الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
رَبِّ يَسِّرْ وأعِنْ بِرَحْمَتِكَ
(1)
قال العبدُ الفقير، المعترف بالعجز والتقصير، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي الحنبلي عفا الله عنهم
(2)
:
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلَّمه، ورفع قدر العلم وعظَّمه، ووفَّق للفقه
(3)
في دينه من اختار
(4)
وفهَّمه.
(1)
قوله: (برحمتك) سقط من (أ).
(2)
قوله: (قال العبدُ الفقير، المعترف بالعجز والتقصير، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي الحنبلي عفا الله عنهم) هو في (أ): (قال مولانا وسيدنا وشيخنا، الشَّيخ الإمام العالم العامل العلَّامة القدوة، الرحَّالة المحقِّق المدقِّق، وحيد الدَّهر، فريد العمر، شيخ الإسلام وعالمهم، بقيَّة المجتهدين، عمدة النُّحاة والمحدِّثين، بركة الملوك والسَّلاطين، خالصة أمير المؤمنين، أبو إسحاق بن مفلح المقدسي الحنبلي، أسبغ الله ظلاله، وختم بالصَّالحات أعماله، ونفعنا به وبعلومه في الدُّنيا والآخرة بمنِّه وكرمه).
ومن قوله: (رَبِّ يَسِّر وأعن)، إلى قوله:(ونفعنا به وبعلومه في الدُّنيا والآخرة بمنِّه وكرمه)، هو في (ب) و (و):(وبه نستعين. قال الشيخ الإمام العلامة، الحبر الفهامة، إمام عصره، ووحيد دهره، شيخ الإسلام، بقية المجتهدين، مولانا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي عفا الله عنه).
وفي (ز): (قال الشيخ الإمام العلامة، الحبر الفهامة، إمام عصره، وفريد دهره، شيخ الإسلام، بقية المجتهدين، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي الحنبلي عفا الله عنه).
(3)
في (أ): للتنبيه.
(4)
في (ب): اختاره.
أحمده حمدًا يعصم من نِقَمِه، ويتكفَّل
(1)
بدوام نِعَمِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالمُ خَفِيَّات الأسرار، وغافرُ الخطيئاتِ والأوزار.
وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الدَّاعي إلى سبيل ربِّه بالحكمة، والكاشف برسالته جلابيب الغمَّة، صلَّى الله عليه وعلى آله الكرام، وأصحابه الحائزين من رِضى الله أقصى المرام، وسلَّم وكرَّم، وشرَّف وعظَّم.
وبعد
(2)
: فإنَّ الاشتغال في العلم من أفضل
(3)
القُرباتِ، وأجلِّ الطَّاعاتِ، وآكدِ العباداتِ، خصوصًا علمَ الحلالِ والحرامِ، الَّذي به قِوامُ الأنامِ، ويُتوصَّل به إلى العمل بالأولى
(4)
، وتحصل به السَّعادة في الأُولى، ورفع الدَّرجات في الأخرى.
وكنت قرأت فيه كتاب «المقنع» لشيخ الإسلام العلَّامة موفَّق الدِّين أبي محمَّد عبد الله بن أحمد
(5)
بن قُدامة - تغمَّده الله برحمته، وأسكنه بحبوحة
(6)
جنَّته - وهو من أجلِّها تصنيفًا، وأجملها تَرْصيفًا، وأغزرها علمًا، وأعظمها تحريرًا، وأحسنها ترتيبًا وتقريرًا.
فتَصدَّيْتُ لأن أشرحَه شرحًا يبيِّن حقائقه، ويوضِّح دقائقَه، ويذلِّل من اللَّفظ صعابَه، ويكشف عن وجه المعاني نقابَه، أنبِّه فيه على ترجيح ما أُطلق، وتصحيح ما أُغلق، وأجتهدُ
(7)
في الاختصار خوفَ الملل والإضجار.
(1)
في (و): يكتفل.
(2)
قوله: (وبعد) سقط من (و).
(3)
قوله: (في العلم من أفضل) هو في (و): بالعلم من أعظم.
(4)
زيد في (ب) و (و) و (ز): والأخرى.
(5)
قوله: (أبي محمَّد عبد الله بن أحمد) هو في (ب): أبي عبد الله ابن أحمد، وفي (و): عبد الله محمد. وقوله: (بن) سقطت من (أ).
(6)
في (أ): فسيح. وفي (ب) و (و): بحبوح.
(7)
في (ب) و (و): وأجتهدت.
وسمَّيته ب: «المُبدع شرح المُقنع» ، واللهَ أسأل أن ينفعَ به، ويجعلَه خالصًا لوجهِه الكريمِ، إنَّه غفورٌ رحيمٌ.
قال المؤلِّف رحمه الله تعالى
(1)
: (الْحَمْدُ لِلهِ)، افتتح
(2)
كتابه بعد التَّبرُّك بالبسملة بحمد الله؛ أداءً لحقٍّ يُنبئ عمَّا يجب عليه
(3)
من شكر نعمائه الَّتي تأليفُ
(4)
هذا المختصر أثرٌ من آثارها، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«كلُّ أمرٍ ذِي بَالٍ لا يُبدأُ فيه بحمدِ اللهِ فهو أجذمُ» رواه أبو داود، وابن حبَّان في «صحيحه» ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(5)
، ومعنى «ذي بال» أي: حَال يُهتمُّ به. و «الأجذمُ» بالجيم والذال المعجمة: هو الأقطع، ومعناه: أنَّه مقطوعُ البركةِ.
والحمد: هو الثَّنَاءُ باللسانِ على قَصدِ التَّعظيمِ، سواءٌ تعلَّق بالنِّعمة أو بغيرها، والشُّكر ينبئُ عن تعظيم المُنعم لكونه مُنعِمًا، سواءٌ كان باللِّسان أو بالجَنان أو بالأركان.
فمورد الحمد: هو اللِّسان وحدَه، ومُتَعلَّقه: النِّعمة وغيرها، والشُّكر
(6)
يعمُّ اللِّسانَ وغيرَه، ومُتَعلَّقُه: النِّعمة فقط.
(1)
كتب على هامش الأصل: (ولد مصنف المقنع موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي بقرية بجبل من جبل نابلس من الأرض المقدسة في شهر شعبان سنة 541، وتوفي نهار السبت وهو يوم عيد الفطر بدمشق، ودفن يوم الأحد من سنة 620، ودفن بجبل قاسيون تحت مغارة توبة، وكان الخلق لا يحصي عددهم إلا الله تبارك وتعالى، انتهى).
(2)
زاد في (أ): (الشيخ).
(3)
قوله: (يُنبئ عمَّا يجب عليه) هو في (ب) و (و): شيء مما يجب على.
(4)
في (و): بتأليف.
(5)
أخرجه أبو داود (4840) وابن ماجه (1894) وابن حبان (1) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه به، أعله النسائي والدارقطني بالإرسال، وفي سنده قرة بن عبدالرحمن المعافري، ضعفه جماعة، وصحح الحديث ابن حبان وأبو عوانة، وحسنه النووي، وابن الصلاح، وابن الملقن، ينظر: العلل للدارقطني (8/ 30)، السنن له (1/ 427)، تحفة الأشراف (13/ 368)، البدر المنير (7/ 528)، الإرواء (1/ 30).
(6)
قوله: (والشكر) سقط من (ز).
فالحمد أعمُّ من الشُّكر باعتبار المتعلَّق، وأخصُّ باعتبار المورد، وعكسه الشُّكر، فبينهما عموم وخصوص من وجه؛ لأنَّهما يجتمعان في مادَّة؛ وهو الثَّناء باللِّسانِ في مُقابَلة الإحسان، ويفترقان في صدق الحمدِ فقط على الوصف بالعلم والشَّجاعة
(1)
، وصدق الشُّكر فقط على الثناء بالجَنان أو الأركان في مقابلة الإحسانِ.
وقيل: الحمد أعمُّ من الشُّكر. وقيلَ: هما سواء.
ونقيض الحمد: الذَّمُّ، ونقيض الشُّكر: الكفر.
والألف واللَّام فيه للعموم، أي: يستحق المحامدَ كلَّها
(2)
.
واختلف في اشتقاقه؛ فقال النَّضر بن شميل
(3)
: (هو مشتقٌّ من «الحَمَدَة» ، وهي شدة
(4)
لهب النار)، وقال ابن الأنباري
(5)
: (هو مقلوب من «المدح» ؛ كقولهم: ما أطيبه وأَيطبَه
(6)
.
(للهِ): اسم للذات الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد، ولهذا لم
(1)
قوله: (والشجاعة) سقط من (و).
(2)
قوله: (أي يستحق المحامد كلها) سقطت من (أ).
(3)
هو أبو الحسن النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم بن عبدة بن زهير السكب، التميمي المازني، النحوي، البصري؛ كان عالمًا بفنون من العلم، صاحب غريب وفقه وشعر ومعرفة بأيام العرب، وهو من أصحاب الخليل بن أحمد، توفي سنة 204 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 5/ 397، تاريخ الإسلام 5/ 207.
(4)
في (أ): سكرة.
(5)
هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان، أبو بكر بن الأنباري، محدث، مفسر، لغوي، نحوي، قال محمد بن جعفر التميمي:(ما رأينا أحدًا أحفظ من ابن الأنباري ولا أغزر من علمه)، توفي سنة 328 هـ، من تصانيفه: عجائب علوم القران، وغريب الحديث، والمشكل في معاني القرآن. ينظر: سير أعلام النبلاء 15/ 274، وتاريخ بغداد 3/ 189.
(6)
في (ز): وأيطب به.
يقل
(1)
: الحمد للخالق أو للرَّازق
(2)
، ممَّا يُوهِم باختصاص
(3)
استحقاقِه الحمدَ بوصفٍ دونَ وَصفٍ.
ونقل البَنْدَنِيجِي
(4)
عن أكثر العلماء: أنه الاسم الأعظم؛ لأنَّه في سائر تصاريفه يدلُّ على الذَّات المقدَّسة.
وذهب الخليل بن أحمد وأبو حنيفة
(5)
: أنَّه ليس بمشتق.
وذهب آخرون - وحكاه سيبويه عن الخليل - إلى خلافه؛ فقيل: هو من أَلَه - بالفتح - إلاهةً؛ أي: عبَدَ عبادة، والمعنى: أنَّه مستحقٌّ للعبادة دونَ غيرِه.
وقال المبرد
(6)
: (هو من قول العرب: أَلِهْتُ إلى فلان؛ أي: سكنت إليه)
(7)
.
وأصله: إلَه؛ لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} [الزّخرُف: 84]،
(1)
في (و): يقبل.
(2)
في (ب) و (و): الرازق.
(3)
في (ب): اختصاصه، وفي (و): اختصاص.
(4)
في (ب): البدنجي، وفي (و): البندنجي.
هو القاضي أبو علي الحسن بن عبيد الله ابن الشيخ البندنيجي، من أصحاب الوجوه عند الشافعية، درس على الشيخ أبي حامد الإسفراييني، وكان دينًا صالحًا، وله كتاب الجامع، قال النووي:(قلَّ في كتب الأصحاب مثله)، توفي سنة 425 هـ. ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 4/ 305، طبقات الشافعيين 1/ 388
(5)
هو أحمد بن داود الدينوري، العلامة، أبو حنيفة، النحوي، تلميذ ابن السكيت، ألف في النحو واللغة والهندسة والهيئة، من مصنفاته: كتاب النبات، والأخبار الطوال، توفي سنة 282 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 13/ 422، الوافي بالوفيات 6/ 223.
(6)
هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان بن سليمان الثمالي الأزدي البصري، المعروف بالمبرد النحوي؛ كان إمامًا في النحو واللغة، من مصنفاته: كتاب الكامل، وكتاب الروضة، وغير ذلك، توفي سنة 286 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 313، وسير أعلام النبلاء 13/ 576.
(7)
ينظر: تفسير الثعلبي 1/ 97، اشتقاق أسماء الله عز وجل للزجاجي ص 23.
فأدخلت عليه الألف واللام، فصار «الإله» ، ثمَّ أُلقيت
(1)
حركة الهمزة على لام التعريف، ثمَّ سكِّنت وأدغمت في اللام الثَّانية، فصار
(2)
«الله» بالتَّرقيق، ثمَّ فخِّم
(3)
إجلالاً وتعظيمًا، فقيل:«الله» ، كذا قرَّره أبو البقاء
(4)
وغيره، وفيه نظر؛ لما فيه من التَّكلُّف.
وهو عربيٌّ، خلافًا للبلخيِّ
(5)
في تعريبه من
(6)
السِّريانيَّة.
(الْمَحْمُودِ): هو صفة لله تعالى، والأَوْلى جره، وكذا ما بعدَه من الصِّفات.
(عَلَى كُلِّ حَالٍ)؛ لما روي: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا رَأَى مَا يُعْجِبُه، قال:«الحمدُ لله الذي بنعمتِه تَتمُّ الصَّالحاتُ، وإذا رأى غيرَ ذلك، قال: الحمد لله على كلِّ حالٍ»
(7)
.
(1)
في (أ): أبقيت.
(2)
في (ب) و (و): وصار.
(3)
في (و): فخمت.
(4)
هو أبو البقاء محب الدين، عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين العكبري، ثم البغدادي، الأزجي، الفقيه المفسر الفرضي النحوي الضرير، تفقه على القاضي أبي يعلى الصغير، من مصنفاته: تفسير القرآن، والبيان في إعراب القرآن، وغيرها، توفي سنة 616 هـ. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 3/ 229، المقصد الأرشد 2/ 30.
(5)
هو: أحمد بن سهل، أبو زيد، البلخي المعتزلي، كان يسلك طريق الفلاسفة في مصنفاته إلا أنه بأهل الأدب أشبه، ويقال له: جاحظ زمانه، من مصنفاته: كتاب شرائع الأديان، كتاب كمال الدين، كتاب أسماء الله عز وجل وصفاته، وغيرها، توفي سنة 322 هـ. ينظر: الفهرست لابن النديم ص 170، الوافي بالوفيات 6/ 251، لسان الميزان 1/ 183.
(6)
في (أ): في.
(7)
أخرجه ابن ماجه (3803) وابن السني في عمل اليوم والليلة (378)، والحاكم (1840)، عن عائشة رضي الله عنها، وسنده ضعيف؛ لأنه من رواية الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد الخراساني، ورواية الشاميين عنه ضعيفة، وللحديث شاهد من حديث علي وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، ينظر: تهذيب الكمال (9/ 416)، الصحيحة للألباني (265).
(الدَّائِمِ)، قال تعالى:{أُكُلُهَا دَائِمٌ} [الرّعد: 35]؛ أي: مُستمرٌّ، ولمَّا كان أحقُّ
(1)
الأشياءِ بالدَّوام هو الله، كان الدَّائم هو الله تعالى.
(الْبَاقِي)، قال تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرَّحمن: 27]، والدَّوام أعمُّ من البقاء؛ لأنَّه يستعمل في الزَّمن الماضي، ويسمَّى أَزَلِيًّا، وفي المستقبلِ، ويُسَمَّى أَبَديًّا. (بِلَا زَوَالٍ)؛ أي: بلا انفصالٍ.
(الْمُوجِدِ)؛ هو اسم فاعل من أوجد. (خَلْقَهُ)؛ أي: مخلوقاتِه؛ إذْ المصدر يرِد بمعنى المفعولِ؛ كقولهم: الدِّرهم ضَرْبُ الأمير؛ أي: مَضروبُه. (عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ) سبَق؛ لأنَّه أنشأها من العدم لكمال قُدرته وعَظَمته.
(الْعَالِمِ)؛ هو
(2)
من جملة أوصافِه الذَّاتيَّة؛ لأنَّه يوصَف به، ولا يوصف بنقيضِه في مذهب أهل السُّنَّة والجماعة؛ لأنَّه تعالى عالمٌ بعلم، وعلمُه قديم، ليس بضَروريٍّ ولا نظريٍّ، وفاقًا
(3)
. (بِعَدَدِ)، يقال: عدَدْت الشَّيءَ عدًّا: أحصَيْته
(4)
، والاسم: العَدَد، والعَدِيد، يقال: هم عَدِيد الحصى والثَّرَى؛ أيْ: في الكثرة. (الْقَطْرِ)، جمع قطرة، وهو المطر، وقد قطر الماء، يقطر
(5)
قَطْرًا، وقطرتُه أنا
(6)
، يتعدَّى ولا يتعدَّى. (وَأَمْوَاجِ)، يقال: ماج البحر، يموج موجًا: إذا اضطربَت
(7)
، وكذلك النَّاسُ يَمُوجون يومَ القيامة. (الْبَحْرِ)
(1)
في (ب) و (و): هو أحق.
(2)
قوله: (هو) سقط من (ز).
(3)
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح مختصر التحرير ص 43: (هذا من التكلف، فلا ينبغي أن تقول: هو ضروري أو نظري؛ لأنه ليس لنا أن ننفي عن الله صفة إلا بدليل، كما لا نثبتها إلا بدليل).
(4)
في (ز): أحصيت.
(5)
قوله: (يقطر) سقط من (أ).
(6)
في (ب): إليَّ، وفي (و): أي.
(7)
في (ب) و (و) و (ز): اضطرب. وزاد في (أ) و (ب): أمواجه. وضرب عليها في الأصل.
هو خلاف البَرِّ، يقال: سُمِّي به لِعُمقِه واتِّساعِه، والجمعُ أَبحُرٌ وبِحارٌ وبُحُورٌ، وكلُّ نَهر عظيم: بَحْرٌ، ويسمَّى الفرسُ الواسعُ الجَرْيِ: بَحْرًا، وماءٌ بَحْرٌ؛ أيْ: مِلْحٌ، وتبحَّر في العِلْم وغيرِه؛ أي: تعمَّق فيه وتوسَّع
(1)
. (وَذَرَّاتِ الرِّمَالِ) الذَّرَّاتُ: واحدُها ذرَّة، وهي صُغرَى النَّمل، ثمَّ استُعمِل في الرَّمل تشبيهًا.
(لَا يَعْزُبُ) هو بضم الزَّاي وكسِرها؛ أي: لا يبعُدُ ولا يغيبُ، (عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ)؛ أي: زِنَة مثقالِ ذرَّةٍ. (فِي الْأَرْضِ)، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«خلقَ الله الأرض على قرنِ ثور، والثَّورُ واقفٌ على ظهرِ نُونٍ، والحوتُ في الماء، والماءُ على ظهر صَفًا، والصَّفَا على ظهر مَلَك، والملَك على صَخرة، والصَّخرةُ على الرِّيح، وهي الصَّخْرةُ الَّتي ذكرها لقمانُ، ليست في الأرض ولا في السماء»
(2)
.
قال الحكماء: الأرضُ جسمٌ بسيطٌ كُرِّيٌّ بارِدٌ يابِسٌ، يتحرَّك إلى الوسَط، ولولا برودتُها ويُبْسها ما أمكنَ قرارُ الحيوانِ على ظهرِها، ومدرت
(3)
المعادن والنَّبات في بطنها، وخُلقت قبل السَّماء في قولٍ؛ لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} الآية [البَقَرَة: 29].
وهي سبعٌ؛ لقوله تعالى: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطّلَاق: 12]، ولقوله عليه السلام:
(1)
قوله: (تعمَّق فيه وتوسَّع) هو في (ب) و (و): توسع تعمق وتوسع.
(2)
أخرجه ابن جرير في التفسير (1/ 462)، والبيهقي في الأسماء والصفات (807)، من طريق السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال الحافظ ابن كثير بعد أن أورد هذا الخبر:(وهذا الإسناد يذكر به السدي أشياء كثيرة فيها غرابة، وكان كثير منها متلقى من الإسرائيليات). ينظر: البداية والنهاية 1/ 34.
(3)
قوله: (ومدرت) سقط من (و)، وفي (ب): بردت.
جاء في تاج العروس 14/ 95: (مدر الحوض: سد خصاص حجارته بالمدر).
«من اقتَطَع من الأرضِ شبرًا بغير حقٍّ؛ طُوِّقَه
(1)
يومَ القيامةِ من سبع أرضين»
(2)
.
(وَلَا فِي السَّمَاءِ)، قال قتادة:(خُلقت قبل الأرض)
(3)
؛ لقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} [النَّازعَات: 27] إلى قوله: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)} [النَّازعَات: 30]، وقال تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعَام: 1].
وقال مجاهد: (إنه تعالى أيبَسَ الماء الذي كان عرشه عليه، فجعلَه أرضًا، وثار منه دخانٌ، فارتفعَ فجعلَه سماءً، فصارَ خَلقُ الأرضِ قَبلَ السَّماء، ثمَّ قصدَ أمره إلى السَّماء فسواهنَّ سبع سماواتٍ، ثمَّ دحا الأرض بعد ذلك، وكانت إذ خلقها غير مَدحُوَّة)
(4)
.
(وَلَا تَحْتَ أَطْبَاقِ الْجِبَالِ)، واحدها جبل، وأعظمها خلقًا جبل
(5)
قاف، قال المفسِّرون
(6)
: هو أخضر من زَبَرْجَدَةٍ خضراء، ومنها خضرة السَّماء، وهو محيط بالدُّنيا إحاطة بياض العين بسوادها، ومن ورائه خلق لا يعلمها
(7)
إلَّا
(1)
في (ب) و (و): طوقه الله.
(2)
أخرجه البخاري (3198) ومسلم (1610) من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه.
(3)
تفسير الطبري 9/ 145.
(4)
أورده القرطبي في تفسيره بلفظه دون إسناد (1/ 255)، وأخرجه مسندًا بمعناه: عبد الرزاق في تفسيره (29)، وابن جرير في التفسير (1/ 463)، وابن أبي حاتم في التفسير (305).
(5)
قوله: (وأعظمها خلقًا جبل) سقط من (ب) و (و).
(6)
قال الحافظ ابن كثير 7/ 394: (وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا (ق): جبل محيط بجميع الأرض، يقال له: جبل قاف. وكأن هذا - والله أعلم - من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم فيما لا يصدق ولا يكذب، وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم).
(7)
قوله: (خلق لا يعلمها) في (أ): (خلق لا يعلمهم)، وفي (ب) و (و) و (ز): خلائق لا يعلمها.
الله، وخلقها الله لحكمة، وهي أنَّ الحوت لمَّا اضطرب تزلزلت
(1)
الأرض، فأرسل عليها الجبال فقرَّت، فالجبال تفخر على الأرض، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبيَاء: 31].
قال بعض المهندسين
(2)
: لو لم تكن الجبال لكان وجه الأرض
(3)
مستديرًا أملس، ولو كان كذلك، لغطَّى الماء جميع جهاتها وأحاطَ بها.
(عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)؛ لأنَّه تعالى يعلم ما غاب عن العيون ممَّا لم يُعايَن ولم يُشاهَد، وقيل: هما السِّرُّ والعلانية.
والإشارة به: أنَّ العلم ينقسم إلى شهادة وغَيب، فالشَّهادة: ما حصلت معرفتُه من طريق الشُّهود، وما عدا ذلك فهو غَيب بالإضافة إليه.
(الْكَبِيرِ): العظيم. (الْمُتَعَالِ): المنزَّه عن صفات المخلوقين.
واعلم أنَّه قد أُنكر على المؤلف في إسقاط التَّشهُّد من الخطبة؛ لما ورد في الحديث: «كلُّ خُطبة ليس فيها تشهُّد فهي كاليد الجذماء»
(4)
.
وأجيب عنه: بأنَّ ما سبق فهو كافٍ.
(وَصَلَّى اللهُ)؛ لما فرغ من الثناء على الله تعالى؛ قرَن ذلك بالصَّلاة على نبيِّه؛ لقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشَّرح: 4] قال: لا أُذكَر إلَّا ذُكِرت معي
(5)
.
(1)
قوله: (اضطرب تزلزلت) في (ب): اضطربت نزلت، وفي (و): اضطرب نزلت.
(2)
قال الخليل في العين 4/ 120: (المهندس: الذي يقدر مجاري القنى، ومواضعها حيث يحتفر، وهو مشتق من الهندزة، فارسي صيرت الزاي سينًا).
(3)
من هنا يوجد سقط من (و).
(4)
أخرجه أبو داود (4841)، والترمذي (1106)، وابن حبان (2769)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وتفرد به عبد الواحد بن زياد عن عاصم بن كليب، قاله مسلم؛ قال البيهقي بعد أن أسند كلام مسلم:(عبد الواحد بن زياد من الثقات الذي يقبل منهم ما تفردوا به)، وصححه الألباني، ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (3/ 209)، الصحيحة للألباني (169).
(5)
أخرجه الطبري في التفسير 24/ 494، والخلال في السنة (318)، وابن حبان (3382)، وأبو يعلى الموصلي (1380)، من طريق دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ودراج هو ابن سمعان المصري ضعيف في روايته عن أبي الهيثم، صدوق في غيره، قال أحمد:(أحاديث دراج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف)، وكذا قال أبو داود وغيره، وأخرجه الطبري 24/ 494 معلقًا من قول مجاهد بإسناد صحيح. ينظر: تهذيب التهذيب 3/ 209، السلسلة الضعيفة (1746).
والصَّلاة من الله الرَّحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن الآدمي
(1)
تضرُّعٌ ودعاء، قاله الأزهري وغيره
(2)
.
وقال أبو العالية: (صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء)
(3)
.
(عَلَى سَيِّدِنَا)؛ السَّيِّد: هو الذي يفوق قومه في الخَير، قاله الزَّجَّاج
(4)
. وقيل: التَّقي. وقيل: الحليم. وقيل: الَّذي لا يغلبُه غَضَبُه، وجميع ذلك منحصر فيه عليه السلام.
(مُحَمَّدٍ)؛ لمَّا علِم الله كثرة خصاله المحمودة؛ ألهم أهله أن يسمُّوه محمَّدًا، وهو عَلَم منقولٌ من التَّحميد، مشتق من الحميد، وهو من أسمائه تعالى، وإليه أشار حسَّان بن ثابت بقوله
(5)
:
(1)
في (أ): الآدميين.
(2)
ينظر: تهذيب اللغة 12/ 166، المطلع (ص 8).
(3)
علقه البخاري بصيغة الجزم، في كتاب تفسير القرآن 6/ 120، ووصله القاضي إسماعيل في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، (ص 82)، بتحقيق الألباني وحسَّن إسناده.
(4)
ينظر: معاني القرآن 1/ 406.
والزجاج: هو أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن السري بن سهل الزجاج النحوي؛ من تلاميذ المبرد، كان من أهل العلم بالأدب والدين، وكان يخرط الزّجاج، فسمي بذلك، من مصنفاته: معاني القرآن، والأمالي، وكتاب الاشتقاق، وكتاب العروض، توفي سنة 311 هـ، وقيل: 316 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 1/ 94، الوافي بالوفيات 5/ 228.
(5)
قال في الدر الفريد 10/ 255: (يروى لحسان بن ثابت، والأشهر لأبي طالب). وينظر: خزانة الأدب 1/ 255.
وشَقَّ له من اسمه لِيُجِلَّهُ
…
فذُو العرشِ محمودٌ وهذا محمَّدُ
(الْمُصْطَفَى): هو الخالص من الخَلق، وهو خير الخلائق كافَّة.
(وَآلِهِ)؛ جمهور العلماء على جواز إضافة «آل» إلى المضمر كما استعمله المؤلف.
وقال الكسائي
(1)
والنَّحَّاس
(2)
والزُّبيدي
(3)
: لا تضاف إلَّا إلى المظهر؛ لتوغُّله في الإبهام
(4)
، وسيأتي الكلام عليهم.
(خَيْرِ آلٍ)، أصلُ خير: أَخْيَر، فحذفوا الهمزة، وبعدها ساكن لا يمكن النطق به، فنقلوا حركةَ ما قبلَ الآخِر إليه، فبقِي (خير)، كلُّ ذلك تخفيفًا.
(صَلَاةً دَائِمَةً)؛ أي: مستمرَّةً متَّصلةً، لا تَنقطِع.
اقتصر على الصَّلاة عليه كمسلم في «صحيحه» ، وهو مكروه كما نقله في «شرح مسلم» فقال: يكره إفراد الصَّلاة من غير تسليم
(5)
؛ لأنَّ الله تعالى أمر بهما جميعًا؛ لقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزَاب: 56] مع تأكيد التَّسليم بالمصدر، فدلَّ على الاهتمام به.
(بِالْغُدُوِّ) جمع غُدوة، وهو نفس الفعل، تقول: غدا يغدو غُدُوًّا، عبَّر
(1)
هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله، الأسدي بالولاء، الكوفي، المعروف بالكسائي؛ أحد القراء السبعة، كان إمامًا في النحو واللغة والقراءات، توفي سنة 189 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 295، تاريخ الإسلام 4/ 927.
(2)
هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي النحاس، النحوي المصري؛ من مصنفاته: تفسير القرآن، وإعراب القرآن، والناسخ والمنسوخ، توفي سنة 338 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 1/ 99، الوافي بالوفيات 7/ 237.
(3)
هو محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج الزبيدي الأندلسي الإشبيلي، عالم باللغة والأدب، شاعر، من مصنفاته: الواضح في النحو، وطبقات النحويين واللغويين، ولحن العامة، توفي سنة 379 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 372، الأعلام للزركلي 6/ 82.
(4)
ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 30، المصباح المنير 1/ 29.
(5)
شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 44).
بالفعل عن الوقتِ، والمراد: بالغدوات، كما تقول: آتيك طلوع الشَّمس؛ أي: وقتَ طلوعها.
(وَالآصَالِ) جمع أُصُلٍ، وهو جمع أصيل، وقيل: الآصال: جمع أصيل، والآصال: العَشيَّات، وقال أبو
(1)
عبيدة: (هي ما بين العصر إلى غروب الشَّمس)
(2)
.
(أَمَّا بَعْدُ)؛ أي: بعد ما ذكر من الثَّناء على الله تعالى، والصَّلاة على نبيِّه، وهذه الكلمة يأتي بها المتكلِّم إذا كان في كلامٍ وأراد الانتقال إلى غيره، ولا يؤتى بها في أوَّل الكلام، وكان صلى الله عليه وسلم يأتي بها في خُطَبه وكُتُبه، رواه عنه اثنان وثلاثون صحابيًّا
(3)
.
فأمَّا «أمَّا» ، فهي كلمة فيها معنى الشَّرْط، قال سيبويه:(قول النحويين: أمَّا زيد فمنطلق، معناه: مهما يكن من شيء فزيدٌ مُنطلِقٌ)
(4)
.
قال بعضهم: وأصلها «ماما» ، فحذفت الألف، ثمَّ أدغم بشرطه، والابتداء بالسَّاكن متعذر، فألحقت الهمزة مفتوحة؛ لئلَّا يلتبس.
و «بعدُ» : ظرف زمان، والأعرف فيها هنا البناء على الضم؛ لكونها قطعت عن الإضافة، وفيها وجوهٌ أُخَرُ.
(1)
في (أ) و (و): ابن.
(2)
نقله عنه ابن الجوزي في زاد المسير 2/ 184.
وأبو عبيدة: هو معمر بن المثنى، التميمي بالولاء، البصري، النحوي العلامة، من مصنفاته: مجاز القرآن، وغريب الحديث، وغيرها. ينظر: وفيات الأعيان 5/ 235، سير أعلام النبلاء 9/ 445.
(3)
قال ابن حجر في الفتح (2/ 406): (وقد تتبعَ طرقَ الأحاديث التي وقع فيها "أما بعد"؛ الحافظُ عبدُ القادر الرهاوي في خطبة الأربعين المتباينة له، فأخرجه عن اثنين وثلاثين صحابيًّا)، منها في صحيح البخاري المواضع التالية:(922)، (923)، (924)، وغيرها من المواضع.
(4)
الكتاب لسيبويه 3/ 332.
وهي فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام؛ لقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20].
وزعم الكلبي: أن أوَّل من قاله قُسُّ
(1)
بن ساعدة. وقيل: كعب بن لؤي. وقيل: يعرب بن قحطان. وقيل غير ذلك.
(فَهَذَا)، إشارة إلى الكتاب المؤلَّف، فإن قيل: كيف جازت الإشارة إليه قبل تأليفه؟
فالجواب عنه: أنَّ الإشارة كانت إلى كتاب مصوَّر في الذِّهن؛ لأنَّ مَنْ عَزَم على تأليف كتاب صوَّره في ذهنه، أو أنَّ عمل الخطبة كانت بعد الفراغ من تأليف الكتاب.
(كِتَابٌ)، هو من المصادر السَّيَّالة؛ أي: يوجد شيئًا فشيئًا، يقال: كتبت كتابًا وكَتْبًا وكِتابةً، وسمِّي المكتوب به مجازًا، ومعناه: جمع جملة من العلم.
(فِي الْفِقْهِ)، هو في اللُّغة: الفهم. وفي الاصطلاح: العِلم بالأحكام الشَّرعيَّة الفرعيَّة من أدلَّتها التَّفصيليَّة بالاستدلال.
(عَلَى مَذْهَبِ)، هو الطريقُ، يقال: ذهب مذهبًا حقًّا، وذَهابًا وذُهوبًا، وجمعه مَذاهب.
(الإْمَامِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ بْنِ) محمد بن (حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِي)، والصِّدِّيق الثَّاني، إمام الأئمَّة، وناصر السُّنَّة، وُلد ببغداد بعد حمل أمِّه به بمَرْو في ربيع الأول سنة أربع وستِّين ومائة، وتوفي ببغداد يوم الجمعة، ثاني عشر ربيع الأوَّل، سنة إحدى وأربعين ومائتين، وله سبع وسبعون سنة.
(1)
في (أ): قيس.
وروى ابن ثابت الخطيب
(1)
بإسناده: (قال الوركاني
(2)
جار أحمد بن حنبل: أسلم يوم مات أحمدُ عشرون ألفًا من اليهود والنَّصارى والمجوس)
(3)
، ومناقبه مشهورة.
(اجْتَهَدْتُ)، هو بذل الْوُسع فيما فيه كُلْفَةٌ ومَشَقَّة. (فِي جَمْعِهِ) من كلام الإمام وأصحابه. (وَتَرْتِيبِهِ)؛ أي: ترتيب أبوابه ومسائله. (وَإِيجَازِهِ)؛ أي: تقصيره، يقال: أوجزَ في الكلام، فهو كلام مُوجِز ومُوجَز ووَجْزٌ ووجِيز، قاله الجوهري
(4)
. (وَتَقْرِيبِهِ) إلى الأفهام بعبارة سهلة من غير تعقيد، ولقد بالغ في ذلك، وحرَص عليه طاقتَه، فجزاه الله خيرًا، وأثابَه الجنَّة. (وَسَطًا بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ)؛ أي: متوسِّطًا بينهما، ليس هو بالقصير المُخِلِّ، ولا بالطَّويل المُمِلِّ، وخِيار الأمور أوسطُها؛ إذ الوسَط العدل، وهو منصوب ب «جَمْعِه» على الحال؛ أي: اجتهدت في جمعِه وسطًا، ويجوز أن يكون ناصبه فعلاً مقدَّرًا؛ أي: جعلتُه وسطًا.
قال الواحدي
(5)
: هو اسم لما بين طرفي الشَّيء، فأمَّا اللفظ به، فقال
(1)
هو الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي بن ثابت البغدادي، المعروف بالخطيب، صاحب تاريخ بغداد وغيره من المصنفات، توفي سنة 463 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 1/ 92، تاريخ الإسلام 10/ 175.
(2)
هو محمد بن جعفر الوركاني، أبو عمران، جار الإمام أحمد، ونقل عنه أشياء. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 287.
(3)
تاريخ بغداد 6/ 90.
(4)
ينظر: الصحاح 3/ 900.
والجوهري هو: إسماعيل بن حماد الجوهري، أبو نصر، من أئمة اللغة، أصله من فاراب، توفي سنة 393 هـ، من أشهر مصنفاته: الصحاح، وله كتاب في العروض. ينظر: معجم الأدباء 2/ 656، الأعلام 1/ 312.
(5)
هو علي بن أحمد بن محمد بن علي بن مَتُّويه، أبو الحسن الواحدي، مفسر، عالم بالأدب، من مصنفاته: البسيط، والوسيط، والوجيز؛ كلها في التفسير، توفي سنة 468 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 303، الأعلام 4/ 255.
المبرد: ما كان اسمًا فهو محرَّك السين؛ كقولك: وسَط رأسِه صُلب، وما كان ظرفًا فهو مسكَّن؛ كقولك: وسْط رأسه دهن؛ أي: في وسطه. وقال الجوهري: ما صلَح فيه «بين» فهو بالسُّكون، وما لم يصلح فيه «بين» فهو بالتَّحريك، وربَّما سُكِّن، وليس بالوجه. وقال الفراء
(1)
: قال يونس
(2)
: سمعت وسَط ووسْط بمعنىً
(3)
.
(وَجَامِعًا)، معطوف على (وَسَطًا)، (لِأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ)، جمعُ حُكْم، وهو في الأصل
(4)
: خطاب الله المتعلِّق بأفعال المكلَّفين بالاقتضاء أو التَّخيير أو الوضع. (عَرِيَّةً عنِ الدَّلِيلِ)؛ أي: مجرَّدًا عن ذكر الدَّليل غالبًا، وهو لغة: عبارة عن المرشد، واصطلاحًا: ما يمكن التَّوصُّل بصحيح النَّظر فيه إلى مطلوب خَبَريٍّ. والمراد به هنا: الدَّليل التفصيلي في كل مسألة. (وَالتَّعْلِيلِ)؛ أي: مجرَّدًا عن العلَّة أيضًا، وهي حِكْمة الحُكم؛ أي: ما يَثْبُت الحكمُ لأجله في محلِّه، وهو أخصُّ من الدَّليل؛ إذ كلُّ تعليلٍ دليلٌ، من غير عكس؛ لجواز أن يكون نصًّا أو إجماعًا. (لِيَكْثُرَ عِلْمُهُ)؛ أي: جرَّده عن الدَّليل والتَّعليل غالبًا مع ما سبق في قوله: (اجتهدت
…
) إلى آخره
(5)
؛ لأجل
(1)
هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، مولى بني أسد، أبو زكريا، المعروف بالفراء، إمام الكوفيين، وكان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو، من مصنفاته: المقصور والممدود، ومعاني القرآن، والمذكر والمؤنث، توفي سنة 207 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 6/ 176، تاريخ الإسلام 5/ 141.
(2)
هو يونس بن حبيب الضبي البصري، أبو عبد الرحمن، أخذ عنه: الكسائي، وسيبويه، والفراء، توفي سنة: 182 هـ. ينظر: تاريخ الإسلام 4/ 1014، الأعلام 8/ 261.
(3)
من قوله: (قال الواحدي .. ) إلى هنا نقلاً من كتاب المطلع ص 11. وينظر: تهذيب اللغة 13/ 21، الصحاح 3/ 1167.
(4)
قوله: (في الأصل) سقط من (أ).
(5)
قوله: (إلى آخره) سقط من (ب) و (ز).
تكثير
(1)
أحكامه. (وَيَقِلَّ حَجْمُهُ) في النَّظر، فلا تنفِر النَّفس منه. (وَيَسْهُلَ حِفْظُهُ وَفَهْمُهُ)؛ أي: يسهل حفظ مبانيه وفهم معانيه؛ إذ الفهم: إدراك معنى الكلام، قيل: بسرعة، والأصحُّ: أنَّه لا يحتاج إليه. (وَيَكُونَ مُقْنِعًا لِحَافِظِيهِ)؛ أي: يَقْنَع به حافظُه عن غيره. (نَافِعًا للنَّاظِرِ فِيهِ)؛ أي: بمطالعته
(2)
.
(وَاللهُ الْمَسْؤُولُ أَنْ يُبَلِّغَنَا أَمَلَنَا، وَيُصْلِحَ قَوْلَنَا وَعَمَلَنَا، وَيَجْعَلَ سَعْيَنَا مُقَرِّبًا إِلَيْهِ، نَافِعًا لَدَيْهِ)، سأل من الله تعالى أن يبلِّغه أمَلَه، ويُصلِح قولَه وعملَه، وقد عمَّ في الدعاء، فإنَّه رُوي أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على عليٍّ وهو يدعو ويخصُّ نفسَه، فقال له:«يا عليُّ! عُمَّ، فإنَّ فضلَ العموم على الخصوص كَفضلِ السَّماء على الأرض»
(3)
.
(وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، الحَسيب: الكافي. والوكيل: الحافظ، وقيل: الموكول إليه تدبيرُ خَلقِه، والقائم بمصالحهم، فيكون «ونِعم الوكيل» عطف على جملة «وهو حسبنا» ، والمخصوص محذوف، وإمَّا أن يكون عطفًا على «حسبنا»؛ أي: وهو نعم الوكيل، والمخصوص هو الضَّمير المتقدِّم على ما قالوه في: زيد نعم الرَّجل، وعلى كلِّ تقدير؛ فقد عطف الإنشاء على الإخبار.
(1)
في (ز): يكثر.
(2)
في (أ) و (و) و (ز): مطالعته.
(3)
أخرجه أبو داود في المراسيل (80)، والبيهقي في الكبرى (3/ 130)، عن عمرو بن شعيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى عليَّ بن أبي طالب وقد خرج لصلاة الفجر وعلي يقول: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم تب عليَّ، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على منكبه، وقال له:«عَمِّم؛ ففضل ما بين العموم والخصوص كما بين السماء والأرض» ، وهو حديث مرسل.
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)
بدأ المؤلف بذلك اقتداءً بالأئمة، منهم الشافعي، لأنَّ آكَدَ أركان الدِّين بعد الشهادتين الصَّلاةُ، ولا بدَّ لها من الطَّهارة؛ لأنَّها شرطٌ، والشرط متقدِّم على المشروط، وهي تكون بالماء والتراب، والماءُ هو الأصل.
وبدؤوا بربع العبادات؛ اهتمامًا بالأمور الدينية، فقدَّموها على الدنيوية، وقدَّموا ربع المعاملات على النِّكاح وما يتعلق به؛ لأنَّ سبب المعاملات، وهو الأكل والشُّرب ونحوهما
(1)
ضروريٌّ يستوي فيه الكبير والصَّغير، وشهوته مقدَّمة على شهوة النِّكاح، وقدَّموا النِّكاح على الجنايات والمخاصمات؛ لأنَّ وقوع ذلك في الغالب إنَّما هو بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج، وهذه مناسبة حسنة ذكرها المتولِّي في «تتمَّته»
(2)
.
ثمَّ اعلم أنَّ تعريف المركَّب متوقِّف على معرفة كلٍّ من مفرديه، فالكتاب والكَتْب مصدران، صرَّح به جماعة، وكتب يدور معناها على الجمع، يقال: كتبْت البغلةَ، إذا جمعت بين شُفْرَيْها بحلْقة أو سَير، قال سالم بن دارة:
لَا تَأْمَنَنَّ فَزارِيًّا خلوْتَ بهِ
…
على قَلوصك واكتُبْها بِأسْيارِ
(3)
أي: واجمع بين شُفريها بحلقة أو سير، والقَلوص في الإبل بمنزلة
(1)
في (أ) و (و) و (ز): وغيرهما.
(2)
هو عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن إبراهيم، أبو سعد ابن أبي سعيد المتولي، من أئمة الشافعية، أخذ عن القاضي الحسين، من مصنفاته: التتمة على إبانة شيخه الفوراني، وصل فيها إلى الحدود ومات، وله مختصر في الفرائض، وكتاب في الخلاف، ومصنف في أصول الدين على طريقة الأشعري، توفي سنة 478 هـ. ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 5/ 106.
(3)
ينظر: خزانة الأدب 3/ 226.
الجارية في النَّاس، وتكتَّبت
(1)
بنو فلان: إذا اجتمعوا، ومنه قيل لجماعة الخيل: كتيبة، والكتابةِ بالقلم كتابة؛ لاجتماع الكلمات والحروف.
وقول من قال: إنَّ الكتاب مشتقٌّ من الكَتْب عجيب! لأنَّ المصدر لا يُشتَقُّ من مثله.
وجوابه: أنَّ المصدر أُطلق وأريد به اسم المفعول، وهو المكتوب؛ كقولهم: ثوب نَسج اليمن؛ أي: منسوجه، فكأنَّه
(2)
قيل: المكتوب للطَّهارة، والمكتوب للصَّلاة ونحوها، أو أنَّ
(3)
المراد به الاشتقاق الأكبر، وهو اشتقاق الشَّيء ممَّا يناسبه مطلقًا؛ كالبيع مشتقٌّ من الباع، وهي بالمثلَّثة
(4)
: عبارة عن الرَّمل المجتمع.
وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا.
وأمَّا الطَّهارة: فمصدر طهُر يطْهُر
(5)
؛ بضمِّ الهاء فيهما؛ كالضَّخامة، وهو فعل لازم لا يتعدَّى إلَّا بالتَّضعيف، فيقال: طهَّر، وقد تفتح الهاء من «طَهَر» فيكون مصدره طُهرًا
(6)
دون طهارة؛ كحَكَم حُكمًا، وأمَّا فَعالة فلم يأت مصدرًا لِفَعَل.
ومعناها لغةً: النَّظافةُ والنَّزاهة عن الأقذار، ومادة «ن ز هـ» ترجع إلى البُعد، وفي الصَّحيح عن ابن عباس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على مريض قال: «لا بأس! طَهور إن شاء الله»
(7)
أي: مُطهر من الذُّنوب، وهي أقذار معنويَّة.
(1)
في (ب): وتكتَّب.
(2)
في (أ) و (ب) و (ز): وكأنه.
(3)
قوله: (ونحوها أو أنَّ) هو في (ب): ونحوهما وأن.
(4)
أي: الكُثْبةَ. ينظر: الصحاح 1/ 209.
(5)
قوله: (يطهر) سقطت من (ب).
(6)
في (أ) و (ب): طهر.
(7)
أخرجه البخاري (3631).
وشرعًا: رفع ما يمنع الصَّلاة من حدَث أو نجاسة بالماء، أو رفعُ حكمِه بالتُّراب، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» ، وأُورِدَ على عكسِه الحجر، وما في معناه في الاستجمار، ودلك النعل، وذيل المرأة على قول، والأغسال المستحبَّة، والتجديد، والغسلة الثَّانية والثَّالثة؛ فإنَّها طهارة شرعيَّة، ولا تمنع الصَّلاة، ثمَّ يحتاج إلى تقيدهما بكونهما طَهورين.
وأجيب عن الأغسال المستحبَّة وما في معناه: بأنَّ ذلك مجاز؛ لمشابهته الرَّافع في الصُّورة.
زاد ابن أبي الفتح
(1)
: (وما في معناه).
ورُدَّ: بأنَّه مع ما فيه من الإجمال يوهم أنَّ: (مِنْ حدث أو نجاسة) بيان لما في معناه، وليس كذلك، وإنَّما هو لبيان ما يمنع الصَّلاة.
وفي «الوجيز» : استعمال الطَّهور في محلِّ التَّطهير على الوجه المشروع.
ورُدَّ: بأنَّ فيه زيادة، مع أنَّه حدٌّ للتَّطهير لا للطَّهارة، فهو غير مطابق للمحدود.
وفي «شرح الهداية»
(2)
: خلوُّ المحلِّ عمَّا هو مستقذر شرعًا، وهو إمَّا حسِّيٌّ، ويسمَّى نجاسةً، وإمَّا حُكميٌّ، ويسمَّى حَدَثًا، فالتَّطهير: إخلاءُ المحلِّ من الأقذار الشَّرعيَّة.
وفي ابن المنجى
(3)
:
(1)
محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي، الحنبلي، النحوي اللغوي، الفقيه المحدث، لازم ابن مالك النحوي، من مصنفاته: شرح الألفية لابن مالك، والمطلع على أبواب المقنع في شرح غريب ألفاظه، وابتدأ في شرح الرعاية في الفقه، توفي سنة 709 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 4/ 373، المقصد الأرشد 2/ 485.
(2)
زاد في (أ): (أنَّها عبارة عن).
(3)
هو زين الدين أبو البركات، المنجى بن عثمان بن أبي المعالي أسعد بن المنجى بن بركات التنوخي، الدمشقي، الفقيه الأصولي، المفسر النحوي، تفقه على أصحاب الموفق، وانتهت إليه رئاسة المذهب بالشام في وقته، من مصنفاته: الممتع شرح المقنع، وتفسير للقرآن، ولم يبيضه، توفي سنة 695 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 4/ 271.
استعمالُ
(1)
الماء الطَّهورِ أو بَدَلِه، في أعضاءٍ مخصوصةٍ، على وجه مخصوصٍ.
ورُدُّ بأنَّه قاصر وبأنَّ
(2)
الطَّهارة قد توجَد حيث لا فعل بالكلِّيَّة؛ كالخَمرة إذا انقلبت بنفسها خلًّا.
والأَولى: أنَّها رفعُ الحدث، وإزالةُ النَّجَس، وما في معناهما
(3)
؛ لأنَّ الشَّرع لم يرد باستعماله إلَّا فيهما، فعند إطلاق لفظ الطَّهارة في كلام الشَّارع إنَّما ينصرف إلى الموضوع الشَّرعيِّ، وكذا كلُّ ما له موضوع شرعيٌّ ولغويٌّ؛ كالصَّلاة.
فكتاب الطَّهارة: هو الجامع لأحكام الطَّهارة؛ من بيان ما يُتطَّهر به، وما يُتطهَّر له، وما يجب أن يُتطَّهر منه، إلى غير ذلك.
(1)
في (أ): أنها استعمال.
(2)
قوله: (ورد: بأنه قاصر وبأن): هو في (أ): (ويرد: بأن).
(3)
قوله: (وما في معناهما) هو في (أ) و (ب): (معنى ذلك).
(بَابُ)
الباب معروف، وقد يطلق على الصنف، وهو ما يُدخل منه إلى المقصود، ويتوصَّل به إلى الاطِّلاع عليه.
(الْمِيَاهِ)، جمع ماء، وهمزته منقلبة عن هاء، فأصله مَوْهٌ، وجمعه في القلَّة: أمواه، وفي الكثرة عند البصريِّين: مِياه، وعند الكوفيِّين: مياه جمع قلَّة أيضًا، وهو اسم جنس، وإنَّما جُمع لاختلاف أنواعه.
(وَهِيَ)؛ أي: المياه، (عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ)؛ لأنَّ الماء لا يخلو: إمَّا أن يجوزَ الوضوء به، أو لا.
فإن جاز؛ فهو الطَّهور، وإن لم يجز؛ فلا يخلو إمَّا أن يجوز شربه، أو لا، فإن جاز فهو الطَّاهر، وإلَّا فهو النَّجس.
أو نقول
(1)
: إمَّا أن يكون مأذونًا في استعماله، أو لا. الثَّاني: النَّجس. والأوَّل: إما أن يكون مطهِّرًا لغيره، أو لا، والأوَّل: الطَّهور، والثَّاني: الطَّاهر.
وطريقة الخرقي وصاحب «التلخيص» : أنَّ الماء ينقسم إلى قسمين: طاهر، وهو قسمان: طاهر مطهِّرٌ، وطاهر غير مطهِّر. ونجس.
وطريقة الشيخ تقي الدين: أنَّه ينقسم إلى طاهر ونجس، وقال:(إثبات قسم طاهر غير مطهر لا أصل له في الكتاب والسُّنَّة)
(2)
.
وذكر ابن رزين
(3)
أنَّه أربعة أقسام، وزاد: المشكوكَ فيه.
(1)
في (ب): تقول، وفي (ز): يقول.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 19/ 236.
(3)
عبد الرحمن بن رزين بن عبد العزيز بن نصر بن عبيد بن علي بن أبي الجيش الغساني، الحوراني، ثم الدمشقي، سيف الدين، أبو الفرج، من تصانيفه: التهذيب في اختصار المغني، قال ابن رجب:(ذهب إلى بغداد لأجل رفع حسابها إليه، وكان بها سنة ست وخمسين، فقتل شهيدًا بسيف التتار). ينظر: ذيل الطبقات: 4/ 39.
(مَاءٌ طَهُورٌ)؛ قدَّمَه على قسيميه لمزيَّته بالصِّفتين.
والطُّهور بضم الطَّاء: المصدر، قاله اليزيدي
(1)
، وبفتحها: هو الطَّاهر في ذاته، المطهِّر غيرَه، مثل الغَسول الذي يُغسل به، فعلى هذا هو من الأسماء المتعدية وم ش
(2)
.
وقال هـ
(3)
وابن داود
(4)
: هو من الأسماء اللازمة بمعنى الطَّاهر سواء؛ لأنَّ العرب لا تفرِّق بين فاعل وفَعول في التَّعدِّي واللُّزوم؛ كقاعد وقَعود، وإذا كان الطَّاهر غير متعدٍّ؛ فالطهور كذلك، وأيضًا: لو كان الطهور متعدِّيًا لم يصدق عليه هذا الإطلاق حقيقةً إلَّا بعد وجود التَّطهير؛ كقتول وضروب.
وجوابه: قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفَال: 11]، وفي الصَّحيحين من حديث جابر مرفوعًا:«وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا»
(5)
، ولو أراد به الطَّاهر لم يكن له مزية على غيره؛ لأنَّه طاهر في حقِّ كلِّ أحد.
(1)
هو أبو محمد، يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي، المعروف باليزيدي، المقرئ النحوي اللغوي، أخذ عن أبي عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد، من مصنفاته: النوادر، والمقصور والممدود، توفي سنة 202 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 6/ 183، سير أعلام النبلاء 9/ 562.
(2)
ينظر: الذخيرة 1/ 168، الحاوي 1/ 38.
(3)
في (ب): ح، وفي (أ):(وقال وابن داود). وينظر مذهب الحنفية: البناية شرح الهداية 1/ 396.
(4)
هو محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري، أبو بكر، الذي يُنسب إليه المذهب الظاهري، أديب، شاعر، من أذكياء العالم، من مصنفاته: الزهرة في الأدب، والوصول إلى معرفة الأصول، توفي سنة 297 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 259، سير أعلام النبلاء 13/ 109.
(5)
أخرجه البخاري (335)، ومسلم (521).
وروى مالك والخمسة، وصحَّحه ابن حبَّان من حديث أبي هريرة: أنَّ رجلاً سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر، فقال:«هو الطَّهور ماؤه»
(1)
، ولو لم يكن الطَّهور متعدِّيًا بمعنى المطهِّر؛ لم يكن ذلك جوابًا للقوم حيث سألوه عن التَّعدِّي؛ إذ ليس كلُّ طاهر مطهِّرًا.
وأمَّا قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسَان: 21] فمعناه: طاهرًا مطهِّرًا، وإن لم يحتج هناك إلى التَّطهير؛ إذ لا نجاسة فيها؛ لأنَّ القصد وصفه بأعلى الأشربة عندنا، وهو الماء الجامع للوصفين، وقال ابن عباس:«شرابًا طهورًا؛ أي: مطهِّرًا من الغلِّ والغشِّ»
(2)
.
وقولهم: إنَّ العرب سوَّت بينهما في اللُّزوم والتَّعدِّي؛ قلنا: قد فرَّقوا بينهما في الجملة فقالوا: قَتول، لمن كثر منه القتل، فيجب أن يفرَّق هنا، وليس الأمر إلَّا من حيث اللُّزوم والتَّعدِّي.
قال القاضي وغيره
(3)
: (وفائدة الخلاف: أنَّ عندنا أنَّ النَّجاسة لا تُزال بشيء من المائعات غير الماء، وعندهم يجوز).
(1)
أخرجه أحمد (7233) وأبو داود (83)، والترمذي (69)، والنسائي (59)، وابن ماجه (386)، وابن خزيمة (111)، وابن حبان (1243)، وصححه البخاري، وقال الترمذي:"حسن صحيح"، وصححه جماعة منهم: ابن خزيمة، وابن حبان، وابن عبد البر؛ وبيَّن أن الفقهاء تلقوه بالقبول والعمل، ووقع في إسناده اختلاف غير مؤثر، وعنه أجوبة. ينظر: العلل الكبير للترمذي (33)، التمهيد لابن عبد البر (16/ 218 - 219)، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (1/ 10)، التلخيص الحبير لابن حجر (1/ 117).
(2)
لم نقف عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد فسره ابن كثير في تفسيره بذلك أيضًا (4/ 24)، دون نسبته لأحد.
(3)
قوله: (وغيره) هو في (أ) و (ب): أبو الحسين.
وهو محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن الفراء، القاضي الشهيد، ابن شيخ المذهب القاضي أبي يعلى، كان عارفًا بالمذهب، من مصنفاته: طبقات الحنابلة، التمام، المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد، توفي سنة 526 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 1/ 391.
وقال الشيخ تقي الدين: (ولا تدفع النَّجاسة عن نفسها، والماء يدفعه لكونه مطهِّرًا)
(1)
.
وذهب قوم
(2)
وم
(3)
: أن الطَّهور: ما يتكرَّر منه التَّطهير؛ كالصَّبور والشَّكور لمن تكرَّر منه الصَّبر والشُّكر.
وأجاب القاضي
(4)
عن قولهم: إنَّ المراد جنس الماء، أو كلُّ جزء إذا ضُمَّ إلى غيره وبلغ قلَّتين، أو أنَّ معناه يفعل
(5)
التَّطهير، ولو أريد ما ذكروه؛ لم يصحَّ وصفه بذلك إلَّا بعد الفعل.
(وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ)؛ على أيِّ صفةٍ كان
(6)
؛ من برودةٍ أو حرارةٍ أو مُلُوحة أو غيرها:
- كماء السماء؛ لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفُرقان: 48].
- وذَوبِ الثَّلْج والبرَد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهمَّ طهِّرني بالثَّلج
(7)
والبرَد والماء البارد»، رواه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى
(8)
.
- وماءِ البحر؛ لقوله عليه السلام: «هو الطَّهور ماؤه» .
(1)
ينظر: الاختيارات للبعلي (ص 7).
(2)
قوله: (وذهب قوم) هو في (أ) و (ب): وقيل.
(3)
قوله: (وذهب قوم وم) بدلها في (أ): وقيل. وفي (ب): وم. وينظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1/ 108.
(4)
هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء، القاضي أبو يعلى، كان عالم زمانه وفقيه الحنابلة، تفقه على الحسن بن حامد وغيره، من مصنفاته: شرح المذهب، والتعليقة وتسمى أحيانًا بالخلاف أو الخلاف الكبير، والأحكام السلطانية، وغيرها، توفي سنة 458 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 193.
(5)
في (أ): ينقل، وفي (ب): بفعل. ينظر: الحاوي 1/ 39، نهاية المحتاج 1/ 72.
(6)
في (ب): كانت.
(7)
قوله: (والبرد لقوله صلى الله عليه وسلم: اللَّهمَّ طهِّرني بالثَّلج) سقط من (ب).
(8)
أخرجه مسلم (476).
وكَرِه جماعةٌ من الصَّحابة - منهم عبد الله بن عمرٍو وعبد الله بن عمرَ - الوضوءَ بماء البحر، وقال:«هو نار»
(1)
.
- وماءِ البئر؛ لأنَّه عليه السلام توضَّأ من بئر بُضاعةَ، رواه النَّسائي وغيره، قال أحمد:(حديث بئر بُضاعة صحيح)
(2)
.
- وماءِ العيون والأنهار؛ لأنَّهما كماء البئر.
وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «صُبُّوا على بولِ الأعرابيِّ ذَنوبًا من ماء»
(3)
، «وأمرَ أسماء بنت عُمَيس أن تغسل دم الحيض بالماء»
(4)
.
واقتضى كلامُه: جواز الطَّهارة أيضًا بكلِّ ماء شريف، جزم به في
(1)
أثر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (1394)، وأبو عبيد في الطهور (247)، وابن المنذر في الأوسط (164)، والبيهقي في الكبرى (8665)، من طرق عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال:«ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة، إن تحت البحر نارًا ثم ماء ثم نارًا» ، وإسناده صحيح، ولا تضر عنعنة قتادة فإن تدليسه مغتفر، وأحد الرواة عنه شعبة وقد كفى الناس تدليس قتادة.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: رواه ابن أبي شيبة (1393)، وأبو عبيد في الطهور (248)، وابن المنذر (163)، من طرق عن قتادة، عن عقبة بن صهبان، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«التيمم أحب إليَّ من الوضوء من ماء البحر» ، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه أبو داود (66) والترمذي (66)، والنسائي (326، 327)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظ أبي داود عن أبي سعيد الخدري، أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شيء» ، وتصحيح أحمد لحديث بئر بضاعة، نقله ابن الجوزي، وصححه أيضًا ابن معين، وحسنه الترمذي، وفي بعض نسخ الترمذي:(حسن صحيح)، وتُكلِّم في إسناده بما لا يقدح. ينظر: التحقيق لابن الجوزي 1/ 42، بيان الوهم 3/ 308، تهذيب الكمال 19/ 84، تنقيح التحقيق 1/ 28.
(3)
أخرجه البخاري (219) ومسلم (284)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(4)
لم نقف عليه من حديث أسماء بنت عميس، وقد تبع فيه المؤلف غيره من الأصحاب كالزركشي في شرح الخرقي (1/ 116)، وذكره في المغني (1/ 10) من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (227)، ومسلم (291).
«الوجيز» ، حتَّى ماء زمزم في رواية، ورجَّحها المجد
(1)
، وهو قول أكثر العلماء؛ لقول علي:«ثمَّ أفاضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بسَجْلٍ من ماءِ زمزم، فشربَ منه وتوضَّأ» رواه عبد الله بن أحمد بإسناد صحيح
(2)
.
ويُكره في أخرى، نصَّ عليه
(3)
، وذكر القاضي أبو الحسين أنَّها أصحُّ، وقدَّمها أبو الخطَّاب
(4)
. واحتجَّ أحمد بما رُوي عن زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ قال: رأيت العبَّاس قائمًا عند زمزم يقول: «ألا لَا أُحِلُّه لمغتسل، ولكنَّه لكلِّ شارب حِلٌّ وبِلٌّ»
(5)
.
وروى
(6)
أبو عبيد في «الغريب» : أنَّ عبد المطلب بن هاشم قالَ ذلك حين احتفرَه
(7)
.
(1)
هو عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن عبد الله الخضر، ابن تيمية الحراني، مجد الدين، أبو البركات، تفقه على الفخر ابن المني والحلاوي وغيرهما، من مصنفاته: المحرر، وشرح الهداية، توفي سنة 652 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 23/ 291، ذيل الطبقات 4/ 1.
(2)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (564) مطولاً، وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1130)، وحسَّن إسناده ابن حجر، وقال الشوكاني:(إسناده مستقيم). ينظر: الفتح 1/ 240، نيل الأوطار 1/ 32، وحسنه الألباني في الإرواء 1/ 44.
(3)
ينظر: مسائل صالح 3/ 81.
(4)
هو محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني، أبو الخطاب البغدادي، أحد أئمة المذهب، تفقه على أبي يعلى، من مصنفاته: الهداية، والانتصار في المسائل الكبار، ويسمى أحيانًا بالخلاف الكبير، ورؤوس المسائل ويسمى بالخلاف الصغير، والعبادات الخمس، والتمهيد في أصول الفقه، توفي سنة 510 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 1/ 271، المنهج الأحمد 3/ 62.
(5)
أخرجه أحمد كما في العلل (1950)، وأبو عبيد في غريب الحديث (5/ 31)، والأزرقي (2/ 61)، والفاكهي في أخبار مكة (1154)، عن زر بن حبيش قال: سمعت العباس وذكره. وصحح الحافظ ابن كثير إسناده في البداية والنهاية 3/ 342.
(6)
في (ب) و (ز): رواه.
(7)
لم نقف عليه في غريب الحديث، وقد روى الخبر الفاكهي في أخبار مكة (1062)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 42).
والأوَّل أَوْلَى؛ لأنَّ شرفَه لا يلزم منه ذلك؛ كالماء الذي نبع من بين أصابع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
، وكالنِّيل والفرات؛ فإنَّهما من الجنَّة
(2)
، وقول العبَّاس محمول على من يضيِّق على الناس
(3)
بشرابه
(4)
.
وكونه من منبع شريف لا يمنع منه؛ كعين سُلوانَ
(5)
، اللَّهمَّ إلَّا أن يقال: له خصوصيَّة انفرد بها، وهو كونه يُقتات به كما أشار إليه أبو ذر في بدء إسلامه
(6)
.
وفي «التلخيص» : أنَّه لا يُكره الوضوء به، فدلَّ على أنَّ إزالة النَّجاسة به
(7)
تكره، وجزم به في «الوجيز» .
وذكر الأَزَجي في «نهايته»
(8)
:
(1)
فيه أحاديث منها: حديث أنس رضي الله عنه أخرجه البخاري (200) ومسلم (2279)، وحديث جابر رضي الله عنه يوم الحديبية عند البخاري (3576) ومسلم (3013).
(2)
أخرجه مسلم (2839)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيحان وجيحان، والفرات والنيل، كلٌّ من أنهار الجنة» .
(3)
في (أ) و (ب): (الشُّرَّاب).
(4)
قوله: (بشرابه) سقط من (ب) و (ز).
(5)
هي عين في وادي جهنم، في أصل جبل بيت المقدس، ماؤها ماء قليل. ينظر: مراصد الاطلاع 2/ 977.
وروى ابن الجوزي في فضائل القدس (ص 97)، بإسناده عن بشر بن بكر، عن أم عبد الله، عن أبيها، أنه قال:«من أتى بيت المقدس؛ فليأت محراب داود، فليصل فيه، وليسبح في عين سلوان؛ فإنها من الجنة» ، وفي إسناده من لا يُعرف.
وروى ابن النجار في الدرة الثمينة (ص 88)، بإسناده: أن الخضر سكن ببيت المقدس، وأنه كان يغتسل من عين سلوان.
(6)
أخرجه البخاري (3861) ومسلم (2473)، من قول أبي ذر رضي الله عنه:«ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين، بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم» ، واللفظ لمسلم.
(7)
قوله: (به) سقط من (ز).
(8)
هو يحيى بن يحيى الأزجي الفقيه، ولا يعرف عنه أكثر من ذلك، قال ابن رجب:(وقد ذكر في كتابه: أنه قرأ بنفسه على ابن كليب الحراني، ولم أعلم له ترجمة، ولا وجدته مذكورًا في تاريخ، ويغلب على ظني: أنه توفي بعد الستمائة بقليل)، وله من المصنفات: نهاية المطلب في علم المذهب، ولا يعرف له غيره. ينظر: ذيل الطبقات 3/ 248.
أنَّه لا تجوز إزالة النَّجاسة
(1)
. وفيها يتخرَّج أن نقول: لا تحصل الطَّهارة به لحُرمته.
وفي جَبْلِ التُّراب
(2)
الطاهر به، ورشِّ الطُّرق؛ وجهان.
واختلف الأصحاب لو سبَّل ماءً للشُّرب، هل يجوز الوضوء به مع الكراهة، أم يحرم؟ على وجهين.
وقيل: يكره الغسل لا الوضوء، اختاره الشيخ تقي الدين
(3)
.
وظاهر كلامهم: لا يكره ما جرى على الكعبة، وصرَّح به غير واحد.
(وَمَا تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ)؛ يعني أنَّ الماء الآجِن الَّذي تغيَّر بطول إقامته في مقرِّه باقٍ على إطلاقه؛ لأنَّه عليه السلام توضَّأ بماء آجن
(4)
، ولأنَّه تغيَّر عن غير مخالطَة، أشبه المتغيِّر بالمجاورَة، وحكاه ابن المنذر إجماع مَنْ يحفظ قولَه من أهل العلم سوى ابن سيرين
(5)
؛ فإنَّه كره ذلك، وجزم به في «الرعاية» ، وفي
(1)
زاد في (أ) و (ب): (به).
(2)
أي: صب الماء عليه ليصبح صلبًا، قال في الصحاح 4/ 1650:(شيء جَبِلٌ بكسر الباء: أي غليظٌ جافّ).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 12/ 600.
(4)
أخرجه البيهقي في الكبرى (1272)، عن عروة في قصة أحد وما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، قال: وسعى علي بن أبي طالب إلى المِهراس، فأتى بماء في مِجَنَّة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب منه فوجد له ريحًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هذا ماء آجن» ، فمضمض منه وغسلت فاطمة عن أبيها الدم. وإسناده ضعيف لأمرين: الأول: في إسناده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف، والثاني: أن الإسناد منقطع بين عروة وعلي رضي الله عنه، قال أبو زرعة وأبو حاتم:(حديثه عن علي مرسل). ينظر: جامع التحصيل للعلائي ص 236.
(5)
الإجماع لابن المنذر ص 34.
وابن سيرين: هو أبو بكر، محمد بن سيرين، مولى أنس بن مالك الأنصاري، البصري، إمام ثقة، سمع أبا هريرة وابن عمر رضي الله عنهم، سكن البصرة وولي القضاء فيها. ينظر: التاريخ الكبير 1/ 90، وتهذيب التهذيب 9/ 190.
«المحرر» : لا بأس به.
(أَوْ) تغيَّر (بِطَاهِرٍ لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ)؛ أي: لا يمكن التَّحرُّز منه؛ (كَالطُّحْلُبِ)؛ يجوز فيه ضمُّ اللام وفتحها
(1)
، وهو
(2)
الأخضر الَّذي يخرج في أسفل الماء حتَّى يعلوه.
(وَوَرَقِ الشَّجَرِ) الَّذي يسقط فيه؛ لأنَّه يَشقُّ الاحترازُ عنه، أشبه المتغيِّر بتِبْن أو عيدان
(3)
، وكالمتغيِّر بكبريت أو قَارٍ، أو في آنية أَدَم أو نُحاس.
وفي «الرعاية» : هو من الطَّهور المكروه. وفي «المحرر» : لا بأس به.
وفي المتغيِّر بترابٍ طَهورٍ طُرِح فيه قصدًا وجهان، قال ابن حمدان
(4)
: إن صفا الماء فطهور، وإلَّا فطاهر.
وجزم في «المغني» و «الشرح» : أنَّه طَهور؛ لكونه يوافق الماء في صفتيه الطَّاهريَّة والطُّهوريَّة.
وفي «المحرر» عكسه.
وهذا كلُّه مع رقَّته، فإن ثخُن بحيث لا يجري على الأعضاء؛ لم تَجُز الطَّهارة به؛ لأنَّه طينٌ وليس بماء.
(1)
في (أ) و (ب): وكسرها.
(2)
زاد في (أ): النبت.
(3)
في (أ) و (و): زعفران.
(4)
هو القاضي نجم الدِّين، أبو عبد الله، أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النُّميري الحرَّاني، الفَقِيه الأصولي، من مصنفاته: الرعاية الكبرى، والرعاية الصغرى، وغيرهما، ولي نيابة القضاء في القاهرة، فسكنها وأسنَّ وكفَّ بصره، وتوفي بها سنة 695. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 4/ 266، المقصد الأرشد 1/ 99.
(أَوْ) تغيَّر (بِمَا لَا يُخَالِطُهُ؛ كَالْعُودِ)، والمراد به العُود القَماري بفتح القاف، منسوب إلى قَمار، موضع من بلاد الهند، (وَالْكَافُورِ)، هو المشموم من الطِّيب، (وَالدُّهْنِ) الطَّاهرِ على اختلاف أنواعه؛ لأنَّه تغيَّر مجاورة
(1)
، أشبه المتغيِّر بجيفة بقربِه.
وفيه وجه: يصير طاهرًا، اختاره أبو الخطَّاب.
وأطلق في «المحرر» الخلافَ.
ومفهوم كلامه في «المُغْنِي» و «الشرح» : إن تحلَّل من ذلك شيء فطاهر، وإلَّا فطهور، فلو خالط الماء بأن دقَّ أو انماعَ
(2)
فأقوال.
(أَوْ) تغيَّر (بِمَا أَصْلُهُ الْمَاءُ؛ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ)، وهو الماء الذي يرسل على السِّباخ فيصير ملحًا؛ لأنَّ المتغيِّر به منعقد
(3)
من الماء، أشبه ذَوبَ الثَّلج.
واقتضى ذلك: أنَّ الملح المعدنيَّ ليس كذلك، وهو صحيحٌ صرَّح به في «المُغْنِي» وغيره؛ لأنَّه خليط مستغنًى عنه، غير منعقد من الماء، أشبه الزعفران.
وقيل: لا يسلبُه الطَّهورية؛ لأنَّه كان في الأصل ماء، ولهذا يذوب بالنَّار.
(وَمَا تَرَوَّحَ بِرِيحِ مَيْتَةٍ إِلَى جَانِبِهِ) بغير خلافٍ نعلمه؛ لأنَّه تَغَيَّرَ مجاورةً.
(أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ)، نصَّ عليه من غير كراهة
(4)
، وقال في رواية أبي طالب
(5)
:
(1)
في (أ): بمجاورة، وفي (ب): عن مجاورة.
(2)
في (ب): فلو خالطه الماء [
…
] أو ماع. وفي (ز): فلو خالطه الماء بأن دق أو أماع.
(3)
في (أ) و (و): ينعقد.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 456.
(5)
هو أحمد بن حميد، أبو طالب المشكاني، روى عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وكان الإمام أحمد يكرمه، ويعظمه، ويقدمه، وكان رجلاً صالحًا، فقيرًا صبورًا على الفقر، توفي سنة 244 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 39، المقصد الأرشد 1/ 95.
(أهل الشَّام يروون فيه شيئًا لا يصحُّ)، واختاره النَّووي
(1)
.
وقال أبو الحسن التَّميمي
(2)
: يكره المُشَمَّس قصدًا، وش
(3)
، وقال:(لا أكرهه إلَّا من جهة الطِّبِّ)
(4)
، ورَوَى في «الأمِّ» عن عمرَ أنَّه قال:«لا تَغتَسِلوا بالماء المُشَمَّس؛ فإنَّه يُورِث البرصَ»
(5)
، وروى الدَّارقطنيُّ عن عائشة قالت: دخل عليَّ رسول صلى الله عليه وسلم وقد سخَّنتُ
(6)
ماءً في الشَّمس، فقال:«لا تَفعَلي يا حُمَيراءُ؛ فإنَّه يُورِث البرصَ»
(7)
.
وشرطه عندهم: أن يكون ببلاد حارَّة، وآنية مُنطبِعة؛ كنحاس، لا خَزَفٍ.
ولا يُشْتَرط تغطيةُ رأسِ الإناء، ولا قصدُ التَّشْميسِ على الأصحِّ.
وإن بَرَدَ؛ زالت الكراهة على الأصحِّ في زيادة «الرَّوضة»
(8)
.
(1)
في (ب): الثوري. وينظر: المجموع للنووي 1/ 87.
(2)
هو عبد العزيز بن الحارث بن أسد، أبو الحسن التميمي، صنف في الأصول والفروع والفرائض، وصحب أبا القاسم الخرقي، وغلام الخلال، وله مصنف اسمه: اللطيف الذي لا يسع جهله، توفي سنة 371 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 139.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير 1/ 41، البيان للعمراني 1/ 13.
(4)
ينظر: الأم للشافعي 1/ 16.
(5)
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 16)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (12)، عن عمر موقوفًا، وفي إسناده صدقة بن عبد الله، ضعيف عند الجمهور، وإبراهيم بن محمد، وهو متروك عند جمهور المحدثين كما قال الذهبي.
وأخرجه الدارقطني (88)، والبيهقي في الكبرى (13)، من طريق آخر، وفيه حسان بن أزهر، قال المزي فيما نقله عنه الزركشي:(إنه يجهَّل، وإنَّه لم يدرك عمر)، وقال ابن حجر في الدراية:(وأخرجه الشافعي موقوفًا على عمر بإسناد ضعيف، وأخرجه الدارقطني وابن حبان في الثقات من وجه آخر أصلح منه). ينظر: الدراية 1/ 55، سبل الهدى والرشاد 8/ 8.
(6)
في (أ): شمست.
(7)
أخرجه الدارقطني (86)، والبيهقي (14)، وفيه خالد بن إسماعيل وهو متروك، قال البيهقي:(لا يصح).
(8)
قوله: (وشرطه عندهم) إلى قولهم: (في زيادة «الرَّوضة») ذكر في (أ) و (و) بعد قوله: (من جهة الطب).
والأوَّل قولُ أكثرِ العلماء؛ لعموم الأدلَّة؛ فإنَّها تشمل المشمَّس وغيره، ولأنَّ سُخونته بغير نجاسة، أشبه المشمَّس بغير قصد، والمشمَّسَ في البِرَك والسَّواقي والمسخَّنَ بالطَّاهرات؛ لأنَّها صفة خُلق عليها الماء، أشبه ما لو برَّده.
وحديث عائشة رضي الله عنها في بعض طرقه إسماعيل بن عَيَّاشٍ، وفي بعضها الهَيْثَمُ بن عَدِي، وفي بعضها وهْبُ بنُ وهْبٍ أبو البَخْتَرِي، وكلُّهم ضعفاء، قال النَّووي:(هو حديث ضعيف باتِّفاق المحدِّثين)
(1)
، ومنهم من يجعله موضوعًا.
وخبر عمر أيضًا ضعيف باتِّفاقهم؛ لأنَّه من رواية إبراهيمَ بن أبي يحيى.
ويَعْضُدُ ذلك: إجماعُ أهل الطِّبِّ على أنَّ استعمال ذلك لا أثر له في البرص، ولأنَّه لو أثَّر لما اختلف بالقصد وعدمه.
(أَوْ بِطَاهِرٍ)؛ كالحطب، نصَّ عليه في رواية صالح وابن منصور
(2)
، وقاله أكثر العلماء؛ لعموم الرُّخصة، وعن عمر:«أنَّه كان يسخَّن له ماء في قُمْقُمٍ فيَغتَسِل به» رواه الدَّارقطنيُّ بإسناد صحيح
(3)
، وعن ابن عمر:«أنَّه كان يغتسل بالحَمِيم» رواه ابن أبي شيبة
(4)
، ولأنَّ الصَّحابة دخلوا الحمَّام، ورخَّصوا فيه.
(1)
ينظر: المجموع للنووي 1/ 87.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 456.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (675)، وابن أبي شيبة (254 - 255)، والشافعي في الأم (1/ 16)، وأبو عبيد في الطهور (255)، وابن المنذر في الأوسط (166)، والدارقطني في السنن (85)، والبيهقي في الكبرى (11)، قال الدارقطني:(هذا إسناد صحيح)، وقال ابن الملقن عن بعض أسانيده:(صحيح على شرط الشيخين)، وصححه الألباني في الإرواء، وقد علقه البخاري بصيغة الجزم في باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة (1/ 50). ينظر: البدر المنير 1/ 433، إرواء الغليل 1/ 48.
(4)
رواه عبد الرزاق (676)، وابن أبي شيبة (256)، وأبو عبيد في الطهور (256)، وابن المنذر (167)، وإسناده صحيح، قال الألباني في الإرواء 1/ 50:(سند صحيح على شرط الشيخين).
وكرهه مجاهد؛ لأنَّه عليه السلام «نهى عن الوضوء بالماء الحميم»
(1)
.
وذكر في «المستوعب» و «المغني» و «المحرر» : أنَّه إن اشتدَّ حرُّه كُرِه، وعليه يُحمل النَّهي عن الوضوء بماء الحَميم إن ثبت؛ لكونه يؤذي أو يمنع الإسباغ.
ومن نُقِل عنه الكراهة علَّل بخوف مشاهدَة العورة، أو قصد التنعُّم به، وهذا إجماع منهم على أنَّ سخونة الماء لا توجب كراهة.
(فَهَذَا) إشارة إلى ما سبق؛ (كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ)، جمع حدَث، وهو ما أَوْجبَ الوضوءَ أو الغسلَ، (وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ)، جمع نجَس - بفتح الجيم وكسرها -، وهو في اللُّغة: المُسْتَقْذَرُ، يقال: نَجِسَ ينجَس كعَلِمَ يعلَم، ونَجُسَ ينجُس كشَرُفَ يشرُف.
وفي الاصطلاح: كلُّ عين حرُم تناولها على الإطلاق في حالة الاختيار مع إمكانه، لا لحرمتها، ولا لاستقذارها
(2)
، ولا لضررٍ بها في بدن أو عقْل.
فاحترز ب (الإطلاق) عما يباح قليله دون كثيره؛ كبعض النبات الذي هو سم، وب (الاختيار) عن الميتة بأنها لا تحرم في المخمصة مع نجاستها، وب (إمكان التناول) عن الحجر ونحوه من الأشياء الصلبة، وب (عدم الحرمة) عن
(1)
لعله يشير إلى الأحاديث الواردة في النهي عن دخول الحمام، فإن المصنف قال بعد ذلك:(ومن نُقِل عنه الكراهة علَّل بخوف مشاهدَة العورة، أو قصد التنعُّم به)، ويؤيده: قول السخاوي في المقاصد الحسنة ص 433، بعد أن ذكر حديثًا في الحمام:(وكل ما جاء فيه ذكر الحمام؛ فهو محمول على الماء المسخن خاصة، من عين أو نحوها).
ومن ذلك: ما رواه البيهقي في الكبرى (14805)، عن طاوس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احذروا بيتًا يقال له: الحمام» ، وهذا مرسل، ورواه البيهقي بعده (14806)، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وقال:(رواه الجمهور عن الثوري على الإرسال)، ووافقه البزار، وقال الحازمي:(وأحاديث الحمام كلها معلولة)، ومثله قال العجلوني. ينظر: مجمع الزوائد 1/ 277، الاعتبار للحازمي ص 241، كشف الخفاء 2/ 516.
(2)
في (أ) و (و) و (ز): استقذارها.
الآدمي، وب (عدم الاستقذار) عن المخاط والمني، زاد بعضهم:(مع سهولة التمييز) يحترز به عن الدود الميت في الفاكهة ونحوها
(1)
.
(غَيْرُ مَكْرُوهِ الاِسْتِعْمَالِ)؛ لأنَّ الكراهة تستدعي دليلاً، والأصل عدَمُه.
واستثنى بعضهم لا إن
(2)
تغيَّر بمخالطة عُودٍ، أو كافورٍ، أو دُهنٍ، أو بما أصلُه الماء، أو سُخِّن بمغصوب، أو اشتدَّ حرُّه أو بَرْدُه، أو ماءُ زمزمَ في إزالة نجاسة، أو بِئرٌ في مقبرَة، فيُكرَه.
(وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ، فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا أطلقَهما كثير من الأصحاب؛ منهم أبو الخطَّاب، وفي «المحرر» و «التلخيص» و «الفروع»:
إحداهما: لا يُكره، اختاره ابنُ حامد
(3)
؛ لأنَّ الرُّخصة في دخول الحمَّام تَشمَل المَوْقود
(4)
بالطَّاهر والنَّجس، وأنه لم تتحقَّق
(5)
نجاسته، أشبه سؤر الهرِّ وماء سقايات الأسواق والأحواضِ في الطُّرقاتِ.
والثَّانية: يُكرَه، صحَّحها في «الرِّعاية» وإن بَرَدَ، ونصرها أبو الخطَّاب، وجزم بها في «الوجيز» .
قال المجد: وهو الأظهَر؛ لعموم قوله عليه السلام: «دعْ ما يَريبُك»
(6)
، ولأنَّه لا
(1)
قوله: (فاحترز ب (الإطلاق) عما يباح .... ) إلى هنا سقط من باقي النسخ.
(2)
قوله: (استثنى بعضهم: لا أن) هو في (أ): (ويستثنى ما). وفي (ب): من ذلك ما.
(3)
هو الحسن بن حامد بن علي بن مروان، أبو عبد الله البغدادي، أكبر تلامذة أبي بكرٍ غلام الخلال، وأخذ عن ابن بطة وأبي بكر النجاد وغيرهما، من مصنفاته: الجامع في المذهب، وتهذيب الأجوبة وغيرهما، توفي سنة 403 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 171، سير أعلام النبلاء 17/ 203.
(4)
في (ز): الموقودة.
(5)
في (أ): وأنه لا تتحقق، وفي (ب) و (ز): وأنه إذا لم تتحقق.
(6)
أخرجه الترمذي (2518)، والنسائي (5811)، من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وصححه الترمذي وغيره.
يسلم غالبًا من دُخَانِها، وصعوده بأجزاءٍ
(1)
لطيفة منها
(2)
.
وقيل: إن ظنَّ وصولَ النَّجاسة
(3)
كُرِه، وإن ظَنَّ عَدَمَه فلا، وإن تردَّد فروايتان.
وفي «المُغْنِي» : (إن تَحقَّق وصولَ النَّجاسة إليه، وكان
(4)
يسيرًا؛ نَجِس. وإن تحقَّق عدم وصولها إليه، والحائل غيرُ حَصِين؛ كُرِه. وإن كان حَصِينًا؛ فقال القاضي: يُكرَه. واختار الشريف وابنُ عَقِيل، - وصحَّحه الأَزَجِيّ -: أنَّه لا يُكرَه).
فرع: إذا وصل دخان النجاسة، فهل هو
(5)
كوصول نَجَسٍ أو طاهر؟ مَبْنِيٌّ على الاستحالة.
وعنه: يُكرَه ماءُ الحمَّام لعدم تحرِّي من يَدخله، ونقل الأثرم: أحب أن يُجدِّدَ ماءً غيرَه
(6)
.
فرع: لا تصحُّ الطَّهارة بماء مغصوب؛ كالصَّلاة في ثوبِ غَصْب.
وإن حُفِرت البئر بمال مغصوب، أو في موضع غَصب، أو فيما
(7)
ثمنُه المتعيِّنُ في عقد شراء به حرام
(8)
؛ صحَّ على الأصح.
(1)
في (ب): وصعود أجزاء.
(2)
زاد في (أ) و (ب): وهذا ما لم يحتج إليه.
(3)
زاد في (ب): إليه.
(4)
زاد في (ب): (الماء).
(5)
قوله: (فهل هو) هو في (ز): فهو.
(6)
ينظر: الفروع 1/ 64.
(7)
في (أ): في ماءٍ.
(8)
قال في مطالب أولي النهى 1/ 31: (ويكره استعمال ماء بئر بمكان (غصب) أي: مغصوب، (أو حفرت البئر به) أي: المكان المغصوب، ويحرم حفرها به وكذلك لو غصب آلة فحفر بها أرضه المملوكة له، أو أكره إنسانًا على حفرها فيكره استعمال مائها (أو) حفرت البئر (بأجرة غصب) أو بعضها).
(فَصْلٌ)
هو عبارة عن الحجْزِ بين شيئين، ومنه فصل الرَّبيع؛ لأنَّه يحجز بين الشِّتاء والصَّيف، وهو في كُتُب العلم كذلك؛ لأنَّه حاجز بين أجناس المسائل وأنواعها.
(الْقِسْمُ الثَّانِي: مَاءٌ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ)؛ جعله وسَطًا؛ لسلْب إحدى الصِّفتين وبقاءِ الأخرى، وهو قسمان:
أحدهما: غيْرُ مطهِّر بالإجماع، (وَهُوَ مَا خَالَطَهُ طَاهِرٌ) يمكن أن يُصان الماء عنه، والمراد بالمخالطة هنا: المُمازَجة بحيث يُستهلَك جرم الطَّاهر في جرم الماء، ويتلاقى جميع أجزائهما.
والثَّاني: مختلَف في التَّطهير به، وسيأتي.
والأوَّل ثلاثة أنواع:
ما خالطَه طاهرٌ (فَغَيَّرَ اسْمَهُ)؛ بأن صار صِبْغًا أو خلًّا؛ لأنَّه أزال عنه اسمَ الماء.
(أَوْ غَلَبَ عَلَى أَجْزَائِهِ) فصيَّره حِبْرًا؛ لأنَّ المخالِط إذا غلب على أجزاء الماء أزال معناه؛ لكونِه لا يُطلَب منه الإرواء.
(أَوْ طُبِخَ فِيهِ فَغَيَّرَهُ) حتَّى صار مَرَقًا؛ كماء الباقِلَّاء المَغْلِيِّ؛ لأنَّه قد بَقي طبيخًا، وزال عنه مقصودُ الماء من الإرواءِ، أشبهَ ما لو صار حِبرًا.
وقد فُهم منه: أنَّ الماء إذا خالطه الطاهر ولم يغيِّره أنَّه باق على طَهوريَّته؛ لما روت أمُّ هانئ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وزوجتُه من قصعة فيها أثرُ العجين» رواه أحمد وغيره
(1)
.
(1)
أخرجه النسائي (240)، وابن ماجه (378)، وابن خزيمة (240)، وابن حبان (1245)، من طريق مجاهد، عن أم هانئ رضي الله عنها. رجاله ثقات رجال الشيخين، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، ولكن اختلف في سماع مجاهد من أم هانئ رضي الله عنها، قال الترمذي:(سألت محمدًا قلت له: مجاهد سمع من أم هانئ؟ قال: روى عن أم هانئ، ولا أعرف له سماعًا منها)، وقال الذهبي:(لم يدرك مجاهد أم هانئ، وقيل: سمع منها، وذلك ممكن). ينظر: العلل الكبير (545)، تاريخ الإسلام 1/ 737.
وقد أورد ابن المنجى: بأنَّ الطَّبخ إن اعتبر فيه تغيُّر الاِسم، أو غلبةُ الأجزاء؛ كان كالنَّوعين، فلا حاجة إلى ذكرِه، وإن لم يُعتبر فيه ذلك؛ دخل فيه ماء سُلق فيه بَيضٌ؛ فإنَّه يسمَّى طَبخًا
(1)
بدليل اليمين، وطبخُ ما ذُكِر لا يسلُبه الطَّهوريَّة.
وأجاب: بأنَّ المراد به الطَّبخ المعتاد، وقوله:(طُبِخ فيه) لا عموم له.
تذنيب: حكم المياه المُعتصرَة من الطَّاهرات؛ كماء الوَرد، وما ينزِل من عُروق الأشجار، غيرُ مطهِّر؛ خلافًا لابنِ أبي ليلى
(2)
والأصم
(3)
؛ إذ الطَّهارة لا تجوز إلَّا بالماء المطلق.
وكذا النَّبيذ، نصَّ عليه
(4)
، وهو قول الجماهير، واختاره الطَّحاوي
(5)
، وصحَّحه قاضي خان
(6)
.
(1)
في (أ): طبيخًا، وفي (ب) و (و): فيه طبخًا.
(2)
هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي، قاضٍ، فقيه، من أصحاب الرأي، ولي القضاء والحكم بالكوفة لبني أمية، توفي سنة 148 هـ. ينظر: الوافي بالوفيات 3/ 184، الأعلام 6/ 189.
(3)
هو أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم، فقيه، معتزلي، مفسر، توفي سنة 201، وقيل بعد ذلك. ينظر: سير أعلام النبلاء 9/ 402؛ الأعلام 3/ 322.
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 7.
(5)
هو أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي، أبو جعفر، نسبته إلى طحا قرية بصعيد مصر، ابن أخت المزني صاحب الشافعي، من أئمة الحنفية، من تصانيفه: أحكام القرآن، ومعاني الآثار، وشرح مشكل الآثار، وغيرها، توفي سنة 321 هـ. ينظر: الجواهر المضية 1/ 102، والأعلام للزركلي 1/ 196.
(6)
هو الحسن بن منصور بن محمود الأوزجندي، المشهور بقاضي خان، من كبار فقهاء الحنفية في المشرق، من مصنفاته: شرح الجامع الصغير، توفي سنة 592 هـ. ينظر: الجواهر المضية 2/ 205.
وقال عكرمة
(1)
وه في المشهور عنه: يتوضَّأ به في السَّفر عند عدم الماء. وعنه: يجب الجمع بينه وبين التَّيمُّم، وقاله محمَّد بن الحسن. وعنه: الجمع بينهما مستحب، ويجوز الاقتصار على النَّبيذ، وقاله إسحاق.
وقال هـ: يتوضَّأ به، ويُشتَرط فيه النِّيَّة، ولا يَتيمَّم، قال الرَّازي: وهي أشهر عنه، وقاله زُفَرُ.
قال في «المحيط» ، و «المبسوط» ، وقاضي خان: النَّبيذ المشتدُّ حرامٌ شربُه، فكيف يُتوضَّأ به؟
(2)
.
واحتجُّوا بما روى أبو فَزارَة
(3)
، واسمه راشد بن كَيسان، عن أبي زيد، عن ابن مسعود قال: كنت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجنِّ، فقال:«أمَعَك ماءٌ؟» قلتُ: لا. قال: «ما في الإداوة؟» قلت: نبيذٌ. فقال: «تمرةٌ طيِّبةٌ وماء طهور» رواه أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة
(4)
.
وجوابه: أنَّه مائع لا يقع عليه اسم الماء المطلق، أشبه نبيذ الزَّبيب، وحديث ابن مسعود لم يصحِّحه أحمد وأبو زرعة
(5)
، وقال الخلَّال: (كأنَّه
(1)
هو أبو عبد الله مولى ابن عباس، روى عنه وعن عائشة وعلي رضي الله عنهم، أحد أوعية العلم. ينظر: ميزان الاعتدال 5/ 516، والوافي بالوفيات 20/ 29.
(2)
ينظر: الأصل للشيباني 1/ 74.
(3)
في (أ) و (و): فزارة.
(4)
أخرجه أحمد (3810)، وابن أبي شيبة (263)، وأخرجه أبو داود (84) والترمذي (88)، وابن ماجه (384) وإسناده ضعيف، لجهالة أبي زيد، وضعَّف الحديث جماعة منهم: أبو زرعة، والبخاري، وابن عدي، وابن المنذر، وغيرهم كما سيذكر المصنف. ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 525.
(5)
ينظر: مسائل حرب بتحقيق فايز حابس 3/ 1274، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 485.
موضوع)، وقال جماعة: لم يكن ابن مسعود مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجنِّ
(1)
. وقال الطَّبراني: (أحاديث الوضوء بالنَّبيذ وُضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبيَّة)
(2)
، قال عبد الحق:(لا يصحُّ منها شيء)، وقال الطَّحاوي:(إنَّما ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى الوضوء بالنَّبيذ اعتمادًا على حديث ابن مسعود، ولا أصل له)
(3)
.
ثم شرع في بيان القسم الثَّاني المختلف فيه، فقال:(فَإِنْ غَيَّرَ) أي: الطَّاهرُ، سواء كان: مَذْرُورًا كالزَّعفران والأُشْنان، أو حُبوبًا كالبَاقِلَّاء والحِمِّص؛ (أَحَدَ أَوْصَافِهِ) والمذهب: أو أكثرها، (لَوْنِهِ) - واختُلف في لون الماء على أقوال، وذهب جماعة: أنَّه لا لون له، ورُدَّ بقوله عليه السلام عن ماء الحوض:«أشدُّ بياضًا من اللَّبنِ»
(4)
- (أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ)؛ فهو طاهر غير مطهِّر في رواية نصَّ عليها، اختارها الخِرَقِي
(5)
، وأبو بكر في «الشافي»
(6)
،
(1)
منهم الإمام أحمد كما في مسائل حرب بتحقيق فايز حابس 3/ 1274، وسؤالات الأثرم ص 43.
(2)
ينظر: التحقيق لابن الجوزي 1/ 57.
(3)
ينظر معناه: شرح معاني الآثار 1/ 95، وقد ذكر فيه أن أبا يوسف خالف أبا حنيفة، فقال:(وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة رضي الله عنه، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يتوضأ بنبيذ التمر، ومن لم يجد غيره تيمم، ولا يتوضأ به. وممن ذهب إلى هذا القول أبو يوسف).
(4)
أخرجه مسلم (2300)، والترمذي (2445)، من حديث ثوبان رضي الله عنه، وروي من حديث جماعة من الصحابة، وأحاديث الحوض من الأحاديث المتواترة.
(5)
قال في الروايتين والوجهين 1/ 59: (ونقل الصاغاني كلامًا يدل على أنه لا يجوز الوضوء به، وهو اختيار الخرقي، وهو أصح).
والخرقي: هو عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد، أبو القاسم، شيخ الحنابلة في وقته، تفقه على والده الحسين المسمى بخليفة المروذي، له المختصر في الفقه، المعروف بمختصر الخرقي، توفي سنة 334 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 75، سير أعلام النبلاء 15/ 363.
(6)
هو أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد البغدادي، المشهور بغلام الخلال، كان متسع الرواية مشهورًا بالديانة، من مصنفاته: تفسير القرآن، والشافي، والتنبيه في الفقه، وزاد المسافر، توفي سنة 336 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 119، المقصد الأرشد 2/ 162.
وأبو حفص في «المقنع»
(1)
، والقاضي، وقال: هي المنصورة عند أصحابنا؛ لأنَّه تغيَّر بمخالطة طاهر يمكن صونُه عنه، أشبه ما لو تغيَّر بطبخ، ولأنَّه لو وكل في شراء ماءٍ لم يلزمه قبوله، والنُّصوص إنَّما وردت في الماء المطلق العاري عن القيود؛ بدليل صحَّةِ النَّفي، ولو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء الزَّعفران؛ لم يحنث.
وكلامه دالٌّ على أنَّه لا فرق في التَّغَيُّر بين الأوصاف الثَّلاثة؛ لأنَّ الأصحاب سوَّوا بينهم؛ قياسًا لبعضها على بعض
(2)
.
وفي أخرى: مُطهِّر، نقلها أبو الحارث والميموني، وذكر في «الكافي» أنَّها أكثر الرِّوايات عنه؛ لقوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النِّسَاء: 43]، وهو عامٌّ في كلِّ ماء؛ لأنَّه نكرة في سياق النَّفي، فلم يَجُز التَّيمُّم عند وجوده، ولأنَّه لم يسلبْه اسمَه ولا رِقَّته، أشبَه المتغيِّر بالدهن.
وفي ثالثة: طَهور مع عدَمٍ، قاله ابن أبي موسى
(3)
.
والأوَّل أصحُّ؛ لأنَّه إن لم يسلبه اسمَه فقد سلبه الإطلاق، والقياس على المتغيِّر بالدُّهن لا يصحُّ؛ لأنَّه تغيَّر عن مجاورة، وهذا تغيَّر عن مخالَطة.
(1)
هو عمر بن إبراهيم بن عبد الله، أبو حفص العكبري، يعرف بابن المسلم، معرفته بالمذهب المعرفة العالية، له التصانيف السائرة، مثل: المقنع، وشرح الخرقي، والخلاف بين أحمد ومالك، وغير ذلك من المصنفات، وكلها مفقود، كانت أكثر ملازمته لأبي عبد الله بن بطة، وصحب أبا إسحاق بن شاقْلا، توفي سنة 387 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 163.
(2)
زاد في (أ) و (ب): (لكن الخِرَقِي شرط الكثرة في الرَّائحة دون غيرها، قال ابن حمدان: وهو أظهر؛ لسرعة سِرايتها ونُفوذها) وقد ضرب عليها في الأصل.
(3)
هو القاضي محمد بن أحمد بن أبي موسى، أبو علي الهاشمي، إليه انتهت رئاسة المذهب، صحب أبا الحسن التميمي من الأصحاب، له من المصنفات: الإرشاد إلى سبيل الرشاد، وشرح الخرقي، توفي سنة 428 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 182.
تنبيه: إذا غيَّر وصفين أو ثلاثة؛ فذكر القاضي روايتين:
إحداهما: مُطهِّر؛ لأنَّ الصَّحابة كانوا يسافرون، وغالبُ أسقيتهم الأَدَم، وهي تغيِّر أوصاف الماء عادة، ولم يكونوا يتيمَّمون معها.
والثَّانية: ليس بمطهِّر على الأشهر؛ لأنَّه غلب على الماء
(1)
؛ أشبه ما لو زال اسمُه.
(أَوِ اسْتُعْمِلَ) وكان دون القلَّتين، جزم به في «المحرر» و «الوجيز» ، (فِي رَفْعِ حَدَثٍ)؛ أيَّ حدث كان، فهو طاهِرٌ؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صبَّ على جابر من وضوئه» رواه البخاري
(2)
؛ غير مُطَهِّر في رواية، وفي «الكافي»: إنَّها الأشهر، وذكره ابن شهابٍ
(3)
ظاهِرَ المذهب؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا يَغتسلنَّ أحدُكم في الماء الدَّائم وهو جُنُبٌ» ، رواه مسلم من حديث أبي هريرة
(4)
، ولولا أنَّه يفيد منعًا لم ينهَ عنه، ولأنه أزال به مانعًا من الصَّلاة؛ أشبَهَ ما لو أزالَ به النَّجاسة، أو استُعملَ في عبادة على وجه الإتلاف؛ أشبه الرَّقبة في الكفَّارة.
وفي أخرى: مطهِّر، اختارها ابن عَقِيل
(5)
وأبو البقاء؛ لما روى ابنُ عبَّاس
(1)
قوله: (الماء) سقطت من (أ).
(2)
أخرجه البخاري (194)، ومسلم (1616)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
هو الحسن بن شهاب بن الحسن بن شهاب، أبو علي العُكبري، لازم أبا عبد الله ابن بطة إلى حين وفاته، له مصنفات في الفقه، والفرائض، والآداب، توفي سنة (428 هـ). ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 186، المقصد الأرشد 1/ 320.
(4)
أخرجه مسلم (283)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، واتفقا عليه بذكر النهي عن البول، كما في البخاري (239) ومسلم (282)، ولفظه لمسلم:«لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه» ، وللبخاري:«الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» .
(5)
هو علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن أحمد البغدادي، الظفري، أبو الوفاء، أحد الأئمة الأعلام، تفقه على القاضي وغيره، وله الكثير من المصنفات، منها: الفنون، والفصول في الفقه، ويسمى كفاية المفتي، والمناظرات، والمفردات، وعمد الأدلة، والمنثور، والتذكرة، وغيرها، توفي سنة 513 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 19/ 443، ذيل الطبقات 1/ 316.
مرفوعًا: «الماء لا يَجْنُب» رواه أحمد وغيره، وصحَّحه التِّرمذي
(1)
، لأنَّه ماء طاهر لاقى أعضاءً طاهرةً
(2)
؛ فلم يسلبْه الطَّهوريَّة، أشبَه ما لو تبرَّد به.
وفي ثالثة: نجِس، نصَّ عليه في ثوب المتطهِّر
(3)
؛ لأنَّه عليه السلام «نهى عن الغُسل في الماءِ الدَّائِمِ» ، «ونهى عن البول فيه» ، ولا شكَّ أنَّ البول يُنَجِّسه، فكذا الغسل، ولأنَّه أزال مانعًا من الصَّلاة، أشبه إزالة النَّجاسة.
قال جماعة: وعليها يُعفى عمَّا قَطَر على يدي المتطهِّر وثوبه، ويستحبُّ غسله في رواية.
وفي أخرى: لا، صحَّحه
(4)
الأزَجِي والشَّيخ تقي الدِّين
(5)
.
والأُولى أصحُّ؛ لأنَّ رفع الحدث لا يقاس على إزالة النَّجَس؛ لما بينهما من الفرق، وبأنَّه يكفي اشتراكهما في أصل المنع من التَّطهير به، ولا يلزم اشتراكهما في التَّنجيس، قاله في «الشرح» .
وقال أبو الفَرَج
(6)
: (ظاهر كلام الخِرَقِي أنَّه طَهور في إزالة الخبث)، وفيه نظرٌ.
(1)
أخرجه أحمد (2102)، وأبو داود (68)، والترمذي (65)، وابن خزيمة (91)، وابن حبان (1248)، من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، واللفظ الذي ذكره المصنف لفظ أبي داود والترمذي، ولفظ أحمد:«إن الماء لا ينجسه شيء» ، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، وفيه سماك بن حرب وروايته عن عكرمة مضطربة، لكن روى عنه شعبة وذلك مما يقوي أمرها، قال ابن حجر:(وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة؛ لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم)، وللحديث شواهد تقويه. ينظر: البدر المنير 1/ 395، الفتح 1/ 300، الإرواء 1/ 64.
(2)
في (أ): طاهر.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 71.
(4)
في (أ): صححها.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 71.
(6)
المراد به هنا: ابن أبي الفهم، وهو عبد القادر بن عبد القاهر بن عبد المنعم بن محمد بن حمد بن سلامة، ابن أبي الفهم، الحراني، أبو الفرج، شيخ حران ومفتيها، توفي سنة 634 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 3/ 441، المقصد الأرشد 2/ 159.
والمنفصلُ من غسل الميت - إذا قلنا بطهارتِه -؛ الرِّوايات، ويستثنى على الأولى غير غسل ذمِّيَّة لحيض ونفاس وجنابة، بالشَّرط السَّابق.
فإن كان قلَّتين، أو غسل رأسه بدلاً عن مسحِه؛ لم يسلبْه.
مسألة: إذا اشترى ماءً ليشربَه، فبان قد تُوُضِّئ به؛ فعَيْب؛ لأنَّه مستقذَر شرعًا، ذكره في «النوادر» .
(أَوْ طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ؛ كَالتَّجْدِيدِ، وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ)، والإحرام، وسائر الأغسال المستحبَّة، فالمذهب: أنَّه طَهور، قدَّمه في «الكافِي» و «المحرر» ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «النِّهاية» ؛ لأنَّه لم يرفع حدثًا، ولم يُزِلْ نَجَسًا، أشبه التَّبرُّدَ.
والأخرى: غير مطهِّر، قدَّمها ابن تميم
(1)
؛ لأنَّه استُعمل في طهارة شرعيَّة، أشبه ما لو رفَعَ به حدَثًا.
وظاهره: أنَّ الطَّهارة إذا لم تكن مشروعة؛ كالتَّبرُّد؛ لم تسلبه الطَّهوريَّة بغير خلاف نعلَمُه. قاله في «المغني» و «الشرح» .
مسائل:
الأولى: المذهب يصير الماء مستعملاً بانتقالِه إلى عُضو آخرَ. وعنه: لا، قاله في «النهاية». وعنه: لا في الجنب. وعنه: يكفيهما مسح اللَّمعة بلا غَسل، ذكره ابن عقيل.
الثَّانية: أعضاء الحدث الأصغر ليست كعضو واحد. وعنه: بلى.
(1)
هو محمد بن تميم الحرَّاني الحنبلي، أبو عبد الله، صاحب المختصر المشهور في الفقه، وصل فيه إلى كتاب الزكاة، تفقه على مجد الدين ابن تيمية، توفي وهو شاب سنة 675 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 4/ 131، المقصد الأرشد 2/ 386.
الثالثة: إذا انغمس جنُب
(1)
، أو محدِثٌ، في قليلٍ
(2)
راكد بنيَّة رفع حدثِه، أو نواه بعد انغماسِه؛ لم يرتفع، وصار مستعمَلاً، نصَّ عليه
(3)
.
قيل: بأوَّل جُزء لاقَى منه الماء؛ كمحلٍّ نجِس لاقاه، وذلك الجزء غير معلوم. قاله القاضي وغيره.
وقيل: بأوَّل جُزء انفصل؛ كالمتردِّد على المَحل.
ويتوجَّه على الخلاف: ما لو اغترفَ منه آخرُ، وتوضَّأ به قبل الانفصال.
وقيل: ليس مستعملاً.
وقيل: يرتفع.
(أَوْ غَمَسَ يَدَهُ) - وهي من رؤوس الأصابع إلى الكوع، وقيل: أو بعضها - (فِيهِ) أي: في الماء إذا كان دون قُلَّتين، ودلَّ على أنَّه لا أثَر لغمسِها في مائع طاهر، وهو كذلك في الأصحِّ، (قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا، فَهَلْ يَسْلُبُهُ الطَّهورِيَّةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يسلبه، اختاره أبو بكر والقاضي وكثير من الأصحاب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا استيقظ أحدُكم من نومه فلا يَغْمِس يدَه في الإناء حتَّى يغسِلَها ثلاثًا؛ فإنَّه لا يدري أين باتت يدُه» متَّفق عليه من حديث أبي هريرة، ولفظه لمسلم
(4)
، وفي رواية:«فليغسل يديه» ، ولأبي داود والتِّرمذي وصحَّحه:«من اللَّيل»
(5)
.
(1)
زاد في (ب): كله أو بعضه.
(2)
زاد في (ب): ماء.
(3)
ينظر: مسائل صالح 2/ 12.
(4)
أخرجه البخاري (162)، ومسلم (278).
(5)
أخرجه أبو داود (103)، والترمذي (24)، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، والرواية التي أشار إليها المصنف هي رواية البخاري.
ومقتضى ذلك الوجوبُ، وعليها غَسْلُهما شَرطٌ لصحَّة الوضوء، قاله ابن عَبْدوس
(1)
.
وهل هو تعبُّد، فيجب إن شُدَّت يَدُه أو جُعلت في جِراب أو نحوه؟ أو معلَّل بوَهْم النَّجاسَة فلا يجب؟ فيه وجهان.
ويتعلَّق هذا الحكم بالنَّوم النَّاقض للوضوء، وقال ابن عقيل: هو ما زاد على نصف اللَّيل؛ لأنَّه قبل ذلك لا يسمَّى بيتوتة، بدليل ما لو دفع قبل نصف اللَّيل فإنَّ عليه دمًا.
وينتقض بمن وافاها بعد نصف اللَّيل؛ فإنَّه لا دم عليه، مع كونه أقلَّ من نصفه.
واقتضى كلامه: أنَّ نوم النَّهار لا أثر له، قال في «الشرح»: روايةً واحدة؛ حملًا للمطلق على المقيَّد.
وعنه: بلى، وهو قول الحسن.
وظاهره: أنَّه يؤثِّر غمسُها فيه بعد غسلها مرَّة أو مرَّتين، وهو كذلك في قول الأكثر.
وقيل: يكفي غسلها مرَّة، فعلى هذا لا يؤثِّر غَمسها فيه بعد ذلك.
وفي وجوب النِّيَّة والتَّسمية لغسلهما
(2)
أوجه، ثالثها: تجب النِّيَّة فقط.
والمذهب: لا فرق في الغَمْس بعد نيَّة غسلهما أو قبلها.
وقال المَجْدُ: إنَّما يؤثِّر إذا كان بعد نيَّة الوضوء، وقبل غسلهما، وعليها
(1)
هو محمد بن عبدوس بن كامل أبو أحمد السلمي السراج، روى عنه عبد الله البغوي وأبو بكر النجاد وغيرهما، مات سنة 293 هـ.
وهو ابن عبدوس المتقدم؛ كما في الإنصاف 1/ 280، وليس هو علي بن عمر بن عبدوس المتأخر صاحب التذكرة، المتوفى سنة 559 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 314، المقصد الأرشد 2/ 239.
(2)
في (أ): بغسلهما.
إذا لم يَجِدْ غيرَه؛ استعملَه وتيمَّم معه.
ويجوز استعماله في شُرب وغيره. وقيل: يكره. وقيل: يحرم، صحَّحه الأَزَجِي؛ للأمر بإراقته.
وظاهره: أنَّه إذا حصل في يده من غير غمس؛ أنَّه طَهور، وهو كذلك في رواية.
وعنه: كغمسه
(1)
.
وفمٌ أو رِجْلٌ كيَدٍ في قليلٍ بعد نيَّةِ غُسلٍ واجبٍ لا وضوءٍ.
وفي «الشرح» : أنَّه إذا كانتْ يدُه نجسةً والماء قليل، وليس معه ما يغترف به: فإن أمكنه أن يأخذ
(2)
بفيه ويصبَّ على يديه، أو يغمس خِرقَة أو غيرَها؛ فعَل؛ فإن لم يُمكنْه تيمَّم كي لا يُنجِّسَ الماءَ ويتنجس به
(3)
.
ومقتضاه: أنَّه شامِلٌ للصغير والمجنون والكافر كضدِّهم، وهو وجه.
والثَّانية: لا يَسلُبه، اختارها الخِرَقِي والشَّيخان، وجزم بها في «الوجيز» ، وذكر في «الشرح» أنَّه الصَّحيح؛ لأنَّه ماء لاقَى أعضاءً طاهرة، فكان على أصله.
ونهيُه عليه السلام عن غمس اليد: إن كان لوهْم النَّجاسة؛ فهو لا يزيل الطَّهوريَّة، كما لا يزيل الطَّاهرية، وإن كان تعبُّدًا؛ اقتُصر على مورد النَّصِّ، وهو مشروعيَّة الغَسل، وحديث أبي هريرة محمول على الاستحباب.
وفي ثالثة: هو نجِس، اختارها الخلَّال
(4)
؛
(1)
في (أ) و (و): بغمسه. والمثبت هو الموافق للفروع 1/ 73.
(2)
في (ز): يأخذه.
(3)
قوله: (ويتنجس به) سقط من (أ) و (و). والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 1/ 75.
(4)
هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون المعروف بالخلال، صحب أبا بكر المروذي إلى أن مات، قال الخطيب البغدادي:(وكان ممن صرف عنايته إلى جمع علوم أحمد بن حنبل، وطلبها وسافر لأجلها وكتبها عاليةً ونازلةً وصنفها كتبًا، ولم يكن فيمن ينتحل مذهب أحمد أجمع منه)، من تصانيفه: الجامع، والعلل، والسنة، وغيرها، توفي سنة 311 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 3/ 23، المقصد الأرشد 1/ 166.
لأنَّه مأمور بإراقته في خبرٍ
(1)
رواه أبو حفص العُكْبَري
(2)
.
وقد فصَّل بعضهم فقال: إن قلنا بوجوب غسلهما؛ فكمستعمل في رفع حدث، وإن سُنَّ غسلهما؛ فكمستعمل في طهارة مسنونة.
(وَإِنْ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ
(3)
فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا)؛ فهو نَجِس بغيرِ خلاف؛ لأنَّه تغيَّر بالنَّجاسة.
(أَوْ قَبْلَ زَوَالِهَا)؛ يعني: إذا انفصل غيرَ متغيِّر مع بقاء النَّجاسة؛ كالمنفصل في السَّادِسة من وُلُوغ الكلب؛ (فَهُوَ نَجِسٌ)؛ لأنَّه مُلاقٍ لنجاسة لم يُطهِّرها، فكان نَجِسًا، أشبَه ما لو وردَت عليه والمحلُّ المنفصل عنه طاهر، صرَّح به الآمِدي
(4)
، وهو مقتضى كلام القاضي، وجزم في «الانتصار» بنجاسته، وهو ظاهر كلام الحُلْواني
(5)
.
(1)
في (ب) و (ز): الخبر.
(2)
أخرجه ابن عدي في الكامل (8/ 106)، عن أبي هريرة مرفوعًا:«إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثم ليتوضأ، فإن غمس يده في الإناء من قبل أن يغسلها فليهرق ذلك الماء» . قال ابن عدي: (وقوله في هذا المتن: «فليهرق ذلك الماء»؛ منكر لا يحفظ)، وجعل علته: المعلى بن الفضل، وله علل أخرى. ينظر: البدر المنير 1/ 506، التلخيص الحبير 1/ 178.
(3)
زاد في (أ): أي: شرع في غسلها.
(4)
هو علي بن محمد بن عبد الرحمن البغدادي، أبو الحسن، المعروف بالآمدي، ويعرف قديمًا بالبغدادي، من كبار تلاميذ القاضي أبي يعلى، له كتاب: عمدة الحاضر وكفاية المسافر، في أربع مجلدات، وهو مفقود، توفي سنة 468 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 1/ 11.
(5)
هو محمد بن علي بن محمد بن عثمان بن المراق الحلواني، أبو الفتح، كان من فقهاء الحنابلة ببغداد، تفقه على: يعقوب البرزبيني، وأبي جعفر الشريف، له كتاب: كفاية المبتدي في الفقه، ومصنف آخر في الفقه أكبر منه، ومصنف في أصول الفقه، توفي سنة 505 هـ. ينظر: الطبقات 2/ 257، ذيل الطبقات 1/ 246.
(وَإِنِ انْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ زَوَالِهَا)، وهو معنى كلامه في «المحرر» ، و «الوجيز» ، ولم
(1)
يَبْقَ للنجاسة أثر؛ (فَهُو طَاهِرٌ إِنْ كَانَ الْمَحَلُّ أَرْضًا)، نصره في «الشرح» ، وقدَّمه ابن تميم وابن حمدان؛ لما روى البخاري من حديث أبي هريرة: أنَّ أعرابيًّا بال في طائفة المسجد، فقام إليه النَّاس ليقعوا به، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«دعوه، وأريقوا على بوله سَجْلاً من ماء، أو ذَنُوبًا من ماء» ، أمر بذلك لأجل التَّطهير، ولولا أنَّه يطهِّر؛ لكان تكثيرًا للنَّجاسة.
ويلزم منه طهارة المحلِّ، وقد صرَّح به في «المحرر» و «الوجيز» ، وإن لم يَنفصِلِ الماءُ.
وعن أحمدَ: إن كانت النَّجاسةُ رطْبَةً والأرضُ صلبةً؛ فمنفصِلُه نَجِس.
وقيل: المنفصل عن الأرض كالمنفصل عن غيرها في الطَّهارة والنَّجاسة، وحكاه ابن البَنَّاء
(2)
روايةً.
فرع: إذا وقع خمرٌ على أرض، فذهب بالماء لونُه دون ريحه؛ عُفِي عنه في الأصحِّ.
وتطهُر أرض البئر اليابِسةُ ونحوها بنبع ماء طَهور كثيرٍ فيها.
(وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَرْضِ؛ فَهُوَ طَاهِرٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)، قاله ابن تميم وغيره؛ لأنَّه انفصل عن محلٍّ محكوم بطهارته؛ كالمنفصل في السَّابعة من ولوغ الكلب، وهو معنى كلامِه في «الوجيز»:(وآخرُ غسلة زالت النَّجاسة بها)، ولأنَّه بعض المتَّصل، وهو طاهر بالإجماع، وشرطه الانفصال، وصرَّح به في «المحرر» بخلاف الأرض؛ لأنَّه إذا لم ينفصل؛ فعَينُ النَّجاسة قائمةٌ،
(1)
في (ب): ولو لم.
(2)
هو الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنَّاء البغدادي من تلاميذ القاضي أبي يعلى، من مصنفاته: شرح مختصر الخرقي، الكافي المحدد في شرح المجرد، نزهة الطالب في تجديد المذهب. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 243، سير أعلام النبلاء 18/ 380.
ومقصودُ الغَسل زوالُها.
والثَّاني: نجِس، اختاره ابن حامد؛ لأنَّه ماء قليل لاقَى نجاسة، أشبه ما لو انفصل قبل زوالها، والبلَلُ الباقي إنَّما عُفي عنه للضَّرورة.
(وَهَلْ يَكُونُ طَهُورًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، مبنيَّان على المستعمل في رفع الحدث؛ لأنَّه أُزِيلت به نجاسة حكميَّة؛ لأنَّها زالت بما قَبلها من الغَسلات، أشبه الحدث؛ لاشتراكهما في المنع الشَّرعي.
(وَإِنْ خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ)؛ أي: الكاملةِ عن حدث (مِنْهُ) إذا كان قليلاً، جزم به في «الشرح» و «الوجيز» ؛ لأنَّ النَّجاسة لا تؤثر في الماء الكثير
(1)
، فهذا أَوْلى، وقيل: وبكثير، (امْرَأَةٌ)، مسلمةً كانت أو ذمِّيَّةً، وهو أحد الوجهين فيها إذا خلت به لغسلِها من الحيض؛ لأنَّه قد تعلَّق به إباحة وطئِها.
والثَّاني: لا يمنع
(2)
؛ لأنَّ طهارتها غير صحيحة، ومثله غسلها من النَّفاس والجنابة، وقيل: المميِّزة كذلك.
(فَهُوَ طَهُورٌ) بالأصل؛ لأنَّه يجوز لها أن تتطهَّر به، ولغيرها من النِّساء، أشبه الذي لم تَخْلُ به.
(وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)؛ لما روى الحَكَم بن عمْرٍو الغِفَاري قال: «نهى النَّبيُّ أن يَتوضَّأ الرَّجلُ بفضل طَهور المرأة» رواه الخمسة، إلَّا أنَّ النَّسائيَّ وابنَ ماجَه قالا:«وَضوء المرأة» ، وحسَّنه التِّرمذي، وصحَّحه ابن حبَّان، واحتجَّ به أحمد في رواية الأثرم
(3)
، وخصصناه بالخلوة؛
(1)
في (ز): الكبير.
(2)
في (أ) و (و) و (ز): تمنع.
(3)
أخرجه أحمد (20655)، وأبو داود (82)، والترمذي (64)، والنسائي (343)، وابن ماجه (373)، وابن حبان (1260)، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان، ومال إلى عدم صحته أحمد، والبخاري، والخطابي، وأُعلَّ بالوقف أيضًا. ينظر: العلل الكبير للترمذي (32)، معالم السنن للخطابي 1/ 42، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 39.
وأما احتجاج أحمد به: فقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله مرة أخرى: فضل وضوء المرأة؟ قال: (إذا خلت به فلا يتوضأ منه؛ إنما النبي صلى الله عليه وسلم رخص أن يتوضآ معًا جميعًا)، وذكر حديث الحكم بن عمرو، وقال: هو يرجع إلى أنه إذا خلت به إلى الكراهية. ينظر: سنن الأثرم ص 250.
لقول
(1)
عبد الله بن سَرْجِس
(2)
: «توضَّأ أنتَ ههنا، وهي ههنا، فإذا خَلَتْ به فلا تَقْرَبَنَّه
(3)
» رواه الأثرم
(4)
.
ثمَّ في معنى الخلوة روايتان:
إحداهما: انفرادها به عن مشاركة رجل؛ لقول عائشة رضي الله عنه: «كنت أغتسل أنَا والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه، من الجنابة» متفق عليه
(5)
.
والثَّانية - وهي الأصحُّ -: إلَّا يشاهدها أحد عند طهارتها.
فعلى هذا؛ هل تزول بمشاهدة المرأة والصَّبيِّ والكافر؟ على وجهين:
أحدهما: تزول؛ كخلوة النِّكاح، اختاره الشَّريف أبو جعفر
(6)
.
والثَّاني: لا تزول إلَّا بمشاهدة مسلم مكلَّف، اختاره القاضي.
(1)
في (ب) زيادة: النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
كتب على هامش الأصل: عبد الله بن سرجس المزني صحابي بالبصرة، عنه قتادة وعاصم الأحول.
(3)
في (أ): تقربه.
(4)
أخرجه عبد الرزاق، (385)، وأبو عبيد في الطهور (194)، والدارقطني (418)، وصححه، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه موقوفًا، ونقل الميموني عن أحمد أنه قال:(صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به). ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 1/ 297، فتح الباري 1/ 300.
(5)
أخرجه البخاري (250) ومسلم (319).
(6)
هو عبد الخالق بن عيسى بن أحمد الشريف، ينتهي نسبه إلى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، برع في المذهب، ودرس وأفتى وصنف، من مصنفاته: رؤوس المسائل، وشرح المذهب، وصل فيه إلى أثناء الصلاة، توفي سنة 470 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 237، ذيل الطبقات 1/ 29.
والثَّانية: تجوز، وهي اختيار ابن عقيل، قال في «الشرح»: وهو
(1)
أقيس؛ لما روى ابن عبَّاس أنَّ امرأة من نساء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم استحمَّت من جنابة، فجاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ من فضلها، فقالت: يا رسول الله، إنِّي اغتسلت منه، فقال:«الماء لا يَجنُب» رواه أحمدُ وأبو داود، والتِّرمذيُّ وصحَّحه
(2)
.
وهو ظاهر في الخلوة؛ لأنَّ العادة أنَّ الإنسان يقصد الخلوة في الاغتسال، وكاستعمالهما معًا، وكإزالته به نجاسةً، وكامرأة أخرى، وكتطهيرها بما خلا به، في الأصحِّ فيهنَّ، ونقله الجماعة في الأخيرة، وذكره القاضي وغيره ع
(3)
.
وفي ثالثة: يجوز مع الكراهة، ومعناه اختيار الآجُرِّي
(4)
.
وهذا كلُّه على رواية الطَّهوريَّة، وقيل: أو الطَّاهرية، وهو الذي في «المستوعِب» .
واقتضى كلامه: أنَّ الخلوة به للشُّرب أو التَّبريد أو التَّنظيف من
(5)
وسخ لا أثر له، وهذا هو الأصحُّ.
وإن كان لغسل بعض أعضائها عن حدث، أو في طهر مستحبٍّ، أو طهارة خبث؛ أثَّرت؛ قياسًا على الوضوء.
والثَّاني: لا؛ لأنَّ الطَّهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة.
(1)
في (أ) و (ب): وهي.
(2)
تقدم تخريجه 1/ 48 حاشية (1).
(3)
ينظر: الدر المختار 1/ 133، بداية المجتهد 1/ 37، تحفة المحتاج 1/ 77، المغني 1/ 157.
(4)
هو أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري، الفقيه، المحدث، الحافظ، والآجري: نسبة إلى درب الآجر محلة ببغداد، من مصنفاته: الأربعين حديثًا، النصيحة، توفي سنة 360 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 16/ 133، المقصد الأرشد 2/ 389.
(5)
في (أ) و (و): في.
فرع: الخنثى هنا كرجل، ذكره ابن تميم، وقدَّمه في «الفروع». وعند ابن عقيل: كامرأة.
قال ابن حمدان: هل تُلحق الصبيةُ بالمرأة، والصَّبيُّ بالرَّجل؟ على وجهين.
وفيما تيمَّمت به خلوةً؛ احتمالان.
تذنيب: إذا اغترف بيده من القليل بعد نيَّة غسله؛ صار مُستعملاً، نقله واختاره الأكثر.
وعنه: لا، اختاره جماعة؛ لصرف النِّيَّة بقصد استعماله خارجه، قال في «الفروع»: وهو أظهر.
وقيل: اغتراف متوضِّئ بعد غسل وجهه لم ينو غسلها فيه؛ كجُنب. والمذهب: طَهور؛ لمشقَّة تكرُّره.
فإن وقع في طَهور مُستعمل؛ عُفي عن يسيره، فإن كثُر الواقِعُ وتَفاحَش؛ مَنع في رواية.
وقال المجد: الحكم للأكثر قَدْرًا. وقال ابن عقيل: إن كان الواقع بحيث لو كان خَلًّا غيَّره؛ مَنع.
ونصُّه فيمن انتضح من
(1)
وضوئه في إنائه: لا بأس
(2)
.
وإن كان معه ماء لا يكفيه لطهارته، فكمَّله بمائع آخر لم يغيِّرْه؛ جاز الوضوء به في رواية، ورجَّحها في «الشرح» ؛ لأنَّ المائع قد استُهلك.
وإن بلغ بعد خلطه قُلَّتين، أو كانا مُستعملين؛ فطاهر. وقيل: طَهور.
(1)
قوله: (من) سقطت من (أ) و (و) و (ز).
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 317، وذكرها في الانتصار 1/ 198 من رواية صالح وحنبل.
(فَصْلٌ)
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَاءٌ نَجِسٌ)،
هذا شروعٌ في بيانِ ما يَسلُب الماءَ صِفتَيه: طهارتَه وتطهيرَه، (وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ) في غيرِ محلِّ التَّطْهير، فينجُس إجماعًا، حكاه ابن المنذِر
(1)
.
وحكى ابن البَنَّاء: أنَّ بعضهم أخذ من كلام الخِرَقِي العفو عن يسير الرَّائحة، وهو شاذٌّ؛ إذ لا فرق بين كثير التَّغير ويسيره.
يحرُم
(2)
استعمالُه إلَّا ضرورةً لدفع عطشٍ أو لُقمةٍ
(3)
، ويجوز سقيه البهائم قياسًا على الطَّعام إذا تنجَّس، وقال الأَزجِي: لا يجوز قربانُه بحال، بل يُراق.
(فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَهُوَ يَسِيرٌ فَهَلْ يَنْجُسُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)؛ أظهرهما: ينجُس، قال في «النهاية»:(وعليه الفتوى)، وقدَّمه في «المحرر» ، وجزم به في «الوجيز»؛ لما روى ابن عمر قال: سئل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بالفلاة، وما ينوبه من الدَّواب والسِّباع، فقال:«إذا بلغ الماء قُلَّتين لم ينجسه شيء» ، وفي رواية:«لم يحمل الخبث» رواه الخمسة، والحاكم وقال:(على شرط الشَّيخين)، ولفظه لأحمد، وسئل ابن معين عنه فقال:(إسناده جيد)، وصحَّحه الطَّحاوي، قال الخطابي:(ويكفي شاهدًا على صحَّته أنَّ نجوم أهل الحديث صحَّحوه)
(4)
، ولأنَّه عليه السلام أمر بإراقة الإناء الذي ولغ فيه الكلب، ولم
(1)
الإجماع لابن المنذر ص 35.
(2)
قوله: (يحرم) هو في (أ): ويحرم، وفي (ب) و (ز): مسألة: يحرم.
(3)
في (أ): لقمة أو عطش.
(4)
أخرجه أحمد (4605)، وأبو داود (63)، والترمذي (67)، والنسائي (52)، وابن ماجه (517)، والحاكم (458)، وصححه الخطابي، وابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، والبيهقي، وغير واحد من الأئمة، وتكلم فيه ابن عبد البر وغيره، وأُعلَّ بالاضطراب في إسناده وألفاظه، وقيل: الصواب وقفه. ينظر: تاريخ ابن معين رواية الدوري (4152)، معالم السنن للخطابي 1/ 36، التلخيص الحبير 1/ 135.
يَعتبِر التَّغيرَ
(1)
.
وعموم كلامه يشمل الجاري والرَّاكد، وهو المذهب.
وفي ثانية: أنَّ الجاري لا ينجس إلَّا بالتَّغيُّر، اختارها الموفق وجمع، ورجَّحها في «الشرح» .
وفي أخرى: تُعتبر كلُّ جَرية بنفسها، اختارها القاضي وأصحابُه، فإن
(2)
كانت يسيرةً نجُست، وإلَّا فلا.
والجَرية: ما أحاط بالنَّجاسة؛ فوقها وتحتَها إلى قرار النَّهر، ويَمْنةً ويَسْرةً ما بين حافَتَيِ النَّهر، زاد في «المغني» و «الشرح»: ما قرُب من النَّجاسةِ أمامَها وخلفَها، ولابنِ عَقِيل:(ما فيه النَّجاسة وقدرُ مساحتها؛ فوقها وتحتها ويمينها ويسارها) انتهى.
فإن كانت النَّجاسةُ ممتدَّةً؛ فهل يجعل كل جَرية منها كنجاسة مفردةٍ، أو كلها نجاسة واحدة؟ فيه وجهان.
(1)
أخرجه مسلم (279)، والنسائي (66)، وابن خزيمة (98)، وابن حبان (1296)، وابن الجارود (51)، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه، ثم ليغسله سبع مرار» ، قال الدارقطني:(إسناد حسن، ورواته كلهم ثقات)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، وأعلَّ جماعة من الحفاظ زيادة:«فليرقه» ؛ منهم حمزة الكناني، والنسائي وابن عبد البر، وقال ابن منده:(تفرد بذكر الإراقة فيه علي بن مسهر، ولا يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه إلا من روايته)، وقد رواها عن الأعمش ثمانية من أصحابه منهم شعبة، ولم يذكروا هذه اللفظة.
وورد الأمر بالإراقة موقوفًا عن أبي هريرة رضي الله عنه: رواه الدارقطني (183)، وقال:(موقوف صحيح)، وصححه ابن حجر. ينظر: التمهيد 18/ 273، المحرر لابن عبد الهادي 1/ 88، تحفة الأشراف 9/ 364، التلخيص الحبير 1/ 148، الفتح 1/ 275.
(2)
في (ز): وإن.
والثَّانية
(1)
: لا ينجس إلَّا بالتَّغير
(2)
، اختاره ابن عقيل وابن المَنِّي والشَّيخ تقي الدِّين وم
(3)
، لما رَوى أبو سعيد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئل: أنتوضَّأُ من بئر بُضاعةَ - وهي بئر تُلقى فيها الحِيَضُ والنَّتْنُ ولُحومُ الكلابِ - فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «الماءُ طَهورٌ لا
(4)
يُنَجِّسُه شيْءٌ» رواه أحمد وأبو داود، والتِّرمذي وحسَّنه، قال أحمدُ:(حديثُ بئرِ بُضاعةَ صحيح)
(5)
، قلت: ويعضُده حديث أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الماء لا ينجسه شيءٌ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» رواه ابن ماجه والدارقطني
(6)
.
فرع: يَسيرُ النَّجاسة مثلُ كثيرِها في التَّنجيس، وإن لم يدركها الطَّرْفُ؛ أي: لا تشاهد بالبصر.
وفي «عيون المسائل» : لا بد وأن يدركها الطَّرْف، وش
(7)
. وقيل: إن مضى زَمن تَسْري فيه.
(1)
جاء في هامش (ب): (قال في الشرح الكبير: والثانية لا ينجس إلا بالتغير، روي عن ابن عباس، وروي مثله عن مالك وابن المنذر، وهو قول للشافعي؛ لما روى أبو سعيد
…
إلى آخره. انتهى).
(2)
في (أ): بالتغيير.
(3)
قوله: (و م) بدلها في (ب): واختاره ابن القيم. ينظر: بداية المجتهد 1/ 30، مجموع الفتاوى 20/ 337، إغاثة اللهفان 1/ 156.
(4)
في (أ) و (و): لم.
(5)
تقدم تخريجه 1/ 31 حاشية (2).
(6)
قوله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» رواه ابن ماجه والدارقطني) سقط من (أ) و (ب) و (ز).
والحديث أخرجه ابن ماجه (521)، والدارقطني (47)، قال الشافعي:(هذا الحديث لا يثبت أهل الحديث مثله، ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم فيه خلافًا)، والصواب أنه مرسل، كما قاله أبو حاتم. ينظر: العلل لابن أبي حاتم (97)، السنن الكبرى للبيهقي 1/ 260.
(7)
ينظر: الحاوي الكبير 1/ 293، المجموع 1/ 110.
زاد في «الشرح» : إلَّا أنَّ ما يُعفى عن يسيره كالدَّم، حكم الماء الذي تنجَّس به حكمه في العفو عن يسيره.
(وَإنْ كَانَ كَثِيرًا) ولم يتغيَّر بالنَّجاسة؛ (فَهُوَ طَاهِرٌ) بغير خلاف في المذهب، ما لم يكن بولَ آدمي أو عَذِرَتَه؛ لخبر القُلَّتين وبئر بُضاعةَ.
وذهب هـ
(1)
وأصحابُه
(2)
إلى نجاسته إلَّا أن يَبلغ حدًّا يغلب على الظَّنِّ أنَّ النَّجاسة لا تصل إليه، واختُلف فيه فقيل: ما إذا حُرِّك أحدُ طرَفيه لم يتحرَّك الآخَر، وقيل: عشرة أذرع في مثلها، وما دون ذلك فهو قليل وإن بلغ ألف قُلَّة.
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلاً)؛ أي: بولَ آدمي بقرينة ذكر العَذِرة؛ فإنَّها مختصَّة به، ولا فرق بين قليله وكثيره، وخصَّ في «التلخيص» الخلاف به فقط، وقاله أحمد في رواية صالح
(3)
، (أَوْ عَذِرَةً مَائِعَةً)؛ لأنَّ أجزاءها تتفرَّق في الماء وتَنْتشر، فهي
(4)
كالبول بل أفَحْشُ، والمذهب: أنَّ حكم الرَّطْبة واليابسة إذا ذابت كذلك، نصَّ عليه
(5)
، قال في «الشرح» وقدَّمه في «الرعاية»:(والأَولى التَّفريق بين الرَّطْبة والمائِعةِ)؛ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ):
(إِحْدَاهُمَا: لَا يَنْجُسُ)، اختارها أبو الخَطَّاب وابن عَقِيل، وقدَّمه السَّامَرِّي
(6)
وفي «المحرر» ؛ لخبر القُلَّتين، ولأنَّ نجاسة الآدَمِيِّ لا تزيد على
(1)
كتب في هامش (أ) و (و): (لعله أبو حنيفة).
(2)
ينظر: الهداية ص 21، حاشية ابن عابدين 1/ 192.
(3)
مسائل صالح 1/ 210.
(4)
في (أ) و (و): فهو.
(5)
في رواية حرب 1/ 182.
(6)
هو محمد بن عبد الله بن الحسين السامري، الفقيه الفرضي، أبو عبد الله، ويلقب نصير الدين، ويعرف بابن سُنَيْنَه، تفقه على أبي حكيم النهرواني ولازمه مدة، وبرع في الفقه والفرائض، وكان حسن المعرفة بالمذهب والخلاف، توفي سنة 616 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 22/ 144، ذيل الطبقات 3/ 248.
والسامري: بفتح الميم وتشديد الراء، نسبة إلى بلدة على دجلة يقال لها: سرَّ من رأى، فخففها الناس وقالوا سامراء. ينظر: الأنساب للسمعاني 7/ 28.
نجاسة بول الكلب، وهو لا يُنَجِّسُها، فهذا أَوْلَى.
(وَالْأُخْرَى: يَنْجُسُ)، نصَّ عليه في رواية صالح والمَرُّوذِي وأبي طالب
(1)
، اختارها الخِرَقِي والشَّريف والقاضي وابن عَبْدوس وأكثر شيوخ أصحابنا؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم
(2)
الذي لا يجري ثمَّ يغتسلُ فيه»، لفظ البخاري، وقال مسلم:«ثم يغتسل منه» ، وهذا يتناول القليل والكثير، وهو خاص في البول، وخبر القُلَّتين محمول على بقيَّة النَّجاسات، فحصل الجمع بينهما.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ؛ فَلَا يَنْجُسُ)، هذا مستثنًى ممَّا سبق، وهو الماء إذا كان كثيرًا ووقعت فيه نجاسة ولم يتغيَّر؛ فهو طاهر.
واستُثني من ذلك: ما إذا كانت النَّجاسة بولًا أو عذِرَةً مائعةً؛ فإنَّه ينجس على المذهب وإن لم يتغيَّر، ما لم يبلغ الماء حدًّا يشقُّ نَزْحُه.
قال في «الشرح» : (لا نعلم خلافًا أنَّ الماء الذي لا يمكن نَزْحه إلَّا بمشقَّةٍ عظيمةٍ؛ مثل المصانع التي جُعِلتْ مَوْرِدًا للحاجِّ بطريق مكَّة يصدرون عنها ولا ينفَدُ ما فيها؛ أنَّها لا تَنْجُس إلَّا بالتَّغيير).
قال في «المُغني» : (لم أجد عن أحمد ولا عن
(3)
أصحابه تقدير ذلك بأكثر من المصانع التي بطريق مكَّة)، وقال الشيرازي:(المحقِّقون من أصحابنا يقدِّرونه ببئر بضاعة، وهي ستَّة أشبار في مثلها)، قال أبو داود:
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 301، سنن الأثرم 1/ 243، الروايتين والوجهين 1/ 61.
(2)
في (أ) و (و): الراكد.
(3)
زاد في (أ): أحد من.
(قدَّرتها فوجدتها ستَّةَ أَذْرُع، وسألتُ الذي فتح لي بابَ البستان: هل غُيِّر بناؤها؟
(1)
؛ قال: لا)، وقال:(سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيِّم بئر بضاعة عن عُمقها، فقال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانَة، قلت: فإذا نقص، قال: دون العورة)
(2)
.
تنبيهات:
الأول: أنَّ كلَّ مائِعٍ؛ كزَيْت وسَمْن، ينجُس قليلُه وكثيرُه بملاقاة النَّجاسة في رواية صحَّحها في «الشرح» ، وقدَّمَها في «الرعاية» ؛ لأنَّه لا يُطَهِّرُ غيرَه، فلم يدفَع النَّجاسة عن نفسِه كاليسيرِ.
وفي أخرى: كالماء، ينجس إن قلَّ أو تغيَّر، وإلَّا فلا.
وفي ثالثة: ما أصله الماء؛ كالخَلِّ التَّمْريّ، فهو كالماء، وغيره ينجُس مطلقًا.
وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: ولبن كزيت
(3)
.
الثَّاني: ظاهر كلامهم: أنَّ نجاسة الماء النَّجِس عَيْنيَّة، وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين: لا؛ لأنَّه يُطهِّر غيرَه، فنفْسَه أَوْلى، وأنَّه كالثَّوب النَّجِس
(4)
، ولهذا يجوز بيعه.
الثالث: إذا غيَّرتْ نجاسةٌ بعضَ الطَّهور الكثيرِ؛ ففي نجاسة ما لم يتغيَّر مع كثرته وجهان، والأشهر: أنَّه طَهور.
(وَإِذَا انْضَمَّ إِلَى الْمَاءِ النَّجِسِ مَاءٌ طَاهِرٌ)؛ أي: طَهور (كَثِيرٌ طَهَّرَهُ، إِنْ لَمْ
(1)
زيد في (ب) و (و): الماء.
(2)
ينظر: سنن أبي داود 1/ 17.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 514.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 86، الاختيارات ص 5.
يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ كَثِيرًا، فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِنَزْحٍ بَقِيَ
(1)
بَعْدَهُ كَثِيرٌ؛ طَهُرَ).
هذا شروع في بيان تطهير الماء النَّجِس، وهو يَنقسِم ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكونَ الماءُ النَّجِسُ دون قُلَّتيْن، فتطهيره بالمُكاثَرة حسب الإمكان، زاد في «الرِّعاية»: عُرْفًا، واعتَبر الأَزَجِي والسَّامَرِّي الاتصالَ فيه بقُلَّتين طَهوريَّتين، إمَّا أن يُصبَّ فيه، أو يجري إليه من ساقِيَة أو نحوِ ذلك، فيزولُ بهما تَغيُّرُه إن كان متغيِّرًا.
وإن كان غير متغيِّرٍ؛ طَهُر بمجرَّد المُكاثَرة
(2)
؛ لأنَّ القلَّتين تدفع النَّجاسة عن نفسها وعمَّا
(3)
اتَّصل بها، ولا تَنجُس إلَّا بالتَّغييرِ.
وفُهِم منه: أنَّ النَّجِس القليل لا يَطهُر بزوال تغيُّره بنفسه؛ لأنَّ علَّةَ نجاستِه الملاقاةُ لا التَّغيرُ
(4)
.
الثَّاني: أن يكون قُلَّتين؛ فإن كان غير متغيِّر بالنَّجاسة، أو متغيِّرًا بها: فتطهيره بالمُكاثَرة إذا زال التَّغيُّر، وبزوال تغيُّره بنفسه؛ لأنَّ علَّة التَّنجيس زالت؛ كالخَمرة إذا انقلبت بنفسها خَلًّا.
وقال ابن عَقِيل: لا تطْهُر؛ بناءً على أنَّ النَّجاسة لا تطْهُر بالاِستحالة.
الثَّالث: الزَّائد على القُلَّتين، فإن كان غير متغيِّر فتطهيره بالمُكاثَرة فقط، وإن كان متغيِّرًا فتطهيره بالأمرين
(5)
السَّابقين، وبثالث، وهو: أن يُنزَح منه حتَّى يزول التَّغيُّرُ، ويبقى بعد النَّزْح قُلَّتانِ، هذا إن كان متنجسًا بغير البول
(1)
في (ب): يبقى.
(2)
قوله: (المكاثرة) سقطت من (أ).
(3)
في (أ) و (و) و (ز): وغيرها. والمثبت موافق لما في المغني 1/ 26.
(4)
في (أ) و (و): التغيير. وقوله: (وفُهم منه: أنَّ النَّجس القليل لا يطهر بزوال تغيُّره بنفسه؛ لأنَّه علَّة نجاسته الملاقاة لا التَّغيير) سقط من (ز).
(5)
في (ب): بأحد الأمرين.
والعذرة، ولم يكن مجتمعًا من متنجس، كل ماء دون قلتين، نص عليه
(1)
.
فإن نقص عنهما
(2)
قبل زوال التَّغيُّر، ثمَّ زال؛ لم يطهر؛ لأنَّ علَّة التَّنجيس في القليل مجرَّد
(3)
ملاقاة النَّجاسة، ويعتبر زوال التَّغيُّر في الكل
(4)
.
(وَإِنْ كُوثِرَ)، أو كان كثيرًا فأضيف إليه
(5)
(مَاءٌ
(6)
يَسِيرٌ) طَهور، (أَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ) كالتُّراب والخَلِّ ونحوِهما، لا مسْكٍ ونحوِه، (فَأَزَالَ التَّغَيُّرَ)؛ لم يَطهُرْ على المذهب؛ لأنَّه لا يدفع النَّجاسة عن نفسه، فعن غيرِه أولى.
(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَطْهُرَ)، وقاله بعض أصحابنا؛ لخبرِ القُلَّتين، ولأنَّ علَّة النَّجاسة زالت، وهي التَّغيُّر، أشبه ما لو زالت
(7)
بالمكاثَرة.
وقال ابن عقيل: التُّرابُ لا يطهِّر؛ لأنَّه يستر النَّجاسة، بخلاف الماء، وقيل به في النَّجِسِ الكثيرِ فقطْ، جَزم به في «المستوعب» وغيره، وأطلق في «الإيضاح» روايتين في التُّراب.
مسألة: إذا اجتمع مِنْ
(8)
نَجِسٍ وطَهورٍ وطاهِرٍ قُلَّتان بلا تغيُّر؛ فكلُّه
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 61.
وقوله: (هذا إن كان متنجسًا بغير البول والعذرة، ولم يكن مجتمعًا من متنجس كل ماء دون قلتين، نص عليه) سقط من (أ) و (و) و (ز).
(2)
في (أ) و (ز): عنها.
(3)
في (ب) و (ز): بمجرد.
(4)
زاد في الأصل تنبيهًا ثم ضرب عليه، وهو:(تنبيه: إذا كان متنجسًا بغير بول آدمي وعذرته، فإن كان بأحدهما، ولم يتغير، فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه، وإن تغير، وكان مما يشق نزحه، فتطهيره بإضافة ما يشق نزحه مع زوال تغيره، أو بنزح يبقى بعده قلتان، أو بزوال تغيره بنفسه، وإن كان بما لا يشق نزحه فبإضافة ما يشق نزحه، كمصانع مكة مع زوال التغير)، وهي مثبتة في الإقناع.
(5)
قوله: (أو كان كثيرًا فأضيف إليه) سقط من (ب) و (ز).
(6)
في (ب) و (ز): بماء.
(7)
في (ب) و (ز): زال.
(8)
قوله: (من) سقط من (ب) و (ز).
نجِس. وقيل: طاهر. وقيل: طَهور.
وإن أضيفت قُلَّة نجسة إلى مثلها، ولا تغيُّر؛ لم تطهر في المنصوص
(1)
؛ كنجاسة أخرى.
وفي غسل جوانبِ بئر نُزحت وأرضِها؛ روايتان.
(وَالْكَثِيرُ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ)؛ هما تثنية قُلَّة، وهي اسم لكلِّ ما ارتفع وعلا، ومنه قُلَّة الجبل.
والمراد هنا: الجَرَّةُ الكبيرةُ، سُمِّيت قُلَّةً؛ لعُلوِّها وارتفاعِها، وقيل: لأنَّ الرَّجل العظيم يُقِلُّها بيده؛ أي: يرفعها، والتَّحديد وقع بقِلال هَجَر
(2)
، وفي حديث الإسراء أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«ثمَّ رُفعت لي سدرة المنتهى، فإذا ورقها مثل آذان الفِيَلة، وإذا نَبِقُها مثل قِلال هَجَرَ» رواه البخاري
(3)
، ولأنَّها مشهورةُ الصِّفةِ معلومةُ المقدارِ لا تَختلِف؛ كالصِّيعانِ، ولأنَّ خبر القُلَّتين دلَّ بمنطوقه على دفعهما النَّجاسة عن أنفسهما، وبمفهومه
(4)
على نجاسة ما لم يَبلغْهما، فلذلك جعلناهما حدًّا للكثير.
(وَالْيَسِيرُ مَا دُونَهُمَا)؛ أي: دون القلَّتين
(5)
، (وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ)، قدَّمه في «المحرر» و «الفروع» ، وذكره في «الشرح»: ظاهر المذهب،
(1)
ينظر: الفروع 1/ 89.
(2)
كتب على هامش الأصل: المراد قلال هجر بفتح الهاء والجيم: قرية بالقرب من المدينة، لا هي البحرين.
(3)
أخرجه البخاري (3207)، من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه.
(4)
في (أ) و (و): ومفهومه.
(5)
كتب على هامش الأصل: مجموع القلتين بالدراهم: أربعة وستون ألفًا ومائتان وخمسة وثمانون درهمًا وخمسة أسباع درهم، فإذا أردت معرفة القلتين بأي رطل أردت؛ فاعرف عدد دراهمهم، ثم اطرحه من دراهم القلتين مرة بعد أخرى حتى لا يبقى منها شيء، واحفظ الأرطال المطروحة، فما كان فهو مقدار القلتين بالرطل الذي حسبته، وإن بقي أقل من رطل فانسبه منه ثم اجمع إلى المحفوظ.
لقول عبد الملك بن جريج: (رأيت قِلال هَجَر، فرأيت القُلَّة تَسَعُ قِرْبتَين، أو قِرْبتَين وشيئًا)
(1)
، والاحتياطُ إثباتُ الشَّيْءِ، وجعْلُه نصفًا؛ لأنَّه أقْصَى ما ينطلِق عليه اسم شيءٍ مُنَكَّرٍ، فيكونُ مجموعُهما خمسَ قِرَبٍ بقِرَب الحِجاز، كل واحدة تَسَعُ مِائةَ رَطْل عراقيةً باتِّفاق القائلين بتحديد الماء بالقِرب.
والرَّطلُ العِراقيُّ
(2)
: مائةٌ وثمانيةٌ وعشرون درهمًا، قاله في «المغني» القديم
(3)
، وعزاه إلى أبي عُبيد
(4)
. وقيل: وثلاثةُ أسْباع دِرهم، ذكره في «التلخيص». وقيل: وأربعة أسباع درهم، قاله في «المُغني» الجديد، وهو المشهور.
فعلى هذا: هو سُبُعُ الرَّطل الدِّمشْقي ونصفُ سُبُعِه، فتكون القُلَّتان بالدِّمشقي
(5)
: مائةُ رَطل وسَبعةُ أرطال وسُبُعُ رَطْل، ويعبَّر عنه بأُوقِية وخمسةُ أسْباع أُوقية. وبالقُدُسي: ثمانون رَطلًا وسُبُعا رَطلٍ ونصف سُبُع. وبالحَلَبي: تسعة وثمانون رطلًا وسبعَا رطل. وبالمِصري: أربعمائة وستة وأربعون رَطلًا وثلاثة أسْباع رطل.
(1)
أخرجه الشافعي في الأم 1/ 18.
(2)
كتب على هامش الأصل: أوقية العراقي عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم وأوقية المصري اثني عشر درهمًا، وكذا المكي والمدني الآن، وأوقية القدسي والحمصي ست وستون درهمًا وثلثا درهم، وأوقية الدمشقي خمسون درهمًا، وأوقية الحلبي ستون درهمًا، وأوقية البعلي خمسة وسبعون درهمًا.
(3)
تكرر ذكر المغني القديم في كتب الأصحاب؛ كالممتع لابن المنجى، وشرح الزركشي، والإنصاف، فإما أن يكون مصنفًا مستقلاً، وإما أن يكون هو المغني قبل أن يصلحه المصنف.
(4)
هو القاسم بن سلَّام بن عبد الله الهروي، من كبار العلماء في الحديث والفقه، من مصنفاته: غريب الحديث، فضائل القرآن، أدب القاضي، الناسخ والمنسوخ، توفي سنة 224 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 10/ 660، تذكرة الحفاظ 2/ 5.
(5)
كتب على هامش الأصل: والقلتان بالبعلي: أحد وسبعون رطلاً وثلاثة أسباع رطل.
ومِساحتُهما مُرَبَّعًا: ذراع ورُبُعٌ طولاً، وعرضًا، وعُمْقًا.
ومُدَوَّرًا: ذِراعٌ طولاً، وذِراعان ونصفُ ذِراع عمقًا.
والمراد به: ذراع اليد، صرَّح به بعضهم.
(وَعَنْهُ: أَرْبَعُمِائَةٍ)، رواه عنه الأَثْرَم
(1)
، وقدَّمه ابن تَميم؛ لقول
(2)
يحيى بن عَقيل: (رأيت قِلال هَجَر، وأظنُّ القُلَّة تأخذ قِرْبتين) رواه الجُوزَجاني
(3)
.
وعلى هذا هما بالدِّمشقي: خمسة وثمانون رَطلاً وثُلُثَا رَطْل وأربعة أسباع أوقية.
وفي ثالثة: هما قِرْبتان وثُلُثٌ، جَعْلاً للشيء ثُلُثًا.
(وَهَلْ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ؟) صحَّحه في «المغني» و «الشرح» و «الفروع» ؛ لأنَّ الشيء إنَّما جُعِل نِصْفًا احتياطًا، والغالب استعماله فيما دون النِّصف، (أَوْ تَحْدِيدٌ؟) هو ظاهر قول القاضي، واختاره الآمِدي؛ لأنَّ ما جُعل احتِيَاطًا يَصيرُ واجبًا؛ كغَسل جزء من الرَّأس مع الوجه؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، ظاهرُ كلامه أنَّ الخلاف راجعٌ إلى الرِّوايتين، وكلامه في «المغني» و «المحرر» يَقتَضي اختصاصَ الخلاف بالأُولى، قال ابن المُنَجَّى: (وهو الأشبه إن قيل: القِرْبة مائةٌ بإجماعٍ؛ لأنَّه لا ترديد في كون القُلَّة قِرْبتين، وإنَّما التَّرديد في الزائد
(1)
هو أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، ويقال الكلبي، الأثرم، الإسكافي، أبو بكر، جليل القدر، حافظ إمام، نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، وصنفها ورتبها أبوابًا. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 66.
(2)
في (ب) و (ز): لنقل.
(3)
أخرجه الدارقطني في السنن (32)، وجعل الكلام كله ليحيى بن عقيل، وأخرجه البيهقي في الكبرى (1252)، وبيَّنه، وفيه: قال محمد - الراوي عن يحيى -: قلت ليحيى بن عقيل: أي قلال؟ قال: قلال هجر، قال محمد:"فرأيت قلال هجر، فأظن كل قلة تأخذ قربتين"، قال الحاكم فيما ذكره عنه البيهقي:(هذا الذي حدث عنه ابن جريج هو محمد بن يحيى، يحدث عن يحيى بن أبي كثير ويحيى بن عقيل)، قال ابن حجر معلقًا:(وكيف ما كان فهو مجهول). ينظر: التلخيص الحبير 1/ 138.
عليهما، وإن قيل: هي مائةٌ تقريبًا؛ حَسُن مجيء الخلاف المذكور).
وقال ابن حَمْدانَ: الأصحُّ أنَّ الخمسَمِائة تقريبٌ، والأربعَمِائة تحديدٌ.
وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا نَقَصت القلَّتان رَطْلاً أو رطلين، ووقع فيهما نجاسةٌ، فعلى الأُولى: طاهر؛ لأنَّه نَقْصٌ يسير لا أثر له، وعلى الثَّاني: نَجِس؛ لأنَّه نَقَص عن قلَّتين.
مسائل: إذا وقع نجاسة في قليل، ولم يغيِّره، وقلنا: ينجُس بها، فانْتَضَح منه على ثوبه ونحوه؛ نَجُس على المذهب.
وله استعمال كثير لم يتغيَّر ولو مع قيام النَّجاسة فيه وبينه وبينها قليل.
وإن شكَّ في كثرة الماء، أو نجاسة عظْم أو رَوثة، أو جفاف نجاسة على ذباب وغيره، أو ولوغ كلب أدخل رأسه في إناء وثَمَّ بفيه رطوبة؛ فوجهان. ونقل حرب
(1)
فيمن وطئ روثة: فرخص
(2)
فيه إذا لم يعرف ما هي
(3)
.
(وَإِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ)؛ فهو طاهرٌ؛ لأنَّها مُتَيَقَّنة، فلا تُزول
(4)
بالشَّك وإن وجده متغيِّرًا؛ لأنَّه يحتمل أن يكون بمكثه
(5)
أو بما لا يمنع، وليس هذا خاصًا بالماء، بل يجري فيه وفي غيره.
(أَوْ كَانَ نَجِسًا فَشَكَّ
(6)
فِي طَهَارَتِهِ؛ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ)؛ أي: الأصل؛ لأنَّ
(1)
هو حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، كان رجلاً جليلاً، روى عن أحمد وإسحاق مسائل كثيرة، قال الخلال:(هي أربعة آلاف عن أبي عبد الله وإسحاق بن راهويه)، قيل مات سنة 280 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 145، سير أعلام النبلاء 13/ 244.
(2)
في (أ): رخص.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 90.
(4)
في (أ) و (ب): تزال.
(5)
في (أ) بياض بمقدار كلمة.
(6)
في (أ) و (ب): وشك.
الشيء إذا كان على حال، فانتقاله عنها يَفتقِر إلى عَدَمها
(1)
ووجود الأخرى، وبقاؤها وبقاء الأولى لا يفتقر إلَّا إلى مجرَّد البقاء، فيكون أيسر من الحدوث وأكثر، والأصلُ إلحاقُ الفرد بالأعمِّ الأغلب.
فإن أخبره عدل بنجاسته، وذَكر السببَ؛ قُبِل.
وإن لم يعيِّنه فقال القاضي: لا يلزم قبول خبره؛ لاحتمال اعتقاد نجاسته بسبب لا يعتقده المخبَر، وقيل: يقبل؛ كالرِّواية.
ويكفي مستور الحال في الأصحِّ، كعبد وأنثى.
وإن أخبره أنَّ كلبًا ولَغ في هذا الإناء فقط، وقال آخر: إنَّما ولغ في هذا؛ حُكِمَ بنجاستهما؛ لأنَّ صدقَهما مُمكِنٌ، فإن عَيَّنا كلْبًا ووقتًا يَضِيق عن شربه منهما؛ تعارضا، ولم يحكم بنجاسة واحد منهما.
فإن قال أحدهما: ولَغ في هذا، وقال الآخر: نزل ولم يَشرَب؛ قُدِّم قول المُثْبِتِ، إلَّا أن يكون ضريرًا فيقدَّم قولُ البصيرِ عليه.
فرع: إذا أصابه ماءٌ، ولا أَمَارةَ تَدلُّ على النَّجاسة؛ كُره سؤاله عنه، نقله صالِحٌ
(2)
؛ لقول عمرَ: «يا صاحِب الحوْض لا تُخبرنا»
(3)
، فلا يلزم الجواب.
(1)
بياض في (أ) بمقدار كلمة.
(2)
لم نجده في مسائل صالح، وذكره في المغني 1/ 48.
(3)
أخرجه مالك (ص 23)، ومن طريقه عبد الرزاق (250)، والبيهقي في الكبرى (1181)، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن عمر بن الخطاب خرج في ركب، فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب: «يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع، وترد علينا» . قال ابن عبد الهادي: (وفي إسناده انقطاع)، قال ابن معين في يحيى بن عبد الرحمن: (بعضهم يقول: سمع من عمر، وهذا باطل؛ إنما يروي عن أبيه عن عمر رضي الله عنه. ينظر: جامع التحصيل ص 298.
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (234)، والدارقطني (62)، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب. وأبو سلمة بن عبد الرحمن لم يدرك عمر أيضًا.
وأخرجه أبو عبيد في الطهور (221)، عن زيد بن أسلم، عن عمر. وزيد بن أسلم لم يدرك عمر.
فالأثر بمجموع هذه المراسيل حسن، والله أعلم.
وقيل: بلى، كما لو سئل عن القبلة. وقيل: الأَولى السؤال والجواب. وقيل: بلزومهما، وأوجب الأزَجي إجابته إن علم نجاسته.
(وَإِنِ اشْتَبَهَ الْمَاءُ الطَّاهِرُ)؛ أي: الطَّهور (بِالنَّجِسِ)؛ تنقسم هذه المسألة إلى صور:
منها: أن يزيد عدد النَّجِس، أو يتساويا: فهذا لا يجوز التَّحرِّي فيهما بغير خلاف.
ومنها: أن يزيدَ عددُ الطَّاهِر على عدد النَّجِس: قال ابنُ المُنَجَّى: (وهي مسألة الكتاب، ويكون من باب إطلاق اللفظ المتواطئ إذا أريد به بعض مَحالِّه، وهو مجاز سائغ).
(لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ)؛ لأنَّه اشْتَبه عليه المباح بالمحظور في موضِع لا تُبِيحه الضَّرورة؛ كما لو اشتبهت أخته بأجنبيات، أو كان أحدهما بَوْلًا؛ لأنَّ البوْل لا مَدخَل له في التَّطهير.
والثَّانية: له التَّحرِّي إذا زاد عدد الطَّهور، وهو قول أبي بكر وابنِ شاقْلا
(1)
والنَّجَّاد
(2)
؛ لأنَّ الظاهِرَ إصابةُ
(3)
الطَّهور،
(1)
هو إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا، البزار، أبو إسحاق، كان كثير الرواية، حسن الكلام في الأصول والفروع. توفي سنة تسع وستين وثلاثمائة. طبقات الحنابلة 2/ 128، سير أعلام النبلاء 16/ 292.
(2)
هو أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل النجاد الحنبلي البغدادي، شيخ العراق، سمع من جماعة من أصحاب أحمد؛ كابنه عبد الله، وأبي داود، وإبراهيم الحربي وغيرهم، وأخذ عنه: غلام الخلال والخرقي وغيرهما، توفي سنة 348 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 7، سير أعلام النبلاء 15/ 502.
(3)
في (ب) و (ز): إصابته.
ووِجْهةُ
(1)
الإباحة ترجَّحت، أشبه ما لو اشتبهت عليه أخته في نساء بلد. ولنا: لأنه
(2)
يشقُّ عليه اجتناب الكل، ولذلك يجوز له النِّكاح من غير تحرٍّ.
وعلى هذا؛ هل يُكتفى
(3)
بمُطلَق الزيادة، أو كون الطَّهور أكثر عُرفًا، أو كون النَّجِس تسع
(4)
الطَّهور؟ فيه أوجه.
وظاهر كلامهم: لا فرق بين الأعمى وغيره.
وهل يلزم مَنْ علِم النَّجِس
(5)
إعلامُ من أراد أن يستعمله؟ فيه احتمالات، ثالثها: يلزم إن شرطت إزالتها لصلاة.
وإن توضَّأ من أحدهما بلا تحرٍّ، فبان طَهورًا؛ لم يصحَّ، ويُعايَا بها. وقال أبو الحُسين: يَصِحُّ.
(وَيَتَيَمَّمُ) في الصُّوَر السَّابقةِ؛ لأنَّه عادِمٌ للماء حُكمًا، وظاهِره: أنَّه إذا تيمَّم وصلَّى به، ثمَّ علِم النَّجس؛ فلا إعادة عليه، وهو كذلك في الأصحِّ.
(وَهَلْ يُشْتَرَطُ إِرَاقَتُهُمَا أَوْ خَلْطُهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا أطلقهما في الفروع
(6)
:
إحداهما: لا يُشترط - لصحَّة التَّيمُّم - إعدامُهما بخلْط أو إراقةٍ، جزم بها في «الوجيز» ، وقدَّمها ابن تميم وغيره، وصحَّحها في «المغني» و «الشرح» ؛ لأنَّه غير قادر على استعماله، أشبه ما لو كان في بئر لا يمكنه الوصول إليه.
والثَّانية: تُشترط الإراقة ليكون عادِمًا حقيقةً وحكمًا، واختارها الخِرَقِي
(1)
في (أ): وجهة.
(2)
قوله: (ولنا: لأنه) هو في (ب) و (ز): قلت أنه.
(3)
في (أ): يكفي.
(4)
في (أ) و (ب): عشر.
(5)
قوله: (من علم النَّجس) في (ب): فيمن علم النَّجاسة، وفي (ز): في علم النَّجاسة.
(6)
قوله: (كذا أطلقهما في الفروع) سقطت من (أ) و (ز).
وأبو البَرَكات، وهذا إذا
(1)
أمِنَ العطشَ، ولم يكن عنده طَهور بيقين، ولم يمكن تطهير أحدِهما بالآخر.
والمحرَّم بغصب كالنَّجِس فيما ذكرنا.
فرع
(2)
: إذا احتاج إلى شُرب أو أكل؛ لم يجز بلا تحرٍّ في الأصحِّ، فإن فعل، قال ابن حمدان: أو تطهَّر من أحدهما بتحرٍّ، ثمَّ وجد ماء طَهورًا؛ وجب غسل ثيابه وأعضائه
(3)
، وقيل: يسنُّ.
ويريق النَّجِس إن علمه واستغنى عنه، وإن خاف العطش توضَّأ بالطَّاهر وحبس النَّجس، وقيل: يحبس الطَّاهر ويتيمَّم، وهو أولى؛ كما لو خاف احتياجهما للعطش.
فرع: إذا توضَّأ بماء، ثمَّ علم نجاسته؛ أعاد، نقله الجماعة، خلافًا «للرعاية» ، ونصُّه: حتَّى يَتيقَّن براءتَه
(4)
.
وذكر في «الفصول» والأَزَجِي: إن شكَّ هل كان وضوءُه قبل نجاسة الماء أو بعده؛ لم يُعِدْ، لأنَّ الأصل الطَّهارة.
(وَإِنِ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِطَاهِرٍ؛ تَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)، قال في «الوجيز»: مع عَدَم طَهور [غير]
(5)
مشتبه.
وظاهر ما ذكره المؤلف: أنَّه يتوضَّأ من كلِّ واحد منهما وُضوءًا كاملاً، صرَّح به في «المغني» و «المحرر» ؛ لأنَّه أمكنه تأديةُ فرضه بيقين، فلزمه ذلك؛ كما لو نَسِي صلاةً من خمس لا يَعلم عينَها.
(1)
قوله: (إذا) سقطت من (أ).
(2)
قوله: (فرع) سقطت من (أ).
(3)
قوله: (ثيابه وأعضائه) هي في (أ): (فيه أعضائه).
(4)
ينظر: الفروع 1/ 98.
(5)
قوله: (غير) سقط من الأصل و (أ) و (و)، والمثبت موافق لما في الوجيز ص 48.
والمذهب: أنَّه يتوضَّأ منهما وضوءًا واحدًا، فيأخذ من هذا غَرفةً، ومن هذا غرفة مطلقًا.
فإن توضَّأ منهما مع طَهور بيقين وضوءًا واحدًا؛ صحَّ، وإلَّا فلا.
فإنِ احتاج إلى أحدهما للشُّرب؛ تحرى وتوضأ بالطَّهور عنده، وتيمم ليحصل له اليقين، ذكره في «الشرح»
(1)
.
(وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً)، قال في «المُغْني» و «الشرح»:(بغير خلاف نعلمُه؛ لأنَّه أمكنه أداء فرضِه بيقين من غير حرَج، فلزمه كما لو كانا طهورين، ولم يكفه أحدهما).
(وَإِنِ اشْتَبَهَتِ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ) وهو يعلم عددَها؛ (صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ صَلَاةً)، يَنوِي بها الفرضَ احتياطًا؛ كمَن نسي صلاةً من يوم، ولم يجز التَّحرِّي مطلقًا، بخلاف القِبلة والأَوانِي.
وفرَّق أحمدُ بينهما: بأنَّ الماء يلصق بِبَدَنه فيَتَنَجَّس به، وأنه يباح صلاته
(2)
فيه عند العدم، بخلاف الماء النَّجس
(3)
، قال الأصحاب: ولأن القبلة يكثر الاشتباه فيها، والتفريط هنا حصل منه بخلافها، ولأن لها أدلة تدل عليها، بخلاف الثياب
(4)
.
(وَزَادَ صَلَاةً)؛ لأنَّه صلَّى في ثوْبٍ طاهِر يقينًا.
(1)
قوله: (فإن احتاج إلى أحدهما للشرب تحرى وتوضأ بالطهور عنده، وتيمم ليحصل له اليقين، ذكره في الشرح) سقطت من (أ).
(2)
في (ب) و (ز): طلبه.
(3)
قوله: (فيتنجس به، وأنه يباح طلبه فيه عند العدم، بخلاف الماء النَّجس) سقطت (أ) و (ز).
(4)
قوله: (ولأن القبلة يكثر الاشتباه فيها والتفريط هنا حصل منه بخلافها ولأن لها أدلة تدل عليها بخلاف الثياب) سقطت من (أ) و (ز).
وزاد في (أ) و (ب) و (ز): (ولأنَّه ليس عليه [في (أ): على، وفي (ز): له] أمارة، ولا لها بدل يرجع إليه).
وإن لم يَعلَم عدد النَّجِس؛ صلَّى حتَّى يتيقَّن أنَّه صلَّى في طاهر، صرَّح به الأصحاب.
فإن كثر ذلك وشقَّ صلاتُه في الكلِّ؛ فقال ابن عَقيل: يَتحرَّى في أصح
(1)
الوجهين؛ دفعًا
(2)
للمشقَّة.
والثَّاني: لا يتحرى؛ لأنَّه يندر جدًّا.
وقيل: يصلِّي في واحد بلا تحرٍّ، وفي الإعادة وجهان.
ولا يصحُّ في ثياب مشتَبِهة مع وجود طاهِر يقينًا، وكذا حكم الأمكنة الضَّيِّقة، وأمَّا الواسعة فيصلِّي حيث شاء بلا تحرٍّ.
(1)
قوله: (أصح) سقطت من (أ).
(2)
نهاية السقط من (و).
(بَابُ الآنِيَةِ)
الآنِية هي
(1)
الأوعِية: جمع إناء؛ كسِقاء وأسقية، وجمع الآنية: أواني، والأصل أآني، أبدلت الهمزة الثَّانية واوًا؛ كراهة اجتماع همزتين؛ كآدم وأوادم - وهو مشتق من الأدمة، أو من أديم الأرض، أي: وجهها -
(2)
، وهي ظُروف الماء، فلمَّا
(3)
ذكر الماء ذكر ظرفه.
(كُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ)؛ كالخشب
(4)
والجلود والصُّفْر والحديد، ويستثنى منه: جلد الآدمي وعَظْمه؛ لحُرمته، (وَلَوْ كَانَ) الإناء (ثَمِينًا؛ كَالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ)؛ كبِلَّور
(5)
وياقُوت وزُمُرُّد، وهذا قول عامَّة العلماء من غير كراهة، إلَّا ما رُوي عن عبد الله بن عمر أنَّه كره الوضوء في الصُّفْر والنُّحاس والرَّصاص
(6)
، واختاره أبو الفرَج المَقْدِسي
(7)
؛ لأنَّ الماء يتغيَّر
(1)
في (ب) و (ز): من.
(2)
قوله: (وهو مشتق من الأدمة، أو من أديم الأرض، أي: وجهها) سقط من (أ) و (ز).
(3)
في (و) و (ز): لأنَّه لمَّا.
(4)
في (أ): والخشب.
(5)
قال في المصباح المنير 1/ 60: (البلور: حجر معروف، وأحسنه ما يجلب من جزائر الزنج، وفيه لغتان: كسر الباء مع فتح اللام؛ مثل: سنور، وفتح الباء مع ضم اللام وهي مشددة فيهما؛ مثل: تنور).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (402)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (245)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان لا يشرب في قدح من صُفْر ويتوضأ فيه» ، وإسناده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق (171)، وابن المنذر في الأوسط (244)، من طريق آخر: أن عبد الله بن عمر كان يكره أن يتوضأ في النحاس. وإسناده صحيح أيضًا، قال الحافظ في الفتح 1/ 303:(ثبت ذلك عن ابن عمر).
(7)
هو أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري، الشيرازي الأصل، الحراني المولد، الدمشقي المقر، وكان يعرف في العراق بالمقدسي، تفقه ببغداد على القاضي أبي يعلى مدة، ثم قدم الشام فسكن ببيت المقدس، ونشر مذهب الإمام أحمد فيما حوله، توفي سنة 486 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 19/ 51، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 157.
فيها، وروي:«أنَّ الملائكة تكره ريح النُّحاس»
(1)
.
والأوَّل أوْلى؛ لما روى عبد الله بن زيد قال: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجنا له ماءً في تَور من صُفْر، فتوضَّأ» رواه البخاري
(2)
، وقد ورد
(3)
(4)
، و «من تَور حجارة»
(5)
، و «من إداوة»
(6)
، و «من قِربة» ،
(7)
فثبت الحكم فيها لفعله، وما في معناه قياسًا؛ لأنَّه مثله، ولأنَّ العلَّة المحرِّمة للنَّقدين مفقودة في الثَّمين؛ لكونه لا يعرفه إلَّا خواصُّ النَّاس، فلا
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (3882)، ومسند الشاميين (910)، عن عبد الله بن عمر قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بصنم من نحاس، فضرب ظهره بظهر كفه، ثم قال:«خاب وخسر من عبدك من دون الله» ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل، ومعه ملك فتنحى الملك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما شأنه تنحى؟» قال: «إنه وجد منك ريح نحاس وإنا لا نستطيع ريح النحاس» . وقد تفرد به يزيد بن يوسف الرحبي، قال عنه الذهبي في الكشاف 2/ 391:(واهٍ)
وأخرجه الروياني في مسنده (1/ 74)، من حديث بريدة رضي الله عنه، قال البوصيري:(هذا إسناد ضعيف؛ لضعف صالح بن حيان). ينظر: إتحاف الخيرة 2/ 56.
(2)
أخرجه البخاري (197).
(3)
في (و): روي.
(4)
أخرجه أبو داود (68) والترمذي (65)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه، قال: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها
…
الحديث.
(5)
أخرجه البخاري (195)، من حديث أنس رضي الله عنه قال:«حضرت الصلاة، فقام من كان قريب الدار إلى أهله، وبقي قوم، فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء، فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه، فتوضأ القوم كلهم» الحديث.
(6)
أخرجه البخاري (203)، ومسلم (274)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:«بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إذ نزل فقضى حاجته، ثم جاء فصببت عليه من إداوة كانت معي، فتوضأ ومسح على خفيه» .
(7)
أخرجه البخاري (138)، ومسلم (763)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في نومه عند خالته ميمونة رضي الله عنها، وفيه قال:«فلما كان في بعض الليل قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شن معلق وضوءًا خفيفًا» والشن القربة.
يؤدِّي
(1)
إلى الخُيَلاء وكسر قلوب الفقراء، ولأنَّ إباحته لا تفضي إلى استعماله لقلَّته
(2)
، بخلاف النَّقدين؛ فإنَّهما في مظنَّة الكثرة، فيفضي إلى الاستعمال.
وكثرة أثمانها لا تَصلح
(3)
فارِقًا كما في الثياب؛ فإنَّه يحرم الحرير وإن قلَّ ثمنه، بخلاف غيره وإن بلغ ثمنه أضعاف ثمن الحرير، وكذلك يباح فصُّ الخاتم جوهرةً ولو بلَغ ثمنُها مهما بلغ، ويحرم ذهبًا ولو كان يسيرًا.
(إِلَّا آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) حتَّى المِيلَ ونحوَه، (وَالْمُضَبَّبَ بِهِمَا)؛ لأنَّ علَّة تحريم النَّقدين هي الخُيَلاء وكسْر قلوب الفقراء، وهي موجودة في المضبَّب بهما، ويأتي حُكمها، (فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا)، ذكر في «الشرح» عن شيخه أنَّه قال:(لا يختلف المذهب فيما علمنا في تحريم اتِّخاذ آنية الذَّهب والفضَّة).
وليس كذلك، بل الخلاف فيه مشهور، فذكر ابن تميم وصاحب «المحرر» رواية، وبعضهم حكاه وجهًا: أنَّه لا يحرم الاتِّخاذ وش
(4)
؛ لأنَّه لا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتِّخاذ، كما لو اتَّخذ الرَّجل ثياب الحرير.
وقال أبو الحسن التَّميمي: إذا اتَّخذ مِسْعَطًا، أو قِنديلاً، أو نَعْلَين، أو مِجْمرة، أو مِدخنة من النَّقدين؛ كُره ولم يحرم.
والأوَّل هو المشهور عند العلماء وفي المذهب؛ لأنَّ ما حَرُم استعمالُه مطلقًا حَرُم اتِّخاذه على هيئة الاستعمال، كالملاهي
(5)
، وأمَّا ثياب الحرير فإنَّها لا تحرم مطلقًا؛ لأنَّها تباح للنِّساء، وتباح التِّجارة فيها.
(وَاسْتِعْمَالُهَا)، هذا ممَّا اتُّفِق على تحريمه؛ لما روى حذيفة قال: سمعت
(1)
في (و): تؤدي.
(2)
في (أ) و (ز): لعلته.
(3)
في (و): يصلح.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير 1/ 71، المجموع 1/ 44.
(5)
في (أ) و (ب) و (ز): والملاهي.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تشربوا في آنية الذَّهب والفضَّة، ولا تأكلوا في صِحافها؛ فإنَّها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة»
(1)
، وروت أمُّ سلمة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يشرب في آنية الذَّهب والفضَّة إنَّما يُجَرْجِرُ في بطنه نار جهنَّم» متَّفق عليهما
(2)
، فتُوُعِّد
(3)
عليه بالنَّار، فدلَّ على تحريمه، والجَرجَرة: هي صوت وقوع الماء بانحداره في الجوف.
وغير الأكل والشرب في معناه؛ لأنَّ ذكرهما قد خرج مخرج الغالب، وما كان كذلك لا يتقيَّد الحكم به؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} الآية [البَقَرَة: 283].
(عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ)؛ لعموم الأخبار، والمعنى فيهما: أنَّ كلًّا من الجنسين مكلَّف، ولم يكن دليل مخصِّص، وإنَّما أبيح التَّحلِّي للنِّساء لحاجتهنَّ إليه لأجل التَّزيُّن للزَّوج.
(فَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْهَا)، وفيها، وإليها، وفي إناء مغصوب، أو ثمنُه؛ (فَهَلْ تَصِحُّ
(4)
طَهَارَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: يصحُّ، صحَّحه في «المغني» و «الشرح» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّ الإناء ليس بشرط ولا ركن للعبادة، فلم يؤثِّر لأنَّه أجنبي.
والثَّاني: لا يصحُّ
(5)
، اختاره أبو بكر والقاضي وابنُه أبو الحسين؛ لإتيانه بالعبادة على وجه محرَّم، أشبه الصَّلاة في الأرض المغصوبة، وفرَّق بينهما في
(1)
أخرجه البخاري (5426) ومسلم (2067).
(2)
أخرجه البخاري (5634)، ومسلم (2065)، وليس عند البخاري ذكر الذهب، وتفرد بذكر الذهب وكذا الأكل عليُ بن مسهرٍ عن عبيد الله بن عمر، قال مسلم:(وليس في حديث أحد منهم ذكر الأكل والذهب إلا في حديث ابن مسهر). ينظر: الإرواء (1/ 69).
(3)
في (أ): متوعد.
(4)
في (و) و (ز): يصح.
(5)
في (أ): تصح.
«المغني» و «الشرح» بأنَّ الأفعال في الدَّار المغصوبة محرَّم بخلاف مسألتنا.
وقيل: في صحة الوضوء
(1)
والغسل روايتان، وجزم في «الوجيز» بالصِّحَّة
(2)
مع الكراهة منه، وبه، وفيه، وصرَّح بهما الخِرَقِي، والأشهر على أنَّ مراده بالكراهة التَّحريم.
فعلى عدم الصِّحَّة: إن جعلها مَصبًّا للماء؛ صحَّ، ذكره في «المغني» و «الشرح» ؛ لأنَّ المنفصل الذي يقع في الآنية قد رفع الحدث، فلم يَزُل ذلك بوقوعه فيه.
وذكر ابن عقيل: أنَّه لا يصحُّ؛ لوجود الفخر والخُيَلاء.
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ
(3)
الضَّبَّةُ يَسِيرَةً) عُرفًا (مِنَ الْفِضَّةِ؛ كَتَشْعِيبِ الْقَدَحِ
(4)
، فَلَا بَأْسَ بِهَا)؛ لما روى البخاري عن أنس:«أنَّ قَدَح النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم انكسر، فاتَّخذ مكان الشَّعْب سلسلة من فضَّة»
(5)
، ولأنَّه ليس فيه سَرَف
(6)
ولا خُيَلاء.
وظاهره: أنَّ المضبَّب بذهب حرام مطلقًا؛ لقوله عليه السلام: «لا يصلح من الذَّهب ولا خَرْبَصِيصَةٌ
(7)
»
(8)
، وفيه وجه.
(1)
كتب على هامش الأصل: (فائدة: الوضوء في آنية الذهب وفي الفضة كالوضوء منها، ولو جعلها مصبًا لفضل طهارته؛ فهو كالوضوء منها على الصحيح من المذهب والروايتين، قاله في الفروع وغيره. من الإنصاف).
(2)
بداية سقط من (ز).
(3)
في (و): يكون.
(4)
في (و): القدس.
(5)
أخرجه البخاري (3109).
(6)
في (أ) و (و): شرف.
(7)
قال في النهاية 2/ 19 عن الخربصيصة: (هي الهنة التي تتراءى في الرمل لها بصيص كأنها عين جرادة)، وفي التحقيق لابن الجوزي 1/ 113:(والخربصيصة: الشيء الحقير من الحلي).
(8)
أخرجه أحمد (27564)، من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، وفي سنده: داود بن يزيد الأودي ضعفه ابن معين، وأحمد، وأبو داود، وجماعة. وفيه أيضًا: شهر بن حوشب تكلم فيه جماعة من الأئمة، وهو صدوق كثير الأوهام والإرسال. تنظر ترجمتهما في: تهذيب الكمال 8/ 467، 12/ 578.
وكذا المضبَّب بفضَّة؛ سواء كانت كبيرة لحاجة أو لغيرها، وهو أحد الوجوه؛ لما روى ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب في
(1)
إناء ذهب أو فضَّة، أو إناء فيه شيء من ذلك، فإنَّما يُجرجر في بطنه نار جهنَّم» رواه الدَّارقطني
(2)
.
فمقتضى هذا: تحريم المضبَّب مطلَقًا، تُرِك العمل به فيما ضبَّته يسيرة؛ للنَّص السَّابق، فيبقى ما عداه على مقتضاه.
والحاجة
(3)
غير مشترطة في اليسيرة، وصرَّح به في «المغني» و «الشرح» ، وحكياه عن القاضي؛ لأنَّه لا سَرَف
(4)
فيه، ولا خُيَلاء، أشبه الصُّفْر، إلَّا أنَّه كره الحلقة؛ لأنَّها تستعمل.
وقال أبو الخطاب: لا تباح إلَّا لحاجة، وجزم به الشيخان
(5)
، وفي «الوجيز»: لأنَّ الرُّخصة وردت في الحاجة، فيجب قصر الحكم عليها، فعلى هذا تباح وفاقًا
(6)
، وقيل: تكره
(7)
.
(1)
في (ب): من.
(2)
أخرجه الدارقطني (96)، وقال:"إسناده حسن"، ورجح البيهقي وقفه، وضعفه ابن القطان، وابن تيمية، والذهبي. ينظر: علل ابن أبي حاتم (43)، السنن الكبرى للبيهقي 1/ 29، بيان الوهم والإيهام 4/ 607608، مجموع الفتاوى لابن تيمية 21/ 85، ميزان الاعتدال 4/ 406.
(3)
قوله: (والحاجة) هو في (ز): وظاهره: أن الحاجة.
(4)
في (أ): لا شرف.
(5)
قوله: (الشيخان) هو في (و): في «المحرر» .
(6)
ينظر: بدائع الصنائع 5/ 132، مواهب الجليل 1/ 129، الحاوي الكبير 1/ 78، الفروع 1/ 104.
(7)
في (أ) و (ب) و (ز): يكره.
(إِذَا لَمْ يُبَاشِرْهَا بِالاِسْتِعْمَالِ)؛ لئلَّا يكون مباشرًا للفضَّة التي جاء الوعيد في استعمالها، وظاهره: أنَّه يكره إذا باشرها بالاستعمال، قدَّمه في «الرعاية» .
والمذهب: أنَّه يباح مباشرتها مع الحاجة وبدونها.
فظاهر كلامه: أنَّه يحرم، وقيل: يكره، وقيل: يباح.
والكثير: ما كثر في العُرف. وقيل: ما لَاح على بُعْد. وقيل: ما استَوعَب أحدَ جوانبِه.
والحاجة: أن يتعلَّق به غرض غير الزِّينة في ظاهر كلام بعضهم، قال الشَّيخ تقي الدِّين: (مرادهم: أن يحتاج إلى تلك الصورة
(1)
، لا إلى كونها من ذهب أو فضَّة؛ فإنَّ هذه ضرورة، وهي تبيح المنفرد)
(2)
.
فرع: المَطْلِيُّ والمُطَعَّم ونحوُهما بأحدهما؛ كالمُصْمَت. وقيل: لا. وقيل: لو حُلَّ واجتمع منه شيءٌ حرُم، وإلَّا فلا.
(وَثِيَابُ الْكُفَّارِ وَأَوَانِيهِمْ؛ طَاهِرَةٌ مُبَاحَةُ الاِسْتِعْمَالِ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا)، وجملته أنَّ الكفَّار على ضربين: أهلِ كتاب وغيرِهم.
فالأوَّل: يباح أكلُ طعامهم وشرابهم، واستعمال أوانيهم بشرطه، قال ابن عقيل: لا تختلف الرواية في ذلك؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المَائدة: 5]، «وتوضَّأ عمر من جرَّة نصرانيَّة»
(3)
، وروى أحمد: «أنَّ
(1)
قوله: (الصورة) سقط من (و).
(2)
مجموع الفتاوى 21/ 81، الاختيارات ص 15.
(3)
أخرجه الشافعي في الأم 1/ 21، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (237)، والبيهقي في الكبرى (129)، أخبرنا سفيان - يعني ابن عيينة -، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر. وعلقه البخاري مجزومًا (1/ 50)، وظاهر إسناده الصحة، إلا أنه منقطع، فإن ابن عيينة لم يسمعه من زيد بن أسلم، فقد رواه الدارقطني (63)، والبيهقي في الكبرى (130)، عن سفيان بن عيينة، قال: حدثونا عن زيد بن أسلم - ولم أسمعه -، عن أبيه، وذكره في قصة.
وبيَّن ابن حجر أن الذي روى عنه سفيان هو أحد أبناء زيد بن أسلم، فقال في فتح الباري 1/ 299:(ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة، فقال: عن ابن زيد بن أسلم عن أبيه به. وأولاد زيد هم: عبد الله وأسامة وعبد الرحمن، وأوثقهم وأكبرهم عبد الله، وأظنه هو الذي سمع بن عيينة منه ذلك، ولهذا جزم به البخاري).
وقد علقه البخاري بصيغة الجزم 1/ 50، قال:(وتوضأ عمر بالحميم، ومن بيت نصرانية).
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي بخبز شعير، وإهالَةٍ سَنِخَةٍ
(1)
»
(2)
، وفي كراهة استعمال أوانيهم روايتان.
وأمَّا ثيابهم: فما علا منه؛ كالعِمامة ونحوه، فلا بأس به، وما وَلِيَ عوراتِهم؛ كالسَّراويل، قال
(3)
أحمد: (أحبُّ أن يعيد الصَّلاة فيه)
(4)
، وهو قول القاضي، وقال أبو الخطاب: لا يعيد؛ لأنَّ الأصل الطَّهارة، فلا تزول بالشَّك.
وأمَّا غيرهم: فحكمهم حكم أهل الذِّمَّة في ظاهر ما ذكره المؤلف، وقاله أبو الحسين والآمِدي، ونصَّ عليه أحمدُ، «لأنَّ
(5)
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأ من مزادة مشركة» متَّفق عليه
(6)
، وعملًا بالأصل.
(1)
كتب على هامش الأصل: (من الغريبين: الإهالة: الدسم ما كان، والسنخة: المتغيرة، يقال: سنخ الطعام وزنخ: تغير) انتهى. ينظر: الغريبين في القرآن والحديث للهروي 3/ 938.
(2)
أخرجه أحمد (13201) بهذا اللفظ، وأصله في البخاري (2069).
(3)
في (و): وقال.
(4)
نقل بكر بن محمد، عن أبيه، عن أحمد، فيمن صلى في سراويل يهودي أو نصراني أو مجوسي:(أحب إليَّ أن يعيد صلاته كلها). ينظر: فتح الباري لابن رجب 2/ 377.
(5)
في (أ) و (ز): فإن.
(6)
هذا حديث مشهور بهذا اللفظ في كتب الفقه، ومرادهم حديث عمران بن حصين رضي الله عنه الطويل في قصة نومهم من صلاة الفجر، وذكر فيها مزادتي المرأة المشركة، أخرجها البخاري (344)، ومسلم (682)، وفيه أنه:«أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: اذهب فأفرغه عليك» ، قال النووي:(وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منه صريحًا، لكن الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم توضأ منه؛ لأن الماء كان كثيرًا، وإن لم يكن توضأ فقد أعطى الجنب ما يغتسل به، وبهذا يحصل المقصود وهو طهارة إناء المشرك)، المجموع 1/ 263، وعند البيهقي في السنن الكبرى (1046): «
…
فمضمض في الماء فأعاده في أفواه المزادتين
…
».
وعنه: المنعُ من الثِّياب والأواني مطلقًا؛ لحديث أبي ثعلبة الخشني، ولأنَّهم لا يتورَّعون عن النَّجاسة.
وعنه: الكراهة، وعليها يحمل النَّهي في
(1)
حديث أبي ثعلبة، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك» رواه النَّسائي
(2)
.
(وَعَنْهُ: مَا وَلِيَ عَوْرَاتِهِمْ؛ كَالسَّرَاوِيلِ) - هو أعجمي مفرد ممنوع من الصَّرف؛ لشبهه بمفاعيل - ونحوه؛ كالتُّبَّان والقميص؛ لا يصلَّى فيه؛ عملًا بالظَّاهر، وقد تقدَّم قول أحمد فيه.
(وَعَنْهُ: أَنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ)؛ كالمجوس وعَبَدَة الأوثان؛ (لَا يُسْتَعْمَلُ مَا اسْتَعْمَلُوهُ مِنْ آنِيَتِهِمْ إِلَّا بَعْدَ غَسْلِهِ)؛ لحديث أبي ثَعْلبة قال: قلت: يا رسول الله! إنَّا بأرضِ قومٍ أهل كتاب، أفنأكل من آنيتهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن وَجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا غيرها؛ فاغسلوها بالماء، وكلوا فيها» متَّفق عليه
(3)
، ووجهُه: أنَّه إذا مُنِع في
(4)
أهل الكتاب، ونهي عن استعمال أوانيهم بدون غسلها، ففي غيرهم أولى، ولأنَّ ذبائحهم مَيْتَةٌ، فنجاسة الآنية بها متيقَّنة، وعليها يمنع في
(5)
الثِّياب أيضًا؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّهم لا يتوقَّونها في الثِّياب، فتكون نجسة.
وقيل: تغسل آنية من يستحلُّ الميتة والنَّجاسة؛ كالمجوس وبعض
(1)
في (أ) و (ب) و (ز): من.
(2)
تقدم تخريجه 1/ 40 حاشية (6).
(3)
أخرجه البخاري (5487)، ومسلم (1930).
(4)
في (و): امتنع في.
(5)
في (ب) و (و): من.
النصارى، وطهارة غيرها، قدَّمه في «الكافي» .
واعلم أنَّ الخلاف في ذلك كلِّه قبل الغسل، وعدم تحقُّق النَّجاسة، فأمَّا بعد غسلها فلا خلاف في طهارتها وجواز استعمالها، ومع تحقُّق النَّجاسة؛ فلا خلاف في المنع.
وكذا حكم ما صبغوه، قيل لأحمد عن صبغ اليهود بالبول، فقال:(المسلم والكافر في هذا سواء، ولا تسأل عن هذا، ولا تبحث عنه، فإن علمت فلا تصلِّ فيه حتى تغسله)
(1)
.
(وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ طَعَامِهِمْ إِلَّا الْفَاكِهَةُ وَنَحْوُهَا)؛ لأنَّ النَّجاسةَ بعيدةٌ منها، لأنَّها لا تخالطها، وملاقاة رطب النَّجاسة لها غير متيقَّن، والأصل الطَّهارة.
فرع: إذا شَكَّ في استعماله؛ فهو طاهر في ظاهر المذهب؛ لأنَّه الأصل. وقيل: يغسل إن كان لمجوسي، وإن كان لكتابيٍّ؛ كُره. وعنه: لا يكره
(2)
. وقيل: لا بد من غسل قِدر النصراني.
وما نسجه الكفَّارُ؛ فهو مباحُ اللُّبس؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت ثيابهم من نسج الكفَّار، وذكر ابن أبي موسى في «الإرشاد» روايتين، أصحُّهما: لا يجب غسلها.
وذكر أيضا في «الإرشاد» : أنَّ المسلم إذا داوم شرب الخمر؛ أنَّه في آنيته وثيابه وسُؤْره كالمجوس.
وفي كراهة ثوب المرضِع والحائض والصَّغير روايتان، ذكر في «الشرح» الإباحة، ثم ذكر عن أصحابنا أنَّ التَّوقِّيَ لذلك أولى؛ لاحتمال النَّجاسة فيه.
(وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ)؛ أي
(3)
: نَجُس بموتها (بِالدِّبَاغِ)، نقله
(1)
نص عليه في مسائل حنبل. ينظر: الفروع 1/ 108، فتح الباري لابن رجب 2/ 374.
(2)
في (و): وعنه يكره. وهو موافق لما في الكافي 1/ 48.
(3)
زاد في (و) و (ز): الذي.
الجماعة
(1)
، وهو ظاهر المذهب، وقول عمر
(2)
، وابنه
(3)
، وعائشة
(4)
، وعمران بن حصين
(5)
؛ لما روى عبد الله بن عُكَيم قال: «أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أو شهرين، أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عَصَب» رواه الخمسة
(6)
، ولم يذكر التَّوقيت غير أبي داود، وأحمد، وقال
(7)
: (ما أصلح إسناده)
(8)
، وقال أيضًا: (حديث ابن عُكَيم أصحُّها
(9)
(10)
، ورواه عن
(1)
منهم: صالح في مسائله 2/ 314، وعبد الله في مسائله ص 12، وابن هانئ في مسائله 109، وأبو داود في مسائله ص 61، وغيرهم.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (2747)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (19390)، عن زيد بن وهب، قال: أتاهم كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهم في بعض المغازي: «بلغني أنكم في أرض تأكلون طعامًا يقال له الجبن، فانظروا ما حلاله من حرامه، وتلبسون الفراء، فانظروا ذَكِيَّه من ميِّته» ، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وهو ضعيف.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (24765) عن مجاهد، قال: أبْصَر ابنُ عمر على رجل فروًا فأعجبه لِينه، فقال:«لو أعلم هذا ذُكِّيَ، لسرَّني أن يكون لي منه ثوب» ، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (199)، عن القاسم بن محمد: أن محمد بن الأشعث كلَّم عائشة في أن يتخذ لها لحافًا من الفراء، فقالت:«إنه ميتة، ولست بلابسة شيئًا من الميتة» قال: فنحن نصنع لك لحافًا ندبغ، وكرهت أن تلبس من الميتة. وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (850)، عن الأشعث، عن محمد، قال:«كان ممن يكره الصلاة في الجلد إذا لم يكن ذكيًا عمر، وابن عمر، وعائشة، وعمران بن حصين، وابن جابر» .
(6)
أخرجه أحمد (18780)، وأبو داود (4127) والترمذي (1729)، والنسائي (4249)، وابن ماجه (3613)، وقال أحمد:(إسناده جيد)، وحسنه الترمذي؛ وروى أنَّ أحمدَ رجع عن تصحيحه، قال ابن عبد الهادي:(هكذا روى الترمذي عن أحمد، وهو خلاف المشهور المستفيض عنه)، وضعَّف الحديثَ الخطابيُّ، والبيهقيُّ، وابنُ عبد البر. ينظر: تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 104، البدر المنير 1/ 589 - 590.
(7)
في (و): قال.
(8)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 93، وتنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 104.
(9)
في (و): أصحهما.
(10)
ينظر: مسائل أحمد رواية صالح (1416).
يحيى بن سعيد الأنصاري، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله، وفي رواية الطَّبراني والدَّارقطني:«كنت رخَّصت لكم في جلود الميتة، فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عَصَب»
(1)
، وهو دالٌّ على سبق الرُّخصة، وأنَّه متأخِّر، وإنَّما يؤخذ بالآخِر من أمره عليه السلام.
لا يقال: هو مرسل لكونه من كتاب لا يعرف حامله؛ لأنَّ كتابه عليه السلام كلفظه
(2)
، ولهذا كان يبعث كتبه إلى النَّواحي بتبليغ الأحكام.
فإن قلت: الإهاب اسم للجلد قبل الدَّبغ، وقاله النَّضر بن شميل
(3)
.
وأجيب: بمنع ذلك كما قاله طائفة من أهل اللغة، يؤيده أنه لم يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الانتفاع به
(4)
قبل الدَّبغ، ولا هو من عادة النَّاس.
(وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسَاتِ)؛ احترز به عن المائِعات؛ فإنَّ كثيرًا من الأصحاب منعوا ذلك، وذكروه روايةً واحدةً، قال ابن عَقِيل: ولو لم ينجُس الماء بأن كانت تَسع قُلَّتين؛ لأنَّها نجسة العين، وجوَّزه الشَّيخ تقي الدِّين إذا لم ينجس الماء
(5)
، (بَعْدَ الدَّبْغِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في ابن تَمِيم، وفي «المغني» و «الشرح» ، وخَصَّاه بجلد طاهر حال الحياة، وبعضهم حكاهما
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (104)، وفي إسناده فضالة بن مفضل بن فضالة المصري، قال أبو حاتم:(لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم)، وقال العقيلي:(في حديثه نظر). ينظر: ميزان الاعتدال 3/ 349، ولم نقف عليه عند الدارقطني في سننه ولا في العلل.
(2)
في (أ): لفظه.
(3)
هو النضر بن شميل بن خرشة بن زيد بن كلثوم التميمي المازني، النحوي، البصري، الشاعر، من أصحاب الخليل بن أحمد، من مصنفاته: كتاب الصفات، وغريب الحديث والمعاني، توفي سنة 203 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 5/ 397، سير أعلام النبلاء 9/ 328.
(4)
قوله: (به) سقط من (و).
(5)
ينظر: شرح الزركشي 1/ 153، الإنصاف 1/ 166.
قبله وإن كان جلد كلب أو خنزير؛ لما روى جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنتفعوا من الميتة بشيء» رواه الدَّارقطني بإسناد جيد
(1)
.
والثَّانية: يجوز، وهي الأصحُّ؛ لما روى ابن عبَّاس قال: تُصدِّق على مولاة لميمونة بشاة، فمرَّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«هلَّا استمْتعتم بإهابها، فدبغتموه فانتفعتم به» رواه مسلم
(2)
، ولأنَّ الصَّحابة لمَّا فتحوا فارس انتفعوا بسروجهم وأسلحتهم، وذبائحُهم ميتةٌ، ونجاستُه لا تمنع الانتفاع به؛ كالاصطياد بالكلب.
وإذا جاز استعمالُه جاز دبغُه، وإلَّا احتمل التَّحريم واحتمل الإباحة؛ كغَسل نجاسة بمائع
(3)
وماء مستعمل وإن لم يطهر، قاله القاضي، وكلام غيره خلافه، قال في «الفروع»: وهو أظهر.
فرع: اختلف قول أحمد في جواز الخَرْز بشعر الخنزير، وفي كراهته
(4)
روايتان. وقيل: لا يجوز الخَرْز برَطْبه، وفي يابسه الخلاف، فإن خُرِز برطبه؛ وجبَ غسلُه.
مسألة: يجوز اتِّخاذ مُنْخُل من شَعر نجِس، نصَّ عليه
(5)
، وقال ابن حمدان: يُكره.
(1)
لم نقف عليه عند الدارقطني في سننه ولا في العلل، وقد أخرجه ابن وهب كما في موطأه (4)، ومن طريقه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2692)، وفي سنده زمعة بن صالح، وهو ضعيف. ينظر: الضعيفة للألباني (118).
(2)
أخرجه مسلم (363)، بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري من غير لفظ الدباغ (1492)، وأعلَّ الإمام أحمد ذكر الدباغ فيه. ينظر: مسائل أحمد رواية صالح (1416).
(3)
في (أ) و (ز): مائع.
(4)
في (و): كراهيته.
(5)
جاء في مسائل ابن منصور 8/ 3987: (صوف الميتة أو الشعر؟ قال: يغسل ولا بأس به). وينظر: الفروع 1/ 121.
(وَعَنْهُ: يَطْهُرُ مِنْهَا جِلْدُ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ)، قال ابن حمدان: وهي أولى، ونقل جماعة أنَّها آخر قولي أحمد؛ لما روى ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما إهاب دُبغ فقد طهُر» رواه مسلم
(1)
، وهو
(2)
يتناول المأكول وغيره، فيخرج منه ما كان نجسًا في الحياة؛ لكون الدَّبغ إنَّما يؤثِّر في رفع
(3)
نجاسةٍ حادِثةٍ بالموت، فيبقى ما عداه على مقتضى العموم.
وعنه: يطهر جلد ما هو مأكول اللحم، واختارها
(4)
جماعة، وهي قول الأوزاعي وأبي ثور؛ لقوله عليه السلام:«ذكاةُ الأدِيم دباغُه» رواه أحمد
(5)
؛ لأنَّه شبَّه الدِّباغ بالذكاة، وهي إنَّما تعمل في مأكول اللحم، فلم تؤثِّر
(6)
في غير مأكولٍ كالذَّبح، والأوَّل ظاهر كلام أحمد؛ لعموم لفظه في ذلك.
وعلى هذا: هل الدِّباغ يصيِّره كالحياة؟ وهي اختيار المؤلف وصاحب «التلخيص» ، فلا يطهُر منها إلَّا ما كان طاهِرًا في الحياة؛ كالهرِّ، أو كالذكاة، وهي اختيار المجد، قال بعضهم: وهي أصحُّ، فلا يطهر إلَّا ما تطهِّره الذكاة؟
وقد يخرَّج عليهما: جلد الآدمي؛ فإنَّ في طهارته - إن قيل بنجاسته -
(1)
أخرجه مسلم (366)، وأبو داود (4123)، والترمذي (1728)، واللفظ له.
(2)
في (و): وهذا.
(3)
قوله: (رفع) سقطت من (أ).
(4)
في (أ) و (ز): واختاره.
(5)
أخرجه أحمد (15908) واللفظ له، وأبو داود (4125)، والنسائي (4243)، وصححه ابن حبان (4522)، وفي سنده جون بن قتادة، قال أبو طالب:(سألت أحمد بن حنبل عن جون بن قتادة، فقال: لا يعرف، قلت: يروي غير هذا الحديث؟ قال: لا، يعني حديث الدباغ)، وقال ابن المديني عن الحديث:(رواه قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة، وجون معروف، وجون لم يرو عنه غير الحسن إلا أنه معروف)، وللحديث شواهد من حديث ابن عباس وغيره. ينظر: تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 113 - 114.
(6)
في (و): يؤثر.
وجهان، والأشهر عدمه، وحكى ابن حزم الإجماع على أنَّه يحرم استعمال جلده وسلخه
(1)
.
والمذهب الأوَّل عند الأصحاب؛ لعدم رفع التواتر
(2)
بالآحاد.
وخالف الشَّيخ تقي الدِّين
(3)
وغيره، ونقل الجماعة
(4)
: أنَّه لا يقنت في الوتر إلَّا في النِّصف الأخير من رمضان، ونقل خطاب ابن بشر
(5)
عنه أنَّه قال: كنت أذهب إليه، ثم رأيت السَّنة كلَّها
(6)
، وهو المذهب عند الأصحاب؛ فرفعنا
(7)
المتواتر بالآحاد لما بينهما من الفرق.
مسائل:
لا يفتقر الدَّبغ إلى فعل آدمي، فلو وقع في مَدبَغة؛ طهُر؛ لأنَّها إزالة نجاسة، فهو كالمطر يطهِّر الأرض النَّجسة.
ولا يحصل بتشميسه، وقيل: بلى. وهما في تتريبه
(8)
أو ريح.
قال في «المغني» : ويَفتقِر ما يدبغ به أن يكون مُنَشِّفًا للخبث، قال في
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 23.
(2)
قوله: (لعدم رفع التواتر) هو في (و): لعموم رفع المتواتر.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 110. وفي الاختيارات للبعلي ص 42: (ويطهر جلد الميتة الطاهرة حال الحياة بالدباغ، وهو رواية عن أحمد والشافعي. ورجح في الفتاوى المصرية: طهارة جلد ما يؤكل لحمه بالذكاة، وهو رواية عن أحمد).
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 798، مسائل صالح 1/ 282، مسائل عبد الله ص 99، مسائل أبي داود ص 95، وأبو طالب وأبو الحارث كما في الروايتين والوجهين 1/ 163.
(5)
هو خطاب بن بشر بن مطر أبو عمر البغدادي، قال أبو بكر الخلال: كان رجلاً صالحًا، وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان صالحة. توفي سنة 264 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 152.
(6)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 163.
(7)
قوله: (عند الأصحاب فرفعنا) هو في (أ) و (ز): عند الأصحاب في معنى.
(8)
في (أ): (ولا في تتريبه).
«الرعاية» : ولا بدَّ فيه من زوال
(1)
الرَّائحة الخبيثة.
ولا يحصل بنجس كالاستجمار، وفي «الرعاية»: بلى، ويُغسل بعده، وينتفع بما طُهِّر، وقيل: وبأكل المأكول.
وما طهر بدبغه؛ جاز بيعه وإجارته، ذكره في «الشرح» وغيره.
وعنه: لا، كما لو لم يطهر.
وقال أبو الخطاب: يجوز بيعه مع نجاسته؛ كثوب نجس، قال في «الفروع»: فيتوجَّه منه بيع نجاسةٍ
(2)
يجوز الانتفاع بها، ولا فرق ولا إجماع، فأمَّا قبل الدَّبغ فلا.
ويغسل المدبوغُ في وجه، قال في «المغني»: وهو أولى؛ لقوله عليه السلام: «جلد الشَّاة الميتة يطهِّره الماء والقَرَظ» رواه أبو داود
(3)
، ولأنَّ ما يدبغ به ينجس بملاقاة
(4)
الجلد، فإذا اندبغ بقِيَت الآلة نجسة، فلا تزول
(5)
إلَّا بالغسل.
وفي آخر: يطهر؛ لقوله عليه السلام: «أيُّما إهاب دُبغ فقد طهُر» ، ولأنَّه طهر بانقلابه
(6)
، فلم يفتقر إلى غسل؛ كالخَمْرة.
(وَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِالذَّكَاةِ)؛ نصَّ عليه
(7)
؛ لما روى أبو المَليح بن أسامة، عن أبيه:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السِّباع» رواه
(1)
زاد في (أ): أثر.
(2)
في (أ): منع نجاسة.
(3)
أخرجه أبو داود (4126)، والنسائي (4248)، من حديث ميمونة رضي الله عنها، وصححه ابن حبان، وابن السكن، وحسنه المنذري. ينظر: البدر المنير 1/ 605، والصحيحة (2163).
(4)
في (أ): بما لاقاه.
(5)
في (و): يزول.
(6)
في (أ): انقلابه.
(7)
ينظر: مسائل صالح 1/ 61، الروايتين والوجهين 1/ 66.
أحمد وأبو داود، وصحَّحه الحاكم، ورواه التِّرمذي، وزاد:«وأن يُفْترَش»
(1)
، ولأنَّه ذبحٌ غير مشروع، فلم يُفِدْ طهارة الجلد؛ كذبح المُحْرِم الصَّيد؛ لأنَّ عندنا: كلُّ ذبح لا يفيد إباحة اللحم؛ لا يفيد طهارة المذبوح.
قال
(2)
القاضي: جلود السِّباع لا يجوز الانتفاع بها قبل الدَّبغ ولا بعده.
وهل يُباح لُبس جلد الثَّعلب والصَّلاة فيه أو لَا، أو يباح لُبسه فقط، أو يباحان مع كراهة الصَّلاة فيه؟ روايات، قال أبو بكر: لا يختلف قوله: إنَّه يلبس إذا دبغ بعد تذكيته.
(وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَإِنْفَحَتُهَا)؛ بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة، ذكره الجوهري، ويقال أيضًا: مِنفحة، (نَجِسَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، هذا هو المنصور عند أصحابنا؛ لما روى سعيد بن منصور: ثنا سفيانُ عن ابن أبي نَجِيح: أنَّ ابن عبَّاس سئل عن الجبن يصنع
(3)
فيه أنافِح الميتة، فقال:«لا تأكلوه»
(4)
،
(1)
في (أ) و (ز): يفرش. ورواية الترمذي: (وأن تُفترش).
والحديث أخرجه أحمد (20706)، وأبو داود (4132)، والترمذي (1770)، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي المليح بن أسامة الهذلي، عن أبيه، قال الترمذي:(ولا نعلم أحدًا قال: عن أبي المليح، عن أبيه، غير سعيد بن أبي عروبة)، ثم أخرجه (1771) من طريق شعبة، وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (36421)، والبزار (2330) من طريق ابن علية، كلاهما - شعبة وابن علية - عن يزيد الرشك، عن أبي المليح، مرسلًا، وقال الترمذي:(هذا أصح)، وسأل الترمذي شيخه البخاري عنه كما في العلل الكبير (534 - 535)، وتوقف فيه، وقد أخرج البزار في مسنده (2332 - 2333) متابعتين بأسانيد صحيحة، تقوي رواية الوصل، وصحح إسناد الحديث الحافظ المقدسي في المختارة (1394)، والنووي كما في خلاصة الاحكام (57)، والألباني في الصحيحة (1011).
(2)
في (أ): وقال.
(3)
في (ب) و (و): يضع.
(4)
أخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحديث 1/ 294، عن مجاهد:«سئل ابن عباس فقيل: يصنعون فيه أنافح الميتة قال: لا تأكلوه إذًا» ، وإسناده صحيح.
وأخرج عبد الرزاق (8789)، عن أبي معبد قال: كان ابن عباس رضي الله عنهما: «لا يرى بالجبن الذي تصنعه اليهود والنصارى بأسًا» ، وإسناده صحيح أيضًا.
وقال ابن مسعود: «لا تأكلوا من الجبن إلَّا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب» رواه البيهقي
(1)
، وروي عن عمر وابنه مثله
(2)
، ولأنَّه مائِع في وعاء نجس، أشبه ما لو حُلب في إناء نجِس.
والثَّانية: أنَّهما طاهران؛ لأنَّ الصَّحابة فتحوا بلاد المجوس، وأكلوا من جبنهم مع علمهم بنجاسة ذبائحهم
(3)
؛ لأنَّ الجبن إنَّما يصنع بها، واللبن لا ينجس بالموت؛ إذ لا حياة فيه.
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (19692)، ورواه ابن أبي شيبة (24414)، عن قيس بن سكن، عن ابن مسعود قال:«لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب» ، وإسناده حسن، فيه عبيد بن أبي الجعد وهو صدوق، وباقي رجاله ثقات.
(2)
أما أثر عمر رضي الله عنه: فأخرجه البيهقي في الكبرى (19690، 19691)، عن ثور بن قدامة، قال: جاءنا كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أن لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع أهل الكتاب» ، وفيه إبراهيم العقيلي وهو مجهول، وسيأتي أن الثابت عن عمر رضي الله عنه خلافه.
وأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما: فأخرجه البيهقي في الكبرى (19693)، عن علي البارقي، أنه سأل ابن عمر عن الجبن، فقال:«كل ما صنع المسلمون وأهل الكتاب» ، وإسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (8791)، عن البارقي قال: سألت ابن عمر عن الجبن؟ فقال: «عن أي بَالِه تسألني؟» قال: قلت: يجعلون فيه - أو إنا نخاف أن يجعلوا فيه - أنافح الميتة، قال:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، ولا بأس بإسناده، وقد روي عن ابن عمر من وجوه أخرى ثابتة عند عبد الرزاق (8792، 8785).
(3)
ورد ذلك عن عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (24419)، عن أبي وائل وإبراهيم، قالا: لما قدم المسلمون أصابوا من أطعمة المجوس من جبنهم وخبزهم، فأكلوا ولم يسألوا عن ذلك، ووُصِف الجبن لعمر، فقال:«اذكروا اسم الله عليه وكلوه» ، وإسناده صحيح، وأبو وائل - وهو شقيق بن سلمة - قد أدرك عمر وصلى خلفه كما ثبت ذلك عند ابن أبي شيبة (3048)، وأما إبراهيم النخعي فكما قال علي بن المديني: (لم يلق أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن مراسيل النخعي من أحسن المراسيل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: مجموع الفتاوى 31/ 353.
وأخرجه ابن أبي شيبة (24422)، عن عمرو بن شرحبيل، قال: ذكرنا الجبن عند عمر، فقلنا له: إنه يصنع فيه أنافيح الميتة، فقال:«سموا عليه وكلوه» ، وإسناده صحيح.
وقد سئل الإمام أحمد عن الجبن الذي يصنعه المجوس؟ فقال: (ما أدري، إلا أن أصحَّ حديثٍ فيه حديثُ الأعمش، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل) وذكره. ينظر: المغني لابن قدامة 9/ 430.
والأوَّل أولى؛ لأنَّ في صحَّة ما نقل عن الصَّحابة نظرًا، ولو سُلِّم صِحَّتُه، فكان بينهم يهود ونصارى يذبحون لهم، فلا يتحقَّق القول بالنَّجاسة.
وفي «الكافي» و «الشرح» : أنَّ الجُبْن نجِس، والخلاف في الإنفَحة، والأشهر: أنَّ الخلاف فيهما
(1)
، وقيل: هما في محلِّهما نجسان، وبعد أخذهما طاهران.
فرع: إذا صلُب قشر بيضة؛ فطاهرة
(2)
؛ لأنَّه لا يصل إليها شيء من النَّجاسات، أشبه ما لو غُمِست
(3)
في ماء نجِس.
وإن لم تكمُل البيضة، فقال بعض أصحابنا: ما كان قشرها أبيض؛ فهو طاهر، وإلَّا فهو نجس؛ لأنَّ الحاجز غير حصين.
وقال ابن عقيل: لا ينجس؛ لأنَّ جمودها وغشاءها الذي هو كالجلد مع لينه يمنع نفوذ النَّجاسة إليها.
والأوَّل أشهر، فعلى النَّجاسة إن صارت فرخًا؛ فهو طاهر.
(وَعَظْمُهَا، وَقَرْنُهَا، وَظُفُرُهَا)، وسِنُّها، وحافرها، وعصَبها؛ (نَجِسٌ) نصَّ على ذلك
(4)
، من مأكول أو غيره كالفيل؛ لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المَائدة: 3]، والعظم من جملتها، فيكون محرَّمًا.
وعنه: طاهر وه
(5)
؛ لأنَّ الموت لا يحلُّها، فلا تنجس بالموت كالشَّعر،
(1)
قوله: (فيهما) سقطت من (أ).
(2)
في (أ) و (ب) و (ز): فطاهر.
(3)
في (أ) و (ز): غمسه.
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 13.
(5)
ينظر: البناية شرح الهداية 1/ 423، درر الحكام 1/ 24.
وقد روى أبو داود بإسناده عن ثوبان: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اشترِ لفاطمة قِلادة من عصَب، وسِوارين من عاج»
(1)
، والعاج: هو عظم الفيل.
وقال م: إن ذُكِّي الفيل فعظمه طاهر، وإلَّا فهو نجس؛ لأنَّ الفيل مأكول عنده، فعلى هذه يجوز بيعه، واختاره ابن وهب المالكي
(2)
؛ فقيل: لأنَّه لا حياة فيه
(3)
، وقيل - وهو أصحُّ -: لأنَّ
(4)
سبب التَّنجيس، وهي الرطوبة، منتفيةٌ.
والأوَّل أَولى؛ لأنَّ الحياة تحلُّه، فينجس بالموت؛ كالجلد، ودليله
(5)
قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} الآية [يس: 78]
(6)
، وبدليل الإحساس
(7)
والألم، وهو
(8)
في العظام أشدُّ منه في اللحم، والضرس يألم، ويلحقه الضَّرس
(9)
، ويحس ببرودة الماء وحرارته.
وحديث ثوبان؛ فيه حميد الشامي، وسئل عنه أحمد، وابن معين فقالا:
(1)
أخرجه أحمد (22363)، وأبو داود (4213)، والطبراني في الكبير (1453)، وإسناده ضعيف، فيه حميد الشامي وسليمان المنبهي، وهما مجهولان، وقال ابن عدي بعد أن أخرج حديثه هذا:(وحميد الشامي هذا إنما أنكر عليه هذا الحديث، وهو حديثه، ولم أعلم له غيره). ينظر: الكامل لابن عدي 3/ 71.
(2)
هو أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم، القرشي بالولاء، الفقيه المالكي المصري، صحب الإمام مالك بن أنس عشرين سنة، من مصنفاته: الموطأ الكبير، والموطأ الصغير، توفي سنة 197 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 36، سير أعلام النبلاء 9/ 223.
(3)
ينظر: الذخيرة 1/ 184، مواهب الجليل 1/ 103.
(4)
في (أ): الأصح أن.
(5)
في (أ) و (و): دليل.
(6)
قوله: (الآية) سقطت من (أ).
(7)
في (و): الاحتباس.
(8)
في (أ) و (ز): وهي.
(9)
في (أ): الضرب، وفي (ب): وتلحق الضرس.
(لا نعرفه)
(1)
، ولو سلم، فقال الخطابي، عن الأصمعي:(العاج الذبل)
(2)
، وقيل: هو عظم السلحفاة البحرية، وقيل: العصب كالشَّعر؛ لأنَّه ليس فيه رطوبة منجِّسة
(3)
. وحكم ما ذكرنا؛ إن أخذ من مذكًّى؛ فهو طاهر، وإن أخذ من حي؛ فهو نجس؛ لقوله عليه السلام:«ما يقطع من البهيمة وهي حيَّةٌ فهو مَيْتَةٌ» رواه التِّرمذي، وقال:(حسن غريب)
(4)
.
وكذا ما يَسقُط من قرون الوُعول في حياتها، وفي «المغني» و «الشرح» احتمال بطهارته كالشَّعر.
وأمَّا ما لا ينجس بالموت كالسمك؛ فلا بأس بعظامه.
(وَصُوفُهَا، وَشَعْرُهَا، وَرِيشُهَا؛ طَاهِرٌ)، يَعني الميتةَ الطَّاهرةَ في الحياةِ، وإلَّا فالنَّجِسة فيها لا يزيدها الموت إلَّا خبثًا، وهذا هو الأشهر عن أحمد، نقل الميموني:(صوف الميتة ما أعلم أحدًا كرهه)
(5)
، وعليه أصحابه؛ لقوله تعالى:{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} الآية [النّحل: 80]، وهي في سياق الامتنان، فالظَّاهر شمولها لحالتي الحياة والموت، ولحديث ابن عبَّاس في شاة ميمونة.
وعن أحمد: أنَّها نجِسة، أومأ إليه في شعر الآدمي الحي، واختارها
(1)
ينظر: رواية ابن طهمان عن ابن معين (151)، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 232.
(2)
ينظر: معالم السنن 4/ 212.
(3)
في (و): تنجسه.
(4)
أخرجه أحمد (21903)، وأبو داود (2858)، والترمذي (1480)، وهذا الحديث اختلف في وصله وإرساله، واختلف في صحابيِّ الحديث؛ فقيل: ابن عمر رضي الله عنه، وقيل: أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، ورجح إرساله أبو زرعة، والدارقطني. ينظر: علل ابن أبي حاتم (1479)، علل الدارقطني 6/ 297، البدر المنير 1/ 460.
(5)
ينظر: الانتصار لأبي الخطاب 1/ 196.
الآجُرِّي، ومن ثَمَّ
(1)
حكاية صاحب «التلخيص» الخلاف في شعر غير
(2)
الآدمي والقطع بالطَّهارة فيه؛ غريب، ولما تقدَّم من حديث عبد الله بن عُكَيم: «لا تَنْتَفِعوا من الميتة بشيء
(3)
»، ولعموم قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المَائدة: 3].
وجوابه: بأنَّ المراد بالآية الحياة الحيوانيَّة، ومن
(4)
خاصِّيتها الحس والحركة الإراديَّة، وهما منتفيان [في]
(5)
الشَّعْر، ووبَرٌ كشعْر.
ودخل في قولنا: (من الميتة الطَّاهرةِ في الحياة) شعر الهرَّة ونحوها، واختاره المؤلف وابن عقيل، وقيل بنجاسته بعد الموت؛ لزوال علَّة الطَّواف به
(6)
.
وجعل القاضي الخلاف في المنفصل في حياته أيضًا، وألحق ابن البنَّاء بذلك سباع البهائم إذا قلنا بطهارتها.
فأمَّا أصول الشَّعر والرِّيش إذا نتف من الميتة وهو رطب؛ فهو نجِس برطوبة الميتة، وهل يطهر بالغسل؟ فيه وجهان.
ونقل أبو طالب: ينتفع بصوفها إذا غسل، قيل: فَريشُ الطير؟ قال: هذا أبعد
(7)
.
وحرَّم
(8)
في «المستوعب» نتفَ ذلك من حيٍّ؛ لإيلامِه، وكرهه في «النهاية» .
(1)
قوله: (ثم) سقط من (و).
(2)
في (أ): غير شعر.
(3)
قوله: (بشيء) سقط من (أ) و (ز).
(4)
في (أ): وفي.
(5)
قوله: (في) سقطت من الأصل ومن (أ) و (و).
(6)
قوله: (به) سقط من (أ).
(7)
في (أ): فهذا أبعد. ينظر: الفروع 1/ 122.
(8)
في (و): جزم.
(بَابُ الاِسْتِنْجَاءِ)
الاِستنجاء: استفعال من نجَوت الشجرة؛ أي: قطعتها، فكأنَّه قطع الأذى.
وقيل: هو مأخوذ من النَّجوة، وهي ما ارتفع من الأرض؛ لأنَّ من أراد قضاء الحاجة استتر بها.
وهو: إزالةُ خارج من سبيل بماء، وقد يستعمل في إزالته بالحجر، ويسمَّى الاستجمار، وهو
(1)
استفعال من الجمار، وهي الحجارة الصغار؛ لأنَّه يستعملها في استجماره، وعبَّر بعضٌ بالاستطابة، يقال: استطاب، وأطاب: إذا استنجى، قاله
(2)
أهل اللغة. وبعضٌ: بقضاء الحاجة، وهو ظاهر.
(يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ الْخَلَاءِ) هي
(3)
بالمد: المكان الذي يُتوضَّأ فيه، وقال الجوهري:(سمِّي بذلك لأنَّه يُتخلَّى فيه)
(4)
؛ أي: ينفرد، (أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللهِ)؛ لما روى علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستر ما بين الجنِّ وعورات بني آدم إذا دخل الكَنِيف أن يقول: باسم الله» رواه ابن ماجه والتِّرمذي، وقال:(ليس إسناده بالقوي)
(5)
.
(1)
في (و): وهي.
(2)
في (أ) و (ز): قال.
(3)
في (و): هو.
(4)
لم نجده في الصحاح، وهو من كلام البعلي في المطلع ص 24.
(5)
أخرجه الترمذي (606)، وابن ماجه (297)، وفي إسناده: خلاد بن عيسى الصفار، وهو لا بأس به، وشيخه الحكم بن عبد الله النصري، وهو مقبول، وصححه الألباني بشواهده. ينظر: إرواء الغليل 1/ 87.
ويقال في ابتداء كلِّ فعل تبرُّكًا بها، وقُدِّمت هنا على الاستعاذة؛ لأنَّ التَّعوُّذ هناك للقراءة، والبسملة من
(1)
القرآن، فقدّم
(2)
التَّعوُّذ عليها.
وشُرِط
(3)
: ألا يقصد ببسم الله القرآن، فإن قصَده حرُم، قاله بعضهم.
(أَعُوذُ بِاللهِ مِنِ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ)، اقتصر في «الغُنية» و «المحرر» و «الفروع» على ذلك مع التَّسمية؛ لما روى أنس:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» متَّفق عليه
(4)
.
الخُبْث: بإسكان الباء، قاله أبو عُبَيد
(5)
، ونقل القاضي عِياض: أنَّه أكثر روايات الشُّيوخ، وفسَّره بالشر، والخبائث بالشياطين، فكأنَّه
(6)
استعاذ من الشَّرِّ وأهله
(7)
.
وقال الخطابي: (هو بضم الباء، وهو جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، فكأنَّه استعاذ من ذكرانهم
(8)
وإناثهم)
(9)
، وقيل: الخُبْث: الكفر، والخبائث: الشياطين.
(وَمِنَ
(10)
الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، وفي
(11)
«البُلْغة» ك
(1)
في (أ): في.
(2)
في (أ): فيقدم.
(3)
في (ب) و (و): وشرطه.
(4)
أخرجه البخاري (142) ومسلم (122).
(5)
في (و): أبو عبيدة. والصواب المثبت، ينظر: غريب الحديث 2/ 192.
(6)
في (أ) و (ز): وكأنه.
(7)
ينظر: مشارق الأنوار 1/ 228.
(8)
في (و): ذكران الشياطين.
(9)
ينظر: إصلاح غلط المحدثين ص 22.
(10)
قوله: (ومن) سقط من (و).
(11)
في (و): كذا في.
«المُقْنِع» ، وكذا في
(1)
«الوجيز» ، غير أنَّه لم يذكر الاستعاذة من الخبث والخبائث؛ لما روى أبو أمامة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يعجزْ أحدكم إذا دخل مرفِقه أن يقول: اللهم إنِّي أعوذ بك من الرِّجس النِّجْس الشَّيطان الرَّجيم» رواه ابن ماجه
(2)
.
قال الجوهري: (الرِّجْس القذر)
(3)
، والنَّجِس اسم فاعِل من نجُس ينجُس فهو نجِس، قال الفراء
(4)
: (إذا قالوه مع الرجس أتبعوه إياه)
(5)
؛ أي: قالوه بكسر النون وسكون الجيم.
والشَّيطان: مشتق من شطَن؛ أي: بَعُد، يقال: دارٌ شَطُونٌ؛ أي: بعيدةٌ، سمِّي بذلك لبعده من رحمة الله تعالى. وقيل: من شَاطَ؛ أي: هلك، سمِّي به
(6)
؛ لهلاكه بمعصية الله تعالى.
والرَّجيم: نعت
(7)
له، وهو بمعنى
(8)
راجم؛ أي: يرجم غيره بالإغواء، أو بمعنى مرجوم؛ لأنَّه يُرجم بالكواكب عند استراقِه السَّمعَ.
(وَلَا يَدْخُلُهُ بِشَيْءٍ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى)؛ لما روى أنس قال: «كان رسول الله
(1)
قوله: (كالمقنع وكذا في) سقط من (و).
(2)
أخرجه ابن ماجه (299)، وهو حديث ضعيف، في إسناده علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف، والراوي عنه: عبيد الله بن زحر الإفريقي وهو مختلف في توثيقه وتضعيفه، وله مناكير، وأغلب الأئمة على تليين حاله. ينظر: تهذيب الكمال 19/ 36.
(3)
ينظر: الصحاح 3/ 933.
(4)
هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي، المعروف بالفراء، كان أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، من مصنفاته: الحدود، والمعاني، واللغات وغيرها، توفي سنة 207 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 6/ 176، الأعلام 8/ 145
(5)
ينظر: معاني القرآن للفراء 1/ 430.
(6)
في (أ): بذلك.
(7)
في (أ): مقت.
(8)
في (أ): معنى.
صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتَمه» رواه الخمسة إلَّا أحمد، وصحَّحه التِّرمذي
(1)
.
وقد صحَّ: «أنَّ نقش خاتمه: محمَّدٌ رسولُ الله»
(2)
، ولأنَّ الخلاء موضِع القاذُورات، فشرع تعظيم اسم الله، وتنزيهه عنه.
والمذهب: أنَّه يكره دخوله بما فيه ذكر الله تعالى بلا حاجة، فلو لم يجد من يحفظه له، أو خاف ضياعه؛ فلا بأس حيث أخفاه، قال أحمد:(الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفِّه)
(3)
، وقال في الرَّجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم:(أرجو ألا يكون به بأس)
(4)
.
وفي «المستوعب» : أنَّ إزالة ذلك أفضل، وجزم بعضهم بتحريمه كمصحف.
ويتوجَّه: أنَّ اسم الرسول كذلك، وأنَّه لا يختصُّ بالبنيان.
(وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الدُّخُولِ، وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ)، على العكس من المسجد ونحوه؛ لأنَّ اليسرى للأذى، واليمنى لما سواه؛ لأنَّها أحقُّ بالتَّقديم إلى الأماكن الطَّيِّبة، وأحقُّ بالتَّحيُّزِ
(5)
عن الأذى ومحلِّه، ولهذا قُدِّمت في
(6)
الانتعال دون النزَّع؛ صيانةً لها؛ لما روى الحكيم الترمذي عن
(1)
أخرجه أبو داود (19)، والترمذي (1746)، والنسائي (5213)، وابن ماجه (303)، قال أبو داود:(هذا حديث منكر)، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح غريب)، وأعله النسائي والدارقطني وغيرهما. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 314.
(2)
أخرجه البخاري (3106)، من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ:«وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر» .
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 396.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 5.
(5)
في (ب): بالتحرز.
(6)
في (و): من.
أبي هريرة أنه قال: «من بدأ برجله اليمنى قبل يساره إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر»
(1)
.
وقد يفهم من لفظ الدخول والخروج؛ اختصاص ذلك بالبنيان، وليس كذلك، بل يقدِّم يسراه إلى موضع جلوسه في الصحراء، ويمناه عند مُنصَرَفه.
(وَلَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ)؛ لما روى أبو داود من طريق رجل لم يسمِّه - وقد سمَّاه بعض الرُّواة: القاسم بن محمَّد - عن ابن عمر: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتَّى يدنوَ من الأرض»
(2)
، ولأنَّ ذلك أسترُ له.
وهذه الكراهة مقيَّدة بعدم الحاجة، ولكن المؤلف تبع النَّصَّ الوارد، والمراد: أنَّه لم يستكمل الرَّفع حتَّى يدنو
(3)
، فلو عبَّر بقوله: يرفع ثوبه شيئًا فشيئًا؛ كان أولى، ولعلَّه يجب إن
(4)
كان ثَمَّ من ينظره.
(وَيَعْتَمِدُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى)؛ لحديث سراقة بن مالك قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتَّكئ على اليسرى، وأن ننصب اليمنى» رواه الطَّبراني والبيهقي
(5)
، ولأنَّه أسهل لخروج الخارج، فعلى هذا تكون اليمنى منصوبة؛
(1)
لم نقف عليه في كتب الحكيم الترمذي المطبوعة، ولا في غيرها من الكتب الحديثية المسندة.
وقوله: (لما روى الحكيم الترمذي عن أبي هريرة أنه قال: «من بدأ برجله اليمنى قبل يساره إذا دخل الخلاء ابتلي بالفقر») زيادة من الأصل.
(2)
أخرجه أبو داود (14)، من طريق الأعمش، عن رجل، عن ابن عمر رضي الله عنه، والترمذي (14) والدارمي (693)، من طريق الأعمش عن أنس، قال الترمذي:(وكلا الحديثين مرسل، ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس بن مالك ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الدارقطني: (والحديث غير ثابت، عن الأعمش). ينظر: العلل 12/ 92.
(3)
زاد في (أ) و (و): من الأرض.
(4)
في (أ) و (ز): إذا.
(5)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6605)، والبيهقي في السنن الكبرى (457)، وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف، وفيه أيضًا راوٍ مجهول، وضعَّف الحديث الحازميُّ، والنوويُّ، وابنُ دقيق العيد وغيرهم. ينظر: البدر المنير (2/ 331)، الضعيفة للألباني (5616).
إكرامًا لها.
(وَلَا يَتَكَلَّمُ)؛ أي: يُكره أن يتكلَّم ولو بردِّ سلام، نصَّ عليه
(1)
؛ كابتدائه؛ لما روى ابن عمر: «أنَّ رجلاً مرَّ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبول، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه» رواه مسلم وأبو داود، وقال: روي
(2)
«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تيمَّم، ثمَّ ردَّ على الرَّجل السَّلام»
(3)
.
وكلامه
(4)
شامل لذكر الله تعالى بلسانه، وجوَّزه ابن سيرين والنَّخعي
(5)
؛ لأنَّ ذكر الله محمود على كلِّ حال، وما ذكرناه أولى؛ لأنَّه عليه السلام لم يردَّ السَّلام الواجب، فذِكْر الله تعالى أولى.
فلو عطَس حمد الله بقلبه، ذكره الأصحاب. وعنه: وبلفظه، ذكره ابن عقيل؛ لعموم الأمر به.
وكذا إجابة المؤذِّن، ذكره أبو الحسين وغيره.
وجزم صاحب «النظم»
(6)
بتحريم القراءة في الحُشِّ وسطحه وهو متوجِّهٌ على حاجته.
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 31.
(2)
في (و): يروى.
(3)
أخرجه مسلم (370)، وأبو داود (16).
(4)
في (و): وسلامه.
(5)
هو أبو عمران إبراهيم بن يزيد النَّخعي، مفتي الكوفة، كان صالحًا، ثقةً، فقيهًا، سمع من المغيرة بن شعبة وأنس بن مالك رضي الله عنهم، توفي سنة 96 هـ. ينظر: التاريخ الكبير 1/ 333، والثقات 4/ 8.
(6)
هو محمد بن عبد القوي بن بدران بن عبد الله المقدسي، المرداوي، الفقيه المحدث النحوي، ممن قرأ عليه العربية: الشيخ تقي الدين ابن تيمية، من مصنفاته: القصيدة الطويلة الدالية في الفقه، ومجمع البحرين ولم يتمه، والفروق، توفي سنة 699 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 4/ 307، المقصد الأرشد 2/ 460.
ويُستثنَى منه: ما إذا رأى أعمى يقع في بئر أو حيَّةً تقصد إنسانًا؛ لم يكره إنذاره.
(وَلَا يَلْبَثُ فَوْقَ حَاجَتِهِ)؛ لأنَّه مضرٌّ عند الأطباء، قيل: إنَّه يدمي الكبد، وقيل: يورث الباسور. قال جدي رحمه الله تعالى
(1)
: وهو كشف لعورته خلوة بلا حاجة.
وفي أخرى: يحرم، اختاره المجد وغيره، وحكى أبو المعالي: أنَّها مسألة سترها عن الملائكة والجن.
ولا يديم النَّظر إلى عورته.
(فَإِذَا خَرَجَ
(2)
قَالَ: غُفْرَانَكَ)، هو منصوب على المفعولية؛ أي: أسألك غفرانك، مأخوذ من الغَفْر، وهو الستر، وسرُّه: أنَّه لما خلص من النَّجو المثقل للبدن؛ سأل الخلاص ممَّا يثقل القلب، وهو الذَّنب؛ لتكمل الراحة.
(الْحَمْدُ لِلهِ الذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي)؛ لما روى أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: «غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عنِّي الأذى، وعافاني» رواه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن مسلم، وقد
(1)
يريد به جد أبيه صاحب الفروع، وهو محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي، لتطابق النقل ههنا مع ما في الفروع، وقد يريد بقوله: جدي؛ شيخه والد أبيه، عبد الله بن محمد، كما عبر بذلك في كتابه المقصد الأرشد 2/ 518. فليتنبه.
وجد أبيه هو: شمس الدين محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي، قال ابن القيم:(ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح)، من مصنفاته: الفروع، وله حاشية على المقنع، وكتاب في الأصول، توفي سنة 763 هـ. ينظر: المقصد الأرشد 2/ 520.
(2)
زيد في الأصل: (من الخلاء) وكتب فوقها: حاشية.
ضعَّفه الأكثر
(1)
.
وفي «مصنف عبد الرَّزَّاق» : «أنَّ نوحًا عليه السلام كان يقول إذا خرج: الحمد لله الذي أذاقني لذَّته، وأبقى فيَّ منفعته، وأذهب عنِّي أذاه»
(2)
.
مسائل: يُستحبُّ له تغطية رأسه، ولا يرفعه ولا بصرَه إلى السَّماء، ولا يبصُق على بوله؛ لأنَّه يورث الوسواس، وأن ينتعل ويتنحنح، زاد بعضهم: ويمشي خطوات، قال الشَّيخ تقي الدِّين:(هذا بدعة)
(3)
.
(فَإِنْ كَانَ فِي الْفَضَاءِ)، هو ما اتَّسع من الأرض؛ (أَبْعَدَ)؛ لما روى جابر:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز؛ انطلق حتَّى لا يراه أحد» رواه أبو داود
(4)
، وصرَّح السَّامَرِّي باستحباب ذلك.
(1)
أخرجه ابن ماجه (301)، من حديث أنس رضي الله عنه، وفيه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف، وله شاهد من حديث أبي ذر عند النسائي في الكبرى (9825)، ورجح الدارقطنيُّ وقفه على أبي ذر رضي الله عنه، وليس في لفظ ابن ماجه والنسائي قول:«غفرانك» ، ولهذه اللفظة شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه أبو داود (30)، والترمذي (7)، والنسائي في الكبرى (9824): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط قال: «غفرانك» ، وحسنه الترمذي وغيره. ينظر: العلل للدارقطني 6/ 235.
(2)
لم نقف عليه في مصنف عبد الرزاق، وقد أخرجه ابن أبي شيبة (9)، عن هشيم، عن العوام قال:«حُدثت أن نوحًا» وذكره.
وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (25)، من حديث ابن عمر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سنده حِبَّان بن علي العنزي، وإسماعيل بن رافع، وهما ضعيفان.
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4154)، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا، وفيه الحارث بن شبل وهو ضعيف. ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 434.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 106.
(4)
أخرجه أبو داود (2)، وابن ماجه (335)، وفي سنده إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفير الأسدي أغلب الأئمة على تضعيفه، وللحديث شواهد أخرى. ينظر: تهذيب الكمال للمزي 3/ 141، الصحيحة للألباني (1159).
(وَاسْتَتَرَ) بما
(1)
أمكنه من حائش نخل أو كثيب رمل؛ لما روى عبد الله بن جعفر قال: «كان أحبَّ
(2)
ما استتر به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفٌ، أو حائشُ نخل» رواه مسلم
(3)
، وفُسِّر بأنَّه: جماعة
(4)
؛ لا واحد له من لفظه، ولأنَّ ذلك جهده في ستر العورة المأمور
(5)
بها، وذكر السَّامَرِّيّ أنَّه ينبغي ذلك.
(وَارْتَادَ)؛ أي: طلَب (مَكَانًا رَخْوًا)، يجوز فيه فتح الراء وكسرها، ومعناه: ليِّنًا هَشًّا أو عالٍ، أو يلصق ذكره بالأرض الصلبة؛ لما روى أبو موسى قال: كنت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فأراد أن يبول، فأتى دمثًا في أصل جدار، فبال، ثم قال:«إذا بال أحدكم فليرتد لبوله» رواه أحمد وأبو داود
(6)
، ولأنَّه
(7)
يأمن بذلك من رشاش البول.
(وَلَا يَبُولُ فِي شَقٍّ)، بفتح الشين، واحد الشقوق، (وَلَا سَرَبٍ)، بفتح السين والراء، عبارة عن الثَّقْب، وهو ما يتَّخذه الدَّبِيب والهوامُّ بيتًا في الأرض؛ لما روى قتادة عن عبد الله بن سَرْجِس قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبال في الجُحر» ، قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر؟ قال: يقال: إنَّها مساكن الجن. رواه أحمد، وأبو داود
(8)
.
(1)
في (أ): ما.
(2)
قوله: (أحب) سقط من (و).
(3)
أخرجه مسلم (342).
(4)
زاد في (و) و (ز): النخل.
(5)
في (أ): والمأمور.
(6)
أخرجه أحمد (19537)، وأبو داود (3)، وإسناده ضعيف؛ فيه راو مبهم، وضعف الحديثَ البغويُّ، والعراقيُّ. ينظر: الضعيفة للألباني (232).
(7)
زيد في (ب): لا.
(8)
أخرجه أحمد (20775)، وأبو داود (29) وفي سماع قتادة من ابن سرجس خلاف، نفاه أحمد وأثبته ابن المدني وأبو حاتم، وصحح الحديث ابن خزيمة وابن السكن والنووي وابن الملقن. ينظر: الخلاصة 1/ 156، البدر المنير 2/ 320.
وقد رُوي أنَّ سعد بن عُبادة بال بجُحر بالشَّام، ثمَّ استلقى ميتًا، فسُمع من
(1)
بئر بالمدينة
(2)
يقول:
نحن قَتَلْنا سيِّد الخزْ
…
رجِ سَعدَ بن عُباده
ورميناه بسَهميْـ
…
ـن فلم نُخْطِ فؤاده
فحفظوا ذلك اليوم، فوجدوه اليومَ الذي مات فيه سعدٌ
(3)
.
ولأنَّه يخاف أن تخرج ببوله دابة تؤذيه، أو تردُّه عليه فتنجسه.
والمراد بهذا النَّهي الكراهة، صرَّح به في «الفروع» ؛ كمَوْرد ماء، وفم بَالُوعَة.
وكذا يكره على نار؛ لأنَّه يورث السقم، ورمادٍ، قاله في «الرعاية» . ومثلُه على قَرع
(4)
، وهو الموضع المتجرِّد من النبت بين بقايا منه.
(وَلَا طَرِيقٍ)، وقيَّده ابن تميم: بأن يكون مأتيًّا، والأشهر عدمه.
(1)
في (أ) و (ز): في.
(2)
زاد في (و) و (ز): قائلاً.
(3)
أخرجه الحارث كما في بغية الباحث (67)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (5359)، ورواه أبو الشيخ في العظمة 5/ 1672، والحاكم في المستدرك (5102)، وابن سعد في الطبقات 3/ 617، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3120)، عن ابن سيرين مرسلًا أيضًا. قال الهيثمي:(ابن سيرين لم يدرك سعد بن عبادة).
وأخرجه عبد الرزاق (6778)، ومن طريقه الحاكم في المستدرك (5103)، والطبراني في الكبير (5360)، عن قتادة مرسلًا. قال الهيثمي:(وقتادة لم يدرك سعدًا أيضًا).
ومجموع المراسيل يقوي القصة، قال ابن عبد البر: (ولم يختلفوا أنه وجد ميتًا في مغتسله، وقد اخضرَّ جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول
…
)، ثم ذكر القصة. ينظر: مجمع الزوائد 1/ 206، الاستيعاب 2/ 599.
(4)
قوله: (قرع) كذا في النسخ الخطية، وهو موافق لما في لسان العرب 8/ 269، خلافًا لما في بعض كتب المذهب المطبوعة.
(وَلَا ظِلٍّ نِافِعٍ)؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا اللاعنيْن، قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلَّى في طريق النَّاس، أو في ظِلِّهم» رواه مسلم
(1)
.
ففي إضافة الظِّلِّ إليهم دليل على أنَّ المراد المنتفع به، ولم يقيِّده في «المستوعب» به
(2)
، والأصحُّ ما ذكرنا
(3)
.
(وَلَا تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ)، هي التي أثمرت أو قرب ثَمَرُها؛ لأنَّه يفسد على النَّاس ثمرهم، أو تعافها
(4)
النَّفس، فأمَّا إذا لم تكن مثمرة، أو ليس وقت ثمر
(5)
؛ جاز إن لم يكن ظلًّا نافعًا؛ لأنَّ أثرها يزول بالأمطار
(6)
وغيرها إلى مجيء الثَّمر، ذكره في «شرح العمدة»
(7)
.
ودَلَّ
(8)
كلامه: أنَّ الغائط أشدُّ من البول لغلاظته، ولا يطهر بصبِّ الماء عليه.
تذنيب: لا يبول في راكِدٍ، نصَّ عليه
(9)
، وإن بلغ حدًّا لا يمكن نَزْحُه، وأطلق البغدادي
(10)
تحريمه فيه، ولا يجوز أن يتغوَّط في جارٍ لبقاء أثرِه، وقد
(1)
أخرجه مسلم (269).
(2)
قوله: (به) سقط من (و).
(3)
كتب على حاشية (و): (قلت: لا يبعد أنَّ الصحيح تقييده كما قيد الظل بكونه نافعًا، انتهى). وعليها إشارة نسخة.
(4)
في (ب) و (و): وتعافها.
(5)
في (و): ثم.
(6)
في (و): بالإمكان.
(7)
لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولم نجده فيه لوجود سقط في المطبوع في هذا الموطن.
(8)
في (أ): وردَّ.
(9)
ينظر: مسائل صالح 1/ 210.
(10)
هو تقي الدين أحمد بن محمد الأدمي البغدادي، من مصنفاته: المنتخب، المنور في راجح المحرر، سمع منه ابن رجب وقال:(كان صالحًا دينًا)، توفي سنة نيف وأربعين وسبعمائة. ينظر: تاريخ ابن شهبة 2/ 657، الدر المنضد 2/ 499.
وليس هو الآمدي البغدادي كما في المطبوع من الفروع، ولعله تصحيف، فإن المرداوي نقل عنه هذه المسألة بقوله:(وأطلق الأدمي البغدادي في «منتخبه» تحريمه فيه، وجزم به في «منوره»). ينظر: المنور في راجح المحرر ص 144، الإنصاف 1/ 200.
صرَّح به ابن تميم، قال في «الشرح»: فأمَّا البول فيه فلا بأس به إذا كان كثيرًا، وظاهر كلام غيره الجوازُ مطلقًا.
ولا يبول في موضع الوضوء والغسل
(1)
، نصَّ عليه
(2)
؛ للنَّهي عنه، فإن بال وصبَّ عليه الماء وكان ممَّا لا يقف عليه؛ فلا كراهة، وفي «المغني» روايتان.
والمنصوص: أنَّه يجوز في إناء بلا حاجة، وقدَّم
(3)
في «الرعاية» : أنَّه يكره من غير حاجة.
ولا يبول على ما له حُرمة، ولا على ما نُهي عن الاستجمار به؛ لحُرمته، وفي «النهاية»: يكره على الطَّعام؛ كعلَف دابة، قال في «الفروع»: وهو سهو.
فرع: يكره أن يتوضَّأ على موضع بوله، أو يَستنجيَ عليه؛ لئلَّا يتنجَّس به، فلو كان في الأبنية المتَّخذة لذلك
(4)
فلا ينتقل منها
(5)
؛ للمشقَّة، أو كان بالحجر؛ لم يكره؛ لأنَّه لو انتقل لنضح
(6)
بالنَّجاسة.
(وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
(7)
؛ لأنَّه روي أنَّ معهما ملائكة، وأنَّ
(1)
في (و): أو الغسل.
(2)
ينظر: مسائل صالح 2/ 137، مسائل ابن منصور 2/ 332.
(3)
في (أ): وتقدم.
(4)
في (و): كذلك.
(5)
في (و): فيها.
(6)
في (ب) و (و): لتلطخ.
(7)
في (و): ولا القمر.
أسماء الله مكتوبة عليهما، وأنَّهما يلعنانه
(1)
، وبهما يستضيء أهل الأرض، فينبغي احترامهما، وكالرِّيح، وإن استتر عنهما بشيء؛ فلا بأس.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) عند التَّخلِّي (فِي الْفَضَاءِ)؛ لما روى أبو أيُّوب: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا» رواه البخاري ومسلم، وله معناه من حديث أبي هريرة
(2)
، ولأنَّ جهة القبلة أشرف الجهات، فصِينَتْ عن ذلك.
وعن أحمد: يجوز، وهو قول عروة وربيعة وداود؛ لما روى جابر قال: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نستقبل
(3)
القبلة ببول
(4)
، فرأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبلها» رواه أحمد والتِّرمذي، وقال:(حسن غريب)، وصحَّحه البخاري
(5)
.
لا يقال: هذا ناسِخٌ للأوَّل؛ لأنَّه يحتمل أنَّه رآه في البنيان، أو مستَتِرًا بشيء، أو يكون خاصًّا به، فلا يثبت النَّسخ بالاحتمال، ويجب حمله على ذلك توفيقًا بين الدَّليلين.
وجوَّزه في «المُبهج»
(6)
إذا كانت الرِّيح في غير جهتها.
(1)
قال الألباني في الضعيفة 2/ 350: (وهذا التعليل مما لا أعرف له أصلاً في السنة).
(2)
أخرجه البخاري (144)، ومسلم (264)، من حديث أبي أيوب رضي الله عنه، وعند مسلم (265)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها» .
(3)
في (أ): يستقبل.
(4)
قوله: (ببول) سقطت من (أ).
(5)
أخرجه أحمد (14872)، وأبو داود (13)، والترمذي (9)، وابن ماجه (325)، وابن خزيمة (58)، وابن حبان (1420)، قال الترمذي:(حسن غريب)، وصححه البخاري، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن الملقن وأجاب على من تكلم فيه، انظر: تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (1/ 151)، البدر المنير (2/ 307).
(6)
في (و): المنهج.
وعلى المنع؛ يكفي انحرافه عن الجهة، نقله أبو داود
(1)
، ومعناه في الخلاف، وظاهر كلام المجد وحفيده: لا يكفي
(2)
.
(وَفِي اسْتِدْبَارِهَا فِيهِ)؛ أي: في الفضاء (وَاسْتِقْبَالِهَا فِي الْبُنْيَانِ رِوَايَتَانِ)، وجملته أنَّ الرِّواية عن أحمد قد اختلفت:
ففي رواية: أنَّه يجوز الاستدبار في الفضاء والبنيان؛ لحديث ابن عمر قال: «رقِيت على بيت حفصة، فرأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم على حاجته، مستقبِل الشَّام، مستدبِر الكعبة» متَّفق عليه
(3)
، والظَّاهر أنَّه كان في الفضاء.
وفي ثانية: بالمنع فيهما، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجزم به في «الوجيز»؛ لما روى أبو هريرة مرفوعًا قال:«إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها» رواه مسلم
(4)
.
وفي ثالثة: جوازهما في البنيان فقط، صحَّحه في «الشرح» ، وذكر ابن هبيرة أنَّه الأشهر عنه، وقدَّمه في «المحرر» ، واختاره الأكثر؛ لما روى الحسن بن ذكوان، عن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته، ثم جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن! أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: «إنَّما نُهي عن هذا في الفضاء، إذا
(5)
كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا» رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم، وقال: على
(6)
شرط البخاري، والحسن ضعَّفه ابن معين، وقال أحمد: أحاديثه أباطيل، وقوَّاه جماعة، وروى له البخاري
(7)
.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 5.
(2)
ينظر: الاختيارات ص 15.
(3)
أخرجه البخاري (148)، ومسلم (266).
(4)
أخرجه مسلم (265).
(5)
في (و): أما إذا.
(6)
قوله: (على) سقط من (و).
(7)
أخرجه أبو داود (11)، وابن خزيمة (60)، وابن الجارود (32)، والحاكم في المستدرك (551)، والدارقطني (161)، والحازمي في الاعتبار (ص 38)، قال الدارقطني:(هذا صحيح، كلهم ثقات)، وحسنه الحازمي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود، وقال الحاكم:(هذا حديث صحيح على شرط البخاري)، وفيه نظر، فإن صفوان بن عيسى خرَّج له مسلم ولم يخرج له البخاري، قال ابن حجر في الفتح 11/ 441:(سنده لا بأس به)، وحسنه الألباني.
وأما الحسن بن ذكوان فقد خرَّج له البخاري حديثًا واحدًا في المتابعات كما ذكر الحافظ في الفتح، واختلف فيه الحفاظ، فتكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما، وقبل حديثه ابن عدي وابن حبان وغيرهما، وأورده الذهبي في الميزان، وقال عنه:(صالح الحديث)، وفي التقريب:(صدوق يخطئ، ورُمي بالقدر، وكان يدلس).
ويشكل على الأثر أيضًا عنعنة ابن ذكوان، فإنه كان يدلس حتى عن الكذابين كما قال أحمد في رواية الأثرم عنه. ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 490.
فهذا تفسير لنهيه عليه السلام العام، فتحمل أحاديث النَّهي على الفضاء، وأحاديث الرُّخصة على البنيان.
وفي رابعة: يحرم استقبالها في البنيان، قدَّمها جماعة؛ لعموم النَّهي.
وفي خامسة: يجوز، قدَّمها في «المحرر» ، وذكر في «الشرح»: أنَّها أولى؛ لما ذكرنا.
وعلم منه: أنَّه لا يكره استقبال بيت المقدس، وهو ظاهر ما في «الخلاف» ، وحُمِل النَّهي حين كان قِبلة، ولا يسمَّى بعد النَّسخ قبلة.
ونقل حنبل: يكره وش
(1)
؛ لبقاء حرمته.
فرع: يكفي الاِستتار في الأَشهر بدابَّةٍ أو جِدارٍ ونحوه، وفي إرخاء ذيله
(2)
وجهان، وظاهره: لا يُعتبر قُربه منها؛ كما لو كان في بيت
(3)
.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه وجهٌ: كسترة صلاة).
(1)
ينظر: المجموع للنووي 2/ 80، نهاية المحتاج 1/ 136.
(2)
في (أ) و (ز): ثوبه.
(3)
في (و): بيته.
ويكره استقبالها باستنجاء.
(فَإِذَا فَرَغَ)؛ أي: من قضاء حاجته، (مَسَحَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى)؛ لما روت
(1)
عائشة قالت: «كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، ويده اليسرى لخلائه وما كان من أذىً» رواه الشيخان
(2)
.
(مِنْ أَصْلِ ذَكَرِهِ)؛ وهو الدرز الذي تحت الأنثيين من حلقة الدُّبر، فيضع إصبعه الوسطى تحت الذَّكر، والإبهام فوقه من مجامع العروق (إِلَى رَأْسِهِ)؛ لئلَّا يبقى شيء من البلل في ذلك المحل.
(ثُمَّ يَنْتُرُهُ ثَلَاثًا)؛ نصَّ عليه
(3)
، برفق؛ لما روى عيسى بن يزداد
(4)
، عن أبيه مرفوعًا قال:«إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثًا» رواه أحمد وأبو داود
(5)
، ولأنَّه بالنَّتر يستخرج ما عساه أن يبقى
(6)
ويخشى عَوده بعد الاستنجاء، هذا هو الاستبراء.
فإن احتاج إلى مشْيٍ؛ مشَى
(7)
خطوات، قيل: أكثرها سبعون خطوة. قال الشَّيخ تقي الدِّين: (ذلك بدعة)
(8)
.
(1)
في (و): روي.
(2)
هذا اللفظ الذي ذكره المصنف أخرجه أحمد (26283)، وأبو داود (33)، ولفظ البخاري (168):«كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن، في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله» ، ومسلم (268) بنحوه، بتقديم وتأخير.
(3)
ينظر: المغني 1/ 212، سير أعلام النبلاء 11/ 358.
(4)
في (أ): داود.
(5)
أخرجه أحمد (19053)، وأبو داود في المراسيل (4)، وابن ماجه (326)، ورجح أبو حاتم إرساله، وحكى النووي الاتفاق على تضعيفه. ينظر: العلل (89)، المجموع شرح المهذب 2/ 91.
(6)
قوله: (ما عساه أن يبقى) بدلها في (أ): أن يبل.
(7)
قوله: (مشى) سقط من (ب) و (و).
(8)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 106.
ويتوجَّه: إن لم يستبرئ خرج منه شيء، وجب.
(وَلَا يَمَسُّ فَرْجَهُ بِيَمِينِهِ)؛ لما روى أبو قتادة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُمسكَنَّ
(1)
أحدُكم ذكره بيمينه وهو يبول» متَّفق عليه
(2)
.
وظاهره: اختصاص النَّهي بحالة البول، قال ابن المُنجَّى: وإنَّما لم يذكره المؤلف رحمه الله تعالى لوضوحه.
(وَلَا يَسْتَجْمِرُ بِهَا)، صرَّح في «الوجيز» بالكراهة فيهما، واقتصر في «المحرَّر» على الثَّاني؛ لما روى سلمان قال:«نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، وأن نستنجي باليمين» رواه مسلم، وفي حديث أبي قتادة:«ولا يتمسَّح من الخلاء بيمينه»
(3)
.
ثم إن كان يستجمر من غائطٍ؛ أخذ الحَجَر بيساره فمسح به، وإن كان من بولٍ؛ أمسك ذكره بشماله، ومسحه على الحجر، فإن كان صغيرًا ولم يمكنه وضعه بين عقبيه، وإلا أمسك الحجر بيمينه، ومسح بيساره.
وفيه
(4)
وجه: يمسك ذكرَه بيمينه، ويمسحه بيساره. والأوَّل أولى.
وبكلِّ حال تكون اليسرى هي المتحرِّكة؛ لأنَّ الاستجمار إنَّما يحصل بالمتحرِّكة.
فإن كان أقطع اليسرى أو بها مرض؛ استجمر بيمينه للحاجة، قال في «التَّلخيص»: يمينُه أولى من يسار غيره.
(فَإِنْ فَعَلَ؛ أَجْزَأَهُ) مع الكراهة؛ لأنَّ الاستجمار بالحجر لا باليد، فلم
(1)
في (و): يمس.
(2)
أخرجه البخاري (153)، ومسلم (267).
(3)
أخرجه مسلم (262).
(4)
في (أ): وفي.
يقع النَّهي على ما يُستنجى به
(1)
؛ لكون أن النَّهيَ نهيُ تأديب لا تحريم. وقيل: يحرم ويصحُّ.
فرع: تباح المعونة بيمينه في الماء للحاجة.
(ثُمَّ يَتَحَوَّلُ عَنْ مَوْضِعِهِ) مع خوف التَّلوُّث؛ لئلَّا يتنجَّس.
وهذا واجب، ولو لم يزد على درهم
(2)
.
(ثُمَّ يَسْتَجْمِرُ
(3)
، ثُمَّ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ)، وجمعهما أفضل؛ لقول عائشة:«مُرن أزواجكن أن يُتبعوا الحجارة الماء، فإنِّي أستَحْييهم، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله» رواه أحمد واحتجَّ به في رواية حنبل، والنَّسائي، والتِّرمذي وصحَّحه
(4)
، ولأنَّه أبلغ في الإنْقاء وأنظف؛ لأنَّ الحجرَ يُزيل عينَ النَّجاسة، ولا تباشرها يدُه، والماء يزيل أثرَها.
فإن بدأ بالماء؛ فقال أحمد: يكره
(5)
.
(وَيُجْزِئُهُ أَحَدُهُمَا)؛ أمَّا الماء؛ فلما روى أنس قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته، أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء؛ فيستنجي به» متَّفق
(1)
في (أ): منه.
(2)
أي: يجب الاستنجاء ولو لم يزد الخارج من النجاسة على مقدار الدرهم، يشير بذلك إلى قول الحنفية: أن النجاسة إن كانت أقل من مقدار درهم فالاستنجاء حينئذ سنة.
وعبارة الفروع: (ثم يتحول للاستنجاء مع خوف التلوث، وهو واجب "م ر" ولو لم يزد على درهم "هـ" لكل خارج). ينظر: البناية شرح الهداية 1/ 748، الفروع 1/ 136.
(3)
قوله: (ثم يستجمر) سقطت من (أ).
(4)
أخرجه أحمد في مواضع منها (24623)، والترمذي (19)، والنسائي (46)، ولفظ أحمد:«أن نسوة من أهل البصرة دخلن عليها، فأمرتهن أن يستنجين بالماء، وقالت: مرن أزواجكن بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يفعله» ، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، ورواية حنبل في احتجاج أحمد به ذكرها في شرح العمدة 1/ 122.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 137.
عليه، ولفظه لمسلم
(1)
.
ويواصِل صبَّ الماء، ويسترخي قليلًا، ويدلُك الموضع حتَّى يَخشُن ويَنقَى.
وأما الأحجار؛ فلقوله عليه السلام في حديث جابر: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط؛ فليستطِب بثلاثة أحجار؛ فإنها تجزئ عنه» رواه أحمد، وأبو داود
(2)
.
ولكن الماء أفضل في ظاهر المذهب؛ لأنَّه يزيل العين والأثر، ويطهر المحل، والحجرُ يخفف النَّجاسة، وكان القياس يقتضي عدم إجزائه، لكن أجزأ رخصةً.
وعنه: يكره الاستنجاء وحده؛ لأنَّ فيه مباشرة النَّجاسة بيده، ونشرَها من غير حاجة.
وعنه: الحجرُ أفضل، اختاره ابن حامد.
والاقتصار عليه مجزئ بالإجماع، فأمَّا ما نُقل عن سعد بن أبي وقاص
(3)
،
(1)
أخرجه البخاري (150)، ومسلم (271).
(2)
أخرجه بهذا اللفظ من حديث عائشة رضي الله عنها أحمد (25012)، وأبو داود (40)، والنسائي (44)، والدارقطني (147) وقال الدارقطني:(متصل صحيح)، وصححه الألباني.
وأما حديث جابر فلفظه: «إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثًا» وأخرجه أحمد (15296) وابن خزيمة (76)، وهو في مسلم (1300)، أيضًا بلفظ:«وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتوٍّ» . ينظر: علل الدارقطني 14/ 205، الإرواء 1/ 84.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (586)، عن إبراهيم، أو مالك بن الحارث: مَرَّ سعدٌ برجل يغسل مباله، فقال:«لم تخلطوا في دينكم ما ليس منه» ، ومالك بن الحارث هو النخعي المعروف بالأشتر، أدرك الجاهلية وكان من أصحاب عليٍّ في مشاهده كلها، وإبراهيم النخعي لم يلق أحدًا من الصحابة كما قال ابن المديني، إلا أن مراسيل النخعي من أحسن المراسيل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 31/ 353.
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (303)، عن الشعبي، بنحوه، وإسناده صحيح، والشعبي يروي عن سعد بن أبي وقاص، ولم نقف على سماعه منه، وقد كان يرسل عن جماعة من الصحابة، إلا أنه من كبار التابعي، وقد ذكر أنه أدرك أكثر من خمسمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كوفي، وسعدٌ ولي الكوفة لعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعًا، فيشبه أن يكون قد سمع من سعد.
وعبد الله بن الزُّبير
(1)
، وابن المسيِّب، وعطاء، من إنكار الماء
(2)
، فهو - والله أعلم - إنكار على من يستعمله معتقدًا لوجوبه، ولا يرى الأحجار مجزئة، لأنَّهم شاهدوا من النَّاس محافظة عليه، فخافوا التَّعمُّق في الدِّين.
(إِلَّا أَنْ يَعْدُوَ الْخَارِجُ مَوْضِعَ الْعَادَةِ)، جزم به في «المستوعِب» و «التَّلخيص» و «الوجيز» ، مثل أن ينتشر إلى الصَّفحتين، أو يمتدَّ إلى الحَشَفة كثيرًا، اقتصر عليه في «الشرح» وحده.
وفي «شرح العمدة»
(3)
: (إلى النِّصف من الأَلْية والحَشَفة فأكثر، فإن كان أقلَّ من ذلك عُفي عنه)، وهذا ظاهر كلام أبي الخطاب في «الهداية» ، وظاهر «المحرر» أنَّها إذا تعدَّت عن مخرجِها مطلقًا، (فَلَا يُجْزِئُ إِلَّا الْمَاءُ)؛ لأنَّ الأصل وجوب إزالة النَّجاسة بالماء، وإنَّما رُخص في الاستجمار لتكرُّر
(4)
النَّجاسة على المحلِّ المعتاد، فإذا جاوزته خرجت عن حدِّ الرُّخصة، فوجب غسلها كسائر البدن، والغسل للمُتَعدِّي نصَّ عليه
(5)
، وبه قطع ابن تميم، ونفس المخرَج يجزئ فيه الاستجمار.
وجزم
(6)
في «الوجيز» ، وهو مقتضى كلامه في «المحرَّر»: أنَّ الماء متعيِّن
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (591)، عن عبيد الله بن القبطية، عن ابن الزبير، أنه رأى رجلًا يغسل عنه أثر الغائط، فقال:«ما كنا نفعله» ، وإسناده صحيح.
(2)
روى مالك في الموطأ (34)، عن ابن المسيب ذلك بإسناد صحيح. وعلق ابن المنذر في الأوسط 1/ 347، عن عطاء ذلك.
(3)
(1/ 126).
(4)
في (و): لتكرار.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 10.
(6)
زاد في (ز): (به).
للكلِّ، وحكى ابن الزَّاغوني
(1)
في «الوجيز» روايتين.
ونصَّ أحمد: أنَّه لا يستجمر في غير المخرج
(2)
. وقيل: يستجمر في الصَّفحتين والحشفة، وبه قطع الشِّيرازي.
وظاهره: أنَّه لا يشترط التُّراب ولا العدد؛ لأنَّه لم ينقل.
واختلف الأصحاب فيما إذا استدَّ المخرج وانفتح غيره: فقال القاضي والشِّيرازي: يجزئه الاستجمار فيه؛ لأنَّه صار معتادًا.
ونفاه ابن حامد والمؤلف، ونصره في «الشرح» ؛ لأنَّه لا يتعلَّق به أحكام الفرج، وحينئذ يتعيَّن الماء، وسواء انفتح فوق المعدة أو تحتها، صرَّح به الشِّيرازي، وقيَّده ابن عقيل والمجد بما إذا انفتح أسفل المعدة.
قال ابن تميم: (وظاهر كلامهم: إجراء الخلاف مع بقاء المخرج).
فلو يبس
(3)
الخارج في
(4)
مخرجه، أو تنجَّس بغير نجاسته؛ كالحُقنة إذا خرجت، أو استجمر بنجس؛ وجب غسل المحلِّ في الأشهر.
ويغسِل الأقْلَف المفتوق نجاسةَ حشفته، ونصَّ أحمد أنَّه يسنُّ، وقيل: حكم طرف القلفة حكم رأس الذكر، وقيل: إن تعذَّر إخراجها فهو كمختون.
تنبيهان:
الأول: البكر كالرجل؛ لأنَّ عُذرتها تمنع من انتشار البول، فأمَّا الثيب: فإن خرج البول ولم ينتشر فكذلك، وإن تعدَّى إلى موضع الحيض؛ فقال
(1)
هو علي بن عبيد الله بن نصر بن السري بن الزاغوني البغدادي، أبو الحسن، أحد أعيان المذهب، تفقه على القاضي يعقوب البرزبيني، من مصنفاته: الإقناع، والواضح، والخلاف الكبير، والمفردات وغيرها، توفي سنة 527 هـ. ينظر: المنتظم لابن الجوزي 17/ 279، ذيل الطبقات 1/ 403.
(2)
ينظر: مسائل صالح 3/ 236.
(3)
في (أ) و (ب): تيسر.
(4)
في (أ): إلى.
أصحابنا: يجب غسله؛ لأنَّ مخرج الحيض غير مخرج البول.
وفي «المغني» احتمالٌ لا يجب؛ لأنَّ هذا عادة في حقِّها، فكفى فيه الاستجمار كالمعتاد.
الثَّاني: يبدأ الرَّجل والبِكر بالقُبُل، وقيل: يتخيَّر كالثَّيِّب، وذكر السَّامَرِّي أنَّها تبدأ بالدُّبر، فلا تدخل إصبعها، بل يكفي ما ظهر؛ لأنَّ المشقة تلحق به كداخل العينين، وهو في حكم الباطن، وقال أبو المعالي وابن حمدان: هو في حكم الظَّاهر، واختلف كلام القاضي، ويخرَّج على ذلك إذا خرج ما احتشته ببلل هل ينقض.
مسألة: إذا استجمر في فرج، واستنجى في آخر؛ فلا بأس، ويستحبُّ لمن استنجى نضح فرجه وسراويله بالماء؛ لدفع الوسواس، وعنه: لا لمن استجمر، ومن ظنَّ خروج شيء، فقال أحمد: لا يلتفت حتَّى يتيقَّن، ولم ير حشو الذَّكر
(1)
، فإن فعل فصلَّى، ثمَّ أخرجه فوجد بللًا؛ فلا بأس، ما لم يظهر خارجًا.
(وَيَجُوزُ الاِسْتِجْمَارُ بِكُلِّ طَاهِرٍ يُنْقِي كَالْحَجَرِ) إجماعًا، (وَالْخَشَبِ، وَالْخِرَقِ)، هذا هو الصَّحيح في المذهب؛ لما روى أحمد وأبو داود والدَّارقطني، وقال: إسناد صحيح، عن عائشة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط؛ فليستطب بثلاثة أحجار؛ فإنَّها تجزئ عنه»
(2)
.
والثَّانية، واختارها أبو بكر، وهي
(3)
قول داود: لا يجزئ
(4)
إلَّا
(1)
في (أ): حش الذكر. ينظر: مسائل عبد الله ص 23.
(2)
أخرجه أحمد (24771)، وأبو داود (40)، والدارقطني (147) وصححه. ينظر: الإرواء 1/ 84.
(3)
في (أ) و (ب): وهو.
(4)
في (أ): تجزئ.
الأحجار؛ لأنَّه نصَّ عليها، وعلَّق الإجزاء بها.
والأوَّل أولى؛ لأنَّ المراد بالأحجار كلُّ مُستحْجِر، فيدخل فيه جميع الجامدات، ولقول سلمان:«أمرنا عليه السلام إلَّا نكتفي بدون ثلاثة أحجار، ليس فيها رجيع ولا عظم»
(1)
، فلولا أنَّه يعمُّ الجميع؛ لم يكن لاستثناء الرَّجيع والعظم معنًى، وإنَّما خصَّ الحجر بالذِّكر؛ لأنَّه أعمُّ الجامدات وجودًا، وأسهلها
(2)
تناولًا.
لا يقال: المراد بالرَّجيع الحجر الذي استجمر به مرة؛ لأنَّه في اللغة اسم الرَّوث، سمِّي بذلك لأنَّ الحيوان رجعَه بعد أن أكله، يؤيِّده ما رواه أحمد من حديث رُوَيْفِع بن ثابت مرفوعًا:«من استجمر برجيع دابَّة فإنَّ محمَّدًا بريء منه»
(3)
.
(إلَّا الرَّوْثَ، وَالْعِظَامَ، وَالطَّعَامَ، وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ، وَمَا يَتَّصِلُ بِحَيَوَانٍ)؛ لما روى ابن مسعود: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تستنجوا بالرَّوث ولا بالعظام؛ فإنَّه زاد إخوانكم من الجنِّ» رواه مسلم
(4)
، وفي رواية: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يُستنجى بروث أو عظم، وقال:«إنَّهما لا يطهران» رواه الدَّارقطني، وقال:(إسناد صحيح)
(5)
، وإذا ثبت ذلك في طعام الجن، ففي طعام الآدمي أولى.
(1)
رواه مسلم (262).
(2)
في (ب) و (و): وأشملها.
(3)
أخرجه أحمد (16995)، وأبو داود (36)، والبزار (2317)، وحسن إسناده، وقال النووي:(إسناده جيد)، وصححه الألباني. ينظر: المجموع (2/ 116)، تخريج سنن أبي داود للألباني (27).
(4)
أخرجه مسلم (450) في حديث طويل بنحو لفظ المصنف، وأخرجه الترمذي (18)، والنسائي في الكبرى (39)، بلفظ المصنف.
(5)
أخرجه البخاري (155 و 3860)، من حديث أبي هريرة بلفظ: اتبعت النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج لحاجته، فكان لا يلتفت، فدنوت منه، فقال:«ابغني أحجارًا أستنفض بها - أو نحوه - ولا تأتني بعظم، ولا روث» ، وفي الموضع الثاني ذكر سبب النهي وأنها من طعام الجن، وأخرجه الدارقطني (152)، بلفظ المصنف، وصحح إسناده.
وبالجملة: فيشترط في المستجمَر به شروط:
الأول: أن يكون جامدًا؛ لأنَّ المائع إن كان ماء فهو استنجاء، وإن كان غيره امتزج بالخارج، فيزيد المحلَّ نجاسة، ويؤخذ هذا من تمثيله بالحجر والخِرَق.
الثَّاني: أن يكون طاهِرًا، لما روى ابن مسعود: أنَّه أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة، فأخذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الحجرين، وألقى الرَّوثة، وقال:«إنَّها لركس» رواه البخاري
(1)
، والركس: النَّجس.
الثالث: أن يكون مُنقِيًا، فلا يجوز بالفحم الرخو، قاله في «الشرح» وغيره، ولا بالزجاج، ولا الحجر الأملس والبِلَّور؛ إذ المقصود الإنقاء، ولم يحصل.
الرابع: ألَّا
(2)
يكون محترمًا، فلا يجوز بطعامنا، ولا طعام دوابنا، وكذا طعام الجنِّ ودوابهم، وكذلك كتب الفقه والحديث وما فيه اسم الله تعالى؛ لما فيه من هتك الشريعة، والاستخفاف بحرمتها، وإذا ثبت ذلك في
(3)
الطَّعام لحرمة الأكل؛ فههنا أولى.
وكذلك ما يتَّصل بحيوان؛ كيَده، وذنَبه، وصوفه المتَّصل به؛ لأنَّ له حرمة فهو كالطَّعام، وقد ينجس الغير.
فقوله: (وما له حرمة) يدخل فيه الطَّعام، وما يتَّصل بحيوان، فذكره كافٍ عنهما، ولهذا اقتصر في «المحرَّر» و «الوجيز» عليه
(4)
.
(1)
رواه البخاري (156).
(2)
قوله: (لا) سقط من (أ) و (ب).
(3)
في (و): من.
(4)
قوله: (عليه) هو في (ب): ولم يذكره المؤلف.
الخامس: ألَّا يكون محرَّمًا، فلا يجوز بمغصوب، ولا ذهبٍ، ولا فضَّةٍ، ذكره في «النهاية» ، وجزم به في «الوجيز» ، ولم يذكره المؤلف.
وقيل: يجوز بالمغصوب، وهو مخرج من رواية صحَّة الصَّلاة في بقعة غصب.
وردَّ: بأنَّ الاستجمار رخصة، والرُّخص لا تستباح على وجه محرَّم.
واختار الشَّيخ تقي الدِّين: الإجزاء في ذلك، وبما نُهي عنه، قال:(لأنَّه لم يُنهَ عنه لكونه لا يُنقي، بل لإفساده)
(1)
، وفي
(2)
مذهبه: أنَّ النَّجاسة تُزال بغير الماء، وهي من باب التُّروك
(3)
، بدليل أنَّه لا يشترط لزوالها قصد.
وجوابه: رواية الدَّارقطني السَّابقة.
وحيث قيل بعدم الإجزاء؛ فإنَّه يتعيَّن الماء في الشَّرط الأول، وكذا في الثَّاني على ما قطع به المجد والمؤلف في «الكافي» ، وفي «المغني» احتمال بإجزاء الحجَر، وهو وهَمٌ، وفي الثالث: يعدل إلى طاهر مُنْقٍ، وفي الرابع والخامس: هل يجزئه الحجر؛ جعلاً لوجود آلة النهي كعدمِها، أو يعدل إلى الماء لعدم فائدة الحجرِ إذن لنقاء
(4)
المحل؟ فيه وجهان.
(وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ) مُنْقِية؛ (إِمَّا بِحَجَرٍ) كبير (ذِي شُعَبٍ، أَوْ بِثَلَاثَةٍ)، إذا حصل الإنقاء بثلاثة أحجار فهي مجزئة بغير خلاف.
وأمَّا الحجر الكبير الذي له شعب؛ فيجوز
(5)
الاقتصار عليه في ظاهر المذهب، اختاره الخِرَقِي وجلُّ المشايخ.
(1)
الذي في الفروع 1/ 141: (وانفرد شيخنا بإجزائه بروث وعظم، وظاهر كلامه: وبما نهى عنه، قال: لأنه لم ينه عنه، لأنه لا ينقي، بل لإفساده).
(2)
في (ب) و (و): ومن.
(3)
كذا في (ب) و (و)، وفي (أ) بياض.
(4)
في (ب) و (و): لبقاء.
(5)
في (أ) و (ب): فيجزئ.
وعنه: لا بدَّ من ثلاثة أحجار، اختارها أبو بكر والشِّيرازي؛ لأنَّه عليه السلام نصَّ عليها، وعلَّق الإجزاء بها، ولأنَّه إذا استجمر به تنجَّس؛ فلم يَجُز كالصَّغير.
والأوَّل أصحُّ؛ لما روى جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تغوَّط أحدكم فليتمسَّح ثلاث مرَّات» رواه أحمد
(1)
، وهذا يبيِّن أنَّ المقصود تكرار التَّمسُّح، لا تكرار الممسوح به، ولأنَّه يحصل بالشُّعب الثَّلاثة ما يحصل بالأحجار الثَّلاثة من كلِّ وجه
(2)
، فلا معنى للفرق.
فعلى هذا: إن كسر ما تنجَّس، أو غسله، أو استجمر ثلاثةٌ بثلاثة أحجار لكلٍّ منها ثلاث شعب؛ أجزأه
(3)
؛ لحصول المعنى والإنقاء.
وعلى قول أبي بكر: لا يجزئه؛ جمودًا على اللفظ. قال في «الشرح» : وهو بعيد.
قال ابن عقيل: ولو مسح بالأرض أو بالحائط في ثلاث مواضع، فهو كالحجر الكبير.
تذنيب: الإنقاءُ بالحجر بقاءُ أثر لا يزيله إلا
(4)
الماء، وقال المؤلف: خروج الحجر؛ أي: الأخير لا أثر به
(5)
إلَّا يسيرًا، فلو بقي ما يزول بالخرق لا بالحجر؛ أزيل على ظاهر الأوَّل لا الثَّاني
(6)
.
(1)
أخرجه أحمد (14608)، وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، وورد من حديث جابر رضي الله عنه ذكر الإيتار بغير لفظ المسح كما عند مسلم (1300) بلفظ:«وإذا استجمر أحدكم، فليستجمر بتوٍّ» أي: بوترٍ، وأحمد (14128) بلفظ:«إذا استجمر أحدكم، فليوتر» .
(2)
قوله: (من كلِّ وجه) سقطت من (و).
(3)
يوضحه ما قال في المغني 1/ 117: (ولو استجمر ثلاثة بثلاثة أحجار لكل حجر منها ثلاث شعب، فاستجمر كل واحد منهم من كل حجر بشعبة، أجزأهم).
(4)
قوله: (إلا) سقطت من (أ).
(5)
في (و): له.
(6)
قوله: (لا الثَّاني) هو في (ب): والثَّاني.
ويندب نظره إلى الحجر قبل رميه؛ ليعلم هل قلع
(1)
أم لا.
والإنقاء بالماء: خشونة المحلِّ كما كان، والأَولى أن يقال: أن يعود المحلُّ إلى ما كان عليه؛ لئلَّا ينتقض بالأمرد ونحوه.
ويكفي الظن، جزم به جماعة، وفي «النهاية»: بالعلم
(2)
، ومثله طهارة الحدث.
مسألة: ينبغي أن يعمَّ بكل مسحة المحلَّ، ذكره الشريف وابن عقيل.
وذكر القاضي: أنَّ المستحبَّ أن يُمرَّ الحجر الأوَّل من
(3)
مقدَّم صفحته اليمنى إلى مؤخرها، ثم يديره على اليسرى حتَّى يصل به إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يمر الثَّاني من صفحة
(4)
اليسرى كذلك، ثم يُمرُّ الثَّالث على المَسْرُبة والصفحتين.
وقال ابن تميم: إن أفرد كلَّ جهة بحجر فهل يجزئ؟ على وجهين، وذكره ابن الزاغوني رواية.
(فَإِنْ لَمْ يُنْقِ بِهَا)؛ أي: بالمسحات الثَّلاث؛ (زَادَ حَتَّى يَنْقَى)؛ لأنَّ المقصود إزالة أثر النَّجاسة
(5)
، (وَيَقْطَعُ) في الزِّيادة (عَلَى وَتْرٍ) استحبابًا؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من استجمر فليوتر» رواه الشَّيخان
(6)
.
فإن قطع على شفع جاز؛ لأنَّ في رواية
(7)
أبي داود وابن ماجه: «من فعل
(1)
في (ب) و (ز): قطع.
(2)
قوله: (بالعلم) هو في (أ): بما يعلم.
(3)
في (أ): في.
(4)
في (و) و (ز): صفحته.
(5)
في (و) زيادة: وأثرها.
(6)
أخرجه البخاري (161)، ومسلم (237).
(7)
قوله: (في رواية) هو في (أ) و (ز): رواية.
فقد أحسن، ومن لا فلا حرج»
(1)
.
(وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) أو الاستجمار (مِنْ كُلِّ خَارِجٍ)؛ لخبر عائشة وغيره؛ إذ الأمر يقتضي الوجوب، وأكد
(2)
ذلك بلفظ الإجزاء؛ فإنَّه غالبًا يستعمل فيه.
وكلامه شامل للمعتاد؛ كالغائط والبول، والنَّادِر؛ كالدُّود والحصى، والطَّاهرِ والنَّجس، وهو ظاهر كلام الأصحاب.
وظاهر «المحرر» : أنَّه لا يجب من
(3)
طاهر؛ كمَنِيٍّ، ودواءٍ تحمَّلت به إن قيل بطهارة فرجها، والمَذْي على رواية.
وللرَّطب واليابس، حتَّى لو أدخل ميلاً في ذكره، ثمَّ أخرجه؛ لزمه الاستنجاء، وهو المشهور؛ ربطًا للحكم بالمظنَّة، وهي استصحاب الرُّطوبة.
وقال في «المغني» و «الشرح» : القياس أنَّه لا يجب من يابس لا ينجس المحلَّ، وذكر ابن تميم ذلك وجهًا.
(إِلَّا الرِّيحَ)؛ فإنَّه لا يجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من استنجى من ريح فليس منَّا» رواه الطَّبراني في «معجمه الصَّغير»
(4)
، قال أحمد: (ليس فيها استنجاء في
(1)
أخرجه أحمد (8838)، وأبو داود (35)، وابن ماجه (337)، وابن حبان (1410) وفي سنده الحصين الحميري الحبراني، اختلف في حاله، حكم عليه بالجهالة بعض الأئمة وبعضهم نفى عنه الجهالة، وشيخه أبو سعد الخير أو أبو سعيد اختلف فيه، هل هو صحابي أو تابعي مجهول، وضعف الحديث ابن عبد البر، وصححه وابن حبان، والنووي، وابن الملقن. ينظر: التمهيد 11/ 21، البدر المنير 2/ 299، التلخيص الحبير 1/ 301، الضعيفة للألباني (1028).
(2)
في (أ): وأكبر.
(3)
في (ب) و (و): في.
(4)
لم نقف عليه في شيء من كتب الطبراني الموجودة، وأشار الألباني إلى أن نسبته إلى الطبراني وهم. ينظر: الإرواء 1/ 86.
وأخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 55)، والجرجاني في تاريخه في ترجمة رقم (547)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1882)، من حديث جابر رضي الله عنه. وهو حديث ضعيف جدًّا، فيه: شرقي بن قطامي، يروي المناكير. ينظر: ترجمته في الكامل لابن عدي، وميزان الاعتدال للذهبي 2/ 268.
كتاب الله تعالى، ولا سنَّة رسوله عليه السلام
(1)
، ولأنَّ الغسل إنَّما يجب لإزالة النَّجاسة، ولا نجاسة فيها.
قال في «المُبهِج» : (لأنَّها عرَضٌ باتِّفاق الأصوليِّين)، وفيه نظر؛ لأنَّ من المعلوم أنَّ للريح الخارجة من الدُّبر رائحة منتنة قائمة بها، ولا شكَّ في كون الرَّائحة عرَضًا، فلو كانت الرِّيح أيضًا عرضًا لزم قيام العرض بالعرض، وهو غير جائز عند المتكلِّمين.
وهي طاهرة
(2)
، وفي «النهاية»:(نجِسة؛ فتُنجِّس ماء يسيرًا)، وفيه بُعد.
وذكر أبو الخطاب: أنَّها غير ناقضة بنفسها، بل بما يتبعها من النَّجاسة، ويعفى عن خلع السَّراويل للمشقَّة.
وقيل: لا استنجاء من نوم وريح، وإنَّ أصحابنا بالشَّام قالت: الفرج يَرْمَص كما ترمَص
(3)
العين، وأوجبَتْ غسله، ذكره أبو الوقت الدينوري.
(فَإِنْ تَوَضَّأَ قَبْلَهُ)؛ أي: قبل الاستنجاء إذا كانت النَّجاسة عليه؛ (فَهَلْ يَصِحُّ وُضُوءُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يصحُّ، قدَّمه في «المحرر» ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحها القاضي، وفي «الشرح»: لأنَّها إزالة نجاسة، فلم تشترط
(4)
لصحَّة الطَّهارة كالتي على غير الفرج.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 10، مسائل عبد الله ص 31.
(2)
في (أ): ظاهرة.
(3)
قوله: (يرمص كما ترمص) هو في (أ) و (و) و (ز): يرمض كما ترمض.
قال في الصحاح 3/ 1042: (الرَّمَص بالتحريك: وسخ يجتمع في الموق، فإن سال فهو غَمَص، وإن جَمَد فهو رَمَص).
(4)
في (و): يشترط.
فعليها: يباح له به مسُّ المصحف، ولبس الخف، والصَّلاة عند عجزه عمَّا يستنجى به، ويستمرُّ وضوءه ما لم يحدث، ثم يزيلها بخرقة أو غيرها.
والأخرى: لا يصحُّ، وهي ظاهر الخِرَقِي، وقدَّمها في «الرعاية» و «الفروع» ، وذكر أنَّها اختيار الأكثر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المقداد:«يغسِل ذكره، ثم يتوضَّأ»
(1)
، فرتَّب الوضوء بعد الغسل، ولأنَّها طهارة يبطلها الحدث
(2)
، فاشترط تقديم الاستنجاء عليها؛ كالتَّيمُّم، فعلى هذه لا يستبيح شيئًا ممَّا ذكرنا.
(وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَهُ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) السَّابقتين؛ فيصحُّ عند ابن حامد، واختار القاضي وابن حمدان البطلان، وبناه في «المغني» و «الشرح» على رواية صحَّة الوضوء فقط.
(وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا)، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه لا يرفع الحدث، وإنَّما تستباح به
(3)
، ولا تباح
(4)
مع قيام المانع؛ كالتَّيمُّم
(5)
، فعلى هذا إذا كانت على غير الفرج فهو كما لو كانت عليه، ذكره القاضي وابن عقيل.
وفي وجه: يجزئ؛ لأنَّه استباح الصَّلاة بغيرها، أشبه ما لو كانت على الثَّوب، قال في «المغني»: (وهو الأشبه؛ لأنَّ نجاسة الفرج سبب وجوب
(1)
أخرجه النسائي باللفظ المذكور (439) مرسلًا، عن سليمان بن يسار قال: أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله، وذكره.
وأصل الحديث عن علي رضي الله عنه: أخرجه البخاري (269) بلفظ: «توضأ واغسل ذكرك» ، ومسلم (303) بلفظ:«يغسل ذكره ويتوضأ» .
(2)
في (و): الحديث.
(3)
زاد في (و): الصلاة.
(4)
في (أ): تستباح.
(5)
زاد في (و): قبل الوقت.
التَّيمُّم، فجاز أن يكون بقاؤها مانعًا، بخلاف سائر النَّجاسات).
مسألة: يحرم منع المحتاج إلى الطَّهارة، ولو وُقفت على طائفة معينة، ولو
(1)
في ملكه، لبذلها للمحتاج شرعًا وعُرْفًا، ولو صرَّح الواقف بالمنع، قال الشَّيخ تقي الدِّين: (يمنع أهل الذِّمَّة من دخول طهارة
(2)
إن حصل بهم ضرر، ومع عدمه لا مزاحمة لهم)
(3)
.
(1)
في (أ): وكذا.
(2)
أي: مطهرة المسلمين. ينظر: الفروع 1/ 144.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 144، الاختيارات للبعلي ص 18.
(بَابُ السِّوَاكِ)
السِّواك والمِسْواكُ: اسمٌ للعُودِ الذي يُتسوَّك به، وهو مشتقٌّ من التَّساوك، وهو التَّمايل والتَّردُّد؛ لأنَّ المتسوِّك يردِّده في فِيه ويحرِّكه، يقال: جاءت الإبل تَساوَكُ، إذا كانت أعناقها تضطرب من الهزال
(1)
.
وقيل هو
(2)
: مُشتَقٌّ من ساك إذا دَلَكَ.
وهو يُذكَّر ويُؤنَّث، وقيل: يذكَّر فقط، وجمعه سُوُك ككُتُب، ويقال: سُؤُك بواو مهموزة.
وفي الشرع: استعمال عود أو نحوه في الأسنان؛ لإذهاب التَّغير ونحوه.
(وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ)، السُّنَّة لغة: الطَّريقة
(3)
، واصطلاحًا: عبارة عن قولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وفعلِه وتقريرِه.
وإذا أطلقتْ في مُقابلةِ الواجبِ؛ فالمرادُ بها المستحبُّ، ومنهُ قولُه عليه السلام: «إنَّ اللهَ فَرَض صيامَ
(4)
رمَضانَ، وسنَنْتُ قِيَامهُ»
(5)
.
والوَضوءُ بالفتْح: اسمٌ للماء الذي يُتَوضَّأ به. وقيل: بالفتْح فِيهما. وقيل: بالضَّم فيهما، وهُو أضْعفُها، وأَصْلُه: من الوَضاءةِ، وهِي النَّظافةُ.
(1)
في (أ) و (ز): النزول. وفي (ب): الهزل. والصواب المثبت، قال في الصحاح 4/ 1593:(يقال: جاءت الإبل تساوك، أي تتمايل من الضعف في مشيها).
(2)
في (أ): قيل هو. وفي (ب): وقيل.
(3)
في (و): الطريق.
(4)
سقط قوله: (صيام) من (أ) و (ب).
(5)
أخرجه أحمد (1660)، والنسائي (2208، 2210)، والبزار (1048)، وفي سنده النضر بن شيبان وهو لين الحديث، وتفرد بهذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن فأخطأ في إسناده ومتنه، وضعَّفَ حديثه ابن معين، والبخاري، والنسائي، والدارقطني. ينظر: علل الدارقطني 4/ 283، تهذيب التهذيب 10/ 438.
وفي الشَّرْع: أفْعالٌ مخْصوصةٌ مُفْتَتَحةٌ بالنِّيَّةِ.
(السِّوَاكُ مَسْنُونٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ)، اتَّفقَ العلماءُ على أنَّهُ سنَّةٌ مُؤَكَّدةٌ؛ لحثِّ الشَّارعِ، ومُوَاظبتِه عليه، وترغيبِه فيه، وندبه إليه، يُوضِّحه ما روت عائشةُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «السِّواكُ مَطْهرةٌ للفم، مَرْضاةٌ للرَّبِّ» رواهُ الشَّافعيُّ وأحمدُ وابنُ خُزيْمةَ، والبخاريُّ تعْليقًا، ورواهُ أحمدُ أيضًا عن أبي بكرٍ وابنِ عُمَرَ
(1)
.
وهذا شاملٌ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، واختاره ابنُ حامِدٍ، وقيل: كان واجبًا عليه، اختاره القاضِي وابنُ عقيلٍ، وليس بواجبٍ على الأمَّةِ إجْماعًا
(2)
؛ لما رَوى أبو هُريرةَ مرْفوعًا قال: «لوْلا أنْ أشُقَّ على أُمَّتي لأمرْتهم بالسِّواكِ عندَ كلِّ صلاةٍ» متَّفقٌ عليْهِ
(3)
، قال الشَّافعيُّ:(لوْ كان واجبًا لأمرهمْ به، شَقَّ أوْ لمْ يَشُقَّ)
(4)
.
ويعضُده ما روتْ عائشةُ مَرْفوعًا قال: «فضل الصَّلاة بسواكٍ على الصَّلاةِ بِغيرِ سواكٍ سبعين ضِعْفًا» رواه الحاكم وصحَّحه، وقال:(على شرط مسلم)، وهذا ممَّا أُنكر عليه، وضعَّفه البيهقي بسبب أنَّ ابن إسحاق مدلِّس، ولم
(1)
أخرجه الشافعي كما في المسند (71)، وأحمد (24203)، والبخاري تعليقًا بصيغة الجزم في كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم، والنسائي (5)، وابن خزيمة (135)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والنووي والألباني. ينظر: المجموع 1/ 267، الإرواء 1/ 105.
وحديث أبي بكر أخرجه أحمد (7) وهو خطأ، والصواب فيه عن عائشة. ينظر: علل ابن أبي حاتم (6)، وعلل الدارقطني 1/ 277.
وحديث ابن عمر أخرجه أحمد (5865)، وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف.
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 266، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 161.
(3)
أخرجه البخاري (887)، ومسلم (252) واللفظ له، وعند البخاري:«مع كل صلاة» .
(4)
ينظر: مختصر المزني الملحق بالأم 8/ 94.
يسمعه من الزُّهري
(1)
.
(إِلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ فَلَا يُسْتَحَبُّ) في المشهورِ، حتَّى ذكرَ ابنُ عَقِيل: أنَّ المذْهبَ لا يَخْتَلِف فيهِ؛ لما رَوى أبو هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَخُلوفُ فمِ الصَّائمِ أطْيبُ عند الله من ريحِ المِسكِ» متَّفق عليه
(2)
، وهُو إنَّما يظهَر غالبًا بعْد الزَّوالِ، فوجب اختِصاصُ الحُكمِ به، ولأنَّه أثَر عِبادةٍ مُسْتَطَابٌ شَرعًا، فتستحب إدامته
(3)
؛ كَدَمِ الشَّهِيدِ.
فإن قلتَ: لِمَ وُصف دمُ الشَّهيدِ بريح المسكِ من غير زيادةٍ، وخُلوف فم الصَّائم: بأنَّه أطيب منه، ولا شكَّ أنَّ الجهاد أفضل من الصوم؟
قلتُ: الدَّمُ نجِسٌ، وغايتُه أن يُرفَعَ إلى أن يصيرَ طاهرًا؛ بخلاف الخُلوف.
ولا فرق فيه بين المُواصِل وغيره.
وظاهره: لا فرق فيه بين العود الرَّطب وغيره، فلو خالف؛ كُره في رواية صحَّحها في «التلخيص» ، وقدَّمها في «الرعاية» و «الفروع» ، وهي المذهب لما تقدَّم.
وعنه: يباح؛ لما روى عامر بن ربيعة قال: «رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوَّك وهو صائم» رواه أحمد وأبو داود، والبخاري تعليقًا
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (26340)، والبزار (108)، والحاكم (515)، من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قال ابن معين:(باطل)، وهو مما دلسه ابن إسحاق، قاله أحمد، وابن خزيمة. ينظر: التمهيد لابن عبد البر 7/ 200، البدر المنير 2/ 12، الضعيفة للألباني (1503).
(2)
أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151).
(3)
قوله: (فتستحب إدامته) سقط من (أ).
(4)
أخرجه أحمد (15678)، وأبو داود (2364)، والترمذي (725)، وحسنه، وذكره البخاري تعليقًا بصيغة التمريض، باب سواك الرطب واليابس للصائم (3/ 31)، وفي سنده عاصم بن عبيد الله المدني، وهو شديد الضعف، قال عنه البخاري وجماعة:(منكر الحديث). ينظر: تهذيب الكمال 13/ 500.
وعنه: يستحبُّ مطلقًا، اختارها الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ
(1)
، قال في «الفروع»:(وهي أظهَرُ)؛ لقوله عليه السلام: «مِنْ خيرِ خِصال الصَّائِمِ السِّواكُ» رواه ابن ماجه
(2)
.
وعنه: يُكره قَبْله بعود رطب، اختارها القاضِي، وجزَم به الحُلْوانيُّ وغيره.
وعنه: فيه لا
(3)
، اختاره المجد وغيره، وهو قولُ عمرَ
(4)
، وابنِه
(5)
،
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 266.
(2)
أخرجه ابن ماجه (1677)، والطبراني في الأوسط (8420)، والدارقطني (2371)، وفي سنده مجالد بن سعيد وهو ضعيف.
(3)
أي: لا يكره أن يستاك بعود رطب قبل الزوال. ينظر: الإنصاف 1/ 240.
وقوله: (وعنه: يكره قبله بعود رطب اختارها القاضِي، وجزَم به الحُلْوانيُّ وغيره. وعنه: فيه لا، اختاره المجد وغيره)، أخذه من صاحب الفروع 1/ 145، قال المرداوي في تصحيحه:(في هذه العبارة نوع خفاء؛ لأنها لم يفهم منها إطلاق الخلاف، ولا تقدُّم إحدى الروايتين على الأخرى، ووجد في بعض النسخ: «وعنه يكره قبله وبعود» بزيادة واو أولاً، وليس فيه ما يزيل الإشكال، بل يبقى ظاهر العبارة أن لنا رواية بكراهة السواك قبل الزوال مطلقًا للصائم، ولم نطلع عليها في كتب الأصحاب، وإن جعلنا الباء متعلقة ب يستحب: أول الباب؛ فلم نعلم به قائلاً. قال شيخنا في حواشيه: (والذي يظهر أن لفظة (عنه) الأولى زائدة)، فعلى قوله يكون قد قدم الكراهة، وعلى كل تقدير في كراهة السواك بعود رطب قبل الزوال للصائم روايتان، أو ثلاث).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (9150، 9151)، وعبد الرزاق (7485)، وأبو عبيد في الغريب (3/ 365)، والدولابي في الكنى (1935)، والبيهقي في الكبرى (8329)، عن زياد بن حدير قال:«ما رأيت أحدًا أدوم سواكًا وهو صائم من عمر بن الخطاب» ، وإسناده صحيح، وفي رواية عبد الرزاق والبيهقي في آخره:«ولكن بعود قد ذوي» ، قال أبو عبيد: يعني يبس.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (9149)، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه لم يكن يرى بأسًا بالسواك للصائم» ، وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة (9173)، من طريق آخر عن ابن عمر، قال:«لا بأس أن يستاك الصائم بالسواك الرطب واليابس» ، ولا بأس بإسناده.
وابنِ عَبَّاسٍ
(1)
، وكالمضمضةِ المسنونةِ، ونقل حنْبلٌ:(لا ينْبغِي أن يَستاكَ بالعشي)
(2)
.
وقال التِّرمذيُّ: (لم يرَ الشَّافِعِيُّ بأسًا بالسِّواك للصَّائم أوَّلَ النَّهارِ وآخرَه)
(3)
، كما حكاه البخاريُّ عن ابنِ عمرَ
(4)
.
وظاهِر كلامه: أنَّه لا يكره قبل الزَّوال، وهو كذلك، ويؤخذ منه: أنَّ الكراهة تزول بغروب الشَّمس.
(وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ
(5)
فِي ثَلَاثِ
(6)
مَوَاضِعَ):
(عِنْدَ الصَّلَاةِ)؛ لِما تقدَّمَ، وهُو عامٌّ فِي الفرضِ والنَّفلِ حتَّى صلاةِ المتيَمِّم، وفاقِدِ الطَّهوريْنِ، وصلاةِ الجنازة، والظَّاهِرُ: أنَّه لا يَدخُل فيه الطَّواف
(7)
وسجدةُ الشُّكر، والتلاوةِ
(8)
.
(وَالاِنْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ)؛ لما رَوى حُذيْفةُ قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قام من اللَّيل يَشُوص فاهُ بالسِّواك» متَّفق عليه
(9)
، يقال: شاصَهُ، وماصه: إذا غَسَلهُ،
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (9153)، عن شهر بن حوشب قال: سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن السواك للصائم؟ فقال: «نِعم الطهور، استك على كل حال» ، ولا بأس بإسناده، وشهر بن حوشب وثقَّه ابن معين وأحمد، وتكلم فيه آخرون.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 145.
(3)
ينظر: سنن الترمذي 2/ 96.
(4)
علقه البخاري بصيغة الجزم في باب اغتسال الصائم (3/ 30)، قال: وقال ابن عمر: «يستاك أول النهار، وآخره» .
(5)
قوله: (استحبابه) سقطت من (أ).
(6)
في (ب) و (و): ثلاثة.
(7)
قوله: (لا يدخل فيه الطواف) هو في (و): لا مدخل فيه للطواف.
(8)
في (و): التلاوة والشكر.
(9)
أخرجه البخاري (245)، ومسلم (255).
وقِيل: هُو الدَّلْك والحَكُّ، ولأنَّ النَّائمَ يتغيَّرُ فاهُ؛ لِانطِباقِه.
(وَتَغيُّرِ رَائِحَةِ الْفَمِ) بكلامٍ، أو سكوتٍ، أو أكْلٍ، أو جُوعٍ، أو عطَشٍ؛ لحديث عائشةَ، ولأنَّه شُرِع في الأصل لتَنْظيف الفمِ.
ويتَأَكَّدُ أيضًا في مواضع:
منها: عند الوضوءِ في المضْمضةِ، قاله في «المحرر» وغيره؛ لقوله عليه السلام:«لأَمرتهم بالسِّواك مع كلِّ وضوءٍ» رواه أحمدُ
(1)
، ولأنَّه أبلغُ في التَّنظيفِ، زاد في «الرِّعاية»: والغُسل.
ومِنها: قراءةُ القرآن، ذكرهُ في «الفروع» ، وسبقه إليه أبو الفرَج.
ومِنها: دخولُ المنزل؛ لما رَوى المِقدادُ بن شُرَيح عن أبيه
(2)
قال: «قلت لعائشةَ: بأيِّ شيء كان يبدأ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسِّواك» رواه مسلم
(3)
، فدخول المسجد أولى
(4)
.
ومِنها: اصفِرارُ الأسنانِ، وصرَّح به بعضُهم.
(وَيَسْتَاكُ بِعُودٍ لَيِّنٍ يُنْقِي الْفَمَ)؛ كالأَراكِ ونحوِه؛ لِمَا رَوى ابنُ مسعودٍ قال: «كنتُ أجْنِي
(5)
لرسول الله صلى الله عليه وسلم سِواكًا مِنْ أَراك» رواه أبو يعلى
(1)
أخرجه أحمد (7513)، وأخرجه مالك (2/ 89)، والنسائي في الكبرى (3031)، وابن خزيمة (140)، وابن الجارود (63)، وذكره البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، باب سواك الرطب واليابس للصائم (3/ 31)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وغيرهما.
(2)
في (أ): عنه.
(3)
أخرجه مسلم (253)، وأبو داود (51).
(4)
كتب على هامش الأصل: (ذكر صاحب المفهم في شرح مسلم: فيجزم أن السواك لا يشرع في المساجد لأنه إزالة القاذورات وهي منزهة عن ذلك، ولم يروَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استاك في مسجد قط ولا في جماعة؛ لأن أرباب الهيئات يمنعون منه في الجماعات، فمعنى (كل صلاة) أنهم يستاكون عند الوضوء)، ذكره ابن مفلح في حاشيته على المقنع. انتهى.
(5)
في (ب) أجتني.
المَوصِلِيُّ
(1)
، وما في
(2)
معناه العُرجون
(3)
كالأراك، لكن قال في «الفروع»: ويتوجَّه احتمال أنَّ الأراك أولى؛ لفعله عليه السلام.
وذكر الأَزَجِيُّ: أنَّه لا يُعدَلُ عنه، وعن الزَّيتونِ والعُرجونِ - وهو ساعِدُ النَّخل الذي تكون فيه الثمرة - إلَّا لتعذُّره.
قال صاحِب «التَّيسير» من الأطبَّاء
(4)
: (زَعمُوا أنَّ التَّسوُّك من أصول الجَوْزِ في كلِّ خامس
(5)
من الأيَّام يُنَقِّي الرَّأسَ، ويُصَفِّي الحَواسَّ، ويُحِدُّ الذِّهنَ، والسِّواكُ باعتدال يُطيِّب الفَم والنَّكْهةَ، ويَجْلُو الأسنانَ ويقوِّيها، ويَشُدُّ اللِّثة)
(6)
.
بحيث
(7)
(لَا
(8)
يَجْرَحُهُ، وَلَا يَضُرُّهُ، وَلَا يَتَفَتَّتُ فِيهِ)، يحترز بذلك عن الرَّيحان والرُّمَّان؛ فإنَّه
(9)
روى قبيصة بن ذؤيب مرفوعًا: «لا تَخَلَّلوا بعُود
(1)
أخرجه مرفوعًا البزار (1827)، وأبو يعلى (5310)، والطبراني في الكبير (8452)، وأخرجه أحمد موقوفًا (3991)، قال الضياء المقدسي:(رجاله على شرط الصحيح). ينظر: البدر المنير 2/ 62.
(2)
قوله: (وما في) هو في (و): وفي.
(3)
في (و): والعرجون.
(4)
لعله: أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زهر الإيادي، الإشبيلي، من نوابغ الطب والأدب في الأندلس، من مصنفاته: التيسير في المداواة والتدبير، طب العيون، توفي سنة 595 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 21/ 325، الأعلام 6/ 250، هدية العارفين 1/ 627.
(5)
في (و): خامسة.
(6)
كتب على هامش الأصل: (وقال بعضهم: السواك يقطع البلغم، ويجلو البصر، ويمنع الحفر ويذهب به، ويصحح المعدة، ويعين على الهضم، ويشهي الطعام، ويصفي الصوت، ويسهل مجاري الكلام، ويطرد النوم، ويخفف عن الرأس وفم المعدة، إلى غير ذلك من الأشياء الجيدة).
(7)
قوله: (بحيث) سقط من (أ).
(8)
في (و): ولا.
(9)
في (و): لأنه.
الرَّيحانِ ولا الرُّمَّان؛ فإنَّهما يحرِّكان
(1)
عِرْقَ الجُذامَ»، رواه محمَّد بن الحسين الأزدي
(2)
.
وقيل: السِّواك بالرَّيحان يَضرُّ بِلَحمِ الفم، وكذا الطَّرفاء
(3)
والآس
(4)
والأعواد الذَّكيَّة، التَّخللُ
(5)
بذلك كلِّه مكروهٌ كالسِّواك.
(فَإِنِ اسْتَاكَ بِإِصْبَعِهِ أِوْ خِرْقَةٍ
(6)
، فَهَلْ يُصِيبُ السُّنَّةَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) كذا في «المحرر» .
أحدهما: لا يصيبُ، قَدَّمَهُ في «الكافي» و «الرِّعاية» وابن تميم، وهو المذهب؛ لأنَّه لا يَحصلُ الإنقاءُ به حصولَه بالعُود.
والثَّاني: بلى، وه
(7)
، وقاله في «الوجيز» في الإصبع؛ لما روى أنس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يُجزِئُ في السِّواك الأَصابِعُ» رواه البيهقي، والحافظ الضِّيَاءُ
(8)
في «المُخْتارة» ، وقال:(لا أرى بإسنادِ هذا الحديثِ بأْسًا)
(9)
.
(1)
في (أ): يحردان.
(2)
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 91)، من حديث قبيصة بن ذؤيب، وحديثه مرسل، وأخرجه ابن أبي شيبة (26548)، والحارث بن أبي أسامة في مسنده كما في إتحاف الخيرة للبوصيري (1230)، من حديث ضمرة بن حبيب، وضعفه البوصيري، وابن حجر. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 250.
(3)
الطرفاء: شجر، وهي أربعة أصناف، منها: الأثل. ينظر تاج العروس 24/ 72.
(4)
الآس: شجرة ورقها عطري. ينظر: تهذيب اللغة 13/ 94.
(5)
في (أ): التخليل.
(6)
في (و): بخرقة.
(7)
ينظر: تبيين الحقائق 1/ 4، ومجمع الأنهر 1/ 13.
(8)
في (و): أيضًا.
(9)
أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 29)، البيهقي في الكبرى (176)، والضياء في المختارة (2699)، وحسن إسناده، لكن في سنده عبد الحكم القسملي، قال عنه البخاري:(منكر الحديث)، وذكر ابن عدي هذا الحديث من مناكيره، وله شواهد لا تخلو من مقال. ينظر: البدر المنير 2/ 56 - 60.
وفي «المغني» و «الشرح» : أنَّه يُصِيب من السُّنَّة بقدْرِ
(1)
ما يَحصلُ مِنْ الإنْقاءِ، وذكرا أنَّه الصَّحيحُ.
ولم يتعرَّضِ الأصحابُ لإصبعِ غيرِه، ولا إليها إذا كانت منفصلة، وظاهره: الإجزاء إذا قلنا بطهارتها، وإن كان دفنها على الفور واجبًا
(2)
.
وقيَّدَ في «الرعاية» الخِرْقةَ: بكونها خشِنةً وش
(3)
.
وفيه وجْهٌ: يصيب إن لم يجد عُودًا.
وفيه وجهٌ: لا يصيب بإصبع مع وجود خِرقةٍ.
وفيه وجهٌ: العُودُ والخِرقةُ سواءٌ، ثمَّ الإصبعُ.
وفيه وجهٌ: يصيب بالإصبع عند الوضوء خاصَّةً.
(وَيَسْتَاكُ عَرْضًا عَلَى لِسَانِهِ وَأَسْنَانِهِ)، زاد في «الرعاية»: ولِثَتِه؛ «لأنَّه عليه السلام كان يستاك عرضًا» رواه الطَّبراني والحافظ الضِّياء، وضعَّفه
(4)
، ولأنَّ التَّسوُّك
(5)
طولًا ربَّما أدمى اللِّثَة وأفسد الأسنان، وقيل: الشَّيطان يستاك طولًا.
وقال في «المبهج»
(6)
و «الإيضاح» : طولًا.
وفي «الشرح» : إن اسْتاك على لسانه أو حلْقه؛ فلا بأس أن يستاك طولًا؛
(1)
في (و): مقدار.
(2)
قوله: (وظاهره: الإجزاء إذا قلنا بطهارتها
…
) إلى هنا سقط من (أ) و (ب).
(3)
ينظر: الحاوي الكبير 1/ 86، نهاية المحتاج 1/ 180.
(4)
أخرجه العقيلي في الضعفاء 3/ 957، والطبراني في المعجم الكبير (1424)، والبيهقي في الكبرى (173174)، وفي سنده علي بن ربيعة القرشي قال عنه العقيلي: (مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ
…
ولا يصح)، وضعفه ابن عبد البر، وابن حجر. ينظر: التمهيد 1/ 395، التلخيص 1/ 237.
(5)
في (و): السواك.
(6)
في (و): المنهج.
لخبر أبي موسى، رواه أحمد
(1)
.
فائدةٌ: ذكر ابنُ تَميم وغيرُه أنَّه يغسل السِّواك، وأنَّه لا بأس أن يستاك بالواحد اثنان أو أكثر، قال في «الرعاية»: ويقول إذا استاك: «اللهمَّ طهِّر قلبِي، ومحِّصْ ذُنوبي» ، قال بعض الشَّافعيَّة
(2)
: وينوي به الإتيان بالسُّنَّة.
(وَيَدَّهِنُ غِبًّا)؛ لأنَّه عليه السلام «نهى عن التَّرَجُّل إلَّا غِبًّا» رواه النَّسائيُّ والتِّرمذيُّ، وصحَّحه
(3)
، والتَّرجُّلُ
(4)
: تسْريحُ الشَّعر ودهنُه. والغبُّ: يومًا ويومًا، نقله يعقوب
(5)
عن أحمد
(6)
.
وفي «الرعاية» : ما لم يَجِفَّ
(7)
الأوَّل.
لا مطلقًا للنِّساءِ
(8)
.
واللِّحيةُ كالرَّأس في ظاهر كلامهم.
ويفعله كلَّ يوم لحاجة؛ لخبر أبي قتادة، رواه النَّسائي
(9)
، وقال الشَّيخ
(1)
أخرجه أحمد (19737)، وأخرجه البخاري (244)، ومسلم (254) بنحوه.
(2)
عزاه النووي في المجموع (1/ 283) للقاضي حسين.
(3)
أخرجه أحمد (16793)، والترمذي (1756)، والنسائي (5055)، قال الترمذي:(حسن صحيح).
(4)
في (و): وللرجل.
(5)
هو يعقوب بن إسحاق بن بختان، أبو يوسف، سمع من الإمام أحمد وكان جاره وصديقه، وروى عنه مسائل صالحة كبيرة لم يروها غيره في الورع، ومسائل صالحة في السلطان، وكان أحد الصالحين الثقات. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 415.
(6)
ينظر: الوقوف والترجل 1/ 116.
(7)
في (و): يخف.
(8)
والمراد والله أعلم: لا يكره فعله للنساء دائمًا.
(9)
أخرجه النسائي (5237)، ولفظه: عن أبي قتادة قال: كانت له جمة ضخمة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم:«فأمره أن يحسن إليها، وأن يترجل كل يوم» ، وهو منقطع كما رجحه الدارقطني، وابن المنكدر لم يسمع من أبي قتادة. ينظر: علل الدارقطني 6/ 148، تهذيب التهذيب 9/ 474.
تقي الدِّين: (يفعل ما هو الأصلح بالبلد؛ كالغسل بماء حارٍّ ببلد رطب؛ لأنَّ المقصود ترجيل الشَّعر، وهو فعل الصَّحابة
(1)
، وأنَّ مثله نوع اللبس والمأكل)
(2)
.
غريبة: قال الشَّافعي: (ما رأيت شيئًا أنفع للوباء من البنفسج، يُدَّهَنُ به ويُشرب)
(3)
.
(وَيَكْتَحِلُ) في كلِّ عين (وِتْرًا) بالإثْمِد المطيَّب؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرَج» رواه أحمد وأبو داود
(4)
، في كلِّ عين ثلاثةَ أطراف؛ كما أخرجه التِّرمذي وحسَّنه
(5)
.
(1)
لعله يشير إلى ما ورد عن عثمان وعلي وابن الزبير رضي الله عنهم.
فأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه أحمد (484)، عن حمران قال:«كان عثمان يغتسل كل يوم مرة من منذُ أسلم» ، وصحح إسناده أحمد شاكر.
وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (2084)، عن عبد الله بن سلمة، قال: قال لي علي: «إني لأغتسل في الليلة الباردة من غير جنابة لأتجلد به وأتطهر» ، ورجاله ثقات.
وأثر ابن الزبير رضي الله عنهما: علقه أبو داود في الزهد (ص 113)، فقال:(وعبد الله بن الزبير كان يغتسل كل يوم مرتين)، ولم نقف على إسناده.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 150، الاختيارات ص 19.
(3)
ذكره ابن القيم عنه في مفتاح دار السعادة 2/ 220. وفي الأم 2/ 165: (وليس البنفسج بطيب إنما يربب للمنفعة لا للطيب).
(4)
سبق تخريجه 1/ 126 حاشية (1).
(5)
أخرجه الترمذي (1757)، وأخرجه أحمد (3318)، وابن ماجه (3499)، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل بها كل ليلة، ثلاثة في هذه، وثلاثة في هذه» ، قال الترمذي:(حديث ابن عباس حديث حسن لا نعرفه على هذا اللفظ، إلا من حديث عباد بن منصور)، وعبادٌ مدلس، وقد دلس هذا الخبر عن ضعيفين، قال يحيى بن سعيد قال:(قلت لعباد بن منصور: سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل ثلاثًا؟ فقال: حدثني ابن أبي يحيى، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس)، وإبراهيم متروك، وداود هو ابن الحصين، وروايته عن عكرمة ضعيفة. ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 377، الإرواء 1/ 119.
وعن أحمد: في اليُمنى ثلاثًا، وفي اليسرى اثنتين.
وقيل: مُرودين في كلِّ واحدة، والخامس: يقسم بينهما، وكان ابن سيرين يفعله؛ تسوية بينهما.
(وَيَجِبُ الْخِتَانُ) عند البلوغ، واختار
(1)
الشَّيخ تقي الدِّين الوجوب إذا وجبت الطَّهارة والصَّلاة
(2)
.
(مَا لَمْ يَخَفْهُ عَلَى نَفْسِهِ) ذكره معظم الأصحاب؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اختَتَن إبراهيمُ خليلُ الرحمن بعدما أتت عليه ثمانون سنةً» رواه البخاري ومسلم، ولم يذكر السنين
(3)
.
وقد عُورِض بما رواه الوليد بن مسلم بإسناده
(4)
عن أبي هريرة مرفوعًا قال: «اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة، ثمَّ عاش بعد ذلك ثمانين سنةً»
(5)
.
وقال الزُّهري: (كان الرَّجل إذا أسلم أُمر بالِاختِتان وإن كان كبيرًا) رواه البخاري في «الأدب» بإسناد صحيح
(6)
، وأصرح
(7)
منه قوله عليه السلام: «ألق عنك شعر الكفر، واختتن» رواه أبو داود
(8)
، خرج منه إلقاء الشَّعر بدليل،
(1)
في (و): واختاره.
(2)
ينظر: شرح العمدة 1/ 245.
(3)
أخرجه البخاري (3356)، ومسلم (2370)، واتفقا عليه بذكر السنين أيضًا.
(4)
في (أ): بإسناد.
(5)
أخرجه ابن حبان (6204)، والحاكم (4022)، ووقع وهمٌ في ذكر سنة اختتانه. ينظر: الفتح 11/ 88، والضعيفة للألباني (2112).
(6)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1252).
(7)
في (أ): وأخرج.
(8)
أخرجه أحمد (15432)، وأبو داود (356)، من حديث كليب الحضرمي رضي الله عنه، وهو حديث ضعيف، فيه انقطاع وجهالة. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 223.
فبقي
(1)
الختان على أصل الوجوب.
وهو شاملٌ للذَّكر؛ وهو قطعُ جِلدة غاشية على الحشفة، ذكره جماعة، ونقل الميموني: أو أكثرها
(2)
، وللأنثى، وهو قطع جلدة
(3)
فوق محل الإيلاج تشبه عَرْف الديك، ويستحبُّ ألا تؤخذ كلَّها، نصَّ عليه
(4)
.
وعنه: لا يجب على النِّساء، وصحَّحها بعضهم. وعنه: يستحبُّ.
فعلى الأوَّل: يختتن الخنثى في ذكره وفرجه.
وأنَّه إذا خِيف منه؛ فظاهر «المحرر» وجزم به في «الوجيز» وغيره: أنَّه يسقط، قال ابن تميم: على الأصحِّ.
ونقل حنبل: يختتن
(5)
، فظاهره يجب؛ لأنَّه قلَّ من يَتْلَفُ منه.
قال أبو بكر: والعمل على ما نقله الجماعة، وأنَّه متى خُشي عليه؛ لم يختتن
(6)
.
ويُعتَبَر لذلك زمنٌ معتدلٌ، ولو أمره به وليٌّ في حرٍّ أو برد، فتلِف؛ ففي ضمانه وجهان، وإن أمره به، وزعم الأطبَّاء أنَّه يتلف، أو ظنَّ تلفه؛ ضمن؛ لأنَّه ليس له.
تذنيب: فعله
(7)
زمن الصغر أفضل على الأصحِّ. وقيل: التَّأخير. زاد بعضهم على الأوَّل: إلى التَّمييز، قال الشَّيخ تقي الدِّين:(هذا هو المشهور)
(8)
.
(1)
في (ب) و (و): فيبقى.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 156.
(3)
في (و): جلد.
(4)
ينظر: الوقوف والترجل ص 148.
(5)
ينظر: الوقوف والترجل ص 147.
(6)
في (ب) و (و): يجز. وينظر: الوقوف والترجل ص 147.
(7)
في (أ): فعليه.
(8)
ينظر: شرح العمدة 1/ 245.
وفي «التلخيص» : قبل مجاوزة عشر
(1)
. وفي «الرعاية» : بين سَبْعٍ وعَشْرٍ.
فإن أخَّره حتَّى يدرك؛ جاز؛ لقول ابن عبَّاس: «كانوا لا يختِنون
(2)
الرَّجلَ حتَّى يدرك»
(3)
.
ويُكره يوم السابع؛ للتَّشبُّه
(4)
باليهود. وعنه: لا، قال الخلَّال:(العملُ عليه).
(وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ)، وهو حلْقُ بعض رأسه، نصَّ عليه
(5)
؛ لما روى نافع عن ابن عمر: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع» ، فقيل لنافع: ما القزع؟ قال: «أن يحلق بعض رأس الصَّبي، ويترك بعض
(6)
» متَّفق عليه
(7)
.
وقيل: بل حَلْق وسطه. وقيل: بل حلْق بُقَعٍ منه
(8)
، وكنتف الشيب، وهو قول الأكثر.
وظاهره يقتضي: أنَّ له حلقه كلِّه وإن لم يكن في نسك، وهو كذلك؛ كقَصِّه.
وعنه: يُكره لغير نسك وحاجة وم
(9)
، وكحلق القفا، زاد فيه جمع: لمن لم
(10)
يحلق رأسه ولم يحتج إليه لحجامة أو غيرها، نصَّ عليه، وقال: (هو
(1)
في (و): عشرًا.
(2)
في (و): لا يختنوا.
(3)
أخرجه البخاري (6299).
(4)
في (و): التشبه.
(5)
ينظر: الوقوف والترجل ص 151.
(6)
قوله: (بعض) سقط من (أ).
(7)
أخرجه البخاري (5920)، ومسلم (2120).
(8)
بياض في (أ).
(9)
ينظر: الفواكه الدواني 1/ 265، حاشية العدوي 2/ 444.
(10)
قوله: (لم) سقطت من (أ) و (ب).
من فعل المجوس)
(1)
.
ويكره لامرأة حلقه كقَصِّه. وقيل: يَحرُمان عليها، نقل الأثْرَم: (أرجو ألَّا
(2)
بأس لضرورة)
(3)
.
ويُستثنى على الأوَّل ما جزم به بعضهم: أنَّه يحرم حلقه على مريد
(4)
لشيخه؛ لأنَّه ذلٌّ وخضوع لغير الله تعالى.
مسائل:
يجوز اتِّخاذ الشَّعر، قال في «الفروع»: ويتوجَّه احتمال: لا إن شقَّ إكرامه، وش
(5)
.
ولهذا قال أحمدُ: (هو سنَّة، لو نَقْوَى عليه اتَّخذناه، ولكن له كُلْفةٌ ومؤونةٌ)
(6)
.
ويسرِّحه، ويَفْرُقه، ويكون إلى أذْنيه
(7)
، وينتهي إلى منكبيْه
(8)
كشعْره عليه السلام
(9)
، ولا بأس بزيادته على منكبيه وجعله ذُؤابة.
ويُعفِي لحيتَه، وذكر ابن حزم:(أنَّ ذلك فرضٌ كقصِّ الشَّارب)
(10)
،
(1)
ينظر: الوقوف والترجل ص 125.
(2)
زاد في (ب): يكون به.
(3)
ينظر: الوقوف والترجل ص 155.
(4)
في (و): مريده.
(5)
ينظر: المجموع 1/ 295.
(6)
ينظر: الوقوف والترجل ص 118.
(7)
في (و): أذنه.
(8)
في (و): منكبه.
(9)
أخرجه البخاري (5903)، ومسلم (2338)، من حديث أنس رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب شعره منكبيه» .
(10)
ينظر: المحلى 1/ 424.
وأطلق أصحابنا وغيرهم: أنَّ ذلك سنَّة، وفي المذهب: ما لم يستهجن طولها، وم
(1)
.
ويحرم حلقها، ذكره الشَّيخ تقي الدِّين
(2)
.
ولا يكره أخذ ما زاد على القبضة، ونصُّه:(لا بأس بأخذه وما تحت حلقه؛ لفعل ابن عمر)
(3)
، وفي «المستوعب»: وتركه أولى، وأخذ أحمد من حاجبه وعارضه
(4)
.
ويحُفُّ شاربه، وهو أولى في
(5)
المنصوص
(6)
، وه ش
(7)
، ولا يمنع منه.
ولا بأس أن ينظِّف أنفه، خصوصًا إذا فحُش؛ كإبِطه.
ويحلق عانَته، وله إزالته بما شاء، والتَّنْوير فعَله أحمدُ في
(8)
العورة
(9)
،
(1)
ينظر: الذخيرة 12/ 178، الفواكه الدواني 2/ 307.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 151، الاختيارات ص 19.
(3)
ينظر: الترجل ص 129.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (5892)، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى وأحفوا الشوارب» ، وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فضل أخذه.
وعلق البهوتي في كشاف القناع (1/ 158) عند قوله: (لفعل ابن عمر) بقوله: (لكن إنما فعله إذا حج أو اعتمر).
(4)
في (ب): حاجبيه وعارضيه.
الذي في الترجل للخلال ص 130: (أخبرني عبد الله بن حنبل قال: حدثني أبي قال: قال أبو عبد الله: ويأخذ من عارضيه ولا يأخذ من الطول. وكان ابن عمر يأخذ من عارضيه إذا حلق رأسه في حج أو عمرة، لا بأس بذلك).
(5)
في (و): من.
(6)
ينظر: الترجل ص 127.
(7)
ينظر: الاختيار لتعليل المختار 4/ 167، المجموع للنووي 1/ 187.
(8)
في (و): من.
(9)
جاء في الآداب الشرعية 3/ 321: (قال المروذي: أصلحت لأبي عبد الله النورة غير مرة، واشتريت له جلدًا ليده، فكان يدخل يده فيه وينور نفسه).
وكرِه الآمِدي
(1)
كثرته.
ويدفن ذلك، نصَّ عليه
(2)
.
ويفعله كلَّ أسبوع، ولا يتركه فوق أربعين يومًا عند أحمد
(3)
. وأمَّا الشارب؛ ففي كل جمعة؛ لأنَّه يصير وحِشًا. وقيل: عشرين. وقيل: للمقيم.
ويقلِّم أظفاره مخالفًا يوم الجمعة قبل الزَّوال. وقيل: يوم الخميس. وقيل: يخيَّر.
ويسنُّ ألَّا يحيف عليها في الغزو؛ لأنَّه يحتاج إلى حلِّ
(4)
شيء، نصَّ عليه
(5)
.
وينظر في مِرآة، ويقول:«اللهمَّ كما حسَّنت خَلقي فحسِّن خُلُقي، وحرِّم وجهي على النَّار» لحديث أبي هريرة، رواه أبو بكر بن مَردَويْه
(6)
.
ويتطيَّب الرجلُ بما
(7)
ظهر ريحُه وخفِي لونُه، والمرأة عكسُه؛ لأثر رواه
(1)
في (و): الأدمي.
(2)
ينظر: الترجل ص 140.
(3)
ينظر: الترجل ص 142.
(4)
في (و): حك.
(5)
ينظر: المغني 9/ 203، الفروع 1/ 152.
(6)
أخرجه من حديث أنس رضي الله عنه: ابن السني في عمل اليوم والليلة (165)، وفي سنده هاشم بن عيسى، وهو منكر الحديث قاله العقيلي، والبزار (7322) من طريق آخر، وفيه دواد بن المحبر وهو متروك، وأخرجه أيضًا ابن السني في عمل اليوم والليلة (164)، وأبو يعلى (2611)، والطبراني في الكبير (10766)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه راوٍ متهم بالوضع، وله طرق أخرى شديدة الضعف، وصح الدعاء من غير ذكر النظر إلى المرآة عند أحمد (3823 - 24392)، من حديث ابن مسعود وعائشة رضي الله عنهما، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه لم نقف عليه. ينظر: الضعفاء للعقيلي 4/ 343، الإرواء 1/ 113.
(7)
في (أ): ما.
النَّسائي والتِّرمذي وحسَّنه، من حديث أبي هريرة
(1)
.
(وَيَتَيَامَنُ فِي سِوَاكِهِ)؛ أي: يبدأ بجانبه الأيمن، ويستاك بيساره، نقله حرب، قال الشَّيخ تقي الدِّين:(ما علمت أحدًا خالف فيه)
(2)
؛ كانتثاره
(3)
، وفيه نظر، وذكر جدُّه: إن قلنا: يستنجي بيمينه؛ فيستاك
(4)
بها.
(وَطُهُورِهِ، وَانْتِعَالِهِ)، وأكلِه، وشربِه؛ لحديث عائشة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحبُّ التَّيمن في تنعُّله وترجُّله
(5)
وطُهوره، وفي شأْنه كلِّه» متَّفق عليه
(6)
.
(وَسُنَنُ الْوُضُوءِ) سُمِّي وُضوءًا؛ لِتنظيفِهِ المُتوضِّئَ وتحسينِه؛ (عَشْرٌ):
(السِّوَاكُ)؛ لقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لوْلا أنْ أشُقَّ على أمَّتِي لأمرتُهمْ بالسِّواكِ معَ كلِّ وُضوءٍ» رواه أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ من حديثِ أبي هُريْرةَ، وللبخاريِّ تعليقًا
(7)
: «عند كلِّ وُضوءٍ» ، والمراد عند المضمضة.
(وَالتَّسْمِيَةُ)، هذا اختِيارُ الخِرَقي والمُؤلِّفِ، قال الخَلَّال:(إنَّه الذي استقرَّتْ عليه الرِّواية)؛ لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية [المَائدة: 6]، فلم يذكرْها، ولأنَّها طَهارة، فلمْ تجب
(8)
لها التَّسميةُ؛ كطهارة الخَبَث.
(1)
أخرجه النسائي (5118)، والترمذي (2787)، وأبو داود (2174)، وفي إسناده شيخ من طُفاوة وهو مجهول، قال الترمذي:(هذا حديث حسن، إلا أن الطُّفَاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث، ولا نعرف اسمه)، وحسنه بعض أهل العلم بشواهده. ينظر: الإرواء 7/ 73.
(2)
مجموع الفتاوى 21/ 108.
(3)
في (أ): كانتشاره.
(4)
في (و): يستاك.
(5)
قوله: (التيمن في تنعله، وترجله) هو في (و): التيامن في ترجله وتنعله.
(6)
أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268).
(7)
في (أ): والشيخان تعليقًا. سبق تخريجه 1/ 135 حاشية (1).
(8)
في (و): فلا يجب.
قال أحمدُ: (ليْس يَثبُتُ في هذا حديثٌ، ولا أعلم فيه حديثًا له إسناد جيِّدٌ)
(1)
، وإن صحَّ فهُو محمولٌ على تأكيدِ الِاسْتحبابِ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ)، اختارها أبو بُكْرٍ وابنُ شاقْلا وأبو جعْفرٍ وأبو الحسيْن، والقاضِي وأصحابُه؛ لما رَوى أبو هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاةَ لمن لا وضوءَ له، ولا وضوء لمن لم يذكرِ اسمَ اللهِ عليْه» رواه أحمد وأبو داود، ولأحمد وابن ماجه من حديث سعيدِ بن زيدٍ وأبي سعيد مثلُه، قال البخاري:(أحسن ما في هذا الباب حديث سعيد بن زيد)، وكذلك قال إسحاقُ:(هو أصحُّها)
(2)
.
فعلى هذا؛ تَسقُط
(3)
سهوًا، نصَّ عليه
(4)
، وهو المذهب؛ لأنَّ الوُضوءَ عبادةٌ تَتَغايَر أفعالُها، فكان في
(5)
واجباتها ما يَسقط
(6)
سهوًا؛ كالصَّلاة.
ولا تسقط
(7)
في أخرى، فعلى هذا تكون شرطًا، اختارها ابن عَبْدوس
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 263. وذكره الترمذي في سننه عند حديث (25).
(2)
أخرجه أحمد (16651)، وأبو داود (101)، والترمذي (25)، وابن ماجه (398)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه أحمد (11370)، وابن ماجه (397)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال أحمد فيه:(إنه أحسن شيء في هذا الباب).
وأخرجه أحمد (16651)، والترمذي (25)، وابن ماجه (398)، من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه. قال أبو زرعة وأبو حاتم فيه:(ليس عندنا بذاك الصحيح).
وقال العقيلي: (الأسانيد في هذا الباب فيها لين)، وتقدم كلام أحمد في تضعيفه لأحاديث الباب. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 250.
(3)
في (أ) و (و): يسقط.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 11، وصالح 2/ 130.
(5)
في (و): من.
(6)
في (و): يسقطه.
(7)
في (أ) و (و): يسقط.
والمَجْد، لكن قال الشِّيرازيُّ وابن عَبْدوس: متى سمَّى في أثنائه أجزأه على كلِّ حال؛ لأنَّه قد ذكر الله على وضوئه.
وإذا قيل بوجوبها؛ فهل تسمَّى فرضًا أو سنَّةً؟ فيه رِوايتانِ.
والأَخْرَس تَكفي إشارتُه بها.
تمامٌ
(1)
: محلُّها اللِّسانُ؛ لأنَّها ذِكْر، ووقتها بعد النِّيَّة؛ لِتَكونَ شاملةً لجميع أفعال الوُضوء.
وصفتها: بِاسْم اللهِ، فإن قال: بِاسْم الرَّحْمن أو القُدُّوس؛ لم يُجزئْه على الأشهر، كما لو قال: اللهُ أكْبرُ، على المُحقَّق.
(وَغَسْلُ الْكَفَّيْنِ)؛ أي: قبل الوضوء مطلقًا؛ لِما رَوى أحمدُ والنَّسائيُّ عن أوْسِ بن أوْسٍ الثَّقَفي قال: «رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأ فاسْتوْكَف ثلاثًا»
(2)
؛ أي: غَسَل كفَّيْه، والمذهبُ أنَّهما يُغسلان ثلاثًا ولو تَحقَّق طهارتَهما، نصَّ عليه.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ) ناقض للوضوء؛ (فَفِي وُجُوبِهِ رِوَايَتَانِ)؛ الأَصحُّ والظَّاهِرُ عن أحمدَ: وُجوبُ
(3)
غسلِهما تَعبُّدًا، واختاره أكثر أصحابنا؛ لما تقدَّم من الأمر به، وهو يقتضي الوجوبَ.
والثَّانيةُ: هي مستحبَّةٌ، اختارها الخِرَقيُّ والشَّيْخان؛ لأنَّ الله تعالى أمر القائم إلى الصَّلاة بغسل أعضاء الوضوء، وهو شامل للقائِمِ من النَّوم، لا سيَّما وقد فسَّره زيد بن أسْلم
(4)
(1)
في (أ) غير واضحة.
(2)
أخرجه أحمد (16171)، والنسائي (83)، والدارمي (719)، وفي سنده ابن أبي أوس، ويقال ابن عمرو بن أوس، يروي عن جده، وهو غير معروف. ينظر: تهذيب الكمال 34/ 424.
(3)
في (و): الوجوب.
(4)
هو زيد بن أسلم، أبو عبد الله العَدوي، العُمري، المدني، الفقيه، والده أسلم مولى عُمر، الإمام، له تفسير رواه عنه ابنه عبد الرحمن، حدَّث عن والده أسلم، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وغيرهم، وحدَّث عنه: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وخلق كثير، توفي سنة 136 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 5/ 316، شذرات الذهب 2/ 159.
بالقيام من اللَّيل
(1)
، ولم يذكر غسل اليدين، وحُمِل الأمر على النَّدب؛ لأنَّه علل بوهم النَّجاسة، وطريان الشَّك على يقين
(2)
الطَّهارة غير مؤثِّر فيها.
فرع: إذا نسي غَسْلهما؛ سقط مطلقًا؛ لأنَّها طهارة مُفرَدة، وإن وجب.
وفيه وجه: لا يسقط؛ لأنَّه من تمام الوضوء.
والأوَّل أقْيس؛ لأنَّه يجوز تقدم غسلهما قبل الوضوء بِزمنٍ طويلٍ.
ووجوب غسلهما لمعنًى فيهما. وقيل: بل لإدخالهما الإناء.
ويعتبر لغسلهما نيَّةٌ وتسميةٌ.
مسألة: يتوجَّه كراهة غمسها
(3)
في مائع، وأكل شيء رطب بها.
(وَالْبَدَاءَةُ بِالْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ)؛ أي: قبل غسل الوجه؛ لفعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان: «أنَّه أدخل يده في الإناء، فمَضْمض واستنثر، ثمَّ غسل وجهه
(4)
»
(5)
، ولأنَّهما في حكم الباطن، فقُدِّما لئلَّا يخرج منه أذًى بعد
(6)
غَسْل الظَّاهر فيلوِّثه.
وقيل
(7)
: يجب.
(1)
ينظر: تفسير الطبري 8/ 156، وتفسير الثعلبي 4/ 24، لكن فيه:(يعني: إذا قمتم من النوم).
(2)
في (ب) و (و): تعيُّن.
(3)
في (ب): غسلهما.
(4)
في (و): وجه.
(5)
أخرجه البخاري (159)، ومسلم (226).
(6)
في (و): قبل.
(7)
زيد في (ب): بل.
(وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) إلى أقاصيهما، هذا قول عامَّة المتأخِّرين؛ لأنَّ في
(1)
بعض ألفاظ لَقِيط بن صَبِرَة: «وبالغ في الاستنشاق» ، واقتصر الخِرَقيُّ عليه تبعًا لحديث لقِيط قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء، فقال:«وبَالِغْ في الاستنشاق إلَّا أن تكون صائمًا» رواه أحمد وأبو داود، وصحَّحه التِّرمذي
(2)
، وصرَّح به ابن الزَّاغوني وابن شاقْلا، وإنَّما لم يجب على المشهور ونصَّ أحمد؛ لسقوطها
(3)
بصوم النَّفل، والواجِبُ لا يسقط بالنَّفل.
وعن أحمدَ وُجوب المبالَغة فيهما على
(4)
المُفطِر. وقيل: في الكبرى.
والمبالغة في الاستنشاق: اجتذاب
(5)
الماء بالنفَس إلى أقصى الأنف، ولا يصيِّره سعوطًا
(6)
.
وفي المضمضة: إدارةُ الماء في أقاصِي الفَمِ، زاد في «الرعاية»: أو أكثرِه، ولا يصيِّره وَجُورًا، وله بلعُه كلَفْظِهِ.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا)؛ فإنَّها مكروهة، صرَّح به غير واحد، وحرَّمه أبو الفرج الشِّيرازي، وينبغي أن يقيَّد ذلك بصوم الفرض، وصرَّح به الزَّرْكَشيُّ.
(وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ)؛ لما روي عن عثمان: «أنَّه توضَّأ، وخلَّل لحيته حين غسل وجهه، ثمَّ قال: رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فعل الذي رأيتموني فعلتُ» رواه
(1)
قوله: (في) سقط من (و).
(2)
أخرجه أحمد (16380)، وأبو داود (142)، والترمذي (788)، وابن خزيمة (150)، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة.
(3)
في (أ): بسقوطها.
(4)
في (و): وعلى.
(5)
في (أ): جبذ.
(6)
في (و): سقوطًا.
التِّرمذي وصحَّحه، وحسَّنه البخاري
(1)
.
وهذا
(2)
إذا كانت كثيفة، فأمَّا إن كانت خفيفة تصف البشرة؛ فإنَّه يجب غسلها.
وقيل: يجب التَّخليل؛ لظاهر الأمر، وهو قول إسحاق.
وقيل: لا يستحبُّ، وهو بعيدٌ.
وعلى
(3)
الأوَّل: فيخلِّلُها من تحتها بأصابعه، نصَّ عليه
(4)
، أو من جانِبيْها بماء الوجه، وقيل: بماء جديد.
ونصَّ أحمدُ على أنَّه إن شاء خلَّلها مع وجهه، وإن شاء إذا مسح رأسه
(5)
.
وحكم بقيَّة الشُّعور؛ كعَنْفَقَة، وشارِب، وحاجِبٍ، ولِحْيةِ امرأة، وخنثى؛ كذلك.
(وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ)؛ أي: تخليل
(6)
أصابع اليدين والرِّجلين؛ لما روى لَقيط بن صَبِرَة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وخلِّل بين الأصابع» رواه الخمسة،
(1)
أخرجه الترمذي (31)، والبزار (393)، وابن خزيمة (151)، وابن حبان (1081)، قال أحمد:(تخليل اللحية قد روي فيه أحاديث، ليس يثبت منها حديث، وأحسن شيء فيه حديث شقيق، عن عثمان)، وضعفه ابن معين، وقال البخاري:(أصح شيء عندي في التخليل حديث عثمان)، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان. ينظر: العلل الكبير للترمذي (19)، تعليقة على علل ابن أبي حاتم لابن عبد الهادي (ص 47).
(2)
في (و): هذا.
(3)
في (و): على.
(4)
ينظر: المغني 1/ 79.
(5)
ينظر: المغني 1/ 79.
(6)
في (أ): أي: يخلل.
وصحَّحه التِّرمذي
(1)
، وهو في الرِّجلين آكد، ذكره في «الشرح» .
وعنه: لا يسنُّ تخليل أصابع اليدين؛ إذ تفريجهما يغني عن تخليلهما.
ويخلِّل أصابع رجليه بخِنصره اليسرى؛ لأنَّها مُعدَّة لإزالة الوسخ والدَّرَن، من باطن رجله؛ لأنَّه أبْلغُ، يبدأ بخنصرها إلى إبهامها، وفي اليسرى بالعكس؛ ليحصل التيامن فيه، وأصابع يديه إحداهما بالأخرى، فإن كانت أو بعضها ملتصقة؛ سقط.
(وَالتَّيَامُنُ)، بغير خلاف علمناه؛ لما روى أبو هريرة مرفوعًا قال:«إذا توضَّأتم فابدؤوا بمَيامِنكُم» رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد
(2)
.
وشذَّ الرَّازِيُّ فحكى في «تفسيره»
(3)
عن أحمدَ: وجوبَ غَسْل اليمنى قبل اليسرى، وهو منكر، فقد قال ابن عبدوس: هما في حكم اليد الواحدة، حتَّى لو غسل إحداهما بماء الأخرى؛ جَازَ.
(وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلْأُذْنَيْنِ)، ظاهرهما وباطنهما في رواية، وهي المذهب؛ لما روى عبد الله بن زيد:«أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضَّأ، فأخذ لأذنيه ماءً خلافَ الذي لرأْسه» رواه البيهقي، وقال: إسناده
(4)
صحيح
(5)
، ولأنَّ من فعل
(1)
سبق تخريجه 1/ 151 حاشية (6).
(2)
أخرجه أحمد (8652)، وأبو داود (4141)، وابن ماجه (402)، وصححه ابن خزيمة (178)، وابن حبان (1090)، وحسنه النووي، وصححه ابن الملقن. ينظر: البدر المنير 2/ 200.
(3)
التفسير الكبير 11/ 304.
والرازي: هو محمد بن عمر بن الحسين، أبو عبد الله، فخر الدين الرازي، الشافعي، كان مفسرًا، متكلمًا، من مصنفاته: التفسير الكبير، والمحصول، والمعالم في أصول الفقه، توفي سنة 606 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 248، طبقات الشافعية للسبكي 6/ 104.
(4)
في (أ) و (ب): إسناد.
(5)
أخرجه الحاكم (538)، والبيهقي في السنن الكبرى (308)، وصححه ابن الملقن، ورجح ابن حجر أن هذا اللفظ شاذ، والمحفوظ هو بلفظ:«ومسح برأسه بماء غير فضل يديه» ، وهي عند مسلم (236). ينظر: البدر المنير 2/ 212، بلوغ المرام لابن حجر (42)، الضعيفة للألباني (1046).
ذلك خرج من الخلاف.
والثَّانية، واختارها القاضي وأبو الخَطَّاب والمَجْد: لا يُسنُّ؛ لأنَّ غالب من وصف وضوء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذكر أنَّه مسح رأسه وأذنيه بماء واحد
(1)
، يؤكِّده قوله عليه السلام:«الأذنان من الرأس» رواه ابن ماجه
(2)
.
فعلى الأولى: يُدخِل سَبَّاحتيه في صِماخَي أذنيْه، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، كذا وصفه ابن عبَّاس عنه صلى الله عليه وسلم، رواه النَّسائي
(3)
.
وتُسنُّ مجاوزة موضع الفرض.
(وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ)؛ لما روى عبد الله بن زيد: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم توضأ
(4)
مرَّتين مرَّتين» رواه البخاري
(5)
، وفي رواية: أنه عليه السلام دعا بماءٍ فتوضَّأ
(1)
ومنه: حديث عثمان رضي الله عنه في صفة الوضوء عند البخاري (159)، ومسلم (226)، وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه عند البخاري (185)، ومسلم (235)، وحديث ابن عباس رضي الله عنه في البخاري (140).
(2)
أخرجه ابن ماجه (443 - 445)، من حديث عبد الله بن زيد، وأبي أمامة، وأبي هريرة رضي الله عنهم، وأخرج أبو داود (134) والترمذي (37)، حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وهو حديث مشهور له طرق كثيرة، أُعلت بالوقف والاضطراب وغيرها من العلل، فممن أعله: العقيلي، والدارقطني، وابن عبد الهادي، وابن الصلاح وغيرهم، وبعض الأئمة يقوي هذه الطرق بعضها ببعض وأن له أصلاً ويمكن الاحتجاج به، منهم: الترمذي، والمنذري، والزيلعي، وابن حجر وغيرهم. ينظر: الضعفاء للعقيلي 1/ 31، تنقيح التحقيق 1/ 203، التلخيص الحبير 1/ 283، النكت لابن حجر 1/ 409، تخريج سنن أبي داود للألباني 1/ 217.
(3)
أخرجه الترمذي (36)، والنسائي (12) وابن ماجه (439) من طريق ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، ولفظه:«ثم مسح برأسه وأذنيه، باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه» ، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن حبان، والألباني. ينظر التلخيص الحبير 1/ 9، والإرواء 1/ 129.
(4)
قوله: (توضأ) سقطت من (أ).
(5)
أخرجه البخاري (158).
مرَّةً مرَّةً، فقال: «هذا وظِيفَة
(1)
الوضوء، أو قال: هذا وضوء من لم يتوضَّأ لم يقبل الله له صلاة»، ثم توضَّأ مرَّتين مرَّتين، وقال: «هذا وضوء من توضَّأه
(2)
؛ كان له كِفْلان من الأجر»، وتوضَّأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال:«هذا وضوئي، ووضوء المرسلين قَبلي» رواه ابن ماجَه
(3)
، وقوله عليه السلام في حديث عمْرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جدِّه أنه: «لمَّا سئل عن الوضوء فأراه
(4)
ثلاثًا ثلاثًا، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وتعدَّى وظَلَم» رواه أبو داود
(5)
.
تكلَّم
(6)
مسلم على قوله: «أو نقص» ، وأوَّله البيهقي على نقصان العضو
(7)
، واستحسنه الذَّهبي.
وأمَّا الزيادة على الثَّلاث؛ فيكره، زاد بعضهم: لغير وسواس.
وقيل: يحرم للخبر، قال أحمد:(لا يزيد عليها إلَّا رجل مبتلًى)
(8)
.
خاتمة: ظاهِر كلامه: أنَّه لا يسنُّ مسْح العُنُق، وهو الصَّحيح؛ لعدم ثبوت ذلك في الحديث.
(1)
في (و): وصفه.
(2)
في (أ): توضأ.
(3)
أخرجه أحمد (5735)، وابن ماجه (419)، من طريق زيد العمي، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنها مرفوعًا، وزيد العمي ضعيف، وأخرجه ابن ماجه (420)، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، وفي سنده أيضًا زيد العمي، والراوي عنه ابن عرادة الشيباني شديد الضعف، وضعَّفَ الحديث أبو حاتم، وأبو زرعة وغيرهما، وقال ابن الملقن:(لا يصح من جميع طرقه). ينظر: العلل لابن أبي حاتم (100)، البدر المنير 2/ 131.
(4)
في (و): فأداه.
(5)
أخرجه أبو داود (135)، والنسائي (140)، وصححه النووي، وابن دقيق العيد، وابن القيم، وزيادة «أو نقص» أعلها بعض الأئمة. ينظر: خلاصة الأحكام (209)، الإلمام (38)، المحرر لابن عبد الهادي (41)، إغاثة اللهفان 1/ 127، الصحيحة للألباني (2980).
(6)
في (أ) و (و): وتكلَّم.
(7)
ينظر: السنن الكبرى 1/ 128، تغليق التعليق 2/ 97.
(8)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 277.
وعنه: يسنُّ، اختاره في «الغنية» وابن الجَوزي
(1)
وابن رَزين، وأطلق في «المحرر» الخلاف.
وأنَّه لا يسنُّ غسل داخل العينين، واختاره القاضي والشَّيخان؛ نظرًا إلى أنَّ الضَّرَر المتوقَّعَ كالمتحقِّق.
وقيل: يسنُّ مع أمن الضرر، جزم به صاحب «التلخيص» .
وحكى بعضهم رواية بالوجوب
(2)
مخرَّجة من وجوب ذلك في الغسل.
والأصحُّ أنَّه لا يجب غَسْلهما لنجاسة
(3)
.
(1)
هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد بن علي، الفقيه المفسر الواعظ، يتصل نسبه بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، من شيوخ المذهب وأعيانه، أخذ الفقه عن ابن عقيل وابن الزاغوني، من مصنفاته: زاد المسير في التفسير، والمنتظم، والموضوعات، والمذهب وغيرها، توفي سنة 597 هـ. ينظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1348، ووفيات الأعيان 3/ 140.
(2)
في (و): لوجوب.
(3)
في (أ): كنجاسة.
(بَابُ فَرْضِ الْوُضُوءِ) وشرطه
(1)
، (وَصِفَتِهِ)
(وَفُرُوضُهُ سِتَّةٌ)، الفروضُ: جمعُ فَرضٍ، وهُو لُغةً: التَّأثيرُ، وشرعًا؛ قِيل: ما أُثيب فاعلُه، وعُوقِبَ تاركُهُ.
وهُو عِبارةٌ عن استعمالِ الماءِ الطَّهور في الأعْضاء المخصوصةِ على صفةٍ مفتتحة بالنية، وكان فرضه مع فرض الصلاة كما رواه ابن ماجه
(2)
.
ثمَّ اعلم أنَّ الْفرضَ والشَّرطَ يَشترِكان في تَوقُّف العبادة على وجودِهما، ويَفترِقان: بِأنَّ الشَّرْط خارجٌ عنها، والفرضَ داخلَها، وبِأنَّ الشَّرْطَ يُستصحَبُ فيها إلى انقضائِها، والفرْض يَنقضِي، ويَخلُفُه غيره.
فمِنهمْ من نظَر إلى المعْنى الأوَّلِ؛ فَسَمَّى النِّيَّةَ ونحوَها فرْضًا
(3)
، وهِي بالمعْنى الثَّانِي شرْطٌ.
(غَسْلُ الْوَجْهِ)؛ لقولِه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المَائدة: 6]، (وَالْفَمُ وَالْأَنْفُ مِنْهُ)؛ أي: من الوجْهِ؛ لدُخولِهِمَا فِي حَدِّه.
(وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ)؛ لقولِه تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المَائدة: 6].
(وَمَسْحُ الرَّأْسِ)؛ لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المَائدة: 6].
(وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ)؛ لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المَائدة: 6]؛ أي: كلَّ واحدة منهما، وهو فرضٌ عندنا وعند الجَماهيرِ؛ لقراءةِ نافعٍ وابنِ
(1)
قوله: (وشرطه) سقط من (و).
(2)
أخرجه ابن ماجه (462)، وأحمد (17480)، من حديث زيد بن حارثة رضي الله عنه، وفي إسناده ابن لهيعة، قال أبو حاتم:(حديث كذب باطل).
(3)
كتب على هامش الأصل: (هو الخرقي، فإنه جعل الماء الطاهر وإزالة الحدث والنية فروضًا؛ نظر إلى المعنى الأول، وهي بالمعنى الثاني شرائط).
عامِرٍ والكِسائِيِّ وحفصٍ بالنَّصبِ في
(1)
: عطفًا على اليديْنِ، وقرأ الباقُون بالخفضِ للمجاورةِ
(2)
، كقوله تعالى:{لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} [سبأ: 5].
وقِيل: لمَّا كانتِ الأرْجُلُ في مَظِنَّةِ الإسراف في الماءِ، وهو منهيٌّ عنه مذمومٌ؛ عطفَها على المَمْسوح لا للتَّمسُّح، بل للتَّنبيه
(3)
على الاقتصار على مقدارِ الواجِبِ، ثمَّ قيل:{إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المَائدة: 6] دَفْعًا لِظَنِّ ظانٍّ أنَّها مَمْسوحة؛ لأنَّ المسح لم يضرب له غاية في الشرع.
ولفعله عليه السلام
(4)
، وقولِه:«ثمَّ يغسل رجليه كما أمره الله تعالى» رواه أحمد، والطَّبراني، وابن خزيمة، والدَّارقطني، وصحَّحاه
(5)
، وقال سعيدٌ: ثنا يونسُ بن أبي يعفور
(6)
، عن أبي الجَحَّاف، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:«أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين» إسناده حسن،
(1)
قوله: (في) سقط من (أ).
(2)
كتب على هامش الأصل: (وعن الشافعي أن النصب أريد به قوم، والخفض أريد به آخرون، وقال أبو علي: يسمى خفيف الغسل مسحًا، وعن الحسن وابن جرير وأبي عليّ الجبائي: يخير بين المسح والغسل، وعن الإمامية: الفرض المسح، وعن الظاهرية: يجب الجمع بينهما).
(3)
في (و): للتعبد.
(4)
منها ما أخرجه مسلم (246)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه:«ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق» .
(5)
الحديث أخرجه مسلم (832)، في قصة إسلام عمرو بن عبسة رضي الله عنه، ولفظه:«ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إلا خرَّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء» ، وأخرجه أحمد (17019)، وابن خزيمة (165)، والدارقطني (378)، ولفظه عندهم:«ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله عز وجل» .
(6)
في باقي النسخ: (يعقوب) وهو تصحيف، إذ إن شيخ سعيد بن منصور الذي يروي عنه هو يونس بن أبي يعفور العبدي، قال ابن حجر في التقريب (ص 614):(بفتح التحتانية وسكون المهملة وضم الفاء واسمه وقدان بالقاف).
وقالتْ عائشةُ: «لَأَن يقطعا
(1)
أحبُّ إليَّ أن أمسح القدَميْن»
(2)
.
وهذا
(3)
في حقِّ غير لابِس الخُفِّ، فأمَّا لابِسُه؛ فغسلُهما ليس فرضًا مُتعيِّنًا
(4)
في حقِّه.
(وَتَرْتِيبُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى)، هذا هو الأصحُّ، وفي «الكافِي»: أنَّه ظاهِرُ المذهب؛ لأنَّ الله تعالى أدْخَل المَمْسوح بيْن المَغْسولاتِ، ولا يُعلم لهذا فائدةٌ غيرُ التَّرتيبِ، والآيةُ سِيقتْ لبيان الواجب، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رَتَّب الوُضوءَ، وقال:«هذا وضوءٌ لا يَقبلُ الله الصَّلاة إلا به»
(5)
، ولأنَّه عبادةٌ تَبطُل بالحدث، فكان التَّرتيب من شرطِه؛ كالصَّلاة يَجِبُ فيها
(6)
الرُّكوعُ قبْل السُّجودِ، ولو كان التَّنْكيس جائِزًا؛ لَفَعَلَهُ ولَوْ مَرَّةً لِيتَبينِ الجَوازِ.
(1)
في (أ): نقطعا.
(2)
ذكره المصنف بمعناه على قول، وقد أخرجه ابن أبي شيبة (1944)، وأبو عبيد في الطهور (394)، عن عائشة رضي الله عنها بلفظ:«لأن أحزُّهما بالسكاكين أحب إليَّ من أن أمسح عليهما» ، وإسناده صحيح.
وهذا المعنى الذي ذكره المصنف نقله أبو عبيد في الطهور فقال: (بعض أصحاب الحديث كان يتأوله في المسح على القدمين، ويصدِّق ذلك: حديثها عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ويل للأعقاب من النار»، فهل يكون هذا إلا على الأقدام؟! وهي كانت أعلم بمعنى حديثها).
والمعنى الآخر للأثر: أنها أرادت به المسح على الخفين، وهو صريح صنيع ابن أبي شيبة في مصنفه، حيث ذكر الأثر تحت باب:(من كان لا يرى المسح)، بعد باب:(في المسح على الخفين كيف هو)، وتأوله البيهقي في الكبرى (1/ 409)، بقوله:(فإنها كرهت ذلك، ثم ثبت عنها أنها أحالت بعلم ذلك على علي رضي الله عنه، وعلي أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة فيه)، وما ذكره من إحالتها العلم به على علي؛ وارد في صحيح مسلم (276).
(3)
في (أ): وهو.
(4)
في (أ) و (ب): معينًا.
(5)
سبق تخريجه 1/ 155 حاشية (5)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه عند ابن ماجه، وهو حديث ضعيف بهذا اللفظ.
(6)
في (و): لا يجب فيها.
وهذا كلُّه على أنَّ الواوَ للْجمعِ المُطْلَق، فأمَّا إذا قِيل: إنَّها للتَّرتيبِ فواضِحٌ، فعلى هذا: لو بدأ بشيء من الأعضاء قبل غسل الوجه؛ لم يُحسَب له.
نعم؛ إن تَوضَّأَ مُنَكِّسًا أربعَ مرَّاتٍ؛ صحَّ وضوءُه إن قرُب الزَّمَنُ؛ لأنَّه حَصل له في كلِّ مرَّةٍ غَسْل عُضْوٍ.
ولَوْ غسلَها جميعًا بانغِماسٍ واحدٍ، أوْ وضَّأَه أربعةٌ في حالةٍ واحدةٍ؛ لم يُجْزِئْه.
وإنْ لبِثَ في جارٍ، فمرَّتْ عليه أربعُ جَرَياتٍ متعاقبة؛ سقَط التَّرتيبُ إن قيل بإجْزاءِ الغَسلِ عنِ المسحِ. وقِيلَ: إنْ أَمَرَّ يدَه على رأسِه كَفاهُ، وإلَّا فلا.
ولوْ لم يَمرَّ
(1)
عليه إلَّا جَريةٌ واحدةٌ؛ لم يجزئْه.
وإنِ
(2)
انغَمَسَ فِي كثيرٍ راكِدٍ؛ فمَنصوصُهُ
(3)
- وقَطَعَ به جَمْعٌ -: إن خرَج مُرَتَّبًا جازَ، وإلَّا فَلَا.
والثَّانِيَةُ، وحكاها أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ: بِعَدِم الوجوبِ، وأخَذُوا ذلك من نصِّه على جوازِ تأخيرِ المضْمضةِ والاِستِنشاق
(4)
، وأبَى ذلك عامَّة الأصحابِ
(5)
.
وقِيل: يَسقُط بالجهلِ والنسيان.
(وَالْمُوَالَاةُ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، ذكَره ابنُ هُبَيرَة أنَّها المشهورةُ، وصحَّحها فِي «الرعاية» ، وجزَم بها في «الوجيز» ، ورَجَّحها فِي «الشَّرح»؛ لقولِه تعالَى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المَائدة: 6]؛ لأنَّ الأوَّلَ
(1)
في (و): تمر.
(2)
في (و): فإن.
(3)
في (أ): بمنصوصه. وينظر: مسائل عبد الله: ص 455.
(4)
ينظر: مسائل صالح 1/ 166، الروايتين والوجهين 1/ 72.
(5)
في (و): أصحابنا.
شرطٌ، والثَّانِي جَوابٌ، وإذا وُجِدَ الشَّرط، وهو القيام؛ وجب ألا يتأخَّر عنه جوابُه، وهو غسلُ الأعضاء.
يُؤيِّده ما رَوَى خالِدُ بن مَعْدان: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى رَجُلًا يُصلِّي وفي ظهْر قَدَمِه لمعةٌ قدْرَ الدِّرْهم لم يُصِبْها الماء، فأمره أنْ يُعيدَ الوُضوءَ» رواه أحمدُ وأبو داودَ، وزاد:«والصَّلاةَ» ، وهذا صحيحٌ، وفيه بَقِيَّةُ
(1)
، وهُو ثِقةٌ رَوى له مُسلمٌ
(2)
.
والثَّانِيةُ، - ونقلها حنبل عنه -: أنَّها لا تَجِبُ، وهي قولُ ابن المنذر؛ لأنَّ الله تعالَى أمرَ بالغَسل، ولم يَشتَرِطِ المُوالاةَ، وعن ابن عمر أنَّه غسل رجليه بعدما جفَّ وضوءُه
(3)
.
ونصَر الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ ذلك
(4)
(5)
، وزَعم أنَّه الأَشْبه بأُصولِ الشَّرِيعةِ، ولهُ
(1)
في (أ): ثقة.
(2)
أخرجه أحمد (15495)، وأبو داود (175)، قال أحمد:(إسناده جيد)، واحتج به، وفي سنده بقية بن الوليد وهو مدلس وقد صرح بالتحديث كما في المسند، قال ابن عبد الهادي:(وتكلم فيه البيهقي وابن حزم وغيرهما بغير مستند قوي)، وله شاهد عند مسلم (243) من حديث عمر رضي الله عنه بلفظ:«ارجع فأحسن وضوءك» . ينظر: تنقيح التحقيق (1/ 225)، البدر المنير (3/ 237).
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (43)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (397)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه بال في السوق، ثم توضأ، فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه، ثم دُعي لجنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها» ، قال البيهقي:(وهذا صحيح عن ابن عمر)، وصححه النووي.
وقد علقه البخاري بصيغة التمريض في باب تفريق الغسل والوضوء (1/ 61)، قال الحافظ ابن حجر:(وهذا إسناد صحيح، ما أدري لِمَ لَمْ يجزم به البخاري، ثم تبين لي أن ذلك لذِكْره له بالمعنى). ينظر: المجموع للنووي 1/ 455، تغليق التعليق 2/ 157.
(4)
قوله: (ذلك) سقطت من (أ).
(5)
كلامه فيه نظر، بل ذهب شيخ الإسلام إلى أن الموالاة واجبة، لكن تسقط للعذر. ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 135.
نَظائِرُ؛ مِنْها: التَّتَابُعُ في صوم شَهرَيِ الكفَّارةِ.
وجوابُه: النَّصُّ والإجْماعُ، ثمَّ لوْ تركه لِعُذْرٍ؛ لم يَنقطِعْ، وكذا الموالاةُ في قراءةِ الفاتحةِ، وفي الطَّواف والسَّعْيِ؛ لا يَبطُل بِفعْلِ
(1)
المكْتوبةِ.
(وَهُوَ: أَلَّا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الذِي قَبْلَهُ) في زمَنِ مُعْتدِلٍ، أو بمقدارِه في الشِّتاءِ والصَّيفِ والْهواءِ، وهلِ الاِعتبارُ بما يَلِي
(2)
العُضوَ المغسولَ، أو أوَّلِها، أو جميعِها؟ فِيهِ أقْوالٌ.
والتَّفريقُ المُبطِلُ: ما يُعدُّ في العُرْف تفْريقًا، قال الخَلَّالُ:(هو الأشبهُ بقوْله، والعملُ عليْه).
فلو جَفَّ الأوَّلُ لاِشتغالِه فِي الثَّاني بسُنَّةٍ؛ كتخْليلٍ وإِسْباغٍ لم يَضُرَّ، وكذا إنْ كان لِوَسْوسةٍ، وإزالةِ وسَخٍ فِي الأَصحِّ، وإن كان للاِشْتِغال
(3)
بتحصيلِ الماء؛ فَرِوايتانِ.
ويضُرُّ إسْرافٌ، وإزالةُ وَسَخٍ لغيرِ الطَّهارةِ، وزيادةٌ علَى الثَّلاثِ؛ لأنَّه ليس من
(4)
الطَّهارةِ شرعًا.
ولا تسقط هي، وترتيبٌ سهوًا؛ كبقيةِ الفُروض.
(وَالنِّيَّةُ) لغةً: القصدُ يقال: نَواك اللهُ بِخيرٍ؛ أي: قصدك به، ومحلُّها القلبُ فلا بدَّ أن يَقصِدَ بقلبِه، وأن يخلِصها لله تعالى؛ لأنَّه عملُ القلب، والنَّصُّ دلَّ على الثَّواب في كلِّ وضوء، ولا ثواب في غير مَنْوِيٍّ بالإجماعِ.
(شَرْطٌ) وهو لغةً: العلَامةُ، ومنه قوله تعالى:{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محَمَّد:
(1)
في (أ): بنفل.
(2)
قوله: (بما يلي) هو في (ب): بماء.
(3)
في (ب) و (و): الاشتغال.
(4)
في (أ) و (ب): في.
18].
واصْطِلاحًا: ما يَلزَمُ من عدمه العدمُ، ولا يَلزَمُ من وُجودِه
(1)
وُجودٌ ولا عَدَمٌ.
(لِطَهَارَةِ الْحَدَثِ كُلِّهَا)، بغيرِ خِلافٍ نعلمُه؛ لقوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البَيّنَة: 5]، والإخلاصُ مَحْضُ النِّيَّةِ، وقد صحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ» ، وأكَّدهُ بقوله:«وإنَّما لامْرِئٍ ما نَوَى»
(2)
، وقوله:«لا عملَ إلَّا بِنِيَّة»
(3)
، ولأنَّ الوُضوءَ عِبادةٌ؛ لقوله عليه السلام:«الطُّهور شَطرُ الإيمانِ» رواه مسلم
(4)
، وأخبر أنَّ الخطايا تَخرجُ بالوُضوءِ، وكلُّ عبادة لا بدَّ لها من نيَّة.
فالعِبادةُ: ما أُمِر به شرْعًا من غير اطِّرادٍ عُرْفِيٍّ، ولا اقتِضاءٍ عقْليٍّ.
قِيل لأبي البَقاءِ: الإسلامُ والنِّيَّةُ عبادتان، ولا يَفتقِرانِ إلى النِّيَّةِ؟ فقال: الإسلامُ ليس بعبادةٍ؛ لصدوره من الكافرِ، وليس من أهلها، سَلَّمنا، لكن صحَّ للضرورة؛ لأنَّه لا يصدر إلَّا من كافرٍ، وأمَّا النِّيَّة فَلِقطْع التَّسلْسُل.
ولأنَّها طهارةٌ حُكميَّةٌ، فافتقرتْ إلى النِّيَّةِ؛ كالكفَّارة، بخلاف طهارةِ الخبَث، فإنَّها نقلُ عيْنٍ، أشبه ردَّ الوَديعةِ، ولأنَّ طهارة الحدَثِ بابُها الفعلُ أشبهتِ الصَّلاةَ، وطهارةُ النَّجاسةِ بابُها التَّرْكُ أشبهتْ تركَ الزِّنى.
وذكَرَ بعضُ أصحابنا عن طوائِفَ من العُلَماءِ: أنَّه ليس من شرْط العبادة النِّيَّةُ؛ بدليل السِّتارةِ، واستقبالِ القِبلةِ، وهما شَرْطانِ للعبادةِ.
وأُجيب: بأنَّهما يُوجدان في جميع الصَّلاة لوجودِهما قبلها، فنيَّةُ الصَّلاةِ
(1)
قوله: (وجوده) سقطت من (أ).
(2)
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البيهقي في الكبرى (179)، من حديث أنس رضي الله عنه، قال ابن حجر:(وفي سنده جهالة)، وجاء موقوفًا على عمر رضي الله عنه، بسند منقطع، ذكره ابن رجب. ينظر: جامع العلوم والحكم (ص 68)، التلخيص الحبير 1/ 400.
(4)
أخرجه مسلم (223)، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
متضمِّنةٌ لهما، بخلافِ طهارةِ الحَدَثِ، ولهذا لو حَلف لا يَتطهَّرُ وهو متطهِّر؛ لم يحنَثْ بالاستدامة
(1)
، ولو حَلَف لا يَستتِرُ، ولا يَسْتقبِل؛ حنِث باستِدامتِهِما.
وظاهرُه
(2)
: أنَّها ليست بشرطٍ في طهارةِ النَّجَسِ، وهو كذلك في الأصحِّ.
وفيه وَجْهٌ: يُشتَرط إن كانت على البدَنِ. وفي رواية: أنَّها شرط مطلقًا.
(وَهِيَ: أَنْ يَقْصِدَ رَفْعَ الْحَدَثِ)، وهُو المانِعُ ممَّا تُشْتَرَطُ له الطَّهارةُ، والمراد رفع حكمه، وإلا فالحدث إذا وقع لا يرتفع
(3)
، (أَوِ الطَّهَارَةَ لِمَا لَا يُبَاحُ إِلَّا بِهَا)؛ أي: يَقصِدُ
(4)
استباحةَ عِبادةٍ لا تُستباح إلَّا بالطَّهارة؛ كالصَّلاةِ، والطَّوافِ، ومسِّ المُصحَفِ؛ لأنَّ ذلك يَستلزِم رفعَ الحدثِ، ضَرورةَ أن صحَّة
(5)
ذلك لا يَجتمِعُ معهُ.
فإن نوى التَّبرُّدَ وما لا يُشرع له الطَّهارةُ؛ كأكلٍ وبيعٍ، ونوى مع ذلك الطَّهارة؛ صحَّتْ، وإلَّا فلَا.
فإن غسَل أعضاءَه ليزيل عنها النَّجاسةَ، أو ليُعلِّم غيرَه؛ لم يجزئْه.
وإن نوى صلاةً مُعيَّنة لا غيرَها؛ ارتَفع مطلقًا.
وإن نوى طهارةً مُطلقةً، أو وُضوءًا مُطلقًا؛ فالرَّاجح أنَّه لا يرتفِع.
وإن نوى الجنُبُ بغسله القراءةَ؛ ارتفعَ الأكبرُ، وفي الأصغر وجهان.
وإن نَوى بغسله اللُّبْثَ في المسجدِ؛ ارتفع الأصغرُ، وفي الأكبرِ في أعضاءِ الوُضوءِ - وقِيل: وغيرِها - وجهان.
وإن نَوى مَنْ حدَثُه مستمِرٌّ استباحةَ الصَّلاة؛ صحَّ، وارتفع حدثُه، ولا
(1)
في (أ): باستدامته.
(2)
في (و): فظاهره.
(3)
قوله: و (المراد رفع حكمه وإلا فالحدث إذا وقع لا يرتفع) زيادة من الأصل.
(4)
في (و): بقصد.
(5)
في (أ) و (و): صح.
يحتاج إلى تعيين النِّيَّة للفرض، فلو نَوى رفعَ الحدث؛ لم يرتفعْ في الأَقْيسِ.
ويُسنُّ نُطقُه بها سِرًّا، ولا يضرُّ سبقُ لسانه بخلاف قصدِه.
تنبيه: يُشتَرَط لصحَّة وضوءٍ: عقلٌ، وتمييزٌ، وإسلامٌ، ودخولُ وقتٍ على مَنْ حدَثُه دائمٌ لِفرضِه، وإزالةُ ما يمنعُ وصولَ الماء، وطهرٌ من حيضٍ ونفاسٍ، وفَراغُه من خروجِ خارج، وطَهوريَّةُ ماءٍ، وإباحتُه.
(فَإِنْ نَوَى مَا تُسَنُّ
(1)
لَهُ الطَّهَارَةُ)؛ كقِراءةِ قُرآنٍ، وأذانٍ، ونحوِهما، (أَوِ التَّجْدِيدَ) ناسيًا حدَثَه؛ (فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا يرتفع، اختارها ابن حامِد والشِّيرازي وأبو الخَطَّاب؛ كمن نوى التَّبرُّد.
والأخرى: يرتفِع، اختارها أبو حفْص، والشَّيخان، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّه نوى طهارةً شرعيَّةً.
وصحَّح السَّامَرِّيُّ: أنَّه لا يرتفع إذا نوى ما تسنُّ له الطَّهارة.
وفي «الرعاية» : إن جَدَّد محدِثٌ وضوءَه ناسيًا حدَثَه؛ لم يرتفِعْ في الأشهر، وفي حصول التَّجديدِ إذا لم يرتفِع احتمالان.
(وَإِنْ نَوَى غُسْلًا مَسْنُونًا)؛ كغسلِ الجمُعة (فَهَلْ يُجْزِئُ
(2)
عَنِ الْوَاجِبِ)؛ كغسلِ الجَنابةِ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ) هما مَبنيان على الخِلافِ السَّابِقِ، والمذهبُ: الإجزاء؛ كعكسِه.
فإن لم يرتفِع الواجِبُ؛ حصل المسنونُ. وقيل: لا. وقيل: يجزئه الواجِب؛ لأنَّه أعلى.
فإن نواهما حصَلا، نصَّ عليه.
(وَإِنِ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ تُوجِبُ الْوُضُوءَ أَوِ الْغُسْلَ)؛ متنوِّعةٌ، قيل: معًا،
(1)
في (و): يسن.
(2)
في (و): يجزئه.
وقيل: أو متفرِّقة، (فَنَوَى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهُمَا)، وقيل: وعلى ألا يرتفع غيره
(1)
، (فَهَلْ يَرْتَفِعُ سَائِرُهَا)؛ أي: باقيها، قال ابن هشام
(2)
: (ولا أعلم أحدًا من أئِمَّةِ اللُّغَة ذكر أنَّها بمعنى الجميع إلَّا الجوهري، وهو وهَمٌ)
(3)
، (عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: يرتفع، وهو قول القاضي، وجزم به في «الوجيز» ، وهو الأصحُّ؛ لأنَّ الأحداث تتَداخَل، فإذا ارتفع البعض ارتفع الجميع.
والآخَر: لا يرتفع إلَّا ما نواه، وقاله أبو بكر عبد العزيز؛ لأنَّه لم يَنوِه، أشبَه ما لو لم ينوِ شيئًا. فعلى قوله؛ إذا اغتسلت من هي حائض جُنُب للحيض؛ حلَّ وطؤها دون غيره؛ لبقاء الحرمة.
وفيه وجهٌ: إن سبق أحدُهما ونواه؛ ارتفع غير المَنْوِي
(4)
، وإلَّا فلا.
وفيه وجهٌ: تجزئ نيَّةُ حَيْضٍ
(5)
عن جنابة من غير عكس، وما سوى ذلك يرتفع.
وفيه وجه: لا يُجزِئ أحدُهما عن الآخر، ويجزئ في
(6)
غيرهما.
وظاهِرُه
(7)
: أنَّه إذا نوى الجميعَ ارتفع، وهو كذلك عند الأكثر؛ لأنَّه لم
(1)
قوله: (فنوى بطهارته أحدهما، وقيل: وعلى ألا يرتفع غيره) سقطت من (أ).
(2)
هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام، من أئمة العربية، من تصانيفه: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، وعمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب، ورفع الخصاصة عن قراء الخلاصة، وشذور الذهب، توفي سنة 761 هـ. ينظر: المقصد الأرشد 2/ 66، الإعلام 4/ 147.
(3)
لم نقف على كلام ابن هشام، وقد ذكر النووي في تهذيب الأسماء واللغات 3/ 140 اعتراض بعض أهل اللغة على الجوهري في ذكره (سائر) بمعنى (جميع)، وذكر خلاف أهل اللغة في تصويبه وتخطئته.
(4)
في (و): عن المنوي. وقوله: (غير المنوي) سقطت من (أ). والمثبت موافق لما في الإنصاف 1/ 318.
(5)
في (و): الحيض.
(6)
في (و): من.
(7)
في (و): فظاهره.
ينقل أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة إلَّا غسلًا واحدًا، وهو يتضمَّن التقاء الختانين والإنزال.
(وَيَجِبُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى أَوَّلِ وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ)؛ لأنَّ النِّيَّة شرطٌ لصحَّتها، فيُعتبر وجودُها في أوَّلها، فلو فعل شيئًا من الواجباتِ قبل وجود النِّيَّة؛ لم يُعتدَّ به.
ويجوزُ تقديمُها بزمنٍ يسيرٍ كالصَّلاة. وقيل: وطويلٍ ما لم يَفسخْها.
والأصحُّ: أنَّه لا يُبطلها عملٌ يسير.
(وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى مَسْنُونَاتِهَا)؛ أي: يُستحَب تقديمُها على أوَّلِ المسنوناتِ منها
(1)
؛ كغَسل اليد إذا لم يكن قائمًا من نوم اللَّيل؛ ليشمَل مفروضَ الوضوء ومسنونَه، فلو فرَّق النِّيَّة على أعضاء الطَّهارة؛ صحَّ في الأَشهَر.
فرع: غسل الذِّمِّيَّة من الحيض لا
(2)
يفتقِر إلى نيَّة، واعتبره الدِّيْنَوَرِيُّ
(3)
، قال في «الرعاية»: والنَّصُّ: أنَّه لا يُجزِئ غُسلٌ بلا نيَّة.
(وَاسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا فِي جَمِيعِهَا)، قال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ: (وهُو أفضلُ؛ لتكون أفعالُه
(4)
مقرونةً بالنِّيَّةِ)
(5)
.
(وَإِنِ اسْتَصْحَبَ حُكْمَهَا؛ أَجْزَأَهُ)، ومعناهُ: أن
(6)
ينويَ المتطهِّرُ في
(7)
(1)
في (أ): المسنونات منهما.
(2)
في (أ): ولا.
(3)
هو أحمد بن محمد أبي الفتح بن أحمد، الدينوري، أبو بكر، الفقيه، من أئمة الحنابلة ببغداد، برع في الفقه وتقدم في المناظرة، صنف كتاب «التحقيق في مسائل التعليق» . توفي سنة 532 هـ. ذيل الطبقات 1/ 429، المقصد الأرشد 1/ 170.
(4)
في (أ): لئلا تكون أفعاله.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 29.
(6)
في (و): بأن.
(7)
في (و): من.
أوَّلِها، ثم لا يَنوِيَ قَطْعَها
(1)
، فإن عزَبت عن خاطرِه وذَهِل عنها؛ لم يؤثِّر ذلك في قَطْعِها؛ كالصَّلاة والصِّيامِ.
فرع: إذا شكَّ في النِّيَّة في أثناءِ طهارتِه؛ لزِمه استئنافُها، إلَّا أن يكون وَهْمًا؛ كالوسواس فلا يَلتفِتْ.
والأصحُّ: أنَّها لا تبطلُ بعد فراغه؛ كالشَّكِّ في حدَث.
والثَّاني: تبطُل؛ لأنَّ حكمَها باقٍ بخِلاف الصَّلاةِ.
وإن أبطلها في أثناء طهارته؛ بطل ما مضى في الأصحِّ، ولم تبطل
(2)
في آخر؛ لأنَّه وقع صحيحًا، فلم تبطُلْ
(3)
بقطْع النِّيَّة، كما لو نوى قطعَها بعد الفَراغِ من الوضوء.
ثمَّ هل يُتِمُّ على الأوَّلِ؟ يَنبَنِي على وُجوبِ الموالاة.
(1)
في (و): قطعًا.
(2)
في (و): يبطل.
(3)
في (و): يبطل.
فصل
(وَصِفَةُ الْوُضُوءِ)؛ المرادُ بها هنا: الكيفيَّةُ.
(أَنْ يَنْوِيَ، ثُمَّ يُسَمِّيَ) وقد تقدَّما، (وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ)؛ أي: كفَّيْهِ (ثَلَاثًا)؛ لأنَّ مَنْ
(1)
وَصفَ وُضوءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذكَرَ أنَّه كان يبدأ فيغسِل كفَّيه ثلاثَ مرَّات
(2)
؛ لأنَّ اليديْنِ آلةٌ لنقل الماء، فاستُحِبَّ غسلُهما تحقيقًا لطهارتهما، وتنظيفًا لهما.
وحينَئِذٍ فيتكرَّرُ غسلُهما عند الاِستِيقاظِ من النَّوم، وفي أوَّلِهِ، ومعَ كلِّ يَدٍ.
(ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ)؛ لما رَوى ابنُ عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوضَّأ، فأخذَ غَرْفةً مِنْ ماءٍ، فمضمضَ بها، واستنْشقَ» رواه البخاري
(3)
.
والمضْمضةُ: إدارةُ الماءِ في الفم. والاِستنْشاقُ: اجْتِذابُ الماءِ بالنَّفَس إلى باطِنِ الأنْفِ، والسُّنَّةُ أن يكون بيمينِه، ويستنثِر بيَساره.
وعنه: يجبُ في الصُّغرى.
وظاهِره: أنَّهُ يُسنُّ تقديمُ المضمضة عليهِ، ويتوجَّه أنَّه يَجِبُ وش
(4)
، ولأِنَّ الفمَ أشرفُ؛ لكونه محلَّ القراءة والذِّكر وغيرهما، وهما في ترتيبٍ وموالاةٍ كغيرهما.
(وَإِنْ شَاءَ مِنْ ثَلَاثٍ)؛ للحديثِ المتَّفقِ عليه: «أنَّهُ أدخل يدَه في الإناءِ، فمَضْمضَ واستنْشقَ ثلاثًا بثلاثِ غَرَفاتٍ»
(5)
، (وَإِنْ شَاءَ مِنْ سِتٍّ)؛ لأنَّ في
(1)
في (أ): في.
(2)
ومنه: حديث عثمان رضي الله عنه في صفة الوضوء عند البخاري (159)، ومسلم (226)، وحديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه عند البخاري (185)، ومسلم (235).
(3)
أخرجه البخاري (140).
(4)
وهو وجه عند الشافعية. ينظر: الحاوي الكبير 1/ 143، المجموع 1/ 362.
(5)
أخرجه البخاري (192)، ومسلم (235)، من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في صفة الوضوء.
حديث جدِّ طلحةَ بنِ مُصَرِّفٍ قال: «رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بين المضمضة والاستنشاقِ» رواه أبو داود
(1)
، وَوُضوءُه كان ثلاثًا ثلاثًا، فلزم كونُهما من سِتٍّ، والأفضل كما نصَّ عليه: أن يكون لهما من غرفةٍ واحدةٍ
(2)
.
وفي تسمِيتِهما فرضًا وسقوطِهما سهوًا روايتان، والمذهب: أنَّهما يُسَمَّيان فرضًا، ولا يَسقطان سهْوًا.
(وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ)، هذا هو المشهور؛ لأنَّ الله تعالى أمر بغسل الوجه وأطلق، وفسَّره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بفعله وتعليمه؛ فمضمض واستنشق في كلِّ وضوء توضَّأه، ولم ينقل عنه الإخلال به مع اقتصاره على المُجْزئ؛ وهو الوضوء مرَّةً مرَّةً، وقوله:«هذا وضوءٌ لا يقبل الله الصَّلاة إلَّا به»
(3)
، وفعلُه إذا خرج بيانًا كان حكمُه حكمَ ذلِك المُبَيَّنِ، ولو كان مستحبًا لتركه ولو مرَّةً لتَبْيِينِ
(4)
الجوازِ كما في الثَّانيةِ والثَّالثةِ، وقد رَوى الدَّارَقُطْنِيُّ عن أبي هريرة قال:«أمرنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاقِ» وإسنادُه جيِّدٌ
(5)
، وفي حديثِ لَقِيطِ بنِ صَبِرَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضَّأْتَ فتَمضمضْ» رواهُ أبو داودَ بإسنادٍ جيِّدٍ
(6)
، ولأنَّهما في حكم الظَّاهِر، بدليل أنَّ وضعَ
(1)
أخرجه أبو داود (139)، وهو حديث ضعيف، في سنده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف عند جمهور الأئمة. ينظر: تهذيب الكمال 24/ 279، البدر المنير 2/ 104.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 16.
(3)
سبق تخريجه 1/ 155 حاشية (5).
(4)
في (أ): لتبن.
(5)
أخرجه الدارقطني (415)، من طريق حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصحح الدارقطني وغيره إرساله. ينظر: خلاصة الأحكام (153)، تنقيح التحقيق 1/ 188.
(6)
أخرج هذه اللفظة أبو داود (144) وحسن إسنادها النووي، وصححها ابن القطان، وابن الملقن، وابن حجر. ينظر: خلاصة الأحكام (151)، البدر المنير 2/ 126، التلخيص الحبير 1/ 264.
الطَّعام
(1)
والخمر فيهما؛ لا يوجب فطرًا، ولا يَنشُر حُرمةً، ولا يُوجب حدًّا
(2)
، وحُصولُ النَّجاسةِ فيهما يُوجِبُ
(3)
غسلهما، ويُنقَض الوضوء بوصولِها إليهِما، ولَا يَشقُّ إيصال الماء إليهما، بخلاف باطِن اللِّحية الكَثَّة.
وعنه: أنَّ الاستنشاق وَحْدَه واجبٌ فيهما؛ لما في الصَّحيحين من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضأ أحدكم؛ فليجعل في أنفه ماء، ثم لينتثر» ، وفي لفظ
(4)
: «فليستنشق»
(5)
، وإذا
(6)
ثبت ذلك في الوضوء ففي الغسلِ أولى، ولأنَّ
(7)
طرَف الأنف لا يَزال مفتوحًا بخلاف الفَمِ، وقاله أبو عبيد وأبو ثور.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْكُبْرَى)؛ لأنَّه يجب إيصالُ الماء فيها إلى باطن الشُّعور ونحوه، (دُونَ الصُّغْرَى)؛ لأنَّ المأمور فيها غَسلُ الوجهِ، وهو ما تقع به المواجَهة، وليسا كذلك، أشبها باطنَ اللِّحيةِ الكَثَّة.
وعنه: يجِبان في الأصغر فقط، نقلها الميموني
(8)
. وعنه: يجب الاستنشاق وحدَه في الأصغر، ذكرها صاحب «الهداية». وعنه: عكسُها
(9)
ذكرها ابن الجوزي. وعنه: هما سنة وم ش
(10)
، كانتِثاره.
(1)
زاد في (ب) و (و): واللبن.
(2)
في (أ): حدًّا.
(3)
في (أ): توجب.
(4)
في (و): لفظة.
(5)
في (أ): فلينشق. وفي (و): فليستنثر. وأخرجه البخاري (162)، ومسلم (237).
(6)
في (و): إذا.
(7)
في (و): لأن.
(8)
ينظر: الفروع 1/ 174.
(9)
في (و): في الكبرى.
(10)
ينظر: بداية المجتهد 1/ 17، الحاوي الكبير 1/ 103.
(ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ)؛ للنَّصِّ، فيأخذ الماءَ بيديْه جميعًا، أو يغترف بيمينه ويضمُّ إليها الأخرى، ويغسل بهما ثلاثًا؛ لأنَّ السُّنَّة قد استفاضت به، خصوصًا حديثَ عثمانَ المتَّفق على صحَّته.
(مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ) غالبًا، فلا
(1)
عِبرة بالأفْرَع
(2)
الذي يَنبُت شعره في بعض جبهته، ولا بالأجلح الذي انحسر شعرُه عن مقدَّم رأسه، (إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ طُولًا، مَعَ مَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَمِنَ الْأُذُنِ إِلَى الْأُذُنِ عَرْضًا)؛ لأنَّ ذلك تحصل
(3)
به المواجَهة.
وعُلم من كلامه: أنَّ الأذنين ليسا من الوجه، وأنَّ البياضَ الذي بين العِذار والأذن منه، ونصَّ
(4)
الخِرَقِيُّ عليه؛ لأنَّه يَغفُل النَّاسُ عنه، وقال م
(5)
: ليس من الوجه، ولا يجب غسله، قال ابن عبد البرِّ:(لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقوله هذا)
(6)
، ولأنَّه يجب في حقِّ غير المُلتَحِي، فكذا غيره.
فيدخل
(7)
في حدِّ الوجه:
-العِذارُ: وهو الشَّعْر الذي على العظم الناتِئِ سمْت صِماخ الأذن، مرتفِعًا إلى الصُّدْغ، ومنحطًّا إلى العارِض.
-والعارض: وهو الشَّعر النابت على الخد.
-واللَّحْيان: العظْمان اللذان في أسفل الوجه قد اكتنفاه، وعليهما ينبت
(8)
أكثرُ اللِّحية.
(1)
في (و): ولا.
(2)
في الأصل: بالأقرع. والصواب المثبت.
(3)
في (و): يحصل.
(4)
في (أ): (نص).
(5)
ينظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1/ 118، بداية المجتهد 1/ 18.
(6)
ينظر: التمهيد 20/ 118.
(7)
في (أ): فدخل.
(8)
في (و): تنبت.
-والذَّقَن: وهو مَجْمَع اللَّحيَيْن.
-والحاجِبان، وأهدابُ العينيْنِ، والشارِبُ، والعَنْفَقَةُ.
ولا يَدخلُ صُدْغ: وهو الشَّعر الذي بعد انتهاء العذار يُحَاذي رأسَ الأذن، وينزل عن رأسها قليلًا في ظاهِر كلامِ أحمدَ، وهو الأصحُّ.
واختُلِف في التَّحذيفِ: وهو الشَّعْر بين انتهاء العِذار والنَّزعة، فقال ابن حامد: هو منه، وذكر بعضهم أنَّه الأصحُّ.
وضابِطُه: أن يضع طرف خيط على رأس الأذن، والطرف الثَّاني على أعْلى الجبهة، ويعرض هذا الخيط مستقيمًا، فما نزل عنه إلى جانب الوجه؛ فهو موضِع التحذيف
(1)
.
ولا يدخل فيه النَّزَعتان: وهما ما انحسر عنه الشَّعر من الرأس متصاعدًا من جانبيه، واختار ابن عقيل والشِّيرازي خلافَه.
ودلَّ كلامُه: أنَّه يجب غسل اللِّحية مع مُسترسِلِها، أوْ خرجَ عن حدِّ الوجه عرضًا، وهو ظاهر المذهب.
وعنه: لا يجِبُ غَسْلُ ما خرج عن مُحاذاة البَشرة طولاً وعَرْضًا، وهو ظاهِر الخِرَقيِّ في المُسترسِل، كما لا يجب غسل ما استرسل من الرأس.
والأوَّل أصح؛ لأنَّ اللحية تُشارك الوجهَ في معنى التوجُّه والمواجهة، وخرج ما نزل من الرأس عنه؛ لعدم مشاركة الرأس في الترؤُّس
(2)
.
مسألة: يُستَحب أن يزيد في
(3)
ماء الوجه لأسارِيرِه ودواخِلِه وخوارِجِه
(1)
قوله: (وضابطه أن يضع طرف خيط على رأس الأذن، والطرف الثَّاني على أعلى الجبهة، ويعرض هذا الخيط مستقيمًا، فما نزل عنه إلى جانب الوجه، فهو موضع التحذيف) سقط من (أ) و (ب).
(2)
في (أ) و (ب): الرأس.
(3)
قوله: (في) سقط من (أ).
وشُعوره، قاله أحمد
(1)
، وكره أن يأخذ الماء ثمَّ يصبَّه، ثمَّ يغسل وجهه، وقال: هذا مسح، وليس بغسل
(2)
.
وتقدَّم أنَّه لا يجب غسل داخل العينين.
(فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَعْرٌ خَفِيفٌ يَصِفُ الْبَشَرَةَ؛ وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَهُ)؛ لأنَّها لا يُستر ما تحتها، أشبه الذي لا شعر عليه، ويجب غسل الشَّعْر تَبَعًا للمحلِّ.
(وَإِنْ كَانَ يَسْتُرُهَا؛ أَجْزَأَهُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ)؛ لحصول المُواجَهةِ به، فوجب تعلُّقُ الحكمِ به، بخلاف الغُسل. وقيل: لا؛ كتيمُّم. وقيل: يجب غَسلُه.
وشعْرُ غيرِ اللِّحْية كَهِي، وقيل: يجب غسلُه وش
(3)
.
(وَيُسْتَحَبُ تَخْلِيلُهُ) كما تقدَّم.
فرع: لو كان
(4)
شَعْرٌ خفيفٌ وكثيفٌ؛ فظاهِرُ كلامِهم: أنَّ لكلِّ واحِدٍ حُكمَه.
(ثُمَّ يَغْسِلَ يَدَيْهِ)؛ للنَّصِّ، ولا خلاف فيه بين الأمَّة
(5)
، (إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ).
ويجب غسل أظفاره، ولا يضرُّ وسَخٌ يسيرٌ في الأصحِّ؛ كبَراجِمِه.
وقيل: إن منع وصول
(6)
الماء إلى ما تحته؛ كشَمْع؛ ففي صحَّة طهارته وجهان، وجزم ابن عَقيل بعدَمها.
وقيل: يُسامح فلَّاحٌ ونحوُه.
وظاهِره: أنَّه إذا نبتت له إصبَعٌ زائِدةٌ أو يَدٌ في محلِّ الفرض؛ فإنَّه يجب
(1)
ينظر: المغني 1/ 88.
(2)
ينظر: المغني 1/ 88.
(3)
ينظر: البيان للعمراني 1/ 116، تحفة المحتاج 1/ 234.
(4)
زاد في (و): عليه.
(5)
قوله: (فيه بين الأمة) هو في (و): بين الأئمة فيه. وينظر: مراتب الإجماع ص 18.
(6)
في (أ): حصول.
غسلها معه، فلو كان النابِت في العَضُد أو المَنكِب، ولم يتميز الأصلي
(1)
؛ غُسِلَا وجهًا واحدًا، وإن تميَّز؛ لم يجب غسل ما لم يُحاذِ الفرضَ.
وكذا إن حاذاه منها شيءٌ على المذهب. واختار القاضِي والشِّيرازِيُّ، وصحَّحه ابن حَمْدان: أنَّه يجب غسل المُحاذِي.
وإذا تدلَّتْ جِلدةً إلى محلِّ الفرض، أو منه؛ غُسلتْ. وقيل: إن تدلَّت من محلِّ الفرض غسلت، وإلَّا فلا، ذكره ابن تميم.
وإنِ التَحَمَ رأسها في محلِّ الفرض وجب غسل ما فيه منها.
(ثَلَاثًا)؛ لحديث عثمانَ وغيره.
(وَيُدْخِلَ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْغَسْلِ)؛ لما روى الدَّارقطني، عن جابر قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضَّأ أمرَّ الماء على مِرْفَقِه»
(2)
، وهذا بيان للغسل المأمور به في الآية
(3)
الكريمة.
وعنه: لا يجب إدخالهما فيه، وقاله زُفَر
(4)
؛ لأنَّ (إلى) للغاية.
قلنا: وقد يكون بمعنى (مع)؛ كقوله تعالى: {ويَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هُود: 52]، {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النِّسَاء: 2]، فبيَّن عليه السلام أنَّها كذلك.
(1)
في (أ) و (ب): الأصل.
(2)
أخرجه الدارقطني (272)، وفي سنده القاسم بن محمد بن عبدالله بن عقيل، متروك الحديث، وضعف الحديث جماعة، منهم ابن الجوزي، والمنذري، والنووي، قال ابن حجر: ويغني عنه ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة: «أنه توضأ حتى أشرع في العضد» . ينظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/ 119، البدر المنير 1/ 669، التلخيص الحبير 1/ 221.
(3)
في (أ): والآية.
(4)
هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري، أصله من أصبهان، فقيه من تلاميذ أبي حنيفة، قال عن نفسه:(ما خالفت أبا حنيفة في قول إلا وقد كان أبو حنيفة يقول به)، تولى قضاء البصرة، وتوفي بها سنة 158 هـ. ينظر: الجواهر المضية 1/ 243، 244، والأعلام للزركلي 3/ 78.
أو يُقال: اليد تُطلَق حقيقةً إلى المنكِب
(1)
، و (إلى) أخرجت ما عدا المِرفق
(2)
.
فإن كانت اليد لا مِرفَق لها؛ غُسل إلى قدر المرفق في غالِب النَّاس.
(ثُمَّ يَمْسَحَ
(3)
رَأْسَهُ)، وهو فرض بالإجماع، وسَنَده النَّصُّ، وهو ما نبت عليه الشَّعر في حقِّ الصَّبيِّ، قال في «الشرح»:(وينبغي أن يُعتبر غالبُ النَّاس، فلا يعتبر الأفْرع، ولا الأجلح كما سبق في حدِّ الوجه).
(فَيَبْدَأَ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، ثُمَّ يُمِرَّهُمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرَدَّهُمَا إِلَى مُقَدَّمَهِ)، كذا في «المحرر» ، وفي «المغني» و «الشرح»: يَضَع طرَف إحدى
(4)
سبَّابتَيه على طرَف الأخرى، ويضَعُهما على مقدَّم رأسِه، ويضَع الإبهامين على الصُّدغيْنِ، ثم يُمِرُّ يدَيه إلى قفاه، ثمَّ يردُّهما إلى المكان الذي بدأ منه؛ لما رَوى عبدُ الله بنُ زَيدٍ في وصْف وضوءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فمسَح رأسَه بيديه، فأقبل
(5)
بهما وأدبر، بدأ بمقدَّمِ رأسه حتَّى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدأ منه» متَّفق عليه
(6)
.
ويُستثنَى من ذلك: ما
(7)
إذا خاف أن ينْتَفِش شعْرُه بردِّ يديْه؛ فإنَّه لا يردُّهما، نصَّ عليه
(8)
، بل يمسح إلى قفاه فقط، سواء كان رجلًا أو امرأةً.
(1)
في (و): المرفق. والمثبت موافق لما في شرح العمدة لشيخ الإسلام 1/ 186، وشرح الزركشي 1/ 189.
(2)
في (و): المنكب.
(3)
في (و): مسح.
(4)
قوله: (إحدى) سقطت من (أ).
(5)
في (أ): وأقبل.
(6)
أخرجه البخاري (185)، ومسلم (235).
(7)
قوله: (ما) سقط من (أ).
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 13.
وعنه: تبدأ بمؤخَّره، وتَختِمُ به.
وعنه: تَبدأ هي من وسطه إلى مقدَّمه، ثمَّ من الوسط إلى مؤخَّرِه.
قال في «المغني» و «الشرح» : وكيف مسح بعد استيعاب قدرِ الواجِب أجزأه.
وتُجْزئ بعض يده، وبحائل في الأصحِّ، وه ش
(1)
.
(وَيَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِهِ)، هذا ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، ومختارُ عامَّةِ الأصحاب، وذكر القَاضِي والسَّامَرِّي: أنَّه أصحُّ الرِّوايات؛ لأنَّه تعالى
(2)
أمرَ بمسح الرأس، وبمسح الوجه في التَّيمُّم، وهو يجب الاستِيعاب فيه، فكذا هنا؛ إذ لا فرق، ولأنَّه عليه السلام مسح جميعَه، وفِعْلُه وقَعَ بيانًا للآية، والباء للإلصاق؛ أي: إلصاق الفعل بالمفعول، فكأنه قيل: ألصقوا المسح برؤوسكم؛ أي: المسح بالماء، وهذا بخلاف لو قيل: امسحوا رؤوسكم؛ فإنَّه لا يدلُّ على أنَّه ثَمَّ شيءٌ مُلْصَقٌ، كما يقال
(3)
: مسحت رأس اليتيم.
وأمَّا دعوى أنَّ الباء إذا وَلِيَتْ فعلاً متعدِّيًا أفادت التبعيض في مجرورها لغةً؛ فغير مسلَّم؛ دَفْعًا للاشتراك، ولإنكار الأئمَّة.
قال أبو بكرٍ
(4)
: سألتُ ابنَ دريد
(5)
وابنَ عرفة
(6)
عن الباء تبعِّض؛ فقالا:
(1)
ينظر: بدائع الصنائع 1/ 4، تحفة المحتاج 1/ 209.
(2)
في (أ): يقال.
(3)
في (أ) و (ب): تقول.
(4)
هو أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال. ينظر: شرح الزركشي 1/ 191.
(5)
محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، أبو بكر، من أئمة اللغة والأدب، كان يقال: ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء، وهو صاحب المقصورة الدريدية، ومن كتبه: الاشتقاق في الأنساب، والمقصور والممدود، وغيرهما، توفي سنة 321 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 323، سير أعلام النبلاء 15/ 96.
(6)
هو إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، الملقب نفطويه، النحوي، كان عالمًا بارعًا، من مصنفاته: غريب القرآن، والمقنع في النحو، والبارع، توفي سنة 323 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 1/ 47، سير أعلام النبلاء 15/ 75.
(لا نعرفه في اللغة)، وقال ابن برهان
(1)
: من زعم أنَّ الباء تبعِّض فقد جاء عن أهل اللغة بما لا يعرفونه.
وقولُه تعالى: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسَان: 6]، وقولُ الشاعر:
شَرِبْن بماءِ البحر
(2)
........
…
...................
فمن باب التَّضْمِين؛ كأنَّه قيل: يَروَى.
وما رُوِيَ: «أنَّه عليه السلام مسح مقدَّم رأسه» ؛ فمحمول على أنَّ ذلك مع العِمامة؛ كما جاء مفسَّرًا في حديث المغيرةِ بنِ شُعْبةَ
(3)
، ونحن نقول به.
وظاهره: أنَّه يتعيَّن استيعاب ظاهِرِه كلِّه، لكن استَثْنَى في «المترجم» و «المبهج» اليسيرَ للمَشَقَّةِ.
(مَعَ الْأُذُنَيْنِ)؛ أي: يجب مسحهما مع الرأس في رواية اختارها جماعةٌ؛
(1)
هو عبد الواحد بن علي، ابن برهان الأسدي العكبري، أبو القاسم، عالم بالأدب والنسب، قال ابن ماكولا: ذهب بموته علم العربية من بغداد، وكان حنبليًّا فتحول حنفيًّا، ومال إلى إرجاء المعتزلة، من مصنفاته: الاختيار في الفقه، وأصول اللغة، واللمع في النحو، توفي سنة 456 هـ. ينظر: فوات الوفيات 2/ 414، الإعلام 4/ 167.
(2)
والبيت بتمامه:
شربن بماء البحر ثمّ ترفَّعت متى لُجَجٍ خُضْرٍ لهنّ نئيج
وهو لأبي ذؤيب الهذلي. ينظر: أمالي ابن الشجري 2/ 613، خزانة الأدب 7/ 98.
(3)
أما ما روي مما يدل على الاكتفاء بمقدم الرأس: فهو ما أخرجه الشافعي كما في المسند (78) من مرسل عطاء: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه» ، وقواه ابن حجر بما ورد في الباب من أحاديث وآثار لا تخلو من مقال، ومنها ما أخرجه أبو داود (147) من حديث أنس رضي الله عنه، وفي إسناده أبو معقل وهو مجهول.
وأما حديث المغيرة رضي الله عنه: فهو ما أخرجه مسلم (274) ولفظه: «ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه» . ينظر: تنقيح التحقيق 1/ 195 - 196، الهدي لابن القيم 1/ 186، فتح الباري 1/ 293، ضعيف سنن أبي داود للألباني 1/ 46.
لقوله عليه السلام: «الأذنان من الرَّأْس»
(1)
.
وظاهِرُ المذهب: أنَّه لا يجب مسحهما وإن وجب الاستيعاب؛ لأنَّهما منه حُكمًا، لا حقيقةً؛ لأنَّ الرأس عند إطلاق لفظِه إنما يتناول ما عليه الشَّعر، بدليل: أنَّه لا يجزئ مسحهما عنه وإن قلنا بإجزاء البعض، قاله الجمهورُ.
(وَعَنْهُ: يُجْزِئُ مَسْحُ أَكْثَرِهِ)؛ لأنَّه يطلق على الجميع كما يُقال: جاء العسكرُ، والمرادُ أكثرُه، ولأنَّ إيجاب الكلِّ قد يفضي إلى الحرج غالبًا، وأنَّه منفيٌّ شرعًا.
فإن ترك الثُّلثَ فما دونُ؛ جازَ، وقاله محمَّدُ بن مَسلَمة
(2)
.
وعنه: يُجزئ بعضُه، وفي «الانتصار»: في التجديد، وفي «التعليق»: للعذر. واختاره الشَّيخ تقي الدِّين، وأنَّه يمسح معه العِمامة، ويكون كالجَبِيرَة، فلا توقيتَ
(3)
.
وعنه: يجزئ بعضُه للمرأة، وهي الظَّاهرة عند الخَلَّال والمؤلف؛ لأنَّ عائشة كانت تمسح مقدَّم رأسِها
(4)
.
(1)
سبق تخريجه 1/ 154 حاشية (4).
(2)
هو محمد بن مسلمة بن الوليد الواسطي، أبو جعفر الطيالسي، حدث عن: يزيد بن هارون، وأبي عبد الرحمن المقرئ، توفي 281 هـ. ينظر: تاريخ الإسلام 6/ 824، الوافي بالوفيات 5/ 21.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 179، الاختيارات ص 21. وقال في الإنصاف 1/ 350:(واختار الشيخ تقي الدين أنه يمسح معه العمامة للعذر؛ كالنزلة ونحوها، وتكون كالجبيرة، فلا توقيت).
(4)
في المغني (1/ 93): قال مهنا: قال أحمد: (أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل). قلت له: ولم؟ قال: (كانت عائشة تمسح مقدم رأسها). ولم نقف على هذا الأثر عن عائشة رضي الله عنها.
وروي عنها خلاف ذلك: أخرج البيهقي في الكبرى (283)، عن أم علقمة مولاة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن عائشة:«أنها كانت إذا توضأت تدخل يدها من تحت الرداء تمسح برأسها كله» ، وأم علقمة اسمها مرجانه، وهي مجهولة.
وعنه: قدرُ النَّاصِية، وفي تعيينها وجهان، وهي مقدَّمه عند القاضي، وقدَّمه في «الفروع» ، وقيل: قِصَاصُ الشَّعر.
تذنيب: إذا مسح بَشَرة رأسه دون ظاهِر شعْره؛ لم يُجْزِئْه، وكذا إذا مسح ما نزل عن الرَّأس من الشَّعر ولو كان مَعْقُوصًا على الرأس.
وإن غسل رأسَه بدلًا عن مسحه، ثمَّ أمرَّ يده عليه؛ جاز في الأشهر، وكذا الخُفُّ والجَبِيرة.
قال ابن حامد: إنَّما
(1)
يجزئ الغَسل عنه إذا نواه به، فلو أصاب رأسَه ماءٌ من غير قصد، ثمَّ مسحَه بيده بعد نيَّة الوضوء؛ أجزأه في الأقيس.
والثَّاني: لا، كما لو وضع يده مبلولةً على رأسه ولم يُمرَّها عليه، أو وضع عليه خِرقةً مبلولةً، أو بلَّها عليه.
ولو كان على رأسه خِضابٌ فمسح عليه؛ لم يجزئه، نصَّ عليه
(2)
.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ) في الصَّحيح من المذهب، قال التِّرمذي:(والعمل عليه عند أكثر أهل العلم)
(3)
؛ لأنَّ أكثر من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنَّه مسح رأسه واحدةً
(4)
، ولأنَّه مَسْحٌ في
(5)
طهارة عن حدث، فلم يستحبَّ تكراره؛ كالمسح على الخفَّين وفي التيمُّم.
(وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ)، قال في «المغني»:(ويحتمله كلامُ الخِرَقي؛ لقوله: «والثلاثُ أفضلُ»)، وفيه نظر، بماء جديد، نصره أبو الخطاب، وابن الجوزي؛ لما روى عثمان:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثًا» رواه
(1)
في (و): وإنَّما.
(2)
ينظر: مسائل صالح 1/ 168.
(3)
ينظر: سنن الترمذي 1/ 89.
(4)
سبق تخريجه 1/ 176 حاشية (6).
(5)
في (و): من.
أبو داود، قال ابن الصَّلاح:(حديث حسن)
(1)
، ولأنَّه أصل في الطَّهارة، فَسُنَّ تكراره كالوجه.
والأوَّلُ أوْلَى، قال أبو داود:(أحاديثُ عثمانَ الصِّحاحُ كلُّها تدلُّ على أنَّ مسح الرَّأس واحدةً؛ فإنَّهم ذكروا الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، وقالوا فيها: «ومسح برأسه»، ولم يذكروا عددًا كما ذكروا في غيره)
(2)
، قال في «الشرح»: (أحاديثُهم لا يصحُّ
(3)
منها شيء
(4)
صريحٌ).
لا يُقال: إنَّ مسحَه عليه السلام مرَّةً واحدة لتبيين الجواز، وثلاثًا لتبيين الفضيلة كما فعل في الغسل؛ لأنَّ قول الراوي: هذا طهور
(5)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلُّ على أنَّه طهور على الدَّوام.
فرع: إذا زال شعرُه بعد غَسْلِه أو مسحِه، أو ظُفُرٌ، أو عُضوٌ؛ لم يؤثِّر في طهارتِه في قول أكثر العلماء. وقيل: بلى، ورُوي عن بعض السلف
(6)
.
(1)
أخرجه أبو داود (107)، من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن حمران، به، وبيَّن أبو داود أن هذا الحرفَ لم يذكره جميع من روى الحديث وهو قوله:(ثلاثًا)، وأن المحفوظ في حديث عثمان المسح على الرأس واحدة، ورجح غير أبي داود ثبوت التثليث بروايات أخرى تعضد هذه اللفظة. ينظر: تنقيح التحقيق 1/ 201 - 202، البدر المنير 2/ 171، صحيح أبي داود للألباني 1/ 179.
(2)
ينظر: سنن أبي داود 1/ 26.
(3)
في (أ): تصح.
(4)
في (أ): (من) بدل (شيء).
(5)
في (و): وضوء.
(6)
روي ذلك عن مجاهد والحكم وحماد بن أبي سليمان. ينظر: الأوسط لابن المنذر 1/ 239.
وأخرج حرب في مسائله - كتاب الطهارة - (410)، عن مجاهد:«أن علي بن أبي طالب كان إذا قلم أظفاره أو أخذ شاربه توضأ، وإذا احتجم اغتسل» ، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.
(ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ)؛ للآية الكريمة، (ثَلَاثًا)؛ لحديث عثمان وغيره، (إِلَى الْكَعْبَيْنِ)؛ أي: كلُّ رِجلٍ تُغسل إلى الكعبين، ولو أراد كِعابَ جميع الأرجل لذكره بلفظ الجمع؛ كقوله تعالى:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المَائدة: 6]؛ لأنَّ مقابلةَ الجمع بالجمع تقتضي
(1)
توزيع الأفراد على الأفراد؛ كقولك: ركب القوم دوابهم.
والكَعْبان: هما العَظمان النَّاتِئان اللَّذان في أسفل الساق من جانبي القدم، وقاله أبو عُبَيد، ويدلُّ عليه حديث النعمان بن بشير، قال: «كان أحدُنا يُلزِق
(2)
كَعبَه بكَعب صاحبِه في الصَّلاة» رواه أحمد وأبو داود
(3)
، ولو كان مُشْط القدَم؛ لم يستقم ذلك.
(وَيُدْخِلَهُمَا فِي الْغَسْلِ)؛ لما سبق، ولقوله عليه السلام:«ويلٌ للأعقاب من النَّار» متَّفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو
(4)
.
(وَيُخلِّلَ أَصَابِعَهُ) وقد تقدَّم.
(فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ؛ غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا أمَرْتُكُم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» متَّفق عليه
(5)
، (فَإِنْ
(6)
لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ) من محلِّ الفرض؛ (سَقَطَ)؛ لفوات المحلِّ.
(1)
في (و): يقتضي.
(2)
في (و): يلزم.
(3)
أخرجه البخاري معلقًا، كتاب الأذان، باب إلزاق المَنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف، وأحمد (18430)، وأبو داود (662)، وابن خزيمة (160)، وابن حبان (2176)، وصححه جماعة من الأئمة كالنووي وابن حجر وغيرهما. ينظر: البدر المنير 1/ 678، صحيح أبي داود للألباني 3/ 236.
(4)
أخرجه البخاري (60)، ومسلم (241).
(5)
أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
في (و): وإن.
فلو قُطع من المِرفَق؛ غسل رأس العَضُد، نصَّ عليه
(1)
، وقدَّمه في «المحرر» ، وجزم به في «الوجيز» .
وفيه وجه: يُستَحبُّ مسح طرَفِه، صحَّحه في «الرعاية» ، وهو ظاهِر كلام المؤلِّف.
فإن كان القَطع من فوق المِرفَق؛ لم يجب شيء، ولم يستحبَّ مسحُ موضِع القطع.
وقيل: يستحبُّ، وهو ظاهر ما في «الشرح» ؛ لئلَّا يخلوَ العضوُ عن طهارة، وهو موضع التَّحْجيل.
فأمَّا المتيمِّم إذا قُطعت يدُه مِنْ مَفصِل الكُوع؛ سقَط مسحُ ما بقِيَ هناك، وإن قلنا: يجِب في الغُسل؛ لأنَّ الواجبَ هناك مسح الكَفَّين
(2)
، وقد ذهبا، بخلاف الوضوء
(3)
؛ فإنَّ المِرفَق من جملة محلِّ الفرض، وهذا أحد الوجهين، والمنصوص: وجوب المسح أيضًا
(4)
؛ لأنَّ المأمور به مسح اليد إلى الكوع.
فرع: إذا تُبُرِّع بتطهيره؛ لزمه ذلك. ويتوجَّه: لا، ويتيمَّم.
فإن لم يجد إلَّا بأجرة مثله؛ لزمه. وقيل: لا؛ لتكرُّر الضَّرَر دوامًا.
فإن عجَز صلَّى، وفي الإعادة وجهان؛ كعادِم الطَّهورين.
قال في «الفروع» : ويتوجَّهُ في استنجاءٍ مثلُه.
وفي «المُذهب» : يلزمه بأجرةِ مثلِه، وزيادةٍ
(5)
لا تُجحِف
(6)
في وجه.
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 29.
(2)
في (و): الخفين.
(3)
في (أ): الفرض. وفي (و): العضو.
(4)
ينظر: شرح العمدة 1/ 186، شرح الزركشي 1/ 351.
(5)
في (و): أو زيادة.
(6)
في (و): لا تخفف.
(ثُمَّ يَرْفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَيَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)؛ لما روى مسلمٌ عن عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من توضَّأ فأحسن الوضوء، ثمَّ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسوله؛ إلا فُتِحت له أبواب الجنَّة الثَّمانيةُ يَدخُل من أيِّها شاءَ»
(1)
، ورواه التِّرمذيُّ، وزاد:«اللهم اجعلني من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين»
(2)
، ورواه أحمد، وأبو داود، وفيه: «ثمَّ رفع
(3)
نظره إلى السماء»
(4)
.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه ذلك بعد الغسل، ولم يذكروه.
(وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ)؛ كتقريب ماء الغسل أو الوضوء
(5)
إليه، أو صبِّه عليه؛ لما روى المغيرة بن شعبة قال: «بينا أنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة؛ إذ نزل فقضى
(6)
حاجته، فصبَبْتُ عليه من إداوةٍ كانت معي، فتوضَّأ ومسح على خفَّيه» متَّفق عليه، ولفظه لمسلم
(7)
.
ويقف عن يساره، وقيل: عكسُه.
فرع: إذا وضَّأه غيرُه؛ اعتُبِرت النِّيَّة في المتوضِّئ؛ لأنَّه المخاطَب. وقيل: مع نيَّة من وضَّأه إن كان مسلمًا.
(1)
أخرجه مسلم (234).
(2)
أخرجه الترمذي (55)، وأُعل بالاضطراب والانقطاع، وله شواهد حسنها به بعض أهل العلم. ينظر: البدر المنير 2/ 283 - 285، الإرواء 1/ 134.
(3)
في (أ): يرفع.
(4)
أخرجه أحمد (121)، وأبو داود (170)، وضعفه المنذري، وابن دقيق العيد. ينظر: البدر المنير 2/ 283 - 285، الإرواء 1/ 134.
(5)
قوله: (الغسل أو الوضوء) هو في (و): الوضوء أو الغسل.
(6)
في (و): يقضي.
(7)
أخرجه البخاري (203)، ومسلم (274).
قال ابن تميم
(1)
: (لو وضَّأه غيرُه ولا عذرَ؛ كُرِه وأجزأه، وعنه
(2)
: لا).
وإن أكرهه عليه؛ لم يصحَّ في الأصحِّ.
(وَتَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ) من غير كراهة فيهما؛ لما روى قيْس بن سعْد قال: «زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا، فأمر له سعدٌ بغسل، فوُضع له
(3)
، فاغتسل، ثمَّ ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس
(4)
، فاشتمل بها» رواه أحمد وأبو داود
(5)
.
وعنه: يُكرهان؛ كنفضِ يده، لخبر أبي هريرة:«إذا توضَّأتم فلا تنفضوا أيديَكم؛ فإنَّها مراوح الشَّيطان» رواه المعمري وغيره
(6)
.
والمذهب: عدم الكراهة، اختاره الشَّيخانِ، لكن قيل لأحمدَ عن مسح بلل الخفِّ؛ فكرهه، وقال: لا أدري، لم أسمع فيه بشيء
(7)
.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ)، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه إزالةُ أثَرِ العبادة، فلم يستحبَّ؛ كإزالة دم الشَّهيد، ولو كان أفضل لداوم عليه.
(1)
قوله: (قال ابن تميم) سقط من (أ). وينظر: مختصر ابن تميم 1/ 227.
(2)
قوله: (وعنه) سقطت من (أ).
(3)
قوله: (فوضع له) سقط من (و).
(4)
قوله: (أو ورس) سقط من (و).
(5)
أخرجه أحمد (15476)، وأبو داود (5185)، والنسائي في الكبرى (10084)، من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن قيس بن سعد، وأعل بالانقطاع بينهما، والاختلاف في وصله وإرساله. ينظر: البدر المنير 2/ 255.
(6)
أخرجه ابن حبان في المجروحين 1/ 203، وابن عدي في الكامل 2/ 239، من رواية البختري بن عبيد، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال أبو حاتم:(هذا حديث منكر، والبختري ضعيف الحديث، وأبوه مجهول). ينظر: علل ابن أبي حاتم (73)، التلخيص الحبير 1/ 296.
(7)
ينظر: الفروع 1/ 191.
مسائل:
الأولى: المفاضَلة بين أعضاء الوضوء غير مكروهة؛ لحديث عبد الله بن زيد
(1)
.
وعنه: تكره؛ إذ لا مفاضلة بينها كما تدلُّ عليه الأحاديث.
ويُعمل في عددها
(2)
بالأقلِّ، وفي «النهاية»: بالأكثر.
الثَّانية: يسنُّ التَّجديد لكلِّ صلاة؛ للأخبار، منها ما رواه أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعًا قال:«لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم بالوضوء عند كلِّ صلاة» وإسناده صحيح
(3)
.
وعنه: لا؛ كما لا يُستَحبُّ تجديد الغسل، وكما لو لم يُصَلِّ
(4)
بينهما.
وقيل: يكره. وقيل: المداومة.
ولا بأس أن يصلِّيَ به ما لم يحدِث، وهو قول الأكثر.
وحكى الطَّحاويُّ عن ابن عمرَ وجماعةٍ وجوبَ الوضوءِ لكلِّ صلاةٍ
(5)
،
(1)
أخرجه مسلم (235)، عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه: أنه دعا بإناء فأكفأ منها على يديه فغسلهما ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فمضمض واستنشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فغسل وجهه ثلاثًا، ثم أدخل يده فاستخرجها، فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين، ثم أدخل يده فاستخرجها، فمسح برأسه، فأقبل بيديه وأدبر، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال:«هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
(2)
في (ب): عدمها. والمعنى: يعمل في عدد الغسلات.
(3)
في (و): إسناده صحيح.
أخرجه أبو داود الطيالسي (2448)، وفي سنده أبو معشر نجيح بن عبدالرحمن السندي، وهو ضعيف، وأخرجه أحمد (7513)، وفي سنده محمد بن عمرو بن علقمة، وهو صدوق له أوهام، وصحح إسناده ابن الملقن، ولهذا الحديث شاهد من حديث عبدالله بن حنظلة رضي الله عنه، أخرجه أبو داود (48)، وابن خزيمة (15). ينظر: البدر المنير 1/ 699، صحيح أبي داود للألباني 1/ 86.
(4)
في (أ): فصل.
(5)
إنما قال الطحاوي في أحكام القرآن (1/ 68): (فقال بعضهم: كل قائم إلى صلاة مكتوبة فقد وجب عليه الوضوء)، وذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 41):(باب الوضوء هل يجب لكل صلاة أم لا؟)، ولم يذكر فيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما شيئًا في وجوب الوضوء لكل صلاة.
ونقل ابن بطال في شرح البخاري (1/ 214)، كلام الطحاوي السابق ثم قال:(وممن كان يتوضأ لكل صلاة وإن كان طاهرًا: ابن عمر، وعبيد بن عمير، وعكرمة، وابن سيرين)، وفعلهم هذا لا يدل على أنهم يقولون بالوجوب.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (170)، عن معمر، عن أيوب، عن نافع:«أن ابن عمر كان يتوضأ لكل صلاة» ، وإسناده صحيح.
وقد روي عنه خلاف ذلك أيضًا: أخرج ابن سعد في الطبقات (4/ 161)، عن عبد الله بن جابر، عن نافع قال:«كان ابن عمر يصلي الصلوات بوضوء واحد» ، وابن جابر عن نافع منقطع كما في التاريخ الكبير للبخاري (5/ 60)، وله شاهد عند ابن أبي شيبة (291)، وفيه ضعف، لكنه يتقوى به، فالأثر ثابت عن ابن عمر رضي الله عنهما.
تنبيه: قال ابن قدامة في المغني (1/ 105): (يجوز أن يصلي بالوضوء ما لم يحدث، ولا نعلم في هذا خلافًا)، وتبعه الشارح.
وقال النَّخَعِيُّ: لا يصلِّي بوضوءٍ واحدٍ أكثرَ من خمسِ صلواتٍ
(1)
، وخَصَّها قومٌ بالمسافر
(2)
.
الثَّالثة: يُباح هو وغُسلٌ في مسجد إن لم يؤذِ به أحدًا، حكاه ابن المنذر إجماعًا
(3)
.
وعنه: يُكرَه.
وإن نَجُس
(4)
المنفصِل حَرُم؛ كاستنجاءٍ وذَبح.
(1)
علقه ابن حزم في مراتب الإجماع (ص 22)، فقال:(فروينا عن إبراهيم النخعي: أنه لا يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات)، ونقله عنه النووي في المجموع (1/ 470)، ولم نقف على إسناده.
وفي المغني (1/ 105): (قال أحمد بن قاسم: سألت أحمد عن رجل صلى أكثر من خمس صلوات بوضوء واحد؟ قال: ما بأس بهذا إذا لم ينتقض وضوءه، ما ظننت أن أحدًا أنكر هذا).
(2)
ذكر الطحاوي هذا القول في أحكام القرآن (1/ 68) ولم يسم قائله.
(3)
ينظر: الأوسط 5/ 139.
(4)
في (و): وإن لم ينجس.
وهل تكره إراقتُه فيما يُداس؟ فيه روايتان، ويكره في مسجد.
قال الشَّيخ تقي الدِّين: (ولا يُغسَّل فيه ميِّتٌ)، قال:(ويجوز عمل مكان للوضوء للمصلحة بلا محذور)
(1)
.
الرَّابعة: إذا بقي لُمعة من محلِّ الفرض لم يُصِبْها الماءُ؛ فهل يجزئ مسحها؟ على روايتين مع التَّرتيب والموالاة في ظاهر المذهب.
الخامسة: يُكرَه الكلام على الوضوء، والمراد: بغير ذكر الله تعالى، صرَّح به جَمْعٌ.
وكذا السَّلام عليه، وظاهِرُ كلام الأكثر: لا يكره السَّلام، ولا
(2)
الرَّدُّ، وإن كان على طهر فهو أكمل؛ لفعله عليه السلام
(3)
.
ويستقبل القبلة، وكذا في كلِّ عبادة إلَّا لدليل.
السَّادسة: الحدَثُ يَحُلُّ جميعَ البدن؛ كالجَنابة، قال في «الفروع»:(ويتوجَّه أعضاء الوضوء)، وهو ظاهر.
السَّابعة: يجب الوضوء بالحدَث، وقيل: بإرادة الصَّلاة بعده، وقوَّاه ابن الجوزي، وذكر في «الفروع»:(ويتوجَّهُ قياسُ المذهب: بدخول الوقت لوجوب الصَّلاة إذَنْ، ووجوب الشَّرْط بوجوب المشروط، ويتوجَّه مثله في غسل، قال الشَّيخ تقي الدِّين: وهو لفظي).
فائدة: الحِكمةُ في غسل الأعضاء المذكورة في الوضوء دون غيرها: أنَّه
(1)
ينظر: الفروع 1/ 191.
(2)
في (و): على.
(3)
أخرجه مسلم (369)، عن أبي الجهم - هكذا في مسلم، وصوابه كما في البخاري ونبه عليه النووي: الجهيم -، ابن الحارث بن الصمة الأنصاري، قال:«أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام» .
ليس في البدن ما يتحرَّك للمخالفة أسرع منها، فأمر بغسلها ظاهرًا؛ تنبيهًا على طهارتِها الباطنة.
ورتَّب غسلَها على ترتيبِ سُرعة الحركةِ في المخالفة، فأمرَ بغسل الوجه، وفيه الفمُ والأنفُ، فابتدأ بالمضمضة؛ لأنَّ اللِّسان أكبر
(1)
الأعضاء وأشدُّها حرَكَةً؛ لأنَّ غيرَه قد يسلَم، وهو كثيرُ العَطَب، قليلُ السَّلامةِ غالبًا، ثمَّ بالأنفِ؛ لينوب عمَّا يَشَمُّ به، ثمَّ بالوجه
(2)
؛ لينوب عمَّا نظَر، ثمَّ باليدين؛ لتنوب عن البطشِ، ثمَّ خصَّ الرَّأسَ بالمسح؛ لأنَّه مجاوِر لمن تقع منه المخالفة، ثمَّ بالأذن؛ لأجل السَّماع، ثمَّ بالرِّجْل؛ لأجْل المَشْيِ، ثمَّ أرشدَه بعد ذلك إلى تجديد الإيمان بالشَّهادتين.
(1)
في (أ): أكثر.
(2)
قوله: (لينوب عما يشم به ثم بالوجه) سقط من (و).
(بَابُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ)
وفي «الفروع» : (مسح الحائل) وهو أولى؛ لشموله.
وأعقبه للوضوء؛ لأنَّه لمَّا جاز للمتوَضِّئ أن يعدِلَ عن غَسل الرِّجلين إلى مسح الحائل أتى به بعده.
وهو رخصة. وعنه: عزيمة. ومن فوائدها: المسح في سفر المعصية، وتعيين المسح
(1)
على لابسه.
ويرفع الحدث على المشهور.
وهو أفضلُ؛ لأنَّهُ عليه السلام وأصحابَه إنَّما طلبوا الأفضلَ، وفيه مخالفةُ أهل البِدع.
وعنه: الغسل؛ لأنَّه المفروض و
(2)
.
وعنه: هما سواءٌ؛ لورود السُّنَّة بهما.
وقيل: المسح أفضل إن لم يداومه.
ولا يُستَحَبُّ أن يلبَسَ ليمسحَ؛ كالسَّفر ليترخَّصَ.
(يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ)، هو
(3)
ثابِتٌ بالسُّنَّة الصَّريحة، قال ابن المبارَك:(ليس فيه خلافٌ)
(4)
، وقال الحسن: (روَى المسحَ سبعون نفْسًا
(1)
في (و): تعين المسح.
(2)
بياض في (أ).
وينظر: تبيين الحقائق 1/ 45، شرح مختصر خليل للخرشي 1/ 176، البيان للعمراني 1/ 148، المغني 1/ 206.
(3)
في (و): وهو.
(4)
الأوسط لابن المنذر 1/ 433.
فِعْلًا منه عليه السلام وقولًا
(1)
(2)
، وقال أحمدُ: (ليس في قلبي من المسح شيءٌ، فيه أربعون حديثًا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
.
قلتُ: ومن أساسها
(4)
حديثُ جَرِيرٍ قال: «رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بال، ثمَّ توضَّأ ومسح
(5)
على خُفَّيه»، قال إبراهيمُ النَّخَعِي:(فكان يُعجبهم ذلك؛ لأنَّ إسلامَ جَرِيرٍ كان بعد نزول المائدة) متَّفق عليه
(6)
، فلا يكون الأمر الوارد فيها بغسل الرجلين ناسخًا
(7)
للمسح كما صار إليه بعض الصحابة
(8)
.
(1)
قوله: (روى المسح سبعون نفسًا فعلاً منه عليه السلام وقولاً) هو في (و): (حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على خفيه).
(2)
ينظر: الأوسط لابن المنذر 1/ 426.
(3)
ينظر: المغني 1/ 206.
(4)
في (ب) و (و): أثبتها.
(5)
في (و): فمسح.
(6)
أخرجه البخاري (387)، ومسلم (272).
(7)
قوله: (فيها بغسل الرجلين ناسخًا) زيادة من الأصل.
(8)
أخرج أحمد (3462)، والبيهقي في الكبرى (1290)، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أنا عند عمر حين سأله سعد وابن عمر عن المسح على الخفين؟ فقضى عمر لسعد، فقال ابن عباس: فقلت: يا سعد، قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه، ولكن أقبل المائدة أم بعدها؟، قال: فقال روح: أو بعدها؟، قال: لا يخبرك أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليهما بعد ما أنزلت المائدة، فسكت عمر. صححه البيهقي، وضعفه ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 271)، بخُصيف الجزري، وهو ضعيف كما قال.
وأخرج ابن أبي شيبة (1951)، وابن عدي في الكامل (6/ 469)، والبيهقي في الكبرى (1293)، وابن عساكر في تاريخه (41/ 111)، عن فطر بن خليفة قال: قلت لعطاء - يعني ابن أبي رباح -: إن عكرمة يقول: قال ابن عباس: «سبق الكتاب الخفين» ، فقال عطاء:«كذب عكرمة، أنا رأيت ابن عباس يمسح عليهما» ، وإسناده حسن.
وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما المسح: فقد أخرج ابن أبي شيبة (1911)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (536)، والبيهقي في الكبرى (1292)، وابن المنذر في الأوسط (443)، عن قتادة، قال: سمعت موسى بن سلمة، قال: سألت ابن عباس عن المسح على الخفين فقال: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة» ، قال البيهقي:(وهذا إسناد صحيح)، وقال ابن حزم في المحلى 1/ 325:(وهذا إسناد في غاية الصحة).
قال البيهقي في السنن الكبرى 1/ 410: (وأما ابن عباس رضي الله عنه، فإنه كرهه حين لم يثبت له مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين بعد نزول المائدة، فلما ثبت له رجع إليه).
وقد استنبطه بعضُ العلماء من القرآن في قراءة من قرأ: (وأرجلِكم) بالجرِّ، وحمل قراءة النَّصب على الغسل؛ لئلَّا تخلو إحدى القراءتين عن فائدة.
وظاهِرُه: أنَّه يجوز المسح حتَّى لِزَمِنٍ وامرأةٍ، ومن له رِجلٌ واحدةٌ لم يبقَ من فرض الأخرى شيء، ويستثنى منه الحاج إذا لبسهما لحاجة.
(والْجُرْمُوقَيْنِ)؛ لما رَوى بِلالٌ قال: «رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يمسح على المُوقَيْن» رواه أحمد وأبو داود
(1)
، ولأنَّه
(2)
ساتِرٌ يُمكن متابَعةُ المشي فيه، أشبه الخفَّ.
تنبيه: المُوق هو الجرموق، وهو خفٌّ صغير، وقال الجوهري:(هو مثال الخف يلبس فوقه، لا سيَّما في البلاد الباردة، وهو معرَّب، وكذا كل كلمة فيها جيم وقاف)
(3)
.
(وَالْجَوْرَبَيْنِ)؛ لما روى المغيرةُ بنُ شُعبةَ: «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الجَوربين والنَّعلين» رواه أحمد، وأبو داود، والتِّرمذي وصحَّحه، ورواته ثقات، وتكلَّم فيه جماعة حتَّى قال ابنُ معين:(النَّاسُ كلُّهم يَروُونه: «على الخُفَّين» غير أبي قيس)، وقال أبو داود:(كان ابن مهدي لا يحدِّث به؛ لأنَّ المعروف عن المغيرة الخفَّين)
(4)
، وهذا لا يصلح مانعًا؛ لجواز رواية اللفظين.
(1)
أخرجه أحمد (23917)، وابن خزيمة (189)، من طريق أبي إدريس الخولاني عن بلال، قيل: إن روايته عنه منقطعة. وأخرجه أبو داود (153)، وفي سنده راوٍ مجهول، وأصله في مسلم (275) بلفظ:«مسح على الخفين والخمار» . ينظر: جامع التحصيل للعلائي (328).
(2)
في (أ): لأنَّه.
(3)
نحوه في الصحاح 4/ 1451.
(4)
أخرجه أحمد (18206)، وأبو داود (159)، والترمذي (99)، وابن خزيمة (198)، وابن حبان (1338)، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وحكم عليه ابن مهدي، وابن معين، وأحمد، وأبو زرعة، وأبو حاتم وغيرهم بالشذوذ، وأن المحفوظ المسح على الخفين، وحكى النووي اتفاق الحفاظ على تضعيفه. ينظر: العلل ومعرفة الرجال لأحمد (5612)، التمييز لمسلم (80)، خلاصة الأحكام (251)، تنقيح التحقيق 1/ 343، التلخيص الحبير 1/ 416.
وهو يدلُّ على أنَّ النَّعل لم يكن عليهما؛ لأنَّه لو كان كذلك لم يذكر النَّعلين، كما لا يقال: مسحت الخفَّ ونعلَه، ولأنَّ جماعة من الصَّحابة مسحوا عليهما
(1)
، ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع، ولأنَّه ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخفَّ، وهو شامل
(2)
للمجلَّد والمنعَّل، وصرَّح به غيره.
واقتضى كلامُه: جوازَ المسح على جَورب الخِرَقِ
(3)
، وهو أشهر. وعنه: لا، وجزم بها في «التلخيص» .
فإن ثبت بفعل متَّصل أو منفصل؛ مسحهما في قول القاضي، وقدَّمه في
(1)
من ذلك: ما أخرجه ابن أبي شيبة (1986)، وابن المنذر في الأوسط (479)، عن علي رضي الله عنه:«أنه توضأ ومسح على الجوربين» ، وإسناده حسن.
وما أخرجه عبد الرزاق (774)، والبيهقي في الكبرى (1354)، عن خالد بن سعد: قال «كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على جوربين له من شعر ونعليه» ، وإسناده صحيح.
وما أخرجه ابن أبي شيبة (1978)، وعبد الرزاق (779)، وابن المنذر في الأوسط (481)، عن أنس رضي الله عنه:«أنه كان يمسح على الجوربين» ، وإسناده صحيح.
قال ابن المنذر: (روي إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وأبي مسعود، وأنس بن مالك، وابن عمر، والبراء بن عازب، وبلال، وابن أبي أوفى، وسهل بن سعد)، وقال ابن القيم:(وزاد أبو داود: وأبو أمامة، وعمرو بن حريث، وعمر، وابن عباس، فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيًّا). ينظر: الأوسط 1/ 462، تهذيب السنن لابن القيم 1/ 85.
(2)
في (أ): مثال.
(3)
جاء في المغني 1/ 215: (سئل أحمد عن جورب الخرق، يمسح عليه؟ فكره الخرق. ولعل أحمد كرهها؛ لأن الغالب عليها الخفة، وأنها لا تثبت بأنفسها).
«الرعاية» . وعنه: أو أحدهما. وقيل: يمسح الجورب وحدَه. وقيل: عكسه.
قال في «المغني» و «الشرح» : (الظَّاهر أنَّه عليه السلام إنَّما مسح على سُيُور النَّعل التي على ظاهر القدم، فأمَّا أسفلُه وعقِبُه فلا يُسَنُّ مسحُه في الخفِّ، فكذا النَّعل).
ويبطل الوضوء، وقيل: بل المسح بخلع أحدهما وإن لم يكن مسَحَ عليه؛ لأنَّه شرط لجواز المسح؛ كما لو ظهر قدم الماسِح.
فائدة: الجَورب أعجمي معرَّب، قال الزركشي: هو غِشاء من صوف يُتَّخذ للدِّفْء.
(وَالْعِمَامَةِ)؛ لما روى المغيرة بن شعبة قال: «توضَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفَّين والعمامة» رواه التِّرمذي، وصحَّحه
(1)
، وقال عُمرُ:«من لم يطهِّره المسح على العمامة فلا طهَّره الله عز وجل» رواه الخلَّال
(2)
، ولأنَّ الرأس يسقط فرضُه في التَّيمُّم، فجاز المسح على حائله كالقدمين، وخالف فيه الأكثر.
(وَالْجَبَائِرِ)؛ لما روي عن علي رضي الله عنه قال: «انكسرت إحدى زندَيَّ، فأمرني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أمسح على الجبائر» رواه ابن ماجه من رواية عمرو بن خالد، وقد كذَّبه أحمد وابن معين
(3)
، ويعضده حديث صاحب الشَّجَّة، وهو قول ابن عمر
(4)
،
…
…
…
…
…
…
…
(1)
أخرجه الترمذي (100)، وهو في مسلم (247)، بلفظ:(توضأ فمسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخفين)، وبألفاظ أخرى مقاربة.
(2)
ذكر ابن حزم إسناده في المحلى (1/ 305)، وفيه أبو جعفر الرازي، وهو ضعيف كما في التقريب.
(3)
أخرجه ابن ماجه (657)، وهو حديث متفق على تضعيفه. ينظر: خلاصة الأحكام للنووي (581)، التلخيص الحبير 1/ 393.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (1448)، وعبد الرزاق (625)، والبيهقي في الكبرى (1079)، من طرق صحيحة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:«من كان به جرح معصوب فخشي عليه العنت؛ فليمسح ما حوله ولا يغسله» .
ولم يعرف له في الصَّحابة مخالف
(1)
، ولأنَّه مسح على حائل أبيح المسح عليه كالخفِّ.
فائدة: الجبائرُ واحدتها جبيرة، وهي أخشاب أو نحوها توضع على الكسر لينجبر.
(وَفِي الْمَسْحِ عَلَى الْقَلَانِسِ) واحدُها: قَلَنْسُوَةٌ، وأراد به المبطنات؛ كَدَنِّيَاتِ
(2)
القضاء
(3)
والنَّومِيَّات
(4)
، نصَّ أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم
(5)
، وقاله أكثر الأصحاب، وقدَّمه
(6)
في «الفروع» : أنَّه لا يمسح عليها كَكَلْتَة، ولأنَّها أدنى من عِمامةٍ غير محنَّكة، ولا ذُؤابة لها.
والثَّانية: يجوز، اختارها
(7)
الخلَّال، وجزم بها في «الوجيز» ، وقال: رُوي عن رجلين صحابيين: عمر، وأبي موسى، رواه الأثرم
(8)
، وروي عن
(1)
في (و): ولم نعرف له من الصحابة مخالف.
(2)
في (أ): كدنات.
(3)
في (أ) و (ب): القاضي.
(4)
في (أ): النوبيات.
الدنِّيات: التي كانت القضاة تلبسها. والنَّوميات: التي تتخذ للنوم. ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 1/ 266.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 19.
وإسحاق بن إبراهيم: هو إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري، أبو يعقوب، خدم الإمام أحمد وهو ابن سبع سنين، ونقل عنه مسائل كثيرة، وكان ذا دين، وورع، مات ببغداد سنة 275 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 108، المقصد الأرشد 1/ 241.
(6)
في (أ): وقدم.
(7)
في (و): واختارها.
(8)
قال الخلال فيما نقله عنه ابن قدامة في المغني 1/ 222: (قد روي عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحاح، ورجال ثقات، فروى الأثرم بإسناده عن عمر، أنه قال: «إن شاء حسر عن رأسه، وإن شاء مسح على قلنسوته وعمامته». وروى بإسناده عن أبي موسى: «أنه خرج من الخلاء، فمسح على القلنسوة»).
وأثر أبي موسى: أخرجه ابن أبي شيبة (24859)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 428)، وابن المنذر في الأوسط (497)، عن أشعث بن أسلم العجلي، عن أبيه:«أن أبا موسى خرج من الخلاء، وعليه قلنسوة، فمسح عليها» ، وإسناده صحيح، وأشار ابن معين إلى تصحيحه في تاريخه برواية الدوري 4/ 109.
أنس أيضًا
(1)
، ولأنَّه
(2)
ملبوسٌ معتاد ساتِرٌ للرأس، أشبه العمامة المحنَّكة.
وعُلم منه: أنَّ الطَّاقية لا يمسح عليها، وهو كذلك.
(وخُمُرِ النِّسَاءِ)، واحدها: خِمار، وهو القِناع الذي تغطِّي به رأسَها، (الْمُدَارَةِ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ؛ رِوَايَتَانِ)، وكذا في «المحرر»:
والمذهب
(3)
: أنَّه يجوز؛ لما روى بلال قال: «مسح النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على الخفَّين والخِمارِ» رواه مسلم، وفي لفظ لأحمد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «امسحوا على الخفَّين والخمار»
(4)
، و «كانت أمُّ سلمة تمسح على خمارِها» ذكره ابن المنذِر
(5)
، ولأنَّه ساتر يشقُّ نزعُه، أشبه العِمامة المحنَّكَة.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (745)، والبيهقي في الكبرى (1356)، من طريق سعيد بن عبد الله بن ضرار:«أن أنس بن مالك، توضأ ومسح على جوربين مِرْعِزى» ، قال أبو حاتم في سعيد:(ليس بالقوي). ينظر: الجرح والتعديل 4/ 36.
(2)
في (أ): ولا.
(3)
في (و): المذهب.
(4)
أخرجه مسلم (275)، وأحمد (23892)، ولفظ أحمد من رواية مكحول عن نعيم بن حمار عن بلال، ومكحول لم يسمع من نعيم، وحكم عليه بالانقطاع ابن عبد البر، وابن عبد الهادي. ينظر: الاستيعاب لابن عبد البر 4/ 1509، تنقيح التحقيق 1/ 211، الضعيفة للألباني (2935).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (223، 249)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (498)، عن أم الحسن البصري عن أم سلمة:«أنها كانت تمسح على الخمار» ، ولا بأس بإسناده، أم الحسن هي خيرة، روى لها مسلم، وقال عنها ابن حزم:(ثقة مشهورة)، وهي مولاة أم سلمة. ينظر: المحلى 2/ 168.
والثَّانيةُ: المنعُ؛ لعدم المشقَّة بالمسح من تحتِه، ولا تدعو
(1)
الحاجة إليه كالوقاية
(2)
.
وعُلم منه: أنَّه إذا لم يكن مُدارًا تحت حَلقِها؛ أنَّه لا يجوز، وهو كذلك لما ذكرنا.
(وَمِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يُلْبَسَ الْجَمِيعُ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ)، هذا هو المشهور والمجزومُ به عند المُعْظَمِ؛ لما روى أبو بكرة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رخَّص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهنَّ، وللمقيم يومًا وليلة، إذا تطهَّر فلبس خُفَّيه، أن يمسح عليهما» رواه الشَّافعي وابن خزيمة والطَّبراني، وحسَّنه البخاري، وقال:(هو صحيح الإسناد)
(3)
، والطُّهر المطلق ينصرف إلى الكامل، ولأنَّ ما اشتُرطَت له الطَّهارة اشتُرط
(4)
كمالها؛ كمسِّ المصحف.
والثَّانية
(5)
: لا، اختارها الشَّيخ تقي الدِّين وه
(6)
؛ لما روى المغيرةُ بنُ شعبةَ قال: كنتُ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأهوَيْتُ لأنزع خُفَّيْه، فقال:«دعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهِرتين» متَّفق عليه، ولفظه للبخاريِّ
(7)
، وهو أعمُّ أن يوجدَ ذلك معًا، أو واحدة بعد أخرى؛ لأنَّ حدثَه حصل بعد كمال الطَّهارة
(1)
في (أ): يدعو
(2)
قوله: (كالوقاية) هو في (أ): كما لوقاية.
(3)
أخرجه الشافعي في الأم 1/ 50، وابن خزيمة (192)، وابن حبان (132)، والدراقطني (782)، وحسنه البخاري، وقال الخطابي:(هو صحيح الإسناد)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان. ينظر: العلل الكبير للترمذي ص 54، التلخيص الحبير 1/ 412، الصحيحة للألباني (3455)، ولم نقف عليه عند الطبراني.
(4)
زاد في (أ): له.
(5)
في (أ): والثَّاني.
(6)
ينظر: المبسوط للسرخسي 1/ 99، مجموع الفتاوى 21/ 209.
(7)
أخرجه البخاري (206)، ومسلم (274).
واللُّبْس، فجاز المسحُ
(1)
؛ كما لو نَزع الأول، ثمَّ لبِسَه.
فلو غسل رِجلًا، ثمَّ أدخلها الخفَّ؛ خلَعَ ثمَّ لبِس بعد غسل الأخرى، وإن لبِس الأولى طاهِرةً ثمَّ الثَّانية؛ خلَع الأولى، وظاهر
(2)
كلام أبي بكر: والثَّانية.
ولو نَوَى جنُبٌ رفع حدَثيه، وغسَل رجليه، وأدخلهما الخُف، ثمَّ تمم طهارته، أو فعله محدِثٌ، ولم نعتبر
(3)
الترتيب؛ فإنَّه يمسح، وعلى الأُولى: لا.
وكذا لبس عمامة قبل طهر كامل، فلو مسح رأسَه، ثمَّ لبسَها، ثمَّ غسلَ رجليه؛ مسح على الثَّانية، وعلى الأولى: يخلع ثمَّ يلبس.
وكذا ينبني عليهما: لو غسل رجليه، ثمَّ لبِس خفَّيه، ثمَّ غسل بقيَّة أعضائه، وقلنا: لا ترتيب.
وإن تيمَّم ثمَّ لبس الخفَّ؛ لم يجز المسح، نصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّ التَّيمُّم لا يرفع حدثًا على المذهب، وقيل بالجَواز بناءً على أنَّه رافِعٌ.
قال الشَّيخ تقي الدِّين: (هذا فيمن تيمُّمه لعدم الماء، أمَّا من تيمُّمه لمرض؛ كالجريح ونحوه؛ فينبغي أن يكون كالمستحاضَة، وتعليلُهم يقتضيه)
(5)
.
ومن توضَّأ بسُؤر المشكوكِ فيه، ثمَّ لبس
(6)
ثم توضَّأ منه مرة أخرى؛ فله المسحُ، ولا يَمسح على طهارة لا تبيح الصَّلاة غير هذه.
(1)
زاد في (و): عليه.
(2)
في (و): فظاهر.
(3)
في (أ) و (ب): يعتبر.
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 36.
(5)
ينظر: شرح الزركشي 1/ 382.
(6)
قوله: (ثم لبس) سقطت من (أ).
وكلامُه شاملٌ لأصحاب الأعذار؛ كمن به
(1)
سلَسُ البول، والمستحاضةِ ونحوِهما، وهو المنصوصُ؛ لأنَّ طهارتَهم في حقِّهم كاملةٌ، فلو زال العُذر؛ لزِمَهم الخَلْعُ واستئنافُ الطَّهارة؛ كالمتيمِّم يجدُ الماءَ، بخلاف ذي الطُّهر الكامل يخلَع، أو تنقضي المدَّة.
وقد عُلم ممَّا سبق: اشتراط تقدُّم الطَّهارة، وهو المعروف، قال في «المغني»:(بغير خلاف نعلمُه).
وحكى الشِّيرازيُّ روايةً بعدمِه رأسًا؛ فلو لبس محدِثًا، ثمَّ توضأ، وغسل رجليه؛ جاز له المسح، وهو غريبٌ بعيدٌ.
مسألة: يُكرَه اللُّبْس على طهارة تُدافِع أحدَ الأَخبَثَين، نصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّه يراد للصَّلاة أشبه الصَّلاة.
(إِلَّا الْجَبِيرَةَ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، فإنَّه لا يُشتَرط لها تقدُّم الطَّهارة، قدَّمها ابن تميم، واختارها الخلَّال وابن عَقيل وصاحب «التلخيص» فيه والمؤلف، وجزم بها في «الوجيز» ؛ للأخبار وللمَشقَّة
(3)
؛ لأنَّ الجرحَ يقع فجْأة، أو في وقتٍ لا يَعلم الماسِحُ وقوعَه فيه.
والثَّانية: يُشتَرط، اختاره القاضي والشريف وأبو الخطَّاب وابن عَبْدوس، وقدَّمها في «الرعاية» و «الفروع» ؛ لأنَّه مَسْحٌ على حائل، أشبه الخفَّ، فعليها: حكمها حكم الخفِّ في الطَّهارة، فإن شَدَّ على غير طهارة نَزَع، وإن شقَّ نزعُها تيمَّم لها، وقيل: ويمسح، وقيل: هما، وكذا لو تعدَّى بالشَّدِّ محلَّ الحاجة وخاف
(4)
.
(1)
قوله: (به) سقطت من (أ).
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 21.
(3)
في (أ): والمشقَّة.
(4)
زاد في (ب): ضررًا.
وإن كان شدَّ على طهارة مسح فيها حائلًا، فإن كان جبيرة؛ جاز، وإلَّا فوجهان.
وكذا لُبسه خُفًّا على طهارةٍ مَسَحَ فيها عمامةً أو عكسه، وقال ابن حامد: إن كانت في رجله، وقد مسح عليها
(1)
، ثمَّ لبس الخفَّ؛ لم يمسح عليه.
تنبيه: قوله: (على إحدى الرِّوايتين) يحتمل أنَّ الخلاف راجِعٌ إلى ما عدا الجبيرة من
(2)
الممسوح، ويحتمل أن يعود إليها، وهو وإن قرب ففيه بُعْدٌ، قاله ابن المنجى، من جهة أنَّ الخلاف فيها ليس مختصًّا بالكمال، وأنَّ الخلاف فيما عداها أشهر من الخلاف فيها. فيه
(3)
نظر، ووجهه ظاهر
(4)
.
فرع: الدَّواءُ كجبيرةٍ، ولو جعل في شقٍّ قارًا، وتضرَّر بقلعه، فعنه: يتيمم؛ للنَّهي عن الكي. وعنه: له المسح كما لو ألقم إصبعه مرارةً لحاجة وشقَّ
(5)
نزعها. وعند ابن عقيل: يغسله. وعند القاضي: إن خاف تلفًا صلَّى وأعاد.
(وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ)؛ لأخبارٍ؛ منها: ما رُوي عن شُرْيح بن هانِئٍ قال: سألتُ عائشة عن المسح على الخفَّين، فقالت: سل عليًّا؛ فإنَّه كان يسافر مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسألته، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للمسافر ثلاثة أيَّامٍ ولياليهنَّ، وللمقيم يومٌ وليلة» رواه مسلم، وقال أحمد في رواية الأثرم:(هو صحيحٌ مرفوعٌ)
(6)
.
(1)
قوله: (عليها) سقط من (أ).
(2)
في (ب) و (و): في.
(3)
في (و): وفيه.
(4)
وذلك أن الخلاف في الجبيرة هو الأشهر على ما أشار إليه المجد في شرح الهداية. ينظر: الإنصاف 1/ 395.
(5)
في (أ): وسن.
(6)
أخرجه مسلم (276). وينظر كلام أحمد: سؤالات الأثرم ص 28.
والمراد به سفر القصر؛ لأنَّه الذي تتعلَّق به الرُّخص، فإن كان دون مسافة
(1)
القصر، أو محرَّمًا؛ مسح كالمقيم؛ جَعْلًا لوجود هذا السَّفر كعدَمه، وحينئذ يخلع عند انقضاء المدَّة، فإن خاف، أو تضرَّر رفيقُه بانتظاره تيمَّم، فلو مسح وصلَّى؛ أعاد، نصَّ عليه
(2)
.
وقيل: يمسح كالجبيرة، واختاره الشَّيخ تقي الدِّين
(3)
. وقيل: يمسح العاصي بسفره كغيره، ذكره ابن شهاب، وقيل: لا يمسح أصلًا؛ عقوبةً له.
(إِلَّا الْجَبِيرَةَ؛ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إِلَى حَلِّهَا أَوْ بُرْئِهَا)؛ لأنَّ مَسْحَها للضَّرورة، وما كان كذلك فيَتقيد
(4)
بقدرها.
(وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ: مِنْ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ)؛ أي: من وقت جواز مسحه بعد حدثِه في ظاهر المذهب؛ لحديث صفوان بن عَسَّال قال: «أمَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنَّا سَفْرًا أن لا ننزِع خِفافَنا ثلاثة أيَّام ولياليهنَّ إلَّا من جنابة، ولكن مِنْ غائطٍ وبولٍ ونومٍ» رواه أحمد، والتِّرمذي وصحَّحه، وقال
(5)
الخطابي: (هو صحيح الإسناد)
(6)
، يدلُّ بمفهومه: أنَّها تنزع لثلاثٍ يَمْضِين من الغائط، ولأنَّها عبادةٌ مؤقَّتةٌ، فاعتُبِر أوَّلُ وقتِها من حين جواز فعلِها كالصَّلاة، فلو مضى من الحدث يوم وليلة، أو ثلاثة إن كان مسافرًا، ولم يمسح؛ انقضت المدَّة.
(1)
في (أ): فإن كان دون مسافر.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 16، مسائل حرب الطهارة ص 389.
(3)
ينظر مجموع الفتاوى 21/ 177.
(4)
في (أ): فيتقدر.
(5)
في (و): قال.
(6)
أخرجه أحمد (18091)، والترمذي (96)، وابن خزيمة (17)، وابن حبان (1100)، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والخطابي. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 413، الإرواء 1/ 140.
وما لم يُحدِث لا تُحتسب المدَّة، فلو بقي بعد لُبسه يومًا على طهارة اللُّبس، ثمَّ أحدث؛ استباح بعد الحدث المدَّة.
(وَعَنْهُ: مِنَ الْمَسْحِ بَعْدَهُ)، روي عن عمر أنَّه قال:«امسح إلى مثل ساعتك التي مسحت فيها» خرَّجه الخلَّال
(1)
، واختاره ابن المنذر؛ لظاهِر قوله عليه السلام:«يمسح المسافِرُ ثلاثًا» فلو كان أوله الحدث لم يُتصوَّر؛ إذ الحدث لا بدَّ أن يسبق المسح، وهو محمول على وقت جواز المسح.
وأمَّا تقديره بخمس صلوات؛ فلا يصحُّ؛ لأنَّه عليه السلام قدَّره بالوقت دون الفِعل.
فعلى هذا: يمكن المقيمَ أن يصلِّيَ بالمسح سِتَّ صلوات، يؤخِّر الصَّلاة، ثمَّ يمسح في اليوم الثَّاني ويصلِّيها فيه في أوَّل وقتها، وإن كان له عذر يبيح الجمع
(2)
أمكنه أن يصلِّي سبع صلوات، والمسافر أن يصلِّي ستَّ عشرة صلاة، وإن جمع فسبع
(3)
عشرة صلاة.
(وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا، ثُمَّ أَقَامَ؛ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ) قال في «المغني» و «الشرح» : (بغير خلاف نعلمُه؛ لأنَّها عبادة تختلف في الحضر والسَّفر، فإذا وُجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكمه، ولو تلبَّس بصلاة في سفينة، فدخلت الإقامة في أثنائها بطلت)، قال في «الرعاية»:(في الأشهر).
وقوله: (أتمَّ مسحَ مقيمٍ) مُرادُه: إذا لم يستكمل مدَّة الإقامة، فإن استكملها خلَع، قال ابن تميم:(روايةً واحدة)؛ لتغليب جانب الحضر، وذكر
(1)
أخرجه عبد الرزاق (808)، والبيهقي في الكبرى (1314)، عن أبي عثمان النهدي قال: حضرت سعدًا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر:«يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته» ، ورواه ابن المنذر في الأوسط (469)، بلفظ:«يمسح إلى الساعة التي توضأ فيها» ، وإسناده صحيح.
(2)
قوله: (يبيح الجمع) سقطت من (أ).
(3)
في (و): تسع. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 1/ 401.
الشِّيرازي: أنَّه إذا مسح أكثر من يوم وليلة ثمَّ أقام؛ أتمَّ مسح مسافِرٍ.
(وَإِنْ مَسَحَ مُقِيمًا، ثُمَّ سَافَرَ)؛ أتمَّ مسحَ مُقيم، اختاره الخِرَقي وابن أبي موسى والأكثر؛ لما تقدَّم من تغليب جانب الحضر، وظاهره: أنَّه لا فرق بين أن يصلِّيَ في الحضر أو لَا.
وهذا من جملة المسائل التي أقيم فيها الزَّمان مقام الفِعل؛ كما إذا رهَنه أو وهبَه شيئًا عنده، وأذن له في قبضِه، ومضى زمنُ إمكانه؛ صار
(1)
كالمقبوض.
وقال أبو بَكرٍ: يتوجَّه أن يقال: إن صلَّى بطهارة المسح في الحضر؛ غلب جانبُه.
(أَوْ شَكَّ فِي ابْتِدَائِهِ؛ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ)؛ لأنَّ الأصلَ الغَسلُ، والمسحُ رخصةٌ، فإذا وقع الشَّك في شرطها رُدَّ إلى الأصل، وسواء شكَّ هل أوَّل مسحِه في حضر أو سفَر، أو علم أوَّل المدَّة وشكَّ هل كان مسحُه حاضِرًا أو مُسافِرًا.
(وَعَنْهُ: يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ) فيهما.
أمَّا الأولى فاختارها الخلَّال، وصاحبه، وأبو الخطاب في «الانتصار» ؛ لأنَّ هذا مسافِرٌ فيُعطى حكمه، وادَّعى الخلَّال أنَّه نقله عن أحمدَ أحدَ عشَر نفسًا
(2)
، ورجع عن قوله الأوَّل.
وأمَّا الثَّانية: فلأنَّه مسافر، قال ابن حمدان: كونه يتمُّ مَسح مسافر مع الشَّكِّ في أوَّله غريبٌ بعيدٌ؛ لأنَّه لا يجوز المسح مع الشَّكِّ في إباحته؛ لأنَّ الأصل وجوب الغَسل، فلو شكَّ في بقاء المدَّة؛ لم يمسح و
(3)
.
(1)
في (أ) و (ب): جاز.
(2)
في (أ): نفرًا.
(3)
قوله: (و) زيادة من (أ). وهي موافقة لما في الفروع 1/ 221. وينظر: درر الحكام 1/ 98، الحاوي الكبير 1/ 207.
فإن مسح الشَّاكُّ، فبان بقاءُ المدَّة؛ صحَّ وضوءُه. وقيل: لا؛ كما يعيد ما صلَّى به مع شكِّه بعد يوم وليلةٍ.
قال في «الكافي» وغيره: (ومن لبس وأحدث، ومسح، وصلَّى الظهر، ثمَّ شكَّ هل مسح قبل الظهر أو بعدها؛ وقلنا: ابتداء المدَّة من المسح؛ بنى
(1)
الأمر في المسح في المدَّة قبل الظهر، وفي الصَّلاة على أنَّه مسح بعدها؛ لأنَّ الأصل بقاء الصَّلاة في ذمَّته، ووجوب الغسل، فعاد كلُّ شيء إلى أصله).
فرع: لو مسح إحدى خفَّيه في الحضر، والأخرى في السَّفر؛ يتوجَّه لنا خلافٌ.
(وَمَنْ أَحْدَثَ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْمَسْحِ؛ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ) قال في «المغني» : (لا نعلم فيه خلافًا)؛ لأنَّه ابتدأ المسح مسافِرًا.
وذكر في الخلاف و «الرعاية» روايةً أخرى: أنَّه يُتمُّ مسح مقيم؛ كمن سافر بعد دخول الوقت ولم يُحرِم بالصَّلاة.
وقيل: إن مضى وقتُ صلاة.
(وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إِلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ) وهو القَدَمُ كلُّه، (وَيَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ بَعْضُ الْقَدَمِ، أَوْ كَانَ وَاسِعًا يُرَى مِنْهُ الْكَعْبُ، أَوِ الْجَوْرَبُ خَفِيفًا يَصِفُ الْقَدَمَ، أَوْ يَسْقُطُ مِنْهُ، أَوْ شَدَّ لَفَائِفَ؛ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ).
اعلم أنَّه يُشتَرط لجواز المسح على حوائلِ الرِّجل شُروطٌ:
الأوَّل: أن يكونَ ساتِرًا لمحلِّ الفرض، وإلَّا فحُكمُ ما استَتَر المسحُ، وما ظهر الغَسلُ، ولا سبيل إلى جمعهما، فوجب الغسل؛ لأنَّه الأصلُ.
وسواءٌ كان ظهورُه لقِصَرِ الحائِلِ، أو سَعته، أو صفائِه، أو خَرْقٍ فيه وإن صغر، حتَّى موضع الخَرْز.
(1)
في (أ): من.
وظاهره: أنَّ الخَرْق إذا انضمَّ ولم يَبْدُ منه شيءٌ؛ أنَّه يجوز المسح، وهو المنصوصُ
(1)
، لكن مال المَجْدُ إلى العفو عن خرق لا يمنع متابعة المشي؛ نظرًا إلى ظاهر خِفاف الصَّحابة.
وبالغ الشَّيخ تقي الدِّين فقال: (يجوز على المُخَرَّق ما لم يظهر أكثر القدم، فإن ظهر أكثره فهو كالنَّعل أو الزَّرْبول
(2)
الذي لم يَستُر القدمَ مما في نزعه مشقَّةٌ، بألَّا يُخلع بمجرَّد خلع الرِّجل، إنَّما يخلع بالرِّجل الأخرى أو باليد)، وقال:(إنَّه يغسل ما ظهر من القدَم ويمسح النَّعل، أو يمسح الجميع)
(3)
، معتمدًا في ذلك على أحاديث، وهي ضعيفة
(4)
.
الثَّاني: أن يكون ثابتًا بنفسه؛ إذ الرُّخصةُ وردت في الخفِّ المعتاد، وما لا يثبت بنفسه ليس في معناه، وحينئذٍ لا يجوز المسحُ على ما يَسقُط؛ لزوالِ شرطِه، ولا على اللَّفائف في المنصوص
(5)
، وحكاه بعضهم إجماعًا
(6)
؛ لعدم
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 205.
(2)
قال في تاج العروس (35/ 134): (الزربول: وهو ما يلبس في الرجل، مولدة).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 173، 212. والاختيارات ص 25.
(4)
قال في الاختيارات ص 25: (وقد ورد الرش على النعلين، والمسح عليهما في المسند من حديث أوس بن أوس، ورواه ابن حبان والبيهقي من حديث ابن عباس).
منها: ما أخرجه أحمد (16158)، وأبو داود (160)، وابن حبان (1339)، والبيهقي في الكبرى (1361)، عن أوس بن أبي أوس:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على نعليه وقدميه» ، وفيه والد يعلى بن عطاء وهو مجهول، وصححه بعض أهل العلم بشواهده. ينظر: صحيح أبي داود للألباني 1/ 282.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي في الكبرى (1358)، عن ابن عباس:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ومسح على نعليه» . قال البيهقي: (هكذا رواه رواد بن الجراح، وهو ينفرد عن الثوري بمناكير هذا أحدها، والثقات رووه عن الثوري دون هذه اللفظة).
(5)
ينظر: المغني 1/ 216.
(6)
ينظر: المغني 1/ 216.
ثبوتها بنفسها، وسواء كان تحتها نعل أو لا، ولو مع مشقَّة في الأصحِّ.
وحكى ابن عبدوس رواية بالجواز، بشرط قوَّتها وشدِّها.
وقيل: يجوز مسح لِفافة تحت خفٍّ مخَرَّق
(1)
؛ كجَورب
(2)
تحت مخرَّق.
أمَّا إذا ثبت الخفُّ ونحوه بنفسه، لكن يبدو منه بعض القدم بدون شَدِّه؛ فيجوز مسحه مع شَدِّه، صحَّحه ابن تميم، ونصره في «الشرح» ، واختاره ابن عبدوس.
وفيه
(3)
وجه: لا، اختاره الآمِدِي.
قال الزركشي: وفي معنى ذلك الزربول الذي له آذان.
الثَّالث: أن يُمكن متابعةُ المشي فيه، فلو تعذَّر لضيقِه، أو ثِقَل حديده
(4)
، أو تكسيره؛ كرَقِيقِ الزجاج؛ لم يَجُزِ المسح؛ لأنَّه ليس بمنصوص عليه، ولا هو في معناه، وفيه وجْهٌ.
الرَّابع: أن يكونَ مباحًا، فلا يجوز المسح على المغصوب والحرير؛ لأنَّ لبسه معصيةٌ، فلا تُستباح به الرُّخصة، وبناه
(5)
جماعة على الخلاف في الصَّلاة في الدَّار المغصوبة.
وفي ثالثٍ: إنْ لبِسَه لحاجة؛ كالبلاد الباردة الذي يخشى فيه
(6)
سقوط أصابعه؛ أجزأه المسح عليه، قاله في «المستوعب» و «الفصول» و «النهاية» .
الخامس: أن يكون معتادًا؛ فلا يجوز على الخشب والزُّجاج والنُّحاس، وهو اختيار الشِّيرازيِّ.
(1)
في (و): متخرق.
(2)
في (أ): جورب.
(3)
في (و): فيه.
(4)
في (أ): نعل جديدة. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي 1/ 396.
(5)
في (و): ونفاه.
(6)
في (و): به.
واختار أبو الخَطَّاب، والمَجْد، والقاضي وزعم أنَّه
(1)
قياس المذهب: جوازه؛ لأنَّه خفٌّ ساتر يمكن المشي فيه، أشبه الجلود.
وللأول أن يقول
(2)
: الرُّخصةُ إنَّما وردت في الخِفاف المتعارَفة للحاجة.
السَّادس: أن يكون طاهرَ العينِ، ولم يذكره المؤلف، وفيه وجهان، أصحُّهما: أنَّه يشتَرط.
ويظهر أثَر الخلاف: فيمن لبِس جلد كلب أو
(3)
ميتة في بلد ثلج، وخشي سقوط أصابعه، فظاهر كلام المؤلف: لا يشترط؛ للإذن فيه إِذَنْ، ونجاسة الماء حال المسح لا تضرُّ، كالجنب إذا اغتسل وعليه نجاسة لا تمنع وصول الماء على أحد القولين.
واختار ابن عقيل وابن عَبْدوس والمَجْد: يشترط؛ لأنَّه منهيٌّ عنه في الأصل، وهذه ضرورةٌ نادِرةٌ، وإِذَنْ يتيمَّم للرِّجلين.
فإن كان طاهرَ العين، وبباطنه أو بالقَدَم نجاسةٌ لا تُزالُ إلَّا بالماء؛ فقيل: هو كالوضوء قبل الاستنجاء. وقيل: إن تعذَّر الخَلْعُ وقلنا بجواز المسح؛ تيمَّم وصلَّى، والإعادة تحتمل وجهين.
وعلى الأوَّل: يستفيد بذلك مسَّ المصحف، والصَّلاة عند عجزه عن إزالة النَّجاسة.
(وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا فَلَمْ يُحْدِثْ حَتَّى لَبِسَ عَلَيْهِ آخَرَ؛ جَازَ الْمَسْحُ)؛ أي: إذا جمع بين ملبوسين يجوز المسح على كلٍّ منهما؛ فله مسح الأعلى بشرط لبسه قبل الحدث؛ لأنَّه خفٌّ ساتر يمكن المشي فيه، أشبه المنفرد.
واقتضى كلامُه: أنَّ الحدَث إذا تقدَّمَ لُبْسَ الفَوْقانِيِّ؛ أنَّه لا يَمسح،
(1)
في (أ)(و): أنَّ.
(2)
في (أ): والأولى أن نقول.
(3)
زاد في (ب): جلد.
وصرَّح به في «المغني» وكثيرٌ من الأصحاب؛ لأنَّه لَبِسهما على حدَث.
وكذا لو مَسح ثمَّ لبِس آخرَ؛ لم يمسح عليه، صرَّح به في «المحرر» وغيره، بل على ما تحته.
ولو نزع الفوقاني بعد مسحه عليه؛ بطل وضوءه، وله مسح ما تحته في رواية.
وإن لبِس على لفافة أو مخرَّقٍ صحيحًا؛ مسح عليه؛ لأنَّهما كخفٍّ واحد.
وكذا إن لبس على صحيح مخرَّقًا، نصَّ عليه
(1)
.
وفيه وجه: يجمع بينهما.
وقال القاضِي وأصحابُه: يمسح الصَّحيحَ؛ لأنَّ الفَوْقانِيَّ لا يُمسح عليه منفرِدًا، أشبه ما لو كان تحتَه لِفافةٌ.
وإن كانا مُخَرَّقيْن، ولم يَستُرا؛ لم يجز بحال، وكذا إن سَتَرَا، قدَّمه في «الرعاية». وقيل: يجوز؛ لأنَّ القَدم استتر بهما، فكانا كخُفٍّ واحدٍ.
(وَيَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ)، هذا هو السُّنَّة، ويجزئ الاقتصارُ عليه بغير خلاف، (دُونَ أَسْفَلِهِ، وَعَقِبِهِ)؛ أي
(2)
: لا يُسَنُّ مسحُهما مع أعلى الخفِّ، وهذا منصوص
(3)
، وعليه أكثر الأصحاب؛ لما رُوي عن عليٍّ رضي الله عنه قال:«لو كان الدِّين بالرَّأي لكان أسفل الخفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفَّيه» رواه أحمد وأبو داود، قال الحافظ عبد الغني:(إسناد صحيح)
(4)
، فبيَّنَ أنَّ الرَّأي وإن اقتضى مسح أسفله؛ إلَّا
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 205.
(2)
في (أ): أن.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 284، مسائل صالح 1/ 356.
(4)
أخرجه أحمد (737)، وأبو داود (162)، وصححه ابن حجر. ينظر: تنقيح التحقيق 1/ 338، التلخيص الحبير 1/ 418.
أنَّ السُّنَّة أحقُّ أن تُتَّبَعَ؛ لأنَّ أسفلَه مَظِنَّة ملاقاةِ النَّجاسةِ وكثرةِ الوسَخ، فمسحُه يفضي إلى تلويث اليد من غير فائدة.
وقيل: يُسَنُّ، وهو ظاهِرُ كلام ابن أبي موسى؛ «لأنَّه عليه السلام مسح أعلى الخفِّ وأسفله» رواهُ أحمدُ، وقال:(رُوِي هذا من وجهٍ ضعيفٍ)
(1)
، والتِّرمذي، وقال:(معلول، وسألت أبا زرعة ومحمَّدًا عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح)
(2)
.
أمَّا لو مسحهما مع أعلاه؛ أجزأه؛ لأنَّه أتى بالمقصود وزيادةٍ. وقيل: هو أفضل، ولا يُجزِئ الاقتصارُ عليهما وجهًا واحدًا؛ لأنَّه عليه السلام إنَّما مسح ظاهر خفَّيه.
وعُلِم منه: أنَّه لا يجِبُ استيعاب الخفِّ بالمسح، بل الواجِبُ مسحُ أكثرِ أعْلاهُ؛ أي: أكثرِ ظَهْرِ القدمِ. وقيل: قدر النَّاصية من الرأس، وقيل: هو المذهب. وقيل: يجب جميعُه؛ لأنَّه بدلٌ عن مغسولٍ.
(فَيَضَعُ يَدَهُ) معوجة الأصابِعِ، ويُستَحبُّ تفريجُها (عَلَى الْأَصَابِعِ)؛ أي: على أطرافِ أصابِعِ رِجْلَيْه، (ثُمَّ يَمْسَحُ إِلَى سَاقِهِ)، هذا صفةُ المسح المسنون، وقاله ابن عقيل وغيره، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى، قال في «البلغة»: ويقدِّم اليُمنَى.
وقد رَوى البيهقي في «سنَنِه» عن المغيرة بن شعبة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مسح على خفَّيه، وضع يدَه اليمنى على خفِّه الأيمن، ويده اليسرى على خفِّه
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 356.
(2)
أخرجه الترمذي (97)، وضعفه أحمد، وأبو حاتم، وتتمة جواب أبي زرعة والبخاري:(لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور، عن رجاء، قال: حُدِّثتُ عن كاتب المغيرة، مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه المغيرة). ينظر: تنقيح التحقيق 1/ 340، التلخيص الحبير 1/ 281.
الأيسر، ثمَّ مسح إلى أعلاه مسحةً واحدةً»
(1)
، فليس فيه تقدُّم، فلو مسح مِنْ ساقِه إلى أسفلَ جاز، قال أحمد:(كيفما فعلت فهو جائز)
(2)
.
نعم؛ لو مسحَه بخرقةٍ، أو خَشَبَةٍ، أو إصبعٍ، أو غَسَلَه؛ ففيه
(3)
خلافٌ سبق.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُستحَبُّ تَكرار المسحِ، وهو كذلك؛ لقوله:«مَسحةً واحدةً» ؛ لأنَّه يُوهِنُه ويُخْلِقُه من غير فائدة، بل قال ابن تميم وغيره: يُكره.
(وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ)، وهي التي يُدار منها تحت الحَنَك لَوْثٌ أو لَوْثان ونحوه
(4)
، وهذه كانت عِمَّة المسلمين على عهده صلى الله عليه وسلم، وهي أكثر سترًا من غيرها، ويشقُّ نزعُها، وسواءٌ كان لها ذُؤابةٌ أو لم يكن
(5)
، قاله القاضي، صغيرة كانت
(6)
أو كبيرة، (إِذَا كَانَتْ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ)؛ كمقدَّمِ رأسه، وجوانبِه، والأذنين إذا قلنا: إنَّهما منه؛ لأنَّه يشق التحرُّز عنه، فعفي عنه، بخلاف خَرْقِ الخُفِّ.
ويشترط مع ما ذكره
(7)
: أن تكون مباحةً، فلو كانت مغصوبةً أو حريرًا؛ لم يبح.
وأمَّا الطَّهارة والتَّوقيت؛ فقد تقدَّما.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (1957)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (1385)، من طريق الحسن عن المغيرة، والحسن لم يسمع من المغيرة، قاله الدارقطني، والذهبي. ينظر: علل الدارقطني 7/ 106، السير للذهبي 1/ 80، إتحاف الخيرة للبوصيري 1/ 393.
(2)
ينظر: المغني 1/ 218.
(3)
في (أ): فيه.
(4)
قال في الصحاح 1/ 291: (لاث العمامة على رأسه، يلوثها لوثًا، أي: عصبَها).
(5)
في (أ): تكن.
(6)
قوله: (كانت) سقطت من (و).
(7)
في (أ): ذكرنا.
وهذا خاصٌّ بالرَّجُل، فأمَّا
(1)
المرأة فلا تَمسح عليها؛ لأنَّها منهيَّة عن التَّشبُّه بالرَّجال، فكانت محرَّمةً في حقِّها. وفيه وجه: تمسح عليها لضرر بها.
وإن كان
(2)
تحت العِمامة قَلَنْسُوةٌ يظهر بعضها؛ فالظَّاهر جواز المسح عليهما؛ لأنَّهما صارا كالعمامة الواحدة، قاله في «المغني» .
(وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ)، يعني إذا كانتْ صَمَّاءَ؛ لأنَّها لم تكن عِمَّةَ المسلمين، ولا يشقُّ نزعُها، أشبهت الطَّاقِيَّة والكَلْتَةَ، وهو مَنهِيٌّ عن لُبسها، وقد رُوي: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بالتَّلحي
(3)
، ونهى عن الاِقْتِعَاطِ» رواه أبو عبيد
(4)
، والاقتِعاطُ: ألا يكون تحت الحَنَك منها شيء، قال عبد الله:(كان أبي يكره أن يعتمَّ الرَّجل بالعِمامة ولا يجعلها تحتَ حنَكِه)
(5)
، وقد رُوي عنه: أنَّه كرهه كراهةً شديدةً، وقال:(إنَّما يعتمُّ مثل هذا اليهود والنَّصارى)
(6)
.
وذكر ابن شهاب وغيرُه وجهًا بالجواز، وقالوا: لم يفرِّق أحمد، وفي «مفردات» ابنِ عَقيل: هو مذهبه، واختاره الشَّيخ تقي الدِّين، وقال:(هي كالقَلانِس المبطَّنة وأولى؛ لأنَّها في السَّتر ومشقَّة النَّزع لا تقصر عنها)
(7)
.
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ)، بضم الذال المعجمة، وبعدها همزة
(8)
(1)
في (أ): وأمَّا.
(2)
في (ب) و (و): كانت.
(3)
في (أ): بالتحلي.
(4)
ذكره أبو عبيد في غريب الحديث (3/ 120)، معلقًا.
(5)
من رواية الحسن بن محمد. ينظر: مسائل عبد الله ص 229.
(6)
ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 276.
(7)
ينظر: شرح العمدة 1/ 269، مجموع الفتاوى 21/ 187.
(8)
في (أ): بهمزة.
مفتوحةٌ، قال الجوهري:(هي من الشَّعْر)
(1)
، والمراد هنا: طرَف العِمامة المرخى، سُمِّي ذؤابةً مجازًا، (فَيَجُوزُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، اختاره المؤلفُ؛ لأنَّ إرخاءَ الذُّؤابة من السُّنَّة، قال أحمد في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث:(ينبغي أن يُرخِيَ خلفَه من عمامته، كما جاء عن ابن عمر أنَّه كان يعتمُّ ويرخيها بين كتفيه)
(2)
، وعن ابن عمر قال:«عمَّم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمنِ بعِمامةٍ سوداءَ، وأرخاها من خلفه قدرَ أربعِ أصابع»
(3)
، ولأنَّها لا تشبه عمائم أهل الذِّمَّة.
والثَّاني: لا، قال في «الشرح»:(وهو الأظهر)، وهو ظاهِرُ «الوجيز» ؛ لأنَّه مَنهيٌّ عنها، روي ذلك عن عمرَ
(4)
، وابنِه
(5)
، وطاوسٍ
(6)
، والحسنِ
(7)
،
(1)
ينظر: الصحاح 1/ 126.
(2)
ينظر: شرح العمدة 1/ 270.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (24976)، وابن سعد في الطبقات (1/ 456)، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع. وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (32/ 193)، من طريق المسيب بن واضح، عن عبد الله بن نافع، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما به، وفي سنده المسيب بن واضح وهو صدوق سيئ الحفظ، وقال أبو حاتم:(عبد الله بن نافع لم يسمع من ابن جريج شيئًا، والحديث باطل). ينظر: علل ابن أبي حاتم (1458)، وميزان الاعتدال 4/ 116.
(4)
لعله يشير إلى ما أخرجه أبو حفص العكبري عن جعدة بن هبيرة قال: رأى عمر بن الخطاب رجلاً يصلي وقد اقتعط بعمامته، فقال:«ما هذه العمامة الفاسقية؟!» ثم دنا منه فحل لوثًا من عمامته فحنَّكه بها ومضى. ذكره عنه شيخ الإسلام في شرح العمدة (1/ 261)، ولم نقف على إسناده.
(5)
لم نقف عليه، والثابت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرخي عمامته بين كتفيه كما تقدم في كلام المؤلف.
(6)
زاد في (أ): وابنه. والمثبت موافق لما في الفروع.
(7)
أورد شيخ الإسلام في شرح العمدة ذلك عن طاووس والحسن، ولم نقف على قول الحسن، وأما قول طاوس؛ فقد أخرجه معمر في الجامع (19978)، ومن طريقه أحمد في العلل (2/ 569)، والبيهقي في الشعب (5854)، عن طاوس في الذي يلوي العمامة على رأسه ولا يجعلها تحت ذقنه، قال:«تلك عمة الشيطان» .
ولأنَّه لا يشقُّ نزعها، وأطلقهما في «المحرر» و «الفروع» .
(وَيُجْزِئُ مَسْحُ أكْثَرِهَا)، قدَّمه جماعةٌ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الشرح» ؛ لأنَّها ممسوحةٌ على وجه البدل، فأجزأ بعضُها كالخفِّ، ويختصُّ ذلك بأكوارِها، وهي دوائرُها، قاله القاضي.
فإن مسحَ وسطها فقط؛ أجزأه في وجه؛ كما يجزئ بعض دوائرها. وفي آخر: لا، أشبهَ ما لو مسح أسفل الخف وحده.
(وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا مَسْحُ جَمِيعِهَا)، قيل: إنَّه الصَّحيح، وأخذه من نصِّ الإمام
(1)
أنَّه قال: (يمسح العِمامة كما يمسح رأسه)
(2)
.
لكن قال في «المغني» : يحتَمِل أنَّه أراد التَّشبيه في صفة المسح دون الاستيعاب، ويحتمل أنَّه أراد التَّشبيه في الاستيعاب، فيخرج فيها من
(3)
الخلاف ما في وجوب استيعاب الرأس، وفيه روايتان، أظهرهما: وجوبه فيه، فكذا هنا، ولأنَّها بدَل من جنس المُبدَل، فيقدَّر بقدره؛ كقراءة غير الفاتحة عوضًا عنها إذا عجز عنها
(4)
، بخلاف التسبيح، وبه يجاب عن مسح بعض الخُفِّ.
فرع: ما جرت العادةُ بكشفه؛ يُستَحَبُّ أن يَمسح عليه مع العِمامة، نصَّ عليه
(5)
؛ لأنَّه عليه السلام مسح على عمامته وناصيته
(6)
.
وتوقَّف أحمدُ عن الوجوب، والأصحُّ: عدَمُه؛ لأنَّ الفرض انتقل إلى
(1)
في (و): أحمد.
(2)
ينظر: المغني 1/ 221.
(3)
قوله: (من) سقطت من (أ).
(4)
قوله: (إذا عجز عنها) سقطت من (أ).
(5)
ينظر: المغني 1/ 220.
(6)
تقدم تخريجه 1/ 178 حاشية (3).
العِمامة، فلم يَبْقَ لما ظهر حكم
(1)
.
وفي «المغني» و «الشرح» : أنَّه لا خلاف في الأذنين أنَّه لا يجب
(2)
مسحهما؛ لأنَّه لم يُنقل، وليسا من الرأس إلَّا على وجه التَّبع.
(وَيَمْسَحُ عَلَى جَمِيعِ الْجَبِيرَةِ)، سواءٌ كانتْ على كَسْر أو جُرْح، نصَّ عليه
(3)
؛ لحديث صاحب الشَّجَّة
(4)
؛ لأنه
(5)
لا يشقُّ المسح عليها كلها بخلاف الخُفِّ، وهو مسح للضرر، أشبه التَّيمُّم.
هذا إذا كانت في محلِّ الفرض؛ فإن كان بعضُها في غير محلِّه؛ غسل ما حاذَى محلَّ الفرض، نص عليه
(6)
.
وظاهره يقتضي استيعابها بالمسح، وأنَّه لا إعادة عليه؛ لأنَّها طهارة عذر، فأسقطت
(7)
الفرض؛ كالتَّيمُّم.
وذكر ابن أبي موسى وابن عبدوس ثانية: بوجوب
(8)
الإعادة، لكنَّهم بنَوْها على ما إذا لم يتطهَّر لها وقلنا بالاشتراط.
وظاهره: أنَّه يكتفي بالمسح وحده، وهو المشهور؛ لأنَّه مسح على حائل، فأجزأ من غير تيمُّم؛ كمسح الخف، بل أولى؛ إذ صاحب الضرورة أحقُّ بالتَّخفيف.
والثَّانيةُ: يتيمم
(9)
معه؛ لظاهر قصَّة صاحب الشَّجَّة.
(1)
قوله: (فلم يبق لما ظهر حكم) هي في (أ): فلم يظهر حكم.
(2)
في (أ): يستحب. والمثبت هو الموافق لما في المغني والشرح.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 451.
(4)
سبق تخريجه 1/ 306 حاشية (1).
(5)
قوله: (لأنَّه) سقطت من (أ).
(6)
ينظر: المغني 1/ 204.
(7)
في (و): فأشبهت.
(8)
في (أ) و (و): بأنه يوجب. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي 1/ 371.
(9)
قوله: (يتيمم) سقطت من (أ).
وضعِّف بأنَّه يحتمل أنَّ الواو فيه بمعنى أو، ويَحتمِل أنَّ التَّيمُّم فيه لشدِّ العصابة على غير طهارة.
(إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ) بشدِّها (قَدْرَ الْحَاجَةِ)؛ لأنَّه موضع حاجة، فتقيَّد
(1)
بقدرها، واقتضى أنَّه إذا تجاوَزَ بشدِّها إلى موضع لم تَجْرِ العادةُ به؛ أنَّه لا يجزئه المسح، وهو كذلك؛ لأنَّه يكون تاركًا لغَسل ما يمكنه غسله من غير ضرر، فعلى هذا ينزِعها، فإن خاف التَّلف به؛ سقط.
وكذا إن خاف الضَّرَر على المشهور، فيَمسح قدرَ الحاجة، ويتيمَّم للزائد، ولم يجزئه مسحه على المذهب؛ لعدم الحاجة إليه.
وفيه وجْهٌ: يُجزِئه المسحُ على الزائد، اختاره الخلَّال وغيره؛ لأنَّه قد صارت ضرورة إلى المسح عليه، أشبه موضع
(2)
الكسر.
وفي ثالث: يجمع في الزائد بينهما.
ونقل المَيْمونِيُّ والمَرُّوذِي
(3)
عن أحمدَ: أنَّه
(4)
لا بأس بالمسح على العصائِب كيف شدَّها؛ لأنَّ هذا لا يَنضبِط، وهو شديدٌ جدًّا
(5)
.
والأوَّل أولى وأصحُّ
(6)
إن شاء الله تعالى.
مسألة: تُفارِق الجبيرةُ الخُفَّ من أوجُهٍ:
الأوَّل: أنَّه لا يجوز المسح عليها إلَّا عند الضرر بنزعها.
الثَّانِي: أنَّه يجِب استيعابُها.
الثَّالث: أنَّ المسحَ عليها مقيَّد بالحَلِّ أو البُرْء.
(1)
في (أ): فيتقيد.
(2)
في (أ): بوضع.
(3)
في (و): المروزي.
(4)
في (و): لأنَّه.
(5)
ينظر: المغني 1/ 203.
(6)
في (و): وإن صح.
والرابع: أنَّه
(1)
يمسح عليها في الكبرى.
الخامس: أنَّه لا يشترط لها تقدُّم طهارة في روايةٍ.
السَّادس: أنَّها تجوز من خِرَقٍ ونحوه
(2)
، وأنَّها لو كانت من حريرٍ ونحوِه؛ جاز المسح عليها على رواية صِحَّة الصَّلاة.
السَّابع: أنَّ مسحها عزيمة.
والخفُّ بخلاف ذلك كلِّه، وتقدَّم أوجُهٌ أُخَرُ.
(وَمَتَى ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ)؛ بطلت طهارتُه في المشهور؛ لأنَّ المسحَ أقيمَ مقامَ الغَسل، فإذا زال بطلت الطَّهارة في القدمين، فيبطل في جميعها؛ لكونها لا تتبعَّض.
وحُكمُ انكِشاف بعض القدَم من خَرْق؛ حكم ظهوره كلِّه، فلو أخرج القدم، قال المَجْدُ والجَدُّ:(أو بعضَه، إلى ساق الخف فهو كخَلعِه)، نصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه لا يمكنه المشي فيه. وعنه: إن جاوز العقب أثَّر، وإلَّا فلا. وعنه: لا. وعنه: لا يبعِّضه.
ونَزْع أحد الخفَّين كنزعهما؛ لأنَّهما كخفٍّ واحد.
وقوله: (الماسح) يحترز به ما إذا غسل رجله
(4)
في الخف، فإذا ظهرت؛ لم يلزمه شيء، ويصلِّي به ما أراد.
(أَوْ) ظهَر (رَأْسُهُ)؛ بطلت أيضًا، قال في «المغني»:(إلَّا أن يكون الكشْفُ يسيرًا فإنَّه لا يضر)، قال أحمدُ: (إذا زالَتْ عن رأسه فلا بأس به ما
(1)
في (أ): أنَّ.
(2)
في (و): ونحوها.
(3)
ينظر: مسائل صالح 2/ 122، وأبي داود ص 16.
(4)
في (أ): رجليه.
لم يَفْحُش)
(1)
، قال ابن عقيل وغيره: ما لم يرفعها بالكليَّة؛ لأنَّه معتادٌ.
وظاهِرُ «المستوعب» و «الوجيز» : أنَّها تبطل بظهور شيء من رأسه.
وكذا إذا انتقضت
(2)
بعد مسحها؛ فإنَّها تبطل، وفي بعضها روايتان.
(أَوِ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ) وهو متطهِّر؛ (اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ)؛ لما تقدَّم.
(وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ مَسْحُ رَأْسِه وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ)؛ لأنَّه أزال بدَل غسلهما، فأجزأه المبدَل؛ كالمتيمِّم يجد الماء.
وفي الأُولى
(3)
: يغسل رِجْلَيه فقط.
وهذا مَبنِيٌّ على اشتِراط الموالاة؛ كما جزم به ابن الزَّاغوني والمؤلِّف، وبيَّنا أنَّ الخَلْع إذا كان عقب المسح؛ كفاه غسل رجليه.
أو رفعِ الحدث
(4)
كما جزم به أبو الحسين، واختاره المجد، وذكر أبو المعالي أنَّه الصَّحيح في
(5)
المذهب عند المحقِّقين، ويرفعه في المنصوص
(6)
و
(7)
.
أو مبنِيٌّ
(8)
على غسل كلِّ عضو بنيَّةٍ.
أو على أنَّ الطَّهارة لا تتبعَّض في النقض وإن تبعَّضت في الثبوت؛ كالصَّوم والصَّلاة، اختاره في «الانتصار» .
(1)
ينظر: مسائل حرب كتاب الطهارة ص 367.
(2)
في (ب) و (و): انقضت.
(3)
في (و): في الأولى. والمراد: فيما إذا ظهر قدم الماسح.
(4)
أي: أو هو مبني على كونه يرفع الحدث أو لا.
(5)
في (أ): من.
(6)
أي: ويرفع الحدث في المنصوص عن أحمد. ينظر: مسائل أبي داود ص 16.
(7)
ينظر: بدائع الصنائع 1/ 12، مواهب الجليل 1/ 323، الحاوي الكبير 1/ 367، الفروع 1/ 213.
(8)
في (ب) و (و): يبني.
ويتوجَّه: لا يلزمه شيء، بل يصلِّي به.
فرع
(1)
: إذا حدَث ما تقدَّم وهو في الصَّلاة؛ فظاهِرُ كلامهم كما لو كان خارجَها، وبناه ابن عَقيل على قدرة المُتَيَمِّمِ على
(2)
الماء.
(وَلَا مَدْخَلَ لِحَائِلٍ فِي الطَّهَاَرَةِ الْكُبْرَى)؛ لحديث صفوان قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزِعَ خفافنا ثلاثة أيَّام ولياليهنَّ إلَّا من جَنابة»
(3)
، (إِلَّا الْجَبِيرَةَ)؛ لحديث جابرٍ
(4)
، ولأنَّ الضررَ يلحق بنزعها بخلاف الخف، فإذا زالت فكالخف.
وقيل: طهارتُه باقيةٌ قبلَ البُرْءِ، واختاره الشَّيخ تقِيُّ الدِّين مطلقًا
(5)
.
(1)
قوله: (تبعضت في الثبوت، كالصوم، والصَّلاة اختاره في الانتصار، ويتوجه: لا يلزمه شيء بل يصلي به. فرع) سقط من (و).
(2)
قوله: (قدرة المتيمم على) هو في (أ): (قدر التَّيمُّم غسل).
(3)
سبق تخريجه 1/ 201 حاشية (6).
(4)
تقدم تخريجه 1/ 306 حاشية (1).
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 179.
(بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ)
النَّواقِضُ: جمْع ناقِضَةٍ لا ناقِض؛ لأنَّه لا يُجمع على فَواعِلَ إلَّا المؤنَّثُ، وشذَّ: فوارِس، وهوالِك، ونواكِس، جمع فارس، وهالك، وناكس، يقال: نقضتُ الشيءَ إذا أفسدته.
فنواقضُ الوضوء: مفسِداتُه، واستعمالُه فيه مجازٌ؛ كاستعماله في العلَّة، وإنَّما حقيقته في البناء، واستُعمِل في المعاني بعلامة الإبطال.
(وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ):
(الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ)؛ أي: على سبيلِ البدَل، واحدُهما: سبيلٌ، وهُو الطريق، وهما مخرج البول والغائط، والمراد: إلى ما هو في حكم الظَّاهر
(1)
، ويلحقُه حكم التَّطهير، إلَّا ممَّن
(2)
حدثه دائم، (قَلِيلًا كَانَ) الخارجُ (أَوْ كَثِيرًا)، ذُكر لمقابلَة الأوَّل، وهو مُغنٍ عنه، (نَادِرًا أو مُعتادًا)، فالمُعتاد؛ كالبول والغائط، فيَنقُضُ إجماعًا؛ لقوله تعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النِّسَاء: 43]، وقوله عليه السلام: «ولكن من غائط، وبول
(3)
، ونوم»
(4)
.
والنَّادِرُ؛ كالدُّود والحَصى، حتَّى دم الاستحاضة؛ لما روى عروة عن فاطمةَ بنت أبي حُبَيْشٍ: أنَّها كانت تُستحاض، فسألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:«إذا كان دم الحيض، فإنَّه أسودُ يُعرف، فإذا كان كذلكِ فأمسكي عن الصَّلاة، وإذا كان الآخر فتوضَّئي وصلِّي؛ فإنَّما هو دم عِرْقٍ» رواه أبو داود، والدَّارقطني
(1)
في (و): الطاهر.
(2)
في (أ): فمن.
(3)
في (أ): أو بول.
(4)
سبق تخريجه 1/ 201 حاشية (6).
وقال: (إسنادُه كلُّهم ثِقاتٌ)
(1)
، فقد أمر
(2)
بالوضوء لكلِّ صلاةٍ
(3)
، ودمُها غيرُ معتادٍ، ولأنَّه خارِج من
(4)
السبيل، أشبه المعتاد، مع أنَّه لا يخلو عن بِلَّة تتعلَّق به، فينتقضُ بها.
وهو شامِلٌ للمَنِيِّ والرِّيح، وإن خرجت من القُبُل على المشهور؛ لعموم قوله عليه السلام:«لا وضوء إلَّا من حدث أو ريح»
(5)
رواه التِّرمذي وصحَّحه من حديث أبي هريرة
(6)
.
وقال أبو الحسيْن: قياس المذهب النَّقْض بالريح من قُبُل المرأة دون قُبُل الرَّجل
(7)
، وعلَّله ابن عَقيل: لأنَّ قبُلها له منفذ إلى الجوف، بخلاف الرجل، وريح الدُّبر إنَّما نقض لاستصحابه جزءًا لطِيفًا من النَّجاسة، بدليل نَتَنِها.
(1)
أخرجه أبو داود (286)، والنسائي (215)، وابن حبان (1348)، وضعفه أبو داود، وأبو حاتم، وصححه ابن حبان، وابن حزم، والنووي، وأُعل الحديث بالانقطاع والاضطراب، وذكر الدارقطني والطحاوي وغيرهما أن لفظة:«أسود يعرف» ، مما تفرد به محمد بن عمرو بن علقمة. ينظر: علل ابن أبي حاتم (117)، علل الدارقطني 14/ 103، التمهيد لابن عبد البر 16/ 56، حاشية ابن القيم على مختصر سنن أبي داود 1/ 323، صحيح أبي داود للألباني 2/ 59.
(2)
في (أ): أمرنا.
(3)
أخرجه البخاري (228)، بلفظ:«ثم توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت» ، وأشار مسلم في صحيحه (333) إلى أنه حذفها عمدًا.
(4)
قوله: (من) سقط من (و).
(5)
قوله: (وإن خرجت من القبل على المشهور، لعموم قوله عليه السلام: لا وضوء إلا من حدث أو ريح) سقط من (و).
(6)
أخرجه أحمد (10093)، والترمذي (74)، وابن خزيمة (27)، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، والبيهقي، وابن الصلاح، وأشار أبو حاتم إلى أنه وهم، وأن شعبة رواه بالمعنى، وأصله الحديث المتفق عليه:«إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد ريحًا من نفسه؛ فلا يخرج حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا» . ينظر: علل ابن أبي حاتم (107).
(7)
قوله: (النَّقض بالريح من قبل المرأة دون قبل الرَّجل) هو في (و): الريح من قبل المرأة ينقض دون قبل الرَّجل.
وكما
(1)
إذا قَطَّر في فرجه دُهنًا ثمَّ سال، أو احتَشى
(2)
قُطْنًا ثمَّ خرج منه، أو كان في وسط القطن
(3)
ميل، فسقط
(4)
بلا بِلَّة في وجهٍ؛ إناطةً بالمظنَّة. ولا نقض في آخرَ؛ لانتفاء الخارج.
فإن تيقَّن خروج بِلَّة؛ نقضَ على الأعرف، وأبْعدَ من قال: لا نقضَ حتَّى يخرُجَ بَولٌ، قاله الزركشي.
وتبعيدُه بعيد، فإنَّه ظاهر نقل
(5)
عبد الله
(6)
، واختاره القاضي.
وفي وجه: ينقض الدهن دون غيره.
وفي نجاسة الدهن وجهان؛ لنجاسة باطنه، أو لأنَّه باطِنٌ فلم يتنجَّس به؛ كنُخامة الحلق وهو مخرج القيء.
وكذا إذا ظهرت مقعدتُه يعلم أنَّ عليها بَلَلاً، ولم ينفصل؛ فإنَّه ينتقض على المنصوص
(7)
، وكذا طرف مُصرانٍ، أو رأس دودة.
وخرج منه: ما إذا احتقن ولم يخرج منها شيء، أو وطئ في الفرج، أو دونه، فدخل
(8)
فرجَها ولم يخرج، في وجه.
(1)
في (و): ولما.
(2)
في (أ): احتبس.
(3)
قوله: (القطن) سقط من (و).
(4)
في (و): فيسقط.
(5)
في (أ) و (و): نقله. والمثبت هو الموافق لما في الفروع. وينظر: مسائل عبد الله ص 20، الفروع 1/ 219.
(6)
لعله يريد ما جاء في مسائل عبد الله (ص 22): سئل أبي وأنا أسمع: عن الرجل يحشي ذكره القطن بعد الوضوء، فإذا صلى أخرجه فيجد في القطن بللاً. قال: لا بأس به ما لم يظهر. يعني خارجًا.
(7)
قال أبو الحارث: سألت أحمد عن رجل به علة، ربما ظهرت مقعدته؟ قال:(إن علم أنه يظهر معها ندىً توضأ، وإن لم يعلم فلا شيء عليه). ينظر: المغني 1/ 126.
(8)
أي: دخل ماؤه فرجها. ينظر: شرح الزركشي 1/ 235.
ومجرَّد الحقنة فيها أوجه، ثالثها: ينقض من دُبُره، وظاهر كلامهم فيما تحمَّله لا فرق بين
(1)
كون طرَفِه خارجًا، أوْ لا.
(الثَّانِي: خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ مِنْ سَائِرِ)؛ أي: باقي (الْبَدَنِ؛ فَإِنْ كَانَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا؛ نَقَضَ قَلِيلُهَا) بغير خلاف في المذهب لما سبَق، وكالخارج من السبيليْن، وسواءٌ كانا مُنْسدَّيْن أو مفتوحيْن، فوقَ المعدة أو تحتَها.
وإن استدَّ المخرجُ المعتادُ، وانفتح غيرُه؛ قال ابن عقيل: أسفل المعدة، فخرج منه ريح؛ لم ينقض في الأشهر، وإن خرج منه بول أو غائط، ورُجي انقطاعُه؛ نقضَ كثيرُه، وفي يسيرِه روايتان.
قال في «النهاية» : إن
(2)
اسْتَدَّ المخرجُ المعتادُ خِلقَةً؛ فسبيلُ الحدَثِ الُمنفَتِحُ والمسدودُ كعُضوٍ زائدٍ مِنْ الخُنثى.
وعُلم منه: أنَّ الخارِجَ إذا كان طاهِرًا؛ فإنَّه لا ينقُضُ، سواء كان بُصاقًا، أو نُخامةً، أو بَلْغمًا، وهو أصحُّ الرِّوايتين فيه.
وعنه: بَلَى، وهو قول أبي يوسف.
وأصلهما: هل يفَطِّر الصَّائمَ؟ والأوَّل أصحُّ؛ لأنَّها تُخْلَقُ من البَدَنِ كبَلْغَمِ الرأسِ.
وقيل: هو نجَس إذا انعقَد وازْرَقَّ، وحكاه بعضهم روايةً.
(وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا؛ لَمْ يَنْقُضْ إِلَّا كَثِيرُهَا)، وهو قول عمر
(3)
(1)
في (أ): من.
(2)
في (و): إذا.
(3)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (59)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:«أنه كان يصلي بأصحابه، فرعف فأخذ بيد رَجُل فقدمه، ثم ذهب فتوضأ، ثم جاء فصلى ما بقي عليه من صلاته ولم يتكلم» .
وأخرج نحوه ابن أبي شيبة (5899)، عن عمر بن الخطاب، في الرجل إذا رعف في الصلاة قال:«ينفتل فيتوضأ، ثم يرجع فيصلي ويعتد بما مضى» ، ومدار الإسنادين على حجاج بن أرطاة، وهو صدوق كثير الخطأ، وقد اضطرب فيه، فتارة يرويه عن رجل، وتارة عن خالد بن سلمة، وتارة يجعل الراوي عن عمر عمرو بن الحارث، وتارة محمد بن الحارث. وينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 1/ 299.
وابن عبَّاس
(1)
؛ لقوله عليه السلام لفاطمة: «إنَّه دمُ عِرْقٍ»
(2)
، فعلَّل بكونه دمَ عرق، والقيح والدم كذلك، ولأنَّها نجاسة خارجة من البدن أشبه الخارج من السبيل، وفيه نظر.
وقيل: لا يَنقض دمٌ وقَيحٌ ودودٌ.
وعنه: لا ينقض قَيحٌ ولا صديدٌ ولا مِدَّةٌ
(3)
، إلَّا أن يخرج ذلك من السَّبِيلِ.
فلو خرجَ دمٌ كثيرٌ بمَصِّ عَلَقٍ أو قُرادٍ؛ نَقَضَ، فإن لم يخرج بنفسه بل بقُطنَةٍ ونحوِها فكذلك، بخلاف مصِّ ذُبابٍ وبَعُوضٍ؛ لقِلَّتِه، ومشقَّةِ الاحترازِ منها، ذكره أبو المعالي.
وظاهره: أنَّ اليسيرَ لا ينقُض، وهو كذلك، ذكره القاضي روايةً واحدةً، وحكاه أحمد عن ابن عمر
(4)
،
(1)
أخرجه الأثرم في سننه (ص 269)، وابن المنذر في الأوسط (64)، والبيهقي في الكبرى (4100)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«إذا كان الدم فاحشًا فعليه الإعادة، وإن كان قليلاً فليس عليه إعادة» ، وإسناده حسن، وقد احتج به أحمد كما عند الأثرم.
(2)
سبق تخريجه 1/ 220 حاشية (1).
(3)
المدة: بالكسر، القيح، وهي الغثيثة الغليظة، وأما الرقيقة فهي صديد. ينظر: المصباح المنير 2/ 566.
(4)
ذكره عنه الأثرم في السنن (ص 267)
أخرجه عبد الرزاق (553)، وابن أبي شيبة (1469)، والأثرم في سننه (114)، وابن المنذر في الأوسط (65)، والبيهقي في الكبرى (667)، عن بكر بن عبد الله المزني قال:«رأيت ابن عمر عصر بثرة في وجهه، فخرج شيء من دم، فحكه بين إصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ» ، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 46)، وقد احتج به أحمد، وصححه ابن حزم في المحلى (1/ 239)، وصحح إسناده ابن حجر في تغليق التعليق (2/ 120).
وروي عن ابن أبي أوفى
(1)
وجابر
(2)
، واشتهر ذلك ولم يُنكَر، فكان إجماعًا.
قال أحمد: (قال ابن عبَّاس في الدم: «إذا كان فاحشًا أعادَ الوُضوءَ» ، والقليلُ لا أرى فيه الوضوءَ
(3)
؛ لأنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّصوا فيه)
(4)
.
ثمَّ بيَّن حد
(5)
الكثيرَ فقال: (وَهُوَ مَا فَحُشَ فِي النَّفْسِ)؛ أي: كلُّ أحد بحسبه، نصَّ عليه
(6)
، واحتجَّ بقول ابن عبَّاس:«الفاحِش ما فحُش في قلبك»
(7)
، قال الخلَّال:(إنَّه الذي استقر عليه قوله)، وذكره المؤلف المذهب، قال في «الشرح»:(لأنَّ اعتبارَ حالِ الإنسانِ بما يَستفْحِشه غيرُه حَرَجٌ، فيكون مَنفِيًّا).
وعنه: يعتبر نفوس أوساط الناس، اختاره القاضي وجماعةٌ كثيرةٌ، وجزم به في «التلخيص» و «المحرر» ، وقدَّمه في «الفروع» كما رجع في يسير اللقطة إليهم.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (571)، وابن أبي شيبة (1334)، والأثرم في السنن (111)، عن عطاء بن السائب قال:«رأيت عبد الله بن أبي أوفى بصق دمًا، ثم صلى ولم يتوضأ» ، علقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 46)، وإسناده صحيح، وقد احتج به أحمد، وعطاء بن السائب وإن كان قد اختلط إلا أنه من رواية الثوري وابن عيينة عنه، وهما ممن رواه عنه قبل الاختلاط.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (1474)، وأحمد كما في سنن الأثرم (ص 267)، وابن المنذر في الأوسط (67)، عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه:«أنه أدخل إصبعه في أنفه، فخرج عليها دم، فمسحه بالأرض أو بالتراب ثم صلى» ، وإسناده صحيح، واحتج به أحمد.
(3)
في (ب) و (و): وضوء.
(4)
ينظر: مسائل صالح 2/ 274، ومسائل عبد الله ص 64. وأثر ابن عباس رضي الله عنهما تقدم تخريجه قريبًا.
(5)
قوله: (حد) سقط من (أ).
(6)
ينظر: مسائل عبد الله ص 64.
(7)
لم نقف عليه مسندًا، وقد ذكره ابن هانئ في مسائله عن أحمد (1/ 9)، قال ابن هانئ: وسألته عن الرجل يتمخط فيخرج من أنفه دم؟ قال: (القليل، لا أرى أن يتوضأ منه، فإذا فحش يتوضأ منه)، قلت له: مثل أيش يكون الفاحش؟ قال: (قال ابن عباس: ما فحش في قلبك).
وعنه: الفاحِش قدرُ الكَفِّ.
وعنه: قدرُ عشرِ أصابع.
(وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّ قَلِيلَهَا يَنْقُضُ)؛ لما روى مَعْدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قاءَ فتوضَّأ، فلقيتُ ثوبانَ في مسجد دمشق فسألته
(1)
، فقال: صدق، أنا صببتُ له وَضوءَه» رواه أحمد، واحتجَّ به، وقال التِّرمذي:(هو أصحُّ شيء في الباب)
(2)
، وعن عائشة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أصابه قيْءٌ، أو رُعافٌ، أو قَلَسٌ، أو مذي؛ فلينصرف فليتوضَّأ» رواه ابن ماجه والدَّارقطني، من رواية إسماعيل بن عيَّاش، عن ابن جريج، وهو حجازي، وروايته عن الحجازيين ضعيفة عند أكثر المحدِّثين
(3)
، وكخارِجٍ معتادٍ، لكن قال في «المغني»: (لا نعرف
(4)
هذه الرِّواية، ولم يذكرها الخلَّال في جامعه إلَّا في القلَس، واطَّرَحَها).
وقال الشَّيخ تقي الدِّين: لا ينقض
(5)
مطلقًا
(6)
، واختاره الآجُرِّي في غير القيء.
فإن شرب ماء وقذفه في الحال؛ فنَجِسٌ.
وبالجملة: فيحملان على الفاحش؛ جمعًا بين الأدلَّة.
فائدة: القَلَسُ بالتحريك، وقيل بالسكون: ما خرج من الجوف ملءَ الفم، أو دونه، وليس بقيءٍ، فإن عاد فهو قيْءٌ.
(1)
: قوله: (فسألته) سقطت من (أ).
(2)
أخرجه أحمد (27537)، والترمذي (87)، والنسائي في الكبرى (3116)، ووقع في الحديث اختلاف في إسناده. ينظر: نيل الأوطار 1/ 237، الإرواء 1/ 147.
(3)
أخرجه ابن ماجه (1221)، والدارقطني (568)، وأعله أبو حاتم بالإرسال، وضعفه الشافعي، وأحمد، والدارقطني وغيرهم. ينظر: تنقيح التحقيق 1/ 285.
(4)
في (أ): يعرف.
(5)
في (ب) و (و): نقض.
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 526، الاختيارات ص 26.
(الثَّالِثُ: زَوَالُ الْعَقْلِ) أو تغطيتُه، قال أبو الخطاب وغيره: ولو تلجَّم ولم يخرج شيء؛ إلحاقًا بالغالِب؛ لأنَّ الحِسَّ يذهب معَه.
والمُزِيلُ له على ضَربيْن: نومٌ وغيرُه.
فغيرُ النوم؛ كالجُنون والإغماء والسُّكْر؛ ينقض كثيرها ويسيرُها إجماعًا على كلِّ الأحوال؛ لأنَّ هؤلاء لا يشعُرون بحال، بخلاف النائم، وفي إيجاب الوضوء بالنَّوم تنبيهٌ على وجوبِه بما هو آكد منه.
وأمَّا النَّوم؛ فرحمةٌ من الله تعالى على عبده ليستريح بدنه عند تعبِه، وهو غَشْيةٌ ثقيلةٌ تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء، فينقض في الجملة؛ لما روى علي بن أبي طالب: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «العين وكاء السَّه
(1)
، فمن نام فليتوضَّأ» رواه أحمد وأبو داود عن بقيَّة عن الوَضِين بن عطاء
(2)
، ولأنَّه مَظِنَّة خروج الحدث، فأقيم مقامَه؛ كالتقاء الختانين.
ونقل الميموني: أنَّه لا ينقض، قال الخلَّال:(هو خطأ بيِّن)، واختاره الشَّيخ تقي الدِّين إذا ظنَّ بقاء طُهره، ولا تفريع عليها.
ثمَّ هو
(3)
ينقسم إلى أقسام، فقال: (إلَّا النَّوم اليسير
(4)
عُرْفًا؛ لأنَّه لا حدَّ
(1)
كتب على هامش الأصل: قال الهروي: السَّه: حلق الدبر.
(2)
أخرجه أحمد (887) وأبو دواد (203)، من طريق عبد الرحمن بن عائذ، عن علي رضي الله عنه، وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده (16879)، والدارمي (749)، من حديث معاوية رضي الله عنه، وسئل عنهما أبو حاتم فقال:(ليسا بقويين)، وقال أبو زرعة عن حديث علي:(ابن عائذ عن علي مرسل)، وفي إسناد حديث علي الوضين بن عطاء، وهو صدوق سيئ الحفظ، وأُنكر عليه هذا الحديث، ورجح ابن عبد الهادي أن حديث معاوية موقوف، وضعَّف الحديث الساجي، وابن عبد البر، وابن القطان، وابن حجر، وحسنه النووي، والمنذري، وابن الصلاح. ينظر: علل ابن أبي حاتم (106)، بيان الوهم والإيهام 3/ 7، تنقيح التحقيق 1/ 252، التلخيص الحبير 1/ 333، صحيح أبي داود للألباني 1/ 367.
(3)
قوله: (هو) سقطت من (أ).
(4)
كتب على هامش الأصل: من أصل مسودة المصنف: النوم غشية ثقيلة على القلب تمنع المعرفة بالأشياء، انتهى. وهو - أي: النوم- رحمة من الله سبحانه وتعالى على عبده؛ ليستريح بدنه عند تعبه، لما علم الله عجز الروح المدبر عن القيام بتدبير البدن دائمًا، انتهى.
له في الشرع. وقيل: ما لم يتغير عن
(1)
هيئته؛ كسقوطِه. وقيل: مقدار الكثير ركعتين، ونصَّ أحمد أنَّه إذا رأى فيه حُلُمًا
(2)
.
ومن لم يَغْلِبْ على عقله؛ فلا وضوء عليه، فلو شكَّ في كثرتِه؛ لم ينتقِض.
(جَالِسًا أَوْ قَائِمًا)، اختاره الخِرَقي، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه ابن تميم؛ لما روى أنسٌ قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة
(3)
حتَّى تخفِق رؤوسُهم، ثمَّ يصلُّون ولا يتوضَّؤون» رواه أبو داود بإسناد صحيح
(4)
، وهو محمول على اليسير؛ لأنَّه اليقين، والقائِمُ كالقاعِدِ؛ لاشتراكهما في انضمام محلِّ الحدث.
وظاهره: أنَّه يَنقُض إذا كان كثيرًا، وهو كذلك على المذهب؛ لأنَّ
(5)
مع الكثرة لا يُحِسُّ بما يخرج منه، بخلاف اليسير. وعنه: لا.
(وَعَنْهُ: أَنَّ نَوْمَ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ لَا يَنْقُضُ يَسِيرُهُ)؛ لأنَّهما من أحوال الصَّلاة، أشبه الجالس.
وظاهره: أنَّه ينقض اليسير منهما على المذهب، وهو
(6)
كذلك، وقياسهما على الجالس غير مستقيم؛ لأنَّ محلَّ الحدث فيهما منفتح، بخلاف الجالس.
(1)
في (و): على.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ ص 8.
(3)
في (ب) و (و): الأخيرة.
(4)
أخرجه أبو داود (200)، وأصله في مسلم (376)، بلفظ:«كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون ولا يتوضؤون» .
(5)
في (أ): لأنَّه.
(6)
قوله: (هو) سقطت من (أ).
وقدَّم في «المحرر» و «البلغة» استثناءَ اليسير في الحالات الأربع.
وعنه: ينقض اليسير إلَّا في الجالس.
وعنه: لا نقض فيها، وهي اختيار القاضي والشريف وأبي الخطاب والشِّيرازي وابن عقيل؛ لما رَوى أحمد في «الزهد» عن الحسن البصري: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نام العبدُ وهو ساجد؛ يباهي الله به الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي، وهو ساجد»
(1)
، فسمَّاه ساجدًا مع نومه، ولأنَّ الأصل الطَّهارة، فلا تزول
(2)
بالشَّك.
وظاهره: أنَّ نوم المستند، والمتَّكئ، والمحتَبِي؛ كالمضطجع، وهو كذلك على الأشهر.
(الرَّابِعُ: مَسُّ الذَّكَرِ)؛ أي: ذَكَرِ الآدمي في ظاهر المذهب، لما رَوتْ بُسْرةُ بنتُ صفْوان: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من مسَّ ذكره فليتوضَّأ» رواه مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وصحَّحه أحمد وابن معين، قال البخاري:(أصحُّ شيء في هذا الباب حديث بسرة)
(3)
، وعن أمِّ حبيبة معناه، رواه ابن ماجه
(1)
أخرجه أحمد في الزهد (1606)، وابن نصر المروزي في عظيم قدر الصلاة (298)، وروي من حديث الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحسن لم يسمع منه، وروي من حديث أبان عن أنس، وأبان متروك. ينظر: التلخيص الحبير (1/ 337).
(2)
في (و): يزول.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ من رواية يحيى (1/ 42)، والشافعي (ص 12)، وأحمد (27293)، والترمذي (82)، وابن حبان (1114)، من حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن حبان، والدارقطني، ورُوي عن ابن معين أنه ضعفه، وقال ابن الجوزي:(لا يثبت هذا عنه). بل نقل ابن عبد البر تصحيح ابن معين له، وغاية ما عُلل به الحديث أمران: الأول: سماع عروة من بسرة ومروان منها، والثاني: الكلام على رواية مروان، وعن هذا أجوبة ذكرها الأئمة. ينظر: التمهيد لابن عبد البر 17/ 192، البدر المنير 2/ 451، التلخيص الحبير 1/ 340، صحيح أبي داود للألباني 1/ 327.
والأثرم، وصحَّحه أحمد وأبو زرعة
(1)
، وعن أبي هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أفْضى أحدُكم بيده إلى ذكره؛ فقد وجب عليه الوضوء» رواه الشافعي وأحمد، وفي رواية له: «وليس دونه ستر
(2)
»
(3)
، وقد روي ذلك عن بضعة عشر صحابيًّا
(4)
، وهذا لا
(5)
يدرك بالقياس، فعُلم أنَّهم قالوه عن توقيف.
وعنه: لا ينقض
(6)
؛ لما روى قيس بن طَلْقٍ عن أبيه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الرَّجل يمَسُّ ذكره وهو في الصَّلاة، هل عليه وضوء؟ قال: «لا، إنَّما هو
(1)
أخرجه ابن ماجه (481)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (7144)، ونقل الخلال تصحيح أحمد له، ونقل ابن عبد البر عنه أنه قال:(حسن ثابت)، وفي موضع آخر:(حسن الإسناد)، ونقل الترمذي عن أبي زرعة تصحيحه، وأعله أبو حاتم، والبخاري وغيرهما بالانقطاع. ينظر: علل ابن أبي حاتم (81)، العلل الكبير للترمذي (54) والجامع له (84)، التمهيد 17/ 191 - 192، التلخيص الحبير 1/ 344.
(2)
في (أ): شيء.
(3)
أخرجه الشافعي (88)، وأحمد (8404)، وابن حبان (1118)، وفي سنده يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو ضعيف، وتابعه نافع بن أبي نعيم المقرئ، وهو ثبت في القراءة إلا أنه متكلم فيه من جهة الحديث، وقد وثقه ابن معين، وقال ابن المديني:(كان عندنا لا بأس به)، وأما أحمد فقال:(كان يؤخذ عنه القرآن، وليس بشيء في الحديث)، وقال أبو حاتم:(صدوق)، وصحح الحديث ابن السكن، وابن عبد البر، وغيرهما. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 242، التلخيص الحبير 1/ 347.
(4)
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة 1/ 313: (وجاء النقض بمسه عن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وزيد بن خالد، والبراء بن عازب، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
فعمر: أخرجه عبد الرزاق (416)، وابن المنذر في الأوسط (83)، وسعد: أخرجه عبد الرزاق (414)، وابن أبي شيبة (1731). وأبو هريرة: أخرجه ابن المنذر في الأوسط (87). وابن عمر: أخرجه عبد الرزاق (417)، وابن أبي شيبة (1732). وابن عباس: أخرجه ابن أبي شيبة (1736). وزيد والبراء وجابر: ذكرها ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 248). وأنس: لم نقف عليه.
(5)
في (أ): لما.
(6)
في (و): لا نقض.
بَضْعة منك» رواه الخمسة، ولفظه لأحمد، وصحَّحه الطحاوي وغيره
(1)
، ولأنَّه جزء من جسده أشبه رجله.
فعليها: يستحبُّ الوضوء من مسِّه، واختارها الشَّيخ تقي الدِّين في فتاويه
(2)
.
والأولى أصحُّ؛ لأنَّ حديث قيس ضعَّفه الشافعي وأحمد، قال أبو زرعة وأبو حاتم:(قيس لا تقوم بروايته حجَّة)، ولو سُلِّم صحَّتُه فهو منسوخٌ؛ لأنَّ «طَلْق بن علي قدم على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يؤسِّس في المسجد» رواه الدَّارقطني
(3)
، وفي رواية أبي داود قال: «قدمنا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل كأنَّه بدوي، فسأله
…
» الحديث، ولا شكَّ أنَّ التَّأسيس كان في السَّنة الأولى من الهجرة، وإسلام أبي هريرة كان في السَّنة السابعة، وبُسرة في السَّنة الثامنة عام الفتح، هذا وإن لم يكن نصًّا في النَّسخ؛ فهو ظاهِرٌ فيه، وحديثُهم مبقٍ على الأصل، وأحاديثنا ناقِلة عنه، وهي أولى، فإن كان الأمر به هو المنسوخ؛ لزم التغيير مرَّتين، وإن كان ترك الوضوء هو المنسوخ؛ لم يلزم
(4)
(1)
أخرجه أحمد (16286)، وأبو داود (182)، والترمذي (85)، والنسائي (165)، وابن ماجه (483)، وصححه ابن حبان، وابن حزم، وقال ابن عبد الهادي:(والذي يظهر أن حديث قيس حسن أو صحيح)، وضعفه الشافعي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم. ينظر: علل ابن أبي حاتم (111)، إعلام الموقعين 2/ 63، تعليقة على علل ابن أبي حاتم لابن عبد الهادي (ص 86)، حاشية ابن القيم على مختصر أبي داود 1/ 214، مطبوع مع عون المعبود، البدر المنير 2/ 465، نيل الأوطار 1/ 250.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 241، الإنصاف (2/ 27)، وقال البعلي في الاختيارات (17):(ويستحب الوضوء عَقِيبَ الذَّنْب، ومن مس الذَّكَرِ إذا تحركت الشهوة بمسه، وتردد فيما إذا لم تتحرك).
(3)
أخرجه ابن حبان (1122)، الدارقطني (540)، وضعف سنده أبو زرعة، وأبو حاتم. ينظر: شرح السنة للبغوي 1/ 343.
(4)
في (أ): يلزمه.
التَّغيير إلَّا مرَّةً واحدةً، فيكون أولى.
وقياسهم الذَّكر على بقيَّة البدن؛ لا يستقيم؛ لأنَّه يتعلَّق به أحكام ينفرد بها من إيجاب الغُسل بإيلاجه، والحدِّ، والمهر، وغير ذلك.
ومنهم من حمله على المسِّ من وراء حائل؛ لأنَّه كان في الصَّلاة، والمُصَلِّي في الغالب إنَّما يمسُّه من فوق ثيابه، ولهذا علَّل بأنَّه بَضعة منه.
قلت: وقد روى الطَّبراني بإسناده وصحَّحه، عن قيس، عن أبيه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«من مسَّ ذكره فليتوضَّأ» ، قال:(ويشبه أن يكون طَلْقٌ سمع الناسِخَ والمنسوخَ)
(1)
، وفي تصحيحه نظرٌ؛ فإنَّه من
(2)
رواية حماد بن محمَّد الحنفي وأيوب بن عتبة، وهما ضعيفان، وحينئذ فتتعارض روايتاه
(3)
، ويرجع إلى أحاديث النقض.
(بِيَدِهِ)، وهي
(4)
من رؤوس الأصابع إلى الكوع؛ كالسَّرقة والتَّيمُّم
(5)
، (أَوْ بِبَطْنِ
(6)
كَفِّهِ
(7)
؛ للعموم، والأوَّل مُغنٍ عنه؛ لأنَّه يشمله.
وعنه: يختصُّ النَّقض ببطن الكفِّ؛ لأنه آلة
(8)
اللَّمس، وفي حَرْفِ كَفِّه وجهان.
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8252)، وهو من رواية حماد بن محمد الحنفي، عن أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق، عن أبيه، وحماد ضعفه الحافظ صالح جزرة، قال العقيلي:(لا يثبت). ينظر: تعليقة على علل ابن أبي حاتم لابن عبد الهادي (ص 87)، نصب الراية للزيلعي 1/ 62.
(2)
في (أ): في.
(3)
في (أ): روايتان.
(4)
في (أ): وهو.
(5)
في (و): كالتَّيمُّم والسرقة.
(6)
قوله: (أو) سقط من (و).
(7)
زاد في (ب): أو بظهره.
(8)
قوله: (لأنَّه آلة) هو في (و): لآلة.
وظاهرُه: أنَّه لا فرقَ بين:
- ذَكَرِ نفسِه وذكَرِ غيرِه؛ لقوله عليه السلام: «ويتوضَّأ من مس الذَّكر» رواه أحمد والنَّسائي
(1)
. وعنه: يختص بذكر نفسِه.
-والصغيرِ والكبيرِ على المنصوص
(2)
. وعنه: لا نقضَ بمسِّ ذكر طفل، ذكرها الآمِدِيُّ.
-والحيِّ والميِّتِ على المذهب.
وسواءٌ مسَّه سهوًا، أو لغيرِ شَهوةٍ على المشهور. وعنه: إن تعمَّد مسَّه نقَضَ. وعنه: إن مسَّه من فوقِ حائلٍ لشهوةٍ نَقَضَ.
ولا فرق أيضًا بين أصل الذَّكر ورأسه على المذهب. وعنه: يختصُّ بالثُّقْب. وعنه: بالحَشَفَة، وهما بعيدان.
ومراده: إذا كان أصليًّا، سواءٌ كان صحيحًا أو أشلَّ، فلو كان زائدًا؛ لم ينقُض في الأصحِّ.
وشمل كلامُه: اليدَ الصَّحيحةَ والشلَّاءَ والزائدةَ على الصَّحيح.
والمذهب: أنَّه ينقُض إذا مسَّه من غيرِ حائِلٍ، ولو بزائِدٍ، خلا ظفره.
(وَلَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِذِرَاعِهِ) في ظاهر المذهب، كالعَضُد؛ لأنَّ الحُكم المعلَّق على مُطلق اليد لا يتجاوزُ الكُوع. وعنه: بلى، وهي قول الأوزاعي؛ لأنَّها في الوضوء كذلك، والأوَّل أصحُّ؛ لأنَّه إنَّما غَسله فيه لتقييده بها.
وعُلم منه: أنَّه لا ينقض مسُّه بغير اليد. زاد ابن تميم: وفي الفرجِ وجهان، واختار الأكثرُ النقضَ بمسِّه بفرجٍ، والمراد: لا ذكرُه بذَكرِ غيره، وصرَّح به أبو المعالي.
(1)
أخرجه أحمد (27296)، والنسائي (164)، من حديث بسرة رضي الله عنها، وسبق التعليق عليه.
(2)
جاء في مسائل عبد الله (ص 17): سألت أبي عن الرجل يمس ذكر الصبي الصغير. قال: (أعجب إليَّ أن يتوضأ).
(وَفِي مَسِّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ) المنفصِلِ (وَجْهَانِ)، وقيل: روايتان، كذا في «المحرر» و «الفروع» ، ظاهر المذهب: أنَّه لا ينقض؛ لذهاب الحُرمة.
والثَّاني: ينقض
(1)
، وقطع
(2)
به الشِّيرازي؛ لبقاء الاسم.
وكذا الخلاف في مسِّ محلِّه، وذكر الأَزَجِيُّ وأبو المعالي فيه: ينقُض.
ولا يتعلَّق بالذكر البائن شيء من أحكام الخِتَانَينِ
(3)
؛ لأنَّه كيَدٍ بائنَةٍ، بخلافِ فرجٍ بائنٍ.
وحكم لَمْسِ القُلْفَةِ، وهي الجِلْدَةُ التي تُقطَع في الختان قبلَ قطعِها كالحشفةِ؛ لأنَّها منه، ولا ينقض مسُّها بعد قطعها؛ لزوال الاِسمِ والحُرمةِ.
(وَإذَا لَمَسَ قُبُلَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَذَكَرَهُ؛ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ)؛ لأنَّ لمس الفرجِ متيقَّنٌ؛ لأنَّ الخنثى إن كان ذكرًا فقد لمس ذكره، وإن كان امرأةً فقد مسَّ فرجَها.
(وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ)؛ لاحتمال أن يكون غيرَ فرْج، فلا ينتقض الوضوء مع قيام الاحتمال، (إِلَّا أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ)؛ أي: الخنثى (لِشَهْوَةٍ)؛ فإنَّه ينتقض؛ لأنَّ الخنثى إن كان رجلًا فقد لمس ذكرًا، وإن كان امرأةً فقد لمس الرَّجل امرأةً لشهوة.
وفي «المحرر» و «الوجيز» و «الفروع» صورة أخرى، وهي: إذا لمَست المرأةُ قُبُلَه؛ لأنَّ الخنثى إن كان امرأة، فقد لمست المرأة فرج امرأة، وإن كان رجلاً فقد لمسته لشهوة.
(وَفِي مَسِّ الدُّبُرِ، وَمَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا) هو اسم لمخرَج الحدَث، وهو ما
(1)
في (ب) و (و): بلى.
(2)
في (أ): قطع.
(3)
قوله: (أحكام الختانين) هو في (أ): الأحكام التقاء الختانين. والمثبت موافق لما في الفروع 1/ 227.
بين شُفريْها دون إِسْكَتَيْها؛ (روايتان):
إحداهما، - ونقلها أبو داود
(1)
-: أنه يَنتقِض، قدَّمها في «المحرر» و «الفروع» ، واختارها أكثر الأصحاب؛ لقوله عليه السلام:«من مسَّ فرجه فليتوضَّأ» رواه ابن ماجه وغيره
(2)
، والفرج: اسم جنس مضاف، فيعمُّ، ولقوله عليه السلام:«أيُّما امرأة مسَّت فرجها فلتتوضَّأ» رواه أحمد من حديث عمرو بن شعيب، وإسناده جيِّد إليه
(3)
، وكالذَّكر.
والأخرى: لا ينقض، أمَّا الدُّبُر، فقال الخلَّال:(إنَّها الأشْيَع في قوله)، واختارها
(4)
جماعةٌ، قال في «الفروع»:(وهي أظهر)؛ لأنَّ غالب الأحاديث تقييده
(5)
بالذَّكَر.
وأمَّا الفرج؛ فقال المرُّوذي: قيل لأبي عبد الله: الجارية إذا مسَّت فرجها أعليها وضوء؟ قال: (لم أسمع فيه بشيء)
(6)
، ولا يُفضي مسُّه
(7)
إلى خروج خارِج، بخلاف الذَّكر.
وظاهره: أنَّ الخلاف مختصٌّ بما إذا مسَّت فرجَ نفسِها
(8)
، والأشهر: لا فرق بين مسِّ فرجها وفرج غيرها.
(1)
لم نجده في مسائل أبي داود، وينظر: زاد المسافر 2/ 49.
(2)
سبق تخريجه من حديث أم حبيبة رضي الله عنها 1/ 229 حاشية (1).
(3)
بياض في (أ).
أخرجه أحمد (7076)، وصححه البخاري، وابن الملقن، وقوَّى إسناده ابن عبد الهادي. ينظر: تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 271، التلخيص الحبير 1/ 343، نيل الأوطار 1/ 252.
(4)
في (و): واختاره.
(5)
في (أ): تقيده.
(6)
ينظر: المغني 1/ 134، مسائل عبد الله 1/ 19.
(7)
في (و): ومسه لا يفضي.
(8)
قوله: (فرج نفسها) هو في (و): فرجها.
وفي «التلخيص» و «البلغة» : ينقض مسُّ فرج المرأة، وفي مسِّ فرج غيرها وجهان.
وظاهر كلامهم: لا يشترط للنقض بذلك الشهوة، وهو مفرَّع على المذهب، وشرطها ابن أبي موسى.
(وَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْفَرْجِ بِحَالٍ)؛ لما سبق.
وظاهره: أنَّه لا نقض بمسّ
(1)
غير الفرجين من
(2)
البدن، وهو كذلك في قول أكثر العلماء.
وقال عروة: يجب من
(3)
مس الأنثيين.
وقال عكرمة: يجب على من مسَّ ما بين فرجيه.
ولا
(4)
بمسِّ فرج بهيمة ولو كانت مأكولة؛ لأنَّه ليس بمنصوص عليه، ولا في معناه، وفيه احتمال، وهو قول الليث، زاد في «الرعاية»: لشهوة.
ولا بمسِّ المخرج المعتاد إذا استدَّ وانفتَح غيره، وفيه وجه، وقيل: معها
(5)
.
فرع: إذا انتشر عضوه بتكرُّر
(6)
نظر؛ لم ينتقض
(7)
في الأصحِّ؛ كما لو كان عن فكر.
(الْخَامِسُ: أَنْ تَمَسَّ بَشَرَتُهُ بَشَرَةَ أُنْثَى لِشَهْوَةٍ)، هذا ظاهر المذهب؛ لأنَّه
(1)
قوله: (نقض بمس) هو في (أ): ينقض مس.
(2)
في (و): في.
(3)
قوله: (من) سقط من (و).
(4)
في (و): ولا يجب.
(5)
في (أ): معهما.
(6)
زيد في (و): لا.
(7)
في (أ): يتقض.
عليه السلام «صلَّى وهو حامِلٌ أمامة»
(1)
، والظَّاهر أنَّه لا يسلم من مسِّها، ولأنَّه ليس بحدث، وإنَّما هو داعٍ إليه، فاعتبرت الحالة التي تدعو إليها، وهي حالة الشهوة.
وفي «الوجيز» : بشهوة بالباء، وهو أحسن؛ ليدلَّ
(2)
على المصاحبة والمقارنة.
وهو شامل للأجنبية وذات المحرم، والصغيرة والكبيرة؛ لعموم النَّص، واللمس الناقض معتبر مع الشهوة، فإذا وجدت فلا فرق.
لكنْ في العجوز، والمحرَم، والصغيرة وجهٌ، وهو ظاهر الخِرَقي فيها، وصرَّح به المَجْدُ مقيِّدًا بالتي لا تُشتهى.
وللميِّتة والحية؛ لأنَّ الموت لا يرفع عنها الاسم، وكما يجب الغسل بوطئها.
واختار الشريفُ وابنُ عَقيل خلافَه؛ لأنَّها ليستْ محلًّا للشهوة.
وسواء كان المس
(3)
باليد، أو غيرها في
(4)
سائر البشَرة للعموم، والتَّخصيصُ تَحكُّمٌ.
ولا فرْق أيضًا بين مسِّها بِعُضوٍ زائدٍ، أو مسِّ عُضْو زائدٍ منها.
وخرج من كلامه: إذا كان اللَّمس بحائل، وهو المنصوص
(5)
، ولو مع شهوةٍ، ذكره المؤلف وغيره؛ لأنَّه لم يمسها، والشهوة المجرَّدة لا توجب الوضوء.
(1)
أخرجه البخاري (516)، ومسلم (543)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
(2)
في (و): لتدل
(3)
في (أ): اللمس.
(4)
قوله: (أو غيرها في) هو في (و): أو غيرها من.
(5)
جاء في مسائل ابن هانئ (1/ 10)، قال:(يعجبني إذا أفضى بيده إلى فرجه ليس بينه وبينه سترة، أن يتوضأ).
وعنه: ينقض، ذكر القاضي أنَّه قياس المذهب، قال ابن حمدان: وهو بعيدٌ.
وخُرِّج منه أيضًا: مسُّ الرَّجلِ الرَّجلَ، والمرأةِ المرأةَ لشهوةٍ؛ لأنَّه ليس بداخل في الآية الكريمة.
وأمَّا لمْسُها له مع الشَّهوة
(1)
؛ فروايتان: إحداهما لا أثر له؛ لأنَّ النَّص إنَّما ورد في الرَّجل، واللَّمس منه مع الشَّهوة مظنَّة لخروج الحدث، فأقيم مقامه.
والأخرى، وهي أصحُّ، قال في «المغني»: وهي
(2)
ظاهِرُ كلام الخِرَقي: ينقض؛ لأنَّها ملامسة ناقضة، فاستَوَيَا فيها؛ كالجِماع، وهي أدعى إلى الحدث؛ لفرط شهوتها.
(وَعَنْهُ: لَا يَنْقُضُ)، اختارها الآجُرِّيُّ والشَّيخُ تقِيُّ الدِّين
(3)
؛ لما روت عائشة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل بعض نسائه، ثمَّ يصلِّي ولا يتوضَّأُ» رواه أبو داود والنَّسائِيُّ، واحتجَّ به أحمدُ، وضعَّفه يحيى القَطَّان وابن مَعين والتِّرمذيّ وغيرهم
(4)
، «ووقعتْ يدُ عائشة على قدمه
(5)
عليه السلام وهو يصلِّي، ومسَّها برجله وهو يصلي» رواه النَّسائي
(6)
، ولو بطل وضوءه لفسدت صلاته،
(1)
زيد في (ب): مظنة، وبعدها بياض بمقدار كلمة.
(2)
في (أ): وهو.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 242.
(4)
أخرجه أبو داود (179)، والترمذي (86)، وابن ماجه (502)، من طريق حبيب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، وحبيب لم يسمع من عروة، وقال أحمد وغيره:(إن عروة هو عروة المزني)، وهو مجهول، وأخرجه أبو داود (178)، والنسائي (170)، من طريق إبراهيم التيمي، عن عائشة به، لكن إبراهيم لم يسمع منها فهو منقطع، وضعف الحديث أبو زرعة والبخاري وغيرهم، وصححه ابن التركماني والزيلعي والألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 1/ 567، علل الدارقطني 15/ 64، التلخيص الحبير 1/ 363، صحيح أبي داود 1/ 317.
(5)
في (أ): يديه.
(6)
أخرجه النسائي (169)، وهو في مسلم (486) بلفظ: «فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم أعوذ برضاك من سخطك
…
» الحديث.
ولأنَّه مَسٌّ فلم ينقض كمس البهيمة، والمُلامسة في الآية أريد بها الجِماعُ، قاله عليٌّ
(1)
وابنُ عبَّاس
(2)
.
ولو باشر مباشرةً فاحشةً، وقيل: إن انتشر؛ نقض.
وإذا لم ينقُض مسُّ فرْجٍ وأنثى؛ استُحِبَّ الوضوء، نصَّ عليه
(3)
.
(وَعَنْهُ: يَنْقُضُ لَمْسُهَا بِكُلِّ حَالٍ)، وهو
(4)
قول ابن مسعود
(5)
، ورواه الشافعي عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه
(6)
، وقال عمرُ وابنُ مسعود:«القُبلةُ من اللَّمْس، وفيها الوضوء» رواه الأثرم
(7)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (1760)، وابن جرير في التفسير (7/ 67)، وابن المنذر في الأوسط (6)، عن علي رضي الله عنه قال:«اللمس هو الجماع، ولكن الله كنى عنه» ، وفيه أشعث بن سوار، وهو ضعيف يكتب حديثه ويعتبر به. ينظر: التهذيب 1/ 352.
وأخرج ابن المنذر في التفسير (1820)، من طريق جرير، عن بيان، عن الشعبي، عن علي رضي الله عنه، بمثله. إسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (1757)، وابن جرير في التفسير (7/ 64)، وابن المنذر في الأوسط (8)، من طرق عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النِّسَاء: 43]، قال:«هو الجماع» . وهو صحيح، قال ابن كثير في تفسيره 2/ 314:(وقد صح من غير وجه عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك).
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 16.
(4)
في (أ): وهي.
(5)
أخرجه مسدد كما في المطالب العالية (121)، وابن جرير في التفسير (7/ 68)، وابن المنذر في الأوسط (12)، والبيهقي في الكبرى (606)، عن ابن مسعود، قال:«الملامسة ما دون الجماع» ، وإسناده صحيح.
(6)
قوله: (أبيه) هو في (أ): عبد الله.
والأثر: أخرجه الشافعي في الأم (1/ 29)، بلفظ:«قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء» .
(7)
أما أثر عمر رضي الله عنهما: فأخرجه الحاكم (470)، والدارقطني (517)، والبيهقي في الكبرى (605)، عن عمر قال:«إن القبلة من اللمس فتوضؤوا منها» ، قال ابن عبد البر:(وهذا عندهم خطأ؛ لأن أصحاب ابن شهاب يجعلونه عن ابن عمر، لا عن عمر). ينظر: التمهيد 1/ 253، تنقيح التحقيق 1/ 255.
وأما أثر ابن مسعود رضي الله عنه: فأخرجه ابن أبي شيبة (1769)، وعبد الرزاق (499)، وابن جرير في التفسير (7/ 69)، وابن المنذر في الأوسط (11، 14)، والدارقطني (523، 524، 525)، والبيهقي في الكبرى (607)، والطبراني في الكبير (9227)، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال:«القبلة من اللمس وفيها الوضوء، واللمس ما دون الجماع» ، صححه الدارقطني، وأبو عبيدة وإن كان لم يسمع من أبيه، فقد صرَّح جمع من الحفاظ بصحَّة روايته عنه. ينظر. مجموع الفتاوى 6/ 404، شرح علل الترمذي 1/ 544، فتح الباري لابن رجب 7/ 342.
وحقيقةُ اللَّمْسِ: التِقاءُ البشَرتين، قال الشاعر:
لمَسْتُ بِكَفِّي كفَّه أطْلُبُ الغِنى
(1)
…
.....................
ولأنَّه مسٌّ ينقُض
(2)
، فلم يُعتبَر فيه الشهوة كالذَّكر.
والأوَّل أصحُّ؛ جمعًا بين الآية والأخبار، إذ
(3)
الآيةُ محمولةٌ على الشهوة، وفعله عليه السلام على عدَمها، ولو أريد بها الجِماعُ لاكتفى بقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المَائدة: 6].
(وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ الشَّعْرِ والظُّفُرِ وَالسِّنِّ
(4)
لشهوة، نصَّ عليه
(5)
؛ لأنَّ ذلك ينفصل عنها حال السَّلامة، أشبه الدمع، ولا يقع عليها الطلاق بإضافته إليه.
(1)
وتمامه: (ولم أدر أن الجود من كفّه يعدي)، والبيت لبشار بن برد، وقيل لابن خياط. ينظر: سمط اللآلي في شرح أمالي القالي 1/ 310.
(2)
قوله: (مس ينقض) هو في (و): كلمس ينقضه.
(3)
في (أ): زاد.
(4)
في (ب) و (و): والسن والظفر.
(5)
لم نقف عليها في كتب المسائل، ولا على من عدَّها رواية منصوصة عن أحمد عدا المصنف رحمه الله تعالى.
وفيه وجْه: يَنقُض
(1)
؛ لأنَّه من جملتها.
قال بعضهم: وكذا الخلاف إن لمَسها الرَّجُل بهذه الأشياء.
(وَالْأَمْرَدِ)؛ أي: لا يَنقُض لمسه مع شهوةٍ، نصَّ عليه
(2)
، وهو المذهب؛ لعدم تناول الآية له، ولأنَّه ليس بمحل للشهوة شرعًا.
وعنه: بلى، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّها مُباشَرَةٌ لآدَمِيٍّ حقيقةً.
ولا نقْض بمسِّ خُنثى مشكِلٍ، ولا بمسِّه رجلاً أو امرأةً؛ لأنَّه متيَقِّنٌ للطَّهارة شاكٌّ في الحدَث.
(وَفِي نَقْضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ رِوَايَتَانِ)، أظهرُهما: لا نَقْض، قاله ابن هُبَيرةَ، واختارها المَجْدُ، وهي ظاهِرُ «الوجيز» ؛ لأنَّه
(3)
لا نصَّ فيه، وقياسُه على اللَّامِس لا يَصِحُّ؛ لفرْط شهوته.
والثَّانيةُ: بلى، وهي
(4)
اختيارُ ابن عَبْدوس؛ لأنَّ ما يَنقُضُ بالتِقاء البَشَرتين لا فرق فيه بيْن اللَّامس والمَلْموس؛ كالتِقاء الخِتانين، ثمَّ مَحَلُّها إذا وُجدتِ الشَّهوة من
(5)
الملْموس كما ذكره الشيخان، وخصَّ بعضهم الملموس بالمرأة.
وفي «الرِّعاية» : وفي نقْضِ وضوءِ المَلْموسِ فرجُه وجْهان، وقيل: لا يُنقَض وضوءُ الملْمُوسِ ذكَرُه، بخلاف لمْسِ قُبُلِ المرأةِ.
(السَّادِسُ: غَسْلُ الْمَيِّتِ)، هذا هو المنصوص عن أحمد
(6)
وعامَّة أصحابه، وجزم به في «الكافي» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛
(1)
في (و): تنقض.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 232.
(3)
قوله: (لأنه) سقط من (و).
(4)
في (و): وهو.
(5)
في (و): في.
(6)
ينظر: مسائل عبد الله ص 22.
لما رَوى عطاءٌ: «أنَّ ابنَ عمرَ وابنَ عبَّاسٍ كانا يأمران غاسِل الميت بالوضوء»
(1)
، وكان شائِعًا لم
(2)
يُنقَل عنهم الإخْلال به، ولأنَّ الغاسِل لا يسلم من مسِّ عورة الميِّت غالبًا، فأقيم مقامَه؛ كالنَّوم مع الحدَث.
وعنه: لا، اختاره التَّمِيميُّ، وصحَّحه المؤلِّف؛ لما روى الدَّارَقُطْنِيُّ عن ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس عليكم في ميِّتكم غُسْلٌ إذا غسَّلتموه، فإنَّ ميِّتكم ليس بنجِس، فحسبكم - أي: يكفيكم - أن تَغسِلوا أيديَكم» وإسناده جيد
(3)
، ولأنَّه الأصل، ولأنَّه ليس بمنصوص عليه، ولا في معناه،
(1)
لم نقف على الأثر من طريق عطاء عنهما. وقد ذكره شيخ الإسلام في شرح العمدة 1/ 360.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: رواه عبد الرزاق (6107)، والبيهقي في السنن الكبرى (1465)، عن ابن عمر قال:«إذا غسلت الميت فأصابك منه أذىً فاغتسل، وإلا إنما يكفيك الوضوء» ، وفي إسناده عبدالله بن عمر العمري وهو ضعيف.
وأخرجه عبد الرزاق (6106)، وعبد الله بن أحمد في السنة (654)، والخلال في السنة (1338)، وابن المنذر في الأوسط (2962)، من طرق عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر: أغتسل من الميت؟ قال: «أمؤمن هو؟» قلت: أرجو قال: «فتمسح من المؤمن ولا تغتسل منه» ، وإسناده صحيح.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (6101)، ومسدد كما في المطالب العالية (797)، وابن المنذر في الأوسط (2961)، والبيهقي في السنن الكبرى (1459)، من طريق ابن جريج عن عطاء: سئل ابن عباس أعلى من غسل ميتًا غسل؟ قال: «لا، قد إذن نجسوا صاحبهم، ولكن وضوء» ، وابن جريج وإن كان مدلسًا إلا أن روايته عن عطاء تحمل على السماع كما في تهذيب التهذيب (6/ 406)، وقد تابعه عمرو بن دينار عند ابن أبي شيبة (11134)، وابن المنذر في الأوسط (2933).
قال الإمام أحمد في مسائل عبد الله (ص 22): (روي ذلك عن غير واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقال شيخ الإسلام: (وهو قول جمهور الصحابة)، ثم قال:(وكان الوضوء شائعًا بينهم، لم يُنقل عنهم الإخلال به). ينظر شرح العمدة 1/ 361.
(2)
في (و): ولم.
(3)
أخرجه الدارقطني (1839)، وفي سنده خالد بن مخلد القطواني، صدوق له مناكير، وعُدَّ هذا من مناكيره، وأخطأ في رفعه، قال البيهقي:(لا يصح رفعه)، وقال ابن عبد الهادي:(حديث منكر)، وحسن إسناده ابن حجر. ينظر: تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 317، البدر المنير 4/ 657، التلخيص الحبير 1/ 372.
وكغسل
(1)
الحيِّ.
فعلى الأوَّل: لا فرْق فيه بين المسلم والكافِر، والرَّجل والمرأة، والكبير والصَّغير؛ للعموم، وسواء غسله في قميص أوْ لا.
وفيه وجه: أنه
(2)
لا ينقض إذا غسله في ثوب ولم يمسَّ فرجه، ذكر في «الرِّعاية» أنَّه الأظهر.
وخرج من كلامه: إذا غسل بعضه، وهو أظهر الاحتمالين عند ابن حمدان.
وإذا يمَّمه عند تعذُّر غسله، وفيه قولٌ.
فرع: الغاسِل من يقلبه
(3)
، ويباشِره، ولو مرَّةً، لا من يَصُبُّ الماءَ ونحوُه.
(السَّابِعُ: أَكْلُ لَحْمِ الْجَزُورِ) على الأصحِّ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توضَّؤوا من لحوم الإبل، ولا تتوضَّؤوا من لحوم الغنم» رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذي من حديث البراء بن عازب، وصحَّحه أحمد وإسحاق، وقال ابن خُزَيمةَ:(لم نَرَ خِلافًا بين علماء الحديث أنَّ هذا الخبر صحيحٌ)، وروى مسلم معناه من حديث جابر بن سَمُرة، قال الخطَّابِيُّ:(ذهب إلى هذا عامَّة أصحاب الحديث)
(4)
.
فعلى هذا: لا فَرْق فيه بين قليلِه وكثيرِه، نِيئِه أو مطْبوخِه، عالمًا كان
(1)
في (و): كغسل.
(2)
قوله: (أنه) سقط من (أ).
(3)
في (أ) و (ز): يغسله.
(4)
حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أخرجه مسلم (360)، وحديث البراء رضي الله عنه أخرجه أحمد (18538)، وأبو داود (184)، والترمذي (82)، وابن خزيمة (32). ينظر: معالم السنن للخطابي 1/ 67، تنقيح التحقيق 1/ 309.
الآكِل أو جاهِلًا.
وعنه: إن عَلِم النَّهْيَ نقض، قال الخلَّال:(وعلى هذا استقرَّ قوله)؛ لأنَّه خبر آحاد فيعذر بالجهل كما يُعْذَر
(1)
بجهل الزنى ونحوِه الحديثُ العهدِ بالإسلام.
وعنه: ينقض نِيئُه
(2)
.
وعنه: إن طالت المدَّة؛ كعشر سنين، لم يُعِد، بخلاف ما إذا قصرت.
وعنه: لا يعيد إذا تركه متأوِّلًا.
وعنه: إذا كثُر أكلُها.
وعنه: لا نقْضَ مُطْلَقًا، وهُوَ قَولُ أكثرِ العلماء؛ لما رَوى جابِرٌ قال:«كان آخِرَ الأمْريْن من رسول الله صلى الله عليه وسلم تركُ الوضوءِ ممَّا مسَّتِ النَّارُ» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي، وإسناده جيد
(3)
، وقال عمر وابن عبَّاس:«الوضوء ممَّا خرج، وليس ممَّا دخل» رواه سعيد
(4)
، ولأنَّه مأكول أشبه سائِر المأكولاتِ.
(1)
قوله: (آحاد فيعذر بالجهل كما يعذر) هو في (أ): تعذر. مكان: (يعذر).
(2)
كتب في هامش (ب): (وقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي: لا ينقض بحال، انتهى. مغني).
(3)
أخرجه أحمد بلفظ آخر فيه طول (15020)، وأبو داود (192)، والنسائي (185)، وابن خزيمة (43)، من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن ابن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، ورجح أبو داود وابن حبان وغيرهما أن هذا الحديث مختصر من حديث آخر أخرجه أبو داود (191)، ولفظه:«قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزًا ولحمًا فأكل، ثم دعا بوضوء فتوضأ به، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ» ، وقال أبو حاتم:(مضطرب المتن)، وحمل الوهم فيه على شعيب، ورجح ثبوت لفظ الحديث من غير اختصار فيه ابن حزم، وأحمد شاكر. ينظر: علل ابن أبي حاتم (168)، البدر المنير 2/ 412، الفتح لابن حجر 1/ 311، صحيح أبي داود للألباني 1/ 348.
(4)
في (و): ابن سعيد.
وأثر عمر رضي الله عنه: لم نقف عليه، وقد ذكره شيخ الإسلام في شرح العمدة (1/ 413) عن عمر وابن عباس قالا:«الوضوء مما خرج، وليس مما دخل» . رواه سعيد في سننه، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 704):(وكذا هو عنه - أي: عن ابن عباس -، وعن عمر بن الخطاب عند سعيد بن منصور في سننه، لكن موقوفًا)، وبنحوه قال السيوطي في الدرر المنتثرة (ص 203).
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (100)، وابن أبي شيبة (538)، من طرق عن يحيى بن وثاب عنه. وإسناده صحيح، وله طرق أخرى صحيحة.
والأوَّل أصحُّ، لا يقال: يحتمل أن يراد بالوضوء غَسْلُ اليديْن؛ لأنَّه مقرونٌ بالأكل، كما حُمل أمر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالوضوء قبل الطعام وبعده، ويحتمل أن يراد به على وجه الاستحباب؛ لأنَّ الوضوء الوارد في الشَّرع يُحمل على موضوعِه الشَّرعي، ولأنَّه جمَع بين ما أُمِر به، وهو الوضوء من لحومِها، وبين ما نُهِي عنه، وهو عدم الوضوء من لحوم الغنم، والخصم يقول: بأنَّه يُستَحبُّ فيهما، ولأنَّ السُّؤال وقع عن الوضوء والصَّلاة، والوضوء المقترن بها لا يفهم منه غير الوضوء الشرعي، ولأنَّ مقتضى الأمر الإيجابُ؛ لأنَّه أوجب الوضوء منه، ودعوى النَّسخ مردودة بأمور.
وقيل: الوضوء منه معلَّل بأنَّها من الشَّياطين؛ إذ كلُّ عاتٍ متمرِّدٍ شَيطانٌ، فالكلبُ الأسودُ شيطانُ الكِلابِ، والإبِلُ شياطينُ الأنعامِ، فالأَكْل منها يُورث حالًا شيطانية
(1)
، والشَّيْطان يُطفِئُه بارِدُ الماءِ.
(فَإِنْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المغني» و «المحرَّر» و «الفروع»:
إحداهما: يَنقض؛ لما رَوى أُسَيْدُ بنُ حُضَيرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «توضَّؤوا من لحوم الإبل وألبانها» رواه أحمد وابن ماجه من رواية الحجَّاج بن أرطاة، وروى الشَّالَنْجِيُّ
(2)
(1)
في (أ): شيطانة.
(2)
هو أبو إسحاق إسماعيل بن سعيد الشالنجي، قال الخلال: عنده مسائل كثيرة ما أحسب أن أحدًا من أصحاب أبي عبد الله روى عنه أحسن مما روى هذا ولا أشبع ولا أكثر مسائل منه، وكان عالمًا بالرأي كبير القدر عندهم معروفًا، توفي سنة 230 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 104.
نحوَه من حديث البَرَاء بن عازِب، وإسناده جيِّد
(1)
.
والأخرى: لا، وهي
(2)
ظاهر «الوجيز» ، قال الزَّرْكشي:(واختيار الأكثرين)؛ لما روى ابن ماجه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مضمضوا من اللَّبن؛ فإنَّ له دَسَمًا»
(3)
، فدلَّ على أنَّه يُكتَفى بها في كلِّ لبن، ولأنَّ الأخبارَ الصَّحيحةَ إنَّما وردت في اللحم، والحكمُ فيه غيرُ معقول المعنى، فيُقتصر على مَوْرِد النَّصِّ فيه.
(وَإِنْ أَكَلَ مِنْ كَبِدِهَا أَوْ طِحَالِهَا؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، وفي «الفروع» روايتان:
إحداهما: لا يَنقُض؛ لأنَّ النَّصَّ لم يتناولْه.
والثَّانيةُ: بلى؛ لأنَّ ذلك من جُملة الجَزور، فإطلاق لفظ اللَّحم يتناولُه، بدليل أنَّ الله تعالى لمَّا حرَّم لحم الخنزير تناول جميع أجزائه.
والأشهرُ الأوَّلُ.
والحكمُ في بقيَّة الأجزاء؛ كالكرش، والمُصران، والسَّنام، والدُّهن؛ كذلك.
(1)
أخرجه أحمد (19096)، وابن ماجه (496)، من طريق ابن أبي ليلى عن أُسيد رضي الله عنه، وهو منقطع لأن ابن أبي ليلى لم يسمع من أسيد، وأشار الترمذي أنه اختلف فيه على ابن أبي ليلى، والصحيح أنه عنه عن البراء بن عازب، وفيه سنده الحجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس. ينظر: سنن الترمذي (81) والعلل الكبير له (45 - 46)، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 310، التلخيص الحبير 1/ 328.
(2)
في (أ): وهو.
(3)
أخرجه البخاري (211)، ومسلم (358)، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنًا فمضمض، وقال:«إن له دسمًا» ، وأخرجه ابن ماجه (498) هكذا بلفظ الأمر، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
وعُلم: أنَّه لا وضوء من
(1)
غيره، سواء مسَّته النَّار أو لَا، وهو قول أكثر العلماء، ورُوِي عن الخلفاء الرَّاشدين
(2)
.
ولا وُضوءَ بأكْلِ لحْمٍ محرَّمٍ، وكذا طعامٌ محرَّمٌ على الأصحِّ.
وعنه: يختصُّ النَّقض بلحم الخنزير، قال أبو بكر: وبقيَّة النَّجاسات تُخرَّج عليه، حكاه ابن عقيل.
وقال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين: (الخبيثُ المباحُ للضرورة؛ كلحم السِّباع أبلغ من الإبل، فالوضوء منه أولى)، قال:(والخلاف فيه مبنيٌّ على أنَّ لحم الإبل تَعَبُّدِيٌّ، أو عُقِل معناه)
(3)
.
(الثَّامِنُ: الرِّدَّةُ عَنِ الْإِسْلَامِ)، هذا هو المجزومُ
(4)
عند أكثر الأصحاب،
(1)
في (و): في.
(2)
أثر أبي بكر رضي الله عنه: أخرجه مالك (1/ 27)، وعبد الرزاق (648)، وابن أبي شيبة (534)، وابن المنذر في الأوسط (112)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (406)، والبيهقي في الكبرى (728)، من طرق عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:«رأيت أبا بكر الصديق أكل لحمًا، ثم صلى ولم يتوضأ» ، وأسانيده صحيحة.
وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه مالك (1/ 26)، ومن طريقه الطحاوي في معاني الآثار (412)، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير:«أنه تعشى مع عمر بن الخطاب، ثم صلى ولم يتوضأ» ، وإسناده صحيح.
وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه مالك (1/ 26)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (114)، والطحاوي في معاني الآثار (413)، والبيهقي في الكبرى (730)، عن أبان بن عثمان:«أن عثمان بن عفان أكل خبزًا ولحمًا، ثم مضمض وغسل يديه، ومسح بهما وجهه، ثم صلى ولم يتوضأ» ، وإسناده صحيح.
وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه البيهقي في الكبرى (731)، عن أبي عبد الرحمن السلمي: عن علي رضي الله عنه، أنه طعم خبزًا ولحمًا، فقيل له: ألا تتوضأ، فقال:«إن الوضوء مما خرج، وليس مما دخل» ، وإسناده صحيح.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 236، الاختيارات ص 28.
(4)
زاد في (أ) و (ب): به.
وهو أشهر الرِّوايتين؛ لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزُّمَر: 65]، ولقول ابن عبَّاس:«الحدَث حَدثان؛ حدث اللسان وحدث الفرج، وحدث اللسان أشدُّ، وفيهما الوضوء»
(1)
، لكن في إسناده بقيَّةُ بصِيغةِ (عن)، قال في «التَّحقيق»: لا يَصِحُّ، ورواه ابن شاهين مرفوعًا
(2)
، فيَدخُل في عموم قوله عليه السلام:«لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتَّى يتوضَّأ» متَّفق عليه
(3)
، ولأنَّها طهارة عن حدث، فأبطلتها الرِّدَّة كالتَّيمُّم.
لكنَّ الآيةَ دالَّةٌ على أنَّ الرِّدَّة تحبط العمل بمجرَّدها، والأشهر عن أصحابنا: أنَّها لا تحبطه إلَّا بالموت؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البَقَرَة: 217]، وبنوا على ذلك: صحَّة الحجِّ في الإسلام الأوَّل، وقضاء ما فاته من صلاة وزكاة وصوم على المشهور، ثمَّ الإحباط إنَّما ينصرف إلى الثَّواب دون الفعل، بدليل مُصلٍّ خلفَه وهو مسلم.
(1)
قوله: (وفيهما الوضوء) سقط من (و).
(2)
أما الموقوف: فأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (284)، والدينوري في المجالسة (885)، وابن المنذر في الأوسط (80)، والبيهقي في شعب الإيمان (6298)، من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولا يخلو طريق من ضعف، وليس في طريق منها من رواية بقية، وإنما رواية في المرفوع كما سيأتي.
وقد صح عنه ما صرح فيه بعدم النقض: أخرجه ابن المنذر في الأوسط (133)، عن مجاهد، قال: قلت لابن عباس: السرقة والخيانة والكذب والفجور والنظر إلى ما لا يحل أينقض الوضوء؟ قال: «لا، الحدث حدثان: حدث من فوق وحدث من أسفل» ، وإسناده صحيح.
أما المرفوع: فأخرجه الديلمي في مسند الفردوس (2814)، ومن طريقه الجورقاني في الأباطيل (339)، فيه بقية بن الوليد وقد عنعنه، قال الجورقاني (1/ 530):(هذا حديث باطل، وبقية إذا تفرد بالرواية فغير محتج بروايته؛ لكثرة وهمه)، ووافقه ابن الجوزي في التحقيق (1/ 201).
(3)
أخرجه البخاري (135)، ومسلم (225)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ولقائل أن يقول: هذا تمسُّك بدليل الخِطاب، والمنطوق مقدَّم عليه.
وعنه: لا نقضَ، حكاها ابن الزَّاغوني، ولم يذكرْها القاضِي وعامَّة أصحابِه في النَّواقِض؛ لعدم فائدتها؛ لوجوب الغسل عليه إذا عاد إلى الإسلام، فيدخل فيه الوضوء، وصرَّح به جماعةٌ.
وردَّه الشَّيخ تقي الدِّين: بأنَّ فائدته تظهر إذا عاد إلى الإسلام، فإنَّا نوجِبُهما عليه، فإن نواهما بغسله؛ أجزأه على المشهور، ولو لم ينتقِض لم يجب إلَّا الغُسلُ فقط
(1)
.
ويمكِن أن يكون مراد القاضي: ما أوجب غُسلًا أوجب وضوءًا، فهو ملازم له.
وظاهِرُه: أنَّه لا نقض
(2)
بغيرها من غِيبةٍ ونَميمةٍ وقَهْقهةٍ، ونقله الجماعة
(3)
.
نعم، يستحبُّ من الكلام المحرَّم، وفي استحبابه من
(4)
القهقهة وجهان.
(وَمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ)، اليقين: ما أذعَنتِ النَّفس للتَّصديق به، وقطعَت به، وقطعت بأنَّ قطعَها صحيح
(5)
، (وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ)، الشَّكُّ: خلافُ اليقينِ، (أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ؛ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ)؛ لِما رَوى عبد الله بن زَيد قال: شُكِي إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الرَّجلُ يخيَّل إليه أنه يجد الشَّيء في الصَّلاة، فقال:«لا ينصرف حتَّى يَسمعَ صوتًا أو يجدَ ريحًا» متَّفَق عليه
(6)
، ولمسلم
(1)
ينظر: شرح العمدة 1/ 320.
(2)
في (أ): نقض.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 299، زاد المسافر 2/ 50.
(4)
في (و): في.
(5)
كتب على هامش (و): قاله المصنف في الروضة في الأصول.
(6)
أخرجه البخاري (137)، ومسلم (361).
معناه مرفوعًا من حديث أبي هريرة، ولم يذكر فيه:«وهو في الصَّلاة»
(1)
، ولأنَّه إذا شكَّ تعارَض عنده الأمران، فيَجِب سُقوطهما؛ كالبيِّنتَين إذا تعارضا
(2)
، ويَرجع إلى اليقين.
وسواءٌ كان في الصَّلاة أو خارجَها، تساوَى عنده الأمرانِ أو غلب على ظَنِّه أحدُهما؛ لأنَّ غلبةَ الظَّنِّ إذا لم يكن لها ضابط في الشَّرع؛ لم يُلتَفَتْ إليها؛ كظنِّ صدق أحد المتداعيين، بخلاف القِبلة والوقت، هذا اصطلاح الفقهاء.
وعند الأصوليِّين: إن تساوى الاحتمالان فهو شَكٌّ، والرَّاجِح ظنٌّ، والمرجوح وهَم.
(فَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا)؛ أي: تيقن الطَّهارةَ والحَدثَ في وقتِ الظُّهْر مثلًا، (وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا)؛ أي: لم يعلم الآخِر منهما؛ (نَظَرَ فِي حَالِهِ قَبْلَهُمَا)؛ أي: قبل الطَّهارة والحدث، وهو ما قبل الزَّوال، (فَإِنْ كِانَ مُحْدِثًا فَهُوَ) الآنَ (مُتَطَهِّرٌ)؛ لأنَّه تيقَّن زوال ذلك الحدث بطهارة، ولم يتيقَّن زوال تلك الطَّهارة بحدثٍ آخَرَ؛ لاحتمال أن يكون الحدث الذي تيقَّنه بعد الزَّوال هو الذي كان قبله، فلم يزل يقينُ الطَّهارة بالشك، (وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ مُحْدِثٌ)؛ لما ذكرنا.
هذا في تيقُّن الحالين، وأمَّا تيقُّن الفعلين؛ فإذا تيقَّن أنَّه في وقت الظهر - مثلًا - تطهَّر عن حدث، وأحدث عن طهر، ولا يعلم أسبقهما؛ فإنَّه يكون على مثل حاله قبلهما جزمًا، فإن كان متطهِّرًا فهو الآن متطهِّرٌ؛ لأنَّ الطَّهارةَ التي قبل الزوال قد تيقَّن زوالها بالحدث، وتيقَّن زوال الحدث بالطَّهارة التي
(1)
أخرجه مسلم (362).
(2)
في (أ): تعارضتا.
في وقت الظهر، والأصل بقاؤها، وإن كان محدِثًا فهو الآن محدِثٌ، وكذا لو عيَّن وقتًا لا يَسعُهما.
فإن جهل حالهما وأسبقهما، أو تيقَّن حدثًا وفِعْل طهارةٍ فقط؛ فبضدِّ حاله قبلهما.
وإن تيقَّن أنَّ الطَّهارة عن حدث، ولا يدري الحدث
(1)
عن طهارةٍ؛ فمتطهِّرٌ مطلقًا، وعكس هذه بعكسها.
مسألة: إذا سَمِعَا صوتًا، أو شَمَّا رِيحًا من أحدهما لا بعينه؛ فلا وضوء عليهما على الأصحِّ، ولا يأتَمُّ أحدُهما بصاحبه
(2)
، ولا يصافِفْه في الصَّلاة إن كانا وحدَهما.
وإن كان أحدهما إمامًا؛ أعادا صلاتهما، نصَّ عليه
(3)
. وقيل: عنه: ينوي كل منهما الانفراد، ويتمُّ صلاتَه وحدَه.
(وَمَنْ أَحْدَثَ حَرُمَ
(4)
عَلَيْهِ):
(الصَّلَاةُ)؛ لما روى ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» رواه مسلم
(5)
، وهو يعمُّ الفرضَ والنَّفْلَ، والسُّجود المجرَّد؛ كسجدة التِّلاوة، والقيام المجرَّد؛ كصلاة الجنازة، وسواءٌ كان عالمًا أو جاهِلاً، فلو صلَّى مع الحدث؛ لم يكفر.
وحكى ابنُ حَزْم والنَّوويُّ عن بعض العلماء: جواز الصَّلاة على الجنازة بغير وضوء ولا تيمَّم
(6)
.
(1)
في (و): الحديث.
(2)
في (و): لصاحبه.
(3)
ينظر: المغني 2/ 78.
(4)
في (و): يحرم.
(5)
أخرجه مسلم (224).
(6)
قال النووي في المجموع 3/ 103: (إلا ما حكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري من قولهما تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة، وهذا مذهب باطل، وأجمع العلماء على خلافه).
(وَالطَّوَافُ)؛ لما روى التِّرمذي بإسناده
(1)
عن عطاء بن السَّائب، عن طاوُس، عن ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الطَّواف حول البيت مثل الصَّلاة، إلَّا أنَّكم تتكلَّمون فيه، فمن تكلَّم فلا يتكلَّمْ إلَّا بخيْرٍ» ، إسناده جيِّد إلى عطاء، وهو مختلَف فيه، واختلط في آخر عمره، وقال أحمد:(عطاءٌ رجلٌ صالِحٌ)، قال التِّرمذي: (وقد روي عن طاوس عن ابن عبَّاس موقوفًا
(2)
، ولا نعرفه مرفوعًا إلَّا من حديث عطاء بن السَّائب)
(3)
.
(وَمَسُّ الْمُصْحَفِ)؛ لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} [الواقِعَة: 79]؛ أي: لا يمسُّ القرآن، وهو خبرٌ بمعنى
(4)
النَّهي، وحُرِّك بالضم لالتقاء الساكنين.
ورُدَّ: بأنَّه اللَّوحُ المحفوظُ، والمطهَّرون الملائكة؛ لأنَّ المطهَّر من طهَّره غيره، ولو أريد بنو
(5)
آدم قيل
(6)
: المتطهِّرون.
وجوابُه: بأنَّ المراد هم بنو آدم قياسًا عليهم، بدليل ما روى عبد الله بن
(1)
قوله: (بإسناده) سقط من (أ).
(2)
في (أ): مرفوعًا.
(3)
أخرجه الترمذي (960)، وابن خزيمة (2739)، وابن حبان (3836)، من طريق عطاء بن السائب، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعًا، واختلف في رفعه ووقفه، رفعه عطاء وهو صدوق اختلط في آخر عمره، ورواه أصحاب طاوس موقوفًا، ورجَّح وقفه النسائي، والبيهقي، وابن عبد الهادي، وصححه مرفوعًا ابن السكن، وابن خزيمة، وابن حبان، وغيرهم. ينظر: تهذيب الكمال للمزي 20/ 86، المحرر لابن عبد الهادي (88)، البدر المنير 2/ 487، التلخيص الحبير 1/ 358، الإرواء 1/ 154.
(4)
في (أ): معنى.
(5)
في (و): من.
(6)
في (أ) و (ب): لقيل.
عمرو بن حزم
(1)
، عن أبيه، عن جده: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابًا، وكان فيه:«لا يَمَسُّ القرآنَ إلَّا طاهِرٌ» رواه الأثرم والنَّسائي والدَّارَقُطْني متَّصِلًا، قال الأثرم:(واحتجَّ به أحمد)، ورواه مالك مرسَلًا
(2)
، ومقتضاه: أنَّه لا يباح مسُّه بشيء من جسده حتَّى يتطهر، ولو بتيمُّم.
قال المؤلِّف: (إن احتاجه)، وهو شامِلٌ لما يُسمَّى مُصحَفًا من الكتابة، والجلد، والحواشي، والورق الأبيض المتَّصل به، بدليل البيع على المذهب.
وله حمله بعِلاقته
(3)
، أو بحائل منفصل عنه لا يتبعه في البيع كغلافِه، أو بحائل تابع للحامِل؛ كحمله في كمِّه، أو ثوبِه، أو تصفُّحِه بعود، ونحوه على المشهور، جزم به أبو الخطاب وابن عبدوس والقاضي والمؤلف.
وعنه: المنعُ من حمله بعِلَاقتِه وتصفُّحِه بكُمِّه، وخرَّجه القاضي منه إلى بقِيَّة الحوائل
(4)
، ولم يُعوِّل عليه في «المغني» .
وله الكتابة منه من غير مسٍّ، جزم به كثير من الأصحاب. وقيل: هو كالتَّقلُّب بالعود. وقيل: يجوز للمحدِث دون الجنب، وهذا إذا لم يحمله على مقتضى ما هو في «التَّلخيص» وغيره.
وله مسُّ تفسيرٍ على المذهب، ومنسوخ تلاوته على الأصحِّ، والأحاديث المأثورة، والتَّوراة والإنجيل؛ لأنَّها ليست بقرآن.
(1)
صوابه كما في المصادر الحديثية: عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وفي بعضها: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ رواية أبي مصعب (234)، وأبو داود في المراسيل (92 - 93)، والدارقطني (435)، وذكر أبو داود أنه روي مسندًا ولا يصح، والصواب فيه الإرسال، وكتاب عمرو بن حزم كتاب مشهور عند أهل العلم والأئمة وقد تلقوه بالقبول، وقد رواه النسائي (4853)، ولم يذكر فيه هذا الجزء من الحديث. ينظر: التمهيد لابن عبد البر 17/ 396 - 397، البدر المنير 2/ 449، الإرواء 1/ 158.
(3)
في (و): بعلاقة.
(4)
في (أ): الحوامل.
وحكم البعض كالكلِّ، فلو كتب بعضه منفردًا
(1)
؛ لم يَجُز مسُّه وإن لم يُسمَّ مصحفًا.
نعم، في مسِّ الصبيان ألواحَهم
(2)
، وفي رواية ذكرها القاضي: والمصحف، ومسِّ الدراهم المكتوب عليها القرآن
(3)
، وثوب طُرِّز به؛ روايتان، أظهرهما: الجواز؛ لمسيس الحاجة إليه
(4)
.
وعُلم منه: أنَّ طهارة الخبث
(5)
لا يشترط انتفاؤها، نعم يمنع من مسِّه بعضو نجس لا بغيره على المذهب.
والذميُّ لا يمَسُّه، لكن له نسخُه دون حمل ومَسٍّ.
وعنه: المنع، وحمله القاضي على حمله حال كتابَته.
ولا يجوز مسُّه بعضو
(6)
طهَّره حتَّى يُكملها.
مسائل:
الأولى: يُكره تحليته بذهب أو فضة؛ لتضييق النَّقدين.
وعنه: لا؛ كالضَّبَّة، وكتطييبه، نصَّ عليه
(7)
، وكيسة
(8)
الحرير، نقله الجماعة
(9)
؛ لأنَّ ذلك قدر يسير.
(1)
في (و): مفردًا.
(2)
كتب فوقها في (أ): (أي: التي فيها الحروف).
(3)
قوله: (القرآن) سقط من (و).
(4)
كتب في حاشية (أ): (ولأنا لو اشترطنا طهارة الصبيان؛ لأدى ذلك إلى منعهم عن حفظه).
(5)
في (أ) و (و): الجنب.
(6)
قوله: (ومس، وعنه: المنع، وحمله القاضي على حمله حال كتابته، ولا يجوز مسه بعضو) سقط من (و).
(7)
ينظر: الفروع 1/ 247.
(8)
في (ب): وكسيه.
(9)
ينظر: شرح العمدة 1/ 306، الفروع 1/ 247.
وقيل: يُكره للرِّجال لا النِّساء.
وقيل: يحرم، جزم به جماعة؛ ككتب العلم في الأصحِّ.
وقال ابن الزَّاغوني: كَتْبُه بذهب حرام؛ لأنَّه زخرفة، ويؤمر بحكِّه، فإن اجتمع منه ما يتموَّل؛ زكَّاه، قال أبو الخطَّاب: إن بلغ نصابًا.
وكره أحمد توسُّدَه، وفي تحريمه وجهان، وكذا كتب العلم التي
(1)
فيها قرآن، وفي معناه: التخطِّي، ورميُه بالأرض بلا وضعٍ ولا حاجةَ تدعو إلى ذلك.
ويحرم كَتْبه بحيث يُهان؛ كبول حيوان ونحوِه، وتجب إزالته، ويحرم دَوسُه، والمراد غير حائط المسجد.
قال في «الفصول» وغيره: يُكره أن يَكتب على حيطان المسجد ذِكْرًا وغيرَه؛ لأنَّ ذلك يشغَلُ المصلِّي ويلهيه.
ويدفن إذا بلي؛ لتعظيمه وصيانته.
وله نَقْطُه، وشَكْلُه، وكتابةُ الأعشار، والسُّور، وعدد
(2)
الآيات في رواية.
وعنه: يستحبُّ نَقْطُه، وعلَّله أحمد: بأنَّ فيه منفعة النَّاس
(3)
، واختاره أبو الحسين بن المُنادي
(4)
.
الثَّانية: يجوز تقبيله. وعنه: يستحب. ونقل جماعة الوقف
(5)
، ولا يجعله على عينيه؛ لعدم النقل.
(1)
في (أ) و (و): الذي.
(2)
في (و): وعد.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4878
(4)
هو أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد بن المنادي، أبو الحسين، صنف كتبًا كثيرة، قيل: إنها نحو من أربعمائة مصنف، توفي سنة 368 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 3، المقصد الأرشد 1/ 85.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 247.
وظاهره: أنَّه لا يقام له، لكن يؤخذ من فعل أحمد الجواز
(1)
.
الثَّالثة: له أخذ الفأل فيه، فَعَله ابن بَطَّة، ولم يره غيره من الأصحاب، ونقل ابن العربي أنَّه يحرم، حكاه القرافي عن الطرطوشي
(2)
المالكي، وظاهر مذهب ش: الكراهة
(3)
.
الرابعة: يحرم السَّفر به إلى دار الحرب. وقيل: إلَّا مع غلبة السَّلامة، وفي «المستوعب»: يكره بدون غلبتها.
الخامسة: لا يجوز أن يُملَّك لكافر، فلو مَلَكه بإرثٍ؛ أُلزم على إزالة ملكه عنه؛ لأنَّه يتديَّن بانتهاكِه وإزالةِ حُرمته.
(1)
ينظر: الفروع 1/ 251.
(2)
في النسخ الخطية: (الطرطوسي).
وهو أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب القرشي الفهري الأندلسي الطرطوشي، الفقيه المالكي الزاهد، المعروف بابن أبي رندقة؛ نشأ بالأندلس ببلده طرطوشة ثم تحول لغيرها من بلاد الأندلس، صحب أبا الوليد الباجي، من مصنفاته: سراج الملوك، التعليق، الحوادث والبدع. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 262، الأعلام 7/ 134.
(3)
الفأل في المصحف: أن يفتح المصحف وينظر في أول سطر منه أو في غيره.
قال القرافي نقلاً عن الطرطوشي: (وكذلك مَنْ أخذ الفأل من المصحف أو غيره إنما يعتقد هذا المقصد إن خرج جيدًا اتبعه، أو رديئًا اجتنبه، فهو عين الاستقسام بالأزلام الذي ورد القرآن بتحريمه؛ فيحرم). ينظر: الفروق 4/ 240، المدخل لابن الحاج المالكي 1/ 278، النجم الوهاج في شرح المنهاج 1/ 283.
(بَابُ الْغُسْلِ)
هو مصدر من غسل الثوب والبدن
(1)
، يغسله غسلًا، قال عياض:(بالفتح: الماء، وبالضم: الفعل)
(2)
، وذكر ابن بَرِّيّ
(3)
: (أنَّ غسل الجنابة بفتح الغين)، وقال ابن مالك:(بالضم: الاغتسال والماء الذي يغتسل به)
(4)
، وقال الجوهري:(غسلتُ الشيءَ غَسْلًا بالفتح، والاِسمُ: الغُسل بالضم، وبالكسر: ما يغسل به الرأس من خِطْمِيٍّ وغيره)
(5)
.
وهو واجِبٌ إجْماعًا
(6)
، وسندُه:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المَائدة: 6].
يقال: رَجُلٌ جُنُبٌ، وكذا المثنَّى والمجموع، قال الجوهري:(وقد يقال جنبان وجنبون)
(7)
، وفي «صحيح مسلم»:«ونحْن جنُبان»
(8)
؛ سمِّي به لأنَّه نُهي أن يقرَب مواضع الصَّلاة، وقيل: لمجانبتِه الناسَ حتَّى يتطهر
(9)
، وقيل: لأنَّ الماء جانَب محلَّه، والأحاديث مشهورة بذلك.
(1)
في (أ): اليدين.
(2)
ينظر: مشارق الأنوار 2/ 289.
(3)
هو أبو محمد عبد الله بن بري بن عبد الجبار المصري النحوي اللغوي، توفي سنة 582 هـ. قال ابن خلكان:«وبَرِّي، بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء المكسورة وبعدها ياء؛ وهو اسم علم يشبه النسبة» . ينظر: وفيات الأعيان 3/ 109، تاريخ الإسلام 12/ 748، الوافي في الوفيات 17/ 46.
(4)
ينظر: إكمال الأعلام بتثليث الكلام 2/ 467.
(5)
ينظر: الصحاح 5/ 1871.
(6)
ينظر: مراتب الإجماع ص 22.
(7)
ينظر: الصحاح 1/ 103، وفيه:(وربما قالوا في جمعه: أجناب وجنبون)، ولم يذكر جنبان.
(8)
أخرجه مسلم (321)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(9)
في (أ): يطهر.
(وَمُوجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ)، وفي «المحرر» و «الفروع»: ستَّة.
(خُرُوجُ الْمَنِيِّ) من مخرجه، فإن خرج من غيره؛ كما لو انكسر صلبه فخرج منه؛ لم يجب، وحكمه كالنَّجاسة المعتادة، (الدَّافِقِ بِلَذَّةٍ) ولو دَمًا.
(فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ ذَلِكَ؛ كَمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ كَسْرِ ظَهْرٍ؛ لَمْ يُوجِبْ) في أصحِّ الرِّوايتين؛ لما روى عليٌّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فَضَخت الماءَ فاغتَسِل، وإن لم تكن فاضَخًا فلا تغتَسِل» رواه أحمد
(1)
، والفَضْخُ: هو خروجه بالغَلَبة، قاله إبراهيم الحَرْبِيُّ
(2)
.
ويستثنى منه: النَّائم.
فعلى ما ذكره: يكون نجسًا، وليس مَذْيًا، قاله في «الرعاية» .
والثَّانيةُ: يَجِبُ، ذكرها ابن عبدوس، والقاضي، وأخذها من نصِّه فيمن جامع، ثمَّ اغتسل، ثمَّ أنزل؛ فعليه الغسل
(3)
، مع أنَّ ظاهر حاله أنَّه يخرج
(4)
لغير شهوة، وفي الصَّحيحين عن أمِّ سلمة: أنَّ أمَّ سُليم قالت: يا رسول الله! إنَّ الله لا يستحْيِي من الحقِّ، هل على المرأة من غسل إذا احتَلمت؟ قال:«نعم إذا رأتِ الماءَ»
(5)
، وقال عليه السلام في حديث عليٍّ: «ومِنَ
(6)
المَنِيِّ الغسل» رواه الخمسة، وصحَّحه التِّرمذيُّ
(7)
.
(1)
أخرجه أحمد (868)، وأبو داود (206)، وابن خزيمة (20)، وابن حبان (1107)، وهو حديث صحيح. ينظر: صحيح أبي داود للألباني 1/ 372.
(2)
هو إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشر بن عبد الله بن ديسم، أبو إسحاق الحربي، كان إمامًا في العلم، رأسًا في الزهد، عارفًا بالفقه، ونقل عن الإمام أحمد مسائل، توفي سنة 285 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 86.
(3)
ينظر: شرح العمدة 1/ 353.
(4)
في (أ): لم يخرج. والمثبت موافق لما في شرح العمدة لشيخ الإسلام.
(5)
أخرجه البخاري (130)، ومسلم (313).
(6)
في (و): وفي.
(7)
أخرجه أحمد (622، 869)، والترمذي (114)، وابن ماجه (504)، بهذا اللفظ، وأخرجه أبو داود (206)، والنسائي (193) بلفظ:«إذا فضخت الماء فاغتسل» ، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح).
وهذا ما لم يَصِرْ سَلَسًا، قاله القاضي وجَمْعٌ، فيجب الوضوء فقط، لكن قال في «المغني» و «الشرح»:(يمكن منع كون هذا منِيًّا؛ لأنَّ الشارع وصفه بصفة غير موجودة فيه).
وظاهِرُه: أنَّه واجِبٌ بالخروج، ويتوجَّه: بإرادة القيام إلى الصَّلاة.
فائدة: المَنِيُّ يُخلَق منه الحَيَوان؛ لخروجه من جميع البدن، وينقص به جزء منه، ولهذا يَضْعُف بكثرته، فجُبر بالغسل.
(فَإِنْ أَحَسَّ بِانْتِقَالِهِ) من ظَهْره، (فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجُ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا يجب، اختارها المؤلِّف والشِّيرازي، وهي ظاهر الخِرَقي؛ لما تقدَّم من الأخبار؛ إذ الحكم في الجميع مرتَّب على الرُّؤية؛ لأنَّ الشَّهوة بمجرَّدها
(1)
لا توجِب
(2)
غسلًا؛ لأنَّها أحد وصفي العلَّة، ويسمَّى جُنُبًا، ولا يحصل إلَّا بخروجه.
والثَّانيةُ: بلى، وهي المذهب المنصوص عنه
(3)
، وجزم بها الأكثرُ؛ لأنَّ الجنابةَ أصلُها البعد؛ لقوله تعالى:{وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النِّسَاء: 36]؛ أي: البعيد، ومع الانتقال قد باعد الماء محلَّه، فصدق عليه اسم الجنب، وإناطةً للحكم بالشَّهوة، وتعليقًا له على المظنَّة؛ إذ بعد انتقاله يبعد عدم خروجه.
قيل: ومحلُّهما فيما إذا لم يَخرج إلى قَلفة الأقلف، وفرج المرأة، أمَّا إذا خرج إليهما؛ فإنَّه يجب روايةً واحدةً.
فعلى الأولى: يجب الغسل إذا خرج روايةً واحدةً، ذكره ابن تميم وغيره،
(1)
في (و): مجردها.
(2)
في (و): يوجب.
(3)
في (ب) و (و): المنصوصة عنه. وينظر: شرح الزركشي 1/ 71.
وإن خرج بغير شهوة؛ لأنَّ انتقاله كان لشهوة، زاد في «الرعاية»: وأعاد ما صلَّى.
وعلى الثَّانية: يحصل به البلوغُ، والفِطرُ، وفسادُ النُّسُك، ووجوب بَدَنةٍ في الحج، حيث وجبت لخروج المَنِيِّ، قاله القاضِي في «تعليقه» إلْزامًا، وجعله ابن حمدان وجهًا، وبعَّده، وأطلق في «الفروع» الوجهين.
وكذا انتقال حيْض، قاله الشَّيخ تقي الدِّين
(1)
.
(وَإِنْ) قلنا: يجب بالانتقال فاغتسل له، ثمَّ (خَرَجَ بَعْدَ الْغَسْلِ، أَوِ) اغتسل لمَنِيٍّ خرج بعضُه، ثمَّ (خَرَجَتْ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ؛ لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ)، ذكر الخلَّال أنَّه الذي تواترت عليه الرِّواية، واختاره القاضي وابن أبي موسى، وجزم به في «الوجيز»؛ لما روى سعيد عن ابن عبَّاس: أنَّه سئل عن الجُنُبِ يخرج منه الشَّيءُ بعد الغسل، قال:«يتوضَّأ»
(2)
، وكذا ذكره الإمام أحمد عن عليٍّ
(3)
، ولأنَّه مَنِيٌّ واحدٌ، فأوجب غسلًا واحدًا كما لو خرج دفعة واحدةً، ولأنَّه خارج لغير شهوةٍ، أشبه خروجه في البرْد، وبه علَّل أحمد، قال:(لأنَّ الشهوةَ ماضيةٌ، وإنَّما هو حدَث، أرجو أنَّه يجزئه الوضوء)
(4)
.
(1)
ينظر: الفروع 1/ 254، الاختيارات ص 30، وعبارته:(قال شيخنا: قياس المني انتقال حيض).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (1483)، وابن المنذر في الأوسط (637)، من طريق حيان الجوفي، عن جابر بن زيد عنه.
وإسناده صحيح، حيان الجوفي هو الأعرج، وثَّقه ابن معين وابن حبان. ينظر: التهذيب 3/ 68.
(3)
ينظر: مسائل صالح 3/ 233.
وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (1482)، وابن المنذر في الأوسط (638)، عن علي رضي الله عنه في الجنب يخرج من ذكره المني بعد الغسل قال:«يعيد الوضوء» ، وإسناده ضعيف، فيه الحارث الأعور وحديثه ضعيف، وشريك النخعي وهو ضعيف أيضًا.
(4)
ينظر: شرح العمدة 1/ 355.
(وَعَنْهُ: يَجِبُ)، قدَّمها في «الرعاية» ، وصحَّحها المؤلِّف؛ لأنَّ الاعتبار بخروجه كسائر الأحداث، فيُناط الحكم به.
(وَعَنْهُ: يَجِبُ إِذَا خَرَجَ قَبْلَ الْبَوْلِ)، اختاره القاضي في تعليقه؛ لأنَّه بقيَّة منِيٍّ دافقٍ بلذَّةٍ، (دُونَ مَا بَعْدَهُ)؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّه غير الأول، وقد تخلَّف عنه شرطه
(1)
، وهو الدَّفق واللَّذَّة، وروي نحوها عن علي، وضعَّفه أحمد
(2)
.
وعنه: يجب إذا خرج بعد البول دون ما قبله؛ لأنَّه منيٌّ جديدٌ، ولو كان من بقيَّة الأوَّل لما تخلَّف.
وكذا لو جامع فلم يُنزل، واغتسل، ثمَّ خرج لغير شهوةٍ.
وجزم جماعة، وهو المنصوص: يغتسل
(3)
.
وظاهره: أنَّه لا يجب بمجرَّد الاِحتلام من غير إنزالٍ، وهو المنصوص
(4)
؛ لحديث عائشة
(5)
.
(1)
في (أ) و (ب): بشرطه.
(2)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (639)، من طريق عطاء بن السائب عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول:«إذا اغتسل الرجل من الجنابة فخرج منه شيء بعد ذلك، قال: إذا كان بال قبل أن يغتسل فلا إعادة عليه، وإن لم يبل حتى اغتسل أعاد» ، قال ابن المنذر:(وليس بثابت عنه)، وقال:(وهذا مرسل؛ لأن عطاء لم يسمع من عليٍّ شيئًا).
(3)
ينظر: المغني (1/ 147): قال أحمد رحمه الله تعالى في الرجل يجامع ولم ينزل، فيغتسل، ثم يخرج منه المني:(عليه الغسل).
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 362.
(5)
زاد في (و): (قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؛ قال: «يغتسل»، وعن الرجل أن قد احتلم ولم يجد البلل قال: «لا غسل عليه» الحديث).
والحديث أخرجه أحمد (26195)، وأبو داود (236)، والترمذي (113)، وفي سنده عبد الله بن عمر العمري، تُكلم فيه من قبل حفظه، وهو ضعيف، قال ابن رجب:(واستنكر أحمد هذا الحديث في رواية مهنى، وقال في رواية الفضل بن زياد: أذهب إليه)، وصححه ابن القطان، وحسنه الألباني. ينظر: فتح الباري لابن رجب 1/ 342، صحيح أبي داود 1/ 429.
وعنه: بلى. وعنه: إن وجد لذَّةَ الإنزال.
فعلى الأوَّل: إن خرج لشهوة اغتسل في الحال، وإلَّا فروايتا الانتقال، والمنصوص: أنَّه يجب
(1)
؛ لئلَّا يلزم انتقال منيٍّ وخروجه من غير اغتسال.
وعُلم ممَّا تقدَّم: أنَّه إذا وطئ دون الفرج، فدبَّ منيُّه فدخل فرج المرأة، ثمَّ خرج، أو وطِئ في الفرج، ثمَّ خرج من فرجها بعد غسلها، أو خرج ما استدخلته بقُطْنة أو غيرها، ولم يَنزِل منيُّها، قال ابن حمدان: أو خرج ما دخَلَه من منِيِّ امرأةٍ بسِحاق؛ فإنه لا يجب على المنصوص
(2)
.
وفي الكلِّ وجهٌ.
مسألة: إذا انتبه بالِغٌ، أو من يُحتمل بلوغه، فوجد بلَلًا جهل أنَّه مَنِيٌّ؛ وجب على الأصحِّ؛ كمن ذكر معه حُلْمًا، نصَّ عليه
(3)
؛ لحديث عائشة
(4)
، رواه أحمد، واحتجَّ به
(5)
، وغَسل بدنَه وثوبَه احتِيَاطًا، ولا يجب.
والثَّانية: لا يجب، ذكرها الشَّيخ تقِيُّ الدِّين
(6)
؛ لأنَّه يحتمل أن يكون منِيًّا أو مَذْيًا، وهو طاهر بيقين، فلا يزول بالشَّكِّ.
وإن وجده يقَظةً وشكَّ فيه؛ توضَّأ، ولا يلزمه غسل ثوبِه وبدَنِه.
وقيل: يلزمه حكم غير المَنِيِّ.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه احتمالُ: حكمهما.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور (2/ 362): قلت: لأحمد: رجل رأى في المنام أنه يجامع فلم ينزل، فانتبه فلم ير شيئًا، فلما أصبح وجد بلة؟ قال:(بِلَّة، يغتسل منه).
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور (2/ 459): المرأة إذا اغتسلت ثم خرج من فرجها من مني الرجل شيء؟ قال: (تتوضأ).
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 27، مسائل ابن منصور 2/ 362.
(4)
زيد في (و): المتقدم.
(5)
قوله: (به) سقط من (أ).
(6)
ينظر: شرح العمدة 1/ 353.
وإن سبق نومه نظرٌ أو بردٌ أو ملاعَبةٌ؛ لم يجب، نصَّ عليه
(1)
. وعنه: بلى. وعنه: إن ذكر معه حُلْمًا.
وإن تيقَّنه مَذْيًا؛ فلا.
وإن رأى منِيًّا بثوبٍ ينام فيه، وقال
(2)
أبو المعالي والأَزَجِيُّ: لا بظاهره؛ لجوازه من
(3)
غيره؛ اغتسل، ويعمل في الإعادة باليقين.
وإن كان ينام فيه هو وغيره
(4)
؛ فلا
(5)
على الأصحِّ.
(الثَّانِي: الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ)؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جلس بين شُعَبِها الأرْبَعِ، ثمَّ جهَدَها؛ فقد وجب الغسل» أخرجه البخاريُّ ومسلم، وزاد هو وأحمد:«وإن لم يُنزِل»
(6)
، وفي حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قعد بين شعبها الأربع، ومسَّ الخِتانُ الخِتانَ؛ فقد وجب الغسل» رواه مسلم
(7)
.
وما روي عن عثمانَ وعليٍّ والزُّبير وطلحة
(8)
: أنَّه لا يجب إلَّا بالإنزال؛
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 233.
(2)
في (و): قال.
(3)
في (أ): في.
(4)
في (و): هو وغيره فيه.
(5)
زيد في (أ): (وضوء).
(6)
أخرجه البخاري (291)، ومسلم (348)، وأحمد (8574).
(7)
أخرجه مسلم (349).
(8)
في (و): وطلحة والزبير.
أخرج البخاري (179)، عن زيد بن خالد، أنه سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه، قلت: أرأيت إذا جامع فلم يُمن، قال عثمان:«يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره» ، قال عثمان:«سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، فسألت عن ذلك عليًّا، والزبير، وطلحة، وأُبي بن كعب رضي الله عنهم فأمروه بذلك. وأخرجه مسلم (347)، عن عثمان فقط.
لقوله: «الماءُ من الماء»
(1)
؛ فمنسوخ؛ لما
(2)
روى أُبيُّ بن كعب قال: «إنَّ الفُتيا التي كانوا يقولون: الماءُ من الماءِ، رُخصةٌ رخَّص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ أَمَر بالاِغتسال» رواه أحمد، وأبو داود، والتِّرمذيُّ وصحَّحه، قال الحافظ عبد الغَنِيِّ: (إسناد
(3)
صحيح على شرط الشيْخيْن)
(4)
.
ثم المُراد من التقائهما: مقابلتُهما وتحاذيهما، فقال:(وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) الأصليةِ أو قدرِها إن فُقِدتْ، وإن لم يُنزِل (فِي الْفَرْجِ) الأصليِّ بلا حائل، وقيل: ومعه، وإن لم يجد حرارةً؛ ليحترِز به من الخنثى المشكل إذا أولج حشفته ولم ينزل في فرج أصلي، أو أولج غير الخنثى ذكره في قبل خنثى؛ فلا غسل على واحد منهما؛ لاحتمال كون الحشفة أو القُبُل خِلقة زائدة، ومن أنزل منهما؛ وجب عليه الغسل.
وإن تواطأ خُنثيان في قُبُلَيْهما أو دُبُرَيْهما؛ فوجهان، وقيل: إن قلنا: الزائد كأصلي وجب، وإلَّا فلا.
وإن تواطأ رجلٌ وخنثى في دبريهما؛ اغتسل الرَّجل بِيَقين، والأصحُّ وجوبه على الخنثى احتياطًا.
وظاهره: أنَّه إذا مسَّ الخِتانُ الختانَ من غير إيلاج؛ فلا غسل؛ كمن أولج بعض الحشفة.
(1)
أخرجه مسلم (343)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو في البخاري (180) بلفظ:«إذا أعجلت أو قحطت فعليك الوضوء» .
(2)
في (أ) و (و): بما.
(3)
في (أ): إسناده.
(4)
أخرجه أحمد (21100)، وأبو داود (214)، والترمذي (110)، وابن خزيمة (225)، وابن حبان (1173)، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وقال الضياء المقدسي في المختارة (1177):(إسناده صحيح). ولم يقل المقدسي في مختارته: (على شرط الشيخين).
وأنَّه لا فرق بين العالِم والجاهِل، فلو مكث زمانًا لم يصلِّ؛ احتاط
(1)
في الصَّلاة، ويعيد حتَّى يتيقَّن
(2)
، نصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه ممَّا اشتهرت به الأخبار، فلم يعذر بالجهل.
والطائِعِ والمُكرَهِ؛ لأنَّ موجب الطَّهارة لا يشترط فيه القَصد؛ كسَبْق الحدَث، والنَّائِمُ كاليقْظانِ.
(قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا) في المنصوصِ
(4)
؛ لوُجود شرْطه، وقيل: على الواطِئ.
(مِنْ آدَمِيٍّ)؛ لما تقدَّم، وكلامه شامل للبالِغِ وغيرِه، قال الإمام أحمد: يجب على الصغيرِ إذا وَطِئ، والصغيرةُ إذا وُطِئتْ
(5)
، مستدِلًّا بحديث عائشة، والأصحُّ: يلزمه إن أراد ما يتوقَّف على الغُسل أو الوضوء، أو مات
(6)
قبل فعله
(7)
شهيدًا.
لكنَّ القاضِيَ صرَّح بعدم الوجوب مستدلًّا بعدَم التَّكليف؛ كالحائض، وحمل كلام أحمد على الاستحباب.
وردَّه في «المُغْني» ؛ لكونه صرَّح بالوجوب.
ولعلَّ الخلافَ لفظِيٌّ؛ إذْ مرادُه بالوجوب: اشتراطُه للصَّلاةِ ونحوِها، لا التَّأثيمُ بتأخيرِه، ومُرادُ القاضي بالاِستحباب: انتفاء إلزامه بذلك.
وشرَط بعضُهم لوجوبه: مجامعةَ مثله، وشرَط بعضُهم للذكر: ابنَ عشر،
(1)
في (و): احتياط.
(2)
في (أ): يتبين.
(3)
ينظر: شرح العمدة 1/ 361.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 1/ 1909.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 329.
(6)
في (أ): ماتت.
(7)
في (و): غسله.
وللأنثى: بنتَ تِسع، وظاهر إطلاق الأكثر عَدَمُ الاشتراطِ.
(أَوْ بَهِيمَةٍ)، حتَّى سمكةٍ، قاله القاضي في «تعليقه» ، وتبعه في «الفروع» ؛ لأنَّه إيلاج في فرْج أشبه الآدمية.
ولو غيَّبت امرأةٌ حشفةَ بهيمة؛ اغتسلت
(1)
، وإن كانت مقطوعة؛ فلا.
(حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ)؛ لما ذكرنا، فيُعاد غسل الميت.
وذهب جَمْع؛ إلى أنَّه لا يجب بوطئها؛ لأنَّه ليس بمقصود.
ورُدَّ: بأنَّه ينتقض بالعجوز والشوهاء.
والمذهب: يجب على النائم والمجنون.
فرع: لو قالت امرأةٌ: لي جِنِّيٌّ يجامِعني كالرَّجل؛ فلا غُسل؛ لعدم الإيلاج والاحتلام، ذكره أبو المعالي. وفيه نَظَرٌ.
قال ابن الجوزي في قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ} الآية [الرَّحمن: 56]
(2)
: فيه دليل على أنَّ الجِنِّيَّ يغشى المرأة كالإنسِيِّ. وفيه نظر؛ لأنَّه لا يلزم من الغشيان الإيلاج؛ لاحتمال أن يكون غشيانُه عن ملابسة ببدنه خاصَّة.
(الثَّالِثُ: إِسْلَامُ الْكَافِرُ، أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا) على الأصحِّ؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ ثُمامةَ بنَ أُثَالٍ أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل» رواه أحمد وابن خزيمة من رواية العمري، وقد تُكلِّم فيه، وروى له مسلم مقرونًا
(3)
، وعن قيس بن عاصم: «أنَّه أسلم فأمره النَّبيُّ
(1)
في (و): أو اغتسلت.
(2)
قوله: (الآية) هو في (و): {قَبْلَهُمْ وَلَا جَآنٌّ} [الرَّحمن: 56].
(3)
أخرجه عبد الرزاق (9834)، وأحمد (8037)، وابن خزيمة (253)، وفي سنده عبد الله بن عمر العمري، تُكلم فيه من قبل حفظه، ورواية عبد الرازق عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر عن سعيد المقبري، وأصله في البخاري (462)، ومسلم (1764)، لكن عندهما أنه اغتسل، وليس فيهما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 168.
صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماءٍ وسِدْرٍ» رواه أحمد، والتِّرمذي وحسَّنه
(1)
، ولأنَّه لا يَسلم غالبًا من جنابة، فأقيمت المظنَّة مقام الحقيقة؛ كالنَّوم والتقاء الختانين، ولأنَّ المرتدَّ مساوٍ للأصليِّ في المعْنى، وهو الإسلام، فوجب.
وظاهره: لا فرق بين أن يغتسل قبل إسلامه، وبين من أجنب أوْ لا؛ لأنَّه عليه السلام لم يستفصل، ولو اختلف الحال لوجب الاستفصال.
ولا فرق فيه بين البالِغ وغيره في ظاهر كلام الأكثر، وقيَّده ابن حمدان بالبالغ، ومقتضى ما ذكروه أنَّ الغُسل شرطٌ لصحَّة الصَّلاة، فيصير بمنزلة وطء الصبي.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا غُسْلَ عَلَيْهِ)، وحُكي في «الكافي» رواية، فعلى هذا
(2)
: يُستحبُّ الغُسل، وليس بواجب.
قال في «المغني» وغيره: إلَّا أن يكون وُجد منه سبَبُه قبلَ إسلامه؛ كجنابة؛ فيلزمه حينئذ، سواء اغتسل في كفرِه أو لَا؛ لأنَّه عليه السلام لم يأمر به في حديث معاذ حين بعثه إلى اليمن
(3)
، ولو كان واجبًا لأمر به كغيره؛ إذ هو أوَّل الواجبات بعد الإسلام ويقع كثيرًا، وتتوفَّر الدَّواعي على نقله، ولو وقع لَنُقل، وحديث أبي هريرة في إسناده مقالٌ، ويحمل على الاستحباب؛ لحديث قيس؛ بقرينة السِّدْر.
وأجيب: بأنَّ حديث معاذ إنَّما ذكر فيه
(4)
أصول الإسلام لا شرائطها.
فعلى هذا؛ الأشهر: لو أجنب في كفره ثمَّ أسلم؛ تداخلا.
(1)
أخرجه أحمد (20611)، والترمذي (605)، وابن خزيمة (205)، وابن حبان (1240)، وصححه جماعة من الأئمة منهم: ابن خزيمة وابن حبان وابن السكن وغيرهم. ينظر: البدر المنير 4/ 661، الإرواء 1/ 164.
(2)
قوله: (هذا) سقط من (و).
(3)
أخرجه البخاري (1395)، ومسلم (19).
(4)
في (و): في.
وعلى الثَّاني: يجب للجنابة، فلو اغتسل في كفره أعاده؛ لعدم صحَّة نيَّته
(1)
.
واختار الشَّيخ تقي الدِّين: لا، إن اعتقد وجوبه، بناءً على أنَّه يثاب على طاعة في الكفر إذا أسلم
(2)
.
وقيل: لا غسل على كافر مطلقًا.
فرع: يستحبُّ أن يغتسل مع الماء بالسدر؛ كإلقاء شعره؛ للخبر، قال أحمد: (ويغسل
(3)
ثيابَه)
(4)
.
قال بعضهم: إن قلنا بنجاستِها وجَب، وإلَّا استحبَّ
(5)
.
فرع: يحرم تأخير الإسلام لغسل أو غيره، ولو استشار مسلمًا فأشار بعدم الإسلام، أو أخَّر عرضَ الإسلام عليه بلا عذر؛ لم يجز.
وذكر صاحب «التتمة» من الشافعية: أنَّه يصير مرتدًا. ورَدَّ عليه بعضُهم.
(الرَّابِعُ: الْمَوْتُ)؛ لأنَّه مأمورٌ به كما يأتي، ولو لم يجب لما
(6)
أمر به في قوله عليه السلام: «اغسلنها» ، إلى غيره من
(7)
الأحاديث.
وهو تَعبُّدٌ لا عن حدَث؛ لأنَّه لو كان عنه؛ لم يرتفع مع بقاء سبَبِه؛ كالحائض لا تغتسل مع جريان الدَّم، ولا عن نجَس؛ لأنَّه لو كان عنه؛ لم يطهر مع بقاء سبب التَّنجيس، وهو الموت.
(1)
قوله: (صحة نيته) هو في (و): صحته بنيته.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 253، الاختيارات ص 30. وقد قال بوجوبه في شرح العمدة 1/ 369 كما هو المذهب.
(3)
في (أ): ويغتسل.
(4)
ينظر: أحكام أهل الملل والردة ص 46.
(5)
في (أ): يستحب.
(6)
في (و): ما.
(7)
في (أ): في.
ويستثنى منه: شهيد المعركة والمقتولُ ظُلْمًا، وسيأتي.
(الْخَامِسُ: الْحَيْضُ) بغير خلاف
(1)
؛ لقوله عليه السلام لفاطمةَ بنتِ أبي حبيش: «وإذا
(2)
ذهبت فاغتسلي وصلِّي» متَّفقٌ عليه
(3)
، وأمر به أم حَبِيبة
(4)
، وسهلة بنت سُهيل
(5)
، وحَمْنَةَ
(6)
، وغيرهنَّ، يؤكِّده
(7)
قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البَقَرَة: 222]؛ أي: إذا اغتسلن، فمنع الزَّوجَ من وطئها قبل غسلها، فدلَّ على وجوبه عليها.
(السَّادِسُ: النِّفَاسُ)؛ كالحيض، يجتمع ثمَّ يخرج، قال في «المغني»:(لا خلاف في وجوب الغسل بهما).
وظاهره: أنَّه يجب بالخروج، وهو المذهب؛ إناطةً للحكم بسببه، لكن الانقطاع شرط لصحَّته اتِّفاقًا، وكلام الخِرَقِيِّ يدلُّ على أنَّه يجب بالانقطاع، وهو ظاهر الأحاديث.
وينبني عليهما: أنَّ الحائض إذا استشهدت، فعلى الثَّاني: لا تغتسل
(8)
؛
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 22، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 104.
(2)
في (أ): فإذا.
(3)
أخرجه البخاري (320)، ومسلم (334).
(4)
أخرجه البخاري (327)، ومسلم (334)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
في (أ): أبي سهيل.
والحديث أخرجه أبو داود (295)، والبيهقي في الكبرى (1655)، عن عائشة رضي الله عنها، وضعفه بعضهم، قال الحافظ:(وقد قيل: إن ابن إسحاق وهم فيه). ينظر: التلخيص الحبير 1/ 439، ضعيف أبي داود للألباني 1/ 127.
(6)
أخرجه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (627)، عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، ونقل عن البخاري تحسينه وعن أحمد تصحيحه، وضعفه أبو حاتم. ينظر: العلل الكبير للترمذي (74)، العلل لابن أبي حاتم (123).
(7)
في (أ): ويؤكده.
(8)
هكذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي على مختصر الخرقي 1/ 289: لا تغسَّل.
إذ الانقطاع الشرعي الموجب للغسل لم يوجد، وعلى الأوَّل: تغسل؛ للوجوب بالخروج، وقد حصل الانقطاع حسًّا؛ أشبَه ما لو طهُرت في أثناء عادتها.
وقال بعضهم: لا يجب على الوجهين؛ لأنَّ الطُّهر شرط لصحَّة الغُسل، أو في السَّبب الموجِب له، ولم يوجد.
وينبني عليهما: من علَّق عتقًا أو طلاقًا على ما يوجب غُسلًا؛ وقع بالخروج، وعلى الثَّاني: بالانقطاع.
(وَفِي الْوِلَادَةِ الْعَرِيَّةِ عَنْ دَمٍ
(1)
، كذا قيَّده في «المحرر» و «المغني» و «الشرح» ؛ (وَجْهَانِ)، وفي «الكافي» روايتان:
أحدهما، وهو اختيار الشَّيْخين، وظاهر «الخرقي» و «الوجيز»: أنَّه لا يجب؛ لأنَّه لا نصَّ فيه، ولا هو في معنى المنصوص.
والثَّاني: بلى، وهو اختيار ابن أبي موسى وابن عَقيل وابن البَنَّاء؛ لأنَّها مظنَّة النِّفاس الموجِب، فأقيم مقامه؛ كالتقاء الخِتانين، أو لأنَّه مَنِيٌّ مُنعَقدٌ
(2)
.
ورُدَّ: بخروج العَلقة؛ فإنَّها لا توجب غُسلًا بلا نزاع، زاد في «الرعاية»: بلا دم.
وينبني عليهما: الفطر، وتحريم الوطء قبل الاغتسال.
والولدُ طاهرٌ على الأصحِّ، وفي غَسله مع دم وجهان.
مسألة: لا غُسل على حائض لجنابةٍ حتَّى ينقطع حيضُها في المنصوص
(3)
؛ لعدم الفائدة. وعنه: يجب.
وعلى الأوَّل: لو اغتسلت صحَّ، نصَّ عليه، وقال: (لا أعلم أحدًا منع
(1)
في (و): الدم.
(2)
في (أ): معقد.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 350.
إلَّا عطاء، ثمَّ رجع عنه)
(1)
؛ لأنَّ بقاءَ أحدِ الحدثَيْن لا يمنع ارتفاعَ الآخَر؛ كما لو اغتسل المُحدِث الحدَث الأصغر، قاله في «الشرح» .
وعنه: لا يصح، وهي أظهر؛ لأنَّها لم تستفد به شيئًا.
وفي وجوب غسل ذمِّيَّة طهرت من حيض لوطء زوج مسلم أو سيِّد؛ روايتان.
(وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ: حَرُمَ عَلَيْهِ) ما يَحرم على المُحدِث.
وحرم عليه (قِراءة آية فصاعدًا) على الأصحِّ، رويت
(2)
كراهة ذلك عن عمر
(3)
وعلي
(4)
، وروى أحمد وأبو داود والنَّسائي من رواية
(5)
عبد الله بن سَلِمة - بكسر اللام - عن عليٍّ قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يحجبه - وربَّما قال:
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 350.
(2)
في (و): وروت.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (1307)، وابن أبي شيبة (1080)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص 196)، وابن المنذر في الأوسط (618)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (583)، والبيهقي في الكبرى (416)، عن عبيدة السلماني قال:«كان عمر بن الخطاب يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب» ، صححه البيهقي، وصحح إسناده ابن كثير وابن حجر والألباني. ينظر: مسند الفاروق 1/ 128، التلخيص الحبير 1/ 374، الإرواء 1/ 209.
(4)
أخرجه أحمد (872)، وابن أبي شيبة (1086)، وأبو يعلى الموصلي (365)، وابن المنذر في الأوسط (619)، والدارقطني (425)، والبيهقي في الكبرى (417، 423)، عن أبي الغَريف، عن علي رضي الله عنه أنه قال:«هذا لمن ليس بجنب، فأما الجنب فلا، ولا آية» ، وأبو الغريف هو عبيد الله بن خليفة، وثَّقه جماعة كأحمد بن صالح والفسوي والدارقطني، وذكره ابن حبان والعجلي وابن خلفون في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب:(صدوق)، وصحح الدارقطني الأثر، وقال أحمد شاكر:(إسناده صحيح جيد). ينظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/ 313، الثقات لابن حبان 5/ 68، الثقات للعجلي 2/ 109، المعرفة والتاريخ للفسوي 3/ 199، سؤالات السلمي للدارقطني ص 256، إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي 9/ 15.
(5)
في (أ): حديث.
لا يحجزه - من القرآن شيء ليس الجنابة» ورواه ابن خزيمة والحاكم والدَّارقطني، وصحَّحاه، قال شعبة:(ليس أروي حديثًا أجود من هذا)
(1)
.
فيدخل فيه الكافر إذا أسلم ولم يغتسل؛ فإنَّه يحرم عليه القراءة، وضعَّفه الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وقال: (إنَّه لا وجه له
(2)
.
وعن أحمد: جواز قراءتها، نقلها الخطَّابي، وأشار إليها في «التلخيص» ، فقال: وقيل: يتخرَّج من تصحيح خُطبة الجنب؛ قراءة آية لاشتراطها.
وظاهره: أنَّه لا يجوز قراءة آيات للتَّعوُّذ
(3)
.
وفي «الواضح» : أنَّه يجوَزُ آيةً وآيتين؛ لأنَّه لا إعجاز فيه، بخلاف ما إذا طال.
وقيل: يباح لحائض ونُفَساء بعد انقطاع الدم، قال القاضي: هو ظاهر كلام أحمد. وقيل: يباح لنُفَساء فقط، اختاره الخلَّال. وقيل: يباح لحائض أن تقرأ قبل الاِنقطاع، قال الجد: وهو بعيد. لكن اختار الشَّيخ تقي الدِّين: بأنَّه يباح لها أن تقرأه إذا خافت نسيانَه، بل يجب؛ لأنَّ ما لا يتم الواجب إلَّا به واجب
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (627)، وأبو داود (229)، والنسائي (265، 266)، وابن خزيمة (208)، والحاكم (541)، والدارقطني (429)، وفي سنده عبد الله بن سلمة المرادي الكوفي، وهو صدوق تغير حفظه، وذكر البخاري أنه لا يتابع على حديثه، وقال الشافعي:(أهل الحديث لا يثبتونه)، وضعَّف الحديث أحمد، وصححه ابن السكن وعبد الحق الإشبيلي، والبغوي، وقال ابن الملقن:(جيد)، وحسنه ابن حجر. ينظر: البدر المنير 2/ 551، فتح الباري 1/ 408، الإرواء 2/ 241.
(2)
في (و): فيه.
(3)
في (ب) و (و): التعوذ.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 45.
وقال في مجموع الفتاوى 29/ 179: (ولهذا كان أظهر قولي العلماء: أنها لا تمنع من قراءة القرآن إذا احتاجت إليه)، وقال في موضع 26/ 191:(وليس في منعها من القرآن سنة أصلًا).
(وَفِي بَعْضِ آيَةٍ رِوَايَتَانِ)؛ أظهرهما: لا يجوز، قاله في «الشرح» ، وهو ظاهر «الوجيز»؛ لما روى ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن» رواه ابن ماجه، والتِّرمذي وقال:(لا نعرفه إلَّا من حديث إسماعيل بن عيَّاش، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر)
(1)
، ولأنَّه يطلق عليه، أشبه الكثير.
ويُستثنى منه: قول: (باسم الله) تبرُّكًا على الغسل والوضوء، و (الحمد لله) عند تجدُّد نعمة؛ بشرط عدم قصد القراءة، نصَّ عليه
(2)
.
والثَّانية: الجواز، وهي الأصحُّ، وقدَّمه في «المحرر» و «الرعاية» ؛ كالذِّكر، ولو كرَّرها، ما لم يتحيَّل على قراءةٍ تحرم عليه.
فإذا وافق نظم القرآن، ولم يقصده؛ جاز، نصَّ عليه
(3)
.
وله تهجِّيه في الأصحِّ، والتفكُّر فيه، وتحريك شفتيه ما لم يبيِّن الحروف، وقراءة أبعاض آية متوالية، أو آيات يسكت بينها
(4)
سكوتًا طويلًا.
وظاهره: أنَّ من فَمُه نجِسٌ لا يُمنَع مِنْ قراءتِه، ويحتمل المنع، ذكر ابن تميم أنَّه أولى.
فرع: الكافر كالجنب يُمنع من قراءته، ولو رُجِي إسلامه، نقل مُهنى: أكره أن يضعَه في غير موضعِه
(5)
.
(1)
أخرجه الترمذي (131)، وابن ماجه (595)، وفي سنده إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وهذه منها، فإن موسى بن عقبة مدنيٌّ، وضعَّف الحديث أحمد، والبخاري، وغيرهما، ورجح أبو حاتم وقفه على ابن عمر رضي الله عنه. ينظر: علل ابن أبي حاتم (116)، المحرر لابن عبد الهادي (119)، التلخيص الحبير 1/ 373.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 39، وابن منصور 2/ 348.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 348.
(4)
في (أ): سكت بينها.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 263.
(وَيَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ)، وذكره في «المستوعب» و «المحرر» ، وقدَّمه في «الرعاية» و «الفروع»؛ لقوله تعالى:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النِّسَاء: 43]، وهو الطريق، وقال سعيد بن منصور: حدَّثنا هُشَيم
(1)
، أنبأنا أبو الزُّبير، عن جابر، قال:«كان أحدنا يمر في المسجد جُنبًا مجتازًا»
(2)
، وحديثُ عائشة:«إنَّ حيضتك ليست في يدك» رواه مسلم
(3)
، شاهد بذلك.
وقيل: لحاجة، قاله في «الشرح» وابن تميم وصاحب «الوجيز» ، وكونه طريقًا قصيرًا حاجة.
وكرِه أحمدُ اتِّخاذَه طريقًا
(4)
.
وقيل: يحرم على حائض وجنب؛ كما لو حصل تلويث، نصَّ عليه
(5)
.
وقيل: لهما دخوله للأخذ منه دون الوضوء.
ويُمنَع منه سكران، وفي «الخلاف»: لا
(6)
.
ومجنونٌ، وقيل فيه
(7)
: يكره كصغير
(8)
، وفيه في
(9)
«النصيحة» : يمنع
(1)
قوله: (حدثنا هشيم) هو في (أ) و (د) و (ز): أخبرنا هشيم.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (645)، ورواه ابن أبي شيبة (1550)، وابن خزيمة (1331)، وابن المنذر في الأوسط (631)، والبيهقي في الكبرى (4326)، والكلام على رواية أبي الزبير عن جابر معروف، والذي يظهر أنها مقبولة، فإن مسلمًا أخرج جملة منها ولم ينتقده على ذلك أحد من الحفاظ، ولا يُعرف أن أحدًا من الحفاظ ضعف حديثًا لكونه من رواية أبي الزبير عن جابر.
(3)
أخرجه مسلم (298).
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 739.
(5)
ينظر: مسائل حرب الكرماني - الطهارة (ص 361).
(6)
أي: لا يمنع منه. ينظر: الإنصاف 2/ 114. والخلاف: هو كتاب القاضي أبي يعلى، وهو الذي يسمى أيضًا ب: التعليقة، والخلاف الكبير.
(7)
قوله: (فيه) سقط من (ب).
(8)
في (و): لصغير.
(9)
في (و): من.
لِلَعب
(1)
، لا صلاةٍ وقراءةٍ، ونقل مُهَنَّى:(ينبغي أن يجنَّب الصبيان المساجد)
(2)
.
وظاهره: أنَّه يجوز له العبور في كلِّ مسجد، حتَّى مصلَّى العيد؛ لأنَّه أُعِدَّ للصَّلاة حقيقةً، لا مصلَّى الجنائز، ذكره أبو المعالي.
ولم يمنع في «النَّصيحة» حائضًا من مصلَّى العيد؛ لأنَّه ليس بمسجد، ومنعها في «المستوعب» .
(وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ)، وكذا في «المحرّر» و «الوجيز» وغيرهما؛ لما روى سعيدٌ وحنبلٌ بإسنادهما عن عطاء بن يسار، قال:«رأيت رجالًا من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مُجْنِبُون إذا توضَّؤوا وضوءهم للصلاة» إسناد صحيح
(3)
، ولأنَّ الوضوء يخفِّف حدَثَه، فيزول بعضُ ما منعه.
وعنه: لا؛ وِفاقًا
(4)
؛ للآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا أُحلُّ المسجد لحائض ولا
(1)
في (ب) و (و): اللعب.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 262، فتح الباري لابن رجب 6/ 596.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في التفسير من السنن (646)، عن عبد العزيز بن محمد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال:«رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون؛ إذا توضؤوا وضوء الصلاة» . قال ابن كثير والألباني: (إسناد صحيح على شرط مسلم).
وعبد العزيز بن محمد الدراوردي حسن الحديث، إلا أن وكيعًا وأبا نعيم قد خالفاه، فلم يذكرا عطاء بن يسار.
فروى ابن أبي شيبة (1557)، عن وكيع، وروى حنبل كما في تعليقة القاضي (2/ 78)، عن أبي نُعيم - واللفظ له -، كلاهما عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال:«كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبًا، فيتوضأ، ثم يدخل المسجد فيتحدث» ، وزيد بن أسلم من التابعين. ينظر: تفسير ابن كثير 2/ 313، الثمر المستطاب 2/ 754.
(4)
ينظر: تبيين الحقائق 1/ 56، الذخيرة 1/ 314، الحاوي 2/ 265، الفروع 1/ 262.
جنب» رواه أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها، والأكثر يضعِّفه
(1)
.
وفي «الرعاية» روايةٌ: يجوز لجنب مطلقًا.
وفيه وجه: لا يجوز لحائض ونُفَساء؛ لأنَّ حدَثَهما باقٍ لا أثر للوضوء فيه.
فإن لم ينقطع الدَّم لم يجز، نصَّ عليه
(2)
.
وإن تعذَّر واحتاج فبدونه، نصَّ عليه
(3)
، وكمستحاضة ونحوها.
وعند أبي المعالي والمؤلِّف: أنَّه يجوز بتيمُّم، وهو قول عليٍّ وابن عبَّاس
(4)
؛ كلُبثِه لغسله فيه.
(1)
أخرجه أبو داود (232)، وابن خزيمة (1327)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وابن ماجه (645) من حديث أم سلمة رضي الله عنها، والصواب أنه من حديث عائشة، قاله أبو زرعة، وحديث عائشة رضي الله عنها، ضعَّفه البخاري، وعبد الحق الإشبيلي، وابن رجب، وحسنه ابن القطان وابن الملقن. ينظر: التاريخ الكبير للبخاري 2/ 67، البدر المنير 2/ 558، فتح الباري لابن رجب 1/ 321، التلخيص الحبير 1/ 376.
(2)
ينظر: شرح العمدة 1/ 460.
(3)
ينظر: مسائل حرب - الطهارة (ص 361).
(4)
قال ابن المنذر في الأوسط 2/ 107: (ورخصت طائفة للجنب في دخول المسجد، وذهبت إلى أن تأويل قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النِّسَاء: 43]: مسافرين لا يجدون ماء فتيمموا، روي هذا القول عن علي وابن عباس)، ثم ذكر الآثار بإسناده. وأخذه عنه ابن قدامة في المغني 1/ 107، وتبعه المصنف هنا.
وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه الطبري في التفسير (7/ 50)، عن علي رضي الله عنه:{وَلَاَ جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النِّسَاء: 43] قال: «إلا أن تكونوا مسافرين فلا تجدوا الماء؛ فتيمموا» ، وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (5360)، وابن المنذر في الأوسط (512)، بلفظ:«لا يقرب الصلاة، إلا أن يكون مسافرًا تصيبه الجنابة ولا يجد الماء؛ فيتيمم ويصلي» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (1663)، بنحوه.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن المنذر في الأوسط (511)، عن أبي مجلز: أن ابن عباس كان يتأولها: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النِّسَاء: 43]، قال:«تحريمًا، إلَّا يقرب الصلاة وهو جنب إلا وهو مسافر لا يجد الماء؛ فيتيمم ويصلي» ، وإسناده صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة (1665)، والدارمي (1208)، والطبري في التفسير (7/ 50)، مختصرًا.
فرع: يُمنع مَنْ عليه نجاسةٌ تَتَعدَّى، وهو ظاهِرُ قول القاضي في اللبث.
قال بعضُهم: يتيمَّم لها للعذر، وهو ضعيف.
فرع: إذا كان الماء في المسجد؛ جاز دخوله بلا تيمُّم، وإن أراد اللُّبث فيه للاغتسال تيمم. قال ابن تميم: وفيه بُعْدٌ.
وقال أبو علي العُكْبري: هذه المسألة سألها أبو يوسفَ لمالكٍ، فجوَّز الدخولَ بغير تيمُّم.
(فَصْلٌ)
(وَالْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ غُسْلًا)،
وكذا في «المحرر» :
(لِلْجُمُعَةِ)؛ لما روى الحسن عن سمرة بن جندب: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من توضَّأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذي، وإسناده جيِّد إلى الحسن، واختلف في سماعه منه، ونقل الأثرم عن أحمد:(لا يصحُّ سماعه منه)
(1)
، ويعضُده حديثُ عائشةَ
(2)
.
ويكون في يومها لحاضرها إن صلَّى
(3)
، ويستثنى منه المرأة، وقيل: ولها.
وعنه: يجب على من تلزمه
(4)
، ولا يُشترط؛ لما روى أبو سعيد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «غسل الجمعة واجبٌ على كلِّ محتلِم» متَّفَقٌ عليه
(5)
، ويعضُده حديث ابن عمر: أنَّه عليه السلام قال: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل»
(6)
.
والأصحُّ الأوَّل، والأمر به محمول على الاستحباب، بدليل:«أنَّ عثمان رضي الله عنه أتى الجمعة بغير غُسل»
(7)
.
(1)
أخرجه أحمد (20089)، وأبو داود (354)، والترمذي (497)، وروي هذا الحديث عن الحسن مرسلاً، وفي سماع الحسن عن سمرة ثلاثة أقوال للأئمة المتقدمين، ثالثها: أنه لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة. ينظر: علل ابن المديني ص 53، علل الترمذي الكبير 1/ 86، علل ابن أبي حاتم (575)، التلخيص الحبير 2/ 163.
(2)
أخرجه البخاري (90)، ومسلم (847)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا» .
(3)
في (و): يصلي.
(4)
في (و): يلزمه.
(5)
أخرجه البخاري (858)، ومسلم (846).
(6)
أخرجه البخاري (877)، ومسلم (844).
(7)
أخرجه مسلم (845)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة، إذ دخل عثمان بن عفان، فعرَّض به عمر، فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت، ثم أقبلت، فقال عمر: والوضوء أيضًا، ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل» .
وقوله: «واجب» ؛ قيل
(1)
: كان واجبًا، ثمَّ نسخ. وقيل: يُطْلَق ويراد به: متأكِّد الاستحباب؛ كما تقول: حقُّك واجب عليَّ، وبدليل ما عطف عليه.
وهو آكدها على الأشهر.
(وَالْعِيدَيْنِ)؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يغتسل لذلك» رواه ابن ماجَهْ من طريقين، وفيهما ضعف
(2)
، ولأنَّها صلاةٌ شُرط لها الجماعة، أشبهت الجمعة.
وهو مقيَّد بما إذا حضرها وصلَّى، ولو منفردًا، وقاله جماعةٌ. وفي «التلخيص»: إن حضر ولو لم يصلِّ.
ومثله الزِّينة والطِّيب؛ لأنَّه يوم الزينة بخلاف الجمعة.
ووقْتُه كالجمعة. وعنه: بعد نصف ليلته، وقال أبو المعالي: في جميعها أو بعد نصفها كالأذان. قال ابن عقيل: المنصوص عن أحمد: أنَّه قبل الفجر وبعده؛ لأنَّ زمن العيد أضيق من الجمعة.
(وَالاِسْتِسْقَاءِ، وَالْكُسُوفِ) في الأصحِّ؛ لأنَّ ذلك عبادة يجتمع لها الناس كالجمعة.
(وَمِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ) على الأصحِّ؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من غسل ميِّتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضَّأ» رواه أحمد وأبو داود
(1)
قوله: (قيل) سقط من (و).
(2)
أخرجه ابن ماجه (1315 - 1316)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفي إسناده جُبارة بن المغلِّس وهو ضعيف، وأخرجه من حديث الفاكه بن سعد رضي الله عنهما، وفي إسناده يوسف بن خالد السمتي وهو متروك كذبه ابن معين وغيره. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 191.
والتِّرمذي، وصحَّح جماعةٌ وقفَه عليه
(1)
، وعن عليٍّ نحوه
(2)
، وهو محمول على الاستحباب، بدليل:«أنَّ أسماء غسَّلت أبا بكر، وسألت: هل عليَّ غسلٌ؟ قالوا: لا» رواه مالك مرسلًا
(3)
.
والثَّانية: يجب مطلقًا، واختاره جماعة من العلماء، منهم: أبو إسحاق الجُوزَجانِيُّ.
وعنه: من كافر؛ لأنَّه عليه السلام أمر عليًّا أن يواري أبا طالب، فلما رجع قال:«اغتسل» رواه أحمد
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (7689)، وأبو داود (3161)، والترمذي (993)، وابن ماجه (1463)، وابن حبان (1161)، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح وقفه جماعة منهم: أحمد والبخاري والبيهقي، وصححه مرفوعًا آخرون، قال ابن المديني وأحمد والبخاري:(لا يصح في هذا الباب شيء)، وكذا قال الذهلي وابن المنذر نحوه، وقال البيهقي:(الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة)، قال النووي:(وضعفه الجمهور)، وحسنه الترمذي، وصححه الألباني بمجموع طرقه. ينظر: الخلاصة 2/ 941، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 318، التلخيص الحبير 1/ 371، الإرواء 1/ 173).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (6109)، وابن أبي شيبة (11149)، والبيهقي في الكبرى (1457)، عن علي قال:«من غسل ميتًّا فليغتسل» ، وفيه جابر الجعفي، والحارث الأعور، وهما ضعيفان.
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 223)، ومن طريقه عبد الرزاق (6123)، عن عبد الله بن أبي بكر، وهو ابن عمرو بن حزم، وإسناده منقطع كما قال ابن حزم والنووي وابن الملقن والألباني، قال ابن حزم:(عبد الله بن أبي بكر لم يكن وُلد يوم مات أبو بكر الصديق، نعم ولا أبوه أيضًا). ينظر: المحلى 1/ 272، المجموع 5/ 129، البدر المنير 8/ 232، تمام المنة ص 122.
(4)
أخرجه أحمد (759)، وأبو داود (3214)، والنسائي (190)، من طريق ناجية بن كعب، عن علي رضي الله عنه، وناجية بن كعب الأسدي، قال ابن معين عنه:(صالح)، وقال ابن المديني:(مجهول لم يرو عنه غير أبي إسحاق)، وقال أبو حاتم:(شيخ)، ووثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره في المجروحين أيضًا وقال عنه:(كان شيخًا صالحًا إلا أن في حديثه تخليطًا لا يشبه حديث أقرانه الثقات عن علي، فلا يعجبني الاحتجاج إذا انفرد، وفيما وافق الثقات؛ فإن احتج به محتج أرجو أنه لم يجرح في فعله ذلك)، وضعَّف الحديث ابن المديني، والبيهقي، والنووي، وحسنه ابن الملقن. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 1/ 453 - 455، المجموع للنووي 5/ 144، تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج لابن الملقن 2/ 21، التلخيص الحبير 2/ 269، الإرواء 3/ 170.
وعنه: حتَّى الحي، قاله القاضي، وفي «المغني»: (لا نعلم لقائل هذا القولِ حُجَّةً مُوجِبَةً
(1)
، وأهل العلم على خلافه).
وفيه وجه: لا يستحبُّ مطلقًا، قال أحمد وابن المَدِينِيِّ:(لا يَثبُت فيه شيء)
(2)
.
(وَالْمَجْنُونِ، والمُغْمَى عَلَيْهِ إِذَا أَفَاقَا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ)، بغير خلاف نعلمه، قال ابن المنذر
(3)
: (ثبت أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء) متَّفق عليه من حديث عائشة
(4)
، وليس بواجب.
والجُنونُ في معناه بل أولى؛ لأنَّ زوال العقل في نفسه لا يوجبه؛ كالنَّوم، ووجودُ الإنزال مشكوكٌ فيه، فلا يزال عن اليقين وإن وجد معه بلَّة على المعروف من المذهب قاله الزَّرْكشي؛ لأنَّه يحتمل أن يكون لغير شهوة أو مرض.
فإن
(5)
تيقَّن معهما الإنزال؛ وجب؛ لأنَّه من جملة الموجبات؛ كالنَّائم.
وعنه: يجب مطلقًا؛ لأنَّ الأصل من أفعاله عليه السلام الوجوب، وتكرَّر - مع مشقَّتِه - ولم يَتركْه.
(وَغَسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ)؛ لما رُوي: «أنَّ أمَّ حَبِيبة رضي الله عنها استُحِيضَتْ، فسألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأمرها أن تغتسل، فكانت تغتسل
(6)
عند كلِّ صلاة» متَّفق عليه
(7)
، ففهِمتْ مِنْ الأمرِ به؛ الاغتسالَ لكلِّ صلاة،
(1)
في (و): توجبه.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 215، مسائل عبد الله ص 22.
(3)
ينظر: الأوسط 1/ 155.
(4)
أخرجه البخاري (687)، ومسلم (418).
(5)
في (و): وإن تيقن.
(6)
قوله: (فكانت تغتسل) سقط من (و).
(7)
أخرجه البخاري (327)، ومسلم (334).
وفي غير الصَّحيح: «أنَّه أمرها به لكلِّ صلاة» ، وعن عائشة: أنَّ زينب بنت جحش استحيضت، فقال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اغتسلي لكلِّ صلاة» رواه أبو داود
(1)
، وليس بواجب؛ لأنَّه لو كان واجبًا لبيَّنه.
وعنه: بلى؛ لأمره عليه السلام زينبَ وأختَها به، وهو قولُ طائفةٍ من الصَّحابة والتابعين
(2)
، وهو أشدُّ ما قيل فيها، وذكر ابن أبي موسى: أنَّ انقطاع دم الاستحاضة يوجب الغسل.
(وَالْغُسْلُ لِلْإحْرَامِ)؛ لما روى زيد بن ثابت: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تجرَّد لإهلاله، واغتَسل» رواه التِّرمذي وحسَّنه، لكنَّه من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو مُتكلَّم فيه
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد (26005)، وأبو داود (292)، وهذا اللفظ بالأمر بالغسل لكل صلاة غير محفوظٍ مرفوعًا، ووقع وهم آخر في ذكر اسم الصحابية وصوابه: أم حبيبة بنت جحش، وليست زينب رضي الله عنهما. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 1/ 515 - 516، فتح الباري لابن رجب 2/ 159 - 168.
(2)
أخرج عبد الرزاق (1173)، وابن أبي شيبة (1361)، والدارمي (931)، وابن المنذر في الأوسط (55)، عن سعيد بن جبير قال: كنت عند ابن عباس، فجاءت امرأة بكتاب فقرأته، فإذا فيه: إني امرأة مستحاضة، وإن عليًّا قال:«تغتسل لكل صلاة» ، فقال ابن عباس:«ما أجد لها إلا ما قال علي» ، وإسناده صحيح.
وأخرجه عبد الرزاق (1179)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (54)، من طريق آخر صحيح عن سعيد بن جبير قال: أرسلت امرأة مستحاضة إلى ابن الزبير غلامًا لها: إني مبتلاة لم أصلّ منذ كذا وكذا، وإني أنشدك الله إلا ما بيَّنت لي في ديني، قال: وكتبتْ إليه: إني أُفتيت أن أغتسل في كل صلاة، فقال ابن الزبير:«لا أجد لها إلا ذلك» ، زاد ابن المنذر: ثم جاء ابن عمر وابن عباس فقالا: «ما نجد لها إلا ذلك» ، وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه الترمذي (830)، وابن خزيمة (2529)، من طريق ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، وقال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وصححه ابن خزيمة، وابن أبي زناد تكلم فيه من قبل حفظه، وله متابعة من طريق يعقوب بن عطاء وهو ضعيف، وضعف الحديث العقيلي وغيره. ينظر: الضعفاء للعقيلي 4/ 138، التلخيص الحبير 2/ 514.
وسواء كان بحجٍّ أو عمرة أو بهما، وظاهره: ولو مع حيض أو نفاس، «لأنَّ أسماء نُفِست بالشجرة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتُهلَّ» رواه مسلم من حديث عائشة
(1)
.
لا يقال: أمرها به لأجل النِّفاس، فلا ينتهِض دليلًا؛ لأنَّ حدث النِّفاس مستمر، والغسل لا يؤثِّر فيه، فتعيَّن
(2)
ما قلنا.
(وَلِدُخُولِ مَكَّةَ)؛ أي: حَرَمِها؛ «لفعله عليه السلام» متَّفَقٌ عليه من حديث ابن عمر، وكان يفعله
(3)
، ولو مع حيض، قاله في «المستوعب». واختار الشَّيخ تقي الدِّين: لا
(4)
.
(وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ)، رواه مالك عن نافع عن ابن عمر
(5)
، ورواه الشافعي عن عليٍّ، ورواه ابن ماجه مرفوعًا
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم (1209).
(2)
في (و): فيعين.
(3)
أخرجه البخاري (1573)، ومسلم (1259).
(4)
كذا في الفروع (1/ 264): (ويستحب لدخول مكة، قال في المستوعب: حتى لحائض، وعند شيخنا - أي: شيخ الإسلام -: لا، ومثله أغسال الحج).
وذكر في الاختيارات ص 30: أن شيخ الإسلام اختار عدم استحباب الغسل لدخول مكة، فلعله فهمه من قول صاحب الفروع:(وعند شيخنا: لا) وأنه راجع إلى أصل الغسل لدخول مكة، والظاهر أنه يرجع إلى الحائض، وأنه لا يشرع لها الغسل لدخول مكة، قال في مجموع الفتاوى 26/ 190:(ومع هذا فلم تؤمر - أي: الحائض- بالغسل عند دخول مكة والوقوف بعرفة).
وأما الاغتسال لدخول مكة؛ فاختار شيخ الإسلام الاستحباب. ينظر: منسك شيخ السلام ص 68؛ وشرح العمدة 2/ 411، ويؤيده أن المرداوي في الإنصاف 1/ 250 لم يذكر عن شيخ الإسلام عدم استحباب الغسل لدخول مكة.
(5)
أخرجه مالك (ص 322)، وابن سعد في الطبقات (4/ 161)، عن نافع:«أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم، ولدخوله مكة، ولوقوفه عشية عرفة» . وإسناده صحيح.
(6)
سبق تخريجه مرفوعًا من حديث الفاكه بن سعد رضي الله عنه 1/ 278 حاشية (3).
(وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَالطَّوَافِ)؛ لأنَّها مواضِعُ
(1)
يجتمع لها
(2)
النَّاس ويزدحمون، فيَعْرَقون
(3)
، فيؤذِي بعضُهم بعضًا به، فاستُحبَّ كالجمعة، وهو شامل لطواف الزيارة والوداع.
وظاهره: أنَّه لا يستحبُّ لغير ذلك، ولكن نقل صالح عن أبيه: أنَّه يستحبُّ لدخول الحرم
(4)
.
وفي «مَنْسَك ابنِ الزَّاغُونِيّ» : ولِسَعْيٍ
(5)
. وفيه وفي «الإشارة» و «المذهب» : وليالي منًى.
وعنه: ولحجامة، ونصَّ أحمد: ولزيارة قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(6)
.
وقيل: ولكلِّ اجتماع مستحب، قال في «الرعاية»: في قياس المذهب.
فرع: يَتيمَّمُ للكلِّ في الأصحِّ؛ لحاجة، نقله صالِحٌ في الإحرام
(7)
، ولِما يسنُّ الوضوء له لعذر، وظاهر ما قدَّمه في «الرعاية»: لا لغير العذر
(8)
.
(1)
في (و): موضع
(2)
في (أ): فيها، وفي (و): بها.
(3)
في (و): ويعرقون.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 264، ولم نجده في مسائل صالح.
(5)
في (و): ويسعى.
(6)
كذا في النسخ الخطية، ولعله وهم! فإن الذي في الفروع 1/ 364، والإنصاف 2/ 125: استحباب الغسل لدخول المدينة. وقال الشيخ تقي الدين: نص عليه.
وقد ذكر شيخ الإسلام في شرح العمدة في ذكره للأغسال المستحبة 1/ 408 الغسل لدخول المدينة، ولم يذكر الغسل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
(7)
ينظر: مسائل صالح 2/ 145.
(8)
قوله: (لا لغير العذر) هو في (و): لا لغير عذر. والمثبت موافق للإنصاف، وأما في الفروع: كغير العذر.
(فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ)
لمَّا تمَّم الكلام على الواجب والمستحَبِّ؛ شرع في بيان صفته، والعلم بالموصوف متقدِّم
(1)
على العلم بالصفة.
(وَهُوَ
(2)
ضَرْبَانِ):
(كَامِلٌ)، سُمِّي كامِلًا لاشتماله على الواجبات والسنن، (يَأْتِي فِيهِ بِعَشْرَةِ أَشْيَاءَ)، وكذا في «المحرر» و «الوجيز» ، وجعلها في «الكافي» تسعةً، وفيه حديث عائشةَ وميمونةَ متَّفق عليهما
(3)
:
(النِّيَّةِ)، وهو أن ينوي رفع الحدث، أو استباحة ما لا يشرع إلا
(4)
به؛ كقراءة القرآن ونحوها.
(والتَّسْمِيَةِ)، قال أصحابنا: هي هنا كالوضوء؛ قياسًا لإحدى الطَّهارتين على الأخرى.
وفي «المغني» : (أنَّ حكمها هنا أخف؛ لأنَّ حديث التَّسمية إنَّما
(5)
تناول بصريحه الوضوء لا غيرُ) انتهى.
ويتوجَّه عكسه؛ لأنَّ غسل الجنابة وضوء وزيادة، ولم يذكرها الخِرَقِيُّ هنا
(6)
؛ نَظَرًا للحدَثين.
(1)
في (و): يتقدم.
(2)
قوله: (وهو) سقط من (و).
(3)
حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (248)، ومسلم (316)، وحديث ميمونة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (249)، ومسلم (317).
(4)
قوله: (إلا) سقط من (أ).
(5)
في (و): إما.
(6)
قوله: (هنا) سقط من (أ).
(وَغَسْلِ يَدَيْهِ ثَلَاثًا)؛ كما في الوضوء، لكن هنا آكَدُ باعتبار رفع الحدث عنهما بذلك، ولفعله عليه السلام في حديث ميمونة: «فغسل
(1)
كفَّيه مرَّتين أو ثلاثًا»، ويكون قبل إدخالهما الإناءَ، ذكره في «الكافي» وغيره.
(وَغَسْلِ مَا بِهِ مِنْ أَذًى)؛ لحديث عائشة: «ثمَّ يُفرِغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه» ، وظاهره: لا فرق بين أن يكون على فرجِه أو بقيَّةِ بدنِه، نجسًا كان - كما صرَّح به في «المحرر» - أو طاهِرًا مُستقْذَرًا؛ كالمَنِيِّ كما ذكره بعضهم، وهو المراد بقوله في «الوجيز» و «الفروع»: وغَسْل ما لوَّثَه.
(وَالْوُضُوءِ) الكامِلِ؛ لقوله عليه السلام: «ثم يتوضَّأ وضوءه للصَّلاة» .
وعنه: يؤخِّر غَسل رجليه؛ لحديث ميمونة: «ثم تنحَّى عن مقامه فغسل رجليه» .
وعنه: هما سواء؛ لمجيء السُّنَّة بهما.
والعمل على الأوَّل؛ لحديث عائشة؛ لأنَّه
(2)
إخبار عن غالب فعله، وميمونة أخبرت عن غسل واحد.
(وَيَحْثِي)، يقال: حَثَوْت، أحثو حثوًا؛ كغزوت
(3)
، وحَثَيْتُ أحثي
(4)
حثيًا؛ كرميت، (بِالْمَاءِ
(5)
عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا)
(6)
؛ لقول ميمونة: «ثم أفرغ على رأسه ثلاث حَثَيات» ، (يُرَوِّي بِهَا) في كلِّ مرَّة (أُصُولَ الشَّعْرِ)؛ لقول عائشة:«ثم يأخذ الماء، فيدخل أصابعه في أصول الشَّعر، حتَّى إذا رأى أنه قد استبرأ؛ حفن على رأسه ثلاث حفنات» ، ولقوله عليه السلام: «تحت كلِّ شعرة
(1)
في (و): يغسل.
(2)
في (و): لأنَّ.
(3)
في (ب): كعدوت.
(4)
قوله: (وحثيت أحثي) هو في (و): وحثوت أحثو.
(5)
قوله: (بالماء) سقط من (و).
(6)
زيد في (و): يعني بالماء.
جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشرة» رواه أبو داود
(1)
.
(وَيُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثَلَاثًا)؛ لقول
(2)
عائشة رضي الله عنها: «ثُمَّ أفاض على سائر جسده» ، ولقول ميمونة رضي الله عنها:«ثمَّ غسل سائر جسده» .
وما ذكره من التَّثليث فيه هو الصَّحيح، وجزم به في «المحرر» و «الوجيز» ، وقيل: مرَّة، ولم يرجِّح في «الفروع» شيئًا
(3)
.
(وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ)؛ لأنَّه عليه السلام «كان يعجبه التَّيمُّنُ في طُهوره»
(4)
.
(وَيَدْلُكُ بَدَنَهُ بِيَدَيْهِ)؛ لأنَّه أنقى، وبه يتيقَّن
(5)
وصول الماء إلى مغابِنه وجميعِ بدنِه، وبه يخرج من الخلاف.
(وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِهِ) فيُعيد (غَسْلَ قَدَمَيْهِ)؛ لقول ميمونة: «ثمَّ تنحَّى عن مقامه فغسل رجليه» . وقيل: لا يعيد غَسلهما إلَّا لطين ونحوه كالوضوء. وعنه: يخيَّر؛ لورودهما. وظاهر إحدى روايات حديث عائشة: أنَّه جمع بينهما، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، قاله الزَّرْكشي.
فرع: يُستحَبُّ أن يخلِّل أصول شعر رأسِه ولحيتِه بماءٍ قبلَ إفاضتِه عليه، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .
ويكفي ظنُّ وصول الماء إلى ما يجِب غَسلُه أو مَسحُه.
قال بعضهم: ويحرِّك خاتَمه؛ ليَتيقَّن وصولَ الماء.
(1)
أخرجه أبو داود (248)، والترمذي (106)، وابن ماجه (597)، وفي سنده الحارث بن وجيه، وهو ضعيف، وقد تفرد به عن مالك بن دينار، قال أبو حاتم:(هذا حديث منكر)، وضعف الحديث ابن معين، والبخاري، ويروى موقوفًا على أبي هريرة رضي الله عنه، ويروى عن الحسن مرسلاً. ينظر: علل ابن أبي حاتم (53)، تنقيح التحقيق 1/ 358.
(2)
في (و): كقول.
(3)
قوله: (شيئًا) سقطت من (أ).
(4)
أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
قوله: (وبه يتيقن) هو في (و): وفيه تيقن.
(وَمُجْزِئٌ)؛ أي: كافٍ (وَهُوَ: أَنْ يَغْسِلَ مَا بِهِ مِنْ أَذًى)، ظاهره يقتضي أنَّ صحَّة الغسل متوقِّف على الحكم بزوال النَّجاسة، سواء كانت على فرجه أو غيره، وهو ظاهر «المستوعب» ، وقد تَبِعا أبا الخطاب، لكن عبارته أبْيَنُ؛ فإنَّه قال:(يغسل فرجَه، ثمَّ ينوي)، وكذا قال ابن عبدوس.
ومنهم من حمل كلامهما على ما قال أبو الخطاب، ويكون المراد به الاستنجاء بشرط تقدُّمه على الغسل كما هو في الوضوء، لكن قال الزَّرْكشي: (يُشكل هذا على المؤلِّف؛ فإنَّه اختار
(1)
ثَمَّ أنَّه لا يجب تقديم الاستنجاء، وعلى الخِرَقي؛ بأنَّه لا بدَّ من تقدُّمه
(2)
.
وظاهر المذهب: أنَّه لا يشترط ذلك في المجزئ، فعلى هذا يرتفع الحدث مع بقاء النَّجاسة، وصرَّح به ابن عقيل، وهو المشهور، ونصَّ أحمد: أنَّ الحدَث لا يرتفع إلَّا مع آخر غسلة طهَّرت المحلَّ
(3)
، فيعضُد الأول.
ثمَّ هل يرتفع الحدث مع بقاء النَّجاسة، أو لا يرتفع إلَّا مع الحكم بزوالها؟ فيه قولان.
ثمَّ محلُّهما ما لم تكن النَّجاسة
(4)
كثيفةً تمنَع وصولَ الماء، فإن منَعتْه فلا.
(وَيَنْوِيَ)؛ أي: يقصِد رفعَ الحدث، أو استباحَة
(5)
أمرٍ لا يباح إلَّا بهما؛ كمسِّ المصحف.
(وَيَعُمَّ بَدَنَهُ بِالْغَسْلِ)؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المَائدة: 6]، ولما روى جابر: أنَّ ناسًا قدموا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسألوا عن غسل
(1)
في (و): إخبار.
(2)
وكلام الزركشي كما في شرحه 1/ 316: (وعلى الخرقي؛ فإن مذهبه تقديم الاستنجاء، فكان من حقه أن ينبه على ذلك).
(3)
ينظر: شرح الزركشي 1/ 315.
(4)
في (أ): بالنَّجاسة.
(5)
في (و): واستباحة.
الجنابة، وقالوا
(1)
: إنَّا بأرضٍ بارِدةٍ، فقال:«إنَّما يكفي أحدكم أن يحفن على رأسه ثلاث حفنات» رواه مسلم
(2)
.
وظاهره: الاجتزاء
(3)
بالتَّطهير والاغتسال من غير وضوء.
والمراد بتعميمه: أن يغسل الظَّاهرَ جميعَه، وما في حكمه من غير ضرر؛ كالفم والأنف، وتركهما هنا اعتمادًا على ما سبق، وصرَّح به الخِرَقي، وأن يغسل البَشَرة التي تحت الشُّعور؛ كالرَّأس واللِّحية وإن كانت كثَّة.
وذكر الدِّينَوَرِيُّ: أنَّ باطن اللِّحية الكثَّة في الجنابة كالوضوء.
ويجب غسل الشعر ظاهره وباطنه، مع مسترسِله في ظاهر قول أصحابنا.
والثَّانية: لا يجب غسل المسترسِل
(4)
، ورجَّحه في «المغني» و «الشرح»
(5)
.
فعلى الأوَّل: إن ترك غَسل شيءٍ منه؛ لم يتمَّ غُسله، فلو غَسَله ثمَّ تقطَّع؛ لم يجب غَسل موضِع القَطع.
ولم يتعرَّض المؤلِّف لنقض الشَّعْر، والمنصوص: أنَّه يجب نقضه في الحيض
(6)
، قال في «الشرح»: روايةً واحدة؛ لقول عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لها - وكانت حائضًا -: «انقضي شعرك، واغتسلي» رواه ابن ماجه بإسنادٍ صحيحٍ
(7)
، وعن أمِّ سلمة رضي الله عنها نحوه، رواه مسلم
(8)
؛ لأنَّ مدَّة الحيض
(1)
في (أ): فقالوا.
(2)
أخرجه مسلم (328).
(3)
في (و): الإجزاء.
(4)
في (أ): المترسل.
(5)
في (و): الشرح والمغني.
(6)
في (و): من الحيض. وينظر: مسائل أبي داود ص 29، مسائل ابن هانئ 1/ 24.
(7)
أخرجه ابن ماجه (641)، بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري (316)، ومسلم (1211)، بلفظ:«انقضي رأسك وامتشطي» .
(8)
أخرجه مسلم (330)، عن أم سلمة: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال:«لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين» .
تطول فيتلبَّد، فشُرِع النَّقض طريقًا موصلًا إلى وصول الماء إلى أصول الشَّعر، ولا يتكرَّر، بخلاف الجنابة.
وعنه: لا يجب كالجنابة، وصحَّحه في «المغني» و «الشرح» ، واختاره ابن عبدوس وابن عَقِيل في «التذكرة» ، وروى مسلم من رواية عبد الرزاق عن أم سلمة: أفأنقُضه من الحيض والجنابة؟ قال: «لا»
(1)
.
وفيه وجه: يجب كالحيض، وقيَّده ابن الزاغوني بما إذا طال وتلبَّد.
والنُّفَساء كالحائض.
أمَّا إذا كان على رأس إحداهنَّ ما يمنع وصول الماء؛ كالسِّدر ونحوه؛ وجب نقضه.
والرَّجل كالمرأة، ذكره في «المغني» .
وكذا يجب غسل حَشَفَة الأقلف إذا أمكن تشميرها، كما يجب تطهيرها من النَّجاسة، بخلاف المُرْتَتق
(2)
.
وكذا ما يظهر من فرجها عند قعودها لحاجتها؛ لأنَّه يمكن تطهيره
(3)
من غير ضرر؛ كحشفة الأقلف.
ونصَّ أحمد: أنَّه لا يجب غسله مطلقًا
(4)
؛ لأنَّه من الباطن أشبه الحلقوم،
(1)
أخرجه مسلم (330) في إحدى الروايات، وذِكر الحيض شاذٌ، تفرد به عبد الرزاق عن الثوري، وجميع الروايات ليس فيها ذكر الحيض، وبين شذوذها ابن القيم وابن رجب وغيرهما. ينظر: تهذيب السنن لابن القيم 1/ 295، فتح الباري لابن رجب 2/ 110، الإرواء 1/ 168.
(2)
المرتتق: من التحمت جلدة ذكره فلا تخرج من قلفته. ينظر: الصحاح 4/ 1480، المغني 1/ 118.
(3)
في (و): تطهيرها.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 414.
وكذلك
(1)
يثبت الفطر بحصول الحشفة فيه، لكن حمله القاضي على ما عَمُق منه.
وظاهره: أنَّه لا تسمية
(2)
، وقد تقدَّمت.
ولا ترتيب، وهو كذلك اتِّفاقًا، قال أحمد:(إذا انغمس الجنب مرَّةً واحدةً، ثمَّ تمضمض واستنشق أجزأه)
(3)
، بخلاف المحدث.
ولا موالاة على الأصحِّ؛ للحاجة إلى تفريقه كثيرًا، ولكثرة المشقَّة بإعادته، ولخبر اللُّمعة
(4)
، وحيث فاتت الموالاة فيه أو في وضوء، وقلنا: يجوز؛ فلا بدَّ للإتمام من نيَّةٍ مستأنَفةٍ؛ بناءً على أنَّ مِنْ شرط النِّيَّة الحُكْمِيَّة قُرْبَ الفعلِ منها، كحالة
(5)
الاِبتداء، فدلَّ على الخلاف.
ولا دلْكَ، وقد أوجبه م
(6)
حيث يناله
(7)
؛ لأنَّه لا يقال: اغتسل إلَّا لمن دلك نفسه، ولأنَّها طهارةٌ عن حدث، فوجب فيها إمرارُ اليدِ كالتَّيمُّم. مع أنَّ أحمد قال في رواية أبي داود، وسأله رجل عن إمرار اليد فقال:(إذا اغتسل بماءٍ باردٍ في الشتاء أمرَّ يده؛ لأنَّ الماء ينزلِق عن البدن في الشتاء)
(8)
.
والجواب عن التَّيمُّم: بأنَّه
(9)
أمرنا بالمسح، ويتعذَّر في الغالب إمرار التراب بغير اليد.
(1)
في (و): ولذلك.
(2)
في (أ): يسميه.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 11.
(4)
سبق تخريجه 1/ 161 حاشية (2).
(5)
في (أ): كحالته.
(6)
ينظر: بداية المجتهد 1/ 50، القوانين الفقهية 1/ 22.
(7)
قوله: (حيث يناله) هو في (و): إلى حيث تناله.
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 15.
(9)
في (أ) و (ب): فإنه.
فإن عُلم أنَّ الماء لم يصل إلى محلِّه؛ فيجب؛ كباطِن الشُّعور الكثيفة.
تذنيب: يُستحبُّ السِّدر في غسل الحيض، وظاهر نقل الميموني وكلام ابن عقيل: يجب
(1)
، وأن تأخذ
(2)
مِسكًا فتجعله في قُطنة أو شيء وتجعلُها في فرجها بعد غسلها، فإن لم تجد فَطِيبًا
(3)
، فإن لم يكن فطِينًا
(4)
، ولم يذكره المؤلف، ليقطع الرائحة.
وقال أحمد: (غسل حائِض ونُفَساءَ كَمَيِّتٍ)
(5)
، قال القاضي في «الجامع»:(معناه: يجب مرَّةً، ويُستَحبُّ ثلاثًا، ويكون السِّدر والطِّيب؛ كغسل الميِّت).
(وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ)، وهو رطل وثلث عراقي، وبالدَّراهم: مائة وأحد وسبعون درهمًا وثلاثة أسباع درهم.
(وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ)، وهو أربعةُ أمْداد، فيكون خمسة أرطال وثُلُثًا بالعراقي، نصَّ عليه
(6)
؛ لما رَوى أنس: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتوضَّأ بالمد، ويغتسل بالصاع» متَّفق عليه
(7)
، وقال لكعب:«أطعم ستَّة مساكين فَرَقًا من طعام»
(8)
.
قال أبو عبيد: (لا اختلاف بين النَّاس أعلَمُه أنَّ الفَرَق ثلاثةُ آصُعٍ)، والفَرق: ستَّةَ عشَرَ رطلًا بالعراقي.
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 84، من رواية المروذي.
(2)
في (أ): يأخذ.
(3)
في (و): فطينًا.
(4)
في (أ): لم يجد فطيبًا.
(5)
ينظر: شرح العمدة 1/ 373، الفروع 1/ 267.
(6)
ينظر: مسائل صالح 1/ 381، مسائل عبد الله ص 170.
(7)
أخرجه البخاري (201)، ومسلم (325).
(8)
أخرجه البخاري (4159)، ومسلم (1201).
وأوْمَأَ أحمد في رواية ابن مَشِيشٍ
(1)
: أنَّه ثمانيةُ أرطال من الماء
(2)
، اختاره في «الخلاف» و «مُنتهى الغاية» ، لا مطلقًا هـ
(3)
.
تنبيه: الرّطل العراقي: مائة درهم وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وهو تسعون مثقالًا، والمِثقال: درهم وثلاثة أسباع درهم، هكذا كان قديمًا.
ثمَّ إنَّهم زادوا فيه مثقالاً فجعلوه أحدًا وتسعين مثقالًا، وكمل مائة وثلاثين درهمًا، وقصدوا بذلك زوال الكسر.
والعمل على الأوَّل؛ لأنَّه الذي كان وقت تقدير العلماء المد به، وهو بالدمشقي: ثلاثة أواق وثلاثة أسباع أوقية، والصاع: رطل وأوقية وخمسة أسباع أوقية
(4)
، وإن شئت: رطل وسبع رطل.
(فَإِنْ أَسْبَغَ بِدُونِهِمَا؛ أَجْزَأَهُ) في المنصوص
(5)
؛ لحديث عائشة، قالت:«كنت أغتسل أنا والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبًا من ذلك» رواه مسلم
(6)
.
وفي كراهته وجهان.
وذكر ابن تميم: أنَّ أحمد أوْمَأَ إلى عدَم الإجزاء؛ لما روى جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يجزئ من الوضوء المُدُّ، ومن الغُسل الصَّاع» رواه أحمد
(1)
هو محمد بن موسى بن مشيش البغدادي، كان يستملي للإمام أحمد، وكان من كبار أصحابه، وروى عنه مسائل مشبعة جيادًا، وكان يقدمه ويعرف حقه. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 323.
(2)
في (أ): في الماء. تنظر الرواية في: الفروع 1/ 268.
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 90، بدائع الصنائع 1/ 35. ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 90، بدائع الصنائع 1/ 35.
(4)
قوله: (وخمسة أسباع أوقية) سقط من (أ) و (و).
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 337.
(6)
أخرجه مسلم (321).
والأثرم
(1)
، فدلَّ على أنَّه لا يحصل الإجزاء بدونه.
وجوابه: أنَّ الله تعالى أمر بالغسل، وقد أتى به، فوجب أن يجزئه، بدليل حديث عائشة، وبما
(2)
روت أمُّ عمارة بنت كعب: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأ، فأُتي بماء في إناء قدر ثُلثي المد» رواه أبو داود والنَّسائي
(3)
، وحديثهم يدلُّ بمفهومه، وهذا بالمنطوق، وهو مقدَّم عليه اتِّفاقًا.
مسألة: إذا زاد على ذلك جاز، لكن يكره الإسراف والزيادة الكثيرة فيه، قاله في «المغني» و «الشرح»؛ لما روى ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على سعد وهو يتوضَّأ، فقال:«ما هذا السَّرف؟» فقال: أفي الماء إسراف؟ قال: «نعم، وإن كنتَ على نهرٍ جارٍ» رواه ابن ماجه
(4)
.
(وَإذَا اغْتَسَلَ يَنْوِي الطَّهَارَتَيْنِ)، وقال الأَزَجي والشَّيخ تقيُّ الدِّين: أو الأكبر
(5)
؛ (أَجْزَأَ عَنْهُمَا) على المنصوص
(6)
، ولم يلزمه ترتيب، ولا موالاة؛ لأنَّ الله تعالى أمر الجنب بالتَّطهير، ولم يأمر معه بوضوء، ولأنَّهما عبادتان، فتداخلا في الفعل دون النِّيَّة، كما تدخل العمرة في الحج، ولا يرِد غُسل الحائض الجنب؛ لأنَّ موجِبهما واحدٌ.
(1)
أخرجه أبو عبيد في الطهور (114)، وأحمد (14976)، وابن خزيمة (117)، بهذا اللفظ، وأخرجه أبو داود بلفظ:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد» ، وإسناده حسن، مداره على يزيد بن أبي زياد القرشي، تُكلم فيه من قبل حفظه، وأنه تغير لما كبر، وكان يقبل التلقين. ينظر: تهذيب الكمال 32/ 135، صحيح أبي داود للألباني 1/ 156.
(2)
في (أ): وما.
(3)
أخرجه أبو داود (94)، والنسائي (74)، وهو حديث صحيح. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 378، الإرواء 1/ 172.
(4)
أخرجه ابن ماجه (425)، وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن لهيعة، والعمل على تضعيف حديثه كما قال الذهبي وغيره من الأئمة. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 299.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 299.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 11.
(وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ) عن الأصغر (حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قبل الغسل أو بعده؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم توضَّأ لمَّا اغتسل
(1)
، وفعله يفسِّر
(2)
الآية، ولأنَّهما عبادتان مختَلِفَتا القدر والصفة، فلم تتداخلا؛ كالحدود والكفَّارات.
وقال أبو بكر: يتداخلان إذا أتى بخصائص الصُّغرى، وهي
(3)
الترتيب، والموالاة، والمسح، فلو غسل وجهه، ثمَّ يديه، ثمَّ مسح رأسه حين أفاض عليه الماء، ثمَّ غسل رجليه؛ أجزأه.
والأوَّل أصحُّ؛ لقوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النِّسَاء: 43]، فجعل الاغتسال نهاية المنع من الصَّلاة، فيجب إذا اغتسل تجوز له الصَّلاة.
لا يقال: النَّهي هنا عن قُرْبان مواضع الصَّلاة، وذلك يزول بالاغتسال؛ لأنَّا نقول: هو نهي عن الصَّلاة، وعن مسجدها.
ولا يجوز حمله على المسجد فقط؛ لأنَّ سبب نزول الآية صلاة من صلَّى بهم، وخلط في القراءة، وسبب النزول يجب أن يكون داخلاً في الكلام.
وسئل جابر: أيتوضَّأ الجنبُ بعد الغسل؟ قال: «لا» ، وعن ابن عمر نحوه، رواهما سعيد
(4)
.
(1)
سبق تخريجه من حديث عائشة في الصحيحين 1/ 284، حاشية (3).
(2)
في (أ): مفسر.
(3)
في (أ): وهو.
(4)
أثر جابر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (1045)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (674)، عن أبي سفيان به، وهو طلحة بن نافع القرشي، قال أحمد:(ليس به بأس)، وذكره الحاكم ممن كان يدلس من التابعين، قال شعبة وابن المديني وأبو خالد الداراني:(لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث)، وقال أبو زرعة:(طلحة بن نافع عن عمر مرسل، وهو عن جابر أصح)، فلا بأس بإسناده إن سلم من تدليس أبي سفيان. ينظر: جامع التحصيل ص 107، ص 102.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: روي من طرق متعددة صحاح، منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة (743)، عن غنيم بن قيس، عن ابن عمر رضي الله عنهما، سئل عن الوضوء بعد الغسل، فقال:(وأي وضوء أعم من الغسل؟!)، وأخرجه عبد الرزاق (1038)، عن سالم عنه، وأخرجه أيضًا (1039)، عن نافع عنه. وأسانيدها صحاح.
فإن نوى أحدهما؛ ارتفع وحدَه.
وعلى الأول: لو نوى رفع الحدث، أو استباحة الصَّلاة، أو أمرًا لا يباح إلَّا بوضوء واغتسل؛ ارتفعا، وظاهِر كلامِ جماعةٍ عكسُه؛ كالثَّانية.
قال ابن حامد: الجنابة المجرَّدة عن حدث قبلَها أو بعدَها لا يجب سوى الغسل، ذكره ابن عبد البَرِّ إجماعًا
(1)
.
وذكر في «الشرح» : لو اغتسل إلَّا أعضاء الوضوء؛ لم يجب الترتيب فيها؛ لأنَّ حكم الجنابة باقٍ.
وقال ابن عَقيل والآمِدِي فيمن غَسل جميع بدنه إلَّا رجليه، ثمَّ أحدث: يجب الترتيب في الأعضاء الثلاثة؛ لاِنفرادِها في الأصغر، دون الرِّجلين؛ لبقاء حدث الجنابة عليهما، فيغسلهما عن الجنابة، ثمَّ يتوضَّأ في بقية أعضائه.
وإن نوت من انقطع حيضها بغُسلها حِلَّ الوطء؛ صحَّ. وقيل: لا؛ لأنَّها إنَّما نوت ما يوجِب الغُسل، وهو الوطء، ذكره أبو المعالي.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ) ولو أنثى، وحائض ونفساء بعد انقطاع الدم، (إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوْ الْأَكْلَ) أو الشرب أو (الْوَطْءَ
(2)
: أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ)؛ لإزالة ما عليه من الأذى، (وَيَتَوَضَّأَ)؛ رُوي ذلك عن عليٍّ
(3)
وابنِ عُمرَ رضي الله عنهما
(4)
.
(1)
ينظر: التمهيد 22/ 95.
(2)
زاد في (أ) و (و): ثانيًا.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (659)، واللفظ له، وعبد الرزاق (1078)، والنسائي في الكبرى (9023)، عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي: «إذا أجنب الرجل فأراد أن يطعم أو ينام؛ توضأ وضوءه للصلاة» ، قال أبو زرعة:(سالم عن علي مرسل). ينظر: جامع التحصيل ص 179.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (877)، وابن المنذر في الأوسط (617)، واللفظ له، عن محارب بن دثار قال: سألت ابن عمر عن الجنب، فقال:«إذا أراد أن ينام، أو يطعم، أو يعاود؛ فليتوضأ» ، وأخرجه أبو نعيم في الصلاة (42)، وابن أبي شيبة (872)، عن محارب، مختصرًا.
أمَّا كونه يستحبُّ بالنَّوم؛ فلما روى ابن عمر: أنَّ عمر قال: يا رسول الله! أيرقد أحدُنا وهو جنبٌ؟ قال: «نعم إذا توضَّأ فليرقد
(1)
»
(2)
، وعن عائشة قالت: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب
(3)
؛ غسل فرجه، وتوضَّأ وضوءه للصلاة» متَّفق عليهما
(4)
.
وفي كلام أحمد ما يقتضي وجوبَه، قاله
(5)
الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(6)
.
والأصحُّ خلافه؛ لما روت عائشة قالت: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب، ولا يَمَسُّ ماءً» رواه الخمسة، قال يزيد بن هارون:(هذا الحديث وهَم)، وضعَّفه أحمد وغيره، وصحَّحه آخرون
(7)
، فيحمل على الجواز، والأوَّلان على الاستحباب؛ للجمع، ويكره تركه في الأصحِّ.
وأمَّا كونه يستحَبُّ للأكل والشرب؛ فلما روت عائشة قالت: «رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضَّأ وضوءه للصَّلاة» رواه أحمد بإسناد صحيح
(8)
.
(1)
قوله: (فليرقد) سقط من (أ) و (ب).
(2)
أخرجه البخاري (287)، ومسلم (306)، من حديث ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما.
(3)
قوله: (وهو جنب) سقط من (و).
(4)
أخرجه البخاري (288)، ومسلم (305).
(5)
في (أ) و (ب): قال.
(6)
ينظر: شرح العمدة 1/ 434، الاختيارات ص 31.
(7)
أخرجه أحمد (25377)، وأبو دواد (228)، والترمذي (118)، والنسائي في الكبرى (9003)، وهو حديث معلول، أعله يزيد بن هارون وأبو داود وغيرهما من الأئمة، ومال إلى تصحيحه الدارقطني والبيهقي. ينظر: المحرر لابن عبد الهادي (123)، التلخيص الحبير 1/ 378.
(8)
أخرجه أحمد (24083)، من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب، توضأ وضوءه للصلاة» .
وأما اللفظ الذي ذكره المصنف؛ فأخرجه أحمد (18886)، وأبو داود (225) والترمذي (613)، من حديث يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر رضي الله عنه، وبيَّن أبو داود أن بينهما رجلاً، وكذا ذكر الدارقطني وغيره أنه لم يسمع من عمار، وقال الترمذي عن الحديث:(حديث حسن صحيح). ينظر: جامع التحصيل للعلائي (ص 299)، تهذيب التهذيب 11/ 305.
وعنه: يَغسِل يديه، ويتمضمض.
وأمَّا كونه يستحبُّ لمعاودة الوطء
(1)
وفاقٌ
(2)
؛ لما روى أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم أهله، ثمَّ أراد أن يعاود
(3)
؛ فليتوضَّأ بينهما وضوءًا» رواه مسلم، ورواه ابن خزيمة والحاكم، وزاد:«فإنَّه أنْشط للعَوْد»
(4)
، ولا يكره تركه في المنصوص
(5)
.
وغسله عند كلِّ مرَّة أفضل.
وعنه: أنَّ ذلك خاصٌّ بالرَّجل؛ لأنَّ عائشة أخبرت عنه
(6)
بالوضوء، ولم تذكر أنَّها كانت تفعله، ولا أمرها به مع اشتراكهما في الجنابة.
ومن أحدث بعده؛ لم يُعِدْه في ظاهر كلامهم؛ لتعليلهم بخفَّة الحدَث أو بالنَّشاط، (وظاهر كلام شيخنا
(7)
: يتوضَّأ؛ لمبيته على إحدى الطهارتين) قاله
(8)
في «الفروع» .
(1)
قوله: (الوطء) سقط من (و).
(2)
ينظر: المبسوط للسرخسي 1/ 73، مواهب الجليل 1/ 316، المجموع 2/ 157، الفروع 1/ 269.
(3)
في (و): يعود.
(4)
أخرجه مسلم (308)، وأخرجه الحاكم (542) بالزيادة التي ذكرها المصنف، وصححها ابن عبد الهادي. ينظر: المحرر (120)، التلخيص الحبير 1/ 379.
(5)
هو في (و): في المنصوص تركه. وينظر: مسائل ابن منصور 2/ 351.
(6)
قوله: (عنه) سقط من (و).
(7)
أي: شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: الفروع 1/ 270، الاختيارات ص 31.
(8)
في (و): وقاله.
مسائل:
الأولى: كرِه أحمد بناء الحمَّام، وبيعَه، وإجارتَه، قال
(1)
: من بنى حمَّامًا للنِّساء ليس بعدل
(2)
، وحرمه
(3)
القاضي، وحمله الشَّيخ تقيُّ الدِّين على غير البلاد الباردة
(4)
.
ويُكره كسب الحمَّامي، وفي «نهاية» الأزَجي: الصَّحيح: لَا.
الثَّانية: له دخوله بشرط أن يَستُر عورتَه، ويغُضَّ بصرَه عن عوراتِهم، ولا يمسَّ عورة أحد، ولا يُمكِّنَ أحدًا من مسِّ عورته، وقال ابن البنَّاء: يكره، وجزم به في «الغنية» ، واحتجَّ: بأنَّ أحمد لم يدخله لخوف وقوعه في محرَّم، وإن علمه
(5)
حرم.
وفي «التلخيص» و «الرعاية» : له دخوله مع ظنِّ السَّلامة غالبًا، قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين:(الأفضل تجنُّبها بكلِّ حال مع الاستِغناء عنها؛ لأنَّها ممَّا أحدث النَّاس من رقيق العيش)
(6)
.
الثالثة: للمرأة دخوله لعذر، وإلَّا حرُم، نصَّ عليه
(7)
، وكرهه بدونه جماعة، وفي «عيون المسائل»: لا يجوز لها دخوله إلَّا من علَّة يصلحها الحمَّام.
واعتبر القاضي والمؤلِّف مع العذر: تعذُّر غُسلها في بيتها لخوف ضرر ونحوه، وظاهر كلام أحمد وجماعة خلافه.
(1)
في (أ) و (ب): وقال.
(2)
في (أ): معدل. وينظر: مسائل أبي داود ص 265، المغني 1/ 169.
(3)
قوله: (حرمه) هو في (أ): جزم به. والمثبت موافق لما في الفروع والإنصاف.
(4)
ينظر: شرح العمدة 1/ 407، الاختيارات ص 32.
(5)
في (و): عليه.
(6)
ينظر: شرح العمدة 1/ 450، مجموع الفتاوى 21/ 301.
(7)
ينظر: الفروع 1/ 270.
وقيل: اعتياد دخولها عذرٌ؛ للمشقَّة.
وقيل: ولا تتجرَّد، فتدخله في قميص خفيف، وأومأ إليه
(1)
.
الرابعة: ثمن الماء؛ على الزوج، أو عليها، أو ماء الجنابة عليه فقط، أو عكسه؟ فيه أوجه، وماء الوضوء كالجنابة، ذكره أبو المعالي.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه: يلزم السَّيِّد شراء ذلك لرقيقه، ولا يتيمَّم في الأصحِّ.
الخامسة: تُكره القراءة فيه في المنصوص، ونقل صالح: لا يعجبني
(2)
؛ لنهي عمر عنه، رواه ابن بطَّة
(3)
، وظاهره
(4)
: ولو خفض صوته، وذكر ابن عبد البَرِّ قال: سئل مالك عن القراءة فيه، فقال:(القراءة بكلِّ مكان حسن، وليس الحمَّام بموضع قراءة، فمن قرأ الآيات فلا بأس)
(5)
.
(1)
ينظر: الفروع 1/ 270.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 349. ولم نجده في مسائل صالح.
(3)
أخرجه ابن بطة بإسناده إلى معاوية بن قرة في كتاب الحمام. كما ذكر شيخ الإسلام في شرح العمدة (1/ 452)، وابن عبد الهادي في أحكام الحمام (ص 245).
وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2394)، عن أبان، عن مُورِّق العجلي، قال: شهدت كتاب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: «إنه بلغني أن أهل الأمصار اتخذوا الحمامات، فلا يدخلن أحد إلا بمئزر، ولا يذكر فيه اسم الله حتى يخرج منه» ، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه أبان بن أبي عياش، قال في التقريب:(متروك).
وأخرجه عبد الرزاق (1121)، عن ابن جريج بلاغًا. بنحوه.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (1175)، وعبد الرزاق (1120)، عن قتادة مرسلاً. ورواه ابن الجعد (2374)، عن جبير بن نفير كذلك. وأخرجه ابن أبي شيبة (1179)، عن مكحول مرسلاً. جميعهم لم يذكروا فيه عدم ذكر اسم الله.
(4)
في (و): فظاهره.
(5)
ينظر: بهجة المجالس لابن عبد البر 3/ 95.
وكذا السَّلام في الأشهر، ورخَّص فيه بعضهم كالذِّكر؛ فإنَّه حَسَنٌ؛ لما روى النَّخَعي: أنَّ أبا هريرة دخل الحمَّام فقال: «لا إله إلا الله»
(1)
، وعن سفيان قال: «كانوا يستحبون لمن دخله أن يقول: يا برُّ يا رحيم، مُنَّ، وقنا
(2)
عذاب السموم»
(3)
.
وسطحه ونحوه كبقيته، قال في «الفروع»: ويتوجَّه فيه كصلاةٍ.
السادسة: إذا اغتسل بحضرة أحد من بني آدم؛ وجب عليه ستر عورته، وإن لم يحضره أحد؛ فينبغي أن يستتر بسقف أو حائط أو نحوهما، وألا يرفع ثوبه حتَّى يدنُوَ من الأرض، قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين:(وهو أوكد)
(4)
.
فإن تجرَّد في الفضاء واغتسل؛ جاز مع الكراهة، وقيل: لا يكره كما لو استتر بحائط، وذكر القاضي في كراهة كشف العورة للاغتسال في الخلوة روايتين.
السابعة: يكره الاغتسال في مستحَمٍّ أو ماءٍ عُريانًا. وعنه: لا، اختاره جماعةٌ وفاقًا، وقال أحمد:(لا يعجبني، إنَّ للماء سُكَّانًا، قاله الحسن) رواه أبو حفص العُكبري
(5)
،
(1)
أخرجه ابن بطة بإسناده كما أفاده ابن تيمية في شرح العمدة (1/ 452).
وأخرجه ابن أبي شيبة (1168)، عن إبراهيم النخعي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولم يذكر فيه وجه الشاهد، والنخعي لم يلق أبا هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه البيهقي في الدعوات (482)، عن حفص بن عاصم قال:«كان أبو هريرة إذا دخل الحمام قال: لا إله إلا الله» ، ورجاله ثقات.
(2)
زاد في (أ): برحمتك.
(3)
لم نقف عليه. وسفيان هو ابن عبد الله كما أفاده شيخ الإسلام في شرح العمدة (1/ 452)، وهو سفيان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث الثقفي الطائفي، صحابي، وكان عامل عمر على الطائف. ينظر: تقريب التهذيب ص 244.
(4)
في (ب) و (و): آكد. وينظر: شرح العمدة 1/ 401.
(5)
أخرجه الدولابي في الكنى (817)، عن أبي سعيد عقيصَا، يسمى: دينارًا، قال: رأيت حسنًا وحسينًا يستنقعان وعليهما بردتان لهما، فأعظمت ذلك لحال البردتين، فقال:(يا أبا سعيد، أما علمت أن للماء سكانًا)، وأبو سعيد قال فيه ابن معين:(ليس حديثه بشيء)، وقال النسائي:(ليس بالقوي).
وأخرجه عبد الرزاق (1114)، عن جابر الجعفي، عن الشعبي، أو عن أبي جعفر محمد بن علي. وجابر ضعيف.
وأخرجه ابن أبي شيبة (2087)، عن ليث، قال: أخبرني من رأى حسين بن علي، وذكره، وليث بن أبي سليم ضعيف، والراوي عنه مبهم.
قال ابن تيمية: (واحتج به إسحاق، وأحمد بمعناه). ينظر: شرح العمدة 1/ 445.
وينظر قول أحمد في: الروايتين والوجهين 3/ 138، المغني 1/ 171.
واحتجَّ أبو المعالي للتحريم خلوةً بهذا الخبر، والله أعلم
(1)
.
(1)
جاء في هامش الأصل: (بلغ الولد نجم الدين أيده الله قراءة عليَّ من أوله إلى هنا، وأجزته. وكتبه: إبراهيم بن مفلح الحنبلي).
(بَابُ التَّيَمُّمِ)
التَّيمُّم في اللُّغة: القصد؛ لقوله تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المَائدة: 2]؛ أي: قاصدين، {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البَقَرَة: 267]، يقال: يمَّمت فلانًا، وتيمَّمته، وأَمَمْتُهُ: إذا قصدته، قال الشاعر العذري
(1)
:
وما أدري إذا يمَّمْتُ أرضًا
…
أُريدُ الخيرَ أيُّهما يَلِيني
آلخيرُ الذي أنا مبتغيه
…
أمِ الشَّرُّ الذي هو يَبْتَغِينِي
وفي الشرع؛ قيل: هو عبارة عن قصد شيء مخصوص - وهو التراب الطَّاهر -، على وجه مخصوص - وهو مسح الوجه واليدين -، من شخص مخصوص- وهو العادم، أو من يتضرَّر باستعماله - زاد ابن المنجى: بنيَّة مخصوصة.
وأحسن منه: مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد.
وهو ثابِتٌ بالإجماع، وسَنَدُه قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النِّسَاء: 43]، وحديث عمَّار وغيره
(2)
، وهو من خصائص هذه الأمَّة؛ لأنَّ الله تعالى لم يجعله طَهورًا لغيرها؛ توسعةً عليها، وإحسانًا إليها.
(وَهُوَ) أي: التَّيمُّم (بَدَلٌ) عن الماء؛ لأنَّه مرتَّب عليه، يجب فعله عند عدمه، ولا يجوز مع وجوده إلَّا لعذر، وهذا شأن البدل
(3)
.
(1)
هو المثقب العبدي، واسمه عائذ بن محصن بن ثعلبة، من بني عذرة بن منبه بن نُكرة. ينظر: الشعر والشعراء للدينوري 1/ 384، لباب الآداب للثعالبي ص 223.
(2)
حديث عمار أخرجه البخاري (347) ومسلم (368)، وسيأتي تخريج غيره من أحاديث الباب.
(3)
في (أ): المبدل.
وهو مشروع لكلِّ ما يفعل بالماء عند العجز عنه شرعًا
(1)
؛ كمسِّ المصحف، قال المؤلِّف: إن احتاجه، سوى جنب وحائض ونفساء انقطع دمهما في صورة تقدَّمت.
(لَا يَجُوزُ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ):
(أَحَدُهُمَا:
(2)
الْوَقْتُ، فَلَا يَجُوزُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ) في الصَّحيح من المذهب؛ لأنَّ القائم إلى الصَّلاة أُمِر بالوضوء؛ فإن لم يجده تيمَّم، وهذا يقتضي ألا يفعله إلَّا بعد قيامه إليها وإعوازه الماء، والوضوء إنَّما جاز قبل الوقت؛ لكونه رافعًا للحدث، بخلاف التَّيمُّم؛ فإنَّه طهارة ضرورةٍ، فلم يجز قبل الوقت؛ كطهارة المستحاضة.
وعنه: يجوز قبل الوقت، قال القاضي
(3)
: (القياس أنَّ التَّيمُّم بمنزلة الطَّهارة حتَّى يجد الماء أو يُحدِث)، فعلى هذا يجوز قبله كالماء، ويشهد له عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«الصَّعيد الطَّيِّب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين»
(4)
، ولأنَّه بدل، فيتساوى بمبدله
(5)
إلَّا ما خرج بدليل؛ كالإطعام
(6)
مع العتق في الكفَّارة، واختاره الشَّيخ تقي الدِّين
(7)
، ولقد أبعد عبد العزيز في حكايته الإجماع على منع التَّيمُّم قبل الوقت.
(1)
قوله: (شرعًا) سقط من (و).
(2)
زاد في (ب): دخول.
(3)
قوله: (قال القاضي) هو في (ب): (فإنَّ). وفي المغني 1/ 174، والشرح الكبير 2/ 167 أن ذلك من قول الإمام أحمد.
(4)
سيأتي تخريجه قريبًا.
(5)
في (أ): مبدله.
(6)
في (أ): والإطعام.
(7)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 436. وقال في الاختيارات: (وفي الفتاوى المصرية: يتيمم لوقت كل صلاة إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى، وهو مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه، وهو أعدل الأقوال).
(وَلَا لِنَفْلٍ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنْه)؛ لأنَّه ليس بوقت لها.
فعلى ما ذكره: وقت المكتوبة دخول وقتها، والفائتة كل وقت، وكذلك المنذورة على المذهب، وصلاة الاستسقاء باجتماع النَّاس، والصَّلاة على الميت بفراغ طُهره، لكن يقال: شخص لا يصحُّ تيمُّمه حتَّى يمَّم
(1)
غيرَه، وصلاة الكسوف به إن أجيزا في وقت نهي، وإلَّا فمقيَّد بخروجه، وجميع التطوُّعات بجواز فعلها.
(الثَّانِي: الْعَجْزُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ)؛ لأنَّ غير العاجز يجد الماء على وجه لا يَضُرُّه، فلم يتناوله النصُّ، (لِعَدَمِهِ)، حَضرًا كان أو سفَرًا، قصيرًا كان أو طويلاً، مباحًا أو غيرَه، هذا هو المذهب؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النِّسَاء: 43]، دلَّ بمُطلَقِه على إباحته في كلِّ سفر؛ إذ السَّفر القصير يكثر، فيكثر فيه عدم الماء، فلو لم يجز التَّيمُّم إذن؛ لأفضى إلى حرج ومشقَّة، وهو ينافي مشروعية التَّيمُّم، ولأنَّه عزيمة لا يجوز تركه
(2)
بخلاف الرُّخص؛ لحديث أبي ذر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الصَّعيد الطَّيِّب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجده فليمسَّه بشَرته، فإنَّ ذلك خير» رواه أحمد، والنَّسائي، والتِّرمذي وصحَّحه، لكنَّه من رواية عمرو بن بُجْدان
(3)
، ولم يَرو عنه غير أبي قلابة، وقد قيل لأحمد: معروف؟ قال: (لا)، وروى أبو بكر البزار معناه من حديث أبي هريرة، وصحَّحه ابن القطَّان
(4)
.
(1)
في (أ): ييمم.
(2)
في (أ): تركها.
(3)
في (ب) و (و): نجدان.
(4)
أخرجه أحمد (213371)، والترمذي (124)، والنسائي (322)، وفي سنده عمرو بن بجدان، لم يوثقه إلا العجلي، وقال أحمد وابن القطان:(لا يعرف)، قال الترمذي عن الحديث:(حديث حسن صحيح)، وصححه الدارقطني. أخرجه أحمد (213371)، والترمذي (124)، والنسائي (322)، وفي سنده عمرو بن بجدان، لم يوثقه إلا العجلي، وقال أحمد وابن القطان:(لا يعرف)، قال الترمذي عن الحديث:(حديث حسن صحيح)، وصححه الدارقطني.
ورواية البزار (10068)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في سندها مقدم بن محمد المقدمي الواسطي، وهو من شيوخ البخاري، وأخرج له في الصحيح، قال البزار والدارقطني عنه:(ثقة)، وذكره ابن حبان في الثقات وقال:(يغرب ويخالف)، قال ابن حجر:(صدوق ربما وهم)، وبقية رواته رجال الصحيح. ينظر: بيان الوهم والإيهام لابن القطان 5/ 266، فتح الباري لابن رجب 2/ 261، مقدمة فتح الباري لابن حجر ص 445، الإرواء 1/ 181.
فلو خرج من المصر إلى أرض من أعمالِه لحاجةٍ؛ كالحراثة والاحتطاب ونحوهِما، ولا يمكنه حمل الماء معه، ولا الرجوع للوضوء إلَّا بتفويت حاجتِه؛ فله التَّيمُّم، ولا إعادة عليه في
(1)
الأشهر. وقيل: بلى؛ لأنَّه كالمقيم.
ولو كانت الأرض التي يخرج إليها من عمل قرية أخرى؛ فلا إعادة.
وكذا إذا تيمَّم وصلَّى في سفر المعصية، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين:(ويتخرَّج أنَّه يعيد)
(2)
.
وقيل: يختص بالسَّفر المباح الطويل.
وعن أحمد فيمن عَدِم الماء في الحضر: لا يصلِّي حتَّى يجد الماء أو يسافر
(3)
، اختارها الخلَّال؛ لأنَّ ظاهر الآية يقتضي جوازَه بحالة عدم الماء في السَّفر، وإلَّا لم يكن للتَّقييد به
(4)
فائدة.
وجمهور الأصحاب على ما ذكره المؤلِّف؛ لخبر أبي ذرٍّ، ولأنَّه عادِم أشبه المسافِر، والتَّقييد بالسَّفر خرج مخرج الغالب؛ لأنَّه محل العدم غالبًا.
فعلى الأصحِّ: لا إعادة ولو حضرًا؛ لأنَّه أتى بما أُمِر به.
وعنه: يعيد الحاضِر؛ لأنَّه عُذرٌ نادِر، وفيه وجه: إن لم يطُل العدم.
(1)
في (و): من.
(2)
ينظر: شرح العمدة 1/ 424.
(3)
ينظر: شرح العمدة 1/ 425.
(4)
قوله: (به) سقط من (أ).
تنبيه: إذا عجَز المريض عن الحركة أو عمَّن يُوضئه؛ فكالعادِم، وإن خاف فوت الوقت إن انتظر من يوضئه؛ فالأصحُّ: يتيمَّم ويصلِّي، ولا إعادة.
(أَوْ لِضَرَرٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِنْ جُرْحٍ)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النِّسَاء: 29]، ولحديث جابر في قصَّة صاحب الشَّجَّة، رواه أبو داود والدَّارقطني
(1)
، وكما
(2)
لو خاف من عطَش أو سَبُع.
وهذا مع الخوف في استعماله، فإن
(3)
لم يخف؛ لزمه استعمال الماء كالصَّحيح.
والخوف المبيح: هو زيادة المرض أو بطؤه، لا خوف التلف.
(أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ)؛ للنَّصِّ، ولحديث عمرو بن العاص قال: احتلمْتُ في ليلةٍ بارِدةٍ في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمَّمت، ثمَّ صلَّيت بأصحابي صلاة الصُّبح، فذُكر ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:«يا عمرو! صلَّيت بأصحابك وأنت جنب؟!» قلت: ذكرتُ قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النِّسَاء: 29]، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئًا. رواه أحمد وأبو داود
(4)
، ولأنَّه خائِف على نفسه أشبه المريض.
(1)
أخرجه أبو داود (336)، والدارقطني (729)، من طريق الزبير بن خُريق، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه، ولفظه:«إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده» ، وفي سنده الزبير بن خُريق، وهو لين الحديث، وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه، ولكن اختلف فيه على الأوزاعي على أوجهٍ، والصواب: أن الأوزاعي لم يسمعه من عطاء، إنما سمعه من إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف الحديث؛ قاله أبو زرعة وأبو حاتم. ينظر: علل ابن أبي حاتم (44)، التلخيص الحبير 1/ 394.
(2)
في (و): كما.
(3)
في (أ): وإن.
(4)
علقه البخاري بصيغة التمريض في كتاب التيمم، باب: إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت، أو خاف العطش تيمم (1/ 77)، وأخرجه أحمد (17812)، وأبو داود (334)، وابن حبان (1315)، من طريق عبد الرحمن بن جبير المصري، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ونقل ابن رجب عن أحمد أنه قال:(إسناده ليس بمتصل)، وذكر البيهقي أن ابن جبير لم يسمع من عبد الله، وجاء من طريق أخرى عند أبي داود (335)، وابن حبان (1315)، والحاكم (628)، والبيهقي في الكبرى (1071)، بينهما أبو قيس مولى عبدالله بن عمرو، وأبو قيس ثقة من كبار التابعين، لكن رواية أبي قيس ليس فيها ذكر التيمم، وإنما فيها:(فغسل مغابنه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم)، وقوَّى ابن حجر وغيره إسناد الحديث. ينظر: فتح الباري لابن رجب 2/ 279، فتح الباري لابن حجر 1/ 454، التلخيص الحبير 1/ 401، الإرواء 1/ 181.
وعنه: لا يتيمَّم لخوف البرد؛ كمن قدر على تسخين الماء في الوقت، قال في «الشرح» وغيره: متى أمكنه تسخين الماء أو استعماله على وجه يأمن الضَّرر بأنه كلَّما غسل عضوًا ستره؛ لزمه ذلك.
وظاهر المتن: أنَّه لا إعادة، وهو الصَّحيح كالمريض. وعنه: بلى مطلقًا. وعنه: يعيد الحاضر فقط؛ لأنَّه عُذْرٌ نادِر.
مسألة: إذا خاف البَرْدَانُ سقوطَ أصابِعِ قَدميه بخَلع
(1)
خُفَّيْهِ؛ سقطَ المسحُ، وكفى غسلُ غيرِهما، وتيمَّم لترك مسحِ حائلِ رجليه إن كان به مانِعٌ.
وإن قدر على غسل بعض عضو؛ تيمَّم للباقي.
فرع: إذا أعاد القادِرُ أو البَرْدانُ الصَّلاةَ؛ فالْأُولَى فَرْضُه، قاله أبو المعالي.
وفيه وجْهٌ: الثَّانيةُ، وهو الأصحُّ عند جمهور الشّافِعيَّة.
وللشَّافِعيِّ قوْلٌ: فرضُه إحداهما لا بِعيْنها.
وله قولٌ: كِلاهُما فَرْضٌ، واختاره القَفَّال، والفُورَانِيُّ
(2)
وصاحِب
(1)
في (و): فخلع.
(2)
هو: عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن فوران، أبو القاسم، من فقهاء الشافعية، وهو مقدمهم بمرو، من مصنفاته: الإبانة عن أحكام فروع الديانة، تتمة الإبانة، توفي سنة 461 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 132، الأعلام 3/ 326.
«الشَّامِل»
(1)
، قال الشَّيْخ مُحيِي الدِّين:(وهو قَوِيٌّ؛ فإنَّه مكلَّفٌ بهما)
(2)
، واختاره الشَّيخ تقِيُّ الدِّين في «شرح العمدة»
(3)
.
(أَوْ مَرَضٍ)؛ لقوله تعالى: الآية {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النِّسَاء: 43]، وإذا جاز لشدَّة البرْد، فَلَأَنْ يجوز للمريض بطريق الأولى، وشرطُه: أنَّه (يَخْشَى زِيَادَتَهُ أَوْ تَطَاوُلَهُ)؛ لأنَّ مَنْ لا يخشى ذلك لا يَخاف الضَّرَرَ، ولأنَّه يجوز له التَّيمُّم إذا خاف ذهابَ شيْءٍ من ماله، أو ضررًا على نفسِه من سَبُعٍ ونحوِه، فهنا أَوْلَى، ولأنَّ تركَ القِيام في الصَّلاة، وترك الصَّوم في المرض لا يَنحصِر في خوف التَّلَف، فكذا هنا.
وعنه: لا يُبيحه إلَّا خوفُ التَّلَف؛ كما إذا جَبَرَ زَندَه بعَظْمٍ نَجِسٍ.
والأوَّل أَوْلى؛ لأنَّ مقتضى الآية إباحتَه لكلِّ مريضٍ، تُرك العمل به فيمن لا يَخشى، فيَبْقَى ما عَداه على مقتَضاها.
(أَوْ عَطَشٍ يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ)؛ حكاه ابن المنذر إجماعًا
(4)
، وسنَدُه ما رُوي عن علي رضي الله عنه أنَّه قال في الرَّجُل يكون في السَّفَر فتُصيبُه الجَنابةُ، ومعه
(1)
هو أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر، المعروف بابن الصباغ، الفقيه الشافعي؛ كان فقيه العراقَيْنِ في وقته، وكان يضاهي الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، من مصنفاته: الشامل في الفقه، تذكرة العالم والطريق السالم، العدة في أصول الفقه، توفي سنة 477 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 217، طبقات الشافعية 5/ 122.
(2)
ينظر: المجموع للنووي 2/ 339.
ومحيي الدين هو: يحيى بن شرف بن مري النووي، الشافعيّ، أبو زكريا، محيي الدين، الإمام المشهور، صاحب التصانيف، من مصنفاته: تهذيب الأسماء واللغات، منهاج الطالبين، المنهاج في شرح صحيح مسلم، توفي سنة 676 هـ. ينظر: طبقات الشافعية 8/ 395، الأعلام 8/ 149.
(3)
ينظر: شرح العمدة 1/ 436.
(4)
ينظر: الأوسط 2/ 28، الإجماع ص 35.
الماءُ القليلُ يخاف أن يَعطَشَ: «يتيمَّم ولا يَغتَسِل» رواه الدَّارقطني
(1)
، ولأنَّه يخشى الضَّرَرَ على نفسِه، أشبه المريض بل أوْلى.
(أَوْ رَفيقِهِ) المحتَرَمِ؛ لأنَّ حُرْمة الآدمِيِّ تُقدَّم على الصَّلاة، بدليل ما لوْ رَأَى حريقًا عند ضِيقِ وقتِها؛ فيتركُها ويخرج لإنقاذه، فلَأن يقدَّم على الطَّهارة بالماء بطريق الأولى، قال أحمد: (عدة
(2)
من الصَّحابة تيمَّموا، وحبَسوا الماء لسقايتهم)
(3)
، ولا فرق بين المُزامِل
(4)
له، أو واحِدٍ من أهل الرَّكْب؛ لأنَّه لا يخلُّ بالمُرافَقَةِ.
ودَفْعُه إلى عطْشانَ يخشى تلَفَه؛ واجِبٌ، وصرَّح به في «المغني» وغيره، وقيل: يُستحبُّ، اختاره أبو بكْرٍ والقاضِي.
والأصوبُ كما ذكره الزَّرْكشي: أنَّهما
(5)
في حَبْس الماء لعَطَشِ الغيْرِ
(1)
أخرجه الدارقطني (774)، وأخرجه ابن أبي شيبة (1118)، وابن المنذر في الأوسط (529)، والبيهقي في الكبرى (1108)، من طرق عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي. وإسناده حسن، وأحد هذه الطرق من رواية شعبة عن عطاء، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط. ينظر: الكواكب النيرات ص 323.
(2)
في (أ): عنده.
(3)
في (أ): لسقاتهم. وفي (و): لسقائهم. ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 13، وفيه:(حبسوا الماء لسقايتهم).
من ذلك: ما تقدم عن علي رضي الله عنه.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (1120)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (1109)، عن ابن عباس قال:«إذا كنت مسافرًا وأنت جنب، أو أنت على غير وضوء؛ فخفت إن توضأت أن تموت من العطش؛ فلا توضأْهُ واحبسه لنفسك» ، وفي إسناده عطاء بن السائب، وقد اختلط، والراوي عنه حسن بن صالح، ولا يُعلم أنه ممن روى عنه قبل الاختلاط. ينظر: الكواكب النيرات ص 319.
(4)
قوله: (بين المزامل) هو في (ب): الملازم. قال في الصحاح 4/ 1718: (المزاملة: المعادلة على البعير).
(5)
أي: القول بالوجوب أو الاستحباب.
المتوقَّعِ، واختار الشَّريف وابن عَقِيل وُجُوبَه.
فإن مات صاحبُه، ورُفْقَتُه عِطاش؛ يمَّموه وغرِموا للورثة الثمنَ وقت إتْلافه في مكانه.
وظاهِر ما في «النهاية» : إن غرموه فيه فبمثله.
وقال أبو بكر: الميِّت أولى به؛ لأنَّه ملكه.
وقيل: إن خافوا الموتَ؛ فَهُمْ أوْلى، وإلَّا فلا، صحَّحه ابن حمدان.
وهل يُؤثِر أبوَيه لغسلٍ
(1)
ووضوءٍ ويَتَيمَّم؟ فيه وجهان.
(أَوْ بَهِيمَتِهِ)، وكذا إن كانت لغيره؛ لأنَّ للرُّوحِ حُرمةً، وسقيُها واجِبٌ، وقصَّةُ البَغِيِّ مشهورةٌ
(2)
، ويُشتَرط فيها أن تكونَ محتَرَمةً حتَّى كلبَ صَيدٍ، لا عَقُورٍ وخنزيرٍ.
فرع: إذا وجد العطشانُ ماءً طاهِرًا ونجِسًا؛ شَرِب الطَّاهِرَ وتيمَّم، وأراق النَّجِسَ إن استغنى عنه، سواءً كان في الوقت أو قبلَه.
وذَكَر الْأَزَجِيُّ: يشرَب النَّجِسَ؛ لأنَّ الطَّاهِرَ مستحَقٌّ للطَّهارة، فهو كالمعدوم.
وجوابُه: أنَّ شُرْب النَّجِس حرامٌ.
فإن خاف على نفسه العطَشَ؛ تيمَّم وحبس الطَّاهر، نصره في «المغني» و «الشَّرح» ؛ كما لو انفرد.
وقال القاضي: يتوضَّأ بالطَّاهر، ويحبِس النَّجِس لشربه.
وإن أمكنه أن يتوضَّأ به ثمَّ يجمعه ويشربه، قال في «الفروع»: فإطلاق
(1)
في (و): كغسل.
(2)
أخرج البخاري (3467)، ومسلم (2245)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بينما كلب يُطيف بِرَكِيَّة، كاد يقتله العطش، إذ رأته بَغِيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُوقَها فَسَقَتْه؛ فغُفِر لها به» .
كلامهم لا يلزمه؛ لأنَّ النَّفْس تَعافُه، ويتوجَّه احتمالٌ.
(أَوْ خَشْيَةٍ
(1)
عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ)؛ كمن بيْنه وبين الماء سَبُعٌ أو عدُوٌّ أو حريقٌ، أو يخاف إن ذهب إلى الماء شُرُودَ دابته أو سَرِقتَها، أو فَوتَ رُفْقته؛ لأنَّ في طلبه ضرَرًا، وهو منفِيٌّ شرْعًا.
وكذا إن خافت امرأة على نفسها فُسَّاقًا؛ لم يلزمها المُضِيُّ، نصَّ عليه
(2)
، قال المؤلِّف وغيره: بل يحرُم خروجها إليه، ولا إعادة على المذهب.
وقدَّم في «الرِّعاية» خلافَه. وعنه: الوقف.
وكذا إذا
(3)
خاف غريمًا يطالبه، ويعجِز عن وفائه.
وعلى الأوَّل: لو كان خوفُه جُبْنًا؛ لم يَجُز له التَّيمُّمُ، نصَّ عليه
(4)
.
وفيه وجه: يباح له إذا اشتدَّ خوفُه، ويعيد؛ لأنَّه بمنزلة الخائِف لسَبَبٍ.
فإن كان خوفُه لسبب ظنَّه، فتيمَّم وصلَّى، فبان خلافه؛ ففي الإعادة وجهان؛ أصحُّهما عند الشَّيخ تقيِّ الدِّين وجماعةٍ: أنَّه لا يعيد؛ لكثرة البَلوى به
(5)
.
(أَوْ تَعَذُّرِهِ، إِلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ
(6)
، أقول
(7)
: متى وَجَدَ ماءً بثَمَنِ مثلِه عادةً مكانَه غالِبًا، وقيل: بل أجرة نقله إلى مكان بيعه، وهو قادِرٌ عليه، غنِيٌّ عنه، فاضلًا عن نفقةِ نفسه، وقضاءِ دَيْنِه، ونَفَقَةِ حيَوان محترَمٍ؛
(1)
في (ب): خشي.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 275. وفي مسائل أبي داود ص 26: (قلت لأحمد بن حنبل: المرأة تكون في القرية والماء عنده مجتمع الفساق، فتخاف أن تخرج، أتتيمم؟ قال: لا أدري).
(3)
في (أ): إن.
(4)
ينظر: في مسائل أبي داود ص 26.
(5)
ينظر: شرح العمدة 1/ 430.
(6)
في (ب) و (و): مثله.
(7)
في (ب) و (و): لقول.
لزِمَه شراؤه؛ لأِنَّه قادِرٌ على استعماله من غير ضَرَرٍ، ولأنَّه يلزمه شِراءُ
(1)
ستْرِ عورته للصلاة، فكذا هنا.
فإذا كثرت الزيادةُ على ثمن المِثْلِ؛ فلا يلزمه شِراؤُه؛ لأنَّها تجعل الموجود حِسًّا كالمعدوم شَرْعًا.
وقيَّده في «المغني» : بما إذا أجْحفت بماله؛ لأنَّ عليه ضَرَرًا، فلو كثرت من غير إجحاف
(2)
بماله؛ فوجهان.
وظاهِره: أنَّه إذا كانت يسيرةً؛ فإنَّه يلزمه شراؤه، وهو كذلك على الأصحِّ؛ كضَرَرٍ يَسيرٍ في بدنِه من صُداع أو بَردٍ، فهنا أولى، ولأنَّ القُدْرة على ثمن العَيْن كالقدرة عليها في المنع من الانتقال إلى البدَل
(3)
؛ كما لو أُبِيعت بثمن مثلها.
وعنه: لا يلزمه شراؤه مع زيادة مُطْلقًا؛ لأنَّ عليه ضررًا بالزيادة؛ كما لو خاف لِصًّا يأخذ من ماله ذلك.
فرع: إذا بُذِل له بثمن في الذِّمَّةِ يَقْدِر على أدائه في بلده؛ لم يلزمه في الأصحِّ، واختاره أبو الحسن
(4)
الآمِدي؛ لأنَّ عليه ضررًا في بقاء الدَّين في ذمَّته، وربَّما تلِف مالُه قَبْل أدائه، وكالهَدْيِ.
وقال القاضي: يلزمه؛ كالكفَّارة في شراء الرَّقَبة.
وأجيب: بأنَّ الفرض متعلِّق بالوقت، بخلاف المكفِّر.
وظاهره: أنَّه إذا لم يكن له في بلده ما يُوفِّيه؛ لم يلزمه شراؤه، وصرَّح به في «المغني» وغيره؛ لأنَّ عليه ضررًا.
(1)
قوله: (شراء) سقط من (و).
(2)
في (أ): إجحافه.
(3)
في (ب) و (و): بدل.
(4)
في (أ) و (ب): الحسين.
(أَوْ ثَمَنٍ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ)؛ لأنَّ العجزَ عن الثَّمن يُبيح الاِنتقال إلى البدل، دليله العجز عن ثمن الرَّقبة في الكفَّارة.
فلو وُهِب له الماءُ؛ لزِمَه قَبوله في الأصحِّ، لا ثَمَنُه في الأشهَرِ؛ لأنَّ فيه مِنَّةً.
وحَبْلٌ ودَلْوٌ كماءٍ، ويلزَمُه قَبولُهما
(1)
عَارِيَّةً.
وإن استغنى صاحِبُ الماء عنه ولم يبذُلْه؛ لم يكن له أخذُه قَهْرًا؛ لأنَّ له بدَلًا.
ومن ترك ما لزمَه قَبولُه وتحصيلُه من ماءٍ وغيرِه، وتيمَّم وصلَّى؛ فإنَّه يعيد.
(فَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحًا) وتضرَّر؛ (تيَمَّمَ لَهُ وَغَسَلَ الْبَاقِيَ)، يعني: أنَّ الجريح يتيمَّم للمحتاج، ويغسل غيره، ولا يعتبر الأكثر؛ لقصَّة صاحب الشّجَّة:«إنَّما كان يكفيه أن يتيمَّم، ويعصب على جرحه، ثمَّ يمسح عليه، ويغسل سائر جسده»
(2)
، وظاهِر الخَبَر: يجمع بين المسح والتَّيمُّم، ولم يذكره المؤلِّف، وفيه روايتان:
إحداهما: يجب الجمع لهذا
(3)
.
والثَّانية: لا؛ لأنَّه جمع بين بدَل ومُبْدَلٍ؛ كالصِّيام والإطعام، والخبر محمول على جواز المسح بعد ذلك، ولذلك ذكره
(4)
ب «ثمَّ» المقتَضِية للتَّراخِي، ولأنَّ المكلَّف له استطاعة على التَّطهير بالماء في بعض البدن، فلزمه، والتَّيمُّم لما لم يُصِبْه، والطَّهارةُ شرْطٌ للصَّلاة، فالعجز عن بعضها لا
(1)
قوله: (كماء، ويلزمه قبولهما) هو في (أ): كما في يلزمه قبولهما. والمثبت موافق لما في الفروع.
(2)
سبق تخريجه 1/ 306 حاشية (1).
(3)
زاد في (ب): الخبر.
(4)
قوله: (ذكره) سقط من (أ).
يوجِب سقوط جميعِها؛ كالسِّتارة.
فعلى هذا؛ يَغسل من الصَّحيح ما لا ضرر في غسله، فإن لم يمكنه ضَبطه؛ لزمه أن يَستَنِيبَ إن قَدَر، وإلَّا كفاه التَّيمُّم.
ثمَّ إن أمكنه مسْح الجُرح بالماء؛ لزمه مع التَّيمُّم كما سبق، نصَّ عليه
(1)
، وقدَّمه ابن تميم؛ لأنَّ الغسل مأمور به، والمسح بعضُه، فوجب؛ كمن عجز عن الرَّكوع والسُّجود، وقدر على الإيماء.
وعنه: لا يحتاج إلى تيمُّم.
وعنه: يكفيه التَّيمُّم وحده، اختاره الخِرَقِيُّ؛ لأنَّه مَحَلٌّ واحِدٌ، فلا يجمع فيه بين المسح والتَّيمُّم؛ كالجَبِيرَةِ.
ومحلُّ الخلاف: ما لم يكن الجرح نجِسًا، فإن كان نجِسًا؛ فقال في «التلخيص»: يتيمَّم ولا يمسح، ثمَّ إن كانت النَّجاسة مَعْفُوًّا عنها أُلغيت، واكتفى بنيَّة الحدث، وإلَّا نوى الحدث والنَّجاسة إن شرطت فيها.
وهل يَكتفِي بتيمُّم واحد؟ فيه وجهان.
فعلى الأولى: إن عجز عن مسحه؛ تيمَّم وصلَّى على حسَب حاله، ولا إعادة.
وقال القاضي: يمسح الجُرح بالتُّراب. وفيه نَظَرٌ.
فإن كان على الجُرح عِصابةٌ أو لُصوق يضرُّه إزالتُها؛ فحكمُها سَبَقَ، وقال الآمِدِيُّ: يتيمَّم، وفي المسح معه روايتان.
والجُنُبُ الجريح إن شاء بدأ بالغسل أو بالتَّيمُّم، وإن
(2)
كان حدث الجريح أصغر؛ راعى التَّرتيبَ والموالاةَ، ويُعيد غسل الصَّحيح عند كل تَيَمُّمٍ في وجْهٍ.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 452.
(2)
في (و): فإن.
وفي آخَرَ: لا ترتيبَ ولا موالاةَ، فعلى هذا لا يُعيد الغسلَ إلَّا إذا أحدث.
(وَإِنْ
(1)
وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ؛ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي إِنْ كَانَ جُنُبًا)؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»
(2)
، ولأنَّه قَدَر على بعض الشَّرْط فلزِمَه؛ كالسُّتْرَةِ.
وظاهِرُه: أنَّه يجِب استِعمالُ الماء قبل التَّيمُّم، وهو كذلك؛ ليتحقَّق
(3)
العدم الذي هو شرط التَّيمُّم، وليتميَّز المغسول عن غيره؛ ليعلم ما يتيمَّم له.
وعنه: لا يجب استعمال الماء مطْلَقًا؛ كالماء المستعمَلِ، فعلى هذا: يتيمَّم، وفي وجوب إراقته قبل التَّيمُّم روايتان، قاله ابن الزاغوني.
فلو وجد الجُنُبُ ماءً يكفي أعضاء الحدث، زاد في «الرِّعاية»: وقد دخل وقت صلاة الفرض؛ غسلها بنية الحدَثيْن جميعًا، وتيمَّم للباقي، فتَحصُل له الصُّغرى وبعض الكبرى كما فعل عمر رضي الله عنه
(4)
.
(وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، أصحُّهما: يلزمه كالجُنُبِ، والثَّاني: لا، اختاره أبو بكر، وهما مبنِيَّان على وجوب الموالاة.
(1)
في (أ): وإذا.
(2)
سبق تخريجه 1/ 182 حاشية (5).
(3)
في (أ): ليتحبر. في (أ): ليتحبر.
(4)
كذا في النسخ الخطية. وتحتمل في (ب): عمرو. وهو موافق لما في شرح العمدة 1/ 437 وغيره.
وفعل عمرو بن العاص تقدم تخريجه 1/ 306 حاشية (4)، ففي رواية:«تيمم» ، وفي رواية:«فغسل مغابنه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم» ، واختُلف في ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، وجمع بينهما البيهقي في السنن الكبرى 1/ 345، فقال:(ويحتمل أن يكون قد فعل ما نقل في الروايتين جميعًا، غسل ما قدر على غسله وتيمم للباقي)، ووافقه النووي كما في الخلاصة 1/ 216، والألباني في صحيح أبي داود 2/ 158.
وقيل: يستعمله وإن قلنا بوجوبها، صحَّحها ابن تميم.
واختار ابن حمدان: أنَّ الخلاف ينبني
(1)
على أنَّه هل يصحُّ كل عضو بنيَّة.
وعلى الأول: إن كان يكفي بعض عضو؛ فوجهان.
(وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ؛ لَزِمَهُ طَلَبُهُ)، هذا هو المشهورُ، والمختارُ لعامَّة الأصحاب؛ لقوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المَائدة: 6]، ولا يُقال لم يَجِد إلَّا لمن طَلَبَ
(2)
؛ لجواز أن يكون بِقُرْبِه ماء لا يعلمُه.
ولا يَرِدُ قولَه تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُّمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعرَاف: 44] لانتفاء الطلَب منهم، وكذا قوله عليه السلام:«من وجد لُقطة»
(3)
؛ لأنَّ الكلام في جانب النَّفي لا الإثبات.
فينتقِضُ بقوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} [الأعرَاف: 102]؛ لاستحالة الطَّلب على الله تعالى.
وجوابُه أنَّه يقال
(4)
: طلب منهم الثَّبات على العهد.
ولأنَّه بدَلٌ، فلم يجز العدول إليه إلَّا عند عدم مُبدَله، ولا يكون إلَّا بعد الطَّلب؛ كالصِّيام مع الرَّقبة في الكفَّارة، ومع الهدي في الحجِّ، والقياس مع النَّص، والميْتة مع المُذكَّى، ولأنَّه سبب للصَّلاة يختصُّ بها، فلزِمه الاجتهاد في طلبه عند الإعْوازِ كالقِبلة.
ثُمَّ بيَّن صِفَةَ الطَّلَبِ فقال: (فِي رَحْلِهِ)؛ أي: مسكنِه، وما يَستَصحِبُه من
(1)
في (أ): مبني.
(2)
زيد في (ب): الماء.
(3)
أخرجه أحمد (17418)، وأبو داود (1709)، والنسائي في الكبرى (5968)، من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه، ولفظه:«من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل .. » . الحديث، وهو حديث صحيح. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 239، صحيح أبي داود للألباني 5/ 393.
(4)
في (و): تعالى.
الأثاث، (وَمَا قَرُبَ مِنْهُ) عُرْفًا؛ لأنَّ ذلك هو الموضِعُ الذي يُطلَب فيه الماءُ عادةً. وقيل: قدر ميل أو فرسخ في ظاهر كلامه. وقيل: ما تَرَدَّدُ القوافل إليه للرعي والاحتطاب، ورجَّحه جماعةٌ. وقيل: مَدُّ نظرِه. وقيل: ما يدركه الغوثُ بشرط الأمن على نفسه وأهله وماله، وعدم فوت رفقته.
ويطلبه في جهاته الأربع.
وقال القاضي: لا يلزمه أن يمشيَ في طَلَبه ويعدِلَ عن طريقه.
وإن ظنَّه فوق جبل؛ علاه، وإن ظنَّه وراءه؛ فوجهان مع الأمن.
وإن وجد من له خِبرةٌ بالمكان؛ سأله، وإن كان له رفقة - زاد في «المغني» و «الشرح»: يَدِلُّ عليهم -؛ طلب منهم. وقال ابن حامد: لا يلزمه، فلو رأى خُضْرَةً أو شيئًا يدلُّ عليه قصده واستبرأه.
ومحلُّ الطلب عند دخول الوقت، فلو طلب قبله جدَّده بعد دخوله؛ لأنَّه طلب قبل المخاطبة به؛ كالشَّفيع إذا طلبها قبل البيع، ويعيده في وقت كلِّ صلاة، ولا يُشتَرط أن يتيمَّم عقيبَه، بل يجوز بعده من غير تجديد طلب.
(فَإِنْ دُلَّ)؛ أي: دلَّه ثِقَةٌ (عَلَيْهِ؛ لَزِمَهُ قَصَدُهُ)؛ لأنَّه قادِرٌ على استعمالِه
(1)
بقطع مسافَةٍ قريبةٍ
(2)
؛ فلزمه كغيره من الشُّروط، ما لم يخف فَوتَ الوقت.
وعنه: والبعيدُ كذلك.
(وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ الطَّلَبُ)، اختارها أبو بكر؛ لقوله عليه السلام:«التُّراب كافيك ما لم تجد الماء»
(3)
، ولأنَّه غيرُ واجِدٍ، واعتِمادًا على ظاهر الحال؛ كالفقير لا يلزمه طلب الرَّقبة.
ومحلُّ الخلاف كما ذكره ابن تميم وصاحب «التَّلخيص» و «الفروع» : إذا
(1)
في (أ): استعمال شرط العبادة.
(2)
في (و): قربه. مكان: (قريبه).
(3)
هو أحد ألفاظ حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي سبق تخريجه 1/ 304 حاشية (4).
احتُمل وجودُه ولم يكن ظاهِرًا، فإن قطع بِعَدَمه
(1)
لم يجب، ومع ظنِّ وجوده يجب، حكاه الزَّرْكَشِيُّ إجماعًا
(2)
.
وعنه: لا يلزمه إن ظنَّ عدَمَه، ذكره في «التَّبصرة» .
تنبيه: لو مرَّ بماء قبل الوقت، أو كان معه فأراقه قبله، وعَدِم الماءَ؛ تيمَّم وصلَّى من غير إعادةٍ.
وإن كان فيه؛ ففي الإعادة أوْجُهٌ، ثالِثُها: يجب في الإراقة فقط
(3)
.
وإن وهبه أو باعه في الوقت؛ حَرُم، ولم يَصِحَّ في الأشهر؛ لتعلُّق حقِّ الله تعالى
(4)
؛ كالأضحية، فهو عاجِز عن التَّسليم شرعًا.
والثَّاني: يصحُّ؛ لأنَّ توجُّه الفرض وتعلُّقه به لا يمنع صحَّة التَّصرُّف؛ كتصرُّفه فيما وجب
(5)
فيه الزَّكاة، وتصرُّف المدين. والفرق ظاهر.
ويعيد إن صلَّى به مع بقائه، وفي التَّلف وجهان.
(وَإِنْ نَسِيَ الْمَاءَ) - أو ثمنَه، قاله في «الفروع» توجيهًا -، (بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَتَيَمَّمَ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ) على المذهب المنصوص؛ لأنَّ النِّسيان لا يخرجه عن كونه واجِدًا، وشرط إباحة التَّيمُّم؛ عدم الوجدان، ولأنَّها طهارة تجب مع الذِّكر، فلم تسقط بالنِّسيان؛ كالحدث، وكما لو نسي الرَّقَبة وكفَّر بالصَّوم، وكنسيان السُّترة.
وعنه: يجزئه؛ لأنَّه مع النِّسيان غير قادِر، أشبه العادِمَ.
ومثله الجاهِلُ به، فلو ضلَّ عن رحله الذي الماء فيه، أو كان يعرف بِئرًا
(1)
في (و): بعده.
(2)
ينظر: شرح الزركشي 1/ 331.
(3)
زاد في (و): لأنَّه فوت القدرة على نفسه فبقي في عهدة الواجب.
(4)
زيد في (و): به.
(5)
في (و): وجبت.
فضاعت عنه
(1)
؛ فقال ابن عقيل: يحتمل أن يكون كالنَّاسي.
وصَحَّح في «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه لا إعادة؛ لأنَّه ليس بواجد، وغير مفرِّط، بخلاف النَّاسي.
فإن كان مع عبده، ونسيه حتَّى صلَّى سيِّدُه؛ فقيل: لا يعيد؛ لأنَّ التَّفريط من غيره. وقيل: كالنَّاسي، كنسيانه رقبة مع عبده، لا يجزئه الصَّوم.
فلو صلَّى ثمَّ وجد بقربه بِئرًا أو غديرًا؛ أعاد إن كان
(2)
له علامةٌ ظاهِرةٌ، وإن كانت خفيَّة وطلب؛ فلا.
(وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ)، أمَّا الأكبر؛ فلقوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النِّسَاء: 43]، والمُلامسةُ الجِماعُ، وعن عمران بن حُصَين: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجُلاً مُعتَزِلًا، لم يصلِّ مع القوم، فقال: «ما منعك
(3)
أن تصلِّيَ؟» قال: أصابتني جنابةٌ، ولا ماءَ، فقال:«عليك بالصَّعيد؛ فإنَّه يكفيك» متَّفق عليه
(4)
، والحائض إذا انقطع دمها كالجنب.
وأمَّا الأصغر؛ فبالإجماع، وسنده:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} [المَائدة: 6]، وقوله عليه السلام:«الصعيد الطيب طهور المسلم»
(5)
، ولأنَّه إذا جاز للجُنُب جاز له من باب أولى.
(وَلِلنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ يَضُرُّهُ إِزَالَتُهَا)؛ أي: يجوز التَّيمُّم للنَّجاسة على بدنه إذا عجز عن غسلها لخوف الضَّرر، أو عدَم
(6)
الماء في المنصوص؛ لعموم حديث أبي ذرٍّ، ولأنَّها طَهارةٌ في البَدَن تُرادُ للصَّلاة، أشبهتِ الحدَث.
(1)
زيد في (و): ثم وجدها.
(2)
في (و): كانت.
(3)
في (أ): يمنعك.
(4)
أخرجه البخاري (348)، ومسلم (682).
(5)
سبق تخريجه 1/ 304 حاشية (4).
(6)
في (أ): لعدم.
وقيل: لا يجوز التَّيمُّم لنَجاسةٍ أصلًا، اختاره ابن حامد وابن عَقيل؛ لأنَّ
(1)
طهارة الحدث يَسْرِي منعُها؛ كما لو اغتسل الجنب إلَّا ظُفُرًا؛ لم يَجُزْ له دخول المسجد، وهو قولُ أكثرِهم؛ لأنَّ الشَّرْع إنَّما ورد بالتَّيمُّم
(2)
للحدث، وغسل النَّجاسة ليس في معناه؛ لأنَّ الغسل إنَّما يكون في محل النَّجاسة دون غيره، فعلى هذا: يصلِّي على حسب حاله، وفي الإعادة روايتان.
وظاهره: أنَّه لا يتيمَّم لنجاسةِ ثوبه كالمكان، صرَّح به جماعة؛ لأنَّ البدَن له مدخل في التَّيمُّم لأجل الحدث، فدخل فيه التَّيمُّم لأجل النَّجس، وهو معدومٌ فيه.
وقيل: يجوز إن جاز أسفل الخف.
وكذا لا يُتيمَّم لنَجاسةِ استِحاضةٍ يَتعذَّر
(3)
إزالتُها، ولا لنجاسة يعفى عنها.
ولا تَجِبُ نِيَّة التَّيمُّم لها كغسلها، وكالاِستجمار. وفيه وجْهٌ: يجب؛ لأنَّ التَّيمُّم طهارةٌ حُكميةٌ، بخلاف غسل النَّجاسة.
وإن اجتمع معها حدَث؛ فهل يحتاج إلى تَيمُّمَيْن؟ فيه وجهانِ.
(وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَصَلَّى؛ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ) نصَّ عليه
(4)
، واختاره الأكثرُ؛ لأنَّه وجَب عليه طهارةٌ نابَ عنها التَّيمُّمُ، فلم تجِبِ الإعادة؛ كطهارةِ الحدَثِ، (إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ)؛ لأنَّه صلَّى مع النَّجاسةِ، أشبهَ ما لو تَيمَّم.
(وَإِنْ تَيَمَّمَ فِي الْحَضَرِ خَوْفًا مِنَ الْبَرْدِ، وَصَلَّى؛ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ):
(1)
في (و): لأنَّها.
(2)
في (و): للتيمم.
(3)
في (و): يعذر.
(4)
ينظر: مختصر ابن تميم 1/ 343.
إحداهما: لا يَجِبُ، وهو الأصحُّ؛ لأنَّه لم يَأمُرْ عَمْرَو بنَ العاصِ بالإعادة، ولو وجبت لأمره؛ لأنَّ تأخيرَ البيانِ عن وقت الحاجة مُمتَنِعٌ.
والثَّانية
(1)
: بلى؛ لأنَّه عُذْرٌ نادِرٌ
(2)
، فوجبت معه الإعادةُ؛ كنِسيانِ الطَّهارة، وقد تقدَّم ذلك.
(وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ) زاد بعضهم: وطِينًا يجفِّفه إن أمكنه، والأصحُّ في الوقتِ؛ (صَلَّى) فَرْضًا فقطْ (عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) في الصَّحيح من المَذهَبِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا أَمَرتُكم بأمر فأْتُوا مِنه ما استطعْتُم»
(3)
، ولأنَّ العجز عن الشرْط لا يُوجِب ترك المشروط؛ كما لو عجز عن السترة والاستقبال.
فعلى هذا: لا يَزيد في القراءة على ما يُجزِئُ، وفي «شرح العمدة»:(يتوجَّهُ فعلُ ما شاء؛ لأنَّ التَّحريمَ إنَّما يَثبُت مع إمكان الطَّهارة، ولأنَّ له أن يزيد في الصَّلاة على أداء الواجب في ظاهر قولهم، حتَّى لو كان جُنُبًا قَرأ بأكثرَ من الفاتحةِ، فكذا فيما يُستحَبُّ خارجَها)
(4)
، وفيه نَظَرٌ، وجزم جَدُّه وجماعة بخلافه.
ولا يَقرأ في غير الصَّلاة إذا كان جُنُبًا.
قال ابن حَمْدان: ولا يزيد على ما يُجْزِئُ من طُمَأْنِينَة ونحوِها.
وإنْ أحْدث فيها بَطلتْ، وهل تَبطُل بخروج الوقت وهو فيها؟ فيه
(5)
روايتان.
(وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ): أصحُّهُما: لا يُعِيد؛ لما رُوِي عن عائشة: «أنَّها
(1)
في (أ): الثَّانية.
(2)
قوله: (نادر) سقط من (و).
(3)
سبق تخريجه 1/ 182 حاشية (5).
(4)
ينظر: شرح العمدة 1/ 455.
(5)
قوله: (فيه) سقط من (ب) و (و).
استعارتْ من أسماءَ قِلادةً
(1)
، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجالًا في طَلَبها، فوجدوها، فأدركتهم الصَّلاةُ وليس معهم ماءٌ، فصَلَّوْا بغير وُضوء، فشَكَوْا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل اللهُ آيةَ التَّيمُّم» متَّفقٌ عليه
(2)
، ولم يَأمُرْهم بالإعادة، ولأنَّه أحدُ شُروط الصَّلاة، فسقط عند العجْز؛ كسائِرِ شروطِها.
والثَّانيةُ: بلى، واختاره
(3)
الأكثرُ؛ لأنَّه فَقَدَ شرطَها، أشْبه ما لو صلَّى بالنَّجاسة، ولو بِتيمُّمٍ في المنصوص؛ لأنَّه عُذْرٌ نادِرٌ لا يَشُقُّ، فلم تَسقُطْ
(4)
به الإعادةُ، فعليها: إن قَدَر فيها، خرج منها
(5)
، وإلَّا فكَمُتيمِّمٍ يَجِدُ الماءَ، وتَقدَّم أيُّهما
(6)
فرضُه.
(وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إِلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ)؛ أيْ: طَهورٍ مُباحٍ غيرِ مُحْتَرِقٍ، (لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ) هذا أشهرُ الرِّواياتِ عنه، واختاره الأكثرُ؛ لقوله تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المَائدة: 6]، وما لا غُبار له كالصخر؛ لا يمسح بشيء
(7)
منه، وقال ابن عبَّاس:«الصَّعيدُ: تُرابُ الحرْث»
(8)
، والطَّيِّبُ: الطَّاهِرُ، يؤكِّده قوله عليه السلام:«وجُعِل لي التُّرابُ طَهورًا»
(1)
زاد في (و): فهلكت.
(2)
أخرجه البخاري (336)، ومسلم (367).
(3)
في (و): واختارها.
(4)
في (و): يسقط.
(5)
قوله: (منها) سقط من (و).
(6)
في (ب) و (و): أنهما.
(7)
في (أ): شيء.
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة (1702)، وعبد الرزاق (814)، وابن أبي حاتم في التفسير (5374)، وأبو يعلى الموصلي كما في المطالب العالية (160)، والبيهقي في الكبرى (1025)، وحسنه ابن حجر.
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة 1/ 507: (ولفظه فيما ذكره أحمد: «أطيب الصعيد أرض الحرث»)، كذا في مسائل ابن منصور 2/ 379، والذي في المصادر الحديثية كما قال، إلا أن ابن حجر قال في التلخيص 1/ 396:(ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره بلفظ: «أطيب الصعيد تراب الحرث»)، وسبقه في ذلك ابن كثير في التفسير 2/ 318، والذي في مطبوعة تفسير ابن أبي حاتم موافق لباقي المصادر.
رواهُ الشَّافِعيُّ وأحمد من حديث علي، وهو حديثٌ حَسَنٌ
(1)
، فخَصَّ ترابَها بحُكم الطَّهارة، وذلك يقتضِي نفيَ الحُكْم عمَّا عَداه.
وقول الخليل: (إنَّ الصَّعيدَ وجْهُ الأرض)
(2)
، والزَّجَّاجِ، مُستدِلًّا بقوله تعالى:{فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40]، وقائلًا بأنَّه لا يَعلم خلافًا بين أهل اللغة
(3)
؛ يعارضه
(4)
قولُ ابنِ عبَّاس، مع أنَّ قولهما بالنسبة إلى اللغة، وقوله بالنسبة إلى التفسير، وقد تأكَّد بقول صاحب الشريعة.
وقال في «الكَشَّاف» : (إنَّ «مِنْ» لاِبتِداءِ الغاية قولٌ متَعسَّفٌ، ولا يَفهم أحد من العرب من قول القائل: مسحت برأسه من الدُّهن، ومن الماء والتُّراب، إلَّا معنى التَّبْعيض، والإذعانُ للحقِّ أحقُّ من المِراءِ)
(5)
.
والثَّانية، - وأَوْمأ إليها في رواية أبي داود -
(6)
: يجوز بالرَّمل والسَّبخة؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: «وجُعلت لنا الأرضُ كلُّها مسجدًا، وجُعلت تربتُها لنا طَهورًا» رواه مسلم من حديث حذيفة
(7)
، والتُّرابُ بعضُ
(1)
أخرجه أحمد (763)، والبيهقي في السنن الكبرى (1024)، وفي سنده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو صدوق في حديثه لين، وللحديث علة بينها أبو حاتم، وأصله في الصحيح من حديث جابر وحذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهم. ينظر: علل ابن أبي حاتم (2705)، التلخيص الحبير 1/ 397 - 398.
(2)
ينظر: العين 1/ 290.
(3)
ينظر: معاني القرآن للزجاج 2/ 56.
(4)
في (أ): يعارض.
(5)
ينظر: الكشاف للزمخشري 1/ 515.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 26.
(7)
أخرجه مسلم (522).
أفرادها، والتَّنصيص عليه لا يُخصِّص.
وأجيب: بأنَّ التَّخصيص بالمفهوم، لا بذكر بعض الأفراد، وحمله الخلَّال على عدم التُّراب، وكان لهما غبارٌ، وشرَط القاضِي الغُبَارَ دون العدَم.
وفي ثالثةٍ: يجوز بكلِّ ما تصاعد على وجه الأرض من جِصٍّ ونُورَة ونحوِهما، وحكاه في «الفروع» قولًا، وذلك عند العدم، لا مطْلقًا.
وفي رابعة: يجوز بالسَّبخة فقط إذا كان لها غبار، قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: (وعليه
(1)
يُنَزَّلُ كلامُ أحمدَ)
(2)
.
فعلى الأوَّل: يجوز بكل تراب على أيِّ لون كان، بشرط أن يكون له غبار يعلَق باليد، ومن ثَمَّ لو ضرب بيده على ترابٍ أو لِبَد أو شجرة أو شعير له غبار يعلق باليد؛ جاز التَّيمُّم به، نصَّ عليه
(3)
.
وكذا لو سحق الطين وتيمَّم به، ولو كان مأكولًا؛ كالطِّين الأَرْمَنِي
(4)
، إلَّا أن يكون بعد الطَّبخ، فلا يجزئه على المشهور؛ لأنَّ الطَّبخ أخرجه أن يقع عليه اسم التُّراب.
وعُلم منه: أنَّه لا يصحُّ من مقبرة تكرَّر نبشها، وإن شكَّ فيه، فوجهان، ومنع منه ابن عقيل وإن لم يتكرَّر.
والتُّراب المغصوب كالماء، قال الجد رحمه الله تعالى: (وظاهرُه: ولو تُرابَ مسجد، ولعلَّه غير مراد؛ فإنَّه لا يكره بتراب زمزم مع أنه مسجد، وقالوا: يكره إخراج
(1)
في (و): وعليها.
(2)
ينظر: شرح العمدة 1/ 448.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 26.
(4)
في (و): الأرميني.
وهو طين يابس جدًّا، يضرب لونه إلى الصفرة، يؤكل علاجًا لبعض الأمراض. ينظر: مسالك الأبصار 22/ 282.
حَصَى المسجدِ وترابه للتَّبرك وغيره، والكراهة لا تمنع الصِّحةَ، ولأنَّه لو تيمَّم بترابِ غيرِه جاز في ظاهِرِ كلامهم؛ للإذن فيه عادةً وعُرفًا؛ كالصَّلاةِ في أرضِه).
وقال عمر: «لا يتيمَّم بالثَّلْج»
(1)
، لكن إن لم يجد غيره وتعذَّر تذويبه فالمنصوص عنه
(2)
: أنَّه يمسح به أعضاء وضوئه، وفي الإعادة روايتان. وفي «المُغنِي»: لا يُجزِئه إلَّا بالجَرَيان.
(فَإِنْ خَالَطَهُ ذُو غُبَارٍ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ كَالْجِصِّ وَنَحْوِهِ؛ فَهُوَ كَالْمَاءِ إِذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ)، هذه طريقةُ عامَّةِ أصحابنا؛ لأنَّه بدل، فيقاس على مُبدَلِه.
وقيل: يمنع مطلقًا، قال ابن تَميم: وهو أقْيَسُ؛ لأنَّه ربَّما حصل بالعُضو منه شَيِءٌ فمَنع وصولَ التراب، والمائعُ يُستهلَك
(3)
في الماء.
تنبيه: ما يَتيمَّم به واحد؛ كماءٍ
(4)
مستعمَلٍ. وقيل: يجوز كما تيمَّم منه في الأصحِّ.
وأَعجب أحمدَ حَمْلُ تُرابٍ
(5)
للتَّيمُّم، وقال الشَّيخ تقي الدِّين:(لا)، قال
(1)
أخرجه أبو عبيد في الطهور (270)، وحرب الكرماني - كتاب الطهارة - (ص 430)، عن ابن عمر قال: أصاب الناس الثلج على عهد عمر بن الخطاب، فبسط بساطًا، ثم صلى عليه، وقال:«إن الثلج لا يتيمم ولا يصلى عليه» ، ومداره على زيد بن جبيرة وهو متروك، قال ابن رجب:(واحتج إسحاق بهذا الحديث، وإسناده ضعيف)، وضعفه بزيد بن جبيرة.
وأخرجه أبو عبيد أيضًا (271)، عن محمد بن حمير، عن زيد بن حنين. ولعل قوله:(زيد بن حنين) تصحفت في المطبوع عن (زيد بن جبيرة)، فإن محمد بن حمير إنما يروي عن ابن جبيرة، ولم نقف على زيد بن حنين في أسماء الرواة.
قال ابن رجب: (وقد روى أبو عبيد في كتاب الطهور بإسناد آخر، وفيه ضعف). ينظر: فتح الباري لابن رجب 2/ 450.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 297.
(3)
في (أ): والمانع يستهلك.
(4)
في (أ) و (ب) و (و): فكماء.
(5)
في (و): التراب.
في «الفروع» : (وهو أظهر)
(1)
.
ويُكرَه نفخ الغبار عن يديه إن قلَّ. وعنه: أو كثُر. وعنه: لا يُكرَه مطلقًا إلَّا أن يذهب كلُّه بالنَّفْخ.
(1)
ينظر: الفروع 1/ 297.
(فَصْلٌ)
(وَفَرَائِضُ التَّيَمُّمِ أَرْبَعَةٌ: مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ، وَيَدَيْهِ إِلَى كُوعَيْهِ)؛ لقوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المَائدة: 6]، وفي البخاريِّ: «وضرب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بكفَّيه
(1)
الأرض، ونَفخ فيهما، ثمَّ مسح بهما وجهه وكفَّيه»
(2)
، وذلك يقتضي وجوب استيعابهما به.
فالوجه يجب مسحُ ظاهِرِه بما
(3)
لا يشقُّ، فلا يمسح باطِنَ الفم والأنف، ولا باطن الشعر الخفيف، وظاهر «المستوعب»: استثناءُ باطن الفم والأنف
(4)
فقط.
واليدين إلى الكُوعين، فإن
(5)
كان أقطعَ منه؛ وجب مسح موضع القَطْع في المنصوص
(6)
؛ كما لو بقي من الكفِّ بقِيَّةٌ. وقال القاضي: لا يجب، بل يستحبُّ كما لو قُطِع من فوْق الكُوع على المنصوص
(7)
.
(وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوالَاةُ) عُرْفًا (عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا ظاهر المذهب؛ لأنَّهما فرض في المبدل، فكذا في البَدَل.
والثَّانية، - وحكاها في «الفروع» قولًا -: لا يجبان وإن وجَبا في
(1)
قوله: (بكفيه) سقط من (و).
(2)
أخرجه البخاري (338)، ومسلم (367)، من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما.
(3)
في (و): فيما.
(4)
قوله: (ولا باطن الشعر الخفيف، وظاهر «المستوعب» استثناء باطن الفم والأنف) سقط من (ب) و (و).
(5)
في (أ): فإذا.
(6)
ينظر: مسائل حرب 1/ 427.
(7)
ينظر: مسائل عبد الله ص 29.
الوضوء، وهو ظاهِر الخِرَقِيِّ؛ لظاهر الأحاديث.
وقيل: التَّرتيبُ، قال المجْد: هو قياس
(1)
، ولهذا يجزئه مسح باطن أصابعه مع مسح وجهه.
وظاهره يشمل الطَّهارة الكبرى؛ لأنَّها صفة واحدة، بخلاف الغسل والوضوء؛ فإنَّ صفتيهما مختلفة، وهو قول أبي الحسين. والمذهب: أنَّهما لا يَجِبان فيها، جزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع». وقيل: بلى. وقيل: موالاة
(2)
.
والتَّسمية هنا كالوضوء.
(وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ)؛ كنجاسة على بدنه، فيَنوِي استباحة الصَّلاة من الجنابة والحدث إن كانا أو أحدهما، أو بعض بدنه أو كله، ونحوه، أو ما شَرْطه الطَّهارة؛ كمسِّ المصحف؛ لأنَّها طهارةُ ضَرورةٍ، فلم ترفَع الحدث؛ كطهارةِ المستحاضة، فلم يكن بدٌّ من التعيين؛ تقويةً لضعفه.
فلو نوى رفعَ الحدث؛ لم يصحَّ؛ لأنَّه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل التَّيمُّم إجماعًا، ولو رفعه لاستوى الجميع في الوجدان.
ونقل عنه الفضل
(3)
، وبكر بن محمَّد
(4)
: أنه يصلي به إلى حدثه، اختاره
(1)
زاد في (و): المذهب.
(2)
في (و): بموالاة.
(3)
هو الفضل بن زياد، أبو العباس القطان البغدادي، ذكره أبو بكر الخلال، فقال: كان من المتقدمين عند أبي عبد الله، فوقع له منه مسائل كثيرة جياد. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 251، المقصد الأرشد 2/ 312.
(4)
هو بكر بن محمد النسائي الأصل، البغدادي المنشأ، كان الإمام أحمد يقدمه ويكرمه، وعنده مسائل كثيرة سمعها منه. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 119، المقصد الأرشد 1/ 289.
أبو محمَّد الجوزي، والشَّيخ تقي الدِّين، فيرفع الحدث
(1)
؛ كطهارة الماء.
وفيه حديثان متعارضان، حديث عمرو بن العاص، وحديث أبي ذر، وجمع بينهما بعض أصحابنا: بأنَّه لم يمنع من
(2)
إطلاق الحدث عليه؛ لأنَّه بزوال البرد أو وجود الماء يظهر حكم الحدث، ويبطل التَّيمُّم، فالمانع لم يزل رأسًا، وفي الثَّاني: حكم بأنَّه طهور عند عدم الماء، فيستباح به ما يستباح بالماء.
(فَإِنْ نَوَى جمِيعَهَا؛ جَازَ) للخبر، ولأن كلَّ واحدٍ يدخلُ في العموم فيكون منويًا
(3)
.
(وَإِنْ نَوَى أَحَدَهَا، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الآخَرِ)؛ لأنَّها أسبابٌ مختلِفةٌ، فلم تُجْزِ نيةُ بعضٍ عن آخر؛ كالحجِّ والعمرة. وقيل: بلى؛ لأنَّ طهارتهما واحدة، فسقطت إحداهما بفعل الأخرى؛ كالبول والغائط.
وأجاب في «المغني» و «الشَّرح» : بأنَّ حكمَهما واحِدٌ، وهو الحدث الأصغر، بدليل الإجزاء به عن الآخَر في الوضوء. وقدَّم في «الرعاية»: أنَّه يجزئ
(4)
إن كانا غسلين.
فإن تيمَّم للأكبر دون الأصغر؛ أُبِيح له ما يُباح للمحدِث فقط، فإن أحدث لم يؤثِّر ذلك في تيمُّمِه.
وإن تيمَّم لهما، ثمَّ أحدث؛ بطل تيمُّمه للحدث فقط، فلو تيمَّمت بعد
(1)
قوله: (ونقل عنه الفضل، وبكر بن محمَّد: أنه يصلي به إلى حدثه، اختاره أبو محمَّد الجوزي، والشَّيخ تقي الدِّين، فيرفع الحدث) سقط من (أ).
(2)
قوله: (من) سقط من (أ).
(3)
قوله: (فإن نوى جميعها جاز للخبر، ولأن كلَّ واحدٍ يدخلُ في العموم فيكون منويًّا) سقط من (أ).
(4)
زيد في (و): به.
طُهرها من الحيض له، ثم
(1)
أجنبتْ، فله الوطء
(2)
؛ لبقاء حكم
(3)
تيمُّم الحيض.
(وَإِنْ نَوَى نَفْلًا)؛ لم يَستبِح سِواه؛ لأنَّ غيرَه ليس بِمَنْوِيٍّ. (أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لِلصَّلَاةِ؛ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا نَفْلًا)؛ لأنَّ التَّعيين شرط في الفرض، ولم يوجد، فأبيح له التَّنفُّل؛ لأنَّه أقلُّ ما يحمل عليه الإطلاق.
وفيه وجْهٌ: يُصلِّي به الفرضَ.
وقيل: مع الإطلاق
(4)
، واختاره ابن حمدان، واختار: أنَّه لا يصلِّي به نفلًا فوقَ ركعتين بسلامٍ واحدٍ بلا نيَّة.
(وَإِنْ نَوَى فَرْضًا) سواء كانت معيَّنةً أو مطلقةً
(5)
؛ (فَلَهُ فِعْلُهُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَقَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَالتَّنَفُّلُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ)، وهو معنى كلامِه في «الوجيز» وغيره: صلَّى به فُروضًا ونوافِلَ، وفي «الرِّعاية»: ونذْرًا.
هذا هو المعروف في
(6)
المذهب، مع أنَّ القاضيَ لم يحكِ به نصًّا، وإنَّما أطلق أحمدُ القولَ في رواية جماعة:(أنَّه يتيمَّم لكلِّ صلاةٍ)
(7)
، ومعناه: لوقت كلِّ صلاةٍ؛ لأنَّها طهارةٌ صحيحةٌ، أباحت فرضًا، فأباحت ما هو مثله؛ كطهارة الماء.
وعنه: لا يجمع فيه بين فرضين، اختاره الآجُرِّيُّ، وهو قول ابن عبَّاس
(8)
،
(1)
في (و): فإن.
(2)
في (أ): الوضوء.
(3)
في (أ): حكمي.
(4)
زيد في (و): سواء كانت معينة أو مطلقة.
(5)
في (و): مطلقة أو معينة.
(6)
في (و): من.
(7)
ينظر: مسائل أبي داود ص 25، مسائل صالح 1/ 333، مسائل عبد الله ص 37، مسائل ابن منصور 2/ 377.
(8)
أخرجه عبد الرزاق (830)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (552)، والطبراني في الكبير (11050)، والدارقطني في السنن (710)، والبيهقي في الكبرى (1057)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«من السنة ألا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلاة الأخرى» ، وفي إسناده الحسن بن عمارة، قال الدارقطني:(ضعيف)، قال الألباني:(بل هو شر من ذلك)، وقال ابن حجر في الدراية:(بإسناد واه)، وضعفه ابن المنذر وابن حزم والتركماني، وحكم عليه الألباني بالوضع. ينظر: المحلى 1/ 358، الجوهر النقي 1/ 221، الدراية 1/ 69، الضعيفة (423).
وعليها: له فعل غيره مما شاء، ولو خرج الوقت، لكن في إسناده عن ابن عبَّاس [الحسنُ بن عمارة]
(1)
، وهو ضعيف، مع أنَّ حَرْبًا روى عنه أنَّه قال: التَّيمُّم بمنزلة الوضوء يصلِّي به الصلواتِ ما لم يُحدِثْ
(2)
.
والأصحُّ: أنَّه يتنفَّل قبل الفرض، ثمَّ يصلِّيها وما شاء إلى آخر وقتها عن أيِّ شيء تيمَّم.
وعنه: لا يتنفَّل إلَّا أن يكون نوى الفرضَ
(3)
والنَّفلَ، فإن خالف وصلَّى، لم يَفعَل به الفرضَ بعد ذلك.
وضابِطُه: أنَّ من نوى شيئًا استباحَه، ومِثلَه، ودونَه، فالنذر
(4)
دون ما وجب شرعًا، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين:(ظاهر كلامهم لا فرق)
(5)
.
وفَرْضُ كفاية دون فرض عين، وفرض جنازة أعلى من نافلة. وقيل: يصليها بتيمُّم نافلة.
(1)
في الأصل و (أ): الحسن بن عرية. والمثبت موافق للمصادر الحديثية.
(2)
ينظر: مسائل حرب - كتاب الطهارة ص 412، لكنه من قول الحسن لا أحمد.
والأثر: أخرجه حرب في مسائله - الطهارة - (627)، وابن المنذر في الأوسط (554)، وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه أبو عمر النضر بن عبد الرحمن، قال عنه الحافظ في التقريب:(متروك).
(3)
زيد في (و): ثم يصليها وما شاء.
(4)
في (أ): بالنذر.
(5)
ينظر: شرح العمدة 1/ 446، الفروع 1/ 302.
ويباح الطواف بنيَّة النَّافلة في الأشهر؛ كمسِّ المصحف، قال الشَّيخ تقي الدِّين:(ولو كان الطواف فرضًا)
(1)
، خلافًا لأبي المعالي.
ولا تباح نافلة بنيَّة مسِّ مصحف وطواف في الأشهر.
وإن تيمَّم جنُبٌ لقراءةِ
(2)
أو مسِّ مُصحف؛ فله اللُّبث في المسجد، قال القاضي: وجميع النوافل؛ لأنَّها
(3)
في درجة واحدة.
وإن تيمَّم لمسِّ مُصحف؛ فله القراءةُ، لا العكسُ، ولا يستبيحهما بنيَّة اللُّبث، وتُباح الثَّلاثة بنيَّة الطَّواف، لا العكس.
وإن تيمَّم لمسِّ مصحف؛ ففي نفلِ طوافٍ
(4)
وجهان.
وفي «المغني» : (إن تيمَّم جُنُبٌ لقراءةٍ أو لُبثٍ أوْ مسِّ مُصحَف؛ لم يَستبِحْ غيرَه)، قال ابن تميم:(وفيه نظرٌ)، وفي «الرِّعاية»:(وفيه بُعدٌ).
(وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ: بِخُرُوجِ الْوَقْتِ)، وهو قولُ عليٍّ
(5)
وابن عمر
(6)
؛ لأنَّها طهارة ضرورة، فتقيَّدت بالوقت؛ كطهارة المستحاضة.
(1)
ينظر: شرح العمدة 1/ 446.
(2)
زيد في (و): أو لبث.
(3)
في (و): لأنَّهما.
(4)
قوله: (نفل طواف) هو في (أ): طواف. والمثبت موافق لما في الفروع 1/ 303.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (1691)، ومسدد كما في المطالب العالية (159)، والطبري في التفسير (7/ 94)، وابن المنذر في الأوسط (550)، والدارقطني (707)، والبيهقي في الكبرى (1055)، عن علي قال:«يتيمم لكل صلاة» .
قال في التلخيص: (وفيه حجاج بن أرطاة، والحارث الأعور)، وضعفه ابن المنذر وابن حزم وابن التركماني وابن حجر. ينظر: المحلى 1/ 358، الجوهر النقي 1/ 221، التلخيص الحبير 1/ 409، نصب الراية 1/ 159.
(6)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (551)، والدارقطني (709)، والبيهقي في الكبرى (1054)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان يتيمم لكل صلاة» ، زاد البيهقي:«وإن لم يحدث» . قال البيهقي: (إسناد صحيح)، وتبعه الحافظ.
وقد ضعفه ابن حزم وابن التركماني بعامر الأحول، قال ابن الملقن:(وعامر الأحول وإن ضعفه ابن عيينة وأحمد، فقد وثقه أبو حاتم، وقال ابن معين: ليس به بأس، وأخرج له مسلم فجاز القنطرة، وقول ابن حزم: "الرواية عن ابن عمر لا تصح". ليس بجيد منه). ينظر: المحلى 1/ 358، الجوهر النقي 1/ 221، البدر المنير 2/ 676، الدراية 1/ 69.
وظاهره: ولو كان في الصَّلاة، وصرَّح به في «المغني» .
وقال ابن عَقيل: لا تبطل، وإن
(1)
كان الوقتُ شرطًا؛ كما في الجمعة. وخرَّجه
(2)
السَّامَري على وجود الماء فيها.
وفيه وجهٌ: لا يَبطُل حتَّى يدخل وقت التي تليها، قاله المجد وابن تميم، وفائدته: هل يبطل التَّيمُّم بطلوع الشَّمس أو بزوالها؟
وفي
(3)
ثالث: يبطل بالنِّسبة إلى الصَّلاة التي دخل وقتها، فيباح به غيرها، فلو كان تيمُّمه في غير وقت صلاة؛ كالمتيمِّم
(4)
بعد طلوع الشمس؛ بطل بزوالها.
ولو نوى الجمع في وقت الثَّانية، فتيمَّم في وقت الأولى لها، أو لفائتة
(5)
؛ لم يبطل تيمُّمه بدخول وقت الثَّانية؛ لأنَّ وقتيهما قد صار وقْتًا واحِدًا.
ودخل في كلامه: ما إذا تيمَّم لطوافٍ أو جنازةٍ أو نافلةٍ، وخرج الوقت؛ فإنَّه يبطل؛ كالفريضة.
وعنه: إن تيمَّم لجنازة، ثمَّ جِيء بأخرى؛ فإن كان بينهما وقت يمكنه التَّيمُّم؛ لم يصلِّ عليها حتَّى يتيمَّم لها، وإلَّا صلَّى، قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين:
(1)
في (أ): ولو.
(2)
في (و): وخرج به.
(3)
في (و): ومن.
(4)
في (أ): كالتيمم.
(5)
في (أ): للثَّانية، وفي (و): لثانية.
(لأنَّ النَّفل المتواصِل هنا كتواصل الوقت للمكتوبة). قال: (وعلى قياسه: ما ليس له وقت محدود
(1)
؛ كمسِّ مصحف وطواف)
(2)
.
فعلى هذا: النوافل المؤقَّتة كالوتر، والسُّنن الرَّاتبة، والكسوف؛ يبطل التَّيمُّم لها بخروج وقت النَّافلة، والنَّوافل المطلقة يحتمل أن يُعتبر فيها تواصل الفعل كالجنازة، ويحتمل أن يمتدَّ وقتها إلى وقت النهي عن تلك النافلة.
(وَوُجُودِ الْمَاءِ) المعجوزِ عنه إجماعًا
(3)
؛ لحديث أبي ذر، وشرطه: أن يكون مقدورًا على استعماله من غير ضرر؛ كعطشٍ ومرضٍ، وألحق به
(4)
في «الشرح» وغيره: ما إذا رأى ركْبًا ظنَّ
(5)
معه ماءً، أو خُضرةً ونحوه، أو سرابًا ظنَّه ماء، وقلنا بوجوب الطلب، وسواء تبيَّن له خلاف
(6)
ظنِّه أوْ لا، فإن وجده، وإلَّا استأنف التَّيمُّم.
ويحتمل: ألا يبطل؛ لأنَّ الطَّهارة المتيقَّنة لا تزول بالشَّكِّ.
(وَمُبْطِلَاتِ الْوُضُوءِ)؛ لأنَّه إذا بطل الأصل بطَلَ بدَلُه من باب أوْلى، لكنْ إن كان تيمُّمه عن حدث أصغر؛ فهو كما ذكره، وإن كان عن جنابة؛ فيبطل
(7)
بخروج الوقت والقدرة على الماء وموجبات الغسل، وإن كان لحيض أو نفاس؛ فلا يزول حكمه إلَّا بحدثهما أو [بأحد]
(8)
الأمرين.
(1)
في (و): ممدود.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 306.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 240.
(4)
قوله: (به) سقط من (و).
(5)
في (و): يظن بأن.
(6)
في (و): بخلاف.
(7)
في (و): بطل.
(8)
في الأصل و (أ): إباحة. والمثبت هو الموافق للمغني والشرح الكبير.
(فَإِنْ
(1)
تَيَمَّمَ، وَعَلَيْهِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ) كعِمامة وخُفٍّ، (ثُمَّ خَلَعَهُ؛ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ) في اختيار المؤلِّف، وصحَّحه في «الشَّرح» ، وهو قول أكثر الفقهاء؛ لأنَّ التَّيمُّم طهارة لم يمسح فيها عليه، فلا يبطل بنزعه كالملبوس على غير طهارة، بخلاف الوضوء، وكما لو كان الملبوس ممَّا لا يجوز المسح عليه، فإن كان الحائل
(2)
أو بعضه في محلِّ التَّيمُّم؛ بطل بخلعه، قاله ابن حمدان.
(وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَبْطُلُ)، نصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه مبطِل للوضوء، فأبطل التَّيمُّم كسائر المبطلات.
ويُجابُ: بأنَّ مبطِلَ الوضوء نَزْع ما هو ممسوح عليه فيه
(4)
، بخلافه هنا.
(وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لَمْ تَجِبْ إِعَادَتُهَا)؛ لما روي عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصَّلاة وليس معهما ماءٌ، فتيمَّما صعيدًا طيِّبًا، فصلَّيا، ثمَّ وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدُهما، ولم يُعِدِ الآخر، ثمَّ أتيا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك، فقال للذي لم يُعِد:«أصبت السُّنَّة، وأجزأتك صلاتُك» ، وقال للذي أعاد: «لك الأجر
(5)
مرَّتين» رواه النَّسائي، وأبو داود ولفظه له، ورواه
(6)
من طريق أخرى
(7)
متصلًا
(8)
،
(1)
في (أ): وإن.
(2)
في (و): لحائل.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 36.
(4)
قوله: (فيه) سقط من (أ).
(5)
في (ب): أجرك.
(6)
في (و): وروياه.
(7)
في (ب): آخر.
(8)
في (و): مرسلًا.
وقال: (على شرط الشَّيْخين)
(1)
، واحتجَّ أحمد: بأنَّ عمر
(2)
تيمَّم وهو يرى بيوت المدينة، فصلَّى العصر، ثمَّ دخل المدينة والشَّمسُ مرتفِعةٌ؛ ولم يُعِد
(3)
، ولأنَّه أدَّى صلاته بطهارة صحيحة، أشبه ما لو أدَّاها بالماء، وفيه نَظَرٌ، ولأنَّه إجماع فيما إذا وجده بعد الوقت.
وعنه: يسنُّ.
ولا يلزم إعادة صلاة جنازة، وإن لزم غسله في وجهٍ.
(وَإِنْ وَجَدهُ)؛ أي: حقيقةً (فِيهَا) وفي طوافٍ
(4)
؛ (بَطَلَتْ) في ظاهِر المذهب؛ لأنَّ حديث أبي ذرٍّ يدلُّ بمفهومه
(5)
على أنَّه ليس بطَهور عند وجود الماء، وبمنطوقِه على وجوب استعمال الماء عند وجوده، وهو قادر على استعماله، أشبه الخارج من الصَّلاة، وكالمستحاضة إذا انقطع دمها.
(1)
أخرجه أبو داود (338)، والنسائي (443)، قال أبو داود:(ذِكر أبي سعيد الخدري في هذا الحديث ليس بمحفوظ وهو مرسل)، وتفرد بوصله عبد الله بن نافع الصائغ، وهو ثقة صحيح الكتاب لكن في حفظه لين. وصحح الحديث الحاكم، وابن السكن، وقوَّاه النووي. ينظر: صحيح أبي داود للألباني 2/ 165.
تنبيه: سقط من كلام المصنف الذي قال: (على شرط الشيخين)، وهو من كلام الحاكم كما في المستدرك (632).
(2)
هكذا في الأصل، وفي (ب) و (و): ابن عمر. وهو الموافق للمصادر الحديثية كما سيأتي.
(3)
في (ب): فلم يعد. ينظر: مسائل صالح 2/ 121، مسائل حرب 1/ 416، مسائل ابن منصور 2/ 795.
والأثر: أخرجه مالك في الموطأ (1/ 56)، والشافعي كما في المسند (227)، وعبد الرزاق (883)، والدارقطني (717)، والبيهقي في الكبرى (1103)، وفي الخلافيات (828)، من طرق متعددة عن نافع. وأسانيدها صحاح. قال البيهقي:(هذا عن ابن عمر ثابت)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم، (1/ 74)، واحتج به أحمد في مسائل ابن منصور (2/ 794).
(4)
قوله: (وفي طواف) سقط من (و).
(5)
في (أ): مفهومه.
فعليها يخرَّج: فيتطَّهر. والمنصوص: أنَّه يستأنفها
(1)
؛ لأنَّ ما مضى منها انبنى على طهارةٍ ضعيفةٍ؛ كطهارة المستحاضة، بخلاف من سبقه الحدث.
وفيه وجه: يبني، وقاله القاضي وغيره؛ كمن سبقه الحدث، وفيه روايتان، أصحُّهما: أنَّه يستقبلها، فهنا أولى، قاله في «الشَّرح» .
(وَعَنْهُ: لَا تَبْطُلُ)، نقلها الميموني
(2)
، واختارها الآجُرِّي؛ كما لو وجد الرَّقبة بعد التَّلبُّس بالصِّيام.
وأجيب: بأنَّ المَرُّوذِيَّ روى عن أحمد قال: (كنتُ أقول: يمضي، فإذا الأحاديث أنَّه يخرج)
(3)
، فدلَّ على رجوعه، وبأنَّ الصَّوم هو الواجِبُ نفسُه، فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيمُّمه، ولا خلاف في بطلانه، ثمَّ الفرق: بأنَّ مدَّة الصيام تطول فيشق الخروج منه؛ لما فيه من الجمع بين الفرضين الشاقَّين بخلافه هنا.
وعليها: يجب المُضِيُّ فيها، وهو ظاهر كلام أحمد؛ لقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محَمَّد: 33]. وقيل: هو أفضل. وقيل: خروجه أفضل، وهو رأي أبي جعفر؛ للخروج من الخلاف.
فإن عيَّن نفلاً؛ أتمَّه، وإلَّا لم يزد على أقلِّ الصَّلاة. ومتى فرغ منها؛ بطل تيمُّمه، ذكره ابن عقيل، وعليها: لو وجده في صلاة على ميِّت يُمِّم؛ بطلت
(4)
، وغُسِّل في الأصحِّ.
ويلزم من
(5)
تيمَّم لقراءة ووطء ونحوه؛ التَّرك.
(1)
ينظر: شرح العمدة 1/ 453.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 90.
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 63، الروايتين والوجهين 1/ 90. وفي مسائل صالح 1/ 238:(قد كنت أقول يمضي في صلاته، ثم وقفت فيها).
(4)
زيد في (و): صلاته.
(5)
في (أ): في.
فرع: لو انقلب الماء فيها، وقال أبو المعالي: إن علم بتلفه فيها؛ بقي
(1)
تيمُّمُه، وإن لم يعلم، فلمَّا فرغ شرع في طلَبه؛ بطل تيمُّمه.
(وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِمَنْ) يعلم أو (يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ) في قول الجمهور؛ لأنَّ الطَّهارة بالماء في نفسها فريضة، والصَّلاة في أوَّل الوقت فضيلة، ولا شكَّ أنَّ انتظار الفريضة أولى.
وظاهره: أنَّه إذا لم يَرْجُهُ، بل ظنَّ أو علم عدَمَه؛ فالتَّقديمُ أوْلى؛ لئلَّا يترك الفضيلة المتيقَّنة لأمر غير مرجوٍّ، وإن تردَّد فوجهان.
وقيل: التَّقديم أفضل إلَّا أن يتحقَّق وجودَه في الوقت.
وظاهِر الخِرَقي و «الفروع» : أنَّ التَّأخيرَ أفضلُ، وهو المنصوص عن أحمد
(2)
، واختاره ابن عبدوس؛ لقول عليٍّ، رواه الدَّارَقُطْنِيُّ والبيهقِيُّ من رواية الحارث عنه، وهو ضعيفٌ
(3)
، ولأنَّه يستحَبُّ تأخير
(4)
العشاء لئلَّا
(5)
يذهب خشوعها وتأخيرها لإدراك الجماعة، فتأخيرها لإدراك الطَّهارة أولى، وللخروج من الخلاف؛ إذ في رواية عن أحمد، وقاله بعض العلماء: إنَّ التَّيمُّم لا يجوز إلَّا عند ضيق الوقت.
(وَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ أَجْزَأَهُ)؛ لحديث عطاء السابق، ولأنَّه
(1)
زيد في (و): على.
(2)
ينظر: المغني 1/ 178.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (8033)، وابن المنذر في الأوسط (557)، والدارقطني (720)، والبيهقي في الكبرى (1101)، من طريق الحارث عن علي رضي الله عنه قال:«يتلوم الجنب ما بينه وبين آخر الوقت، فإن وجد الماء توضأ، وإن لم يجد الماء تيمم وصلى، فإن وجد الماء بعد؛ اغتسل ولم يعد الصلاة» ، قال البيهقي:(الحارث الأعور لا يحتج به)، وقال في موطن آخر:(وهذا لم يصح عن علي)، وضعفه الألباني في الضعيفة 6/ 267.
(4)
زاد في (و): الصَّلاة إلى.
(5)
في (و): كيلا.
أتى بما أُمر به في حال العذر، أشبه من صلَّى عُريانًا أو جالِسًا لمرض، ثمَّ قدر على السُّترة وبرئ في الوقت.
وظاهره: أنَّه لا إعادة، وهو إجماع فيما إذا وجده بعد الوقت
(1)
، وكذا إن وجده فيه على المجزوم به، لكن قال أحمد:(إذا وجد المتيمِّم الماء في الوقت فأحبُّ أن يعيد)
(2)
، وحمله القاضي على جواز الإعادة من غير فضل.
(وَالسُّنَّةُ فِي التَّيَمُّمِ: أَنْ يَنْوِيَ) استباحة ما يتيمَّم له، (وَيُسَمِّيَ) وكذا في «الوجيز» ، وعبَّر في «المحرر» و «الفروع» ب «ثُمَّ» ، وهو أولى، (وَيَضْرِبَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَةَ الْأَصَابِعِ)؛ ليدخل الغبار بينهما، وينزع خاتمه.
وعُلم منه: أنَّ الضَّرب ليس بشرط فيه
(3)
، بل القصد حصول التراب في محلِّه، فلو كان ناعِمًا فوضع يديه عليه أجزأه
(4)
، ولو أوصله
(5)
بخرقة أو بيد أو بعضها؛ جاز، ذكره جماعةٌ.
ولو
(6)
نوى وصَمَد للرِّيح حتَّى عمَّتْ محلَّ الفرض بالتراب، ذكره القاضي والشَّريف، كما لو صمد للمطر حتَّى جرى على أعضائه.
وفيه وجْهٌ: لا؛ لأنَّ الله تعالى أمر بقصد الصَّعيد والمسح به.
وفي ثالثٍ: يجزئ إن مسح بيديه.
فإن لم ينو حتَّى حصل في المحلِّ، ثمَّ مسح وجهه بغير ما عليه؛ صحَّ، وإلَّا فلا. (عَلَى التُّرَابِ) الطَّهور (ضَرْبَةً وَاحِدَةً)، لا يختلف المذهب أنَّ التَّيمُّم
(1)
ينظر: الأوسط لابن المنذر 2/ 63، الشرح الكبير 2/ 245.
(2)
ينظر مسائل حرب - الطهارة (ص 416).
(3)
قوله: (فيه) سقط من (أ).
(4)
في (أ): على أجزائه.
(5)
قوله: (ولو أوصله) هو في (أ): أو وصله.
(6)
في (أ): وكذا لو.
بضرْبة وبضربتَيْن وأكثر؛ لأنَّ المقصود إيصال التُّراب إلى محلِّ الفرض، فكيفما حصل جاز كالوضوء، وفي «المغني»: لا خلاف أنَّه لا تُسنُّ الزِّيادة على ضربتين
(1)
إذا حصل الاستيعاب بهما، والمنصوص ضربة واحدة
(2)
، وهي الواجِبُ بلا نزاع؛ لِمَا روى عَمَّار: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في التَّيمُّم: «ضربة واحدةٌ للوجه والكفَّين» رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح، وفي الصَّحيحين معناه من حديثه أيضًا
(3)
، ولأنَّه حكمٌ معلَّق على مطلق اليد، فلم يدخل فيه الذِّراع؛ لأنَّها في خطاب الشَّرع إلى الكُوع، بدليل السَّرقة والمسِّ.
لا يقال: هي مُطْلقة فيه مقيَّدة في الوضوء؛ فيحمل عليه لاشتراكهما في الطَّهارة؛ لأنَّ الحمل إنَّما يصحُّ إذا كان من نوع واحد؛ كالعتق في الظِّهار
(4)
على العتق في قتل الخطأ، والتراب ليس من جنس الوضوء بالماء، وهو يشرع فيه التَّثليث، وهو مكروه فيه، والوجه يغسل منه باطن الفم والأنف بخلافه هنا، فلا يلحق به.
(فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ، وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ) على سبيل الاستحباب، فلو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره، أو عكس، وخلَّل أصابعه فيهما؛ صحَّ.
واستيعاب الوجه والكَفَّين بالمسح؛ واجب، سوى ما يشقُّ وصول التراب إليه.
(وَقَالَ الْقَاضِي) والشِّيرازي وابن الزَّاغوني
(5)
، وهو روايةٌ: (الْمَسْنُونُ
(1)
في (و): الضربتين.
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 376، مسائل أبي داود ص 24.
(3)
أخرجه أحمد (18319)، وأبو داود (327)، وابن خزيمة (266)، وأصله في البخاري (347) ومسلم (368).
(4)
في (و): يعتق.
(5)
قوله: (وابن الزاغوني) هو في (و): والزاغوني.
ضَرْبَتَانِ، يَمْسَحُ
(1)
بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ، وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ)؛ لما روى جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في التَّيمُّم: «ضربة للوجه، وضربة للذِّراعين إلى المَرفِقَين» رواه الدَّارقطني، وإسنادُه ثقاتٌ، ورُوي أيضًا من حديث ابن عمر
(2)
، قال الشَّافعي في روايةِ الزَّعفراني
(3)
: (ابن عمر تيمَّم ضربة للوجه، وضربة إلى المرفقين
(4)
، وبهذا رأيت أصحابي يأخذون)
(5)
.
والأوَّل أولى، قال الإمام أحمد:(من قال ضربتين إنَّما هو شيءٌ زاده)
(6)
؛ يعني: لا يصحُّ، وقال الخلَّال:(الأحاديث في ذلك ضِعافٌ جِدًّا، ولم يَرْوِ منها أصحاب السُّنن إلَّا حديث ابن عمر، وقال أحمد: ليس بصحيحٍ، وهو عندهم حديثٌ منكَرٌ)
(7)
، قال الخَطَّابي: (يرويه محمَّد بن
(1)
في (أ): فيمسح.
(2)
أخرجه الدارقطني (691)، وأخرجه من حديث ابن عمر (685)، ورجح جماعة من الأئمة وقفه على جابر وابن عمر رضي الله عنهما، منهم: أبو زرعة، وأحمد، والعقيلي، والدارقطني، وروي من أوجه أخر مرفوعًا إلا أن أسانيدها شديدة الضعف. ينظر: علل ابن أبي حاتم (136)، مسائل ابن هانئ (1/ 22)، الضعفاء للعقيلي 4/ 38، التلخيص الحبير 1/ 402 - 406.
(3)
في (ب) و (و): الزاغوني.
والزعفراني: هو الحسن بن محمد بن الصباح البزار الزعفرانيّ البغدادي، كان ممن روى عن الشافعي في القديم، يقال: لم يكن في وقته أفصح منه ولا أبصر باللغة، نسبته الى الزعفرانية قرية قرب بغداد، توفي سنة 259 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 12/ 262، طبقات الشافعية 2/ 114.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (818)، وابن أبي شيبة (1673)، عن نافع: أن ابن عمر تيمم في مربد النعم، فقال بيديه على الأرض، فمسح بهما وجهه، ثم ضرب بهما على الأرض ضربة أخرى، ثم مسح بهما يديه إلى المرفقين. وإسناده صحيح.
وأخرج ابن المنذر في الأوسط (538)، والدارقطني (686)، والبيهقي في الكبرى (997)، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول:«التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة للكفين إلى المرفقين» ، وإسناده صحيح.
(5)
ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 1/ 324.
(6)
ينظر: المغني 1/ 179.
(7)
ينظر: المغني 1/ 180، وسنن أبي داود (330).
ثابِتٍ، وهو ضعيفٌ)
(1)
.
(فَيَضَعُ بُطُونَ أَصَابَعِ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى، وَيُمِرُّهَا إِلَى مِرْفَقِهِ
(2)
، وَيُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إِلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ، وَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ، وَيُمِرُّ إِبْهَامَ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ إِبْهَامِ الْيُمْنَى، وَيَمْسَحُ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى كَذَلِكَ).
لِمَا رُوي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
، ولأنَّ في ذلك خروجًا من الخلاف؛ إذْ بعضُ العلماء يوجبه، وظاهر كلامه في «الكافي»: أنَّ هذا مباحٌ.
قال في «الشَّرح» : (فإن بَقِي من محلِّ الفرْض شيءٌ لم يصله التراب؛ أمَرَّ يدَه عليه ما لم يفصِل راحتَه، فإنْ فصَلَها، وكان قد بقِي عليها غبارٌ؛ جاز أن يمسح بها، وإن لم يبقَ؛ احتاج إلى ضربة أخرى، فإن كان المتروك من
(4)
الوجه؛ مَسَحَه، وأعاد مَسْح يديه ليحصل التَّرتيب، فإن طال الفصل بينهما، وقلنا بوجوب الموالاة؛ استَأنَف التَّيمُّمَ).
(وَيَمْسَحُ إِحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى)
(5)
؛ ليُمِرَّ الترابَ بعْد الضَّرب، ولا يجب؛ لأنَّ فرضهما قد سقط بإمْرار كلِّ
(6)
واحدة على ظهر الكَفِّ.
(وَيُخَلِّلُ الْأَصَابِعَ)؛ قِياسًا على مُبدَله.
(وَمَنْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ)؛ واحد الأمْصار، أو قَطَع عدوٌّ ماءً عن بلده،
(1)
ينظر: معالم السنن للخطابي 1/ 101.
(2)
زاد في (أ): (ويدير بطن كفه إلى مرفقه).
(3)
أي: ما رواه الدارقطني من حديث جابر مرفوعًا: «ضربة للوجه، وضربة للذِّراعين إلى المَرفِقَين» ، وتقدم تخريجه قريبًا، قال في الشرح الكبير 2/ 260 عند الاستدلال على استحباب الضربتين وأن تكون الثانية إلى المرفقين:(قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تيمم بضربتين إلى المرفقين، وأقل أحوال فعله إذا لم يدل على الإيجاب الاستحباب).
(4)
في (أ): في.
(5)
زيد في (و): استحبابًا
(6)
قوله: (كل) ضرب عليها في (و).
وعدِم؛ (صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ)؛ لأنَّه عادِمٌ للماء أشْبه المسافِرَ، (وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ)؛ لأنَّه أدَّى فرضَه بالبدَل، فلم يكن عليه إعادةٌ؛ كالمسافِر.
(وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ)؛ نقَله الجماعةُ
(1)
؛ لأنَّ الله تعالى إنَّما أباحَه عند عدَم الماء، وهذا واجِدٌ له كسائر الشروط، وخروج وقت الاختيار؛ كخروج الوقت، قاله ابن تميم.
(وَلَا الْجَنَازَةِ) هذا أظهر الرِّوايتين؛ لما قلناه.
(وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلْجَنَازَةِ)؛ رُوي عن ابن عمر
(2)
وابن عبَّاس
(3)
وجَمْعٍ
(4)
؛ لأنَّه لا يمكن استدراكها بالوضوء، أشبه العادِم، والمراد به: فوتُها مع الإمام، قاله القاضي وغيره.
قال جماعةٌ: وإن أمكنه الصَّلاة على القبر؛ لكثرة وقوعه، فتعظم المشقَّة.
وظاهره: أنَّه لا يُتيمَّم لعيد ونحوه، وهو كذلك، صرَّح به جماعة.
وعنه: يجوز لفَوت العيد، وسجود التِّلاوة، واختار الشَّيْخ تقِيُّ الدِّين:
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 38.
(2)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (563) والدارقطني (775)، والبيهقي في المعرفة (1672)، عن ابن عمر:«أنه أُتي بجنازة وهو على غير وضوء، فتيمم وصلى عليها» ، وأعله البيهقي، وضعفه النووي. ينظر: معرفة السنن 2/ 44، الخلاصة 1/ 224.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (11467)، وابن المنذر في الأوسط (562)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (549)، والبيهقي في المعرفة (1677)، عن مغيرة بن زياد، عن عطاء، عن ابن عباس، قال:«إذا خفت أن تفوتك الجنازة، وأنت على غير وضوء، فتيمم وصلِّ» ، ومغيرة بن زياد صدوق له أوهام، وقد أنكر عليه يحيى بن سعيد وأحمد بن حنبل وابن معين والبيهقي هذا الأثر، واحتج إسحاق بن راهويه بهذا الأثر كما في مسائل الكوسج.
ينظر: العلل لعبد الله 3/ 35، مسائل الكوسج 2/ 395، تاريخ دمشق لابن عساكر 60/ 12، الخلاصة 1/ 224.
(4)
قال ابن المنذر في الأوسط 2/ 70: (وبه قال النخعي، والحسن، والزهري، والليث، وسعد بن إبراهيم، ويحيى الأنصاري، وربيعة، وسفيان، وإسحاق وأصحاب الرأي).
والجمعة، قال:(وهو أولى من الجنازة؛ لأنَّها لا تُعاد)
(1)
، وجعلها القاضي وغيره أصلاً للمنع.
قال ابن حامد: والسُّجود يُخرَّج على الجنازة، قال ابن تميم: وهو حسَن.
وعلى الأوَّل: لو وصل مسافِرٌ إلى بئر ماء، وعليه
(2)
ضاق الوقت، أو علم أنَّ النَّوبة لا تصل إليه إلَّا بعده، أو علمه قريبًا وخاف فوت الوقت؛ أنَّه كقدرته على ماء بئر بثوب يبلُّه ثمَّ يعصره، فإنَّه يلزمه إن لم تنقص قيمته أكثر من ثمن الماء، ولو خاف الوقت، وقيل: بلى، فيستثنى
(3)
.
واختار الشَّيخ تقي الدِّين فيمن يمكنه الذَّهاب إلى الحمَّام، لكن لا يمكنه الخروج إلَّا بفوات الوقت؛ كالمرأة معها أولادُها، ولا يمكنها أن تخرج حتَّى تغسلهم: تتيمَّم وتصلِّي خارج الحمّام؛ لأنَّ الصَّلاة بعد الوقت منهيٌّ عنه
(4)
.
فرع: إذا تعذَّر عليه غُسلٌ مسنونٌ؛ كجمعة، فهل يُسنُّ التَّيمُّم عنه؟ على وجهين، وذكر ابن تميم أنَّ المنصوص: أنَّه يُشرع في غير الإحرام، وصحَّح في «الشَّرح»: أنَّه لا يُسنُّ عن غسل الإحرام؛ لأنَّه غُسل غيرُ واجبٍ، فلم يُستحبَّ التَّيمُّمُ عند عدَمه؛ كالجمعة.
(وَإِنِ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ، فَبُذِلَ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدَهُمْ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ؛ فَهُوَ لِلْمَيِّتِ)، جزم به في «الكافي» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» وغيرِه؛ لأنَّ القصد من غسل الميت تنظيفه، ولا يحصل بالتَّيمُّم، والحيُّ يقصد بغسله إباحة الصَّلاة، وهو يحصل بالتُّراب.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 439 - 156، الفروع 1/ 290.
(2)
في (أ) و (ب): وقد.
(3)
في (ب) و (و): ويستثنى.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 447.
فعلى هذا: إن فَضَل منه شيءٌ كان لورثته
(1)
، فإن لم يكن حاضرًا، فللحيِّ أخذُه لطهارته بثمنه في موضعه؛ لأنَّ في تركه إتلافَه، أمَّا إذا احتاج الحيُّ إليه لعطش؛ فهو مقدَّم في الأصحِّ.
(وَعَنُهُ: أَنَّهُ لِلْحَيِّ)، اختارها الخلَّال؛ لأنَّه يستفيد ما لا يستفيده الميِّت من القراءة ومسِّ المصحف ونحوها.
(وَأيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ):
أحدهما: تقدَّم الحائض، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأنَّها تقضي حقَّ الله تعالى وحقَّ زوجها في إباحة وطئها.
والثَّاني: يقدَّم الجنب، قدَّمه في «الرعاية» ؛ لأنَّ غسله ثابت بصريح القرآن، بخلاف غسلها.
وفي ثالثٍ: يقدَّم الرَّجل، ذكره في «الشَّرح» ؛ لأنَّه يَصلُح إمامًا لها، وهو مفضَّل عليها.
وفي رابعٍ: يقسم بينهما؛ أي: إذا احتملها.
وفي خامسٍ: يُقرَع.
فإن كان على أحدهم نجاسةٌ، سواءٌ كانت على ثوبه أو بدنه؛ فهو أولى؛ لأنَّ طهارة الحدث لها بدَلٌ، بخلاف النَّجاسة، وتُقدَّم نجاسة ثوبه على نجاسة بدنه، ونجاسة بدنه على نجاسة السَّبيليْن
(2)
.
وقيل: الميِّت أولى، اختاره المَجْد وحفيدُه
(3)
.
ويُقدَّم جنُبٌ على محدِث. وقيل: سواءٌ. وقيل: المحدث إلَّا أن يكفي
(1)
في (و): لوارثه.
(2)
في (ب) و (و): الثقيلين.
(3)
ينظر: شرح العمدة 1/ 455، الفروع 1/ 313.
من تطهُّر
(1)
به منهما، وإن كفاه فقط قُدِّم، وقيل: الجنب.
فإنْ تطهّر به
(2)
غيرُ الأَولى كان مسيئًا مع صحَّة طهارته، ذكره في «الشَّرح» و «الفروع» ؛ لأنَّ الآخَر لم يملكه، وإنَّما قُدِّم لشدَّة حاجته.
وعند الشَّيخ تقيِّ الدِّين: أنَّ هذه المسائل في الماء المُشترَك
(3)
، وهو ظاهر ما نقل عن أحمد
(4)
.
وإن وجد الماء في مكان؛ فهو للأحياء؛ لأنَّه لا وجدان للميِّت.
(1)
قوله: (في تطهر) هو في (و): من يطهر.
(2)
في (أ): لأن تطهره.
(3)
في (أ): المشترى.
(4)
ينظر: شرح العمدة 1/ 456، الاختيارات ص 37.
(بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ)
كذا عبَّر في «الوجيز» ، والمرادُ به: تطهيرُ موارد الأنجاس الحكميَّة.
(لَا يَجُوزُ إِزَالَتُهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ)، هذا هو المذهب؛ لما روت أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، كيف تصنع؟ قال:«تحتُّه، ثمَّ تقرصه بالماء، ثمَّ تنضحه، ثمَّ تصلِّي فيه» متَّفق عليه
(1)
، وأمر بصبِّ ذَنوب من ماء فأُهَريق على بول الأعرابي
(2)
، ولأنَّها طهارة مشترطة، أشبهت طهارة الحدث.
فعلى هذا: لا بدَّ من كونه طَهورًا، فتكون اللام فيه للعهد، فلا تُزَال بطاهر ولا مباح
(3)
على الأصحِّ
(4)
.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُزَالُ بِكُلِّ مَائِعٍ
(5)
طَاهِرٍ مُزِيلٍ؛ كَالْخَلِّ)، اختارهُ ابن عَقِيل والشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّين
(6)
؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أطلق الغَسل في حديثِ الوُلوغ
(7)
، فتقييدُه بالماء يفتقِر إلى دليلٍ، ولأنَّه مائع
(8)
طاهر مزيل أشبه الماء، (وَنَحْوِهِ)؛ كماء الوَرْد، والشجَر.
وقيل: يُزال بماءٍ طاهِرٍ، لا بِخَلٍّ ونحوه.
(1)
أخرجه البخاري (227)، ومسلم (291).
(2)
سبق تخريجه 1/ 31 حاشية (3).
(3)
كتب على هامش الأصل: (لعله: غير).
(4)
كتب على هامش الأصل: (مراد المصنف والله أعلم بقوله: "أنَّه لا تزال النَّجاسة لا بطاهر ولا غير مباح" يعني: لا بطهور مباح، انتهى).
(5)
قوله: (مائع) سقط من (أ).
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 475، الاختيارات ص 38.
(7)
سيأتي ذكره قريبًا.
(8)
قوله: (مائع) سقط من (ب) و (و).
واختار ابن حَمْدانَ: أنَّا إن قُلْنا: لا يَنْجُسُ كثيرُ خَلٍّ وماءِ وَرْدٍ ونحوِهما بدون تغيُّره بنجاسة تلاقيه؛ جازت إزالتها به، وإلَّا فلا.
وذكر جماعةٌ: أنَّه يجوزُ استعمال خلٍّ ونحوِه في الإزالة تخفيفًا
(1)
، وإن لم يطهُر.
وظاهره: أنَّ ما لا يزيل؛ كالمَرَق واللَّبن؛ أنَّها لا تُزال به، وهو كذلك.
ولا بطعامٍ وشرابٍ
(2)
؛ لإفْساد المال.
وأنَّه لا يُعتبر لها النِّيَّة. وقيل: بلى. وقيل: في بَدَنٍ.
وفي «الانتصار» : في طهارته بِصَوبِ الغَمام وفِعْل مجنونٍ وطِفلٍ احتمالان.
ولا يُعقَل للنَّجاسة معنًى، ذكره ابن عقيل وغيره.
(وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ) ومتولِّدٍ من أحدهما؛ لما رَوى أبو هريرة مرفوعًا قال: «إذا ولَغ الكلبُ في إناء أحدكم فليغسله سَبْعًا» متَّفق عليه، ولمسلمٍ:«فليُرِقْه، ثمَّ ليغسله سبعَ مرار» ، وله أيضًا:«طُهور إناء أحدكم إذا ولَغ الكلبُ فيه أن يغسله سبْع مرات، أولاهنَّ بالتراب»
(3)
، ولو كان سُؤرُه طاهِرًا؛ لم تَجُز
(4)
إراقتُه، ولا وجب غسله، والأصل وجوبه عن نجاسة، ولم يُعْهَد التعبد إلَّا في غسل البدن، والطهور لا يكون إلَّا في محلِّ الطَّهارة، ولأنَّه لو كان تعبُّدًا؛ لما اختص الغسل بموضع الولوغ؛ لعموم اللَّفظ في الإناء كله.
وعنه: طهارة شعرٍ، اختاره أبو بكر والشَّيخ تقيُّ الدِّين
(5)
.
(1)
في (و): تحقيقًا.
(2)
في (و): ولا بشراب.
(3)
أخرجه البخاري (172)، ومسلم (279).
(4)
في (أ) و (و): يجز.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 38، الاختيارات ص 38.
وعنه: طهارة سؤرهما، واحتجَّ بعضهم على طهارته بقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المَائدة: 4]، ولم يأمر بغسل أثَرِ فَمِه.
وجوابُه: أنَّ الله تعالى أمر بأكله، ورسوله عليه السلام أمر بغسِله، فيُعمل بأمرهما، وإن سلَّمنا أنَّه لا يجب غسله؛ فلأنَّه يشقُّ، فعُفِيَ عنه.
(سَبْعًا) مُنقِيةً إذا كانت على غير الأرض؛ لما ذكرنا
(1)
.
وعنه: يغسل ثمانيًا بترابٍ؛ لما روى عبد الله بن مغفل، مرفوعًا:«فاغسلوه سَبْعًا، وعفِّروه الثَّامِنةَ بالترابِ» رواهُ مسلمٌ
(2)
، وحُمل على أنَّه عدَّ الترابَ ثامِنَةً لكونه
(3)
جِنسًا آخَرَ.
وعنه: اختصاص العدد بالولوغ.
وعنه: لا يجب العددُ في غير الآنية.
وإذا ثبت هذا في الكلبِ، فالخنزيرُ شرٌّ منه؛ لنصِّ الشارِع على تحريمه وحرمةِ اقتنائِه، فثبت الحكمُ فيه بطريق التَّنبيه، وإنَّما لم يَنُصَّ الشَّارعُ عليه؛ لأنَّهم لم يكونوا يعتادونه.
ولم يذكر أحمد في الخنزير عددًا.
وعنه: لا يُعتبَر فيهما عدد، ذكره القاضي في «شرح المذهب» .
(إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)؛ أي: يجعله في أيِّ غسلة شاء، والأَوْلى جَعله في الأُولى؛ للخبر، وليأتيَ الماء بعده فينظِّفه. وعنه: في الأخيرة. وعنه: إنْ غسله ثمانيًا. وعنه: سواءٌ.
وظاهره: يجب الترابُ، وهو كذلك. وفيه وجهٍ: في الآنِية فقط. وعنه: يُستحبُّ مطلقًا، ويُعتبر كونُه طَهورًا، وقيل: أو طاهرًا.
(1)
في (أ): ذكر.
(2)
أخرجه مسلم (280).
(3)
في (و): لكونها.
ولا يكفي ذرُّه على المحلِّ، بل لا بدَّ من مائع يُوصِلُه إليه، وظاهِرُ كلامِ جماعة: يكفي
(1)
، ويُتْبِعُه الماءَ، قال في «الفروع»: وهو أظهر.
(فَإِنْ جَعَلَ مَكَانَهُ أُشْنَانًا أَوْ نَحْوَهُ)؛ كصابُون ونُخالة، قال بعضهم: أو غَسَله غسلةً زائدةً؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما، - وهو المذهب -: يجزئه؛ لأنَّ نصَّه على التُّراب تنبيه على ما هو أبلغ منه في التَّنظيف.
والثَّاني: لا
(2)
؛ للنَّصِّ عليه، فلم يقم غيرُه مقامَه؛ كالتَّيمُّم.
وفي ثالثٍ: إِنْ عَدِمَه أو انْضَرَّ
(3)
المغسولُ به؛ أجزأه، وإلَّا فلا.
وفي رابعٍ: يجزئ بغير الغسلة الزَّائدة؛ لأنَّ الأمر بالتُّراب معونةٌ للماء في قطع النَّجاسة، أو للتَّعبد، ولا يحصل بالماء وحده، وهو اختيار المؤلِّف، وصحَّحه في «الشَّرح» .
تنبيه: إذا ولغ في الإناء كلابٌ
(4)
، أو أصاب المحلَّ نجاساتٌ متساويةٌ في الحكم؛ فهي كنجاسة واحدة، وإلَّا فالحكم لأغلظها، فلو ولغ فيه فغسل دون السَّبع، ثمَّ ولغ فيه مرَّة أخرى؛ غُسِل
(5)
، ويغسل ما نجُس ببعض الغسلات ما بقي بعد تلك الغسلة؛ لأنَّ المنفصل كالبلَل الباقي، وهو يطهر بباقي العدد، كذلك هنا.
ثمَّ إن كانتِ انفصلتْ عن محلٍّ غُسل بالتُّراب؛ غسل محلّها بغير تراب، وإلَّا غسل به
(6)
، وظاهر الخِرَقيِّ، واختاره ابن حامِدٍ: أنَّه يغسل سبْعًا بتراب؛
(1)
زاد في (و): ذره.
(2)
زاد في (و): يجزئه.
(3)
قوله: (عدمه أو انضر) هو في (و): أبصر.
(4)
في (أ): كلب.
(5)
زاد في (ب) و (و): سبعًا.
(6)
على حاشية (و): (هذا اختيار القاضي، قال في الشرح: وهو أصح إن شاء الله تعالى).
لأنَّها نجاسة كلب.
ويعتبر استيعاب المحلِّ به إلَّا فيما يَضُرُّ، فيكفي مُسمَّاهُ في الأشْهَر.
(وَفِي سَائِرِ)؛ أي: باقي (النَّجَاسَاتِ) حتَّى محلِّ الاِستنجاء؛ (ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ):
(إِحْدَاهُنَّ: يَجِبُ غَسْلُهَا سَبْعًا)، نقله واختاره الأكثر؛ لقول ابن عمر:«أُمرنا أن نغسل الأنجاس سبْعًا»
(1)
، فينصرف إلى أمره صلى الله عليه وسلم وقد أمر به في نجاسة الكلب، فيَلحَق به سائر النَّجاسات؛ لأنَّها في معناها، والحُكْم لا يختص بمَورد النَّصِّ، بدليل إلحاق البدن والثَّوب به، والعَرَقِ والبَولِ للرِّيق.
(وَهَلْ يُشْتَرَطُ التُّرَابُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:
أحدهما: يُشتَرَط، اختاره الخِرَقي؛ لأنَّها مقيسة
(2)
، والفرع يأخذ حكم الأصل.
والثَّاني: لا، وهو اختيار المجْد؛ قصرًا له على مَورد النَّصِّ، أو لأنَّ ذلك لِلُزُوجَةٍ في ولوغ الكلب، قال في «الشَّرح»:(وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّه غير موجود في نجاسة الكلب غير الولوغ، وقد قالوا بوجوب التُّراب فيه).
(وَالثَّانِيَةُ: ثلاثًا) مُنقية، اختارها المؤلِّف، وقدَّمها ابن تميم، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّه عليه السلام أمر القائم من نوم اللَّيل أن يغسل يديه ثلاثًا؛ معلِّلًا بوهْم النَّجاسة، ولا يزيل وَهْم النَّجاسة إلَّا ما يزيل نفسَها، ولأنَّه إذا اكتفى بثلاثة أحجار في الاستجمار، فالاجتزاء بثلاث غسلات أولى؛ لأنَّه أبلغ، وعليها: إذا غسله زائدًا على الثَّلاث، فالزَّائد طَهور في الأصحِّ.
(1)
قال الألباني: (لم أجده بهذا اللفظ)، وأخرج أحمد (5884)، وأبو داود (247)، عن ابن عمر أنه قال:«كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسًا، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة» . وضعفه ابن الجوزي والذهبي. ينظر: الإرواء 1/ 186.
(2)
زيد في (و): على الأصحِّ.
(وَالثَّالِثَةُ: تُكَاثَرُ بِالمَاءِ) حتَّى تزول العَين (مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ)، اختارها في «المغني»
(1)
، و «الطَّريق الأقرب»
(2)
، وجزم بها في «الوجيز» في محلِّ الاستِنجاء؛ لقوله عليه السلام في دم الحيضة: «فلتقرُصه
(3)
، ثمَّ لتنضَحْه بالماء»
(4)
، وقال في آنية المجوس:«إن لم تجدوا غيرَها فاغسلوها بالماء»
(5)
ولم يَذكُرْ عددًا، ولو كان واجبًا لذكره في جواب السَّائل عن التَّطهير؛ لأنَّه وقت حاجة.
فعلى الأشهر: يغسل محل الاستنجاء سبْعًا كغيره، صرَّح به القاضِي والشِّيرازيُّ وابن عَقيل، ونصَّ عليه أحمد في رواية صالح
(6)
.
لكنْ نصَّ في رواية أبي داود
(7)
، واختاره في «المغني»: أنَّه لا يجب فيه عددٌ؛ اعتِمادًا على أنَّه لم يصحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك، لا من قوله ولا من فعله، ويؤيِّده: أنَّه لا يشترط فيه تراب، وبه قطع المؤلِّف وابن تميم وغيرهما.
وعنه: لا عدد في بدن.
وعنه: يجب في السَّبيل من نجاسة ثلاثًا، وفي غيره سَبْعًا.
(كَالنَّجَاسَاتِ كُلِّهَا)، سواءٌ كانتْ بَولاً أو خمرًا أو نجاسة كلب وخنزير،
(1)
زاد في (و): (وهذا مذهب الشافعي). وينظر: الحاوي الكبير 1/ 313، البيان 1/ 348.
(2)
هو كتاب ليوسف بن عبد الرحمن، ابن الجوزي، ولد أبي الفرج ابن الجوزي، له من المصنفات أيضًا: المذهب الأحمد في مذهب الإمام أحمد، وهذان الكتابان من مصادر المرداوي في الإنصاف، توفي سنة 656 هـ بسيف التتار. ينظر: ذيل الطبقات 4/ 20، المقصد الأرشد 3/ 137.
(3)
في (و): فليقرضه.
(4)
سبق تخريجه 1/ 347 حاشية (1).
(5)
ورد ذكر المجوس في حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه عند أحمد (6725)، وأبي داود (2857)، والترمذي (1560)، وصححه الألباني، وأصله في البخاري (5487)، ومسلم (1930) بلفظ:(أهل كتاب)، وليس فيه ذكر المجوس.
(6)
ينظر: مسائل صالح 1/ 164.
(7)
ينظر: مسائل أبي داود ص 10.
(إِذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ)، وما اتَّصل بها من الحِيطان والأحواض؛ فالواجب مكاثرتها بالماء؛ لما روى أنس قال: جاء أعرابي، فبال في طائفة المسجد، فقام إليه الناس ليقعوا به، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«دعوه، وأريقوا على بَوله سَجْلاً من ماء، أو ذَنوبًا من ماء» متَّفق عليه
(1)
، ولو لم يَطهُر بذلك لكان تكثيرًا للنَّجاسة، ولأنَّ الأرضَ مَصابُّ الفضَلات، ومطارِحُ الأقذار، فلم يُعتبر فيه عددٌ؛ دفْعًا للحرَج والمشقَّة.
والمراد بالمكاثرة: صبُّ الماء على النَّجاسة حتَّى يغمرها بحيث يذهب لونها وريحها، فإن لم يذهبا لم تطهر
(2)
، وإن كان ممَّا لا يُزال إلَّا بمشقَّة سقط؛ كالثوب، ذكره في «الشرح» .
وكذا حكمها إذا غُمرت بماء المطر والسيول؛ لأنَّ تطهير النَّجاسة لا تُعتبر
(3)
فيه النِّيَّة، فاستوى ما صبَّه الآدمي وغيره.
تذنيب:
يجب الحتُّ والقَرص، قال في «التَّلخيص» وغيرِه: إن لم يتضرَّر المحلُّ بهما.
ولا يَضرّ بقاء لونٍ أو ريحٍ، أو هما عَجْزًا في الأصحِّ، ويَطْهر، بلْ بقاءُ طعمِها في الأصحِّ.
وقال القاضي: بقاء أثر النَّجاسة بعد استيفاء العدَد معفوٌّ عنه.
ويُعتَبَرُ العَصر في كلِّ غسلة مع إمكانه فيما يتشرَّب
(4)
النَّجاسة، أو دَقه وتقليبه
(5)
، أو تثقيله.
(1)
سبق تخريجه 1/ 31 حاشية (3).
(2)
في (أ) و (و): يطهر.
(3)
في (و): يعتبر.
(4)
في (و): يشرب.
(5)
في (أ): تنقيله.
وجفافُه كعصره في الأصحِّ.
وغمسه
(1)
في ماء كثير راكِد؛ لم يطهر حتَّى ينفصل عنه ويعاد إليه العدد المعتبر، وقيل: يكفي تحريكه وخَضْخضتُه فيه.
وفي «المغني» و «الشَّرح» : أن تمرَّ
(2)
عليه أجزاء لم تُلاقِه؛ كما لو مرَّت عليه جَرَيات في الماء الجاري.
وإن عصَر ثوبًا في ماء ولم يَرفعْه منه، فغسله
(3)
؛ ينبني
(4)
عليها، ويطهر.
وإذا غمس ثوبًا نجِسًا في ماءٍ قليلٍ؛ نجَّس الماء ولم يطهر، ولا يعتدُّ بها غسلة، وإن وضعه فيه، ثمَّ صب عليه الماء فغمره، ثمَّ عصره مِرارًا معتبرة طهُر، نصَّ عليه
(5)
؛ لأنَّه وارِد؛ كصبِّه عليه في غير الإناء
(6)
.
(وَلَا تَطْهُرَ الْأَرْضُ النَّجِسَةِ بِشَمْسٍ وَلَا رِيحٍ) ولا جفاف؛ لأنَّه عليه السلام أمر بغسل بول الأعرابي
(7)
، ولو كان ذلك يطهر لاكتفى به، ولأنَّ الأرض محلٌّ نجَسٌ، فلم يطهر بالجفاف؛ كالثِّياب.
واختار المجْد وغيره: يطهر إذا ذهب أثر النَّجاسة.
وقيل: وغيرها، ونصَّ عليه في حبل غسيل
(8)
، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(9)
.
(1)
في (و): وغسله.
(2)
في (و): يمر.
(3)
زيد في (و): منه.
(4)
في (أ): بُني.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 11.
(6)
قوله: (في غير الإناء) هو في (أ): من غير إناء.
(7)
سبق تخريجه 1/ 31 حاشية (3).
(8)
ينظر: الفروع 1/ 324.
(9)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 479، الاختيارات ص 39.
لا يقال: جَفاف الأرض طُهورها، مستدلِّين بحديث ابن عمر:«كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشُّون شيئًا من ذلك» رواه أحمد وأبو داود بإسناد على شرط البخاريِّ؛ لأنَّه
(1)
في البخاريِّ تعليقًا، وليس فيه «تبول»
(2)
، مع أنَّه يحتمل
(3)
أنَّها كانت تبول ثمَّ تقبل وتدبر في المسجد، فيكون إقبالها وإدبارها بعد بولها.
(وَلَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ بِالاِسْتِحَالَةِ)؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجَلَّالةِ وألبانِها»
(4)
؛ لأكلها النَّجاسة، ولو طهر بالاِستحالة لم ينه عنه
(5)
، فعلى هذا: إذا
(6)
وقع كلب في ملَّاحة فصار ملحًا، أو أُحرق السِّرجين النَّجِس فصار رَمادًا؛ فهو نجِس.
وعنه: يطهر، وذكرها في «الشَّرح» تخريجًا؛ قياسًا على جلود الميْتة إذا دبغت، فحيوان متولِّد من نجاسة؛ كدود الجروح والقروح، وصراصر الكَنيف؛ طاهر، لا مطلقًا، نصَّ عليه
(7)
.
(1)
في (و): ولأنه.
(2)
أخرجه البخاري معلقًا (174)، وأحمد (5389)، وأبو داود (382)، وابن خزيمة (300)، وابن حبان (1656)، قال ابن حجر:(وهذه اللفظة الزائدة ليست في شيء من نسخ الصحيح، لكن ذكر الأصيلي أن في رواية إبراهيم بن معقل النسفي: «تبول وتقبل وتدبر»). ينظر: تحفة الأشراف للمزي 5/ 340، فتح الباري 1/ 278 - 279، تغليق التعليق 2/ 109.
(3)
كتب على حاشية (و): (قلت: هذا الاحتمال فيه بُعْد؛ إذ كل أحد يعلم أن الكلاب كانت تبول قبل دخولها المسجد).
(4)
أخرجه أبو داود (3785، 3786)، والترمذي (1824، 1825)، من حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، ووقع اختلاف في بعض طرقه، وصححه الترمذي، وابن دقيق العيد، وابن عبد الهادي، وغيرهم. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 670، التلخيص الحبير 4/ 383، الإرواء 8/ 149.
(5)
في (و): فعنه.
(6)
في (أ) و (ب): لو.
(7)
ينظر: الفروع 1/ 324.
وذكر بعضهم روايتين في نجاسةِ وجهِ تَنُّورٍ سُجِر بنجاسة
(1)
، ونقل الأكثر:(يغسل)
(2)
، ونقل ابن أبي حرب
(3)
: (لا بأس)
(4)
.
وعليهما يخرَّج عمل زيت نجس صابونًا، وتراب جبل بروث حمار، فإن لم يستحِلْ؛ عُفِي عن يسيره في رواية.
وذكر الأزَجي: إن نجس التنور بذلك؛ طهر بمسحه بيابس، وإن
(5)
مسح برطب؛ تعيَّن الغسل، وحمل القاضي قول أحمد: يسجر التَّنور مرَّة أخرى، على ذلك.
فرعٌ: القصرمل
(6)
ودخان النَّجاسة وغبارها نجس على الأوَّل لا الثَّاني، وكذا ما تصاعد من بخار الماء النَّجس إلى الجسم الصَّقيل، ثمَّ عاد فقطر، فإنَّه نجس على الأوَّل؛ لأنَّه نفس الرُّطوبة المتصاعدة، وإنَّما يتصاعد في الهواء كما يتصاعد بخار الحمَّامات، وبخار الحمَّامات طَهور.
(إِلَّا الْخَمْرَةَ)، هي مأخوذة من خَمَر إذا ستر، ومنه خمار المرأة، وكل شيء غطَّى شيئًا فقد خمَّره، ومنه:«خمِّروا آنيتكم»
(7)
، والخمر
(8)
يخمِّر
(1)
في (و): بنجاسته.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 136.
(3)
هو محمد بن النقيب بن أبي حرب الجرجرائي. قال الخلال: كان أحمد يكاتبه ويعرف قدره، عنده عن أبي عبد الله مسائل مشبعة كنت سمعتها منه. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 331، المقصد الأرشد 2/ 528.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 325.
(5)
في (و): فإن.
(6)
القصرمل: ما ينتج عن مزج الرماد مع التراب ويستخدم في بناء الجدران. ينظر: قراءة معمارية في السجلات العثمانية (ر).
(7)
أخرجه البخاري (5623)، ومسلم (2012)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(8)
زيد في (ب): ما.
العقل؛ أي: يغطِّيه ويستره، وهي نجِسةٌ إجماعًا، لكن خالف فيه اللَّيْث وربيعة وداود
(1)
، وحكاه القرطبي عن المزني، فقالوا بطهارتها
(2)
.
واحتجَّ بعضهم للنَّجاسة: بأنَّه لو كانت طاهرة لفات الامتنان بكون شراب الجنَّة طَهورًا؛ لقوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسَان: 21]؛ أي: طاهرًا، وعلَّله في «الشَّرح»: بأنَّه يحرم تناولها من غير ضرر؛ أشبه الدم.
(إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا) فإنَّها تطهر في المنصوص
(3)
، وفي «الشَّرح»: (لا نعلم
(4)
فيه خلافًا؛ لأنَّ نجاستَها لشدَّتها المُسكِرة، وقد زالت من غير نجاسة خلَفتها
(5)
، فوجب أن تطهر
(6)
كالماء).
لا يقال: حكم سائر النَّجاسات كذلك؛ أي: تطهر
(7)
بالاِستحالة؛ لأنَّ نجاستها لِعَينِها، والخمرة نجاستها لأمر زال بالاِنقلاب.
والنَّبيذ كذلك، وخالف القاضي فيه؛ لأنَّ فيه
(8)
ماءً نجِسًا.
ودنُّها
(9)
مثلها، قاله الأصحاب.
(وإنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَطْهُرْ) في ظاهِر المذهب؛ لما رَوى التِّرمذيُّ: أنَّ أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمْرًا، فقال:«أهرقها» ، قال: أفلا
(1)
زيد في (و): (فعلى هذا؛ لا تكون نجسة إجماعًا مع وجود الخلاف، إلا أن يريد بالإجماع إجماع أهل المذاهب الأربعة).
(2)
ينظر: تفسير القرطبي 6/ 288، المغني 9/ 171، المجموع 2/ 563.
(3)
ينظر: مسائل صالح 1/ 129، مسائل عبد الله ص 433.
(4)
في (و): يعلم.
(5)
في (و): خلفها.
(6)
في (و): يطهر.
(7)
في (ب) و (و): يطهر.
(8)
قوله: (لأنَّ) سقط من (ب) و (و).
(9)
في (أ): ودونها.
أخلِّلها؟ قال: «لا»
(1)
، ولو جاز التَّخليلُ لم ينْهَه عنه، ولم يُبِحْ إراقته، وعلى هذا يحرم تَخليلها فلا تَحلُّ
(2)
.
ففي النَّقل أو التَّفريغ
(3)
من محلٍّ إلى آخَرَ، أو إلقاء جامد فيها؛ وجهان.
(وَقِيلَ: تَطْهُرُ)، وهو
(4)
رواية؛ لأنَّ علَّة التَّحريم زالت، فعلى هذا يجوز، وعنه: يكره، وعليهما تَطْهُر، وفي «المستوعب»: يُكرَه، وأنَّ عليها لا تطهر على الأصحِّ.
وفي إمساك خمر ليصير خلًّا بنفسه أوجُهٌ، ثالثُها: يجوز في خمرةِ خلَّال، وهو أظهر، فتترك
(5)
حينئذ، فعلى هذا تصير هذه الخمرة محترمة، وعلى المنع تطهر على الأصحِّ.
وإن اتخذ عصيرًا للخمر فلم يتخمَّر وتخلَّل بنفسه؛ ففي حلِّه الخلاف.
واقتضى ذلك: أنَّ الحشِيشة المسكرة طاهرة
(6)
. وقيل: نجسة. وقيل: إن أُميعت.
فائدة: الخَلُّ المباح: أن يصبَّ على العنب أو العصير خلٌّ قبل غلَيانه حتَّى لا يَغلِيَ، نقله الجماعة، قيل له: صُبَّ عليه خَلٌّ فغلى، قال: يُهراق
(7)
.
تنبيه: لا يطهر إناء
(8)
تَشَرَّب نجاسةً بغسله، نصَّ عليه. وقيل: بلى، إن
(1)
أخرجه مسلم (1983)، والترمذي (1294)، من غير ذكر خبر أبي طلحة والأيتام، وأخرجه بسياق المصنف أحمد في مسنده (13732).
(2)
قوله: (تخليلها فلا تحل) هو في (أ): التخليل فلا تحل.
(3)
في (أ): والتفريغ.
(4)
في (أ): وهي.
(5)
في (و): فيترك.
(6)
زاد في (ب): (وفاقًا للشافعي). ينظر: مغني المحتاج 1/ 225.
(7)
ينظر: مسائل أبي داود ص 347، مسائل صالح 2/ 142.
(8)
قوله: (إناء) سقط من (و).
لم يبقَ للنَّجاسة أثَر. وقيل: بل ظاهره
(1)
.
ومثله سكِّين سقيت ماء نجِسًا.
ولا يطهر باطن حَبٍّ نُقِع في نجاسة بغسله، نصَّ عليه
(2)
، وقيل: بلى، كظاهره
(3)
، فينقع ويجفَّف مرارًا كعجين. وقيل: كلُّ مرَّة أكثر من مدَّة إقامته في الماء النَّجس
(4)
.
وإن طُبخ لحمٌ بماء نجِس؛ طهر ظاهره بغسله. وعنه: وباطنه، فيُغْلَى في ماءٍ طَهور كثير، ويجفَّف مِرارًا. وقيل: إن تشرَّبه اللَّحم لم يَطْهُر بحال.
ولا يطهر جسم صقيل بمسحه على الأصحِّ.
وعنه: تطهر سِكِّينٌ من دم الذَّبيحة فقط.
(وَلَا تَطْهُرُ الْأَدْهَانُ النَّجِسَةُ) بغسلها في ظاهِر المذهب
(5)
؛ لأنَّه لا يتحقَّق وصول الماء إلى جميع أجزائه، ولو تحقَّق ذلك لم يأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بإراقة السَّمْن الذي وقعت فيه الفأرة
(6)
.
واستثنى ابنُ عَقيل: الزِّئْبَقَ؛ لأنَّه لقُوَّته وتماسُكه يجري مجرى الجامِد، وبعَّده ابن حمدان.
(1)
في (و): كظاهره.
(2)
في المغني 1/ 29: (قيل لأحمد في سمسم نقع في تيغار، فوقعت فيه فأرة، فماتت؟ قال: لا ينتفع بشيء منه. قيل: أفيغسل مرارًا حتى يذهب ذلك الماء؟ قال: أليس قد ابتل من ذلك الماء؛ لا ينقى منه وإن غسل).
والتيغار: عامي، وعاء من خزف. ينظر: معجم متن اللغة 1/ 398.
(3)
قوله: (ومثله سكين) إلى قوله: (وقيل: بلى، كظاهره) سقط من (و).
(4)
زيد في (و): وفاقًا للشافعي.
(5)
زيد في (و): وفاقًا للأئمة الثلاثة.
(6)
أخرجه البخاري (5538)، عن ميمونة رضي الله عنها: أن فأرة وقعت في سمن، فماتت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال:«ألقوها وما حولها، وكلوه» .
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَطْهُرُ مِنْهَا بِالْغَسْلِ مَا يَتَأَتَّى غَسْلُهُ)؛ كزَيت ونحوه؛ لأنَّ غسله ممكِنٌ؛ لكون الماء يختلط بجميع أجزائه، فطهر به كالجامد، والخَبر السَّابق واردٌ في السَّمن، وهو لا يمكن غسله؛ لأنَّه يجمد.
وطريق تطهيره: أن يجعل في ماء كثير، ويحرك حتَّى يصيب جميع أجزائه، ثمَّ يترك حتَّى يعلوَ على الماء فيؤخذ، وإن تركه في جَرَّة وصَبَّ عليه ماءً، وحرَّكه فيه، وجعل لها بزالًا يخرج منه الماء؛ جاز.
فرع: إذا ماتت الفأْرة ونحوها في جامد؛ أُلقيت وما حولها، والباقي طاهر، نصَّ عليه
(1)
؛ لحديث أبي هريرة رواه أحمد وأبو داود
(2)
.
والجامد: ما لا تَسْرِي إليه النَّجاسة غالبًا.
وقال ابن عقيل: ما لو فُتِح وِعاؤه لم تَسِلْ أجزاؤه. قال في «الشَّرح» : (والظَّاهِرُ خلافُه؛ لأنَّ سَمْن الحجاز لا يكاد يبلغه).
فإن اختلط ولم ينضبط
(3)
؛ حرم، نصَّ عليه
(4)
.
وإن خَرجتْ منه حيَّةٌ؛ فطاهِر، نصَّ عليه؛ لانضمام دبره
(5)
.
ولا يكره سُؤْره في اختيار الأكثر.
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 6، مسائل ابن منصور 8/ 3997
(2)
أخرجه أحمد (7177)، وأبو داود (3842)، وابن الجارود (871)، وابن حبان (1393)، من طريق معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، مرفوعًا ولفظه:«إن كان جامدًا، فخذوها وما حولها، ثم كلوا ما بقي، وإن كان مائعًا، فلا تأكلوه» ، وجمهور الأئمة على أنه حديث غير محفوظ سندًا ومتنًا، وأن ذكر التفصيل فيه خطأ، قال الترمذي في السنن (1798)، (وهو حديث غير محفوظ)، ونقل عن البخاري أنه قال:(هذا خطأ، أخطأ فيه معمر)، وكذا قال أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني، وصححه الذهلي، وابن حبان. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 8، السلسلة الضعيفة للألباني (1532).
(3)
أي: اختلط النجس بالطاهر.
(4)
ينظر: مسائل صالح 2/ 337.
(5)
ينظر: مسائل صالح 2/ 336.
(وَإِذَا خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ) في بدَن أو ثوب أو بُقعة يمكن غسلها، وأراد الصَّلاة؛ (لَزِمَهُ غَسْلُ مَا تَيَقَّنَ بِهِ إِزَالَتَهَا)؛ لأنَّه اشتبه الطَّاهر بالنَّجس، فوجب عليه اجتناب الجميع حتَّى يتيقَّن الطَّهارة بالغسل؛ كما لو خفي المُذكَّى بالميِّت، ولأنَّ النَّجاسة متيقَّنة، فلا تزول
(1)
إلَّا بيقين الطَّهارة
(2)
.
فإن لم يعلم جهتَها من الثَّوب؛ غسله كلَّه، وإن علمها في أحد كُمَّيه ولا يعرفه؛ غسلهما.
وإن رآها في بدنه أو ثوبه الذي عليه؛ غسل ما يقع نظره عليه.
وعنه: يكفي الظَّن في مَذْيٍ، وعند الشَّيخ تقِيِّ الدِّين: وفي غيره
(3)
.
وظاهره: أنَّها إذا خفيت في فضاء واسع؛ أنَّه لا يلزمه غسل
(4)
، وهو كذلك، بل يصلِّي حيث شاء، زاد بعضهم: بلا تَحَرٍّ.
(وَيُجْزِئُ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الذِي لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ؛ النَّضْحُ)، ويطهر به؛ لما روت أم قَيْسٍ بنت مِحْصَنٍ:«أنَّها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطَّعام إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأجلسه في حَجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه، ولم يغسله» متَّفق عليه
(5)
.
ومعنى النَّضْح: غَمْره بالماء وإن لم يَزُل
(6)
عنه، ولا يحتاج إلى مَرْس وعَصْر.
وهو نَجِسٌ، صرَّح به الجمهور.
(1)
في (أ): تزال، وفي (و): يجوز.
(2)
زيد في (و): بالغسل.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 41.
(4)
زاد في (و): لأنه يشق.
(5)
أخرجه البخاري (223)، ومسلم (287).
(6)
في (و): ينزل.
وظاهر كلام الخِرَقِيِّ وأبي إسحاق بن شاقْلا: أنَّه طاهر؛ لأنَّه لو كان نجسًا لوجب غسله كسائر النَّجاسات.
قلنا: اكتفى فيه بالرش
(1)
تَيْسيرًا وتخفيفًا.
وقوله: «لم يأكل الطَّعام» ؛ أي: بشهوة واختيار، لا عدم أكله بالكلِّيَّة؛ لأنَّه يُسقى الأدوية والسُّكَّر، ويحنَّك حين الولادة، فإن أكله بنفسه؛ غسل؛ لأنَّ الرُّخصة إنَّما وردت فيمن لم يطعم الطَّعام، فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل.
وتخصيصه الغلام بالحكم المذكور؛ مُخْرِجٌ للخُنثى والأنثى، وقد صرَّح به في «الوجيز» ، وقد روى أحمد وغيره عن عليٍّ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُنضَح بولُ الغلام، ويُغسل بول الجارية» ، قال قتادة:(هذا إذا لم يطعما، فإذا طعما غُسِلا جميعًا)
(2)
.
والحكمة فيه: أنَّ بول الغلام يخرج بقوَّة فينتشر
(3)
، أو أنَّه
(4)
يكثر حمله على الأيدي فتعظم المشقَّة بغسله، أو أنَّ مزاجه حارٌّ، فبوله رقيق، بخلاف الجارية
(5)
.
لكنْ قال الشَّافعي: لم يتبيَّن لي فرق من السُّنَّة بينهما.
(1)
قوله: (بالرش) سقط من (أ).
(2)
قوله: (غسلا جميعًا) هو في (ب) و (و): غسل بولهما.
أخرجه أحمد (757)، وأبو داود (377)، والترمذي (610) وحسنه، وابن خزيمة (284)، وابن حبان (1375)، قال ابن حجر:(إسناده صحيح، إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وفي وصله وإرساله، وقد رجح البخاري صحته، وكذا الدارقطني). ينظر: التلخيص الحبير 1/ 186 - 187.
(3)
في (و): وينتشر.
(4)
في (أ): لأنه.
(5)
زاد في (ب): فإن بولها أثخن وألصق بالمحل.
وذكر بعضهم: أنَّ الغلام أصله من الماء والتُّراب، والجارية من اللَّحم والدَّم، وقد أفاده ابن ماجه في سننه
(1)
، وهو غريب.
فرع: لعابُهما طاهِرٌ. وقيل: إن نجُس فم أحدهما؛ طهر بريقه بعد ساعة. وقيل: لا، بل يُعفى عنه.
(وَإِذَا تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْ الْحِذَاءِ
(2)
بالمشي، وظاهر كلام ابنِ عَقيل: أو طَرَفُه؛ (وَجَبَ غَسْلُهُ)، نقله واختاره الأكثر
(3)
، وكالثَّوب والبدن
(4)
.
(وَعَنْهُ: يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالْأَرْضِ) حتَّى تزولَ عين النَّجاسة، وتباح الصَّلاة فيه، قدَّمه في «الكافي» ، وفي «الشَّرح»:(أنَّه الْأَوْلَى)؛ لما رَوى أبو هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وَطِئ
(5)
الأذى بخفَّيه؛ فطَهورهما التُّراب» رواه أحمد وأبو داود من رواية محمَّد بن عَجْلان، وهو ثقة روى له مسلم
(6)
، ولأنَّه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه كانوا يصلُّون في نِعالهم
(7)
، والظَّاهر أنَّها لا تسلم من
(1)
ذكره ابن ماجه عن الشافعي. ينظر: سنن ابن ماجه 1/ 174.
(2)
في (أ): والحذاء.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 27، مسائل صالح 1/ 169، مسائل عبد الله ص 10.
(4)
قوله: (وكالثوب والبدن) هو في (ب) و (و): كالثوب وكالبدن.
(5)
زاد في (ب): أحدكم.
(6)
أخرجه أحمد (11153)، من حديث أبي سعيد في قصة خلع الرسول صلى الله عليه وسلم نعله، وسيأتي تخريجه قريبًا، وأخرجه أبو داود (386)، وابن خزيمة (292)، وابن حبان (1404)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي سنده محمد بن كثير الصنعاني، وهو صدوق كثير الغلط، قال ابن عبد البر:(وهو حديث مضطرب الإسناد لا يثبت، اختلف في إسناده)، قال ابن حجر:(وهو معلول، اختلف فيه على الأوزاعي، وسنده ضعيف)، وله شواهد أخرى ضعيفة. ينظر: التمهيد 13/ 107، التلخيص الحبير 1/ 660.
(7)
أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، وابن خزيمة (1017)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، واختلف في وصله وإرساله، ورجح أبو حاتم وصله، وهو حديث صحيح. ينظر: علل ابن أبي حاتم (330)، علل الدارقطني 11/ 328، التلخيص الحبير 1/ 662، صحيح أبي داود للألباني 3/ 321.
وأخرجه البخاري (386)، ومسلم (555)، عن سعيد بن يزيد الأزدي، قال: سألت أنس بن مالك: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: «نعم» .
نجاسة تصيبها، فلولا أنَّ دلكها
(1)
يجزئ؛ لما صحَّت الصَّلاة فيها، ولأنَّه محلٌّ تتكرَّر إصابة النَّجاسة له، فأجزأ فيه المسح كالسَّبيلَين.
ويحكم بطهارة المحل به في وجْهٍ، هو ظاهر كلام أحمد، واختاره ابن حامد، وجزم به في «الوجيز» . وذهب أصحابُنا المتأخِّرون إلى خلافه.
فرع: حَكُّه بخرقة
(2)
أو خشبة؛ حُكْمُ دَلْكِه.
(وَعَنْهُ: يُغْسَلُ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ)؛ لفُحشهما وتغليظ نجاستهما، (وَيُدْلَكُ مِنْ غَيْرِهِمَا)؛ لما ذكرنا، وقاله إسحاق.
ولا يشترط للدَّلك جَفافُ النَّجاسة؛ لظاهر الخبر، وشرطه القاضي.
وظاهره: أنَّ النَّجاسة إذا أصابت غير أسفلهما؛ أنَّه يُغسَل، وهو كذلك، نصَّ عليه، وعزاه بعضهم إلى الرِّجل وذيل المرأة.
ونقل إسماعيل بن سعيد: يطهر بمروره على طاهر يُزيلُها، واختاره
(3)
الشَّيخ تقِيُّ الدِّين
(4)
لظاهر خبر أم سلمة، رواه أحمد وغيره، وفيه جهالة
(5)
.
(1)
في (أ): ذلك.
(2)
قوله: (بخرقة) هو في (أ): في.
(3)
في (و): واختارها.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 332.
(5)
أخرجه أحمد (26488)، وأبو داود (383)، والترمذي (143)، من طريق محمد بن إبراهيم، عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة أُطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطهره ما بعده» ، وفيه جهالة كما ذكر المصنف فإن أم ولد إبراهيم مجهولة، وقيل: اسمها حميدة، ذكره الذهبي وابن حجر، وللحديث شاهد من حديث امرأة من بني عبد الأشهل، أخرجه أبو داود (384)، قال العقيلي:(هذا إسناد صالح جيد)، وصححه ابن العربي، والألباني. ينظر: الضعفاء للعقيلي 2/ 261، ميزان الاعتدال 4/ 606، تهذيب التهذيب 12/ 412، صحيح أبي داود 2/ 234.
(وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ)؛ لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدَّثِّر: 4]، والأحاديث مستفيضة بذلك، (إِلَّا الدَّمَ) فإنَّه يُعفى عن يسيره في الصَّلاة دون المائعات والمطعومات، فإنَّ الإنسان غالِبًا لا يسلم منه، وهو قول جماعة من الصَّحابة والتَّابعين فمَن بعدَهم، ولقول عائشة: «ما كان لإحدانا إلَّا ثوب تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم، قالت بريقها، فمَصَعته
(1)
بظفرها»
(2)
، وهذا يدلُّ على العفو عنه؛ لأنَّ الرِّيق لا يُطَهِّر، ويتنجَّس به ظفرها، وهو إخبار عن دوام الفعل، ومثله لا يخفى عنه صلى الله عليه وسلم، فلا
(3)
يصدر إلَّا عن أمره، وعن ابن عمر:«أنَّه كان يخرج من يديه دم في الصَّلاة من شقاق كان بهما»
(4)
، «وعصَر بثرة، فخرج منها دم، فمسحه
(5)
، ولم يغسله»
(6)
، ولأنَّه
(7)
يشقُّ التَّحرُّز منه، فعُفِي عنه؛ كأثَر الاستجمار.
وقيل: يَختصُّ بدم نفسه.
واليسير: الذي لم ينقض الوضوء، والكثير
(8)
: ما نقض الوضوء.
والدَّم المعفُو عنه: ما كان من آدمي أو حيوان طاهر، لا الكلب والخنزير.
(1)
في (و): فمضغته. وقولها: «فمصعته» ، بالصاد والعين المهملتين المفتوحتين، أي: حكته وفركته بظفرها، ورواه أبو داود بالقاف بدل الميم، والقصع: الدلك. ينظر: فتح الباري 1/ 413.
(2)
أخرجه البخاري (312).
(3)
في (و): ولا.
(4)
أخرجه الأثرم في السنن (113)، عن نافع، عن ابن عمر:«أنه كان يسجد فيخرج يديه، فيضعهما على الأرض وهما يقطران دمًا من شقاق كان في يديه» ، وإسناده صحيح.
(5)
زاد في (ب): بيديه وصلى.
(6)
تقدم تخريجه 1/ 223 حاشية (4).
(7)
في (و): ولا.
(8)
قوله: (والكثير) سقط من (أ).
بقي ههنا
(1)
صُوَرٌ:
منها: دمُ ما لا نفس له سائلة؛ كالبَقِّ والقمل والبراغيث؛ طاهر في ظاهر
(2)
المذهب.
وعنه: نجس، ويعفى عن يسيره، قال في دم البراغيث:(إنِّي لأفزع منه إذا كثر)
(3)
، قال في «الشَّرح»: ليس فيه تصريح بنجاسته، بل هو دليل التَّوقُّف.
ومنها: دم السَّمك، فإنَّه طاهر؛ لأنَّه لو كان نجسًا لتوقَّفت إباحته على إراقته بالذَّبح؛ كحَيَوان البَرِّ، ولأنَّه يستحيل ماءً. وقيل: نجس.
ومنها: دم الشَّهيد، فإنَّه نجس، وقيل: طاهر، وعليهما
(4)
: يستحبُّ بقاؤه، فيُعايَا بها
(5)
، ذكره ابن عقيل. وقيل: طاهر ما دام عليه، صحَّحه ابن تميم.
ومنها: الدَّم الذي يبقى في اللَّحم وعروقه؛ طاهر، ولو غلبت حمرته في القِدر؛ لأنَّه لا يمكن التَّحرُّز منه، فهو وارِد على إطلاقه، ويدفع بالعناية.
ومنها: العَلَقة التي يُخلَق منها الآدمي أو الحيوانُ الطَّاهِرُ؛ طاهرةٌ في رواية صحَّحها ابن تميم؛ لأنَّها بدْءُ خلْقِ آدَمِيٍّ.
وعنه: نجِسةٌ، صحَّحها في «المغني» ؛ كسائر الدِّماء.
(وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ
(6)
مِنَ الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ)، بل العفْوُ عنهما أَوْلى؛ لاختلاف
(1)
في (أ): هنا.
(2)
قوله: (ظاهر) سقط من (أ).
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 61، وليس فيه:(إذا كثر).
(4)
قال ابن نصر الله في حواشي الفروع 1/ 107: (أي: وعليهما، سواء قيل بنجاسته أو طهارته).
(5)
قال ابن نصر الله في حواشي الفروع 1/ 107: (بأن يقال: نجاسة يستحب بقاؤها عليه).
(6)
قوله: (منه) سقط من (أ).
العلماء في نجاستهما، ولذلك قال أحمد:(هو أسهل من الدَّم)
(1)
، قال في «الشَّرح»:(فعلى هذا يُعفَى عنه عن أكثر ممَّا يُعفَى عن مثله في الدَّم؛ لأنَّ هذا لا نصَّ فيه، وإنَّما ثبتت نجاسته لاستحالته من الدَّم).
وعنه: طهارة قَيحٍ ومِدَّة
(2)
وصَديدٍ.
مسألتان:
الأولى: ماء القروح نجِس في ظاهر نقل الإمام
(3)
، وقال في «شرح العمدة»:(إن كان متغيِّرًا فهو كالقَيح، وإلَّا فهو طاهِرٌ كالعَرَق).
الثَّانية: إذا تفرَّق دمٌ مسفوحٌ في غير الصَّحراء؛ فإذا اجتمع لم يكن قدرَ ما يُعفى عنه؛ فكثير حُكْمًا في الأشهر، وإن نفذ من جانِبَيْ جُبَّة أو ثوب صفيق؛ فكدَمٍ واحد في الأصحِّ؛ كما لو نفذ من أحدهما، وإن لم يَنفُذْ، ولم يتَّصل بالآخَر؛ فهما نجاستان؛ إذا بلغا أو جمعا قدْرًا لا يُعفى عنه؛ لم يعفَ عنها؛ كجانبي الثَّوب.
(وَأَثَرَ الاِسْتِنْجَاءِ)؛ أي: الاستجمار، فإنَّه يُعفى عنه بعد الإنقاء واستيفاء العَدَد بغير خلاف نعلمه، قاله في «الشَّرح» ، واقتضى ذلك نجاسته، وهو قول أكثر الأصحاب؛ لأنَّ الباقي عين النَّجاسة، فعلى هذا: عرَقه نجِسٌ، فينجس الماء اليسير بقعوده فيه. واختار ابن حامد طهارته
(4)
.
(وَعَنْهُ: فِي الْمَذْيِ، وَالْقَيْءِ
(5)
، وَرِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 308، مسائل ابن منصور 2/ 363.
(2)
قوله: (ومدة) سقط من (ب) و (و). المدة: القيح، وهي الغثيثة الغليظة، والرقيقة هي الصديد. ينظر: المصباح المنير 2/ 566.
(3)
جاء في مسائل ابن منصور 2/ 365: (قلت للإمام أحمد: الدمل يخرج منه الشيء؟ قال: حتى يكثر).
(4)
قوله: (واختار ابن حامد طهارته) سقط من (و).
(5)
قوله: (والقيء) سقط من (و).
وَالطَّيْرِ، وَعَرَقِهَا، وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ، وَالنَّبِيذِ، وَالْمَنِيِّ؛ أَنَّهُ كَالدَّمِ. وَعَنْهُ: فِي
(1)
الْمَذْيِ: أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهِ النَّضْحُ).
نقول: المذْي مختَلَف فيه
(2)
؛ لتردُّده بين البول لكونه لا يخلق منه الحيوان، والمنِيِّ لكونه ناشئًا عن الشَّهوة، والمذهبُ: نجاستُه، ويُعفَى عن يسيره في رواية جزم بها في «الوجيز» ، وهو قول جماعة من التَّابعين وغيرهم
(3)
؛ لأنَّه يخرج من الشَّباب كثيرًا، فيشقُّ التحرُّز منه.
وعنه: يُكتفَى فيه بالنَّضح؛ لحديث سهل بن حُنَيف قال: قلت: يا رسول الله، كيف ما
(4)
يصيب ثوبي؟ قال: «يكفيك أن تأخذ كفًّا من ماء فتنضِح به ثوبك حيث ترى أنَّه قد
(5)
أصاب منه» رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذي، وصحَّحه
(6)
.
والمذهب: أنَّه لا يطهر بنضحه، ولا يعفى عن يسيره؛ لأنَّه عليه السلام أمر بغسل الذَّكر منه
(7)
، ولأنَّه نجاسة خارج
(8)
من الذكر كالبول.
وهل يغسل ما أصابه، أو جميع ذكره، أو وأُنثيَيْه؟ فيه روايات.
(1)
في (و): من.
(2)
قوله: (فيه) سقط من (و).
(3)
أخرج ابن أبي شيبة (8012)، عن محمد بن عبد الرحمن قال: سألت سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، عن الرجل يخرج منه المذي، فكلهم قال:«أنزله بمنزلة القرحة، ما علمت منه فاغسله، وما غلبك منه فدعه» .
(4)
في (و): مما.
(5)
قوله: (قد) سقط من (أ).
(6)
أخرجه أحمد (15973)، وأبو داود (210)، والترمذي (115)، وابن خزيمة (291)، وابن حبان (1103)، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان.
(7)
أخرجه البخاري (269)، ومسلم (303)، من حديث علي رضي الله عنه.
(8)
في (ب) و (و) خارجة.
وعنه: طاهر كالمنِيِّ، اختاره أبو الخطَّاب في خلافه؛ لأنَّه خارج بسبب الشَّهوة.
وقيل: إن قلنا مخرجه مخرج المنِيِّ فله حكمه.
واقتضى ذلك: أنَّ الوَدْي - وهو ماء أبيض يخرج عقيب البول -؛ نجس، وأنَّه لا يعفى عنه مطلقًا، وصرَّح به الأصحاب. وعنه: هو كالمذْي.
وأمَّا القَيْء: وهو طعام استحال في الجوف إلى نَتْنٍ وفساد؛ فقال أحمد: (هو عندي بمنزلة الدَّم)
(1)
، وذكره القاضي، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه خارِجٌ نجِسٌ من غير السَّبيل أشبه الدَّم.
والثَّانية: عدم العفو عنه مطلقًا، قدَّمها في «الفروع» ، وهي أشهر؛ لأنَّ الأصل عدم العفو عن النَّجاسة إلَّا فيما خصَّ، وقيَّده في «الوجيز» بالنَّجس احترازًا عن قيء المأكول.
وأمَّا ريق البغل والحمار وعرقهما؛ فيعفى عن يسيره إذا قيل بالنَّجاسة؛ لأنَّه يشق التَّحرُّز منه، قال في «الشَّرح»: (هو الظَّاهر عن
(2)
أحمد، قال الخلَّال: وعليه مذهبه، قال أحمد: من يَسلَم من هذا ممَّن يركب الحمير؟! إلَّا أنِّي أرجو أن يكون ما خفَّ منه أسهل).
والثَّانية: لا يعفى عنه؛ لما تقدَّم.
وريق سباع البهائم؛ كالأسد ونحوه - ما عدا الكلب والخنزير -، وريقُ سباع الطَّير؛ كالبازي ونحوه، وعَرقُها؛ فيعفى عن يسيره؛ للاختلاف في نجاستهما
(3)
.
(1)
ينظر: مسائل حرب 1/ 320.
(2)
في (أ): من.
(3)
في (أ) و (ب): نجاستها.
وبول الخفَّاش - وهو واحد الخفافيش
(1)
، وهو الذي يطير ليلاً -؛ يعفى عن يسيره في رواية، جزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّه يشقُّ التَّحرُّز منه
(2)
؛ لكونه في المساجد كثيرًا، فلو لم يعفَ عنه؛ لم يُقَرَّ في المساجد، ولما أمكن الصلاة في بعضها.
وقدَّم في «الفروع» وغيره خلافها
(3)
.
ونبيذٌ نجِسٌ، وهو المختلَف فيه، فيعفى عن يسيره في رواية جزم بها في «الوجيز» ؛ لوقوع الخلاف في نجاسته.
والثَّانية: لا يعفى عنه مطلقًا، قدَّمها في «الفروع» ، وصحَّحها في «شرح العمدة» ، وذكر
(4)
أنَّ
(5)
المُجمَع عليه لا يعفى عن شيء منه، قال في «شرح العمدة»:(رواية واحدة).
والمنِيُّ سيأتي
(6)
الكلام عليه.
ملحقة به:
منها: بول ما يؤكل لحمه إذا قيل بنجاسته؛ فإنَّه يعفى عن يسيره في قول؛ لأنَّه يشُقُّ التَّحرُّز منه.
ومنها: سؤر الجلَّالة إذا حبست وأكلت الطَّاهرات المدَّة المعتبرة؛ فهو طاهر. وقيل ذلك في
(7)
العفو عن يسيره روايتان
(8)
، وكذا عرقها.
(1)
قوله: (وهو واحد الخفافيش) سقط من (و).
(2)
زيد في (و): قال في الشرح هو الظَّاهر.
(3)
في (أ): وقدَّمه في «الفروع» وغيره خلافًا.
(4)
في (أ) و (و): ودل.
(5)
في (و): على أن.
(6)
في (و): وسيأتي.
(7)
في (أ): وقيل في.
(8)
في (أ): روايات.
ومنها: طين الشَّارع؛ فهو طاهر ما لم تعلم
(1)
نجاسته. وعنه: نجس، فيعفى عن يسيره، ويسير دخان نجاسة في وجه، وأطلق أبو المعالي العفو عنه، ولم يقيِّده باليسير؛ لأنَّ التَّحرُّز لا سبيل إليه، قال في «الفروع»: وهذا متوجِّه.
(وَلَا يَنْجُسُ الآدَمِيُّ بِالْمَوْتِ) على الأصحِّ؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن لا يَنجُس» متَّفق عليه
(2)
، ولمسلم معناه من حديث حذيفة
(3)
، وعن ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم ليس بِنجِس حيًّا ولا ميِّتًا» رواه الدَّارقطني والحاكم، وقال:(على شرطهما)، وذكره
(4)
البخاري موقوفًا على ابن عبَّاس
(5)
.
وعن أحمد: بلى، ما عدا الأنبياء عليهم السلام؛ لما روى الدَّارقطني:«أنَّ زِنجِيًّا وقع في بئر زمزم فمات، فأمر بها ابن عبَّاس أن تنزح»
(6)
، ولأنَّه
(1)
في (و): يعلم.
(2)
أخرجه البخاري (283)، ومسلم (371).
(3)
أخرجه مسلم (372).
(4)
في (و): ذكره.
(5)
أخرجه الدارقطني (1811)، والحاكم (1422)، والضياء في المختارة (245)، مرفوعًا، وفي سنده عبد الرحمن بن يحيى المخزومي، قال أبو حاتم:(ما بحديثه بأس، صدوق)، وقال ابن الجوزي:(فيه ضعف)، وقال البيهقي:(والمعروف موقوف).
وعلقه البخاري موقوفًا بصيغة الجزم (2/ 73)، ووصله ابن أبي شيبة (11134)، وابن المنذر في الأوسط (2933)، وصحح ابن حجر إسناد الموقوف. ينظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/ 302، السنن الكبرى للبيهقي 1/ 457، التحقيق 2/ 4، تغليق التعليق 2/ 460، الفتح 3/ 127.
(6)
أخرجه الدارقطني (65)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (1262)، عن محمد بن سيرين عن ابن عباس. قال ابن المديني وأحمد وابن معين:(إن ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه، قال شعبة وخالد الحذاء: (أحاديث محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس إنما سمعها من عكرمة، لقيه أيام المختار بالكوفة)، وعلى هذا تحمل هذه الرواية على الاتصال. ينظر: العلل لأحمد 1/ 487، فتح الباري 9/ 545 - 546، تهذيب التهذيب 9/ 217.
وأعله ابن عيينة والشافعي وأبو عبيد بالغرابة، قال ابن عيينة:(إنَّا بمكة منذ سبعين سنة لم أر أحدًا صغيرًا ولا كبيرًا يعرف حديث الزنجي)، وأجاب ابن التركماني والزيلعي: بأن المثبت مقدم على النافي.
وللأثر شواهد أخرى عن ابن عباس، منها ما هو مرسل، ومنها ما ضعفه ينجبر.
وله شاهد صحيح عن ابن الزبير عند ابن أبي شيبة (1721)، وأبي عبيد في الطهور (176)، وابن المنذر في الأوسط (193). ينظر: الطهور لأبي عبيد ص 245، معرفة السنن للبيهقي 2/ 93، الجوهر النقي 1/ 266، نصب الراية 1/ 129.
ذو نفس سائلة، فنجُس بالموت كسائر الحيوانات.
وزاد هـ
(1)
: ويطهر بالغسل.
قلنا: لو نجس بالموت؛ لم يطهر بالغسل، كالحيوانات التي تنجس به، ولأنَّه آدمِيٌّ، فلم ينجُس بالموت كالشَّهيد.
وعلى الأوَّل: لا ينجس ما غيره، ذكره في «الفصول» وغيره، خلافًا ل «المستوعِب» .
وظاهره: لا فرق فيه بين المسلم والكافر؛ لاستوائهما في الآدمية حال الحياة. وفي الاستدلال نظر.
وقيل: ينجس الكافر وشعره بموته؛ لأنَّ الخبر إنَّما ورد في المسلم، ولا يقاس الكافر عليه؛ لأنَّه لا يصلَّى عليه، ولا حرمة له كالمسلم.
فرع: حكم أجزاء الآدَمِيِّ وأبْعاضِه؛ حكم جُملته، سواء انفصَلَت في حياته أو بعد موته.
وقال القاضي: هي نجسة روايةً واحدةً؛ لأنَّه لا حُرمةَ لها، بدليل: أنَّه لا يصلَّى عليها.
ونُقض بأن
(2)
لها حرمة؛ بدليل أنَّ كسر عظم الميِّت ككسره وهو حيٌّ.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع 1/ 299، تبيين الحقائق 1/ 235.
(2)
في (أ): فإن.
وكذا شعره مطلقًا، ويكره استعماله؛ لحرمته. وعنه: يحرم، وتصحُّ الصَّلاة معه. وعنه: نجاسة شعر كلِّ آدمِيٍّ غير النبي صلى الله عليه وسلم.
(وَمَا
(1)
لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ)؛ المراد بالنَّفْس السَّائلة: الدَّم السَّائل؛ لأنَّ العرب تسمِّي الدَّم نفسًا، ومنه قيل: للمرأة نُفَساء؛ لسيَلان دمها عند الولادة، ويقال: نُفِست المرأة إذا حاضت، (وسمِّي الدَّم نفْسًا؛ لنفاسته في البدن)، قاله ابن أبي الفتح
(2)
، وقال الزمخشري: (النَّفْس ذات الشَّيء وحقيقته، يقال: عندي كذا نفسًا، ثمَّ قيل للقلب
(3)
نفس لأنَّ النَّفس به، كقولهم: المرء بأصغريه)
(4)
.
(كَالذُّبَابِ) هو هذا المعروف، وهو مفرد، وجمعه: ذُبَّان
(5)
وأذبة، ولا يقال: ذبابة، (وَغَيْرِهِ)، سواء كان من حيوان البرِّ أو البحر؛ كالعقرب والخُنفساء والعلق والسَّرطان ونحوها، فإنَّها لا تنجس بالموت.
فعلى هذا: لا ينجس الماء اليسير بموتها فيه
(6)
في قول عامة العلماء، وهو أصحُّ الرِّوايتين؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وقع الذُّباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثمَّ ليطرحه؛ فإنَّ في أحد جناحيه شفاءً، وفي الآخر داء» رواه أحمد والبخاري
(7)
، والظَّاهر موته بالغمس لا سيَّما إذا كان الطعام حارًّا، فإنَّه لا يكاد يعيش غالبًا، ولو نجَّس الطَّعام لأفسده،
(1)
قوله: (وما) هو في (أ): وأما ما.
(2)
ينظر: المطلع ص 55.
(3)
في (ب) و (و): القلب.
(4)
تفسير الزمخشري 1/ 59.
(5)
في (ب) و (و): ذباب.
(6)
في (أ): بموتهما.
(7)
أخرجه أحمد (7141)، والبخاري (3320).
فيكون أمرًا بإفساد الطعام، وهو خلاف ما قصده الشَّارع؛ لأنَّه قصد بغمسه إزالة ضرره، ولأنَّه لا نفس له سائلةٌ، أشبه دود الخل إذا مات فيه.
والثَّانية: نجِس؛ لأنَّه لا يؤكل، لا
(1)
لحرمته، أشبه الحمار.
وفي «الرِّعاية» : وعنه: ينجُس إن لم يؤكل، فينجس به الماء القليل في الأصحِّ إن أمكن التَّحرُّز منه غالبًا، وقلنا: ينجُس القليل بمجرَّد ملاقاة النَّجاسة دون تغيره.
فأمَّا إن كان متولِّدًا من النَّجاسة؛ كدود الحُشِّ وصراصره، فهو نجس حيًّا وميِّتًا، قال في «الشَّرح»:(إلَّا إذا قلنا إنَّ النَّجاسة تطهر بالاستحالة)، ولا يرد هذا على المتن؛ لأنَّ موته لم يؤثِّر فيه شيئًا، بل هو باقٍ على ما كان عليه.
تنبيه: ما له نفس سائلة ضربان:
نجس في الحياة، وهو ظاهر؛ إذ موته لا يزيده إلَّا خُبْثًا.
وطاهر، وهو ثلاثة أنواع:
آدميٌّ، وقد تقدَّم حكمه.
وما تباح
(2)
ميتته؛ كسمك ونحوه؛ فلا ينجس بالموت؛ لأنَّه لو نجس به
(3)
لم يبح أكله.
وعنه: نجاسة الطَّافي، وإن مات بغير فعل آدميٍّ وقلنا: يحرم الطَّافي؛ ففيه روايتان، بناءً على نجاسة دمه، فإن لم يكن له دم؛ لم يحرم على الأصحِّ.
وما لا تباح ميتته؛ كحيوان البرِّ المأكول، وحيوان البحر الذي يعيش فيه؛ كالضِّفدع والتِّمساح ونحوهما، فينجُس بالموت، وينجس الماء اليسير
(1)
في (ب) و (و): إلا.
(2)
في (أ): يباح.
(3)
قوله: (به) سقط من (ب) و (و).
بملاقاته
(1)
، والكثير بتغيُّره
(2)
.
وللوزَغ نفس سائلة، نصَّ عليه
(3)
؛ كالحيَّة، لا للعقرب.
وفي «الرِّعاية» : في دود القَزِّ وبَزْره وجهان.
(وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ وَمَنِيُّهُ؛ طَاهِرٌ) في المنصور
(4)
عند أصحابنا؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر العُرَنِيِّين أن يلحَقوا بإبل الصدقة؛ فيشربوا من أبوالها وألبانها»
(5)
، والنَّجِس لا يُباح شربُه، ولو أبيح للضَّرورة؛ لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصَّلاة، «وكان صلى الله عليه وسلم يُصلِّي في مرابِض الغنم»
(6)
(7)
، وطاف
(8)
على بعيره
(9)
، ولأنَّه لو كان نجِسًا لتنجَّست الحبوب التي تدوسها البقر، فإنَّها لا تسلم من أبوالها وأرواثها.
وشمِل كلامه: بول سَمَك ونحوه ممَّا لا ينجس بموته، فإنه طاهر على المذهب.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجِسٌ)؛ لأنَّه رجيع من حيوان، أشبه غير المأكول.
(وَمَنِيُّ الآْدَمِيِّ طَاهِرٌ) في ظاهر المذهب؛ لقول عائشة: «كنت أفرُك المنيَّ
(1)
في (أ): لملاقاته.
(2)
في (و): بتغيير.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 342.
(4)
في (أ): المنصوص. وفي مسائل عبد الله (ص 10): سألت أبي: ما يستنجس من الأبوال؟ فقال: (الأبوال كلها نجسة إلا ما يؤكل لحمه).
(5)
أخرجه البخاري (1501)، ومسلم (1671).
(6)
أخرجه البخاري (234) ومسلم (524)، عن أنس رضي الله عنه:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم» .
(7)
أخرجه مسلم (360)، من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه. وأحمد (10611) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8)
في (و): وطافه.
(9)
أخرجه البخاري (1607)، ومسلم (1272)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يذهب فيصلِّي فيه» متَّفق عليه
(1)
، وقال ابن عبَّاس:«امسحه عنك بإِذْخِرَةٍ أو خِرْقة؛ فإنَّما هو بمنزلة المُخاط والبُصاق» ، رواه سعيد، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عنه
(2)
، ورواه الدَّارقطني مرفوعًا
(3)
، ولأنَّه لا يجب غسله إذا جفَّ، فلم يكن نجسًا؛ كالمخاط.
وظاهره: أنَّه لا فرق بين ما أوجب غسلًا أو لا، وصرَّح به في «الرِّعاية» .
وهو بدء خلق آدمي؛ فكان طاهرًا كالطِّين، وبهذا فارق البول، فعلى هذا يستحب فرْك يابسه وغسل رطبه.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ نَجِسٌ، يُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ)؛ لقول عائشة: «كنت أفرُك المنيَّ من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابِسًا» رواه الدَّارقطني
(4)
، ولأنَّه مستحيل من الدَّم، أشبه القَيح، فعلى هذا: يُعفى عن يسيره.
وعنه: كالبول؛ لما في الصَّحيح عن عائشة: «أنَّها كانت تغسل المنِيَّ من
(1)
أخرجه البخاري (229)، ومسلم (288).
(2)
أخرجه الشافعي بهذا الإسناد كما في المسند (ص 345)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (4175).
وأخرجه عبد الرزاق (1437)، وابن أبي شيبة (924)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (299)، وابن المنذر في الأوسط (722)، والدارقطني (448)، من طرق عن عطاء عن ابن عباس موقوفًا. وأسانيده صحاح.
(3)
أخرجه الدارقطني (447)، وقال:(لم يرفعه غير إسحاق الأزرق، عن شريك، عن محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى، ثقة في حفظه شيء)، وإسحاق الأزرق ثقة أخرج له الجماعة، وذكر البيهقي أن وكيعًا خالفه فرواه موقوفًا، ورجح البيهقي وابن عبد الهادي وقفه، ورجح رفعه ابن الجوزي. ينظر: السنن الكبرى 2/ 586، التحقيق 1/ 107، تنقيح التحقيق 1/ 136.
(4)
أخرجه أبو عوانة (527)، والدارقطني (449)، وهو عند مسلم (290) بلفظ:«وإني لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسًا بظفري» .
ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(1)
، ولأنَّه خارج معتاد من السَّبيل أشبه البول، فعلى هذا: لا بدَّ من غسله.
وظاهِر «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه يُجْزئ فَرْك يابسه.
وجزم ابن عَقيل: أنَّه كالبول في منِيِّ الخَصِيِّ؛ لاختلاطه بمجرى بوله.
وقيل: وقت جِماع؛ لأنَّه لا يسلم من المَذْي، وبعَّده في «المغني» .
وفي «المحرَّر» على هذه الرِّواية: أنَّه يجزئ فرك يابسه من الرَّجل، وتمسَّك بقول أحمد؛ لأنَّه ثَخِينٌ فيؤثِّر فيه الفَرْك تخفيفًا، بخلاف منِيِّ المرأة فإنَّه رقيق، ولا يبقى له جسم بعد جفافه، فلا يفيد الفرك فيه شيئًا.
فإن خفي موضع الفَرْك فيه؛ فركه كلَّه، لكن لو أمْنَى وعلى فرجه نجاسةٌ؛ نجُس منيُّه لإصابته
(2)
النَّجاسة، ولم يعفَ عن شيء منه.
فرع: حكم بقية الخارج من بدن الآدمي؛ كالعرق والرِّيق والمخاط ونحوها؛ طاهر، حتَّى البلغم، سواء كان من الرأس أو الصَّدر، ذكره القاضي.
وقال أبو الخطاب: هو نجس.
وقيل: بلغم الصَّدر؛ جزم به ابن الجوزي؛ لأنَّه استحال في المعدة أشبه القيْء.
والأوَّل أشهر؛ لأنَّه لو كان نجسًا لنجَّس الفم ونقض الوضوء، ولا نسلِّم أنَّه استحال في المعدة، بل هو منعقد من الأبخرة كالمخاط.
وما سال من الفم وقت النَّوم؛ طاهر في ظاهر كلامهم.
(وَفِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ) - وهو مسلك الذَّكر - (رِوَايَتَانِ):
(1)
أخرجه البخاري (230)، ومسلم (288).
(2)
في (أ): لإصابة.
إحداهما: نجِسة؛ لأنَّها بلَل في الفرج لا يخلق منها الآدمي، أشبه المذْي.
والثَّانية - وهي الصَّحيحة، وجزم بها الأكثر -: أنَّها طاهرة؛ لأنَّ «عائشة كانت تفرُك المنيَّ من ثوبه عليه السلام»
(1)
، وإنَّما كان من جماع؛ لأنَّ الأنبياء لا يحتَلِمون، وهو يصيب الرُّطوبة، ولأنَّه لو حكمنا بنجاستها لحكمنا بنجاسة منيِّها؛ لكونه يلاقي رطوبته بخروجه منه.
وقال القاضي: ما أصاب منه في حال الجماع؛ فهو نجس؛ لأنَّه لا يسلم من المذْي.
وهو ممنوع؛ فإنَّ الشَّهوة إذا اشتدَّت خرج المنيُّ وحده؛ كالاحتلام.
(وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ، وَ) سباع (الطَّيْرِ، وَالْبَغْلُ) إذا كان من الحمار الأهلي، (وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ؛ نَجِسَةٌ)، نصره في «التَّحقيق» ، وجزم به في
(2)
الخِرَقِيِّ و «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»؛ لأنَّه عليه السلام لمَّا سئل عن الماء وما ينوبه من السِّباع والدَّواب فقال:«إذا كان الماء قُلَّتين لم ينجِّسه شيءٌ»
(3)
، فمفهومه: أنَّه ينجُس
(4)
إذا لم يبلغهما، وقال يوم خيبر عن الحمر:«إنَّها رِجْس» متَّفق عليه
(5)
، والرِّجْسُ: النَّجِسُ، ولأنَّه حيَوان حَرُم أكله لخُبثه، لا لحُرمته، ويمكن التَّحرُّز منه، فكان نجِسًا، وجميع أجزائه وفضلاته كذلك.
(وَعَنْهُ: أنَّهَا طَاهِرَةٌ)، نقلها عنه إسماعيل بن سعيد
(6)
، واختارها الآجُرِّي، وقال في «المحرَّر»: (مما
(7)
عدا الكلب والخنزير)، وهو مراد؛ لما
(1)
سبق تخريجه 1/ 376 حاشية (1).
(2)
قوله: (في) سقط من (أ).
(3)
سبق تخريجه 1/ 59 حاشية (4).
(4)
في (و): نجس.
(5)
أخرجه البخاري (4198)، ومسلم (1940)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(6)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 62.
(7)
في (أ): ما.
روى جابر: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل: أنتوضَّأ
(1)
بما أفضلت الحمر؟ والسِّباع كلها» رواه الشَّافعيُّ والبيهقِيُّ من رواية ابن أبي حبيبة، قال البخاري:(هو منكر الحديث)
(2)
، وروى ابن ماجه من حديث أبي سعيد معناه، وفيه قال:«لها ما أخذت في أفواهها، ولنا ما غَبَر طَهور»
(3)
، ومرَّ عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص على حوض، فقال: يا صاحب الحوض ترد على حوضك السباع؟ فقال عمر: «يا صاحب الحوض لا تخبرنا؛ فإنَّا نَرِدُ عليها وتَرِدُ علينا» ، رواه مالك
(4)
، ولأنَّه حيوان يجوز بيعه، فكان طاهرًا؛ كبهيمة الأنعام.
وعنه: طهارة البغل والحمار، اختاره المؤلِّف؛ لأنَّه عليه السلام كان يركبهما
(5)
، ورُكبا في زمنه، ولأنَّه لا يمكن التَّحرُّز منهما لمُقتنيهِما، فكانا طاهرين كالسِّنَّوْر.
وأمَّا قوله: «إنَّها رِجس» ؛ أراد به التَّحريم؛ كقوله في الأنصاب والأزلام: «إنَّها رجس» .
وقيل: لحمها نجس.
(1)
في (أ): أيتوضأ.
(2)
أخرجه الشافعي كما في المسند (6)، والدارقطني (176،) والبيهقي (1178)، ولفظه:«سئل: أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم وبما أفضلت السباع كلها» ، وفي سنده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري، وثقه أحمد والعجلي، وجمهور الأئمة على تضعيفه، بل قال بعضهم: إنه متروك، ينظر: التاريخ الكبير للبخاري 1/ 271، تهذيب الكمال 2/ 42، التلخيص الحبير 1/ 166.
(3)
أخرجه ابن ماجه (519)، ولفظه:«لها ما حملت في بطونها، ولنا ما غبر طهور» ، وفي سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف.
(4)
تقدم تخريجه 71/ 1 حاشية (3).
(5)
أما ركوبه البغل؛ فكانت عنده بغلة بيضاء أهداها له ملك المقوقس، أخرجه البخاري (1481)، ومسلم (1392)، من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، وأما ركوبه الحمار؛ فأخرجه البخاري (2856)، ومسلم (30)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. وأخرجه البخاري (2987)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
وعليها: حكمها حكم الآدمِيِّ، قال في «الشَّرح» وغيره: إلَّا في منيِّها، فإنَّ حكمَه حكمُ بَولها.
وذكر السَّامَرِّيُّ وغيره: أنَّ في طهارة منيِّها ولبنها وبيضها على هذه الرِّواية؛ وجهين.
وعن أحمد: أنَّهما مشكوكٌ فيهما؛ لتردُّده بين أمارة تنجيسه؛ بدليل أنَّه يحرم أكله كالكلب، وأمارة تطهيره؛ لأنَّه ذو حافر يجوز بيعه أشبه الفرس، فلا يجب غسل رأسه إذا وجد الماء المطلق.
فعلى هذه: إذا لم يجد غير سؤرهما؛ توضَّأ به
(1)
، ثمَّ تيمَّم. زاد في «الرِّعاية»: ينوي الحدث والنَّجاسة.
وقال ابن عقيل: يتيمَّم، ثمَّ يصلِّي، ثمَّ يتوضَّأ ويصلِّي، ويبطل التَّيمُّم بخروج الوقت دون الوضوء، قال في «الرِّعاية»: في الأقيس فيهما.
(وَسُؤْرُ) - بضم السِّين مهموزًا، وهو بقيَّة طعام الحيوان وشرابه - (الْهِرِّ) ويسمَّى الضَّيْوَنَ بضاد معجمة وياء ونون، والسِّنَّوْرَ والقِطَّ، (وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ)؛ كابن عِرْس، والفَأرة
(2)
؛ (طَاهِرٌ) غير مكروه، نصَّ عليه في الهرِّ
(3)
، وهو قول أكثر العلماء؛ لما روى مالك، وأحمد، وأبو داود، والتِّرمذي وصحَّحه عن أبي قتادة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الهرِّ: «إنَّها ليست بنجِس، إنها من الطَّوافين عليكم أو الطَّوافات»
(4)
، شبَّهها بالخَدَم؛ أخذًا من قول الله
(1)
في (أ): منه.
(2)
زاد في (ب) و (و): ونحو ذلك.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 311.
(4)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 22)، وأحمد (22528)، وأبو داود (75)، والترمذي (92)، والنسائي (68)، وابن خزيمة (14)، وابن حبان (1299)، وقال الترمذي (حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم، وقال الدارقطني:(رواته ثقات معروفون)، وقال الحاكم:(هذا الحديث مما صححه مالك واحتج به في الموطأ، ومع ذلك فإن له شاهدًا بإسناد صحيح. ينظر: الخلاصة 1/ 181، المحرر لابن عبد الهادي (14).
تعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النُّور: 58]، ولعدم إمكان التَّحرُّز منها؛ كحَشَرات
(1)
الأرض كالحيَّة، قاله القاضي، فطهارتها من النَّصِّ، وما دونها من
(2)
التَّعليل.
قال السَّامَرِّيُّ: سُؤْرُ ما دون الهرِّ؛ طاهرٌ في ظاهر المذهب، وفيه وجْهٌ، وبُعِّد.
تنبيه: إذا عُلمتْ نجاسة فم هرٍّ؛ فأوجُهٌ، ثالثها: إن غاب فطاهر، وإلَّا فلا، ورابعها: إن احتمل ولوغها في ماء كثير طَهور؛ فطاهر.
قال ابن تميم: (قال شيخنا
(3)
: يُعتبر مضيُّ زمن بعد أكلها يزول فيه أثر النَّجاسة بريقها، قال: وكذا أفواه الأطفال والبهائم إذا تنجَّست)، قال ابن تميم:(فيكون الرِّيق مطهِّرًا لها).
ودلَّ أنَّه لا يُعفى عن نجاسة بيدها أو رجلها، نصَّ عليه.
ولا عن يسير نجاسة في طعام؛ خلافًا للشَّيخ تقِيِّ الدِّين
(4)
، وذكره قولًا في المذهب؛ لأنَّ الله تعالى إنَّما حرَّم الدَّمَ المسفوحَ، ولفعل الصَّحابة
(5)
، ولعموم البَلوَى ببعر الفأر وغيره.
(1)
في (و): فحشرات.
(2)
في (ب) و (و): في.
(3)
وهو المجد ابن تيمية. ينظر: الإنصاف 2/ 361.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 43، الفروع 1/ 349.
(5)
قال في الفروع 1/ 350 متمِّمًا كلام شيخ الإسلام: (وكانت أيدي الصحابة تتلوث بالجرح والدمل، ولم ينقل عنهم التحرز من المائع حتى يغسلوه).
من ذلك: ما أخرجه الأثرم في السنن (113)، عن ابن عمر:«أنه كان يسجد فيخرج يديه، فيضعهما على الأرض وهما يقطران دمًا من شقاق كان في يديه» ، وإسناده صحيح.
(بَابُ الْحَيْضِ)
وهو مصدر: حاضت المرأة تحيض حيضًا، ومَحيضًا، فهي حائض وحائضة: إذا جرى دمها.
فأصله السَّيَلان، مأخوذ من قولهم: حاض الوادي إذا سال، وحاضت الشَّجرة: إذا سال منها شبه
(1)
الدم، وهو الصمغ الأحمر.
واستحيضت المرأة: استمر بها الدَّم بعد أيامها؛ فهي مستحاضة، وتحيَّضت: أي
(2)
قعدت أيَّام حيضها عن الصَّلاة.
ويسمَّى أيضًا: الطَّمث، والعِراك، والضَّحِك، والإعْصار.
وهو ثابت بالإجماع، وسنده قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيْضِ} [البَقَرَة: 222]، والسُّنَّة، قال أحمد:(الحيض يدور على ثلاثة أحاديث: حديث فاطمة، وأم حبيبة، وحمنة)، وفي رواية:(وحديث أمِّ سلمة) مكان حديث أمِّ حبيبة
(3)
.
(وَهُوَ: دَمُ طَبِيعَةٍ) سَجِيَّة (وَجِبِلِّيَّةٍ
(4)
خِلْقَة، كتبه الله تعالى على بنات آدم، يُرخِيه الرَّحِم إذا بلغت في أوقات معلومة، يخرج من قعر الرَّحِم.
وليس هو بدم فساد، بل خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته، وهو مخلوق من مائهما
(5)
، فإذا حمَلت، انصرف ذلك بإذن الله تعالى إلى غذائه، ولذلك
(1)
في (و): مثل.
(2)
في (أ): إذا.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 35، مسائل حرب 1/ 525. وسيأتي تخريج الأحاديث في مواطنها.
(4)
في (ب): جبلة.
(5)
في (ب): مائها.
لا تحيض الحامل، فإذا وضعته
(1)
؛ قَلَبَه الله تعالى بحكمته لبنًا يتغذَّى به، ولذلك قلَّما تحيض المرضع، فإذا خلت عنهما بقي الدَّم لا مصرِف له، فيستقرُّ في مكان، ثمَّ يخرج في الغالب في كلِّ شهر ستَّة أيام أو سبعة، وقد يزيد على ذلك ويقلُّ، ويطول شهرها ويقصر، بحسب ما ركَّبه الله تعالى في الطباع، ولهذا «أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ببرِّ الأم ثلاث مرات، وببرِّ
(2)
الأب واحدةً»
(3)
.
(وَيَمْنَعُ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ):
(فِعْلَ الصَّلَاةِ)؛ فرضًا كانت أو نفلًا، (وَ) يمنع (وُجُوبَهَا)، قال ابن المنذر:(أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصَّلاة عنها في أيَّام حيضها، وعلى أنَّ قضاء ما فات منها في أيَّام حيضها ليس بواجب)
(4)
؛ لقوله عليه السلام لفاطمةَ بنتِ أبي حُبَيش: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصَّلاة»
(5)
، ولما روت معاذة قالت: سألت عائشة: ما بال الحائض تقضي
(6)
الصوم، ولا تقضي الصَّلاة؟! فقالت:«أحروريةٌ أنتِ؟» فقلت
(7)
: لست بحروريَّة، ولكنِّي أسأل، فقالت:«كنَّا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصَّوم، ولا نؤمر بقضاء الصَّلاة» متَّفق عليهما
(8)
، ومعنى قولها:«أحرورية» ؛ الإنكار عليها أن تكون من أهل حَرُوراء، وهي مكان ينسب إليه الخوارج؛ لأنَّهم
(1)
في (ب): وضعت.
(2)
في (أ): وبرِّ.
(3)
أخرجه البخاري (5971)، ومسلم (2548)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال:«أمك» ، قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» ، قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» ، قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك» .
(4)
ينظر: الأوسط 2/ 202.
(5)
أخرجه البخاري (320)، ومسلم (334).
(6)
قوله: (تقضي) سقط من (أ).
(7)
في (و): فقالت.
(8)
أخرجه البخاري (321)، ومسلم (335).
يرون على الحائض قضاء الصَّلاة كالصَّوم؛ لفرط تعمُّقهم
(1)
حتَّى مرَقوا منه، ولأنَّه يشقُّ؛ لتكرُّره وطول مدَّته.
فإن أحبَّت القضاء؛ فظاهر نقل الأثرم: المنعُ، قال في «الفروع»: ويتوجَّه احتمال: يكره، لكنَّه بدعة كما رواه الأثرم عن عكرمة، ولعلَّ المراد إلَّا ركعتي الطواف؛ لأنَّها نسك لا آخر لوقته، فيُعايَا بها
(2)
.
وما اعترض
(3)
به شيخنا ابن نصر الله عليه ليس بلازمٍ
(4)
.
وعُلم منه: أنَّه يمنع صحَّة الطَّهارة، وحكاه بعضهم اتِّفاقًا
(5)
؛ لأنَّه حدث
(1)
زاد في (ب): في الدين.
(2)
كتب على حاشية (و): قال في الإنصاف: (وفي هذه المعاياة نظرٌ ظاهر).
(3)
في (أ): أعرض.
(4)
قال ابن نصر الله في حواشي الفروع 1/ 108: (ركعتا الطواف ثابتتان للطواف، وشرطه الطهارتان، فلا يوجد سببهما إلا حالة الطهارة، فقضاؤها بعد الحيض إنما يكون لتقدم سببهما على الحيض، لا أن سبب فعلهما وجد في الحيض فتقضيانه بعده؛ كالفرائض، فما قاله المصنف لا يصح استثناؤه من قضاء الصلاة للحائض، ولا المعاياة؛ لأن المراد بقضاء الصلاة على الحائض: أن يكون وجد سبب مشروعيتهما في زمن الحيض، وزمن مشروعية ركعتي الطواف لا يمكن وجوده في الحيض إلا على رواية: أن الطهارة في الطواف الواجب يجبر بدم لا شرط. وقد يتصور ما قاله المصنف؛ بأن تحيض عقيب طوافها، فيكون وجد سبب الركعتين؛ فتقضيهما، وفي تسمية ذلك قضاء نظر؛ لأن القضاء: ما فعل بعد وقته المقدر، وركعتا الطواف لا وقت لهما مقدر، فلا يصدق عليهما القضاء). ولذلك قال البهوتي في الكشاف 1/ 468: (فتسميتها قضاء تجوُّز).
وقال المرداوي في تصحيح الفروع 1/ 353: (رد شيخنا وابن نصر الله على المصنف - يعني صاحب الفروع - في كونها تقضي، والذي يظهر لي أن محل ذلك: إذا قلنا تطوف الحائض، فإذا طافت فإنها لا تصلي حتى تطهر، وقد أومأ إليه شيخنا أيضًا.
قلت: وللشافعية فيما إذا طافت ثم حاضت قبل صلاة الركعتين وجهان في قضائهما، اختار الشيخ أبو علي عدم القضاء، واختاره النووي في شرح المهذب، واختاره ابن القاص والجرجاني والنووي في شرح مسلم، وحكي عن الأصحاب القضاء).
(5)
قال في الإنصاف 2/ 365: (ويأتي قريبًا وجه؛ أنها إذا توضأت، لا تمنع من اللبث في المسجد، وهو دليل على أن الوضوء منها يفيد حكمًا، وتقدم: هل يصح الغسل مع قيام الحيض؟ في باب الغسل).
يوجب الطَّهارة، واستمراره يمنع صحَّتها كالبول، ولا يمنع غسلها لجنابة، نصَّ عليه
(1)
، بل يسن.
(وَفِعْلَ الصِّيَامِ)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: «أليس إذا حاضت لم تصم ولم تصلِّ؟» قلن: بلى، قال:«فذلك من نقصان دينها» رواه البخاري
(2)
.
وظاهره يقتضي وجوب الصَّوم، وهو كذلك إجماعًا؛ لأنَّه واجب في ذمَّتها، وكذا كلُّ من لزمته عبادة وجبت في ذمَّته؛ كالدَّين المؤجَّل، لكنَّه مشروط
(3)
بالتَّمكُّن منها، فإن مات قبل التَّمكُّن منها، لم يكن عاصيًا.
وتقضيه هي وكل معذور بالأمر السَّابق، لا بأمر جديد على الأشهر.
وفي «الرِّعاية» : يقضيه مسافِرٌ بالأمر الأوَّل على الأصحِّ، وحائضٌ ونُفَساء بأمر جديد على الأصحِّ، وفيه نَظَرٌ.
(وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ)؛ لقوله عليه السلام: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن» ، وقد سبق
(4)
.
ونقل الشالَنْجِيُّ كراهتَها لها
(5)
، وقال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: إذا ظنَّت نسيانَه، وجبتْ
(6)
.
(وَمَسَّ الْمُصْحَفِ)؛ للنَّص.
(وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ)؛ لقوله عليه السلام: «لا أحلُّ المسجد لحائض، ولا
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 350، مسائل حرب 1/ 587.
(2)
أخرجه البخاري (1951)، وأخرجه مسلم (79) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(3)
في (أ): بشروط.
(4)
سبق تخريجه 1/ 272 حاشية (1).
(5)
ينظر: الفروع 1/ 355.
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 460.
جنب» رواه أبو داود
(1)
. وقيل: لا بوضوء، وقيل: ويمنع دخوله، وحُكي رواية؛ لخوفها تلويثه في الأشهر، ونصُّه في رواية ابن إبراهيم:(تَمرُّ ولا تقعُد)
(2)
، والمذهب: حيث أمنت تلويثه.
(وَالطَّوَافَ)
(3)
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: «افعلي ما يفعل الحاجُّ غير أن لا تطوفي بالبيت حتَّى تطهري» متَّفق عليه
(4)
، ولأنَّه صلاة، وهي ممنوعة منها
(5)
، ومن لوازمه اللُّبث في المسجد، وهي ممنوعة منه.
وعند الشَّيخ تقِيِّ الدِّين: بلا عذر
(6)
.
وعن أحمد: يصحُّ منها، وتجبره بدم.
(وَ) يمنع (الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ)؛ لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البَقَرَة: 222]، ولقوله عليه السلام:«اصنعوا كلَّ شيء إلَّا النِّكاح» رواه مسلم
(7)
، ويستثنى
(8)
: من به شَبَق بشرطه.
(وَسُنَّةَ الطَّلَاقِ)؛ لما روي عن ابن عمر: أنَّه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:«مُرْهُ فليراجعها، ثمَّ ليطلِّقها طاهرًا أو حامِلًا» متَّفق عليه، ولم يقل البخاري:«أو حاملًا»
(9)
، ولأنَّه إذا طلَّقها فيه كان محرَّمًا، وهو طلاق بِدعةٍ؛ لما فيه من تطويل العدَّة، وسيأتي، وهذا ما لم
(1)
سبق تخريجه 1/ 275 حاشية (1).
(2)
لم نجده في مسائله المطبوعة، وينظر: الفروع 1/ 355.
(3)
قوله: (لقوله عليه السلام: «لا أحل المسجد لحائض، ولا جنب») إلى هنا سقط من (ب).
(4)
أخرجه البخاري (294)، ومسلم (1211).
(5)
قوله: (منها) سقط من (أ).
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 127.
(7)
أخرجه مسلم (302)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(8)
زاد في (أ) و (ب): منه.
(9)
أخرجه البخاري (5251)، ومسلم (1471).
تسأله الطلاق بعِوَضٍ أو الخُلْع، وفيه وجه.
(وَالاِعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ)؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البَقَرَة: 228]، فأوجب العِدَّة بالقروء، وشرط في الآية عدَم الحيض؛ لقوله تعالى:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ} [الطّلَاق: 4]، ويُستثنى منه: المتوفَّى عنها زوجها.
(وَيُوجِبُ الْغَسْلَ) عند انقطاعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «دعي الصَّلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثمَّ اغتسلي وصلِّي» متَّفق عليه
(1)
، وقد سبق الاختلاف فيه
(2)
، هل يجب بالخروج أو الانقطاع؟
(وَالْبُلُوغَ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلَّا بخمار» رواه أحمد وغيره من حديث عائشة، ورُوي أيضًا مرسَلًا وموقوفًا
(3)
، فأوجب عليها أن تستتر لأجل الحيض، فدلَّ على أنَّ التَّكليف حصل به.
وظاهره: أنَّ أحكام البلوغ تثبت بابتدائه، وصرَّح به في «التَّلخيص» و «البلغة» .
(وَ) يوجب
(4)
(الاِعْتِدَادَ بِهِ)؛ لما سبق، قال في «المغني» و «الشَّرح»: وأكثر هذه الأحكام مُجمَعٌ عليها.
(وَالنِّفَاسُ مِثْلُهُ) فيما يجب به، ويحرم، وما يسقط عنها، بغير خلاف
(1)
أخرجه البخاري (325)، ومسلم (333).
(2)
كتب على هامش الأصل: في الغسل.
(3)
أخرجه أحمد (25167)، وأبو داود (641)، والترمذي (377)، وحسنه، وهو من رواية حماد بن سلمة عن قتادة، وحماد يخطئ في حديث قتادة كما ذكر ذلك مسلم وغيره، ورجح الدارقطني وقفه، وأُعل بالإرسال أيضًا، وصححه بعض المتأخرين بطرق أخرى تقويه. ينظر: التمييز لمسلم (ص 217)، علل الدارقطني 14/ 431، البدر المنير 4/ 155، التلخيص الحبير 1/ 665، الإرواء 1/ 214.
(4)
في (و): وتوجب.
نعلمه
(1)
؛ لأنَّه دم حيض احتبس لأجل الولد، ثمَّ خرج، فثبت حكمه.
لكنْ لو ضَربتِ الحامِلُ بطنَها، أو شَرِبتْ دواءً، فأسقطت ونُفِست؛ لم تصلِّ، وفي وجوب القضاء وجهان.
(إِلَّا فِي الاِعْتِدَادِ)؛ لأنَّ انقضاء العدَّة بالقُروء، والنَّفاسُ ليس بقروء، ولأنَّ العدَّة تنقضي بوضع الحمل.
ولا يدلُّ على البلوغ؛ لأنَّه لا يُتصوَّر؛ لحصوله بالحمل قبله، ولا يحتسب عليه به في مدَّة الإيلاء، ويقطع تتابع صوم الظِّهار في قولٍ.
(وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ) انقطاعًا يوجب الغسل والصَّلاة عليها؛ (أُبِيحَ) لها (فِعْلُ الصِّيَامِ)؛ لأنَّ وجوب الغسل لا يمنع فعله؛ كالجنب، (وَ) أبيح (الطَّلَاقُ)؛ لأنَّ تحريمه لتطويل العدَّة بالحيض، وقد زال ذلك.
والثَّاني: لا يباحان؛ لمفهوم خبرِ ابنِ عمر، رواه الدَّارقطني
(2)
.
والأوَّل أصحُّ.
وألحَق القاضِي بهما: القراءةَ، وهو رواية عن أحمد.
(وَلَمْ يُبَحْ غَيْرُهُمَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) في قول أكثرهم، وقال ابن المنذر:(هو كالإجماع)
(3)
، وحكاه إسحاق بن راهويهِ إجماعَ التَّابعين
(4)
؛ لأنَّ الله تعالى شرط لحلِّ الوطء شرطَين: انقطاع الدم، والغسل، فقال: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى
(1)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 105.
(2)
أخرجه الدارقطني (3903)، وأخرجه النسائي (3396)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في قصة طلاق امرأته: قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «مر عبد الله فليراجعها، فإذا اغتسلت فليتركها حتى تحيض، فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى؛ فلا يمسها حتى يطلقها، فإن شاء أن يمسكها فليمسكها، فإنها العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» ، وصحح ابن الملقن إسناده. ينظر: البدر المنير 8/ 72.
(3)
ينظر: الأوسط 2/ 214.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 1/ 434.
يَطْهُرْنَ} [البَقَرَة: 222]؛ أي: حتَّى ينقطع دمهنَّ، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البَقَرَة: 222]؛ أي: اغتسلن بالماء؛ {فَأْتُوهُنَّ} [البَقَرَة: 222]، كذا فسره ابن عبَّاس
(1)
، وهي قراءة الأكثر بالتَّخفيف في الأولى، وأهل الكوفة بتشديدها، واتَّفق الكل على تشديد الثَّانية، والتَّطهُّر: تَفَعُّل، إنَّما يكون فيما يتكلَّفه
(2)
ويروم تحصيله، فيقتضي اتخاذ الفعل منه؛ كقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المَائدة: 6]، وانقطاع الدَّم غير منسوب إليها، ولا صنع لها فيه.
لا يقال: ينبغي على قراءة الأكثر: أنَّه ينتهي النَّهي عن القُرْبان بانقطاع الدَّم؛ إذ الغاية تدخل في المغيَّا لكونها بحرف حتَّى؛ لأنَّه قبل الانقطاع النهي عن القربان مطلق، فلا يباح بحال، وبعده يزول التحريم
(3)
المطلق، ويصير إباحة وطئها موقوفًا على الغسل، وظهر أنَّ قراءة الأكثر؛ أكثر فائدةً.
وقيل: لا يحرم وطؤها بعد الانقطاع، وقاله داود وه
(4)
: إذا انقطع دمها لأكثره، وهو عشرة أيَّام؛ حلَّ وطؤها، وإلَّا لم يُبَح حتَّى تطهُر.
وعلى الأوَّل: لو عَدِمت الماء؛ تيمَّمت وحلَّ وطؤها، وإن تيمَّمت لها، حلَّ؛ لأنَّ ما أباح الصَّلاة أباح ما دونها، ولو عبَّر بالطُّهر لكان أولى؛ لشموله ما ذكرنا.
فرع: إذا أراد وطأها فادَّعتْ حيضًا وأمكن؛ قُبِل، نصَّ عليه
(5)
؛ لأنَّها
(1)
أخرجه الطبري في تفسيره (3/ 733)، وابن أبي حاتم في التفسير (2119)، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:«{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البَقَرَة: 222] يقول: فإذا طهرت من الدم وتطهرت بالماء» ، علي بن طلحة لم يسمع من ابن عباس، إلا أنها صحيفة معتبرة عند جماعة من أهل العلم؛ لكونه أخذها عن مجاهد وعكرمة. ينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 75، المراسيل لابن أبي حاتم ص 140.
(2)
في (و): يتكلف.
(3)
زيد في (و): ثم.
(4)
ينظر: المبسوط للسرخسي 2/ 16، تبيين الحقائق 1/ 58.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 356.
مُؤتَمَنةٌ، قال في «الفروع»:(ويتوجَّه تخريج في الطَّلاق، وأنَّه يحتمل أن يُعمل بقرينة أو أَمَارة، وقال ابن حزم: اتَّفَقوا على قبول قول المرأةِ تَزُفُّ العروسَ إلى زوجها فتقول: هذه زوجتُك، وعلى استباحة وطئها بذلك، وعلى تصديقها في قولها: أنا حائض، وفي قولها: قد طهُرتُ).
مسألة: تُغَسَّل المسلمةُ الممْتنعةُ قهرًا، ولا نيَّة هنا للعذر؛ كالممتنع من الزَّكاة، وإذا فعلته لم تُصلِّ به على الصَّحيح.
وتُغسَّل المجنونة ويَنْويه. وقال ابن عقيل: يحتمل أن يغسِّلها ليطأها، وينوي غسلها؛ تخريجًا على الكافرة.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنَ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ)؛ من القُبْلة، واللَّمْس، والوطْء دون الفرج في قول جماعة؛ لقوله تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البَقَرَة: 222]
(1)
، قال ابن عبَّاس:«فاعتزَلوا نكاح فروجهن» رواه عبد بن حميد وابن جرير
(2)
، ولأنَّ المَحيض هو اسم لمكان الحيض في ظاهر كلام أحمد، وقاله ابن عقيل؛ كالمقيل والمبيت، فيختصُّ التحريم بمكان الحيض، وهو الفرج، ولهذا لمَّا نزلت هذه الآية؛ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اصنعوا كلَّ شيء إلَّا النِّكاح» رواه مسلم، وفي لفظ «إلَّا الجماع» رواه أحمد وغيره
(3)
، ولأنَّه وطء مُنع للأذى، فاختصَّ بمحلِّه؛ كالدُّبر.
وقيل: المحيض زمن الحيض، قاله في «الرِّعاية» وغيرها، فالاعتزال على
(1)
زاد في (أ): هو اسم لمكان الحيض.
(2)
أخرجه الطبري في التفسير (3/ 723)، وابن أبي حاتم في التفسير (2115)، والبيهقي في الكبرى (1481)، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. وتقدم أن رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس في التفسير مقبولة.
(3)
سبق تخريجه من حديث أنس في مسلم 1/ 386 حاشية (7)، ظظ وأخرجه النسائي في الكبرى (9049)، وابن ماجه (644)، بلفظ «إلا الجماع» ، ولم نقف عليه في مسند أحمد بهذا اللفظ، والذي وقفنا عليه بلفظ:«إلا النكاح» ، (12354، 13576).
هذا؛ اعتزالهنَّ مطلقًا؛ كاعتزال المُحرِمة والصَّائمة، ويحتمل اعتزال ما يراد منهنَّ في الغالب، وهو الوطء في الفرج.
قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: (هذا هو المراد؛ لأنَّه قال: {هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا} [البَقَرَة: 222]، فذكر الحكم بعد الوصف بالفاء، فدلَّ على أنَّ الوصف هو العلَّة، لا سيَّما وهو مناسِبٌ للحكم؛ كآية السَّرقة، فالأمر بالاعتزال في الدَّم للضَّرر
(1)
والتَّنجيس، وهو مخصوص بالفرج، فيختص الحكم بمحلِّ سببه)
(2)
.
وقال ابن قتيبة: (المحيض: الحيض نفسه)
(3)
؛ لقوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذىً} [البَقَرَة: 222]، ولا شكَّ أنَّ الاستِمتاع بما فوق السُّرة، وتحت الرُّكبة جائز إجماعًا
(4)
، فكذا ما بينهما.
وعلى هذا: يُسنُّ ستر فرجها عند مباشرة غيره. وقال ابن حامد: يجب.
وعن أحمد: لا يجوز أن يستمتع بما بينهما، وجزم به في «النِّهاية» ؛ كخوفه
(5)
مواقَعة المحظور؛ لما روى عبد الله بن سعد: أنَّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحلُّ لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: «لك ما فوق الإزار» رواه أبو داود
(6)
.
(1)
في (أ) و (ب): للضرورة. والمثبت هو الموافق لما في شرح العمدة.
(2)
ينظر: شرح العمدة 1/ 461.
(3)
ينظر: أدب الكاتب 1/ 355
(4)
ينظر: المغني 1/ 242،، وقال في المجموع 2/ 364:(نقل الإجماع فيه الشيخ أبو حامد والمحاملي في المجموع وابن الصباغ والعبدري وآخرون، وأما ما حكاه صاحب الحاوي عن عبيدة السلماني الإمام التابعي -وهو بفتح العين وكسر الباء- من أنه لا يباشر شيء من بدنه شيئًا من بدنها؛ فلا أظنه يصح عنه، ولو صح فهو شاذ مردود بالأحاديث الصحيحة).
(5)
في (أ) و (ب): لخوفه. وهو الموافق لما في الفروع 1/ 358.
(6)
أخرجه أبو داود (212)، ومن طريقه البيهقي (1499)، والضياء في المختارة (390)، وفي سنده العلاء بن الحارث الحضرمي، وثقه جماعة من الأئمة، وأشار بعضهم إلى تغير حفظه في آخر عمره، وضعفه ابن حزم بحرام بن حكيم، ورجح توثيقه ابن الملقن وابن حجر، قال النووي:(إسناده جيد). ينظر: المحلى لابن حزم 1/ 397، خلاصة الأحكام (601)، تحفة المحتاج لابن الملقن 1/ 233، ترجمة العلاء بن الحارث في ميزان الاعتدال 3/ 98، وترجمة حرام بن حكيم في تهذيب التهذيب لابن حجر 2/ 222.
وأجيب: بأنَّه من
(1)
رواية حرام بن حَكِيم، وقد ضعَّفه ابن حزم وغيره.
سلَّمنا صحَّته؛ فإنَّه يدلُّ بالمفهوم، والمنطوق راجِحٌ عليه، وما رَوى البخاري عن عائشة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يأمرني أن أتَّزِرَ، فيباشرني وأنا حائض»
(2)
؛ لأنَّه كان يترك بعض المباح تقذُّرًا؛ كتركه أكل الضَّبِّ.
(فَإِنْ وَطِئَهَا) من يجامِع مثلُه، ولو بلفِّ خِرقة قبل انقطاعه، (فِي الْفَرْجِ؛ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ كَفَّارَةً)، كذا في «المحرَّر» وهو رواية
(3)
؛ لما رُوِي: أنَّ عمر بن الخطاب وقع على جاريةٍ له، فوجدها حائضًا، فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: «يغفر الله لك أبا
(4)
حفص، تصدَّق بنصف دينار» رواه حرب
(5)
.
(1)
في (أ): في.
(2)
أخرجه البخاري (300)، ومسلم (293).
(3)
قوله: (وهو رواية) سقط من (أ).
(4)
في (أ) و (ب): يا أبا حفص.
(5)
أخرجه حرب في مسائله - تحقيق السريع - (698)، والحارث بن محمد كما في بغية الباحث (103)، من طريق زيد بن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب، عن أبيه، عن عمر. وزيد مستور الحال.
وأخرجه إسحاق بن راهويه كما في المطالب العالية (208)، والدارمي (1150)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4236)، من طريق يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد، عن عمر، بلفظ:«فأمره أن يتصدق بخُمس دينار» ، والذي نقله البيهقي في الكبرى عن إسحاق بلفظ:«بخُمُسي دينار» ، وهو كذلك في سنن أبي داود معلقًا (1/ 69)، قال الحافظ في المطالب:(حديث حسن)، وأعله البيهقي بالانقطاع بين عبد الحميد وعمر، وهو ظاهر قول أبي داود. واحتج به أحمد في مسائل ابن منصور (9/ 4823).
وأخرجه أبو بكر الإسماعيلي فيما ذكره ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 146)، من طريق حسان بن عطية، عن عمر، قال ابن كثير:(إسناده غريب جدًّا، وفيه انقطاع)، وفيه رواد بن الجراح اختلط فتُرك كما في التقريب.
وظاهر المذهب: أنَّ الكفَّارة دينار أو نصفه على وجه التَّخيير؛ لما روى ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال:«يتصدَّق بدينار أو نصفه» رواه أحمد، والتِّرمذي، وأبو داود وقال:(هكذا الرِّواية الصَّحيحة)
(1)
.
وعنه: نصفه. وعنه: نصفه في إدباره. وعنه: بل في أصفر
(2)
.
وما ذكرناه هو المشهور؛ لأنَّه معنًى تجب فيه الكفَّارة، فاستوى الحال فيه بين إقباله وإدباره وصفاتِه؛ كالإحرام، لا يقال: كيف يخيَّر بين الشيء ونصفه؟! لأنَّه كتخيير المسافر بين الإتمام والقصر.
وظاهره: لا فرق بين كونه ذهبًا مضروبًا أو تِبْرًا، نقله الجماعة.
واعتبر الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: كونه مضروبًا
(3)
، قال في «الفروع»:(هو أظهر)؛ لأنَّ الدِّينار اسم له كما في الدِّية.
وذكر في «الرِّعاية» : هل الدينارُ هنا عشرة أو اثنا عشر؟ يحتمل وجهين، ومراده: إذا أخرج دراهم كم يخرج؛ وإلَّا فلو أخرج ذهبًا؛ لم تعتبر قيمتُه بلا شكٍّ.
وأنَّه لا فرق بين النَّاسي والمكرَه، والجاهلِ بالحيض أو التَّحريمِ أو هما؛ للعموم.
(1)
أخرجه أحمد (2023)، وأبو دواد (264)، والترمذي (136)، واختلف في رفعه ووقفه، ورجحه موقوفًا ابن السكن والإشبيلي والنووي، ومال أحمد إلى تقويته واحتج به، قال:(ما أحسن حديث عبد الحميد، فقيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم)، وصححه مرفوعًا الخطابي، وابن القطان، وابن حجر، والألباني، وغيرهم، ووقع في هذا الحديث اضطراب في متنه أيضًا، والرواية المحفوظة هي:(دينار أو نصف دينار)، كما بين ذلك أبو داود في سننه. ينظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 271، التلخيص الحبير 1/ 427، صحيح أبي داود 2/ 15.
(2)
قوله: (بل في أصفر) هو في (ب): في الصفرة. وفي (أ): بلى في أصفر.
(3)
ينظر: شرح العمدة 1/ 469.
وعنه: لا كفَّارة، قال القاضي وابن عقيل: بناءً على الصَّوم والإحرام.
وبان بهذا: أنَّ من كرَّر الوطء في حيضة أو حيضتين؛ أنَّه في
(1)
تكرار الكفَّارة كالصَّوم.
فإن وطئها طاهرًا ثمَّ حاضت؛ فإن استدام لزِمتْه الكفَّارةُ، وإن نزع؛ انبنى على الخلاف هل هو جماع أم لا؟ والمنصوص: أنَّها تلزمه الكفَّارة
(2)
؛ لأنَّه وإن كان معذورًا؛ فهي واجبة بالشَّرع كالصَّوم.
وأنَّ المرأة لا كفَّارة عليها، وهو وجه؛ لأنَّ الإيجاب بالشَّرع، ولم يرد.
والمنصوص: أنَّ عليها الكفَّارة
(3)
؛ ككفَّارة الوطء في الإحرام.
ومقتضاه: أنَّها إذا كانت مكرَهةً، أو غيرَ عالمةٍ؛ لا شيء عليها؛ كالصَّبي؛ لعدم تكليفه.
وظاهر كلامه، واختاره ابن حامد: أنَّها تلزمه؛ للعموم.
وهما في القيمة، والكفَّارة؛ للفقراء.
وتجزئ إلى مسكين واحد؛ كنذرٍ مُطلَق، وتسقط
(4)
بالعجز عنها على الأصحِّ.
وعنه: تلزمه بوطء دبر، وهو غريب.
فرع: الوطءُ في الحيض ليس بكبيرة، ش
(5)
، وإنَّما شُرِعت الكفَّارة زجرًا عن معاودته، ولهذا أغنى وجوبها عن التعزير في وجه.
(وَعَنْهُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّوْبَةُ)، قدَّمه ابن تميم، وجزم به في «الوجيز» ،
(1)
في (و): من.
(2)
ينظر: المغني 1/ 245، شرح العمدة 1/ 169.
(3)
ينظر: شرح العمدة 1/ 169.
(4)
في (أ): ويسقط.
(5)
أي: خلافًا للشافعي. ينظر: المجموع 2/ 359، والنجم الوهاج 1/ 493.
وهو قول أكثر العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى حائضًا أو امرأةً في دُبُرها، أو كاهنًا فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمَّد» رواه ابن ماجه، وضعَّفه البخاري
(1)
، ولأنَّه وطْءٌ نُهي عنه لأجل الأذى أشبه الوطء في الدُّبر، وكما لو وطئ بعد انقطاعه قبل غسلها في المنصوص.
وحديث الكفَّارة مداره على عبد الحميد بن زيد بن الخطاب، قيل لأحمد: في نفسك منه شيء؟ قال: نعم، قال: ولو صحَّ ذلك لكنَّا نرى عليه الكفَّارة
(2)
.
تذنيب: بَدَن الحائض، وعَرَقها، وسُؤرها؛ طاهر، ولا يكره طبخها وعجينها وغير ذلك، ولا وضع بدنها
(3)
على شيء من المائعات، ذكره ابن جرير إجماعًا، ولعلَّ المراد: ما لم يَفسُد من المائعات
(4)
بملاقاة بدنها، وإلَّا توجَّه المنع فيها وفي
(5)
المرأة الجنب، قاله في «الفروع» .
(وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ)؛ تمام (تِسْعِ سِنِينَ) في المشهور من المذهب، قال التِّرمذي: قالت عائشة: «إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة»
(6)
، ورواه القاضي مرفوعًا من رواية ابن عمر
(7)
، أي: حكمها حكم
(1)
أخرجه الترمذي (135)، وابن ماجه (639)، وضعفه البخاري، وقال النسائي والبزار:(حديث منكر)، وصححه الألباني بطرق أخرى تقويه. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 388، الإرواء 7/ 68.
(2)
ينظر: المغني 1/ 244.
(3)
في (و): يدها.
(4)
زيد في (ب) و (و): شيء. وفي (أ): ما لم يفسده في المائعات.
(5)
في (أ) و (و): وهي. والمثبت موافق لما في الفروع.
(6)
أخرجه حرب الكرماني في مسائله - تحقيق السريع - (1289)، عن حبيب بن أبي مرزوق عنها، ورجاله ثقات، وقد احتج به إسحاق، وعلقه عنها الترمذي في الجامع (3/ 409)، والبيهقي في الكبرى (1/ 476)، إلا أنه يبعُد سماع حبيب منها، فإنه يروي عن نحو عروة وعطاء ونافع. ينظر: تهذيب الكمال 5/ 395.
(7)
أخرجه مرفوعًا أبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان 2/ 243، من حديث ابن عمر رضي الله عنه، وفي سنده عبد الملك بن مهران الرقاعي، قال العقيلي:(صاحب مناكير، غلب عليه الوهم، لا يقيم شيئًا من الحديث)، قال ابن عدي:(مجهول ليس بالمعروف). ينظر: الضعفاء للعقيلي 3/ 34، الكامل لابن عدي 6/ 534، تنقيح التحقيق 4/ 323، الإرواء 1/ 199.
المرأة، قال الشَّافعيُّ:(رأيت جدَّةً لها إحدى وعشرين سنة)
(1)
، وذكر ابن عَقيل: أنَّ نساء تِهامة يَحِضْن لتسع سنين.
وظاهره: أنَّها إذا رأت لدونِ تسع فليس بحيض، وهو كذلك بغير خلاف؛ لأنَّه لم يثبت في الوجود والعادة لأنثى حيض قبل استكمالها، وأنَّه لا فرق فيه بين البلاد الحارة والباردة.
وقيل: لا حيض قبل تمام عشر
(2)
.
وعنه: اثنتا عشرة؛ لأنَّه الزَّمان الذي يصحُّ فيه بلوغ الغلام، وهو تقريب. وقيل: تحديد
(3)
.
ولانقطاعِه غاية، نصَّ عليه
(4)
، (وَأَكْثَرُهُ خَمْسُونَ سَنَةً)، قدَّمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» و «التَّلخيص» ، وصحَّحه في «البلغة» ، واختاره عامَّة المشايخ، قاله
(5)
ابن الزَّاغُوني؛ لقول عائشة: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة؛
(1)
ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 1/ 476.
(2)
في (أ): حيض.
(3)
قال ابن قندس في حواشي الفروع 1/ 362: (الذي يظهر من عبارته أن قوله: "تقريب، وقيل: تحديد" يعود على رواية الثنتي عشر، وأما على رواية التسع والعشر فظاهره: أنهما تحديد؛ لأنه صرح بالتمام في التسع، وهو ظاهر في التحديد. وقوله: "وقيل: عشر" تقديره: وقيل: تمام عشر، وممن صرح بالتمام في التسع؛ الفائق وابن تميم وتجريد العناية، قال ابن عبيدان: "والمراد: كمال التسع كما صرح به غير واحد").
وقال في تصحيح الفروع 1/ 362 بعد ذكره كلام ابن قندس: (ويرشحه عدم الاطلاع على الخلاف، لكن الخلاف على هذا القول - أي في الثنتي عشرة- لم نره أيضًا).
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1320، مسائل ابن هانئ 1/ 23.
(5)
في (أ): قال. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي 1/ 406.
خرجت من حدِّ الحيض»، ذكره أحمد
(1)
، وقال أيضًا:«لن ترى في بطنها ولدًا بعد الخمسين» رواه أبو إسحاق الشَّالَنْجِيُّ
(2)
.
وظاهره: أنَّه لا فرق بين نساء العرب وغيرهنَّ؛ لاستوائهنَّ في جميع الأحكام.
(وَعَنْهُ: سِتُّونَ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ) وخمسون لغيرهن، وقاله أهل المدينة؛ لأنَّهنَّ أقوى جِبِلَّةً.
وعنه: غايته ستون سنةً، جزم بها في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمها ابن تميم، واختارها أبو الخَطَّاب في «خلافه الصَّغير» ؛ لأنَّ ما قبل ذلك وجد فيه حيض بنقل نساءٍ ثقاتٍ.
وعنه: إن تكرَّر بعد الخمسين فهو حيض، وإلَّا فلا، صحَّحها في «الكافي» ؛ لوجوده على ما نقله الزُّبَير بن بَكَّارٍ
(3)
.
وعنه: مشكوك فيه، اختارها الخِرَقِيُّ، فتصوم وتصلِّي؛ لأنَّ وجوبهما متيقَّن، فلا يزول بالشكِّ، ولا يقربها زوجها إذا انقطع حتَّى تغتسل؛ لاحتمال أن يكون حيضًا، والصَّوم تقضيه وجوبًا على الأصحِّ؛ لأنَّه واجب بيقين، فلا يسقط بالشَّكِّ.
(1)
أخرجه حرب الكرماني في مسائله - كتاب الطهارة والصلاة - (731)، عن أم رزين عن عائشة، بلفظ:«ما أتى على امرأة خمسون سنة قط فخرج من بطنها ولد» ، ولا بأس برواته، إلا أننا لم نقف على ترجمة لأم رَزين، وقد يُسْتأنس بقول الذهبي في الميزان 4/ 604:(وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها).
(2)
أخرجه الشالنجي بإسناده عن عائشة كما في كتاب التمام لابن أبي يعلى (1/ 133)، ولم نقف على إسناده.
(3)
نسبه في المغني إلى كتاب النسب للزبير بن بكار. ينظر المغني 1/ 263.
وهو: الزبير بن بكار بن عبد الله الأسدي المكي، أبو عبد الله، العلامة النسابة، قاضي مكة وعالمها، من مصنفاته: نسب قريش، أخبار العرب، وغيرهما، توفي سنة 256 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 2/ 311، سير أعلام النبلاء 12/ 311.
وقد عُلم: أنَّها إذا رأت دمًا
(1)
أنه ليس بحيض بغير خلاف في المذهب؛ لأنَّه لم يوجد، وهو بمنزلة الجُرْح، قاله أحمد
(2)
، وهو دم فساد، ش
(3)
فإنَّه لا غاية لانقطاعه.
فالجواب
(4)
: أنَّه قد وُصف النِّساء بالإيَاس منه؛ لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطّلَاق: 4]، ولو أمكن أن يكون حيضًا لم تيْأس أبدًا، ولأنَّها تعتدُّ بالأَشْهُر.
(وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) في المنصوص
(5)
، وه
(6)
؛ لما روى أبو سعيد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس: «لا توطأ حامل حتَّى تضع، ولا غير ذات حمل حتَّى تحيض» رواه أحمد وأبو داود من رواية شريك القاضي
(7)
، فجعل الحيض علَمًا على براءة الرَّحِم، فدلَّ على أنَّه لا يجتمع معه، وقال عليه السلام في حقِّ ابن عمر لمَّا طلَّق زوجته وهي حائض:«ليُطَلِّقها طاهرًا أو حاملًا»
(8)
، فجعل الحمل علَمًا على عدم الحيض كالطهر، احتجَّ به أحمد.
وعنه: بلى، حكاها أبو القاسم التَّميمي
(9)
والبيهقِيُّ، والشَّيخ تقِيُّ الدِّين
(1)
زاد في (ب): بعد الستين.
(2)
ينظر: المغني 1/ 263.
(3)
أي: خلافًا للشافعي، ينظر: المجموع 2/ 374، نهاية المحتاج 1/ 325.
(4)
في (و): والجواب.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1317، مسائل أبي داود ص 38.
(6)
ينظر: المبسوط للسرخسي 2/ 20، بدائع الصنائع 1/ 42.
(7)
أخرجه أحمد (11228)، وأبو داود (2157)، وحسن إسناده ابن عبد الهادي، وابن حجر، وصححه الألباني، وله شواهد من حديث علي، وابن عباس، والعرباض بن سارية، ورويفع بن ثابت رضي الله عنهم. ينظر: تنقيح التحقيق 1/ 414 - 415، التلخيص الحبير 1/ 441، الإرواء 1/ 200.
(8)
سبق تخريجه 1/ 386 حاشية (9).
(9)
في (و): التيمي.
وهو: عبد الوهاب بن رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، كان فاضلاً، متقنًا، واعظًا، توفي سنة 493 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 1/ 193، المقصد الأرشد 2/ 131.
واختارها
(1)
، قال في «الفروع»: وهي أظهر، وذكر عبيدة بن الطَّيِّب
(2)
: أنَّه سمع إسحاق ناظر أحمد، ورجع إلى قوله هذا. رواه الحاكم
(3)
، لأنَّه دمٌ صادف عادةً، فكان حيضًا كغيرها.
فعلى الأولى: إذا رأت دمًا؛ فهو دم فساد، لا تترك له
(4)
العبادة، ولا يُمنع زوجها من وطئها.
ويستحبُّ أن تغتسل
(5)
بعد انقطاعه، نصَّ عليه
(6)
، وفي وجوبه وجهان.
إلَّا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة؛ فهو نفاس، ولا تنقص به مدته، نصَّ عليه
(7)
؛ لأنَّه دم خرج بسبب الولادة فكان نفاسًا، ولا تترك العبادة من غير علامة على قرب الوضع؛ عملاً بالأصل، فإن تركتها لعلامةٍ، فتبيَّن بُعده عنها؛ أعادت ما تركته من العبادة الواجبة
(8)
.
(وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ)، هذا هو المشهور، واختاره عامَّة المشايخ؛ لقول عليٍّ رضي الله عنه
(9)
. لا ثلاثة أيام، هـ
(10)
.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 19/ 239، الفروع 1/ 365.
(2)
قوله: (وذكر عبيدة) هو في (ب): وذكره أبو عبد الطيب.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 356.
(4)
في (و): لها.
(5)
في (أ): يغتسل.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 38.
(7)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1327.
(8)
زاد في (ب): لأنه تبين أنه ليس بحيض ولا نفاس.
(9)
قال ابن حجر في التعليق على قول الرافعي: (حديث علي: أقل الحيض يوم وليلة)، قال:(كأنه يشير إلى ما ذكره البخاري تعليقًا عن علي وشريح أنهما جوزا ثلاث حيض في شهر). ينظر: التلخيص الحبير 1/ 442. وسيأتي تخريجه قريبًا.
(10)
أي: خلافًا لأبي حنيفة، فأقل الحيض عنده: ثلاثة أيام ولياليها. ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 147، بدائع الصنائع 1/ 40.
(وَعَنْهُ: يَوْمٌ)، اختارها أبو بكر؛ لأنَّ الشَّرع علَّق على الحيض أحكامًا، ولم يبيِّنه، فعُلم أنَّه ردَّه إلى العُرف؛ كالقَبْض والحِرْز، وقد وُجِد حَيضٌ معتادٌ يومًا، ولم يوجد أقل منه، قال عَطاءٌ:(رأيت من تحيض يومًا) رواه الدَّارقطني
(1)
، وقال الشَّافِعِيُّ: (رأَيْتُ امرأة قالت
(2)
: إنَّها لم تزل تحيض يومًا لا يزيد)
(3)
، وقال أبو عبد الله الزُّبيرِيُّ:(كان في نسائنا من تحيض يومًا)
(4)
.
فمن قال به أخذ بظاهر الإطلاق، يؤيده قول الأوزاعي:(عندنا امرأةٌ تحيض بُكرةً، وتطهُر عَشيَّةً).
ومن قال باليوم واللَّيلة، قال: إنَّه المفهوم من إطلاق اليوم، ومن ثَمَّ قال القاضي: يمكن حمل كلام أحمد: (أقلُّه يوم)؛ أي
(5)
: بليلته، فتكون المسألةُ روايةً واحدةً، وهذه طريقة الخلَّال، ولكن الأكثر على خلافها.
(وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) في ظاهر المذهب، قال الخلَّال: لا اختلاف فيه؛ لقول عطاء: «رأيت من تحيض خمسة عشر يومًا»
(6)
، يؤيِّده ما رواه عبد الرَّحمن
(7)
بن أبي حاتم في «سننه» عن ابن عمر مرفوعًا أنَّه قال: «النِّساء ناقصات عقلٍ ودينٍ» ، قيل: وما نُقصانُ دينِهِنَّ؟ قال: «تمكث
(8)
إحداهنَّ شطر عمرها لا تصلِّي»، وذكر ابن المُنَجَّى:(أنَّه رواه البخاري)، وهو خطأ، قال
(1)
أخرجه الدارقطني (801)، وأخرجه الدارمي (873)، والبيهقي في الكبرى (1532)، عن عطاء بلفظ:«أدنى الحيض يوم» .
(2)
في (و): كانت.
(3)
ينظر: الأم 1/ 82. ينظر: الأم 1/ 82.
(4)
ينظر: الكافي 1/ 138.
(5)
قوله: (أي) سقط من (و).
(6)
أخرجه الدارمي (870)، والدارقطني (797)، والبيهقي في الكبرى (1536).
(7)
كتب على حاشية (و): (ينظر هل ابن أبي حاتم راوٍ أسند الحديث أم لا، فإنَّا لم نر ولم نسمع لعبد الرحمن بسند، وأيضًا يؤيده قول البيهقي: لم أجده في شيء من كتب الحديث).
(8)
في (أ): قلت.
البيهقي: (لم أجده في شيء من كتب الحديث)، وقال ابن منده: (لا يثبُت هذا بوجه من الوجوه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
(وَعَنْهُ: سَبْعَةَ عَشَرَ)، قال ابن المنذر:(بلغني أن نساء الماجِشُون كن يحضن سبع عشرة، وحكاه ابن مهدي عن غيرهن)
(2)
.
وقيل عليهما: وليلة، لا عشرة بلياليها، هـ
(3)
.
وقال م
(4)
: لا حدَّ لأقلِّه، فلو رأت دَفعة واحدةً كان حيضًا، وأكثره خمسة عشر يومًا.
(وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِحَمْنَةَ بنتِ جحْش لما سألته: «تحيَّضي في علم الله ستَّة أيَّام أو سبعة، ثمَّ اغتسلي، وصلِّي أربعًا وعشرين ليلةً، أو ثلاثًا وعشرين ليلةً وأيَّامها، فإنَّ ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كلِّ شهر كما تحيض النِّساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهنَّ» رواه أبو داود والنَّسائي وأحمد والتِّرمذي وصحَّحاه، وحسَّنه البخاري
(5)
.
(وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا)، هذا هو المختار من
(6)
(1)
نصَّ غير واحد من الحفاظ أن هذا لفظٌ يتداوله الفقهاء، وليس له أصل -وهو التنصيص على شطر العمر أو الدهر- ولفظ الحديث في الصحيح:«أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟! فذلك من نقصان دينها» أخرجه البخاري (304)، ومسلم (80)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وقول المصنف (ما رواه عبدالرحمن بن أبي حاتم في سننه) تبع فيه القاضي أبا يعلى، وتعقبه ابن الملقن بقوله:(وعبد الرحمن ليس له سنن، وسننه التي عزاه إليها لم نقف عليها، بل ولا سمعنا بها)، وكذا قال ابن حجر أيضًا. ينظر: السنن والآثار 2/ 143، البدر المنير 3/ 55، التلخيص الحبير 1/ 432.
(2)
ينظر: الأوسط 2/ 228.
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 148، بدائع الصنائع 1/ 39.
(4)
ينظر: بداية المجتهد 1/ 56، الجواهر الثمينة 1/ 71.
(5)
سبق تخريجه 1/ 268 حاشية (6).
(6)
في (و): المختار في.
المذهب، وجزم به في «الوجيز»؛ لما روى أحمد واحتجَّ به عن عليٍّ: أنَّ امرأةً جاءته، وقد طلَّقها زوجها، فزعمت أنَّها حاضت في شهر ثلاث حِيَضٍ، فقال عليٌّ لشُرَيح:«قل فيها» ، فقال شريح: إن جاءت ببيِّنة من بِطانةِ أهلها ممَّن يُرضى دينُه وأمانتُه فشهدت بذلك، وإلا فهي كاذبة
(1)
. فقال عليٌّ: «قَالُون» ؛ أي: جيِّد بالرُّوميَّة
(2)
، وهذا لا يقوله إلَّا توقيفًا، وهو قول صحابي انتشر ولم يُعلم خلافه، ووجود ثلاث حيض في شهر دليل على أنَّ الثَّلاثة عشر طهرٌ صحيحٌ يقينًا، قال أحمد:(لا يُختلف أنَّ العدَّة يصحُّ أن تنقضي في شهر إذا قامت به البيِّنة)
(3)
.
وظاهره: أنَّ الطُّهر في أثناء الحيضة لا توقيت فيه، وسيأتي.
(وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ)، هذا
(4)
رواية عن أحمد حكاها في «المحرَّر» و «الفروع» ، وهي قول أكثر العلماء؛ لما تقدَّم من قوله: «تمكث إحداكنَّ
(5)
شطر عمرها لا تُصلِّي»
(6)
.
وذكر أبو بكر: أنَّهما مبنيان على أكثر الحيض؛ فإن قيل: خمسة عشر يومًا فأقلُّ الطُّهر مثله، وإن قيل: سبعةَ عشر يومًا فأقله ثلاثة عشر يومًا.
(1)
قوله: (وإلا فهي كاذبة) سقطت من (أ).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (19296)، وسعيد بن منصور (1310)، والدارمي (883)، والبيهقي في الكبرى (15405)، عن الشعبي به. وذكره البخاري معلقًا بصيغة التمريض (1/ 72)، قال ابن حجر:(رجاله ثقات، وإنما لم يجزم به للتردد في سماع الشعبي من علي).
وعلى القول بأن الشعبي لم يسمعه من علي؛ فإن مراسيله قوية كما أفاده أبو داود والعجلي، وذكر ابن رجب في الفتح أن أحمد احتج بالأثر. ينظر: فتح الباري لابن رجب 2/ 149، جامع التحصيل ص 204، الفتح لابن حجر 1/ 425.
(3)
ينظر: مسائل حرب 1/ 554.
(4)
في (أ) و (ب): هذه.
(5)
في (ب) و (و): إحداهن.
(6)
سبق الكلام على هذه اللفظة قريبًا، وأنها ليس لها أصل.
والمشهور عند الأصحاب: لا بِنَاءَ، فأكثر الحيض خمسة عشر يومًا، وأقلُّ الطُّهر ثلاثة عشر، ثمَّ إنَّما يلزم ذلك أن لو كان شهرُ المرأة لا يزيد على ثلاثين يومًا، فإذا زاد تُصوِّر أن يكونَ حيضُها سبعةَ عشَرَ، وطهرُها خمسةَ عشرَ وأكثر.
وقيل: يزاد على كل عدد ليلة.
وعنه: لا توقيتَ فيه، وهو على ما تعرفه من عادتها، اختاره بعض أصحابنا.
وعنه: إلَّا في العدة؛ أي
(1)
: إذا ادَّعت انقضاءها في شهر كُلِّفت البينة، وإن كان في أكثر منه؛ صُدِّقتْ.
(وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ)؛ أي: الطُّهر؛ لأنَّ التَّحديد من الشَّرع ولم يرد به، ولا نعلم له دليلًا، ولأنَّه قد وجد من لا تحيض أصلاً، لكنَّ غالبَه بقية الشهر
(2)
.
(1)
قوله: (أي) سقط من (أ).
(2)
قوله: (بقيةُ الشَّهر) سقط من (أ).
(فَصْلٌ)
(وَالْمُبْتَدَأَةُ): هي التي رأت دمَ الحيض ولم تكن حاضت، في زمن يمكن أن يكون حيضًا.
وظاهره: لا فرق بين الأسود والأحمر، وهو الأصحُّ.
وقال ابن حامد وابن عقيل: لا تلتفت أوَّل مرَّةٍ إلا
(1)
إلى الأسود، قدَّمه في «الرِّعاية» .
فإن كان صُفرةً أو كُدْرةً؛ فظاهره أنَّها تجلسه، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» ، وظاهر كلام الإمام خلافه.
(تَجْلِسُ)؛ أي: تدَع برؤيته - نقله الجماعة
(2)
- الصَّلاة والصِّيام ونحوهما؛ لأنَّ دم الحيض جِبِلَّةٌ وعادةٌ، ودمُ الاِستحاضة لعارض من مرَضٍ ونحوِه، والأصل عدمه، (يَوْمًا وَلَيْلَةً) نصَّ عليه في رواية ابنَيْه والمَرُّوذِيِّ
(3)
؛ لأنَّ العبادةَ واجبةٌ في ذمَّتها بِيَقِينٍ، وما زاد على أقلِّ الحيض مشكوك فيه، فلا نسقطها
(4)
بالشَّكِّ، ولو لم نُجْلِسْها
(5)
الأقل؛ لأدَّى إلى عدم جلوسها أصلًا.
وظاهِرُه: أنَّه إذا كان أقلَّ من يوْمٍ وليلةٍ؛ لا تلتَفِت
(6)
إليه؛ لأنَّه دم فساد، إلَّا إذا قلنا: أقلُّه يوم.
قال القاضي وابن عَقيل: إنَّ المبتدَأة لا تجلس فوق الأقلِّ بلا خلاف،
(1)
قوله: (إلا) سقط من (أ) و (و). والصواب إثباتها، ينظر: الإنصاف 2/ 398.
(2)
ينظر: مسائل صالح 2/ 109، مسائل ابن منصور 3/ 1316.
(3)
ينظر: مسائل صالح 2/ 109، مسائل عبد الله ص 45، مسائل ابن هانئ 1/ 30.
(4)
في (ب) و (و): تسقطها.
(5)
في (ب) و (و): تجلسها.
(6)
في (ب) و (و): يلتفت.
وإنَّما موضع ذلك إذا اتَّصل الدَّم وحصلت مستحاضة في الشهر الرابع.
(ثُمَّ تَغْتَسِلُ)؛ لأِنَّهُ آخِر حيْضها حُكْمًا، أشبه آخره حِسًّا، (وَتُصَلِّي)؛ لأنَّ المانِع منها هو الحيض، وقد حكم بانقطاعه، وعدم الغسل، وقد وُجِد حقيقةً.
ولا يحل وطؤها حتَّى ينقطع أو يجاوز أكثرَ الحيض؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّه حيض، وإنَّما أمرناها بالعبادة احتياطًا لبراءة ذمَّتها، فتعيَّن ترك وطئها احتياطًا.
وعنه: يُكره. وقيل: يباح مع خوف العَنَتِ.
فإن انقطع واغتسلت؛ أبيح؛ لأنَّها رأت النَّقاء الخالص. وعنه: يكره؛ لاحتمال عوده كالنُّفَساء. وعنه: إن أمِن العَنَت.
وإن عاد بعد الانقطاع؛ حرُم الوطء إلى أكثر الحيض.
(فَإِنِ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرَهِ فَمَا دُونُ) - هو بضم النُّون؛ لقطعه عن الإضافة -؛ (اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ)؛ لاحتمال أن يكون آخرَ حيضها، فلا تكون طاهرةً بيقين إلَّا بالغسل
(1)
.
(وَتَفْعَلُ ذَلِكَ)؛ أي: مثل جلوسها يومًا وليلةً، وغسلها عند آخرهما، وعند الانقطاع؛ (ثَلَاثًا)؛ لأنَّ العادة لا تثبت إلَّا بها في المشهور من المذهب؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«دعِي الصَّلاة أيَّام أقْرائِكِ»
(2)
، وهي صيغة جمع، وأقلُّه ثلاث، ولأنَّ ما اعتبر له
(3)
التَّكرار اعتُبر فيه الثَّلاثُ؛ كالأقراء في عدَّة الحرَّة والشُّهور وخيار المُصرَّاة ومهلة المرتدِّ، فعلى هذا؛ تجلس في الشَّهر
(1)
في (ب): بغسل.
(2)
أخرجه بهذا اللفظ أحمد (25681)، والدارقطني (882)، وإسناده صحيح، وأصله في الصحيحين، وسبق تخريجه 1/ 383 حاشية (5).
(3)
قوله: (له) سقط من (و).
الرَّابع، وقال القاضي: في الثَّالِث.
(فَإِنْ كَانَ فِي) الأشهر (الثَّلَاثِ عَلَى قَدْرٍ)؛ أي: مقدار
(1)
(وَاحِدٍ؛ صَارَ عَادَةً)؛ لما ذكرناه
(2)
، فلو تكرَّر مختلفًا؛ كخمسة في
(3)
الأوَّل، وسبعة في الثَّاني، وعشرة في الثَّالث؛ فالمتكرِّر حيض دون غيره، (وَانْتَقَلَتْ إِلَيْهِ)؛ أي: لزِمَها جلُوسه، (وَأَعَادَتْ مَا صَامَتْهُ مِنَ
(4)
الْفَرْضِ فِيهِ)؛ لأنَّا تبيَّنَّا فعله في زمن الحيض، وكذا حكم غيره من اعتكافٍ واجِبٍ وطَوافٍ، لكن إن ارتفع حيضها ولم يَعُدْ، أو أيِسَتْ قبل التَّكرار؛ لم تَقْضِ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ)؛ أي: الدَّم (يَصِيرُ عَادَةً) بتكرُّره (مَرَّتَيْنِ
(5)
؛ لأنَّ العادة مأخوذة من المعاوَدَة، وقد عاودها في المرَّة الثَّانية، فتجلس في الشَّهر الثَّالث.
وقال القاضي: بل في الثَّاني، واختاره الشَّيخ
(6)
تقِيُّ الدِّين، فإنَّ كلام أحمد يقتضيه
(7)
.
وعُلم منه: أنَّ العادة لا تثبت بمرَّة، قال في «المغني» وغيرِه: لا يَختلِف المذهبُ فيه.
(فَإِنْ جَاوَزَ) الدَّمُ (أَكْثرَ الْحَيْضِ؛ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّما ذلك عِرْقٌ، وليس بالحَيضة» متَّفق عليه
(8)
، ولأنَّ الدَّم كلَّه لا يصلح أن يكون حيضًا.
(1)
في (أ): بمقدار.
(2)
في (و): ذكرنا.
(3)
في (أ) و (و): من.
(4)
في (و): (في)، وكتب على هامشها:(من)، وعليها إشارة نسخة.
(5)
في (ب) و (و): بمرتين.
(6)
قوله: (واختاره الشيخ) هو في (و): والشيخ.
(7)
ينظر: شرح العمدة 1/ 486.
(8)
أخرجه البخاري (228)، ومسلم (333).
والاستحاضةُ: سَيَلانُ الدَّم في غير وقته من العِرق العاذِل - بالذَّال المعجمة، وقيل: المهملة حكاهما ابن سِيدَهْ
(1)
، والعاذِرُ لغةٌ فيه - من أدنى الرَّحم دون قعره؛ إذ المرأة لها فرجان، داخل بمنزلة الدبر، منه الحيض، وخارج كالأليتين، منه الاستحاضة
(2)
.
وظاهره: أنَّها لا تحتاج
(3)
إلى تكرار، صحَّحه في «الشَّرح» ؛ لظاهر حديث حَمْنَةَ
(4)
.
والمنصوص
(5)
: أنَّه لا يثبت حكمها قبل تكرارها ثلاثًا أو مرَّتين على الخلاف.
ثمَّ هي لا تخلو من حالين: إمَّا أن يكون متميزًا
(6)
أو غيرَه.
فقال: (فَإِنْ كَانَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا؛ بَعْضُهُ ثَخِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ، وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ أَحْمَرُ؛ فَحَيْضُهَا زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ)، ما لم يَزِدْ
(7)
على أكثر الحيض، ولم ينقص
(8)
عن أقلِّه، قال ابن تميم: ولا ينقُص غيره عن أقل الطهر؛ لما روت عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حُبَيش فقالت: يا رسول الله! إنِّي أُستحاض فلا أَطهرُ،
(1)
كذا في المطلع ص 57، وذكر ابن سيده في المحكم 2/ 76، والمخصص 1/ 165: العاذر والعاذل، ولم يذكر (العادل).
وابن سيده: علي بن إسماعيل، أبو الحسن: إمام في اللغة وآدابها، من مصنفاته: المحكم، والمخصص، والأنيق في شرح الحماسة، توفي سنة 458 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 330، الأعلام 4/ 263.
(2)
في (و): للاستحاضة.
(3)
قوله: (أنها لا تحتاج) هو في (ب) و (و): أنه لا يحتاج.
(4)
سبق تخريجه 1/ 368 حاشية (6).
(5)
ينظر: مسائل صالح 2/ 109، مسائل عبد الله ص 45.
(6)
في (أ): تكون مميزة.
(7)
في (أ): تزد.
(8)
في (أ): تنقص.
أفأدع الصَّلاة؟ فقال: «إنَّما ذلك عِرْق، وليس بالحَيضة، فإذا أقبلت الحَيضة فدعي الصَّلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدَّم، وصلِّي» متَّفق عليه
(1)
، وفي لفظ للنَّسائي:«إذا كان الحيض فإنَّه أسودُ يُعرف، فأمسكي عن الصَّلاة، وإذا كان الآخَر فتوضَّئي وصلِّي؛ فإنَّما هو دَمُ عِرْقٍ»
(2)
، ولأنَّه خارج من الفرْج يوجِب الغسل، فرجع إلى صفته
(3)
عند الاشتباه؛ كالمَنِيِّ والمَذْيِ.
وظاهره: أنَّها إذا عرفت التمييز؛ جلسته من غير تكرار، وهو ظاهر كلام أحمد والخِرَقِيِّ
(4)
، واختاره ابن عقيل؛ لأنَّ معناه أن يتميَّز
(5)
أحد الدَّمَينِ عن الآخَر في الصِّفة، وهذا يُوجَد بأوَّل مرَّة.
والتَّمييز يحصل بأحدِ أمورٍ ثلاثةٍ، واعتبر أبو المعالي اللَّون فقط، فالأسود أقوى، ثمَّ الأحمر، ثمَّ الأشقر، وكَرِيه الرائحة أقوى، والثخين أقوى من الرقيق، فإن تعارضت الصِّفات؛ فذكر بعض الشَّافعيَّة: أنَّه
(6)
يرجَّح بالكثرة، فإن استوت، رجِّح بالسَّبق.
(وَمَا عَدَاهُ اسْتِحَاضَةٌ)، فيصير حُكمُها حُكمَ الطَّاهرات؛ لما ذكرناه، فتغتسل عند انقطاع الأوَّل وتصوم، وتتوضَّأ لكلِّ صلاة كما يأتي.
تنبيه: تقدَّم أنَّ دلالة التَّمييز لا تحتاج إلى تكرار. وقال القاضي وأبو الحسن
(7)
الآمِدِيُّ: تجلس المميِّزةُ
(8)
من التَّمييز ما تكرَّر.
(1)
سبق تخريجه 1/ 383 حاشية (3).
(2)
أخرجه النسائي (215)، وتقدم تخريجه 1/ 220 حاشية (1).
(3)
في (ب) و (و): صفتيه.
(4)
قوله: (والخرقي) سقط من (و). والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 2/ 405.
(5)
في (أ): تميز.
(6)
في (أ): فإنه.
(7)
في (أ): الحسين.
(8)
في (و): المتميزة.
فعلى هذا: إذا رأت في كلِّ شهر خمسةً أحمرَ، ثمَّ خمسةً أسود، ثمَّ أحمر، واتَّصل؛ جلست زمان الأسود، وهل تجلسه في الشهر الثَّاني أو الثالث أو الرابع؟ يخرَّج على الخلاف
(1)
.
ولا يُعتبر ألا تزيد
(2)
مدَّة الدَّمَينِ على شهر في وجه، فلو رأت عشرةً أسود، ثمَّ ثلاثين أحمرَ؛ فحيضها زمن الأسود.
وفي آخر: متى زادت مدَّتهما على شهر؛ بطلت دلالة التَّمييز، ولا يلتفت إلى الأسود.
فإن نقص التَّمييز عن الأكثر؛ فطهرها بعده إلى الأكثر مشكوكٌ فيه، تفعل فيه كالمعتادة، ولا قضاء عليها.
وهل يباح وطؤها؟ فيه روايتان.
قال ابن تميم: (والصَّحيح أنَّه طهر بيقين، فإن رأت ستَّة عشر يومًا أحمرَ، ثمَّ باقي الشَّهر أسود؛ فحيضها زمن الأسود في الأصحِّ. والثَّاني: تجلس من الأحمر يومًا وليلةً، ثمَّ تجلس الأسود.
ومتى بطلت دلالة التَّمييز، فهل تجلس ما تجلسه منه، أو من أول الدَّم؟ فيه وجهان.
وعنه: لا تسقط دلالة التَّمييز وإن عبر الأكثر).
قال ابن تميم: (فعلى هذا؛ ينبغي ألا تجلس زيادة على الأكثر، وتأوَّلها القاضي).
(وَإِنْ
(3)
لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا؛ قَعَدَتْ مِنْ
(4)
كُلِّ شَهْرٍ غَالِبَ الْحَيْضِ) في ظاهر
(1)
زاد في (ب): فيما ثبتت به العادة.
(2)
في (ب) و (و): يزيد.
(3)
في (أ): فإن.
(4)
في (و): في.
المذهب، واختاره الخِرَقِيُّ وابن أبي موسى والقاضي، وجزم به في «الوجيز»؛ لما رُوِي أنَّ حَمْنةَ بنت جحش قالت: يا رسول الله إنِّي أُستحاض حَيضةً شديدةً كبيرةً، قد
(1)
منعتني الصَّوم والصَّلاة، فقال: «تحيَّضي في علم الله ستًّا أو سبعًا، ثمَّ اغتسلي
(2)
» رواه أحمد وغيره
(3)
، وعملًا بالغالِب، ولأنَّها تُرَدُّ إلى غالِب الحيض وقتًا، فكذا قدْرًا
(4)
.
فعلى هذا؛ تجتهد في السِّت والسَّبع. وقيل: تخيَّر.
وتُفارق المبتدأة في جلوسها الأول: من حيث إنَّها أوَّل ما ترى الدَّم ترجو انكشاف أمرها عن قرب، ولم يتيقَّن لها دم فاسد، وإذا علم استحاضتها؛ فقد اختلط الحيض بالفاسد يقينًا، وليس قرينة، فلذلك رُدَّت إلى الغالِب؛ عملًا بالظَّاهر.
(وَعَنْهُ: أَقَلَّهُ)، اختارها أبو بكر، وابن عقيل في «التَّذكرة» ؛ لأنَّه اليقين، وكحالة الابتداء.
(وَعَنْهُ: أَكْثَرَهُ)، اختاره
(5)
في «المغني» ؛ لأنَّه زمان الحيض، فإذا رأت الدَّم فيه جلسته كالمعتادة.
(وَعَنْهُ: عَادَةَ نِسَائِهَا؛ كَأُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا)؛ لأنَّ الغالب شبهها بهنَّ، وقياسًا على المهر، وتُقدَّم القُربى فالقُربى.
فإن اختلفتْ عادتُهنَّ؛ جلست الأقل. وقيل: الأكثر. وقيل: تتحرَّى.
(1)
في (و): وقد.
(2)
قوله: (ثم اغتسلي) سقط من (ب) و (و).
(3)
سبق تخريجه 1/ 368 حاشية (6).
(4)
زاد في (أ) و (ب): ويعتبر تكرار الاستحاضة في حقها، فتجلس قبل تكرره أقله.
(5)
في (ب) و (و): اختارها.
فإن عُدِم الأقاربُ؛ اعتُبر الغالب، زاد ابن حمدان: من نساء بلدها.
(وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ) في «هدايته» وتبعه في «الكافي» ، (فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَوَّلَ مَا تَرَى الدَّمَ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ):
الأولى: أنَّها تجلس الأقلَّ؛ لأنَّه اليقين.
والثَّانية: تجلس سِتًّا أو سَبْعًا؛ لأنَّه الغالب.
والثَّالثة: تجلس عادة نسائها؛ لأنَّ الظَّاهر شبهها بهن.
والرَّابعة: تجلس ما تراه من الدَّم ما لم يُجاوِزْ أكثرَه؛ قياسًا على أقلِّه.
ولمَّا فرغ من الكلام على المستحاضة المبتدَأة؛ شرع في أقسام المستحاضة المعتادة، ولها أربعة أحوال فأشار بقوله:
(إِنِ
(1)
اسْتُحِيضَتِ الْمُعْتَادَةُ)، وهي التي تعرِف شهرَها ووقت حيضها منه وطُهرِها، وشهرُها عبارة عن المدَّة التي ترى فيه حيضًا وطُهرًا، وأقلُّه أربعةَ عشرَ يومًا على المذهب، وغالِبُه الشَّهرُ المعروفُ؛ (رَجَعَتْ إِلَى عَادَتِهَا) إلى القسم الأول، وهي ما إذا كانت ذاكِرَةً لعادتها، وهي غير متميِّزة، أو يكون
(2)
الدَّم الذي يصلح للحيض ينقص عن أقلِّه، أو يزيد على أكثره، فهذه تجلس قدر عادتها، ثمَّ تغتسل بعدها، وتتوضَّأ
(3)
لوقت كلِّ صلاة وتصلِّي
(4)
؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دعي الصَّلاة قدر الأيَّام التي كنت تحيضين فيها، ثمَّ اغتسلي وصلِّي» متَّفق عليه
(5)
.
واعلم أنَّ العادة على ضربين: متَّفِقة، ومختلِفة.
(1)
في (ب) و (و): وإن.
(2)
في (و): ويكون.
(3)
في (و): ويتوضأ.
(4)
في (و): ويصلى.
(5)
سبق تخريجه 1/ 387 حاشية (1).
فالمتَّفقة: أن تكون أيَّامًا متساوية؛ كسبعة في كل شهر، فإذا استحيضت؛ جلستها فقط.
والمختلفة قسمان:
إمَّا أن تكون
(1)
على ترتيبٍ، مثل أن ترى في شهر ثلاثةً، وفي الثَّاني أربعةً، وفي الثَّالث خمسةً، ثمَّ تعود إلى مثل ذلك، فهذه إذا استُحيضت في شهر، فعرفت ترتُّبه؛ عملت عليه، وإن نسيت ترتُّبه؛ جلست الأقل
(2)
، وهو ثلاثةٌ، ثمَّ تغتسل، وتصلِّي بقيَّة الشَّهر.
وإن علمت أنَّه غير الأوَّل
(3)
، وشكَّت هل هو الثَّاني أو الثالث؟ جلست أربعةً؛ لأنَّها اليقين، ثمَّ تجلس في الشَّهرين الأخيرين ثلاثةً ثلاثةً، وفي الرَّابع أربعةً، ثمَّ تعود إلى الثَّلاثة كذلك أبدًا.
ويكفيها غسل واحد عند انقضاء المدَّة التي جلستها كالنَّاسية
(4)
، وصَحَّح في «المغني» و «الشَّرح»: أنَّه يجب عليها الغُسل أيضًا عند مُضِيِّ أكثرِ عادتِها.
وإمَّا أن يكون على غير ترتيب، مثل أن تحيض في شهرٍ ثلاثةً، وفي الثَّاني خمسةً، وفي الثَّالث أربعةً، فإن أمكن ضبطُه بحيث لا يختلف فهو كالأوَّل، وإن لم يمكن ضبطه؛ جلست الأقلَّ من كل شهر، واغتسلت عقيبه.
وذكر ابن عقيل: أنَّها تجلس أكثر عادتها في كل شهر؛ كالنَّاسية للعدد. وبعَّده المؤلِّف رحمه الله تعالى؛ إذ فيه أمرها بترك الصَّلاة، وإسقاطها عنها مع يقين
(1)
في (و): يكون.
(2)
كتب في هامش (و): (الذي حفظته).
(3)
كتب في هامش (و): (أما الأوَّل؛ فلأنه يحتمل أن يكون أول عادتها وآخرها؛ فإذا احتمل أن يكون آخر العادة احتمل أن يكون الثَّاني أولها).
(4)
كتب فوقها في (و): (لدخولها تحت الخمسة من غير عكس).
الوجوب، بخلاف النَّاسية؛ فإنَّا لا نعلم عليها صلاة واجبةً يقينًا، والأصل بقاء الحيض.
ثمَّ أشار إلى الثَّاني، وهو
(1)
إذا اجتمعت العادة والتَّمييز بقوله: (وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً
(2)
؛ أي: تقدِّم العادة عليه في ظاهر كلام أحمد وأكثر الأصحاب، وجزم به في «الوجيز»؛ لما روت أم حَبِيبةَ: أنَّها سألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الدم
(3)
فقال لها: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثمَّ اغتسلي وصلِّي» رواه مسلم
(4)
، وهو عامٌّ في كلِّ مستحاضة، ولأنَّ العادة أقوى؛ لكونها لا تَبطُل دلالتُها بخلاف اللَّون؛ فإنَّه إذا زاد على أكثر الحيض؛ فإنَّه تبطل دلالته.
(وَعَنْهُ: تُقَدِّمُ
(5)
التَّمْيِيزَ) على العادة بشرطه، (وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ)، وقدَّمه في «الرِّعاية»؛ لقوله عليه السلام لفاطمةَ:«فإنَّه أسود يُعرف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصَّلاة»
(6)
، ولأنَّ صفة الدَّم أَمَارةٌ قائمةٌ به، والعادة بخلافه، ولأنَّه خارج يوجب الغسل، فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمنِيِّ وغيره.
وظاهره: لا فرق بين أن يكون أكثر من العادة أو أقل، ويصلح أن يكون حيضًا، فلو اتَّفقت العادة والتَّمييز؛ عمل بهما.
ويتفرَّع على الخلاف مسائل:
منها: إذا كان حيضها خمسة أيَّام في كل شهر، فاستُحيضت، وصارت
(1)
زيد في (و): ما.
(2)
في (ب) و (و): متميزة.
(3)
قوله: (عن الدم) سقط من (أ).
(4)
أخرجه مسلم (334).
(5)
في (و): يقدم.
(6)
سبق تخريجه 1/ 220 حاشية (1).
ترى ثلاثة
(1)
دمًا أسودَ في أوَّلِ كل شهر؛ فمن قدَّم العادة قال: تجلس الخمسة كما كانت قبل الاستحاضة، ومن قدَّم التَّمييز قال: تجلس الثَّلاثةَ التي فيها الأسود في الشَّهر الثَّاني.
ومنها: إذا كان حيضها سبْعًا من أول كل شهر، فاستُحيضت، وصارت ترى سبعةً أسودَ، ثمَّ يصير أحمرَ ويتَّصل؛ فالأسود حيض عليهما؛ لموافقته
(2)
العادة والتَّمييز.
وإن رأت مكان الأسود أحمرَ، ثمَّ صار أسودَ وعَبَر؛ سقط حكم الأسود؛ لعبوره أكثر الحيض، وحيضها الأحمر؛ لموافقته
(3)
العادة.
وإن رأت مكان العادة أحمر، ثمَّ رأت خمسةً أسودَ، ثمَّ صار أحمرَ واتَّصل؛ فمن قَدَّم العادةَ أجلسها أيَّامها، ومن قدم التَّمييز جعل الأسود وحده حيضًا.
(وَإِنْ نَسِيَتِ الْعَادَةَ)، هذا هو القسم الثَّالث من أقسام المستحاضة، وهي التي لها تمييزٌ وعادةٌ، وقد أُنسِيَتْها؛ (عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ) بشرطه؛ لما سبق من حديث فاطمة
(4)
.
وظاهره: لا فرق بين أن يكون المتميِّز متَّفِقًا، مثل أن ترى في كل شهر ثلاثةً أسودَ، ثمَّ يصير أحمر ويَعبُر أكثر الحيض، أو مختلِفًا، مثل أن ترى في الأوَّل خمسةً أسودَ، وفي الثَّاني أربعةً، وفي الثَّالث ثلاثةً، أو بالزِّيادة فيهما، فالأسود حيض على كل حال.
وظاهره: لا يعتبر فيه تَكرار، وهو كذلك على المذهب، وذكر في
(1)
زاد في (أ) و (ب): أيام.
(2)
في (ب) و (و): لموافقة.
(3)
في (و): لموافقة.
(4)
سبق تخريجه 1/ 220 حاشية (1).
«الرِّعاية» فيها الرِّواياتِ الأربعَ.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ؛ جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ)، هذا هو القسم الرابع من أقسام المستحاضة، وهي النَّاسية للعادة ولا تمييز لها
(1)
، ولها ثلاثة أحوال:
أحدُها: أن تكون ناسية لوقتها وعددها، وهذه تسمَّى المتحيِّرةَ؛ لأنَّها قد تحيَّرت في حيضها، وحكمها: أن تجلس غالِب الحيض في ظاهر المذهب، اختاره الخِرَقِيُّ، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه غيرُ واحد؛ لحديث حَمْنةَ بنت جَحْش
(2)
، ولأنَّه لم يستفصلها هل هي مبتدَأة أو ناسية؟ ولو افترق
(3)
الحال لسألها، وكونها ناسية أكثر، فإن حمنةَ امرأةٌ كبيرةٌ، قاله أحمد
(4)
، ولم يسألْها عن تمييزها ولا عادتها، فلم يبقَ إلَّا أن تكون ناسيةً.
فعلى هذا؛ إن كانت تعرف شهرَها؛ جلست ذلك منه؛ لأنَّه عادتها، فترد إليها كما ترد المعتادة إلى عادتها، إلَّا أنَّه متى ما كان شهرُها أقلَّ من عشرين يومًا؛ لم تَجلس منه أكثر من الفاضِلِ عن ثلاثةَ عشرَ يومًا أو خمسة عشر؛ لئلا
(5)
ينقص الطهر عن أقلِّه.
وإن لم تعرف شهرَها؛ جلست من الشهر المعتاد؛ للخبر، ولأنَّه غالب عادات النساء، فالظَّاهر أنَّه حيضها.
وتجتهد في الست والسبع، فما غلب على ظنِّها جلسته، صحَّحه في «المغني» وغيره.
وذكر القاضي في موضع: أنَّها تُخيَّر بينهما؛ كالوطء فيه، يتخيَّر في
(6)
(1)
في (و): هنا.
(2)
سبق تخريجه 1/ 268 حاشية (6).
(3)
في (أ): اقترن.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 34.
(5)
في (أ): لأنه لا.
(6)
في (ب) و (و): من.
التَّكفير بين دينار ونصفه؛ لأنَّ «أو» للتَّخيير.
وأجيب عنه: بأنَّها قد تكون للاِجتهاد؛ كقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محَمَّد: 4]، و «إمَّا» ك «أو»
(1)
.
ولم يتعرَّض لوقت إجلاسها، وفيه وجهان، والأشهر: أنَّه من أول كل شهر.
(وَعَنْهُ: أَقَلَّهُ)؛ لأنَّه اليقين، وما زاد مشكوكٌ فيه، فلا تَدَعُ العبادةَ لأجله، وجعله في «الكافي» مخرَّجًا، وليس كذلك، بل هو منصوصٌ عليه
(2)
.
(وَقِيلَ: فِيهَا الرِّوَايَاتُ الْأَرْبَعُ)، لو اقتصر في حكاية هذا القول على الرِّوايتَين الأخيرتَين لكان أولى، ولهذا قال القاضي: يتخرَّج فيها الرِّوايتان الأخيرتان كالمبتدَأة؛ لأنَّ بنسيان
(3)
العادة صارت عادِمةً لها، فهي كمن عدمت العادةَ، وهما
(4)
: تجلس عادةَ نسائها، أو الأكثر، والمشهور: انتفاؤهما.
وظاهِرُه: أنَّ استحاضتها لا تحتاج إلى تكرار، وهو الأصحُّ.
وحكى القاضي وجهًا: أنَّها لا تجلس شيْئًا، بل تغتسل لكلِّ صلاة، وتصلِّي وتصوم، ويُمنع الزَّوج من وطئها، وتقضي الصَّوم الواجِبَ.
(وَإِنْ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا، وَنَسِيَتْ
(5)
مَوْضِعَهَا)، هذا هو الحال الثَّاني من أحوال النَّاسية، وهي تنقسم قسمين:
أحدهما: أن تعلمَ العددَ، ولا تعلمَ الوقت أصلًا، مثل أن تعلم أنَّ حيضها خمسة أيَّام - مثلًا - من النِّصف الأوَّل؛ (جَلَسَتْهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ)
(1)
قوله: (وإما ك «أو») سقط من (و).
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 102.
(3)
في (و): نسيان.
(4)
في (ب): وهي.
(5)
في (أ): أو نسيت.
هِلالِيٍّ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، اختاره الأكثر، وجزم به في «الوجيز» ، ولم يفرِّقوا؛ لأنَّه عليه السلام جعل حيض حَمْنة من أوَّل الشَّهر، والصَّلاة في بقِيَّته، ولأنَّ دم الحيض جِبِلَّةٌ، والاِستحاضةَ عارِضةٌ، فإذا رأته وجب تغليبُ دم الحيض.
وقيل: تجلس في
(1)
تمييز لا يعتد به إن كان؛ لأنَّه أشبه بدم الحيض، وهو ظاهر كلام ابن تميم.
(وَفِي الآخَرِ: تَجْلِسُهَا بِالتَّحَرِّي)، قيل: هو الصواب، وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّه عليه السلام ردَّها إلى الاجتهاد في العدد، فكذا في الوقت، ولأنَّه لا أثر للهلال في أمر الحيض بوجه.
وذكر المَجْدُ وغيرُه: إن ذكرت أوَّلَ الدَّم؛ كمعتادة انقطع حيضها أشهرًا، ثمَّ جاء الدَّم خامس يومٍ من الشَّهر مثلًا، واستمر، وقد أُنْسِيَت العادة؛ فالوجهان الأخيران.
والثَّالث: تجلس مجيء الدَّم في خامِس كلِّ شهر، وهو ظاهر كلام أحمد؛ لأنَّه عليه السلام أمر حَمْنةَ ابتداءً بجلوس سِتٍّ أو سبع، ثمَّ تصوم وتصلِّي ثلاثًا وعشرين أو أربعًا وعشرين
(2)
، وقال:«فافعلي في كلِّ شهر كما تحيض النِّساء، وكما يَطْهُرْنَ»
(3)
، وليس حيضُ النساء عند رؤوس الأهلَّة غالبًا.
ومتى تعذَّر التَّحرِّي، بأن يتساوى عندها الحال، ولم تَظُنَّ شيئًا، أو تعذَّر الأوَّليَّة؛ عمِلت بالآخَر.
وقال ابن حامد والقاضي: إذا علِمت قدرَ عادتِها وجهِلت موضعَها، بأن قالت: حيضتي أحد أعْشار الشَّهر؛ فإنَّها لا تترك الصَّوم ولا الصَّلاة، وعليها
(1)
في (و): من.
(2)
قوله: (وعشرين) سقط من (و).
(3)
سبق تخريجه 1/ 268 حاشية (6).
أن تغتسل كلَّما مضى قَدْرُ عادتها، ويمنع وطؤها، وتقضي من الصَّوم الواجب بقدرها، وكذا الطَّواف.
وعنه: لا تجلس شيئًا.
(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعِ حَيْضِ مَنْ لَا عَادَةَ
(1)
وَلَا تَمْيِيزَ)، يعني: أنَّ فيهما الوجهيْن اللَّذين ذكرهما؛ لأنَّ من لا عادة لها ولا تمييز تشارك من نسيت موضع حيضها في تعذُّر الجلوس في زمن محقَّقٍ، فوجب أن يثبت لها كحكمها؛ لأنَّ الاشتراك يوجب المساواة.
وفيها
(2)
وجوهٌ أُخَرُ.
والمذهب كما جزم به في «الوجيز» : أنَّها تجلس في أول الشهر.
(وَإِنْ عَلِمَتْ أَيَّامَهَا فِي وَقْتٍ مِنَ الشَّهْرِ؛ كَنِصْفِهِ الْأَوَّلِ)، هذا هو القسم الثَّاني، وهي أن تعلم أنَّها كانت تحيض أيَّامًا معلومةً من العشر
(3)
الأُولِ؛ (جَلَسَتْهَا)؛ أي: الأيَّامَ (فِيهِ)؛ أي: من
(4)
ذلك الوقت دون غيرِه؛ لأنَّ ما عداه طُهْرٌ بيقين؛ (إِمَّا مِنْ أَوَّلِهِ) وصحَّحه جمْعٌ، (أَوْ بِالتَّحَرِّي، عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ) المتقدِّمِ ذكرُهما فيمن نسيت موضع حيضها.
ثمَّ اعلم: أنَّه لا يخلو عددُ أيامها؛ إمَّا أن يكون زائدًا على نصف ذلك الوقت، أو يكون نصفَ المدَّة فأقلَّ.
أمَّا الأول
(5)
: فإنَّك تضمُّ الزَّائد إلى مثله ممَّا قبله، فهو حيض بيقين، فإذا قالت: حيضتي سبعة أيَّام من العشر الأول، فقد زادت يومين على نصف
(1)
زاد في (ب) و (و): لها.
(2)
في (و): وفيه.
(3)
في (و): في العشر.
(4)
في (و): في.
(5)
كتب فوقها في (و): (وهو ما إذا كان العدد زائدًا على نصف المدَّة).
الوقت، فتضمُّها إلى مثلها، فيصير لها أربعة أيَّام حيضًا بيقين، وهي من أوَّل الرَّابع إلى آخر السَّابع، ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها من أوَّل العشر.
أو بالتَّحرِّي، فيكون ذلك حيضًا مشكوكًا فيه، وحكمه كالمتيقَّن في ترك العبادات، ويبقى لها ثلاثةٌ طهرًا مشكوكًا فيه، حكمه كالمتيقَّن في وجوب العبادات، وسائر الشَّهر طهر.
وأمَّا الثَّاني: فليس لها حيض بيقين؛ لأنَّها متى كانت تحيض خمسة أيَّام؛ احتمل أن تكون الخمسة الأولى، وأن تكون الثَّانية، وأن تكون بعضها من الأولى وباقيها من الثَّانية، فحينئذ تجلسها على الخلاف.
ولا يُعتبر التَّكرارُ في الثَّانية، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّها عرفت استحاضتها في الشَّهر الأوَّل، فلا معنى للتَّكرار.
(وَإِنْ عَلِمَتْ مَوْضِعَ حَيْضِهَا، وَنَسِيَتْ عَدَدَهُ)، هذا هو الحالُ الثَّالثُ من أحوال النَّاسية، وهي النَّاسية
(1)
لعددها دون وقتها؛ (جَلَسَتْ فِيهِ)؛ أي: في ذلك الموضع دون غيره، كمن تعلم أنَّ حيضها في العشر الأول، فهي في
(2)
قدر ما تجلسه كالمتحيِّرة، فإنَّها تجلس (غَالِبَ الْحَيْضِ أَوْ أَقَلَّهُ، عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ) المنصوصتَين، والأكثر وعادة نسائها على المخرَّجتين
(3)
.
والصَّحيح: أنَّها تجلس الغالب من العشر.
وهل هو من أوَّله أو بالتَّحرِّي؟ على الخلاف.
فإذا علمت ابتداءه؛ بأن قالت: حيضي كان من أول يوم من الشهر؛ فذلك اليوم حيض يقينًا، فإن قلنا برواية الأقلِّ؛ لم تزد عليه، وإن قلنا
(1)
قوله: (وهي الناسية) سقط من (و).
(2)
قوله: (في) زيادة من (و).
(3)
في (أ): المخرجين.
بالغالب؛ جلست تمامه من النِّصف الأوَّل، فيكون حيضًا مشكوكًا فيه، وبقيَّة النِّصف طهرٌ مشكوكٌ فيه.
وقال القاضي في شرحه: تغتسل عقيب اليوم، ثمَّ تغتسل لكل صلاة إلى الخامس عشر، ولا يأتيها زوجها، ثمَّ تتوضَّأُ لكل صلاة إلى آخر الشَّهر.
وإن علمت آخره؛ بأن قالت: كان آخر حيضي مع آخر الشَّهر، ولا أعلم أوَّله؛ فاليوم الأخير
(1)
حيض بيقين، ويكتفى به على الأقلِّ، وعلى الغالب تضيف إليه من النِّصف الأخير
(2)
تمام ستٍّ أو سبع، فيكون حيضًا مشكوكًا فيه، وبقيَّة النِّصف طهرًا مشكوكًا فيه.
وقال القاضي: من
(3)
أوَّل النِّصف الثَّاني إلى التَّاسع والعشرين؛ طهرٌ مشكوكٌ فيه، تصوم
(4)
وتُصلِّي، وتقضي الصَّوم، وتتوضَّأ لكلِّ صلاة من غير غسل، ولا يقربها زوجها.
وإن جهلت طرفي حيضها؛ بأن قالت: كنتُ أوَّلَ يوم من الشَّهر حائضًا لا أعلم هل هو طرف الحيضة أو وسطها، ولا أعلم هل هو كلُّها أو بعضها؛ فاليوم الأوَّل حيض يقينًا، والسادس عشر طهر يقينًا، وبقية النِّصف مشكوكٌ فيه؛ فعلى الأقلِّ
(5)
تجلسه فقط، وعلى الغالب تضيف إليه تمام ستٍّ أو سبع، إن قلنا: تجلس من أوَّل الشَّهر أو بالتَّحرِّي.
مسألة: إذا ذكرت النَّاسيةُ عادتَها؛ رُدَّت إليها، والمعتادة كما تقدَّم: من علمت أيَّام حيضها وطهرها، فإن جهلتهما، أو الطُّهرَ وحدَه؛ رُدَّت إلى الشَّهر الهلالي؛ عملًا بالغالِب، ولأنَّ تركها لعارض النِّسيان، وقد زال.
(1)
في (و): الآخر.
(2)
في (ب) و (و): الآخر.
(3)
في (و): في.
(4)
في (أ): فتصوم.
(5)
في (و): الأول.
وإن تبيَّن أنَّها تركت الصَّلاة في
(1)
غير عادتها؛ لزِمها إعادتها، وقضاء ما فعلته من الصَّوم الواجب ونحوه في
(2)
عادتها.
(وَإِنْ
(3)
تَغَيَّرَتِ الْعَادَةُ بِزِيَادَةٍ)؛ مثل أن يكونَ حيضُها خمسةً من كل شهر؛ فتصير سِتَّةً ونحوه، (أَوْ تَقَدُّمٍ)؛ مثل أن تكون عادتها من أول الشَّهر ستَّة فتصير يومين من الشَّهر السَّابق، وأربعة من الثَّاني، وهو الذي تحيض فيه، (أَوْ تَأَخُّرٍ)؛ مثل أن يكون حيضها خمسة من أول الشَّهر فتصير خمسة في ثانيه، (أَوِ انتِقَالٍ)؛ مثل أن يكون حيضُها الخمسةَ الأُوَلَ، فيصيرُ الخمسةَ الثَّانية، لكن لم يذكره في «المحرَّر» و «الوجيز» ولا «الفروع»؛ لأنَّه في معنى ما تقدَّم؛ (فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إِلَى مَا خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ) نصَّ عليه
(4)
؛ لقوله عليه السلام: «اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك» رواه مسلم
(5)
، ولأنَّ لها عادة، فتردُّ إليها كالمستحاضة، وتصوم وتصلِّي في الخارج عن العادة، ولا يأتيها زوجها؛ لاحتمال أن يكون حيضًا، فيجب ترك وطئها احتياطًا كما وجبت العبادة احتياطًا، لكنَّها تغتسل عَقيب العادة وعند انقضاء الدَّم؛ لاحتمال أن يكون حيضًا كما قلنا في المبتدَأة.
وعنه: لا يجب الغسل عَقيب الخارج عن العادة.
وفي «الرِّعاية» : لا يجب الغسل على الأصحِّ لما زاد عن العادة إن اعتبر تكراره، ولم يعبُرْ أكثرَ الحيض.
وفي كراهة الوطء فيه وجهان.
(1)
في (أ): من.
(2)
في (و): من.
(3)
في (و): فإن.
(4)
ينظر: مسائل صالح 1/ 258، مسائل أبي داود ص 36.
(5)
أخرجه مسلم (334).
وعلى ما ذكره؛ إن ارتفع حيضُها ولم يَعُدْ، أو يئست قبل التَّكرار؛ لم تقض.
(حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا)، جزم به في «الوجيز» ، وهو الأشهر، فعلى هذا تجلس في الشَّهر الرَّابع، (أَوْ مَرَّتَيْنِ)، فتنتقل في
(1)
الشَّهر الثَّالث، وقيل: الثَّاني، (عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ)، نقلهما عنه الفضل بن زياد
(2)
.
فعليها: إذا تكرَّر صارَ عادةً، وأعادت ما فعَلَتْه من الصِّيام والطَّوافِ الواجبِ، لكن قال ابن تميم: في وجوب إعادته قبل التَّكرار وجهان.
وعن أحمد: الزَّائد لا يحتاج إلى تكرار وحده
(3)
.
وظاهره: أنَّ العادة لا تثبت بمرَّة، زاد في «الرِّعاية» على الأصحِّ، وقيل: إلَّا في التَّمييز.
(وَعِنْدِي: أَنَّهَا تَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ)، قال ابن تميم: وهو أشبه، وحكاه في «الرِّعاية» قولًا، وفي «المستوعب» رواية وش
(4)
؛ لأنَّ النِّساء كنَّ
(5)
يبعثن إلى عائشة بالدُّرجة فيها الصُّفرة والكُدرة، فتقول:«لا تعجلْنَ حتَّى تَرَيْن القَصَّةَ البيضاءَ» رواه مالك
(6)
، ومعناه: لا تعجَلن بالغسل، ومعنى
(1)
قوله: (فتنتقل في) هو في (أ): (فيه، قيل في).
(2)
ينظر: المغني 1/ 254.
(3)
كتب على هامش (و): (قوله: "وعن أحمد الزائد لا يحتاج إلى تكرار" هذه الرواية هي المختارة عند كثير من الأصحاب في الزيادة والتقدم والتأخر والانتقال، واختارها الموفق والشَّيخ تقي الدِّين وصاحب الفائق والإنصاف والإقناع وغيرهم).
(4)
بياض في (أ). وينظر: البيان للعمراني 1/ 365، المجموع 2/ 423.
(5)
قوله: (كن) سقط من (ب) و (و).
(6)
أخرجه مالك (1/ 59)، وعبد الرزاق (1159)، وابن المنذر في الأوسط (814)، والبيهقي في الكبرى (1589)، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين. وعلقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 71)، وصححه النووي والألباني. ينظر: الخلاصة 1/ 233، الإرواء 1/ 219.
القَصَّة: أن تدخلَ القطنة في فرجها فتخرج بيضاء نقية، وقال أحمد:(هو ماء أبيض يتبع الحَيضة)
(1)
، ولم يقيِّده بالعادة، فالظَّاهر: أنهنَّ كن يعددن ما يرينه من الدم حيضًا من غير افتقار
(2)
عادة، والظَّاهر أنهنَّ جرين على العرف في اعتقاد ذلك حيضًا، ولم يرد من الشرع تغييره، وذلك أنَّه أجلسنا المبتدأة من غير سبق عادة، ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف.
(وَإِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا؛ اغْتَسَلَتْ، وَصَلَّتْ)، وصامَت؛ لقول ابن عباس
(3)
: «أمَّا ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل»
(4)
.
وظاهره: أنَّه لا فرق بين قليل الطهر وكثيره، ونقله في «الشرح» عن الأصحاب، لكن أقل الطهر في
(5)
خلال الحيض: ساعة، فلو كان النقاء أقل منها؛ فقال في «الكافي» و «الشرح»:(الظَّاهر أنَّه ليس بطهر).
وعن أحمد: أقله يوم، صحَّحه المؤلف وابن تميم وابن حمدان؛ لأنَّ الدم يجري تارة، وينقطع أخرى، وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعةً؛ حَرَجٌ، فيكونُ منفيًّا، قال في «الشرح» وغيره:(فعلى هذا؛ لا يكون أقل من يوم طهرًا، إلَّا أن ترى ما يدل عليه، مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها، أو ترى القَصَّةَ البيضاء)، ولأنَّ الله تعالى وصف الحيض بكونه أذًى، فإذا ذهب الأذى؛ وجب زوال الحيض.
وظاهره: إباحة وطئها. وعنه: يكره، وخرَّجه القاضي وابن عقيل على الخلاف في المبتدَأة، وأنَّه لا قضاء عليها فيما فعَلَتْه فيه من صوم واجب
(1)
ينظر: مسائل حرب 1/ 585.
(2)
في (ب) و (و): افتقاد.
(3)
قوله: (لقول ابن عبَّاس) سقط من (أ).
(4)
علقه أبو داود في السنن (1/ 75)، ووصله ابن أبي شيبة (1367)، والدارمي (827)، وإسناده صحيح، واحتج به أحمد في مسائل صالح (3/ 99).
(5)
في (و): من.
ونحوِه إذا عاوَدَها في العادة على الأصحِّ.
(فَإِنْ
(1)
عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي العَادَةِ) ولم يتجاوزْها؛ (فَهَلْ تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أصحُّهما: أنَّها تلتفِت إليه، بمعنى أنَّها تجلِسه؛ لأنَّه صادف زمنَ العادة، أشبه ما لو استمر
(2)
.
والثَّانية: لا تلتفِت إليه حتَّى يتكرر، اختاره ابن أبي موسى، وهو ظاهر
(3)
الخرقي، قال أبو بكر: هو الغالب في الرِّواية عن أبي عبد الله؛ لأنَّه عاد بعد طهر صحيح، أشبه ما لو عاد بعد العادة، فعليها: حكمه حكم ما لو عاد بعدها.
وعنه: مشكوكٌ فيه، كدَم نفساءَ عادَ.
فعلى الأولى؛ إذا عاد في العادة وغيرها، ولم يجاوز أكثرَ الحيض فأوجه:
أحدها: الجميعُ حيضٌ.
والثَّاني: ليس بحيض حتَّى يتكرر.
والثالث: ما في العادة حيضٌ، وما زاد ليس بحيض حتَّى يتكرر
(4)
، فإن جاوز أكثرَه فمستحاضةٌ؛ لأنَّ بعضَه ليس بحيض، فيكون كلَّه استحاضَةً لاتصاله به، وانفصاله عن الحيض.
ولم يتعرَّض المؤلف لعودِه بعدَ العادة، وهو ينقسم إلى قسمين:
تارةً يتعذَّر كونُه حيضًا، وهو إذا عبَرَ أكثرَه، وليس بينه وبين الدم الأوَّل أقلُّ الطُّهرِ، فيكون استحاضةً ولو تكرَّر.
(1)
في (أ): وإن.
(2)
كتب فوقها في (و): (وبه قال الثوري وأبو حنيفة).
(3)
في (أ): اختيار. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير.
(4)
قوله: (والثالث: ما في العادة حيض، وما زاد ليس بحيض حتَّى يتكرر) سقط من (و).
وتارة يمكن كونُه حَيضًا، وذلك في حالين:
أحدهما: أن يكون بضَمِّه إلى الدم الأوَّل لا يكون بين طَرَفَيْها أكثر من خمسة عشر يومًا، فإذا تكرَّر جعلناهما حيضة واحدة تلفق أحدهما إلى الآخر، ويكون الطهر الذي بينهما طهرًا في خلال الحيضة، كما لو كانت عادتها عشرة أيام من أوَّلِ الشهر، فرأت منها خمسة دمًا، وطهُرت خمسةً، ثمَّ رأت خمسة دمًا، فلو رأت الثَّاني ستة أو أكثر، امتنع ذلك لما ذكرناه.
والثَّاني: أن يكون بينهما أقلُّ الطهر، وكل من الدَّمَيْن يصلُح حيضًا بمفرده؛ كيوم وليلة فصاعدًا؛ فهذا إذا تكرَّر يكون الدَّمان حَيْضَتَين، وإن نقص أحدهما عن أقلِّ الحيض؛ فهو دم فساد.
(وَالصُّفْرَةُ وَالكُدْرَةُ) - وهي شيءٌ كالصَّديد يعلوه صُفرة وكُدرة - (فِي أَيَّامِ الحَيْضِ) أي: زَمَن العادة؛ (مِنَ الحَيْضِ)؛ لدخولهما في عموم النص؛ ولقول عائشة
(1)
.
وظاهره: أنَّه إذا رأته بعد العادة والطهر؛ أنَّها لا تلتفت إليه، نصَّ عليه
(2)
؛ لقول أم عطية: «كُنَّا لا نَعُدُّ الصفرة والكدرة بعد الطهر شيْئًا» رواه أبو داود، والبخاري ولم يذكر:«بعد الطهر»
(3)
.
وعنه: بلى إن تكرَّر؛ لقول أسماء
(4)
، واختاره جماعة.
(1)
تقدم قريبًا.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 38، مسائل ابن منصور 3/ 1316.
(3)
أخرجه البخاري (326)، من طريق ابن سيرين عن أم عطية رضي الله عنها، وأبو داود (307)، من طريق حماد عن أم الهذيل حفصة بنت سيرين عن أم عطية رضي الله عنها، ولم يتفرد بها حماد بل تابعه غيره كما أشار إلى ذلك ابن رجب، وبوب البخاري عليه بما يفيد ثبوتها فقال:(باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني. ينظر: المستدرك (621)، فتح الباري لابن رجب 2/ 155، الإرواء 1/ 219.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (1007)، والدارمي (889)، وابن المنذر في الأوسط (816)، والبيهقي في الكبرى (1592)، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء قالت - أي: فاطمة-: كنا نكون في حجرها، فكانت إحدانا تحيض ثم تطهر فتغتسل وتصلي، ثم تنكِّسها الصفرة اليسيرة، فتأمرنا أن نعتزل الصلاة حتى لا نرى إلا البياض خالصًا، وإسناده حسن.
وشرط آخرون: اتِّصالها بالعادة.
ثم شرع في بيان التلفيق فقال: (وَمَنْ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا
(1)
، ويَوْمًا طُهْرًا)، وكذا في «المحرر» و «الوجيز» ، وذكر في «الشرح»: لا فرق بين كون زمن الدم مثلَ زمن الطُّهر أو أكثرَ أو أقَلَّ، فلو رأت نصفَ يومٍ دمًا، ونصفَه طُهرًا، أو ساعة وساعة، فقال الأصحاب: هو كالأيام في الضِّمِّ إذا بلغَ المُجتمِعُ أَقَلَّ الحيضِ، ولهذا في «الفروع»:(ومن رأت دمًا متفرِّقًا يبلغ مجموعه أقل الحيضِ)؛ (فإنَّها تَضُمُّ الدَّمَ إِلَى الدَّمِ فَيَكُونُ حَيْضًا)، فتجلسُه؛ لأنَّه أمكنَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ من الدَّم حيضةً ضرُورةَ أنَّ أقل الطهر بينهما ثلاثة عشر أو خمسة عشر يومًا، فتعيَّن الضم؛ لأنَّه دم في زمن يصلُح كونُه حيضًا، أشبه ما لو لم يفصِل بينهما طهر، (وَالْبَاقِي) أي: النَّقاء؛ (طُهْرًا)؛ لما تقدم من أنَّ الطهر في أثناء الحيضة صحيح، فتغتسل في زمانه، وتصلِّي؛ لأنَّه طُهر حقيقةً، فيكون حُكمًا، وشرطُه: ألا يجاوِز مجموعُهما أكثرَ الحيضِ.
وعنه: أيامُ الدَّم والنقاءِ حيض.
وفيه وجه: لا تجلس ما ينقص
(2)
عن الأقلِّ إلَّا أن يتقدم ما يبلغ الأدنى
(3)
مُتَّصِلًا.
ومتى انقطع قبل بلوغ الأقل؛ ففي وجوب الغُسل إذَن وجهان.
(إلَّا أَنْ يُجَاوِزَا
(4)
أي: يَعْبُرَا
(5)
(أَكْثَرَ الحَيْضِ)، مثلَ أن تَرى يومًا دمًا
(1)
في (أ): دمًا يومًا.
(2)
في (أ): نقص.
(3)
في (أ): الأدنى.
(4)
في (و): الأقل.
(5)
في (أ): تغير، وفي (و): يعني.
ويومًا طُهرًا إلى ثمانيةَ عشرَ؛ (فَتَكُونُ مُسْتَحَاضَةً)؛ لقول علي رضي الله عنه
(1)
.
وقال القاضي فيمن لا عادة لها: طهرها في السادس عشر يمنع
(2)
كونَها مستحاضةً في زمن الأكثر، فتجلس ما تراه من الدم فيه إذا تكرَّر.
والأوَّل أصحُّ، فعلى هذا: إن كانت معتادة بغير تمييز؛ جلست ما تراه في زمن عادتها في الأصحِّ، والثَّاني: تجلس قدرَ العادة أو ما أمكنَ منها في زمنِ الأكثر، قال ابن تميم: (والوجهان فرع على قولنا: الطهر في
(3)
العادة لا يَمنَعُ ما بعدَها أن يكون حيضًا، فإن قلنا: يمنع، لم تجلس غير الدم الأول).
فإن نقص عن أقله، فقال في «المغني»: يضم إليه مما
(4)
بعده ما يبلغ به الأقل، ومنع منه آخرون، وأنَّه لا حيض لها، قال ابن تميم:(وهو أظهر).
وإن كانت عادتها بتلفيق؛ جلسَت على حسَبِها، وإن لم تكن
(5)
لها عادة، ولها تمييز صحيح؛ جلسَت زمنَه.
فإن لم يكونا، فإن قلنا: تجلس الغالب، فهل تلفِّق ذلك من أكثر الحيض، أو تجلس أيام الدم من الست والسبع؟
وإن قلنا: تجلس الأقل جلسته من أول يوم.
(1)
أورده في المغني 1/ 225 وغيره، قالوا:(روي عن علي: «ما زاد على خمسة عشر فهو استحاضة»).
قال ابن الملقن في البدر المنير 3/ 145: (ولا يحضرني من خرَّجها)، وقال الحافظ في التلخيص 1/ 442:(هذا اللفظ لم أجده عن علي، لكنه يخرج من قصة علي وشريح التي تقدمت)، وينظر تخريج قصة علي وشريح 1/ 402 حاشية (2).
(2)
في (و): ممتنع. وفي (أ): يمنع.
(3)
في (و): زمن.
(4)
في (أ): ما.
(5)
في (و): يكن.
فصل
(وَالْمُسْتَحَاضَةُ) هي التي ترى دمًا لا يصلُح أن يكون حيضًا ولا نفاسًا؛ حُكمُها حكمُ الطَّاهراتِ في وجوبِ العباداتِ وفِعلِها؛ لأنَّها نجاسةٌ غيرُ مُعتادَةٍ، أشبهت سَلَسَ البَولِ، (تَغْسِلُ فَرْجَهَا)؛ لإزالة ما عليه من الدَّم، (وتَعْصِبُهُ) بما يمنع الدم على حسبِ الإمكان من حَشْوٍ بقطن
(1)
، أو شَدٍّ بخِرقةٍ طاهرةٍ مَشقُوقةِ الطَّرفين؛ لقول حمنة
(2)
: «أنعَتُ لكِ الكُرسُف - يعني: القطن - تحشين به المكان» ، قالت: إنَّه أكثر، قال:«فتلجمي»
(3)
.
وظاهره: ولو كانت صائمة، لكن يتوجه أن تقتصر على التعصيب فقط
(4)
.
والأصحُّ: أنَّه لا يلزمها غسل الدم، وإعادة شدِّه لكل صلاة.
فإن خرج الدم بعد الوضوء لتفريطٍ في الشد؛ أعادتِ الوضوءَ؛ لأنَّه حدَثٌ أمكنَ التَّحرُّز منه، وإن خرج لغير تفريط؛ فلا شيء عليها.
(وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة: «توضَّئي لكل صلاة حتَّى يجيء
(5)
ذلك الوقت» رواه أحمد، وأبو داود، والتِّرمذي وصحَّحه، وفي لفظ قال لها:«توضئي لوقت كل صلاة» ، قال التِّرمذي:(حديث حسن صحيح)
(6)
.
(1)
في (أ): قطن.
(2)
قوله: (لقول حمنة) هو في (ب): لقوله لحمنة.
(3)
في (أ): فليجمي. وتقدم تخريج الحديث.
(4)
قوله: (فظاهره ولو كانت صائمة) إلى هنا سقط من (أ) و (ب).
(5)
في (و): مجيء.
(6)
أخرجه أحمد (24145)، وأبو داود (298)، والترمذي (125)، وفي البخاري (228)، من قول عروة:«ثم توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت» ، وأشار مسلم إلى أن هذه الزيادة وهي الأمر بالوضوء لكل صلاة معلولة، وكذا رجح البيهقي وابن رجب بأنها غير محفوظة وهي مدرجة من قول عروة، ورجح ثبوتها ابن حجر والألباني. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (1624، 1623)، فتح الباري لابن رجب 2/ 71 - 72، فتح الباري لابن حجر 1/ 332، 409، صحيح أبي داود 2/ 51.
لا يقال: ورد
(1)
في غالب الروايات: «وتوضئي لكل صلاة» ؛ لأنَّه مقيد، فيجب حمله على المقيد به، ولأنَّها طهارة عُذر وضرورة، فتقيدت بالوقت كالتَّيمُّم. وظاهره: يجب ولو لم يخرج شيء، وهو ظاهر كلام جماعة، لكن قال في «الشرح» و «الفروع»:(إنَّه لا يجب إذا لم يخرج شيء، نصَّ عليه فيمن به سَلَسُ البول)
(2)
.
وعليه: إذا توضأت قبل الوقت؛ بطل بدخوله كالتَّيمُّم؛ لأنَّه لا حاجة إليه إذَن.
واقتضى ذلك: صحَّةَ طهارتِها بعد دخول الوقت، فتنوي استباحة الصَّلاة، لا رفعَ الحدثِ، فإن نوَتْه فقال في «التلخيص»: لا أعلم لأصحابنا فيه قولًا، وقياس المذهب: أنَّه لا يكفي، ولا تعيين النِّيَّة للفرض في ظاهر كلامهم.
(وَتُصَلِّي) بوضوئها (مَا شَاءَتْ مِنَ الصَّلَوَاتِ)، أداء كانت
(3)
أو قضاء، أو جمعًا أو نذرًا، ما لم يخرج الوقت، كما يجمع بين فرض ونوافل اتفاقًا؛ لأنَّها متطهرة، أشبهت المتيمم.
وعنه: يبطل
(4)
بدخوله، وهو اختيار المجد.
وعنه: لا يجمع به
(5)
بين فرضين، أطلقها جماعة، وقيدها في «المحرر»
(1)
في (أ): فيرد، وفي (و): فرد.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 388.
(3)
زيد في (و): فرضًا.
(4)
في (و): تبطل.
(5)
في (و): فيه.
بوضوء؛ للأمر به لكل صلاة.
قال القاضي في «الخلاف» : تجمع بالغسل، لا تختلف الرِّواية فيه، وفي «الجامع الكبير»: تجمع وقت الثَّانية، وتصلي عقب طهرها.
وظاهره: أنَّ لها التأخير، فإن أخَّرت لحاجة، وقيل: لمصلحة، وفي «الرعاية»: أو تنفُّل؛ جاز.
فإن كان لغير ذلك؛ صلَّت به في وجه، صحَّحه
(1)
ابن تميم؛ كالمتيمم.
وفي آخر: لَا؛ لأنَّه إنَّما أبيح لها الصَّلاة بهذه الطَّهارة مع وجود الحدث للضرورة، ولا ضرورة هنا.
ومحل هذا: ما إذا كان دمُها مُستمرًّا، فلو كان لها عادةٌ بانقطاعِه زمنًا يتَّسع للفعل؛ تعيَّن فيه، فإن توضَّأت زمن انقطاعه، ثمَّ عاد؛ بطل
(2)
.
ولو عرض هذا الانقطاع لمن عادتها الاتصال؛ ففي بقاء طهارتها وجهان.
وعنه: لا عِبرةَ بانقطاعِ الدَّمِ مع بقاء الاستحاضة
(3)
بحالٍ؛ لعَدَم وُرود الشرع به؛ وللمشقَّة، قال في «الشرح»: وهو أولى، وصحَّحه ابن تميم.
(وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ والْمَذْيِ وَالرِّيحِ، وَالجَرِيحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ دَمُهُ، وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ
(4)
، يعني: أنَّ حُكمَ هؤلاء حكمُ المستحاضة؛ لتساويهم معنًى، وهو عدم التَّحرُّز من
(5)
ذلك، فوجب المساواة حُكمًا، قال إسحاق بن راهويه: «كان بزيد بن ثابت سَلَسُ البول، وكان يداويه
(6)
ما استطاع، فإذا
(1)
في (أ) و (ب): وصححه.
(2)
في (و): بطلت.
(3)
في (و): المستحاضة.
(4)
قوله: (والرعاف الدائم) سقط من (و).
(5)
في (و): في.
(6)
في (أ): يداويها.
غلبه صلَّى ولا يبالي ما أصاب ثوبَه»
(1)
، ولم ير أحمد حشوَ الذكرِ في ظاهر ما نقله عبد الله
(2)
، وأنَّه لو احتشى فصلَّى، ثمَّ أخرجه فوجد بللًا، فلا بأس ما لم يظهر خارجًا، ونقل الميموني فيمن به رعاف دائم: أنَّه يحتشي
(3)
، ونقل ابن هانئ خلافَه
(4)
.
فإن كان ممَّا
(5)
لا يمكن عَصْبُه؛ كالجُرح الذي لا يمكن شدُّه، أو من
(6)
به باسور أو ناصورٌ، ولا يُمكن عَصْبُه؛ صلَّى على حسَب حالِه؛ لفعل عمر، رواه أحمد
(7)
.
فإن قدَر على حبسه حال القيام وحدَه؛ ركع وسجد، وأجزأته صلاته،
(1)
أخرجه عبد الرزاق (582)، وابن المنذر في الأوسط (57)، والدارقطني (777)، والبيهقي في الكبرى (1670)، وإسناده صحيح، واحتج به أحمد كما في مسائل عبد الله ص 24.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 23.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 391.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 4.
كتب على هامش (و): (قوله: "ولم ير أحمد حشو الذكر
…
" إلى آخره، ذكره في الفروع في باب الاستنجاء مريدًا به: أنه لا يثبت في حشو الذكر؛ لتحقيق الاستبراء والطَّهارة، كما دل عليه قوله بعد ذلك: "وأنه لو احتشى
…
" إلى آخره، هو ظاهر نقل الشارح له في هذا المحل، يفهم أن المراد: أن من به سلس البول لا يحتشي، وليس كذلك، فقد ذكر في الفروع في هذا المحل أن من حدثه دائم حكمه كالمستحاضة، ثم قال: "وعليه أن يحتشي نقله الميموني وغيره ونقل ابن هانئ: لا"، وذلك عام في جميع أنواع من به الحدث الدائم منه ذو السلس والرعاف وغيرهما، ولا يفهم من الفروع تخصيص ذلك بذي الرعاف، فإنه لم يذكره إلا مثالاً، فكلام الشارح هنا خبط فليعرف، والله أعلم).
(5)
في (أ): ممن.
(6)
قوله: (من) سقط من (و).
(7)
أخرجه أحمد في الزهد (656)، ومالك (1/ 39)، وعبد الرزاق (579)، وابن أبي شيبة (8388)، وابن المنذر في الأوسط (58)، والدارقطني (1511)، والبيهقي في الكبرى (1673)، من طرق صحيحة عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه. وقد احتج به الإمام أحمد في مسائل عبد الله ص 24، والكوسج 2/ 358، وصححه ابن المنذر.
نصَّ عليه
(1)
، كالمكان النَّجس.
وقال أبو المعالي: يومئ؛ لأنَّ فوات الشرط لا بدَلَ له، قال: ولو امتنعت القراءة، أو لحِقَه السَّلَس إن صلَّى قائمًا؛ صلَّى قاعدًا، قال: ولو كان قام وقعد لم يحبسه، ولو استلقى حبسه؛ صلَّى قائمًا وقاعدًا؛ لأنَّ المستلقيَ لا نظير
(2)
له اختيارًا
(3)
.
(وَهَلْ يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الفَرْجِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ العَنَتِ؟ عَلَى روَايَتَيْنِ):
إحداهما: يحرم إلَّا لخوف العَنَتِ، قدَّمه غير واحد، وذكر في «الكافي» و «الفروع» أنَّه قول الأصحاب، قيل
(4)
: وبعدم الطَّول لنكاح حُرَّة، أو ثمن أَمَة، ذكره في «الرعاية»؛ لقول عائشة:«المستحاضة لا يغشاها زوجها»
(5)
؛ ولأنَّ بها أذىً، فحرم وطؤها كالحائض، فإن وطئ أثِم، ولا كفَّارة عليه في الأشهر.
والثَّانية: يباح مطلقًا، وهو
(6)
قول أكثر العلماء؛ لأنَّ «حمنة كانت تُستحاض، وكان زوجها طلحة بن عبيد الله يجامعُها»
(7)
، و «أم حبيبة
(1)
ينظر: الفروع 1/ 392.
(2)
في (و): يظهر.
(3)
قال ابن قندس في حواشي الفروع 1/ 392: (أي: لا يكون في حال الاختيار، وإنما يكون في حال الضرورة).
(4)
في (و): وقيل.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (16960)، والدارقطني (851)، والبيهقي في الكبرى (1563)، وإسناده صحيح، وأعله البيهقي برواية من رواه عن الشعبي من قوله، وناقشه ابن التركماني. ينظر: الجوهر النقي 1/ 328.
(6)
في (و): ونص.
(7)
أخرجه أبو داود (310)، والبيهقي في الكبرى (1562)، عن عكرمة عنها. وحسن النووي والألباني إسناده، وقد يقال في هذا الأثر ما قاله الحافظ في أثر أم حبيبة الآتي. ينظر: المجموع 2/ 372، صحيح أبي داود 2/ 116.
تُستحاض، وكان زوجها عبد الرحمن بن عوف يَغشاها» رواهما أبو داود
(1)
، وللعُموم في حِلِّ الوطء للزوجة، وقد قيل: وطء الحائض يتعدى إلى الولد فيكون مجذومًا.
وعنه: يكره.
وظاهره: إذا خاف العَنَتَ أو خافَتْه هي، وطلبته منه أبيح له؛ لأنَّ حكمه أخفُّ من حُكم الحيض، ومدَّته تطول.
فائدة: لا بأس بشرب دواء مباح لقطع الحيض إذا أُمِن ضرَرُه، نصَّ عليه
(2)
، واعتبر القاضي إذن الزوج كالعزل.
ويجوز شربه لإلقاء نطفة، ذكره في «الوجيز» .
ويجوز لحصول الحيض، إلَّا قرب رمضان لتفطره، ذكره أبو يعلى الصغير.
(1)
أخرجه أبو داود (309)، والبيهقي في الكبرى (1561)، عن عكرمة. قال الحافظ في الفتح 1/ 429:(هو حديث صحيح؛ إن كان عكرمة سمعه منها)، وصرح الخطابي بعدم سماعه منها. ينظر: معالم السنن 1/ 94.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 163.
فصل
(وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ) - وهو دم يُرخيه الرَّحِم للولادة وبعدَها إلى مدَّة معلومة، وهو بقية الدم الذي احتبَس في مُدَّة الحملِ لأجلِه، وأصلُه لغة من التنفس، وهو الخروج من الجوف، أو نفَّس الله كربته؛ أي: فرَّجها -؛ (أَرْبَعُونَ يَومًا)، هذا هو المذهب، والمختار للأصحاب؛ لما روت مُسَّة
(1)
الأزدية عن أم سلمة قالت: «كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا، وكنَّا نطلي
(2)
وجوهنا بالورس من الكَلَف» رواه أحمد، وأبو داود، والتِّرمذي وقال: (لا نعرفه إلَّا من حديث مسة
(3)
، وإسناده إليها حسن، وقال الخطابي:(أثنى البخاري على هذا الحديث)
(4)
، ومعناه: كانت تُؤمر أن تجلسَ، وإلَّا كان الخبر كذِبًا، مع أنَّه إجماع سابق أو كالإجماع، وقد حكاه إمامُنا
(5)
عن عمر
(6)
،
(1)
قوله: (مسة) سقط من (و).
(2)
في (و): نغسل.
(3)
في (و): الأزدية.
(4)
أخرجه أحمد (26561)، وأبو داود (311)، والترمذي (139)، وضعفه ابن القطان بأن مسة الأزدية مجهولة لا تعرف، وأُعل بعلة أخرى أجاب عنهما ابن الملقن، وبين أن مسة روى عنها جماعة، ونقل عن النووي قوله:(وقول جماعة من مصنفي الفقهاء: إن هذا الحديث ضعيف، مردود عليهم)، وله شواهد تقوي الحديث، وحسنه الألباني. ينظر: معالم السنن 1/ 95، البدر المنير 3/ 137، التلخيص الحبير 1/ 439، الإرواء 1/ 222.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 34، مسائل عبد الله ص 176، ومسائل صالح 1/ 236.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (1197)، وابن أبي شيبة (17451)، وابن المنذر في الأوسط (826)، والدارقطني (860)، والبيهقي في الخلافيات (1026)، عن عمر رضي الله عنه أنه قال:«تجلس النفساء أربعين يومًا» ، ومداره على جابر الجعفي، قال البيهقي بعد إيراده الأثر:(وجابر الجعفي لا يحتج بحديثه)، واحتج أحمد بالأثر كما في رواية صالح 1/ 236، وابن هانئ 1/ 34.
وعلي
(1)
، وابن عبَّاس
(2)
، وأنس
(3)
، وعثمان بن أبي العاص
(4)
، وعائذ بن عمرو
(5)
، وأم سلمة
(6)
، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم، ومن ثمَّ قال الطحاوي:(لم يقل بالستين أحد من الصَّحابة، وإنَّما قاله من بعدهم)
(7)
،
(1)
ذكره أحمد عن علي رضي الله عنه كما في مسائل ابن هانئ 1/ 34، ولم نقف عليه مسندًا، وذكره ابن رجب في الفتح 2/ 188 عن علي رضي الله عنه ولم يذكر إسناده.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (17454)، والدارمي (994)، وأحمد في مسائل ابنه عبد الله (177)، وابن الجارود (119)، وابن المنذر في الأوسط (827)، والبيهقي في الكبرى (1609)، عن يوسف بن ماهك، عن ابن عباس قال:«تجلس النفساء نحوًا من أربعين يومًا» ، صححه ابن الجارود، وقال الألباني في الثمر المستطاب 1/ 47:(سند صحيح على شرط الستة).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (1198)، وابن المنذر في الأوسط (830)، عن أنس بن مالك قال:«تنتظر البكر إذا ولدت وتطاول بها الدم أربعين ليلة، ثم تغتسل» ، وفي إسناده جابر الجعفي، وهو ضعيف واتهمه بعضهم.
(4)
في (أ): العاصي.
أخرجه عبد الرزاق (1201)، وابن أبي شيبة (17450)، والدارمي (990)، وابن الجارود (118)، وابن المنذر في الأوسط (828)، والطبراني في الكبير (8383)، والدارقطني (853)، والبيهقي في الكبرى (1611)، من طرق عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص أنه قال:«وقت للنفساء أربعين يومًا» ، وفي بعض ألفاظه:«أنه كان لا يقرب نساءه إذا تنفست إحداهن أربعين ليلة» ، واختلف في سماع الحسن من عثمان بن أبي العاص، وذكر ابن المديني أنه سمع منه، ولكن الحسن كثير التدليس ولم يصرح بالسماع، قال ابن حجر:(والحسن عن عثمان بن أبي العاص منقطع)، وقد صرح الحسن بعدم سماعه ذلك من عثمان عند عبد الرزاق (1202). ينظر: العلل لابن المديني ص 51، التلخيص 1/ 441، الإرواء 1/ 226.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (17449)، والدارمي (996)، وابن المنذر في الأوسط (829)، والطبراني في الكبير (23)، والدارقطني (859)، والبيهقي في الخلافيات (1028)، عن عمرو بن عائذ أنه قال لامرأته لما نفست:«لا تغريني عن ديني حتى تمضي أربعون ليلة» ، وضعفه الدارقطني وابن حزم والألباني بالجلد بن أيوب. ينظر: المحلى 1/ 413، الإرواء 1/ 227.
(6)
تقدم قريبًا، وله حكم المرفوع.
(7)
ينظر: مختصر اختلاف العلماء 1/ 166.
وقال أبو عبيد: (وعلى هذا جماعة الناس)
(1)
، وقال إسحاق:(هو السُّنَّة المجمع عليها)
(2)
.
وعنه: أكثره ستون؛ اتِّباعًا للوجود.
وأول مُدَّتِه من الوضع، إلَّا أن تراه قبل ذلك بيومين أو ثلاثة؛ فإنَّه نفاس، ولا يحسب من المدَّة.
وإن خرج بعضٌ؛ فالدم قبل
(3)
انفصاله؛ نفاسٌ، يحسب من المدَّة على الأصحِّ.
ويثبت حكمه بوضع شيء فيه خلق الإنسان على الأشهر.
فعلى المذهب: إن جاوز الدم الأكثر
(4)
، وصادفَ عادةَ حيضِها، ولم يجاوز أكثرَه؛ فحيض، وإلَّا فاستحاضةٌ إن لم يتكرر، ولا مدخل لحيض
(5)
واستحاضة في مدَّة نفاس.
(وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ)؛ لأنَّه لم يرد في الشرع تحديدُه، فيُرجع فيه إلى الوجود، وقد وُجد قليلًا عَقِبَ
(6)
سَبَبِه، فكان نفاسًا كالكثير.
وعنه: أقله يوم. وقال أبو الخطاب: قطرة. وقدم في «التلخيص» : لحظةً.
(أَيُّ وقْتٍ رأَتِ الطُّهْرَ؛ فَهِيَ طَاهِرٌ)؛ لانقطاع دم النَّفاس، كما لو انقطع دم الحائض في عادتها، يؤيده ما روت أم سلمة: أنَّها سألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: كم
(7)
تجلس المرأة إذا ولدت، قال: «أربعين يومًا، إلَّا أن ترى الطهر قبل
(1)
ينظر: الأوسط لابن المنذر 2/ 250.
(2)
ينظر: مسائل حرب 1/ 592.
(3)
وفي (و): بعض الدم قبل.
(4)
قوله: (الأكثر) سقط من (و).
(5)
في (ب) و (و): يدخل حيض.
(6)
في (أ): عقيب.
(7)
قوله: (كم) سقط من (و).
ذلك»
(1)
، قال التِّرمذي:(أجمع أهل العلم من الصَّحابة، ومن بعدهم على أنَّ النفساء تدع الصَّلاة أربعين يومًا، إلَّا أن ترى الطهر قبل ذلك)
(2)
، وحكى البخاري في «تاريخه»: أن امرأة ولدَت بمكةَ، فلم ترَ دمًا، فلقيت عائشة فقالت: أنتِ امرأة طهرك الله» انتهى
(3)
.
فعلى هذا: لو وَلَدَتْ ولم تر دمًا؛ فهيَ طاهر لا نفاسَ لها، صرَّح به في «المغني» وغيرِه؛ لأنَّ النَّفاس هو الدَّم، ولم يوجد.
(تَغْتَسِلُ، وَتُصَلِّي)؛ لقول علي: «لَا يَحِلُّ لِلنُّفَسَاءِ إذا رأتْ الطهرَ إلَّا أن تُصليَ»
(4)
؛ ولأنَّه حكم بانقضاء نفاسِها، وذلك معلَّقٌ
(5)
على مُطلقِ الطُّهر، لكن قال في «الشرح»:(إذا كان أقلَّ من ساعةٍ ينبغي ألا تَلتفِتَ إليه، وإن كان أكثرَ من ذلك، فظاهره أنها تغتسل وتصلي).
(وَيُسْتَحَبُّ إلَّا يَقْرَبَهَا زَوْجُهَا فِي الفَرْجِ) بعد طُهرِها وتطهرها (حَتَّى تُتِمَّ الأَرْبَعِينَ) قال أحمد: (ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن
(1)
أخرجه بهذا اللفظ الدارقطني (866)، وفيه مسة الأزدية، وقد سبق الكلام عليها قريبًا، وأخرجه ابن ماجه (649)، والدارقطني (852) بلفظ مقارب له من حديث أنس رضي الله عنه:«وقت للنفساء أربعين يومًا، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك» ، وفي سنده سلَّام الطويل وهو متروك. ينظر: التقريب ص 261.
(2)
ينظر: سنن الترمذي 1/ 204. وقوله: (قال التِّرمذي: أجمع أهل العلم من الصَّحابة) إلى هنا سقط من (ب).
(3)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2463)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (1620)، عن سهل مولى بني سليم، وذكره ابن أبي حاتم في ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 291)، وسهل هذا مجهول الحال.
(4)
أخرجه الدارقطني (867)، من طريقه البيهقي في الكبرى (1616)، عن عمرو بن يعلى الثقفي، عن عرفجة السلمي، عن علي. قال أحمد وغيره في عمرٍو المذكور:(منكر الحديث)، وقال الدارقطني:(متروك). ينظر: تهذيب التهذيب 7/ 470.
(5)
في (و): يعلق.
أبي العاص)
(1)
، ولأنَّه لا يأمن عود الدَّم في زمنِ الوطء، فيكون واطئًا في نفاسٍ.
وفي كراهته روايتان، أصحُّهما: الكراهة؛ لما روى ابن شاهين من حديث معاذ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في النفساء: «لا يأتيها زوجها إلَّا بعد الأربعين»
(2)
، قال ابن شهاب العكبري: واحتجَّ أحمد بأنَّه إجماع الصَّحابة
(3)
.
وعنه: لا؛ لأنَّه حُكِمَ بطهارتها.
وظاهره: أنَّه لا يحرم، وهو الصَّحيح؛ لأنَّ المانع منه الدم، ولا دم.
وعنه: يحرم، ذكرها في «المجرد»
(4)
؛ لظاهر قول الصَّحابة.
وقيل: مع عدم
(5)
العَنَتِ.
وفرق القاضي بينه وبين دم المبتدَأة إذا انقطع؛ بأنَّ تحريم النَّفاس آكد؛ لأنَّ أكثرَه أكثرُ من أكثرِ الحيض، فجاز أن يلحَقَه التغليظُ في الامتناع من
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 34. وأثر عثمان بن أبي العاص تقدم تخريجه قريبًا.
(2)
أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 322)، وفيه محمد بن سعيد المصلوب الشامي وهو راوٍ كذاب وضَّاع. ينظر: الدارية 1/ 84.
(3)
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة 1/ 617: (رواه الإمام أحمد رحمة الله عليه عن علي بن أبي طالب، وعائذ بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعثمان بن أبي العاص رضي الله عنهم، أنهم قالوا: لا توطأ النفساء إلا بعد الأربعين، ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة رضي الله عنهم، ولم نقف عليه من قول علي، وتقدم عن عائذ بن عمرو وعثمان بن أبي العاص رضي الله عنهم، (1/ 435).
وأما أثر ابن عباس: فتقدم 1/ 435 حاشية (2) قوله: «تجلس النفساء نحوًا من أربعين يومًا» ، وليس فيه أن زوجها لا يقربها. ولعل هذا هو مقصود ابن عباس، فإنها لو طهرت قبل الأربعين فإنها تصلي بإجماع الصحابة كما قال الترمذي في الجامع (1/ 256)، فلم يبق إلا الوطء، وقد بوَّب ابن أبي شيبة (4/ 27) لهذا الأثر وغيره بقوله:(ما قالوا في النفساء كم تجلس حتى يغشاها زوجها؟).
(4)
في (و): المحرر. وليس في المحرر ذكر لرواية التحريم 1/ 27.
(5)
زاد في (أ): خوف.
الوطء. وفيه نظر.
وظاهره: أنَّه
(1)
يقربها في غير الفرج، وهو كذلك؛ كالحائض.
(وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فِي مُدَّةِ الأَرْبَعِينَ)؛ فالنَّقاءُ طُهرٌ على الأصحِّ، (ثُمَّ عَادَ فِيهَا؛ فَهُوَ) أي: العائد (نِفَاسٌ)، قدَّمَه في «الكافي» و «المحرر» وابن تميم، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه في مدته أشبه الأول.
(وَعَنْهُ: أنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ)، قال في «المغني» و «الشرح»:(هي المشهورة نقلها عنه الأثرم)، وقدَّمها في «الفروع» ، وذكر أنَّه نقَلَها واختارَها
(2)
الأكثر، كما لو لم ترَه ثمَّ رأته في المدَّة في الأصحِّ، (تَصُومُ، وَتُصَلِّي) أي: تتعبد؛ لأنَّها واجبة في ذمَّتها بيقين، وسقوطُها بهذا الدم مشكوكٌ فيه.
وفي غُسلها لكلِّ صلاة روايتان.
(وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ) ونحوَه احتياطًا، ولوجوبه يقينًا، لا يقال: إنَّها لا تقضي الصوم قياسًا على النَّاسية إذا صامَت في الدَّم الزائدِ على السِّتِّ والسَّبْع؛ لأنَّ غالب حيض النساء كذلك، وما زاد عليه نادر، والغالب من النَّفاس، وما نقص نادر، والحيض يتكرر، فيشق
(3)
القضاء بخلاف النِّفاس.
وعنه: تقضي الصوم مع عوده، بخلاف الطواف، اختارها الخلَّال.
وظاهره
(4)
: أنَّه لا يأتيها زوجُها فيه، وصرَّح به في «المغني» وغيرِه.
وقال ابن تميم وغيره: وعلى الأُولى في وجوب قضاء ما صامتْه فيه، أو طافَتْه أو سعَتْه، أو اعتكفَتْه في الطهر بينهما من واجب؛ روايتان.
فرع: حكم النِّفاس كالحيض، وفي وطئها ما في وطء حائض، نقله
(1)
زيد في (و): لا.
(2)
في (و): واختاره.
(3)
في (أ) و (و): فيسن.
(4)
في (و): فظاهره.
حرب
(1)
، وقاله جمع، وقيل: تقرأ، ونقل ابن ثواب
(2)
: تقرأ إذا انقطع الدم
(3)
، اختاره الخلَّال.
(وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ)؛ أي: ولدَيْن في بطن واحد؛ (فأوَّلُ النِّفَاسِ مِنَ
(4)
الأَوَّلِ، وَآخِرُهُ مِنْهُ)؛ أي: من الأوَّل في ظاهر المذهب؛ لأنَّه دم خرج عَقيب الولادة فكان نفاسًا، كحمل واحد، ووضعه.
فعلى هذا؛ متى انقضت الأربعون من حين وضع الأوَّل؛ فلا نفاس للثاني، نصَّ عليه
(5)
.
وقيل: تبدؤه بنفاس، اختاره أبو المعالي، والأزَجي، وقال: لا يختلف المذهب فيه.
وعنه: أوله وآخره من الثَّاني حسب، ذكرها أبو الخطاب، وأبو الحسين؛ لأنَّ مدَّة النَّفاس تتعلَّق بالولادة، فكان ابتداؤها وانتهاؤها من الثَّاني كمدة العدة، فعلى هذا؛ ما تراه قَبْلَ وضعِ الثَّاني لا يكون نفاسًا، ذكره في «الشرح» .
وقال غيره: ما تراه قبله بيومين أو ثلاثة؛ فهو نفاس، وما زاد ففاسد.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ مِنَ الأَخِيرِ)؛ يعني أنَّ أوَّلَه من الأول، وآخِرَه من الأخير،
(1)
ينظر: مسائل حرب 1/ 590.
(2)
هو الحسن بن ثواب أبو علي الثعلبي المخرمي، كان شيخًا جليل القدر، وكان له بأبي عبد الله أُنسٌ شديد، وكان يقول: كنت إذا دخلت إلى أبي عبد الله يقول لي: إني أفشي إليك ما لا أفشيه إلى ولدي ولا إلى غيرهم، وكان عنده عن الإمام أحمد جزء كبير فيه مسائل كبار لم يجئ بها غيره، مات سنة 268 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 132، المقصد الأرشد 1/ 317.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 396.
(4)
في (و): في.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 104.
ذكره الشريف والقاضي وأبو الخطاب في «رؤوس المسائل» ؛ لأنَّ الثَّاني وَلَدٌ، فلا تنقضي مدَّة النَّفاس قبل انتهائها منه كالمنفرد
(1)
، فعلى هذا؛ متى زادت المدَّة على الأربعين من
(2)
الأوَّل؛ فهما نفاسان، قدمه في «الرعاية» ، واختاره في «التلخيص» .
وعنه: واحد.
وذكر القاضي: أنَّه منهما رواية واحدة، وإنَّما الروايتان في وقتِ الابتداء؛ هل هو عَقيب انفصال الأوَّل أو الثَّاني؟ قال في «المغني»: (وهذا ظاهره إنكارٌ
(3)
لرواية من روى أنَّ آخره من
(4)
الأوَّل).
(وَالأَوَّلُ أَصَحُّ)، قاله الأصحاب؛ لأنَّ الولد الثَّاني تبَعٌ للأوَّل، فلم يُعْتَبرْ في آخرِ النَّفاس كأوَّلِه.
(1)
زاد في (أ): منه.
(2)
في (و): في.
(3)
قوله: (إنكار) سقط من (أ).
(4)
في (و): في.
(كِتَابُ الصَّلَاةِ)
وهي في اللُّغة: الدُّعاء؛ لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التّوبَة: 103]؛ أي: ادعُ لهم، وإنَّما عُدِّيَ ب «على»؛ لتضمُّنه معنى الإنزال؛ أي: أنزل رحمتك عليهم، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إذا دُعِيَ أحدُكم إلى طعام؛ فليُجِبْ، فإن كان مفطِرًا؛ فليَطعَمْ، وإن كان صائمًا؛ فليُصلِّ»
(1)
.
وقال الشَّاعر
(2)
:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلًا
(3)
…
يا ربِّ جنِّب أبي الأوصابَ والوَجَعا
عليكِ مثلَ الَّذي صلَّيتِ فاغتمِضي
…
نوْمًا فإنَّ لجَنْبِ المرءِ مُضطَجَعَا
وفي الشَّرع: عبارةٌ عن أقوال وأفعال مخصوصةٍ، مُفتَتَحةٍ بالتَّكبير، مختَتَمة بالتَّسليم.
فيَرِدُ عليه الأخرس؛ فإنَّه لا قول فيها؛ لأنَّ المقدَّر كالموجود
(4)
.
وسُمِّيت صلاةً؛ لاشتمالها على الدُّعاء، وقيل: لأنَّها ثانية لشهادة التَّوحيد؛ كالمصلِّي من السَّابق في الخيل.
واشتقاقها من الصَّلوَين، واحدهما: صلًى كعصًا، وهما عِرْقان من جانب الذَّنب، وقيل: عظمان ينحنيان في
(5)
الرُّكوع والسُّجود.
(1)
أخرجه مسلم (1431) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي لفظ للنسائي في الكبرى (10095) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:«دعا بالبركة» .
(2)
هو الأعشى. ينظر: ديوان الأعشى ص 159.
(3)
قوله: (تقول بنتي وقد قربت مرتحلًا) سقط من (أ).
(4)
هكذا في الأصل وسائر النسخ المعتمدة، وفي كشاف القناع 1/ 221:(لا يرد عليه صلاة الأخرس ونحوه، لأن الأقوال فيها مقدرة، والمقدر كالموجود).
(5)
في (أ): من.
وقال ابن فارس: (مِنْ صَلَّيتُ العود إذا ليَّنته؛ لأنَّ المصلِّي يَلِين ويخشع)
(1)
.
وردَّه النَّوويُّ: (بأنَّ لام الكلمة في الصَّلاة واوٌ، وفي صلَيت ياء)
(2)
.
وجوابه: أنَّ الواو وقعت رابعةً، فقُلبت ياءً، ولعلَّه ظنَّ أنَّ مراده صَلَيت المخفَّف، فيقول: صَلَيت اللَّحم صَلْيًا
(3)
إذا شويته، وإنَّما أراد ابن فارس المضعَّف.
وقال ابن الأعرابيِّ
(4)
: صلَّيت العصا
(5)
تصليةً، أدرته على النَّار؛ لتقوِّمه
(6)
.
(وَهِيَ وَاجِبَةٌ) بالكتاب؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النِّسَاء: 103]، {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البَيّنَة: 5].
وبالسُّنَّة؛ منها: قوله عليه السلام: «بُنِيَ الإسلامُ على خَمْسٍ؛ شَهادَة أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا الله وأَنَّ محمَّدًا رَسُوْلُ الله، وَإِقَام الصَّلاة، وإِيْتَاء الزَّكاة، وَصَوْم رَمَضَانَ، وَحَجّ البَيْتِ مَنِ استَطَاعَ إليه سَبِيلًا» متَّفقٌ عليه من حديث ابن عمرَ
(7)
.
(1)
ينظر: مجمل اللغة 1/ 538.
(2)
ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 49.
(3)
في الأصل: (صلتًا)، والمثبت موافق لما في العين 7/ 154، وتهذيب اللغة 12/ 167.
(4)
هو محمد بن زياد، أبو عبد الله، المعروف بابن الأعرابي، من أهل الكوفة، قال ثعلب: لم يُرَ أحدٌ في علم الشعر أغزر منه، توفي سنة 231 هـ، من مصنفاته: أسماء الخيل وفرسانها، تفسير الأمثال، أبيات المعاني. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 306، سير أعلام النبلاء 10/ 687.
(5)
في الأصل: (العضى)، والمثبت موافق لما في تهذيب اللغة 12/ 167.
(6)
ينظر: تهذيب اللغة 12/ 167.
(7)
أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16).
وبالإجماع؛ لأنَّهم أجمعوا على وجوب الخَمس في اليوم واللَّيلة، قال [نافع]
(1)
بن الأزرق لابن عبَّاس: هل تَجِدُ الصَّلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، ثُمَّ قرأ:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} الآيتين [الرُّوم: 17 - 18]
(2)
.
وفُرِضت ليلة الإسراء، وهو بعد مبعثه بخمس سنين. وقيل: قبل الهجرة بسنة. وقيل: بعد مبعثه بخمسة عشر شهرًا.
(عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ) أي: مكلَّف، بغير خلاف، (إِلَّا الْحَائِضَ والنُّفَسَاءَ)؛ فلا تَجِبُ عليهما؛ لما مرَّ.
(وَتَجِبُ عَلَى النَّائِمِ) أي: يجب عليه قضاؤها
(3)
إذا استيقظ؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نام عن صلاةٍ أو نَسِيَها؛ فليصلِّها إذا
(4)
ذكرها» رواه مسلمٌ
(5)
من حديث أبي هريرة
(6)
، ولو لم تجب عليه حال نومه لم يجب قضاؤها؛ كالمجنون.
ويُلحَق به: السَّاهِي والجاهلُ، فلو تركها الجاهل قبل بلوغ الشَّرع بوجوبها؛ لزمه قضاؤها.
وقيل: لا، ذكره القاضي، واختاره الشَّيخ تقِيُّ الدِّين، بناء على أنَّ الشرائع لا تلزم إلَّا بعد العِلم، وأجرى ذلك الشَّيخ تقِيُّ الدِّين في كلِّ من ترك واجبًا قبل بلوغ الشَّرع من تيمُّمٍ وزكاةٍ ونحوهما
(7)
.
(1)
في الأصل و (أ) و (و): رافع. والمثبت هو الموافق لما في المصادر الحديثية.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في التفسير (2280)، والطبري في تفسيره (18/ 474)، والحاكم (3541)، والطبراني في المعجم الكبير (10596)، وابن المنذر في الأوسط (932)، والبيهقي في الكبرى (1683)، وإسناده حسن، صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(3)
في (أ): قضاء.
(4)
في (ب): متى.
(5)
في (و): أحمد.
(6)
أخرجه مسلم (680).
(7)
ينظر: مجموع الفتاوى 3/ 287، الاختيارات ص 48.
(وَ) تجب على (مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ)؛ لأنَّ سُكْرَه معصيةٌ، فلا يناسب إسقاط الواجب عنه، ولأنَّه إذا وجب بالنَّوم المباح؛ فبالمحرَّم بطريق الأولى.
وقيل: تسقط إن
(1)
كان مكرهًا.
(أَوْ إِغْمَاءٍ)؛ لما رُوي أنَّ عمَّارًا غُشِيَ عليه ثلاثًا، ثمَّ أفاق فقال:«هل صلَّيتُ؟» قالوا: ما صلَّيتَ منذُ ثلاثٍ، ثمَّ توضَّأ، وصلَّى تلك الثَّلاثَ
(2)
، وعن عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ وسَمُرةَ بنِ جُندَبٍ نحوُه
(3)
، ولم نَعرِف لهم مُخالِفًا، فكان
(4)
كالإجماع، ولأنَّها لا تطول مدَّتُه غالِبًا، ولا تَثبت عليه الولاية، ويجوز على الأنبياء، ولأنَّه لا يُسقط الصَّوم، فكذا الصَّلاة؛ كالنائم.
وقيل: تسقط عنه ولا يقضيها، رُوي عن ابن عمر
(5)
وطاوس وغيرهما.
(1)
في (أ) و (ب) و (و): إذا.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (4156)، وابن أبي شيبة (6584)، والدارقطني (1859)، والبيهقي في الكبرى (1822)، قال الشافعي:(إنه ليس بثابت)، قال البيهقي:(لأن راويه يزيد مولى عمار، وهو مجهول، والراوي عنه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وكان يحيى بن معين يستضعفه، ولم يحتج به البخاري، وكان يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي لا يريان به بأسًا)، وضعَّف إسناده ابن التركماني وابن حجر.
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (2334)، من طريق لؤلؤة مولاة عمار، وهي مجهولة أيضًا، وقد استدل الإمام أحمد بأثر عمار في مسائل صالح 2/ 202. وينظر: الجوهر النقي 1/ 387، الدراية 1/ 210.
(3)
في (و): ونحوه.
أخرجه ابن أبي شيبة (6585)، وابن المنذر في الأوسط (2336)، عن أبي مجلز، قال: قيل لعمران بن حصين: إن سمرة بن جندب يقول في المغمى عليه: «يقضي مع كل صلاة مثلها» ، فقال عمران:«ليس كما يقال، يقضيهن جميعًا» ، وأبو مجلز لم يلق عمران ولا سمرة، قاله ابن المديني كما في تهذيب الكمال. وقد احتج به أحمد في مسائل صالح 2/ 202.
(4)
في (أ): وكان.
(5)
أخرجه مالك (1/ 13)، وعبد الرزاق (4158)، وإبراهيم الحربي في الغريب (1/ 16)، وابن المنذر في الأوسط (2331)، والدارقطني (1861)، والبيهقي في الكبرى (1818)، من طرق عن نافع:«أن عبد الله بن عمر أُغمي عليه، فذهب عقله، فلم يقض الصلاة» ، وفي لفظ:«أغمي عليه ثلاثة أيام ولياليهن فلم يقض» ، وإسناده صحيح.
(أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ)، وظاهره: لا فرق بين أن يكون مباحًا أو محرَّمًا.
وقيل: إن كان مباحًا فلا؛ كالجُنون.
وفي «المغني» و «الشَّرح» : إن طال زوالُه بشرب المباح؛ لم يجب القضاء؛ كالجنون، وإن لم يَطُل وجب؛ كالإغماء.
فرع: ما فيه السُّموم من الأدوية: إن كان الغالب منه السَّلامةَ، وفي «المغني» و «الشَّرح»: ويُرجى نفعُه؛ أبيح شربه في الأصحِّ؛ لدفع ما هو أخطرُ منه؛ كغيره من الأدوية.
والثاني: يَحرُم؛ لأنَّ فيه تعريضًا للهلاك، أشبه ما لو لم يُرد به التداوي، وكما لو كان الغالب منه الهلاك.
فإن قلنا
(1)
بحرمة شربه فهو كالمحرَّمات من الخمر ونحوِه، وإن قلنا بإباحته؛ فهو كالمباحات.
(وَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ) أصليٍّ، حكاه السَّامَرِّيُّ وغيرُه روايةً واحدةً، لأنَّها لو وجبت عليه حال كفره؛ لوجب عليه قضاؤها، ولأنَّ وجوب الأداء يقتضي وجوب القضاء، واللَّازم مُنْتَفٍ.
وعنه: بلى، وصحَّحها في «الرِّعاية» .
ولا يَجِب عليه القضاءُ إذا أسلم إجماعًا
(2)
؛ لأنَّه أسلم خلْقٌ كثيرٌ في عَصر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومِن بعده، فلم يُؤمر أحدٌ بقضاء؛ لما فيه من التَّنفير عن الإسلام، وفي خطابه بالفروع خلاف
(3)
، وأمَّا المرتَدُّ فسيأتي.
(1)
قوله: (يحرم، لأن فيه تعريضًا للهلاك) إلى هنا سقط من (و).
(2)
ينظر: المغني 1/ 288، الشرح الكبير 3/ 11.
(3)
كتب على حاشية (و): (قوله: "وفي خطابه بالفروع خلاف" قال في الإنصاف: الصحيح من المذهب: أنهم مخاطبون بفروع الإسلام، وعليه الجمهور. وعنه: ليسوا بمخاطبين بها. وعنه: يخاطبون بالنواهي دون الأوامر).
(وَلَا مَجْنُونٍ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ القلمُ عن ثلاثٍ؛ عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يحتَلِمَ» رواه أبو داود، والتِّرمذي وحسَّنه من حديث عائشة
(1)
، ولأنَّه ليس من أهل التَّكليف أشبه الطِّفل.
ونقل حَنبل: يعيد إذا أفاق، ذكره أبو بكرٍ
(2)
.
فعلى الأُولى؛ يُستَثنى ما لو طرأ الجنونُ على الرِّدَّةِ؛ فإنَّه يجب عليه قضاء أيام الجنون الواقعة في الرِّدَّة؛ لأنَّ إسقاط القضاء عن المجنون رُخصةٌ، والمرتدُّ ليس من أهلها.
وقيل: لا يجب كالحيض.
(وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمَا)؛ لأنَّ من شرط صحَّتها النِّيَّة، وهي لا تصحُّ من كافِرٍ، ولا تقع من مجنون.
مسألة: لا تجب على الأَبْلَه الذي لا يَعقِل، ذكره السَّامَرِّيُّ؛ كالمجنون.
وفي «الرِّعاية» : يقضي، مع قوله في الصَّوم: الأبله كالمجنون
(3)
.
يُقال: رجل أَبْلَهُ بيِّن البَلاهة، وهو الذي غلبت عليه سلامة الصدر، وفي
(1)
أخرجه أحمد (24694)، وأبو داود (4398)، والنسائي (3432)، وابن حبان (142)، والحاكم (2350)، من حديث عائشة رضي الله عنها، والترمذي (1423)، من حديث علي رضي الله عنه، وصححه النووي، وابن الملقن، والألباني. ينظر: الخلاصة 1/ 250، البدر المنير 3/ 226، الإرواء 2/ 4.
(2)
ينظر: المستوعب 2/ 14.
(3)
كتب على حاشية (و): (هذا الاعتراض تبع عليه جده رحمه الله تعالى، قال في الإنصاف: "ليس المراد والله أعلم ما قاله صاحب الفروع، وإنما قال: يقضي على قولٍ، وهذا لفظه: "ويقضيها مع زوال عقله بنوم"، ثم قال: "أو بشرب دواء، وقيل محرم، أو بله. وعنه أو مجنون"، فهو إنما حكى القضاء في الأبله قولاً، فهو موافق لما قاله في الصوم، فما بين كلامه في الموضعين تناف).
الحديث: «أكثرُ أهل الجنَّة البُلْهُ»
(1)
؛ يعني: البُلْهَ في
(2)
أمر الدنيا؛ لقلَّة اهتمامهم بها، وهم أكياس في أمر الآخرة.
وتَبَالَهَ: أرى من نفسه ذلك، وليس به.
(وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ) على اختلاف أنواعه؛ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) نَصَّ عليه
(3)
؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ صلَّى صلاتَنا، واستقبل قبلتَنا، فله ما لنا، وعليه ما علينا»
(4)
، لكن في البخاريِّ من حديث أنس موقوفًا من
(5)
قوله حين سأله ميمون بن سياه فقال: «من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قِبلتَنا، وصلَّى صلاتَنا، وأكل ذبيحتَنا؛ فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم» ، وروى أبو داود من حديث أبي هريرة
(6)
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نُهِيتُ عن قتل المصلِّين»
(7)
، وظاهره: أنَّ العصمة تَثْبُت بالصَّلاة، وهي لا تكون بدون
(1)
أخرجه البزار (6339)، والطحاوي في مشكل الآثار (2982)، والقضاعي في مسنده (989)، من حديث أنس رضي الله عنه، وفي سنده سلامة بن روح الأيلي، قال عنه أبو زرعة:(منكر الحديث)، وقال أبو حاتم:(ليس بالقوي)، وضعفه غيرهما، وقواه ابن حبان، وقد تفرد بهذا الحديث، وضعف الحديث البزار، وقال ابن عدي:(منكر)، وضعفه جماعة غيرهما. ينظر: الكامل 4/ 329، ميزان الاعتدال 2/ 183، الضعيفة للألباني (6154).
(2)
في (و): من.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 406.
(4)
أخرجه البخاري (391، 392، 393)، والنسائي (3968)، وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه، واختلف في رفعه ووقفه، وخرَّج البخاري الوجهين، وأشار إلى علة الحديث والاختلاف فيه أبو حاتم والدارقطني وابن رجب. ينظر: علل ابن أبي حاتم 5/ 257، علل الدارقطني 12/ 60، فتح الباري لابن رجب 3/ 53.
(5)
في (أ): مرفوعًا في. وفي (و): موقوفًا في.
(6)
زاد في (أ) و (ب) و (و): قال.
(7)
أخرجه أبو داود (4928)، وفي سنده أبو يسار القرشي وأبو هاشم الدوسي وهما مجهولان، وضعفه ابن القطان، والنووي. ينظر: بيان الوهم والإيهام 4/ 461، الخلاصة 1/ 247.
الإسلام، ولأنَّها عبادة تختصُّ شرعنا
(1)
، أشبهت الأذان، ولا يُعتدُّ به، ويحكم بكفر من سجد لصنم، فكذا عكسه.
وفائدته: لو مات عقيبه؛ ورثه المسلمون، ودفن في مقابرهم، ولو أراد البقاء على الكفر فهو مرتدٌّ، فلو ادَّعى أنَّه كان متلاعبًا أو مستهزئًا؛ لم يقبل منه، ذكره في «عيون المسائل» و «منتهى الغاية» وغيرهما؛ كالشَّهادتين.
ولا فرق بين أن تكون صلاتُه في دار الإسلام أو الحرب، جماعةً أو فُرادى.
وذكر أبو محمَّد التَّميمي: أنَّه محكوم بإسلامه إن صلَّى جماعةً، وفي صحَّة صلاته في الظَّاهر وجهان، فإن صحَّت؛ لم تصحَّ إمامتُه في المنصوص
(2)
.
وفي حجِّه وصومه قاصدًا رمضان وزكاته مالَه، وقيل: وبقِيَّة الشَّرائع، والأقوال المختصَّةِ بنا؛ كجنازة وسجدة تلاوة؛ وجهان.
(وَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ) في ظاهر المذهب؛ للخبر، ولأنَّها عبادة بدنيَّة، فلم تلزمه كالحجِّ، والطِّفل
(3)
لا يَعقل، والمدَّة التي
(4)
يَكمُل فيها عقلُه وبنيته؛ تَخفَى وتختلِف، فنصب الشَّارع عليه علامة ظاهرة، وهي البلوغ.
فعلى هذا: تصحُّ من المميِّز، وهو من له سبع سنين، وثواب فعله له.
ويشترط لصحَّتها ما يشترط لصحَّة صلاة البالغ، إلَّا في السُّترة، ذكره في «الشَّرح» .
وهو شامِلٌ لغةً للصَّبيَّة، كما ذكره ابن حزم.
(1)
في (أ): شر.
(2)
ينظر: الفروع 1/ 407.
(3)
زاد في (أ) و (ب) و (و): الذي. وقد طمست من الأصل.
(4)
زاد في (أ): لا، وفي (ب) و (و): لم. وقد طمست من الأصل.
(وَعَنْهُ: تَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَشْرًا)؛ لضربه عليها.
وعنه: تجب على المراهِق، اختاره أبو الحسن التَّمِيميُّ.
وعليهما: يلزمه إتمامها، وإلَّا فالخلاف في النَّفل.
(وَ) على
(1)
الأُولى: (يُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَيُضرَبُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ)؛ لما رَوى عَمْرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مُروا أبناءَكم بالصَّلاة وهُم أبناءُ سبْعِ سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع» رواه أحمد وأبو داود من رواية سوار بن داود، وقد وثَّقه ابن معين وغيره
(2)
، والمراد بهما: استكمالُهما.
والأمر والتَّأديب في حقِّه؛ لتمرينه عليها حتَّى يألَفها ويعتادها، فلا يتركها عند البلوغ، فيَلزَم الوليَّ أمرُه بها، وتعليمُه إيَّاها، والطَّهارة، نَصَّ عليه
(3)
.
وقوله: (يؤمر بها)؛ أي: من جهة الوليِّ، لا من جهة الشَّارع؛ فإن النَّصَّ تضمَّن
(4)
أمر الشَّارع للوليِّ، وهو مأمور بأمره، فإن احتاج إلى أجرة؛ فمن مال الصَّبي، ثمَّ على من تلزمه نفقته.
(فَإِنْ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا)؛ كمن تمَّت مدَّة بلوغه وهو فيها، وسمِّي بلوغًا لبلوغه
(1)
في (و): على.
(2)
أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (495)، والراوي عن عمرو بن شعيب هو سوار بن داود الصيرفي، قال في التقريب:(صدوق له أوهام)، وتابعه ليث بن أبي سليم عند البيهقي في الكبرى (3236)، وليث خلاصة حاله كما في التقريب:(صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فترك)، ورواية عمرو بن شعيب عن أبيه جده، رواية حسنة يحتج بها، وله شاهد صحيح من حديث سبرة بن معبد رضي الله عنه، وحسن الحديث النووي، وصححه ابن الملقن والألباني. ينظر: الخلاصة 1/ 251 - 252، البدر المنير 2/ 238، صحيح أبي داود 2/ 399، الإرواء 1/ 266.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 54، مسائل ابن منصور 2/ 694، مسائل أبي داود ص 74.
(4)
في (أ): يتضمن.
حدَّ التَّكليف، (أَوْ بَعْدَهَا فِي وَقْتِهَا؛ لَزِمَهُ إِعَادَتُهَا)؛ لأنَّها نافلة في حقِّه، فلم تجزئه، كما لو نواها نفلًا، وكما يلزمه إعادة الحجِّ، إلَّا على رواية الوجوب، ذكره في «التَّلخيص» و «البُلغة» ، وقدَّم جماعةٌ وجوب الإعادة مطلقًا.
وظاهره: أنَّه لا يلزمه إعادة الطَّهارة؛ لأنَّ القصد غيرها، قال في «الفروع»: (وكذا إسلام؛ لأنَّ أصل الدِّين لا يصحُّ نفلًا
(1)
، فإذا وُجد فعلى وجه الوجوب، ولأنَّه يصحُّ بفعل غيره، وهو الأب).
(وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ تَأْخِيرُهَا) أو بعضِها (عَنْ وَقْتِهَا)؛ أي: وقت الجواز مع القدرة والذِّكر إجماعًا
(2)
؛ لما روى أبو قتادة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس في النَّومِ تفريطٌ، إنَّما التَّفريطُ في اليقَظة، أن يؤخِّرَ صلاة
(3)
إلى أن يدخل وقت صلاةٍ أخرى» رواه مسلم
(4)
، ولأنَّه يجب إيقاعها في الوقت، فإذا خرج ولم يأت بها؛ كان تاركًا للواجب مخالفًا للأمر، وهو عاصٍ مستَحِقٌّ العقاب، ولأنَّه لو عُذر بالتَّأخير لفاتتْ فائدةُ التَّأْقيتِ.
واستثنى من ذلك صورتين:
الأولى: (إِلَّا لِمَنْ يَنْوِي الْجَمْعَ) لعذر، فإنَّه يجوز له التَّأخير؛ لأنَّه عليه السلام «كان يؤخِّر الأولى في الجمع، ويصلِّيها في وقت الثانية»
(5)
، وسيأتي، ولأنَّ وقتَيهما يصير وقتًا واحدًا لهما.
ومقتضاه لا يحتاج إلى استثنائه.
(1)
في (و): لا يصلح بدلًا.
(2)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 114.
(3)
كذا في الأصل، وفي (أ) و (ب) و (و): الصلاة.
(4)
أخرجه مسلم (681).
(5)
يشير إلى حديث أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر إلى وقت العصر، ثم يجمع بينهما، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب» ، أخرجه البخاري (1111)، ومسلم (704).
وجوابه: أنَّ كلَّ صلاة لها وقت معلوم، فيتبادر الذهن إليه، فتعيَّن إخراجه.
والثانية: (أَوْ لِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا)، كذا في «الوجيز» و «الحاوي» ، واقتصر الأكثر على الأوَّل؛ لأنَّ الصَّلاة لا تصحُّ بدونه إذا قدر عليه، وشرطه: أن يكون مقدورًا عليه، قاله في «الشَّرح» ، وقيَّده في «الفروع»: بالقريب.
لكن قال الشيخ تقِيُّ الدِّين
(1)
: ليس مذهبًا لأحمدَ وأصحابه، وإنَّ الوقت يقدَّم، واختار تقديم الشَّرط إن انتبه قبل طلوعها.
ومن صحَّت صلاته
(2)
مع الكراهة كالحاقِن؛ لا يجوز أن يشتغل بالطهارة إن خرج الوقت.
ومن أبيح له التَّأخير فمات قبل الفعل؛ لم يأثم في الأصحِّ، ويسقط إذن بموته، قال القاضي: لأنَّه لا يدخلها النِّيابة، فلا فائدة في بقائها في ذمَّته، بخلاف الزَّكاة والحجِّ.
ومقتضاه: أنَّ له التَّأخير عن أوَّل وقتها بشرط العزم على فعلها، ما لم يظنَّ مانعًا منها؛ كموت وقتل
(3)
وحيض.
وكذا من أُعير سُترةً أوَّل الوقت، ومتوضِّئ عَدِمَ الماءَ في السَّفر وطهارته لا تبقى إلى آخر الوقت، ولا يرجو وجوده، ومستحاضة لها عادة بانقطاع دمها في وقت يتَّسع لفعلها؛ فيتعيَّن الفعل في أول الوقت.
ويأثم من عزم
(4)
على التَّرك إجماعًا
(5)
، ومتى فُعلت في وقتها فهي أداء.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 446، 22/ 57.
(2)
قوله: (صلاته) سقطت من (أ) و (ب).
(3)
في (ب) و (و): وقيل.
(4)
قوله: (من عزم) هو في (أ): في غيره.
(5)
ينظر: الفروع 1/ 415.
(وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا؛ كَفَرَ) إذا كان ممَّن لا يجهله؛ كالنَّاشئ بين المسلمين في الأمصار، زاد ابن تميم:(وإن فعلها)؛ لأنَّه لا يجحدها إلَّا تكذيبًا لله ورسوله وإجماع الأمة، ويصير مرتدًّا بغير خلاف نعلمه
(1)
.
وإن ادَّعى الجهل؛ كحديث الإسلام والنَّاشئ ببادية؛ عُرِّفَ وجوبَها، ولم يُحكم بكفره؛ لأنَّه معذور، فإن قال: أُنسيتُها؛ قيل له: صلِّ الآن، وإن قال: أَعْجِزُ عنها لعذر؛ أُعلم أنَّه يجب عليه أن يصلِّي على حسب حاله.
(فَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا) وكسلًا (لَا جُحُودًا؛ دُعِيَ إِلَى فِعْلِهَا)؛ لاحتمال أنَّه تركها لعذر يعتقد سقوطه بمثله؛ كالمرض ونحوه، والدَّاعي له الإمام ومن في حكمه، ويهدِّده فيقول له: إن صلَّيت وإلَّا قتلناك، وذلك في وقت كلِّ صلاة.
(فَإِنْ أَبَى حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي
(2)
بَعْدَهَا؛ وَجَبَ قَتْلُهُ) نَصَّ عليه
(3)
، واختاره الأكثر؛ لقوله تعالى:{فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ} إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التّوبَة: 5]، فمتى ترك الصَّلاة؛ لم يأت بشرط التَّخلية، فيبقى على إباحة القتل، ولقوله عليه السلام:«مَنْ ترك الصَّلاة متعمِّدًا؛ فقد بَرِئَتْ منه ذمَّةُ الله ورسولِه» رواه أحمد بإسناده
(4)
عن مكحول، وهو مرسل جيِّد
(5)
، ولأنَّها من أركان الإسلام، لا تدخلها النِّيابة، فقُتِل تاركها كالشَّهادتين.
(1)
ينظر: المغني 2/ 329.
(2)
هكذا في جميع النسخ، والتي بخط المؤلف:(الذي).
(3)
ينظر: مسائل صالح 1/ 375، مسائل عبد الله ص 55.
(4)
في (أ): بإسناد.
(5)
أخرجه أحمد (27364)، وعبد بن حميد في مسنده (1594)، والبيهقي في الكبرى (14777)، من طريق مكحول، عن أم أيمن رضي الله عنها، وهو منقطع؛ لأن مكحولًا لم يدرك أم أيمن رضي الله عنها. قاله البيهقي وغيره. ينظر: الخلاصة 1/ 247، تحفة التحصيل لابن العراقي ص 315.
ومراده: حتَّى تضايق
(1)
وقت الثانية عنها، صرَّح به في «الوجيز» .
وقيل: عنهما، قاله في «الرِّعاية» .
وعنه: يجب
(2)
قتله بدخول وقت الثَّانية وإن لم يضق، قدَّمه ابن تميم، واختاره المجْد، قال في «الفروع»:(وهي أظهر)؛ لمفهوم النَّهي عن قتل المصلِّين. قال ابن حمدان
(3)
: إن وجب القضاء على الفور، واختاره أبو إسحاق بن شاقْلا.
إلَّا الأولى من المجموعتين؛ لأنَّ وقتهما مع العذر واحد، وحسَّنه في «المغني» .
وظاهره: أنَّه إذا لم يُدعَ إليها؛ لم يكفر ولم يقتل بحال.
(وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَتْرُكَ ثَلَاثًا) أي: ثلاثَ صلواتٍ، (وَيَضِيقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ)، قدَّمه في «التَّلخيص» ؛ لأنَّه قد يترك الثَّلاث لشُبْهةٍ، فإذا ترك الرَّابعة انتفتِ الشُّبهةُ؛ فيُقتل.
والأصحُّ: حتَّى يضيق وقت الرَّابعة عنها، وقيل: بل عنهن.
وفي «المبهج» و «الواضح» و «تبصرة الحلواني» رواية: ثلاثة أيَّام قُتل وجوبًا بضرْب عنُقه.
(وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا)؛ أي: ثلاثةَ أيَّام وجوبًا في الأشهر، ويضيَّق عليه؛ لأنَّه يُقتل لترك واجب، فتَقدَّمتْه الاستتابةُ كالمرتَدِّ.
وذكر القاضي: أنَّه يُضرب.
وينبغي الإشاعةُ عنه بتركها حتَّى يُصلِّي، ولا ينبغي السَّلامُ عليه، ولا
(1)
في (و): يتضايق.
(2)
في (و): ويجب.
(3)
قوله: (ابن حمدان) هو في (ب): أحمد.
إجابةُ دعوتِه، قاله الشَّيخ تقِيُّ الدِّين
(1)
.
(فَإِنْ تَابَ؛ قُبِلَ مِنْهُ) كغيره، ويَصير مسلمًا بالصَّلاة، نقل صالح:(توبتُه أن يصلِّي)
(2)
، وصوَّبه الشَّيخ تقِيُّ الدِّين
(3)
؛ لأنَّ كفره بالامتناع؛ كإبليس وتارك الصلاة
(4)
، وصحَّتُها قبل الشَّهادتين كمرتدٍّ.
وظاهره: أنَّه متى راجع الإسلام؛ لم يَقضِ مدَّةَ امتناعه كغيره من المرتدِّين؛ لعموم الأدلَّة، وقدَّم في «الفروع» - وهو ظاهر كلام جماعة - خِلافَه.
(وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ) يُضرَب به
(5)
عنقُه؛ لقولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة» رواه مسلمٌ
(6)
، أي: الهيئة من القتل.
(وَهَلْ يُقْتَلُ حَدًّا أَوْ لِكُفْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أشهرُهما: أنَّه يُقتَل كفرًا، وهي ظاهر المذهب، واختارها الأكثر؛ لما روى جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «بين الرَّجلِ والكفرِ تَرْكُ الصَّلاة» رواه مسلمٌ
(7)
، وروى بريدة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من تركها فقد كفر» رواه الخمسة، وصحَّحه التِّرمذي
(8)
، وروى عبادة مرفوعًا: «مَنْ ترك الصَّلاة
(1)
ينظر: الفروع 1/ 417، الاختيارات ص 50.
(2)
ينظر: مسائل صالح 1/ 375.
(3)
ينظر: الفروع 1/ 419، الاختيارات ص 50.
(4)
هكذا بخط المؤلف، وفي (و): الزكاة. وهو الصواب كما في الفروع 1/ 419، الاختيارات ص 50.
(5)
قوله: (يضرب به) هو في (ب): بضرب.
(6)
أخرجه مسلم (1955)، من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.
(7)
أخرجه مسلم (82).
(8)
أخرجه أحمد (22937)، والترمذي (2621)، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، وابن حبان (1415)، والحاكم (11)، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم. ينظر: البدر المنير 5/ 397.
متعمِّدًا؛ فقد خرج من الملَّة» رواه الطَّبراني بإسنادٍ جيِّد
(1)
، وقال عمر:«لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصَّلاة»
(2)
، ولأنَّه يدخل بفعلها في الإيمان، فيخرج بتركها منه؛ كالشَّهادتين.
فعليها: حُكمُه حكمُ الكفار من أنَّه لا يغسَّل، ولا يصلَّى عليه، ولا يُدفَن في مقابِر المسلمين، وذكر القاضي:(يُدفَن منفرِدًا)، وذكر الآجري
(3)
: (من قتل مرتَدًّا؛ تُرك بمكانه، ولا يُدفَن، ولا كرامةَ)، وتَبِين منه زوجتُه قبل الدخول، وكذا بعده إن لم يَتُب ويصلِّ في الأشهر.
والثانية: يُقتل حدًّا، قدَّمها في «المحرَّر» وابن تميم، واختارها ابن بَطَّة، وذكر أنَّها المذهب، قال في «المغني»: وهي أصوب القوليْن، وجزم بها في «الوجيز» ؛ للعمومات.
منها: قوله عليه السلام: «أسعدُ النَّاس بشفاعتي من قال: لا إله إلا اللهُ مخلِصًا من قلْبِه» رواه البخاري
(4)
، وقال: «إنِّي اختبأتُ دعوتي شفاعتي لأمَّتي يومَ القيامة، فهي إن شاء الله تعالى نائلةٌ
(5)
من مات لا يشرك بالله شيئًا» رواه مسلم
(6)
، وحديث عبادة رواه أحمد وغيره، وصحَّحه ابن حبَّان
(1)
أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة 2/ 889، والشاشي في مسنده (1309)، قال الهيثمي:(رواه الطبراني، وفيه سلمة بن شريح، قال الذهبي: لا يعرف، وبقية رجاله رجال الصحيح)، قال ابن حجر:(إسناده ضعيف). ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 190، مجمع الزوائد 4/ 216، التلخيص الحبير 2/ 335.
(2)
تقدم تخريجه 1/ 431 حاشية (7).
(3)
في (أ): الأزجي. وفي (ب): القاضي. والمثبت موافق لما في الفروع 1/ 417. وقال ابن قندس في حواشي الفروع 1/ 417: (وذكر الآجري: أنه يقتل مرتدًّا، كذا في بعض النسخ، وفي بعضها: الأَزَجي).
(4)
أخرجه البخاري (99)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
في (ب): نائلة إن شاء الله.
(6)
أخرجه البخاري (6304، 6035)، ومسلم (198، 199)، بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة، ومن حديث أنس رضي الله عنهما.
وابن عبد البَرِّ
(1)
، ولأنَّها عبادةٌ تَحكُم بإسلام الكافر، فلم يُكفَّر بتركها؛ كالزَّكاة والحجِّ، وهو إجماع حكاه في «الشَّرح» ، وفيه نَظَرٌ.
وأجِيب عما
(2)
تقدَّم: على كفر النعمة، أو على معنى قارب الكفر، فعليها: حكمه كأهل الكبائر، فتنعكس الأحكام السابقة؛ لأنَّه مسلم.
قال
(3)
بعضهم: وإذا دُفن مع المسلمين؛ طُمس قبره حتى يُنسى.
وحكى
(4)
النَّووي في «شرح البخاريِّ» عن بعضهم: أنَّه لا يُرفع قبرُه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين؛ تحقيرًا له
(5)
، وزجْرًا لأمثاله، وهو غريب.
فرع: الجمعة كغيرها. وقيل: إن اعتقد وجوبها وصلَّى ظهرًا أربعًا وقلنا: هي ظهر مقصورة؛ لم يكفُر.
تنبيه: إذا ترك شرطًا أو رُكنًا مُجمَعًا عليه؛ كالطَّهارة؛ فكتركها، وكذا مختلَفًا فيه يعتقد وجوبه، ذكره ابن عقيل، وخالف فيه المؤلِّف.
وأنَّه لا يَكفر بترك غيرها؛ من زكاة وصوم وحجٍّ يحرُم تأخيرُه تهاونًا وبُخلًا
(6)
، اختاره الأكثر، وذكر ابن شهاب أنَّه ظاهر المذهب، ويُقتل على الأصحِّ، وسيأتي.
(1)
أخرجه أحمد (22693)، وأبو داود (425)، وابن حبان (1732)، قال ابن عبد البر:(حديث صحيح ثابت)، وصححه النووي وابن الملقن وغيرهم. ينظر: التمهيد 23/ 288، الخلاصة 1/ 549، البدر المنير 5/ 389، صحيح أبي داود 2/ 301.
(2)
في (أ): عنها.
(3)
بداية النسخة (د).
(4)
في (د) و (و): وذكر.
(5)
قوله: (له) سقط من (و).
(6)
في (و): وكسلًا.
(بَابُ الْأَذَانِ)
هو في اللُّغةِ: الإعلامُ؛ لقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التّوبَة: 3]؛ أي: إعلام، وقوله:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحَجّ: 27]؛ أي: أعلمهم، يقال: أذَّن بالشَّيء، يُؤَذِّن أذانًا، وتأذينًا، وأذينًا على وزن رَغيف: إذا أعلم به.
وهو اسم وُضع موضع المصدر، وأصله من الأَذَن، وهو الاستماع، كأنَّه يُلقي في آذان النَّاس ما يُعلِمهم به.
وفي الشَّرع: الإعلامُ بدخول وقت الصَّلاة أو قربِه، بذكرٍ مخصوصٍ.
والإقامة هي في الأصل: مصدر أقام، وحقيقته: إقامة القاعد.
وفي الشَّرع: الإعلام بالقيام إليها بذكرٍ مخصوصٍ؛ كأنَّ المؤذِّن أقام القاعدين، وأزالهم عن قعودهم.
إعلامٌ: الأذانُ فيه فضل عظيم؛ لقوله عليه السلام: «المؤذِّنونَ أطولُ النَّاسِ أعناقًا يومَ القيامةِ» رواه مسلمٌ من حديث مُعاوية
(1)
، ولقوله:«الإمامُ ضامِنٌ، والمؤذِّن مؤتمَنٌ، اللَّهمَّ أرشدِ الأئمَّةَ، واغفر للمؤذِّنين» رواه أحمد وغيره
(2)
، ولقوله: «مَنْ أذَّنَ سبعَ سنينَ محتسبًا؛ كتبَ اللهُ له براءةً مِنَ النَّارِ
(3)
» رواه
(1)
أخرجه مسلم (387).
(2)
أخرجه أحمد (7818)، وأبو داود (517)، والترمذي (207)، وابن خزيمة (1528)، من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وعند أبي داود (517) من طريق الأعمش عن رجل عن أبي صالح، وفي بعض الطرق قال الأعمش:(نبئت عن أبي صالح)، وأعلَّ ابنُ معين والبيهقيُّ هذا الحديث بالانقطاع بين الأعمش وبين أبي صالح، وأجاب آخرون بأن الأعمش سمعه من رجل ثم سمعه من أبي صالح. ينظر: العلل المتناهية لابن الجوزي 1/ 437، التلخيص الحبير 1/ 512، الإرواء 1/ 231.
(3)
زاد في (أ): يوم القيامة.
ابن ماجه من حديث ابن عباس
(1)
.
وهو أفضل من الإقامة
(2)
في الأصحِّ، ومن الإمامة
(3)
في قول الأكثر.
وعنه: فضَّلها؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تولَّاها بنفسه.
وأجيب عنه: بأنَّ عدم مواظَبته عليه إمَّا خوفَ تغيير صيغته، أو توهُّم سامع أنَّ ثمَّ غيره موصوفًا بذلك، أو لضيق الوقت عنه، واقتصر عليه في «المغني» و «الشَّرح» .
وقيل: إنَّما تركه لأنَّه لو أذَّن لزم إجابتُه، ولم
(4)
يكن لأحدٍ التخلُّف عن دعوته، مع أنه ورد «أن النبي صلى الله عليه وسلم أذَّن مرة واحدة على راحلته في مطر وبلة» خرَّجه التِّرمذي وغيره
(5)
.
وله الجمع بينهما، وذكر أبو المعالي أنَّه أفضل.
(وَهُمَا مَشْرُوعَانِ) بالكتاب؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المَائدة: 58]، وبالسُّنَّة، وهي كثيرةٌ؛ منها: حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لمَّا أمر
(6)
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالنَّاقوسِ يُعمَلُ لِيُضرَبَ للنَّاسِ به
(7)
لجَمْعِ
(1)
أخرجه الترمذي (206)، وابن ماجه (727)، وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف جدًّا. ينظر: الضعيفة للألباني (850).
(2)
في (و): الإمامة.
(3)
في (و): الإقامة.
(4)
في (و): وإن لم.
(5)
من قوله: (مع أنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم إلى هنا سقط من (أ) و (ب).
والحديث أخرجه الترمذي (411)، من طريق عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة، عن أبيه، عن جده، وعمرو ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان:(لا يُعرف حاله)، قال ابن حجر في التقريب:(مستور)، وأبوه مجهول قاله ابن القطان وابن حجر، قال الترمذي:(هذا حديث غريب)، وصحح إسناده الإشبيلي، وحسن النووي إسناده، وضعفه البيهقي وابن القطان والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 522، السلسلة الضعيفة (6434).
(6)
في (أ): أمرنا رسول الله.
(7)
في (و): به الناس.
الصَّلاة؛ طافَ بي - وأنا نائمٌ - رجلٌ يحملُ ناقوسًا في يدِهِ، فقلتُ: يا عبدَ اللهِ! أتبيعُ النَّاقوسَ؟ فقالَ: وما تصنَعُ به؟ فقلتُ: ندعو به إلى الصَّلاة، قالَ
(1)
: أفلا أدلُّكَ على ما هو خيرٌ مِنْ ذلك؟ فقلتُ: بلى، قال: فقالَ: تقولُ: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، اللهُ أكبر اللهُ أكبر
(2)
، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاحِ، حيَّ على الفلاحِ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، لا إلهَ إلَّا الله، قال
(3)
: ثمَّ استأخرَ عنِّي غيرَ بعيدٍ، ثمَّ قالَ: تقولُ إذا قمتَ إلى الصَّلاة: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاحِ، قد قامتِ الصَّلاة، قد قامتِ الصَّلاة، اللهُ أكبر الله أكبر
(4)
، لا إلهَ إلَّا الله
(5)
، فلمَّا أصبحتُ أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُهُ بما رأيتُ، فقالَ:«إنَّها لرُؤيا حقٍّ إن شاءَ اللهُ، فقمْ مع بلال فألقِ عليه ما رأيتَ، فليؤذِّنْ به، فإنَّه أندى صوتًا منك» ، فقمتُ مع بلال فجعلتُ ألقيه عليه ويؤذِّنُ به، قال: فسمعَ ذلك
(6)
عمرُ بن الخطَّابِ وهو في بيتِهِ، فخرجَ يجرُّ رداءَهُ يقول: والَّذي بعثَكَ بالحقِّ يا رسولَ الله، لقد رأيتُ مثلَ الَّذي رأى، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فللَّهِ
(7)
الحمدُ» رواه أحمد وأبو داود ولفظه له، وابن ماجه، والتِّرمذيُّ بعضَه وصحَّحه، ومَدارُ هذا الحديث عندهم على ابن إسحاق، وقد صرَّح بالتَّحديث فقال: حدَّثني محمَّد بن إبراهيم
(1)
في (أ): فقال.
(2)
في (أ) ذكر التكبير مرتين فقط.
(3)
قوله: (قال) سقط من (أ).
(4)
في (أ): ذكر التكبير مرة واحدة.
(5)
قوله: (ثم استأخر عني غير بعيد) إلى هنا سقط من (و). ومن هنا سقط من النسخة (د).
(6)
في (و): بذلك.
(7)
في (و): ففيه.
التَّيمي
(1)
، عن محمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه فذكره، قال
(2)
التِّرمذي: سألت البخاري عن هذا فقال: (هو عندي حديث صحيح)
(3)
.
(لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ)، وفي «الفروع»:(والجمعةِ)، ولا يُحتاج إليه؛ لدخولها في الخمس، (دُونَ غَيْرِهَا) من فائتةٍ ومنذورة. وقيل: بلى.
والفرق ظاهر بين المفروضات وغيرها؛ لأنَّ المقصود منه الإعلام بوقت الصَّلاة على الأعيان، وهذا لا يوجد في غيرها، وكذا عيد وكسوف واستسقاء، بل يُنادَى لذلك، وألحق القاضي بذلك التَّراويح، والمنصوص: أنَّه لا ينادى لها
(4)
؛ كالجنازة على المعروف.
فرعٌ: يسن
(5)
أذان في أُذن مولود حين يولد، وفي «الرِّعاية» وغيرها: ويُقيم في اليسرى.
(لِلرِّجَالِ) بشرط الإسلام والعقل، وأمَّا العدالة فستأتي
(6)
.
(دُونَ النِّسَاءِ)؛ لما روي عن أسماءَ بنتِ يزيدَ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس على النِّساءِ أذانٌ ولا إقامةٌ» رواه النجاد
(7)
،
(1)
في (أ): التميمي.
(2)
في (أ): فقال.
(3)
أخرجه أحمد (16477)، وأبو داود (499)، والترمذي (189)، وابن ماجه (706)، وابن خزيمة (371)، وابن حبان (1679)، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وتصريح ابن إسحاق بالسماع جاء في روايةٍ لأحمد (16478)، وعند أبي داود وغيرهما، والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان، ونقل البيهقي سؤال الترمذي للبخاري في السنن الكبرى. ينظر: السنن الكبرى (1837).
(4)
من رواية أبي طالب. ينظر: الفروع 2/ 11.
(5)
قوله: (يسنُّ) سقط من (أ).
(6)
في (و): فسيأتي.
(7)
أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 479)، والبيهقي في السنن الكبرى (1921)، وفي سنده الحكم بن عبد الله الأيلي، وهو كذَّاب، يروي أحاديث موضوعة، قاله أحمد وغيره من الأئمة، وذكر ابن الجوزي أنه لم يقف عليه مرفوعًا، وأنه روي عن جماعة من التابعين منهم: الحسن وإبراهيم والشعبي وغيرهم. ينظر: التحقيق 1/ 313، ميزان الاعتدال 1/ 572، نصب الراية 2/ 32.
وجاء في هامش (و): (رواه ابن عدي والبيهقي أيضًا، وفي إسناده الحكم بن عبد الله الأيلي وهو ضعيف، قال ابن الجوزي: لا يعرف مرفوعًا انتهى).
ورُوي عن عمر
(1)
وأنس
(2)
، ولا نعلم عن غيرهم خلافه، لأنَّ الأذان يُشرع له رفع الصَّوت، ولا يُشرع لها، وكذا الإقامة؛ لأنَّ من لا يُشرع له الأذان لا تُشرع له الإقامة؛ كالمسبوق.
وعنه: يسنُّ لهنَّ؛ لفعل عائشة: «أنَّها كانتْ تؤذِّنُ وتقيمُ» رواه ابن المنذر
(3)
.
وعنه: مع خفض الصَّوت.
والخنثى كامرأةٍ.
(وَهُمَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) على المذهب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرَتِ الصَّلاة فليؤذِّنْ لكم أحدُكُمْ، وليؤمَّكُمْ أكبرُكُمْ» متفق عليه
(4)
، والأمر
(1)
هكذا في النسخ الخطية، والذي في المغني والشرح الكبير وشرح العمدة:(ابن عمر)، ولعله الصواب.
أخرجه عبد الرزاق (5022)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (1223)، وابن وهب في الجامع (478)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (1920)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«ليس على النساء أذان ولا إقامة» ، وفيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف، وقد صحح إسناده ابن الملقن في البدر المنير 3/ 420، وابن حجر في التلخيص 1/ 521.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (2317)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (1221)، عن سليمان التيمي قال: كنا نسأل أنسًا، هل على النساء أذان وإقامة؟ قال:«لا، وإن فعلن فهو ذكر» ، وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1218)، وأخرجه عبد الرزاق (5016)، وابن أبي شيبة (2323)، والحاكم (731)، والبيهقي في الكبرى (1922)، من طرق عن عائشة:«أنها كانت تؤذن وتقيم» ، ومداره على ليث بن سليم، وهو ضعيف.
(4)
أخرجه البخاري (628)، ومسلم (674)، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
يقتضي الوجوب، وعن أبي الدرداء: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِنْ ثلاثةٍ لا يؤذَّن
(1)
ولا تُقامُ
(2)
فيهم الصَّلاةُ إلَّا استحوذَ عليهم الشَّيطانُ» رواه أحمد والطبراني
(3)
، ولأنَّهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة، فكان واجبًا كالجهاد.
فعلى هذا
(4)
؛ تجب على جماعة الرِّجال.
وعنه: على كلِّ رجلٍ عاقِلٍ يريد الصَّلاة وحده، قدَّمه في «الرِّعاية» .
حضَرًا. وعنه: وسفرًا، وهو أظهر؛ لأنَّه عليه السلام كان يُؤذَّنُ له ويُقام فيهما
(5)
.
وحكى القاضي عن أبي بكر: أنَّهما فرض كفاية على أهل المصر، سُنَّتان على المسافرين، اختاره المجْد وكثير من أصحابنا، وهو مفهوم كلام أحمد على ما ذكره ابن هبيرة.
وقال السَّامَرِّيُّ: الصحيح أنه
(6)
لا فرق بين المصر والقُرى، ولا بين الحاضرين والمسافرين، والواحد والجماعة، سواء قلنا: هما واجبان أو مسنونان.
وعنه: هما سنَّة، وهو ظاهر الخِرَقِيِّ؛ لأنَّه دعاء إلى الصَّلاة، أشبه قوله: الصَّلاة جامعة.
وفي «الرَّوضة» : هو فرض، وهي سنَّة.
(1)
قوله: (ثلاثة لا يؤذن) هو في (ب): جماعة لا يؤذن.
(2)
في (و): يقام.
(3)
أخرجه أحمد (21710)، وأبو داود (547)، وابن خزيمة (1486)، وابن حبان (210)، وصححه النووي وابن الملقن، وحسنه الألباني، ولم نقف عليه عند الطبراني. ينظر: الخلاصة 1/ 277، البدر المنير 4/ 386، صحيح أبي داود 3/ 58.
(4)
قوله: (كالجهاد فعلى هذا) هو في (و): كالظهار وفعل هذا.
(5)
وهو أمر متواتر مشهور، ومنه في البخاري (595)، (604)، ومسلم (377).
(6)
قوله: (الصحيح أنه) سقط من (أ) و (ب).
فعلى المذهب، وقيل: وعلى
(1)
أنَّهما سنَّة: (إِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِمَا
(2)
؛ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ)؛ لأنَّهما من أعلام الدِّين الظَّاهرة، فقوتلوا على الترك؛ كصلاة العيد.
والمراد بالإمام: الخليفة ومن يجري مجراه كنائبه.
ومقتضاه: أنَّه إذا قام بهما من يحصل به
(3)
الإعلام غالبًا؛ أجزأ عن الكلِّ وإن كان واحدًا، نَصَّ عليه
(4)
، وأطلقه جماعة، وقيَّده بعضهم بالبلد الصَّغير أو المحلَّة الكبيرة إذا كان يُسمِعُهم جميعَهم؛ لأنَّ الغرض إسماعهم.
وفي «المستوعب» : متى أذَّن واحد
(5)
؛ سقط عمَّن صلَّى معه مطلقًا خاصَّةً.
وقيل: يستحبُّ اثنان، قال في «الفروع»: (ويتوجَّه احتمالٌ في الفجر فقط؛ كبِلال وابن أمِّ مكتوم، ولا تستحبُّ الزِّيادة عليهما. وقال القاضي: على أربعة؛ لفعل
(6)
عثمان
(7)
، إلَّا من حاجة.
والأَولى أن يؤذِّن واحدٌ بعد واحد، ويقيم من أذَّن أوَّلًا.
وإن لم يحصل الإعلام بواحد زِيد بقدر الحاجة، كل واحد في جانب، أو دفعة واحدة بمكان واحد، ويقيم أحدهم، والمراد بلا حاجة، فإن تشاحُّوا أُقرع).
(1)
قوله: (وعلى) سقط من (و).
(2)
في (و): تركها.
(3)
قوله: (به) سقط من (أ).
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 42.
(5)
في (و): واحد أذن.
(6)
في (و): كفعل.
(7)
قال الحافظ في التلخيص 1/ 522: (هذا الأثر ذكره جماعة من فقهاء أصحابنا؛ منهم صاحب المهذب، وبيَّض له المنذري والنووي، ولا يعرف له أصل)، وبنحوه قال ابن الملقن، وأشار إليه البيهقي. ينظر: معرفة السنن 2/ 269، البدر المنير 3/ 424.
وعُلِم منه: أنَّ الصَّلاة تصحُّ بدونهما؛ «لأنَّ ابن مسعود صلَّى بعلقمة والأسود بلا أذان ولا إقامة» ، واحتجَّ به أحمد
(1)
، لكن يُكره، ذكره الخِرَقِيُّ وغيره.
وذكر جماعة: إلَّا بمسجد قد صُلِّي فيه، ونصُّه: أو
(2)
اقتصر مسافر ومنفرد على الإقامة
(3)
.
وهما أفضل لكلِّ مصلٍّ إلَّا لكلِّ واحد ممَّن في المسجد؛ فلا يُشرع، بل حصل
(4)
لهم الفضيلة؛ كقراءة الإمام للمأموم.
وهل صلاة من أذَّن لصلاته بنفسه أفضل؛ لأنَّه وُجد منه فضلٌ يختصُّ الصَّلاة، أم يحتمل أنَّها
(5)
وصلاة من أُذِّن له سواء؛ لحصول سنَّة الأذان؟ ذكر القاضي أنَّ أحمد توقَّف، نقله الأثرم
(6)
.
(وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِمَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ)؛ لما رُوي أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي
(7)
العاص: «واتَّخِذْ مؤذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجْرًا» رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذي، وحسَّنه، وقال:(العمل على هذا عند أهل العلم)، وقال:(وكرهوا أن يأخذ على أذانه أجرًا)
(8)
، ولأنَّه يقع قُرْبةً لفاعله أشبه الإمامة.
(1)
ينظر: مسائل حرب 1/ 486.
والأثر: أخرجه مسلم (534)، عن الأسود وعلقمة قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره، فقال:«أصلى هؤلاء خلفكم؟» ، فقلنا: لا، قال:«فقوموا فصلوا» ، فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة. الحديث.
(2)
في (و): إذا.
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 104، مختصر ابن تميم 2/ 41.
(4)
في (أ) و (و): جعل. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 7.
(5)
في (أ): أنهما.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 7.
(7)
قوله: (أبي) سقط من (أ).
(8)
أخرجه أحمد (16270)، وأبو داود (531)، والترمذي (209)، وابن خزيمة (423)، وقال ابن عبد الهادي:(إسناده جيد)، وصححه الألباني، وأصله في مسلم (468)، من غير ذكر زيادة اتخاذ المؤذن. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 183، الإرواء 5/ 315.
والثانية: يجوز؛ لأنَّ فعله معلوم يجوز أخذ الرِّزق عليه، فجاز أخذ الأجرة؛ كسائر الأعمال.
والأولى أصحُّ، وخطَّأ ابن حامد من أجازه؛ لأنَّه قياس مع وجود النَّصِّ.
والإقامة كالأذان معنى وحكمًا.
(فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ
(1)
؛ رَزَقَ
(2)
الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَقُومُ بِهِمَا)؛ لا نعلم خلافًا في جواز أخذ الرِّزق عليه، قاله في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّ بالمسلمين حاجة إليه، ونُقل عنه المنع، لكن قال في «الرِّعاية»: هو
(3)
ضعيف.
وعلى ما ذكره: يرزقه
(4)
الإمام من الفيء؛ لأنَّه المُعَدُّ للمصالح، فهو كأرزاق القُضاة والغُزاة.
وروى ابن المنذر عن الشافعي: أنَّه من خمُس الخمُس سهم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(5)
.
وظاهره: أنَّه إذا وُجد متطوِّعٌ به؛ لم يُعطَ غيره منه؛ لعدم الحاجة إليه.
(وَيَنْبَغِي)؛ أي
(6)
: ويستحب (أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا)؛ أي: رفيع الصوت؛ لقوله عليه السلام لعبد الله بن زيد: «قُمْ مع بلال فألقِهِ عليه؛ فإنَّه أندى صوتًا منك»
(7)
، واختار أبا مَحذورة للأذان لكونه صيِّتًا، ولأنَّه أبلغ في الإعلام.
(1)
زاد في (و): (بهما).
(2)
قوله: (رَزَقَ) هو في (أ): بِطرق.
(3)
في (و): وهو.
(4)
في (و): رزقه.
(5)
ينظر: الأوسط 3/ 63.
(6)
في (أ): أن.
(7)
هو جزء من حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه في صفة بدء الأذان، وسبق تخريجه 1/ 462 حاشية (3).
زاد في «المغني» وغيره: وأن يكون حسن الصَّوت؛ لأنَّه أرقُّ لسامعه.
(أَمِينًا)؛ أي: عدلًا؛ لما روى أبو محذورة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمناءُ النَّاسِ على صلاتِهم وسُحورهم المؤذِّنون» رواه البيهقي
(1)
، وفيه يحيى بن عبد الحميد
(2)
، وفيه كلام
(3)
، ولأنَّه مؤتمن يُرجع إليه في الصَّلاة وغيرها، ولا يؤمن
(4)
أن يغرَّهم بأذانه إذا لم يكن كذلك، ولأنِّه يؤذِّن على موضع عال، ولا يؤمن منه النَّظر إلى العورات.
(عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ)؛ ليتحرَّاها فيؤذِّنَ في أوَّلها، وإذا لم يكن عالِمًا بها؛ لا يؤمن منه الخطأ.
واشترطه أبو المعالي؛ كالذُّكورية والعقل والإسلام.
ويستحب أن يكون بصيرًا، قاله في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّ الأعمى لا يعرف الوقت، فربَّما غلِط.
(1)
كتب في هامش (و): (قلت: وله شاهد عند ابن ماجه من حديث ابن عمر: «خصلتان متعلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين، صلواتهم وصيامهم» وفي إسناده مروان بن سالم وهو ضعيف).
(2)
كتب في هامش (و): (قال ابن عدي في يحيى: لم أر في مسنده حديثًا منكرًا).
(3)
أخرجه البيهقي في الكبرى (1999)، والطبراني في المعجم الكبير (6743)، وفي سنده يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال ابن حجر:(حافظ إلا أنه اتهموه بسرقة الحديث)، والجمهور على تضعيف حديثه، وأخرجه ابن ماجه (712)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين، صلاتهم وصيامهم» ، وفيه مروان بن سالم الشامي الجزري، قال في التقريب:(متروك، ورماه الساجي وغيره بالوضع)، وأخرجه الشافعي كما في المسند (ص 33)، وابن خزيمة (1531)، من حديث الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه وله علة، وحسَّن الحديث الألباني. ينظر: علل الدارقطني 8/ 251، التلخيص الحبير 1/ 467، تهذيب التهذيب 12/ 243، الإرواء 1/ 239. أخرجه البيهقي في الكبرى (1999)، والطبراني في المعجم الكبير (6743)، وفي سنده يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال ابن حجر: (حافظ إلا أنه اتهموه بسرقة الحديث)، والجمهور على تضعيف حديثه، وأخرجه ابن ماجه (712)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين، صلاتهم وصيامهم»، وفيه مروان بن سالم الشامي الجزري، قال في التقريب: (متروك، ورماه الساجي وغيره بالوضع)، وأخرجه الشافعي كما في المسند (ص 33)، وابن خزيمة (1531)، من حديث الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه وله علة، وحسَّن الحديث الألباني. ينظر: علل الدارقطني 8/ 251، التلخيص الحبير 1/ 467، تهذيب التهذيب 12/ 243، الإرواء 1/ 239.
(4)
قوله: (ولا يؤمن) سقط من (أ).
وكره ابن مسعود وابن الزُّبير أذانه
(1)
، وكره ابن عباس إقامته
(2)
.
قال ابن تميم: (فإن كان له من يعرِّفه الوقت لم يُكره، نَصَّ عليه
(3)
؛ لفعل ابن أم مكتوم
(4)
.
وتستحَبُّ حرِّيَّته، حكاه ابن هُبَيرة اتِّفاقًا، وظاهر كلام جماعة: لا فرق، قال أبو المعالي: ويستأذن سيِّده.
(فَإِنْ تَشَاحَّ) - تفاعُلٌ من الشُّح، وهو البخل مع حِرص- (فِيهِ اثْنَانِ) لا يريدان أن يفوتهما؛ (قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا فِي ذَلِكَ)؛ أي: في الخصال المذكورة؛ لأنَّه عليه السلام قدَّم بِلالًا على عبد الله لكونه أندى صوتًا منه
(5)
، وقِسْنا بقيةَ الخِصال عليه
(6)
.
(1)
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (818)، وابن أبي شيبة (2252)، والطبراني في الكبير (9269)، وابن المنذر في الأوسط (1202)، عن ابن مسعود أنه قال:«ما أحب أن يكون مؤذنوكم عميانكم، - حسبته قال: ولا قراءكم -» ، وإسناده صحيح، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 2:(رجاله ثقات).
وأثر ابن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (2254)، والدولابي في الكنى (1274)، وابن المنذر في الأوسط (1203)، والبيهقي في الكبرى (2005)، من طريق أبي عروبة:«أن ابن الزبير، كان يكره أن يؤذن المؤذن وهو أعمى» .
وأبو عروبة، هو والد سعيد بن أبي عروبة، واسمه مهران، ولم نقف على من وثقه غير ابن حبان في الثقات 5/ 442، ولم يرو عنه فيما نعلم إلا مالك بن دينار، فهو مجهول، ثم إن في سماعه من ابن الزبير شكًّا، قال عباس الدوري كما في الكنى للدولابي:(قلت ليحيى: سمع أبو عروبة من ابن الزبير؟ قال: لا أدري).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (2253)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (1201)، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أنه كره إقامة الأعمى» ، ورواه ابن معين في تاريخه برواية ابن محرز (2/ 57)، بلفظ:«أن ابن عباس كره أن يكون المؤذن أعمى» ، وإسناده صحيح.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 28.
(4)
أخرجه البخاري (617)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه:«وكان رجلاً أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت» .
(5)
سبق تخريجه 1/ 462 حاشية (3).
(6)
قوله: (عليه) سقط من (أ).
فإن استَوَوْا فيها فقال: (ثُمَّ أَفْضَلُهُمَا فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ)؛ لما روى ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليؤذِّنْ لكم خيارُكم، وليؤمَّكم قرَّاؤُكم» رواه أبو داود وغيره
(1)
، ولأنَّه إذا قُدِّم بالأفضلية في الصَّوت؛ ففي الأفضلية في
(2)
ذلك بطريق الأَوْلى، ولأنَّ مراعاتهما أولى من مراعاة الصَّوت؛ لأنَّ الضَّرر بفَقدهما أشدُّ.
(ثُمَّ مَنْ يَخْتَارُهُ الْجِيرَانُ)، كذا في «الفروع» و «الشَّرح» ؛ لأنَّ الأذان لإعلامهم، فكان لرضاهم أثر في التقديم، ولأنَّهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن هو أعفُّ عن النَّظر، وحكم أكثرهم كالكلِّ، وذكر في «الكافي» هذا روايةً.
(فَإِنِ اسْتَوَيَا
(3)
أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا)؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلمُ النَّاسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأوَّل، ثمَّ لم يجدوا إلَّا أن يستهموا عليه؛ لاستهموا» متفق عليه
(4)
، وتَشاحَّ الناسُ في الأذان يوم القادسية، فأقرع بينهم سعد
(5)
؛ لأنَّها
(1)
أخرجه أبو داود (590)، وابن ماجه (726)، وفي سنده الحسين بن عيسى الحنفي، وهو ضعيف وحديثه منكر، قاله البخاري. ينظر: تهذيب الكمال 6/ 463.
(2)
في (أ): من.
(3)
في (أ): استووا.
(4)
أخرجه البخاري (615)، ومسلم (437) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
أخرجه عبد الله بن أحمد وإسماعيل بن سعيد عن أحمد، كما في فتح الباري لابن رجب (5/ 276 - 277)، وسعيد بن منصور كما في الفتح لابن حجر (2/ 96)، والبيهقي في الكبرى (2013)، من طرق عن هشيم، ثنا ابن شبرمة. وعلقه البخاري بصيغة التمريض (1/ 126)، قال الحافظ في تغليق التعليق 2/ 266:(وهذا منقطع، ولذلك مرَّضه)، وبنحوه قال ابن رجب، وذلك أن ابن شبرمة لم يدرك القادسية.
قال الحافظ في الفتح: (وقد وصله سيف بن عمر في الفتوح، والطبري من طريقه)، ذكره الطبري في تاريخه (3/ 566)، عن سيف، عن شبرمة، عن شقيق. قال الذهبي في المغني 1/ 292، عن سيف:(متروك باتفاق).
وقد احتج به الإمام أحمد في رواية أبي داود وعبد الله وإسماعيل بن سعيد وأبي طالب، وعمل بمقتضاه. ينظر: مسائل أبي داود ص 43، الطرق الحكمية ص 271، فتح الباري لابن رجب 5/ 276.
تزيل الإبهام، وتجعل
(1)
من خرجت له كالمستحِقِّ المتعيِّنِ.
وعنه: تُقدَّم القرعة على من يختاره الجيران، نقله الجماعة
(2)
، وقدَّمها في «الكافي» و «التَّلخيص» و «البلغة» .
وقيل: يُقدَّم الأَدْيَن
(3)
الأفضل فيه، ثمَّ القرعة، جزم به في «الوجيز» .
وذكر القاضي والسَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص» : أنَّهما مع الاستواء يُقدَّم من له مزيَّة في عمارة المسجد، أو التقدُّم بالأذان فيه.
وفي «الرِّعاية» : يُقدَّم من له التَّقديم، ثمَّ الأعقل، ثمَّ الأدين، ثمَّ الأفضل فيه، ثمَّ الأخبر بالوقت، ثمَّ الأعمر للمسجد المراعِي له، ثمَّ الأقدم تأذينًا فيه، وقيل: أو أبوه، ثمَّ من قرع مع التَّساوي، وعنه: بل من رضيه الجيران.
(وَالْأَذَانُ) المختارُ: (خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، لَا تَرْجِيعَ فِيهِ
(4)
، وَالْإِقَامَةُ: إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً)، هذا هو المشهور؛ لحديث عبد الله بن زيد، وكان بلال يؤذِّن كذلك، ويقيم حضرًا وسفرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات
(5)
، وعليه عمل أهل المدينة، قال أحمد: (هو آخر
(6)
الأمرين وكان بالمدينة، قيل له: إنَّ أبا محذورة بعد حديث عبد الله؛ لأنَّ حديث أبي محذورة بعد فتح مكة، فقال: أليس قد رجع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأقرَّ بِلالًا على أذان عبد الله؟!)
(7)
.
(1)
في (أ): ويجعل.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 114.
(3)
في (و): الأدفن.
(4)
في (و): فيها.
(5)
سبق تخريجه 1/ 462 حاشية (3).
(6)
في (أ): أخير.
(7)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 40، زاد المسافر 2/ 97.
ويعضُده: حديث أنس قال: «أُمر بلالٌ أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة» متفق عليه، زاد البخاري:«إلَّا الإقامة»
(1)
، وحديث ابن عمر قال: «إنَّما كان الأذانُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّتين مرَّتين
(2)
، والإقامة مرَّةً مرَّةً، غير أنَّه يقول: قد قامت الصَّلاة، قد قامت الصَّلاة» رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة، وصححه
(3)
.
فائدة: قوله: (الله أكبر)؛ أي: من كل شيء، أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله، أو هو بمعنى كبير.
وقوله: (أشهد)؛ أي: أعلم.
وقوله: (حيَّ على الصَّلاة)؛ أي: أقبلوا إليها، وقيل: أسرعوا.
و (الفلاح): الفوز والبقاء؛ لأنَّ المصلِّي يدخل الجنَّة إن شاء الله فيبقى فيها ويخلد، وقيل: هو الرُّشْد والخير، وطالبهما مُفلِحٌ؛ لأنَّه يصير إلى الفلاح، ومعناه: هلمُّوا إلى سبب ذلك.
وختم ب (لا إله إلا الله) ليختِم بالتوحيد وباسم الله تعالى كما بدأ به، وشُرعت المرَّة؛ إشارة إلى وحدانية المعبود سبحانه.
(فَإِنْ رَجَّعَ فِي الْأَذَانِ، أَوْ ثَنَّى الْإِقَامَةَ؛ فَلَا بَأْسَ)؛ أي: هو جائزٌ، نَصَّ عليه في رواية حنبل، فقال: (أذان أبي محذورة أعجب إليَّ، وعليه عمل أهل
(1)
أخرجه البخاري (605)، ومسلم (378).
(2)
قوله: (مرتين) سقطت من (أ) و (ب).
(3)
أخرجه أحمد (5569)، وأبو داود (510)، والنسائي (628)، وابن خزيمة (374)، والحاكم (709)، وصححه، وقال النووي:(إسناده صحيح أو حسن)، وصححه ابن الملقن، وحسنه الألباني، وإنما نزل الحديث عن رتبة الصحيح؛ لأن في سنده محمد بن إبراهيم بن مسلم بن المثنى وقد تُكُلِّم فيه، وقال الذهبي:(صدوق لينه ابن مهدي)، وقال ابن حجر في التقريب:(صدوق يخطئ). ينظر: الخلاصة 1/ 282، المغني في الضعفاء 2/ 633، البدر المنير 3/ 328، صحيح أبي داود 2/ 437.
مكة إلى اليوم)
(1)
، وهو مُرَجَّع
(2)
، فيعيد الشَّهادتين - بعد ذكرهما خفضًا - بصوت أرفع من الصوت الأول، وعن أبي محذورة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّمه الأذان تِسعَ عشرةَ كلمةً، والإقامةَ سبعَ عشرةَ كلمةً» رواه أحمد وأبو داود، وصحَّحه التِّرمذي وابن خزيمة وابن حبان
(3)
.
والحكمة: أن يأتي بهما بتدبُّرٍ وإخلاص؛ لكونهما المنجيتَين من الكفر المدخلتَين في الإسلام، وسمِّي بذلك؛ لأنَّه رجع إلى الرَّفع بعد أن
(4)
تركه، أو إلى
(5)
الشَّهادتين بعد ذكرهما.
والمراد بالخفض: أن يُسمِع
(6)
من بقربه، أو أهل المسجد إن كان واقفًا والمسجد متوسِّط الخِطِّ
(7)
.
والتَّرجيع: اسم للمجموع من السِّرِّ والعلانية.
وعنه: لا يعتبر التَّرجيع فيه، وأجاب في «الشَّرح»: (أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما أمر
(1)
ينظر: الفروع 2/ 9.
(2)
في (أ): يرجع.
(3)
أخرجه أحمد (15381)، وأبو داود (502)، والترمذي (192)، وابن خزيمة (377)، وابن حبان (1681)، وصححه النووي، وابن الملقن، وأصله في مسلم (379) من غير ذكر التكبير في أوله أربعًا، وإنما يكون الأذان تسع عشرة كلمة إذا كان التكبير في أوله أربعًا، وحقَّق ابن القطان أنه في بعض روايات مسلم بذكر تربيع التكبير في أوله. ينظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 602، الخلاصة 1/ 283، البدر المنير 3/ 348، صحيح أبي داود 2/ 415.
(4)
قوله: (الرفع بعد أن) هو في (و): الرفع بعد أمن.
(5)
في (و): وإلى.
(6)
في (و): أسمع.
(7)
قال في المصباح المنير 1/ 173: (الخطة: بالكسر أرض يختطها الرجل لم تكن لأحد قبله، وحذف الهاء لغة فيها).
وقال الرملي في نهاية المحتاج 1/ 409: (والمراد بالإسرار بهما: أن يُسمِع من بقربه، أو أهل المسجد إن كان واقفًا عليهم والمسجد متوسط الخطة).
أبا محذورة بذكر الشَّهادتين سرًّا؛ ليحصل له
(1)
الإخلاص بهما؛ فإنَّه
(2)
في الإسرار أبلغ، وخصَّ أبا محذورة بذلك؛ لأنَّه لم يكن مُقِرًّا بهما حينئذٍ؛ فإنَّ
(3)
في الخبر: أنَّه كان مستهزئًا يحكي أذان مؤذِّن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فسمعه، فدعاه فأمره بالأذان
(4)
، وقصد نطقه بهما ليُسلم بذلك، وهذا لا يوجد في غيره، بدليل أنَّه لم يأمر به بلالاً ولا غيره ممَّن هو ثابتُ الإسلام).
ويعضُده: أنَّ خبر أبي محذورة متروكٌ بالإجماع؛ لعدم عمل ش
(5)
به في الإقامة، هـ
(6)
في الأذان.
وعنه: هما سواءٌ، وقاله إسحاق؛ لصحَّة الرِّواية بهما.
وأمَّا تثنية
(7)
الإقامة فهي كالأذان؛ لأنَّ في حديث عبد الله بن زيد: «أنَّه أقام مثل أذانه» رواه أبو داود
(8)
،
(1)
قوله: (له) سقط من (و).
(2)
في (أ): لأنه.
(3)
زيد في (و): له.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (1779)، ومن طريقه أحمد (15376)، وأبو داود (501)، والطبراني (6734)، والدارقطني (904)، ولفظه عندهم عدا أبا داود:«خرجت في عشرة فتيان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حُنين وهو أبغض الناس إلينا، فأذنوا وقمنا نؤذن نستهزئ بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ائتوني بهؤلاء الفتيان؟» فقال: «أَذِّنوا» ، فأذنوا وكنت آخرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«نعم، هذا الذي سمعت صوته، اذهب فأذِّن لأهل مكة» الحديث، وفي سنده: عثمان بن السائب، ذكره ابن حبان في ثقاته، وقال ابن القطان:(لا يعرف)، وقال ابن حجر:(مقبول)، وهو يروي عن أبيه السائب مولى أبي محذورة، قال ابن حجر عنه في التقريب:(مقبول)، ويرويه أيضًا عن أم عبد الملك بن أبي محذورة، وهي كذلك غير معلومة الحال، ولكن أصل الحديث ثابت من وجوهٍ أخرى. ينظر: تهذيب التهذيب 7/ 117، صحيح أبي داود 2/ 413.
(5)
ينظر: الحاوي 2/ 40، المهذب 1/ 11.
(6)
ينظر: المبسوط 1/ 128، بدائع الصنائع 1/ 147.
(7)
في (و): بقية.
(8)
أخرجه أحمد (22027)، وأبو داود (506، 507)، والدارقطني (936)، من طرق عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفيه:«فقام على المسجد فأذن، ثم قعد قعدة، ثم قام فقال مثلها، إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة» ، ولفظ أحمد:«فأذن مثنى مثنى، ثم جلس، ثم أقام، فقال: مثنى مثنى» ، ووقع اختلاف في طرق هذا الحديث، فرُوي بهذا الوجه، وروي من طريق ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد، كما عند الترمذي (194)، ومن أوجهٍ أخرى ساقها ابن خزيمة وحكم عليها بالاضطراب (380، 381، 382)، وأعله الترمذي وابن خزيمة والبيهقي بالانقطاع؛ لأن ابن أبي ليلى لم يدرك عبد الله بن زيد، ولا معاذًا، وكذا قال الدارقطني، ورجح إرساله. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 1/ 618، التلخيص الحبير 2/ 41.
ولا تكره
(1)
تثنيتها.
(وَيَقُولُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ) بعد الحَيعلتَين: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ
(2)
؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة: «فإذا كان أذانُ الفجر فقل: الصَّلاةُ خيرٌ من النَّوم مرَّتينِ» رواه أحمد وأبو داود
(3)
، وفي
(4)
(5)
، قال ابن المسيَّب: فأُدخلت هذه الكلمة في التَّأذين إلى صلاة الفجر.
وقيل: يجب، وجزم به
(6)
في «الرَّوضة» .
ويسمَّى هذا التَّثويب؛ لأنَّه مِنْ ثاب - بالمثلَّثة - إذا رجَع؛ لأنَّ المؤذِّن دعا إلى الصَّلاة بالحيعلتين، ثمَّ عاد إليها، وقيل: سمِّي به لما فيه من الدعاء.
وظاهره: أنَّه يقوله ولو أذَّن قبل الفجر، وأنَّه يكره في غير أذان الفجر، وبين الأذان والإقامة؛ لقول بلالٍ: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوِّبَ في الفجر،
(1)
في (و): يكره.
(2)
قوله: (مرتين) سقط من (و).
(3)
أخرجه أحمد (15376)، وأبو داود (500)، وانظر ما سبق في تخريجه 1/ 474 حاشية (4).
(4)
في (ب) و (و): في.
(5)
سبق تخريجه 1/ 462 حاشية (3)، وهو جزء من حديث عبد الله بن زيد في صفة بدء الأذان.
(6)
قوله: (به) سقط من (و).
ونهاني أن أثوِّبَ في العشاء» رواه أحمد وغيره
(1)
، واختصَّت بذلك لأنَّه وقتٌ ينام النَّاس فيه غالبًا، فشُرع ذلك للحاجة.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَرَسَّلَ)؛ أي: يتمهَّل ويتأنَّى، من قولهم: جاء فلان على رِسْله، (فِي الْأَذَانِ، وَيَحْدُرَ)؛ أي: يُسْرِع (الْإِقَامَةَ)؛ لما روى جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «يا بلال! إذا أذَّنتَ فترسَّلْ، وإذا أقمتَ فاحدُر» رواه التِّرمذي، وقال:(لا نعرفه إلَّا من حديث عبد المنعم صاحب السِّقاء، وهو إسناد مجهول)، ورواه الحاكم في «مستدركه»
(2)
، وعن عمرَ معناه، رواه أبو عبيد
(3)
، ولأنَّه إعلام الغائبين، فالتَّثبُّت فيه أبلغ، والإقامة إعلام الحاضرين، فلا حاجة إليه فيها.
ويسنُّ أذانُه أوَّل الوقت، وأن يقف على كلِّ جملة، قال جماعة: هما مجزومان، وحكي عن أهل اللغة، قال إبراهيم النَّخَعي:(شيْئان مجزومان كانوا لا يُعربونهما: الأذانُ والإقامةُ)
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (23914)، والترمذي (198)، وابن ماجه (715)، من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال رضي الله عنه، وفي سنده أبو إسماعيل الملائي، قال ابن حجر:(هو ضعيف)، وهو أيضًا منقطع بين ابن أبي ليلى وبلال، وقال ابن السكن:(لا يصح إسناده)، وقد ثبت التثويب في أذان الفجر من طرق أخرى. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 502.
(2)
أخرجه الترمذي (195)، والحاكم (732)، وفي سنده عبد المنعم بن نعيم الأسواري وهو متروك، وضعَّف الحديث الترمذي والحاكم والبيهقي. ينظر: السنن الكبرى (2008)، الإرواء 1/ 246.
(3)
أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (4/ 145)، وأخرجه أبو نعيم في الصلاة (228)، وابن أبي شيبة (2234)، وابن المنذر في الأوسط (1214)، والدارقطني (916)، والبيهقي في الكبرى (2010)، عن أبي الزبير مؤذن بيت المقدس: جاءنا عمر بن الخطاب، فقال:«إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحذم» ، وفي لفظ:«فاحدر» ، وفيه عبد العزيز العطار وهو مجهول الحال، وقد حسن إسناده الحافظ في نتائج الأفكار 1/ 333، وأشار الألباني إلى تضعيفه في الإرواء 1/ 246.
(4)
ينظر: المغني 1/ 296.
(وَأَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا)؛ لما روى أبو قتادة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبلالٍ: «قم فأذِّن»
(1)
، وكان مؤذِّنوه عليه السلام يؤذِّنون قيامًا، قال ابن المنذر:(أجمع كلُّ من نحفظ عنه أنَّه من السُّنَّة)
(2)
؛ لأنَّه أبلغ في الاستماع.
وظاهره: أنَّه إذا أذَّن قاعدًا أنَّه يصحُّ لكن مع الكراهة، صرَّح به في «الشَّرح» وغيره؛ كالخُطبة قاعدًا.
وعنه: لا يعجبني، وبعَّده ابن حامد.
فإن كان لعذر؛ جاز.
ولم يذكروا الاضطجاع، ويتوجَّه
(3)
الجوازُ، لكن يكره لمخالفة السُّنَّة.
والماشي كالراكب، وظاهره: الكراهة، وهو رواية. وعنه: لا
(4)
. وعنه: يكره حضَرًا.
وقال ابن حامد: إن أذَّن قاعدًا أو مشى فيه كثيرًا بطل، وهو رواية
(5)
في الثانية.
وأمَّا الإقامة؛ فتكره ماشيًا أو راكبًا، نَصَّ عليه
(6)
. وعنه: لا. وقال في «الرِّعاية» : يباحان للمسافر حال مشيه وركوبه في رواية.
(مُتَطَهِّرًا) من الحدَثين الأصغرِ والأكبرِ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤذِّن إلَّا متوضِّئٌ» رواه التِّرمذي والبيهقي مرفوعًا من حديث أبي هريرة، وموقوفًا عليه، وقالا: هو أصحُّ
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري (595) بهذا اللفظ: «قُمْ فَأَذِّنْ» ، ومسلم (681) بمعناه.
(2)
ينظر: الأوسط 3/ 46.
(3)
زيد في (و): له.
(4)
قوله: (وعنه: لا) سقط من (أ). والمثبت موافق لما في الفروع.
(5)
قوله: (وعنه: لا. وعنه: يكره حضرًا) إلى هنا سقط من (و).
(6)
ينظر: مسائل صالح 1/ 185، مسائل أبي داود ص 44.
(7)
أخرجه الترمذي (200)، والبيهقي في الكبرى (1858)، من طريق معاوية بن يحيى، عن الزهري، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، ومعاوية بن يحيى هو الصدفي، ضعيف.
وأخرجه ابن أبي شيبة (2195)، من طريق الأوزاعي، والترمذي (201)، من طريق يونس بن يزيد، كلاهما عن الزهري، موقوفًا على أبي هريرة رضي الله عنه، ورجح الترمذي والبيهقي الموقوف، وقال الترمذي:(والزهري لم يسمع من أبي هريرة)، وضعف النووي والألباني الموقوف أيضًا. ينظر: الخلاصة 1/ 280، الإرواء 1/ 240.
وحكم الإقامة كذلك.
فإن أذَّن أو أقام محدثًا؛ فظاهر كلام جماعة، وصرَّح به في «الشَّرح»: أنَّه يصحُّ مع الكراهة.
وقدَّم ابن تميم والجَدُّ: عدمها، نَصَّ عليه
(1)
، وهو المذهب؛ كقراءة القرآن.
وفي «الرِّعاية» ، وهو ظاهر ابن تميم: أنَّها تكره الإقامة قولًا واحدًا؛ للفصل بينها وبين الصَّلاة.
فإن كان جُنبًا؛ فإنَّه يصحُّ على الأصحِّ مع الكراهة؛ لأنَّه أحد الحدَثين، فلم يمنع صحَّته كالآخر.
والثاني
(2)
: لا، اختاره الخِرَقِيُّ، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ؛ لأنَّه ذكرٌ مشروعٌ للصلاة أشبه القراءة.
وعلى الصِّحَّة: إن أذَّن في مسجد مع جواز لُبثه فيه؛ صحَّ، ومع تحريمه فهو كالأذان في مكان غصب، وفيه روايتان:
أصحُّهما: الصِّحَّة؛ لعدم اشتراط البقعة له، لكن مع الإثم، قاله ابن تميم.
وعدمها، وهو اختيار ابن عقيل، ومقتضى قول ابن عبدوس؛ فإنَّه قطع باشتراط الطَّهارة له.
وفي «الرِّعاية» : يسنُّ أن يؤذِّن متطهِّرًا من نجاسة بدنه وثوبه، وربَّما
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 58.
(2)
في (أ) و (و): والثانية.
يحتمله
(1)
كلام المؤلِّف.
(عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ)؛ أي: مرتفِع؛ كالمنارة ونحوها؛ لحديثٍ رواه أبو داود
(2)
، ولأنَّه أبلغ في الإعلام، فلو خالف؛ صحَّ وكُره؛ كالخُطبة.
(مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ)؛ لما روى أبو داود مرسلًا: «أنَّ الذي رآه عبد الله بن زيد استقبل وأذَّن»
(3)
، وحكى ابن المنذر الإجماع على أنَّه من السُّنَّة
(4)
، ولأنها أشرف الجهات، فلو خالف فكالذي قبله.
(فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ) وهي كلمة مولَّدة ليست من كلام العرب، كما يقال: بَسْمل، وسَبْحل، وهَيْلل ونحوها
(5)
؛ (الْتَفَتَ) برأسه وعنقه وصدره، وظاهر «المحرَّر»: أنَّه لا يلتفت بصدره، (يَمِينًا وَشِمَالًا)؛ فيقول يمينًا: حيَّ على
(1)
في (أ): يحمله.
(2)
أخرجه أبو داود (519)، عن عروة بن الزبير، عن امرأة من بني النجار قالت: «كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى
…
» الحديث، وبوَّب عليه أبو داود بقوله:(باب الأذان فوق المنارة)، وفي سنده ابن إسحاق وهو مدلس، وقد عنعنه.
وورد من طريق أخرى عند ابن سعد في الطبقات (8/ 420)، وفيه بيان اسم المرأة وهي: النوار أم زيد بن ثابت بنحوه، وحسنه ابن دقيق العيد والألباني. ينظر: نصب الراية 1/ 287، الإرواء 1/ 246.
(3)
أخرجه أحمد (22124)، وأبو داود (507)، من طريق المسعودي، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، ولفظه عند أبي داود: «قال: فجاء عبد الله بن زيد، رجل من الأنصار، وقال فيه: فاستقبل القبلة، قال: الله أكبر الله أكبر
…
» الحديث، وفي سنده عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي، وهو صدوق اختلط قبل موته، وروى عنه يزيد بن هارون وروايته بعد الاختلاط، وهو أيضًا منقطع؛ لأن ابن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل رضي الله عنه، وله طرق أخرى، وصححه ابن دقيق العيد والألباني. ينظر: صحيح ابن خزيمة (384)، التلخيص الحبير 2/ 109، صحيح أبي داود 2/ 425.
(4)
ينظر: الإجماع ص 38.
(5)
قوله: (ونحوها) سقط من (أ).
الصَّلاة، ثمَّ يعيده يسارًا، ثمَّ كذلك حيَّ على الفلاح.
وقيل: يقول يمينًا: حيَّ على الصَّلاة، ثمَّ يسارًا: حيَّ على الفلاح، ثمَّ كذلك ثانيةً، وهو سهو.
والأَوْلى أن يقول يمينًا: حيَّ على الصَّلاة مرَّتَين، ويسارًا: حيَّ على الفلاح مرَّتينِ.
(وَلَمْ يَسْتَدِرْ)؛ أي: لا يزيل قدميه، قدَّمه جماعة، وهو ظاهر الخِرَقي، وجزم به في «الوجيز»؛ لما روى أبو جُحَيفةَ قال:«أتيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في قبَّة حمراء من أَدَمٍ، فخرج وتوضَّأ، فأذَّن بلالٌ، فجعلتُ أتَتَبَّع فاهُ ههنا وههنا، يقول يمينًا وشمالًا: حيَّ على الصَّلاةِ، حيَّ على الفلاحِ» متَّفقٌ عليه
(1)
، ورواه أبو داود، وفيه:«فلمَّا بلغ حيَّ على الصَّلاةِ حيَّ على الفلاحِ؛ لَوَى عنقَه يمينًا وشمالًا، ولم يَستَدِرْ»
(2)
.
وظاهره: لا فرق فيه
(3)
بين المنارة وغيرها، وهو المشهور، وكأنَّه لم يعجبه الدَّوَران في المنارة، وكما لو كان على وجه الأرض.
وعنه: يُزيل قدمَيه في المنارة ونحوها، نصره في «الخلاف» ، واختاره المجْد، وجزم به في «الرَّوضة» ؛ لأنَّه لا يحصل المقصود بدون ذلك، زاد أبو المعالي: مع كِبَر البلد؛ للحاجة.
وظاهره: أنَّه لا يلتفت في الإقامة، وهو وجه، قاله أبو المعالي
(4)
، وجزم به الآجُرِّي وغيره.
والثَّاني: يلتفت فيها في الحَيعلة.
(1)
أخرجه البخاري (634)، ومسلم (503)، ولفظه لمسلم.
(2)
أخرجه أبو داود (520). أخرجه أبو داود (520).
(3)
قوله: (فيه) سقط من (أ).
(4)
قوله: (مع كبر البلد للحاجة) إلى هنا سقط من (و).
ويرفع صوتَه مقدار طاقته، ولا يُجهِد نفسَه؛ لئلَّا ينضرَّ
(1)
، ما لم يؤذِّن لنفسه أو لجماعة حاضرين، وتُكرَه الزِّيادة، وعنه: التَّوسُّط أفضل.
(وَيَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ)؛ أي: سبَّابتَيه (فِي أُذُنَيْهِ)، هذا هو المذهب، قال التِّرمذي:(والعمل عليه عند أكثر أهل العلم)؛ لما روى أبو جُحَيفةَ: «أنَّ بلالًا وضع أصبعَيه في أذنَيه» رواه أحمد والتِّرمذي وصحَّحه، وأمر عليه السلام بلالًا بذلك، وقال:«إنَّه أرفَعُ لصوتِك» رواه ابن ماجه
(2)
.
وعنه: يَضُمُّ أصابعَه إلى راحتَيه، ويجعلهما على أذنيه، وهو اختيارُ ابن عبدوس وابن البنَّاء وصاحب «البُلغة» فيها، رواه أحمد عن أبي محذورة
(3)
، وعن ابن عمر:«أنَّه أمر مؤذِّنًا بذلك» رواه أبو حفص
(4)
.
وعنه: يبسُط أصابعَه مضمومةً على أذنيه، جزم به في «التَّلخيص» ، زاد السَّامَرِّيُّ عليها: دون الإبهام والرَّاحة، وقدَّمه في «الرِّعاية» .
(1)
في (و): يتضرر.
(2)
أخرجه أحمد (18759)، والترمذي (197)، وابن ماجه (710)، وهو حديث صحيح، وزيادة ابن ماجه ضعيفة، فيها عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ، وهو ضعيف كما في التقريب. ينظر: الإرواء 1/ 248 - 249.
(3)
لم نقف عليه، وقال في المغني 1/ 307:(روى أبو طالب عن أحمد أنه قال: أحب إليَّ أن يجعل يديه على أذنيه، على حديث أبي محذورة. وضمَّ أصابعه الأربع ووضعها على أذنيه، وحكى أبو حفص عن ابن بطة، قال: سألت أبا القاسم الخرقي عن صفة ذلك؟ فأرانيه بيديه جميعًا، فضم أصابعه على راحتيه، ووضعهما على أذنيه)، وقال الزركشي في شرح الخرقي 1/ 512:(يروى عن أبي محذورة، حكاه عنه أحمد)، مما يشعر بعدم وقوفه عليه.
(4)
لم نقف عليه مسندًا، وقد ذكره في المغني 1/ 307، قال:(روى أبو حفص بإسناده عن ابن عمر، أنه كان إذا بعث مؤذنًا يقول له: «اضمم أصابعك مع كفيك، واجعلها مضمومة على أذنيك»).
وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما خلاف ذلك: أخرج عبد الرزاق (1816)، وابن أبي شيبة (2185)، عن الثوري عن نسير بن ذعلوق قال:«رأيت ابن عمر يؤذن وهو راكب. قال: قلت له: أواضع إصبعيه في أذنيه؟ قال: لا» ، ولا بأس بإسناده.
قال في «الشَّرح» : (والأوَّل أصحُّ؛ لصحَّة الخبر وشهرته وعمل أهل العلم به)؛ ليجتمع الصَّوْتُ، ويَستدِلَّ الأصمُّ على كونه أذانًا، وأيَّهما فَعَل فحسنٌ.
ويرفع وجهَه
(1)
إلى السَّماء فيه كلِّه، نَصَّ عليه في رواية حنبلٍ
(2)
؛ لأنَّه حقيقة التَّوحيد، وفي «المستوعب»: عند
(3)
كلمة الإخلاص، وقيل: والشَّهادتين، قاله في «الرَّعاية» .
(وَيَتَوَلَّاهُمَا مَعًا)؛ لما في حديث [زياد]
(4)
بن الحارث الصُّدائي حين أذَّن قال: فأراد بلالٌ أن يقيمَ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«يُقِيم أخو صُداء، فإنَّ من أذَّن فهو يُقِيم» رواه أحمد وأبو داود، وقال التِّرمذي: (إنَّما نعرفه من حديث
(5)
الإفريقيِّ، وهو ضعيف عند أهل الحديث)
(6)
؛ ولأنَّهما ذِكرانِ يتقدَّمانِ الصَّلاة، فسُنَّ أن
(7)
يتولَّاهما واحد؛ كالخُطبتين.
وعنه: لا فرق بينه وبين غيره، ذكره أبو الحسين؛ لقوله عليه السلام لعبد الله بن زيد:«ألقِهِ على بلال» ، فألقاه عليه، فأذَّن، ثمَّ قال له:«أقم أنت» رواه أبو داود
(8)
،
(1)
في (و): صوته.
(2)
ينظر: الاختيارات 58، الفروع 2/ 13.
(3)
في (و): إلى.
(4)
في النسخ الخطية: (يزيد)، والمثبت موافق لاسم الصحابي. وقوله:(حديث) سقط من (أ).
(5)
في (و): طريق.
(6)
أخرجه أحمد (17538)، وأبو داود (514)، والترمذي (199)، وفي سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف.
(7)
قوله: (فسن أن) هو في (أ) و (ب): فحسن أن.
(8)
أخرجه أحمد (16474)، وأبو داود (512)، وفيه محمد بن عمرو أبو سهل الأنصاري الواقفي، ضعيف كما في التقريب، وقد وقع اضطراب في تعيين اسمه، وبين ابن حجر والألباني الصواب في ذلك، وله طرق أخرى لا تخلو من مقال. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 517، ضعيف أبي داود 1/ 177.
ولأنَّه يحصل
(1)
المقصود منه، أشبه ما لو تولَّاهما
(2)
واحد، وهو محمول على الجواز، والأول على الاستحباب.
ولو سُبق المؤذِّنُ بالأذان، فأراد المؤذِّنُ أن يقيم؛ فقال أحمد:(لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة)
(3)
، فإن أقام من
(4)
غير إعادة؛ فلا بأس.
(وَيُقِيمُ فِي مَوْضِعِ أَذَانِهِ)؛ لقول بلال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَسبِقني بآمين»
(5)
؛ لأنَّه لو كان يقيم في المسجد لما خاف أن يسبقه بها، كذا استنبطه الإمام أحمد
(6)
، ولقول ابن عمر:«كنَّا إذا سمعنا الإقامة توضَّأنا ثمَّ خرجنا إلى الصَّلاة»
(7)
، ولأنَّه أبلغ في الإعلام كالخطبة الثَّانية.
(إِلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ)؛ مثل أن يؤذِّن في منارةٍ أو مكانٍ بعيدٍ من المسجد، فإنَّه يقيم في غير موضع أذانه؛ لئلَّا يفوته بعض الصَّلاة؛ لا مكان صلاته،
(1)
هنا ينتهي النقص من النسخة (د).
(2)
في (د): توالاهما.
(3)
ينظر: مسائل حرب ص 492.
(4)
في (و): في.
(5)
أخرجه أحمد (23883)، وأبو داود (937)، من طريق أبي عثمان النهدي عن بلال رضي الله عنه به، ورجح إرساله أبو حاتم والدارقطني، وأن الصواب في لفظه:«أن بلال قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وأشار إلى ذلك ابن خزيمة (573) بقوله:(حدثنا محمد بن حسان الأزرق بخبر غريب إن كان حفظ اتصال الإسناد)، ثم قال:(والرواة إنما يقولون في هذا الإسناد عن أبي عثمان: أن بلالاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: علل ابن أبي حاتم (314)، فتح الباري لابن رجب 7/ 92، ضعيف أبي داود 1/ 356.
(6)
ينظر: مسائل صالح 1/ 185.
(7)
أخرجه أحمد (5569)، وأبو داود (510)، والنسائي (668)، وابن خزيمة (374)، وابن حبان (1674)، والحاكم (709)، وصححه، وصححه النووي، وقال ابن الجوزي:(إسناده صحيح)، وحسنه المنذري والألباني. ينظر: الخلاصة 1/ 282، صحيح أبي داود 2/ 437.
لكن لا يقيم إلا بإذن الإمام؛ لفعل بلال
(1)
.
(وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إِلَّا مُرَتَّبًا)؛ لأنَّه ذكر معتدٌّ به، فلا يجوز الإخلال بنظمه؛ كأركان الصَّلاة.
(مُتَوَالِيًا) عُرْفًا؛ لأنَّه لا يحصل المقصود منه - وهو الإعلام بدخول الوقت - بغير موالاة، وشُرع في الأصل كذلك، بدليل أنَّه عليه السلام عَلَّم أبا محذورة مرتَّبًا متواليًا
(2)
.
(فَإِنْ نَكَّسَهُ) لم يصحَّ؛ لما ذكرنا.
(أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ، أَوْ كَلَامٍ كَثِيرٍ، أَوْ مُحرَّمٍ؛ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ)؛ إذا طال بين جُمَله، إمَّا بالسُّكوت الطَّويل أو الكلام المباح الكثير؛ بطل؛ لإخلاله بالموالاة المشترَطة.
ومثله نومٌ كثيرٌ أو إغماءٌ أو جنونٌ.
وظاهره: أنَّ السُّكوت والكلام المباح اليسير لا يبطلانه، بل هو جائز؛ «لأنَّ سليمان بن صُرَدٍ - وله صحبةٌ - كان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه»
(3)
.
ويردُّ
(4)
السَّلام، لكن يُكره ذلك إذا كان لغير حاجة.
(1)
أخرجه البخاري (626)، من حديث عائشة رضي الله عنها:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر؛ قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر، بعد أن يستبين الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة» ، وفي حديث ابن عباس عند البخاري (726)، في قصة نومه عند خالته ميمونة، وفيه:«فصلى ورقد، فجاءه المؤذن، فقام وصلى ولم يتوضأ» ، وعند مسلم (639)، من حديث ابن عمر:«ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة» .
(2)
سبق تخريجه 1/ 473 حاشية (3).
(3)
أخرجه أبو نعيم في الصلاة (212)، وابن أبي شيبة (2198)، والبخاري في التاريخ الكبير (358)، وابن المنذر في الأوسط (1205)، والبيهقي في الكبرى (1865)، وصحح الحافظ إسناده في الفتح 2/ 98.
(4)
في (ب) و (د) و (و): وكره.
فإن كان التَّفريق بالمحرَّم؛ كالسَّبِّ والقذْف؛ لم يعتدَّ به؛ لأنَّه فعل يخرجه عن أهلية الأذان؛ كالرِّدَّة، وظاهره: وإن كان يسيرًا، وجزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وعلَّله المجْد: بأنَّه قد يظنُّ
(1)
سامعه متلاعبًا، أشبه المستهزئ، وعلَّله المؤلِّف: بأنَّه محرَّم فيه، زاد بعضهم: كالرِّدَّة، فدلَّ أنَّ كلَّ محرَّمٍ سواء.
والثَّاني: يعتدُّ
(2)
به؛ لأنَّه لم يخلَّ بالمقصود، أشبه المباح.
وظاهره: أنَّه إذا ارتدَّ بعد فراغه أنَّه لا يبطل، وهو الصَّحيح، بخلاف الطَّهارة؛ فإنَّ حكمَها باقٍ.
وقال
(3)
القاضي: يبطُل؛ قياسًا عليها.
وحكم الإقامة كذلك، قال أبو داود: (قلت لأحمد: الرَّجل يتكلَّم في أذانه؟ قال: نعم، قلت له
(4)
: يتكلَّم في الإقامة؟ قال: لا)
(5)
، ولأنَّه يستحبُّ حدرُها.
ويعتبر معهما: النِّيَّة، واتِّحاد المؤذِّن، فلو أتى واحدٌ ببعضه وآخر ببقيَّته؛ لم
(6)
يصحَّ؛ كالصَّلاة.
مسألة: لا تُعتَبر موالاةٌ بين الإقامة والصَّلاة إذا أقام عند إرادة الدُّخول في الصَّلاة، ويجوز الكلام بينهما
(7)
، وكذا بعد الإقامة قبل الدُّخول فيها، رُوي
(1)
هكذا كتبت في النسخ الخطية. وفي الفروع والكشاف وغيرهما: (يظنه).
(2)
في (أ): معتد.
(3)
في (د): فقال.
(4)
قوله: (له) سقط من (أ).
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 44.
(6)
في (و): ولم.
(7)
أي: بين الأذان والإقامة. كما في الشرح الكبير 3/ 87.
عن عمر رضي الله عنه
(1)
.
(وَلَا يَجُوزُ)؛ أي: لا يَصحُّ (إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ)؛ لما رَوى مالك بن الحُوَيْرِثِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حضرت الصَّلاة؛ فليؤذِّن لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم» ، متَّفق عليه
(2)
، ولأنَّه شُرِع للإعلام بدخول الوقت، وهو حثٌّ على الصَّلاة، فلم يصحَّ في وقت لا تصحُّ
(3)
فيه؛ كالإقامة.
وفي «الرِّعاية» رواية بالكراهة، وفيه نظرٌ؛ للإجماع على خلافها
(4)
.
والمستحبُّ أن يكون في أوَّل الوقت؛ لفعل بلالٍ، رواه ابن ماجه
(5)
.
وظاهره: أنَّه يجوز مطلقًا ما دام الوقتُ باقيًا، والمنعُ منه فيما بعده.
ويتوجَّه بسقوط مشروعيته بفعل الصَّلاة.
(إِلَّا الْفَجْرَ)؛ فإنَّه يجوز قبل الوقت، نَصَّ عليه
(6)
، وصحَّحه جماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنَّ بلالًا يؤذِّنُ بليلٍ، فكلوا واشربوا حتَّى يؤذِّن ابنُ أمِّ مكتومٍ» متَّفقٌ عليه، زاد البخاريُّ: «وكان رجلًا أعمى لا يُنادِي حتَّى يقال له:
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (4177)، عن أبي مجلز قال:«أقيمت الصلاة، وصفَّت الصفوف، فابتدر - وفي نسخة: فاندرأ - رجل لعمر، فكلمه، فأطالا القيام حتى ألقيا إلى الأرض، والقوم صفوف» ، أبو مجلز هو لاحق بن حميد، قال أبو زرعة:(حديثه عن عمر مرسل). ينظر: جامع التحصيل ص 296.
وأخرج ابن أبي شيبة (4176)، عن أبي عثمان قال:«إن كان عمر ليقاوم الرجل بعدما تقام الصلاة» ، إسناده صحيح.
(2)
أخرجه البخاري (628)، ومسلم (674).
(3)
في (و): يصح.
(4)
في (أ) و (ب): خلافه.
(5)
أخرجه ابن ماجه (713) بلفظ: «كان بلال لا يؤخر الأذان عن الوقت، وربما أخر الإقامة شيئًا» ، وأخرجه مسلم (606)، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه بلفظ:«كان بلال يؤذن إذا دحضت، فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه» .
(6)
ينظر: مسائل عبد الله ص 58، مسائل ابن منصور 2/ 491.
أصبحتَ أصبحتَ»
(1)
، ولأنَّ وقتها يدخل على الناس وفيهم الجُنب والنَّائم، فاستُحبَّ تقديم أذانه حتَّى يتهيَّؤوا لها، فيدركوا فضيلة
(2)
أوَّل الوقت.
وذكر في «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه لا يجوز أن يَتقدَّم على الوقت كثيرًا؛ لما في الصحيح من حديث عائشة، قال القاسم: «ولم يكن بين أذانهما إلَّا أن يَنزِل
(3)
ذا، ويَرقَى ذا»
(4)
.
قال البَيْهَقِي: (مجموع ما رُوي في تقدم
(5)
الأذان قبل الفجر إنَّما هو بزمنٍ يسيرٍ، وأمَّا ما يُفعل في زماننا من الأذان للفجر من الثلث الأخير، فخلاف السُّنَّة إن سُلم جوازه)
(6)
، وفيه نَظَرٌ.
وعنه: لا يصحُّ قبل الوقت لها؛ كغيرها.
ثمَّ نبَّه على وقت الجواز فقال
(7)
: (فَإِنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأنَّ
(8)
مُعظَمَه قد ذهب وقرُب الأذان، وبذلك يخرج وقت العشاء المختار، ويدخل وقت الدَّفْع من مُزدلِفة، ورميِ جمرة العقبة، روى الأثْرَم قال:(كان مؤذِّن دِمشْق يؤذِّن لصلاة الصُّبح في السَّحَر بمقدار ما يسير الرَّاكب ستة أميال، فلا ينكره مكحول).
وقيَّده في «الكافي» و «الشَّرح» : بأن يجعله في وقت واحد في اللَّيالي
(1)
أخرجه البخاري (617)، ومسلم (1092)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
في (د): أفضلية.
(3)
في (و): يترك.
(4)
أخرجه البخاري (1918)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
في (و): تقديم.
(6)
لم نجده في شيء من كتب البيهقي، وهو من كلام الذهبي في المهذب في اختصار السنن الكبير للذهبي 1/ 375، حيث قال: (قلت: مجموع ما ورد في تقديم الأذان
…
) إلى آخر كلامه.
(7)
قوله: (فقال) سقط من (أ). قوله: (فقال) سقط من (أ).
(8)
قوله: (لأن) سقط من (و).
كلِّها، فلا يتقدَّم ولا يتأخَّر؛ لئلَّا يغترَّ
(1)
النَّاس.
وظاهره: الاِعتِداد به، وأنَّه
(2)
لا فرق فيه بين رمضان وغيره، وصحَّحه في «الشَّرح» في حقِّ من عرف
(3)
له عادةٌ بالأذان فيه، واختاره جماعةٌ، وعليه العمل، لكن نصَّ أحمد
(4)
، وجزم به في «الوجيز»: أنَّه يُكرَه قبل الفجر فيه لئلَّا يغترَّ النَّاس فيَترُكوا سُحورَهم.
ويستحبُّ لمن أذَّن قبله أن يكون معه من يؤذِّن في الوقت؛ للخبر، واشترطه طائفة من علماء الحديث.
وألحق الشِّيرازِيُّ الجمعةَ به، فأجازه قبل الوقت؛ ليدركها من بَعُدَ منزله، واستثنى ابن عبدوس مع الفجر: الصَّلاة المجموعة، وفيه نظر؛ لأنَّ وقتهما كالواحد
(5)
.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ جَلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يُقِيمَ)، كذا في «الوجيز»؛ لما روى تَمَّامٌ في «فوائده» بإسناده عن أبي هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «جلوس المؤذِّن بين الأذان والإقامة في المغرب؛ سُنَّة»
(6)
، وقيَّده في «المحرَّر» وغيره بقدر ركعتَين، قال بعضهم: خفيفتَين، وقيل: والوضوء، وقد روى جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبِلالٍ: «اجعل بين أذانك وإقامتك قدْر ما يَفرغ
(7)
الآكِل من أكله، والشارب من شربه، والمعتصر إذا دخل لقضاء
(1)
في (د): يغر.
(2)
في (و): ولأنه.
(3)
قوله: (عرف) سقط من (أ).
(4)
في رواية الجماعة. ينظر: المغني 1/ 298.
(5)
في (أ) و (ب): واحد.
(6)
أخرجه تمام في فوائده (1401)، وفي سنده إسحاق بن عبد الله أبو يعقوب البوقي، ذكره الذهبي في الضعفاء ونقل عن ابن منده أنه قال:(له مناكير). ينظر: المغني في الضعفاء 1/ 72، السلسلة الضعيفة (1196).
(7)
في (أ): يدع.
حاجته» رواه أبو داود والتِّرمذي
(1)
. وقيل: بقدر الوضوء والسَّعي، وفي «التَّبصرة»: بقدر حاجته ووضوئه، زاد الحَلْوانِيُّ: وصلاة ركعتين، وهذا كلُّه إذا سُنَّ تعجيلها، ولأنَّ الأذان شُرِع للإعلام، فيسنُّ تأخير الإقامة للإدراك، كما يستحبُّ تأخيرها في غيرها، وكذا كل صلاة، فيسنُّ تقديمها؛ لعموم النَّص.
وظاهره: أنَّه لا تُستَحَبُّ الرَّكعتان قبلها في الظَّاهر عنه، ولا يُكرَه فعلُهما قبلها في المنصوص
(2)
.
وعنه: يسنُّ؛ للحديث الصحيح
(3)
.
وعنه: بين كل أذانين صلاة، قاله ابن هُبَيرة في غير المغرب.
(وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ)، سواءً كان جمع تقديمٍ أو تأخيرٍ
(4)
، (أَوْ قَضَاءِ فَوَائِتَ؛ أَذَّنَ وَأَقَامَ لِلْأُولَى، ثُمَّ أَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَهَا)، جزم به أكثر الأصحاب؛ لما رَوى جابِرٌ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جمع بين الظُّهر والعصر بعرَفةَ، وبين المغرب والعشاء بمُزدَلِفةَ، بأذانٍ وإقامتَين» رواه مسلم
(5)
.
وقدَّم في «الرِّعاية» : أنَّه يؤذِّن لكلِّ واحدة منهما ويقيم، قال في «الشَّرح»: وهو مخالِف
(6)
للسُّنَّة الصَّحيحة.
وعنه: إن جمع بينهما بإقامة فلا بأس، وهو الذي في «الشَّرح» ، وخصَّه
(1)
سبق تخريجه 1/ 462 حاشية (3).
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 104، مسائل عبد الله ص 96، مسائل ابن منصور 2/ 430.
(3)
وهو حديث عبد الله المزني رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صلوا قبل صلاة المغرب» ، أخرجه البخاري (1183)، وأخرج البخاري (625) من فعل الصحابة كذلك، وبوَّب عليه:(باب: كم بين الأذان والإقامة، ومن ينتظر الإقامة).
(4)
في (و): وتأخير.
(5)
أخرجه مسلم (1218)، وهو حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج.
(6)
في (و): ومخالف.
بما إذا كان الجمع في وقت الثَّانية؛ لأنَّ الأولى مفعولةٌ في غير وقتها، فهي كالفائتة، والثَّانية مسبوقةٌ بصلاة، فلم يشرع لها؛ كالثَّانية من الفوائت، بخلاف جمع التَّقديم؛ لأنَّ الأُولى مفعولةٌ في وقتها، أشبه ما لم تجمَعْ.
وأمَّا قضاء الفوائت؛ فلما روى أبو عُبَيدةَ عن أبيه
(1)
عبد الله بن مسعود: «أنَّ المشركين يوم الخندق شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات حتَّى ذهب من اللَّيْل ما شاء الله، فأمر بلالًا فأذَّن
(2)
، ثمَّ أقام فصلَّى الظُّهرَ، ثمَّ أقام فصلَّى العصرَ، ثمَّ أقام فصلَّى المغربَ، ثمَّ أقام فصلَّى العشاءَ» رواه النَّسائي والتِّرمذي، ولفظه له، وقال:(ليس بإسناده بأس، إلَّا أنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه)
(3)
.
وقيَّده في «الشَّرح» : بما إذا كان في الجماعة
(4)
، فإن كان وحده؛ كان استحباب ذلك في حقِّه أدنى؛ لأنَّ الأذان والإقامة للإعلام، ولا حاجة إليه هنا.
وعنه: لا بأس بالاكتفاء لهنَّ بإقامة واحدة إذا أذَّن.
وعنه: يقيم من غير أذان.
وكذا لو قضاها متفرِّقاتٍ من غير موالاة، فأمَّا إذا كانت واحدةً؛ فيؤذِّن لها ويقيم.
(1)
زاد في (أ) و (ب): (عن).
(2)
قوله: (فأمر بلالًا فأذَّن) هي في (أ): أقام بلالًا.
(3)
أخرجه أحمد (3555)، والترمذي (179)، والنسائي (662)، وهو مع انقطاعه إلا أنه محمول على الاتصال، نقل ابن رجب عن ابن المديني في حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أنه قال:(هو منقطع، وهو حديث ثبت)، ونحو ذلك قال النسائي ويعقوب بن شيبة. ينظر: شرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 544، النكت لابن حجر 1/ 398.
(4)
في (أ): جماعة.
وصرَّح في «الكافي» : أنَّه يُسنُّ الأذانُ للفائتة، ثمَّ إن خاف من رفع صوته أسرَّ
(1)
، وإلَّا جهر، فلو ترك الأذان لها؛ فلا بأس.
(وَهَلْ يُجْزِئُ أَذَانُ الْمُمَيِّزِ) وهو الذي يفهم الخطاب ويردُّ الجواب، ولا ينضبط بسنٍّ، بل يختلف باختلاف الأفهام، كذا قيل، والصَّواب ضبطه به، (لِلْبَالِغِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أولاهما: الصِّحَّة، نصره القاضي وغيره، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» مع الكراهة؛ لما روى ابن المنذِر بإسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال:«كان عمومتي يأمرونني أن أؤذِّن لهم وأنا غلام لم أحتلم، وأنس شاهد ذلك ولم ينكره»
(2)
، وهذا ممَّا يظهر ولا يخفى، فكان كالإجماع، ولأنَّه ذَكَرٌ تصحُّ
(3)
صلاته، فصحَّ أذانه كالبلَّغ.
والثَّانية: لا يصحُّ، قدَّمها في «الفروع» ، واختارها جماعةٌ؛ لأنَّه لا يُقبل خبرُه، فلم يحصل الإعلام بأذانه، أو بأنَّه فرض كفاية، وفِعله نفل، وهو أولى.
قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: (يتخرَّج فيه روايتان؛ كشهادته وولايته)
(4)
.
وظاهره: أنَّ المراهِق يصحُّ أذانُه
(5)
، وهو كذلك، نقله حنبلٌ
(6)
.
(وَهَلْ يُعْتَدُّ بِأَذَانِ الْفَاسِقِ) أي: العاصي؛ لأنَّ الفِسقَ لغة: العصيان، والتَّرك لأمر الله، والخروج عن طريق الحقِّ، وشرعًا: مَنْ فَعَل كبيرةً، أو أَكْثَرَ
(1)
زيد في (د): به.
(2)
علقه ابن المنذر في الأوسط (3/ 41)، ونقله عنه ابن قدامة في المغني (1/ 300)، ولم نقف له على إسناد.
(3)
في (و): يصح.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 57.
(5)
كتب في حاشية (و): (قال القاضي: رواية واحدة).
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 498، الروايتين والوجهين 1/ 112.
من الصغائر، والكبيرةُ: ما فيها
(1)
حدٌّ في الدُّنيا أو وعيد في الآخرة، نَصَّ عليه
(2)
، (وَالْأَذَانِ الْمُلَحَّنِ) الذي فيه تطريبٌ، يقال: لحَّن في قراءته، إذا طرَّب بها وغرَّد؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، وكذا في «المحرَّر»:
أحدهما: لا يصحُّ أذان الفاسق، صحَّحه في «التَّلخيص» و «الرِّعاية» ، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ؛ لأنَّه لا يُقبل خبره، ولأنَّه عليه السلام وصفه بالأمانة
(3)
، والفاسق غير أمين، وكامرأةٍ وخُنثى.
والثاني: صحَّته كالإمامة
(4)
؛ لأنَّه مشروع لصلاته، وهو من أهل العبادة، وجزم به في «الوجيز» مع الكراهة.
فإن كان مستورَ الحال؛ فيصحُّ بغير خلاف نعلمه، قاله في «الشَّرح» .
ويصحُّ في الأصحِّ أذان الملحن والملحون مع بقاء المعنى مع الكراهة، قال القاضي: كقراءة الألحان، قال أحمد: (كلُّ شيءٍ محدث أكرهه
(5)
، مثل التَّطريب)
(6)
، ولأنَّه يحصل به المقصود.
والثَّاني: لا يصحُّ؛ لما روى الدَّارَقُطْنِيُّ عن ابن عبَّاس قال: كان للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مؤذِّنٌ يُطرِّب، فقال عليه السلام: «الأذانُ
(7)
سَهْلٌ سَمْحٌ، فإن كان أذانُك سَهْلًا سَمْحًا، وإلَّا فلا تؤذِّن»، وذكره ابنُ الجَوْزِيِّ في «الموضوعات»
(8)
.
(1)
في (د): فيه.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 382.
(3)
مراده حديث: «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن» ، وقد سبق تخريجه 1/ 459 حاشية (2).
(4)
في (ب): كالإقامة. والمثبت موافق لما في الهداية ص 74: (ولا يعتد بأذان الفاسق في أحد الوجهين، ويعتد به في الآخر؛ بناء على صحة إمامته).
(5)
في (ب): الكراهة.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 501.
(7)
في (د) و (و): إن الأذان.
(8)
أخرجه ابن شاهين في فضائل الأعمال (564)، والدارقطني (917)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 87)، وفي سنده إسحاق بن أبي يحيى الكعبي، قال ابن عدي:(حدَّث عن جماعة من الثقات مناكير)، قال الذهبي:(هالك)، وقال في تلخيص الموضوعات عن الحديث:(باطل)، ينظر: الموضوعات لابن الجوزي 2/ 87، الكامل لابن عدي 1/ 550، ميزان الاعتدال 1/ 205، تلخيص الموضوعات ص 173.
فلو أحال أحدُهما معنًى، كما لو نصب لامَ «رسول» ؛ لأنَّه أخرجه عن كونه خبرًا، ومدَّ لفظةَ «أكبر» ؛ لأنَّه يجعل فيها ألفًا، فتصير
(1)
جمع كَبَرٍ، وهو الطَّبْل، وأسقط الهاء من اسم الله والصَّلاة؛ بطل.
وتكره لُثْغَةٌ فاحِشةٌ، وإلَّا فلا بأس؛ لأنَّه
(2)
روي: «أنَّ بلالاً كان يجعل الشِّينَ سينًا» ، وفيه شيء
(3)
، والفصيح أحسن وأكمل.
(وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ، إِلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ؛ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» نَصَّ عليه
(4)
، ولا نَعلَم خلافًا في استحبابه
(5)
؛ لما رَوى عمرُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال المؤذِّن: اللهُ أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثمَّ قال: أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله، فقال: أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله، ثمَّ قال: حيَّ على الصَّلاة، فقال: لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، ثمَّ قال: حيَّ على الفلاح، قال:
(1)
في (و): فيكون.
(2)
في (و): به. مكان قوله: (لأنه).
(3)
أورده في المغني 1/ 312، والشرح الكبير 3/ 104، ولم نقف عليه. قال العجلوني في كشف الخفاء (1/ 532):(وقع لموفق الدين ابن قدامة في مغنيه، وقلَّده ابن أخيه الشيخ ابن عمر شمس الدين في شرح كتابه المقنع، وردَّ عليه الحفاظ).
وقال (1/ 258): (قال في الدرر: لم يرد في شيء من الكتب. وقال القاري: ليس له أصل. وقال البرهان السفاقسي نقلًا عن الإمام المزي: إنه اشتهر على ألسنة العوام ولم يرد في شيء من الكتب). وينظر: المقاصد الحسنة للسخاوي ص 397.
(4)
ينظر: المغني 1/ 309، الفروع 2/ 26.
(5)
ينظر: المغني 1/ 309.
لا حول ولا قوَّة إلا بالله، ثمَّ قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قال: لا إله إلا اللهُ، قال: لا إله إلا اللهُ، مخلِصًا من قلبه، دخل الجنَّة» رواه مسلم
(1)
، قال الأثرم:(هذا من الأحاديث الجياد)، ولأنَّه خطاب، فإعادته عَبَثٌ، بل سبيله الطَّاعة وسؤال الحَول والقوَّة.
وتكون الإجابة عَقِيبَ كل كلمة؛ أي: لا يُقارِن، ولا يتأخَّر، وقيل: يوافقه في الحيعلة مع قول ذلك؛ ليجمع بينهما
(2)
.
وقال الخِرَقِيُّ وغيرُه
(3)
: يقول كما يقول؛ لما روى أبو سعيد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم النِّداءَ فقولوا مثل ما يقولُ» متفق عليه
(4)
، قال الزَّرْكَشِيُّ:(وهو المذهبُ)، وفيه نظر.
ولا فرق بين المؤذِّن والسَّامع، نَصَّ عليهما
(5)
، ولا الجنب والحائض؛ للخبر
(6)
، وظاهره: ولو في طوافٍ وقراءةٍ؛ لأنَّ ذلك يفوت، بخلافهما.
ويُستثنى منه: المصلِّي، ولو نفلًا، وتبطل
(7)
بالحيعلة، قال أبو المعالي: (إن لم يعلم أنَّها دعاء إلى الصَّلاة، فروايتا ساهٍ
(8)
، لكن يجيبه إذا فرغ، قاله في «الكافي» ، وكذا المتخلِّي، قاله أبو المعالي.
(1)
أخرجه مسلم (385).
(2)
في (د): بينها.
(3)
قوله: (وغيره) سقط من (و).
(4)
أخرجه البخاري (611)، ومسلم (383).
(5)
ينظر: الفروع 2/ 26، قواعد ابن رجب 2/ 29.
(6)
لعله يريد ما أخرجه مسلم (373)، وعلقه البخاري (1/ 68)، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه» ، وذلك أن الشافعية نصُّوا على استحبابه لكل سامع من طاهر ومحدث وجنب وحائض؛ قال النووي:(لأنه ذكر، وكل هؤلاء من أهل الذكر). ينظر: المجموع 3/ 118، الغرر البهية لزكريا الأنصاري 1/ 273.
(7)
في (د) و (و): ويبطل.
(8)
بياض بمقدار كلمة في (أ).
ومقتضى كلامه: أنَّ المؤذِّن لا يجيب نفسه، وهو ظاهر كلام جماعة، وصرَّح آخرون باستحبابه؛ كالسَّامع، وأن يقولا ذلك خُفْيةً، نَصَّ عليه.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه احتمالٌ: تجب إجابته؛ للأمر، وظاهر كلامهم: أنَّه يجيب ثانيًا وثالثًا حيث سُنَّ، واختاره الشَّيخ تقِيُّ الدِّين)
(1)
، لكن لو سمع المؤذِّنَ وأجابه، وصلَّى في جماعة؛ لا يجيب الثَّاني؛ لأنَّه غير مدعوٍّ بهذا الأذان
(2)
.
زاد المؤلِّف: (الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ)، وتتبَّعت ذلك فوجدته في المسنَد من حديث أبي رافِعٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذِّنَ قال مثلَ ما يقول، حتَّى إذا بلغ: حيَّ على الصَّلاةِ حيَّ على الفلاحِ؛ قال: لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيمِ» رواه الطبراني في «معجمه الكبير» ، وإسنادُه فيه لِينٌ
(3)
.
ويقول في التَّثويب: صدَقتَ وبَرِرتَ، وفي الإقامة عند لفظها: أقامها الله وأدامها، زاد في «المستوعب» و «التَّلخيص»: ما دامت السماوات والأرض، ويقول ذلك خُفْيةً
(4)
.
فائدةٌ: معنى (لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله): إظهار الفقر، وطلب المعونة منه
(1)
ينظر: الاختيارات ص 60، الفروع 2/ 26.
(2)
زاد هنا في (د) و (و) قوله: (ويقول في التثويب: صدقت وبررت، وفي الإقامة عند لفظها: أقامها الله وأدامها، زاد في المستوعب والتلخيص: ما دامت السموات والأرض، ويقول ذلك خفية) وسيأتي ذكرها قريبًا.
(3)
أخرجه أحمد (23866)، والنسائي في الكبرى (9786)، من حديث أبي رافع وليس فيه هذه الزيادة، كما في طبعة الرسالة، وعزاه في المشكاة (675) إلى المسند وذكرها.
وأخرجه عبد الرزاق (1843) بهذه الزيادة، من حديث عبد الله بن الحارث بن نوفل، وفي سنده عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر، ضعفه جماعة، بل قال بعض الأئمة كالبخاري وغيره:(منكر الحديث). ينظر: تهذيب التهذيب 5/ 46.
(4)
قوله: (ويقول في التثويب صدقت وبررت) إلى هنا ذكرت في (د) و (و) قبل ذلك.
في كل الأمور، وهو
(1)
حقيقة العبودية
(2)
.
وقال أبو الهَيْثم
(3)
: (أصل: «لا حول» من حالَ الشيءُ، إذا تحرَّك، يقول
(4)
: لا حركة ولا استطاعة إلَّا بالله)
(5)
.
وقال ابن مسعود: «معناه: لا حول عن معصية الله إلَّا بعصمة الله، ولا قوَّة على طاعته إلَّا بمعونته»
(6)
، قال الخَطَّابي:(هذا أحسن ما جاء فيه)
(7)
.
ويقال: لا حِيل، لغة حكاه الجوهري
(8)
.
وعبَّر عنها الأزهري
(9)
: بالحَوقلة
(10)
، وتبِعه في «الوجيز» ، على أخذ الحاء من حول، والقاف من قوَّة، واللَّام من اسم الله تعالى.
(وَيَقُولُ بَعْدَ فَرَاغِهِ) كلٌّ من المؤذِّن وسامِعه: (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ
(1)
في (د): وهي. وفي (و): وفي.
(2)
قوله: (منه في كل الأمور وهو حقيقة العبودية) سقط من (أ).
(3)
أبو الهيثم الرازي اشتهر بكنيته - وليس هو خالد بن يزيد بن أبي سويد -، كان نحويًّا علَّامة بارعًا حافظًا، صحيح الأدب، كثير الصلاة، صاحب سنَّة، ولم يكن ضنينًا بعلمه وأدبه، من مصنفاته: الشامل في اللُّغة، الفاخر في اللُّغة، زيادات معاني القرآن للفرّاء، توفي سنة 276 هـ. ينظر: إنباء الرواة 4/ 188، تاريخ الإسلام 6/ 644.
(4)
في (أ): سل. مكان قوله: (يقول).
(5)
ينظر: تهذيب اللغة 5/ 157.
(6)
لم نقف عليه من قول ابن مسعود رضي الله عنه، وإنما ورد مرفوعًا، فقد أخرج العقيلي في الضعفاء (2/ 200)، والبزار في مسنده (2004)، عن عبد الله بن مسعود قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تدري ما تفسيرها؟» ، قلت: الله ورسوله أعلم، قال:«لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله» ، ومداره على المسعودي وهو ضعيف لاختلاطه. ينظر: الضعيفة للألباني (3355).
(7)
ينظر: شأن الدعاء ص 162.
(8)
ينظر: الصحاح 4/ 1682.
(9)
في (و): الزهري.
(10)
ينظر: تهذيب اللغة 5/ 242.
التَّامَّةِ، والصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الذِي وَعَدْتَهُ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)؛ لما روى جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يَسمَع النِّداءَ: اللَّهمَّ ربَّ هذه الدَّعوةِ التَّامَّةِ، والصَّلاةِ القائمةِ، آتِ محمَّدًا الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته؛ حلَّت له شفاعتي يوم القيامة» رواه البخاريُّ، ورواه النَّسائي وأبو حاتم والبَيْهَقِيُّ:«وابعثه المقام المحمود» معرَّفيْنِ كما ذكره المؤلِّف، ولم يثبت فيه «الدَّرجة الرَّفيعة» ، وروى البيهقي في «سننه» في آخره:«إنَّك لا تخلف الميعاد»
(1)
.
وظاهره: أنَّه لا يستحبُّ غير
(2)
ذلك.
وفي «الرِّعاية» : أنَّه يرفع بصره إلى السَّماء، ويدعو بما ورد.
قال أحمد: (إذا سألتم الله حاجةً، فقولوا: في عافية)
(3)
.
ثمَّ يصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لما روى عبد الله بن عمرو
(4)
مرفوعًا: «إذا سمعتم المؤذِّنَ فقولوا مثل ما يقول المؤذِّن، ثمَّ صلُّوا عليَّ؛ فإنَّه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه
(5)
بها عشرًا، ثمَّ سَلُوا اللهَ لي الوسيلةَ؛ فإنَّها منزلةٌ في الجنَّة لا ينبغي أن تكون
(6)
إلَّا لعبدٍ من عباد
(7)
الله، وأرجو أن أكون أنا
(1)
أخرجه البخاري (614)، والنسائي (680)، وابن حبان (1689)، والبيهقي (1933)، وهي عندهم إلا البخاري بتعريف المقام المحمود، وأما زيادة:«الدرجة الرفيعة» فليست في شيء من طرق الحديث، قاله ابن حجر والسخاوي، وزيادة:«إنك لا تخلف الميعاد» ، عند البيهقي، وحسنها ابن باز، وحكم عليها الألباني بالشذوذ. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 518، المقاصد الحسنة ص 343، مجموع فتاوى ابن باز 10/ 336، الإرواء 1/ 260.
(2)
في (و): عن.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 27.
(4)
في (و): عمر.
(5)
في (د): علي.
(6)
في (و): يكون.
(7)
في (أ): عبيد.
هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت عليه الشفاعة» رواه مسلم
(1)
.
ولم يذكروا السَّلام معه، فظاهره: أنَّه لا يكره بدونه، وقد ذكر النَّووي أنه يكره؛ للنَّصِّ
(2)
.
تذنيب: «اللَّهمَّ» أصله: يا الله، والميم بدل من يا، قاله الخليل وسيبويه، وقال الفراء: أصله: يا الله أُمَّنا بخير، فحذف حرف النِّداء، ولا يجوز الجمع بينهما إلَّا في الضَّرورة
(3)
.
و «الدَّعوة» : بفتح الدال هي دعوة الأذان، سمِّيت تامَّة لكمالها، وعِظَم موقعها، وسلامتها من نقص يتطرَّق إليها.
وقال الخَطَّابي: (وصفها بالتَّمام؛ لأنَّها ذكر الله يُدعَى بها إلى طاعته، وهذه الأمور التي تستحق صفة الكمال والتمام، وما سواها من أمور الدنيا فإنَّه معرَّض للنَّقص والفساد)
(4)
.
وكان الإمام أحمد يستَدِلُّ بهذا على أنَّ القرآن غير مخلوق، قال:(لأنَّه ما من مخلوق إلَّا وفيه نقص).
و «الصَّلاةُ القائمةُ» : التي ستقوم وتفعل بصلاتها.
و «الوسيلةُ» : منزلةٌ عند الملِك، وهي منزلةٌ في الجنَّة.
و «المقامُ المحمودُ» : الشَّفاعة
(5)
العُظْمى في موقف القيامة؛ لأنَّه يحمده فيها الأوَّلون والآخرون.
(1)
أخرجه مسلم (384).
(2)
ينظر: شرح مسلم للنووي 1/ 44، وقال:(وقد أمرنا الله تعالى بهما جميعًا فقال تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزَاب: 56]).
(3)
ينظر: تهذيب اللغة 6/ 225.
(4)
ينظر: شأن الدعاء ص 135.
(5)
في (أ): والشفاعة.
والحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد
(1)
الله تعالى؛ إظهار كرامته وعظيم منزلته.
وقد وقع منكَّرًا في الصَّحيح؛ تأدُّبًا مع القرآن، فيكون قوله:«الذي وعدته» منصوبًا على البدلية، أو على إضمار فعل، أو مرفوعًا على أنَّه خبر لمبتدأ محذوف.
مسائل:
الأولى: إذا دخل المسجد: لم يركع
(2)
حتَّى يفرُغ، نَصَّ عليه
(3)
؛ ليجمع بين الفضيلتَين.
وعنه: لا بأس.
قال في «الفروع» : (ولعلَّ المرادَ غير أذان الجمعة؛ لأنَّ سماع الخطبة أهم، واختاره صاحب «النَّظم»، ولا يقوم القاعد حتَّى يفرُغ)، أو يقرُب فراغه، نَصَّ على معنى ذلك
(4)
؛ لأنَّ الشَّيطان ينفر حين يسمع النِّداء.
الثَّانية: يعمل بالأذان في دارنا، وكذا
(5)
دار حرب
(6)
إن علم إسلامه.
الثَّالثة: لا يؤذِّن غيرُ الرَّاتب إلَّا بإذنه، إلَّا أن يُخاف فَوْت
(7)
الوقت؛ فيؤذِّن غيره.
الرَّابعة: يُستَحَبُّ الدُّعاء بين الأذان والإقامة؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا يُردُّ
(1)
في (أ): فوعد.
(2)
أي: لم يركع تحية المسجد. ينظر: الفروع 2/ 30.
(3)
من رواية الأثرم. ينظر: المغني 1/ 311.
(4)
من رواية الأثرم. ينظر: المغني 1/ 311.
(5)
زاد في (أ) و (و): في.
(6)
في (أ) و (ب): الحرب.
(7)
في (ب): فوات.
الدُّعاءُ بين الأذانِ والإقامةِ» رواه أحمد، والتِّرمذي وحسَّنه
(1)
، وعند الإقامة، فَعلَه أحمدُ ورفع يدَيْه
(2)
.
وعن ابن عمر مرفوعًا: «تُفتح أبواب السَّماء لقراءة القرآن، ولِلِقاء الزَّحف، ولنزول القَطْر، ولدعوة المظلوم، وللأذان» رواه الحاكِمُ بإسنادٍ ضعيفٍ
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد (12200)، وأبو داود (521)، والترمذي (212)، وابن خزيمة (425)، وابن حبان (1696)، من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني. ينظر: الإرواء 1/ 262.
(2)
من رواية المروذي. ينظر: فتح الباري لابن رجب 5/ 259.
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (3621)، وفي سنده حفص بن سليمان الأسدي القارئ، وهو متروك في الحديث إمام في القراءة، كما في التقريب، ولم نقف عليه عند الحاكم.