، ومسلم رقم (65/ 334)، وأبو داود رقم (279).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (286)، والنسائي (1/ 185)، والبيهقي (1/ 325)، والدارقطني (1/ 206 - 207)، وابن حبان رقم (1348)، وقد تقدم.
(3)
أخرجه أحمد (6/ 381 - 382، 439، 439 - 440)، وأبو داود رقم (287)، والترمذي رقم (182)، وابن ماجه رقم (627)، والدارقطني (1/ 214 رقم 48)، والحاكم (1/ 172)، وعنه البيهقي (1/ 338).
(4)
وهو حديث صحيح تقدم في الباب الثامن، باب الغسل، الفصل الثالث، فصل متى يُسَنُّ الغُسلُ؟ رقم (6).
الكتاب الثاني كتاب الصلاة
ويتضمن أربعة عشر بابًا
الباب الأول: باب مواقيتِ الصلاةِ.
الباب الثاني: باب الأذانِ والإقامةِ.
الباب الثالت: بابُ شروطِ الصلاة.
الباب الرابع: بابُ كيفيةِ الصلاةِ.
الفصل الأول: فصلُ صفةِ الصلاةِ.
الفصل الثاني: فصلُ أركانِ الصلاةِ.
ألفصل الثالث: فصلُ واجبات الصلاةِ.
الفصل الرابع: فصل سُنَنِ الصلاة القولية والفعلية.
الفصل الخامس: فصلُ مكروهات الصلاةِ.
الفصل السادس: فصل ما يُباحُ في الصلاة.
الفصل السابع: فصل مبطلات الصلاة.
الفصل الثامن: فصل الأدعية والأذكار بعد الصلاة.
الباب الخامس: باب صلاةِ التطوُّع.
الباب السادس: باب السجود.
الفصل الأول: فصل سجود السَّهْوِ.
الفصل الثاني: فصل سجود التلاوة.
الفصل الثالث: فصل سجودِ الشكر.
الباب السابع: باب صلاة الكسوف.
الباب الثامن: باب صلاة الاستسقاءِ.
الباب التاسع: باب صلاة السفرِ.
الباب العاشر: باب صلاة العيدين.
الباب الحادي عشر: باب صلاةِ الخوفِ.
الباب الثاني عشر: باب صلاةِ الجمعةِ.
الباب الثالث عشر: باب صلاة الجماعة.
الباب الرابع عشر: باب الجنائز.
الباب الأول مواقيت الصلاة
1 - مواقيتُ الصلوات الخمس:
1 -
الظهر: وقته من زوالِ الشمس إلى أن يصير ظِلُّ كلِّ شيءٍ مثلَهُ.
2 -
العصر: وقته من صيرورة الظلِّ مثلَه إلى غروب الشمس.
3 -
المغرب: وقتُه من غروب الشمس إلى أن يغيبَ الشفقُ.
4 -
العشاء: وقتُها من غياب الشفقِ إلى نصفِ الليل.
5 -
الفجر: وقتُه من طلوع الفجرِ إلى طلوع الشمس.
لحديث جابر بن عبد اللّه: "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُ مواقيتَ الصلاة، فتقدم جبريلُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ، والناسُ خلفَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وصلّى الظُّهْرَ حين زالت الشمسُ، وأتاهُ حين كان الظلُّ مثلَ شخصِهِ وصنعَ كما صنعَ، فتقدَّم جبريلُ ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ، والناسُ خلفَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فصلَّى العصرَ، ثم أتاه حينَ وجبتِ الشمسُ فتقدَّمَ جبريلُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم خلَفَهُ، والناسُ خلفَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فصلَّى المغرب، ثم أتاهُ حين غابَ الشفقُ، فتقدمَ جبريلُ ورسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم خلفَهُ، والناسُ خلفَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فصلَّى العشاءَ، ثم أتاه حين انشقَّ الفجرُ، فتقدَّمَ جبريلُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَلْفهُ، والناسُ خلف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فصلَّى الغداةَ، ثم أتاهُ اليومَ الثاني حين كان ظِلُّ الرجُلِ مِثلَ شخصِهِ فصنعَ مثلَ ما صنعَ بالأمسِ، فصلَّى الظهرَ ثم آتاهُ حين كان ظلُّ الرجل مثلَ شخصيْهِ، فصنع كما صنعَ بالأمس، فصلَّى العصرَ، ثم أتاهُ حين وجبتِ الشمسُ، فصنع كما صنع بالأمس، فصلَّى المغرب فَنِمْنَا، ثم قُمنَا، ثم نمنا، ثم قمنا، فأتاه فصنعَ كما صنعَ بالأمس، فصلَّى العشاءَ، ثم أتاه حينَ امتدَّ الفجرُ وأصبحَ، والنجومُ باديةٌ مشتبكةٌ، فصنعَ كما صنعَ بالأمس، فصلَّى الغداةَ، ثم قال: ما بين هاتين الصلاتينِ وقتٌ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد (3/ 330)، والترمذي رقم (150)، والنسائي (1/ 255)، والدارقطني (1/ 257 رقم 3)، والحاكم (1/ 195)، والبيهقي (1/ 368)، قال الترمذي:"قال محمد - يعني البخاري -: أصح شيء في المواقيت حديث جابر".
ولحديث عبد اللّه بن عمرو أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "وَقْتُ الظُّهْرِ إذا زالتِ الشمسُ، وكان ظلُّ الرجل كطوله، ما لم يَحْضُرِ العصْر، ووقتُ العصرِ ما لم تَصْفَرَّ الشمسُ، ووقتُ صلاةِ المغربِ ما لم يغبِ الشفقُ، ووقتُ صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقتُ صلاة الصبح من طلوع الفجر، ما لم تطلُعِ الشمسُ، فإذا طلعتِ الشمسُ فأمْسِكْ عن الصلَاة؛ فإنها تطلعُ بين قرني شيطانٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
والمقصود بالشَّفَق
(2)
: "بقيةُ ضوءِ الشمس وحُمْرتُها في أول الليل إلى قريب من العَتَمَةِ، وقال الخليل: الَشفقُ الحُمْرَةُ من غروبِ الشمس إلى وقت العشاء الأخير، فإذا ذهب قيل: غابَ الشفقُ، وقال الفراءُ: سمعتُ بعضَ العرب يقولُ: عليه ثوبٌ كأنَهُ الشفقُ، وكان أحمرَ" اهـ.
2 - استحبابُ تقديم الظهرِ في أول الوقت في غير شدَّة الحرِّ:
لحديث جابر بن سَمُرة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي الظهرَ إذا دَحَضتِ الشمسُ"، وهو حديث صحيح
(3)
. دحضتِ الشمس: أي زالتْ.
3 - استحبابُ الإبرادِ بالظهرِ في شدَّة الحرِّ:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إدْا اشتدَّ الحرُّ فأبردُوا بالصلاة، فإن شدةَ الحر من فَيْحِ جهنَّم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - استحبابُ التبكير بالعصر:
لحديث أنس رضي الله عنه قال: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يُصَلي العصرَ والشمسُ مرتفعةٌ حيةٌ، فيذهب الذاهبُ إلى العوالي فيأتيهم والشمسُ مرتفعةٌ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (2/ 213)، ومسلم رقم (173/ 612)، والنسائي (1/ 260)، وأبو داود رقم (396).
(2)
مختار الصحاح، ص (144).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 106)، ومسلم رقم (618)، وأبو داود رقم (806)، وابن ماجه رقم (674).
(4)
أخرجه أحمد (2/ 238، 256)، والبخاري رقم (533، 534)، ومسلم رقم (615)، وأبو داود رقم (402)، والنسائي (1/ 248)، والترمذي رقم (157)، وابن ماجه رقم (677).
(5)
أخرجه أحمد (3/ 131، 169)، والبخاري رقم (550)، ومسلم رقم (621)، وأبو داود رقم (404)، والنسائي (1/ 253)، وابن ماجه رقم (682).
5 - إثْمُ من أخَّرَ العَصْرَ إلى الاصفرار:
لحديث أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "تلكَ صلاةُ المنافقِ، يجلسُ يرقُبُ الشمسَ حتى إذا كانت بين قرني الشيطانِ قام فَنَقَرَهَا أربعًا، لا يذكرُ اللهَ إلا قليلًا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
6 - إثم مَنْ فاتَتْهُ صلاةُ العصرِ:
لحديث ابن عمر صلى الله عليه وسلم، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"الذي تفوتُهُ صلاةُ العصر كأنما وتِرَ أهلُهُ وَمَالُهُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث أبي المليح قال: كُنَّا مع بريدَةَ في غزوةٍ، في يومٍ ذي غيمٍ، فقال: بكِّروا بصلاة العصرِ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك صلاةَ العصرِ فقد حَبطَ عملُهُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
7 - المحافظة على الصلاة الوسطى:
لقوله تعالى في سورة البقرة (238): {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} .
ولحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حَبَسَ المشرِكون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصرِ حتى احمرَّتِ الشمسُ أو اصفرَّت، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"شَغَلُونا عن الصلاة الوسطى صلاةِ العصرِ، ملأ اللّه أجوافَهُم وقبورَهُم نارًا، أو حشا اللّهُ أجوافَهم وقبورَهم نارًا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
8 - استحبابُ تعجيلِ المغرب، وكراهةُ تأخيرها:
لحديث سلمةَ بن الأكوع: "أَن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يُصلي المغربَ إذا غربتِ الشمس وتوارتْ بالحجاب"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (3/ 149)، ومسلم رقم (622)، وأبو داود رقم (413)، والترمذي رقم (160)، والنسائي (1/ 254).
(2)
أخرجه البخاري رقم (552)، ومسلم رقم (200/ 626).
(3)
أخرجه البخاري رقم (553)، والنسائي (1/ 236).
(4)
أخرجه أحمد (1/ 404)، ومسلم رقم (628)، وابن ماجه رقم (686).
(5)
أخرجه أحمد (4/ 51)، والبخاري رقم (561)، ومسلم رقم (636)، وأبو داود رقم (417)، والترمذي رقم (164)، وابن ماجه رقم (688).
ولحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي بخير، أو على الفطرةِ ما لم يؤخِّروا المغرب، حتى تَشْتَبِكَ النجومُ"، وهو حديث حسن
(1)
.
9 - استحبابُ تأخير العشاءِ ما لم تكن مشقَّةٌ:
لحديث عائشةَ قالت: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة حتى ذهب عامةُ الليلِ، وحتَّى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلَّى، فقال:"إنه لوقتُها لولًا أن أشُقَّ على أمتي"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث أنس قال: أخَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم صلاةَ العشاءِ إلى نصفِ الليلِ، ثم صلَّى، ثم قال:"قد صلَّى الناسُ ونامُوا، أما إنَّكم في صلاةٍ ما انتظَرتُموها"، قال أنس: كأني أنظرُ إلى وَبِيصِ خاتَمِهِ ليلَتَئِذٍ، وهو حديث صحيح
(3)
.
10 - كراهِيةُ النومِ قَبلَها، والسَّمَرُ بعدَها إلا في مصلحةٍ:
لحديث أبي بَرْزَة الأسلميِّ: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحِبُّ أن يُؤخِّر العشاءَ، التي يدعُونَها العَتَمَةَ، وكان يكرَهُ النومَ قَبَلَها والحديثَ بعدَها"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ولحديث ابن مسعود قال: "جَدَبَ لنا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم السَّمَر
(5)
بعد العشاءِ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
ولحديث عمرَ قال: "كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يَسْمُرُ عِندَ أبي بكر الليلةَ؛ كذلكَ في الأمرِ من أمرِ المسلمين وأنا مَعَهُ"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
أخرجه أحمد (4/ 147)، وأبو داود رقم (418)، والطبراني في "الكبير"(4/ 183 رقم 4083)، والحاكم (1/ 190 - 191).
(2)
أخرجه مسلم رقم (219/ 638)، والنسائي (1/ 267).
(3)
أخرجه البخاري رقم (572)، ومسلم رقم (640).
(4)
أخرجه أحمد (4/ 421)، والبخاري رقم (547)، ومسلم رقم (237)، وأبو داود رقم (398)، والترمذى رقم (168).
(5)
جدب السَّمر: أي ذمَّهُ وعابَهُ، وكلُّ عائبٍ جادبٌ، (النهاية 1/ 243).
(6)
أخرجه ابن ماجه رقم (703)، وأحمد (1/ 379)، والترمذي معلقًا (1/ 319).
(7)
أخرجه أحمد (1/ 26، 34)، والترمذي رقم (169)، وحسَّنه، والنسائي في "الكبرى" رقم (8257)، ورجاله رجال الصحيح، وانظر:"الصحيحة" رقم (2781).
11 - استحبابُ التغليس بالفجر:
لحديث عائشةَ قالت: "كُنَّ نساءُ المؤمنات يشهدْنَ مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاةَ الفجر متلفِّعات بمروطِهِنَّ، ثم ينقلِبْنَ إلى بُيُوتهنَّ حين يقضينَ الصلاة، لا يعرفُهُنَّ أحدٌ من الغَلَسِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
12 - من أدركَ بعض الصلاة في الوقت فإنَّهُ يُتمُّها:
لحديث عائشةَ قالت: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "من أدرك من العَصْرِ سجدةً قبلَ أن تغرُبَ الشمسُ، أو من الصُّبحِ قبلَ أن تطلُعَ الشمسُ، فقد أدركها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أدركَ من الصُّبح ركعةً قبل أن تطلعَ الشمسُ، فقد أدرك الصُّبحَ، ومن أدركَ ركعةً من العصر قبلَ أن تغرُبَ الشَّمسُ فقد أدركَ العصرَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وهذا الحكم عام في كل صلاة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أدركَ ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة"، وهو حديث صحيح
(4)
.
13 - حكمُ تارك الصلاة:
أجمع المسلمون عَلى أن مَن تركَ الصلاةَ؛ جحودًا بها، وإنكارًا كفرَ وخرجَ عن الإسلام.
وأما من ترك الصلاة - مع إيمانه بها، واعتقادِه بفرضيتها - تكاسُلًا أو تشاغُلًا عنها، فقد اختلفوا في الحكم عليه، وسببُ الخلاف أحاديث جاءت عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تسمِّي تاركَ الصلاةِ كافرًا، من غير تفريقٍ بين الجاحدِ والمتكاسِلِ.
عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "بين الرَّجُل وبينَ الكُفْر تركُ الصَّلاةِ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 5)، وأحمد (6/ 33)، والبخاري رقم (578)، ومسلم رقم (645)، وأبو داود رقم (423)، والترمذي رقم (153)، والنسائي رقم (271).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 78)، ومسلم رقم (609)، والنسائي (1/ 257)، وابن ماجه رقم (700).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 348، 459)، والبخاري رقم (579)، ومسلم رقم (608)، والموطأ (1/ 6)، وأبو داود رقم (412)، والترمذي رقم (186)، والنسائي (1/ 257 - 258).
(4)
أخرجه البخاري رقم (580)، ومسلم رقم (607).
(5)
أخرجه أحمد (3/ 370)، ومسلم رقم (82)، وأبو داود رقم (4678)، والترمذي رقم (2620)، وابن ماجه رقم (1078).
وعن بريدة قال: سمعتُ رسولَ صلى الله عليه وسلم يقول: "العهدُ الذي بَيْنَنَا وبينكُمُ الصلاةُ، فمن تَرَكَهَا فقد كَفَرَ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
لكن الراجح من أقوال العلماء أن المرادَ بالكفر هنا الكفرُ الأصغرُ الذي لا يُخْرجُ عن الملة، جمعًا بين هذه الأحاديث، وأحاديث أُخر.
(منها): عن ابن مُحيرز أن رجلًا من بني كنانة يُدعَى المُخدجي سمع رجلًا بالشامِ يُدعى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب، قال المخدجيُّ: فرحتُ إلى عبادةَ بن الصامت فأخبرتُهُ، فقال عبادة: كذبَ أبو محمد سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "خَمسُ صلوات كتبهن اللّهُ على العبادِ، مَنْ أتى بهنَّ لم يُضيَع منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهِنَّ، كان له عند الله عهدٌ أن يدخلهُ الجنةَ، ومن لم يأتَ بهنَّ فليسَ لَهُ عندَ اللّه عهدٌ، إنْ شاءَ عذَّبَهُ، وإن شاء غَفَرَ له"، وهو حديث صحيح
(2)
.
فلما ردَّ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم أمْرَ من لم يأت بهنَّ إلى مشيئة اللّه، علمنا أن تَرْكَهُنَّ دون الكفرِ والشرك؛ لقوله تعالى في سورة النساء (48):{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .
وعن أبي هريرة قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ أوَلَ ما يُحاسَبُ به العبدُ يومَ القيامة الصلاةُ المكتوبةُ، فإن أَتَمَّها وإلَّا قيلَ: انظروا هلْ له من تطوُّع؟ فإن كان له تطوُّع أُكْمِلَت الفريضةُ من تطوِّعهِ، ثم يُفعلُ بسائرِ الأعمالِ المفروضة مثلُ ذلك"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من شَهدَ أن لا إله إلا اللّه وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبُده ورسولُهُ، وأنَّ عيسى عبدُ اللّه وكلمتُهُ ألقاها إلى مريمَ، وروحٌ منه، والجنةُ والنَّارُ حقٌّ، أدخله اللّه الجنةَ على ما كان من العملِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (5/ 346)، والترمذي رقم (2621)، والنسائي (1/ 231)، وابن ماجه رقم (1079)، والحاكم (1/ 6 - 7).
قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد لا نعرف له علة بوجهٍ من الوجوه، وصححه الألباني، رحمه الله.
(2)
أخرجه أحمد (5/ 315)، وأبو داود رقم (1420)، والنسائي (1/ 230)، وابن ماجه رقم (1401).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 425)، وأبو داود رقم (864)، والترمذي رقم (413)، والنسائي (1/ 233)، وابن ماجه رقم (1425).
(4)
أخرجه أحمد (5/ 318)، والبخاري رقم (3435)، ومسلم رقم (28).
14 - أمْرُ الصبيِّ بالصلاة تمرينًا لا وجوبًا:
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلمَ، وعن المجنون حتى يَعْقِلَ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ويجب على ولي أمرِ الصبيِّ أن يأْمُرَهُ بالصلاة وإن كانت غَيْرَ واجبةٍ، ليتعوَّد المحافظة عليها.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشرِ سنينَ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع"، وهو حديث صحيح
(2)
.
15 - من نام عن صلاةٍ أو نسِيَها فوقتُها حين يذْكُرُهَا:
لحديث أنس بن مالكٍ قال: قال نبي صلى الله عليه وسلم: "من نَسيَ صلاةً، أو نامَ عنها، فكفارتُها أن يُصَلِّيَهَا إذا ذَكَرهَا"، وهو حديث صحيح
(3)
.
16 - هل يقضي من ترك الصلاة عمدًا حتى خرجَ وقْتها
؟.
قال ابن حزم
(4)
: "مسألة: وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرجَ وقتُها فهذا لا يقدرُ على قضائِها أبدًا، فليكثر من فعل الخيرات، وصلاةِ التطوع؛ ليثقل ميزانه يوم القيامة، وليتبْ، وليستغفر اللّه عز وجل".
ثم يقول
(5)
: "إن اللّه تعالى جعل لكلِ صلاةٍ فرض وقتًا محدود الطرفين، يدخلُ في حين محدود، ويبطلُ في وقت محدود، فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها، وبين من صلاها بعد وقتها؛ لأن كليهما صلى في غير الوقت.
وأيضًا فإن القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوزُ لغير اللّه تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان القضاءُ واجبًا على العامدِ لِتَرْكِ الصلاةِ حتى يخرج وقتُها، لَمَا أغفل اللّه
(1)
أخرجه أحمد (6/ 100 - 101)، وأبو داود رقم (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه رقم (2041)، وابن حبان رقم (1496 - موارد)، والحاكم (2/ 59).
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وانظر: شواهد الحديث في كتابي "إرشاد الامة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة.
(2)
أخرجه أحمد (2/ 187)، وأبو داود رقم (495)، والحاكم (1/ 197)، والبيهقي (7/ 94).
(3)
أخرجه مسلم رقم (315/ 684).
(4)
"المحلى"(2/ 10 رقم 279).
(5)
السابق (2/ 235).
تعالى، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا نسياهُ، ولا تعمدا إعناتنا بترك بيانه، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] ".
وحاول القاضي السياغي
(1)
: الرد على ابن حزم والمقبلي ولكنه لم يفلحْ، واللّه أعلم.
17 - إذا أسلم الكافرُ لم يقضِ الصلاةَ:
عن عبد الله بن مسعود قال: يا رسولَ اللّه، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال صلى الله عليه وسلم "أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها، ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلامِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن عمرو بن العاص، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"أما علمتَ أن الإسلامَ يهدمُ ما كان قبله؟ وأن الهجرةَ تهدمُ ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله"، وهو حديث صحيح
(3)
.
18 - الصلواتُ الخمسُ المفروضة، فضلُها ومنزلتها في الإسلام:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم الصلواتُ ليلة أُسريَ به خمسين، ثم نقصتْ حتى جعلت خمسًا، ثم نودي: يا محمدُ، إنه لا يبدلُ القولُ لديَّ وإن لك بهذه الخمس خمسين"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من أهل نجدٍ، ثائِر الرأسِ، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، وهو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خمسُ صلوات في اليوم والليلة" فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تطوع .. "، وهو حديث صحيح
(5)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "بُنيَ الإسلامُ على خمسِ: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجِّ، وصومِ رمضانَ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
"الروض النضير"(2/ 264 - 268).
(2)
أخرجه مسلم رقم (189/ 120).
(3)
أخرجه مسلم رقم (192/ 121).
(4)
أخرجه الترمذي رقم (213) وقال: "حديث حسن صحيح غريب"، وأخرجه البخاري رقم (3887)، ومسلم رقم (259/ 162) مطولًا.
(5)
أخرجه البخاري رقم (46)، ومسلم رقم (11).
(6)
أخرجه البخاري رقم (8)، ومسلم رقم (16).
19 - الأوقاتُ التي يُنهى عن الصلاة فيها: أوقات الكراهةِ خمسة:
1 -
بعد الفجر حتى ترتفع الشمسُ. 2 - عند الزوال.
3 -
بعد العصر حتى تغرب الشمسُ. 4 - بعد صلاة الفجر.
5 -
بعد صلاة العصر.
عن عقبة بن عامر الجهني قال: "ثلاث ساعاتٍ كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نُصلي فيهنَّ، أو أن نقبر فيهنَّ موتانا: حين تطْلع الشمسُ بازعةً حتى ترتفع، وحينَ يقومُ قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحينَ تضيفُ الشمسُ للغروب"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم علَّة النَّهي عن الصلاةِ في هذه الأوقاتِ في الحديث الآتي: عن أبي أمامة قال: قال عمرو بن عَنبسة السلمي: يا نبي اللّه، أخبرني عما علَّمك اللّه وأجهلُهُ، أخبرني عن الصلاة؟ قال:"صلّ صلاة الصبح، ثم أقصرْ عن الصلاة حتى تطلعَ الشمسُ حتى ترتفع؛ فإنها تطلع حين تطلعُ بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ؛ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذٍ تُسْجَرُ جهنَّم، فإذا أقبلَ الفيء فصلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلي العصرَ، ثم أقصرْ عن الصلاة، حتى تغربَ الشمس؛ فإنها تغرُبُ بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجدُ لها الكفارُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاةَ بعدَ الصبحِ حتى ترتفعَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعد العصر حتى تغيب الشمسُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
والنهي محمول على ما لا سببَ له، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى ركعتين بعدَ العصرِ، فسألته عن ذلك فقال:"يا بنتَ أبي أمية، سألتِ عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناسٌ من عبد القيس، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (293/ 831)، وأحمد (4/ 152)، وأبو داود رقم (3192)، والترمذي رقم (1030)، والنسائي (1/ 275)، وابن ماجه رقم (1519).
(2)
أخرجه مسلم رقم (294/ 832).
(3)
أخرجه البخاري رقم (586)، ومسلم رقم (288/ 827).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1233)، ومسلم رقم (297/ 834).
ولحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الصبح: "يا بلال، أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعتُ دُف نعليك بين يدي في الجنة؟ " قال: ما عملتُ عملًا أرجى عندي: أني لم أتطهرْ طهورًا في ساعةٍ من ليل أو نهار إلا صلَّيتُ بذلك الطهورِ ما كُتِبَ لي أن أصلِّيَ، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي اللّه صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاةً، أو نام عنها، فكفارتها أن يصلِّيها إذا ذَكَرَها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث أبي قتادة السّلَميِّ: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " .. إذا دخل أحدُكم المسجدَ فليركَع ركعتينِ قبل أنْ يجلسَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
فيظهر مما تقدَّم من أدلةٍ أن الصلاة المنهيَّ عنها في الأوقاتِ الخمسةِ هي صلاة التطوع المطلق الذي لا سبب له.
20 - النهيُ عن التطوعِ إذا أقيمت الصلاةُ:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبةُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
21 - كراهةُ الصلاة في الحمَّامِ:
لحديث أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الأرضُ كلُّها مسجد إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
22 - حرمةُ الصلاة على القبور وإليها:
عن أبي مرْثَدٍ الغنوَيِّ قال: سمعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُصَلُّوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1149)، ومسلم رقم (2458) وقد تقدَّم.
(2)
أخرجه مسلم رقم (315/ 684) وقد تقدم.
(3)
أخرجه البخاري رقم (444)، ومسلم رقم (714).
(4)
أخرجه مسلم رقم (63/ 710)، والنسائي (2/ 116)، والترمذي رقم (421)، وابن ماجه رقم (1151).
(5)
أخرجه الترمذي رقم (317)، وأبو داود رقم (492)، وابن ماجه رقم (745)، والحاكم (1/ 251)، وأحمد (3/ 96،83).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في "الإرواء"(1/ 320): "وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه كذلك الحاكم والذهبي، وأعله بما لا يقدح، وقد أجبنا على ذلك في صحيح أبي داود رقم (507).
(6)
أخرجه مسلم رقم (98/ 972)، والنسائي رقم (760)، وأبو داود رقم (3229)، والترمذي رقم (1050)، وأحمد (4/ 135).
وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 229 - 230): "هذا حديث ثابت من جهة الإسناد".
عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله اليهودَ والنَّصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه: "لعنَ اللهُ اليهودَ والنصارى، اتَّخَذُوا قبور أنبيائِهم مساجدَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
23 - كراهةُ الصلاةِ بلباسٍ يشغلُ القلبَ، أو في مكان فيه نقوشٌ أو تصاويرُ:
عن عائشةَ قالت: قام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلِّي في خميصةٍ ذات أعلام، فلما قضى صلاته، قال: "اذهبوا بهذه الخميصةِ إلى أبي جهم بن حذيفة، وأَتوني بأنبجانية
(3)
؛ فإنَّها ألهتني آنفًا في صلاتي"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان قِرَامٌ لعائشة، سترتْ به جانبَ بيتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أميطي عنِّي؛ فإنه لا تزالُ تصاويُرُه، تعرضُ لي في صلاتي"، وهو حديث صحيح
(5)
.
24 - كراهةُ الصلاة في مَبَارِك الإبلِ:
لحديث البراء بن عازب قالَ: سُئِلَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مَبَارِكِ الإبل فقال: "لا تصلُّوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين"، وسُئلَ عن الصلاة في مرابضِ الغنم فقال:"صلوا فيها؛ فإنها بركة"، وهو حديث صحيح
(6)
.
25 - يُكْرَهُ لغير الإمام التزامُ مكانٍ خاصٍّ في المسجد:
لحديث عبد الرحمن بن شِبْلٍ قال: "نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن نَقْرَةِ الغراب، وافتراشِ السَّبُعِ، وأن يُوَطنَ الرَّجُل المكان في المسجد، كما يوطنُ البعيرُ"، وهو حديث حسن لغيره
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (437)، ومسلم رقم (530).
(2)
أخرجه البخاري رقم (4441)، ومسلم رقم (529).
(3)
الأنبجانية: هي كساءٌ غليظ، لا عَلَم فيه، بخلاف الخميصة التي ردَّها.
(4)
أخرجه البخاري رقم (373)، ومسلم رقم (556) وغيرهما.
(5)
أخرجه البخاري رقم (374).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (184) و (493)، والترمذي رقم (81)، وابن ماجه رقم (494).
(7)
أخرجه أحمد (3/ 428، 444)، وابنُ حبَّانَ رقم (476 - موارد)، والنسائي (2/ 214)، وابن ماجه رقم (1429)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 229)، وابن خزيمة رقم (1319) والبغوي في "شرح السنة" رقم (666)، والدارمي =
قال القاسمي
(1)
: "يهوى بعضُ ملازمي الجماعات مكانًا مخصوصًا، أو ناحيةً من المسجد، إما وراء الإمام، أو جانب المنبر، أو أمامه، أو طرفَ حائطه اليمين أو الشمال، أو الصفة المرتفعة في آخره، بحيث لا يلذُّ له التعبد ولا الإقامة إلا بها، وإذا أبصر من سبقه إليها فربما اضطرهُ إلى أن يتنحى له عنها؛ لأنها محتكرة، أو يذهب عنها مغضبًا، أو متحوقلًا، أو مسترجعًا، وقد يفاجيء الماكث بها بأنها مقامه من كذا وكذا سنة، وقد يستعين بأشكاله من جهلة المتنسكين على أن يقام منها، إلى غير ذلك من ضروب الجهالات التي ابتليت بها أكثر المساجد، ولا يخفى أن محبة مكانٍ من المسجد على حدة تنشأ من الجهل أو الرياء والسمعة، وأن يقال أنه لا يصلي إلا في المكان الفلاني، أو أنه من أهل الصفِّ الأول مما يحبط العمل ملاحظته ومحبته، نعوذ باللّه.
وهبْ أن هذا المتوطن لم يقصد ذلك فلا أقلَّ أنه يفقدُ لذة العبادة بكثرة الإلفِ والحرص على هذا المكان؛ بحيث لا يدعوه إلى المسجد إلا موضعه، وقد ورد النهيُ عن ذلك - كما في الحديث الحسن المتقدم آنفًا -" اهـ.
= (1/ 303)، وابن عدي في "الكامل"(2/ 515)، والعقيلي في "الضعفاء"(1/ 170)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 91) من طرق عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن تميم بن محمود عنه به، وأخرجه أحمد (3/ 428)، وأبو داود رقم (862)، والنسائي (2/ 214 - 215)، والبيهقي (2/ 118) من طرق عن جعفر بن عبد اللّه - وهو والد عبد الحميد، وله شاهد بلفظ:"نهى عن نقرة الغرابِ، وعن فرشةِ السَّبُعِ، وأن يوطن الرجلُ مقامَهُ في الصلاة كما يوطنُ البعيرُ".
أخرجه أحمد (5/ 446 - 447)، وفي سنده مجهولٌ، وهو عبد الحميد هذا، وخلاصة القول: أن الحديث حسن لغيره، واللّه أعلم.
(1)
في "إصلاح المساجد" ص (185).
الباب الثاني الأذان والإِقامة
1 - حكم الأذان:
الصحيح في حكم الأذانِ أنه فرضٌ على الكفاية، فليس لأهل مدينةٍ ولا قريةٍ أن يَدَعُوا الأذانَ والإقامة؛ لحديث أبي قُلابةَ عن مالك بنَ الحُوَيْرث قال: أتينا النبيَّ صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، وكان رحيمًا رفيقًا، فلما رأى شوقَنَا إلى أهالينا قال:"ارجعوا فكونوا فيهم، وعلِّموهم، وصلُّوا، فإذا حضرت الصلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم، وليؤمكم أكبركم"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غَزَا بِنَا قومًا، لم يكن يَغْزُو بنا حتى يُصبحَ وينظرَ، فإن سمعَ أذانًا كفَّ عنهم، وإن لم يسمع أذَانًا أغار عليهم"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - فضلُ الأذانِ:
عن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤذنينَ أطولُ النّاسِ أعناقًا يومَ القيامة"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "الإمامُ ضامنٌ، والمؤذنُ مؤتمنٌ اللهم أَرْشدْ الأئمةَ، واغْفِر للمؤذنينَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري، ثم المازني، عن أبيه أنه أخبرهُ، أن أبا سعيد الخُدري قال له: إني أراكَ تحبُّ الغنمَ والباديةَ، فإذا كنتَ في غنمكَ أو باديتك فأذَّنتَ بالصلاةِ، فارفعْ صوتكَ بالنداءِ، فإنَّهُ:"لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ، إلَّا شَهِدَ لَهُ يومَ القيامة" قال أبو سعيد: سمعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (628)، ومسلم رقم (674).
(2)
أخرجه البخاري رقم (610).
(3)
أخرجه أحمد (4/ 95)، ومسلم رقم (387)، وابن ماجه رقم (725).
(4)
أخرجه أحمد (2/ 232، 284، 419)، وأبو داود رقم (517)، والترمذي رقم (207).
(5)
أخرجه البخاري رقم (609)، وأحمد (3/ 35، 43)، والنسائي (2/ 12)، وابن ماجه رقم (723).
3 - صفةُ الأذان:
عن عبد اللّه بن زيد، قال: لما أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالناقوس يُعْمَلُ ليضربَ به للناس؛ لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجلٌ يحملُ ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيعُ الناقوس؟ قال: وما تصنعُ به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاةِ، قال: أفلا أدلُّكَ على ما هو خيرٌ من ذلك؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهد أن محمدًا رسول اللّه، أشهد أن محمدًا رسول اللّه، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، اللّه اكبر، اللّه اكبر، لا إله إلا اللّه". قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: اللّه اكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهد أن محمدًا رسول اللّه، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه، فلما أصبحتُ أتيتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه بما رأيتُ، فقال:"إنها لرؤيا حقٍّ إن شاء اللّه، فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيتَ فليؤذن به، فإنه أندى صوتًا منك" فقمت مع بلال، فجعلتُ ألقيه عليه ويؤذِّنُ به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجرُّ رداءَه، ويقولُ: والذي بعثك بالحق يا رسول اللّهْ لقد رأيتُ مثل ما رأى، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"فلله الحمدُ"، وهو حديث حسن
(1)
.
4 - يُسْتَحَبُّ للمؤذِّن أن يجمع بين كل تكبيرتين في نَفَسٍ، وعلى السامع أن يجيبه كذلك:
لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا قالَ المؤذنُ: اللّه أكبر اللّه أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول اللّه، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، تم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا باللّه، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حولَ ولا قوةَ
(1)
أخرجه أحمد (4/ 42 - 43)، وأبو داود رقم (499)، والترمذي رقم (189) مختصرًا وقال: حديث حسن صحيح، وابن خزيمة رقم (371)، وابن ماجه رقم (706)، وابن حبان (رقم 287 موارد)، والبيهقي (1/ 390، 391) والدارمي (1/ 268 - 269)، وقد صححه جماعة من الأئمة كالبخاري، والذهبي، والنووي وغيرهم انظر الإرواء (1/ 265).
إلا باللّه، ثم قال: اللّه أكبر، الله أكبر، قال: اللّه أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا اللّه، من قلبه دخل الجنة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - يستحبُّ الترجيع: الترجيع: هو العَوْدُ إلى الشهادتين مرتينِ برفع الصوتِ بعد قولهما مرتين بخفضِ الصوتِ
(2)
.
عن أبي محذورة أنَّ نبي اللّه صلى الله عليه وسلم علَّمَهُ هذا الأذان: اللّه أكبر، اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا اللّه، أشهدُ أن لا إله إلا اللّه، أشهدُ أن محمدًا رسولُ اللّه، أشهد أن محمدًا رسول اللّه". ثم يعود فيقول:"أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللّهِ، أشهد أن محمدًا رسولُ اللّه، حي على الصلاة (مرتين) حي على الفلاح (مرتين)، زاد إسحاق: "اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلا اللّه".
وهو حديث ضعيف بتثنية التكبير
(3)
، أما بتربيع التكبير فهو صحيح
(4)
.
قلت: رواية التثنية في التكبير لا تصحُّ عن عبد اللّه بن زيد، بل هي باطلةٌ عنه؛ لأنها إنما وقعت غلطًا من بعض الرواة.
وكذلك روايةُ التثنية عن أبي محذورة وردتْ من طرق صحيحةٍ في الظاهر، إلا أن جميعها معلول؛ لأنها غلط من بعض الرواة أيضًا.
وانظر: تفصيل ذلك كله في كتابنا "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة.
6 - مشروعية التثويب في الأذانِ الأول للفجر:
لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: "كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاةُ خير من النوم مرتين"، بسند حسن
(5)
.
وفي رواية لأبي داود
(6)
عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاة خيرٌ من النوم، في الأولى من الصُّبْحِ"، وهي رواية صحيحة.
(1)
أخرجه مسلم رقم (385)، وأبو داود رقم (527).
(2)
شرح النووي لمسلم (4/ 81).
(3)
أخرجه مسلم رقم (379).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (502)، وابن ماجه رقم (709)، والنسائي رقم (630)، قال المحدث الألباني رحمه الله في "ضعيف سنن أبي داود" رقم (505):"صحيح بتربيع التكبير".
(5)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 423)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 137) وحسَّنَ الحافظ إسنَادَهُ.
(6)
رقم (105).
قلت: وعلى هذا ليس "الصلاة خيرٌ من النوم" من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة، والإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شُرِعَتْ؛ لإيقاظ النائم في الأذان الأول قبلَ دخولِ الوقتِ.
7 - أذانُ بلالٍ قبلَ الفجرِ لإيقاظِ النائمِ مُسْتَحَبٌّ:
عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنها قالا: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ بلالًا يؤذِّنُ بليلٍ، فكلوا واشربُوا حتى ينادي ابنُ أم مكتومٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وقد بيَّنَ الرسول صلى الله عليه وسلم الحكمةَ من تقديم في الأذانِ في الفجر على الوقتِ:
لحديث ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يمنعنَّ أحدَكُم، أو أحدًا منكم أذانُ بلال من سحورِهِ؛ فإنه يؤذِّنُ، أو ينادي بليلٍ، ليرجِعَ قائِمُكُم، ولينتبه نائمُكُم، وليسَ أن يقولُ الفجرُ، أو الصبحُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
8 - يستحبُّ لمن سمع الأذانَ والإقامة أن يقولَ مثلَ ما يقول المؤذِّنُ:
لحديث أبي سعيد الخدري كت قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم النداءَ فقولوا: مثلمَا يقول المؤذِّنُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فضل القول كما يقول المؤذِّنُ كلمةً كلمة سوى الحيعَلَتين، فيقولُ:"لا حول ولا قوة إلا باللّه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
9 - يُسْتَحَبُّ أن يدعُو بالواردِ بعدَ النداءِ:
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يسمعُ النداءَ: اللَّهُمَّ ربَّ هذه الدعوة التامَّة، والصلاةِ القائمة، آت محمدًا الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثْهُ مقامًا محمودًا الذي وعدْتَهُ، حلَّتَ له شفاعتي يومَ القيامةَ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (622)، ومسلم رقم (1092).
(2)
أخرجه البخاري رقم (621)، ومسلم رقم (1093).
(3)
أخرجه البخاري رقم (611)، ومسلم رقم (10/ 383).
(4)
تقدَّم تخريجُه في هذا الباب رقم (4).
(5)
أخرجه البخاري رقم (4719)، وأبو داود رقم (529)، وابن ماجه رقم (722)، والترمذي رقم (211)، والنسائي رقم (680).
10 - يُسْتَحَبُّ الإكثارُ من الدعاءِ بين الأذان والإقامةِ:
لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا يُرَد الدعاءُ بين الأذان والإقامة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
11 - النَّهْيُ عن أخْذ الأُجْرَةِ على الأذانِ:
لحديث عثمانَ بن أَبي العاص رضي الله عنه قال: يا رسولَ اللّه اجعلْني إمامَ قومي، فقال:"أنت إمامُهُم واقتدِ بأضعَفِهم، واتخذ مؤذِّنًّا لا يأخذُ على أذانِهِ أجرًا"، وهو حديث صحيح
(2)
.
12 - يُسْتَحَبُّ للمؤذِّن أن يلتفتَ برأسِه وعُنُقِهِ يمينًا عند قوله: "حي على الصلاة" وشمالًا عند قولهِ: "حي على الفلاح
":
لحديث أبي جحيفة قال: "أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بمكةَ، وهو بالأبطح في قُبَّة له حمراءَ من أدمٍ، قال: فخرج بلالٌ بوضوئِهِ، فَمِنْ نائلٍ، وناضحٍ، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حُلَّةٌ حمراءُ كأني أَنْظْرُ إلى بياض ساقيهِ، قال: فتوضأ وأذّن بلال، قال: فجعلتُ أتتبعُ فاهُ ههنا وههنا (يقول: يمينا وشمالًا)، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح .. "، وهو حديث صحيح
(3)
.
13 - يُسْتَحَبُّ إدخالُ الإصبع في الأذنِ عند الأذانِ:
لحديث أبي جحيفة قال: "رأيت بلالًا يؤذنُ ويدورُ، ويتبعُ فاهُ هاهنا، وهاهنا، وإصبعَاهُ في أذنيه
…
"، وهو حديث صحيح
(4)
.
14 - يُسْتَحَبُّ الأذانُ والإقامةُ للفائتة:
عن أبي عُبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ عن أبيه، أنَّ المشركينَ شَغَلُوا النبي صلى الله عليه وسلم يومَ
(1)
أخرجه النسائي في "اليوم والليلة" رقم (67، 68، 69)، وأبو داود رقم (521)، والترمذي رقم (212)، وأحمد (3/ 155، 119، 254)، وابن خزيمة رقم (427).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 21، 217)، وأبو داود رقم (531)، والترمذي رقم (209)، والنسائي (2/ 23)، وابن ماجه رقم (714)، والحاكم (1/ 199، 201) وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "الإرواء" حديت رقم (1492).
(3)
أخرجه البخاري رقم (634)، ومسلم رقم (249/ 503) وما بين الخاصرتين لمسلم.
(4)
أخرجه الترمذي رقم (197)، وابن ماجه رقم (711)، وانظر:"الإرواء"(230).
الخندق عن أربع صلواتٍ حتى ذهبَ من الليلِ ما شاء اللّه، فأمر بلالًا فأذَّنَ، ثم أقامَ فصلَّى الظهرَ، ثم أقامَ فصلَّى العصرَ، ثم أقامَ فصلَّى المغربَ، ثم أقامَ فصلَّى العشاءَ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
15 - لا يؤذن للعيدِ، ولا يُقالُ: الصلاة جامعةٌ:
لحديث جابر بن سمرة قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم العيدينِ، غيرَ مرةٍ ولا مرتين بغير أذانٍ ولا إقامة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
قال ابن القيم الجوزية
(3)
: "وكانَ صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلَّى أخذَ في الصلاة، أي: صلاة العيد من غير أذانٍ، ولا إقامةٍ، ولا قول: الصلاةُ جامعةٌ، والسنةُ: ألَّا يُفْعَلَ شيءٌ من ذلك" اهـ.
16 - كم بينَ الأذانِ والإقامة
؟:
ترجم الإمام البخاري
(4)
: "بابُ كم بين الأذانِ والإقامة؟ "، ولكن لم يثبت التقديرُ.
قال ابنُ بطالٍ: "لا حدَّ لذلك غيرُ تمكنِ دخول الوقتِ واجتماع المصلِّينَ".
17 - النَّهْيُ عن الخروج من المسجد بعد الأذانِ:
لحديث أبي الشَّعْثَاء قال: "كُنَّا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة، فأذّنَ المؤذنُ، فقامَ رجلٌ من المسجدِ يمشي، فأتبعَهُ أبو هريرة بصرهُ حتى خرجَ من المسجد، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (1/ 375)، والنسائي (2/ 17 - 18)، والترمذي رقم (179)، والبيهقي (1/ 403)، قال الترمذي:"حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد اللّه" قلت: ولكن للحديث شاهدٌ من حديث أبي سعيد أخرجه النسائي رقم (661)، والبيهقي (1/ 402 - 403)، وأحمد (3/ 25، 49، 67)، والطيالسي رقم (2231) بسند صحيح، وخلاصة القول أن حديث عبد اللّه صحيح لغيره، واللّه أعلم.
(2)
أخرجه مسلم رقم (887)، وأبو داود رقم (1148)، والترمذي رقم (532)، وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
"زاد المعاد"(1/ 442).
(4)
في صحيحه (2/ 106 رقم الباب 14 - مع الفتح).
(5)
أخرجه مسلم رقم (258/ 655)، والنسائي (2/ 29)، والترمذي رقم (204)، وقال:"حديث حسن صحيح"، وأبو داود رقم (536)، وابن ماجه رقم (733).
18 - يستحب للمؤذن أن يؤذن وهو قائم:
لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "يا بلالُ، قُمْ فنادِ بالصلاةِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
19 - يستحب للمؤذن أن يؤذِّن وهو مستقبل القبلة:
قال ابن المنذر
(2)
: "أجمع أهلُ العلم على أن من السُّنَّةِ أن تُسْتَقْبَلَ القِبْلَة بالأذانِ" اهـ.
فروع باب الأذان والإِقامة
فرع رقم (1): التسبيحُ الذي اعتاده الناسُ عِوضًا عن الأذان الأول في الفجر بدعة:
وقال الشقيري
(3)
: "وقولهم - قبل الفجرِ على المنائِرِ - يا ربِّ عفوًا بجاه المصطفى كرمًا، بدعة وتوسل جاهلي، وكذا التسبيح أو القراءةُ، أو الأشعارُ، بِدعٌ في الدين، مغيرة لسنة الأمين صلى الله عليه وسلم .. " اهـ
وقال ابن الجوزي
(4)
: "وقد رأينا من يقومُ بالليلِ كثيرًا على المنارةِ فيعظُ ويذكر، ومنهم من يقرأ سُورًا من القرآن بصوتٍ مرتفع، فيمنعُ الناسَ من نومهم، ويخلطُ على المتهجدين قراءتهم، وكلُّ ذلك من المنكراتِ" اهـ.
فرع رقم (2): مسحُ العينين بالسبابتين عثد تشهد المؤذنِ بدعة:
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لما سمع قولَ المؤذِّن: "أشهد أن محمدًا رسول اللّه"، قال هكذا - وقبَّلَ باطنَ الأُنْمُلَتَيْنِ السَّبَّابَتَيْنِ، ومسح عينيه - فقال صلى الله عليه وسلم:"من فعلَ مثلَ ما فعلَ خليلي حلَّت عليه شفاعتي"، وهو موضوع
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (604)، ومسلم رقم (377).
(2)
في "الأوسط"(3/ 28 م 353).
(3)
في "السننُ والمبتدعاتُ" ص (49).
(4)
في "تلبيس إبليس" ص (157).
(5)
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" كما في "المقاصد" رقم (1021) - وقال السخاوي: "لا يصح، وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" رقم (18) بتحقيقي، وقال:"قال ابن طاهر في التذكرةِ: لا يصح".
وقال المعلمي معقبًا: وكلمةُ (لا يصحُّ) إنما تقال فيما له قوة، فأما هذا فلا يرتابُ عالِمٌ بالسُّنَّةِ في بُطْلانه اهـ.
وانظر كلام الشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه على هذا الحديث الموضوع في تعليقه على المصنوع، رقم (300).
فرع رقم (3): ضعف الدليل على عدم مشروعيةِ الأذانِ للإمامِ:
عن جابر بن عبد اللّه قال: "نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يكون الإمامُ مؤذَّنًّا"، وهو حديث ضعيف
(1)
.
فرع رقم (4): ضَعْفُ الدليلِ على أن من أذَّنَ فهو يقيمُ:
عن زياد بن الحارث الصِّدائي قال: لما كان أولُ أذانِ الصبح أمرني - يعني النبي صلى الله عليه وسلم فأذنْتُ، فأراد بلال أن يُقيِمَ فقال له نبي اللّه:"إن أخا صداءٍ أذَّنَ، ومن أذَّنَ فهو يقيمُ" قال: فأقمتُ، وهو حديث ضعيف
(2)
.
(1)
أخرجه البيهقي (1/ 433)، وابن عدي في "الكامل"(1/ 323)، وفي سنده إسماعيلُ بن عمر، وهو ضعيف قال ابن عدي:"سائر رواياته مما لا يُتابعُ عليها، وهو ضعيف" وله طريق أخرى أخرجها ابن حبَّانَ في "المجروحين"(2/ 321) ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 400) وفيه المعلى بن هلال كذَّبه الثورفي، وابن عيينة، والسعديُ كما قال ابن الجوزي.
وله شاهد أخرجه ابنُ عدي في "الكامل"(3/ 200)، ومن طريقه ابنُ الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 400) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم:"يُكرَهُ للمؤذِّن أن يكون إمامًا"، وفي سنده سلام الطويلُ، وزيد العمي، الأول متروك كما قال البخاري والنَّسَائِي، والثاني ضعيف كما قال النسائي، وخلاصةُ القول أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (514)، والترمذي رقم (199)، وابن ماجه رقم (717)، وأحمد (4/ 169)، والبيهقي (1/ 399).
وقد ضعف الحديث البغوي، والبيهقي، وأنكره سفيان الثوري، كما في "الإرواء"(1/ 255 رقم 237).
وللحديث شاهدان ضعيفان من حديث ابن عمر، وابن عباس، انظر تخريجهما في كتابنا "إرشاد الأمة إلى فقه الكتابِ والسنةِ" جزءُ الصلاةِ.
الباب الثالث شروط الصلاة
الشرط لغة: العلامةُ، ومنه قوله تعالى:{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18] أي: علاماتُ الساعةِ، وفي لسان الفقهاءِ: ما يلزمُ من عدمه العدم
(1)
.
شروطُ صحةِ الصلاةِ:
1 - العلم بدخول الوقت
؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] فلا تصح الصلاةُ قَبلَ دخول وقتِها، ولا بعدَ خروجِهِ إلَّا لِعُذْرٍ.
2 - الطهارة من الحدثين:
لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
ولحديث ابن عمرَ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبلُ الله صلاةً بغير طُهُورٍ، ولا صدقةً من غُلولٍ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - طهارةُ الثوبِ والبدن والمكان الذي يصلّى فيه:
أما طهارة الثوبِ؛ فلقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4].
ولحديث معاوية قال: قلتُ لأمِّ حبيبة: "هل كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي في الثوب الذي يُجامِعُ فيه؟ قالتْ نعم إذا لم يكن فيه أذى"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وأما طهارة البدن؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم لعلي وقد سأله عن المذي: "توضأ واغْسلْ ذَكَرَكَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ولقوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: "اغسلي عنك الدم وصلِّي"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
"سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام". بتحقيقي (2/ 102) الطبعة الأولى.
(2)
أخرجه مسلم رقم (224)، والترمذي رقم (1).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 112 رقم 417 - الفتح الرباني)، وأبو داود رقم (366)، والنسائي (1/ 155)، وابن ماجه رقم (540)، وانظر:"الروضة الندية" بتحقيقي (1/ 224 - 225).
(4)
أخرجه البخاري رقم (269).
(5)
أخرجه البخاري رقم (228)، ومسلم رقم (333).
وأما طهارة المكان؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد بال الأعرابي في المسجد: "أريقوا على بولهِ سَجْلًا من ماءٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
4 - سَتْرُ العورةِ؛ لقوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]
.
أي: استروا عوراتِكم، وكانوا يطوفُون بالبيت عُرَاةً.
وعورةُ الرجل ما بين سُرَّتِهِ وركبتِهِ، كما جاء بذلك الحديثُ:
"عورةُ الرجلِ ما بين سُرَّتِهِ إلى ركبته"، وهو حديث حسن
(2)
.
* ولقوله صلى الله عليه وسلم: "يا معمرُ غطِّ فَخذَيْكَ؛ فإن الفخذين عَورةٌ"، وهو حديث صحيح بشواهده
(3)
.
قال الشيخ الألباني
(4)
رحمه الله: "
…
فلا ينبغي التردُّدُ في كونِ الفخذِ عورةً؛ ترجيحًا للأدلة القولية، فلا جَرَمَ أنْ ذهبَ إليه أكثرُ العلماءِ، وجزم به الشوكانيُّ - في نيل الأوطار - (2/ 52 - 53)، السيل الجرار (1/ 160 - 161)، نعم، يمكن القولُ بأنَّ عورة الفخذينِ أخفّ من عورة السَّوْأتَيْنِ، وهو الذي مال إليه ابنُ القيم في "تهذيب السنن" كما كنتُ نقلتُه عنه في "الإرواء"(1/ 301) " اهـ.
(1)
أخرجه البخاري رقم (6128).
(2)
أخرجه الدارقطني (1/ 230 - 231 رقم 3) عن سوار بن داود، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مروا صبيانكم بالصلاة في سبع سنين، واضربوهم عليها في عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع، وإذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره، فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة، فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة".
ورواه أبو داود في "سننه" رقم (495) لم يقل فيه: فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورةِ.
ورواه أحمد في "مسنده"(2/ 187)، ولفظُهُ:"فإن ما أسفلَ من سرتِهِ إلى ركبتيه من عورته".
ورواه العقيلي في "ضعفائه"(2/ 167 - 168) ولين سوار بن داودَ.
قال صاحب "التنقيح": وسوارُ بنُ داودَ أبو حمزة البصري وثقَهُ ابنُ معين، وابنُ حبَّانَ، وقال أحمد: شيخ بصري لا بأسَ به، وله طريق آخرُ عند ابن عدي في "الكامل"(3/ 292) أخرجه عن الخليل بن مُرة عن ليث بن أبي سليم، عن عمرو بن شعيب به، وليَّنَ الخليلَ بنَ مرَّة ونقل عن البخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 199 ت 679) أنه قال: فيه نظر، قال ابن عدي: وهو ممن يُكْتَبُ حديثه؛ فإنه ليس بمنكرِ الحديثِ.
والخلاصةُ أن الحديث حسن واللّهُ أعلمُ.
انظر: "نصب الراية"(1/ 296)، و"الإرواء" رقم (271).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 290). والبخاري تعليقًا (1/ 478 - مع الفتح): وفي "التاريخ الكبير"(1/ 13)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 180).
(4)
في تمام المنة ص (160).
ولحديث عائشةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقبل اللّهُ صلاةَ حائضٍ
(1)
إلَّا بخمار"، وهو حديث صحيح
(2)
.
والخمار: ما تغطِّي به المرأةُ رأسَها، وإذا وجبَ سَتْرُ الرأسِ فَسَتْرُ غيرهِ أولى، ودل على هذا حديث عائشة قالت: "لقد كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلِّي الفجرَ، فيشهدُ معه نساءٌ من المؤمنات، مُتلفعاتٍ
(3)
في مروطهنَّ
(4)
، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفُهن أحدٌ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
ولأحاديث النهي عن الصلاة في الثوب الواحد، ليس على عاتق المصلِّي منه شيْءٌ:
(منها): عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يصلِّي أحدُكُم في الثوب الواحد ليس على عاتقهِ شيءٌ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(ومنها): عن أبي هريرة، قال: أشهد أني سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلَّى في ثوب فليخالفْ بين طرفيهِ"، وهو حديث صحيح
(7)
.
5 - استقبالُ القبلةِ:
لقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144].
وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: إذا قام إلى الصلاة استقبلَ الكعبةَ في الفرضِ والنفلِ، وأمر صلى الله عليه وسلم بذلك فقال للمسيء صلاتَهُ:"إذا قُمتَ إلى الصلاة فأسبغ الوضُوءَ، ثم استقبل القبلة فَكبِّرْ .. "، وهو حديث صحيح
(8)
.
ويجوز تركُ الاستقبال في شدةِ الخوفِ، وفي النافلةِ في السَّفرِ على الراحلةِ
(9)
:
(1)
الحائض: هي التي بلغت، وسُمِّيَتْ حائضًا؛ لأنها بلغت سِنَّ الحيض.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (641)، والترمذي رقم (377)، وقال: حديث حسن، وابن ماجه رقم (655) وغيرهم.
(3)
متلفعات: متلحفات، أي. مغطياتُ الرؤوس والأجساد.
(4)
مروطهنَّ جمع مرط، وهو ثوب من خز أو صوفٍ أو غيره، وقيل: هو الملحفة.
(5)
أخرجه البخاري رقم (578)، ومسلم رقم (645).
(6)
أخرجه البخاري رقم (359)، ومسلم رقم (516).
(7)
أخرجه البخاري رقم (360).
(8)
أخرجه البخاري رقم (6251)، ومسلم رقم (46/ 397) وغيرهما.
(9)
انظر: الباب الحادي عشر: باب صلاة الخوف.
وأما النوافلُ فقد خففَ الشارعُ فيها، وسوَّغ تأديتَها على ظهر الراحلةِ إلى جهة القبلةِ وغير جهتِها.
لحديث عبد الله بن عامر عن أبيه، قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي على راحلتِه حيث توجهت بِهِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث أنس بن سيرينَ قال: "استقبلنا أنسًا - ابن مالك - حين قدم الشام فتلقيناه بعينِ التمر، فرأيتهُ يصلِّي على حمار ووجهُهُ من ذا الجانب - يعني عن يسار القبلة - فقلت: رأيتك تُصلِّي لغير القبلة، فقال: لولا أني رأيتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم فعلَهُ لم أفعله"، وهو حديث صحيح
(2)
.
6 -
النية؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى .. "، وهو حديث صحيح
(3)
.
قال ابن القيم الجوزية
(4)
:
"كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: "اللّه أكبر" ولم يقلْ شيئًا قبلها، ولا تلفظ بالنية البتةَ، ولا قال: أصلي للّه صلاةَ كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إمامًا أو مأمومًا، ولا قال: أداء ولا قضاء، ولا فرضَ الوقتِ، وهذه عشرُ بدعٍ لم يَنْقُلْ عنه أحدٌ قطٌ بإسناد صحيح ولا ضعيف، ولا مسندٍ ولا مرسلٍ لفظةً واحدةً منها البتةَ، بل ولا عن أحد من أصحابهِ، ولا استحسَنَهُ أحد من التابعين، ولا الأئمةُ الأربعةُ، .. " اهـ.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1093)، ومسلم رقم (40/ 701).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1100)، ومسلم رقم (41/ 702).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1)، ومسلم رقم (1907).
(4)
"زاد المعاد"(1/ 194).
فروع تتعلق بشروط الصلاة
فرع رقم (1):
من صلى وعليه نجاسةٌ لا يدري بها فصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه، وإن عَلِمَ بها أثناءَ الصلاة: فإن أمكنه إزالتها بان كانت في نعليهِ، أو في ثوب زائد على ما يسترُ العورةَ أزالَها وأتمَّ صلاته.
لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بأصحابه؛ إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القومُ ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاته قال:"ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ " قالوا: رأيناك ألقيت نعليكَ فألقينا نِعَالَنَا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا" أو قال: "أذى" وقال: "إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظرْ: فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذىً فليمسحهُ وليصلِّ فيهما"، وهو حديث صحيح
(1)
.
فرع رقم (2)
من تحرى القبلةَ فصلَّى إلى الجهة التي ظنَّها، ثم تبيَّن له خطؤُهُ فلا إعادة عليه؛ لحديث عامر بن ربيعةَ، قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمةٍ، فأشكلتْ علينا القبلةُ، فصلَّيْنَا، فلما طلعت الشَّمْسُ، إذا نحنُ صلينا إلى غير القبلة، فنزلت:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، وهو حديث حسن
(2)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (650).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (2957)، وابن ماجه رقم (1020) نحوه من طريق الطيالسي، وهذا في "مسنده" رقم (1145)، وعنه البيهقي (2/ 11)، والدارقطني (1/ 272 رقم 5)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 179 - 180).
وعلة الحديث عاصمُ بن عبيد اللّه، فإنه سيئ الحفظِ، وبقيةُ رجالِهِ عند الطيالسي ثقاتٌ، رجال مسلم، عدا. أشعثَ بن سعيدٍ السمان، وقد تابعَه - عنده عمرو بن قيس، وهو الملائي احتج به مسلم، وانظر: بقية تخريجه في "سبل السلام"(2/ 110) بتحقيقي ط 1.
الباب الرابع كيفية الصلاة
الفصل الأول: صفة الصلاةِ
كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاةِ استقبل الكعبة في الفرض والنفل، قائمًا قريبًا من السُّتْرَة.
ثم كان صلى الله عليه وسلم يستفتحُ الصلاةَ بقوله: "الله أكبر"، وكان يرفع يديه مع التكبير، ثم يضعُ يده اليمنى على اليسرى فوق صدرِه، ثم يرمي ببصره نحو الأرض، ثم يستفتح القراءةَ بأدعيةٍ كثيرةٍ متنوعةٍ، يحمد اللّه تعالى فيها ويمجده، ويثني عليه، ثم يستعيذُ باللّه تعالى من الشيطان الرجيم، ثم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ولا يجهرُ بها، ثم يقرأ الفاتحة ويقطعها آيةً آيةً، فإذا انتهى من الفاتحة قال: آمينَ، ويجهرُ ويمدُّ بها صوته ثم يقرأ بعد الفاتحة سورةً غيرها وكان يطيلها أحيانًا، ويقصرها أحيانًا.
وكان صلى الله عليه وسلم يجهرُ بالقراءة في صلاة الصبح، وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، ويسرُّ بها في الظهر والعصر، والثالثة من المغربِ والأخريين من العشاء.
وكان يجهر بها أيضًا في صلاة الجمعة والعيدين، والاستسقاء، والكسوف، وكان يجعلُ الركعتين الأخيرتينِ أقْصَرَ من الأوليينِ قَدْرَ النصفِ، قدر خمس عشرة آيةً، وربما اقتصر فيهما على الفاتحة.
ثم كان صلى الله عليه وسلم إذا فرغَ من القراءة سكت سكتةً، ثم رفعَ يديه وكبَّر وركَعَ، وكان
يضعُ كفَّيه على ركبيتهِ، ويفرِّجُ بين أصابعهِ، ويمكِّنُ يديهِ من ركبتيهِ كَأنه قابضٌ عليهما.
وكان يجافي مرفقيه عن جنبيه، ويبسطُ ظَهْرَهُ ويسوِّيه، حتى لو صُبَّ عليه الماءُ لاستقرَّ.
وكان يطمئن في ركوعهِ، ويقول: سبحانَ ربِّيَ العظيم ثلاثًا، وكان يقول في هذا الركوع أنواعًا من الأذكار والأدعية، تارة بهذا، وتارة بهذا، وكان ينهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.
ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع صُلْبَهُ من الركوع قائلًا: سمعَ اللّه لمن حَمِدَهُ، وكان يرفع يديه
عند هذا الاعتدال، ويقولُ وهو قائم: ربَّنا ولكَ الحمدُ، وكان تارة يزيد على ذلك، ثم كان يكبِّر ويَهْوِي ساجدًا، ويضعُ يديهِ على الأرضِ قبلَ ركبتهِ، وكان يعتمدُ على كفيه ويُبْسطُهما، ويضمُّ أصابعهما ويوجِّهُهما قِبَل القبلة، وكان يجعَلهما حذو منكبيه، وأحيانًا حَذْوَ أذنيهِ، ويمكِّنُ أنْفَهُ وجبهته من الأرض، وكان يقول: أُمِرْتُ أن أسجُدَ على سبعةِ أعظمٍ: على الجبهةِ، وأشار بيده على أنفه، واليدينِ والركبتين وأطرافِ القدمينِ.
وكان يقول: "لا صلاة لمن لا يصيبُ أنفه من الأرض ما يصيبُ الجبينَ".
وكان يطمئن في سجوده، ويقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثًا، وكان يقول أنواعًا من الأذكار والأدعية، تارةً هذا، وتارةً هذا.
وكان يأمر بالاجتهاد والإكثارِ من الدعاء في هذا الركنِ، ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبِّرًا، ثم يفرش رجله اليسرى، فيقعدُ عليها مطمئنًا، وكان ينصِبُ رجله اليمنى ويستقبلُ بأصابِعها القبلةَ.
وكان يقول: اللهم اغفر لي وارحمني، واجبرني وارفعني، واهدني وعافني، وارزقني ثم يكبر ويسجدُ السجدةَ الثانية كالأولى، ثم يرفع رأسَهُ مكبرًا، ثم يستوي قاعدًا على رجله اليسرى معتدلًا، حتى يرجعَ كلُّ عظمٍ إلى موضعِه، ثم ينهضُ معتمدًا على الأرض إلى الركعة الثانية.
وكان يصنعُ فيها مثلَ ما يصنع في الأولى، إلا أنه كان يجعلُها أقْصَرَ من الأولى، ثم كان صلى الله عليه وسلم يجلس للتشهد بعد الفراغِ من الركعة الثانية، فإذا كانت الصلاة ركعتينِ جلس مفترشًا، كما كان يجلسُ بين السجدتين، وكذلك يجلس في التشهد الأول من الثلاثية والرباعية.
وكان إذا قعد في التشهد وضع كفَّه اليُمْنَى على فخذه اليمنى، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وكان يبسط اليسرى، ويقبضُ اليمنى، ويشير بالسبابة، ويرمي ببصره إليها، وكان إذا رفعَ أصبعه يحرِّكُها يدعُو بها ويقول:"لهي أشدُّ على الشيطان من الحديد" يعني: السبابة.
ثم كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في كل ركعتين التحية، وكان يصلِّي على نفسه في التشهد الأول وغيره، وشرعَ ذلك لأمتِهِ، وكان يدعو في صلاته بأدعية متنوعةٍ.
ثم كان صلى الله عليه وسلم يسلِّم عن يمينه: "السلام عليكم ورحمه اللّه" وعن يساره كذلك، وكان أحيانًا يزيد في التسليمة الأولى "وبركاته".
كل ما تقدم من صفة صلاتِهِ صلى الله عليه وسلم فيه الرجالُ والنساء ولم يرد في السُّنَّةِ ما يقتضي استثناءَ النساءِ من بعض ذلك، بل إن عمومَ قوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلِّي يشمَلُهنَّ" اهـ
(1)
.
(1)
مقتبس من كتاب: "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراه للمحدث الشيخ "محمد ناصر الدين الألباني" رحمه الله ص (75 - 189) ط 1، مكتبة المعارف، وقد أورد الشيخ رحمه الله الأدلة على كل فقرة مما تقدم مع تخريجها والحكم عليها وللّه الحمد والمنة.
الفصل الثاني أركان الصلاة
1 - القيام في الفرض للقادر عليه:
لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
ولحديث عمران بن حُصين قال: "كانت بي بواسيرُ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاةِ، فقال: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنْبٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - تكبيرة الإحرام:
لحديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطَّهُور، وتحريمها التكبيرُ، وتحليلها التسليمُ"، وهو حديث حسن
(2)
.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - قراءةُ الفاتحة في كل ركعة:
لحديث عبادة بن الصامتِ يبلغُ به النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتابِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء صلاته بالقراءة، ثم قال:"ثم افعلْ ذلك في صلاتك كلها"، وهو حديث صحيح
(5)
.
4 - الركوعُ والطُّمأنينةُ فيه:
لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77].
(1)
أخرجه البخاري رقم (1117).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (61)، والترمذي رقم (3)، وابن ماجه رقم (275)، وأحمد (1/ 123) وغيرهم، وله شواهد، انظر تخريجها في "نصب الراية"(1/ 307 - 308)، وانظر: الإرواء رقم (301).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6251)، ومسلم رقم (397).
(4)
أخرجه البخاري رقم (756)، ومسلم رقم (34/ 394)، والترمذي رقم (347)، والنسائي (2/ 137).
(5)
أخرجه البخاري رقم (6251)، ومسلم رقم (397).
ولقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاتَه: "ثم اركعْ حتى تطمئنَّ راكعًا"، وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه.
5 - الاعتدالُ بعد الركوع والطمأنينة فيه:
لحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاةٌ لا يقيمُ الرجلُ فيها صُلْبَهُ في الركوع والسجود"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاتَه: "ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائمًا"، وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.
6 - السجودُ والطمأنينةُ فيه:
لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77].
ولقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "ثم اسجُدْ حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئَّن جالسًا، ثم اسجدْ حتى تطمئنَّ ساجدًا"، وهو حديث صحيح
(2)
.
*
وأعضاءُ السجود سبعةٌ:
لحديث ابن عباس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "أمرتُ أن أسجُدَ على سبعة أعْظُمٍ: الجَبْهة (وأشار بيده على أنفه) واليدين، والرجلينِ، وأطراف القدمينِ، ولا نكفِتَ الثياب، ولا الشعرَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
7 - الجلوسُ بين السجدتين، والطمأنينةُ فيه:
لحديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاةٌ لا يقيم الرجلُ فيها صُلبَهُ في الركوع والسجود"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء صلاته بقوله: "اسجدْ حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثم ارفعْ حتى تطمئنَّ جالسًا .. "، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه النسائي (2/ 183)، والترمذي رقم (265)، وأبو داود رقم (855)، وابن ماجه رقم (870).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
أخرجه البخاري رقم (808)، ومسلم رقم (230/ 490).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
تقدم تخريجه.
8 - التشهد في القعود الأخير:
لحديث عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا إذا صلَّينا خلفَ النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلامُ على جبريل وميكائيلَ، السلامُ على فلانٍ وفلانٍ. فالتفتَ إلينا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله هو السلامُ، فإذا صلَّى أحدُكم فليقلْ:"التحياتُ لله، والصلواتُ، والطيباتُ، السلامٌ عليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين - فإنكم إذا قلتموها أصابتَ كلَّ عبدٍ لله صالحٍ في السماءِ والأرض - أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولَه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قلت: ورد في صيغة التشهدِ رواياتٌ عدّةٌ كلها صحيحة - انظرها: في كتابنا "إرشاد الأمة إلى فقه الكتاب والسنة" جزء الصلاة، وأصحُّها تشهُّد ابن مسعود المتقدم، واللّه أعلم.
9 - الصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهُّدِ الأخير:
لحديث فُضَالةَ بن عبيدٍ قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعُو في صلاته، فلم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عَجل هذا" ثم دعاهُ فقال له - أو لغيره: "إذا صلَّى أحدُكم، فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدعُ - بعدُ - بما شاءَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث أبي مسعود قال: أتانا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم ونحنُ في مجلس سعد بن عُبَادةَ، فقال له بشيرُ بنُ سعدٍ: أمرَنَا اللّه أن نُصَلِّيَ عليكَ، فكيف نُصَلِّي عليك؟ قال: فسكتَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى تمنَّيْنَا أنه لم يسأل، ثم قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم:"قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آلِ محمدٍ، كما صليت على الِ إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آلِ محمد، كما باركتَ على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، والسلامُ كما قد عَلِمْتُمْ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (831)، ومسلم رقم (402) وغيرهما.
(2)
أخرجه الترمذي رقم (3477)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح"، وأبو داود رقم (1481)، والنسائي (3/ 44)، وابن خزيمة رقم (710)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (1960)، والحاكم (1/ 230، 268) وصحَّحه، ووافقه الذهبي.
(3)
أخرجه أحمد (4/ 119)، ومسلم رقم (405)، والترمذي رقم (3220)، والنسائي (3/ 45)، وأبو داود رقم (980)، وابن خزيمة رقم (711)، وابن حبان رقم (1958)، و (1959)، والدارقطني (1/ 354 - 355)، والحاكم (1/ 268) وصححه، والبيهقي (2/ 146).
10 - التعوذ من أربع قبلَ السلام:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا تشهَّدَ أحدُكُم فليستعِذْ بالله من أربع: يقولُ: اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من عذاب جهنَّم، ومن عذابِ القبرِ، ومن فتنةِ المحَيا والمماتِ، ومن شرِّ فتنة المسيحِ الدجال"، وهو حديث صحيح
(1)
.
11 - السلام:
لقوله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلُها التسليمُ"، وهو حديث حسن
(2)
.
ولحديث عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله حتى يُرى بياضُ خدِّه، السلام عليكم ورحمة اللّه، السلام عليكم ورحمة اللّه"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (128/ 588).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (996)، والترمذي رقم (295)، والنسائي (3/ 63)، وابن ماجه رقم (914) وغيرهم.
الفصل الثالث واجبات الصلاة
1 - التشهدُ الأول:
لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قعدتُم في كل ركعتين فقولوا: التحياتُ للّه، والصلواتُ والطيباتُ، السلامُ عليك أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللّه وبركاته، السلامُ علينا وعلى عباد اللّه الصالحين، أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخيَّرْ أحدُكم من الدعاءِ أعجبَه إليه، فليدعُ به ربَّه عز وجل"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته فقال: "فإذا جلستَ في وَسَط الصلاة، فاطمئنَّ وافترشْ فخذكَ اليسرى، ثم تشهدْ"، وهو حديث حسن
(2)
.
2 - اتخاذُ الستْرةِ بين يدي المصلِّي تمنعُ المرورَ أمامَه:
لحديث سهل بن أبي حثمةَ، يبلغُ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدُكُم إلى سترة فليدْنُ منها؛ لا يقطع الشيطانُ عليه صلاتَهُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
لا يدنُو من السترة وتتحقق بالجدارِ، والأسطوانةِ، والعَصَا المغروزة، والراحلة يعرضُها فيصلِّي إليها.
عن سهل بن سعد قال: كان بين مُصَلَّى رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم وبين الجدارِ ممرٌّ شاةٍ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن ابن عمر قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا خرجَ يومَ العيد يأمرُ بالحربةِ فتوضعُ بين يديه، فيصلي إليها والناسُ وراءَه، وكان يفعلُ ذلك في السَّفرِ"، وهو حديث صحيح.
وعن طلحة بن عُبيد اللّهِ قال: كُنَّا نصلِّي والدوابُّ تمرُّ بين أيدينا، فذكرنا ذلك للنبي
(1)
أخرجه أحمد (1/ 437)، والنسائي (2/ 238)، وصححه الشيخ الألباني في "الإرواء" رقم (336).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (860).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (695)، والنسائي (2/ 62).
(4)
أخرجه البخاري رقم (496)، ومسلم رقم (262/ 508)، وأبو داود رقم (696).
- صلى الله عليه وسلم فقال: "مثلُ مؤخرةِ الرَّحلِ يكون بين يدي أحدِكم، ثم لا يضرُّهُ ما مرَّ بين يديه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنه كان إذا دخل الكعبةَ مشى قبلَ وجههِ حينَ يدخلُ، وجعل الباب قبل ظهره، فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاثة أذرع صلَّى، يتوخى المكانَ الذي أخبره به بلال:"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه، قال: وليس على أحدنا بأسٌ إنْ صلَّى في أي نواحي البيت شاء"، وهو حديث صحيح
(2)
.
*
لا يدع المصلِّي أحدًا يمرُّ بينه وبين السترة:
لحديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم يصلِّي، فلا يدعْ أحدًا يمرُّ بين يديه، فإن أبى فليقاتِلهُ؛ فإنَّ معهُ القرينَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدُكم إلى شيءٍ يستُرهُ من النَّاسِ، فأرادَ أحدٌ أن يجتازَ بين يديه فليدْفعْهُ، فإنْ أبى فليقاتِلهُ؛ فإنَّما هو شيطانٌ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
*
يقطع صلاةَ من لم يتخذ سترة: الحمارُ والمرأةُ والكلبُ الأسودُ:
لحديث عبد اللّه بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدُكم يُصَلِّي فإنَّهُ يستُرُهُ إذا كان بين يديه مثْلُ آخرَةِ الرَّحْلِ، فإذا لم يكنْ بينَ يديْه مثلُ آخرَةِ الرَّحْلِ، فإنَّهُ يقطعُ صلاتَهُ المرأةُ، والحمَارُ، والكلبُ الأسودُ" قلت: يا أبا ذَرّ ما بالُ الكَلبِ الأسْود من الكلبِ الأحمرِ من الكلب الأصفر؟ قال: يابْنَ أخي، سالتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال:"الكلبُ الأسودُ شيطان"، وهو حديث صحيح
(5)
.
*
تحريم المرورِ بين يدي المصلِّي:
لحديث أبي النَّضْر مولى عمر بن عُبيد اللّه عن بُسْرِ بن سعيدٍ عن أبي جهيمٍ عبد اللّه
(1)
أخرجه أحمد (3/ 263)، ومسلم رقم (242/ 499)، وابن ماجه رقم (940).
(2)
أخرجه البخاري رقم (506).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 86)، ومسلم رقم (506)، وابن ماجه رقم (955).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 63)، والبخاري رقم (509)، ومسلم رقم (505)، وأبو داود رقم (70)، والنسائي (2/ 66).
(5)
أخرجه أحمد (5/ 149)، ومسلم رقم (510)، وأبو داود رقم (702)، والترمذي رقم (338)، والنسائي (2/ 63)، وابن ماجه رقم (952).
بن الحارث بنِ الصِّمَّةِ الأنصاري قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المارُّ بين يَدَي المصلِّي ماذَا عليه لكان أن يقفَ أربعين خيرًا له من أن يمرَّ بينَ يديه"، قال أبو النضر: لا أدري قال: أربعينَ يومًا، أو شهرًا، أو سنةً، وهو حديث صحيح
(1)
.
*
سترة الإمام سترة للمأموم:
لحديث ابن عباس قال: "أقبلتُ راكبًا على أتانٍ، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلامَ، ورسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يُصلي بالناس بمنىً إلى غير جدارٍ، فمررتُ بين يدي بعض الصفِّ، فنزلتُ وأرسلتُ الأتانَ ترتع، فدخلتُ في الصف، فلم يُنكر ذلك عليَّ أحدٌ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرج أحمد (4/ 169)، والبخاري رقم (510)، ومسلم رقم (507)، وأبو داود رقم (701)، والترمذي رقم (336)، والنسائي (2/ 66)، وابن ماجه رقم (944).
(2)
أخرجه أحمد (1/ 264)، والبخاري رقم (493)، ومسلم رقم (504)، وأبو داود رقم (715)، والترمذي رقم (337)، والنسائي (2/ 64 - 65)، وابن ماجه رقم (947).
الفصل الرابع سننُ الصلاةِ القولية والفعلية
أولًا: سنن الصلاة القولية:
1 - دعاء الاستفتاح:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر للصلاةِ، سكتَ هُنَيْهَةً قبل أن يقرأ، فسألتُهُ، فقال:"أقول: اللهم باعدْ بيني وبين خطاياي كمَا باعدتَ بين المشرقِ والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما يُنقى الثوبُ الأبيض من الدَّنَس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - الاستعاذةُ:
لقوله تعالى في سورة النحل الآية (98): {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ، ولحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول: "أعوذُ باللّه السميع العليم من الشيطانِ الرجيم؛ من هَمْزِهِ ونفْخِهِ ونَفْثِهِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - التأمينُ:
لحديث وائل بن حُجْرٍ قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: {وَلَا الضَّالِّينَ} ؛ قال: "آمين" ورفع بها صوتَهُ، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أمَّنَ الإمامُ فأمِّنوا؛ فإنَّهُ من وافقَ تأمينُهُ تأمين الملائكةِ غُفِرَ لَهُ ما تقدم من ذنبه".
(1)
أخرجه أحمد (2/ 231)، والبخاري رقم (744)، ومسلم رقم (147/ 598)، وأبو داود رقم (781)، والنسائي (2/ 129 - 128)، وابن ماجه رقم (805).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 50)، والترمذي رقم (242)، وأبو داود رقم (775)، والنسائي (1/ 243) والدارقطني (1/ 301 رقم 17).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (932)، والترمذي رقم (248)، وقال:"حديث حسن"، وابن ماجه رقم (855)، وانظر:"الصحيحة"(1/ 755).
4 - قراءة السورة بعد الفاتحة في الأُولَيَينِ:
لحديث أبي قتادة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأمِّ الكتابِ وسورتين، وفي الركعتين الأُخريين بفاتحة الكتاب، ويسمعنا الآية أحيانًا، ويُطول في الركعة الأولى ما لا يُطيلُ في الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وتُسنُّ القراءةُ في الأخريين أحيانًا:
لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدْر ثلاثينَ آيةً، وفي الأخريين قدْرَ قراءة خمس عشرة آيةً، أو قالَ: نصفَ ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين، في كل ركعةٍ قَدْرَ قراءةِ خمسَ عشْرةَ آيةً، وفي الأخريين قدر نصف ذلك"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ويُسَنُّ الجهرُ بالقراءة في صلاة الصبح، وفي الأوليينِ من المغرب والعشاء، ويُسنُّ الإسرارُ بالقراءة في الظهرِ والعصر، والثالثةِ من المغرب، والأخريينِ من العشاء:
قال الإمام النووي
(3)
: "فالسنةُ الجهرُ في ركعتي الصبح والمغرب والعشاء، وفي صلاة الجمعة، والإسرارُ في الظهر والعصر، وثالثةِ المغرب والثالثةِ والرابعةِ من العشاءِ، وهذا كله بإجماع المسلمين مع الأحاديث الصحيحة المتظاهرة على ذلك".
وقال ابن حزم
(4)
: "واتفقوا أن القراءةَ في ركعتي الصبح، والأوليين من المغرب والعشاء من جهر فيها فقد أصابَ، ومن أسر في الأخريين من العَتَمَةِ، وفي الثالثة من المغرب، وفي جميع الظهرِ والعصرِ فقد أصاب".
وأقرَّه ابن تيمية على ذلك.
قلت: وإليك بعضَ الأحاديث التي أشار إليها الإمامُ النووي، رحمه الله:
(1)
أخرجه البخاري رقم (776)، ومسلم رقم (451)، وأحمد (5/ 305)، وزاد أبو داود رقم (798) قال:"فظننا أنهُ يريدُ بذلك أن يدرك الناسُ الركعةَ الأولى".
(2)
أخرجه أحمد (3/ 85)، ومسلم رقم (452).
(3)
في "الجموع"(3/ 355).
(4)
في كتابه: "مرات الإجماع" ص (33).
1 -
عن قُطْبَةَ بن مالكٍ: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10]، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 -
عن عَمْرو بن حُريث: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] وهو حديث صحيح
(2)
.
3 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يومَ الجمعة: السجدة {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة، سورة الجمعة والمنافقين، وهو حديث صحيح
(3)
.
قال المحدث الألباني
(4)
رحمه الله: "وأما القراءةُ في الأوليين فلا أعلمُ في ذلك حديثًا صريحًا، فالعمدةُ في ذلك على الاتفاقِ الذي سبق نقلُه عن النووي" اهـ.
5 - التسبيحُ في الركوع والسجود:
لحديث حذيفة قال: صلَّيتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ
…
وفيه: ثم ركع، فجعلَ يقول:"سبحان ربِّي العظيم"، ثم سجد فقال:"سبحان ربي الأعلى"، وهو حديث صحيح
(5)
.
6 - تكبيرةُ الركوع والسجود والرفعِ والخفضِ:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ إلى الصلاةِ يكبرُ حين يقومُ، ثم يكبرُ حين يركعُ، ثم يقولُ:"سمع اللّه لمن حمده" حين يرفع صُلبَهُ من الركوع، ثم يقول وهو قائم:"ربنا ولك الحمدُ" ثم يكبر حين يهوي ساجدًا، ثم يكبرُ حين يرفعُ رأسهُ، ثم يكبرُ حين يسجدُ، ثم يكبر حين يرفعُ رأسهُ، ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كُلِّها حتى يقضيها، ويكبر حين يقومُ من المثنى بعد الجلوس.
ثم يقول أبو هريرة: إني لأشْبَهُكم صلاةً برسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (166/ 457)، وأحمد (4/ 322)، والترمذي (2/ 108 - 109 رقم 30)، وابن ماجه رقم (816)، والدارمي (1/ 297).
(2)
أخرجه مسلم رقم (164/ 456).
(3)
أخرجه مسلم رقم (64/ 879).
(4)
في "الإرواء"(2/ 64).
(5)
أخرجه مسلم رقم (203/ 772) وغيره.
(6)
أخرجه البخاري رقم (789)، ومسلم رقم (28/ 392).
7 - الزيادةُ في الاعتدالِ من الركوع على قول:
ربَّنا ولك الحمد بإحدى هذه الزيادات: لحديث عبد اللّه بن أبي أوفى قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء: "اللهم ربنا لك الحمدُ، مِلءَ السموات، وملءَ الأرض، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث عبد اللّه بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفعَ رأسه من الركوع قال: "اللهم ربنا لك الحمدُ، ملءَ السموات، وملءَ الأرض، وما بينهما، وملءَ ما شئتَ من شيء بعدُ، أهل الثناءِ والمجدِ لا مانع لمَا أعطيتَ، ولا معطي لما منعت، ولا ينفعُ ذا الجدّ منكَ الجَدُّ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث رفاعة بن رافع الزرقيِّ قال: كُنَّا يومًا نُصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسَهُ من الركعة، قال:"سمع الله لمن حمده" قال رجل وراءهُ: (ربنا ولكَ الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه"، فلما انصرف قال: "من المتكلم؟ " قال: أنا. قال: "رأيتُ بضعةً وثلاثين ملكًا يبتدرونها، أيُّهُمْ يكْتبُها أَوَّلُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
8 - الدعاء بين السجدتين:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين في صلاة الليل: "ربِّ اغفر لي، وارحمني، واجْبُرْني، وارزقني، وارفعني"، وهو حديث صحيح
(4)
.
9 - الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعد التشهدِ الأول لفعلهِ صلى الله عليه وسلم ذلك:
عن عائشةَ قالت: كُنَّا نُعِدّ لَهُ سِوَاكَهُ وطَهُورَهُ، فيبعثهُ اللّهُ ما شاءَ أن يبعثَهُ من الليل، فيتسوَّكُ ويتوضّأُ ويُصَلّي تِسعَ ركعاتٍ، لا يجلسُ فيها إلا في الثامنةِ فيذكرُ اللّه، ويحمدُهُ، ويدعوهُ، ثم ينهضُ ولا يُسَلّمُ، ثم يقومُ فيصلي التاسعةَ. ثم يقعدُ فيذكرُ اللّه، ويحمدُهُ، ويدعوهُ، ثم يسلمُ تسليمًا يُسْمِعُنَا .. "، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (203/ 476).
(2)
أخرجه مسلم رقم (206/ 478).
(3)
أخرجه البخاري رقم (799) وغيره.
(4)
أخرجه الترمذي رقم (850)، وأبو داود رقم (284)، وابن ماجه رقم (898) وغيرهم.
(5)
أخرجه مسلم رقم (139/ 746)، وأبو عوانة في "صحيحه"(2/ 324).
قال المحدِّثُ الألباني
(1)
: "ففيه دلالةٌ صريحة على أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى على ذاته صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، كما صلَّى في التشهدِ الآخرِ، وهذه فائدة عزيزةٌ فاستفدْها، وعُضَّ عليها بالنواجذ.
ولا يقال: إن هذا في صلاة الليل، لأننا نقول:"الأصلُ أن ما شُرِعَ في صلاة شرعَ في غيرها دون تفريق بين فريضةٍ أو نافلةٍ، فمنِ ادَّعى الفَرْقَ فعليه الدليلُ" اهـ.
10 - التسليمةُ الثانية:
* عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلِّم عن يمينه وعن شماله، حتى يُرى بياضُ خدِّه "السلامُ عليكم ورحمةُ الله، السلامُ عليكم ورحمةُ اللّه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وربَّما اقتصر على تسليمةٍ واحدة، كما جاء عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلِّم في الصلاة تسليمة واحدة تلْقَاءَ وجههِ، يميلُ إلى الشقِّ الأيمنِ شيئًا"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ثانيًا: سنن الصلاة الفعلية:
1 - رفع اليدينِ عند تكبيرة الإحرامِ وعند الركوع، والرفع منه، وعند القيامِ من التشهد الأول للأحاديث التالية:
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفعَ يديه حتى يكونَا خِذْو منكبيهِ ثم يكبر"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن مالك بن الحويرث قال: "رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبَّر وإذا ركع، وإذا رفع رأسَه من الركوع، حتى يبلغَ بهما فروعَ أذنيه"، وهو حديث صحيح
(5)
.
وعن نافع: "أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا دخلَ في الصلاة كبَّر ورفعَ يديه، وإذا ركع
(1)
"تمام المنة" ص (224 - 225).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (996)، والترمذي رقم (295)، والنسائي (3/ 63 رقم 1324)، وابن ماجه رقم (914).
(3)
أخرجه الترمذي رقم (296)، وابن ماجه رقم (919).
(4)
أخرجه البخاري رقم (736)، ومسلم رقم (22/ 390).
(5)
أخرجه البخاري رقم (737)، ومسلم رقم (25/ 391).
رفع يديه، وإذا قال: سمع اللّه لمن حمده، رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابنُ عمر إلى نبي اللّه صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - وضع اليمنى على اليُسرى فوق الصَّدْرِ:
عن سهل بن سعد قال: كانَ الناسُ يُؤمرونَ أن يضعَ الرجلُ اليدَ اليمنى على ذراعهِ اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم: لا أعلمُهُ إلَّا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال إسماعيلُ: "يُنمى
ذلك ولم يقُلْ: يَنْمِي"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن وائل بن حجرٍ، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفعَ يديه حين دخل في الصلاةِ، وكبر (وصف همام حيالَ أذنيه) ثم التحفَ بثوبهِ، ثم وضع يدهُ اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركعَ أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهَمَا، ثم كبَّرَ فركعَ، فلما قال:"سمع الله لمن حمده"، رفع يديه فلما سجدَ، سجدَ بين كفَّيه.
وصف همام حيال أذنيه: مدخَل بين المتعاطفينِ: أدخله عفَّان بن مسلم يحكي عن همام أنه بين صفة الرفع برفع يديهِ إلى قُبالةِ أذنيه وحِذائِهما.
3 - النظرُ إلى موضع السجودَ:
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الكعبةَ، وما خَلَفَ بصره موضعَ سجودِهِ حتى خرج منها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولحديث أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بالُ أقوم يرفعونَ أبصارَهُم إلى السماء في صلاتهم"، فاشتد قوله في ذلك حتى قال:"لينتهينَّ عن ذلك أو لتُخطفنَّ أبصارُهَم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - أن يفعلَ في ركوعهِ ما تضمنتهُ الأحاديثُ الآتية من هيئاتٍ:
عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه في وصفه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا ركعَ أمكن يديْهِ من ركبتيهِ، ثم هصَرَ
(5)
ظهره"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (739).
(2)
أخرجه البخاري رقم (740).
(3)
أخرجه الحاكم (1/ 479)، وعنه البيهقي (5/ 158)، وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(4)
أخرجه البخاري رقم (750).
(5)
هَصَرَ ظَهْرَهُ: أي ثناه في استواء من غير تقويس.
(6)
أخرجه البخاري رقم (828)، وفرَّقه البخاري في مواضع من صحيحه معلقًا مجزومًا به، وأخرجه أبو داود رقم (730) و (731) و (732) و (733) و (734) و (735)، والترمذي رقم (260) و (304) و (305)، وابن ماجه رقم (862) و (863)، والنسائي مختصرًا (1/ 187)، وأحمد (5/ 424).
وعن عائشة قالت: "وكان إذا ركعَ لم يُشْخِصْ رأسهُ، ولم يُصَوّبْهُ، ولكن بين ذلك"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي حميد قال: "أنا أعلمُكم بصلاةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكر بعضَ هذا، قال: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابضٌ عليهما، ووتَّر يديه فتجافى عن جنبيه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
5 - يقدِّمُ المصلِّي يديه قبلَ رُكْبَتَيْهِ عند الهويِّ للسجود:
لحديث أبي هريرة قالَ: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا سجدَ أحدُكم، فلا يبركْ كما يبركُ البعيرُ، وليضعْ يديْهِ قبلَ ركبتيه"، وهو حديث صحيح
(3)
.
6 - أن يفعلَ في سجوده ما تضَمنته الأحاديثُ الآتيةُ من هيئات:
عن أبي حميد في وصفه صلاةَ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإذا سجد وضعَ يديْهِ غَيْرَ مفترِشٍ، ولا قابضِهما، واستقبل بأطراف أصابعِ رجليهِ القبلةَ"، وهو حديث صحيح تقدم تخريجه.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا سجدت فضعْ كفَّيك، وارفعْ مرفقيك"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن ابن بُحينةَ أنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم: "كان إذا صلى وسجدَ فرّجَ بين يديهِ، حتى يبدُو بياضُ إبطيه"، وهو حديث صحيح
(5)
.
وعن أبي حميد في صفة صلاةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سجد فرّجَ بين فخذيه، غيرَ حاملٍ بطنه على شيء من فخذيه"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (240/ 498) وغيره.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (734)، والترمذي رقم (260).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (840)، والنسائي (2/ 207 رقم 1091)، وأحمد (2/ 381)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 134 - 135 رقم 643)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 139)، والدارمي (1/ 303)، والبيهقي (2/ 99 - 100)، والدارقطني (1/ 344 رقم 3).
وانظر: تخريجه في تحقيقي لسبل السلام لمحمد بن إسماعيل الأمير رقم (43/ 292) الطبعة الأولى.
(4)
أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (494)، وأحمد (4/ 283)، والبيهقي (2/ 113)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1/ 329 رقم 656).
(5)
أخرجه البخاري رقم (807)، ومسلم رقم (495)، وأحمد (5/ 345).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (735).
وعن أبي حميد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد، أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 - أن يكون جلوسُه بين السجدتين على الهيئةِ التي تضمنتها الأحاديث الآتية:
حديث عائشة قال: " .. وكان يفرشُ رجلَهُ اليسرى، وينصبُ اليمنى، وكان ينهى عن عقبةِ الشيطان
…
"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وحديث عبد الله بن عمر قال: "من سنةِ الصلاة أن تنصبَ القدمَ اليمنى، واستقبالهُ بأصابعها القبلةَ، والجلوسُ على اليسرى"، وهو حديث صحيح
(3)
.
حديث أبي الزبير أنه سمع طاووسًا يقول: "قلنا لابن عباس: في الإقعاء على القدمين فقال: هي السُّنَّةُ، فقلنا له: إنا لنراهُ جَفَاءً بالرجلِ، فقال ابنُ عباس: بل هيَ سنةُ نبيك صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
قال محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني
(5)
: ("ينهى عن عُقبة الشيطان": أي في القعود، وفُسِّرت بتفسيرين:"أحدهما": أن يفترشَ قدميهِ، ويجلس بإليتيه على عقبيه، ولكنَّ هذه القِعْدةَ اختارها العبادلةُ في القعود غير الأخير، وهذه تسمى إقعاءً، وجعلوا المنهيَّ عنه هو الهيئةُ "الثانية" تسميَّ أيضًا إقعاء، وهو أن يلصقَ الرجلُ إليتيهِ في الأرض، وينصبَ ساقيه وفخذيه، ويضعَ يديه على الأرض كما يقعي الكلبُ، وافتراشُ الذراعين تقدمَ أنه بسطُهُمَا على الأرض حالَ السجودَ، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبُّه بالحيوانات
…
) اهـ
8 - أَلَّا ينهض من السجود حتى يستوي جالسًا:
لحديث مالك بن الحويرث: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي، فإذا كان في وِترٍ من صلاته لم ينهضْ حتى يستويَ قاعدًا"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (730)، والترمذي رقم (270).
(2)
أخرجه مسلم رقم (240/ 498)، وأبو داود رقم (783)، وأحمد (6/ 31، 192).
(3)
أخرجه النسائي (2/ 236 رقم 1158)، وانظر: إرواء الغليل رقم (317).
(4)
أخرجه مسلم رقم (32/ 536)، وأبو داود رقم (845)، والترمذي رقم (283)، وقال:"حديث حسن صحيح".
(5)
"سبل السلام" بتحقيقي (2/ 232) الطبعة الأولى.
(6)
أخرجه أحمد (5/ 53)، والبخاري رقم (823)، وأبو داود رقم (844)، والترمذي رقم (287)، والنسائي (2/ 224).
9 - أن يكون جلوسُهُ في التشهدين على ما جاءت به السُّنَّةُ:
عن ابن عمر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد للتشهُّدِ وضع يَدهُ اليسرى على ركبته اليسرى، واليمنى على اليمنى، وعقد ثلاثًا وخمسين، وأشار بإصبعهِ السبابةِ" رواه مسلم، وفي رواية له:"وقبضَ أصابعه كلَّها، وأشار بالتي تلي الإبهام"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي حميد أنه قال في وصفه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا جلس في الركعتين جلس على رجلهِ اليسرى، ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدَّم رجله اليُسْرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعديه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (115، 116/ 580)، وأبو داود رقم (987)، والنسائي (2/ 236 - 237) و (3/ 36)، والترمذي رقم (294)، وابن ماجه رقم (295).
(2)
أخرجه البخاري رقم (828) وفرَّقه في مواضعَ من "صحيحه" معلقًا مجزومًا به، وقد تقدم تخريجه.
الفصل الخامس مكروهات الصلاة
1 - الاختصار في الصلاة: ومعناه أن يجملَ يدَهُ على خاصِرتِهِ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يصلِّي الرَّجلُ محتصرًا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - الالتفات في الصلاة لغير ضرورة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: "هو اختلاسٌ يختلسهُ الشيطانُ من صلاة العبد"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - البُصَاقُ أمامَهُ أو عن يمينه:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم في الصلاة، فإنَّه يناجي رَبّهُ، فلا يبصقْ بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن شمالِهِ تحت قَدمِهِ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - رفعُ البصرِ إلى السماء في الصلاة:
عن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لينتهينَّ أقوامٌ يرفعونَ أبصارَهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
5 - الصلاة بحضرة الطعام، أو وهو يدافع الأخبثين:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاةَ بحضوة طعامٍ، ولا هو يُدَافِعُهُ الأخبثان"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1219) و (1220)، ومسلم رقم (46/ 545)، وأبو داود رقم (947)، والترمذي رقم (383)، والنسائي (2/ 127)، وأحمد (2/ 399).
(2)
أخرجه البخاري رقم (751)، وأبو داود رقم (910)، والنسائي (3/ 8)، والترمذي رتم (590)، وقال:"حديث حسن غريب"، وصححه الحاكم (1/ 237)، ووافقه الذهبي.
(3)
أخرجه البخاري رقم (412)، ومسلم رقم (54/ 551).
(4)
أخرجه مسلم رقم (117/ 428)، وأحمد (5/ 108)، وابن ماجه رقم (1045).
(5)
أخرجه مسلم رقم (67/ 560)، وأبو داود رفم (89)، وأحمد (6/ 73).
6 - التثاؤبُ في الصلاة:
عن أبي هريرة كت أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "التثاؤبُ من الشيطان، فإذا تثاءَبَ أحدُكم
فليكظِمْ ما استطاع"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 - كَفْتُ الثوبِ أو الشعرِ:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " .. ولا يكفت الثياب
(2)
ولا الشَّعْر
(3)
"، وهو حديث صحيح
(4)
.
8 - السَّدْلُ والتَّلثُّم في الصلاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السَّدلِ في الصلاة، وأن يغطِّيَ الرجُلُ فاهُ"، وهو حديث حسن
(5)
.
والسدلُ: "هو أن يلتحفَ بثوبه، ويُدْخِلَ يديه من داخل، فيركع ويسجدَ وهو كذلك .. وقيل: هو أن يضع وسط الإزار على رأسه، ويُرسل طرفيه، عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفه"
(6)
اهـ.
9 - اشتمالُ الصَّمَّاءِ في الصلاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشتملَ الصَّمَّاءَ"، وهو حديث صحيح
(7)
.
الاشتمالُ: "افتعال من الشملةِ، وهو كساءٌ يُتغطى به، ويتلفف فيه، والمنهي عنه هو التجلل بالثوب وإسبالهُ من غير أن يرفع طرفه"
(8)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (56/ 2994)، والترمذي رقم (370)، وقال:"حديث حسن صحيح"، والبيهقي (2/ 289)، والبغوي في "شرح السنة"(3/ 243 رقم 728).
(2)
كفتُ الثوب: أن يأخذ طرفَ ثوبه فيفرزه في حُجْزَته، أو نحو ذلك.
(3)
كفتُ الشعر: أن يأخذ من شعرهِ خَصلةً مسترسلة فيكفتها في شعرِ رأسهِ، أو يربطها بخيطٍ إليه، أو نحو ذلك.
(4)
أخرجه البخاري رقم (812)، ومسلم رقم (490).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (643)، ولأحمد (2/ 295، 345)، والترمذي رقم (378) عنه:"النهي عن السَّدلِ"، ولابن ماجه رقم (966)"النهي عن تغطية الفم".
(6)
النهاية (2/ 355).
(7)
أخرجه البخاري رقم (368)، ومسلم رقم (1511).
(8)
النهاية (2/ 501).
10 - تشبيكُ الأصابع:
عن كعب بن عُجْرَةَ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا توضأ أحدُكم، ثم خرجَ عامدًا إلى الصلاة؛ فلا يشبكنَّ بين يديه، فإنه في صلاةٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
11 - مسحُ الحصَى وتسويته أكثر من مرة:
عن مُعَيْقِبٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يُسوي الترابَ حيثُ يسجد: "إنْ كُنت فاعلًا فواحِدةً"، وهو حديث صحيح
(2)
.
12 - مسابقةُ الإمام:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما يخشى أحدُكم، أو لا يخشى أحدُكم إذا رفع رأسَه قبْلَ الإمام، أن يجعلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حمارٍ، أو يجعلَ اللهُ صورَتَهُ صورةَ حمارٍ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
13 - بسْطُ الذراعين في السجود:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعتدلُوا في السجود، ولا يَبْسُط أحدكم ذراعيهِ انبساطَ الكلبِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
14 - وضعُ الركبتينِ قبلَ اليدينِ في السجود:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدُكم، فلا يبرك كما يبركُ البعيرُ، وليضعْ يديه قبل ركبتيه"، وهو حديث صحيح
(5)
.
15 - النظرُ إلى ما يَلهي:
عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في خميصة لها أعلامٌ، فنظر إلى أعلامها نظرةً، فلما انصرفَ قال:"اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جَهْمٍ، وائتوني بأنبجانية أبي جَهْم؛ فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه أحمد (4/ 241)، وأبو داود رقم (562)، والترمذي رقم (386).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 426)، والبخاري رقم (1207)، ومسلم رقم (546)، وأبو داود رقم (946)، والترمذي رقم (380)، والنسائي (3/ 7)، وابن ماجه رقم (1026).
(3)
أخرجه البخاري رقم (691)، ومسلم رقم (427).
(4)
أخرجه البخاري رقم (822)، ومسلم رقم (233/ 493).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (840)، والنسائي (2/ 207).
(6)
أخرجه البخاري رقم (373)، ومسلم (556).
الفصل السادس ما يباح فعله في الصلاة
1 - حملُ الصِّبيانِ في الصلاة:
عن أبي قتادةَ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي وهو حاملٌ أمامةَ - بنت زينبَ - فإذا سجد وضعَها، وإذا قامَ حملَها، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - قتلُ الحيةِ والعقربِ في الصلاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحيةَ والعقربَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - يردُّ المصلِّي السلامَ بالإشارة على من سلّم عليهِ:
عن ابن عمرَ رضي الله عنه قال: "قلتُ لبلالٍ: كيفَ رأيتَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين يسلِّمون عليه وهو يصلِّي؟ قال: يقول هكذا، وبسطَ كفَّهُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعثَه لحاجةٍ قال: ثم أدركْتُهُ وهو يصلي، فسلمتُ عليه فأشارَ إليَّ فلما فرغَ دعاني، وقال:"إنك سلمت آنفًا، وأَنَا أُصَلِّي"، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - البكاءُ والأنينُ:
عن مطرِّفِ بنِ عبد الله بن الشِّخير عن أبيه قال: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، وفي صدره أزيرٌ كازيرِ المرجلِ من البكاء"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (516)، ومسلم رقم (543)، وأبو داود رقم (917) و (918) و (919) و (920)، والنسائي (2/ 45)، و أحمد (5/ 295 - 296).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (921)، والترمذي رقم (390)، والنسائي (10/ 3)، وابن ماجه رقم (1245)، والحاكم (1/ 256)، وابن حبان رقم (2346)، وأحمد (2/ 233، 248، 255، 473، 475، 490)، والبيهقى (2/ 266).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (927)، والترمذي رقم (368)، وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
أخرجه مسلم رقم (36/ 540)، وابن ماجه رقم (1018)، والنسائي (3/ 6)، وأحمد (3/ 334)، واليهقي (2/ 258).
(5)
أخرجه أحمد (4/ 25، 26)، وأبو داود رقم (904)، والنسائي (3/ 13)، والترمذي في "الشمائل" رقم (315).
5 - تسبيح الرجالِ، وتصفيق النساء لمن نابه أمرٌ وهو في الصلاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيحُ للرجال، والتصفيق للنساء"، متفق عليه، زاد مسلم:"في الصلاة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
6 - يدفعُ المصلِّي المارَّ بين يديه بلطفٍ، فإن لم يندفعْ دفعه بشدَّةٍ:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّى أحدُكم إلى شيء يسترُهُ من الناس، فأرادَ أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله؛ فإنما هو شيطانٌ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - الفتحُ في القراءة على الإمام:
عن مسوَّر بن يزيدَ المالكي قال: صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فترك آيةً، فقالَ له رجل: يا رسول الله، آيةُ كذا وكذا، قال:"فهلَّا ذكَّرْتَنيهَا؟ "، وهو حديث حسن
(3)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاة، فقرأ فيها، فَلُبس عليه، فلمَّا انصرف قال لأبي:"أصليتَ معنا؟ " قال: نعم، قالَ:"فما منعك؟ "، وهو حديث صحيح
(4)
.
8 - المشيُ اليسيرُ للحاجة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي في البيت والبابُ عليه مغلقٌ، فجئتُ فمشى حتى فتح لي، ثم رجع إلى مقامِهِ، ووصفتْ أن البابَ في القبلةِ"، وهو حديث حسن
(5)
.
9 - غمزُ رجْلِ النائم:
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كنتُ أنامُ بين يَدَىْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه البخاري رقم (1203)، ومسلم رقم (106، 107/ 422)، والنسائي (3/ 11)، وابن ماجه رقم (1034)، والترمذي رقم (369)، وأبو داود رقم (939)، وأحمد (2/ 261).
(2)
أخرجه البخاري رقم (509)، ومسلم رقم (259/ 505)، وأبو داود رقم (700)، وأحمد (3/ 63)، وابن خزيمة رقم (817).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (907)، وعبد الله بن أحمد في "روائد المسند"(4/ 74).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (908).
(5)
أخرجه أحمد (6/ 31)، وأبو داود رقم (922)، والترمذي رقم (601)، والنسائي (3/ 11).
ورجلاي في قبلتِهِ، فإذا سجد غَمَزَني فقبضتُ رِجْليَّ، فإذا قام بسطتُهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيحُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
10 - البُصاقُ في ثوبِهِ، أو إخراجُ منديلهِ من جيبه:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ أحدكم إذا قام يصلِّي، فإنَّ الله تبارك وتعالى قبل وجهه، فلا يبصُقَنَّ قبَلَ وجههِ، ولا عن يمينه، وليبصقْ عن يساره، تحتَ رجلِهِ اليسرى، فإن عجلَتْ به بادرةً فليَقلْ بثوبهِ هكذا"، ثم طوى ثوبَهُ بعضَه على بعض، وهو حديث صحيح
(2)
.
11 - الالتفات والإشارةُ المفهِمةُ للحاجة:
عن جابر رضي الله عنه قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّينا وراءَهُ، وهو قاعدٌ، وأبو بكر يُسْمِعُ الناسَ تكبيرهُ، فالتفتَ إلينا فرآنا قيامًا، فأشارَ إلينا فقعدْنا، فصلَّينا بصلاته قعودًا، وهو حديث صحيح
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (382)، ومسلم رقم (512).
(2)
أخرجه مسلم رقم (3008)، وأبو داود رقم (485).
(3)
أخرجه مسلم رقم (84/ 413)، والنسائي (3/ 9)، وأبو داود رقم (602).
الفصل السابع مبطلات الصلاة
1 - الكلام عمدًا في الصلاة:
عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ هذه الصلاةَ لا يصلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ الناسِ، إنَّما هو التسبيحُ والتكبير، وقراءة القرآنِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن زيد بن أرقم أنَهُ قالَ: "إن كُنَّا لنتكلَّمُ في الصَّلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُ أحدُنا صاحبَهُ بحاجتهِ، حتى نزلتْ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأُمِرنا بالسكوتِ، ونُهينا عن الكلامِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - مرورُ المرأة، أو الحمار، أو الكلب الأسود، بين يدي المصلِّي دون موضع سجودِه:
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقطعُ صلاةَ الرجلِ المسَلم - إذا لم يكن بين يديه مثلُ مؤخرةِ الرَّحْلِ - المرأةُ، والحمارُ، والكلبُ الأسود"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - تيقُّنُ الحَدَثِ:
عن عَبَّاد بن تميم، عن عمِّه أنَّهُ شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجلُ الذي يُخيلُ إليه أنَّهُ يجدُ الشيء في الصلاة؟ فقالَ: "لا ينفتِلْ - أو لا ينصرف - حتى يسمع صوتًا أو يجدَ ريحًا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - تركُ ركن من أركان الصلاة، أو شرطِ من الشروطِ عمدًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجدَ، فدخلَ رجلٌ، فصلَّى، فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فردَّ، وقال:"ارجعْ فصلِّ فإنك لم تُصلِّ " فرجعَ يصلّي كما صلَّى، ثم جاء، فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ارجع فصلِّ فإنك لم تُصلِّ" ثلاثًا، قال: والذي
(1)
أخرجه مسلم رقم (33/ 537)، وأبو داود رقم (931)، والنسائي (3/ 14 - 18)، وأحمد (5/ 447، 448).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1200)، ومسلم رقم (35/ 539).
(3)
أخرجه ملم رقم (265/ 510).
(4)
أخرجه البخاري رقم (137) - ومسلم رقم (361).
بعثك بالحقِّ ما أحسنُ غيرَهُ، فعلَّمني؟ فقال:"إذا قُمتَ إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسَّر معكَ من القرآن، ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائمًا، ثم اسجُد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثم ارفعْ حتى تطمئنَّ جالسًا، وافعلْ ذلك في صلاتك كلها"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن خالد بن معدانَ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي وفي ظهر قدمِه لُمعَة قَدْرَ الدرهم لم يُصِبْها الماءُ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدَ الوضوءَ والصلاة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
5 - الضحكُ:
قال ابن المنذر
(3)
: "وأجمعوا على أن الضحك يفسدُ الصلاةَ".
6 - الأكلُ والشربُ عمدًا:
قال ابن المنذر
(4)
: "وأجمعوا على أن من أكلَ وشربَ في صلاته الفرض، عامدًا أن عليه الإعادة" اهـ.
قلتُ: وكذلك في صلاة التطوع عند الجمهور، لأنَّ ما أبطلَ الفرضَ يبطلُ التطوعَ.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (757)، ومسلم رقم (397).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (175).
(3)
في "الإجماع" ص (40)، رقم (48).
(4)
في "الإجماع" ص (40)، رقم (47).
الفصل الثامن الأدعية والأذكار بعد الصلاة
1 -
عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرفَ من صلاته، استغفر الله ثلاثًا، وقال:"اللهمَّ أنتَ السلامُ، ومنكَ السلامُ، تباركت يا ذا الجلال والإكرامِ"، وهو
(1)
حديث صحيح.
2 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذُ بهنَّ دُبُرَ كُلِّ صلاة: "اللهم إني أعوذُ بكَ من البُخلِ، وأعوذُ بكَ من الجُبنِ، وأعوذُ بكَ من أن أُردَّ إلى أرذَلِ العُمْرِ، وأعوذُ بِكَ من فتنةِ الدنيا، وأعوذ بكَ من عذاب القبرِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 -
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ: "لا إله إلا اللّهُ، وحدَهُ لا شريك له، له الملك، وله الحمدُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قدير، اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا معطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجَدُّ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 -
وعن عبد الله بن الزبير أنه كان يقول في دُبُرِ كُل صلاة حين يُسَلِّمْ: "لا إلهَ إلَّا اللّهُ وحدَهُ لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم، ولا نعبُدُ إلَّا إياهُ، له النعمةُ، وله الفضلُ، ولَهُ الثناءُ الحسنُ، لا إله إلَّا الله، مخلصينَ له الدينَ ولو كرهَ الكافرونَ".
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهللُ بهنَّ دُبُر كُلِّ صلاةٍ، وهو حديث صحيح
(4)
.
5 -
عن كعب بن عُجْرَة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "معقِّبات لا يخيبُ قائلهنَّ (أو فاعلهن) دُبُرَ كلِّ صلاة مكتوبةٍ: ثلاث وثلاثونَ تسبيحةً، وثلاث وثلاثون تحميدةً، وأربعٌ وثلاثونَ تكبيرةً"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (135/ 591)، والنسائي (3/ 68)، وابن ماجه رقم (928)، وأبو داود رقم (1513)، والترمذي رقم (300) وقال:"حديث حسن صحيح".
(2)
أخرجه البخاري رقم (2822)، والترمذي رقم (3567)، وقال:"حديث حسن صحيح"، والنسائي (8/ 266).
(3)
أخرجه البخاري رقم (844)، ومسلم رقم (593).
(4)
أخرجه أحمد (4/ 4)، ومسلم رقم (594)، وأبو داود رقم (1507)، والنسائي (3/ 69).
(5)
أخرجه مسلم رقم (144/ 596)، والنساني (3/ 75)، والترمذي رقم (3412).
6 -
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أوصيكَ يا معاد لا تَدَعَنَّ دُبُرَ كل صلاةٍ أن تقول: اللهم أعنِّي على ذِكرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادَتِكَ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأَ آيةَ الكرسيِّ دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ، لم يمنعْهُ من دخول الجنة إلَّا الموتَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وزاد الطبراني: "وقل هو الله أحد"، وهو حديث صحيح
(3)
.
8 -
وعن عقبةَ بن عامر قال: "أمَرَني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوِّذَات دُبُرَ كلِّ صلاة"، وهو حديث صحيح
(4)
.
9 -
وعن أمِّ سلمةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا صلَّى الصبح حين يسلمُ: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا مُتَقَبَّلًا"، وهو حديث صحيح
(5)
.
* * *
(1)
أخرجه أحمد (5/ 245، 247)، وأبو داود رقم (1522)، والنسائي في "المجتبى"(3/ 53)، وفي "عمل اليوم والليلة " رقم (109)، وابن حبان (رقم 2345 - موارد)، وابن خزيمة (1/ 369 رقم 75)، والحاكم (1/ 273) و (3/ 273)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (118).
(2)
أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (100).
(3)
أخرجه الطبراني في "الكبير"(8/ 134 رقم 7532)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 102)، وقال:"رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد وأحدها جيد"، وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم (124)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة" رقم (972).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (1523)، وابن حبان (رقم 2347 - موارد)، وأحمد (4/ 159) بإسناد حسن رجاله ثقات غير حنين بن أبي حكيم صدوق كما في "التقريب"، ولكن تابعه يزيدُ بن محمد القرشيُّ عند أحمد (4/ 155).
وانظر: "الصحيحة" رقم (1514).
(5)
أخرجه أحمد (6/ 305)، وابن ماجه رقم (925).
الباب الخامس صلاة التطوُّع
1 - فضلُ صلاةِ التطوُّع:
عن ربيعةَ بن مالكٍ الأسلمي رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "سلْ" فقلتُ: أسألُكَ مرافقتَكَ في الجنةِ، فقالَ:"أو غير ذلكَ " فقلتُ: هو ذاكَ، قال:"فأعنِّي على نفسكَ بكثرة السجودِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - استحبابُ كونِ صلاةِ التطوّع في البيت:
عن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: "صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم في مسجد بني عبد الأشهلِ المغربَ، فقام قوم يتنفَّلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بهذه الصلاة في البيوت"، وهو حديث حسن
(2)
.
وعن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حُجْرَةً، قال: حسبتُ أنه قال: من حصيرٍ في رمضانَ، فصلى فيها لياليَ، فصلَّى بصلاتِهِ ناسٌ من أصحابه، فلما علم بهم جعل يَقْعُدُ، فخرج إليهم فقال:"قد عرفتُ الذي رأيتُ لمن صنيعكم، فصلُّوا أيُّها الناس في بيوتِكم، فإنَّ أفضل الصلاةِ صلاةُ المرء في بيتهِ إلَّا المكتوبةَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - أنواعُ صلاة التطوُّع:
تنقسم صلاةُ التطوع إلى قسمين:
(الأول): مطلقةٌ، (والثاني): مقيَّدةٌ.
فأما المقيدةُ: فهي المعروفةُ بالسُّنن الرَّواتبِ قبلَ الصلاة وبعدَها، وهي قسمان: مؤكَّدةٌ، وغيرُ مؤكدة.
• أما المؤكدة فهي عَشْرُ ركعات أو اثنتي عشرة ركعةً:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حفظتُ من النبي صلى الله عليه وسلم عَشْرَ ركعاتٍ: ركعتينِ قبلَ الظهرِ،
(1)
أخرجه مسلم رقم (226/ 489) وأبو داود رقم (1320)، والنسائي (2/ 227).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (604)، وله شاهد عند أحمد في "المسند"(5/ 427).
(3)
أخرجه البخاري رقم (731)، ومسلم رقم (781).
وركعتين بعدَها، وركعتين بعدَ المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبلَ الفجر"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أم حبيبةَ أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى اثنتي عَشْرَةَ ركعةً في يومِهِ وليلتِهِ، بُنِيَ له بهنَّ بيتٌ في الجنة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وفي رواية لمسلم
(3)
: "تطوعًا".
• وأما غير المؤكَّدةِ فهي:
أ - أربعُ ركعاتِ قبلَ العصْرِ:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحمَ اللهُ امرءًا صلَّى أربعًا قبلَ العصرِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ب - ركعتانِ قبلَ المغربِ:
عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا قَبْلَ المغربِ، صَلّوا قبلَ المغرب" ثم قال في الثالثة: "لمن شاء"؛ كراهيةَ أن يتخذها الناسُ سُنَّةً، وهو حديث صحيح
(5)
.
ج - ركعتانِ قبلَ العشَاءِ:
عن عبد الله بن مغفل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بين كلِّ أذانين صلاة، بين كلِّ أذانين صلاة" ثم وقال في "الثالثة""لمن شاء"، وهو حديث صحيح
(6)
(1)
أخرجه البخاري رقم (937)، ومسلم رقم (104/ 729)، وأبو داود رقم (1252)، والنسائي رقم (873)، والترمذي رقم (433، 434)، ومالك (1/ 166 رقم 69).
(2)
أخرجه مسلم رقم (101/ 728).
(3)
رقم (102/ 728)"تطوعًا".
(4)
أخرجه أحمد (2/ 117)، وأبو داود رقم (1271)، والترمذي رقم (430) وقال:"حديث غريب حسن"، وابن خزيمة رقم (1193) وغيرهم.
(5)
أخرجه البخاري رقم (1183)، وابن خزيمة رقم (1289)، وأبو داود رقم (1281) والدارقطني (1/ 265 رقم 3)، والبغوي في "شرح السنة (3/ 471 رقم 894).
(6)
أخرجه البخاري رقم (627) - ومسلم رقم (304/ 838).
4 - حِرصُ النبي صلى الله عليه وسلم على ركعتي الفجر:
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: "لم يكنِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على شيءٍ من النوافلِ أشدُّ تعاهُدًا منه على ركعتي الفجر"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عائشةَ مرفوعًا: "ركعتا الفجرِ خيرٌ من الدُّنْيَا وما فيها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
5 - ما يقرأ في ركعتي الفجر:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُخَفِّفُ الركعتين اللتين قبلَ صلاة الصبح حتى إني أقولُ: أَقَرَأَ بامِّ الكتابِ؟ وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجرِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر، في الأولى منها:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآية التي في سورة البقرة، وفي الآخرة منها:{آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52]، وهو حديث صحيح
(5)
.
6 - الضجعةُ على الجنب الأيمنِ بعد ركعتي الفجر سُنَّة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّى أحدُكم الركعتين قبلَ صلاةِ الصبح، فلْيَضطجعْ على جنبِهِ الأيمنِ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر، اضطجع على شقِّه الأيمن"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1169)، ومسلم رقم (94/ 724)، وأبو داود رقم (1254)، والنسائي (3/ 252).
(2)
أخرجه مسلم رقم (96/ 725)، وأحمد (6/ 50 - 51)، والترمذي رقم (416)، والنسائي (3/ 252).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1171)، ومسلم رقم (724)، وأبو داود رقم (1255)، والنسائي (2/ 156)، ومالك (1/ 127 رقم 30).
(4)
أخرجه مسلم رقم (97/ 726).
(5)
أخرجه مسلم (1/ 502 رقم 99/ 727).
(6)
أخرجه أحمد (2/ 415)، وأبو داود رقم (1261)، والترمذي رقم (420)، والبغوي في شرح السنة (3/ 460 رقم 887)، وابن حبان رقم (2459)، وابن خزيمة رقم (1120) وغيرهم.
(7)
أخرجه البخاري رقم (1160)، ومسلم رقم (743)، وأبو داود رقم (1262)، وابن ماجه رقم (1198)، وأحمد (6/ 254).
قال النووي
(1)
: "المختارُ أنَّها سنةٌ، لظاهر حديث أبي هريرة"، قلت: - القائل: محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام (3/ 19 بتحقيقي ط 1) - وهو الأقربُ،
…
وعدمُ استمراره صلى الله عليه وسلم عليها دليلُ سنيتها، ثم إنه يُسنَّ على الشقِّ الأيمن.
قال ابن حزم
(2)
: "فإن تعذر على الأيمن، فإنه يومئ ولا يضطجعُ على الأيسر" اهـ.
7 - الوِترُ سنَّةٌ مؤكّدَةٌ:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ليس الوترُ بحتمٍ كهيئةِ المكتوبة، ولكن سنةٌ سنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح لغيره
(3)
.
8 - بيانُ وقتِ الوترِ وأنَّهُ الليلُ كفّه:
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: من كلِّ الليلِ قد أوترَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى وِتْرهُ إلى السَّحَرِ، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن خارجة بن خذافة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله أمدَّكُم بصلاةٍ هي خيرٌ لكم من حُمْرِ النَّعَمِ" قلنا: وما هي يا رسولَ الله،؟ قال:"الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر"، وهو حديث صحيح دون قولهِ:"هي خير لكم من حمر النعم"
(5)
.
• ويستحب تعجيلُ الوترِ أولَ الليلِ لمن خشيَ ألَّا يستيقظ آخِرَهُ؛ كما يُسْتَحَبُّ تأخيره إلى آخر الليل لمن غلب على ظنه أنه يستيقظ آخره.
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيكم خاف ألَّا يقومَ من آخِرِ الليلِ فليوتِر، ثم
(1)
في شرحه لصحيح مسلم (6/ 19).
(2)
في "المحلى"(3/ 196).
(3)
أخرجه الترمذي رقم (453) وحسنه، والنسائي (3/ 228 - 229)، والحاكم (1/ 300)، وأبو داود رقم (1416)، وابن ماجه رقم (1169)، وابن خزيمة رقم (1067)، قال الألباني رحمه الله في تعليقه على ابن خزيمة:"إسناده ضعيف لاختلاط أبي إسحاقَ - وهو السَّبيعي - وعَنْعنته، وفي ابن ضمرة، كلام يسير، لكن الحديث حسن، بل صحيحٌ له ما يشهدُ له .. ".
(4)
أخرجه البخاري رقم (996)، ومسلم رقم (745)، وأبو داود رقم (1435)، والنسائي (3/ 230)، والترمذي رقم (457)، وقال: حديث حسن صحيح.
(5)
أخرجه أبو داود رقم (1418)، والترمذي رقم (452)، وابن ماجه رقم (1168)، والدارقطني (2/ 30 رقم 1)، والبيهقي (2/ 469). والطبراني في "الكبير"(4/ 200 رقم 4136)، والبغوي في "شرح السنة"(4/ 101 رقم 975)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 306)، وصححه وأقره الذهبي في التلخيص، وانظر: بقية الكلام على تخريجه في تحقيقي لسبل السلام رقم الحديث (18/ 348) الطبعة الأولى.
ليَرْقُدْ، ومن وَثقَ بقيامٍ من آخِرِ الليل فليوترْ من آخره؛ فإن قراءة آخر الليلِ محضورةٌ، وَذلك أفضل"، وهو حديث صحيح
(1)
.
9 - عددُ ركعات الوِتْرِ:
• أقل الوتر ركَعة: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاةُ الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلَّى ركعةً واحدةً، تُوتر له ما قد صَلَّى"، وهو حديث صحيح
(2)
.
• ويصحُّ الوترُ بثلاث، أو خمسٍ، أو سَبْعٍ، أو تِسْع:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما كان رسولُ الله يزيدُ في رمضانَ ولا في غيره على إحدى عَشْرَةَ ركعةً، يصلي أربعًا، فلا تسألُ عن حسْنِهنَّ وطولهن، ثم يُصلي أربعًا، فلا تسأل عن حُسْنِهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلّي ثلاثًا .. "، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي من الليلِ ثلاث عَشْرةَ ركعة، يوتِر من ذلك بخمسٍ، لا يجْلِسُ في شيءٍ إلَّا في آخرِها"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وفي سعد بن هشام أنه قالَ لعائشةَ: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت:"كُنَّا نُعِدُّ له سواكَه وطَهُورَهُ فيبعثُه اللهُ متى شاءَ أنْ يبعثَه من الليل، فيتسوَّكُ، ويتوضأُ، ويصلِّي تِسعَ ركعاب، لا يجلسُ فيها إلَّا في الثامنةِ، فيذكرُ اللهَ ويحمدُهُ، ويدعوهُ، ثم ينهضُ ولا يُسلم، ثم يقومُ فيصلِّي التاسعةَ، ثم يقعُدُ فيذكُر اللهَ ويحمَدُهُ ويدعوهُ، ثم يسلِّمُ تسليمًا يُسْمعُنا، ثم يصلّى ركعتين بعد ما يُسَلِّمُ وهو قاعد، فتلك إحدى عَشْرَةَ ركعةً يا بنيَّ، فلما أسنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأخذهُ اللَّحمُ أوتر يسبعٍ، وصنعَ في الركعتين مثل صنيعهِ الأوَّلِ، فتلك تِسعٌ يا بني .. "، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (3/ 348)، ومسلم رقم (163/ 755)، والترمذي رقم (455)، وابن ماجه رقم (1187).
(2)
أخرجه البخاري رقم (990)، ومسلم رقم (145/ 749)، وأبو داود رقم (1326)، والترمذي رقم (437)، والنسائي (3/ 227 - 228)، وابن ماجه رقم (1320)، وأحمد (2/ 5).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1147)، ومسلم رقم (125/ 738)، وأبو داود رقم (1341)، والترمذي رقم (439)، والنسائي (3/ 234).
(4)
أخرجه مسلم رقم (123/ 237)، وأحمد (6/ 230)، وأبو داود رقم (1338)، والترمذي رقم (459)، والنسائي (3/ 240)، والبيهقي (3/ 27).
(5)
أخرجه أحمد (6/ 53، 54)، ومسلم رقم (737)، وأبو داود رقم (1342)، والنسائي (3/ 239).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال "لا تُوتِرُوا بثلاثٍ، أوترُوا بخَمْسٍ أو بسبعٍ، ولا تشبَّهوا بصلاة المغرب"، وهو حديث صحيح
(1)
.
10 - القراءة في ركعات الوتر الثلاث:
عن أبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يأيُّها الكافرون، وقل هو الله أحد"، وهو حديث صحيح
(2)
.
11 - القنوت في الوتر:
عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علَّمني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولُهن في قنوت الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديتَ، وعافني فيمن عافيتَ، وتولَّنِي فيمن توليتَ، وبارك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، فإنك تقضي ولا يُقْضى عليك، إنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، تباركتَ ربنا وتعاليت"، وهو حديث صحيح
(3)
.
12 - موضع القنوت في الوتر بعد الفراغ من القراءة قبل الركوع:
عن أبيِّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يوتر ويقنتُ قبلَ الركوع"، وهو حديث صحيح
(4)
.
13 - قيام الليل سُنَّةٌ مستحبَّةٌ:
قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 15 - 19].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الصَّلاة بعدَ الفريضة صلاةُ الليل"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه الدارقطني (2/ 24)، وابن حبان في صحيحه رقم (2429)، والحاكم (1/ 304)، والبيهقي (3/ 31)، بإسناد صحيح على شرط مسلم.
(2)
أخرجه أحمد (5/ 123)، وأبو داود رقم (1423)، والنسائي (3/ 244)، وزاد "ولا يُسلِّم إلَّا في آخرهنَّ". وانظر: تحقيقي "لسبل السلام" رقم (27/ 357)، الطبعة الأولى.
(3)
أخرجه أحمد (1/ 199)، وأبو داود رقم (1425)، والترمذي رقم (464)، والنسائي (2/ 248)، وابن ماجه رقم (1178) وغيرهم.
(4)
أخرجه النسائي (3/ 235 رقم 1699)، وابن ماجه رقم (1182).
(5)
أخرجه مسلم رقم (202/ 1163)، والترمذي رقم (438)، وقال:"حديث حسن صحيح".
والنسائي رقم (1613)، وأبو داود رقم (2429)، وأحمد (2/ 344)، والحاكم (1/ 307) وقال:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبيُّ.
14 - يتأكد استحبابُ قيام الليل في رمضان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغِّب في قيام رمضان من غيرِ أن يأمرَ فيه بعزيمة، فيقولُ:"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفرَ له ما تقدم من ذنبه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
15 - عددُ ركعاتِ قيام الليل:
أقلُّه ركعةٌ، وأكثرُهُ إحدى عَشْرَةَ؛ لحديث عائشةَ الصحيح المتقدِّم في هذا الباب رقم (9)، عددُ ركعاتِ الوتر.
16 - مشروعية الجماعة في قيام رمضان:
عن عائشةَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجَ من جوف الليل، فصلَّى في المسجد، فصلّى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناسُ يتحدَّثون بذلك، فاجتمع أكثرُ منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية، فصلُّوا بصلاته فأصبح الناسُ يذكرونَ ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلُّوا بصلاته، فلما كانت الليلةُ الرابعةُ عَجَزَ المسجدُ عن أهلِهِ. فلم يخرجْ إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطَفِقَ رجالٌ منهم يقولون: الصلاةَ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبلَ على الناس، ثم تشهدَ فقال:"أما بعدُ: فإنه لم يخفَ عليَّ شأنُكُم الليلةَ، ولكني خشيتُ أن تفرضَ عليكم صلاةُ الليل، فتعجزُوا عنها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن عبد الرحمن بن عبد القاريِّ، قال: خرجت مع عُمر بن الخطاب في رمضانَ إلى المسجدِ، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرقون، يُصلّى الرجُلُ لنفسِهِ، ويصلِّي الرجلُ فيصلّى بصلاتِهِ الرَّهْطُ، فقال عمرُ: إني أرَى لو جَمَعْتُ هؤلاء على قارئ واحدٍ لكان أمثلَ، ثُمَّ عزمَ فجمعهُمْ على أبيِّ بن كعب، ثم خرجْتُ معه ليلةً أخرى والناس يصلُّون بصلاة قارِئِهم، فقال عمر: نِعْمَتِ البدعةُ هذه، والتي ينامون عنها أفضلُ من التي يقومون - يعني آخِرَ الليل، وكان الناسُ يقومون أوَّلَهُ - وهو أثر صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد (2/ 289)، والبخاري رقم (27)، ومسلم رقم (173/ 795)، وأبو داود رقم (1371)، والترمذي رقم (683)، والنسائي (4/ 156)، وابن ماجه رقم (1326).
(2)
أخرجه البخاري رقم (924)، ومسلم رقم (178/ 761).
(3)
أخرجه البخاري رقم (200).
• قلت: لقد اتضح من حديث عائشة، وأثرِ عبد الرحمن بن عبد القاريِّ أن صلاةَ القيام في رمضانَ مشروعةٌ، وصلاتُها جماعةً مشروعةٌ، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الحضور في الليلة الرابعة، مخافةَ أن تُفْرَضَ على المسلمين، فلما انقطع الوحي بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمِنَ ما خافَ منه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلَّةَ تدور مع المعلوم وجودًا وَعَدَمًا، فبقيتِ السنةُ للجماعة لزوال العارض، فجاء عمر رضي الله عنه وأمر بصلاتها جماعةً؛ إحياء للسنة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا تعلم أنَّ مفهوم البدعة لا ينطبقُ على فعل عمر رضي الله عنه.
ويقول ابن تيمية رحمه الله: أكثر ما في هذا تسميةُ عمرَ تلك بدعة، مع حُسْنِها، وهذه تسمية لغويةٌ، لا تسمية شرعيةٌ
(1)
.
17 - قضاء قيام الليل:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من نَامَ عن حزبه من الليلِ، أو عن شيء منه فقرأهُ ما بينَ صلاة الفجر، وصلاة الظهر، كُتِبَ لَهُ كأنّما قرأ منَ الليل"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتتْهُ الصلاةُ من الليل من وجَعٍ أو غيره، صلّى من النهارِ اثنتي عشرةَ ركعةً"، وهو حديث صحيح
(3)
.
18 - يكرهُ تركُ قيام الليل لمن اعتاده:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبدَ الله لا تكن مثلَ فلان، كان يقومُ الليلَ فتركَ قيامَ الليلِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
19 - صلاةً الضحى: صلاةُ الأوابينَ:
أ - دليل مشر وعيتها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثةِ أيامٍ في كُل شَهْرٍ، وركْعَتَي الضُّحَى، وأن أوتِرَ قبل أن أنام، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
انظر: كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية ص (275 - 277) ط: دار المعرفة.
(2)
أخرجه مسلم رقم (142/ 747)، وأبو داود رقم (1313)، والترمذي رقم (581)، وابن ماجه رقم (1343)، والنسائي (3/ 259 رقم 1790).
(3)
أخرجه مسلم رقم (140/ 746)، والترمذي رقم (445)، وقال:"حديث حسن صحيح"، والنسائي رقم (1789).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1152)، ومسلم رقم (185/ 1159).
(5)
أخرجه أحمد (2/ 258)، والبخاري رقم (1981)، ومسلم رقم (721).
ب - فضلُها:
عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُصْبِحُ على كلّ سُلامى منْ أحدكُمْ صَدَقةٌ، فكلُّ تَسبيحةٍ صدقةٌ، وكلُّ تحميدة صدقةٌ، وكُلُّ تهليلةٍ صدقة، وكُلُّ تكبيرةٍ صدَقة، وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ، ونهى عن المنكر صدقةٌ، ويجزئ منَ ذلكَ رَكعتان يركعهُما من الضُّحَى"، وهو حديث صحيح
(1)
.
جـ - عددُ ركعاتِها:
أقلُّها اثنتان، لما سبق من الأدلة، وأوسَطُها أربعُ:
لحديث نعيم بن هَمَّارٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال ربكم عز وجل: يابْنَ آدَمَ، صَلِّ لي أرْبَعَ ركعاتِ من أوَّل النهار أكفِكَ آخِرَهُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وأكثرها ثمانٍ:
لحديث أُمِّ هانئ: أنَّهُ لَمَّا كان عامُ الفتح أتتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله، فسترتْ عليه فاطمة، ثم أخذ ثوبه فالتحفَ به، ثم صلَّى ثماني ركعاتٍ سُبْحَةَ الضُّحى، وهو حديث صحيح
(3)
.
د - أفضلُ أوقاتِها:
عن زيد بن أرقم، قال: خرجَ النبي صلى الله عليه وسلم على أهلِ قُبَاءَ وهُمْ يُصَلُّونَ الضُّحَى، فقال: "صلاةُ الأوابينَ
(4)
إذا رَمَضَتْ الفِصَالُ
(5)
من الضحى"، وهو حديث صحيح
(6)
.
20 - الصلاةُ عقيبَ الطُّهورِ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ لبلالٍ عندَ صلاةِ الصُّبْحِ: "يا بلالُ، حدِّثني بأرْجَى عملٍ عَمِلْتَهُ في الإسلام، فإني سمعتُ دفَّ نعليكَ بينَ يديَّ في الجنة" قال: ما
(1)
أخرجه أحمد (5/ 167)، ومسلم رقم (720)، وأبو داود رقم (1285).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 287)، وأبو داود رقم (1289).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 342)، والبخاري رقم (357)، ومسلم رقم (71/ 336).
(4)
الأوابين: جمع أوَّابٍ، وهو الراجعُ إلى الله تعالى من آب: إذا رجع.
(5)
إذا رَمضَتْ: أي احترقت من حرّ الرمضاء، وهي شدة الحرِّ، والمراد إذا وجد الفصيلُ حر الشمسِ، ولا يكون ذلك إلا عند ارتفاعها.
(6)
أخرجه أحمد (4/ 366)، ومسلم رقم (144/ 748).
عملتُ عملًا أرجى عندي أني لم أتطَهَّرْ طُهُورًا في سَاعَةٍ من ليلِ أو نهار، إلَّا صليتُ بذلكَ الطهُورِ ما كُتِبَ لي أن أصلِّي"، وهو حديث صحيح
(1)
.
21 - صلاةُ الاستخارةِ:
دليل مشروعيتها والدعاءُ عقيبها:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنا الاستخارةَ في الأمُورِ كُلِّها، كما يُعَلمنا السّورةَ من القُرآن يقول:"إذا هَمَّ أحدُكم بالأمرِ، فليركَعْ ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقُلْ: اللهمَّ إني أَستخيرُكَ بعلْمكَ، وأستقدرُكَ بقُدْرَتكَ، وأسألُكَ من فضلكَ العظَيم، فإنكَ تَقْدِرُ ولا أقدرُ، وَتَعْلَمُ ولا أعلَمُ، وأنَتَ علامُ الغَيوب، اللهم إنْ كنتَ تعلمُ أنَّ هذا الأمرَ خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقْدرهُ لي وَيَسِّرْهُ لي، ثُمَّ بَاركْ لي فيه، وإنْ كُنتَ تعلمُ أنَّ هذا الأمرَ شَرٌّ لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قالَ: عاجل أمري وآجلهِ، فاصْرفهُ عني، واصرفْنِي عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيثُ كَان، ثُمَّ أرْضِني به، قال: ويسمِّي حَاجَتَه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه أحمد (2/ 333)، والبخاري رقم (1149)، ومسلم رقم (2458).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 344)، والبخاري رقم (6382)، وأبو داود رقم (1538)، والترمذي رقم (480)، والنسائي (6/ 80)، وابن ماجه رقم (1383).
الباب السادس سجود السهو، سجود التلاوة، سجود الشكر
الفصل الأولى: سجود السهو
1 - أسبابُهُ ثلاثة:
أ - الزيادة:
إذا زاد المصلي في صلاته قيامًا، أو قعودًا، أو ركوعًا، أو سجودًا، متعمدًا بَطُلَتْ صلاتهُ، وإن كان ناسيًا، ولم يذكر الزيادةَ حتى فرغَ منها فليس عليه إلا سجودُ السَّهو، وصلاته صحيحهٌ، وإن ذكر الزيادة في أثنائها وجب عليه الرجوعُ عنها، وسجودُ السهو، وصلاتُه صحيحة.
ب - النقصُ:
إذا سلَّم المصلِّي قبل تمام صلاتِهِ متعمِّدًا بطلتْ صلاتُه.
وإن كان ناسيًا، ولم يذكُرْ إلا بعد زمن طويلٍ أعاد الصلاة من جديد.
وإن ذكر بعد زمن قليلٍ - كدقيقتين أو ثلاثٍ - فإنه يكملُ صلاته ويسلِّم، ثم يسجدُ للسَّهْوِ ويسلمُ.
إذا نقصَ المصلِّي ركنًا من صلاته، فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاةَ له، سواءٌ تركَها عمدًا أم سهوًا؛ لأن صلاتَهُ لم تنعقد.
وإن كان غيرَ تكبيرةِ الإحرام، فان تركَهُ متعمدًا بطلت صلاته.
وإن تركه سهوًا فإن وصل إلى موضعه من الركعةِ الثانية بطلت الركعة التي تركه منها، وقامت التي تليها مقامها، وإن لم يصلْ إلى موضعه من الركعة الثانية وجب عليه أن يعودَ إلى الركن المتروك، فيأتي به وبما بعده وفي كلا الحالين يجب عليه أن يَسْجُدَ للسَّهو بعد السلام.
إذا ترك المصلي التشهدَ الأوسط ناسيًا، وذكره قبل أن يُفَارِقَ محلَّه من الصلاة أتى به ولا شيء عليه، وإن ذكره بعد مفارقة محلِّه قبل أن يصِلَ إلى الركن الذي يليه، رجعَ فأتى به، ثم يكملُ صلاتَهُ، ويسلِّم ثم يسجدُ للسَّهو ويسلِّم.
وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقطَ فلا يرجعُ إليه، فيستمرُّ في صلاته، ويسجد للسهو قبلَ أن يسلِّمَ.
جـ - الشك:
إذا شكَّ المصلي في صلاته، وترجَّح عنده أحدُ الأمرينِ، فيعملُ بما ترجَّح عنده، فَيُتمُّ عليه صلاته، ويسلِّم، ثم يسجدُ للسهو ويسلِّمُ.
وإن لم يترجَّح عنده أحدُ الأمرين فيعملُ باليقينِ، وهو الأقلُّ، فيتم عليه صلاتَه، ويسجدُ للسهو قبل أن يسلِّم، ثم يسلِّم.
2 - سجْدَتا السَّهوِ قبل التسليم في موضعينِ:
الأول: إذا كان عن نقصٍ:
لحديث عبد الله بن بُحينةَ رضي الله عنه أنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتينِ من الظهر لم يجلس بينهما، فلما قضى صلاتَهُ سجدَ سجدتين ثم سَلَّم بعد ذلك"، وهو حديث صحيح
(1)
.
الثاني: إذا كان عن شك لم يترجَّح فيه أحدُ الأمرين:
لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": "إذا شك أحدُكم في صلاته فلم يدرِ كَم صلَّى، ثلاثًا أم أربعًا؟ فليطرح الشلث، وليبنِ على ما استيقنَ، ثم يسجُدُ سجدتين قبلَ أن يسلِّم، فإن كان صلَّى خمسًا، شفعنَ له صلاتَهُ، وإن كان صلّى إتمامًا لأربعٍ كانتا ترغيمًا للشيطان"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - سجدتا السهو بعد التسليم في موضعين أيضًا:
الأول: إذا كان عن زيادة، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى الظُّهر خمسًا، فقيل له: أزِيدَ في الصلاةِ؟ فقال: وما ذاك؟ قال: صليتَ خمسًا، فسجد سجدتين بعدما سلَّمَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
الثاني: إذا كان عن شك ترجَّح فيه أحدُ الأمرينِ؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن
(1)
أخرجه البخاري رقم (1224 - 1225)، ومسلم رقم (570).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 72)، ومسلم رقم (571).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1226)، ومسلم رقم (91/ 572).
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وإذا شَكَّ أحدُكُم في صلاتِهِ فليتحَرَّ الصوابَ، فليتمَّ عليه، ثم ليُسَلِّم، ثم يسجُد سجدتين"، وهو حديث صحيح
(1)
.
4 - سجدتا السهو بإحرام وتحليل:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشيِّ - قال ابن سيرينَ: سمَّاها أبو هريرة، ولكن نسيتُ أنا - قال: فصلى بنا ركعتين، ثم سلَّمَ، فقام إلى خشبةٍ معروضةٍ في المسجد فاتَّكأ عليها، كأنَّهُ غضبانُ، ووضعَ يده اليمنى على اليسرى، وشبَّك بين أصابعهِ، ووضع خذَه الأيمنَ على ظهرِ كفِّه اليسرى، وخرجَتِ السَّرَعانُ من أبوابِ المسجدِ فقالوا: قَصُرَتِ الصلاةُ؟ وفي القوم أبو بكر وعمرُ، فهابا أن يكلِّماهُ، وفي القومِ رجلٌ في يديه طولٌ، يقال له: ذو اليدينِ، قال: يا رسول الله، أنسيتَ أم قَصُرت الصلاةُ؟ قال:"لم أنسَ، ولم تقْصر" فقال: "أكما يقولُ ذو اليدين؟ " فقالوا: نعم، فتقدَّم، فصلَّى ما تركَ، ثم سَقَمَ، ثم كبَّرَ وسجدَ مثل سجودِهِ أو أطول، ثم رفع رأسَه وكبَّرَ، ثم كبَّر وسجدَ مثل سجودهِ أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوهُ: ثم سلَّم؟ نبِّئْتُ أن عمرانَ بن حصين قال: ثم سلَّم، وهو حديث صحيح
(2)
.
5 - إذا سجد الإمام للسهو تابَعَهُ المؤتم؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما جُعِلَ الإمام ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليهِ
…
"، وهو حديث صحيح
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (401)، ومسلم رقم (89/ 572).
(2)
أخرجه البخاري رقم (6051)، ومسلم رقم (97/ 573).
(3)
أخرجه البخاري رقم (722)، ومسلم رقم (414).
الفصل الثاني سجود التلاوة
1 - مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم:
قال ابن حزم
(1)
: "وفي القرآن أربع عشرة سجدةً، أولها في آخر ختمة سورة الأعراف الآية: (206)، ثم الرعد الآية (15)، ثم في النحل الآية (50)، ثم في سبحان الآية (109)، ثم في كهيعص الآية (58)، ثم في الحج في الأولى الآية (18)، وليس قرب آخرها سجدة الآية (77)، ثم في الفرقان الآية (60)، ثم في النمل الآية (26)، ثم في الم تنزيل الآية (15)، ثم في سورة ص الآية (24)، ثم في حم فصلت الآية (38)، ثم في النجم في آخرها الآية (62)، ثم في إذا السماء انشقت عند قوله تعالى: {لَا يَسْجُدُونَ} الآية (21)، ثم في اقرأ باسم ربك الذي خلق في آخرها الآية (19) ".
2 - حكم سجود التلاوة:
سجود التلاوة سُنَّةٌ عند جمهور الفقهاء، ولا يشترطُ له ما يشترطُ في الصلاة من الطهارة وغيرها.
قال محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني
(2)
: "والأصلُ أنَّهُ لا يشترطُ الطهارةَ إلا بدليل، وأدلةُ وجوب الطهارة وردت للصلاة، والسجدةُ لا تُسمَّى صلاة، فالدليلُ على من شرطَ ذلك، وكذلكَ أوقاتُ الكراهةِ وردَ النهيُ عن الصلاة فيها، فلا تشملُ السجدةَ الفردةَ" اهـ.
وقال ابن حزم
(3)
: "وليس السجودُ فرضًا، لكنه فضلٌ، ويسجدُ لها في صلاة الفريضة والتطوع، وفي غير الصلاة في كل وقتٍ، وعند طلوع الشمس، وغروبها، واستوائها إلى القبلة، وإلى غير القبلة، وعلى طهارة، وعلى غير طهارة" اهـ.
3 - الدليل على أن سجودَ التلاوة سنة لا فرض:
عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدَ بالنجم وسجدَ معه المسلمون، والمشركون، والجن والإنس"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
في "المحلى"(5/ 105 - 106).
(2)
في "سبل السلام"(2/ 379) بتحقيقي ط 1.
(3)
في "المحلى"(5/ 106).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1071)، والترمذي رقم (575)، وقال:"حديث حسن صحيح".
وعن زيد بن ثابت قال: قرأتُ على النبي صلى الله عليه وسلم: "والنجم" فلم يسجدْ فيها، وهو
(1)
حديث صحيح.
قلت: في الحديث الأول سجدَ بالنجم، وفي الحديث الثاني لم يسجد؛ وذلك لبيان الجواز، وأن السجودَ سنة لا فرض
(2)
.
4 - الدليل على أن سجود التلاوة على غير وضوءِ، وإلى غير القبلة كيفما يمكنُ:
لأنها ليست صلاة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"صلاةُ الليل والنهار مثنى مثنى"، وهو حديث صحيح
(3)
.
فما كان أقلَّ من ركعتين فليس صلاةً، إلا أن يأتي نصٌّ بأنه صلاة؛ كركعة الخوف، والوترِ، وصلاة الجنازة، ولا نصَّ في أن سجدةَ التلاوة صلاةٌ
(4)
.
5 - فضلُ سجودِ التلاوة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابنُ آدمَ السجدةَ فسجدَ، اعتزلَ الشيطانُ يبكي يقول: يا ويلَهُ"(وفي رواية أبي كُريب: يا ويلي)"أُمِرَ ابنُ آدمَ بالسجودِ فسجدَ، فلَهُ الجنةُ، وأُمِرْتُ بالسجودِ فأبيتُ فلي النار"، وهو حديث صحيح
(5)
.
6 - ما يقول إذا سجد:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ في سجود القرآن بالليل: "سَجَدَ وجهي للذي خلقه، وشقَّ سَمْعَهُ وبصرهُ بحوله وقَوَّتهِ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنتُ عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأتاه رجلٌ فقالَ: إني رأيتُ البارحةَ فيما يرى النائمُ كأني أصلِّي إلى أصل شجرة، فقرأتُ السَّجْدَةَ، فسَجَدَتِ الشجرةُ لسجُودي، فسمعتُها تقول:"اللهم احططْ عنِّي بها وزْرًا، واكتبْ لي بها أجرًا، واجعلها لي عندكَ ذُخْرًا"، قال ابن عباس: فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ السجدةَ فسجدَ، فسمعته يقول في سجوده مثلَ الذي أخبرهُ الرجلُ عن قولِ الشجرة، وهو حديث حسن
(7)
.
(1)
أخرجه أحمد (5/ 186)، والبخاري رقم (1073)، ومسلم رقم (577).
(2)
انظر: "فتح الباري (2/ 555).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 102)، والبخاري رقم (990)، ومسلم رقم (145/ 749).
(4)
انظر: "المحلي" لابن حزم (5/ 111)
(5)
أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (133/ 81).
(6)
أخرجه أحمد (6/ 217)، وأبو داود رقم (1414)، والترمذي رقم (580)، والنسائي (2/ 222).
(7)
أخرجه ابن ماجه رقم (1053)، والترمذي رقم (579) وزاد فيه:"وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام"، وانظر:"الصحيحة" رقم (2710).
الفصل الثالث سجود الشكر
يُسْتَحبُّ لمن وردت عليه نعمةٌ، أو دُفعَتْ عنه نقمةٌ، أو بُشِّرَ بما يَسُرُّه، أن يخرَّ ساجدًا لله تعالى؛ لحديث أبي بكرةَ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاهُ أمرٌ يَسُرُّهُ، أو بُشِّرَ به خرَّ ساجدًا شكرًا لله تعالى، وهو حديث حسن
(1)
.
ولحديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سجدَ النبي صلى الله عليه وسلم فأطال السجود، ثم رفع رأسَهُ، فقال:"إن جبريلَ أتاني فبشَّرني، فسجدتُ لله شكرًا"، وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده
(2)
.
ولحديث البراء بن عازب رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثَ عليًّا إلى اليمن - فذكر الحديثَ - قال: فكتبَ علي بإسلامهم، فلمَّا قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الكتابَ خَرّ ساجدًا؛ شكرًا لله تعالى على ذلك"، وهو حديث صحيح
(3)
.
أما حكم سجود الشكر فهو كحكم سجودِ التلاوة.
* * *
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2774)، والترمذي رقم (1578)، وابن ماجه رقم (1394).
(2)
أخرجه أحمد (1/ 191)، والحاكم (1/ 222 - 223)، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وزاد:"وما في سجدة الشكر أصحُّ منه" وأورده الهيثمي في "المجمع"(2/ 287)، وقال:"رواه أحمد، ورجاله ثقات".
(3)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 369)، وأصله عند البخاري، رقم (4092 - البغا).
الباب السابع باب صلاة الكسوف
1 - النداء لها:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "لَمَّا كُسِفَت الشمسُ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نوديَ: إن الصلاة جامعةٌ، .. "، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - أصح ما ورد في صفتها ركعتان في كل ركعةٍ ركوعان:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: خَسَفَت الشمسُ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام فكبر وصفَّ الناسُ وراءَهُ، فقرأَ قراءةً طويلةً، ثم كبَّر فركع ركوعًا طويلًا، هو أدنى من القراءة الأولى، ثم رفع رأسه فقال:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمدُ"، ثم قام فقرأ قراءةً طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبَّرَ فركعَ ركوعًا هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمدُ" ثم هجد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثلَ ذلك، حتى استكمل أربعَ ركعاتٍ، وأربع سجداتٍ، وانجلتِ الشمسُ قبل أن ينصرفَ.
ثم قام فخطب الناسَ فأثنى على الله بما هو أهلُهُ، ثم قال:"إن الشمسَ والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينخسفَان لَموت أحدٍ، ولا لحياته، فإذا رأيتمُوهُمَا، فافزعُوا إلى الصَّلاة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خسفت الشمس فصلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقام قيامًا طويلًا نحوًا من سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفعَ فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركعَ ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قامَ قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفعَ فقام قيامًا طويلًا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلَّت الشمسُ فقال:"إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتان من آيات الله لا يُخْسَفَان لموت أحدٍ، ولا لحياتِهِ، فإذا رأيتمُ ذلك، فاذكروا الله"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد (6/ 98)، والبخاري رقم (1051)، ومسلم رقم (910).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 98)، والبخاري رقم (1046)، ومسلم (3/ 901).
(3)
أخرجه أحمد (1/ 358)، والبخاري رقم (1052)، ومسلم رقم (907).
قال الشوكاني
(1)
: "وقد اختلف العلماء في صفتها بعد الاتفاق على أنها سنةٌ غير واجبةٍ، كما حكاه النووي في شرح مسلم، والمهدي في البحر وغيرهما"
(2)
.
3 - الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف:
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جَهَرَ في صلاة الخُسوف بقراءته، فصلَّى أربعَ ركعات في ركعتين، وأربعَ سجداتٍ. أخرجاه.
وفي لفظٍ: "صلى صلاة الكسوف، فجهر بالقراءة فيها"، رواه الترمذي وصححه.
وفي لفظٍ قال: "خسفت الشمسُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى المصلَّى فكبر، فكبَّر الناسُ، ثم قرأ فجهرَ بالقراءة، وأطال القيام"، رواه أحمد
(3)
.
4 - يُسَنُّ للإمام أن يخطُبَ بالناسِ بعد السلام من الصلاة:
لحديث عائشةَ الصحيح المتقدم في البند رقم (2).
5 - الحثُّ على الصدقة والاستغفار والذِّكْرِ في الكسوف:
عن أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنها قالت: لقد أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعَتَاقةِ
(4)
في كسوف الشمسِ"، وهو حديث صحيح
(5)
، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشمسَ والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحدٍ، ولا لحياته، فإذا رأيتمُ ذلكَ فادعُوا الله، وكبِّروا، وتصدَّقُوا، وصلَّوا"، وهو حديث صحيح
(6)
.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: خسفت الشمسُ فقامَ النبي صلى الله عليه وسلم فصلَّى وقال: "إذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، ودعائهِ، واستغفارهِ"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
"نيل الأوطار" خلال شرح الحديث رقم (1326) بتحقيقي.
(2)
انظر: "الأدلة الرضية" ص (96 - 97) بتأليفي.
(3)
أخرجه أحمد (6/ 65)، والبخاري رقم (1065)، ومسلم رقم (5/ 901)، والترمذي رقم (563).
(4)
العتاقة: أي الإعتاقُ عند الكسوف.
(5)
أخرجه أحمد (6/ 345)، والبخاري رقم (1054)، وأبو داود رقم (1192).
(6)
أخرجه أحمد (6/ 164)، والبخاري رقم (1044)، ومسلم رقم (901).
(7)
أخرجه البخاري رقم (1059)، ومسلم رقم (912).
6 - يخرج وقتُ الصلاة بالتجلِّي:
عن المغيرة بن شعبةَ رضي الله عنه قال: انكسفت الشمسُ على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يومَ ماتَ إبراهيم، فقالَ الناسُ: انكسفتْ لموتِ إبراهيمَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الشمس والقمرَ آيتانِ من آيات الله عز وجل لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتمُوها فادعوا الله تعَالى، وصلُّوا حتى ينجلي"، وهو حديث صحيح
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه أحمد (4/ 245)، والبخاري رقم (1060)، ومسلم رقم (915).
الباب الثامن باب صلاة الاستسقاء
أ - من أسباب حدوث الجدْب
.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم يُنْقِصْ قومٌ الميكالَ، والميزانَ، إلا أُخذِوا بالسِّنين، وشدةِ المؤْنَةِ، وجورِ السلطان عليهم، ولم يمنَعُوا زكاةَ أموالهم إلَّا مُنعوا القطرَ من السماء"، وهو حديث حسن
(1)
.
ب - أنواع استسقائه صلى الله عليه وسلم
-:
الأول: خروجه إلى المصلى، وصلاتُهُ، وخطبتُه.
الثاني: يوم الجمعة على المنبر أثناء الخطبة.
الثالث: استسقاؤه على منبر المدينة، استسقى مجرَّدًا في غير يوم الجمعة ولم يُحْفظْ عنه فيه صلاةٌ.
الرابع: أنه استسقى وهو جالس في المسجد، فرفع يديه، ودعا الله عز وجل.
الخاص: أنه استسقى عندَ أحجارِ الزيت، قريبًا من الزوراءِ، وهي خارجُ باب المسجد.
السادس: أنه استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركونَ إلى الماء، وأغيثَ صلى الله عليه وسلم في كل مرة استسقى فيها
(2)
.
•
دليل النوع الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم متواضعًا متبذلًا، متخشعًا، مترسِّلًا، متضرعًا، فصلَّى ركعتين كما يصلِّي في العيد" لم يخطبْ خطبتكم هذه، وهو حديث حسن
(3)
.
(1)
أخرجه ابن ماجه (2/ 1332 رقم 4019)، والحاكم (4/ 540)، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وتعقَّبهما الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (1/ 168) بقوله:"بل هو حسن الإسناد" وانظر تخريجه في تحقيقي "لسبل السلام"(3/ 265)، الطبعة الأولى.
(2)
انظر. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم الجوزية (1/ 439 - 444).
(3)
أخرجه أحمد (1/ 230)، والنسائي (3/ 163)، والترمذي رقم (559)، وابن خزيمة رقم (1405)، وابن ماجه رقم (1266)، والدارقطني (2/ 68)، والحاكم (1/ 326 - 327)، والبيهقي (3/ 344)، وقال الترمذي:"حديث حسن صحيح".
•
ودليل النوع الثاني:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلًا دخل المسجدَ يومَ جُمعة من باب كان نحو دار القضاءِ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطبُ، فاستقبل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قائمًا، ثم قال: يا رسولَ الله هلكت الأموالُ، وانقطعت السُّبُلُ، فادعُ اللهَ يُغِثنا. قال: فرفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديهِ، ثم قال:"اللهمّ أغثنا، اللهم أغثنا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
•
ودليل النوع الثالث:
حديث شُرحبيلَ بنِ السِّمط، أنه قالَ لكعب: يا كعب بنَ مُرَّةَ حدثنَا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحذَرْ، قالَ: جاءَ رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! استسْقِ اللهَ، فرفَعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديه، فقال: "اللهمَّ اسقنا غيثًا مَرِيئًا
(2)
مريعًا
(3)
طَبقًا
(4)
، عاجلًا غيرَ رائثٍ
(5)
، نَافعًا غيرَ ضارٍّ" قال: فما جمَّعوا
(6)
حتى أُحيُوا، مريعا
…
قال: فأتَوْهُ فشكوْ إليه المطرَ فقالوا: يا رسول الله، تهدَّمتِ البيوتُ، فقالَ:"اللهم حوالينا ولا عَلَيْنَا" قال: فجعلَ السَّحَابُ ينقطعُ يمينًا وشمالًا، وهو حديث صحيح
(7)
.
•
ودليل النوع الرابع:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم بواكي فقال: "اللهم اسقنَا غيثًا مُغيثًا، مَرِيئًا، مريعًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل" قال: فأطبقت عليهم السماءُ، وهو حديث صحيح
(8)
.
•
ودليل النوع الخامس:
حديث عمير مولى بني آبي اللحمِ: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى عندَ أحجار الزيت بالدعاء، وهو حديث صحيح
(9)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (933)، ومسلم رقم (8/ 897).
(2)
مريئًا: أي محمودَ العاقبة.
(3)
مُريعًا: بضمِّ الميم وفتحها، من الرَّيع وهو الزيادة.
(4)
طبقًا: أي مائلًا إلى الأرض مغطيًا، يقال: غيث طبق، أي: عام واسعٌ.
(5)
رائث: أي بطيء متأخر.
(6)
فما جَمَّعوا: أي فما صلُّوا الجمعةَ.
(7)
أخرجه ابن ماجه رقم (1269)، والحاكم (1/ 328)، والبيهقي (3/ 355 - 356)، وأحمد (4/ 236)، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
(8)
أخرجه أبو داود رقم (1169)، والبيهقي (3/ 355)، والحاكم (1/ 327)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(9)
أخرجه أبو داود رقم (1168)، والترمذي رقم (557)، وأحمد (5/ 223)، والنسائي (3/ 159)، والحاكم (1/ 327) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
•
ودليل النوع السادس:
ما ذكره ابن القيم الجوزية
(1)
: أنه صلى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء، فأصاب المسلمين العطشُ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعض المنافقين: لو كان نبيًّا، لاستسقى لقومه، كما استسقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أوقد قالوها؟ عسى ربكم أن يسقيكم"، ثم بسط يديه، ودعا، فما ردَّ يديه من دعائِهِ حتى أظلَّهُمُ الستَحَابُ، وأمطروا فأعمَّ السيلُ الوادي، فشربَ الناسُ فارتَوَوْا.
جـ - يُسنَّ رفعُ الأيدي بالدعاء عند طلب السُّقْيَا:
عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفعُ يديه في شيءٍ من دعائه إلا في الاستسقاء؛ فإنه كان يرفعُ يديه حتى يرى بياضُ إبْطَيْهِ، وهو حديث صحيح
(2)
.
د - على أي شيء تتضمن الخطبةُ:
تتضمن الذِّكْرَ، والترغيبَ في الطاعة، والزَّجرَ عن المعصية، ويستكثر الإمامُ ومن معه من الاستغفار والدُّعاءِ برفع الجدب.
لحديث أبي إسحاق السبيعي الذي أخرجه البخاري
(3)
.
وحديث ابن مسعود الذي أخرجه البخاري
(4)
، ومسلم.
وحديث أنس الذي أخرجه البخاري، ومسلم
(5)
.
هـ - تحويل رداء الإمام حين استقبالِ القبلة:
عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يومَ خرجَ يستسقي قالَ: فحوَّلَ إلى الناس ظهرَهُ، واستقبلَ القبلةَ يدعُو، ثم حوَّلَ رداءَهُ، ثم صلّى ركعتين جهر فيهما بالقراءة، وهو حديث صحيح
(6)
.
* * *
(1)
في "زاد المعاد"(1/ 441).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 282)، والبخاري رقم (1031)، ومسلم رقم (895).
(3)
البخاري رقم (1022).
(4)
البخاري (4821)، ومسلم (2798).
(5)
البخاري (1015)، ومسلم (897).
(6)
أخرجه أحمد (4/ 41)، والبخاري رقم (1025)، وأبو داود رقم (1162)، والنسائي (3/ 157)، ومسلم (4/ 894)، ولم يذكر الجهرَ بالقراءة.
الباب التاسع صلاة المسافر
1 - وجوبُ القصر في السفر:
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "فُرضت الصلاةُ ركعتين، ثم هاجَرَ النبي صلى الله عليه وسلم ففُرِضَتْ أربعًا، تركت صلاة السفر على الأولى"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولحديث يعلى بن أمية قال: قلتُ لعمرَ بن الخطاب: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] فقد أمِنَ الناسُ فقال: عجبتُ مما عجِبتَ منه، فسألت رسولَ - الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"صدقة تصدَّقَ اللهُ بها عليكم، فاقبلوا صَدَقَتهُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث ابن عمر قال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لا يزيدُ في السفرِ على ركعتينِ، وأبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ كذلك، وهو حديث صحيح
(3)
.
قال الشوكاني
(4)
: "والظاهر من الأدلة في القصر والإفطارِ، عدمُ الفرق بين مَنْ سفره في طاعةٍ، ومن سفره في معصية، لا سيما القصر، لأن صلاة المسافر شرعها الله كذلك، فكما أن الله شرع للمقيم صلاة التمام من غير فرقٍ بين من كان مطيعًا، ومن كان عاصيًا بلا خلاف، كذلك شرع للمسافر ركعتين من غير فرق، وأدلةُ القصرِ متناولة للعاصي تناولًا زائدًا على تناول أدلة الإفطار له، لأن القصر عزيمة، وهي لم تشرع للمطيع دون العاصي، بل مشروعة لهما جميعًا بخلاف الإفطار، فإنه رخصةً للمسافر، والرخصةُ تكون لهذا دون هذا في الأصل، وإن كانت هنا عامةً، وإنما المراد بطلانُ القياس " ا هـ.
(1)
أخرجه البخاري رقم (3935)، ومسلم رقم (685).
(2)
أخرجه مسلم رقم (686)، وأبو داود رقم (1199)، والنسائي (3/ 116)، والترمذي رقم (3034)، وابن ماجه رقم (1065)، وأحمد (1/ 36).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 56)، والبخاري رقم (1102)، ومسلم رقم (689).
(4)
"وبل الغمام على شفاء الأُوام"(1/ 349 - 350) بتحقيقي.
2 - مسافة القصْر:
قال ابن القيم الجوزية
(1)
: "ولم يحد لأمتِه مسافةً محدودة للقصر والفطر، بل أطلقَ لهم ذلك في مُطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيممَ في كل سفر، وأما ما يُروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثةِ، فلم يصح عنه منها شيءٌ البتة، واللّه أعلم" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كل اسم ليس له حدٌّ في اللغة، ولا في الشرع؛ فالمرجعُ فيه إلى العُرْف، فما كان سفرًا في عُرف الناس؛ فهو السفرُ الذي علق به الشارعُ الحكمَ" اهـ.
وقال المحدث الألباني
(2)
رحمه الله: "وقد اختلف العلماء في المسافة التي تُقصَر فيها الصلاة اختلافًا كثيرًا جدًّا، على نحو عشرين قولًا، وما ذكرناه عن ابن تيمية، وابن القيم أقربُها إلى الصواب، وأليقُ بيُسْر الإسلام؛ فإنَّ تكليفَ الناس بالقصرِ في سَفَر محدود بيوم، أو بثلاثةِ أيام، وغيرها من التحديدات يستلزمُ تكليفهم بمعرفة مسافات الطرقِ التي قد يطرقونها، وهذا مما لا يستطيعه أكثر الناس، لا سيما إذا كانت مما لم تُطْرَق من قبل! ".
وفي الحديث فائدة أخرى، وهي أن القصرَ مبدؤُه من بعد الخروج من البلدةِ، وهو مذهب الجمهور من العلماء؛ كما في "نيل الأوطار"(3/ 83)، قال:"وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلِّي ركعتين، ولو كان في منزله؛ ومنهم من قال: إذا رَكِبَ قَصَر إنْ شاء، ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنّه يَقصرُ إذا فارقَ البيوت، واختلفُوا فيما قبلَ ذلك؛ فعليه الإتمامُ على أصل ما كان عليه، حتى يثبُتَ أنّ له القصرَ" قال: "ولا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر في سفر من أسفاره، إلا بعد خروجه من المدينة".
قلت: - القائل الشيخ الألباني رحمه الله والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد خرجتُ طائفة منها في "الإرواء" من حديث أِنس، وأبي هريرة، وابن عباس وغيرهم، فانظر: رقم (562).
(1)
"زاد المعاد"(1/ 463).
(2)
في "الصحيحة"(1/ 310 - 311).
وعن شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال:
سألتُ أنسًا رضي الله عنه عن قصر الصلاةِ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرةَ ثلاثةِ أميالٍ، أو ثلاثةِ فراسخَ، صلَّى ركعتين، (شعبة الشاكُّ)، وهو حديث صحيح.
قال المحدث الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(1/ 307، 308):
"يدل هذا الحديثُ على أن المسافر إذا سافر مسافة ثلاثة فراسخَ (والفرسخُ نحوُ ثماني كيلومترات) جاز له القصرُ. وقد قال الخطابي في "معالم السن" (2/ 49): "إن ثبتَ الحديث؛ كانتِ الثلاثة الفراسخ حدًّا فيما يقصرُ إليه الصلاةُ، إلَّا أني لا أعرف أحدًا من الفقهاء يقول به".
وفي هذا الكلام نظر من وجوه:
الأول: أن الحديث ثابت، وحسبك أن مسلمًا أخرجه ولم يضعفه غيره.
الثاني: أنه لا يضرُّ الحديثَ، ولا يمنعُ العملَ به عدمُ العلم بمن قال به من الفقهاء، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
الثالث: أنه قال به راويه أنس بن مالك رضي الله عنه وأفتى به يحيى بن يزيد الهنائي راويه عنه كما تقدم .. "اهـ.
قال الحافظ
(1)
:
"وهو أصحُّ حديث ورد في ذلك وأخرجُهُ، وقد حمله مَن خالفه على أن المراد المسافةُ التي يبتدأ منها القصرُ لا غايةُ السفرِ، ولا يخفى بُعْدُ هذا الحمل .. " اهـ.
3 - من أقام لقضاء حاجته، ولم يُجمعْ إقامته يقصرُ إلى عشرين يومًا:
لحديث جابر رضي الله عنه قال: أقامَ النبي صلى الله عليه وسلم بتبوكَ عشرين يومًا يقصر الصلاةَ وهو حديث صحيح
(2)
.
وإذا عزم الإقامة أتمَّ بعد تسعةَ عشر يومًا.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما فتحَ النبي صلى الله عليه وسلم مكةَ؛ أقام فيها تسعَ عشرةَ يُصلِّي
(1)
في "الفتح"(2/ 567 - 568).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 295)، وأبو داود رقم (1235).
ركعتين، قالَ: فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا، وإن زدنا أتممنا، وهو حديث صحيح
(1)
.
4 - صلاة التطوع في السفر:
قال ابن القيم الجوزية
(2)
: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصارُ على الفرضِ، ولم يُحْفَظْ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلَّى سُنةَ الصلاةِ قبلها ولا بعدَها، إلا ما كان من الوتر، وسنةِ الفجرِ، فإنه لم يكن ليدعَها حَضَرًا، ولا سفرًا" اهـ.
قال ابن عمر، وقد سئل عن ذلك: فقال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين، حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزدْ على ركعتين، حتى قبضهُ اللّهُ، وصحبتُ عمرَ فلم يزد على ركعتين، حتى قبضه الله. ثم صحبتُ عثمان، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وهو حديث صحيح
(3)
.
ثم قال ابن القيم: "وإلَّا فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه كان يُسبح على ظهرِ راحلته حيث كان وجهه" اهـ.
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يُصلي سبحتهُ، حيثما توجَّهت به ناقته، وهو حديث صحيح
(4)
.
5 - السفرُ يوم الجمعة:
قال الشيخ الألباني رحمه الله
(5)
: "وليس في السُّنَّةِ ما يمنع من السفر يوم الجمعة مطلقًا، بل رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه سافر يومَ الجمعة من أول النهار، ولكنه ضعيف؛ لإرساله" ا هـ.
عن الأسود بن قيس عن أبيه قال: أبصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلًا عليه هيئة
(1)
أخرجه أحمد (1/ 315)، والبخاري رقم (1080)، وابن ماجه رقم (1075).
(2)
"زاد المعاد"(1/ 456).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1101)، ومسلم رقم (8/ 689).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1000)، ومسلم رقم (31/ 700).
(5)
في "الضعيفة"(1/ 386 - 387).
السفر، فسمعه يقول: لولا أن اليومَ يوم جمعةٍ لخرجتُ، قال عمر رضي الله عنه: اخْرُجْ؛ فإنَّ الجمعةَ لا تحبِسُ عن السفر، وهو أثر صحيح الإسناد
(1)
.
قال الألباني
(2)
رحمه الله "
…
وحديثُ الزهري
(3)
مرسلٌ، ومعناه صحيحٌ ما لم يَسْمَع النداءَ، فإذا سمعه وجب عليه الحضور، والله أعلم" اهـ.
6 - الجمعُ بين الصلاتين في السفر:
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رحلَ قبل أن تزيغَ الشمسُ أخرَ الظهرَ إلى وقت العصر، ثم نزل يجمعُ بينهما، فإن زاغتْ قبلَ أن يرتحل صلّى الظهرَ، ثم ركب، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن معاذ رضي الله عنه: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبلَ أن تزيغَ الشمسُ أخَّر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصلِّيهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهرَ والعصرَ جميعًا ثم سارَ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخَّرَ المغربَ حتى يُصلِّيها مع العشاء، وإذا ارتحلَ بعد المغربِ عجَّلَ العشاءَ فصلَّاها مع المغرب"، وهو حديث صحيح
(5)
.
7 - الجمع بين الصلاتين في الحضَرِ:
قال الإمام النووي
(6)
: "وذهب جماعةٌ من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر؛ للحاجة لمن لا يتخذُه عادةً، وهو قول ابن سيرين، وأشهبَ من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، عن إسحاق المروزي، عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر" اهـ.
ويؤيد هذا المذهب، ظاهرُ قولِ ابن عباس رضي الله عنهما عند مسلم في صحيحه رقم (50/ 705)، قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ والعصرَ جميعًا بالمدينة من غير
(1)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 187)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 105) مختصرًا.
(2)
في "تمام المنة" ص (320).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(3/ 251 رقم 5540).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 247)، والبخاري رقم (1112)، ومسلم رقم (46/ 704).
(5)
أخرجه أحمد (5/ 241)، وأبو داود رقم (1206)، والترمذي رقم (553) وقال الترمذي:"حديث معاذ حديث حسن غريب"، وانظر: "الإرواء - رقم (578).
(6)
"شرح صحيح مسلم"(5/ 219).
خوف، ولا سفرٍ، قال أبو الزبير: فسألت سعيدًا: "لِمَ فعلَ ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني قال: أراد ألَّا يحرجَ أحدًا من أمته"، وهو حديث صحيح.
وفي لفظ آخر لمسلم في صحيحه رقم (54/ 705): "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، بالمدينة في غير خوف، ولا مطر، (في حديث أبي كريب) قال: قلت لابن عباس. لِمَ فعلَ ذلك؟ قال: كي لا يُحْرِجَ أَمَّتهُ"، وهو حديث صحيح.
ومما تقدم يظهر أنَّ جوازَ الجمع للحاجة متوجِّهٌ في المسألة لما أفاده ظاهرُ حديث ابن عباس: "أراد ألَّا يحرج أمتهُ"؛ إذ لم يعلل الجمع بمرضٍ، ولا غيره، وإنما عللهُ بدفع الحرج الذي هو الضيقُ والمشقة، وما دام الأمر كذلك فإنه يستقر به جوازُ الجمع للحاجة.
8 - الجمع بأذان وإقامتين من عير تطوع بينهما:
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلاتين بعرفة بأذانٍ واحدٍ وإقامتين وأتى المزدلفة فصلَّى بها المغربَ والعشاءَ بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسَبِّحْ بينَهما، ثم اضطجع حتى طلع الفجرُ، وهو حديث صحيح
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه أحمد (3/ 320)، ومسلم رقم (1218) والنسائي (5/ 260).
الباب العاشر باب صلاة العيدين
1 - حكم صلاة العيدين:
صلاة العيد واجبةٌ، لأنه صلى الله عليه وسلم مع ملازمته لها قد أمر بالخروج إليها:
عن أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهنَّ في الفطر والأضحى، العواتقَ، والحيضَ، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلنَ الصلاةَ - وفي لفظ: المصلَّى - ويشهدنَ الخيرَ، ودعوةَ المسلمين. قلت: يا رسولَ الله، إحدانا لا يكون لها جلبابٌ، قال:"لِتُلْبسها أختُها من جلبابِهَا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - وقتُ صلاة العيد:
عن عبد الله بن بُسْرٍ - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم -: "أنه خرجَ مع الناس يوم عيد فطرٍ أو أضحى، فأنكرَ إبطاءَ الإمام، وقال: إنا كُنَّا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلكَ حين التسبيح"
(2)
، وهو حديث صحيح
(3)
.
والحديث يدل على أن وقتها يبدأ بعد طلوع الشمس، ويدلُّ كذلك على استحباب التبكير إليها، وكراهةِ تأخيرها زائدًا على المعتاد.
3 - لا أذان ولا إقامة للعيدين، وكذلك ولا نداءَ: الصلاةُ جامعة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قالا: لم يكن يُؤَذنُ يومَ الفطر، ولا يومَ الأضحى، ثم سألته بعد حين عن ذلك؟ فأخبرني قال: أخبرني جابر بن عبد الله الأنصاري، أنْ لا أذانَ للصلاة يومَ الفطر، حين يخرجُ الإمام، ولا بعد ما يخرج، ولا إقامة ولا نداءَ ولا شيءَ، لا نداءَ يومئذٍ ولا إقامةَ، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (5/ 84)، والبخاري رقم (974)، ومسلم رقم (12/ 890)، وأبو داود رقم (1136)، والترمذي رقم (539)، وابن ماجه رقم (1308)، والنسائي (3/ 180)، وليس عند النسائي أمرُ الجلبابِ.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (1135)، وابن ماجه رقم (1317).
(3)
حينَ التسبيح: أي حين وقت صلاة الضُّحى.
(4)
أخرجه البخارى رقم (960)، ومسلم رقم (5/ 886) واللفظ لهُ.
4 - عدد ركعات صلاة العيدين وتكبيراتها:
صلاة العيد ركعتانِ، يكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، ويكبر في الركعة الثانية خمسَ تكبيرات غير تكبيرة الانتقال قبل القراءة.
"يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرةً، ولم يحفظ عنه ذِكر معين بين التكبيرات، إلا أن البيهقي
(1)
، ذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: يحمدُ الله ويثني عليه، ويصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره الخلال، وكان ابن عمر - مع تحرِّيه للاتباع - يرفع يديه مع كل تكبيرةٍ"
(2)
.
عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى يوم الفطر ركعتين، لم يُصلِّ قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساءَ ومعه بلالٌ، فأمُرهنَّ بالصدقة، فجعلنَ يُلْقِينَ، تلقي المرأةُ خرْصَها وسخابَها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبِّر من الفطر والأضحى في الأولى سبعَ تكبيراتٍ، ومن الثانية خمسًا، سوى تكبيرتي الركوع"، وهو حديث حسن
(4)
.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمسٌ من الآخرة، والقراءةُ بعدهما كلتيهما"، وهو حديث حسن
(5)
.
5 - القراءة في صلاة العيدين:
عن عُبَيْدِ الله بن عبد الله بن عتبةَ، عن أبي واقد الليثي، قال: سألني عمر بن الخطاب عما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم العيد؟ فقلت: بـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} و {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ، وهو حديث صحيح
(6)
.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قال: وإذا اجتمع العيدُ والجمعة في يوم واحد؛ يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
"السنن الكبرى"(3/ 291 - 292).
(2)
"زاد المعاد"(1/ 443).
(3)
أخرجه البخاري رقم (964)، ومسلم رقم (884).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (1149)، ورقم (1150)، وابن ماجه رقم (1280).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (1151)، وانظر:"إرواء الغليل"(3/ 108 - 109).
(6)
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (891).
(7)
أخرجه مسلم رقم (879).
6 - الخطبة بعد صلاة العيد:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:"شهدتُ العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمانَ رضي الله عنهم، فكلُّهم كانوا يصلُّون قبل الخُطبةِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يصلون العيدين قبل الخطبة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - إذا اجتمع العيد والجمعة:
إذا اجتمع العيدُ والجمعةُ، فمن صلَّى العيد، سقطَ عنه وجوبُ الجمعة، ويصلِّي مكانها صلاةَ الظهر وحدانًا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم أنه قال:"قد اجتمعَ في يومِكُم هذا عيدان: فمن شاء، أجزأه من الجمعة، وإنّا مُجْمعُونَ"، وهو حديث حسن
(3)
.
وعن عطاء بن أبي رباح، قال:"صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد من يوم جمعة، أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدانًا، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم؛ ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السُّنَّةَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
8 - إذا فاته العيد يصلي ركعتين:
عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان أنس إذا فاتتهُ صلاةُ العيد مع الإمام، جمعَ أهلَهُ فصلَّى بهم مثلَ صلاةِ الإمام في العيد"، وهو حسن لغيره
(5)
.
وقال ابن المنذر
(6)
: "ومن فاتته صلاةُ العيد، صلَّى ركعتين كصلاة الإمام" اهـ.
(1)
أخرجه البخاري رقم (962)، ومسلم رقم (884) واللفظ للبخاري.
(2)
أخرجه البخاري رقم (963)، ومسلم رقم (888).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (1073)، وابن ماجه رقم (1311).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (1071)، وانظر: "صحيح أبي داود.
(5)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبر"(3/ 305)، والبخاري معلقًا نحوه مجزومًا به (فتح الباري: 2/ 474)، وأورد الحافظ في "تعليق التعليق"(2/ 386 - 387) طرقه وشواهده.
(6)
"الإقناع"(1/ 110).
9 - إذا لم يعلم بالعيدِ إلا بعد الزوال، خُرِجَ للعيد من الغدِ:
عن أبي عمير بن أنس، عن عمومةٍ له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ركْبًا جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدُون أنهم رأوا الهلال بالأمسِ، فأمرهم أن يُفْطِروا، وإذا أصبحوا أن يَغْدُوا إلى مُصَلَّاهم"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وقال ابن المنذر
(2)
: "إذا لم يعلموا بعيدهم إلا بعدَ الزوال، خرجُوا من الغد، وصلَّوا صلاةَ العيد" اهـ.
10 - ما يُسْتَحَبُّ يومَ العيد:
أ - التجمل ولبسُ أحسنِ الثياب:
عن عبد الله بن عمر قال: "أخذ عمرُ جُبَّةً من إستبرق تُباع في السُّوقِ، فأخذها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ابتعْ هذه، تجمَّلْ بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هذه لباسُ من لا خلاق
(3)
له"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ب - الخروج إلى خارج البلد:
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يخرجُ يومَ الفطر والأضحى إلى المصلَّى، فأولُ شيءٍ يبدأ به الصلاةَ، ثم ينصرفُ، فيقومُ مقابلَ الناسِ - والناسُ جُلوسٌ على صفوفهم - فيعظهم، ويوصيهم ويأمُرهم، فإن كان يريدُ أن يقطع بعثًا، أو يأمرَ بشيءٍ أمرَ به، ثم ينصرفُ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
جـ - مخالفةُ الطريق:
عن جابر رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يومُ عيد خالف الطريقَ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (1157)، وابن ماجه رقم (1653)، والنسائي (3/ 180).
وانظر: "الإرواء"(3/ 102 - 103).
(2)
"الإقناع"(1/ 110).
(3)
الخلاق: النصيب.
(4)
أخرجه البخاري رقم (948)، ومسلم رقم (8/ 2068).
(5)
أخرجه البخاري رقم (956)، ومسلم رقم (889).
(6)
أخرجه البخاري رقم (986).
د - الأكل قبل الخروج في الفطرِ دون الأضحى:
عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يغدو يومَ الفطر حتى يأكلَ تمراتٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن بريدة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرجُ يومَ الفطْرِ حتَّى يَطْعَمَ، ولا يطعمُ يومَ الأضحى حتى يصلِّيَ"، وهو حديث حسن
(2)
.
هـ - التكبير في أيام العيدين:
قال تعالى في سورة البقرة الآية (185): {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، وذلك في الفطر، وقال تعالى في سورة البقرة الآية (203):{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} ، وقال تعالى في سورة الحج الآية (37):{كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، وذلك في الأضحى.
ووقته في الفطر من حين يخرجُ إلى المصلَّى حتى يصلّي:
عن الزهري: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يومَ الفطر، فيكبر حتى يأتي المصلَّى، وحتى يقضيَ الصلاةَ، فإذا قضى الصلاة قطعَ التكبير"، إسناده صحيح مرسلًا
(3)
.
وعن عبد الله بن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرجُ في العيدين مع الفضل بن عباس، وعبد الله بن عباس، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، وأسامة بن زيد، وزيد بن حارثة، وأيمن بن أم أيمن رضي الله عنها رافعًا صوته بالتهليل والتكبير، فيأخذُ طريقَ الحذائينَ حتى يأتي المصلَّى، وإذا فرغ رجعَ على الحذائينَ حتى يأتي منزلَهُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ووقت التكبير في الأضحى من صبح يوم عرفة إلى عصرِ آخرِ أيام التشريق:
(1)
أخرجه البخاري رقم (953).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 352، 360)، والترمذي رقم (542)، وقال:"حديث غريب" وصححه ابن حبان في "صحيحه" رقم (2812)، وأخرجه ابن ماجه رقم (1756)، وابن خزيمة رقم (1426).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 164) وانظر: "الصحيحة" رقم (171).
(4)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 279).
قال الألباني رحمه الله: "ورجاله ثقات رجال مسلم غيرَ عبد الله بن عمر وهو العمري المبكر، قال الذهبي: "صدوق، في حفظه شيء"، ورمز له هو وغيره بأنه من رجال مسلم، فمثلهُ يُسْتَشْهَدُ به فهو شاهد صالح لمرسلِ الزهري، فالحديث صحيح عندي موقوفًا ومرفوعًا، والله أعلم.
قال الألباني
(1)
: "وقد صحَّ عن علي رضي الله عنه: "أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة، إلى صلاة العصرِ من آخر أيام التشريقِ، ويكبر بعد العصر".
رواه ابن أبي شيبة (2/ 165) من طريقين، أحدهما جيدٌ، ومن هذا الوجه رواه البيهقي (3/ 314) ثم روي مثله عن ابن عباس، وسنده صحيح، وروى الحاكم (1/ 300) عنه، وعن ابن مسعود مثله" اهـ.
وأما صيغة التكبير فالأمر فيها واسع.
قال الألباني
(2)
: "وقد ثبت تشفيعُ التكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه: "أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 167)، وإسناده صحيح، ولكنه ذكره في مكان آخر بالسند نفسه بتثليث التكبير، وكذلك رواه البيهقي (3/ 315) عن يحيى بن سعيد عن الحكم، (وهو ابن فروح أبو بكار)، عن عكرمة عن ابن عباس بتثليث التكبير، وسنده صحيح أيضًا .. " اهـ.
* * *
(1)
في "الإرواء"(3/ 125).
(2)
السابق.
الباب الحادي عشر صلاة الخوف
قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102].
أنواع صلاة الخوف:
الأول: صلاة الإمام بكل طائفة ركعتين بسلام:
لحديث جابر وفيه: "قال: فنودي بالصلاة، فصلَّى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعَ ركعاتٍ، وللقوم ركعتانِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
الثاني: اشتراك الطائفتين مع الإمام، وتقدُّمُ الثانية، وتأخُر الأولى، والسلامُ جميعًا:
عن جابر بن عبد الله، قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخوف، فصَفَّنَا صَفَّيْنِ: صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدوُّ بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبَّرنا جميعًا، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفعَ رأسَهُ من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصفُّ الذي يليه، وقام الصفُّ المؤخَّرُ في نحر العدوِّ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجودَ، وقامَ الصفُّ الذي يليه، انحدرَ الصفُّ المؤخَّرُ بالسجودِ وقاموا، ثم تقدمَ الصفُّ المؤخرُ، وتأخر الصفُّ المقدمُ، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسَهُ من الركوع ورفعنَا جميعًا، ثم انحدرَ بالسجود والصفُّ الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولى، وقام الصفُّ المؤخرُ في نحور العدوّ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجودَ والصفُّ الذي يليه، انحدرَ الصفُّ المؤخَّرُ بالسجود، فسجدوا ثم سلَّم النبي صلى الله عليه وسلم وسلَّمنا جميعًا، قال جابر: كما يصنعُ حرسكم هؤلاءِ بأمرائهم
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (4126)، ومسلم رقم (843).
(2)
أخرجه مسلم رقم (840).
الثالث: صلاة الإمام بكل طائفة ركعةً، وقضاءُ كلِّ طائفةٍ ركعةً:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخوفِ، بإحدى الطائفتين ركعةً والطائفة الأخرى مواجهةٌ العدوَّ، ثم انصرفوا، وقامُوا في مقام أصحابهم مقبلينَ على العدو، وجاءَ أولئكَ، ثم صلَّى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعةً، ثم سلَّم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قضى هؤلاء ركعةً، وهؤلاء ركعةً"
(1)
.
الرابع: اشتراكُ الطائفتين مع الإمام في القيام والسلام:
عن مروانَ بن الحكم أنه سأل أبا هريرة: هَلْ صليتَ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخوف؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: نعم، قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر، وقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدوَّ، وظهورُهم إلى القبلة، فكبرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فكبروا جميعًا الذين معه والذين يقابلون العدوَّ، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعةً وَاحدةً، وركعتْ معه الطائفة التي تليه، ثم سجدَ وسجدت الطائفة التي تليه، والآخرونَ قيامٌ مقابل العدوِّ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفةُ التي كانت مقابل العدوِّ فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثم قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعةً أخرى، وركعوا معه، وسجدَ وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفةُ التي كانت مقابل العدوِّ فركعوا وسجدوا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ ومن معه، ثم كان السلام فسلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلَّموا جميعَّا فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكلِّ رجلٍ من الطائفتين ركعتان ركعتانِ، وهو حديث صحيح
(2)
.
الخامس: صلاة الإمام بكل طائفة ركعةً، وانتظاره لقضاء كلِّ طائفة ركعةً:
عن صالح بن خواتٍ، عمن صلَّى معَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ ذات الرقاع
(3)
، صلاةَ الخوفِ: "أن طائفةً صلَّتْ معه
(4)
وطائفة وُجَاهَ العدوِّ، فصلى بالذين معه ركعةً ثم ثبتَ
(1)
أخرجه البخاري رقم (942)، ومسلم رقم (839).
(2)
أخرجه البخاري رقم (4129)، ومسلم رقم (842).
(3)
يومَ ذات الرقاعِ: هي غزوة معروفة، كانت سنةَ خمسٍ من الهجرة بأرض غطفانَ من نجد، سُمِّيت ذاتَ الرقاع؛ لأن أقدامَ المسلمين نُقِبَتْ من الحفاءِ، فلفُّوا عليها الخرقَ، هذا هو الصحيح في سبب تسميتها.
(4)
صفَّت معه: هكذا هو في أكثر النسَخ، وفي بعضها: صلَّت معه، وهما صحيحان.
قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصلُّوا وُجَاهَ العدو، وجاءت الطائفةُ الأخرى فصلّى بهم الركعة التي بقيتْ، ثم ثبت جالسًا، وأتموا لأنفسهم ثم سلَّم بهم"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قلت: كل الأنواع مجزئة؛ لأنها وردت في أنحاء كثيرة، وكلُّ نحو روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو جائز يفعلُ الإنسان ما هو أخفُّ عليه، وأوفقُ بالمصلحةِ حالتئذٍ، وإذا اشتد الخوفُ، والتحمَ القتالُ، صلَّاها الراكبُ والرَّاجلُ ولو إلى غير القبلةِ، ولو بالإيماء.
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في تفسير سورة البقرة بلفظ "فإن كان خوفٌ هو أشدُّ من ذلك، صلُّوا رجالًا قيامًا على أقدامِهم، أو ركبانًا مستقبلي القبلة، أو غير مستقبليها"
(2)
.
* * *
(1)
رواه البخاري (4535)، وهو في صحيح مسلم رقم (306/ 839) من قول ابن عمرَ بنحو ذلك.
(2)
أخرجه النسائي (3/ 173)، وأبو داود رقم (1240).
الباب الثاني عشر صلاة الجمعة
1 - تجب صلاة الجمعة على كل مكلف إلَّا المرأةَ، والعبدَ، والمسافر، والمريضَ:
قال تعالى في سورة الجمعة الآية (9): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
عن طارق بن شهاب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجمعةُ حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ في جماعةٍ، إلا أربعةً: مملوكٌ، وامرأةٌ، وصبي، ومريض"
(1)
.
وعن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رَوَاحُ الجمعةِ واجبٌ على كل محتَلمِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - المحافظة طى صلاة الجمعة والتبكير إليها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسلَ يومَ الجمعة غُسْلَ الجنابةِ، ثم راحَ فكأنما قرَّبَ بَدَنَةً، ومن راحَ في الساعةٍ الثانية فكأنما قرَّبَ بقرةً، ومن راحَ في الساعةٍ الثالثة فكأنما قرَّبَ كبشًا أقرنَ، ومن راحَ في السَاعة الرابعة فكأنما قرَّبَ دجاجةً، ومن راحَ في الساعة الخامسةِ فكأنما قرَّبَ بيضةً، فإذا خَرج الإمَام حضرت الملائكة يستمعونَ الذِّكْرَ"، وهَو حديث صحيح
(3)
.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسلُ رجلٌ يوم الجمعة ويتطهرُ بما استطاعَ من طُهْرٍ، وَيَدَّهنُ من دهنِهِ، أو يمسُّ مِنْ طيبِ بيته، ثم يروحُ إلى
(1)
أخرجه أبو داود رقم (1067): وقال: "لم يسمع طارق من النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 288) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقد احتجا بهريم بن سفيان، ورواه ابن عِيينةَ عن إبراهيمَ بنِ محمد بن المنتشر، فلم يذكر فيه أبا موسى، وطارق بن شهاب يعدُّ في الصحابة" اهـ.
وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 183) وقال: "هذا الحديث وإن كان فيه إرسال، فهو مرسل جيد، فطارق من خيار التابعين، وممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يسمع منه، ولحديثه هذا شواهدُ، وخلاصة القول أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(2)
أخرجه النسائي (3/ 89)، وانظر:"صحيح النسائي" للألباني، رحمه الله.
(3)
أخرجه أحمد (2/ 460)، والبخاري رقم (881)، ومسلم رقم (850)، وأبو داود رقم (351)، والترمذي رقم (460)، والنسائي (3/ 98).
المسجد، ولا يفرقُ بين اثنين، ثم يُصلِّي ما كُتِبَ لَهُ، ثم ينصتُ للإمامِ إذا تكلَّمَ إلَّا غُفِرَ لَهُ ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من اغتسل، ثم أتى الجمعةَ فصلَّى ما قُدِّر لَهُ، ثم أنصتَ حتى يَفْرغُ من خطبته، ثم يصلِّي معه، غُفرَ لَهُ ما بينه وبين الجمعةِ الأخرى، وفضلُ ثلاثةٍ أيام"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - التحذير من التهاون بصلاة الجمعة:
عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلَّفُونَ عن الجمعة: "لقد همَمْتُ أن آمرَ رجلًا يصلِّي بالناس، ثم أحرِّقَ على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن عبد اللّه بن عمر، وأبي هريرة، أنهما سمعا رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره:"لينتهين أقوامٌ عن وَدْعِهمُ الجمعات، أو ليختمنَّ اللهُ على قلوبهم، ثم ليكونُنَّ من الغافلين"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أبي الجعد الضمري وله صحبة أن رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من تَركَ ثلاثَ جُمَع تهاونًا طبع الله على قلبه"، وهو حديث صحيح
(5)
.
4 - وقتُ صلاةِ الجمعة وقتُ الظهر:
لكونها بدلًا عنه، وقد ورد ما يدلُّ على أنها تجزئ قبلَ الزوال:
عن سلمةَ بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كُنَّا نُصَلِّي معَ النبي صلى الله عليه وسلم الجمعةَ، ثم ننصرف وليس للحيطان ظلٌّ نستظل فيه"، وهو حديث صحيح
(6)
.
وعن أنس رضي الله عنه قال: "كُنَّا نبكرُ بالجمعةِ، ونقيلُ بعدَ الجمعة"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (883)، وأحمد (5/ 438).
(2)
أخرجه مسلم رقم (26/ 857).
(3)
أخرجه مسلم رقم (254/ 652)، وأحمد (1/ 402).
(4)
أخرجه مسلم رقم (40/ 865)، وأحمد (2/ 82)، والنساني (3/ 88 - 89).
(5)
أخرجه أحمد (3/ 424)، وأبو داود رقم (1052)، والترمذي رقم (500)، والنسائي (3/ 88)، وابن ماجه رقم (1125)، والحاكم (1/ 280)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (258).
(6)
أخرجه البخاري رقم (3935 - البغا)، ومسلم رقم (32/ 860).
(7)
أخرجه البخاري رقم (905).
وعن سهل بن سعد قال: ما كنا نقيلُ، ولا نتغذى إلا بعد الجمعة - زاد ابن حجر - في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن جابر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة، ثم يذهبون إلى جمالِهم فيريحونها حتى تزول الشمسُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
5 - بكم تنعقد الجمعة
؟
ذكر الحافظ
(3)
خمسة عَشَرَ مذهبًا فقال: "وجملةُ ما للعلماء في ذلك خمسة عشَرَ قولًا:
أحدها: تصحُّ من الواحد، نقله ابن حزم.
الثاني: اثنان كالجماعة، وهو قول النخعي، وأهلِ الظاهر، والحسنِ بن يحيى.
الثالث: اثنان مع الإمام عند أبي يوسفَ ومحمدٍ.
الرابع: ثلاثة معه عند أبي حنيفة.
الخامس: سبعة، حكي عن عكرمة.
السادس: تسعة عند ربيعة.
السابع: اثنا عشر عنه في رواية.
الثامن: مثله غير الإمام عند إسحاق.
التاسع: عشرون في رواية ابن حبيب عن مالك.
العاشر: ثلاثون في روايته أيضًا عن مالك.
الحادي عشر: أربعون بالإمام عند الشافعي.
الثاني عشر: أربعون غيرَ الإمام رُوي عن الشافعي، وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفةٌ.
الثالث عشر: خمسون عند أحمدَ، وفي رواية كليب عن عمرَ بن عبد العزيز.
الرابع عشر: ثمانون حكاه المازري.
الخامس عشر: جمعٌ كثير بغير قيدٍ.
ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل
…
" اهـ.
(1)
أخرجه البخاري رقم (939)، ومسلم رقم (859).
(2)
أخرجه مسلم رقم (858).
(3)
"فتح الباري"(2/ 423).
وقال الإمام الشوكاني
(1)
بعد أن أورد كلام ابن حجر السابق: "واعلم أنه لا مستند لاشتراط ثمانين، أو ثلاثين، أو عشرين، أو تسعة أو سبعة، كما أنه لا مستند لصحتها من الواحدِ المنفرد، وأما من قال: إنها تصحُّ باثنين فاستدلَّ بأن العدد واجبٌ بالحديث والإجماعِ، ورأى: أنه لم يثبت دليلٌ على اشتراط عدد مخصوصٍ، وقد صحَّت الجماعةُ في سائر الصلوات باثنينِ، ولا فرقَ بينها وبين الجماعة، ولم يأت نصٌّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعةَ لا تنعقدُ إلا بكذا، وهذا القول هو الراجحُ عندي" اهـ.
6 - هديه صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة:
أ- افتتاح الخطبة بالمأثور:
ثبت أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خُطَبه بخطبة الحاجة: [إنَّ] الحمد لله، [نحمدُه و] نستعينُه ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا [ومن سيِّئات أعمالنا]، من يهده الله فلا مُضِل له، ومن يضللْ فلا هادىَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله (وحده لا شريكَ له)، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
أما بعد فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ فى النار"، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
"نيل الأوطار" عند شرح الحديث رقم (1188) بتحقيقي.
(2)
أخرجه مسلم رقم (43/ 867)، وأحمد (3/ 310 - 311)، والدارمي رقم (210)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" رقم (137)، والنسائي (3/ 188) من حديث جابر.
وأخرجه أبو داود رقم (2118)، والترمذي رقم (1105)، والنسائي (6/ 89)، وابن ماجه رقم (1892)، وابن الجارود رقم (679)، والحاكم (2/ 182 - 183)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 178)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 146)، والدارمي (2/ 142)، وأحمد (1/ 392 - 393) و (1/ 432)، والطيالسي رقم (338) من حديث ابن مسعود، وزاد الطيالسي عن شعبة قال: قلت: لأبي إسحاق: هذه خطبة النكاح وفي غيرها؟ قال: في كل حاجة. =
ب - إطالة الصلاة، وقصر الخطبة:
عن عمَّار قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن طُول صلاةِ الرَّجلِ، وقصَرَ خُطبته مئنَّةٌ - علامة - من فقهه، فأطيلوا الصلاةَ، وأقصروا الخطبةَ، وإن من البيانِ لَسِحْرًا"، وَهو حديث صحيح
(1)
.
ج - أن تكون الخطبةُ على منبرٍ:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتَ النبي صلى الله عليه وسلم يخطُبُ على المنبر، فقال:"من جاء إلى الجمعةِ فليغتسل"، وهو حديث صحيح
(2)
.
واعلم أن السُّنَّةَ في المنبر أن يكون ذا ثلاث درجاتٍ، لا أكثرَ، والزيادةُ عليها بدعة، وكثيرًا ما تُعَرِّض الصفَّ للقطع، والفرار من ذلك بجعله في الزاوية الغربية من المسجد، أو المحراب بدعةٌ أخرى، وكذلك جَعْلهُ مرتفعًا في الجدار الجنوبي كالشرفة يصعد إليه بدرج لصيق الجدار بدعة ثالثة.
د - أن يخطبَ قائمًا، وأن يجلسَ بين الخطبتين:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطبُ قائمًا، ثم يقعدُ، ثم يقوم، كما تفعلون الآنَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
هـ - أن تحتوي الخطبةُ على آيات من القرآن:
عن يعلى بن أمية، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)} [الزخرف: 77] وهو حديث صحيح
(4)
.
= قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه "خطبة الحاجة التي كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعلِّمها أصحابَهُ" ص (12): "وردت هذه الخطبةُ المباركةُ عن ستة من الصحابة وهم: (عبد اللّه بن مسعود)، و (أبو موسى الأشعري)، و (عبد اللّه بن عباس"، و (جابر بن عبد اللّه)، و (نُبَيْطِ بن شريطٍ)، و (عائشة) رضي الله عنها، وعن تابعي واحد وهو الزهري، رحمه الله.
ثم تكلم عليها على هذا النسَق، وقال في الخاتمة ص (31). "وقد تبين لنا من مجموعة الأحاديث المقدمة، أن هذه الخطبة تفتحُ بها جميعُ الخطب، سواء كانت خطبة نكاحٍ، أو خطبةَ جمعةٍ، أو غيرها، فليست خاصَّة بالنكاح كما يُظَنُّ، وفي بعض طرق حديث ابن مسعود التصريحُ بذلك كما تقدم، وقد أيد ذلك عملُ السلف الصالح، فكانوا يفتتحون بهذه الخطبةِ، ثم ذكر بعضًا منهم
…
" اهـ.
(1)
أخرجه مسلم رقم (47/ 869).
(2)
أخرجه البخاري رقم (919).
(3)
أخرجه البخاري رقم (920)، ومسلم رقم (33/ 861).
(4)
أخرجه البخاري رقم (819)، ومسلم رقم (49/ 871).
عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنهما قالت: ما أخذتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إلا عن لسان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرؤها كلَّ جمعة على المنبر إذا خطبَ الناسَ، وهو حديث صحيح
(1)
.
و - رفع الصوت في الخطبة عند اللزوم:
عن جابر بن عبد اللّه، قال:"كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا خطبَ احمرَّت عيناهُ، وعلا صوتُهُ، واشتد غضبُهُ، حتى كأنَّهُ منذِرُ جَيْشٍ، يقول: صبَّحَكُم ومسَّاكم .. "، وهو حديث صحيح
(2)
.
ز - يناقش الخطأ والخلل في الخطبة دون تجريح أو تشهير:
عن شبيب أبي رَوْحٍ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاةَ الصبح، فقرأ الرومَ، فالتبسَ عليه، فلما صلَّى قال:"ما بال أقوام يصلُّون معنا لا يحسِنُون الطُّهُور، فإنما يَلْبِسُ علينا القرآن أولئك"، وهو حديث حسن
(3)
.
وعن أنس صلى الله عليه وسلم قالَ: فأخذ يُواصلُ - أي الصيام - رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم وذاك في آخر الشهر، فأخذ رجال من أصحابه يواصِلُون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما بَالُ رجالٍ يواصِلُون، إنكم لستم مثلي .. "، وهو حديث صحيح
(4)
.
ج - عدمُ رفع اليدين عند الدعاء في الخطبة الثانية:
عن عُمارة بن رؤيبةَ، رأى بِشْرَ بنَ مروانَ على المنبر رافعًا يديه، فقال: قبَّح اللّه هاتين اليدين، لقد رأيتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم ما يزيدُ على أن يقول بيده هكذا، وأشار بأصبعه المسبِّحةِ، وهو حديث صحيح
(5)
.
ط - ألَّا يقفَ الخطيبُ عند أسفل المنبر للدعاء، وألَّا يتباطأ في الصعود على المنبر، وألَّا يشتغل بالدعاء إذا صعدَ المنبر، مستقبل القبلةِ قبلَ الإقبال على الناس، والسلام عليهم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
(6)
: "دعاء الإمام بعد صعودِه لا أصلَ له" اهـ.
(1)
أخرجه مسلم رقم (52/ 873)، وأحمد (6/ 463)، وأبو داود رقم (1102)، والنسائي (3/ 103).
(2)
أخرجه مسلم رقم (43/ 867)، وابن ماجه رقم (45).
(3)
أخرجه النسائي (2/ 156 رقم 947).
(4)
أخرجه مسلم رقم (59/ 1104).
(5)
أخرجه مسلم رقم (53/ 874).
(6)
"الاختيارات"(4/ 440) وهي ضمن "الفتاوى الكبرى".
7 - إذا نَعِسَ الرجلُ في مجلسه يومَ الجمعة فليتحوَّلْ إلى غيره:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قالَ رَسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا نَعسَ أحدُكُم في مجلسه يومَ الجمعة فليتحولْ إلى غيره"، وهو حديث صحيح
(1)
.
8 - وجوبُ الإنصاتِ، وحرمةُ الكلام أثناء الخطبة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قُلْتَ لصاحبكَ يومَ الجمعة: أنصتْ والإمام يَخْطُبُ، فقد لغوتَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
9 - من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فقد أدركها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعةً من الجمعة أو غيرها، فقد تمَّتْ صلاتُهُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
10 - ما يقرأ الإمامُ في صلاة الجمعة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: "كان يقرأ في العيدين، وفي الجمعة، بسبِّح اسمَ ربِّكَ الأعلى، وهل أتاك حديثُ الغاشية"، وهو حديث صحيح
(5)
.
11 - التنفُّلُ بعدَ صلاة الجمعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدُكُم الجمعة فليصلِّ بعدَها أربعًا"، وهو حديث صحيح
(6)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه صلى الله عليه وسلم كانَ يصلِّي بعدَ الجمعة ركعتين في بيته"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
أخرجه أحمد (2/ 22)، والترمذي رقم (526) وصححه.
(2)
أخرجه أحمد (2/ 393)، والبخاري رقم (394)، ومسلم رقم (851)، وأبو داود رقم (1112)، والترمذي رقم (512)، والنسائي (3/ 104).
(3)
أخرجه النسائي (1/ 274 رقم 557)، وابن ماجه رقم (1123) وغيرهما.
(4)
أخرجه مسلم رقم (879).
(5)
أخرجه مسلم رقم (878).
(6)
أخرجه مسلم رقم (67/ 881)، وأبو داود رقم (1131)، والترمذي رقم (533)، وابن ماجه رقم (1132)، والنسائي (3/ 113)، وأحمد (2/ 249، 443، 499).
(7)
أخرجه البخاري رقم (937)، ومسلم رقم (882)، وأبو داود رقم (1132)، والترمذي رقم (521)، والنسائى (3/ 113).
12 - التنفل لمن أتى الجمعة ما شاء من غير حصرٍ حتى يخرجَ إمامُهُ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:
"من اغتسلَ، ثم أتى الجمعة فصلَّى ما قُدِّرَ له، ثم أنصتَ حتى يفرغَ الإمام من خطبته، ثم يصلِّي معه غُفِرَ لَهُ ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضلُ ثلاثةِ أيامٍ"، وهو حديثَ صحيح
(1)
.
قال ابن القيم الجوزية
(2)
: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ في الخطبة، ولم يقم أحدٌ يركع ركعتين البتة، ولم يكن إلا أذانٌ واحدٌ، فمتى كانوا يصلون السُّنَّةَ؟ " اهـ.
13 - الجمعة في المسجد الجامع:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان الناسُ ينتابونَ الجمعةَ من منازلهم، ومن العوالي
…
"، وهو حديث صحيح
(3)
.
14 - اجتماعُ العيدِ والجمعةِ في يوم واحد:
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه وسأله معاوية: هل شهدتَ مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا؟ قال: نعم، صلَّى العيدَ أولَ النَّهارِ، ثم رخَّص في الجمعةِ فقال:"من شاء أن يجمعَ فليجمع"، وهو حديث صحيح
(4)
.
15 - يستحب للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من لم يشهد العيد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد اجْتَمَعَ في يومكم هذا عيدانِ، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون"، وهو حديث صحيح
(5)
.
16 - ما يُسْتَحَبّ من الأذكارَ والأدعية يوم الجمعة:
أ - الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
-:
عن شداد بن أوس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من أفضل أيامكم يومُ الجمعة؟
(1)
أخرجه مسلم رقم (26/ 857).
(2)
"زاد المعاد"(1/ 417).
(3)
أخرجه البخاري رقم (902)، ومسلم رقم (6/ 847).
(4)
أخرجه أحمد (4/ 372)، وأبو داود رقم (1070)، وابن ماجة رقم (1310).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (1073)، وابن ماجة رقم (1131).
فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه اففخة، وفيه الصَّعْقَةُ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإنَّ صلاتَكمُ معروضة عليَّ" فقال رجل: يا رسول اللّهِ، كيف تعرضُ صلاتُنَا عليك وقد أَرِمتَ - يعني بليت -؟ فقال:"إنَّ الله حرَّم على الأرض أن تأكلَ أجسادَ الأنبياء"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ب - قراءةُ سورة الكهف:
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرآ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاءَ له من النور ما بين الجمعتين"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ج - الإكثار من الدعاء رجاء أن يصادِف ساعة الإجابة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجمعة لساعةً، لا يوافقُها مُسْلِمٌ وهو قائمٌ يُصَلِّي يسألُ اللّه عز وجل خيرًا إلا أعطاهُ اللّه تعالىَ إياهُ، وقال بيَده" قلنا: يُقَلِّلُها يُزَهِّدُها، وهو حديث صحيح
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه أحمد (4/ 8)، وأبو داود رقم (1531)، والنساني (3/ 91 رقم 1374)، وابن ماجة رقم (1085)، وابن حبان رقم (550 - موارد)، والحاكم في "المستدرك"(1/ 278).
(2)
أخرجه الحاكم (2/ 368)، والبيهقي (3/ 249)، وصححه الألباني في "الإرواء" رقم (626).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 230)، والبخاري رقم (935)، ومسلم رقم (852).
الباب الثالث عشر صلاة الجماعة
1 - حكم صلاة الجماعة:
أولًا: أحاديث تفيد وجوبَ صلاة الجماعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاةُ العشاء، وصلاةُ الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوْهُمَا ولو حَبْوًا، ولقد هممتُ أن آمرَ بالصلاةَ فتقامُ، ثم آمرُ رجُلًا فيصلِّي بالناسِ، ثم أنطلقُ معي برجالٍ معهم حُزَمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأحرِّقَ عليهم بيوتهم بالنار"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا أعمى قال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسألَ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم أن يُرخِّص له فيصلِّي في بيته، فرخصَ له، فلما ولَّى دعاهُ فقال:"هل تسمعُ النداءَ؟ " قال: نعم، قال:"فأجب"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال: "لقد رأيتُنا وما يتخلَّفُ عنها إلا منافق معلومُ النفاقِ، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يُهَادَى بين الرجلين حتى يقامَ في الصفِّ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ثانيًا: أحاديثُ صارفةٌ لوجوب صلاة الجماعة إلى السُّنَّةِ:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صلاةُ الجماعَة تفضلُ على صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن محمود بن الربيع الأنصاري أنَّ عِتبانَ بنَ مالك كان يؤمُّ قومَهُ وهو أعمى، وأنَّهُ قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللّه، إنها تكونُ الظُّلمةُ والسيلُ، وأنا رجلٌ ضريرُ البصرِ، فصلِّ يا رسولَ اللّه في بيتي مكانًا أتخذهُ مصلَّى، فجاءه رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم فقال:
(1)
أخرجه أحمد (2/ 367)، والبخاري رقم (657)، ومسلم رقم (252/ 651).
(2)
أخرجه مسلم رقم (653)، والنسائي (2/ 109).
(3)
أخرجه أحمد (1/ 382)، ومسلم رقم (256/ 654)، وأبو داود رقم (550)، والنسائي (2/ 108)، وابن ماجة رقم (777).
(4)
أخرجه أحمد (2/ 112)، والبخاري رقم (645)، ومسلم رقم (650).
"أين تحبّ أن أصلِّي؟ " فأشار إلى مكان من البيت، فصلَّى فيه رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن محجن رضي الله عنه أنَّهُ كان في مجلس مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأُذِّنَ بالصلاة، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فصلَّى، ثم رجعَ، ومحجنُ في مجلسه لم يصلِّ معه، فقال لهُ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم:"ما منعك أن تصلِّي مع الناس، ألستَ برَجَلَ مسلم؟ " فقال: بلى يا رسول اللّه، ولكني قد صَلَّيْتُ في أهلي، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"إذا جِئتَ فصلِّ مع الناسِ، وإن كنت قد صَلَّيتَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعظمُ الناس أجرًا في الصلاة أبعَدُهم مَمْشَى، والذي ينتظرُ الصلاةَ حتى يصلِّيها مع الإمام أعظمُ أجرًا من الذي يُصلِّيَ ثم ينام"، وهو حديث صحيح
(3)
.
فصلاة الجماعة من آكد السُّنَنِ، وأعظمُ الشعائرِ الإسلاميةِ، وأفضلُ القُرَبِ الدينية؛ لما تقدَّم فيها من أحاديث صحيحةٍ.
2 - حضورُ النساءِ المساجدَ، وفضلُ صلاتهن في بيوتهنَّ:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استأذنتْ أحدَكُم امرأتُهُ إلى المسجدِ، فلا يمنَعْها"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امْرأةٍ أصابَتْ بَخُورًا، فلا تَشْهَدْ معنا العِشَاءَ الآخِرَةَ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا نساءكم المساجدَ، وبيوتُهنَّ خير لهنَّ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
عن عبد اللّه بن سويد الأنصاري، عن عمته أُمِّ حميد امرأةِ أبي حميد الساعدي:
(1)
أخرجه البخاري رقم (667)، ومسلم رقم (54/ 33).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 132 رقم 8)، وأحمد (4/ 34)، والنسائي (2/ 112)، والحاكم (1/ 244).
(3)
أخرجه البخاري رقم (651)، ومسلم رقم (662).
(4)
أخرجه البخاري رقم (5238)، ومسلم رقم (134/ 442).
(5)
أخرجه مسلم رقم (444)، وأبو داود رقم (4175)، والنسائي (8/ 154).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (567).
أنها جاءت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه، إني أحبُّ الصلاةَ معك، قال:"قد علمتُ أنك تحبينَ الصلاة معي، وصلاتُك في بيتك خيرٌ لك من صلاتك في حُجْرَتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك فَي دارِكِ، وصلاتُك في دارِك خيرٌ لك من صَلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومِك خيرٌ لكَ من صلاتك في مسجدي"، قال: فأمرتْ فَبُنِيَ لها مسجدٌ فيَ أقصى شيء من بيتها، وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت اللّه عز وجل، وهو حديث صحيح
(1)
.
3 - تنعقد صلاة الجماعة باثنين:
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نمتُ عندَ ميمونة والنبي صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلةَ، فتوضَّأ ثم قام يُصلي، فقمتُ على يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه .. "، وهو حديث صحيح
(2)
.
4 - إذا كثر الجمعُ في صلاة الجماعة كان الثوابُ أكْثَرَ:
عن أبي بن كعب، قال: صلَّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يومًا الصبحَ فقال: "أشاهدٌ فلانٌ؟ " قالوا: لا، قال:"أشاهد فلانٌ" قالوا: لا، قال:"إن هاتين الصلاتين أثقلُ الصلوات على المنافقينَ، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتُموهما ولو حَبْوًا على الرُّكب، وإن الصفَّ الأَول على مثل صفِّ الملائكة، ولو علمتمُ ما فضيلتُه لابتدرتُموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كَثُرَ فهو أحبُّ إلى اللّه تعالى"، وهو حديث حسن بشواهده
(3)
.
5 - السَّعي إلى المسجد بالسكينة:
عن أبي قتادةَ رضي الله عنه قال: بينما نحن نصلِّي مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ سَمع جَلَبَة رجالٍ، فلمَّا صَلَّى قال:"ما شَأنُكُم؟ " قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال:"فلا تفعلُوا إذا أتيتم الصلاةَ، فعليكم بالسَّكِينةِ فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا"، وهو حديث صحيح
(4)
(1)
أخرجه أحمد (6/ 371)، وابن خزيمة (3/ 95 رقم 1689) من طريق ابن وهب، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 33 - 34) وقال:"ورجاله رجال الصحيح غيرَ عبد الله بن سويد الأنصاري، وثقه ابن حبان".
(2)
أخرجه البخاري رقم (698)، ومسلم رقم (763).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 140)، وأبو داود رقم (554)، والنسائي (2/ 104 رقم 843)، وابن حبان رقم (429 - موارد).
(4)
أخرجه أحمد (5/ 306)، والبخاري رقم (635)، ومسلم رقم (603).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتمُ الإقامةَ فامشُوا إلى الصلاة وعليكم السكينةُ والوقارُ، ولا تُسْرِعُوا، فما أدركتم فصلَّوا، ومأ فاتكم فأتِمُّوا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
6 - ما يقول إذا خرج من بيته:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من قال: - يعني إذا خرج من بيته - بسم اللّه، توكَّلتُ على الله، ولا حولَ ولا قوة إلا باللّه، يقال له: هُديتَ، وكُفيتَ، ووقيتَ، وتنحى عنه الشيطان"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "
…
فأتاه بلال فآذَنَهُ بالصلاة، فقام فصلَّى ولم يتوضأ. وكان في دعائهِ:"اللهم اجعلْ في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا، وفى سمعي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن يساري نورًا، وفوقي نورًا، وتحتي نورًا، وأمامي نورًا، وخلفي نورًا، وعَظّمْ لي نورًا"، وهو حديث صحيح
(3)
.
7 - ما يقول عند الدخول إلى المسجد والخروجِ منه:
عن فاطمة بنتِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قالت: كانَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجدَ يقول: "بسم اللّه، والسلام على رسول اللّه، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك".
وإذا خرجَ قال: "بسم الله، والسلام على رسول اللّه، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبوابَ فضلكَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
8 - تحيةُ المسجد:
عن أبي قتادةَ السُّلمي أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجدَ فليركعْ ركعتينِ قبل أن يجلسَ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (2/ 270)، والبخاري رقم (636)، ومسلم رقم (154/ 602).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (5095)، والترمذي رقم (3422) وقال:"حديث حسن غريب".
(3)
أخرجه مسلم رقم (181/ 763)، وأبو داود رقم (1353).
(4)
أخرجه ابن ماجة رقم (771)، والترمذي رقم (314).
(5)
أخرجه البخاري رقم (444)، ومسلم رقم (714).
9 - تحيةُ المسجدِ الحرامِ:
الآفاقي إذا دخل مُحْرِمًا أول ما يبدأُ به الطوافُ كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في حَجَّتِه، لم يأتِ ما يخرِجُ المسجدَ الحرامَ عن عموم حديث أبي قتادةَ السُّلمي المتقدمِ، فليست للمسجد الحرام تحيةٌ خاصَّة تختلف عن سائر المساجد.
أما الحديث المشتهر على الألسنة: "تحيةُ البيتِ الطوافُ"، فلا أصلَ له كما قال المحدِّث الألباني رحمه الله في "الضعيفة" رقم (1012) وعلّق عليه بقوله: "ولا أعلمُ في السُّنَةِ القولية، أو العملية ما يشهدُ لمعناه، بل إنَّ عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوسِ في المسجَد تشمل المسجدَ الحرامَ أيضًا، والقول بأن تحيته الطوافُ مخالفٌ للعموم المشارِ إليه، فلا يُقبل إلا بعد ثبوته، وهيهاتَ، لاسيما وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطوافُ كلَمَّا دخل المسجدَ في أيام المواسم، فالحَمد للّه الذي جعلَ في الأمر سَعَةً:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
وإن مما ينبغي التنبهُ له أن هذا الحكمَ إنما هو بالنسبة لغير المحرم، وإلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطوافِ، ثم بالركعتين بعدَه" اهـ.
10 - إذا دخل المسجدَ والإمام يخطبُ للجمعة:
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال: جاء سُلَيْك الغطفاني يومَ الجمعةِ، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخطبُ، فجلس، فقال له:"يا سُليكُ، قم فاركع ركعتين وتجوَّزْ فيهما"، ثم قال:"إذا جاء أحدكم يومَ الجمعة والإمام يخطُبُ، فليركَعْ ركعتين، وليتجوزْ فيهما"، وهو حديث صحيح
(1)
.
11 - إذا دخل المسجد وأقيمتِ الصلاةُ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاةُ، فلا صلاةَ إلا المكتوبةُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
12 - فضل التكبيرة الأولى مع الإمام:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى للّهِ أربعينَ يومًا في
(1)
أخرجه البخاري رقم (930) مختصرًا، ومسلم رقم (875)،
(2)
أخرجه مسلم رقم (710).
جماعةٍ، يُدرك التكبيرةَ الأولى، كُتبتْ له براءتان: براءةٌ من النار، وبراءةٌ من النفاق"، وهو حديث حسن
(1)
.
13 - المسبوق يدخلُ مع الإمام على أيِّ حال كان، ولا يعتد بركعة لا يدركُ ركوعها:
عن علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتي أحدكم الصلاةَ، والإمام على حالٍ، فليصنعْ كما يصنع الإمام"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحنُ سجودٌ فاسجُدُوا، ولا تعدُّوها شيئًا، ومن أدركَ الرَّكعة فقد أدركَ الصلاةَ"، وهوَ حديث حسن
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعةً من الصلاة مع الإمام فقد أدركَ الصلاةَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن المغيرة بن شُعبةَ قال: تخلَّفْتُ معَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوكَ، فَتَبَرَّزَ، وذكر وضوءَهُ، ثم عَمَدَ النَّاسَ وعبد الرحمن يُصَلِّي بهم، فصلَّى مع الناسِ الركعة الأخيرة، فلما سلَّم عبدُ الرحمن قام رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يُتم صلاتَهُ، فلمَّا قضاها أقبل عليهم فقال:"قد أحسْنُتم وأصبْتُمُ"، يغبطهم أن صلَّوا الصلاةَ لوقتها، وهو حديث صحيح
(5)
.
14 - صلاة الفذِّ خلفَ الصفِّ مجزئة جمعًا بين أحاديث الباب:
عن علي بن شيبان: أن رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلِّي خلفَ الصف، فوقف حتى انصرف الرجلُ، فقال له:"استقبلْ صلاتكَ، فلا صلاةَ لمنفرد خلف الصفِّ"، وهو حديث حسن
(6)
.
(1)
أخرجه الترمذي رقم (241)، وانظر:"الصحيحة" رقم (2652).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (591)، وانظر:"الصحيحة" رقم (1188).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (893).
(4)
أخرجه البخاري رقم (580)، ومسلم رقم (607).
(5)
أخرجه أحمد (4/ 251)، والبخاري رقم (182)، ومسلم رقم (274).
(6)
أخرجه أحمد (4/ 23)، وابن ماجة رقم (1003)، والبيهقي (3/ 105)، وابن خزيمة (3/ 30 رقم 1569)، وابن حبان رقم (401 - موارد)، وقال أحمد بن حنبل:"إنه حديث حسن".
وعن وابصةَ بن معبدٍ: أن رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رَجُلًا يُصَلِّي خلفَ الصف وحدَهُ، فأمَرَهُ أنْ يُعيدَ صلاتَه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي بكرةَ: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكعٌ، فركعَ قبلَ أن يصلِّ إلى الصف، فذكرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"زادك اللهُ حِرصًا ولا تَعُدْ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
15 - يُؤمَرُ الإمام بالتخفيف:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلَّى أحدُكم للناسِ فليُخَفِّفْ، فإن فيهم الضعيفَ، والسقيمَ، والكبيرَ، فإذا صلَّى لنفسه فليطوِّل ما شاء"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأدْخلُ في الصلاة وأنا أريدُ إطالتها، فأسمعُ بكاءَ الصبيِّ فأتجوَّزُ في صلاتي، مما أعلم من شدَّة وجْد أمَه من بكائه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجِزُ الصلاةَ ويُكْمِلُها، وفي رواية: ما صلَّيت خَلْفَ إمامٍ قَطُّ أخَفَّ صلاةً، ولا أتمَّ صلاةً من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح
(5)
.
16 - إطالةُ الإمامِ الركعةَ الأولى، وانتظارُ من أحسَّ به داخلًا ليدركَ الركعة:
عن أبي سعيد: لقد كانت الصلاةُ تُقامُ، فيذهبُ الذاهبُ إلى البقيع، فيقضي
(1)
أخرجه أحمد (4/ 228)، وأبو داود رقم (682)، والترمذي رقم (230)، وابن ماجة رقم (1004)، وابن الجارود رقم (319)، والبيهقي (3/ 104)، وابن خزيمة (3/ 30 رقم 1570)، وابن حبان رقم (403 و 404 - موارد).
وقال أحمد بن حنبل: "حديث صحيح"، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن"، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "الإرواء" رقم (541).
(2)
أخرجه البخاري رقم (783)، وأبو داود رقم (683)، ورقم (684)، والنسائي (2/ 118)، والبيهقى (3/ 106)، وأحمد (5/ 39) وغيرهم.
(3)
أخرجه أحمد (2/ 486)، والبخاري رقم (703)، ومسلم رقم (467)، وأبو داود رقم (794)، والترمذي رقم (236)، والنسائي (2/ 94).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 109)، والبخاري رقم (709)، ومسلم (192/ 470).
(5)
أخرجهما أحمد (3/ 262)، والبخاري رقم (706)، ورقم (708)، ومسلم رقم (189، 190/ 469).
حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي ورسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطولُها، وهو حديث صحيح
(1)
.
17 - وجوبُ متابعةِ الإمام، والنهيُ عن مسابقته:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنما جعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركعَ فاركعوا، وإذا قال: سمع اللّه لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمدُ، وإذا سجد، فاسجدوا، وإذا صلَّى جالسًا فصلوا جلوسًا أَجمعون، وأقيموا الصفَّ في الصلاة، فإنَّ إقامة الصفِّ من حُسْنِ الصلاة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
* قلت: أما قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى جالسًا فصلوا جُلُوسًا"، حديث منسوخ.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم أبا بكرٍ أن يُصَلِّي بالناس في مرضهِ فكان يصلي بهم.
قال عروةُ: فوجدَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم في نفسه خِفَّةً فخرجَ، فإذا أبو بكر يؤمُّ الناسَ، فلما رآهُ أبو بكرٍ استأخرَ فأشار إليه أن كما أنتَ، فجلس رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم حِذَاءَ أبي بكر إلى جنبهِ، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، والناس يصلُّونَ بصلاةِ أبي بكر"، وهو حديث صحيح
(3)
.
* عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أيها الناسُ إني إمامُكم فلا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجودِ، ولا بالقيامِ، ولا بالقعود، ولا بالانصراف"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "أما يخشى أحَدُكم إذا رفَعَ رأسَهُ قبل الإمامِ، أن يُحوّلَ اللّهُ رأسَهُ رأسَ حمار، أو يُحوّلَ اللّه صورَتَه صورةَ حمارٍ؟ "، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (3/ 35)، ومسلم رقم (454)، والنسائي (2/ 164)، وابن ماجة رقم (825).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 230)، والبخاري رقم (722)، ومسلم رقم (414).
(3)
أخرجه البخاري رقم (683)، ومسلم رقم (97/ 418).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 102)، ومسلم رقم (426).
(5)
أخرجه أحمد (2/ 504)، والبخاري رقم (691)، ومسلم رقم (427)، وأبو داود رقم (623)، والترمذي رقم (582)، والنسائي (2/ 96)، وابن ماجة رقم (961).
18 - من أحقُّ بالإمامةِ:
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "يؤمُّ القومَ أقرؤُهُم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسُّنَّة، فإن كانوا في السنة سواءً فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سَواءً، فأقدمُهُم سلمًا، وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سلطانهِ، ولا يَقْعُد في بيتهِ على تكرمته إلَّا بإذنه" قالَ الأشجُّ في روايته مكان (سِلْمًا): (سِنًّا)، وهو حديث صحيح
(1)
.
19 - إمامةُ الصبيِّ:
عن عمرو بن سلمة قال: لَمَّا كانَتْ وَقْعَةُ الفَتْح، بادَرَ كُل قومٍ بإسلامِهم، وبدر أبي قومي بإسلامِهِم، فَلَمَّا قَدِمَ قال: جِئتكُم من عندِ النبي صلى الله عليه وسلم حقًّا، فقالَ:"صَلُّوا صَلاةَ كذا في حين كذا، وصلاةَ كذا في حين كذا" فإذا حضرت الصلاةُ فليؤذن أحدُكُم، وليؤمَّكُم أكْثركم قرآنًا".
فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا منِّي؛ لما كنتُ أتلقَّى من الرُّكبان، فقدَّموني بينَ أيديهم، وأنا ابنُ سِتِّ سنينَ، أو سبع سنينَ، وكانت عليَّ بُرْدَةٌ كنتُ إذا سجدت تقلصت عني؛ فقالت امرأةٌ من الحي: ألا تغطُّون عَنَّا اسْتَ قارِئكُمْ، فاشتروا، فقطعوا لي قميصًا، فما فَرِحْتُ بشيءٍ فرحي بذلك القميص"، وهو حديث صحيح
(2)
.
20 - إمامةُ الأعمى والعبد والمولى:
عن أنسٍ رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفَ ابنَ أم مكتومٍ على المدينة مرتين يُصَلِّي بهم وهو أعمى"، إسناده حسن
(3)
.
وعن ابن عمر لما قَدِمَ المهاجرون الأولونَ نزَلُوا العصبَة - موضعًا بقُبَاءَ - قبل مقدمِ النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمُّهم سالمُ مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا، وَكان فيهم عمرُ بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبدِ الأسدِ، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (4/ 118)، ومسلم رقم (673).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 71)، والبخاري رقم (4302)، وأبو داود رقم (585)، والنسائي (2/ 80 - 81).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 192)، وأبو داود رقم (595).
(4)
أخرجه البخاري رقم (692)، وأبو داود رقم (585).
21 - يؤم الرجل النساءَ لا العكسُ:
عن أنسِ بن مالك رضي الله عنه أن جدَّتَهُ مُلَيْكةَ دعتْ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم لطعامٍ صنعتهُ، فأكل منه، ثم قال:"قوموا فأصلِّي لكم"، قال أنس بن مالك: فقمتُ إلى حصير لنا قد اسوَدَّ من طول ما لُبِسَ، فنضحتُهُ بماءٍ، فقام عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيمُ وراءَهُ، والعجوزُ من ورائنا، فصلى لنا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف، وهو حديث صحيح
(1)
.
اليتيم: هو ضميرُ بن سعد الحميري، العجوز: هي أم أنسٍ، أم سليم.
22 - اقتداء المفترضِ بالمتنفلِ وعكسُه:
عن جابر: أن معاذًا كان يُصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم عشَاءَ الآخرَة، ثم يَرْجِعُ إلى قَومه فيصلّي بهم تلك الصلاةَ، وهو حديث صحيح
(2)
.
* أما صلاة المتنفل بعد المتنقل فكما فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل، وصلَّى معه ابن عباس، وكذلك صلاته بأنس واليتيم والعجوزِ وغير ذلك، والكل ثابت في الصحيح وقد تقدم.
عن يزيد بن الأسود، أنه صلَّى مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو غلامٌ شابٌّ، فلما صَلَّى إذا رَجُلانِ لم يُصَلِّيَا في ناحية المسجد، فدعا بهما، فجيء بهما تُرْعَدُ فرائِصُهُمَا، فقال:"ما منعكما أن تصليا معنا؟ " قالا: قد صلينا في رحالِنَا، فقال:"لا تفعلوا، إذا صَلَّى أحدُكُم في رَحْلِهِ ثُمَ أدركَ الإمامَ ولم يصلِّ فليصلِّ مَعَهُ؟ فإنها له نافلةٌ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
23 - من أمَّ قومًا يكرهونَهُ:
عن عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يقولُ: "ثلاثةٌ لا يَقْبَلُ اللّه منهم صلاةً: من تقدمَ قومًا وهم له كارهون
…
"، هذا الجزء من حديثٍ صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (860)، ومسلم رقم (658).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 369)، والبخاري رقم (711)، ومسلم رقم (181/ 465).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (575)، والترمذي رقم (219)، والنسائي (2/ 112).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (593)، وابن ماجة رقم (970)، قال الألباني رحمه الله في "صحيح ابن ماجة" رقم (970):"وله تتمة أوردتُها في الضعيف".
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا تجاوز صلاتُهم آذانَهم: العبدُ الآبق حتى يرجعَ، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخط، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون"، وهو حديث حسن
(1)
.
24 - وجوب تسوية الصفوف ورصِّهَا وسدِّ خَلَلها:
عن أنس رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَوُّوا صَفوفَكم، فإنَّ تسويةَ الصفِّ من تمامِ الصلاة"، وهو حديث صحيح
(2)
، وعن أنس قال: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يُقْبلُ علينا بوجهِهِ قبلَ أن يُكَبِّر فيقول: "تراصُّوا واعتدِلُوا"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يُسوّى صفوفنا كأنما يُسوي به القِدَاحَ، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرجَ يومًا فقام حتى كاد أن يكبِّرَ، فرأى رجلًا باديًا صدْرُهُ من الصف، فقال:"عبَادَ الله لتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفنَّ اللّهُ بين وجوهكم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
"القداح: جمع قِدْح بكسر القاف وإسكان الدال المهملة: وهو السَّهم قبل أن يراشَ ويُركَّبَ فيه النصلُ"
(5)
.
25 - كيف تسوى الصفوفُ
؟:
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا صفوفَكم؛ فإني أراكُم من وراءِ ظهري"، وكان أحدنا يُلزق منكبهُ بمنكبِ صاحبه، وقدَمَهُ بقدمه"، وهو حديث صحيح
(6)
.
26 - بيانُ أفضلية الصف الأول للرجال، والصَفِّ الأخير للنساء في الصلاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "خيرُ صفوفِ الرجال أولُها، وشرُّها آخرها، وخيرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشرُّها أوّلهَا"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
أخرجه الترمذي رقم (360)، وقال:"هذا حديث حسن غريب"، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" رقم (486).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 177)، والبخاري رقم (723)، ومسلم رقم (433).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 125)، والبخاري رقم (719)، ومسلم رقم (434).
(4)
أخرجه أحمد (4/ 276)، ومسلم رقم (128/ 346)، وأبو داود رقم (663)، والترمذي رقم (227)، والنسائي (2/ 89)، وابن ماجة رقم (944).
(5)
"نيل الأوطار" في نهاية شرح الحديث رقم (1130) بتحقيقي.
(6)
أخرجه البخاري رقم (725).
(7)
أخرجه أحمد (2/ 247)، ومسلم رقم (440)، وأبو داود رقم (678)، والترمذي رقم (224)، والنسائي (2/ 93)، وابن ماجة رقم (1000).
27 - بيانُ فضيلةِ الصفوفِ الأُول وميامن الصفوف:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتخلَّلُ الصفَّ من ناحية إلى ناحية، يمسحُ صدورَنَا ومناكبنَا، ويقول:"لا تختلفوا فتختلف قلوبُكم"، وكان يقول "إن اللّه وملائكتَه يصلُّون على الصفوفِ الأوَل"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كُنَّا إذا صلَّينا خلفَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبلُ علينا بوجههِ، قال: فسمعتُه يقول: "رب قني عذابك يومَ تبعثُ - أو تجمع - عبادك"، وهو حديث صحيح
(2)
.
28 - الأحقُّ بالصف الأول أولو الأحلام والنُّهى:
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يمسحُ مناكبنَا في الصلاةِ ويقول: "اسْتَوُوا ولا تختلفُوا فتختلفَ قلوبُكُم، لِيَلينِّي منكم أُولُو الأحلامِ والنُّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلوَنهم"، وهو حديث صحيح
(3)
.
29 - كراهةُ الصفِّ بين السواري للمأموم:
عن عبد الحميد بن محمود قال: صلَّينا خلفَ أمير من الأمراءِ، فاضطرَّنا النَّاسُ فصلَّينا بين الساريتينِ، فلما صلَّينا قال أنسُ بنُ مالك:"كنا نتقي هذا على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
30 - لا بأس بصلاة المنفرد بين الساريتين:
عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما: "أنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة، وأسامةُ بنُ زيدٍ، وبلال، وعثمانُ بن طلحةَ الحَجَبِيُّ، فأغلقَها عليه، ومكثَ فيها، فسألتُ بلالًا حين خرجَ ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم قال: جعل عمودًا عن يساره، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءَهُ، وكان البيتُ يومئذٍ على ستةِ أعمدةٍ، ثم صلَّى"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (664) وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح أبي داود".
(2)
أخرجه مسلم رقم (62/ 709).
(3)
أخرجه أحمد (4/ 122)، ومسلم رقم (432)، والنسائي (2/ 87)، وابن ماجة رقم (976).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 131)، وأبو داود رقم (673)، والترمذي رقم (229)، والنسائي (2/ 94).
(5)
أخرجه البخاري رقم (505)، ومسلم رقم (1329).
31 - الأعذارُ في ترك صلاة الجماعة في المسجد:
أ - البَرْدُ والمطرُ:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يأمُرُ المنادي فينادي بالصلاةِ، ينادي: صَلُّوا في رحالكم في الليلة الباردة، وفي الليلة المطيرة في السفر"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ب - حضورُ الطعام:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحَدُكُم على الطعامِ، فلا يعجلْ حتى يقضي حاجتَهُ منه، وإن أقيمت الصلاةُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ج - مدافعة الأخبثين:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة طعامٍ، ولا هو يدافِعُ الأخبثين"، وهو حديث صحيح
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه أحمد (2/ 4)، والبخاري رقم (632)، ومسلم رقم (697).
(2)
أخرجه البخاري رقم (674).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 42)، ومسلم رقم (560)، وأبو داود رقم (89).
الباب الرابع عشر الجنائز
1 - على المريض أن يُحْسِنَ الظنَّ برَبِّهِ:
لحديث جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم قبلَ وفاته بثلاث، يقول:"لا يموتَنَّ أحدُكمُ إلَّا وهو يحسنُ بالله الظنَّ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - على المسلم وبالأخصِّ المريضُ أن يتوبَ إلى اللّه:
لقوله تعالى في سورة النور الآية (31): {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، ولقوله تعالى في سورة التحريم الآية (8):{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "للّه أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يَتوبُ إليه، من أحدكُم كان على راحلتِهِ بأرضِ فلاة، فانفلتت منه، وعليها طَعامُهُ وشرابُهُ، فَأَيِسَ منها، فأتى شجرةً، فاضطجَع في ظلِّها، قد أيس من راحلتِهِ، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمةً عندَهُ فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أَنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدة الفرح"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - على المريض أن يتخلَّص من كل ما عليه، ويكتُبَ وصيَّتَهُ:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما حقُّ امرئ مسلم له شيءٌ يوصي به، يبيتُ ليلتين إلَّا ووصيتهُ مكتوبة عنده"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - من السنة عيادة المريضِ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال -: سمعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "حقُّ المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلامِ، وعيادةُ المريضِ، واتباعُ الجنائِز، وإجابة الدعوةِ، وتشميتُ العاطس"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (2877).
(2)
أخرجه البخاري رقم (6309)، ومسلم رقم (2747).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2738)، ومسلم رقم (1627).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1240)، ومسلم رقم (2162).
5 - ومن السُّنَّةِ تلقينُ المحتضِر الشهادتين:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا موتاكم لا إله إلا اللّه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
لقنوا موتاكم: أي ذَكِّروا من حَضَرَهُ الموتُ منكم بكلمة التوحيد، بأن تتلَفَّظُوا بها عنده.
6 - من السُّنَّة تغميضُ عينيه، والدعاءُ له إذا مات:
عن أم سلمَةَ رضي الله عنها قالت: دخلَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم على أبي سلمةَ وقد شَقَّ بصرُهُ فأغمضَهُ، ثم قال:"إن الروحَ إذا قُبضَ تَبِعَهُ البَصَرُ"، فضجَّ ناس من أهله فقال:"لا تدعُوا على أنفسكم إلا بخيرٍ؛ فإنَّ الملائكَة يؤمِّنون على ما تقولون"، ثم قال:"اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفهُ في عقبه في الغابرين، واغفر لنا ولَهُ يا ربَّ العالمين، وافسحْ صلِه في قبرهِ، ونوِّر له فيه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - من السُّنَّةِ تغطيةُ جميع بدن الميت بثوب:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سُجِّيَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم حين مات بثوب حبرةٍ"، وهو حديث صحيح
(3)
. والحَبرة: ضربٌ من برود اليمين.
8 - من السُّنَّةِ التعجيلُ بتجهيزه وإخراجه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أسْرِعُوا بالجنازةِ فإن تَكُ صالحةً فخيرٌ تقدِّمُونَها، وإن يكُ سوى ذلك، فشرٌّ تضعونهُ عن رقابكم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
9 - المبادرةُ بقضاء دَيْنِ الميت:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "نفس المؤمن معلَّقةٌ بدَيْنه حتى يُقْضَى عنه"، وهو حديث صحيح
(5)
.
10 - يجوز كشفُ وجه الميِّت وتقبيله:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "رأيت رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقبل عثمانَ بن مظعون وهو ميت، حتى رأيت الدموعَ تسيلُ"، وهو حديث صحيح بشواهده
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (916).
(2)
أخرجه مسلم رقم (920).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1241، 1242)، ومسلم رقم (942).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1315)، ومسلم رقم (944).
(5)
أخرجه الترمذي رقم (1078 و 1079)، وابن ماجة رقم (2413)، وأحمد (2/ 440، 475).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (3163)، والترمذي رقم (989) وقال:"حديث حسن صحيح"، وابن ماجة رقم (1456).
11 -
على أقارب الميت الصبرُ والرِّضا بالقَدَر، والاسترجاعُ، لقوله تعالى في سورة البقرة (155 - 157):{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مَرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بامرأةٍ تبكي عندَ قبر، فقال:"اتقي الله واصبري"، قالت: إليك عني؟ فإنك لم تصبْ بمصيبتي، ولم تعرفْهُ، فقيل لها: إنَّهُ النبي صلى الله عليه وسلم، فأتتْ باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تَجِدْ عنده بوَّابين، فقالت: لَمْ أعرِفْكَ، فقال:"إنما الصبرُ عند الصَّدْمَة الأولى"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساءُ للنبي صلى الله عليه وسلم غَلَبَنَا عليكَ الرجال، فاجعلْ لنا يومًا من نفسك، فوعدهُنَّ يومًا لقيهنَّ فيه فوعظهنَّ، فكان فيما قال لَهُنَّ:"إنما منكنَّ امرأةٌ تقدمُ ثلاثةً من ولدِها إلَّا كان لها حجابًا من النار"، فقالت امرأة: واثنين: فقال: "واثنين"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعتُ رسول الله يقول: "ما من مُسلمٍ تصيبُهُ مصيبةٌ فيقولُ ما أمره اللّه: إنا للّه وإنا إليه راجعون، اللهم أجرْني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلفَ اللهُ له خيرًا منها"، قالت: فلما مَات أبو سلمةَ قلتُ: أيّ المسلمين خيرٌ من أبي سلمةَ؟ أول بيتٍ هاجرَ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتُها، فأخلفَ اللّهُ لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح
(3)
.
12 - ما يحرمُ على أقارب الميت:
أ - النياحةُ:
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمْرِ الجاهلية لا يتركونهنَّ: الفخرُ في الأحساب، الطعنُ في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة"، وقال:"النائحة إذا لم تَتُبْ قبلَ موتها تقامُ يومَ القيامة وعليها سربالٌ، من قَطرانٍ، ودرعٌ من جَرَب"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1283).
(2)
أخرجه البخاري رقم (101)، ومسلم رقم (2633).
(3)
أخرجه مسلم رقم (3/ 918).
(4)
أخرجه مسلم رقم (29/ 934).
ب - ضرب الخدود وشقُّ الجيوب:
عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا من ضربَ الخدودَ أو شقَّ الجيوبَ، أو دعا بدعوى الجاهلية"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ج - حلقُ الشعر:
عن أبي بردة بنُ أبي موسى قال: وجعَ أبو موسى وجعًا فغُشِىَ عليه، ورأسُهُ في حِجْرِ امرأةٍ من أهله، فصاحتِ امرأة من أهلهِ، فلم يستطعْ أن يَرُدَّ عليها شيئًا، فلما أفاق قال: "أنا بريءٌ مما برئَ منه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فإنَّ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم بَرِئَ من الصالقة
(2)
، والحالقة
(3)
، والشَّاقةِ
(4)
"، وهو حديث صحيح
(5)
.
د - نشر الشعر:
عن امرأة من المبايعاتِ، قالت: كان فيما أَخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروف الذي أخذ علينا ألَّا نعصيه فيه: ألَّا نخمش وجهًا، ولا ندعو ويلًا، ولا نشق جيبًا، وألَّا ننشر شعرًا"، وهو حديث صحيح
(6)
.
13 - يجب غسلُ الميت المسلمِ على الأحياء:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أَن رجلًا وقصهُ بعيرهُ ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرمٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اغسلُوه بماء وسدْر، وكفنوهُ في ثوبين، ولا تَمِسُّوه طيبًا، ولا تُخَمِّروا رأسَهُ، فإنَّ اللّه يبعثهُ يومَ القيامًة مُلبيًا"، وهو حديث صحيح
(7)
.
14 - أحدُ الزوجين أولىَ بالآخرِ:
عن عائشة رضي الله عنهما قالَت: رجعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع، فوجدني وأنا أجد صُدَاعًا في رأسي، وأنا أقولُ: وارأساهُ، فقال:"بل أنا يا عائشَة وارأسأه"، ثم قال:"ما ضَرَّك لو متِّ قبلي، فقمتُ عليكِ، فغسَّلتُكِ، وكفنتكِ، وصليَت عليكِ، ودفنتُكِ"، وهو حديث حسن
(8)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1297)، ومسلم رقم (165/ 103).
(2)
الصالقة أي التي ترفعُ صوتَها بالبكاء.
(3)
الحالقة: التي تحلقُ رأسَها عند المصيبة.
(4)
الشاقة التي تشقُّ ثوبَها.
(5)
أخرجه البخاري رقم (1296)، ومسلم رقم (167/ 104).
(6)
أخرجه أبو داود رقم (3131)، والبيهقي (4/ 64).
(7)
أخرجه البخاري رقم (1267)، ومسلم رقم (1206).
(8)
أخرجه ابن ماجة رقم (1465)، والدارمي (1/ 37 - 38)، والدارقطني (2/ 74 رقم 11).
15 - الغسل يكون ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر بماءٍ وسدْرٍ، وفي الأخيرة كافور:
عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم حين تُوفيت ابنتُهُ فقال: "اغْسِلنَها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك إن رأيتُنَّ ذلك بماء وسدرٍ، واجعلُوا في الآخرةِ كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتنَّ فآذِنَني"، فلما فرغنَا آذنَّاهُ، فأعطانا حِقَوهُ فقال:"أشعرنَها إياهُ" - تعني إزاره - وفي رواية: "ومشطناها ثلاثة قرونٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
16 - القريب أولى بالقريب إذا كان من جنسه، لا سيما إذا كان أعرفَ بسُنَّة الغُسْل:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "غسَّلْتُ رَسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم فجعلتُ أنظَرُ ما يكون من الميتِ فلم أَرَ شيئًا، وكان طيبًا حيًّا وميتًا صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث صحيح
(2)
.
17 - تقدَّمُ في غسلِ الميت الميامنُ:
عن أم عطيةَ رضي الله عنهما قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لهنَّ في غَسْل ابنته: "ابدَأنَ بميامنها، ومواضع الوضوء منها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
18 - لا يُغَسَّلُ شهيدُ المعركةِ:
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه: "أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يجمعُ بين الرجلين من قتلى أُحُدٍ في ثوب واحد، ثم يقول: "أيُّهم أكثرُ أخذًا للقرآن؟ " فإذا أشيرَ له إلى أحدِهما قدَّمَهُ في اللَّحد، وقال: "أنا شهيدٌ على هؤلاء"، وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يُصلِّ عليهم، ولم يغسِّلْهم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
تنبيه:
قال النووي
(5)
والشهداء الذين لم يموتوا بسبب حرب الكفارِ، كالمبطونِ، والمطعونِ، والغريق، وصاحبِ الهدم، والميتةِ في الطلق، فهؤلاء يُغسلُون، ويصلَّى عليهم بلا خلاف".
وكذلك حكى المهدي
(6)
الإجماع على أنهم يُغَسَّلُون.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1253) ومسلم رقم (939).
(2)
أخرجه ابن ماجة رقم (1467). والحاكم (1/ 362) - والبيهقي (3/ 388) وإسناده صحيح كما قال البوصيري في "الزوائد"، وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين" وقال الذهبي: "فيه انقطاع" وتعقبه الشيخ الألباني رحمه الله في "أحكام الجنائز" ص (68) فقال: "وهذا سند متصل معروف".
(3)
أخرجه البخاري رقم (167)، ومسلم رقم (42/ 939).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1347).
(5)
"المجموع"(5/ 264).
(6)
في البحر (1/ 96).
19 - يجب تكفين اليت بما يسترهُ ولو لم يملك غيرَه:
عن أبي الزبير أنه سمعَ جابر بن عبد اللّه يُحدِّثُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطبَ يومًا، فذكر رجلًا من أصحابه قُبِضَ فكُفِّنَ في كفن غير طائل، وقُبِرَ ليلًا، فزجرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقْبَرَ الرجلُ بالليلِ حتى يصلى عليه، إلا أن يُضْطَرَّ إنسانٌ إلى ذلكَ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا كفَّنَ أحدُكم أخاهُ فليحسِّن كفنَهُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
عن خباب بن الأرتِّ رضي الله عنه قال: "هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نلتمسُ وجهَ اللّهِ، فوقع أجرنا على اللّه، فمنا من مات لم يأكلْ من أجرِهِ شيئًا، منهم مصعبُ بنُ عُمير، ومنا من أينعتْ له ثمرتُهُ فهو يهدِبُها، قُتِلَ يوم أحُدٍ فلم نجدْ ما نكفنهُ إلا بُردةً، إذا غطينا بها رأسَهُ خرجتْ رجلاهُ، وإذا غطينا رجليه خرجَ رأسُهُ، فأمرَنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطيَ رأسَهُ، وأن نجعلَ على رجليهِ من الإذخر"، وهو حديث صحيح
(2)
.
20 - لا بأس بالزيادة في الكفن من غير مغالاةٍ:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلتُ على أبي بكرٍ رضي الله عنه فقال: في كم كفَّنْتُم النبيَّ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثةِ أثواب سحولية، ليس فيها قميصٌ، ولا عمامة، وقال لها: في أي يوم توفي رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يومَ الاثنين، قال: فأيُّ يومٍ هذا؟ قالت: يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليلِ، فنظر إلى ثوبٍ عليه كان يُمَرَّضُ فيه، بِهِ رَدعٌ من زغفرانَ، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبينِ، فكفنوني فيهما، قلت: إنَّ هذا خَلِق، قال: إن الحيَّ أحقُّ من الميت، إنما هو للمهلة، فلم يُتَوَفَّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاءِ، ودفن قبل أن يُصبحَ"
(3)
.
21 - الأوْلَى أن يكون الكفنُ من الأبيض:
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "البسُوا من ثيابكُم البياضَ؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفِّنُوا فيها موتاكم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
22 - يكفَّن الشهيدُ في ثيابه التي قُتلَ فيها:
لحديث جابر بن عبد اللّه المتقدم، رقم الفقرة (18) من هذا الباب.
(1)
أخرجه مسلم رقم (943).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1276)، ومسلم رقم (940).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1387).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (3878)، وابن ماجة رقم (3566)، والترمذي رقم (994)، وقال:"حديث حسن صحيح".
23 - تجب الصلاةُ على الميتِ:
لثبوت الصلاة على الأموات ثبوتًا ضروريًّا من فعلهِ صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه، ولكنها من واجبات الكفايةِ؛ لأنهم كانوا يصلُّون على الأموات في حياته صلى الله عليه وسلم، ولا يُعْلِمُونَه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أسودَ - رجلًا أو امرأةً - كان يَقُمُّ المسجدَ، فماتَ، ولم يُعْلَم النبي صلى الله عليه وسلم بموتِهِ، فذَكَره ذات يومٍ فقال:"ما فعلَ ذلك الإنسانُ؟ "، قالوا: مات يا رسولَ اللّه، قال:"أفلا آذنتموني؟ " فقالوا: إنه كان كذا وكذا - قصته - قال: فحقرُوا شأنَهُ، قال:"فدلُّوني على قبره" فأتى قبرهُ فصلَّى عليه، وهو حديث صحيح
(1)
.
24 - لا تجبُ الصلاة على الطفل والشهيد:
أما الطفل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصل على ابنه إبراهيم.
قالت عائشة رضي الله عنها: "مات إبراهيمُ ابنُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ ثمانيةَ عشرَ شهرًا، فلم يُصَلِّ عليه رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح
(2)
.
أما الشهيد؛ كما في حديث جابر بن عبد اللّه الصحيح المتقدم رقم الفقرة (18) من هذا الباب.
25 - عدمُ وجوب الصلاة على الطفل والشهيد، لا ينفي مشروعيةَ الصلاةِ عليهما:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أُتي رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم بصبيٍّ من صبيان الأنصار، فصلى عليه، قالت عائشةُ: فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يَعْمَل سُوءًا، ولم يُدْرِكْه، قال:"أو غيْرَ ذلك يا عائشة؟ خَلَقَ الله عز وجل الجنَّة، وخلق لها أهلًا، وخلقهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار، وخلق لها أهلًا، وخلقهم في أصلاب آبائهم"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن شداد بن الهاد: "أن رجلًا من الأعراب، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به
(1)
أخرجه البخاري رقم (1337) ومسلم رقم (956).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 267) وأبو داود رقم (3187) ومن طريقه ابن حزم (5/ 158) وإسناده حسن كما قال الحافظ في الإصابة وقال ابن حزم هذا خبر صحيح وانظر أحكام الجنائز ص (104).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 208) ومسلم رقم (2662) والنسائي (1/ 276) واللفظ للنسائي وإسناده صحيح وانظر أطفال الكفار في الآخرة للشوكاني بتحقيقي ط مكتبة دار البيان الحديثة.
واتبعه، ثم قال: أُهاجرُ معك، فأوصى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوةُ (خيبر) غَنِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (فيها) شيئًا، فقَسَم، وقَسَمَ له، فأعطى أصحابه ما قَسَمَ له، وكان يرعَى ظهرهم، فلما جاءهم دفعُوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم لك النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه فجاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: "قَسَمْتُه لك"، قال: ما على هذا تَبعتُك، ولكن اتبعتُكَ على أن أُرمى إلى ههنا - وأشار إلى حلقهِ - بسهمٍ فأموتَ، فأدخل الجنة، فقال:"إن تَصْدُق الله يصدُقْكَ" فلبثوا قليلًا، ثم نهضوا في قتال العدوِّ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ، قد أصابه سهمٌ حيث أشار، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أهُو هو؟ " قالوا: نعم، قال:"صدقَ الله فصدقه" ثم كفَّنَه النبي صلى الله عليه وسلم في جُبَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلَّى عليه، فكان فيما ظهرَ من صلاتِهِ:"اللَّهُمَ هذا عبدك، خرج مهاجرًا في سبيلك فَقُتِلَ شهيدًا، وأنا شهيدٌ على ذلك"، هو حديث صحيح
(1)
.
26 - فضل الصلاة على الميتِ، وما يُرجى له بكثرةِ الجمع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من شَهِدَ الجنازةَ حتى يُصَلَّى عليها فله قيراطٌ، ومن شَهدَها حتى تُدْفَنَ فَلَهُ قيراطان" قيل: وما القيراطان؟ قال: "مثْل الجبلين العظيمين"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن مالك بن هبيرة قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمنٍ يموتُ فيصلِّي عليه أُمَّة من المسلمين، يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلَّا غُفِرَ لَهُ".
فكان مالك بنُ هبيرة يتحرى إذا قَلَّ أهْلُ الجنازةِ أن يجعلَهم ثلاثةَ صفوفٍ، وهو حديث حسن
(3)
.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ميِّتٍ يُصَلِّي عليه أُمَّة من المسلمين يبلغونَ مائةً، كلُّهم يشفعون له إلَّا شفِّعُوا فيه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق رقم (9597) والنسائي (4/ 60) والطحاوي في شرح المعاني (1/ 291) والحاكم (3/ 595 - 596) والبيهقي (4/ 15 - 16) وفي الدلائل (4/ 22) بسند صحيح.
(2)
أخرجه أحمد (2/ 233) والبخاري رقم (1325) ومسلم رقم (945).
(3)
أخرجه أحمد (4/ 79) وأبو داود رقم (3166) والترمذي رقم (1028) وابن ماجة رقم (1490).
(4)
أخرجه أحمد (6/ 40) ومسلم (947). والترمذي رقم (1029) والنسائي (4/ 75).
27 - إذا اجتمعتْ جنائز عديدةٌ من الرجال والنساء، صُلِّي عليها صلاةً واحدةً، وجُعلت الذكور - ولو كانوا صغارًا - مما يلي الإمامَ، وجنائز الإناث مما يلي القبلة:
عن نافع بن عمر: "أنَّهُ صلى على تسع جنائزَ جميعًا، فجعلَ الرجالَ يَلُون الإمامَ، والنساء يلين القبلةَ، فصَفَّهُنَّ صفًّا واحدًا، وَوُضِعَت جنازةُ أُمِّ كلثوم بنتِ عليٍّ امرأةِ عمرَ بن الخطاب، وابن لها يقال له: زيد، وُضِعَا جميعًا، والإمامُ - أي الأمير - يومئذٍ سعيدُ بن العاص، وفي الناس ابنُ عباسٍ، وأبو هريرة، وأبو سعيدٍ، وأبو قتادة، فوضعَ الغلامُ مما يلي الإمامَ، فقال رجلٌ: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباسٍ، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي قتادة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السُّنَّةُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
28 - يجوز أن يُصلي الإمام على كُلِّ واحدة من الجنائز المجتمعة صلاةً، لأنه الأصلُ
، ولأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في شهداء أُحُدٍ: عن عبد اللّه بن الزبير: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمر يومَ أُحُد بحمزة فَسُجِي ببردة ثم صلى عليه، فكبر تسعَ تكبيرات، ثم أُتي بالقتلى يُصَفُّون، ويُصَلِّي عليهم وعليه معهم"، وهو حديث حسن
(2)
.
29 - تجوزُ الصلاةُ على الجنازة في المسجد:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما توفي سعدُ بن أبي وقاص، أرسلَ أزواجُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يمرُّوا بجنازته في المسجد، فيصلِّين عليه ففعلوا، فوقف به على حُجَرِهِنَّ يُصَلِّين عليه، أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهنَّ أنَّ الناسَ عَابُوا ذلك، وقالوا: ما كانت الجنائزُ يُدْخَلُ بها إلى المسجد، فبلغ ذلك عائشةَ، فقالت: ما أسرعَ الناس إلى أن يعيشُوا ما لا علم لهم به، عابُوا علينا أن يُمَرَّ بجنازة في المسجد، ما صلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على سُهيل بن بيضاء إلَّا في جوف المسجد"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه النسائي (4/ 71 - 72)، وابن الجارود رقم (545)، والدارقطني (2/ 79 - 80)، والبيهقي (4/ 33)، وعبد الرزاق رقم (6337)، وقال الشيخ الألباني رحمه الله في "أحكام الجنائز" ص (132):"وإسناد النسائي وابن الجارود صحيح على شرط الشيخين، واقتصر الحافظ في "التلخيص" (2/ 146) على عزوه لابن الجارود وحدَهُ وقال: "وإسناده صحيح".
(2)
أخرجه الطحاوي في "معاني الآثار"(1/ 290) وإسناده حسن، ورجاله كلهم ثقات معروفون، وابن إسحاق صرح بالتحديث، وانظر:"أحكام الجنائز" ص (106).
(3)
أخرجه مسلم رقم (100/ 973)، وأبو داود رقم (3189)، والترمذي رقم (1033)، والنسائي (4/ 68)، وابن ماجة رقم (1518)، والبيهقي (4/ 51).
30 - الأفضلُ الصلاةُ على الجنازة خارجَ المسجدِ في مكان مُعَدٍّ لذلك:
عن ابن عمرَ رضي الله عنهما: "أن اليهودَ جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجلٍ منهم وامرأةٍ زَنَيَا، فأمر بهما فَرُجِمَا، قريبًا من موضع الجنائز عند المسجد"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قال الحافظ
(2)
: "ودل حديثُ ابن عمر رضي الله عنهما على أنه كان للجنائز مكان معدٌّ للصلاة عليها، فقد يستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد، كان لأمرٍ عارضٍ، أو لبيان الجواز، واللّه أعلم" اهـ.
31 - يقومُ الإمام حِذَاءَ رأسِ الرجل، ووسط المرأةِ:
عن أبي غالب قال: "صليتُ مع أنس بن مالكٍ على جنازة رجلٍ، فقامَ حيالَ رأسهِ ثم جاؤوا بجنازة امرأةٍ من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة صلِّ عليها، فقام حيالَ وسط السرير، فقالَ له العلاءُ بنُ زيادٍ: هكذا رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم قام على الجنازة مقامَكَ منها، ومن الرجل مقامُك منه؟ قال: نعم، فلما فرغَ قال: احفظوا"، وهو حديث صحيح
(3)
.
32 - صفةُ صلاةِ الجنازةِ:
أ - يكبر أربعًا:
لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على أصْحمةَ النجاشيِّ فكبر أربعًا، وهو حديث صحيح
(4)
.
ب - أو يكبر خمسًا:
لحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، كان زيدٌ يكبِّرُ على جنائزنا أربعًا وأنَّهُ كبَّر على جنازة خمسًا، فسألته فقال:"كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يكبرها"، وهو حديث صحيح
(5)
.
ج - أو يكبر ستًّا:
عن عبد الله بن مُغَفَّل: "أنَّ علي بن أبي طالب صلَّى على سَهل بن حُنَيف، فكبَّر عليه ستًّا، ثم التفتَ إلينا فقال: إنَّه بَدْريٌّ".
(1)
أخرجه البخاري رقم (1329).
(2)
"فتح الباري"(3/ 199).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (3194)، والترمذي رقم (1034)، وقال: حديث حسن، وابن ماجة رقم (1494).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1334)، ومسلم رقم (952).
(5)
أخرجه مسلم رقم (957) وغيره.
قال الشعبي: "وقدم علقمةُ من الشام فقال لابن مسعود: إنَّ إخوانَكَ بالشام يكبرون على جنائزهم خمسًا، فلو وقتم لنا وقتًا نُتابعكم عليه، فأطرقَ عبد اللّه ساعة ثم قال: انظروا جنائزكم، فكبروا عليها ما كبر أئمتكم، لا وقت ولا عدد"، بسند صحيح
(1)
.
د - أو يكبر سبعًا:
عن موسى بن عبد اللّه بن يزيد: "أن عليًّا صلى على أبي قتادة، فكبر عليه سبعًا، وكان بَدْرِيًّا"، بسند صحيح
(2)
.
هـ - أو يكبر تِسْعًا:
تقدم الدليل عليه في الفقرة (28) من هذا الباب.
و - يُشْرعُ له أن يرفعَ يديه في التكبيرة الأولى فقط:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كبَّر على جنازة، فرفع يديه في أول تكبيرة، ووضع اليمنى على اليسرى"، وهو حديث حسن لغيره
(3)
.
قال الشيخ الألباني
(4)
رحمه الله: "ولم نجد في السُّنة ما يدل على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الأولى، فلا نرى مشروعية ذلك، وهو مذهبُ الحنفية وغيرهم، واختاره الشوكاني وغيره من المحققين، وإليه ذهب ابنُ حزم فقال (5/ 128): "وأما رفعُ الأيدي فإنه لم يأتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شيء من تكبيرة الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط
…
" اهـ
ز - يضع يده الِيمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعِدِ، ثم يشدُّ بهما على صدره:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ نبي اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إنا معشر الأنبياء أُمِرنَا
(1)
أخرجه ابن حزم في "المحلى"(5/ 126) بهذا التمام، وقال:"وهذا إسنادٌ غاية في الصحة".
وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "وقد أخرج منه قصة علي رضي الله عنه أبو داود في "مسائله" عن الإمام أحمد ص (152)، والطحاوي (1/ 287)، والحاكم (3/ 409)، والبيهقي (4/ 36)، وسندهم صحيح على شرط الشيخين" اهـ.
(2)
أخرجه الطحاويُّ (1/ 287)، والبيهقي (4/ 36) بسند صحيح على شرط مسلم.
(3)
أخرجه الترمذي رقم (1077)، والدارقطني (2/ 75 رقم 2)، والبيهقي (4/ 38) بسندٍ ضعيف لكن يشهدُ له حديث ابن عباس عند الدارقطني (2/ 75 رقم 3) بسند رجاله ثقات غير الفضل بن السكن فإنه مجهول، وسكت عنه ابن التركماني في "الجوهر النقي"(4/ 44)، ولم يذكره ابن حبان في "المجروحين".
(4)
في "أحكام الجنائز" ص (148).
بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ج - يقرأ عقبَ التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة:
عن طلحةَ بنِ عبيد اللّه بن عوفٍ قال: "صليت خلفَ ابن عباس رضي الله عنه على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: لِتَعْلَمُوا أنها سُنَّة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وأخرجه النسائي
(3)
: بلفظ: "فقرأ بفاتحة الكتاب وسورةٍ، وجهرَ حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذتُ بيده فسألتهُ، فقال: سُنَّةٌ وحقّ"، وهو حديث صحيح.
ط - يقرأ الفاتحة وسورة سِرًّا:
عن أبي أمامةَ - سعد بن سعد بن حنيف الأنصاري رضي الله عنه قال: "السنةُ في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأمِّ القرآن مخافَتَةً، ثم يكبر ثلاثًا، والتسليمُ عند الآخِرةِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ي - يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عقبَ التكبيرة الثانيةِ:
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف يحدِّث ابنَ المسيب قال: "السُّنَّةُ في الصلاة على الجنازةِ أن تُكَبِّرَ، ثم تقرأ بأُمِّ القرآنِ، ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تُخْلِص الدعاء للميت، ولا تقرأ إلا في التكبيرة الأولى، ثم تُسلم في نفسِك عن يمينك"، وهو حديث صحيح
(5)
.
ك - يأتي ببقية التكبيرات، ويُخْلِص الدعاءَ فيها للميت:
لحديث أبي أمامة المتقدم في الفقرة (32) حرف (ي).
(1)
أخرجه ابن حبان رقم (885 - موارد)، والطبراني في "الكبير"(10851)، وفي "الأوسط" رقم (1884) بسند صحيح على شرط مسلم.
(2)
أخرجه البخاري رقم (1335).
(3)
النسائي (4/ 74 رقم 1987).
(4)
أخرجه النسائي رقم (1988)، وعنه ابن حزم (5/ 129) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في الفتح، وسبقه النووي في "المجموع"(5/ 33)، وزاد:"على شرط الشيخين"، انظر:"أحكام الجنائز" ص (141).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (6428)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (540)، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" من طريق معمر، عن الزهري به.
ل - يدعو بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأدعية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال: "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا، وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمانِ، ومن توفيتهُ منا فتوفه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجْرَهُ، ولا تُضلنا بعده"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على جنازة يقول: "اللهم اغفر له وارحمهُ واعفُ عنه، وعافه، وأكرمْ نُزُلَهُ، ووسع مُدْخَلَهُ، واغسلْهُ بِماءٍ وثلج وبرد، ونقِّه من الخطايا كما يُنَقى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنس، وأبدله دارًا خيَرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهلِهِ، وزوجًا خيرًا من زوجه، وقه فتنةَ القبر وعذاب النار".
قال عوف: فتمنيتُ أن لو كنتُ أنا الميت لدعاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لذلك الميت، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن واثلة بن الأسقعِ رضي الله عنه قالَ: صلَّى بنا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم على رجُلٍ من المسلمين فسمعته يقولُ: "اللهم إنّ فلانَ بنَ فلانٍ في ذِمتكَ وحَبْلِ جوارِكَ، فَقِهِ فتنةَ القبرِ وعذابَ النَّارِ، وأنت أهلُ الوفاء والحمدِ، اللهم فاغفرْ لَهُ وارحمهُ، إنكَ أنت الغَفور الرحيم"، وهو حديث صحيح
(3)
.
م - يسلم تسليمتين إحداهما عن يمينه، والأخرى عن يساره:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "ثلاث خلالٍ كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يفعلهنَّ، تركَهُنَّ الناسُ، إحداهُنَّ التسليمُ على الجنازة مثل التسليم في الصلاة"، بسند حسن
(4)
.
ن - يجوز الاقتصارُ على التسليمة الأولى فقط:
لحديث أبي أمامة المتقدم في الفقرة (32) حرف (ي).
(1)
أخرجه أبو داود رقم (3201)، والترمذي رقم (1024)، وابن ماجة رقم (1498).
(2)
أخرجه مسلم رقم (963)، والنسائي (4/ 73).
(3)
أخرجه أحمد (3/ 491)، وأبو داود رقم (3202)، وابن ماجة رقم (1499)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (3074)، وفيه الوليد بن مسلم، مدلس، ولكنه صرَّح بالتحديث عند أبي داود وابن ماجة وغيرهما، فانتفت شبهةُ تدليسه.
(4)
أخرجه البيهقي (4/ 43) بإسناد حسن، وقال النووي (5/ 239):"إسناده جيد" وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3/ 34)، وقال:"رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات".
س - لا تجوز الصلاةُ على الجنازة في الأوقاتِ الثلاثة التي تحرمُ الصلاةَ فيها إلا لضرورة:
لحديث عقبةَ بن عامر المتقدم في الباب الأول: باب مواقيتَ الصلاة رقم الفقرة (99).
33 - المشي بالجنازة سريعًا سنة:
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: "لقد رأيتنا مع رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم وإنا لنكادُ نَرْمُل بها رَملًا"
(1)
، وهو حديث صحيح
(2)
.
34 - المشي مع الجنازة سنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من اتبع جنازةَ مسلمٍ إيمانًا واحتسابًا وكان معه حتى يُصلي عليها ويُفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كلُّ قيراط مثل أُحدٍ، ومن صلَّى عليها ثم رجع قبل أن تُدفن فإنه يرجعُ بقيراطٍ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
35 - حمل الجنازة سُنَّة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجالُ على أعناقهم، فإنْ كانتْ صالحةً قالت: قدموني، وإنْ كانت غير صالحةٍ قالت: يا ويلها، أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كلُّ شيء إلا الإنسانَ، ولو سمعهُ صَعِق"، وهو حديث صحيح
(4)
.
36 - المتقدم على الجنازة والمتأخر عنها سواء:
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الراكبُ خلفَ الجنازة والماشي حيثُ شاءَ منها، والطفلُ يُصَلى عليه"، وهو حديث صحيح
(5)
.
قال الشوكاني
(6)
: "فإذا لم يكن المشي أمام الجنازة أفضل، فأقل الأحوال أن يكون مساويًا للمشي خلفها في الفضيلة، ولم يأتِ حديث صحيحٌ، ولا حسن أن المشي خلف الجنازة أفضل، وأقوال الصحابةِ مختلفة" اهـ.
(1)
الرمَل: بفتح الميم المشي مسرعًا مع هز المنكبين.
(2)
أخرجه أبو داود رقم (3182)، والنسائي (4/ 43 رقم 1913).
(3)
أخرجه البخاري رقم (47)، ومسلم رقم (945).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1314).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (3180)، والنسائي (4/ 58)، والترمذي رقم (1031) وقال:"حديث حسن صحيح".
(6)
"وبل الغمام على شفاء الأوام"(1/ 388) بتحقيقي.
37 - الركوب مع الجنازة مكروه:
عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها، فلما انصرف أُتِيَ بدابة فركب فقيل له، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن الملائكة كانت تمشي، فلم أكن لأركبَ وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبتُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
38 - حمل الجنازة على عربة أو سيارة مخصصة للجنائز وتشييع المشيعين لها وهم في السيارات، فهذه الصورة لا تشرع البتة وذلك لأمور:
الأول: أنها من عادات الكفار، وقد تقرر في الشريعة أنه لا يجوز تقليدهم فيها.
وفي ذلك أحاديث كثيرة جدًّا.
الثاني: أنها بدعة في عبادة، مع معارضتها للسُّنَّة العملية في حمل الجنازة، وكل ما كان كذلك من المحدثات، فهو ضلالة باتفاق.
الثالث: أنها تفوتُ الغاية من حملها وتشييعها، وهي تذكُر الآخرة؛ لأن تشييعها على تلك الصورة مما يفوت على الناس هذه الغاية الشريفة تفويتًا كاملًا، أو دون ذلك.
الرابع: كما أنها سبب قوي لتقليل المشيعين لها والراغبين في الحصول على الأجر الذي ورد في الأحاديث المتقدمة، ذلك لأنه لا يستطيع كل أحد أن يستاجر سيارة ليشيعها.
الخامس: أن هذه الصورة لا تتفق من قريب ولا من بعيد، مع ما عرف عن الشريعة المطهرة السمحة، من البعد عن الشكليات والرسميات، ولا سيما في مثل هذا الأمر الخطير: الموت
(2)
.
39 - يحرم النعي على الميت:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "إذا مِتّ فلا تؤذِنُوا بي، إني أخاف أن يكونَ نعيًا؛ فإني سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي"، وهو حديث حسن
(3)
.
النعي: هو الإخبار بموت الميت.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (3177).
(2)
انظر "أحكام الجنائز" للألباني ص (99 - 100)، ط 1 مكتبة المعارف.
(3)
أخرجه أحمد (5/ 385)، وابن ماجة رقم (1476). والترمذي رقم (986) وقال:"حديث حسن صحيح".
قلت: نعي الجاهلية هو النعي المحرم: وهو أن العرب إذا مات منهم شريف، أو قُتِلَ بعثوا راكبًا إلى القبائل يَنْعَاهُ إليهم، يقول: نَعَاءِ فلانًا، أو يانَعَاء العرب: أي هلك فلان، أو هلكت العرب بموت فلان.
قلت: أما إعلان الوفاة فجائز إذا لم يقترن به ما يشبه نعي الجاهلية، وقد يجب ذلك إذا لم يكن عنده من يقوم بحقه من الغسل والتكفين والصلاة عليه ونحو ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليومِ الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصلَّى بهم، وكبَّر أربعًا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
40 - تحرم النياحة على الميت:
لحديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه المتقدم في الفقرة رقم (12 - أ) من هذا الباب.
41 - يحرم اتباع الجنازة بنار:
عن أبي بردة رضي الله عنه قال: أوصى أبو موسى رضي الله عنه حين حضره الموت، فقال: لا تتبعوني بمجمرٍ - بنار - قالوا: أو سمعت فيه شيئًا؟ قال: "نعم، من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث حسن
(2)
.
قلتُ: ومن البدع رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة، لقول قيس بن عباد:"كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز"
(3)
.
ولأن فيه تشبهًا بالنصارى؛ فإنهم يرفعون أصواتهم بشيء من أناجيلهم وأذكارهم، مع التمطيط والتلحين والتحزين.
قال الإمام النووي
(4)
: "واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضي الله عنهم السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يُرفع صوتٌ بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكنُ لخاطِرهِ وأجمعُ لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة من يخالفه.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1188 - البغا)، ومسلم رقم (951).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 397)، وابن ماجة رقم (1487)، والبيهقي (3/ 395).
(3)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 74) بسندٍ رجاله ثقات.
(4)
"الأذكار"(4/ 183 - الفتوحات الربانية).
فقد قال أبو علي الفُضَيْلُ بن عياض رضي الله عنه ما معناه: "الزم طُرُق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين - ثم يشير إلى قول قيس بن عباد - وأما ما يفعله الجهلة من القراء على الجنازة بدمشق، وغيرها من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام بإجماع العلماء .. " اهـ.
42 - السنة ألَّا يقعد المتبع للجنازة حتى توضع:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم الجنازةَ فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى تُوضع"، وهو حديث صحيح
(1)
.
43 - القيام للجنازة منسوخ:
لقد وردت أحاديث صحيحة في القيام للجنازة إذا مرت بمن كان قاعدًا:
كحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأى أحدُكم جنازةً، فإن لم يكن ماشيًا معها فَليقُمْ حتى يُخَلفها أو تُخَلِّفهُ، أو تُوضعَ من قبل أن تُخلفَهُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وقال القاضي عياض: "ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بالحديث الذي أخرجه مسلم رقم (962) عن واقد بن عمرو بن سعد بن مُعاذ، أنه قال: رآني نافعُ بنُ جُبَيْر، ونحن في جنازة قائمًا، وقد جلسَ ينتظرُ أن توضع الجنازةُ، فقال لي: ما يقيمك فقلتُ: أنتظرُ أن توضع الجنازةُ لما يُحدِّثُ أبو سعيد الخدري.
فقال نافع: فإن مسعود بن الحكم حدثني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم قعد".
44 - ما يقال عند الدخول على المقبرة أو المرور بجوارها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنَّا إن شاءَ اللّه بكم لاحقون"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن بُريدة رضي الله عنه قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يُعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولَ
(1)
أخرجه البخاري رقم (1310)، ومسلم رقم (959).
(2)
أخرجه البخاري رنم (1308): ومسلم رقم (958).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 300)، ومسلم رقم (249)، والنسائي (1/ 94).
قائلهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل اللّه لنا ولكم العافية"، وهو حديث صحيح
(1)
.
45 - يجبُ دفن الميت في حفرةٍ تمنعُهُ من السباع:
عن هشام بن عامر قَالَ: شُكِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراحاتُ يومَ أحُدٍ فقال: "احفُرُوا وأَوْسعُوا وأحسنوا، وادفنُوا الاثنين والثلاثة في قبرٍ واحدٍ، وقَدِّموا أكثرهم قرآنًا، فمات أبي فقُدَم بين يَدَيْ رجلين"، وهو حديث صحيح
(2)
.
46 - لا بَأس بالضَّرْح واللَّحْدُ أوْلَى:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "اللحْدُ لنا والشقُّ لغيرنا"، وهو حديث حسن
(3)
.
47 - يُدْخَلُ الميتُ من مُؤَخَّر القَبْر:
عن أبي إسحاق السبيعي قال: أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد الخطمي، فصلى عليه، ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر، وقال:"هذه من السُّنَّة"، وهو حديث صحيح
(4)
.
48 - يُسن لمن يُلْحده أن يقول: بسم الله وعلى سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
-:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت فيَ القبر قال: "بسم الله وعلى سُنةِ رسول اللّه"، وهو حديث صحيح
(5)
.
49 - يوضع الميت على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويسارها، وعلى هذا جرى عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا
.
50 - يُسْتَحبُّ حَثْوُ التراب من كُلِّ من حَضَرَ ثلاثَ حثياتٍ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى على جنازة، ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثًا"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه أحمد (5/ 353)، ومسلم رقم (975)، وابن ماجة رقم (1547).
(2)
أخرجه النسائي (4/ 80 رقم 2010)، والترمذي رقم (1713)، وقال. "حديث حسن صحيح"، وهو كما قال.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (3208)، والترمذي رقم (1045)، والنسائي (4/ 80)، وابن ماجة رقم (1554).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (3211).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (3213)، والترمذي رقم (1046)، وقال حديث حسن غريب، وابن ماجة رقم (1550).
(6)
أخرجه ابن ماجة رقم (1565).
51 - لا يرفع القبر زيادة على شبْرٍ:
عن أبي الهياج الأسديِّ، قال: قَال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم؟ ألَّا تدع تمثالًا إلَّا طمسْتَهُ، ولا قبرًا مشرفًا إلَّا سويتهُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحدَ ونُصبَ عليه اللَّبنُ نصبًا، ورُفعَ قَبْرُهُ من الأرض نحوًا من شبر"، وهو حديث صحيح
(2)
.
52 - أن يُجعل القبر مُسنَّمًا:
عن سُفيان التَّمَّارِ: "أنَهُ رأى قبرَ النبي صلى الله عليه وسلم مُسَنَّمًا"، وهو حديث صحيح
(3)
.
53 - أن يُعلَّم القبر بحجر أو نحوه:
عن المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون، أُخرج بجنازته؛ فدُفنَ، فأمرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رجُلًا أن يأتيهُ بحجر، فلم يستطعْ حملَهُ، فقام إليها رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، وحسَرَ عن ذراعيه، قال كثير: قال المطلبُ: قال الذي يخبرني ذلكَ عن رسولِ صلى الله عليه وسلم: قال: كأني أنظرُ إلى بياض ذراعَيْ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حينَ حسرَ عنهُمَا، ثم حملَهَا فوضعها عند رأسِهِ، وقال:"أتعلَّمُ بها قبر أخي، وأَدفنُ إليه من مات من أهلي"، وهو حديث حسن
(4)
.
54 - أن يقف على القبر يدعو له بالتثبيت:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فَرغَ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم، وسَلُوا له التثبيتَ؛ فإنه الآن يُسألُ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
55 - مشروعية زيارة القبور:
لحديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "نهيتُكُم عن زيارة القبور، فَزُورُوَها"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (969)، وأحمد رقم (741) شاكر، وأبو داود رقم (3218)، والترمذي رقم (1049)، والنسائي (4/ 88 - 89).
(2)
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (6635) بإسناد صحيح.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1390).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (3206)، وعنه البيهقي (3/ 412) بسندٍ حسن كما قال الحافظ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله "في أحكام الجنائز" ص (197): وله شاهدان يتقوى بهما ذكرتُهما في "التعليقات الجياد" اهـ.
(5)
أخرجه أبو داود رقم (3221) والحاكم (1/ 370): والبيهقي (4/ 56)، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي، وأقرهما الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" ص (198).
(6)
أخرجه مسلم رقم (106/ 977).
ولحديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حَوْلَهُ فقال:"استأذنت ربي في أن أستغْفِر لها فلم يُؤذَنَ لي، واستأذَنتُهُ في أن أزور قبرها فأُذِنَ لي، فزوروا القبور، فإنها تُذكِّرُ الموت"، وهو حديث صحيح
(1)
.
*
والنساء كالرجال في استحباب زيارة القبور لوجوه:
1 -
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "فزُورُوا القبور"، فيدخل فيه النساء.
2 -
لمشاركة النساء الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور: "فإنها تذكر الموت".
3 -
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: كيف أقول لهم - أي لأهل القبور - يا رسولَ اللّه؟ قال صلى الله عليه وسلم: "قولي: السلامُ على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحمُ اللّهُ المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء اللّه بكم لاحقون"، وهو حديث صحيح
(2)
.
4 -
لحديث عبد اللّه بن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت: أليس كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: "نعم، كان نهى، ثم أمر بزيارتها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
* ولا يجوز للنساء الصياح والتبرج، واتخاذ القبور مجالس للنزهة" لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"لعنَ زوَّاراتِ القبور"، وهو حديث حسن
(4)
.
* ويجوز زيارة قبر من مات على غير الإسلام فقط؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الصحيح المتقدم
(5)
.
* يسن لزائر القبور أن يدعو بأدعية مأثورة، كما ورد في الفقرة (44)، والفقرة (3 - 55) من هذا الباب.
56 - يقف الزائِرُ مُسْتقْبلًا للقبلة:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من
(1)
أخرجه مسلم رقم (108/ 976).
(2)
أخرجه مسلم رقم (103/ 974).
(3)
أخرجه الحاكم في (كالمستدرك)(1/ 376) وسكت عنه، وقال الذهبي:"صحيح" وهو كما قال.
(4)
أخرجه أحمد (2/ 337). والترمذي رقم (1056)، وابن ماجة رقم (1576)، وابن حبان رقم (789 - موارد).
(5)
أخرجه مسلم رقم (106/ 977).
الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة وجلسنا معه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
57 - مشروعية التعزية لأهل الميت:
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن ابنةً للنبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه - وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم وسعدٌ وأبيٌّ - نحسِبُ أن ابنتي قد حُضِرَتْ فاشهدنا، فأرسلَ إليها السلامَ ويقول:"إنَّ لله ما أخذ وما أعطى، وكل شيء عنده مُسمَّى، فلتحتسبْ ولتصبرْ"، فأرسلتْ تُقسمُ عليه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا، فرفع الصبي في حجْر النبي صلى الله عليه وسلم ونفسهُ تقعقع ففاضَت عينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد ما هذا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم:"هذه رحمة وضعها اللّهُ في قلوب من شاء من عباده، ولا يرحمُ اللّهُ من عباده إلا الرُّحَمَاءَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
58 - من السنة إهداء الطعام لأهلِ الميت:
عن عبد اللّه بن جعفر، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآلِ جَعْفَرِ طعامًا؟ فإنه قد أتاهم أمر شَغلهم"، وهو حديث صحيح
(3)
.
59 - يحرم اتخاذ القبور مساجد وزخرفتها والكتابة عليها:
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: "لعنَ اللّهُ اليهودَ والنصارى؟ اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن جابر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصَّصَ القبرُ، وأن يُقْعَدَ عليه، وأن يُبنى عليه"، وهو حديث صحيح
(5)
.
60 - يحرم القعود على القبور:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لأَنْ يجلسَ أحدُكم على جمرةٍ فتحْرِقَ ثيابَهُ، فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبرِه"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (3212). والنسائي (4/ 78)، وابن ماجة رقم (1548).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5655). ومسلم رقم (923).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (3132)، وابن ماجة رقم (1610)، والترمذي رقم (998) وقال:"حديث حسن صحيح". وهو كما قال.
(4)
أخرجه البخاري رقم (1330)، ومسلم رقم (532).
(5)
أخرجه مسلم رقم (94/ 970)، وأحمد (3/ 399)، وأبو داود رقم (3225)، والترمذي رقم (1052)، والنسائي (4/ 86)، وابن ماجة رقم (1562)، وأخرج النهي عن الكتابة النسائي (4/ 86 رقم 2026)، وقال الحاكم في "المستدرك" (1/ 370):"إن الكتابة وان لم يخرجها مسلم فهي على شرطه".
(6)
أخرجه مسلم رقم (971)، وأبو داود رقم (3228)، والنسائي (4/ 95 رقم 2044).
61 - تحرم الصلاة عند القبور ولو بدون استقبال:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلَّا المقبرةَ والحمامَ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
62 - تحريم الصلاة إلى القبور:
عن أبي مرثدٍ الغنويّ قال: سمعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
63 - يحرم اتخاذ القبور عيدًا، تقصد في أوقات معينة، ومواسمَ معروفةٍ للتعبد عندها:
عن عطاء بن يسار أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعْبَدُ، اشتدَّ غضبُ اللهِ على قومٍ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وهو حديث صحيح
(3)
.
64 - يحرم سب الأموات:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسُبُّوا الأمواتَ فإنهم أَفْضَوا إلى ما قَدَّمُوا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (492)، والترمذي رقم (317)، وابن ماجة رقم (745)، والدارمي رقم (1362).
(2)
أخرجه مسلم رقم (98/ 972).
(3)
أخرجه مالك (1/ 185 - 186) مع تنوير الحوالك مرسلًا، وأخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 240 - 241) من طريق عطاء بن يسار مرسلًا بسند صحيح، وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (1587).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 345) عن زيد بن أسلم مرسلًا بسند صحيح، وأخرجه أحمد موصولًا (2/ 246)، والحميدي رقم (1025)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 283) و (7/ 317)، عن أبي هريرة بسند حسن بلفظ:"اللهم لا تجعل قبري وثنا، اشتد غضب اللّه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (6726) وابن أبي شيبة (3/ 345) عن ابن عجلان، عن سهيل، عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب أنه قال: ورأى رجلًا وقف على البيت الذي فيه قبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يدعو له ويصلي عليه فقال حسن للرجل: لا تفعل "فكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا بيتي عيدًا .. "، والحديث مرسل، وسهيل ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ 249) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد (2/ 367)، وأبو داود رقم (2042) مرفوعًا:"لا تتخذوا قبري عيدًا"، وهو حديث حسن، حسنه ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" ص (321 - 323).
وله شاهد آخر أخرجه إسماعيل الجهضمي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم (20) بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله وأبو يعلى في "المسند" رقم (209/ 469)، والحديث بهذه الطرق صحيح، واللّه أعلم.
(4)
أخرجه البخاري رقم (1393).
65 - ينتفع الميتُ من عمل غيره بأمورٍ:
أ - دعاء المسلم له، إذا توفرت فيه شروط القبول:
قال تعالى في سورة الحشر الآية (10): {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوةُ المرْء المسلم لأخيه، بظهرِ الغيب، مستجابةٌ، عِنْدَ رأسِه ملكٌ موكلٌ كُلمَا دعا لأخيه بخيرٍ، قال الملكُ الموكلُ به: آمين ولك بمثلٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ب - ما خلَّفه من بعده من آثار صالحة وصدقات جارية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مَاتَ الإنسانُ انقطعَ عَمَلُهُ إلَّا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالحٍ يدعُو لَهُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ج - قضاءُ وليِّ الميتِ صَوْمَ النَّذرِ عنه:
عن عائشة رضي الله عنها أن رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ ماتَ وعليه صيام صَامَ عنه وَليِّهُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
د - قضاءُ الدين عنه من أيِّ شخصٍ وليًّا كان أو غيره، لقضاء أبي قتادة الدينارين عن ميت
.
هـ - ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة:
يقول تعالى في سورة النجم الآية (39): {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} .
وعن عُمارة بن عُمير قال: كان في حجر عمةٍ لي ابنٌ لها يتيمٌ، وكان يكسب، فكانت تَحْرَجُ أن تأكلَ من كسبهِ، فسألتْ عن ذلك عائشةَ فقالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أطيبَ ما أكلَ الرجلُ من كسبه، وإنَّ ولدَ الرجل من كسبهِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
أما بدع الجنائز فانظرها؛ لتبتعَدَ عنها ولتحذِّر منها الاخرين: في كتاب العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله "أحكام الجنائز وبدعها" ص (305 - 336).
(1)
أخرجه مسلم رقم (88/ 2733)، وأبو داود رقم (1534)، وأحمد (6/ 452) من حديث أم الدرداء.
(2)
أخرجه مسلم رقم (14/ 1631)، وأحمد (2/ 372)، والنسائي (6/ 251)، وأبو داود رقم (2880)، والترمذي رقم (1376).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1952)، ومسلم رقم (153/ 1147).
(4)
أخرجه أحمد (6/ 31، 127، 193)، والدارمي (2/ 247)، وأبو داود رقم (3528)، والنسائي (7/ 240 - 241) والحاكم (2/ 46)، والبيهقي (7/ 479 - 480).
الكتاب الثالث كتاب الصيام
ويتضمن ثلاثة أبواب
كتاب الصيام ويتضمن ثلاثة أبواب
الباب الأول: باب أحكام الصيام.
الفصل الأول: وجوب صوم رمضان.
الفصل الثاني: مبطلات الصوم.
الفصل الثالث: قضاء الصوم.
الباب الثاني: باب صوم التطوع.
الفصل الأول: ما يستحب صومه.
الفصل الثاني: ما يكره صومه.
الفصل الثالث: ما يحرم صومه.
الباب الثالث: باب الاعتكاف.
الباب الأول أحكام الصيام
الفصل الأول: وجوب صوم رمضان
1 - الصوم في اللغة: الإمساك في الجملة وأنشدوا في ذلك
(1)
:
خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غيرُ صَائمَةٍ
…
تحت العَجَاجِ وأُخرى تَعْلُكُ اللُّجُما
ويقال: صامت الخيلُ: إذا أمسَكَتْ عن السير، وصَامت الريحُ: إذا أمسَكَتْ عن الهُبوب.
2 - الصومُ في الشريعة: الإمساكُ عن الطعامِ والشرابِ والجماع - مع انضمامِ النية إليه - من طلوع الفجر إلى غروب الشمس
.
وذكر بعض المفسرين أنَّ الصوم في القرآن على وجهين:
أحدهما: الصوم الشرعي المعروف.
ومنه قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامِ} (البقرة: 183)، وقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
الثاني: الصمت
(2)
: ومنه قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26].
3 - لا كراهة في قول القائل جاء رمضان، وذهب رمضان، وهو مذهب الجمهور:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء رمضانُ، فتِّحتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ، وصُفِّدَت الشياطين"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولأن الكراهة لا تثبت إلا بنهي شرعي، ولم يثبت من الشارع نهي بذلك.
أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا رمضان؛ فإن رمضان اسم من أسماء اللّه، ولكن قولوا شهر رمضان"، وهو حديث ضعيف
(4)
.
(1)
قاله النابغة الذبياني في "ديوانه"(112).
(2)
"لسان العرب"، لابن منظور (12/ 350 - 351)، و"نزهة الأعين النواظر"، لابن الجوزي ص (386 - 387).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1899)، ومسلم رقم (1079).
(4)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 201) وابن عدي في "الكامل"(7/ 2517)، والذهبي في "الميزان" قال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 248):"هذا حديث ضعيف، ضعفه البيهقي وغيره، والضعف فيه بيِّنٌ فإن من رواته: نجيح السندي، وهو ضعيف سيئ الحفظ" اهـ.
4 - حكم الصوم:
الصوم في رمضان ركن من أركان الإسلام.
قال تعالى في سورة البقرة الآية (183): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بني الإسلام على خمسة: على أن يُوحَّدَ اللّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - فضل الصوم:
أولًا: آيات بينات من كتاب اللّه، تحض على الصوم تقربًا لله، وتبين فضائله: كقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]
.
" لما في الصوم من خير في هذه الحالة، يبدو منه لنا عنصر تربية الإرادة، وتقوية الاحتمال، وإيثار عبادة اللّه على الراحة، وكلها عناصر مطلوبة في التربية الإسلامية، كما يبدو لنا ما في الصوم من مزايا صحية - لغير المريض - حتى ولو أحس الصائم بالجهد"
(2)
- اهـ.
ثانيًا: آيات بينات من كتاب اللّه تتحدث عن جعل الصيام من كفارات مثل حلق الرأس في الإحرام لعذر من مرض
، أو أذى في الرأس، وعدم القدرة على الهدي، وقتل المعاهد خطأ، وحنث اليمين، وقتل الصيد في الإحرام، والظهارِ. قال تعالى في سورة البقرة الآية (196): {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
(1)
أخرجه البخاري رقم (8)، ومسلم رقم (16).
(2)
في ظلال القرآن (1/ 171).
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وقال تعالى في سورة النساء الآية (92): {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} .
ثالثًا: الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما:
عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآنُ يشفعانِ للعبد يومَ القيامة، يقول الصيامُ: أي ربِّ منعتُهُ الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيهِ، ويقولُ القرآنُ: منعتُهُ النومَ بالليل فشفعني فيه، قالَ: فَيُشَفَّعَانِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
رابعًا: باب الريان للصَّائمين:
عن سهل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنةِ بابًا يقال له الرَّيانُ، يدخل منه
(1)
أورده النذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 84)، وقال عقبه رواه أحمد - (2/ 174) - والطبراني في "الكبير" ورجاله محتج بهم في الصحيح، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب "الجوع"، وغيره بإسناد حسن، والحاكم (1/ 554) - وقال:"صحيح على شرط مسلم - ولم يخرجاه - ووافقه الذهبي"، قلت: ووافقهما الشيخ الألباني رحمه الله في "تحقيق المشكاة"(1/ 611 رقم 1963).
الصائمون يومَ القيامة لا يدخلُ منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعيَ من باب الصلاة، ومن كان من أهَل الجَهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعيَ من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعيَ من باب الصدقة"، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دُعِيَ من تلكَ الأبوابِ من ضرورة، فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟ قال:"نعم وأرجو أن تكونَ منهم"، وهو حديث صحيح
(2)
.
خامسًا: الصيام وقاية للعبد المسلم من النار:
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَام يومًا في سبيل الله، جعل الله بينه وبين النَّار خندقًا كما بين السماءِ والأرضِ"، وهو حديث حسن
(3)
.
وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصومُ جُنَّة من النار جُنَّةِ أحَدِكُم من القتال"، وهو حديث حسن
(4)
.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من صامَ يومًا في سبيل الله، بَعَّدَ الله وَجْهَهُ عن النَّارِ سبعين خريفًا" - أي عامًا وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (4/ 111 رقم 1896)، ومسلم (8/ 32 بشرح النووي)، والترمذي (3/ 473 مع التحفة) بنحوه، وقال:"حديث حسن صحيح غريب"، والنسائي (4/ 168 رقم 2237) بنحوه، وابن ماجة (1/ 525 رقم 1640)، وأورده الشيخ الألباني في "صحيح ابن ماجة".
(2)
أخرجه البخاري (4/ 111 رقم 1897)، ومسلم (7/ 115 بشرح النووي). والنسائي (6/ 48 رقم 3184) بنحوه.
(3)
أخرجه الترمذي (4/ 167 رقم 1624)، وقال:"هذا حديث غريب".
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 414 رقم 981): "حسن"، وكذلك في الصحيحة" (2/ 100 رقم 563).
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(8/ 280 رقم 7921).
وقال الهيثمي في "المجمع"(3/ 194) رواه الطبراني في الصغير والأوسط بإسناد حسنٍ -[لغيره]- من حديث أبي الدرداء".
(4)
أخرجه النسائي (4/ 167 رقم 2231)، وابن خزيمة في "صحيحه"(3/ 193 رقم 1891) وقال الأعظمي. "إسناده حسن"، وأحمد في "المسند"(4/ 22)، وقال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في "تخريج جامع الأصول"(9/ 455 رقم 7131)"حديث حسن".
(5)
أخرجه البخاري (6/ 49 رقم 2840)، ومسلم (2/ 808 رقم 1153)، والترمذي (4/ 166 رقم 1623)، وقال. "حديث حسن صحيح"، والنسائي (4/ 173 رقم 2247)، والبيهقي (4/ 296).
وعن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الصَّومُ جُنَّة، ما لم يخرقها"، وهو حديث حسن
(1)
.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيامُ جُنَّة من النَّارِ، فمن أصبح صائمًا فلا يجهل يومئذٍ، وإن امرؤٌ جهل عليه فلا يشتمهُ ولا يَسبهُ، وليقُل: إني صائمٌ، والذي نفس محمدٍ بيده، لخلوف
(2)
فم الصائم أطيَبُ عند اللهِ من ريح المسْكِ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صامَ يومًا في سبيل الله، زَحْزَحَهُ اللهُ عن النَّارِ سبعين خريفًا"، وفي رواية:"أربعين"، وهو حديث صحيح لغيره
(4)
.
سادسًا: الصوم يدخل الجنة:
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: أتيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: مُرْنِي بأمر آخُذُهُ عنك قال:
"عليك بالصَّومِ؟ فإنَّهُ لا مثْلَ لَهُ"، وفي رواية: قلتُ: يا رسولَ الله مُرْنِي بأمرٍ ينفعني اللهُ بِهِ قال: "عليكَ بالصِّيامِ؟ فإنَّهُ لا مثْلَ لَهُ"، وفي رواية أنه سأله: أي العملِ أفضلُ؟ قالَ: "عليكَ بالصَّومِ؟ فإنَّهُ لا عدْلَ لَهُ"، وفي رواية أخرى: قلت: يا رسول الله مُرْني بعمل: قال: "عليكَ بالصَّوْم؛ فإنه لا عدْلَ له"، قال: قلت: يا رسول الله مُرْني بعمل، قال:"عليك بالصوم؛ فإنه لا عدْل له"، وهو حديث صحيح
(5)
.
عن حذيفة رضي الله عنه قالَ: أسندت النبي صلى الله عليه وسلم إلى صَدْرِي، فقال: "من قالَ لا إله إلا الله -
(1)
أخرجه النسائي (4/ 167 رقم 2233) و (4/ 161 رقم 2235)، والدارمي (2/ 15)، وقال: ما لم يخرقها، يعني بالغيبة، وقال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في "تخريج جامع الأصول" (9/ 455):"وهو حديث حسن".
(2)
الخِلْفة بالكسر: تَغَيُّر ريح الفم، وأصلها في النبات أن ينبت الشيء بعد الشيء؛ لأنها رائحة حدَثت بعد الرائحة الأولى، يقال: خَلَفَ فمه يخلف خلفة وخُلُوفًا، "النهاية"(2/ 67)
(3)
أخرجه النسائي (4/ 167 رقم 2234)، وقال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في "تخريج جامع الأصول" (9/ 455):"حديت صحيح".
(4)
أخرجه الترمذي (4/ 166 رقم 1622)، وقال:"هذا حديث غريب من هذا الوجه"، والنسائي (4/ 172 رقم 2244)، وأحمد (2/ 357). وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 414 رقم 980).
(5)
أخرجه النسائي (4/ 165 - 166 رقم 2220 و 2221 و 2222 و 2223)، والحاكم (1/ 421) وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي:"صحيح"، وأخرجه أحمد (5/ 249)، وابن حبان (موارد/ ص 232)، وابن خزيمة (3/ 194 رقم 1893).
وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 413 رقم 977).
ابتغاء وجه الله - خُتِمَ لَهُ بها دخل الجنَّة، ومن صامَ يومًا ابتغاء وجه اللهِ ختِمَ له بها دخلَ الجنة، ومن تصدَّقَ بصدقةٍ ابتغاءَ وجهِ الله خُتِمَ لَهُ بِها دَخَلَ الجنَّةَ"، وهو حَديث صحيح
(1)
.
سابعًا: يُوَفَّى الصائمون أجورهم بغير حساب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ عمل ابن آدمَ يُضاعَفُ الحسنةُ عَشْرُ أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، قال الله عز وجل: إلَّا الصَّوْمَ فإنهُ لي وأنا أجْزِي به
(2)
، يَدعُ شهوتَهُ وطَعَامَهُ من أجلي، للصَّائمِ فرحتَانِ: فرحةٌ عندَ فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلُوفُ فيه أطيبُ عندَ الله من ريح المسَكِ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: "كل عملِ ابن آدمَ له إلا الصِّيام هو لي وأنا أجزي به، فوالذي نفسُ محمد بيده لخلفةُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم قال: "لكلِّ عملٍ كفارةٌ والصومُ لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك"، وهو حديث صحيح
(5)
.
ثامنًا: الصوم يساعد على إضعاف شهوة الجماع:
عن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله، فقال
(1)
قال المنذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 85)"رواه أحمد - (5/ 391) - بإسناد لا بأس به، والأصبهاني ولفظه: يا حذيفة، من خُتِمَ له بصيامِ يومٍ يُرِيدُ بِهِ وجهَ الله عز وجل، أدخلهُ اللهُ الجنة".
قلت: وصحَّحهُ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 412 رقم 976).
(2)
(الصوم لي وأنا أجزي به): "إنما خص الصوم والجزاء عليه بنفسه عز وجل، وإن كانت العبادات كلها له، وجزاؤها منه؛ لأن جميع العبادات التي يتقرب بها العباد إلى الله عز وجل: من صلاة، وحج، وصدقة، وتبتل، واعتكاف، ودعاءٍ، وقربان، وهدى، وغير ذلك من أنواع العبادات، قد عبد المشركون بها آلهتهم، وما كانوا يتخذونه من دون الله أندادًا، ولم يسمع ان طائفة من طوائف المشركين في الأزمان المتقادمة عبدت آلهتها بالصوم، ولا تقربت إليها به. ولا دانتها به ولا عُرِفَ الصوم في العبادات إلا من جهة الشرائع، فلذلك قال الله عز وجل: "الصوم لي" أي: لم يشاركني فيه أحد ولا عُبد به غيري فأنا حينئذٍ أجزي به على قدر اختصاصه بي وأنا أتولى الجزاء عليه بنفسي - لا أكله إلى أحد غيري من ملك مقرب أو غيره [جامع الأصول (9/ 454)].
(3)
أخرجه البخاري رقم (1904) ومسلم رقم (163/ 1151)
(4)
أخرجه البخاري (10/ 369 رقم 5927) ومسلم (8/ 29 بشرح النووي) والبيهقي (4/ 304).
(5)
أخرجه البخاري (13/ 512 رقم 7538)
عبد الله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجدُ شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معشرَ الشباب، من استطاعَ الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرجِ، ومن لم يستطع فعليه بالصومِ؛ فإنه له وجاء"، وهو حديث صحيح
(1)
.
6 - فضل رمضان وفضل العمل به:
أولًا: رمضان شهر القرآن:
قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
أنزل الله عز وجل كتابه المجيد على نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم، في ليلة القدر من شهر رمضان الخير، هدى لقلوب العباد، وفرقانًا بين الحق والباطل، وتبيانًا لطريق الخير، وتمييزًا لطرق الضلالة والشر.
ثانيًا: في رمضان تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران
، وتصفد مردة الجن بالسلاسل والأغلال: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكُم رمضانُ شهرٌ مباركٌ، فرضَ الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتحُ فيه أبوابُ السَّماءِ، وتُغلقُ فيه أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيه مردة الشياطين، للّه فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر من حُرِمَ خيرها فقد حْرِم"، وهو حديث حسن
(2)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل شهرُ رمضان فُتحَتْ أبوابُ السماء وغُلِّقت أبوابُ جهنم، وسُلسِلت الشياطينُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذا رمضان قد جاءكم تفتح فيه أبوابُ الجنةِ، وتُغلقُ فيه أبوابُ النار، وتُسَلسلُ فيه الشياطين"، وهو حديث صحيح
(4)
.
عن عرفجة قال: عُدْنا عُتبة بن فرقد فتذاكرنا شهر رمضانَ، فقال: ما تذكرونَ، قلنا: شهر رمضانَ قالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ وتغلقُ فيه
(1)
أخرجه البخاري (9/ 112 رقم 5066) ومسلم (18/ 102 رقم 1400).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 230 و 245) والنسائي (4/ 129 رقم 2106) وقال الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 418 رقم 989) حديث حسن.
(3)
أخرجه البخاري (4/ 112 مع الفتح) ومسلم (7/ 187 شرح النووي) والنسائي (4/ 127 رقم 2099) والبيهقي (4/ 303)
(4)
أخرجه أحمد (3/ 236) والنسائي (4/ 128 رقم 2103) وصححه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تخريج جامع الأصول (9/ 260)
أبواب النَّار وتغلُّ فيه الشياطينُ، وينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخيرِ هَلُمَّ ويا باغي الشر أقصرْ"، وهو حديث حسن
(1)
ثالثًا: رمضان شهر غفران الذنوب:
عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا
(2)
غفرَ له ما تقدم من ذنبه"، وهو حديث صحيح
(3)
، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "الصَّلواتُ الخمس، والجمعةِ إلى الجمعة، ورمضانُ إلى رمضانَ مكفراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتنبَ الكبائر
(4)
"، وهو حديث صحيح
(5)
.
عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احضروا المنبر"، فحضرنا فلما ارتقى درجة قال:"آمين"، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال:"آمين"، فلمَّا ارتقى الدرجة الثالثة قال:"آمين"، فلمَّا نزل قلنا يا رسول الله، لقد سمعنا منكَ اليوم شيئًا ما كُنَّا نسمعهُ قال:"إنَّ جبريل عليه الصلاة والسلام عرضَ لي فقال: بعدًا لمن أدركَ رمضانَ فلم يُغفر له قلتُ: آمين، فلما رقيتُ الثانية قال: بُعدًا لمن ذُكِرْتُ عنْدَهُ فلم يصلِّ عليكَ، قلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال: بعدًا لمن أدركَ أبواه الكبَر عندَهُ أوَ أحدهما، فلم يُدْخلاهُ الجنَّة قلتُ: آمين"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه أحمد (5/ 411)، والنسائي (4/ 129 - 130 رقم 2107)، وحسنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط (9/ 260).
(2)
قال الخطابي: قوله: "إيمانًا واحتسابًا": أي: نيةً وعزيمةً، وهو أن يصومه على التصديق به، والرغبة في ثوابه طيبةً نفسُه غير كارهة له، ولا مُستقلٍّ لصيامه، ولا مستطيلٍ لأيامه، لكن يغتنم طول أيامه لعظم الثواب [شرح السنة (2186)].
(3)
أخرجه البخاري (1/ 92 مع الفتح) و (4/ 115 - مع الفتح) و (4/ 250 - مع الفتح)، ومسلم (1/ 523 رقم 759)، وأبو داود (2/ 103 رقم 1372)، والترمذي (3/ 67 رقم 683)، والنسائي (4/ 157 رقم 2204) وابن ماجه (1/ 420 رقم 1326)، وأورده الشيخ الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1/ 221 رقم 1091).
(4)
في هذا الحديث دليل على تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، وهو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما يكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله [(تحفة الأحوذي (1/ 628)].
(5)
أخرجه أحمد (2/ 400)، ومسلم (3/ 117 - 118 بشرح النووي)، وأورده الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 287 رقم 684) و (1/ 416 رقم 984).
(6)
أخرجه الحاكم (4/ 153 - 154) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي "صحيح" وأخرجه ابن حبان - كما في الموارد ص 497، رقم (2028) -، وابن خزيمة في "صحيحه"(3/ 192 رقم 1888)، من حديث أبي هريرة، وقال الشيخ الأعظمى. "إسناده جيد"، وأخرجه ابن حبان - كما في الموارد =
رابعًا: من نطق بالشهادتين، وصلى المكتوبة وأدى الزكاة، وصام رمضان كان من الصديقين والشهداء:
عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيتَ إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنكَ رسولُ الله، وصليتُ الصلوات الخمسَ، وأديتُ الزكاةَ، وصمتُ رمضانَ وقمتُه فممن أنا؟ قالَ:"من الصديقين والشهَداء"، وهو حديث صحيح
(1)
.
خامسًا: الجود ومدارسة القرآن مستحبات في كل وقت، إلا أنهما آكد في رمضان:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجودَ النَّاس بالخيرِ، وكان أجودَ ما يكون في رمضانَ حين يلقاهُ جبريلُ، وكان جبريلُ عليه السلام يلقاهُ كل ليلة في رمضانَ حتى ينسلخَ، يعرضُ عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآنَ، فإذا لقيهُ جبريلُ عليه السلام كان أجودَ بالخير من الريح المرسَلَة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
سادسًا: الثوَاب الجزيل لمن فطَّر صائمًا:
عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطَّرَ صائمًا كانَ لَهُ مثلَ أجرِهِ، غَيْرَ أنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أجْرِ الصَّائِم شيء"، وهو حديث صحيح
(3)
.
= ص (593)، رقم (2386) - من حديث الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده"، وأورده المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/ 92 - 93 رقم 9 و 10 و 11)، وصححه، "الترغيب والترهيب" (1/ 416 - 417) رقم 985 و 986 و 987).
قلت: وأخرجه أحمد في "مسنده"(2/ 254)، وقال البنا في "الفتح الرباني" وشرحه "بلوغ الأماني" (9/ 230): أخرجه الترمذي والحاكم وسنده جيد وأخرج مسلم الجزء المختص بالوالدين في كتاب البر والصلة.
(1)
أخرجه ابن حبان كما في "الموارد" ص (36) رقم (19) - والبزار - كما في "كشف الأستار"(1/ 22 رقم 25).
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 46): "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا شيخي البزار، وأرجو إسناده أنه إسناد حسن أو صحيح" اهـ.
قلت وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(1/ 419 رقم 993).
(2)
أخرجه البخاري (4/ 116 مع الفتح) ومسلم (3/ 1804 رقم 2308)، والنسائي (4/ 125 رقم 2095).
وأحمد في "المسند"(1/ 230 - 231، 288، 326، 363، 366، 367، 373).
(3)
أخرجه الترمذي (3/ 533 مع التحفة)، وقال:"حديث حسن صحيح، ووافقه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في "تخريج جامع الأصول" (9/ 459)، وأحمد في "المسند" (4/ 114 - 115)، وابن ماجه (1/ 555 رقم 1746)، وأورده الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح ابن ماجه"، والدارمي (2/ 7)، وابن حبان كما في "الموارد" ص (225 رقم 895)، وابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 277 رقم 2064).
سابعًا: الاجتهاد بالعمل في العَشْر الأخير من رمضان:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئزره
(1)
، وأحيا ليله، وأيقظَ أهلَه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَجْتَهدُ في العشر الأواخِرِ، ما لا يجتهد في غيره"، وهو حديث صحيح
(3)
.
7 - التدرج في تشريع الصوم:
عن معاذ بن رضي الله عنه قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة
أحوال
…
وقال في الصيام: قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويصوم عاشوراء. فأنزل الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى قوله تعالى: {طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 183 - 184] فكان من شاء أن يصوم صام، ومن شاء أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا أجزأه ذلك، وهذا حول. فأنزل الله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} إلى {أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] فثبت الصيام على من شهد الشهر، وعلى المسافر أن يقضي، وثبت الطعام للشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يستطيعان الصوم"، وهو حديث صحيح لغيره
(4)
.
8 - شروط صحة الصوم:
أ - الإسلام: فلا يصح الصوم من كافر.
ب - العقل: فلا يصح الصوم من مجنون.
(1)
المئزر، الإزار، وكني بشدِّه عن اعتزال النساه، وقيل: أراد تشميره للعبادة، يقال: شدَدْتُ لهذا الأمر مئزري، أى تشمرتُ له، "النهاية"(1/ 44).
(2)
أخرجه البخاري (4/ 269 - مع الفتح)، واللفظ له، ومسلم (2/ 832 رقم 1174)، وأبو داود (2/ 105 رقم 1376)، والنسائي (3/ 217 رقم 1639)، وابن ماجه (1/ 562 رقم 1768)، وأورده الألباني في "صحيح ابن ماجه"(1/ 293 رقم 1431)، والبيهقي في "السنن"(4/ 313)، والبغوي في "شرح السنة"(6/ 389).
(3)
أخرجه مسلم (2/ 832 رقم 1175)، والترمذي (3/ 161 رقم 796)، وقال:"حديث حسن صحيح غريب"، وابن ماجه (1/ 562 رقم 1767)، وأورده الألباني في "صحيح ابن ماجه"، والبيهقي في "السنن"(4/ 313 - 314)، والبغوي في "شرح السنة"(6/ 390 رقم 1830).
(4)
أخرجه أحمد (5/ 246)، وأبو داود رقم (506) و (507) والحاكم في "المستدرك"(2/ 274)، والبيهقي (4/ 200).
ج - النية المبيتة: فلا يصح الصوم دون نية مبيتة.
د - الخلو من المانع: فلا يصح صوم الحائض والنفساء.
هـ - استيعاب الوقت: من تبين الوقت إلى غروب الشمس.
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصُمْ؟ فذلك نقصان دينها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يَجْمَعْ الصيام قبل الفجر، فلا صيام له"، وهو حديث حسن
(3)
.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبلَ الليلُ من هاهُنا، وأدبرَ النهارُ من هاهنا، وغربت الشمسُ، فقد أفطرَ الصائمُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
9 - يجب صيام رمضان لرؤية هلاله من عدل:
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "تراءى الناس الهلال، فأخبرتُ رسولَ الله أني رأيته، فصام وأمر الناس بالصيام"، وهو حديث صحيح
(5)
.
10 - أو يجب صيام رمضان بإكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ عليكم، فأَكْملُوا عدة شبعان ثلاتين"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه أحمد (6/ 100 - 101)، وأبو داود رقم (4398)، والنسائي (6/ 156 رقم 3432)، وابن ماجه رقم (2041)، وابن الجارود رقم (148)، والدارمي (2/ 171).
(2)
أخرجه البخاري رقم (304)، ومسلم رقم (889)، وهو حديث طويل.
(3)
أخرجه الترمذي رقم (730)، وأبو داود رقم (2454)، والنسائي (4/ 196 - 197)، وابن ماجه رقم (1700)، والحديث صححه الشيخ الألباني في "الإرواء" رقم (914).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1954)، ومسلم رقم (1100).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (2342)، والدارقطني (2/ 156)، والحاكم (1/ 423)، والبيهقي (4/ 212)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (3447)، والحديث صححه الحاكم على شرط مسلم، وصححه ابن حزم في "المحلى"(6/ 236)، والشيخ الألباني في "الإرواء" رقم (908).
(6)
أخرجه البخاري رقم (1909)، ومسلم رقم (19/ 1081).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ذكرَ رمضانَ فقال:"لا تصومُوا حتى تَرَوا الهلالَ، ولا تفطِروا حتى تروهُ، فإنْ أُغْمِيَ عليكم فاقْدِروا له"، وهو حديث صحيح
(1)
.
11 - الحبلى والمرضع إذا لم تطيقا الصوم، أو خافتا على أولادهما فلهما الفطر، وعليهما الفدية، ولا قضاء عليهما:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "رُخِّص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يُطيقانِ الصومَ أن يُفْطِرَا إن شاءا أو يُطْعمَا كُلَّ يومٍ مسكينًا ولا قضاء عليهما ثم نُسِخَ ذلك في هذه الآية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وثبت للشيخ الكبير والعجوز إذا كانا لا يطيقان الصومَ، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينًا"، بسندٍ صحيح
(2)
.
وهذا الحكم الذي ذكره ابن عباس في الآية لا مخالف له فيه من الصحابة، بل نقل عنهم ما يوافقه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان، قال: يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينًا ولا يقضيان صومًا"، بسندٍ صحيح
(3)
، وعنه أيضًا أنه رأى أم ولد له حاملًا أو مرضعًا فقال:"أنت بمنزلة الذي لا يطيقه، عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينًا ولا قضاء عليك"، بسند صحيح
(4)
.
وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: "تفطر وتطعم
مكان كل يوم مسكينًا مدًّا من حنطة"، بسند صحيح
(5)
.
وعن أيضًا قال: "الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي"، بسند حسن
(6)
.
وسألت امرأة ابن عمر وهي حبلى فقال: "أفطري وأطعمي عن كل يوم مسكينًا ولا تقضي"، بسند حسن
(7)
، وعن سعيد بن المسيب قال في قوله تبارك وتعالى: {فِدْيَةٌ طَعَامُ
(1)
أخرجه البخاري رقم (1906)، ومسلم رقم (3/ 1080).
(2)
أخرجه ابن الجارود رقم (381) وابن جرير في تفسيره رقم (2752، 2753) شاكر.
(3)
أخرجه الطبري في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 136).
(4)
أخرجه الطبري في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 136). والدارقطني (2/ 206)، وقال: إسناد صحيح.
(5)
أخرجه الشافعي رقم (732)، ترتيب المسند، والبيهقي (4/ 230).
(6)
أخرجه الطبري في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 136)، والدارقطني (2/ 207) وصححه.
(7)
أخرجه الدارقطني (2/ 207).
مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قال: "هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام، فعلى كل واحد منهما طعام مسكين، مد حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان"، بسند حسن
(1)
.
وعن أنس بن مالك الكعبي، قال:"غارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغذى فقال: "ادن فكل"، فقلت: إني صائم، فقال: "ادن أحدثك عن الصوم - أو الصيام - إن الله تبارك وتعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والرضع الصوم" - أو الصيام -، والله لقد قالهما النبي صلى الله عليه وسلم كليهما أو أحدهما، فيا لهف نفسي ألا أكون طعمت طعام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث حسن
(2)
.
12 - إذا رأى الهلال أهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ سائر البلادِ الموافقةِ:
للأحاديث المصرحة بالصيام لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته كما في حديث أبي هريرة، وحديث ابن عمر المتقدمان في الفقرة رقم (10) من هذا الفصل - وهي خطاب لجميع الأمة، فمن راه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لجميعهم.
عن كُريب أنَّ أمَّ الفضل بنت الحارثِ بعثتْهُ إلى معاويةَ بالشام، قال: فقدمتُ الشامَ فقضيتُ حاجتها، واستهل عليَّ رمضانُ وأنا بالشامِ، فرأيتُ الهلالَ ليلةَ الجمعةِ، ثم قدمت المدينةَ في آخر الشهر، فسألني عبدُ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما ثم ذكرَ الهلال فقال: متى رأيتمُ الهلالَ؟ فقلتُ: رأينا ليلة الجمعة، فقالَ: أنتَ رأيتهُ؟ فقلتُ: نعم، ورآه الناسُ، وصامُوا وصامَ معاويةُ، فقال: لكنَّا رأيناهُ ليلةَ السبتِ، فلا نزالُ نصومُ حتى نكملَ ثلاثين، أو نراهُ، فقلت: أولا تكتفي برؤيةِ معاويةَ وصيامِهِ؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وقد أحسن المحدث الشيخ الألباني رحمه الله في التوفيق بين الحديث وبين الاستدلال به:
قال
(4)
: "إن حديث ابن عباس ورد فيمن صام على رؤية بلده، ثم بلغه في أثناء
(1)
أخرجه الطبري في "جامع البيان"(2/ ج 2/ 137).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (2408)، والنسائي (4/ 180)، والترمذي رقم (715)، وابن ماجه رقم (1667)، وابن خزيمة رقم (2043).
(3)
أخرجه مسلم رقم (28/ 1087) وغيره.
(4)
"تمام المنة" ص (398).
رمضان أنهم رأوا الهلال في بلدٍ آخر قبله بيوم، ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا ثلاثين، أو يروا هلالهم. وبذلك يزول الإشكال، ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه، يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلًا، كما قال ابن تيمية في "الفتاوى"(25/ 107) " اهـ
13 - تجب على الصائم النية قبل الفجر في صوم الفريضة:
عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يُجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له"، وهو حديث حسن
(1)
.
• أما النية في صوم التطوع، فإنها تصح قبل الزوال:
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ فقال: "هل عندكم شيء؟ "، فقلنا: لا، قال:"فإني إذنْ صائمُ"، ثم أتانا يومًا آخرَ، فقلنا: يا رسول الله أُهْديَ لنا حَيْسٌ، فقال:"أَرِنيه؛ فلقد أصبحتُ صائمًا"، فأكل، وهو حديث صحيح
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2454)، والترمذي رقم (730)، والنسائي (4/ 196)، وابن ماجه رقم (1700). وانظر، "الإرواء" رقم (914).
(2)
أخرجه مسلم رقم (170/ 1154) وغيره.
الفصل الثاني مبطلات الصوم
1 - يبطل الصوم بالأكل والشرب عمدًا
، لا خلاف في ذلك، أما النسيان فلا؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا نَسِيَ فأكلَ وَشَرِبَ فَليتمَّ صومَهُ، فإنما أطعمه الله وسقاهُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - ويبطل الصوم بالجماع عمدًا
، لا خلاف في ذلك؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:"بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله هلكتُ قال: "ما لكَ؟ " قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تجد رقبةً تعتقها؟ " قال: لا، قال: "فهل تستطيع تصوم شهرين متتابعين؟ " قال: لا، قال: "فهل تجدُ إطعام ستين مسكينًا؟ " قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحنُ على ذلك أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بِعَرقٍ فيها تمر - والعَرَق: المِكتل - قال: "أين السائل؟ " فقال: أنا، قال: "خُذ هذا فتصدَّق به"، فقال الرجلُ: على أفقرَ مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرَّتين - أهلُ بيت أفقرُ من أهلِ بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ أنيابُه ثم قال: "أطعِمْه أهلَكَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وفي رواية
(3)
: أنه صلى الله عليه وسلم: "وصُمْ يومًا مكانه"، وهي رواية صحيحة.
3 - ويبطل الصوم بالقيء عمدًا
؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذَرَعَهُ قيء وهو صائم، فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض"، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - يحْرم الوصال
؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال
(1)
أخرجه البخاري رقم (1933)، ومسلم رقم (171/ 1155).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1936)، ومسلم رقم (1111).
(3)
أبو داود رقم (2393)، وابن ماجه رقم (1671).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (2380)، والترمذي رقم (720)، وابن ماجه رقم (1676)، وأحمد (2/ 498)، وابن حبان (907 - مرارد)، والحاكم (1/ 427)، وقال:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي. وانظر:"الإرواء" رقم (923).
رحمةً لهم، فقالوا: إنك تواصلُ، قال:"إني لستُ كهيئتكم؟ إني يُطعمني ربي ويسقين"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - إنزال المني يفسد الصوم
، لأنه مصحوب - عادة - بشهوة ودفق، سواء أنزل في مداعبة الزوجة، أم أنزل بالاستمناء، أم أنزل بالفكر، والنظر:
أ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصيامُ جُنَّةٌ فلا يرفُثْ ولا يجهل، وإن امرؤٌ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده، لخَلُوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيامُ لي وأنا أجزي به، والحسنةُ بعشرِ أمثالها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وفي رواية
(3)
بلفظ: "كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله: إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به يَدعُ الطعامَ من أجلي، ويدعُ الشرابَ من أجلي، ويدعُ لذته من أجلي، ويدعُ زوجتَه من أجلي، ولخلوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان، فرحةٌ حين يفْطِر، وفرحةٌ عند لقاء ربه"، بسند صحيح.
ووجه الاستدلال:
أن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "يترك شهوته من أجلي"، و"يدع لذته من أجلي" يشمل جميع أفراد الشهوة واللذة؛ لأن كلمة "شهوته"، "لذته" مفرد مضاف، وهو من صيغ العموم، فالصائم مطالب بترك جميع شهوته ولذته، والمراد هنا شهوة الفرج، وهي تشمل إنزال المني على أي صورة، فإذا أنزل المني بطل صومه.
ب - عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإرْبه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وفي رواية
(5)
: "
…
وأيكم يملكُ إِرْبَهُ كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إِرْبَه"، وهي رواية صحيحة.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1964)، ومسلم رقم (1105).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1894)، ومسلم رقم (1151).
(3)
ابن خزيمة في صحيحه رقم (1897).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1927)، ومسلم رقم (65/ 1106).
(5)
رواه مسلم رقم (64/ 1106).
لا يصح الاستدلال بجواز القُبلة والمباشرة للصائم على عدم فساد الصوم بإنزال المني، لأن النص ورد باستثناء شهوة القبلة والمباشرة للصائم، فيبقى ما عداها من الشهوات - المتعلقة بالفرج - على التحريم.
أَرَب: إرْب: معناهما واحد: وهو حاجة النفس ووطرها، يقال: لفلان عند فلان أَرَب، وإِرْب، وإِرْبة، ومأربة: أي حاجة. والإِرْب أيضًا: العضو"
(1)
ا هـ.
قال المازري في "المعلم بفوائد مسلم"(2/ 33 - 34): "والذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها في الحديث المتقدم إليه يرجع فقه المسألة، لأنها أشارت إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف عند القبلة، ويأمن على نفسه أن يقع فيما سواه بخلاف غيره من أمته، فينبغي أن تعتبر حالة المقبّل، فإن كانت القُبلة تثير من المقبّل الإنزال كانت محرمة عليه، لأن الإنزال المكتسب يُمنع منه الصائم، فكذلك ما أوقع فيه وأدى إليه، وإن كان إنما يكون عنها المذي فيجري ذلك على حكم القضاء منه؛ فمن رأى أن القضاء منه واجب أوجب الكف عن القبلة، ومن رأى أن القضاء منه مستحب استحب الكف، وإن كانت القبلة لا تؤدي إلى شيء مما ذكر ولا تحرك لذة، فلا معنى للمنع منها إلا على طريقة من يحمي الذريعة، فيكون للنهي عن ذلك وجه" اهـ.
ج - دلالة الآثار التي استدل بها على أن الإنزال لا يفطر الصائم، ودلالتها غير مسلمة:
1 -
عن حكيم بن عقال أنه قال: "سألت عائشة: ما يحرم عليّ من امرأتي وأنا صائم؟ قالت: فرجها"، بسند صحيح
(2)
.
2 -
عن مسروق: "سألت عائشة: ما يحل للرجل من امرأته صائمًا؟ قالت: كل شيء إلا الجماع"، سنده صحيح
(3)
.
في هذين الأثرين تجد إباحة الاستمتاع بالزوجة وبجسدها ما لم يصل إلى الجماع،
(1)
"معالم السنن" للخطابي (2/ 778) هامش "السنن".
(2)
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 95)، وانظر: الصحيحة رقم (221).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (8439)، وانظر:"الصحيحة" رقم (221).
وفيهما أيضًا: ما يجوز للرجل من امرأته وما يحرم عليه منها، وليس فيهما ما يجوز للرجل أن يصل إليه في نفسه.
3 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "لا بأس بها إذا لم يكن معها غيرها، يعني القبلة" سنده صحيح
(1)
.
4 -
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أعرابي أتاه فسأله، فرخص له في القبلة والمباشرة ووضع اليد ما لم تعد إلى غيره"، سنده صحيح
(2)
.
وفي هذين الأثرين تجد أن حد الجواز هو القبلة والمباشرة فإذا تجاوز ذلك إلى القبلة أو المباشرة مع الإنزال، فقد تجاوز دائرة المباح إلى المحرم، فالإنزال محرم على الصائم، فإن أنزل متعمدًا بطل صومه.
5 -
عن جابر بن زيد: "أنه سئل عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر؟ قال: لا، ويتم صومه"، سنده حسن
(3)
.
في هذا الأثر حصل الإنزال بمجرد النظرة، وهو لم يتعمد الإنزال، فصومه صحيح ولا قضاء عليه.
د - من أنزل متعمدًا فسد صومه، وعليه القضاء، ولا كفارة - ككفارة الجماع - عليه، إذ الكفارة لم تثبت إلا في الجماع، وقياس من أنزل المني عليه قياس مع الفارق.
كما أن المذي والودي لا يفسدان الصوم؛ لأن نزولهما لا يكون مصحوبًا بلذة ودفق.
انظر: كتابي "إرشاد الامة إلى فقه الكتاب والسنة"، جزء الصوم؛ لترى الرد على الأقوال الأخرى التي خالفت ما اعتمدناه.
6 -
يندب تعجيل الفطر، لحديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال الناسُ بخير ما عجَّلوا الفِطرَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
7 -
ما يستحب عليه الإفطار؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" رقم (8415).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 63)، وانظر:"الصحيحة" رقم (221).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 70)، وأخرجه البخاري معلقًا (4/ 149 - الباب 23 - مع الفتح).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1957)، ومسلم رقم (1098).
يُفْطِرُ قبلَ أن يُصلي على رُطباتٍ فإنْ لم تكنْ رُطباتٌ، فتميراتٍ، فإن لم تكن تميراتٌ، حسا حسواتٍ من ماء"، وهو حديث صحيح
(1)
.
8 -
ويندب تأخير السحور؛ بحيث ينتهي من الطعام والشراب، قبيل طلوع الفجر بقليل، لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:"تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قامَ إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذانِ والسحورِ؟ قال: قَدْرُ خمسين آية"، وهو حديث صحيح
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2356)، والترمذي رقم (696)، وقال:"حديث حسن غريب".
(2)
أخرجه البخاري رقم (1921)، ومسلم رقم (1097).
الفصل الثالث قضاء الصوم
1 - يجب على من أفطرَ لعذرٍ شرعيٍّ أن يقضي
؛ كالمسافر، والمريض، والحائض؛ لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (184):{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} .
ولحديث معاذة في أن امرأةً سألت عائشةَ فقالت: أتقضي إحدانَا الصلاة أيام محيضها؟ فقالت عائشة: أحرورية أنتِ؟ قد كانت إحدانا تحيضُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثم لا تؤمَرُ بقضاءٍ، وهو حديث صحيح
(1)
.
وفي رواية لمسلم بلفظ: "كانت يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
أحرورية أنت: نسبة إلى حروراء، وهي قرية بقرب الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج بها، فمعنى قول عائشة: أن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض، وهو خلاف الحديث، وإجماع علماء المسلمين.
2 - الفطر للمسافر رخصة:
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال للنبي صلى الله عليه وسلم أَأَصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام - فقال:"إنْ شئت فصُم، وإن شئتَ فأفطر"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - إذا خشي المسافر المقاتل التلف أو الضعف عن القتال، فالفطر عزيمة:
عن أبي سعيد قال: "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام قال: فنزلنا منزلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم قد دنوتم من عدوِّكم، والفطرُ أقوى لكم"، فكانت رخصةً، فمنا من صامَ، ومنا من أفطرَ، ثم نزلنا منزلًا آخرَ، فقال: "إنكم مُصَبِّحو عدوَّكم، والفطر أقوى لكم فأفطِروا"، فكانت عزيمة، ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (321)، ومسلم رقم (335).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1943)، ومسلم رقم (1121).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1120)، وأحمد (3/ 35)، وأبو داود رقم (2406).
4 - قضاء الفوات من رمضان لا يجب على الفور؛ بل يجب على التراخي وجوبًا موسعًا:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيهُ إلَّا في شعبان"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قال الحافظ في "فتح الباري": "وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقًا؛ سواء كان لعذر أو لغير عذر".
واعلم أن المبادرة إلى القضاء أولى من التأخير، لدخولها في عموم الأدلة الدالة على الإسراع في عمل الخير وعدم التسويف، لقوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، وقوله عز وجل:{أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61].
ولا يجب التتابع في القضاء؛ لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، ويجوز التفريق في القضاء.
قال أبو داود في "مسائله" ص (95): "سمعتُ أحمد بن حنبل سُئِل عن قضاء رمضان؟ قال: إن شاء فرق وإن شاء تابع" اهـ.
ولا يلزم من أخَّر قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر، إلا القضاء؛ سواء أخَّر القضاء بتفريط أم بدون تفريط؛ لقوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فليس فيه غير القضاء، والزيادة على هذا زيادة على الشرع وأمر بما لم يأمر به، ولا صارف للآية عن ظاهرها.
كما أن ظاهر الآية يدل على أن القضاء واجب موسع، لا حد له، ولا دليل على تحديد آخر وقت القضاء.
5 - جواز صيام التطوع لمن عليه قضاء:
قال تعالى في سورة البقرة الآية (185): {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
في الآية دليل على أن وقت قضاء رمضان موسع، فإذا أراد المسلم الذي عليه قضاء
(1)
أخرجه البخاري رقم (1950)، ومسلم رقم (1146).
شيء من الصيام الاشتغال ببعض التطوعات من الصيام؛ كصيام يوم عرفة أو صيام عاشوراء، أو صيام الأيام البيض، فالظاهر جواز ذلك وبه قال الأحناف والشافعية ورواية عن أحمد، مع مراعاة الأسراع في عمل الخير والمبادرة إلى قضاء الواجب، لأن الأولى صوم الدين أولًا.
6 - من مات وعليه صوم، صام عنه وليه:
عن عائشة رضي الله عنها أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيامُ، صام عنه وليُّهُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 - الكبير العاجز عن الأداءِ والقضاء يُكفر عَنْ كُلِّ يومٍ بإطعامِ مسكين:
عن عطاءَ أنه سمعَ ابن عباسٍ يقرأ:
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184].
قال ابن عباس: "ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير، والمرأةُ الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكينًا"، وهو حديث صحيح
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (1952)، وسلم رقم (1147).
(2)
أخرجه البخاري رقم (4505).
الباب الثاني صوم التطوع
الفصل الأول: ما يستحب صومه
1 - صيام ست أيام من شوال:
عن عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّهُ حدَّثَهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:"من صامَ رمضانَ ثم أتبعهُ سِتًّا من شوالٍ كان كصيامِ الدهرِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قال الشوكاني
(2)
: "ظاهر الحديث أنه يكفي صيام ست من شوال، سواء كانت من أوله، أو من وسطه، أو من آخره، ولا يشترط أن تكون متصلة به لا فاصل بينها وبين رمضان إلا يوم الفطر، وإن كان ذلك هو الأولى، ولأن الاتباع وإن صدق على جميع الصور، فصدقه على الصورة التي لم يفصل فيها بين رمضان، وبين الست إلَّا يوم الفطر الذي لا يصح صومه - لا شك أنه أولى، وأما أنه لا يحصل الأجر إلا لمن فعل كذلك فلا؛ لأن من صام ستًّا من آخر شوال فقد أتبع رمضان بصيام ست من شوال بلا شك، وذلك هو المطلوب" اهـ.
2 - صيام تسع ذي الحجة:
عن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويومَ عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، أول اثنين من الشهر والخميس"، وهو حديث حسن
(3)
.
3 - صيام شهر المحرم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام، بعد رمضان شهرُ الله المحَرَّمُ، وأفضلُ الصلاةِ بعد الفريضةِ، صلاةُ الليل"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (1164)، وأبو داود رقم (2433)، والترمذي رقم (759)، وابن ماجه رقم (1716)، وأحمد (5/ 417).
(2)
في "وبل الغمام" بتحقيقي (1/ 520).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2437).
(4)
أخرجه مسلم رقم (1163)، وأحمد (2/ 344)، وأبو داود رقم (2429)، والترمذي رقم (740)، وابن ماجه رقم (1742)، والنسائي (3/ 206).
4 - صيام شهر شعبان:
عن أبي سلمة، قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان يصومُ حتى نقولَ: قَدْ صامَ، ويُفطِرُ حتى نقولَ: قد أفطرَ، ولم أرَهُ صائمًا من شهر قطُّ أكثرَ من صيامِهِ من شعبان، كان يصومُ شعبان كُلَّهُ، كان يصومُ شعبانَ إلَّا قليلًا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - صيام الاثنين والخميس:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرَّى صومَ الاثنين والخميس"، وهو حديث صحيح
(2)
.
6 - صيام أيام البيض:
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كُلِّ شهر، ورمضانُ إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كُلِّه .. "، وهو حديث صحيح
(3)
.
والأيام البيض: هي أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، من كلِّ شهر قَمَرِي.
7 - أفضل التطوع صيام يوم وإفطار يوم:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صوم فوقَ صومِ داودَ عليه السلام: شطر الدهرِ، صُم يومًا، وأفطِرْ يومًا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
8 - فضل صيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء:
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صيامُ يوم عَرفة، أحتسبُ على الله أنْ يُكَفِّرَ السنةَ التي قبلهُ والسنةَ التي بعدهُ، وصيام يوم عاشوراء، أحتسبُ على الله أن يكفِّرَ السنةَ التي قبله"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1969)، ومسلم رقم (176/ 1156).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 80، 89، 106)، والترمذي رقم (745)، وقال:(سديث حسن غريب "والنسائي (4/ 202)، وابن ماجه رقم (1739)، وابن حبان في صحيحه رقم (3643).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1162)، والنسائي (4/ 207)، وأبو داود رقم (2425).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1980)، ومسلم رقم (191/ 1159).
(5)
أخرجه مسلم رقم (196/ 162).
الفصل الثاني ما يكره صومه
1 - يكره صومُ الدهر
(1)
:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أسردُ الصومَ، وأصلي الليل، فإما أرسلَ إليَّ وإما لقيتهُ فقال: ألم أخبر أنكَ تصومُ ولا تُفطرُ، وتصلي؟ "فصمْ وأفطرْ وقُمْ ونَمْ، فإن لعينيك عليكَ حظًّا، وإنَّ لنفسكَ وأهلكَ عليكَ حظًّا"، قال: إني لأقوى لَذلك، قال: "فصُمْ صيام داود عليه السلام"، قَال: وكيَف؟ قال: "كان يصومُ يومًا ويفطر يومًا ولا يَفِرُّ إذا لاقى"، قال: مَن لي بهذه يا نبي الله؟ قال عطاء: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد؟، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صامَ من صامَ الأبد"، مرتين، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - يكره إفراد يوم الجمعة:
عن محمد بن عبادٍ قال: سألتُ جابرًا رضي الله عنه أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صومِ يوم الجمعةِ؟ قال: نعم، زاد غيرُ أبي عاصم "يعني أن ينفردَ بصومه"، وهو حديث صحيح
(3)
، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصومُ أحدُكم يومَ الجمعة إلَّا يومًا قبلَهُ أو بعدَهُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
3 - يكره إفراد يوم السبت:
عن الصماء بنت بُسْر السُّلمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تصوموا يوم السبت، إلا ما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدُكم إلَّا لِحَاءَ عنبةٍ أو عودَ شجرة، فليمضغه"، وهو حديث صحيح
(5)
.
* * *
(1)
رجح الشوكاني في "السيل الجرار"(2/ 141): "تحريم صوم الدهر".
(2)
أخرجه البخاري رقم (1977)، ومسلم رقم (186/ 1159).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1984)، ومسلم رقم (146/ 1143).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1985)، ومسلم رقم (147/ 1144).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (2421)، والترمذي رقم (744)، وقال:"حديث حسن"، وابن ماجه رقم (1726)، وأحمد (6/ 368)، والحاكم (1/ 435)، وقال:"صحيح على شرط البخارى"، وانظر:"الإرواء" رقم (960).
الفصل الثالث ما يحرم صومه
1 - يحرم صوم العيدين:
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعتُ منه حديثًا فأعجبني، فقلتُ له: أنتَ سمعتَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ - قال: فأقولُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أسمع؟ قال: سمعتهُ يقول: "لا يصلُحُ الصيامُ في يومين: يوم الأضحى، ويوم الفطرِ مِن رمضان"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - يحرم صوم أيام التشريق:
عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه حدثه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وأوسَ بن الحدَثَانِ أيام التشريق فنادى: "أنَّهُ لا يدخُلُ الجنةَ، إلَّا وأيامُ منى أيام أكل وشربٍ"، وهو حديث صحيح
(2)
، أيام منى: هي أيام النحر والتشريق.
3 - يُرخص للمتمتع فقط إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق:
عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: "لم يُرَخصْ في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "الصيامُ لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هديًا ولم يَصُم، صام أيام منى"، وعن عائشة مثله
(4)
.
4 - يحرم استقبال رمضان بيوم أو يومين:
عن صِلَةَ قال: كُنَا عند عمَّار، فأتيَ بشاةٍ مصلية فقال: كلوا، فتنحى بعضُ القوم، قال: إني صائم، فقال عمَّار رضي الله عنه:"من صامَ اليوم الذي يشكُّ فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث صحيح
(5)
.
5 - تنتفي حرمة صوم يوم الشك إذا وافق عادةً له:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتقدَّمَنَّ أحدُكم رمضانَ بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكونَ رجلٌ كان يصومُ صومَهُ، فليصُمْ ذلك اليوم"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1197)، ومسلم رقم (140/ 827).
(2)
أخرجه مسلم رقم (145/ 1142).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1997، 1998).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1999).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (2334)، والترمذي رقم (686)، والنسائي (4/ 153)، وابن ماجه رقم (1645).
(6)
أخرجه البخاري رقم (1914)، ومسلم رقم (21/ 1082).
الباب الثالث الاعتكاف
1 - دليل مشروعية الاعتكاف:
قال تعالى في سورة البقرة الآية (187): {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى قبضه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - يصح الاعتكاف في كل وقت في المساجد الثلاثة:
المسجد الحرام، المسجد الأقصى، المسجد النبوي.
عن أبي وائل، قال: قال حذيفة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: عكوفًا بين دارك، ودار أبي موسى، وقد علمت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاث"، فقال عبد الله:"لعلك نسيت وحفظوا، أو أخطات وأصابوا"، وهو حديث صحيح غريب عالٍ.
قلت: وإسناده على شرط البخاري
(2)
.
وقد عمل بعضُ السَّلف بهذا الحديث.
فأخرج عبد الرزاق في "المصنف"(رقم: 8019)، عن عطاء بسندٍ صحيح قال: "لا جوار - أي اعتكاف - إلا في مسجد مكة، ومسجد المدينة
…
".
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 91) وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (8008) بسند صحيح، عن ابن المسيب قال:"لا اعتكاف إلَّا في مسجدِ نبيٍّ".
مسجد نبي: يعني المساجد الثلاث.
3 - الاعتكاف في رمضان آكد لاسِيَّما في العشر الأواخر منه:
لحديث عائشة الصحيح المتقدم في الفقرة (1) من هذا الباب.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2026)، ومسلم رقم (5/ 1171).
(2)
أخرجه البيهقي (4/ 316)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(4/ 20)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"(15/ 81).
4 - يستحب الاجتهاد في العمل في العشر الأواخر من رمضان:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ العشرُ شدَّ مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - يُستحب قيام الليالي التي هي مظنّة ليلة القدر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يَقُمْ ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
6 - من أدعية من وجد ليلة القدر:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسولَ الله أرأيت إنْ علمتُ أيُّ ليلةٍ، ليلةُ القدر ما أقولُ فيها؟ قال:"قولي: اللهم إنكَ عفو تحبُّ العفو فاعْفُ عنِّي"، وهو حديث صحيح
(3)
.
7 - المعتكف لا يخرج إلا لحاجة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِلُ رأسَهُ وهو في المسجد، فأرجلهُ، وكان لا يدخل البيتَ إلَّا لحاجة، إذا كان معتكفًا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (2024)، ومسلم رقم (1174).
(2)
أخرجه البخاري رقم (35)، ومسلم رقم (760).
(3)
أخرجه الترمذي رقم (3513)، وقال:"حديث حسن صحيح"، وابن ماجه رقم (3850).
(4)
أخرجه البخاري رقم (2029)، ومسلم رقم (297).
الكتاب الرابع كتاب الزكاة
ويتضمن سبعة أبوابٍ
الكتاب الرابع كتاب الزكاة ويتضمن سبعة أبواب
الباب الأول: باب أحكام الزكاة.
الباب الثاني: باب زكاة الحيوان.
الفصل الأول: نصاب الإبل.
الفصل الثاني: نصاب البقر.
الفصل الثالث: نصاب الغنم.
الفصل الرابع: في الجمع والتفريق والأوقاص.
الباب الثالث: باب زكاة الذهب والفضة.
الباب الرابع: باب زكاة النبات.
الباب الخامس: باب مصارف الزكاة.
الباب السادس: باب صدقة الفطر.
الباب السابع: باب الخمس.
الباب الأول أحكام الزكاة
1 - منزلة الزكاة في الدين:
الزكاة فريضة من فرائضِ الدين، وركن من أركانه.
عن ابن عُمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِىَ الإسلامُ على خمسٍ، شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام رمضان"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - فضل الزكاةِ والترغيب في أدائِها:
إن تسمية هذه العبادة بـ "الزكاة" تدل على فضلها من جهة أنها تدل على معنى الطهر والنماء، كما قال سبحانه في سورة التوبة الآية (103):{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
فهي طهرٌ ونماءٌ للغني والفقير في نَفْسِهما ومالِهما، وهي فلاح لصاحبها.
وقال تعالى في سورة الروم الآية (39): {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق يعدل تمرةٍ من كسبِ طيب - ولا يقبل اللهُ إلا الطيبَ - فَإنَّ الله يتقبلُها بيمينه، ثم يُربِّيها لصَاحبها كما يُربِّيَ أحدُكُم فَلُوَّهُ
(2)
، حتى تكونَ مثلَ الجبل"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما تصدق صدقة من مالٍ، وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضعَ أحدٌ لله إلا رفعهُ الله عز وجل"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن عقبة بن الحارث قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العصرَ فأسرعَ، ثم دخلَ البيتَ فلم
(1)
أخرجه البخاري رقم (8)، ومسلم رقم (19/ 16).
(2)
فَلُوَّه: مُهْرَه الصغير، وقيل: هو الفطيم من أولاد ذوات الحافر.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1410)، ومسلم رقم (1014)، والنسائي (5/ 57)، والترمذي رقم (661)، وابن ماجه رقم (1842)، وابن خزيمة رقم (2425).
(4)
أخرجه مسلم رقم (2588)، والترمذي رقم (2029).
يلبثْ أنْ خرجَ، فقلتُ - أو قيل له - فقال صلى الله عليه وسلم: "كنتُ خَلَّفْتُ في البيت تبْرًا
(1)
من الصدقة فكرهتُ أن أُبيتهُ، فقسمته"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - الصدقة والزكاةُ بمعنىَ واحدٍ، تفترقان في الاسم وتتحدان في المعنى:
لقد تكررت كلمة "الزكاة" في ثلاثين مرة في القرآن العظيم، وجاءت في سبعة وعشرين موضعًا مقترنةً بالصلاة
(3)
.
وفي مواضع ثلاثة لم تقترن بالصلاة: وهي قوله تعالى في سورة الأعراف الآية (156 {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، وفي قوله تعالى في سورة الروم الآية (39){وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} وفي قوله تعالى في سورة فصلت الآية (7): {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} .
ويلاحظ أنها لم تأت في تلك المواضع الثلاثين جميعها إلا بمعنى الزكاة المفروضة ذات النُّصُب والمقادِير.
أما كلمة "الصدقة" و"الصدقات" فقد تكررت ثلاث عشرة مرة في القرآن العظيم، خمسة مواضع لكلمة "صدقة" وسبعة مواضع لكلمة "الصدقات" وموضع واحد بلفظ "صدقاتكم".
فجاءت الصدقة بمعنى إطعام المساكين في كفارة حلق الرأس في الإحرام، قال تعالى في سورة البقرة الآية (196):{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} .
وجاءت بمعنى الزكاة المفروضة في قوله تعالى في سورة التوبة الآية (103): {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
وفي قوله تعالى في سورة التوبة الآية (60): {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
وجاءت بمعنى صدقة الفرض والتطوع في سائر المواضع الأخرى
(4)
.
(1)
تِبْرًا: بكسر المثناة وسكون الموحَّدة: الذهب الذي لم يُصفّ ولم يُضْرَب.
(2)
أخرجه البخاري رقم (1430).
(3)
انظر: "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم"، ص (331 - 332).
(4)
انظر: المصدر السابق ص (406).
وبتأمل السنة النبوية، نجد أنها جاءت بمعنى الفرض في مواضعَ، وجاء في مواضع أخرى بمعنى الفرض والنفل، وفي بعض المواضع بمعنى النفل فقط.
وخلاصة القول أنَّ الصدقةَ والزكاةَ بمعنىً واحدٍ تفترقان في الاسم وتتحدانِ في المعنى.
4 - متى شُرِعَت الزكاة
؟.
شُرعت الزكاة في بداية الأمر مطلق صدقة واجبة دون قيد أو شرط، وبلا تحديد نصاب أو حَوْلي أو نسبة، وفي هذه المرحلة - المكية - نزلت آيات كثيرة منها قول الله تعالى في سورة النمل الآيات (1 - 3){طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} .
حتى جاء العهد المدني في السنة الثانية للهجرة، فقررت الزكاة ذات الأنصبة والمقادير.
5 - الحث عليها والتشديد في منعها:
قال تعالى في سورة آل عمران الآية (180): {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثَ معاذًا إلى اليمن، قال:"إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسولُ الله، فإنْ هم أطاعوك لذلك، فأعلمْهم أنَّ الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ، فإنْ هم أطاعوك، فأعلِمْهم أَنَّ الله افترض عليهم صدقةً، تؤخذُ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإنْ هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قال تعالى في سورة التوبة الآيتان (34، 35): {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} .
(1)
أخرجه أحمد (1/ 233)، والبخاري (1395)، ومسلم (19)، وأبو داود (1584)، والترمذي (625)، والنسائي (5/ 2، 3، 4)، وابن ماجه (1783).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِن صاحب كنزٍ لا يؤدِّي زكاتَهُ، إلا أُحْمِي عليه في نارِ جهنم، فيُجعلُ صفائحَ؛ فيُكْوَى بها جنباهُ وجبهتُهُ، حتى يحكُمَ اللهُ بين عباده في يومٍ كان مقْدَارهُ خمسينَ ألفَ سنةٍ، ثم يُرى سبيلهُ؛ إما إلى الجنةِ، وإما إلى النارِ، وما منِ صاحب إبلٍ لا يُؤدِّي زكاتَها، إلَّا بُطِح لها بقاعٍ قرقرٍ كأوفَرِ ما كانتَ تستنُّ عليه، كلما مضى عليه أَخرَاها رُدَّتْ عليه أولاها، حتى يحكُمَ الله بين عباده في يومٍ كان مقداره خمسينَ ألفَ سنة، ثم يُرى سبيلهُ؛ إما إلى الجنة، وإمَّا إلى النَّار، وما مِن صَاحب غنمٍ لا يُؤدِّي زكاتها، إلا بُطحً لها بقاع قَرْقر كأوفرِ ما كانَتْ، فتطؤهُ بأظْلافِهَا، وتنطحُهُ بقرونِهِا، ليسَ فيها عقصاء ولا جلْحَاءُ، كلمَّا مضَى عليه أُخْرَاها رُدَّتْ عليه أولاها، حتى يحكم اللهُ بين عباده في يومٍ كان مقدارهُ خمسين ألف سنةِ ممَّا تعدُّون، ثم يُرى سبيلُهُ؛ إمَّا إلى الجنة، وإما إلى النَّارِ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
6 - حكمُ مانِعها:
الزكاة ركنٌ من أركانِ الإسلام، وفريضةٌ من فرائض الذين التي أجمعتْ عليها الأمةُ وهي من ضروريات الدِّين؛ بحيثُ لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الإسلام وقُتل كفرًا، إلا إذا كان حديث عهدٍ بالإسلام؛ فإنه يُعذر بجهله الأحكام، أما من امتنع عن أدائها مع اعتقادِه بوجوبها؛ فإنَّه يأثمُ بامتناعه، دونَ أنْ يخرجه ذلك عن الإسلام، وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرًا، ويأخذ نصف مَالِهُ عقوبة.
عن بَهْزِ بن حكيم عن أبيه عن جدِّه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في كلِّ إبلٍ سائمةِ في كلِّ أربعينَ ابنةُ لَبُون، لا تُفرقُ إبلٌ عن حسابها، مَن أعطاها مُؤْتجرًا فله أجرُها، ومَن مَنَعها فإنَّا آخِذُوها، وشَطرَ إبلِهِ، عَزْمَةٌ من عَزَماتِ ربنا تبارك وتعالى لا يحلُّ لآل محمدِ منها شيء"، وهو حديث حسن
(2)
.
وأما إذا امتَنعَ قومٌ عن أدائِها مع اعتقادهم وجوبها، وكانت لهم قوة ومَنَعة؛ فإنَّهم يُقاتلُونَ عليها حتى يعطوها.
عن ابنِ عُمر أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاس، حتى يشهدوا أن لا
(1)
أخرجه أحمد (2/ 383)، ومسلم (987).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 4)، وأبو داود رقم (1575)، والنسائي (5/ 15، 16).
إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، ويقيموا الصلاةَ، ويُؤْتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلكَ عصموا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه لما توفيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكرٍ، وكفر من كفر من العرب، فقال عمرُ: كيفَ تقاتِلُ الناسَ وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني مالَهُ ونفسَهُ إلا بحقِّه وحسابُهُ على الله"، فقال: واللهِ لأقاتلنَّ من فرقَ بينَ الصلاةِ والزكاةِ، فإن الزكاةَ حق المالِ، واللهِ لو منعوني عَنَاقًا كانوا يؤدونَها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أنْ قد شرحَ اللهُ صدرَ أبي بكرٍ للقتالِ فعرفتُ أنه الحقُّ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - آثار إخراج الزكاة على البلاد والعباد:
أ - منع الجدب:
عن ابن عمر قال: أقبل علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المهاجرين: خمسٌ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن .... ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا القطرَ من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطَرُوا .. "، وهو حديث حسن
(3)
.
ب - سبيل لنيل البر:
قال تعالى في سورة آل عمران الآية (92): {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} .
ج - يخلف الله على مخرج الزكاة:
قال تعالى في سورة سبأ الآية (39): {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقولُ أحدُهما: اللهمَّ أَعْطِ مُنِفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أَعْطِ ممسِكًا تلفًا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (25)، ومسلم رقم (22).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 58)، والبخاري رقم (1399، 1400)، ومسلم رقم (20) وأبو داود رقم (1556)، والترمذي رقم (2606)، والنسائي (5/ 15).
(3)
أخرجه ابن ماجه رقم (4019)، وانظر:"الصحيحة" رقم (106).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1442)، ومسلم رقم (1010).
د - الدخول في رحمة اللّه:
قال تعالى في سورة الأعراف الآية (156): {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} .
هـ - النجاة من الخسران:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: انتهيتُ إليه وهو يقولُ في ظِلِّ الكعبة: "هم الأخسرون وربِّ الكعبة، هم الأخسرون وربِّ الكعبة" قلت: ما شأني أيُرى فيَّ شيءٌ؟ ما شأني؟ فجلستُ إليه وهو يقول، فما استطعتُ أن أسكتَ، وتغشاني ما شاءَ اللهُ، فقلت: من هم بأبي أنت وأمي يا رسولَ الله؟ قال: "الأكثرون أموالًا، إلا من قال: هكذا، وهكذا، وهكذا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
8 - على من تجب الزكاة
؟
تجب الزكاة على كل مسلم حر مالك للنصاب، إذا حال الحول على ما يملك من المال سوى الزرع؛ فإنه تجب الزكاة فيه يوم حصاده إذا بلغ النصاب.
قال تعالى في سورة الأنعام الآية (141): {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} .
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (6638) - واللفظ له - ومسلم رقم - (30/ 990).
الباب الثاني زكاة الحيوان
الفصل الأول: نصاب الإِبل
إذا بلغت الإبلُ خمسًا ففيها شاةً، ثم في كُلِّ خمسٍ شاةٍ، فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها ابنة مخاض
(1)
أو ابنُ لبونٍ
(2)
، وفي ست وثلاثين ابنةُ لبونٍ
(3)
، وفي ست وأربعين حِقَّةٌ
(4)
، وفي إحدى وستين جَذَعَةٌ
(5)
، وفي ست وسبعين بِنْتَا لبون، وفي إحدى وتسعين حِقَّتان إلى مائة وعشرين، فإذا زادت ففي كلِّ أربعينَ ابنةُ لبونٍ، وفي كُل خمسينَ حِقَّةٌ، ويوضح ما تقدم الجدول الآتي:
النصاب من الإبل
القدر الواجب فيه
من
إلى
5
9
1 شاة
10
14
2 شاتان
15
19
3 شياه
20
24
4 شياه
25
35
1 بنت مخاض
36
45
1 بنت لبون
46
60
1 حقة
61
75
1 جذعة
76
90
2 بنتا لبون
91
120
2 حقتان
121
129
3 بنات لبون
(1)
هي: أنثى الإبل التي أتمت سنة ودخلت في الثانية وسُمِّيتْ بذلك؛ لأنَّ أمها لحقت بالمخاض وهي الحوامل.
(2)
هو ذكر الإبل الذي أتم سنتين، ودخل في الثالثة.
(3)
هي أنثى الإبل التي أتمت سنتين، ودخلت في الثالثة، وسُمِّيتْ بذلك؛ لأن أمها وضعت غيرها وصارت ذات لبن.
(4)
هي أنثى الإبل التي أتمت ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة، وسُمِّيتْ بذلك؛ لأنها استحقت أن يطرقها الفحل.
(5)
هي أنثى الإبل التي أتمت أربع سنين، ودخلت في الخامسة.
النصاب من الإبل
القدر الواجب فيه
من
إلى
130
139
1 حقة + 2 بنتا لبون
140
149
2 حقة + 1 بنتا لبون
150
159
3 حقاق
160
169
4 بنات لبون
170
179
3 بنات لبون + 1 حقة
180
189
2 بنتا لبون + 2 حقة
190
199
3 حقاق + 1 بنت لبون
200
209
4 حقاق أو 5 بنات لبون
قلت: ودليل ما تقدم:
حديث أنس رضي الله عنه قال: إن أبا بكر رضي الله عنه كتبَ لَهُ هذا الكتاب لما وَجَّهَهُ إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمرَ اللهُ بها رسولَهُ، فمن سُئلَها من المسلمين على وجهها فليُعْطِها، ومَنْ سُئِلَ فوقَها فلا يُعطِ: في أربعٍ وعشرينَ من الإبلِ فما دونها من الغنم من كل خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنتُ مخاضٍ أُنثى، فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمس وأربعينَ ففيها بنتُ لبونٍ أُنثى، فإذا بلغتْ ستًّا وأربعين إلى ستين ففيها حِقَّةٌ طروقةُ الجمل، فإذا بلغتْ واحدةً وستين إلى خمسٍ وسبعين ففيها جَذَعةٌ، فإذا بلغت - يعني ستًّا وسبعين - إلى تسعين ففيها بنتا لبونٍ، فإذا بلغتْ إحدى وتسعين إلى عشرين ومائةٍ ففيها حِقتان طروقتا الجمل.
فإذا زَادتْ على عشرينَ ومائة ففي كُلِّ أربعينَ بنتُ لبونٍ وفي كل خمسينَ حِقةٌ، ومن لم يكن معه إلَّا أربعٌ من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها، فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاة .. "، وهو حديث صحيح
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (1454).
الفصل الثاني: نصاب البقر
ويجبُ في ثلاثينَ من البقر تبيعٌ أو تبيعةٌ
(1)
وفي أربعين مُسِنَّةٌ
(2)
، ثم كذلك:
ويوضح ما تقدم الجدول الآتي:
النصاب من البقر
القدر الواجب فيه
من
إلى
30
39
تبيع
40
59
مسنة
60
69
تبيعان
70
79
مسنة وتبيع
80
89
مسنتان
90
99
ثلاثة أتبعة
100
109
مسنة وتبيعان
110
119
مسنتان وتبيع
120
129
ثلاث مسنات أو أتبعة
قلت: ودليل ما تقدم:
حديث معاذ رضي الله عنه قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخُذَ من كُل ثلاثينَ بقرةً، تبيعًا أو تبيعة، ومن كل أربعينَ، مُسنة، ومن كل حالمٍ دينارًا أو عدْلَهُ معافر
(3)
"، وهو حديث صحيح
(4)
.
* * *
(1)
التبيع: ولد البقر (جمع): أتْبعة، والأنثى: تبيعة، (جمع)، تِبَاعٌ.
وقد سُمِّيَ تبيعًا؛ لأنه يتبع أمَّةُ، وقد أتى عليه حول.
(2)
المسنة: ما لها سنتان، وطعنت في الثالثة، سمبت بذلك؛ لأنها أطلعت أسنانها.
(3)
المعافر: هي ثياب تكون في اليمن.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (1576)، والترمذي رقم (623)، وقال:"حديث حسن"، والنسائي (5/ 25 - 26)، وابن ماجه رقم (1803) وغيرهم.
الفصل الثالث: نصاب الغنم
ويجب في أربعين من الغنم شاةٌ إلى مائة وإحدى وعشرين، وفيها شاتان إلى مائتين وواحدةً، وفيها ثلاثُ شياهٍ، إلى ثلاثمائةٍ وواحدةٍ وفيها أربعُ، ثم في كل مائةٍ شاةٌ.
ويوضح ما تقدم الجدول الآتي:
النصاب من الغنم
القدر الواجب فيه
من
إلى
1
39
لا شئ
40
120
شاة
121
200
شاتان
201
399
ثلاث شياه
400
499
أربع شياه
500
599
خمس شياه
وهكذا في كل مائة شاة.
قلت: ودليل ما تقدم:
حديث أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كتبَ لَهُ هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين
…
وفيه: "
…
وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعينَ إلى عشرين ومائةٍ شاةٌ، فإذا زادت على عشرينَ ومائةٍ إلى مائتين، شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة، ففيها ثلاثٌ، فإذا زادتْ على ثلاثمائة، ففي كُلِّ مائةٍ شاة، فإذا كانت سائمةُ الرجل ناقصةً من أربعين شاةً واحدة فليس فيها صدقةٌ إلا أن يشاءَ ربُّها
…
"، وهو حديث صحيح
(1)
.
* * *
(1)
رواه البخاري (1454).
الفصل الرابع: في الجمع والتفريق والأوقاص
1 - لا يجمع بين متفرقٍ من الأنعامِ، ولا يُفرَّقُ بينَ مجتمعٍ خشية الصدقة:
لحديث أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كتبَ له التي فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ولا يُجْمَعُ بين متفرِّقٍ، ولا يُفَرِّقُ بين مجتمعٍ؛ خشيةَ الصدقة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
•
صورة التفريق بين مجتمع:
أن يكون لرجلين مائتا شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه، فيفرقونها؛ حتى لا يكون على كل واحد منهما إلَّا شاة واحدة.
•
وصورة الجمع بين مفرِّق:
أن يكون لثلاثة أشخاص لكل واحد أربعون شاة، فإذا لم يجمعوها كان على كل واحد شاة، وإذا جمعوها لم يجب فيها إلا شاة واحدة.
2 - لا زكاة فيما دون النصاب، ولا في الأوقاص:
تقدم في حديث أنس الصحيح - في الفصل الأول، وفي الفصل الثالث - لا زكاة فيما دون النصاب، وهذا لا خلاف فيه.
الأوقاص: جمع وقص وهو ما بين الفريضتين، وهذا لا خلاف فيه أيضًا.
لحديث معاذ رضي الله عنه الطويل وفيه: "أن الأوقاص لا فريضة فيها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - تراجع الخليطين بالسوية:
لحديث أنس رضي الله عنه: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له التي فرضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما كانَ من خليطينِ؛ فإنهما يتراجعانِ بينها بالسَّويةِ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وصورة الخليطين:
أن يكون لكل واحد منهما عشرون شاة، فيأخذ المصدّق من الأربعين، شاةً من ملك أحدهما، فيرجع على صاحبه بنصف قيمتها، وهذا على أن مجرد خلط الشريكين بملكيهما يصيرهما بمنزلة الماشية المملوكة لرجل واحد، وهو الحق كما دلت على ذلك الأدلة.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1450).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 240).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1451).
4 - الأنواع التي نهى المصدق عن أخذها:
أ - الهرمة: وهي الكبيرة التي سقطت أسنانها.
ب - العوراء.
ج - التيس.
د - ذات عيب.
لحديث أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له التي أمرَ اللهُ ورسولَهُ صلى الله عليه وسلم: "ولا يُخرج في الصدقةِ هرِمةٌ ولا ذاتُ عَوارٍ، ولا تيس، إلا ما شاء المصدِّقُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
لكتاب عمر المحلي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تؤخذ هَرِمَة، ولا ذاتُ عيب"، وهو حديث حسن
(2)
.
هـ - الأكُول: والأكُولة: الشاة التي هي للأكل.
د - الرُّبَّى: هي التي تكون في البيت لأجل اللبن.
ز - الماخِضُ: الحاملُ إذا ضربها الطلقُ.
ح - فحل الغنم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "مُر على عمر بغنم من الصدقة، لمحرأى فيها شاة حافلًا ذاتَ ضَرعٍ عظيم، فقال عمر: ما هذه الشاة؟ قالوا: شاة من الصدقة، قال: ما أعطي هذه أهلُها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس، لا تأخذوا حَزَرَات أموال المسلمين، نَكَّبُوا عن الطعام"، إسناده صحيح
(3)
.
وعن سفيان بن عبد الله، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه مصدِّقًا، فكان يَعُدُّ على الناس بالسَّخْلِ، فقالوا: أتَعُدُّ علينا بالسَّخْلِ ولا تأخذ منه شيئًا؟ فلما قدم على عمر بن الخطاب ذكر ذلك له، فقال عمر: نعم، تعدُّ عليهم السخلةَ يحملها الراعي، ولا تأخذُوها، ولا تأخذ الأكُولةَ، ولا الرُّبَّى، ولا الماخِضَ، ولا فحلَ الغنم، وتأخذ الجذعةَ والثنيَّةَ، وذلك عَدْلٌ بين غِذَاءِ المال وخيارِه"، بسند حسن
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1455).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 257 رقم 23) وحسنه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في "تخريج جامع الأصول".
(3)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 267 رقم 28).
(4)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 265 رقم 26)، والشافعي في ترتيب "المسند"(رقم 651) بسند حسن، وهو موقوف على عمر رضي الله عنه، ويشهد له من جهة المعنى الحديث الذي قبله.
الباب الثالث زكاة الذهب والفضة
1 - النصاب والحول شرطان لوجوب زكاة الذهب والفضة:
عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحولُ، ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء، يعني في الذهب، حتى يكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا، وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار"، وهو حديث حسن
(1)
.
2 - نصاب الفضة مائتا درهم، وفيها ربع العشر: أي (2.5) بالمائة
.
لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحسن المتقدم في الفقرة رقم 1 من هذا الباب - وعن أنس رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين
…
وفيه
…
"وفي الرِّقة
(2)
رُبعُ العُشرِ
…
"، وهو حديث صحيح
(3)
.
الدرهم= 2.975 غرامًا.
خمسة دراهم= 14.675 غرامًا، عشرة دراهم = 29.75 غرامًا.
عشرون درهمًا = 59.5 غرامًا، مائة درهم = 297.5 غرامًا.
مائتا درهم = 595 غرامًا هو نصاب الفضة.
3 - نصاب الذهب عشرون دينارًا، وفها ربع العشر: أي: (2.5) بالمائة:
لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحسن المتقدم في الفقرة 1 من هذا الباب.
الدينار= 4.25 غرامًا، خمسة دنانير= 21.25 غرامًا.
عشرة دنانير = 42.5 غرامًا.
عشرون دينارًا = 85 غرامًا، وهي نصاب الذهب.
انظر: "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية"، للمؤلف.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (1572)، وحسنه ابن حجر.
(2)
الرِّقة: الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1454).
4 - لا تجب الزكاة في الجواهر:
كالدر، والياقوت، والزمرد، والماس، واللؤلؤ، والمرجان، ونحو ها؛ لعدم وجود دليل يدل على ذلك، والبراءة الأصلية مستصحبة.
5 - لا تجب الزكاة ذات النصب التي يشترط فيها حولان الحول في حلي المرأة، المستعمل من الذهب والفضة، وإنما الواجب صدقة مطلقة بحسب ما تجود به النفس:
عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: إن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنت لها، في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال:"أتؤدين زكاة هذه"؟ قالت: لا، قال:"أيسُرُّك أن يُسَوِّركَ اللهُ عز وجل بهما بوم القيامة سوارين من نارٍ"؟ قال: فخلَعْتُهما فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث حسن
(1)
.
وعن عبد الله بن شداد بن الهاد، أنه قال: دخلنا على عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى في يدي فتختان من وَرِق، فقال:"ما هذا يا عائشة"؟ فقالت: صنعْتُهن أتزين لك يا رسول اللّه، قال:"أتؤدين زكاتهن؟ " قلت: لا، أو ما شاء الله، قال:"هو حَسْبُكِ من النار"، وهو حديث صحيح
(2)
.
والحديثان يدلان على وجوب الزكاة في حلي النساء المستعمل من الذهب والفضة، لكن الظاهر أنها ليست الزكاة المشروعة المفروضة التي يطلب فيها بلوغ النصاب وحولان الحول؛ وذلك لأمور:
أ - أن المسكتين أو الفتخات لا تبلغان النصاب.
ب - لم يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن حولان الحول، ولا يقال: إنها قد حال عليها الحول؛ لأن ظاهر حديث عائشة واضح الدلالة في أن اتخاذها للفتخات كان قريبًا من رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي لم يحل عليها الحول.
(1)
أخرجه النسائي (5/ 38)، وأبو داود رقم (1563)، والترمذي رقم (637)، وحسنه الشيخ الألباني في "الإرواء"(3/ 296).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (1565)، والحاكم (1/ 389 - 390)، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الشيخ الألباني رحمه الله في "الإرواء"(3/ 297)، كما صحح الحافظ ابن حجر إسناده على شرط الصحبح في "التلخيص"(2/ 178).
ج - أن عموم الأحاديث التي تقول بوجوب الزكاة في الذهب والفضة، تدل على أن الزكاة في الذهب والفضة المستعمل في النقد؛ لأن اللغة والعرف إنما يطلقان هذه الألفاظ على النقد، لا على مطلق الذهب والفضة.
د - أن حلي المرأة المستعمل مثله مثل البقر العوامل والإبل العوامل، لا تجب فيها الزكاة، مع كون جنسها مما تجب فيه الزكاة.
هـ - أن أكثر الصحابة: على أنه لا زكاة في حلي المرأة المستعمل.
و - روي عن جماعة من السلف: أن زكاة حلي المرأة المستعمل عاريته.
عن نافع - مولى عبد اللّه بن عمر - أن ابن عمر رضي الله عنهما: "كان يُحلِّي بناته وجواريَهُ الذهب، ثم لا يُخرِجُ من حُليهنَّ الزكاة"، إسناده صحيح
(1)
.
وعن القاسم بن محمد رحمه الله: "أن عائشة رضي الله عنها كانت تلي بناتِ أخيها محمدٍ، يتامَى في حجرها، ولهنَّ الحلي، فلا تزكيه"، وإسناده صحيح
(2)
.
6 - زكاة عروض التجارة:
قال الشيخ الألباني
(3)
رحمه الله: "والحق أن القول بوجوب الزكاة على عروض التجارة، مما لا دليل عليه في الكتاب والسنة الصحيحة
…
" اهـ.
أما الشوكاني
(4)
رحمه الله: فكان أولًا يرى وجوب زكاة عروض التجارة، ثم رجع
(5)
عن ذلك وفاقًا للظاهرية، وخالفهم الجمهور
(6)
.
* * *
(1)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 250).
(2)
أخرجه مالك في "الموطأ"(1/ 250)، وانظر:"المغني" لابن قدامة (4/ 220 - 225 مسألة 450).
(3)
في "تمام المنة" ص (363).
(4)
في "نيل الأوطار"(4/ 117).
(5)
في "الدرر البهية في المسائل الفقهية"، وشرحها "الدراري المضية"(1/ 348 - 349) بتحقيقي، و"السيل الجرار"(2/ 26).
(6)
انظر: بسط هذه المسألة في "المغني"(4/ 248 - 262)، و"مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية"(25/ 45)، و"حاشية العدة للامير"(3/ 290)، و"بذل المجهود"(8/ 21) وغيرهم.
الباب الرابع زكاة النبات
1 - أصناف الحبوب التي تجب فيها الزكاة:
عن أبي موسى الأشعري، ومعاذ رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما: "لا تأخذوا في الصدقة إلَّا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير، والحِنْطةِ، والزبيب، والتمر"، وهو حديث حسن
(1)
.
2 - نصاب النبات خمسة أوسق:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ فيما دونَ حمسِ ذودٍ صدقة من الإبل، وليس فيما دُونَ خمسِ أواقٍ صدقة، وليس فيما دُونَ خمسةِ أوسق صدقة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
الذود: من الثلاثة إلى العشرة، لا واحد له من لفظه، إنما يقال في الواحد: بعير.
الأوقية: 40 درهمًا.
فالخمس أواقي= 200 درهم.
الوسق= 60 صاعًا كيلًا.
الصاع= 4 أمداد كيلًا.
المد= 544 غرامًا من القمح.
فالوسق - 60 × 4× 544 = 130560 غرامًا = 130.56 كيلو غرامًا.
فالخمسة أوسق = 130.56 × 5 = 652.8 كيلو غرامًا.
[انظر: "الإيضاحات العصرية للمقاييس والمكاييل والأوزان الشرعية"، للمؤلف].
(1)
أخرجه الحاكم (1/ 401) وقال: "إسناده صحيح"، ووافقه الذهبي، وأقره، الزيلعي في "نصب الراية" (2/ 389) إلَّا أنه قال:"قال الشيخ في "الإمام" وهذا غير صريح في الرفع"، ورجح الألباني في "الإرواء"(3/ 278) رفعه، وذكر له مرسل صحيح السند عن موسى بن طلحة قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ الصدقة من الحنطة والشعير والنخل والعنب"، أخرجه أبو عبيد في "الأموال" رقم (1174) و (1175).
(2)
اخرجه البخاري رقم (1447)، ومسلم رقم (979).
3 - ما سقت السماء ففيه العشر، وما سقي بالسانية فنصف العشر:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سَقَتِ الأنهارُ والغيم
(1)
العشور، وفيما سُقِيَ بالسانية
(2)
نصف العشر"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - تجب الزكاة في العسل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في العسلِ، في كلِّ عشْرةِ أَزِقٍّ زِقٌّ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
5 - توزع زكاة كل محلة على فقرائها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنَّ اللهَ قد فرض عليهم خمسَ صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالِهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب"، وهو حديث صحيح
(5)
.
6 - تجزئ الزكاة وإن دفعت لسلطان جائر:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترونَ بعدي أثرةً
(6)
، وأمورًا تنكرونها"، قالوا: فما تأْمرُنا يا رسول الله؟ قال: "أدُّوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
الغيم: هو المطر.
(2)
فيما سقى بالسانية: السانية هو البعير الذي يستقى به الماء من البئر، ويقال له: الناضح، يقال: سنا يسنو سنوًا، إذا استقى به.
(3)
أخرجه مسلم رقم (981)، واحمد (3/ 341)، والنسائي (5/ 41 - 42).
(4)
أخرجه الترمذي رقم (629)، والبغوي في "شرح السنة"(6/ 44)، والبيهقي (4/ 126).
قال الترمذي: "حديث ابن عمر في إسناده مقال"، قلت: صدقة بن عبد الله السمين مختلف فيه، ضعفه أحمد وابن معين، وغيرهما. ووثقه أبو حاتم وغيره، وصحح الشيخ الألباني في "صحيح الترمذى"، وللحديث شواهد انظرها: في تحقيقي "لنيل الأوطار" رقم (1561).
(5)
أخرجه البخاري رقم (1496)، ومسلم رقم (29/ 19).
(6)
الأثرة: اسم، عن آثر به يؤثِرُ إيثارًا، إذا سمحَ به لغيره وفضله على نفسه، والمراد: إنكم ستجدون بعدي قومًا يفضلِّون أنفسهم عليكم في الفيء، والاستئثار: الانفراد بالشيء ["النهاية" 1/ 22].
(7)
أخرجه البخاري رقم (7052)، ومسلم رقم (45/ 1843).
الباب الخامس مصارف الزكاة
أولًا: مصارف الزكاة ثمانية
.
قال تعالى في سورة التوبة الآية (60): {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .
1 - الفقير: الذي لا شيء له
.
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المسألةُ لا تَحِلُّ إلا لثلاثةٍ، لذي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجعٍ"، وهو حديث صحيح لغيره
(1)
.
وعن عُبيد الله بن عديٍّ بن الخيار: أن رجلينِ أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلَّبَ فيهما البصرَ ورآهما جَلْدَينِ، فقال:"إِن شئتُما أعطيتكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مكتسب"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - المسكين: الذي له شيء لا يكفيه
.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكينُ الذي تردُّهُ التمرةُ والتمرتان، ولا اللقمةُ واللقمتانِ، إنما المسكين الذي يتعفَّفُ، اقرؤوا إن شئتم:{لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]، وهو حديث صحيح
(3)
.
وفي لفظ: "ليس المسكينُ الذي يطوفُ على الناسِ، تردُّهُ اللقمةُ واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يُغْنيه، ولا يُفْطَنُ به فيُتَصَدَّقُ عليه، ولا يقومُ فيسأل الناسَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
3 - العاملون عليها: هم الجباة والسعاة ولا يجوز أن يكونوا من بني هاشم
.
عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الصدقةَ لا تنبغي لآل محمدٍ، إنما هي أوساخ الناسِ".
(1)
أخرجه أحمد (3/ 127)، وأبو داود رقم (1635).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 362)، وأبو داود رقم (1633)، والنسائي (5/ 99).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 395)، والبخاري رقم (4539)، ومسلم رقم (100/ 1039).
(4)
أخرجه أحمد (2/ 260)، والبخاري رقم (1479)، ومسلم رقم (101/ 1039).
وفي رواية: "وإنها لا تَحِلُّ لمحمدٍ، ولا لآل محمد"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن بُسر بن سعيد أن ابن السعدي المالكي قال: استعملني عمرُ على الصدقة، فلما فَرَغْتُ منها، وأديتُها إليه، أمر لي بعُمالة، فقلتُ: إنما عملتُ لله! فقال: خُذْ ما أعطيتَ فإني عملتُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمَّلني، فقلتُ مثلَ قولِكَ، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل، فكلْ وتصدَّق"، وهو حديث صحيح
(2)
.
4 - المؤلفة قلوبهم:
عن عمرو بن تغلبَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بمالٍ أو سبيٍ فقسمه، فأعطى رجالًا، وترك رجالًا، فبلغَهُ أنَّ الذين تَرك عَتَبُوا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"أما بعدُ: فوالله إني لأعطي الرجُلَ، وأدعُ الرَّجُلَ، والذي أدعُ أحبُّ إليَّ من الذي أعطي، ولكني أعطي أقوامًا؛ لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكلُ أقوامًا إلى ما جُعِلَ في قلوبهم من الغنَى والخير، منهم عمرو بن تغلبَ"، فوالله ما أُحبُّ أنَّ لي بكلمةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْرَ النَّعَم، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن عامر بن سعدٍ، عن أبيه، قال: قسمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَسْمًا، فقلت: يا رسول اللّهِ! أعْطِ فلانً؛! فإنَّهُ مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أو مسلم" أقولها ثلاثًا ويردّدُهَا عليَّ ثلاثًا: "أو مُسْلِمٌ" ثم قال: "إني لأعطي الرجلَ، وغيرُهُ أحَبُّ إليَّ منه؛ مخافة أن يَكُبَّهُ اللهُ في النار"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن، بذهبةٍ في تُربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر: الأقرعُ بنُ حابس الحنظلي، وعيينةُ بنُ بدرٍ الفزاري، وعلقمةُ بن عُلاثَة العامري، ثم أحدُ بني كلابٍ، وزيدُ الخير الطائيّ، ثم أَحد بني نبهانَ، قالَ: فغضِبَتْ قريشٌ فقالوا: أيعطي صناديد نجدٍ ويدعُنَا؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إني إنما فعلتُ ذلِكَ، لأتألفهُم"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (167، 168/ 1072).
(2)
أخرجه أحمد (1/ 52)، والبخاري رقم (7164)، ومسلم رقم (1045).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 69)، والبخاري رقم (923).
(4)
أخرجه البخاري رقم (27)، ومسلم رقم (236/ 150).
(5)
أخرجه البخاري رقم (3344)، ومسلم رقم (143/ 1064).
5 - وفي الرقاب: أي إنها تشتري الرقاب لتعتق
.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: علمني عملًا يدخلني الجنة، فقال: "لئن كنتَ أقصرْتَ الخُطبةَ لقد أعرضْتَ المسألةَ
(1)
، أَعْتِقْ النسمةَ
(2)
، وفُك الرقبةَ"، فقال: يا رسول الله أوليستا بواحدة؟ قال: "لا، إن عتق النسمة أن تفَرَّدَ بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها .. "، وهو حديث صحيح
(3)
.
6 - الغارمين: هم الذين ركبهم الدين ولا وفاء عندهم
.
عن قبيصة بن مُخارقٍ الهلالي قال: تحمَّلتُ حَمالةً، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أسالُهُ فيها، فقال:"أقم حتى تأتينا الصدقةُ فنأمُرَ لكَ بها" ثم قال: "يا قبيصةُ؛ إن المسألة لا تحِلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثة: رجُلٍ تحمَّلَ حمالةً، فحلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَها ثم يُمسكُ، ورجلٌ أصابتهُ جَائحة اجتاحتْ مالَهُ، فحلَّتْ له المسألة حتى يُصيب قِوامًا من عيشٍ - أو قال: سِدَادًا من عيشٍ - ورجُلٍ أصابْتهُ فاقةٌ، حتى يقول ثلاثةٌ من ذوي الحِجا من قومه: لقد أصابتْ فلانًا فاقةٌ فَحلَّتْ له المسألة، حتى يُصيب قوامًا من عيشٍ - أو قال: سدادًا من عيشٍ - فما سواهُنَّ من المسألة يا قبيصةُ فسحتٌ يأكلها صاحِبُها سُحْتًا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
7 - في سبيل الله: يصرف في الغزاة، وفي الحج
.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحلُّ الصدقةُ لغني إلَّا لخمسة: لعامل عليها، أو رجُل اشتراها بمالِهِ، أو غارمٍ، أو غازٍ في سبيل الله، أو مسكين تُصدِّقَ عليه منها، فأهدى منها لغني"، وهو حديث صحيح
(5)
.
وعن أم معقل رضي الله عنها قالت: "لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وكان لنا جمل، فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض، وهلك أبو معقل، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلما
(1)
أعرضت المسألة: أي جئت بالخطبة قميرة، وبالمسألة واسعة كثيرة.
(2)
أعتق النسمة: النسم: الروح، أي أعتق ذا نسمة، وكل دابة فيها روح فهي نسمة.
(3)
أخرجه أحمد (4/ 299)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (69)، والطيالسي رقم (739)، وابن حبان رقم (1209 - موارد)، والحاكم (2/ 217)، والبيهقي (10/ 272 - 273)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (2419)، وقال الحاكم:"حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
(4)
أخرجه أحمد (5/ 60)، ومسلم رقم (1044)، وأبو داود رقم (1640)، والنسائي (5/ 89).
(5)
أخرجه أحمد (3/ 56)، وأبو داود رقم (1636)، وابن ماجه رقم (1841)، والحاكم (1/ 407 - 408)، وابن خزيمة رقم (2374)، وابن الجارود رقم (365).
فرغ من حجته جئته، فقال: يا أم معقل، ما منعك أن تخرجي معنا؟ قالت: لقد تهيأنا، فهلك أبو معقل، وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه، فأوصى به أبو معقل في سبيل الله، قال:"فهلا خرجت عليه؛ فإن الحج في سبيل الله، فأما إذا فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري في رمضان؛ فإنها كحجة"، فكانت تقول: الحج حجة، والعمرة عمرة، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أدري ألي خاصة؟، وهو حديث صحيح
(1)
.
8 - وابن السبيل: المسافر
.
المسافر: الذي يريد أن يرجع إلى بلده، وقد فقد النفقة التي تبلغه إلى مقصده
(2)
.
ثانيًا: تحرم الصدقة على بني هاشم ومواليهم
.
عن أنس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرةٍ مسقوطة فقال: "لولا أن تكون صدقة لأكلتها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤتى بالتمر عندَ صِرام النخل فيجئ هذا بتمره، وهذا من تمره، حتى يصيرَ عندَهُ كومًا من تمرٍ، فجعل الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بذلك التمر، فأخذَ أحدُهما تمرةً فجعله في فيهِ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه فقال: "أما علمت أنَّ آل محمد لا يأكلون الصدقة"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ثالثًا: كراهة المتصدق أن يشتري ما تصدق به
.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حملتُ على فرسٍ
(5)
في سبيل الله، فأضاعَهُ الذي كان عندهُ
(6)
، فأرَدْتُ أن أشتريه، وظنَنْتُ أن يبيعَهُ برُخصٍ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لا تشتره، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكَهُ بدِرْهَمٍ؛ فإن العائد في صدقتهِ كالعائد في قيئه"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (1989)، وابن خزيمة (4/ 72 - 73)، وصححه ابن خزيمة دون قوله: "فكانت تقول
…
وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.
(2)
انظر: حديث أبي سعيد المتقدم في الفقرة رقم (7) من هذا الباب.
(3)
أخرجه البخاري رقم (2055)، ومسلم رقم (1071).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1485)، ومسلم رقم (1069).
(5)
حملتُ على فرس: المراد أنه ملكه إياه ولذلك ساغ له بيعه.
(6)
فأضاعه الذي كان عنده: أي لم يحسن القيام عليه، وقصر في مؤنته وخدمته.
(7)
أخرجه أحمد (1/ 25)، والبخاري رقم (2623)، ومسلم رقم (1620).
رابعًا: يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها
.
عن زينب امرأةِ عبد الله بن مسعودٍ، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تصدَّقْنَ يا معشرَ النساء ولو من حُليِّكُنَّ"، قالت: فرجعتُ إلى عبد الله فقلت: إنك رجلٌ خفيفُ ذاتِ اليد، وإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فائتِهِ فاسألهُ فإن كان ذلك يُجزئ عني وإلا صرفتُها إلى غيركم؛ فقال عبد الله: بل ائتيهِ أنتِ، قالت: فانطلقتُ فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتُها، قالت: وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابةُ، قالت: فخرجَ علينا بلالٌ فقلنا له: ائتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزئ الصدقةُ عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبرْ مَنْ نحنُ، قالت: فدخلَ بلالٌ فسألهُ، فقالَ له:"من هُمَا"؟ فقال: امرأةٌ من الأنصار وزينبُ، فقال:"أي الزَّيانبِ؟ " فقال: امرأةُ عبد الله، فقال:"لهما أجران: أجرُ القرابة، وأجرُ الصدقة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه أحمد (6/ 363)، والبخاري رقم (1466)، ومسلم رقم (1000).
الباب السادس صدقة الفطر
1 - وجوب صدقة الفطر:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفِطْر، صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ: على العبدِ، والحرِّ، والذَّكَرِ، والأنثى، والصغير، والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروجِ الناس إلى الصلاة، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - حكمة صدقة الفطر:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً للصائِم من اللَّغوِ والرَّفثِ، وطُعمةً للمساكين، فمن أداها قبلَ الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصلاةِ فهي صدقةٌ من الصدقات"، وهو حديث حسن
(2)
.
3 - وقت إخراج زكاة الفطر:
عن ابن عمر قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى، قبل خروج الناس إلى الصلاة"، وهو حديث صحيح
(3)
، ويجوز تعجيلها لمن يقبضها قبل الفطر بيوم أو يومين، عن نافع قال:"كان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين"، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - مصرف زكاة الفطر مصرف الزكاة المفروضة
، ولا يجب استيعاب الأصناف المذكورة في الآية، ولا يصرفها للمؤلفة قلوبهم، والعاملين عليها؛ لأن المسلم يصرفها بنفسه أو من يوكله؛ لعموم آية التوبة (61):{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ، وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وابن حزم، رحمهم الله جميعًا.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1504)، ومسلم رقم (12/ 984).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (1609)، وابن ماجه رقم (1827)، والحاكم (1/ 409)، قال الحاكم:"صحيح على شرط البخاري"، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري في "الترغيب"، والحافظ في "بلوغ المرام" وفي ذلك نظر؛ لأن من دون عكرمة لم يخرج لهم البخاري شيئًا، وهم صادقون سوى مروان فثقة، فالسند حسن، وقد حسنه النووي في "المجموع"(6/ 126)، والشيخ الألباني رحمه الله في "الإرواء" رقم (843).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 5)، والبخاري رقم (1503)، ومسلم رقم (14/ 984)، وأبو داود رقم (1613)، والترمذي رقم (675).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1511)، وأبو داود رقم (1610).
الباب السابع الخُمس
1 - يجب الخُمس فيما يُغنم في القتال:
لقوله تعالى في سورة الأنفال الآية (41): {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} .
2 - يجب الخُمس في الرِّكاز:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العجماءُ جبارٌ
(1)
، والبئر جبار والمعدنُ جُبارٌ، وفي الركاز
(2)
الخُمس"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - مصرف الغنائم والركاز:
كما ورد في سورة الأنفال الآية (41).
* * *
(1)
العجماء جبار العجماء البهيمة، الجبار: الهدر، وكذلك المعدنِ، والبئر إذا هلك الأجير فيها، فدمُه هَدرٌ لا يطالب به.
(2)
الركاز: دفن الجاهلية.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1499)، ومسلم رقم (642).
الكتاب الخامس كتاب الحج
ويتضمن بابين
كتاب الحج
ويتضمن بابين
الباب الأول: أحكام الحج.
الفصل الأول: وجوب الحج.
الفصل الثاني: وجوب تعيين نوع الحج بالنية.
الفصل الثالث: حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
الفصل الرابع: محظورات الإحرام.
الفصل الخامس: ما يجب عمله أثناء الطواف
الفصل السادس: وجوب السعي بين الصفا والمروة.
الفصل السابع: مناسك الحج.
الفصل الثامن: البدع المستحدثة في الحج.
الفصل التاسع: أفضل أنواع الهدي.
الباب الثاني: العمرة المفردة.
الباب الأول أحكام الحج
الفصل الأول: وجوب الحج
1 - تعريف الحج:
الحج في اللغة: القصد، فمعنى قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97].
قصد البيت، والقصد لا إجمال فيه.
2 - الحج واجب مع العمرة في العمر على كل مسلم بالغ، عاقل، حر، مستطيع:
قال تعالى في سورة آل عمران الآية (97): {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ اللهَ كتبَ عليكمُ الحجَّ"، فقام الأقرع بن حابسٍ، فقال: أفي كُلِّ عامٍ يا رسولَ الله؟ قال: "لَوْ قُلْتُهَا لو جَبَتْ، الحجُّ مَرّةً، فما زادَ فهو تطوُّعٌ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قال تعالى في سورة البقرة (196): {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عندهُ الهديُ فليحلّ كُلَّهُ؛ فإنّ العمرةَ قد دخلتْ في الحج إلى يوم القيامة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (1721)، والنسائي (5/ 111)، وابن ماجه رقم (2886)، وأحمد في المسند رقم (2663، 2741، 2971، 2998 - شاكر)، والحاكم (1/ 441، 470) والدارمي (2/ 29) من طرق.
قال الحاكم: "إسناده صحيح، وأبو سنان هو الدؤلي"، قلت: واسمه: يزيد بن أمية، وهو ثقة، ومنهم من عده في الصحابة، وله في الدارمي (2/ 29)، وأحمد (1/ 292، 301، 323، 325) متابع من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس باختصار، وهو إسناد لا بأس به في المتابعات ث وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم رقم (412/ 1337).
(2)
أخرجه مسلم رقم (203/ 1241)، وأبو داود رقم (1790)، والبيهقي (5/ 18)، وأحمد (1/ 236، 241).
3 - إذا حجّ الصبي صح حجه ولا تسقط عنه حجة الإسلام إذا بلغ:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيًّا، فقالت: ألهذا حجٌّ؟
قال: "نعم ولك أجر"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن السائب بن يزيد قال: "حُجَّ بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنُ سبعِ سنين"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ويؤيد عدمَ إجزاء حج الصبي عن حجة الإسلام ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - تجوز الاستنابة في الحج من الولد أو الأخ أو القريب:
عن ابن عباس صلى الله عليه وسلم: "أن امرأةً من خَثْعَمٍ قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركتْه فريضةُ الحج شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، قال: "فحُجِّي عنه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أبي رَزِين العُقَيْلي أنه أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحجَّ ولا العُمرة ولا الظعن، فقال:"حُجَّ عن أبيك واعتمِرْ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن امرأةً من جُهينةَ جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنَّ أُمي نذرت أن تحجّ فلم تحجَّ حتى ماتت، أفأحُجُّ - عنها؟ قال: "نعم حُجي عنها: أرأيت لو كان على أمك دينٌ أكنتِ قاضيتَه؟ "، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (409/ 1336)، وأبو داود رقم (1736)، والنسائي (5/ 120 - 121)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (1852)، والشافعي في "مسنده"(1/ 289).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1858)، وأحمد (3/ 449)، والترمذي رقم (925)، وقال:"هذا حديث حسن صحيح".
(3)
أخرجه أحمد (6/ 100)، وأبو داود رقم (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (148)، والحاكم (2/ 59).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1513)، ورقم (1854)، ومسلم رقم (407/ 1334)، و (408/ 1335).
(5)
أخرجه أحمد (4/ 10، 11، 12)، وأبو داود رقم (1810)، والترمذي رقم (930)، والنسائي (5/ 117)، وابن ماجه رقم (2906).
(6)
أخرجه البخاري رقم (6699)، والنسائي (5/ 116).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: "لبيك عن شُبْرمةَ، قال: "من شُبرمة؟ " قال: أخٌ لي أو قريب لي، قال: "حَجَجْتَ عن نفسك؟ " قال: لا، قال: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - فضل الحج والعمرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العُمْرَةُ إلى العُمْرَة كفَّارة لما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَابِعُوا بينَ الحجِّ والعُمرة؛ فإنَّهما ينفيان الفقرَ والذنوبَ، كما ينفي الكيرُ خَبَثَ الحديد والذَّهبِ والفضةِ، وليسَ للحجَّةِ المبرورة ثوابٌ إلَّا الجنَّةَ"، وهو حديث حسن
(3)
.
وعن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "من حَجَّ فلم يرفُثْ
(4)
ولم يفسقْ، رجعَ من ذنوبهِ كيوم ولدتهُ أمُّهُ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
* * *
(1)
أخرجه أبو داود رقم (1811)، وابن ماجه رقم (2903)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (3988).
وانظر: "نصب الراية"(3/ 155).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1773)، ومسلم رقم (1349)، والنسائي (6/ 112)، والترمذي رقم (933)، وابن ماجه رقم (3988).
(3)
أخرجه الترمذي رقم (810)، وابن خزيمة رقم (2512)، وابن حبان رقم (3685)،
(4)
الرَّفَث: ما روجع به النساء.
(5)
أخرجه البحاري رقم (1521)، ومسلم رقم (1350)، والنسائي (6/ 114)، وابن ماجه رقم (2889)، والترمذي رقم (811).
الفصل الثاني وجوب تعيين نوع الحج بالنية
أولًا: تعيين نوع الحجِّ بالنية واجب:
1 -
التمتع: هو أن يحرم الآفاقي بالعمرة في أشهر الحج، فيدخل مكة، ويتم عمرته، ويخرج من إحرامه، ثم يبقى حلالًا حتى يحج، وعليه أن يذبح ما تيسر من الهدي.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تمتَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوداعِ بالعمرةِ إلى الحج، وأهدى، فَسَاقَ معه الهديَ من ذي الحليفة
…
"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 -
القِران: هو أن يحرم الآفاقي بالحج والعمرة معًا، ثم يدخل مكة ويبقى على إحرامه حتى يفرغ من أعمال الحج، وعليه أن يطوف طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا.
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحرمَ بالحجِّ والعمرةِ أجزأه طوافٌ واحدٌ وسعيٌ واحدٌ عنهما، حتى يحلَّ منهما جميعًا"، وهو حديث صحيح
(2)
.
أما الحج بنية القران:
لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجَّة الوداعِ، فمنَّا من أهلَّ بعُمرةٍ، ومنا من أهلَّ بحجةٍ وعُمرةٍ، ومنا من أهلَّ بالحجِّ، وأهل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما مَنْ أهلَّ بالحجِّ، أو جمع بين الحجِّ والعُمرة لم يَحلُّو حتى كانَ يومَ النَّحرِ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 -
الإفراد: وهو أن يحرم الآفاقي بالحج منفردًا، ولا يحل من إحرامه إلا بعد رمي جمرة العقبة، لحديث عائشة الصحيح المتقدم في القران.
4 -
أفضل أنواع الحج: التمتع.
لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أهللنا مع رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بالحجِّ، فلما قدمنا مكةَ أمرَنَا أن نَحِلَّ ونجعلَهَا عمرةً، فَكَبُرَ ذلك علينا، وضاقت به صدورنا فبلغَ ذلكَ النبي صلى الله عليه وسلم، فما ندري أشيءٌ بلغهُ من السماءِ، أم شيءٌ من قِبلِ الناس، فقال: "أيها الناسُ
(1)
أخرجه البخاري رقم (1691)، ومسلم رقم (174/ 1227).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (948)، وابن ماجه رقم (2975).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1562)، ومسلم رقم (118/ 1211).
أحِلُّوا، فلولا الهديُ الذي معي، فعلتُ كما فعلتم"، قال: فأحللنا حتى وطِئنا النَّسَاءَ، وفعلنا ما يفعلُ الحلالُ، حتى إذا كان يومُ الترويةِ وجعلنا مكةَ بظهْرٍ
(1)
أهللنا بالحج"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ثانيًا: الإحرام من المواقيت المكانية المحددة
.
الإحرام من المواقيت المعروفة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وقَّتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهلِ المدينةِ ذا الحُليفةِ، ولأهلِ الشامِ الجُحفة، ولأهل نجدٍ قَرْنَ المنازل، ولأهل اليمن: يَلَملَمْ، فهنَّ لهنَّ ولمن أتَى عليهنَّ من غير أهلهنَّ لمن كان يُريدُ الحجَّ والعمرةَ، فمن كان دُونَهنَّ فَمَهِلَّهُ من أهلِهِ، وكذاك حتى أهلُ مكةَ يَهِلُّونَ منها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ذو الحليفة: مهل أهل المدينة، وهي قرية تعبد عن مكة (450 كم)، وهي أبعد المواقيت عن مكة.
الجحفة: وهي مهل أهل الشام، وهي قرية تبعد عن مكة (187 كم) وهي اليوم خراب، ولهذا صار الناس يحرمون قبلها من المكان الذي يسمى (رابغًا) وتبعد عن مكة (204 كم).
قرن المنازل: ويسمى قرن الثعالب، وهو ميقات أهل نجد، يبعد عن مكة (94 كم).
يلملم: وهو ميقات أهل اليمن، يبعد عن مكة (54 كم).
ذات عرق: وهو ميقات أهل العراق.
وهو مكان بالبادية يفصل بين نجد وتهامة، يبعد عن مكة (94 كم).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجدٍ قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غيرهنَّ ممن أراد الحج والعُمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيثُ أنشأ، حتى أهل مكة من مكة"، وهو حديث صحيح
(4)
.
* * *
(1)
وجعلنا مكة بظهر: معناه أهللنا عند إرادتنا الذهاب إلى منى.
(2)
أخرجه البخاري رقم (1568)، ومسلم رقم (142/ 1216).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1526)، ومسلم رقم (11/ 1181).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1524)، ومسلم رقم (11/ 1181).
الفصل الثالث حجة النبي صلى الله عليه وسلم
-
روى مسلم
(1)
بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم حتى انتهى إليَّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زِرِّي الأعلى، ثم نزع زِرِّي الأسفل، ثم وضع كفه بين ثدييي، وأنا يومئذٍ غلام شاب، فقال: مرحبًا بك يا بْن أخي، سل عما شئت، فسألته، وهو أعمى، وحضر وقت الصلاة، فقام في نساجةٍ ملتحفًا بها، كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه على المشجب، فصلى بنا، فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بيده فَعَقَدَ تسعًا، فقال:
"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذَّنَ في الناس في العاشرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج، فقَدِم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد ابن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: "اغْتَسِلي واستثْفِري
(2)
بثوب وأَحْرمي" فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرتُ إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلّ بالتوحيد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلّون به، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته.
قال جابر صلى الله عليه وسلم: لسنا ننوي إلَّا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن، فرملَ ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام، فقرأ:
(1)
في "صحيحه" رقم (147/ 1218).
(2)
الاستثفار: هو أن تشد في وسطها شيئًا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم، وتشد طرفها من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها، وهو شبيه بثفر الدابة، بفتح الفاء.
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول:"ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم"، كان يقرأ في الركعتين:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، ثم رجعَ إلى الركنِ فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فَرَقِيَ عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره، وقال:"لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبَّت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال:"لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أَسُقِ الهَدْيَ وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي، فليحل وليجعلها عمرة" فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله أَلِعَامِنَا هذا أم لأبد؟ فَشَبَّكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصابعهُ واحدة في الأخرى، وقال:"دخلت العمرة في الحج"، مرتين "لا بل لأبد أبد".
وقَدم عليٌّ من اليمن بِبُدْنِ النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلتَ، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا على فاطمة للذي صنعت، مستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرتْ عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال:"صدقَتْ صدقَتْ، ماذا قلت حين فَرَضْتَ الحج؟ " قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهلَّ به رسولك، قال:"فإن معي الهَدْيَ، فلا تُحِل"، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عليٌّ من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة قال: فحلّ الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلّوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شَعَرٍ تضرب له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تشك قريش إلا إنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة؛ فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن
الوادي فخطب الناس وقال: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربًا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألَّا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تُسْألون عني، فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس:"اللهمَّ اشهد، اللهمَّ اشهد" ثلاث مرات، ثم أذن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام، فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصَّخَرَاتِ، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مَوْرِكَ رحله، ويقول بيده اليمنى:"أيها الناس السكينة السكينة" كلما أتى حبلًا من الحبال أرخى لها قليلًا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، وصلى الفجر، حين تبين له الصبح بأذان وإقامة.
ثم ركب القصواء، حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله وحده فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلًا حسن الشَّعْرِ، أبيض، وسيمًا، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظُعُنٌ يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر، حتى أتى بطن مُحَسِّر، فحرك قليلًا،
ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها حصى الخَذْف
(1)
، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا فنحر ما غَبَرَ، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها.
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال:"انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم" فناولوه دلوًا فشرب منه".
قال الإمام النووي
(2)
رحمه الله:
"وهو حديث عظيم، مشتمل على جمل من الفوائد، ونفائس من مهمات القواعد، قال القاضي: قد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا، وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءًا كبيرًا وخرج فيه من الفقه مائة ونيفًا وخمسين نوعًا" اهـ.
* * *
(1)
قال الإمام النووي في "شرح مسلم"(8/ 191): "وأما قوله: فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصي الخذف" فهكذا هو في النسخ، وكذا نقله القاضي عياض عن معظم النسخ قال: وصوابه مثل حصي الخذف، قال: وكذلك رواه غير مسلم، وكذا رواه بعض رواة مسلم، هذا كلام القاضي، قلت: والذي في النسخ من غير لفظه مثل هو الصواب، بل لا يتجه غيره ولا يتم الكلام إلا كذلك، ويكون قوله: حصى الخذف، متعلقًا بحصيات، أي رماها بسبع حصيات حصي الخذف يكبر مع كل حصاة، فحصى الخذف متصل بحصياتٍ واعترض بينهما يكبر مع كل حصاة، وهذا هو الصواب، والله أعلم" اهـ.
(2)
شرح مسلم (8/ 170).
الفصل الرابع محظورات الإِحرام
1 -
لا يلبس المحرمُ القميصَ ولا العمامة ولا البُرنُس، ولا السراويل، ولا ثوبًا مسَّهُ ورس ولا زعفران، ولا الخفين إلَّا أَلَّا يجدَ نعلين، فيقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما يلبسُ المحرمُ من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلبس القُمص ولا العمائم ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخِفاف، إلَّا أحد لا يجدُ نعلين فليلبس خُفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مَسَّهُ زعفرانٌ أوْ وَرس"، وهو حديث صحيح
(1)
.
القمص: جمع قميص.
السراويلات: جمع سراويل وهو لباس يستر النصف الأسفل من الجسم.
البرانس: جمع بُرنُس وهو كل ثوب رأسه منه ملتزق به.
الخفاف: جمع الخف الملبوس، أما خف البعير فجمعه أخفاف.
الكعبين: هما العظمان الناتئان في منتهى السَّاق مع القدم.
الوَرْس: هو نبت أصفر طيب الريح يصبغ به، وفي معناه العُصْفُر.
2 -
لا تنتقب المرأة ولا تلبس القُفَّازين:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقبُ المرأة المحرمةُ، ولا تلبس القُفازين"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 -
لا يتطيب المحرم ابتداءً:
عن صفوان بن يعلى بن أمية، أنَّ يعلى كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليتني أرى نبي الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل عليه، فلمَّا كان النبيُّ بالجعرانة، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب قد أُظل
(1)
أخرجه البخاري رقم (1542)، ومسلم رقم (1/ 1177).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1838)، والترمذي رقم (833)، والنسائي (5/ 133)، وأحمد (2/ 119)، وأبو داود رقم (1825).
به عليه، معه ناسٌ من أصحابه، فيهم عمر، إذ جاءَهُ رجلٌ عليه جُبة صوفٍ مُتَضمِّخٌ بطيبٍ، فقال يا رسول الله: كيفَ ترى رجلًا أحرمَ بعمرةٍ في جبة بعدما تضمَّخ بطيبٍ؟ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ساعةً ثم سكتَ. فجاءَهُ الوحيُ فأشار عمرُ بيده إلى يعلى بن أمية: تعالَ فجاء يعلى فأدخلَ رأسَهُ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم مُخَمر الوجهِ يَغِطُّ ساعةً، ثم سُرِّيَ عنه فقال:"أين الذي سألني عن العمرة آنفًا"، فالتمس الرجلُ، فجيء به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما الطيب الذي بك، فاغسله ثلاث مرات، وأما الجُبَّةُ فانزِعها، ثم اصنع في عُمْرتِكَ ما تصنعُ في حجك"، وهو حديث صحيح
(1)
.
• يجوز للمحرم أن يستمر على الطيب الذي كان على بدنه قبل الإحرام:
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كنتُ أُطيِّبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإحرامِهِ حين يُحْرِمُ، ولحلهِ قبل أن يطوفَ بالبيتِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
4 -
لا يقلم المحرم أظفاره:
قال ابن المنذر
(3)
: "وأجمع العلماء على حرمة قلم الظفر للمحرم".
5 -
إزالة الشعر بالحلق أو القص أو غير ذلك:
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (196){وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} .
• يجوز للمحرم إزالة الشعر لمن يتأذى ببقائه، وفيه الفدية:
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (196): {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} .
وعن كعب بن عُجرة رضي الله عنه قال: حُملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: والقُمَّلُ يتناثر على وجهي فقال: "ما كنت أرى الوجَعَ بلَغَ بك ما أرى، أتجد شاةً؟ قلت: لا، قال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكلِّ مسكين نصف صاع"
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (4985)، ومسلم رقم (8/ 1180).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1539)، ومسلم رقم (33/ 1189).
(3)
في "الإجماع" رقم (57).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1816)، ومسلم رقم (85/ 1201).
6 -
المحرم لا يرفث ولا يفسق ولا يجادل:
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (197): {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حجَّ ولم يرفث، ولم يفسُق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قال الحافظ المنذري: "الرفث يطلق ويراد به الجماع، ويطلق ويراد به الفحشاء، ويطلق ويراد به خطاب الرجل المرأة فيما يتعلق به الجماع.
وقد نقل معنى هذا الحديث كل واحد من هذه الثلاثة عن جماعة من العلماء، قلت: فيحرم الجميع" اهـ.
وقال مالك: الرفث: إصابة النساء والله أعلم، وقال تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} .
والفسوق: الذبح للأنصاب والله أعلم، قال تعالى:{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} .
والجدال في الحج: أن قريشًا كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفةَ بقُزَح - بضم القاف وفتح الزاي - وهو القرن الذي يقف عنده الإمام بالمزدلفة [النهاية 4/ 58].
وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة، فكانوا يتجادلون يقول هؤلاء: نحن أصوب، ويقول هؤلاء: نحن أصوب فقال الله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)} [الحج: 67].
فهذا الجدال في الحج كما ترى، والله أعلم.
7 -
لا يَنْكِح المحرِمُ ولا يُنْكح ولا يخطب:
لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْكِحُ المحرِمُ ولا ينكَحُ ولا يخطبُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرمٌ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1521)، ومسلم رقم (438/ 1350)
(2)
أخرجه مسلم رقم (41/ 1409)، وأحمد (1/ 69)، وأبو داود رقم (1841)، والترمذي رقم (840)، والنسائي (5/ 192)، وابن ماجه رقم (1966) وغيرهم.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1837)، ومسلم رقم (47/ 1410).
فقد عارضه حديث ميمونة بنت الحارث: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجَها وهو حلال"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قلت: والراجح حديث ميمونة؛ لأنها صاحبة القصة أولًا، ويؤيدها قول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عثمان بن عفان ثانيًا.
8 -
تغطية رأس الرجل:
عن ابن عباس أن رجلًا وقصته ناقتُه وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اغسلوه بماءٍ وسِدْر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمّروا وجهه ولا رأسه؛ فإنه يُبْعثُ يوم القيامة ملبيًا"، وهو حديث صحيح
(2)
.
9 -
لا يقتل المحرم صيدًا:
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (95): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} .
ولقوله تعالى في سورة المائدة أيضًا الآية (96): {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} أي محرمين.
أما جزاء قتل الصيد فقد قال تعالى في سورة المائدة (95): {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} .
10 -
لا يأكل المحرم ما صاده غيره لأجله:
عن الصعب بن جَثَّامة الليثي أنهُ أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حِمارًا وحشيًّا وهو بالأبواءِ - أو بودَّانَ
(3)
- فرُدَّ عليه، فلما رأى ما في وجهه قال:"إنَا لم نردُّهُ عليك إلَّا أنا حُرُم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (48/ 1411).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1851) و (1267)، ومسلم رقم (99/ 1206)، و (100/ 1206)، وأحمد (1/ 328).
(3)
الأبواء، ووَدَّان: هما مكانان بين مكة والمدينة.
(4)
أخرجه البخاري رقم (1825)، ومسلم رقم (50/ 1193).
أما إذا كعان الصائد حلالًا ولم يصدْهُ لأجله يجوز الأكل منه:
عن أبي قتادة قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ حاجَّا فخرجوا معَهُ، فصرف طائفةً منهم فيهم أبو قتادة، فقال: خذوا ساحلَ البحر حتى نلتقي، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلُّهم إلا أبو قتادةَ لم يُحْرِمْ، فبينما هم يسيرون؛ إذ رأوا حُمُرَ وحشٍ، فحمل أبو قتادة على الحمرِ فعقرَ منها أتانًا، فنزلوا فأكلوا من لحمها وقالوا: أنأكل لحم صيدٍ ونحن محرمونَ؟ فحملنا ما بقي من لحم الأتان، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، إنَّا كُنَّا أحرَمْنَا، وقد كان أبو قتادة لم يُحرِم، فرأينا حُمُرَ وحشٍ، فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانًا، فنزلنا فأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكلُ لحمٍ صيدٍ ونحنِ محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها، قال:"منكم أحدٌ أمرَهُ أن يحملَ عليها أو أشارَ إليها؟ " قالوا: لا، قال:"فكلوا ما بقيَ من لحمها"، وهو حديث صحيح
(1)
.
11 -
لا يقطع من شجر الحرم إلَّا الإذْخِرَ:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يومَ افتتح مكة: "لا هجرةَ، ولكن جهادٌ ونيةٌ، وإذا استنفرتُم فانفروا، فإن هذا بلدٌ حَرَّم الله يومَ خلق السموات والأرضَ، وهو حرامٌ بحرمةِ الله إلى يوم القيامة، وإنَّه لم يَحلَّ القتالُ فيه لأحد قبلي، ولِم يَحلَّ لي إلَّا ساعةً من نهارٍ، فهو حَرامٌ بِحُرمة الله إلى يومِ القيامةِ، لا يُعْضَدُ شوكُهُ، ولا يُنَفَّرُ صَيدُه، ولا يَلْتَقِطُ لُقطتَهُ إلَّا من عرَّفها، ولا يُختلّى خلاها". قال العباسُ: يا رسول الله، إلَّا الإذْخِرَ؛ فَإنَّه لِقَيْنهم ولبيوتِهم، قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إلا الإذْخِرَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولا يختلى خلاها: الخلا هو الرطب من الكلأ، قالوا الخلأ والعشب، اسم للرطب منه، والحشيش والهشيم اسم لليابس منه، والكلأ يقع على الرطب واليابس، ومعنى يختلي: يؤخذ ويقطع.
لقينهم: القين هو الحداد والصائغ، ومعناه يحتاج إليه القين في وقود النار.
لقطته: اللُّقَطَةُ: اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه، والالتقاط: هو أخذه، وأصل اللقط الأخذ من حيث لا يحس.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1824)، ومسلم رقم (60/ 1196).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1834) ومسلم رقم (1353).
الإذْخِر: هو نبت معروف عند أهل مكة، طيب الرائحة ينبت في السهل والحزن، وأهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب ويسدون به الخلل بين اللبنات في القبور.
12 -
يجوز للمحرم قتل الفواسق الخمس:
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خمس فواسقُ يقتلن في الحرم: الفأرةُ، والعقربُ، والحُدَيَّا
(1)
، والغرابُ، والكلبُ العقور"، وهو حديث صحيح
(2)
.
13 -
صيد حرم المدينة وشجره كحرم مكة:
عن عبّاد بن تميم عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حَرّم مكة ودعا لها، وإني حَرّمت المدينةَ كما حرّم إبراهيمُ مكةَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينة حرمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرّم مكةَ، وإني حرمتُ المدينةَ، ما بين لابتَيْها لا يُقطع عِضاهُهَا ولا يُصاد صيدُها"، وهو حديث صحيح
(5)
.
14 -
من قطع شجر المدينة أو خبطه سلب:
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص: "أن سعدًا ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبدًا يقطع شجرًا ويخبطُه فسلبه، فلما رجع سعدٌ جاءه أهلُ العبد، فكلموه أن يرد عليهم أو على غلامهم ما أخذَ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرُدّ شيئًا نَفَّلَنيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرد عليهم"، وهو حديث صحيح
(6)
.
* * *
(1)
الحديا: تصغير حدأة: قلبت الهمزة بعد ياء التصغير ياء، وأدغم ياه التصغير فيها فصارت حدية، ثم حذفت التاه وعوض عنها الألف لدلالتها على التأنيث أيضًا، ويقال: إنه تصغير حِدَأ، جمع حدأة، وتصغيرها حدياة.
(2)
أخرجه البخاري رقم (3314)، ومسلم رقم (1198).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2129)، ومسلم رقم (1360).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1870)، ومسلم رقم (1370).
(5)
أخرجه مسلم رقم (458/ 1362).
(6)
أخرجه مسلم رقم (1364)، وأحمد (1/ 168).
الفصل الخامس ما يجب عمله أثناء الطواف
1 - طواف القدوم على طهارة:
عن عائشة رضي الله عنها: "أنَّ أوَّل شيءٍ بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - طواف القدوم سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأولى ويمشي فيما بقى:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف، ويمشي أربعًا، ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة"، وهو حديث صحيح
(2)
، وعن ابن عباس صلى الله عليه وسلم قال:"أمرَهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا أربعًا، ما بين الركنين"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - يقبل الحاج الحجر الأسود:
عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقبل الحجر ويقول: "إنَّي لأعلمُ أنكَ حَجرٌ، لا تَضرُّ ولا تنفعُ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلُكَ ما قَبَّلتُكَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - أو يستلم الحاج الحجر الأسود بمحجن ويقبله:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طافَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ على بعيرٍ يستلم الرُّكْنَ بِمِحجنٍ"
(5)
، وهو حديث صحيح
(6)
.
5 - يستلم الحاج الركن اليماني:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لم أَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ إلَّا اليمانيين"، وهو حديث صحيح
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1641)، ومسلم رقم (190/ 1235).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1616)، ومسلم رقم (231/ 1261).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1602)، ومسلم رقم (1266).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1597)، ومسلم رقم (1270).
(5)
محجن: بكسر الميم واسكان الحاء وفتح الجيم، وآخره نون، هو عصا محنية الرأس.
(6)
أخرجه البخاري رقم (1607)، ومسلم رقم (1272) وأخرج مسلم رقم (1275) نحوه من حديث أبي الطفيل وزاد:"ويقبل المحجن".
(7)
أخرجه البخاري رقم (166)، ومسلم رقم (1187).
6 - يكفي القارن طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحرمَ بالحجِّ والعمرة أجزأه طوافٌ واحدٌ وسعي واحدٌ عنهما، حتى يحلَّ منهما جميعًا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 - الحائض تفعل ما يفعلُ الحاجُّ غيرَ أنْ لا تطوف بالبيت:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولا نَرى إلَّا الحجَّ حتى إذا كُنَّا بِسَرِف، أو قريبًا منها، حِضتُ، فدخلَ عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال:"أَنفِسْتِ"(يعني الحيضة) قالت: قلت: نعم، قال:"إنَّ هذا شيءٌ كتبهُ اللهُ على بنات آدَمَ فاقضي مَا يقضي الحاجُّ غير ألَّا تطوفي بالبيتِ، حتى تغتسلي"، قالت: وضحى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن نسائِهِ بالبقرِ، وهو حديث صحيح
(2)
.
8 - يندَبُ الذَّكرُ حالَ الطوافِ بالمأثور:
عن عبد الله بن السائب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الركنين: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"، وهو حديث حسن
(3)
.
9 - يصلي ركعتين في مقام إبراهيم بعد الفراغ من الطواف، ثم يعود إلى الركن فيستلمه:
لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فجعل المقام بينه وبين البيت.
فكان أبي يقول: (ولا أعلمهُ ذكرَهُ إلَّا عن النبي صلى الله عليه وسلم): كان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
* * *
(1)
أخرجه الترمذي رقم (948)، وقال:"حديث حسن صحيح غريب"، وأخرجه ابن ماجه رقم (2975).
(2)
أخرجه البخاري رقم (305)، ومسلم رقم (119/ 1211).
(3)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 411)، وأبو داود رقم (1892): والنسائي في الكبرى (3934/ 1)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (3826)، والحاكم (1/ 455).
(4)
أخرجه مسلم رقم (147/ 1218).
الفصل السادس وجوب السعي بين الصفا والمروة
1 - الصعود إلى الصفا والمروة والدعاء فيهما:
عن جابر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا، يكبر ثلاثًا ويقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير"، يصنع ذلك ثلاث مرات، ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله، ويدعو ما شاء أن يدعو"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - من الصفا إلى المروة شوط ثم منها إليه كذلك متواليًا:
قال الشوكاني
(3)
: "هذا هو الحقُّ ومن خالف في ذلك فقد غلط غلطًا بينًا، وعلى هذا سلفُ هذه الأمة وخلفُها" اهـ.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بالصفا كما في حديث جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا"، الحديث، وهو حديث صحيح
(4)
.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث جابر: "
…
حتى إذا كان آخِر طوافه على المروة" وفي رواية: فلما كانَ السابعُ عند المروةِ - فقال: "لو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لم أسُق الهديَ، وجعلتها عمرةً. فمن كان منكم ليس مَعَهُ هديٌ فليحلَّ وليجعلْها عمرةَ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
ثم قال الشوكاني
(6)
: "وهذا فيه غايةُ البيان، فلو كان السعي من الصفا إلى المروة ثم منها إليه شوطًا، لكان قد طاف بين الصفا والمروة أربع عشرةَ مرةً لا سبعًا فقط، وأما كونه متواليًا، فهذا كان سعي رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابه" اهـ.
(1)
أخرجه مالك في "الموطأ" رقم (127)، والنسائي (5/ 240).
(2)
أخرجه مسلم رقم (84/ 1780).
(3)
"السيل الجرار" بتحقيقي (2/ 160).
(4)
أخرجه مسلم رقم (84/ 1780).
(5)
أخرجه مسلم رقم (147/ 1218).
(6)
السيل الجرار بتحقيقي (2/ 161).
3 - المتمتع بعد السعي يصبح حلالًا:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه حجَّ مع النبي صلى الله عليه وسلم يومَ ساقَ البُدْنَ مَعَهُ، وقد أهلُّوا بالحجَّ مفردًا فقال لهم صلى الله عليه وسلم:"أحِلُّوا من إحرامكم بطوافِ البيت وبين الصفا والمروة، وقصروا ثم أقيموا حلالًا حتى إذا كان يومُ التروية فأهلوا بالحَجِّ، واجعَلوا التي قَدِمتم بها متعةً" فقالوا: كيف نجعلُها مُتعةً وقد سمينا الحجَّ؟ فقال: "افعلوا ما أمرتكم، فلَولا أني سقتُ الهديَ لفعلتُ مثلَ الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرامٌ حتى يبلُغَ الهدي محلهُ"، ففعلوا، وهو حديث صحيح
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (1568)، ومسلم رقم (143/ 1216).
الفصل السابع مناسك الحج
1 - التوجه إلى عرفات صبح يوم التاسع
، ويصلي الظهر والعصر جمع تقديمٍ مع خطبة؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وفيه: "فلمَّا كانَ يومُ التروية وتوجهوا إلى مِنى، فأهلُّوا بالحج، وركبَ رسولُ اللهِ رضي الله عنه فصلى بها الظهرَ والعصرَ والمغرب والعشاءَ والفجر، ثم مكثَ قليلًا حتى طلعتِ الشمسُ وأمر بقبةٍ من شعرٍ تُضربُ له بنمرة، فسارَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا تشكُ قريشٌ إلَّا أنَّهُ واقفٌ عند المشعرِ الحرام، كما كانت قريشٌ تصنعُ في الجاهلية. فأجاز رسول اللهِ حتى أتى عرفةَ، فوجد القبةَ قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمسُ أمر بالقصواء فرحلتْ له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس
…
ثم أذَّنَ، ثم أقامَ فصلَّى الظُهْرَ، ثم أقامَ فصلَّى العصر، ولم يُصَلَّ بينهما شيئًا، ثم ركب رسولُ اللهِ حتى أتي الموقِفَ، فجعل بطنَ ناقتِهِ القصواءِ إلى الصخراتِ، وجَعَلَ حَبْلَ المشاةِ بين يديه، واستقبلَ القبلَةَ، فلم يزلْ واقفًا حتى غربت الشمسُ، وذهبتِ الصفرَةُ قليلًا حتى غاب القرص
…
"، وهو حديث صحيح
(1)
.
•
اعلم أن الحج عرفة:
عن عبد الرحمن بن يَعمرَ الديلي، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فجاء ناسٌ أو نفر، من أهل نجد فأمروا رجلًا، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الحج؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا فنادى:"الحجُّ الحجُّ يومُ عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فتمَّ حجه، أيام مِنىً ثلاثة، فمن تعجَّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه"، قال: ثم أردف رجلًا خلفه، فجعل ينادي بذلك، وهو حديث صحيح
(2)
.
•
أما وقت الوقوف بعرفة فمن الزوال إلى فجر النحر:
قال الإمام الشوكاني
(3)
: "وقد نقل كثير من الأئمة الإجماع
(4)
على هذا الوقت، وما
(1)
أخرجه مسلم (147/ 1218).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (1949)، والترمذي رقم (889)، والنسائي (5/ 256)، وابن ماجه رقم (3015).
(3)
"السيل الجرار"(2/ 165) بتحقيقي.
(4)
ابن المنذر في الإجماع ص (64)، رقم (187).
روي عن أحمد بن حنبل
(1)
من أن النهار من يوم عرفة كلُّه وقت للوقوف فهو مسبوق بالإجماع.
وأما استدلالُه بما تقدم من حديث عُروةَ بن مُضَرَّس من قوله: "وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا"، فقد قَيّد مطلقَ النهار الإجماعُ بأنه من الزوال" اهـ.
2 - الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، ويصلي المغرب والعشاء جمع تأخير:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء، بجمع ليس بينهما سجدة - أي نافلة - وصلى المغرب ثلاث ركعات، وصلى العشاء ركعتين"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولحديث جابر الطويل الذي تقدم تخريجه.
3 - المبيت بمزدلفة وصلاة الفجر فيها، والدفع منها قبل شروق الشمس:
عن جابر - في حديثه الطويل -: "وصلى الفجر، حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه، وكبَّرهُ، وهلَّله، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس .. "، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "إن المشركين كانوا لا يغيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبيرُ، وإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس"، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - الوقوف في المشعر الحرام مع ذكر الله:
قال تعالى في سورة البقرة الآية (198): {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} .
وفي حديث جابر الطويل: "
…
ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا
…
"، وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه.
(1)
المغني، (3/ 441).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1673)، ومسلم رقم (287/ 1288).
(3)
أخرجه مسلم رقم (147/ 1218)، وأبو داود رقم (1905)، والنسائي (5/ 143 - 144)، وابن ماجه رقم (3074).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1684).
5 - يرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس:
وفي حديث جابر الطويل: "
…
حتى أتى بطن مُحسِّرٍ فحرك قليلًا ثم سلك الطريقَ الوسطى التي تخرجُ على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصياتٍ يكبر معَ كلَّ حصاةٍ منها، حصى الخذفِ .. "، وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه آنفًا.
مُحَسَّر: سمى بذلك؛ لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي: أعيا وكلَّ، ومنه قوله تعالى:{يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} .
الجمرة الكبرى: هي جمرة العقبة وهي التي عند الشجرة.
حصى الخذْف: أي حصى صغار، بحيث يمكن أن تُرمى بأصبعين.
وعن ابن مسعود: "أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع، وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
6 - يرخص للضعفاء بالرمي بعد منتصف ليلة النحر:
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثَّقَلِ
(2)
- أو قال في الضَّعَفَةِ
(3)
- من جمع بليل"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "استأذنت سودَةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة تدفعُ قبلَهُ، وقبل حَطْمَةِ الناس
(5)
، وكانت امرأةً ثبطةً (يقول القاسمُ: والثَّبطةُ الثقيلةُ) قال: فأذن لها، فخرجت قبلَ دَفْعِهِ، وَحَبسنا حتى أصبحنا فدفَعْنَا بدفعهِ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1747)، ومسلم رقم (1296)، والترمذي رقم (901)، وأبو داود رقم (1974)، والنسائي (5/ 73)، وابن ماجه رقم (3030).
(2)
الثقل: هو المتاع ونحوه، والجمع أثقال: مثل سبب وأسباب.
(3)
الضعفة: أي في ضعفة أهله من النساء والصبيان، وهو جمع ضعيف، وجمع ضعيف على ضعفة غريب.
(4)
أخرجه البخاري رقم (1678)، ومسلم رقم (1293).
(5)
حَطْمةِ الناس: أي قبل أن يزدحموا ويحطم بعضهم بعضًا.
(6)
أخرجه البخاري رقم (1681)، ومسلم رقم (293/ 1290).
7 - حلق الرأس أو تقصيره:
عن أنس بن مالك، أن رسولَ اللهِ أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنىً ونحر، ثم قال للحلاقِ:"خُذْ" وأشارَ إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس، وهو حديث صحيح
(1)
.
• والحلق أفضل للرجال؛ وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم كما مر.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهمَّ اغفِرْ للمُحَلِّقينَ" قالوا: يا رسولَ الله، وللمقصرين؟ قال:"اللهم اغفر للمُحَلِّقينَ؟ قالوا: يَا رسول الله وللمقصرين؟ قال: "اللهم اغفر للمُحَلِّقينَ" قالوا: يا رسولَ اللهِ وللمقصرين؟ قال: "وللمُقَصَرين"، وهو حديث صحيح
(2)
.
• والتقصير للنساء أفضل؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على النساء الحلق، إنما على النساء التقصيرُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
8 - يحل لمن رمى جمرة العقبة كل شيء إلا النساء:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا رمى الجمرَةَ فقد حلَّ له كُلُّ شيءٍ إلَّا النساء، قيل: والطيبُ، قال: أما أنا فقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. يتضمخ بالمسكِ أفطيبٌ هو؟
(4)
، وهو حديث صحيح
(5)
.
9 - من حلق أو ذبح أو أفاض إلى البيت قبل أن يرمي فلا حرج:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونهُ فقال رجلٌ: لم أشعُرْ فحلقتُ قبلَ أن أذبحَ. قال: "اذبح ولا حرجَ"، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرتُ قبلَ أن أرمي، قال:"ارْمِ ولا حرج"، فما سُئِلَ يومئذٍ عن شيءٍ قدَّمَ ولا أخَّرَ إلا قال:"افعل ولا حَرَجَ"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (171) ومسلم رقم (1305).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1728) ومسلم رقم (1302).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (1984) و (1985) والطبراني في "الكبير"(12/ 250 رقم 13018).
(4)
أفطيب هو: أي لا شك في كونه طيبًا فالطيب قبل الطواف حلال إذا حلق.
(5)
أخرجه النسائي (5/ 277)، وابن ماجه رقم (3041).
(6)
أخرجه البخاري رقم (1736) ومسلم رقم (1306).
10 - المبيت في منى ليالى التشريق:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "استأذن العباسُ بن عبدِ المطلب رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يبيتَ بمكةَ لياليَ مِنىً من أجل سقايتهِ، فأذِنَ له"، وهو حديث صحيح
(1)
.
• لقد دل على أن المكث في منى أيام التشريق بلياليها سنة، ويجوز للمعذور ألَّا يبيت بها.
• يجوز للمعذور أن يجمع رمي يومين في يوم واحد:
لحديث عاصم بن عدي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغَدَ، ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النَّفْر"، وهو حديث صحيح
(2)
.
• يشرع للحاج أن يزور الكعبة، ويطوف بها كل ليلة من ليالي منى:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى"، وهو حديث صحيح
(3)
.
11 - يرمي كل يوم الجمرات الثلاث بسبع حصيات بالترتيب:
عن سالم بن عبد الله: أن عبدَ الله بن عمر رضي الله عنهما كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصياتٍ، ثم يكبرُ على إثرِ كُلَّ حصاةٍ، ثم يتقدَّمُ فيسهلُ، فيقومُ مستقبلَ القبلةِ قيامًا طويلًا، فيدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك، فيأخذُ ذات الشمالِ فيُسْهِلُ ويقوم مستقبل القبلةِ قيامًا طويلًا، فيدعو ويرفعُ يديهِ، ثم يرمي الجمرةَ ذاتَ العقبةِ من بطنِ الوادي ولا يقفُ عندها، ويقول: هكذا رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يفْعل": وهو حديث صحيح
(4)
.
الجمرة: مجتمع الحصى بمنى، وكل كومة من الحصى.
الدنيا: القريبة إلى منى وهي الصغرى.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1634)، ومسلم رقم (1315).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (1975)، والترمذي رقم (954)، والنسائي (5/ 273)، وابن ماجه رقم (3037).
(3)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 146)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(1/ 491).
وانظر: "الصحيحة" رقم (804).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1752)، وأحمد (2/ 152).
إثر: بعد. فيسهل: ينزل إلى السهل.
العقبة: المرقى الصعب من الجبل ونحوه، والمراد الجمرة الكبرى.
بطن الوادي: وسطه ومسيله.
12 - تستحب الخطبة يوم النحر:
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يومَ النحر قال: "أتدرونَ أيُّ يوم هذا؟ " قلنا: اللهُ ورسولهُ أعلم، فسكتَ حتى ظننا أنَّهُ سيسميه بغير اسمه، قال:"أليس يوم النحر؟ " قلنا: بلى، قال:"أيُّ شهر هذا؟ " قلنا: الله ورسولُه أعلم، فسكت حتى ظننا أنهُ سيسميه بغير اسمه، فقال:"أليسَ ذو الحجة؟ " قلنا: بلى، قال:"أيُّ بلد هذا؟ " قلنا: اللهُ ورسولهُ أعلم، فسكتَ حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال:"أليست بالبلدةِ الحرام؟ " قلنا: بلى، قال:"فإنَّ دماءَكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغتُ؟ " قالوَا: نعم، قال:"اللهم اشهد، فليبلغ الشاهدُ الغائبَ، فرُبَّ مبلغٍ أوعى من سامِع، فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وهو حديث صحيح
(1)
.
13 - تستحب الخطبة في وسط أيام التشريق:
عن رجلين من بني بكرٍ، قالا:"رأينا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يخطُبُ بينَ أوسطِ أيام التشريقِ، ونحن عند راحلتِهِ، وهي خطبةُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنىً"، وهو حديث صحيح
(2)
.
14 - يطوف الحاج طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة يومَ النحر:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله أفاضَ يومَ النَّحْرِ، ثم رجعَ فصلَّى الظهرَ بمنىً".
قال نافع: "فكان ابن عمر يفيضُ يومَ النحرِ، ثم يرجعُ فيصلِّي الظهرَ بمنىً ويذكُرُ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم فعله"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1741).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (1952).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1308).
قال الإمام الشوكاني
(1)
: "وأما طواف الزيارة، فقد قدمنا الإجماع على أنه ركنٌ من أركان الحج، يفوت بفواته ولا يصح إلا به" اهـ.
15 - يطوف الحاج طواف الوداع:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناسُ ينصرفون في كُلِّ وجْهٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا ينفِرَنَّ أحدٌ حتى يكونَ آخرُ عهدِهِ بالبيت"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وأما المرأة الحائض فقد سقط عنها طواف الوداع:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن يكون آخِر عهدهم بالبيت، إلَّا أنه خفَّف عن المرأة الحائض"، وهو حديث صحيح
(3)
.
طواف الوداع بغير رَمل؛ لكون ذلك لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
وطواف الوداع على غير المكي؛ لكونه غير مودَّع للبيت.
من أقام بعد طوافِ الوداعِ أيامًا فعليه أن يعيده؛ لأمره صلى الله عليه وسلم الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت كما تقدم
(4)
.
وللحاج أن يحمل معه من ماء زمزم ما تيسر له تبركًا به:
عن عائشة رضي الله عنها أنها حملت ماء زمزم في القوارير.
وقالت: "حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداوي والقرب، فكان يصب على المرضى ويسقيهم"، وهو حديث حسن
(5)
.
* * *
(1)
"السيل الجرار"(2/ 186) بتحقيقي.
(2)
أخرجه مسلم رقم (1327).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1755)، ومسلم رقم (1328).
(4)
انظر: "السيل الجرار"(2/ 183 - 184) بتحقيقي.
(5)
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 189)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 202)، والترمذي في "السنن"(4/ 36 - 37 مع التحفة)، وقال:"حديث حسن غريب".
وأورده الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة" رقم (883).
الفصل الثامن البدع المستحدثة في الحج
أولًا: السفر للحج والإحرام
. (1 - 11). ثانيًا: الطواف. (1 - 18).
ثالثًا: الكعبة. (1 - 5). رابعًا: زمزم. (1 - 4).
خامسًا: السعي. (1 - 9). سادسًا: عرفة. (1 - 24).
سابعًا: مزدلفة. (1 - 9). ثامنًا: التحلل. (1 - 6).
تاسعًا: رمي الجمرات. (1 - 12).
أولًا: السفر للحج والإحرام:
1 -
التلفظ بالنية
(1)
.
2 -
ازدحام الرجال بالنساء عند الدخول للقطار، وذلك عند السفر للحج
(2)
.
3 -
منع الصبيات من الحج
(3)
.
4 -
السفر من غير زادٍ؛ لتصحيح دعوى التوكل
(4)
.
5 -
مؤاخاة المرأة للرجل الأجنبي؛ ليصير بزعمها محرمًا لها، ثم تعامله كما تعامل محارمها
(5)
.
6 -
عقد الرجل على المرأةِ المتزوجة إذا عزمتْ على الحج، وليس معها محرم، ويعقد عليها؛ ليكون معها كمحرمٍ
(6)
.
7 -
سفر المرأة مع عصبة من النساء الثقات - بزعمهن - بدون محرم، ومثله أن يكون مع إحداهن حرم؛ فيزعمن أنه محرم عليهن جميعًا
(7)
.
8 -
السفر وحده؛ أنسًا بالله تعالى، كما يزعم بعض الصوفية
(8)
.
(1)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني (ص 50)"مجموع الفتاوى"(22/ 222، 223)(26/ 105 - 107).
(2)
"السنن والمبتدعات" للشقيري (163).
(3)
"شرح مسلم" النووي (9/ 99).
(4)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني (ص 48)، "تلبيس إبليس" لابن الجوزي (145).
(5)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (49).
(6)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (48)، و"السنن والمبتدعات" للشقيري (167).
(7)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (49).
(8)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (48).
9 -
التكبير والتهليل بدل التلبية
(1)
.
10 -
الحج صامتًا لا يتكلم
(2)
.
11 -
الإحرام قبل الميقات
(3)
.
ثانيًا: الطواف:
1 -
قول الطائف: "إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك"
(4)
.
2 -
بدء المحرم إذا دخل المسجد الحرام بتحية المسجد قبل طواف القدوم
(5)
.
3 -
رفع اليدين عند استلام الحجر كما يرفع للصلاة
(6)
.
4 -
قوله: "نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا"
(7)
.
5 -
المزاحمة على تقبيله ومسابقة الإمام بالتسليم في الصلاة لتقبيله
(8)
.
6 -
قولهم عند استلامِ الحجر: "اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك"
(9)
.
7 -
وضع اليمنى على اليسرى حال الطواف
(10)
.
8 -
وفي الأشواط الأربعة الباقية: "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم"
(11)
.
9 -
القول قبالة باب الكعبة: "اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار، مشيرًا إلى مقام إبراهيم عليه السلام"
(12)
.
10 -
القول عند استلام الحجر: "اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك"
(13)
.
11 -
الدعاء تحت الميزاب: "اللهم أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك"
(14)
.
12 -
الغسل للطواف.
13 -
التبرُّك بالمطر النازل من ميزاب الرحمة من الكعبة.
14 -
قصد الطواف تحت المطر بزعم أن من فعل ذلك غُفِرَ له ما سلف.
(1 - 4)"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (50).
(5)
مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (51)، "المسجد في الإسلام" خير الدين وانلي، (315).
(6)
"مناسك الحج والعمرة " للشيخ الألباني ص (51)، وزاد المعاد (1/ 313).
(7 - 10) المناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (51).
(11)
المرجع السابق، ص (52).
(12)
المرجع السابق، ص (51 - 52).
(13)
المرجع السابق، ص (51).
(14)
المرجع السابق، ص (52).
15 -
تقبيل الركنين الشاميين والمقام واستلامها
(1)
.
16 -
تقبيل الركن اليماني
(2)
.
17 -
استباحتهم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام، ومقاومتهم للمصلي الذي يدفعهم
(3)
.
18 -
التزام قراءة القرآن في الطواف
(4)
.
ثالثًا: الكعبة:
1 -
التمسح بحيطان الكعبة والمقام
(5)
.
2 -
كتابة أسمائهم على عمدان حيطان الكعبة.
3 -
الخروج من المسجد الحرام بعد طواف الوداع على القهقري
(6)
.
4 -
كسوة مقام إبراهيم، والمحمل والاحتفال بكسوة الكعبة
(7)
.
5 -
التبرك بـ "العروة الوثقى"، وهو موضع عال من جدار البيت المقابل لباب البيت، تزعم العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى
(8)
.
رابعًا: زمزم:
1 -
اغتسال البعض من زمزم.
2 -
اعتقادهم أنه لا يجتمع ماء زمزم ونار جهنم في جوف عبد أبدًا.
3 -
ما ذكر في بعض كتب الفقه: أنه يتنفس في شرب ماء زمزم مرات، ويرجع بصره في كل مرة، وينظر إلى البيت.
4 -
إفراغ الحاج سؤره من ماء زمزم في البئر وقوله: "اللهم إني أسألك رزقًا واسعًا، وعلمًا نافعًا، وشفاء من كل داء"
(9)
.
(1)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (52)، و"اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (204).
(2)
"المدخل" لابن الحاج (4/ 224).
(3)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (59).
(4)
"الاعتصام" للشاطبي (2/ 23).
(5)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (52).
(6)
"الاختيارات العلمية" لابن تيمية (70).
(7)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (59).
(8)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (52).
(9)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (53).
خامسًا: السعي:
1 -
تكرار السعي في الحج أو العمرة.
2 -
ترك المتمتع السعي بعد طواف الأفاضة.
3 -
قولهم: "إن من توضأ فأحسن الوضوء، ومشى بين الصفا والمروة، كتب الله بكل قدم سبعين".
4 -
استمرارهم في السعي بين الصفا والمروة، وقد أقيمت الصلاة حتى تفوتهم صلاة الجماعة.
5 -
التزام دعاء معين إذا أتى منى، كالذي في "الإحياء":"اللهم هذه منى فامنن بما مننت على أوليائك وأهل طاعتك".
6 -
القول في السعي: "رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم اجعله حجًّا مبرورًا - أو عمرة مبرورة - وذنبًا مغفورًا الله أكبر ثلاثًا".
7 -
السعي أربعة عشر شوطًا بحيث يختم على الصفا.
8 -
الصعود على الصفا حتى يلتصق بالجدار.
9 -
صلاة ركعتين بعد الفراغ من السعي
(1)
.
سادسًا: عرفة:
1 -
افتتان العوام بجبل عرفات حتى جعلوه أصلًا في الوقوف
(2)
.
2 -
الاغتسال ليوم عرفة.
3 -
ما يفعله بعضهم عند الوقوف بعرفة من استقبال البيت الحرام بوجهه ويبسط يده كهيئة الداعي - ثم يلبي ثلاثًا، ويقول:"لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير"
(3)
.
(1)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (53)، و "القواعد النورانية" لابن تيمية، ص (101).
(2)
"الأمر بالاتباع" للسيوطي (ص 257).
(3)
"الفوائد المجموعة" للشوكاني (ص 109).
4 -
اعتقادهم أنه ما من عبد ولا أمة دعا الله ليلة عرفات بهذه الدعوات، وهي عشر كلمات، ألف مرة، لم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، إلا قطيعة رحم أو مأثمًا، سبحان الذي في السماء عرشه
(1)
.
5 -
الرواح إلى عرفات قبل دخول وقت الوقوف بانتصاف يوم عرفة.
6 -
الرحيل من منى إلى عرفة ليلًا.
7 -
بدعة الوقوف على جبل عرفات في اليوم الثامن ساعة من الزمن احتياطًا خشية الغلط في الهلال.
8 -
الرحيل من منى إلى عرفة ليلًا.
9 -
الدعاء ليلة عرفة بعشر كلمات ألف مرة: "سبحان الذي في السماء عرشه، سبحان الذي في الأرض موطئه، سبحان الذي في البحر سبيله"
(2)
.
10 -
حيلهم في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رحلة واحدة.
11 -
الإيضاع - الإسراع - وقت الدفع من عرفة إلى مزدلفة.
12 -
الصعود إلى جبل الرحمة في عرفات.
13 -
دخول القبة التي على جبل الرحمة، ويسمونها "قبة آدم"، والصلاة فيها والطواف بها كطوافهم بالبيت.
14 -
السكوت على عرفة وترك الدعاء.
15 -
اعتقاد أن الله تعالى ينزل عشية عرفة على جمل أو بُراق يصافح الركبان ويعانق المشاة.
16 -
خطبة الإمام في عرفة خطبتين يفصل بينهما بجلسة كما في الجمعة.
17 -
الأذان للظهر والعصر في عرفة قبل أن ينتهي الخطيب من خطبته.
18 -
صلاة الظهر والعصر قبل الخطبة.
19 -
قول الإمام لأهل مكة بعد فراغه من الصلاة في عرفة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر.
20 -
التطوع بين صلاة الظهر والعصر في عرفة.
(1)
"الفوائد المجموعة" للشوكاني (ص 105)،
(2)
مناسك الحج والعمرة للشيخ الألباني رحمه الله ص (54).
21 -
ما استفاض على ألسنة العوام أن وقفة عرفة يوم الجمعة تعدل اثنين وسبعين حجة.
22 -
الإيقاد بمنى بدعة.
23 -
الوقوف على غير عرفة.
24 -
الاعتقاد أن الأصل هو الوقوف بجبل عرفات
(1)
.
سابعًا: مزدلفة:
1 -
الإيضاع (الإسراع) وقت الدفع من عرفة إلى مزدلفة.
2 -
الوقوف بالمزدلفة بدون بيات.
3 -
استحباب نزول الراكب؛ ليدخل مزدلفة ماشيًا توقيرًا للحرم.
4 -
التزام الدعاء بقوله إذا بلغ مزدلفة: "اللهم إن هذه مزدلفة جمعت فيها ألسنة مختلفة - نسألك حوائج
…
إلخ".
5 -
ترك المبادرة إلى صلاة المغرب فور النزول في مزدلفة، والانشغال عن ذلك بلفظ الحصى.
6 -
صلاة سنة المغرب بين الصلاتين أو جمعها إلى سنة العشاء والوتر بعد الفريضتين.
7 -
التزام الدعاء إذا انتهى إلى المشعر الحرام بقوله: "اللهم بحق المشعر الحرام، والبيت الحرام، والشهر الحرام، والركن والمقام، أبلغ روح محمد صلى الله عليه وسلم منا التحية والسلام، وأدخلنا دار السلام، يا ذا الجلال والإكرام"
(2)
.
8 -
الرغبة عن ذبح الواجب من الهدي إلى التصدق بثمنه، بزعم أن لحمه يذهب في التراب لكثرته، ولا يستفيد منه إلا القليل.
9 -
ذبح بعضهم هدي التمتع بمكة قبل يوم النحر.
ثامنًا: التحلل:
1 -
الاقتصار على حلق ربع الرأس.
(1)
"الإبداع في مضار الابتداع" الشيخ علي محفوظ، ص (305).
(2)
"مناسك الحج والعمرة" للشيخ الألباني ص (56).
2 -
البدء بالحلق بيسار رأس المحلوق.
3 -
الدعاء عند الحلق بقوله: "الحمد لله على ما هدانا، وأنعم علينا، اللهم هذه ناصيتي بيدك فتقبل مني
…
".
4 -
قول الغزالي في "الإحياء": "والسنة أن يستقبل القبلة في الحلق".
5 -
زيادة الوقيد ليلة النحر وبالمشعر الحرام.
6 -
إحياء هذه الليلة
(1)
.
تاسعًا: رمي الجمرات:
1 -
الغسل لرمي الجمار.
2 -
قول الباجوري: ويسن أخذ الحصى الذي يرميه يوم النحر من المزدلفة وهي سبع، والباقي من الجمرات تؤخذ من وادي محسر.
3 -
الطواف بالمساجد التي عند الجمرات.
4 -
غسل الحصيات قبل الرمي.
5 -
التسبيح أو غيره من الذكر مكان التكبير.
6 -
الزيادة على التكبير وقولهم: "رغمًا للشيطان وحزبه، اللهم اجعل حجي مبرورًا، وسعيي مشكورًا، وذنبي مغفورًا، اللهم إيمانًا بكتابك، واتباعًا لسنة نبيك".
7 -
قول بعض المتأخرين: "ويسن أن يقول مع كل حصاة عند الرمي: "بسم الله، والله أكبر، صدق الله وعده
…
إلى قوله: ولو كره الكافرون".
8 -
تحديد موقف الرامي: أن يكون بينه وبين المرمى خمسة أذرع وصاعدًا.
9 -
رمي الجمرات بالنعال وغيرها.
10 -
استحباب صلاة العيد بمنى يوم النحر.
11 -
الخروج من مكة لعمرة تطوع.
12 -
الخروج من المسجد الحرام بعد طواف الوداع على القهقري
(2)
.
(1)
"مناسك الحج والعمرة"، للشيخ الألباني ص (57).
(2)
"مناسك الحج والعمرة"، للشيخ الألباني ص (59)، وانظر:"مجمع البدع" رائد بن صبري بن أبي عكفة، دار العاصمة، (ص 172 - ص 197).
الفصل التاسِع أفضلُ أنواعِ الهَدي
أ - البدنة؛ لقوله تعالى في سورة الحج الآية (36): {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} .
ب - البقرة، ج - الشاة.
1 - تجزئ البقرة والبدنة عن سبعة:
عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُهلينَ بالحج، فأمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر، كُلُّ سبعة منا في بدنةٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - يجوز للمهدي أن يأكل من لحم هديه:
عن عائشة رضي الله عنها تقول: "خرجنا معَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقينَ من ذي القعدة لا نرَى إلَّا الحج، فلما دنونا من مكة أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي، إذا طاف وسعى بين الصفا والمروةِ أن يحل، قالت: فدخِلَ علينا يومَ النحرِ بلحم بقر، فقلتُ: ما هذا؟ قال: نحرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن أزواجه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - يجوز للمهدي أن يركب على هديه:
عن أنس صلى الله عليه وسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوقُ بدنةً فقال: "اركبها"، قال: إنها بدنة، قال:"اركبها"، قال: إنها بدنة قال: "اركبها" ثلاثًا، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - يندب للمهدي إشعار الهدي وتقليده:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الظهرَ بذي الحليفةِ، ثم دَعَا بناقتِهِ فأشعرَهَا في صفحةِ سنامِهَا الأيمن، وسلتَ الدَّم، وقلدها نعلين، ثم ركب راحلتهُ، فلما استوت به على البيداء، أهلَّ بالحج"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (351/ 1318)، وأبو داود رقم (2807)، والترمذي رقم (904)، والنسائي (7/ 222)، ومالك في "الموطأ"(2/ 486 رقم 9).
(2)
أخرجه البخاري رقم (1709)، ومسلم رقم (1211)، واللفظ للبخاري.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1690)، ومسلم رقم (1323).
(4)
أخرجه مسلم رقم (1243)، وأبو داود رقم (1752)، والترمذي رقم (906)، وابن ماجه رقم (3097).
فأشعرَها: الإشعار هو أن يجرحها في صفحة سنامها اليمنى بحربة أو سكين أو حديدة أو نحوها ثم يسلت الدم عنها.
في صفحة سنامها: صفحة السنام هي جانبه.
سلت الدم: أي أماطه.
فلما استوت به على البيداء: أي لما رفعته راحلته مستويًا على ظهرها مستعليًا على موضع مسمى بالبيداء، لبّى.
5 - بيان حكم من بعث بهديه:
عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرتهُ أنَّ زياد بن أبي سفيان كتبَ إلى عائشة رضي الله عنها أنَّ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "من أهدى هديًا حَرُمَ عليه ما يحرمُ على الحاج حتى ينحرَ هديهُ، قالت عمرةُ: فقال عائشةُ رضي الله عنها: ليس كما قال ابن عباسٍ، أنا فتلتُ قلائدَ هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديَّ، ثم قلَّدها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيديه، ثم بعث بها معَ أبي، فلم يَحْرُم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحلهُ اللهُ له حتى نُحرَ الهديُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (1700)، ومسلم رقم (1321).
الباب الثاني العمرة المفردة
1 - يحرم للعمرة من الميقات
، لأن الإحرام للعمرة كالإحرام للحج، انظر:(الباب الأول: أحكام الحج)، الفصل الثاني، ثانيًا: الإحرام من المواقيت المكانية المحددة.
2 - من كان في مكة يحرم للعمرة من الحل:
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عام حجةِ الوداع فأهللنا بعمرةٍ، ثم قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كان مَعَهُ هديٌ فليُهلَّ بالحجِّ مع العمَرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا"، قالت: فقدمت مكةَ وأنا حائض لم أطُفْ بالبيتِ، ولا بين الصفا والمروة، فشكوتُ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"انقضِي رأسَكِ وامَتشطي، وأهلي بالحج ودعي العمرةَ" قالت: ففعلتُ، فلما قضينا الحجَّ أرسلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمنِ بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرتُ فقال:"هذه مكانُ عُمْرَتك" فطافَ الذين أهلُّوا بالعمرةِ، بالبيت وبالصفا والمروة ثم حَلُّوا، ثم طافوا طَوافًا آخر، بعد أن رَجَعُوا من منى لحجهم، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافًا واحدًا، وهو حديث صحيح
(1)
.
التنعيم: هو موضع قريب من مكة بينه وبينها فرسخ، الفرسخ:(5.554 كم).
3 - أركان العمرة:
أ - الإحرام، ب - الطواف، ج - السعي، د - الحلق أو التقصير.
وقد تقدمت الأدلة على ذلك.
4 - العمرة مشروعة في جميع أيام السنة:
عن أنس رضي الله عنه قال: "اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربعَ عُمَر في ذي القعدة، إلا التي اعتمرَ مع حجته: عمرتَهُ من الحديبية، ومن العام المقبل، ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنينٍ، وعمرةً مع حجَّته"، وهو حديث صحيح
(2)
.
• أما العمرة في رمضان فإنها تعدل حجة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عمرة في رمضان تعدل حجة"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1784)، ومسلم رقم (1211)،
(2)
أخرجه البخاري رقم (1780)، ومسلم رقم (1253).
(3)
أخرجه البخاري رقم (1782)، ومسلم رقم (1256).
الكتاب السادس كتاب النكاح
ويتضمن تسعة أبوابٍ
كتاب النكاح
الباب الأول: النكاح.
الفصل الأول: أحكام النكاح.
الفصل الثاني: الأنكحة المحرمة.
الفصل الثالث: أحكام المهر (الصداق).
الفصل الرابع: حكم الوليمة.
الفصل الخامس: القسم بين الزوجات.
الفصل السادس: حقوق الزوجين.
الباب الثاني: الطلاق.
الفصل الأول: مشروعية الطلاق وأحكامه.
الفصل الثاني: بما يقع الطلاق.
الباب الثالث: الخلع.
الباب الرابع: الإيلاء.
الباب الخامس: الظهار.
الباب السادس: اللعان.
الباب السابع: العدة.
الفصل الأول أنواع العدة.
الفصل الثاني: استبراء الأمة المسبية والمشتراة.
الباب الثامن: النفقة.
الباب التاسع: الحضانة.
الباب الأول النكاح
الفصل الأول: أحكام النكاح
1 - الحث على الزواج:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله رضي الله عنه: "يا مَعْشَرَ الشبابِ، من استطاع منكم الباءَةَ فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليَه بالصوم، فإنهُ له وُجَاءٌ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أنسٍ: أنَّ نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتزوجُ، وقال بعضهم: أصلِّي ولا أنام، وقال بعضهم: أصُومُ ولا أُفْطِرُ؛ فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بالُ أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟! لكني أصومُ وأفْطِرُ، وأصلِّي وأنامُ، وأتزوَّج النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مِنِّي"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - التبتل حرام:
عن سعد بن أبي وقاص قال: "رَدَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بنِ مظعُونٍ التَّبَتُّلَ، ولو أذِنَ له لاختصينا"، وهو حديث صحيح
(3)
، التبتل: في الأصل: الانقطاع، والمراد به هنا: الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذِّ إلى العبادة.
3 - صفة المرأة التي تُستحب خطبتُها:
عن أنس قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأمُرَنا بالباءَة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول:"تَزوَّجُوا الولودَ الودُود؛ فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (1905)، ومسلم رقم (1400)، وأبو داود رقم (2046)، وأحمد (1/ 378، 447)، والنسائي (4/ 169)، و (6/ 56 - 57)، وابن ماجه رقم (1845)، والترمذي رقم (1081).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 241)، والبخاري رقم (5063)، ومسلم رقم (1401).
(3)
أخرجه أحمد (1/ 183)، والبخاري رقم (5073)، ومسلم رقم (1402).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 158، 245)، وابن حبان رقم (1228 - موارد)، والبيهقي (7/ 81)، وانظر:"الإرواء" رقم (1784).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تُنكحُ المرأةُ لأربعٍ: لمالها ولحسبها، ولجمالِهَا، ولدينِهَا، فاظْفَرْ بذاتِ الدين، تَرِبَتْ يداك"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا جابر! تزوَّجتَ بِكرًا أم ثيبًا؟ " قال: ثيبًا، فقال:"هَلَّا تزوَّجْتَ بكرًا تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ؟ "، وهو حديث صحيح
(2)
.
4 - تخطب الكبيره إلى نفسها، والمعتبر حصول الرضا منها:
عن ابن عباس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الثَّيِّبُ أحقُّ بنفسهَا من وَليها، والبكرُ تستأمَرُ، وإذْنُهَا سُكوتُهَا"، وهو حديث صحيح
(3)
.
5 - على الولي أن يأخذ برأي ابنته ويأثم إن أرغمها:
عن خنساء بنتِ خِذامٍ: "أنَّ أباها زوَّجَهَا وهي ثيبٌ، فكرهتْ ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرَدَّ نِكَاحَهُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تُستأمَرُ اليتيمةُ في نفسها، فإنْ سكتتْ فهو إذنُهَا، وإِنْ أَبَتْ فلا جوازَ عليها"، وهو حديث حسن
(5)
.
6 - يجوز للولي أن يعرض ابنته على من يتوسم فيه الصلاح والدين، ولا يعد ذلك إزراءً به ولا بابنته:
عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خُنيس بن حُذافة السهميِّ - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي بالمدينة - فقال عمرُ بن الخطاب: "أتيتُ عثمانَ بن عفانَ فعرضتُ عليه حفصة فقال: سأنظرُ في أمري، فلبثتُ لياليَ، ثم لقيني فقال: قد بدا لي ألَّا أتزوجَ يومي هذا، قال عمرُ: فلقيتُ أبا بكر
(1)
أخرجه البخاري رقم (5090)، ومسلم رقم (53/ 1466)، وأبو داود رقم (2047)، والنسائي رقم (3230)، وابن ماجه رقم (1858)، وأحمد (2/ 428).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 302)، والبخاري رقم (5079)، ومسلم رقم (54/ 715)، وأبو داود رقم (2048)، والترمذي رقم (1100)، والنسائي (6/ 65)، وابن ماجه رقم (1860).
(3)
أخرجه مسلم رقم (1421)، وأحمد (1/ 241، 242، 345)، وأبو داود رقم (2098)، والترمذى رقم (1108)، والنسائي رقم (84)، وابن ماجه رقم (1870).
(4)
أخرجه النسائي رقم (3268)، وابن ماجه رقم (1873)، وانظر:"الإرواء" رقم (1830).
(5)
أخرجه النسائي رقم (3270)، وانظر:"الإرواء" رقم (1828 و 1834).
الصديقَ فقلت: إن شئتَ زوجتك حفصة بنت عمر، فصمتَ أبو بكر فلم يرجع إليَّ شيئًا وكنتُ أوجدَ عليه مني على عثمان، فلبثتُ لياليَ ثم خطبها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحْتُها إياه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلكَ وجدتَ عليَّ حينَ عرضتَ عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمرُ: قلتُ: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجعَ إليك فيما عرضتَ عليَّ إلَّا أني كنتُ علمتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قبِلتُها"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 - تخطب الصغيرة إلى وليها:
عن عروة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خطبَ عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوكَ، فقال له صلى الله عليه وسلم:"أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال"، وهو حديث صحيح
(2)
.
8 - تحرم الخطبة على الخطبة:
عن ابن عمر أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطُبُ الرَّجُلُ على خِطْبةِ الرجل حتى يتركَ الخاطِبُ قَبْلَه، أو يأذن له الخاطب"، وهو حديث صحيح
(3)
.
9 - تحرم الخطبة في العدة من وفاة، أو من طلاق بائن، أو من طلاق رجعي:
عن فاطمة بنت قيس، قالت: إنَّ زوجَها طلَّقها ثلاثًا، فلم يجعل لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُكنى ولا نفقةً، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حَلَلْت فآذِنِيني" فأذَنْتُهُ، فخطبها معاوية، وأبو جهم، وأسامةُ بن زيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما معاويةُ فرجلٌ تَرِبٌ لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضرَّاب للنساء، ولكن أسامة" فقالت بيدها هكذا: أسامة! أسامة! فقال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "طاعَةُ الله وطاعَةُ رسولِهِ"، قالت:"فتزوجْتُهُ فاغتبطتُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
10 - يجوز التعريض بالخطبة للمعتدة من وفاة، أو من طلاق بائن:
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (235): {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَة
(1)
أخرجه البخاري رقم (5122)،
(2)
أخرجه البخاري رقم (5081).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 153)، والبخاري رقم (5142)، والنسائي (6/ 73).
(4)
أخرجه أحمد (6/ 412)، ومسلم رقم (1480)، وأبو داود رقم (2284)، والترمذي رقم (1180)، والنسائي (6/ 75).
النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}.
عرضتم: لوحتم وأشرتم بما يتضمن رغبتكم بالزواج.
سرًّا: لا تُوَاعدُوهن بالنكاح خفية.
قولًا معروفًا: مواففًا للشرع، وهو التعريض.
تعزموا عقدة النكاح: تحققوا العزم على عقد الزواج.
يبلغ الكتاب أجله: تنقضي العدة، وهي المدة التي فرضها الله عليها في كتابه.
وعن ابن عباس: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} يقول: إني أُريدُ التَّزْويجَ، ولوددْتُ أنَّهُ يُسَّر لي امرأةٌ صالحةٌ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
11 - يجوز النظر إلى المخطوبة:
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خطبَ أحدُكم المرأةَ، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعُوهُ إلى نكاحِهَا، فليفْعَلْ"، وهو حديث حسن
(2)
.
وعن أبي هريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجُلٍ تزوَّج امرأة: "أَنظرْتَ إليهَا؟ " قال: لا، قال:"اذهبْ فانظُرْ إليها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
12 - الولي شرط لصحة النكاح:
عن أبي بُردة بنِ أبي موسى عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ"، وهو حديث صحيح بشواهده
(4)
.
وعن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نُكِحَتْ بغير إذن وليها،
(1)
أخرجه البخاري رقم (5124).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 334)، وأبو داود رقم (2082)، وصححه الحاكم (2/ 165)، ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في "الإرواء" رقم (1791).
(3)
أخرجه مسلم رقم (75/ 1424)، والنسائي (6/ 69 - 70)، وأحمد (2/ 286، 299).
(4)
أخرجه أحمد (4/ 394، 413)، وأبو داود رقم (2085)، والترمذي رقم (1101)، وابن ماجه رقم (1881)، وصححه ابن حبان رقم (1243 - موارد)، وانظر:"الإرواء" رقم (1839).
فنكاحُها باطلٌ، فإن دخل بها فلها المهرُ بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطانُ وليُّ من لا وليَّ له"، وهو حديث صحيح
(1)
.
أما إذا لم يكن للمرأة ولي، أو تشاجر الأولياء، فالسلطان وليها؛ لحديث عائشة المتقدم آنفًا واللاحق أيضًا.
13 - الشاهدان شرط لصحة النكاح:
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاحَ إلا بوليٍّ وشَاهِدَيْ عَدْلٍ، فإن تشاجَرُوا فالسلطانُ وليُّ مَنْ لا وَلِيَّ له"، وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده
(2)
.
14 - تبطل ولاية الولي بالإعضال أو الشرك:
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (232): {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} .
ولحديث أم حبيبة: "أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأمهرها عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شُرحبيل بن حسنة"، وهو حديث صحيح
(3)
.
15 - يجوز لكل واحدٍ من الزوجين أن يوكل لعقد النكاح ولو واحدًا:
عن عُقبةَ بن عامر: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: "أترضى أن زوجكَ فلانة" قال: نعم، وقال للمرأة:"أترضين أن أزوجك فلانًا؟ " قالت: نعم، فزوَّج أحدَهما صاحبه، فدخل بها ولم يفرض لها صداقًا، ولم يعطها شيئًا، وكان ممن شهدَ الحديبية وكان من شهد الحديبية له سهم بخير؛ فلما حضرَتْه الوفاةُ قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم أفرِض لها صَداقًا، ولم أعطها شيئًا، وإني أشهدكم أني أعطيتُها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهمهُ فباعَتهُ بمائةِ ألفٍ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2083)، والترمذي رقم (1102)، وابن ماجه رقم (1879)، وصححه الحاكم (2/ 168)، وابن حبان رقم (1247 موارد)، وله شواهد من حديث جماعة من الصحابة، وانظر:"الإرواء" رقم (1840)، و "السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 105 - 107)، و"التلخيص"(3/ 156 - 157).
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 125)، والدارقطني في "السنن"(3/ 225 رقم 23).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2107)، والنسائي (6/ 119).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (2117)، وانظر:"الإرواء" رقم (1924).
16 - استحباب الخُطبة للنكاح:
عن ابن مسعود قال: علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التشهُّدَ في الصلاة، والتشهُّدَ في الحاجةِ، وذكر تشهد الصلاة.
قال: والتشهدُ في الحاجة: إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102].
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب الآيتان:70، 71]
(1)
.
17 - الدعاء للمتزوج:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كانَ إذا رفَّأ إنسانًا - إذا تزوج - قال: "باركَ اللهُ لكَ، وباركَ عليكَ، وجمعَ بينكما على خير"، وهو حديث صحيح
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه الترمذي رقم (1105)، وأبو داود رقم (2118)، والنسائي (6/ 89)، وابن ماجه رقم (1892)، والحاكم (2/ 183 - 182)، والدارمي (2/ 142)، وابن الجارود رقم (679)، والبيهقي (7/ 146)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 178)، والطيالسي رقم (338)، وزاد الطيالسي والبيهقي عن شبة قال:"قلت لأبي إسحاق: هذه في خطبة النكاح وفي غيرها؟ قال: في كل حاجة".
قال المحدث الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه "خطبة الحاجة التي كان رسول اللهِ يعلمها أصحابه": "وردت هذه الخطبة المباركة عن ستة من الصحابة وهم: عبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، ونبيط بن شريط، وعائشة، رضي الله عنهم، وعن تابعي واحد هو الزهري رحمه الله "ثم تكلم عليها على هذا النسق، وقال في الخاتمة:"قد تبين لنا من مجموع الأحاديث المتقدمة أن هذه الخطبة تفتح بها جميع الخطب سراء كانت خطبة نكاح أو خطبة جمعة أو غيرها، فليست خاصة بالنكاح كما قد يظن، وفي بعض طرق حديث ابن مسعود التصريح بذلك .. وقد أيد ذلك عمل السلف الصالح، فكانوا يفتتحون كتبهم بهذه الخطبة"، ثم ذكر بعضًا منهم.
(2)
أخرجه أحمد (2/ 381)، وأبو داود رقم (2130)، والترمذى رقم (1091)، وقال:"حديث حسن صحيح"، والنسائي في "الكبرى"(1/ 10089)، وابن ماجه رقم (1905).
الفصل الثاني: الأنكحة المحرمة
1 - نكاح المتعة منسوخ:
المتعة: هو نكاح المرأة إلى أجل مؤقت؛ كيومين أو ثلاثة أو شهر أو غير ذلك.
لا خلاف أن نكاح المتعة كان ثابتًا في الشريعة:
قال تعالى في سورة النساء الآية (24): {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كُنَّا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساءٌ، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخصَ لنا بَعَد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب، ثم قرأ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [المائدة: 87]، وهو حديث صحيح.
(1)
.
قال الشافعي
(2)
: "ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة ولم يوقت شيئًا يدل أهو قبل خيبر أو بعدها، فأشبه حديث علي بن أبي طالب - في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة - أن يكون - والله أعلم - ناسخًا له، فلا يجوز نكاح المتعة بحال" اهـ.
وقد ورد نسخ المتعة بعد الترخيص في ستة مواطن:
الأول: في خيبر. الثاني: في عمرة القضاء.
الثالث: عام الفتح. الرابع: عام أوطاس.
الخامس: غزوة تبوك. السادس: في حجة الوداع،
فهذه التي وردت، إلا أنَّ في ثبوتِ بعضها خلافًا.
أولًا: في خيبر
.
روي أن عليًّا رضي الله عنه قال لابن عباس: "إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر"، وهو حديث صحيح
(3)
.
قلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم المتعة يوم خيبر ثم رخص فيها بعد ذلك، ثم حرمها عام
(1)
أخرجه البخاري رقم (4615)، ومسلم رقم (1404).
(2)
كما في "معرفة السنن والآثار"(5/ 342).
(3)
البخاري (5115)، ومسلم (1407).
الفتح مرة ثانية، ولم يبلغ الترخيص فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فبنى على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث التحريم يوم خيبر، وعلى ما استقر عليه الأمر أيضًا.
ثانيًا: في عمرة القضاء
.
عن الحسن قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في عمرته تزين نساء أهل المدينة (*) فشكا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تمتعوا منهن واجعلوا الأجل بينكم وبينهن ثلاثًا، - فما أحسب رجلًا يتمكن من امرأة ثلاثًا إلا ولّاها الدبر"، وهو ضعيف لإرساله
(1)
.
ثالثًا: في عام الفتح
.
عن الربيع بن سَبُرَة أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة قال: فأقمنا بها خمسَ عشرة (ثلاثين بين ليلة ويوم)، فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء، فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضلٌ في الجمال، وهو قريب من الدمامة، مع كل واحدٍ منا بُرد، فَبُرْدِي خَلقٌ وأما بُرْدُ ابن عمي فَبُرْد جديد غض، حتى إذا كنا بأسفل مكة أو بأعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة العَنطْنَطَةِ فقلنا: هل لك أن يستمتع منك أحدُنا؟ قالت: وماذا تبذلان؟ فنشر كلُّ واحدٍ منا بُردَه، فجعلت تنظرُ إلى الرجلين، ويراها صاحبي تنظر إلى عِطْفِها، فقال: إن بُرْدَ هذا خَلقٌ وبردي جديد غضٌّ فتقول: بُرْدُ هذا لا بأس به، ثلاث مرار أو مرتين، ثم استمتعتُ منها فلم أخرج حتى حرَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
رابعًا: في عام أوطاس
.
عن سلمة بن الأكوع قال: رخَّصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عامَ أوطاسٍ في المتعةِ، ثلاثة أيامٍ ثم نهى عنها، وهو حديث صحيح
(3)
.
خامسًا: في غزوة تبوك
.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج نزل ثنية الوداع، فرأى مصابيح وسمع نساء يبكين فقال:"ما هذا؟ " فقالوا: يا رسول الله، نساء كانوا تمتعوا، منهن
(*) لعل الصواب (مكة) وهو ما يقتضيه السياق.
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(1/ 217)، وعبد الرزاق في "المصنف" رقم (14040) و (14043).
(2)
أخرجه مسلم رقم (20/ 1406).
(3)
أخرجه مسلم رقم (18/ 1405)، والبيهقي (7/ 204)، وابن حبان في "صحيحه" رقم (4151).
أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هدمَ - أو قال - حَرَّم المتعةَ النكاح والطلاق والعدة والميراث"، وهو حديث ضعيف
(1)
.
سادسًا: في حجة الوداع
.
عن الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء فقال له رجل يقال له ربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدَّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع، وهو حديث شاذ
(2)
.
قلت: والخلاصة أن ثبوت تحريم نكاح المتعة في عمرة القضاء، وغزوة تبوك، وحجة الوداع فيه نظر فهو يدور بين الضعيف المرسل، والضعيف، والشاذ.
أما التحريم في عام الفتح، وفي عام أوطاس فترد إلى بعضها؛ لكونهما في عام واحد.
قال الإمام النووي
(3)
: "الصوابُ أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين، فكانت مباحةً قبلَ خيبر، ثم حُرِّمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح وهو عامُ أوطاسٍ ثم حرمت تحريمًا مؤبدًا
…
".
2 - نكاح التحليل:
عن ابن مسعودِ قال: "لعنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المُحَلِّلَ والمُحَلَّلَ له"، وهو حديث صحيح
(4)
.
المحلِّلُ: متزوج المطلقة ثلاثًا؛ لتحل للزوج الأول.
وقال محمد بن إسماعيل الأمير
(5)
: "وذكروا للتحليل صورًا:
(منها): أن يقولَ لهُ في العقدِ: إذا أحللْتُها فلا نكاحَ، وهذا مثلُ نكاح المتعة لأجل التوقيت.
(ومنها): أن يقولَ في العقد: إذا حللتها طلَّقْتُها.
(1)
أخرجه ابن حبان رقم (1267)، والدارقطني (3/ 259)، والبيهقى (7/ 207).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 404)، والبيهقي (7/ 204)، والطبراني في "الكبير" رقم (6532).
(3)
في "شرحه لصحيح مسلم"(9/ 181).
(4)
أخرجه أحمد (1/ 450)، والنسائي (6/ 149)، والترمذي رقم (1120)، والبيهقي (7/ 208)، وللحديث شواهد.
(5)
في سبل السلام بتحقيقي (6/ 54)، الطبعة الثانية.
(ومنها): أن يكونَ مُضْمرًا عند العقد بأن يتواطأَ كلٌّ منهما على التحليل ولا يكونُ النكاحُ الدائمُ هو المقصودُ.
وظاهر شمولِ اللعنِ فسادُ العقدِ لجميعِ الصورِ، وفي بعضها خلافٌ بلا دليلٍ ناهضٍ فلا يشتغلُ به" اهـ.
3 - نكاح الشغار
.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، والشغارُ أن يزوَّجَ الرجلُ ابنتَهُ على أن يزوجَهُ الآخر ابنتَهُ ليسَ بينهما صَدَاقٌ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
4 - نكاح العبد بغير إذن سيده
.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما عبدٍ تزوَّجَ بغير إذنِ مواليه أو أهله، فهو عاهرٌ"، وهو حديث حسن
(2)
.
5 - الجمع بين المرأةِ وعمتها والمرأة وخالتها
.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُجْمَعُ بينَ المرأةِ وعمَّتِهَا، ولا بين المرأةِ وخالتها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
6 - نكاح المحرم:
عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْكِحُ الْمُحْرِم ولا يُنكِحُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
7 - نكاح الزانية أو المشركة والعكس:
قال تعالى في سورة النور الآية (3): {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} .
(1)
أخرجه البخاري رقم (5112)، ومسلم رقم (57/ 1415).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (2078)، والترمذي رقم (1111)، وقال:"حديث حسن"، وانظر:"الإرواء" رقم (1933).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5109) و (5110)، ومسلم رقم (1408)، وأبو داود رقم (2065) و (2066)، والنسائي (6/ 98 - 96).
(4)
أخرجه أحمد (1/ 96)، ومسلم رقم (41/ 1409)، وأبو داود رقم (1841)، والترمذي رقم (840)، والنسائي (5/ 192)، وابن ماجه رقم (1966).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَنكِحُ الزاني المجلودُ إلَّا مثلَهُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عبد الله بن عمرو، أن مرْثَد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغيٌّ يقال لها: عَناق، وكانت صديقته، قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناق؟ قال: فسكت عني، فنزلت:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور:3] فدعاني فقرأ علي وقال: "لا تنكحها"، وهو حديث حسن
(2)
8 - نكاح ما زاد على الأربعة:
عن الحارث بن قيس، قال: أسلمتُ وعندي ثمان نسوة، فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"اخْتَرْ منهن أربعًا"، وهو حديث حسن
(3)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ غيلانَ بنَ سلمة الثقفي أسلمَ ولَهُ عَشْرُ نسوةٍ في الجاهلية، فأسلمنَ معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخَيَّر أربعًا منهنَّ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
9 - الجمع بين الأختين:
قال تعالى في سورة النساء الآية (23): {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} .
عن الضحاك بين فيروز، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمتُ وتحتي أختان، قال:"طَلِّق أيتهما شئت"، وهو حديث حسن
(5)
.
10 - المطلقة ثلاثًا:
لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجًا غيره نكاحًا صحيحًا: لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (230): {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} .
(1)
أخرجه أحمد (2/ 324)، وأبو داود رقم (2052).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (2051)، والنسائي (6/ 66)، والترمذي رقم (3177)، وقال:"حديث حسن غريب".
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2241)، وابن ماجه رقم (1952).
(4)
أخرجه الترمذي رقم (1128)، وابن ماجه رقم (1953).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (2243)، والترمذي رقم (1130)، وابن ماجه رقم (1951).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: طلَّق رجلٌ امرأتَهُ ثلاثًا، لتزوجها رجلٌ، ثم طلقها قبل أن يدخُلَ بها، فأراد زوجُها الأول أن يتزوجها، فسئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:"لا حتى يذوقَ الآخر عُسَيلتها ما ذاق الأولُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
11 - نكاح ما صرح القرآنُ بتحريمه:
قال تعالى في سورة النساء الآية (22 - 24):
أ - المحرمات من النسب وهن سبعُ:
1 -
الأمهات: وهن كل من بينك وبينه إيلاء من جهة الأمومة أو الأبوة؛ كأمهاته وأمهات آبائه وأجداده من جهة الرجال والنساء وإن علون.
2 -
البنات: وهن كل من انتسب إليه بإيلاء؛ كبنات صلبه، وبنات بناته، وأبنائهن وإن سفلن، قلت: ويلحق بالتحريم البنت من الزنى عند الجمهور.
3 -
الأخوات: يعم تحريم الأخوات من كل جهة.
4 -
العمات: وهن أخوات آبائه وإن علون من كل جهة، وأما عمة العم فإن كان العم لأب فهي عمة أبيه، وإن كان لأم فعمته أجنبية منه، فلا تدخل في العمات، وأما عمة الأم فهي داخلة في عماته كما دخلت عمة أبيه في عماته.
5 -
الخالات: وهن أخوات أمهاته وأمهات آبائه وإن علون، وأما خالة العمة فإن كانت
(1)
أخرجه البخاري رقم (2639)، ومسلم رقم (1433)، وأبو داود رقم (2309)، والترمذي رقم (1118)، والنسائي (6/ 148)، وابن ماجه رقم (1932).
العمة لاب فخالتها أجنبية، وإن كانت لام فخالتها حرام لأنها خالة، وأما عمة الخالة فإن كانت الخالة لأم فعمتها أجنبية، وإن كانت لأب فعمتها حرام لأنها عمة لأم.
6 -
7 - بنات الأخ وبنات الأخت: فيعم التحريم الأخ والأخت من كل جهة وبناتهما وإن نزلت درجتهن.
ب - المحرمات من الرضاع هن سبعٌ:
1 -
المرضعة. 2 - أم المرضعة.
3 -
أم زوج المرضعة. 4 - أخت المرضعة.
5 -
أخت زوج المرضعة. 6 - بنات بنيها وبناتها.
7 -
الأخت من الرضاعة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: "لا تَحِلُّ لي، يَحْرُم من الرضاعة ما يحرمُ من النسب، هي ابنة أخي من الرضاعة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة قالت: فقلت يا رسول الله، هذا رجل يستأذن في بيتك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أراه فلانًا" لعم حفصة من الرضاعة قالت عائشة: لو كان فلانا حيًّا - لعمها من الرضاعة - دخل عليَّ؟ فقال: "نعم الرضاعةُ تُجرم ما تُحرم الولادةُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
قال الإمام النووي
(3)
:
"هذه الأحاديث متفقة على ثبوت حرمة الرضاع، وأجمعت الأمة على ثبوتها بين الرضيع والمرضعة، وأنه يصير ابنها يحرم عليه نكاحها أبذا، ويحل له النظر إليها والخلوة بها والمسافرة، ولا يترتب عليه أحكام الأمومة من كل وجه فلا يتوارثان، ولا يجب على واحد منهما نفقة الآخر، ولا يعتق عليه بالملك، ولا ترد شهادته لها، ولا يعقل عنها، ولا يسقط عنها القصاص بقتله فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام، وأجمعوا - أيضًا - على
(1)
أخرجه البخاري رقم (2645)، ومسلم رقم (1447)، والنسائي (6/ 100)، وابن ماجه رقم (1938).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5099)، ومسلم رقم (1444)، والنسائي (6/ 102).
(3)
في شرحه لصحيح مسلم (3/ 621).
انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع، وبين الرضيع وأولاد المرضعة، وأنه في ذلك كولدها من النسب لهذه الأحاديث، وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه لكونه زوج المرأة أو وطئها بملك أو شبهة، فمذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولدًا له، وأولاد الرجل إخوة الرضيع وإخوته، وتكون إخوة الرجل أعمام الرضيع وأخواته عماته، وتكون أولاد الرضيع أولاد الرجل ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر وابن عُلية فقالوا: لا تثبت حرمة الرضاع بين الرجل والرضيع، ونقله المازري عن ابن عمر وعائشة واحتجوا بقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} ولم يذكر البنت أو العمة كما ذكرهما في النسب، واحتج الجمهور بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة في عم عائشة وعم حفصة وقوله صلى الله عليه وسلم مع إذنه فيه:"إنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة"، وأجابوا عما احتجوا به من الآية أنه ليس فيها نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما، لأن ذكر الشيء لا يدل على سقوط الحكم عما سواه، لو لم يعارضه دليل آخر، كيف وقد جاءت هذه الأحاديث الصحيحة؟ والله أعلم" اهـ.
وعن عقبة بن الحارث قال: وقد سمعته من عقبة لكني لحديث عبيد أحفظ، قال: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت لي: إني قد أرضعتكما، وهي كاذبة فأعرض عني، فأتيته من قبل وجهه قلت: إنها كاذبة، قال:"كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما، دعها عنك"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ج - لبن الفحل يحرم
.
عن عائشة رضي الله عنها أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب، فأبيت أن آذن له فلما جاء رسول صلى الله عليه وسلم أخبرته بالذي صنعت فأمرني أن آذن له، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن عمرو بن الشريد أن عبد الله بن عباس سئل عن رجل، كانت له امرأتان
(1)
أخرجه أبو داود رقم (3603)، والترمذي رقم (1151)، وقال:"حسن صحيح"، والنسائي (6/ 109).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5103)، ومسلم رقم (1445).
فأرضعت إحداهما غلامًا وأرضعت الأخرى جارية فقيل له: هل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال: لا، اللقاح واحد، وهو أثر صحيح
(1)
.
وعن عمرو بن دينار أنه سمع أبا الشعثاء يرى لبن الفحل يُحرِّم، وهو أثر صحيح
(2)
.
أخبرنا ابن جريج قال: قلت: لعطاء: لبن الفحل أيُحرِّم؟ قال: نعم، قال الله تعالى:{وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} فهي أختك من أبيك، وهو أثر صحيح
(3)
.
د - إن الذي يُحرِّم هو خمس رضعات
.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن"، وهو حديث صحيح
(4)
.
قال ابن حزم
(5)
: "مسألة: ولا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات، تقطع كل رضعة من الأخرى، أو خمس مصات مفترقات كذلك، أو خمس ما بين مصةٍ ورضعة تقطع كل واحدة من الأخرى، هذا إذا كانت المصة تغني شيئًا من دفع جوع، وإلا فليست شيئًا ولا تحرم شيئًا.
ثم ذكر رحمه الله أقوالط أهل العلم في ذلك وأجاب على المعارضين وما استدلوا به" اهـ.
هـ - الإرضاع في الكبر
.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءَتْ سهلةُ بنتُ سُهيل، فقالت: يا رسول الله، إنَّ سالمًا مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا، وقد بلغَ ما يبلغُ الرجالُ، فقال:"أَرْضعِيه تَحْرُمِي عليه"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 602)، وسعيد بن منصور في "السنن" رقم (966)، والترمذي رقم (1149)، والبيهقي (7/ 453)، والدارقطني في "السنن"(4/ 179).
(2 - 3) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(7/ 472).
(4)
أخرجه مسلم رقم (1452)، وأبو داود رقم (2062)، والنسائي (6/ 100).
(5)
في "المحلى"(10/ 9).
(6)
أخرجه مسلم رقم (1453)، وأحمد (6/ 38 - 39 و 201)، والنسائي (6/ 104 - 105)، وابن ماجه رقم (1943) وغيرهم.
* هذا - والله تعالى أعلم - في سالم مولى أبي حذيفة خاصة:
عن عروة قال: أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضعة أحد من الناس - يريد رضاعة الكبير - وقلن لعائشة: والله ما نرى الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل، إلا رخصة في رضاعة سالم وحده من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يدخل علينا أحدٌ بهذه الرضعة ولا يرانا، وهو حديث صحيح بطرقه
(1)
.
و - المحرمات بالمصاهرة وهن
.
1 -
أم الزوجة، ولا يشترط في تحريمها الدخول بها، بل مجرد العقد على ابنتها يحرمها.
2 -
ابنة الزوجة المدخول بها، فإن عقد على الأم ولم يدخل بها حلت له ابنتها؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} .
3 -
زوجة الابن: وتحرم بمجرد العقد.
4 -
زوجة الأب: يحرم على الابن التزوج بحليلة أبيه بمجرد عقد الأب عليها.
12 - إذا عتقت الأمةُ ملكت أمرَ نفسها، وخيرت في زوجها
.
عن عائشة رضي الله عنها: "أن بريرة كان زوجُها عبدًا، فخيرها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها، ولو كان حرًّا لم يخيرها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
13 - إذا أسلم أحدُ الزوجين انفسخَ النكاح وتجب العِدَّةُ
.
عن ابن عباس: "كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كانوا مشركي أهل حربٍ يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهدٍ لا يقاتلُهم ولا يقاتلونه، وكان إذا هاجرت امراة من أهل الحرب لم تُخطب حتى تحيض وتطهُر، فإذا طهُرت حلَّ لها النكاحُ، وإن هاجرَ زوجُها قبلَ أن تنكح رُدَّت إليه، وإن هاجر عبد منهم أو أمةٌ فهما حرَّان، ولهما ما للمهاجرين"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 605)، وأحمد (6/ 269)، والنسائي (6/ 106)، والبيهقي (7/ 459).
(2)
أخرجه مسلم رقم (9/ 1504).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5286) و (5287).
14 - حكم نكاح من أسلم وزوجته لم تنقض عدتها
.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول، لم يحدث شيئًا، قال محمد بن عمرو في حديثه: بعد ست سنين، وقال الحسن ابن علي: بعد سنتين"، وهو حديث صحيح
(1)
.
(1)
أخرجه أحمد (1/ 217، 261، 351)، وأبو داود (2240)، والترمذي (1143)، وابن ماجه (2009)، والحاكم (2/ 200)، وانظر:"الإرواء"(1921).
الفصل الثالث: أحكام المهر (الصداق)
الصَّدَاقُ: بفتح الصاد وكسرها، مأخوذ من الصِّدق؛ لإشعاره بصدقِ رغبةِ الزوجِ في الزوجةِ، وفيه سبعُ لغاتٍ، وله ثمانيةُ أسماءٍ يجمعُها قولُه:
صداقٌ ومهرٌ وفريضةٌ
…
حباءٌ وأجرٌ ثم عقرُ علائق
1 - وجوب الصداق:
قال الله تعالى في سورة النساء الآية (4): {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} .
وقال الله تعالى في سورة النساء الآية (24): {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} .
وقال الله تعالى في سورة الممتحنة الآية (10): {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .
واعلم أن الصداق للمرأة تأخذه لنفسها وليس للأولياء فيه نصيب.
وإذا احتج بعض من يطمع في صداق المرأة بقول الله تعالى في سورة القصص الآية (27) حكاية الشيخ القائل: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} ، على أن الصداق للولي أجيب عنه بأوضح جواب، وهو أن هذا شرع من قبلنا وقد جاء من شرعنا ما يفيد أن الصداق للمرأة؛ فبطلت حجتهم وتهاوت أطماعهم.
2 - يستحب تعجيل المهر
.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما تزوج عليٌّ فاطمةَ قالَ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَعْطِها شيئًا"، قال: مما عندي شيء، قال:"فأين دِرْعُكَ الحُطيميَّةُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
3 - تقليل الصداق مستحب
.
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: زَوَّجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا امرأةً بخاتمٍ من حديد، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2125)، والنسائي رقم (3375).
(2)
وهو طرف من حديث طويل أخرجه الحاكم في "المستدرك"(2/ 178)، وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، انظر: تحقيقي: "سبل السلام" ط 2، رقم الحديث (9/ 920).
وعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ الصَّداقِ أيسَرُهُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
4 - مهر المرأة التي لم يفرض لها مهر، فلها مهر نسائها إذا دخل بها
.
وعن علقمة، عن ابن مسعود: أنَّهُ سُئِلَ عن رَجُلٍ تَزَوَّجَ امرأةً ولم يفرض لها صداقًا، ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابنُ مسعود: لها مثلُ صداقِ نسائِها، لا وَكْسَ ولا شطط وعليها العِدَّةُ، ولها الميراثُ، فقامَ مَعْقِلُ بنُ سنان الأشجعيُّ، فقال: قضى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم في بَرْوعً بنت واشق - امرأةٍ مِنَّا - مِثْلَ ما قضيتَ، ففرح بها ابنُ مسعود، وهو حديث صحيح
(2)
.
5 - بعض المهور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
-.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان صداقنا إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر أواقٍ، وطبق بيديه، وذلك أربعمائة، وهو حديث صحيح
(3)
.
6 - ذم من كلف نفسه ما لا يطيق من صداق
.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"هل نَظَرْتَ إليها، فإن في عيون الأنصار شيئًا"، قال: قد نظرت إليها، قال:"على كم تَزوجْتَها؟ "، قال: على أربع أواقٍ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"على أربع أواقٍ؟! كأنما تنحتون الفضة من عُرْضِ هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بَعْثٍ تُصِيبَ منه"، قال: فبعث بعثًا إلى بني عبس، بعث ذلك الرجل فيهم، وهو حديث صحيح
(4)
.
الأوقية من الذهب = 40 درهمًا. الدرهم = 2.975 غرامًا.
إذن الأوقية من الذهب = 40 × 2.975= 119 غرامًا.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2117)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 182) وقال:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين"، قلت: بل هو على شرط مسلم؛ فإن محمد بن سلمة، وخالد بن أبي يزيد لم يخرج لهما البخاري في صحيحه.
(2)
أخرجه أحمد (4/ 279، 280)، وأبو داود رقم (2116)، والنسائي (6/ 121 - 122)، والترمذي رقم (1145)، وابن ماجه رقم (1891)، والحاكم (2/ 180)، وابن حبان رقم (1263).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 367)، والنسائي (6/ 117)، والبيهقي (7/ 235).
(4)
أخرجه مسلم رقم (75/ 1424).
7 - تزويج المعسر بما معه من القرآن:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه .. قال صلى الله عليه وسلم: "هل معك من القرآن شيء؟ " قال: معي سورة كذا وسورة كذا، قال:"اذهب فقد أَنْكَحْتُكَهَا بما معك من القرآن"، وهو جزء من حديث صحيح طويل
(1)
.
8 - يجوز أن يَجعل إسلام الرجل مهرًا:
عن أنس، قال: تزوج أبو طلحة أم سليم، فكان صداق ما بينهما الإسلام، أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة، فخطبها، فقالت: إني قد أسلمت فإن أسلمت نكحتك، فاسلم فكان صداق ما بينهما، وهو حديث صحيح
(2)
.
9 - يجوز أن يُجعل العتق صداقًا:
عن أنس بن مالك رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفيةً، وجعل عتقها صداقها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
10 - عون الله للناكح
.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثةٌ حقٌّ على الله عز وجل عونهم: المكاتبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يريدُ العفافَ، والمجاهدُ في سبيل الله"، وهو حديث حسن
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (5149).
(2)
أخرجه النسائي (6/ 114).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5086) و (5169)، و (371)، ومسلم رقم (1365)، والنسائي (6/ 114)، وابن ماجه رقم (1957).
(4)
أخرجه النسائي (6/ 15، 61)، وأحمد (2/ 251، 437)، والترمذي رقم (1706)، وابن ماجه رقم (2516)، والحاكم (2/ 161 - 162).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي.
*
الفصل الرابع: حكم الوليمة
*
الوليمة: مشتقة من الوَلْمِ بفتح الواو وسكون اللام وهو الجمعُ؛ لأن الزوجين يجتمعان
(1)
.
والفعلُ منها أوْلَمَ وتقعُ على كلِّ طعام يُتَّخَذُ لسرورٍ حادثٍ، ووليمةُ العُرسِ ما يُتخذُ عندَ الدخولِ، وما يتخذُ عندَ الإملاكِ.
1 - تستحب وليمة العرس بشاة أو أكثر
.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عَوْفٍ أثَرَ صُفْرةٍ فقال: "ما هذا؟ " قال: يا رسول اللهِ إني تزوَّجتُ امرأةً على وَزْن نواةٍ من ذهبٍ، قال:"فباركَ اللهُ لكَ، أوْلِمْ وَلَوْ بشاةٍ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - تجب إجابة الدعوة لوليمة العرس
.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعِيَ أحدُكُمْ إلى الوليمة فليأتها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دُعِيَ أحدُكُمْ فليُجب، فإن كان صائمًا فليُصَلِّ، وإن كانَ مفطِرًا فليطعَمْ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
قاله الأرهري في تهذيب اللغة (15/ 406) وغيره.
(2)
أخرجه البخاري رقم (5167)، ومسلم رقم (1427)، وأبو داود رقم (2109)، والترمذي رقم (1094)، والنسائي (6/ 119 - 120)، وابن ماجه رقم (1907).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5173)، ومسلم رقم (96/ 1429)، وأبو داود رقم (3736).
(4)
أخرجه مسلم رقم (1431).
*
الفصل الخامس: القسم بين الزوجات
*
1 - تحريم الميل إلى إحدى الزوجتين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت له امرأتان فمالَ إلى إحداهُمَا، جاءَ يوم القيامة وشِقُّهُ مائِلٌ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - للزوج البكر سبعة أيام وللثيب ثلاثة:
عن أنس رضي الله عنه قال: "من السُّنَّةِ إذا تزوَّج الرَّجُلُ البكْرَ على الثيبِ، أقامَ عندها سبعًا، ثم قسَمَ، وإذا تزوَّجَ الثيبَ أقامَ عندها ثلاثًا، ثم قسَمَ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - جواز تنازل المرأة عن نوبتها:
عن عائشة أنَّ سودة بنت زمعةَ وهبتْ يومَهَا لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم:"يَقْسِمُ لعائشة يومَهَا ويومَ سودةَ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - يجوز للرجل الدخول على من لم يكن يومها من نسائه
.
عن عروة رضي الله عنه قالَ: قالت عائشةُ رضي الله عنها يابنَ أختي كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا يُفضِّل بعضنا على بعضٍ في القَسْم من مكْثِهِ عندنا، وكانَ قَلَّ يومٌ إلَّا وهو يطوفُ علينا جميعًا فيدنو من كلِّ امرأةٍ من غير مسيسٍ، حتى يبلُغَ التي هو يومُهَا، فيبيتُ عندهَا، وهو حديث صحيح
(4)
.
5 - إقراع المسافر بين نسائه
.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ سفرًا أقْرعَ بينَ نسائِهِ، فأيتُهُنَّ خرجَ سَهْمُهَا خرَجَ بها معه، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (2/ 347، 471)، وأبو داود رقم (2132)، والنسائي (7/ 63)، والترمذي رقم (1141)، وابن ماجه رقم (1969)، وانظر:"الإرواء" رقم (2017).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5214)، ومسلم رقم (1461).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5212)، ومسلم رقم (1463).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (2135)، والحاكم (2/ 186) وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وانظر:"الصحيحة" رقم (1479).
(5)
أخرجه البخاري رقم (2593)، ومسلم رقم (2770)، وأبو داود رقم (2138)، وابن ماجه رقم (1970).
6 - تحريم إتيان المرأة في دبرها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى حائضًا، أو امرأة في دُبُرها فقد كفر"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عمارة بن خزيمةَ بن ثابت، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله لا يستحْيِي من الحق، لا تأْتُوا النساءَ في أدبارهن"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - جواز العزل والأولى تركه:
عن جابر بن عبد الله قال: كُنَّا نعزِلُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والقرآنُ ينزل"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن عائشة عن جُدَامَةَ بنت وهب أختِ عكاشةَ، قالت:
…
ثم سألوه عن العزلِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذلك الوأدُ الخفي"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه النسائي في "عِشْرة النساء" رقم (130)، وأبو داود رقم (3904)، والترمذي رقم (135)، وابن ماجه رقم (639)، وأحمد (2/ 408، 476).
(2)
أخرجه النسائي في "عشرة النساء" رقم (96)، وابن ماجه رقم (1924)، وابن الجارود في "المنتقى" رقم (728)، وأحمد (5/ 213، 214، 215)، والبيهقي (7/ 196 - 197)، وابن حبان رقم (4198).
وانظر: تحقيقي لكتاب "وبل الغمام على شفاء الأوام"(2/ 45 - 48).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5209)، ومسلم رقم (1440).
(4)
أخرجه مسلم رقم (141/ 1442).
*
الفصل السادس: حقوق الزوجين
*
أولًا: حقوق الزوجة على زوجها
.
1 - المعاشرة بالمعروف:
قال تعالى في سورة النساء الآية (19): {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المرأةَ كالضِّلعِ إذا ذهبت تُقيمُهَا كَسرْتَهَا، وإن تَرْكتَهَا استمتعْتَ بها وفيها عَوَجٌ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - أن يكون عونًا لها على طاعة الله عز وجل
، فيعلمها التوحيد والعبادات ونحو ذلك: قال تعالى في سورة التحريم الآية (6): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
…
}.
وعن مالك بن الحويرث: قال: "أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من قومي، فأقمنا عندَهُ عشرينَ ليلةً، وكان رحيمًا رفيقًا، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: "ارجعوا فكونوا فيهم وعلِّمُوهم وصلُّوا، فإذا حضرت الصلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم"، وهو حديث صحيح
(2)
.
3 - أن يغار عليها
، فلا يعرضها لما يخدش حياءها ويجرح كرامتها، وليس معنى الغيرة أن يسيء الظنَّ بها، فيتخونها ليلًا ليطلب عثراتها؛ فإن ذلك منهيٌّ عنه:
عن جابر بن عتيك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:"من الغَيْرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يبغضُ الله: فأما التي يحبُّها الله فالغَيْرة في الرِّيبة، وأما الغَيْرة التي يبغضُها الله، فالغيرة في غير ريبة .. "، وهو حديث حسن
(3)
.
4 - أن يعطيها مهرها المتفق عليه
.
انظر: الأحاديث في الفصل الثالث: أحكام الصداق (المهر).
5 - أن ينفق عليها وعلى أولادها ولا يُقَتِّر عليهم إن كان في سعة، وأما إن كان في ضيق عيشٍ وقلة ذات يد، فعليها أن تصبر:
(1)
أخرجه البخاري رقم (5186)، ومسلم رقم (1468).
(2)
أخرجه البخاري رقم (628)، ومسلم رقم (674).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2659)، والنسائي (5/ 78).
عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله: ما حقُّ زوجة أحدنا عليه، قال:"أن تُطعِمَها إذا طَعمْت وتكسوها إذا اكتسيْتَ" أو "اكتسبت" ولا تَضْرِبْ الوجه، ولا تُقبِّحْ، ولَا تَهْجُر إلا فَي البيت"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "إنَّ هند بنتَ عتبةَ قالت: يا رسولَ الله، إن أبا سفيانَ رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، وهو حديث صحيح
(2)
.
6 - ألَّا يأمرهَا بمعصية، وإذا أمرها بذلك فلا طاعة له
.
عن عائشة أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها، فتمعط شعر رأسها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقالت: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها، فقال:"لا، إنه قد لُعِنَ الموصِّلات"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمِعُ والطاعةُ على المرءِ المسلمِ فيما أَحَبَّ وكَرِه، ما لم يُؤْمَرْ بمعصيةٍ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سمع ولا طَاعَةَ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ثانيًا: حقوق الزوج على زوجته:
1 - على الزوجة الطاعة في غير معصية:
قال تعالى في سورة النساء الآية (34): {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} .
أ - لا تُدخِلُ المرأةُ بيتَ الرجل في غيابه من ليس من المحارم أو من يكره، وإن كان منهم:
عن عقبة بن عامر أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخولَ على النساء"، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحموَ؟ قال:"الحمو الموت"، وهو حديث صحيح
(5)
.
الحمو: جمعه أحماء، وهم: الأصهار من قِبَل الزوج، والأختان من جهة المرأة.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2142)، وابن ماجه رقم (1850).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5364)، ومسلم رقم (1714).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5205)، ومسلم رقم (2123).
(4)
أخرجه البخاري رقم (7144)، ومسلم رقم (1839).
(5)
أخرجه البخاري رقم (5232)، ومسلم رقم (2172).
والأصهار تجمع الفريقين أيضًا، وأراد هاهنا أخا الزوج؛ فإنه لا يكون محرمًا للمرأة، وإن كان أراد أبا الزوج وهو محرم، فكيف بمن ليس بمحرم؟!.
ومن حديث جابر الطويل وفيه: "
…
ولكم عليهنَّ ألَّا يُوطئْنَ فُرشَكُم أحدًا تكرهونَهُ، فإن فعلْنَ ذلكَ فاضربوهُنَّ ضربًا غير مُبَرِّح
…
"
(1)
.
ولكم عليهنَّ ألَّا يُوطئن فرُشكم أحدًا تكرهونه: أي لا يحل لها أن تَأذن لرجل ولا امرأةٍ، لا محرم ولا غيره، في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه.
فاضربوهُنَّ ضربًا غير مُبَرِّح: الضرب المبرح هو الضرب الشديد الشاق، ومعناه اضربوهن ضربًا ليس بشديد ولا شاق، والبَرْح: المشقة.
2 - لا تخرج الزوجة من بيت زوجها إلَّا بإذنه:
فإن فعلت تردَّتْ في المعصية واستوجبت العقوبة
(2)
.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تأذن في بيت زوجها وهو كاره، ولا تَخْرج وهو كاره، ولا تطيع فيه أحدًا، ولا تخشن بصدره، ولا تعتزل فراشه ولا تضربه، فإن كان هو أظلم فلتأته حتى ترضيه فإن كان هو قبل فَبِهَا ونعمت، وقبل الله عذرها وأفلح حجتها، ولا إثم عليه، وإن هو أبى برضاها عنها، فقد أبلغت عند الله عذرها"، وهو حديث حسن لغيره
(3)
.
3 - أن تحرص على ماله فلا تتصرف فيه بغير رضاه ولا تنفقه بغير علمه
.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حقٍّ حقَّهُ، فلا وصية لوارث، ولا تنفق المرأة شيئًا من بيتها إلَّا بإذن زوجها"، فقيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: "ذاك أفضلُ أموالِنا
…
"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه الحاكم (2/ 189 - 190)، والبيهقي (7/ 293)، والطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات كما في "مجمع الزواند"(4/ 313).
(2)
أخرجه مسلم رقم (147/ 1218).
(3)
وللفائدة انظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(32/ 281) في مسالة: خروج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (3565)، والترمذي رقم (670)، وقال:"حديث حسن"، وابن ماجه رقم (2713).
4 - لا تصوم المرأة نفلًا وبعلها شاهد إلَّا بإذنه
.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصومُ المرأةُ وبعلُها شاهدٌ إلا بإذنه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - أن تشكرَ له حسن صنيعه إليها ولا تجحد فضله
.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أريتُ النارَ، فإذا أكثرُ أهلها النساءُ، يَكْفُرْنَ، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفُرْنَ العشيرَ، ويكفُرنَ الإحسانَ لو أحسنتَ إلى إحداهنَّ الدَّهر، ثم رأتْ منك شيئًا، قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قطُّ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
6 - أن تخدمه في الدار، وتساعده على أسباب العيش الحسن؛ فإن ذلك يعينه على التفرغ لما هو فيه، لاسيما إن كان مشتغلًا بالعلم:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها شكت ما تلقى من أثر الرَّحى، فأُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بسبيٍ، فانطلقتْ فلم تجدْهُ، فوجدَتْ عائشةَ فأخبرتها فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمةُ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا - وقد أخذنا مضاجِعَنَا - فذهبتُ لأقومَ فقال:"على مكانكما"، فقعد بيننا حتى وجدْتُ بَرْدَ قدميه على صدري، وقال:"ألا أُعلِّمكما خيرًا مما سَألتُماني؟ إذا أخذتُما مضاجعكما تكبرانِ أربعًا وثلاثين، وتسبحان ثلاثًا وثلاثين، وتحمدان ثلاثًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ولم نجد لمن قال بعدم وجوب خدمة المرأة زوجها في الدار - دليلًا صالحًا
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (5192)، ومسلم رقم (84/ 1026).
(2)
أخرجه البخاري رقم (29)، ومسلم رقم (884).
(3)
أخرجه البخاري رقم (3705)، ومسلم رقم (80/ 2727).
(4)
انظر: "آداب الزفاف" للمحدث الألباني رحمه الله ص (118 - 120) تحت عنوان: "وجوب خدمة المرأة لزوجها" فقد أجاد وأفاد.
*
الباب الثاني: الطلاق
*
الفصل الأول: مشروعية الطلاق وأحكامه
الطلاق لغة: حَلُّ الوثاقِ، مشتقٌ من الإطلاق وهو الإرسالُ والتركُ، وفلانٌ طَلْقُ اليدين بالخير: أي كثيرُ البذلِ والإرسال لهما بذلكَ.
وفي الشرع: حلُّ عقدةِ التزويج، قال إمام الحرمين: وهو لفظ جاهليُّ وردَ الإسلام بتقريره.
1 - مشروعية الطلاق:
قال تعالى في سورة البقرة الآية (229): {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} .
وعن ابن شهاب قال: أخبرني سالم، أنَّ عبدَ الله بن عمرَ رضي الله عنهما أخبره أنه طلَّق امرأته وهي حائض، فذكرَ عمرُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:"ليُرَاجعْهَا، ثم يُمْسكْها حتى تطهرَ، ثم تَحيضَ فتطهرَ، فإن بدا له أن يُطَلِّقها فليطلقها طَاهرًا قبل أن يَمسها، فتلكَ العِدَّةُ كما أمرَهُ الله"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - لا يقع الطلاق من المكره:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طلاق ولا عتاق في إغْلَاقٍ"، وهو حديث حسن بطرقه
(2)
.
3 - طلاق الهازل يقع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جَدُّهُنَّ جَدٌّ وهزلُهُنَّ جَدٌّ: النكاحُ والطلاقُ والرَّجْعَةُ"، وهو حديث حسن
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (4908)، ومسلم رقم (4/ 1471).
(2)
أخرجه أحمد (6/ 276)، وأبو داود رقم (2193)، وابن ماجه رقم (2046)، والبيهقي (7/ 357)، والحاكم (2/ 198)، من طرق، وهو بمجموع هذه الطرق حديث حسن.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2194)، والترمذي رقم (1184)، وابن ماجه رقم (2039)، والحاكم في "المستدرك"(2/ 197، 198)، وقال:"حديث صحيح الإسناد"، وتعقبه الذهبي بقوله:"عبد الرحمن بن حبيب بن أردك: فيه لين".
4 - الطلاق جائز لمن كانت في طُهر لم يمسها فيه ولا طلقها في الحيضة التي قبله أو في حملٍ قد استبان:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُرْهُ فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهُرَ، ثم تحيضَ ثم تطهُرَ، ثم إن شاء أمسكَ بعدُ، وإن شاء طَلَّقَ قبلَ أن يمسَّ، فَتلكَ العدَّةُ التي أمرَ اللهُ أن تُطلَّق لها النساء"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وفي لفظ لمسلم
(2)
: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّهُ طَلَّق امرأتَهُ وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"مُرْهُ فَليُراجِعْهَا ثم ليطلِّقْها طاهرًا أو حامِلًا".
5 - الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع طلقة واحدة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان الطلاقُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاقُ الثلاث واحِدَةً، فقال عمرُ بن الخطاب: إن الناسَ قد استعجَلُوا في أمرٍ قد كانتْ لهم فيه أناةٌ
(3)
، فلو أمضيناهُ عليهم
(4)
، فأمضاهُ عليهم"
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (5251)، ومسلم رقم (1/ 1471).
(2)
رقم (5/ 1471).
(3)
أناة: أي مهلة وبقية استمتاع لانتظار المراجعة.
(4)
فلو أمضيناه عليهم: أي فلو أنفذناه عليهم لما فعلوا ذلك الاستعجال.
(5)
أخرجه مسلم رقم (17/ 1472).
*
الفصل الثاني* بما يقع الطلاق
؟
1 - حكم الطلاق بلفظ من ألفاظ الكناية:
يقع الطلاق بالكناية مع النية؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أنَّ ابنةَ الجون لما أُدْخِلَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها:"عُذتِ بعَظيم، الحقي بأهلك"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وفي حديث تخلف كعبِ بن مالك لما قيل له: إن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمركَ أن تعتزل امرأتك، فقال: أُطَلّقُها أم ماذا أفعل؟، قال: بل اعتزلها فلا تقربنَّها، فقال لامرأته: الحقي بأهلك"، وهو حديث صحيح
(2)
.
فأفاد الحديثان أن اللفظة تكون طلاقًا مع القصد، ولا تكون طلاقًا مع عدمه.
2 - حكم الطلاق بالتخيير
.
يقع الطلاق بالتخيير إذا اختارتْ الفُرقةَ؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29].
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خيرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فاخترنا اللهَ ورسولَهُ، فلم يَعُدَّ ذلك علينا شيئًا"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - حكم الطلاق بالتوكيل:
إذا جعله الزوج إلى غيره وقع منه؛ وذلك لجواز التوكيل من غير فرق بين الطلاق وغيره، فلا يخرج من ذلك إلَّا ما خصه دليل:
(1)
أخرجه البخاري رقم (5254).
(2)
أخرجه البخاري رقم (4418)، ومسلم رقم (2769).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5262)، ومسلم رقم (1477).
كتوكيله صلى الله عليه وسلم في استيفاء الحد، كما في حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وفيه:"واغدُ يا أُنيس إلى امرأةِ هذا، فإن اعترفَتْ فارجُمْها"، قال: فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمتْ، وهو حديث صحيح
(1)
.
وكتوكيله صلى الله عليه وسلم في حفظ زكاة رمضان، كما في حديث أبي هريرة قال:"وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان"، وهو حديث صحيح
(2)
.
4 - حكم الطلاق بلفظ التحريم:
لا يقع الطلاق بلفظ التحريم؛ لأنه ليس من صرائح الطلاق، ولا من كناياته، بل هو يمين من الأيمان.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: "في الحرامِ: يمينٌ يكفِّرُها، وقال ابن عباس:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وهو حديث صحيح
(3)
.
5 - الرجعة حق للزوج مدة العدة من طلاق رجعي
.
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: 228]، وذلك بأن الرجل كان إذا طلَّق امرأتهُ فهو أحقُّ برجعتها وإنْ طلَّقها ثلاثًا، فنسخ ذلك، وقال:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2695) و (2696)، ومسلم رقم (25/ 1697 - 1698).
(2)
أخرجه البخاري رقم (2311).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5266)، ومسلم رقم (1473)، وانظر:"زاد المعاد" لابن القيم (5/ 302 - 306).
(4)
أخرجه أبو داود رقم (2195)، والنسائي رقم (3554).
*
الباب الثالث* الخُلع
الخُلْع: بضمِّ المعجمةِ وسكون اللام، هو فراقُ الزوجةِ على مالٍ، مأخوذٌ من خلع الثوب؛ لأنَّ المرأة لباسُ الرجلِ مجازًا وضمَّ المصدر تفرقةٌ بين المعنى الحقيقي والمجازيِّ، والأصل فيه قولُه تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229].
1 - مشروعية الخُلع:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ امرأةَ ثابت بن قيس أتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَتْ: يا رسول الله، ثابتُ بنُ قيسٍ ما أعيبُ عليه في خلقٍ ولا دينٍ، ولكني أكرهُ الكفر في الإسلام، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أتردين عليه حديقته؟ " فقالت: نعم، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اقبل الحديقة وَطلِّقْهَا تطليقةً"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - الخلع بتراضيِ الزوجين أو إلزام الحاكم
؛ لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]، وأما اعتبار إلزام الحاكم فلارتفاع ثابت وامرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلزامه بأن يقبل الحديقة ويطلق، كما في الحديث المتقدم آنفًا.
3 - الخلع فسخ لا طلاق:
عن الربيع بنتِ معوذٍ قالت: اختلعتُ من زوجي ثم جئتُ عثمانَ فسألتُهُ ماذا عليَّ من العِدَّة فقال: لا عدَّة عليك إلا أن تكوني حديثة عهد به، فتمكثي حتى تحيضي حيضة، قال: وأنا متبعٌ في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريمَ المغالية، كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فاختلعت منه، وهو حديث صحيح
(2)
.
4 - عدة المختلعة حيضة
، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيسٍ اختلعَتْ منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (5273)، والنسائي (6/ 169)، وابن ماجه رقم (2056).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (1185)، والنسائي رقم (3498)، وابن ماجه رقم (2058).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2229)، والترمذي رقم (1185).
*
الباب الرابع* الإِيلاء
الإيلاء: هو لغةً: الحلفُ.
وشرعًا: الامتناع باليمين من وطء الزوجةِ.
1 - مدة الإيلاء:
إنْ وقتَ بدون أربعة أشهر اعتزل حتى ينقضي ما وقت به، لحديث أم سلمة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حلف لا يدخل على بعض أهله شهرًا، فلما مضى تسعةٌ وعشرون يومًا غدا عليهنَّ أو راحَ، فقيل له: يا نبي الله، حلفتَ ألَّا تدخل عليهنَّ شهرًا؟ قال:"إن الشهرَ يكون تسعةً وعشرين يومًا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - حكم الإيلاء:
إن وقت بأكثر من أربعة أشهر خُير بعد مضيها بين أن يفيء أو يُطلق، لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (226):{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} .
ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إذا مضت أربعةُ أشهر يُوقف حتى يُطلِّقَ، ولا يقعُ عليه الطلاقُ حتى يطلق"، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (5202)، ومسلم رقم (1085).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5291).
*
الباب الخامس* الظِّهار
الظهار: بكسر الظاءِ مشتق من الظَّهْرِ؛ لقول القائل: أنت عليَّ كظهر أمي.
1 - كفارة الظهار:
2 - إعانة الإمام للمظاهر:
عن سلمة بن صخر، قال ابن العلاء البياضي، قال: كنتُ أمرأً أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئًا يُتابع بي
(1)
، حتى أصبح، فظاهرتُ منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة؛ إذ تكشَّف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوتُ عليها، فلما أصبحتُ خرجتُ إلى قومي، فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:"أنت بذاكَ يا سلمة"
(2)
، قلت: أنا بذاك يا رسول الله، مرتين وأنا صابر لأمر الله فاحكم فيَّ ما أراكَ الله، قال:"حَرِّرْ رَقبةً" قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربتُ صفحة رقبتي، قال:"فصُمْ شهرين متتابعين"، قال: وهل أصبتُ الذي أصبت إلَّا من الصيام؟، قال:"فأَطعِمْ وَسْقًا من تَمْرٍ بين ستين مسكينًا"، قلت: والذي بعثك بالحق، لقد بِتْنَا وحْشَين
(3)
ما لنا من طعام، قال:"فانطلق إلى صاحب صدقة بني زُرَيْق، فليدفعها إليك، فأطعمْ ستين مسكينًا وسقًا من تمر، وكل أنت وعيالك" بقيتها، فرجعت إلى قومي، فقلت: وجدتُ عندكم الضيق، وسوء الرأي، ووجدت عند النبي صلى الله عليه وسلم السَّعَةَ وحسن الرأي، وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم"، وهو حديث حسن
(4)
.
(1)
يُتابَع: بضم الياء، أي يلازمني فلا أستطيع الفكاك منه.
(2)
أنت بذاك يا سلمة: أنت الملم بذاك والمرتكب له.
(3)
بتنا وحشين: بتنا مقفرين لا طعام لنا.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (2213)، والترمذي رقم (1200)، وقال: حديث حسن.
3 - المسيس قبل التكفير:
عن ابن عباس: "أنَّ رجلًا ظَاهَرَ من امرأتِهِ، فغشيها قبلَ أن يُكَفِّر، فأَتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "ما حملكَ على ذلك؟ " فقال: يا رسول الله! رأيتُ بياضَ حَجلَيها في القمر، فلم أملكَ نفسي أن وقعتُ عليها، فضحكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأمرَهُ ألَّا يقربَها حتى يُكَفِّرَ"، وهو حديث حسن
(1)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2223)، والترمذي رقم (1199)، وقال:"حديث حسن غريب صحيح"، والنسائي رقم (3457)، وابن ماجه رقم (2065)، وانظر:"الإرواء"(7/ 175).
*
الباب السادس* اللعان
اللعان شرعًا: شهاداتٌ أربع مؤكدات بالأيمان، مقرونةٌ شهادة الزوج باللعن، وشهادةُ المرأةِ بالغضب، قائمةٌ شهاداتُهُ مقام حدِّ القذف في حقِّه، وشهاداتُها مقامَ حد الزنى في حقها.
1 - مشروعة اللِّعان:
الأصل في مشروعية اللعان قول الله تعالى في الآيات (6 - 10) من سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} .
وكذلك الأحاديث الصحيحة: (منها):
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأتهُ عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماءَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"البينةُ أو حد في ظهرك"، فقال: يا رسول الله! إذا رأى أحدُنا على امرأتِه رجلًا ينطلقُ يلتمسُ البينة؟! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقولُ: "البينة وإلَّا حَدٌّ في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحقِ إني لصادقٌ، ولينزلن الله ما يُبرئُ ظهري منِ الحدِّ، فنزل جبريل وأنزلَ عليه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فقرأ حتى بلغ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9].
فانصرف النبيُّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما، فجاء هلالٌ فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إنَّ الله يعلم أنَّ أحدكُما كاذبٌ، فهل منكما تائب؟ " ثم قامت فشهدت، فلما كان عندَ الخامسة وقَّفُوها، فقالوا: إنها موجبةٌ، فتلكأت ونكصَتْ حتى ظننَّا أنها ترجعُ، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظروها، فإن جاءت به أكحلَ العينين سابغَ الإليتين، خَدَلَّجَ السَّاقَينِ، فهو لشريك بن سحماء"، فجاءت به كذلك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا ما مضى من كتاب الله، لكان لي ولها شأنٌ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - الإمام يأمر رجلًا يضع يده على فيِّ اللاعن عند الخامسة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا - حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا - أن يضع يده على فيه عند الخامسة ويقول: إنها موجبة"، وهو حديث حسن
(2)
.
3 - تذكير المتلاعنين بالتوبة إلى الله تعالى:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته، فجاء فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ "
(3)
.
4 - التفريق بين المتلاعنين:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سأل فلان، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ أنْ لو وَجَدَ أحدُنا امرأتَهُ على فاحشةٍ، كيف يصنع؟ إنْ تكلَّم تكلَّمَ بأمرٍ عظيم، وإن سكتَ سكتَ على مثل ذلك، فلم يجبهُ، فلما كان بعدَ ذلكَ أتاهُ، فقال: إنَّ الذي سألتكَ عنه قد ابتليتُ به، فأنزلَ الله الآيات في سورة النور، فتلاهُنَّ عليه ووعظهُ وذكَّره، وأخبره أن عذاب الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة، قال: لا، والذي بعثك بالحق ما كذبتُ عليها، ثم دعاها، فوعظها كذلك، قالت: لا، والذي بعثك بالحق إنَّهُ لكاذبٌ، فبدأ بالرجلُ، فشهد أربع شهاداتٍ بالله، ثم ثنى بالمرأةِ، ثم فرَّقَ بينهما"، وهو حديث صحيح
(4)
.
5 - إلحاق الولد بأمه بعد الملاعنة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته، فانتفى من ولدها ففرَّق بينهما وألحق الولد بالمرأة، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه أحمد (1/ 239)، والبخاري رقم (4747)، وأبو داود رقم (2254)، والترمذي رقم (2179)، وابن ماجه رقم (2067).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (2255)، والنسائي (6/ 175).
(3)
وهو جزء من حديث صحيح تقدم في هذا الباب رقم (1).
(4)
أخرجه مسلم رقم (1493).
(5)
أخرجه البخاري رقم (5315)، ومسلم رقم (1494).
6 - صداق الملاعنة:
عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن المتلاعنين فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: "حسابكما على الله، أحدُكما كاذب، لا سبيل لك عليها" قال: مالي، قال:"لا مالَ لَكَ إن كنت صدقْتَ عليها، فهو بما استحلَلْتَ من فرجِها، وإن كنتَ كذبْتَ عليها، فذاك أبعد لك"، وهو حديث صحيح
(1)
.
7 - التعريض بالقذف ليس قذفًا:
عن أبي هريرة أن أعرابيًّا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود وإني أنكرته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل لَكَ من إبل؟ " قال: نعم، قال:"فما ألوانها" قال: حُمرٌ، قال:"هل فيها من أورق" قال: إن فيها لَوُرْقة، قال:"فَأَنَّى تَرَى ذلك جاءها؟ "، قال: يا رسول اللهِ عرقٌ نزعها، قال:"ولعل هذا عرق نزعه"، ولم يرخص له في الانتفاء منه، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (5/ 1493)، والنساني (6/ 177)، وأبو داود رقم (2258).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5305)، ومسلم رقم (18/ 1500)، وأبو داود رقم (2260).
*
الباب السابع* العدة
الفصل الأول: أنواع العدة
1 - عدة الحامل بالوضع:
قال تعالى في سورة الطلاق الآية (4): {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .
2 - عدة الحائض بثلاث حيض:
قال تعالى في سورة البقرة الآية (228): {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} ، والقروء: هو الحيض.
وعن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المستحاضة:"تدعُ الصلاةَ أيامَ أقرائِها التي كانت تحيضُ فيها، ثم تغتسلُ وتتوضأ عند كلِّ صلاةٍ، وتصوم وتصلي"، وهو حديث حسن لشواهده
(1)
.
3 - عدة الصغيرة والتي يئست من المحيض:
قال تعالى في سورة الطلاق الآية (4): {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} .
4 - عدة التي مات عنها زوجها:
قال تعالى في سورة البقرة الآية (234): {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} .
هذا في غير الحامل، وإن كانت حاملًا فالبوضع.
لحديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من أسلم يقال لها: سبيعة كانت تحت زوجها توفي عنها، وهي حُبلى، فخطبها أبو السنابل بن بعككٍ، فأبت أن تنكحهُ، فقال: والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر الأجلين، فمكثت قريبًا من عشر ليالٍ، ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"انكحي"، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (297)، والترمذي رقم (126)، وابن ماجه رقم (625)، والدارمي (1/ 202)، والبيهقي (1/ 116، 347) من طريق شريك عن أبي اليقظان عنه.
قال الترمذي: "هذا حديث تفرد به شريك عن أبي اليقظان" وضعفهما الألباني رحمه الله في "الإرواء"(1/ 225)، ولكنه صحَّحَ الحديثَ لشواهدِهِ.
(2)
أخرجه البخاري رقم (5318)، ومسلم رقم (1485).
ولقوله تعالى في سورة الطلاق الآية (4): {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .
5 - لا عدة على غير مدخول بها:
لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية (49): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} .
6 - على المعتدة من وفاة ترك التزين:
عن أم عطية قالت: "كُنَّا نُنهى أن نُحدَّ على ميتٍ فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا نكتحِلَ ولا نَطيبَ ولا نلبسَ ثوبًا مصبوغًا إلا ثوبَ عصْبٍ، وقد رُخصَ لنا عند الطُّهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نُبذة من كست أظفار، وكنا نُنهى عن اتباع الجنائز"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ثوب عصب: العصب: وهو برود اليمن، يعصب غزلها ثم يصبغ معصوبًا ثم تنسج، نبذة من كست أظفار: النبذة: القطعة والشيء اليسير، وأما الكست، ويقال: قسط، وهو والأظفار نوعان معروفان من البخور، وليسا من مقصود الطيب.
7 - لزوم المعتدة من وفاةٍ بيت زوجها:
عن الفُرَيْعة بنت مالك أن زوجها تكارى عُلُوجًا
(2)
؛ ليعملوا له فقتلوه، فذكرتْ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إني لستُ في مسكنٍ له ولا يجري عليَّ منه رزق أفأنتقل إلى أهلي ويتاماي وأقوم عليهم، قال:"افعلي"، ثم قال:"كيف قُلتِ"، فأعادت عليه قولها، قال:"اعتدي حيثُ بلغكِ الخبر"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (5341)، ومسلم رقم (66/ 938).
(2)
الأعلاج: العبيد.
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2300)، والترمذي رقم (1204) وقال: المحديث حسن صحيح"، والنسائي رقم (3529)، وابن ماجه رقم (2031).
*
الفصل الثاني* استبراء الأمة المسبية والمشتراة
1 - تستبرئ الأمة المسبية والمشتراة بحيضة إن كانت حائضًا، والحامل بوضع الحمل:
لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس
(1)
: "لا تُوطَأُ حاملٌ حتى تضعَ، ولا غيرَ حاملٍ حتى تحيض حيضة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - هم رسول صلى الله عليه وسلم بلعن من وفى امرأة حاملًا من السبي:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم همَّ أن يلعن الرجل، الذي أراد وطء امرأة حامل من السبي لعنة تدخل معه قبره"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - لا يقعن رجل على امرأةٍ وحملها لغيره:
عن رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يسقي ماءَهُ ولدَ غيره"، وهو حديث حسن
(4)
.
4 - لا تستبرئ البكر ولا الصغيرة:
لعدم الدليل على ذلك لا بنص، ولا بقياس صحيح.
(1)
أوطاس: واد في ديار هوازن، فيه كانت وقعة حنين للنبي صلى الله عليه وسلم ببني هوازن.
(2)
أخرجه أحمد (3/ 62)، وأبو داود رقم (2157)، وصححه الحاكم في "المستدرك"(2/ 195).
(3)
أخرجه مسلم رقم (139/ 1441).
(4)
أخرجه أحمد (4/ 108)، والترمذي رقم (1131)، وقال:"حديث حسن"، وأبو داود رقم (2158)، والبيهقي (7/ 449)، وابن حبان رقم (1675 - موارد).
*
الباب الثامن* النفقة
1 - نفقة الزوجة واجبة على زوجها:
لا أعرف في ذلك خلافًا: عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله ما حقُّ زوجة أحدنا عليه، قال:"أن تطعمهَا إذا طَعِمْتَ، وتكْسُوها إذا اكتسيْتَ - أو - اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تُقبح، ولا تَهْجُرْ إلا في البيت"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ هندًا بنتَ عتبة قالت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذتُ منه وهو لا يعلم. فقال صلى الله عليه وسلم:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - نفقة المطلقة رجعيًّا واجبة على زوجها:
عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أنا بنت آل خالد، وإن زوجي فلانًا، أرسل إليَّ بطلاقي، وإني سألت أهله النفقة والسكنى، فأبوا عليَّ، قالوا: يا رسول الله إنَّهُ قد أرسلَ إليها بثلاث. تطليقاتٍ، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما النفقةُ والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعةُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وقد أثبت القرآن الكريم للمرأة المطلقة رجعيًّا السكنى في سورة الطلاق الآية رقم [1]: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} .
ويستفاد من النهي عن الإخراج وجوب النفقة مع السكنى، ويؤيده قوله تعالى في سورة الطلاق الآية (6):{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} .
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2142)، وابن ماجه رقم (1850).
(2)
أخرجه البخاري رقم (5364)، ومسلم رقم (1714).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 416)، والنسائي (6/ 144).
ويدل على وجوب النفقة قوله تعالى في سورة البقرة الآية (241): {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} .
3 - لا نفقة للبائنة إلا أن تكون حاملًا:
لحديث فاطمة بنتِ قيس رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس لها سُكنى ولا نفقة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
4 - لا نفقة للمعتدة من وفاة إلَّا أن تكون حاملًا:
أن أبا عمرو بن حفصٍ بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن، فأرسل إلى امرأته فاطمةَ بنتِ قيسٍ بتطليقةٍ كانت بقيت من طلاقها، وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقة، فقالا لها: والله مالكِ نفقةٌ إلا أن تكوني حاملًا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له قَولهما، فقال:"لا نفقة لك"، وهو حديث صحيح
(2)
.
5 - نفقة الوالد على ولده واجبة والعكس:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أطيبَ ما أكلَ الرجُلُ من كسبهِ، وإنَّ ولدَ الرجلِ من كسبهِ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
6 - نفقة المملوك واجبة على سيده:
عن المعرور بن سويد رضي الله عنه قال: مررنا بأبي ذرٍّ بالرَّبذَة
(4)
، وعليه بُردٌ وعلى غلامِهِ مثلُهُ. فقلنا: يا أبا ذر لو جمعت بينهما كانت حُلةً.
فقال: إنَّهُ كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمه أعجمية، فعيرتُهُ بأمه فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
أخرجه مسلم رقم (44/ 1480).
(2)
أخرجه مسلم رقم (41/ 1480).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (3528)، والترمذي رقم (1358)، وقال:"حديث حسن صحيح"، والنسائي (7/ 240)، وابن ماجه رقم (2290)، انظر: حديث عائشة الصحيح المتقدم في هذا الباب، الفقرة رقم (1).
(4)
الربذة: هو موضع بالبادية، بينه وبين المدينة ثلاث مراحل، وهو في شمال المدينة سكنه أبو ذر رضي الله عنه وبه كانت وفاته فدفن فيه.
فقال صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إنك امرؤٌ فيك جاهليةٌ"
(1)
.
قلت: يا رسول الله، من سبَّ الرجال سبُّوا أباهُ وأمَّةُ.
قال صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم جعلهم اللهُ تحت أيديكم فأَطعِمُوهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - الكسوة واجبة وكذا السكن مع النفقة:
لما يستفاد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتقدمة في هذا الباب في الفقرة رقم (1) ورقم (2).
8 - النفقة على الأقارب مستحبة لصلة الرحم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرحمَ شُجْنةٌ من الرحمن، فقال الله: من وصلكِ وصلتُهُ، ومن قطعكِ قطعتُهُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يُبْسَطَ لَهُ في رزقه، ويُنسأَ له
(4)
في أَثَرِه
(5)
، فليصِل رَحِمَه"، وهو حديث صحيح
(6)
.
(1)
إنك امرؤ فيك جاهلية: أي هذا التعبير من أخلاق الجاهلية، فقيل: خلق من أخلاقهم.
(2)
أخرجه البخاري رقم (6050)، ومسلم رقم (1661).
(3)
أخرجه البخارى رقم (5988)، ومسلم رقم (2554).
(4)
يُنسأ: أي يؤخر.
(5)
أثره: الأثر الأجل؛ لأنه تابع للحباة في أثرها.
(6)
أخرجه البخاري رقم (5986)، ومسلم رقم (2557).
*
الباب التاسع* الحضانة
1 - الأَوْلَى بحضانة الطفل أمه، ما لم تُنَكح:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عبد الله بن عمرو: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثدي له سقاء، وحجري له حِواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنت أحق به ما لم تُنْكَحي"، وهو حديث حسن
(1)
.
وحكى ابن المنذر
(2)
: الإجماع على أن حقها يبطل بالنكاح.
2 - الأَوْلَى بحضانة الطفل بعد الأم الخالة:
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فتبعتهم ابنةُ حمزة - يا عم، يا عمِّ - فتناولها علي فأخذ بيدها وقال لفاطمة: دونك ابنة عمكِ احمليها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها. وقال: "الخالة بمنزلة الأمِّ" وقال لعلي: "أنت مني وأنا منك"، وقال لجعفرٍ: "أشبهت خَلقي وخُلقي"، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - الأَوْلَى بحضانة الطفل بعد الأم والخالة الأب:
يفيد حديث عبد الله بن عمرو أن الأم أولى بحضانة الطفل ما لم تنكح، وكذلك حديث البراء بن عازب يفيد أن الخالة بمنزلة الأم في الحضانة.
ومن الحديثين يثبت أن أصل الحق في الحضانة للأب بعد الأم والخالة.
4 - الأَوْلَى بحضانة الطفل قرابته، إذا انعدمت الأم والخالة والأب:
لحاجة الطفل إلى من يحضنه بالضرورة، والقرابة أشفق به، فيعين الحاكم من يقوم
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2276)، وأحمد (2/ 182)، والبيهقي (8/ 4 - 5)، والحاكم (2/ 207) وصححه.
(2)
الإجماع ص (99)، رقم (392)، و (393).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2699)، والترمذي رقم (1904)، والبيهقي (8/ 6).
به منهم ممن يرى فيه صلاحًا للصبي، فكانت المصلحة معتبرة في بدنه كما اعتبرت في ماله وقد دلت على ذلك الأدلة الواردة في اليتامى من الكتاب والسنة.
5 - يخير الصبي بين أبيه وأمه بعدما يبلغ سن الاستقلال:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم حْيَّر غلامًا بين أبيه وأمه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وفي لفظ: "أن امرأةً جاءت فقالت: يا رسول اللهِ، إنَّ زوجي يريدُ أن يذهبَ بابني، وقد سقاني من بئر أبي عِنبة وقد نفعني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استهما عليه" قال زوجها: من يُحاقني في ولدي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا أبوك وهذه أمك، فخُذْ بيد أيهما شئت"، فأخذ بيد أمه فانطلقت به، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد رقم (7346 - شاكر)، والترمذي (1357)، وقال:"حديث حسن صحيح"، وابن ماجه (2351)، وابن حبان (1200/ موارد).
(2)
أخرجه أبو داود رقم (2277)، والنسائي (6/ 185).
الباب السابع كتاب البيوع
ويتضمن اثنين وعشرين بابًا
*
أبواب كتاب البيوع
*
الباب الأول: أنواع البيوع المحرمة.
الباب الثاني: الربا.
الباب الثالث: الخيارات.
الباب الرابع: السلم.
الباب الخامس: القرض.
الباب السادس: الشفعة.
الباب السابع: الإجارة.
الباب الثامن: الإحياء والإقطاع.
الباب التاسع. الشركة.
الباب العاشر: الرهن.
الباب الحادى عشر: الوديعة والعارية.
الباب الثاني: عشر: الغصب.
الباب الثالث عشر: العتق.
الباب الرابع عشر: الوقف.
الباب الخامس عشر: الهدايا.
الباب السادس عشر: الهبات.
الباب السابع عشر: الوكالة.
الباب الثامن عشر: الضمانة.
الباب التاسع عشر: الحوالة.
الباب العشرون: المفلس.
الباب الحادي والعشرون: اللقطة.
الباب الثاني والعشرون: الصلح.
*
الباب الأول* أنواع البيوع المحرمة
1 - مشروعية البيع:
قال الله تعالى في سورة البقرة الآية (275): {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} .
وقال تعالى في سورة النساء الآية (29): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} .
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البَيِّعَانِ بِالخِيَار ما لم يتفرقا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وأجمع المسلمون على جواز البيع، والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبًا، وصاحبه قد لا يبذله له، ففي تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج
(2)
.
2 - الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره:
عن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحد طعامّا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذَ أحدُكم حَبْلَهُ، فيأتي بحزمة الحَطَبِ على ظهره، فيبيعها، فيكفَّ اللهُ بها وجهَهُ، خير له من أن يسأل الناس أعطوهُ أم منعوهُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
3 - الترغيب في البكور في طلب الرزق:
عن صخر بن وداعة الغامدي الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لأُمَّتِي في بُكُورِها"، وكان إذا بعث سرية، أو جيشًا بعثهم من أول النهار، وكان صخر تاجرًا فكانَ يبعث تجارته من أول النهار، فأثرى وكثر ماله، وهو حديث صحيح
(5)
(1)
أخرجه البخاري رقم (2110)، ومسلم رقم (1532).
(2)
فتح الباري (4/ 287).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2072).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1471).
(5)
أخرجه أبو داود رقم (2606). والترمذي رقم (1212) وابن ماجه رقم (2236) وابن حبان في صحيحه رقم (2735).
4 - الترغيب في الاقتصاد في طلب الرزق والمعيشة:
عن عبد الله بن سرجسٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمتُ الحسنُ، والتُّؤَدَةُ، والاقتصاد جزء من أربعةٍ وعشرين جزءًا من النبوة"، وهو حديث حسن
(1)
.
وعن جابر رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستبطئُوا الرزق؛ فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغَ آخرَ رزق هو له، فأَجْمِلُوا في الطلب أخْذِ الحلال، وتركِ الحرام"، وهو حديث صحيح
(2)
.
5 - الترغيب في السماحة في البيع والشراء وحسن التقاضي والقضاء:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحم اللهُ عَبْدًا، سَمْحًا إذا باعَ، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى"، وهو حديث صحيح
(3)
.
6 - ترغيب التجار في الصدق وترهيبهم من الكذب والحلف:
عن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدق البيعان وبينا، بُوركَ لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا فعسى أن يرْبَحَا ربحًا، ويُمْحَقَا بركةَ بيعهما، اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقةٌ للكسْبِ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلفُ منفقة للسِّلْعَة، ممحقَةٌ للكسب"، وهو حديث صحيح
(5)
.
7 - الترهيب من بخس الكيل والوزن:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، كانوا من أخبث الناس كيلًا، فأنزل الله عز وجل:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] فأحسنوا الكيل بعد ذلك، وهو حديث حسن
(6)
.
(1)
أخرجه الترمذي رقم (2010)، وأبو داود رقم (4776).
(2)
أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (3227)، والحاكم (2/ 4).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2076)، وابن ماجه رقم (2203) واللفظ له.
(4)
أخرجه البخاري رقم (2079)، ومسلم رقم (1532)، وأبو داود رقم (3459)، والترمذي رقم (1246)، والنسائي (7/ 244 - 245).
(5)
أخرجه البخاري رقم (2087)، ومسلم رقم (1606).
(6)
أخرجه ابن ماجه رقم (2223)، وابن حبان في صحيحه رقم (4898).
8 - الترهيب من الغش والترغيب في النصيحة في البيع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غَشَّنا فليس منا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مر على صُبْرَة طعامٍ فأدخلَ يَدَهُ فيها، فنالت أصابُعُه بللًا، فقال:"ما هذا يا صاحب الطعام"؟ قال: أصابتْهُ السماءُ يا رسولَ الله، قال:"أفلا جعلتهُ فوق الطعامِ؛ حتى يراهُ الناسُ، من غشنا فليس منا"، وهو حديث صحيح
(2)
.
9 - لا يجوز بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بمكة عام الفتح: "إنَّ الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام"، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؛ فإنه يُطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟، فقال:"لا، هو حرام"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك:"قاتل الله اليهود، إنَّ الله لما حرَّم شحومَها جملوه ثم باعوهُ فأكلوا ثمنه"
(3)
.
يطلى: يدهن.
يستصبح: يجعلونها في مصابيحهم ويوقدون فتيلًا فيها ليستضيئوا بها.
قاتل: لعن.
شحومها: شحوم الميتة، أو شحوم البقر والغنم كما أخبر تعالى بقوله تعالى:{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146]. جملوه: أذابوه واستخرجوا دهنه.
10 - لا يجوز بيع الكلب:
عن أبي مسعود الأنصاري في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن ثَمَنِ الكلب، ومهر البَغِيِّ، وحُلْوَان الكَاهِنِ"
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (101).
(2)
أخرجه مسلم رقم (102)، وابن ماجه رقم (2224)، والترمذي رقم (1315)، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود رقم (3452).
(3)
أخرجه البخاري (4/ 424 رقم 2236)، ومسلم (3/ 1207 رقم 71/ 1581).
(4)
أخرجه البخاري (4/ 426 رقم 2237) ومسلم (3/ 1198 رقم 39/ 1567).
مهر البغي: هو ما تأخذه الزانية على الزنا، وسماه مهرًا لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسلمين. حلوان الكاهن: هو ما يعطاه على كهانته.
11 - لا يجوز بيع السِّنُّور:
عن أبي الزبير رضي الله عنه قال: سألتُ جابرًا عن ثمن الكلب والسنور؟ قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
(1)
.
12 - لا يجوز بيع الدم:
عن أبي جحيفة قال: "رأيت أبي اشترى حجامًا، فأمر بمحاجمه فكسرت، فسألته عن ذلك، فقال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور"
(2)
.
13 - لا يجوز بيع عَسْب الفحل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عَسْب الفحل"
(3)
.
14 - لا يجوز بيع فضل الماء:
عن أياس بن عبد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء"، وهو حديث صحيح
(4)
.
وعن أبي هريرة مرفوعَا بلفظ: "لا يُمنع فضلُ الماء؛ ليمنع به فضل الكلأ"
(5)
، وفي لفظ لمسلم
(6)
: "لا يُبَاعُ فضلُ الماء؛ ليباعَ به الكلأُ".
15 - لا يجوز بيع الغرر؛ كالسمك في الماء، واللبن في الضرع، والسمن في اللبن، والصوف على الظهر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاةِ، وعن بيع الغرر"
(7)
.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1199 رقم 1569).
(2)
أخرجه البخاري (4/ 426 رقم 2238).
(3)
أخرجه البخاري (4/ 461 رقم 2284).
(4)
أخرجه أبو داود (3/ 751 رقم 3478)، والنسائي (7/ 307 رقم 4662)، والترمذي (3/ 571 رقم 1271) وقال: حديث حسن صحيح.
(5)
أخرجه البخاري (5/ 31 رقم 2353)، ومسلم (3/ 1198 رقم 36/ 1566).
(6)
مسلم (3/ 1198 رقم 38/ 1566).
(7)
أخرجه مسلم (3/ 1153 رقم 4/ 1513).
بيع الحصاة: فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة.
والثاني: أن يقول: بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة.
والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعًا، فيقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا.
بيع الغرر: النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة؛ كبيع الآبق، والمعدوم، والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن، ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل؛ لأنه غرر من غير حاجة، ومعنى الغرر الخطر، والغرور الخداع.
واعلم أن بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع حبل الحبلة، وبيع الحصاة، وعسيب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة، هي داخلة في النهي عن الغرر، ولكن أفردت بالذكر ونهى عنها؛ لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة.
16 - لا يجوز بيع حَبَل الحَبَلة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن بيع حَبَلِ الحَبَلَةِ"
(1)
.
بيع حبل الحبلة: هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حَبَلِ الحبلةِ، وكان بيعًا يتبايعه أهلُ الجاهليةِ، كان الرجلُ يبتاع الجزورَ إلى أن تُنتجَ الناقةُ، ثم تنتجُ التي في بطنها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
17 - لا يجوز بيع المنابذة والملامسة:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين ولبستين: نهى
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1153 رقم 5/ 1541).
(2)
أخرجه البخاري (4/ 356 رقم 2143)، ومسلم (3/ 1154 رقم 6/ 1514).
عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبُهُ إلا بذلك، والمنابذة: أن ينبذَ الرجلُ إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخرُ إليه ثوبه، ويكون ذلك بيعهما من غير نظرٍ ولا تراضٍ"
(1)
.
18 - لا يجوز بيع الغنائم حتى تُقسم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المغازم حتى تُقسَمَ، وعن الحبالى أن يوطأن حتى يضعن ما في بطونهن، وعن لحم كل ذي ناب من السباع"، وهو حديث صحيح
(2)
.
19 - لا يجوز بيع الثمر حتى يصلح:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحُها، نهى البائع والمبتاع"
(3)
.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، فقيل له: وما تُزهي؟ قال: "حتى تحمرَّ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرأيتَ إذا منع اللهُ الثمرةَ، بمَ يأخذُ أحدكُم مال أخيه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
20 - لا يجوز بيع التصاوير التي فيها روح:
عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنتُ عند ابن عباس صلى الله عليه وسلم؛ إذ أتاهُ رجلٌ فقال: يا أبا عباس إني إنسانٌ، إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباسٍ: لا أحدِّثُكَ إلَّا ما سمعتُ من رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقولُ:"من صور صورةً فإنَّ الله معذبهُ حتى ينفخَ فيها الروح وليس بنافخ أبدًا"، فربا الرجل ربوة شديدة واصفرَّ وجهُهُ، فقال: ويحك إن أبيتَ إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر، كل شيءٍ ليس فيه روح"
(5)
.
قال أبو عبد الله: سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد.
(1)
أخرجه البخاري (4/ 358 رقم 2144)، ومسلم (3/ 1152 رقم 3/ 1512).
(2)
أخرجه النساني (7/ 301 رقم 4645).
(3)
أخرجه البخاري (4/ 394 رقم 2194)، ومسلم (3/ 1165 رقم 49/ 1534).
(4)
أخرجه البخاري رقم (2198)، ومسلم رقم (1555).
(5)
أخرجه البخاري رقم (2225)، ومسلم رقم (2110).
21 - النهي عن بيع المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخاضرة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلةِ والمخاضرة والملامسة والمناىزة والمزابنة"
(1)
.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة - قال أحدهما: بيع السنين هي المعاومة - وعن الثُّنَيا، ورخص في العرايا"
(2)
.
المحاقلة: بيع الزرع بكيل من الطعام معلوم.
المخاضرة: بيع الثمرة خضراء قبل بدو صلاحها.
المزابنة: بيع ثمر النخل بأوساق من التمر.
المعاومة: بيع ثمر النخلة لأكثر من سنة في عقد واحد.
22 - نهي عن بيع العصير إلى من يتخذه خمرًا:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمرَ وشاربَها وساقيَهَا وبائعها ومبتَاعها وعاصرَها ومعتصرَها وحاملَها والمحمولة إليه"، وهو حديث صحيح
(3)
.
23 - نهى عن بيعَ السلعة قبلَ قبضها:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ابتعت طعامًا، فلا تبعهُ حتى تستوفيه"
(4)
.
24 - نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان:
عن جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، صاع البائع وصاعُ المشتري"، وهو حديث حسن
(5)
.
25 - نهى عن بيع الثنيا إلَّا أن تعلم:
لحديث جابر بن عبد الله عند مسلم وغيره: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثنيا"، وزاد النسائي:"إلا أن تعلم"
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري (4/ 404 رقم 2207).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 50 رقم 2381)، ومسلم (3/ 1175 رقم 85/ 1536).
(3)
أخرجه أبو داود (4/ 81 رقم 3674)، وابن ماجه (2/ 1121 رقم 3380)، وأحمد رقم (5716 - شاكر).
(4)
أخرجه مسلم (3/ 1162 رقم 41/ 1529).
(5)
أخرجه ابن ماجه (2/ 750 رقم 2228)، والدارقطني (3/ 8 رقم 24)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 316).
(6)
رواه النسائي (7/ 37 رقم 3880)، والترمذي (3/ 585 رقم 1290).
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه كان يسيرُ على جملٍ له قد أعيا، فأراد أن يُسيبه قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه، فسار سيرًا لم يسر مثله، قال:"بعنيه بأُوقيَّة" قلت: لا، ثم قال:"بعنيه"، فبعته بأُوقية واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه ثم رجعتُ، فأرسل في أثري، فقال:"أتراني ما كستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمكَ فهو لك"
(1)
.
ماكستك: المماكسة هي المكالمة في النقص من الثمن.
26 - لا يجوز بيع حاضرٍ لبادٍ:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "نُهينا أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، وإن كان أخاهُ أو أباهُ"
(2)
.
27 - لا يجوز التفريق بين المحارم في البيع:
عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فَرَّقَ بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة"، وهو حديث صحيح
(3)
.
بل الأصح جواز التفريق؛ لحديث جابر بن عبد الله، قال: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا
(4)
.
وأيضًا عنه رضي الله عنه قال: "كنا نبيع سرارينا وأمهات أولادنا، والنبي صلى الله عليه وسلم فينا حي لا يرى بذلك بأسًا"، وهو حديث صحيح
(5)
.
28 - لا يجوز بيع النجش:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النَّجْشِ.
(6)
.
النجش: هو زيادة في السلعة لا لرغبة فيها، بل ليخاع غيره فيشتريها.
29 - لا يجوز بيع المسلم على بيع أخيه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لبادٍ ولا تناجشوا،
(1)
أخرجه البخاري (5/ 314 رقم 2718)، ومسلم (3/ 1221 رقم 109/ 715).
(2)
أخرجه البخاري (4/ 372 رقم 2161)، ومسلم (3/ 1158 رقم 21/ 1523) وغيرهما.
(3)
أخرجه الترمذي (3/ 580 رقم 1283)، وقال: حديث حسن غريب.
(4)
أخرجه أبو داود (4/ 262، رقم 3954).
(5)
أخرجه ابن ماجه (2/ 841 رقم 2517).
(6)
أخرجه البخاري (4/ 355 رقم 2142)، ومسلم (3/ 1156 رقم 13/ 1516).
ولا يبيعُ الرجلُ على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأةُ طلاقَ أختها؛ لتكفئ ما في إنائها"
(1)
.
30 - النهي عن تلقي الركبان:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الركبانَ ولا يَبِعْ حاضرٌ لبادٍ"، قال: فقلت لابن عباس رضي الله عنهما: ما قوله: "لا يبع حاضر لباد"؟ قال: لا يكون له سِمسارًا
(2)
.
وله الخيار إذا عرف الغبن:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الجَلَبَ، فإن تلقاه فابتاعه فصاحِبُ السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق"، وهو حديث صحيح
(3)
.
31 - نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتكار:
عن معمر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحْتَكِرُ إلا خاطئٌ"
(4)
.
قال النووي
(5)
: "قال أصحابنا - أي الشافعية - الاحتكار المحرم هو الاحتكار في الأقوات خاصة، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء، ولا يبيعه في الحال، بل يدخره ليغلو ثمنه، فأما إذا اشتراه أو جاء من قرية وقت الرخص وادخره، أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكله، أو ابتاعه ليبيعه في الوقت فليس باحتكار ولا تحريم فيه، وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال، هذا تفصيل مذهبنا" اهـ.
32 - لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع:
عن عبد الله بن عمرو، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَحِل سلفٌ وبيعٌ، ولا شرطان في بيعٍ، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيعُ ما ليس عندك"، وهو حديث حسن
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري (4/ 353 رقم 2140)، ومسلم (3/ 1155 رقم 12/ 1515).
(2)
أخرجه البخاري (4/ 370 رقم 2158)، ومسلم (3/ 1157 رقم 19/ 1521).
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1157 رقم 17/ 1519)، وأحمد (2/ 487 - 488) وأبو داود (3/ 718 رقم 3437) والترمذي (3/ 524 رقم 1221) والنسائي (7/ 257) وابن ماجه (2/ 735 رقم 2178).
(4)
أخرجه مسلم (3/ 1228 رقم 130/ 1605).
(5)
في شرحه لمسلم (11/ 43).
(6)
أخرجه أبو داود (3/ 769 رقم 3504)، والنسائي (7/ 288 رقم 4611)، والترمذي (3/ 535 رقم 1234) وقال: حديث حسن صحيح.
33 - لا يصح بيعتان في بيعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع بيعتين في بيعةٍ، فله أوكسهما أو الربا"، وهو حديث حسن
(1)
.
34 - لا يصح بيع ما ليس عند البائع:
عن حكيم بن حزام، قال: يا رسول الله يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي، أفأبتاعه له من السوق؟ فقال:"لا تَبِعْ ما ليس عندك"، وهو حديث صحيح
(2)
.
35 - يجب وضع الجوائح:
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو بِعْتَ من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحةٌ، فلا يَحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذُ مال أخيكَ بغير حق"
(3)
الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار وَالأموال.
36 - النهي عن التسعير:
عن أنس بن مالك رضي الله عنهما: قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعِّرْ لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله هو المسعرُ القابضُ الباسطُ الرازقُ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال"
(4)
، وهو حديث صحيح.
(1)
أخرجه النسائي (7/ 295 رقم 4632)، وأبو داود (3/ 738 رقم 3461)، والترمذي (3/ 533 رقم 1231)، وغيرهم.
(2)
أخرجه أبو داود (3/ 768 رقم 3503)، والترمذي (3/ 534 رقم 1232)، والنسائي (7/ 289 رقم 4613)، وابن ماجه (2/ 737 رقم 2187) وغيرهم.
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1190 رقم 14/ 1554).
(4)
أخرجه أبو داود (3/ 731 رقم 3451)، والترمذي (3/ 605 رقم 1314)، وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجه (2/ 741 ر قم 2200) وغيرهم.
*
الباب الثاني* الربا
1 - التعامل بالربا حرام ومن الكبائر:
والأصل في تحريمه آيات منها: قوله تعالى في سورة البقرة الآية (275): {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} .
ومنها: قوله تعالى في سورة البقرة الآيتان: (278 - 279):
وأحاديث منها: ما رواه جابر رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء"
(1)
.
هم سواء: أي يستوون في فعل المعصية والإثم.
2 - يحرمُ بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبرِّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا مثلًا بمثلٍ يدًا بيدٍ:
عن مالك بن أوسٍ أخبره أنه التمس صرفًا بمائة دينار، فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا، حتى اصطرف مني، فأخذ الذهب يقلبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمرُ بن الخطاب يسمع ذلك، فقال: والله لا تفارقه حتى تأخذَ منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الذهب بالذهب ربًا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاء وهاء، والتمرُ بالتمر ربًا إلا هاء وهاء"
(2)
.
إلا هاء وهاء: فيه لغتان: المد والقصر، والمد أفصح وأشهر، وأصله هاك. فأبدلت المدة من الكاف، ومعناه خذ هذا، ويقول صاحبه مثله والمدة مفتوحة، ويقال بالكسر أيضًا.
عن عبادة بن الصامت قال: "إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1219 رقم 106/ 1598).
(2)
أخرجه البخاري (4/ 377 رقم 2174)، ومسلم (3/ 1210 رقم 79/ 1586) وغيرهما.
بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، إلا سواءً بسواءٍ، عينًا بعينٍ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى"
(1)
.
ولم يرد دليل تقوم به الحجة على إلحاق ما عدا الأجناس المذكورة بها.
3 - إذا اختلفت الأجناس جاز التفاضل إذا كان يدًا بيدٍ:
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعيرُ بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءً بسواءٍ يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيدٍ"
(2)
.
4 - لا يجوز بيع الشيء بجنسه إلا بعد العلم بالمماثلة:
عن جابر بن عبد الله، قال:"نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر، لا يعلم مكيلتها، بالكيل المسمى من التمر"
(3)
.
الصبرة: هي الكومة، والمعنى: نهى عن بيع الكومة من التمر المجهولة القدر، بالكيل المعين القدر من التمر.
5 - لا يجوز بيع شيء من المطعوم بجنسه أحدهما رطب والآخر يابس:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة، والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلًا، وبيع الكرم بالزبيب كيلًا"
(4)
.
6 - رخص صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا:
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تُباع بخرصها كيلًا"
(5)
.
العرايا: جمع عرية، فعيلة بمعنى مفعولة. من عراه يعروه إذا قصده.
ويحتمل أن تكون فعيلة، فاعلة، من عري يعرى إذا خلع ثوبه، كأنها عُريت من جملة التحريم، فعريت أي خرجت.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1210 رقم 80/ 1587).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1211 رقم 81/ 1587).
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1162 رقم 42/ 1530).
(4)
أخرجه البخاري (4/ 384 رقم 2185) ومسلم (3/ 1171 رقم 72/ 1542) وغيرهما.
(5)
أخرجه البخاري (4/ 390 رقم 2192) ومسلم (3/ 1169 رقم 64/ 1539).
وقيل في تفسيرها: أنه لما نهى عن المزابنة، وهي بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر، رخص في جملة المزابنة في العرايا، وهو أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يُدرك الرطب ولا نقد بيده يشترى به الرطب لعياله، ولا نخل لهم يطعمهم منه، ويكون قد فضل له من قوته تمر، فيجيء إلى صاحب النخل، فيقول له: بعني ثمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر؛ فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر تلك النخلات ليصيب من رطبها، مع الناس، فرخص فيه إذا كان دون خمسة أوسق.
الوسق= 60 صاعًا كيلًا.
الصاع = 4 أمداد.
المد= 544 غرامًا من القمح.
إذن الصاع= 4× 544 = 2176 غرامًا.
الوسق= 60 × 2176= 130560 غرامًا= 56.130 كيلو غرامًا.
إذن خمسة أوسق= 5× 130.56 = 652.8 كيلو غرامًا.
7 - لا يجوز بيع اللحم بالحيوان:
عن سمرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشاة باللحم"
(1)
.
8 - يجوز بيع الحيوان باثنين أو أكثر من جنسه:
عن عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما: "أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا، فنفذت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة"، وهو حديث حسن
(2)
.
(1)
أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 35)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 296).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد؛ رواته عن آخرهم أثمة حفاظ ثقات ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة، ووافقه الذهبي".
وقال البيهقي: "هذا إسناد صحيح، ومن أثبت سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب عده موصولًا، ومن لم يثته فهو مرسل جيد يضم إلى مرسل سعيد بن المسيب، أخرجه مالك في الموطأ (2/ 655) ورجاله ثقات، والقاسم بن أبي بزة، أخرجه البيهقي (5/ 296 - 297)، وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أخرجه البيهقي (5/ 297)، قلت: والخلاصة أن الحديث حسن، واللّه أعلم.
وقد حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء (5/ 198 رقم 1351).
(2)
أخرجه أبو داود (3/ 652 رقم 3357) وغيره.
القلوص: هي الناقة الشابة، وتجمع على قلاع، وقُلص أيضًا.
9 - لا يجوز بيع العِينة:
العينة: بيع التاجر سلعته بثمن إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعِينَةِ، وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتم بالزَّرْعِ، وتركتم الجهادَ، سلط الله عليكم ذُلًّا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 740 رقم 3462) وغيره.
الباب الثالث الخيارات
1 - يجب على من باع ذا عيبٍ أن يبينهُ وإلا ثبت الخيارُ:
عن عقبة بن عامر، قال: سمَعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلمُ أخو المسلم ولا
يحل لمسلمٍ باعَ من أخيه بيعًا، فيه عيبٌ إلا بينه له"، وهو حديث حسن
(1)
.
عن العدَّاء بن خالد بن هوذة، قال: كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدًا أو أمة لا داءَ، ولا غائلة، ولا خبنة، بيع المسلم المسلم"، وهو حديث حسن
(2)
لا داء: الداء: المرض والعاهة.
ولا خبنة: والخبنة: نوع من أنواع الخبيث، أراد به الحرام.
ولا غائلة: الغائلة: الخصلة التي تغول المال، أي تهلكه من إباق وغيره.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجلًا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يُخْدَعُ في البيوع، فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة"
(3)
.
لا خلابة: لا خديعة: أي لا تحل لك خديعتي، أو لا يلزمني خديعتك.
2 - الدخل والمنفعة بضمان الأصل:
عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "الخراجُ بالضمان"، وهو حديث حسن
(4)
.
الخراج: الدخل والمنفعة، أي يملك المشتري الخراج الحاصل من المبيع بضمانه.
3 - للمشتري الرد بالغرر، ومنه المصراةُ فيردُّها وصاعًا من تمر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطقَّوا الركبانَ، ولا يَبِعْ بعضُكم
(1)
أخرجه ابن ماجه (2/ 755 رقم 2246)، والحاكم في المستدرك (3/ 22)، وصححه ووافقه الذهبي.
(2)
أخرجه ابن ماجه (2/ 756 رقم 2251)، والترمذي (3/ 520 رقم 1216)، وقال: حديث حسن غريب، وهو كما قال، وأخرجه البخارى تعليقًا (4/ 309)، وغيرهم.
(3)
أخرجه البخاري (4/ 337 رقم 2117)، ومسلم (3/ 1165 رقم 48/ 1533)، وغيرهما.
(4)
أخرجه أبو داود (3/ 777 رقم 3508)، والترمذي (3/ 581 رقم 1285)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (7/ 254 رقم 4490)، وابن ماجه (2/ 754 رقم 2242)، وغيرهم.
على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يَبَعْ حاضرٌ لباد، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها؛ إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر"
(1)
.
ولا تصروا الغنم: من التصرية وهي الجمع، ويقال: صرى يصري تصرية، وصراها يصريها تصرية فهي مصراة، ومعناها لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة.
4 - البيعان بالخيار إذا وقع البيع على صورة محرمة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق، فهو بالخيار"
(2)
.
الجلب: وهو ما يجلب للبيع أي شيء كان.
سيده: أي مالك المجلوب الذي باعه، أي فإذا جاء صاحب المتاع إلى السوق وعرف السعر فله الخيار في الاسترداد.
5 - البيعان بالخيار ما لم يتفرقا:
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا، بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما، مُحِقَتْ بركة بيعهما"
(3)
.
بينا: أي بيَّن كل واحد لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن.
محقت بركة بيعهما: أي ذهبت بركته، وهي زيادته ونماؤه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا، إلا بيع الخيار"
(4)
.
6 - القول للبائع إذا اختلف البيعان:
عن عبد اللّه بن مسعود قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا اختلف البيِّعان وليس بينهما بينة، فهو ما يقول ربُّ السلعة أو يتتاركان"، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (4/ 361 رقم 2150)، ومسلم (3/ 1155 رقم 11/ 1515) وغيرهما.
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1157 رقم 17/ 1519) وغيره.
(3)
أخرجه البخاري (4/ 328 رقم 2110)، ومسلم (3/ 1164 رقم 47/ 1532).
(4)
أخرجه البخاري (4/ 333 رقم 2113)، ومسلم (3/ 1164 رقم 46/ 1531).
(5)
أخرجه أبو داود (3/ 780 رقم 3511)، والنسائي (7/ 302 رقم 4648)، وابن ماجه (2/ 737 رقم 2186) وغيرهم.
الباب الرابع السَّلَم
1 - دليل مشروعيته:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، فقال:"من أسلف في شيءٍ، ففي كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلوم"
(1)
.
2 - شروط صحة السَّلم:
الأول: ذكر قدْرِ المسلم فيه وجنسه ونوعه، وصفته، والدليل حديث ابن عباس المتقدم.
الثاني: معرفة إمكانه للحلول وإن عُدِم حال العقد.
عن عبد الرحمن بن أبزي، وعبد اللّه بن أبي أوفى قالا:"كُنَّا نصيبُ المغانم مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجل مسمى، قيل: أكان لهم زرع أم لم يكن؟ قالا: ما كُنَّا نسألُهم عن ذلك"
(2)
.
وفي رواية: "كنا نُسلفُ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر وما نراه عندهم"
(3)
".
الأنباط: هم من العرب دخلوا في العجم والروم، فاختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم سموا بذلك؛ لكثرة معرفتهم بإنباط الماء أي استخراجه
(4)
.
الثالث: كون الثمن مقبوضًا في المجلس، وهذا لا بد منه، ولا يتم السَّلم إلا به، وإلا كان بيع الكاليء بالكالئ وقد قدمنا النهي عنه.
الرابع: الأجل المعلوم، والدليل حديث ابن عباس المتقدم.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (رقم 2125 - البغا)، ومسلم (3/ 1226 رقم 1604).
(2)
أخرجه أحمد (1/ 217، 222، 282، 358)، والبخاري رقم (2242، 2243).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (3464)، والنسائي في الكبرى (رقم 6207/ 1)، وابن ماجه رقم (2282)، والحاكم (2/ 45)، والبيهقي (6/ 20)، والطيالسي رقم (815)، وابن الجارود في المنتقى رقم (616) وهو حديث صحيح.
(4)
فتح الباري (4/ 431).
الباب الخامس القرض
1 - يجب على المقترض إرجاع ما اقترضه:
لأنه إذا وقع التعاطي على أن يكون القضاء زائدًا على أصل الدَّين، فذلك هو الربا، بل مجرد الهدية من المستقرض للمقرض ربًا.
عن أبي بُردة قال: "أتيت المدينة فلقيت عبد اللّه بن سلام رضي الله عنه فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا وتدخلُ في بيت؟ ثم قال: إنك في أرضٍ الربا بها فاشٍ، وإذا كان لك على رجل حق فأهدي إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قتٍّ فإنه ربًا"
(1)
.
القت: بفتح القاف وتشديد المثناة وهو علف الدواب.
2 - يجوز الإحسان من المقترض للمقرض بدون شرط:
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد - قال مِسْعر: أراه قال ضُحىً - فقال: "صلِّ ركعتين"، وكان لي عليه دين فقضاني وزادني
(2)
.
3 - إنظار المعسر:
قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280].
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مات رجل فقيل له: ما كنت تقول؟ قال: كنتُ أبايعُ الناسَ، فأتجوز عن الموسِر، وأُخفف عن المعسر، فغفر له"، قال أبو مسعود: سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - مَطلُ الغني ظلمٌ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مَطْلُ الغني ظلم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (7/ 129 رقم 3814).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 59 رقم 2394)، ومسلم (1/ 495 رقم 71/ 715).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2391).
(4)
أخرجه البخاري رقم (2400)، ومسلم رقم (1564).
5 - من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أو إتلافها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ أموالَ الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه اللّه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
6 - حسن القضاء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان لرجلٍ على النبي صلى الله عليه وسلم سِنٌّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال صلى الله عليه وسلم:"أَعْطُوه" فطلبوا سنَّهُ فلم يجدوا له إلَّا سنًا فوقها، فقال:"أعطوه" فقال: أوفيتني وفى اللّه بكَ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن خيارَكُم أحسَنُكُم قضاءً"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - فضل القرض:
عن أبيِ هريرة رضي الله عنه، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"من نفَّس عن مؤمن كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفس الله عنه كربةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعْسِرٍ، يسرَ اللّهُ عليه في الدنيا والآخرة"، وهو حديث صحيح
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (2387).
(2)
أخرجه البخاري رقم (2305)، ومسلم رقم (1601).
(3)
أخرجه مسلم رقم (38/ 2699).
الباب السادس الشفعة
1 - سبب الشفعة الاشتراك في شيء ولو منقولًا:
عن جابر رضي الله عنه: جعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل مالٍ لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة
(1)
.
الشفعة: من شفعت الشيء إذا ضممته إلى غيره، سميت بذلك لما فيها من ضم نصيب إلى نصيب، وهي أن يبيع أحد الشركاء في دار أو أرض نصيبه لغير الشركاء، فللشركاء أخذ هذا النصيب بمقدار ما باعه.
وقعت الحدود: صارت مقسومة وحددت الأقسام.
صرفت الطرق: ميزت وبينت.
2 -
القسمة تبطل الشفعة؛ لحديث جابر المتقدم أعلاه.
3 -
لا يحل للشريك أن يبيع حتى يُؤذنَ شريكهُ:
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه قال: قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركةٍ لم تقسم؛ ربعة أو حائطٍ، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به
(2)
.
ربعة: الربَّعة والرَّبْع: بفتح الراء وإسكان الباء، والرَّبْع: الدار والمسكن ومطلق الأرض، وأصله المنزل الذي كانوا يرتبعون فيه.
والرَّبْعة: تأنيث الرَّبع، وقيل: واحدة، والجمع الذي هو اسم الجنس رَبْع.
الحائط: البستان.
4 - لا تبطل الشفعة بالتراخي
؛ لما في الأحاديث الواردة في الشفعة من الإطلاق، وليس في اشتراط الفورية ما يصلح متمسكًا كما لا يخفى على عارف.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2099 - البغا)، ومسلم (3/ 1229 رقم 1608)، واللفظ للبخاري.
(2)
أخرجه البخاري رقم (2099 - البغا)، ومسلم (3/ 1229 رقم 134/ 1608)، واللفظ للبخاري.
الباب السابع الإِجارة
1 - مشروعية الإجارة:
قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6].
وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، وقال تعالى:{فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77].
وعن عائشة رضي الله عنهما: "واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ رجلًا من بني الدِّيل ثم من بني عبدِ بن عدي هاديًا خزِّينًا - الخِرِّيت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حِلْفٍ في آل العاص بن وائلٍ، وهو على دين كفَّارِ قريشٍ، فأمِنَاهُ فدفَعَا إليه راحلتيهما، ووعداهُ غارَ ثورٍ بعد ثلاثِ ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليالٍ ثلاث، فارتحلا، وانطلق معهما عامرُ بنُ فهيرة والدليلُ الدِّيليُّ، فأخذ بهم أسفل مكة، وهو طريق الساحل"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 -
تجوز الإجارة على كل عمل لم يمنع منه مانع شرعي؛ لإطلاق الأدلة الواردة في ذلك:
منها: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث اللّه نبيًّا إلا رعى الغنم"، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: "نعم، كنت أرعاها على قراريطَ لأهلِ مكةَ"
(2)
.
عن سويد بن قيس، قال: جلبتُ أنا ومخرمة العبدي بزًّا من هجر، فأتينا به مكة، فجاءَنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يمشي، فساومنا بسراويل، فبعناه، وثم رجل يزنُ بالأجرِ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"زِنْ وأَرْجِحْ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
البز: الثياب. هجر: اسم بلد معروف بالبحرين.
3 - إذا لم تكن الأجرة معلومة
، استحق الأجير مقدار عمله عند أهل ذلك العمل؛ لحديث سويد بن قيس الصحيح المتقدم.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2263).
(2)
أخرجه البخاري (4/ 441 رقم 2262).
(3)
أخرجه أبو داود (3/ 631 رقم 3336)، والترمذي (3/ 598 رقم 1305)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (7/ 284 رقم 4592)، وابن ماجه (2/ 748 رقم 2220) وغيرهم.
4 - النهي عن أجرة المؤذن:
لحديث عثمان بن أبي العاص، قال: يا رسول اللّه، اجعلني إمام قومي، قال:"أنت إمامُهُم، واقْتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - النهي عن قفيز الطحان:
عن أبي سعيد الخدري قال: "نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن عَسْب الفحل، وعن قفيز الطحان"، وهو حديث صحيح
(2)
.
قفيز الطحان: هو أن يطحن الطعام بجزء منه.
6 - يجوز الاستئجار على تلاوة القرآن:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ - أو سليم - فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راقٍ؟ إن في الماء رجلًا لديغًا، أو سليمًا، فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب اللّه أجرًا، حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب اللّه أجرًا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتابُ الله"، وهو حديث صحيح
(3)
.
7 - لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن:
عن أبي بن كعبٍ، قال: علمتُ رجلًا القرآن، فأهدى إليَّ قوسًا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن أخذْتَها أخذْتَ قوسًا من نار"، فرددتها، وهو حديث صحيح
(4)
.
8 - يجوز كراء العين مدة معلومة بأجرة معلومة:
عن رافع بن خديج: قال: كُنَّا أكثر الأنصار حقلًا قال: كُنَّا نُكْري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تُخرج هذه، فنهانا عن ذلك، وأما الورق فلم ينهنا
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود (1/ 363 رقم 531)، والترمذي (1/ 410 رقم 209)، والنسائي (2/ 23 رقم 672)، وابن ماجه (1/ 236 رقم 714).
(2)
أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (1/ 307)، والدارقطني (3/ 47 رقم 195)، والبيهقي (5/ 339).
(3)
أخرجه البخاري (10/ 198 رقم 5737).
(4)
أخرجه ابن ماجه (2/ 730 رقم 2158)، والبيهقي (6/ 125 - 126).
(5)
أخرجه البخاري (5/ 15 رقم 2332)، ومسلم (3/ 1183 رقم 117/ 1547).
9 - جواز كراء الأرض بأجرة معلومة:
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه قال: كُنَّا نخابرُ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فنصيبُ من القصري ومن كذا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"من كانت له أرضٌ فليزرعْهَا أو فليُحْرِثْها أخاه، وإلا فليَدَعْها"
(1)
.
القصرى: هو ما بقي من الحب في السنبل بعد الدياس.
ويقال له: القُصارة بضم القاف، وهذا الاسم أشهر من القصرى.
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان أصحاب المزارع يُكرون في زمان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مزارعهم بما يكونُ على الساقي من الزرع، فجاؤوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاختصموا في بعض ذلك؛ فنهاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يكروا بذلك، وقال:"أَكْرُوا بالذهب والفضة"، وهو حديث حسن بشواهده
(2)
.
10 - إذا فسد ما استؤجر عليه أو تلف ما استأجره، ضمن:
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"من تطبَّبَ ولا يُعلمُ منه طبٌ، فهو ضامنٌ"، وهو حديث حسن
(3)
.
11 - إثم من منع أجر الأجير:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال اللّه تعالى: "ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غَدَر، ورجل باع حُرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعْطِهِ أجرَه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
* * *
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1177 رقم 95/ 1536).
(2)
أخرجه أبو داود (3/ 684 رقم 3391)، والنسائي (7/ 41 رقم 3894).
(3)
أخرجه أبو داود (4/ 710 رقم 4586)، والنسائي (8/ 52 رقم 4830)، وابن ماجه (2/ 1148 رقم 3466) وغيرهم.
(4)
أخرجه البخاري رقم (2227).
الباب الثامن الإِحياء والإِقطاع
1 - من أحيا أرضًا ميتة فهي له:
عن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أَعْمَر أرضًا ليست لأحد، فهو أحق"، أي أحق بها من غيره
(1)
.
ولحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحيا أرضًا ميتة فهي لَهُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
2 - يجوز للإمام أن يُقطع بعض رعيته لمصلحة:
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالتْ: "وكنتُ أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي"
(3)
.
أقطعه: قال أهل اللغة: يقال: أقطعه إذا أعطاه قطيعة. وهي قطعة أرض سميت قطيعة؛ لأنه اقتطعها من جملة الأرض.
عن أبيض بن حَمَّال أنه وفد إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح، قال ابن المتوكل: الذي بمأرب، فقطعه له، فلما ولَّى، قال رجل من المجلس أتدري ما قطعت له إنما قطعت له الماء العِدَّ، قال: فانتزع منه، قال: وسأله عما يُحمي من الأراك، قال:"ما لم تنله خفاف"، وقال ابن المتوكل:"أخفاف الإبل"
(4)
.
العِدّ: بكسر العين: الدائم الذي لا انقطاع له مثل ماء العين وماء البئر.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (5/ 18 رقم 2335)
(2)
أخرجه أحمد (3/ 304، 338)، والنسائي (2/ 387 رقم 3129)، كما في تحفة الأشراف، والترمذي (3/ 663 رقم 1379)، وقال. حديث حسن صحيح، وابن حبان رقم (1139 - موارد).
(3)
أخرجه البخاري (9/ 319 رقم 5224)، ومسلم (4/ 1716 رقم 2182).
(4)
أخرجه الترمذي (3/ 664 رقم 1380) وقال، حديث حسن غريب وأبو داود (3/ 446 رقم 3064)، وابن ماجه (2/ 827 رقم 2475) وغيرهم
الباب التاسع الشركة
1 - مشروعيتها:
قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24].
وقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12].
2 - الناس شركاء في الماء والنار والكلأ:
عن أبي خداش، عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثًا أسمعه يقول: "المسلمون شركاءَ في ثلاثٍ: في الكلأ، والماء، والنار"، وهو حديث صحيح
(1)
.
الكلأ: نبات ينبت في موات الأرض، يرعاه الناس ليس لأحد أن يختص به دون أحد ويحجزه عن غيره.
أما إذا نبت الكلأ في أرض مملوكة فهو لمالك الأرض، وليس لأحد أن يشركه فيه إلا بإذنه.
3 - بيان توزيع الماء بين المستحقين:
عن عروة بن الزبير: أن عبد اللّه بن الزبير حدثه أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة - هي مسايل الماء - التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليهم فاختصموا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للزبير:"اسْقِ يا زبيرُ ثم أَرْسلْ الماء إلى جارك"، فغضب الأنصاري. فقال: يا رسول اللّه، أَنْ كان ابن عمتك، فتَلون وجه نبي اللّه صلى الله عليه وسلم ثم قال:"يا زبير اسْقِ، ثم احْبِسْ الماء حتى يرجع إلى الجدر"، فقال الزبير: واللّه إني لأحسب هذه الآية نزلت في
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 750 رقم 3477) وأحمد (5/ 364) وأبو نعيم في معرفة الصحابة رقم (6764).
(1)
.
4 - لا يجوز منع فضل الماء؛ ليمنع به الكلأ:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا فضل الماء؛ لتمنعوا به فضل الكلأ"
(2)
.
5 - يصح للإمام أن يحمي بقعة موات؛ لرعي دواب المسلمين:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا حمى إلا للّه ولرسوله"، وقال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر حمى الشرف والربذة"
(3)
.
الشرف: بفتح الشين المعجمة، وفتح الراء، وهو والربذة موضعان بين مكة والمدينة.
6 - جواز الاشتراك في النقود والتجارات:
عن أبي المنهال قال: "اشتريت أنا وشريك لي شيئًا يدًا بيدٍ نسيئة، فجاءنا البراء بن عازب فسألناه، فقال: فعلتُ أنا وشريكي زيد بن أرقم، وسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "ما كان يدًا بيدٍ فخُذُوه، وما كان نسيئةً فردُّوه"
(4)
.
7 - تجوز المضاربة ما لم تشتمل على ما لا يحل:
قال ابن حزم
(5)
: "كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة، نعلمه وللّه الحمد، حاشا القراض - المضاربة - فما وجدنا له أصلًا فيهما البتة، ولكنه إجماع صحيح مجرد، والذي نقطع عليه أنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه، فأقره ولولا ذلك ما جاز" اهـ.
وتعقبه المحدث الألباني
(6)
رحمه الله قائلًا: "وفيه أمور أهمها: أن الأصل في
(1)
أخرجه البخاري (5/ 34 رقم 2359)، ومسلم (4/ 1829 رقم 129/ 2357).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 31 رقم 2354)، ومسلم (3/ 1198 رقم 37/ 1566) وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري (5/ 44 رقم 2370).
(4)
أخرجه البخاري (5/ 134 رقم 2497، 2498)، ومسلم (3/ 1212 رقم 1589) وغيرهما.
(5)
مراتب الإجماع ص (91).
(6)
الشيخ الألباني في "الإرواء"(5/ 294).
المعاملات الجواز، إلا لنص بخلاف العبادات، فالأصل فيها المنع إلا لنص، كما فصله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والقرض والمضاربة من الأول كما هو ظاهر، وأيضًا فقد جاء النص في القرآن بجواز التجارة من تراض، وهي تشمل القراض كما لا يخفى، فهذا كله يكفي دليلًا لجوازه ودعم الإجماع المدعى فيه" اهـ.
8 - إذا تشاجر الشركاء في عرض الطريق كان سبعة أذرع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وقضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق {الميتاءِ} بسبعة أذرع"
(1)
.
9 - النهي عن منع الجار جاره أن يغرز خشبة في جداره:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع جارٌ جاره أن يغرزَ خشبهُ في جداره"، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه:"ما لي أراكم عنها مُعرضين؟، واللّه لأرمين بها بين أكتافكم"
(2)
.
10 - بيان أنه لا ضرر ولا ضرار بين الشركاء:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرَرَ ولا ضرارَ، وللرجل أن يجعل خشبه على حائط جاره، وإذا شكْكُتم في الطريق، فاجعلوها سبعةَ أذرعٍ"، وهو حديث صحيح لغيره
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (5/ 118 رقم 2473)، ومسلم (3/ 1232 رقم 1613) وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (5/ 110 رقم 2463)، ومسلم (3/ 1230 رقم 136/ 1609) وغيرهما.
(3)
أخرجه أحمد (1/ 313)، والطبراني في المعجم الكبير (11/ 302 رقم 11806) وغيرهما.
الباب العاشر الرهن
1 - دليل مشروعية الرهن:
قال تعالى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].
ولحديث عائشة رضي الله عنهما قالت: "اشترى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من يهودي طعامًا، ورهنَهُ درعهُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - ينتفع بالمرهون إذا كان دابة تركب أو بهيمة تحلب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "الظهرُ يُرْكَبُ بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب وبشرب النفَقة"
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (2513)، ومسلم (3/ 1226 رقم 124/ 1603).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 143 رقم 2512)، وغيره.
الباب الحادي عشر الوديعة والعارية
1 - تعريف الوديعة:
الوديعة: مأخوذة من ودع الشيء بمعنى تركه، وسمي الشيء الذي يدعه الإنسان عند غيره ليحفظه له: بالوديعة؛ لأنه يتركه عند المودع.
2 - حكم الوديعة:
وإذا استودع الرجل أخاه شيئًا استحب له قبوله إن علم من نفسه القدرة على حفظه؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى.
ويجب على المودع رد الوديعة متى طلبت منه؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وقوله تعالى:{فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تَخُنْ من خَانَك"، وهو حديث حسن
(1)
.
3 - لا ضمان على مؤتمن إذا تلفت الأمانة بدون جنايته وخيانته:
عن صفوان بن أمية، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعًا يوم حنين، فقال: أَغَصْبٌ يا محمد؟ فقال: "لا، بل عاريةٌ مضمونة"، وهو حديث حسن
(2)
.
أدراعًا: الأدرع: جمع قلة لدرع، وهو الزردية، ويجمع على أدرع، وفي الكثرة على دروع، وقد استعمل "الأدراع" في هذا الحديث لكثرة، وإن كان جمع قلة اتساعًا.
4 - تعريف العارية:
عرفها الفقهاء بأنها: إباحة المالك منافع ملكه لغيره بلا عوض.
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 805 رقم 3535)، والترمذي (3/ 564 رقم 1264)، وقال: حديث حسن غريب.
(2)
أخرجه أبو داود (3/ 822 رقم 3562)، وعزاه المزي في تحفة الأشراف (4/ 190 رقم 4945) إلى النسائي في الكبرى، والحاكم (2/ 47)، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
5 - حكم العارية:
وهي مستحبة لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، وهو حديث صحيح وقد تقدم.
وقد ذم اللّه سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 5 - 7].
6 - وجوب رد العارية:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
7 - ضمان العارية:
عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إذا أتتكَ رُسُلي فأعْطهم ثلاثين درعًا"، قلت: يا رسول اللّه، أعارية مضمونة، أو عارية مؤدَّاةٌ؟ قال:"بل عاريةٌ مؤداةٌ"، وهو حديث حسن
(1)
.
8 - لا يجوز منع الماعون كالدلو والقدر:
عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال، "كُنَّا نعد الماعون على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عارية الدلو والقدر"، وهو حديث حسن
(2)
.
9 - أمثلة على ما لا يجوز منعه كعارية؛ كإطراق الفحل، وحلب المواشي لمن يحتاج ذلك، والحمل عليها في سبيل اللّه:
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صاحب إبلٍ ولا بقرٍ ولا غنم، لا يؤدي حقَّها، إلا أُقْعِدَ لها يوم القيامة بقاع قرقر، تطؤه ذات الَظلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن"، قلنا: يا رسول اللّه، وما حقها؟ قال:"إطراق فحلها، وإعارةُ دلوها، ومنيحتها وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل اللّه"
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد (4/ 222)، وأبو داود رقم (3566)، والنسائي في الكبرى رقم (1/ 5776)، وابن حبان (رقم: 1173 - موارد)، والدارقطني (3/ 93 رقم 159): وانظر: الصحيحة رقم (630).
(2)
أخرجه أبو داود (2/ 302 رقم 1657)، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (8/ 731)، وخلاصة القول: أن الحديث حسن.
(3)
أخرجه مسلم (2/ 685 رقم 28/ 988).
الباب الثاني عشر الغصب
1 - تعريف الغصب: هو أخذ مال الغير عدوانًا
.
2 - الأدلة على تحريم الغصب: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]
.
عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فإَّن دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم بينكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا .. "
(1)
.
3 - يجب على الغاصب رد ما أخذ من مال أخيه المسلم:
عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَحِلُّ لامرئٍ أن يأخذ عَصَا أخيه بغير طيب نفس منه"، قال: وذلك لشدة ما حرم اللّه تعالى على المسلمَ من مال المسلم وهو حديث صحيح بطرقه
(2)
.
4 - بيان حكم من زرع أو غرس في أرض غيره بالقوة:
عن رافع بن خديج قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من زرعَ في أرضِ قومٍ بغير
إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وله نفقته"، وهو حديث صحيح بشواهده
(3)
.
5 - غصب الأرض حرام:
عن سعيد بن زيد رضي الله عنه أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا، طوقه اللّه إياه يوم القيامة من سبع أرضين"، وهو حديث صحيح
(4)
.
6 - حرمة الانتفاع بالمغصوب:
عن يزيد أنه سمع رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يأخذنَّ أحدُكُم متاعَ أخيِه، لاعبًا ولا جادًّا".
(1)
أخرجه البخاري (1/ 157 رقم 67)، ومسلم (3/ 1305 رقم 1679)، وغيرهما.
(2)
أخرجه أحمد (5/ 425)، والبيهقي (6/ 100)، وابن حبان رقم (1166 - موارد)، والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 41 - 42).
(3)
أخرجه أبو داود (3/ 692 رقم 3403)، وابن ماجه (2/ 824 رقم 2466)، والترمذي (3/ 648 رقم 1366)، وقال: حديث حسن غريب، وأحمد (3/ 465)، و (4/ 141).
(4)
أخرجه البخاري رقم (2452)، ومسلم رقم (1610).
وفي لفظ: " ....... لعبًا ولا جِدًّا، ومن أخد عصا أخيه فليردَّها"، وهو حديث حسن
(1)
.
7 - من أتلف المغصوب فعليه مثله أو قيمته:
عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادمٍ بقصعةٍ فيها طعامٌ، فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام وقال: كلوا، وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة"
(2)
.
فضربت بيدها: أي عائشة رضي الله عنهما، وإنما أبهمت تخيمًا لشأنها، وأنه مما لا يخفى ولا يلتبس أنها هي؛ لأن الهدايا إنما كانت تهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها.
8 - من مات دون ماله فهو شهيد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه أرأيت إن جاء رجلٌ يريدُ أخذ مالي؟، قال:"فلا تعطه مَالَك"، قال: أرأيت إن قاتلني؟، قال:"قاتلهُ" قال: أرأيت إن قتلني؟، قال:"فأنت شهيدٌ"، قال: أرأيت إن قتلته؟، قال:"هو في النار"
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه أبو داود رقم (5003)، والترمذي رقم (2249).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 124 رقم 2481)، وأحمد (3/ 105).
(3)
أخرجه مسلم (225 - 140).
الباب الثالث عشر العتق
1 - تعريف العتق:
العتق: شرعًا: إسقاط المولى حقه من مملوكه بوجه مخصوص، يصير به المملوك من الأحرار.
2 - الترغيب في العتق:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل أعتق امرءًا مسلمًا، استنقذ الله بكل عضوٍ منه عضْوًا منه من النار"
(1)
.
3 - بيانَ أن فضل الرقاب أنفسها عند أهلها:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمانٌ بالله وجهاد في سبيله"، قلت: فأي الرقاب أفضل؟، قال:"أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها" قلت: فإن لم أفعل؟، قال:"تُعين ضائعًا، أو تصنع لأخْرَقَ"، قال: فإن لم أفعل؟ قال: "تدع الناس من الشرِّ؛ فإنها صدقة تصدق بها على نفسك"
(2)
.
تصنع لأخرق: الأخرق هو الذي ليس بصانع، يقال: رجل أخرق وامرأة خرقاء، لمن لا صنعة له.
4 - يجوز العتق بشرط الخدمة ونحوها:
عن سفينة، قال:"كنتُ مملوكًا لأم سلمة، فقالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما عشت، فقلت: إن لم تشترطي عليَّ ما فارقت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما عشت، فأعتقتني واشترطت عليَّ"، وهو حديث حسن
(3)
.
5 - من مَلَكَ رحمهُ عتق عليه:
عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرم، فهو حرٌّ"، وهو حديث صحيح لغيره
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (5/ 146 رقم 2517)، ومسلم (2/ 1147 رقم 22/ 1509).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 148 رقم 2518)، ومسلم (1/ 89 رقم 84).
(3)
أخرجه أبو داود (4/ 250 رقم 3932)، وابن ماجه (2/ 844 رقم 2526)، وغيرهما.
(4)
أخرجه أبو داود (4/ 259 رقم 3949)، والترمذي (3/ 646 رقم 1365): وابن ماجه (2/ 843 رقم 2524)، وغيرهم.
6 - من لطم مملوكه فكفارته أن يعتقه:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من لطمَ مملوكَه أو ضربه، فكفارته أن يعتقه"
(1)
.
7 - حكم من مَثَّل بمملوكه:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل مستصرخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: جارية له يا رسول اللّه، فقال:"ويحَكَ ما لَكَ؟ "، قال: شر، أبصر لسيده جارية له قفار، فجبَّ مذاكيره، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"عليَّ بالرجل" فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"اذهبْ فأنتَ حرٌّ"، فقال: يا رسول اللّه على من نصرتي؟ قال: "على كل مؤمن"، أو قال:"كل مسلم"، وهو حديث حسن
(2)
.
8 - حكم من أعتق عبدًا له فيه شركاء:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شقصًا له من عبدٍ - أو شركًا، أو قال: نصيبًا - وكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق، وإلا فقد عتق منه ما عتق"
(3)
.
9 - بيان أن الولاء لمن أعتق:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، قالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك، فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت، فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، ويكون ولاؤك لنا، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"ابتاعي فَأَعتقي؛ فإنما الولاء لمن أعتق" قال: ثم قام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: "ما بال أناسٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطًا ليس في كتاب اللّه فليس له، وإن شرط مائةَ مرة، شرط الله أحق وأوثق"
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1278 رقم 29/ 1657)، وغيره.
(2)
أخرجه أبو داود (4/ 654 رقم 4519)، وابن ماجه (2/ 894 رقم 2680).
(3)
أخرجه البخاري (5/ 132 رقم 2491)، ومسلم (2/ 1139 رقم 1/ 1501)، وغيرهما.
(4)
أخرجه البخاري (5/ 187 رقم 2561)، ومسلم (2/ 1141 رقم 6/ 1504).
10 - يجوز التدبير فيعتق بموت مالكه، وإذا احتاج المالكُ جاز له بيعه:
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال: "أعتقَ رجلٌ منا عبدًا له عن دُبُر، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم به فباعه، قال جابر: مات الغلام عام أول"
(1)
.
التدبير: هو عتق العبد إلى بعد الموت من قبل سيده، يقول له: أنت حر بعد دبر مني.
11 - يجوز مكاتبة المملوك على مال يؤديه:
لقوله تعالى في سورة النور الآية (33): {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} .
12 - يصير المكاتب حرًّا عند الوفاء، ويعتق منه بقدر ما سلم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن نبي اللّه صلى الله عليه وسلم قضى في المكاتب، أن يؤدي بقدر ما عتق منه دية الحر"
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (5/ 165 رقم 2534)، ومسلم (3/ 1289 رقم 58/ 997)، وغيرهما.
(2)
أخرجه أبو داود (4/ 706 رفم 4581)، والنسائي (8/ 45 رقم 4809)، والترمذى (3/ 560) معلقًا وغيرهم.
الباب الرابع عشر الوقف
1 - تعريف الوقف:
" هو من التبرعات، كان أهل الجاهلية لا يعرفونه فاستنبطه النبي صلى الله عليه وسلم لمصالح لا توجد في سائر الصدقات، فإن الإنسان ربما يصرف في سبيل اللّه مالًا كثيرًا، ثم يفنى فيحتاج أولئك الفقراء تارة أخرى، وتجئ أقوام آخرون من الفقراء فيبقون محرومين، فلا أحسن ولا أنفع للعامة من أن يكون شيء حبسًا للفقراء وابن السبيل يصرف عليهم منافعه ويبقى أصله على ملك الواقف" اهـ
(1)
.
2 - الأدلة على مشروعية الوقف:
حث الإسلام على الوقف، ودل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مات الإنسان، انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علمٍ يُنتَفَع به، أو ولد صالح يدعو له"
(2)
.
3 - للواقف أن يجعل نفسه في وقفه كسائر المسلمين:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال:"من يشتري بئرَ رومة، فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة"، فاشتريتها من صلب مالي، وهو حديث حسن
(3)
.
4 - للواقف أن يجعل غلات الموقوف لمن شاء:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر بن الخطاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول اللّه، إني أصبتُ أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمرُ به؟ قال: "إن شئْت حبسْتَ أصلها وتصدقْت بها"، قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي
(1)
الحجة البالغة (2/ 116).
(2)
أخرجه الإمام مسلم (3/ 1255 رقم 1631)، وقال الترمذي في السنن (3/ 660):"لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافًا في جواز وقف الأرضين" اهـ.
(3)
أخرجه النسائي (6/ 235 رقم 3608)، والترمذي (5/ 627 رقم 3703)، وقال: حديث حسن، والبخاري (5/ 29) معلقًا.
الرقاب، وفي سبيل اللّه وابن السبيل، والضيف، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويُطعم غير متمول"
(1)
.
5 - بطلان وقف من أراد مضارة لوارثه:
قال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6]، وقال تعالى:{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282]، وقال تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12].
ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضَررَ ولا ضرَارَ، وللرجلِ أن يجعل خَشَبه على حائط جاره"، وهو حديث صحيح لغيره
(2)
.
6 - بيان حكم المال الموقوف الذي يوضع في مكان لا يستفاد منه:
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية (أو قال: بكفر) لأنفقتُ كنزَ الكعبة فِي سبيل الله، ولجعلتُ بابها بالأرض، ولأدخلتُ فيها من الحجر"
(3)
.
فهذا يدل على جواز إنفاق مال الكعبة، إذا زال المانع وهو حداثة عهد الناس بالكفر، وقد زال ذلك.
وإذا كان هذا هو الحكم في الأموال التي في الكعبة، فالأموال التي في غيرها من المساجد أولى بذلك بفحوى الخطاب.
7 - تحريم الوقف على القبور؛ لتزيينها أو زخرفتها:
عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ألَّا تدع تمثالًا إلا طمسْتَه، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويتَه"
(4)
.
اعلم أن الوقف على القبور مفسدة عظيمة ومنكر كبير، إلا أن يقف على القبر مثلًا؛ لإصلاح ما انهدم من عمارته، التي لا إشراف فيها ولا رفع ولا تزيين، فقد يكون لهذا وجه صحة، وإن كان الحي أولى من الميت.
وللإمام الشوكاني كتاب بعنوان "شرح الصدور في تحريم رفع القبور"، بتحقيقنا.
(1)
أخرجه البخاري (5/ 354 رقم 2737)، ومسلم (3/ 1255 رقم 15/ 1632)، وغيرهما.
(2)
أخرجه أحمد (1/ 313)، والطبراني في المعجم الكبير (11/ 302 رقم 11806).
(3)
أخرجه مسلم (2/ 969 رقم 400/ 1333).
(4)
أخرجه مسلم (2/ 666 رقم 93/ 969)، وغيره.
الباب الخامس عشر الهدايا
1 - يُشرع قبول الهدية ومكافأة فاعلها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقبلُ الهديةَ وَيُثِيبُ عليها"
(1)
.
2 - جواز تبادل الهدايا بين المسلم والكافر:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم"
(2)
.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: "أتتني أمي راغبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم آصلها؟، قال: "نعم"، قال ابن عيينة: فأنزل اللّه تعالى فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8]
(3)
.
3 - يحرم الرجوع في الهدية، إلا الوالد فيما يعطي ولده:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "العائدُ في هبَته، كالعائد في قيئه"
(4)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما وابن عباس رضي الله عنهما، رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بَلفظَ:"لا يَحلُّ للرجلِ أن يُعطي العطية فيرجع فيها، إلَّا الوالدُ فيما يعطي ولده"، وهو حديث صحيح
(5)
.
4 - تجب التسوية بالهدايا بين الأولاد:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: إن أباه أتى به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابن هذا غلامًا كان لي. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أَكُلُّ وَلَدك نَحَلتَه مثل هذا؟ " فقال: لا، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"فارجعْه"
(6)
.
5 - رد الهدية لغير مانع شرعي مكروه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تَهَادُوا تَحَابُّوا"، وهو حديث حسن
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري (5/ 210 رقم 2585)، وغيره.
(2)
أخرجه البخاري (5/ 230 رقم 2616)، ومسلم (4/ 1916 رقم 2469).
(3)
أخرجه البخاري (10/ 413 رقم 5978).
(4)
أخرجه البخاري (5/ 234 رقم 2621)، ومسلم (3/ 1241 رقم 7/ 1622).
(5)
أخرجه أحمد (2/ 78،27)، وأبو داود رقم (3539)، والترمذي رقم (2132)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (6/ 267)، وابن ماجه رقم (2377)، وغيرهم.
(6)
أخرجه البخاري (5/ 211 رقم 2586)، ومسلم (3/ 1241 رقم 9/ 1623).
(7)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (رقم: 594)، والبيهقي (6/ 169)، والدولابي في الكنى (1/ 150)، و (2/ 7)، وغيرهم.
وأما إذا كان ثَمَّ مانع شرعي من قبول الهدية لم يحل قبولها؛ وذلك كالهدايا لأهل الولايات توصلًا إلى أن يميلوا مع المهدي.
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (188): {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
وعن عبد الله بن عمرو قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأسد يقال له: ابن اللتبية، (قال عمرو وابن أبي عمر: على الصدقة).
فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا لي، أهدي لي، قال: فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال:"ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، أفلا قَعَدَ في بيت أبيه أو في بيت أمهِ، حتى ينظر أيُهْدَى إليه أم لا؟، والذي نفس محمد بيده لا ينال أحدَ منكَم منها شيئًا إلَّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر" ثم رفع يديه حتى رَأيْنَا عُفرتي إبطيه، ثم قال:"اللهمَّ هل بلغتُ"، مرتين
(2)
.
تيعر: معناه: تصيح. واليعار: صوت الشاة.
* * *
(1)
أخرجه الترمذي (3/ 623 رقم 1337)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 775 رقم 2313)، وأبو داود (4/ 9 رقم 3580)، وغيرهم.
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 6260 - البغا)، ومسلم (3/ 1463 رقم 1832).
الباب السادس عشر الهبة
1 - متى تكون الهبة بحكم الهدية:
تكون الهبة بحكم الهدية إن كانت بغير عوض؛ لكون الهدية هبة لغة وشرعًا، والفرق بينهما إنما هو اصطلاح جديد.
2 - متى تكون الهبة بيعًا:
تكون الهبة بيعًا إن كانت بعوض؛ لأن المعتبر في التبايع إنما هو التراضي والتعاون، وهما حاصلان في الهبة بعوض.
3 - بيان أن العُمْرى والرُّقْبى يوجبان الملك للمعمر والمرقب ولعقبه أبدًا:
العُمْرَى: بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر عند الأكثر. وهي مأخوذة من العمر وهو الحياة. سميت بذلك؛ لأنهم - كانوا في الجاهلية يعطي الرجلُ الرجلَ الدارَ ويقول له: أعمرتك إياها، أي أبحتها لك مدة عمرك وحياتك، فقيل لها: عُمْرى لذلك. الرُّقبَى: المراقبة: أن يعطي إنسان دارًا، أو أرضًا، فإن مات أحدهما، كانت للحي، فكلاهما يترقب وفاة صاحبه، ولهذا سميت.
وعن جابر رضي الله عنه قال: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالعُمْرَى أنها لمن وهبت له"
(1)
.
وعن جابر قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أَمْسكُوا عليكم أموالَكم، ولا تفسدُوها، فإنه من أَعْمَر عُمْرَى فهي للذي أعمرها، حيًّا وميتًا وَلعقبه"
(2)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا عُمْرَى ولا رُقْبَى، فمن أعْمرَ شيئًا أو أرقبه فهو له حياته ومماته"، وهو حديث صحيح
(3)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (5/ 238 رقم 2625)، ومسلم (3/ 1246 رقم 25/ 1625).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1246 رقم 26/ 1625).
(3)
أخرجه النسائي (6/ 273 رقم 3732)، وابن ماجه (2/ 796) رقم (2382).
الباب السابع عشر الوكالة
1 - تعريف الوكالة:
الوكالة - بفتح الواو، وقد تكسر - التفويض والحفظ، تقول: وكلت فلانًا إذا استحفظته، ووكلت الأمر إليه، إذا فوضته إليه.
وهي في الشرع: إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقًا أو مقيدًا.
2 - مشروعية الوكالة:
وهي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة:
قال تعالى:
وكتوكيله صلى الله عليه وسلم في استيفاء الحد، كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وزيد بن خالد الجهني وفيه:"واغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفَتْ فارجُمْها"، قال: فغدا عليها، فاعترفت، فأمر بهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فرجمت
(1)
.
وكتوكيله في حفظ زكاة رمضان كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وكلني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان"
(2)
.
وأجمع المسلمون على جوازها، بل على استحبابها، لأنها نوع من التعاون على البر والتقوى؛ إذ ليس كل إنسان قادرًا على مباشرة أموره بنفسه، فيحتاج إلى توكيل غيره ليقوم بها نيابة عنه.
3 - بيان حكم بيع الوكيل بزيادة على ما أذن به الموكل:
عن عروة البارقي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهُ دينارًا يشتري له به شاة، فاشترى له به
(1)
أخرجه البخاري (5/ 301 رقم 2695 و 2696)، ومسلم (3/ 1324 رقم 25/ 1697/ 1698)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (4/ 487 رقم 2311).
شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه"
(1)
.
4 - حكم مخالفة الوكيل للموكل إلى ما هو أنفع:
عن معن بن يزيد قال: بايعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي، وخطب عَليَّ فأنكحني وخاصمت إليه، وكان أبي - يزيدُ - أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: واللّه ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال:"لكَ ما نويْتَ يا يزيدُ، ولك ما أخذْتَ يا مَعْنُ"
(2)
.
ولعل هذه الصدقة صدقة تطوع لا صدقة فرض، فقد وقع الإجماع على أنها لا تجزئ في الولد.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (6/ 632 رقم 3642)، وغيره.
(2)
أخرجه البخاري (3/ 291 رقم 1422).
الباب الثامن عشر الضمانة (الكفالة)
ماذا يجب على من ضمن على حي أو ميت
؟.
يجب على من ضمن على حي أو ميت تسليم مالٍ أن يغرمه عند الطلب:
عن أبى أمامة قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللّه عز وجل قد أعطى كل ذي حقّ حقُّه، فلا وصيةَ لوارث، ولا تنفقُ المرأةُ شيئًا من بيتها إلا بإذن زوجها"، فقيل يا رسول اللّه ولا الطعام؟ قال:"ذاك أفضلُ أموالِنا" ثم قال: "العاريةُ مؤداةٌ، والمنحةُ مردودة، والدينُ مَقْضِيٌّ، والزعيمُ غارِمٌ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
الزعيم: الكفيل.
غارم: ضامن.
ويرجع على المضمون عنه إن كان مأمورًا من جهته؛ لكون الدين عليه والأمر منه للضمين بالضمانة كالأمر له بالتسليم، فيرجع عليه لذلك.
ومن ضمن بإحضار شخص وجب عليه إحضاره وإلا غرِمَ ما عليه، لحديث أبي أمامة المتقدم.
* * *
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 824 رقم 3565)، والترمذي (4/ 433 رقم 2120) مطولًا، وأخرجه ابن ماجه (2/ 804 رقم 2405)، والترمذي (3/ 565 رقم 1265) مختصرًا.
الباب التاسع عشر الحوالة
1 - دليل مشروعية الحوالة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَطلُ الغنيِّ ظلمٌ، وإذا أُتْبِعَ أحدُكُم على مليءٍ فليتبع".
(1)
.
المطل: منع قضاء ما استحق أداؤه.
وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع: أي إذا أحيل بالدين الذي له على مليء فَلْيُحَل.
2 - هل تبرأ ذمة المحيل بالحوالة:
إذا مطل المحالُ عليه أو أفلس، كان للمحال أن يُطالب المحيل بدينه؛ لكون الدين باقيًا بذمة المحيل لا يسقط عنه إلا بتسليمه إلى المُحَال من المُحال عليه، فإذا لم يحصل التسليم كان دينه باقيًا كما كان قبل الحوالة.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (4/ 464 رقم 2287) ومسلم (3/ 1197 رقم 1564).
الباب العشرون المفلس
1 - بيان ما يجوز لأهل الدين أخذه من المدين:
يجوز لأهل الدين أن يأخذوا جميع ما يجدونه معه، إلا ما لا يُستغنى عنه، وهو المنزل وستر العورة وما يقيه من البرد، ويسد رمقه ومن يعول.
عن أبي سعيد الخدري قال: أصيب رجل في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"تصدقوا عليه"، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لغرمائه:"خُذُوا ما وجدتُم، وليس لكم إلا ذلك"
(1)
.
2 - ما حكم من أدرك ماله عند المدين المفلس:
من وجد ماله عند المدين المفلس فهو أحق به:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: - أو سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول -: "من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس - أو إنسان قد أفلس - فهو أحق به من غيره"
(2)
.
3 - متى يكون صاحب المتاع أسوة كالغرماء:
إذا نقص مال المفلس عن الوفاء بجميع دينه، كان الموجودُ أسوة الغرماء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإن كان قضاه من ثمنها شيئًا فما بقي هو أسوة الغرماء، وأيما امرئ هلك وعنده متاع امرئ بعينه اقتضى منه شيئًا أو لم يقتض، فهو أسوة الغرماء"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - هل يجوز حبس من تبين إفلاسه:
إذا تبين إفلاسه فلا يجوِز حبسُهُ؛ لأنه خلاف حكم اللّه سبحانه، قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1191 رقم 18/ 1556)، وغيره.
(2)
أخرجه البخاري (5/ 62 رقم 2402)، ومسلم (3/ 1193 رقم 22/ 1559).
(3)
أخرجه أبو داود (3/ 792 رقم 3522)، وغيره.
5 - ليُّ الواجِد ظلمٌ يحل عرضَهُ وعقوبتُه:
عن عمرو بن الشريد عن أبيه، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"ليُّ الواجِدِ يُحِلُّ عرضه وعقوبته"، وهو حديث حسن
(1)
.
اللي: المطل، يقال: لواه حقه ليًّا وليانًا أي مطله.
الواجد: الغني.
يحل عرضه: أي يغلظ له وينسبه إلى سوء القضاء، ويقول له: إنك ظالم ومتعدٍّ.
وعقوبته: أي يحبس حتى يؤدي الحق.
6 - متى يجوز الحجر على المفلس:
يجوز للحاكم أن يحجرَهُ عن التصرف في مالِهِ ويبيعه لقضاء دينه.
واعلم أن الحجر كان عند الصحابة أمرًا معروفًا ثابتًا في الشريعة.
عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: "ابتاع عبد اللّه بن جعفر بيعًا، فقال علي رضي الله عنه: لآتين عثمان فلأحجرنَّ عليك، فأعلم ذلك ابنُ جعفر الزبيرَ، فقال: أنا شريكك في بيعتك، فأتى علي رضي الله عنه عثمان فقال: احجر على هذا؟، فقال الزبير: أنا شريكه، فقال عثمان صلى الله عليه وسلم: أحجر على رجل شريكه الزبير؟! "، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - متى يجوز الحجر على المبذر:
يجوز الحجر على المبذر ومن لا يحسن التصرف؛ لقوله تعالى في سورة النساء الآية (5): {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} .
وقال الزمخشري
(3)
: "السفهاء: المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي، ولا يد لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها، والخطاب للأولياء وأضاف الأموال إليهم؛ لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم .. " اهـ.
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 45 رقم 3628)، والنسائي (7/ 316)، وابن ماجه (2/ 811 رقم 2427)، والبخاري تعليقًا (5/ 62)، وغيرهم.
(2)
أخرجه الشافعي في المسند (2/ 160 رقم 556)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 61).
(3)
الكشاف (1/ 246).
8 - متى يمكّن اليتيم من ماله:
يُمكن اليتيم من التصرف في ماله حين يُؤنسُ منه الرشدُ.
لقوله تعالى في سورة النساء الآية (6): {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} .
9 - يجوز لولي اليتيم أن يأكل من مالهِ بالمعروف:
عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]: "إنها نزلت في مال اليتيم، إذا كان فقيرًا أنه يأكل منه مكانَ قيامه عليه بمعروف"
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (8/ 241 رقم 4575)، ومسلم (4/ 2315 رقم 10/ 3019).
الباب الحادى والعشرون اللُّقَطَة
1 - ما يفعل من وجد لُقَطَة:
من وجد لقطة فليعرف عفاصَها ووكاءَها، فإن جاء صَاحبُها دفعها إليه وإلَّا عَرفَ بها حولًا: عن يزيد مولى المنبعث، أنه سمع زيد بن خالد الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سُئِلَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عن اللُّقَطَة، الذهب أو الورق؟ فقال:"اعْرِف وكاءَها وعفاصَها، ثم عَرِّفْها سنةً، فإن لم تُعْرف فاستنْفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدَهِّا إليه"، وسأله عن ضالة الَإبل؟ فقال:"مالَكَ ولَها؟ دَعْهَا، فإن معها حذاءَها وسقاءَها، تَردُ الماء وتأكلُ الشجرَ، حتى يجدَها ربّهُا"، وسأله عن الشاة؟ فقال:"خُذْها فإنما هي لك أوَ لأخيك أو للذئب"
(1)
.
العفاص: هو الوعاء الذي يكون فيه من جلد أو خرقة أو غير ذلك من العفص وهو الثني والعطف، وبه سمي الجلد الذي يكون على رأس القارورة.
الوكاء: هو الخيط الذي يشد به الوعاء.
2 - يجوز للملتقط صرف اللقطة في نفسه، ويضمن إذا جاء صاحبها بعدما عرَّف بها حولًا:
عن سويد بن غفلة قال: لقيت أُبيَّ بن كعب رضي الله عنه فقال: "أصبت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عَرِّفْها حولًا"، فعرفتها حولًا، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته فقال: عرفها حولًا، فعرفتها فلم أجد، ثم أتيته ثلاثًا فقال: "احفظ وعاءَها وعددَها ووكاءَها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها"، فاستمتعْتُ، فلقيتُهُ بعد بمكة فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولًا واحدًا"
(2)
.
قال ابن حجر
(3)
: "والذي يظهر أن سلمة - أحد رواة الحديث - أخطأ فيها - أي في
(1)
أخرجه البخاري (5/ 83 رقم 2428)، ومسلم (3/ 1349) رقم (5/ 1722)،
(2)
أخرجه البخاري (5/ 78 رقم 2426).
(3)
الفتح (5/ 79 - 80).
التعريف باللقطة ثلاثة أحوال - ثم استذكر واستمر على عام واحد، ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه راويه" اهـ.
3 - المبالغة في تعريف لُقطة مكة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح اللّه على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة، قام في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:"إن اللّه حبس عن مكة الفيل، وسلطَ عليها رسولَه والمؤمنين، فإنها لا تَحلُّ لأحد كان قبلي، وإنها أُحلَّت لي ساعةً من نهار، وإنها لن تَحلَّ لأحدٍ من بعدي، فَلا يُنفرُ صيدها ولا يُخْتَلى شوكُهَا، ولا تَحِلُّ ساقطتُها إلا لمنشدٍ .. "
(1)
.
ساقتطها: معنى الساقطة ما سقط فيها بغفلة مالكه.
إلا لمنشد: المنشد هو المعرف.
4 - يجوز للملتقط أن ينتفع بالشيء الحقير من اللقطة:
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرةً فقال: "لولا أن تكون من الصدقة لأَكَلتها"
(2)
.
5 - تلتقط ضالَّةُ الدَّوَابِّ إلَّا الإبلَ:
لحديث زيد بن خالد الجُهني الصحيح المتقدم في هذا الباب.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (5/ 87 رقم 2434)، ومسلم (2/ 988 رقم 447/ 1355).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 86 رقم 2431)، ومسلم (2/ 752 رقم 164/ 1071).
الباب الثاني والعشرون الصلح
1 - الدليل على مشروعية الصلح:
قوله تعالى في سورة النساء الآية (114): {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} .
2 - متى لا يجوز الصلح
؟.
لا يجوز الصلح بين المسلمين إذا أحل حرامًا أو حرَّمَ حلالًا: عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا حرَّمَ حلالًا أو أحلَّ حرامًا، والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا"، وهو حديث صحيح بطرقه
(1)
.
3 - دليل جواز الصلح عن المعلوم والمجهول بمعلوم وبمجهول:
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعضٍ، فأقضي له على نحو مما أسمعُ منه، فمن قطعتُ لَهُ من حقِّ أخيه شيئًا، فلا يأخذهُ، فإنما أقَطعُ لَهُ به قطعةً من النارِ"
(2)
.
ألحن: أراد أن بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره.
والشاهد في الحديث: جواز الصلح والإبراء من المجهول.
وعن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما: "أنَّ أباهُ قُتِلَ يومَ أحدٍ شهيدًا وعليه دينٌ، فاشتد الغرماء في حقوقهم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحلِّلُوا أبي فأبوا، فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وسلم حائِطي، وقال: "سنغدو عليك" فغدا علينا حين أصبح، فطاف في النخل، ودعا في ثمرها بالبركة، فجددتُها فقضيتهم، وبقي لنا من تمرها"
(3)
.
(1)
أخرجه الترمذي (3/ 643 رقم 1352)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 788 رقم 2353)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (12/ 339 رقم 6967)، ومسلم (3/ 1337 رقم 4/ 1713).
(3)
أخرجه البخاري رقم (2265 - البغا).
حائطي: بستان نخيلي.
يحلِّلُوا: أي يجعلونه في حِلٍّ ويبرئونه من دينهم.
سنغدو: من الغدو وهو الذهاب أول النهار.
فطاف: دار.
فجددتها: من الجداد وهو قطع ثمرها.
والشاهد في الحديث: جواز الصلح عن معلوم بمجهول.
4 - دليل جواز الصلح في حد القتل:
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"من قتل مؤمنًا متعمدًا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفةً، وما صالحوا عليه فهو لهم وذلك لتشديد العقل"، وهو حديث حسن
(1)
.
حقة: هي من الإبل ما دخلت الرابعة.
جذعة: هي من الإبل ما دخلت الخامسة.
الخلفة: هي الحامل من النوق.
5 - دليل جواز الصلح عن إنكار وسكوت:
عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أنه تقاضى ابن أبي حدردٍ دينًا كان لَهُ عليه، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتُهما حتى سمعها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو في بيته، فخرج إليهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتى كشفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ ونادى كعب بن مالك، فقال:"يا كعب"، فقال: لبيك يا رسول اللّه، فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دينك، قال كعب: قد فعلت يا رسول اللّه، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"قُمْ فاقضه"
(2)
.
سجف حجرته: أي سترها.
(1)
أخرجه الترمذي (4/ 11 رقم 1387)، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه (2/ 877 رقم 2626)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (1/ 551 رقم 457)، ومسلم (3/ 1192 رقم 1558).
والشاهد في الحديث:
وقوع التنازع بين الرجلين، فإن كان التنازع بينهما في المقدار فهو صلح عن إنكار، وقد جوزه الشارع، وإن كان التنازع بينهما في التعجيل والتأجيل فهو أيضًا صلح عن إنكار؛ لأن منكر الأجل قد صولح على أن يتعجل البعض من دَينه، ويسقط الباقي إلى مقابل دعوى صاحبه للأجل.
* * *
الكتاب الثامن كتاب الأيمان
1 - تعريف الأيمان:
الأيمان - بفتح الهمزة - جمع يمين، وأصل اليمين في اللغة: اليد، وأطلقت على الحلف؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كلٌّ بيمين صاحبه.
وهي في الشرع: توكيد الشيء بذكر اسم أو صفةٍ لله.
2 - بم تنعقد اليمين:
تنعقد اليمين بالحلف باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، ومقلب القلوب"
(1)
.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعثَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم بعثًا وأمرَّ عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمرته، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال:"إن كنتم تطعنون في إِمْرته؛ فقد كنتم تطعنون في إمْرة أبيه من قبل، وأيمُ اللّه، إن كان لخليقًا للإمارة .. "
(2)
.
3 - الحلف بغير اللّه تعالى وصفاته حرام:
أي بغير اسم اللّه تعالى وصفاته.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلفُ بأبيه فناداهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف باللّه، وإلا فليصمُتْ"
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف، فقال في حلفِهِ باللاتِ والعُزّى، فليقل: لا إله إلَّا الله .. "، وهو حديث صحيح
(4)
.
4 - من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال:
عن ثابت بن الضحاك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من حلف بملة سوى الإسلام كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (11/ 523 رقم 6628).
(2)
أخرجه البخاري (11/ 521 رقم 6627)، ومسلم (4/ 1884 رقم 2426).
(3)
أخرجه البخاري (10/ 516 رقم 6108)، ومسلم (3/ 1267 رقم 3/ 1646).
(4)
أخرجه البخاري رقم (6650)، ومسلم رقم (5/ 1647).
(5)
أخرجه البخاري رقم (1363)، ومسلم رقم (110).
5 - لا حنث على من حلف واستثنى:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من حَلَف على يمين فقال: إن شاء
الله، لم يَحْنَثْ"
(1)
، وهو حديث صحيح.
6 - يكفر عن يمينه من حلف على شيء فرأى غيره خيرًا منه:
عن عبد الرحمن بن سَمُرَة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتَها عن مسألةٍ وُكلْتَ إليها، وإن أوتِيتَها من غير مسألة أُعِنْتَ عليها، وإذا حلفتَ على يمين فرأيتَ غيرها خيرًا منها، فكَفِّرْ عن يمينك، وائْت الذي هو خير"
(2)
.
7 - لا يأثم بالحنث من أكره على اليمين:
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأَ والنسيانَ، وما اسْتُكْرِهُوا عليه"، وهو حديث صحيح
(3)
.
8 - من علم كذب يمينه فهي غموس:
عن عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه ما الكبائر؟ قال: "الإشراك باللّه"، قال: ثم ماذا؟ قال: "ثم عقوق الوالدين" قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس" قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: "الذي يقتطع مال امرئٍ مسلم هو فيها كاذب"
(4)
.
9 - لا مؤاخذة بيمين اللغو:
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (225): {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} .
(1)
أخرجه الترمذي (4/ 108 رقم 1532). وابن ماجه (1/ 680 رقم 2104)، والنسائي (7/ 30 رقم 3855)، وغيرهم.
(2)
أخرجه البخاري (11/ 516 رقم 6622)، ومسلم (3/ 1273 رقم 19/ 1652).
(3)
أخرجه ابن ماجه (1/ 659 رقم 2045)، والطبراني في المعجم الكبير (11/ 133 رقم 11274)، والحاكم (2/ 198)، والبيهقي (7/ 356)، والدارقطني (4/ 170 رقم 33)، وغيرهم.
(4)
أخرجه البخاري (12/ 264 رقم 6920).
عن عائشة رضي الله عنهما قالت: "أنزلت هذه الآية {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 225] في قول الرجل: لا واللّه، وبلى واللّه"
(1)
.
10 - من حق المسلم على المسلم إبرار قسمه:
عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتيم، أو عن تختم بالذهب، وعن شُرب بالفضة، وعن المياثر، وعن القسي، وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج"
(2)
.
إجابة الداعي: المراد به الداعي إلى وليمة ونحوها من الطعام.
المياثر: قال العلماء: هو جمع مِيثَرة، بكسر الميم، وهو وطاء كانت النساء يضعنه لأزواجهن على السروج، وكان من مراكب العجم، ويكون من الحرير، ويكون من الصوف وغيره.
القسي: هي ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس، وهو موضع من بلاد مصر، وهو قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس.
الإستبرق: هو غليظ الديباج.
الديباج: وهي الثياب المتخذة من الإبريسم.
11 - بيان كفارة اليمين:
من حنث في يمينه، فكفارته إحدى هذه الخصال:
1 -
إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم.
2 -
أو كسوتهم
3 -
أو تحرير رقبة.
فمن عجز عن هذه الخصال، فكفارته صيام ثلاثة أيام، ولا يجوز التكفير بالصوم مع القدرة على إحدى الخصال الثلاث السابقة.
(1)
أخرجه البخاري (8/ 275 رقم 4613).
(2)
أخرجه البخاري (10/ 315 رقم 5863). ومسلم (3/ 1635 رقم 3/ 2066). وغيرهما.
12 - حكم الحلف بالحرام:
ومن قال: طعامي علي حرام، أو دخول دار فلان عليّ حرام، ونحو ذلك، لم يحرم، وعليه إن فعل كفارة يمين:
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1، 2].
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلًا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها، فواطأت أنا وحفصة، على أيَّتِنَا دخل عليها فلتقل له: أَكَلْتَ مغافير؟ إني أجد منك ريح مغافير، قال:"لا، ولكني كنت أشرب عسلًا عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (4912).
الكتاب التاسع كتاب النذور
كتاب النذور
1 - تعريف النذر:
النذور: جمع نذر، وأصله الإنذار بمعنى التخويف.
وعرفه الراغب: بأنه إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر.
2 - مشروعية النذر:
قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270]، وقال تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، وقد مدح اللّه الموفين بالنذر فقال:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 6، 7]، ولحديث عائشة الآتي.
3 - متى يصح النذر:
يصح النذر إذا ابتغي به وجه اللّه تعالى، فلابد أن يكون قُربةً، ولا نذرَ في معصية الله: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نَذَرَ أن يُطيعَ الله فليُطِعْه، ومن نذر أن يَعْصِيَه فلا يَعْصِه"
(1)
.
4 - النهي عن النذر المعلق:
عن عبد الله بن عمر قال: "نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر، وقال: إنه لا يرد شيئًا، ولكنه يستخرج به من البخيل"
(2)
، وعن سعيد بن الحارث أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أولم ينهوا عن النذر؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن النذرَ لا يُقَدِّمُ شيئًا ولا يُؤَخِّرُ، وإنما يستخرج بالنذر من البخيل"
(3)
.
5 - من أنواع نذر المعصية:
أ - عدم التسوية بين الأولاد في العطاء.
ب - المفاضلة بين الورثة خلافًا للشرع.
جـ - النذر على القبور.
د - النذر على المساجد لتزخرف.
لكون ذلك ليس من النذر في الطاعة، ولا من النذر الذي يبتغى به وجه الله ومصطدمًا مع الأدلة.
6 - لا يجب النذر في فعلٍ لم يشرعه الله:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه،
(1)
أخرجه البخاري (11/ 581 رقم 6696)، وغيره.
(2)
أخرجه البخاري رقم (6693)، ومسلم رقم (1639).
(3)
أخرجه البخاري (6692)، ومسلم رقم (1639).
فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مُرْهُ فليتكلمْ وليَستَظِلْ، وليقعد، وليتم صومه"
(1)
.
7 -
لا يجب النذر على الإنسان فيما لا يطيقه: عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخًا يهادى بين ابنيه قال: "ما بالُ هذا؟ " قالوا: نذر أن يمشي، قال:"إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني"، وأمره أن يركب
(2)
.
8 -
تجب كفارة اليمين على من نذر في معصية أو نذر فيما لا يطيقه: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"كفارةُ النذرِ كفارةُ اليمين"
(3)
، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا نذرَ في معصية، وكفارته كفارةُ يمين"، وهو حديث صحيح بطرقه
(4)
.
9 - إذا نذر المشرك بطاعة ثم أسلم لزمه الوفاء:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنتُ نذرتُ في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: "أَوْف بنذْرِك"
(5)
.
10 - ماذا على من نذر كل ماله
؟.
عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال في حديثه: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) فقال في آخر حديثه: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى اللّه ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أَمْسِك عليكَ بعضَ مالِكَ؛ فهو خيرٌ لك"
(6)
.
11 - وفاء الولد بنذر أبيه بعد موته يجزئ:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم، في نذر كان على أمه، توفيت قبل أن تقضيه، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"فاقضه عنها"
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري (11/ 586 رقم 6704)، وغيره.
(2)
أخرجه البخاري (4/ 78 رقم 1865)، ومسلم (3/ 1263 رقم 9/ 1642)، وغيرهما.
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1265 رقم 13/ 1645).
(4)
أخرجه أبو داود (3/ 594 رقم 3290)، والترمذي (4/ 103 رقم 1524)، والنسائي (7/ 26 رقم 3834)، وابن ماجه (1/ 686 رقم 2125)، وغيرهم.
(5)
أخرجه البخاري (4/ 274 رقم 2032)، ومسلم (3/ 1277 رقم 1656)، وغيرهما.
(6)
أخرجه البخاري (11/ 572 رقم 6690)، ومسلم (4/ 2120 رقم 2769).
(7)
أخرجه البخاري (11/ 583 رقم 6698)، ومسلم (3/ 1260 رقم 1638).
الكتاب العاشر كتاب الأطعمة
• ويتضمن ثمانية أبواب:
الباب الأول: المحرمات من الأطعمة.
الباب الثاني: الصيد.
الباب الثالث: الذبح.
الباب الرابع: الأشربة.
الباب الخامس: الضيافة.
الباب السادس: آداب الأكل.
الباب السابع: الأضحية.
الباب الثامن: العقيقة.
الباب الأول المحرمات من الأطعمة
1 - الأصل في الأشياء الحِل، والحرام ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
-:
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168].
قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 31 - 32]، ولا يحرم من الأطعمة إلا ما حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحريم ما لم يحرمه الله افتراء على الله: وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [يونس:59 - 60]، وقال تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116 - 117].
عن أبى الدرداء رضي الله عنه (رفع الحديث) قال: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية؛ فإن النه لم يكن نسيًّا"، ثم تلا هذه الآية:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، وهو حديث حسن
(1)
.
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناسُ قد فرض الله عليكم الحج فحُجُّوا"، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو قلتُ نَعم، لوجَبَتْ ولمَا استطعتم" ثم قال: "ذَرُونِي ما تركُتكُم؛ فإنما هلَكَ من كانَ قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمَرتُكُم بشيء فأْتُوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فدعوه"
(2)
.
2 - المحرمات من الأطعمة في كتاب الله:
قال تعالى في سورة الأنعام الآية (119): {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} .
(1)
أخرجه الحاكم في المدرك (2/ 375)، وصحح إسناده، ووافقه الذهبي.
(2)
أخرجه البخاري (رقم 6858 - البغا)، ومسلم (2/ 975 رقم 1337).
وما أهل لغير الله به: أي ذكر اسم غير الله عند ذبحه.
والموقوذة: هي المقتولة بالعصا.
والمتردية هي التي تسقط من مكان عالٍ، فتموت.
والنطيحة: هي التي تنطحها أخرى، فتموت.
وما أكل السبع: أي ما بقي مما أكل السبع.
إلا ما ذكيتم: أي ما أدركتم من هذه الأشياء، وفيه حياة مستقرة فذبحتموه.
وما ذبح على النصب: أي ما ذبح للطاغوت.
وأن تستقسموا بالأزلام: وتسمى القداح: وهي: سهام كانت لدى العرب في الجاهلية مكتوب على أحدها: (أمرني ربي)، وعلى الثاني:(نهاني ربي)، والثالث:(غُفل من الكتابة)، فإذا أرادوا سفرًا أو زواجًا أو نحو ذلك أتوا بيت الأصنام - وفيه الأزلام - فاستقسموها، أي طلبوا علم ما قُسِم لهم من السفر والغزو ونحوه، فإن خرج السهم الآمر أقدموا على الأمر، وإن خرج السهم الناهي أحجموا وأمسكوا عنه، وإن خرج الغُفْل أجالوها مرة أو مرات أخرى، حتى يخرج الآمر أو الناهي.
وقوله تعالى في سورة الأنعام الآية (121): {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} ، وقوله تعالى في سورة الأنعام (145):{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، وقوله تعالى في سورة المائدة الآية (96):{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]، وقوله تعالى في سورة الأعراف الآية (157):{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} .
3 - المحرمات من الأطعمة في السنة النبوية:
أ - كل ذي ناب من السباع:
عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ ذي نابٍ من السباع، فأكْلُه حرامٌ"
(1)
.
ب - كل ذي مخلب من الطير:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، وعن كُل ذي مخلب من الطير"
(2)
.
ج - الحمر الإنسية (الأهلية):
عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُلْقي لحوم الحُمُر الأهلية؛ نيئة ونضيجة، ثم لم يأمرنا بأكله"
(3)
.
د - الجلالة قبل الاستحالة:
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها"، وهو حديث صحيح
(4)
.
الجلالة: هي التي تأكل العذرة من الحيوان، وأصل الجلة البعر، فاستعير لغيره.
(هـ) الكلب:
لا خلاف في ذلك يعتد به، وهو من السباع، يأكل الجيف، وقد نهى عن أكل ثمنه، كما في حديث أبى مسعود الأنصاري رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي، وحلوان الكاهن"
(5)
.
مهر البغي: هو ما تأخذه الزانية على الزنا، وسماه مهرًا؛ لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسلمين.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1534، رقم 15/ 1933)، وغيره.
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1534 رقم 16/ 1934).
(3)
أخرجه البخاري (7/ 482 رقم 4226)، ومسلم (3/ 1539 رقم 31/ 1938)، وغيرهما.
(4)
أخرجه أبو داود (4/ 148 رقم 3785)، وابن ماجه (2/ 1064 رقم 3189)، والترمذي (4/ 270 رقم 1824)، وقال: حديث حسن غريب.
(5)
أخرجه البخاري (4/ 426 رقم 2237)، ومسلم (3/ 1198 رقم 39/ 1567).
حلوان الكاهن: هو ما يعطاه على كهانته.
وكذلك أن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه، والدليل على ذلك الحديث الآتي: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا عند الركن، قال: فرفع بصره إلى السماء فضحك، فقال: "لعن الله اليهود" ثلاثًا، "إن الله حَرَّم عليهم الشحومَ فباعوها، وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه"، وهو حديث صحيح
(1)
.
و - الهِرُّ:
لأنه من السباع ويأكل الجيف، وقد نهى عن أكل ثمنه كما في حديث جابر الصحيح.
عن أبى الزبير رضي الله عنه قال: سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسِّنَّوْر؟ قال: زجرَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهو حديث صحيح
(2)
.
وتقدم أن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه كما في حديث ابن عباس الصحيح المتقدم آنفًا.
4 - ما عدا ما تقدم من المحرمات:
ما لم يرد فيه نص تحريم ولا تحليل، ولا أمر بقتله، ولا نهي عن قتله، فالمرجع فيه إلى العرب من سكان البلاد والقرى دون أجلاف البوادي، واعتبر عرف العرب في هذا، لأنهم الذين خوطبوا بالشرع أولًا، وفيهم بعث النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن.
وما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله فلا يكون حلالًا:
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خمسٌ فواسقُ يُقْتلن في الحرم: الفأرة والعقرب، والحُديا، والغُرَاب، والكلب العقور"
(3)
.
من حديث سائبة مولاة للفاكه بن المغيرة، قالت:"دخلتُ على عائشة، فرأيت في بيتهما رمحًا موضوعًا، قلت: يا أم المؤمنين ما تصنعون بهذا الرمح؟ قالت: هذا لهذه الأوزاغ نقتلهنَّ به؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثنا أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حين ألقي في النار لم تكن في الأرض دابة إلا تطفئ النار عنه، غير الوزغ كان ينفخ عليه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 758 رقم 3488).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1199 رقم 1569).
(3)
أخرجه البخاري (6/ 355 رقم 3314)، ومسلم (2/ 856 رقم 67/ 1198)، وغيرهما.
(4)
أخرجه أحمد (6/ 83)، والنسائي (5/ 189)، وغيرهما.
وكذلك ما نهى صلى الله عليه وسلم عن قتله فلا يكون حلالًا:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحل، والهدهد، والصرد"، وهو حديث صحيح
(1)
.
والصرد: طائر فوق العصفور، وقال الأزهري: يصيد العصافير، وقيل: الصُّرَدُ: طائر أبقع ضخم الرأس يكون في الشجر، نصفه أبيض ونصفه أسود، ضخم المنقار.
5 - إباحة ما حرم عند الاضطرار:
قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173].
وقال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3].
(1)
أخرجه أحمد، وأبو داود (5/ 418 رقم 5267)، وابن ماجه (2/ 1074 رقم 3224)، وغيرهما.
الباب الثاني الصيد
1 - ما يجوز الاصطياد به:
ما صيد بالسلاح الجارِح والجوارح كان حلالًا إذا ذُكِرَ اسمُ الله عليه:
عن أبى ثعلبة الخُشني قال: قلتُ: يا نبي الله إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد، أصيدُ بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم، وبكلبي المعلم، فما يصلح لى؟ قال:"أما ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكُلْ، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكُلْ"
(1)
.
2 - يشترط للصيد بالمعراض أن يخرق:
عن عدي بن حازم رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض، فقال:"إذا أصاب بحده فكُلْ، وإذا أصاب بعوضه، فقتل، فلا تأكل، فإنه وقيذ"، قلت: يا رسول الله أرسل كلبي وأسمِّي، فأجد معه على الصيد كلبًا آخر لم أسمِّ عليه، ولا أدري أيهما أخذ، قال:"لا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تُسَمِّ على الآخَر"
(2)
.
3 - إذا شارك الكلبُ المعلم كلبٌ آخر لم يحل صيدُهما؛ لحديث عدي بن حاتم المتقدم آنفًا واللاحق أيضًا
.
4 - إذا أكل الكلب المعلم من الصيد لم يحل فإنما أمسك على نفسه:
عن عدي بن حاتم قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إنا قومٌ نصيدُ بهذه الكلاب، قال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك، وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب؛ فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل"
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (9/ 604 رقم 5478)، ومسلم (3/ 1532) رقم (8/ 1930)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (4/ 292 رقم 2054)، ومسلم (3/ 1529 رقم 3/ 1929).
(3)
أخرجه البخاري (9/ 609 رقم 5483)، ومسلم (3/ 1529 رقم 2/ 1929).
5 - حكم الصيد إذا وجد بعد أيام:
إذا وجد الصيد بعد وقوع الرمية فيه ميتًا، ولو بعد أيام في غير ماء، كان حلالًا ما لم ينتن، أو يعلم أن الذي قتله غيرُ سهمه.
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلت كلبك وسميت فأمسك وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل؛ فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلابًا لم يُذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل؛ فإنك لا تدري أيها قتل، وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثرُ سهمك فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل"
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (9/ 610 رقم 5484)، ومسلم (3/ 1531 رقم 6/ 1929).
الباب الثالث الذبح
1 - تعريف الذبح:
هو ما أنْهَرَ الدَّم وقطع الأوداج وهما عرقان بينهما الحلقوم.
2 - الأداة التي يصح بها الذبح:
عن رافع بن خديج قلت: يا رسول الله، إنا لاقو العدو غدًا وليست معنا مُدًى، قال صلى الله عليه وسلم:"أَعْجِلْ أو أَرْنِي، ما أنهر الدَّمَ، وذُكرَ اسم الله فكل، ليس السِّن والظُّفُرَ، وسأحدِّثكَ، أما السنُّ فعظم، وأما الظفر فمدي الحبشة" قال: وأصبنا نهب إبل وغنم، فندَّ منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن لهذه الإبل أَوابِدَ كأوابِدِ الوحشِ، فإذا غلبكُم منها شيء فاصنعُوا به هكذا"
(1)
.
مدي: مفردها: مدية: الشفرة.
أرني: أي أدم الحز ولا تفتر، من قولك رنوت النظر إلى الشيء، إذأ أدمته، أو يكون أراد: أدم النظر إليه وراعه ببصرك؛ لئلا تزل عن المذبح، وتكون الكلمة ارن بوزن ارم.
فند منها بعير: أي شرد وهرب نافرًا.
أوابد: جمع آبدة، وهي النفرة والفرار والشرود، يقال منه: أبدت تأبدُ وتأبدت، ومعناه نفرت من الإنس وتوحشت.
3 - تعذيب الذبيحة حرام:
عن شداد بن أوس، قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله علي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتبَ الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فَأَحْسِنُوا القتْلَة، وإذا ذَبَحْتُم فَأَحْسنُوا الذَّبْحَ، وليُحِدَّ أحدُكُم شَفْرَته، فليُرحْ ذبيحَتَه"
(2)
.
القِتلة: بكسر القاف، وهي الهيئة والحالة.
وليحد: يقال: أحد السكين وحددها واستحدها، بمعنى شحذها.
(1)
أخرجه البخاري (9/ 672 رقم 5543)، ومسلم (3/ 1558 رقم 20/ 1968).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1548 رقم 57/ 1955)، وغيره.
فليرح ذبيحته: بإحداد السكين وتعجيل إمرارها، وغير ذلك، ويستحب ألَّا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وألَّا يذبح واحدة بحضرة أخرى، ولا يجرها إلى مذبحها.
4 - يحرم الذبح لغير الله:
عن أبى الطُّفَيْل رضي الله عنه قال: سئل علي رضي الله عنه: أَخَصَّكُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصَّنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ لم يعم به الناس كافةً، إلا ما كان في قِرَابِ سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: "لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى مُحْدِثًا"
(1)
.
قراب سيفي: هو وعاء من جلد، ألطف من الجراب، يدخل فيه السيف بغمده وما خف من الآلة.
5 - إذا تعذر الذبح بوجه جاز الطعن والرمي وكان ذلك كالذبح؛ لحديث رافع بن خديج الصحيح المتقدم في الفقرة (2) من هذا الباب
.
6 - ذكاة الجنين ذكاةُ أمِه:
عن أبى سعيد قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنين، فقال:"كُلُوه إن شئتم"، وقال مسدد: قلنا: يا رسول الله، ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة، فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ قال:"كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاةُ أمه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - ما قطع من الحيوان الحي فهو ميتة:
عن أبى واقد الليثي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما قُطِعَ من البهيمة وهي حية، فهي ميتةٌ"، وهو حديث حسن
(3)
.
8 - أحل السمك والجراد من الميتة والكبد والطحال من الدماء:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحلتْ لكم ميتتان، ودمان، فأما الميتتان: فالحوت والجراد، وأما الدمان: فالكبدُ والطحالُ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1567 رقم 45/ 1978).
(2)
أخرجه ابن ماجه (2/ 1067 رقم 3199)، وأبو داود (3/ 252 رقم 2827)، والترمذي (4/ 72 رقم 1476)، وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
أخرجه الترمذي (4/ 74 رقم 1480)، وقال حديث حسن غريب وأبو داود (3/ 277 رقم 2858)، وغيرهما.
(4)
أخرجه ابن ماجه (2/ 1102 رقم 3314)، والدارقطني (4/ 271 رقم 25)، وأحمد (2/ 97)، والبيهقي (9/ 257)، (1/ 254)، وغيرهم.
الباب الرابع الأشربة
1 - كل مسكر خمر وكل مسكر حرام:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ مُسكرٍ خمر، وكل مسكرٍ حرام"
(1)
.
2 - ما أسكر كثيره فقليله حرام:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مسكر حرامٌ، وما أَسْكَر منه الفَرْقُ، فملء الكَفِّ منه حرام"، وهو حديث صحيح
(2)
.
الفرق: بسكون الراء: مكيال يساوي في المدينة (3) صيعان أي يساوي (12.617) لترًا.
3 - يجوز الانتباذ في جميع الآنية:
عن بُريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنتُ نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاءٍ غير ألَّا تشربُوا مسكرًا"
(3)
.
4 - لا يجوز انتباذ جنسين مختلطين:
عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى أن يُنبذ الزبيبُ والتمرُ جميعًا، ونهى أن يُنبذَ البُسْرُ والرُّطَبُ جميعًا"
(4)
.
5 - يحرم تخليلُ الخمر:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الخمرِ تُتّخَذُ خَلًا؟ فقال: "لا"
(5)
.
6 - ويجوز شرب العصير والنبيذ قبل غليانه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنقعُ له الزبيب، فيشربُهُ اليوم والغَدَ وبعد الغد إلى مساء الثالثةِ، ثم يَأمرُ به فيُسْقَى أو يُهْراقُ"
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1587 رقم 74/ 2003)، وغيره.
(2)
أخرجه أبو داود (4/ 91 رقم 3687)، والترمذي (4/ 93/ 1866)، وقال: حديث حسن، وغيرهما.
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1585 رقم 65/ 977).
(4)
أخرجه البخاري (10/ 67 رقم 5601)، ومسلم (3/ 1574 رقم 19/ 1986)، وغيرهما.
(5)
أخرجه مسلم (3/ 1573 رقم 11/ 1983) وغيره.
(6)
أخرجه مسلم (3/ 1589 رقم 81/ 2004)، وغيره.
7 - آداب الشرب:
أ - ألَّا يتنفس في الإناء:
عن أبى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ب - أن يشرب باليمين:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطانَ يأكلُ بشمالِهِ ويشربُ بشماله"، وهو حديث صحيح
(2)
.
جـ - أن يشرب قاعدًا:
عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا"
(3)
.
ولا يعارض هذا الحديث، حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"سقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم"
(4)
.
لأنه يمكن الجمع بان الكراهة للتنزيه، والله أعلم.
د - أن يشرب الأيمن فالأيمن:
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال:"الأيمنُ فالأيمن"
(5)
.
هـ - الساقي آخر القوم شربًا:
من حديث أبى قتادة الطويل، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن ساقي القوم آخرهم شربًا"
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري (10/ 92 رقم 5630)، ومسلم (3/ 1602 رقم 121/ 267)، والترمذي رقم (1889)، والنسائي (1/ 43، 44).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1598 رقم 105/ 2020)، وغيره.
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1601 رقم 115/ 2025).
(4)
أخرجه البخاري (10/ 81 رقم 5617)، ومسلم (3/ 1601 رقم 117/ 2027)، وغيرهما.
(5)
أخرجه البخاري (10/ 86 رقم 5619)، ومسلم (3/ 1603 رقم 124/ 2029)، وغيرهما.
(6)
أخرجه مسلم (1/ 472 رقم 311/ 681).
و - يكره الشرب من فم السِّقاء:
عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية، يعني أن تُكسر أفواهُها فيُشرب منها"
(1)
.
8 - إذا وقعت النجاسة في شيء من المائعات لم يحل شربُه، وإن كان جامدًا ألقيت وما حولها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن ميمونة رضي الله عنها قالت: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن فأرةٍ سقطت في سمن، فقال:"أَلْقُوها وما حولها وكُلُوه"
(2)
.
9 - يحرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة:
عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تلبسوا الحريرَ ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة"
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (10/ 89 رقم 5625)، ومسلم (3/ 1600 رقم 111/ 2023)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (9/ 668 رقم 554)، وغيره.
(3)
أخرجه البخاري (9/ 554 رقم 5426)، ومسلم (3/ 1637 رقم 4/ 2067)، وغيرهما.
الباب الخامس الضيافة
1 - يجب على مَنْ وجدَ ما يَقْري به من نزلَ من الضيوفِ أن يفعلَ ذلك، وحدُّ الضيافِةِ إلى ثلاثةِ أيام، وما كان وراءَ ذلك فصدقةٌ، ولا يحل للضيَفِ أن يثوي عنده حتى يحرجَهُ:
عن أبى شريح العدوي، أنه قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه جائزتَهُ" قالوا: وما جائزتُهُ يا رسول الله؟ قال: "يومُهُ وليلته والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراءَ ذلك فهو صدقة عليه"
(1)
.
2 - إذا لم يفعل القادر على الضيافة ما يجبُ عليه، كان للضيف أن يأخذ من مَالِهِ بقدْرِ قِراهُ:
عن عقبة بن عامر أنه قال: قلنا: يا رسول الله إنك تبعثنا فننزلُ بقومٍ فلا يَقْرُونَنَا، فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن نزلتم بقومٍ، فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم"
(2)
.
3 - يحرم أكل طعام الغير بغير إذنه:
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (188): {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} .
4 - لا يجوز حلب ماشية أحد أو أخذ ثمرته وزرعه إلا بإذنه:
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحلبنَّ أحدٌ ماشيةَ أحد إلا بإذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربتُهُ فتكسرَ خزانتُهُ، فينتقل طعامه؟ إنما تخزنُ لهم ضروعُ مواشيهم أطعمتهم، فلا يحلبنَّ أحدٌ ماشية أحد إلا بإذنه"
(3)
.
5 - أمثلة على جواز أكل مال الغير عند الحاجة بدون حمله:
عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيت على راعٍ فناده ثلاث مرار،
(1)
أخرجه البخاري (10/ 531 رقم 6135)، ومسلم (3/ 1352 رقم 14/ 48)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (10/ 532 رقم 6137)، ومسلم (3/ 1353 رقم 1727)، وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري (5/ 88 رقم 2435)، ومسلم (3/ 1352 رقم 13/ 1726)، وغيرهما.
فإن أجابك وإلا فاشرب في غير أن تُفسد، وإذا أتيت على حائط بستان، فناد صاحب البستان ثلاث مراتٍ، فإن أجابك وإلا فكل في أن لا تفسد" وهو حديث صحيح
(1)
.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل حائطًا فليأكل ولا يتخذ خُبْنَةً"
(2)
، وهو حديث صحيح.
الخُبْنة: معطف الإزار، وطرف الثوب، أي لا يأخذ منه في ثوبه.
يقال: أخبن الرجل إذا خبأ شيئًا في خُبنه ثوبه أو سراويله. النهاية (2/ 9).
(1)
أخرجه أحمد (3/ 7 - 8)، و (3/ 85 - 86)، وابن ماجه (2/ 771 رقم 2300)، وأبو يعلى في المسند (2/ 439 رقم 230/ 1244)، والحاكم (4/ 132)، وصححه ووافقه الذهبي.
(2)
أخرجه الترمذي (3/ 583 رقم 1287)، وقال: حديث غريب وابن ماجه (2/ 772 رقم 2301)، وغيرهما.
الباب السادس آداب الأكل
1 - التسمية:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل أحدكم طعامًا فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - الأكل باليمين:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله"
(2)
.
3 - الأكل من حافتي الطعام لا من وسطه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البركة تنزلُ وسَطَ الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكُلُوا من وسطِهِ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - الأكل مما يليه:
عن عمر بن أبى سلمة، قال: كنتُ غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيشُ في الصحفة، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يا غلام سَمِّ الله، وكُل بيمينك، وكل مما يليك"، فما زالت تلك طعمتي بعد
(4)
.
5 - لعق الأصابع والصحفة:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: "إذا سقطت لقمة أحدكم فليُمِطْ عنها الأذى وليأكُلْها، ولا يدعْهَا للشيطانِ"، وأمرنا أن نَسْلُتَ القصعة، قال:"فإنكم لا تدرونَ في أيِّ طعامِكُمُ البركَةُ"
(5)
.
نسلت: معناه نمسحها ونتتبع ما بقي فيها من الطعام.
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 139 رقم 3767)، والترمذي (4/ 288 رقم 1858)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 1086 رقم 3264)، وغيرهم.
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1598 رقم 105/ 2020)، وغيره.
(3)
أخرجه ابن ماجه (2/ 1090) رقم (3277)، والترمذي (4/ 260 رقم 1805)، وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
أخرجه البخاري (9/ 521 رقم 5376)، ومسلم (3/ 1599 رقم 2022)، وغيرهما.
(5)
أخرجه مسلم (3/ 1607 رقم 136/ 2034)، وغيره.
6 - الحمد عند الفراغ:
عن أبى أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: "الحمدُ لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا"
(1)
.
عن معاذ بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل طعامًا، ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه"، وهو حديث حسن
(2)
.
7 - أن يستوي جالسًا ولا يأكل متكئًا:
عن أبى جحيفة قال: كنتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجلٍ عنده: "لا آكلُ وأنا مُتكئ"
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (9/ 580 رقم 5458).
(2)
أخرجه الترمذي (5/ 508 رقم 3458)، وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود (4/ 310 رقم 4023)، وابن ماجه (2/ 1093 رقم 3285)، وغيرهم.
(3)
أخرجه البخاري (9/ 540 رقم 5399).
الباب السابع الأضحية
1 - تعريفها:
هي ما يذبح من النَّعم يوم النحر وأيام التشريق؛ تقربًا إلى الله تعالى.
2 - مشروعية الأضحية:
عن عطاء بن يسار، قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان الرجل يُضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطعمون حتى تباهى الناسُ فصارت كما ترى"، وهو حديث صحيح
(1)
.
3 - حكم الأضحية:
هي واجبة على القادر عليها.
لحديث مخنف بن سليم، قال: ونحنُ وقوفٌ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفاتٍ قال: "يأيها الناسُ! إنَّ على كل أهل بيتٍ - في كل عام - أضحيةً وعتيرةً أتدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول الناسُ: الرَّجبيَّةُ"، وهو حديث حسن
(2)
.
ولحديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له سِعَةٌ ولم يُضَحِّ فلا يقربنَّ مصلانَا"، وهو حديث حسن
(3)
.
4 - وقتها بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر: "من كان ذبح قبل الصلاة فليُعِدْ"
(4)
.
عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل عرفات موقف وارفعوا عن عرنة، وكل مزدلفة موقف، وارفعوا عن مُحَسِّرٍ فكل فجاج منى منحرٌ، وفي كل أيام التشريق ذبحٌ"، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه الترمذي (4/ 91 رقم 1505)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 1051 رقم 3147).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 215)، وأبو داود رقم (2788)، والنسائي (7/ 167)، وابن ماجه رقم (3125)، والترمذي رقم (1518)، وقال: حديث حسن غريب.
(3)
أخرجه أحمد (2/ 321)، وابن ماجه رقم (3123)، وصححه الحاكم (2/ 389)، ووافقه الذهبي، وانظر: تخريجي لـ "سبل السلام" رقم الحديث (3/ 1268).
(4)
أخرجه البخاري (10/ 6 رقم 5549)، ومسلم (3/ 1554 رقم 10/ 1962)، وغيرهما.
(5)
أخرجه أحمد (4/ 82)، وابن حبان في صحيحه (6/ 62 رقم 3843)، والبيهقي (9/ 295)، وغيرهم.
5 - الشاة تجزئ عن واحد، والبدنة والبقرة عن سبعة:
لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعةٍ، والبقرة عن سبعةٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
6 - لا يجزئ من الأضحية الثني من المعز:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ضحى خالٌ لى يُقال له أبو بُردة قبل الصلاة، فقال لهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"شاتُكَ شاةُ لحم"، فقال: يا رسول الله، إن عندي داجنًا جذعة من المعز، قال:"اذبحها ولا تصلُحُ لغيرك"، ثم قال:"من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة، فقد تم نسكه وأصاب سُنة المسلمين"
(2)
.
الداجن: الشاة التي تألف البيت وتستأنس بأهله.
7 - الأضحية التي لا تجزئ: العوراء، والمريضة، والعرجاء، والعجفاء:
عن البراء بن عازب رفعه قال: "لا يُضحى بالعرجاء بيِّن ظلعُها، ولا بالعوراء بَيِّن عَوَرُها، ولا بالمريضة بَيِّن مرضها، ولا بالعجفاء التي لا تُنْقي"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ظلعُها: الظلع: العرج، والظالع: الغامزُ في مشيته.
العجفاء: العجفُ - بالتحريك - الهزال والضعف.
لاتنقي: من أنقى: إذا صار ذا نقي. فالمعنى التي ما بقي لها مخ من غاية العجف.
8 - يصح أن يتصدق من الأضحية ويأكل ويدخر:
عن عبد الله بن واقدٍ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثٍ، قال عبدُ الله بن أبى بكرٍ، فذكرت ذلك لعمرة فقالت: صدق، سمعت عائشة تقول: دف أهل أبياتٍ من أهل البادية حضرة الأضحى، زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادخروا ثلاثًا، ثم تصدقوا بما بقي"، فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجملون منها الودك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
أخرجه مسلم رقم (350/ 1318)، وأبو داود رقم (2809)، والترمذي رقم (1502)، وابن ماجه رقم (3132)، وأحمد (3/ 353، 363).
(2)
أخرجه البخاري (10/ 12 رقم 5556)، ومسلم (3/ 1552 رقم 4/ 1961)، وغيرهما.
(3)
أخرجه أبو داود (3/ 235 رقم 2802)، والترمذي (4/ 85 رقم 1497)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (7/ 214 رقم 4369)، وابن ماجه (2/ 1050 رقم 3144)، وغيرهم.
"وما ذاك؟ " قالوا: نهيت أن تُؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال:"إنما نهيتكم من أجلِ الدافَّةِ التي دَفَّتْ، فكُلوا وادَّخِروا وتصدَّقُوا"
(1)
.
دف: أصل الدفيف من دف الطائر إذا ضرب بجناحيه دفيه - أي صفحتي جنبه - في طيرانه على الأرض، ثم قيل: دفت الإبل إذا سارت سيرًا لينًا.
ويجملون منها الودك: أي يذيبون منها دسم اللحم.
من أجل الدافة التي دفت: قال أهل اللغة: الدافة قوم يسيرون جميعًا سيرًا خفيفًا، ودافة الأعراب من يرد منهم المصر. والمراد هنا: من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة.
9 - تذبح الأضحية في المصلى أفضل:
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح وينحرُ بالمصلى"
(2)
.
10 - يُسن لمن أراد أن يضحي ألَّا يأخذ من شعره وظفره بعد دخول عشر ذي الحجة حتى يضحي:
عن أم سلمه رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يُضحي فليمسك عن شعرهِ وأظفارهِ"
(3)
.
11 - لا يعطي الجزار من الأضحية:
لحديث علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال: "أمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أقومَ على بُدْنهِ، وأن أقسِّم لحومها وجلودها، وجلالتها على المساكين، ولا أعطي في جزَارتها منها شيئًا"، وهو حديث صحيح
(4)
.
12 - يستحب إضجاع الغنم على الجنب الأيسر ثم الدعاء بقبولها:
لحديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ بكبشٍ أقرنَ، يطأ في سواد، ويبرك في سوادٍ، وينظر في سوادٍ، فأتي به ليضَحِّي به، فقال لها:"يا عائشة هَلُمِّي المديةَ"، ثم قال:"اشْحَذيها بحجر" ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبشَ، فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال:"بسم الله، اللهم تقبل من محمدِ، وآل محمدٍ، ومن أمة محمدٍ"، ثم ضحى به، وهو حديث صحيح
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم (13/ 1561 رقم 28/ 1971).
(2)
أخرجه البخاري (10/ 9 رقم 5552).
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1565 رقم 41/ 1977).
(4)
أخرجه البخاري رقم (1716)، ومسلم رقم (1317)، وأبو داود رقم (1769)، وابن ماجه رقم (3099).
(5)
أخرجه مسلم رقم (1967)، وأبو داود رقم (2792)، وأحمد (6/ 78)، وغيرهم.
الباب الثامن العقيقة
1 - تعريفها:
العَقيقة: بفتح العين المهملة، اسم لما يذبح عن المولود.
2 - حكمها:
العقيقة مستحبة عن سلمان بن عامر الضبي قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مع الغلام عقيقةٌ فأَهْرِيقوا عنه دمًا، وأميطُوا عنه الأذى"
(1)
.
3 - ما يذبح عن الغلام والبنت:
يذبح عن الغلام شاتان، وعن البنت شاة.
عن يوسف بن مَاهَكَ، أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن، فسألوها عن العقيقة، فأخبرتهم أن عائشة أخبرتها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مُكافئتان، وعن الجارية شاة"، وهو حديث صحيح
(2)
.
مكافئتان: أي مستويتان أو متقاربتان.
4 - وقت الذبح للعقيقة، والتسمية للمولود وحلق رأسه:
عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغلام مُرْتَهِنٌ بِعَقِيقَتِه، يُذبحُ عنه يوم السابع، ويُسمى، ويحلق رأسهُ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
5 - يتصدق بوزن شعر المولود ذهبًا أو فضة:
عن أبى رافع قال: لما ولدت فاطمة حسنًا رضي الله عنه قالت: يا رسول الله، ألا أعُقُّ عن ابني بدم؟ قال:"لا، ولكن احْلِقِي شعره، وتَصدَّقِي بوزنه من الوَرِق على الأوقاص، أو على المساكين"، وهو حديث حسن
(4)
.
الأوقاص: هم أهل الصفة.
(1)
أخرجه البخاري (9/ 590 رقم 5472)، وغيره.
(2)
أخرجه الترمذي (4/ 96 رقم 1513)، وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
أخرجه أبو داود (3/ 260 رقم 2838)، والترمذي (4/ 101 رقم 1522)، والنسائي (7/ 166 رقم 4220)، وابن ماجه (2/ 1056 رقم 3165)، وغيرهم.
(4)
أخرجه أحمد في المسند (6/ 390)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 304).
الكتاب الحادي عشر كتاب الطب
كتاب الطب
1 - مشروعية التداوي بالحلال:
عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل داءٍ دواد، فإذا أُصيبَ دواءُ الداء، بَرَأَ بإذن الله عز وجل"
(1)
.
2 - التوكل مع الصبر أفضل:
عن عطاء بن أبى رباح، قال: قال لى ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأةٌ من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأةُ السوداءُ أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أصرعُ وإني أتَكَشَّفُ، فادْعُ الله لى، قال:"إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يُعافيك"، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشف، فادع الله ألَّا أتكشف، فدعَا لها
(2)
.
3 - التداوي بالمحرمات حرام:
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث"، وهو حديث صحيح
(3)
.
عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزلَ الداء والدواء، وجعل لكل داءٍ دواءً، فتداووا ولا تداووا بحرامٍ"، وهو حديث حسن بشواهده.
(4)
4 - الكي يكره تنزيهًا:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الشفاءُ في ثلاثٍ: شَرْبَة عسلٍ، وشَرْطَة محْجَمٍ، وكَيَّةِ نارٍ، وأنهى أمتي عن الكيّ"
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم (4/ 1729 رقم 69/ 2204).
(2)
أخرجه البخاري (رقم 5328 - البغا)، ومسلم (4/ 1994 رقم 54/ 2576)، وغيرهما.
(3)
أخرجه أبو داود (4/ 203 رقم 3870)، والترمذي (4/ 387 رقم 2045)، وابن ماجه (2/ 1145 رقم 3459)، وغيرهم.
(4)
أخرجه أبو داود (4/ 206 رقم 3874).
(5)
أخرجه البخاري (10/ 136 رقم 5680).
5 - مشروعية الحجامة:
عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين"، وهو حديث صحيح
(1)
.
6 - مشروعية الرقية من العين وغيرها:
عن عائشة رضي الله عنه قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله، نَفَثَ عليه بالمعوِّذات، فلما مرض مرضه الذي مات فيه، جعلْتُ أنفثُ عليه وأمسحُه بيد نفسه؛ لأنها كانت أعظم بركة من يدي"
(2)
.
وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كُنَّا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعْرِضوا عليَّ رُقَاكُم، لا بأس بالرُّقَى ما لم يكن فيه شرك"
(3)
.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما في الرقى قال: "رخص في الحُمَةِ والنَّمْلَةِ والعين".
النملة: هي قروح تخرج في الجنب
(4)
.
(1)
أخرجه الترمذي (4/ 390 رقم 2051)، وقال: حديث حسن غريب، وأبو داود (4/ 195 رقم 3760)، وابن ماجه (2/ 1152 رقم 3483).
(2)
أخرجه البخارى (رقم: 4175 - البغا)، ومسلم (4/ 1723 رقم 2192).
(3)
أخرجه مسلم (4/ 1727 رقم 2200).
(4)
أخرجه ملم (4/ 1725 رقم 2196).
الكتاب الثاني عشر كتاب اللباس
الكتاب الثاني عشر كتاب اللباس
1 - وجوب ستر العورة في الملأ والخلاء:
عن بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكتْ يمينك"، قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض، قال:"إن استطعتَ ألَّا يرينها أحدٌ فلا يرينَّها"، قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليًا، قال:"الله أحقُّ أن يُسْتَحْيَا منه من الناس"، وهو حديث حسن
(1)
.
2 - يحرم لباس الذهب والحرير على الذكور ويحل للإناث:
عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا الحرير؛ فإنَّهُ مَنْ لبسه في الدنيا، لم يلبسه في الآخرة"
(2)
.
عن أبى موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُحِلَّ الذهبُ والحريرُ لإناث أمتي، وحُرِّمَ على ذكورها"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - يجوز لباس أربع أصابع من الحرير للذكور فقط:
عن أبى عثمان قال: كتبَ إلينا عمرُ ونحنُ بأذربيجان: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، وصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم إصبعيه، ورفعَ زهير: الوسطى والسبابة"
(4)
.
وفي لفظ لمسلم: "نهى عن لُبْسِ الحرير إِلَّا موضِع أصبعين أو ثلاثة أو أربعةٍ"
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 304 رقم 4017)، وابن ماجه (1/ 618 رقم 1920)، والترمذي (5/ 97 رقم 2769)، وقال: حديث حسن وغيرهم.
(2)
أخرجه البخاري (10/ 284 رقم 5834)، ومسلم (3/ 1641 رقم 11/ 2069).
(3)
أخرجه النسائي (8/ 161 رقم 5148)، والترمذي (4/ 217 رقم 1720)، وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
أخرجه البخاري (10/ 284 رقم 5829)، ومسلم (3/ 1642 رقم 12/ 2069)، وغيرهما.
(5)
رواه مسلم رقم (15/ 2069)، وغيره.
4 - يجوز لباس الحرير للذكور بقصد التداوي:
عن أنس رضي الله عنه قال: "رخصَ النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير؛ لحكة بهما"
(1)
.
5 - لا يجوز افتراش الحرير:
عن حذيفة رضي الله عنه قال: "نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، ومن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه"
(2)
.
6 - يحرم لبس الثوب المعصفر:
عن علي بن أبى طالب قال: "نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب، وعن لباس القِسيّ، وعن القراءةِ في الركوع والسجود، وعن لباس المعصفر"
(3)
.
7 - يحرم لبس ثوب الشهرة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لبس ثوب شهرة، ألبسه الله يوم القيامة، ثوبَ مذلةٍ"، وهو حديث حسن
(4)
.
8 - لبس ثوب الرجل للمرأة ولبس المرأة لثوب الرجل حرام:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (10/ 295 رقم 5839)، ومسلم (3/ 1646 رقم 25/ 2076)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (10/ 291 رقم 5837).
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1648 رقم 31/ 2078).
(4)
أخرجه أبو داود (4/ 314 رقم 4029)، وابن ماجه (2/ 1192 رقم 3606)، وغيرهما،
(5)
أخرجه البخاري (10/ 332 رقم 5885).
الكتاب الثالث عشر كتاب الوصايا
الكتاب الثالث عشر كتاب الوصايا
1 - تعريفها:
الوصية: مأخوذة من وصيت الشيء أوصيه، إذا أوصلته.
فالموصي وصل ما كان في حياته بعد موته.
وهي في الشرع: هبة الإنسان غيره عينًا أو دينًا أو منفعة، على أن يملك الموصي له الهبة بعد موت الموصي.
2 - حكمها:
وهي واجبة على من له مال يوصي فيه:
قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حقُّ امرئٍ مسلم، له شيءٌ يوصي فيه، يبيتُ ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبةٌ عنده"
(1)
.
3 - متى تحرم الوصية:
تحرم الوصية ضرارًا؛ لقوله تعالى في سورة النساء الآية (12){مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} .
4 - لا وصية لوارث:
عن عمرو بن خارجة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته، وأنا تحت جرانها وهي تقصعُ بجرتها، وإن لعابها يسيل بين كتفي، فسمعته يقول:"إن الله أعطى كل ذي حقٍّ حقه، ولا وصية لوارث. ."، وهو حديث صحيح بشواهده
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2738)، ومسلم رقم (1627).
(2)
أخرجه ابن ماجه (2/ 905 رقم 2712)، والنسائي (6/ 247)، والترمذي (4/ 434 رقم 2121)، وقال: حديث حسن صحيح.
وعن شرحبيل بن مسلم، عن أبى أمامة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقه، فلا وصية لوارثٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - مقدار الوصية في القرب:
عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تصدَّقَ عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، زيادةً لكم في أعمالكم"، وهو حديث حسن
(2)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لو غضَّ الناس إلى الربع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الثلثُ والثلثُ كثير"
(3)
.
6 - قضاء الديون مقدم على الوصية وجوبًا:
عن سعد بن الأطول: أن أخاهُ ماتَ وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالًا، فأردتُ أن أنفقها على عيالهِ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنَّ أخاك مُحْتَبَس بدينه، فاقض عنه"، فقال: يا رسول الله، قد أَديتُ عنه إِلَّا دينارين، ادعتهُما امرأةٌ وليس لها بينةٌ، قال:"فأَعْطِها؛ فإنها مُحِقَّةٌ"، وهو حديث صحيح
(4)
.
ولقوله تعالي في سورة النساء الآية (12): {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} .
7 - السلطان يقضي دين من مات ولم يترك ما يقضي دينه:
عن أبى هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّينُ، فيسألُ:"هل ترك لدينه فضلًا؟ " فإن حُدِّثَ أنهُ ترك لدينه وفاءً صلَّى، وإلا قال للمسلمين:"صلوا على صاحبكم"، فلما فتح الله عليه الفتوح قال:"أنا أَوْلَى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن تُوفي من المؤمَنين فترك دينًا، فعَلَيَّ قضاؤه، ومن ترك مالًا فلورثته"
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 290 رقم 2870) وابن ماجه (2/ 905 رقم 2713) والترمذي (4/ 433 رقم 2120) وقال حديث حسن صحيح
(2)
أخرجه ابن ماجه (2/ 904 رقم 2709) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 269) وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري (5/ 369 رقم 2743) ومسلم (3/ 1253) رقم (10/ 1629).
(4)
أخرجه ابن ماجه (2/ 813 رقم 2433).
(5)
أخرجه البخاري (4/ 477 رقم 2298) ومسلم (3/ 1237 رقم 14/ 1619).
الكتاب الرابع عشر كتاب الفرائض
كتاب الفرائض
1 - تعريفها:
الفرائض: جمع فريضة، والفريضة مأخوذة من الفرض بمعنى التقدير.
يقول تعالى في سورة البقرة: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]، أي: قدرتم، والفرض في الشرع: هو النصيب المقدر للوارث.
2 - أسباب الإرث ثلاثة:
أ - النسب؛ لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية (6): {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} .
ب - الولاء؛ لحديث ابن عمر مرفوعًا بلفظ: "الولاء لُحْمَة كَلُحْمَةِ النسب، لا يُبَاعُ ولا يُوهَبُ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ج - النكاح؛ لقوله تعالى في سورة النساء الآية (12): {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} .
3 - موانع الإرث ثلاثة:
أ - القتل. ب - اختلاف الدين. ج - الرق.
4 - المواريث واضحة المعالم في كتاب الله:
آيات المواريث ثلاث جمعت أصول علم الفرائض، وأركان أحكام المواريث وهي:
(1)
أخرجه ابن حبان رقم (4950)، والحاكم (4/ 292 - 293)، والبيهقي (10/ 292). وهو حديث صحيح.
وهناك آيات كريمة وردت في شأن المواريث ولكنها مجملة، تشير إلى حقوق الورثة بدون تفصيل وهي:
قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75]، وقال تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب: 6]، وقال تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7].
وهذه الآيات الكريمة مجملة، جاء تفصيلها في الآيات السابقة التي حدد الله فيها نصيب كل وارث وهي عماد علم الميراث كما قد علمت.
• وإليك أخي القارئ ما يستفاد من آيات المواريث:
أولًا: أحكام البنين والبنات:
1 -
إذا خلف الميت ذكرًا واحدًا، وأنثى واحدة فقط، اقتسما المال بينهما للذكر سهمان، وللأنثى سهم واحد.
2 -
إذا كان الورثة، جمعًا من الذكور والإناث، فإنهم يرثون المال للذكر ضعفُ الأنثى.
3 -
إذا وجد مع الأولاد، أصحاب فروض كالزوجين أو الأبوين، فإننا نعطي أصحاب الفروض، أولًا، ثم ما تبقى نقسمه بين الأولاد، للذكر مثل حظ الأنثيين.
4 -
إذا ترك الميت ابنا واحدًا فقط، فإنه يأخذ كل المال؛ ويؤخذ هذا من مجموع الآيتين {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] و {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] فيلزم أَن نصيب الابن إذا انفرد جميع المال.
5 -
يقوم أولاد الابن مقام الأولاد إذا عدموا؛ لأن كلمة "أولادكم" تتناول الأولاد الصلبيين وأولاد الابن مهما نزلوا بالإجماع.
ثانيًا: حكم الأبوين:
1 -
الأب والأم يأخذ كل واحد منهما السدس، إذا كان للميت فرع وارث.
2 -
إذا لم يكن مع الأبوين أحد من الأولاد، فإن الأم ترث ثلث المال، والباقي، وهو الثلثان يرثه الأب.
3 -
إذا وُجِدَ مع الأبوين أخوة للميت (اثنان فأكثر) فإن الأم ترث سدس المال، والباقي خمسة أسداس للأب، وليس للإخوة أو الأخوات شيء أصلًا، لأن الأب يحجبهم.
ثالثًا: الدين مقدم على الوصية
.
رابعًا: حكم الزوج
.
1 -
إذا ماتت الزوجة، ولم تخلف فرعًا وارثًا، فإن نصيب الزوج (النصف).
2 -
إذا ماتت الزوجة، وقد خلفت فرعًا وارثًا، فإن نصيب الزوج (الربع).
خامسًا: حكم الزوجة أو الزوجات:
1 -
إذا مات الزوج ولم يخلف فرعًا وارثًا، فإن نصيب الزوجة أو الزوجات (الربع).
2 -
إذا مات الزوج وكان قد خلف فرعًا وارثًا، فإن نصيب الزوجة أو الزوجات (الثمن).
سادسًا: حكم الإخوة أو الأخوات لأم:
1 -
إذا مات عن أخ لأم منفرد، أو أخت لأم منفردة، فإن الواحد منهما يأخذ السدس.
2 -
إذا مات عن أكثر من ذلك، يعني (أخوين لأم، أو أختين لأم) فيستحقون الثلث بالسوية.
سابعًا: حكم الإخوة والأخوات الشقيقات أو لأب:
1 -
إذا مات وخلف أختًا شقيقة واحدة، أو لأب، ولم يكن له أصل ولا فرع، فللأخت الشقيقة، أو الأخت لأب، نصف التركة.
2 -
إذا مات وخلّف أختين شقيقتين فأكثر أو لأب، ولم يكن له أصل ولا فرع، فللشقيقتين أو لأب الثلثان من التركة.
3 -
إذا مات وخلف إخوة وأخوات (أشقاء أو لأب)، فإن التركة يتقاسمها الإخوة والأخوات على أساس أن نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى.
4 -
إذا ماتت الشقيقة - ولم يكن لها أصل ولا فرع - فإن الأخ الشقيق يأخذ جميع المال، وإن كان هناك أكثر من أخ، اقتسموا المال على عدد الرؤوس، وهكذا حكم الإخوة والأخوات لاب عند عدم وجود الإخوة الأشقاء أو الأخوات الشقيقات.
5 - يجب الابتداء بذوي الفروض المقدرة وما بقي فللعصب
ة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَلْحِقُوا الفرائضَ بأَهْلهَا، فما تَركَتْ الفَرَائضُ فلأَوْلَى رَجلٍ ذَكرٍ"
(1)
.
الفرائَض هنا: الأَنصبَاء المقدرة، وأهلها: هم المستحقون لها بالنص، وما بقي بعد إعطاء ذوي الفرائض فرائضهم فهو لأول رجل ذكر.
6 - الأخوات مع البنات عصبة:
أي يأخذن ما بقي من غير تقدير، كما يأخذه الرجل بعد فروض أهل الفروض.
عن أبي قيس قال: سمعت هُزَيلَ بن شرحبيلَ قال: سُئِلَ أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأختٍ، فقال: للابنةِ النصف، وللأخت النصف، وائتِ ابنَ مسعودٍ فسيتابعني، فسئلَ ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى، فقال: لَقد ضللتُ إذن وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم: للابنةِ النصف ولابنةِ الابن السدس تكملة الثلثين وما بقيَ فللأختِ؛ فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبرُ فيكم"
(2)
.
7 - المستحقون للسدس:
أ - بنت الابن مع البنت:
للحديث الصحيح المتقدم في هذا الباب رقم الفقرة (6).
ب - الأخت لأب مع الأخت لأبوين: قياسًا على بنت الابن مع البنت
.
ج - الجدة مع عدم الأم:
عن بريدة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس، إذا لم تكن دونها أم"، وهو حديث حسن
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (12/ 27 رقم 6746)، ومسلم (3/ 1233 رقم 2/ 1615)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (12/ 17 رقم 6736).
(3)
أخرجه أبو داود (3/ 317 رقم 2895)، وابن الجارود في المنتقى رقم (960)، وغيرهما.
د - الجد مع من لا يسقطه:
قياسًا على الأب بالإجماع.
قال ابن المنذر
(1)
: وأجمعوا أن حكم الجد حكم الأب.
هـ - الأم مع الولد أو الإخوة:
لقوله تعالى في سورة النساء الآية (12): {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12].
و - الواحد من ولد الأم ذكرًا كان أم أنثى؛ للآية السابقة المتقدمة في (هـ)
.
ز - الأب مع الولد؛ لقوله تعالى في سورة النساء الآية (11):
{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11].
8 - لا ميراث للإخوة والأخوات مطلقًا مع الابن أو ابن الابن أو الأب:
لا خلاف في ذلك بين أهل العلم.
9 - بيان الخلاف في ميرات الإخوة والأخوات مع الجد:
الراجح أن الإخوة والأخوات (الأشقاء) أو (لأب) يرثون مع وجود الجد، وأن الجد لا يحجبهم من الميراث، كما هو حال الأب، وحجتهم في ذلك أن الجد والإخوة في درجة واحدةٍ، من حيث الإدلاء إلى الميت، فالجد يدلي بواسطة الأب والإخوة كذلك يدلون بالأب، الجد أصل الأب، والإخوة فرع الأب، وقد استوت الدرجة، بالنسبة للفريقين، فلا معنى لأن نورث أحد الجهتين دون الآخر.
10 - بيان أن الإخوة يرثون مع البنات إلا الإخوة لأم:
•
أما ميراث الأخوة مع البنات
.
عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعدٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهُما معكَ يومَ أحُدٍ شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالًا، ولا تُنكحان إِلَّا ولهما مالٌ، قال:"يقضي الله في ذلك"، فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما.
(1)
الإجماع (84).
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك"، وهو حديث حسن
(1)
.
وأما الإخوة لأم فلا يرثون مع البنت؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12].
وهي في الأخوة لأم كما في بعض القراءات.
كلالة: من ليس بأصل ولا فرع من الوارثين، أو من ليس له أصل أو فرع من الوارثين، أخ أو أخت من أمه، كما فسره الصحابة.
11 - بيان أن الأخ لأب يسقط مع الأخ لأبوين:
عن علي رضي الله عنه أنه قال: "إنكم تقرؤون هذه الآية: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 12] وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات، الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه"، وهو حديث حسن
(2)
.
الأعيان: الإخوة من أب وأم.
بنو العلات: الإخوة لأب.
ويقال: الأخياف: الإخوة لأم.
12 - المرتبة الثالثة للورثة: ذوي الأرحام:
لقوله تعالى في سورة الانفال الآية (75): {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} .
عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخالُ وارثُ من لا وارث له"
(3)
.
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 316 رقم 2892)، وابن ماجه (2/ 908 رقم 2720)، والترمذي (4/ 414 رقم 2092)، وقال: حديث صحيح.
(2)
أخرجه ابن ماجه (2/ 915 رقم 2739)، والترمذي (4/ 416 رقم 2094)، وغيرهما.
(3)
أخرجه الترمذي (4/ 421 رقم 2103)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (2/ 914 رقم 2737)؛ وغيرهما.
عن عائشة رضي الله عنها: أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم وقع من عِذْق نخلة فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"انظروا هل له من وارث؟ " قالوا: لا، قال:"فادفعوه إلى بعض أهل القرية"، وهو حديث صحيح
(1)
.
عذق: بالكسر، وهو الكباسة، والكباسة من النخل: ما تحمل الرطب والشماريخ، وجمعها أعذاق، يقال: أعذقت النخلة إذا كثرت أعذاقها.
13 - إذا تزاحمت الفرائض يصار إلى العول:
العول اصطلاحًا: هو زيادة في مجموع السهام المفروضة، ونقص في أنصباء الورثة، وذلك عند تزاحم الفروض وكثرتها؛ بحيث تستغرق جميع التركة، ويبقى بعض أصحاب الفروض بدون نصيب من الميراث، فنضطر عند ذلك إلى زيادة أصل المسألة، حتى تستوعب التركة جميع أصحاب الفروض، وبذلك يدخل النقص إلى كل واحد من الورثة، ولكن بدون أن يُحرم أحد من الميراث.
وأول حادثة فيها عول وقعت في عهد عمر، واستشار الصحابة، فأشار عليه زيد بن ثابت رضي الله عنه بالعول.
فقال عمر: أعيلوا الفرائض، وأقر صنيعه الصحابة الكرام، فأصبح ذلك إجماعًا على حكم العول.
وأصول المسائل سبعة، ثلاثة منها تعول، وأربعة لا تعول، أما الثلاثة التي يدخلها العول فهي:(الستة، والاثنا عشر)، و (الأربع والعشرون)، وأما الأربعة التي لا تعول فهي:(الاثنان)، و (الثلاثة)، و (الأربعة)، و (الثمانية).
14 -
لا يرث ولد الملاعنة والزانية إلا من أمِّهِ وقرابتها والعكس:
من حديث سهل بن سعد في حديث الملاعنة: "أن ابنها كان يُدعى إلى أمه، ثم جرت السنةُ أنَّهُ يرثُها، وترثُ منه ما فرض الله لها"
(2)
.
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 322 رقم 2902)، والترمذي (4/ 422 رقم 2105)، وابن ماجه (2/ 913 رقم 2733)، وغيرهم.
(2)
أخرجه البخاري (9/ 452 رقم 5309)، ومسلم (2/ 1130 رقم 2/ 1492).
15 -
إذا استهل المولود يرث:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استهلَّ المولودُ وُرِّثَ"، وهو حديث صحيح بشواهده
(1)
.
16 -
ميراث العتيق لمعتقهِ، ويسقُطُ بالعصبات، وله الباقي بعد ذوي السِّهام:
عن عبد الله بن شداد، عن بنت حمزة - قال محمد، يعني ابن أبى ليلى وهي أخت ابن شداد لأمه - قالت: مات مولاي وترك ابنة، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته، فجعل لى النصف ولها النصف"، وهو حديث حسن
(2)
عن هزيل، عن عبد الله بن مسعود قال "إن أهل الإسلام لا يسيبون، وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون"
(3)
.
السائبة: المهملة: والعبد يعتق على أن لا ولاء له.
17 -
يحرمُ بيعُ الولاءِ وهبتُه:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بَيع الولاء وعن هبتِه"
(4)
.
18 -
لا توارث بين أهل ملتين:
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرثُ المسلمُ الكافر، ولا الكافرُ المسلمَ"
(5)
.
19 -
لا يرث القاتل من المقتول:
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "القاتلُ لا يَرثُ"، وهو حديث صحيح بشواهده
(6)
.
20 -
التحذير من التعدي في المواريث:
لقد كان العرب في الجاهلية قبل الإسلام يورثون الرجال دون النساء، والكبار دون
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 335 رقم 2920).
(2)
أخرجه ابن ماجه (2/ 913 رقم 2734)، والحاكم (4/ 66).
(3)
أخرجه البخاري (12/ 40 رقم 6753)
(4)
أخرجه البخاري (5/ 167 رقم 2535)، ومسلم (2/ 1145 رقم 16/ 1506).
(5)
أخرجه البخاري (12/ 50 رقم 6764)، ومسلم (3/ 1233) رقم (1/ 1614)
(6)
أخرجه الترمذي (4/ 425 رقم 2109)، وابن ماجه (2/ 883 رقم 2645).
الصغار فلما جاء الإسلام أعطى الله كل ذي حق حقه، وسمى هذه الحقوق:{وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12]، {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 11]
ثم عقب على ذلك بالتحذير الشديد، والوعيد الأكيد لمن يخالف شرع الله في المواريث، فقال تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 13 - 14].
21 -
الحجب والحرمان:
أ - تعريفهما:
الحجب لغة: المنع، والمقصود به منع شخص معين من ميراثه كله أو بعضه؛ لوجود شخص آخر.
والحرمان: المقصود به منع شخص معين من ميراثه؛ بسبب تحقق مانع من موانع الإرث كالقتل ونحوه من الموانع.
ب - أقسام الحجب:
الحجب نوعان:
حجب نقصان، وحجب حرمان.
فحجب النقصان هو نقص ميراث أحد الورثة؛ لوجود غيره، ويكون لخمسة أشخاص:
1 -
الزوج يُحجب من النصف إلى الربع عند وجود الولد.
2 -
الزوجة تُحجب من الربع إلى الثمن عند وجود الولد.
3 -
الأم تُحجب من الثلث إلى السدس عند وجود الفرع الوارث.
4 -
بنت الابن.
5 -
الأخت لأب.
وأما حجب الحرمان: فهو منع جميع الميراث عن شخص لوجود غيره؛ كمنع ميراث الأخ عنه عند وجود الابن، وهذا النوع لا يدخل في ميراث ستة من الوارثين، وإن جاز أن يحجبوا حجب نقصان، وهم:
1، 2 - الأبوان: الأب والأم.
3، 4 - الولدان: الابن والبنت.
5، 6 - الزوجان.
ويدخل حجب الحرمان فيما عدا هؤلاء من الورثة.
وحجب الحرمان قائم على أساسين:
(1)
1 -
أن كل من ينتمي إلى الميت بشخص لا يرث مع وجود ذلك الشخص؛ كابن الابن؛ فإنه لا يرث مع وجود الابن، سوى أولاد الأم؛ فإنهم يرثون معها مع أنهم ينتمون إلى الميت بها.
2 -
يقدم الأقرب على الأبعد، فالابن يحجب ابن أخيه، فإن تساووا في الدرجة يرجح بقوة القرابة؛ كالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب.
(1)
انظر: فقه السنة (3/ 440 - 441).
الكتاب الخامس عشر كتاب الحدود
ويتضمن ستة أبوابٍ
الباب الأول: حد الزاني.
الباب الثاني: حد السرقة.
الباب الثالث: حد القذف.
الباب الرابع: حد الشرب.
الباب الخامس: حد المحارب.
الباب السادس: من يستحق القتل حدًّا؟.
1 - تعريف الحدود:
الحدود: جمع حدٍّ، والحد في الأصل: الشيء الحاجز بين شيئين، وهو في اللغة: بمعنى المنع.
واصطلاحًا: هي العقوبات المقدرة شرعًا في المعاصي؛ لتمنع من الوقوع في مثلها.
2 - كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان:
عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إلَّا أسامة حِبُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فكلَّمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أَتشفعُ في حَدٍّ من حدود الله؟! " ثم قام فخطب، قال:"يَأَيُّهَا الناس، إنما ضلَّ من كَانَ قبلكم أنهم كانوا إذا سرقَ الشريف تركوهُ، وإذا سرقَ الضعيفُ فيهم أقاموا عليه الحد، وأَيْمُ الله، لو أن فاطمة بنت محمدِ سرقَتْ؛ لقطع محمدٌ يدها"، وهو حديث صحيح
(1)
.
3 - استحباب الستر على المؤمن:
لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد باتَ يستُره ربُّه، ويصبح يكشف ستر الله عليه"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ولقوله صلى الله عليه وسلم:". . . ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة"، وهو جزء من حديث صحيح
(3)
.
4 - الحدود كفارة:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال:"بايعوني على ألَّا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تَقْتُلُوا أولادَكُم، ولا تأتُوا ببهتَانٍ تَفْترونَه بينَ أيديكم وأرجلِكُم، ولا تَعْصُوا في مَعْرُوفٍ، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه فهو إلى الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عاقبه"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (6788).
(2)
أخرجه البخاري رقم (6069)، ومسلم رقم (2990).
(3)
أخرجه مسلم رقم (2699).
(4)
أخرجه البخاري رقم (18)، ومسلم رقم (1709).
5 - من يقيم الحدود
؟.
ولا يقيمها إلا الإمام أو نائبه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحدود في حياته، وكذا خلفاؤه من بعده، وأناب صلى الله عليه وسلم في إقامة الحدود فقال:"واغدُ يا أُنيَس إلى امرأة هذا، فإن اعترفَتْ فارجُمْهَا"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ويجوز للسيد أن يقيم الحد على مملوكه، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا زَنَتْ الأمةُ فتبين زناها، فليجلدها الحد ولا يثرِّب عليها، ثم إن زَنَتْ الثانية، فليجلدْها الحدَّ ولا يثرّب عليها، ثم إن زَنَت الثالثة، فليبِعْها ولو بحبلٍ من شعْرٍ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2695)، و (2696)، ومسلم رقم (25/ 1697/ 1698).
(2)
أخرجه البخاري رقم (6839)، ومسلم رقم (1703).
الباب الأول حد الزنى
1 - حد البكر الزاني:
إن كان الزاني بكرًا حرًا جُلد مائة جلدة، وبعد الجلد يغربُ عامًا:
لقوله تعالى في سورة النور الآية (2): {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يُحصن بنفي عامٍ وبإقامة الحد عليه"
(1)
.
2 - حد الثيب الزاني:
إن كان الزاني ثيبًا جُلد كما يُجلد البكر، ثم يرجم حتى يموت:
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا. البِكرُ بالبِكرِ، جلدُ مائةٍ ونفي سنةٍ، والثيبُ بالثيبِ، جلدُ مائةٍ والرجم"
(2)
.
والظاهر عندي أنه يجوز للإمام أن يجمع بين الجلد والرجم ويستحب له أن يقتصر على الرجم، لاقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الرجم، والحكمة في ذلك أن الرجم عقوبة تأتي على النفس، فأصل الرجم المطلوب حاصل به، والجلد زيادة عقوبة رخص في تركها، فهذا وجه الاقتصار على الرجم عندي، والله أعلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك: "أحقٌّ ما بلغني عنك؟ " قال: وما بلغك عني؟ قال: "بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان"، قال: نعم، قال:"فشهد أربع شهاداتٍ، ثم أُمِرَ به فَرُجِمَ"
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (12/ 156 رقم 6833).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1316 رقم 12/ 1690)، وغيره.
(3)
أخرجه البخاري (12/ 135 رقم 6824)، ومسلم (3/ 1320 رقم 19/ 1693)
3 - يثبت الزنا بالإقرار مرة والتربيع فيه للتثبيت:
لأن أخذ المقر بإقراره هو الثابت في الشريعة؛ لحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني مرفوعًا بلفظ: "واغد يا أُنَيْسُ إلى امرأة هذا، فإن اعترفَتْ فارجمها"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وقد اكتفى صلى الله عليه وسلم بالإقرار من المرأة الزانية مرة واحدة، فعن بريدة أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بإقرار الغامدية مرة واحدة
(2)
.
وقد اكتفى صلى الله عليه وسلم بإقرار اليهودي واليهودية مرة واحدة
(3)
.
وتحمل الأحاديث التي فيها التراضي عن إقامة الحد، بعد صدور الإقرار مرة على من كان أمره ملتبسًا، في ثبوت العقل وعدمه والصحو والسكر ونحو ذلك.
وأما سكوته صلى الله عليه وسلم في قضية ماعز حتى أقر أربعًا فليس فيها أن ذلك شرط، بل غاية ما فيها أن الإمام إذا تثبت في بعض الأحوال حتى يقع الإقرار مرات كان له ذلك.
4 - كما أن الزنا يثبت بأربعة شهداء:
دل على ذلك آيات:
منها: قوله تعالى في سورة النور الآية (4): {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ، فقد رتب وجوب الجلد على عدم الإتيان بأربعة شهداء، فدل على أن الزنا لا يثبت إلا بهم.
منها: قوله تعالى في سورة النساء الآية (15): {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} .
ومنها: قوله تعالى في سورة النور الآية (13) في حادثة الإفك: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} .
5 - يجب أن يتضمن الإقرار والشهادة التصريح بإيلاج الفرج في الفرج:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لعلك قبَّلت
(1)
أخرجه البخاري رقم (2695) و (2696)، ومسلم رقم (25/ 1697/ 1698).
(2)
اخرجه مسلم (3/ 1323 رقم 23/ 1695).
(3)
أخرجه البخاري (6/ 631 رقم 3635)، ومسلم (3/ 1326 رقم 26/ 1699) عن ابن عمر.
أو غمزت أو نظرت؟ " قال: لا يا رسول الله، قال: "أنكتها؟ " - لا يكني - قال: نعم، فعندَ ذلك أمر برجمه
(1)
.
6 - يسقط الحد بالرجوع عن الإقرار:
عن محمد بن إسحاق قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي: حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، قال: حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا تركْتُمُوه" من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم، قال: ولم أعرف هذا الحديث، قال: فجئت جابر بن عبد الله، فقلت: إن رجالًا من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم - حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته -: "ألا تركتُمُوه"، وما أعرف الحديث، قال: يابن أخي، أنا أعلم الناس بهذا الحديث، كنتُ فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مسَّ الحجارة صرخَ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه قال:"فهلَّا تركتُمُوه وَجْئتُوني به"، ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فأما لِتَرْكِ حَدًّ فلا، قال: فعرفت وجه الحديث. وهو حديث حسن
(2)
.
من شئتم فاعل حدثني، والمعنى: أنه قد أخبر جماعة من رجال أسلم لا أتهمهم: أن كلمة: "فهلا تركْتُمُوه"، من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
7 - يسقط الحد بكون المرأة عذراء أو رتقاء، وبكون الرجل مجبوبًا أو عنينًا:
لكون المانع موجودًا فتبطل به الشهادة أو الإقرار؛ لأنه قد علم كذب ذلك قطعًا.
8 - يُشرع الحفر للمرجوم إلى الصدر:
عن بريدة أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إني قد ظلمت نفسي وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فردَّه، فلما كان من الغد، أتاه فقال: يا رسول الله: إني قد زنيت فرده الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه، فقال:"أتعلمون بعقله بأسًا تُنْكِرون منه شيئًا؟ "، فقالوا: ما نعلمه إلا وفيَّ العقل، من صالحينا
(1)
أخرجه البخاري (12/ 135 رقم 6824).
(2)
أخرجه أبو داود (4/ 576 رقم 4420)، وغيره بإسناد جيد.
فيما نُرى، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضًا فسأل عنه، فاخبروه: أنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابعة، حفر لهُ حفرةً ثم أمَرَ به فَرُجِم
…
"
(1)
.
9 - لا ترجم الحُبْلَى حتى تضعَ وتُرْضعَ ولدها إن لم يُوجَدْ من يُرضعُهُ:
عن بريدة: قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله طَهرني، فقال:"ويحك ارجِعِي، فاستغفري الله وتوبي إليه"، فقالت: أراك تريدُ أن تردني كما رددت ماعز بن مالك، قال:"وما ذاك؟ " قالت: إنها حُبْلى من الزنى، فقال:"آنتِ؟ " قالت: نَعَمْ، فقال لها:"حتى تضعي ما في بطنك"، قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية، فقال:"إذن لا نَرْجُمُهَا وندعُ ولدَهَا صغيرًا، ليس لَهُ مَنْ يُرْضعُهُ" فقام رجل من الأنصار، فقال: إليَّ رَضَاعُهُ يا نبي الله قال: فرجمها
(2)
.
غامد: بطن من جهينة.
إنها حُبلى من الزنى: أرادت أني حُبلى من الزنى، فعبرت عن نفسها بالغيبة.
فكفلها رجل من الأنصار: أي قام بمؤنتها ومصالحها.
إلي رضاعه: إنما قاله بعد الفطام، وأراد بالرضاعة كفايته وتربيته وسماه رضاعًا مجازًا.
10 - يجوز الجَلْدُ حالَ المرضِ بعثكالٍ:
إن كان ميؤسًا من شفائه: عن سعيد بن سعد بن عبادة، قال: كان بين أبياتنا رجل مُخْدَجٌ ضعيف، فلم يُرَعْ إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها، فرفع شأنه سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"اجلدوه، ضرب مائة سوطٍ" قالوا: يا نبي الله هو أضعف من ذلك، لو ضربناه مائة سوط مات، قال:"فخذوا عِثْكَالًا فيه مائةُ شمْرَاخ، فاضرِبُوهُ ضربةً واحدةً"، وهو حديث صحيح
(3)
.
مخدج: ناقص الخلق والقوة. العثكال: العنقود من النخل الذي يكون فيه أغصان كثيرة، وكل واحد من هذه الأغصان يسمى شمراخًا.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1323 رقم 23/ 1695).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1321 رقم 22/ 1695).
(3)
أخرجه ابن ماجه (2/ 859 رقم 2574)، وغيره.
أما إذا كان المريض مرجوًّا شفاؤه، أُمهِل: عن أبي عبد الرحمن قال: خطب عليٌّ فقال: يأيُّها الناسُ أقيموا على أرقائكم الحدَّ من أحصن منهم ومن لم يحصن؛ فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاسٍ، فخشيتُ إن جلدتُها أن أقتُلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أَحْسَنْتَ"
(1)
.
أقيموا على أرقائكم الحد: الأرقاء جمع رقيق، بمعنى المملوك، عبدًا كان أو أمة، أي: لا تتركوا إقامة الحدود على مماليككم، فإن نفعها يصل إليكم وإليهم.
11 - حد اللواط القتل للفاعل والمفعول به بكرًا أم محصنًا:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعملُ عملَ قومِ لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعولَ به"، وهو حديث صحيح
(2)
.
اللواط: هو إتيان الذكر في دبره، وكذلك إتيان الأنثى الأجنبية.
12 - حد ناكح البهيمة التعزير:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ليس على الذي يأتي البهيمة حدٌّ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
وإذا انتفى الحد فقد وجب التعزير؛ لارتكابه معصية لا حد فيها ولا كفارة.
13 - حد المملوك نصف حد الحر:
لقوله تعالى في سورة النساء الآية (25): {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} ، ولحديث علي رضي الله عنه المتقدم في نهاية الفقرة (10) من هذا الباب.
14 - من أُكره على الزنا فلا حد عليه:
عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "أُتِي عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة، جهدها العطشُ، فمرت على راع فاستسقت، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، ففعلت، فشاور الناس في رجمها، فقال علي رضي الله عنه: هذه مضطرة أرى أن تخلي سبيلها، ففعل"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1330 رقم 34/ 1705).
(2)
أخرجه أبو داود (4/ 607 رقم 4462)، والترمذي (4/ 57 رقم 1456)، وابن ماجه (2/ 856 رقم 2561)، وغيرهم. واللواط من الكبائر أورده الذهبي في كتابه "الكبائر" الكبيرة "السابعة عشرة".
(3)
أخرجه الترمذي (4/ 57)، وأبو داود (4/ 610 رقم 4465).
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/ 236)، وانظر: الإرواء (2313).
15 - إذا شهد ثلاثة وتخلف الرابع حُدّ الثلاثة حد القذف:
لقوله تعالى في سورة النور الآية (4): {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
ولما جاء عن قسامة بن زهير قال: "لما كان من شأن أبي بكرة والمغيرة الذي كان - وذكر الحديث - قال: فدعا الشهود، فشهد أبو بكرة، وشبل بن معبد، وأبو عبد الله نافع، فقال عمر رضي الله عنه حين شهد هؤلاء الثلاثة: شق على عمر شأنه، فلما قدم زياد قال: إن تشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما الزنا فلا أشهد به، ولكن قد رأيت أمرًا قبيحًا، قال عمر: الله أكبر، حُدُّوهم، فجلدوهم، قال: فقال أبو بكرة بعدما ضربه: أشهد أنه زانٍ، فهمَّ عمر رضي الله عنه أن يعيد عليه الجلد، فنهاه علي رضي الله عنه وقال: إن جلدته فارجم صاحبك، فتركه ولم يجلده"
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه البيهقي (8/ 334) بإسناد صحيح، وانظر. الإرواء (8/ 29).
الباب الثاني حد السرقة
1 - شروط إقامة الحد على السارق:
أ - أن يكون السارق مكلفًا مختارًا:
•
حد التكليف: الإسلام والبلوغ والعقل:
ودل على شرط الإسلام: حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن معاذًا قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأَعْلمْهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة"
(1)
.
•
ودل على اشتراط العقل والبلوغ:
حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن الجنون حتى يعقل"، وهو حديث صحيح
(2)
.
•
ودل على شرط الاختيار:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يتجاوزُ عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استُكْرِهُوا عليه"، وهو حديث صحيح
(3)
.
ب - أن يكون المسروق من حرز:
الحرز: هو المكان الذي يحفظ به المسروق ونحوه عادة، أو الحال الذي يمنع دخول يد غير مالكه عليه.
ودل على اشتراط الحرز أحاديث:
منها: عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، عن رسول الله
(1)
أخرجه البخاري رقم (1395)، ومسلم رقم (29/ 19).
(2)
أخرجه أبو داود رقم. (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه رقم (2041).
(3)
أخرجه الحاكم (2/ 198)، وابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام (5/ 149)، وابن حبان (ص 360 رقم 1498 - موارد)، وغيرهم.
- صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال: "ما أصاب من ذي حاجةٍ غير متخذ خُبْنَة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجنِّ فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامَة مثليه والعقوبة"، وهو حديث حسن
(1)
.
خُبنة: هي ما يحمله الرجل في ثوبه.
الجرين: موضع التمر الذي يجفف فيه، مثل البيدَر للحنطة.
المجن: كل ما يتوقى به ويستتر من ضربة السلاح؛ كالترس، وكانت قيمته تقدر بربع دينار.
العقوبة: وهي التعزير هنا.
ج - أن يبلغ المسروق ربع دينار:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "تُقطع اليدُ في ربع دينارٍ فصاعدًا"
(2)
.
ربع دينار = 1.0625 غرامًا.
2 - تثبت السرقة بأحد أمرين:
أ - إقرار السارق مرة واحدة؛ للأحاديث الصحيحة المتقدمة في حد الزنا.
ب - شهادة عدلين؛ لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (282): {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} .
3 - تقطع الكف الأيمن للسارق:
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (38): {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
4 - يسقط الحد إذا عفا صاحب المال قبل رفعه إلى السلطان:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله
(1)
أخرجه الترمذي (3/ 584 رقم 1289) وقال: حديث حسن والنسائي (8/ 85 رقم 4958). وأبو داود (4/ 550 رقم 4390). وغيرهم.
(2)
أخرجه البخاري (12/ 96 رقم 6789 ومسلم (3/ 1312 رقم 1684).
- صلى الله عليه وسلم قال: "تَعَافُووا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حدٍّ فقد وجبَ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
5 - لا قطع في أربعة:
أ - الأكل من الثمر ولم يحمل إلى بيته:
لحديث عبد الله بن عمرو، الحسن المتقدم في هذا الباب تحت الفقرة (ب): أن يكون المسروق من حرز.
ب - الخائن. ج - المنتهب. د - المختلس.
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على خائن ولا مختلسٍ قطعٌ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
6 - جاحد العارية سارق يقام عليه الحد:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت امرأة مخزوميةٌ تستعيرُ المتاعَ وتجحدُهُ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدُهَا، فأتى أهلُها أسامة بن زيد، فكلموهُ، فكلّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها
(3)
.
7 - فروع في المسألة:
فرع 1: ضعف دليل تلقين السارق ما يسقط عنه الحد:
حديث أبي أمية المخزومي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافًا، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما إخَالُكَ سرقتَ؟ " قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا، فأمر به فقطع وجيء به، فقال: "استغفر الله وتبْ إليه"، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: "اللهم قد تُبتَ عليه"، ثلاثًا، حديث ضعيف
(4)
.
فرع 2: ضعف دليل حسم موضع القطع في زيت مغلي
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسارق سرق شملة، فقالوا: يا رسول الله، إن هذا قد سرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به فاقطعوه، ثم
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 540 رقم 4376) والنسائي (8/ 70 رقم 4886) وغيرهما.
(2)
أخرجه أبو داود (4/ 552 رقم 4393) والترمذي (4/ 52 رقم 1448). وابن ماجه (2/ 864 رقم 2591). والنسائي (8/ 88).
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1316 رقم 10/ 1688).
(4)
انظر الإرواء رقم (2426).
احسِمُوه، ثم ائْتُونِي به" فقطع فأتي به، فقال: "تُبْ إلى الله"، فقال: قد تُبتُ إلى الله، قال: "تاب الله عليك"، ضعيف
(1)
.
واعلم أن الحديث الضعيف لا تثبت به الأحكام.
فرع 3: ضعف دليل تعليق يد السارق في عنقه للعبرة:
حديث عبد الرحمن بن محيرز، قال: سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في العنق للسارق، أمن السنة هو؟ قال:"أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق قطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه"، وهو ضعيف
(2)
.
* * *
(1)
انظر: الإرواء رقم (2431).
(2)
انظر: الإرواء رقم (2432).
الباب الثالث حد القذف
1 - حد القذف ثمانون جلدة:
لقوله تعالى في سورة النور الآية (4): {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .
2 - يثبت الحد بالإقرار، أو بشهادة عدلين:
- ليكون إقرار المرء لازمًا له.
- وكذلك الشهادة كما أطلقه الكتاب العزيز كما تقدم.
3 - القاذف ساقط العدالة حتى يتوب:
لقوله تعالى في سورة النور الآية (4): {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} .
4 - يسقط الحد عن القاذف بأمرين:
أ - إذا جاء القاذف بأربعة شهود، لأن القاذف لم يكن حينئذٍ قاذفًا، بل قد تقرر صدور الزنا بشهادة الأربعة، فيقام الحد على الزاني.
ب - إذا أقر المقذوف بالزنا: فلا حد على من رماه به؛ بل يحد المقر بالزنا.
* * *
الباب الرابع حد الشُّرْب
1 -
شرب الخمر كبيرة من الكبائر وعليه أهل العلم
(1)
.
2 -
شروط وجوب الحد:
أن يكون مكلفًا مختارًا وقد تقدم دليل ذلك.
3 -
حد شارب الخمر إما أربعين جلدة أو أقل أو أكثر ولو بالنعال:
عن أنس بن مالك من: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلدَ أبو بكر أربعين"
(2)
.
وعن أنس بن مالك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجلٍ قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين، نحو أربعين".
قال: "وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين فأمر به عُمَرُ"
(3)
.
4 -
يثبت الحد على شارب الخمر بالإقرار أو بشهادة عدلين:
وقد تقدم الدليل على ذلك.
5 -
يثبت الحد على شارب الخمر بشهادة عدلين ولو على القيء:
عن حضين بن المنذر أبو ساسان، قال: شهدتُ عثمان بن عفان وأتي بالوليد - ابن عقبة بن أبي معيط - قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أَزِيدُكُم؟ فشهد عليه رجلان: أحدهما: حمران، أنه شرب الخمر، وشهد آخر، أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان رضي الله عنه: إنَّهُ لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا علي قُمْ فاجلدهُ، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولِّ حَارَّهَا من تولَّى قَارَّها (فكأنه وجدَ عليه)، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجلدَهُ وعليٌّ يَعُدُّ، حتى بلغ أربعينَ، فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين وكل سنةٌ وهذا أحبُّ إليَّ"
(4)
.
(1)
انظر: كتاب "الكبائر" للذهبي ص (74 رقم 14).
(2)
أخرجه البخاري (12/ 63 رقم 6773)، ومسلم (3/ 1331 رقم 36/ 1706).
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1330 رقم 35/ 1706).
(4)
أخرجه مسلم (3/ 1331 رقم 38/ 1707).
وَلِّ حارَّها من تولى قَارَّها: الحار الشديد المكروه، والقار البارد الهنئ الطيب، وهذا مثل من أمثال العرب، معناه: ولشدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخلافة والولاية، أي: ليتولَّ هذا الجلد عثمان بنفسه أو بعض خاصة أقاربه الأدنين.
وجد عليه: أي غضب عليه.
6 -
قتل شارب الخمر في الرابعة منسوخ:
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة، فاقتلوه"، قال: فأتي بالنُعيمان قد شرب الرابعة فجلده، ولم يقتله، وكان ذلك ناسخًا للقتل، وهو حديث حسن
(1)
.
7 -
جواز التعزير في المعاصي التي لا توجب حدًّا ثابتًا:
عن أبي بُرْدَةَ الأنصاري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يُجْلدُ أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلا في حد من حدود الله"
(2)
.
وعن بهز بن حكيم، عن أبيه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رجلًا في تهمة"، وهو حديث حسن
(3)
.
8 -
لا يجوز الدعاء على شارب الخمر:
عن عمر بن الخطاب: أن رجلًا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشرب، فأتي به يومًا، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ أنه يحبُّ اللهَ ورسولَه"
(4)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران، فأمر بضربه، فمنا من يضربه بيده، ومنا من يضربه بنعله، ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكونوا عونَ الشيطان على أَخِيكُم"
(5)
.
(1)
أخرجه الترمذي (4/ 49)، والنسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف (2/ 373 رقم 3073)، والبزار (2/ 221 رقم 1562 - كف الأستار)، والحاكم في المستدرك (4/ 373)، والبيهقي (8/ 314)، وغيرهم واللفظ للبزار.
(2)
أخرجه البخاري (12/ 175 رقم 6848)، ومسلم (3/ 1332 رقم 40/ 1708).
(3)
أخرجه أبو داود (4/ 46 رقم 3630)، والنسائي (8/ 67)، والترمذي (4/ 28 رقم 1417)، وغيرهم.
(4)
أخرجه البخاري رقم (6780).
(5)
أخرجه البخاري رقم (6781).
الباب الخامس حد المحارب
1 - تعريف الحرابة:
الحرابة هي خروج طائفة مسلمة في دار الإسلام لإحداث الفوضى، وسفك الدماء وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإهلاك الحرث والنسل؛ متحدية بذلك الدين والأخلاق والنظام والقانون.
2 - حكم الحرابة:
هو أحد الأنواع المذكورة في القرآن: القتل أو الصلبُ أو قطعُ اليد والرِّجلِ من خلافٍ أو نفي من الأرض؛ لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (33).
يحاربون الله ورسوله: يخالفون أمرهما بالاعتداء على خلق الله عز وجل.
يسعون في الأرض فسادًا: يعملون في الأرض بما يفسد الحياة من قتل للأنفس وسلب للأموال، وإثارة للذعر والقلق.
ينفوا: يطردوا منها وينحوا عنها، بالتعذيب أو الحبس.
خزى: ذل وفضيحة وتأديب.
3 - يفعلُ الإمام في المحاربين ما رأى فيه صلاحًا لدين الله:
لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل بالعرنيين أحد الأنواع المذكورة في الآية، وهو القطع كما في حديث أنس بن مالك: أن ناسًا من عُرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن شِئتُمْ أن تَخْرجُوا إلى إبلِ الصدقةِ فتشرَبْوا من ألبانها وأبوالها"، ففعلوا فصحوا، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وارتدوا عَن الإسلام، وساقوا
ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في إثرهم، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسَمَلَ أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا"
(1)
.
عرينة: حي من قضاعة وحي من بجيلة من قحطان، والمراد هنا الثاني.
فاجتووها: معناه: استوخموها. أي لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم.
قالوا: وهو مشتق من الجوى، وهو داء في الجوف.
وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي أخذوا إبله وقدموها أمامهم سائقين لها طاردين.
سَمل أعينهم: ومعنى سمل: فقأها وأذهب ما فيها.
وتركهم في الحرة: هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة، وإنما ألقوا فيها؛ لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا.
4 - يسقط الحد عن المحارب إن تاب قبل القدرة عليه:
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (34): {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
* * *
(1)
أخرجه البخاري (1/ 335 رقم 233)، ومسلم (3/ 1296 رقم 9/ 1671).
الباب السادس من يستحق القتل حدًّا
1 - الحربي:
لا خلاف في ذلك لأوامر الله عز وجل بقتل المشركين في مواضع من كتابه العزيز: منها: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. ومنها: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36].
ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ثبوتًا متواترًا من قتالهم، وأنه كان يدعوهم إلى ثلاث، ويأمر بذلك من يبعثه للقتال.
عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاهُ في خاصته بتقوى الله ومن معهُ من المسلمين خيرًا ثم قال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصالٍ (أو خلالٍ) فأيتهن ما أجابوك، فاقبل منهم وكُف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفَّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حُكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبلْ منهم وكُفَّ عنهم، فإن هم أبَوْا فاستعن بالله وقاتِلهم
…
"
(1)
.
ولا تغلوا: من الغلول، ومعناه: الخيانة في الغنم، فلا تخونوا في الغنيمة.
ولا تمثلوا: أي لا تشوهوا القتلى بقطع الأنوف والآذان.
وليدًا: أي صبيًّا؛ لأنه لا يقاتل.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1357 رقم 3/ 1731)، وغيره.
2 - المرتد عن الإسلام:
عن عكرمة أن عليًّا رضي الله عنه حرَّقَ قومًا، فبلغ ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لو كنتُ أنا لم أحرَّقْهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذِّبُوا بعذابِ الله، ولقتلْتُهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بدَّل دينه فاقتلوه"
(1)
.
3 - الساحر:
لكون عمل السحر نوعًا من الكفر، ففاعله مرتد يستحق ما يستحقه المرتد.
قال تعالى عن هاروت وماروت:
والسحر من الكبائر، انظر: كتاب الكبائر للذهبي
(2)
.
4 - الكاهن:
لكون الكهانة نوعًا من الكفر، فلا بد أن يعمل من كهانته ما يوجب الكفر، وقد ورد أن تصديق الكاهن كفر، فبالأوْلى الكاهن إذا كان معتقدًا بصحة الكهانة.
فعن صفية رضي الله عنها عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تُقْبلْ له صلاةُ أربعين ليلة"
(3)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى حائضًا أو امرأةً في دبرها أو كاهنًا، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (6/ 149 رقم 3017)، وغيره.
(2)
كتاب "الكبائر" للذهبي، تحقيق وتخريج الشيخ محي الدين مستو ص (45 - 47)"الكبيرة الثالثة".
(3)
أخرجه مسلم (4/ 1751 رقم 125/ 2230).
(4)
أخرجه أبو داود (4/ 225 رقم 3904)، والترمذي (1/ 242 رقم 135)، وابن ماجه (1/ 209 رقم 639)، وغيرهم.
5 - الساب لله أو لرسوله أو لكتابه أو لسنة نبيه أو للإسلام:
وهذه الأفعال موجبة للكفر الصريح، ففاعلها مرتد.
فعن علي رضي الله عنه: "أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله دمها" وهو حديث حسن
(1)
.
6 - الزنديق:
وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ويعتقد بطلان الشرائع، فهذا كافر بالله وبدينه مرتد عن الإسلام، أقبح ردة إذا ظهر منه ذلك بقول أو فعل.
7 - يقام حد القتل على المستحقين بعد استتابتهم:
ففي تولية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وفيه:
"ثم اتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزِلْ، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًّا فأسلم ثم تهوَد، قال: اجلس، قال: لا أجلسُ حتى يقتلَ، قضاءُ الله ورسوله ثلاث مرات، فأمر به فقتل"
(2)
.
8 - الزاني المحصن: تقدم الدليل عليه
.
9 - اللوطي مطلقًا: تقدم الدليل عليه
.
10 - المحارب: تقدم الدليل عليه
.
* * *
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 529 رقم 4362).
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 6525 - البغا)، ومسلم (3/ 1456 رقم 14/ 1733).
الكتاب السادس عشر كتاب القصاص
1 - الدليل على وجوب القصاص:
يجب القصاص؛ لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (178): {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ، ولقوله تعالى في سورة البقرة الآية (179):{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتح الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "
…
ومن قُتِلَ له قتيلٌ فهو بخير النظرين، إما أَنْ يُفْدَى وإما أن يُقْتل"
(1)
.
2 - تعظيم حرمات المسلمين:
قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29 - 30]، وقال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، وقال تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبُوا السبعَ الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس في الدماء"، وهو حديث صحيح
(3)
.
3 - على مَنْ يجب القصاص
؟.
يجب على المكلف المختار العامد، وقد تقدم الدليل على ذلك.
4 - أنواع القتل:
أ - عمد محض: وهو أن يقصد قتل إنسان بما يقصد به القتل غالبًا.
(1)
أخرجه البخاري (1/ 205 رقم 112)، ومسلم (2/ 988 رقم 447/ 1355).
(2)
أخرجه البخاري رقم (2766)، ومسلم رقم (89).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6533)، ومسلم رقم (1678).
ب - شبه العمد: وهو أن يقصد ضربه بما لا يموت مثله من مثل ذلك الضرب غالبًا.
ج - الخطأ المحض: وهو ألَّا يقصد ضربه، وإنما قصد غيره فأصابه.
5 - من حق الورثة التنازل عن القصاص وطلب الدية:
لحديث أبي هريرة الصحيح المتقدم في هذا الكتاب رقم الفقرة [1].
6 - الآثار المترتبة على القتل:
ففي القسمين الأخيرين: الكفارة على القاتل، والدية على عاقلته؛ لقوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92].
وأما القتل العمد: فولي المقتول فيه بالخيار بين القود والعفو على الدية؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قُتِلَ له قتيل فهو بخير النظرين؛ إما أن يُودي وإما أن يقاد"
(1)
.
وليست هذه الدية هي الواجبة بالقتل، بل بدل عن القصاص، ولذا فإن لهم أن يصالحوا على غير الدية، ولو بالزيادة عليها، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من قَتَلَ متعمدًا دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جَذَعة، وأربعون خلفَةً، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل"
(2)
.
والعفو مجانًا أفضل؛ لقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا"
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (6880)، ومسلم رقم (1355).
(2)
أخرجه الترمذي (1406)، وابن ماجه رقم (2626)، وهو حديث حسن.
(3)
أخرجه مسلم رقم (2588)، وغيره.
7 - اتفاق العلماء في قتل المرأة بالرجل والعبد بالحر، والكافر بالمسلم:
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه، عن جده:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابًا فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقُرِئَت على أهل اليمن، هذه نسختها: من محمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كُلال ونُعيم بن عبد كلال، والحارث بن عبد كُلال قيل ذي رُعين ومعافر وهمدان، أما بعد: وكان في كتابه: أنَّ من اعتبط مؤمنًا قتلًا عن بينةٍ فإنهُ قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وأن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعُهُ الديةُ، وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرِّجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عَشْرٌ من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وأن الرجل يقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار"، وهو حديث صحيح
(1)
.
الجائفة: الطعنة التي تخالط الجوف وتنفذُ فيه، والمراد بالجوف: كل ماله قوة مخيلة كالبطن والدماغ. المنقلة: هي الشجةُ التي تخرج منها صغار العظام.
الموضحة: هي الشجة التي تبدي وضح العظم، أي: بياضه.
عن أنس رضي الله عنه: "أن يهوديًّا قتل جارية على أوضاح لها فقتلها بحجرٍ، فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق، فقال: "أقتلك فلان" فأشارت برأسها: أن لا، ثم قال الثانية، فأشارت برأسها: أن لا، ثم سألها الثالثةَ، فأشارت برأسها أن نعم، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين"
(2)
.
8 - لا يقتل الحر بالعبد، ولا المسلم بالكافر:
لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (178): {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} .
وكذلك لا يقتل المسلم بالكافر: عن أبي جحيفة قال: سألت عليًّا رضي الله عنه: هل عندكم
(1)
أخرجه النسائي (8/ 57 رقم 4853)، وابن حبان رقم (793 - موارد)، والحاكم (1/ 395 - 397)، و (3/ 485)، والبيهقي (4/ 89 - 90)، وانظر:"الإرواء"(1/ 160 - 161).
(2)
أخرجه البخاري (12/ 204 رقم 6879)، ومسلم (3/ 1299 رقم 15/ 1672).
شيء ما، ليس في القرآن؟ وقال مرة: ما ليس عند الناس، فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن - إلا فهمًا يُعطى رجلٌ في كتابه - وما في الصحيفة، قلتُ: وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير، وألَّا يُقتلَ مسلمٌ بكافر"
(1)
.
• أما قتل الرجل بالمرأة ففيه خلاف، والراجح أنه يقتل الرجل بالمرأة:
حكى ابن المنذر
(2)
: الإجماع على قتل الرجل بالمرأة، إلا رواية عن علي، عن الحسن، وعطاء.
9 - لا يقتل الأصل بالفرع:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "كانت لرجل من بني مُدْلج جارية، فأصاب منها ابنًا فكان يستخدمها، فلما شبَّ الغلام دعي بها يومًا فقال: اصنعي كذا وكذا، فقال الغلام: لا تأتيك، حتى متى تستأمر أمي؟ قال: فغضب أبوه فحذفه بسيفه، فأصاب رجله أو غيرها فقطعها، فنزف الغلام فمات، فانطلق في رهطٍ من قومه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا عدو نفسه، أنت الذي قتلت ابنك؟ لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقادُ الأب بابنه"، لقتلتك، هَلمَّ ديتَه، قال: فأتاه بعشرين أو ثلاثين ومائة بعيرٍ، قال: فتخير منها مائة، فدفعها إلى ورثته، وترك أباه"، وهو حديث صحيح
(3)
.
10 - يثبت القصاصُ في الأعضاء ونحوها والجروح مع الإمكان:
لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (45): {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
عن أنس، أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانًا، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"القصاص القصاص" فقالت أم الربيع: يا رسول الله، أيقتصُّ من فلانة؟ والله لا يقتص منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"سبحان الله يا أم الربيع، القصاصُ كتابُ الله" قالت: لا والله لا يقتص منها أبدًا، قال: فما زالت حتى قبلُوا الدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره"
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (12/ 246 رقم 6903).
(2)
"الإجماع" رقم (653)، ورواه البخاري في صحيحه (12/ 214) معلقًا عن أهل العلم.
(3)
أخرجه ابن الجارود في المنتقى رقم (788)، والدارقطني (3/ 140 رقم 179)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 38).
(4)
أخرجه البخاري (8/ 177 رقم 4500)، ومسلم (3/ 1302 رقم 24/ 675).
11 - يسقط القصاص بإبراء أحد الورثة:
لأن أمر القصاص والدية إلى الورثة وأنهم بخير النظرين، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فإذا أبرؤوا من القصاص سقط، وإن أبرأ أحدهم سقط، لأنه لا تبعض، ويستوفي الورثة نصيبهم من الدية.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال:"قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعقل المرأة عَصَبَتُها، من كانوا ولا يرثوا منها شيئًا، إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها، فهم يقتلون قاتلها"، وهو حديث حسن
(1)
.
12 - إذا كان في الورثة صغير ينتظرُ في القصاص بلوغه:
انظر: الفقرة رقم (11) من هذا الكتاب.
13 - يُهدر القصاص إذا كان السبب من المجني عليه:
عن عمران بن حصين: أن رجلًا عضَّ يد رجل فنزع يده من فمهِ فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"يعضُّ أحدُكم أخاه كما يَعَضُّ الفحل، لا ديةَ له"
(2)
.
14 - ما حكم من أمسك رجلًا فقتله آخر:
قلت: والحق أنه إذا اشترك جماعة من الرجال أو الرجال والنساء في قتل رجلٍ عمدًا بغير حق: قتلوا به كلهم.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن غلامًا قُتِلَ غِيلةً، فقال عمر:"لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم"
(3)
، وهو أثر موصول إلى عمر بأصح إسناد.
15 - عقوبة قتل الخطأ الدية والكفارة:
لقوله تعالى في سورة النساء الآية (92): {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ
(1)
أخرجه ابن ماجه (2/ 884 رقم 2647)، وأبو داود (4/ 691 - 694 رقم 4564)، والنسائي (8/ 42 - 43 رقم 4801)، وغيرهم.
(2)
أخرجه البخاري (12/ 219 رقم 6892)، ومسلم (3/ 1300 رقم 1673)، وغيرهما.
(3)
أخرجه مالك في الموطا (2/ 871 رقم 13)، والبخاري تعليقًا (12/ 227 رقم 6896).
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
16 - تجب دية قتل الخطأ على العاقلة وهم العصبة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرةٍ عبدٍ أو أمةٍ، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة، توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها"
(1)
.
ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت:
قال العلماء: هذا الكلام قد يوهم خلاف مراده، فالصواب: أن المرأة التي ماتت هي المجني عليها أم الجنين، لا الجانية.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (12/ 252 رقم 6909)، ومسلم (3/ 1309 رقم 35/ 1681).
الكتاب السابع عشر كتاب الدِّيات
كتاب الديات
1 - تعريف الدية:
الدية: هي المال الذي يجب بسبب الجناية، وتؤدى إلى المجني عليه أو وليه، وهي تنتظم ما فيه القصاص، وما لا قصاص فيه.
وتسمى الدية بـ "العَقْل" وأصل ذلك: أن القاتل كان إذا قتل قتيلًا جمع الدية من الإبل، فعقلها بفناء أولياء المقتول، أي شدها بعقالها؛ ليسلمها إليهم.
يقال: عقلت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته.
وأصل ذلك قول الله سبحانه:
2 - مقدار دية الرجل المسلم:
دية الرجل المسلم مائة من الإبل، أو مائتا بقرة أو ألفا شاةٍ، أو ألفُ دينار، أو اثنا عشر ألف درهم أو مائتا حُلّةٍ.
عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قُتِلَ خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة وعشرة بني لبون ذكور"، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقومها على أهل القرى أربعمائة دينار أو عِدْلَهَا من الورق، ويُقومها على أهل الإبل إذا غلت رفع قيمتها، وإذا هانت نقص من قيمتها على نحو الزمان ما كان، فبلغ قيمتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الأربعمائة دينار إلى ثمانمائة دينار أو عدلها من الورق، قال: وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان عقلُهُ في البقر على أهل البقر مائتي بقرة، ومن كان عقله في الشاة ألفي شاة، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم فما فضل فللعصبة، وقضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يعقل على المرأة عصبتها من كانوا، ولا يرثون منه شيئًا إلا ما فضل عن ورثتها، وإن قُتلت فعقلها بين ورثتها، وهم يقتلون قاتلها"، وهو حديث حسن
(1)
.
الدينار = 4.25 غرامًا.
3 - متى تغلظ الدية
؟.
تغلظ دية العمد وشبهه، واتفق الفقهاء على أنَّ التغليظ في الدية لا يعتبر إلَّا في الإبل دون الذهب والورق.
4 - كيف تغلظ الدية
؟.
تغلظ الدية من الإبل بأن تكون المائةُ في بطون أربعين منها أولادها:
عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[قال: مسدد]: خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثًا، ثم قال:
"لا إله إلا الله وحده، صدق وعْدَه، ونصر عبده، وهزم الأحزابَ وحده".
إلى ها هنا حفظته عن مسدد، ثم اتفقا:"ألا إن كل مَأثُرَةٍ كانت في الجاهلية تذكر وتدعى دم أو مال تحت قدمي، إلا ما كان من سقاية الحاج، وسِدَانةِ البيت"، ثم قال:"ألا إن دية الخطأ شبه العمد كان بالسوط والعصا، مائة من الإبل منها أربعون في بطون أولادها"، وهو حديث صحيح
(2)
.
5 - مقدار دية الذمي نصف دية المسلم:
عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ديَةُ المعاهَد نصفُ ديةُ الحرِّ"، وهو حديث حسن
(3)
.
6 - مقدار دية المرأة، ودية أطرافها:
دية المرأة نصف دية الرجُلِ، والأطرافُ وغيرها كذلك في الزائد على الثلث.
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 677 رقم 4541)، والنسائي (8/ 42 رقم 4801)، وابن ماجه (2/ 878 رقم 2630)، وغيرهم.
(2)
أخرجه أبو داود (4/ 682 رقم 4547)، والنسائي (8/ 41)، وابن ماجه (2/ 877 رقم 2627)، وغيرهم.
(3)
أخرجه أبو داود (4/ 707 رقم 4583) وابن ماجه (2/ 883 رقم 2644)، والترمذي (4/ 25 رقم 1413)، وقال: حديث حسن، والنسائي (8/ 45)، وغيرهم.
عن شريح قال: أتاني عروة البارقي من عند عمر: "أن جراحات الرجال والنساء تستوي في السن والموضحة، وما فوق ذلك، فدية المرأة على النصف من دية الرجل"، وإسناده صحيح
(1)
.
قلت: ولا مخالف لهم من الصحابة، فصار إجماعًا، على أنَّ هذا مما لا يقال بالرأي؛ فيكون في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7 - مقدار دية الأعضاء والشجاج:
تجب الدية كاملةً في العينين والشفتين واليدين والرجلين والبيضتين وفي الواحدة منها نصفها، وكذلك تجب الدية كاملة في الأنف واللسان والذكر والصُّلب وأرش المأمومة والجائفة ثلثُ دية المجني عليه وفي المُنقلة عشر الدية، ونصف عُشرها، وفي الهاشمة عُشرها، وفي كل سن نصفُ عشرها، وكذلك في الموضحةِ.
8 - دية الشجاج:
الشجاج: هي الإصابات التي تقع بالرأس والوجه.
وهي عشرة أنواع:
1 -
الخارصة: وهي التي تقشر الجلد ولا تدميه.
2 -
الدامية وهي التي تدميه.
3 -
الباضعة: وهي التي تشق اللحم شقًّا كبيرًا.
4 -
المتلاحمة: وهي التي تغوص في اللحم.
5 -
السّمحاق: وهي التي يبقى بينها وبين العظم جلدة رقيقة.
فهذه خمس شجاج ليس فيها قصاص
(2)
، ولا أرش مقدار، وتجب فيها حكومة
(3)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (11/ 28/ 2)، والبيهقي (8/ 95 - 96) بإسناد صحيح عنهما.
(2)
لأنه لا يمكن المماثلة.
(3)
قال ابن المنذر: وأجمع كل من نحفظ قوله أنه معنى قولهم حكومة أن يقال: إذا أصيب الإنسان بجرح لا عقل له معلوم، كم قيمة هذا لو كان عبدًا قبل أن يجرح هذا الجرح؟ أو يضرب هذا الضرب؟ فإن قيل: مائة دينار، قيل: كم قيمته وقد أصابه هذا الجرح وانتهى برؤه؟ فإن قيل: خمسة وتسعون دينارًا، فالذي يجب للمجني عليه على الجاني نصف عشر الدية، وإن قالوا: تسعين دينارًا، ففيه عشر الدية، وما زاد ونقص ففي هذا المثال اهـ. من الإجماع (697/ 151).
6 -
الموضحة: وهي التي تبلغ إلى العظم، وفيها خمس من الإبل.
7 -
الهاشمة: وهي التي تهشم العظم وتكسره، وفيها عشر من الإبل.
8 -
المنقلة: وهي التي ينقل منها العظم من موضع إلى موضع، وفيها خمس عشرة من الإبل.
9 -
الأمومة أو الآمة: وهي التي لا يبقى بينها وبين الدماغ إلا جلدة رقيقة وفيها ثلث الدية.
10 -
الدامغة: وهي التي تبلغ الدماغ، وفيها أيضًا ثلث الدية.
9 - دية الجنين:
إذا مات الجنين بسبب الجناية على أمه عمدًا أو خطأ ولم تمت أمه، وجب فيه غرة، سواء انفصل عن أمه وخرج ميتًا، أم مات في بطنها، وسواء كان ذكرًا أم أنثى، فإذا ماتت المرأة أيضًا فلها ديتها.
عن أبي هريرة قال: "اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معه"
(1)
.
فأما إذا خرج حيًّا ثم مات ففيه الدية كاملة، فإن كان ذكرًا وجبت مائة بعير، وإن كان أثنى فخمسون؛ لأنا تيقنا موته بالجناية، فأشبه غير الجنين.
10 - تعريف القسامة:
القسامة: أن يوجد قتيل وادعى وليه على رجل أو على جماعة، وعليهم لوث ظاهر، واللوث ما يغلب على القلب صدق المدعي، بأن وجد القتيل بين قوم أعداء لا يخالطهم غيرهم، أو اجتمع جماعة في بيت أو صحراء وتفرقوا عن قتيل، أو وجد في ناحية قتيل وثَمَّ رجل مختضب بالدم، أو يشهد عدل واحد على أن فلانًا قتله، أو قاله جماعة من العبيد والنساء جاؤوا متفرقين بحيث يؤمن تواطؤهم ونحو ذلك، فيحلف المدعي خمسين يمينًا ويستحق دعواه.
(1)
أخرجه البخاري رقم (5758)، ومسلم رقم (1681).
11 - يخير المدعى عليهم بين أن يحلفوا خمسين يمينًا أو يسلموا الدية، وإن التبس الأمر كانت من بيت المال:
عن بشير بن يسار: "زعم أن رجلًا من الأنصار يُقال له: سهلُ بن أبي حَثمة أخبرةُ أن نفرًا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلًا، وقالوا للذي وجد فيهم: قد قتلتم صاحبنا، قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلًا، فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلًا، فقال: "الكُبْرَ الكُبْرَ". فقال لهم: "تأتون بالبينة على من قتله؟ " قالوا: ما لنا بينة، قال: "فيحلفون"، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُطَلَّ دمه"، فوداه مائة من إبل الصدقة
(1)
.
12 - القسامة في الجاهلية:
عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرَّ القَسَامَةَ على ما كانت عليه في الجاهلية
(2)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن أول قسامةٍ كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم: كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريشٍ من فخذ أخرى، فانطلق معه في إبله، فمر به رجلٌ من بني هاشم قد إنقطعت عُروةُ جوالقه، فقال: أغثني بعقال أشدُّ به عُروةَ جُوالِقي لا تنفر الإبل، فأعطاه عقالًا فشد به عروة جوالقه، فلما نزلوا عقلت الإبل إلا بعيرًا واحدًا، فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عقال، قال: فأين عقاله؟ قال: فخذفه بعصًا كان فيها أجله، فمرَّ به رجل من أهل اليمن، فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهدُ وربما شهدته، قال: هل أنت مبلغ عني رسالةً مرة من الدهر؟ قال: نعم، قال فكتب: إذا أنت شهدت الموسم فنادِ يا آل قريش، فإذا أجابوك فناد يا أل بني هاشم، فإن أجابوك فاسأل عن أبي طالب فأخبره أن فلانًا قتلني في عقال، ومات المستأجر، فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه، فوليتُ دفنه، قال: قد كان أهل ذاك منك، فمكث حينًا، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال: يا آل قريش
(1)
أخرجه البخاري (12/ 229 رقم 6898)، ومسلم (3/ 1291 رقم 1/ 1669)، وغيرهما.
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1295 رقم 1670).
قالوا: هذه قريش، قال يا بني هاشم، قالوا: هذه بنو هاشم، قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانًا قتله في عقال، فأتاه أبو طالب فقال له: اخْتَر مِنَّا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل" فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله، وإن أبيت قتلناك به، فأتى قومُه فقالوا: نحلِفُ، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب أحبُّ أن تُجيزَ ابني هذا برجلٍ من الخمسين ولا تُصَبرُ يمينه حيثُ تُصَبرُ الأيمان، ففعل، فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلًا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل، يصيبُ كل - رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرِف"
(1)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (7/ 155 رقم 3845).
الكتاب الثامن عشر كتاب القضاء
ويتضمن بابين
الباب الأول: القضاء.
الباب الثاني: الخصومة.
الباب الأول القضاء
1 - مشروعيته:
القضاء مشروع بالكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة:
قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]، وقال:{يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [سورة ص: 26].
وعن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر"
(1)
.
وأجمع المسلمون على مشروعية القضاء.
2 - حكمه:
وهو فرض كفاية، ويجب على الإمام أن يعين في البلاد - حسب حاجتها - من يحكم بينهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بين الناس، وبعث عليًّا إلى اليمن للقضاء، وحكم الخلفاء الراشدون، وولوا القضاء في الأمصار.
3 - ممن يصح القضاء
؟.
يصحُّ قضاءُ من كان مجتهدًا، متورعًا عن أموال الناس عادلًا في القضية حاكمًا بالسوية.
عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القضاةُ ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجَار في الحكم، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار"، وهو حديث صحيح
(2)
.
ووجه الدلالة منه أنه لا يعرف الحق إلا من كان مجتهدًا، وأما المقلد فهو يحكم بما
(1)
أخرجه البخاري رقم (7352)، ومسلم رقم (1716).
(2)
أخرجه أبو داود (4/ 5 رقم 3573)، والترمذي (3/ 613 رقم 1322 م)، وابن ماجه (2/ 776 رقم 2315)، وغيرهم.
قال إمامه، ولا يدري أحق هو أم باطل، فهو القاضي للناس على جهل، وهو أحد قاضيي النار.
وعن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ، فله أجر"
(1)
.
اجتهد: بذل وسعه للتعرف على القضية ومعرفة الحق فيها.
أصاب: الحق والواقع في حكمه.
أخطأ: الحق وواقع الأمر في قضائه.
ووجه الدلالة في هذا الحديث أن القاضي الذي يحكم بين الناس ويمضي حكمه هو
الذي لديه أهلية الاجتهاد، والله تعالى يقول في سورة النساء الآية (58):{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} .
4 - لا يحل الحرص على القضاء وطلبه:
عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أُعْطيتَها عن مسألة وكلت إليها، وإن أُعْطيتَها عن غير مسألة أُعنْتَ عليها
…
"
(2)
.
5 - لا يحل للإمام تولية من حرص على القضاء أو طلبه:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: دخلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله، أمِّرْنا على بعض ما ولاك الله عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال:"إنا، والله لا نولي على هذا العمل أحدًا سأله، ولا أحدًا حرص عليه"
(3)
.
6 - القاضي المتأهل على خطر عظيم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وَلِيَ القضاء فقد ذُبِحَ بغير سكين"، وهو حديث صحيح
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (رقم 6919 - البغا)، ومسلم (3/ 1342 رقم 15/ 1716).
(2)
أخرجه البخاري (11/ 516 رقم 6622)، ومسلم (3/ 1273 رقم 1652).
(3)
أخرجه البخاري (13/ 125 رقم 7149)، ومسلم (3/ 1456 رقم 14/ 1733).
(4)
أخرجه أبو داود (4/ 4 رقم 3571)، والترمذي (3/ 614 رقم 1325)، وابن ماجه (2/ 774 رقم 2308)، وغيرهم.
7 - النساء لا تلي القضاء:
لقوله تعالى في سورة النساء الآية (34): {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يُفلحَ قومٌ ولُّوا أمرهم امرأة"، وهو حديث صحيح
(1)
.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختار قضاة كثيرين في حياته، ولم يعين من بينهم امرأة واحدة قط، وكذلك أفعال الخلفاء الراشدين.
وما ذكره ابن حزم رحمه الله من أن عمر ولى الشفاء، فلا يصلح حجة في هذا المقام، فالخبر لم يثبت، فقد ساقه غير مسند، وبصيغة التمريض، وهذه الصيغة لا تؤهل النص؛ ليحتج به.
ثم إنه لو صح، وثبت، فلا يفهم منه أن عمر ولاها القضاء، بل يفهم منه أنه اختارها لتقاوم المنكرات بالنساء في السوق، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؛ - لأن الرواية تقول:"وربما ولإها شيئًا من أمر السوق"، ولو كانت المرأة تصح ولايتها للقضاء، ولم تخل جميع الأزمنة من ذلك.
(2)
8 - لا يجوز للقاضي أن يحكم وهو غضبان:
عن أبى بكرة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحكمُ أحدٌ بين اثنينِ وهو غضبانٌ"
(3)
.
9 - قضاء الحاكم لا يغير من الحق شيئًا:
من قُضى له بحق أخيه فلا يأخذه؛ فإن قضاء الحاكم لا يُحل حرامًا، ولا يُحرم حلالًا: عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال:
"إنما أنا بشرٌ، وإنه يأتيني الخَصْمُ، فلعل بعضَكُم أن يكون أبلغَ من بعضٍ؛ فأَحْسِبَ أنه
(1)
أخرجه البخاري رقم (7099) من حديث أبي بكرة.
(2)
انظر: "القضاء في الإسلام" د. محمد أبو فارس ص (36 - 37).
(3)
أخرجه البخاري (13/ 136 رقم 7158)، ومسلم (3/ 1342) رقم (16/ 1717)، وغيرهما.
صادق؛ فأقضي له بذلك، فمن قضيتُ له بحقٍّ مسلمٍ، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذْها أو ليتركها"، وهو حديث صحيح
(1)
.
10 - تحرم على القاضي الرشوة والهدية لكونه قاضيًا:
لحديث عبد الله بن عمرو قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي، وهو حديث صحيح
(2)
.
11 - على القاضي السماع من الخصمين:
عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيًا، فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء؟
فقال: "إن الله سيهدي قلبك، ويثبتُ لسانكَ، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينَّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء"، قال: فما زلت قاضيًا، أو ما شككت في قضاء بعد، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه
(3)
.
12 - على القاضي أن يسهل الدخول عليه:
عن أبي مردم الأزدي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ولاه الله عز وجل شيئًا من أمر المسلمين، فاحتجَبَ دون حاجتهم وخَلَّتِهم وفقرهم، احتجبَ الله عنه دون حاجته وخَلَّتِه وفقره"، وهو حديث صحيح
(4)
.
الخَلة: بفتح الخاء: الحاجة والفقر.
13 - يجوز للقاضي اتخاذ الأعوان:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن قيس بن سعدٍ كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2458)، ومسلم رقم (1713).
(2)
أخرجه الترمذي رقم (1337)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه رقم (2313)، وأبو داود رقم (3580).
(3)
أخرجه أبو داود (4/ 11 رقم 3582)، والترمذي (3/ 618 رقم 1331)، وقال: حديث حسن.
(4)
أخرجه أبو داود (3/ 356 رقم 2948)، والترمذي (3/ 620 رقم 1333).
(5)
أخرجه البخاري (13/ 133 رقم 7155).
14 - يجوز للقاضي الشفاعة والاستيضاع والإرشاد إلى الصلح:
عن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدردٍ دينًا، كان لَهُ عليه، في عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتُهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سِجْفَ حُجْرَتِهِ، ونادى كعب بن مالكٍ، فقال:"يا كعبُ"، فقال: لبيك يا رسولَ اللهِ، فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دَينكَ، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قم فاقضه"
(1)
.
سجف حجرته: أي سترها.
* * *
(1)
أخرجه البخاري رقم (457)، ومسلم رقم (1558).
الباب الثاني الخصومة
1 - البينة على المدعي:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين صبر، يقتطع بها مال امرئٍ مسلم، هو فيها فاجر، لَقِيَ الله وهو عليه غضبان"
(1)
قال: فدخل الأشعثُ بن قيسٍ، فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ قالوا: كذا وكذا، قال: صدق أبو عبد الرحمن، فيَّ نزلت، كان بيني وبين رجل بأرض اليمن، فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"هل لك بينة؟ "، فقلت: لا، قال:"فيمينُه"، قلت: إذن يحلف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك:"من حلف على يمين صبر يقتطِع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان"، فنزلت:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77].
من حلف على يمين صبر: هو بإضافة يمين إلى صبر، ويمين الصبر: هي التي يحبس الحالف نفسه عليها، وتسمى هذه اليمين الغموس.
2 - اليمين على المنكر:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو يُعْطى الناس بدعواهم، لادَّعَىَ ناسٌ دماء رجالٍ وأموالهم، ولكنَّ اليمينَ على المدَّعَى عليه"
(2)
.
3 - يحكم الحاكم بالإقرار:
عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجُهني وفيه: "واغد يا أُنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفَتْ فارجمْها"
(3)
.
4 - أو يحكم الحاكم بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين
؛ لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (282): {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} .
(1)
أخرجه البخاري (5/ 280 رقم 2669، 2670)، ومسلم (1/ 122 رقم 220/ 138)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (8/ 213 رقم 4552)، ومسلم (3/ 1336 رقم 1/ 1711)، وغيرهما.
(3)
أخرجه البخاري رقم (2695، 2696)، ومسلم رقم (25/ 1697، 1698).
5 - أو يحكم الحاكم بشهادة رجل ويمين المدعي:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد"
(1)
.
6 - يجوز للحاكم أن يحكم بيمين المنكر:
عن وائل بن حجر قال: جاء رجلٌ من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكنديُّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي:"ألك بينة؟ " قال: لا، قال:"فلك يمينه" قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء، فقال:"ليس لك منه إلا ذلك"، فانطلق ليحلف: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر: "أما لَئِنْ حلف على ماله ليأكله ظلمًا، ليلقين الله وهو عنه معرض"(29).
7 - لا تقبل شهادة من ليس بعدل:
لقوله تعالى في سورة الطلاق الآية
(2)
: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} .
وتثبت العدالة بمعرفة القاضي للشاهد، أو بتزكية عدلين له عنده.
وحد العدالة أن يكون محترزًا عن الكبائر غير مصر على الصغائر ولا فاعلًا ما يخل بالمروءة، وهي: ما تتصل بآداب النفس مما يعلم أن تاركه قليل الحياء، وهي: حسن الهيئة والسيرة والعشرة والصناعة.
8 - لا تقبل شهادة الخائن ولا ذي العداوة، والمتهم، والقانع لأهل البيت:
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة، وذي الغِمْرِ على أخيه، وَرَدَّ شهادة القانِع لأهل البيت، وأجازها لغيرهم"، وهو حديث حسن
(3)
.
الغمر: بكسر المعجمة، وسكون الميم بعدها راء مهملة: الحقد: أي لا تقبل شهادة العدو على العدو. القانع: الأجير الذي ينفق عليه أهل البيت.
(1)
أخرجه مسلم (3/ 1337 رقم 3/ 1712).
(2)
أخرجه مسلم (1/ 123 رقم 223/ 139).
(3)
أخرجه أبو داود (4/ 24 رقم 3600)، وغيره.
9 - لا تقبل شهادة القاذف:
لقوله تعالى في سورة النور الآية (4): {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
10 - لا تقبل شهادة بدوي على صاحب قرية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تجوزُ شهادةُ بدويٍّ على صاحب قريةٍ"، وهو حديث صحيح
(1)
.
قال ابنُ رسلان: وحملوا هذا الحديث على من لم تُعرف عدالته من أهل البدو، والغالب أنهم لا تعرف عدالتهم.
(2)
11 - تجوز شهادة من يشهد على تقرير فعله أو قوله، إذا انتفت التهمة:
عن عقبة بن الحارث قال: تزوجتُ امرأةً، فجاءتنا امرأةٌ سوداء فقالت: أرضعتكما، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: تزوجتُ فلانة بنت فلان، فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت لي: إني قد أرضعتكما، وهي كاذبة، فأعرضَ عني، فأتيتهُ من قبل وجهه، قلت: إنها كاذبة، قال:"كيف بها وقد زعمَتْ أنها قد ارضَعْتكُما، دعها عنك"، وهو حديث صحيح
(3)
.
12 - شهادة الزور من أكبر الكبائر:
عن أنس رضي الله عنه قال: سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر قال: "الإشراك بالله، وعقوقُ الوالدين، وقتلُ النفسِ، وشهادة الزور"
(4)
.
13 - لا تقبل البينة بعد اليمين
؛ لأن اليمين إذا كانت تطلب من المدعى عليه، فهي مستند للحكم صحيح، ولا يقبل المستند المخالف لها بعد فعلها.
* * *
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 26 رقم 3602)، وابن ماجه (2/ 793 رقم 2366) وغيرهما
(2)
انظر: المغني لابن قدامة (12/ 32 رقم 8359).
(3)
أخرجه البخاري (9/ 152 رقم 5104).
(4)
أخرجه البخاري (رقم: 2510 - البغا)، ومسلم (1/ 91 رقم 144/ 88).
الكتاب التاسع عشر كتاب الجهاد
ويتضمن خمسة أبوابٍ
الباب الأول: أحكام الجهاد.
الباب الثاني: أحكام الغنائم.
الباب الثالث: أحكام الأسير والجاسوس والهدنة.
الباب الرابع: حكم قتال البغاة.
الباب الخامس: أحكام الإمامة.
الباب الأول أحكام الجهاد
1 - تعريف الجهاد:
الجهاد مأخوذ من الجهد وهو الطاقة والمشقة، يقال: جاهد يجاهد جهادًا أو مجاهدة إذا استفرغ وسعه، وبذل طاقته، وتحمل المشاق في مقاتلة العدو ومدافعته.
ولا يسمى الجهاد جهادًا حقيقيًّا إلا إذا قصد به وجه الله، وأريد به إعلاء كلمته، ورفع راية الحق، ومطاردة الباطل، وبذل النفس في مرضاة الله، فإذا أريد به شيء دون ذلك من حظوظ الدنيا، فإنه لا يسمى جهادًا على الحقيقة، فمن قاتل ليحظى بمنصب، أو يظفر بمغنم، أو يظهر شجاعة، أو ينال شهرة، فإنه لا نصيب له في الأجر، ولا حظ له في الثواب.
فعن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله، فقال صلى الله عليه وسلم:"من قاتلَ؛ لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله"، وهو حديث صحيح
(1)
.
2 - فضل الجهاد:
عن أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من رَضِيَ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولا، وَجَبَتْ له الجنةُ"، فعجبَ لها أبو سعيد، فقال: أعِدْهَا عليَّ يا رسول الله، فأعادها عليه، ثم قال:"وأخرى يرفعُ اللهُ بها للعبدِ مائةَ درجةٍ في الجنَّةِ، ما بين كُلَّ درجتين كما بين السماءِ والأرض"، قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: "الجَهاد في سبيل الله"، وهو حديث صحيح
(2)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حجٌّ مبرورٌ"، وهو حديث صحيح
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري رقم (2810)، ومسلم رقم (1904).
(2)
أخرجه مسلم رقم (1884)، والنسائي (6/ 19).
(3)
أخرجه البخاري رقم (26)، ومسلم رقم (83).
3 - الترهيب من ترك الجهاد:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغزُ ولم يُحدِّث به نفسَه، ماتَ على شُعْبةٍ من النفاق"، وهو حديث صحيح
(1)
.
4 - الحض على الجهاد:
قد أمر الله بالجهاد بالأنفس والأموال، وأوجب على عباده أن ينفروا إليه، وحرم عليهم التثاقل عنه، قال تعالى في سورة التوبة الآية (41){انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وقال تعالى في سورة التوبة الآية (38):{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لغدوة في سبيل الله أو روحةٌ، خير من الدنيا وما فيها"
(2)
.
5 - متى يكون الجهاد فرض كفاية ومتى يكون فرض عين
؟.
الجهاد فرض كفاية، لقوله تعالى في سورة التوبة الآية (122):{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} .
أما إذا استنفر الإمام المسلمين للجهاد، أو داهم العدو بلاد المسلمين فيصبح الجهاد فرض عين، لقوله تعالى في سورة التوبة الآية (39):{إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
6 - لا يشترط السلطان أو القائد العادل لوجوب الجهاد، بل يصح مع كل بر وفاجر:
لأن الأدلة الدالة على وجوب الجهاد من الكتاب والسّنَة، وعلى فضيلته والترغيب فيه وردت غير مقيدة بكون السلطان أو أمير الجيش عادلًا بل هذه فريضة من فرائض الدين
(1)
أخرجه مسلم رقم (1910)، وأبو داود رقم (2502)، والنسائي (6/ 8).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (6/ 13 رقم 2792)، ومسلم (3/ 1499 رقم 112/ 1880).
أوجبها الله تعالى على عباده المسلمين، من غير تقييد بزمن أو مكان أو شخص أو عدل أو جور، فتخصيص وجوب الجهاد بكون السلطان عادلًا ليس عليه أثارة من علم.
7 - في جهاد التطوع لابد من إذن الوالدين:
عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: "أَحَيٌّ والداك؟ " قال: نعم، قال:"فَفِيهما فجَاهدْ"
(1)
.
8 - الجهاد بإخلاص يكفر الخطايَا إلَّا حقوقَ الآدميين:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُغْفرُ للشهيد كُلُّ ذنبٍ إلا الدَّين"، وهو حديث صحيح
(2)
.
من غير فرق بين دم أو عرض أو مال؛ إذ لا فرق بينهم.
9 - لا يستعان بالمشركين في الجهاد إلا لضرورة:
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل بدر، فلما كان بِحرَّةِ الوَبَرَةِ أدركهُ رجل، قد كان يُذكَرُ مِنْهُ جرأة ونجدة، ففرح أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوهُ، فلما أدركَهُ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعكَ وأصيبَ معكَ، قال لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تُؤْمنُ بالله ورسوله؟ " قال: لا، قال:"فارْجِعْ؟ فلن أستعين بمشرك"، قالت: ثم مضى حتى إذَا كُنَا بالشجرة أدركهُ الرجلُ، فقال له كما قال أول مرة، فقال لَهُ النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أولَ مرة، قال:"فارجِعْ؟ فَلَنْ أستعين بمشرك"، قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقالَ لَهُ كما قال أول مرة:"تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فانطَلِقْ"
(3)
.
بحر الوبرة: هو موضع على نحو من أربعة أميال من المدينة.
10 - تجب على الجيش طاعة أميرهم إلا في معصية الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "منَ أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني"
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (6/ 140 رقم 3004)، ومسلم (4/ 1975 رقم 5/ 2549).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1502 رقم 119/ 1886).
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1449 رقم 150/ 1817).
(4)
أخرجه البخاري (13/ 111 رقم 7137)، ومسلم (3/ 1466 رقم 33/ 1835).
11 - على الأمير مشاورة الجيش والرفق بهم وكفهم عن الحرام:
لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية (159): {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} .
وعن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عُبادة فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟، والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نُخيضَهَا البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الغِمَادِ، لفعلنا
…
"
(1)
.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم من وليَ من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم، فاشقُقْ عليه، ومن ولي من أمرِ أمتي شيئًا فرفقَ بهم، فارْفقْ به"
(2)
.
12 - مشروعية التورية للإمام إذا أراد غزوًا:
عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوةً، إلا ورَّى بغيرها"
(3)
.
13 - مشروعية الاستطلاع إذا أراد الإمام غزوًا:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعته يقولُ: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ يوم الخندق، فانتدب الزبيرُ، ثم ندبهم فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير"
(4)
.
فقال النبي عيم: "لكل نبي حواريٌّ وحَواريَّ الزبير".
14 - مشروعية ترتيب الجيش واتخاذ الرايات:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرَّجَّالة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلًا - عبد الله بن جُبير، فقال: "إن رأيتمونا تخطَفُنا الطير، فلا تَبْرحُوا مكانكم هذا، حتى أرسل إليكم، وإن رَأيتُمُونَا هَزَمْنا القومَ، وأَوْطَأْناهم، فلا تَبْرَحُوا حتى أرسل إليكم
…
"
(5)
.
عن جابر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان لواؤه يوم دخل مكة أبيض"، وهو حديث حسن
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم (31/ 1403 رقم 83/ 1779).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1458 رقم 19/ 1828).
(3)
أخرجه البخاري (8/ 113 رقم 4418)، ومسلم (4/ 2120 رقم 53/ 2769).
(4)
أخرجه البخاري (7/ 406 رقم 4113)، ومسلم (4/ 1879 رقم 48/ 2415).
(5)
أخرجه البخاري (رقم: 2874 - البغا).
(6)
أخرجه أبو داود (3/ 72 رقم 2592)، والترمذي (4/ 195 رقم 1679)، وابن ماجه (2/ 941 رقم 2817)، والنسائي (5/ 200 رقم 2866)، وغيرهم.
15 - آداب الجهاد:
عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر الأمير على جيشٍ أو سرية، وصّاه في خاصته بتقوى الله تعالى، وبمن معه من المسلمين خيرًا ثم قال:"اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، فإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خلال، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما عليهم، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله تعالى، الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم من الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، وإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم"، وهو حديث صحيح
(1)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "وجَدتُ امرأةً مقتولةً في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيانِ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
16 - يحرم قتل النساء والأطفال والشيوخ إلَّا لضرورة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان"
(3)
.
17 - المثلة والإحراق بالنار حرام:
المثلة حرام؛ لحديث بريدة المتقدم في الفقرة (15) آداب الجهاد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانًا فأحرقوهما بالنار"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: "إني أمرتُكم أن تُحرقوا فلانًا وفلانًا، وإنَّ النار لا يُعذِّبُ بها إلا الله، فإنْ وجدتموهما فاقتلوهما"
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم رقم (3/ 1731)، والترمذي رقم (1617)، و (1408)، وأبو داود رقم (2612) و (2613) مختصرًا.
(2)
أخرجه البخاري رقم (3015)، ومسلم رقم (1744).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6/ 148 رقم 3014)، ومسلم (3/ 1364 رقم 24/ 1744).
(4)
أخرجه البخاري (6/ 149 رقم 3016).
18 - يحرم الفرار من الزحف إلا إلى فئة:
لقوله تعالى في سورة الأنفال الآية (16): {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
19 - يجوز تبييت العدو ليلًا:
عن الصعب بن جَثَّامة رضي الله عنه قال: مرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء - أو بودان - فسُئِلَ عن أهل الدار يُبَيَّتُون من المشركين، فيُصَابُ من نسائهم وزَرَارِيِّهم، قال:"هُمْ منهم"، وسمعته يقول:"لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم "
(1)
.
20 - الخداع في الحرب جائز:
عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْحَربُ خَدْعَةٌ"
(2)
.
قال النووي
(3)
: "واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد".
21 - الكذب في الحرب جائز:
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لِكَعْبِ بنِ الأشرف؟ "، فقال محمد بن مسلمة: أتَحبُّ أن أقتلهُ؟ قال: "نعم"، قال: فَأْذَن لي فأقول، قال:"قد فعلت"
(4)
.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (6/ 146 رقم 3012)، ومسلم (3/ 1364 رقم 26/ 1745).
(2)
أخرجه البخاري (6/ 158 رقم 3030)، ومسلم (3/ 1361 رقم 17/ 1739).
(3)
في شرحه لمسلم (12/ 45).
(4)
أخرجه البخاري (6/ 160 رقم 3032)، وأخرجه مسلم (3/ 1425 رقم 119/ 1801) مع القصة.
الباب الثاني أحكام الغنائم
1 - كيف تقسم الغنيمة على الجيش والمصارف الأخرى
؟.
اتفق أهل العلم على أن الغنيمة تخمس، فالخُمس للأصناف التي ذكرت في آية الأنفال، وأربعة أخماسها للغانمين:
لقوله تعالى في سورة الأنفال الآية (41): {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} .
2 - يأخذ الفارس من الغنيمة ثلاثة أسهم، والرَّاجل سهمًا:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قسمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر؛ للفرس سهمين، وللراجل سهمًا" قال: فسَّرَهُ نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرسٌ فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرسٌ فله سهم
(1)
.
3 - يستوي في الغنيمة القوي والضعيف، ومن قاتل ومن لم يقاتل:
عن مصعب بن سعدٍ قال: رأى سعدٍ رضي الله عنه أن له فضلًا على من دونَهُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هل تُنْصَرونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بضعفائِكُم"
(2)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر بالسوي، بعد وقوع الخصام بين من قاتل، ومن لم يقاتل"، وهو حديث صحيح
(3)
.
4 - تنفيل بعض الجيش جائز بحسب المصلحة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يُنَفِّلُ بعضَ مَنْ يبعثُ من السرايا لأنفسهم خاصة، سوى قسم عامة الجيش، والخُمسُ في ذلك واجب كله"
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (7/ 484 رقم 4228)، ومسلم (3/ 1383 رقم 57/ 1762)، وغيرهما.
(2)
أخرجه البخاري (رقم: 2739 - البغا).
(3)
أخرجه أبو داود رقم (2737)، والحاكم في المستدرك (2/ 131)، وصححه أبو الفتح في "الاقتراح" على شرط البخاري.
(4)
أخرجه البخاري (6/ 237 رقم 3135)، ومسلم (3/ 1396 رقم 40/ 1750).
5 - للإمام صفي وسهم:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت صفية من الصَّفِيِّ، وهو حديث حسن
(1)
.
6 - لا يسهم للنساء والأطفال إذا حضرا المعركة، بل يرضخ لهم إذا رأى الإمام ذلك:
عن يزيد بن هرمز قال: "كتبَ نجدةُ بن عامرٍ الحروريُّ إلى ابن عباس، يسألهُ عن: العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يقسم لهما؟ وعن قتل الولدان؟ وعن اليتيم، متى ينقطع عنه اليتمُ؟ وعن ذوي القربى، من هم؟ فقال ليزيد: اكتبْ إليه، فلولا أن يقع في أحموقة ما كتبت إليه، اكتب: إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم، هل يُقسم لهما شيءٌ؟ وأنه ليس لهما شيءٌ، إلا أن يُحذيا من غنائم القوم"، وهو حديث صحيح
(2)
.
7 - يجوز للإمام إيثار المؤلفين:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لما كان يومُ حذيفٍ آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عُيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب فآثرهم يومئذٍ في القسمة، قال رجلٌ: والله إنَّ هذه القسمة ما عُدِلَ فيها وما أريد بها وجهُ الله، فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"، وهو حديث صحيح
(3)
.
8 - المالك أحق بماله إذا رده الكفار:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ذهب فرس له فأخذه العدو، فظهر عليه المسلمون، فرُدَّ عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَبِقَ عبدٌ له فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فرده عليه خالدُ بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم"
(4)
.
9 - يحرم الانتفاع بشيءٍ من الغنيمة قبل القسمة إلا الطعام والعلف:
عن رُويفع بن ثابت الأنصاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانَ يؤمنُ بالله واليوم الآخرِ،
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 398 رقم 2994).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1445 رقم 139/ 1812).
(3)
أخرجه البخاري (6/ 251 رقم 3150)، ومسلم (2/ 739 رقم 1062)
(4)
أخرجه البخاري (6/ 182 رقم 3067).
فلا يركبْ دابةً من فَيْءِ المسلمين، حتى إذا أَعْجَفَها رَدَّها فيه، ومن كان يؤمن بالله وباليوم الآخر، فلا يَلبِسْ ثوبًا من فَيْءِ المسلمين، حتى إذا أخلَقَهُ ردَّهُ فيه"، وهو حديث حسن
(1)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كُنَّا نُصيب في مغازينا العسل والعِنَبَ، فنأكلُهُ ولا نرفَعُهُ"، وهو حديث صحيح
(2)
.
10 - بيان تحريم الغلول وما جاء في الترهيب منه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهبًا ولا ورقًا، غنمنا المتاعَ والطعامَ والثيابَ، ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدٌ له، وهبَهُ له رجلٌ من جُذامٍ يُدعى رفاعة بن زيدٍ من بني الضُّبيبِ، فلما نزلنا الواديَ، قام عبدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَحُلُّ رَحْلَهُ فَرُمِيَ بسهمٍ، فكان فيه حتفُهُ، فقلنا: هنيئًا له الشهادةُ يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلا والذي نفسُ محمدٍ بيدهِ، إنَّ الشملة لتلتهب عليه نارًا، أخذها من الغنائم يوم خيبر، لم تُصِبْها المقاسمُ" قال: ففزع الناسُ فجاءَ رجلٌ بِشراكٍ أو شراكين، فقال: يا رسول الله، أصبت يوم خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"شراكٌ من نارٍ، أو شراكانِ من نارٍ"
(3)
.
يحل رحله: الرحل: هو مركب الرجل على البعير.
الشملة: كساء صغير يؤتزر به.
بشراك: الشراك: هو السير المعروف الذي يكون في النعل على ظهر القدم.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: حاربت النَّضيرُ وقريظة، فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومنَّ عليهم، حتى حاربت قريظةُ، فقتلَ رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين، إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم: بني قينقاع - وهم رهط عبد الله بن سلام - ويهود بني حارثة، وكلَّ يَهوديٍّ كان بالمدينة
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 153 رقم 2708)، والدارمي (2/ 230)، وابن حبان في صحيحه رقم (4850)، وأحمد (4/ 108 - 109).
(2)
أخرجه البخاري رقم (3154).
(3)
أخرجه البخاري (11/ 592 رقم 6707)، ومسلم (1/ 108 رقم 183/ 115).
(4)
أخرجه البخاري (رقم 3804 - البغا)، ومسلم (3/ 1387 رقم 1766).
11 - يجوز للإمام أن يفعل ما هو الأحوط للإسلام والمسلمين؛ من قتلٍ أو فداءٍ أو مَنٍّ للأسرى:
لقوله تعالى في سورة محمد الآية (4): {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} .
أثخنتموهم: أثقلتموهم بالقتل والجراح.
فشدوا الوثاق: فأسروهم وشدوا رباطهم، حتى لا يفلتوا منكم.
منًّا: تمنون منًّا، والمن: هو الإنعام، والمراد إطلاقهم من غير فدية.
تضع الحرب أوزارها: حتى تنتهي الحرب ويضع المقاتلين أسلحتهم، وكفهم عن القتال، وأصل الوزر ما يحمله الإنسان، فأطلق على السلاح؛ لأنه يُحمل.
* * *
الباب الثالث أحكام الأسير والجاسوس والهدنة
1 - يجوز استرقاق الكفار من عرب أو عجم:
عن ابن عونٍ قال: كتبتُ إلى نافعٍ، فكتبَ إليَّ:"إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق، وهم غارُّون وأنعامهم تُسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، وأصاب يومئذٍ جُوَيريةَ، حدثني به ابن عمرَ، وكان في الجيش"
(1)
.
2 - يجوز قتل الجاسوس:
عن سلمة بن الأكوع، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عينٌ من المشركين - وهو في سفرٍ - فجلس عند أصحابه يتحدثُ، ثم انفتلَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اطلبوه واقتلوه"، فقتلتُهُ، فَنفَّلَهُ سَلَبَهُ
(2)
.
3 - بيان أن الحربي إذا أسلم طوعًا أحرز أمواله:
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلَّا بحق الإسلام، وحسابهم على الله"
(3)
.
عصموا: حفظوا ووقوا، وألحق صغار الأولاد بما ذكر؛ لأن الولد تبع لأبويه في الإسلام، بحق الإسلام: أي إذا فعلوا ما يستوجب عقوبة مالية أو بدنية في الإسلام، فإنهم يؤاخذون بذلك قصاصًا، حسابهم على الله: أي فيما يتعلق بسرائرهم وما يضمرون.
4 - بيان أن عبد الكافر إذا أسلم ثبتت له الحرية:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرج عِبْدَانٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني يوم الحديبية - قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم، فقالوا: يا محمد، والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هربًا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله رُدَّهَم إليهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "ما أراكُم تنتهون يا معشر قريش، حتى يبعثَ
(1)
أخرجه البخاري (5/ 170 رقم 2541)، ومسلم (3/ 1356 رقم 1/ 1730).
(2)
أخرجه البخاري (6/ 168 رقم 3051).
(3)
أخرجه البخاري (1/ 75 رقم 25)، ومسلم (1/ 53 رقم 36/ 22).
الله عليكم من يضربُ رقابكم على هذا"، وأبى أن يردهم، وقال: "هُمْ عُتَقَاءُ الله عز وجل"، وهو حديث حسن
(1)
.
5 - حكم الأرض المغنومة مفوض إلى الإمام يفعل فيها ما فيه المصلحة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما قريةٍ أتيتُموهَا، وأقمتم فيها، فسهمُكُم فيها، وأيما قريةِ عصت الله ورسولهُ، فإنَّ خُمُسَها لله ولرسولهِ، ثم هي لكم"، وهو حديث صحيح
(2)
.
6 - من أمَنه أحد المسلمين صار آمنًا:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
…
وذِمّةُ المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم، فمن أخفرَ مسلمًا فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أَجمعين، لا يُقْبَلُ منه يومَ القيامةِ عدلٌ ولا صرف" وهو حديث صحيح
(3)
.
7 - أن الرسول صلى الله عليه وسلم كالمؤمَّن:
عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما، حين قرأ كتاب مسيلمة:"ما تقولان أنتما"؟ قالا: نقول كما قال، قال:"أما والله لولا أنَّ الرُّسلَ لا تُقْتَلُ لضربْتُ أعناقَكُما"، وهو حديث حسن
(4)
.
8 - تجوز مهادنة الكفار وملوكهم وقبائلهم
، إذا اجتهد الإمام وذوو الرأي من المسلمين، فعرفوا نفع المسلمين في ذلك ولم يخافوا من الكفار مكيدة - ولو بشرط، وإلى أجل أكثره عشر سنين:
هذا القدر في مدة الصلح هو المعتمد، وبه جزم ابن سعد في الطبقات (2/ 97)، ورجحه ابن حجر في الفتح (5/ 343)، وأخرجه الحاكم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
9 - يجوز تأبيد المهادنة بالجزية:
عن المسور بن مخرمة أنَّهُ أخبرَهُ: أنَّ عمرو بنَ عوفٍ الأنصاري هو حليفٌ لبني عامر بن لؤيٍ وكان شَهِدَ بدرًا، أخبرهُ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى
(1)
أخرجه أبو داود (3/ 148 رقم 2700)، والترمذي (5/ 634 رقم 3716)، وقال: حديث حسن صحيح غريب.
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1376) رقم (47/ 1756).
(3)
أخرجه مسلم (2/ 999 رقم 470/ 1371).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 487)، وأبو داود (3/ 191 رقم 2761).
البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمَّرَ عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمالٍ من البحرين، فسمعت الأنصارُ بقدوم أبي عُبيدة فوافتْ صلاةَ الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صلى بهم الفجر انصرفَ، فتعرضُوا له فتبسمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حينَ رآهُمْ، وقال:"أظنُّكُمْ قد سَمِعْتُمْ أنَّ أبا عبيدة قد جاء بشيءٍ"، قالوا: أجل يا رسول الله، قال:"فأبشروا وأمِّلوا مَا يَسُرُّكم، فوالله لا الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبْسَطَ عليكم الدنيا، كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وتُهْلكَكُم كَمَا أَهْلَكَتْهم"
(1)
.
10 - يمنع المشركون وأهل الذمة من السكون في جزيرة العرب:
عن عمر بن الخطاب أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لأخرجنَّ اليهودَ والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدَعَ إلا مُسلِمًا"
(2)
.
11 - ممن تؤخذ الجزية
؟.
عن نافع عن أسلم: "أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد: لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسي"
(3)
.
12 - قدرها:
عن معاذ رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن، أمره أن يأخذ من كل حالم دينارًا، أو عدله من المعافرة"
(4)
.
وتجوز الزيادة؛ لحديث أسلم: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهمًا، ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام"
(5)
.
ويُراعي الإمام اليسر والعسر؛ لقول ابن أبي نجيح: قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جُعِلَ ذلك من قبل اليسار"
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري (رقم 2988 - البغا)، ومسلم (4/ 2273 رقم 6/ 2961).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1388 رقم 63/ 1767).
(3)
أخرجه البيهقي (9/ 195)، وانظر: الإرواء رقم (1255)، وهو أثر صحيح.
(4)
أخرجه أبو داود رقم (3038)، والترمذي رقم (623)، وقال: حديث حسن، وابن ماجه رقم (1803)، وانظر: الإرواء رقم (1254)، وهو حديث صحيح.
(5)
أخرجه البيهقي (9/ 195)، وانظر: الإرواء رقم (1261)، وهو أثر صحيح.
(6)
أخرجه البخاري تعليقًا (6/ 257)، وانظر: الإرواء رقم (1260)، وهو أثر صحيح.
الباب الرابع حكم قتال البُغاة
1 - يجب قتال البُغاة حتى يرجعوا إلى الحق:
لقوله تعالى في سورة الحجرات الآية (9):
2 - لا يقتل أسير البُغاة ولا يُتبع مدبرهم، ولا يُجْهَز على جريحهم ولا تُغنم أموالهم:
لأن الأصل في دماء المسلمين وأموالهم الحرمة، فلا يحل شيء منها إلا بدليل شرعي
* * *
الباب الخامس أحكام الإِمامة
1 - يجب طاعة الحاكم إلَّا في معصية الله؛ لقوله تعالى في سورة النساء الآية (59): {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}
.
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه، المتقدم في الباب الأول من كتاب الجهاد الفقرة (10).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمعُ والطاعةُ على المرء
المسلم فيما أَحَبَّ وَكَرِهَ، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعةَ"
(1)
.
2 - لا يجوز الخروج على الحاكم ما أقام الصلاة ولم يُظهر كفرًا بواحًا:
عن عوف بن مالكٍ الأشجعي، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خيارُ أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتُصلُّون عليهم ويُصلُّون عليكم، وشرارُ أئمتكم الذين تُبغضونهم ويُبغضونكم، وتلعنونَهم ويلعنونكم"، قالوا: قلنا: يا رسول الله، أفلا نُنابذهم عند ذلك؟ قال:"لا، ما أقاموا فيكم الصلاةَ، لا، ما أقامُوا فيكم الصلاة، ألا مَنْ وَليَ عليه والٍ فرآهُ يأتي شيئًا من معصية الله، فَليَكْرَهُ ما يأتي من معصية الله، ولا يَنْزِعنَّ يدًا من طاعَةٍ"
(2)
.
وعن حذيفة بن اليمان، قال: قلت: يا رسول الله، إنَّ كُنَّا بشرِّ فجاءَ اللهُ بخيرٍ، فنحنُ فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال:"نعم"، قلت: هل وراء ذلك الشر خيرٌ؟ قال: "نعم"، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: "نعم". قلت: كيف؟ قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقومُ فيهم رجالٌ، قلوبهم قلوبُ الشياطين في جُثمان إنسٍ" قال: قلت: كيف أصنعُ يا رسول الله إن أدركتُ ذلك؟ قال: "تسمعُ وتطيعُ للأمير، وإن ضُرِبَ ظهْرُكَ وَأُخِذَ مالُكَ، فاسْمَع وأطِعْ"
(3)
.
3 - وجوب الصبر على جور الحاكم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما يرويه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى من أميره شيئًا يكرهُهُ فليصْبِرْ؛ فإنَّهُ من فارقَ الجماعةَ شبرًا فمات، فميتةٌ جاهليةٌ
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (13/ 121 رقم 7144)، ومسلم (3/ 1469 رقم 38/ 1839).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1482 رقم 66/ 1855).
(3)
أخرجه مسلم (3/ 1476 رقم 52/ 1847).
(4)
أخرجه البخاري (13/ 121 رقم 7143)، ومسلم (3/ 1477 رقم 55/ 1849).
وعن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يُحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كانت بنو إسرائيل تسوسُهُمُ الأنبياءُ، كلما هلك نبيٌّ خَلَفَهُ نبيٌّ وإنَّه لا نبي بعدي، وستكون خُلَفَاءُ فتكْثُرُ" قالوا: فما تأمُرُنَا؟ قال. "فُوا ببيعة الأول، فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم"
(1)
.
4 - وجوب النصيحة للحكام:
عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم"
(2)
.
5 - بيان ما يجب على الحكام نحو رعيتهم:
يجب على الحكام الذب عن المسلمين وكفُّ يد الظالم، وحفظ ثغورهم وتدبيرهم بالشرع في الأبدان، والأديان والأموال، وتفريقُ أموال الله في مصارفها، وعدمُ الاستئثار بما فوق الكفاية بالمعروف، والمبالغة في إصلاح السيرة والسَّريرة.
وعن الحسن قال: عاد عُبيدُ الله بن زيادٍ معقل بن يسارٍ المزني في مرضه الذي مات فيه، قال معقل: إني مُحدِّثُكَ حديثًا سمعتُهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو علمتُ أنَّ لي حياةً ما حدثتُكَ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، يموتُ يومَ يموتُ، وهو غاشٌّ لرعيته، إلَّا حَرَّمَ اللهُ عليه الجنةَ"
(3)
.
وعن أبي المليح، أنَّ عُبيد الله بن زيادٍ، عاد معقل بن يسار في مرضه، فقال له معقلٌ: إني محدثُكَ بحديثٍ، لولا أني في الموت لم أحدثك به، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجتهد لهم، وينصح لهم، إلَّا لم يدخُلْ معهم الجنة"
(4)
.
تم الكتاب بفضل الله وتوفيقه، ومنه وكرمه، وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. الله أسأل أن ينفع به، ويجعله في ميزاني يوم العرض عليه
المؤلف
أبو مصعب: محمد صبحي حسن حلاق
غفر الله له ولوالديه ولمشايخه. آمين
(1)
أخرجه البخاري (6/ 495 رقم 3455)، ومسلم (3/ 1471 رقم 44/ 1842).
(2)
أخرجه مسلم (1/ 74 رقم 95/ 55)
(3)
أخرجه البخاري (13/ 126 رقم 7150)، ومسلم (1/ 125 رقم 227/ 142).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 126 رقم 229/ 142).