الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الصَّيْدِ)
وهو في الأَصْل: مَصْدَرُ صادَ يَصِيدُ صيدًا
(1)
، فهو صائدٌ، ثُمَّ أُطْلِقَ على المَصِيدِ، تسميةً
(2)
للمَفْعُول بالمصْدَر.
وأجْمَعُوا على إباحته
(3)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المَائدة: 96]، وقَولُه تعالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ
…
(4)} الآيةَ [المَائدة: 4]، والسُّنَّةُ شَهِيرةٌ بذلك، منها حديثُ عَدِيٍّ وأبي ثَعْلَبَةَ، مُتَّفَقٌ عَلَيهِما
(4)
.
وهو: ما كان وَحْشِيًّا، حَلالاً، غَيرَ مَقْدُورٍ عَلَيهِ.
وهو مُباحٌ لِقاصِدِه، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، واسْتَحَبَّه ابنُ أبي مُوسَى، ويُكرَهُ لَهْوًا.
وهو أطْيَبُ مَأكُولٍ، وقال الأَزَجِيُّ: الزِّراعةُ أفْضَلُ مَكْسَبٍ
(5)
، وقِيلَ: عَمَلُ اليَدِ، وقِيلَ: التِّجارةُ، وأفْضَلُها في بَزٍّ، وعِطْرٍ، وزَرْعٍ، وغَرْسٍ، وماشِيَةٍ، وأبْغَضُها في رقِيقٍ وصَرْفٍ.
وأفْضَلُ الصَّنائع: خِياطَةٌ، مع أنَّه نَصَّ على
(6)
أنَّ كلَّ ما نصح فيه
(7)
فهو حَسَنٌ
(8)
.
(1)
قوله: (صيدًا) سقط من (م).
(2)
في (م): كتسميته.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 145.
(4)
حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه عند البخاري (175)، ومسلم (1929)، وحديث أبي ثعلبة رضي الله عنه عند البخاري (5478)، ومسلم (1930).
(5)
في (ن): مكتسب.
(6)
قوله: (على) سقط من (م).
(7)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(8)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 33.
وأدْناها حِياكةٌ، وحِجامةٌ، ونحوهما
(1)
، وأشدُّها كراهةً: صَبْغٌ، وصِياغَةٌ، وحِدادةٌ، ونحوُها.
(وَمَنْ صَادَ صَيْدًا فَأَدْرَكَهُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً؛ لَمْ يَحِلَّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ
(2)
، يَعْنِي: إذا أدْرَكَه مُتحرِّكًا فَوْقَ حَرَكَةِ مَذْبوحٍ، واتسع الوقْتُ لِتَذْكِيَتِه؛ لم يُبَحْ إلَّا بها، ذَكَرَه مُعْظَمُ الأصْحاب، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لِأنَّه مَقْدُورٌ عَلَيهِ، أشْبَهَ سائرَ ما قُدِرَ على ذكاته، ولِأنَّ ما كان كذلك فهو في حُكْمِ الحيِّ، بدليلِ قِصَّةِ عمرَ رضي الله عنه
(3)
.
وعَنْهُ: يَحِلُّ بمَوتِه قريبًا.
وعَنْهُ: دُونَ مُعظَمِ يَومٍ.
وفي «التَّبصرة» : دُونَ نِصفِه.
(فَإِنْ خَشِيَ مَوْتَهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُذَكِّيهِ بِه؛ أَرْسَلَ الصَّائِدَ
(4)
عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ
(5)
، فِي إِحْدَى
(6)
الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ)، قدَّمه في «الفُروع» ، وجَزمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه جماعةٌ منهم السَّامَرِّيُّ؛ لِأنَّه صَيدٌ قَتَلَه الجارِحُ له مِنْ غَيرِ إمْكانِ ذكاته
(7)
، فأُبِيحَ؛ كما لو أدْرَكَه مَيتًا.
وعِبارةُ الخِرَقِيُّ: أشْلَى الصَّائدُ، وفي «المغْنِي»: (مَعْنَى أشْلَى في العربيَّة: دعاهُ، إلَّا أنَّ العامَّةَ تَستَعْمِلُه بمَعْنَى: أغْراهُ، ويَحتَمِلُ أنَّ الخِرقيَّ أراد: دعاه،
(1)
في (ن): ونحوها.
(2)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب مطلقًا).
(3)
أي: قصة عمر رضي الله عنه وطعنه من قبل المجوسي وأخرج القصة البخاري (3700). ينظر: الشرح الكبير 11/ 4.
(4)
في (م): العائد.
(5)
قوله: (ليقتله) سقط من (م).
(6)
في (م): أحد.
(7)
قوله: (ذكاته) سقط من (م).
ثُمَّ أرْسَلَه)، وهو ظاهِرٌ.
ومُقْتَضاهُ: أنَّه إذا لم يَخْشَ مَوتَه، أو وَجَدَ معه ما يُذَكِّيهِ بها؛ لم يَحِلَّ إلَّا بها؛ لِأنَّه مَقْدورٌ على ذكاته، وكما لو لم يُمكِنْه الذَّهابُ به إلى منزله، فيُذَكِّيهِ.
(فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ؛ لَمْ يَحِلَّ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» ؛ لِأنَّ الإرسالَ ذكاةٌ، ولو قَدَرَ على ذكاته فلم يُذَكِّه حتَّى ماتَ؛ لم يَحِلَّ، فكذا هُنا.
(وَقَالَ الْقَاضِي)، وعامَّةُ أصْحابِنا:(يَحِلُّ) بالإرْسال، قاله
(1)
في «التَّبصرة» ؛ لِأنَّ إدراكَ الصَّيد بلا آلةٍ يُذكيه
(2)
بها كَلَا إدراك
(3)
، ولو لم يدركه حيًّا لحلَّ
(4)
، فكذا إذا أدْرَكَه بلا آلةٍ.
(وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: لَا يحلُّ
(5)
إِلَّا أَنْ يُذَكِّيَهُ)، وهي
(6)
قَولُ أكْثَرِهم
(7)
؛ لِأنَّه مقدورٌ عَلَيهِ، فلم يُبَحْ بقَتْلِ الجارِح؛ كالأنعام، وصحَّحه في «المغْنِي» ؛ لِأنَّه حَيَوانٌ لا يُباحُ بغَيرِ التَّذْكِيَةِ إذا كانَتْ معه، فلم يُبح
(8)
بغَيرِها، إذا لم يكُنْ معه آلةٌ؛ كسائر المقْدُور على تَذْكِيَتِه.
ومسألة
(9)
الخِرَقِي على
(10)
ما يُخافُ مَوتُه إنْ لم يَقْتُلْه الحَيَوانُ أوْ يُذَكَّى،
(1)
في (م): بلا إرسال وقاله.
(2)
في (ظ) و (ن): تذكية. والمثبت موافق للممتع 4/ 401.
(3)
قوله: (كلا إدراك) في (م): كالإدراك.
(4)
في (ن): كحل.
(5)
في (م): لا تحل.
(6)
في (م): وهو.
(7)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(8)
في (ظ): فلم تبح.
(9)
في (م): وسئل.
(10)
في (م): عن.
فإنْ كان فيه حياةٌ يُمكِنُ بقاؤه إلى أنْ يأتي
(1)
إلى منزله؛ فلَيسَ فيه اخْتِلافٌ أنَّه لا يباح
(2)
إلَّا بالذَّكاة.
فرعٌ: إذا امْتَنَع عَلَيهِ من الذَّبْح، فجَعَلَ يَعْدُو منه يَومَه
(3)
، حتَّى ماتَ تَعَبًا ونَصَبًا؛ حلَّ، ذَكَرَه القاضِي، واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ خِلافَه؛ لأِنَّ الإتْعابَ يُعِينُه على الموت، فصار كالماء.
(وَإِنْ
(4)
رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ)؛ أيْ: مَنَعَه من الاِمْتِناع، وحَبَسَه عنه؛ ملَكَه، (ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ؛ لَمْ يَحِلَّ)؛ لِأنَّه صار مَقْدُورًا عليه
(5)
، فلم يُبَحْ إلَّا بذَبْحِه، (وَلِمَنْ أَثْبَتَهُ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا عَلَى قَاتِلِهِ)؛ لِأنَّه أتْلَفَه عليه
(6)
، (إِلَّا أَنْ يُصِيبَ الْأَوَّلُ مَقْتَلَهُ دُونَ الثَّانِي، أَوْ يُصِيبَ الثَّانِي مَذْبَحَهُ؛ فَيَحِلُّ)؛ لِأنَّه ذكَّاه.
فإنِ ادَّعَى كلُّ واحِدٍ مِنهُما أنَّه الأوَّلُ؛ حَلَفَ كلٌّ مِنْهُما، وبَرِئَ مِنْ الضَّمان؛ لِأنَّ الأصلَ براءةُ ذِمَّتِه.
وإن
(7)
اتَّفقا على السَّابق، وأنْكَرَ الثَّاني كَونَ الأوَّل أثْبَتَه؛ قُبِلَ قَولُه؛ لِأنَّ الأصلَ بقاءُ امْتِناعِه، ويَحرُمُ على الأوَّل؛ لِاعْتِرافه بتحريمه، ويَحِلُّ للثَّاني.
فإنْ رَمَياهُ ووَجَدَاهُ مَيِّتًا
(8)
، ولم يُعلَمْ مَنْ أثْبَتَه منهما؛ فهو بَينَهما، وإنْ وَجَداهُ مَيِّتًا؛ حَلَّ؛ لِأنَّ الأصلَ بقاءُ امْتِناعِه.
(وَعَلَى الثَّانِي مَا خَرَقَ مِنْ جِلْدِهِ)؛ لِأنَّه لم يُتْلِفْ سوى ذلك.
(1)
في (ن): بان.
(2)
قوله: (أنه لا يباح) سقط من (ن).
(3)
في (ن): يرميه.
(4)
في (م): فإن.
(5)
قوله: (عليه) سقط من (ن).
(6)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(7)
في (م): إن.
(8)
كذا في النسخ الخطية، وفي الكافي 1/ 556: مثبتًا.
قال في
(1)
«الرِّعاية» : إذا رَمَى صَيدًا فأثْبَتَه؛ مَلَكَه، ثُمَّ إنْ رماهُ آخَرُ فَقَتَلَه؛ فإنْ كان الأوَّلُ أصابَ مَقْتَلَه، والثَّاني مَذبَحَه قَصْدًا؛ حَلَّ، وعَلَيهِ للأوَّل غُرْمُ ما خَرَقَ من جِلْده.
وقِيلَ: بل ما بَينَ كَونِه حيًّا مجروحًا وكَونِه مُذَكًّى.
وفي غَيرِ ذلك يَحرُمُ، وعلى الثَّاني قِيمتُه مجروحًا بالجُرح الأوَّل، إنْ لم يُدرك الأوَّل ذَبْحَه بل مَيِّتًا، أوْ كمذبوحٍ.
وإنْ أدْرَكَه حيًّا حياةً مُسْتقِرَّةً، فلم يَذبَحْه، فمات؛ ضَمِنَه الثَّاني كذلك.
قال في
(2)
«المحرَّر» : (وقال القاضي: يَضمَن نصفَ قِيمتِه مجروحًا بالجُرحَينِ مع أرْشِ نَقْصِه، وعِندِي: إنَّما يَضمَن نصفَ قِيمتِه مجروحًا بالجرح الأوَّل
(3)
لا غَيرُ).
(وَإِنْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ المَذْبُوحِ؛ فَهُوَ كَالمَيِّتِ)؛ أيْ: لا يَحتاجُ إلى ذكاةٍ؛ لِأنَّ عَقْرَه كذَكاتِه.
(وَمَتَى
(4)
أَدْرَكَهُ مَيِّتًا؛ حَلَّ)؛ لِأنَّ الاِصْطِيادَ أُقِيمَ مُقامَ الذَّكاة، والجارح
(5)
له آلةٌ كالسِّكين، وعَقْرُهُ بمَنزِلةِ قَطْعِ الأَوْداج، (بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ):
(أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ
(6)
مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ)؛ لقَولِه عليه السلام: «فإنَّ أخْذَ الكَلْبِ ذَكاةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(7)
، والصَّائدُ بمَنزِلةِ المذَكِّي، فيشترط
(8)
فيه الأهْلِيَّةُ.
(1)
قوله: (قال في) في (م): وفي، وهو سقط من (ن).
(2)
قوله: (قال في) سقط من (ن).
(3)
قوله: (إن لم يدرك الأول ذبحه بل ميتًا
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
في (م): ومن.
(5)
في (م): الجارح.
(6)
قوله: (الصائد) سقط من (م).
(7)
أخرجه البخاري (5475)، ومسلم (1929)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(8)
في (م): فتشترط.
وفي المجوسِيِّ روايةٌ فيما
(1)
ما صادَهُ مِنْ سَمَكٍ وجَرادٍ: أنَّه يَحِلُّ
(2)
؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ، ثنا إسماعيلُ بنُ عياش
(3)
، حدثني عبدُ
(4)
الله بنُ عُبَيدٍ الكَلَاعِيُّ، عن سُلَيمانَ بنِ موسَى، عن الحَسنِ، قال:«أدْرَكتُ سَبْعِينَ رجُلاً مِنْ أصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يأكُلونَ مِنْ صَيدِ المجُوسِ» ، إسْماعيلُ عن الشاميين
(5)
حُجَّةٌ
(6)
.
وفي الأَعْمَى قُويلٌ
(7)
لِابنِ حَمْدانَ: أنَّه لا يَحِلُّ؛ لِتعَذُّرِ قَصْدِه صَيدًا مُعَيَّنًا.
وظاهِرُ ما ذَكَرُوهُ: أنَّ ما لا يَفتَقِرُ إلى ذكاةٍ - كالحُوتِ - إذا صادَه مَنْ لا تُباحُ ذَكاتُه؛ أنَّه
(8)
يُباحُ، واختاره
(9)
الخِرَقِيُّ، وصحَّحه في «الكافي» ؛ لأنَّه
(10)
لا ذكاةَ له، أشْبَهَ ما لو وَجَدَه مَيِّتًا.
(فَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ صَيْدًا، أَوْ أَرْسَلَا عَلَيْهِ جَارِحًا)، أوْ جارِحًا غَيرَ مُعلَّمٍ، أوْ غَيرَ مُسَمًّى عَلَيهِ، (أَوْ شَارَكَ كَلْبُ المُجَوسِيِّ كَلْبَ المُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ)، أوْ وَجَدَ مع كَلْبِه كَلْبًا لا يَعرِفُ مُرسِلَه، أوْ لا يَعرِفُ حالَه، أوْ مع سَهْمِه سَهْمًا كذلك؛ (لَمْ يَحِلَّ)؛ لقولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا أرْسلْتَ كلبَك المعلَّمَ، وذَكَرْتَ
(1)
في (ن): في.
(2)
في (ظ): أنه لا يحل. وينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4005.
(3)
في (م) و (ن): عباس.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المحلى: عبيد الله.
(5)
في (م): الشامي.
(6)
أخرجه سعيد بن منصور كما في المحلى لابن حزم (6/ 64)، بالإسناد الذي ذكره المصنف، وإسناده حسن.
(7)
في (م): قول.
(8)
زيد في (م): لا.
(9)
في (م): واختار.
(10)
في (ظ): أنه.
اسم
(1)
الله عَلَيهِ؛ فكُلْ، وإنْ وَجَدْتَ معه غَيرَه؛ فلا تَأكُلْ، إنَّما سَمَّيْتَ على كَلْبِك، ولم تُسَمِّ على غَيرِه» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(2)
، ولِأنَّه اجْتَمَعَ في قَتْلِه مُبِيحٌ ومُحرِّمٌ، فغَلَّبْنا التَّحْريمَ؛ كالمتولِّد بَينَ ما يُؤكَلُ وما لا يؤكل
(3)
، ولِأنَّ الأصلَ الحَظْرُ، فإذا شَكَكْنا في المبيح؛ رُدَّ إلى أصْلِه.
وكذا لو أرْسَلَ كَلْبَه المعلَّمَ، فاسْتَرْسَلَ معه آخَرُ بنَفْسِه.
فرعٌ: إذا أرْسَلَ جماعةٌ كِلابًا بشَرْطِه، وسَمَّوْا، فوَجَدُوا الصَّيدَ قتيلاً
(4)
، لا يَدْرُونَ مَنْ قَتَلَه؛ حَلَّ.
وإن اخْتَلَفُوا، وكانت الكِلابُ مُتعلِّقةً به؛ فهو بَينَهم، وإلَّا كان لمَنْ كَلْبُه مُتعلِّقٌ به، وعلى مَنْ حَكَمْنا له
(5)
به اليَمِينُ.
وإنْ كان قَتِيلاً، والكِلابُ ناحِيَةً؛ وُقِفَ الأمْرُ حتَّى يَصطَلِحُوا، وقِيلَ: يُقرَعُ بَينَهم، وعلى الأوَّل: إنْ خِيفَ فَسادُه؛ باعُوهُ ثمَّ اصْطَلَحُوا على ثمنه
(6)
.
(وَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا مَقْتَلَهُ دُونَ الآْخَرِ؛ فَالْحُكْمُ لَهُ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ لِأنَّه هو القاتِلُ، فَوَجَبَ أنْ يَترتَّبَ عَلَيهِ الحُكْمُ.
وفي «الشَّرح» : فإنْ أصاب أحدُهما مَقْتَلَه دُونَ الآخَرِ، مِثْلَ أنْ يكونَ الأوَّلُ قد عَقَرَه مُوحِيًا، ثُمَّ أصابَه الثَّانِي وهو غَيرُ مُوحٍ؛ فالحُكْم للأوَّلِ، وإنْ كان الجُرْحُ الثَّاني مُوحِيًا؛ فهو مُباحٌ إنْ كان الأوَّلُ مُسلِمًا؛ لِأنَّ الإباحةَ حَصَلَتْ به.
(1)
في (م): باسم.
(2)
أخرجه البخاري (175)، ومسلم (1929)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(3)
قوله: (وما لا يؤكل) سقط من (م).
(4)
في (ظ) و (ن): قتلاً. والمثبت موافق للمغني 9/ 376، والشرح الكبير 27/ 363.
(5)
قوله: (له) سقط من (م).
(6)
قوله: (وعلى من حكمنا له به
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(وَيَحْتَمِلُ: أَلَّا يَحِلَّ)، هذا روايةٌ، وجَزَمَ بها في «الرَّوضة» ؛ كما لو أسْلَمَ بَعْدَ إرساله، لكِنْ لو أثْخَنَه كَلْبُ المسْلِمِ ثُمَّ قَتَلَه الآخَرُ، وفِيهِ حياةٌ مُستَقِرَّةٌ؛ حَرُمَ، ويَضْمَنُه له.
فرعٌ: إذا رَمَى سهمًا ثُمَّ ارْتَدَّ، أوْ ماتَ بَينَ رَمْيِه وإصابَتِه؛ حَلَّ.
(وَإِنْ رَدَّ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ الصَّيْدَ عَلَى كَلْبِ المُسْلِمِ فَقَتَلَهُ؛ حَلَّ)؛ لِأنَّ جارِحةَ المسْلِمِ انْفَرَدَتْ بقتله
(1)
، فأُبِيحَ؛ كما لو رَمَى المجوسِيُّ سَهْمَه فَرَدَّ الصَّيدَ، فأصابَه سَهْمُ المسْلِمِ فَقَتَلَه، أوْ أمْسَكَ المجوسِيُّ شاةً فَذَبَحَها مُسلِمٌ.
(وَإِنْ صَادَ المُسْلِمُ بِكَلْبِ المَجُوسِيِّ؛ حَلَّ)، ولو كان في ملْكِه، ذكر
(2)
في «الكافي» : أنَّه المذْهَبُ، وِفاقًا
(3)
، وهو غَيرُ مَكْروهٌ، ذكره
(4)
أبو الخَطَّاب، وأبو الوَفَاء، وابنُ الزَّاغُونِيُّ؛ لِأنَّه آلةٌ، أشْبَهَ ما لو صادَهُ بقُوَّتِه وسَهْمِه.
(وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ) وإنْ كان لمسْلِمٍ؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المَائدة: 4]، وكَلْبُ المجوسيِّ غَيرُ مُعلَّمٍ مِنْ مُسلِمٍ.
وجَوابُه: أنَّ الآية دلَّتْ على إباحةِ الصَّيدِ بما
(5)
علَّمْناهُ، وما عَلَّمَه غَيرُنا فهو في معناه.
وكرهه
(6)
جماعةٌ، مِنهُمْ: جابِرٌ
(7)
، والحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، والنَّخَعِيُّ، والثَّوريُّ.
(1)
في (ن): فقتله.
(2)
في (م): ذكره.
(3)
ينظر: الأصل للشيباني 5/ 375، المدونة 1/ 536، الحاوي 15/ 13، الكافي 1/ 555.
(4)
في (م): وذكره.
(5)
في (م): ما.
(6)
في (م): وكره.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (8495)، وابن أبي شيبة (19621)، من طريق حجاج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال:«لا تأكل صيد كلب المجوسي، ولا ما أصاب سهمه» ، وعند ابن أبي شيبة:«لا خير في صيد المجوسي وبازه، ولا في كلبه» ، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا (19630)، عن جابر رضي الله عنه:«لا خير في صقره، ولا في بازه» ، وفيه: حجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس.
(وَإِنْ صَادَ
(1)
المَجُوسِيُّ بِكَلْبِ المُسْلِمِ؛ لَمْ يَحِلَّ) في قَولِ الجميع
(2)
؛ كما لو صاد بقَوسِه، ولِأنَّه لَيسَ مِنْ أهْلِ الذَّكاةِ.
(وَإِنْ أَرْسَلَ المُسْلِمُ كَلْبًا فَزَجَرَهُ المَجُوسِيُّ)، فزادَ عَدْوُه أوْ ذَبَحَ ما أمسكه
(3)
له مجوسيٌّ بكَلْبِه وقد جَرَحَه غَيرَ مُوحٍ؛ (حَلَّ
(4)
؛ لأِنَّ الصَّائدَ هو المسْلِمُ، وهو مِنْ أهْلِ الذَّكاة.
(وَإِنْ أَرْسَلَهُ المَجُوسِيُّ، فَزَجَرَهُ المُسْلِمُ)، وقِيلَ: ولم يَزِدْ عَدْوُ كَلْبِهِ بزَجْرِ المسْلِم؛ (لَمْ يَحِلَّ)؛ لِأنَّ الصَّائدَ لَيسَ مِنْ أهْلِ الذَّكاة، إذ العبرةُ بالإرْسال.
(1)
في (ظ): صاده.
(2)
ينظر: المغني 9/ 376.
(3)
في (م): ما أمسك.
(4)
زيد في (م): ولو كان في ملكه.
(فَصْلٌ)
(1)
(الثَّانِي: الآْلَةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ):
(مُحَدَّدٌ
(2)
، فَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِآلَةِ الذَّكَاةِ)؛ لِأنَّها مِمَّا لا بدَّ منها، فيَجِبُ أنْ يُشتَرَطَ للمحدَّدِ
(3)
ما يُشترَطُ لِآلةِ الذَّكاة.
(وَلَا بُدَّ مِنْ جَرْحِهِ بِهِ)، نَصَّ عليه
(4)
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لِعَدِيٍّ: «ما رَمَيتَ بالمِعْراض فَخَرَقَ؛ فَكُلْهُ، وإنْ أصابَه بعَرْضِهِ؛ فلا تَأكُلْه» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(5)
.
(فَإِنْ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ؛ لَمْ يُبَحْ
(6)
؛ لِأنَّه وَقِيذٌ، فيَدخُلُ في عُمُومِ الآيَةِ، وسواء كان بشَبَكةٍ أوْ فَخٍّ أوْ بُندُقَةٍ، ولو شَدَخَتْه
(7)
، نَقَلَهُ الميْمُونِيُّ
(8)
.
(وَإِنْ صَادَ بِالمِعْرَاضِ)، قال في «المشارِق»:(هو خَشَبَةٌ مُحدَّدةُ الطَّرَف، وقِيلَ: فيه حديدةٌ)
(9)
؛ (أُكِلَ مَا قَتَلَ بِحَدِّهِ)، قال أحمدُ: المِعْراضُ يُشْبِه السَّهْمَ، يُحذَفُ به الصَّيدُ، فربَّما أصاب الصَّيدَ بحَدِّه، فخَرَقَ، فهو مُباحٌ
(10)
. (دُونَ عَرْضِهِ)؛ للخبر، وفي «التَّرغيب» و «المستوعب»: ولم يَجرَحْه، وهو ظاهِرُ نصوصه؛ لِأنَّه وَقِيذٌ، وهو قَولُ الأكْثَر.
(1)
قوله: (فصل) سقط من (م).
(2)
في (م): مجرد.
(3)
في (م): للمحدود.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2250، مسائل عبد الله ص 273.
(5)
أخرجه البخاري (175)، ومسلم (1929)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(6)
في (ن): بنقله لم تبح.
(7)
قوله: (ولو شدخته) سقط من (م). قال في المصباح 1/ 307: (شدختُ رأسه شدخًا، من باب نفع: كسرته).
(8)
ينظر: الفروع 10/ 411.
(9)
ينظر: مشارق الأنوار 2/ 72.
(10)
ينظر: مسائل عبد الله ص 273، زاد المسافر 4/ 22.
وحُكْمُ الصَّوَّان
(1)
الَّذي له حَدٌّ كالمعراض
(2)
.
(وَإِنْ نَصَبَ مَنَاجِلَ
(3)
أَوْ سَكَاكِينَ، وَسَمَّى عِنْدَ نَصْبِهَا، فَقَتَلَتْ صَيْدًا؛ أُبِيحَ) إذا جَرَحَه، رُوِيَ عن ابن عمرَ
(4)
، وقاله الحَسَنُ وقَتادةُ؛ لِأنَّ النَّصْبَ جَرَى مَجْرَى المباشَرَة في الضَّمان، فكذا في الإباحة.
وقال الشافعي: لا يباح
(5)
بحالٍ
(6)
، كما لو نَصَبَ سِكِّينًا فذَبَحَتْ شاةً، ولِأنَّه لو رَمَى سَهْمًا، وهو لا يرى
(7)
صَيدًا، فَقَتَلَ صَيدًا؛ لم يَحِلَّ، وهذا أَوْلَى.
وجَوابُه: قَولُه عليه السلام: «كُلْ ما رَدَّتْ
(8)
عَلَيكَ يَدُكَ»
(9)
، ولِأنَّه قَتَلَ الصَّيدَ بما له حَدٌّ، جَرَت العادةُ بالصَّيد به، أشْبَهَ ما لو رَماهُ.
(1)
الصوَّان، بالتشديد: ضرب من الحجارة، فيها صلابة. ينظر: المصباح المنير 2/ 352، تاج العروس 35/ 319.
(2)
في (م): كالمراض.
(3)
في (م): مناجيل.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (19708)، عن مسروق: سئل عن صيد المناجل قال: «إنها تقطع من الظباء والحمر فيبين منه الشيء وهو حي» فقال ابن عمر رضي الله عنهما: «ما أبان منه وهو حي فدعه، وكل ما سوى ذلك» .
(5)
قوله: (لا يباح) سقط من (م).
(6)
ينظر: الأم 2/ 257.
(7)
في (م): لا يرمي.
(8)
في (م): ردته.
(9)
أخرجه أبو داود (2852)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (18883)، من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه مرفوعًا:«إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه، وكل ما ردت عليك يداك» ، وفي سنده: داود بن عمرو الدمشقي، وثقه ابن معين، وقال أحمد:(حديثه مقارب)، وقال أبو زرعة:(لا بأس به)، وقد تفرد بهذا الحديث، ولذا حكم بنكارته الذهبي والألباني، وحسنه ابن عبد الهادي.
وأخرجه أحمد (17748)، من طريق يونس بن سيف الكلاعي، عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني، عن أبي ثعلبة الخشني، بلفظ:«كل ما ردت عليك يدك» ، وسنده صحيح، وأخرجه ابن ماجه (3211)، من طريق ضمرة بن ربيعة، عن الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه:«كل ما ردت عليك قوسك» ، وضمرة بن ربيعة قال ابن حجر:(صدوق يهم قليلاً)، وله طرق أخرى عن بعض الصحابة بمعناه. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 626، ضعيف سنن أبي داود 2/ 385.
وفارَقَ ما إذا نَصَبَ سِكِّينًا، فإنَّ العادةَ لم تَجْرِ بالصَّيد بها، وإذا رمَى سَهْمًا وهو لا يَرَى صَيدًا؛ فلَيسَ ذلك بمعتاد
(1)
، والظَّاهِرُ أنَّه لا يُصيب
(2)
صَيدًا، فلم يَصِحَّ قَصْدُه، بخِلافِ هذا.
وقِيلَ: تحلُّ
(3)
مُطلَقًا.
فإنْ بان منه عُضْوٌ؛ فحُكْمُه حُكْمُ البائنِ بضربة
(4)
الصَّائد، وحَيثُ حلَّ؛ فظاهِرُه يَحِلُّ، ولو ارتَدَّ أو مات
(5)
.
(وَإِنْ قُتِلَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ؛ لَمْ يُبَحْ إِذَا
(6)
غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ السَّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ)، كذا عبَّر به في «الهداية» و «المذهب» و «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه اجْتَمَعَ مُبِيحٌ ومُحرِّمٌ، فَغُلِّبَ المحرِّمُ، وكسَهْمَيْ مُسلِمٍ ومَجُوسِيٍّ، ولِأنَّه يُخافُ مِنْ ضَرَرِ السَّمِّ.
فَعَلَى هذا: إنْ لم يَغلِبْ على ظَنِّه أنَّ السَّمَّ أعانَ على قَتْلِه؛ فهو مُباحٌ.
وفي «الكافي» وغَيرِه: إذا اجْتَمَعَ في الصَّيد مُبِيحٌ ومُحرِّمٌ، مِثْل أنْ يَقْتُلَه بِمُثَقَّلٍ ومحدَّد
(7)
، أوْ بِسَهْمٍ مَسمُومٍ وغَيرِه، إلى آخِرِه؛ لَم يُبَحْ؛ لقَولِه عليه السلام:
(1)
في (ن): معناه.
(2)
في (م): لا يصيبه.
(3)
في (م): يحل.
(4)
في (ن): فضربة.
(5)
في (م): ومات.
(6)
في (م): إن.
(7)
في (م): ومحدود.
«وإنْ وَجَدَتْ مَعَهُ غَيرَه فلا تأكُلْ»
(1)
، وبأنَّ الأصْلَ الحَظْرُ، فإذا شَكَكْنا في المبيحِ؛ رُدَّ إلى أصْلِه.
ونَقَلَ ابنُ مَنصورٍ: إذا عَلِمَ أنَّه أَعَانَ؛ لم يأكل
(2)
، قال في «الفروع»: ولَيسَ هذا في كلامِ أحمدَ بمُرادٍ.
وفي «الفُصول» : إذا رُمِيَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ؛ لم يُبَحْ، لَعَلَّ السَّمَّ أعانَ عليه
(3)
، فهو كما لو شَارَكَ السهم
(4)
تغريقٌ بالماء
(5)
.
(وَلَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ
(6)
فَقَتَلَهُ؛ لَمْ يَحِلَّ)؛ لِأنَّه يَغلِبُ على الظَّنِّ مَوتُه بالمشارِكِ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ مُوحِيًا؛ كَالذَّكَاةِ، فَهَلْ يَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:
أشْهَرُهما، واخْتارَها الخِرَقِيُّ: أنَّه يحرم
(7)
؛ لِأنَّه اجْتَمَعَ مُبِيحٌ ومُحرِّمٌ، أشْبَهَ المتولِّدَ بَينَ مأكولٍ وغَيرِه.
والثَّانية: يَحِلُّ، وجَزَمَ به أكثرُ الأصْحابِ؛ لِأنَّه قد صار في حُكْمِ الميِّتِ بالذَّبح
(8)
.
وجَوابُه: قَولُه عليه السلام: «فإنْ وَجَدْتَه غريقًا
(9)
في الماء فلا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(10)
،
(1)
أخرجه البخاري (175)، ومسلم (1929)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(2)
في (ن): لم تأكل. وينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4036.
(3)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(4)
قوله: (السهم) سقط من (م).
(5)
في (م): الماء.
(6)
قوله: (شيء) سقط من (ظ) و (ن). والمثبت موافق لما في نسخ المقنع الخطية.
(7)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(8)
في (م): بالجرح. وكتب في هامش (ن): (صوابه بالجرح)، والمثبت موافق للمغني 9/ 380، والشرح الكبير 27/ 373.
(9)
قوله: (غريقًا) سقط من (م).
(10)
أخرجه البخاري (5484)، ومسلم (1929)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، وهذا اللفظ لمسلم، وللبخاري:«وإن وقع في الماء فلا تأكل» .
وهذا ظاهِرُ قَولِ ابنِ مَسْعُودٍ، رواهُ سعيدٌ، وإسْنادُه ثِقاتٌ
(1)
.
ولا خِلافَ في تحريمه إذا كانت الجِراحُ غَيرَ مُوحِيَةٍ.
ويُسْتَثْنَى من ذلك: ما لو وقع
(2)
في الماء على وَجْهٍ لا يَقتُلُه، مِثْل أنْ يكونَ رأسُه خارجًا من الماء
(3)
، أوْ يكونَ مِنْ طَيرِ الماء الَّذي لا يَقتُلُه الماء
(4)
، أوْ كان التَّرَدِّي لا يَقتُلُ مِثْلَ ذلك الحيوان، فلا
(5)
خِلافَ في إباحته
(6)
؛ لِأنَّ التَّرَدِّيَ والوُقوعَ إنَّما حُرِّمَ خَشْيَةَ أنْ يكونَ قاتِلاً، أوْ مُعِينًا على القَتْلِ، وهذا مُنتفٍ
(7)
هُنا.
(وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ)، أوْ على شَجَرةٍ، أوْ جَبَلٍ، ولو عبَّرَ بالعُلُوِّ لَعَمَّ، (فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ؛ حَلَّ)؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ زهوق
(8)
رُوحِه بالرَّمْي، لا بالوُقُوع.
وعَنْهُ: يحلُّ
(9)
بجُرْحٍ مُوحٍ، جَزَمَ به في «الرَّوضة»؛ لقوله تعالى:{وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المَائدة: 3].
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (18942)، عن مسروق، قال: قال عبد الله رضي الله عنه: «إذا رمى أحدكم صيدًا فتردى من جبل فمات فلا تأكلوا؛ فإني أخاف أن يكون التردي قتله أو وقع في ماء فمات فلا تأكله فإني أخاف أن يكون الماء قتله» . وسنده صحيح. ولم نقف عليه عند سعيد بن منصور في كتبه.
(2)
في (م): دفع.
(3)
قوله: (على وجه لا يقتله، مثل أن يكون رأسه خارجًا من الماء) سقط من (م).
(4)
قوله: (الذي لا يقتله الماء) سقط من (ن).
(5)
في (م): ولا.
(6)
ينظر: المغني 9/ 380.
(7)
في (م): متفق.
(8)
في (ن): الزهوق.
(9)
في (ظ): تحل.
وجَوابُه: أنَّ سُقوطَه لا يُمكِنُ الاِحْتِرازُ عنه
(1)
، فَوَجَبَ أنْ يَحِلَّ، كما لو أصابه فَوقَعَ على جنبه
(2)
، والماءُ يُمكِنُ الاِحْتِرازُ عَنْهُ بخِلافِ الأرض.
(وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَغَابَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ غَيْرُ سَهْمِهِ؛ حَلَّ) في الأشْهَر عن أحمدَ، وهو الأصحُّ؛ لحديثِ عمرو
(3)
بن شُعَيبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّه: أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، أفْتِنِي في سَهْمِي، قال
(4)
: «ما رَدَّ عَلَيكَ سَهْمُكَ فكُلْ» ، قال: فإنْ تَغَيَّبَ عنِّي؟ قال: «وإنْ تَغَيَّبَ عنك، ما لم تَجِدْ فيه غَيرَ سَهْمِك» رواهُ أبو داودَ
(5)
، ولِأنَّ جُرْحَه بسَهْمِه سببُ إباحَتِه، وقد وُجِدَ يَقِينًا، والمعارِضُ له مشكوكٌ فيه، وكما لو وَجَدَه بفَمِ كَلْبِه، أوْ وهو
(6)
يَعْبَثُ به، أوْ سَهْمهُ فيه.
ولا فَرْقَ
(7)
بَينَ أنْ تكونَ الجِراحةُ مُوحِيَةً أوْ لا، وَجَدَه مَيِّتًا في يَومِه أوْ فِي غَيرِه، لكِنْ لو غابَ قَبْلَ تَحقُّقِ الإصابة، ثمَّ وَجَدَه عَقِيرًا وَحْدَه، والسَّهْمُ والكَلْبُ ناحِيَةً؛ لم يُبح
(8)
.
(وَعَنْهُ: إِنْ كَانَتِ الْجِرَاحُ مُوحِيَةً؛ حَلَّ)؛ لِأنَّه إذا كان كذلك؛ ظَهَرَ إسْنادُ
(1)
قوله: (عنه) مكانه بياض في (م).
(2)
في (م): خشبة.
(3)
في (م): عمر.
(4)
في (م): فقال.
(5)
أخرجه أبو داود (2857)، والدارقطني (4797)، من طريق حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وأخرجه النسائي (4296) من وجه آخر، وصححه ابن عبد الهادي وابن الملقن، وأعله البيهقي وابن حزم. ينظر: المحلى 6/ 156، المحرر (748)، نصب الراية 4/ 313، البدر المنير 9/ 241.
(6)
في (م): هو.
(7)
قوله: (ولا فرق) مكانه بياض في (م)، وزاد في (ظ): فيه.
(8)
في (ظ): لم تبح.
الزُّهوقِ إلَيهِ، (وَإِلَّا فَلَا)؛ أيْ: إذا لم يكن
(1)
مُوحِيًا؛ لم يَظْهَرْ إسْنادُ الزُّهوق إلَيهِ.
(وَعَنْهُ: إِنْ وَجَدَهُ فِي يَوْمِهِ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا)؛ لمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ، قال: «إذا رَمَيتَ فأَقْعَصتَ
(2)
فكُلْ، وإنْ رميت
(3)
فوَجَدَتْ فيه سَهْمَكَ مِنْ يَومك أوْ لَيلتِك؛ فكُلْ، وإنْ غاب عَنْكَ؛ فلا تأكُلْ؛ لأنَّك
(4)
لا تَدْرِي ما حدث
(5)
بعدَكَ»
(6)
.
لا يُقالُ: الأوَّلُ مُطْلَقٌ، وهذا مُقَيَّدٌ، فيُحمَلُ عَلَيهِ؛ لِأنَّه مبِّينٌ
(7)
له، وقد جاء مُصرَّحًا به في حديثِ عَدِيٍّ مَرفُوعًا، قال:«إذا رَمَيتَ الصَّيدَ فَوَجْدَتَه بَعْدَ يَومَينِ، لَيسَ فيه إلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ؛ فكُلْ»
(8)
.
وعَنْهُ: إنْ غاب مُدَّةً قريبةً؛ حلَّ، وإلَّا فلا.
ونَقَلَ ابنُ منصورٍ: إنْ غاب نهارًا؛ حلَّ، لا لَيلاً
(9)
، قال ابنُ عَقِيلٍ وغَيره: لِأنَّ الغالِبَ مِنْ
(10)
حالِ اللَّيل تَخطُّفُ الهوامِّ.
(1)
قوله: (لم يكن) في (م): كان.
(2)
في (م): فأفضعت.
(3)
في (م): رميته.
(4)
قوله: (لأنك) سقط من (ن).
(5)
في (م): حدثك.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (19681) والبيهقي في الكبرى (18902)، عن حفص بن غياث، عن الأجلح، عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما، وذكره.
وأخرجه عبد الرزاق (8455)، عن الأعمش، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو صحيح عنه، وروي مرفوعًا أخرجه الطبراني في الكبير (12370)، وضعفه البيهقي.
(7)
في (ن): يتبين.
(8)
أخرجه بهذا اللفظ البخاري (5484)، ولمسلم (1929):«فإن غاب عنك يومًا، فلم تجد فيه إلا أثر سهمك؛ فكل إن شئت» .
(9)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3988.
(10)
في (ن): في.
وعَنْهُ: يُكرَهُ أكْلُ ما غَابَ.
(وَإِنْ وَجَدَ بِهِ غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِهِ، مِمَّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ؛ لَمْ يُبَحْ)، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
؛ للأخبار، وكما لو وجد
(2)
مع كَلْبه كَلْبًا سِواهُ، ولم
(3)
يَعْتَبِرُوا هنا بالظَّنِّ؛ كالسَّهْم المسْمُومِ.
قال في «الفروع» : ويتوجَّهُ التَّسْوِيَةُ لِعَدَم الفَرْق، وأنَّ المرادَ بالظَّنِّ الاِحْتِمالُ.
فأمَّا إنْ كان الأَثَرُ مِمَّا لا يَقتُلُ مِثْلُه، فهو مباح
(4)
؛ لِأنَّ هذا يُعْلَمُ أنَّه لم يَقْتُلْه.
فرعٌ: إذا غاب قَبْلَ عَقْرِه، ثُمَّ وَجَدَ سَهْمَه أوْ كَلْبَه عليه
(5)
؛ ففي «المنتخب» و «المغْنِي» : أنَّه حلالٌ. وعَنْهُ: يَحرُمُ؛ كما لو وَجَدَ سَهْمَه أوْ كَلْبَه ناحية
(6)
، وظاهر
(7)
رواية الأثرم
(8)
وحنبلٍ: حِلُّه، وجزم
(9)
به في «الرَّوضة»
(10)
.
(وَإِنْ ضَرَبَهُ فَأَبَانَ مِنْهُ
(11)
عُضْوًا، وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ؛ لَمْ يُبَحْ مَا أَبَانَ
(1)
ينظر: زاد المسافر 4/ 22.
(2)
في (ن): وجده.
(3)
في (م): لم.
(4)
في (م): يباح.
(5)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(6)
قوله: (ناحية) سقط من (م).
(7)
قوله: (وظاهر) في (ظ): وهو ظاهر.
(8)
في (م): «المنتخب» .
(9)
في (م): جزم.
(10)
ينظر: الفروع 10/ 415.
(11)
قوله: (منه) سقط من (م).
مِنْهُ)، هذا المذْهَبُ، لقوله عليه السلام:«ما أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ»
(1)
.
وعَنْهُ: إنْ ذُكِّيَ؛ حَلَّ البائنُ، وإنْ كثُرَ؛ كبقيَّتِه.
وإنْ قَطَعَه قِطْعَتَينِ، أوْ قَطَعَ رأسَه؛ حَلَّ الجميعُ.
فإنْ لم يبق
(2)
فيه حياةٌ مُعتَبَرةٌ؛ فرِوايَتانِ:
أشْهَرُهما: إباحَتُهما، رُوِيَ عن عليٍّ
(3)
.
والثَّانِيَةُ: لا يُباحُ ما أبان منه؛ لعمومِ الخَبَرِ.
والأوَّلُ المذْهَبُ؛ لِأنَّ ما كان ذكاةً لبَعضِه؛ كان ذكاةً لجَمِيعِه، كما لو قَدَّهُ نِصفَينِ، والخَبَرُ يَقْتَضِي أنْ يكونَ الباقِي حَيًّا حتَّى يكونَ المنفَصِلُ منه مَيِّتًا.
(وَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ؛ حَلَّ) روايةً واحدةً؛ لِأنَّه لم يَبِنْ.
(وَإِنْ أَبَانَهُ وَمَاتَ فِي الْحَالِ؛ حَلَّ الْجَمِيعُ) على المشهور؛ كما لو قَطَعَه قِطْعَتَينِ.
(وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ مَا أَبَانَ مِنْهُ)؛ للخبر، ولأنَّ ما أُبِينَ منه لا يَمنَعُ بَقاءَ الحياة في العادة، فلم يُبَح
(4)
؛ كما لو أدركه الصَّيَّادُ وفيه حياةٌ مُستَقرَّةٌ.
وجوابُه سَبَقَ، بدليلِ المذبوح، فإنَّه ربَّما بَقِيَ ساعةً، وربَّما مَشَى حتَّى يَموتَ، ومع هذا هو حلالٌ.
(وَإِنْ أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ حُوتٍ) ونحوِه، (وَأَفْلَتَ حَيًّا؛ أُبِيحَ مَا أَخَذَ مِنْهُ)؛ لِأنَّ
(1)
سبق تخريجه 1/ 97 حاشية (4).
(2)
في (ظ): لم تبق.
(3)
لم نقف عليه صريحًا، وقد أخرج ابن أبي شيبة (19700)، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال:«إذا ضُرب الصيد فبان عضو لم يأكل ما أبان، وأكل ما بقي» ، وإسناده ضعيف، الحارث هو الأعور، وهو ضعيف الحديث.
(4)
قوله: (فلم يبح) سقط من (م).
أقصى ما فيه أنَّه مَيِّتةٌ، وميتَتُه حلالٌ؛ للخَبَر
(1)
.
تذنيبٌ: قال أحمدُ: لا بأْسَ بصَيدِ اللَّيل
(2)
، قال يزيدُ بنُ هارونَ: ما عَلِمْتُ أحدًا كَرِهَه.
ولم يَكرَهْ أحمدُ صَيدَ الفِراخ الصِّغار من أوْكارها
(3)
.
وفي «المستوعب» : لا بأْسَ بصَيدِ الصَّيد
(4)
الوحْشِيِّ باللَّيل من غَيرِ أوْكارها، ويُكرَه في غَيرِها.
وقال الحسَنُ: (لا بأْسَ بالطَّريدة، كان المسلمون يَفعَلون ذلك في مَغازيهم)
(5)
، واسْتَحْسَنَه أبو عبد الله، ومَعْناها: أنْ يَقَعَ الصَّيدُ بَينَ القَومِ، فيَقطَعُ كلٌّ منهم قطعةً
(6)
بسَيفه، حتَّى يُؤتَى على آخِرِه وهو حيٌّ، قال: ولَيسَ هو عِنْدِي إلَّا أنَّ
(7)
الصَّيدَ يقع
(8)
بَينَهم لا يَقدِرون على ذكاته، ويأخُذونَه قِطَعًا
(9)
، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
(1)
وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه: مرفوعًا: «هو الطَّهور ماؤه الحل ميتته» وتقدم تخريجه 1/ 29 حاشية (1).
(2)
ينظر: زاد المسافر 4/ 27.
(3)
ينظر: المغني 9/ 381.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وهو الموافق لما في المستوعب 2/ 497، وفي الإرشاد ص 383: الطير.
(5)
أخرجه أحمد كما في المغني (9/ 382)، حدثنا هشيم، عن منصور، عن الحسن به. وأخرج ابن أبي شيبة (19705)، حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، في رجل ضرب صيدًا فأبان منه يدًا أو رِجلاً وهو حي، ثم مات، قال:«يأكل، ولا يأكل ما أبان منه إلا أن يضربه فيقطعه، فيموت من ساعة، فإذا كان ذلك فليأكله كله» .
(6)
قوله: (قطعة) سقط من (م).
(7)
زاد في (ظ): يصيد.
(8)
قوله: (يقع) سقط من (م).
(9)
ينظر: زاد المسافر 4/ 15.
(وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُحَدَّدٍ؛ كَالْبُنْدُقِ، وَالْحَجَرِ) الَّذي لا حَدَّ له، (وَالْعَصَا، وَالشَّبَكَةِ، وَالْفَخِّ؛ فَلَا يُبَاحُ مَا
(1)
قَتَلَهُ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه، إلَّا عن الحسن
(2)
، ورَوَى شُعْبةُ، عن سُفْيانَ بن
(3)
عُيَينةَ، عن عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عن سعيد بنِ المسيِّب، قال عَمَّارٌ: «إذا رَمَيتَ بالحَجَر، أو المعراض
(4)
، أو البُندُقَة، فذَكَرْتَ اسمَ الله؛ فكُلْ وإنْ قَلَّ»
(5)
.
وجَوابُه: قَولُه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
…
(3)} الآية [المائدة: 3].
(لِأَنَّهُ وَقِيذٌ)؛ لِأنَّه قَتَلَه بغَيرِ مُحدَّدٍ، فَوَجَبَ ألَّا يُباحَ؛ كما لو ضَرَبَ شاةً بعَصا فماتَتْ، قال ابنُ قُتَيبةَ: (الموْقُوذةُ: التي تُضرَبُ حتَّى تُوقِذَ؛ أي: تشرف
(6)
على الموت)
(7)
، قال قتادةُ:«كانوا يَضرِبونها بالعَصَا، فإذا ماتَتْ أكَلُوها»
(8)
.
دليلُ الأكْثَر: ما رَوَى سعيدٌ، ثنا أبو مُعاوِيَةَ، ثنا الأعْمَشُ، عن إبراهيمَ، عن عَدِيٍّ مرفوعًا: «إذا رَمَيتَ فسَمَّيتَ فخَرَقَتْ؛ فكُلْ، وإنْ لم تخرق
(9)
فلا تأكُلْ، ولا تَأكُلْ من المِعْراض إلَّا ما
(1)
قوله: (ما) سقط من (ن).
(2)
ينظر: المغني 9/ 383.
(3)
في (م): عن.
(4)
في (م): والمعراض.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (8524)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (6/ 151)، عن ابن عيينة به، وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة (19730)، من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن سعيد، عن عمار. هكذا جاء في المطبوع:(عمرو بن سعيد)، وهو كذلك في التوضيح لابن الملقن 26/ 335، ولعله تصحف من (عن) إلى (بن).
(6)
في (م): يشرف.
(7)
ينظر: غريب القرآن ص 140.
(8)
ينظر: تفسير الطبري 8/ 57.
(9)
في (ظ): لم يخرق.
ذَكَّيتَ، ولا تأكُلْ من البُندُقَة إلَّا ما ذَكَّيْتَ»، ورواهُ أحمدُ أيضًا، وإبراهيمُ لم يَلْقَ عَدِيًّا
(1)
، قال في «المغْنِي»: ولو شَدَخَه أوْ خَرَقَه، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
.
فائدةٌ: يُكرَه الصَّيدُ بمُثَقَّلٍ لا يَجرَحُ، وعن عبد الله بنِ مُغفَّلٍ قال: نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الخَذْفِ، وقال:«إنَّها لا تَصِيدُ صَيدًا، ولا تَنكَأُ عَدُوًّا، ولكِنَّها تَكْسِرُ السِّنَّ، وتَفْقَأُ العَينَ» أخرجاه
(3)
في «الصَّحِيحَينِ»
(4)
.
(النَّوْعُ
(5)
الثَّانِي: الْجَارِحَةُ، فَيُبَاحُ مَا قَتَلَتْهُ
(6)
إِذَا كَانَتْ مُعَلَّمَةً)؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المَائدة: 4]، قال ابنُ حَزْمٍ: (اتَّفَقُوا فيما إذا
(7)
قَتَلَه الكَلْبُ الذِي هو غَيرُ مُعلَّمٍ، وكُلُّ سَبُعٍ
(8)
من طَيرٍ أوْ ذِي أرْبَعٍ غَيرِ مُعلَّمٍ، ولم يُدْرَكْ فيه حياةٌ أصْلاً أنَّه
(9)
لا يَحِلُّ، ولو ذُكِّيَ)
(10)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (8530)، وأحمد (19392)، من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن عدي بن حاتم مرفوعًا، وإبراهيم النخعي لم يدرك عديًّا، قال ابن المديني:(إبراهيم النخعي لم يلق أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج أحمد في العلل (356)، عن ابن مهدي، عن سفيان قال: قلت للأعمش: حديث البندقة ليس من حديثك؟ قال: ما أصنع به لم يتركوني، قالوا: إن شعبة حدث به عنك. وأخرج البخاري (5477)، من حديث عديٍّ رضي الله عنه قال: إنا نرمي بالمعراض؟ قال: «كل ما خزق، وما أصاب بعرضه فلا تأكل» . ينظر: جامع التحصيل للعلائي ص 141.
(2)
ينظر: الفروع 10/ 411.
(3)
في (م): أخرجه.
(4)
أخرجه البخاري (5479)، ومسلم (1954).
(5)
في (م): الفرع.
(6)
في (م): قتله.
(7)
قوله: (إذا) سقط من (م).
(8)
في (م): ممتنع. وفي (ن): مسبع.
(9)
في (م): لأنه.
(10)
ينظر: مراتب الإجماع ص 145.
وحِينَئِذٍ ما قَتَلَتْه الجارحة
(1)
جَرْحًا، وعَنْهُ: وصَدْمًا، وخَنْقًا، اخْتارَه ابنُ حامِدٍ وأبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ فيُباحُ.
(إِلَّا الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ)، وهو ما لا بَياضَ فيه، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
، وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ والمؤلِّفُ: هو
(3)
الَّذي لا يُخالِطُ لَونَه لَوْنٌ سِواهُ، وقال ثَعْلَبٌ وإبراهيمُ الحربيُّ: (كلُّ لَونٍ لم يُخالِطْه لَوْنٌ آخَرُ فهو بَهِيمٌ، قِيلَ لهما
(4)
: مِنْ كلِّ لَونٍ، قالا: نَعَمْ)
(5)
، قال أحمدُ:(ما أعْلَمُ أحدًا يُرخِّصُ فيه)
(6)
؛ يَعْنِي: من السَّلَف.
(فَلَا يُبَاحُ صَيْدُهُ)، نَصَّ عَلَيهِ
(7)
؛ لِأنَّه عليه السلام أمَرَ بِقَتْلِه، وقال:«إنَّه شَيطانٌ» رواه مسلمٌ
(8)
، وهو العِلَّةُ، والسَّوادُ علامةٌ، كما يُقالُ: إذا رأيتَ صاحِبَ السَّلاح فاقْتُلْه، فإنَّه مُرتَدٌّ، فالعِلَّةُ الرِّدَّةُ.
ونَقَلَ إسْماعِيلُ بنُ سعيدٍ: الكراهةَ
(9)
، وأباحه الأكْثَرُ؛ لِعُمومِ الآيةِ والخَبَرِ، وكغَيرِه من الكِلاب.
(1)
قوله: (قتلته الجارحة) في (م): قتله.
(2)
ينظر: زاد المسافر 4/ 18.
(3)
في (ن): وهو.
(4)
في (م): لها.
(5)
ينظر: المغني 9/ 373.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3984.
(7)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3984، زاد المسافر 4/ 18.
(8)
أخرج مسلم (2233)، الأمر بقتل الكلاب في حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «اقتلوا الحيات والكلاب
…
» وأخرج (510)، من حديث أبي ذر في السترة أنه قال عليه السلام:«فإنه يقطع صلاته الحمار، والمرأة، والكلب الأسود» قلت: يا أبا ذر، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال:«الكلب الأسود شيطان» .
(9)
ينظر: الفروع 10/ 416.
والأوَّلُ المذْهَبُ.
وعَنْهُ
(1)
: ومِثْلُه في أحْكامِه ما بَينَ عَينَيهِ بَياضٌ، جَزَمَ به في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
ويَحرُمُ اقْتِناؤه كخنزيرٍ، قال جماعةٌ: يُقتَلُ، فدلَّ على وُجُوبِه، ونَقَلَ مُوسَى بنُ سعيدٍ: لا بأْسَ به
(2)
.
(وَالْجَوَارِحُ نَوْعَانِ):
(مَا يَصِيدُ بِنَابِهِ؛ كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ)، وفي «المُذهب» و «التَّرغيب»: والنمر
(3)
، (فَتَعْلِيمُهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إِذَا أُرْسِلَ، وَيَنْزَجِرَ إِذَا زُجِرَ)، لا في وَقْتِ رُؤيته للصيد
(4)
، قاله في «المغْنِي» وغَيره، (وَإِذَا أَمْسَكَ لَمْ يَأْكُلْ)؛ لقوله عليه السلام: «فإنْ أَكَلَ فلا تَأكُلْ، فإنِّي أخافُ أنْ يكون
(5)
إنَّما أمْسَكَ على نَفْسِه» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(6)
، ولِأنَّ العادةَ في المعلَّم تَرْكُ الأكْل، فكان شَرْطًا؛ كالاِنْزِجار إذا زُجِرَ، وهذا لم يَذْكُرْه الأدَمِيُّ البغداديُّ.
قال في «المغْنِي» : لا أحْسَبُ هذه الخِصالَ تُعتَبرُ في غَيرِ الكَلْب، فإنَّه الذي يُجِيبُ صاحِبَه إذا دَعاهُ ويَنزجِرُ إذا زُجِرَ، والفَهْدُ لا يكادُ يُجِيبُ داعيًا، وإنْ عُدَّ مُتعلِّمًا، فيكونُ التعليم
(7)
في حقِّه: بتَرْكِ الأكْلِ خاصَّةً، أوْ بما يَعُدُّه أهلُ العُرْف معلَّمًا
(8)
.
(1)
زاد في (ظ): بلى. والمثبت موافق للفروع 10/ 416، والإنصاف 27/ 388.
(2)
ينظر: الفروع 10/ 416.
(3)
في (م): في النمر.
(4)
قوله: (رؤيته للصيد) في (م): ولايته الصيد.
(5)
قوله: (أن يكون) سقط من (ن).
(6)
أخرجه البخاري (5476)، ومسلم (1929)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(7)
في (م) و (ن): بالتعليم.
(8)
في (ظ): متعلمًا.
(وَلَا يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُ ذَلِكَ مِنْهُ
(1)
، اخْتارَه الشَّريفُ أبو جعفرٍ وأبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّه تعلُّمُ صَنْعَةٍ، أشْبَهَ سائرَ الصَّنائع.
وقال القاضي: يُعتبر
(2)
تكرُّر
(3)
ذلك منه حتَّى يَصِيرَ في العُرف مُعلَّمًا، وأقلُّ ذلك ثلاثٌ، نَصَرَه في «المغْنِي» ؛ لِأنَّ تَرْكَ الأكْل يَحتَمِلُ أنْ يكونَ لِشِبَعٍ أوْ عارِضٍ، فيُعتَبَرُ تَكْرارُه، وحِينَئِذٍ يُعتَبَرُ ثلاثًا
(4)
؛ كالاِسْتِجْمار والأَقْراء والشُّهور في العِدَّة، والصَّنائع لا
(5)
يُمكَّنُ مِنْ فِعْلِها إلَّا مَنْ تَعَلَّمَها، وتَرْكُ الأكْل مُمكِنُ الوُجود من المتعلِّم وغَيرِه.
فَعَلَى هذا: يَحِلُّ في الرَّابعة، وقِيلَ: مَرَّتَينِ، فيحل
(6)
في الثالثة
(7)
.
(فَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ؛ لَمْ يَحْرُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَيْدِهِ)، روايةً واحدةً، قاله في «المستوعب» ، واقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الكافي» و «الشَّرح» ، وصحَّحه في «المحرَّر» ، وهو قَولُ أكْثَرهم؛ لِعُمومِ الآية والأخبار، ولِأنَّه قد وُجِدَ مع اجْتِماعِ شُروطِ التَّعليم فيه، فلا يحرم بالاِحْتِمال.
وقِيلَ: يَحرُمُ؛ لأِنَّه لو كان مُعلَّمًا ما أَكَلَ.
(وَلَمْ يُبَحْ مَا أَكَلَ مِنْهُ فِي إِحْدَى
(8)
الرِّوَايَتَيْنِ)، وهي الصَّحيحةُ؛ لقَولِه عليه السلام:«فإنْ أكَلَ فلا تَأكُلْ»
(9)
، ورواه
(10)
سعيدٌ، ثنا سُفْيانُ، عن
(1)
قوله: (منه) سقط من (م).
(2)
في (ن): بغير.
(3)
في (م): تكرار.
(4)
قوله: (ثلاثًا) سقط من (م).
(5)
في (م): ولا.
(6)
في (م): فتحل.
(7)
في (م): الثانية.
(8)
في (م): أحد.
(9)
تقدم تخريجه 10/ 20 حاشية (8). من حديث عدي رضي الله عنه.
(10)
في (م): رواه.
عمرو بن دينار، عن عَطاءٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ
(1)
، ورواهُ أيْضًا عن أبي هُرَيرةَ
(2)
.
وقِيلَ: حِينَ الصَّيد، جَزَمَ به ابنُ عَقِيلٍ.
وقِيلَ: قَبْلَ مُضِيِّه.
ولا يخرج
(3)
بأكْلِه عَنْ كَونِه مُعلَّمًا، فيُباحُ صَيدُه بَعْدَ ذلك، وفيه احْتِمالٌ.
(وَالْأُخْرَى: يَحِلُّ)، رُوِيَ عن سعد
(4)
، وسلمانَ
(5)
،
(1)
لم نقف عليه عند سعيد بن منصور، وأخرجه عبد الرزاق (8513)، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«إذا أكل الكلب المعلم، فلا تأكل منه؛ فإنما أمسك على نفسه» .
وأخرجه البيهقي في الكبرى (18882)، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، أن سلمان الفارسي رضي الله عنه كان يقول:«إذا أرسلت كلبك المعلم فأكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل ما بقي» ، وعن سعيد، عن قتادة، أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يكره ذلك ويقول:«لو كان معلَّمًا ما أكل» .
(2)
أخرجه ابن حزم (6/ 156)، من طريق ابن المبارك، حدثنا نصر بن إدريس، عن عمه قال: سألت أبا هريرة عن كلب أرسله؟ فقال لي وذمه: «فإذا أرسلته فسم الله تعالى، فإن أكل فلا تأكل» ، ونصر بن إدريس وعمه لم نعرف حالهما.
وهو عند البخاري (5476)، ومسلم (1929)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(3)
في (ن): ولا تخرج.
(4)
في (ن): سعيد.
أخرجه مالك (2/ 493)، بلغه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه سئل عن الكلب المعلم إذا قتل الصيد؟ فقال سعد: «كل وإن لم تبق إلا بضعة واحدة» وهو منقطع. وأخرجه البيهقي في الكبرى (18880)، من طريق شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن بكير بن عبد الله، عن سعد، قال:«كل وإن أكل نصفه» يعني الكلب. قال البيهقي: (وهذا أيضًا مرسل). أي منقطع بين بكير وسعد رضي الله عنه، وأخرجه ابن أبي شيبة (19589)، والطبري في التفسير (8/ 117)، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن حميد بن مالك قال: سألت سعد بن أبي وقاص قلت: إن لنا كلابًا ضواريَ، نرسلها على الصيد فتأكل وتقطع، فقال:«وإن لم يبق إلا بضعة» ، وحميد بن مالك ثقة.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (8518)، والطبري في التفسير (8/ 116)، والبيهقي في الكبرى (18882)، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن سلمان، قال في الكلب المعلم يأكل مما يمسك، قال:«كل وإن أكل ثلثيه» ، وقال الطبري:(في سماع سعيد عن سلمان نظر)، وتوقف ابن حجر في سماعه منه كما في التغليق 3/ 267.
وأبي هُرَيرةَ
(1)
، وابنِ عمرَ
(2)
، حكاهُ عنهم أحمدُ
(3)
، ولقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المَائدة: 4].
ولا حُجَّةَ فيها، مع أنَّ حديثَنا هو
(4)
المعْمُولُ به وأصَحُّ.
فلو شَرِبَ مِنْ دَمِه، ولم يَأكُلْ منه؛ لم يَحرُمْ، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، وفي «الانتصار»: مِنْ دَمِه الَّذي جرى
(6)
، وكَرِهَه الشَّعْبِيُّ والثَّورِيُّ.
(الثَّانِي: ذُو المِخْلَبِ؛ كَالْبَازِي، وَالصَّقْرِ، وَالْعُقَابِ، وَالشَّاهِينِ، فَتَعْلِيمُهُ بِأَنْ يَسْتَرْسِلَ إِذَا أُرْسِلَ، وَيُجِيبَ إِذَا دُعِيَ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَرْكُ الْأَكْلِ)؛ لقَولِ ابنِ عبَّاسٍ: «إذا أَكَلَ الكَلْبُ فلا تأكُلْ، وإنْ أكَلَ الصَّقْرُ فكُلْ» رواه الخَلاَّلُ
(7)
، ولِأنَّ تعليمَه بالأكل، ويَتعذَّرُ تَعلِيمُه بِدُونِه، فلم
(8)
يَقدَحْ في تعليمه، بخِلافِ الكَلْبِ.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (19591)، والطبري في التفسير (8/ 118)، من طريق الشعبي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«إذا أرسلت كلبك فأكل فكل، وإن أكل ثُلثيه» ، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه مالك (2/ 493)، وعبد الرزاق (8516)، والطبري في التفسير (8/ 119)، والبيهقي في الكبرى (18879)، من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«كل ما أكل منه كلبك المعلم، وإن أكل» ، وإسناده صحيح.
(3)
ينظر: زاد المسافر 4/ 20.
(4)
في (ن): وهو.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3982.
(6)
قوله: (الذي جرى) سقط من (م).
(7)
أخرجه عبد الرزاق (8514)، وأبو يوسف في الآثار (ص 241)، وابن حزم في المحلى (6/ 156)، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«إذا أكل الكلب المعلم، فلا تأكل، وأما الصقر والبازي فإنه إذا أكل أكل» ، وصححه ابن حزم.
(8)
في (م): ولم.
(وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرَحَ الصَّيْدَ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِصَدْمَتِهِ، أَوْ خَنْقِهِ
(1)
؛ لَمْ يُبَحْ)، قدَّمه في «الكافي» و «المستوعب» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقاله الأكثرُ؛ لِأنَّه قَتْلٌ بغَيرِ جَرْحٍ، أشْبَهَ ما لو قَتَلَه بالحَجَر والبُندُق.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُبَاحُ)؛ لِعُمومِ الآية والخبرِ.
والأول أَوْلَى؛ لِأنَّ العُمومَ فيهما
(2)
مخصوصٌ بما ذُكِرَ من الدَّليل الدالِّ على عَدَمِ إباحَتِه.
(وَمَا
(3)
أَصَابَهُ فَمُ الْكَلْبِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» ، وهما رِوايَتانِ في «الفروع»:
أحدُهما: يَجِبُ، قدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية» ، وصحَّحه في «المستوعب» ؛ كغيره من المَحالِّ.
والثَّاني: لا، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ اللهَ تعالى ورسولَه أمرَا
(4)
بأكْلِه، ولم يأمرَا
(5)
بغَسْلِه.
(1)
في (م): خنقته.
(2)
في (م): فيها.
(3)
في (م): وأما.
(4)
في (م): أمر.
(5)
في (م): ولم يأمر.
(فَصْلٌ)
(الثَّالِثُ: إِرْسَالُ الآْلَةِ قَاصِدًا لِلصَّيْدِ)، فَعَلَى هذا: لو سَقَطَ سَيفٌ مِنْ يَدِه عَلَيهِ، فعَقَرَه، أو احتكَّت
(1)
شاةٌ بشَفْرةٍ في يَدِه؛ لم يحلَّ
(2)
.
(فَإِنِ اسْتَرْسَلَ الْكَلْبُ، أَوْ غَيْرُهُ بِنَفْسِهِ؛ لَمْ يُبَحْ صَيْدُهُ) في قَولِ أكْثرِهم.
وقال عَطاءٌ والأوْزاعِيُّ: يُؤكَلُ إذا جَرَحَه الصَّائدُ.
وقال إسحاقُ: إذا سَمَّى عِنْدَ انْفِلاتِه؛ أُبِيحَ.
وروى بإسناده
(3)
عن ابن عمرَ: أنَّه سُئِلَ عن الكِلابِ تنفلت من
(4)
مَرابِطِها، فتَصِيدُ الصَّيدَ، قال:«إذا سمَّى فكُلْ»
(5)
، قال الخَلاَّلُ: هذا على مَعْنَى قَولِ أبي عبد الله.
وجوابُه: قَولُه عليه السلام: «إذا أرْسَلْتَ كَلْبَكَ المعلَّمَ، وذَكَرْتَ اسمَ الله عَلَيهِ؛ فكُلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(6)
، ولأِنَّ إرْسالَ الجارِحةِ جُعِلَ بمَنزلةِ الذَّبْح، ولهذا اعْتُبِرَت التَّسمِيَةُ معه.
(وَإنْ زَجَرَهُ)؛ أيْ: لم يَحِلَّ؛ لِأنَّ الزَّجْرَ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا عَنِ اسْتِرْسَالِ الصَّائِدِ بِنَفْسِهِ، (إِلَّا أَنْ يَزِيدَ عَدْوُهُ بِزَجْرِهِ؛ فَيَحِلُّ
(7)
؛ لِأنَّ زَجْرَه له أثَرٌ في عَدْوِه،
(1)
في (م): واختلف.
(2)
في (ظ): لم تحل.
(3)
في (م): بإسناد.
(4)
قوله: (تنفلت من) في (ن): تفصلت في.
(5)
لم نقف عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرج ابن أبي شيبة (19638)، من طريق حجاج قال: سألت عطاء، عن الكلاب تنفلت من مرابطها، فتقتل، قال:«لا بأس به» .
(6)
أخرجه البخاري (5476)، ومسلم (1929)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(7)
قوله: (فيحل) سقط من (م).
فصار كما لو أرْسَلَه؛ لِأنَّ فِعْلَ الآدَمِيِّ إذا انْضافَ إلى فِعْلِ البهيمة؛ كان الاِعْتِبارُ بفِعْلِ الآدَمِيِّ، بدليلِ ما لو عدا على
(1)
إنسان، فأغْراهُ آدَمِيٌّ فأصابَه؛ ضَمِنَ.
فلو أرْسَلَه بغَيرِ تسميةٍ، ثُمَّ سَمَّى وزجره
(2)
، فزاد عَدْوُه، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ: إباحتُه؛ لِأنَّه انْزَجَرَ بتسمِيَتِه
(3)
وزَجْرِه
(4)
، أشْبَهَ التي قبلها
(5)
.
وقال القاضي: لا؛ لِأنَّ الحُكْمَ تعلَّق بالإرسال الأوَّل، بخِلافِ ما إذا اسْتَرْسَلَ بنَفْسِه.
ونَقَلَ حرْبٌ: إنْ صادَ مِنْ غَيرِ أنْ يُرسِلَه لا يُعجِبُنِي، واحتجَّ: بأنَّه لم يَذكُر اسْمَ الله عَلَيهِ
(6)
.
وفي «الرَّوضة» : إنِ اسْتَرْسَل الطائرُ بنفسه، فصاد وقَتَلَ؛ حَلَّ وأُكِلَ منه، بخِلافِ الكلب.
(وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ إِلَى هَدَفٍ)، وهو كلُّ مُرتَفِعٍ مِنْ بِناءٍ، أوْ كَثِيبِ رَمْلٍ، أوْ جَبَلٍ، (فَقَتَلَ صَيْدًا، أَوْ أَرْسَلَهُ يُرِيدُ الصَّيْدَ، وَلَا يَرَى صَيْدًا؛ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ إِذَا قَتَلَهُ)؛ لِأنَّ قَصْدَ الصَّيد شَرْطٌ، ولم يُوجَدْ.
وقِيلَ: لا يَحرُمُ في السَّهْم.
(وَإِنْ رَمَى حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا، فَأَصَابَ صَيْدًا؛ لَمْ يَحِلَّ)، قدَّمه السَّامرِّيُّ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه لم يَقصِدْ صَيدًا على الحقيقةِ
(7)
، وكما لو أرْسلَه
(1)
في (ن): عليه.
(2)
قوله: (ثم سمى وزجره) سقط من (م).
(3)
في (م): بتسمية.
(4)
زيد في (م): ثم سمى.
(5)
قوله: (التي قبلها) في (ن): قتلها.
(6)
ينظر: زاد المسافر 4/ 19.
(7)
في (م): حقيقة.
على غَيرِ شَيءٍ، أوْ ظَنَّه أوْ عَلِمَه غَيرَ صَيدٍ فأصاب صَيدًا.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ
(1)
يَحِلَّ)، اختاره في «المغْنِي» ؛ لِأنَّ صِحَّةَ القَصْد تنبني
(2)
على الظَّنِّ، وقد وُجِدَ وصحَّ قَصْدُه، وكما لو رَمَى صَيدًا فأصاب غيره أو
(3)
هو وغَيرَه، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
، فإنْ شَكَّ هل هو صَيدٌ أمْ لا؛ لم
(5)
يُبَحْ؛ لِأنَّ صِحَّةَ القَصْدِ تنبني
(6)
على العِلْم، ولم يوجد
(7)
.
تتمةٌ
(8)
: إذا قَصَدَ إنسانًا أوْ حَجَرًا، أوْ رَمَى عَبَثًا غَيرَ قاصدٍ
(9)
صَيدًا، فَقَتَلَه؛ لم يَحِلَّ؛ لأِنَّه لم يَقصدْ صَيدًا؛ لكَونِ القَصْد لا يَتحقَّقُ إلَّا بعِلْمِه.
وإنْ ظَنَّه صيدًا
(10)
، فإذا هو صَيدٌ؛ حَلَّ، وإنْ ظنَّه كلبًا أوْ خِنْزيرًا؛ لم يُبَحْ.
قال في
(11)
«الرعاية» : وإنْ رَمَى ما ظنه
(12)
حجرًا أوْ آدَمِيًّا، فبان صَيدًا، أوْ رَمَى حَجَرًا ظَنَّه صَيدًا، فأصاب
(13)
صَيدًا، أوْ سَمِعَ حسًّا لَيلاً، أوْ رَأَى سَوادًا فأرْسَلَ عَلَيهِ جارِحةً أوْ سَهْمَه، فأصاب صَيدًا؛ فوَجْهانِ.
(1)
زيد في (م): لا.
(2)
في (م): ينبني.
(3)
قوله: (فأصاب غيره أو) هي في (م) و (ن): فأصابه.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 141.
(5)
في (م): ولم.
(6)
في (م): ينبني.
(7)
في (ن): ولم توجد.
(8)
في (ن): تنبيه.
(9)
في (ن): واحد.
(10)
زيد في (م): أو رمى حجرًا ظنه صيدًا فأصاب صيدًا.
(11)
قوله: (قال في) سقط من (ن). ومكانها بياض في (م).
(12)
قوله: (ما ظنه) سقط من (م).
(13)
في (ن): فأجاب.
وقِيلَ: إنْ ظَنَّه آدَمِيًّا مَعْصومًا، أوْ بهيمةً، أوْ حَجَرًا، فَقَتَلَه، فإذا هو صَيدٌ؛ لم يُبَحْ.
(وَإِنْ رَمَى صَيْدًا، فَأَصَابَ غَيْرَهُ؛ حَلَّ)، والجارِحُ كالسَّهْم في هذا، نَصَّ عليه
(1)
؛ لعمومِ الآية والخبر، ولِأنَّه أرسله
(2)
على صَيدٍ، فحلَّ ما
(3)
صاده، كما لو أرْسَلَها على كِبارٍ فتفرقت عن صِغارٍ، أوْ كما لو أخَذَ صَيدًا في طريقه.
(أَوْ رَمَى صَيدًا، فَقَتَلَ جَمَاعَةً؛ حَلَّ
(4)
؛ لأِنَّ شَرْطَ الحِلِّ قَصْدُ الصَّيد في الجملة، لا قَصْدُ الصَّيد بعَينه، وهو مَوجُودٌ فيهما.
(وَإِنْ أَرْسَلَ سَهْمَهُ عَلَى صَيْدٍ، فَأَعَانَتْهُ الرِّيحُ فَقَتَلَتْهُ
(5)
، وَلَوْلَاهَا مَا وَصَلَ
(6)
؛ حَلَّ)؛ لأنَّه
(7)
قَتَلَه بسَهْمِه ورَمْيِه، أشْبَهَ ما لو وَقَعَ سَهْمُه على حَجَرٍ، فردَّه على الصَّيد فَقَتَلَه، ولِأنَّ الإرْسالَ له حُكْمُ الحِلِّ، والرِّيحُ لا يُمكِنُ الاِحْتِرازُ عنها، فَسَقَطَ اعْتِبارُها.
(وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ؛ مَلَكَهُ)؛ لِأنَّه أزال امْتناعَه، أشْبَهَ ما لو قَتَلَه، (فَإِنْ تَحَامَلَ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ)؛ لأِنَّه مَلكَهُ فَلَزِمَه، كما يَلزَمُه ردُّ ملْكِ غَيرِه؛ كالشَّاة ونحوِها.
(وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ
(8)
، فَدَخَلَ خَيْمَةَ إِنْسَانٍ) أوْ غَيرَها، (فَأَخَذَهُ؛ فَهُوَ لآِخَذِهِ)؛ لِأنَّ الأوَّلَ لم يَملِكْه؛ لكَونِه مُمْتَنِعًا، فَمَلَكَه الثَّاني بأَخْذِه.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 141.
(2)
في (م): ولا أنه رسل.
(3)
في (م): إذا.
(4)
في (ظ): يحل، وزيد في (م): والجارح كالسهم.
(5)
في (م): فقتله.
(6)
في (م): ما وصلت.
(7)
في (م): لأن.
(8)
في (م): لم يثبتها.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ خَرَجَ منها، وإلَّا فلا.
وقِيلَ: هو لِصاحِبِ الخَيمة.
ولو نَصَبَ خَيْمةً للأخْذ؛ مَلَكَه، وإنْ مات فيها؛ فهو له.
فرعٌ: إذا رَمَى طَيرًا على شَجرةٍ في دارِ قَومٍ، فَطَرَحَه في دارهم فأخَذُوهُ؛ فهو للرَّامِي؛ لأِنَّه مَلَكَه بإزالةِ امْتِناعِه، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
وفي «عيون المسائل» : إنْ حَمَلَ نفسَه فَسَقَطَ خارِجَ الدَّار؛ فهو له، وإنْ سَقَطَ فيها؛ فهو لهم.
وفي «الرِّعاية» : لغَيرِه أخْذُه على الأصحِّ.
والمنصوصُ: أنَّه للمُوحِي.
(وَلَوْ وَقَعَ فِي شَبَكَتِهِ) أوْ فَخِّه أوْ شَرَكِه (صَيْدٌ)؛ فهو له؛ لِأنَّه أثْبَتَه بآلته.
(فَإِنْ خَرَقَهَا، وَذَهَبَ بِهَا، فَصَادَهُ آخَرُ؛ فَهُوَ لِلثَّانِي)؛ لِأنَّه لم يَمْلِكْه الأوَّلُ، وما معه لقطةٌ.
فإنْ كان يَمْشِي بالشَّبكة على وَجْهٍ لا يَقدِرُ على الاِمْتِناع؛ فهو لصاحبها، لكِنْ إنْ أمْسَكَه الصَّائدُ، وثَبَتَتْ يَدُه عَلَيهِ، ثُمَّ انْفَلَتَ منه؛ لم يَزُلْ ملكُه عنه؛ كما لو شردت
(1)
فَرَسُه، أوْ نَدَّ بعيرُه.
ويُسْتَثْنَى مِنْ ذلك: ما لو صاده فَوَجَدَ عَلَيهِ علامةً؛ كقِلادةٍ في عُنُقِه أوْ قُرْطٍ في أُذُنه.
فلو وَجَدَ طائرًا مَقْصوصَ الجَناح؛ فلُقطةٌ.
ويَملِكُ الصَّيدَ بإلْجائه إلى مَضِيقٍ يعجز
(2)
عن الإفلات
(3)
منه، وكذا إذا
(1)
في (ن): تردت.
(2)
في (ن): فعجز.
(3)
في (ظ): الانفلات.
وَقَعَ في دَبَق
(1)
يمنعه
(2)
الطَّيران.
(وَإِنْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ، فَوَثَبَتْ سَمَكَةٌ فَوَقَعَتْ فِي حِجْرِهِ؛ فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «المستوعب» و «الشَّرح» ؛ لِأنَّ السَّمَكَ من الصَّيد المباح، فمُلِكَت بالسَّبق إليها؛ كما لو فَتَحَ حِجْرَه للأخذ، زاد في «الوجيز»: ما لم تكن
(3)
السَّفينةُ مُعَدَّةً للصَّيد في هذا الحال.
وقيلَ: هو قَبْلَ أنْ يَأخُذَه على الإباحة، فيكون لمَنْ أَخَذَه.
ومُقتَضاهُ: أنَّها إذا وَقَعَتْ في السَّفينة؛ فهي لصاحبها؛ لِأنَّ السَّفينةَ ملْكُه، ويَدُه عَلَيها.
لكِنْ إنْ كانَت السَّمكةُ وثَبَتْ بفِعْلِ إنْسانٍ لِقَصْدِ الصيد
(4)
؛ فهي له دُونَ مَنْ وَقَعَتْ في حِجْرِه؛ لِأنَّ الصَّائدَ أثْبَتَها بذلك.
فرعٌ: إذا دَخَلَتْ ظَبْيةٌ دارَه، فأغْلَقَ بابَه وجَهِلَها، أو لم
(5)
يَقصدْ تملُّكها، ومِثْلُه إحْياءُ أرضٍ
(6)
بها كنزٌ؛ مَلَكَه، كنَصْبِ خيمته
(7)
.
وفي «التَّرغيب» : إنْ دَخَلَ الصَّيدُ دارَه فأغْلَقَ بابَه، أوْ بُرْجَه فسَدَّ
(8)
المنافِذَ، أوْ حَصَلَت السَّمكةُ في بِرْكَتِه فسَدَّ مَجْرَى الماء؛ فقِيلَ: يَملِكُه،
(1)
في (م): ربق.
(2)
في (ن): فمنعه.
(3)
في (م): لم يكن.
(4)
قوله: (لقصد الصيد) سقط من (م).
(5)
في (م): ولم.
(6)
في (م): الأرض.
(7)
في (م): خيمة.
(8)
في (ن): بسد.
وقِيلَ: إنْ سَهُلَ تناوله
(1)
منه
(2)
، وإلَّا كمتحجِّرٍ
(3)
للإحياء، ويَحتَمِلُ اعْتِبارُ قَصْدِ التَّملُّك بغَلْقٍ وسَدٍّ.
فعلى الأوَّل: ما يَبْنِيهِ النَّاسُ مِنْ الأبْرِجة، فيعشِّش
(4)
بها الطُّيورُ؛ يَملِكون الفِراخَ، إلَّا أنْ تكونَ الطُّيورُ مَمْلوكةً، فهِي لِأرْبابِها، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
.
ولو تحوَّلَ طَيرٌ من بُرْجِ زَيدٍ إلى بُرْجِ عَمْرٍو؛ لَزِمَ عمرًا
(6)
ردُّه، وإن اخْتَلَطَ ولم يَتمَيَّزْ؛ مُنِعَ عَمْرٌو من التَّصرُّف على وَجْهٍ يَنقُل الملْكَ حتَّى يَصطَلِحا، ولو باعَ أحدُهما الآخَرَ حقَّه، أوْ وَهَبَه؛ صحَّ في الأقْيَس.
(وَإِنْ صَنَعَ بِرْكَةً لِيَصِيدَ بِهَا السَّمَكَ؛ فَمَا حَصَلَ فِيهَا مَلَكَهُ)؛ لِأنَّها آلةٌ للصَّيد، قَصَدَ بها السَّمَكَ، فَمَلَكَه، وكما لو وَقَعَ في شبكته
(7)
، أوْ فخِّه
(8)
، أوْ مِنجَلٍ.
(وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا ذَلِكَ؛ لَمْ يَمْلِكْهُ
(9)
؛ كما لو توحَّل
(10)
الصَّيدُ في أرْضِه.
وفي «التَّرغيب» : ظاهِرُ كلامِه: يَملِكُه بالتوحُّل
(11)
.
(1)
في (م): بأوله.
(2)
زيد في (ن): وقيل.
(3)
قوله: (وإلا كمتحجر) في (م): والآخر كمتحيز للماء.
(4)
في (م): يتعشش، وفي (ن): فتعشش.
(5)
ينظر: الفروع 10/ 422.
(6)
قوله: (لزم عمرًا) سقط من (م).
(7)
في (ظ): شبكة.
(8)
في (ظ) و (م): فخ.
(9)
في (م): لم يملك.
(10)
في (م): حصل. وفي (ن): قد حلَّ.
(11)
في (ن): بالتوصل.
(وَكَذَلِكَ إِنْ حَصَلَ فِي أَرْضِهِ سَمَكٌ، أَوْ عَشَّشَ فِيهِ طَائِرٌ؛ لَمْ يَمْلِكْهُ)؛ لِأنَّ الأرضَ لَيسَتْ مُعدَّةً لذلك، أشْبَهَ البِرْكةَ الَّتي لم يُقصَدْ بها الاِصْطِيادُ، نَقَلَ صالِحٌ وحنبلٌ، فِيمَنْ صاد مِنْ نَخْلةٍ بدارِ قَومٍ: فهو له، فإنْ رماهُ بِبُندُقةٍ فَوَقَعَ فيها
(1)
فهو لأِهْلِها
(2)
.
(وَلِغَيْرِهِ أَخْذُهُ) على الأصحِّ، قالَهُ في «الرِّعاية» ؛ كما يَجُوزُ له أخْذُ الماء والكَلَأ، ولِأنَّه باقٍ على الإباحة الأصلية، لكِنْ يَأثَمُ بدُخولِها بِدُونِ إذْنِ ربِّها.
وقِيلَ: مُسْتَأْجِرُها أَوْلَى مِنْ ربِّها.
والمنصوصُ: أنَّه للمُؤْجِر
(3)
.
(وَيُكْرَهُ صَيْدُ السَّمَكِ بِالنَّجَاسَةِ)، قدَّمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لمَا فيه من أكْلِ السَّمَك للنَّجاسة، فتصير
(4)
كالجَلاَّلة.
وعنه: يَحرُم، قدَّمه في «الفُروع» ، ونقله
(5)
الأكثرُ، وقال: اسْتَعِنْ عَلَيهِم بالسُّلطان
(6)
.
وفي «المبهج» : فيه وبمحرَّم
(7)
رِوايَتانِ.
وكَرِهَ أحمدُ الصَّيدَ ببَناتِ وَرْدَانَ، وقال: مأواها
(8)
الحُشوشُ
(9)
، وكذا بالضَّفادِع.
(1)
قوله: (فيها) سقط من (م).
(2)
ينظر: زاد المسافر 4/ 26، الفروع 10/ 422.
(3)
ينظر: الفروع 10/ 423.
(4)
في (ظ): فيصير.
(5)
زيد في (ن): عن.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 141، مسائل عبد الله ص 268، زاد المسافر 4/ 28.
(7)
في (ن): ومحرم.
(8)
في (م): ماؤها.
(9)
ينظر: المغني 9/ 387.
وبنات وردان: نوع من الخنافس، أكثر ما تكون في الحمامات والسقايات. ينظر: حياة الحيوان 2/ 552، تاج العروس 9/ 292.
(وَصَيْدُ الطَّيْرِ بِالشَّبَاشِ)، وهُو طائرٌ تُخاطُ عَينَيه ويُربَطُ؛ لِأنَّ فيه تعذيبًا للحيوان.
وكذا يُكرَه مِنْ وَكْرِه
(1)
، أطْلَقَه في «التَّرغيب» وغَيره، لا بليلٍ، وظاهِرُ روايةِ ابنِ القاسِمِ: لا
(2)
، كالفَرْخِ منه.
ولا
(3)
بما يُسكِرُ، نَصَّ على ذلك
(4)
.
وفي «مختصر ابن رزين» : يُكرَه بلَيلٍ.
فائدةٌ: لا بأْسَ بشبكةٍ، وفَخٍّ، ودبق
(5)
، قال أحمدُ: وكلِّ حيلةٍ
(6)
.
وذَكَرَ جماعةٌ: يُكرَه بمُثَقَّلٍ كبُندُقٍ، وكره
(7)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين الرَّمْي به مُطلَقًا؛ لِنَهْيِ عُثْمانَ
(8)
.
(1)
زيد في (م): ما.
(2)
ينظر: الفروع 10/ 428.
(3)
في (م): لا.
(4)
ينظر: الفروع 10/ 428.
(5)
في (م): وربق.
(6)
ينظر: زاد المسافر 4/ 28، الفروع 10/ 428.
(7)
في (ظ) و (ن): ذكره. والمثبت موافق للفروع 10/ 428.
(8)
ينظر: جامع المسائل - المجموعة السابعة ص 302.
أخرجه ابن عساكر في التاريخ (39/ 228) من طريق سيف بن عمر، عن عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبيه، قال:«أوّل منكرٍ ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا وانتهى سمن الناس: طيران الحمام والرّميُ على الجلاهقات، فاستعمل عليها عثمان رضي الله عنه رجلاً من بني ليث سنة ثمان فقصّها، وكسر الجُلاهقات» ، وسيف بن عمر التميمي: ضعيف الحديث، عمدة في التاريخ، قال الذهبي:(هو كالواقدي). الجُلاهقات: البندق المعمول من الطين، وهو فارسي. ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 255، تاريخ الإسلام 4/ 641، المصباح المنير ص 106.
ونَقَلَ ابن
(1)
منصورٍ: لا بَأْسَ ببَيعِ البُندُق، يُرمَى به الصَّيدُ، لا للعَبَث
(2)
.
وقال ابنُ هُبَيرةَ: هو معصيةٌ.
فلو مَنَعَه الماءَ حتَّى صاده؛ حَلَّ أكْلُه، وحرَّمه في «الرِّعاية» .
ونقل
(3)
حنبلٌ: لا يُصادُ الحَمامُ إلَّا أنْ يكونَ وَحْشِيًّا
(4)
.
(وَإِذَا أَرْسَلَ الصَّيْدَ، وَقَالَ: أَعْتَقْتُكَ؛ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ) في ظاهر المذهب، وذَكَرَه ابنُ حَزْمٍ إجْماعًا
(5)
؛ كبهيمةِ الأنعام، وكانْفِلاته، أوْ نَدَّ أيَّامًا، ثُمَّ صادَه آخَرُ، نَصَّ عَلَيهِ
(6)
، ولِأنَّ الإرْسالَ والإعْتاقَ لا يُوجِبُ زَوالَ ذلك، قال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَجُوزُ أعتقتك في حَيَوانٍ مأْكُولٍ؛ لأِنَّه فِعْلُ الجاهِلِيَّةِ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَزُولَ، وَيَمْلِكَهُ
(7)
مَنْ أَخَذَهُ)؛ لِأنَّ الأصْلَ الإباحةُ، والإرْسالُ يَرُدُّه إلى أصْلِه، بخِلافِ بهيمةِ الأنعام، ولِأنَّ الإرسالَ هنا بعيدٌ، وهو ردُّ الصَّيد إلى الخلاص من أيدي الآدميين، ولهذا رُوِيَ عن أبي الدَّرداء:«أنَّه اشْتَرَى عُصْفُورًا مِنْ صبِيٍّ، فأطْلَقَه»
(8)
، ولأِنَّه يَجِبُ إرْسالُه على المحْرِم إذا أحْرَمَ، بخِلافِ بهيمةِ الأنعام.
قال بعضُ أصْحابِنا: العِتْقُ إحْداثُ قُوَّةٍ تصادف الرِّقّ، وهو ضعفٌ
(9)
(1)
قوله: (ابن) سقط من (م).
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2986.
(3)
زيد في (م): ابن.
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 26.
(5)
ينظر: مراتب الإجماع ص 162.
(6)
ينظر: الفروع 10/ 429.
(7)
في (ظ): وملكه.
(8)
سبق تخريجه 5/ 14 حاشية (4).
(9)
في (ن): ضعيف.
شرعيٌّ يَقُومُ بالمحلِّ
(1)
، فيَمنَعُه عن دفع
(2)
يد الاِسْتِيلاء عنه، والرِّقُّ غَيرُ المالِيَّة.
(1)
في (م): بالمجمل.
(2)
قوله: (دفع) سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(الرَّابِعُ: التَّسْمِيَةُ
(1)
في الجملة؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعَام: 121]، وللأخبار، (عِنْدَ إِرْسَالِ السَّهْمِ أَوِ الْجَارِحَةِ)؛ لِأنَّ ذلك هو الفِعْلُ الموجودُ من المرْسِلِ، فاعْتُبِرت التَّسمِيَةُ عِنْدَه؛ كما تعتبر
(2)
عِنْدَ الذَّبْح، وذَكَرَ جماعةٌ: أوْ قَبْلَه قريبًا، فُصِلَ بكَلامٍ أوْ لا.
(فَإِنْ تَرَكَهَا؛ لَمْ تُبَحْ
(3)
، سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا
(4)
فِي ظَاهِرِ المَذْهَبِ)، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ، وذَكَرَ القاضي في «الخلاف»: أنَّه المذْهَبُ الصَّحيحُ، وأنَّه رواهُ الجماعةُ، للآية والأخبار
(5)
.
والفَرْقُ بَينَ الصَّيد والذَّبِيحة: أنَّ الذَّبْحَ وَقَعَ في مَحلِّه، فجاز أنْ يُسامَحَ فِيهِ، بخِلافِ الصَّيد، ولأِنَّ في الصَّيد نُصوصًا خاصَّةً، ولِأنَّ الذَّبِيحةَ تَكثُرُ ويَكثُرُ النِّسْيانُ فيها.
(وَعَنْهُ: إِنْ نَسِيَهَا عَلَى السَّهْمِ؛ أُبِيحَ)؛ لقوله عليه السلام: «عُفِيَ لِأُمَّتِي
(6)
الخطأ والنِّسيان»
(7)
، (وَإِنْ نَسِيَهَا عَلَى الْجَارِحَةِ؛ لَمْ تُبَحْ)، والفَرْقُ بَينَهما: أنَّ السَّهْمَ آلةٌ حقيقةً، ولَيسَ له اخْتِيارٌ، بخِلافِ الحَيَوان، فإنَّه يَفعَلُ باخْتِياره.
(1)
كتب في هامش (ظ): (ولو بغير العربية، لا من أخرس).
(2)
في (ظ) و (م): يعتبر.
(3)
في (ظ) و (م): لم يبح.
(4)
في (م): سهوًا أو عمدًا.
(5)
في (م): وللأخبار، وفي (ن): والاختيار.
(6)
زاد في (ظ): عن.
(7)
سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).
وعنه: تسقط
(1)
مع السَّهو مُطلَقًا، ذَكَرَه ابنُ حَزْمٍ إجْماعًا
(2)
، قال الخَلاَّلُ: سَهَا حنبلٌ في نَقْلِه.
وعَنْهُ: سُنَّةٌ، نقل
(3)
الميْمُونِيُّ
(4)
: الآيةُ في الميْتَة، وقد رخَّص أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في أكْلِ ما لم يُسَمَّ عَلَيهِ
(5)
.
وعَنْهُ: يَختَصُّ المسْلِمُ باشْتِراطها، ونَقَلَ حنبلٌ عَكْسَهَا
(6)
؛ لِأنَّ المسلِمَ فيه اسْمُ الله، ولَيسَ جاهِلٌ كَنَاسٍ؛ كالصَّوم، ذكره
(7)
في «المنتخب» ، وسَبَقَ ما يتعلَّق بذلك.
مسألةٌ: إذا سَمَّى على سَهْمٍ، ثُمَّ ألْقاهُ وأخَذَ غَيرَه؛ لم يُبَحْ ما صاد به، جَزَمَ به في «الشَّرح» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّه لمَّا لم يُمكِن اعْتِبارُ التَّسمِيَة على صَيدٍ بعَينِه؛ اعْتُبِرتْ على الآلة التي يَصِيدُ بها، بخِلافِ الذَّبيحة.
وقِيلَ: يباح
(8)
؛ كما لو سمَّى على سِكِّينٍ، وأخَذَ غَيرَها
(9)
.
(1)
في (م): يسقط.
(2)
لم نجده في كتب ابن حزم، بل ذكر في المحلى 6/ 153 خلافه، وأنها لا تسقط بالنسيان، والذي في الفروع 10/ 399 حكاية الإجماع عن ابن جرير. ينظر: تفسير ابن جرير 9/ 529.
(3)
في (م): نقله.
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 9.
(5)
سبق تخريجه 9/ 780 حاشية (2).
(6)
ينظر: أحكام أهل الملل ص 363.
(7)
في (م): وذكره.
(8)
في (م): تباح.
(9)
كتب في هامش (ن): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(كِتَابُ
(1)
الْأَيْمَانِ)
وهي جَمْعُ يَمِينٍ، واليَمِينُ القَسَمُ، والجَمْعُ: أيْمُنٌ وأيْمانٌ، سُمِّيَ بذلك؛ لِأنَّه كان أحدُهم يَضرِبُ يَمِينَه على يَمِينِ صاحِبِه.
فاليمين
(2)
: تَوكِيدُ الحُكْم بذِكْرِ مُعظَّمٍ، على وجهٍ
(3)
مخصوصٍ، فهي جملةٌ خَبَريَّةٌ يُؤكَّد بها أخْرى، وهما كشرطٍ وجَزاءٍ.
والأصْلُ فيها الإجماعُ
(4)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ} [المَائدة: 89]، وقَولُه:{وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النّحل: 91]، والسُّنَّةُ شهيرةٌ بذلك، منها قَولُه عليه السلام لعَبدِ الرَّحمن بنِ سَمُرةَ:«إذا حَلَفْتَ على يمينٍ فرأيتَ غَيرَها خَيرًا منها؛ فأْتِ الَّذي هو خَيرٌ، وكفِّرْ عن يمينك» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(5)
.
وَوَضْعُها في الأصل لتأكيد
(6)
المحْلُوفِ عَلَيهِ؛ لقوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يُونس: 53]، و {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التّغَابُن: 7].
ويَصِحُّ مِنْ كلِّ مُكلَّفٍ، مُختارٍ، قاصِدٍ لليَمِينِ.
ولا يَصِحُّ مِنْ غَيرِ مُكلَّفٍ؛ للخبر
(7)
، ولِأنَّه قَولٌ يَتعلَّق به حقٌّ؛ فلم يَصِحَّ مِنْ غَيرِ مُكلَّفٍ كالإقرار، وفي الممَيِّز وَجْهٌ، قالَهُ في «المُذهب» .
(1)
في (م): باب.
(2)
في (م): واليمين.
(3)
في (م): ذكر.
(4)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 114، مراتب الإجماع ص 158.
(5)
أخرجه البخاري (6622، 6722)، ومسلم (1652).
(6)
في (م): التأكيد.
(7)
مراده كما في المغني 9/ 487 حديث: «رفع القلم عن ثلاث» ، وسبق تخريجه 1/ 448 حاشية (1).
وفي السَّكْران وَجْهانِ، بِنَاءً على التَّكليف وعَدَمِه، قاله في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وبَناهُ في «الكافي» على طلاقه.
ويصحُّ
(1)
من الكافر، وتلزمه
(2)
الكفَّارة بالحنث، نَصَّ عَلَيهِ في مَواضِعَ، وقاله جَمْعٌ.
وقال أبو ثور وأصحاب الرأي
(3)
: لا تَنْعَقِدُ يَمِينُه؛ لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التّوبَة: 12]، ولِأنَّه لَيسَ بمُكلَّفٍ.
(4)
، ولأنَّه
(5)
من أهْلِ القَسَم؛ لقوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المَائدة: 106]، قال القاضي في «الخلاف»: ولا خِلافَ أنَّه يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ الحاكم، وكلُّ مَنْ صحَّتْ يمينُه عِنْدَ الحاكم؛ صحَّتْ منه عند الاِنْفِرادِ؛ كالمسلم.
وعن الآية: أنَّهم لا يَفُون
(6)
بها؛ لقوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التّوبَة: 13]، ولا نُسلِّم أنَّه غَيرُ مُكلَّفٍ.
(وَالْيَمِينُ) تنقسمُ
(7)
خمسةَ أقْسامٍ:
واجِبٌ: كالتي يُنجِّي بها إنسانًا مَعْصُومًا من هَلَكَةٍ، وكذا إنْجاءُ نَفْسِه، مِثْلَ أنْ تَتوَجَّهَ
(8)
أيْمانُ القسامة في
(9)
دَعْوَى القَتْل عَلَيهِ، وهو بَرِيءٌ.
(1)
في (ظ): ويصح.
(2)
في (م): ويلزمه.
(3)
قوله: (أبو ثور وأصحاب الرأي) سقطت من (م) و (ن). وفي الشرح الكبير 27/ 423: الثوري وأصحاب الرأي. وجعل أبا ثور ممن قال بالقول الأول.
(4)
أخرجه البخاري (2043، 6697)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5)
في (م): لأنه.
(6)
في (م): لا ينوب.
(7)
في (م): ينقسم.
(8)
في (م) و (ن): يتوجه.
(9)
في (ن): من.
ومَندُوبٌ: كحَلِفٍ يتعلَّق
(1)
به مصلحةٌ، مِنْ إصْلاحٍ بَينَ مُتخاصِمَينِ.
وإنْ حَلفَ على فِعْلِ طاعةٍ، أوْ تَرْك
(2)
معصيةٍ؛ فَقِيلَ: هو
(3)
مندوبٌ؛ لِأنَّ ذلك يَدْعُوهُ إلى فِعْلِ الطَّاعة وتَرْكِ المعْصِيَة.
وقِيلَ: لا؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصْحابَه لم يكونوا يَفْعَلونَه في الأَغْلَب، ولو كان طاعةً لم يُخِلُّوا به، ولِأنَّ ذلك يَجْرِي مُجْرَى النَّذْر.
ومُباحٌ: كالحَلِف على فِعْلِ مُباحٍ، أوْ تَرْكِه
(4)
، والحَلِفِ على الخبر بشيءٍ هو صادِقٌ فيه، أوْ يظنُّ
(5)
أنَّه صادِقٌ.
ومكروهٌ: كالحَلِفِ على تَرْكِ مَكروهٍ
(6)
، ولا يَلزَمُ حديثُ الأعرابيِّ:«والذي بعثك بالحقِّ لا أَزِيدُ على هذا ولا أنْقُصُ»
(7)
؛ لِأنَّ اليمينَ على تَرْكها لا يَزيد
(8)
على تَرْكِها، ولو تَرَكَها لم يُنكَرْ عَلَيهِ، ومنه: الحَلِفُ على البيع والشِّراء.
وحَرامٌ: وهو الحَلِفُ الكاذِبُ، ومنه: الحَلِفُ على معصيةٍ، أوْ تَرْكِ واجِبٍ.
ومتى كانَت اليمينُ
(9)
على فِعْلِ واجِبٍ، أوْ تركِ
(10)
مُحرَّمٍ، فحَلُّها حرامٌ.
(1)
في (م): تتعلق.
(2)
في (م): وترك.
(3)
قوله: (هو) سقط من (م).
(4)
في (م): وتركه.
(5)
في (م): ويظن.
(6)
كتب في هامش (ن): (صوابه على فعل مكروه أو ترك مندوب).
(7)
حديث الأعرابي المشار إليه: أخرجه مسلم (12) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه قصة.
(8)
في (ن): لا تزيد.
(9)
قوله: (اليمين) سقط من (ن).
(10)
في (م): وترك.
وإنْ كانَتْ على مندوبٍ، أوْ تَرْكِ مكروهٍ؛ فحَلُّها مكروهٌ.
وإنْ كانَتْ على مُباحٍ؛ فحَلُّها مُباحٌ، قال في «الرِّعاية»: وحِفْظُ اليمين أَوْلَى.
وإنْ كانت على
(1)
فِعْلِ مَكْروهٍ، وتَرْكِ مندوبٍ؛ فحَلُّها مَندوبٌ.
وإنْ كانَتْ على فِعْلِ مُحرَّمٍ، أوْ تَرْكِ واجِبٍ؛ فَحَلُّها واجِبٌ.
(الَّتِي تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ) بشَرْطِ الحِنْث؛ (هِيَ الْيَمِينُ بِاللهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ)؛ لِأنَّ اليمينَ إذا أُطلِقَتْ تَنصرِفُ إلَيهِ، ولِأنَّ صِفاتِ الله تعالى قديمةٌ، فكان الحَلِفُ بها مُوجِبًا للكفارة
(2)
، كالحَلِفِ بالله تعالى، وكوَجْهِ الله تعالى، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، وعَظَمَتِه، وإرادته، وقدرته
(4)
، وعِلْمِه.
(وَأَسْمَاءُ اللهِ تَعَالَى قِسْمَانِ):
(أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، نَحْوُ: وَاللهِ، وَالقَدَيمِ
(5)
الْأَزَلِيِّ، وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ
(6)
شَيْءٌ، وَالآْخِرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَخَالِقِ الْخَلْقِ، وَرَازِقِ الْعَالَمِينَ)، وكذا ربُّ العالَمين، ومالِكِ يَومِ الدِّين، وربُّ السَّماوات والأرض، (فَهَذَا الْقَسَمُ بِهِ يَمِينٌ بِكُلِّ حَالٍ)، نَوَى به اليمينَ أوْ لَا؛ لِأنَّ اليمينَ بذلك صريحٌ في مَقْصوده، فلم يَفتَقِرْ إلى نِيَّةٍ؛ كصَريح الطَّلاق ونحوِه.
(وَالثَّانِي: مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَإِطْلَاقُهُ يَنْصَرِفُ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ كَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْعَظِيمِ، وَالْقَادِرِ، وَالرَّبِّ، وَالمَوْلَى، وَالرَّازِقِ
(7)
، فهذا إِنْ نَوَى
(1)
قوله: (على) سقط من (م).
(2)
في (م): فكان موجب الحلف الكفارة.
(3)
ينظر: زاد المسافر 4/ 464.
(4)
قوله: (وقدرته) سقط من (ن).
(5)
في (م): القديم.
(6)
في (م): كمثله.
(7)
في (ن): والولي والرزاق ونحوه.
بِالقَسَمِ
(1)
بِهِ اسْمَ اللهِ تَعَالَى، أَوْ أَطْلَقَ
(2)
؛ فَهُوَ يَمِينٌ)؛ لأِنَّه بإطْلاقه يَنصَرِفُ إلَيهِ، (وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ؛ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ)؛ لِأنَّه يُسْتَعْمَلُ فِي غَيرِه، قال الله تعالى:{ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يُوسُف: 50]، و {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يُوسُف: 42]، {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النِّسَاء: 8]، {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التّوبَة: 128]، ومثل
(3)
: رحمان اليمامة، ورجلٍ رحيمٍ، والموْلَى المعتِق
(4)
، والقادِرِ باكْتِسابه، والعالِمِ في البَلَد، ورازِقُ الجُنْد؛ لِأنَّه لمَّا أراد به غَيرَه؛ لم يَبقَ يمينًا؛ لِعَدَمِ تَناوُلِه لِمَا يُوجِبُ القَسَم.
وفي «المغْنِي» و «الكافي» : أنَّ الرَّحْمَنَ من القِسْم الأوَّل
(5)
، قال في «الشَّرح»: وهو أَوْلَى؛ لِأنَّ ذلك إنَّما يُسمَّى به غَيرُ الله مُضافًا؛ كقولهم في مُسَيْلِمَةَ: رَحْمانُ اليَمامَة.
والَّذي ذَكَرَه المؤلِّفُ هنا أوْرَدَه السَّامَرِّيُّ وابنُ حَمْدانَ مَذْهَبًا.
وذَكَرَ القاضي في «الخلاف» و «التَّعليق» : أنَّه إذا قال: والرَّبِّ، والخالِقِ، والرَّازِقِ، لا فَعَلْتُ كذا، وأطْلَقَ، ولم يَنْوِ اليَمِينَ؛ أنَّه يُخرَّجُ على رِوايَتَيْ: أُقْسِمُ.
وقِيلَ: يمينٌ مُطلَقًا، وقاله طَلحةُ العاقُوليُّ
(6)
.
(وَأَمَّا مَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسْمَائِهِ)، ولا يَنصَرِفُ إطْلاقُه إلَيهِ ويَحتَمِلُه؛
(1)
في (م): به القسم.
(2)
في (م): الحلف.
(3)
في (م): وقيل.
(4)
في (م): للمعتق.
(5)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(6)
هو: طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد بن الحسين الكندي العاقولي، الفقيه، القاضي أبو البركات، سمع من القاضي أبي يعلى، كان عارفًا بالمذهب، حسن المناظرة، مات سنة 512 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 1/ 310، المقصد الأرشد 1/ 455.
(كَالشَّيْءِ، وَالمَوْجُودِ)، والحيِّ، والعالِمِ، والمؤمِنِ، والكريمِ، والشَّاكرِ؛ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ اللهَ تَعَالَى؛ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا)؛ لِأنَّ الحَلِفَ الَّذي تَجِبُ به الكَفَّارةُ لم يُقصَدْ، ولا اللَّفْظُ ظاهِرٌ في إرادته، فَوَجَبَ ألَّا يترتَّب
(1)
عَلَيهِ ما يَترتَّبُ على الحَلِف بالله تَعالَى.
(وَإِنْ نَوَاهُ كَانَ يَمِينًا) على المذْهَب؛ لِأنَّه يَصِحُّ أنْ يُقسِمَ بشَيءٍ يَصِحُّ أنْ يُرادَ به اللهُ تعالى قاصِدًا به الحَلِفَ، فكان يمينًا مُكفَّرةً؛ كالملِكِ، والقادِرِ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَكُونُ
(2)
يَمِينًا أَيْضًا)؛ لِأنَّ اليمينَ إنَّما تَنعَقِدُ بحُرْمةِ الاِسْمِ، فَمَعَ الاِشْتِراك لا يكُونُ له حُرْمَةٌ، والنِّيَّةُ المجَرَّدةُ لا تَنعَقِدُ بها اليمينُ.
وجَوابُه: أنَّه أقْسَمَ باسْمِ الله
(3)
تعالى قاصِدًا الحلف
(4)
به، فكان يمينًا، وما انعقدت
(5)
بالنِّيَّة المجَرَّدة، وإنَّما انعقدت
(6)
بالاِسْم المحْتَمِلِ المرادِ به اسْمُ الله تعالَى، فإنَّ النِّيَّةَ تَصْرِفُ اللَّفْظَ إلى بَعْضِ مُحتَمَلاته، فيصير
(7)
كالمصرَّح به؛ كالكِنايات.
(وَإِنْ قَالَ: وَحَقِّ اللهِ، وَعَهْدِ اللهِ، وَايْمُ اللهِ، وَأَمَانَةِ اللهِ
(8)
، وَمِيثَاقِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَعَظَمَتِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وَجَلَالِهِ، وَعِزَّتِه
(9)
، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ يَمِينٌ)، وفِيهِ مَسائِلُ:
(1)
في (ن): ترتب.
(2)
في (م): لا يكون.
(3)
قوله: (باسم الله) في (م): بالله.
(4)
في (ن): للحلف.
(5)
في (م): انعقد.
(6)
في (م): انعقد.
(7)
في (ن): فيعتبر.
(8)
في (م): وأمانته.
(9)
قوله: (وعزته) سقط من (ظ) و (م).
الأُولَى: إذا قال في حَلِفِه: وحقِّ الله؛ فهي
(1)
يمينٌ مُكفَّرةٌ، وقاله الأكْثَرُ؛ لِأنَّ للهِ حُقوقًا يَستَحِقُّها لنفسه، من البقاء، والعَظَمةِ، والجَلال، والعِزَّة، وقد اقْتَرَنَ
(2)
عُرْفُ الاِسْتِعْمالِ بالحَلِف بها، فيَنصرِفُ إلى صفةِ الله تعالى؛ كقَوله: وقُدْرةِ اللهِ.
الثَّانِيَةُ: إذا قال: وعهدِ الله، وكَفَالَته؛ فهي يمينٌ مُكفَّرةٌ؛ لأن عهد
(3)
الله يَحتَمِلُ كلامه
(4)
الذي أمَرَنَا به ونهانا؛ لقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ} [يس: 60]، وكلامُه قديمٌ صِفةٌ له، ويَحتَمِلُ أنَّه استحقاق
(5)
لمَا تَعَبَّدَنا به، وقد ثَبَتَ عُرْفُ الاِسْتِعْمال، فيَجِبُ أنْ يكونَ يمينًا بإطلاقه؛ كقوله: وكلامِ الله.
وإذا ثَبَتَ هذا: فإنَّه إذا قال: عليَّ عَهْدُ الله ومِيثاقُه لَأفْعَلَنَّ كذا؛ فهو يمين
(6)
، وفِيهِ رِوايَةٌ ذَكَرَها ابنُ عَقِيلٍ؛ لأِنَّ العَهْدَ مِنْ صِفاتِ الفِعْل، فلا يَكُونُ الحَلِفُ به يمينًا؛ كما لو قال: وخلقِ الله.
الثَّالثةُ: إذا قال: وايْمُ الله، فهي يمينٌ مُكفَّرةٌ في الأصحِّ؛ لِأنَّه عليه السلام كان يُقسِمُ به
(7)
، وانْضَمَّ إلَيهِ عُرْفُ الاِسْتِعْمال، فَوَجَبَ أنْ يُصْرَفَ إلَيهِ؛ كالحَلِفِ: لعَمْر الله
(8)
.
(1)
في (م): فهو.
(2)
في (ن): اقترن بها.
(3)
قوله: (لأن عهد) هو في (ظ): وعهد.
(4)
في (م): كلام الله.
(5)
في (م): استخلاف.
(6)
قوله: (فهو يمين) سقط من (ن).
(7)
مما ورد في ذلك: ما أخرجه مسلم (1688) من حديث عائشة رضي الله عنها، أن قريشًا أهمّهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت
…
وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وايم الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقتْ لقطعتُ يدها» .
(8)
في (ظ): بعمرو الله. وفي (ن): به والله.
وعَنْهُ: إنْ نَوَى اليمينَ، وإلَّا فَلَا، اختارها
(1)
أبو بكرٍ.
فائدةٌ: ايمٌ، كايْمُنٌ، وهَمْزَتُه هَمْزةُ وَصْلٍ، تُفتَحُ وتكسر
(2)
، ومِيمُه مَضْمومةٌ، وقالوا
(3)
: ايْمُنُ الله بضَمِّ الميم والنُّون، مع كَسْرِ الهمزة وفَتْحِها، وقال الكُوفِيُّونَ: ألِفُها أَلِفُ قَطْعٍ، وهي جَمْعُ يمينٍ، فكانوا يَحْلِفُونَ باليمين، فيَقُولُونَ: ويمين
(4)
الله، قاله أبو عُبَيدٍ
(5)
، وهو مُشْتَقٌّ من اليُمن
(6)
والبَرَكَة.
الرَّابِعةُ: إذا قال في حَلِفِه: وأمانةِ الله، فهِيَ يمينٌ مُكفَّرةٌ، نَصَّ عَلَيهِ
(7)
، ولا يَختَلِفُ المذْهَبُ فيه، إذا نَوَى صِفَةَ الله تعالى؛ لِمَا ذُكِرَ في عهد
(8)
الله.
الخامِسةُ: إذا قال في حَلِفِه: ومِيثاقِ الله، وقُدْرته؛ كعِلْمِ الله تعالى، فإنْ نَوَى القَسَم بالمعْلُوم والمقْدُور؛ فقدَّم في «الرِّعاية»: أنَّه لَيسَ يَمِينًا، والمنصوصُ: أنَّه يمينٌ
(9)
.
مسألةٌ: يُكرَه الحَلِفُ بالأَمانَةِ؛ لمَا رَوَى بُرَيدةُ مرفُوعًا، قال:«لَيسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بالأَمَانَة» رواه أبو داود، ورجالُه ثِقاتٌ
(10)
.
(1)
في (م): اختاره.
(2)
في (م): وبفتح وكسر، وفي (ن): بفتح وبكسر.
(3)
في (ن): وقال.
(4)
في (م): وايمن.
(5)
ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 5/ 447، المطلع ص 470.
(6)
في (ن): اليمين.
(7)
ينظر: زاد المسافر 4/ 465.
(8)
في (م): عبد.
(9)
ينظر: المغني 9/ 500.
(10)
أخرجه أحمد (22980)، وأبو داود (3253)، وابن حبان (4363)، والحاكم (7816) من طرق عن الوليد بن ثعلبة الطائي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه مرفوعًا به، وسنده صحيح، وقد صححه ابن حبان، والحاكم، والذهبي، والألباني، قال المنذري:(رواه أحمد بإسنادٍ صحيح). ينظر: الترغيب والترهيب للمنذري 3/ 59، الصحيحة (325).
السَّادِسةُ: إذا قال في قَسَمه: وعَظَمَةِ الله، وكِبْريائه، وجَلالِه؛ فهو يمينٌ مُكفَّرةٌ في قولهم جميعًا؛ كعِزَّةِ الله وعِلْمِه؛ لأِنَّ هذه من صفاتِ ذاته، لم يَزَلْ مَوصُوفًا بها، وقد وردت
(1)
الأَخْبارُ بالحَلِف بعِزَّةِ الله تَعَالَى.
(وَإِنْ قَالَ: وَالْعَهْدِ، وَالمِيثَاقِ، وَسَائِرِ ذَلِكَ)، أيْ: باقِيهِ، (وَلَمْ يُضِفْهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا)؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ غَيرَ الله تعالى، فلم يكُنْ يمينًا؛ كالشَّيء، والموجود، (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) بإطْلاقِه صفةَ الله تعالى، فيكُونُ يَمِينًا على المذْهَب؛ لِأنَّ النِّيَّةَ تَجْعَلُ العهدَ
(2)
ونحوَه كأمانَةِ الله تَعَالَى، ولِأنَّه حَلِفٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفاتِ الله تَعَالَى.
(وَعَنْهُ): بإطْلاقِه (يَكُونُ يَمِينًا)؛ لِأنَّ اللاَّمَ إذا كانَتْ للتَّعريف صَرَفَتْه إلى عَهْدِ الله تعالى، وإنْ كانَتْ لِلاِسْتِغْراق دَخَلَ فيه ذلك.
والأوَّلُ أشْهَرُ، وجَزَمَ به في «المستوعب» و «الوجيز» ؛ لأنَّه يَحتَمِلُ غَيرَ ما تجب
(3)
به الكَفَّارةُ، مَع أنَّ أحمدَ غلَّظَ أمر
(4)
العَهْدِ، وقال
(5)
: هو شديدٌ في عَشَرةِ مَواضِعَ مِنْ كتابِ الله تَعَالَى
(6)
، وحَلَفَتْ عائشةُ لا تُكلِّمُ ابنَ الزُّبَيرِ، فلمَّا كَلَّمَتْه أعْتَقَتْ أرْبَعِينَ رَقَبةً، وكانَتْ تَبْكِي حتَّى تَبُلَّ خِمارَها، وتَقُولُ:«واعَهْداهْ»
(7)
، قال: ويكفِّر
(8)
(1)
قوله: (وردت) سقط من (ن).
(2)
في (ن): للعهد.
(3)
في (م): يجب.
(4)
في (ن): أثر.
(5)
في (م): قال.
(6)
ينظر: زاد المسافر 4/ 464.
(7)
أخرجه البخاري (3505، 6073)، ولم يذكر هذه اللفظة، وذكرها أبو يعلى في الروايتين 3/ 51، وابن قدامة في المغني 9/ 506، ولم نقف عليها مسندة.
(8)
في (ظ): ويكفي.
إذا حَلَفَ بالعَهْد وحنث
(1)
بأكثر
(2)
مِنْ كفَّارةِ يَمِينٍ.
(وَإِنْ قَالَ: لَعَمْرُ
(3)
اللهِ؛ كَانَ يَمِينًا)، نَصَرَه القاضِي في «الخِلاف» ، وذَكَرَ أنَّه المذْهَبُ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه أقْسَمَ بصِفَةٍ مِنْ صِفاتِ اللهِ تَعَالَى، فهو كالحَلِفِ بِبَقاءِ الله تَعَالَى؛ كقوله تعالى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)} [الحِجر: 72]، وقال
(4)
الشاعر:
إذا رَضِيَتْ كِرام بني قشير
(5)
…
لعَمْرُ
(6)
الله أعْجَبَنِي رِضاهَا
(7)
إذ العمرُ - بفَتْحِ العَينِ وضَمِّها -: الحياةُ، واسْتُعْمِلَ في القَسَم المفْتوح خاصَّةً، واللَّامُ لِلاِبْتِداءِ، وهو مَرفُوعٌ بالاِبْتِداء، والخَبَرُ مَحذوفٌ وُجوبًا، تَقديرُه: قَسَمِي.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ)، هذا رِوايةٌ؛ لِأنَّه إنَّما يكُونُ يَمِينًا بتقديرِ خَبَرٍ مَحْذُوفٍ، فكأنَّه
(8)
قال: لَعَمْرُ
(9)
اللهِ ما أُقْسِمُ به، فيكون مَجازًا، والمجازُ لا يَنصَرِفُ إلَيهِ الإطْلاقُ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لِأنَّ احْتِياجَ الكلام إلى تقديرٍ لا يضر
(10)
؛ لِأنَّ اللَّفْظَ إذا
(1)
في (م): وحلف، وفي (ظ): وجبت.
(2)
في (ن): أكثر.
(3)
في (ظ) و (ن): لعمرو.
(4)
في (ن): قال.
(5)
في (ظ) و (م): بشير.
(6)
في (ظ) و (ن): لعمرو.
(7)
البيت للقحيف العقيلي. ينظر: أدب الكاتب ص 507، وفيه:(رضيت علي بنو) بدل (رضيت كرام).
(8)
في (م): فإنه، وفي (ن): بأنه.
(9)
في (ظ) و (ن): لعمرو.
(10)
في (ن): لا يصرع.
اشْتَهَرَ في العُرْف صار من الأسماء العُرْفِيَّة، فيُحمَلُ عَلَيهِ عِنْدَ الإطْلاقِ دُونَ مَوضُوعِه الأصْلِيِّ.
فرعٌ: إذا قال: لعمرك
(1)
الله، فقِيلَ: هو
(2)
مِثْلُ: نَشَدْتُكَ اللهَ، وإنْ قال: لَعَمْرُك، أوْ لَعَمْرِي، أوْ عَمْرَك؛ فلَيسَ بيمينٍ في قَولِ أكثرِهم؛ لِأنَّه أقْسَمَ بحَياةِ مَخلوقٍ.
ونَقَلَ الجُوزَجانيُّ: إذا قال: لَعَمْرِي؛ كان يمينًا، وقاله الحَسَنُ، فتَجِبُ به الكَفَّارةُ.
(وَإِنْ حَلَفَ بِكَلَامِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ بِالمُصْحَفِ، أَوْ بِالْقُرْآنِ)، أوْ آيةٍ منه؛ (فَهِيَ يَمِينٌ) في قَولِ عامَّتِهم؛ لِأنَّ القُرآنَ كلامُ الله تعالى وصِفَةٌ من صِفاتِ ذاته، فتَنعَقِدُ اليمينُ به، ولم يَكْرَهْ أحمدُ الحَلِفَ بالمصحف
(3)
؛ لِأنَّ الحالِفَ إنَّما قَصَدَ المكْتُوبَ فيه، وهو القُرآنُ، فإنَّه عِبارةٌ عمَّا بَينَ دَفَّتَي المصْحَف بالإجماع.
(فِيهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ)، قدَّمه الأئمَّةُ، منهم الجدُّ
(4)
، وهو قِياسُ المذْهَبِ، وقاله الأكْثَرُ؛ لِأنَّ الحَلِفَ بصِفاتِ اللهِ تَعَالَى، وتكرارَ اليمين بها؛ لا يُوجِبُ أكْثَرَ مِنْ كفَّارةٍ، فهذا أَوْلَى، وكسائرِ الأَيْمانِ.
(وَعَنْهُ: بِكُلِّ آيَةٍ كَفَّارَةٌ) إنْ قَدَرَ، قال في «الكافي»: هي المنصوصةُ عنه، واختارها
(5)
الخِرَقِيُّ، وهِي قَولُ الحَسَن؛ لمَا رَوَى مُجاهِدٌ مَرفوعًا:«مَنْ حَلَفَ بسُورةٍ من القُرآن؛ فعَلَيهِ بكلِّ آيةٍ كفَّارةٌ ويمينُ صَبْرٍ» رواهُ الأَثْرَمُ
(6)
،
(1)
في (م): لعمر، وفي (ن): لعمرو. والمثبت موافق للمغني 9/ 502.
(2)
قوله: (هو) سقط من (م).
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2432.
(4)
في (م): المجد.
(5)
في (م): واختاره.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (15948)، وابن أبي شيبة (12228)، من طرق عن ليث، عن مجاهد مرسلاً، وسنده مع إرساله ضعيف؛ فإن ليث بن أبي سليم ضعيف قد اختلط. ورُوي نحوه عن الحسن البصري مرسلاً، أخرجه البيهقي في الكبرى (19899).
ورواه بمَعْناهُ أبو نَصْرٍ السجزي
(1)
، وابنُ أبي داودَ في «فَضائلِ القرآن» ، مِنْ حديثِ أبي هُرَيرةَ
(2)
، ورُوِيَ عن ابنِ مَسْعودٍ أيضًا
(3)
، قال أحمدُ: ما أعْلَمُ شَيئًا يَدفَعُه
(4)
.
وعَنْهُ: يَجِبُ مُطْلَقًا.
وفي «الفصول» وَجْهٌ: بكُلِّ حَرْفٍ.
وفي «الرَّوضة» : مَنْ حَلَفَ بالمصحف فحَنِثَ؛ فكفَّارةٌ واحدةٌ، رَوايَةً واحدةً.
(1)
في (م): الشجري.
(2)
لم نقف على رواية ابن أبي داود، وقد أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3463) من طريق النضر بن عبد الجبار، حدثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن صفوان بن سليم، عن مكحول، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وسنده ضعيف، فإن عبد الله بن لهيعة المصري، ضعيف سيئ الحفظ.
(3)
أخرجه البيهقي في الكبرى (19902) من طريق سعيد بن منصور، حدثنا خالد بن عبد الله - الواسطي -، عن أبي سنان - ضرار الشيباني -، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن حنظلة بن خويلد العنبري، قال: خرجت مع ابن مسعود رضي الله عنه حتى أتى السُّدة - سدة بالسوق - فاستقبلها ثم قال: «إني أسألك من خيرها، وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها، وشر أهلها» ، ثم مشى حتى أتى درج المسجد، فسمع رجلاً يحلف بسورة من القرآن، فقال:«يا حنظلة أترى هذا يكفر عن يمينه، إن كل آية كفارة، أو قال: يمين» ، وسنده قويٌّ، ورجاله ثقات، وله طريق أخرجه البيهقي (19901)، من طريق سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن أبي كنف قال: بينما أنا أمشي مع ابن مسعود رضي الله عنه في سوق الدقيق إذ سمع رجلاً يحلف بسورة البقرة، فقال ابن مسعود: إن عليه لكل آية منها يمينًا، قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: قال عبد الله: «من حلف بالقرآن فعليه بكل آية يمين، ومن كفر بآية من القرآن فقد كفر به كله» ، ورجاله ثقات غير أبي كنف العبدي، فقد ذكره ابن أبي حاتم، وأنه روى عنه الشعبي وعبد الله بن مرة، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، فهو مجهول الحال.
(4)
في (ن): يرفعه. وينظر: المغني 9/ 516.
(وَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُ)، أوْ حلفتُ (بِاللهِ، أَوْ أَشْهَدُ بِاللهِ، أَوْ أُقْسِمُ بِاللهِ، أَوْ أَعْزِمُ بِاللهِ؛ كَانَ يَمِينًا) في قَولِ الأكْثَرِ، سَواءٌ نَوَى اليمينَ، أوْ أَطْلَقَ، ويَشْهَدُ لِذلكَ قَولُه تعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المَائدة: 106]، {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعَام: 109]، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النُّور: 6].
وقال عبدُ الله بنُ رَوَاحَةَ:
أقسمتُ
(1)
بالله لَتَنزِلِنَّهْ
…
طائعة أوْ لَتُكْرَهِنَّهْ
(2)
وأنْشَدَ أعْرابِيٌّ:
أُقْسِمُ بالله لَتَفْعَلَنَّه
(3)
ولِأنَّه لو قال: بالله، ولم يَذكُر الفعل؛ كان يمينًا، فإذا ضَمَّ إلَيهِ ما يُؤكِّدُه كان أَوْلَى، وحكاه
(4)
ابنُ هُبَيرةَ عن الأكْثَرِ في: أُقْسِمُ، وأشْهَدُ بالله.
(وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ
(5)
؛ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا)؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ القَسَمَ بالله، ويَحتَمِلُ القَسَمَ بغَيرِه، فلم يكن
(6)
يمينًا؛ كغَيرِه مِمَّا يحتملهما
(7)
، (إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ)؛ لِأنَّ النِّيَّةَ تَصْرِفُ اللَّفْظَ إلى القَسَم بالله، فيَجِبُ جَعْلُه يمينًا؛ كما لو صرَّح به، وقد ثَبَتَ له عُرْفُ الشَّرْع والاِسْتِعْمال.
(1)
في (ن): أقسم.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (26066)، وابن ماجه (2793)، وقال البوصيري:(هذا إسناد حسن). ينظر: مصباح الزجاجة 3/ 163.
(3)
ينظر: الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي للجريري ص 304، قاله لعمر رضي الله عنه، وأوله:
(يَا عُمَرَ الْخَيْرِ جُزِيتَ الْجَنَّةْ اكْسُ بُنَيَّاتِي وَأُمَّهُنَّهْ).
(4)
في (ن): وحكى.
(5)
قوله: (الله) ليس في (م).
(6)
في (ظ): فلم تكن.
(7)
في (م): يحتملها.
(وَعَنْهُ: يَكُونُ يَمِينًا)؛ لقَولِ أبي بكْرٍ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أقْسَمْتُ عَلَيكَ لَتُخْبِرَنِّي بما أَصَبْتُ مما
(1)
أخْطَأْتُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا
(2)
تُقْسِمْ يا أبا بَكْرٍ» رواه أبو داودَ
(3)
، ولقَولِ العَبَّاس للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أقْسَمْتُ عَلَيكَ لَتُبايِعَنَّه، فبايَعَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقال:«أَبْرَرْتُ قَسَمَ عَمِّي»
(4)
.
لكِنْ قال في «المغْنِي» و «الشَّرح» : عَزَمْتُ وأعْزِمُ لَيسَ يمينًا ولو نَوَى؛ لِأنَّه لا شَرْعَ ولا لُغَةَ، ولا فيه دَلالةٌ عَلَيهِ ولو نَوَى.
تنبيهٌ: إذا
(5)
قال: آليت، وآلي بالله
(6)
؛ يمينٌ فيها كفَّارةٌ، صرَّحَ به جماعةٌ، وإنْ نَوَى الخَبَرَ عمَّا يَفْعَلُه ثانِيًا، أوْ عمَّا
(7)
فعله
(8)
ماضِيًا؛ فلَيسَ يمينًا، قدَّمه في «الرِّعاية» .
وكذا إنْ قال: عَلَيَّ يمينٌ، وأراد عَقْدَ اليمين؛ لِأنَّه لم يَأْتِ باسْمِ الله تَعَالَى، ولا صِفَتِه.
وإنْ قال: قَسَمًا بالله؛ فهو يمينٌ، تقديرُه: أقْسَمْتُ قَسَمًا.
(1)
في (م): بما.
(2)
في (م): إن.
(3)
أخرجه أبو داود (4632) من طريق معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرج مسلم نحوه (2269) عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، أن ابن عباس، أو أبا هريرة رضي الله عنهم كان يحدث
…
الحديث، وفيه قصة.
(4)
في (ن): يفعله.
والحديث أخرجه أحمد (15551)، وابن ماجه (2116)، والطحاوي في مشكل الآثار (2620)، عن مجاهد مرسلاً، وفي سنده: يزيد بن أبي زياد القرشي، الجمهور على تضعيفه. ينظر: تهذيب التهذيب 11/ 330.
(5)
قوله: (إذا) سقط من (ن).
(6)
في (م): الله.
(7)
في (م) و (ن): غير ما. والمثبت موافق للكافي 4/ 190.
(8)
في (ن): يفعله.
(فَصْلٌ)
(وَحُرُوفُ الْقَسَمِ: الْبَاءُ)، وهي الأصْلُ؛ لِأنَّها الحرفُ
(1)
التي تصل
(2)
بها الأفْعال القاصِرة عن
(3)
التَّعَدِّي إلى مَفْعولاتها، وتدخل
(4)
على المضْمَر والمظْهَر.
(وَالْوَاوُ)، وهي بَدَلٌ منها، ويَلِيهَا المظْهَرُ، وهي أكْثَرُ اسْتِعْمالاً.
(وَالتَّاءُ)، وهي بَدَلٌ من الواو، وتختص
(5)
(بِاسْمِ اللهِ خَاصَّةً).
فإذا أَقْسَمَ بأَحَدِ هذه الحُروف الثَّلاثة في مَوضِعِه؛ كان قَسَمًا صحيحًا؛ لِأنَّه مَوضُوعٌ له
(6)
، وقد جاء في كتابِ الله العزيزِ، وكلامِ العَرَب، فإنِ ادَّعَى أنَّه لم يُرِد القَسَمَ بها؛ لم يُقْبَلْ.
وقِيلَ: بَلَى في: تاللهِ لَأقُومَنَّ، إذا قال: أرَدْتُ قِيامِي بمَعُونَةِ الله تَعَالَى، ولا يُقبَلُ في الحَرْفَينِ الآخَرَينِ.
والأوَّلُ أَوْلَى.
مسألةٌ: جَوابُه في الإيجابِ: بِ «إن» خفيفةً وثقيلةً، وباللاَّم في المبتَدَأ، والفِعْل المضارِعِ مقرونًا
(7)
بنوني
(8)
التوكيد
(9)
، وقد يَتعاقَبانِ، وفي الماضي
(1)
في (م): الحروف.
(2)
في (ظ): يصل.
(3)
في (م): عند.
(4)
في (ن): ويدخل.
(5)
في (ظ): ويختص.
(6)
قوله: (لأِنَّه مَوضُوعٌ له) سقط من (ن).
(7)
قوله: (المضارع مقرونًا) في (م): والمضارع.
(8)
في (ن): بنون.
(9)
في (م): التأكيد.
مع قَدْ، وقد تحذف
(1)
معها اللاَّمُ لِطُولِ الكلام، وفي النَّفْيِ بما، وإنْ بمَعْناها، وبلا، وتحذف
(2)
لامه
(3)
لَفْظًا، نحوُ: واللهِ أفْعَلُ.
(وَيَجُوزُ الْقَسَمُ بِغَيْرِ حَرْفِ الْقَسَمِ، فَيَقُولُ: اللهِ لَأَفْعَلَنَّ، بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ)، والمرادُ انْعِقادُ اليمين؛ لِأنَّه لغةٌ صحيحةٌ، وقد وَرَدَ به عُرْفُ الاِسْتِعْمال في الشَّرع، فرَوَى ابنُ مَسْعودٍ: أنَّه لمَّا أخْبَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قَتَلَ أبا جَهْلٍ، قال له
(4)
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّكَ قَتَلْتَه» ، قال: آللهِ إني
(5)
قَتَلْتُه
(6)
، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأسامة
(7)
لمَّا طلَّقَ امْرَأَتَه: «آلله
(8)
ما أرَدْتَ إلَّا واحدةً»
(9)
.
وفي اللُّغة، قال امْرُؤُ القَيسِ
(10)
:
فَقُلْتُ يمينَ الله أبْرَحُ قاعدًا
(11)
…
ولَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيكِ وأوْصَالِي
(1)
في (ظ): يحذف.
(2)
في (ظ): ويحذف.
(3)
في (ن): لا.
(4)
قوله: (له) سقط من (ن).
(5)
في (م): أي.
(6)
أخرجه أحمد (3824)، والطبراني في الكبير (8471) من طريق أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن أبيه عبد الله رضي الله عنه، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكنها رواية محمولة على الاتصال كما ذكر ذلك بعض الأئمة.
وأخرجه الطبراني في الكبير (12123) من طريق آخر، وفيه: إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي، وهو أحد الضعفاء. قال ابن عديٍّ:(وعامّة ما يرويه يخالف الثقات، وَهو في جملة من يكتب حديثه). ينظر: المراسيل لابن أبي حاتم (951 - 955)، جامع التحصيل ص 204، البدر المنير 9/ 426، التلخيص الحبير 3/ 224.
(7)
قوله: (لأسامة) سقط من (م). وتبع المؤلف ما في الممتع 4/ 428، وصوابه كما في المصادر: ركانة.
(8)
قوله: (آلله) سقط من (م) و (ن).
(9)
تقدم تخريجه 8/ 162 حاشية (2).
(10)
ينظر: ديوان امرئ القيس ص 137.
(11)
في (ن): ما عدا.
(وَإِنْ قَالَ: اللهُ
(1)
لَأَفْعَلَنَّ، مَرْفُوعًا؛ كَانَ
(2)
يَمِينًا)؛ لِأنَّه في العُرْف العامِّ يمينٌ، ولم يُوجَدْ ما يَصرِفُه عَنْهُ، فَوَجَبَ كَونُه يمينًا؛ كالقَسَمِ المحْضِ.
وفي «المغني» : لا، كما لو كان
(3)
القائلُ مِنْ أهْلِ العَربيَّة.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا يَنْوِيَ بِهِ الْيَمِينَ)؛ لِأنَّه لَيسَ بيمينٍ في عُرْفِ أهلِ اللغة
(4)
، ولا نَواهَا، ومُقتَضاهُ: أنَّه
(5)
إذا نَواهَا كان يمينًا؛ لِأنَّه قَصَدَ القَسَمَ، أشْبَهَ ما لو جَرَّ.
وفي «الشَّرح:» فإنْ قالَ: اللهُ لَأفْعَلَنَّ، بالرَّفْع، ونَوَى اليمين؛ فهو يمينٌ، إلَّا أنَّه
(6)
قد لحنَ
(7)
، وإنْ لم يَنْوِ، فقال أبو الخَطَّاب: يكُونُ يمينًا، إلَّا أنْ يكُونَ مِنْ أهْلِ العربيَّة، وقِيلَ: لا يكُونُ يمينًا في حقِّ العامِّيِّ، انتهى.
قال القاضِي: ولو تَعمَّدَه لم يضر
(8)
؛ لِأنَّه لا يُحِيلُ المعْنَى.
وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: الأحْكامُ تتعلَّقُ بما
(9)
أدَّاه
(10)
النَّاس بالألفاظ الملحونة؛ كقوله: حَلَفْتُ بالله، رفْعًا ونَصْبًا، والله باصوم
(11)
، أو باصلي
(12)
،
(1)
في (ظ): والله. والمثبت موافق لنسخ المقنع الخطية.
(2)
في (ن): كانت.
(3)
في (ظ): قال.
(4)
في (م): الفقه.
(5)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(6)
قوله: (إلا أنه) في (م): لأنه.
(7)
في (م): ظن.
(8)
في (ظ): لم تضر.
(9)
زاد في (ظ): إذا.
(10)
في (ن): أراده.
(11)
في (م): ما صوم.
(12)
في (م): ما صلي.
وكقول الكافِرِ: أشْهَدُ أنَّ محمدٌ رسولَ الله، برفعِ الأوَّل ونَصْبِ الثَّاني
(1)
.
فرعٌ: هاءَ اللهِ؛ يمينٌ بالنِّيَّة، قاله أكثرُ الأصْحابِ، وعدَّها في «المستوعب» حرفَ قَسَمٍ وإنْ لم يَنْوِ، فالظَّاهِرُ: لا يكُونُ يمينًا؛ لِأنَّه لم يَقتَرِنْ بها عُرْفٌ ولا نِيَّةٌ، ولا في جَوابِه حَرْفٌ يَدُلُّ على القَسَمِ.
(وَيُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى) وصِفاتِه، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «المستوعب» ، قِيلَ لِأحْمَدَ: يُكرَه الحَلِفُ بعِتْقٍ أوْ طَلاقٍ أوْ شَيءٍ؟ قال: (سُبْحانَ الله! لِمَ لا يُكرَهُ؟ لا يُحلَفُ إلَّا بالله تَعالَى)
(2)
؛ لمَا رَوَى عمرُ مَرفوعًا، قال: «إنَّ اللهَ يَنهاكُمْ أنْ تَحلِفُوا بآبائكم، فَمَنْ كان حالِفًا فليحلف
(3)
بالله، أوْ لِيَصْمُتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(4)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا
(5)
، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»
(6)
، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، قال ابنُ مَسْعودٍ وغَيرُه:«لَأنْ أحْلِفَ بالله كاذِبًا أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أحْلِفَ بغَيرِه صادِقًا»
(7)
، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين:(لِأنَّ حَسَنَةَ التَّوحِيدِ أعْظَمُ مِنْ حَسَنَةِ الصِّدْق، وسَيِّئةَ الكَذِب أسْهَلُ مِنْ سَيِّئةِ الشِّرْك)
(8)
، يُؤيِّدُه: ما رَوى ابنُ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حَلَفَ بغَيرِ الله فقد أشْرَكَ» رواهُ التِّرمذِيُّ، وحسَّنَه، ورِجالُه ثِقاتٌ
(9)
.
(1)
ينظر: الفروع 10/ 434.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2474.
(3)
في (م): فيحلف.
(4)
أخرجه البخاري (6108، 6646)، ومسلم (1646).
(5)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(6)
قوله: (والفروع) سقط من (م).
(7)
أخرجه الطبراني في الكبير (8902) من طرق عن مسعر بن كدام، عن وبرة بن عبد الرحمن الكوفي، عن عبد الله. قال الألباني:(إسناد صحيح على شرط الشيخين).
(8)
ينظر: الاختيارات ص 473، الفروع 10/ 437.
(9)
أخرجه أبو داود (3251)، والترمذي (1535)، وابن حبان (4358)، والحاكم (7814)، من طرق عن الحسن بن عبيد الله النخعي، عن سعد بن عبيدة الكوفي، أن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، والحديث سنده قوي، وقد حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وابن الملقن والألباني، وادّعى البيهقي إعلاله بالانقطاع. ينظر: السنن الكبرى 10/ 51، سير أعلام النبلاء 5/ 9، البدر المنير 9/ 458، الصحيحة (2042).
فعلى هذا: اخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين أنَّه يُعزَّرُ مع تحريمه
(1)
.
واخْتارَ فِيمَنْ حَلَفَ بعِتْقٍ أوْ طلاقٍ، وحنث
(2)
؛ يخيَّر
(3)
بَينَ أنْ يُوقِعَه أوْ يُكفِّرَ؛ كحلفه
(4)
بالله ليوقعنَّه
(5)
.
وذَكَرَ
(6)
: أنَّ الطَّلاقَ يَلزَمُنِي، ونَحوَه؛ يمينٌ بالاِتِّفاق، وخرَّجَه على نصوصِ أحمدَ، وهو خِلافُ صريحِها.
وعَنْهُ: يَجُوزُ؛ لقَولِه عليه السلام للأعرابيِّ الَّذي سَأَلَه عن الصَّلاة: «أفْلَحَ وأَبِيهِ إنْ صَدَقَ»
(7)
، ولِأنَّ اللهَ تعَالَى أقْسَمَ ببعض مخلوقاته.
وجَوابُه ما قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (إنَّ هذه اللَّفْظةَ غَيرُ مَحفوظةٍ)
(8)
، وإنَّما
(9)
أقْسَمَ بمخلوقاته، فإنَّها دالَّةٌ على قُدْرته وعَظَمَته، وللهِ أنْ يُقسِمَ بما شاء، وقيل
(10)
: في إقسامه إضْمارُ القسم
(11)
؛ أيْ: بِرَبِّ هذه الأشْياءِ.
(1)
ينظر: الاختيارات ص 473، الفروع 10/ 437.
(2)
في (ظ): وجبت.
(3)
قوله: (يخير) سقط من (م).
(4)
في (م): لحلفه.
(5)
في (ظ): لتوقعنه. وينظر: مجموع الفتاوى 35/ 258 وما بعدها، الفروع 10/ 438.
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 13، 33/ 45.
(7)
أخرجه مسلم (11) من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وفيه قصّة.
(8)
ينظر: التمهيد 14/ 367.
(9)
قوله: (أقسم ببعض مخلوقاته
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(10)
قوله: (وقيل) سقط من (م).
(11)
قوله: (القسم) سقط من (ن).
فَعَلَى الأوَّلِ: يَستَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى، قال ابنُ حَزْمٍ: (اتفقوا
(1)
أنَّ مَنْ حَلَفَ بحقِّ زَيدٍ أوْ عَمْرٍو، وبحق
(2)
أبيه؛ أنَّه آثِمٌ، ولا كفَّارةَ عَلَيهِ)
(3)
.
(وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالحَلِفِ
(4)
بِهِ)؛ لِأنَّ الكفَّارةَ وَجَبَتْ في الحلف بالله وصِفاتِه؛ صِيانَةً لِلاِسْمِ الأعْظَمِ، وغَيرُه لا يُساوِيهِ، (سَوَاءٌ أَضَافَهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مِثْلَ قَوْلِهِ: وَمَعْلُومِ اللهِ، وَخَلْقِهِ، وَرِزْقِهِ، وَبَيْتِهِ
(5)
، أَوْ لَمْ يُضِفْهُ، مِثْلَ: وَالْكَعْبَةِ، وَأَبِي)؛ لِاشتراكهما في الحَلِفِ بغَيرِ اللهِ تَعَالَى.
(وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحَلِفِ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً)، ونَصَّ عَلَيهِ في رِوايَةِ أبي طالِبٍ، فقال
(6)
فِيمَنْ حَلَفَ بِحَقِّ رسولِ الله: وَجَبَتْ عَلَيهِ الكفَّارةُ
(7)
؛ لِأنَّه أحَدُ شَرْطَيِ الشَّهادةِ، أشْبَهَ الحَلِفَ باسْمِ الله تَعَالَى.
والْتَزَمَ ابنُ عَقِيلٍ: أنَّ الحَلِفَ بِغَيرِه مِنْ الأنبياء كهُوَ.
والأَشْهَرُ: أنَّها لا تَجِبُ به، وهو قَولُ أكثرِ الفُقَهاء؛ لِدُخولِه في عُمومِ الأحاديث، وكسائرِ الأنبياء، وقَولُ أحمدَ مَحمُولٌ على الاِسْتِحْبابِ. فرعٌ: لا يَلزَمُه إبْرارُ قَسَمٍ في الأصحِّ؛ كإجابةِ سؤالٍ بالله
(8)
، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين:(إنَّما تَجِبُ على مُعَيَّنٍ)
(9)
، فلا تَجِبُ إجابةُ سائلٍ يُقسم
(10)
على النَّاس.
(1)
في (م): الفتوى.
(2)
في (م): أو بحق.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 158.
(4)
في (ن): باليمين.
(5)
في (ظ): ونيته.
(6)
في (م): يقال.
(7)
ينظر: زاد المسافر 4/ 465.
(8)
زيد في (م): ولا يعطى به.
(9)
ينظر: الاختيارات ص 474، الفروع 10/ 440.
(10)
في (ن): مقسم.
ورَوَى أحمدُ والتِّرمذِيُّ، وقال:(حسَنٌ غريبٌ)، عن ابنِ عبَّاسٍ مَرفوعًا، قال:«وَأُخْبِرُكُمْ بشَرِّ النَّاس؟» قُلْنَا: نَعَمْ يا رسولَ الله، قال:«الَّذِي يُسأَلُ بالله، ولا يُعْطِي به»
(1)
، فدلَّ على إجابةِ مَنْ سَأَلَ بالله.
(1)
أخرجه أحمد (2116)، والنسائي (2569)، والبزار (5288)، وابن حبان (604)، من طرق عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن خالد، عن إسماعيل بن عبد الرحمن، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما به. وصححه ابن حبان والألباني.
وأخرجه الترمذي (1652)، من طريق ابن لهيعة، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عطاء بن يسار به نحوه، وابن لهيعة سيئ الحفظ، لكنه هنا متابعٌ، قال الترمذي:(حديث حسن غريب من هذا الوجه، ويُروى هذا الحديث من غير وجهٍ عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: الصحيحة (255).
(فَصْلٌ)
(وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ)، وهِي على الحالف، في قَولِ ابنِ عمرَ
(1)
، وأهْلِ المدينة والعِراق، وحُكِيَ عنه: على المُحَنِّثِ
(2)
، (ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ):
(أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ
(3)
الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً)؛ لِأنَّ غَيرَ المنعَقِدَة إمَّا غَمُوسٌ أوْ نَحوُها، وإمَّا لَغْوٌ، ولا كفَّارةَ في واحِدٍ مِنهُما، (وَهِيَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ)؛ لِأنَّ اليمينَ للحِنْث والمنْع، (وَذَلِكَ الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ
(4)
؛ لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ
…
(89)} الآية [المَائدة: 89]، فأوجب
(5)
الكفَّارةَ بالأَيمان المنعَقِدة، قال ابنُ جَرِيرٍ:(مَعْناها: أوْجَبْتُموها على أنْفُسِكُم)
(6)
، فظاهِرُه إرادة
(7)
المسْتَقْبَل من الزَّمان؛ لِأنَّ العَقْدَ إنَّما يكُونُ في المسْتَقْبَل دُونَ الماضِي، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (اليمينُ التي فيها الكفَّارةُ بالإجْماعِ هي اليمينُ
(1)
لعل المراد ما أخرجه عبد الرزاق (16060)، عن ابن جريج قال: حدِّثتُ أن ابن عمر قال لغلام له - ومجاهد يسمع - وكان يبعث غلامه ذاك إلى الشام: «إنك تُزْمِن عند امرأتك - لجارية لعبد الله - فطلِّقْها» فقال الغلام: لا، فقال ابن عمر:«والله لتُطلِّقنَّها» ، فقال الغلام: والله لا أفعل، حتى حلف ابن عمر ثلاث مرات لتُطلِّقنَّها، وحلف العبد أن لا يفعل، فقال عبد الله:«غلبني العبد» . قال مجاهد: فقلت لابن عمر: فكم تكفِّرها؟ قال: «كفّارةً واحدة» ، وفي سنده انقطاع لجهالة حال من حدّث ابن جريج.
(2)
في (ن): الحنث.
(3)
في (م) و (ن): يكون.
(4)
قوله: (ممكن) سقط من (م).
(5)
في (م): فما وجب.
(6)
ينظر: تفسير الطبري 8/ 616.
(7)
في (م): أراد.
على المستَقْبَل مِنْ الأفْعالِ)
(1)
.
(وَأمَّا
(2)
الْيَمِينُ عَلَى المَاضِي؛ فَلَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً)؛ لِأنَّ شَرْطَ الاِنْعِقادِ إمْكانُ البِرِّ والحِنْث، وذلك في الماضي مُتعذِّرٌ.
وحاصِلُه - كما قاله
(3)
في «الرِّعاية» -: أنَّ الحَلِفَ على مُسْتَقْبَلٍ إرادةُ تحقيقِ خَبَرٍ فيه مُمكِنٍ، بقَولٍ يُقصَدُ به الحثُّ
(4)
على فِعْلِ الممْكِنِ أوْ تَرْكِه، والحَلِفُ على الماضي إمَّا بِرٌّ، وهو الصَّادِقُ، وإمَّا غَموسٌ، وهو الكاذِبُ، أوْ لَغْوٌ وهو ما لا أجْرَ فيه ولا إثْمَ ولا كفارة
(5)
.
والأَوْلى
(6)
: أنَّها عِبارةٌ عن تحقيقِ الأمْرِ أوْ تَوكِيدِه، بذِكْرِ اسْمِ الله تعالى، أوْ صِفَةٍ مِنْ صِفاتِه.
(وَهِيَ
(7)
نَوْعَانِ: يَمِينُ الْغَمُوسِ)، وهي اليمينُ الكاذِبةُ الفاجِرةُ، يَقتَطِعُ بها حقَّ غَيرِه، وسُمِّيَتْ غَموسًا؛ لِأنَّها تَغْمِسُ صاحِبَها في الإثْم ثُمَّ
(8)
في النَّار، وغَمُوسٌ للمبالغة
(9)
، (وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا) على الماضي، (كَاذِبًا، عَالِمًا بِكَذِبِهِ
(10)
، ظاهِرُ المذْهَب: أنَّ يمينَ الغَمُوس لا كفَّارة فيها، ونَقَلَه عن أحمدَ الجماعةُ
(11)
، وهو قَولُ أكْثَرِ العُلَماء؛
(1)
ينظر: التمهيد 21/ 247.
(2)
في (م) و (ن): فأما.
(3)
في (م): قال.
(4)
في (م) و (ن): الحنث.
(5)
قوله: (ولا إثم ولا كفارة) سقط من (ن).
(6)
في (م): والأول.
(7)
في (م): وهو.
(8)
قوله: (ثم) سقط من (ن).
(9)
في (م): المبالغة.
(10)
في (م): بما لا.
(11)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2473، زاد المسافر 4/ 470.
لِأنَّها يمينٌ غَيرُ مُنعَقِدةٍ، ولا توجِب
(1)
بِرًّا، ولا يُمكِنُ فيها، أشْبهَت اللَّغْوَ، ولِأنَّ الكَفَّارةَ لا تَرفع
(2)
إثْمَها، فلا
(3)
تشرع
(4)
فيها، قال ابنُ مَسْعُودٍ:«كُنَّا نَعُدُّ من اليمين الَّتي لا كفَّارةَ فيها اليمينَ الغَمُوسَ» رواهُ البَيْهَقيُّ بإسْنادٍ جَيِّدٍ
(5)
، وهي من الكبائر؛ للخبر الصَّحيح الَّتي لا تمحوها
(6)
الكفَّارةُ
(7)
.
(وَعَنْهُ: فِيهَا الْكَفَّارَةُ)؛ لِأنَّها تَجمَعُ الحَلِفَ بالله تعالى
(8)
، والمخالَفَةَ مع
(1)
في (م) و (ن): ولا يوجب.
(2)
في (م): لا يرفع.
(3)
في (ن): ولا.
(4)
في (ظ) و (م): ولا يسوغ. والمثبت موافق لما في المغني وغيره.
(5)
أخرجه - بلفظ قريب مما ذكره المصنف -: الحاكم (7809)، والبيهقي في الكبرى (19883)، من طرق عن شعبة، حدثني أبو التياح، عن أبي العالية، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وسنده جيِّد صحيح كما قاله المصنِّف، وقال الحاكم:(حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).
(6)
في (م): لا يمحوها إلا.
(7)
أخرجه أحمد (8737)، وابن أبي عاصم في الجهاد (278)، والطبراني في مسند الشاميين (1183)، عن بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن المتوكل أو أبي المتوكل، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا وفيه:«خمس ليس لهنّ كفّارة: الشِّرك بالله، وقتل النفس بغير حق، أو بهت مؤمن، أو الفرار يوم الزّحف، أو يمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير حق» ، قال ابن حجر عن المتوكل:(ذكره ابن حبان في الثقات فقال: لا أدري من هو، ولا ابن من هو؟ قلت - أي ابن حجر -: وقد أخرج ابن شاهين في كتاب الأفراد الحديث الذي له في المسند فقال: عن أبي المتوكِّل، ولم يشكّ، ولم أره في كتاب الحاكم أبي أحمد في الكنى، فظنَّ ابن الجوزي أنه: أبو المتوكِّل النّاجي المخرَّج له في الصحيح، فاحتجَّ بحديثه هذا في التحقيق فوهِم في ذلك، وقد جزم البخاريُّ وتبعه ابن أبي حاتم: بأن المتوكل اسمٌ لا كنية. وقال أبو حاتم: هو مجهول. وهذا هو المعتمد). وقال مرة: (وظاهر سنده الصِّحة؛ لكنه معلول)، ومع هذا فالحديث حسنه الألباني، وقال ابن عبد الهادي:(إسناده جيِّد). ينظر: تنقيح التحقيق 5/ 56، تعجيل المنفعة 2/ 235، فتح الباري 11/ 557، الإرواء 5/ 26. و 8/ 193.
(8)
قوله: (بالله تعالى) ليس في (م).
القَصْدِ، فوجبت
(1)
فيها الكفَّارةُ؛ كالمستقبل، وحِينَئِذٍ يأثَمُ؛ كما يَلزَمُه عِتْقٌ، وطَلاقٌ، وظِهارٌ، وحَرامٌ، ونَذْرٌ، فيُكفِّرُ كاذِبٌ في لِعانِه.
(وَمِثْلُهَا الْحَلِفُ عَلَى مُسْتَحِيلٍ
(2)
؛ كَقَتْلِ المَيِّتِ وَإِحْيَائِهِ، وَشُرْبِ مَاءِ
(3)
الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ).
أمَّا المسْتَحِيلُ عَقْلاً؛ كصَومِ أمْسِ، والجَمْعِ بَينَ الضِّدَّينِ، فإذا حَلَفَ؛ لم تَنعَقِدْ يمينُه، قاله أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «الكافي» وغَيره؛ لِعَدَمِ تَصوُّرِ البِرِّ فيها؛ كاليمين الغَمُوسِ.
وقال القاضي: تَنعَقِدُ يمينُه مُوجِبَةً للكفَّارة في الحال، وهو قِياسُ المذْهَب؛ لِأنَّها يمينٌ على مُستَقْبَلٍ، ولا فَرْقَ بَينَ أنْ يَعلَمَ اسْتَحالَتَه أوْ لَا.
وأمَّا المستحيلُ عادةً
(4)
؛ كإحْياءِ الميِّت، وقَلْبِ الأعْيانِ، فإذا حلف
(5)
على فِعْلِه؛ انْعَقَدَتْ يَمِينُه، قاله
(6)
القاضي وأبو الخَطَّاب، وقَطَعَ به السَّامَرِّيُّ؛ لِأنَّه يُتصَوَّرُ وُجودُه، وتلزمه
(7)
الكفَّارةُ في الحال؛ لِأنَّه مَأْيُوسٌ منه.
وقِياسُ المذهب: أنَّها غَيرُ مُنعَقِدةٍ؛ كالَّتي قَبْلَها، قاله
(8)
في «الكافي» ، وجَزَمَ بهما
(9)
في «الوجيز» .
(1)
في (م): فوجب.
(2)
في (م): مستقبل.
(3)
قوله: (ماء) سقط من (م).
(4)
قوله: (عادة) سقط من (ن).
(5)
زيد في (م): عليه.
(6)
في (م): قال.
(7)
في (ظ): ويلزمه.
(8)
في (م): قال.
(9)
في (ن): بها.
وفي «الرِّعاية» أوْجُهٌ: ثالِثُها: تَنعَقِدُ في المُحالِ
(1)
عادةً فقط
(2)
.
(الثَّانِي
(3)
: لَغْوُ الْيَمِينِ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ) ماضٍ (يَظُنُّهُ، فَيَبِينَ بِخِلَافِهِ
(4)
؛ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا)، وحَكاهُ ابنُ عبدِ البَرِّ إجْماعًا
(5)
، وفي «الكافي»: هو ظاهِرُ المذهب
(6)
؛ لقوله تعالى: الآية {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} الآية [البَقَرَة: 225]، وهذا منه، ولِأنَّه يَكْثُرُ، فلو وَجَبَتْ فيه الكفَّارةُ؛ لَشَقَّ وتَضَرَّرُوا به، وهو مُنتَفٍ شَرْعًا، وكيمينِ الغَمُوس.
وعَنْهُ: فيه الكفَّارةُ، ولَيسَ من لَغْوِ اليَمينِ، وذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ بمَعْناهُ.
قالَتْ عائشةُ: «أيْمانُ اللَّغْو: ما كان في المِراء، والمزاحة
(7)
، والهزْل، والحديثِ الذي لا يَعقِدُ عَلَيهِ القَلْب، وأيْمانُ الكفَّارة: كلُّ يمينٍ حَلَفَ عَلَيها على جِدٍّ من الأمر، في غَضَبٍ أوْ غَيرِه»، إسْنادُه جيِّدٌ
(8)
، واحتج به الأصْحابُ.
وذَكَرَ ابنُ هُبَيرَةَ عن الأكْثَرِ: أنَّ
(9)
لَغْوَ اليمين: أنْ يَحلِفَ بالله على أمْرٍ
(1)
في (م): الحال.
(2)
قوله: (فقط) سقط من (ن).
(3)
في (ن): والثاني.
(4)
في (م): خلافه.
(5)
ينظر: التمهيد 21/ 247.
(6)
قوله: (وحكاه ابن عبد البر إجماعًا، وفي «الكافي» هو ظاهر المذهب) سقط من (ن).
(7)
في (م): والممزاحة.
(8)
أخرجه البيهقي في الكبرى (19935) وسنده حسن؛ فيه إبراهيم بن دينار البصريّ، وهو صدوق كما قاله الذهبيُّ، وقد وثقه الدارقطني، فقال:(ثقة، إلاّ أنه كان يخطئ، فيقال له، فلا يرجع).
وأخرج البخاري (4613)، عن عائشة رضي الله عنها:«أنزلت هذه الآية: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} في قول الرجل: لا والله، وبلَى والله» . ينظر: تهذيب الكمال 1/ 197، السير 12/ 355، التمهيد لابن عبد البر 21/ 251، الفتح 11/ 548.
(9)
في (م): أي.
يَظُنُّهُ فيَبِينَ
(1)
بخلافه، سواءٌ قَصَدَه أو
(2)
لم يقصده
(3)
، وخَصَّه أحمدُ بالماضي فَقَطْ
(4)
، وقَطَعَ جماعةٌ
(5)
بحِنْثِه في عِتْقٍ وطلاقٍ؛ لِوُجُودِ الصِّفة.
وقِيلَ: إنْ عَقَدَها يَظَنُّ صِدْقَ نَفْسِه فَبَانَ خِلافُه؛ فكَمَنْ حَلَفَ على فِعْلِ شيء
(6)
، وفَعلَه ناسِيًا.
(1)
في (م): فتبين، وفي (ظ): فيتبين.
(2)
في (ظ): أم.
(3)
في (م): لم يقصد.
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 470.
(5)
قوله: (جماعة) سقط من (م).
(6)
قوله: (فعل شيء) في (م): فعله.
(فَصْلٌ)
(الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ مُخْتَارًا، فَإِنْ حَلَفَ مُكْرَهًا؛ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ)، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لقوله عليه السلام:«رُفِعَ عن أمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيانُ وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ»
(1)
.
وعَنْهُ: تَنعَقِدُ، حكاها أبو الخَطَّاب؛ لِخَبَرِ حُذَيفةَ، رواه مُسلِمٌ
(2)
، وككفَّارةِ الصَّيد
(3)
.
وجَوابُه: قَولُه عليه السلام: «لَيسَ على مَقْهورٍ يَمِينٌ»
(4)
، ولِأنَّه قَولٌ أُكْرِه عَلَيهِ بغَيرِ حقٍّ، فلم يَصِحَّ؛ ككلمةِ الكفر، وكفَّارةُ الصَّيد كمَسْأَلَتِنا.
(وَإِنْ سَبَقَتِ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهَا؛ كَقَوْلِهِ: لَا وَاللهِ، وَبَلَى
(1)
تقدم تخريجه 2/ 46 حاشية (5).
(2)
يريد المصنف رحمه الله تعالى: ما أخرجه مسلم (1787)، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلاّ أنّي خرجتُ أنا وأبي حُسَيلٌ، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنّكم تريدون محمّدًا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلاّ المدينة، فأخذوا منّا عهد الله وميثاقَه لننصرفنّ إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال:«انصرفا، نفِي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم» .
(3)
في (م): القصد.
(4)
أخرجه الدارقطني (4353)، ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (2029)، من طريق خالد بن الهياج حدثنا أبي، عن عنبسة بن عبد الرحمن، عن العلاء، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، وعن أبي أمامة رضي الله عنهما مرفوعًا به، والهيّاج بن بسطام الخراساني وعنبسة القرشي متروكان، والحديث ضعفه ابن الجوزي وابن القطان وابن الملقن وابن حجر، قال ابن عبد الهادي:(حديث منكر جدًّا، بل موضوع، وفي إسناده جماعة من الضعفاء الذين لا يجوز الاحتجاج بهم)، وحكم عليه الألباني بالوضع. ينظر: الجرح والتعديل 9/ 112، بيان الوهم 3/ 558، تنقيح التحقيق 5/ 57، البدر المنير 9/ 473، التلخيص الحبير 4/ 317، الضعيفة 9/ 368.
وَاللهِ، فِي عُرْضِ حَدِيثِهِ)، عُرْضُ الشَّيء؛ بالضَّمِّ: جانِبُه، وبالفَتْح: خِلافُ طُولِه؛ (فَلَا
(1)
كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) على الأصحِّ، وهو قَولُ أكْثَرِهم؛ لِأنَّها مِنْ لَغْوِ اليمين؛ لمَا رَوَى عَطاءٌ، عن عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّغْوُ في اليمين: كَلامُ الرَّجُل في بَيتِه: لا
(2)
واللهِ، وبَلَى واللهِ» رواهُ أبو داودَ، قال: ورواه
(3)
الزُّهْرِيُّ وعبدُ الله بنُ أبي سُلَيمانَ ومالِكُ بنُ مِغْوَلٍ، عن عَطاءٍ، عن عائشةَ موقوفًا
(4)
، وكذا رَواهُ البُخارِيُّ
(5)
، ولأنَّ اللَّغو
(6)
في كَلامِ العرب: الكلام
(7)
غيرُ المعْقُود عَلَيهِ، وهذا كذلك.
وذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ: أنَّه إذا جَرَى على
(8)
لسانه يَمينٌ على قَولٍ مُستَقْبَلٍ، فإنَّ يمينَه تَنعَقِدُ في رِوايةٍ، فإنْ حَنِثَ فِيهَا؛ وَجَبَت الكَفَّارةُ.
(1)
في (ن): ولا.
(2)
قوله: (لا) سقط من (م).
(3)
في (م): وقال: رواه.
(4)
في (ظ): مرفوعًا.
(5)
أخرجه أبو داود (3254)، وابن حبان (4333)، والبيهقي في الكبرى (19936)، من طريق حسان بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم يعني الصائغ، عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنه به مرفوعًا. وإسناده رجاله ثقات، إلاّ حسّان بن إبراهيم الكوفيَّ، فإنه متكلّم فيه من قبل حفظه، وقد استنكر عليه أحمد أحاديث، قال ابن عديّ:(حدّث بإفرادات كثيرة عن أَبَان بن تغلب أَيضًا عن إبراهيم الصائغ .. ، وحسّان عندي من أهل الصدق إلَّا أنه يغلط في الشيء، وليس ممن يظن به أنه يتعمد في باب الرواية إسنادًا أو متنًا، وإنما هو وهم منه، وهو عندي لا بأس به)، وخالفه جمعٌ: فأخرجه البخاري (4613) عن علي بن سلمة، حدثنا مالك بن سعير، والإمام مالك (2/ 477) كلاهما - (مالك، وابن سعير) - عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها به، والصواب وقفه. ينظر: الكامل لابن عدي 3/ 261، سير أعلام النبلاء 9/ 41، تاريخ الإسلام 4/ 832، الإرواء 8/ 194.
(6)
في (ن): اللغوة.
(7)
قوله: (الكلام) سقط من (م).
(8)
قوله: (إذا جرى على) في (ن): أن أعلى.
وفي «المحرَّر» و «الرِّعاية» : فلا كفَّارةَ عَلَيهِ إن
(1)
كان في الماضي، زاد في «الرِّعاية»: في الأشْهَرِ، وإنْ كان في المسْتَقْبَلِ؛ فروايتان.
وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ وغَيرُه: أنَّه لا كفَّارةَ فيها، سواءٌ قُلْنا هي مِنْ لَغْوِ اليمين أمْ لا.
وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ: أنَّ فيها الكفَّارةَ إنْ قُلْنا: لَيسَ هو مِنْ لَغْوِ اليمينِ.
(1)
في (م): أنه.
(فَصْلٌ)
(الثَّالِثُ: الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ)؛ لِأنَّ مَنْ لم يحنث
(1)
لا كفَّارةَ عَلَيهِ؛ لِأنَّه لم يَهْتِكْ حُرمةَ القَسَمِ، (بِأَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، أَوْ يَتْرُكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ)؛ لِأنَّ الحِنثَ الإثم
(2)
، ولا وُجودَ له إلَّا بما ذُكِرَ، (مُخْتَارًا ذَاكِرًا)؛ لِأنَّ غَيرَهما المكْرَهُ والنَّاسِي.
ونَبَّهَ عليهما
(3)
بقَولِه: (وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا، أَوْ مُكْرَهًا؛ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ)، ذَكَرَه في «الوجيز» .
ونصر
(4)
في «الشَّرح» : أنَّه
(5)
لا يَحنَثُ في
(6)
يمينٍ مُكفَّرةٍ، ويَحنَثُ في عِتْقٍ وطلاقٍ، قال
(7)
السَّامَرِّيُّ: اخْتارَه أكْثَرُ شُيوخنا، ولِأنَّ فِعْلَ المكْرَه لا يُنسَبُ إلَيهِ، فلم تكن
(8)
عَلَيهِ كفَّارةٌ، كما لو لم يَفْعَلْه.
وقال أبو الخَطَّاب: الإكْراهُ كالنِّسيان؛ لِشُمولِ الحديث لهما.
وذَكَرَ في «الشرح» : المكرَهُ على الفِعْل يَنقَسِمُ إلى قِسْمَينِ:
أحدهما: أنْ يُلجَأَ إلَيهِ، فلا يَحنَثُ في قَولِ أكْثَرِهم.
الثَّاني: أنْ يُكرَهَ بالضَّرب ونحوِه، ففيه رِوايَتانِ:
(1)
في (م): لم يحنثه.
(2)
في (م): للإثم.
(3)
في (م): ذنبه عليه.
(4)
في (م) و (ن): ونصره.
(5)
في (م): لأنه.
(6)
قوله: (لا يحنث في) في (ن): لا تجب.
(7)
في (م): وقال.
(8)
في (م) و (ن): فلم يكن.
إحداهما
(1)
: يَحنَثُ؛ ككفَّارةِ الصَّيد.
ونصر
(2)
في «الشَّرح» عدمَه
(3)
، ولا نُسلِّمُ الكَفَّارةَ في الصَّيد، بل
(4)
إنَّما تَجِبُ على المكْرِه.
(وَعَنْهُ: عَلَى النَّاسِي
(5)
كَفَّارَةٌ)؛ لِأنَّ الفِعْلَ يُنسَبُ إلَيهِ في الجملة، أشْبَهَ الذَّاكِرَ. والفَرْقُ واضِحٌ.
(وَإِنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ)، ويسمى
(6)
هذا اسْتِثناءً؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ حَلَفَ فقال: إنْ شاءَ الله؛ لم يَحنَثْ» رواهُ أحمد
(7)
والتِّرْمذِيَّ، وقال: سألتُ محمَّدًا عنه، فقال:(هذا خطأٌ، أخْطَأَ فيه عبدُ الرَّزَّاق)
(8)
، ورواهُ النَّسائيُّ، ولَفْظُه:«قد اسْتَثْنَى» ، وابنُ ماجهْ، ولَفْظُه: «فله ثنياه
(9)
»
(10)
، وعن ابنِ عمرَ مرفوعًا، قال: «مَنْ حَلَفَ على يمين، فقال:
(1)
في (م): أحدهما.
(2)
في (ن): ونصره.
(3)
في (ن): عمده.
(4)
في (ظ): بلى، وقوله:(بل) سقط من (ن).
(5)
في (م): الثاني.
(6)
في (م): فيه فسمي.
(7)
في (م): مسلم.
(8)
ينظر: سنن الترمذي 3/ 161.
(9)
في (م): فلم ثنياه. وفي (ن): قد بيناه.
(10)
أخرجه الترمذي (1532)، والنسائي (3855)، وابن ماجه (2104)، وابن حبان (4341)، من طرق عن عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وعن عبد الرزاق: أخرجه أحمد (8088)، وسنده صحيح، لكن قال البخاري: (هذا حديث خطأ، أخطأ فيه عبد الرزاق اختصره من حديث معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن سليمان بن داود قال: لأطوفنَّ اللّيلة على سبعين امرأة تلد كلّ امرأة غلامًا
…
»، والحديث صححه ابن حبان والألباني.
وجاء عند أحمد زيادة: (قال عبد الرزاق: وهو اختصره، يعني: معمرًا)، قال الألباني:(والزيادة التي سبقت من رواية أحمد عن عبد الرازق أنه قال: " اختصره معمر" صريحة في أن عبد الرزاق لا مسؤولية عليه في ذلك، وأن المخطئَ إنما هو معمر). ينظر: العلل الكبير للترمذي (ص 253)، البدر المنير 9/ 452، الإرواء 8/ 196.
إنْ شاءَ اللهُ؛ فلا حِنْثَ عَلَيهِ» رواه أحمدُ، والنَّسائيُّ، والتِّرمذِيُّ وحسَّنه
(1)
، وقال: (رواهُ غَيرُ واحِدٍ عن ابنِ عمرَ مَوقُوفًا، ولا نَعلَمُ أحدًا رَفَعَه عن
(2)
أيوبَ السختياني
(3)
، والعَمَلُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العِلْم من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغَيرِهم)، ولِأنَّه مَتَى قال: لَأفْعَلَنَّ إنْ شاءَ الله
(4)
، فقد عَلِمْنا أنَّه مَتَى شاءَ الله فعل
(5)
، ومَتَى لَم يَفعَلْ لم يَشَأ اللهُ.
(فَعَلَ أَوْ تَرَكَ، إِذَا كَانَ مُتَّصِلاً بِالْيَمِينِ) مِنْ غَيرِ فَصْلٍ بكلامٍ أجنبيٍّ، ولا سكوتٍ يُمكِنُ الكَلامُ فيه؛ لِأنَّ الاِسْتِثْناءَ مِنْ تمامِ الكلامِ، فاعْتُبِر اتِّصالُه
(1)
أخرجه أحمد (4510)، وأبو داود (3261)، والترمذي (1531)، والنسائي (3830)، وابن حبان (4342)، من طرق عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، وخالفه جمع: فأخرجه مالك (2/ 477)، وأخرجه البيهقي في الكبرى (19920)، من طريق ابن وهب، عن عبد الله بن عمر ومالك بن أنس وأسامة بن زيد، ثلاثتهم عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول:«من قال: والله. ثمّ قال: إن شاء الله، ثمّ لم يفعل الذي حلف عليه، لم يحنث» ، والحديث صحّح رفعه ابن حبان وابن الملقن والألباني، وحسّنه الترمذي، وصحّح الأكثر من الحفاظ كأحمد والبخاري والزيلعي والبيهقي وقفه. ينظر: علل الدارقطني 13/ 104، العلل الكبير للترمذي (ص 252)، نصب الراية 3/ 301، شرح علل الترمذي 2/ 668، البدر المنير 9/ 453، الإرواء 8/ 198.
(2)
الذي في سنن الترمذي 3/ 160: غير.
(3)
في (ن): السجستاني.
(4)
قوله: (الله) ليس في (ن).
(5)
في (م): فعله.
كالشَّرط وجوابه
(1)
، وخبر
(2)
المبتدأ، والاِسْتِثناءِ ب «إلَّا» .
فعلى هذا: لو سَكَتَ لِانْقِطاعِ نَفَسِه، أوْ عَطَسَ، ونحوِه؛ لم يَمنَعْ صِحَّةَ الاِسْتِثْناء.
وعَنْهُ: ومع
(3)
فَصْلٍ يَسِيرٍ، ولم يتكلَّمْ، جَزَمَ به في «عيون المسائل» ، قال في روايةِ أبي داودَ حديث ابنِ عبَّاسٍ:«واللهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيشًا» ، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قال:«إنْ شاءَ اللهُ»
(4)
، ثُمَّ لم يَغزُهم، إنَّما هو اسْتِثْناءٌ بالقُرْب، ولم يَخلِطْ كلامَه بغَيرِه
(5)
، ونَقَلَ عنه إسماعيلُ بنُ سعيدٍ مِثلَه
(6)
، ويَحتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ، فإنَّه قال: إذا لم يكُنْ بَينَ اليمينِ والاِسْتِثْناءِ كلامٌ.
وعَنْهُ: وفي المجلس، وحكاه في «الإرشاد»
(7)
عن بعضِ أصحابنا.
قدَّم الاسْتِثْناءَ على الجزاء أو أخَّرَه.
(1)
قوله: (وجوابه) سقط من (م).
(2)
في (ن): خبر.
(3)
في (ظ): مع، وفي (ن): ومنع.
(4)
أخرجه أبو داود (3285) من طرق عن مسعر، عن سماك، عن عكرمة مرسلاً. وأخرجه موصولاً: الطحاوي في المشكل (1928)، وابن حبان (4343)، والطبراني في الأوسط (1004)، من طرق أخرى عن مسعر، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما به مرفوعًا، ومداره على سماك، وروايته عن عكرمة مضطربة، ورجّح الأئمة كأبي داود وأبي حاتم وابن عدي والإشبيلي إرسالَه، وصححه موصولاً ابن الملقن وغيره. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 145، الكامل لابن عدي 3/ 180، الأحكام الوسطى 4/ 30، البدر المنير 9/ 445.
(5)
لم نجده في مسائل أبي داود، وذكره في زاد المسافر 4/ 472 والمغني 9/ 522 من رواية المروذي.
(6)
ينظر: المغني 9/ 522.
(7)
في (م): الإشارة.
وعن ابنِ عبَّاسٍ: إذا اسْتَثْنَى بعدَ سنةٍ فله ثُنْياهُ
(1)
، وهو قَولُ مُجاهِدٍ، وهذا لا يَصِحُّ.
قال أحمدُ: (حديثُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لعبدِ الرَّحْمَن بنِ سَمُرَةَ: «إذا حَلَفْتَ على يمينٍ
…
» الخبرَ
(2)
، ولم يَقُلْ: فاستثن، ولو جازَ لأمر
(3)
به)
(4)
، وحَمَلَه في مَوضِعٍ آخَرَ على قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ
…
(23)} [الكهف: 23]، فهذا اسْتِثْناءٌ من الكَذِب؛ لِأنَّ الكَذِبَ لَيسَ فيه كفَّارةٌ، وهو أشدُّ من اليمين؛ لِأنَّ اليمينَ تُكفَّرُ، والكَذِبُ لا يُكفَّرُ
(5)
.
قال ابنُ الجَوزيِّ: فائدتُه الخُروجُ من الكَذِب.
وفي «المبهج»
(6)
: ولو تكلَّم.
ويُشتَرَط نُطْقُه، إلَّا مِنْ مَظلومٍ خائفٍ، نَصَّ عَلَيهِ
(7)
، ولم يَقُلْ في «المستوعب»: خائفٍ؛ لِأنَّ يمينَه غَيرُ منعقدة، أوْ لِأنَّه بمَنزلَةِ المتأوِّل
(8)
.
(1)
أخرجه الطبري في تفسيره (15/ 225)، والطبراني في الكبير (11069)، والحاكم (7833)، والبيهقي في الكبرى (19931)، من طرق عن أبي معاوية، أخبرنا الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما «أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة» ، ثم قرأ:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ} ، يقول:«إذا ذكرت» ، فقيل للأعمش: سمعت هذا من مجاهد؟ فقال: حدّثني به الليث، عن مجاهد. وسنده ضعيف لحال ليث بن أبي سليم. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، قال ابن حجر في موافقة الخبر 2/ 60:(اغتر بظاهر الإِسناد، فإنه لم يقع عنده كلام الأعمش الأخير، فإنّ به تبين أن الإِسناد معلول).
(2)
أخرجه البخاري (6622)، ومسلم (1652).
(3)
في (م): لأمره، وفي (ن): الأمر.
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 473.
(5)
ينظر: زاد المسافر 4/ 473.
(6)
زيد في (ن): يصح.
(7)
ينظر: زاد المسافر 4/ 473.
(8)
في (م): المتناول.
وفي اعْتِبارِ قَصْدِ الاِسْتِثْناءِ وَجْهانِ، فائِدتُهما: فِيمَنْ سَبَقَ على لِسانِه عادةً، أوْ أتى به تَبرُّكًا، ولم يَعتَبِرْه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
.
وإن
(2)
شكَّ في الاِسْتِثْناء؛ فالأصْلُ عَدَمُه، قال الشَّيخُّ تقيُّ الدِّين: إلَّا مِمَّنْ عادَتُه الاِسْتِثْناءُ، واحْتَجَّ بالمسْتحاضة تَعمَلُ بالعادة والتَّمييز، ولم تَجلِسْ أقلَّ الحَيض، والأصْلُ وُجوبُ العبادة
(3)
.
(وَإِذَا
(4)
حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيئًا، وَنَوَى وَقْتًا بِعَيْنِهِ؛ تَقَيَّدَ
(5)
بِهِ)؛ لِأنَّ النِّيَّةَ تَصرِف ظاهِرَ اللَّفْظِ إلى غَيرِ ظاهِرِه، فلأن تَصْرِفَه إلى وَقْتٍ آخَرَ بطَريقِ الأَوْلَى. (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَيْأَسَ
(6)
مِنْ فِعْلِهِ، إِمَّا بِتَلَفِ المَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ مَوْتِ الْحَالِفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ
(7)
؛ لقَولِ عمرَ: يا رسولَ الله ألَمْ تُخبِرْنا أنَّا سنأتي البَيتَ ونَطوفُ به! قال: «بلى! أفأخبرتُكَ
(8)
أنَّك تَأْتِيه
(9)
العامَ؟» قال: لا، قال: «فإنَّك آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ
(10)
به»
(11)
ولِأنَّ المحلوفَ على فِعْلِه لم
(1)
ينظر: الفروع 10/ 448.
(2)
في (م): فإن.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 384، الفروع 10/ 448.
(4)
في (ن): وإن.
(5)
في (ن): تقيدت.
(6)
في (م): يبين.
(7)
قوله: (ونحو ذلك) سقط من (ظ) و (م). وهي مثبتة في نسخ المقنع الخطية.
(8)
في (م): أفأخبرك. وفي (ن): فأخبرتك.
(9)
في (م) و (ن): آتيه.
(10)
في (ن): ومتطوف. قال القسطلاني في شرحه 4/ 450: (بتشديد الطاء المفتوحة والواو المكسورة المشددة أيضًا).
(11)
أخرجه البخاري (2731)، من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة رضي الله عنه.
يَتَوَقَّت
(1)
بوقت
(2)
مُعَيَّنٍ، وفِعْلُه مُمكِنٌ، فلم تحصل
(3)
مُخالَفةُ ما حَلَفَ عَلَيهِ، وذلك يُوجِبُ عَدَمَ الحِنْث؛ لِأنَّ شَرْطَه المخالَفةُ.
(وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيرَها خَيْرًا مِنْهَا؛ اسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِخْبارٍ، منها خَبرُ عبدِ الرَّحْمنِ بنِ سَمُرَةَ
(4)
، وأبي مُوسَى، مُتَّفَقٌ عَلَيهِما
(5)
، وعن عائشةَ: أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه لم يَحنَثْ في يمينٍ حتَّى أنْزَلَ اللهُ كفَّارةَ اليمين، فقال:«لا أحْلِفُ على يمينٍ فأرى غَيرَها خَيرًا منها؛ إلَّا أتَيتُ الَّذي هو خَيرٌ، وكفَّرْتُ عن يَمِينِي» رواه البُخارِيُّ
(6)
.
وقدَّم في «التَّرغيب» : أنَّ بِرَّه وإقامَتَه على يمينه أَوْلَى.
وسَبَقَ تَقْسيمُه إلى الخمسة.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْحَلِفِ)، كذا في «المستوعب» و «الفروع» ، وظاهِرُه الكراهةُ، وصرَّح بها
(7)
في «الرِّعاية» ؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10)} [القَلَم: 10]، هذا ذَمٌّ له يَقتَضِي كراهةَ فِعْلِهِ.
فإن
(8)
لم يَخرُجْ إلى حدِّ الإكثار
(9)
؛ فلَيسَ بمكروه، إلَّا أن
(10)
يَقتَرِنَ به
(1)
في (م): يتوقف.
(2)
قوله: (بوقت) سقط من (م).
(3)
في (م): فلم يحصل.
(4)
أخرجه البخاري (6622)، ومسلم (1652).
(5)
أخرجه البخاري (3133)، ومسلم (1649)، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وفيه: فقال: «إني لا أحلف على يمين، أرَى غيرها خيرًا منها، إلاّ أتيت الذي هو خير» .
(6)
أخرجه البخاري (6621).
(7)
في (م): صرح به.
(8)
في (م): فإنه.
(9)
في (ن): الإكرار.
(10)
قوله: (إلا أن) في (م): ولا.
ما يَقتَضِي كراهَتَه.
ونَقَلَ حنبلٌ: لا تُكثِر
(1)
الحَلِفَ؛ لأنَّه
(2)
مكروهٌ
(3)
؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البَقَرَة: 224]، وبعضُهم كَرِهَه مُطلَقًا.
وجَوابُه: بأنَّه عليه السلام حَلَفَ في
(4)
غَيرِ حديثٍ، ولو كان مكروهًا كان أبعدَ النَّاس منه، وأمَّا الآيةُ فمَعْنَاها: لا تَجْعَلُوا أيْمانَكم بالله نافعةً
(5)
لكم من البِرِّ والتَّقْوَى، والإصْلاح بَينَ النَّاس، قال أحمدُ وذَكَرَ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ بإسْنادِه في قوله تعالى:{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البَقَرَة: 224]: «الرَّجُلُ يَحلِفُ ألَّا يَصِلَ قَرابَتَه، وقد جَعَلَ اللهُ له مَخرَجًا في التَّكْفِير، فليكفر
(6)
عن يمينه ويَبَرَّ»
(7)
.
وإنْ كان النَّهْيُ عاد إلى اليمين؛ فالنَّهْيُ عنه
(8)
: الحَلِفُ على قَولِ البِرِّ والتَّقْوَى والإصْلاح بَينَ النَّاس، لا على كلِّ يمينٍ.
(وَإِنْ دُعِيَ إِلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مُحِقٌّ؛ اسْتُحِبَّ)، وفي «الفروع» وغَيرِه: فالْأَوْلَى، (افتِدَاءُ يَمِينِهِ)؛ لمَا روي: «أنَّ
(9)
عُثْمان والمِقْداد تَحاكَما
(1)
في (ظ): لا يكثر.
(2)
في (م): فإنه.
(3)
ينظر: الفروع 10/ 449.
(4)
في (م): من.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 490، والشرح الكبير 27/ 500: مانعة.
(6)
في (م): فيكفر.
(7)
ينظر: المغني 9/ 490.
والأثر: أخرجه الطبري في التفسير (4/ 6) حدثني محمد بن عمرو، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وسنده ضعيف للجهالة في شيخ السدي.
(8)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني والشرح: فالمنهي عنه.
(9)
قوله: (أن) سقط من (ظ).
إلى عمرَ في مالٍ اسْتَقْرَضَه المقْدادُ، فجَعَلَ عمرُ اليمينَ على المقْداد، فردَّها على عُثْمانَ، فقال عمرُ: لقد أنْصَفَكَ، فأخَذَ عُثْمانُ ما أعْطاهُ المِقْدادُ، ولم يَحلِفْ، فقِيلَ له في ذلك، فقال: خِفْتُ أنْ تُوافِقَ
(1)
قَدَرَ بَلاءٍ، فيُقالُ: يَمِينُ عُثْمانَ»
(2)
.
(فَإِنْ حَلَفَ؛ فَلَا بَأْسَ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ، قال بعضُ أصحابِنا: تَرْكُه أَوْلَى، فيكونُ مَكرُوهًا.
والأَشْهَرُ: أنَّه لَيسَ بمَكْروهٍ، وإنَّما هو مُباحٌ؛ كتَرْكِه؛ لِأنَّ اللهَ تعالى أَمَرَ نَبِيَّه عليه السلام أنْ يَحلِفَ على تصديقِ ما أخْبَرَه في ثلاثةِ مَواضِعَ في القرآن، في سَبَأ، ويس
(3)
، والتَّغابُن
(4)
، وقال عمرُ على المنبر وفي يده عصًا: «أيُّها النَّاسُ لا تمنعْكُم
(5)
اليمينُ من
(6)
حُقوقِكم»
(7)
، ولِأنَّه حَلِفُ صِدْقٍ على حقٍّ،
(1)
في (م) و (ن): يوافق.
(2)
أخرجه بلفظ قريب مما ذكره المصنف الطبراني في الكبير (559)، والبيهقي في الكبرى (20740) من طرق عن مسلمة ابن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي به، وسنده فيه إرسال وانقطاع؛ فإن الشعبي لم يدرك عمر، ومسلمة بن علقمة، قال عنه أحمد:(شيخ ضعيف الحديث، حدّث عن داود بن أبي هند أحاديث مناكير، وأسند عنه)، ونحوه قاله العقيلي وابن عدي، والحديث ضعفه البيهقي والألباني. ينظر: العلل ومعرفة الرجال لأحمد (3454)، الكامل لابن عدي 8/ 22، الضعفاء الكبير للعقيلي 4/ 212، الإرواء 8/ 268.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه: يونس.
(4)
كتب في هامش (ظ): (في يونس: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}، وفي سبأ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}، وفي التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}. انتهى، قال في الإنصاف: وقد حُفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعًا. انتهى).
(5)
في (م): لا يمنعنكم.
(6)
في (ن): في.
(7)
لم نجده مسندًا، وقد ذكره السيوطي في جمع الجوامع (16/ 410)، والمتقي الهندي في كنز العمال (46537)، عن ابن قسيط قال: خطب ابن الخطاب رضي الله عنه الناس فقال: «ما يمنعكم أيّها الناس إذا استُحلف أحدكم على حقٍّ له أن يحلف، فوالذي نفس عمر بيده إن في يدي لعُوَيدًا» ، وكان في يده عوَيد. وعزواه إلى جزء السلفي في «انتخاب أحاديث القراء» .
أشْبَهَ الحَلِفَ عِنْدَ غَيرِ الحاكم
(1)
.
قال في «الفروع» : ويَتَوَجَّهُ فيه
(2)
: يُسْتَحَبُّ لمَصْلَحَةٍ؛ كزِيادةِ طُمَأْنِينَةٍ، وتَوكِيدِ الأمر وغَيرِه، ومنه قَولُه عليه السلام لِعُمَرَ عن
(3)
صلاةِ العصر: «واللهِ ما صَلَّيْتُها»
(4)
؛ تَطْمِينًا منه لِقَلْبِه.
فرعٌ: ذَكَرَ في «المستوعب» و «الرِّعاية» : أنَّه إن
(5)
أراد اليمينَ عِنْدَ غَيرِ الحاكم؛ فالمشْرُوعُ أنْ يقولَ: والَّذي نَفْسِي بِيَدِه، والَّذي فَلَقَ الحبَّة، وبَرَأَ النَّسْمةَ، لا
(6)
ومُقلِّبِ القُلوب، وما أشْبَهَ ذلك.
(1)
زيد في (م): فالمشروع أن يقول.
(2)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(3)
في (م): في.
(4)
أخرجه البخاري (596)، ومسلم (631) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(5)
قوله: (إن) سقط من (م) و (ن).
(6)
قوله: (لا) سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ حَرَّمَ أَمَتَهُ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ)؛ كطَعامٍ ولِباسٍ ونَحوِهما، سِوَى الزَّوجة؛ (لَمْ يَحْرُمْ
(1)
على المذْهَب؛ لِأنَّه تعالى سمَّاهُ يمينًا، بقوله تعالى:{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك} إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]، واليمينُ على الشَّيء لا تُحرِّمُه، فكذا إذا حرَّمه، ولِأنَّه لو كان مُحرَّمًا لَتَقَدَّمَت الكَفَّارةُ عَلَيهِ؛ كالظِّهار، ولم يأمر
(2)
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بفِعْلِه، وسمَّاهُ خَيرًا
(3)
.
(وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِنْ فَعَلَهُ)، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
؛ لقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التّحْريم: 2]؛ يعني
(5)
: التَّكْفِير، وسبَبُ نزولها: أنَّه عليه السلام قال: «لَنْ أَعُودَ إلى شُرْبِ العَسَلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(6)
، وزاد البخاريُّ تعليقًا: «وقد
(7)
حَلَفْتُ»
(8)
.
وعن ابنِ عبَّاسٍ، وابنِ عمرَ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ تَحريمَ الحَلالِ يمينًا»
(9)
، ومُقْتَضاهُ: أنَّه إذا تَرَكَ ما حرَّمَه على نفسه؛ أنَّه لا شَيءَ عَلَيهِ.
(1)
في (ن): لم تحرم.
(2)
في (م): ولم يعلم.
(3)
في حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، وتقدم تخريجه 1/ 79 حاشية (2).
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2440، مسائل صالح 3/ 246، زاد المسافر 4/ 469 - 470.
(5)
في (ظ): بمعنى.
(6)
أخرجه البخاري (4912)، ومسلم (1474)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(7)
في (ن): قد.
(8)
أخرجه البخاري (6691) فقال: وقال لي إبراهيم بن موسى عن هشام: «ولن أعود له، وقد حلفت، فلا تخبري بذلك أحدًا» .
(9)
هذان الأثران لم نقف عليهما، قال الألباني:(لم أره من حديث ابن عباس وابن عمر). وأخرج الترمذي (1201)، وابن حبان (4278)، والبيهقي في الكبرى (15071)، عن عائشة رضي الله عنها قالت:«آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرّم، فجعل الحرام حلالاً، وجعل في اليمين كفارة» ، وفيه مسلمة بن علقمة البصري، قال أحمد:(شيخ ضعيف الحديث، حدّث عن داود بن أبي هند أحاديث مناكير، وأسند عنه). والحديث رواه غير واحد، فرواه علي بن مسهر وغيره، عن داود، عن الشعبي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وليس فيه عن مسروق، عن عائشة. وهذا أصح من حديث مسلمة بن علقمة. قاله الترمذي. ينظر: تهذيب الكمال 27/ 565، السنن الصغرى للبيهقي 3/ 121، الإرواء 8/ 200.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَحْرُمَ
(1)
عَلَيْهِ تَحْرِيمًا تُزِيلُهُ الْكَفَّارَةُ)، هذا وَجْهٌ؛ لقوله تعالى:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التّحْريم: 1]، وكتحريم
(2)
الزَّوجة.
وجَوابُه: أنَّه إذا أراد التَّكْفِيرَ؛ فله فِعْلُ المحلوف عَلَيهِ، وحِلُّ
(3)
فِعْله مع كَونه مُحرَّمًا تناقض
(4)
.
وكذا تعليقُه بشَرْطٍ، نحو: إنْ أكَلْتُه فهو عليَّ
(5)
حرامٌ، نَقلَه أبو طالِبٍ
(6)
، قال في «الانتصار»: وطَعامِي عليَّ كالميتة والدَّمِ.
واليَمِينُ تَنقَسِمُ إلى أحْكامِ التَّكْليف الخَمْسةِ، وهل تستحب
(7)
على
(8)
فِعْلِ طاعةٍ
(9)
، أوْ تَرْكِ مَعصِيَةٍ؟ فِيهِ وَجْهانِ.
(وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللهِ، أَوْ مِنَ
(10)
الْإِسْلَامِ،
(1)
في (ن): تحرم.
(2)
في (م): والتحريم.
(3)
في (م) و (ن): وجعل.
(4)
في (م): مناقض. وفي (ن): يناقض.
(5)
قوله: (علي) سقط من (م).
(6)
ينظر: زاد المسافر 4/ 469.
(7)
في (م) و (ن): يستحب.
(8)
قوله: (على) سقط من (ن).
(9)
في (ظ): الطاعة.
(10)
في (م): ومن.
أَوْ الْقُرْآنِ، أَوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا)؛ لمَا رَوَى ثابِتُ بنُ الضَّحَّاك: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حَلَفَ على يمينٍ بِمِلَّةٍ غَيرِ الإسلام كاذِبًا؛ فهو كما قال» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(1)
، وعن بُرَيدةَ مَرفوعًا، قال: «مَنْ قال: إنَّه بَرِيءٌ من الإسلام، وإنْ كان كاذِبًا؛ فهو كما قال، وإنْ كان صادِقًا؛ لم يَعُدْ إلى الإسلامِ سَالِمًا
(2)
» رواهُ أحمدُ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجَهْ، بإسْنادٍ جيِّدٍ
(3)
، وسَواءٌ كان مُنجَّزًا أوْ مُعلَّقًا بشرط
(4)
.
(وَعَلَيْهِ كَفَّارَة) يمينٍ (إِنْ فَعَلَ فِي إِحْدَى
(5)
الرِّوَايَتَيْنِ)، قدَّمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» و «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لحديثِ زَيدِ بنِ ثابِتٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الرَّجل يقول
(6)
: هو يهوديٌّ، أوْ نَصْرانِيٌّ، أوْ مَجُوسِيٌّ، أوْ بَرِيءٌ من الإسلام، في اليمين يَحلِفُ بها، فيَحنَثُ في هذه الأشْياءِ، فقال:«عَلَيهِ كفَّارةُ يَمِينٍ» رَواهُ أبو بَكْرٍ
(7)
، ولأِنَّ قول
(8)
هذه الأشياءِ يُوجِبُ هَتْكَ الحُرْمة، فكان يمينًا؛ كالحَلِفِ بالله تعالَى، بخِلافِ هو
(1)
أخرجه البخاري (1363)، ومسلم (110).
(2)
قوله: (سالمًا) سقط من (ظ) و (م).
(3)
أخرجه أحمد (23006)، وأبو داود (3772)، والنسائي (3258)، وابن ماجه (2100)، والحاكم (7818)، عن بريدة رضي الله عنه مرفوعًا. وسنده قوي جيد، فيه حسين بن واقد المروزي ثقة له أوهام، والحديث صححه النسائي والحاكم والعراقي والألباني. ينظر: المغني عن حمل الأسفار للعراقي ص 1056، الفتح 11/ 539، الإرواء 8/ 201.
(4)
في (م): بشرطه.
(5)
في (م): أحد.
(6)
قوله: (يقول) سقط من (م).
(7)
أخرجه البيهقي في الكبرى (19838)، وقال:(هذا لا أصل له من حديث الزهري ولا غيره، تفرّد به سليمان بن أبي داود الحراني، وهو منكر الحديث، ضعفه الأئمة وتركوه). وقال ابن عبد الهادي: (لا أصل له)، وضعفه الألباني.
(8)
في (م): لأن قوله.
فاسِقٌ إنْ فَعَلَه؛ لِإباحَتِه في حالٍ.
والثَّانِيَةُ: لا كفَّارةَ عَلَيهِ، وصحَّحها المؤلِّفُ؛ لِأنَّه لم يَرِدْ، ولا هو في مَعْنَى المنصوص عَلَيهِ.
وعَنْهُ: الوَقْفُ، نَقَلَها حَرْبٌ
(1)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَسْتَحِلُّ الزِّنَى، وَنَحْوَهُ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، إذا قال: هو يَسْتَحِلُّ ما حرَّم اللهُ، أوْ عَكَسَ وأطْلَقَ، أوْ علَّقه وحَنِثَ؛ فوجهان
(2)
؛ لأِنَّ اسْتِحْلالَ ذلك أوْ تحريمَه يُوجِبُ الكفْرَ، فيُخرَّجُ على الرِّوايَتَينِ قَبْلَها.
وجَزَمَ في «الوجيز» ، وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «المحرَّر»: أنَّه إن
(3)
فَعَلَ ذلك؛ فقد فَعَلَ مُحرَّمًا، وعَلَيهِ كفَّارةُ يَمِينٍ.
(وَإِنْ قَالَ: عَصَيْتُ اللهَ، أَوْ أَنَا أَعْصِي اللهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي، أَوْ مَحَوْتُ المُصْحَفَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا
(4)
؛ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ)، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الكافي» و «الشَّرح» ؛ لِأنَّ هذه الأشياءَ لا نَقْصَ فيها يَقتَضِي الوُجوبَ، ولا هِيَ في مَعْنَى ما سَبَقَ، فيَبْقَى الحالِفُ على البراءة الأصْلِيَّةِ.
واختار في «المحرَّر» : أنَّه إذا قال: عَصَيتُ اللهَ في كلِّ ما أَمَرَنِي؛ أنَّه يمينٌ؛ لدُخولِ التَّوحِيدِ فيه.
وقال ابنُ عَقِيلٍ في مَحَوْتُ المصْحَفَ: هو يَمِينٌ؛ لأِنَّ الحالِفَ لم يَقصِدْ بقَولِه: مَحَوْتُه، إلَّا إسْقاطَ حُرْمَته، فصار كقَولِه: هو يهوديٌّ، ولِأنَّه إذا أسْقَطَ
(1)
ينظر: شرح الزركشي 7/ 87.
(2)
قوله: (فوجهان) سقط من (م).
(3)
في (م): إذا.
(4)
زيد في (ن): كذا.
(5)
ينظر: المغني 9/ 508.
حُرْمَتَه؛ كان يمينًا، فكذا إذا أتى بما في مَعْناهُ.
(وَإِنْ
(1)
قَالَ: عَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ لَأَفْعَلَنَّ؛ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ)؛ أيْ: فَلَغْوٌ، وكذا إنْ علَّقه؛ لِأنَّ تعليقَ الشَّيء بالشَّرط أَثَرُه أنْ يَصِيرَ عِنْدَ الشَّرط؛ كالمطْلَق، وإذا كان المطْلَقُ لا يُوجِبُ شَيئًا؛ فكذا المعلَّق.
ولا يَعتِقُ العَبدُ إذا حنث
(2)
بغَيرِ خِلافٍ
(3)
؛ لِأنَّه لا يَعتِقُ بتنجيزه، فالمعلَّقُ أوْلَى.
ولا تلزمه
(4)
كَفَّارةٌ؛ لِأنَّه حَلَفَ بإخْراجِ مالِ غَيرِه؛ كما لو
(5)
قال: مالُ فُلانٍ صَدَقَةٌ.
(وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إِنْ حَنِثَ)؛ لِأنَّه حَلَفَ بالعِتْق فِيما لا يَقَعُ إلَّا بالحنث؛ كما لو قال: لله عليَّ أنْ أُعْتِقَ فُلانًا.
والأوَّلُ أصحُّ، والفَرْقُ بَينَهما: أنَّ قَولَه: (لله عليَّ
(6)
إلى آخِرِه؛ أنَّه نَذْرٌ، فأوْجَبَ الكَفَّارةَ؛ لكَونِ النَّذْر كاليمين، وتعليقُ العِتْقِ بخِلافِه.
فرعٌ: إذا
(7)
قال: إنْ فَعَلْتُ كذا فمالُ
(8)
فلانٍ صَدَقَةٌ، أوْ فَعَلَى فُلانٍ الحجُّ، أوْ هو بَرِيءٌ من الإسلام، وأشْباهَ ذلك؛ فلَيسَ بيمينٍ، ولا تَجِبُ به كفَّارةٌ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(9)
، قاله المؤلِّفُ، وذكر
(10)
السَّامرِّيُّ فيه الخِلافَ.
(1)
في (ظ): وإذا.
(2)
رسمت في (م): أحنت.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 27/ 514.
(4)
في (م): ولا يلزمه.
(5)
في (ن): إذا.
(6)
قوله: (لله علي) في (م): ثمنه.
(7)
في (م): إن.
(8)
في (ن): قال.
(9)
ينظر: المغني 9/ 520.
(10)
في (م): وذكره.
(وَإِنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي)، البَيعةُ: المُبايَعَةُ، أي
(1)
: يَحلِفُ بها عِنْدَ المبايَعة والأَمْرِ المهِمِّ، وكانَت البَيعةُ على عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الرَّاشِدِينَ بالمصافَحةِ
(2)
، (فَهِيَ يَمِينٌ، رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ) بنُ يُوسُفَ بنِ الحَكَم بنِ عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، ولاَّهُ عبدُ الملك بنُ مَرْوانَ قِتالَ ابنِ الزُّبَيرِ، فحَاصَرَه بمكَّةَ، ثُمَّ قَتَلَه، وأخْرَجَه فصَلَبَه، فولاَّه عبدُ الملك الحِجازَ ثَلاثَ سِنِينَ، ثُمَّ ولاَّه العراقَ وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين سنة
(3)
، فَوَلِيَها عِشْرِينَ سَنَةً فَزَلْزَلَ أهْلَها، ورَوَى ابنُ قُتَيبةَ عن عمرَ أنَّه قال:«يا أهْلَ الشَّام، تَجهَّزوا لأِهْلِ العراق، فإنَّ الشَّيطانَ قد باض فيهم وفرَّخ، اللَّهُمَّ عَجِّلْ لهم الغلامَ الثَّقَفِيَّ، الَّذي يَحكُمْ فيهم بحُكْمِ الجاهِلِيَّةِ، لا يَقبَلُ مِنْ مُحسِنِهم، ولا يَتجاوَزُ عن مُسِيئهم»
(4)
،
(تَشْتَمِلُ
(5)
عَلَى
(6)
الْيَمِينِ بِاللهِ تَعَالَى، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتَاقِ، وَصَدَقَةِ المَالِ)، ذَكَرَه الأصْحابُ، زاد بعضُهم: والحجِّ.
(فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَعْرِفُهَا وَنَوَاهَا؛ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِمَا فِيهَا) من الطَّلاق
(1)
في (ظ): أن.
(2)
أخرج البخاري (7214)، ومسلم (1866)، من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية: {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، قالت: «وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلاّ امرأةً يملكها» ، قال النووي في شرح مسلم (13/ 10):(فيه أن بيعة الرجال بأخذ الكفِّ مع الكلام).
(3)
قوله: (سنة) سقط من (ظ) و (م).
(4)
لم نقف على رواية ابن قتيبة، والحديث أخرجه الدولابي في الكنى والأسماء (1268)، واللاّلكائي في كرامات الأولياء (68)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 487)، من طرق عن أبي عذْبة الحضرمي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه به، وسنده ضعيف، قال الذهبيّ:(أبو عذبة، عن عمر قوله: «اللهم عجِّل عليهم بالغلام الثقفي» مجهول)، ونقله ابن حجر في اللِّسان وأقرّه، وحسن سنده الألباني. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 551، مسند الفاروق 3/ 83، لسان الميزان لابن حجر 9/ 121، الضعيفة 12/ 29.
(5)
في (م): يشتمل، وفي (ظ): فتشتمل.
(6)
قوله: (على) سقط من (ن).
والعِتاق؛ لِأنَّ اليمينَ بهما تَنعَقِدُ بالكِنايَة، فكذا ما عَداهُما في قَولِ القاضي، وقدَّمه في «الرِّعاية». واسْتَثْنَى في «الوجيز»: اليمينَ بالله تعالى، وهو قَولُ القاضي، وجَزَمَ به في «الكافي» ؛ لِأنَّ الكفَّارةَ إنَّما وَجَبَتْ فيها لمَا ذُكِرَ فيها من
(1)
اسم اللهِ المعظَّم
(2)
، ولا يُوجَدُ ذلك في الكناية
(3)
.
(وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ أيْ: إذا لم يَعرِفْها ولم يَنْوِها؛ فَلَغْوٌ؛ لأِنَّ ذلك إنَّما
(4)
يَنعَقِدُ بالكناية
(5)
، ولا مَدخَلَ لها في ذلك، ولأِنَّه لا تَصِحُّ
(6)
النِّيَّة فيما
(7)
لا يَعرِفُه.
وسُئِلَ أبو القاسِم الخِرَقِيُّ عنها، فقال: لَسْتُ أُفْتِي فيها بشَيءٍ، ثُمَّ قال: إلَّا أنْ يَلتَزِمَ الحالِفُ بجميعِ ما فيها مِنْ الأَيْمان، فقال: يَعرِفُها أوْ لا يَعرِفُها؟ قال
(8)
: نَعَمْ، فيُؤخَذُ منه أنَّها
(9)
تَنعَقِدُ إذا نَواها، وإنْ لم يَعرِفْها.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلَّا تَنْعَقِدَ بِحَالٍ)؛ لمَا ذَكَرْنا، (إِلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ)؛ لاِنْعِقادِهما بالكناية
(10)
.
وقِيلَ: والصَّدقة.
(1)
في (م): لمن.
(2)
في (م): الأعظم.
(3)
في (م): الكفاية.
(4)
في (ن): مما.
(5)
في (م): بالكفاية.
(6)
قوله: (لا تصح) في (ظ): لا يصح مع.
(7)
في (م): فيها.
(8)
في (ن): فقال.
(9)
في (م): أنما.
(10)
في (م): بالكفاية.
وفي «التَّرغيب» : إنْ عَلِمَها؛ لَزِمَه عِتْقٌ وطَلاقٌ.
فرعٌ: لم يَذكُر المؤلِّفُ حُكْمَ أيْمانِ المسلمين، ويَلزَمُه فيها عِتْقٌ، وطَلاقٌ، وظِهارٌ، ونَذْرٌ، ويمينٌ بالله، بِنِيَّةِ ذلك، وفي اليمين بالله الوَجْهانِ، وألْزَمَ القاضي الحالِفَ بالكُلِّ، ولو لم يَنْوِ.
ومَنْ حَلَفَ بأحدها
(1)
، فقال آخَرُ: يَمِينِي في
(2)
يمينك، أوْ عَلَيها، أوْ مِثْلُها، يَنْوِي التزام
(3)
مِثْلِها؛ لَزِمَه، نَصَّ عَلَيهِ في طَلاقٍ
(4)
، وفي المكفَّرة
(5)
وَجْهانِ.
وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ: أنَّه
(6)
إذا كانَتْ يَمِينُ الأوَّلِ ممَّا تنعقد
(7)
بالكناية
(8)
؛ كطَلاقٍ، وعِتْقٍ؛ انعقدت
(9)
يمينُ الثَّانِي، وإلَّا فَلَا.
وفي «الكافي» و «الشَّرح» : أنَّ اليمينَ بالله تعالى لا تَنعَقِدُ.
وإنْ لم يَنْوِ شَيئًا؛ لم تَنعَقِدْ يمينُه؛ لأِنَّ الكناية
(10)
لا تَنعَقِدُ بغير نيَّة
(11)
، وهذا ليس
(12)
بصريحٍ.
(وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ يَمِينٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، وَفَعَلَهُ؛ فَقَالَ أَصْحَابُنَا:
(1)
في (م): بأحدهما.
(2)
في (ن): من.
(3)
في (م): إلزامها.
(4)
ينظر: المغني 9/ 620، الفروع 10/ 440.
(5)
في (م): لكفارة.
(6)
في (ن): أنها.
(7)
في (ظ) و (م): ينعقد.
(8)
في (م): بالكفاية.
(9)
في (م): وانعقدت.
(10)
في (م): الكفاية.
(11)
في (ظ): بعربية.
(12)
في (ن): وليس هذا.
عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ)، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لمَا رَوَى التِّرْمذِيُّ وصحَّحه، عن عُقْبةَ مرفوعًا، قال:«كَفَّارةُ النَّذْر إذا لم يُسَمَّ؛ كَفَّارةُ يَمِينٍ»
(1)
.
وإنْ قال: مَالِي للمساكين
(2)
، وأرادَ به اليمينَ، فكَفَّارةُ يَمِينٍ، ذَكَرَه في «المستوعب» و «الرِّعاية» .
(1)
أخرجه أحمد (17301) والترمذي (1528)، وسنده ضعيف؛ فيه محمد بن يزيد بن أبي زياد الكوفي، مولى المغيرة، وهو مجهول كما قاله أبو حاتم والدارقطني وابن حجر، وقد تفرّد بزيادة:«إذا لم يُسَمَّ» . وتابعه إسماعيل بن رافع المدني، وهو ضعيف واهٍ عند ابن ماجه (2127)، والحديث أخرجه مسلم (1645)، بلفظ:«كفارة النذر كفّارة اليمين» ، ومع هذا فقد صحح الترمذيُّ حديث مولى المغيرة فقال:(حسن صحيح غريب)، وضعفه الألباني، وفي الباب أحاديث أخرى واهية. ينظر: الجرح والتعديل 8/ 126، سنن الدارقطني 1/ 365، تهذيب الكمال 27/ 18، الإرواء 8/ 209.
(2)
في (ن): للمسلمين.
(فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ)
(وَهِيَ تَجْمَعُ تَخْيِيرًا وَتَرْتِيبًا)، فالتَّخْيِيرُ: بَينَ الإطْعامِ، والكُسْوة، والعِتْق، والتَّرتِيبُ فيها: بَينَ ذلك، وبَينَ الصِّيام.
والأصْلُ في ذلك: قَولُه تعالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المَائدة: 89].
وفي السُّنَّة أحادِيثُ
(1)
.
وأجْمَعُوا على مَشْروعيَّةِ الكَفَّارة في اليمين بالله تعالى
(2)
.
فيخيَّر فيها
(3)
بَينَ ثلاثةِ أشْياءَ: إطعامِ
(4)
عَشَرَةِ مَساكِينَ، أوْ كِسْوتِهم، أوْ تحريرِ رَقَبةٍ، وقد سَبَقَ ذِكْرُ العِتْقِ والإطْعامِ في الظِّهار.
ويُجزِئُ أنْ يُطعِمَ بَعْضًا، ويَكْسُوَ بَعضًا، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، وفِيهِ قَولٌ؛ كبقيَّةِ الكفَّارات مِنْ جِنْسَينِ، وكعتق
(6)
مع غَيرِه.
(وَالْكُسْوَةُ: لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ يُصَلِّي فِيهِ) الفَرْضَ، نَقَلَه حَرْبٌ
(7)
، وقالَهُ في
(1)
كحديث عبد الرّحمن بن سَمرة رضي الله عنه، وتقدم تخريجه، وحديث عقبة الجهني رضي الله عنه أخرجه مسلم (1645).
(2)
ينظر: الإجماع ص 114، مراتب الإجماع ص 158.
(3)
قوله: (فيها) سقط من (ظ) و (م).
(4)
في (م): وإطعام.
(5)
ينظر: زاد المسافر 4/ 521.
(6)
في (م): والعتق.
(7)
ينظر: زاد المسافر 4/ 521.
«التَّبصرة» ، كَوَبَرٍ، وصُوفٍ، وما يُسمَّى كُسْوةً، ولو عَتِيقًا لم تَذهَبْ قوته، فإذا ذَهَبَتْ مَنفَعَتُه باللُّبْس؛ فلا يَجُوزُ؛ كالحَبِّ المَعِيبِ.
(وَلِلْمَرْأَةِ: دِرْعٌ وَخِمَارٌ)؛ لِأنَّ ما دُونَ ذلك لا يُجْزِئُ لابِسَه في الصَّلاة، ويُسمَّى عُرْيانًا شَرْعًا، فَوَجَبَ أنْ لا يُجزِئَ.
وقال أكثرُ العلماء: يتقدَّر
(1)
ذلك بأقلِّ ما يَقَعُ عليه
(2)
الاِسْمُ.
وجَوابُه: أنَّ الكُسْوةَ أحَدُ أنْواعِ الكَفَّارة، فلم يَجُز
(3)
فيها ما يَقَعُ عَلَيهِ الاِسْمُ؛ كالإطْعامِ والإعْتاقِ، ولأِنَّ التَّكْفِيرَ عِبادةٌ يُعتَبَرُ فيها الكُسْوةُ، أشْبَهَت الصَّلاةَ.
ونَصَّ على الدِّرع والخِمار، كالخِرَقِيِّ وغَيرِه؛ لِأنَّ السِّتْرَ غالِبًا لا يَحصُلُ إلَّا بذلك، وإلَّا فلَوْ أعْطاها ثَوبًا واسِعًا يَسْتُرُ بَدَنَها ورَأْسَها؛ أجْزَأَ ذلك؛ إناطَةً بستر
(4)
عَورَتِها في الصَّلاة.
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ)؛ أيْ: إذا عَجَزَ عن العتق، والإطْعام، والكُسْوة؛ (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)؛ للآية، (مُتَتَابِعَاتٍ
(5)
؛ أيْ: بلا عُذْرٍ في ظاهِرِ المذْهَب، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لقراءةِ أُبَيٍّ وابنِ مَسْعودٍ:(فصِيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ مُتَتابِعاتٍ) حَكاهُ أحمدُ
(6)
، ورواهُ الأثْرَمُ
(7)
، فالظَّاهِرُ أنَّهما
(1)
في (م): يقدر.
(2)
قوله: (عليه) مكانه بياض في (م).
(3)
في (م): فلم يجزئ.
(4)
في (م) و (ن): لستر.
(5)
في (ن): متتابعة.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2452، مسائل ابن هانئ 2/ 75.
(7)
أثر أبيّ بن كعب رضي الله عنه: أخرجه الطبري في التفسير (8/ 652)، والحاكم (3091)، وسنده ضعيف؛ فيه أبو جعفر الرازي، عيسى بن أبي عيسى، صدوق سيئ الحفظ، يهم كثيرًا، ومع هذا فالأثر صححه الحاكم والذهبي، وقوّاه ابن حجر.
وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (16103)، وهو مرسل منقطع كما قاله البيهقي وغيره. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 10/ 103، الإرواء 8/ 203.
سمعاه
(1)
من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَكُونُ خَبَرًا، وكصوم
(2)
الظِّهار.
وعَنْهُ: له
(3)
تَفْريقُها.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: هل الدَّينُ كزَكاةٍ فيَصُومُ، أمْ لا كفطره
(4)
؟ فيه رِوايَتانِ.
ولا يَنتَقِلُ إلى الصَّوم، إلَّا
(5)
إذا عَجَزَ كعَجْزِه عن زَكاةِ الفِطْر، نَصَّ عَلَيهِ
(6)
.
فإنْ كان مالُه غائبًا؛ استدان
(7)
إنْ قَدَرَ، وإلَّا صامَ.
فرعٌ: تَجِبُ كَفَّارةٌ ونَذْرٌ على الفَور، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
.
(إِنْ شَاءَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ)، سَواءٌ كان صَومًا أوْ غَيرَه، وهو قَولُ أكْثَرِهم، وممَّن
(9)
رُوِيَ عنه تقديمُ الكَفَّارة قَبْلَ الحِنْث: عمرُ
(10)
، وابْنُه
(11)
،
(1)
في (ن): سمعا.
(2)
في (م): وصوم.
(3)
قوله: (له) سقط من (م).
(4)
قوله: (كفطره) سقط من (م).
(5)
في (م): لأنه.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 3443، زاد المسافر 4/ 519.
(7)
في (م) لاستدان.
(8)
ينظر: زاد المسافر 4/ 522، الإنصاف 27/ 533.
(9)
في (م): ومما.
(10)
لم نقف عليه.
(11)
أخرجه عبد الرزاق (16107)، وابن أبي شيبة (12311)، والبيهقي في الكبرى (19967)، من طرق عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان ربما كفّر يمينه قبل أن يحنث، وربما كفّر بعدما يحنث» ، وفي لفظ:«أنه كان يكفِّر قبل أن يحنث» ، وسنده صحيح.
وابنُ عبَّاسٍ
(1)
، وسَلْمانُ
(2)
، وعن عبدِ الرَّحْمنِ بنِ سَمُرَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يا عبدَ الرَّحْمن! إذا حَلَفْتَ على يمينٍ فرَأَيتَ غَيرَها خَيرًا منها؛ فكفِّرْ عن يمينك، ثُمَّ ائتِ الَّذي هو خَيْرٌ» رواه أبو داودَ والنَّسائيُّ، ورجالُه ثِقاتٌ
(3)
، ولِأنَّه كَفَّرَ بَعْدَ سَبَبِه، فجازَ؛ ككفَّارةِ الظِّهار، والقَتْل بَعْدَ الجَرْح، وكتَعجِيلِ الزِّكاة بَعْدَ وُجودِ النِّصاب، والحِنْثُ شَرْطٌ ولَيسَ بِسَبَبٍ.
وظاهِرُه: أنَّهما سَواءٌ في الفضيلة، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
وعَنْهُ: بَعْدَه أفْضَلُ؛ للخُروج من الخِلاف.
وهذا محلُّه: ما لم يكُن الحِنْثُ حَرامًا، فإنَّه إذا كان كذلك؛ كفَّرَ بَعْدَه مُطلَقًا.
وفي «الواضح» : على رِوايَةِ حِنْثِه بعزمه
(5)
على مُخالَفَةِ يَمِينِه بِنِيَّتِه؛ لا يَجُوزُ، بل لا يَصِحُّ.
وفيه رِوايَةٌ: لا يَجُوزُ بصَومٍ؛ لأِنَّه تقديمُ عِبادةٍ؛ كصِلاةٍ.
(1)
لم نقف على أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما يدل على تقديم الكفّارة، وقد أخرج عبد الرزاق (16110) عن الأسلمي، عن رجل سماه، عن محمد بن زياد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أنه كان لا يكفر حتى يحنث» ، وسنده ضعيف جدًّا؛ محمد بن زياد اليشكري، المعروف بالميموني: كذاب خبيث، قاله أحمد. ينظر: العلل ومعرفة الرجال (5322)، تهذيب الكمال 25/ 222.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (16109)، عن ابن جريج، سمعت يزيد بن إبراهيم، أو أخبرني من سمعه يحدث عن ابن سيرين قال:«كان سلمان يكفِّر قبل أن يحنث» ، وإسناده لا بأس به، وسلمان المقصود به: سلمان بن عامر الضبي وهو صحابي، وليس الفارسي؛ فإن ابن سيرين لم يدرك سلمان الفارسي رضي الله عنه. ينظر: جامع التحصيل للعلائي (ص 264).
(3)
أخرجه أبو داود (3277)، والنسائي (3783)، من طرق عن الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه والحديث أخرجه الشيخان من هذا الطريق، وقد تقدم تخريجه 10/ 45 حاشية (5).
(4)
ينظر: مسائل صالح 3/ 54.
(5)
في (م): غير نية.
واخْتارَ في «التَّحقيق» : أنَّه لا يَجُوزُ قَبْلَ الحِنْثِ؛ كما لو كفَّرَ قبل
(1)
اليمين؛ وكحِنْثٍ مُحرَّمٍ في وَجْهٍ.
(وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْيَمِينِ) عِنْدَ أحدٍ مِنْ العُلَماء
(2)
؛ لأِنَّه تقديمٌ للحُكْمِ قَبْلَ سَبَبِه؛ كتَقْديمِ الزَّكاة قَبْلَ ملْكِ النِّصاب، مع أنَّ ابنَ حَزْمٍ ذَكَرَ أنَّهم اخْتَلَفُوا في تقديمها
(3)
.
(وَمَنْ كَرَّرَ أَيْمَانًا
(4)
قَبْلَ التَّكْفِيرِ؛ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ)، اخْتارَه الأكْثَرُ، وذَكَرَ أبو بكرٍ: أنَّ أحمدَ رَجَعَ عن غَيرِه؛ لِأنَّ الكفَّارةَ حَدٌّ، بدليلِ قَولِه عليه السلام:«الحُدودُ كَفَّاراتٌ لِأهْلِها»
(5)
، فَوَجَبَ أنْ تَتداخَلَ كالحدود
(6)
.
(وَعَنْهُ: لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ)، وقاله أبو عُبَيدٍ فِيمَنْ قال: عليَّ عهدُ الله ومِيثاقُه وكَفَالَتُه، ثُمَّ حَنِثَ؛ فَعَلَيهِ ثلاثُ كَفَّاراتٍ، ولِأنَّ كلَّ واحدة
(7)
مِنهُنَّ مِثْلُ الأُولَى، وكما لو اخْتَلَفَ مُوجَبُها؛ كيمينٍ وظِهارٍ.
وعَنْهُ: إنْ حَلَفَ أيْمانًا على شَيءٍ واحِدٍ؛ لِكُلِّ يمينٍ كَفَّارةٌ، إلَّا أنْ يَنْوِيَ التَّأكِيدَ أو التَّفْهيمَ.
(وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا
(8)
إِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ)؛ ك: واللهِ لا أقَمْتُ واللهِ لا
(1)
في (م): بعد.
(2)
ينظر: المغني 9/ 521.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 159.
(4)
قوله: (أيمانًا) سقط من (م)، وفي (ن): اليمين.
(5)
لم نجده بهذا اللفظ، وكأن المصنف رحمه الله تعالى رواه بالمعنى، والأصل في هذا الباب: ما أخرجه البخاري (1709)، ومسلم (18) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:«ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له» .
(6)
في (م): الحدود.
(7)
في (ن): واحد.
(8)
قوله: (أنها) سقط من (م).
أقَمْتُ؛ (فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ)؛ نحوُ: واللهِ لا قمتُ
(1)
، واللهِ لا قَعَدْتُ؛ (فَلِكُلِّ
(2)
يَمِينٍ كَفَّارَةٌ)، هذا رِوايَةٌ، ونَصَرَها في «الشَّرح» ؛ لأِنَّها إذا كانَتْ على فِعْلٍ واحِدٍ؛ كان سَبَبُها واحِدًا، فالظاهر
(3)
أنَّه أراد التَّأكِيدَ، وإنْ كانَتْ على أفْعالٍ؛ فلأِنَّها أيْمانٌ لا يَحنَثُ في إحْداهنَّ بالحِنْث في الأخرى، فَوَجَبَ في كلِّ يمينٍ
(4)
كَفَّارَتُها؛ كالمخْتَلِفةِ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّها كَفَّاراتٌ مِنْ جِنْسٍ، فتَداخَلَتْ كالحدود، وأجاب في «الشَّرح»: بأنَّ الحُدودَ وَجَبَتْ للزَّجْر، ويَنْدرئ
(5)
في الشُّبهة، والموالاةُ بَينَهما ربُّما أفْضَى إلى التَّلَف؛ لأِنَّها عُقوبةٌ بَدَنِيَّةٌ، بخِلافِ مَسْألَتِنا.
فرعٌ: إذا حَلَفَ يمينًا واحِدةً على أجْناسٍ مُختَلِفةٍ، وحَنِثَ في الجميع؛ فكَفَّارةٌ واحِدةٌ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(6)
؛ لِأنَّ اليمينَ واحدةٌ، والحِنْثُ واحِدٌ، فإنَّه يَحنَثُ بفِعْلٍ واحِدٍ من المحْلوفِ عَلَيهِ، وتَنحَلُّ يَمِينُه.
فإنْ أخرجها
(7)
ثمَّ
(8)
حَنِثَ في أخْرَى؛ فكَفَّارةٌ أخْرَى، لا نَعلَمُ فيه
(9)
خِلافًا
(10)
؛ كما لو وَطِئَ في رَمَضانَ، فكفَّر
(11)
، ثُمَّ وَطِئَ ثانِيَةً.
(1)
في (ن): لا أقمت.
(2)
في (ن): فعليه لكل.
(3)
في (ظ): والظاهر.
(4)
في (م): في.
(5)
في (م): تدرأ.
(6)
ينظر: المغني 9/ 514.
(7)
في (ن): أخرجهما.
(8)
قوله: (ثم) سقط من (م) و (ن).
(9)
قوله: (فيه) سقط من (ن).
(10)
ينظر: المغني 9/ 514.
(11)
في (ن): وكفر.
تنبيهٌ: مِثْلُه الحَلِفُ بِنُذورٍ مكرَّرة
(1)
، أوْ بِطَلاقٍ مُكفَّرٍ، قاله شَيخُنا
(2)
، نَقَلَ ابنُ مَنصورٍ فِيمَنْ حَلَفَ نُذُورًا كثيرةً مُسمَّاةً إلى بَيتِ اللهِ أنْ لا يُكلِّمَ أباهُ أوْ أخاهُ: فعَلَيهِ كَفَّارةُ يَمِينٍ
(3)
.
وقال شَيخُنا
(4)
فِيمَنْ قال: الطلاق
(5)
يَلزَمُه لَأفْعَلُ كذا، وكرَّره؛ لم يَقَعْ أكثر
(6)
مِنْ واحِدةٍ، إذا لم يَنْوِ، فيتوجه
(7)
مِثْلُه: إنْ قُمْتِ فأنْتِ طالِقٌ، وكرَّرَه ثلاثًا، وذَكَرَ المؤلِّفُ أنَّه يَقَعُ بها ثلاثٌ إجْماعًا
(8)
.
وكان الفَرْقُ: أنَّه يَلزَمُ مِنْ الشَّرْط الجَزاءُ، فيَقَعُ الثَّلاثُ مَعًا؛ للتَّلازُمِ، ولا رَبْطَ في اليمين، ولأِنَّها للزَّجْر والتطهير
(9)
، فهي كالحُدودِ، بخِلافِ الطَّلاق، والأَصْلُ حَمْلُ اللَّفْظ على فائدةٍ أخْرَى، ما لم يُعارِضْهُ مُعارِضٌ، ذَكَرَه في «الفُروع» .
(وَإِنْ كَانَتِ الْأَيْمَانُ مُخْتَلِفَةَ الْكَفَّارَةِ؛ كَالظِّهَارِ، وَالْيَمِينِ بِاللهِ تَعَالَى، فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا)؛ لِأنَّها أجْناسٌ، فلم تَتَداخَلْ؛ كالحُدودِ مِنْ أجْناسٍ.
(وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ الصَّوْمُ)؛ لأنَّه
(10)
كَفَّارةُ الحُرِّ المعْسِرِ، وهو أحْسَنُ حالاً مِنْ العبد، ويُجزِئُه الصَّومُ بغَيرِ خِلافٍ
(11)
.
(1)
في (م): مكرر.
(2)
أي: شيخ الإسلام ابن تيمية، والكلام لصاحب الفروع 10/ 456.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2458.
(4)
أي: شيخ الإسلام ابن تيمية، والكلام لصاحب الفروع 10/ 456.
(5)
في (م): بالطلاق.
(6)
في (م) و (ن): البر.
(7)
في (ن): توجه.
(8)
ينظر: الفروع 10/ 455.
(9)
في (ن): والتطهر.
(10)
في (م): لأنها.
(11)
ينظر: المغني 9/ 555.
ويَصِحُّ بإعْتاقٍ وإطْعامٍ بإذْنِ سيِّدِه إنْ قُلْنا يَملِكُ بالتَّمْليك، وإلَّا فَلَا.
وهل له
(1)
إعْتاقُ نَفْسِه؟ على
(2)
وَجْهَينِ.
(وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ)، ولا مِنْ نَذْرِه؛ كصَومِ رَمَضانَ وقَضائِه.
وفي «الرِّعايةِ» : إنْ حَلَفَ أوْ حَنِثَ بإذنه
(3)
؛ رُوعِيَ الحَلِفُ فقطْ.
(وَمَنْ نِصْفُه حُرٌّ) - وعِبارةُ «المحرَّر» و «الوجيز»
(4)
و «الفُروع» : ومَن بَعضُه، وهو أَوْلَى -؛ (فَحُكْمُهُ
(5)
فِي
(6)
الْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ)؛ لِأنَّه يَملِكُ ملْكًا تامًّا، أشْبَهَ الحُرَّ الكامِلَ.
وقِيلَ: لا يُكفِّرُ بعِتْقٍ؛ لِأنَّه لا يَثْبُتُ له الوَلاءُ.
وجَوابُه: بالمنْعِ.
فرعٌ: يُكفِّرُ كافِرٌ ولو مُرتَدًّا بغَيرِ صَومٍ
(7)
.
(1)
قوله: (وهل له) في (م): وهله.
(2)
قوله: (على) سقط من (ن).
(3)
في (ن): أو وجبت بإرثه.
(4)
في (م): وعبارة «المجرد» «الوجيز» .
(5)
في (ن): حكمه.
(6)
في (م): حكم.
(7)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصله رضي الله عنه.
(بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ)
(وَيُرْجَعُ
(1)
فِي الْأَيْمَانِ إِلَى النِّيَّةِ)؛ أيْ: إلى نِيَّةِ حالفٍ
(2)
لَيسَ ظالِمًا، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، ولَفْظُه يَحتَمِلُها، فَمَتَى نَوَى بيمينه ما يَحتَمِلُه؛ تعلَّقت
(4)
يمينُه بما نَواهُ، دُونَ ما لفظ
(5)
به، سَواءٌ نَوَى ظاهِرَ اللَّفْظ أوْ مَجازَه، مِثْلَ أنْ يَنْوِيَ موضوعَ
(6)
اللَّفظ، أو الخاصَّ بالعامِّ، أو بالعَكْس، أوْ غَيرَ ذلك؛ لقَولِه عليه السلام:«وإنَّما لاِمْرئٍ ما نَوَى»
(7)
، فيَدخُلُ فيه الأيمان
(8)
، ولِأنَّ كلامَ الشَّارِع يُصرَفُ إلى ما دلَّ الدَّليلُ على ما أراده، دُونَ ظاهِرِ اللَّفظ، فكلامُ المتكلِّم مع اطِّلاعه على تعيين
(9)
إرادته أَوْلَى.
ويُقبَلُ حُكْمًا مع قُرْبِ الاِحْتِمال من الظَّاهِر، ومع تَوسُّطِه رِوايَتانِ، أشْهَرُهما: القَبولُ.
مسألةٌ: يَجوزُ التَّعريضُ في المخاطَبةِ لغَيرِ ظالِمٍ بِلا حاجَةٍ، اخْتارَه الأكْثَرُ.
وقِيلَ: لَا، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، واخْتارَه
(10)
؛ لأِنَّه تدليسٌ كتَدْلِيسِ
(1)
في (م): يرجع.
(2)
في (ن): الحالف.
(3)
ينظر: زاد المسافر 4/ 475، الفروع 11/ 5.
(4)
في (م): فعلقت.
(5)
في (م): لفظه.
(6)
في (م): موضع.
(7)
أخرجه البخاري (5070، 6689)، ومسلم (1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(8)
في (ظ): الأذان.
(9)
في (ظ): تعين. وفي (ن): تيقن.
(10)
ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 223، الفروع 11/ 5.
المبِيعِ، وقد كَرِهَ أحمدُ التَّدْليسَ، وقال: لا يُعجِبُنِي، ونَصُّه: لا يَجُوزُ التَّعْريضُ مع اليَمِين
(1)
.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ؛ رُجِعَ إِلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا)، قدَّمه في «الخِرَقِيِّ» و «الإرْشاد» و «المبْهِجِ» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وحُكِيَ رواية، وقدَّمه القاضي بموافقته
(2)
الوضع
(3)
.
وعنه: يقدَّم عَلَيهِ.
وذَكَرَ القاضِي: وعَلَيها عُمُومُ لَفْظِه احْتِياطًا، ثمَّ
(4)
إلى التَّعيين.
وقِيلَ: يُقدَّمُ عَلَيهِ وَضْعُ لَفْظِه شَرْعًا أوْ عُرْفًا أوْ لُغَةً.
وفي «المُذهب» : في الاِسْمِ والعُرْف وَجْهانِ.
وذَكَرَ ابنُه
(5)
: النِّيَّةُ، ثُمَّ السَّبَبُ، ثُمَّ مُقْتَضَى لَفْظِه عُرفًا أوْ لُغَةً.
(فَإِذَا حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ إذا قَصَدَ أَلَّا يَتَجَاوَزَهُ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ)؛ لأِنَّ مُقْتَضَى اليمينِ تَعْجيلُ القَضاء، ولأِنَّ السَّببَ يَدُلُّ على النِّيَّة.
فإن لم
(6)
يَنْوِ ذلك، ولا كان السَّبَبُ يَقتَضِيهِ؛ فَظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ، وقدَّمه
(1)
ينظر: زاد المسافر 4/ 476، الفروع 11/ 5.
(2)
في (م): بموافقة.
(3)
في (ظ): الموضع. وفي (م): المرضع.
(4)
قوله: (ثمَّ) سقط من (م).
(5)
في (م): أنه. وهو كما في الإنصاف: يوسف بن عبد الرحمن ابن الجوزي، البغدادي، قال ابن رجب:(اشتغل بالفقه والخلاف والأصول، وبرع في ذلك، وكان أمهر فيه من أبيه، ووعظ في صغره على قاعدة أبيه)، من مصنفاته: معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز، والمذهب الأحمد في مذهب أحمد، قتله التتار سنة 656 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 4/ 20، المقصد الأرشد 3/ 137.
(6)
في (ن): كم.
في «الرِّعاية» وغيرها
(1)
: أنَّه لا يَبْرَأُ إِلَّا بقَضائِه في الغِد.
وقال القاضي: يَبْرَأُ في كلِّ حالٍ؛ لأِنَّ عُرْفَ هذه اليمينِ في القَضاء التَّعجيلُ، فتَنصَرِفُ اليَمينُ المطْلَقَةُ إلَيهِ.
والأوَّلُ أصحُّ.
فلو حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ غَدًا، وقَصَدَ مَطْلَه، فَقَضاهُ قَبْلَه؛ حَنِثَ، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» .
فإنْ كانَ كأكْلِ
(2)
شَيءٍ أوْ بَيعِه؛ فإنْ عَيَّنَ وَقْتًا، ولم يَنْوِ ما يَقتَضِي تعجيلَه، ولا كان سببُ يمينِه يَقتَضِيهِ: لم يَبْرَأْ إلَّا أنْ يَفعَلَه في وَقْتِه، نَصَرَه المؤلِّفُ وغيره
(3)
.
وذكر
(4)
القاضِي: أنَّه يَبرَأُ بتَعْجِيلِه عن
(5)
وَقْتِه.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ إِلَّا بِمِائَةٍ، فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ؛ لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأنَّه لم يُخالِفْ ما حَلَفَ عَلَيهِ.
(وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّ قرينةَ الحال تَدُلُّ على ذلك؛ كما لو حَلَفَ: ما لَه عليَّ حبَّةٌ
(6)
، وله عَلَيهِ شَيءٌ كثيرٌ.
(وَإِنْ
(7)
حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، وَنَوَى الْيَوْمَ؛ لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهِ)؛ لِأنَّ العِبْرةَ في الأَيْمانِ بالنِّيَّة، ولِأنَّ
(8)
اللَّفْظَ العامَّ يَصِيرُ بالإرادة خاصًّا، ولو
(1)
في (م): وغيره.
(2)
في (م): كل.
(3)
قوله: (وغيره) سقط من (ن).
(4)
في (م): وذكره.
(5)
في (م): في.
(6)
قوله: (حبة) سقط من (ظ) و (م).
(7)
في (م): وإذا، وفي (ظ): ولو.
(8)
قوله: (ولأن) سقط من (م).
كانَتْ يَمِينُه خاصَّةً؛ كقَولِه: لا دَخَلْتُ دارًا اليومَ؛ لم
(1)
يَحنَثْ بالدُّخُول في غَيرِه، فكذا
(2)
إذا نَواهُ.
وفي «الفروع» : (إن
(3)
حَلَفَ لا يَدخُلُ دارًا، ونَوَى اليومَ؛ قُبِلَ حُكْمًا، وعَنْهُ: لا، ويُدَيَّنُ).
(وَإِنْ دُعِيَ إِلَى غَدَاءٍ
(4)
، فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى؛ اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ إِذَا قَصَدَهُ)؛ أيْ: اختصَّتْ يَمِينُه بالغداء
(5)
عِنْدَ الدَّاعِي إذا قَصَدَه؛ لِأنَّ اللَّفْظَ وإنْ كان عامًّا؛ لكِنَّ القَصْدَ خَصَّصَه، فصار كما لو دُعِيَ إلى غَداءٍ فَحَلَفَ لا يَتَغَدَّى عِنْدَ الدَّاعِي، وفِيهِ وَجْهٌ.
(وَإِنْ حَلَفَ
(6)
: لَا يَشْرَبُ لَهُ المَاءَ مِنَ الْعَطَشِ، يَقْصِدُ قَطْعَ المِنَّةِ؛ حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ، وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ، وَكُلِّ مَا فِيهِ المِنَّةُ)؛ لِأنَّ ذلك للتَّنبيه على ما هو أعْلَى منه؛ كقوله تعالى:{وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [الإسرَاء: 71]، يُرِيدُ: لا يُظلمون
(7)
شَيئًا.
وكقول الشاعر
(8)
:
..................
…
ولا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
ونَصَّ عَلَيهِ أحمدُ في مواضع
(9)
، ذَكَرَه القاضي في «الخلاف» ، وذَكَرَ
(1)
في (م): لا.
(2)
قوله: (فكذا) سقط من (ن).
(3)
في (م): إذا.
(4)
في (م): غد.
(5)
في (ن): بالغداة.
(6)
قوله: (حلف) سقط من (ن).
(7)
في (م): لا تظلمون، وقوله:(فتيلاً، يريد لا يظلمون) سقط من (ن).
(8)
هو النجاشي الحارثي، وصدر البيت:(قُبَيِّلةٌ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ). ينظر: الوحشيات لأبي تمام ص 215، العقد الفريد 2/ 332.
(9)
في (م): موضع. وينظر: مسائل صالح 2/ 395، زاد المسافر 4/ 476.
ابنُ عَقِيلٍ: لا أقلَّ منه، كقُعودِه في ضَوءِ نارِه.
وعلى ما ذَكَرَه المؤلِّفُ: إنْ لم يَقصِدْ قَطْعَ المِنَّةِ؛ لم يَحنَثْ، إلَّا أنْ يكون
(1)
ثَمَّ سببٌ.
وإنْ كان لهذه اليمينِ عادةٌ وعُرْفٌ، فهو كَمَنْ حَلَفَ: ليقضينَّه
(2)
حقَّه غَدًا، فَقَضَاهُ قَبْلَه.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزَلِهَا، يَقْصِدُ قَطْعَ مِنَّتِهَا، فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ؛ حَنِثَ)، وكذا
(3)
إن انْتَفَعَ بثَمَنِه، نَصَّ عَلَيهِ في
(4)
روايةِ أبي طالِبٍ
(5)
، وذَكَرَه القاضي في الخِلافِ، وهو قَولُ أكْثَرِهم؛ لقوله عليه السلام: «لَعَنَ اللهُ اليهودَ، حُرِّمَتْ عَلَيهم الشُّحومُ فجَمَلُوها، فباعُوهَا وأكَلُوا ثمنها
(6)
»
(7)
.
ويَحنَثُ بالاِنتفاع به في غَيرِ اللُّبْس؛ لِأنَّه نَوعُ انْتِفاعٍ به، يَلحق
(8)
المنَّة به.
وإنْ لم يَقصِدْ قَطْعَ المِنَّة، ولا كان سببُ يمينه يَقتَضِي ذلك؛ لم يَحنَثْ إلَّا بما تَناوَلَتْه يَمِينُه، وهو لُبْسُه خاصَّةً.
فإنْ نَوَى اجْتِنابَ اللُّبْس خاصَّةً؛ قُدَّمت النِّيَّةُ على السَّبب وجْهًا واحِدًا، قاله في «المغْنِي» ؛ لِأنَّ النِّيَّةَ وافَقَتْ مُقتَضَى اللَّفظ، ولا يَتعدَّى الحُكْمُ إلى كلِّ ما فيه مِنَّةٌ، جزم به في «الكافي» و «الشرح» ، وقدَّمه في «الرعاية» ؛ لأنَّ
(9)
(1)
زيد في (ن): له.
(2)
في (م): ليقضين.
(3)
في (ن): وكذلك.
(4)
في (م): وفي.
(5)
ينظر: زاد المسافر 4/ 476.
(6)
في (ظ) و (م): ثمنه.
(7)
أخرجه البخاري (2223)، ومسلم (1582)، من حديث عمر رضي الله عنه.
(8)
في (م): بالحق.
(9)
قوله: (لأن) سقط من (م)، وفي (ن): لا.
لكونه
(1)
ثَوبًا مِنْ غَزْلِها أثَرًا في داعِيَةِ اليمين؛ فلم يَجُزْ حذفه
(2)
.
وقِيلَ: إن انْتَفَعَ بما لها
(3)
فيه مِنَّة
(4)
بقدره، أو أزيد
(5)
؛ حَنِثَ، جَزَمَ به في «التَّرغيب» .
وذَكَرَ في «التَّعليق» و «المفردات» وغَيرِهِما: يَحنَثُ بشَيءٍ منها؛ لِأنَّه لا يَمْحُو مِنَّتَها إلَّا بالامتناع مما
(6)
يَصْدُرُ عنها، ممَّا
(7)
يَتَضَمَّنُ مِنَّةً؛ لِيَخرُجَ مَخرَجَ الوَضْعِ العُرْفِيِّ.
تنبيهٌ: إذا كان اللَّفْظُ أعمَّ من السَّبب؛ كرجلٍ امْتَنَّتْ عَلَيهِ زَوجَتُه ببيتها
(8)
، فحَلَفَ لا يَسكُنُ بَيتًا، فقِيلَ: يُحمَلُ اللَّفْظُ على عُمومِه؛ ككلامِ الشَّارع، والأشْهَرُ: أنَّ العِبْرةَ بخُصوصِ السَّبب؛ لِأنَّ قرينةَ حالِه دالَّةٌ على إرادة الخاصِّ، أشْبَهَ ما لو نَواهُ؛ لِإقامَةِ السَّبَب مُقامَ النِّيَّة.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ، يُرِيدُ جَفَاءَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيرِهَا؛ حَنِثَ)، أوْ لا عُدْتُ رأيْتُكِ تَدْخُلِينَها، يَنْوِي مَنْعَها؛ حَنِثَ ولو لم يَرَها؛ لمخالفته
(9)
ما حَلَفَ على تَرْكِه.
ومَعْنَى الإيواءِ: الدُّخولُ، يُقالُ: أوَيْتُ أنا، وآوَيْتُ غَيرِي؛ لقوله تعالى:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10]، {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50].
(1)
في (ن): فلكونه.
(2)
في (ن): قذفه.
(3)
زاد في (ظ): ما.
(4)
في (ن): فيه.
(5)
في (ظ): ارتد.
(6)
في (م): كما.
(7)
زيد في (ن): لا.
(8)
في (م): بيتها.
(9)
في (م): لمخالفة.
فإن اجْتَمَعَ معها فيما لَيسَ بدارٍ ولا بَيْتٍ؛ لم يَحنَثْ، سَواءٌ كانت الدَّارُ سَبَبَ يمينه، أوْ لم تكن
(1)
؛ لِأنَّه قَصَدَ جَفاءَها بهذا النَّوع.
ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ: أقلُّ الإيواء ساعةٌ
(2)
، وجزم
(3)
به في «التَّرغيب» .
مسألةٌ: إذا حَلَفَ لا يَدخُلُ عَلَيها بَيتًا، فدَخَلَ عَلَيها فِيما لَيسَ ببيتٍ؛ فإنْ قَصَدَ جفاءها
(4)
، ولم يكُنْ للدَّار سَبَبٌ هيَّجَ يَمِينَه؛ حَنِثَ، وإلَّا فَلَا، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
فإنْ دَخَلَ على جماعةٍ هي فيهم، يَقصِدُ الدُّخولَ عَلَيها؛ حَنِثَ، وكذا إنْ لم يَقصِدْ شَيئًا، وإن اسْتَثْناها بقَلْبِه؛ فَوَجْهانِ.
فإنْ دَخَلَ بَيتًا لا يَعلَمُ أنَّها فيه، فَوَجَدَها فيه؛ فهو كالدُّخول عَلَيها ناسِيًا، وفيه رِوايَتانِ، فإنْ قُلْنا: لا يحنث
(5)
، فأقام، فهَلْ يَحنَثُ؟ على وَجْهَينِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ: لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَعُزِلَ، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا، أَوْ عَلَى عَبْدِهِ فَأَعْتَقَهُ، وَنَحْوِهِ، يُرِيدُ مَا دَامَ
(6)
كَذَلِكَ؛ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ)؛ لِأنَّ الخُروجَ بَعْدَ ما ذُكِرَ بغير الإذْن خُروجٌ لم يَتناوَلْه؛ لتخصيصِ
(7)
اللَّفْظ بإرادةِ زَمَن العَمالة، والزَّوجِيَّة، والعُبودِيَّة.
(وَإِنْ
(8)
لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ؛ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الحَالَ
(9)
(1)
في (ظ) و (م): لم يكن.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 83.
(3)
في (م): جزم.
(4)
في (م): خفاءها.
(5)
قوله: (فإن قلنا: لا يحنث) سقط من (ن).
(6)
في (م): ما دامت.
(7)
في (م): التخصيص.
(8)
في (ظ): فإن.
(9)
في (م): الحالف.
يَصْرِفُ
(1)
الْيَمِينَ إِلَيْهِ)؛ لِأنَّ السَّببَ يَدُلُّ على النِّيَّة في الخُصوص؛ كدَلالَتِها عليها
(2)
في العُمومِ، ولو نَوَى الخُصوصَ لَاخْتَصَّتْ يَمِينُه به
(3)
، فكذا إذا وُجِدَ ما يَدُلُّ عَلَيها.
وقَدَّمَ في «الرِّعاية» : أنَّها لا تَنحَلُّ؛ لأِنَّ لَفْظَ الشَّارِعِ إذا كان عامًّا لِسببٍ خاصٍّ؛ وَجَبَ الأخْذُ بعُمومِ اللَّفْظ، لا بِخُصوصِ السَّبب، كذلك يمينُ الحالِف؛ لأِنَّ اليمينَ إذا تعلَّقَتْ بعَينٍ مَوصوفةٍ تعلَّقت بالعَين وإنْ تغيَّرت الصِّفةُ.
وذَكَرَ القاضي فِيمَن حَلَفَ لِعامِلٍ لا يَخرُجُ إلَّا بإذْنِه، فَعُزِلَ: أنَّها لا تَنحَلُّ في قِياسِ المذْهَب، وهو وَجْهٌ.
والأوَّلُ أَوْلَى.
(وَذَكَرَ الْقَاضِي
(4)
في مَوضِعٍ آخَرَ: أَنَّ السَّبَبَ إِذَا كَانَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ عَمَّمْنَاهَا بِهِ
(5)
، وَإِنِ اقْتَضَى الْخُصُوصَ، مِثْلَ مَنْ نَذَرَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ، فَزَالَ الظُّلْمُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: النَّذْرُ يُوَفَّى بِهِ
(6)
؛ نَظَرًا إلى عُمومِ اللَّفظ، فيَجِبُ أنْ يُعْتَبَرَ.
(وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، فَصَارَ
(7)
كَالمَنْوِيِّ سَوَاءً)؛ لأِنَّ أُصولَه تَقتَضِي تقديمَ النِّيَّة والسَّبَبِ على عُمومِ اللَّفْظ، وذلك يَقتَضِي
(1)
في (ن): تصرف.
(2)
في (ظ) و (ن): (لدلالتها عليه). والمثبت موافق للمغني 9/ 567، والشرح الكبير 28/ 24.
(3)
قوله: (به) سقط من (م).
(4)
قوله: (القاضي) سقط من (ظ) و (م).
(5)
في (ظ) و (م): عممناه.
(6)
ينظر: المغني 9/ 567.
(7)
في (م): وصار.
تخصيصَ اللَّفْظ العامِّ وقَصْرَه على الحاجة، فكذا يجب
(1)
في هذه المسائلِ؛ لكَونِها داخِلةً في القَواعِد الكُلِّيَّة.
تنبيهٌ: إذا اخْتَلَفَ السَّبَبُ والنِّيَّةُ، مِثْلَ أن امْتَنَّت عليهِ
(2)
امْرأتُه بغَزْلِها، فحَلَفَ لا يَلبَسُ ثَوبًا مِنْ غَزَلِها، يَنْوِي اجْتِنابَ اللُّبْس خاصَّةً، دُونَ الاِنْتِفاعِ بثَمَنِه وغَيرِه؛ قُدِّمَت النِّيَّةُ على السَّبب وَجْهًا واحِدًا؛ لِأنَّ النِّيَّةَ وافَقَتْ مُقتَضَى اللَّفظ.
وإنْ نَوَى بثَمَنه
(3)
ثَوبًا واحدًا
(4)
؛ فكذلك في ظاهر
(5)
قَول الخِرَقِيِّ.
وقال القاضي: يقدَّم
(6)
السَّببُ؛ لِأنَّ اللفظ
(7)
ظاهِرٌ في العُموم، والسَّببُ - وهو الاِمْتِنانُ - يُؤكِّدُ ذلك الظَّاهِرَ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لِأنَّ السَّببَ إنَّما اعْتُبِرَ لِدَلالَتِه على القَصْدِ، فإذا خالَف حقيقةَ القَصْد؛ لم يُعتَبَرْ، فكان وُجودُه كَعَدَمِه، فلم يَبْقَ إلَّا اللَّفْظُ بعُمومِه، والنِّيَّة تَخُصُّه على ما بَيَّنَّاهُ.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا رَأَيْتُ مُنْكَرًا إِلَّا رَفَعْتُهُ إِلَى فُلَانٍ الْقَاضِي، فَعُزِلَ؛ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ إِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا)؛ لِأنَّ الرفع
(8)
بمنزلةِ الخُروج، فيما إذا حَلَفَ لعاملٍ
(9)
لا يخرج
(10)
إلّا بإذْنِه، ونَوَى ما دام عامِلاً.
(1)
في (ن): تجب.
(2)
قوله: (عليه) سقط من (ظ).
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 568، والشرح الكبير 28/ 26: بيمينه.
(4)
قوله: (لأن النية وافقت مقتضى اللفظ، وإن نوى بثمنه ثوبًا واحدًا) سقط من (م).
(5)
قوله: (ظاهر) سقط من (م).
(6)
في (م): تقدم.
(7)
قوله: (وإن نوى بثمنه ثوبًا واحدًا
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(8)
في (م): الدفع.
(9)
قوله: (لعامل) سقط من (ن).
(10)
قوله: (لعامل لا يخرج) سقط من (م).
(وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: لا تَنحَلُّ، قال القاضي: هو قِياسُ المذْهَبِ.
والثَّاني: بَلَى، وهو ظاهِرُ «الوجيز»؛ لِأنَّه لا يُقالُ: رَفَعَه إلَيهِ إلَّا في حالِ وِلايَته.
فعلى الأوَّل: إذا رَفَعَه إلَيهِ بَعْدَ العَزْلِ؛ بَرَّ، وإلَّا فَلَا، وإذا رَأَى مُنكَرًا في وِلايَتِه، وأمْكَنَ رَفْعُه ولم يَرفَعْهُ حتَّى عُزِلَ؛ لم يَبَر
(1)
.
وهَلْ يَحنَثُ بعَزْله؟ فيه وَجْهانِ:
أحدُهما: يَحنَثُ؛ كما لو ماتَ.
والثَّاني: لا؛ لِأنَّه لم يَتحَقَّقْ فواته
(2)
؛ لاِحْتِمالِ أنْ يَلِيَ فيَرفَعَه إلَيهِ.
وإن
(3)
ماتَ قَبْلَ إمْكانِ رَفْعِه إلَيهِ؛ حَنِثَ في الأصحِّ، وإنْ لم يُعَيِّن الواليَ إذَنْ؛ ففي
(4)
تعْيِينِه وجْهانِ في «الترغيب» : للتردُّد
(5)
بَينَ تَعْيِينِ العهد والجنس
(6)
.
وفيه: لو عَلِمَ به بَعْدَ عِلْمِه، فقِيلَ: فاتَ البِرُّ؛ كما لو رآه معه، وقِيلَ: لا؛ لإمْكانِ صُورَةِ الرفع
(7)
.
فَعَلَى الأَوَّل
(8)
: هو
(9)
كإبْرائه مِنْ دَينٍ بَعْدَ حَلِفِه ليقضينَّه
(10)
، وفيه وَجْهانِ.
(1)
في (م): لم يبره.
(2)
في (ظ) و (ن): هوانه. والمثبت موافق للمغني 9/ 567، والشرح الكبير 28/ 25.
(3)
في (م): فإن.
(4)
قوله: (ففي) سقط من (م).
(5)
في (م): التردد.
(6)
في (م): والحسن.
(7)
في (م) و (ن): الدفع.
(8)
في (ظ): الأولى.
(9)
في (ظ): الأولى: هي.
(10)
في (ظ) و (ن): (ليقضيه). والمثبت موافق للفروع 11/ 23.
وكذا قَولُه جَوابًا لقَولِها: تزوَّجْتَ عليَّ؟ فقال
(1)
: كلُّ امْرأةٍ لي طالِقٌ؛ فإنَّها تَطلُقُ معهم، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
؛ أَخْذًا بالأعمِّ مِنْ لَفْظٍ وسَبَبٍ.
مسائلُ:
الأُولَى: إذا حَلَفَ: لا رَأيْتُكِ تَدْخُلِينَ دارَ زَيدٍ، يُريدُ مَنْعَها، فَدَخَلَتْ؛ حَنِثَ، وإنْ لم يَرَهَا.
وإنْ حَلَفَ: لا يَبِيتُ عِنْدَ فُلانَةَ، فمَكَثَ عِنْدَها حتَّى مَضَى أكثرُ اللَّيل؛ حَنِثَ؛ لأِنَّ اسْمَ البَيْتُوتَةِ يَقَعُ عَلَيهِ.
وإنْ مَكَثَ أقلَّ؛ فَعَلَى الخِلافِ في فِعْلِ بعضِ المحْلُوف عَلَيهِ.
الثَّانيةُ: إذا حَلَفَ لا يكفُل
(3)
بمالٍ، فكفل
(4)
بِبدَنٍ، فقال أصْحابُنا: يَحنَثُ، وقال المؤلِّفُ: والقِياسُ عَدَمُه، وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ وابنُ حَمْدانَ: يَحنَثُ، إلَّا إذا شَرَطَ البَراءةَ مِنْ المال وصحَّحْنا هذا الشَّرْطَ.
الثَّالِثَةُ: إذا حَلَفَ لا يَأْوِي مع زَوجَته هذا العِيدَ، فقال أحمدُ في رِوايَةِ إسْماعِيلَ بنِ سَعِيدٍ: إذا عيَّدَ النَّاسُ دَخَلَ إلَيها، قلت
(5)
: فإنْ قال: أيَّامَ العِيدِ؟ قال
(6)
: على ما يَعرِفُه النَّاسُ ويَعْهَدُونَ بَينَهم
(7)
، وقد رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ قال:«حَقٌّ على المسْلِمِينَ إذا رأوا هِلالَ شَوَّالٍ أنْ يُكَبِّرُوا حتَّى يَفرُغُوا مِنْ عِيدِهم»
(8)
؛ يَعْنِي: مِنْ صَلَاتِهِم.
(1)
قوله: (فقال) سقط من (ن).
(2)
ينظر: الفروع 11/ 24.
(3)
في (م) و (ن): لا يتكفل. والمثبت موافق للفروع 11/ 65.
(4)
في (م) و (ن): تكفل.
(5)
في (م): ثبت.
(6)
في (ظ): فقال.
(7)
ينظر: زاد المسافر 4/ 485.
(8)
لم نقف عليه.
وقال ابنُ أبي موسى: يَتوجَّهُ أنْ لا يَأْوِيَ عِندَها في عِيدِ الفطر
(1)
حتَّى تَغِيبَ شَمْسُ يَومِه، ولا يَأْوِيَ في عِيدِ الأضْحَى حتَّى تَغِيبَ شَمْسُ آخِرِ يَومٍ مِنْ أيَّامِ التَّشْريقِ.
(1)
في (م): فطره.
(فَصْلٌ)
(فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ)؛ أي: النِّيَّةُ والسَّبَبُ؛ (رُجِعَ إِلَى التَّعْيِينِ
(1)
، كذا في «الكافي» و «الوجيز» ، وصحَّحه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ التَّعيين
(2)
أبْلَغُ مِنْ دلالةِ الاِسْمِ على
(3)
المسمَّى؛ لِأنَّه يَنفِي الإبهامَ بالكُلِّيَّة، بخِلافِ الاسم
(4)
، ولهذا لو شَهِدَ عَدْلانِ على عَينِ شَخْصٍ؛ وَجَبَ على الحاكِمِ الحُكْمُ عَلَيهِ، بخِلافِ ما لو شهدا على مُسَمًّى باسْمٍ، لم يَجِبْ حتَّى يَثبُتَ أنَّه المسَمَّى بذلك.
وكذا يقدَّم
(5)
التَّعْيين على الصِّفة والإضافة، وقِيلَ: تُقدَّمُ الصِّفةُ عَلَيهِ.
(فَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ، فَدَخَلَهَا وَقَدْ صَارَتْ فَضَاءً، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ مَسْجِدًا، أَوْ بَاعَهَا فُلَانٌ)؛ لِأنَّ التَّعْيِينَ يَقتَضِي الحِنْثَ، وزَوالُ الاِسْم يَنفِيهِ، والتَّعْيينُ راجِحٌ على الاِسْمِ.
(أَوْ: لَا لَبِسْتُ هَذَا الْقَمِيصَ، فَجَعَلَهُ سَرَاوِيلَ، أَوْ رِدَاءً، أَوْ عِمَامَةً، وَلَبِسَهُ)؛ لمَا ذَكَرْنا.
(أَوْ لَا كَلَّمْتُ هَذَا الصَّبِيَّ، فَصَارَ شَيْخًا، أَوِ امْرَأَةَ فُلَانٍ، أَوْ صَدِيقَهُ فُلَانًا، أَوْ غُلَامَهُ سَعْدًا، فَطَلَقَتِ الزَّوْجَةُ، وَزَالَتِ الصَّدَاقَةُ، وَعَتَقَ العَبْدُ، وَكَلَّمَهُمْ
(6)
؛ لِأنَّ الإضافةَ فيها تَقتَضِي وَصْفَ المحْلُوفِ عَلى عَدَمِ كَلامِه
(1)
في (م): اليقين.
(2)
في (م): اليقين.
(3)
قوله: (على) سقط من (ن).
(4)
قوله: (على المسمى؛ لأنه ينفي الإبهام بالكلية، بخلاف الاسم) سقط من (م).
(5)
في (م): بعدم، وفي (ظ): تقدم.
(6)
قوله: (وكلمهم) سقط من (ظ) و (م).
بالزَّوجِيَّة، والصَّداقة، أوْ كَونِه غُلامًا، والصِّفَةُ كالاِسْم، بل أضْعَفُ، فإذا غُلِّبَ التَّعيينُ على
(1)
الاِسْم، فَلَأَنْ يُغلَّبَ على الصِّفة أَوْلَى.
(أَوْ لَا أَكَلْتُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ، فَصَارَ كَبْشًا، أَوْ لَا أَكَلْتُ هَذَا الرُّطَبَ، فَصَارَ تَمْرًا)، أَوْ دِبْسًا، أوْ خَلًّا؛ لِأنَّه كسُكْنَى الدَّار والقَمِيصِ مِنْ غَيرِ فَرْقٍ.
(أَوْ لَا أَكَلْتُ هَذَا اللَّبَنَ، فَتَغَيَّرَ، أَوْ عُمِلَ مِنْهُ شَيْءٌ)، فأَكَلَه؛ لِأنَّ تغَيُّره
(2)
وخَلْطَ شَيْءٍ آخَرَ معه بمَنزِلةِ زَوالِ الاِسْمِ، وذلك لا يَضُرُّ.
(حَنِثَ فِي
(3)
ذَلِكَ كُلِّهِ)؛ أيْ: في المسائلِ السَّابِقةِ كلِّها؛ كقَولِه: دار فُلانٍ فَقَطْ، أو التَّمر الحديثَ فَعتُقَ
(4)
، أو الرَّجل الصَّحيح فمَرِضَ، وكالسفينة
(5)
تُنقَضُ ثُمَّ تُعادُ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلَّا يَحْنَثَ)، وقالَهُ ابنُ عَقِيلٍ؛ لِأنَّه لو حَلَفَ على ذلك كلِّه ناوِيًا للصِّفة الَّتي حَلَفَ عَلَيها؛ لم يَحنَثْ إذا زالَتْ، وقَرينةُ الحال تَدُلُّ على إرادة ذلك، فصار كالمَنْوِيِّ، واختاره القاضِي والمؤلف
(6)
، في نَحو بَيضَةٍ صارَتْ فَرْخًا.
وإنْ حَلَفَ لَيأكُلَنَّ مِنْ
(7)
هذه البَيضةِ أو التُّفَّاحة، فعَمِلَ مِنها شَرابًا، أوْ ناطِفًا؛ فالوَجْهانِ، وكذلك سائرُ المسائل
(8)
، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الفُروع» .
(1)
قوله: (كلامه بالزوجية والصداقة
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(2)
في (م) و (ن): تغييره.
(3)
زيد في (م): كل.
(4)
في (ظ): يعتق.
(5)
في (م): كالسفينة.
(6)
قوله: (والمؤلف) سقط من (م).
(7)
قوله: (من) سقط من (ن).
(8)
قوله: (سائر المسائل) سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ)؛ أي: التَّعْيين مع عَدَمِ النِّيَّة والسَّبَبِ؛ (رَجَعْنَا إِلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الاِسْمُ)؛ لِأنَّه دليلٌ على إرادةِ المسمَّى، ولا مُعارِضَ له هُنا، فَوَجَبَ أنْ يُرْجَعَ إلَيهِ عَمَلاً به؛ لسَلامَتِه عن المعارَضَةِ.
(وَالْأَسْمَاءُ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: شَرْعِيَّةٍ، وَحَقِيقِيَّةٍ، وَعُرْفِيَّةٍ).
ما له مُسَمًّى واحِدٌ؛ كالرَّجل والمرأة، تنصرِفُ
(1)
اليمينُ إلى مُسَمَّاهُ بغَيرِ خِلافٍ
(2)
.
وما له موضوعٌ
(3)
شَرْعِيٌّ، وموضوعٌ
(4)
لُغَوِيٌّ؛ كالوُضوء؛ فتَنصَرِفُ اليمينُ إلى
(5)
الموضُوعِ الشَّرْعِيِّ عِنْدَ الإطْلاق، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(6)
.
وما له مَوضُوعٌ حقيقيٌّ، ومَجازٌ لم يَشتَهِرْ كالأسد؛ فتنصرفُ
(7)
اليمينُ إلى الحقيقة، ككلامِ الشَّارِع.
وما اشْتَهَرَ مَجازُه حتَّى صارَت الحقيقةُ
(8)
مَغْمُورةً فيه، فهو أقْسامٌ:
منها: ما يَغلِبُ على الحقيقة، بحَيثُ لا يَعلَمُها أكْثَرُ النَّاس؛ كالرَّاوية في العُرْف اسْمٌ للمَزادَةِ، وفي
(9)
الحقيقة لمَا يُسْتَقَى عَلَيهِ من الحيوانات، والظَّعينةِ
(1)
في (م): ينصرف.
(2)
ينظر: المغني 9/ 609.
(3)
في (م): موضع.
(4)
في (م): موضع.
(5)
قوله: (إلى) سقط من (ن).
(6)
ينظر: المغني 9/ 609.
(7)
في (م): فينصرف.
(8)
قوله: (الحقيقة) سقط من (م).
(9)
في (ن): في.
في العُرْف للمرأة، وفي الحقيقة النَّاقة التي يُظعَنُ عَلَيها؛ فتَنصَرِفُ اليمينُ إلى المجاز؛ لِأنَّه الَّذي
(1)
يُريدُه بيَمِينِه ويُفْهَمُ مِنْ كلامه، أشْبَهَ الحقيقةَ في غَيرِه.
وسيأتي بقيَّةُ أنْواعِها.
(فَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ: فَهِيَ أَسْمَاءٌ لَهَا مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ وَمَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ؛ كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَالحَجِّ وَنَحْوِهِ
(2)
؛ فَالْيَمِينُ المُطْلَقَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى المَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ)؛ لِأنَّ ذلك هو المتبادِرُ إلى الفَهْم عِنْدَ الإطْلاقِ؛ لِأنَّ الشَّارِعَ إذا قال: صَلِّ، تَعَيَّنَ عَلَيهِ فِعْلُ الصَّلاةِ المشْتَمِلةِ على الأفعال، إلَّا أنْ يَقتَرِنَ بكَلامِه ما يَدُلُّ على إرادةِ الموضوع اللُّغوي
(3)
، فكذا يَمِين الحالِف.
(وَيَتَنَاوَلُ
(4)
الصَّحِيحَ مِنْهُ)؛ لِأنَّ الفاسِدَ ممنوعٌ منه بأصْلِ الشَّرْعِ، فلا حاجَةَ إلى المنْعِ مِنْ فِعْلِه باليمينِ، (فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا؛ لَمْ يَحْنَثْ)، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه الجماعةُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ اليمينَ على ذلك تَتَناوَلُ الصَّحيحَ منه، ولِأنَّه المشروعُ.
وعَنْهُ: يَحْنَثُ؛ لِوُجوده صورةً.
وعَنْهُ: في البَيعِ دُونَ النِّكاح الفاسِدِ، قاله ابنُ أبي مُوسى.
وقال أبو الخَطَّاب: إنْ نَكَحَها نكاحًا
(5)
مُختلَفًا فيه؛ فَوَجْهانِ.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إن اعْتَقَدَ صِحَّتَه حَنِثَ، وإلَّا فَلَا.
ومُقتَضاهُ: أنَّه إذا كان
(6)
بَيعًا بشَرْطِ الخِيار؛ أنَّه يَحنَثُ ونَصَّ عَلَيهِ؛ لِأنَّه بَيعٌ شَرْعِيٍّ، فيَحْنَثُ به كاللاَّزِم.
(1)
في (م): لا.
(2)
قوله: (ونحوه) سقط من (ظ) و (ن).
(3)
قوله: (اللغوي) سقط من (م).
(4)
في (ن): وتناول.
(5)
في (ن): نكاحًا فاسدًا. والمثبت موافق للشرح الكبير 28/ 37.
(6)
في (ن): باع.
وإنْ حَلَفَ: لا مَلَكْتُ هذا، فاشْتَراهُ شِراءً فاسِدًا؛ لم يَحنَثْ، وفِيهِ احْتِمالٌ.
(إِلَّا أَنْ يُضِيفَ الْيَمِينَ إِلَى شَيْءٍ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الصِّحَّةُ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ: لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ وَالحُرَّ
(1)
؛ فَيَحْنَثُ بِصُورَةِ الْبَيْعِ)؛ أيْ: إذا قيَّد يَمِينَه بمُمْتَنِعِ الصِّحَّةِ كما ذَكَرَه، فيَحْنَثُ في الأصحِّ بصورةِ البَيعِ؛ لِأنَّه يتعذَّر
(2)
حَمْلُ يَمِينِه عَلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ، فَتَعَيَّنَ مَحَلًّا لها.
(وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِنِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفَعَلَتْ؛ لَمْ تَطْلُقْ)، قال في «الرِّعاية»: هو أقْيَسُ، وخرَّجه السَّامَرِّيُّ على الخلاف الَّذي ذَكَرَه ابنُ أبي موسى، والشِّراءُ كالبيع.
وخالَفَ في «عيون المسائل» في: إنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيئًا وبِعْتِنيه
(3)
؛ كما لو حَلَفَ لا يَبِيعُ، فباعَ بَيعًا فاسِدًا.
وإن
(4)
حَلَفَ ليبيعنَّه
(5)
، فباعَهُ بعَرْضٍ؛ بَرَّ، وكذا نَسِيئَةً، وقِيلَ: بقَبْضِ
(6)
ثَمنِه
(7)
.
فرعٌ: إذا حَلَفَ لا يَبِيعُ، أوْ لا يُزوِّج
(8)
، فأوْجَبَ، ولم يَقْبَل المشتري
(9)
والزَّوج؛ لم يَحنَثْ، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(10)
؛
(1)
في (ن): أو الحر.
(2)
في (م): يتعدى.
(3)
في (ظ): وبعتيه.
(4)
في (ن): أو إن.
(5)
في (م): ليبعه، وفي (ظ): لتبيعنه.
(6)
في (م) و (ن): يقبض.
(7)
في (ظ): يمينه. والمثبت موافق للفروع 11/ 26.
(8)
في (ظ): لا تزوج.
(9)
في (ن): الشراء.
(10)
ينظر: المغني 9/ 609.
لِأنَّه لا يَتِمُّ إلَّا بالقَبول، فلم يَقَعْ على الإيجاب بِدُونِه، وإنْ قَبِلَه؛ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيهِ.
وإنْ حَلَفَ لَيتزَوَّجَنَّ؛ بَرَّ بعَقْدٍ صحيحٍ، سَواءٌ كان له امرأةٌ أوْ لا
(1)
، وسَواءٌ كانَتْ نَظِيرتَها أوْ أعْلَى منها، إلَّا أنْ يَحتالَ على حَلِّ
(2)
يمينِه بتَزْويجٍ لا يُحصِّلُ المقْصودَ.
والمذْهَبُ: يَبَرُّ بدُخولِه بنَظِيرتها، والمرادُ - واللهُ أعْلَمُ -: بمَنْ يَغُمُّها وتَتَأَذَّى بها؛ لظاهر
(3)
روايةِ أبي طالِبٍ
(4)
.
وفي «المفردات» وغَيرِها: أوْ مقاربها
(5)
.
وقال
(6)
الشَّيخُ تقيُّ الدين: المنصوص
(7)
أنْ يَتزَوَّجَ ويَدخُلَ، ولا يُشْتَرَطُ مُماثَلَتُها
(8)
.
واعْتَبَرَ في «الرَّوضة» : حتَّى في الجَهاز، ولم يَذكُرْ دُخُولاً.
وإنْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنَّ ضَرَّتَها؛ ففي بِرِّه
(9)
بِرَجْعِيٍّ خِلافٌ.
وإنْ حَلَفَ: لا تَسَرَّيْتُ، فَوَطِئَ جارية
(10)
؛ حَنِثَ، قدَّمه في «الرِّعاية» و «المحرَّر» .
(1)
قوله: (أو لا) سقط من (ن).
(2)
في (م): كل.
(3)
قوله: (بها لظاهر) في (ن): الظاهر.
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 482.
(5)
في (ن): مقارنها.
(6)
في (م): قال.
(7)
قوله: (المنصوص) سقط من (ظ). والمثبت موافق للفروع 11/ 25.
(8)
ينظر: الاختيارات ص 474، الفروع 11/ 25.
(9)
في (م): برها.
(10)
في (ن): جاريته.
وقال
(1)
القاضي: لا يَحنَثُ حتَّى يَطَأَ فيُنزِل
(2)
، فَحْلاً كان أوْ خَصِيًّا.
وعَنْهُ: إنْ عَزَلَ فلا حِنْثَ.
وَجْهُ الأوَّل: أنَّ التَّسَرِّيَ مَأْخُوذٌ من السِّرِّ، وهو الوَطْءُ، قال تعالى:{وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البَقَرَة: 235]، ولِأنَّ ذلك حُكْمٌ تعلَّق بالوَطْء، فلم يُعتبَرْ فيه الإنْزالُ ولا التَّحْصِينُ؛ كسائِرِ الأحكام.
(وَالْأَوَّلُ أَوْلَى)؛ أي: إنَّها تَطْلُق
(3)
.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ؛ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا)؛ لِأنَّ إمْسَاكَ بَعْضِ يَومٍ لَيسَ بصَومٍ شَرْعِيٍّ، وهذا إذا لم يَنْوِ عَدَدًا، وأقل
(4)
ذلك يَومٌ؛ لِأنَّه لَيسَ في
(5)
الشَّرع صَومٌ مُفْرَدٌ أقلُّ مِنْ يَومٍ، فَلَزِمَه؛ لأنَّه
(6)
اليقينُ.
والمذْهَبُ: أنَّه يَحنَثُ بشُروعٍ صحيحٍ.
وقِيلَ: إنْ حَنِثَ بفِعْلِ بعضِ المحْلوفِ.
وما ذَكَرَه المؤلِّفُ، حكاه في
(7)
«المحرَّر» و «الفُروع» قَولاً؛ كقوله: صَومًا، وكحَلِفِه لَيَفْعَلَنَّه.
وإنْ كان صائِمًا فَدَامَ؛ فَوَجْهانِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي؛ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً) بسَجْدَتَيها، وقاله أبو الخَطَّاب؛ لِأنَّه أقلُّ ما يُطلق
(8)
عَلَيهِ اسْمُ الصَّلاة.
(1)
في (ن): وقاله.
(2)
في (ظ): فنزل.
(3)
قوله: (والأول أولى) إلى هنا سقط من (ظ) و (م)، والمثبت موافق لنسخ المقنع الخطية، ولما في الشرح الكبير 28/ 39.
(4)
في (م): أو أقل.
(5)
في (م): من.
(6)
في (ن): ولزمه لأن.
(7)
قوله: (في) سقط من (م).
(8)
في (ظ) و (ن): ينطلق.
وقِيلَ: بل
(1)
إذا صلَّى ركعتَينِ.
والمذْهَبُ كما قدَّمه في «المسْتوعب» و «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، ونَسَبَه في «الفُروع» إلى الأصْحاب: أنَّه يَحنَثُ بالشُّروع الصَّحيح.
(وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ حَلَفَ لَا صَلَّيْتُ صَلَاةً؛ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ)؛ لِأنَّه يُطْلَقُ عَلَيهِ أنَّه مُصَلٍّ، فَيَجِبُ أنْ يكونَ ما هو فيه صلاةً.
قال في «الشَّرْح» : (ويشبه
(2)
هذا ما إذا قال لِزَوجَتِه: إنْ حِضْتِ حَيضةً فأنتِ طالِقٌ، فإنَّها لا تَطلُقُ حتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، وإنْ قال: إنْ حِضْتِ فأنْتِ طالِقٌ؛ طلقت
(3)
بأوَّل الحَيضِ).
وشَمِلَ كلامُه: صلاةَ الجنازة، فيَدخُلُ في العُمُوم، وذَكَرَه أبو الخَطَّاب.
وأمَّا الطَّوافُ؛ فقال المجْدُ: لَيسَ صلاةً مُطلَقَةً ولا مُضافَةً، لكِنْ في كَلامِ أحمدَ أنَّه صلاةٌ.
وقال أبو الحُسَينِ وغَيرُه في الحديث: «الطَّوافُ بالبَيتِ مِثْلُ الصَّلاة»
(4)
؛ في الأحكام كلِّها، إلَّا فيما استثناه، وهو النُّطق.
ولم يَذكُر المؤلِّفُ حُكْمَ الحجِّ، وحاصِلُه: أنَّه إذا حَلَفَ لا يَحُجُّ؛ حَنِثَ بإحْرامِه به.
وقِيلَ: بفَراغِ أرْكانه.
ويَحنَثُ بحجٍّ فاسِدٍ.
وإنْ كان مُحرِمًا فَدامَ؛ فَوَجْهانِ.
(1)
في (ن): بلى.
(2)
قوله: (ويشبه) سقط من (ن).
(3)
قوله: (طلقت) سقط من (ن).
(4)
تقدم تخريجه 1/ 251 حاشية (3).
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي؛ حَنِثَ بِالتَّكْبِيرِ)، هذا قَولُ القاضي؛ لِأنَّه يَدخُلُ في الصَّلاة بذلك، ويُطلَقُ عليه
(1)
أنَّه مُصَلٍّ، فيَجِبُ أنْ يكُونَ ما هو فيه صلاةً.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لِأنَّ ما ذُكر
(2)
ثانيًا
(3)
مَوجُودٌ فيمن
(4)
شَرَعَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ زَيْدًا شَيْئًا
(5)
، وَلَا يُوصِي لَهُ، وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ)، ولا يُعِيرُه، ولا يُهْدِي له، (فَفَعَلَ، وَلَمْ يَقْبَلْ زَيْدٌ؛ حَنِثَ)، ذَكَرَه الأصْحابُ، وقالَهُ ابنُ سريج
(6)
؛ لِأنَّ ذلك لا عِوَضَ فيه
(7)
، فيَحنَثُ بالإيجاب فَقَطْ كالوصيَّة.
وفي «الموجز» و «التَّبصرة» و «المستوعب» : مِثْلُه في بَيعٍ، وقاله القاضي في: إنْ بِعْتُكَ فأنتَ حُرٌّ.
ولأِنَّ الاِسْمَ يَقَعُ عَلَيهَا بِدُونِ القَبولِ؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ
…
(180)} الآية [البَقَرَة: 180]، أراد الإيجابَ؛ لأِنَّ الوصيَّةَ تَصِحُّ قَبْلَ مَوتِ الموصِي، ولا قَبولَ لها حِينَئذٍ.
فرعٌ: إذا نَذَرَ أنْ يَهَبَه شَيئًا؛ بَرَّ
(8)
بالإيجاب؛ كيمينه، وقد يُقالُ: يُحمَلُ على الكمال، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(9)
.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، فَوَهَبَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ) في الأصحِّ؛ لأِنَّ الصَّدقةَ نَوعٌ من الهِبةِ، ولا يحنث
(10)
الحالِفُ
(1)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(2)
في (م): ذكرنا.
(3)
زيد في (م): في.
(4)
في (م): في.
(5)
قوله: (شيئًا) سقط من (ظ).
(6)
في (م): شريح.
(7)
في (ن): له.
(8)
في (م): برئ.
(9)
ينظر: الاختيارات ص 479، الفروع 11/ 27.
(10)
في (ظ) و (ن): ولا يحلف. والمثبت موافق للمغني 9/ 530، والشرح 28/ 47.
على نَوعٍ بفِعْلِ نوعٍ
(1)
آخَرَ، ولا
(2)
يَثبُتُ للجنس حُكْمُ النَّوع، ولهذا حُرِّمَت الصَّدقةُ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم تَحرُم
(3)
الهِبةُ ولا الهديةُ؛ لحديثِ بَرِيرَةَ
(4)
.
وقِيلَ: يَحنَثُ؛ لمَا ذكرناه
(5)
.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَهَبُهُ، فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّه مِنْ أنْواعِ الهِبَة، كما لو أهدى إليه، أو أعْمَرَه.
فإنْ أعْطاهُ مِنْ صَدَقَةٍ واجِبةٍ، أوْ نَذْرٍ، أوْ كفَّارةٍ؛ لم يَحنَثْ؛ لِأنَّ ذلك حقٌّ لله
(6)
يَجِبُ إخْراجُه، فلَيسَ هو هِبَةً منه.
فإنْ تَصَدَّقَ عليه
(7)
تَطَوُّعًا؛ حَنِثَ، لم يَذكُر ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ غَيرَه.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ)، هذا رِوايةٌ؛ لِأنَّهما يَختَلِفانِ اسْمًا وحُكْمًا.
وَجْهُ الأوَّلِ: أنَّه تَبَرُّعٌ بعينٍ
(8)
في الحياة، فيَحنَثُ به
(9)
كالهدِيَّة، ولِأنَّ الصَّدقةَ تُسَمَّى هِبَةً، واخْتِلافُ التَّسْمِيَة لكَونِ الصَّدَقة نَوعًا من الهِبَة، فتَخْتَصُّ
(10)
باسْمٍ دُونَها؛ كاخْتِصاصِ الهَدِيَّةِ والعُمْرَى باسْمَينِ، ولم يُخرِجْهما ذلك عن كَونِهما هِبَةً.
(1)
قوله: (بفعل نوع) سقط من (م).
(2)
في (م): لا.
(3)
في (ظ) و (ن): ولم يحرم.
(4)
أخرجه البخاري (2578)، ومسلم (1504)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه: أهدي لها لحم، فقيل للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: هذا تُصدِّق على بريرة، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«هو لها صدقة، ولنا هديّة» .
(5)
في (م): ذكرنا.
(6)
في (ن): الله.
(7)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(8)
قوله: (بعين) سقط من (ن).
(9)
في (ن): ويحنث.
(10)
في (ظ) و (ن): يختص.
(وَإِنْ أَعَارَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأنَّ العارِيَةَ إباحة، والهِبَةُ تمليكٌ، وهذا هو الصَّحيحُ، قاله
(1)
القاضِي؛ لِأنَّ المسْتَعِيرَ لا يَملِكُ المنفعة، وإنَّما يستحقها
(2)
، ولهذا يَملِكُ المعير
(3)
الرُّجوعَ فيها، ولا يَملِكُ المسْتَعِيرُ إجارَتَها.
(إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ)؛ فإنَّه يَحنَثُ؛ لِأنَّ العارِيَةَ هِبَةُ المنفعة، وهي قائمةٌ مَقامَ هِبَةِ العَينِ، بدليلِ صحَّةِ مُقابَلةِ المنفعة بالعِوَض؛ كالعَينِ.
(وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّه تبرُّعٌ له بعَينٍ في الحياة، فهو في العُرْف هِبَةٌ.
وقِيلَ: لا يَحنَثُ؛ كوصيَّتِه
(4)
له، ولِأنَّه لا يَملِكُ على رِوايَةٍ.
وبَناهُ في «المغْنِي» على الملك، فإنْ قُلْنا: يَملِكُه؛ حَنِثَ؛ لمساواته
(5)
الهِبَة، وإنْ قُلْنا بعَدَمِ ملْكِه؛ فلا.
قال ابنُ المنَجَّى: ولقائلٍ أنْ يقولَ: لا يَحنَثُ وإنْ قُلْنا: يَملِكُه؛ لِأنَّ الإنسانَ ممنوعٌ مِنْ هِبَةِ أوْلاده الذُّكور والإناث بالسَّوِيَّة، فلم يَلزَمْ من المنْع من الهِبةِ المنْعُ مِنْ الوقف
(6)
.
(وَإِنْ وَصَّى لَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأنَّ الهِبَةَ تمليكٌ في الحياة، بخِلافِ الوصيَّة.
(وَإِنْ بَاعَهُ وَحَابَاهُ؛ حَنِثَ)، قاله أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛
(1)
في (م): قال.
(2)
في (م): يستبيحها.
(3)
في (ن): الغير.
(4)
في (ظ) و (م): كوصية.
(5)
في (م): لمساواة، وفي (ظ): بمساواته.
(6)
في (م): الموقوف.
لِأنَّه تَرَكَ له بعضَ المبيع
(1)
بغَيرِ عِوَضٍ، أوْ وَهَبَه بَعضَ الثَّمَن.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلَّا يَحْنَثَ)، هذا وَجْهٌ، وهو أَوْلَى؛ لِأنَّها معاوضة
(2)
، يَملِكُ الشَّفِيعُ أخْذَ جميعِ المبيع، ولو كان هِبَةً أوْ بعضُه
(3)
؛ لم يَملِكْ أخْذَ كله
(4)
، وأطْلَقَ في «الفروع» الخِلافَ.
ويَحنَثُ بالهَدِيَّةِ، خِلافًا لأِبي الخَطَّاب.
وإنْ أضافَه؛ لم يَحنَثْ؛ لِأنَّه لم يُملِّكْه شَيئًا، وإنَّما أباح له
(5)
الأكْلَ، ولهذا لا يَملِكُ التَّصرُّفَ فيه بغَيرِه.
وإنْ أسْقَطَ عنه دَينًا؛ لم يَحنَثْ، إلَّا أنْ يَنوِيَ؛ لِأنَّ الهِبَةَ تمليكُ عَينٍ.
(1)
قوله: (المبيع) سقط من (ن).
(2)
قوله: (لأنها معاوضة) في (م): وهو معارضة.
(3)
قوله: (أو بعضه) سقط من (م).
(4)
زيد في (م): أو بعضه. والمثبت موافق لما في المغني 9/ 530.
(5)
قوله: (له) سقط من (م).
(فَصْلٌ
(1)
(الْقِسْمُ
(2)
الثَّانِي: الْأَسْمَاءُ الْحَقِيقِيَّةُ)، وهي نسبةٌ إلى الحقيقة، وهو: اللَّفْظُ المسْتَعْمَلُ في وَضْعٍ أوَّلَ، (إِذَا
(3)
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، فَأَكَلَ الشَّحْمَ، أَوْ المُخَّ، أَوِ الْكَبِدَ، أَوِ الطِّحَالَ، أَوِ الْقَلْبَ، أَوِ الْكَرِشَ، أَوِ المُصْرَانَ، أَوِ
(4)
الْأَلْيَةَ وَالدِّمَاغَ وَالْقَانِصَةَ؛ لَمْ يَحْنَثْ)؛ لأِنَّه لا يُسَمَّى لَحْمًا ويَنفَرِدُ عنه
(5)
باسْمِه وصِفَته، ولو أَمَرَ وَكِيلَه بشراء
(6)
لحمٍ
(7)
فاشْتَرَى شَيئًا من هذه؛ لم يكُنْ مُمْتَثِلاً، ولا يَنفُذُ الشِّراءُ.
وقال كثيرٌ من العلماء: يَحنَثُ بأكْلِ ذلك؛ لِأنَّه لَحْمٌ حقيقةً.
قال في «الشَّرح» : لا
(8)
نُسلِّم أنَّه لَحْمٌ حقيقةً، بل هو مِنْ الحَيَوانِ؛ كالعَظْم.
وعلى الأوَّل: يَحنَثُ إذا قَصَدَ اجْتِنابَ الدَّسَم، ولا يَحنَثُ بأكْلِ كارِعٍ وذَنَبٍ.
فإنْ أَكَلَ مِنْ الشَّحم الَّذي على الظَّهْر والجَنْب، وفي تضاعيف
(9)
اللَّحم؛ لم يَحنَثْ في ظاهِرِ قَولِ الخِرقِيِّ.
(1)
قوله: (فصل) سقط من (م).
(2)
قوله: (القسم) سقط من (ظ).
(3)
في (ظ): وإذا.
(4)
في (ن): و.
(5)
في (ظ): علقه، وفي (ن): عليه.
(6)
في (ن): شراء.
(7)
في (م): اللحم.
(8)
في (م): ولا.
(9)
قوله: (وفي تضاعيف) في (ن): وهو مضاعيف.
وقال القاضي وأبو الخَطَّاب: يَحنَثُ بأكْلِه؛ لِأنَّه لا يُسَمَّى شَحْمًا، ولا بائعه شحَّامًا، ويسمى
(1)
لَحْمًا سَمِينًا، ولو وكَّلَ في شِراءِ اللحم
(2)
فاشْتَراهُ؛ لَزِمَه.
وجْهُ الأوَّل: قَولُه تعالى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ
…
} الآية [الأنعَام: 146]؛ لِأنَّه يُشْبِهُ الشحم
(3)
في صِفَتِه وذَوْبِه، ولا
(4)
نُسلِّمُ أنَّه لا يُسَمَّى شحْمًا، ولا أنَّه
(5)
بمُفْرَده يُسَمَّى لَحْمًا، ولا يُسَمَّى بائعُه شحَّامًا
(6)
، بل لَحَّامًا؛ لِأنَّه يُسمى
(7)
بما
(8)
هو الأصْلُ دُونَ التبع
(9)
.
وفي كِلا الدَّلِيلَينِ نَظَرٌ؛ إذْ بمجرد
(10)
شَبَهِ الشَّيء بالشيء
(11)
لا يَقتَضِي أنْ يُسمَّى باسْمِه ويُعطَى حُكمَه، على أنَّ شَبَه
(12)
سَمِين الظَّهْر بالأَلْيَة أقْرَبُ مِنْ شِبْهِه بالشَّحم
(13)
.
فرعٌ: لم يَتعرَّض المؤلِّفُ لحُكْمِ لحمِ الرَّأس واللِّسان والسَّنام، وما لا يُؤكَلُ لَحْمُه، أوْ أكْلِ السَّمِينِ، وفيه وَجْهانِ:
(1)
قوله: (شحامًا ويسمى) في (م): شحمًا وإنما يسمى.
(2)
في (م): للحم.
(3)
في (م): اللحم.
(4)
في (م): لا.
(5)
قوله: (ولا أنه) في (م): ولأنه.
(6)
قوله: (بائعه شحامًا) في (م): مائعه شحمًا.
(7)
في (ن): سمي.
(8)
في (ظ) و (ن): ما.
(9)
في (م) و (ن): البيع. والمثبت موافق للمغني 9/ 606، والشرح 28/ 54.
(10)
قوله: (إذ بمجرد) في (م): إن تجرد.
(11)
قوله: (بالشيء) سقط من (م).
(12)
في (ن): يشبه.
(13)
في (م): باللحم. والمثبت هو الموافق لشرح الزركشي 7/ 185.
أحَدُهما: لا يَحنَثُ؛ لِأنَّ اسْمَ اللَّحْم لا يَنصَرِفُ عِنْدَ الإطْلاقِ إلَيهِ، وعَنْهُ فِيمَنْ حَلَفَ لا يَشْتَرِي لَحْمًا، فاشْتَرَى رَأْسًا أوْ كارِعًا: لا يَحنَثُ، إلَّا أنْ يَنوِيَ.
والثَّاني: بَلَى؛ لِأنَّه لَحْمٌ.
ويَحنَثُ بأكْلِ لَحْمِ ما لا يُؤكَلُ لَحْمُه، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، واقْتَصَرَ عَلَيهِ.
(وَإِنْ أَكَلَ المَرَقَ
(1)
؛ لَمْ يَحْنَثْ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه لَيسَ بِلَحْمٍ.
(وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي
(2)
، وهو قَولُ القاضِي؛ لأنَّه
(3)
لا يَخْلُو مِنْ قِطَعِ اللَّحم
(4)
.
(قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ)؛ لِأنَّه لَيسَ بلَحْمٍ حقيقةً، ولا يُطلَقُ عَلَيهِ اسْمُه، فلم يَحنَثْ به كالكَبِد، ولا نُسلِّمُ أنَّ أجْزاءَ اللَّحم
(5)
فيه، وإنَّما فِيهِ ماءُ اللَّحم
(6)
ودُهْنُه.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ، فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ؛ حَنِثَ)؛ أيْ: إذا
(7)
أَكَلَ بَياضَ اللَّحْم؛ كسَمِينِ الظَّهْر؛ يحنَثُ في قَولِ الخِرَقِيِّ، وقدَّمَه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ ذلك يُسَمَّى شَحْمًا، ويُشارِكُ شَحْمَ البطن في اللَّون والذَّوب، وظاهِرُ الآيةِ والعُرْف يَشهَدُ لذلك، وهو قَولُ طلحة
(8)
العاقُوليِّ، وعلى هذا: يَحنَثُ بأكْلِ الأَلْيةِ.
(1)
في (ن): الرق.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 82.
(3)
في (م): ولأنه.
(4)
في (م): لحم.
(5)
في (م): للحم.
(6)
في (م): للحم.
(7)
قوله: (إذا) سقط من (م).
(8)
قوله: (طلحة) سقط من (ن).
وقال القاضي وغَيرُه: الشَّحمُ هو الَّذي يَكُونُ في الجوف مِنْ شَحْمِ الكُلَى وغَيرِه، فعلى هذا: لا يَحنَثُ بأكْلِ الأَلْيَةِ أو اللَّحم
(1)
الأَبْيَضِ، قال الزَّرْكَشِيُّ: وهذا هو الصَّوابُ.
فإنْ أكَلَ اللَّحْمَ الأحمرَ؛ لم يَحنَثْ؛ لأنَّه
(2)
لا يَظهَرُ فِيهِ شَيءٌ من الشَّحْم.
وقال الخِرَقِيُّ: يَحنَثُ؛ لِأنَّ اللَّحْمَ لا يَخلُو مِنْ شَحْمٍ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ سَمْنًا، أَوْ كَشْكًا، أَوْ مَصْلاً، أَوْ جُبْنًا)، أوْ أَقِطًا، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
؛ (لَمْ يَحْنَثْ)، اقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الكافي» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» وغَيرِها؛ لأِنَّه لا يُسَمَّى لَبَنًا، وهذا إنْ لم يَظهَرْ طَعْمُه كما ذَكَرَه المؤلِّفُ بَعْدُ.
وعَنْهُ: يَحنَثُ فيها.
وقال القاضي: يَحتَمِلُ أنْ يُقالَ في الزُّبْد: إنْ ظَهَرَ فيه لَبَنٌ؛ حَنِثَ بأكْلِه، وإلَّا فَلَا.
وعلى الأوَّل: لو أَكَلَ مِنْ لَبَنِ الأنعام، أو الصَّيد، أوْ لَبَنِ آدَمِيَّةٍ؛ حَنِثَ، حَلِيبًا كان أوْ رائبًا، مائعًا أوْ جامِدًا؛ لِأنَّ الجميعَ لَبَنٌ.
(وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ
(4)
، فَأَكَلَ لَبَنًا؛ لَمْ يَحْنَثْ)، ذَكَرَه مُعظَمُ الأصْحابِ؛ لِأنَّه لا يسمى
(5)
زُبْدًا ولا سَمْنًا.
وفي «المغْنِي» : إنْ لم يَظهَرْ فيه الزُّبْدُ؛ لم يَحنَثْ، وإنْ ظَهَرَ حنث
(6)
؛ لِأنَّ ظُهورَه كوُجودِه.
(1)
في (م): واللحم.
(2)
في (م): فإنه.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2468، زاد المسافر 4/ 467.
(4)
في (م): أو السمن.
(5)
قوله: (لا يسمى) سقط من (م).
(6)
قوله: (وإن ظهر حنث) سقط من (م).
وكذا إنْ حَلَفَ على الزُّبْد، فأَكَلَ سَمْنًا، وإنْ أكَلَ جُبْنًا لم يَحنَثْ، وكذلك سائرُ ما يُصنَعُ مِنْ اللبن
(1)
.
وإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ سَمْنًا، فأَكَلَ شَيئًا مِمَّا يُصنَعُ مِنْ اللَّبَن سِوَى السَّمنِ؛ لم يَحنَثْ، وفي الزُّبْد وَجْهٌ.
وإن
(2)
أَكَلَ السَّمْنَ مُنفَرِدًا، أوْ في طَبِيخٍ يَظهَرُ فيه طَعْمُه؛ حَنِثَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ، فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ) غَيرَ بَرِّيٍّ؛ (كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالتَّمْرِ، وَالرُّمَّانِ)، وَالمَوزِ، والأُتْرُجِّ، والنَّبقِ
(3)
، والأصحُّ: ولو يابِسًا كصَنَوبَرٍ وعُنَّابٍ؛ (حَنِثَ)؛ لِأنَّ ذلك يُسَمَّى فاكِهةً عُرْفًا وَشَرْعًا، ويُسَمَّى بائعُ ثَمَرَةِ النَّخْل والرُّمَّان: فاكِهانِيًّا. لا يُقالُ: يَنبَغِي أنْ يكونا لَيسَا مِنْ الفاكِهةِ؛ لقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرَّحمن: 68]؛ لِأنَّهما ثَمَرةُ شَجَرةٍ يُتَفَكَّهُ بهما كسائرِ الأشْياء، والعَطْفُ لا يَقتَضِي المغايَرَةَ، بل لِتَشْريفِهما وتَخْصِيصِهما؛ كقوله
(4)
تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ
…
(98)} الآية [البَقَرَة: 98].
ولَيسَ منها
(5)
: زَيْتُونٌ، وبَلُّوطٌ، وبُطْمٌ
(6)
، وزُعْرُورٌ أحمرُ، وآسٌ، وسائرُ ثَمَرٍ بَرِّيٍّ لا يُسْتَطابُ.
وإنْ حَلَفَ لا يأكُلُ مِنْ هذه الشَّجَرةِ؛ حَنِثَ بالثَّمرة فَقَطْ، ولو لُقِطَ مِنْ تَحتِها.
(1)
قوله: (من اللبن) سقط من (ن).
(2)
في (ظ): فإن.
(3)
في (م): والبندق.
(4)
في (ظ) و (م): لقوله.
(5)
قوله: (منها) سقط من (م).
(6)
قوله: (وبطم) سقط من (م).
(وَإِنْ أَكَلَ الْبِطِّيخَ؛ حَنِثَ)، جَزَمَ به في «المستوعب» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه يَنضَجُ ويَحْلُو، أشْبَهَ ثَمَرَةَ الشجرِ
(1)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَحْنَثَ)، ذكره
(2)
في «الكافي» و «المحرَّر» وَجْهًا؛ لِأنَّه ثمرُ
(3)
بَقْلةٍ؛ كالخِيار.
(وَلَا يَحْنَثُ
(4)
بِأَكْلِ الْقِثَّاءِ، وَالْخِيَارِ)، وسائرِ الخَضْرَاوات؛ كقَرَعٍ، وباذِنْجانٍ، وجَزَرٍ، ولَفْتٍ، وفُجْلٍ، وقَلْقاسٍ؛ لِأنَّه لا يُسَمَّى فاكِهةً، ولا هو في مَعْناهُ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، فَأَكَلَ مُذَنّبًا)، وهو: الَّذي بدا فيه الإرْطابُ مِنْ ذَنَبِه، وباقِيهِ بُسْرٌ، ومُنَصّفًا: وهو الَّذي بعضُه بُسْرٌ وبَعضُه رُطَبٌ، أوْ لا يأكُلُ بُسْرًا، فأكل ذلك؛ (حَنِثَ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ آكِلَه قد أكَلَ الرُّطَبَ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَحنَثُ؛ لِأنَّه لا يُسمَّى رُطَبًا.
فرعٌ: حَلَفَ واحِدٌ ليأكُلَنَّ رُطَبًا، وآخَرُ: ليأكُلَنَّ بُسْرًا، فأَكَلَ الأوَّلُ ما في المنصِّف
(5)
من الرُّطَب
(6)
، وأكَلَ الآخَرُ باقيَهَا؛ بَرَّا
(7)
.
(وَإِنْ أَكَلَ تَمْرًا أَوْ بُسْرًا
(8)
؛ لم يَحنَثْ؛ لِأنَّه لَيسَ بِرُطَبٍ.
(1)
في (م): ثمر الشجرة.
(2)
في (م): ذكر.
(3)
في (م): ثمرة.
(4)
في (ن): ولا يثبت.
(5)
في (ظ) و (م): النصف.
(6)
في (ظ) و (ن): الرطبة.
(7)
في (م): بسرًا.
(8)
في (م): وبسرًا.
(أَوْ
(1)
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ
(2)
تَمْرًا، فَأَكَلَ رُطَبًا، أَوْ دِبْسًا، أَوْ نَاطِفًا؛ لَمْ يَحْنَثْ)، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه لَيسَ بتمر
(3)
.
وإنْ أَكَلَ رُطَبًا غَيرَ بُسْرٍ، قال ابنُ حَمْدانَ: أوْ هُما، عَنْ مُذَنِّبٍ؛ فلا حِنْثَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أُدْمًا؛ حَنِثَ بِأَكْلِ
(4)
الْبَيْضِ وَالشِّوَاءِ)، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، (وَالْجُبْنِ، وَالمِلْحِ) في الأَشْهَر فِيهِ، (وَالزَّيْتُونِ، وَاللَّبَنِ، وَسَائِرِ مَا يُصْطَبَغُ
(6)
بِهِ)؛ أيْ: ما يُغمَسُ فيه الخُبْزُ، ويُسمَّى ذلك المغموس
(7)
فيه صِبْغًا؛ لِأنَّ ما جَرَت العادةُ بأكْلِ الخُبْزِ به هو
(8)
التَّأَدُّمُ، قال الله تعالى:{وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [المؤمنون: 20]، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ» رواه مُسلِمٌ
(9)
، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«ائْتَدِمُوا بالزَّيت، وادَّهِنُوا به» رواهُ ابنُ ماجَهْ، ورجالُه ثِقاتٌ
(10)
،
(1)
في (ن): وإن.
(2)
في (ظ): ليأكلن.
(3)
في (ظ): بثمر. وفي (ن): بثمن.
(4)
في (ن): يأكل.
(5)
ينظر: الفروع 11/ 37.
(6)
في (م): يطبخ.
(7)
في (ن): الغموس.
(8)
في (ن): وهو.
(9)
أخرجه مسلم (2052)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(10)
أخرجه الترمذي (1851)، وابن ماجه (3319)، والبزار (275)، والحاكم (7142)، من طرق عن عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا. وهذا سند رجاله ثقات، وقد صححه الحاكم والخطيب، إلَّا أن بعض الأئمة - كابن معين وأحمد وأبي حاتم والبخاري وغيرهم - أعلّوه بالإرسال. قال أحمد:(هذا حدثنا به عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، ليس فيه عمر). ينظر: مسائل أبي داود لأحمد (1877)، تاريخ الدوري (595)، علل ابن أبي حاتم 4/ 404، العلل الكبير للترمذي (306).
وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «سَيِّدُ أُدْمِ أَهْلِ
(1)
الدُّنيا والآخِرة اللَّحْمُ» رواهُ ابنُ قُتَيبَةَ في «غَرِيبِه»
(2)
، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
(3)
: «سيِّدُ إدامِكم المِلْحُ» رواهُ ابنُ ماجَهْ بإسْنادٍ ضعيفٍ
(4)
، ولِأنَّه يُؤكَلُ به الخُبْزُ عادةً، ويُعَدُّ للتَّأَدُّمِ، فكان أُدْمًا.
(وَفِي التَّمْرِ وَجْهَانِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدُهما: هو أُدْمٌ
(5)
، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ تمرةً على كِسْرةٍ، وقال:«هذِهِ إدام هذِهِ» رواه أبو داودَ، والبُخاريُّ في «تاريخه»
(6)
.
(1)
قوله: (أهل) سقط من (م).
(2)
أخرجه ابن قتيبة في الغريب (24) من حديث بريدة رضي الله عنه، وأخرجه ابن ماجه (3305) عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا، وهو ضعيف جدًّا؛ في سنده: سليمان بن عطاء القرشي، وهو منكر الحديث، في حديثه مناكير. وأخرجه الطبراني في الأوسط (7477)، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه مرفوعًا، وفي سنده سعيد بن عنبسة الرازي الخزّاز، قال ابن معين:(كذاب)، وفي الباب أحاديث واهية. والحديث ضعفه ابن عبد الهادي والألباني، وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع. ينظر: الموضوعات لابن الجوزي 2/ 302، الأجوبة المرضية للسخاوي (393)، الضعيفة (3579، 3724).
(3)
قوله: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم سقط من (ن).
(4)
أخرجه ابن ماجه (3315)، وأبو يعلى (3714)، والطبراني في الأوسط (8854)، وابن عدي (6/ 434)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه به، وهو ضعيف جدًّا، في سنده: عيسى بن أبي عيسى الحناط الخياط، وهو متروك، والحديث ضعفه ابن عدي، وعدّه من مناكيره، كما ضعفه البوصيري والسخاوي. ينظر: مصباح الزجاجة 4/ 21، المقاصد الحسنة (ص 392).
(5)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(6)
أخرجه أبو داود (3259)، والترمذي في الشمائل (184)، والبخاري في التاريخ (8/ 319)، والطبراني في الكبير (732) عن يوسف بن عبد الله بن سلام به، وسنده ضعيف؛ فيه: يزيد بن أبي أمية الأعور وهو مجهول. والحديث أخرجه أبو داود (3259)، من طريق أخرى عن يوسف بن عبد الله بن سلام. وفيه يحيى بن العلاء البجلي، وهو كذّاب يضع الحديث، والحديث حسّنه ابن حجر من حديث يزيد الأعور، وضعفه الألباني. ينظر: تهذيب الكمال 31/ 486، الفتح 11/ 571، الضعيفة (4737).
والثَّاني: لا؛ لِأنَّه لا يُؤتَدَمُ به
(1)
عادةً، وهو فاكِهةٌ.
قال في «الفروع» : ويَتوَجَّهُ عَلَيهِما: زَبِيبٌ ونحوُه، وهو ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : لا يَحنَثُ.
فرعٌ: القُوتُ: خُبْزٌ، وفاكِهةٌ يابِسةٌ، ولَبَنٌ، ونحوُه، وقِيلَ: قُوتُ أهْلِ بلدِه، ويَحنَثُ بحَبٍّ يُقْتاتُ في الأصحِّ.
والطَّعامُ: ما يُؤكَلُ ويُشرَبُ.
وفي ماءٍ، ودَواءٍ، وَوَرَقِ شَجَرٍ، وتُرابٍ، ونحوِها؛ وَجْهانِ.
والعَيشُ عُرْفًا: الخُبْزُ، وفي اللُّغة: العَيشُ الحياةُ، فيَتَوَجَّهُ: ما يَعِيشُ به، فيكونُ كالطَّعام.
(1)
قوله: (به) سقط من (م).
فَصلٌ
(1)
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا، فَلَبِسَ ثَوْبًا، أَوْ دِرْعًا، أَوْ جَوْشَنًا، أَوْ خُفًّا
(2)
، أَوْ نَعْلاً؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّه مَلْبوسٌ حقيقةً وعُرْفًا، فحَنِثَ به كالثِّياب، لكِنْ لو أدْخَلَ يده
(3)
في الخُفِّ أو النَّعْل؛ لم يَحنَثْ.
وإنْ حَلَفَ لا يَلبَسُ ثَوبًا؛ حَنِثَ كَيفَ لَبِسَه، ولو تعمَّمَ به، ولو
(4)
ارْتَدَى بسَراوِيلَ، أو اتَّزَرَ بقميصٍ، لا بِطَيِّهِ، ولا بتَرْكِه على رأسه، ولا بنَومِه عَلَيهِ.
وإنْ تَدثَّرَ به؛ فَوَجْهانِ.
وإنْ قال: قميصًا، فاتَّزَرَ به؛ لم يَحنَثْ، وإن ارْتَدَى؛ فَوَجْهانِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حَلْيًا، فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ جَوْهَرٍ؛ حَنِثَ)؛ لقوله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فَاطِر: 12]، وقَولِه تعالى:{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أْسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [فَاطِر: 33]، وقال ابنُ عُمَرَ
(5)
: «قال اللهُ تعالى للبحر الشَّرْقِيِّ: إنِّي جاعِلٌ فِيكَ الحِلْيَةَ، والصَّيدَ، والطِّيب»
(6)
،
(1)
قوله: (فصل) سقط من (ظ) و (م).
(2)
قوله: (أو خفًّا) سقط من (ن).
(3)
في (م): يدًا.
(4)
في (ن): أو.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المغني والشرح الكبير والمصادر: ابن عمرو.
(6)
أخرجه سعيد بن منصور (2389) قال: أخبرنا خالد بن عبد الله، عن سهيل بن أبي صالح، عن النعمان بن أبي عياش الزرقي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال:«كلّم الله تبارك وتعالى هذا البحر الغربيَّ، فقال: يا بحرُ إني خلقتُك، وأحسنتُ خلقك، وأكثرتُ فيك من الماء، وإني حاملٌ فيك عبادًا لي يكبِّروني، ويحمدوني، ويسبِّحوني، ويهلِّلوني، فكيف أنت فاعل بهم؟ قال: أُغرِقهم، قال: بأسك في نواحيك، وأحملهم على يديّ، وكلّم الله البحر الشرقيّ، فقال: يا بحر إني خلقتُك، وأحسنتُ خلقك، وأكثرتُ فيك من الماء، وإني حامل فيك عبادًا لي يكبِّروني، ويحمدوني، ويسبِّحوني، ويهللوني، فكيف أنت فاعل بهم؟ فقال: إذًا أسبِّحك معهم، وأهلِّلك معهم، وأحملهم بين ظهري وبطني، فأثابه ربه الحلية والصيد» . وسنده حسن صحيح موقوفًا، وقد أخرجه البزار (9108) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا به. وضعفه البزار، وابن عدي، وابن الجوزي وابن كثير، قال البزار:(وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر - يعني العمري -، وهو منكر الحديث، وقد رواه سهيل عن النعمان بن أبي عياش عن عبد الله بن عمرو موقوفًا). وقال ابن عديٍّ: (وهو أفظع حديث أنكر عليه). ينظر: الكامل لابن عدي 5/ 454، العلل المنتاهية لابن الجوزي 1/ 39 - 41، تفسير ابن كثير 4/ 562.
وكذَهَبٍ وَجَدَه.
(وَإِنْ لَبِسَ
(1)
عَقِيقًا، أَوْ سَبَجًا
(2)
، وحريرًا؛ (لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأنَّه لَيسَ بحَلْيٍ؛ كخَرَزِ الزُّجاج.
وفي «الوسيلة» : تَحنَثُ المرأةُ بحريرٍ.
(وَإِنْ لَبِسَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ
(3)
، زاد في «الرِّعاية»: المفْرَدَينِ، ومِنطَقةً محلاَّة
(4)
، لا سَيفًا، (فِي مُرْسَلَةٍ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: لا حِنْثَ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه لَيسَ بحَلْيٍ إذا لم يَلْبَسْه، فكذا إذا لَبِسَه.
والثَّاني
(5)
: بلى؛ كلُبْسِ سِوارٍ وخاتَمٍ، ولِأنَّها مِنْ حَلْيِ الرِّجال، ولا يُقصَدُ بِلُبْسِها مُحَلاَّةً إلَّا التَّجَمُّلَ بها.
فرعٌ: إذا حَلَفَ لا يَلبَسُ خاتَمًا، فلَبِسَه في غَيرِ خِنْصرٍ؛ حَنِثَ؛ لِأنَّه
(1)
في (م): أو لبس، وفي (ن): ولبس.
(2)
قال في المصباح 1/ 262: (خرز معروف، الواحدة سبجة، مثل: قصب وقصبة).
(3)
في (ن): الدنانير والدراهم.
(4)
في (م): محلى.
(5)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
لَابِسٌ، ولا فَرْقَ بَينَ الخِنْصِرِ وغَيرِه إلَّا مِنْ حَيثُ الاِصْطِلاح على تخصيصه بالخِنْصِر.
(1)
وكما لو حَلَفَ لَا يَلبَسُ قَلَنْسُوَةً، فَجَعَلَها في رِجْلِه.
وجَوابُه: بأنَّه عَيبٌ وسفهٌ
(2)
بخِلافِه هنا.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ، أَوْ لَا
(3)
يَلْبَسُ ثَوْبَهُ، أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَهُ، فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ
(4)
، وَلَبِسَ ثَوْبَهُ، وَدَخَلَ دَارَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ فُلَانٌ؛ حَنِثَ).
نَقُولُ: إذا حَلَفَ لا يَدخُلُ دارَ زَيدٍ، فدَخَلَ دارَ عَبْده؛ حَنِثَ بِغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه
(5)
؛ لِأنَّ دارَ العَبْدِ ملْكٌ للسَّيِّد، والثَّوبُ والدَّابَّة كالدَّار؛ لِأنَّهما مَمْلوكانِ للسَّيِّد، فتناولتهما
(6)
يَمِينُ الحالِفِ.
وأمَّا كَونُه يَحنَثُ إذا فَعَلَ ذلك
(7)
فِيمَا اسْتَأْجَرَه فُلانٌ؛ لِأنَّ الدَّارَ تُضافُ إلى ساكِنِها كإضافتها
(8)
إلى مالِكِها؛ لقوله
(9)
تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
(1)
الظاهر والله أعلم وجود سقط هنا، وتقديره:(وقيل: لا يحنث) ويكون ما بعده تعليلاً للقول بعدم الحنث، ويدله عليه ما في المغني 9/ 580 والشرح الكبير 28/ 78، وعبارة المغني: (وإن حلف لا يلبس خاتمًا، فلبسه في غير الخنصر من أصابعه؛ حنث. وقال الشافعي: لا يحنث؛ لأن اليمين تقتضي لبسًا معينًا معتادًا، وليس هذا معتادًا، فأشبه ما لو أدخل القلنسوة في رجله. ولنا:
…
)، ثم قال:(وأما إدخال القلنسوة في رجله، فهو عبث وسفه).
(2)
في (ظ) و (ن): ومشقة. والمثبت موافق للمغني 9/ 580، والشرح 28/ 78.
(3)
في (ن): ولا.
(4)
في (م): غيره.
(5)
ينظر: المغني 5/ 574.
(6)
في (ظ): فيتناولهما.
(7)
قوله: (إذا فعل ذلك) في (م): إذ لك.
(8)
في (ن): لإضافتها.
(9)
في (م): وقوله.
بُيُوتِهِنَّ} [الطّلَاق: 1]، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزَاب: 33]، ولِأنَّ الإضافةَ لِلاِخْتِصاص، وساكِنُ الدَّار مختصٌّ
(1)
بها، فكانت إضافَتُها إليه صحيحةً، وهي مُسْتَعْمَلةٌ في العرف.
وأمَّا الإقْرارُ لو قال: هذه دارُ زَيدٍ، وفسَّر إقرارَه بسُكْناها، احْتَمَلَ أنْ يُقْبَل تَفْسيرُه، ولو سُلِّم
(2)
بقَرِينةِ الإقْرارِ يصرفه
(3)
إلى الملْك
(4)
.
ولو حَلَفَ لا دَخَلْتُ مَسْكَنَ زَيدٍ؛ حَنِثَ بدُخُوله الدَّارَ التي
(5)
يَسْكُنُها، ولو قال: هذا السَّكَنُ لِزَيدٍ؛ كان مُقِرًّا له
(6)
بها.
(وَإِنْ رَكِبَ دَابَّةً اسْتَعَارَهَا فُلَانٌ)، أوْ غَصَبَها؛ (لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأنَّ فُلانًا لا يَملِكُ مَنافِعَ الدَّابَّة، وفارَقَ مسألةَ الدَّار، فإنَّه لم يَحنَثْ في الدَّار لكَونه اسْتَعارَها أوْ غَصَبَها، وإنَّما يَحنَثُ لِسُكْناهُ بها، فأُضِيفَتْ إلَيهِ، ولو غَصَبَها أو اسْتَعارَها مِنْ غَيرِ أنْ يَسكُنَها؛ لم تصحَّ
(7)
إضافَتُها إلَيهِ.
وعَنْه: يَحنَثُ بدُخُولِ الدَّار المُسْتَعارَةِ، وذكره
(8)
ابنُ عَقِيلٍ في «الفصول» ؛ لِوُجودِ شَرْطِهِ.
وفي «الرِّعاية» : وإنْ قال: لا أَسْكُنُ مَسْكَنَه، فَفِيما لا
(9)
يَسكُنُه زَيدٌ مِنْ
(1)
في (م): يختص.
(2)
في (م): ولم يسلم.
(3)
في (م): صرفه.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وعبارة المغني 9/ 574، والشرح الكبير 28/ 80:(وإن سلَّمْنا، فإنَّ قرينةَ الإقرار تَصرِفُه إلى الملك).
(5)
قوله: (التي) سقط من (ظ).
(6)
قوله: (له) سقط من (ن).
(7)
في (م) و (ن): لم يصح.
(8)
في (م): وذكر.
(9)
قوله: (لا) سقط من (م).
ملْكِهِ، وما يَسكُنُهُ بغصبٍ
(1)
وَجْهانِ.
وفي «التَّرغِيب» : الأَقْوَى إنْ كان سَكَنَه مَرَّةً؛ حَنِثَ.
وإنْ قال: مِلْكه؛ ففيما
(2)
اسْتَأْجَرَه خِلافٌ في «الاِنتِصار» .
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِهِ، فَرَكِبَ دَابَّةً جُعِلَتْ بِرَسْمِهِ؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّه مُختَصٌّ بها حِينَئِذٍ؛ كحَلِفِه لا يَركَبُ رَحْلَ
(3)
هذه الدَّابَّة، ولا يَبِيعُه.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَ سَطْحَهَا؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّه من الدَّار، وحُكْمُه حُكْمُها، بدليلِ صحَّةِ الاِعْتِكاف فيه، ومَنْعِ الجُنبِ
(4)
مِنْ اللُّبْث فيه، فَوَجَبَ أنْ يَحنَثَ إذا دَخَلَه؛ كما لو دَخلَ الدَّارَ نفسها
(5)
.
وإنْ حَلَفَ: لَيَخْرُجَنَّ مِنْ الدَّار، فصَعِدَ سَطْحَها؛ لم يَبَرَّ، فإنْ كانَ ثَمَّ نِيَّةٌ أوْ سَبَبٌ أوْ قَرينةٌ؛ عُمِلَ بها.
وإن
(6)
صَعِدَ على شَجَرةٍ حتَّى صار في مُقابَلةِ سَطْحِها بَينَ حِيطانِها؛ حنثَ
(7)
، وإنْ لم يَنزِلْ بَينَ حِيطانِها؛ فهل يَحنَثُ؟ فيه احْتِمالانِ.
وكذا إنْ كانَت الشَّجَرةُ في غَيرِ الدَّار، فتعلَّقَ بفَرْعٍ مادٍّ على الدَّار في مُقابَلةِ سَطْحِها.
فإنْ أقامَ على حائطِ الدَّار؛ فَوَجْهانِ:
أحدُهما: يَحنَثُ، ذَكَرهَ القاضي؛ لِأنَّه داخِلٌ في حدِّها، أشْبَهَ القائمَ على سَطْحِها.
(1)
في (م): بقصب.
(2)
في (ن): ففيهما.
(3)
في (ظ): رجل.
(4)
في (م): الحنث.
(5)
في (ن): يقسمها.
(6)
في (ظ): فإن.
(7)
في (م): يحنث.
والثَّاني: لَا؛ لِأنَّه لا يُسَمَّى داخِلاً.
(وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ؛ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَحنَثُ؛ لأِنَّه دَخَلَ في حَدِّها.
والثَّاني: لَا
(1)
، وصحَّحه في «المغْنِي» ؛ لِأنَّه لا يُسَمَّى داخِلاً.
وقال القاضِي: إنْ قامَ في مَوضِعٍ إذا أَغْلَقَ البابَ كان خارِجًا منه
(2)
؛ لم يَحنَثْ، وجَزَمَ به في «الوجيز» .
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا؛ حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إِنْسَانٍ)؛ لِأنَّها نكرةٌ في سِياقِ النَّفْيِ فتَعُمُّ، ولِفِعْلِه المحْلُوفَ عَلَيهِ.
حتَّى لو سلَّم عَلَيهِ حَنِثَ؛ لِأنَّ السَّلامَ كلامٌ تَبطُلُ به الصَّلاةُ، فيَحنَثُ به كغَيرِه.
وفي «الرِّعاية» : إنْ سلَّم عَلَيهِ ولم يَعرِفْه؛ فَوَجْهانِ.
وإنْ صَلَّى المحْلُوفُ عَلَيهِ
(3)
إمامًا، وسلَّم مِنْ الصَّلاة لم يَحنَثْ، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
، وكذا إنْ أُرْتِجَ عَلَيهِ فيها فَفَتَحَ عَلَيهِ الحالِفُ.
(وَإِنْ زَجَرَهُ، فَقَالَ: تَنَحَّ، أَوِ اسْكُتْ؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّ ذلك كلامٌ، فيَدخُلُ فيما حَلَفَ على عَدَمه.
وقِياسُ المذْهَب: لا.
فلو كاتَبَه، أوْ راسَلَه؛ حَنِثَ، إلَّا أنْ يكون أراد ألَّا يُشافِهَه، وقالَهُ أكْثَرُ الأَصْحابِ.
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
قوله: (منه) سقط من (م).
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 618، والشرح الكبير 28/ 87: بالمحلوف عليه.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1886.
وعَنْهُ: لا يَحنَثُ، إلَّا أنْ تكون نِيَّتُه
(1)
أوْ سَبَبُ يمينه يَقتَضِي هِجْرانَه؛ لِأنَّه يَصِحُّ نَفْيُه، ولو كانت الرِّسالةُ تكليمًا لَتَناوَلَ مُوسَى وغَيرَه مِنْ الرُّسُل، ولم يَختَصَّ بكَونِه كليمَ
(2)
الله تعالى.
واحْتَجَّ الأصْحابُ بقَوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ
…
(51)} الآيةَ [الشّورى: 51]؛ لِأنَّه وُضِعَ لِإفْهامِ الآدَمِيِّينَ، أشْبَهَ الخِطابَ.
والصَّحيحُ: أنَّ هذا لَيسَ بتكليمٍ، والاِسْتِثْناءُ في الآية مِنْ غَيرِ الجنس، كما في الآية الأخرى:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عِمرَان: 41]، والرَّمْزُ لَيسَ بتكليمٍ، لكِنْ إنْ نوى
(3)
تَرْكَ مُواصَلته
(4)
، أوْ كان سببُ يمينه يقتضي هِجْرانَه، فإنَّه يَحنَثُ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ)، أوْ لا كلَّمْتُ فُلانًا حتَّى يُكلِّمَني، أوْ حتَّى يبدأني
(5)
بكلامٍ، (فَتَكَلَّمَا
(6)
مَعًا
(7)
؛ حَنِثَ) في الأصحِّ؛ لِأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مُبتَدِئٌ؛ إذ
(8)
لم يتقدَّمْه كلامٌ سِواهُ.
وفي «الرِّعاية» : قُلْتُ: لا.
لكِنْ إذا قال: لا بَدَأْتُه بكلامٍ، فتكلَّما معًا؛ لم يَحنَثْ، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز»
(9)
؛ لِعَدَمِ البداية
(10)
.
(1)
في (ظ): يكون بنية. وفي (ن): يكون بيته.
(2)
في (م): كلمة.
(3)
قوله: (نوى) سقط من (م).
(4)
قوله: (مواصلته) في (ظ): مواصلة أو سبب.
(5)
في (م): يبتدأني.
(6)
في (ن): فكلما.
(7)
قوله: (معًا) سقط من (م).
(8)
في (م): إذا.
(9)
في (ن): «الوجيز» و «المحرر» .
(10)
في (م): البدأة.
والثَّاني: بلى؛ لِمَا تَقدَّمَ. وأطْلَقَهما في «الفُروع» .
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا)، ولم يَنْوِ شَيئًا؛ (فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهَرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ
(1)
؛ لِأنَّ الحِينَ المطْلَقَ في كلامِ الله تعالى أقلُّه ستَّةُ أشْهُرٍ، فيُحمَلُ مُطلَقُ كلامِ الآدَمِيِّ عَلَيهِ.
قال في «الفروع» : ويَتَوجَّهُ أقلُّ زَمَنٍ يقع
(2)
على القليلِ كالكثير؛ لقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)} [الرُّوم: 17].
فإنْ قُلْتَ: يَرِدُ
(3)
للسَّنَة؛ لقوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25]، ويراد
(4)
به يومُ القيامة؛ لقوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)} [ص: 88]، ويراد
(5)
به ساعةٌ؛ لقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الرُّوم: 17]، ويقال: جئته
(6)
بعدَ حِينٍ، وإنْ كان أتاه مِنْ ساعةٍ، ويراد
(7)
به مُدَّةٌ طويلةٌ؛ لقوله تعالى: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)} [المؤمنون: 54].
فالجَوابُ: أنَّه يَصِحُّ الإطْلاقُ في ذلك كلِّه
(8)
، وإنَّما الكلامُ في الإطلاق الخالي
(9)
عن الإرادة، مع أنَّ عِكْرَمَةَ، وسعيدَ بنَ جُبَيرٍ، وأبا عُبَيدةَ
(10)
قالوا في قوله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25]: (ستَّةُ أشْهُرٍ)، واخْتُلِفَ
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4664.
(2)
في (م): فيقع.
(3)
في (ظ) و (ن): ترد.
(4)
في (ن): وتراد.
(5)
في (ن): وتراد.
(6)
في (م): ويقال: حنث. وفي (ن): يزال حنث.
(7)
في (م): أراد.
(8)
قوله: (وإن كان أتاه من ساعة
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(9)
في (ن): الخال.
(10)
ينظر: تفسير الطبري 13/ 646 - 647، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى 1/ 340.
فيها عن ابنِ عبَّاسٍ
(1)
، وما اسْتَشْهَدوا به من المطْلَق في كلامِ الله تعالى، فما
(2)
ذكرناه
(3)
أقلُّ، فحُمِلَ على اليقين.
وقِيلَ: إنْ عرَّفَه؛ فلِلأْبَد؛ كالدَّهْر والعُمْر.
أمَّا إذا قَيَّدَ لَفْظَه أوْ نِيَّتَه بزمنٍ
(4)
؛ فإنَّها تَتَقَيَّدُ به.
(وَإِنْ قَالَ: زَمَنًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ بَعِيدًا
(5)
، أَوِ الزَّمَانَ
(6)
، أَوْ مَلِيًّا؛ رُجِعَ إِلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفُروع» ؛ لأِنَّ ما زَادَ عَلَيهِ مَشْكوكٌ في إرادَتِه، والأصلُ عَدَمُه.
وعِنْدَ القاضي
(7)
: أنَّ زَمَنًا كحِينٍ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ في وَقْتٍ ونحوِه: الأَشْبَهُ بمَذْهَبِنا ما يُؤثِّرُ في مِثْلِهِ
(8)
من المؤاخَذَة، والزَّمانُ كحِينٍ.
واخْتارَ في «المحرَّر» ، وقَطَعَ به في «الوجيز»: أنَّه لِلْأَبَدِ؛ كالدَّهْر.
وذَكَرَ ابنُ أبي موسى: أنَّه إذا حَلَفَ لا يُكلِّمُه زمانًا
(9)
؛ فهو إلى ثلاثةِ أشْهُرٍ.
(1)
اختلف قول ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك: فقد أخرج الطبري في التفسير (13/ 646)، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:«الحين ستة أشهر» ، وسنده صحيح حسن، وطارق بن عبد الرحمن البجلي، وثقه غير واحد كأحمد والدارقطني، وهو صدوق له أوهام. وله قول آخر: أخرجه الطبري (13/ 644)، من طريق شريك، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} قال: «بكرة وعشية» . وسنده ضعيف لحال شريك القاضي. ينظر: تهذيب الكمال 13/ 345.
(2)
في (م): فيما.
(3)
في (ن): ذكرنا.
(4)
في (ن): نيته زمن. وفي (ظ): بيته بزمن.
(5)
قوله: (أو بعيدًا) سقط من (م).
(6)
قوله: (أو الزمان) سقط من (ظ) و (م).
(7)
زيد في (ن): في.
(8)
في (م): بمثله.
(9)
في (م): زمنًا.
(وَإِنْ قَالَ: عُمُرًا؛ احْتَمَلَ ذَلِكَ)؛ أيْ: يُرجَعُ فيه إلى أقلِّ ما يتناوله
(1)
اللَّفظُ، (وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ
(2)
أَرْبَعِينَ عَامًا)؛ لقوله تعالى: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} [يُونس: 16]، وهو قَولٌ حَسَنٌ.
قال أبو الخَطَّاب: (ما
(3)
وَرَدَ فيه من ذلك يُرجَعُ إلَيهِ كالْحِينِ، فأمَّا
(4)
غَيرُه؛ فإنْ كانَتْ له نِيَّةٌ، وإلِّا حُمِلَ على أقلِّ ما يَقَعُ عَلَيهِ الاِسْمُ مِنْ العمر والدَّهر).
(وَقَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا
(5)
مِثْلُ الْحِينِ)؛ لمَا تقدَّمَ، (إِلَّا بَعِيدًا، أَوْ مَلِيًّا
(6)
، زاد في «الرِّعاية»: أوْ طويلاً، (فَإِنَّهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ
(7)
، وَإِنْ قَالَ: الْأَبَدَ، وَالدَّهْرَ)، والعُمرَ؛ (فَذَلِكَ عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ)؛ لِأنَّ الألِفَ واللاَّمَ لِلاِسْتِغْراق، وذلك يُوجِبُ دُخولَ الزَّمانِ كلِّه.
(وَالْحُقْبُ) - بضَمِّ الحاء - (ثَمَانُونَ سَنَةً)؛ نَصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «المستوعب» و «الوجيز» ، روي
(8)
عن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ في تفسيرِ الآية
(9)
،
(1)
في (ظ): تناوله.
(2)
في (ن): تكون.
(3)
في (ن): وما.
(4)
زيد في (م): ما.
(5)
قوله: (الألفاظ كلها) هو في (م): (كلها)، وفي (ظ): الألفاظ.
(6)
في (ن): ومليًا.
(7)
في (ظ) و (م): ستة أشهر. والمثبت موافق للنسخ الخطية من المقنع.
(8)
في (م): وروي.
(9)
أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخرجه الطبري في تفسيره (24/ 24)، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لهلال الهجري:«ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل؟ قال: نجده ثمانين سنة كلّ سنة اثنا عشر شهرًا، كلّ شهر ثلاثون يومًا، كلّ يوم ألف سنة» ، وسنده ضعيف؛ فيه محمد بن حميد الرازي، حافظ ضعيف، وشيخه مهران بن أبي عمر العطار، صدوق له أوهام سيئ الحفظ، وقال ابن معين:(كتبتُ عنه، وعنده غلط كثير في حديث سُفيان الثَّوري)، وهذا عن سفيان. ينظر: تاريخ الإسلام 4/ 984، ميزان الاعتدال 4/ 196.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطبري في تفسيره (24/ 24)، حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران - العطار -، عن أبي سنان، عن ابن عباس، قال:«الحقب: ثمانون سنة» . ابن حميد، حافظ ضعيف، وفيه انقطاع.
وقالَه الجَوهَرِيُّ في «صَحاحِه»
(1)
.
وقال القاضي، وقدَّمه في «الفروع»: هو أدْنَى زمانٍ؛ لأِنَّه المتيَقَّنُ.
وقِيلَ: أرْبَعُونَ عامًا.
وقِيلَ: للأبد
(2)
.
(وَالشُّهُورُ: اثْنَا عَشَرَ عِنْدَ الْقَاضِي)، وجَزمَ به في «الوجيز»؛ لقوله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التّوبَة: 36].
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ)، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع»:(ثَلَاثَةٌ)؛ لأِنَّه جَمْعٌ؛ (كَالْأَشْهُرِ)، فإنَّها ثلاثةٌ وَجْهًا واحدًا.
(وَالْأَيَّامُ: ثَلَاثَةٌ)؛ لأِنَّها أقلُّ الجَمْع، وإنْ عَيَّنَ أيَّامًا؛ تَبِعَتْها اللَّيالِي.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ، فَحُوِّلَ وَدَخَلَهُ؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّه فَعَلَ ما حَلَفَ على تَرْكِه، وكذا إذا جَعَلَ لها بابًا آخَرَ مع بَقاءِ الأوَّل، أوْ قَلَعَ البابَ ونَصَبَه في دارٍ أخْرَى، ولم
(3)
يَحنَثْ بالدُّخول من الموْضِع الَّذي نُصِب
(4)
فيه الباب.
وإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ هذه الدَّارَ مِنْ بابها، فَدَخَلَها مِنْ غَيرِ الباب؛ لم يَحنَثْ.
ويَتخرَّجُ: بلى إذا أراد بيمينِه اجْتِنابَ الدَّار، لكِنْ إنْ كان للدَّار سببٌ هَيَّجَ
(1)
ينظر: الصحاح 1/ 114.
(2)
في (ن): للآية.
(3)
في (م) و (ن): لم. والمثبت موافق للمغني 9/ 573.
(4)
في (ن): يصب.
اليمينَ
(1)
؛ كما لو حَلَفَ لا يَأْوِي مَعَ زَوجَته في دارٍ، فَأَوَى معها في غَيرِها.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إِلَى حِينِ الْحِصَادِ؛ انْتَهَتْ يَمِينُهُ بِأَوَّلِهِ)؛ لِأنَّ «إلى» لاِنْتِهاء الغاية، فينتهي
(2)
عِنْدَ أوَّلِها؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البَقَرَة: 187].
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَتَنَاوَلَ
(3)
جَمِيعَ مُدَّتِهِ)، هذا روايةٌ؛ لأِنَّ «إلى» تُستَعْمَلُ بمَعْنَى «مع»؛ لقوله تعالى:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عِمرَان: 52]، ولِأنَّ الظَّاهِرَ أنَّه قَصَدَ هِجْرانَه، واللَّفْظُ صالِحٌ لِتَناوُلِ الجَمِيعِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ
(4)
مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، أَوْ
(5)
دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ؛ حَنِثَ
(6)
؛ لِأنَّه مالٌ، فَوَجَبَ أنْ يَحنَثَ؛ للمُخالَفَةِ في يمينه، والدَّينُ مالٌ يَنعَقِدُ عَلَيهِ الحَولُ، ويَصِحُّ تَصرُّفُه فيه
(7)
بالإبْراءِ والحَوالَة، أشْبَهَ المودِعَ، ولِأنَّ المالَ ما تناوله
(8)
النَّاسُ عادةً لطَلَبِ الرِّبْحِ، مَأخُوذٌ مِنْ المَيْلِ مِنْ يَدٍ إلى يَدٍ، وجانِبٍ إلى جانِبٍ، قاله
(9)
في «الواضح» ، والملْكُ يَختَصُّ الأَعْيانَ من الأموال، ولا يعمُّ
(10)
الدَّينَ.
(1)
قوله: (لكِنْ إنْ كان للدَّار سببٌ هَيَّجَ اليمينَ) كذا في النسخ الخطية، وعبارة المغني 9/ 573، والشرح الكبير 28/ 100: ولم يَكُنْ للباب سببٌ هيج يمينه.
(2)
في (ن): فتنتهي.
(3)
في (ن): تتناوله.
(4)
في (م): ولا.
(5)
في (م): لو.
(6)
قوله: (حنث) سقط من (م).
(7)
في (ن): منه.
(8)
في (ن): يتناوله.
(9)
في (م): قال.
(10)
في (ن): ولا تعم.
وعن أحمدَ: إذا نَذَرَ الصَّدقة
(1)
بجميعِ مالِه؛ إنَّما يَتَناوَلُ نذره
(2)
الصَّامِتَ مِنْ مالِه
(3)
؛ لِأنَّ إطْلاقَ المال يَنصرِفُ إلَيهِ.
فلو كان له مالٌ مَغْصُوبٌ؛ حَنِثَ.
وكذا إنْ كان ضائعًا في وَجْهٍ، فإنْ ضاعَ على وَجْهٍ قد أيس
(4)
مِنْ عَودِه؛ لم يَحنَثْ في الأَشْهَرِ.
ويَحتَمِلُ: ألَّا يَحنَثَ في كلِّ مَوضِعٍ لا يَقدِرُ على أخْذِ مالِه.
وظاهِرُه: أنَّه إذا تزوَّج، أو اشْتَرَى عَقَارًا ونحوَه؛ لا يَحنَثُ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَوَكَّلَ مَنْ
(5)
فَعَلَهُ؛ حَنِثَ)، إلَّا أنْ يَنْوِيَ، اقْتَصَرَ عَلَيهِ أكثرُ الأصْحابِ؛ لِأنَّ فِعْلَ وكيلِه كفِعْلِه، نَصَّ عَلَيهِ
(6)
، ولِأنَّ الفِعْلَ يُطلَقُ على المُوَكِّلِ فِيهِ والآمِرِ به، فحنِثَ، كما لو حَلَفَ لا يَحلِقُ رأسَه، فأَمَرَ مَنْ حَلَقَه.
وذَكَرَ ابنُ أبي موسى: أنَّه يَحنَثُ، إلَّا أنْ تكُونَ عادتُه
(7)
جارِيَةً بمُباشَرةِ ذلك الفعل بنَفْسِه فلا، وجَزَمَ به في «الوجيز» .
فإذا وكَّل فيه وأضاف إلى الموكَّلِ؛ فلا حِنْثَ، وإنْ أطْلَقَ؛ فَوَجْهانِ.
وإنْ حَلَفَ لا يُكلِّمُ عَبْدًا اشْتَراهُ زَيدٌ، فكلَّم عَبْدًا اشتراه وكيلُه، أوْ لا يَضرِبُ عبدَه، فضَرَبَه بأَمْرِه؛ حَنِثَ.
(1)
في (م): صدقته.
(2)
في (ظ): قدره.
(3)
المال الصامت: الذهب والفضة. ينظر: الزاهر 1/ 398، الصحاح 1/ 257.
(4)
في (م): يأس.
(5)
في (ن): في.
(6)
ينظر: الفروع 11/ 64.
(7)
في (م): أن يكون عادة.
قاعدةٌ: تَطْلُقُ امرأةُ مَنْ حلَفَ
(1)
لا يُكلِّمُ زِنْدِيقًا بقائلٍ بخَلْقِ القرآن، قاله سَجَّادَةُ
(2)
، قال أحمدُ: ما أُبْعِدُه
(3)
.
والسَّفِلَةُ: مَنْ لم يُبالِ بما قال وما قِيلَ له، ونَقَلَ عبدُ الله: مَنْ يَدخُلُ الحَمَّامَ بغَيرِ مِئْزَرٍ، ولا يُبالِي على أيِّ مَعصِيَةٍ رُئِيَ
(4)
.
قال ابنُ الجَوزِيِّ: الرَّعاعُ: السَّفِلَةُ، والغَوْغاءُ نحوُ ذلك، وأصْلُ الغَوْغاء: صِغَارُ الجَرادِ.
(1)
قوله: (لا يكلم عبدًا اشتراه زيد
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
هو: أبو علي الحسن بن حماد بن كسيب الحضرمي، البغدادي، الإمام، القدوة، المحدث، قال عنه أحمد:(صاحب سنة، ما بلغني عنه إلا خير)، مات سنة 241 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 11/ 392.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 45، سير أعلام النبلاء 11/ 392. والذي فيهما: ما أَبْعَدَ.
(4)
ينظر: الفروع 11/ 45.
(فَصْلٌ)
(فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ؛ فَهِيَ أَسْمَاءٌ اشْتُهِرَ
(1)
مَجَازُهَا حَتَّى غَلَبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ)؛ لِأنَّها إذا لم تَشْتَهِرْ تكُونُ مُجازًا لُغَةً، وسُمِّيَتْ عُرْفِيَّةً؛ لاِسْتِعْمالِ أهلِ العُرْف لها في غَيرِ المعْنَى اللُّغَوِيِّ، وذلك أنَّ اللَّفْظَ قد يكونُ حقيقةً لغوية
(2)
في مَعْنًى، ثُمَّ يَصِيرُ مَدْلولُه على مَعْنًى آخَرَ عُرْفِيٍّ، ولا شبْهةَ في وُقُوعِ ذلك؛ (كَالرَّاوِيَةِ): للمَزادَة في العُرْف، وفي الحقيقة: الجَمَلُ الَّذي يُستقى
(3)
عَلَيهِ، (وَالظَّعِينَةِ): هي في العُرْف للمَرأةِ، وفي
(4)
الحقيقة: للنَّاقة الَّتي يُظْعَنُ عَلَيها، (وَالدَّابَّةِ): اسْمٌ لِذَواتِ الأرْبَعِ، وفي الحقيقة: اسْمٌ لمَا دَبَّ، (وَالْغَائِطِ وَالْعَذِرَةِ) في العُرْف: الخارِجُ المسْتَقْذَرُ، وفي الحقيقة
(5)
؛ الغائطُ: المكانُ المطمئنُّ من الأرض، والعَذِرةُ: فِناءُ الدَّار، (وَنَحْوِهَا)؛ أيْ: نَحْوِ هذه الأشْياءِ.
(فَتَتَعَلَّقُ
(6)
الْيَمِينُ بِالْعُرْفِ)؛ لِأنَّه يُعلَمُ أنَّ الحالِفَ لا يُرِيدُ غَيرَه، فصار كالمصرَّحِ به، (دُونَ الْحَقِيقَةِ)؛ لأِنَّها صارَتْ مَهْجُورةً، ولا يَعرِفُها أكثرُ النَّاس.
(وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ
(7)
؛ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِهَا)؛ لأنَّه
(8)
الَّذي
(1)
في (م): أشهرها.
(2)
في (م): لفوته.
(3)
في (م): يسقى.
(4)
في (ن): في.
(5)
قوله: (اسم لما دب
…
) إلى هنا سقط من (م).
(6)
في (ظ) و (م): فتعلق.
(7)
في (ن): امرأة.
(8)
في (م): لأن.
يَنصَرِفُ اللَّفْظُ في العُرْف إلَيهِ، وإنْ حَلَفَ لا يَتَسَرَّى؛ حَنِثَ بِوَطْئِها أيضًا، وقد سَبَقَ.
(وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ دَارٍ؛ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِدُخُولِهَا)؛ لِأنَّها غَيرُ قابِلةٍ للجِماع، فَوَجَبَ تَعلُّقُ يَمينِه بدُخُولها، (رَاكِبًا، أَوْ مَاشِيًا، أَوْ حَافِيًا، أَوْ مُنْتَعِلاً)؛ لِأنَّ اليمينَ مَحمُولةٌ على الدُّخول.
وكذا إنْ حَلَفَ لا يَضَعُ قَدَمَه في الدَّار.
وقال أبو ثَورٍ: إنْ دَخَلَها راكِبًا؛ لم يَحنَثْ؛ لأِنَّه لم يَضَعْ قَدَمَه فيها.
وهل يَحنَثُ بدُخُولِ مَقْبَرَةٍ؟ قال في «الفروع» : يَتَوَجَّهُ لا إنْ قُدِّمَ
(1)
العُرْف، وإلَّا حَنِثَ.
وقد قال بعضُ العلماء في
(2)
قَولِه عليه السلام: «السَّلام
(3)
عَلَيكم دارَ قَومٍ مُؤْمِنِينَ»
(4)
: إنَّ اسْمَ الدَّار يَقَعُ على المقابِر، قال: وهو صحيحٌ، فإنَّ الدَّارَ في اللُّغة يَقَعُ على الرَّبْع المسْكُونِ، وعلى الخَرابِ غَيرِ المأْهُولِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ الرَّيْحَانَ، فَشَمَّ الْوَرْدَ، وَالْبَنَفْسَجَ، وَالْيَاسَمِينَ)، ولو كان يابِسًا، (أَوْ لَا يَشَمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ، فَشَمَّ دُهْنَهُمَا، أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ؛ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ)، وهذا
(5)
قَولُ القاضي، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه المُسَمَّى عُرْفًا، ويَمِينُه تَختَصُّ بالرَّيْحان الفارِسِيِّ.
(وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَحْنَثُ
(6)
، قدَّمه السَّامَرِّيُّ، والمجْدُ، وابنُ حَمْدانَ، وصحَّحه في «الفروع» ، وحِينَئِذٍ: يَحنَثُ بشَمِّ كلِّ نَبْتٍ رِيحُهُ
(1)
قوله: (لا إن قدم) في (م): لأن.
(2)
في (م): أن في، وفي (ن): أن.
(3)
قوله: (السلام) سقط من (م).
(4)
أخرجه مسلم (249)، من حديث أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم.
(5)
في (م): هو، وفي (ن): هذا.
(6)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
طَيِّبٌ كمرْزَجُوش
(1)
؛ لِأنَّه يَتَناوَلُه اسْمُ الرَّيْحانِ حقيقةً.
وعُلِم منه: أنَّه لا يحنث بشم الفاكهة، وجهًا واحدًا.
فرعٌ: إذا حَلَفَ لا يَشَمُّ طِيبًا، فَشَمَّ نَبْتًا طَيِّبَ الرِّيحِ؛ كالخُزامِ ونَحوِه؛ حَنِثَ في الأَشْهَر.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ سَمَكًا؛ حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ
(2)
، قدَّمه السَّامَرِّيُّ والجَدُّ، وجَزَمَ به ابنُ هُبَيرَةَ وصاحِبُ «الوجيز» ، وهو المذْهَبُ؛ لقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النّحل: 14]، ولِأنَّه جِسْمُ حَيَوانٍ يُسمَّى لَحْمًا، فحَنِثَ بأكْلِه؛ كلَحْمِ الطَّيرِ، وتَقْدِيمًا للشَّرع واللُّغة.
(وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى)، إلَّا أنْ يَنوِيَه؛ لِأنَّه لا يَنصَرِفُ إلَيهِ إطْلاقُ اسْمِ اللَّحْم، ولو وَكَّلَ في شِراءِ لَحْمٍ، فاشْتَرَى له سَمَكًا لم يَلزَمْه، ويَصِحُّ أنْ يُنْفَى عنه الاِسْمُ، فيُقالُ: ما أَكَلْتُ لَحْمًا، وإنَّما أكَلْتُ سَمَكًا، وكما لو حَلَفَ: لا قعدت تَحْتَ سَقْفٍ، فإنَّه لا يَحنَثُ بقُعوده تَحْتَ السَّماء، وقد سمَّاه الله تعالى سَقْفًا محفوظًا؛ لِأنَّه مَجازٌ، كذا هُنا.
والأوَّلُ هو ظاهِرُ المذْهَب، والفَرْقُ بَينَ مسألةِ اللَّحْم والسَّقْف: أنَّ الظَّاهِرَ أنَّ
(3)
مَنْ حَلَفَ لا يَقعُدُ تَحْتَ سَقْفٍ؛ يُمكِنُه التَّحرُّزُ منه، والسَّماءُ لَيستْ كذلك، فَعُلِمَ أنَّه لم يُرِدْها بِيَمِينه، ولأِنَّ التَّسْمِيَةَ ثَمَّ مَجازٌ، وهُنا حقيقةٌ؛ لكَونِه مِنْ حَيَوانٍ يَصلُح للأكلِ، فكان الاِسْمُ فيه
(4)
حقيقةً كلَحْمِ الطَّير؛ لقوله تعالى:
(1)
في (م) بكرزجوش.
والمرزجوش: يسمى المرقدوش، والمرزنجوش، فارسي معرب: نبت طيب الريح. ينظر: المحكم والمحيط 7/ 601، القاموس المحيط ص 605.
(2)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(3)
قوله: (أن) سقط من (م).
(4)
قوله: (فيه) سقط من (م).
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)} [الواقِعَة: 21].
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا وَلَا بَيْضًا؛ حَنِثَ بِأَكْلِ رُؤُوسِ الطَّيْرِ
(1)
وَالسَّمَكِ، وَبَيْضِ السَّمَكِ، وَالْجَرَادِ) وغَيرِ ذلك، (عِنْدَ الْقَاضِي
(2)
، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِعُمومِ الاِسْمِ فيه حقيقةً وعُرْفًا، أشْبَهَ ما لو حَلَفَ لا يَشرَبُ ماءً، فإنَّه يَحنَثُ بشُرْبِ الماءِ المالِحِ
(3)
والماء النَّجِس.
ومَن حَلَفَ لا يأكُلُ خُبْزًا؛ حَنِثَ بكلِّ خُبْزٍ.
وفي «التَّرغيبِ» : إنْ كان خُبْزُ بَلَدِه الأرز؛ حَنِثَ به، وفي حِنْثِه
(4)
بخُبْزِ غَيرِه الوجْهانِ.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ بَيْضٍ يُزَايِلُ بَائِضَهُ حَالَ الْحَيَاةِ)؛ لأنه
(5)
لا يَنصَرِفُ إلَيهِ اللَّفْظُ عُرْفًا؛ فلم يَحنَثُ؛ كما لو حَلَفَ لا يَأكُلُ شِواءً فأَكَلَ بَيضًا، ونَقَلَه في «الشَّرح» عنه، وأنَّه قَولُ أكْثَرِ العُلَماء، وهو الصَّحيحُ.
وقِيلَ: بَيضُ السَّمَك والجَرادِ يُزايِلُهما في الحياة، ولا يُؤكَلُ في حَياتِهما.
وفي «المحرَّر» و «الفروع» ك «المقْنِع» .
وفي «التَّرغيب» : إنْ كان بمكانِ العادة إفْرادُه بالبيع فيه؛ حَنِثَ، وفي غير
(6)
مَكانِه وَجْهانِ؛ نَظَرًا إلى أصْلِ العادة أوْ عادةِ الحالِفِ.
وحاصِلُه: أنَّه لا يَحنَثُ بأكْلِ شَيءٍ يُسَمَّى بَيضًا غَيرِ بَيضِ الحَيَوان، ولا
(1)
في (ن): الطيور.
(2)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(3)
في (ظ) و (م): الملح.
(4)
في (م): حقيقة.
(5)
قوله: (لأنه) في (ظ): وعند أبي الخطاب، وهو سقط من (ن).
(6)
في (م): غيره.
بشَيءٍ يُسَمَّى رأْسًا غَيرِ رُؤوسِ الحَيَوان؛ لِأنَّ ذلك ليس برأْسٍ ولا بَيضٍ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَدَخَلَ مَسْجِدًا، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ بَيْتَ شَعَرٍ، أَوْ أَدَمٍ)؛ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
؛ لِأنَّه بيتٌ
(2)
حقيقةً؛ لقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النُّور: 36]، وقَولِه تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
…
(96)} الآية [آل عِمرَان: 96]، وقَولِه عليه السلام:«بِئْسَ البيتُ الحَمَّامُ» رواه أبو داودَ وغَيرُه، وفيه ضعْفٌ
(3)
.
وإذا كان في الحقيقة بَيتًا، وفي عُرْفِ الشارع
(4)
؛ حَنِثَ بدُخولِه؛ كبَيتِ الإنسان.
وأمَّا بَيتُ الشَّعَر والأَدَم؛ فَلِأَنَّ اسْمَ البيت يَقَعُ عَلَيهِ حقيقةً وعُرْفًا؛ لقوله تعالى: الآيةَ {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا
…
(80)} الآية [النّحل: 80].
وظاهِرُه: أنَّ الخَيمةَ كذلك، قدَّمه في «الرِّعاية» ، واقْتَصَرَ عَلَيهِ السَّامَرِّيُّ، وحكاه في «الفروع» مَنصوصًا عَلَيهِ.
وذَكَرَ في «الكافي» و «الشَّرح» : أنَّه لا يَحنَثُ بدُخولِها.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 28/ 114.
(2)
في (ظ): بيتان، وفي (ن): بنيان.
(3)
الحديث عزاه المصنِّف إلى أبي داود، ولم يخرجه هو ولا غيره من أصحاب الكتب الستة كما قاله الألباني، وقد أخرجه الطبراني في الكبير (10926)، وابن عدي (9/ 69)، وأبو نعيم الأصبهاني في الطبِّ النبوي (194)، والبيهقي في الشعب (7378)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه يحيى بن عثمان القرشي البصري، وهو ضعيف. والحديث ضعفه ابن عدي، وعدّه من مناكيره، والألباني، وفي الباب عن عائشة وهو منقطع ضعيف. وقد أخرج البيهقي في الكبرى (14808) بسند صحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه كان يدخل الحمام، فيقول:«نعم البيت الحمام، يذهب الوسَخ، ويذكِّر النار» . ينظر: الإرواء 8/ 205، الضعيفة (2312).
(4)
في (ن): الناس.
لكِنْ إنْ عَيَّنَ خَيمةً، فقُلِعَتْ وضُرِبَتْ في مَوضِعٍ آخَرَ، أوْ نَقَلَها
(1)
؛ حَنِثَ.
وعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أنَّه لا يَحنَثُ بدُخُولِ دِهْلِيزِ دارٍ، أو صُفَّتِها
(2)
؛ لِأنَّه لا يُسَمَّى بَيتًا.
(أَوْ لَا يَرْكَبُ، فَرَكِبَ سَفِينَةً؛ حَنِثَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا)؛ لِأنَّه رُكوبٌ؛ لقوله تعالى: {ارْكَبُوا فِيهَا} [هُود: 41]، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العَنكبوت: 65].
(وَيَحْتَمِلُ: أَلَّا يَحْنَثَ)، وهو قَولُ أكْثَرِهِم؛ لِأنَّه لا
(3)
يُسَمَّى بَيتًا ولا رُكوبًا في العُرْف.
وظاهره: أنَّ الاِحْتِمالَ في الصُّوَر كلِّها، وظاهِرُ «المغْنِي»: أنَّه في المسجد والحَمَّام فَقَطْ، قال: لِأنَّ أهْلَ العُرْفِ لا تُسَمِّي ذلك بَيتًا.
(فَإنْ
(4)
حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَرَأَ، أَوْ سَبَّحَ
(5)
اللهَ
(6)
، أَوْ ذَكَرَ
(7)
اللهَ تَعَالَى؛ لَمْ يَحْنَثْ) في قَولِ أكْثَرِ العلماء؛ لِأنَّ الكلامَ في العُرْف لا يُطلَقُ إلَّا على كلامِ الآدَمِيِّينَ، قال
(8)
زَيدُ بنُ أرْقَمَ: «كُنَّا نتكلَّمُ في الصَّلاة حتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البَقَرَة: 238]، فأُمِرْنا بالسُّكُوت، ونُهِينَا عن الكلام»
(9)
، وأَمَرَ اللهُ تعالى زَكَرِيَّا بالتَّسبيح مع قَطْعِ الكلام عنه.
وقال أبو حنيفة
(10)
: إنْ قَرَأَ في الصَّلاة؛ لم يَحنَثْ، وإلَّا حَنِثَ، ومُقْتَضَى
(1)
في (ن): ونقلها.
(2)
في (ن): وصفتها. وصفة الدار: البهو الواسع الطويل. ينظر: تاج العروس 24/ 26.
(3)
قوله: (لا) سقط من (ن).
(4)
في (م) و (ن): وإن.
(5)
في (م): وسبح.
(6)
قوله: (الله) ليس في (م) و (ن).
(7)
في (م): وذكر.
(8)
في (ظ): وقال.
(9)
أخرجه البخاري (539)، ومسلم (1200).
(10)
قوله: (أبو حنيفة) سقطت من (ن)، ومكانها بياض في (ظ). والمثبت موافق للمغني 9/ 618، والشرح 28/ 116. وينظر: الأصل للشيباني 2/ 357، التجريد للقدوري 12/ 6476.
مَذْهَبه: أنَّه يَحنَثُ؛ لِأنَّه كلامٌ؛ لقوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفَتْح: 26]، وقَولِه عليه السلام: «كَلِمَتانِ حَبِيبتانِ إلى الرَّحمن، خَفِيفَتانِ على اللِّسان
…
» الخَبَرَ
(1)
.
والأوَّلُ أشْهَرُ؛ لأنَّ
(2)
ما لا يخرجُ به في الصَّلاة لا يَجِبُ خارِجًا منها، كالإشارة
(3)
، وما ذكره
(4)
يبطل
(5)
بذِكْرِ الله تعالى المشروعِ في الصَّلاة.
(وَإِنْ دَقَّ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ) بابَه، (فَقَالَ:{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)} [الحِجر: 46]، يَقْصِدُ تَنْبِيهَهُ) بالقُرْآن؛ (لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأنَّ هذا من
(6)
كلامِ الله تعالى، ويَمِينُه إنَّما تَنصَرِفُ إلى كلامِ الآدميين.
قال ابنُ المنَجَّى: فإنْ قيلَ: لو قال ذلك في الصَّلاة؛ لَبَطَلَتْ، ولو لم يكُنْ مِنْ كلامِ الآدَمِيِّينَ؛ لَمَا بَطَلَتْ.
قِيلَ: في
(7)
ذلك مَنْعٌ، وإنْ سُلِّم؛ فالفَرْقُ: أنَّ الصَّلاةَ لا تَصِحُّ إلَّا بقُرآنٍ، وقد وَقَعَ التَّردُّدُ فيه أنَّ ذلك قُرآنٌ، ولا يَصِحُّ مع الشَّكِّ في شَرْطِها، بخِلافِ الحَلِف، فإنَّ شَرْطَ الحنث
(8)
فيه: كَوْنُ المتكلَّمِ به كَلامَ الآدميين، وقد وَقَعَ
(1)
أخرجه البخاري (7563)، ومسلم (2694).
(2)
في (م): أن.
(3)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 9/ 619، والشرح 28/ 116:(ولأن ما لا يحنث به في الصلاة، لا يحنث به خارجًا منها؛ كالإشارة).
(4)
في (ن): وما ذكروه.
(5)
في (م): تبطل.
(6)
قوله: (من) سقط من (م).
(7)
قوله: (قيل في) في (ن): قبل.
(8)
في (م): الحلف.
التَّردُّدُ فيه، فلا يَحنَثُ بالشَّكِّ في شَرْطِه.
وفي «المُذهبِ» وجهٌ
(1)
.
وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يَقصِد القرآنَ؛ أنَّه يَحنَثُ، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لِأنَّه مِنْ كلامِ الآدَمِيِّينَ، وحقيقةُ الذِّكْر ما نُطِقَ به، فتُحمل
(2)
يمينُه عليه
(3)
، ذَكَرَه في «الانتصار» .
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (الكلامُ يَتَضَمَّنُ فِعْلاً كالحركة، ويَتَضَمَّنُ ما يَقتَرِنُ بالفِعْل من الحروف
(4)
والمعاني، فلهذا يُجعَلُ القَولُ قسيمًا
(5)
للفعل، وقسمًا
(6)
آخَر، ويَنبَنِي عَلَيهِ: مَنْ حَلَفَ لا يَعمَلُ عَمَلاً، فقال قَولاً كالقراءة، هل يَحنَثُ؟ فيه وَجْهانِ)
(7)
.
فرعٌ: إذا حَلَفَ لا يَسمَعُ كلامَ الله، فَسَمِعَ القُرآنَ؛ فإنَّه يَحنَثُ إجْماعًا، قاله أبو الوَفَاء
(8)
.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ، فَخَنَقَهَا، أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا، أَوْ عَضَّهَا؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّه قَصَدَ تَرْكَ تَألِيمِها، وقد آلمَها.
وقال أبو الخَطَّاب: يَحتَمِلُ ألَّا يَحنَثَ بذلك، إلَّا أنْ يَقصِدَ ألَّا يُؤلمَها، أَوْمَأَ إليه أحمد
(9)
في رِوايَةِ مُهَنَّى
(10)
، وهو قَولٌ في «الرِّعاية» .
(1)
في (م): أوجه.
(2)
في (ظ): فيحمل.
(3)
في (م): على ذكره.
(4)
في (م): الحرف.
(5)
في (ن): قسمًا
(6)
في (م): وقسيمًا.
(7)
ينظر: الاختيارات ص 475، الفروع 11/ 46.
(8)
ينظر: الفروع 11/ 46.
(9)
قوله: (أحمد) سقط من (ظ) و (م).
(10)
نقل مهنى فيمن قال لامرأته: إن لم أضربك اليوم فأنت طالق، فعضها، أو قرصها، أو أمسك شعرها؛ فهو على ما نوى من ذلك. ينظر: الهداية ص 459، المغني 9/ 531.
لكِنْ لو عضَّها
(1)
للتَّلَذُّذ، ولم يَقصِدْ تَأْلِيمَها؛ لم يَحنَثْ.
وإنْ حَلَفَ لَيَضرِبَنَّها، فَفَعَلَ ذلك؛ بَرَّ؛ لِوُجودِ المقصود بالضَّرب، وإنْ ضَرَبَها بَعْدَ مَوتِها؛ لم يَبَرَّ.
وهل اللَّطْمُ والوَكْزُ ضَرْبٌ؟ يَحتَمِلُ وَجْهَينِ، قاله ابنُ حَمْدانَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ
(2)
مِائَةَ سَوْطٍ، فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً؛ لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ)، نَصَرَه في «الشَّرح» ، واقْتَصَرَ عَلَيهِ السَّامَرِّيُّ وصاحِبُ «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ لِأنَّ هذا هو المفْهُومُ في العُرْف؛ ولأنَّ
(3)
السوط
(4)
هنا آلةٌ أُقِيمَتْ مُقامَ المصْدَر، وانْتَصَبَ انْتِصابَه؛ لِأنَّ مَعْنَى كَلامِه: لَأضْرِبَنَّه مِائَةَ ضَرْبَةٍ بِسَوطٍ، وهذا هو المفْهُومُ في
(5)
يمينه والَّذي يَقتَضِيهِ لُغَةً، فلا يبرُّ
(6)
بما يُخالِفُ ذلك.
وعَنْهُ: يبرُّ
(7)
، اخْتارَهُ
(8)
ابنُ حامِدٍ؛ لقولِ أحمدَ في المريض الَّذي عَلَيهِ الحَدُّ: (يُضرَبُ بعِثْكالِ النَّخْل، يَسقُطُ عنه الحَدُّ)
(9)
، كحلفه
(10)
لَيَضْرِبَنَّه بمِائةٍ.
وأجاب في «الشَّرح» عن قِصَّةِ أيُّوبَ: بأنَّ هذا الحُكْمُ لو كان عامًّا؛ لمَا
(1)
في (ظ): غصبها.
(2)
في (ن): ليضربنَّها.
(3)
في (ظ): لأن.
(4)
في (ن): الشرط.
(5)
في (ظ): من. وكتب في هامشها: (لعله: في).
(6)
في (م): فلا يبرأ.
(7)
في (ظ): يبرأ.
(8)
في (ن): واختارها.
(9)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 60.
(10)
في (ظ): وكحلفه.
خُصَّ بالمنَّة عَلَيهِ، وعن
(1)
المريض المجْلودِ: بأنَّه إذا لم يتعدَّ
(2)
هذا الحُكْم في الحدِّ الَّذي وَرَدَ النَّصُّ فيه؛ فَلَأن لَا يَتعَدَّى إلى اليمين أَوْلَى.
فرعٌ: إذا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّه بعَشَرةِ أسْواطٍ، فَجَمَعَهَا فَضَرَبَه بها؛ بَرَّ.
وإنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّه عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ لم يَبَرَّ بضَرْبِه عَشَرَةَ أسْواطٍ دَفْعةً واحِدةً بغَيرِ خِلافٍ
(3)
.
وكذا إنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّه عَشْرَ ضَرَباتٍ.
(1)
في (م): وغير.
(2)
في (ن): لم يبعد.
(3)
ينظر: المغني 9/ 614.
(فَصْلٌ)
(إِذَا
(1)
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا، فَأَكَلَهُ
(2)
مُسْتَهْلَكًا فِي غَيْرِهِ، مِثْلَ: أَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، فَأَكَلَ خَبِيصًا فِيهِ سَمْنٌ لَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا، فَأَكَلَ نَاطِفًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا، فَأَكَلَ اللَّحْمَ الأَحْمَرَ
(3)
، أَوْ لَا يَأْكُلُ شَعِيرًا، فَأَكَلَ حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ؛ لَمْ يَحْنَثْ)، قدَّمه في «المستوعب» و «الكافي» في اللَّحم الأَحْمَر، وصحَّحه المؤلِّفُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ المسْتَهْلَكَ لا يَقَعُ عَلَيهِ اسْمُ الَّذي حَلَفَ عَلَيهِ، فلم يَحنَثْ بأَكْلِ المسْتَهْلَكِ فيه، كما لو حَلَفَ لا يَأكُلُ رُطَبًا، فأَكَلَ تَمْرًا، ولِأنَّ المسْتَهْلَكَ في الشَّيء يَصِيرُ وُجودُه كَعَدَمِه، والظَّاهِرُ مِنْ الحالف
(4)
على ذلك أنَّه
(5)
إنَّما حَلَفَ لمَعْنًى في المحْلُوفِ عَلَيهِ، وإذا كان كذلك؛ تَعَيَّنَ عَدَمُ الحِنْث؛ لِانْتِفاءِ المعْنَى المحْلُوفِ مِنْ أجْلِه.
(وَإِنْ ظَهَرَ طَعْمُ السَّمْنِ، أَوْ طَعْمُ شَيْءٍ مِنَ المَحْلُوفِ عَلَيْهِ؛ حَنِثَ)؛ كما لو أَكَلَ ذلك مُنفَرِدًا، وكحَلِفِه على اللَّبن
(6)
، فإنَّه يَحنَثُ بمسمَّاه
(7)
، ولو مِنْ صَيدٍ وآدَمِيَّةٍ.
(1)
في (ن): وإن.
(2)
قوله: (فأكله) سقط من (م).
(3)
قوله: (الأحمر) سقط من (ظ) و (م).
(4)
في (م): الحلاف.
(5)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(6)
في (م): الطين.
(7)
في (م): بما سماه.
(وَقَالَ الخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الأَحْمَرِ
(1)
وَحْدَهُ
(2)
؛ لِأنَّه لا يكادُ يَخْلُو مِنْ شَحْمٍ، فيَحْنَثُ به وإنْ قلَّ؛ لِأنَّه يَظْهَرُ في الطَّبيخ، فيَبِينُ على وَجْهِ المرَقِ، وفارَقَ مَنْ حَلف
(3)
لا يَأكُلُ سَمْنًا، فَأَكَلَ خَبِيصًا فيه سَمْنٌ لا يَظهَرُ طَعْمُه ولا لَونُه؛ لِأنَّ هذا قد يَظهَرُ الدُّهْنُ فيه.
(وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ حِنْطَةٍ فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ)؛ لِأنَّ الشَّعِيرَ يُمكِنُ تمييزُه، فَتَرْكُه
(4)
فيه، وأكْلُه له؛ أكْلٌ لِمَا مَنَعَ نَفْسَه مِنْ أكْلِه مع
(5)
القُدْرةِ عَلَيهِ، أشْبَهَ ما لو أكَلَه مُنفَرِدًا.
وفي «التَّرغيب» : إنْ طَحَنَه لم يَحنَثْ، وإلَّا حَنِثَ في الأصحِّ.
والمذْهَبُ الأوَّلُ.
فلو حَلَفَ لا يَأكُلُ حِنطَةً، فأكَلَها خُبْزًا أوْ طَحِينًا؛ حَنِثَ؛ لِأنَّ الِحنطَةَ لا تُؤكَلُ حَبًّا عادةً، فانْصَرَفَتْ يَمِينُه إلى أكْلِها في جميعِ أحْوالِها.
مسألةٌ: إذا حَلَفَ لا يَأكُلُ في هذه القريةِ، فأَكَلَ فيها، أوْ في حدٍّ من
(6)
حُدودِها؛ حَنِثَ، ذَكَرَه في «المستوعب» ، قال أحمدُ فِيمَنْ حَلَفَ لا يدخل
(7)
هذه القريةَ، فأَوَى إلى
(8)
ناحية منها، مِمَّا هو في حَدِّها: حَنِثَ
(9)
؛ لِأنَّ النَّاحِيَةَ والحَدَّ مِنْ جُملةِ القَريَةِ، ذَكَرَه القاضِي.
(1)
قوله: (الأحمر) سقط من (م).
(2)
قوله: (وحده) سقط من (ن).
(3)
في (م): يحلف.
(4)
في (ن): فتركه.
(5)
في (ن): من.
(6)
قوله: (حد من) سقط من (م).
(7)
زيد في (م): إلى.
(8)
قوله: (إلى) سقط من (م).
(9)
ينظر: زاد المسافر 4/ 479.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا، فَشَرِبَهُ، أَوْ: لَا يَشْرَبُهُ، فَأَكَلَهُ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ)، هذا روايةٌ؛ لِأنَّ الحالِفَ على تَرْكِ شَيءٍ يَقصِدُ به في العُرْف: اجْتِنابَ ذلك الشَّيء بالكُلِّيَّة، فحُمِلَت اليمينُ عَلَيهِ، ألَا تَرَى إلى قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ} [النِّسَاء: 2]، فإنَّه يَتناوَلُ تحريمَ شُرْبِها، ولو قال طبيبٌ
(1)
لمريضٍ: لا تأكُل العَسَلَ؛ كان ناهِيًا له عن شُرْبِه، وبالعَكْس.
(وَقَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ نَبِيذًا، فَثَرَدَ
(2)
فِيهِ وَأَكَلَهُ: لَا يَحْنَثُ)، هذه روايةٌ
(3)
ثانِيَةٌ نَقَلَها مُهَنَّى
(4)
، وقدَّمها في «المحرَّر» ؛ لِأنَّ الأفْعالَ أنْواعٌ كالأعيان، وإنْ حَلَفَ على نَوعٍ مِنْ الأنواع؛ لم يَحنَثْ بغَيرِه، كذلك الأفْعالُ.
(فَيُخَرَّجُ فِي كُلِّ مَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ فَشَرِبَهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَأَكَلَهُ؛ وَجْهَانِ) مَبْنِيَّانِ على الخِلافِ السَّابِقِ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ عَيَّنَ المَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَحْنَثْ)، هذا رِوايَةٌ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لِأنَّ تغيُّر
(5)
صِفَة المحْلُوف عَلَيه لا يَنفِي الحِنْثَ، فكذلك تَغَيُّرُ صِفَةِ الفِعْل، وإذا لم يُعَيِّنْه؛ فلا حِنْثَ؛ لِأنَّه لم تحصل
(6)
المخالَفة مِنْ جِهَةِ الاِسْم، ولا
(7)
من جِهَةِ التَّعْيِينِ.
(1)
في (ن): طيب.
(2)
في (م): فتردد.
(3)
قوله: (رواية) سقط من (ظ) و (م).
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 486.
(5)
في (م): تغيير.
(6)
في (ظ) و (م): لم يحصل.
(7)
في (م): وإلا.
قال في «الشَّرح» : لَيسَ للتعيين أَثَرٌ في الحِنْثِ وعَدَمِه، فإنَّ الحِنْثَ في المعيَّن
(1)
إنَّما كان لِتَناوُلِه ما
(2)
حَلَفَ عَلَيهِ، وأخبره أنَّ
(3)
مَعْنَى الأكْل والشُّرْب على التَّناوُل العامِّ فِيهِما، وهذا لا فَرْقَ فيه بَينَ التَّعْيين وعَدَمِه، وعَدَمُ الحِنْث مُعَلَّلٌ بأنَّه لم يَفْعَل الفِعْلَ
(4)
الَّذي حَلَفَ على تَرْكِه، وإنَّما فَعَلَ غَيرَه، وهذا في المعيَّنِ كهُوَ في المطْلَق؛ لِعَدَم الفارِقِ بَينَهما.
فَرْعٌ: إذا حَلَفَ لا يَأكُلُ ولا يَشرَبُ، أوْ لا
(5)
يَفْعَلُهما، فَمَصَّ رُمَّانًا، أوْ قَصَبَ سُكَّرٍ
(6)
؛ فَرِوايَتانِ، أنَصُّهما: لا حِنْثَ، ذَكَرَه في «الكافي» .
وذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: أنَّ أحمدَ نَصَّ فِيمَن حَلَفَ لا يَأكُلُ، فَمَصَّ قَصَبَ السُّكَّرِ أو الرُّمَّانَ؛ حَنِثَ.
وإنْ حَلَفَ لا يَأكُلُ سُكَّرًا، أَوْ لا يَشْرَبُه، فَتَرَكَه في فِيهِ حتَّى ذَابَ وابْتَلَعَه؛ فَعَلَى الخِلافِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَطْعَمُهُ؛ حَنِثَ بِأَكْلِهِ، وَشُرْبِهِ)، وَمَصِّه؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249]، ولِأنَّ ذلك كلَّه طُعْمٌ
(7)
.
(وَإِنْ ذَاقَهُ وَلَمْ يَبْلَعْهُ
(8)
؛ لَمْ يَحْنَثْ) في قَولِهم جميعًا؛ لِأنَّه لَيسَ بأكْلٍ ولا شُرْبٍ، بدليلِ: أنَّ الصَّائمَ لا يُفطِرُ به.
(1)
في (ن): العين.
(2)
قوله: (ما) سقط من (م).
(3)
قوله: (وأخبره أن) كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 612، والشرح الكبير 28/ 128: وإجراء معنى.
(4)
قوله: (الفعل) سقط من (م).
(5)
في (م): ولا.
(6)
في (م): قصب السكر أو الرمان.
(7)
قوله: (طعم) سقط من (م).
(8)
في (م): ولم يبتلعه.
فلو حَلَفَ لا يَذوقُه؛ حَنِثَ بأَكْلِه، أوْ شربه
(1)
، أوْ ذَوقِه
(2)
؛ لِأنَّه ذَوقٌ وزيادة
(3)
.
وفي «الرِّعاية» : حَنِثَ بأَكْلِه وشُرْبِه، ثُمَّ قال: قُلْتُ: فِيمَنْ لا ذَوقَ له نَظَرٌ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَائِعًا، فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ؛ حَنِثَ)؛ لقوله عليه السلام: «كُلُوا الزَّيْتَ»
(4)
، ولأنَّه
(5)
يُسَمَّى أَكْلاً، ويُؤكَلُ في العادة كذلك.
فرعٌ: إذا حَلَفَ لا يَشرَبُ مِنْ الكُوز، فصبَّ
(6)
منه في إناءٍ وشَرِبَ؛ لم يَحنَثْ.
وعَكْسُه: إنِ اغْتَرَفَ بإناءٍ مِنْ النَّهر أو البِئْر.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحتَمِلُ عَدَمُ حِنْثِه بكَرْعِه مِنْ النَّهر؛ لِعَدَمِ اعْتِبارِه
(7)
؛ كحَلِفِه لا يَلبَسُ هذا الثَّوبَ، فتَعَمَّمَ به.
(1)
في (م): وشربه.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 613، والشرح الكبير 28/ 131: مصه.
(3)
في (م): لأن ذوقه زيادة.
(4)
تقدم تخريجه 10/ 132 حاشية (10)، وفي الباب نحوه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه ابن ماجه (3320)، والحاكم (3505)، وفي سنده: عبد الله بن سعيد المقبري، وهو متروك.
(5)
في (م): ولا.
(6)
في (ن): فصبه.
(7)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 11/ 50: اعتياده.
(فَصْلٌ
(1)
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَلَا يَتَطَيَّبُ، فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ؛ لَمْ يَحْنَثْ) في قَولِهم جميعًا؛ لِأنَّه لا يُطلَقُ اسْمُ الفِعْلِ عَلَى مستديم
(2)
هذه الثَّلاثَةِ، فلا يُقالُ: تَزَوَّجْتُ شَهْرًا، ولا تَطَهَّرْتُ شَهْرًا، ولا تَطيَّبْت شَهْرًا، وإنَّما يُقالُ: مُنذُ شَهْرٍ، ولم يُنَزِّلِ
(3)
الشَّارِعُ اسْتِدامَةَ التَّزْويج والطِّيب مَنزِلةَ ابتدائه
(4)
في تحريمه في الإحْرام.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَرْكَبُ، وَلَا يَلْبَسُ)، ولا يَقُومُ، ولا يَقعُدُ، ولا يُسافِرُ، (فَاسْتَدَامَ ذلِكَ؛ حَنِثَ)، وهُو قَولُ أكْثَرِهم؛ لِأنَّ المسْتَدِيمَ يُطلَقُ عَلَيهِ ذلك، بدليلِ أنَّه يُقالُ: رَكِبَ شَهْرًا، ولَبِسَ شهرًا
(5)
، وقد اعْتَبَر الشَّارِعُ هذا في الإحرام، حَيثُ حَرَّمَ لُبْسَ المَخِيط، وأوجب
(6)
الكفَّارةَ باسْتِدامَتِه، كما أوْجَبَها في ابْتِدائه.
وقال أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ في اللُّبْس إن استدامه
(7)
: حَنِثَ إنْ قَدَرَ على نَزْعِه.
ويلحق بالأوَّل
(8)
: ما لو حلف لا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِها، وعَلَيهِ منه شَيءٌ، نَصَّ
(1)
قوله: (فصل) سقط من (م).
(2)
زيد في (م): (أي: حقيقة، بل مجاز، بخلاف مستديم الركوب واللبس مثلاً، فإنَّه يطلق عليه اسم الفعل). ولم نقف عليها في شيء من كتب المذهب.
(3)
في (م)(ن): (ولم يترك). والمثبت موافق للمغني 9/ 577، والشرح الكبير 28/ 132.
(4)
في (ن): استدامته.
(5)
قوله: (ركب شهرًا ولبس شهرًا) في (م): مركب شهرًا.
(6)
في (ظ): فأوجب.
(7)
قوله: (إن استدامه) هي في (ظ): استدامه. وسقطت من (ن).
(8)
قوله: (بالأول) سقط من (ظ).
عَلَيهِ
(1)
، أو لا
(2)
يَطَأُ، فاسْتَدامَ ذلك، ذَكَرَه في «الانتصار» .
أوْ: لا يُضاجِعُها على فِراشٍ، فَضَاجَعَتْه ودَامَ، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
؛ لأنَّ
(4)
المضاجَعةَ تَقَعُ على الاِسْتِدامَةِ، ولهذا يُقالُ: اضْطَجَعَ على الفِراش لَيلةً.
قال القاضي وابنُ شِهابٍ: الخُروجُ والنَّزْعُ
(5)
لا يُسَمَّى سَكَنًا ولا لُبْسًا، والنَّزْعُ جِماعٌ؛ لاِشْتِمالِه على إيِلاجٍ وإخْراجٍ، فهو شطره
(6)
.
وجَزَمَ في «مُنْتَهَى الغاية» : لا يَحنَثُ بالنَّزْع في الحال وِفاقًا
(7)
.
وكذا إذا حَلَفَ لا يُمْسِكُ، ذَكَرَه في «الخِلافِ» ، أوْ لا يُشارِكُه فَدَامَ، ذَكَرَه في «الرَّوضة» .
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا هُوَ دَاخِلُهَا، فَأَقَامَ فِيهَا؛ حَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي)، لم يَذكُر ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ غَيرَه، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لِأنَّ استدامة
(8)
المقامَ في ملْكِ الغَيرِ كابْتِدائه في التَّحريم.
(وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ)؛ لِأنَّ الدُّخُولَ لا يُستَعْمَلُ في الاِسْتِدامة، ولهذا يُقالُ: دخلها
(9)
مُنذُ شَهْرٍ، ولا يُقالُ: دخلها
(10)
شَهْرًا، فَجَرَى مَجْرَى التَّزويج، ولِأنَّ الاِنْفِصالَ مِنْ خارِجٍ إلى داخِلٍ، ولا يُوجَدُ في الإقامة، قال
(1)
ينظر: زاد المسافر 4/ 478.
(2)
في (م): ولا.
(3)
ينظر: زاد المسافر 4/ 481.
(4)
في (ن): بأن.
(5)
في (م): والفزع.
(6)
في (ن): نظيره.
(7)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي 7/ 428، المدونة 1/ 604، الأم 7/ 76، المغني 9/ 577.
(8)
في (م): الاستدامة.
(9)
في (ظ): دخلتها.
(10)
في (ظ): دخلتها.
أحمدُ: (أخافُ أنْ يكونَ قد
(1)
حَنِثَ)
(2)
، قال السَّامَرِّيُّ: فَحَمَلَه أبو الخَطَّاب على أنَّه قَصَدَ الاِمْتِناعَ مِنْ الكون في
(3)
داخِلِها، وإلَّا فلا يَحنَثُ، حتَّى يَبتَدِئَ دُخولَها.
وقِيلَ: لا يَحنَثُ، إلَّا أنْ يَنوِيَ فُرْقَةَ أهْلِها، أوْ عَدَمَ الكون
(4)
فيها، أو السبب
(5)
يَقْتَضِيهِ، وَإلَّا إذا دَخَلَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، فَدَخَلَ فُلَانٌ عَلَيْهِ، فَأَقَامَ مَعَهُ؛ فَعَلَى الوَجْهَيْنِ
(6)
؛ لِأنَّ الإقامةَ هنا كالإقامة في المسألة الَّتي قَبْلَها، والأصحُّ: الحِنْثُ إنْ لم يكُنْ له نِيَّةٌ
(7)
.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا) وهو ساكِنُها، أو لا
(8)
يَركَبُ دابَّةً هو راكِبُها، أوْ لا يَلْبَسُ ثَوبًا هو لَابِسُهُ، (أَوْ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَهُوَ
(9)
مُسَاكِنُهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ فِي الْحَالِ؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّ اسْتَدامَةَ السُّكْنَى سُكْنَى، بدليلِ: أنَّه يَصِحُّ أنْ يُقالَ: سَكَنَ الدَّارَ شَهْرًا.
(إِلَّا أَنْ يُقِيمَ لِنَقْلِ مَتَاعِهِ) وأهْلِه، ذَكَرَه في «المغْنِي» وغَيره؛ لِأنَّ الاِنْتِقالَ لا يكُونُ إلَّا بالأهل والمال، ويكُونُ نَقْلُه على ما جَرَتْ به العادةُ، لا لَيلاً.
وإنْ تَرَدَّدَ إلى الدَّار لِنَقْلِ المتاع، أوْ عِيادةِ مريضٍ؛ لم يَحنَثْ، ذَكَرَه في
(1)
في (م): فلا.
(2)
ينظر: الهداية ص 428.
(3)
في (م): الكوز من.
(4)
في (م): الكوز.
(5)
في (م): والسبب.
(6)
في (م): وجهين.
(7)
كتب في هامش (ن): (في المسألتين، وهو المذهب).
(8)
في (م): ولا.
(9)
في (م): هو.
«الكافي» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لِأنَّ هذا لَيسَ بسُكْنَى.
وقال القاضي
(1)
: يَحنَثُ إنْ دَخَلَها.
وإنْ تردَّدَ زائرًا؛ فلا؛ لِأنَّها لَيسَتْ سُكْنَى، ذكره
(2)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وفاقًا
(3)
، ولو طالَتْ مُدَّتُها.
(أَوْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْخُرُوجَ، فَيُقِيمَ إِلَى أَنْ يُمْكِنَهُ)؛ لِأنَّه أَقَامَ لدَفْعِ
(4)
الضَّرر، وإزالَتُه عِنْدَ ذلك مطلوبةٌ شَرْعًا، فلم يَدخُلْ تَحْتَ النَّهْيِ.
(وَإِنْ خَرَجَ دُونَ مَتَاعِهِ) المقصود
(5)
، (وَأَهْلِهِ) مع إمْكانِ نَقْلِهم، وظاهِرُ نَقْلِ ابنِ هانِئٍ
(6)
، وهو ظاهِرُ «الواضح» وغَيرِه: أوْ تَرَكَ لَه به شيئًا
(7)
؛ (حَنِثَ)، وهو قَولُ أكْثَرِهم؛ لِأنَّ السُّكْنَى تكون بالأهْلِ والمال، ولهذا يُقالُ: فُلانٌ ساكِنٌ في البلد الفُلانِيِّ، وهو غائبٌ عنه، وإنْ نَزَلَ بلدًا بأهله وماله، فيُقالُ: سَكَنَه.
لكِنْ إنْ خَرَجَ عازِمًا على السُّكْنَى بنَفْسِه، مُنفَرِدًا عن أهله الَّذين
(8)
في الدَّار؛ لم يَحنَثْ، زاد في «الشَّرح»: فيما بَينَه وبَينَ الله تعالى.
وقِيلَ: إنْ خَرَجَ بأهْلِه، فسَكَنَ بمَوضِعٍ، وقِيلَ: أوْ وَجَدَهُ بما يَتَأَثَّثُ
(9)
به؛ فَلَا.
(1)
في (م): لا.
(2)
في (م): ذكر.
(3)
قوله: (وفاقًا) سقط من (ن). وينظر: المدونة 1/ 603، الأم 5/ 246، الاختيارات ص 475.
(4)
في (م): ليدفع.
(5)
في (م): للقعود.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 83.
(7)
قوله: (مع إمكان نقلهم
…
) إلى هنا سقط من (م).
(8)
في (ظ): الذي.
(9)
في (م): يبات.
فرعٌ: إذا أقام
(1)
في الدَّار لِإكْراهٍ، أو ليلٍ
(2)
، أو يحُول
(3)
بَينَه وبَينَ الخُروج أبْوابٌ مُغْلَقَةٌ، أو
(4)
لِعَدَمِ ما يَنقُلُ عَلَيهِ مَتاعَه، أوْ مَنزِلٍ ينتقل
(5)
إلَيهِ أيَّامًا ولَيالِيَ في طَلَبِ النُّقْلة؛ لم يَحنَثْ، وإنْ أقامَ غَيرَ ناوٍ لها؛ حَنِثَ، ذَكَرَه في «الكافي» و «الشَّرح» .
(إِلَّا أَنْ يُودِعَ مَتَاعَهُ، أَوْ يُعِيرَهُ)، أوْ يَزُولَ ملْكُه عنه، (أَوْ تَأْبَى
(6)
امْرَأَتُهُ الْخُرُوجَ مَعَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ إِكْرَاهُهَا، فَيَخْرُجَ وَحْدَهُ؛ فَلَا
(7)
يَحْنَثُ)؛ لِأنَّ زَوالَ اليد والعَجْز لا يُتصوَّرُ معهما
(8)
حِنْثٌ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا، فَبَنَيَا بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ؛ حَنِثَ)، هذا هو المذْهَبُ، إذا كانَا
(9)
في دارٍ حالةَ اليمين، وتَشَاغَلَا بِبِناءِ الحائط؛ لِأنَّهما مُتَساكِنانِ قَبْلَ انْفِرادِ إحدى
(10)
الدَّارَينِ مِنْ الأخرى، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(11)
، قالَهُ في «الشَّرح» .
وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ والمجْدُ قَولاً: بأنَّه لا يَحنَثُ.
فإنْ خَرَجَ أحدُهما منها، وقَسَماهَا حُجْرَتَينِ، وفَتَحَا لِكُلِّ واحدة
(12)
منهما
(1)
في (ن): قام.
(2)
في (ن): ليد.
(3)
في (ن): تحول.
(4)
قوله: (أو) سقط من (ن).
(5)
في (ن): ينقل.
(6)
في (ن): تأتي.
(7)
في (م): ولا.
(8)
في (م): منها.
(9)
في (ن): كان.
(10)
في (م): أحد.
(11)
ينظر: المغني 9/ 570، والشرح 28/ 142.
(12)
قوله: (واحدة) سقط من (م).
بابًا، وبَينَهما حاجِزٌ، وسَكَنَ كلُّ واحِدٍ حُجْرةً؛ لم يَحنَثْ؛ لِأنَّهما غَيرُ مُتساكنَينِ.
وقال مَرَّةً
(1)
: لا يُعجِبُنِي ذلك، ويَحتَمِلُه قِياسُ المذْهَب؛ لكَونِه عَيَّنَ الدَّار.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لِأنَّه لم يساكنه
(2)
فيها.
(وَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَتَانِ، كُلُّ حُجْرَةٍ تَخْتَصُّ
(3)
بِبَابِهَا وَمَرَافِقِهَا، فَسَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ حُجْرَةً)، ولا نِيَّةَ ولا سَبَبَ، قالَهُ في «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ (لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأنَّ كلَّ واحِدٍ ساكِنٌ في حُجْرته، فلا يكُونُ مُساكِنًا لغَيرِه، وكذا إنْ سكنَا
(4)
في دارَينِ مُتَجاوِرَتَينِ.
قال في «الفنون» فِيمَنْ قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا إنْ دَخَلْتِ عليَّ البيت، ولا كُنْتِ لي زوجةً إنْ لم تَكتُبِي لي نِصْفَ مالِكِ، فكتَبَتْ له بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَومًا: يَقَعُ الثَّلاثُ؛ لِأنَّه يَقَعُ باسْتِدامَةِ المقام، فكذا اسْتِدامَةُ الزَّوجِيَّةِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، فَخَرَجَ وَحْدَهُ دُونَ أَهْلِهِ؛ بَرَّ)؛ لِأنَّ حقيقةَ الخُروج لم يُعارِضْها مُعارِضٌ، فَوَجَبَ حُصولُ البِرِّ لحُصولِ الحقيقة.
وإن
(5)
حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ من الدَّار، أوْ: لا يَأْوِي، أو: لا
(6)
يَنزِل فيها، نَصَّ عَلَيهِما
(7)
، أوْ لا يَسكُنُ البلدَ، أوْ لَيَرْحَلَنَّ منه؛ فكَحَلِفه لا يَسكُنُ الدَّارَ،
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 570، والشرح 28/ 143: مالك. وينظر: الجامع لمسائل المدونة 6/ 423.
(2)
في (ن): لم يشاركه.
(3)
في (ن): يختص.
(4)
في (ظ) و (م): سكن.
(5)
قوله: (وإن) في (ظ): وكذا إن.
(6)
قوله: (لا) سقط من (ظ) و (ن).
(7)
ينظر: الفروع 11/ 52.
قالَهُ في «الفروع» .
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنَ الدَّارِ، فَخَرَجَ دُونَ أَهْلِهِ؛ لَمْ يَبَرَّ)؛ لِأنَّ الدَّارَ يَخرُجُ منها صاحِبُها كلَّ يَومٍ عادةً، وظاهر
(1)
حالهِ: إرادةُ خروجٍ غَيرِ المعْتادِ، بخِلافِ البلد.
وإنْ حَلَفَ: لا يَسكُنُها، وهو خارِجٌ عنها، فدخَلَها، أوْ كان فيها غَيرَ ساكِنٍ، فَدَامَ جُلوسُه؛ فَوَجْهانِ.
وقِيلَ: إنْ قَصَدَ الاِمْتِناعَ من الكَونِ فيها؛ حَنِثَ، وإلَّا فَلَا.
وقِيلَ: إن انْتَقَلَ إلَيها بِرَحْلِه الَّذي يَحتاجُهُ الساكن
(2)
؛ حَنِثَ، وإلَّا فَلَا.
وقال القاضي: ولو بَاتَ لَيلَتَينِ؛ فلا حِنْثَ.
وفي «الشَّرح» : إذا حَلَفَ على الرَّحيل مِنْ بَلَدٍ؛ لم يَبَرَّ إلَّا برحيلِ أهْلِه.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَوْ لَيَرْحَلَنَّ عَنْ
(3)
هَذِهِ الدَّارِ، فَفَعَلَ، فَهَلْ لَهُ الْعَوْدُ إِلَيْهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما
(4)
: لا شَيءَ عَلَيهِ في العَود، قدَّمه في «الرِّعاية» ، ورجَّحه في «الكافي» و «الشَّرح» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لِأنَّ يمينَه على الخروج، وقد خَرَجَ فانْحَلَّتْ يمينُه، وإذا كان كذلك صار
(5)
بمنزلةِ مَنْ لم يَحلِفْ، وكقوله: إنْ خَرَجْتَ فلك دِرْهَمٌ، اسْتَحَقَّ بخُروجٍ أوَّلَ
(6)
، ذَكَرَه القاضي وغَيرُه.
والثَّانية: يَحنَثُ بالعَود؛ لِأنَّ ظاهِرَ حالِه قَصْدُ هجرانِ
(7)
ما حَلَفَ على
(1)
في (م): وظاهره.
(2)
في (م): الناس.
(3)
في (م): أو ليدخلن من.
(4)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(5)
في (م): كان.
(6)
في (ن): أوله.
(7)
في (ن): هجرانه.
الرَّحيل منه، والعَودُ يُنافِي مَقْصودَ يمينه.
فأمَّا إنْ كان له نِيَّةٌ، أوْ سَبَبٌ، أوْ قَرِينةٌ؛ عُمِلَ بها.
(فَصْلٌ)
(إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَحُمِلَ فَأُدْخِلَهَا)، ولم يُمكِنْه الاِمْتِناعُ؛ لم يَحنَثْ، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، ولا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(2)
.
فإنْ حُمِلَ
(3)
بغَيرِ أمْرِه، (وَيُمْكِنُهُ
(4)
الاِمْتِنَاعُ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ)؛ حَنِثَ في المنصوص
(5)
، واخْتارَه القاضي، كما لو حُمِلَ بأَمْرِه.
وقال أبو الخَطَّاب: فيه وَجْهانِ:
أحدُهما: بَلَى؛ لمَا تَقدَّمَ.
والثَّاني
(6)
: لا يَحنَثُ، كما لو لم يُمْكِنْه الاِمْتِناعُ.
وعلى الأوَّل: كَيفَما دَخَلَ باخْتِياره؛ حَنِثَ مُطلَقًا، ولو مِنْ غَيرِ بابِها.
ويُستثنى
(7)
منه: ما لو أُكْرِهَ بضَرْبٍ ونحوه
(8)
، فالأصحُّ: أنَّه لا يَحنَثُ؛ للخَبَرِ
(9)
والمعْنَى.
(أَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَخْدِمُ رَجُلاً، فَخَدَمَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ
(10)
؛ لِأنَّه قَصَدَ اجْتِنابَ خِدْمَتِه، ولم يَحصُلْ.
(1)
ينظر: زاد المسافر 4/ 480.
(2)
ينظر: المغني 9/ 571.
(3)
في (م): حمله.
(4)
في (ن): ويمكن.
(5)
ينظر: زاد المسافر 4/ 480.
(6)
في (ظ): والثانية.
(7)
في (م): واستثنى.
(8)
قوله: (ونحوه) سقط من (م).
(9)
مراده كما في الشرح الكبير 28/ 148 حديث: «عفي لأمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» ، وتقدم تخريجه 2/ 46 حاشية (5).
(10)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَحْنَثَ)، وهو وَجْهٌ؛ لِأنَّه اسْتَخْدَمَه، والسُّكوتُ لا يَدُلُّ على الرِّضا، ولهذا
(1)
: يَملِكُ الَّذي شُقَّ ثَوبُهُ مُطالَبةُ الَّذي شَقَّه
(2)
.
وقِيلَ: إنْ كان عَبدَه؛ حَنِثَ؛ لِأنَّ عَبدَه يَخدُمُه عادةً، فمَعْنَى يمينِه: لأمنعنَّك
(3)
خِدْمَتِي، فإذا لم يَنْهَهُ، ولم يَمنَعْه؛ فإنَّه يَحنَثُ، بخِلافِ عَبْدِ غَيرِه.
وقال أبو الخَطَّاب: يَحنَثُ فِيهِما، واقْتَصَرَ عَلَيهِ ابنُ هُبَيرَةَ.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَيَشْرَبَنَّ المَاءَ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ غَدًا، فَتَلِفَ المَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغَدِ؛ حَنِثَ عِنْدَ
(4)
الْخِرَقِيِّ
(5)
، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه ابنُ المنَجَّى، وقدَّمه في «الفروع»؛ كما لو حَلَفَ: لَيَحُجَّنَّ العامَ، فلم يَقدِرْ على الحجِّ لمَرَضٍ، أوْ ذَهابِ نَفَقَةٍ؛ لِأنَّ الامْتِناعَ لمَعْنًى في المحلِّ
(6)
، أشْبَهَ ما لو تَرَكَ ضَرْبَ العَبْد لِصِغَرٍ به
(7)
، أوْ تَرَكَ الحالِفُ الحجَّ لِصُعوبَةِ الطَّريق، ويَحنَثُ عَقيبَ تَلَفِهما، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرَّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقِيلَ: في آخِرِ الغَدِ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَحْنَثَ)، وقالَهُ الأكْثَرُ؛ لِأنَّه تَعذَّرَ فِعْلُ المحْلُوفِ عَلَيهِ لا مِنْ جِهَتِه، أشْبَهَ المكرَه.
أمَّا لو تَلِفَ المحْلُوفُ عَلَيهِ بفِعْله واخْتِيارِه؛ فإنَّه يَحنَثُ وَجْهًا واحِدًا، قال
(1)
في (ن) فلهذا.
(2)
أي: فيما لو شقّ رجل ثوب رجل وهو ساكت، فإن سكوته لا يدل على رضاه، فيملك مطالبته. ينظر: الممتع 4/ 483.
(3)
في (م): لأمنعك، وفي (ن): لا منعتك.
(4)
في (م): قبل.
(5)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(6)
في (ن): المحمل.
(7)
في (ن): لصعوبته.
(8)
ينظر: مسائل صالح 2/ 323، زاد المسافر 4/ 480.
في «الشَّرح» : فإنْ تَلِفَ العَبْدُ في غَدٍ قَبْلَ التمكُّن
(1)
مِنْ ضَرْبِه؛ فكما لو مَاتَ في يَومِه.
وإنْ مات
(2)
في غَدٍ قَبْلَ
(3)
التَّمَكُّنِ مِنْ ضَرْبِه؛ حنث
(4)
وَجْهًا واحِدًا.
وإنْ ضَرَبَه اليومَ؛ لم يَبَرَّ، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ كما لو حَلَفَ لَيَصومَنَّ يَومَ الجمعة، فصامَ يَومَ الخميس.
وقال القاضي: يبرُّ.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ أراد أنَّه لا يَتَجاوَزُه، وإلَّا حَنِثَ.
وإن جنَّ
(5)
العَبْدُ فضربه؛ بَرَّ، وإلَّا فَلَا.
(وَإِنْ مَاتَ الْحَالِفُ)؛ أي
(6)
: قَبْلَ الغَدِ، أوْ جُنَّ فلم يُفِقْ إلَّا بَعْدَ خُروجِ الغَدِ؛ (لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأنَّ الحِنْثَ إنَّما يَحصُلُ بفَواتِ المحْلوفِ عَلَيهِ في وَقْتِه، وهو الغَدُ، والحالِفُ قد خَرَجَ أنْ يكونَ من أهْلِ التَّكليف قَبْلَ ذلك، فلا يُمْكِنُ حِنْثُه، بخِلافِ مَوتِ المحْلُوفِ عَلَيهِ.
والأصحُّ: أنَّه إذا مات فيه فإنَّه يَحنَثُ في آخِرِ حَياتِه.
فإنْ مات الحالِفُ في غَدٍ بَعْدَ التَّمَكُّن مِنْ ضَرْبه، فلم يَضْرِبْه؛ حَنِثَ وَجْهًا واحِدًا.
وكذا إنْ هَرَبَ العَبْدُ أوْ مَرِضَ، أو الحالِفُ فلم يَقدِرْ على ضَرْبِه.
(1)
في (م): التمكين.
(2)
قوله: (في يومه وإن مات) سقط من (م).
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 585، والشرح الكبير 28/ 152: بعد.
(4)
قوله: (حنث) سقط من (م) و (ن)
(5)
في (م): وجد.
(6)
قوله: (أي) سقط من (ن).
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ، فَأَبْرَأَهُ) مِنه قَبلَ مجيئه؛ (فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، هما مَبْنِيَّانِ على ما إذا حَلَفَ على فعل
(1)
شَيءٍ فَتَلِفَ قَبْلَ فِعْلِه:
أحدهما: الحِنْثُ؛ فإنَّ
(2)
الحلفَ
(3)
على القضاء، والإبْراءُ لَيسَ بقَضاءٍ، بدليلِ أنَّه يَصِحُّ أنْ يُقالَ: ما قَضَانِي حَقِّي، وإنَّما أبْرَأْتُه منه.
والثَّاني، وهو الأصحُّ
(4)
: عَدَمُه، فإنَّ
(5)
الغَرَضَ من القَضاء حُصولُ البراءة منه، فلا يَحنَثُ.
وفي «التَّرغيب» : أصْلُهما: إذا مُنِعَ من الإيفاء في غَدٍ كُرْهًا؛ لا يَحنَثُ على الأصح
(6)
.
وأطْلَقَ في «التَّبصرة» فِيهِما الخِلافُ.
(وَإِنْ مَاتَ المُسْتَحِقُّ، فَقَضَى وَرَثَتُهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ
(7)
، قاله أبو الخَطَّاب، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ والمَجْدُ، وَجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ قضاءَ وَرَثَتِه يقوم
(8)
مَقامَ قَضائَه في إبْراءِ ذِمَّتِه، فكذلك في يمينه.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ)؛ كما لو حَلَفَ لَيَضرِبَنَّ عَبْدَه غَدًا، فَمَاتَ العَبْدُ اليومَ.
والأوَّلُ هو المنصورُ؛ لِأنَّ مَوتَ العبد يُخالِفُ ذلك؛ لِأنَّ ضَرْبَ غَيرِه لا يَقُومُ مَقامَ ضَرْبِه.
(1)
قوله: (فعل) سقط من (م).
(2)
في (ظ) و (ن): بأن.
(3)
في (م): حلف.
(4)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(5)
في (ظ) و (ن): بأن.
(6)
قوله: (على الأصح) سقط من (م).
(7)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(8)
في (ن): تقوم.
(وَإِنْ بَاعَهُ بِحَقِّهِ عَرْضًا؛ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ
(1)
، قدَّمه السَّامَرِّيُّ والمَجْدُ، وَجَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لِأنَّه قَضاهُ حَقَّه.
(وَحَنِثَ عِنْدَ الْقَاضِي)؛ لِأنَّه لم يَقْضِ الحقَّ الذي
(2)
عَلَيهِ بعَينه.
فإنْ كانَتْ يمينُه: لا فارَقْتُكَ ولي قِبَلَكَ حقٌّ؛ لم يَحنَثْ وَجْهًا واحدًا، وإنْ مُنِعَ منه
(3)
؛ فالرِّوايَتانِ، وهما في «المُذهب»: إنْ أُكْرِهَ.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ)، أوْ مَع رأسه، أوْ إلى رأسه، أوْ إلى اسْتِهْلالِه، أوْ عِنْدَ رأْسِ الشهر
(4)
، (فَقَضَاهُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ؛ بَرَّ) على المذْهَب؛ لِأنَّ ذلك هو الوَقْتُ المحْلوفُ عَلَيهِ؛ لأِنَّ غُروبَ الشمسِ
(5)
هو آخِرُه، ولو تأخَّر
(6)
فَراغُ كَيلِه لكثرته
(7)
، ذَكَرَه في «المغْنِي» .
وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية»: أنَّه إذا قضاه
(8)
قَبْلَ الغروب في آخِرِ الشَّهر؛ بَرَّ، وإنْ فاتَهُ؛ حَنِثَ.
ثُمَّ قال في «الرِّعاية» : قُلْتُ: فيُخرَّجُ ضِدُّه إنْ عُذِرَ.
ويَحنَثُ إذا تأخَّر
(9)
بَعْدَ الغُروب مَع إمْكانِه.
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
زيد في (ن): هو.
(3)
قوله: (منه) سقط من (م).
(4)
قوله: (أو مع رأسه أو إلى رأسه
…
) إلى هنا ذكر في (م) بعد قوله: (الوقت المحلوف عليه).
(5)
قوله: (الشمس) سقط من (ن).
(6)
في (ن): بآخر.
(7)
في (م): بكثرته.
(8)
في (م): قضى.
(9)
في (م) و (ن): أخر.
وفي «التَّرغيب» : لا تعتبر
(1)
المقارَنَةُ، فيكفي
(2)
حالةُ الغُروبِ.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي، فَهَرَبَ مِنْهُ؛ حَنِثَ)، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، وذَكَرَه ابنُ الجَوزِيِّ ظاهِرَ المذْهَب؛ لأِنَّ مَعْنَى اليمين: لا حصل
(4)
مِنَّا فرقة، وقد حصَلَ، وكإذْنِه، وكقَوله: لا افْتَرَقْنا.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَحْنَثُ)، هذا روايةٌ، قدَّمها في «الكافي» و «التَّرغيب» ، ونَصَرَها في «الشَّرح» ، وصحَّحها ابنُ حَمْدانَ؛ لِأنَّ اليمينَ على فِعْلِ نَفْسِه، ولم تُوجَد المفارَقةُ إلَّا مِنْ غَيرِه.
واخْتارَ في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» أنَّه إنْ أمْكَنَه متابَعَتُه وإمْساكُه؛ حَنِثَ، وإلَّا فَلَا.
فإنْ أَذِنَ له الحالِفُ في الفُرْقة، فَفَارَقَه، فالمذْهَبُ: أنَّه يَحنَثُ.
(وإنْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِفِرَاقِهِ؛ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) في الإكْراه إذا فَلَّسه الحاكِمُ وصدَّه عنه، والمذْهَبُ: الحِنْثُ.
وكذا إنْ لم يَحكُمْ بفِراقه، فَفَارَقَه لِعِلْمِه بوُجوبِ مُفارَقَتِه، نَصَّ عَلَيهِ.
وإنْ لم يصدُّه
(5)
الحاكِمُ بَعْدَ فَلَسِه؛ حَنِثَ.
وقِيلَ: إنْ قَضاهُ حقَّه مِنْ غَيرِ جِنْسه، وهو ناوٍ الوَفاءَ، فَفَارَقَه؛ فَلَا.
وقال القاضي: إنْ كان لَفْظُه: لا فارَقْتُكَ وَلِي قِبَلَكَ حقٌّ؛ لم يَحنَثْ، وإنْ قال: حتَّى أسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنكَ؛ حَنِثَ.
وكذا إنْ أحالَه به، فقَبِلَ وانْصَرَفَ، وإنْ ظَنَّ أنَّه بَرَّ؛ فَوَجْهانِ.
(1)
في (ن): لا يعتبر.
(2)
في (ظ): فتكفي.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 57.
(4)
في (م): لا يحصل.
(5)
في (ن): لم يقصده.
وإنْ فارَقَه عن كَفِيلٍ، أوْ رَهْنٍ، أوْ أبْرَأَه منه؛ حَنِثَ.
وإنْ وَجَدَها مُسْتَحِقُّها وأخَذَها؛ خُرِّجَ على الرِّوايَتَينِ في النَّاسِي.
فرعٌ: إذا حَلَفَ المطلوبُ: ألَّا يُعطِيَه شَيئًا، فَوَفَّاهُ عنه غَيرُه بلا إذْنِه؛ فلا حِنْثَ.
وإنْ حَلَفَ: لا فارَقْتُكَ حتَّى آخُذَ حَقِّي، ففرَّ
(1)
الغَرِيمُ؛ حَنِثَ الحالِفُ، وإنْ أُكْرِهَ على إطْلاقِه؛ فَوَجْهانِ، وإنْ فَرَّ الحالِفُ؛ فَلَا على الأَشْهَرِ.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا افْتَرَقْنَا، فَهَرَبَ مِنْهُ؛ حَنِثَ)؛ لِأنَّ يمينَه تقتضي
(2)
ألَّا يحصل
(3)
بَينَهما فُرْقَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظ والمعْنَى، وقد حَصَلَتْ.
وإنْ حَلَفَ: لا أَخَذْتَ حَقَّكَ مِنِّي، فأُكره
(4)
على دَفْعِه؛ حَنِثَ.
وإنْ وَضَعَه الحالِفُ بَينَ يَدَيهِ، أوْ في حِجْرِه، فلم يَأخُذْه؛ لم يَحنَثْ؛ لِأنَّه لا يُضمَنُ بمِثْلِ هذا مالٌ ولا صَيدٌ.
ويحنثُ
(5)
لو كانَتْ يمينُه: لا أعطيكَ
(6)
؛ لِأنَّه يُعَدُّ عَطاءً؛ إذ
(7)
هو تمكينٌ وتَسْلِيمٌ بحَقٍّ، فهو كتَسْلِيمِ ثَمَنٍ ومُثْمنٍ
(8)
وأُجْرةٍ وزكاةٍ.
وإن
(9)
أخَذَه حاكِمٌ، فَدَفَعَه إلى الغَرِيمِ وأخذه
(10)
؛ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيهِ
(11)
؛
(1)
في (م) و (ن): ففر.
(2)
في (م): يقتضي.
(3)
في (ن): ألا تحصل.
(4)
في (م): فأكرهه.
(5)
في (م): ولا يحنث.
(6)
في (م): لا أعطيتك.
(7)
في (ن): أو.
(8)
في (م): ومثمرة.
(9)
في (ن): فإن.
(10)
في (ن): فأخذه.
(11)
ينظر: الفروع 11/ 63.
كقوله: لا تَأخُذُ حَقَّكَ عليَّ.
وعِندَ القاضي: لا؛ كقوله: لا أُعطيكَهُ
(1)
.
(وَقَدْرُ الْفِرَاقِ: مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقًا؛ كَفُرْقَةِ الْبَيْعِ)؛ لِأنَّ الشَّرعَ رَتَّبَ على ذلك أحْكامًا، ولم يُبَيِّنْ مِقْدارَه، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فيه إلى العادة
(2)
؛ كالقَبْض والحِرْز.
(1)
في (م): لا أعطيتك.
(2)
في (ن): الغرماء.
(بَابُ النَّذْرِ)
يُقالُ: نَذَرْتُ أنذر
(1)
؛ بكسر
(2)
الذَّال وضَمِّها: نَذْرًا، فأنا ناذِرٌ؛ أيْ: أَوْجَبَ على نفسِهِ شَيئًا تَبرُّعًا.
والأصْلُ فيه بَعْدَ الإجماع
(3)
: قَولُه تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسَان: 7]، {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحَجّ: 29]، وقَولُه عليه السلام:«مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فلْيُطِعْه، ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَ اللهَ فلا يَعْصِهِ» رواه البخاريُّ مِنْ حديثِ عائشةَ رضي الله عنها
(4)
.
ويَتَعيَّنُ الوَفاءُ به.
ولا يُسْتَحَبُّ؛ لِنَهْيِه عليه السلام عنه، وقال: «إنَّه لا
(5)
يأتِي بخَيرٍ، وإنَّما يُستَخرَجُ به من
(6)
البَخِيلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(7)
، وهذا نَهْيُ كراهةٍ؛ لِأنَّه لو كان حرامًا لمَا مَدَحَ المُوفين به
(8)
؛ لِأنَّ ذَمَّهم مِنْ ارْتِكابِ المحرَّم أشَدُّ من طاعَتِهم في وَفائه، ولو كان مُستَحَبًّا؛ لَفَعَلَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصْحابُه.
وقال ابنُ حامِدٍ: لا يَرُدُّ قَضاءً، ولا يَملِكُ به شَيئًا مُحدَثًا.
وتَوَقَّفَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في تحريمه
(9)
، وحرَّمه طائفةٌ مِنْ أهْلِ الحديث.
(1)
في (م): قدرت أنذرت، وفي (ن): نذرت النذر.
(2)
في (ن): وبكسر.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 115، مراتب الإجماع ص 160.
(4)
أخرجه البخاري (6696، 6700).
(5)
في (ظ): لم.
(6)
قوله: (من) سقط من (م).
(7)
أخرجه البخاري (6608، 6693)، ومسلم (1639) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(8)
في (م): الموفين. وفي (ن): الوفيين به.
(9)
ينظر: الاختيارات ص 475، الفروع 11/ 66.
وقال ابنُ حامِدٍ: المذْهَبُ مُباحٌ.
(وَهُوَ: أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ لله تَعَالَى شَيْئًا)، يَحتَرِزُ به: عن الواجِبِ بالشرع
(1)
، فيَقُولَ: لله عليَّ كذا، وقال ابنُ عَقِيلٍ: إلَّا مع دلالةِ حالٍ، وفي «المُذهب»: بشرط
(2)
إضافَتِه، فيَقُولَ: لله عليَّ.
(وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ)، فلا
(3)
يَنعَقِدُ مِنْ غَيرِ مُكلَّفٍ؛ كالإقْرارِ، وكالطفل
(4)
، (مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا)، ذكر
(5)
في «المستوعب» وغَيره: أنَّهما
(6)
سَواءٌ، وشَرْطُه: أنْ يَكُونَ مُختارًا.
أمَّا الأوَّل فظاهِرٌ، وأمَّا الثَّاني: فيَصِحُّ منه، ولو بعبادةٍ، نَصَّ عَلَيهِ
(7)
؛ لحديثِ عمرَ: إنِّي كنتُ نَذَرْتُ في الجاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيلةً، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْفِ بنَذْرِكَ»
(8)
، وهو قَولُ المُغِيرَةِ المخزومي
(9)
، والبخاريِّ، وابنِ جَرِيرٍ.
وقال الأَكْثَرُ: لا يَصِحُّ نَذْرُه، وحَمَلُوا خَبَرَ عمرَ
(10)
على النَّدب.
وقِيلَ: يَصِحُّ منه
(11)
غَيرُ عِبادَةٍ؛ لأِنَّ نَذْرَه لها كالعبادةِ لا اليمينِ.
(1)
في (م): بالشروع.
(2)
في (م): يشترط.
(3)
في (م): ولا.
(4)
في (ن): وكالعقل.
(5)
في (ن): ذكره.
(6)
في (م): أنها.
(7)
ينظر: زاد المسافر 4/ 507، الفروع 11/ 67.
(8)
أخرجه البخاري (6697).
(9)
في (ن): والمخزومي. وينظر: مختصر ابن عرفة 2/ 494.
وهو: المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، فقيه أهل المدينة بعد مالك بن أنس، عرض عليه الرشيد القضاء بها، فامتنع، مات سنة 186 هـ. ينظر: الانتقاء لابن عبد البر ص 53.
(10)
المتقدم تخريجه قبله.
(11)
في (م): فيه.
(وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ)؛ لأنَّه
(1)
الْتِزامٌ، فلم يَنعَقِدْ بغَيرِه؛ كالنِّكاح والطَّلاق، (فَإِنْ
(2)
نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ كاليمين.
(وَلَا يَصِحُّ فِي مُحَالٍ وَلَا وَاجِبٍ، فَلَوْ قَالَ: للهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، أَوْ صَوْمُ رَمَضَانَ؛ لَمْ يَنْعَقِدْ
(3)
، وفِيهِ مسألتانِ:
الأُولَى: أنَّه لا يَنعَقِدُ نَذْرُ المسْتَحِيل؛ كصَومِ أمْسِ، قدَّمه في «الكافي» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» وغَيرِه؛ لأِنَّه لا يُتصوَّرُ انْعِقادُه والوفاءُ به، أشْبَهَ اليمينَ على المسْتَحِيل.
وقِيلَ: تَجِبُ الكَفَّارةُ.
قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ من
(4)
المذْهَبِ: أنَّ النَّذْرَ كاليمين، ومُوجَبَها
(5)
موجَبُها، إلَّا في لُزُومِ الوفاء به إذا كان
(6)
قُرْبَةً وأمكنه
(7)
فِعْلُه، بدليلِ قَولِه عليه السلام لِأُخْتِ عُقْبةَ، لَمَّا نَذَرَت المشْيَ ولم تُطِقْه، فقال:«لِتُكَفِّرْ عن يمينها، ولْتَرْكَبْ» ، وفي رِوايةٍ:«ولْتَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ»
(8)
،
(1)
في (م): ولأنه.
(2)
في (م) و (ن): وإن.
(3)
قوله: (لم ينعقد) سقط ن (ظ).
(4)
في (ن): في.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 10/ 8، والشرح الكبير 28/ 171: وموجبه.
(6)
زيد في (م): في.
(7)
في (م): أو أمكنه.
(8)
أخرجه أحمد (17306)، وأبو داود (3293)، والترمذي (1544)، والنسائي (3815)، وفيه عبيد الله بن زحر الإفريقي، الأكثر على تضعيفه، وحديثه هذا حسنه الترمذي، وتعقبه النووي، فقال:(وفيما قاله نظر؛ فإن في إسناده ما يمنع حسنه)، وضعفه الألباني وغيره. لكن الحديث ثابت من غير ذكر صيام ثلاثة أيام، فقد أخرجه أبو داود (3296)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وسنده صحيح، قاله ابن حجر. وللحديث طرق أخرى أخرجها أحمد (2828)، وغيره. ينظر: المجموع للنووي 8/ 385، التلخيص الحبير 4/ 327، الإرواء 8/ 218.
قال أحمدُ: (أذْهَبُ إلَيهِ)
(1)
، وعن عُقْبةَ بنِ عامِرٍ مَرفُوعًا:«كَفَّارةُ النَّذْر كَفَّارةُ اليمين» رواهُ مُسلِمٌ
(2)
، ولِأنَّه قد ثَبَتَ أنَّ حُكْمَه حُكْمُ اليمين في أحَدِ أقْسامِه، وهو نَذْرُ اللَّجاج
(3)
، فكذلك في سائره، سِوَى ما اسْتَثْناه الشَّرْعُ.
الثَّانِيَةُ: أنَّه
(4)
لا يَنعَقِدُ نَذْرُ الواجب؛ كصَومِ رَمَضانَ، قاله أكْثَرُ أصْحابنا؛ لِأنَّ النَّذْرَ الْتِزامٌ، ولا يَصِحُّ التزام
(5)
ما هو لازِمٌ.
والمذْهَبُ: أنَّه يَنعَقِدُ مُوجِبًا لكفارة
(6)
يمينٍ إنْ تَرَكَه؛ كما لو حَلَفَ لا يَفْعَلُه، فَفَعَلَه، فإنَّ النَّذْرَ كاليمين.
فرعٌ: مَنْ نَذَرَ فِعْلَ واجِبٍ، أوْ حَرامٍ، أوْ مَكْروهٍ، أوْ مُباحٍ؛ انْعَقَدَ نَذْرُه مُوجِبًا للكَفَّارة إنْ لم يَفْعَلْ ما قال، مع
(7)
بقاءِ الوُجوبِ، والتَّحريم، والكراهةِ، والإباحةِ بحالِهِنَّ؛ كما لو حَلَفَ على فِعْلِ ذلك.
وعَنْهُ: أنَّه
(8)
لَاغٍ، ولا كَفَّارةَ فيه.
(وَالنَّذْرُ المُنْعَقِدُ عَلَى خَمْسَةِ أقْسَامٍ):
(أَحَدُهَا: النَّذْرُ المُطْلَقُ، وَهُوَ: أَنْ يَقُولَ: للهِ عَلَيَّ نَذْرٌ)، ولا نِيَّةَ له، وفَعَلَه
(9)
، (فَتَجِبُ
(10)
بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ)، وِفاقًا للأكْثَرِ؛ لمَا رَوَى عُقْبَةُ بنُ عامِرٍ
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 76.
(2)
أخرجه مسلم (1645).
(3)
في (م): للحاج.
(4)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(5)
قوله: (ولا يصح التزام) سقط من (م).
(6)
في (م): للكفارة.
(7)
قوله: (مع) سقط من (م).
(8)
قوله: (أنه) سقط من (م)
(9)
أي: إن قال: لله عليَّ نذر إن فعلت كذا ولا نية له. ينظر: الفروع 11/ 67.
(10)
في (م): يجب، وفي (ظ): فيجب.
مَرفُوعًا: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارةُ يَمِينٍ» رواهُ ابنُ ماجَهْ، والتِّرْمذِيُّ وقال:(حَسَنٌ صحيحٌ غَريبٌ)
(1)
، ورَوَى أبو داودَ وابنُ ماجَهْ مَعْناهُ مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ
(2)
، وقالَهُ ابنُ مَسْعودٍ
(3)
، وجابِر
(4)
، وعائشةُ
(5)
، ولَم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ في عَصْرِهم.
(1)
تقدم تخريجه 10/ 93 حاشية (1).
(2)
أخرجه أبو داود (3322)، والدارقطني (4318)، من طرق عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ:«من نذر نذرًا لم يسمه؛ فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية؛ فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا أطاقه فليف به» ، وسنده رجاله ثقات إلاّ أنّ الأئمة صحّحوا وقفه، قال أبو داود:(روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي الهند، أوقفوه على ابن عباس)، ورجّح وقفه كذلك الرازيان، والحديث أخرجه ابن ماجه (2128)، من طريق خارجة بن مصعب، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب به، إلاّ أن خارجة بن مصعب الخراساني متروك وكان يدلس عن الكذابين.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (12177)، عن ابن مغفل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:«من جعل لله عليه نذرًا لم يسمِّ، فعليه نسمة» ، وابن مغفَّل لم نعرفه، ولعلَّه: يزيد بن عبد الله بن مغفّل، وهو مستور كما قاله ابن حجر. ينظر: النكت على كتاب ابن الصّلاح 2/ 769.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (15839)، عن أبي خالد، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:«النّذر كفارته كفارة يمين» ، وسنده حسن، أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيرًا، وكان يدلِّس، وشيخه أبو سفيان هو طلحة بن نافع، وهو صدوق. ينظر: تهذيب الكمال 33/ 273، فتح الباري 10/ 606.
(5)
أخرجه الدارقطني (4320)، عن غالب بن عبيد الله العقيلي، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جعل عليه نذرًا في معصية الله فكفارة يمين، ومن جعل عليه نذرًا فيما لا يطيق فكفارة يمين، ومن جعل عليه نذرًا لم يسمه فكفّارة يمين» الحديث، وغالب متروك منكر الحديث، قال ابن عبد الهادي:(لا يصحُّ ولا يثبت، وفيه غير واحد من الضعفاء، وغالب بن عبيد الله: ليس بثقة، ولا مأمون، بل هو مجمع على ترك الاحتجاج به، وليتَ هذا الحديث يصح عن عطاء من قوله!). ينظر: تنقيح التحقيق 5/ 54، ميزان الاعتدال 3/ 331.
(الثَّانِي
(1)
: نَذْرُ اللَّجَاجِ
(2)
وَالْغَضَبِ: وَهُوَ مَا) عَلَّقَه بشَرْطٍ (يُقْصَدُ بِهِ المَنْعُ مِنْ شَيْءٍ غَيْرِهِ
(3)
، أَوِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ؛ كَقَوْلِهِ: إِنْ كَلَّمْتُكَ فَلِلهِ عَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ، أَوْ عِتْقُ عَبْدِي، أَوِ الصَّدَقَةُ بِمَالِي، فَهَذَا) إنْ وُجِدَ شَرْطُه فهو (يَمِينٌ، يَتَخَيَّرُ
(4)
بَيْنَ
(5)
فِعْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ) في ظاهِرِ المَذْهَبِ؛ لمَا رَوَى عِمْرانُ بنُ حُصَينٍ، قال: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا نَذْرَ في غَضَبٍ، وكَفَّارَتُه كَفَّارةُ يَمِينٍ» رواهُ سعيدٌ
(6)
، ولأنَّها
(7)
يمينٌ فيتخيَّر
(8)
فِيهَا بَينَ الأمْرَينِ؛ كاليمين بالله تعالى، ولِأنَّ هذا جَمْعٌ للصِّفَتَينِ، فيَخرُجُ عن العُهْدة بكُلِّ واحِدٍ مِنْهما.
وعَنْهُ: تتعيَّن
(9)
كفَّارةُ يمينٍ؛ للخَبَر.
وفي «الواضح»
(10)
: يَلزَمُه الوَفاءُ بما قال، نقل
(11)
صالِحٌ
(12)
: إذا فَعَلَ
(1)
في (م): الثانية.
(2)
في (م): للحاج.
(3)
قوله: (غيره) سقط من (ظ) و (م).
(4)
في (ن): متخير.
(5)
في (م): عن.
(6)
أخرجه أحمد (19945)، والنسائي (3840)، والبزار (3561)، والحاكم (7840، 7841)، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، وفي سنده محمد بن الزبير الحنظلي، وهو متروك، وفي سنده انقطاع أيضًا، وضعفه البيهقي وابن الملقن وابن حجر وغيرهم. ينظر: السنن الكبرى 10/ 120، البدر المنير 9/ 495، التلخيص الحبير 4/ 322، الإرواء 8/ 215.
(7)
في (ن): لأنها.
(8)
في (م): ويخير.
(9)
في (ظ) و (م): يتعين.
(10)
في (م): الوضع.
(11)
في (م): نقله.
(12)
ينظر: الفروع 11/ 67.
المحْلُوفَ عَلَيهِ؛ فلا كَفَّارةَ بلا خِلافٍ.
ولا يضرُّ
(1)
قَولُه: على مَذْهَبِ مَنْ يُلزِمُ بذلك
(2)
، أوْ: لا أقلِّدُ
(3)
مَنْ يَرَى الكَفَّارةَ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
؛ لِأنَّ الشَّرع
(5)
لا يَتغَيَّرُ بتَوكِيلٍ.
قال في «الفروع» : (ويَتَوَجَّهُ: كأنْتِ طالِقٌ بَتَّةً، قال شَيخُنا: وإنْ قَصَدَ لُزومَ الجزاء عِنْدَ الشَّرْط؛ لَزِمَه مُطْلَقًا عِنْدَ أحمدَ، نَقَلَ الجماعةُ فِيمَنْ حَلَفَ بحَجَّةٍ
(6)
: إنْ أراد يمينًا؛ كفَّرَ يمينَه، وإنْ أراد نَذْرًا؛ فَعَلَى حديثِ عُقْبةَ)
(7)
.
فرعٌ: إذا قال: إنْ فَعَلْتُ كذا فعَبْدِي حُرٌّ، فَفَعَلَه؛ عَتَقَ؛ لِأنَّ العِتْقَ يَصِحُّ تعليقُه بشَرْطٍ، أشْبَهَ الطَّلاقَ.
وإنْ قال: إنْ بِعْتُكَ ثَوبِي فهو صدقةٌ، فقال: فإن
(8)
اشْتَرَيْتُه فهو صدقةٌ، فاشْتَراهُ منه؛ لَزِمَ كلَّ واحِدٍ كفَّارةُ يمينٍ، ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ وابنُ حَمْدانَ.
(الثَّالِثُ: نَذْرُ المُبَاحِ؛ كَقَوْلِهِ: للهِ عَلَيَّ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبِي، أَوْ أَرْكَبَ دَابَّتِي، فَهَذَا كُلُّهُ
(9)
كَالْيَمِينِ، يَتَخَيَّرُ
(10)
بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ اليَمِينِ
(11)
؛ لَما سَبَقَ.
وعَنْهُ: لا كَفَّارةَ فيه، واخْتارَهُ الأكْثَرُ؛ لقوله عليه السلام: «لا نَذْرَ إلَّا فِيمَا ابْتُغِيَ
(1)
في (م): ولا ينصرف.
(2)
في (ن): ذلك.
(3)
في (م): لا أقل.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 475، الفروع 11/ 67.
(5)
قوله: (لأن الشرع) سقط من (م)، وفي (ظ): ولأن التبرع.
(6)
ينظر: زاد المسافر 4/ 492.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 68.
(8)
في (م): إن.
(9)
قوله: (كله) سقط من (ظ) و (ن).
(10)
في (م): يخير.
(11)
في (ن): يمين.
به وَجْهُ اللهِ»
(1)
، ولمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ، قال: بَيْنَا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ، إذا
(2)
هو بِرَجُلٍ قائمٍ، فَسَأَلَ عنه، فقالوا: أبو إسْرائِيلَ، نَذَرَ أنْ يَقُومَ في الشَّمسِ، ولا يَسْتَظِلَّ، ولا يَتكَلَّمَ، وأنْ يَصُومَ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مُرُوهُ فلْيَتَكَلَّمْ، وليَسْتَظِل
(3)
، وليَقْعُدْ، ولْيُتِمَّ صَومَه» رواه البخاريُّ
(4)
، فلم يَأمُرْهُ بكَفَّارةٍ.
فإنْ وَفَى به أجزأه
(5)
؛ لِأنَّ امْرأةً أتَت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالَتْ: إنِّي نَذَرْتُ أنْ أضْرِبَ على رَأْسِكَ بالدُّفِّ، فقال: «أوْفِي
(6)
بِنَذْرِكِ» رواهُ أبو داودَ
(7)
، ورَواهُ بمعناه
(8)
أحمدُ والتِّرمذِيُّ، وصحَّحه مِنْ حديثِ بُرَيدةَ
(9)
، ولِأنَّه لو حَلَفَ على فِعْلٍ مُباحٍ؛ بَرَّ بِفِعْلِه، فكذا إذا نَذَرَه؛ لِأنَّ النَّذْرَ كاليمين.
(1)
أخرجه أحمد (6732)، وأبو داود (2192)، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه مرفوعًا. وسنده حسن، عبد الرحمن بن الحارث المخزومي صدوق له أوهام، والحديث صححه ابن الملقن، وحسنه الألباني. ينظر: البدر المنير 9/ 494، صحيح سنن أبي داود 6/ 395.
(2)
في (م): إذ.
(3)
في (م): ويستظل.
(4)
أخرجه البخاري (6704) بنحوه.
(5)
في (م): جزاه.
(6)
في (ظ): فأوفي.
(7)
أخرجه أبو داود (3312)، والبيهقي في الكبرى (20102)، من طريق الحارث بن عبيد أبي قدامة، عن عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وأبو قدامة وشيخه ابن الأخنس صدوقان يخطئان. قال الألباني:(إسناد حسن على الخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده). ينظر: الإرواء 8/ 213.
(8)
قوله: (بمعناه) سقط من (م).
(9)
أخرجه أحمد (22989، 23011)، والترمذي (3690)، وابن حبان (4386)، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه مرفوعًا. وسنده صحيح، وقد صححه ابن حبان وابن الملقن والألباني والترمذي، فقال:(حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة). ينظر: البدر المنير 9/ 645، الإرواء 8/ 214.
(وَإِنْ
(1)
نذَرَ مَكْرُوهًا؛ كَالطَّلَاقِ؛ اسْتُحِبَّ أَنْ يُكَفِّرَ)؛ لِيَخْرُجَ عن
(2)
عُهْدَةِ نَذْرِه، (وَلَا يَفْعَلَهُ)؛ لِأنَّ تَرْكَ المكْرُوهِ أَوْلَى، فإن
(3)
فَعَلَه؛ فلا كَفَّارةَ عَلَيهِ، قال في «الشَّرح»: والخِلافُ فيه كالَّذي قَبْلَه.
(الرَّابِعُ: نَذْرُ المَعْصِيَةِ؛ كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَصَوْمِ يَوْمِ الْحَيضِ
(4)
، وفِيهِ وجهٌ
(5)
؛ كصَومِ يَومِ عِيدٍ، جَزَمَ به في «الترغيب»
(6)
، (وَيَوْمِ النَّحْرِ، فَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ)؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَ اللهَ فلا يَعْصِه»
(7)
.
(وَيُكَفِّرُ) في الثَّلاثة، وقالَهُ ابنُ مَسْعودٍ
(8)
، وابنُ عبَّاسٍ
(9)
، وعِمْرانُ
(10)
،
(1)
في (ن): فإن.
(2)
في (ن): من.
(3)
في (م): من.
(4)
قوله: (الحيض) مكانه بياض في (م)، وفي (ظ): حيض.
(5)
قوله: (وجه) سقط من (م).
(6)
في (ن): «المستوعب» .
(7)
تقدم تخريجه 10/ 180 حاشية (5).
(8)
أخرجه عبد الرزاق (15813)، وابن أبي شيبة (12147)، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«إنّ النّذر لا يقدِّم شيئًا ولا يؤخِّره، ولكن الله تعالى يستخرج به من البخيل، ولا وفاء لنذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين» ، وفيه زيد بن رفيع الجزريُّ: ضعفه الدارقطني، وقال النسائي:(ليس بالقويِّ)، ووثقه أبو داود. ينظر: الضعفاء والمتروكون (ت/ 216)، ميزان الاعتدال 2/ 103، تاريخ الإسلام 3/ 659.
(9)
أخرجه ابن أبي شيبة (12185)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«النذور أربعة: من نذر نذرًا لم يسمِّه فكفّارته كفّارة يمين، ومن نذر في معصية فكفّارته كفّارة يمين، ومن نذر نذرًا فيما لا يطيق فكفّارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا فيما يطيق، فليوفِ بنذره» ، وسنده حسن.
(10)
لعل مراده ما أخرجه البيهقي في الكبرى (20070)، عن محمد بن الزبير الحنظلي، عن أبيه أن رجلاً حدثه أنه سأل عمران بن حصين رضي الله عنه عن رجل حلف أنه لا يصلِّي في مسجد قومه؟ فقال عمران رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين» ، ومحمد بن الزبير متروك، ووالده متكلم فيه لين الحديث، وللحديث طرق أخرى، قال البيهقي - وقد ذكره من طريق الحسن عن عمران -:(ورواه عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان بإسناده: «لا نذر في معصية، أو في غضب، وكفارته كفارة يمين». وهذا أيضًا منقطع، ولا يصح عن الحسن عن عمران سماع من وجه صحيح يثبت مثله).
وسَمُرَةُ
(1)
؛ لقوله
(2)
عليه السلام: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وكَفَّارَتُه كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رواهُ الخمسةُ مِنْ حديثِ عائشةَ، ورُواتُه ثِقاتٌ، احْتَجَّ به أحمدُ وإسْحاقُ، وضعَّفه جماعةٌ
(3)
، ولِأنَّ النَّذْرَ حُكْمُه حُكْمُ اليمين.
وعَنْهُ: لا كَفَّارةَ فيه، وهو
(4)
قَولُ أكْثَرِهم؛ لقوله عليه السلام: «لا نَذْرَ فِيما لا يَملِكُ العَبْدُ» رواهُ مُسلِمٌ مِنْ حديثِ عِمْرانَ
(5)
، فهذا مِمَّا لا يَمْلِكُ، وإنْ كَفَّرَ فهو أعْجَبُ إلى أبي عبدِ الله
(6)
.
ونَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: (إذا نَذَرَ نَذْرًا يَجْمَعُ في يمينه البِرَّ والمعصيَةَ؛ ينفذُ في البِرِّ، ويُكفِّرُ في المعصية، وإذا نَذَرَ نُذُورًا كثيرة
(7)
لا يطيقها
(8)
، أو ما
(9)
لا
(1)
لم نقف عليه.
(2)
في (م): كقوله.
(3)
أخرجه أحمد (26098)، وأبو داود (3290)، والترمذي (1524)، والنسائي (3834)، وابن ماجه (2125)، من طرق عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها. ورجاله ثقات لكنّه معلول، أعله أحمد وأبو داود وغيرهم، قال الترمذي:(هذا حديث لا يصحّ؛ لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة، سمعت محمّدًا - يعني البخاري - يقول: روى غير واحد منهم: موسى بن عقبة وابن أبي عتيق، عن الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة)، وسليمان بن أرقم متروك الحديث. والحديث ضعفه مرفوعًا غير واحد من أهل العلم، وصحح رفعه الألباني. ينظر: علل الدارقطني 14/ 301، العلل الكبير للترمذي (ص 250)، التلخيص الحبير 4/ 323، الإرواء 8/ 218.
(4)
في (ظ): وهي.
(5)
أخرجه مسلم (1641).
(6)
ينظر: الفروع 11/ 76.
(7)
قوله: (كثيرة) سقط من (م).
(8)
في (ظ): لا تطيقها.
(9)
في (م): وما.
يَملِكُ، فلا نَذْرَ في مِعْصِيَةٍ، وكَفَّارته كَفَّارةُ يَمِينٍ)
(1)
.
ومِثْلُه: نذرُ إسراجِ
(2)
قبرٍ
(3)
وشَجَرَةٍ مُجاوِرَةٍ عِنْدَه.
قال: من
(4)
يُعظِّمُ شَجَرَةً، أوْ جَبَلاً، أوْ مغارةً
(5)
، أوْ مَقْبَرَةً، إذا نَذَرَ له، أوْ لسكَّانه
(6)
، أوْ للمضافين
(7)
إلى ذلك المكانِ؛ لم يَجُزْ، ولا يَجُوزُ الوَفاءُ به إجْماعًا، قاله
(8)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(9)
.
(إِلَّا أَنْ يَنْذُرَ نَحْرَ وَلَدِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ):
(إِحْدَاهُمَا
(10)
: أَنَّهُ
(11)
كَذَلِكَ)، ذكر
(12)
في «الشَّرح» : أنَّه قِياسُ المذْهَب، وقدَّمَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ
(13)
؛ لمَا سَبَقَ
(1)
ينظر: زاد المسافر 4/ 506.
(2)
في (ظ): سراج.
(3)
في (ظ) و (م): بئر.
(4)
في (م): ومن.
(5)
في (م): مفازة.
(6)
في (م): لساكنه.
(7)
في (ن): للمتضافين.
(8)
في (م): بما قال.
(9)
ينظر: الاختيارات ص 476، الفروع 11/ 76.
(10)
في (م): أحدهما.
(11)
قوله: (أنه) سقط من (ظ).
(12)
في (ن): ذكره.
(13)
أخرجه مالك (2/ 476)، وعبد الرزاق (15903)، وابن أبي شيبة (12516)، والبيهقي في الكبرى (20079)، عن القاسم بن محمّد: أتت امرأة إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقالت: إني نذرتُ أن أنحرَ ابني. فقال ابن عبّاس: «لا تنحري ابنك، وكفِّري عن يمينك» ، فقال شيخ عند ابن عباس: وكيف يكون في هذا كفّارة؟ فقال ابن عبّاس: «إن الله تعالى قال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} ثمّ جعل فيه من الكفارة ما قد رأيت» ، وإسناده صحيح.
مِنْ قَولِه: «لَا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ، وكَفَّارَتُه كَفَّارةُ يَمِينٍ» ، ولأنَّه
(1)
نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، أشْبَهَ نَذْرَ ذَبْحِ أخِيهِ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: ولأنَّ
(2)
ما يُوجِبُ كفَّارةَ يمينٍ في حقِّ الأجَنَبِيِّ؛ أَوْجَبَ كَفَّارةَ يمينٍ إذا عَلَّقَه على وَلَدِه؛ كالقَسَم.
وأَبُوهُ وكلُّ مَعْصُومٍ؛ كالوَلَد، ذَكَرَه القاضي وغَيرُه، واخْتارَهُ في «الانتصار» ما لم نَقِس.
وفي «عُيُونِ المسائل» : وعلى قِياسِه العَمُّ والأخُ في ظاهِرِ المذْهَب؛ لِأنَّ بَينَهم وِلايَةً.
(وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ ذَبْحُ كَبْشٍ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ، وقال
(3)
ابنُ هُبَيرَةَ: هي
(4)
أظْهَرُ، ورواهُ سعيدٌ عن ابنِ عبَّاسٍ
(5)
؛ لِأنَّ اللهَ تَعالَى جَعَلَ الكَبْشَ عِوَضًا عن ذَبْحِ إسْماعِيلَ بَعْدَ أنْ أمَرَ إبْراهِيمَ عليه الصلاة والسلام بذَبْحِه، وقد أُمِرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم باتِّباعِ إبْراهِيمَ عليه السلام بقوله تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النّحل: 123]، ونَذْرُ الآدَمِيِّ كذلك؛ لِأنَّه يقتضي
(6)
الإلْزامَ؛ كالأمْرِ.
(1)
في (ن): لأنه.
(2)
في (ن): لأن.
(3)
في (ن): وقاله.
(4)
في (ن): وهي.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (15905)، عن عكرمة قال: أحسبه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من نذر أن ينحر نفسه، أو ولده؛ فليذبح كبشًا» ، ثم تلا:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، ورجاله ثقات، وفيه إرسال. وأخرجه البيهقي في الكبرى (20080)، من طريق أخرى عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في رجل نذر أن يذبح ابنه قال:«يذبح كبشًا» ، وسنده حسن صحيح. ينظر: جامع التحصيل للعلائي ص 880.
(6)
في (ظ): بمقتضى.
قيلَ: مَكانَه، ويفرِّقُه
(1)
على المساكِينِ. وقِيلَ: كهديٍ
(2)
. ونَقَلَ حنبلٌ: يَلزَمانِه
(3)
.
وعَنْهُ: إنْ قال: إنْ فَعَلْتُه فعليَّ كذا، أوْ نحوه
(4)
وقَصَدَ اليَمينَ؛ فيَمِينٌ، وإلَّا فنَذْرُ مَعْصِيَةٍ.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وهو مَبنِيٌّ على الفَرْقِ بَينَ النَّذر واليَمين، ولو نَذَرَ طاعةً حالِفًا بها؛ أجْزَأَه كَفَّارةُ يمينٍ بلا خِلافٍ عن أحمدَ، فكَيفَ لا يُجزِئُه إذا نَذَرَ مَعصِيةً حالِفًا بها
(5)
.
فَعَلَى رِوايَةِ حنبلٍ: يَلزَمانِ الناذر
(6)
، والحالِفُ يُجزِئُه كَفَّارةٌ.
فرعٌ: إذا كان بَنُوهُ ثلاثةً، ولم يُعَيِّنْ أحدَهم؛ لَزِمَه ثلاثةُ كِباشٍ، أوْ ثلاثُ كَفَّاراتٍ، ذَكَرَه في «الرِّعاية» ، قال في «الشَّرح»: لِأنَّ لَفْظَ الواحد إذا أُضِيفَ اقْتَضَى العُمومَ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلَّا يَنْعَقِدَ نَذْرُ
(7)
المُبَاحِ وَلَا المَعْصِيَةِ)؛ لحديثِ أبي إسرائيلَ
(8)
، وعن عُقْبةَ بنِ عامِرٍ قال: نَذَرَتْ أُخْتِي أنْ تمشيَ
(9)
إلى بَيتِ الله
(10)
، فاسْتَفْتَيتُ لها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«لِتَمْشِ، ولْتَرْكَبْ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ،
(1)
في (ظ): وتفرقه.
(2)
في (ن): كهذا.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 77.
(4)
في (ظ) و (م): ونجزه. والمثبت موافق للفروع 11/ 77.
(5)
ينظر: الفروع 11/ 77.
(6)
في (م): القادر.
(7)
قوله: (نذر) سقط من (ظ) و (م).
(8)
أخرجه البخاري (6704)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(9)
في (م): يمشي.
(10)
قوله: (الله) ليس في (م).
ولفظه
(1)
للبُخارِيِّ
(2)
.
وذَكَرَ الأدَمِيُّ: نَذْرُ شُرْبِ الخمر لَغْوٌ لا كَفَّارةَ فيه.
وقدَّمَ ابنُ رَزِينٍ: نَذْرُ المعْصِيَة لَغْوٌ، قال: ونَذْرُه لشَيخٍ مُعَيَّنٍ حيٍّ
(3)
للاستعانَةِ
(4)
وقَضاء الحاجة؛ كحلفه
(5)
بغَيرِه.
(وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ)؛ لمَا تَقَدَّمَ.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لِأنَّ قَولَه عليه السلام: «لا نَذْرَ إلَّا فِيمَا ابْتُغِيَ به وَجْهُ الله تَعالَى»
(6)
؛ أيْ: لا نَذْرَ يَجِبُ الوَفاءُ به، ولا خِلافَ فِيهِ، وإنَّما هو في انْعِقادِه مُوجِبًا للكَفَّارة.
ثُمَّ أكَّدَ الاِحْتِمالَ بقوله: (وَلِهَذَا
(7)
قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ
(8)
الصَّلَاةَ أَوِ الاعْتِكَافَ
(9)
فِي مَكَانٍ مُعَيّنٍ) غَيرِ المساجِدِ الثَّلاثَة؛ (فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ)، فجَعَلُوا ذلك منه، وفيه نَظَرٌ.
فائدةٌ: قال في «الفُنون» : يُكرَهُ إشْعالُ القُبورِ وتَبْخِيرُها، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فِيمَنْ نَذَرَ قِنْدِيلَ نقْدٍ
(10)
للنبي
(11)
صلى الله عليه وسلم: (يُصرَفُ لِجِيرانه عليه السلام
(12)
قِيمَتُه،
(1)
في (م): ولفظ.
(2)
أخرجه البخاري (1866)، ومسلم (1644).
(3)
في (م): حتى.
(4)
في (ن): للاستغاثة.
(5)
قوله: (كحلفه) سقط من (م).
(6)
تقدم تخريجه 10/ 187 حاشية (1).
(7)
قوله: (ولهذا) سقط من (ظ) و (م).
(8)
قوله: (لو نذر) سقط من (ن).
(9)
في (م): والاعتكاف.
(10)
في (م): بعد، وفي (ظ): يقد. والمثبت موافق للفروع 11/ 78، والكشاف 14/ 486، والذي في الاختيارات ص 476:(قنديلاً يوقد).
(11)
في (م): النبي.
(12)
أي: الساكنين بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: الاختيارات ص 476.
وأنَّه
(1)
أفْضَلُ من الخَتْمة).
قال في «الفروع» : (ويَتَوَجَّهُ كَمَنْ وَقَفَه على مَسجِدٍ لا يَصِحُّ، فكَفَّارةُ يمينٍ على المذْهَبِ، وقِيلَ: يَصِحُّ، فيُكْسَرُ، وهو لمصلحته).
(وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ؛ فَلَهُ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ
(2)
عَلَيْهِ)، اقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الكافي» و «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لقَولِ كعبٍ: يا رسولَ الله، إنَّ مِنْ تَوبَتِي أنْ أنخلع مِنْ مالِي صَدَقَةً لله ولرسوله، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أمْسِكْ عَلَيكَ بعضَ مالِكَ، فهو خَيرٌ لَكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(3)
، وفي قِصَّةِ تَوبَةِ أبي لُبابَةَ: وأنْ أنْخَلِعَ مِنْ مالي صدقةً لله ورسوله، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ» رواه أحمدُ
(4)
، ولِأنَّ الصَّدقةَ بالجميع مَكْروهٌ.
قال
(5)
في «الرَّوضة» : لَيسَ لنا في نَذْرِ الطَّاعة ما يُجْزِئُ بعضُه إلَّا هذا المَوضِعَ.
وفي الكَفَّارة وَجْهانِ، قَطَعَ
(6)
في «المستوعب» بِوُجوبها.
وعَنْهُ: يلزمه
(7)
الصَّدَقةُ بجميعه، ذَكَرَها ابنُ أبي موسى؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ
(1)
في (م): وأن.
(2)
في (م): بثلاثة والكفارة.
(3)
أخرجه البخاري (4418، 6690)، ومسلم (2769).
(4)
أخرجه أحمد (15750، 16080)، من طريق الحسين بن السائب بن أبي لبابة، أخبر أن أبا لبابة بن عبد المنذر، لما تاب الله عليه
…
فذكره. ورجاله ثقات، إلا أن الحسين بن السائب بن أبي لبابة روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:(يروي عن أبيه المراسيل)، والحديث اختُلف فيه على الزهري اختلافًا شديدًا، والصحيح إنما هو حديث كعب بن مالك رضي الله عنه كما في الصّحيحين، قال البيهقي وقد ذكر حديث كعب:(وهذا حديث صحيح، والأول - يعني أبا لبابة - مختلف في إسناده ولا يثبت موصولاً). ينظر: السنن الكبرى 10/ 115، شرح علل الترمذي 2/ 483، فتح الباري 8/ 117.
(5)
في (م): وقال.
(6)
زاد في (ظ): به.
(7)
في (ن): تلزمه.
نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْه»
(1)
.
وإذا
(2)
لم يكُنْ له نِيَّةٌ، هل يَتَناوَلُ جميعَ ما يملكُه
(3)
، أو الصَّامِتُ خاصَّةً؟ فِيهِ رِوايَتانِ.
فرعٌ: إذا نَذَرَ الصَّدقةَ بماله، أوْ بِبَعْضِه، وعَلَيهِ دَينٌ أكثرُ
(4)
مما
(5)
يَمْلِكُه؛ أجْزَأَهُ الثُّلُثُ، فإنْ نفد
(6)
هذا المالُ وأنْشَأَ غَيرَه فَقَضَى دَينَه؛ فيجب
(7)
إخْراجُ ثُلُثِه يَومَ حنثه
(8)
.
وفي «الهَدْي»
(9)
: يَومَ نَذْرِه، وهو صحيحٌ، ونصُّه
(10)
: أنَّه يُخرِجُ قَدْرَ الثُّلُثِ يَوْمَ نَذْرِه، ولا يَسقُطُ منه قَدْرُ دَينِه.
(وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِأَلْفٍ؛ لَزِمَهُ جَمِيعُهَا
(11)
، قدَّمَهُ السَّامَرِّيُّ، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لِأنَّه مَنذُورٌ، وهو قربة
(12)
، أشْبَهَ سائرَ المنْذُوراتِ.
(وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ الثُّلُثُ
(13)
، قدَّمه
(14)
في «الرِّعاية» ؛
(1)
تقدم تخريجه 10/ 180 حاشية (5).
(2)
في (م): وإن.
(3)
في (م): يملك.
(4)
في (م): كثير.
(5)
في (ظ) و (ن): ما.
(6)
في (ن): فقد. وفي (م): نفذ.
(7)
في (م): فصحت.
(8)
في (م): حينه.
(9)
ينظر: زاد المعاد 3/ 514.
(10)
في (ظ): وفيه. وينظر: الفروع 11/ 72، زاد المعاد 3/ 514.
(11)
في (ن): جميعه.
(12)
في (م): قربته.
(13)
في (ن): ثلثه.
(14)
في (ن): قدمها.
لأِنَّه مالٌ
(1)
نُذِرَ للصدقة
(2)
، فأَجْزَأَهُ ثُلُثُه كجميع
(3)
المال.
قال في «الشَّرح» : (وإنَّما خُولِفَ هذا في المال
(4)
؛ لِلأثَرِ فيه
(5)
، ولمَا في الصَّدقة بالمال كلِّه من الضَّرَر اللاَّحِقِ به، اللَّهم إلَّا
(6)
أنْ يكُونَ المَنْذُورِ ههنا
(7)
يَستَغْرِقُ جميعَ المالِ، فيكُونُ كنَذْرِ ذلك).
وعَنْهُ: إنْ زادَ على ثُلُثِ الكُلِّ؛ أجْزَأَهُ قَدرُ الثُّلث، صحَّحه في «المحرَّر» ، وفِيمَا عَدَا ذلك يَلزَمُ المسَمَّى رِوايةً واحدةً.
ونَقَلَ ابنُ مَنصُورٍ: إنْ قالَ: إنْ مَلَكْتُ عَشَرَةَ دَراهِمَ فهِي صَدَقَةٌ: إنْ كان على جِهَةِ اليمين؛ أجْزَأَه كَفَّارةُ يَمِينٍ، وإنْ أرادَ النذر
(8)
؛ أجْزَأَه الثُّلُثُ
(9)
.
فرعٌ: إذا حَلَفَ، أوْ نَذَرَ: لا رَدَدْتُ سائلاً؛ فقِياسُ قَولِنا أنَّه كَمَنْ حَلَفَ أوْ نَذَرَ الصَّدقةَ بماله، فإنْ لم يَتَحَصَّلْ له
(10)
إلَّا ما يَحتاجُه؛ فكَفَّارَةُ يمينٍ، وإلَّا تصدَّقَ بثُلُثه الزَّائد.
وحَبَّةُ بُرٍّ؛ لَيسَتْ سُؤالَ السَّائل، والمقَاصِدُ مُعتَبَرَةٌ.
ويَحتَمِلُ خُروجُه مِنْ نَذْرِه بحَبَّةِ بُرٍّ؛ لتعليق
(11)
حُكْمِ الرِّبا عَلَيها، ذَكَرَه في «الفُنون» .
(1)
في (ظ) و (ن): حال.
(2)
في (م): أن يتصدقه.
(3)
في (ن): لجميع.
(4)
عبارة الشرح 28/ 193: (في جميع المال).
(5)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(6)
قوله: (إلا) سقط من (ظ) و (ن).
(7)
في (م): كلفًا، وفي (ن): ظنًا.
(8)
في (م): الثلث.
(9)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2454.
(10)
قوله: (له) سقط من (م).
(11)
في (م): لتعلق.
(فَصْلٌ)
(الخَامِسُ
(1)
: نَذْرُ التَّبَرُّرِ)، وهو التَّقرُّبُ، يُقالُ: تَبَرَّرَ تبررًا؛ أيْ: تقرَّب
(2)
تَقَرُّبًا؛ (كَنَذْرِ الصِّيَامِ، وَالصَّلَاةِ
(3)
، وَالصَّدَقَةِ، وَالاِعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ، وَنَحْوِهَا مِنَ القُرَبِ
(4)
عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ
(5)
؛ كعِيادَةِ مَريضٍ ونحوِه.
(سَوَاءٌ نَذَرَهُ مُطْلَقًا، أَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يَرْجُوهُ
(6)
؛ لِشُمولِه لهما، (فَقَالَ: إِنْ شَفَى اللهُ مَرِيضِي، أَوْ سَلَّمَ اللهُ
(7)
مَالِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، فَمَتَى وُجِدَ شَرْطُهُ؛ انْعَقَدَ نَذْرُهُ، وَلَزِمَهُ
(8)
فِعْلُهُ).
أَقُولُ: نَذْرُ التَّبَرُّرِ، وهو نَذْرُ المُسْتَحَبِّ، يَتَنَوَّعُ أنْواعًا:
منها: ما
(9)
إذا كان في مُقابَلَةِ نِعْمةٍ اسْتَجْلَبَها، أوْ نِقْمَةٍ اسْتَدْفَعَها، وتكُونُ الطَّاعَةُ المُلْتَزَمَةُ مِمَّا له أصْلٌ في الشَّرعِ
(10)
، فهذا
(11)
يَلزَمُ الوَفاءُ به إجْماعًا
(12)
.
(1)
زيد في (م): من.
(2)
في (م): تقربت.
(3)
في (ن): الصلاة والصيام.
(4)
في (ظ): التقرب.
(5)
في (ظ): القربة.
(6)
في (ظ): بوجوده.
(7)
قوله: (الله) سقط من (ظ) و (م).
(8)
قوله: (نذره ولزمه) في (م): لفظه لزمه.
(9)
قوله: (ما) سقط من (ظ).
(10)
قوله: (في الشرع) سقط من (م).
(11)
في (ظ) و (ن): فلهذا.
(12)
ينظر: المغني 10/ 4.
وكذا: إنْ لم يَكُنْ كذلك؛ كطُلوعِ الشَّمس، وقدوم
(1)
الحاجِّ، قالَهُ في «المستوعب» . أوْ فَعَلْتُ كذا؛ لدلالةِ الحالِ، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، ونَصَّ أحمدُ في
(2)
: إنْ قَدِمَ فُلانٌ تصدَّقْتُ بكذا وكذا
(3)
.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فِيمَنْ قال: إنْ قَدِمَ فُلانٌ أَصُومُ كذا: هذا نَذْرٌ يَجِبُ الوَفاءُ به مع القُدْرةِ، ولا أعْلَمُ فيه نِزاعًا
(4)
.
وقَولُ القائل: لَئنِ ابْتَلَانِي اللهُ لَأصْبِرَنَّ، ولَئنْ لَقِيتُ عَدُوَّ الله
(5)
لِأُجاهِدَنَّ؛ نَذْرٌ مُعلَّقٌ بشَرْطٍ، كقَولِ الآخَرِ: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ
…
} الآيةَ [التّوبَة: 75].
ومِنْهَا: الْتِزامُ طاعَةٍ مِنْ غَيرِ شَرْطٍ؛ كقَولِه ابتداء
(6)
: لله عليَّ صَومُ كذا، فيَلزَمُ الوَفاءُ به في قَولِ أكْثَرِهم.
وقال
(7)
بعضُ العُلَماء: لا يَلزَمُ الوَفاءُ به
(8)
؛ لِقَولِ أبي عَمْرٍو غُلَامِ ثَعْلَبٍ: النَّذْرُ عِنْدَ العرب
(9)
: وَعْدٌ بشَرْطٍ
(10)
، ولأنَّ
(11)
ما الْتَزَمَهُ الآدَمِيُّ بعِوَضٍ؛ يَلزَمُه كالبَيعِ، ومَا التزمه
(12)
بغَيرِ عِوَضٍ؛ فلا يَلزَمُه بمُجَرَّدِ العَقْدِ كالْهِبَة.
(1)
في (م): وقدم.
(2)
قوله: (في) سقط من (م).
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 302.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 476، الفروع 11/ 69.
(5)
قوله: (الله) ليس في (م) و (ن).
(6)
قوله: (ابتداء) سقط من (م).
(7)
في (ن): قال.
(8)
زيد في (م): في قول أكثرهم.
(9)
في (م): القرب.
(10)
ينظر: المغني 10/ 4، وحكاه الماوردي في الحاوي 15/ 467 عن ثعلب.
(11)
في (م): لأن.
(12)
قوله: (الآدمي بعوض يلزمه كالبيع وما التزمه) سقط من (ن).
ومِنْها: نَذْرُ طاعَةٍ لا أصْلَ لها في الوُجوب؛ كالاِعْتِكافِ وعِيادَةِ المريض، فيَلزَمُ الوَفاءُ به في قَولِ العامَّة؛ لقوله:«مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ»
(1)
، ولِأنَّه تعالى ذمَّ الَّذينَ يَنذُرُونَ ولا يُوفُونَ، ولِأنَّه التزامٌ
(2)
على وَجْهِ القُرْبةِ، فَلَزِمَه؛ كمَوضِعِ الإجْماعِ، وكالعُمرْة، فإنَّهم سَلَّمُوها وهي غَيرُ واجِبةٍ عِندَهم.
وما حَكَوْهُ عن أبي عَمْرٍو لا يَصِحُّ، فإنَّ العربَ تُسَمِّي المُلْتَزَمَ نَذْرًا، وإنْ لم يكُنْ بشَرْطٍ، والجِعالَةُ وَعْدٌ بشَرْطٍ، ولَيسَتْ بِنَذْرٍ.
مسائلُ:
إذا نَذَرَ الحجَّ العامَ، وعَلَيهِ حجَّةُ الإسْلام؛ فعَنْهُ: يجزئه
(3)
الحجُّ عَنْهُما.
وعَنْهُ: يَلزَمُه حجَّةٌ أخْرَى.
أصلهما
(4)
: إذا نَذَرَ صَوْمَ يَومٍ، فَوَافَقَ يَومًا من أيام
(5)
رَمَضانَ.
وإذا نَذَرَ صِيامًا، ولم يَنْوِ عددًا
(6)
؛ أجْزَأَه صَومُ يَومٍ، بلا
(7)
خِلافٍ
(8)
، ويَنْوِيهِ لَيلاً، اقْتَصَرَ عَلَيهِ في «المحرَّر» ، وصحَّحه في «الرِّعاية» .
وإذا نَذَرَ صلاةً مطلقةً
(9)
؛ لَزِمَه ركْعَتانِ على المذْهَب؛ لِأنَّ الرَّكْعةَ لا تُجْزِئُ في فَرْضٍ.
وعَنْهُ: تجزئه
(10)
ركعةٌ؛ بِناءً على التَّنَفُّل بها.
(1)
تقدم تخريجه 10/ 180 حاشية (5).
(2)
في (م): التزم.
(3)
في (م): تجزئه.
(4)
في (م): أصلها.
(5)
قوله: (أيام) سقط من (ظ) و (ن).
(6)
في (م): غدًا.
(7)
في (ظ): فلا.
(8)
ينظر: المغني 10/ 12.
(9)
قوله: (مطلقة) سقط من (م).
(10)
في (م): يجزئه.
فَدَلَّ أنَّ في لُزُومها قائمًا الخِلافَ.
وإنْ نَذَرَها قائمًا؛ لم تَجُز
(1)
جالِسًا، ولو عكسَ
(2)
؛ جاز، فإنْ صلَّى جالسًا
(3)
لِعَجْزٍ؛ كَفَى، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، وهي بمَوضِعِ غَصْبٍ مع الصِّحَّة.
وله الصَّلاةُ قائمًا من نَذَرَ جالِسًا، ويَتَوَجَّهُ وَجْهٌ؛ كشَرْطِ تَفْريقِ صَومٍ.
وفي «النَّوادِر» : لو
(4)
نَذَرَ أرْبعًا بتَسْلِيمَتَينِ، أوْ أطْلَقَ؛ لم يَجِبْ، ويَتَوَجَّهُ عَكْسُه إنْ عَيَّنَ؛ لِأنَّه أفْضَلُ.
والمنصوصُ
(5)
: لو حَلَفَ يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ، بأنْ قال: واللهِ لَئنْ سَلِمَ مالِي لَأتَصَدَّقَنَّ بكذا، فَوُجِدَ شَرْطُه؛ لَزِمَه فِعْلُه، ويَجُوزُ فِعْلُه قَبْلَه، ذَكَرَه في «التَّبصرة» و «الفُنون» ؛ لِوُجودِ أحَدِ سببَيْه
(6)
، ومَنَعَه أبو الخَطَّاب؛ لِأنَّ تَعْليقَه مَنَعَ كَونَه سَبَبًا.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ) مُعَيَّنةٍ؛ (لَمْ يَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ رَمَضَانُ وَيَوْمَا الْعِيدَيْنِ)؛ لِأنَّه لا
(7)
يَقبَلُ الصَّومَ عن النَّذْر، فلم يَدخُلْ في نَذْرِه كاللَّيل.
(وَفِي أَيَّامِ
(8)
التَّشْرِيقِ رِوَايَتَانِ)، وهما مَبْنِيَّانِ: على أنَّ صومها
(9)
عن الفرض هل هو جائزٌ، أمْ لَا؟
(وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ
(10)
التَّشْرِيقِ)،
(1)
في (م): لم يجز.
(2)
في (م): جلس.
(3)
قوله: (ولو عكس جاز، فإن صلى جالسًا) سقط من (ن).
(4)
في (م): ولو.
(5)
ينظر: الفروع 11/ 70.
(6)
في (ن): سببه.
(7)
في (م): لم.
(8)
قوله: (أيام) سقط من (ظ) و (م).
(9)
في (م): صومهما.
(10)
في (م): وأما.
فيتناولهما
(1)
نَذْرُه، وهذا على القَولِ بتحريمِ صَومِها عن الفرض، ويُكفِّرُ في الأصحِّ؛ لقوله عليه السلام:«لا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ، وكَفَّارَتُه كَفَّارةُ يَمِينٍ»
(2)
.
وعَنْهُ: يَتَناوَلُ أيَّامَ النَّهيِ دُونَ أيَّامِ رَمَضانَ.
فَإِنْ
(3)
وَجَبَ
(4)
؛ ففي الكَفَّارة وَجْهانِ، وما أفْطَرَه بلا عُذْرٍ قَضاهُ مع كَفَّارةِ يَمِينٍ.
وقيل
(5)
: يَسْتَأْنِفُ، قال ابنُ حَمْدانَ: وفي الكَفَّارة وَجْهانِ.
فإنْ قال: سَنَةً، وأطْلَقَ، فيَصُومُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا سوى
(6)
رَمَضانَ وأيام
(7)
النَّهْيِ، ويَقْضِيهما، قال ابنُ حَمْدانَ: وكفَّر كفَّارَةَ يمينٍ في
(8)
الأَقْيَسِ.
وإنْ شَرَطَ التَّتابُعَ في رِوايَةٍ، وعيَّنَ أولها
(9)
؛ ففي القَضاء وَجْهانِ، ومع جَوازِ التَّفَرُّق تُكمَّل
(10)
أيَّامُها، وقِيلَ: بلى
(11)
عِدَّة الشهور
(12)
.
قال في «التَّرغيب» : يَصُومُ مع التَّفريق ثلاثَمِائَةٍ وسِتِّينَ يَومًا.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: إنْ صامَها مُتَتابِعَةً؛ فهِي على ما هي عَلَيهِ مِنْ نُقْصانٍ أوْ تمام
(13)
، وإنْ قال: سَنَةً مِنْ الآنَ؛ فكَمُعَيَّنَةٍ، وقِيلَ: كمُطْلَقَةٍ في لُزومِ اثْنَيْ
(1)
في (ن): فيتناولها.
(2)
تقدم تخريجه 10/ 189 حاشية (3).
(3)
في (ن): وإن.
(4)
قوله: (فإن وجب) في (م): فأوجب.
(5)
في (م): أو قيل.
(6)
في (م): ينوي.
(7)
زيد في (م): التشريق.
(8)
في (م): وفي.
(9)
في (ظ): أولهما.
(10)
في (م): يكمل.
(11)
في (م): بل.
(12)
في (م): الشهر.
(13)
في (م): إتمام.
عَشَرَ شَهْرًا للنَّذْر.
(وَإِذَا
(1)
نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ
(2)
الْخَمِيسِ، فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ أَوْ حَيْضٍ؛ أَفْطَرَ
(3)
؛ لِأنَّ الشَّرعَ حَرَّمَ صَومَه، (وَقَضَى)؛ لِأنَّه فاتَه ما نَذَرَ صَومَه، (وَكَفَّرَ)، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِعَدَمِ الوَفاء بنَذْره، وكما لو فاته
(4)
لمرضٍ.
وفي «الرِّعاية» : أنَّ مَنْ ابْتَدَأَ بصومِ
(5)
كلِّ اثْنَينِ وخميس
(6)
؛ لَزِمَه، فإنْ صادَفَ مَرَضًا أوْ حَيضًا غَيرَ مُعْتادٍ؛ قَضَى، وقِيلَ: وكفَّرَ؛ كما لو صادَفَ عِيدًا.
وعَنْهُ: تَكْفِي الكَفَّارةُ عَنْهُما.
وقِيلَ: لا قَضَاءَ ولا كَفَّارَةَ مَع حَيضٍ وَعِيدٍ.
(وَعَنْهُ: يُكَفِّرُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ)؛ كما لو نَذَرَت المرأةُ صوم
(7)
يَومِ حَيضِها.
(وَنُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَامَ يَوَمَ الْعِيدِ؛ صَحَّ صَوْمُهُ)؛ لِأنَّه وَفَى بنَذْرِه.
(وَإِنْ وَافَقَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ؛ فَهَلْ يَصُومُهُ
(8)
؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وذلك مَبْنِيٌّ على جَوازِ صَومِها عن الفَرْض؛ لِأنَّ النَّذْرَ إذا صادَفَ زَمَنًا قابِلاً للصَّوم؛ وَجَبَ الوَفاءُ به، وإلَّا كان حُكمُه حُكْمَ يوم
(9)
العِيدِ
(10)
.
(1)
في (م): وإن.
(2)
قوله: (يوم) سقط من (ظ).
(3)
في (م): أو فطر.
(4)
في (م): قاله.
(5)
في (م): صومًا. وعبارة «الرعاية» كما في «الإنصاف» 28/ 203: (بنذر صوم).
(6)
في (م): وكل خميس.
(7)
في (م): وضعيف، وفي (ن): وضعف.
(8)
في (ن): يصح صومه.
(9)
في (ن): يومه.
(10)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
وفي «المغْنِي» رِوايَةٌ رابِعةٌ: أنَّه يَقْضِي، ولا كَفَّارةَ عَلَيهِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ)؛ صَحَّ نَذْرُه.
وقال بعضُ العُلَماء: لا
(1)
؛ لِأنَّه لا يُمكِنُ صَومُه بَعْدَ وُجودِ شَرْطِه؛ كما لو قال: لله عليَّ أنْ أَصُومَ اليومَ الَّذي
(2)
قَبْلَ اليوم
(3)
الَّذي يَقدَمُ فيه فلان
(4)
.
وجَوابُه: أنَّه زَمَنٌ يَصِحُّ فيه صَومُ التَّطَوُّعِ، فانْعَقَدَ نذرُه
(5)
لِصَومِه؛ كما لو أصْبَحَ صائمًا تَطَوُّعًا وقال: لله عليَّ أنْ أصومَ يَوْمِي، ولا نُسلِّمُ ما قاسوا عَلَيهِ.
فإنْ عَلِمَ قُدومَه من اللَّيل، فَنَوَى صَومَه، وكان صَومًا يَجُوزُ فِيهِ صَومُ النَّذْر؛ أجْزَأَه.
(فَقَدِمَ لَيْلاً؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) عِنْدَ الجميع
(6)
؛ لِأنَّه لم يَتحَقَّقْ شَرْطُه، فلم يَجِبْ نَذْرُه، ولا
(7)
يَلزَمُه أنْ يَصُومَ صَبيحَتَه، وفي «المنتخب»: يُستَحَبُّ.
(وَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا) وهو مُفطِرٌ، فالمذْهَبُ: يَقْضِي، وعَنْهُ: لا يلزمه
(8)
، وقالَهُ الأَكْثَرُ؛ كقدومه
(9)
لَيلاً، وجَزَمَ به في «الوجيز» .
(فَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
(10)
: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ)؛ لِأنَّه لا يُمكِنُه صَوْمُه بَعْدَ
(1)
قوله: (لا) سقط من (م).
(2)
قوله: (الذي) سقط من (م).
(3)
قوله: (الذي قبل اليوم) سقط من (ن).
(4)
قوله: (فلان) سقط من (ظ) و (م).
(5)
في (م): نذر.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 28/ 207.
(7)
في (م): ولم.
(8)
في (م): لا يلزم.
(9)
في (م): قدومه.
(10)
قوله: (ما يدل على أنه) سقط من (ظ) و (م).
وُجودِ شَرْطِه، (وَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا إِتْمَامُ
(1)
صِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْ لَمْ يَكُنْ
(2)
أَفْطَرَ)؛ كما لو قال: للهِ عليَّ أنْ أَصُومَ بَقِيَّةَ يَوْمِي، ولَيسَ ذلك مُرتَّبًا على عَدَمِ الاِنْعِقادِ؛ لِأنَّه لا وَجْهَ له.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ
(3)
يَقْضِي وَيُكَفِّرُ، سَوَاءٌ قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ)؛ لِأنَّه أفْطَرَ ما نَذَرَ صَومَه، أشْبَهَ ما لو نَذَرَ صَومَ يَومِ الخميس فلم يَصُمْهُ، (أَوْ صَائِمٌ)؛ لِأنَّه لم يَنْوِ الصَّومَ مَنْ اللَّيل.
وإنْ قَدِمَ ولَمْ يُفْطِرْ، فَنَوَى؛ أجْزَأَه، بِناءً على أنَّ مُوجَبَ النَّذْر الصَّومُ مِنْ قُدومِه.
وعلى القَضاء؛ يُكفِّرُ، اخْتارَهُ الأَكْثَرُ. وعَنْهُ: لا
(4)
، كالأُخْرَى.
وأنَّ مَنْ نَذَرَ صَومَ يَومٍ أَكَلَ فيه؛ قَضَى في وَجْهٍ، وفي «الانتصار»: ويُكفِّرُ.
(وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُجْزِئُهُ صِيَامُهُ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ)؛ لِأنَّه نَذَرَ صَومَه، وقد وَفَى به.
وكَونُه يُجزِئُه صِيامُ ذلك اليومِ؛ إشعَارٌ بأنَّ النَّذْرَ صَحيحٌ مُنعَقِدٌ، صرَّح به في «المغْنِي» ، وصحَّحَه في «الفُروع» .
وقال القاضِي: ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ: أنَّ النَّذْرَ غَيرُ مُنعَقِدٍ؛ لأِنَّ نَذْرَه وافَقَ زَمَنًا يستحق
(5)
صِيامُه؛ كما لو نَذَرَ صِيامَ رَمَضانَ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لِأنَّه نَذْرُ طاعَةٍ يُمكِنُ الوَفاءُ به غالِبًا.
(وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ
(6)
؛ لِأنَّه لم يَصُمْهُ عن نَذْرِه.
(1)
في (م): تمام.
(2)
في (ظ): لم يمكن.
(3)
قوله: (أنه) سقط من (ظ) و (م).
(4)
قوله: (لا) سقط من (م).
(5)
في (ن): استحق.
(6)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفُروع»:
إحداهما
(1)
: تَجِبُ الكَفَّارةُ، وهِيَ أشْهَرُ؛ لِتأَخُّرِ النَّذْر عن زَمَنِه.
والثَّانِيَةُ: لَا؛ لأِنَّه أخَّرَه لِعُذْرٍ، أشْبَهَ ما لو أخَّر صوم
(2)
رَمَضانَ لِعُذْرٍ.
وعنه: لَا شَيءَ عَلَيهِ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لمَا يَأْتِي.
فعلى الأوَّل: يُكفِّرُ إنْ لم يَصُمْه، وعَنْهُ: يَكْفِيهِ لِرَمَضانَ ونَذْرِه، وفي نِيَّةِ نَذْرِه وجْهانِ.
وفي «الفُصول» : لا يلزمه
(3)
صَومُ آخَرَ؛ لِأنَّ
(4)
صَومَه أغْنَى عنْهُما؛ بل لِتعذُّرِه فيه
(5)
، نَصَّ عَلَيهِ
(6)
، وذَكَرَ أيْضًا: إذا نَوَى صَومَه عنهما؛ فَقِيلَ: لَغْوٌ، وقِيلَ: يُجزِئُه عن رَمَضانَ.
(وَإِنْ
(7)
وَافَقَ يَوْمَ نَذْرِهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ؛ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ)؛ لِأنَّه خَرَجَ عن أهْلِيَّةِ التَّكْليف قَبْلَ وَقْتِ النَّذْر، أشْبَهَ ما لو فاتَهُ.
وبَقِيَ هنا
(8)
مَسائِلُ:
الأُولَى: إذا قَدِمَ يَومَ عِيدٍ؛ فعَنْهُ: لا يَصُومُه، ويَقْضِي ويُكفِّرُ، وقالَهُ أكْثَرُ الأصحاب.
وعَنْهُ: يَقْضِي فَقَطْ؛ كالمُكْرَه.
وعَنْهُ: إنْ صامَه صحَّ؛ كما لو نَذَرَ مَعصِيَةً وفعلها
(9)
.
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
في (م): شهر.
(3)
في (م): لا يلزم.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وعبارة الفروع 11/ 82 والإنصاف 28/ 209: لا لأن.
(5)
في (ن): منه.
(6)
ينظر: زاد المسافر 4/ 503، الفروع 11/ 82.
(7)
في (م): فإن.
(8)
في (م): زمنًا.
(9)
في (م): فعلها.
وقِيلَ: يُكفِّرُ مِنْ غَيرِ قَضاءٍ؛ كما لو نَذَرَت المرأةُ صَومَ يَومِ حَيضِها.
وعَنْهُ: لَا يَلزَمُه شَيءٌ، بِناءً على نَذْرِ المعْصِيَةِ.
الثَّانِيَةُ: إذا وافَقَ يَومَ حَيضٍ أوْ نِفاسٍ؛ فكما لو وافَقَ يَومَ عِيدٍ، إلَّا أنَّها لا تَصُومُ بغَيرِ خِلافٍ
(1)
، فَعَلَى هذا: تَقْضِي وتكفِّر
(2)
على الأَشْهَرِ.
الثَّالثةُ: إذا قَدِمَ وهو صائمٌ عن نَذْرٍ مُعَيَّنٍ؛ فعَنْهُ: يَكْفِيهِ لهما، والأصحُّ يُتِمُّه، ولا يُستَحَبُّ قَضاؤه، بل يَقْضِي نَذْرَ القُدُومِ؛ كصَومِه في قَضاءِ رَمَضانَ، أوْ كَفَّارةٍ، أوْ نَذْرٍ مُطلَقٍ.
الرَّابِعةُ: إذا قَدِمَ وهو صائمٌ تَطَوُّعًا؛ فعَنْهُ: يُتِمُّه ويَعتَقِدُه عن نَذْره، ولا قَضاءَ ولا كَفَّارةَ؛ لأنَّ
(3)
سببَ الوُجوب وُجد
(4)
في بعضه؛ كما لو نَذَرَ في صَومِ التَّطَوُّع إتمامَ صَومِ ذلك اليومِ.
وعَنْهُ: يَلزَمُه القَضاءُ والكَفَّارةُ
(5)
.
وقِيلَ: عَلَيهِ القَضاءُ فَقَطْ؛ كما لو قَدِمَ وهو مُفطِرٌ.
خاتمةٌ: نَذْرُ اعتكافه
(6)
كصَومِه.
وفي «عيون المسائل» ، و «الفُصول» ، و «التَّرغيب»: يَقْضِي بقيَّةَ اليوم؛ لِصحَّتِه في بعض اليومِ، إلَّا إذا اشْتَرَطَ الصَّومَ، فكنَذْرِ صَومِه.
وإن
(7)
نَذَرَ صوم
(8)
بعضِ يَومٍ لَزِمَه يَومٌ، وفيه وَجْهٌ.
(1)
ينظر: المغني 10/ 22.
(2)
في (ظ) و (م): يقضي ويكفر.
(3)
في (م): ولأن.
(4)
في (م): وجب.
(5)
زاد في (ظ): وقيل: عليه القضاء والكفارة.
(6)
في (م): اعتكاف.
(7)
في (م): إن.
(8)
في (م): صومه.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَصُمْهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ)؛ لِأنَّه صَومٌ واجِبٌ مُعَيَّنٌ؛ كقَضاءِ رَمَضانَ، (وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ
(1)
؛ لتأخُّر
(2)
النَّذْر عن وَقْتِه؛ لِأنَّه يمينٌ.
(وَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِعُذْرٍ؛ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ)؛ لمَا ذَكَرْنَا، (وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ):
إحداهما
(3)
: يُكفِّرُ، قدَّمها في «المحرَّر» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لتأخير
(4)
النَّذْر عن وَقْتِه.
والثَّانِيَةُ: لا
(5)
؛ كتأخِيرِ رَمَضانَ لِعُذْرٍ.
والأوَّلُ أَوْلَى، قالَهُ في «المغْنِي» ؛ لأِنَّ النَّذْرَ كاليمين.
(وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ)، وكذا الحجُّ؛ لأِنَّ العِبادةَ إذا كان لها وَقْتٌ مَعْلومٌ؛ لم يَجُزْ تَقديمُها على وقتها
(6)
كالصَّلاة، لكِنْ إذا نَذَرَ أنْ يَتصَدَّقَ بشَيءٍ في وَقْتٍ بعَينِه، فتَصَدَّقَ قَبْلَه؛ أجْزَأَه وِفاقًا
(7)
.
واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: له الاِنْتِقالُ إلى زَمَنٍ أفْضَلَ، وأنَّ مَنْ نَذَرَ أنْ يَصُومَ الدَّهْرَ، أوْ صَومَ الاِثْنَيْنِ والخَمِيس؛ فله صَومُ يَومٍ وإفْطارُ يَومٍ كالمكان، قال: واسْتَحَبَّ أحمدُ لمَنْ نَذَرَ الحجَّ مُفْرَدًا أوْ قارِنًا أنْ يَتَمَتَّعَ؛ لِأنَّه أفْضَلُ
(8)
.
(وَإِنْ أَفْطَرَ فِي بَعْضِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ)؛ لِأنَّه صَومٌ يَجِبُ مُتَتابِعًا بالنَّذْر، كما لو اشْتَرَطَ التَّتابُعَ، ويَلزَمُه اسْتِئْنافُه مُتَتابِعًا مُتَّصِلاً بإتْمامِه،
(1)
قوله: (يمين) سقط من (م).
(2)
في (ن): كتأخر.
(3)
في (م): أحدهما.
(4)
في (ن): كتأخير.
(5)
قوله: (لا) سقط من (م).
(6)
قوله: (على وقتها) سقط من (م).
(7)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي 7/ 486، بحر المذهب للروياني 11/ 26، الفروع 11/ 84.
(8)
ينظر: الاختيارات ص 477، الفروع 11/ 84.
وقدَّمه
(1)
في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وصحَّحه ابنُ المنَجَّى؛ لِأنَّ باقِيَ الشَّهر مَنْذُورٌ، فلا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّوم.
والفَرْقُ بَينَ رَمَضانَ والنَّذر: أنَّ تَتابُعَ
(2)
رَمَضانَ بالشَّرع، وتَتابُعُ
(3)
النَّذْرِ أوْجَبَه على نَفْسِه على صِفَةٍ ثُمَّ فَوَّتَها.
(وَيُكَفِّرُ)، قدَّمه في «الكافي» و «المحرَّر» و «الشَّرح» ؛ لِفَواتِ زَمَنِ النَّذَر.
وقِيلَ: لا يُكفِّرُ.
وعَنْهُ: لا يَلزَمُه اسْتِئْنافٌ، إلَّا أنْ يكونَ قد شَرَطَ التَّتابُعَ؛ لأِنَّ وُجوبَ التَّتابُع مِنْ جِهَةِ الوَقْتِ لا النَّذْر، فلم يُبْطِلْه الفِطْرُ؛ كشَهْرِ رَمَضانَ، فَعَلَى هذا: يُكفِّرُ عن فِطْرِه، ويَقْضِي أيَّامَ فِطْرِه بَعْدَ إتْمامِ صَومِه، وهذا أقْيَسُ وأصَحُّ، قالَهُ في «الشَّرح» .
(وَيَحْتَمِلُ) - هذا الاِحْتِمالُ رِوايةٌ في «المحرَّر» و «الرِّعاية» - (أَنْ يُتِمَّ بَاقِيَهُ)؛ لِأنَّ التَّتابُع فِيمَا نَذَرَه وَجَبَ مِنْ حَيثُ الوَقْتُ، لا مِنْ حَيثُ الشَّرطُ، فلم يُبطِلْه الفِطْرُ؛ كصَومِ رَمضانَ، (وَيَقْضِيَ
(4)
؛ كما لو أفْطَرَ يَومًا مِنْ رمضان
(5)
، (وَيُكَفِّرَ
(6)
؛ لِفَواتِ زَمَنِ النَّذْر.
فرعٌ: لم يَتعرَّض المؤلِّفُ لمَنْ أفْطَرَ لِعُذْرٍ، والمذْهَبُ: أنَّه يَبْنِي، ويَقضِي، ويُكفِّرُ.
وعَنْهُ: لا كَفَّارَةَ، وقالَهُ أكْثَرُ العلماء؛ كما لو أفْطَرَ رَمَضانَ لِعُذْرٍ.
(1)
في (ن): قدمه.
(2)
في (ن): يتابع.
(3)
في (ن): ويتابع.
(4)
في (م): ويكفر.
(5)
قوله: (ويقضي كما لو أفطر يومًا من رمضان) سقط من (ن).
(6)
في (م): ويقضي.
والفَرْقُ ظاهِرٌ.
وفي وَصْلِ
(1)
القَضاء وتَتَابُعِه رِوايَتانِ، وقِيلَ: يَستَأْنِفُ مُتتابِعًا، أوْ يَبْنِي ويُكفِّرُ.
تنبيهٌ: إذا جُنَّ جميعَ الشَّهر المعَيَّنِ؛ لم يَلزَمْه قَضاؤه على الأصحِّ، ولم يُكفِّرْ.
وإن حاضَت المرأةُ جميعَ الزَّمَن المعَيَّنِ؛ فَعَلَيها القَضاءُ؛ كما لو
(2)
حاضَتْ في رَمَضانَ، وفي الكَفَّارة وَجْهانِ.
(وَإِذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ)؛ خُيِّرَ بَينَ أنْ يصومَ شَهْرًا بالهلال، وبَينَ أنْ يصومَ بالعدد ثلاثِينَ يَومًا، و (لَزِمَهُ
(3)
التَّتَابُعُ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وصحَّحه في «الرِّعاية» ، وهو قَولُ أبي ثَورٍ؛ لِأنَّ إطْلاقَ الشَّهر يَقتَضِي التَّتابُع، وكَمَنْ نَواهُ.
وعَنْهُ: لا يَلزَمُه؛ لِأنَّ الشَّهرَ يَقَعُ على ما بَينَ الهِلالَينِ، أوْ ثلاثِينَ يَومًا.
ومَحَلُّه: ما لم يكُنْ شَرْطٌ ولا نِيَّةٌ؛ كما لو نَذَرَ عَشَرةَ أيَّامٍ أوْ ثلاثِينَ يَومًا.
وعلى الأوَّل: إنْ قَطَعَه بلا عُذْرٍ؛ اسْتَأْنَفَ، وبعُذْرٍ؛ يُخيَّرُ بَينَه بلا كفَّارةٍ، وبين
(4)
البِناء، ويُتِمُّ ثلاثِينَ ويُكفِّرُ.
(وَإِنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ)، ولو ثلاثِينَ يَومًا؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ)، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، قال ابنُ البَنَّاء: روايةً واحدةً، وجَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ الأيَّامَ لا دَلالةَ لها على التَّتابُع، بدليلِ قَولِه تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَة: 184].
(1)
في (م): فضل.
(2)
قوله: (لو) سقط من (ن).
(3)
في (م): لزمه.
(4)
قوله: (وبين) سقط من (م).
(5)
ينظر: مسائل البغوي ص 23، زاد المسافر 4/ 499.
وعَنْهُ فِيمَنْ قال: لله عليَّ صِيامُ عَشَرةِ أيَّام: يَصومُها متتابعًا
(1)
، وهذا يَدُلُّ على وُجوبِ التَّتابُع في الأيَّام المنْذُورةِ، اخْتارَه القاضي.
قال في «الكافي» : والأوَّلُ أَوْلَى، وهذا مَحْمولٌ على مَنْ نَوَى التَّتابُعَ.
(إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ)، فيَلزَمُه؛ للوفاء
(2)
بنَذْرِه.
وذَكَرَ ابنُ البَنَّاء: هَلْ يلزمه
(3)
التَّتابُعُ فِيمَا دُون الثَّلاثِينَ؟ على رِوايَتَينِ، صحَّح في «الرِّعاية»: أنَّه يَلزَمُه، وقال بعضُ أصْحابِنا: كلامُ أحمدَ على ظاهِرِه، ويلزمه
(4)
التَّتابُعُ في العَشرة دُونَ الثَّلاثِينَ.
قال في
(5)
«الشَّرح» : (والصَّحيحُ أنَّه لا يَلزَمُه التَّتابُعُ).
وإنْ شَرَطَ تَفريقَها؛ لَزِمَه في الأَقْيَسِ.
تنبيهٌ: إذا نَذَرَ صَومَ الدَّهْر؛ لَزِمَه، ولم يَدخُلْ في نَذْره رَمَضانُ والأيَّامُ المنهي
(6)
عَنْهَا، فإنْ أفْطَرَ لِعُذْرٍ؛ لم يَقْضِه ويُكفِّرُ، وإنْ لَزِمَه قَضاءٌ من
(7)
رَمَضانَ أوْ كَفَّارةٌ؛ قدَّمه على النَّذْر، وإذا لَزِمَتْه الكَفَّارةُ، وكانَتْ كفَّارَتُه الصِّيامَ؛ احْتَمَلَ: أنْ لا يَجِبَ، واحْتَمَلَ: أنْ يَجِبَ، ولا يَجِبُ بفِعْلها كَفَّارةٌ.
(وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا مُتَتَابِعًا) غَيرَ مُعَيَّنٍ، (فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ؛ قَضَى لَا غَيْرُ)؛ كما لو أفْطَرَ في رَمَضانَ، والمرَضُ والحَيضُ لا يَقطَعُ التَّتابُعَ، فلم يَجِب الاستئناف
(8)
؛ لِبَقاءِ التَّتابُع حُكْمًا.
(1)
في (م): تتابعًا. ينظر: زاد المسافر 4/ 499.
(2)
في (م): الوفاء.
(3)
في (م): يلزم، وفي (ن): لزمه.
(4)
قوله: (التتابع فيما دون الثلاثين
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(5)
قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).
(6)
قوله: (والأيام المنهي) في (م): والمنهي.
(7)
في (ن): قضاءين.
(8)
في (م): إلا باستئناف.
وذَكَرَ «الخِرَقِيُّ» : يَتخَيَّرُ بين
(1)
الاِسْتِئْناف مُتتابِعًا بلا كَفَّارةٍ، وبَينَ البِناء وقضاء
(2)
ما تَرَكَ مع كفَّارةِ يمينٍ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الفروع» .
وإذا قُلْنا بالبناء؛ فهل يُتِمُّ ثلاثِينَ، أو الأيامَ الفائِتَةَ؟ فيه وَجْهانِ، وفي التَّكفير وَجْهٌ؛ كشَهْرَي الكَفَّارة، ذَكَرَه جماعةٌ.
(وَإِنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لَزِمَهُ الاِسْتِئْنَافُ)، وِفاقًا
(3)
، ضَرورةَ الوَفاء بالتَّتابُع مِنْ غَيرِ كفَّارةٍ.
(وَإِنْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ، أَوْ مَا يُبِيحَ الْفِطْرَ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
(4)
؛ أيْ: إذا أفْطَرَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الفِطْرَ؛ كالسَّفَر:
فقِيلَ
(5)
: لا يَنقَطِعُ التَّتابُعُ مع القُدْرة على الصَّوم؛ كالمرض الَّذي يَجِبُ معه الفِطْرُ.
وقِيلَ: بَلَى؛ لأنَّه
(6)
أفْطَرَ باخْتياره؛ كالفِطْر لغَيرِ عُذْرٍ.
وعلى
(7)
قَولِ المؤلف: يُفرَّقُ بَينَ المرَض المُبِيحِ، والسَّفَرِ المُبِيحِ، فإنَّ المرَضَ لَيسَ باخْتِياره، بخِلافِ السَّفر
(8)
، فناسب
(9)
أنْ يَقطَعَ السَّفَرُ التَّتابُعَ؛ لِأنَّه مِنْ فِعْلِه، بخِلافِ المرَضِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا، فَعَجَزَ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ
(1)
في (م): من.
(2)
قوله: (البناء وقضاء) في (م): قضاء.
(3)
ينظر: المبسوط 3/ 81، المدونة 1/ 283، الحاوي 15/ 491، الكافي 4/ 217.
(4)
في (م): الوجهين.
(5)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(6)
في (ن): إن.
(7)
في (ن): على.
(8)
في (م): الفطر.
(9)
في (ن): فيناسب.
يَوْمٍ مِسْكِينًا)، مع كَفَّارةِ يَمِينٍ، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، وصحَّحه القاضي، وقدَّمه في «الفُروع» ؛ لِأنَّ سبب
(2)
الكَفَّارة: عَدَمُ الوَفاءِ بالنَّذر، والإطْعامِ: العجزُ
(3)
عن واجِبِ الصَّوم، فقد اخْتَلَفَ السَّبَبانِ واجْتَمَعَا، فلم يَسقُطْ واحِدٌ منهما؛ لِعَدَمِ ما يُسقِطُه.
وعَنْهُ: لا يَجِبُ إلَّا الإطْعامُ فَقَطْ، وهو ما ذَكَرَه في المتْن؛ كما لو عَجَزَ عن الصَّوم المشْروعِ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، هذا رِوايَةٌ، ذَكَرَها ابنُ عَقِيلٍ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، وقدَّمها في «الكافي» ، وذَكَرَ أنَّها أقْيَسُ؛ لقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ نذر نَذْرًا لا يُطِيقُه؛ فكَفَّارَتُه كَفَّارةُ يمينٍ» رواه ابنُ ماجَهْ، والدَّارَقُطْنِيُّ، وإسْنادُه ثِقاتٌ، ورواه أبو داودَ، وذَكَرَ أنَّه روي مَوقُوفًا على ابْنِ عبَّاسٍ
(4)
، وكسائر
(5)
النُّذور، وقِياسُ المنذور على المنْذُورِ
(6)
أَوْلَى؛ لِأنَّ رمضانَ يُطْعَمُ عنه عِنْدَ العجز بالموت، فكذلك في الحياة، وهذا بخِلافِه.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 302.
(2)
في (م): تسبب.
(3)
في (م): لعجز.
(4)
أخرجه أبو داود (3322)، والدارقطني (4318)، من طرق عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وسنده رجاله ثقات إلاّ أنّ الأئمة صحّحوا وقفه، قال أبو داود:(روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي الهند، أوقفوه على ابن عبّاس)، ورجّح وقفه كذلك الرّازيان، والحديث أخرجه ابن ماجه (2128)، من طريق خارجة بن مصعب، عن بكير ابن عبد الله بن الأشج، عن كريب به، إلاّ أن خارجة بن مصعب الخراساني متروك، وكان يدلِّس عن الكذَّابين.
(5)
في (م): كسائر.
(6)
في (م): النذر على المنذور. وفي (ن): المنذور على المنذور.
ويَتخرَّجُ: ألَّا
(1)
يَلزَمَه كَفَّارةٌ في العَجْز عنه
(2)
؛ كما لو عَجَزَ عن الواجب بأصْلِ الشَّرع.
وفي «النَّوادر» احْتِمالٌ: يصام
(3)
عنه، وسَبَقَ فِعْلُ الوليِّ عنه، ذَكَرَه القاضِي.
وكذا إنْ نَذَرَهُ عاجِزًا عنه، نَقَلَ أبو طالِبٍ:(ما كان نَذْرَ مَعْصِيَةٍ، أوْ لا يَقدِرُ عَلَيهِ ففيه كَفَّارةُ يَمِينٍ)
(4)
. ومُرادُهم: غَيرَ الحجِّ، وإلَّا فَلَوْ نَذَرَ مَعْضُوبٌ أوْ صَحِيحٌ ألْفَ حجَّةٍ؛ لَزِمَه، ويُحَجُّ عَنْهُ، والمرادُ: لا يُطِيقُه ولا شَيئًا منه، وإلَّا
(5)
أتى بما يُطِيقُه منه
(6)
، وكفَّر للباقي.
وقِيلَ: لا ينعقد
(7)
نَذْرُه.
وظاهره
(8)
: أنَّه إذا كان لِعارِضٍ يُرجَى زَوالُه؛ فإنَّه يَنتَظِرُ.
فإنْ كان عن صَومٍ مُعَيَّنٍ، وفات وَقْتُه؛ قَضاهُ، وهل يَلزَمُه لفَواتِ الوَقْتِ كفَّارةٌ؟ على رِوايَتَينِ.
(1)
قوله: (لا) سقط من (م).
(2)
قوله: (عنه) سقط من (ن).
(3)
في (م): بصيام.
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 492.
(5)
في (م): ولا.
(6)
قوله: (منه) سقط من (ن).
(7)
في (م): لا يتعذره.
(8)
في (م): فظاهره.
(وَإِنْ نَذَرَ المَشْيَ إِلَى بَيْتِ اللهِ) الحرامِ
(1)
، (أَوْ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَرَمِ)؛ لَزِمَه الوَفاءُ به بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(2)
، وسَنَدُه قَولُه عليه السلام:«مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ»
(3)
، (لَمْ يُجْزِئْهُ
(4)
إِلَّا أَنْ يَمْشِيَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ)؛ أيْ: لَزِمَه أنْ يَمْشِيَ في أحَدِهما؛ لِأنَّه مَشْيٌ إلى عِبادَةٍ، والمَشْيُ إلى العبادَةِ أفْضَلُ، ما لم يَنْوِ إتْيانَه، لا حقيقةَ مَشْيٍ مِنْ مَكانِه، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، وذكره القاضي إجْماعًا مُحتَجًّا به
(6)
، وبما لو نَذَرَه مِنْ مَحَلِّه
(7)
لم يَجُزْ مِنْ مِيقاتِه على قَضاءِ الحجِّ
(8)
الفاسِدِ مِنْ الأبْعَدِ مِنْ إحْرامِه، أوْ من
(9)
مِيقاتِه.
(فَإِنْ تَرَكَ المَشْيَ لِعَجْزٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ فَعَلَيْهِ
(10)
كَفَّارَةُ يَمِينٍ)، قدَّمه الأصْحابُ، ونَصَرَه في «الشَّرح»؛ لقَولِ عُقْبَةَ: يا رسولَ الله، إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ ماشِيَةً، فقال:«إنَّ اللهَ لا يَصْنَعُ بشَقاءِ أُخْتِكَ شَيئًا، لِتَخْرُجْ راكِبَةً، ولْتُكَفِّرْ يَمِينَها» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والبَيهَقِيُّ، وقال: تَفرَّدَ به شَرِيكٌ
(11)
، ولأِنَّ المَشْيَ غَيرُ مَقْصودٍ، ولم يَعتبرْهُ الشَّرعُ بمَوضِعٍ؛ كنَذْرِ التحفِّي
(12)
، قال
(1)
قوله: (الحرام) سقط من (م).
(2)
ينظر: المغني 10/ 13.
(3)
تقدم تخريجه 10/ 180 حاشية (5).
(4)
في (ن): لم يجزه.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 223، الفروع 11/ 89.
(6)
ينظر: الفروع 11/ 89.
(7)
في (ن): محلَّةٍ.
(8)
قوله: (الحج) سقط من (م).
(9)
قوله: (من) سقط من (م).
(10)
قوله: (فعليه) سقط من (م)، وفي (ن): ففيه.
(11)
أخرجه أحمد (17306)، وأبو داود (3293)، والترمذي (1544)، والنسائي (3815)، وابن ماجه (2134)، والبيهقي (20121)، وأصله في الصحيح، وضعف الألباني زيادة:(ولتكفر عن يمينها). ينظر: الإرواء (2592).
(12)
في (م): التخفي.
في «الفُروع» : فيَتَوَجَّهُ منه: أنَّه لا يَلزَمُ قادِرًا، ولهذا ذَكَرَ ابنُ رَزِينٍ رِوايَةً: لا كَفَّارةَ عَلَيهِ.
(وَعَنْهُ: عَلَيْهِ دَمٌ)، وأفْتَى به عَطاءٌ؛ لِما رَوَى أحمدُ بسَنَدِه، عَنْ عِمْرانَ قال: «ما
(1)
قامَ فِينَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا إلَّا أَمَرَنَا بالصَّدقة، ونَهانَا عن المُثْلَة»، وفيه: «وإنَّ
(2)
من المُثْلَة: أنْ يَنذُرَ الرَّجُلُ أنْ يحجَّ
(3)
ماشِيًا، فإذا نَذَرَ أحدُكم أنْ يَحُجَّ ماشِيًا؛ فلْيُهْدِ هَدْيًا، ولْيَرْكَبْ»
(4)
، ولِأنَّه أخلَّ بواجِبٍ في الإحْرامِ، أشْبَهَ ما لو تَرَكَ الإحْرامَ من الميقات.
وفي «المغْنِي» : قِياسُ المذْهَبِ يَسْتَأْنِفُه ماشِيًا؛ لِتَرْكِه صِفَةَ المنْذُورِ؛ كتَفْريقِه صَومًا مُتَتابِعًا.
وقال الشَّافِعِيُّ
(5)
: لا يَلزَمُه مع العَجْزِ كَفَّارةٌ، إلَّا أنْ يكُونَ النَّذْرُ إلى بَيتِ الله، فَهَلْ عَلَيهِ هَدْيٌ؟ فيه قَولانِ.
وقد رَوَى أبو داودَ: «أنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ نَذَرَتْ أنْ تَمْشِيَ إلى البَيتِ، وأنَّها لا تُطِيقُ ذلك، فأَمَرَها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تَرْكَبَ، وتُهْدِيَ هديًا»
(6)
.
فرعٌ: إذا عَجَزَ عن المشْيِ بَعْدَ الحَجِّ؛ كفَّر وأجْزَأَهُ.
وإنْ مَشَى بعضَ الطَّريق؛ فيَحْتَمِلُ أنْ يكونَ كقَولِ ابنِ عُمَرَ: «يَحُجُّ مِنْ
(1)
قوله: (ما) سقط من (ن).
(2)
قوله: (وإن) سقط من (ن).
(3)
قوله: (أن يحج) سقط من (م).
(4)
أخرجه أحمد (19857)، من طريق الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه. وسنده ضعيف، فيه صالح بن رستم الخزاز، وهو صدوق كثير الخطأ، وفي سماع الحسن البصري من عمران بن حصين خلاف معروف. ينظر: تهذيب الكمال 14/ 43، جامع التحصيل للعلائي (ص 162)، التابعون الثقات للهاجري 1/ 315.
(5)
ينظر: الأم 2/ 281.
(6)
تقدم تخريجه 10/ 193 حاشية (2).
قابِلٍ، ويَركَبُ ما مَشَى، ويمشي
(1)
ما رَكِبَ»
(2)
، ويَحتَمِلُ: أنْ لا يُجْزِئَه إلَّا حَجٌّ يَمْشِي في جَمِيعِه.
أصلٌ: يَلزَمُه الإتْيانُ بالمشْيِ
(3)
والرُّكوب مِنْ دُوَيرَةِ أهله، إلَّا أنْ يَنْوِيَ مَوضِعًا بعَينِه.
وقال الأَوْزاعِيُّ: يَمْشِي مِنْ مِيقاتِه، إلَّا أنْ يَنْوِيَ، قال
(4)
: والخَبَرُ فيه عَطاءٌ عن ابنِ عبَّاسٍ، ورواه
(5)
البَيهَقِيُّ
(6)
.
ويَلزَمُه المنْذُورُ منهما
(7)
في الحجِّ والعُمْرة إلى أنْ يتحلَّل؛ لِأنَّ ذلك انقضاؤه
(8)
، قال
(9)
أحمد: إذا رَمَى الجَمْرةَ فقد فَرَغَ
(10)
.
وفي «التَّرغيب» : لا يَركَبُ حتَّى يَأْتِيَ بالتَّحَلُّلَينِ على الأصحِّ.
(وَإِنْ نَذَرَ الرُّكُوبَ فَمَشَى؛ فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفُروع» ؛ لِأنَّه مُخالِفٌ لمَا نَذَرَ، فهو بمَعْنَى الرُّكوب إذا نَذَرَ المشْيَ، ولِأنَّ الرُّكوبَ في نفسه غَيرُ طاعَةٍ:
(1)
في (ن): أو يمشي.
(2)
أخرجه البيهقي في المعرفة (19692)، وسنده صحيح.
(3)
في (ن): بالمسمى.
(4)
أي: الأوزاعي.
(5)
في (م): رواه.
(6)
ذكره البيهقي في الكبرى (20132)، وقد أخرج ابن أبي شيبة (13579)، من طريق الشعبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في رجل مشى نصف الطريق في نذر ثم ركب، قال:«يحجُّ من قابل فيركب ما مشى، ويمشي ما ركب، وينحر بدنة» ، وسنده صحيح.
(7)
في (ن): منها.
(8)
في (م): نقضًا.
(9)
قوله: (قال) سقط من (م).
(10)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2286.
إحْداهما
(1)
: تلزمه
(2)
الكَفَّارةُ دُونَ الدَّم؛ لمَا ذَكَرْنا، واقْتَصَرَ عَلَيهِ في «المغْنِي» .
والثَّانِيَةُ: يَلزَمُه دَمٌ؛ لِأنَّه ترفَّه بِتَرْكِ الإنْفاق.
وفي «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: إلَّا أنَّه إذا مَشَى ولم يَركَبْ مع إمْكانِه؛ لم يَلزَمْه أكثرُ مِنْ كَفَّارةِ يمينٍ.
فائدةٌ: لم يَتعرَّض المؤلِّفُ لمَنْ نَذَرَ المَشْيَ إلى مَسجِدِ المدينةِ أو الأقْصَى، فإنَّه يَلزَمُه إتْيانُهما، والصَّلاةُ فِيهِما، قال في «الفُروع»: مُرادُهم لِغَيرِ المرأة؛ لأِفْضَلِيَّةِ بيتِها
(3)
.
وإنْ عَيَّنَ مَسجِدًا غَيرَ حَرَمٍ؛ لَزِمَه عِنْدَ وُصولِه رَكْعَتَان، ذَكَرَه في «الواضِحِ» .
ومَذْهَبُ مالِكٍ - على ما في المُدَوَّنَةِ -: مَنْ قال
(4)
: عليَّ المَشْيُ إلى المدينة، أوْ بَيتِ المقْدِس؛ لم يَأتِهما أَصْلاً، إلَّا أنْ يُريدَ الصَّلاةَ في مَسْجِدَيهما فلْيَأْتِهما
(5)
.
فرعٌ: إذا أفْسَدَ الحجَّ المنْذُورَ ماشِيًا؛ وَجَبَ القَضاءُ مَشْيًا، ويَمْضِي في الحجِّ الفاسِدِ ماشِيًا حتَّى يَحِلَّ مِنْهُ.
وإذا
(6)
عَيَّنَ لِنَحْرِ الهَدْيِ مَوضِعًا من الحَرَم؛ تعيَّنَ، وكان لِفُقرائه، ما لم يَتَضَمَّنْ مَعْصِيَةً؛ للخبر.
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
في (م): يلزمه.
(3)
في (م): الأفضلية بينهما، وفي (ن): الأفضلية نيتها.
(4)
قوله: (من قال) سقط من (م).
(5)
ينظر: المدونة 1/ 565.
(6)
في (ن): وإن.
وإنْ نَذَرَ سَتْرَ البَيْتِ وتَطْيِيبَه؛ لَزِمَه.
مسألةٌ: إذا نَذَرَ الحجَّ العامَ فلم يَحُجَّ، ثُمَّ نَذَرَ أخرى في العام الثَّاني، قال في «الفُروع»:(فيَتَوَجَّهُ: يَصِحُّ، وأنْ يَبدَأَ بالثَّانية؛ لفَوتها، ويُكفِّرُ لِتأخِيرِ الأُولَى، وفي المعْذُور الخِلافُ).
(وَإِنْ نَذَرَ رَقَبَةً؛ فَهِيَ الَّتِي تُجْزِئُ عَنِ الْوَاجِبِ)، ذَكَرَه مُعظَمُ الأَصْحاب؛ لِأنَّ المُطْلَقَ يُحْمَلُ على مَعْهودِ الشَّرع، وهو الواجِبُ في الكَفَّارة.
(إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا)، فإنَّها تُجزِئُ عنه؛ لأِنَّ المطلَقَ يَتَقَيَّدُ بالنِّيَّة؛ كالقرينة اللَّفْظِيَّة، لكِنْ لو ماتَ المنْذُورُ، أوْ أتلفه
(1)
قَبْلَ عِتْقِهِ؛ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، ولا يَلزَمُه عِتْقٌ، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
.
وقِيلَ: بَلْ يَصرف
(3)
قيمتَه في
(4)
الرِّقاب، على قِياسِ قَولِه في الوَلاء؛ إذ الأصْلُ فيه
(5)
ذلك.
وفي «الرِّعاية» : مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِه أوْ نيَّتِه
(6)
شَيئًا مِنْ عدد
(7)
صَومٍ، أوْ صَلاةٍ، أوْ هدي
(8)
رقاب
(9)
؛ كَفَاهُ ما عَيَّنَه.
وعَنْهُ: يُجْزِئُ ما لَفَظَ به، لا ما نَواهُ فَقَطْ.
وإنْ عَيَّنَ الهَدْيَ بغَيرِ حَيَوانٍ؛ جاز، ويَتَصَدَّقُ به أوْ بِثَمَنِه على فُقَراءِ الحرمِ.
(1)
في (م): وأتلفه.
(2)
ينظر: المغني 10/ 18.
(3)
في (ظ): تصرف.
(4)
قوله: (قيمته في) في (م): إلى.
(5)
في (ن): فقد.
(6)
في (ن): بيته.
(7)
في (ن): عدم.
(8)
في (ن): وهدي.
(9)
في (م): وفاة.
قال في
(1)
«المستوعب» : فإنْ عيَّن
(2)
الهَدْي بما
(3)
يُنْقَلُ؛ لَزِمَه إنْفاذُه إلى الحَرَم؛ لِيُفَرَّقَ هُناكَ، وإلَّا بِيعَ، ونَقَدَ ثَمَنَه لِيُفَرَّقَ هُناكَ.
(وَإِنْ
(4)
نَذَرَ الطَّوَافَ)؛ فأقَلُّه أُسْبوعٌ.
وإنْ نذَرَه
(5)
(عَلَى أَرْبَعٍ؛ طَافَ طَوَافَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ
(6)
، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الوجيز»
(7)
، وقدَّمه في «الفُروع» ، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ، رَواهُ سَعِيدٌ
(8)
، ولخبرٍ
(9)
رَواهُ مُعاوِيَةُ بنُ حَدِيجٍ الكِنْدِيُّ: أنَّه قَدِمَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ومَعَهُ أمُّه
(10)
كَبْشَةُ بِنْتُ مَعْدِي كَرِبٍ، عَمَّةُ الأشْعَثِ بنِ قَيسٍ، فقالَتْ: يا رسولَ الله، آليتُ
(11)
أنْ أَطُوفَ بالبَيتِ حَبْوًا، فقال لها
(12)
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «طُوفِي على رِجْلَيكِ سَبْعَينِ: سَبْعًا عن يَدَيكِ، وسَبْعًا عن رِجْلَيكِ» أخْرَجَه الدَّارقُطْنِيُّ
(13)
، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين: لِأنَّه بَدَلُ
(1)
قوله: (قال في) سقط من (م).
(2)
قوله: (الهدي بغير حيوان جاز
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(3)
في (ن): ما.
(4)
في (م): وإذا.
(5)
في (ن): نذر.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2284.
(7)
في (م): «الوجيز» و «المستوعب» و «المحرر» .
(8)
أخرجه عبد الرزاق (15895)، والطبراني في الكبير (11425)، والفاكهي في أخبار مكة (440)، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: رجل نذر أن يطوف على ركبتيه سبعًا، فقال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لم يؤمروا أن يطوفوا حبوًا، ولكن ليطف سَبْعينِ، سبعًا لرجليه، وسبعًا ليديه» ، قلت: ولم يأمره بكفارة؟ قال: لا. وإسناده صحيح.
(9)
في (م): والخبر.
(10)
قوله: (أمه) سقط من (ن).
(11)
في (م): أتيت.
(12)
قوله: (لها) سقط من (م).
(13)
أخرجه الدارقطني (2674)، قال ابن القطان:(إسناده ضعيف، بل هو مجهول). ينظر: بيان الوهم 2/ 455.
وَاجِبٍ، ولِأنَّ فِيهِ على أرْبَعٍ مُثْلةً.
وعَنْهُ: يَطُوفُ على رِجْلَيهِ واحِدًا، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: وهو القِياسُ؛ لأِنَّ غَيرَه لَيسَ بمشروعٍ، وفي الكَفَّارة وَجْهانِ، وقِياسُ المذْهَب: لُزُومُها.
ومِثْلُه: نَذْرُ السَّعْي على أرْبَعٍ، ذَكَرَه في «المبْهج» و «المستوعب» و «الفُروع» .
وفي «الرِّعاية» : يَلزَمُه سعيان.
وكذا لو نَذَرَ طاعةً على وَجْهٍ مَنهِيٍّ عنه؛ كنَذْرِه صلاةً عُريانًا، أو الحَجَّ حافِيًا حاسرًا
(1)
؛ وفَّى بالطَّاعة على الوَجْه الشَّرْعِيِّ، وفي الكَفَّارة لِتَرْكِه المنْهِيَّ وَجْهانِ.
مَسْألَتانِ:
الأُولَى: النَّذْرُ المُطْلَقُ على الفَور، نَصَّ عَلَيهِ، وقِيلَ: لَا، قال في
(2)
«المستوعب» : فإنْ نَذَرَ أنْ يُهْدِيَ هَدْيًا؛ لَزِمَه أنْ يُهْدِيَ إلى الحَرَمِ ليُنحَرَ
(3)
هُناكَ ويُفرَّقَ.
فإنْ نذر
(4)
أنْ يَنحَرَ هَدْيًا بغَيرِ مَكَّةَ من المدينة وبَيتِ المقْدِسِ، أوْ يُضَحِّيَ أُضْحِيَّةً من
(5)
مَوضِعٍ عيَّنه
(6)
؛ لَزِمَه نحرُ
(7)
ذلك، ويُفرِّقُ لَحْمَه في المَوْضِع الَّذِي عَيَّنَه.
(1)
في (م): سرًا.
(2)
قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).
(3)
في (م): ينحر.
(4)
في (م): قدر.
(5)
في (ن): في.
(6)
في (م): يمينه.
(7)
في (ن): نحو.
الثَّانِيَةُ: لا يلزمه
(1)
الوَفاءُ بالوَعْد، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
، وقاله
(3)
أكْثَرُ العلماء؛ لِأنَّه يَحرُمُ بلا اسْتِثْناءٍ؛ لقوله تعالى: الآيَةَ {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ
…
(23)} [الكهف: 23]، ولِأنَّه في معنى
(4)
الهِبَة قَبْلَ القَبْض.
وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وَجْهًا: يلزم
(5)
، واخْتارَهُ، ويَتَوَجَّهُ أنَّه رِوَايَةٌ من
(6)
تَأْجِيلِ العارِيَةِ والصُّلح عن عِوَضِ المُتْلَفِ بمُؤجَّلٍ
(7)
، وقِيلَ لأِحْمَدَ: بِمَ يُعرف
(8)
الكَذَّابُونَ؟ قال: بخُلْفِ المَواعِيدِ
(9)
، وهو قَولُ ابنِ شُبْرُمَةَ، وعُمَرَ بنِ عَبدِ العزيز؛ لقوله تعالى:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} الآيَةَ [الصَّف: 3]، ولِخَبَرِ:«آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ»
(10)
، وبإسْنادٍ حسن
(11)
: «العِدَةُ عَطِيَّةٌ»
(12)
،
(1)
في (م) و (ن): لا يلزم.
(2)
ينظر: الفروع 11/ 92.
(3)
في (م): وقالوا.
(4)
في (م): المعنى.
(5)
في (م): يلزمه.
(6)
في (م): ما.
(7)
ينظر: الاختيارات ص 479، الفروع 11/ 92.
(8)
في (ن): نعرف.
(9)
ينظر: الفروع 11/ 92.
(10)
أخرجه البخاري (33، 2682)، ومسلم (59) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(11)
في (م): جيد.
(12)
أخرجه أبو داود في المراسيل (522)، عن الحسن البصري مرسلاً، ورجاله ثقات مرسلاً. وله شاهد من حديث ابن مسعود، وقباث بن أشيم اللّيثي رضي الله عنهما. فحديث ابن مسعود: أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 259)، وفيه بقية بن الوليد، وهو كثير التدليس عن الضّعفاء وقد عنعن، وتفرّد به عن أبي إسحاق الفزاري. وقد ضعفه جدًّا أبو حاتم، قال:(حديث باطل). وحديث قباث الليثي: أخرجه الطبراني في الأوسط (1752)، وفي سنده مجاهيل. والحديث ضعفه أبو نعيم والعراقي وابن رجب والألباني. ينظر: العلل لابن أبي حاتم 6/ 628، جامع العلوم والحكم 2/ 484، المغني عن حمل الأسفار (ص/ 1023)، مجمع الزوائد 4/ 166، الضعيفة (1554).
وبإسْنادٍ ضعيفٍ: «الْعِدَةُ دَينٌ»
(1)
.
ومَذْهَبُ مالِكٍ: يَلزَمُ بِسَبَبٍ
(2)
؛ كَمَنْ قال: تَزَوَّجْ وأُعْطِيكَ كذا، واحْلِفْ لا تشتمني
(3)
ولك كذا، وإلَّا لم يَلزَمْ. واللهُ أعْلَمُ
(4)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (3513)، وفي الكبير (419)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا قال:«العدة دين» ، سنده ضعيف، فيه جهالة كما قاله العراقي في المغني عن حمل الأسفار (ص/ 657).
(2)
ينظر: النَّوادر والزِّيادات 12/ 203.
(3)
قوله: (لا تشتمني) في (ن): لأشتهي.
(4)
كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(كِتَابُ الْقَضَاءِ)
قال الأَزْهَرِي
(1)
: (القَضاءُ في الأصل: إحْكامُ الشَّيء والفَراغُ منه
(2)
؛ لقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فُصّلَت: 12]، ويكُونُ بمَعْنَى: إمْضاء الحُكْم، ومِنْهُ قَولُه تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسرَاء: 4]؛ أيْ: أمْضَينَا وأنهينا
(3)
، وسُمِّيَ الحاكِمُ قاضِيًا؛ لأِنَّه يُمْضِي الأحْكامَ ويُحكِمُها، ويكُونُ بمَعْنَى أوْجَبَ، فيَجُوزُ أنْ يكُونَ سُمِّيَ به؛ لِإيجابِه الحُكْمَ على مَنْ يَجِبُ عَلَيهِ)
(4)
.
واصْطِلاحًا: النَّظَرُ بَينَ المترافِعَينِ
(5)
له؛ لِلإلْزامِ وفَصْلِ الخُصوماتِ.
والأصْلُ فيه: قَولُه تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص: 26]، وقَولُه تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النِّسَاء: 65]، وقَولُه صلى الله عليه وسلم:«إذا اجْتَهَدَ الحاكِمُ فأصابَ فله أجْرانِ، وإنْ أخْطَأَ فَلَهُ أجْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بنِ العاصِ
(6)
، وأجْمَعَ المسْلِمُونَ على نَصْبِ القُضاة للفَصْل بَينَ النَّاس
(7)
.
(وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ)؛ كالإمامة
(8)
، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (قد أوْجَبَ النَّبيُّ
(1)
قوله: (قال الأزهري) سقط من (م).
(2)
قوله: (منه) سقط من (م).
(3)
في (ن): ونهينا.
(4)
ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي 1/ 283.
(5)
في (م): المتوافقين.
(6)
أخرجه البخاري (7352)، ومسلم (1716).
(7)
ينظر: المغني 10/ 32.
(8)
في (م): كالإمام.
صلى الله عليه وسلم تَأْمِيرَ الواحِدِ في الاِجْتِماع القليلِ العارِضِ في السَّفر، وهو تنبيهٌ على أنْواعِ الاِجْتِماع، والواجِبُ اتَّخاذُها دِينًا وقُرْبَةً، فإنَّها مِنْ أفْضَلِ القُرُبات، وإنَّما فَسَدَ حالُ بعضِهم
(1)
لِطَلَبِ الرِّئاسة والمالِ بها، ومَن فَعَلَ ما يُمْكِنُه؛ لم يَلزَمْه ما يَعجِزُ عَنْهُ)
(2)
.
وعَنْهُ: سُنَّةٌ، نَصَرَه القاضِي وأصْحابُه.
وعَنْهُ: لا يُسَنُّ دُخولُه فيه، نَقَلَ عبدُ الله: لا يُعْجِبُنِي، هو أسْلَمُ
(3)
.
وعلى الأوَّل: (قَالَ أَحْمَدُ رحمه الله تعالى: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ، أَتَذْهَبُ
(4)
حُقُوقُ النَّاسِ!
(5)
؛ لِأنَّ أمْرَ النَّاس لا يَسْتَقِيمُ بِدُونه؛ كالجهاد.
وفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لمَنْ قَوِيَ عَلَيهِ، وفِيهِ خَطَرٌ عظيمٌ لمَنْ لم يُؤَدِّ
(6)
الحقَّ فِيهِ؛ لمَا رَوَى مَعقِلُ بنُ يَسَارٍ مَرفُوعًا: «ما مِنْ أميرٍ
(7)
يَلِي أمْرَ المسْلِمِينَ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لهم ويَنصَحُ، إلَّا لم يَدخُلْ معهم الجَنَّةَ»
(8)
، قال مَسْروقٌ: لَأنْ أَحْكُمَ يَومًا بحقٍّ أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أغْزُوَ سنةً
(9)
في سبيلِ الله.
فعلى هذا: إذا
(10)
أجْمَعَ أهْلُ بَلَدٍ على تَرْكِ القَضاء؛ أَثِمُوا، قال ابنُ حَمْدانَ: إنْ لم يَحتَكِمُوا في غَيرِهِ.
(1)
الذي في الاختيارات ص 480، والفروع 11/ 97: فسد حال الأكثر.
(2)
ينظر: الاختيارات ص 480، الفروع 11/ 97.
(3)
ينظر: زاد المسافر 3/ 474.
(4)
في (ن): أيذهب.
(5)
ينظر: زاد المسافر 3/ 475.
(6)
في (ن): لم يرد.
(7)
في (ن): امرئ.
(8)
أخرجه مسلم (142).
(9)
قوله: (سنة) سقط من (م).
(10)
في (م): إن.
(فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ فِي كُلِّ إِقْلِيمٍ)، هو: بكَسْرِ الهمزة، وهو أَحَدُ الأَقالِيم السَّبْعة، (قَاضِيًا)؛ لِأنَّ الإمامَ هو القائمُ بأمْرِ الرعيَّةِ، المتكلِّمُ بمَصلَحَتِهم، المسْؤولُ عنهم، فيَبعَثُ القُضاةَ إلى الأَمْصارِ؛ كفِعْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحابِه، وللحاجَةِ
(1)
إلى ذلك؛ لِأنَّه «عليه السلام بَعَثَ عَلِيًّا قاضِيًا إلى اليمن»
(2)
، وَوَلَّى عُمَرُ شُرَيحًا قَضاءَ الكُوفَةِ
(3)
، وكَعْبَ بنَ سُور
(4)
قَضاءَ البَصْرة
(5)
، وغَيرِ ذلك.
(وَيَخْتَارُ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ، وَأَوْرَعَهُمْ)؛ لِأنَّ ذلك أكْمَلُ وأقْرَبُ إلى حُصولِ المقْصودِ مِنْ القَضاء.
(وَيَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَتَحَرِّي الْعَدْلِ
(1)
في (ظ): فللحاجة.
(2)
أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (984)، والنسائي في الكبرى (8365)، وابن ماجه (2310)، والبزار (912)، من طريق أبي البَخْتَريِّ، عن عليٍّ رضي الله عنه، وفي سنده انقطاع؛ فإنّ أبا البختري لم يسمع من عليٍّ شيئًا كما قاله النسائي والبزار. وأخرجه النسائي في الكبرى (8366)، من طريق أخرى، وفيه شريك القاضي ضعيف لسوء حفظه. وللحديث طرق أخرى عن أبي إسحاق السبيعي، يتقوّى بمجموعها الحديث. ينظر: نصب الراية 4/ 60، مصباح الزجاجة 3/ 42.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (36006)، عن الشعبيِّ مرسلاً، وأخرج نحوه أبو نعيم في الحلية (4/ 137)، ورجاله ثقات إلاّ أنه منقطع؛ فإن عامر الشعبي لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ينظر: سنن الدارقطني 4/ 476، تاريخ الإسلام 3/ 70، جامع التحصيل (ص 294)، الإرواء 8/ 231.
(4)
في (م): سوار.
(5)
أخرجه البيهقي في الكبرى (20158)، من طريق الشعبي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بعث ابن سور على قضاء البصرة، وبعث شريحًا على قضاء الكوفة. وسنده منقطع؛ فإنّ عامرًا الشعبي لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سبق. ينظر: جامع التحصيل (ص 294)، الإرواء 8/ 229.
وَالاِجْتِهَادِ فِي إِقَامَةِ الحَقِّ
(1)
؛ لأنَّ في
(2)
ذلك تذكرةٌ
(3)
له فِيمَا يَجِبُ عَلَيهِ فِعْلُه، وإعانةً له في إقامَةِ الحقِّ، وتَقْوِيَةٌ لِقَلْبه، وتنبيهٌ على اهْتِمامِ الإمامِ بأمْرِ الشَّرع وأهْلِه، فإنْ كان غائبًا عنه؛ كَتَبَ له ذلك في عَهْدِه.
(وَأَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ
(4)
؛ أيْ: ناحَيَةٍ، (أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَهُمْ)؛ لِأنَّ في ذلك خُروجًا مِنْ الخِلاف في جَوازِ الاِسْتِنابَة، وتنبيهًا
(5)
على مَصلَحةِ رَعِيَّة بَلَدِ القاضي، وحثًّا له على اخْتِيارِ الأصْلَح، وذَكَرَ الآمِدِيُّ: أنَّ على الإمامِ نَصْبَ من
(6)
يُكْتَفَى به.
(وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إِذَا طُلِبَ)، ولم يَشغَلْه عن أهمَّ منه، (وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ؛ الدُّخُولُ فِيهِ)، قدَّمه في «الكافي» و «المحرَّر» و «المستوعب» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحَه جَمْعٌ؛ لِأنَّ فَرضَ الكِفاية إذا لم يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ به؛ تَعيَّنَ عَلَيهِ؛ كغَسْلِ الميت ونحوِه.
وقِيلَ: ويلزمه
(7)
طَلَبُه.
وقال المَاوَرْدِيُّ: إنْ كان فيه غَيرُ أهْلٍ، فإنْ كان
(8)
أكْثَرُ قَصْدِه إزالَتَه؛ أُثِيبَ، وإنْ كان أكْثَرُ قصدِه
(9)
لِيَخْتَصَّ بالنظر أُبِيحَ
(10)
.
(1)
في (م): الحد.
(2)
زاد في (م) و (ن): في.
(3)
في (ن): يذكره.
(4)
كتب في هامش (ظ): (الصقع بضم الصاد: الناحية، وفلان من أهل هذا الصقع، أي: هذه الناحية).
(5)
في (ن): وبينها.
(6)
في (م): ما.
(7)
في (م): يلزمه.
(8)
قوله: (كان) سقط من (ن).
(9)
قوله: (إزالته أثيب، وإن كان أكثر قصده) سقط من (م).
(10)
ينظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص 126.
فإنْ ظَنَّ عَدَمَ تَمْكِينِه؛ فاحْتِمالانِ.
وقِيلَ: يَحرُمُ بخوفه
(1)
مَيلاً.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ يَأْثَمُ الْقَاضِي بِالاِمْتِنَاعِ إذا لم يُوجَدْ غَيْرُهُ مَمَّنْ يُوثَقُ بِهِ؟ قَالَ
(2)
: لَا يَأْثَمُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ)، نَقَلَها إسِماعِيلُ بنُ سعيدٍ؛ لمَا فِيهِ من الخَطَر والمشقَّةِ الشَّديدةِ، لكِنَّها محمولةٌ على
(3)
مَنْ لم يُمْكِنْهُ القِيامُ بالواجب لِظُلْمِ السُّلْطانِ وغَيرِه.
وحَكَى ابنُ هُبَيرةَ عن الثَّلاثة
(4)
: أنَّ القَضاءَ مِنْ فُروضِ الكِفايَة، ويَتَعَيَّنُ على المجْتَهِد الدُّخُولُ فيه، ثُمَّ قال: وقال أحمدُ في أظْهَرِ رِوايَتَيهِ: لَيسَ هو مِنْ فُروضِ الكِفايَة، ولا يَتَعيَّنُ على المجْتَهِد الدُّخولُ فيه، وإنْ لم يوجد
(5)
غَيرُه.
(وَإِنْ
(6)
وُجِدَ غَيْرُهُ؛ كُرِهَ لَهُ طَلَبُهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي
(7)
المَذْهَبِ)، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفُروع»؛ لِقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ الرَّحمنِ بنِ سَمُرَةَ: «لا تَسأَلِ الإمارة
(8)
، فإنَّكَ إن أُعْطِيتَها عَنْ مَسأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيهَا، وإنْ أُعْطِيتَها عَنْ غَيرِ مَسألَةٍ؛ أُعِنْتَ عَلَيهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(9)
.
(1)
في (ن): لخوفه.
(2)
في (ن): فقال.
(3)
زاد في (ظ): أن.
(4)
ينظر: بدائع الصنائع 7/ 2، عقد الجواهر الثمينة 3/ 100، بحر المذهب للروياني 11/ 42.
(5)
في (ن): لم يجد.
(6)
في (ن): فإن.
(7)
في (ن): على.
(8)
في (م): إمارة.
(9)
أخرجه البخاري (6622، 6722)، ومسلم (1652).
وعَنْهُ: لا يُكرَهُ لِقَصْدِ إقامةِ الحَقِّ، وخَوفًا أنْ يَتعرَّضَ له غَيرُ مُسْتَحِقٍّ، ذَكَرَه القاضي.
قال في «الفروع» : ويَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: بل يُستَحَبُّ إذَنْ، وقالَهُ المَاوَرْدِيُّ، ويَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: يَحرُمُ بِدُونِه.
وذَكَرَ المَاوَرْدِيُّ: أنَّه لِقَصْدِ المنزلة
(1)
والمباهاةِ يَجُوزُ اتِّفاقًا، وأنَّ طائفةً كَرِهَتْه إِذَنْ، وطائفةٌ لَا
(2)
.
واحْتَجَّ الإمامُ أحمدُ فِيمَا رَواهُ عنه ابْنُه عبدُ الله
(3)
: بما رَوَى أبو هُرَيرةَ مَرفُوعًا: «مَنْ طَلَبَ قَضاءَ المسْلِمِينَ حتَّى نالَهُ؛ فَغَلَبَ عَدْلُه جَورَه؛ فله الجَنَّةُ، وإنْ غَلَبَ جَورُه عَدْلَه فله النَّارُ» رَواهُ أبو داودَ
(4)
، والمرادُ: إذا لم يكُنْ فيه أهْلٌ، وإلَّا حَرُمَ وقَدَحَ فيه.
(وَإَنْ طُلِبَ؛ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُجِيبَ إِلَيهِ
(5)
فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ رحمه الله تعالى)، اخْتارَه القاضِي، وقدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية» و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وفي «الشَّرح»: أنَّه الأَوْلَى؛ لمَا فِيهِ مِنْ الخَطَر والتَّشديد، ولِمَا في تَرْكِه من السَّلامة، وذلك طريقةُ السَّلَف، وقد أرادَ عُثْمانُ تولية عبد الله
(6)
بنِ عَمَرَ القَضاءَ، فَأَبَى
(7)
.
(1)
في (ن): التركة.
(2)
ينظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص 126.
(3)
ينظر: زاد المسافر 3/ 474، ولم نجده في المطبوع من مسائل عبد الله.
(4)
أخرجه أبو داود (3575)، والبيهقي في الكبرى (20165)، وسنده ضعيف؛ فيه موسى بن نجدة اليمامي:(مجهول لا يُعرف) كما قاله الذهبي وابن حجر. والحديث ضعّفه الألباني. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 225، لسان الميزان 9/ 218، الضعيفة (1186).
(5)
قوله: (إليه) سقط من (ظ) و (م).
(6)
قوله: (عبد الله) سقط من (ظ) و (م).
(7)
أخرجه أحمد (475)، وعبد بن حميد كما في المنتخب (48)، من طرق عن حماد بن سلمة، حدثنا أبو سنان. وأخرجه الترمذي (1322)، وابن حبان (5056)، والطبراني في الكبير (13319)، من طرق عن المعتمر بن سليمان، سمعت عبد الملك بن أبي جميلة، كلاهما عن يزيد بن عبد الله بن موهب: أن عثمان قال لابن عمر رضي الله عنهم: اقض بين الناس. فقال: لا أقضي بين اثنين، ولا أؤمّ رجلين، أما سمعتَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من عاذ بالله فقد عاذ بمعاذ؟» ، قال عثمان: بلى. قال: فإني أعوذ بالله أن تستعملني، فأعفاه، وقال:«لا تخبرْ بهذا أحدًا» . وأبو سنان عيسى بن سنان الحنفي، ضعيف لين الحديث، وعبد الملك بن أبي جميلة: مجهول. والحديث ضعفه أبو حاتم والألباني، والترمذي، وقال:(ليس إسناده عندي بمتّصل). ينظر: البدر المنير 9/ 557، التلخيص الحبير 4/ 341، الضعيفة (6864).
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْأَفْضَلُ الإِجَابَةُ إلَيْهِ
(1)
إِذَا أَمِنَ نَفْسَهَ)؛ لِأنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ للمُجْتَهِدِ فيه أجْرًا مع الخطأ، وأسْقَطَ عنه حُكْمَ الخَطَأ، ولِأنَّ فيه أمْرًا بالمعروف ونَصْرَ المظلوم، وأداءَ الحقِّ إلى مُسْتَحِقِّه، وردَّ الظَّالِمِ عن ظُلْمِه، بدليلِ: تَولِيَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِجَماعةٍ مِنْ الصحابةِ
(2)
وهم كذلك
(3)
، ولا يَختارُ إلَّا الأَفْضَلَ.
وقِيلَ: مع خُمُوله، وحَمَلَ في «المغْنِي» كَلامَ ابنِ حامِدٍ عليه
(4)
.
وقِيلَ: أوْ فَقْرِه.
فرعٌ: يَحرُمُ بَذْلُ مالٍ فيه، وأخْذُه وطَلَبُه وفيه مُباشِرٌ أهْلٌ.
وظاهِرُ تَخْصيصِهم الكراهةَ بالطَّلَب: أنَّه لا يكره
(5)
تَولِيَةُ الحريص، ولا
(1)
قوله: (إليه) سقط من (ظ) و (م).
(2)
في (ظ): أصحابه.
(3)
مما ورد في ذلك: ما أخرجه البخاري (3038، 7172)، ومسلم (1733)، عن أبي موسى رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، بعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن، قال:«يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا» .
(4)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(5)
في (م): لا يلزمه.
ينفي
(1)
أنَّ غَيرَه أَوْلَى، قال في «الفُروع»: ويَتَوَجَّهُ وَجْهٌ يُكرَهُ.
مسألةٌ: إذا جَهِلَ القَضاءَ، أوْ عَجَزَ عنه أوْ خافَ المَيْلَ؛ حَرُمَ دُخولُه فيه، وقِيلَ: مع وُجودِ غَيرِه وهو يَصلُحُ له.
قال في
(2)
«الشَّرح» : مِنْ النَّاس مَنْ لا يَجُوزُ الدُّخولُ فيه، وهُو مَنْ لا يُحسِنُه، ولم
(3)
يَجتَمِعْ فيه شُرُوطُه.
(وَلَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ إِلَّا بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ)؛ لِأنَّه صاحِبُ الأَمْر والنَّهْي، وهو وَاجِبُ الطَّاعة، مَسْمُوعُ الكلمة، مالِكٌ لجميع
(4)
الوِلايَاتِ شَرْعًا وحِسًّا، (أَوْ نَائِبِهِ)؛ لِأنَّه مُنَزَّلٌ مَنزِلَتَه، ولِأنَّ الوِلايَةَ من المصالِحِ العامَّةِ، أشْبَهَ عَقْدَ الذِّمَّة.
(وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا):
(مَعْرِفَةُ المُوَلِّي كَوْنَ المُوَلَّى
(5)
عَلَى صِفَةٍ يَصْلُحُ
(6)
لِلْقَضَاءِ)؛ لِأنَّ مقصودَ القَضاء لا يحصل
(7)
إلَّا بذلك، وحاصله: أنَّه
(8)
إنْ كان يَعرِفُ صَلاحِيَتَه وَلاَّهُ، وإلَّا سَأَلَ أهْلَ المعرفة عنه، ولِأنَّ الأصْلَ العَدَمُ، فلا يجوز
(9)
تَولِيَتُه مع عَدَمِ العِلْم بذلك، كما لا يجوز
(10)
تَولِيَتُه مع العلم بعَدَمِ صلاحِيَتِه.
(1)
في (م): ولا يكفي، وفي (ن): ولا ينتفي.
(2)
قوله: (قال في) سقط من (م)، وهو في (ن): وفي.
(3)
في (م): ومن لم.
(4)
قوله: (لجميع) سقط من (ن).
(5)
قوله: (كون المولى) سقط من (م) و (ن).
(6)
في (ن): تصلح.
(7)
في (ن): لا يصلح.
(8)
قوله: (أنه) سقط من (ظ) و (ن).
(9)
في (م): فلا تجوز.
(10)
في (م): لا تجوز.
(وَتَعْيِينُ مَا يُوَلِّيهِ الْحُكْمَ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ)؛ كالكُوفَة ونَواحِيها، (وَالْبُلْدَانِ)؛ كبَغْدادَ ونحوِها؛ لِيَعْلَم مَحَلَّ وِلايَتِه، فيَحكُمَ فِيهِ ولا يَحكُمَ في غَيرِه، ولِأنَّه عَقْدُ وِلايَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الإيجابُ والقَبول، فلا بُدَّ مِنْ مَعْرفَةِ المعْقُودِ عَلَيهِ كالوَكالة.
(وَمُشَافَهَتُهُ
(1)
بِالْوِلَايَةِ)؛ أيْ: يُشافِهُه الإمامُ بها إنْ كان حاضِرًا، (أَوْ مُكَاتَبَتُهُ
(2)
بِهَا) إنْ كان غائبًا؛ لِأنَّ التَّولِيَةَ تَحصُلُ
(3)
بذلك؛ كالتَّوكِيل، وحِينَئِذٍ يَكتُبُ له عَهْدًا بما وَلاَّهُ؛ «لِأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ لِعَمْرِو بنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَه إلى اليَمَن»
(4)
، وكَتَبَ عُمَرُ إلى أهلِ الكُوفة: «أمَّا بَعْدُ، فإنِّي قد
(5)
بَعَثْتُ إلَيكم عَمَّارًا أميرًا
(6)
، وعبدَ الله قاضِيًا»
(7)
.
(وَإِشْهَادُ شَاهِدَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ)؛ أيْ: إذا كان البلدُ الَّذي ولاَّه فيه بعيدًا لا يَسْتَفِيضُ إلَيهِ الخَبَرُ بما يكُونُ في بلدِ
(8)
الإمام، فلا بُدَّ مِنْ شهادةِ عَدْلَينِ عَلَيها.
(1)
في (ظ) و (م): ويشافهه.
(2)
في (م): يكاتبه.
(3)
في (ظ): يحصل.
(4)
كتاب عمرو بن حزم في أنصبة الزكاة والديات سبق تخريجه 3/ 248 حاشية (7).
(5)
قوله: (قد) سقط من (م).
(6)
في (ن): أجيرًا.
(7)
أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1547)، والطحاوي في شرح المعاني (2770)، والطبراني في الكبير (8478)، والحاكم (5663)، عن حارثة بن مضرب به، وسنده صحيح كما قاله الضياء المقدسي، قال الحاكم:(صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)، وحارثة بن مُضرِّب الكوفي ثقة، لم يخرج له الشيخان. ينظر: الأحاديث المختارة 1/ 208، تهذيب الكمال 5/ 315، مجمع الزوائد 9/ 291، الإرواء 8/ 299.
(8)
في (م): بلاد.
(وَقَالَ
(1)
الْقَاضِي: تَثْبُتُ
(2)
بِالاِسْتِفَاضَةِ إِذَا كان
(3)
بَلَدُه قَرِيبًا يَسْتَفِيضُ فِيهِ أَخْبَارُ بَلَدِ الْإِمَامِ)؛ لأِنَّ العِلمَ بالوِلايَة يحصل
(4)
بذلك.
والأصحُّ: أنَّها تَثْبُتُ بالاِسْتِفاضة مع قُرْبِ ما بَينَهما؛ كخمسةِ أيَّامٍ.
والحاصِلُ: أنَّها لا تَثْبُتُ إلَّا بِشاهِدَينِ، أوْ بالاِسْتِفاضَة إذا كان بلدُه قريبًا تستفيضُ فيه أخْبارُ المولِّي له
(5)
، وأطْلَقَ الأدَمِيُّ: أو اسْتِفاضَةٍ، وظاهِرُه مع البُعْد، قال في «الفروع»: وهو مُتَّجِهٌ.
(وَهَلْ تُشْتَرَطُ
(6)
عَدَالَةُ المُوَلِّي؟) بكَسْرِ اللاَّم، (عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحْداهما: يُشتَرَطُ كما يُشْتَرَطُ في المتَوَلِّي.
والمذْهَبُ: أنَّها لا تُشَتَرَطُ؛ لِأنَّ وِلايَةَ الإمامِ الكُبْرَى تَصِحُّ مِنْ كلِّ بَرٍّ وفاجِرٍ، فصَحَّتْ وِلايَتُه؛ كالعَدْل، ولِأنَّها لو اعْتُبِرَتْ في المُوَلِّي؛ أفْضَى إلى تَعذُّرِها بالكُلِّيَّة فِيمَا إذا كان غَيرَ عَدْلٍ.
وعَنْهُ: سِوَى الإمامِ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ أي
(7)
: إذا ولاَّهُ إمامٌ فاسِقٌ؛ صَحَّ، وإنْ وَلاَّهُ نائِبُه الفاسِقُ؛ فَلَا.
فرعٌ: لا يَنعَزِلُ إمامٌ أعْظَمُ بِفِسْقٍ يَطْرَأُ
(8)
عَلَيهِ، وعَنْهُ: بَلَى، كالحاكِمِ.
ولا تَنعَقِدُ الإمامةُ العُظْمَى لِفاسِقٍ.
وعَنْهُ: تنعقد
(9)
ولو غَلَبَهم بِسَيفِهِ مع بَقِيَّة الشُّروط، وهي أشْهَرُ.
(1)
في (ن): قال.
(2)
في (م): يكتب، وفي (ظ): يثبت.
(3)
قوله: (كان) مكانه بياض في (م).
(4)
في (ن): تحصل.
(5)
قوله: (له) سقط من (م).
(6)
في (ن): يشترط.
(7)
قوله: (أي) سقط من (م).
(8)
في (م): طرأ، وفي (ن): تطري.
(9)
في (ظ) و (ن): ينعقد.
(وَأَلْفَاظُ التَّوْلِيَةِ الصَّرِيحَةُ سَبْعَةٌ: وَلَّيْتُكَ الْحُكْمَ، وَقَلَّدْتُكَ، وَاسْتَنَبْتُكَ، وَاسْتَخْلَفْتُكَ، وَرَدَدْتُ إِلَيْكَ الْحُكْمَ، وَفَوَّضْتُ إِلَيْكَ، وَجَعَلْتُ إِلَيْكَ الْحُكْمَ)؛ لِأنَّ هذه تَدُلُّ على وِلايَةِ القضاء دلالةً
(1)
لا تَفتَقِرُ معها إلى شَيءٍ آخَرَ، وذلك هو الصَّريحُ، زاد في «الرِّعاية» على هذه: استكفيتك
(2)
.
وقيل: رَدَدْتُه، وفَوَّضْتُه، وجَعَلْتُه إلَيكَ؛ كنايةٌ
(3)
.
(فَإذَا وُجِدَ لَفْظٌ مِنْهَا)؛ أيْ: واحِدٌ منها، (وَالْقَبُولُ مِنَ المَوَلَّى) الحاضِرِ في المجْلِس، أو الغائبِ بَعْدَه؛ (انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ)؛ لِأنَّها لا تحتمل
(4)
إلَّا ذلك، فمتى أتى بواحِدٍ منها، وَوُجِدَ القَبولُ؛ صَحَّتْ؛ كالبيع والنِّكاح.
ويَصِحُّ القَبولُ بالشُّروع في العمل في الأصحِّ، قال ابنُ حَمْدانَ: إنْ قُلْنا: هو نائبُ الشَّرع كَفَى، وإنْ قُلْنا: هو نائبُ مَنْ وَلاَّهُ فَلَا.
مسألةٌ: تصحُّ
(5)
تَولِيَةُ مَفْضُولٍ مع وُجُودِ فاضلٍ
(6)
، قال ابنُ حَمْدانَ: إن أُمِنَت الفِتْنةُ، وكان
(7)
أصلحَ للدِّين والنَّاس.
وإنْ فوَّض الإمامُ إلى إنسانٍ تَولِيَةَ القاضي
(8)
؛ جَازَ، ولا يَجُوزُ له اخْتِيارُ نَفْسِه ولا والِدِه ولا وَلَدِه؛ كما لو وَكَّلَه في الصَّدقة، قال: ويَحتَمِلُ أنْ يَجُوزَ له اخْتِيارُهما إذا كانا صالِحَينِ للوِلايَة.
(وَالْكِنَايَةُ
(9)
نَحْوُ: اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ، وَعَوَّلْتُ عَلَيْكَ، وَوَكَّلْتُ إِلَيْكَ،
(1)
في (م): دلالات.
(2)
في (م): استقيتك.
(3)
في (م): كفاية.
(4)
في (م): لا تحمل.
(5)
في (م): يصح.
(6)
في (م): فضل.
(7)
قوله: (الفتنة وكان) في (م): الغيبة وإن كان.
(8)
في (م): القضاء.
(9)
في (م): والكفاية.
وَأَسْنَدْتُ
(1)
إَلَيْكَ الْحُكْمَ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا)؛ لِأنَّ هذه الألفاظ
(2)
تَحتَمِلُ التَّولِيَةَ وغَيرَها، مِنْ كَونِه يأخُذُ بِرَأْيِه أوْ غَيرِ ذلك، فلا يَنصَرِفُ إلى التَّولِيَةِ، (حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ
(3)
، نَحْوُ: فَاحْكُمْ، أَوْ فَتَوَلَّ
(4)
مَا عَوَّلْتُ عَلَيْكَ فِيهِ، وَمَا أَشْبَهَ
(5)
ذَلِكَ)؛ لِأنَّ هذه القرينةَ تَنْفِي الاِحْتِمالَ.
(1)
في (ظ): وأنفذت.
(2)
في (ن): ألفاظ.
(3)
قوله: (قرينة) سقط من (م).
(4)
في (م) و (ن): قبول. والمثبت موافق لنسخ المقنع الخطية.
(5)
قوله: (وما أشبه) في (ن): ونحو.
فصلٌ
قال في
(1)
«الرِّعاية» : لا تَصِحُّ الإمامةُ العُظْمَى إلَّا لمُسْلمٍ
(2)
، حُرٍّ، مُكلَّفٍ، ذَكَرٍ، عَدْلٍ، مُجتَهِدٍ، شُجاعٍ، مُطاعٍ، ذِي رَأْيٍ، سميعٍ، بصيرٍ، ناطِقٍ، قُرَشِيٍّ.
ولا بُدَّ مِنْ بَيعَةِ أهْلِ الحَلِّ والعَقْد؛ مِنَ العلماءِ وَوُجُوهِ النَّاس، والاِسْتِيلاءِ قَهْرًا مع بَقِيَّةِ شُرُوطِ الإمامة.
وعَنْهُ: لا يَضُرُّ فِسْقُه المقارِنُ وجَهْلُه.
فإنْ شَرَطْنا حِينَ البَيعة عَدَمَ فِسْقِه وجَهْلِه؛ لم يَنعَزِلْ بفِسْقِه الطَّارِئِ على الأصحِّ.
ولا طاعةَ له في مَعصِيَةٍ.
ومَن ثبتت وِلايَتُه قَهْرًا؛ زالَتْ به.
قال في
(3)
«المستوعب» : وشُروطُ القَضاء تَنْقُصُ عن شُروطِ الإمامة بالشَّجاعة، لسُقُوطِ الحرب عن القاضي
(4)
، وحاجةِ الإمام إلَيهِ، وبالنَّسَبِ
(5)
؛ لِأنَّ الإمامةَ أعْلَى المراتِبِ الدِّينِيَّةِ، فاعْتُبِر فيها النَّسَبُ؛ لحُصولِ التَّمْييز عن الرَّعية
(6)
.
قال في
(7)
«الشَّرح» : لو خَرَجَ رجلٌ على الإمام فَقَهَرَه، وغَلَبَ النَّاسَ
(1)
قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).
(2)
في (ن): المسلم.
(3)
قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).
(4)
في (ن): كسقوط الحرب عن القصاص.
(5)
في (م): بالنسبة.
(6)
في (ن): الرغبة.
(7)
قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).
بسَيفِه حتَّى أَقَرُّوا له، وأذْعَنُوا بطاعته، وبايَعُوهُ؛ صار إمامًا يَحرُمُ قِتالُه والخُروجُ عَلَيهِ، فإنَّ عبدَ الملِكِ بنَ مَرْوانَ خَرَجَ على
(1)
عبدِ الله بنِ الزُّبَير، فَقَتَلَه، واسْتَوْلَى على البلاد وأهْلِها، حتَّى بايَعُوهُ طَوعًا وكَرْهًا، وذلك لِمَا في الخُروجِ عَلَيهِ شَقُّ عَصَا المسْلِمِينَ، وإراقةُ دِمائهم، وذَهابُ أمْوالِهم.
(1)
في (م): عليه.
(فَصْلٌ)
(وَإذَا ثَبَتَتِ الْوِلَايَةُ وَكَانَتْ عَامَّةً)؛ أيْ: لم تُقَيَّد
(1)
بِنَوعٍ؛ (اسْتَفَادَ بِهَا النَّظَرَ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وزاد عَلَيها واحِدًا: وهو جباية
(2)
الخَراج، وفي «الفُروع»: والزَّكاة، وقال في «التَّبْصَرة»: والاِحْتِسابِ على الباعَة والمشْتَرِينَ، وإلْزامِهم بالشَّرع.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ما يَستَفِيدُه بالوِلايَة لا حَدَّ له شَرْعًا، بل يُتَلَقَّى من اللَّفظ والأَحْوال والعُرْف
(3)
.
(فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مَمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَدَفْعُهُ إِلَى رَبِّهِ)؛ لِأنَّ المقْصودَ من القضاء ذلك، ولهذا قال أحمدُ: أتذهب
(4)
حُقُوقُ النَّاس!
(5)
(وَالنَّظَرُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَجَانِينِ وَالْسُّفَهَاءِ
(6)
؛ لِأنَّ بعضَهم مُختَصٌّ بنَظَرِ الحاكم، وهو السَّفِيهُ، وبعضَهم هو بَينَ أنْ لا يكُونَ له وَلِيٌّ، فَتَرْكُ
(7)
نَظَرِه في مالِه يُؤدِّي إلى ضَياعِه، وبَينَ أنْ يكُونَ له وَلِيٌّ، فَتَرْكُ نَظَرِه في حالِ الوليِّ يُؤَدِّي إلى طَمَعِه في مالِ مَوْلِيِّه، وفي ذلك ضَرَرٌ عَلَيهِ.
(وَالْحَجْرُ عَلَى مَنْ يَرَى الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ)؛ لِأنَّ الحَجْرَ يَفتَقِرُ إلى نَظَرٍ واجْتِهادٍ، فلذلِكَ
(8)
كان مُختَصًّا به.
(1)
في (م): لم تتقيد، وفي (ن): لم يقيد.
(2)
في (م): جناية.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 480، الفروع 11/ 100.
(4)
في (م): تذهب.
(5)
ينظر: زاد المسافر 3/ 475.
(6)
قوله: (والسفهاء) سقط من (ظ) و (ن).
(7)
في (م): فيترك.
(8)
في (م): فكذلك.
(وَالنَّظَرُ فِي الْوُقُوفِ فِي عَمَلِهِ، بِإِجْرَائِهَا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ)؛ لِأنَّ الضَّرورةَ تَدْعُو إلى إجرائها
(1)
على شروطِها
(2)
، سَواءٌ كان لها ناظرٌ
(3)
خاصٌّ، أوْ لم يكُنْ.
(وَتَنْفِيذُ الْوَصَايَا)؛ لِأنَّ الميِّتَ مُحتاجٌ إلى ذلك، ولَيسَ ذلك لغَيرِه.
(وَتَزْوِيجُ النِّسَاءِ اللاَّتِي لَا وَلِيَّ لَهُنَّ)؛ لقوله عليه السلام: «فإن اشتجروا؛ فالسُّلْطانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ له»
(4)
، والقاضِي نائبُه.
(وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ)؛ لِأنَّه عليه السلام كان يُقِيمُها
(5)
والخلفاءُ مِنْ بَعْدِه
(6)
.
(وَإِقَامَةُ الْجُمُعَةِ) والعِيد، ذَكَرَه في «المستوعب» و «الرِّعاية» و «الفُروع» ، ما لم يُخَصَّا بإمامٍ مِنْ جِهَةِ السُّلْطان أو الواقِفِ، ذَكَرَه ابنُ حَمْدانَ، ولأِنَّ الخُلَفاء كانوا يُقِيمُونَهما.
(وَالنَّظَرُ فِي مَصَالِحِ عَمَلِهِ؛ بِكَفِّ الْأَذَى عَنْ طُرُقَاتِ المُسْلِمِينَ وَأَفْنِيَتِهِمْ)؛ لِأنَّه مُرصَدٌ للمَصالِح.
(وَيَتَصَفَّحُ
(7)
حَالَ شُهُودِهِ وَأُمَنَائِهِ، وَالاسْتِبدَالُ
(8)
بِمَنْ ثَبَتَ جَرْحُهُ مِنْهُمْ)؛ لِأنَّ العادةَ في القضاة
(9)
تَولِيَتُها، فعِنْدَ إطْلاقِ الوِلايَة تنصرِفُ
(10)
إلى ما جَرَتَ
(1)
في (م): بإجرائها.
(2)
في (م): شرطها.
(3)
في (ظ): نظر.
(4)
أخرجه أبو داود (2083) وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد تقدّم تخريجه 7/ 437 حاشية (3).
(5)
من ذلك: أمره عليه الصلاة والسلام برجم ماعز والغامدية رضي الله عنهما، أخرجه مسلم (1695).
(6)
من ذلك: ما أخرجه البخاري (6812)، عن عليٍّ رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة، وقال:«قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
(7)
في (ظ) و (ن): ويصفح.
(8)
في (م): والاستدلال.
(9)
في (ظ): القضاء.
(10)
في (م) و (ن): ينصرف.
به العادةُ.
(فَأَمَّا جِبَايَةُ الْخَرَاجِ، وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ) إذا لم يُخَصَّا بعامِلٍ، قالَهُ في «الوجيز» ، تَبَعًا لأِبِي الخَطَّاب؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَدخُلانِ؛ قِياسًا على سائِرِ الخِصَال.
والثَّانِي: لَا؛ لِأنَّ العادةَ لم تثبت
(1)
بتَوَلِّي القضاء
(2)
لهما، والأصْلُ عَدَمُ ذلك.
وقِيلَ: في الخَراجِ.
ونَقَلَ أبو طالِبٍ: أمِيرُ البَلَد إنَّما هو مُسلَّطٌ على الأَدَب، ولَيسَ إليه
(3)
الموارِيثُ، والوَصَايا، والفُروج، والحُدود، والرَّجم، إنَّما
(4)
ذلك للقاضِي
(5)
، فَظَهَرَ الفَرْقُ بَينَهما.
وعُلِمَ مِمَّا تقدَّم
(6)
: أنَّه لا يسمع
(7)
بيَّنَةً في غَيْرِ عَمَلِه، وهو مَحَلُّ حُكْمِه، وتجب
(8)
إعادةُ الشَّهادة؛ كتعديلها
(9)
.
(وَلَهُ طَلَبُ الرَّزْقِ لِنَفْسِهِ، وَأُمَنَائِهِ، وَخُلَفَائِهِ، مَعَ الْحَاجَةِ)، ورخَّصَ فيه أكْثَرُ العُلَماء؛ لِأنَّ «عُمَرَ رَزَقَ شُرَيحًا في كلِّ شَهْرٍ مِائَةَ دِرْهَم»
(10)
، «ورَزَقَ
(1)
في (ظ): لم تثبت.
(2)
في (م): القضاة.
(3)
قوله: (إليه) سقط من (م).
(4)
في (م): وإنما.
(5)
ينظر: الفروع 11/ 100.
(6)
قوله: (مما تقدم) في (م): منه.
(7)
في (ظ): لا تسمع.
(8)
في (م): ويجب.
(9)
في (م): كتعديلهما.
(10)
قال ابن حجر: (لم أره هكذا). وقد أخرج البخاري تعليقًا قبل (7163)، ووصله سعيد بن منصور كما في تغليق التعليق (5/ 294)، عن مجالد، عن الشعبي قال:«كان مسروق لا يأخذ على القضاء أجرًا، وكان شريح يأخذ» ، ومجالد بن سعيد ضعيف، وأخرج عبد الرزاق (15282)، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم:«أن عمر بن الخطاب رزق شريحًا وسلمان بن ربيعة الباهلي على القضاء» ، والحسن بن عمارة الكوفي متروك. وعند ابن أبي شيبة (21806)، عن حسن بن صالح، عن ابن أبي ليلى، قال:«بلغني أن عليًّا رزق شريحًا خمسمائة» . ينظر: التلخيص الحبير 4/ 357، الإرواء 8/ 231.
ابنَ مَسْعودٍ نصفَ شاةٍ كلَّ يَومٍ»
(1)
، وإذا جاز له الطَّلَبُ لنَفْسِه؛ جازَ لمن هو
(2)
في مَعْناهُ.
وقال أحمدُ: لا يُعجِبُنِي أنْ يأخُذَ على القَضاء أَجْرًا، وإنْ كان فبقدر
(3)
عَمَلِه، مِثْلَ مالِ اليَتِيم
(4)
، «وكان ابنُ مَسْعُودٍ يَكرَهُ الأُجْرةَ على القَضاء، ولا يَأخُذُ عَلَيهِ أجْرًا»
(5)
.
(فَأَمَّا مَعَ عَدَمِهَا؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أصَحُّهما: الجَوازُ؛ لِأنَّ «أبا بكرٍ لمَّا وَلِيَ الخِلافَةَ فَرَضُوا له كلَّ يَومٍ
(1)
م نجده هكذا، وتقدم 10/ 231 حاشية (7) في حديث بعث عمر رضي الله عنه عمارًا أميرًا على البصرة، أنه:«رَزَقهم كلّ يوم شاةً» ، أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح. وأخرج ابن سعد في الطبقات (3/ 255)، عن عبد الله بن أبي الهذيل:«أنّ عمر رزق عمارًا وابنَ مسعود وعثمان بن حنيف شاة، لعمّار شطرها وبطنها، ولعبد الله ربعها، ولعثمان ربعها كل يوم» ، وإسناده صحيح على شرط مسلم كما قاله الألباني، وأخرج نحوه عبد الرزاق (10128، 19276)، عن أبي مجلز، عن عمر بن الخطاب مرسلاً. ينظر: جامع التحصيل (ص 296)، الإرواء 8/ 233، التكميل (ص 203).
(2)
لقوله: (هو) سقط من (م).
(3)
في (ن): فيقدر.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3715.
(5)
لم نجده عن ابن مسعود رضي الله عنه، وأخرج ابن الجعد في مسنده (846)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 92)، عن شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن مسروق:«أنه كان لا يأخذ على القضاء أجرًا ويتأوّل هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}» . وأخرجه ابن أبي شيبة (21802)، عن مسروق. وسنده صحيح.
دِرْهَمَينِ»
(1)
، «وَفَرَضَ عُمَرُ لِزَيدٍ وغَيرِه»
(2)
، وأَمَرَ بفَرْضِ الرَّزْق لمَن يولَّى
(3)
من القُضاة
(4)
، ولِأنَّه لو لم يَجُزْ فَرْضُ الرَّزق؛ لَتَعَطَّلَتْ وضاعَت الحُقوقُ.
والثَّاني: لا يَجُوزُ؛ لِأنَّه يَختَصُّ أنْ يكُونَ فاعِلُه مِنْ أهْلِ القُرْبة، فلم يَجُزْ أخذ
(5)
الأُجْرة عَلَيهِ كالصَّلاة.
فأمَّا الاِستِئْجارُ عَلَيهِ؛ فلا يَجُوزُ، فإنَّ عُمَرَ قال:«لا يَنْبَغِي لِقَاضِي المسْلِمِينَ أنْ يَأخُذَ على القَضاءِ أَجْرًا»
(6)
،
(1)
قال الحافظ ابن حجر: (لم أره هكذا)، وقد أخرج البخاري (2070)، من طريق ابن شهاب، حدثني عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما استخلف أبو بكر الصديق، قال:«لقد علم قومي أنّ حرفتي لم تكن تعجِز عن مؤونة أهلي، وشُغِلتُ بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه» ، وأخرج ابن سعد في الطبقات (3/ 185)، من طريق عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لما استُخلف أبو بكر جعلوا له ألفين فقال: زيدوني فإن لي عيالاً، وقد شغلتموني عن التجارة. قال: فزادوه خمسمائة. قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة. ورجاله ثقات إلا أنه منقطعٌ؛ فإنّ ميمون بن مهران الجزري لم يدرك خلافة أبي بكر رضي الله عنه كما قاله الألباني.
ينظر: الإرواء 3/ 185.
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 359)، من طريق حجاج بن أرطأة، عن نافع، قال:«استعمل عمر بن الخطاب زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقًا» ، قال الألباني:(إسناد منقطع ضعيف، الحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعنه، ونافع لم يدرك عمر). ينظر: الإرواء 8/ 230.
(3)
في (ظ): تولي.
(4)
مراده ما أخرجه ابن عساكر في التاريخ (58/ 435)، من طريق عبد الواحد بن زياد، عن الحجاج، عن نافع قال:«كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح وإلى معاذ بن جبل رضي الله عنهم حين بعثهما إلى الشام: أن انظروا رجالاً من صالحي من قبلكم فاستعملوهم على القضاء، وارزقوهم وأوسعوا عليهم من مال الله عز وجل» ، وإسناده ضعيف كالأثر السابق، فحجاج هو ابن أرطاة، ونافع لم يدرك عمر.
(5)
قوله: (فلم يجز أخذ) في (ن): فلم تجز.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (21804)، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الحصين، عن القاسم، عن عمر رضي الله عنه، قال:«لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ أجرًا، ولا صاحب مغنمهم» ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر لم يدرك عمر كما قاله ابن حجر وغيره. ينظر: سير أعلام النبلاء 5/ 54، إتحاف المهرة 12/ 351.
قال في «المغْنِي» : لا نَعلَمُ فيه
(1)
خِلافًا
(2)
؛ لأنَّه
(3)
يَختَصُّ أنْ يكُونَ فاعلُه
(4)
مِنْ أهْلِ القُرْبة، ولا يَعْمَلُه الإنسان
(5)
عن غَيرِه، وإنَّما يَقَعُ عن نَفْسِه كالصَّلاة.
فإنْ لم يكُنْ له رَزْقٌ، ولَيسَ له ما يَكْفِيهِ، وقال للخَصْمَينِ: لا أَقْضِي بَينَكُما حتَّى تَجْعَلَا لِي جُعْلاً؛ جاز
(6)
، وقِيلَ: لَا.
تنبيهٌ: لا يَجُوزُ أنْ يُقلَّدَ القَضاءُ لِواحِدٍ على أنْ يَحكُمَ بمَذْهَبٍ بِعَينِه، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(7)
؛ لِأنَّه مأمورٌ بالحُكْم بالحقِّ، والحقُّ لا يَتَعَيَّنُ في مَذْهَبٍ بعَينِه.
وفي فَسادِ التَّولِيَةِ وَجْهانِ؛ كالشَّرْط الفاسِدِ في البَيعِ.
وإنْ أَمَرَه أنْ يَحكُمَ به وَحْدَه؛ صحَّ، وله أنْ يَحكُمَ بمَذْهَبِ إمامٍ غَيرِه، ومَذْهَبِ غَيرِ من
(8)
وَلاَّهُ إنْ قَوِيَ عِندَه دليلُه، وقِيلَ: لَا.
وللإمام تَولِيَةُ القَضاء في بلده وفي غَيرِه، وإنْ أَذِنَ له أنْ يَسْتَنِيبَ؛ صحَّ، وإنْ نَهاهُ فَلَا.
(1)
في (م): له.
(2)
ينظر: المغني 10/ 35.
(3)
زيد في (ن): لا.
(4)
في (م): فاعله أن يكون.
(5)
في (م): ولا يعلمه الناس.
(6)
قوله: (جاز) سقط من (م).
(7)
ينظر: المغني 10/ 93.
(8)
زيد في (م): لا.
وإنْ أطْلَقَ؛ فَظاهِرُ كلامِ أحمدَ، وجَزَمَ به في «المستوعب» ، وقدَّمه في «الشَّرح»: الجَوازُ.
وقِيلَ: له ذلك فيما لا يُباشِرُه مِثْلُه عُرْفًا أوْ يَشُقُّ.
فإن اسْتَخْلَفَ في مَوضِعٍ لَيسَ له الاِسْتِخْلافُ؛ فحُكْمُه حُكْمُ مَنْ لم يُوَلَّ
(1)
.
وتُشترط
(2)
أهْلِيَّةُ النَّائب لِمَا تولاه
(3)
.
(1)
كتب في هامش (ظ): (ويستخلف أي: يأخذ القاضي خليفة في القضاء، بتفويض من قلَّده القضاء، بأن قال له: جعلتك قاضيًا، وأعطيتك ولاية الاستخلاف؛ كاستخلاف وكيل الآخر بتفويض موكِّلِه، وإنما جاز لمأمورٍ بإقامة الجمعة استخلافُ غيره بلا تفويض أمره؛ لأن الأمر بإقامته جمعة هي على شرط الفوات، بخلافه فيها، ولا له، وليس للقاضي عزل الخليفة أو استخلافه بتفويضٍ إلا أن يقول له المقلد: استبدل من شئت، فحينئذ يملك عزله، والحمد لله وحده).
(2)
في (م): ويشترط.
(3)
في (ن): ولاه.
(فَصْلٌ)
(وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي عُمُومِ الْعَمَلِ)، بأنْ يُوَلِّيَهُ الْقَضَاءَ فِي سَائِرِ الأَحْكام وسائِرِ البُلْدان، (وَيَجُوزُ
(1)
أَنْ يُوَلَّيَهُ خَاصًّا فِي أَحَدِهِمَا)، بأنْ يُولِّيَه الحُكْمَ في سائِرِ الأَحْكام في بَلَدٍ أوْ مَحَلَّةٍ مِنْ المَحالِّ، وكذا عَكْسُه، (أَوْ فِيهِمَا) بأَنْ يُوَلِّيَه الحُكْمَ في المُدايَناتِ، أوْ عُقُودِ الأَنْكِحةِ في بَعْض البِلاد أو المَحالِّ.
(فَيُوَلِّيَهُ عُمُومَ النَّظَرِ فِي بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ، فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي أَهْلِهِ)، وهو ظاهِرٌ، (وَمَنْ طَرَأَ إِلَيْهِ)؛ لِأنَّ الطَّارِئَ يُعطَى حُكْمَ أهْلِه في كثيرٍ من الأحكام، بدليلِ أنَّ الدِّماءَ الواجِبةَ لِأهْلِ مَكَّةَ يَجُوزُ تَفْريقُها في الطَّارِئ إلَيها كأهْلِها.
(أَوْ يَجْعَلَ إِلَيْهِ الْحُكْمَ فِي المُدَايَنَاتِ خَاصَّةً
(2)
، أَوْ فِي قَدْرٍ مِنَ المَالِ لَا يَتَجَاوَزُهُ، أَوْ يُفَوِّضَ إِلَيْهِ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا)؛ لِأنَّ الخِيَرَةَ في التَّولِيَة إلى الإمام، فكذا في صِفَتِها، وله الاِسْتِنابَةُ في الكلِّ، فكذا في البَعْض.
وقد صحَّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَسْتَنِيبُ أصْحابَه كلًّا في شَيءٍ، فَوَلَّى عُمَرَ القَضاءَ
(3)
،
(1)
قوله: (يجوز) سقط من (ظ).
(2)
قوله: (خاصة) سقط من (ظ) و (م).
(3)
لم نقف عليه، بل ورد خلافه، فقد أخرج أبو يعلى في مسنده (5455)، من طريق ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ما اتّخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيًا، ولا أبو بكر، ولا عمر، حتى كان في آخر زمانه، فقال ليزيد ابن أخت نمر: اكفني بعض الأمور» يعني: صغارها. وسنده صحيح. قال السيوطي: (ولم يستنبِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قاضيًا، ولا أبو بكر، وأوّل من استناب عمر)، وذكر ما أخرجه الطبراني في الكبير (6662)، عن السائب بن يزيد رضي الله عنه:«أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر لم يتّخذا قاضيًا، وأوّل من استقضى عمرُ» وحسن السيوطي إسناده. قال الهيثمي: (وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح). ينظر: مجمع الزوائد 4/ 196، الحاوي للفتاوى للسيوطي 1/ 188.
وبَعَثَ عَلِيًّا قاضيًا
(1)
باليَمَن
(2)
، وكان يُرسِلُ بعضَهم لجَمْعِ الزَّكاة وغَيرِها
(3)
، وكذلك الخُلَفاءُ مِنْ بَعْدِه.
(وَيَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ) مِنْ غَيرِ مَذْهَبِه، قاله القاضِي في «الأحْكام السُّلْطانِيَّة» ، و «الرِّعايَتَينِ» ، و «الحاوي» ، و «النَّظم» ؛ لِأنَّ على القاضي أنْ يَجتَهِدَ رَأْيَه في قَضائه، وقد سَبَقَ في الوَكالة.
(قَاضِيَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، يَجْعَلُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
(4)
عملاً
(5)
، فَيَجْعَلُ إِلَى أَحَدِهِمَا الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِلَى الآْخَرِ عُقُودَ الْأَنْكِحَةِ)؛ لِأنَّ الإمامَ كامِلُ الوِلايَة، فوجب
(6)
أنْ يَملِكَ ذلك؛ إذْ لا
(7)
ضَرَرَ عَلَيهِ؛ كتَولِيَةِ القاضِي الواحِدِ.
(فَإِنْ جَعَلَ إِلَيْهِمَا
(8)
عَمَلاً وَاحِدًا؛ جَازَ)، صحَّحه في «المغْنِي» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّها نِيابَةٌ، فَجَازَ جَعْلُها إلى اثْنَينِ كالوَكَالةِ
(9)
، ولِأنَّه يَجُوزُ للقاضِي أنْ يَسْتَخْلِفَ خَلِيفَتَينِ في مَوضِعٍ واحِدٍ، فالإمامُ أَوْلَى.
(1)
قوله: (قاضيًا) سقط من (م).
(2)
تقدم تخريجه 10/ 225 حاشية (3).
(3)
من ذلك: ما أخرجه البخاري (2597)، عن أبي حميد السّاعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من الأزد، يقال له ابن اللتبيّة على الصّدقة. الحديث.
(4)
قوله: (منهما) سقط من (ظ).
(5)
قوله: (يجعل إلى كل واحد منهما عملاً) سقط من (م).
(6)
في (م): فوجبه.
(7)
قوله: (إذ لا) في (ن): ولا.
(8)
في (م): عليهما.
(9)
في (م): كالولاية.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ)؛ لِأنَّهما قد يَختَلِفانِ في الاِجْتِهاد، فَتَقِفُ الحُكومةُ.
وجَوابُه: أنَّ كلَّ حاكِمٍ يَحكُمُ باجتهاده
(1)
، ولَيسَ لِلآخَرِ الاِعْتِراضُ عَلَيهِ.
ويُقدَّمُ قَولُ الطَّالِب ولو عِنْدَ نائبٍ، فإنْ كانَا مُدَّعيين اختلفا
(2)
في ثَمَنِ مَبِيعٍ باقٍ؛ اعْتُبِرَ أقْرَبُ الحاكِمَينِ منهما مَجلِسًا، فإنِ اسْتَوَيَا؛ أُقْرِعَ.
وقِيلَ: يُعتَبَرُ اتِّفاقُهما على حاكِمٍ.
قال حَرْمَلَةُ: قال الشَّافِعِيُّ: لَولَا شُعْبَةُ ما عُرف
(3)
الحديثُ بالعِراق، كان يَجِيءُ إلى
(4)
الرَّجُل فيَقُولُ له: لا تُحدِّثْ وإلَّا اسْتَعْدَيتُ عَلَيكَ السُّلْطانَ
(5)
.
وفي «الرِّعاية» : يُقدَّمُ مِنْهُما مَنْ طَلَبَ حُكْمَ المسْتَنِيب.
وفي «التَّرغيب» : إنْ تَنازَعا أُقْرِعَ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: إنْ كانَا في الحاجز؛ كدجْلَةَ والفرات
(6)
؛ لَيسَ الحاكِمُ في وِلايَةِ أحدِهما؛ فإلى الوالي الأَعْظَم.
(وَإِنْ مَاتَ المُوَلِّي) - بكَسْرِ اللاَّم -، (أَوْ عُزِلَ المُوَلَّى) - بفَتْحِها - (مَعَ صَلَاحِيَتِهِ؛ لَمْ تَبْطُلْ وِلَايَتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا هو الأشهر
(7)
، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفُروع»
(8)
؛ لأِنَّه عَقْدٌ لمَصلَحَةِ المسْلِمِينَ؛ كما لو عَقَدَ الوليُّ
(1)
في (م): باجتهاد.
(2)
في (م): واختلفا.
(3)
في (م): ما عرفت.
(4)
قوله: (إلى) سقط من (ن).
(5)
أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي (ص 160)، والبيهقي في المعرفة 1/ 151 بسند صحيح.
(6)
في (م): الفرات.
(7)
في (ن): المشهور.
(8)
كتب في هامش (ظ): (وهو المذهب، صححه في «الترغيب» و «النظم» و «التصحيح»، وجزم به في «الوجيز» و «المنور» و «منتخب الأدمي» وغيرهم، وقدمه في «المحرر» و «الشرح» و «الرعايتين» و «الحاوي الصغير»، قال الشارح: والأولى إن شاء الله أنه لا ينعزل قولاً واحدًا).
النِّكاحَ على مَوْلِيَّتِه ثُمَّ ماتَ، أوْ فَسَخَه.
(وَتَبْطُلُ فِي الآْخَرِ)، وجَزَمَ به في «الوجيز» في الثَّانِيَةِ، لَا الأولى؛ كالوكيل، قال
(1)
عُمَرُ: «لَأعْزِلَنَّ أبا مَرْيمَ، وأُوَلِّي رَجُلاً إذا رآه الفاجرُ
(2)
فَرِقَهُ»
(3)
، فَعَزَلَه وَوَلَّى كعبَ بنَ سُور
(4)
، وَوَلَّى عليٌّ أبا الأَسْوَد ثُمَّ عَزَلَه، فقال: لم عَزَلْتَنِي وما جَنَيتُ؟ قال: رَأَيْتُك تَعْلُو كَلامَكَ على الخَصْمَين»
(5)
.
وجَزَمَ في «التَّرغيب» : بأنَّه
(6)
يَنعَزِلُ نائبُه في أَمْرٍ مُعَيَّنٍ في سَماعِ شهادةٍ معينة
(7)
، وإحْضارِ مُسْتَعْدٍ عَلَيهِ، فَعَلَى هذا: لو عَزَلَه في حياته؛ لم يَنعَزِلْ.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ قُلْنا: الحاكِمُ نائبُ الشَّرع؛ لم يَنعزِلْ، وإنْ قُلْنا: نائِبُ مَنْ وَلاَّهُ؛ انْعَزَلَ.
وفي «الشَّرح» : لا يَنعَزِلُ بالموت، وهل يَنعَزِلُ بالعَزْل؟ فيه وَجْهانِ؛ لِأنَّ
(1)
في (م): وقال.
(2)
في (ظ): القاضي.
(3)
في (م): فرق.
(4)
في (م): سوار.
لم نجده بهذا اللفظ، وقد أخرج وكيع في أخبار القضاة (270)، والبيهقي في الكبرى (20299)، عن محمّد بن سيرين: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «لأنزعنّ فلانًا عن القضاء، ولأستعملنَّ على القضاء رجلاً إذا رآه الفاجر فرقَه» . وأخرج أيضًا في الكبرى (20298)، من طريق أخرى عن محمد بن سيرين: أن عمر رضي الله عنه قال لأبي موسى رضي الله عنه: «انظر في قضاء أبي مريم» ، قال: إني لا أتهم أبا مريم. قال: «وأنا لا أتّهمه، ولكن إذا رأيتَ من خصمٍ ظلمًا فعاقِبه» . وسندهما منقطع؛ فإن ابن سيرين لم يدرك عمر رضي الله عنه كما قاله الذهبي وغيره. ينظر: سير أعلام النبلاء 4/ 606، الإرواء 8/ 234.
(5)
لم نقف عليه، قال الألباني في الإرواء (8/ 234):(لم أقف عليه).
(6)
في (ن): أنه.
(7)
قوله: (معينة) سقط من (ن).
فيه ضَرَرًا، وهُنا لا ضَرَرَ فيه
(1)
؛ لِأنَّه لا يَنعَزِلُ قاضٍ
(2)
حتَّى يُوَلَّى آخَرُ مَكانَه، ولهذا لا يَنعَزِلُ الوالي
(3)
بمَوتِ الإمام ويَنعَزِلُ بعَزْلِه.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (كعَقْدِ وَصِيٍّ وناظِرٍ عَقْدًا جائزًا؛ كوَكَالَةٍ وشِرْكَةٍ ومُضارَبَةٍ، ومِثْلُه: كلُّ عَقْدٍ لمَصلَحَةِ المسلمين
(4)
؛ كوالٍ ومن
(5)
نصبه
(6)
لِجِبايَةِ مالٍ وصَرْفِه وأَمْرِ الجِهاد، ووكيلِ بَيتِ المال، والمُحْتَسِبِ)
(7)
، وهو ظاهِرُ كَلامِ غَيره.
(وَهَلْ يَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ
(8)
بِالْعَزْلِ
(9)
؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الْوَكِيلِ)؛ لِأنَّه في مَعْناهُ، وجزم
(10)
في «الوجيز» بأنَّه يَنعَزِلُ كالوكيل، والأَشْهَرُ عَدَمُه
(11)
؛ لِأنَّه يتعلَّق به قَضَايَا النَّاس وأحْكامُهم فَيَشُقُّ، بخِلافِ الوَكِيل، فإنَّه مُتَصَرِّفٌ في أمْرٍ خاصٍّ.
تنبيهٌ: إذا تَغيَّرَ حالُ القاضِي بزَوالِ عَقْلٍ، أوْ مَرَضٍ يَمنَعُه القَضاءَ، أو اخْتَلَّ فيه بَعْضُ الشُّروط؛ فإنَّه يَتَعَيَّنُ على الإمام عَزْلُه وجْهًا واحِدًا.
وفي «المغْنِي» : أنَّه يَنعَزِلُ.
فإن اسْتَخْلَفَ القاضي خليفةً؛ فإنَّه يَنعَزِلُ بمَوتِه، أوْ عَزْلِه؛ كالوَكِيلِ.
(1)
قوله: (وهنا لا ضرر فيه) سقط من (م).
(2)
قوله: (قاض) سقط من (م).
(3)
في (م): المولي.
(4)
قوله: (المسلمين) سقط من (م).
(5)
في (م): من.
(6)
في (ظ): منصبه.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 124.
(8)
في (ن): علمه.
(9)
كتب في هامش (ظ): (حيث قلنا به).
(10)
زيد في (ن): به.
(11)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
وله
(1)
عَزْلُ نَفْسِه في الأصحِّ.
وفي «الرِّعاية» : إنْ لم
(2)
يَلزَمْه قَبولُه.
وفِيهَا: له عَزْلُ نائبه بأفْضَلَ منه، وقِيلَ: بمِثْلِه، وقِيلَ: بدُونِه؛ لمَصلَحَةٍ في الدِّين.
وقال القاضِي: عَزْلُ نَفْسِه يَتَخَرَّجُ على الرِّوايَتَينِ في أنَّه وكيلٌ للمسلمين أمْ لَا؟ وفيه
(3)
رِوايَتانِ مَنصُوصَتانِ في خَطَأ الإمامِ.
وفي «الرِّعاية» : في نائبه في الحُكْم، وقيِّمِ الأيتامِ، وناظِرِ الوَقْفِ، ونحوِه؛ أَوْجُهٌ، ثالِثُها: إن اسْتَخْلَفَهم بإذْنِ مَنْ ولاَّه فَلَا.
ورابِعُها: إنْ قال: اسْتَخْلِفْ عنك؛ انْعزَلُوا، وإنْ قال: عَنِّي؛ فلا.
ولا يَبطُلُ ما فَرَضَه فارِضٌ في المسْتَقْبَل في الأَشْهَر.
ومَن عُزِلَ، أو انعزَلَ
(4)
؛ حَرُمَ عَلَيهِ الحُكْمُ، ولَزِمَه إعْلامُ وليِّ الأَمْر.
فلو تاب الفاسِقُ وحَسُنَ حالُه، أوْ أفَاقَ مِنْ جُنونٍ أوْ إغْماءٍ، وقلنا
(5)
: يَنعَزِلُ به
(6)
؛ فهل يَعُودُ قاضِيًا بلا تَولِيَةٍ جديدةٍ؟ فيه وَجْهانِ.
ومَن أُخبِرَ بمَوتِ قاضِي بَلَدٍ، وَوَلَّى غَيرَه؛ فَبَانَ الأوَّلُ حَيًّا؛ لم يَنعَزِلْ في الأَقْوَى.
(وَإِذَا قَالَ المُوَلِّي: مَنْ نَظَرَ فِي الْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَهُوَ خَلِيفَتِي، أَوْ قَدْ وَلَّيْتُهُ
(7)
؛ لَمْ تَنْعَقِدِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَنْظُرُ)، ذَكَرَه القاضِي
(1)
في (م): ولو.
(2)
قوله: (لم) سقط من (م).
(3)
في (ظ): فيه.
(4)
في (ن): انعزل أو عزل.
(5)
في (ظ): وقيل.
(6)
قوله: (به) سقط من (ن).
(7)
في (م): أو فأوليته.
وغَيرُه، وَجَزَم به في «الرِّعاية» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه لم يُعَيِّنْ بالوِلاية أَحَدًا منهم، وكما لو قال: بِعْتُكَ أَحَدَ الثَّوبَينِ.
ويَحتَمِلُ: أنْ تنعقِدَ
(1)
لمَن نَظَرَ؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّق وِلايَةَ الإمارة بَعْدَ زَيدٍ على شَرْطٍ
(2)
، فكذا وِلايَةُ الحُكْم.
(وَإِنْ قَالَ: وَلَّيْتُ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي؛ انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ) لمَن نَظَرَ؛ لأنَّه
(3)
ولاَّهما
(4)
جميعًا، ثُمَّ عَيَّنَ السَّابِقَ مِنْهُما.
(1)
قوله: (تنعقد) سقط من (م)، وفي (ن): ينعقد.
(2)
أخرجه البخاري (4261)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنْ قُتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة» .
(3)
في (م): أنه.
(4)
في (م): والاهما، وفي (ن): ولاها.
(فَصْلٌ)
(وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ):
(أَنْ
(1)
يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلاً)؛ لِأنَّ غَيرَهما لا يَنفذُ
(2)
قَولُهما في أنْفُسهما؛ فَلَأَنْ لا يَنفُذَ في غَيرِهما بطريقِ الأَوْلَى، وهما يَسْتَحِقَّانِ الحَجْرَ عَلَيهِما، والقاضِي يَستَحِقُّه على غَيرِه، وبَينَ الحالَينِ مُنافَاةٌ.
ولم يَذكُرْ أبو الفَرَج في كُتُبِه: بالِغًا.
وفي «الاِنْتِصار» في صِحَّةِ إسْلامِه: لا يُعرَفُ فيه رِوايَةٌ.
(ذَكَرًا)، وقاله
(3)
الجُمْهورُ.
وقال ابنُ جَرِيرٍ: لا تشترط
(4)
الذُّكُورِيَّةُ
(5)
.
وجَوابُه: قَولُه عليه السلام: «لَنْ يُفلِحَ قَومٌ وَلَّوْا أمْرَهُم امْرأَةً»
(6)
؛ ولأنَّ
(7)
المرأةَ ناقِصةُ العَقْل، وقَليلةُ الرَّأْيِ، لَيسَتْ أهْلاً لِحُضُورِ الرِّجال.
(حُرًّا)؛ لِأنَّ العبدَ مَنقُوصٌ بِرِقِّه، مَشْغُولٌ بحُقوقِ سَيِّدِه؛ كالإمامة العُظْمَى، لكِنْ تَصِحُّ وِلايَةُ عَبْدٍ إمارةَ سَرِيَّةٍ، وقَسْمِ صَدَقَةٍ، وفَيءٍ، وإمامةِ صلاةٍ.
وفِيهِ وَجْهٌ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، قالَهُ ابنُ عَقِيلٍ وأبو الخَطَّاب، وقال فِيهِ: بإذْنِ سيِّدٍ
(8)
.
(1)
قوله: (أن) سقط من (م).
(2)
في (ظ): يَنعَقِدُ.
(3)
في (م): وقال.
(4)
قوله: (لا تشترط) سقط من (م).
(5)
ينظر: الحاوي 16/ 156، المغني 10/ 36.
(6)
أخرجه البخاري (4425، 7099) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(7)
في (ظ): لأن.
(8)
في (م): سيده.
(مُسْلِمًا)؛ لِأنَّ الكفرَ يَقتَضِي إذْلالَ صاحبه، والقَضاءُ يَقتَضِي احْتِرامَه، وبَينَهما مُنافاةٌ، وهو شَرْطٌ في الشَّهادة، فكذا هُنا.
(عَدْلاً)؛ لِأنَّ الفاسِقَ لا يَجُوزُ أنْ يكونَ شاهِدًا، فهذا أَوْلَى، ولا يجوز
(1)
تَولِيَةُ مَنْ فيه نَقْصٌ يَمنَعُ الشَّهادةَ.
وظاهِرُه: ولو تائبًا مِنْ قَذْفٍ، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
.
وقِيلَ: أوْ فِسْقٍ بشُبْهةٍ فَوَجْهانِ.
(سَمِيعًا)؛ لِأنَّ الأصمَّ لا يَسمَعُ كَلامَ الخَصْمَينِ.
(بَصِيرًا)؛ لِأنَّ الأَعْمَى لا يعرف
(3)
المدَّعِيَ مِنْ المدَّعَى عَلَيهِ، ولا الْمُقِرَّ مِنْ الْمُقَرِّ له.
(مُتَكَلِّمًا)؛ لِأنَّ الأَخْرَسَ لا يُمكِنُه النُّطْقُ بالحُكْم، ولا يَفْهَمُ جَمِيعُ النَّاس إشارَتَه.
(مُجْتَهِدًا)، إجْماعًا، ذَكَرَه ابنُ حَزْمٍ
(4)
، وأنَّهم أجْمَعُوا على
(5)
أنَّه لا يَحِلُّ لِحاكِمٍ ولا لِمُفْتٍ تَقلِيدُ رَجُلٍ لا يَحكُمُ ولا يُفْتِي إلَّا بقَولِه؛ لأنَّ
(6)
فاقِدَ الاِجْتِهاد إنَّما يَحْكُمُ بالتَّقليد، والقاضِي مَأْمُورٌ بالحُكْم بما أنْزَلَ اللهُ، ولقوله عليه السلام:«القُضاةُ ثَلاثَةٌ» رواهُ أبو داودَ، ورجاله
(7)
ثِقاتٌ
(8)
، ولأنَّ المفْتِيَ لا
(1)
في (م): ولا تجوز.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3381، مسائل صالح 1/ 438، مسائل عبد الله ص 437، مسائل ابن هانئ 2/ 37.
(3)
في (م): لا يفرق بين.
(4)
ينظر: مراتب الإجماع ص 50.
(5)
قوله: (على) سقط من (م) و (ن).
(6)
في (ظ): لأنه.
(7)
في (م): رجاله.
(8)
أخرجه أبو داود (3573)، والترمذي (1322)، وابن ماجه (2315)، والنسائي في الكبرى (5891)، والطحاوي في شرح المشكل (54)، عن ابن بريدة، عن أبيه، مرفوعًا:«القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأمّا الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار» . والحديث صححه ابن الملقن والعراقي وابن عبد الهادي، والألباني بمجموع طرقه. وقال أبو داود:(هذا أصح شيء فيه). ينظر: المحرر (1170)، تنقيح التحقيق 5/ 61، البدر المنير 9/ 552، المغني عن حمل الأسفار (ص 78)، الإرواء 8/ 235.
يَجُوزُ أنْ يكُونَ عامِّيًّا مُقلِّدًا، فالحاكِمُ أَوْلَى.
ولكِنْ في «الإفصاح» : أنَّ الإجْماعَ انْعَقَدَ على تقليدِ كلٍّ مِنْ المذاهِبِ الأربعةِ، وأنَّ
(1)
الحقَّ لا يَخرُجُ عنهم، ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ الصَّحيحَ في
(2)
هذه المسألةِ: أنَّ قَولَ مَنْ قال: إنَّه لا يَجُوزُ إلَّا تَولِيَةُ مُجتَهِدٍ؛ فإنَّه إنَّما عَنَى به ما كانت الحالُ عَلَيهِ قَبْلَ اسْتِقْرارِ ما اسْتَقَرَّ مِنْ هذه المذاهِبِ.
واخْتارَ في «التَّرغِيب» : ومُجتَهِدًا في مَذهَبِ إمامِه للضَّرورة.
واخْتارَ في «الإفصاح» و «الرِّعاية» : أوْ مُقلِّدًا، وقِيلَ: يُفْتِي به ضرورةً، قال ابنُ بَشَّارٍ: ما
(3)
أَعِيبُ على مَنْ يَحفَظُ خَمْسَ مَسائِلَ لأِحْمَدَ يُفْتِي بها
(4)
.
وظاهِرُ نَقْلِ عبدِ اللهِ: يُفْتِي غَيرُ مُجْتَهِدٍ
(5)
، ذكره
(6)
القاضِي، وحَمَلَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين على الحاجة
(7)
، فَعَلَى هذا: يُراعِي ألْفاظَ إمامِه، ومُتأخِّرَها، وتقليدَ كِبارِ مَذْهَبِه في ذلك.
(1)
في (م): ولأن.
(2)
في (م): من.
(3)
في (ن): وما.
(4)
ينظر: العدة في أصول الفقه 4/ 1595.
وابن بشار هو: علي بن محمد بن بشار أبو الحسن، روى عن صالح بن أحمد، وأبي بكر المروذي، وحدث عنه النجاد، مات سنة 313 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 63.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 438.
(6)
في (م): وذكره.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 105.
وظاهِرُه: أنَّه يَحكُمُ ولو اعْتَقَدَ خِلافَه؛ لأِنَّه مُقلِّدٌ، وأنَّه لا يَخرُجُ عن الظَّاهِرِ، قال في «الفُروع»: فَيَتَوَجَّهُ مع الاِسْتِواءِ الخِلاف في مُجتَهِدٍ.
(وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: لا يُشتَرَطُ، نَصَرَه المؤلِّفُ، وقدَّمه في
(1)
«الكافي» ، وهو ظاهِرُ «الوجيز» و «الفُروع» ؛ لِأنَّه عليه السلام كان أُمِّيًّا، ولَيسَ مِنْ ضَرورةِ الحُكْم مَعرِفَةُ الكِتابَةِ.
والثَّاني: يشترط
(2)
، قدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لِيَعْلَمَ ما يَكتُبُه كاتِبُه فيأمَنَ تحريفَه.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُشتَرَطُ غَيرُ ذلك، وشَرَطَ الخِرَقِيُّ والحُلْوانيُّ وابن
(3)
رَزِينٍ والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
: أنْ يكُونَ وَرِعًا، وقِيلَ: وزاهِدًا، وأطْلَقَ فِيهِما في
(5)
«التَّرغيب» وَجْهَينِ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا مُغفَّلاً، وهو مُرادٌ.
وقال القاضِي في مَوضِعٍ: لا يَكُونُ بَلِيدًا، ولا نافِيًا للقِياسِ.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: الوِلايَةُ لها رُكْنانِ: القُوَّةُ والأَمَانَةُ، فالقُوَّةُ في الحُكْم: تَرجِعُ إلى العِلْم بالعَدْل وتنفيذِ الحُكْم، والأمانةُ: ترجع
(6)
إلى خَشْيَةِ الله تَعَالَى
(7)
.
(1)
قوله: (في) سقط من (م).
(2)
في (ن): تشترط.
(3)
قوله: (والحلواني وابن) في (م): مقدم ابن.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 481، الفروع 11/ 107.
(5)
قوله: (وأطلق فيهما في) في (م): وفي.
(6)
في (ن): يرجع.
(7)
ينظر: الاختيارات ص 480، الفروع 11/ 107.
وحاصِلُه: أنَّه يَجِبُ تَولِيَةُ الأَمْثَل فالأمثل
(1)
، فالشَّابُّ بالصِّفات كغَيرِه، لكِنَّ الأَسَنَّ أَوْلَى مع
(2)
التَّساوِي، ويُرجَّحُ بحُسْنِ الخلق أيضًا.
(وَالْمُجْتَهِدُ)، مَأخُوذٌ من الاِجْتِهاد، وهو: اسْتِفْراغُ الفقيه
(3)
الوُسْعَ لِتَحصِيلِ ظَنٍّ بحُكْمٍ شَرعِيٍّ: (مَنْ يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم الْحَقِيقَةَ)، وهي: اللَّفْظُ المسْتَعْمَلُ في وَضْعٍ أوَّلَ، (وَالمَجَازَ)، وهو: اللَّفْظُ المسْتَعْمَلُ في
(4)
غَيرِ وَضْعٍ أوَّلَ، زاد بعضُهم: على وَجْهٍ يَصِحُّ، (وَالْأَمْرَ)، وهو: القَولُ المقتضي
(5)
طاعةَ المأْمُورِ بفِعْلِ المأْمُورِ به، (وَالنَّهْيَ)، وهو: اقْتِضاءُ كَفٍّ عن فِعْلٍ، لا بقَولِ: كُفَّ، (وَالمُجْمَلَ)، وهو: ما لا يُفهَمُ منه عِنْدَ الإطلاق
(6)
شَيءٌ، (وَالمُبَيَّنَ)، وهُوَ: إخْراجُ الشَّيءِ مِنْ حَيْزِ الإشْكالِ إلى حَيْزِ التَّجَلِّي والوضوح
(7)
، وقال الشَّافِعِيُّ: اسْمٌ جامِعٌ لمَعَانٍ مُجتَمِعَةِ الأُصُول، مُتَشَعِّبَةِ الفُروع
(8)
، (وَالمُحْكَمَ): المُتَّضِحَ المعْنَى، (وَالمُتَشَابِهَ) مُقابِلُه؛ إمَّا لاِشْتِراكٍ، أوْ ظُهورِ تَشْبِيهٍ، (وَالْخَاصَّ): قصرُ
(9)
العامِّ عَلَى بَعْضِ مسمياته، (وَالْعَامَّ): ما دلَّ على مُسَمَّياتٍ باعْتِبارِ أمْرٍ اشْتَرَكَتْ فيه مطلقًا
(10)
،
(1)
قوله: (فالأمثل) سقط من (ن).
(2)
في (م): من.
(3)
في (م): الفقه.
(4)
في (ن): من.
(5)
في (م): يقتضي.
(6)
في (ن): عند الإطلاق منه.
(7)
في (م): الموضوح.
(8)
ينظر: الرسالة ص 21.
(9)
في (م): قهر.
(10)
في (ن): مسمياته. وزيد بعدها في (ظ) و (م): جزئه. وضُرب عليها في (ن)، وهي غير موجودة في أصول الفقه لابن مفلح، ولا في كشاف القناع.
(وَالمُطْلَقَ): ما دلَّ على شائعٍ في جِنْسِه، (وَالمُقَيَّدَ)، وهو ما دلَّ على شَيءٍ مُعَيَّنٍ، (وَالنَّاسِخَ)، فهو: الرَّافِعُ لِحُكْمٍ شَرعِيٍّ، (وَالمَنْسُوخَ)، وهو: ما ارْتَفَعَ شَرعًا بَعْدَ ثُبوتِه شَرْعًا، (وَالمُسْتَثْنَى)، وهو: المُخرَجُ ب «إلَّا» وما في مَعْناها مِنْ لَفْظٍ شامِلٍ له، (وَالمُسْتَثْنَى مِنْهُ)، هو: العامُّ المخْصوصُ بإخْراجِ بعضِ ما دلَّ عَلَيهِ ب «إلَّا» أوْ ما في معناها
(1)
.
(وَيَعْرِفُ مِنَ السُّنَّةِ صَحِيحَهَا)، وهو: ما نَقَلَه العَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِه، مِنْ غَيرِ شُذُوذٍ ولا عِلَّةٍ، (مِنْ سَقِيمِهَا)، وهو: ما لم يوجد
(2)
فيه شُروط الصِّحَّة؛ كالمنْقَطِع، والمنْكَر، والشَّاذِّ، وغَيرِها، (وَتَوَاتُرَهَا)، هو: الخَبَرُ الَّذي نَقَلَه جَمْعٌ لا يُتصَوَّرُ تَواطُؤهم على الكَذِب، مُسْتَوِيًا في ذلك طرفاه
(3)
وَوَسَطُه، والحقُّ: أنَّه لا يَنحَصِرُ في عَدَدٍ، بل يُسْتَدَلُّ بحُصولِ العِلْمِ على حُصولِ العَدَد، والعلم
(4)
الحاصِلُ عنه ضروريٌّ في الأصحِّ، (مِنْ آحَادِهَا)، وهو: ما عَدَا التواتُر، ولَيسَ المرادُ به: أنْ يكُونَ راويه
(5)
واحِدًا، بل كلُّ ما لم يبلغ
(6)
التَّواتُرَ فهو آحَادٌ، (وَمُرْسَلَهَا)، وهو: قَولُ غَيرِ الصَّحابِيِّ: «قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم» ، وأمَّا مُرسَلُ الصَّحابِيِّ فهو حُجَّةٌ عِنْدَ الجُمْهورِ، (وَمُتَّصِلَهَا)، هو
(7)
: ما اتَّصَلَ إسْنادُه، وكان كلُّ واحِدٍ مِنْ رُواتِهِ سمعه
(8)
مِمَّنْ فَوقَه، سَواءٌ كان مَرفُوعًا
(1)
في (ظ): معناهما. وقوله: (من لفظ شامل له
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (ن): لم توجد.
(3)
في (م): طرفه.
(4)
قوله: (والعلم) سقط من (م).
(5)
في (م): رواية.
(6)
في (م): لم يكن.
(7)
في (ن): وهو.
(8)
في (م): رواية سمعت.
أوْ مَوقُوفًا، (وَمُسْنَدَهَا)، وهو
(1)
: ما اتَّصَلَ إسْنادُه مِنْ راويه
(2)
إلى مُنتَهاهُ، وأكْثَرُ اسْتِعْماله فِيمَا جاء عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، (وَمُنْقَطِعَهَا)، وهو
(3)
: ما لم يَتَّصِلْ سَنَدُه، على أيِّ وَجْهٍ كان الاِنْقِطاعُ، (ممَّا
(4)
لَهُ تَعَلُّقٌ بِالأَحْكَامِ
(5)
خَاصَّةً).
وظاهِرُه: أنَّه لا يَجِبُ عَلَيهِ حِفْظُ القُرآن، وإنَّما المتعيِّنُ عَلَيهِ حِفْظُ خَمْسِمِائَةِ آيةٍ، كما نَقَلَه المُعْظَمُ؛ لأِنَّ المجْتَهِدَ هو مَنْ يَعرِفُ الصوابَ
(6)
بدليله؛ كالمجْتَهِد في القِبْلة.
ولِكُلِّ واحِدٍ ممَّا
(7)
ذَكَرْنا دَلالةٌ لا يُمكِنُ مَعرِفَتُها إلَّا بمَعْرِفَتِه، فَوَجَبَ مَعْرفَةُ ذلك؛ لِيَعْرِفَ دَلالَتَه، وَوَقْفُ الاِجْتِهاد على معرفة ذلك.
(وَيَعْرِفُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ)، وهو: اتِّفاقُ المجْتَهِدِينَ مِنْ هذه الأمَّةِ في
(8)
عَصْرٍ على
(9)
أَمْرٍ (مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ).
(وَالْقِيَاسَ)، وهو: ردُّ فَرْعٍ إلى أَصْلٍ بعلةٍ، (وَحُدُودَهُ)، على ما ذُكِرَ في أصولِ
(10)
الفِقْه، (وَشُرُوطَه)، بعضُها يَرجِعُ إلى الأصل، وبَعضُها إلى الفرع، وبَعضُها إلى العِلَّة، (وَكَيْفِيَّةَ اسْتِنْبَاطِهِ) على الكَيفِيَّةِ المذْكُورةِ في مَحالِّها.
(1)
في (م): هو.
(2)
في (ظ): راوته.
(3)
في (ظ): هو.
(4)
في (م): فما.
(5)
في (م): الاجتهاد.
(6)
قوله: (الصواب) سقط من (م).
(7)
في (م): ممن.
(8)
زاد في (ظ): كلِّ.
(9)
في (م): ما.
(10)
في (ن): أصل.
(وَالْعَرَبِيَّةَ)، هي: الإعْرابُ، أو الألفاظُ العَرَبِيَّةُ، والأَشْهَرُ: أنَّها اللُّغةُ العَربِيَّةُ من حَيثُ اخْتِصاصُها بأحْوالٍ هي الإعرابُ، لا تُوجَدُ في غَيرِها من اللُّغات، (المُتَدَاوَلَةَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ
(1)
وَالْعِرَاقِ) واليَمَن، قاله في «المستوعب» و «المحرَّر» ، (وَمَا يُوَالِيهِمْ)؛ لِيَعرِفَ به اسْتِنباطَ الأحكام مِنْ أصْنافِ عُلومِ الكتاب والسُّنَّة، وقد نَصَّ أحمدُ على اشْتِراطِ ذلك للفُتْيا
(2)
، فالحُكْمُ مِثْلُه بل أَشَدُّ.
(وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ) أوْ على أكْثَرِه، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، (وَرُزِقَ فَهْمَهُ؛ صَلَحَ لِلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ)؛ لِأنَّ العالِمَ بذلك
(3)
يَتَمَكَّنُ من
(4)
التَّصرُّف في العُلُوم الشَّرعِيَّة، وَوَضْعِها في مَواضِعِها.
قال أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ: مَنْ حصَّل أُصولَ الفقه وفُروعَه؛ فمُجْتَهِدٌ، ولا يُقلِّدُ أَحَدًا.
وعَنْهُ: يَجُوزُ، وقِيلَ: مَعَ ضِيقِ الوقت، وفي «الرِّعاية»: كخوفه
(5)
على خُصومٍ مُسافِرِينَ فَوْتَ رُفْقَتِهم في الأصحِّ، ويتحرَّى
(6)
الاِجْتِهادَ في الأصحِّ.
مسائلُ:
الأُولَى: تَقدَّم
(7)
أنَّ العَدالةَ شَرطٌ، فلا تصحُّ
(8)
تَولِيَةُ فاسِقٍ بفِعْلٍ مُحرَّمٍ
(1)
في (ن): بالشام والحجاز.
(2)
ينظر: العدة للقاضي أبي يعلى 5/ 1595، المغني 10/ 38.
(3)
في (م): يدخل.
(4)
في (م): في.
(5)
في (م): كخوف.
(6)
في (ن): ويتجزأ.
(7)
في (م): يقدم.
(8)
في (م): فلا يصح.
إجْماعًا
(1)
، فإنْ فَسَقَ بشُبْهَةٍ؛ فَوَجْهانِ، وما مَنَعَ تَولِيَةَ القَضاء؛ مَنَعَ دَوامَها.
وقِيلَ: الفِسْقُ الطَّارِئُ يَمنَع تَولِيَةَ القَضاء ودَوامَها.
وفي الإمامة العُظْمَى رواياتٌ
(2)
، ثالِثُها: يَمنَعُ انعقادَها
(3)
، لا دَوامَها.
قال في
(4)
«المحرَّر» : وما فُقِدَ مِنْها في الدَّوام أزالَ الوِلايَةَ، إلَّا فَقْدَ السَّمْع والبصر فِيمَا ثَبَتَ
(5)
عِندَه ولم يَحكُمْ به، فإنَّ وِلايَةَ حُكْمِه باقِيَةٌ فيه
(6)
.
قال في
(7)
«الرِّعاية» : فإنْ نَسِيَ الفِقْهَ أوْ خَرِسَ، قال ابنُ حَمْدانَ: ولم تُفهم إشارتُه، أوْ فَسَقَ، أوْ زالَ عَقْلُه بجُنونٍ، أوْ سُكْرٍ مُحرَّمٍ، أوْ إغْماءٍ، أَوْ عَمِيَ؛ انْعزَلَ.
ويَلزَمُ المُدَّعِيَ أنْ يَصبِرَ حتَّى يَفرُغَ له الحاكِمُ مِنْ شُغْلِه، وله مُلازَمَةُ غَريمِه حتَّى يَفرُغَ إنْ كانَتْ بَيِّنَتُه حاضِرَةً أوْ قَرِيبةً، وإنْ كانَتْ غائبةً بعيدةً؛ فَوَجْهانِ.
الثَّانِيَةُ: تصحُّ
(8)
فُتْيَا مَسْتُورِ الحال في الأصحِّ، وإن
(9)
كان عَبْدًا، أو امرأةً، أوْ قَرابةً، أوْ أخْرَسَ تُفْهَمُ إشارتُه أوْ كِتابَتُه، أوْ مَعَ جَلْبِ نَفْعٍ أوْ دَفْع ضَرَرٍ، وقِيلَ: وعَداوةٍ.
وللحاكِمِ أنْ يُفْتِيَ، وقِيلَ: لا، وقيل
(10)
: فيما يتعلَّقُ بالقضاء، دُونَ الطَّهارة والصَّلاة ونحوِهما.
(1)
ينظر: المغني 10/ 229.
(2)
في (م): روايتان.
(3)
في (م): اعتقادها.
(4)
قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).
(5)
في (م): يثبت.
(6)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(7)
قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).
(8)
في (م): يصح.
(9)
في (م): إن.
(10)
قوله: (وقيل) سقط من (ظ).
الثَّالِثَةُ: يَحرُمُ التَّساهُلُ في الفُتْيا، واسْتِفْتاءُ مَنْ عُرِفَ بذلك.
فإنْ عَرَفَ ما سُئِل
(1)
عَنه وجَوابَه؛ أجابَ سَريعًا.
ويَحرُمُ أنْ يَتَتَبَّعَ الحِيَلَ المحرَّمةَ والمكروهةَ، والترخصَّ
(2)
لمَنْ أرادَ نَفْعَه، والتَّغليظَ لمَن أرادَ ضَرَرَه.
وإنْ حَسُنَ قَصْدُه في حِيلةٍ لا شُبْهةَ فيها ولا مَفْسَدَةَ، لِيُخلِّصَ بها حالِفًا مِنْ يمينه؛ كقِصَّةِ أيُّوبَ عليه السلام؛ جازَ.
ويَحرُمُ التَّحَيُّلُ لتَحلِيلِ حَرامٍ أوْ تحريمِ حَلالٍ بلا ضَرُورةٍ.
الرَّابِعةُ: يُمنَعُ مِنْ الفُتْيا في حالٍ لَيسَ للحاكِمِ أنْ يَحكُمَ فيها، فإنْ أَفْتَى وأصاب؛ كُرِهَ وصَحَّ، وقِيلَ: لا يَصِحُّ.
ولَه أخْذُ رَزْقٍ مِنْ بَيتِ المال، وإنْ تَعَيَّنَ أنَّه يُفْتِي وله كِفايَةٌ؛ فَوَجْهانِ، وإنْ كان اشْتِغالُه بها وبما
(3)
يتعلَّقُ بها يَقطَعُه عن نَفَقَتِه ونَفَقَةِ عِيالِه؛ فَلَه أخْذُه، فإنْ أخَذَه؛ لم يأخُذْ على فُتْياهُ أُجْرةً، ومع عدمِهِ
(4)
؛ له
(5)
أخْذُ أُجْرةِ خَطِّه لا
(6)
فُتْياهُ.
وإنْ جَعَلَ له أهلُ البلد من أموالهم رَزْقًا لِيتَفَرَّغَ لفتاويهم؛ جَازَ.
وله قَبولُ هَدِيَّةٍ، وقِيلَ: يَحرُمُ إنْ كانَتْ لِيُفْتِيَه بما يريده
(7)
دُونَ غَيرِه، أوْ لنفعه
(8)
بجاهِهِ أوْ مالِه.
(1)
قوله: (ما سئل) في (م): سائل.
(2)
في (م): والرخص.
(3)
في (م): وما.
(4)
في (ن): عدمها.
(5)
في (م): فله.
(6)
قوله: (خطه لا) سقط من (م).
(7)
في (م): يريد.
(8)
في (م): لينفعه.
ويُقدَّمُ الأعْلَمُ على الأَوْرَع في الأصح.
ويَجُوزُ
(1)
تقليدُ المفْضولِ مَع وُجودِ الأَفْضَلِ وإمْكانِ سُؤالِه في الأَقْيَس، ولا يَكفِيه قَولُ مَنْ لم تَسكُنْ نفسه
(2)
إلَيهِ منهما.
الخامِسَةُ: يَلزَمُ كلَّ مُقلِّدٍ أنْ يَلتَزِمَ بمَذهَبٍ مُعَيَّنٍ في الأَشْهَر، فلا يُقلِّدُ غَيرَ أهْلِه، وقِيلَ: بَلَى، وقِيلَ: ضَرورةً.
فإن الْتَزَمَ فِيما أَفْتَى به، أوْ عَمِلَ به، أوْ ظَنَّهُ حَقًّا، أوْ لم يَجِدْ مُفْتِيًا؛ لَزِمَه قَبولُه، وإلَّا فَلَا.
ولا تجوز
(3)
الفتوى
(4)
في عِلْمِ الكلام، بل يُنهَى
(5)
السَّائلُ عنه، والعامَّةُ أَوْلَى، ويُؤمَرُ الكُلُّ بالإيمان المُجْمَلِ، وما يَلِيقُ بالله تعالى.
ولا يَجُوزُ التَّقْليدُ فِيما يُطلَبُ فيه
(6)
الجَزْمُ، ولا إثباته
(7)
بدليلٍ ظَنِّيٍّ، ولا الاِجْتِهادُ فيه، ويَجُوزُ فِيمَا يُطلَبُ فيه الظَّنُّ، وإثباته
(8)
بدليلٍ ظَنِّيٍّ، والاِجْتِهادُ فيه.
ولا اجْتِهادَ في القَطْعِيَّات، ولا الإجماع
(9)
الظَّنِّيِّ.
وإنْ نَهاهُ في مسألةٍ عن الحكم فيها؛ فقال ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ وَجْهَينِ.
(1)
في (ن): وقيل: ويجوز.
(2)
قوله: (لم تسكن نفسه) في (ن): لم يسكن.
(3)
في (م) و (ن): ولا يجوز.
(4)
في (م): الفتيا.
(5)
في (م): ينتهي.
(6)
في (ن): به.
(7)
في (ظ) و (م): ولا إتيانه. والمثبت موافق لما في صفة المفتي ص 227.
(8)
في (ظ): وإتيانه.
(9)
قوله: (والاجتهاد فيه ولا اجتهاد في القطعيات، ولا الإجماع) في (م): وإلا اجتهاد المقطعيات، والإجماع.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إِلَى رَجُلٍ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَحَكَّمَاهُ بَيْنَهُمَا، فَحَكَمَ
(1)
؛ نَفَذَ حُكْمُهُ)؛ لمَا رَوَى أبو شُرَيحٍ أنَّه قال: يا رسولَ الله! إنَّ قَومِي إذا اخْتَلَفوا في شَيءٍ أتَونِي فحَكَمْتُ بَينَهم، فَرَضِيَ عليَّ الفَريقانِ، فقال:«ما أَحْسَنَ هذا!» رواهُ النَّسائِيُّ
(2)
، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حَكَمَ بَينَ اثْنَين تَحاكَما إلَيهِ وارْتَضَيَا به، فلم يَقُلْ بَينَهما الحقَّ؛ فَعَلَيهِ لَعْنةُ الله» رواهُ أبو بكرٍ
(3)
، ولَولَا أنَّ حُكْمَه يَلزَمُهما؛ لمَا لَحِقَه هذا الذَّمُّ؛ ولأنَّ
(4)
«عمر وأُبَيًّا تحاكَما إلى زَيدِ بنِ ثابتٍ»
(5)
،
(1)
قوله: (فحكم) سقط من (ظ) و (م).
(2)
أخرجه أبو داود (4955)، والنسائي (5387)، وابن حبان (504)، والبيهقي في الكبرى (20511)، من طرق عن يزيد وهو ابن المقدام بن شريح، عن شريح بن هانئ، عن أبيه رضي الله عنه. وسنده حسن، يزيد بن المقدام صدوق، أخطأ عبد الحق في تضعيفه، وقد صححه ابن حبان والألباني، وقال العراقي:(إسناده جيد)، وقوّاه ابن الملقن. ينظر: تحفة المحتاج 2/ 570، المغني عن حمل الأسفار (ص 1008)، الإرواء 8/ 237.
(3)
أخرجه العسكري في تصحيفات المحدثين (2/ 672)، من طريق أيّوب الوزّان، عن يعلى بن الأشدق، عن عبد الله بن جراد مرفوعًا. ويَعلى بن الأشدق العُقَيْلي أحد المتروكين، وعامة أحاديثه عن عمِّه عبد الله بن جراد - وهو غير معروف - غير محفوظة كما قاله البخاري وأبو زرعة وابن عديٍّ وغيرهم. فالحديث منكر كما قال الألباني، وقد ضعفه ابن الملقن. ينظر: الجرح والتعديل 9/ 303، التاريخ الأوسط 2/ 179، الكامل 9/ 184، البدر المنير 9/ 555، الضعيفة (5954).
(4)
في (م): وأن، وفي (ظ): لأن.
(5)
أخرجه ابن الجعد (1728)، والبيهقي في الكبرى (20510)، عن شعبة، سمعت الشعبيَّ، وذكره في قصة. وأخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 755)، من طريق أخرى عن الشعبي. وسنده صحيح إلاّ أنه منقطع كما قال ابن كثير والألباني. ينظر: مسند الفاروق (770)، الإرواء 8/ 238.
و «تَحاكَمَ عُثْمانُ وطَلحَةُ إلى جُبَيرٍ»
(1)
.
لا يُقالُ: إنَّ عُمَرَ وعُثْمانَ كانا إمامَينِ، فيَصِيرُ حاكِمًا مَنْ رَدَّا
(2)
الحُكْم إلَيهِ؛ لِأنَّه لم يُنقَلْ عنهما أكثرُ مِنْ الرِّضا بحُكْمِه خاصَّةً، وذلك لا يُصَيِّرُ الحُكْمَ
(3)
إلَيهِ قاضِيًا، وهو حِينَئِذٍ كحاكِمِ الإمام، ولا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِه إلَّا فيما يُنقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيرِه.
(فِي المَالِ، وَالْقِصَاصِ وَالْحَدِّ)، كذا أطْلَقَه الأَصْحابُ، وقيَّدَه في «الوجيز»: بحَدِّ القَذْف خاصَّةً، (وَالنِّكَاحِ، وَاللِّعَانِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ)، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفُروع» ؛ لمَا ذَكَرْنا مِنْ عُمومِ الأحاديث.
وظاهِرُ كَلامِه: يَنفُذُ في غَيرِ فَرْجٍ؛ كَتَصَرُّفه ضرورةً في تَرِكَةِ مَيِّتٍ في غَيرِ فَرْجٍ، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ.
واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين: نُفُوذَ حُكْمِه بَعْدَ حُكْمِ حاكِمِ الإمامِ
(4)
، وأنَّه إنْ
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (10424)، من طريق رباح بن أبي معروف، عن ابن أبي مليكة في قصة. ورباح بن أبي معروف المكيُّ صدوق له أوهام، فالأثر حسن. ينظر: الكامل 4/ 106، تهذيب الكمال 9/ 47، التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل (2616).
(2)
في (ن): ردَّ.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الممتع 4/ 521: المتحاكَم.
(4)
عبارة الفروع: (واختار شيخنا: نفوذ حكمه بعد حكم حاكم لا إمام)، ومثله الإنصاف 28/ 327، وقال ابن قندس في «حواشي الفروع» عند هذه العبارة:(فلعله: نفوذ حكمه لعدم حاكم، لكن الموجود في النسخ كما في الأصل، وقد تقدم أنه لم يذكر هذا في «الاختيارات»، فإن كان اللفظ نفوذ حكمه لعدم حاكم؛ فهو واضح، وإن كان ما في الأصل صحيحًا، فالمعنى الظاهر منه: أنه لا ينفذ إلا بعد حكم حاكم يحكم أنه نافذ، ويكون ذلك من باب ما إذا كان نفس الحكم مختلفًا فيه؛ لا يلزم تنفيذه إلا أن يحكم به حاكم؛ كالحكم على الغائب، والحكم بالشاهد واليمين على ما ذكره صاحب المحرر، والظاهر: أن الأول أولى، وأن اللفظ حصل به تغيير، والله أعلم). ينظر: الفروع وحاشية ابن قندس 11/ 130.
حَكَّمَ أحدُهما خَصْمَه، أوْ حَكَّما مُفْتِيًا في مسألةٍ اجْتِهادِيَّةٍ؛ جازَ، وأنَّه يَكْفِي وَصْفُ القصة
(1)
له
(2)
.
ويَنبَغِي أنْ يُشهِدَ
(3)
عَلَيهِما بالرِّضا به قَبْلَ حُكْمِه؛ لِئَلاَّ يَجحَدَ المحكوم
(4)
عَلَيهِ منهما.
وإنْ رَجَعَ أحدُهما قَبْلَ أنْ يشرَعَ
(5)
فيه؛ جَازَ، وإنْ رَجَعَ بَعْدَه قَبْلَ تمامِه؛ فوجهان
(6)
.
وقال
(7)
ابنُ حَمْدانَ: لَيسَ له الرُّجُوعُ بَعْدَ الرِّضا بحُكْمِه.
فائدةٌ: له أنْ يُشهِدَ على نَفْسِه بحُكْمِه، ويَلزَمُ الحُكَّامَ قَبولُه، وكِتابُه ككِتابِ حاكِمِ الإمامِ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ إِلَّا فِي المَالِ خَاصَّةً
(8)
، هذا رِوايَةٌ حَكَاهَا في «الفروع» وغَيره؛ لِأنَّه أسْهَلُ مِنْ غَيرِه، فيَجِبُ الاِقْتِصارُ عَلَيهِ.
(1)
في (م): القضية.
(2)
ينظر: الفروع 11/ 130.
(3)
في (ظ): يشهدا.
(4)
في (ن): تجحد الحكوم.
(5)
في (ن): شرع.
(6)
في (م): وجهان.
(7)
في (ظ): قال.
(8)
قوله: (خاصة) سقط من (ظ) و (م).
(بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي
(1)
الأَدَبُ؛ بفَتْحِ الهمزة والدَّال، وضَمُّها لُغَةٌ: إذا صار أَدِيبًا في خُلُقٍ أوْ عِلْمٍ.
فَأَدَبُ القاضي: أخْلاقُه الَّتِي يَنبَغِي له
(2)
أنْ يَتخَلَّقَ بها، والخُلُقُ: صُورَتُه الباطنةُ.
(يَنْبَغِي)؛ أيْ: يُسَنُّ (أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ)؛ لِئَلَّا يَطمَعَ فيه الظَّالِمُ، والعُنْفُ ضِدُّ الرِّفْق.
(لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ)؛ لِئَلَّا يَهابَه صاحِبُ الحقِّ، وظاهِرُ «الفُصول»: يَجِبُ ذلك.
(حَلِيمًا)؛ لِئَلاَّ يَغضَبَ مِنْ كلامِ الخَصْمِ، فيَمنَعَه ذلك من الحُكْم بَينَهم.
(ذَا أَنَاةٍ
(3)
، الأناة
(4)
: اسْمُ مَصدَرٍ؛
(1)
كتب في هامش (ظ): (والأدب: الدعاء والطلب لغة، والتخلق بأخلاق جميلة، وخصال مرضية عرفًا، والقضاء لغة: إما الإلزام، أو الإحكام، أو الفراغ، أو التقدير، أو إقامة الشيء مقام غيره، وشرعًا: قول ملزم صدر عن ولاية عامة، وأريد بأدب القضاء التزام القاضي ما هو مندوب إليه شرعًا وعرفًا، من رفع ظلم وإيصال حق إلى مستحقه، وجري على سنن السنة).
وكتب أيضًا: (القاضي يحتاج إلى خصال حميدة، يصلح بها للقضاء، وهذا الباب لبيان ذلك، والأدب: اسم يقع على كل رياضة محمودة، يتخرج بها الإنسان في فضيلة من الفضائل، قاله أبو زيد، ويجوز أن يعرف بأنه: ملكة تعصم من قامت به عما يشينه، ولا شك أن القضاء بالحق من أقوى الفرائض وأشرف العبادات بعد الإيمان بالله تعالى، أمر الله به كل مرسل حتى خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ}، وقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}).
(2)
قوله: (له) سقط من (م).
(3)
في (ظ) و (م): أناءة.
(4)
في (م): الأناءة.
لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ إلى عجلته
(1)
، (وَفِطْنَةٍ)؛ لِئَلاَّ يُخدَعَ كغَيرِه.
(بَصِيرًا
(2)
بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ)؛ لِقَولِ عَلِيٍّ: «لا يَنبَغِي للقاضي أنْ يكُونَ قاضِيًا حتَّى يكُونَ فيه
(3)
خمسُ خِصالٍ: عَفِيفٌ، حليمٌ، عالِمٌ بما كان قَبْلَه، يَسْتَشِيرُ ذَوِي الأَلْباب، لا يَخافُ في الله لَومَةَ لائمٍ»
(4)
.
(وَرِعًا)؛ لِيُؤمَنَ منه مع ذلك أخْذُ ما لا يَحِلُّ.
(عَفِيفًا)، هو
(5)
الَّذي يَكُفُّ عن الحرام، ولِأنَّه لا
(6)
يُطمَعُ في مَيلِه معه بغَيرِ حقٍّ.
فرعٌ: إذا افْتاتَ عَلَيهِ الخَصْمُ؛ ففي «المغْنِي» : له تأديبُه والعَفْوُ، وفي «الفُصول»: يَزْبُرُهُ
(7)
، فإنْ عاد عَزَّرَه، وفي «الرِّعاية»: يَنتَهِرُه ويَصِيحُ عَلَيهِ قَبْلَ ذلك.
وظاهِرُه: يَختَصُّ بمَجْلِس الحُكْم، وفيه نَظَرٌ؛ كالإقرار فيه وفي غَيرِه، ولِأنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إلى ذلك؛ لكَثْرةِ المتظَلِّمِينَ على الحُكَّام وأعدائهم
(8)
،
(1)
في (ن): علته.
(2)
في (م): وبصير.
(3)
قوله: (فيه) سقط من (ن).
(4)
لم نجده من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد أخرجه البخاري (9/ 67) معلَّقًا عن عمر بن عبد بن العزيز، ووصله سعيد بن منصور كما في تغليق التعليق (5/ 293)، وابن سعد في الطبقات (5/ 269)، وأخرجه عبد الرزاق (15287)، والبيهقي في الكبرى (20361)، وابن سعد (5/ 269)، عن عمر بن عبد العزيز نحوه. وسنده صحيح. ينظر: تاريخ الإسلام للذهبي 3/ 472، فتح الباري 13/ 149، الإرواء 8/ 239.
(5)
في (ن): وهو.
(6)
قوله: (لا) سقط من (ن).
(7)
في (م): يزجره. قال في المصباح 1/ 250: (زبره زبرًا، من باب قتل، زجره ونهره).
(8)
في (ن): وأعوانهم. والمثبت موافق لما في الفروع 11/ 132.
فجاز فيه وفي غَيرِه، ولهذا شَقَّ رَفْعُه إلى غيره
(1)
، فأدَّبه
(2)
بنفسه مع أنَّه حقٌّ له.
(وَإِذَا وَلِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ؛ سَأَلَ عَمَّنْ فِيهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَالْفُضَلَاءِ، والْعُدُولِ)؛ لِيَعرِفَ حالَهم، حتَّى يُشاوِرَ مَنْ هو أهْلٌ للمُشاوَرَةِ، ويَقبَلَ شَهادَةَ مَنْ هو مِنْ
(3)
أهْلِ العدالة، (وَيُنْفِذُ عِنْدَ مَسِيرِهِ مَنْ يُعْلِمُهُمْ يَوْمَ دُخُولِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ)؛ لِأنَّ في تلقِّيه
(4)
تعظيمًا له، وذلك طريقٌ لِقَبولِ قَولِه ونُفُوذِ أمْرِه، وقال جماعةٌ: يَأمُرُهم بتَلَقِّيهِ.
(وَيَدْخُلُ الْبَلَدَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، أَوِ الْخَمِيسِ، أَوِ السَّبْتِ
(5)
، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفُروع»؛ لقوله عليه السلام:«بُورِكَ لِأُمَّتِي في سَبْتِها وخَمِيسِها»
(6)
، ورُوِيَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قَدِمَ مِنْ سفَرٍ
(7)
قَدِمَ
(8)
يَومَ
(1)
قوله: (ولأن الحاجة داعية إلى ذلك
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (ن): فيؤدبه.
(3)
قوله: (من) سقط من (م).
(4)
في (ن): تلقيته.
(5)
في (م): والخميس والسبت.
(6)
قال العجلوني: (والمشهور على الألسنة: «بورك لأمتي في بكورها؛ سبتها وخميسها»، لا أصل له). وقد أخرج البزار (7523) عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «اللهمّ بارك لأمتي في بكورها، يوم خميسها» ، وفيه عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، متروك رُمي بالوضع، وهذا الحديث بدون ذكر يوم الخميس قد جاء من طرق كثيرة كلُّها معلولة، وقد حسّنه بها بعض أهل العلم، قال أبو حاتم الرازي:(إنِّي لا أعلم في: «اللهمّ بارك لأمتي في بكورها» حديثًا صحيحًا). ينظر: العلل لابن أبي حاتم 6/ 40، البدر المنير 9/ 59، المقاصد الحسنة (171)، كشف الخفاء 1/ 331.
(7)
قوله: (من سفر) سقط من (ن).
(8)
قوله: (قدم) سقط من (م).
الخَمِيس»
(1)
، ولِأنَّ الاِثْنَينِ يَومٌ مُبارَكٌ.
وفي «الكافي» : (يُسْتَحَبُّ أنْ يَدخُلَ يَومَ الخَمِيس)، وذَكَرَ آخَرونَ: يُستَحَبُّ يَومَ الاِثْنَينِ، فإنْ لم يَقدِرْ فيَومَ الخَمِيس، وفي «المستوعب» وغَيرِه: أوِ السبت
(2)
.
(لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ)؛ أيْ: أحْسَنَها؛ لِأنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، ويُستَحَبُّ أنْ تكون
(3)
سُودًا، وإلَّا فالعِمامَةُ فقَطْ، قال في «التَّبصرة»: وكذا أصْحابهُ.
وظاهِرُ كلامِهم: غيرُ السَّوادِ أَوْلَى؛ للأخبار
(4)
.
وأنَّه يَدخُلُ ضَحوةً؛ لِاسْتِقْبالِ الشهر
(5)
، ولا يَتَطَيَّرُ بشَيءٍ، وإنْ تَفاءَلَ فَحَسَنٌ.
(فَيَأْتِي الْجَامِعَ)؛ لِأنَّه الموْضِعُ الَّذي يَجتَمِعُ فيه أهْلُ البَلَد للطَّاعة، وهو أوْسَعُ الأَمْكِنَة، (فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ)؛ «لِأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بالمسجد، فصلَّى فيه ركعَتَينِ»
(6)
.
(وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ)؛ لأنَّ
(7)
خَيرَ المجالِسِ ما اسْتُقْبِلَ به القِبْلةُ.
(1)
لم نجد ما يدل عليه، وقد أخرج البخاري (2949، 2950)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، أنه كان يقول:«لقلّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلاّ يوم الخميس» ، وعنه وقال:«خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحبُّ أن يخرج يوم الخميس» .
(2)
قوله: (السبت) سقط من (م).
(3)
في (م): يكون.
(4)
لعل منها حديث: «البسوا البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم» ، وتقدم تخريجه 3/ 129 حاشية (4).
(5)
قوله: (لاستقبال الشهر) سقط من (ن).
(6)
أخرجه البخاري (4418)، ومسلم (716، 2769)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
(7)
في (ن): لأنه.
(فَإِذَا
(1)
اجْتَمَعَ النَّاسُ؛ أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ)؛ أيْ: على الحاضِرِينَ؛ لِيَعْلَمُوا تَولِيَتَه، ويَعلَمُوا احْتِياطَ الإمامِ على اتِّباع أحكامِ الشَّرع، والنَّهْيِ عن مُخالَفَتِه، وقَدْرَ المَوَلَّى عِندَه، ويَعلَمُوا حدودَ وِلايَتِه، وما فُوِّضَ إلَيهِ الحُكْمُ فيها.
(وَأَمَرَ مَنْ
(2)
يُنَادِي: مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَحْضُرْ يَوْمَ كَذَا)؛ لِيَعلَمَ مَنْ له حاجَةٌ فيَقصِدَ الحُضورَ لِفَصْلِ حاجته.
وفي «التبصرة» : ولْيُقِلَّ مِنْ كلامه إلَّا لحاجةٍ؛ للخَبَر
(3)
.
(ثُمَّ يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ)؛ لِيَستَرِيحَ مِنْ نَصَبِ سَفَرِه، ويُعِدَّ أمْرَه، ويُرَتِّبَ نُوَّابَه؛ لِيَكُونَ خُروجُه على أعْدَلِ أحْوالِه.
(وَيَنْفُذُ، فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ
(4)
، بكَسْرِ الدَّال، وحُكِيَ فَتْحُها، وهو فارِسِيٌّ مُعرَّبٌ، (مِنَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ)، وهو: الدَّفْتَرُ المنْصُوبُ لِيُثْبِتَ حُجَجَ النَّاس وَوَثائِقَهم وسِجِلاَّتِهم وودائعَهم، ولِأنَّه الأَساسُ الَّذي يَبني
(5)
عَلَيهِ، وهو في يَدِ الحاكِمِ بحُكْمِ الوِلايَةِ، وقد صارَتْ إلَيهِ، فَوَجَبَ أنْ يَنتَقِلَ ذلك إلَيهِ.
قال في «التَّبصرة» : وليأمُرْ كاتِبًا ثِقَةً يُثبِتُ ما تسَلَّمَهُ
(6)
بمَحْضَرِ عَدْلَينِ.
(ثُمَّ يَخْرُجُ فِي
(7)
الْيَوْمِ الَّذِي وَعَدَ النَّاسَ
(8)
بِالْجُلُوسِ فِيهِ عَلَى أَعْدَلِ
(1)
في (ن): وإذا.
(2)
في (ن): لمن.
(3)
مراده ما أخرجه البخاري (6018)، ومسلم (47)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» .
(4)
كتب في هامش (ن): (ويسمى القمطر).
(5)
في (ن): ينبني.
(6)
في (م): يثب ما يشمله.
(7)
قوله: (في) سقط من (ظ) و (م).
(8)
قوله: (الناس) سقط من (ظ) و (ن).
أَحْوَالِهِ، غَيرَ غَضْبَانَ، وَلَا جَائِعٍ، وَلَا شَبْعَانَ، وَلَا حَاقِنٍ، وَلَا مَهْمُومٍ بِأَمْرٍ يَشْغَلُهُ عَنِ الْفَهْمِ)؛ ليكون
(1)
أجْمَعَ لقَلْبه، وأبْلَغَ في تَيَقُّظِه للصَّواب، ولأِنَّه عليه السلام قال:«لا يَقْضِي القَاضِي وهو غَضْبانُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حديثِ أبي بَكْرَةَ
(2)
، صرَّح بالغَضَب، والباقِي بالقِياس عَلَيهِ.
(فَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ) من المسْلِمِينَ، ولو كان صَبِيًّا؛ لأِنَّ السُّنَّةَ سَلامُ المارِّ على الممرور
(3)
به
(4)
، (ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي مَجْلِسِهِ)؛ لِأنَّ السُّنَّةَ سَلامُ الدَّاخِلِ على أهْلِ المجْلِس، (وَيُصَلِّي تَحِيَّةَ المَسْجِدِ إِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ
(5)
؛ لِقَوله عليه السلام: «إذا دَخَلَ أحدُكم المسْجِدَ فلا يَجلِسْ حتَّى يركع
(6)
رَكْعَتَينِ»
(7)
، والأَخِيرُ قالَهُ مُعظَمُ الأَصْحابِ، والأَفْضَلُ الصَّلاةُ.
(وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ) ونَحوِه في الأَشْهَر؛ لِأنَّه أبْلَغُ في هَيْبَته، وأوْقَعُ في النُّفوس، وأعْظَمُ لِحُرْمةِ الشَّرع.
وظاهِرُه: أنَّه لا يَجلِسُ على التُّراب، ولا على حَصِيرِ المسجد، لكِنْ قال في «الشَّرح»: وما ذُكِرَ مِنْ جُلوسه على البِساط دُونَ تُرابٍ وحَصِيرٍ لم يُنقَلْ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن أَحَدٍ مِنْ خُلَفائه، والاِقْتِداءُ بهم أَوْلَى، فيكُونُ وُجودُه وعَدَمُه سَواءً.
وفي «المستوعب» : أنْفَذَ بِساطًا أوْ لِبادًا أوْ حَصِيرًا أوْ غَيرَ ذلك؛ لِيُفْرَشَ له
(1)
في (م): فيكون.
(2)
أخرجه البخاري (7158)، ومسلم (1717).
(3)
في (م): المرور.
(4)
أخرجه البخاري (6231)، ومسلم (2160)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«يسلِّم الصغير على الكبير، والمارّ على القاعد، والقليل على الكثير» .
(5)
في (م): المسجد.
(6)
في (م): يصلي.
(7)
أخرجه البخاري (444)، ومسلم (714)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
في مَجلِسِ حُكْمِه.
وفي «الرِّعاية» : بسَكِينةٍ ووَقارٍ.
وفي «الكافي» : ويَبسُطُ تَحتَه شَيئًا يَجلِسُ عَلَيهِ لِيَكُونَ أوْقَرَ له.
(وَيَسْتَعِينُ بِاللهِ، ويَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَيَدْعُوهُ سِرًّا أَنْ يَعْصِمَهُ مِنَ الزَّلَلِ، وَيُوَفِّقَهُ لِلصَّوَابِ، وَلِمَا يُرْضِيهِ مِنَ
(1)
الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ)؛ لِأنَّ ذلك مَطْلوبٌ مُطلَقًا، ففي وَقْتِ الحاجة أَوْلَى، والقاضي من
(2)
أشدِّ النَّاس إلَيهِ حاجَةً.
(وَيَجْعَلُ مَجْلِسَهُ فِي مَكَانٍ فَسِيحٍ؛ كَالْجَامِعِ)، ويَصُونُه عمَّا يُكْرَه، (وَالْفَضَاءِ، وَالدَّارِ الْوَاسِعَةِ، فِي وَسَطِ الْبَلَدِ إِنْ أَمْكَنَ)؛ لِيَكُونَ ذلك أوْسَعَ على الخُصُوم، وأقْرَبَ إلى العَدْل.
وعُلِمَ منه: أنَّه لا يُكرَهُ القَضاءُ في الجامِع والمساجد؛ لحديثِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(3)
، ورُوِيَ عن عُمَرَ وعثمان
(4)
وعليٍّ: «أنَّهم كانوا يَقْضُونَ في المسجد»
(5)
، وقال مالِكٌ:(هو السُّنَّةُ، والقَضاءُ فِيهِ مِنْ أمْرِ النَّاس القديمِ)
(6)
.
(1)
في (م): ولما يرغبه في.
(2)
قوله: (من) سقط من (ظ).
(3)
أخرجه البخاري (457)، ومسلم (4418)، أن كعب بن مالك تقاضى من ابن أبي حدرد دينًا له عليه في المسجد
…
الحديث.
(4)
قوله: (عمر وعثمان) في (م): عثمان.
(5)
لم نقف عليها، وقد أخرج عبد الرزاق (18238)، وابن أبي شيبة (28646)، عن طارق بن شهاب: أن عمر رضي الله عنه أتي برجل في شيء - يعني من الحدود -، فقال:«أخرجاه من المسجد فاضرباه» . وسنده صحيح. وأخرج ابن أبي شيبة (28648)، عن مبارك، عن ظبيان بن صبيح، قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لا تقام الحدود في المساجد» . ومبارك بن فضالة صدوق يدلِّس ويسوِّي، وظبيان بن صبيح لا يُدرى مَنْ هو. ينظر: سير أعلام النبلاء 7/ 281، ميزان الاعتدال 2/ 348.
(6)
ينظر: المدونة 4/ 13، الإشراف على مذاهب العلماء 4/ 180.
فإن اتَّفَقَ لأحدٍ منَ
(1)
الخُصومِ مانِعٌ من
(2)
دُخولِه؛ كحَيضٍ وكُفْرٍ؛ وكَّلَ وَكِيلاً، أوْ ينتظر
(3)
حتَّى يَخرُجَ فيُحاكِمَ إلَيهِ.
(وَلَا يَتَّخِذُ حَاجِبًا وَلَا بَوَّابًا)؛ لقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ إمامٍ أوْ وَالٍ يُغلِقُ بابَه دُونَ ذَوِي الحاجَةِ والخَلَّة والمَسْكَنَة؛ إلَّا أغْلَقَ اللهُ تَعالَى أبْوابَ السَّماء دُونَ خَلَّتِه وحاجَتِه ومَسْكَنَتِه» ، إسناده
(4)
ثِقاتٌ، رواهُ أحمدُ والتِّرمذِيُّ، وقال: غَرِيبٌ
(5)
، ولِأنَّ الحاجِبَ رُبَّما قَدَّمَ المتأخِّر
(6)
وأخَّر المتقَدِّمَ لِغَرَضٍ له.
(إِلَّا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إِنْ شَاءَ)، وفي «الفُروع» وغَيرِه: إلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ لِأنَّه قد تَدْعُو حاجَتَه إلى ذلك، ولا مَضَرَّةَ على الخُصُوم فِيهِ؛ لِأنَّه لَيسَ بِوَقْتٍ للحُكومة.
وفي «المحرَّر» و «الوجيز» : المنْعُ مُطلَقًا.
وفي «المُذهب» : يَترُكُه نَدْبًا.
وفي «الأَحْكام السُّلْطانِيَّة» : لَيسَ له
(7)
تأخيرُ الخُصوم إذا تَنَازَعُوا إلَيهِ بلا
(1)
قوله: (من) سقط من (ظ) و (م).
(2)
في (ن): في.
(3)
في (ن): وينتظر.
(4)
في (م): وإسناده.
(5)
أخرجه أحمد (18033)، والترمذي (1332)، والحاكم (7028)، عن أبي الحسن، قال: قال عمرو بن مرة رضي الله عنه، فذكره. وسنده ضعيف؛ فإن أبا الحسن الجزري مجهول. والحديث أخرجه أبو داود (2948)، والحاكم (7027)، من طريق آخر عن القاسم بن مخيمرة، عن أبي مريم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مرفوعًا بلفظ:«من وليَ من أمر المسلمين شيئًا فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم وفقرهم احتجب الله يوم القيامة عن خلّته وحاجته وفقره وفاقته» ، وصححه الحاكم والذهبي والألباني، وقوّاه ابن الملقن. وأبو مريم هو: عمرو بن مرة كما قاله الترمذي والبخاري وغيرهما. ينظر: البدر المنير 9/ 567، الصحيحة (629)، صحيح سنن أبي داود 8/ 299.
(6)
في (ن): المستأخر.
(7)
قوله: (له) سقط من (ن).
عُذْرٍ، ولا له أنْ يَحتَجِبَ إلَّا في أوْقاتِ الاستراحة
(1)
.
وفي «المستوعب» : يَنبَغِي أنْ يكُونَ على رَأْسِه مَنْ يُرتِّبُ النَّاسَ.
(وَيَعْرِضُ الْقِصَصَ)؛ ليقضي
(2)
حَوائجَ أصحابها، (فَيَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ)؛ كما لو سَبَقَ إلى مَوضِعٍ مُباحٍ، (وَلَا يُقَدِّمُ السَّابِقَ فِي أَكْثَرَ مِنْ حُكُومَةٍ وَاحِدَةٍ)؛ لِئَلَّا يَستَوعِبَ المجْلِسَ بدَعَاوِيهِ فَيَضُرَّ بغَيرِه، ولِأنَّه مَسْبوقٌ بالنِّسبة إلى الثَّانِيَة؛ لِأنَّ الَّذي يَلِيهِ سبقه
(3)
بالنِّسبة إلى الدَّعْوَى الثَّانِيَة.
وقِيلَ: يُقدِّمُ مَنْ لَه بَيِّنَةٌ؛ لِئَلَّا تَضجَرَ البيِّنَةُ.
وفي «الرعاية»
(4)
: يُكْرَه تقديمُ مُتأَخِّرٍ.
(فَإِنْ
(5)
حَضَرُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَتَشَاحُّوا؛ قَدَّمَ أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ)؛ لِأنَّها مَشْروعةٌ للتَّرجِيح في غَيرِ هذا الموْضِعِ، فكذا هُنَا.
وفي «المحرَّر» و «الوجيز» : يُقدِّمُ المسافِرَ المرتَحِلَ. زاد في «الرِّعاية» : والمرأةَ في حُكوماتٍ يَسِيرةٍ.
فعلى هذا: إنْ كان المسافرون
(6)
مِثْلَ المقِيمِينَ أوْ أقلَّ، وفي تقديمهم ضَرَرٌ؛ اعتُبِر رضا المقِيمِينَ، وقِيلَ: إنْ كانوا مِثْلَهم أوْ أَكْثَرَ؛ سَوَّى بَينَهم.
فإنِ ادَّعى كلٌّ منهما
(7)
أنَّه حَضَرَ قَبْلَ الآخَرِ؛ لِيَدَّعِيَ عَلَيهِ؛ فهل يُقدِّمُ الحاكِمُ مَنْ شاء منهما، أوْ يَصرِفُهما حتى
(8)
يَتَّفِقَا، أوْ يُقرِعُ بَينَهما، أوْ
(1)
في (م): الاستباحة.
(2)
في (م): ليقتضي.
(3)
في (م) و (ن): سبقته.
(4)
في (م): الدعوى.
(5)
في (ظ): فإذا.
(6)
في (ن): المسافر.
(7)
في (ظ): منهم.
(8)
قوله: (حتى) سقط من (ن).
يحلفُ
(1)
كلٌّ مِنْهُما للآخر
(2)
؟ فيه أوْجُهٌ.
والاِعْتِبارُ بسَبْقِ المدَّعِي، لكِنْ لو قَدَّمَ المتأخِّر
(3)
، أوْ عَكَسَ؛ صحَّ قضاؤه مع الكراهة.
(وَيَعْدِلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ)، لُزُومًا في الأصحِّ، (فِي لَحْظِهِ، وَلَفْظِهِ، وَمَجْلِسِهِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ)؛ لمَا رَوَى عمر بنُ شيبة
(4)
في كتابِ «قُضاةِ البصرة» ، عن أمِّ سَلَمَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
(5)
(6)
، وكَتَبَ عُمَرُ إلى أبي موسى: «وآسِ بَينَ النَّاس في وَجْهِكَ، ومَجْلِسِكَ، وعَدْلِكَ، حتَّى لا يَيْأَسَ الضَّعيفُ مِنْ عَدْلِكَ، ولا يَطمَعَ الشَّريفُ في حقك
(7)
» رَواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ من روايةِ عبدِ الله
(8)
بنِ أبي حُمَيدٍ الهُذَلِيِّ، وهو واهٍ
(9)
،
(1)
في (ن): ويحلف.
(2)
في (م): لآخر.
(3)
في (ن): المستأخر.
(4)
في (ن): عمرو شعيب. وصوابه: عمر بن شبَّة.
(5)
قوله: (قدم المتأخر أو عكس
…
) إلى هنا سقط من (م).
(6)
أخرجه أبو يعلى (5867)، والطبراني في الكبير (620)، والدارقطني (4466)، عن أمِّ سلمة رضي الله عنها مرفوعًا. وفيه عباد بن كثير الثقفي، وهو متروك، والحديث ضعفه الزيلعي والهيثمي وابن الملقن وابن حجر والألباني، وقال:(ضعيف جدًّا). ينظر: نصب الراية 4/ 73، البدر المنير 9/ 595، التلخيص الحبير 4/ 354، الصحيحة (2195)، الإرواء 8/ 238.
(7)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المصادر الحديثية: حيفك.
(8)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المصادر الحديثية: عبيد الله.
(9)
أخرجه الدارقطني (4471)، والبيهقي في الخلافيات (5517)، وفيه عبيد الله بن أبي حميد الهذلي متروك واهٍ. والحديث ضعفه البيهقي والزيلعي، ولرسالة عمر إلى أبي موسى طريق صحيحة كما سيأتي. ينظر: نصب الراية 4/ 81، الإرواء 8/ 241.
ولأنَّه
(1)
ربَّما لم يَفهَمْ حُجَّتَه، فيُؤَدِّي إلى ظُلْمه وانْكِسارِ قَلْبِه.
وقدَّم في «الرِّعاية» : أنَّ ذلك يُسَنُّ.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا، فَيُقَدِّمُ المُسْلِمَ عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ، وَيَرْفَعُهُ فِي الْجُلُوسِ)، هذا هو الأَشْهَرُ؛ لمَا رَوَى حَكِيمُ بنُ حِزامٍ، عن الأَعْمَشِ، عن إبراهيمَ التَّيمِيِّ، قال: وَجَدَ عَلِيٌّ دِرْعَه مع يهوديٍّ، فقال: دِرْعِي سَقَطَتْ وَقْتَ كذا، فقال اليهوديُّ: دِرْعِي في يَدِي، وبَيْنِي وبَينَكَ قاضِي المسْلِمِينَ، فارْتَفَعَا إلى شُرَيحٍ، فَلمَّا رآه شُرَيحٌ قام مِنْ مَجْلِسِه وأجْلَسَه في مَوضِعِه، وجَلَسَ
(2)
مع اليهوديِّ بَينَ يَدَيهِ، فقال عليٌّ
(3)
: لو كان خَصْمِي مُسلِمًا لَجَلَسْتُ معه بَينَ يَدَيكَ، ولكِنْ سمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُساوُوهم
(4)
في المجْلِسِ»، وإسْنادُه فيه ضَعْفٌ
(5)
، وإظْهارًا لِشَرَفِ الإسْلامِ.
(وَقِيلَ: يُسَوِّي بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّ العَدْلَ يَقتَضِي ذلك؛ كالمسْلِمِينَ.
قال ابنُ المنَجَّى: والأوَّلُ أَوْلَى؛ لحديثِ عليٍّ، وهو واجب
(6)
التَّقديم؛ لِأنَّه خاصٌّ، والخاصُّ يَجِبُ تقديمُه.
وفي «المحرَّر» : يُفضَّلُ عَلَيهِ دُخُولاً، وأمَّا جُلوسًا فعلى وَجْهَينِ.
(1)
في (م): لأنه.
(2)
في (م): وأجلس.
(3)
قوله: (علي) سقط من (م).
(4)
في (م): لا تساوهم.
(5)
أخرجه ابن القاص في أدب القضاء (117)، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء (4/ 139)، والجوزجاني في الأباطيل (2/ 240)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 388)، وفي سنده: حكيم بن خذام أبو سمير البصري، قال أبو حاتم:(متروك الحديث)، وقال البخاري:(منكر الحديث)، قال ابن الصلاح:(لم أجد له إسنادًا يثبت). ينظر: لسان الميزان 3/ 260، التلخيص الحبير 4/ 469، التكميل لصالح آل الشيخ ص 207.
(6)
في (م): أوجب.
(وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا)؛ لمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلبِ صاحبه، وربَّما أدَّى إلى ضعْفِه عن إقامةِ حُجَّته.
(وَلَا يُلَقِّنُهُ
(1)
حُجَّتَهُ)؛ لِأنَّ عَلَيهِ أنْ يَعدِلَ بَينَهما، ولمَا فِيهِ من الضَّرَر على
(2)
صاحبه.
(وَلَا يُضِيفُهُ)؛ لمَا رُوِيَ عن عليٍّ أنَّه نَزَلَ به رجلٌ فقال: ألَكَ خَصْمٌ؟ قال
(3)
: نَعَمْ، قال: تَحوَّلْ عنَّا، فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا تُضِيفُوا أحَدَ الخَصْمَينِ إلَّا ومعه خَصْمُه»
(4)
، وفي «الكافي»: لا يَنبَغِي ذلك.
(وَلَا يُعَلِّمُهُ كَيْفَ يَدَّعِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وهو المذْهَبُ؛ لما فِيهِ من الإعانة على خَصْمِه، وكَسْرِ قَلْبِه.
(وَفِي الآْخَرِ: يَجُوزُ لَهُ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى لَهُ إِذَا لَمْ يُحْسِنْ تَحْرِيرَهَا)؛ لِأنَّه لا ضَرَرَ على خَصْمِه في ذلك، ولأنَّ
(5)
في تَرْكِ تعليمه تَسَبُّبًا إلى تأخِيرِ حقِّه، وعَدَمِ الفَصْلِ بَينَه وبَينَ غَريمِه.
وفي «مختصر ابنِ رَزِينٍ» : يُسَوِّي بَينَ خَصْمَينِ في مَجلِسِه، ولَحْظِه، ولَفْظِه، ولو ذِمِّيًّا في وَجْهٍ.
(1)
في (م): ولا تليقنه.
(2)
قوله: (الضرر على) في (ن): ضرر.
(3)
في (ن): فقال.
(4)
أخرجه البيهقي في الكبرى (20470، 20471)، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن بنحوه، وإسماعيل بن مسلم المكي، ضعيف منكر الحديث، يسند عن الحسن وغيره مناكير. والحديث أخرجه البيهقي في الكبرى (20472)، من طريق آخر بلفظ:«كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يضيف الخصم إلا وخصمه معه» ، وفيه: القاسم بن غصن، وهو ضعيف يحدِّث بالمناكير عن المشاهير. ينظر: الجرح والتعديل 7/ 116، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة 8/ 12، الإرواء 8/ 251.
(5)
في (م): ولا.
فرعٌ: ما لَزِمَ ذِكْرُه في الدَّعْوَى مِنْ شَرْطٍ أوْ سَبَبٍ أوْ غَيرِهما، إذا لم يَذكُرْه؛ أنَّ الحاكِمَ يَسألُ عنه لِيَذْكُرَه ويُحرِّرَه، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» وغيرهما
(1)
.
(وَلَهُ أَنْ يَشْفَعَ إِلَى خَصْمِهِ لِيُنْظِرَهُ، أَوْ يَضَعَ عَنْهُ، أَوْ يَزِنَ عَنْهُ
(2)
، كذا في «الكافي» و «الشَّرح» و «الوجيز» ؛ لمَا رَوَى سعيدٌ، ثنا ابنُ المبارَكِ، أنا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عبدِ الرَّحْمنِ بنِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ:«أنَّ مُعاذًا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكَلَّمَه لِيُكَلِّمَ غُرَماءَه، فلو تَرَكُوا الْأَخْذَ لَتَرَكُوا لمُعاذٍ لأِجْلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم» ، مرسل
(3)
جَيِّدٌ
(4)
، ونَقَلَ حَنْبلٌ: أنَّ كَعْبَ بنَ مالِكٍ تَقاضَى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَينًا عَلَيهِ، وأشار إليه
(5)
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بيَدِه أنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَينِكَ، قال: قد فَعَلْتُ، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«قُمْ فأعْطِهِ»
(6)
، قال أحمد
(7)
: هذا حكمٌ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(8)
.
وقال
(9)
ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ مَنْعَ وَزْنِه عَنه.
وفي
(10)
سؤال الوَضْعِ عَنْه رِوايَةٌ، ذَكَرَها في «المحرَّر» و «الرِّعاية» .
(1)
قوله: (أن الحاكم يسأل عنه
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (ن): ليضع عنه ويزن عنه.
(3)
في (م): يرسل.
(4)
لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد أخرجه عبد الرزاق (15177)، وأبو داود في المراسيل (171)، واختلف في وصله وإرساله، والصواب فيه الإرسال. وتقدم تخريجه 5/ 485 حاشية (5).
(5)
قوله: (إليه) سقط من (م).
(6)
أخرجه البخاري (457)، ومسلم (1558).
(7)
قوله: (قال أحمد) سقط من (ن).
(8)
ينظر: زاد المسافر 3/ 494.
(9)
في (م): قال.
(10)
في (ن): في.
فرعٌ: إذا سلَّم
(1)
أحدُهما رَدَّ عَلَيهِ، وفي «التَّرغيب»: يصبر
(2)
لِيَرُدَّ عَلَيهِما مَعًا إلَّا أنْ يَتَمادَى عُرْفًا
(3)
.
وقِيلَ: يُكرَهُ قِيامُه لهما، نقل
(4)
عبدُ الله: سُنَّةُ القاضِي أنْ يَجلِسَ الخَصْمانِ بَينَ يَدَيهِ؛ لِأَمْرِه عليه السلام بذلك
(5)
.
(وَيَنْبَغِي)؛ أيْ: يُسَنُّ (أَنْ يُحْضِرَ مَجْلِسَهُ الْفُقَهَاءَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ إِنْ أَمْكَنَ)، حتَّى إذا حَدَثَتْ حادِثَةٌ سَأَلَهم عنها ليذكروا
(6)
أدِلَّتَهم فيها، وجَوابَهم عنها، فإنَّه أسْرَعُ إلى اجْتِهادِه، وأقْرَبُ إلى صوابه
(7)
، فإنْ حَكَمَ باجْتِهاده؛ فَلَيسَ لأِحَدٍ الاِعْتراضُ عَلَيهِ؛ لِأنَّ فيه افْتِياتًا عَلَيهِ، إلَّا أنْ يَحكُمَ بما يُخالِفُ نَصًّا أوْ إجْماعًا.
(وَيُشَاوِرَهُمْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ)؛ لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عِمرَان: 159]، وقد «شاوَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصْحابَه في أسَارَى بَدْرٍ»
(8)
، «وشاوَرَ أبو بكرٍ في مِيراثِ الجَدَّة»
(9)
،
(1)
في (م): أسلم.
(2)
قوله: (يصبر) سقط من (ن).
(3)
كتب في هامش (ظ): (وإن سلَّما معًا ردَّ عليهما معًا، قاله في «الرعاية»).
(4)
في (م): نقله.
(5)
لم نجدها في المطبوع من مسائل عبد الله. وينظر: الفروع 11/ 134. والحديث تقدم تخريجه 10/ 274 حاشية (6).
(6)
قوله: (ليذكروا) سقط من (م).
(7)
في (م): جوابه.
(8)
أخرجه مسلم (1763)، من حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم.
(9)
أخرجه مالك (2/ 513)، وأبو داود (2894)، والترمذي (2101)، وغيرهم، عن قبيصة بن ذؤيب في قصة. وفي سنده اختلاف، وهو منقطع؛ فإن رواية قبيصة بن ذؤيب عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مرسلة. والحديث حسنه الترمذي، وصححه الحاكم، وصحح إرساله البخاري والدارقطني وابن عبد البر والألباني. ينظر: التاريخ الكبير 6/ 213، البدر المنير 2/ 321، التلخيص الحبير 3/ 179، الإرواء 6/ 124، ضعيف سنن أبي داود 2/ 393.
(1)
(2)
، ولا مُخالِفَ في اسْتِحْبابِ ذلك.
والمُشاوَرَةُ هنا لاِسْتِخْراجِ الأَدِلَّة ويَعرِفَ الحقَّ بالاِجْتِهاد، قال أحمدُ: ما أحْسَنَه لو فعله
(3)
الحُكَّامُ، يُشاوِرُونَ ويَنتَظِرونَ
(4)
.
(فَإِنِ اتَّضَحَ لَهُ
(5)
؛ حَكَمَ)، ولا يَحِلُّ له تأخيرُه؛ لما فيه من تأخير الحقِّ عَنْ مَوضِعِه، (وَإِلَّا أَخَّرَهُ) حتَّى يَتَّضِحَ الحقُّ فيَحكُمَ به، لمَا فِيهِ من القَضاء بالجَهْل.
(وَلَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُ)؛ لِأنَّ المجْتَهِدَ لا يَجُوزُ له التَّقليدُ ولو ضَاقَ الوَقْتُ؛ كالمجتهدين
(6)
في القِبْلة، نَقَلَ ابنُ الحَكَم: (عَلَيهِ أنْ يَجتَهِدَ، قال عُمَرُ:«واللهِ ما يَدْرِي عمرُ أصاب الحقَّ أمْ أخْطَأَ»
(7)
، ولو كان حَكَمَ بحُكْمٍ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لم يَقُلْ هذا)
(8)
.
ونَقَلَ أبو الحارِث: لا تُقلِّدْ أمْرَكَ أحْدًا، وعَلَيكَ بالأَثَر
(9)
، وقال
(1)
أخرجه مسلم (1689)، من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (1706) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
قوله: (لو فعله) في (ن): أو عرفه.
(4)
ينظر: زاد المسافر 3/ 478.
(5)
قوله: (اتضح له) في (م): انتظر.
(6)
في (ن): كالمجتهد.
(7)
لم نقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرج الطحاوي في مشكل الآثار (9/ 214)، والبيهقي في الكبرى (20348)، عن مسروق، قال: كتب كاتب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر. فانتهره عمر رضي الله عنه، وقال:«لا، بل اكتب: هذا ما رأى عمر، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر» ، قال الحافظ في التلخيص 4/ 472:(إسناده صحيح).
(8)
ينظر: زاد المسافر 3/ 485.
(9)
ينظر: العدة للقاضي أبي يعلى 4/ 1229، الفروع 11/ 135.
للفضل
(1)
بنِ زياد
(2)
: لا تُقلِّدْ دِينَكَ الرِّجالَ، فإنَّهم لن يَسلَمُوا أنْ يَغلَطُوا
(3)
.
وقال ابنُ حَمْدانَ: وإن
(4)
كان الخصمُ مُسافِرًا يَخافُ فَوتَ رُفْقَتِه؛ يحتمل
(5)
وَجْهَينِ، وإنْ فوَّضه إلى مَنْ اتَّضَحَ له وهو أهْلٌ للقضاء؛ صحَّ.
قال أبو الخَطَّاب: وحَكَى أبو إسْحاقَ الشِّيرازِيُّ: أنَّ مَذْهَبَنا جَوازُ تقليد
(6)
العالِمِ للعالم
(7)
، وهذا لا يُعرَفُ عنهم.
واختار
(8)
أبو الخَطَّاب: إنْ كانت العبادةُ ممَّا لا يَجُوزُ تأخيرُها كالصَّلاة؛ فَعَلَها بحَسَبِ حالِه ويُعِيدُ إذا قَدَرَ؛ كَمَنْ عَدِمَ الطَّهُورَينِ، فلا ضَرورةَ إلى التَّقليد، ولِأنَّ العامِّيَّ لا
(9)
يَسقُطُ عنه فَرضُه - وهو التَّقْليدُ - بخَوفِ فَوتِ وقته
(10)
.
وقال
(11)
أحمدُ في رِوايَةِ المَرُّوذِيِّ
(12)
: إذا سُئِلْتُ عن مسألةٍ لا أعْرِفُ فيها خَبَرًا؛ قلتُ فِيهَا بقَولِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأنَّه إمامٌ عالِمٌ من قُرَيشٍ، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «عالم
(13)
قُرَيشٍ يَمْلَأُ الأرْضَ عِلْمًا»
(14)
.
(1)
في (ن): الفضل.
(2)
قوله: (لا تلقد أمرك أحدًا
…
) إلى هنا سقط من (م).
(3)
ينظر: العدة للقاضي أبي يعلى 4/ 1229، الفروع 11/ 135.
(4)
في (م): وإنما.
(5)
في (م): ويحتمل.
(6)
في (م): التقليد.
(7)
قوله: (للعالم) سقط من (ن).
(8)
في (ظ) و (م): وأجاز.
(9)
قوله: (لا) سقط من (م).
(10)
في (م): رفقته، وفي (ن): قوته.
(11)
في (ن): قال.
(12)
ينظر: مناقب الشافعي للبيهقي 1/ 54.
(13)
زيد في (م): من.
(14)
أخرجه الطيالسي (307)، وابن أبي عاصم في السنة (1522)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (4/ 289)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وفي إسناده النَّضر بْن حُميد، أَبُو الجارود، وهو متروك منكر الحديث. وقد حكم عليه بالوضع: الصغاني والشوكاني، وتُعُقِّبوا بضعفه، لا وضعه. ينظر: المقاصد الحسنة (675)، الأسرار المرفوعة (285)، الفوائد المجموعة (191).
فرعٌ: إذا حَكَمَ ولم
(1)
يَجتَهِدْ، ثُمَّ بان أنَّه حَكَمَ بالحقِّ؛ لم يَصِحَّ، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ.
(وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ) غَضَبًا كثيرًا؛ لِخَبَرِ أبي بَكْرَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَقضِيَنَّ حاكِمٌ بَينَ اثْنَينِ وهو غَضْبانُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(2)
، لِأنَّه ربَّما حَمَلَه الغَضَبُ على الجَور في الحُكْم، وفيه من الوعيد ما رواهُ ابنُ أبي أَوْفَى مرفوعًا:«إنَّ اللهَ تَعَالَى مع القاضي ما لم يَجُرْ، فإذا جَارَ تَخَلَّى عنه، ولَزِمَه الشَّيطانُ» رواهُ التِّرمذِيُّ
(3)
.
(وَلَا حَاقِنٌ، وَلَا فِي شِدَّةِ العَطَشِ والْجُوعِ
(4)
، وَالْهَمِّ، وَالوَجَعِ
(5)
، وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ المُؤْلِمِ، وَالْحَرِّ المُزْعِجِ)؛ قِياسًا على المنْصوص عَلَيهِ، ومِثْلُه: شهوةُ
(6)
نكاحٍ، وكَسَلٌ، وحُزْنٌ، وخَوفٌ، وفَرَحٌ غالِبٌ؛ لِأنَّها تَمنَعُ حُضورَ القَلْب، واسْتِيفاءَ الفِكْر الَّذي يُتَوَصَّلُ به إلى إصابَةِ الحقِّ في الغالب، فهو في مَعْنَى الغَضَب.
(1)
في (م): لم.
(2)
أخرجه البخاري (7158)، ومسلم (1717).
(3)
أخرجه الترمذي (1330)، وابن حبان (7026)، والبزار (3336)، والحاكم (5062)، وفي إسناد عمرو بن عاصم الكلابي، وهو صدوق في حفظه شيء، وعمران القطان، متكلم فيه، وهو صدوق يهم. والحديث صححه ابن حبان والحاكم والذهبي، وقال الترمذي:(غريب). ينظر: البدر المنير 9/ 528، التلخيص الحبير 4/ 334.
(4)
قوله: (والجوع) سقط من (ظ) و (م). والمثبت موافق لنسخ المقنع الخطية.
(5)
في (م): والجوع، وفي (ن): والجزع.
(6)
في (م): بشهوة.
(فَإِنْ خَالَفَ، وَحَكَمَ، فَوَافَقَ الْحَقَّ؛ نَفَذَ حُكْمُهُ) في الأصحِّ؛ «لِأنَّه عليه السلام حَكَمَ للزُّبَيرِ في شِراجِ الحَرَّةِ وهو غَضْبانُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(1)
.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ)؛ لِأنَّ النَّهْيَ يَقتَضِي فسادَ المَنْهِيِّ عنه.
(وَقِيلَ: إِنْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ فَهْمِ الْحُكْمِ؛ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا)؛ لِأنَّ ذلك إنَّما يَمنَعُ مِنْ الحُكْم معه؛ لمَا فِيهِ مِنْ إشْغالِ الفَهْم، وذلك مَفْقودٌ فِيما إذا عَرَضَ بَعْدَ فَهْمِ الحُكْم، مَوجُودٌ فِيما إذا عَرَضَ قَبْلَه، ولغضبه
(2)
عليه السلام في قصة
(3)
الزُّبَير.
قال الشَّيخُ مَجْدُ الدِّين في «أحْكامه» : (بابُ النَّهْيِ عن الحُكْم في حالِ الغَضَب، إلَّا أنْ يكُونَ يَسِيرًا لا يَشغَلُ)، ثُمَّ ذَكَرَ قضية
(4)
أبي بكرة
(5)
والزُّبَيرِ، لكِنْ ذَكَرَ ابنُ نَصْرِ اللهِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان له أنْ يَقْضِيَ حال
(6)
غَضَبِه.
(وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْتَشِيَ)، الرّشْوةُ: بتَثْلِيثِ الرَّاء، وقد اتَّفَقَ العُلَماء على تحريمها؛ لمَا رَوَى عَبدُ الله بنُ عمرو
(7)
: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَعْنةُ الله على الرَّاشِي والمرتشي
(8)
» رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرمذِيُّ وصحَّحَه، وإسْنادُه ثِقاتٌ
(9)
، ورَوَى أحمدُ، والتِّرمذِيُّ وحسَّنه مِنْ حديثِ أبي هُرَيرةَ، وزادا: «في
(1)
أخرجه البخاري (2359)، ومسلم (2357)، من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه.
(2)
قوله: (بعد فهم الحكم موجود فيما إذا عرض قبله ولغضبه) في (م): لفعله.
(3)
في (م): قصة.
(4)
في (ظ): قضية.
(5)
في (م): بكر.
(6)
في (ظ) و (ن): حالة.
(7)
في (م): عمر.
(8)
في (م): والمرشي.
(9)
أخرجه أحمد (6984)، وأبو داود (3580)، والترمذي (1337)، وابن الجارود (586)، وابن حبان (7066)، والحاكم (7066)، وسنده حسن؛ فيه الحارث بن عبد الرحمن، وهو صدوق لا بأس به كما قال أحمد وغيره، وصححه الدارمي وابن الجارود وابن حبان والحاكم والعراقي والألباني، وقال الترمذي:(حسن صحيح). وذكر ابن حجر: أنه ثابت من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. ينظر: البدر المنير 9/ 573، خلاصة البدر المُنير 2/ 430، فتح الباري 5/ 221، الإرواء 8/ 243.
الحُكْم»، وفِيهِ عمر
(1)
بن أبي سَلَمَةَ
(2)
، ورواه
(3)
أحمدُ مِنْ حديثِ ثَوبانَ، وزاد:«والرَّائِش»
(4)
؛ يعني: الَّذي يَمْشِي بَينَهما بها.
فإنْ رَشاهُ على واجِبٍ، أوْ لِيَدفَعَ ظُلْمَه؛ فقال عطاءٌ، وجابِرُ بنُ زَيدٍ، والحَسَنُ:(لا بأْسَ أنْ يُصانِعَ عن نفسه)
(5)
، ولِأنَّه يستنقذ
(6)
ماله، كما
(1)
في (ظ): عمرو.
(2)
أخرجه أحمد (9023)، والترمذي (1336)، وابن حبان (5076)، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وعمر بن أبي سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف، متكلّم فيه من قبل حفظه، قال الترمذي:(ورُويَ عن أبي سلمة عن أبيه مرفوعًا، ولا يصحُّ). وذكر الدارقطني أنّ طريق أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو - وهو الحديث السّابق - أشبه بالصّواب، وأصحّ. ينظر: علل الدارقطني 4/ 274، البدر المنير 9/ 573، الإرواء 8/ 243.
(3)
قوله: (أحمد والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
أخرجه أحمد (22399)، والبزّار (4160)، والطحاوي في شرح المشكل (5655)، والحاكم (7068)، من طرق عن ليث، عن أبي الخطاب، عن أبي زرعة، عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعًا. قال البزار:(هذا الحديث قوله: «والرائش» لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه إلَّا من هذا الوجه، فلذلك كتبناه، وبينا أن هذا الحديث إنما هو عن ليث بن أبي سليم، عن أبي زرعة، عن أبي إدريس .. ، وأبو الخطاب فليس بالمعروف إلا أنه قد روى عنه ليث غير حديث، وإنما يُكتب حديثه إذا لم يُحفظْ ما يُروى إلَّا عنه). وقد أفاد الحاكم وابن القطان والألباني وغيرهم ضعف هذه الزيادة ونكارتها كما قاله البزار، فقال الألباني:(منكر). ينظر: بيان الوهم 3/ 548، التلخيص الحبير 4/ 348، الضعيفة (1235)، الإرواء 8/ 243
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (21993، 21994)، عنهم جميعًا.
(6)
في (ظ) و (ن): يستفيد.
يستنقذ
(1)
الرَّجُل أسيره
(2)
.
(وَلَا يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ)؛ لمَا رَوَى أبو حُمَيدٍ السَّاعِدِيُّ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«هَدَايَا الْعُمَّال غُلولٌ» رواهُ أحمدُ، مِنْ رِوايَةِ إسْماعِيلَ بنِ عَيَّاش، عن يحيى بنِ سعيدٍ
(3)
، وعنه قال: بَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رجُلاً مِنْ الأزْد يُقالُ له: ابنُ اللُّتْبيَّة على الصَّدقة، فقال: هذا لَكُمْ وهذا أُهْدِيَ إليَّ، فَقامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللهَ وأثْنَى عَلَيهِ، ثم قال
(4)
: «ما بَالُ العامِلِ نبعثه
(5)
فيَجِيءُ فيَقُولُ: هذا لَكُمْ وهذا لي! ألَا جَلَسَ في بَيتِ أَبِيهِ فيَنظُرَ أيهدى
(6)
إلَيهِ أمْ لَا؟ والَّذِي نَفْسُ مُحمَّدٍ بِيَدِه، لا نبعث
(7)
أَحَدًا مِنْكُمْ فيَأخُذُ شَيئًا إلَّا جاءَ به يَومَ القِيامَة يَحمِلُه على رَقَبَته، إنْ كان بَعِيرًا له رُغاءٌ، أوْ بَقَرَةً
(8)
لها خُوار
(9)
، أوْ شاةً تَيعَرُ»، ثُمَّ
(1)
في (ظ) و (ن): يستفيد.
(2)
في (ن): يسيره.
(3)
أخرجه أحمد (23601)، وأبو عوانة (7073)، والبزار (3723)، وابن عديِّ (1/ 486)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، عن عروة بن الزبير، عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه مرفوعًا. وإسماعيل بن عياش الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلِّط في غيرهم، ويحيى الأنصاري حجازي. والحديث ضعفه البزار وابن عديِّ، وعدّه من مناكير ابن عياش، والهيثمي وابن كثير. قال البزار:(رواه إسماعيل بن عياش واختصره وأخطأ فيه، وإنما هو عن الزهري، عن عروة، عن أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على الصدقة). يعني حديث ابن اللتبيَّة، وحسنه ابن الملقن، وصححه الألباني بشواهد ذكرها. ينظر: تفسير ابن كثير 3/ 153، البدر المنير 9/ 575، تحفة المحتاج 2/ 572، مجمع الزوائد 4/ 200، الإرواء 8/ 246.
(4)
في (م): وقال، وفي (ظ): قال.
(5)
في (ظ): يبعثه.
(6)
في (م): هل يهدى.
(7)
في (ظ): لا يبعث.
(8)
في (ن): أو كان بقرة.
(9)
في (ظ): جوار.
رَفَعَ يَدَيهِ حتَّى رَأيْتُ عُفْرةَ إبْطَيهِ، فقال:«اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» ثَلاثًا. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(1)
، قال عُمرُ بنُ عبدِ العزيز: (كانَت الهَدِيَّةُ فِيمَا مَضَى هدية
(2)
، فأمَّا اليومَ فهي رشْوةٌ)
(3)
، وقال كَعْبُ الأحبار: «قرأت
(4)
في بعضِ ما أنْزَلَ اللهُ على أنبيائه: الهَدِيَّةُ تَفْقَأُ عَينَ الحَكَم
(5)
»
(6)
.
(إِلَّا مِمَّنْ
(7)
كَانَ يُهْدِي إِلَيْهِ
(8)
قَبْلَ وِلَايَتِهِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكُومَةٌ)؛ لِأنَّ التُّهمةَ مُنتَفِيَةٌ؛ لِأنَّ المنْعَ إنَّما كان مِنْ أجْلِ الاِسْتِمالةِ، أو
(9)
مِنْ أجْلِ الحُكومَة، وكِلاهُما مُنْتَفٍ.
ويُستَحَبُّ له التَّنَزُّهُ عنها.
وفي «الشَّرح» و «الرِّعاية» : أنَّه إنْ أحسَّ
(10)
أنَّه يُقدِّمُها بَينَ يدي
(11)
حُكومةٍ، أوْ أنَّه فَعَلَها حالَ الحُكومَةِ؛ أنَّه يَحرُمُ أخْذُها.
قال في «الكافي» : والأَوْلَى الوَرَعُ عنها
(12)
في غَيرِ حالِ الحُكومَةِ؛ لِأنَّه
(1)
أخرجه أحمد (23598)، والبخاري (2597)، ومسلم (1832)، من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.
(2)
في (م): صدقة.
(3)
ينظر: بهجة المجالس لابن عبد البر ص 61.
(4)
في (ظ) و (م): فرأيت. والمثبت موافق لبهجة المجالس ص 61.
(5)
في (م): الحكام. والمثبت موافق للفروع 11/ 138، وفي بهجة المجالس ص 61: عين الحكيم.
(6)
ينظر: بهجة المجالس ص 61.
(7)
في (ن): من.
(8)
في (ن): له.
(9)
قوله: (من أجل الاستمالة أو) سقط من (ن).
(10)
في (م): أحسن.
(11)
في (م): يد.
(12)
قوله: (عنها) سقط من (ن).
لا يَأمَنُ أنْ تكون
(1)
لحكومةٍ مُنتَظَرَةٍ.
تنبيهٌ: إذا ارْتَشَى الحاكِمُ، أوْ قَبِلَ هَدِيَّةً؛ فَقِيلَ: يُؤخَذُ لِبَيتِ المالِ؛ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبية.
وقِيلَ: تردُّ
(2)
إلى مالِكِها، قدَّمه في «الشَّرح» ؛ كمَقْبوضٍ بِعَقْدٍ فاسِدٍ.
وقِيلَ: تُملَكُ
(3)
بتَعْجِيلِه المُكافَأةَ.
فَعَلَى الأوَّلِ: هَدِيَّةُ العامِلِ للصَّدَقات، ذَكَرَه القاضي، فدلَّ أنَّ في انْتِقالِ الملك في الرّشْوة والهَدِيَّة وجْهَينِ.
قال أحمدُ فيمن
(4)
وَلِيَ شَيئًا مِنْ أمْرِ السُّلْطان: (لا أُحِبُّ له أنْ يَقبَلَ شَيئًا، يُرْوَى:«هَدايَا العُمَّالِ غُلُولٌ»
(5)
، والحاكِمُ خاصَّةً لا أُحِبُّه له، إلَّا مِمَّنْ كان له به
(6)
خُلْطَةٌ وَوُصْلَةٌ ومُكافَأَةٌ قَبْلَ أنْ يَلِيَ)
(7)
.
(وَيُكْرَهُ
(8)
أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ)، خُصوصًا بمَجْلِسِ حُكمِه؛ لِأنَّه يُعرَفُ فيُحابَى، فيكون
(9)
كالهَدِيَّة، ولِأنَّ ذلك يَشغَلُه عن أمورِ المسلمين.
فإنْ تَعذَّرَ ذلك أو شَقَّ؛ جازَ؛ لِقَضِيَّةِ أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه
(10)
.
(1)
في (ظ): يكون.
(2)
في (ن): يرد.
(3)
في (ظ) و (ن): يملك.
(4)
في (م): في.
(5)
تقدم تخريجه 10/ 284 حاشية (3).
(6)
قوله: (به) سقط من (م).
(7)
ينظر: زاد المسافر 3/ 480.
(8)
زيد في (م): له.
(9)
في (ن): فتكون.
(10)
أخرجه البخاري (2070)، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما استخلف أبو بكر الصديق، قال:«لقد علم قومي أنّ حرفتي لم تكن تعجِز عن مؤونة أهلي، وشُغِلتُ بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه» .
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ وَكِيلُهُ)؛ لِأنَّه أنْفَى للتُّهمة.
وجَعَلَها الشَّريفُ وأبو الخَطَّاب كهَدِيَّةِ الوالي، سَأَلَه حَرْبٌ: هل للقاضِي والوالِي أنْ يَتَّجِرَ؟ قال: لَا، إلَّا أنَّه شَدَّدَ في الوالِي
(1)
.
(وَيُسْتَحَبُّ
(2)
لَهُ عِيَادَةُ المَرْضَى
(3)
، وَشُهُودُ الْجَنَائِزِ، مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الْحُكْمِ)؛ لِأنَّ ذلك قُربَةٌ وطاعَةٌ، وقد وَعَدَ الشَّارِعُ على ذلك أجْرًا عظيمًا، فيَدخُلُ القاضِي في ذلك.
وله حُضورُ البَعضِ؛ لِأنَّ هذا يَفْعَلُه لِنَفْعِ نَفْسِه، بخِلافِ الوَلائِمِ.
وفي «التَّرغيب» : ويُودِّعُ الغَازِيَ والحاجَّ.
وظاهِرُه: أنَّه إذا أشْغَلَه حُضُورُ ذلك عن الحُكْم؛ فَلَا؛ لِأنَّ اشْتِغَالَه بالفَصْل بَينَ الخُصوم ومُباشَرَةِ الحُكْم أَوْلَى.
(وَلَهُ حُضُورُ الْوَلَائِمِ)؛ كغَيرِه؛ «لِأنَّه عليه السلام أمَرَ بحُضورِها»
(4)
، (وَإِنْ
(5)
كَثُرَتْ؛ تَرَكَهَا كُلَّهَا)؛ لِئَلَّا يَشتَغِلَ عن الحُكْم الَّذي هو
(6)
فَرْضُ عَينٍ، لكنَّه يَسأَلُهم التَّحليلَ ويَعتَذِرُ، (وَلَمْ يُجِبْ بَعْضَهُمْ
(7)
دُونَ بَعْضٍ)؛ أيْ: بلا عُذْرٍ، ذَكَرَه القاضي وغَيرُه؛ لِأنَّ في ذلك كَسْرًا لِقَلْبِ مَنْ لم يُجِبْه، إلَّا أنْ يَختَصَّ بعُذْرٍ يَمنَعُه مِنْ مُنكَرٍ، أوْ بُعْدٍ، أو اشْتِغالٍ بها زَمَنًا طويلاً، فله الإجابةُ؛ لِأنَّ عُذْرَه طاعةٌ.
(1)
ينظر: زاد المسافر 3/ 477.
(2)
في (ن): وتستحب.
(3)
في (م): المريض.
(4)
أخرجه البخاري (5173)، ومسلم (1429)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها» .
(5)
في (ن): فإن.
(6)
قوله: (هو) سقط من (م).
(7)
في (ن): بعضها.
وذَكَرَ أبو الخَطَّاب: تُكره
(1)
مُسارَعَتُه إلى غير
(2)
وليمةِ عُرْسٍ، مع أنَّه يَجُوزُ له حضورُها.
وفي «التَّرغيب» : يُكرَه، وقدَّم: لا يَلزَمُه حُضورُ وَلِيمَةِ عُرْسٍ.
وذكر
(3)
القاضي: أنَّه يُستَحَبُّ له حُضورُ غَيرِ وَلِيمةِ عرس
(4)
.
وقِيلَ: يَجِبُ عَلَيهِ حُضورُها.
وقِيلَ: إنْ وَجَبَتْ على غَيرِه، وإلَّا فَلَا يَلزَمُه.
فرعٌ: لو تَضيَّفَ رجُلاً؛ فظاهر
(5)
كلامِهم يَجُوزُ.
وفي «الفنون» : له أخْذُ الصَّدقة.
(وَيُوصِي الْوَكَلَاءَ وَالْأَعْوَانَ عَلَى بَابِهِ بِالرِّفْقِ بِالْخُصُومِ، وَقِلَّةِ الطَّمَعِ)؛ تنبيهًا لهم على الفِعْل الجميلِ اللاَّئقِ بمَجالِسِ الحُكَّام والقُضاةِ، (وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونُوا شُيُوخًا أَوْ كُهُولاً، مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ)؛ لِأنَّ في ضدِّ ذلك ضَرَرًا بالنَّاس، فيَجِبُ أنْ يُوصِيَهم بما يَزُولُ به الضَّرَرُ عنهم، والكُهولُ والشُّيوخُ أَوْلَى مِنْ غَيرِهم؛ لِأنَّ الحاكِمَ تأتيه
(6)
النِّساءُ، وفي اجْتِماع الشَّباب بهِنَّ ضرَرٌ.
(وَيَتَّخِذُ كَاتِبًا)؛ أيْ: يُباحُ، والأَشْهَرُ: أنَّه يُسَنُّ؛ «لِأنَّه عليه السلام اسْتَكْتَبَ زَيدًا وغَيرَه»
(7)
، ولِأنَّ الحاكِمَ تكثُر
(8)
(1)
في (ظ) و (ن): يكره.
(2)
قوله: (غير) سقط من (م).
(3)
في (م): ذكر.
(4)
قوله: (مع أنه يجوز له حضورها
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(5)
في (م): وظاهر.
(6)
في (ظ): يأتيه.
(7)
أخرج البخاري (4679، 4989)، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان ممن يكتب الوحي.
(8)
في (ظ) و (م): يكثر.
أشغالُه
(1)
، فلا يَتَمَكَّنُ من الجَمْع بينها
(2)
وبَينَ الكِتابَة، فإنْ أمْكَنَه وِلايَةُ ذلك بنَفْسِه جاز، وَالْأَوْلَى الاِسْتِنابَةُ.
وظاهر
(3)
كلامِ السَّامَرِّيُّ: أنَّه لا يتَّخذه
(4)
إلَّا مع الحاجة.
ويُشتَرَطُ فيه أنْ يكُونَ:
(مُسْلِمًا)؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عِمرَان: 118].
(مُكَلَّفًا)؛ لِأنَّ غَيرَ المكلَّفِ لا يُوثَقُ بقَوله، ولا يُعَوَّلُ عَلَيهِ، فهو كالفاسِقِ.
(عَدْلاً)؛ لِأنَّ الكِتابَةَ مَوضِعُ أمانَةٍ.
(حَافِظًا عَالِمًا
(5)
؛ لِأنَّ في ذلك إعانةً على أَمْرِه.
وأنْ يكُونَ عارِفًا، قالَهُ في «الكافي» ؛ لِأنَّه إذا لم يكُنْ عارِفًا؛ أَفْسَدَ ما يكتبه
(6)
بجَهْلِه.
قال في «الفروع» : ويَتَوَجَّهُ فيه ما في عامِلِ الزَّكاة.
ويُستَحَبُّ أنْ يكُونَ وَرِعًا، نَزِهًا، جَيِّدَ الخَطِّ، يُجلِسُه (بِحَيْثُ يُشَاهِدُ مَا يَكْتُبُهُ)؛ أيْ: يُستَحَبُّ أنْ يُجلِسَه بحَيثُ يُشاهِدُ ما يكتبه
(7)
؛ لأِنَّه أبْعَدُ للتُّهمة، وأمْكَنُ لإمْلائه عَلَيهِ، وإنْ قَعَدَ ناحِيَةً جاز، لِأنَّ ما يَكتُبُه يُعرَضُ على الحاكِمِ.
(1)
في (م): اشتغاله.
(2)
في (م): بينهما.
(3)
في (م): فظاهر.
(4)
في (ظ): لا يتخذ، وفي (ن): لا يتحفه.
(5)
قوله: (عالمًا) سقط من (ن).
(6)
في (م): يكتب.
(7)
قوله: (أي: يستحب ان يجلسه بحيث يشاهد ما يكتبه) سقط من (م).
مسألةٌ: يُشتَرَطُ في القاسِمِ أنْ يكُونَ حاسِبًا؛ لِأنَّه عَمَلُه، وبه يَقسِمُ، فهو كالخَطِّ للكاتِبِ
(1)
، والفقه
(2)
للحاكِمِ.
(وَيَجْعَلُ الْقِمَطْرَ)، هو: بكَسْرِ القاف، وفَتْحِ المِيم
(3)
، وسُكون الطَّاء، أعْجَمِيٌّ معرَّبُ
(4)
، وهو الَّذي يُصانُ فيه الكُتُبُ، (مَخْتُومًا بَينَ يَدَيْهِ)؛ لِأنَّه أحْفَظُ له مِنْ أنْ يُغَيَّرَ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَحْكُمَ إِلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ)؛ لِيَسْتَوْفِيَ بهم الحُقوقَ، وتثبُتَ
(5)
بهم الحُجَجُ والمَحاضِرُ، ويَحرُمُ تَعْيينُه قَومًا بالقَبول؛ لِأنَّ مَنْ ثبَتَت
(6)
عَدَالَتُه؛ وَجَبَ قَبولُ شَهادَتِه.
(وَلَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ)؛ أيْ: لا يَنفُذُ حُكْمُه لِنَفْسه؛ لِأنَّه لا يَجُوزُ أنْ يَشهَدَ لها، ويَتَحاكَمَ هو وخَصْمُه إلى قاضٍ آخَرَ، أوْ بعض
(7)
خُلَفائه؛ لِأنَّ «عمرَ حاكَمَ أبيًّا إلى زَيدٍ»
(8)
، «وحاكَمَ عُثْمانُ طَلْحَةَ إلى جُبير»
(9)
.
(وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ)، ذَكَرَه بعضُهم إجْماعًا
(10)
؛ كشَهادَتِه له، (وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بَعْضُ خَلَفَائِهِ)؛ لِزَوال التُّهمة.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ ذَلِكَ)، هذا رِوايَةٌ في
(11)
«المبهج» ، وقاله
(1)
قوله: (كالخط للكاتب) في (م): كالكاتب.
(2)
في (ظ) و (ن): والعفة. والمثبت هو الموافق للشرح الكبير 28/ 366.
(3)
في (ظ) و (م): بفتح الميم وكسر القاف.
(4)
في (ن): يعرب.
(5)
في (ظ) و (ن): ويثبت.
(6)
في (ن): يثبت.
(7)
في (م): ويقضي.
(8)
تقدم تخريجه 10/ 262 حاشية (5).
(9)
تقدم تخريجه 10/ 263 حاشية (1).
(10)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم 7/ 294.
(11)
قوله: (في) سقط من (م).
أبو يُوسُفَ وأبو ثَورٍ، واخْتارَهُ ابنُ المنْذِرِ
(1)
؛ كالأجانِب، وسَواءٌ كان الخَصْمُ مِنهُم أوْ أجْنَبِيًّا، ذَكَرَه في «الرِّعاية» . فإنْ كان الحُكْمُ بَينَ والِدَيهِ أوْ وَلَدَيهِ؛ لم يَجُزْ في الأَشْهَر.
وقِيلَ: بَلَى؛ لِأنَّهما سَواءٌ عِندَه، فارْتَفَعَتْ تهمة
(2)
المَيلِ.
وله اسْتِخْلافُ والِدِه ووَلَدِه؛ كحُكمِه لغَيرِه بشَهادَتِهما، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب، وابنُ الزَّاغُونِيِّ، وأبو الوَفَاء وزَادَ: إذا لم يَتعلَّقْ عَلَيهِما من
(3)
ذلك تُهمةٌ، ولم يُوجِبْ لهما بقَبولِ شَهادَتِهما ريبة
(4)
، لم تثبت
(5)
بطريقِ التَّزكِيَة.
وقِيلَ: لا.
فإذا صار وَلِيُّ اليَتِيم حاكِمًا؛ حَكَمَ له على قَولِ أبي بكرٍ.
فرعٌ: لا يَحكُمُ، وقيل
(6)
: ولا يُفْتِي على عَدُوِّه، وجوَّز
(7)
المَاوَرْدِيُّ الشافعي
(8)
حُكْمَه على عُدُوِّه؛ لِأنَّ أسْبابَ الحُكْمِ ظاهرة
(9)
، بخِلافِ الشَّهادة، واسْتَشْكَلَه الرَّافِعِيُّ بالتَّسْوِيَة بَينَهما في عَمُودَيْ نسبه
(10)
، وأنَّ
(1)
ينظر: الإشراف 4/ 197، المغني 10/ 94.
(2)
في (ن): تهم.
(3)
في (ن): في.
(4)
قوله: (ريبة) سقط من (م)، وفي (ن): رتبة.
(5)
في (ظ) و (م): لم يثبت. والمثبت موافق للفروع 11/ 144، والذي في الإنصاف 28/ 369، والكشاف 15/ 90: ولم تثبت.
(6)
في (ن): قيل.
(7)
في (م): جوزه.
(8)
في (م): والشافعي.
(9)
في (ظ): ظاهر.
(10)
في (ن): النسب. وينظر: الأحكام السلطانية ص 126، الوجيز للرافعي 12/ 473.
تنبيهٌ: الذي في الأحكام السلطانية للماوردي ص 129: (ويحكم لعدوه ولا يحكم عليه [وفي نسخة: ويحكم عليه]؛ لأن أسباب الحكم ظاهرة وأسباب الشهادة خافية، فانتفت التهمة عنه في الحكم، وتوجهت إليه في الشهادة). لكن الرافعي والنووي نقلا عنه كما ذكر المصنف، فلعل هناك خطأ في المطبوع.
المشْهُورَ لا يَحكُمُ على عَدُوِّه كالشهادة
(1)
، ولا نَقْلَ
(2)
عن الحَنَفِيَّة، ومَنَعَه بعضُ مُتأخِّرِيهم كالشَّهادة.
(1)
قوله: (واستشكله الرافعي بالتسوية بينهما
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (ن): ولا يقل.
(فَصْلٌ)
(وَأَوَّلُ مَنْ يَنْظُرُ
(1)
فِيهِ أَمْرُ المُحَبَّسِينَ)؛ لِأنَّ الحَبْسَ عَذابٌ، وربَّما كان فِيهِمْ مَنْ لا يَستَحِقُّ البَقاءَ فِيهِ، فاسْتُحِبَّ البداءة
(2)
بهم، (فَيَبْعَثُ ثِقَةً
(3)
إِلَى الْحَبْسِ، فَيَكْتُبُ اسْمَ كُلِّ مَحْبُوسٍ، وَمَنْ حَبَسَهُ، وَفِيمَ حَبَسَهُ
(4)
، فِي رُقْعَةٍ مُنْفَرِدَةٍ)؛ لِأنَّ ذلك طريقٌ إلى مَعرِفةِ الحال على ما هِيَ عَلَيهِ، ولِئَلَّا يَتكرَّرَ بكتابته
(5)
في رُقْعةٍ واحِدةٍ النَّظَرُ في حالِ الأوَّل مِنها فالأوَّل، بل يُخرِجُ واحدًا
(6)
منها بالاِتِّفاق؛ كما في القُرْعةِ.
(ثُمَّ يُنَادِي فِي الْبَلَدِ: إِنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ
(7)
غَدًا، فَمَنْ لَهُ خَصْمٌ فَلْيَحْضُرْ)، كذا ذَكَرَه في «الكافي» و «المحرَّر» و «المستوعب» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ ذلك إعْلامًا بيَومِ جُلوسِ القاضي.
وفي «الشَّرح» : أنَّ القاضِيَ يأمُرُ مُنادِيًا يُنادِي في البلد بذلك ثلاثةَ أيَّامٍ، وأنَّه يَجعَلُ الرِّقاعَ بَينَ يَدَيهِ، فيَمُدُّ يده
(8)
إلَيها، فما وقَعَ
(9)
في يَدِه منها؛ نَظَرَ إلى اسْمِ المحْبوس.
وقِيلَ: يَخُصُّه بقُرْعةٍ.
(1)
في (م): ما ينتظر.
(2)
في (ظ): البداية.
(3)
في (ظ) و (ن): ثقته.
(4)
قوله: (وفيم حبسه) سقط من (م).
(5)
في (ن): مكاتبته.
(6)
في (م) و (ن): واحدة.
(7)
في (ن): المحبسين.
(8)
في (ن): يديه.
(9)
في (ظ): رفع.
(فَإِذَا كَانَ الْغَدُ، وَحَضَرَ الْقَاضِي؛ أَحْضَرَ رُقْعَةً، فَقَالَ: هَذِهِ رُقْعَةُ فُلَانٍ، فَمَنْ خَصْمُهُ؟)؛ لِأنَّه لا يُمْكِنُه الحُكْمُ إلَّا بذلك، (فَإِنْ حَضَرَ خَصْمُهُ؛ نَظَرَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّه لذلك وُلِّيَ، ولا يَسأَلُ خَصْمَه لِمَ حَبَسْتَه؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الحاكِمَ إنَّما حَبَسَه لحقٍّ تَرتَّبَ عَلَيهِ، ولكِنْ يَسألُ المحْبوسَ لِمَ حُبِسْتَ؟ فإن
(1)
قال: حُبِسْتُ بحقٍّ؛ أَمَرَه بقضائه إنْ طَلَبَه خَصْمُه، فإنْ أبَى، وله مَوجُودٌ؛ قَضَاهُ منه أوْ مِنْ ثَمَنِه إنْ لم يكن
(2)
كالمدَّعَى به.
وفي «الشَّرح» : قال له القاضِي: اقْضِهِ وإلَّا رَدَدْتُكَ إلى الحَبْس.
فإن ادَّعى عَجْزًا وكَذَّبَه خَصْمُه، أوْ عُرِفَ له مالٌ ولا بَيِّنةَ تَشهَدُ بتَلَفِه، أوْ نَفادِه، أوْ عَجْزِه، أوْ عُسْرتِه؛ أُعِيدَ حَبْسُه إنْ طَلَبَه غَرِيمُه، فإنْ لم يَقضِه؛ قَضاهُ الحاكِمُ مِنْ مَوجُودِه أوْ ثمنه
(3)
، فإنْ تعذَّر؛ أُعِيدَ حَبْسُه بطَلَبِ غَريمِه.
وقِيلَ: إنْ حَلَفَ خَصْمُه أنَّه قادر
(4)
؛ حَبَسَه، وإلَّا حَلَفَ المنكِرُ على التَّلَف والإعْسارِ، وخُلِّيَ؛ كَمَنْ لم يُعرَفْ له مالٌ.
وإنْ صدَّقَه غَريمُه في عَجْزه وإعْسارِه، أوْ ثَبَتَ بِبَيِّنةٍ؛ أُطْلِقَ بلا يَمِينٍ، قدَّمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» .
وَقِيلَ: يَحلِفُ مع البيِّنة؛ لِأنَّها تَشْهَدُ بالظَّاهِر، ويَحتَمِلُ أنْ يكُونَ له مالٌ لا تَعلمُه
(5)
.
وإنْ أقام خَصْمُه بَيِّنَةً بأنَّ له ملْكًا مُعَيَّنًا، فقال: هو لِزَيدٍ، فكَذَّبَه زَيدٌ؛ بِيعَ في الدَّين؛ لِأنَّ إقْرارَه سَقَطَ بإكْذابِه.
(1)
في (م): وإن.
(2)
قوله: (يكن) مكانه بياض في (م).
(3)
قوله: (أو نفاده أو عجزه أو عسرته
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(4)
زيد في (م): على.
(5)
في (م): لا يعلمه.
وكذا إنْ صدَّقَه زَيدٌ ولم يكن
(1)
له بَيِّنةٌ، ذَكَرَه القاضي؛ لِأنَّ البيِّنةَ شَهِدَتْ لصاحِبِ اليَدِ بالملك، فتضمَّنَتْ شَهادَتُها وُجوبَ القَضاء منه، فإذا لم تُقْبَل
(2)
شهادتُها في حقِّ نفسه؛ قُبِلَتْ فِيما تَضَمَّنَتْه؛ لِأنَّها حقُّ غَيرِه، ولِأنَّه مُتَّهَمٌ في إقْرارِه لِغَيرِه.
وفيه وجهٌ: يثبت الإقرار وتسقط
(3)
البينة؛ لأنَّها تشهد بالملك لمن لا يدعيه وينكره.
فإنْ صدَّقه زَيدٌ وله بَيِّنةٌ؛ فهو له؛ لِأنَّ بَيِّنَتَه قويت
(4)
بإقْرارِ صاحِبِ اليَدِ.
وإنْ عَلِمَ ربُّ الدَّين عُسْرَتَه؛ حَرُمَ عَلَيهِ حَبْسُه، وَوَجَبَ إنْظارُه إلى يُسْرتِه
(5)
.
(وَإِنْ
(6)
كَانَ حُبِسَ فِي تُهَمَةٍ، أَوِ افْتِيَاتٍ
(7)
عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ؛ خَلَّى سَبِيلَهُ)، ذَكَرَه في «الشَّرح» و «المستوعب» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ بقاءَه فِيهِ ظُلْمٌ، ولِأنَّ المقصودَ التأديب
(8)
، وقد حَصَلَ.
وفي «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الفُروع» : أنَّ الحاكم إنْ شاءَ خلاَّه
(9)
، وإنْ شاءَ أبْقاهُ بقَدْرِ ما يَرَى.
فإطْلاقُه، وإذنُهُ، ولو في قضاءِ دينٍ ونفقةٍ فيرجع، ووضعِ ميزابٍ وبناءٍ
(1)
في (ن): ولم تكن.
(2)
في (م): لم يقبل.
(3)
في (ظ): ويسقط.
(4)
في (م): قريبة.
(5)
كتب في هامش (ظ): (لا يحبس القاضي والدًا ووالدة وإن علوا بدين الولد؛ لأنه لا يستحق على أصله [ ...... ]).
(6)
في (ظ): فإن.
(7)
في (م): إثبات.
(8)
في (م): التائب.
(9)
في (م): حده.
وغيره، وأمرُه بإراقةِ نَبِيذٍ - ذَكَرَه في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّة» -، وقرعتُه، وإطلاقُ محبوس
(1)
- ذكره في «الرعاية» -: حُكْمٌ يَرفَعُ الخِلافَ إنْ كان، ومِثْلُه: تقديرُ مُدَّةِ حَبْسِه، والمرادُ: إذا لم يأمر
(2)
ولم يَأذَنْ بحَبْسِه.
تنبيهٌ: إذا قال: حُبِسْتُ لتعديلِ البَيِّنة؛ أُعِيدَ حَبْسُه في الأصحِّ إنْ طلبه
(3)
خَصْمُه، وكان الأوَّلُ قد حَكَمَ به، وإلاَّ نَادَى أنَّه
(4)
حَكَمَ بإطْلاقه.
وكذا إنْ قُلْنا: لا يُحبَسُ في ذلك، وصَدَّقَه خَصْمُه.
فإن
(5)
قال الخَصْمُ: الحاكِمُ قد عَرَفَ عَدالةَ شُهودِي، وحَكَمَ عَلَيهِ بالحقِّ؛ قُبِلَ قَولُه.
وإنْ قال: حُبِسْتُ لِتَكميلِ البيِّنة، فهو كما لو قال: حُبِسْتُ لِتَعْديلها.
وإنْ قال: حُبِسْتُ في ثَمَنِ كَلْبٍ، أوْ خَمْرٍ أَرَقْتُه لذِمِّيٍّ، وصَدَّقَه خَصْمُه؛ أطْلَقَه.
وفِيهِ وَجْهٌ: أنَّ الثَّانِيَ يُنفِّذُ حُكْمَ الأوَّلِ، ولأنَّه
(6)
لَيسَ له نَقْضُ حُكْمِ غَيرِه باجْتِهاده.
وفِيهِ وَجْهٌ: يَتَوَقَّفُ ويجتهد
(7)
في المصالَحَة بَينَهما بشَيءٍ.
وإنْ قال خَصْمُه: حُبِسْتَ بحقٍّ غَيرِ هذا؛ صُدِّق للظَّاهِر.
وإنْ قال: خَصْمِي غائبٌ ووكِيلُه، وأنا مَظْلومٌ؛ كَتَبَ إلَيهِ لِيَحضُرَ هو أو
(1)
زيد في (م): وأمره.
(2)
في (م): لم يأمره.
(3)
في (م): طلب.
(4)
زيد في (م): قد.
(5)
في (م): وإن.
(6)
في (ظ): أنه.
(7)
في (م): ويحتمل.
وكيلُه
(1)
، وإنْ تأخَّر بلا عُذْرٍ ولم يجد له
(2)
مَنْ يُحاكِمُه؛ أُطْلِقَ.
ويَحتَمِلُ: أنْ يُطْلَقَ مُطلَقًا؛ كما لو جُهِلَ مَكانُه.
والأَوْلَى: أنْ يُضمَنَ عَلَيهِ ويُطلَقَ، فإنْ تعذَّر الكفيلُ؛ أطْلَقَه إذا أيس
(3)
مِنْ خَصْمٍ له وكَفِيلٍ.
(وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ لَهُ
(4)
خَصْمٌ، وَقَالَ: حُبِسْتُ ظُلْمًا، وَلَا حَقَّ عَلَيَّ، وَلَا خَصْمَ لِي؛ نَادَى بِذَلِكَ ثَلَاثًا، فَإِنْ حَضَرَ لَهُ خَصْمٌ)؛ نَظَرَ بَينَهما، (وَإِلَّا أَحْلَفَهُ
(5)
وَخَلَّى سَبِيلَهُ)، ذَكَرَه مُعظَمُ الأَصْحاب؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ أنَّه لو كان له خَصْمٌ لَظَهَرَ.
وفي «الرِّعاية» : وقِيلَ: ثلاثةَ أيَّامٍ.
تنبيهٌ: فِعْلُه حُكْمٌ؛ كتزويجِ يَتِيمةٍ، وشِراءِ عَينٍ غائبةٍ، وعَقْدِ نِكاحٍ بِلا وَلِيٍّ، ذَكَرَه المؤلِّفُ في الأخِيرة، وذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه أصحُّ الوَجْهَينِ
(6)
.
وذَكَرَ الأَزَجِيُّ فِيمَنْ أقرَّ لِزَيدٍ فلم يُصدِّقْه، وقُلْنا: يَأخُذُه الحاكِمُ، ثُمَّ ادَّعاهُ المُقِرُّ: لم يَصِحَّ؛ لِأنَّ قَبْضَ الحاكم بمَنزِلةِ الحُكْم بِزوالِ ملْكِه.
وفي «التَّعليق» و «المحرَّر» : فعله
(7)
حُكْمٌ إنْ حَكَمَ به هو أوْ غَيرُه وِفاقًا؛ كفُتْياهُ
(8)
، فإذا
(9)
قال: حَكَمْتُ بصِحَّتِه؛ نَفَذَ حُكْمُه باتِّفاق الأئمَّة
(10)
.
(1)
في (م): ووكيله.
(2)
قوله: (له) سقط من (ظ).
(3)
في (م): يئس.
(4)
قوله: (له) سقط من (ن).
(5)
في (م): حلفه.
(6)
ينظر: الفروع 11/ 150.
(7)
في (م): فعليه.
(8)
في (ظ): لفتياه.
(9)
في (ن): كفتياه وإذا.
(10)
ينظر: الفروع 11/ 150.
وسَبَقَ كَلامُ الشَّيخِ تقيِّ الدِّين: الحاكِمُ لَيسَ هو الفاسخ
(1)
، وإنَّما يَأذَنُ أوْ يَحكُمُ به، فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأحَدٍ بِاسْتِحْقاقِ عَقْدٍ أوْ فَسْخٍ؛ لم يَحتَجْ بَعْدَ ذلك إلى حُكْمٍ بصِحَّتِه، لكِنْ لو عَقَدَ هو أوْ فَسَخَ؛ فهو فعله
(2)
، وهل فِعْلُه حُكْمٌ؟ فِيهِ الخِلافُ المشْهُورُ
(3)
.
مسائلُ:
حُكْمُه بشَيءٍ حُكْمٌ بِلازِمِه، ذَكَرَه الأصْحابُ في أحْكامِ مَفقودٍ، وثُبوتُ شَيءٍ عِندَه لَيسَ حُكمًا به على ما ذَكَرُوهُ في صِفَةِ السِّجل
(4)
، وتنفيذُ الحُكْم يَتضَمَّنُ الحُكْمَ بصِحَّةِ الحُكْمِ المنَفَّذ، قاله
(5)
شَيخُنا ابنُ نَصْرِ الله، وفي كَلامِ الأصحاب ما يَدُلُّ على أنَّه حكم
(6)
، وفي كلامِ بعضهم أنَّه
(7)
عَمَلٌ بالحُكْم، وإجازةٌ له وإمْضاءٌ؛ كتنفيذِ الوَصِيَّة.
(ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الأَيْتَامِ
(8)
، وَالْمَجَانِينِ، وَالْوُقُوفِ
(9)
؛ لِأنَّ ذلك لا يُمكِنُه المطالَبَةُ؛ لأِنَّ الصَّغير
(10)
والمجْنونَ لا قَولَ لهما، وأرْبابَ الوُقوف - كالفقراء والمساكِينِ -؛ لا يَتَعَيَّنُونَ.
ويَنظُرُ أيْضًا في الوَصايا الَّتي لَيسَ لها ناظِرٌ مُعَيَّنٌ، فلو نَفَّذَ الأوَّلُ وَصِيَّتَه
(1)
في (م): الناسخ.
(2)
زيد في (م): حكم.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 57. وكلامه تقدم في العيوب في النكاح 7/ 576.
(4)
في (م): البخل.
(5)
في (م): قال.
(6)
في (م): حكمة.
(7)
في (م): إن.
(8)
في (ن): الأطفال.
(9)
في (م): والوقف.
(10)
في (م): الفقير.
لم يَعزِلْه؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ مَعرِفَةُ أهْلِيَّتِه، لكِنْ يُرَاعِيهِ، فدلَّ أنَّ إثْباتَ صِفَةٍ؛ كعدالةٍ، وجَرْحٍ، وأهْلِيَّةِ وَصِيَّةٍ، وغَيرِها؛ حُكْمٌ.
(ثُمَّ فِي حَالِ الْقَاضِي قَبْلَهُ)، والأصحُّ: أنَّه لا يَجِبُ؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ قَضايَا مَنْ قَبْلَه.
وفي «المستوعب» ، وقدَّمه
(1)
في «الرِّعاية» ، ورجَّحه ابنُ المنَجَّى: أنَّه
(2)
يَجِبُ.
وقِيلَ: لا يَجُوزُ.
والأصحُّ: أنَّ له النَّظَرَ في حالِ من قَبْلَه.
(فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ
(3)
يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ؛ لَمْ يُنْقَضْ مِنْ أَحْكَامِهِ إِلَّا مَا خَالَفَ نَصَّ كِتَابٍ
(4)
أَوْ سُنَّةٍ)، مُتواتِرةً كانَتْ أوْ آحادًا؛ كقتل
(5)
مُسلِمٍ بكافِرٍ؛ فيلزم
(6)
نَقْضُه، نَصَّ عَلَيهِما
(7)
، وقِيلَ: مُتواتِرًا.
وكذا يُنقَضُ حُكمُ مَنْ جَعَلَ عَينَ مالِه عِنْدَ مَنْ حُجِرَ عَلَيهِ أُسْوَةَ الغُرَماء، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
، بخِلافِ ما إذا زَوَّجَتْ نَفْسَها في الأصحِّ.
(أَوْ إِجْمَاعًا)؛ لِأنَّه يُؤدِّي إلى نَقْضِ الحُكْم بمِثْلِه، ويُؤَدِّي إلى أنَّه لا يَثبُتُ حُكْمٌ أصْلاً، وقِيلَ: ولو ظَنِّيًّا، وقِيلَ: وقِياسًا جَلِيًّا.
ومُقتَضاهُ: أنَّه يُنقَضُ إذا خالَفَ ما ذُكِرَ؛ لِأنَّه حُكْمٌ لم يُصادِفْ شَرْطَه
(9)
،
(1)
في (ظ): قدمه.
(2)
في (م): منجى وأنه.
(3)
قوله: (ممن) سقط من (م).
(4)
في (م): كتاب نص.
(5)
في (م): وكقتل.
(6)
في (م): فيلزمه.
(7)
ينظر: زاد المسافر 3/ 485.
(8)
ينظر: الإنصاف 13/ 305.
(9)
في (م): شرط.
فَوَجَبَ نَقْضُه؛ لأنَّ
(1)
شَرْطَ الاِجْتِهاد: عَدَمُ مُخالَفَةِ ما ذُكِرَ، ولِأنَّه إذا وُجِدَ ذلك فَقَدْ فَرَّطَ؛ كما لو حَكَمَ بشَهادةِ كافِرَينِ.
ولا فَرْقَ بَينَ حقوق الله تَعالَى وحُقوقِ الآدمي
(2)
في ظاهِرِ كلامِه.
وفي «المغْنِي» : أنَّ حقَّ الآدَمِيِّ لا يَنقُضُه إلاَّ بمُطالَبَتِه، بخِلافِ حقِّ الله تعالى.
وكذا يَنقُضُ حُكْمَه بما لم يَعتَقِدْه وِفاقًا
(3)
.
وفي «الإرشاد» : هَلْ يُنقَضُ بمُخالَفَةِ صحابيٍّ؟ يَتَوَجَّهُ: نَقضُه إنْ قِيلَ بحجيته؛ كالنص
(4)
.
فرعٌ: إذا
(5)
حَكَمَ بشاهِدٍ ويَمِينٍ؛ لم يُنقَضْ، ذَكَرَه بعضُهم إجْماعًا
(6)
، قال سعيدٌ: ثَنَا هُشَيمٌ، عن داودَ، عن الشَّعبِيِّ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقْضِي بالقَضاءِ، ويَنزِلُ القرآنُ بغَيرِ ما قَضَى، فيَسْتَقْبِلُ حُكْمَ القُرآنِ، ولا يَرُدُّ قَضاءَه الأوَّلَ» ، هذا مُرسَلٌ
(7)
.
وقال محمَّدُ بنُ الحَسَن: يُنقَضُ
(8)
.
(1)
في (ن): لأنه.
(2)
في (م): الآدميين، وقوله:(حقوق الله تعالى وحقوق الآدمي) في (ن): حقوق الآدمي وحقوق الله تعالى.
(3)
ينظر: حاشية ابن عابدين 5/ 395، التهذيب في اختصار المدونة 3/ 578، تحفة المحتاج 10/ 147، الفروع 11/ 153.
(4)
في (م): كالنقض.
(5)
في (ن): فلو.
(6)
ينظر: الفروق للقرافي 4/ 53.
(7)
أخرجه أبو داود في المراسيل (393)، من طريق حماد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي مرسلاً.
(8)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص 8/ 28، المغني 10/ 50.
وإذا
(1)
تغيَّرتْ صِفَةُ الواقِعَة، فتغيَّر
(2)
القَضاء بها؛ لم يكُنْ نَقْضًا للقضاء الأوَّلِ، بل رُدَّتْ للتهمة
(3)
؛ لِأنَّه صار خَصْمًا فيها، والمخالَفةُ في قَضِيَّةٍ؛ نَقْضٌ مع العلم.
(وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ
(4)
لَا يَصْلُحُ؛ نَقَضَ أَحْكَامَهُ وَإِنْ وَافَقَتِ الصَّوَابَ
(5)
، في الأَشْهَر في
(6)
المذهب؛ لِأنَّ حُكْمَه غَيرُ صحيحٍ، وقضاؤه بمَنزِلَة الْعَدَمِ؛ لِفَقْدِ شَرْطِ القَضاء فيه.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلَّا يُنْقَضَ الصَّوَابُ مِنْهَا)، قدَّمه في «الكافي» و «المستوعب» ، وصحَّحه ابنُ المنَجَّى، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ الحقَّ وَصَلَ إلى مُسْتَحِقِّه، فلم يَجُزْ نَقْضُه؛ لِعَدَمِ الفائدةِ فِيهِ.
فرعٌ: إذا تَغَيَّرَ اجْتِهادُه قَبْلَ الحُكْم؛ حَكَمَ بما تغيَّر
(7)
اجْتِهادُه إلَيهِ، وكذا إنْ بانَ فِسْقُ الشُّهود قَبْلَ الحُكْم بشَهادَتِهم؛ لم يَحْكُم بها، وإنْ كان بَعدَه؛ لم يَنقُضْه.
فائدةٌ: يَنْظُرُ في أُمَناء الحاكِم قَبْلَه، فَمَنْ فَسَقَ
(8)
؛ عَزَلَه، ويَضُمُّ إلى الضَّعيف أمِينًا، وله إبْدالُه، ثُمَّ في الضَّوالِّ
(9)
واللُّقَطةِ.
(وَإِنِ اسْتَعْدَاهُ أَحَدٌ عَلَى خَصْمٍ لَهُ) حاضِرٍ بما تَتْبَعُه الهِمَّةُ؛ (أَحْضَرَهُ) لُزُومًا
(1)
زيد في (م): ثبت.
(2)
في (م): فيعبر، وفي (ن): فيغير.
(3)
في (م): التهمة.
(4)
في (م): مما.
(5)
في (ن): الصحيح.
(6)
في (م): على.
(7)
في (ظ): يغير.
(8)
قوله: (فمن فسق) في (م): ممن يشق.
(9)
في (ن): الفصول.
في الأصحِّ، قال
(1)
في «المستوعب» : هو
(2)
اخْتِيارُ أكْثَرِ شُيُوخنا؛ لِأنَّ ضَرَرَ فَواتِ الحقِّ أعْظَمُ مِنْ حُضُور مَجلِس الحُكْم، وللمستعدى
(3)
عَلَيهِ أنْ يُوكِّلَ مَنْ يَقُومُ مَقامَه إنْ كَرِهَ الحُضورَ.
ولو
(4)
طَلَبَه خَصْمُه أو الحاكم
(5)
لِيَحضُرَ مَجلِسَ الحُكْم حَيثُ يَلزَمُ الحاكم
(6)
إحْضارُه بطَلَبِه مِنه؛ لَزِمَه الحُضُورُ.
(وَعَنْهُ: لَا يُحْضِرُهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ لِمَا
(7)
ادَّعَاهُ أَصْلاً)، روي
(8)
عن عليٍّ
(9)
؛ لمَا فِيهِ من تَبْذِيلِ أهْلِ المُرُوءاتِ وإهانةِ ذَوِي الهيئات.
وفي «المستوعب» : إنْ كان يَعلَمُ أنَّ مِثْلَه لا يعامِلُه
(10)
؛ لا يُحضِرُه حتَّى يُحرِّرَ دَعْواهُ، وهذا رِوايَةٌ اخْتارَها أبو بكرٍ وأبو الخَطَّاب، وقدَّمها في «الرِّعاية» .
ومَتَى لم يَحضُرْ؛ لم يُرَخِّصْ له في تخلُّفه
(11)
، وإلَّا أَعْلَمَ الواليَ به، فإذا حَضَر
(12)
؛ فله تَأْدِيبُه.
(وَإِنِ
(13)
اسْتَعْدَاهُ عَلَى الْقَاضِي قَبْلَهُ؛ سَأَلَهُ عَمَّا يَدَّعِيهِ)؛ أيْ: يَعتَبِرُ تحريرَ
(1)
في (م): قاله.
(2)
في (م): وهو.
(3)
في (م): وللمتعدى.
(4)
في (م): وله.
(5)
في (ن): حاكم.
(6)
قوله: (الحاكم) سقط من (ن).
(7)
في (ن): له
(8)
في (ن): وروي.
(9)
لم نقف عليه.
(10)
في (ن): لا يعامل.
(11)
في (م): تخليفه.
(12)
في (م): أحضر.
(13)
في (م): وإذا.
الدَّعْوَى في حقِّه، (فَإِنْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ رِشْوَةٍ، رَاسَلَهُ)؛ لِأنَّ ذلك طريقٌ إلى اسْتِخْلاص الحقِّ؛ لمَا في إحْضارِه من الاِمْتِهان وتَسْلِيطِ أعْوانِه عَلَيهِ، ولا يُؤمَنُ معه امْتِناعُ وُصولِ الصَّالح للقضاء مِنْ الدُّخول فيه.
ولم يَذكُرْ في «المغْنِي» و «الكافي» مُراسَلَةً بل يُحضِرُه.
والأوَّلُ أظْهَرُ.
(فَإِنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ؛ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ)؛ لِأنَّ الحقَّ تَوَجَّهَ عَلَيهِ باعْتِرافِه.
(وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ تَبْذِيلِي، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ لِمَا ادَّعَاهُ أَصْلاً؛ أَحْضَرَهُ)؛ لِأنَّ ذلك تعيَّنَ طريقًا إلى اسْتِخْلاصِ حقِّ المستعدي
(1)
، (وَإِلَّا فَهَلْ يُحْضِرُهُ) إذا لم يَعلَمْ؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ
(2)
سبقتا
(3)
.
(وَإِنْ قَالَ: حَكَمَ عَلَيَّ
(4)
بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ) عَمْدًا، (فَأَنْكَرَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ أيْ: قَولُ الحاكِمِ، (بِغَيْرِ يَمِينٍ)؛ لِأنَّه لو لم يُقبَلْ قَولُه في ذلك؛ لَتَطَرَّقَ المُدَّعَى عَلَيهِم إلى إبْطالِ ما عَلَيهِم من الحقوق بالقول المذكور
(5)
، وفي ذلك ضرَرٌ عظيمٌ، واليمينُ تَجِبُ للتُّهمة، والقاضِي لَيسَ مِنْ أهْلِها.
وقِيلَ: تَجِبُ يَمينُه لِإنْكاره، لكِنْ إنْ قال: حَكَمْتُ بشهادةِ عَدْلَينِ؛ صُدِّقَ بلا يمينٍ.
فرعٌ: إذا قال: حَكَمَ عليَّ بشهادةِ فاسِقَينِ أوْ عَدُوَّينِ، أوْ جار عليَّ في الحكم، وله بيِّنةٌ؛ أحْضَرَه، أوْ وكيلَه، وحَكَمَ بها.
وإنْ لم يكن
(6)
بيِّنةٌ؛ ففي إحْضارِه قَبْلَ المعرفة وجْهانِ:
(1)
قوله: (فإن اعترف بذلك أمره بالخروج
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (م): الروايتين.
(3)
في (ن): سبقا.
(4)
قوله: (علي) سقط من (ن).
(5)
زيد في (ن): في ذلك.
(6)
في (ن): لم تكن.
أحدُهما: يُحضِرُه؛ لِجَوازِ أنْ يَعتَرِفَ، وكما لو ادَّعَى عَلَيهِ مالاً.
والثَّاني: لَا؛ لِأنَّ فِيهِ امْتِهانًا، وأعْداءُ القاضِي كثيرةٌ.
فإنْ أحْضَرَه فاعترف؛ حَكَم
(1)
عَلَيهِ، وإنْ أنكر
(2)
؛ قُبِلَ قَولُه بغَيرِ يَمِينٍ.
وإن ادَّعَى أنَّه قَتَلَ ابنه
(3)
ظُلْمًا؛ فهل يُحضِرُه مِنْ غَيرِ بيِّنةٍ؟ فِيهِ وَجْهانِ، فإنْ أحْضَرَه فاعْتَرَفَ؛ حَكَمَ عَلَيهِ، وإلَّا قُبِلَ قَولُه بغَيرِ يَمِينٍ.
(وَإِنْ قَالَ الْحَاكِمُ المَعْزُولُ: كُنْتُ حَكَمْتُ فِي وِلَايَتِي لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِحَقٍّ
(4)
؛ قُبِلَ قَوْلُهُ)، إذا كان ممَّن يَسُوغُ له الحُكْمُ، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، زاد في «الرِّعاية»: ما لم يُتَّهَمْ؛ لِأنَّ عَزْلَه لا يَمنَعُ من
(6)
قَبُولِ قَولِه، كما لو كَتَبَ كِتابًا إلى قاضٍ آخَرَ ثُمَّ عُزِلَ، وَوَصَلَ الكِتابُ بَعْدَ عَزْلِه؛ لَزِمَ المكتوبَ إلَيهِ قَبولُ كتابه بَعْدَ عَزْلِ كاتبه
(7)
، ولِأنَّه أخْبَرَ بما حَكَمَ به وهو غَيرُ مُتَّهَمٍ، أشْبَهَ حالَ وِلايَتِه.
وقال بعضُ المتأخِّرِينَ: يُقبَلُ قَولُه ما لم يَشتَمِلْ على إبْطالِ حُكْمِ حاكِمٍ، وهو حَسَنٌ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يُقْبَلَ)، وهو قَولُ أكْثَرِ الفقهاء، ثُمَّ اخْتَلَفوا:
فقال ابنُ أبي لَيلَى والأَوْزاعِيُّ: هو بمَنزِلةِ الشَّاهِد إذا كان معه شاهِدٌ آخَرُ.
وقال أبو حَنِيفةَ: لا يُقبَلُ إلاَّ شاهِدانِ سِواهُ، وهو ظاهِرُ مَذهَبِ الشَّافِعِيِّ
(8)
.
(1)
قوله: (حكم) سقط من (ظ) و (م).
(2)
قوله: (عليه وإن أنكر) في (م): وأنكره، وقوله:(أنكر) في (ظ): أنكره.
(3)
قوله: (ابنه) سقط من (م).
(4)
قوله: (بحق) سقط من (ن).
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3716.
(6)
قوله: (من) سقط من (م).
(7)
في (م): كتابيه، وفي (ن): كتابه.
(8)
ينظر: البحر الرائق 6/ 281، البيان للعمراني 13/ 125.
وذَكَرَ ابنُ أبي مُوسَى: أنَّه يَتَوَجَّهُ، كقَولِ الأَوْزاعِيِّ وكقَولِ الحَنَفِيَّةِ.
فأمَّا إنْ قال في حالِ وِلايَتِهِ؛ قُبِلَ قَولُه؛ لِأنَّ مَنْ مَلَكَ الحُكمَ مَلَك الإقْرارَ به؛ كالزَّوج إذا أقرَّ بالطَّلاق، ولِأنَّه لو أخْبَرَ أنَّه رأى كذا وكذا فحَكَم به؛ قُبِلَ.
وعلى الأوَّل: إذا قال: حَكَمْتُ بعِلْمِي، أوْ بالنُّكول، أو
(1)
شاهِدٍ ويَمِينٍ؛ قُبِل
(2)
، وإنْ قال: حَكَمْتُ، ولم يُضِفْه إلى بَيِّنةٍ ولا غَيرِها؛ قُبِلَ.
(وَإِنِ
(3)
ادَّعَى عَلَى
(4)
امْرَأَةٍ غَيْرِ
(5)
بَرْزَةٍ)؛ أي
(6)
: لَيْسَتْ مُعْتادَةً أنْ تخرُجَ
(7)
في حَوائجِها؛ (لَمْ يُحْضِرْهَا)؛ لمَا فِيهِ من المشقَّة والضَّرَر، (وَأَمَرَهَا
(8)
بِالتَّوْكِيلِ)؛ لِأجْلِ فَصْلِ الخصومَةِ
(9)
، ولِأنَّه يَقُومُ مَقامَها، فلا تُبْتَذَلُ مِنْ غير
(10)
حاجةٍ إلى ذلك.
(وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ؛ أَرْسَلَ إِلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا)؛ لِأنَّ إحْضارَها غَيرُ مَشْروعٍ، واليمينُ لا بُدَّ مِنْها، وهذا طريقُه، فيَبعَثُ أمِينًا معه شاهِدانِ، فيستحلفها
(11)
بحَضْرَتِهما.
(1)
في (ن): أي.
(2)
قوله: (قبل) سقط من (ن).
(3)
في (ن): فإن.
(4)
في (م): عليه.
(5)
قوله: (غير) سقط من (م).
(6)
في (م): إلى.
(7)
في (ن): يخرج.
(8)
في (ن): وأثرها.
(9)
في (م): الخصوم.
(10)
قوله: (غير) سقط من (ن).
(11)
في (ن): فيستخلفها.
وذَكَرَ القاضي: أنَّ الحاكِمَ يَبعَثُ مَنْ يَقْضِي بينها
(1)
وبَينَ غَرِيمها في دارها؛ لقوله عليه السلام: «واغْدُ يا أُنَيْسُ
…
» الخبرَ
(2)
.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لِأنَّه أسْتَرُ، وربَّما مَنَعَها الحياءُ من النُّطق بحُجَّتها، سِيَّما مع
(3)
جَهْلِها بالحُجَّة.
وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ: أنَّه يُخيَّرُ.
وأطْلَقَ في «الانتصار» النَّصَّ فيها، واخْتارَه إن
(4)
تعذَّرَ الحقُّ بِدُونِ حُضُورها، وإلا
(5)
لم يُحضِرْها.
وأطْلَقَ ابنُ شِهَابٍ وغَيرُهُ إحْضارَها؛ لِأنَّ حقَّ الآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ على الشُّحِّ والضِّيق، والمدَّةُ يَسِيرةٌ؛ كسَفَرِها مِنْ مَحلَّةٍ إلى مَحلَّةٍ.
وحُكْمُ المريض كذلك؛ لِأنَّه يَشُقُّ عَلَيهِ السَّعْيُ والحركةُ.
فأمَّا إنْ كانَتْ بَرْزَةً؛ أيْ: تَبرُزُ لحوائِجِها
(6)
غَيرَ مُخدَّرةٍ، فإنَّه
(7)
يُحضِرُها، ولا يُعتَبَرُ لخروجها مَحرَمٌ، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
؛ كسَفَرِ الهِجْرة.
(وَإِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ عَنِ الْبَلَدِ فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ؛ كَتَبَ إِلَى ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَتَوَسَّطُوا بَيْنَهُمَا)، نَقُولُ: إذا اسْتَعْدَى على غائبٍ في غَيرِ وِلايَةِ القاضي؛ لم يكُنْ له أنْ يُعْدِيَ عليه
(9)
.
(1)
في (م): بينهما.
(2)
أخرجه البخاري (2314)، ومسلم (1697)، من حديث زيد بن خالد وأبي هريرة رضي الله عنهما.
(3)
في (م): مع سيما.
(4)
زيد في (م): لم.
(5)
في (م): إلا.
(6)
في (م): حوائجها.
(7)
في (ظ): فشأنه.
(8)
ينظر: المغني 10/ 56.
(9)
قوله: (عليه) سقط من (م).
وإنْ كان في وِلايَتِه وله هناك خليفةٌ؛ فإنْ كانَتْ له بيِّنةٌ ثَبَّتَ له الحقُّ عِندَه، وكَتَبَ إلى خَليفَته ولم يُحضِرْه، وإنْ لم تكن
(1)
له بيِّنةٌ حاضِرةٌ؛ نَفَذَ إلى خَصْمِه ليحاكمه
(2)
عِنْدَ خليفَتِه.
فإنْ لم يكُنْ له خليفةٌ وكان
(3)
فِيهِ مِنْ يَصلُحُ للقَضاء؛ أَذِنَ له في الحُكْمِ بَينَهُما.
وإنْ لم يكُنْ فيه مَنْ يَصْلُحُ؛ بَعثَ إلى ثِقَةٍ يَتَوَسَّطُ بَينَهما؛ لِأنَّ ذلك طريقٌ إلى قَطْعِ الخُصومة، مَعَ عَدَمِ المشَقَّة الحاصِلةِ بالإحْضار.
(فَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا)؛ أيْ: إذا تعذَّر أوْ أَبَى الخصمان قَبُولَ ذلك؛ (قِيلَ
(4)
لِلْخَصْمِ: حَرِّرْ مَا تَدَّعِيهِ)؛ لِأنَّه يَجُوزُ أنْ يكُونَ ما يَدَّعِيهِ لَيسَ بحقٍّ عِندَه؛ كالشُّفْعة للجار، وقِيمةِ الكَلْبِ، فلا يُكلَّفُ الحُضورَ لِمَا لا
(5)
يُقْضَى عَلَيهِ به مع المشَقَّة فِيهِ، بخِلافِ الحاضر.
(ثُمَّ يُحْضِرُهُ، وَإِنْ بَعُدَتِ المَسَافَةُ)، ذَكَرَه الأَصْحابُ، وهو المذْهَبُ؛ لِأنَّه لا بُدَّ مِنْ فَصْلِ الخُصومة، وقد تَعَيَّنَ بذلك.
وقيل
(6)
: لِدُونِ مَسافَةِ القَصْرِ.
وعَنْهُ: لِدُونِ يَومٍ، جَزَمَ به في «التَّبصِرة» ، وزاد: بلا مُؤْنَةٍ ومَشَقَّةٍ.
وفي «التَّرغيب» : لا يُحضِرُه مع البُعْد حتَّى يحرِّر
(7)
دَعْواهُ، وفِيهِ: يَتَوَقَّفُ
(1)
قوله: (لم تكن) في (م): كان، وفي (ظ): لم يكن.
(2)
في (م): ليحاكم.
(3)
قوله: (وكان) في (ظ): وإن كان.
(4)
في (م): وقيل.
(5)
قوله: (لا) سقط من (ن).
(6)
في (م): وكذا.
(7)
في (ظ): يتحرر.
إحْضارُه على سِماعِ البَيِّنة إنْ كان ممَّا لا يُقْضَى فِيهِ بالنُّكول، قال: وذَكَرَ بعضُ أصْحابِنا لا يُحضِرُه مع
(1)
البُعْد حتَّى يَصِحَّ عِندَه ما ادَّعاه.
تنبيهٌ: إذا ادَّعَى قِبَلَهُ شَهادةً؛ لم تُسمع
(2)
ولم يُعْدَ عَلَيهِ ولم يُحلَّفْ، خِلَافًا للشَّيخ تقيِّ الدِّين، وهو ظاهِرُ نَقْلِ صالِحٍ وحَنْبَلٍ
(3)
.
ولو قال: أنا أعْلَمُها ولا أؤديها
(4)
فظاهِرٌ، ولو نَكَلَ لَزِمَه ما ادَّعَى به إنْ قِيلَ: كِتْمانُها مُوجِبٌ لِضَمانِ ما تَلِفَ، ولا يَبعُدُ، كما يَضمَنُ مَنْ تَرَكَ الإطْعامَ الواجِبَ، وكَونُه لا يَحصُلُ المقصودُ لِفِسْقِه بكِتْمانه؛ لا ينفي
(5)
ضَمانَه في نَفْسِ الأَمْر، واللهُ أعلم
(6)
.
(1)
في (م): من.
(2)
في (م): لم يسمع.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 158.
(4)
في (م): ولا أدبها، وفي (ن): ولا أراد بها.
(5)
في (ن): لا يبقي.
(6)
قوله: (والله أعلم) سقط من (ن).
(بَابُ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ)
طَريقُ كلِّ شَيءٍ: ما تُوُصِّلَ به إلَيهِ، والحُكْمُ: الفَصْلُ.
(إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ الخَصْمَانِ
(1)
، المُسْتَحَبُّ أنْ يَجلِسَ الخَصْمانِ بَينَ يَدَي الحاكِمِ
(2)
، أوْ يُجْلِسَهما كذلك؛ لمَا رَوَى عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَير قال: «قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ الخصمين
(3)
يَقْعُدانِ بَينَ يَدَي الحاكِمِ» رواه
(4)
أحمدُ وأبو داودَ
(5)
، لِأنَّ ذلك أمْكَنُ للحاكِمِ مِنْ العَدْل بَينَهما، والإقْبالِ عَلَيهِما، والنَّظَرِ في خُصومَتِهما.
وفي «الرِّعاية» : إذا جاءه خَصْمانِ؛ جلسا
(6)
بَينَ يَدَيهِ، أوْ أجْلَسَهما حاجِبُه، أوْ أَذِنَ لهما
(7)
الحاكِمُ بذلك، أوْ عن جانِبَيهِ إنْ كانا شَريفَينِ أوْ كبيرَينِ.
(فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: مَنِ المُدَّعِي مِنْكُمَا؟) هذا هو الأَشْهَرُ؛ لِأنَّ ذلك طريقٌ إلى
(1)
في (م): خصمان.
(2)
في (ن): القاضي.
(3)
قوله: (أن الخصمين) سقط من (م).
(4)
في (م): روى.
(5)
أخرجه أحمد (16104)، وأبو داود (3588)، والطبراني في الكبير (246)، والحاكم (7029)، عن مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فذكره. ووقع عند الحاكم: عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، أن أباه عبد الله بن الزبير. ومصعب بن ثابت المدني ضعيف كثير الغلط، وفي سنده انقطاع. والحديث صححه الحاكم والذهبي، وضعفه الإشبيلي والمنذري وابن الملقن وابن حجر والألباني. ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 344، مختصر سنن أبي داود 2/ 510، تهذيب الكمال 28/ 18، البدر المنير 9/ 595، التلخيص الحبير 4/ 354، ضعيف سنن أبي داود (769).
(6)
في (ظ) و (م): فجلسا.
(7)
في (م): له.
مَعرِفَةِ المُدَّعِي مِنْ المُدَّعَى عَلَيهِ، (وَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا)؛ لِأنَّ كلامَه يَستَدْعِي طالِبًا له، ولم يُوجَدْ.
وقِيلَ: بَلْ يَسكُتُ حتَّى يَدَّعِيَ أحدُهما، ويَقُولُ القائِمُ على رأسه: مَنْ المدَّعِي مِنكُما إنْ سَكَتَا جميعًا.
ولا يَقُولُ الحاكِمُ ولا حاجبه
(1)
لِأحَدِهما: تكلَّمْ؛ لِأنَّ في إفْرادِه بذلك تفضيلاً له، وتَرْكًا للإنصاف.
(فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالدَّعْوَى؛ قَدَّمَهُ)؛ لِأنَّ للسَّابق حقَّ تقدُّمٍ
(2)
، فلو قال الخَصْمُ: أنا الخَصْمُ؛ لم يَلتَفتْ إلَيهِ.
(وَإِنِ ادَّعَيَا مَعًا؛ قَدَّمَ أَحَدَهُمَا بِالْقُرْعَةِ)، هذا قِياسُ المذْهَب؛ لِأنَّها مُرجِّحةٌ عِنْدَ الاِزْدِحامِ، بدليلِ الإمامة والأَذانِ.
وقِيلَ: مَنْ شاءَ الحاكِمُ قَدَّمَ مِنهُما.
واسْتَحْسَنَ ابنُ المنْذِرِ: أنْ يسمع
(3)
منهما جميعًا
(4)
.
وقِيلَ: يُؤخِّرُهما حتَّى يَتَبَيَّنَ مَنْ المدَّعِي منهما
(5)
.
(فَإِذَا انْقَضَتْ حُكُومَتُهُ؛ سَمِعَ دَعْوَى الآْخَرِ)؛ لِأنَّ التَّزاحُمَ قد زَالَ، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«يا عَلِيُّ! إذا جَلَسَ إلَيكَ الخَصْمانِ؛ فلا تَقْضِ بَينَهما حتَّى تَسمَعَ مِنْ الآخَر كما سَمِعْتَ مِنْ الأوَّل، فإنَّك إذا فَعَلْتَ ذلك تَبَيَّنَ لك القَضاءُ» رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرْمذِيُّ
(6)
.
(1)
في (ن): ولا صاحبه.
(2)
في (م): فقدم.
(3)
في (ن): سمع.
(4)
ينظر: الإشراف 4/ 210.
(5)
قوله: (واستحسن ابن المنذر أن يسمع
…
) إلى هنا سقط من (م).
(6)
أخرجه أحمد (1211)، وفي فضائل الصحابة (1227)، وأبو داود (3582)، والترمذي (1331)، والبزار (733)، من طريق سماك، عن حنش بن المعتمر، عن عليٍّ رضي الله عنه، وسماك صدوق، وحنش بن المعتمر صدوق له أوهام، وللحديث طرق، وقد حسنه الترمذيّ وابن حجر، وقال ابن المديني:(حديث كوفي وإسناد صالح)، وصححه ابن حبان والألباني. ينظر: المحرر (1179)، البدر المنير 9/ 531، فتح الباري 13/ 171، الإرواء 8/ 226.
قال في «عُيونِ المسائل» : ولا يَنبَغِي للحاكِم أنْ يَسمَعَ شَكِيَّةَ أحَدٍ إلَّا ومَعَهُ خَصْمُه، هكذا وَرَدَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(ثُمَّ يَقُولُ لِلْخَصْمِ: مَا تَقُولُ فِيمَا ادَّعَاهُ؟) قدَّمه وصحَّحه أكثرُ الأصحاب، لِأنَّ ظاهِرَ الحال يَقتَضِي ذلك.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَمْلِكَ سُؤَالَهُ حَتَّى يَقُولَ المُدَّعِي: اسْأَلْ سُؤَالَهُ عَنْ ذَلِكَ)، هذا وَجْهٌ كالحكم.
(فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ)، سَواءٌ كان قَبْلَ السُّؤال أوْ بَعدَه؛ لَزِمَه ما ادَّعَى عَلَيهِ به
(1)
ولكِنْ (لَمْ يَحْكُمْ لَهُ
(2)
حَتَّى يُطَالِبَهُ المُدَّعِي بِالْحُكْمِ)، ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ والمجْدُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الكافي» و «الشَّرح» ؛ لِأنَّ الحُكْمَ عَلَيهِ حقٌّ له، فلا
(3)
يَسْتَوْفِيهِ إلَّا بمسألةٍ مُستَحِقَّةٍ.
واخْتارَ جَمْعٌ: له الحُكْمُ قَبْلَ مسألةِ المدَّعِي، وهو الظَّاهِرُ؛ لِأنَّ الحالَ يَدُلُّ على إرادته، فاكْتُفِيَ بها؛ كما اكْتُفِيَ في مسألةِ المدَّعَى عَلَيهِ الجواب، ولِأنَّ كثيرًا مِنْ النَّاس لا يَعرِفُ مُطالَبَةَ الحاكِمِ بذلك، فيَتْرُكُ مُطالَبَتَه لِجَهْله، فيضيعُ
(4)
حقُّه، ولِأنَّه لم يُنقَلْ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحَدٍ مِنْ خُلَفائه، فاشْتِراطُه يُنافِي ظاهِرَ حالهم.
(1)
قوله: (به) سقط من (ن).
(2)
قوله: (له) سقط من (م).
(3)
في (ن): ولا.
(4)
في (م): فيضع.
وفي «التَّرغيب» : إذا أَقَرَّ فقد ثَبَتَ، ولا يَفتَقِرُ إلى قَولِه: قَضَيْتُ في أَحَدِ الوَجْهَينِ، بخِلافِ قِيامِ البَيِّنة؛ لِأنَّه يتعلَّقُ باجْتِهادِه.
فرعٌ: إذا قال الحاكِمُ: يَستَحِقُّ عَلَيكَ كذا، فقال: نَعَمْ؛ لَزِمَه، ذَكَرَه في «الواضح» .
(وَإِنْ أَنْكَرَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ المُدَّعِي: أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا، أَوْ بِعْتُهُ، فَيَقُولَ: مَا أَقْرَضَنِي، وَلَا بَاعَنِي، أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ؛ صَحَّ الْجَوَابُ)؛ لِنَفْيِه عين
(1)
ما ادَّعَى عَلَيهِ، ولِأنَّ قَولَه:(لا حقَّ له عَلَيَّ) نكِرَةٌ في سياق
(2)
النَّفْي، فتعم
(3)
، بمَنزِلَةِ قَولِه: ما يَستَحِقُّ عليَّ ما ادَّعاهُ ولا شَيئًا منه.
وهذا ما لم يَعتَرِفْ بِسَبَبِ الحقِّ، فلو ادَّعَتْ على
(4)
مَنْ يَعتَرِفُ بأنَّها زَوجَتُه المهرَ
(5)
، فقال: لا تستحقُّ
(6)
عليَّ شَيئًا؛ لم يَصِحَّ الجَوابُ، ويَلزَمُه المهْرُ إنْ لم يُقِم
(7)
بيِّنةً بإسْقاطِه؛ كَجَوابِه في دَعْوَى قَرْضٍ اعْتَرَفَ به: لا يَستَحِقُّ عليَّ شَيئًا، ولهذا لو أقرَّتْ في مَرَضِها: لا مَهْرَ لها عَلَيهِ؛ لم يُقبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أنَّها أخَذَتْه، نَقَلَه مُهَنَّى
(8)
، أوْ أنَّها أسْقَطَتْه في الصِّحَّة.
تنبيهٌ: لو ادَّعَى بدِينارٍ، فقال: لا يَستَحِقُّ عليَّ حَبَّةً؛ فلَيسَ بجَوابٍ عِنْدَ ابنِ عَقِيلٍ؛ لِأنَّه لا يُكتَفَى في رفع
(9)
الدَّعْوَى إلَّا بنَصٍّ لا بظاهِرٍ.
(1)
في (ن): غير.
(2)
في (ن): قياس.
(3)
في (م): فيعم.
(4)
قوله: (على) سقط من (ظ) و (م).
(5)
قوله: (المهر) سقط من (ن).
(6)
في (ن): لا يستحق.
(7)
في (م): لم تقم.
(8)
ينظر: الفروع 11/ 175.
(9)
في (ن): نص.
وقال الشَّيخُّ تقيُّ الدِّين
(1)
: يعمُّ
(2)
الحَبَّاتِ، وما لم يَندَرِجْ في لَفْظِ حَبَّةٍ مِنْ بابِ الفحوى
(3)
، إلَّا أنْ يُقالَ: تَعُمُّ حقيقةً عُرْفِيَّةً.
ولو قال: لي عَلَيكَ مِائَةٌ، فقال: لَيسَ لك عليَّ مِائَةٌ؛ اعْتُبِرَ في الأصحِّ قَولُه، ولا شَيءَ منها كاليمين.
فإنْ نَكَلَ عمَّا دُونَ المِائَة؛ حُكِمَ عَلَيهِ بمائةٍ إلَّا جُزْءًا.
وإنْ قُلْنا بردِّ
(4)
اليمين؛ حَلَفَ المدَّعِي على ما دُونَ المِائة إذا لم يُسْنِد المائَة إلى عَقْدٍ؛ لكَونِ اليمين لا تَقَعُ إلَّا مع ذِكْر النِّسبة؛ لِمطابِقِ
(5)
الدَّعْوَى، ذَكَرَه في «التَّرغيب» .
(وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ: لِي بَيِّنَةٌ)؛ لِأنَّ الحقَّ طريقٌ له، والبيِّنةُ طريقٌ إلى تخليصِه
(6)
.
(وَإِنْ لَمْ يَقُلْ
(7)
؛ قَالَ لَهُ
(8)
الْحَاكِمُ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟) لقوله عليه السلام للحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنةٌ؟» قال: لا، رواهُ مُسلِمٌ، وفِيهِ:«فَلَكَ يَمينُه»
(9)
.
فإنْ كان المدَّعِي عارِفًا بأنَّه مَوضِعُ البيِّنة؛ خُيِّرَ الحاكِمُ بَينَ أنْ يَقُولَ ذلك وبَينَ السُّكوت.
وظاهِرُ «المحرر» : لا يَقُولُه
(10)
.
(1)
ينظر: الفروع 11/ 175.
(2)
في (ن): تعم.
(3)
في (م): التحرك.
(4)
في (ن): ترد.
(5)
في (ظ): كمطابق. وفي الفروع: لتطابق.
(6)
في (م): تحصيله.
(7)
قوله: (لم يقل) في (ن): نقل.
(8)
قوله: (له) سقط من (ن).
(9)
أخرجه مسلم (139) وفيه قصة.
(10)
في (م): ولا يقوله.
(فَإِنْ
(1)
قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ؛ أَمَرَهُ بِإِحْضَارِهَا)؛ لِأنَّه طَريقٌ إلى تَخْلِيص الحقِّ.
وفي «المستوعب» و «الرِّعاية» : يَقُولُ له: أحْضِرْها إنْ شِئْتَ.
وفي «المغْنِي» : أنَّ المدَّعِي إذا قال: لي بَيِّنةٌ؛ لم يَقُل له الحاكِمُ: أحْضِرْها؛ لِأنَّ ذلك حقٌّ له، فله أنْ يَفعَلَ ما يَرَى.
قال ابنُ المنَجَّى: فيُحْمَلُ أمْرُه بالإحضار على الإذْنِ فيه؛ لِأنَّ حَمْلَ الأمْر على حقيقته ينافي
(2)
ما ذَكَرَه في «المغْنِي» .
(فَإِذَا أَحْضَرَهَا)؛ لم يَسأَلْها الحاكِمُ حتَّى يَسأَلَه المدَّعِي ذلك؛ لِأنَّه حقٌّ له، فإذا سأله
(3)
المدَّعِي سؤالها
(4)
لم يَقُلْ: اشْهَدا، ولا يُلقِّنُهما، وفي «المستوعب»: لا يَنبَغِي، وفي «الموجز»: يُكرَه كتعَنُّتِهما
(5)
، (سَمِعَهَا الْحَاكِمُ)؛ لِأنَّ الإحْضارَ مِنْ أجْلِ السَّماع، فيَقُولُ الحاكِمُ: مَنْ كانَتْ عِندَه شَهادةٌ فلْيَذْكُرْ ما عِندَه، فإذا شَهِدَا، واتَّضَحَ الحقُّ؛ لَزِمَه، ولم يَجُزْ تَردِيدُها.
وفي «الرِّعاية» : إنْ ظَنَّ الصُّلْحَ أخَّرَه.
وفي «الفُصول» : أحْبَبْنا له أمْرَهُما بالصُّلح؛ أيْ: إذا كان فيها لبْسٌ، فإنْ أَبَيَا؛ أخَّرَهما؛ لِأنَّ الحُكْمَ بالجَهْل حرامٌ، فإنْ عَجَّلَ قَبْلَ البَيانِ؛ لم يَصِحَّ حُكْمُه.
قال أبو عُبَيدٍ: إنَّما يسعه
(6)
الصُّلْحُ في الأمور المشْكِلةِ، أمَّا إذا
(7)
(1)
في (م): وإن.
(2)
في (م): حقيقة تنافي.
(3)
في (م): سأل.
(4)
في (ن): سؤالهما.
(5)
في (ن): كتعينهما.
(6)
في (ن): يصح.
(7)
قوله: (أما إذا) في (ن): فإذا.
اسْتَنارَت الحُجَّةُ؛ فلَيسَ له ذلك
(1)
.
ورُوِيَ عن شُرَيحٍ: أنَّه ما أصْلَحَ بَينَ المتحاكِمَينِ إلَّا مَرَّةً واحِدةً
(2)
.
ورُوِيَ عن عمرَ أنَّه قال: «رُدُّوا الخُصومَ حتَّى يَصطَلِحَا، فإنَّ فَصْلَ القَضاء يُحدِثُ بَينَ القَومِ الضَّغائِنَ»
(3)
.
(وَحَكَمَ بِهَا إِذَا سَأَلَهُ المُدَّعِي)؛ بأنْ كانت الشَّهادةُ صحيحةً.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : يَقُولُ الحاكِمُ للمُدَّعَى عَلَيهِ: قد شَهِدَا عَلَيكَ، فإْن كان لك قادِحٌ فبَيِّنْه عِنْدِي.
قال في «الفُروع» : (يَعْنِي: يُستَحَبُّ، وذكره
(4)
في «المُذهب» و «المستوعب» فيما إذا ارْتابَ فِيهِما، فدلَّ أنَّ
(5)
له الحُكْم مع الرِّيبة).
وإن لم يَظهَرْ ما يَقدَحُ فيهما
(6)
؛ حُكِمَ عَلَيهِ إذا سَأَلَه المدَّعي الحُكمَ؛ لِأنَّه حقٌّ له، فلا يَستَوفِيهِ إلَّا بمسألةٍ مُستَحِقَّهٍ.
(وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ فِي مَجْلِسِهِ إِذَا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ)؛ لِأنَّ التُّهمةَ الموجُودةَ في الحُكم بالعِلْم مُنتَفِيَةٌ هنا.
(1)
ينظر: المغني 10/ 48.
(2)
ينظر: مصنف عبد الرزاق (14798)، وابن أبي شيبة (22893).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (22896)، والبيهقي في الكبرى (11360)، من طريق أزهر العطار، عن محارب بن دِثار، قال: قال عمر رضي الله عنه، وذكره. ورجاله ثقات، وأزهر العطّار ذكره أبو حاتم، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً. وقد أخرجه عبد الرزاق (15304)، عن الثوري، عن رجل، عن محارب بن دثار به. وفي سنده رجل لم يسم، ولعلّه أزهر. وأخرج البيهقي في الكبرى (11361)، من طريق معرف بن واصل، حدثنا محارب بن دثار، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال البيهقي: (هذه الروايات عن عمر منقطعة). ينظر: الجرح والتعديل 2/ 313، تهذيب الكمال 27/ 255، ميزان الاعتدال 3/ 441.
(4)
في (م): وذكر.
(5)
في (ن): أنه.
(6)
في (ظ) و (ن): فيها.
فرعٌ: لا يَجُوزُ الاِعْتِراضُ عَلَيهِ لِتَرْكِه تسمية
(1)
الشُّهود، ذَكَرَه القاضي وابنُ عَقِيلٍ.
وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّ له عَلَيهِ تَسْمِيَةَ الشُّهود؛ ليتمكَّن
(2)
من القَدْح باتِّفاقٍ
(3)
، قال في «الفُروع»: ويَتَوَجَّهُ مِثْلُه: حَكَمْتُ بكذا، ولم يَذكُرْ مُستَنَدَهُ.
(فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ أَحَدٌ، أَوْ
(4)
سَمِعَهُ مَعَهُ
(5)
شَاهِدٌ وَاحِدٌ؛ فَلَهُ الحُكْمُ بِهِ
(6)
، نَصَّ عَلَيْهِ) في رِوايَةِ حَرْبٍ
(7)
، وهو المذْهَبُ؛ لِأنَّ الحُكْمَ إذًا لَيْسَ بِمَحْضِ الحُكْم بالعِلْم، ولا يَضُرُّ رُجُوعُ المُقِر.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْكُمُ بِهِ)، هذا رِوايَةٌ ذَكَرَها ابنُ هُبَيرةَ؛ لِأنَّه حَكَمَ بعِلْمِه، وذلك لا يَجُوزُ.
وعنه
(8)
: لا يَحكُمُ بإقْرارٍ في مَجلِسِه حتَّى يَسمَعَه معه عَدْلانِ، اخْتارَه القاضِي، وجَزَمَ به في «الرَّوضة» .
فإنْ طَلَبَ منه
(9)
الإشْهادَ على إقْرارِه عِندَه لَزِمَه.
(وَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ) في غَيرِ ذلك، (مِمَّا رَآهُ
(10)
أَوْ سَمِعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ
(11)
، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَصْحَابِ)، وفي «الكافي» و «الشَّرح»: هو ظاهِرُ
(1)
في (ن): التسمية.
(2)
في (ن): وليتمكن.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 192.
(4)
قوله: (أو) سقط من (م).
(5)
قوله: (معه) سقط من (ن).
(6)
قوله: (به) سقط من (ظ) و (م).
(7)
ينظر: زاد المسافر 3/ 489.
(8)
في (م): عنه.
(9)
في (م): معه.
(10)
في (ظ): فيما رآه. وفي (م): بما رواه.
(11)
ينظر: زاد المسافر 3/ 488.
المذْهَب، وفي «المحرَّر»: هو المشْهورُ عنه، وصحَّحه ابنُ المنَجَّى، ونَصَرَه المؤلِّفُ؛ لقوله عليه السلام:«إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم، وإنَّكم تَختَصِمونَ إليَّ، ولعلَّ بعضَكم ألْحَنُ بحُجَّتِه مِنْ بَعْضٍ، فأَقْضِي له على نَحْوِ ما أَسْمَعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(1)
، فدلَّ أنَّه يَقْضِي بما سمِعَ
(2)
لا بما يَعلَمُ، وفي حديثِ الحَضْرَمِيِّ والكِنْدِيِّ: «شاهداك
(3)
أوْ يَمِينُه، لَيسَ لك منه إلَّا ذلك» رواهُ مُسلِمٌ
(4)
، وقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: «لو
(5)
رأيت رجلاً على حَدٍّ مِنْ حُدودِ الله تعالى ما أَخَذْتُه، ولا دَعَوْتُ له أحدًا
(6)
حتَّى يكُونَ مَعِي غَيرِي»، حَكاهُ أحمدُ
(7)
.
(وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ)، وقاله أبو يُوسُفَ والمُزَنِيُّ
(8)
؛ لحديثِ هِندٍ: «خُذِي ما يَكفِيكِ وَوَلَدَكِ بالمعروف»
(9)
، ولِأنَّه حقٌّ
(1)
أخرجه البخاري (2458)، ومسلم (1713).
(2)
في (م): يسمع.
(3)
في (م): شاهدان.
(4)
أخرجه مسلم (139).
(5)
قوله: (لو) مكانه بياض في (م).
(6)
في (م): حدًا.
(7)
عزاه المصنف وابن الملقن وغيرهما لأحمد، ولم نجده عنده. وقد أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (431)، من طريق صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا سعد بن إبراهيم بن سعد، حدّثني أبي، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن زُيَيْد بن الصلت، أن أبا بكر الصّديق رضي الله عنه. فذكره. وزُيَيْد بن الصلت المديني روى عن أبي بكر رضي الله عنه مرسلاً، وذكر ابن حجر أن الأثر رواه:(أحمد بسند صحيح إلا أن فيه انقطاعًا). ينظر: الجرح والتعديل 3/ 622، البدر المنير 9/ 609، التلخيص الحبير 4/ 360.
(8)
ينظر: المبسوط للسرخسي 16/ 105، مختصر المزني المطبوع مع الأم 8/ 410.
(9)
أخرجه البخاري (5364، 7180)، ومسلم (1714).
عَلَيهِ، فَجَازَ الحُكْمُ به؛ كالجَرْح والتَّعديل، وكما
(1)
لو قامَتْ به
(2)
البَيِّنَةُ.
وعن أحمدَ: يَجُوزُ ذلك إلَّا في الحدود.
وقال
(3)
ابنُ أبي مُوسَى: لا اخْتِلافَ عَنْه أنَّه لا يَحكُمُ بعِلْمِه في الحدود، وهل يَحكُمُ به في غَيرِه؟ على رِوايَتَينِ، نَقَلَ حنبلٌ: إذا رآه على حَدٍّ لم يكُنْ له أنْ يُقِيمَه إلَّا بشهادةِ مَنْ شَهِدَ معه؛ لِأنَّ شَهادَتَه شَهادةُ رَجُلٍ، ونُقِل أيضًا: أنَّهما يَذهَبانِ إلى حاكِمٍ آخَرَ
(4)
.
والأوَّلُ أظْهَرُ، وأجاب في «الشَّرح» عن حديثِ هِند: أنَّه فُتْيَا لا حُكْمٌ، بدليلِ عَدَمِ حُضُورِ أبي سُفْيانَ، ولو كان حُكْمًا لم يَحكُمْ عَلَيهِ في غَيبَتِه، ويُفارِقُ الحُكْمَ بالشَّهادة، فإنَّه لا يُفْضِي إلى تُهمةٍ، بخِلافِ مَسأَلَتِنا.
وأمَّا الجَرْحُ والتَّعديلُ: فإنَّه يَحكُمُ فيه بعِلْمِه بغَيرِ خِلافٍ
(5)
؛ لِأنَّه لو لم يَحكُمْ بعَلْمِه لَتَسَلْسَلَ، ولِأنَّه لا يَجُوزُ له قَبولُ شهادةِ مَنْ يَعلَمُ فِسْقَه، ولِأنَّ التُّهمةَ لا تَلحَقُه في ذلك؛ لِأنَّ صِفاتِ الشُّهودِ مَعْنًى ظاهِرٌ.
وقال القاضِي وجماعةٌ: لَيسَ هذا بحُكْمٍ؛ لِأنَّه يُعدِّلُ هو ويَجرَحُ غَيرُه، ويَجرَحُ هو ويُعدِّلُ غيرُه
(6)
، ولو كان حُكْمًا؛ لم يكُنْ لغَيرِه نَقْضُه.
وعلى المنْعِ: هل عِلْمُه كشاهِدٍ؟ فيه وَجْهانِ.
(وَإِنْ قَالَ المُدَّعِي: مَا لِي بَيِّنَةٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ المُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ)؛ للخَبَر، ولِأنَّ الأصْلَ بَراءةُ ذِمَّتِه، (فَيُعْلِمُهُ أَنَّ لَهُ الْيَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ)؛ لِأنَّه مَوضِعُ حاجَةٍ.
(1)
في (م): وكذا.
(2)
قوله: (به) سقط من (م).
(3)
في (ن): قال.
(4)
تنظر الروايتان في: زاد المسافر 3/ 488. والرواية الثانية رواها حرب.
(5)
ينظر: المغني 10/ 50.
(6)
قوله: (ولو كان حكمًا لم يحك عليه
…
) إلى هنا سقط من (م).
(وَإِنْ سَأَلَ إِحْلَافَهُ؛ أَحْلَفَهُ
(1)
؛ لِأنَّ اليمينَ طريقٌ إلى تخليصِ حقِّه، يَلزَمُ الحاكِمَ إجابَةُ المدَّعِي؛ كسَماعِ البَيِّنة.
وتكون
(2)
على صِفَةِ جَوابِه، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
.
وعَنْهُ: بصِفَةِ الدَّعْوَى.
وعَنْهُ: يَكْفِي تحليفُه: لا حقَّ لكَ عليَّ.
فإذا أحلفه
(4)
، (وَخَلَّى
(5)
سَبِيلَهُ)؛ لِأنَّه لم يَتَوَجَّهْ عَلَيهِ حقٌّ.
وعُلِمَ منه: أنَّه لَيسَ له اسْتِحْلافُه قَبْلَ سُؤاله؛ لِأنَّ اليمينَ حقٌّ له؛ كنَفْسِ الحقِّ، ويَمِينُ المنْكِرِ على الفَور.
وله تَحْلِيفُه مع عِلْمِه قُدْرَتَه على حقِّه، نَصَّ عَلَيهِ، نَقَلَ ابنُ هانِئٍ: إنْ عَلِمَ أنَّ عِندَه مالاً يُؤَدِّي إلَيهِ حقَّه: أرجو ألَّا
(6)
يَأثَمَ
(7)
، وظاهِرُ رِوايَةِ أبي طالِبٍ: يُكرَهُ
(8)
.
مسألةٌ: إذا حَلَفَ يمينًا واحدةً
(9)
عِنْدَ حاكم
(10)
؛ لم يَحلِفْ ثانية
(11)
عِندَه، ولا عِنْدَ مَنْ عَرَفَ حَلِفَه، وإذا لم يَبطُلْ حقُّه باليمين الأَوَّلَة؛ فله طَلَبُه
(1)
كتب في هامش (ظ): (إلا النبي صلى الله عليه وسلم إذا ادُّعي عليه أو ادعى هو؛ فقوله بلا يمين، قاله أبو البقاء).
(2)
في (م): ويكون.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 191.
(4)
(م): حلفه.
(5)
فيفي (م) و (ن): خلى.
(6)
في (ظ) و (م): لا.
(7)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 35.
(8)
ينظر: الاختيارات ص 496، الفروع 11/ 190.
(9)
قوله: (واحدة) سقط من (ظ) و (م).
(10)
في (م): الحاكم.
(11)
في (م): ثانيًا.
وأخْذُه بكلِّ طريق
(1)
شَرعِيٍّ، ويَحلِفُه عِنْدَ مَنْ جَهِلَ حَلِفَه؛ لِبَقاءِ الحقِّ مع انْقِطاعِ الخُصُومة عنده
(2)
، ذَكَرَه في «المستوعب» و «الرِّعاية» .
(وَإِنْ أَحْلَفَهُ، أَوْ حَلَفَ هُوَ
(3)
مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ المُدَّعِي؛ لَمْ يَعْتَدَّ بِيَمِينِهِ)؛ لِأنَّه أَتَى بها
(4)
في غَيرِ وَقْتِها، فإذا سَأَلَه المدَّعي؛ أعادَها له؛ لِأنَّ الأُولَى لم تكُنْ يَمينَه.
وإنْ أمْسَكَ المدَّعِي عن إحْلافِ خَصْمِه، ثُمَّ أراد إحِلافَه بالدَّعْوَى المتقدِّمة
(5)
؛ جازَ؛ لِأنَّ حقَّه لا يَسقُطُ بالتَّأخِيرِ.
وإنْ أَبْرَأَهُ منها؛ فله تجديدُ الدَّعْوَى وطَلَبُها؛ لِأنَّ حقَّه لم يَسقُطْ بالإبْراء من اليمين، وهذه الدَّعْوَى غَيرُ التي أبْرَأَهُ من اليمين فيها.
فإن
(6)
حَلَفَ؛ سَقَطَت الدَّعْوَى، ولم يكُن للمُدَّعِي أنْ يَحلِفَ يمينًا أخرى، لا
(7)
في هذا المجْلِسِ ولا في غَيرِه؛ لحديثِ الحَضْرَمِيِّ
(8)
.
وعَنْهُ: يَبرَأُ بتحْلِيفِ المدَّعِي.
وعَنْهُ: ويُحلِّفُه له وإن لم
(9)
يُحلِّفْه، ذَكَرَهما الشَّيخُ تقيُّ الدِّين مِنْ رِوايَةِ مُهَنَّى
(10)
: أنَّ رجلاً اتَّهَمَ رجلاً بشَيءٍ، فَحَلَفَ له، ثُمَّ قال: لا أَرْضَى إلَّا أنْ
(1)
قوله: (بكل طريق) في (م): بطريق.
(2)
في (م): عند.
(3)
في (ن): هو أو حلف.
(4)
في (م): لها.
(5)
في (ظ): المقدمة.
(6)
في (م): فإذا.
(7)
في (ن): لأن.
(8)
أخرجه مسلم (139).
(9)
قوله: (لم) سقط من (ظ)
(10)
ينظر: الفروع 11/ 192.
يَحلِفَ لي عِنْدَ السُّلطان، أله ذلك؟ قال: لا، قد ظَلَمَه وتَعنَّته
(1)
.
ولا يَصِلُه باسْتِثْناء، وفي «المغْنِي»: أوْ بما لا يُفْهَم
(2)
؛ لِأنَّ الاِسْتِثْناءَ يُزِيلُ حُكْمَ اليمينِ، وفي «التَّرغيب»: هي يمينٌ كاذِبَةٌ.
ولا
(3)
يَجُوزُ التَّأْوِيلُ والتَّوْريةُ
(4)
فِيهَا إلَّا لمظلوم
(5)
.
(وَإِنْ نَكَلَ؛ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، نَصَّ عَلَيْهِ) في رِوايَةِ الميْمُونيِّ، والأَثْرَمِ، وحَرْبٍ
(6)
، (وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا)، وفي «المستوعب»: هو اخْتِيارُ أكثرِ أصْحابِنا، لِأنَّ «عُثْمانَ قَضَى على ابنِ عمرَ بنُكولِه عن اليمين» رواهُ أحمدُ
(7)
.
(فَيَقُولُ لَهُ: إِنْ حَلَفْتَ وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْكَ، ثَلَاثًا)، ذَكَرَه في «المستوعب» و «الكافي» ؛ لِأنَّ النُّكولَ ضعيفٌ، فَوَجَبَ اعتضاده
(8)
بالتَّكْرار ثلاثًا.
وصرَّح
(9)
في «المحرَّر» و «الفُصول» : بأنَّه يُستَحَبُّ أنْ يكُونَ ثلاثًا؛ لِأنَّه لو كان كاذِبًا؛ لحلف
(10)
المُدَّعَى عَلَيهِ على نَفْيِ دَعْواهُ.
وقدَّمَ في «الرِّعاية» : أنَّ الحاكِمَ يَقُولُ ذلك مرَّةً.
وسواء
(11)
كان مَأْذُونًا له، أوْ مَريضًا، أوْ غَيرَهما.
(1)
في (م): ونصه، وفي (ن): ويعنه.
(2)
قوله: (لا يفهم) في (ن): لأنفسهم.
(3)
في (م): لا.
(4)
في (م): في التورية.
(5)
في (م): المظلوم.
(6)
ينظر: الفروع 11/ 192.
(7)
أخرجه مالك (2/ 612)، وعبد الرزاق (14722)، وابن أبي شيبة (21100)، وأحمد كما في مسائل ابنه صالح (582)، وسنده صحيح، كما قاله ابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 6/ 558، الإرواء 8/ 264.
(8)
في (م): اعتقاده.
(9)
في (ن): وخرج.
(10)
في (م): بالحلف.
(11)
في (م): سواء.
(فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ؛ قَضَى عَلَيْهِ) بالنُّكول، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، وهو كإقامةِ بَيِّنةٍ، لا كإقْرارٍ، ولا كبَذْلٍ، (إِذَا سَأَلَهُ
(2)
المُدَّعِي
(3)
ذَلِكَ)؛ لِأنَّ ذلك حقٌّ للمُدَّعِي، فلم يُفْعَلْ إلَّا بسؤاله.
(وَعِنْدَ
(4)
أَبُو الْخَطَّابِ)، واخْتارَه جماعةٌ:(تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى المُدَّعِي)؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ اليَمِينَ على صاحِبِ الحقِّ» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(5)
، ورُوِيَ أيضًا مِنْ رِوايَةِ إبراهيمَ بنِ أبي
(6)
يحيى، عن عليٍّ، قال: «المدَّعَى عَلَيهِ أَوْلَى باليمين، وإنْ نَكَلَ حَلَفَ
(7)
صاحِبَ الحقِّ وأخَذَه»
(8)
، وهذا مَذهَبُ عمرَ
(9)
،
(1)
ينظر: الفروع 11/ 192.
(2)
في (ن): سأل.
(3)
زاد في (ظ) و (م): عن.
(4)
في (ظ) و (م): وقال.
(5)
أخرجه الدارقطني (4490)، والحاكم (7057)، والبيهقي في الكبرى (20739)، وفيه سليمان الدمشقي: ثقة صدوق، مستقيم الحديث، ولكنّه أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين، قاله أبو حاتم والدارقطني، وشيخه محمد بن مسروق: مجهول لا يُعرف له حال. والحديث ضعفه الإشبيلي وابن القطان وابن الملقن وابن عبد الهادي وابن حجر والألباني. وصححه الحاكم، وتعقّبه الذهبيُّ، فقال:(لا أعرف محمّدًا، وأخشى أن يكون الحديث باطلاً). ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 355، تنقيح التحقيق 5/ 75، البدر المنير 9/ 687، التلخيص الحبير 4/ 383، الإرواء 8/ 268.
(6)
قوله: (أبي) سقط من (م).
(7)
في (ظ) و (م): أحلف.
(8)
أخرجه الدارقطني (4491)، والبيهقي في الكبرى (20741)، من طريق حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن عليٍّ رضي الله عنه وحسين بن عبد الله بن ضُمَيرة: متروك منكر الحديث، لا يحدث إلا عن أبيه عن جده. ينظر: التاريخ الكبير 2/ 388، الكامل 3/ 225، سؤالات البرقاني (87).
(9)
أخرجه البيهقي في الكبرى (20740) من طريق مسلمة بن علقمة، عن داود، عن الشعبي: أن المقداد استقرض من عثمان بن عفان رضي الله عنه سبعة آلاف درهم، فلما تقاضاه قال:«إنما هي أربعة آلاف، فخاصمه إلى عمر رضي الله عنه، فقال: إني قد أقرضتُ المقداد سبعة آلاف درهم، فقال المقداد: «إنما هي أربعة آلاف» ، فقال المقداد: أحْلِفه أنها سبعة آلاف، فقال عمر رضي الله عنه:«أنصفَك» ، فأبى أن يحلِف، فقال عمر:«خذْ ما أعطاك» ، قال البيهقي:(إسناد صحيح إلا أنه منقطع)، فإن الشعبي وُلد لأربع بقين من خلافة عمر، فروايته عنه مرسلة. ينظر: جامع التحصيل (322)، تاريخ الإسلام 3/ 70.
وعُثْمانَ
(1)
.
(وَقَالَ: قَدْ صَوَّبَهُ أَحْمَدُ) في رِوايَةِ أبي طالِبٍ، (وَقَالَ: مَا
(2)
هُوَ بِبَعِيدٍ
(3)
، يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ)؛ لما
(4)
ذَكَرْنا، وقِياسُ قَولِ أحمدَ يَقتَضِيهِ، فإنَّه
(5)
حُكْمٌ باليمين مع الشَّهادة ابِتْداءً مِنْ غَيرِ رِضَا المنْكِرِ، وكذا في القَسامة، فإذا رَضِيَ المنْكِرُ بيَمِينِه كان أَوْلَى.
فعلى ذلك: لا يشترطُ
(6)
إذْنُ ناكِلٍ في الرَّدِّ، وشرَطَهُ
(7)
أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به السَّامَرِّيُّ.
ويمينُه كإقْرارِ مُدَّعًى عَلَيهِ، فلا
(8)
تُسمَعُ بينتُهُ
(9)
بعدَها بأداءٍ ولا إبْراءٍ.
وقِيلَ: كبَيِّنةٍ، فتُسْمع
(10)
.
وقِيلَ: يُحبَسُ حتَّى يُجِيبَ؛ إمَّا بإقْرارٍ أوْ حَلِفٍ، ذَكَرَه في «التَّرغيب» عن أصْحابِنا.
(1)
تقدم تخريجه 10/ 321 حاشية (7).
(2)
في (م): وما.
(3)
في (ن): سعيد.
(4)
في (م): كما.
(5)
في (ظ): وإنه.
(6)
في (ظ): لا تشترط.
(7)
في (م): وشرط.
(8)
في (م): ولا.
(9)
في (ن): بينة.
(10)
في (م): تسمع.
(فَيُقَالُ لِلنَّاكِلِ: لَكَ
(1)
رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى المُدَّعِي)؛ لِأنَّه موضعُ حاجَةٍ، أشْبَهَ قَولَه: لك يمينُه.
(فَإِنْ رَدَّهَا؛ حَلَفَ المُدَّعِي، وَحَكَمَ لَهُ)؛ لِاسْتِكْمالِ الشُّروط المُعْتَبَرَةِ.
(وَإِنْ نَكَلَ أَيضًا
(2)
مَنْ رُدَّتْ عَلَيهِ اليمينُ؛ (صَرَفَهُمَا)، وجُمْلَتُه: أنَّه إذا نَكَلَ؛ سُئِلَ عن سببِ نُكوله؛ لِأنَّه لا يَجِبُ بنُكوله حقٌّ لغَيره، بخِلافِ المدَّعَى عَلَيهِ، فإن
(3)
قال: امْتَنَعْتُ لِأنَّ لي بيِّنةً أُقِيمُها، أوْ حِسابًا أنْظُرُ فيه؛ فهو على حقِّه من اليمين، ولا يُضَيَّقُ عَلَيهِ في المدَّة؛ لِأنَّه لا يتأخَّرُ إلا حقُّه
(4)
، بِخِلافِ المدَّعَى عَلَيهِ.
(فَإِنْ عَادَ أَحَدُهُمَا، فَبَذَلَ الْيَمِينَ؛ لَمْ يَسْمَعْهَا فِي ذَلِكَ المجْلِسِ)؛ لِأنَّه أسْقَطَ حقَّه منها، (حَتَّى يَحْتَكِمَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ)؛ لِأنَّ الدَّعْوَى فيه تَصِيرُ مُحاكَمَةً ثانِيَةً، فإذا اسْتَأْنَفَ الدَّعْوَى أُعْيدَ الحُكْمَ بَينَهما كالأوَّل.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ بَذَلَها النَّاكِلُ قَبْلَ عَرْضِها
(5)
على المدَّعِي، أوْ بَعْدَه بِرِضاهُ؛ سُمِعَتْ، وإلَّا فَلَا.
وهذا الَّذي ذَكَرَه المؤلف
(6)
شَرْطُه: عَدَمُ الحُكْم بالنُّكول
(7)
.
وإنْ تَعذَّرَ رَدُّ اليمينِ، وقُلْنا به لكَونِ المدَّعِي وَلِيًّا ونحوَه؛ قُضِيَ بالنُّكول.
وقِيلَ: يَحلِفُ الوليُّ.
وقِيلَ: إنْ باشَرَ ما ادَّعاه.
(1)
قوله: (لك) سقط من (م).
(2)
قوله: (أيضًا) سقط من (ظ) و (م).
(3)
في (ن): وإن.
(4)
في (م): مثله.
(5)
في (ن): عوضها.
(6)
قوله: (المؤلف) سقط من (م).
(7)
قوله: (بالنكول) سقط من (ن).
وقِيلَ: يَحلِفُ حاكِمٌ.
وقَطَعَ المؤلِّفُ: يَحلِفُ إذا عقل
(1)
، ويَكتُبُ له مَحضَرًا بنُكولِه.
تنبيهٌ: الَّذي يُقْضَى فيه بالنُّكول ورَدِّ اليمينِ: المالُ، وما يُقصَدُ به المالُ
(2)
، وهل يُقْضَى بالنُّكول في دَعْوَى الوَكالة بالمال؟ على وَجْهَينِ.
وقال السَّامَرِّيُّ: اخْتَلَفَ أصْحابُنا في دَعْوَى الكَفالة: هل يُقضَى فِيهَا بالنُّكول؟ فيه وَجْهانِ، أوجهُهما: الحُكْمُ به، قاله ابنُ أبي مُوسَى.
(وَإِنْ قَالَ المُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ، بَعْدَ قَوْلِهِ: مَا لِي بَيِّنَةٌ؛ لَمْ تُسْمَعْ
(3)
، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
، وجَزَمَ به في «الكافي» و «المستوعب» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ سَماعَ البيِّنةِ قد تُحقِّقَ كَذِبَهُ، فيَعُودُ الأمْرُ على خِلافِ المقْصودِ، وكذا قَولُه: كَذَبَ شُهُودِي، وأَوْلَى، ولا تَبطُلُ دَعْواهُ بذلك في الأصحِّ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تُسْمَعَ)، هذا وَجْهٌ، واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ وغَيرُه، قال في «الفروع»: وهو مُتَّجِهٌ، حَلَّفُه أوْ لم يُحلِّفْه؛ لأنَّه
(5)
يَجُوزُ أنْ يَنْسَى، أوْ يكون
(6)
الشَّاهِدَانِ سَمِعَا منه، وصاحِبُ الحقِّ لا يَعلَمُه، فلا يَثْبُتُ بذلك أنَّه
(7)
أكْذَبَ نَفْسَه.
فرعٌ: إذا قال: كلُّ بَيِّنةٍ أُقِيمُها فهي زُورٌ، أو: لا
(8)
حقَّ لي فِيهَا، ثُمَّ أقام بَيِّنةً؛ لم تُسمَعْ بحالٍ.
(1)
في (م): عقد المؤلف. والذي في المغني 10/ 210، والفروع 11/ 194: عقل وبلغ.
(2)
قوله: (المال) سقط من (ن).
(3)
في (م): لم يسمع.
(4)
ينظر: الفروع 11/ 199.
(5)
زيد في (م): لا.
(6)
في (ن): ويكون.
(7)
في (ن): لأنه.
(8)
في (م): ولا.
(وَإِنْ قَالَ: مَا أَعْلَمُ لِي
(1)
بَيِّنَةً، ثُمَّ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ لِي بَيِّنَةً؛ سُمِعَتْ)؛ لِأنَّه لم يُكذِّبْ بَيِّنَتَه.
(وَإِنْ قَالَ شَاهِدَانِ: نَحْنُ نَشْهَدُ لَكَ، فَقَالَ: هَذَانِ بَيِّنَتِي؛ سُمِعَتْ
(2)
، وهي أَوْلَى من الَّتي قَبْلَها؛ لِأنَّه لا تُهمةَ فيها، لكِنْ لو شَهِدَتْ بغَيرِ ما ادَّعاه فهو مُكذِّبٌ لها، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
.
وإنِ ادَّعى شَيئًا، فأقرَّ له بغَيرِه؛ لَزِمَه إذا صدَّقَه المُقَرُّ له، والدَّعْوَى بحالها، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
.
(وَإِنْ
(5)
قَالَ: مَا أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي؛ لَمْ يُكَلَّفْ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ)؛ لِأنَّه أسْقَطَ حقَّه منها، وله تحليفُه في ذلك كلِّه.
(وَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ)، وأُرِيدُ ملازمةَ
(6)
خَصْمِي حتَّى أُقِيمَها؛ لم يكُنْ له ذلك، ذَكَرَه في «الكافي» .
وفي «الشرح»
(7)
: إذا قال: لي بَيِّنةٌ غائبةٌ؛ لَيسَ له مُطالَبَتُه بكفيلٍ، ولا مُلازَمَتُه حتَّى تحضُرَ
(8)
البَيِّنةُ، نَصَّ عَلَيهِ
(9)
؛ لِأنَّه لم يَثبُتْ له قِبَلَه حقٌّ
(10)
.
(1)
قوله: (لي) سقط من (ن).
(2)
قوله: (لأنه لم يكذب بينته
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(3)
ينظر: الفروع 11/ 199.
(4)
ينظر: الفروع 11/ 199.
(5)
في (ظ): فإن.
(6)
في (م): ملازمته.
(7)
قوله: (وفي «الشرح») في (ن): و «الشرح» .
(8)
في (ن): يحضر.
(9)
ينظر: الشرح الكبير 28/ 443.
(10)
كتب في هامش (ظ): (ولو شهدا بدين لم يُستوف قبل التزكية، ولو طلب المدعي الحجرَ على المدعى عليه قبله لم يُجِبه، وإن كان يُتَّهم بحيلة؛ لأن ضرر الحجر في غير المشهود به عظيم، أو طلب حبسه أجيب؛ لأن المدعي أتى بما عليه، والبحث بعد ذلك من وظيفة القاضي، وظاهر الحال العدالة، ويحبس قبل التزكية للقصاص وحد القذف؛ لأن الحق متعلق ببدنه، فيحتاط له، سواء قذف زوجته أم أجنبيًّا، ولا يحبس المدعى عليه بشاهد واحد؛ لأن الشاهد وحده ليس بحجة، بخلاف الشاهدين، وليست التزكية جزءًا من الحجة، وإنما يتبين بها قيام الحجة، وأما الواحد مع اليمين، فلأن اليمين إنما تكون بعد التزكية).
وذَكَرَ في مَوضِعٍ آخَرَ: أنَّه إن
(1)
كانَتْ بَيِّنَتُه قريبةً فله مُلازَمَتُه حتَّى يُحضِرَها؛ لِأنَّ ذلك ضرورةُ إقامَتِها، فإنَّه لو لم يَتمَكَّنْ مِنْ مُلازَمَتِه؛ لَذَهَبَ مِنْ مَجلِسِ الحكم، ولا يُمَكَّنُ مِنْ إقامَتِها إلَّا بحضْرَتِه، وتفارق
(2)
البيِّنةَ البعيدةَ ومَن لا يُمكِنُ حُضورُها، فإنَّ إلزامه
(3)
الإقامةَ إلى حِينِ حُضورِها يَحتاجُ إلى حَبْسٍ
(4)
، أو ما
(5)
يَقُومُ مَقامَه ولا سبيلَ إلَيهِ.
(وَأُرِيدُ يَمِينَهُ، فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً؛ فَلَهُ إِحْلَافُهُ)، ذَكَرَه في «الكافي» و «الشَّرح» ، وقدَّمه في «المحرَّر» ؛ لِأنَّ ذلك تَعَيَّنَ طريقًا إلى اسْتِخْلاصِ الحقِّ.
وقِيلَ: إنْ كانَتْ غائبةً عن
(6)
البلد؛ فله ذلك.
وقِيلَ: يَملِكُ إقامَتَها فقطْ.
(وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً) في مَجلِسِ الحكم، قال ابنُ حَمدانَ: أوْ قَريبًا منه؛ (فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَملِكُ إقامَتَها، أوْ تحليفَه مِنْ غَيرِ أنْ يسمع
(7)
البيِّنةَ بعده
(8)
، ذَكَرَه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفُروع» ؛
(1)
في (م): إذا.
(2)
في (ن): بحضرة ويفارق.
(3)
في (م): ألزمه.
(4)
في (م): الحبس.
(5)
قوله: (ما) سقط من (م).
(6)
في (م): من.
(7)
في (م): تسمع.
(8)
في (م): بعد.
لأِنَّ فَصْلَ الخُصومة يُمكِن
(1)
بإحْضارِ البيِّنة، فلا حاجَةَ إلى اليمين.
والثَّاني: أنَّه يُجابُ إلَيهِما؛ لِأنَّه أقْرَبُ لفصل الخُصومة.
وقِيلَ: لا يَملِكُ إلا
(2)
إقامَتَها فَقَطْ.
واسْتَدَلَّ في «الشَّرح» للأوَّل: بقَولِه عليه السلام: «شاهِداكَ أوْ يَمِينُه»
(3)
، ولِأنَّه أمْكَنُ لفصل
(4)
الخُصومة بالبيِّنة، أشْبَهَ ما لو لم يطلب
(5)
يمينَه، ولِأنَّ اليَمِينَ بَدَلٌ، فلا يُجمَعُ بَينَها وبَينَ مُبدَلِها؛ كسائر الأَبْدال مَع مُبْدَلاتِها. فإنْ قال: أحْلِفُوهُ، ولا أُقِيمُ بيِّنةً؛ حَلَفَ؛ لِأنَّ البيِّنَةَ حقُّه
(6)
؛ كما لو أسقَطَ نَفْسَ الحقِّ.
ثُمَّ في جَوازِ إقامَتها بَعْدَ الْحَلِف؛ وَجْهانِ.
فرعٌ: إذا أقامَ شاهِدًا في المال؛ فله أنْ يَحلِفَ معه بلا رِضَا خصمه.
وإنْ لم يَحلِفْ معه، بل طَلَبَ يَمينَ المنْكِر؛ حَلَفَ له، فإنْ حَلَفَ، ثُمَّ قال المدَّعِي: أنا أحْلِفُ مع شاهِدَيَّ؛ لم يُستَحلَفْ؛ لِأنَّ اليمينَ فِعْلُه، وهو قادِرٌ عَلَيها، فأمْكَنَه أنْ يُسقِطَها، بخِلافِ البيِّنة.
وإنْ عادَ، فبذَلَ
(7)
اليمينَ قَبْلَ أنْ يَحلِفَ المدَّعَى عَلَيهِ؛ لم يكُنْ له ذلك في هذا المجْلِسِ.
(وَإِنْ حَلَفَ المُنْكِرُ، ثُمَّ أَحْضَرَ المُدَّعِي بَيِّنَةً؛ حَكَمَ بِهَا، وَلَمْ تَكُنِ
(1)
في (م): تمكن.
(2)
قوله: (إلا) سقط من (م).
(3)
أخرجه مسلم (139).
(4)
في (م): بفصل.
(5)
في (ن): لم تطلب.
(6)
في (م): حق.
(7)
قوله: (فبذل) سقط من (م).
اليَمِينُ
(1)
مُزِيلَةً لِلْحَقِّ)، وِفاقًا
(2)
؛ لِقولِ عمرَ: «البيِّنةُ الصَّادِقةُ أحبُّ إليَّ من اليمين الفاجِرَة»
(3)
، ولِأنَّ كلَّ حالةٍ يَجِبُ عَلَيهِ الحقُّ فيها بإقرارِهِ
(4)
يَجِبُ عَلَيهِ بالبيِّنة؛ كما قَبْلَ اليمين، ولِأنَّ اليمينَ لو أزالَت الحقَّ لاجترَأَ
(5)
الفَسَقَةُ على أخْذِ أمْوالِ النَّاس.
وقال ابنُ أبي لَيلَى، وداودُ: لا تُسمَعُ بَيِّنَتُه.
ورُدَّ بما سَبَقَ.
(وَإِنْ سَكَتَ المُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ)، أوْ قال: لا أُقِرُّ ولا أُنكِرُ، أوْ قال: لا
(6)
أعْلَمُ قَدْرَ حَقِّه، قاله
(7)
في «عُيونِ المسائل» و «المنتخب» ، (قَالَ لَهُ
(8)
الْقَاضِي: إِنْ أَجَبْتَ وَإِلَّا
(9)
جَعَلْتُكَ نَاكِلاً وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وذَكَرَ ابنُ المنَجَّى: أنَّه المذْهَبُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه ناكِلٌ عمَّا توجَّه
(10)
عَلَيهِ الجَوابُ فيه، فيُحكَمُ عَلَيهِ بالنُّكول عنه؛ كاليمين، والجامِعُ بَينَهما: أنَّ كلَّ واحِدٍ من القَولَينِ طريقٌ إلى ظُهورِ الحقِّ.
(1)
في (م): البينة.
(2)
ينظر: تحفة الفقهاء 3/ 182، المدونة 4/ 7، الوسيط للغزالي 7/ 423، المغني 10/ 201.
(3)
لم نجده مسندًا، قال الشافعي في الأم (7/ 136)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (20074): بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشريح أنهما كانا يقولان: «اليمين الفاجرة أحقّ أن ترد من البينة العادلة» .
(4)
قوله: (يجب عليه الحق فيها بإقراره) سقط من (ن).
(5)
في (ن): لاحتوى.
(6)
قوله: (لا) سقط من (ظ) و (ن).
(7)
في (م): قال.
(8)
قوله: (له) سقط من (م).
(9)
في (م): ولا.
(10)
في (ن): يوجبه.
ويُسَنُّ تكرارُه من الحاكم ثلاثًا، ذَكَرَه
(1)
في «الكافي» و «المستوعب» و «المحرر»
(2)
و «الوجيز» ، كامِلَينِ
(3)
، وقدَّم في «الرِّعاية»: بقَولِه
(4)
مرَّةً.
(وَقِيلَ: يَحْبِسُهُ حَتَّى يُجِيبَ) إنْ لم يكُنْ للمُدَّعِي بيِّنةٌ، قاله القاضي، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ؛ لِأنَّ اليمينَ حَقٌّ عَلَيهِ؛ كما لو أقرَّ بمالٍ وامْتَنَع من أدائه.
فإنْ كان للمُدَّعِي بيِّنةٌ
(5)
؛ قَضَى بها وَجْهًا واحِدًا.
(وَإِنْ قَالَ: لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ؛ لَمْ يَكُنْ مُجِيبًا)؛ لِأنَّ الجوابَ إقرارٌ أوْ إنكارٌ، وهذا لَيسَ واحِدًا منهما.
(وَإِنْ قَالَ: لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ؛ لَمْ يَلْزَمِ المُدَّعِيَ إِنْظَارُهُ)، اختاره أبو الخَطَّاب والسَّامَرِّيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لمَا فِيهِ من تأخيرِ حقِّه، ولِأنَّ حقَّ الجَوابِ ثَبَتَ له حالًّا
(6)
فلم يَلزَمْه إنْظارُه؛ كما لو ثَبَتَ عَلَيهِ الدَّينُ.
والأصحُّ
(7)
: أنَّه يلزمه
(8)
إنظارُه ثلاثةَ أيَّامٍ؛ لِأنَّه يَحتاجُ إلى ذلك لِمَعرفَةِ قَدْرِ دَينه، أوْ يَعلَمَ هل عَلَيهِ شَيءٌ أمْ لا، والثَّلاثُ مُدَّةٌ يسيرةٌ، ولا يُمهل
(9)
أكْثَرَ منها؛ لِأنَّه كثيرٌ.
(وَإِنْ قَالَ: قَدْ
(10)
قَضَيْتُهُ، أَوْ أَبْرَأَنِي، وَلِي بَيِّنَةٌ بِالْإِبْرَاءِ أَوِ القَضَاءِ، وَسَأَلَ
(1)
في (ن): ذكره القاضي.
(2)
في (ظ): وفي «المحرر» .
(3)
كذا في النسخ الخطية، ولعل صوابها: كاليمين. قال في الشرح الكبير 28/ 447: (لأنه ناكلٌ عما توجه عليه الجواب فيه، فيحكم عليه بالنكول عنه؛ كاليمين).
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 11/ 193: يقوله.
(5)
قوله: (قاله القاضي، وقدمه السامري
…
) إلى هنا سقط من (م).
(6)
في (ظ) و (ن): مآلاً. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 28/ 449.
(7)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب)
(8)
في (م): يلزم.
(9)
في (م): ولا يملك.
(10)
قوله: (قد) سقط من (ن).
الْإِنْظَارَ؛ أُنْظِرَ ثَلَاثًا)؛ لِأنَّها قريبةٌ، ولا تتكامل
(1)
في أقلَّ مِنْها.
وقِيلَ: لا يَلزَمُ إنْظارُه؛ كقَولِه: لِي بيِّنةٌ تدفع
(2)
دَعْواهُ.
وعلى الأوَّلِ: (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ)؛ لِأنَّ جنَبَتَه
(3)
أقْوَى؛ لِأنَّ حقَّه قد توجَّه
(4)
عَلَيهِ، ودَعْوَى الإسْقاطِ الأصْلُ عَدَمُها، ولِئَلَّا يَهْرُبَ أوْ يَغِيبَ، ولا يُؤخِّرَ الحقَّ عن المدَّة الذي
(5)
أُنْظِرَ فيها.
(وَإِنْ
(6)
عَجَزَ؛ حَلَفَ المُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ، وَاسْتَحَقَّ)؛ لِأنَّه يصيرُ مُنكِرًا، واليمينُ على المنكر.
فإنْ نَكَلَ عنها؛ قُضِي عَلَيهِ بنُكولِه وصُرِفَ
(7)
.
وإنْ قُلْنا بِرَدِّ اليمين؛ فله تَحلِيفُ خَصْمِه، فإنْ أَبَى حَكَمَ عَلَيهِ.
هذا كلُّه إنْ لم يكُنْ أنْكَرَ سَبَبَ الحقِّ، فأمَّا إنْ أنْكَرَه، ثُمَّ ثَبَتَ، فَادَّعَى قَضاءً أوْ إبراءً سابِقًا لإنْكارِه؛ لم يُسمَعْ منه وإنْ أتى
(8)
بِبَيِّنةٍ، نَصَّ عَلَيهِ
(9)
.
وقِيلَ: تُسمَعُ البيِّنةُ، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وزادَ: بأنْ قال:
(1)
في (ظ) و (ن): ولا يتكامل.
(2)
في (ظ) و (ن): بدفع.
(3)
في (م): جانبته.
(4)
قوله: (لأن حقه قد توجه) في (م): لأنه قد يوجب.
(5)
في (م): التي.
(6)
في (ن): فإن.
(7)
قال في شرح المنتهى 3/ 528: ("فإن نكل" عن اليمين على ذلك؛ "حُكم عليه" أي المدعي بنكوله، "وصُرِف" المدعى عليه؛ لأن المدعي إذن منكر وجبت عليه يمين، فنكل عنها، فحكم عليه بالنكول؛ كما لو كان مدعىً عليه ابتداء).
(8)
قوله: (منه وإن أتى) في (م): وأتى.
(9)
ينظر: المحرر 2/ 210.
قَتَلْتَ دابَّتِي، فلي عَلَيكَ ثَمَنُها ألْفٌ، فقال: لا تلزمني
(1)
، أوْ لا يَستَحِقُّه عليَّ ولا شَيئًا منه، فقد أَجَابَ، وإن اعْتَرَفَ بالقَتْل احْتاجَ إلى مُسقِطٍ.
ولو قال
(2)
: لي عَلَيكَ مِائَةُ دِينارٍ، قال: بل ألْفُ دِرْهَمٍ؛ فما
(3)
أَجَابَ، ويَلزَمُه الألْفُ إنْ صَدَّقَه المدَّعِي، ودَعْوَى الذَّهَب باقِيَةٌ، نَصَّ عَلَيهِ.
(وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ، فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ؛ جُعِلَ الْخَصْمُ فِيهَا)، وكان صاحِبَ اليَدِ؛ لِأنَّ مَنْ
(4)
في يَدِه العَينُ اعْتَرَفَ أنَّ يَدَه نائِبةٌ عن يَدِهِ، وإقْرارُ الإنسان بما في يَدِه إقْرارٌ صَحِيحٌ.
(وَهَلْ يَحْلِفُ) المدَّعَى عَلَيهِ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَحلِفُ أنَّه لا يَعلَمُ أنَّها للمُدَّعِي، قدَّمه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الكافي» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه لو أقرَّ له بها لَزِمَه غرمها
(5)
، كما لو قال: هذه العَينُ لزَيدٍ، ثُمَّ قال: هي لِعَمْرٍو، فإنَّها تُدفَعُ إلى زَيدٍ، ويَغرمُ قِيمَتَها لعمرو
(6)
، ومَن لَزِمَه الغُرْمُ مع الإقرار؛ لَزِمَه اليمينُ مع الإنكار.
فَعَلَى هذا: إنْ نَكَلَ عنها مع طَلَبها؛ أَخَذَ منه بَدَلَها، ثُمَّ إنْ صَدَّقَه المُقَرُّ له فهو كأحَدِ مُدعيينِ
(7)
على ثالِثٍ، أَقَرَّ له الثَّالِثُ، وسيأتي.
والثَّاني: لا يَحلِفُ؛ لِأنَّ الخُصومةَ انْقَلَبَتْ إلى غَيرِه، فَوَجَبَ أنْ تَنتَقِلَ اليمينُ إلى ذلك الغَيرِ.
(1)
في (م): لا يلزمني.
(2)
قوله: (ولو قال) في (م): وقال.
(3)
في (ن): بما إذا.
(4)
قوله: (من) سقط من (م).
(5)
في (م): عوضها.
(6)
قوله: (فإنها تدفع إلى زيد ويغرم قيمتها لعمرو) سقط من (ن).
(7)
في (م): كأخذ المدعيين.
مسألةٌ: قال ابنُ حَمْدانَ: مَنْ أقرَّ بعَينٍ أوْ دَينٍ لِزَيدٍ، فكَذَّبَه؛ تَصَدَّقَ به عن ربِّه مَضمُونًا له إذا عَلِمَ بَعْدُ، وإنْ بَانَ أنَّه لِزَيدٍ؛ لم يَسقُطْ حَقُّه بإنكاره جَهْلاً، ويَغْرمُه المُقِرُّ، وفِيهِ احْتِمالٌ.
(فَإِنْ كَانَ المُقَرُّ لَهُ حَاضِرًا مُكَلَّفًا؛ سُئِلَ) ليتَبَيَّن
(1)
الحالُ، (فَإِنِ ادَّعَى
(2)
لِنَفْسِهِ
(3)
وَلَمْ تَكُنْ
(4)
بَيِّنَةٌ؛ حَلَفَ وَأَخَذَهَا)؛ لِأنَّه كالمدَّعَى عَلَيهِ، وقد أنْكَرَ، فيَحْلِفُ ويَأخُذُ العَينَ؛ لأِنَّه ظهر
(5)
كَونُها له بإقْرارِ مَنْ العَينُ في يَدِه، وانْدَفَعَتْ خُصومةُ المدَّعِي، فَوَجَبَ الْأَخْذُ؛ عَمَلاً بالمقْتَضِي.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي؛ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ)؛ لِأنَّ اليدَ صارَتْ للمُقَرِّ له، أشْبَهَ ما لو ادَّعَى شَخْصٌ فأقرَّ بها له.
(وَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ لِي)، أوْ قال ذلك المدَّعَى
(6)
عَلَيهِ ابْتِداءً، (وَلَا أَعْلَمُ لِمنْ هِيَ؛ سُلِّمَتْ إِلَى المُدَّعِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
(7)
، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وذَكَرَ في «الشَّرح»: أنَّه أَوْلَى، فتُسلَّم
(8)
إليه بلا بَيِّنَةٍ؛ لِأنَّه لا مُنازِعَ له فيها، أشْبَهَ التي بيَدِه، ولِأنَّ صاحِبَ اليَدِ لو ادَّعاها ثُمَّ نَكَلَ؛ قُضِيَ بها للمدَّعِي، فمع عَدَمِ ادِّعائه أَوْلَى، فإنْ كانا اثْنَينِ اقْتَرَعَا عَلَيها.
(وَفِي الآْخَرِ: لَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشهَدُ بذلك؛ لِأنَّه لم يَثبُتْ أنَّه مُسْتَحِقُّها، (وَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ أَمِينٍ)؛ كمالٍ ضائعٍ.
(1)
في (م): لتبيين.
(2)
في (ن): ادعاها.
(3)
قوله (فإن ادعى لنفسه) في (م): فإن أعاد البقية.
(4)
في (ن): ولم يكن.
(5)
في (م): أظهر.
(6)
في (م): للمدعى.
(7)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(8)
في (م): فسلم، وفي (ن): فيسلم.
ويَتخرَّجُ: أنْ يَحلِفَ المُدَّعِي أنَّها له، وتُسلَّم إلَيهِ؛ بناءً على القول بردِّ اليمين إذا نكل المدَّعَى عليه
(1)
.
وقِيلَ: يُقَرُّ بِيَدِ المدَّعَى عَلَيهِ، وهو المذْهَبُ، قاله في «المحرَّر» .
(وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِغَائِبٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ؛ سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى)؛ لِأنَّ الدَّعْوَى صارَتْ على غيره، ويَصِيرُ الغائبُ والولِيُّ خَصْمَينِ إنْ صدَّقاهُ، وحلَف المدَّعَى عَلَيهِ للمُدَّعِي، قاله في «الرِّعاية» .
(ثُمَّ إِنْ كَانَ
(2)
لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ؛ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ)؛ لِأنَّ جانِبَه قد تَرجَّح بها، (وَهَلْ يَحْلِفُ) معها؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، هما رِوايَتانِ:
إحداهما
(3)
: لا يَحلِفُ، جَزَمَ بها في «الوجيز» ، وهي أشْهَرُ؛ لِأنَّ البيِّنةَ وَحْدَها كافِيَةٌ؛ للخَبَر.
والثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لِأن الغائبَ والصَّغيرَ والمجْنونَ لا يَقُومُ منهم واحِدٌ بالحُجَّة، فاحْتِيجَ إلى اليمين؛ لتأكِيدِ البيِّنة.
وقِيلَ: إنْ جُعِلَ قَضاءً على غائبٍ؛ أَخَذَها وحَلَفَ، وإلَّا فلا.
وفي «الرِّعاية» : أنَّه
(4)
إذا حَضَرَ الغائبُ، وأقام بيِّنةً
(5)
أنَّها له؛ تَعارَضَتَا، وأُقِرَّتْ بيدِ المدَّعِي إنْ قدَّمْنا بيِّنةَ الخارِج، وإلَّا فهي للغائب.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ
(6)
؛ لم يُقْضَ له بها، ويُوقَفُ الأمْرُ حتَّى يَقدَمَ الغائبُ، ويَصِيرَ غَيرُ المكلَّف مُكلَّفًا، فتكُونَ الخُصومةُ له؛ (حَلَفَ المُدَّعَى
(1)
قوله: (إذا نكل المدعى عليه) سقط من (ظ).
(2)
في (ن): كانت.
(3)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(4)
قوله: (أنه) سقط من (ن).
(5)
في (م): بينته.
(6)
في (م): بينته.
عَلَيْهِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ)؛ لِأنَّه لو أقرَّ لَزِمَه الدَّفْعُ، ومَن لَزِمَه الدَّفْعُ مع الإقرار؛ لَزِمَتْهُ اليمينُ مع الإنكار، (وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ)؛ لِأنَّ المدَّعِيَ انْدَفَعَتْ دَعْواهُ باليمين.
وفي «الشَّرح» : إذا قال المدَّعِي: أحْلِفُوا المدَّعَى عَلَيهِ؛ أحْلَفْناهُ، وتقرُّ
(1)
العَينُ في يَدِه، ولو نَكَلَ عن اليمين؛ غَرِمَ بَدَلَها.
وقال ابنُ حَمْدانَ: بل تكُونُ عِنْدَ أمينِ الحاكِمِ حتَّى يَأخُذَها المُقَرُّ له.
فإنْ كان المدَّعِي اثْنَينِ؛ غَرِمَ عِوَضَينِ لهما.
وفي «الشَّرح» : متى عاد المُقَرُّ بها لغَيرِه، ادعاها
(2)
لنفسه؛ لم تُسمَعْ؛ لِأنَّه أقرَّ بأنَّه لا يَملِكُها، فلا يُسمَعُ منه الرُّجوعُ بَعْدَ إقْراره.
(إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِمَنْ سَمَّى؛ فَلَا يَحْلِفُ)؛ أيْ: إذا
(3)
أقام المدَّعَى عَلَيهِ بيِّنةً أنَّها لمَنْ سَمَّاهُ؛ سَمِعَها الحاكِمُ؛ لِزَوالِ التُّهمة عن الحاضر، وسُقوطِ اليمين عنه، ولم يَقْضِ بها؛ لِأنَّ البيِّنةَ للغائبِ، والغائبُ
(4)
لم يَدَّعِها هو ولا وَكِيلُه.
ويَتخرَّجُ: أنْ يَقْضِيَ بها إذا قُلْنا بتقديمِ بيِّنةِ الدَّاخِل، وأنَّ لِلْمُودَع المحاكَمَةَ في الوَديعة إذا غُصِبَت
(5)
، واقْتَصَرَ في «الرِّعاية» على حكايةِ هذا التَّخريجِ فقطْ.
فرعٌ: إذا ادَّعَى مَنْ هِيَ بيدِه
(6)
أنَّها معه بإجارةٍ أوْ عارِيَةٍ، وأقَامَ بيِّنةً
(7)
(1)
في (ن): ويقر.
(2)
في (م): أعادها. الذي في الشرح الكبير 28/ 458: وادعاها.
(3)
قوله: (إذا) سقط من (م).
(4)
قوله: (والغائب) سقط من (ن).
(5)
في (م): غصب.
(6)
في (م): في يده.
(7)
في (م): ببينة.
بالمِلك للغائب
(1)
؛ لم يُقْضَ بها.
ويَتخرَّجُ: بَلَى، على ما قُلْناهُ.
وذَكَرَ في «الرِّعاية» : أنَّه
(2)
إنْ ثَبَتَ ذلك، وقلنا: لهما المحاكَمَةُ؛ ثَبَتَ الملْكُ.
(وَإِنْ
(3)
أَقَرَّ
(4)
بِهَا لِمَجْهُولٍ، قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُعَرِّفَهُ، وَإِمَّا أَنْ نَجْعَلَكَ نَاكِلاً) ونقضي
(5)
عَلَيكَ؛ لِأنَّه لا يُمكِنُ الدَّعْوَى على مجهولٍ، فيَضِيعُ الحقُّ بإقرارِه هذا.
فإنِ ادَّعاها لنفْسِهِ؛ لم تُسْمَع
(6)
في الأَشْهَرِ.
(1)
قوله: (للغائب) سقط من (م).
(2)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(3)
في (م): وإذا.
(4)
قوله: (وإن أقر) في (ن): وأقر.
(5)
في (م): ويقضي.
(6)
في (م): لم يسمع.
(فَصْلٌ)
(وَلَا تَصِحُّ
(1)
الدَّعْوَى إِلاَّ
(2)
مُحَرَّرَةً تَحْرِيرًا يُعْلَمُ بِهِ
(3)
المُدَّعَى)؛ لِأنَّ الحاكِمَ يَسأَلُ المدَّعَى عَلَيهِ عمَّا ادَّعاهُ المدَّعِي، فإن اعْتَرَفَ به؛ ألْزَمَه، ولا يُمكِنُه أنْ يُلزِمَه مَجهولاً.
(إِلَّا فِي الْوَصِيَّةِ)، وعَلَيهَا اقْتَصَرَ السَّامَرِّيُّ، (وَالْإِقْرَارِ)، والخُلْعِ، وعبدٍ
(4)
مُطَلِّقٍ في مَهْرٍ حَيثُ صحَّحْناهُ، (فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِالمَجْهُولِ)؛ لِأنَّه لو أَوْصَى أوْ أقرَّ بشَيءٍ مَجْهولٍ؛ لصحَّ
(5)
، فكذا هذا.
وشَرْطُها أيضًا: أنْ تكُونَ مُتعلِّقةً بالحالِّ، فلا بُدَّ في الدَّعْوَى بالدَّين أنْ يكُونَ حَالًّا.
وقِيلَ: تُسْمَعُ
(6)
بِدَينٍ مُؤجَّلٍ لِإثْباتِه إذا خَافَ سَفَرَ الشُّهود.
قال في «التَّرغيب» : الصَّحيحُ أنَّها تُسمَعُ، فيَثْبُتُ أصْلُ الحقِّ لِلُزومه في المستقبَل؛ كدَعْوَى تَدْبِيرٍ، وأنَّه يَحتَمِلُ في: قَتَلَ أبي أحدِ
(7)
هؤلاء الخمسةِ، أنَّه يُسمَعُ للحاجة؛ لوقوعه كثيرًا، ويَحلِفُ كلٌّ منهم.
وكذا دَعْوَى غَصْبٍ وسَرِقةٍ، لا إقْرارٍ وبَيعٍ إذا قال: نَسِيتُ؛ لِأنَّه مُقصِّرٌ.
وأنْ يُصرِّحَ بها، فلا يَكْفِي قَولُه عن دَعْوى في وَرَقَةٍ ادَّعَى بما فيها.
(1)
في (ن): ولا تسمع.
(2)
في (م): لا.
(3)
في (م) و (ن): بها.
(4)
في (م): وعنه.
(5)
في (م): يصح.
(6)
في (ن): يسمع.
(7)
قوله: (أحد) سقط من (ظ).
وأنْ تَنفَكَّ عمَّا يُكذِّبُها، فلو ادَّعى عَلَيهِ أنَّه قَتَلَ أباهُ مُنفَرِدًا، ثُمَّ ادَّعَى على آخَرَ المشارَكةَ فيه؛ لم تُسمَعِ الثَّانِيَةُ، ولو أقرَّ الثَّانِي، إلَّا أنْ يَقُولَ: غَلِطْتُ، أوْ كَذَبْتُ في الأُولى
(1)
، فالأَظْهَرُ يُقبَلُ، قاله
(2)
في «التَّرغيب» ؛ لِإمْكانِه، والحقُّ لا يَعدُوهُما.
(فَإِنْ كَانَ المُدَّعَى عَيْنًا حَاضِرَةً) في المجْلِس؛ (عَيَّنَهَا)؛ لِأنَّه
(3)
يَنتَفِي اللَّبس، وكذا إنْ كانَتْ حاضِرةً، لكِنْ لم تحضر
(4)
بمَجْلِسِ الحُكْم، اعْتُبِرَ إحْضارُها للتَّعْيين، ويَجِبُ إحْضارُها على المدَّعَى عَلَيهِ، إنْ أقرَّ أنَّ بيده مِثْلَها، ولَو ثَبَتَ أنَّها بيَدِه بِبَيِّنةٍ أوْ نُكولٍ؛ حُبِسَ أبدًا حتَّى يُحضِرَها، أوْ يدَّعِيَ
(5)
تَلَفَها، فيُصدَّقُ
(6)
للضَّرورة، وتَكْفِي القِيمةُ.
تنبيهٌ: إذا
(7)
ادَّعَى دَينًا على أبِيهِ؛ ذَكَرَ مَوتَه، وحرَّرَ الدَّينَ والتَّرِكةَ، ذَكَرَه القاضِي، وفي «المغْنِي»: أو
(8)
أنَّه وَصَلَ إلَيهِ مِنْ تَرِكَةِ أبيه ما يَفِي بدَينه.
وإنِ ادَّعَى مالاً مُطلَقًا؛ لم يَجِبْ ذِكْرُ سَبَبِه وقَدْرِه وجِنْسِه، ذَكَرَه في «الرِّعاية» .
فإنِ ادَّعَى عَينًا أوْ دَينًا لم يُعتَبَرْ ذِكْرُ سببه
(9)
، وَجْهًا واحِدًا؛ لكَثْرَةِ سببه، ويَكْفِيهِ أنْ يقولَ: أسْتَحِقُّ هذه العَينَ الَّتي في يَدِكَ، أوْ ذِمَّتِكَ.
(1)
في (م): الأول.
(2)
في (م): قوله.
(3)
زاد في (ظ): لا.
(4)
في (م): لم يحضر.
(5)
في (م): ويدعي.
(6)
في (ن): فتصدق.
(7)
قوله: (إذا) سقط من (ظ) و (م).
(8)
في (م): رواية.
(9)
في (م): سبب.
(وَإِنْ
(1)
كَانَتْ غَائِبَةً؛ ذَكَرَ صِفَاتِهَا
(2)
إِنْ كَانَتْ تَنْضَبِطُ بِهَا
(3)
؛ لِأنَّها تَتَمَيَّزُ بذلك، وكذا إنْ كانَتْ في الذِّمَّة، (وَالْأَوْلَى) مع ذلك:(ذِكْرُ قِيمَتِهَا)؛ لِأنَّه أضْبَطُ.
(وَإِنْ
(4)
كَانِتْ تَالِفَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ؛ ذَكَرَ قَدْرَهَا، وَجِنْسَهَا، وَصِفَتَهَا
(5)
ما يَكْفِي في السَّلَم؛ لِأنَّ المِثْلَ واجِبٌ، لا يَتَحَقَّقُ المِثْلُ بِدُونها، (وَإِنْ ذَكَرَ قِيمَتَهَا كَانَ أَوْلَى)؛ لِأنَّه أضْبَطُ وَأَحْصرُ
(6)
.
(وَإِنْ لَمْ تَنْضَبِطْ
(7)
بِالصِّفَاتِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا)؛ لِأنَّها لا تُعلَمُ إلاَّ بذلك.
(وَإِنِ ادَّعَى نِكَاحًا؛ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ المرْأَةِ بِعَيْنِهَا
(8)
إِنْ حَضَرَتْ)؛ لِأنَّ اللَّبْسَ يَنتَفِي بذلك، (وَإِلَّا ذَكَرَ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا)؛ لِأنَّها لا تَتَمَيَّزُ إلاَّ بذلك، (وَذَكَرَ شُرُوطَ النِّكَاحِ) المعتَبَرةَ في الحُضور والغَيبة، صحَّحه في «المستوعب» و «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لِأنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا في شُروطِه، فلم يكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِها حتَّى يُعلَمَ الحالُ على ما هي
(9)
عَلَيهِ؛ لِيَعْرِفَ كَيفَ يَحكُمُ، (وَأَنَّهُ
(10)
تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَرِضَاهَا، فِي
(1)
في (م): فإن.
(2)
في (م): صفتها.
(3)
قوله: (بها) سقط من (م).
(4)
في (م): إن.
(5)
قوله: (وصفتها) سقط من (ن).
(6)
في (ظ) و (ن): أحضر.
(7)
في (ن): لم ينضبط.
(8)
قوله: (بعينها) سقط من (ظ) و (م).
(9)
في (م): بقي.
(10)
في (ظ) و (ن): أن.
الصَّحِيحِ مِنَ المَذْهَبِ).
وعَنْهُ: لا يُشتَرَطُ ذلك؛ لِأنَّه نَوعُ ملْكٍ، كما لو ادَّعى بَيعًا أوْ عقدًا
(1)
غَيرَه.
والأَوَّلُ أصحُّ، والفرقُ
(2)
: أنَّ الفُروجَ يُحتاطُ لها، بخِلافِ غَيرِها، ولِأنَّه مَبْنِيٌّ على الاِحْتِياط، وتتعلَّقُ العُقُوبَةُ بجِنْسِهِ
(3)
، فاشترط ذكرُ
(4)
شُرُوطِه كالقتلِ.
فإنِ ادَّعَى اسْتِدامَةَ الزَّوجِيَّة، ولم يَدَّعِ عَقْدًا؛ لم يَحتَجْ إلى ذِكْرِ شُروطه في الأصحِّ؛ لِأنَّه يثبتُ
(5)
بالاِسْتِفاضة الَّتي لا يُعلَمُ معها اجْتِماعُ الشُّروط.
وفي آخَرَ: بَلَى؛ كدَعْوَى العَقْد.
وفي «التَّرغيب» : يُعتَبَرُ في النِّكاح وَصْفُه بالصِّحَّة، وأنَّه لا يُعتَبَرُ انْتِفاءُ المفْسِدِ، وأنَّها لَيسَتْ مُعتَدَّةً، ولا مُرتَدَّةً.
(وَإِنِ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ عَقْدًا سِوَاهُ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ شُرُوطِهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ):
أصَحُّهما: يُعتَبَرُ ذِكْرُ شُروطِهِ؛ كالنِّكاح.
والثَّاني: لا يُشتَرَطُ، قدَّمه في «الكافي» ، وذَكَرَ في «الشَّرح»: أنَّه أَوْلَى وأصَحُّ، وقد سَبَقَ ذِكْرُ الفَرْقِ بَينَهما.
وقِيلَ: يُشتَرَطُ في ملْكِ الإماء خاصَّةً.
وعلى الأوَّل: لو ادَّعى بَيعًا لازِمًا، أوْ هِبَةً مَقْبوضةً؛ كَفَى في الأَشْهَرِ.
(1)
في (م): وعقدًا.
(2)
في (م): والمفرق.
(3)
في (م) و (ن): بحبسه. والمثبت موافق للكافي 8/ 196.
(4)
قوله: (ذكر) سقط من (ظ).
(5)
في (ظ): ثبت.
وفي اعْتِبارِ وَصْفِ الْبَيع بأنَّه صحيحٌ؛ وَجْهانِ.
وقِيلَ: ويَذكُرُ القِيمةَ والوَصْفَ، دُونَ ذِكْر القِيمة
(1)
.
فلو ادَّعَى بَيعًا أوْ هِبَةً لم تُسمَعْ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: ويَلزَمُكَ التَّسليمُ إليَّ؛ لاِحْتِمالِ كَونِه قَبلَ التَّسليم.
وما لَزِمَ ذِكْرُه في الدَّعْوَى، ولم يَذكُرْه؛ سَأَلَه الحاكِمُ عنه؛ لِتَصِيرَ الدَّعْوَى مَعلُومةً، فيمكن
(2)
الحاكِمَ الحُكْمُ بها.
فرعٌ: إذا ادَّعَى عَقارًا غائبًا بعيدًا؛ كَفَى شُهْرَتُه عِندَهما وعِندَ حاكِمٍ عن تَحْديدِه؛ لحديثِ الحَضْرَمِيِّ والكِنْدِيِّ
(3)
، وإنْ كان قريبًا؛ عَيَّنَه إنْ أمْكَنَ.
(وَإِنِ ادَّعَتِ المَرْأَةُ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ، وَادَّعَتْ مَعَهُ نَفَقَةً أَوْ مَهْرًا؛ سُمِعَتْ دَعْوَاهَا) بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(4)
؛ لِأنَّ حاصِلَ دَعْواها دَعْوَى الحقِّ مِنْ المَهْرِ ونحوِه.
(وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ سِوَى النِّكَاحِ، فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفُروع»:
أحدُهما: تُسمَعُ، وهو قَولُ القاضي؛ لِأنَّ النِّكاحَ يَتضَمَّنُ حُقوقًا لها، أشْبَهَ ما إذا
(5)
ادَّعَتْ مع النِّكاح مَهْرًا.
والثَّاني
(6)
: لا تُسمَعُ، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو أشْهَرُ؛ لِأنَّه حقٌّ عَلَيها، فدَعْوَاها له إقرارٌ لا يُسمَعُ مَع إنْكارِ المقَرِّ له، ولا يُشتَرَطُ ذِكْرُ انْتِفاءِ مُفْسِداتِه.
(1)
قوله: (وقيل: ويذكر القيمة .. ) إلى هنا، كذا في النسخ الخطية، ولم نقف عليها في كتب الأصحاب، وأورد صاحب الكشاف 15/ 143 عبارة «المبدع» وحذف هذه الجملة.
(2)
في (ن): فيملك.
(3)
أخرجه مسلم (139).
(4)
ينظر: المغني 10/ 244.
(5)
في (ظ): لو.
(6)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
فإن
(1)
قُلْنَا بالأوَّل؛ قُبِلَ قَولُ الزَّوج بغَيرِ يمينٍ إذا لم تكن
(2)
بيِّنةٌ، لِأنَّه إذا لم تُسْتَحلف
(3)
المرأةُ والحقُّ عَلَيها؛ فلَأن لا
(4)
يُستَحْلَفَ مَنْ الحقُّ له وهو يُنكِرُه أَوْلَى.
ويَحتَمِلُ: أنْ يُستحلف
(5)
؛ لِأنَّ دَعْواها إنَّما سُمِعَتْ لِتَضَمُّنِها دَعْوَى حُقوقٍ مالِيَّةٍ، فشُرِعَ فيها اليمينُ.
وإنْ قامَت البيِّنةُ بالنِّكاح؛ ثَبَتَ لها ما تَضَمَّنَه النِّكاحُ مِنْ حُقوقها.
وأمَّا إباحَتُها له؛ فيَنْبَنِي على باطِنِ
(6)
الأَمْرِ، فإن عَلِمَ أنَّها زَوجَتَه؛ حلَّت
(7)
له؛ لِأنَّ إنكارَه النِّكاحَ ليس
(8)
بطلاقٍ، إلاَّ أنْ يَنوِيَه، وإنْ عَلِمَ أنَّها لَيسَت امْرأتَه؛ لم تحلَّ
(9)
له، وهل يُمَكَّنُ منها
(10)
في الظَّاهِرِ؟ فِيهِ وَجْهانِ.
فرعٌ: إذا ادَّعى رِقَّ جارِيَةِ رَجُلٍ، فصدَّقَه؛ لم يستحقَّها
(11)
بإقْرارِه.
(وَإِنِ ادَّعَى قَتْلَ مَوْرُوثِهِ؛ ذَكَرَ الْقَاتِلَ، وَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ أَوْ شَارَكَ غَيْرَهُ، وَأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَيَصِفُهُ)؛ لِأنَّ الحال
(12)
يَختَلِفُ باخْتِلافِ ذلك، فلم يكُنْ بُدٌّ من ذِكْرِه؛ لِتَرَتُّبِ حُكْمِ الحاكِمِ عَلَيهِ.
(1)
في (م): وإن.
(2)
في (ن): لم يكن.
(3)
في (م): لم يستحلف.
(4)
في (م): قليلاً. وفي (ن): ولئلا.
(5)
في (ظ) و (ن): تستحلف.
(6)
في (ن): ما لهن.
(7)
في (م): حلفت.
(8)
قوله: (ليس) سقط من (م).
(9)
في (م): لم يحل.
(10)
في (ن): فيها.
(11)
في (ن): لم يستلحفها.
(12)
في (م): الحالف.
ولو قال: قَدَّهُ نِصفَينِ وكان حَيًّا، أوْ ضَرَبَه وهو حَيٌّ؛ صحَّ، ولو لم
(1)
يَذكُر الحياةَ؛ فَوَجْهانِ.
وإنْ قال: ضَرَبَه بسَيفٍ فأَوْضَحَ رأسَه؛ فهل يُشتَرَطُ أن
(2)
يقولَ: فأوْضَحَ عَظْمَه؟ قال ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ وَجْهَينِ.
(وَإِنِ ادَّعَى الْإِرْثَ؛ ذَكَرَ سَبَبَهُ)؛ لِاخْتِلافه، قال في «الرِّعاية»: وقَدرَه، ولا يَكفِي قَولُه: مات فلانٌ وأنا وارِثُه.
(وَإِنِ ادَّعَى شَيئًا مُحَلًّى؛ قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ حِلْيَتِهِ
(3)
لِئَلَّا يُؤدِّيَ إلى الرِّبا، (فَلَوْ
(4)
كَانَ مُحَلًّى بِذَهَبٍ وَفَضَّةٍ
(5)
؛ قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِلْحَاجَةِ)، إذِ الثَّمنيَّةُ
(6)
مُنحَصِرةٌ فِيهِما.
فإنِ ادَّعَى نَقْدًا مِنْ نَقْدِ البلد؛ كَفَى ذِكْرُ قَدْرِه، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» .
وقِيلَ: لا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ وَصْفِه.
فرعٌ: إذا ادَّعَى أنَّ زَيدًا أقرَّ له بألْفٍ؛ لم تُسمَعْ حتَّى يقولَ: أدَّعِي عَلَيهِ حالًّا أطْلُبُه منه، ولا يَكفِي قَولُه: لي عَلَيكَ، أَوْ لِي في ذِمَّتك كذا، حتَّى يقولَ: وهو حالٌّ، وأنا أطلبُكَ
(7)
به.
وفي
(8)
الوديعة يقولُ: وأنا أطْلُبُ أنْ تُمكِّنَنِي
(9)
مِنْ أخْذِها، ولا يقولُ:
(1)
قوله: (ولو لم) في (م): ولم.
(2)
في (م): أو.
(3)
في (ظ) و (م): جنسه. والمثبت موافق لما في نسخ المقنع الخطية.
(4)
في (ن): فإن.
(5)
في (م): أو فضة.
(6)
في (ن): الملتمسة.
(7)
قوله: (وأنا أطلبك) في (م): وأطلبك.
(8)
في (م): في.
(9)
في (م): تمكني.
أطْلُبُ تسليمَها، فإنَّه لا يَلزَمُ تسليمُها إلَيهِ، بل التَّمكينُ منها، ولا يَجِبُ ذِكْرُ قِيمَتِها.
ويجب
(1)
ذِكْرُ العارِيَةِ والغَصْبِ
(2)
، ويَقُولُ وهما في يده: يَلزَمُه تسليمُها إليَّ.
وفي السَّلَم: يَذكُرُ شُروطَه، وكذا في دَعْوَى الغَصْب والسَّرِقة والإتْلافِ في وَجْهٍ.
فإذا ادَّعى أنَّها له في الحال، فشَهِدَتْ أنَّها له أمْسِ، أوْ في يده؛ لم تُسمَعْ في الأَشْهَر.
وإنْ قال خَصمُه: كانَتْ بيَدِكَ أمْسِ؛ لم يَلزَمْ خَصْمَه شَيءٌ.
مسألةٌ: تَصِحُّ دَعْوَى الحِسْبة مِنْ كلِّ مسلمٍ
(3)
مُكلَّفٍ رشيدٍ، في حقِّ الله تعالى، وفي حقِّ كلِّ آدَمِيٍّ غَيرِ مُعَيَّنٍ؛ كرِباطٍ وجسر، وإنْ لم يَطْلُبْه مُستَحِقُّه، وتَصِحُّ الشَّهادةُ به قَبْلَ الدَّعْوَى وبَعْدَها، مِنْ ربِّه وغَيرِه.
ادَّعى شجرةً، أوْ دابَّةً؛ لم يَستَحِقَّ النِّتاجَ والثَّمرةَ قَبْلَ ذلك، ولا الثَّمرةَ الظَّاهِرةَ عِنْدَ إقامةِ البيِّنةِ، ويَستَحِقُّ الموجودَ إذن
(4)
.
وقِيلَ: لا، إلَّا أنْ يَثبُتَ
(5)
مِلكُه للأصل قَبْلَ ذلك.
ومَن اشْتَرَى شَيئًا فأُخِذَ منه بحجَّةٍ مُطلَقًا؛ ردَّ بائعُه ثَمَنَه الَّذي قَبَضَه. وقِيلَ: إنْ كان ملْكًا سابِقًا على المشْتَرِي.
(1)
في (ن): وتجب.
(2)
قوله: (والغصب) سقط من (م).
(3)
قوله: (مسلم) سقط من (م).
(4)
في (ن): الموجودان.
(5)
في (م): يكتب.
ومَن ادَّعَى ملْكًا مُطلَقًا، فَذَكَرَ شهوده
(1)
الملك، وسَبَبه؛ صحَّ، ولم يَضُرَّه ذِكْرُه، ولو ذَكَرَ المدَّعِي سببًا غَيرَه؛ رُدَّت شَهادتُهم.
شَهِدَ له عَدْلانِ بحقٍّ مالِيٍّ لا عِنْدَ حاكِمٍ، فله أخْذُه في
(2)
الأَقْيَس.
وإنْ شَهِدَا له بقَودٍ لا عِنْدَ حاكِمٍ؛ فلا يأخُذُه. وقِيلَ: بَلَى؛ كما لو شَهِدَتْ عِنْدَ حاكِمٍ.
فرعٌ: أعْطَى دَلاَّلاً ثَوبًا يُساوِي عَشَرَةً لِيَبيعَه بعِشرينَ، فجَحَدَه، فقال
(3)
: أدَّعِي ثَوبًا، إنْ كان باعَهُ فلي عِشْرونَ، وإنْ كان باقيًا فلي عَينُه، وإِن كان تالِفًا فلي عَشَرةٌ: فقد اصْطَلَحَ القُضاةُ على قَبولِ هذه الدَّعْوَى المردودةِ؛ للحاجة، ذَكَرَه في «التَّرغيب» .
وإنْ غَصَبَ ثَوبًا؛ فإنْ كان باقيًا فلي رَدُّه، وإلَّا قيمته
(4)
؛ صحَّ.
وقِيلَ: بل يَدَّعِيهِ، فإنْ حَلَفَ المنكِرُ؛ ادَّعَى قِيمتَه.
وإنْ قامَتْ بيِّنةٌ على مجهولٍ بيَدِ المنكِرِ سُمِعَتْ في الأَشْهَر.
(1)
في (ظ) و (م): شهود.
(2)
في (م): من.
(3)
(ن): يقال.
(4)
فيفي (ن): ضمنه.
(فَصْلٌ)
(وَتُعْتَبُرُ فِي الْبَيِّنَةِ: الْعَدَالَةُ، ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فِي اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي)، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الكافي» ، وذَكَرَ أنَّه ظاهِرُ المذْهَبِ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وذَكَرَ في «المحرَّر»: أنَّه اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ؛ لقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
…
} [الحُجرَات: 6]، ولقوله عليه السلام:«لا تُقبَلُ شهادةُ خائنٍ، ولا خائنةٍ، ولا ذِي غِمْرٍ على أخِيهِ، ولا مَحدودٍ في الإسْلامِ»
(1)
، وسَواءٌ طَعَنَ الخَصْمُ فيه أوْ لا؛ لِأنَّ العدالةَ شرطٌ، فيَجِبُ العَمَلُ بها؛ كالإسلام.
فعلى هذا: يَكتُبُ اسمَه، ونَسَبَه، وكُنيَتَه، وحِلْيَتَه، وصَنْعَتَه، وسُوقَه، ومَسْكَنَه، ومَن شَهِدَ له وعَلَيهِ، وما شَهِدَ به في رقاعٍ، ويَدْفَعُها إلى أصْحابِ مَسائِلِه الَّذين
(2)
يُعرِّفونَه حالَ
(3)
مَنْ جَهِلَ عَدالَتَه، مِنْ غَيرِ شَحْناءَ ولا عَصَبِيَّةٍ.
ويَجتَهِدُ أنْ لا يَعرِفَهم المشهودُ لَهُ
(4)
، ولا المشهودُ عَلَيهِ، ولا
(1)
أخرجه أحمد (6899)، وأبو داود (3600)، والدارقطني (4600)، من طرق عن محمد بن راشد - المكحولي -، حدثنا سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه مرفوعًا. والمكحولي، وشيخه سليمان الأشدق صدوقان، تكلّم فيهما بعض الأئمة، فالسّند حسن كما قاله الألباني، وقوّاه ابن حجر. وأخرجه ابن ماجه (2366)، من طريق حجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب به. وللحديث شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه الدارقطني (4866)، وفيه يزيد بن أبي زياد القرشي، وهو متروك. وضعفه الترمذي والدارقطني والبيهقي، وقال أبو زرعة:(هذا حديث منكر). وفي الباب أحاديث أخرى فيها مقال. قال البيهقي: (لا يصحّ في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعتمد عليه). ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 287، معرفة السنن 14/ 265، السنن الكبرى 10/ 261، البدر المنير 9/ 624، الإرواء 8/ 283.
(2)
في (ظ): الذي.
(3)
في (م): كل.
(4)
قوله: (له) سقط من (ظ) و (ن).
المسؤولون
(1)
، ويَدفَعُ إلى كلِّ واحِدٍ رُقْعةً، ولا يُعلِمُ بَعضَهم ببعضٍ ليسألوا عنه، فإنْ رَجَعُوا بتعديله؛ قَبِلَه من اثنين
(2)
منهم، قدَّمه في «الشَّرح» ، ورجَّحه في «الرِّعاية» ، ويَشهَدانِ بلَفْظِ الشَّهادة.
وقِيلَ: لا يُقبَلُ إلَّا شهادة المسؤولين
(3)
؛ لِأنَّهم شُهودُ أصْلٍ.
فإنْ قالا: نَشهَدُ أنَّه عَدْلٌ، ولم يبَيِّنَا سَبَبه؛ فَوَجْهانِ.
(وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ
(4)
مِنْهُ رِيبَةٌ)، وهي
(5)
قَولُ الحَسَن، (اخْتَارَهَا
(6)
الْخِرَقِيُّ)، وأبو بكرٍ، وصاحِبُ «الرَّوضة» ؛ «لقَبولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شَهادةَ الأَعْرابيِّ برُؤْيةِ الهلال»
(7)
، ولِقَولِ عمرَ:«المسْلِمونَ عُدُولٌ»
(8)
، ولِأنَّ
(1)
في (ظ): المستولون.
(2)
في (ن): أسير.
(3)
في (ظ): المستوليين.
(4)
في (م) و (ن): لم يظهر.
(5)
في (م): وهو.
(6)
في (م): اختاره.
(7)
تقدم تخريجه 3/ 493 حاشية (5).
(8)
جزء من رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما في القضاء، وقد أخرجها مطولاً: الدارقطني (4472)، والإسماعيلي كما في مسند الفارق لابن كثير (761)، والبيهقي في الكبرى (20572)، من طرق عن ابن عيينة، أخبرنا إدريس الأودي، عن سعيد بن أبي بردة، وأخرج الكتاب، فقال: هذا كتاب عمر، وذكره. وقال ابن كثير:(هذا أثر مشهور، وهو من هذا الوجه غريب، ويسمى وجادة، والصحيح أنه يحتج بها إذا تُحقِّق الخط)، وقال الألباني:(إسناد رجاله ثقات، لكنه مرسل؛ لأن سعيد بن أبي بردة تابعي صغير، روايته عن عبد الله بن عمر مرسلة، فكيف عن عمر!، لكن قوله: "هذا كتاب عمر" وجادة، وهي وجادة صحيحة من أصح الوجادات، وهي حجة)، وقال ابن حجر:(وساقه ابن حزم من طريقين، وأعلّهما بالانقطاع، لكن اختلاف المخرج فيهما مما يقوي أصل الرسالة، لا سيما وفي بعض طرقه أن راويه أخرج الرسالة مكتوبة). وللرسالة طرق أخرى واهية الأسانيد. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 473، الإرواء 8/ 241.
العَدالةَ أمْرٌ خَفِيٌّ، سَبَبُها الخَوفُ من الله تعالَى، ودليلُ ذلك الإسْلامُ، فإذا وُجِدَ؛ فَلْيُكْتَفَ
(1)
به، ما لم يَقُمْ دليلٌ على خِلافِه.
فَعَلَى هذه: (إِنْ جُهِلَ إِسْلَامُهُ؛ رُجِعَ إِلَى أَقْوَالِهِ
(2)
؛ لِأنَّه إنْ لم يكُنْ مُسلِمًا؛ صار مُسلِمًا بالاِعْتِراف.
ولا يَكفِي ظاهِرُ الدَّار، ذَكَرَه الأصْحابُ.
وفي جَهْلِ حُرِّيَّتِه المعتَبَرةِ وَجْهانِ:
أحدُهما: لا بُدَّ مِنْ معرفةِ ذلك، جَزَمَ به في «الشَّرح» .
وفي «عُيونِ المسائل» : إنْ مَنَعُوا عدالةَ العَبْد؛ فيُمنَعُ بقَوله عليه السلام: «يَحمِلُ هذا العلمَ مِنْ كلِّ خَلَفٍ عُدولُه»
(3)
، وهم مِنْ حُمَّال العلم والحديث والفَتْوَى، فهُمْ عُدُولٌ بقَولِ المصْطَفَى صلى الله عليه وسلم.
(وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ)، وقَولُهم:(إنَّ ظاهِرَ المسْلِم العدالةُ)؛ ممنوعٌ، بل الظَّاهِرُ عَكْسُ ذلك، وقَولُ عمرَ مُعارَضٌ بما رُوِيَ عنه: أنَّه أُتِيَ بشاهِدَينِ، فقال لهما:«لَسْتُ أعْرِفُكما، ولا يَضُرُّكما إنْ لم أعْرِفْكُما»
(4)
، ولأنَّ الأعرابيَّ
(1)
في (م): فليكتب.
(2)
في (ظ) و (م): إسلامه.
(3)
رُوي الحديث متصلاً عن جماعة من الصحابة: علي بن أبي طالب وابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر بن سمرة وأبي أمامة رضي الله عنهم، وكلها ضعيفة، وبعضها واهية، وأجودها ما أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 17)، وابن عديٍّ (1/ 211)، وغيرهما عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، مرسلاً. وقد ضعفه غير واحد، وصححه أحمد، وقواه بطرقه ابن القيم. ينظر: تاريخ دمشق 7/ 39، بيان الوهم 2/ 347، طريق الهجرتين (ص 354).
(4)
أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 454)، والخطيب في الكفاية (ص 83)، والبيهقي في الكبرى (20400)، من طرق الفضل بن زياد، حدثنا شيبان، عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرَشَة بن الحُرِّ، عن عمر رضي الله عنه في قصة. وسنده قوي، رجاله ثقات، غير الفضل بن زياد، وهو الطسّاس، وقد وثقه أبو زرعة، فقال:(شيخ ثقة)، ووثقه الخطيب، وقال العقيلي:(فيه نظر، لا يُعرف إلا بهذا - يعني أثر عمر -)، وصححه ابن السكن والألباني. ينظر: الجرح والتعديل 7/ 62، تاريخ بغداد 14/ 324، ميزان الاعتدال 3/ 351، البدر المنير 9/ 609، لسان الميزان 6/ 240، الإرواء 8/ 261.
قد صار صحابِيًّا، وهم عُدُولٌ كلُّهم
(1)
.
(وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا؛ عَمِلَ بِعِلْمِهِ) في عدالةِ البيِّنة؛ لِأنَّه لو لم يُكْتَفَ بذلك لَتَسَلْسَل؛ لِأنَّ المزَّكِّيَ يَحتاجُ إلى عدالتهما، فإذا لم يَعمَلْ بعِلْمِه؛ احْتاجَ كلُّ واحدٍ من المزَكِّينَ
(2)
، ثُمَّ كلُّ واحِدٍ مِمَّنْ يُزكِّيهما إلى مُزَكِّينَ، إلى ما لا نهايَةَ له، وعَكْسُه بعَكْسه، (وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا
(3)
؛ لِأنَّ شُروطَ الحُكْم قد وُجِدَتْ.
(إِلَّا أَنْ يَرْتَابَ بِهِمَا)، فإنَّه يَلزَمُ سؤالُهما، والبَحْثُ عن صفةِ تَحَمُّلِهما وغَيره، (فَيُفَرِّقُهُمَا
(4)
، اسْتِحْبابًا، صرَّح به في «المحرَّر» و «الكافي» و «الوجيز» ، وعِبارةُ السَّامَرِّيِّ وابنِ حَمْدانَ كالَّتي قَبْلَها، (وَيَسْأَلُ كُلَّ وَاحِدٍ: كَيْفَ تَحَمَّلْتَ الشَّهَادَةَ؟ وَمَتَى؟ وَفِي أَيِّ
(5)
مَوْضِعٍ؟ وَهَلْ كُنْتَ وَحْدَكَ، أَوْ أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟)؛ لمَا رُوِيَ عن عليٍّ: «أنَّ سبعةً خَرَجُوا، فَفُقِد
(6)
واحِدٌ منهم، فأتَتْ زَوجَتُه عَلِيًّا، فدَعَا السِّتَّةَ، فَسَأَلَ واحِدًا منهم، فأنْكَرَ، فقال: اللهُ أكْبَرُ، فظَنَّ الباقُونَ أنَّه قد اعْتَرَفَ، فاسْتَدْعاهُمْ، فاعْتَرَفُوا، فقال للأوَّل: قد شَهِدُوا عَلَيكَ فاعْتَرَفَ، فَقَتَلَهُم»
(7)
.
(1)
قوله: (كلهم) سقط من (م).
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي الممتع 4/ 556: إلى مزكيين.
(3)
في (م): شهادتهما.
(4)
في (ظ): فيعرفهما.
(5)
في (م): وأي.
(6)
في (م): ففقدوا.
(7)
لم نقف عليه بهذا السياق، وبنحوه أخرجه ابن أبي شيبة (27696)، من طريق أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: خرج رجال سفر، فصحبهم رجل، فقدموا وليس معهم، قال: فاتهمهم أهله، فقال شريح: شهودكم أنهم قتلوا صاحبكم، وإلا حلفوا بالله ما قتلوه، فأتوا بهم عليًّا وأنا عنده، ففرَّق بينهم فاعترفوا، فسمعت عليًّا، يقول:«أنا أبو الحسن القرم» ، فأمر بهم فقُتلوا. ورجاله ثقات.
(فَإِنِ اخْتَلَفَا؛ لَمْ يَقْبَلْهُمَا)، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لِأنَّه ظَهَرَ له ما يَمنَعُ قبولها
(1)
.
وقال في «المستوعب» : يُوقَفُ على
(2)
قَبولها
(3)
، قدَّمه
(4)
في «الرِّعاية» .
وفي «الشَّرح» : سَقَطَتْ شَهادتُهما.
(وَإِنِ اتَّفَقَا؛ وَعَظَهُمَا وَخَوَّفَهُمَا)؛ لِأنَّ ذلك سببٌ لِتَوَقُّفِهما بتقديرِ كَونِهما شَاهِدَيْ زُورٍ، (فَإِنْ ثَبَتَا) على قَولهما؛ (حَكَمَ بِهَا إِذَا سَأَلَهُ المُدَّعِي)؛ لِأنَّ الشَّرطَ ثَباتُ الشَّاهِدَينِ على شَهادَتِهما إلى حين
(5)
الحُكْم، وطَلَبُ المدَّعِي الحُكْمَ، وقد وُجِدَ ذلك كلُّه.
ويُستَحَبُّ أنْ يَقولُ للمُنكِر: قد
(6)
قَبِلْتُهما، فإنْ جَرَحْتَهما، وإلَّا حَكَمْتُ عَلَيكَ، ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ.
(وَإِنْ جَرَحَهُمَا المَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ بِالْجَرْحِ)؛ لِيَتَحَقَّقَ صِدْقَه أوْ كَذِبَه، (وَإِنْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ؛ أُنْظِرَ ثَلَاثًا)، ذَكَرَه في «الكافي» و «المستوعب» و «الوجيز» ، وصحَّحه في «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ تكليفَه إقامَتَها في أقلَّ مِنْ ذلك يَشُقُّ ويَعسُرُ.
(1)
في (ن): قبولهما.
(2)
في (م): عن.
(3)
في (ن): قبولهما.
(4)
في (م): وقدمه.
(5)
في (م): عين.
(6)
في (م): وقد.
فإنْ أقامَ المدَّعَى عَلَيهِ بَيِّنةً أنَّهما شَهِدا عِنْدَ قاضٍ بذلك، فرُدَّتْ شَهادتُهما لِفِسْقهما؛ بَطَلَتْ شَهادَتُهما؛ لأنَّ
(1)
الشَّهادةَ إذا رُدَّتْ لِفِسْقٍ؛ لم تقبل
(2)
مرَّةً ثانِيَةً.
فرعٌ: لا يَجُوزُ للحاكم أنْ يُرتِّبَ شُهودًا لا يَقبَلُ غَيرَهم، لكِنْ له أنْ يُرتِّبَ شُهودًا يُشهِدُهم النَّاسُ، فيَسْتَغْنُونَ بإشْهادِهم عن تَعْديلِهم، ويَكْتَفِي عن الكَشْف عن أحْوالِهم.
قال أحمدُ: يَنبَغِي للقاضي أنْ يَسْأَلَ عن شهوده
(3)
كلَّ قليلٍ
(4)
، وهل هو مُستَحَبٌّ أوْ واجِبٌ؟ فِيهِ وَجْهانِ.
(وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ)؛ لِأنَّ حقَّه
(5)
قد تَوجَّه، والمدَّعَى عَلَيهِ يَدَّعِي ما يُسقِطُه، والأصلُ عَدَمُه.
(فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً؛ حُكِمَ عَلَيْهِ)؛ لِأنَّ الحقَّ قد وضح
(6)
على وَجْهٍ لا إشكال
(7)
فِيهِ.
(وَلَا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إِلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، إِمَّا أَنْ يَرَاهُ، أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ)، قدَّمه في «المستوعب» و «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وذَكَرَ في «الكافي»: أنَّه المذْهَبُ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ الناس
(8)
يَختَلِفُونَ في أسْباب الجَرْح؛ كاخْتِلافهم في شارِبِ يَسيرِ النَّبيذ،
(1)
في (م): ولأن.
(2)
في (ظ) و (ن): لم يقبل.
(3)
في (م): شهود.
(4)
ينظر: زاد المسافر 3/ 510.
(5)
في (م): صدقه.
(6)
في (م): صح.
(7)
قوله: (لا إشكال) في (م): الإشكال.
(8)
قوله: (لأن الناس) سقط من (م).
فَوَجَبَ ألا يُقبَلَ مُجرَّدُ الجَرْح؛ لِئَلاَّ يجرحَه
(1)
بما لا يَراهُ القاضي جَرْحًا.
وفي الاِسْتِفاضة وَجْهٌ؛ كتَزْكِيَةٍ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِعَدْلٍ)؛ كالتَّعديل في الأصحِّ؛ لِأنَّ التَّصريحَ بالسَّبب يَجعَلُ الجارِحَ فاسِقًا يوجِبُ
(2)
عَلَيهِ الحَدَّ في بَعْضِ الحالات.
وجَوابُه: بأنَّه يمكنه
(3)
التَّعْريضُ.
وقِيلَ: إن اتَّحد
(4)
مَذهَبُ الجارِح والحاكِمِ، أوْ عرف
(5)
الجارِحُ أسْبابَ الجَرْح؛ قُبِلَ إجْمالُه، وإلَّا فلا.
وفي «المحرَّر» : المبَيَّنُ: أن
(6)
يَذكُرَ ما يَقدَحُ في العدالة، والمطْلَقُ أنْ يَقولَ: هو فاسِقٌ.
وقال القاضي: هو المبَيَّن، والمطلَقُ أنْ يَقُولَ: اللهُ أعْلَمُ به، ونحوَه.
ولا يَكْفِي قَولُه: بَلَغَنِي عَنْكَ كذا؛ لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزّخرُف: 86].
فرعٌ: إذا صرَّح الجارِحُ بقَذْفه بالزِّنى، فعَلَيهِ الحدُّ إنْ لم يأْتِ بتَمامِ أربعةِ شُهَداءَ.
ولا يُقبَلُ فِيهِ، ولا في التَّعديل؛ شَهادةُ النِّساء.
وعَنه: بَلَى؛ كالرِّوايَة وأخبار
(7)
الدِّيانات.
(1)
في (م): يخرجه.
(2)
في (ظ) و (ن): فوجب. والمثبت موافق للمغني 10/ 61، والشرح 28/ 495.
(3)
في (م): أنه يمكن.
(4)
في (م): اتخذ.
(5)
في (م): وعرف.
(6)
في (ن): أنه.
(7)
في (ن): واختار.
وجَوابُه: بأنَّها شهادة فِيما لَيسَ بمالٍ، ولا يُقصَدُ به المالُ، ويَطَّلِعُ عَلَيهِ الرِّجالُ في غَالِبِ الأحْوالِ، أشْبَهَ الشَّهادةَ في القِصاص.
ولا يُقبَلُ الجَرْحُ مِنْ الخَصْم بغَيرِ خِلافٍ
(1)
.
مسألةٌ: لا تُقبَلُ شَهادةُ المُتَوَسِّمِينَ، وذلك إذا حَضَرَ شاهِدانِ مُسافِرانِ، فشهدا
(2)
عِنْدَ حاكِمٍ لا يَعرِفُهما، كشَاهدَي الحضَرِ
(3)
.
(وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسِقٌ يَعْرِفُ حَالَهُ، قَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي شُهُودًا)؛ لِأنَّ ذلك يُحصِّلُ المقصودَ مع السِّتْر على الشَّاهِد.
(وَإِنْ جَهِلَ حَالَهُ)؛ لَزِمَه البَحْثُ، (وَطَالَبَ المُدَّعِي بِتَزْكِيَتِهِ)؛ لقولِ عُمَرَ رضي الله عنه للشَّاهِدَينِ:«جِيئَا بمَنْ يَعرِفُكما»
(4)
، ولِأنَّ العدالةَ شَرْطٌ، فالشَّكُّ في وُجودِها كعَدَمِها؛ كشروط
(5)
الصَّلاة.
(وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ: شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا)، في قَولِ أكْثَرِ العلماء؛ لقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطّلَاق: 2]، فإذا شَهِدا أنَّه عَدْلٌ؛ ثَبَتَ ذلك بشَهادَتِهما، فيَدخُلُ في عُمومِ الآية.
وفي «التَّرغيب» : إذا قُلْنَا: لَيْستْ شَهَادةً؛ لا
(6)
يُعتَبَرُ لفظُ الشَّهادة والعَدَد في الجميع.
(1)
ينظر: المغني 10/ 62.
(2)
في (م): يشهدان.
(3)
في (م): الحصن. قال في الشرح الكبير 28/ 499: (فشهدا عند حاكم لا يعرفهما، لم يقبل شهادتهما .... ولنا، أن عدالتهما مجهولة، فلم يجز الحكم بشهادتهما؛ كشاهدي الحضر).
(4)
يعني أثر عمر رضي الله عنه في صفة تعديل الشهود، وقد تقدم تخريجه 10/ 348 حاشية (4).
(5)
في (م): في شروط.
(6)
في (ظ) و (ن): ولا. والمثبت موافق للفروع 11/ 188.
وهي حقُّ الشَّرْع، يطلبها
(1)
الحاكِمُ وإنْ سَكَتَ عنها
(2)
الخَصْمُ، وقِيلَ: بل حقُّه.
(وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: لِي وَعَلَيَّ
(3)
؛ لِأنَّه إذا كان عَدْلاً؛ لَزِمَ أنْ يكُونَ له وعليه
(4)
، وعلى سائِرِ النَّاس وفي كلِّ شَيءٍ، فلا يَحتَاجُ إلى ذِكْرِه، خِلافًا للشَّافِعِيِّ
(5)
؛ لِئَلاَّ يكُونَ بَينَهما عَداوةٌ أوْ قَرابةٌ، ولِئَلَّا يكُونَ عَدْلاً في شَيءٍ دون
(6)
آخَرَ.
وفي «الشَّرح» : لا يَصِحُّ أنْ يكُونَ ذلك، فإنَّ مَنْ ثَبَتَتْ عدالتُه لم تَزُلْ بقَرابةٍ ولا عَداوةٍ، وإنَّما تُردُّ
(7)
للتُّهمة مع كَونِه عَدْلاً، ثُمَّ إنَّ هذا إذا كان مَعْلومًا انْتِفاؤه بَينَهما، لم يَحتَجْ إلى ذِكْرِه، ولا نَفْيِه عن نفسه؛ كما لو شَهِدَ بالحقِّ مَنْ عَرَفَ الحاكِمُ عَدالَتَه، ولِأنَّ العَدُوَّ لا يُمنَعُ مِنْ شَهادَتِه له بالتَّزْكِيَة، وإنَّما يُمْنَعُ
(8)
الشَّهادةَ عَلَيهِ.
ولا يَكْفِي فِيها أنْ يَقُولَ: ما أعْلَمُ إلَّا خَيرًا.
تنبيهٌ: يُشتَرَطُ في قَبولِ المزَكِّيَيْنِ: مَعرِفَةُ الحاكم خِبْرَتَهما الباطِنَةَ؛ بصُحْبةٍ ومُعامَلَةٍ ونحوِهما، وفي «التَّرغيب»: ومَعرِفَةُ الجَرْح والتَّعديل؛ لِقَولِ عمرَ
(9)
؛ لِأنَّ عادةَ النَّاس إظْهارُ الطَّاعات وإسْرارُ المعاصي.
(1)
في (ن): بطلبها.
(2)
في (م): عنه.
(3)
في (ن): علي ولي.
(4)
قوله: (وعليه) سقط من (م).
(5)
ينظر: المهذب 3/ 387، البيان 13/ 53.
(6)
زيد في (م): شيء.
(7)
في (ظ): يرد.
(8)
في (م): تمنع.
(9)
تقدم تخريجه 10/ 348 حاشية (4).
وفي «الرِّعاية» وغَيرِها: ولا يُتَّهَمُ بمَعْصِيَةٍ.
وتعديلُ الخَصْم وحْدَه تعديلٌ في حقِّ الشَّاهد، وكذا تصديقُه له، ولا تَصِحُّ التَّزكِيَةُ في واقِعةٍ واحِدةٍ، في الأَشْهَرِ فِيهِنَّ.
قال أحمدُ: لا يُعجِبُنِي أنْ يُعدَّلَ؛ لِأنَّ النَّاسَ يَتغَيَّرونَ
(1)
، وقال: قِيلَ لِشُرَيحٍ: قد أحْدَثْتَ في قَضائك، قال: إنَّهم أحْدَثُوا فأحْدَثْنا
(2)
.
وذَكَرَ جماعةٌ: لا يَلزَمُ المُزَكِّيَ الحُضورُ للتَّزْكِيَة، وفِيهِ وَجْهٌ.
وإنْ جَهِلَ الحاكِمُ أنَّه مِنْ أهلِ الخِبْرة الباطِنَة؛ مَنَعَه، قال في «الشَّرح»: (يَحتَمِلُ أنْ يُرِيدَ الأصْحابُ بما ذَكَرُوهُ: أنَّ الحاكِمَ إذا عَلِمَ أنَّ المعدِّل
(3)
لا خِبْرَةَ له؛ لم تُقبل
(4)
شهادتُه بالتَّعديل، كما فَعَلَ عمرُ، ويَحتَمِلُ أنَّهم أرادوا: لا يَجُوزُ للمعدِّل الشَّهادةُ بالعدالة، إلَّا أنْ تكون
(5)
خِبْرة باطِنَة، فأمَّا الحاكِمُ إذا شَهِدَ عِندَه العَدْلُ بالتَّعديل، ولم يَعرِفْ حقيقةَ الحال؛ فله أنْ يَقبَلَ الشَّهادةَ مِنْ غَيرِ كَشْفِ، وإن اسْتَكْشَفَ الحالَ - كما فَعَلَ عمرُ -؛ فحَسَنٌ).
(وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنانِ، وَجَرَحَهُ اثْنانِ؛ فَالْجَرْحُ أَوْلَى)، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لِأنَّ الجارِحَ يُخبِرُ بأمْرٍ باطِنٍ خَفِيٍّ على
(6)
المعدِّل، وشاهِدُ العَدالة يُخبِرُ عن أمْرٍ ظاهِرٍ، ولِأنَّ الجارِحَ مُثْبِتٌ والمعدِّلَ نافٍ.
وكذا إنْ زاد عَدَدُ المعدِّل على ذلك.
فإنْ عدَّله اثْنانِ وجَرَحَه واحِدٌ، وقَبِلنا
(7)
جَرْحَه؛
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 36.
(2)
ينظر: زاد المسافر 3/ 510.
(3)
في (م): العدل.
(4)
في (م): لم يقبل.
(5)
في (ظ): يكون.
(6)
في (م): عن.
(7)
في (ن): وقلنا.
قُدِّم
(1)
التَّعديل، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الرِّعاية» ، وعلَّله في «الكافي»: بأنَّ بيِّنةَ الجَرْح
(2)
لم تَكمُلْ.
وإنْ جَرَحَه اثْنانِ؛ قُدِّما
(3)
إذا بيَّنَا سبَبَ جَرْحِه.
فإنْ أخَبَرَ أحَدُهما بتعديله، والآخَرُ بجَرحِه؛ بَعَثَ آخَرَينِ، فإنْ أخبرا
(4)
بجَرحِه؛ رُدَّتْ شَهادَتُه، وإن
(5)
لم يَبعَثْ أحدًا؛ قُدِّمَ الجَرْحُ.
فرعٌ: إذا عَصَى في بلده، فانْتَقَلَ عنه، فجَرَحَه اثْنانِ في بلده، وزكَّاه اثْنانِ في البلد الَّذي انْتَقَلَ إلَيهِ؛ قدَّم التَّزكِيَةَ.
ويَكفِي فِيها الظَّنُّ، بخِلافِ الجَرح.
(وَإِنْ سَأَلَ
(6)
المُدَّعِي حَبْسَ المَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يُزَكِّيَ شُهُودَهُ؛ فَهَلْ يُحْبَسُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أشْهَرُهما: أنَّه يُحبَسُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وزاد: لمدة
(7)
ثلاثةِ أيَّامٍ؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ العَدالةُ، ويُحبَسُ حتَّى يَفعَلَ ذلك.
والثَّاني: لا يُجِيبُه إلى ذلك؛ لِأنَّ الأصْلَ براءةُ الذِّمَّة.
وقِيلَ: يُحبَسُ في المال ونحوِه فقطْ.
وكذا الخِلافُ لو سأل كفيلاً به في غَيرِ حدٍّ، أوْ جَعَلَ عَينَ مُدَّعاهُ في يَدِ عَدْلٍ قَبْلَ التَّزْكِيَة.
(1)
في (م): قبل.
(2)
في (ن): الجارح.
(3)
في (م): قدحا.
(4)
في (م): أخبر.
(5)
في (م): إن.
(6)
في (م): سأله.
(7)
في (م): كمدة.
(وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَسَأَلَ
(1)
حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الآْخَرَ؛ حَبَسَهُ إنْ كَانَ فِي المَالِ)، جَزَمَ به أكثر
(2)
الأصْحاب؛ لِأنَّ الشَّاهِدَ حُجَّةٌ فِيهِ مع يمينِ المدَّعِي، واليمينُ إنَّما تَتَعَيَّنُ عِنْدَ تَعذُّرِ شاهِدٍ آخَرَ، ولم يَحصُل التَّعذُّرُ.
وقِيلَ: لا يُحبَسُ.
(وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: لا يَحبِسُه؛ لِأنَّه لا يكُونُ حُجَّةً في إثباته
(3)
، أشْبَهَ ما لو لم تُقَم
(4)
بيِّنةٌ.
والثَّاني: بَلَى؛ كالَّتي قَبْلَها.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لِأنَّه إنْ حُبِسَ لِيُقِيمَ شاهِدًا آخَرَ يُتِمُّ بها البيِّنةَ، فهو كالحقِّ الَّذي لا يَثبُتُ إلَّا بشاهدَينِ، وإنْ حُبِسَ ليَحْلِفَ معه؛ فلا حاجةَ إلَيهِ؛ لِأنَّ الحلِفَ مُمْكِنٌ في الحال، فإنْ حَلَفَ ثَبَتَ حقُّه، وإلَّا لم يَجِبْ شَيءٌ.
وفي «الرِّعاية» : أنَّه يُحبَسُ في المال وغَيرِه ثلاثةَ أيَّامٍ، فإنْ أقامَ شاهِدًا آخَرَ، وإلَّا حَلَفَ غَريمُه وأُطْلِقَ.
وقِيلَ: إنْ طَلَبَ يَمِينَ المنكِر فأَبَى، ولم تَثْبُت
(5)
عدالةُ الشَّاهِد؛ حُبِسَ، وإلَّا فلا.
وقِيلَ: إنْ تَوقَّفَ الحُكْمُ على شاهِدٍ آخَرَ؛ لم يُحبَسْ غَريمُه حتَّى يُقيمَه، وإلَّا فاحتمالان
(6)
.
(1)
في (م): أو سأل.
(2)
قوله: (أكثر) سقط من (م).
(3)
في (ن): أثنائه.
(4)
في (م): لم يقم.
(5)
في (م): ولم يثبت.
(6)
في (م): فالاحتمالان.
فرعٌ: إذا أقامَ
(1)
العَبْدُ شاهِدَينِ بأنَّ سيِّدَه أعْتَقَه، وسَأَلَ الحاكِمَ أنَّ يَحُولَ بَينَه وبَينَ سيِّده؛ فَوَجْهانِ.
وإنْ أقامَت المرأةُ شاهِدَينِ بطَلاقها، ولم يَعْرف
(2)
عدالةَ الشُّهود؛ حِيلَ بَينَه وبَينَها، لا إنْ أقامَتْ شاهِدًا واحِدًا.
(وَإِنْ حَاكَمَ إِلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ؛ تَرْجَمَ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَهُ)؛ لِأنَّه لا يَعرِفُ ما يَترتَّبَ الحُكْمُ عَلَيهِ إلَّا بذلك.
(وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ، وَالْجَرْحِ، وَالتَّعْدِيلِ، وَالتَّعْرِيفِ)، المرادُ به تعريفُ الحاكم، لا تعريفُ الشَّاهد المشْهودَ عَلَيهِ، قال أحمدُ: (لا يَجُوزُ أنْ يقولَ الرَّجُلُ للرَّجُل: أنا أشْهَدُ أنَّ هذه فُلانَةَ، ويشهد
(3)
على شَهادَتِي)
(4)
، والفَرْق: أنَّ الحاجةَ تَدْعُو إلى ذلك في الحاكِمِ؛ لأِنَّه يَحكُمُ بغلَبةِ الظَّنِّ، (وَالرِّسَالَةِ، وَالتَّزْكِيَةِ؛ إِلَّا قَوْلُ عَدْلَيْنِ)، قدَّمَه في «المحرَّر» و «المستوعب» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو المذْهَبُ؛ لِأنَّ ذلك إثْباتُ شَيءٍ يَبْنِي الحاكِمُ حُكمَه عَلَيهِ، فافْتَقَرَ إلى ذلك؛ كسائرِ الحُقوق.
فَعَلَى هذا: لا بُدَّ مِنْ عَدْلَينِ، ذَكَرَينِ، أجْنَبِيَّينِ، يَشْهَدانِ بذلك شِفاهًا.
وهذا في غَيرِ المال والزِّنى، أمَّا
(5)
المالُ: فيَشهَدُ رجُلانِ، ورجُلٌ وامْرأتانِ، وفي الزِّنى الأصحُّ: أنَّه لا بُدَّ مِنْ أربعةٍ، وذلك شهادةٌ، فيُعتَبَرُ فِيهِ ما يُعتَبَرُ فيها.
(وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ فِي الْكُلِّ)، اختاره أبو بكرٍ؛ لحديثِ زَيدِ بنِ ثابِتٍ:
(1)
في (م): قام.
(2)
في (م): ولم تعرف.
(3)
في (م): وتشهد.
(4)
ينظر: المغني 10/ 140.
(5)
في (م): وأما.
«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَه، فتعلَّمَ كِتابَ اليهود، حتَّى كتبتُ
(1)
للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كُتُبَه، وأقْرَأْتُه كُتُبَهم» رواهُ البخاريُّ
(2)
، وقال عمرُ بنُ الخَطَّاب، وعِندَه عُثْمانُ وعليٌّ وعبدُ الرَّحمن:«ما تقُولُ هذه» ؛ فقال عبدُ الرَّحمن: هذه امرأةُ
(3)
حاطب تُخبِرُك بالَّذي صَنَعَ معها»
(4)
، وقال أبو جمرة
(5)
: «كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَينَ ابنِ عبَّاسٍ وبَينَ النَّاس»
(6)
، وكالرِّواية وأخْبارِ الدِّيانات.
فَعَلَى هذا: يَكفِي إخْبارُ عَدْلٍ بدُونِ لَفظِ الشَّهادة، ولو كان امرأةً، أو والدًا، أوْ وَلَدًا، أوْ أَعْمَى لِمنْ خَبَرَه بَعْدَ عَمَاهُ لا قَبْلَه
(7)
.
وعَنْهُ: تشترط
(8)
حُرِّيَّتُه، ذَكَرَها ابنُ هُبَيرةَ.
وجَوابُه: بأنَّه يُقبَلُ خَبَرُ العَبْد؛ كأخْبارِ الدِّيانات، ويُكْتَفى بالرُّقعة مع الرَّسول.
(1)
في (م): كتب.
(2)
في (م): الحاكم.
والأثر: أخرجه البخاري (7195) معلقًا، ووصله أبو داود (3645)، والترمذي (2715)، والبخاريّ في التاريخ الكبير (3/ 380)، والحاكم (252)، من طرق عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه زيد بن ثابت رضي الله عنه. وعبد الرحمن بن أبي الزناد مختلف فيه، وهو صدوق، ولم يتفرّد به، فقد أخرجه الطحاوي في شرح المشكل (2038)، وابن حبان (7136)، من طرق عن جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد قال: قال زيد بن ثابت بنحوه. وسنده صحيح. والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم والذهبي.
(3)
قوله: (امرأة) سقط من (ظ) و (ن).
(4)
أخرجه البخاري (7195) معلَّقًا، ووصله عبد الرزاق (13644)، عن ابن جريج، أخبرني هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب به في قصة. وسنده صحيح. ينظر: معرفة السنن 12/ 326، السنن الكبرى 8/ 415، الإرواء 7/ 342.
(5)
في (م) و (ن): حمزة.
(6)
أخرجه البخاري (87).
(7)
قوله: (لا قبله) لم يذكرها في الفروع 11/ 189.
(8)
في (ظ): بشرط.
وعلى الأوَّل: تَجِبُ المُشافَهةُ، وتُعتَبَرُ شُروطُ الشَّهادة فِيمَنْ رتَّبَهُ
(1)
حاكِمٌ يَسأَلُ سِرًّا عن الشُّهود لتزكيةٍ
(2)
أوْ جَرْحٍ.
ومَن نَصَبَه للحُكْمِ
(3)
بجَرْحٍ وتعديلٍ وسَماعِ بيِّنةٍ، قَنِعَ الحاكِمُ بقَولِه وحدَه إذا
(4)
قامت البيِّنةُ عِندَه.
(وَمَنْ ثَبَتَتْ
(5)
عَدَالَتُهُ مَرَّةً؛ فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما
(6)
: لا يحتاج
(7)
، قدَّمه في «المحرَّر» ؛ كالزَّمَن القَريبِ، ولِأنَّ الأصْلَ بقاءُ ما كان على ما كان، فلا يَزُولُ حتَّى يَثبُتَ الجَرْحُ.
والثَّاني: بَلَى، قال في «المحرَّر»: وهو المنصوصُ عَنْهُ، وصحَّحَه في «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» مع طُولِ المدَّة؛ لِأنَّ مَع طُولِ الزَّمان تَتَغَيَّرُ الأحْوالُ.
(1)
في (ن): ربه.
(2)
في (م): كتزكية.
(3)
في (م): الحاكم.
(4)
في (م): وإذا.
(5)
في (م): تثبت.
(6)
في (م): إحداهما.
(7)
في (ن): لا تحتاج.
(فَصْلٌ)
(وَإِنِ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ) مَسافَةَ قَصْرٍ، (أَوْ مُسْتَتِرٍ فِي الْبَلَدِ)، أوْ في دُونِ مُسافَةِ قَصْرٍ، (أَوْ مَيِّتٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ)، وعِبارةُ «الفروع»: أوْ غَيرِ مُكلَّفٍ، وهي أحْسَنُ، (وَلَهُ بَيِّنَةٌ
(1)
؛ سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِهَا)، قدَّمه في «الكافي» ، و «المحرَّر» ، و «المستوعب» ، و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، واخْتارَهُ الخَلاَّلُ وصاحِبُه؛ لحُكْمِه عليه السلام على أبي سُفْيانَ في حديثِ هِنْد
(2)
، ولم يكُنْ حاضِرًا، ولِأنَّ عَدَمَ سماعها يُفضِي إلى تأخيرِ الحقِّ مع إمْكانِ اسْتِيفائه، والسَّماع من أجْلِ الحُكْم، ولَيسَ تَقدُّمُ الإنكار هُنا شَرْطًا، ولو فُرِضَ إقْرارُه؛ فهو تَقْوِيَةٌ لِثُبوتِه.
قال في «التَّرغيب» وغَيره: لا تَفتَقِرُ البيِّنةُ إلى جُحودٍ؛ إذِ الغَيبةُ كالسُّكوت، والبيِّنةُ تُسمَعُ على ساكِتٍ، لكِنْ لو قال: هو مُعتَرِفٌ، وأنا أُقِيمُ البيِّنةَ اسْتِظْهارًا؛ لم تُسمَعْ، وقالَهُ الأدَمِيُّ، وقد عُلِمَ أنَّ المسْتَتِرَ والميِّتَ كالغائبِ، بل أَوْلَى؛ لأِنَّ المسْتَتِرَ لا عُذْرَ له، بخِلافِ الغائب.
وأمَّا الصَّبيُّ والمجْنونُ؛ فإنَّهما لا يُعبِّرانِ عن
(3)
أنفسهما.
وظاهِرُه: أنَّه إذا لم تكُنْ له بيِّنةٌ؛ لم تُسمَعْ دعواه
(4)
؛ الفائدة
(5)
.
(1)
في (م): بينته.
(2)
أخرجه البخاري (5364)، ومسلم (1714)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
في (ن): على.
(4)
قوله: (وأما الصبي والمجنون
…
) إلى هنا سقط من (م).
(5)
في (م): العائد. وكتب في هامش (ن): (لعله: لعدم)، أي: لعدم الفائدة. وهو الموافق لما في الكشاف 15/ 159.
وَلا يُقضَى على غائبٍ بحقٍّ لله
(1)
تعالى؛ لِأنَّ مَبْناهُ على المساهَلَة، فإنْ تعلَّق به حقُّ آدَمِيٍّ كالسَّرِقة؛ قَضَى بالغُرْم دُونَ القَطْع، وفي حدِّ
(2)
القاذِفِ وجْهانِ.
(وَهَلْ يُحَلَّفُ المُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ إِلَيْهِ
(3)
مِنْهُ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا يُستَحْلَفُ على بَقاءِ حقِّه، اختاره الأكْثَرُ، وذَكَرَه في «الشَّرح» ظاهِرَ المذهَب؛ لقوله عليه السلام:«البَيِّنةُ على المدَّعِي، واليمينُ على مَنْ أنْكَرَ»
(4)
، وكما لو كانَتْ على حاضِرٍ.
والثَّانِيَةُ: بلى، قدَّمها في «المحرَّر» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، وصحَّحها في «الرِّعاية» ، وقالَها أكثرُ العُلَماء؛ لِأنَّه يَجِبُ الاِحْتِياطُ، ولِأنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكُونَ قَضاهُ أو غَيرُ ذلك، وكما لو كان حاضِرًا فادَّعى بعضَ ذلك وطَلَبَ اليمين.
ولا يَتعرَّضُ في يمينه لِصِدْقِ البيِّنة؛ لكمالها، بخِلافِ ما إذا أقام شاهِدًا، فإنَّه يَحلِفُ معه، ولا يَمِينَ مع بيِّنةٍ إلَّا هنا؛ لِأنَّ فيه
(5)
طَعْنًا على البيِّنة.
وعنه: بَلَى، فَعَلُه عليٌّ
(6)
.
(1)
في (م): الله.
(2)
في (م): حق.
(3)
قوله: (إليه) سقط من (ظ) و (م).
(4)
تقدم تخريجه 5/ 188 حاشية (4).
(5)
في (م): فيها.
(6)
مراده ما أخرجه الشافعي في الأم (7/ 188)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (21248)، من طريق ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن حنش:«أن عليًّا رضي الله عنه كان يرى الحلف مع البينة» . وأخرج البيهقي في الكبرى (21237)، من طريق سماك، عن حنش قال: أُتي علي رضي الله عنه ببغل يباع في السوق، فقال رجل: هذا بغلي لم أبع ولم أهب، ونزع على ما قال خمسة يشهدون، وجاء رجل آخر يدعيه ويزعم أنه بغله وجاء بشاهدين، فقال علي رضي الله عنه:«إن فيه قضاءً وصُلحةً، أما الصلح: فيُباع البغل فنقسمه على سبعة أسهم، لهذا خمسة، ولهذا اثنان، فإن أبيتم إلا القضاء بالحق، فإنه يحلف أحد الخصمين أنه بغله ما باعه ولا وهبه، فإن تشاححتما أيكما يحلف أقرعت بينكما على الحلف فأيكما قرع حلف، فقضى بهذا وأنا شاهد» ، ومدار الإسنادين على حنش بن المعتمر الكوفي وهو متكلم فيه وخاصة في روايته عن علي، وثقه أبو داود، وقال البخاري:(يتكلمون في حديثه)، وقال النسائي:(ليس بالقوي)، قال ابن حبان:(ينفرد عن علي بأشياء لا تشبه حديث الثقات حتى صار ممن لا يحتج بحديثه). ينظر: تهذيب التهذيب 3/ 58.
وعنه: مع رِيبةٍ، ولَيسَ ببعيدٍ.
وعَنْهُ: لا يُحكَمُ على غائِبٍ ونحوِه، اختاره
(1)
ابنُ أبي موسى، وكان شُرَيحٌ لا يَرَى القَضاءَ على الغائب.
وذَكَرَ
(2)
ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ: أنَّه لا يُحكَمُ على غائب بحالٍ، إلَّا أنْ يَتعلَّقَ الحُكمُ للحاضر، مِثْلَ: أنْ يكُونَ وَكِيلَ الغائب، أوْ وَصِيًّا، أوْ جماعةً شركاء
(3)
في شَيءٍ، فيَدَّعِي على أحدِهم وهو حاضِرٌ، فيُحكَمُ عَلَيهِ وعلى الغائب.
(ثُمَّ إِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ، أوْ بَلَغَ
(4)
الصَّبِيُّ، أَوْ أَفَاقَ المَجْنُونُ؛ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ)؛ لِأنَّ المانِعَ إذا زالَ صارَ كالحاضر المكلَّف، فإنْ قَدِمَ الغائبُ قَبْلَ الحكم؛ لم تَجِبْ إعادةُ البيِّنة، لكِنْ يُخبِرُه الحاكِمُ بالحال، ويُمَكِّنُه من الجرح، فإنْ جَرَحَ البيِّنةَ بَعْدَ أداءِ الشهادة أوْ مُطْلَقًا؛ لم يُقبَلْ؛ لِجَوازِ كَونِه بَعْدَ الحُكْم، فلا يَقدَحُ فيه، وإلَّا قُبِلَ.
(وَإِنْ كان الْخَصْمُ فِي الْبَلَدِ غَائِبًا عَنِ المَجْلِسِ)، أوْ غائبًا عنها دُونَ مَسافَةِ
(1)
في (م): واختاره.
(2)
في (ن): ذكر.
(3)
في (م): يشتركا.
(4)
في (ظ) و (م): وبلغ.
القَصْر، غَيرَ مُمْتَنِعٍ؛ (لَمْ تُسْمَعِ) الدَّعْوَى ولا (الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَحْضُرَ
(1)
؛ لِأنَّ حُضورَه مُمْكِنٌ، فلم يَجُز الحُكْمُ عَلَيهِ مع حضورِه؛ كحاضِرٍ مَجلِسَ الحُكم، بخِلافِ الغائبِ البعيدِ.
(فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْحُضُورِ؛ سُمِعَتِ الْبَيِّنَةُ، وَحُكِمَ بِهَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، قدَّمها في «الفُروع» ، وهي أشْهَرُ؛ لأنَّه
(2)
إذا سُمِعَتْ على غائبٍ وحُكِمَ
(3)
بها؛ فَلَأنْ تُسمَعَ على الحاضِرِ الممْتَنِع بطَرِيقِ الأَوْلَى؛ لِأنَّ الحاضِرَ الممْتَنِعَ لا عُذْرَ له.
(وَالْأُخْرَى: لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَحْضُرَ)، لقوله عليه السلام:«لا يَقْضِي للأوَّل حتَّى يَسمَعَ كلامَ الثَّاني»
(4)
، فَعَلَى هذا: لو لم يَقدِرْ عَلَيهِ، وأصرَّ على الاِسْتِتار؛ حَكَمَ عَلَيهِ، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، فإنْ وَجَدَ له مالًا؛ وَفَّاه منه
(6)
، وإلَّا قال للمُدَّعِي: إنْ عَرَفْتَ له مالًا وثَبَتَ عِنْدِي وفَّيْتُك منه.
ونَقَلَ أبو طالِب: يُسمَعانِ، ولكِنْ لا يُحكَمُ عَلَيهِ حتَّى يَحضُرَ
(7)
، قال في «المحرَّر»: وهو الأصحُّ.
(فَإِنْ أَبَى بَعَثَ إِلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ لِيُحْضِرَهُ)، فَعَلَى هذا: يُنفِذُ مَنْ يقُولُ في مَنزِله ثلاثةَ أيَّامٍ: القاضِي يَطلُبُه إلى مجلِسِ الحكم فأخْبِرُوهُ، ويَحرُمُ أنْ يَدخُلَ عَلَيهِ بَيْتَه، لكِنْ صرَّح في «التبصرة»: إنْ صحَّ عِنْدَ الحاكم أنَّه في مَنزِلِه
(1)
في (م): تحضر.
(2)
في (م): لأنها.
(3)
في (ن): حكم.
(4)
تقدم تخريجه 10/ 225 حاشية (3).
(5)
ينظر: الفروع 11/ 206.
(6)
في (م): ثمنه.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 206.
أمَرَ بالهجوم عَلَيهِ وإخْراجِه، ونَصُّه: يَحكُمُ بَعْدَ ثلاثةِ أيَّامٍ، جزم
(1)
به في «التَّرغيب» وغَيره، وظاهِرُ نَقْلِ الأَثْرَم
(2)
: يَحكُمُ عَلَيهِ إذا خَرَجَ، قال: لِأنَّه قد صار في حُرْمَةٍ، كَمَنْ لجأ
(3)
إلى الحَرَم.
(فَإِنْ
(4)
تَكَرَّرَ
(5)
مِنْهُ الاِسْتِتَارُ؛ أَقْعَدَ عَلَى بَابِهِ مَنْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ فِي دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ حَتَّى يَحْضُرَ)، إذ الحاكِمُ يُضَيِّقُ عَلَيهِ بما يَراهُ حتَّى يَحضُرَ، والحُكْمُ للغائب مُمْتَنِعٌ، قال في «التَّرغيب»: لامتناعِ
(6)
سماع البيِّنة له، والكتابةُ لهُ إلى قاضٍ آخَرَ ليحكُمَ
(7)
له بكِتابِه، بخِلافِ الحُكْمِ عَلَيهِ، ويصحُّ
(8)
تَبَعًا.
ونبَّهَ عَلَيهِ بقَولِه: (فَإِنِ
(9)
ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أَخٍ لَهُ غَائِبٍ)، أوْ غَيرِ رَشِيدٍ، (وَلَهُ مَالٌ فِي يَدِ فُلَانٍ، أَوْ دَيْنٌ عَلَيْهِ، فَأَقَرَّ المُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ ثَبَتَ
(10)
بِبَيِّنَةٍ؛ سَلَّمَ إِلَى المُدَّعِي نَصِيبَهُ، وَأَخَذَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْغَائِبِ فَيَحْفَظُهُ
(11)
لَهُ)، قدَّمه في «المحرر» ، و «الرعاية»
(12)
، و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ حقَّه ثَبَتَ، وذلك يُوجِبُ تسليمَ نصيبه إلَيهِ.
وكذا حُكْمُه بِوَقْفٍ يَدخُلُ فيه مَنْ لم يُخلَقْ تَبَعًا، وإثْباتُ أحدِ الوكِيلَينِ
(1)
في (م): وجزم.
(2)
ينظر: الفروع 11/ 206.
(3)
في (ن): جاء.
(4)
في (م): وإن.
(5)
في (ن): تتكرر.
(6)
في (م): الامتناع.
(7)
في (م): للحكم.
(8)
في (ن): وتصح.
(9)
في (ن): وإن.
(10)
في (م): ثبتت.
(11)
في (ن): فحفظه.
(12)
قوله: (والرعاية) سقط من (ظ).
الوكالةَ في غَيبةِ الآخَر، فتثبتُ
(1)
له تَبَعًا، وسُؤالُ أحدِ الغُرَماء الحَجْرَ كالكلِّ، وقد سَبَقَ.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: والقضيَّةُ الواحِدَةُ المشْتَمِلةُ على عددٍ أوْ أعْيانٍ؛ كَوَلَدِ الأَبَوَينِ في المشرَّكةِ
(2)
الحكمُ
(3)
فيها لواحدٍ أوْ عليه
(4)
، يَعُمُّه وغَيرُه، وحُكْمُه لِطَبقَةٍ حُكْمٌ للثانية
(5)
إنْ كان الشَّرطُ واحدًا، حتَّى مَنْ أَبْدَى ما يَجُوزُ أنْ
(6)
يَمنَعَ الأوَّلَ
(7)
من الحُكْمِ عَلَيهِ؛ فلثانٍ الدَّفْعُ به
(8)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ المَالُ دَيْنًا أَنْ يَتْرُكَ نَصِيبَ الْغَائِبِ) وغَيرِ الرَّشيد (فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ حَتَّى يَقْدَمَ) ويَرشُدَ الآخَرُ؛ لِأنَّه لا يُؤمَنُ عَلَيهِ التَّلَفُ إذا قَبَضَه، فإنْ تَعَذَّرَ أَخْذُ الباقي شَارَكَ الآخَرَ فيما أَخَذَه، فإذا حَضَرَ الغائِبُ، وَرَشَدَ الآخَرُ؛ لم تُعَدَّ الدَّعْوَى إلَّا مِنْ جِهَةِ غَيرِ الإرْثِ.
وإنْ أقامَ الحاضِرُ الرَّشِيدُ شاهِدًا، وحلَفَ
(9)
معه في الإرْث؛ أَخَذَ حَقَّه، وإذا حَضَرَ الغائِبُ ورَشَدَ الآخَرُ؛ حَلَفا بِدُونِ إعادةِ البيِّنة، إلَّا في غَيرِ الإرث
(10)
، ذَكَرَه في «الرِّعاية» .
والأوَّل
(11)
أَوْلَى؛
(1)
في (م): فيثبت.
(2)
في (م): المشتركة.
(3)
في (ن): والحكم.
(4)
في (م): وعليه.
(5)
في (م): الثانية.
(6)
في (ظ): إنما.
(7)
في (ظ) و (م): الثاني. والمثبت موافق لما في الاختيارات ص 498، الفروع 11/ 207.
(8)
ينظر: الاختيارات ص 498، الفروع 11/ 207.
(9)
في (م): أو حلف.
(10)
قوله: (أخذ حقه، وإذا حضر
…
) إلى هنا سقط من (م).
(11)
في (ن): والأولى.
لِأنَّه يعرِّض
(1)
التَّلَف بفلسٍ
(2)
ومَوتٍ وعَزْلِ الحاكِمِ، وتَعذُّرِ البيِّنة، وكالمنقول، وكما لو آجره
(3)
صغيرًا أوْ مجنونًا، ثُمَّ إذا دفعنا
(4)
إلى الحاضر نصفَ العَين أو الدَّين؛ لم يُطالِبْه بِضَمِينٍ؛ لِأنَّ فيه طَعْنًا على
(5)
الشُّهود، قال
(6)
الأصْحابُ: سَواءٌ كان الشَّاهِدانِ من أهِلْ الخِبْرة الباطِنَة أوْ لَا.
ويَحتَمِلُ: أنْ لا تُقْبَل
(7)
شهادتُهما في نفي وارِثٍ آخَرَ، حتَّى يكونا مِنْ أهْلِ الخبرة الباطِنَةِ، والمعرفةِ المتقادِمةِ.
فَعَلَى هذا: يَسألُ الحاكِمُ، ويَأمُرُ مُنادِيًا يُنادِي: إنَّ فُلانًا مات، فإنْ كان له وارِثٌ فلْيأْتِ، فإذا
(8)
غَلَبَ على ظنِّه أنَّه لو كان له وارِثٌ لَظَهَرَ؛ دَفَعَ الحاكِمُ إلَيهِ نصيبَه.
فرعٌ: إذا كان مع الاِبْن ذُو فَرْضٍ؛ فَعَلَى المذهب: يُعطَى فَرْضَه كامِلاً، وعلى الآخَر: يُعطَى اليَقِينَ.
وإنْ كانَتْ له زَوجةٌ؛ أُعْطِيَتْ رُبُعَ الثُّمن عائلاً، فيكُونُ رُبُعَ التُّسُع؛ لجوازِ أنْ يكُونَ له أرْبَعُ زَوجاتٍ.
وإنْ كانَتْ له جَدَّةٌ، وثَبَتَ موتُ
(9)
أُمِّه؛ أَعطيْتَها
(10)
ثُلُثَ السُّدس،
(1)
في (ظ) و (ن): تعرض.
(2)
في (م): لفلس.
(3)
في (م): أخذه.
(4)
في (ن): رفعنا.
(5)
في (ن): في.
(6)
في (م): وقال.
(7)
في (م): لا يقبل.
(8)
في (ظ) و (ن): إذا.
(9)
قوله: (وثبت موت) في (م): وبنت يرث.
(10)
في (م): أعطينا.
وتُعطاهُ
(1)
عائلاً، فيَكُونُ ثُلُثَ العُشْر، ولا يُعْطَى العَصَبةُ شَيئًا.
مسألةٌ
(2)
: إذا اخْتَلَفا في دارٍ في يَدِ أحدهما، فأقام المدَّعِي بيِّنةً: أنَّ الدَّارَ كانَتْ له أمْسِ ملْكه، أوْ مُنذُ شَهْرٍ؛ سُمِعَت البيِّنةُ، وقُضِيَ بها في الأَشْهَر؛ لأِنَّه ثَبَتَ الملْكُ في الماضِي، فإذا
(3)
ثَبَتَ؛ اسْتُدِيمَ حتَّى يُعلَمَ زَوالُه.
ولا تُسْمع
(4)
في وَجْهٍ صحَّحه القاضِي، لكِنْ إن انضَمَّ إلى شهادتِهما
(5)
بيانُ سببِ يَدِ الثَّاني؛ سُمِعَتْ، وقُضِيَ بها، فإنْ أقرَّ المدَّعَى عَلَيهِ أنْ
(6)
كانَتْ للمُدَّعِي أمْسِ؛ سُمِعَ
(7)
إقْراره في الصَّحيح، وحُكِمَ به.
ويُفارِقُ البيِّنةَ مِنْ وَجْهَينِ:
أحدهما: أنَّه أقْوَى من البيِّنة.
الثَّانِي: أنَّ البيِّنةَ لا تُسمَعُ إلَّا على ما ادَّعاهُ، والدَّعْوَى يَجِبُ أنْ تكُونَ مُتعلِّقَةً بالحال، والإقْرارُ يُسمَعُ ابْتِداءً.
(وَإِذَا
(8)
ادَّعَى إِنْسَانٌ: أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ لَهُ بِحَقٍّ
(9)
، فَصَدَّقَهُ؛ قُبِلَ قَوْلُ الْحَاكِمِ وَحْدَهُ)؛ كما لو أقرَّ خَصمُه في مَجلِسِ الحُكم، فَسَأَلَ المدَّعِي الحاكِمَ عن إقْراره، فقال: نَعَمْ، ولَيسَ هذا حُكْمًا بعِلْمٍ، إنَّما هو إمْضاءُ الحُكْم السَّابِق.
(1)
في (ن): يعطاه.
(2)
في (م): فرع.
(3)
في (م): وإذا.
(4)
في (م) و (ن): ولا يسمع.
(5)
في (ن): شهادتها.
(6)
قوله: (أن) مكانه بياض في (م). وصوابه كما في الشرح الكبير 28/ 532: أنها.
(7)
في (ن): سمعت.
(8)
في (م): وإن.
(9)
في (م): بحكم.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ مَنَعْنَا الحُكْم بعِلْمِه فلا.
(وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْحَاكِمُ
(1)
ذَلِكَ، فَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ بِهِ؛ قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا، وَأمْضَى
(2)
الْقَضَاءَ)؛ لِقُدرته على إمْضائه، وهذا قَولُ ابن
(3)
أبي لَيلَى، ومحمَّدِ بنِ الحَسَن
(4)
.
وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ: لا يَقبَلُهما، وهو مَرْوِيٌّ عن الحَنَفِيَّة والشَّافِعِيَّة
(5)
؛ لأنَّه
(6)
يُمكِنُه الرُّجوعُ إلى العلم والاِحْتِياط، فلا يَرجِعُ إلى الظَّنِّ؛ كالشَّاهِد إذا نَسِيَ شَهادَتَه، فشَهِدَ عِندَه شاهدان
(7)
أنَّه شهد
(8)
، لم يكُنْ له أنْ يَشهَدَ.
وجَوابُه: أنَّهما لو شَهِدا عِندَه بحُكْمِ غَيرِه؛ قُبِلَ، فكذا إذا شَهِدَا عنده
(9)
بحُكْمِه، وما ذَكَرُوهُ لا يَستَقِيمُ؛ لِأنَّ ذِكْرَ ما نَسِيَه لَيسَ إلَيهِ، والحاكِمُ يُمْضِي ما حَكَمَ به إذا ثَبَتَ عِندَه، والشَّاهِدُ لا يَقدِرُ على إمْضاءِ شَهادَتِه.
ومحلُّ ما ذَكَرَه المؤلِّفُ: ما لم يتيقَّن
(10)
صَوابَ نَفْسِه، فإنْ تَيَقَّنَه؛ لم يَقبَلْهما؛ لِقِصَّةِ ذِي اليَدَينِ.
(وَكَذَلِكَ إِنْ شَهِدَا: أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدَكَ بِكَذَا؛ قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا)؛ كما تُقبَلُ شَهادَتُهما على الحقِّ نَفْسِه.
(1)
قوله: (الحاكم) سقط من (ظ) و (م).
(2)
في (ظ): إمضاء.
(3)
قوله: (ابن) سقط من (م).
(4)
ينظر: البحر الرائق 6/ 281.
(5)
ينظر: البحر الرائق 6/ 281، البيان 13/ 122.
(6)
زيد في (ن): لا.
(7)
قوله: (عنده شاهدان) في (م): شاهد.
(8)
في (م): يشهد.
(9)
قوله: (بحكم غيره قبل، فكذا إذا شهدا عنده) سقط من (م).
(10)
في (م): لم ينتقض.
(وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ، لَكِنْ وَجَدَهُ
(1)
فِي قِمَطْرِهِ فِي صَحِيفَةٍ
(2)
تَحْتَ خَتْمِهِ بِخَطِّهِ)، وتَيَقَّنَه، ذكره أكثرُ
(3)
الأَصْحاب، ولم يَذكُرْه؛ (فَهَلْ يُنْفِذُهُ
(4)
؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما
(5)
: لا يَعمَلُ به، إلَّا أنْ يَذكُرَه، نَصَّ عَلَيهِ في الشَّهادة
(6)
، وذَكَرَ القاضي وأصْحابُه: المذهب
(7)
، وفي «التَّرغيب»: هو الأَشْهَرُ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفُروع» ؛ لِأنَّه حُكْمُ حاكِمٍ لم يَعلَمْه، فلم يَجُزْ إنْفاذُه إلاَّ ببيِّنةٍ؛ كحُكْمِ غَيرِه، ولأنَّه
(8)
يَجُوزُ أنْ يُزَوَّرَ عَلَيهِ، وعلى خَطِّه وخَتْمه، وكخَطِّ أبِيهِ بحُكْمٍ أوْ شهادةٍ، لم يَشهَدْ ولم يَحكُمْ بها، إجماعًا
(9)
.
والثَّانِيَةُ: يَحكَمُ به، اخْتارَهُ في «التَّرغيب» ، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به الأدَمِيُّ، وصاحِبُ «الوجيز» ، قال المؤلِّفُ: وهذا الَّذي رأَيْتُه عن أحمدَ في الشَّاهد؛ لِأنَّه إذا كان في قِمَطْرِه تَحتَ خَتْمِه؛ لم يَحتَمِلْ إلَّا أنْ يكون
(10)
صحيحًا، إلَّا احْتِمالاً بعيدًا؛ كاحْتِمالِ كَذِبِ الشَّاهِدَينِ.
والثَّالِثَةُ: يُنفِذُه مُطلَقًا، سَواءٌ كان في حِرْزه وحِفْظه كقِمَطْرِه، أوْ لَا.
فإنْ قُلْتَ: لو وَجَدَ في دِفْتَرِ أبِيهِ حَقًّا على إنسانٍ؛ جاز أنْ يَدَّعِيَه ويَحلِفَ عَلَيهِ.
(1)
قوله: (لكن وجده) في (م): ووجده، وفي (ن): لكن وجد.
(2)
قوله: (في صحيفة) سقط من (ظ) و (م).
(3)
زيد في (م): أكثر.
(4)
في (م): ينفذ.
(5)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(6)
ينظر: المغني 10/ 67.
(7)
في (م): والمذهب.
(8)
زيد في (ن): لا.
(9)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 143.
(10)
في (م): أن يكون إلا.
قُلْنَا: هذا يُخالِفُ الحُكْمَ والشَّهادةَ، بدليلِ: الإجماع على أنَّه لو وَجَدَ خطَّ أبِيهِ بشَهادةٍ لم يَجُزْ أنْ يَحكُمَ بها، ولا يَشهَدَ بها
(1)
، ولو وَجَدَ حُكْمَ أبيه مكْتُوبًا بخَطِّه؛ لم يَجُزْ له إنْفاذُه، ولِأنَّه يُمْكِنُه الرُّجوعُ فيما حَكَمَ به إلى نفسه؛ لِأنَّه فَعَلَه، فرُوعِيَ ذلك، وأمَّا ما
(2)
كَتَبَه أبوهُ؛ فلا يُمكِنُه الرُّجوعُ فيه إلى نَفْسِه، فيَكْفِي فيه الظَّنُّ.
(وَكَذَلِكَ الشَّاهِدُ إِذَا رَأَى خَطَّهُ) جزمًا في كتابٍ
(3)
(بِشَهَادَةٍ
(4)
وَلَمْ يَذْكُرْهَا؛ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)؛ أيْ: فِيها الخِلافُ السَّابِقُ، وعلَّل في «الشَّرح» الجَوازَ: بأنَّ الظَّاهِرَ أنَّها خَطُّه، وفي «الرِّعاية»: لَوْ ضَاعَ أو انمَحَى؛ لم يَضُرُّه، ولو شَهِدَ بخِلافِه؛ صحَّ.
فرعٌ: إذا أخْبَرَ حاكِمٌ آخَرَ بحُكْمٍ أوْ ثُبوتٍ
(5)
عَمِلَ به مع غَيبةِ المخْبِر، وفي «الرِّعاية»: عن المجْلِس.
ويُقبَلُ خَبَرُه في غَيرِ عَمَلِهما، أوْ في
(6)
عَمَلِ أحَدِهما.
وعِنْدَ القاضي: لا يُقبَلُ، إلَّا أنْ يُخبِرَ في عَمَلِه حاكِمًا في غَيرِ عمله
(7)
، فيَعمَل به إذا بَلَغَ عَمَلَه، وجاز
(8)
حُكْمُه بعِلْمِه، وجَزَمَ به في «التَّرغيب» ، ثُمَّ قال: وإنْ كانا في وِلايَةِ المخْبِرِ؛ فَوَجْهانِ. وفيه
(9)
: إذا قال: سَمِعْتَ البيِّنةَ فاحْكُمْ، لا فائدةَ فيه مع حياةِ البيِّنة، بل عِنْدَ العَجْز عنها.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 28/ 536، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 143.
(2)
قوله: (ما) سقط من (م)
(3)
قوله: (في كتاب) سقط من (ظ) و (م).
(4)
في (م): بشهادته.
(5)
في (م): بثبوت.
(6)
قوله: (في) سقط من (م).
(7)
قوله: (حاكمًا في غير عمله) سقط من (م).
(8)
في (م): وصار.
(9)
في (ن): وهذا.
(فَصْلٌ)
(وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ حَقٌّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ بِالْحَاكِمِ، وَقَدَرَ عَلَى مَالٍ لَهُ
(1)
؛ لَمْ يَجُزْ)؛ أيْ: يَحرُمُ (أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ
(2)
، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا)، وهو المشْهورُ في المذْهَبِ، ونَصَرَه في «الشَّرح» وغَيره، ورواهُ ابنُ القاسِمِ عن مالِكٍ
(3)
؛ لقوله عليه السلام: «أدِّ الأمانةَ إلى مَنْ ائْتَمَنَكَ، ولا تَخُنْ مَنْ خانَكَ»
(4)
، وقَولِه:«لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ مُسلِمٍ إلَّا عن طِيبِ نَفْسٍ منه»
(5)
، ولِأنَّ التَّعيين
(6)
والمعاوَضَة بغَيرِ رِضَا المالِكِ، إلَّا إذا
(7)
تعذَّر على ضَيفٍ أخْذُ حَقِّه بحاكِمٍ فله ذلك.
(1)
في (م) و (ن): له على مال.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4726، مسائل صالح 2/ 113.
(3)
ينظر: المدونة 4/ 445.
(4)
أخرجه أبو داود (3535)، والترمذي (1264)، والبزار (9002)، والحاكم (2296)، عن شريك وقيس، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وشريك القاضي ضعيف، ولكنه متابع بقيس بن الربيع، وهو مختلف فيه، وحديثه صالح في الشّواهد. وللحديث شواهد تقويه، وصححه الحاكم على شرط مسلم، وحسنه الترمذي والألباني، واستنكره أبو حاتم لتفرّد طلق به، وضعفه أحمد وابن القطان وابن الجوزي، قال أحمد:(حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح)، وقد قوّاه ابن القيم وأجاب عن العلل. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 594، بيان الوهم 3/ 534، إغاثة اللهفان 2/ 772، البدر المنير 7/ 297، الصحيحة (423).
(5)
أخرجه أحمد (20695)، وأبو يعلى (1570)، والدارقطني (2886)، والبيهقي في الكبرى (11545)، وسنده ضعيف؛ فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف. وأبو حرّة الرّقاشي وهو متكلّم فيه. ولكن في الباب شواهد أخرى من حديث أبي حميد الساعدي وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهما يتقوّى بها. وقد صححه الألباني بمجموعها. ينظر: تهذيب الكمال 7/ 456، البدر المنير 6/ 693، إتحاف الخيرة 3/ 358، الإرواء 5/ 279.
(6)
في (م): اليقين.
(7)
في (م): إن.
فَعَلَى ما ذَكَرَه: لو أخَذَ شَيئًا؛ لَزِمَه رَدُّه، أوْ مِثْلُه، أوْ قِيمَتُه، فإنْ كان مِنْ جِنْسِ دَينِه تَساقَطَا في قِياسِ المذْهَبِ، وإنْ كان مِنْ غَيرِ جِنْسِه؛ غرِمَه
(1)
.
وتقدَّم لو غَصَبَه مالاً، أوْ كان عِندَه عين
(2)
مالِه؛ أخَذَه قَهْرًا، زاد في «الترغيب»: ما لم يُفْضِ إلى فِتْنةٍ.
قال: ولو كان لكلٍّ مِنهُما دَينٌ على الآخَر مِنْ غَيرِ جِنْسه، فجَحَدَ أحدُهما؛ فلَيسَ للآخَرِ أنْ يَجحَدَ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأِنَّه كبَيعِ دَينٍ بِدَينٍ لا يَجُوزُ، ولو رَضِيَا.
(وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ، مِنَ المُحْدَثِينَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ)، هذا روايةٌ، فَعَلَى هذا يَجِبُ أنْ يَتَحَرَّى الأَخْذَ بالعَدْل، (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ؛ أَخَذَ بِقَدْرِهِ) مِنْ غَيرِ زيادةٍ على ذلك، (وَإِلَّا)؛ أيْ: وإنْ لم يَقدِرْ على جِنْسِ حقِّه؛ (قَوَّمَهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِهِ)؛ لِأنَّ الزَّائدَ على ذلك لا مُقابِلَ له، (مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ هِنْدَ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالمَعْرُوفِ»
(3)
، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ»
(4)
.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لِأنَّ حديثَ هِنْدَ قد أشار أحمدُ إلى الفَرْق، وهو: أنَّ حقَّ الزَّوجِيَّة واجِبٌ في كلِّ وَقْتٍ، والمحاكَمَةُ في كلِّ لَحظَةٍ يَشُقُّ، بخِلافِ مَنْ له دَينٌ
(5)
.
وفرَّقَ أبو بكرٍ: وهو أنَّ قِيامَ الزَّوجِيَّة كقِيامِ البيِّنة؛ لِأنَّ المرأةَ لها من البَسْطِ في ماله بحُكْمِ العادة
(6)
ما يُؤثِّرُ في أخْذِ الحقِّ، وبَذْلِ اليَدِ فيه، بخِلافِ الأجْنَبِيِّ.
(1)
في (م): غرم.
(2)
في (م): غير.
(3)
أخرجه البخاري (5364، 7180)، ومسلم (1714)، من حديث عائشة رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري (2511)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
ينظر: مسائل صالح 2/ 113، المغني 10/ 288.
(6)
زيد في (م): في.
وعلى الجَواز: لَيسَ له الأَخْذُ مِنْ غَيرِ جنسِه
(1)
مع
(2)
قُدْرتِهِ على جِنْسِ حقِّهِ.
وإنْ لم يَجِدْ إلَّا مِنْ غَيرِ جِنْسِ حقِّه؛ فيَحتَمِلُ: أنَّه لا يَجُوزُ له تَمَلُّكُه؛ لِأنَّه لا يَجُوزُ أنْ يَبِيعَه مِنْ نفسِه
(3)
، وهذا يَبِيعُه مِنْ نَفْسه، ويَلحَقُه فيه تُهمةٌ.
ويَحتَمِلُ: أنْ يَجُوزَ؛ كما قالوا
(4)
في الرَّهن: يُركَبُ
(5)
بقَدْرِ النَّفَقة.
فأمَّا
(6)
إنْ كان مُقِرًّا به باذِلاً له
(7)
، أوْ كان
(8)
مانِعًا له لأِمْرٍ يُبِيحُ المنْعَ؛ كالتَّأجيل والإعْسار، أوْ قَدَر
(9)
على استِخْلاصه بالحاكِمِ
(10)
؛ لم يَجُزْ له الأَخْذُ بغَيرِ خِلافٍ
(11)
.
فرعٌ: نَصَّ أحمدُ في رِوايَةِ ابنيه
(12)
وحربٍ
(13)
: على
(14)
أنَّ للاِبْنِ
(15)
أنْ يَأخُذَ مِنْ مالِ أبِيهِ بغَيرِ إذْنِه إذا احْتاجَ إلَيهِ، ذَكَرَه الخَلاَّلُ في «جامعه» ،
(1)
في (م): جنس.
(2)
زيد في (م): أن.
(3)
قوله: (من نفسه) سقط من (م)، وقوله: (على جنس حقه وإن لم يجد
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(4)
في (م): لو قال.
(5)
في (ن): يركبه.
(6)
في (م): وأما.
(7)
قوله: (باذلاً له) في (م): بالأدلة.
(8)
في (ن): وكان.
(9)
في (م): وقدر.
(10)
في (م): بالحكم.
(11)
ينظر: الشرح الكبير 28/ 539.
(12)
في (م): ابنه.
(13)
ينظر: مسائل صالح 1/ 469، مسائل عبد الله ص 436.
(14)
قوله: (على) سقط من (ظ) و (م).
(15)
قوله: (للابن) في (ظ): ابن الابن.
ويَتخرَّجُ جَوازُه بِناءً على تَنفِيذِ الوصي
(1)
الوصيَّةَ بما
(2)
في يَدِهِ إذا كَتَمَ الورثةُ تعيين
(3)
التَّرِكةِ.
(وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ)، وهذا
(4)
قَولُ جمهورِ العُلَماء؛ لقوله عليه السلام في حديثِ أمِّ سَلَمَةَ: «فَمَنْ قَضَيتُ له بشَيءٍ مِنْ مالِ أخِيهِ؛ فلا يَأخُذْه، فإنَّما أَقْطَعُ له قِطْعةً مِنْ النَّار» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(5)
، ولِأنَّه حُكْمٌ بشَهادَةِ زُورٍ، فلا يَحِلُّ له ما كان مُحرَّمًا عَلَيهِ؛ كالمال المطْلَقِ.
(وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْهُ
(6)
رِوَايَةً: أَنَّهُ يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ)؛ لمَا رُوِيَ عن عليٍّ: «أنَّ رجلاً ادَّعى على امرأةٍ نكاحًا، فَرُفِعَا إلى عليٍّ، فشَهِدَ شاهِدانِ بذلك، فَقَضَى بَينَهما بالزَّوجِيَّة، فقالت: واللهِ ما تَزَوَّجَنِي، اعْقِدْ بَينَنَا عقدًا
(7)
حتَّى أَحِلَّ له، فقال: شاهِداكِ زوَّجاكِ»
(8)
.
فَعَلَى هذا: يَحِلُّ لمُدَّعِي النِّكاح وَطءُ المرأةِ المشْهودِ عَلَيها، والتَّصرُّفُ في العَين المبيعةِ، ولمَنْ عَلِمَ كَذِبَ شُهودِ الطَّلاق أنْ يَتَزَوَّجَ بالمرأة.
والأوَّلُ أصحُّ، وحديثُ عليٍّ بتقديرِ صِحَّتِه لا حُجَّةَ فيه؛ لِأنَّه أضافَ التَّزْويجَ إلى الشَّاهِدَينِ، لا إلى حُكْمِه.
لكِنَّ اللِّعانَ يَنفَسِخُ به النِّكاحُ، وإنْ كان أحدُهما كاذِبًا فالبيِّنةُ أَوْلَى.
(1)
قوله: (الوصي) سقط من (ن).
(2)
في (ظ): ما.
(3)
في (م): تعين.
(4)
في (ن): هذا.
(5)
أخرجه البخاري (2680)، ومسلم (1713)، من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها.
(6)
قوله: (عنه) سقط من (ظ)، وزيد في (م): في.
(7)
قوله: (عقدًا) سقط من (م).
(8)
ذكره ابن الجوزي في التحقيق (2/ 385)، وابن عبد الهادي في التنقيح (5/ 65)، والذهبي في تنقيح التحقيق (2/ 322) بغير إسناد، قال ابن حجر بعد أن ذكره: (وتُعقِّب بأنه لم يثبت عن عليٍّ رضي الله عنه. ينظر: فتح الباري 13/ 176، ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 39/ 280.
وجَوابُه: بأنَّ اللِّعانَ حَصَلَتْ به الفُرْقةُ، لا بصِدْقِ الزَّوج، ولهذا لو
(1)
قامَتْ به البيِّنةُ؛ لم يَنفَسِخ النِّكاحُ.
لكِنْ أجَابَ حَنْبَلِيٌّ: بأنَّ اللِّعانَ وَضَعَه الشَّرْعُ؛ لِسَتْرِ الزَّانِيَة وصِيانَةِ النَّسَب، فتَعَقَّبَ الفَسْخُ الَّذي لا يُمكِنُ الاِنْفِكاكُ إلَّا به، وما وَضَعَه الشَّرعُ للفَسْخِ به وزوال
(2)
الملْكِ، ولَيسَ مِنْ مَسْأَلَتِنا إلَّا جَهْلُ الحاكِمِ بباطِنِ الأمْرِ، وعِلْمُهما وعِلْمُ الشُّهود أكْثَرُ مِنْ النَّصِّ في الدَّلالة؛ لِأنَّ النص
(3)
معلومٌ، وهذا محسوسٌ.
وقدَّمَ في «المحرَّر» ك «المقنع» ، ثُمَّ اسْتَثْنَى: إلَّا في أمْرٍ مُختَلَفٍ فيه قَبْلَ الحُكْم، فإنَّه على روايَتَينِ، قَطَعَ في «الواضح» وغَيره: أنَّه يُحِيلُ الشَّيءَ عن صِفَتِه في مُختَلَفٍ فيه قَبْلَ الحُكْم.
فلو حَكَمَ حَنَفِيٌّ لحنْبَلِيٍّ بشُفْعةِ جِوارٍ؛ زال
(4)
باطِنًا في الأَعْرَف.
ولو حَكَمَ لمجتهدٍ
(5)
أوْ عَلَيهِ بما يُخالِفُ اجْتِهادَه؛ عَمِلَ باطِنًا بالحُكْم، ذَكَرَه القاضِي، وقِيلَ: باجْتِهاده.
وإنْ باعَ حَنْبَلِيٌّ مَتْروكَ التَّسْمِية، فحَكَمَ بصِحَّتِه شافِعِيٌّ؛ نَفَذَ عِنْدَ أصْحابِنا، إلَّا أبا الخَطَّاب.
وعلى المذْهَب: مَنْ حُكِمَ له بِزَوجِيَّةِ امرأةٍ بِبَيِّنةِ زُورٍ؛ حَلَّتْ له حُكْمًا، ثمَّ إنْ وَطِئَ مع العلم؛ فكَزِنًى، ويَصِحُّ نكاحُها غَيرَه، خِلافًا للمؤلِّف.
وإنْ حَكَمَ بطَلاقها ثلاثًا بشُهودِ زُورٍ؛ فهي زَوجَتُه باطِنًا، نَصَّ عَلَيهِ
(6)
،
(1)
قوله: (لو) سقط من (ن).
(2)
في (ظ): زال.
(3)
في (ن): للنص.
(4)
في (م): ذلك.
(5)
في (م): مجتهد.
(6)
ينظر: الفروع 11/ 214.
ويكره
(1)
أنْ يَجتَمِعَ بها ظاهِرًا
(2)
، ولا يَصِحُّ نِكاحُها غَيرَه مِمَّنْ يَعلَمُ الحالَ، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، فإنْ وَطِئَها فَهَلْ يُحَدُّ؟ فيه وجْهانِ.
وقال القاضي: يَصِحُّ النِّكاحُ.
وجَوابُه: أنَّه يُفْضِي إلى الجَمْع بَينَ الوَطْء للمرأة من اثْنَينِ؛ أحدُهما يَطَؤُهَا بحُكْمِ الظَّاهِر، والآخَرُ بحُكْمِ الباطِنِ، وهذا فَسادٌ، وكالمتزوِّجة
(4)
بلا وَلِيٍّ.
مسائلُ:
الأُولى
(5)
: إذا ردَّ حاكِمٌ شهادةَ واحِدٍ برَمَضانَ؛ لم يُؤثِّرْ؛ كملْكٍ مُطلَقٍ وأَوْلَى؛ لِأنَّه لا مَدخَلَ لِحُكْمِه في عِبادَةٍ وَوَقْتٍ، وإنَّما هو فَتْوى، فلا يُقالُ: حَكَمَ بكَذِبِه، أوْ بأنَّه لم يَرَه.
وفي «المغْنِي» : أنَّ ردَّه لَيسَ بحُكْمٍ هُنا؛ لِتَوَقُّفِه في العدالة، ولهذا لو ثبتت
(6)
؛ حَكَمَ.
قال الشيخ تقي الدين: أمورُ الدِّينِ والعباداتِ المشتركةِ بينَ المسلمينَ لا يَحْكُم فيها
(7)
إلَّا اللهُ ورسولُه إجماعًا
(8)
.
فدلَّ أنَّ إثبات سبب الحُكْمِ كرؤيةِ الهلالِ، والزَّوال؛ ليس بحُكْمٍ، فمن لم يره سببًا؛ لم يلزمْهُ شيءٌ، وعلى ما ذكره المؤلف: أنَّه حكم.
الثَّانِيَةُ: إذا رُفِعَ إلَيهِ حكْمٌ في مُختَلَفٍ فِيهِ لا يَلزَمُه نَقْضُه لِيُنَفِّذَه؛ لَزِمَه
(1)
قوله: (ويكره) سقط من (م).
(2)
في (ن): باطنًا.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 214.
(4)
في (ظ): وكالمتزوج.
(5)
قوله: (الأولى) سقط من (م).
(6)
في (م): ثبت.
(7)
في (م): فيه.
(8)
ينظر: الفروع 11/ 215.
تَنفِيذُه في الأصحِّ.
وقِيلَ: مَعَ عَدَمِ نَصٍّ يُعارِضُه.
وكذا إنْ كان نَفْسُ الحُكْم مختلفًا
(1)
فِيهِ؛ كحُكْمِه بعِلْمِه، ونُكولِه، وشاهِدٍ ويَمِينٍ.
وفي «المحرَّر» : لا يَلزَمُه، إلَّا أنْ يَحكُمَ به حاكِمٌ آخر
(2)
قبله
(3)
.
الثَّالِثَةُ: إذا رَفَعَ إليه خَصْمانِ عَقْدًا فاسِدًا عِندَه فقطْ، وأقرَّا
(4)
بأنَّ نافِذَ الحُكْمِ حَكَمَ بصِحَّته؛ فله إلْزامُهما ذلك، وردُّه والحكمُ
(5)
بمَذْهَبِه.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إنَّه
(6)
كالبيِّنة، ثُمَّ ذَكَرَ: أنَّه قِياسُ المذْهَبِ، كبينته
(7)
إنْ عيَّنا الحاكِمَ
(8)
.
الرَّابِعَةُ: مَنْ قلَّدَ في صِحَّةِ نكاحٍ؛ لم يُفارِقْ بتَغيُّرِ اجْتِهاده؛ كحُكْمٍ، بخِلافِ مُجتَهِدٍ نَكَحَ ثُمَّ رأى بُطْلانَه في الأصحِّ.
وقِيلَ: ما لم يَحكُمْ به حاكِمٌ، ولا يَلزَمُ إعْلامُ المقلِّد بتغيُّره في الأصحِّ.
وإنْ بانَ خَطَؤُه في إتْلافٍ بمُخالَفَةِ قاطع
(9)
؛ ضَمِنَ، لا مُسْتَفْتِيهِ.
وفي تَضْمِينِ مفتٍ
(10)
لَيسَ أهلاً
(11)
وَجْهانِ.
(1)
في (م): فمختلفًا.
(2)
قوله: (آخر) سقط من (م).
(3)
قوله: (قبله) سقط من (ن).
(4)
في (م): وأقر.
(5)
في (م): في الحكم.
(6)
زيد في (م): قياس المذهب.
(7)
قوله: (قياس المذهب كبينته) في (م): كبينة.
(8)
ينظر: الفروع 11/ 215.
(9)
قوله: (قاطع) سقط من (ن).
(10)
في (م): صفة.
(11)
قوله: (أهلاً) سقط من (م).
(بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي)
وهو ثابِتٌ بالإجماع
(1)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النَّمل: 29]، وكَتَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى كِسْرَى، وقَيصَرَ، والنَّجاشِيِّ، ومُلوكِ الأطْرافِ
(2)
، وكان يَكتُبُ إلى عُمَّاله وسُعاتِه
(3)
، والحاجةُ داعِيَةٌ إلى قَبوله، فإنَّ مَنْ له حقٌّ في بَلَدٍ غَيرِ بَلَدِه لا يُمكِنُه إثباته
(4)
، ولا مُطالَبَتُه إلاَّ بكتابِ القاضي، وذلك يَقتَضِي وُجوبَ قَبولِه.
(يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي فِي المَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ
(5)
الْمَالُ؛ كَالْقَرْضِ، وَالْغَصْبِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالصُّلْحِ، وَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَالْجِنَايَةِ المُوجِبَةِ لِلْمَالِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(6)
؛ لِأنَّ هذا في مَعْنَى الشَّهادة على الشَّهادة.
(وَلَا يُقْبَلُ
(7)
فِي حَدٍّ للهِ
(8)
تَعَالَى)، جَزَمَ به في «المستوعب» و «المحرَّر» و «الشَّرح» ؛ لِأنَّه مَبنِيٌّ على السِّتْر، والدَّرء بالشُّبُهات، والإسْقاطِ بالرُّجوع، وفِيهِ رِوايَةٌ في «الرِّعاية» ، قاله مالِكٌ وأبو ثَورٍ
(9)
.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 65، مراتب الإجماع ص 51.
(2)
أخرجه مسلم (1774)، من حديث أنس رضي الله عنه:«أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصرَ، وإلى النجاشيّ، وإلى كلِّ جبّارٍ يدعوهم إلى الله تعالى» .
(3)
ممّا ورد في ذلك: ما أخرجه البخاري (7192)، في حديث القسامة عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه، وفيه: فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم به، فكتب ما قتَلناه.
(4)
في (ظ): إتيانه.
(5)
في (م): منه.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 29/ 8.
(7)
في (ن): ولا تقبل.
(8)
في (م): الله.
(9)
ينظر: المدونة 4/ 521، المعونة ص 1546.
(وَهَلْ يُقْبَلُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ؛ كَالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالنَّسَبِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحْداهُما
(1)
: يُقبَلُ، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه لا يُدْرَأُ بالشُّبهات.
والثَّانِيَةُ: لا؛ كقَولِ أكْثَرِ العلماء، وهو قَولُ أبي بكرٍ وابنِ حامِدٍ؛ لِأنَّه لا يَثبُتُ إلَّا بشاهِدَينِ؛ كحقِّ الله تَعَالَى.
وعنه
(2)
: يُقبَلُ، إلَّا في الدِّماء
(3)
والحُدود.
وفي «الشَّرح» : أنَّ المذْهَبَ: لا يُقبَلُ في القِصاص؛ كالحدِّ.
وقِيلَ: يُقبَلُ فيما يُقبَلُ فيه شَهادةُ الفَرْع، وما لا فلا، ذَكَرَه في «الكافي» ؛ لِأنَّ الكتابَ لا يَثبُتُ إلاَّ بتَحمُّلِ الشَّهادة مِنْ جِهَةِ القاضي، فكان حُكمُه حُكمَ الشَّهادة على الشَّهادة.
(فَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ؛ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ للهِ تَعَالَى؛ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ)؛ كحُقوقِ الله تعَالَى، (وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ
(4)
لآِدَمِيٍّ
(5)
؛ فَهُوَ كَالْقِصَاصِ)، جزم به
(6)
في «الوجيز» بثُبوته فِيهِ.
تنبيهٌ: اعْلَمْ أنَّ الأصْحابَ ذَكَرُوا أنَّ كِتابَ القاضي حُكْمُه كالشَّهادة على الشَّهادةِ
(7)
؛ لِأنَّه شهادةٌ على شهادة
(8)
، وذَكَرُوا فيما إذا تَغَيَّرتْ حالُه أنَّه
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
في (م): وفيه.
(3)
في (م): القصاص.
(4)
قوله: (هو) سقط من (م).
(5)
كتب في (ن): (وهو المذهب).
(6)
قوله: (به) سقط من (ظ).
(7)
قوله: (على الشهادة) سقط من (م).
(8)
قوله: (لأنه شهادة على شهادة) في (ن): لأنها شهادة.
أصْلٌ، ومَن شَهِدَ عَلَيهِ فَرْعٌ، فَلا يَسُوغُ نَقْضُ الحُكْمِ بإنْكارِ القاضِي الكاتِبِ، ولا يَقدَحُ في عدالةِ البيِّنة، بل يَمنَعُ إنكارَه الحُكْمَ، كما يَمنَعُ رُجوعُ شُهودِ الأصْلِ الحُكْمَ، فدلَّ ذلك أنَّه فَرْعٌ لمَنْ شَهِدَ عِندَه، وأصْلٌ لمَنْ شَهِدَ عَلَيهِ.
(وَيَجُوزُ كِتَابُ القَاضِي
(1)
فِيمَا حَكَمَ بِهِ)، مِثْلَ أنْ يَحكُمَ على إنْسانٍ بحَقٍّ، فيَتعيَّنُ عَلَيهِ وفاؤه، أوْ يَدَّعِيَ حقًّا على غائبٍ، ويُقِيمَ بيِّنةً عِندَه، ويَسأَلَ الحاكِمَ الحُكْمَ عَلَيهِ، فيَحكُمَ عَلَيهِ، ويَسألَه أنْ يَكتُبَ له كِتابًا بحُكْمِه إلى قاضِي البلد الَّذي فيه الغائبُ، فيَكتُبَ له إلَيهِ، أوْ تَقومَ
(2)
البيِّنةُ على حاضِرٍ، فيهرب
(3)
قَبْلَ الحُكْم عَلَيهِ، فيَسألَ صاحِبُ الحقِّ الحاكمَ الحُكْمَ عَلَيهِ، وأن
(4)
يَكتُبَ له كِتابًا بحُكْمِه
(5)
، فيَلزَمُ الحاكِمَ إجابَتُه؛ لِأنَّ الحاجةَ داعِيةٌ إلى ذلك؛ (لِيُنْفِذَهُ فِي المَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ وَمَسَافَةِ القَصْرِ)، لا
(6)
نَعلَمُ فِيهِ خِلافًا
(7)
؛ لِأنَّ المكتوبَ إلَيهِ يَلزَمُه قَبولُه، وظاهِرُه: ولو كانا ببلدٍ واحِدٍ وحَكَمَ الحاكِمُ، يَجِبُ إمْضاؤه على كلِّ حاكِمٍ.
واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وفي
(8)
حقٍّ لله تعالَى
(9)
.
(وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ
(10)
عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي المَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ دُونَ الْقَرِيبَةِ)، هذا هو المذْهَبُ؛ لأِنَّه نَقْلُ شهادةٍ، فاعْتُبِرَ فيه ما يُعتَبَرُ في الشَّهادة على
(1)
قوله: (كتاب القاضي) هو في (ظ): كتابة.
(2)
في (م): وتقوم.
(3)
في (م): فهرب.
(4)
في (ن): أن.
(5)
في (م): بحكم.
(6)
قوله: (لا) سقط من (ظ).
(7)
ينظر: المغني 10/ 81.
(8)
في (م): في.
(9)
ينظر: الاختيارات ص 503، الفروع 11/ 228.
(10)
في (م): يثبت.
الشَّهادة، وكِتابُه بالحُكْم لَيسَ هو نقلاً
(1)
، وإنَّما هو خَبَرٌ.
وعَنْهُ: فَوقَ يَومٍ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: خَرَّجته
(2)
في المذهب، وأقلَّ؛ كخَبَرٍ
(3)
، وقالَهُ أبو يُوسُفَ ومحمَّدٌ، ورُوِيَ عن أبي حنيفة
(4)
، لكِنْ قال بعضُ أصحابه
(5)
: الَّذي يَقتَضِيهِ مَذهَبُه أنَّه لا يَجُوزُ، كما لا يجوز
(6)
ذلك في الشَّهادة على الشَّهادة
(7)
.
قال القاضي: ويكُونُ في كِتابِه: شَهِدَ عِنْدِي فُلانٌ وفلانٌ
(8)
بكذا؛ لِيَكُونَ المكْتُوبُ إلَيهِ هو الَّذي يَقْضِي، ولا يَكتُبُ: ثَبَتَ عِنْدِي؛ لِأنَّه حُكْمٌ بشهادتهما
(9)
كبقيَّةِ الأحْكام، قالَهُ ابنُ عَقِيلٍ وغَيره.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: والأوَّلُ أشْهَرُ، أنَّه
(10)
خَبَرٌ بالثُّبوت كشُهودِ الفَرْع؛ لِأنَّ الحُكْمَ أمْرٌ ونَهْيٌ يَتَضَمَّنُ إلْزامًا
(11)
.
فرعٌ: لو أثْبَتَ مالِكِيٌّ وَقْفًا لا يَراهُ - كوَقْفِ الإنسانِ على نَفْسِه - بالشَّهادة على الخطِّ، فإنْ حَكَمَ للخلاف في
(12)
العمل بالخطِّ، كما هو المعْتادُ، فلِحَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الحُكْم أنْ يُنْفِذَه في مسافةٍ قريبةٍ.
(1)
في (ن): يقبل.
(2)
في (م): حرر حقه.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 503، الفروع 11/ 228.
(4)
قوله: (وروي عن أبي حنيفة) سقط من (م).
(5)
في (م): أصحابنا.
(6)
قوله: (كما لا يجوز) سقط من (م) و (ن).
(7)
ينظر: المبسوط 16/ 95، المحيط البرهاني 8/ 183.
(8)
في (ظ): أو فلان.
(9)
كتب على هامش (ظ): (ابن فلان) وعليها إشارة صح، ولم نعرف مكانها.
(10)
في (م): لأنه.
(11)
ينظر: الفروع 11/ 228.
(12)
في (ظ): من.
وإنْ لم يَحكُم المالكيُّ، بل قال: ثبت كذا، فكذلك؛ لِأنَّ الثُّبوتَ عِنْدَ المالكِيِّ حُكْمٌ، ثُمَّ إنْ رَأَى الحنبليُّ الثُّبوتَ حكمًا
(1)
نَفَّذَه، وإلَّا فالخِلافُ في قُرْبِ المسافة، ولُزُومُ الحنبليِّ تنفيذَه يَنبَنِي على لُزُومِ تنفيذ
(2)
الحُكْم المخْتَلَفِ فيه.
وحُكْمُ المالِكَيِّ مع عِلْمه باخْتِلافِ العلماء في الخَطِّ؛ لا يَمنَعُ كَونَه مُختلَفًا فِيهِ، ولهذا لا يُنفِذُه الحَنَفِيُّ حتَّى ينفذه
(3)
آخَرُ، وللحَنبَلِيِّ الحُكْمُ بصِحَّةِ الوَقْفِ مع بُعْدِ المسافة، ومع قُرْبها الخلاف
(4)
، ذَكَرَه في «الفُروع» .
(وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ)؛ ككِتابه عليه السلام إلى كِسْرَى وقَيصَرَ
(5)
، (وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ المُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ)، وهو قَولُ أبي ثَورٍ، واسْتَحْسَنَه أبو يُوسُفَ
(6)
؛ كما لو كان مُعَيَّنًا.
(وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ
(7)
عَدْلانِ عِنْدَ المكتوب إلَيهِ، ويُعتَبَرُ ضَبْطُهما لمَعْناهُ وما يَتعلَّقُ به الحُكْمُ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
.
وقِيلَ: عِنْدَ الكاتِب.
ويَتَوَجَّهُ لنا: أنَّه إذا كان يَعرِفُ خطَّه وخَتْمَه؛ اكْتَفَى به
(9)
، وهو قَولُ
(1)
في (ن): كما.
(2)
قوله: (تنفيذ) سقط من (م).
(3)
في (م): ينفذ.
(4)
في (م): إطلاق.
(5)
أخرجه مسلم (1774)، من حديث أنس رضي الله عنه:«أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصرَ، وإلى النجاشيّ، وإلى كلِّ جبّارٍ يدعوهم إلى الله تعالى» .
(6)
ينظر: المبسوط 16/ 95، المحيط البرهاني 8/ 183.
(7)
قوله: (شاهدان) سقط من (ن).
(8)
ينظر: الفروع 11/ 228.
(9)
قوله: (به) سقط من (م).
الحَسَن، وسَوَّارٍ، والعَنْبَرِيِّ؛ لأنَّه
(1)
يُحصِّلُ غلبةَ
(2)
الظَّنِّ، أشْبْهَ شَهادةَ الشَّاهِدَينِ.
وجَوابُه: أنَّ ما أمْكَنَ إثباته
(3)
بالشَّهادة؛ لم يَجُزِ الاِقْتِصارُ على الظَّاهر؛ كإثْباتِ العُقودِ، ولِأنَّ الخطَّ يُشبِهُ الخَطَّ، والخَتْمُ يُمكِنُ التَّزوِيرُ عَلَيهِ، ولِأنَّه نَقْلُ حُكْمٍ أو
(4)
إثبات
(5)
، فلم يكُنْ فِيهِ بُدٌّ من شَهادَةِ عَدْلَينِ؛ كالشَّهادة على الشَّهادة.
(يُحْضِرُهُمَا الْقَاضِي الْكَاتِبُ)؛ لأنَّ
(6)
تَحمُّلَ الشَّهادةِ بغَيرِ مَعرفَةِ المشْهود به غَيرُ جائزٍ، (فَيَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمَا)، وهذا لَيسَ بواجِبٍ في القَبول، بل قراءتُه هي
(7)
الواجِبةُ، سَواءٌ كانَتْ مِنْ حاكِمٍ أوْ غَيرِه، والأولى
(8)
أن يقرأه الحاكِمُ؛ لِأنَّه أبْلَغُ، والأحْوَطُ أنْ يَنظُرا معه فِيمَا يقرؤه، فإنْ لم يُنظَرْ
(9)
؛ جازَ؛ لِأنَّه لا يَسْتَقرِئُ
(10)
إلَّا ثقة
(11)
.
(ثُمَّ يَقُولُ: أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا كِتَابِي
(12)
إِلَى فُلَانٍ بنِ فُلَانٍ، وَيَدْفَعُهُ
(1)
في (ن): أنه.
(2)
في (م) و (ن): عليه.
(3)
في (ظ): إتيانه.
(4)
قوله: (أو) سقط من (ن).
(5)
في (م): الحكم وإثبات.
(6)
في (ن): لا.
(7)
في (م): هو.
(8)
في (م): والأول.
(9)
كذا في النسخ الخطية، وهي موافقة لنسخة خطية من الشرح الكبير 29/ 19، وفي نسخة: ينظرا.
(10)
في (م): لا يستتر.
(11)
في (ن): معه.
(12)
في (ن): كتابي هذا.
إِلَيْهِمَا
(1)
؛ لِأنَّه يُحَمِّلُهما
(2)
الشَّهادةَ، فَوَجَبَ أنْ يُعتَبَرَ فِيهِ إشْهادُه؛ كالشَّهادة على الشَّهادة.
وإنْ قال: اشهدا
(3)
عليَّ بما فِيهِ؛ كان أوْلَى.
فإنِ اقْتَصَرَ على قَولِه: هذا كِتابِي إلى فُلانٍ؛ فظاهر
(4)
الخِرَقِيِّ: أنَّه لا يُجزِئُ حتَّى يَقُولَ: اشهدا
(5)
عليَّ؛ كالشَّهادة على الشَّهادة.
وقال القاضي: يُجْزِئُ.
ثُمَّ إنْ قلَّ ما في الكتاب؛ اعتمدا
(6)
على حِفْظِه، وإلَّا كَتَبَ كلٌّ منهما نسخةً
(7)
به، ويقبضان
(8)
الكِتاب قَبْلَ أن
(9)
يَغِيبَا؛ لِئَلَّا يَدفَعَ إلَيهِما غَيرَه.
(فَإِذَا
(10)
وَصَلَا إِلَى المَكْتُوبِ إِلَيْهِ؛ دَفَعَا إِلَيْهِ الْكِتَابَ)، ثُمَّ يقرؤه عَلَيهما، ثُمَّ يَشْهَدانِ به، (وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إِلَيْكَ، كَتَبَهُ مِنْ عَمَلِهِ
(11)
، وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ)؛ لِأنَّ الكِتابَ لا يُقبَلُ إلَّا مِنْ قاضٍ، وذلك يَستَدْعِي وُجودَ الكتابة والإشْهادَ عَلَيهِ في مَوضِعِ قضائه
(12)
.
(1)
قوله: (ويدفعه إليهما) سقط من (ظ) و (م).
(2)
في (م): يحملهم، وفي (ن): تحملهما.
(3)
في (ن): اشهد.
(4)
في (م): وظاهر.
(5)
في (ن): اشهد.
(6)
في (ن): اعتمادًا.
(7)
في (ن): استحد.
(8)
في (ن): ويقضيان.
(9)
قوله: (أن) سقط من (ن).
(10)
في (ن): وإذا.
(11)
في (ن): علمه.
(12)
في (م): قضاء.
وفي
(1)
كلامِ أبي الخَطَّاب: كَتَبَه بحضْرَتِنا، وقال لنا
(2)
: اشْهَدا عليَّ، كتبتُه
(3)
في عَمَلي، فثَبَتَ عِنْدِي، وحَكَمْتُ به مِنْ كذا وكذا، فيَشهَدانِ بذلك؛ لِأنَّ الكتابَ لا يُقبَلُ إلَّا إذا وَصَلَ من
(4)
مجلس
(5)
عَمَلِه.
(وَالاِحْتِيَاطُ: أَنْ يَشْهَدَا بِمَا فِيهِ، وَبِخَتْمِهِ)؛ لِأنَّه أبْلَغُ، (وَلَا يُشْتَرَطُ خَتْمُهُ)؛ لِأنَّه «عليه السلام كَتَبَ إلى قَيصَرَ ولم يَختِمْه، فقِيلَ له: إنَّه لا يَقرَأُ كِتابًا غَيرَ مَختومٍ، فاتَّخَذَ الخاتمَ»
(6)
.
وحاصِلُه: أنَّه يُقبَلُ، سَواءٌ كان مَختومًا أوْ غَيرَ مَختُومٍ، مَفْتولاً أَوْ غَيرَ مفتولٍ
(7)
؛ لِأنَّ الاِعْتِمادَ على شهادتهما، لا على الخَطِّ والخَتْمِ.
فإنِ انْمَحَى الخَطُّ، وكانا يَحفَظانِ ما فيه؛ جاز لهما أنْ يَشهَدا بذلك.
فائدةٌ: لا يُشْتَرَطُ أنْ يَذكُرَ القاضِي الكاتِبُ اسْمَه في العُنْوانِ، ولا ذِكْرَ المكْتوب إلَيهِ في باطنه.
وقال أبو حَنِيفَةَ
(8)
: إذا لم يَذكُر اسْمَه لا يُقبَلُ؛ لِأنَّ الكتابَ إلَيهِ، ولا يَكفِي ذِكْرُ اسْمِه في العنوان دُونَ باطِنِه؛ لِأنَّ ذلك لم يَقَعْ على وَجْهِ المخاطَبَةِ.
(وَإِنْ كَتَبَ كِتَابًا وَأَدْرَجَهُ وَخَتَمَهُ، وَقَالَ: هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانٍ، اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ؛ لَمْ يَصِحَّ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو قَولُ أكْثرِ العُلَماء؛ لِأنَّهما شَهِدا بمَجْهولٍ لا يَعلَمانِه، فلم
(1)
في (ن): في.
(2)
قوله: (لنا) سقط من (م).
(3)
في (م): كتبه.
(4)
في (ظ): في.
(5)
قوله: (مجلس) سقط من (م).
(6)
أخرجه البخاري (65)، ومسلم (2092)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(7)
في (م): مقبولاً أو غير مقبول، وفي (ن): مقتولاً أو غير مقتول.
(8)
ينظر: الأصل للشيباني 11/ 550، المبسوط 16/ 101.
يَصِحَّ؛ كما لو شَهِدَا أنَّ لِفُلانٍ على فُلانٍ مالاً، (لِأَنَّ أَحْمَدَ رحمه الله تعالى قَالَ فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً وَخَتَمَهَا، ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهَا: فَلَا
(1)
، حَتَّى يُعْلِمَهُ بِمَا
(2)
فِيهَا)، هذا تنبيهٌ على جهة
(3)
الأصْلِ المُسْتَفادِ مِنْهُ الحُكمُ
(4)
المذكورُ.
(وَيَتَخَرَّجُ: الْجَوَازُ)، هذا رِوايةٌ؛ كما لو شَهِدَا بما
(5)
في هذا
(6)
الكِيسِ مِنْ الدَّراهم؛ جازَتْ شهادته
(7)
، وإنْ لم يَعْلَما قدرها
(8)
، (لِقَوْلِهِ: إِذَا وُجِدَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ، أَوْ
(9)
أَعْلَمَ بِهَا أَحَدًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورًا؛ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مَا فِيهَا)؛ لِأنَّهما سَواءٌ في المعْنَى، فكذا يَجِبُ أنْ يكُونَ حُكْمًا.
(وَعَلَى هَذَا: إِذَا عَرَفَ المَكْتُوبُ إِلَيْهِ
(10)
أَنَّهُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمُهُ؛ جَازَ قَبُولُهُ
(11)
؛ لِأنَّ القَبولَ هنا كتَنفِيذِ الوصيَّة.
وقِيلَ: هو على الوَجْهَينِ.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: مَنْ عَرَفَ خَطَّه بإقْرارٍ، أوْ إنْشاءٍ، أوْ عَقْدٍ، أوْ شَهادةٍ؛ عَمِلَ به؛ كميِّت
(12)
، فإنْ حَضَرَ وأنْكَرَ مَضمونَه، فكاعْتِرافه بالصَّوت
(1)
زيد في (ن): يصح.
(2)
في (ن): ما.
(3)
في (ن): وجه.
(4)
في (م): الحكوم.
(5)
في (ظ) و (ن): ما.
(6)
قوله: (هذا) سقط من (ن).
(7)
في (ن): شهادتهما.
(8)
في (ن): قدرهما.
(9)
قوله: (أشهد أو) سقط من (ن).
(10)
قوله: (المكتوب إليه) سقط من (ظ) و (م).
(11)
في (م): قوله.
(12)
قوله: (عمل به كميت)، هو في (ن): عما به كتب.
وإنكارِ مَضْمونه
(1)
.
وذَكَرَ قَولاً في «المُذهب» : أنَّه يَحكُم بخَطِّ شاهِدٍ ميِّتٍ، وقال: الخطُّ كاللَّفظ
(2)
إذا
(3)
عَرَفَ أنَّه خَطُّه، وأنَّه مَذهَبُ جُمهورِ العلماء، وهو يَعرِفُ أنَّ هذا خَطُّه، كما يَعرِفُ أنَّ هذا صَوتُه
(4)
.
(وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ)؛ لمَا تقدَّمَ، فالعَمَلُ به أَوْلَى.
فرعٌ: إذا تَرافَعَ إلَيهِ خَصْمانِ في غَيرِ محلِّ وِلايَته؛ لم يكُنْ له الحُكْمُ بَينَهما بحُكْمِ وِلايَته، إلَّا بتَراضِيهِما به، فيكُونُ حُكْمَ
(5)
غَيرِ القاضي إذا تَراضَيا، وسَواءٌ كان الخَصْمان مِنْ أهْلِ عَمَله، أوْ لم يكُونَا.
ولو تَرافَع إلَيهِ اثْنانِ وهو في مَوضِعِ وِلايَتِه، مِنْ غَيرِ أهْلِ وِلايَته؛ كان له الحُكْمُ بَينَهما.
فإنْ أَذِنَ الإمامُ لِقاضٍ أنْ يَحكُمَ بَينَ أهْلِ وِلايَتِه حَيثُ كانوا، أوْ
(6)
مَنَعَه مِنْ الحُكم في غِيرِ أهْلِ وِلايَته حَيثُما كان
(7)
؛ كان الأمْرُ على ما أَذِنَ فيه، أوْ مَنَعَ منه؛ لِأنَّ الوِلايَةَ بتَولِيَته، فكان الحُكْمُ على وَفْقها.
(فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ، فَأَحْضَرَ المَكْتُوبُ إِلَيْهِ الْخَصْمَ المَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ: لَسْتُ فُلَانَ بنَ فُلَانٍ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ)، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لِأنَّه مُنْكِرٌ
(8)
، وإنْ نَكَلَ قَضَى عليه
(9)
بالنُّكول، وكذا إنْ ردَّ
(1)
ينظر: الاختيارات ص 504، الفروع 11/ 230.
(2)
زيد في (ن): أنه.
(3)
في (م): إن.
(4)
ينظر: الفروع 11/ 230.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 10/ 86، والشرح الكبير 29/ 24: فيكون حُكْمُه حكْمَ.
(6)
زاد في (ظ): من.
(7)
في (ن): كانوا.
(8)
في (م): ينكر.
(9)
قوله: (عليه) سقط من (ن).
اليمينَ على الخِلافِ.
(إِلَّا أَنْ تَقُومَ
(1)
بِهِ بَيِّنَةٌ)؛ لِأنَّ قَولَه مُعارَضٌ بالبيِّنة، وهي راجِحةٌ، فَوَجَبَ أنْ لا يُقبَلَ قَولُه؛ لِأنَّه مرجوحٌ
(2)
بالنِّسبة إلَيهَا.
(وَإِنْ
(3)
ثَبَتَ أَنَّهُ فُلَانُ بنُ فُلَانٍ بِبَيِّنَةٍ
(4)
أَوْ إِقْرَارٍ، فَقَالَ: المَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِي؛ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ)؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ المُشارَكةِ في ذلك
(5)
، (إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ
(6)
أَنَّ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُسَاوِيهِ فِيمَا سُمِّيَ وَوُصِفَ، فَيَتَوَقَّفُ
(7)
حَتَّى يَعْلَمَ مَنِ المَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا)؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكونَ الحقُّ على المشارِك له، وهو شاكٌّ
(8)
فيه، وحِينَئِذٍ يَكتُبُ إلى الحاكم الكاتِبِ يُعلِمُه بالحال حتَّى يَحضُرَ الشَّاهِدانِ، فيَشْهَدانِ عنده
(9)
بما يَتَمَيَّزُ به المشْهودُ عَلَيهِ منهما.
فإنِ ادَّعَى المسمَّى: أنَّه كان في البلد مَنْ يُشارِكُه في الاِسْمِ والصِّفة، وقد مات؛ فإنْ كان مَوتُه بَعْدَ الحكم أوْ بَعْدَ المعامَلة، وكان ممَّن أمْكَنَ أنْ يَجرِيَ بَينَه وبَينَ المحْكومِ له مُعامَلةٌ؛ فقد وَقَعَ الإشْكالُ؛ كما لو كان حيًّا؛ لجوازِ أنْ يكُونَ الحقُّ على الَّذي مات، وإلَّا فلا إشْكالَ
(10)
.
(1)
في (ن): يقوم.
(2)
في (م): مرجوع.
(3)
في (ن): فإن.
(4)
قوله: (ببينة) سقط من (م).
(5)
قوله: (في ذلك) سقط من (ن).
(6)
في (ن): يشهد.
(7)
في (ن): به فتوقف.
(8)
في (م): شك.
(9)
في (م): عنه.
(10)
كتب في هامش (ظ): (فالحاصل أن القاضي إذا قضى على وفق مذهبه في مختلف فيه غير القضاء مع علمه؛ فإنه مختلف فيه، يجب على قاض آخر تنفيذه، وأما نفس القضاء المختلف فيه؛ كالقضاء على الغائب، فإنه لا يصير مجمعًا عليه إلا برفعه إلى قاضٍ آخر، فيمضيه فيصير مجمعًا عليه، فحينئذ إن ترافع إلى قاضٍ آخر يجب عليه تنفيذه).
فرعٌ: يُقبَلُ كِتابُه في حَيوانٍ في الأصحِّ بالصِّفَةِ
(1)
؛ اكْتِفاءً بها؛ كمَشْهودٍ عَلَيهِ، لا له.
فإنْ لم تثبت
(2)
مُشارَكَتُه في صفَتِه
(3)
؛ أخَذَه مُدَّعِيهِ بكفيلٍ مختومًا عنقُهُ
(4)
، فيأتِي به القاضي الكاتِبَ لِيُشْهِدَ البيِّنةَ على عينِه
(5)
، ويَقضِي له به، ويَكتُبَ له كِتابًا؛ ليبرأ
(6)
كفيله.
وإنْ كان المدَّعى به
(7)
جارِيَةً؛ سُلِّمَتْ إلى أمينٍ يُوصِلُها.
وإنْ لم
(8)
يَثبُتْ له ما ادَّعاهُ؛ لَزِمَه رَدُّه ومُؤنَتُه منذ تَسلَّمَه، ذكره
(9)
في «الرِّعاية» وزاد: دُونَ نَفْعِه، وحُكْمُه كمَغْصوبٍ؛ لِأنَّه أخذه
(10)
بلا حَقٍّ.
وقِيلَ: لا يُقبَلُ كِتابُه به
(11)
؛ لِأنَّ الوصفَ لا يَكفِي، بدليلِ: أنَّه لا يَجُوزُ أنْ يَشهَدَ لرجلٍ بالوَصْف والتَّحْلِيَة، كذلك المشْهودُ به.
والأوَّلُ رجَّحه في «الشَّرح» ؛ قِياسًا على الدَّين، ويُخالِفُ المشْهودَ له، فإنَّه لا حاجَةَ إلى ذلك فيه، فإنَّ الشَّهادةَ له لا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ دَعْواهُ.
(1)
في (م): بالصفات.
(2)
في (م): لم يثبت.
(3)
في (م): صفة.
(4)
في (م): عينه.
(5)
في (ن): عينيه.
(6)
في (م): كبيرًا.
(7)
قوله: (به) سقط من (ظ) و (م).
(8)
في (م): سلم.
(9)
في (م): ذكر.
(10)
في (م): أخذ.
(11)
قوله: (به) سقط من (ن).
وقِيلَ: يَحكُمُ به
(1)
الكاتِبُ، ويُسلِّم
(2)
المكتوب إلَيهِ لمُدَّعِيهِ.
وفي «التَّرغيب» : على الأوَّل: لو ادَّعى على رجلٍ دَينًا صفته
(3)
كذا، ولم يَذكُرِ اسْمَه ونَسَبَه؛ لم يَحكُمْ عَلَيهِ، بل يَكتُبُ إلى قاضي البلد الَّذي فيه المدَّعَى عَلَيهِ؛ كما قُلْنا في المدَّعَى به؛ لِيَشْهَدَ على
(4)
عينه
(5)
.
فلو كان عَقارًا محدودًا في بلد المكتوب إلَيهِ؛ أنْفَذَ حكمَ
(6)
القاضِي الكاتِبِ، وأخَذَه ربُّه.
وكذا حُكْمُ كلِّ منقولٍ
(7)
مَعْروفٍ لا يشتبه.
تذنيبٌ: قال في
(8)
«الرِّعاية» : يَكتُبُ في الكتاب: اسمَ الخَصْمَينِ، واسْمَ أبَوَيهما وجدَّيْهما
(9)
، وحِلْيَتَهما، وقَدْرَ المال، وتاريخَ الدَّعْوَى، وقِيامَ البيِّنةِ العادِلةِ، وطَلَبَ الخَصْمِ الحكْمَ، وإجابَتَه إلَيهِ.
وقِيلَ: لا يَجِبُ ذِكْرُ شُهودِ المال.
قال في «الفروع» : وظاهِرُ كلامِهم: أنَّه لا يُعتَبَرُ ذِكْرُ الجَدِّ في النَّسب بلا حاجةٍ، وذَكَرَ في «المنتقى»
(10)
وغَيره: أنَّ المشْهودَ عَلَيهِ إذا عُرِفَ باسْمِه واسْمِ أبِيهِ؛ فإنَّه يُغْنِي عن ذِكْرِ الجَدِّ.
(1)
قوله: (به) سقط من (ن).
(2)
في (م): ويسلمه، وفي (ن): وسلمه.
(3)
في (ظ) و (ن): صفة.
(4)
في (م): عليه.
(5)
في (ن): عيبه.
(6)
في (م) و (ن): حكمه.
(7)
في (ن): مقبول.
(8)
قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).
(9)
في (ن): وجدهما.
(10)
قوله: (في «المنتقى») في (م): المقتضى.
فائدةٌ: إذا تحمَّلَها وشَهِدَ بها عِنْدَ حاكِمٍ؛ لَزِمَه الحُكْمُ بها بشرطه
(1)
، سواءٌ كان الكِتابُ إلَيهِ أوْ إلى غَيرِه، أوْ مُطلَقًا، ولَيسَ لشهودِ الكتاب أنْ يَتَخَلَّفُوا في مَوضِعٍ لا حاكِمَ فيه، ولهم كِراءُ دَوابِّهم فقطْ، وإنْ كان فيه حاكِمٌ؛ فإنْ شاؤوا شَهِدُوا عِندَه لِيُمْضِيَه، ويَكتُبَ إلى قاضِي بَلَدِ الخَصْمِ، وإنْ شاؤُوا شَهِدَ كلُّ واحدٍ
(2)
منهم على شهادته شاهِدَينِ يَشهَدانِ عِنْدَ المكتوب إلَيهِ.
(وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِعَزْلٍ، أَوْ مَوْتٍ؛ لَمْ يَقْدَحْ فِي كِتَابِهِ)، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفُروع» ؛ لِأنَّ المعوَّلَ في الكتاب على الشَّاهِدَينِ، وهما حَيَّانِ، فَوَجَبَ أنْ يُقبَلَ الكِتابُ؛ كما لو لم يَمُتْ أوْ يَنعَزِلْ، ولِأنَّ الكتابَ إنْ كان فِيما حَكَمَ به؛ فحُكْمُه لا يَبطُلُ بهما، وإنْ كان فيما ثَبَتَ عِندَه؛ فهو أصْلٌ، واللَّذانِ شَهِدَا عَلَيهِ فَرْعٌ، ولا تَبطُلُ شَهادةُ الفرع بمَوتِ شاهِدِ الأصْلِ.
وقِيلَ: لا؛ كما لو فَسَقَ فيقدَح
(3)
خاصَّةً فيما ثَبَتَ عِندَه لِيَحكُمَ به.
(وَإِنْ تَغَيَّرَتْ بِفِسْقٍ
(4)
؛ لَمْ يَقْدَحْ فِيمَا حَكَمَ بِهِ)، قال ابنُ المنَجَّى: كما لو حَكَمَ بشَيءٍ، ثُمَّ فَسَقَ. وفِيهِ شَيءٌ.
وفي «الشَّرح» : كما لو حَكَمَ بشيءٍ
(5)
ثمَّ بَانَ فِسْقُه، فإنَّه لا يَنقُضُ ما مَضَى مِنْ أحْكامِه، كذا هنا.
(وَيَبْطُلُ
(6)
فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ)؛ لِأنَّ بَقاءَ عدالة
(7)
شاهِدَي الأصْلِ
(1)
في (م): بشرط.
(2)
قوله: (واحد) سقط من (ظ) و (م).
(3)
في (م): فينفذ حينئذ، وفي (ظ): فينقدح.
(4)
في (م): لفسق.
(5)
قوله: (وفي «الشرح»: كما لو حكم بشيء) سقط من (م).
(6)
في (ن): وبطل.
(7)
في (م): عدله.
شَرْطٌ في الحُكْم بشاهِدَي الفرع، فكذلك بقاءُ عَدالةِ الحاكِمِ؛ لِأنَّه بمَنزلَةِ شاهِدَي الأصل
(1)
.
(وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ المَكْتُوبِ إِلَيْهِ) بأيِّ حالٍ كان؛ (فَلِمَنْ
(2)
قَامَ مَقَامَهُ قَبُولُ الْكِتَابِ وَالْعَمَلُ بِهِ)، كذا ذَكَرَه مُعظَمُ أصْحابِنا؛ لِأنَّ المُعَوَّلَ على ما حَفِظَه الشُّهودُ وتحمَّلُوهُ، ومَن تَحمَّلَ شَهادةً وشَهِدَ بها؛ وَجَبَ على كلِّ قاضٍ الحُكْمُ بها، ولو ضاع الكتابُ أو انمحى
(3)
، وكما لو شَهِدَا بأنَّ فُلانًا القاضيَ حَكَمَ بكذا؛ لَزِمَه إنفاذُه
(4)
، قاله في «الواضِح» وغَيره.
فرعٌ: إذا كان المكتوبُ إلَيهِ بحاله، وَوَصَلَ الكِتابُ إلى غَيرِه؛ عَمِلَ به، ذَكَرَهُ القاضي، ولو شَهِدَا بخِلافِ ما فِيهِ؛ قُبِلَ؛ اعْتِمادًا على العلم.
قال أبو الخَطَّاب وأبو الوَفاء: فإنْ قالا: هذا كِتابُ فُلانٍ إلَيكَ، أخْبَرَنا مَنْ نثق
(5)
به؛ لم يَجُز العَمَلُ بهما.
وإنْ قَدِمَ غائبٌ؛ فللكاتب
(6)
الحُكْمُ عَلَيهِ بلا إعادةِ شُهودٍ، قالَه في «الاِنْتِصار» .
(1)
قوله: (شرط في الحكم بشاهدي
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (ن): فمن.
(3)
في (م): وانمحى.
(4)
في (ن): إنقاذه.
(5)
في (م): تثق.
(6)
في (م): فكل كاتب.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اكْتُبْ
(1)
إِلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ: أَنَّكَ حَكَمْتَ عَلَيَّ، حَتَّى لَا يَحْكُمَ عَلَيَّ ثَانِيًا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ)، جَزَمَ به في «المستوعب» ، وصحَّحه في «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ الحاكِمَ إنَّما يَحكُمُ فيما ثبت
(2)
عِندَه لِيَحْكُمَ به غَيرُه، أوْ فيما
(3)
حَكَمَ به
(4)
لِيُنفِذَه غَيرُه، وكِلاهُما مفقود
(5)
هُنا.
والثَّاني
(6)
: يَلزَمُه، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز»
(7)
و «الفُروع» ؛ ليتخلَّص
(8)
مِمَّا يَخافُه.
فإنْ قال: أشْهِدْ لي
(9)
عَلَيكَ بما جَرَى؛ لَزِمَه، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» .
(وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِالْقَضِيَّةِ)؛ لِأنَّه ربَّما حَكَمَ عَلَيهِ غيره
(10)
ثانيًا، وفِيهِ ضَرَرٌ، وهو مُنتَفٍ شَرْعًا.
(وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ حَقٌّ، أَوْ ثَبَتَتْ
(11)
بَرَاءَتُهُ، مِثْلَ: إِنْ أَنْكَرَ، وَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ)، أوْ ثُبوتٌ مُجرَّدٌ، أوْ مُتَّصِلٌ بحُكْمٍ وتنفيذٍ، أوْ سَأَلَه أنْ يَحكُمَ
(1)
زيد في (ن): لي.
(2)
في (م): يثبت.
(3)
في (ن): بما.
(4)
قوله: (به) سقط من (ن).
(5)
في (م): منفوذ.
(6)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(7)
قوله: («المحرر» و «الوجيز») في (م): «الوجيز» ، وقوله:(و «الوجيز») سقط من (ن).
(8)
في (ظ) و (ن): ليخلص.
(9)
قوله: (لي) سقط من (ن).
(10)
قوله: (غيره) سقط من (ن).
(11)
في (م) و (ن): ثبت.
له بما ثَبَتَ عِندَه، (فَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى؛ لِيُثْبِتَ
(1)
حَقَّهُ أَوْ بَرَاءَتَهُ؛ لَزِمَهُ
(2)
إِجَابَتُهُ)؛ لِأنَّ الحاكِمَ يَلزَمُه إجابةُ مَنْ سَأَلَه؛ لِتَبْقَى حُجَّتُه في يَدِه.
فَعَلَى هذا: إذا ثَبَتَ له حقٌّ بإقرارٍ
(3)
، فَسَأَلَه المُقَرُّ له
(4)
أنْ يَشهَدَ على نَفْسه بما ثَبَتَ عِندَه من الإقْرار؛ لَزِمَه ذلك، ولو قُلْنَا: يَحكُمُ بعِلْمِه؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنْ ينسى
(5)
.
وَإِنْ ثبت
(6)
عِندَه حقٌّ بنُكولِ المدَّعَى عَلَيهِ، أوْ بيمين
(7)
المدَّعِي بَعْدَ النكولِ، فسَأَلَه المدَّعِي أنْ يُشهِدَ على نفسه؛ لَزِمَه، لا يُؤمَنُ
(8)
أنْ يُنكِرَ بَعْدَ ذلك ويَحلِفَ، ولا حُجَّةَ للمُدَّعِي غَيرُ الإشْهادِ.
فأمَّا إنْ ثَبَتَ عِندَه ببينةٍ
(9)
، فسَأَلَه الإشْهادَ؛ فالمشْهورُ: يَلزَمُه؛ لمَا فِيهِ مِنْ تعديلِ
(10)
البيِّنة وإلْزامِ خَصْمِه.
وقِيلَ: لا يَلزَمُه؛ لِأنَّ له بالحقِّ بيِّنةً.
وإنْ حَلَفَ المنكِرُ، وسَأَلَ الحاكمَ الإشْهادَ على براءته؛ لَزِمَه؛ لِيَكُونَ حُجَّةً له في سُقوطِ المطالَبَة مرَّةً أخْرى.
(1)
في (م) و (ن): لثبت.
(2)
في (ن): لزمته.
(3)
في (م): بإقراره.
(4)
قوله: (له) سقط من (م).
(5)
في (م): ينشئ.
(6)
في (م): يثبت.
(7)
في (م): يتميز.
(8)
كذا في النسخ الخطية، وفي الكافي 4/ 243: لأنه لا يؤمن.
(9)
في (م): بينة، وقوله:(فسأله المدعي أن يشهد على نفسه .... ) إلى هنا سقط من (ن).
(10)
في (م): تقرير.
وحاصِلُه: أنَّه
(1)
يَكتُبُ له مَحضَرًا بجميعِ
(2)
ذلك في الأصحِّ؛ لِأنَّه وَثِيقَةٌ له، فهو كالإشْهادِ؛ لِأنَّ الشَّاهِدَينِ ربَّما نَسِيَا الشَّهادةَ، أوْ نَسِيَا الخَصْمَينِ.
وقِيلَ: لا يَلزَمُه؛ لِأنَّ الإشْهادَ يَكْفِيهِ.
وإنْ سَأَلَه أنْ يُسجِّلَ به؛ فهل يَلزَمُه؟ فِيهِ وجْهانِ.
(وَإِنْ سَأَلَ
(3)
مَنْ ثَبَتَ مَحْضَرُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يُسَجِّلَ بِهِ)، أيْ: كتابته
(4)
، وأتاه بِوَرَقَةٍ؛ لَزِمَه في الأصحِّ، ولهذا قال:(فَعَلَ ذَلِكَ)، قال أحمدُ: إذا أخَذَ السَّاعِي زَكاتَه كتب
(5)
له براءةً.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: يَلزَمُه إنْ تَضَرَّرَ بتَرْكِه
(6)
.
وما تَضَمَّنَ الحُكْمَ ببيِّنةِ سِجِلٍّ وغَيرِه؛ مَحضَرٌ.
وفي «المغْنِي» و «التَّرغيب» : المَحْضَرُ: شَرْحُ ثُبوتِ الحقِّ عِندَه، لا الحُكمُ بثُبوته.
(وَجَعَلَهُ
(7)
نُسْخَتَيْنِ: نُسْخَةٌ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، وَنُسْخَة
(8)
يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ)، هذا هو الأَوْلَى، حتَّى إذا هَلَكَتْ واحِدةٌ بَقِيَت الأُخْرَى.
(وَالْوَرَقُ
(9)
مِنْ بَيْتِ المَالِ)؛ لِأنَّ ذلك من المصالح، (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَمِنْ مَالِ المَكْتُوبِ لَهُ)؛ لِأنَّه الطَّالِبُ لذلك؛ لِأنَّ مُعظَمَ الحاجة له، فإنْ لم يأتِه
(1)
في (م): أن.
(2)
في (م): لجميع.
(3)
في (ظ) و (م): سأله.
(4)
في (م): كتابه.
(5)
في (ظ): كتبه.
(6)
ينظر: الفروع 11/ 234.
(7)
في (ن): ويجعله.
(8)
في (ن): والأخرى.
(9)
في (م): والرزق.
بذلك؛ لم يَلزَمْه؛ لِأنَّ عَلَيهِ الكِتابةَ دُونَ الغُرْم.
تنبيهٌ: مَنْ حُكِمَ له بحقٍّ بحُجَّةٍ بِيَدِه، فأَقْبَضَه
(1)
المحكومُ عَلَيهِ الحقَّ، وطالَبَه بتسليمِ الحُجَّة؛ لم يَلزَمْه غَيرُ الشَّهادة على نفسه بأخْذِه، ذَكَرَه في «المستوعب» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّه ربَّما خَرَجَ ما قَبَضَه مُسْتَحَقًّا، فيَحتاجُ إلى حُجَّةٍ تخصُّه.
وإنْ طَلَبَ المشْتَرِي من البائع الأصْلَ؛ لم يَلزَمْه غَيرُ الشَّهادة عَلَيهِ بالبَيعِ؛ لِأنَّ ذلك حُجَّةٌ له عِنْدَ الدَّرَك، ولمَنْ عَلَيهِ حَقٌّ بِبيِّنةٍ أنْ يَمتَنِعَ مِنْ أدائه حتَّى يَشهَدَ عَلَيهِ ربُّه بأخْذِه، وإنْ كان بلا بينة؛ فلا، ذَكَرَه أصْحابُنا.
(1)
في (م): فاقتضه.
(فَصْلٌ)
(وَصِفَةُ المَحْضَرِ)، هو
(1)
: بفَتْحِ الميم والضَّاد، وهو عِبارَةٌ عن الصَّكِّ، سُمِّيَ مَحضَرًا؛ لمَا فيه من
(2)
حُضورِ الخَصْمَينِ وَالشُّهود: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، تُذكر
(3)
في ابْتِداء كلِّ
(4)
فِعْلٍ؛ تَبَرُّكًا بها، (حَضَرَ الْقَاضِيَ فُلَانَ بنَ فُلَانٍ الفُلَانِي
(5)
، قَاضِيَ عَبْدِ اللهِ الْإِمَامِ عَلَى كَذَا)، إنْ كان مستقِلًّا
(6)
، (وَإِنْ كَانَ نَائِبًا كَتَبَ: خَلِيفَةَ الْقَاضِي فُلَانٍ، قَاضِي عَبْدِ اللهِ الْإِمَامِ، فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، بِمَوْضِعِ كَذَا).
إذا ثَبَتَ الحقُّ باعْتِرافِ المدَّعَى عَلَيهِ؛ لم يَحتَجْ أنْ يَكْتُبَ: في مَجلِسِ حُكْمِه وقَضائه؛ لِأنَّ الاِعْتِرافَ يَصِحُّ منه في مَجلِسِ الحُكْم وغَيرِه، وإنْ كتب
(7)
أنَّه
(8)
شَهِدَ على إقْراره شاهِدانِ؛ كان آكَدَ، ذَكَرَه في «الشَّرح» و «الرِّعاية» .
وإنْ ثَبَتَ ببيِّنةٍ؛ احْتاجَ أنْ يَذكُرَ مَجلِسَ حُكمِه وقَضائه؛ لِأنَّ البيِّنةَ لا تُسمَعُ إلَّا في مجلسِ الحُكم.
ولَيسَ في المحْضَر ثُبوتُ الحقِّ، سَواءٌ ثَبَتَ بالاِعْتِراف أوْ بالبيِّنة، وإنَّما هو شَرحُ ثُبوتِ الحقِّ عِنْدَ الحاكمِ.
(1)
في (ن): وهو.
(2)
قوله: (من) سقط من (ن).
(3)
في (ن): يذكر.
(4)
زيد في (م): شيء.
(5)
قوله: (الفلاني) سقط من (ن).
(6)
في (م): مستقبلاً.
(7)
قوله: (وإن كتب) سقط من (م).
(8)
في (م): وأنه.
(مُدَّعٍ؛ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بنُ فُلَانٍ وَأَحْضَرَ
(1)
مَعَهُ مُدَّعًى عَلَيهِ، ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ)، يَرفَعُ في
(2)
نَسَبِهما حتَّى يَتَمَيَّزا، ويَذكُرُ حِلْيَتَهما؛ لِأنَّ الاِعْتِمادَ عليها
(3)
، فربَّما اسْتَعارَ النَّسَبَ.
هذا إذا جَهِلَهُما الحاكِمُ، فإنْ كان يَعرِفُهما بأسْمائهما ونَسَبِهما قال: فُلانُ ابنُ فُلانٍ الفُلَانِيُّ، وأحْضَرَ مَعه فُلانَ بنَ فُلانٍ الفُلَانيَّ.
وإنْ أخَلَّ بِذِكْرِ حِلْيَتِهما؛ جاز؛ لِأنَّ ذِكْرَ نَسَبِهما إذا رُفِعَ فِيهِ أغْنَى عن ذِكْرِ الحِلْيَةِ.
وفي «الرِّعاية» : ذِكْرُ
(4)
حِلْيَتهما أَوْلَى.
(فَادَّعَى عَلَيْهِ كَذَا، فَأَقَرَّ لَهُ أَوْ فَأَنْكَرَ
(5)
، فَقَالَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَحْضَرَهَا، وَسَأَلَهُ سَمَاعَهَا، فَفَعَلَ أَوْ فَأَنْكَرَ، وَلَمْ تَقُمْ
(6)
لَهُ بَيِّنَةٌ، وَسَأَلَ
(7)
إِحْلَافَهُ، فَأَحْلَفَهُ).
(وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ؛ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ).
(وَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ فَحَلَّفَهُ؛ حَكَى
(8)
ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ
(9)
شَهْرِ كَذَا، مِنْ سَنَةِ كَذَا).
(وَيُعَلِّمُ) على رَأْسِ المحْضَر (فِي الْإِقْرَارِ)، وَالإنْكارِ، (وَالْإِحْلَافِ: جَرَى
(1)
في (م): وأحضره.
(2)
قوله: (في) سقط من (ن).
(3)
في (م): عليهما.
(4)
قوله: (ذكر) سقط من (ن).
(5)
في (م): أنكر.
(6)
في (م): أنكر ولم يقم.
(7)
في (ن): وسأله.
(8)
في (ن): ذكر.
(9)
في (م): في.
الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ)؛ لِأنَّ ذلك أمْرٌ جَرَى، فالعَلَامَةُ فِيهِ بما
(1)
ذُكِرَ؛ تحقيقٌ
(2)
للقَضِيَّة، وإخبارٌ
(3)
عنها.
ويَذكُرُ مع ذلك في رأسِ المحْضَرِ: الحمدُ لله وحْدَه، ونحو ذلك، ذَكَرَه في «الرِّعاية» ، وهو ظاهِرُ ما ذَكَرَه في «الشَّرح» .
(وَفِي الْبَيِّنَةِ: شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ)؛ لِأنَّه الواقِعُ، ويكُونُ في آخَرِ المحضَرِ
(4)
.
وفي «الشَّرح» : يَكتُبُ علامتَهُ
(5)
مع ذلك في رأسِ المحْضَرِ، وإن اقْتَصَرَ جازَ، وهو قَولٌ في «الرِّعاية» .
(وَأَمَّا السِّجِلُّ) - هو بكِسْرِ السِّين والجيم: الكِتابُ الكبيرُ - (فَهُوَ لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمِ بِهِ)، هذا بَيانٌ لمَعْناهُ.
(وَصِفَتُهُ: أَنْ يَكْتُبَ: هَذَا مَا أَشْهَدَ
(6)
عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانُ بنُ فُلَانٍ، وَيَذْكُرُ مَا تَقَدَّمَ) في أوَّلِ المحْضَرِ (مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الشُّهُودِ، أَشْهَدَهُمْ: أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَقَدْ عَرَفَهُمَا بِمَا رَأَى مَعَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهمَا بِمَحْضَرٍ
(7)
مِنْ خَصْمَيْنِ، وَيَذْكُرُهُمَا إِنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ، وَإِلَّا قَالَ: مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، جَازَ حُضُورُهُمَا، وَسَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ، مَعْرِفَةُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانِ) «مَعْرِفَةُ» مرفوعًا، فاعِلُ «ثَبَتَ عِنْدَه» ، (وَيَذْكُرُ المَشْهُودَ عَلَيْهِ)؛ لِأنَّه أصْلٌ،
(1)
في (م): ما.
(2)
في (م): تحقق.
(3)
في (ن): واختار.
(4)
قوله: (المحضر) سقط من (م).
(5)
في (ظ): علامة.
(6)
في (م): شهد.
(7)
في (م): بمحضرين، وفي (ظ): محضر.
(وَإِقْرَارُهُ)، بالرَّفع، مَعطوفٌ على «مَعْرِفَةُ» ، والتَّقديرُ: ثَبَتَ عنده
(1)
مَعرِفَةُ فُلانٍ ابنِ فُلانٍ، وإقْرارُه، ويَجوزُ نَصْبُه عَطْفًا على «المشْهُود»؛ أي: ويذكر
(2)
المشْهُودَ عَلَيهِ وإقْرارَه، (طَوْعًا، فِي صِحَّةٍ مِنْهُ، وَجَوَازِ أَمْرٍ
(3)
، حتَّى يَخرُجَ المكرَهُ ونَحوُه، (بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ
(4)
فِي كِتَابِ نُسْخَتِهِ، وَيَنْسَخُ الْكِتَابَ المُثْبَتَ وَالمَحْضَرَ
(5)
جَمِيعَهُ، حَرْفًا بِحَرْفٍ).
(فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَالَ: وَإِنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ، وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا
(6)
هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ، بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ وَالْإِشْهَادَ بِهِ الْخَصْمُ المُدَّعِي، وَيَذْكُرُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ الْخَصْمُ الحَاضِرُ مَعَهُ
(7)
بِحُجَّةٍ
(8)
، وَجَعَلَ كُلَّ ذِي حُجَّةٍ عَلَى حُجَّتِهِ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إِنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، فِي الْيَوْمِ المُؤَرَّخِ فِي أَعْلَاهُ، وَأَمَرَ بِكَتْبِ هَذَا السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ مُتَسَاوَيَتَيْنِ)؛ لِأنَّهما اللَّتان
(9)
تقومُ
(10)
إحداهما
(11)
مَقامَ الأخْرَى، (تُخَلَّدُ
(12)
نُسْخَةٌ مِنْهُمَا دِيوَانَ
(13)
الْحُكْمِ، وَيَدْفَعُ
(14)
الْأُخْرَى إِلَى
(1)
في (م): يثبت عندي.
(2)
قوله: (المشهود؛ أي: ويذكر) سقط من (م).
(3)
في (م): أمره.
(4)
قوله: (به) سقط من (ظ) و (م).
(5)
في (ن): أو المحضر.
(6)
في (م): من.
(7)
قوله: (معه) سقط من (ظ) و (م).
(8)
في (م): بحجته.
(9)
في (ظ) و (م): اللسان.
(10)
في (م) و (ن): يقوم.
(11)
في (م): أحدهما.
(12)
في (ن): وتخلد.
(13)
في (ظ): بديوان.
(14)
في (ظ): وتدفع.
مَنْ كَتَبَهَا لَهُ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ
(1)
مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَوَثِيقَةٌ
(2)
فِيمَا أَنْفَذَهُ
(3)
فِيهِمَا
(4)
؛ لِتَضَمُّنِهما ذلك، (وَهَذَا يُذْكَرُ؛ لِيُخْرَجَ مِنَ الْخِلَافِ) في القَضاء على الغائب.
(وَلَوْ قَالَ: إِنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ
(5)
فُلَانٍ وَفُلَانٍ مَا فِي كِتَابِ نُسْخَتِهِ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ؛ سَاغَ ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ
(6)
الحُكْمِ
(7)
عَلَى الْغَائِبِ) عندنا
(8)
، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: الثُّبوتُ المجرَّدُ لا يَفتَقِرُ إلى حُضورهما، بل إلى دَعْواهما، وهذا يَنبَنِي على أنَّ الشَّهادةَ هل تفتقرُ
(9)
إلى حُضورِ الخَصْمَينِ؟ فأمَّا التَّزكِيَةُ فلا
(10)
.
(وَمَا يَجْتَمِعُ
(11)
عِنْدَهُ مِنَ المَحَاضِرِ
(12)
وَالسِّجِلاَّتِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ شَهْرٍ)، زاد في «الرِّعاية»: أوْ سَنَةٍ، (عَلَى قِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا؛ يَضُمُّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ)؛ لِأنَّ إفرادَ كلِّ واحدٍ يَشُقُّ، (وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا: مَحَاضِرُ وَقْتِ كَذَا، مِنْ
(13)
سَنَةِ كَذَا)؛ لتتميَّزَ
(14)
، ولِيُمْكِنَ إخْراجُها عِنْدَ الحاجة إلَيها.
(1)
قوله: (واحدة) سقط من (م).
(2)
في (م): وثيقة.
(3)
في (م): نقذه.
(4)
في (ظ) و (م): منهما.
(5)
في (ن): شهادة.
(6)
في (م): بجواز.
(7)
في (ن): القضاء.
(8)
قوله: (عندنا) سقط من (م).
(9)
في (ن): وهل يفتقر.
(10)
ينظر: الفروع 11/ 236.
(11)
في (ظ) و (م): وما يجمع.
(12)
في (ن): المحضر.
(13)
في (ن): في.
(14)
في (ن): ليتميز.
قال في «الكافي» : فإنْ تَوَلَّى ذلك بنفسه، وإلَّا وكَّلَ أمِينَه.
وذَكَرَ في «الرِّعاية» : أنَّه يَكتُبُ مع ذلك أسْماءَ أصْحابها، ويَختِمُ عَلَيها.
وإنْ أحْضَرَ خَصْمَه وادَّعَى عليه
(1)
فأنْكَرَ، وذَكَرَ القاضي أنَّه حَكَمَ عَلَيهِ، أو أنَّه
(2)
ثَبَتَ عِندَه ولم يَحكُمْ به؛ ألزمه
(3)
بالحقِّ بسُؤالِ خَصْمِه، وإنْ لم يَجزِمْ بذلك؛ فلا في الأَشْهَر.
وإنْ نَسِيَ الواقِعةَ، فشَهِدَ عِندَه عَدْلانِ: أنَّه حَكَمَ بها، أوْ ثَبَتَ عِندَه؛ لَزِمَه ثُبوتُها والحُكْمُ بها بسُؤالِ المدَّعِي في الأَظْهَر.
(1)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(2)
في (م) و (ن): وأنه.
(3)
في (ن): لزمه.
(بَابُ الْقِسْمَةِ)
القِسْمَةُ: بكَسْرِ القاف، والقِسْمُ بكَسْرِها أيضًا، وهو: النَّصيبُ المقْسُومُ.
قال
(1)
الجَوهَريُّ: القِسْمُ: مَصدَرُ قَسَمْتُ الشَّيءَ، فانْقَسَمَ، وقاسَمَه المالَ، وتَقاسَماهُ، واقْتَسَماهُ، والاِسْمُ: القِسْمةُ
(2)
.
وهي
(3)
: تمييزُ بعضِ الأَنْصِباء مِنْ بعضٍ، وإفْرازُها عنها.
والإجْماعُ على جَوازها
(4)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)} [القَمَر: 28]، {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ
…
(8)} الآيةَ [النِّسَاء: 8]، وقَولُه صلى الله عليه وسلم:«الشُّفْعةُ فِيمَا لم يُقْسَمْ»
(5)
، وكان يَقسِمُ الغَنائمَ بَينَ أصْحابه
(6)
.
والحاجةُ داعِيَةٌ إلى ذلك؛ لِيَتَمَكَّنَ كلُّ واحِدٍ من الشُّركاء من التَّصرُّف على حَسَبِ اخْتيارِه، ويَتخلَّصَ مِنْ سُوءِ المشاركة وكَثْرَةِ الأيْدِي.
(وَقِسْمَةُ الْأَمْلَاكِ جَائِزَةٌ)؛ للدَّليلِ السَّابِقِ.
(وَهِيَ نَوْعَانِ):
(قِسْمَةُ تَرَاضٍ: وَهِيَ مَا فِيهَا ضَرَرٌ، أَوْ رَدُّ عِوَضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ كَالدُّورِ الصِّغَارِ، وَالْحَمَّامِ، وَالْعَضَائِدِ)،
(1)
في (ظ): وقال.
(2)
ينظر: الصحاح 5/ 2010.
(3)
في (م): وهو.
(4)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 132، مراتب الإجماع ص 55.
(5)
أخرجه البخاري (2213)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(6)
في (ن): الصحابة.
من ذلك ما أخرجه البخاري (1059)، عن أنس رضي الله عنه، قال: لما فتحت مكة قسم الغنائم في قريش. الحديث.
واحدتها
(1)
: عِضادَةٌ، وهي ما يُصنع
(2)
لِجَرَيانِ الماء فِيهِ مِنْ السَّواقِي وذَواتِ الكَتِفَينِ، ومنه عِضادَتَا البابِ
(3)
، وهما جَنَبَتاهُ مِنْ جانِبَيهِ، (المُتَلَاصِقَةِ اللاَّتِي
(4)
لَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ مُنْفَرِدَةٍ، وَالْأَرْضُ الَّتِي فِي بَعْضِهَا بِئْرٌ أَوْ بِنَاءٌ، وَنَحْوُهُ، لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِالْأَجْزَاءِ)؛ لِأنَّه إذا أمْكَنَ قِسْمَتُه بالأجْزاء، مِثْلَ: أنْ تكون
(5)
البِئرُ وَاسِعةً يُمكِنُ أنْ يُجعَلَ نِصفُها لِواحِدٍ ونِصْفُها لِلآخَرِ، ويَجعَلَ بَينَهما حاجزًا
(6)
في أعْلاها، أو البناءُ
(7)
كبيرًا
(8)
يُمكِنُ أنْ يُجعَلَ لكلِّ واحِدٍ منهما نصفُه، (وَالتَّعْدِيلِ)، مِثْلَ أنْ يكُونَ في أحَدِ جانِبَي الأرضِ بئرٌ يُساوِي مائةً، وفي الآخَرِ منها
(9)
بِناءٌ يُساوِي مائةً، تكُونُ القِسْمةُ قِسْمةَ إجبارٍ
(10)
لا قِسمةَ تَراضٍ؛ لِأنَّه يُمكِنُ أنْ يجعل
(11)
البِئرُ لِأحَدِ الشَّرِيكَينِ مع نصف الأرض، والبِناءُ للآخَرِ مع نصف الأرض، (إِذَا رَضُوا بِقِسْمَتِهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ؛ جَازَ)؛ لِأنَّ الحقَّ لهما، وإنْ طَلَبا من الحاكم أنْ يَقسِمَه بَينَهما أجابَهما إلَيهِ، وإنْ لم يَثبُتْ عِندَه أنَّه مِلْكُهُما؛ لِأنَّ اليَدَ تَدُلُّ على الملك، ولا
(1)
في (م): واحدها.
(2)
في (ن): تصنع.
(3)
كتب في هامش (ظ): (أي: المتصلة صفًّا واحدًا، وهي: الدكاكين اللطاف الضيقة، فإن طلب أحدُهما قسمة بعضها في بعض لم يجبر الآخر؛ فإن كلَّ واحدٍ منهما مفردٌ ويقصد بالسكنى، ولكل واحد منهما طريق مفرد، فجرى مجرى الدور المتجاورة).
(4)
في (ن): التي.
(5)
في (م): يكون.
(6)
في (ن): حاضرًا.
(7)
في (م): والبناء.
(8)
في (ظ) و (ن): كثيرًا.
(9)
قوله: (منها) سقط من (م).
(10)
في (م): اختيار.
(11)
في (ظ): تجعل.
مُنازِعَ لهم، فثَبَتَ له من طريقِ الظَّاهِر، ولهذا يَجُوزُ له
(1)
التَّصرُّفُ فِيهِ مِنْ البَيع ونَحوِه كالاتهابِ.
(وَهَذِهِ) القِسْمَةُ
(2)
(جَارِيَةٌ مَجْرَى الْبَيْعِ)؛ لمَا فِيها من الرَّدِّ، وبهذا تَصِيرُ بَيعًا؛ لِأنَّ صاحِبَ الدَّارِ
(3)
بذَلَ
(4)
المالَ عِوَضًا عمَّا حَصَلَ في حقِّ شَريكِه، وهذا هو
(5)
البَيعُ.
(لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا المُمْتَنِعُ مِنْهَا
(6)
، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ)؛ لِمَا رَوَى أحمدُ، عن عبدِ الرَّزَّاق، عن مَعمَرٍ، عن جابِرٍ، عن عِكرَمَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ مَرْفوعًا، قال: «لا ضَرَرَ ولا إضرار
(7)
» رواه
(8)
ابنُ ماجَهْ والدَّارَقُطْنِيُّ، ولهما أيْضًا مِنْ حديثِ عمرِو بنِ يَحيَى المازِنِيِّ، عن أبِيهِ، عن أبي سعيدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضَرَرَ ولا ضرار
(9)
»، ورواه
(10)
مالِكٌ في «الموطَّأ» عن عمرو
(11)
، عن أبيهِ مُرسَلاً، قال النووي
(12)
: (حديثٌ حَسَنٌ، وله طُرُقٌ يُقَوِّي بَعضُها بَعْضًا)
(13)
، ولأنَّه إتْلافٌ وسَفَهٌ يَستَحِقُّ به الحَجْرَ، أشْبَهَ
(1)
قوله: (له) سقط من (ن).
(2)
في (م): قسمتها.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 10/ 101، والشرح الكبير 29/ 48: صاحب الرد.
(4)
في (م): بذلك.
(5)
في (م): وهو هذا.
(6)
قوله: (منها) سقط من (ظ) و (م).
(7)
في (م): ولا ضرار.
(8)
في (ظ): ورواه.
(9)
في (ن): ولا إضرار.
(10)
في (م): قال، وفي (ظ): رواه.
(11)
في (م): عمر.
(12)
في (ظ) و (م): الثوري. وينظر: الأربعين النووية بعد الحديث (32).
(13)
تقدم تخريجه 5/ 393 حاشية (3).
هدمَ
(1)
البِناء، ولِأنَّ فِيهَا إمَّا ضَرَرًا وإمَّا رَدَّ عِوَضٍ، وكِلاهُما لا يُجبَرُ الإنسانُ عَلَيهِ
(2)
.
لكِن إذا دَعا شَريكَه إلى بيعٍ
(3)
في قِسْمةِ تَراضٍ؛ أُجْبِرَ، فإنْ أَبَى؛ بِيعَ عَلَيهِما، وقُسِمَ الثَّمَنُ، نَقَلَه الميمونيُّ وحَنبَلٌ
(4)
، وذكره
(5)
القاضي وأصحابُه، وذَكَرَه في «الإرشاد» و «الفُصول» و «الإفصاح» و «التَّرغيب» وغيرها
(6)
، وكذا الإجارةُ.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ولو في وَقْفٍ
(7)
.
وللشَّافِعِيَّة وَجْهانِ في الإجارة
(8)
، قال ابنُ الصَّلاح: وَدِدْتُ لَو مُحِيَ مِنْ المذهب
(9)
، قال: وقد عُرِفَ مِنْ أصْلِنا أنَّه إذا امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ الإنْفاق على مَمَالِيكِه؛ باعَهم الحاكم عَلَيهِ، فإذا صِرْنَا إلى ذلك دَفْعًا للضَّرَر عن شَرِيكٍ له عَلَيهِ حَقٌّ وملْكٌ، فلِمَ لا يصير
(10)
إلى ذلك دَفْعًا للضَّرَر عن شَرِيكٍ لا حقَّ له
(11)
عَلَيهِ ولا ملْكَ!
(12)
(1)
في (م): عدم.
(2)
كتب في هامش (ظ): (ومن دعا شريكه فيها أو في شركة عبدٍ أو بهيمة أو سيف إلى البيع؛ أُجبر).
(3)
في (م): البيع.
(4)
ينظر: الفروع 11/ 237.
(5)
في (م): وذكر.
(6)
في (م): وغيرهما.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 238.
(8)
قوله: (في الإجارة) في (م): والإجارة.
(9)
في (م): الذهب.
(10)
قوله: (فلم لا يصير) في (م): فلا تصير.
(11)
قوله: (له) سقط من (ن).
(12)
ينظر: فتاوى ابن الصلاح 2/ 492، الفروع 11/ 238.
(وَالضَّرَرُ المَانِعُ مِنَ الْقِسْمَةِ)؛ أيْ: قِسْمةِ الإجْبارِ: (هُوَ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِالْقَسْمِ
(1)
، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ نَقْصَ قِيمَتِه ضَرَرٌ، وهو مَنفِيٌّ شَرعًا، وظاهِرُه: سَواءٌ انْتَفَعُوا به مَقْسومًا أوْ لَا.
(أَوْ لَا
(2)
يَنْتَفِعَانِ بِهِ مَقْسُومًا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ)، واخْتارَه المؤلِّفُ، وذَكَرَ في «الكافي»: أنَّه القِياسُ، وهو رِوايَةٌ، وذلك مِثْلَ أنْ يكُونَ بَينَهما دارٌ صغيرةٌ، إذا قُسِمَتْ أصابَ كلٌّ منهما مَوضِعًا ضَيِّقًا لا يَنتَفِعُ به، ولو
(3)
أمْكَنَ أنْ يَنتَفِعَ به في شَيءٍ غَيرِ الدَّار، أوْ لا يُمكِنُ أنْ ينتفع
(4)
به دارًا؛ فلا إجْبارَ؛ لِأنَّه ضررٌ
(5)
يَجرِي مَجرَى الإتْلافِ، بخِلافِ نُقْصانِ القِيمة، فإنَّ اعْتِبارَه يُؤَدِّي إلى بُطْلانِ القِسْمة غالِبًا، فَوَجَبَ أنْ لا يُعتَبَرَ، ولِأنَّ ضَرَرَ نَقْصِ القِيمةِ يَنجَبِرُ بِزَوالِ ضَرَرِ الشَّرِكة، فيَصِيرُ كالمعْدُومِ.
(فَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ؛ كَرَجُلَيْنِ؛ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَانِ، وَلِلآْخَرِ الثُّلُثُ، يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ بِقِسْمَتِهَا
(6)
، وَيَتَضَرَّرُ الآْخَرُ، فَطَلَبَ
(7)
مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ الْقَسْمَ؛ لَمْ يُجْبَرِ الآْخَرُ عَلَيْهِ)، اخْتارَه أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرعاية»
(8)
و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ فِيهِ إضاعةَ مالٍ، ولِأنَّها قِسْمَةٌ يَضُرُّ بها صاحِبَه، فلم يُجْبَرْ عَلَيْها؛ كما لو اسْتَضَرَّا معًا في
(1)
قوله: (بالقسم) سقط من (م).
(2)
في (م): ولا.
(3)
في (م): لو.
(4)
قوله: (أن ينتفع) في (م): أينتفع.
(5)
في (ن): لأن ضرره.
(6)
قوله: (بقسمتها) سقط من (ظ) و (م).
(7)
في (م): وطلب.
(8)
قوله: (و «الرعاية») سقط من (م).
الأصحِّ، قالَهُ في «الرِّعاية» .
(فَإِنْ
(1)
طَلَبَهُ الآْخَرُ؛ أُجْبِرَ الْأَوَّلُ)؛ لِأنَّ شريكَه مالِكٌ، طَلَبَ إفْرازَ نصيبه الَّذي لا يَسْتَضِرُّ بتَمْييزه، فَوَجَبَ إجابَتُه إلى ذلك.
(وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ طَلَبَهُ
(2)
الْأَوَّلُ؛ أُجْبِرَ الآْخَرُ، وَإِنْ طَلَبَهُ المَضْرُورُ؛ لَمْ يُجْبَرِ الآْخَرُ)، هذا روايةٌ عن أحمدَ، واخْتارَها جماعةٌ؛ كما لو كانا
(3)
لا يَسْتَضِرَّانِ، ولِأنَّه يُطالِبُ بحقٍّ؛ كقَضاءِ الدَّين.
والثَّالِثَةُ: أيُّهما طَلَبَ؛ لم يُجبَرِ الآخَرُ عَلَيهِ، وإنْ طَلَبَه المسْتَضِرُّ؛ أُجْبِرَ الآخَرُ، قدَّمه في «الشَّرح» وغَيره؛ لأنَّ
(4)
ضَرَرَ الطَّالِبِ رضِيَ به مَنْ يَسقُطُ حُكْمُه، والآخَرُ لا ضَرَرَ عَلَيهِ، فصار
(5)
كما لا ضَرَرَ فِيهِ.
وذَكَرَ أصْحابُنا: أنَّ المذْهَبَ: أنَّه لا يُجبَرُ الممْتَنِعُ عن القسمة؛ «لِنَهْيِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعَةِ المالِ»
(6)
، ولأن
(7)
طَلَبَ القِسْمةِ مِنْ المسْتَضِرِّ سفه
(8)
.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ قُلْنا: المانِعُ مِنْ الإجبار
(9)
نَقْصُ القِيمة؛ أُجْبِرَ الممْتَنِعُ مُطلَقًا، وإلَّا فَلَا.
فرعٌ: ما تَلاصَقَ مِنْ دُورٍ، وعَضائِدَ، ونَحوِها؛ اعْتُبِرَ الضَّرَرُ وعدَمُه في كلِّ
(1)
في (ن): وإن.
(2)
في (م): إن طالبه، وفي (ظ): أو طلب.
(3)
في (م): كان.
(4)
في (م): ولأن.
(5)
في (م): نصًا.
(6)
أخرجه البخاري (1477)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعًا:«إنّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» .
(7)
في (ظ): وإن.
(8)
في (م): سعة.
(9)
في (ن): الإخبار.
عَينٍ وَحْدَها، نَقَلَ أبو طالِبٍ: يَأخُذُ مِنْ كلِّ مَوضِعٍ حَقَّه إذا كان خَيرًا له
(1)
.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَبِيدٌ، أَوْ بَهَائِمُ، أَوْ ثِيَابٌ، وَنَحْوُهَا)، مِنْ جِنسٍ واحِدٍ، قالَه في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفُروع» ، وفي «المغْنِي»: مِنْ نَوعٍ، (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا
(2)
أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ؛ لَمْ يُجْبَرِ الآْخَرُ عَلَيْهِ)؛ أيْ: إذا كانَتْ مُتفاضِلَةً؛ لِأنَّ ذلك بَيعٌ، وكما لو اخْتَلَفَ الجِنْسُ، وإنْ لم يكُنْ ثَمَّ ضَرَرٌ ولا رَدُّ عِوَضٍ؛ فَذَكَرَ في «المستوعب»: أنَّه لا رِوايَةَ في ذلك عن أحمدَ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْبَرُ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو المنصوصُ إذا تَساوَت القِيمةُ
(3)
، وفي «الرِّعاية»: هو أظْهَرُ وأشْهَرُ.
وظاهره
(4)
: أنَّه لا يُجابُ إذا تفاوَتَتِ
(5)
القِيمةُ.
وقوَّى أبو الخَطَّاب: عَدَمَ الإجْبارِ؛ كما لا يُجبَرُ على قِسْمةِ الدُّورِ، بأنْ يَأخُذَ هذا دارًا؛ وكالأجناس، يُؤيِّدُه: أنَّ اخْتِلافَ الجِنْس لَيسَ بأكْثَرَ اخْتِلافًا من
(6)
قِيمةِ الدَّار الكبيرةِ؛ لِأنَّها ذاتُ بُيوتٍ واسِعةٍ وَضَيِّقَةٍ، وقديمةٍ وحديثةٍ، وهذا الاِخْتِلافُ لا يَمنَعُ الإجْبارَ، كذلك الجِنْسُ الواحِدُ.
وفارَقَ الدُّور، فإنَّه أمْكَنَ قِسْمةُ كلِّ دارٍ مِنْها على حِدَتِها، وهُنا لا يُمكِنُ.
وفي «الشَّرح» : فإنْ كانَتِ الثِّيابُ أنْواعًا؛ كحَريرٍ وقُطْنٍ؛ فهي كالأجْناسِ.
فرعٌ: الآجُرُّ، واللَّبِنُ المُتَسَاوِي القالَبِ؛ مِنْ قِسْمةِ الأجْزاءِ، والمُتَفاوِتُ مِنْ قِسْمةِ التَّعديلِ.
(1)
ينظر: الفروع 11/ 238.
(2)
في (ن): قسمتها.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 239.
(4)
في (م): فظاهره.
(5)
في (م): تفاوت.
(6)
في (م): في.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ؛ لَمْ يُجْبَرِ المُمْتَنِعُ مِنْ قِسْمَةٍ)، صحَّحه في «المحرر» ، وقدَّمه في «الرعاية» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ فيه ضررًا، (وَإِنِ
(1)
اسْتَهْدَمَ؛ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَسْمِ عَرْصَتِهِ)، وهي الَّتي لا بِناءَ فيها؛ لِأنَّه مَوضِعٌ للحائط، أشْبَهَ الأوَّلَ.
(وَقَاَل أَصْحَابُنَا: إِنْ طَلَبَ قَسْمَهُ طُولاً، بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ
(2)
نِصْفُ الطُّولِ فِي كَمَالِ الْعَرْضِ؛ أُجْبِرَ المُمْتَنِعُ)؛ لِأنَّه لا ضَرَرَ فِيهِ.
وقِيلَ: لا يُجبَرُ؛ لِأنَّه يُفضِي إلى أنْ يَبقَى ملْكُه الَّذي يَلِي نصيبَ صاحِبِه بغَيرِ حائطٍ.
(وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهُ عَرْضًا، وَكَانَتْ تَسَعُ حَائِطَيْنِ؛ أُجْبِرَ المُمْتَنِعُ
(3)
، قدَّمه في «الكافي» ، وحكاه في «المحرَّر» و «الفروع» عن القاضي فقطْ؛ لِأنَّه ملْكٌ مُشْتَرَكٌ يُمكِنُ الاِنْتِفاعُ به مَقْسومًا.
وقِيلَ: لا يُجبَرُ؛ لِأنَّه لا تدخله
(4)
القُرْعةُ؛ خَوفًا مِنْ أنْ يَحصُلَ لكلِّ واحِدٍ منهما ما يَلِي ملْكَ الآخَرِ.
وفي «الرِّعاية» و «الفروع» : ومع القِسمة؛ فقيل: لكلِّ واحدٍ ما
(5)
يَلِيهِ، وقِيلَ: يُقرَعُ بَينَهما.
(وَإِلَّا فَلَا)؛ أي
(6)
: إذا كان لا يَسَعُ ذلك على قَولهم؛ لِأنَّه يتضرَّر
(7)
بذلك.
(1)
في (ن): فإن.
(2)
قوله: (له) سقط من (م).
(3)
قوله: (لأنه لا ضرر فيه
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(4)
في (ن): لا يدخله.
(5)
في (ن): مما.
(6)
قوله: (أي) سقط من (ن).
(7)
في (ن): لا يتقرر.
وقال أبو الخَطَّاب: لا إجبار
(1)
في الحائط، بخِلافِ العَرْصة.
وقِيلَ: لا إجْبارَ فيهما، إلَّا في قِسْمةِ العَرْصة طولاً
(2)
في كَمالِ عَرْضِها.
وإنْ رَضِيَا بشَيءٍ مِنْ ذلك؛ جازَ.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارٌ لَهَا عُلْو وَسُفْلٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا
(3)
، لِأَحَدِهِمَا
(4)
الْعُلْوُ وَلِلآْخَرِ السُّفْلُ)، أوْ قَسْمَ العُلْو وَحْدَه، أوْ بالعكس؛ فلا إجْبارَ؛ كدَارَينِ مُتَلاصِقَتَينِ؛ لِأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مَسْكَنٌ مُنفَرِدٌ، ولأنَّ
(5)
في إحْدَى الصُّور قد يَحصُلُ لكلِّ واحِدٍ منهما عُلْوُ سُفْلِ
(6)
الآخَر، فيَسْتَضِرُّ كلٌّ منهما، وفي أحدهما يَحصُلُ التَّمييزُ
(7)
، والقِسْمةُ ترادُ
(8)
له.
ولو طَلَبَ أحدُهما قِسْمَتَها مَعًا، ولا ضَرَرَ؛ أُجْبِرَ الممْتَنِعُ، وعُدِّلَ بالقيمة، ولا يُحسَبُ فيها ذِراعُ سُفْلٍ بذراعي
(9)
عُلْوٍ، ولا ذِراعٌ بذِراعٍ.
(أَوْ
(10)
كَانَ بَيْنَهُمَا مَنَافِعُ؛ لَمْ يُجْبَرِ المُمْتَنِعُ مِنْ قَسْمِهَا
(11)
، جَزَمَ به في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لِأنَّ قِسْمةَ المنافِع إنَّما تكون
(12)
بقِسْمةِ الزَّمان، والزَّمانُ إنَّما يُقسَمُ
(13)
بأنْ يَأخُذَ أحدُهما قَبْلَ
(1)
في (ن): لا اختار.
(2)
في (ن): لا.
(3)
في (ن): قسمتها.
(4)
قوله: (قسمها لأحدهما) سقط من (م).
(5)
في (ن): ولا.
(6)
في (م): وسفل.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 10/ 105، والشرح الكبير 29/ 63: لا يحصل التمييز.
(8)
في (ن): يراد.
(9)
في (م): بذراع.
(10)
في (ن): وإن.
(11)
في (ن): قسمتها.
(12)
في (ن): يكون.
(13)
في (م): ينقسم.
الآخَرِ، وهذا لا تَسْوِيَةَ فِيهِ، فإنَّ الآخَرَ يتأخَّرُ حقُّه، فلا يُجبَرُ، ولِأنَّ الأصْلَ مُشاعٌ، والمنافِعَ تابِعةٌ له
(1)
.
وعَنْهُ: يُجبَرُ، واخْتارَه في «المحرَّر» في القِسْمة بالمكان ولا ضَرَرَ.
(وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى قَسْمِهَا
(2)
كَذَلِكَ)؛ أيْ: بزمَنٍ أوْ مَكانٍ؛ صحَّ، ويَقَعُ جائزًا، قدَّمه
(3)
في «الرِّعاية» و «الفروع» .
واختار
(4)
في «المحرَّر» و «الوجيز» : يَقَعُ لازِمًا إنْ تعاقدَا
(5)
مُدَّةً مَعْلومَةً.
وقِيلَ: لازِمًا بالمكان مطلَقًا.
(وَعَلَى قَسْمِ المَنَافِعِ بِالمُهَايَأَةِ؛ جَازَ)؛ لِأنَّ الحقَّ لهما، فإذا رَضِيَا به؛ جازَ.
فإن انْتَقَلَتْ كانْتِقالِ الوَقْف، فهل تَنتَقِلُ مَقْسومةً أوْ لا؟ فيه نَظَرٌ.
فإنْ كانَتْ إلى مُدَّةٍ؛ لَزِمَت الورثةَ والمشْتَرِيَ، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، قال
(6)
: (وقد صرَّح الأصحابُ بأنَّ الوقْفَ لا تجوز
(7)
قِسْمَتُه، إلاَّ إذا كان على جِهَتَينِ، فأمَّا إنْ كان على جهةٍ واحِدةٍ؛ فلا تُقسَمُ عَينُه قِسْمةً لازِمَةً اتِّفاقًا؛ لِتعلُّقِ حقِّ مَنْ يأتِي من البُطون، لكِنْ تَجوزُ المهايَأَةُ، وهي قِسْمةُ المنافع)
(8)
، وهذا وَجْهٌ.
وظاهِرُ كلامِ الأصْحابِ: لا فَرْقَ، قال في «الفروع»: وهو أظْهَرُ.
(1)
قوله: (له) سقط من (م).
(2)
في (ن): قسمتها.
(3)
في (م): وقدمه.
(4)
في (م) و (ن): واختاره. والمثبت موافق للفروع 11/ 241، والإنصاف 29/ 64.
(5)
في (ظ) و (ن): تعاهدا. والمثبت موافق للفروع 11/ 241.
(6)
قوله: (قال) سقط من (م).
(7)
في (ظ): لا يجوز.
(8)
ينظر: الفروع 11/ 242.
وفي «المبهج» : لُزُومُها إذا اقْتَسَمُوا بأنفسهم أوْ تهايَؤُوا.
تَتِمَّةٌ: نَفَقَةُ الحَيَوان في مُدَّةِ كلٍّ منهما عَلَيهِ، وإنْ نَقَصَ الحادِثُ عن العادة؛ فلِلآْخَر الفَسْخُ.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ ذَاتُ زَرْعٍ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قَسْمَهَا
(1)
دُونَ الزَّرْعِ؛ قُسِمَتْ)، جَزَمَ به الأصْحابُ؛ كالخالِيَة منه، ولِأنَّ الزَّرعَ في الأرض كالقُماش في الدَّار، وهو لا يَمْنَعُ القَسْمَ، كذا هُنا، وسَواءٌ خرج
(2)
الزَّرعُ أوْ كان بَذْرًا، فإذا اقْتَسَماها؛ بَقِيَ الزَّرعُ بَينَهما مُشتَرَكًا، كما لو باعا الأرضَ لِغَيرهما، قال في «الكافي»: هكذا ذَكَرَ أصْحابُنا.
والأَوْلى: أنَّه لا يَجِبُ؛ لِأنَّه يَلزَمُ منه بقاءُ الزَّرع المشْتَرَكِ في الأرض المقْسومَةِ إلى الجَذاذ، بخِلافِ القُماش.
(وَإِنْ طَلَبَ قَسْمَهَا
(3)
مَعَ
(4)
الزَّرْعِ)؛ لم يُجبَرِ الآخَرُ، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفُروع» ؛ لِأنَّها مُشْتَمِلَةٌ على ما لا يُجبَرُ على قَسْمِه وحْدَه، وهو الزَّرعُ، ولِأنَّه مُودَعٌ فيها للنَّقْل عنها، فلم تَجِبْ قِسْمَتُه؛ كالقُماش فيها.
وفي «المغْنِي» و «الكافي» : أنَّه يُجبَرُ في قَصِيلٍ وحبٍّ مُشْتَدٍّ؛ لِأنَّ الزَّرعَ كالشَّجَرِ في الأرض، والقِسْمةُ إفْرازُ حقٍّ، وإنْ قُلْنا: هي بَيعٌ؛ لم يُجبَرْ إذا اشْتَدَّ الحَبُّ؛ لِأنَّه يَتَضَمَّنُ بَيعَ السُّنبُل بعضِه ببعضٍ.
وقِيلَ: بَلَى؛ لِأنَّه دَخَلَ تَبَعًا، وفي البَذْر وَجْهانِ.
(1)
في (ن): قسمتها.
(2)
في (م): أخرج.
(3)
في (ن): قسمتها.
(4)
في (م): من.
(أَوْ قَسْمَ
(1)
الزَّرْعِ مُفْرَدًا؛ لَمْ يُجْبَرِ الآْخَرُ)؛ لِأنَّ القِسْمةَ لا بُدَّ فيها من تعديلِ المقْسومِ، وتعديلُ الزَّرع بالسِّهام لا يُمكِنُ؛ لبقائه في الأرضِ المشْتَرَكةِ.
(وَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَيْهِ
(2)
، وَالزَّرْعُ قَصِيلٌ أَوْ قُطْنٌ؛ جَازَ)؛ كبَيعه، ولِأنَّ الحقَّ لهم، ولجَوازِ التَّفاضُلِ إِذَنْ.
(وَإِنْ كَانَ بَذْرًا أَوْ سَنَابِلَ
(3)
قَدِ اشْتَدَّ حَبُّهَا؛ فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أصحُّهما: لا يَجُوزُ؛ لِأنَّ البَذْرَ
(4)
مجهولٌ، وأمَّا السُّنبُلُ؛ فلِأنَّه بِيعَ بعضه
(5)
ببعضٍ مع عدم
(6)
العِلْم بالتَّساوِي.
والثَّانِي: بَلَى إذا اقْتَسماهُ مع الأرض؛ لأنَّه
(7)
يَدخُلُ تَبَعًا.
وبَناهُ في «التَّرغيِب» : على أنَّها هَلْ هِيَ إفْرازٌ أوْ بيع؟
(8)
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَجُوزُ فِي السَّنَابِلِ) مع الأرض، (وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَذْرِ)؛ لِأنَّ الجَهالةَ في السُّنبُل أقَلُّ.
(وَإِنْ كَان بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ قَنَاةٌ
(9)
، أَوْ عَيْنٌ يَنْبُعُ
(10)
مَاؤُهَا؛ فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا عِنْدَ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسْلِمُونَ على
(1)
في (ن): قسمة.
(2)
قوله: (عليه) سقط من (ن).
(3)
في (ظ): وسنابل.
(4)
في (ن): النذر.
(5)
في (م): بعض.
(6)
في (ن): علم.
(7)
زيد في (ن): لا.
(8)
في (ن): بيع أو إفراز.
(9)
قوله: (أو قناة) سقط من (م).
(10)
في (م): نبع.
شُروطِهم»
(1)
، والنَّفَقةُ لحاجةٍ بقَدْرِ سقيهما
(2)
، فإنْ كان أحَدُهما أعْلَى؛ شارَكَ في الغَرامَة ما فَوقَه دُونَ ما تَحتَه.
فإن
(3)
احْتاجَ النَّهَرُ بَعْدَ الأسْفَل إصْلاحًا؛ كتصرُّف
(4)
الماءِ؛ فَعَلَيهِما.
(وَإِنِ
(5)
اتَّفَقَا عَلَى قَسْمِهِ بِالمُهَايَأَةِ
(6)
؛ كيَومٍ لهذا ويَومٍ للآخَر؛ (جَازَ)؛ لِأنَّ الحقَّ لهما، وكالأعيان.
(وَإِنْ
(7)
أَرَادَا
(8)
قَسْمَ ذلِكَ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ، أَوْ
(9)
حَجَرٍ مُسْتَوٍ فِي
(10)
مَصْدَمِ
(11)
الْمَاءِ فِيهِ
(12)
ثُقْبَانِ
(13)
عَلَى قَدْرِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ جَازَ)؛ لِأنَّ ذلك طريقٌ إلى التَّسْويَة بَينَهما؛ فجاز؛ كقَسمِ الأرضِ بالتَّعديل، ويُسمَّى المراز
(14)
.
(فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْقِيَ
(15)
بِنَصِيبِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شِرْبٍ)،
(1)
تقدم تخريجه 4/ 489 حاشية (8).
(2)
قوله: (بقدر سقيهما) في (م): على قدر سقيها.
(3)
في (م): فإذا.
(4)
في (م): كصرف.
(5)
في (ن): فإن.
(6)
في (م): المهايأة.
(7)
في (م): وإذا.
(8)
في (م) و (ن): أراد.
(9)
قوله: (خشبة أو) سقط من (ظ).
(10)
قوله: (في) سقط من (م).
(11)
في (م) و (ن): يصدم.
(12)
في (ن): وفيه.
(13)
قوله: (فيه ثقبان) في (م): يصار.
(14)
في (م): المزار، وفي (ن): الراز. قال في تاج العروس 15/ 329: (المرز بالفتح: الحبَّاس الذي يحبس الماء، فارسي معرب).
(15)
في (م): يستثني.
الشِّرْب: بكَسْر الشِّين، وإسكان الراء
(1)
، وهو النَّصيبُ من الماء، (مِنْ هَذَا النَّهَرِ؛ جَازَ)؛ لِأنَّ الحقَّ له، وهو يَتصرَّفُ على حَسَبِ اخْتِياره، وكما لو لم يكُنْ شَريكًا.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَجُوزَ)، هذا وَجْهٌ؛ لِأنَّه إذا طال الزَّمانُ يُظَنُّ أنَّ لهذه الأرضِ حَقًّا في السَّقْيِ من النَّهر المشْتَرَك، ويَأخُذُ لذلك
(2)
أكْثَرَ مِنْ حقِّه.
فإنْ أراد أحدٌ أنْ يُجْرِيَ بعضَه في ساقِيَةٍ إلى أرْضِه قَبْلَ قِسْمَتِه
(3)
؛ لم يَجُزْ، صرَّح به ابنُ حَمْدانَ.
(وَيَجِيءُ عَلَى أَصْلِنَا: أَنَّ المَاءَ لَا يُمْلَكُ، وَيَنْتَفِعُ كُلُّ وَاحِدٍ
(4)
مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ)، قاله
(5)
أبو الخَطَّاب؛ لِأنَّه يكُونُ مِنْ المُباحات، والمُباح يَنتَفِعُ كلُّ واحِدٍ على قَدْرِ حاجَتِه.
(1)
قوله: (الشين وإسكان الراء)، هو في (ظ) و (م):(الباء).
(2)
في (م): كذلك.
(3)
في (م): تسميته.
(4)
قوله: (واحد) سقط من (م).
(5)
في (م): قال.
(فَصْلٌ)
(النَّوْعُ الثَّانِي: قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ)؛ لِأنَّه يَلِي الأوَّلَ، وهو قِسْمةُ التَّراضِي، (وَهِيَ
(1)
: مَا لَا ضَرَرَ فِيهَا، وَلَا رَدَّ عِوَضٍ؛ كَالْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ، وَالْقُرَى، وَالْبَسَاتِينِ، وَالدُّورِ الكِبَارِ
(2)
، وَالدَّكَاكِينِ الْوَاسِعَةِ)، والمرادُ به: أحدُها، سَواءٌ كانَتْ مُتَساوِيَةَ الأجْزاء أوْ لا، إذا أمْكَنَ قَسْمُها بالتَّعديل، بأنْ لا يُجعَلَ شَيءٌ معها، فلهما قَسْمُ أرْضِ بُسْتانٍ وحدَها، وعكسه
(3)
، والجميعُ، فإنْ قَسَما الجميعَ أو الأرضَ؛ فقسمة
(4)
إجْبارٍ، ويَدخُلُ الشَّجَرُ تَبَعًا، وإنْ قَسَمَا الشَّجَرَ فقط؛ فتَراضٍ، ولِأنَّ جَوازَ قَسْمِ الأرض مع اختلافها
(5)
يَدُلُّ على جَوازِ قَسْمِ ما لا يَختَلِفُ بطريقِ التَّنبيه
(6)
، سَواءٌ قُلْنَا: القِسْمَةُ بَيعٌ أوْ إفْرازٌ.
(وَالمَكِيلَاتِ
(7)
وَالمَوْزُونَاتِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ)؛ لِأنَّ الغَرَضَ تمييزُ الحقِّ، وذلك لا يَختَلِفُ بالنِّسبة إلى ذلك، فإنْ كان فيها
(8)
أنْواعٌ؛ كحِنْطةٍ وشَعِيرٍ وتمرٍ وزبيبٍ، فطَلَبَ أحدُهما قِسْمةَ كلِّ نَوعٍ على حِدَتِه؛ أُجْبِرَ الممْتَنِعُ.
وإنْ طَلَبَ قَسْمَها أعْيانًا بالقِيمة؛ لم يُجبَرْ؛ لِأنَّ هذا بَيعُ نوعٍ
(9)
بنوعٍ آخَرَ، ولَيسَ بقِسْمةٍ، فلم يُجبَرْ عَلَيهِ؛ كغَيرِ الشَّريك، فإنْ تَراضَيَا عَلَيهِ؛ جازَ، وكان
(1)
في (ظ): وهو.
(2)
في (ن): والدور الكبار والقرى والبساتين.
(3)
في (ظ): وغلته.
(4)
في (م): بقسمة.
(5)
في (م): اختلافهما.
(6)
في (م) و (ن): البينة. والمثبت موافق للشرح الكبير 29/ 72.
(7)
في (م): والكيالات.
(8)
في (م): فيهما.
(9)
قوله: (على حدته أجبر الممتنع
…
) إلى هنا سقط من (م).
بَيعًا، يُعتَبَرُ له التَّقابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّق فِيما يُعتَبَرُ فِيهِ التَّقابُضُ، وسائرُ شُروطِ البَيعِ.
(سَوَاء كَانَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ؛ كَالدِّبْسِ وَخَلِّ التَّمْرِ، أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ؛ كَخَلِّ الْعِنَبِ، وَالْأَدْهَانِ، وَالْأَلْبَانِ)، ونحوِها؛ لمَا قُلْنا: من
(1)
أنَّ الغَرَضَ تمييزُ الحقِّ.
(فَإِنْ
(2)
طَلَبَ أَحَدُهُمَا) القَسْمَ
(3)
، (وَأَبَى الآْخَرُ؛ أُجْبِرَ) الممْتَنِع، هو أوْ وَلِيُّه، وكذا
(4)
حاكِمٌ في الأشْهَر، (عَلَيْهِ)؛ لِأنَّه يَتَضَمَّنُ إزالةَ الضَّرر الحاصِلِ بالشَّركة، وحُصولَ النَّفْع للشَّريكَينِ؛ لِأنَّ نصيبَ كلِّ واحِدٍ مِنهما إذا تميَّز؛ كان له أنْ يَتصَرَّفَ فِيهِ بحَسَبِ اخْتِيارِه، ويَتَمَكَّنَ مِنْ إحْداثِ الغِراس والبِناء، وذلك لا يُمكِنُ مع الاِشْتِراكِ.
ويُشتَرَطُ له مع
(5)
ما ذكره
(6)
المؤلِّفُ: أنْ يثبتَ
(7)
عِنْدَ الحاكِمِ أنَّه مِلْكُهُم ببيِّنةٍ؛ لِأنَّ في الإجْبارِ عَلَيها حُكْمًا على الممْتَنِع منهما، فلا
(8)
يَثبُتُ إلَّا بما يثبتُ
(9)
به
(10)
المِلْكُ لخَصْمه، بخِلافِ حالةِ الرِّضا، فإنَّه لا يُحكَمُ على أحدهما، ولم يَذكُرْه آخَرُونَ، وجَزَمَ به في «الرَّوضة» ، واخْتارَهُ الشَّيخُ تقيُّ
(1)
قوله: (من) سقط من (م).
(2)
في (ن): فإذا.
(3)
في (ن): قسمة.
(4)
في (م): وهذا.
(5)
قوله: (مع) سقط من (م).
(6)
في (ن): ذكر.
(7)
في (ن): تثبت.
(8)
في (ن): ولا.
(9)
قوله: (إلا بما يثبت) سقط من (ن).
(10)
قوله: (به) سقط من (م).
الدِّين
(1)
؛ كبَيعِ مَرْهُونٍ وجانٍ.
ونَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ أقام بيِّنةً بسَهْمٍ مِنْ ضَيعةٍ بِيَدِ
(2)
قَومٍ، فهَرَبُوا منه: يُقسَمُ عَلَيهم ويُدفَعُ إلَيهِ حقُّه
(3)
.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (وإنْ لم يَثْبُتْ ملْكُ الغائب)
(4)
، فدلَّ أنَّه يَجُوزُ ثُبوتُه، وأنَّه أَوْلَى.
وفي «المحرَّر» : يَقسِمُ حاكِمٌ على غائبٍ قِسْمةَ إجبارٍ
(5)
.
وفي «المبْهِج» و «المستوعب» : بل
(6)
مع وكيله فيها الحاضِرِ، واخْتارَه في «الرِّعاية» في عَقارٍ بِيَدِ غائبٍ.
(وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ إِفْرَازُ) - يُقالُ: فَرَزْتُ الشَّيءَ، وأفْرَزْتُه: إذا عزلتَه
(7)
، والإفْرازُ: مَصدَرُ أفْرَزَ - (حَقِّ أَحَدِهِمَا مِنَ الآْخَرِ فِي ظَاهِرِ المَذْهَبِ)، وقاله في «المحرَّر» ، وصحَّحه في «المستوعب» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّها لا تَفتَقِرُ إلى لَفْظِ التَّمليك، ولا تجب
(8)
فيها شُفْعةٌ، ويَلزَمُ بإخْراجِ القُرعة، ويتقدَّر
(9)
أحدُ النَّصيبَينِ بمُقدَّرٍ، ويَدخُلُها الإجْبارُ.
(وَلَيْسَتْ بَيْعًا)؛ لِأنَّها تُخالِفُه في الأحكام والأسباب، فلم تكن
(10)
بَيعًا؛
(1)
ينظر: الاختيارات ص 508، الفروع 11/ 245.
(2)
قوله: (ضيعة بيد) في (م): ضيعة بين.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 508.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 508، الفروع 11/ 246.
(5)
في (م): اختيار.
(6)
في (ن): بلى.
(7)
قوله: (إذا عزلته) سقط من (م).
(8)
في (م): ولا يجب.
(9)
في (م): ويتصدر، وفي (ن): ويتعذر.
(10)
في (م) و (ن): فلم يكن.
كسائر العُقود.
(فَيَجُوزُ
(1)
قِسْمَةُ
(2)
الْوَقْفِ)؛ أيْ: تصحُّ
(3)
بلا ردٍّ مِنْ أحدهما.
(وَإِنْ
(4)
كَانَ نِصْفُ الْعَقَارِ طِلْقًا)، الطِّلْقُ بكَسْرِ الطَّاء: الحَلالُ، وسُمِّيَ المملوكُ طِلْقًا؛ لِأنَّ جميعَ التَّصرُّفات فيه حَلالٌ، والموقوفُ لَيسَ كذلك، (وَنِصْفُهُ وَقْفًا؛ جَازَتْ قِسْمَتُهُ) إن
(5)
طَلَبَها صاحِبُ الطِّلْق، فإنْ كان فيها ردُّ عِوَضٍ، وفَعَلَا ذلك في وَقْفٍ؛ لم
(6)
يَجُزْ؛ لِأنَّ بَيعَه غَيرُ جائزٍ، وإنْ كان مِنْ أهلِ الوقْف؛ جَازَ؛ لِأنَّهم يَشْتَرونَ بعضَ الطِّلْق، ذَكَرَه مُعظَمُ الأصْحابِ.
(وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الثِّمَارِ خَرْصًا)؛ أي: الَّتي تُخرَصُ، (وَقِسْمَةُ ماَ يُكَالُ وَزْنًا، وَمَا يُوزَنُ كَيْلاً)؛ لِأنَّ الغَرَضَ التَّمييزُ، زاد فِيهِما في «التَّرغيب»: على الأصحِّ.
فرعٌ: يَجُوزُ قَسْمُ لحمٍ
(7)
رَطْبٍ بمِثْله، ولحمِ
(8)
هَدْيٍ وأَضاحٍ، ولا
(9)
يَجُوزُ بَيعُه.
(وَالتَّفَرُّقُ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ)؛ لِأنَّ التَّفرُّقَ إنَّما مُنِع
(10)
منه في البَيع.
(1)
في (م): فتجوز.
(2)
في (ن): قسم.
(3)
في (م): لا تصح، وفي (ن): يصح.
(4)
في (ن): وإذا.
(5)
في (ظ): أي.
(6)
في (م): لا.
(7)
قوله: (لحم) سقط من (م).
(8)
في (م): ولم لحم.
(9)
في (م): لا.
(10)
في (م): يمنع.
(وَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَقَسَمَ؛ لَمْ يَحْنَثْ)؛ لِأنَّ ذلك لَيسَ بِبَيعٍ.
(وَحُكِيَ عَنْ أَبِي
(1)
عَبْدِ اللهِ بنِ بَطَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْبَيْعِ)؛ لِأنَّه يَبذُلُ نصيبَه مِنْ أحَدِ السَّهْمَين
(2)
بنصيبِ صاحبه من السَّهم الآخَر، وهذا حقيقةُ البَيعِ، (فَلَا
(3)
يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ)، فلا تجوز
(4)
قِسْمَةُ مَا كُلُّهُ وَقْفٌ أَوْ بَعْضُهُ.
وفي «المحرَّر» عَلَيهما: إنْ كان
(5)
الرَّدُّ مِنْ رَبِّ وَقْفٍ لِرَبِّ الطِّلق
(6)
؛ جازتْ قِسْمَتُه بالتَّراضِي في الأصحِّ.
وفي «التَّرغيب» عَلَيهما: ما كُلُّه وقْفٌ لا تصحُّ
(7)
قِسْمَتُه في الأصحِّ.
ولا شُفْعةَ مُطلَقًا بجَهالةِ ثَمَنٍ، ويُفسَخُ
(8)
بعَيبٍ.
وقِيلَ: تَبطُلُ؛ لفَوت التَّعديل.
وإنْ بانَ غَبْنٌ فاحشٌ
(9)
؛ لم يَصِحَّ.
وعلى الثَّاني: كبِيعٍ.
ويَصِحُّ بقَوله: رَضِيتُ، بدونِ لَفْظ القِسمة، وفيه على الثَّاني في «التَّرغيب» وجْهانِ.
مُلحَقٌ: قال القاضي في «الخلاف» ، وابنُ الزَّاغُونيِّ في «الواضح»: ويَثبُتُ في القِسْمة الخِياران على المذهبين
(10)
جميعًا؛ لِأنَّ وَضْعَهما للنَّظر،
(1)
قوله: (أبي) سقط من (م).
(2)
في (ن): الشهرين.
(3)
في (م): ولا.
(4)
في (ن): فلا يجوز.
(5)
قوله: (كان) سقط من (م).
(6)
قوله: (وقف لرب الطلق) في (م): المال المطلق.
(7)
في (ن): لا يصح.
(8)
في (ظ): وبفسخٍ.
(9)
قوله: (غبن فاحش) في (ن): عين بأحسن.
(10)
في (ن): المدعيين.
وهذا يُحتاجُ إلَيهِ هُنا.
وفي «النِّهاية» : القسمةُ
(1)
إفْرازُ حقٍّ على الصَّحيح، فلا يَدخُلُها خِيارُ المجلس، وإنْ كان فيها رَدٌّ؛ احْتَمَلَ أنْ يَدخُلَها خِيارُ المجْلِس.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ بَعْضُهَا يُسْقَى سَيْحًا، وَبَعْضُهَا بَعْلاً، وَفِي
(2)
بَعْضِهَا نَخْلٌ، وَفِي بَعْضِهَا شَجَرٌ، فَطَلَبَ
(3)
أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ
(4)
كُلِّ عَيْنٍ
(5)
عَلَى حِدَةٍ، وَطَلَبَ الآْخَرُ قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ؛ قُسِمَتْ كُلُّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ
(6)
إِذَا أَمْكَنَ)؛ لِأنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّعْديل؛ لِأنَّ لكلِّ واحدٍ منهما حقًّا في الجميع، ولِأنَّ الحامل
(7)
على القِسْمة زَوالُ الشَّركة، وهو حاصِلٌ فيما ذُكِرَ، وحِينَئذٍ فتتعيَّن
(8)
إجابةُ طالِبِه؛ لِأنَّ ضَرَرَ صاحبِه يَزُولُ بإجابته، وإذا لم يُمكن
(9)
قِسْمَةُ
(10)
كلِّ عَينٍ على حِدَةٍ؛ قُسِمَ الجميعُ إنْ كان قابِلاً لها، وإلَّا فَلَا.
(1)
في (م): القسم.
(2)
في (ن): أو في.
(3)
في (م): وطلب.
(4)
في (ن): قسم.
(5)
في (ظ): عين.
(6)
قوله: (وطلب الآخر قسمها .... ) إلى هنا سقط من (م).
(7)
في (م): الحاصل.
(8)
في (ن): فيتعين.
(9)
في (م): لم يكن.
(10)
في (ن): قسم.
(فَصْلٌ)
(وَيَجُوزُ لِلشُّرَكَاءِ) أنْ يَتقاسَمُوا بأنفسهم، و (أَنْ يَنْصِبُوا قَاسِمًا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ لِأنَّ الحقَّ لهم لا يَعدُوهم، (وَأَنْ يَسْأَلُوا الْحَاكِمَ نَصْبَ
(1)
قَاسِمٍ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ)؛ لِأنَّ طَلَبَ ذلك حقٌّ لهم، فجاز أنْ يَسأَلُوا الحاكِمَ؛ كغَيرِه من الحُقوق.
(وَمِنْ شَرْطِ مَنْ يُنْصَبُ: أَنْ يَكُونَ عَدْلاً، عَارِفًا بِالْقِسْمَةِ)، مع إسلامه وإنْ كان عَبدًا، وفي «المغْنِي»: عارِفًا بالحساب؛ لِأنَّه كالخطِّ للكاتِب.
وفي «الكافي» : إنْ كان مِنْ جِهَةِ الحاكم؛ اشْتُرِطَتْ عَدالتُه، وإنْ كان مِنْ جِهَتِهم؛ لم تشترط
(2)
، إلَّا أنَّه إنْ كان عَدْلاً؛ كان كقاسِم الحاكم في لُزومِ قِسْمَتِه، وإنْ لم يكُنْ عَدْلاً؛ لم تَلزَمْ قسمتُه
(3)
إلَّا بتراضيهما؛ كما لو اقْتَسَمُوا بأنفسهم.
وتباح
(4)
أُجْرَتُه.
وعَنْهُ: هي كقربةٍ
(5)
، نَقَلَ صالِحٌ: أكرهه
(6)
، قال ابنُ عُيَيْنةَ: لا يَأخُذُ على شَيءٍ مِنْ الخَير أجرًا.
وهي على قَدْرِ الأمْلاكِ، نَصَّ عَلَيهِ
(7)
.
(1)
في (ن): نصيب.
(2)
في (م) و (ن): لم يشترط.
(3)
قوله: (وإن لم يكن عدلاً لم تلزم قسمته) سقط من (م).
(4)
في (م): ويباح.
(5)
في (ن): كقرية.
(6)
في (م): أكره. ينظر: مسائل صالح 3/ 112.
(7)
ينظر: زاد المسافر: 3/ 544.
وفي «الترغيب» : إذا أطْلَقَ الشُّركاءُ العقدَ
(1)
، وأنَّه لا يَتقرَّرُ
(2)
واحِدٌ بالاِسْتِئْجار بلا إذْنٍ.
وقِيلَ: بعَدَدِ المُلاَّك
(3)
.
وفي «الكافي» : على ما شَرَطَا.
فعلى النصِّ: أُجْرَةُ شاهِدٍ يخرجُ
(4)
لقَسْمِ
(5)
البلاد، ووكيلٍ، وأمينٍ للحفظ: على مالِكٍ، وفلاَّحٍ كأمْلاكٍ، ذكره
(6)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(7)
.
(فَمَتَى عُدِّلَتِ السِّهَامُ، وَأُخْرِجَتِ الْقُرْعَةُ؛ لَزِمَتِ الْقِسْمَةُ)؛ أيْ: قِسْمةُ الإجْبار؛ لِأنَّ القاسِمَ كالحاكم، وقُرعَتُه كالحكم، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
، قدَّمه في «المستوعب» و «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، بدليلِ: أنَّه
(9)
يَجتَهِدُ في تعديلِ السِّهام؛ كاجْتِهادِ الحاكم في طلبِ الحقِّ، فَوَجَبَ أنْ تلزم
(10)
قُرعتُه، وقِسْمةُ التَّراضِي إذا لم يكُنْ فيها ردُّ عِوَضٍ؛ فتلزم
(11)
، كما إذا كان فيها ردُّ عِوَضٍ على المذهب
(12)
.
(1)
قوله: (العقد) سقط من (م).
(2)
في (م): لا يتصور، وفي (ن): لا ينفرد.
(3)
في (م): الأملاك.
(4)
في (ن): ليخرج.
(5)
في (م): بقسم.
(6)
في (م): ذكر.
(7)
ينظر: الاختيارات ص 509، الفروع 11/ 249.
(8)
ينظر: الفروع: 11/ 251.
(9)
في (م): أن.
(10)
في (م): يلزم.
(11)
في (ن): فيلزم.
(12)
قوله: (على المذهب) في (م): كالمذهب.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَلْزَمَ فيما
(1)
فِيهِ رَدُّ عِوَضٍ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ حَتَّى يَتَرَاضَيَا
(2)
بِذَلِكَ) بَعْدَ القُرعة، سَواءٌ قَسَمَها الحاكِمُ، أوْ قاسمه
(3)
، أوْ قاسَمَهم؛ لِأنَّ رِضاهما مُعتَبَرٌ في الأوَّل، ولم يُوجَدْ ما يُزيلُه، فَوَجَبَ اسْتِمْرارُه، ولِأنَّها بَيعٌ، فلا يَلزَمُ بِغَيرِ التَّراضِي؛ كسائرِ البُيوعِ.
وقِيلَ: بالرضا
(4)
بعدَها مُطلَقًا.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : بالرِّضا بعدَها إن اقتسماه
(5)
بأنفسهما.
وإنْ تَراضَيَا على أنْ يَأخُذَ كلُّ واحدٍ منهما سهمًا بغَيرِ قُرعةٍ، أوْ خيَّر
(6)
أحدُهما صاحِبَه، فاخْتارَ أحدَ القِسْمَينِ؛ جاز، ويَلزَمُ بتراضِيهما وتفرُّقهما كالبيع، ذكره
(7)
جماعةٌ.
(وَإِذَا
(8)
كَانَ فِي الْقِسْمةِ تَقْوِيمٌ؛ لَمْ يَجُزْ أَقَلُّ مِنْ قَاسِمَيْنِ)، ذَكَرَه في «المستوعب» و «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّها شهادةٌ بالقِيمة، فلم يُقبَلْ فيه أقلُّ من اثْنَينِ؛ كسائرِ الشَّهادات.
وقِيلَ: يَكْفِي فيه واحِدٌ.
(وَإِنْ خَلَتْ مِنْ تَقْوِيمٍ؛ أَجْزَأَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ)؛ لِأنَّ القاسِمَ مُجتَهِدٌ في التّقويم، وهو يَعمَلُ باجْتِهاده، أشْبَهَ الحاكِمَ، وفي «الكافي»: لِأنَّه حَكَمَ
(1)
في (م): ألاَّ تلزم كما.
(2)
في (ن): يرضيا.
(3)
قوله: (أو قاسمه) سقط من (م).
(4)
في (م): الرضا.
(5)
في (ن): اقتسما.
(6)
في (ن): ختن.
(7)
في (م): ذكر.
(8)
في (ن): وإن.
بَينَهما، فأشْبَهَ الحاكِمَ.
(وَإِذَا سَأَلُوا الْحَاكِمَ قِسْمَةَ عَقَارٍ لَمْ يَثْبُتْ
(1)
عِنْدَهُ أَنَّهُ لَهُمْ؛ قَسَمَهُ) لِأنَّ اليدَ
(2)
دليلُ الملك، ولا مُنازِعَ لهم، فثَبَتَ لهم من طريقِ الظَّاهِر، فَوَجَبَ أنْ يَتَناوَلَ ثُبوتَ الملك في القِسْمة، (وَذَكَرَ) الحاكِمُ القاسِمُ (فِي كِتابِ الْقِسْمةِ: أَنَّ قَسْمَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ، لَا عَنْ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُمْ بِمِلْكِهِمْ)؛ لِئلَّا يَتَوَهَّمَ الحاكِمُ بعدَه أنَّ القِسْمةَ وَقَعَتْ بعدَ ثُبوتِ ملكِهم، فيُؤدِّيَ ذلك إلى ضَرَرِ مَنْ يَدَّعِي في العَين حَقًّا، وقد سَبَقَ.
(وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِسْمَةِ
(3)
؛ لَمْ يَقْسِمْهُ) حتَّى يَثبُتَ عِندَه أنَّه ملكُهم؛ لِأنَّ الإشاعةَ حقٌّ لكلِّ واحِدٍ منهم، فإذا لم يرضَ
(4)
بعضُهم، ولم يَثبُتْ ما يُوجِبُ القِسْمةَ؛ لم يَجُزِ
(5)
التَّصرُّفُ في حقِّه بغَيرِ رِضاهُ.
وفي «الرعاية»
(6)
: إنْ كان بَينَ شَريكَينِ مُهايَأَةٌ لازِمةٌ، فطَلَبَ أحدُهما القِسْمةَ؛ بَطَلَت المهايَأَةُ.
(1)
في (ن): لم تثبت.
(2)
في (ظ): الرد.
(3)
قوله: (القسمة) سقط من (ظ).
(4)
في (ن): لم يوص.
(5)
في (ظ): لم يجب.
(6)
قوله: (وفي «الرعاية») سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(وَيُعْدِّلُ الْقَاسِمُ السِّهَامَ)؛ لِأنَّ ضدَّ ذلك جَورٌ، وهو غَيرُ جائزٍ إجْماعًا، (بِالْأَجْزَاءِ إِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً)؛ كأرضٍ قِيمةُ جميعِ أجْزائها مُتَساوِيَةٌ، فهذه تُعدَّلُ سِهامُها بالأجزاء؛ لِأنَّه يَلزَمُ من التَّساوِي بالأجزاء التَّساوِي بالقيمة.
(وَبِالْقِيمَةِ إِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً
(1)
؛ كأرضٍ أحدُ جَوانِبِها يُساوِي مِثْلَي
(2)
الآخر، فهذه يعدَّل
(3)
فيها بالقيمة؛ لأنَّه
(4)
لمَّا تَعذَّرَ التَّعديلُ بالأجزاء؛ لم يَبقَ إلاَّ التَّعديلُ بالقيمة، ضرورةَ أنَّ قِسْمةَ الإجْبار لا تَخْلُو مِنْ أحدهما، وهذا مع اتِّفاقِ السِّهامِ واختلافِها.
(وَبِالرَّدِّ
(5)
إِنْ كَانَتْ تَقْتَضِيهِ)؛ كأرضٍ قِيمَتُها مِائَةٌ، فِيها شَجَر أوْ بِئرٌ يُساوِي مِائَتَينِ، فإذا جُعِلَت الأرضُ بَينَهما؛ كانت الثُّلثَ، ودَعَت الضَّرورةُ إلى أنْ تُجعل
(6)
مع الأرض خمسون دِرْهمًا، يَرُدُّها مَنْ خَرَجَتْ له الشَّجرُ أو البئرُ على مَنْ خَرَجَتْ له الأرضُ؛ لِيكونا نِصفَينِ مُتساوِيَينِ.
(ثُمَّ
(7)
يُقْرِعُ بَيْنَهُمْ)؛ لإزالةِ
(8)
الإبْهام الحاصِلِ؛ قِياسًا لبعضِ مَوارِدِ الشَّرع على بعضٍ، (فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ
(9)
؛ صَارَ لَهُ)؛ لِأنَّ هذا شَأْنُ القُرْعةِ.
(1)
قوله: (وبالقيمة إن كانت مختلفة) سقط من (م).
(2)
قوله: (مثلي) سقط من (م).
(3)
في (ن): تعدل.
(4)
قوله: (لأنه) سقط من (ن).
(5)
قوله: (وبالرد) سقطت من (م).
(6)
في (م): يجعل.
(7)
في (م) و (ن): لم.
(8)
في (م): لأن آلة.
(9)
في (ن): سهمه.
(وَكَيْفَمَا أَقْرَعَ
(1)
جَازَ)؛ لِأنَّ الغَرَضَ التَّمييزُ، وذلك حاصِلٌ، فَعَلَى هذا: يَجُوزُ أنْ يُقرِعَ بَينَهم بخَواتِمَ، وحصًى
(2)
، وغَيرِ ذلك.
(إِلَّا أَنَّ الْأَحْوَطَ: أَنْ يَكْتُبَ اسْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي رُقْعَةٍ)؛ لِأنَّه طريقٌ إلى
(3)
التَّمييز، (ثُمَّ يُدْرِجَهَا فِي بَنَادِقِ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ مُتَسَاوِيَةِ الْقَدْرِ وَالْوَزْنِ)؛ لِأنَّه لا يُعلَمُ بَعضُها مِنْ بعضٍ، (وَيَطْرَحَ
(4)
فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ)؛ لِأنَّه أنْفَى للتُّهمة، (وَيُقَالَ لَهُ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ)؛ لِيُعْلَمَ مَنْ له ذلك، (فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ؛ كَانَ لَهُ)؛ لِأنَّ اسْمَه خَرَجَ عَلَيهِ، ويُميِّزُ سَهْمَه به.
(ثُمَّ الثَّانِي كَذَلِكَ)؛ أيْ: كالأوَّل من القول؛ لِأنَّه كالأوَّل معنًى، فيجب
(5)
أنْ يكونَ كذلك حُكْمًا.
(وَالسَّهْمُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَسِهَامُهُمْ مُتَسَاوِيَةً
(6)
؛ لِأنَّ السَّهمَ الثَّالِثَ تعيَّن
(7)
له؛ لِزوالِ الإبهام.
وذَكَرَ أبو بكرٍ: أنَّ البَنادِقَ تُجعلُ
(8)
طِينًا، وتُطرحُ
(9)
في ماءٍ، فأيُّ البَنادِق أنحلَّ
(10)
عنها الطِّينُ، وخَرَجَتْ رُقعتُها
(11)
على أعْلَى الماء؛ فهي له،
(1)
في (ن): قرع.
(2)
في (م) و (ن): وجصًا.
(3)
قوله: (إلى) سقط من (م) و (ن).
(4)
في (م): وتطرح.
(5)
في (ظ): يستحب.
(6)
قوله: (متساوية) سقط من (م).
(7)
في (ظ): يعين.
(8)
في (ن): يجعل.
(9)
في (ن): ويطرح.
(10)
في (م): انجلى.
(11)
في (ن): دفعتها.
وكذا
(1)
الثَّاني والثَّالثُ وما بَعْدَه، فإنْ خَرَجَ اثْنانِ مَعًا؛ أُعِيدَت القُرعةُ.
وما ذَكَرَه المؤلِّفُ أَوْلَى وأسْهَلُ، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
(وَإِنْ كَتَبَ اسْمَ كُلِّ سَهْمٍ
(2)
فِي رُقْعَةٍ، وَقَالَ: أَخْرِجْ بُنْدُقَةً بِاسْمِ فُلَانٍ، وَأَخْرِجْ الثَّانِيَةَ بِاسْمِ الثَّانِي، وَالثَّالِثَةَ لِلثَّالِثِ؛ جَازَ)، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع»
(3)
؛ لِأنَّ الغَرَضَ يَحصُلُ بذلك.
وذَكَرَ في «الكافي» و «المستوعب» : أنَّه يُخيَّرُ بَينَه وبَينَ الَّذي قَبْلَه.
(وَإِنْ كَانَتِ السِّهَامُ مُخْتَلِفَةً؛ كَثَلَاثَةٍ: لِأَحَدِهِمُ النِّصْفُ، وِلِلآْخَرِ الثُّلُثُ، وَلِلآْخَرِ السُّدُسُ؛ فَإِنَّهُ يُجَزِّئُهَا سِتَّةَ أَجْزَاءٍ)؛ لِأنَّ السِّهامَ مُختَلِفَةٌ، فلم يكُنْ بدٌّ مِنْ تَجزِئَتِها بحَسَبِ أقلِّ الشُّركاء نصيبًا، وهو السُّدس، وعلى هذا فَقِسْ.
فلو كانت الأرضُ بَينَ ثلاثةٍ، لأِحدهم النِّصفُ، وللآخَر الرُّبعُ، وللآخَرِ الثُّمن؛ فأجْزاؤها ثمانيةُ أجزاء
(4)
.
(وَيُخْرِجُ الْأَسْمَاءَ عَلَى السِّهَامِ لَا غَيْرُ)؛ أيْ: لا يَجُوزُ إلَّا هذا؛ لِئَلَّا يَخرُجَ السَّهمُ الرابع
(5)
لصاحِبِ النِّصف، فيَقولَ: آخُذُه وسَهْمَينِ
(6)
قبلَه، ويَقولَ صاحِباهُ: يأخذه
(7)
وسَهْمَينِ بعدَه، فيَختَلِفونَ، ولِأنَّه لو خَرَجَ لصاحِبِ السُّدس السَّهمُ الثَّاني، ثُمَّ خَرَجَ لصاحِبِ النِّصف السَّهمُ الأوَّلُ؛ لَتَفَرَّقَ نصيبُه.
(1)
زاد في (م): في.
(2)
في (م): منهم.
(3)
في (م): «المحرر» .
(4)
قوله: (أجزاء) سقط من (م).
(5)
قوله: (الرابع) سقط من (م).
(6)
في (م): أخذوا سهمين.
(7)
في (م) و (ن): نأخذه.
(فَيَكْتُبُ بِاسْمِ صَاحِبِ النِّصْفِ
(1)
ثَلَاثًا)؛ أيْ: ثلاثَ رِقاعٍ، (وَبِاسْمِ صَاحِبِ الثُّلُثِ ثِنْتَيْنِ)؛ أيْ: رُقْعَتَينِ، (وَبِاسْمِ صَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدَةً)، كذا ذَكَرَه مُعظَمُ الأصْحاب؛ لِأنَّ الكِتابةَ بحَسَبِ التَّجزئة.
وقدَّم في «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّه
(2)
يَكتُبُ باسْمِ كلِّ واحِدٍ رُقعةً؛ لِحُصولِ المقْصود، ثمَّ
(3)
ذكرا
(4)
هذا قَولاً، وقالا: هذا لا فائدةَ فيه، فإنَّ المقصودَ خُروجُ اسْمِ صاحِبِ النِّصف، وإذا كَتَبَ ثلاثًا؛ حَصَلَ المقصودُ فأغْنَى.
(وَيُخْرِجُ بُنْدُقَةً عَلَى السَّهْمِ الْأَوَّلِ)؛ لِيُعلَمَ لمَن هو، (فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ؛ أَخَذَهُ وَالثَّانِيَ وَالثَّالِثَ)؛ ليجتمعَ
(5)
له حقُّه، ولا يَتضَرَّرَ بتَفرِقَتِه.
(وَإِنْ خَرَجَ اسْمُ صَاحِبِ الثُّلُثِ؛ أَخَذَهُ وَالثَّانِيَ)؛ لمَا تَقدَّمَ، (ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَ الآْخَرَيْنِ)؛ لِأنَّ الإبهامَ بالنِّسبة إليهما
(6)
باقٍ، (وَالْبَاقِي لِلثَّالِثِ).
واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لا قُرعةَ في مَكِيلٍ ومَوزُونٍ إلَّا لِلاِبْتداء، فإنْ خَرَجَتْ لِرَبِّ الأكْثَرِ؛ أخَذَ كلٌّ حقَّه، فإنْ تعذر
(7)
سَبَبُ اسْتِحْقاقه؛ تَوَجَّهَ وجهان
(8)
.
فرعٌ: إذا كان بَينَهما دارانِ، أوْ خانانِ، أوْ أكْثَرُ، فطَلَبَ أحدُهما أنْ يُجمَعَ
(1)
قوله: (النصف) سقط من (ن).
(2)
في (م): أن.
(3)
قوله: (ثم) سقط من (ن).
(4)
في (م): ذكر.
(5)
في (م): ليجمع.
(6)
في (م): إليها بالنسبة.
(7)
في (م) و (ن): تعدد.
(8)
في (ن): فوجهان. وينظر: الاختيارات ص 508، الفروع 11/ 250.
نصيبُه في إحدى
(1)
الدَّارَينِ، أوْ أحَدِ الخانين
(2)
، ويُجعَلَ الباقِي نصيبًا للآخَرِ؛ لم يُجبَرِ الآخَرُ، وهو قَولُ الشافعي
(3)
.
وقال أبو يوسفَ ومحمَّد: يُجبَرُ إذا رأى الحاكِمُ ذلك
(4)
، سَواءٌ تَقارَبَتَا أوْ تفرقتا
(5)
؛ لِأنَّه أنْفَعُ وأعْدَلُ.
وقال مالِكٌ: إنْ كانا مُتجاوِرَتين
(6)
؛ أُجْبِرَ المُمْتَنِعُ؛ لِأنَّ المتجاوِرَتينِ
(7)
تَتقارَبُ
(8)
مَنفَعَتُهما، بخِلافِ المتباعِدَتَينِ
(9)
.
وقال أبو حَنِيفةَ: إنْ كانَتْ إحداهما حُجْرة الأخرى
(10)
؛ أُجْبِرَ، وإلَّا فلا؛ لِأنَّهما يَجرِيانِ مَجْرَى الدَّارِ الواحِدةِ
(11)
.
وجَوابُه: أنَّه نَقَل
(12)
حَقَّه مِنْ عَينٍ إلى عَينٍ أخرى، فلم يجبَرْ عَلَيهِ؛ كالمتفرِّقَتينِ.
والحُكْمُ في الدَّكاكِينِ كالدُّورِ، قاله
(13)
في «الشَّرح» .
(1)
في (م) و (ن): أحد.
(2)
في (ظ) و (ن): الجانبين.
(3)
في (م): للشافعي. وينظر: حلية العلماء 8/ 178، منهاج الطالبين ص 344.
(4)
في ينظر: الأصل للشيباني 3/ 323، المحيط البرهاني 7/ 381.
(5)
في (ن): تقارنتا أو تفارقتا.
(6)
في (ن): متجاوبين.
(7)
في (م): المتجاوبين.
(8)
في (ظ) و (ن): يتقارب.
(9)
في ينظر: المدونة 4/ 319.
(10)
في (ن): والأخرى.
(11)
في ينظر: المحيط البرهاني 7/ 381.
(12)
في (ن): يقل.
(13)
في (ن): وقاله.
(فَصْلٌ)
(فَإِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ غَلَطًا فِيمَا تَقَاسَمُوهُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَشْهَدُوا عَلَى تَرَاضِيهِمْ بِهِ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ)، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لِأنَّه قد رَضِيَ بذلك، ورِضاهُ بالزِّيادة في نصيبِ شريكه يَلزَمُه.
وصحَّح المؤلِّفُ: أنَّه يُقبَلُ ببيِّنةٍ عادِلةٍ؛ لِأنَّ ما ادَّعاه محتَمِلٌ، فتُنقَضُ القِسْمةُ، أشْبَهَ ما لو شهد
(1)
عَلَيهِ بقَبْضِ ثَمَنٍ أوْ مُسْلَمٍ فيه، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا في كَيله أوْ وَزْنه، وقَولُهم: إنَّ حقَّه في الزيادة
(2)
سَقَطَ برِضاهُ؛ ممنوعٌ، فإنَّه إنَّما يَسقُطُ إذا علمه
(3)
.
وفي «الرِّعاية» : أنَّه لا يُقبَلُ وإنْ أقام بيِّنةً
(4)
، إلَّا أنْ يكونَ مُستَرْسِلاً مَغْبونًا بما يُسامَحُ به عادةً، أو الثُّلث أو السُّدس على الخلاف.
(وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَمَهُ قَاسِمُ الْحَاكِمِ؛ فَعَلَى المُدَّعِي الْبَيِّنَةُ)؛ لقوله عليه السلام: «فَعَلَى المُدَّعِي البَيِّنةُ»
(5)
، (وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ المُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لقوله عليه السلام:«واليمينُ على مَنْ أنْكَرَ»
(6)
، ولِأنَّ الظَّاهِرَ الصِّحَّةُ وأداءُ الأمانة، ولا يَحلِفُ القاسِمُ.
(وَإِنْ كَانَ فِيمَا قَسَمَهُ قَاسِمُهُمُ الَّذِي نَصَبُوهُ، وَكَانَ فِيمَا اعْتَبَرْنَا فِيهِ الرِّضَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ؛ لَمْ تُسْمَعْ
(7)
دَعْوَاهُ)؛ لِأنَّه رَضِيَ بالقِسْمة، (وَإِلَّا فَهُوَ كَقَاسِمِ
(1)
في (ن): شهدا.
(2)
زيد في (م): ممنوع.
(3)
في (ن): عمله.
(4)
في (م): ببينة.
(5)
تقدَّم تخريجه 5/ 188 حاشية (4).
(6)
تقدَّم تخريجه 5/ 188 حاشية (4).
(7)
في (م): لم يسمع.
الْحَاكِمِ)؛ لِأنَّه بمَنزِلَتِه، وكذا في «المستوعب» و «المحرَّر» و «الوجيز» .
وقِيلَ: إنْ قُلْنا: القِسْمةُ بَيعٌ، أوْ كانَتْ مع ردٍّ؛ لم
(1)
تُسمَعْ دَعْوَى الغلط
(2)
، وإنْ قُلْنا: إفْرازٌ؛ سُمِعَتْ.
فرعٌ: تُقبَلُ شهادةُ القاسِمِ: أنَّ زَيدًا أخَذَ حقَّه، وإنْ كان
(3)
بجُعْلٍ فلا، ذَكَرَه في «المستوعب» و «الرِّعاية» .
(وَإِنْ تَقَاسَمُوا ثُمَّ اسْتُحِقَّ مِنْ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا
(4)
شَيْءٌ مُعَيَّنٌ بَطَلَتْ
(5)
، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع» ؛ لِأنَّه تبيَّنَ أنَّ أحدَ المتقاسِمَينِ لم يأخُذْ حقَّه، وكما لو فَعَلَا ذلك مع عِلْمِهما بالحال، وإنْ كان المستَحَقُّ من الحِصَّتَينِ على السَّواء؛ لم تَبطُلْ فيما بَقِيَ على الأَشْهَر؛ لِأنَّ الباقِيَ مع كلِّ واحِدٍ قَدْرُ حقِّه، إلَّا أنْ يكونَ ضَرَرُ المسْتَحَقِّ في نصيبِ أحدهما أكثرَ؛ كسدِّ طريقه، أوْ مَجْرَى مائه، أوْ ضَوئه، ونحوِه، فيبطل
(6)
؛ لِأنَّ هذا يَمنَعُ التَّعديلَ.
وقِيلَ: تَبطُلُ؛ لِأنَّه لم يَتعيَّنِ الباقِي لكلِّ واحدٍ منهما في مُقابَلةِ ما بَقِيَ لِلآخَرِ.
(وَإِنْ كَانَ شَائِعًا فِيهِمَا؛ فَهَلْ تَبْطُلُ الْقِسْمَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما
(7)
: تَبطُل، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الكافي» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ الثَّالِثَ شريكُهما، لم يَحضُرْ ولم يَأذَنْ، أشْبَهَ ما لو عَلماهُ.
(1)
في (م): ولم.
(2)
في (م): اللفظ.
(3)
في (م): كانت.
(4)
في (ن): أحدهم.
(5)
زيد في (ن): القسمة.
(6)
في (م): فتبطل.
(7)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
والثَّاني: لا
(1)
؛ كما لو كان المستَحَقُّ في نصيبهما
(2)
على السَّواء، ولِأنَّه يُمكِنُ بقاءُ حقِّه في يدهما
(3)
جميعًا مع بقائهما فيما عدا ذلك على ما كانا.
وإذا
(4)
ادَّعى كلٌّ منهما: أنَّ هذا مِنْ سَهْمِي؛ تحالَفا، ونُقِضَت القِسْمةُ.
(وَإِذَا
(5)
اقْتَسَمَا دَارَيْنِ قِسْمَةَ تَرَاضٍ، فَبَنَى أَحَدُهُمَا)، أوْ غَرَسَ (فِي نَصِيبِهِ، ثُمَّ خَرَجَتِ الدَّارُ مُسْتَحَقَّةً، وَنُقِضَ
(6)
بِنَاؤُهُ)، وقُلِعَ غِراسُه؛ (رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى شَرِيكِهِ)؛ لِأنَّ هذه القِسْمةَ بمنزلةِ البَيع؛ لِأنَّ الدَّارَينِ لا يُقسَمانِ
(7)
قِسْمةَ إجْبارٍ، وإنَّما هو بالتَّراضِي، ولو باعه نصفَ الدَّار؛ رَجَعَ عَلَيهِ بنصفِ ما غَرِمَ، كذا هذا.
وكذا في
(8)
قِسْمة الإجبار إنْ قُلْنا هي بَيعٌ، وإنْ قُلْنا إفراز؛ فلا رُجوعَ؛ لِأنَّه أفْرَزَ له حقَّه مِنْ حقِّه، ولم يَضمَنْ له ما غرم
(9)
فيه.
وأطْلَقَ في «التَّبصرة» رُجوعَه، وفيه احْتِمالٌ.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(10)
: إذا
(11)
لم يَرجِعْ حَيثُ لا يكونُ بَيعًا؛ فلا يَرجِعُ بالأجرة، ولا بنصفِ قيمةِ الولد في الغُرور إذا اقْتَسما الجَوارِيَ أعْيانًا، وعلى هذا: فالَّذِي لم يُستَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ نصيبه؛ يَرجِعُ الآخَرُ عَلَيهِ بما فَوَّتَه من
(1)
قوله: (لا) سقط من (م).
(2)
في (ن): تعيينهما.
(3)
في (م): يديهما.
(4)
في (م): كان إذا.
(5)
في (م): وإن.
(6)
في (ظ): نقص.
(7)
في (ظ) و (ن): لا يقتسمان.
(8)
في (ن): من.
(9)
قوله: (كذا هذا وكذا في قسمة
…
) إلى هنا سقط من (م).
(10)
ينظر: الفروع 11/ 252.
(11)
في (م): إذن.
المنفعة هذه المدَّةَ.
(وَإِنْ خَرَجَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَيْبٌ؛ فَلَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ)، ذكره
(1)
في «الرِّعاية» وغيرِها، إنْ كان جاهِلاً به؛ لأِنَّ العَيبَ نَقْصٌ عن
(2)
قَدْرِ حَقِّه الخارِجِ له، فوَجَبَ أنْ يَتمَكَّنَ مِنْ فَسْخِ القِسْمةِ؛ اسْتِدْراكًا لمَا فاته، وله الإمْساكُ مع أرْشِ العَيبِ؛ لأِنَّه نَقْصٌ في نصيبه، فكان له ذلك؛ اسْتِدْراكًا لِحقِّه الثَّابِتِ؛ كالمشْتَرِي.
قال في «الشَّرح» : ويَحتَمِلُ أنْ تَبطُلَ القِسْمةُ؛ لِأنَّ التَّعديلَ فيها شَرْطٌ ولم يُوجَدْ، بخِلافِ البَيعِ.
(وَإِذَا اقْتَسَمَ
(3)
الْوَرَثَةُ الْعَقَارَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى المَيِّتِ دَيْنٌ، فَإِنْ
(4)
قُلْنَا: هِيَ إِفْرَازُ حَقٍّ؛ لَمْ تَبْطُلِ الْقِسْمَةُ)، ذَكَرَه مُعظَمُ أصْحابِنا؛ لِأنَّ الدَّين
(5)
يتعلَّقُ بالتَّرِكة بعد
(6)
القِسْمة، فلم يَقَعْ ضَررٌ في حقِّ أحد
(7)
، لكِنْ إنِ امْتَنَعُوا مِنْ وفاءِ الدَّين؛ بَطَلَتْ؛ لِأنَّ الدَّينَ مُقدَّمٌ على الميراث، وإنِ امْتَنَعَ بعضُهم؛ بَطَلَ في نصيبه
(8)
وَحْدَه.
وفي «الكافي» : في صحَّةِ القِسْمة وَجْهانِ، ولم يُفرِّقْ، وبَنَى ذلك: على أنَّ الدَّينَ هل يَمنَعُ صِحَّةَ التَّصرُّف في التَّرِكة؟ فيه وجهان
(9)
.
(1)
قوله: (القسمة ذكره) في (م): القيمة وذكره.
(2)
في (ن): على.
(3)
في (م): قسم.
(4)
في (م): فمتى إن.
(5)
في (م): الذي.
(6)
في (ن): قبل.
(7)
في (م): واحد.
(8)
في (م): نفسه.
(9)
قوله: (ولم يفرق، وبنى ذلك
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْعٌ)، ذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ أنَّه: المذْهَبُ؛ (انْبَنَى عَلَى بَيْعِ التَّرِكَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، هَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، وحَكاهما في «المحرَّر» وغَيرِه رِوايَتينِ:
الأصحُّ: الجَوازُ؛ لأِنَّ العبدَ الجانِيَ يتعلَّقُ برَقَبَته حقُّ المجْنِيِّ عَلَيهِ، ويَتمَكَّنُ مالِكُه مِنْ بَيعِه، فكذا الوارِثُ.
والثَّانِيَةُ: لا؛ لِأنَّ تعلُّقَ الدَّين بالعَينِ يَمنَعُ التَّصرُّفَ فيها؛ كالرَّهْن.
تنبيهٌ: تَرِكةُ الميِّت يَثبُتُ فيها الملْكُ لِوَرَثَته، سَواءٌ كان عَلَيْهِ دَينٌ أوْ لا، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
.
وقال الإصْطَخْرِيُّ: يَمنَعُ بقَدْره، وأوْمَأَ إلَيهِ أحمدُ
(2)
؛ لِأنَّ الدَّينَ لم يَثبُتْ في ذِمَّةِ الوَرَثَة، فيَجِبُ أنْ يَتعلَّقَ بالتَّرِكة.
والمذْهَبُ الأوَّلُ، بدليلِ أنَّ الغريمَ لا يَحلِفُ على دَينِ الميِّت؛ لِأنَّ الدَّينَ مَحلُّه الذِّمَّةُ، وإنَّما يتعلَّقُ بالتَّرِكة، فيتخيَّر
(3)
الوارِثُ بَينَ قَضاءِ الدَّين منها أوْ مِنْ غَيرِها؛ كالرَّهْن والجاني، ولا يَلزَمُه نَفَقَةُ الرَّقيق، والنَّماءُ له؛ لِأنَّه نَماءُ ملْكِه، أشْبَهَ كَسْبَ الجانِي.
وقِيلَ: يتعلَّقُ به حقُّ الغُرَماء؛ كنَماءِ الرَّهْنِ.
فمَن اختارَ الأوَّلَ قال: تعلُّقُ حقِّ الغُرَماء بالرَّهْن آكَدُ؛ لِأنَّه ثَبَتَ باخْتِيارِ المالِكِ، ولهذا مُنِعَ مِنْ التَّصرُّف فِيهِ.
وعلى الأُخْرَى: حُكمُه حُكمُ التَّرِكة، وما يُحتاجُ إلَيهِ مِنْ المؤْنَةِ منها.
فإنْ تَصرَّفَ الوارِثُ فيها بِبَيعٍ أوْ هِبَةٍ؛ فَعَلَى المذْهَب: هو صحيحٌ إنْ قَضَى
(1)
ينظر: المغني 10/ 197.
(2)
ينظر: المغني 10/ 197.
(3)
في (م): فيخير.
الدَّينَ، وإلَّا نُقِضَ
(1)
تصرُّفُه؛ كما إذا تَصرَّفَ السَّيِّدُ في الجانِي ولم يُؤَدِّ الجِنايَة، وعلى الثَّانية: تَصرُّفُه فاسِدٌ؛ لِأنَّه تصرُّفٌ فِيما لا يَملِكُه.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إن قلنا
(2)
: تعلُّقُ الدَّينِ بالتَّرِكة كتَعلُّقِه بالرَّهْن؛ لم يَصِحَّ تصرُّفُ الوارِث قَبْلَ الوفاء، ولم يَختَصَّ بالنماء
(3)
، وإنْ قُلْنا: كتَعلُّقِ الأَرْشِ بالجانِي - وهو الأقْيَسُ -؛ فيَصِحُّ تصرُّفُه، ثُمَّ إنْ ظَهَرَ الدَّينُ؛ فلِرَبِّه الفَسْخُ وأخْذُ دَيْنِه
(4)
في الأصحِّ.
والدَّينُ المسْتَغْرِقُ وغَيرُه سَواءٌ.
مسألةٌ: إذا كان له شَجَرٌ، وعَلَيهِ دَينٌ، فأثْمَرَتْ وماتَ
(5)
؛ فالثَّمرةُ إرْثٌ، ولا
(6)
يتعلَّقُ بها دَينٌ، وفِيها الزَّكاةُ إنْ قُلْنا: تنتقلُ
(7)
التَّرِكةُ مع الدَّين، تعلَّقَ بها الدَّينُ
(8)
.
وإنْ كان بَعْدَ وَقْتِ الوُجوب؛ ففي الزَّكاة رِوايَتانِ، وإن
(9)
كان قَبْلَه، ونَقَلْنا التَّرِكةَ قَبْلَ وَفاءِ الدَّين فكذا، وإلَّا فلا
(10)
.
فرعٌ: إذا كانَتِ التَّركةُ أرْضًا، وأوصَى
(11)
ربُّها بإخْراجِ ثُلُثِها، فَقَسَمَها
(1)
في (ن): نقص.
(2)
قوله: (قلنا) سقط من (ظ) و (ن).
(3)
في (م): بالوفاء.
(4)
في (م): ذمته.
(5)
أي: مات قبل أن تثمر. ينظر: قواعد ابن رجب 3/ 325، والفروع 4/ 93.
(6)
في (م): لا.
(7)
في (ن): ينتقل، وزيد في (م) و (ن): إلى.
(8)
كذا في النسخ الخطية، ولعل فيه سقطًا، وتقديره:(وإن قلنا: لا تنتقل؛ تعلق بها الدين). ينظر: قواعد ابن رجب 3/ 325، والفروع 4/ 93.
(9)
في (ن): فإن.
(10)
قوله: (فكذا وإلا فلا) مكانه بياض في (ن).
(11)
في (ظ): ورضي، وفي (ن): أو رضي.
الوَرَثَةُ وقالوا: نَحنُ نُخرِجُ قِيمةَ الثُّلث بَينَنا، فقِيلَ: يَجُوزُ كالدَّين.
وقيل: لا
(1)
؛ لِأنَّ المسْتَحَقَّ بالوصيَّة بعضُ
(2)
الأرض، فتَبطُلُ القِسْمةُ.
وقال السَّامَرِّيُّ: تَبطُلُ في حقِّ كلِّ وارِثٍ بقَدْرِ حِصَّته مِنْ الثُّلث، وفي الباقي وجْهانِ.
وكذا إنْ أَوْصَى أنْ يُباعَ ثُلُثُها ويُصرَفَ في جِهَةٍ عَيَّنَها.
(وَإِذَا اقْتَسَمَا، فَحَصَلَتِ الطَّرِيقُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَا مَنْفَذَ
(3)
لِلآْخَرِ؛ بَطَلَتِ الْقِسْمَةُ)، ذَكَرَه الجماعة
(4)
، منهم صاحِبُ «الوجيز» و «الفروع» ؛ لِأنَّ النَّصِيبَ الَّذي
(5)
لا طريقَ له لا قِيمةَ له
(6)
إلَّا قِيمَةُ ملْكِه، فلم يَحصُلْ تعديلٌ، والقسْمةُ تَقتَضِيهِ؛ لِأنَّ مِنْ شَرْطِ الإجْبارِ على القِسْمة: أنَّ ما أَخَذه
(7)
كلٌّ منهما يُمكِنُ الاِنْتِفاعُ به، لكِنْ إنْ كان أخَذَه راضِيًا عالِمًا بأنَّه لا طريقَ له؛ جازَ
(8)
؛ كما لو اشْتَراهُ.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وكذا طريقُ ماءٍ، ونَصُّه: هو لهما ما لم يَشتَرِطا ردَّه
(9)
.
قال المؤلِّفُ: قِياسُه: جَعْلُ الطَّريقِ مِثْلَه في نَصِيبِ الآخَرِ، ما لم يشرط
(10)
صَرْفَها عنه.
(1)
قوله: (لا) سقط من (ن).
(2)
في (م): بعد.
(3)
في (ظ): ولا ينفذ.
(4)
في (ظ): جماعة.
(5)
في (م): للذي.
(6)
قوله: (لا قيمة له) سقط من (ن).
(7)
في (ظ) و (ن): أن يأخذه.
(8)
في (م): صار.
(9)
ينظر: الفروع 11/ 253.
(10)
في (م): لم يشترط.
ونَقَلَ أبو طالِبٍ في مَجْرَى الماء: لا يُغَيَّرُ مَجْرَى الماءِ ولا يُضَرُّ بهذا، إلَّا أنْ يتكلَّفَ له
(1)
النَّفَقةَ حتَّى يُصلِحَ مَسيلَه
(2)
.
فرعٌ: إذا كان لها ظُلَّةٌ
(3)
، فَوقَعَتْ في حقِّ أحدهما؛ فهي له بمُقتَضَى العقد
(4)
، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» وغَيرِهما.
(وَيَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ قَسْمُ مَالِ المُوَلَّى عَلَيْهِ مَعَ شَرِيكِهِ)؛ لِأنَّ القِسْمةَ إمَّا بَيعٌ وإمَّا إفْرازُ حقٍّ، وكِلاهُما يَجُوزُ لهما، ولِأنَّ فِيهَا مصلحةَ الصَّغير، فجازَتْ كالشِّراء.
ويَجُوزُ لهما قِسْمةُ التَّراضِي مِنْ غَيرِ زِيادةٍ في العِوَض؛ لِأنَّ فِيهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الشِّرْكة، أشْبَهَ ما لو باعَهُ لِضَرَرِ الحاجة
(5)
إلى
(6)
قَضاءِ الدَّين.
وفي «المحرَّر» و «الوجيز» : وَوَلِيُّ المُوَلَّى عَلَيهِ في قِسْمةِ الإجْبارِ بمَنزِلَتِه، وكذلك في قِسْمةِ التَّراضِي إذا رآها مصلحةً
(7)
.
(1)
قوله: (له) سقط من (م).
(2)
في (ن): مسألة. وينظر: زاد المسافر 3/ 546.
(3)
قال في القاموس ص 1028: (الظلة: شيء كالصفة يستتر به من الحر والبرد).
(4)
في (م): الفقد.
(5)
في (م): تضرر لحاجة.
(6)
في (ن): في.
(7)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(بَابُ
(1)
الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ)
الدَّعاوَى: واحدها
(2)
دَعْوى، وهي: إضافةُ الإنسان إلى نفسه مِلْكًا، أو اسْتِحْقاقًا، أوْ نحوه
(3)
.
وفي الشَّرع: إضافتُه إلى نَفْسه اسْتِحْقاقَ شَيءٍ في يَدِ غَيرِه أوْ في ذِمَّتِه.
والمدَّعَى عَلَيهِ: مَنْ يُضافُ إلَيهِ اسْتِحْقاقُ شَيءٍ عَلَيهِ.
وقال ابنُ حَمْدانَ: هي
(4)
إخْبارُ خَصْمه باسْتِحْقاقِ شَيءٍ مُعَيَّنٍ، أوْ مَجهولٍ؛ كوصيَّةٍ، وإقرارٍ عَلَيهِ، أوْ عِندَه، له أوْ لمُوكِّله أوْ مَولِّيِه، أوْ لله
(5)
حسبةً بطَلَبِه منه عِنْدَ حاكِمٍ.
والأوَّلُ أَوْلَى، وهي عِبارةٌ عن الطَّلَب، ومِنهُ قَولُه تعالى:{وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57]، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعطى
(6)
النَّاسُ بدَعْواهم؛ لَادَّعَى رِجالٌ دِماءَ قَومٍ وأمْوالَهم، ولكِنَّ اليمينَ على المدَّعَى عَلَيهِ» رواه مُسلِمٌ
(7)
.
واليَمينُ تَختَصُّ بالمدَّعَى عَلَيهِ، إلَّا في القَسامة، ودَعَاوَى الأُمَناءِ المقْبولةِ، وحَيثُ يُحكَمُ باليمين مع الشَّاهِد، أوْ نقولُ
(8)
بردِّها.
والبيِّناتُ: جَمْعُ بَيِّنةٍ، مِنْ: بان
(9)
يَبِينُ فهو بَيِّنٌ، والأُنثَى: بيِّنةٌ؛ أيْ:
(1)
في (م): كتاب.
(2)
قوله: (واحدها) سقط من (م).
(3)
في (م): واستحقاقًا ونحوه.
(4)
في (م): مع.
(5)
في (م): والله.
(6)
في (م): أعطي.
(7)
أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(8)
في (م): ونقول، وفي (ن): أو يقول.
(9)
في (م): باب.
واضِحةٌ، وهو صِفةٌ لمَحذوفٍ؛ أي: الدَّلالةُ البيِّنةُ.
(المُدَّعِي: مَنْ إِذَا سَكَتَ تُرِكَ، وَالمُنْكِرُ: مَنْ إِذَا سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ)، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفُروع»؛ لِأنَّ المدَّعِيَ طالِبٌ والمنكِرَ مَطْلُوبٌ؛ أيْ: مُطالَبٌ بالحقِّ.
وقِيلَ: المدَّعِي مَنْ يَطلُبُ خِلافَ الظَّاهِرِ أو الأصلِ
(1)
، والمدَّعَى عَلَيهِ عَكْسُه.
ويَنبَنِي على ذلك: لو قال: أسْلَمْنا مَعًا؛ فَالنِّكاحُ باقٍ، وادَّعَت التَّعاقُبَ، فالمدَّعِي هِيَ، وعلى الثَّاني هو.
وقد يكونُ كلٌّ منهما مُدَّعِيًا ومُدَّعًى عَلَيهِ باعْتِبارَينِ.
ولا تُسمَعُ دَعْوَى مَقْلوبَةٌ، وسَمِعَها بعضُهم واسْتَنبطَها، فذَكَرُوا في الشُّفْعة - إذا أنْكَرَ المشْتَرِي الشِّراءَ، وأقام
(2)
الشَّفِيعُ بيِّنةً، وأخَذَ الشَّفِيعُ بالشُّفْعة، وامْتَنَعَ المشْتَرِي مِنْ قَبْضِ الثَّمَن - ثلاثةَ أوْجُهٍ:
أحدُها: يَبْقَى في يَدِ الشَّفِيعِ.
الثَّانِي: في يَدِ الحاكِمِ.
الثَّالِثُ، واخْتارَهُ القاضِي: يُلزَمُ الشَّفِيعُ بقَبْضِه، أوْ يُبْرِئُ مِنهُ.
وفي السَّلَم
(3)
إذا جاءه بالسَّلَم قَبلَ مَحلِّه؛ لَزِمَه قَبْضُه إذا لم يكُنْ في قَبْضِه ضَرَرٌ، فحَيثُ لَزِمَه القَبْضُ؛ أنَّ دَعواهُ تُسْمَعُ، ويُلزَمُ ربُّ الدَّين بقَبْضِه.
(وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ)؛ لِأنَّ مَنْ لا يَصِحُّ تَصرُّفُه لا قَولَ له يُعتمد
(4)
، وتصحُّ
(5)
على السَّفِيهِ فِيمَا يُؤخَذُ به إذَنْ، وبَعدَ
(1)
في (ن): والأصل.
(2)
في (ظ): فأقام.
(3)
في (م): المسلم إليه.
(4)
في (ن): معتمد.
(5)
في (م) و (ن): ويصح.
فَكِّ حَجْره، ويَحلِفُ إذا أنْكَرَ.
(وَإِذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا لَمْ تَخْلُ
(1)
مِنْ أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ):
(أَحَدُهَا
(2)
: أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهَا لَهُ، لَا حَقَّ لِلآْخَرِ فِيهَا
(3)
، إِذَا لَمْ تَكُنْ
(4)
بَيِّنَةٌ)؛ «لِقَضاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم باليمين على المدَّعَى عَلَيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(5)
، ولِقَولِه في قضية
(6)
الحَضْرَمِيِّ والكِنْدِيِّ: «شاهِداكَ أوْ يَمِينُه، لَيسَ لكَ مِنْهُ إلَّا ذلِكَ» رواهُ مُسلِمٌ
(7)
، لأنَّ
(8)
اليَدَ دليلُ الملك
(9)
ظاهِرًا، ولِأنَّ من
(10)
لَيسَتْ له؛ يَحتَمِلُ أنْ تكون
(11)
له، فشُرِعَت اليَمِينُ في حقِّ صاحِبِه مِنْ أجْلِ ذلِكَ.
وظاهره
(12)
: أنَّه إذا كان له
(13)
بينة
(14)
تُظْهِرُ الحقِّ؛ أنَّه لا يحلف
(15)
مَعَها، لكِنْ لا يثبت
(16)
الملْكُ بذلك كثُبوتِه بالبيِّنة؛ فلا شُفْعةَ له بمُجرَّدِ اليَدِ،
(1)
في (ن): لم يخل.
(2)
في (م): أحدهما.
(3)
قوله: (فيها) سقط من (ن).
(4)
في (ظ) و (ن): لم يكن.
(5)
أخرجه البخاري (2668)، ومسلم (1711)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6)
في (م): قصة.
(7)
أخرجه مسلم (139)، وفيه قصة.
(8)
في (م): ولأن.
(9)
قوله: (دليل الملك) في (م): والملك.
(10)
قوله: (ولأن من) في (م): ولمن.
(11)
في (م): يكون.
(12)
في (م): والظاهر
(13)
قوله: (له) سقط من (ن).
(14)
في (م) و (ن): ببينة.
(15)
قوله: (أنه لا يحلف) في (م): أنها لا تختلف.
(16)
قوله: (لا يثبت) في (م): إذا ثبتت.
ولا تَضمن
(1)
عاقِلةُ صاحِبِ الحائط المائل
(2)
بمجرَّد اليد
(3)
؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ لا تَثْبُتُ فِيهِ الحُقوقُ، وإنَّما تُرجَّح
(4)
به الدَّعْوَى، وفي «الرَّوضة»: أنَّ اليَدَ دليلُ الملْك، وفي «التمهيد»: ببيِّنة
(5)
.
(وَلَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً، أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ)، الحِمْلُ، بالكَسْرِ: ما عَلَى رأسٍ
(6)
أوْ ظَهْرٍ، وبالفَتْح: ما في بَطْنِ الحُبْلَى، وفي حَمْلِ الشَّجَرة بهما، (وَالآْخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا)، وقِيلَ: غَيرُ مكارٍ
(7)
؛ (فَهِيَ لِلْأَوَّلِ)؛ لِأنَّ تصرُّفَه أقْوَى، ويَدَهُ آكَدُ؛ لِأنَّه المسْتَوْفِي للمنفعة.
فإنْ كان لأِحدهما عَلَيها حِمْلٌ، والآخَرُ راكِبَها؛ فهِيَ للرَّاكِب.
فإنِ ادَّعَيا الحِمْلَ؛ فهو للراكبِ
(8)
؛ لِأنَّ يَدَه على الدَّابَّة والحِمْلِ مَعًا، أشْبَهَ ما لو اخْتَلَفَ السَّاكِنُ ومالِكُ الدَّار في قُماشٍ فيها، بخِلافِ السَّرْج، فإنَّه في العادة لِصاحِبِ الفَرَس.
(وَإِنْ تَنَازَعَا قَمِيصًا، أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالآخَرُ
(9)
آخِذٌ بِكُمِّهِ؛ فَهُوَ لِلَابِسِهِ
(10)
؛ لِأنَّه أحْسَنُ حالاً مِنْ الرَّاكِب مع الآخِذ بالزِّمام، فالرَّاكِبُ أَوْلَى، فكذا ما هو أحسن
(11)
حالاً منه.
(1)
قوله: (تضمن) سقط من (ظ) و (ن).
(2)
قوله: (المائل) سقط من (ن).
(3)
قوله: (عاقلة صاحب الحائط المائل بمجرد اليد) سقط من (م).
(4)
في (ن): يرجح.
(5)
في (ن): تنبيه.
(6)
في (ن): الرأس.
(7)
في (م): مكان.
(8)
قوله: (فإن ادعيا الحمل فهو للراكب) سقط من (م).
(9)
في (ن): والآخذ.
(10)
في (م): للآيسة.
(11)
في (م): أجنبي.
فإنْ كان كمُّه
(1)
في يَدِ أحدِهما وباقِيهِ مع الآخَر، أوْ تَنازَعَا عِمامَةً طرفُها
(2)
في يَدِ أحدِهما وباقِيها بِيَدِ الآخَرِ؛ تَحالَفا، وهي بَينَهما، فيَمِينُ كلِّ واحِدٍ على النِّصف الَّذي أَخَذَه.
وعَنْهُ: يُقرَعُ بَينَهما، فمَن قَرَعَ؛ حَلَفَ وأخَذَها، إلَّا أنْ يَدَّعِيَ واحِدٌ نِصْفَها فأقلَّ، والآخَرُ كُلَّها أوْ أكْثَرَ ممَّا
(3)
بَقِيَ، فيصدَّقُ
(4)
مُدَّعِي الأقَلِّ بيَمِينِه، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، وذَكَرَ جَمْعٌ: يتحالفان
(6)
.
(وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّارِ وَالْخَيَّاطِ الْإِبْرَةَ وَالمِقَصَّ)، بكَسْرِ الميم، وتسمى
(7)
كلُّ فَرْدةٍ: مِقَصًّا؛ (فَهُمَا لِلْخَيَّاطِ)؛ لِأنَّ تَصرُّفَ الخَيَّاط في ذلك أظْهَرُ، والظَّاهِرَ معه، فكان
(8)
أقْوَى.
فإن
(9)
نازَعَه الخَيَّاطُ في قَمِيصٍ يَخِيطُه فيها، أو النَّجَّارُ في خَشَبٍ يَنجُرُه فيها، أوْ في فرشٍ
(10)
وقُطْنٍ وصُوفٍ؛ فهو لصاحِبِ الدَّار؛ عَمَلاً بالعادة.
(وَإِنْ تَنَازَعَ هُوَ وَالْقَرَّابُ الْقِرْبَةَ؛ فَهِيَ لِلْقَرَّابِ)؛ لمَا ذَكَرْنا، بخِلافِ الخابِيَة والجِرَار، فإنَّها لِصاحِب الدَّار.
(وَإِنْ تَنَازَعَا عَرْصَةً فِيهَا شَجَرٌ أَوْ بِنَاءٌ لِأَحَدِهِمَا؛ فَهِيَ لَهُ)؛ لِأنَّ ذلك دليلُ
(1)
في (م): لحمه.
(2)
في (ن): طارفها.
(3)
في (م): فما.
(4)
في (ن): فتصدق.
(5)
ينظر: الفروع 11/ 256.
(6)
في (ن): ويتحالفان.
(7)
في (ن): ويسمى.
(8)
في (ن): وكان.
(9)
في (ظ): وإن.
(10)
في (ن): فرس.
الملْكِ ظاهِرًا.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ ثَبَتَا بالاِقْتِدار فهو بَينَهما.
(وَإِنْ تَنَازَعَا حَائِطًا مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ، أَوْ مُتَّصِلاً بِهِ اتِّصَالاً
(1)
لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ، أَوْ لَهُ عَلَيْهِ أَزَجٌ)، قال الجَوهَرِيُّ: هو ضَرْبٌ مِنْ الأَبْنِية
(2)
، وقال ابنُ المنَجَّى: هو القَبْوُ
(3)
؛ (فَهُوَ لَهُ)؛ لِأنَّ ذلك يُرجِّحُ قَولَ مُدَّعِيهِ، فكان له عَمَلاً بالظَّاهِر، وهو قَولُ أكْثَرهم، ويَحلِفُ لخَصْمِه.
وظاهِرُه: أنَّه إذا أمْكَنَ إحْداثُه؛ لم يُرجَّحْ بذلك، وهو قَولُ القاضِي؛ لاِحْتِمالِ أنْ يكونَ فَعَلَ ذلك لِيَتَمَلَّكَ الحائطَ المشْتَرَكَ.
وظاهِرُ الخِرَقِيِّ: أنَّه يَترَجَّحُ بهذا الاِتِّصالِ؛ عَمَلاً بالظَّاهِر.
(وَإِنْ كَانَ مَحْلُولاً مِنْ بِنَائِهِمَا، أَوْ مَعْقُودًا بِهِمَا؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّه لا تَرْجِيحَ لأِحدِهما على الآخَر، ويَحلِفُ كلٌّ منهما لِصاحِبِه: أنَّ نِصْفَ الحائط له، وإنْ حَلَفَ كلُّ واحِدٍ على جميعه أنَّه له وما هو لصاحبه؛ جَازَ.
وإنْ نَكَلا عن اليمين؛ كان الحائطُ في أيْديهِما على ما كَانَ.
وإنْ نَكَلَ أحدُهما؛ قُضِيَ عَلَيهِ وكان الكُلُّ للآخرِ
(4)
.
فإنْ أقامَ كلٌّ منهما بيِّنةً؛ تَعَارَضَتَا، وصَارَا كَمَنْ لا بيِّنةَ لهما.
(وَلَا تُرَجَّحُ الدَّعْوَى بِوَضْعِ خَشَبِ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ)، قالَهُ الأصْحابُ؛ لِأنَّ هذا ممَّا يَسمَحُ به الجارُ، وهو عِندَنا حقٌّ يَجِبُ التَّمْكِينُ منه، أشْبَهَ إسْنادَ مَتاعه إلَيهِ وتَزْويقه.
ويَحتَمِلُ: أنْ تُرجَّحَ به الدَّعْوَى، ورجَّحه في «الشَّرح» ؛ كالْبَانِي عَلَيهِ،
(1)
قوله: (اتصالاً) سقط من (ظ) و (م).
(2)
ينظر: الصحاح 1/ 298.
(3)
في (م): القبر.
(4)
قوله: (ويحلف كل منهما لصاحبه
…
) إلى هنا سقط من (م).
ولأنَّ
(1)
كَونَه مُستَحَقًّا يُشْتَرَطُ له الحاجةُ إلى وَضْعه، وأكْثَرُ النَّاس لا يَتسامحون
(2)
به، ولِأنَّ الحائطَ يُبْنَى لذلك، فتُرجَّحُ به كالأَزَج.
والظَّاهِرُ: أنَّها لا تُرجَّحُ بالجِذْع، بخِلافِ الجِذْعَينِ ونَحوِهما؛ لِأنَّ الحائطَ يُبْنَى لهما.
(وَلَا بِوُجُوهِ الآْجُرِّ، وَالتَّزْوِيقِ، وَالتَّجْصِيصِ)، والتَّحْسينِ، ولا
(3)
بكونِ أحدهما
(4)
له على الآخَر
(5)
سُتْرةٌ غَيرُ مَبْنِيَّةٍ؛ لِأنَّه ممَّا يتسامح
(6)
به، ويُمكِنُ إحْداثُه.
(وَمَعَاقِدِ القُمُطُ)، المعاقِدُ: جَمْعُ مَعْقِدٍ، بكَسْرِ القاف: ما تسدُّ
(7)
به الأَخْصاصُ، (فِي الْخُصِّ)، وهو بَيتٌ يُعمَلُ مِنْ خَشَبٍ وقَصَبٍ، وجَمْعُه: أخْصاصٌ، سُمِّيَ به؛ لمَا فِيهِ مِنْ الفُروج والأنقاب
(8)
.
وحاصِلُه: أنَّها لا تُرجَّحُ
(9)
الدَّعْوَى بكَونِ الدَّواخِلِ إلى أحدهما والخَوارِج، ووُجُوهِ الآجُرِّ والحِجارة، ولا كَونِ الآجُرَّة الصَّحيحة ممَّا يَلِي أحدهما، ولا مَعاقِدِ القُمُطِ في الخصِّ
(10)
؛ يَعْنِي: الخُيوط الَّتي يُشَدُّ بها الخُصُّ، والحديثُ المرْوِيُّ عن عُمْرانَ
(11)
،
(1)
في (ن): ولا.
(2)
في (م): لا يسامحون.
(3)
في (م): ولأن.
(4)
في (م): يكون أحدهما.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 29/ 134: الآجر.
(6)
في (م): سامح.
(7)
في (م): ما يشد، وفي (ن): ما يسد.
(8)
في (م): والأثقاب.
(9)
في (ظ): لا يرجح.
(10)
في (ظ): الجص.
(11)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المغني، والشرح الكبير ومصادر الحديث: نمران بن جارية التميمي.
رواه سعيدٌ وابنُ ماجَهْ
(1)
، ضعَّفه جماعةٌ منهم: أحمدُ وإسْحاقُ وابنُ المنْذِر
(2)
، ولِأنَّ العُرْفَ جارٍ بأنَّ مَنْ بَنَى حائطًا جَعَلَ وَجْهَ الحائط
(3)
كما إذا لَبِسَ ثِيابَه، فيجعل
(4)
أحْسَنَها أعْلاها الظَّاهِرَ للنَّاس؛ ليرَوْهُ
(5)
فيَتَزَيَّنَ به.
(وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِي سُلَّمٍ مَنْصُوبٍ، أَوْ دَرَجَةٍ مَنْصُوبَةٍ؛ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ)؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ ذلك له؛ لكَونه يُرادُ للصعود
(6)
، والعَرْصةُ الَّتي عَلَيها الدَّرَجةُ له أيضًا؛ لِانْتِفاعه بها وَحْدَه.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ مَسْكَنٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّ يَدَهما عليها
(7)
؛ لكونها
(8)
سَقْفًا للسُّفْلانِيِّ وموطئًا
(9)
للفَوقانِيِّ.
(1)
أخرجه ابن ماجه (2343)، والبزار (3791)، والدارقطني (4545)، والبيهقي في الكبرى (11370)، من طريق دَهثَم بن قُرَّان، قال: أخبرنا نِمران بن جارية، عن أبيه رضي الله عنه: أن قومًا اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خصٍّ، فبعث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما يقضي بينهم، فقضى به للذي يليه القُمُط، فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره فقال:«أصبتَ وأحسنتَ» . ودَهثَم بن قُرَّان اليمامي: متروك، ونِمران بن جارية الحنفي: مجهول لا يُعرف. والحديث ضعفه أحمد والدارقطني والبيهقي والبوصيري. وعزاه المصنف إلى سعيد بن منصور، ولم نجده. ينظر: تهذيب الكمال 8/ 496، ميزان الاعتدال 4/ 273، مصباح الزجاجة 3/ 49.
(2)
ينظر: المغني 4/ 382.
(3)
كذا في النسخ الخطية، ولعل صواب العبارة:(وَجْهَ الحائط إلى خارِجٍ ليَرَاهُ الناسُ). ينظر: المغني 4/ 381، الشرح الكبير 29/ 134.
(4)
في (م): فجعل.
(5)
في (م) ليرده.
(6)
في (ن): للمقصود.
(7)
في (م): عليه، وفي (ن): عليهما.
(8)
في (م): بكونها.
(9)
في (م): موطئة.
قال في «الشَّرح» : وإنْ كان تَحتَها طاقٌ صغيرٌ لم تُبْنَ الدَّرَجَةُ لأِجْلِه، وإنَّما جُعِلَ مرفقًا
(1)
يُجعَلُ فيه جُبُّ
(2)
الماء؛ فهي لصاحِبِ العُلْو؛ لِأنَّها بُنِيَت
(3)
لِأجْلِه، ويَحتَمِلُ أنْ تكون
(4)
بَينَهما؛ لِأنَّ يَدَهما عَلَيها وانْتِفاعَهما حاصِل بها
(5)
، فهي كالسَّقْف.
وفي «المحرَّر» و «الرِّعاية» : فإنْ كان في الدَّرَجَة طاقَةٌ ونحوُها؛ فهل تكون
(6)
بَينَهما؟ على وَجْهَينِ.
مسألةٌ: إذا كانَتْ دارٌ فيها أربعةُ أبْياتٍ: واحِدٌ ساكِنٌ في أحَدِ أبْياتها، وآخَرُ ساكِنٌ في البَواقِي، واخْتَلَفا فيها؛ كان لكلِّ واحِدٍ ما
(7)
هو ساكِنٌ فيه؛ لِأنَّ كلَّ بَيتٍ يَنفَصِلُ عن صاحِبِه، ولا يُشارِكُ الخارِجُ منه السَّاكِنَ فِيهِ؛ لِثُبوتِ اليَد عَلَيهِ.
وإنْ تَنازَعا السَّاحَةَ الَّتي يُتطَرَّقُ منها إلى البُيوت؛ فهي بَينَهما نِصْفانِ؛ لِاشْتِراكِهما في ثُبوتِ اليَدِ عَلَيها.
(وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّقْفِ الَّذِي بَيْنَهُمَا؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا)، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه حاجزٌ
(8)
بَينَ مِلْكَيْهما
(9)
، يَنتَفِعانِ به، غَيرُ مُتَّصِلٍ بِبِناءِ أحدِهما اتِّصالَ البُنْيان، فكان بَينَهما كالحائط بَينَ الملْكَينِ، ويَتحالَفانِ.
(1)
في (م): موقفًا.
(2)
في (ن): حب.
(3)
في (ن): بنت.
(4)
في (ظ) و (ن): يكون.
(5)
في (م): بهما.
(6)
في (ظ) و (ن): يكون.
(7)
في (م): مما.
(8)
في (ن): جار.
(9)
في (م): ملكين.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: هو لِصاحِبِ العُلْو؛ لِأنَّه لا يُمكِنُه السُّكنى إلا
(1)
به.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ أمْكَنَ إحداثُه
(2)
بَعْدَ بناءِ
(3)
العلو
(4)
؛ فهو لهما مِنْ غَيرِ يمينٍ، وإن
(5)
تعذَّر؛ فهو لِرَبِّ السُّفْلِ إنْ حَلَفَ.
وإنْ تَنازَعا حائطَ العُلْوِ أوْ سَقْفَه؛ فهو لِربِّه؛ لِأنَّه مُختَصٌّ به.
وإنْ تَنازَعا حائطَ السُّفْل؛ فهو لربِّه، لم يَذكُرْ في «الشَّرح» غيره
(6)
؛ لِأنَّه المنتفع
(7)
به، وهو من جملةِ البَيت، فكان لصاحبه.
وقِيلَ: هو بَينَهما؛ لِأنَّه لِنَفْعِهما، فهو كالسُّلَّم تَحْتَ مَسْكَنٍ.
(وَإِنْ تَنَازَعَ المُؤْجِرُ وَالمُسْتَأْجِرُ فِي رَفٍّ مَقْلُوعٍ، أَوْ مِصْرَاعٍ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ؛ فَهُوَ لِصَاحِبِهَا، وَإِلَّا فَهْوُ بَيْنَهُمَا
(8)
، قالَهُ مُعظَمُ أصْحابِنا؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الرَّفَّ والمِصْراعَ تابِعٌ للمَنصوب، وذلك لصاحِبِ الدَّار، فكذا ما يَتبَعُه، وأمَّا كَونُه بَينَهما؛ لِأنَّه لا مَزِيَّةَ لِأحَدِهما على الآخَرِ، ويَتحالَفانِ.
وذَكَرَ في «الكافي» و «الشَّرح» : أنَّ ما يَتبَعُ الدَّارَ في البَيع لِربِّ الدَّار؛ لِأنَّه مِنْ توابعها، أشْبَهَ الشَّجَرةَ المغروسةَ فيها، وما لا يَتبَعُها للمُكْتَرِي؛ لِأنَّ يَدَه عَلَيها، والعادةُ مِنْ الإنسان يُؤْجِرُ دارَه فارِغةً.
ونصُّه: لمُؤجِرٍ مُطلَقًا
(9)
؛ كما لو لم يَدخُلْ في بَيعٍ.
(1)
قوله: (إلا) سقط من (ظ).
(2)
قوله: (إحداثه) سقط من (م).
(3)
في (م): بناءه.
(4)
قوله: (لا يمكنه السكنى
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(5)
في (م): فإن.
(6)
في (ن): وغيره.
(7)
في (ن): كالمنتفع.
(8)
قوله: (فهو بينهما) في (ن): فبينهما.
(9)
ينظر: المغني 10/ 284.
وكذا ما لا يَدخُلُ في البيع، وجَرَت العادةُ به، وما لم تَجْرِ به عادةٌ؛ فلمُكْتر
(1)
.
(وَإِنْ تَنَازَعَا دَارًا فِي أَيْدِيهِمَا
(2)
، فَادَّعَاهَا
(3)
أَحَدُهُمَا، وَادَّعَى الآْخَرُ نِصْفَهَا؛ جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالْيَمِينُ عَلَى مُدَّعِي النِّصْفِ)، نَصَّ عَلَيهِ؛ لِأنَّ مُدَّعِيَ الكلِّ
(4)
في يَدِه نِصْفٌ لا مُنازِعَ فِيهِ، ومُدَّعِيَ النِّصفِ في يَدِه نِصْفٌ يدَّعِي
(5)
عَلَيهِ به وهو يُنكِرُه، والقَولُ قَولُ المنكِر مَع يمينه؛ للخبر، ولا أعْلَمُ فِيهِ خِلافًا، إلاَّ ما حُكِيَ عن
(6)
ابن شُبْرُمةَ
(7)
أنَّ لمُدَّعِي الكُلِّ ثلاثةَ أرْباعِها؛ لِأنَّ النِّصفَ لا مُنازِعَ فيه، والنِّصفُ الآخَرُ يُقسَمُ بَينَهما على حَسَبِ دَعْواهما فيه، وجَوابُه سَبَقَ.
وذَكَرَ أبو بكرٍ، وابنُ أبي مُوسَى: أنَّهما يَتحالَفانِ، وهي بَينَهما نِصفانِ.
وكذا لو ادَّعَى أحدُهما ثُلُثَها، والآخَرُ جميعَها.
وإنْ أقامَ كلٌّ منهما بيِّنةً؛ فظاهِرُ المذْهَب: أنَّها للمدَّعي
(8)
، فتُقدَّم
(9)
بيِّنته؛ لِأنَّه خارِجٌ في النِّصف، وإن
(10)
قدَّمنا بيِّنةَ الدَّاخِلِ؛ فالنِّصْفُ لمُدَّعِيهِ.
وقِيلَ: إنْ سَقَطَتَا؛ فالتَّسويةُ
(11)
، وفي اليمين رِوايَتانِ.
(1)
في (م): فللمكتري.
(2)
في (ن): يديهما.
(3)
في (م): فادعاه.
(4)
في (م): الملك.
(5)
في (ن): مدع.
(6)
قوله: (عن) سقط من (م).
(7)
ينظر: المغني 10/ 252.
(8)
قوله: (أنها للمدعي) سقط من (م).
(9)
في (ظ): بتقدم.
(10)
في (م): إن.
(11)
في (م): إن سقطت فالسوية.
وإنْ كانَتْ بِيَدِ ثالِثٍ؛ فلمُدَّعِي الكلِّ ثلاثةُ أرْباعِها، ولمُدَّعِي النِّصفِ رُبعٌ مع البيِّنة والتحالف
(1)
، نَصَّ عَلَيهِ.
وعَنْهُ: هي لهما نِصفَينِ؛ للتساقط
(2)
.
وقِيلَ: يَقتَرِعانِ على النِّصف.
وإنْ كانت
(3)
بيدِ ثلاثةٍ، فادَّعى أحدُهم نِصفَها، والآخَرُ ثُلُثَها، والثَّالِثُ سُدسَها؛ فهي لهم كذلك، سَواءٌ أقامَ كلُّ واحِدٍ منهم بيِّنةً أمْ لا.
(وَإِنْ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ)، حُرَّينِ كانا أوْ رقِيقَينِ، أوْ أحدُهما أوْ بعضُه، (أَوْ وَرَثَتُهُمَا)، أوْ أحدُهما وَوَرَثَةُ الآخَرِ، (فِي قُمَاشِ الْبَيْتِ؛ فَمَا كَانَ
(4)
يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ)؛ كالسَّيف والعِمامة؛ (فَهُوَ لِلرَّجُلِ)؛ لِأنَّه الظَّاهِرُ، (وَمَا كَانَ
(5)
يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ)؛ كالحليِّ
(6)
وزِينَتِهِنَّ؛ (فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ)؛ لمَا ذَكَرْنا، (وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّه لا مَزِيَّةَ لأِحدهما على الآخَر، وقِيلَ: ولا عادةَ، نَقَلَ الأثْرَمُ: المصحفُ لهما، فإنْ كانَتْ لا تَعرِفُ ولا تقرأ
(7)
بذلك؛ فهو له.
(وَإِنِ اخْتَلَفَ صَانِعَانِ فِي قُمَاشِ دُكَّانٍ لَهُمَا؛ حُكِمَ بِآلَةِ كُلِّ صِنَاعَةٍ لِصَاحِبِهَا، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «المستوعب» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ عملاً بالظَّاهر، ولِأنَّ الآلةَ بالنِّسبة إلى الصَّانع كالقُماش الصَّالِحِ للرَّجل بالنِّسبة إلَيهِ، وكما لو
(1)
في (م): والمخالف.
(2)
في (م): الساقط، وفي (ن): للساقط.
(3)
في (م): كان.
(4)
قوله: (كان) سقط من (ظ) و (م).
(5)
قوله: (كان) سقط من (ظ) و (م).
(6)
في (ظ): كالحكر.
(7)
في (ن): تكتب ولا يقرأ.
تَنازَعَا فِيما في أيْدِيهما، أشْبَهَ ما لو كان في اليَدِ الحُكْمِيَّة.
(وَقَالَ الْقَاضِي) في المسألتَينِ: (إِنْ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ؛ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ
(1)
مِنْ طَرِيقِ المُشَاهَدَةِ
(2)
فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ)؛ لِأنَّ المشاهَدَةَ أقْوَى مِنْ اليَدِ الحُكْمِيَّة، بدليلِ ما لو تَنازَعَ الخيَّاط
(3)
وصاحِبُ الدَّار الإبْرَةَ والمِقَصَّ، وإنْ كان في يَدِ أحَدِهما المشاهدة
(4)
؛ فهو له.
واعْلَم: أنَّه لا ترجيحَ مِمَّا خَرَجَ عن المسْكَن والدُّكَّان بالصَّلاحِيَة فقطْ بحالٍ؛ لِأنَّه لَيسَ لهما يَدٌ حُكْمِيَّةٌ، أشْبَهَ سائرَ المخْتَلِفِينَ.
(وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا هُوَ لَهُ
(5)
؛ فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ أنْ لا يكُونَ له، فشُرِعَت اليمينُ مِنْ أجْلِ ذلك، (إِذَا لَمْ تَكُنْ
(6)
بَيِّنَةٌ)؛ لِأنَّها تُظهِرُ الحقَّ.
(وَإِنْ
(7)
كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ حُكِمَ لَهُ
(8)
بِهَا)، بغَيرِ خِلافٍ
(9)
، ولم يَحلِفْ؛ لِحديثِ الحَضْرَمِيِّ وغَيرِه
(10)
، ولِأنَّ البيِّنةَ أحدُ حُجَّتَي الدَّعْوَى، فيُكتفى
(11)
بها كاليمين، وهذا قَولُ أهْلِ الفُتْيا مِنْ أهْلِ الأمصار.
وقال شُرَيحٌ، والنَّخَعِيُّ، والشَّعْبِيُّ، وابنُ أبي لَيلَى: يُستحلَفُ
(12)
الرَّجُلُ
(1)
في (ن): كانت.
(2)
في (م): الشاهد.
(3)
في (ن): الحائط.
(4)
في (م): الشاهدة.
(5)
قوله: (له) سقط من (ظ).
(6)
في (م): لم يكن له.
(7)
في (م): فإن.
(8)
قوله: (له) سقط من (ن).
(9)
ينظر: الشرح الكبير 29/ 152.
(10)
أخرجه مسلم (139)، وفيه قصة.
(11)
في (م): فيستكفى.
(12)
في (م): يحلف.
مع بَيِّنته
(1)
، قِيلَ لِشُرَيحٍ: ما هذا الَّذي أحْدَثْتَ في القضاء؟ فقال: رأيتُ النَّاسَ أحْدَثُوا فأحْدَثْتُ
(2)
.
قال الشَّيخُ شمس
(3)
الدِّين ابنُ القَيِّمِ: (وهذا لَيسَ ببعيدٍ، لا سِيَّما مع التُّهمة، ويُخرَّجُ في مَذهَبِ أحمدَ وَجْهانِ، قال الخَلاَّلُ في «جامعه»: حدَّثنا محمَّدُ بنُ عليٍّ، حدَّثنا مُهَنَّى، قال: سألتُ أبا عبدِ الله عن
(4)
الرَّجل يُقِيمُ الشُّهودَ، أيَسْتَقِيمُ للحاكم أنْ يَقولَ لِصاحِبِ الشُّهود: احْلِفْ؛ قال: قد فَعَلَ ذلك عليٌّ، قُلْتُ: مَنْ ذَكَرَه؛ قال: ثنا حَفْصُ بنُ غِياثٍ، ثنا ابنُ أبي لَيلَى، عن الحَكَمِ، عن حنَش
(5)
، قال: اسْتَحْلَفَ عليٌّ عُبَيدَ الله بنَ الحُرِّ مع الشُّهود)
(6)
.
(وَإِنْ كَانَ
(7)
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
(8)
بَيِّنَةٌ)، وهي بِيَدِ أحدهما؛ أُقِيمَتْ بيِّنةُ مُنكِرٍ بَعدَ زوالِ يده
(9)
أوْ لَا؛ (حُكِمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي فِي ظَاهِرِ المَذْهَبِ)، وهو المشْهورُ عنه، وقاله
(10)
الخِرَقِيُّ، ونصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في
(1)
في (م) و (ن): بينته.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (35998)، وإسناده حسن.
(3)
في (م): تقي.
(4)
في (م): على.
(5)
في (ظ): حنيش. وفي (ن): خنيس.
(6)
ينظر: الطرق الحكمية 1/ 390.
لم نقف على رواية الخلال، وقد أخرجه ابن أبي شيبة (23060)، من طريق ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن حنش، عن عليٍّ رضي الله عنه. ومحمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق سيئ الحفظ جدًّا، وحنش بن المعتمر الكوفي: صدوق يرسل وله أوهام. ينظر: الكامل لابن عدي 7/ 390، تهذيب الكمال 25/ 622.
(7)
في (م): كانت.
(8)
قوله: (منهما) سقط من (م) و (ن).
(9)
في (م): يد.
(10)
في (م): وقال.
«الوجيز» ؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ البيِّنةَ في جَنَبَةِ المدَّعِي بقوله
(1)
(2)
، فلا يَبقَى في جنبة
(3)
المدَّعَى عَلَيهِ بيِّنةٌ، ولِأنَّ بيِّنةَ المدَّعِي أكثرُ فائدةً؛ لِأنَّها تُثْبِتُ شَيئًا لم يكُنْ، فَوَجَبَ تقديمُها؛ كبيِّنة الجَرْحِ على التَّعديل، وبَيِّنة المنكِرِ إنَّما تُثبِتُ
(4)
ظاهِرًا دلَّتِ اليَدُ عَلَيهِ، فلم تُفِدْ، ولِأنَّه يَجُوزُ أنْ يكونَ مُسْتَنَدُ بيِّنةِ المنكِرِ رُؤيةَ التَّصرُّف ومُشاهَدةَ اليَد، أشْبهَت اليَدَ المفْرَدةَ.
والثَّانِيَةُ: تُقدَّمُ بيِّنةُ المنكِرِ مُطلَقًا، اخْتارَها أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ، وقاله أكثرُ الفُقهاء، وأبو عُبَيدٍ؛ لِأنَّهما تَعارَضَتَا، ومع صاحِبِ اليدِ
(5)
تَرجِيحٌ بها، فَقُدِّمَتْ؛ كالنَّصَّينِ إذا تَعارَضا ومع أحدِهما القِياسُ.
(وَعَنْهُ: إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ المُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ
(6)
نُتِجَتْ
(7)
فِي مِلْكِهِ، أَوْ قَطِيعَةٌ مِنَ الْإِمَامِ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ
(8)
؛ لِحديثِ جابِرٍ: «أنَّ رجُلَينِ اخْتَصَما إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في دابَّةٍ أوْ بَعِيرٍ، وأقامَ كلٌّ منهما البيِّنةَ أنَّها له أنْتَجَها، فَقَضَى بها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
(9)
أنَّها لِلَّذي في يَدِه»
(10)
، ولِأنَّها إذا شَهِدَتْ بالسَّبَب؛ أفادت ما لا
(1)
قوله: (البينة في جنبة المدعي بقوله) سقط من (م).
(2)
تقدم تخريجه 5/ 188 حاشية (4).
(3)
في (م): جنب.
(4)
في (م): ثبتت، وفي (ن): ثبت.
(5)
قوله: (اليد) سقط من (م).
(6)
قوله: (له) سقط من (ن).
(7)
في (م): أنتجت.
(8)
في (ن): بينة.
(9)
قوله: (في دابة أو بعير وأقام
…
) إلى هنا سقط من (م).
(10)
أخرجه الشافعي في مسنده - ترتيب سنجر (1694)، والبيهقي في الكبرى (21223)، من حديث جابر رضي الله عنه، وفيه إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهما متروكان. وأخرجه الدارقطني (4477)، من طريق آخر، وفيه زيد بن نعيم، وهو مجهول لا يعرف. والحديث ضعفه أحمد وابن القطان والذهبي وابن الملقن وابن حجر وغيرهم. ينظر: مسائل أبي داود ص 284، بيان الوهم 3/ 550، البدر المنير 9/ 694، التلخيص الحبير 4/ 385.
تُفِيدُهُ اليَدُ، وتَرجَّحَتْ باليد؛ فَوَجَبَ ترجيحُها.
(وَإِلَّا)؛ أيْ: وإنْ لم تَشهَدْ بذلك؛ (فَهِيَ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَتِهِ
(1)
، قال أحمدُ: البيِّنةُ للمُدَّعِي، لَيسَ لصاحِبِ الدَّار بيِّنةٌ
(2)
.
وعَنْهُ: تُقدَّمُ بيِّنةُ الدَّاخِل، إلَّا أنْ تمتاز
(3)
بيِّنةُ الخارِجِ بسببِ الملْك أوْ سَبَقَه فإنَّها تُقدَّمُ.
وعلى هذا: يَكفِي مُطلَقُ السَّبب.
وعَنْهُ: تُعتبر
(4)
إفادته للسَّبق.
فإنْ شَهِدَتْ بيِّنةُ كلٍّ منهما أنَّها نُتِجت
(5)
في مِلْكِه؛ تَعارَضَتَا، وقَدَّمَ في «الإرشاد»: تُقدَّمُ بيِّنةُ خارِجٍ.
(وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِمَا
(6)
: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ تَرْجِيحٌ؛ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لِأنَّ بيِّنةَ الخارِجِ أقْوَى منها؛ لأنَّه
(7)
لا يَجُوزُ أنْ يكونَ مُستَنَدُها اليد، بخِلافِ بيِّنةِ الدَّاخِلِ.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ
(8)
رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهَا) - أي: بيِّنةَ الدَّاخِل - (مُقَدَّمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ)؛ لِأنَّ جَنَبته
(9)
أقْوَى مِنْ جَنبة
(10)
الخارِج، بدليلِ: أنَّ يمينَه
(1)
في (ن): ببينة.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 284.
(3)
في (م) و (ن): يمتاز.
(4)
في (م): تعتبر، وفي (ن): معتبر.
(5)
في (ن): أبيحت.
(6)
في (م) و (ن): فيها.
(7)
في (ن): لأنها.
(8)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(9)
في (ن): جنبه.
(10)
في (م): جنبته.
تُقدَّمُ على يمينه.
(فَإِنْ
(1)
أَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْخَارِجِ، وَأَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا
(2)
مِنَ الدَّاخِلِ؛ فَقَالَ الْقَاضِي: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ
(3)
، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه هو الخارِجُ في المعْنَى؛ لِأنَّه ثَبَتَ بالبيِّنة أنَّ المدعِيَ صاحِبُ اليَدِ، وأنَّ يَدَ الدَّاخِلِ نائبةٌ عنه.
(وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ)؛ لِأنَّه المدَّعِي، ولِأنَّ اليمينَ في حقِّ الداخِلِ، فتكُونُ البيِّنةُ في حقِّ الخارج.
وقِيلَ: يَتعارَضانِ.
فلو ادَّعى الخارِجُ أنَّ العينَ مِلكُه أوْدَعَها
(4)
إيَّاه، أوْ آجره
(5)
، وأنْكَرَ الآخَرُ، وأقاما بيِّنتَينِ؛ فبيِّنة الخارِجِ أَوْلَى، نَصَرَه في «الكافي» و «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وكما لو لم
(6)
يَدَّعِ الوديعةَ.
وقال القاضي: بيِّنةُ الدَّاخِل مُقدَّمةٌ؛ لِأنَّه هو الخارِجُ في المعنى.
ومِثْلُه: لو ادَّعى أنَّ الدَّاخِلَ غَصَبَه إيَّاها
(7)
.
فرعٌ: إذا أقام المدَّعِي بيِّنةً ولم يُعدِّلْها؛ لم تُسمَعْ بيِّنةُ الدَّاخِل، وفِيهِ احْتِمالٌ، وتُسمَعُ بعدَ التَّعديل
(8)
، قَبْلَ الحُكْم وبَعدَه قَبْلَ التَّسليم، ولا تُسمَعُ قَبلَ سَماعِ بيِّنةِ الخارِج، وتعديلُها بَعدَ الحُكْم والتَّسليم.
(1)
في (ظ): وإن.
(2)
قوله: (من الخارج، وأقام الخارج بينة أنه اشتراها) سقط من (م).
(3)
في (م): الخارج.
(4)
في (م): أو أودعها.
(5)
في (ن): آخره.
(6)
قوله: (لم) سقط من (م).
(7)
في (م): إياه.
(8)
زاد في (ظ): بل.
فإنْ لم يكُنْ للدَّاخِل بيِّنةٌ حاضِرةٌ، فَرَفَعْنا يَدَه، فجاءتْ بيِّنتُه وقد ادَّعى ملكًا مُطلَقًا؛ فبينةُ
(1)
خارِجٍ، وإنِ ادَّعاهُ مُستَنِدًا إلى ما قَبْلَ رَفْعِ يَدِه؛ فبينةُ
(2)
داخِلٍ، والمرادُ: فمن
(3)
يُقدِّمُ بيِّنةَ الدَّاخل يقدمها
(4)
، ويَنقُضُ الحُكْمَ ببيِّنةِ الخارج
(5)
، والمرادُ: إنْ كان يَرَى تقديمَها عِنْدَ التَّعارُض؛ لِأنَّه إنَّما حَكَمَ بناءً
(6)
على عَدَمِ بيِّنةِ داخِلٍ، فقد تبيَّن
(7)
إسنادُ ما يَمنَعُ الحُكْمَ إلى حالة الحكم، وهو الأشْهَرُ للشَّافِعِيَّةِ
(8)
.
مسائلُ:
الأُولَى: إذا كان في يَدِ إنسانٍ شاةٌ مَسْلُوخةٌ، وباقِيها في يَدِ آخَرَ، فادَّعاها
(9)
كلٌّ منهما، ولا بيِّنةَ؛ فلِكُلٍّ ما في يَدِه مع يمينِه، وإنْ أقاما بيِّنتَينِ، وقُلْنا بتقديمِ بيِّنةِ الخارِج؛ فلِكلٍّ ما في يَدِه مِنْ غَيرِ يمينٍ.
الثَّانِيَةُ: إذا كان في يَدِ كلٍّ منهما شاةٌ، فادَّعَى كلٌّ منهما
(10)
أنَّ الشَّاةَ الَّتي في يَدِ صاحِبِه له، وأقاما بيِّنتَينِ؛ فلكلٍّ منهما الشَّاةُ الَّتي في يَدِ صاحِبِه؛ ولا تَعارُضَ، وإنْ قال كلٌّ منهما: الشَّاةُ الَّتي في يَدِكَ مِنْ نتاج شاتِي هذه؛ فالتَّعارُضُ في النِّتاج لا في الملْكِ.
(1)
قوله: (فبينة) في (ظ) و (ن): في بينة. والمثبت موافق للفروع 11/ 281.
(2)
في (ن): ببينة.
(3)
في (ن): من.
(4)
في (ن): تقدمها.
(5)
قوله: (والمراد فمن يقدم بينة الداخل
…
) إلى هنا سقط من (م).
(6)
في (م): ثناء.
(7)
في (ظ) و (ن): بين. والمثبت موافق للفروع 11/ 282.
(8)
ينظر: الحاوي الكبير 17/ 379، بحر المذهب 14/ 469.
(9)
في (م): فادعاه.
(10)
قوله: (شاة فادعى كل منهما) سقط من (م).
الثَّالِثةُ: إذا ادَّعَى شاةً بِيَدِ عَمْرٍو، وأقامَ بيِّنةً؛ قُضِيَ له، فإنْ أقام عَمْرٌو بيِّنةً أنَّها ملكُه؛ لم تُسمَعْ؛ لأنَّها
(1)
بيِّنةُ داخِلٍ له يَد.
الرَّابِعةُ: إذا كان في يده
(2)
شاةٌ، فادَّعَى عمرو
(3)
أنَّها له منذُ سنةٍ، وأقامَ البيِّنةَ، وادَّعَى زَيدٌ أنَّها في يَدِه منذُ سنتَينِ، وأقام بيِّنةً؛ فهي لعمْرٍو بِغَيرِ خِلافٍ
(4)
؛ لِإِمْكانِ الجَمْع.
فإنْ شَهِدَتْ بيِّنةُ عَمْرٍو بأنَّها ملكُه منذُ سنتَينِ؛ فقد تَعارَضَ الترجيحان، وفيه رِوايَتانِ.
فإنْ شَهِدتْ بيِّنةُ الدَّاخِلِ أنَّه مَلَكها
(5)
منذُ سنةٍ، وشَهِدتْ بيِّنةُ الخارج أنَّه مَلَكَها منذُ سنتَينِ؛ قدِّمتْ بيِّنةُ الخارِجِ على المشْهور.
(1)
قوله: (لأنها) سقط من (م).
(2)
في (ن): يدها.
(3)
في (م) و (ن): عمر.
(4)
ينظر: المغني 10/ 248.
(5)
في (ن): تملكها.
(فَصْلٌ)
(الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ
(1)
الْعَيْنُ فِي يَدَيْهِمَا
(2)
؛ فَيَتَحَالَفَانِ، وَتُقْسَمُ
(3)
بَيْنَهُمَا)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(4)
؛ لِأنَّ يَدَ كلٍّ منهما على نصفها، والقَولُ قَولُ صاحِبِ اليَدِ مع يمينه.
وإنْ نَكَلَا جميعًا عن اليمين؛ فكذلك
(5)
.
وإنْ نَكَلَ أحدُهما، وحَلَفَ الآخَرُ؛ قُضِيَ له بجميعها
(6)
؛ لِأنَّه يستحقُّ
(7)
ما في يَدِه بيمينِه، وما في يَدِ الآخَرِ بنُكولِه، أوْ بيمينِه الَّتي رُدَّتْ عَلَيهِ بنُكولِ صاحِبِه.
وفي كلِّ مَوضِعٍ قُلْنا: هو بَينَهما نِصْفانِ؛ إنَّما يَحلِفُ كلٌّ منهما على النِّصف الَّذي يجعله
(8)
له.
(وَإِنْ تَنَازَعَا مُسَنَّاةً)، المُسَنَّاةُ: السَّدُّ الَّذي يَرُدُّ ماءَ النَّهر مِنْ جانِبِه، (بَيْنَ نَهْرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الآْخَرِ؛ تَحَالَفَا، وَهِيَ بَيْنَهُمَا)، ذَكَرَه في «الكافي» و «الشَّرح» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه حاجِزٌ بَينَ ملكيهما
(9)
، يَنتَفِعُ به
(10)
كلُّ واحِدٍ
(1)
في (م): يكون.
(2)
في (م): يدها.
(3)
في (م) و (ن): ويقسم.
(4)
ينظر: المغني 10/ 249.
(5)
قوله: (وإن نكلا جميعًا عن اليمين فكذلك) سقط من (ن).
(6)
في (م): بجميعًا.
(7)
قوله: (يستحق) سقط من (م).
(8)
في (ظ): نجعله.
(9)
في (ظ): ملكهما.
(10)
قوله: (ينتفع به) في (م): ينفع.
منهما، أشْبَهَ الحائطَ بَيْنَ الدَّارَينِ.
وقِيلَ: لِرَبِّ النَّهر.
وقِيلَ: لِرَبِّ الأرض، ولِرَبِّ النَّهر الارتفاق
(1)
بها في تنظيفِ النَّهر.
والحَوضُ كالنَّهر في ذلك.
فرعٌ: إذا تَنازَعا جِدارًا بَينَ ملكيهما
(2)
؛ فهو بَينَهما، ويَتحالَفانِ، ويَحلِفُ كلٌّ منهما للآخر
(3)
أنَّ نِصفَه له.
وفي «المغْنِي» : يَجُوزُ أنْ يَحلِفَ أنَّ كُلَّه له.
(وَإِنْ تَنَازَعَا صَبِيًّا) مَجْهولَ النَّسب (فِي يَدَيْهِمَا؛ فَكَذَلِكَ
(4)
؛ أيْ: يَتحالَفانِ وهو بَينَهما؛ لِأنَّه لا يُعبِّرُ عن نفسه، أشبه
(5)
البهيمةَ، إلَّا أنْ يُعرَفَ أنَّ سبَبَ يدِه غَيرُ الملْك، مِثْلَ: أنْ يَلتَقِطَه؛ فلا تُقبَلُ دَعْواهُ لِرِقِّه؛ لِأنَّ اللَّقِيطَ محكومٌ بحُرِّيَّته، فأمَّا غَيرُه؛ فقد وُجِدَ فيه دليلُ الملْك، وهو اليَدُ، مِنْ غَيرِ مُعارَضَةٍ، فيُحكَمُ بِرِقِّه وإنْ لم يَدَّعِه.
فعلى هذا: إذا بَلَغَ وادَّعَى الحريَّةَ؛ لم يُقبل
(6)
منه؛ لِأنَّه محكومٌ برِقِّه قَبْلَ دَعْواهُ، فلو وَضَعَ يَدَه على بدنه، والآخَرُ على ثَوبه؛ فهو وثَوبُه للأوَّل.
(وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، فَقَالَ: إِنِّي حُرٌّ؛ فَهُوَ حُرٌّ)، قدَّمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» ، وجَزَم به في «الوجيز» ، وذكر
(7)
في «الشَّرح» : أنَّه الأَوْلَى؛ لِأنَّ
(1)
في (م): الاتفاق.
(2)
في (ظ): ملكهما.
(3)
قوله: (للآخر) سقط من (م).
(4)
في (ظ) و (م): كذلك.
(5)
في (م): أشبهه.
(6)
في (م): لم تقبل.
(7)
في (ن): وذكره.
الظَّاهِرَ الحرِّيَّةُ، وهي الأصلُ في
(1)
بني آدَمَ
(2)
، ولِأنَّه يُعرِبُ عن نفسه، أشْبَهَ البالِغَ، (إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ)؛ فيُعمَلُ بها.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ كَالطِّفْلِ)؛ أيْ: يكُون بَينَهما؛ لِأنَّه غَيرُ مُكلَّفٍ، أشبه
(3)
الطِّفْلَ، وكما لو اعْتَرَفَ بِرِقِّه.
فرعٌ: إذا ادَّعَيَا رِقَّ بالِغٍ فصدَّقَهما؛ فهو لهما، وإنْ كذَّبَهما ولا بيِّنةَ؛ حَلَفَ لهما وخُلِّيَ، وإنْ صدَّقَ أحدَهما؛ فهو له؛ لِأنَّ رِقَّه إنَّما ثَبَتَ بإقْراره، وإنْ جَحَدَهما؛ قُبِلَ قَولُه في الأشْهَر.
وفي «الرِّعاية» : إنْ سَكَتَ هو أو المميِّز؛ لم يَصِحَّ بَيعُهما. وقِيلَ: بَلَى.
فإنْ أقاما بيِّنةً برِقِّيَّةِ أحدِهما، وأقامَ بيِّنةً بحُرِّيَّتِه؛ تَعارَضَتَا، وقِيلَ: تُقدَّمُ بيِّنةُ الحُرِّيَّة، وقِيلَ عَكْسُه
(4)
.
(وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ حُكِمَ لَهُ بِهَا)؛ لِأنَّ البيِّنةَ تُظهِرُ صاحِبَ الحقِّ.
(وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
(5)
بَيِّنَةٌ؛ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا)، قال القاضي: هو قِياسُ المذْهَب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّها أثبتت
(6)
لصاحبها في وقتٍ لم تعارضه
(7)
فيه البيِّنةُ الأُخْرَى، فيَثبُتُ الملْكُ فيه، ولهذا: له المطالَبةُ بالباقي ذلك الزَّمان، وتَعارَضَت البيِّنتان في الملْك في الحال، فسقطتا
(8)
، وبقي
(9)
(1)
في (م): من.
(2)
في (ن): ابن آدم.
(3)
في (م): لشبه.
(4)
كتب في هامش (ظ): (إذا ادعى على رجل أنه عبده، فأنكر ذلك وقال: بل أنا حر، وأتى كل واحد منهما ببينة؛ تعارضتا، فيتساقطان، ويكون القول قول المنكر؛ كمن لا بينة له. انتهى).
(5)
قوله: (منهما) سقط من (ن).
(6)
في (م): أثبت.
(7)
في (م) و (ن): لم يعارضه.
(8)
في (م): فيسقطان.
(9)
في (ن): ومتى.
ملْكُ السَّابِقِ تحت
(1)
اسْتِدامَتِه، مِثْلَ أنْ يشهد
(2)
إحداهما أنَّها له منذُ سنةٍ، والأخْرَى أنَّها له منذُ سَنَتَينِ.
وظاهِرُ الخِرَقِيِّ
(3)
: أنَّهما سَواءٌ، قدَّمه في «المحرَّر»
(4)
و «الرِّعاية» ، ورجَّحَه في «الشَّرح» ؛ لِأنَّ الشَّاهِدَ بالملْكِ الحادِثِ أَوْلَى؛ لجوازِ أنْ يَعمَلَ به دُونَ الأوَّلِ، فإذا لم يُرجَّحْ بهذا؛ فلا أقلَّ مِنْ التَّساوِي.
وأجاب
(5)
في «المغْنِي» عن ثُبوتِ الملْك في الزَّمَنِ الأوَّلِ: بأنَّ ذلك إنَّما يَثبُتُ تَبَعًا للزَّمَن الحاصِلِ، بدليلِ: أنَّه لو انْفَرَدَت الدَّعْوَى بالزَّمَن الماضِي؛ لم تُسمَعْ.
(فَإِنْ وُقِّتَتْ إِحْدَاهُمَا، وَأُطْلِقَتِ الْأُخْرَى؛ فَهُمَا سَوَاءٌ)، هذا هو المذْهَبُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لِأنَّه لَيسَ في المطْلَقة ما يَقتَضِي التَّقْديمَ، فَوَجَبَ اسْتِواؤُهما، كما لو أُطلِقَتا
(6)
جميعًا.
(وَيَحْتَمِلُ: تَقْدِيمُ المُطْلَقَةِ)، هذا وَجْهٌ، وهو قَولُ أبي يُوسُفَ ومحمَّدٍ
(7)
؛ لِأنَّ الملْكَ بها يَجُوزُ أنْ يكونَ ثابِتًا قَبْلَ المُؤَقَّتَةِ.
(وَإِنْ شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا بِالمِلْكِ، وَالْأُخْرَى بِالمِلْكِ وَالنِّتَاجِ، أَوْ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ المِلْكِ، فَهَلْ يُقَدَّمُ
(8)
بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما، وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به
(1)
في (ظ) و (ن): تجب. والمثبت موافق للشرح الكبير 29/ 170.
(2)
في (م): تشهد.
(3)
كتب في هامش (ن): (المذهب: لا تقديم إلا أن تشهد المتأخرة بانتقاله عنه).
(4)
قوله: (في «المحرر») سقط من (م).
(5)
في (م): به فأجاب.
(6)
قوله: (لو أطلقتا) في (ن): أطلقنا.
(7)
ينظر: الأصل للشيباني 7/ 595، شرح مختصر الطحاوي 8/ 195.
(8)
في (م): تقدم.
في «الوجيز»
(1)
: لا تُرجَّحُ
(2)
به؛ لِأنَّهما اشْتَرَكا في إثْباتِ أصْلِ الملْك واليَدِ، فَوَجَبَ اسْتِواؤهما كذلك.
والثَّاني: يقدَّم
(3)
به؛ لِأنَّها شَهِدَتْ بزيادةٍ على الأخرى؛ كتقديمِ بيِّنةِ الجَرح على التَّعديل
(4)
.
وعَنْهُ: لا تقدَّم
(5)
إحداهما إلَّا بالسَّبق، أوْ سبَبٍ يُفِيدُه؛ كالنِّتاج في ملْكِه والإقْطاعِ، فأمَّا سببُ الإرْثِ أو الهبة
(6)
أو الشِّراء فلا.
قال في «المحرَّر» : فَعَلَى هاتَينِ: إنْ شَهِدَتْ بيِّنةٌ بملكٍ
(7)
مُنذُ سَنَةٍ، وأطْلَقَت الأخرى؛ فهل هما سواءٌ، أوْ تُقدَّمُ المطْلِقةُ؟ على وَجْهَينِ.
فإنْ شَهِدَتْ بيِّنةُ كلِّ واحِدٍ بسَبْقِ الملْك، أوْ سَبَبه؛ قدِّمت بيِّنةُ الخارِج.
وقِيلَ: هما كغيرهما في السُّقوط وغَيرِه.
وكذا إن
(8)
اتَّفَقَ تاريخُهما، قاله في «الرِّعاية» .
(وَلَا تُرَجَّحُ
(9)
إِحْدَاهُمَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَلَا اشْتِهَارِ
(10)
الْعَدَالَةِ، وَلَا الرَّجُلَانِ عَلَى الرَّجُلِ وَالمَرْأَتَينِ)، هَذَا هو المعمولُ به، وقاله
(11)
أكثرُ
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
في (ن): لا يرجح.
(3)
في (م): تقدم.
(4)
في (ن): التقديم.
(5)
في (ن): لا يقدم.
(6)
في (ن): والهبة.
(7)
في (ن): تملك.
(8)
في (ظ): إذا
(9)
في (ن): ولا تقدم.
(10)
قوله: (ولا اشتهار) في (ن): واشتهار.
(11)
في (م): وقال.
العُلَماء؛ لِأنَّ الشَّرعَ قَدَّرَ الشَّهادةَ بمِقْدارٍ معلومٍ، وبالعدالة، وبالرَّجل والمرأتَينِ، فلم يَختَلِفْ ذلك بالزِّيادة.
وعَنْهُ: ترجَّح
(1)
باشْتِهارِ العدالة، اخْتارَه ابنُ أبي موسى، وأبو الخَطَّاب، وأبو محمَّدٍ الجَوزيُّ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه أبْلَغُ، وهو قَولٌ في الرَّجُلَينِ، وتخريجٌ في كَثْرَةِ العَدَد؛ لِأنَّ أحَدَ الخَبَرينِ يرجَّح
(2)
بذلك، والشَّهادةُ خَبَرٌ، ولأِنَّ الظَّنَّ يَقْوَى بذلك.
(وَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، صحَّحه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ الشاهدين
(3)
حُجَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيها، فيقدَّم
(4)
على المخْتَلَفِ فيه.
والثَّاني
(5)
: لا تُرجَّحُ بذلك، وقدَّمه في «الفروع» ، بل يَتعارَضانِ؛ لِأنَّهما حُجَّتانِ، أشْبَهَتا البيِّنَتَينِ.
(وَإِذَا
(6)
تَسَاوَتَا تَعَارَضَتَا)؛ لِأنَّه لا مَزِيَّةَ لإحداهما
(7)
على الأخرى، (وَقُسِمَتِ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا) على المذْهَب، وصحَّحه في «الشَّرح» ، وفي «الكافي»: أنَّه الأَوْلى
(8)
، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لمَا رَوَى أبو مُوسَى: «أنَّ رَجُلَينِ اخْتَصَما في بَعِيرٍ، وأقام كلٌّ منهما شاهِدَينِ، فَقَضَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالبعير
(1)
في (م): يرجح.
(2)
في (ن): ترجح.
(3)
في (ن): للشاهدين.
(4)
في (م): فتقدم.
(5)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(6)
في (م): وإذ.
(7)
في (ن): لأحدهما.
(8)
في (م): أولى.
بَينَهما» رواه أبو داودَ
(1)
، ولِأنَّ كلًّا منهما داخلٌ
(2)
في نِصْفِ العَين، خارِجٌ في نِصفِها الآخَرِ، (بِغَيْرِ يَمِينٍ)، وهو
(3)
قَولُ أكثرِهم؛ لِظَاهِرِ ما ذَكَرْناهُ.
(وَعَنْهُ
(4)
: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ؛ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا)، ذَكَرَه الخِرَقِيُّ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، فعلى هذا: يَحلِفُ كلٌّ منهما على النِّصف المحْكومِ له به، وكالخَبَرَينِ المتساوِيَينِ.
وجَوابُه: الفَرْقُ؛ أنَّ كلَّ بيِّنةٍ في نِصْفِ العَينِ، والبيِّنةُ الرَّاجِحةُ يُحكَمُ بها مِنْ غَيرِ يمينٍ.
(1)
أخرجه أبو داود (3615)، والبيهقي في الكبرى (21228)، عن همام، حدثنا قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى رضي الله عنه موصولاً. وأخرجه النسائي في الكبرى (5954)، والطحاوي في شرح المشكل (4756)، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن أبي بردة، عن أبي موسى بلفظ:«أن رجلين ادّعيا دابة وجداها عند رجل، فأقام كل واحد منهما شاهدين أنها دابته، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين» ، وأعلّها النسائي. وخالفهما ابن أبي عروبة، فأخرجه أحمد (19603)، وأبو داود (3613)، والنسائي (5424)، وابن ماجه (2330)، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جدِّه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:«أن رجلين ادَّعيا بعيرًا أو دابّة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليست لواحد منهما بيّنة، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما» ، وفي لفظ:«فقضى بها بينهما نصفين» ، وأخرجه البيهقي في الكبرى (21214)، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه مرسلاً نحو رواية ابن أبي عروبة في اللفظ. والحديث معلول عند أهل الحديث، مع الاختلاف الكثير في إسناده على قتادة، ورجح الدارقطني والبيهقي والخطيب: إرساله. وصحح النسائي والحاكم رواية ابن أبي عروبة الموصولة، فقال النسائي:(إسناد هذا الحديث جيد). ينظر: علل الدارقطني 7/ 203، الخلافيات 7/ 503، تحفة الأشراف 6/ 452، نصب الراية 4/ 108، البدر المنير 9/ 689، الإرواء 8/ 273.
(2)
قوله: (داخل) في (ظ): إذًا دخل.
(3)
في (م): في.
(4)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
ونَصَرَ في «عُيون المسائل» : يَسْتَهِمانِ على مَنْ يَحلِفُ، وتكُونُ العَينُ له، ونَقَلَه صالِحٌ
(1)
.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّ القُرعةَ مشروعةٌ في مَوضِعِ الإبهام
(2)
، وهو مَوجُودٌ هنا، (فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ)؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ أنْ تكُونَ العَينُ لصاحِبِه، (وَأَخَذَهَا)؛ لِأنَّ ذلك فائدةُ القُرْعة.
والمقدَّم في «الفروع» : أنَّه يأخُذُها مِنْ غَيرِ يمينٍ، ثُمَّ قال: وهل يَحلِفُ كلٌّ مِنهُما لِلآخَر؟ فِيهِ رِوايَتانِ.
(فَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ؛ لَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَا: وَهِيَ
(3)
مِلْكُهُ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ)؛ لِأنَّ مُجرَّدَ الشِّراء لا يُوجِبُ نَقْلَ الملْك؛ لِجَوازِ أنْ يَقَعَ مِنْ غَيرِ مالِكٍ، فلم يكُنْ بُدٌّ مِنْ انْضِمامِ الملك للبائع، ولِأنَّ مجرَّدَ الشِّراء لو أفاد لتمكَّنَ
(4)
مَنْ أراد
(5)
انْتِزاعَ ملكٍ
(6)
مِنْ يَدِ شَخْصٍ بذلك، بأنْ يُوافِقَ شَخصًا لا مِلْكَ له على إِيقاع الشِّراء على الملك الَّذي
(7)
في يَدِ ذلك الشَّخص، ويَنزِعُه منه، وذلك ضَرَرٌ عظيمٌ.
(وَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ
(8)
مِلْكُهُ، وَادَّعَى الآْخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو وَهِيَ
(9)
مِلْكُهُ، وَأَقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ؛ تَعَارَضَتَا)؛ لِأنَّهما
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 220.
(2)
في (م): الإيهام.
(3)
زيد في (م): في.
(4)
في (م): التمكن.
(5)
زاد في (ظ) و (ن): أن.
(6)
في (ن): ملكه.
(7)
في (م): والذي.
(8)
زيد في (م): في.
(9)
زيد في (م): في.
اسْتَوَيَا في السَّبب وثُبوتِ الملك، وذلك يُوجِبُ التَّعارُضَ، وظاهِرُه: ولو أرَّخا
(1)
، وهو رِوايةٌ، وهي المذْهَبُ.
والثَّانِيةُ: يُقدَّم أسْبَقُهما تاريخًا، وإنْ كانَتْ في يَدِ أحدِهما؛ فهي للخارج.
فرعٌ: مَنْ ادَّعى دارًا في يَدِه، فأقام زَيدٌ بيِّنةً أنَّه اشْتَراها مِنْ عَمْرٍو حِينَ كانَتْ مِلكَه، وسلَّمها إلَيهِ؛ فهي لزيدٍ
(2)
، وإلَّا فلا.
وكذا دَعْوَى وَقْفِها عَلَيهِ مِنْ عمْرٍو، وهِبَتِها له منه.
ومَن أَقَرَّ لِزَيدٍ بشَيءٍ ادَّعاه، وذَكَرَ تَلَقِّيهِ منه؛ سُمِعَ، وإلَّا فَلَا.
وإنْ أخَذَ منه ببيِّنةٍ، ثُمَّ ادَّعاه، فهل يَلزَمُ ذِكْرُ تَلَقِّيهُ منه؟ قال ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ وجهين
(3)
.
إذا قال: آجَرْتُك هذا البَيتَ بعَشَرةٍ، فقال المسْتَأْجِرُ: بل جميعَ الدَّار، وأقاما بيِّنتَينِ؛ تَعارَضَتَا. وقِيلَ: يُقدَّمُ قول
(4)
المسْتَأْجِرِ.
(وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَقَامَ الآْخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَعْتَقَهُ؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ)؛ لِأنَّها شَهِدَتْ بأمْرٍ خَفِيٍّ على بيِّنةِ الملْك، ولا تَعارُضَ بَينَهما، فثبت
(5)
الملْكُ للأوَّل، والشِّراءُ منه للثَّانِي، ولم تُرفع يَدُه، بَلْ تقرُّ في يَدِه، ولا تُؤخذ
(6)
منه؛ لِأنَّه قد حُكِمَ بأنَّ بينته مُقدَّمةٌ، بخِلافِ الحُكْم في مسألةِ الدَّاخِلِ والخارِجِ، فإنَّ اليَدَ تُرفَعُ فِيهَا؛ لِأنَّ صاحِبَ اليَدِ هو الدَّاخِلُ؛ كقَولِه: أبْرَأَنِي مِنْ الدَّين؛ لِأنَّ مَعَها زِيادةُ عِلْمٍ.
(1)
في (ن): أرضًا.
(2)
في (م): كزيد.
(3)
قوله: (وجهين) سقط من (ن).
(4)
قوله: (قول) سقط من (م).
(5)
في (ن): فيثبت.
(6)
في (ن): ولا يؤخذ.
أمَّا لو قال: لي بيِّنةٌ غائبةٌ؛ طُولِبَ بالتَّسْلِيمِ؛ لأِنَّ تأْخِيرَه يَطُولُ.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في بيِّنةٍ شهدت
(1)
له بملك
(2)
إلى حِينِ وَقْفِه، وأقامَ وارِثٌ بيِّنةً أنَّ مُوَرِّثَه اشْتَراهُ من الواقِف قَبْلَ وقْفِه: قدِّمَتْ بيِّنةُ وَارِثٍ؛ لِأنَّ معها مَزِيدَ عِلْمٍ؛ كتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ بأنَّه وَرِثَه مِنْ أبِيهِ، وآخَرَ أنَّه باعَهُ
(3)
.
(وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بيِّنةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِأَبِي خَلَّفَهَا تَرِكَةً، وَأَقَامَتِ امْرَأَتُهُ
(4)
بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إِيَّاهَا؛ فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ)؛ لِأنَّ بَيِّنتَها شَهِدَتْ بالسَّبب المقْتَضِي لِنَقْلِ الملْكِ، وقَولُ الاِبْنِ: إِنَّ أَبَاهُ تَرَكَهَا تَرِكَةً؛ لَا تُعَارِضُهَا، وَإنْ نافَتْها؛ فلأنَّ
(5)
مُستَنَدَها فِيهِ هو
(6)
الاِسْتِصْحابُ، وقد تبيَّنَ قَطْعُه بقِيامِ البيِّنة على سَبَبِ النَّقْل، فإنْ لم يكُنْ لها بيِّنةٌ؛ فيُصدَّقُ الاِبْنُ إنْ حَلَفَ.
تنبيهٌ: إذا كانَتْ دارٌ بِيَدِ زَيدٍ، فأقام كلُّ واحِدٍ بيِّنةً أنَّه اشْتَراها مِنْ زَيدٍ بكذا، وقِيلَ
(7)
أو
(8)
لم يَقُلْ: وهي
(9)
مِلكُه، بل
(10)
كانَتْ تَحتَ يَدِه وقْتَ البَيعِ، واتَّحد
(11)
تاريخُهما
(12)
؛ تَعارَضَتَا.
(1)
في (م): شهد.
(2)
في (م): نملك.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 493، الفروع 11/ 165.
(4)
في (م): امرأة.
(5)
قوله: (نافتها فلأن) في (م) و (ن): باقيها.
(6)
قوله: (فيه هو) في (م) و (ن): وهو.
(7)
في (ظ): وقبل.
(8)
في (م): إن.
(9)
زيد في (م): في.
(10)
قوله: (بل) سقط من (ن).
(11)
في (ن): أو اتحد.
(12)
قوله: (واتحد تاريخهما) في (م): واتحدتا.
فإنْ قُلْنا: تُقْسَم
(1)
؛ تَحالَفَا، ورَجَعَ كلُّ واحِدٍ على زَيدٍ بما وَزَنَ له.
وقِيلَ: بنِصْفِ الثَّمن، وله الخِيارُ في فَسْخِ البَيعِ؛ لِأنَّ الصَّفْقَةَ تبعَّضَتْ عَلَيهِ.
فإنْ فَسَخَ أحدُهما؛ فلِلآخَرِ طَلَبُ كلِّ الدَّار، إلَّا أنْ يكونَ الحاكِمُ قد حَكَمَ له بنصفِ السِّلعة ونِصْفِ الثَّمن، فلا يَعُودُ النِّصفُ الآخَرُ إلَيهِ، وإنْ أقْرَعْنا؛ فهي لمَنْ قَرَعَ، وفي اليمين الخِلافُ السَّابِقُ، وإنْ سقطتا
(2)
فكما سَبَقَ.
وإنِ اخْتَلَفَ تاريخهُما؛ حُكِمَ بالأسْبَقِ، وغَرِمَ البائع
(3)
الثَّمَنَ للثَّاني.
وإن
(4)
أُرِّخَتْ إحْداهما، أوْ لَمْ تؤرَّخا
(5)
؛ تَعارَضَتَا في الملْك في الحال، لا في الشِّراء؛ لِجَوازِ تعدُّدِه وتجدُّده.
وإنِ ادَّعاها زَيدٌ لِنَفْسه؛ حَلَف لهما مرَّةً، قدَّمه في «الرِّعاية» .
وقِيلَ: إنْ قُلْنا: يَسقُطانِ؛ حَلَفَ لكلِّ واحِدٍ يمينًا وأخَذَها، وإنْ قُلْنا بالقُرعة؛ فمَن قَرَعَ منهما غَيرَ زَيدٍ حَلَفَ أنَّها له وَحْدَه وأخَذَها، وإنْ قُلْنا: تُقسم
(6)
؛ فلكلٍّ منهما نصفُها بنِصْفِ الثَّمَن، ذَكَرَه في «الكافي» .
وقد نَصَّ أحمدُ في رِوايَةِ الكَوسَجِ: في رَجُلٍ أقامَ البيِّنةَ أنَّه
(7)
اشْتَرَى
(1)
في (ن): يقسم.
(2)
في (ن): سقطا.
(3)
في (م): السابق.
(4)
في (م): وللثاني أن.
(5)
في (ن): لم يؤرخا.
(6)
في (ن): يقسم.
(7)
في (م): وأنه.
سلعةً بمِائَةٍ، وأقامَ آخر
(1)
بيِّنةً أنَّه اشْتَراها؛ فكلٌّ منهما يَستَحِقُّ نصفَ السِّلعة بنِصْفِ الثَّمَن، فيَكُونانِ شَرِيكَينِ
(2)
.
(1)
في (م): الآخر.
(2)
لم نجده في مسائل ابن منصور الكوسج. وينظر: الكافي 4/ 257.
(فَصْلٌ)
(القِسْمُ
(1)
الثَّالِثُ: تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا)، نقولُ: إذا ادَّعاها صاحِبُ اليَدِ لنفسه؛ قُبِلَ قَولُه مع يمينِه بغَيرِ خِلافٍ
(2)
، ويَحلِفُ لكلِّ واحدٍ يمينًا على
(3)
الأَشْهَرِ، فإنْ نَكَلَ عنها؛ لَزِمَه العَينُ لهما أوْ عوضها
(4)
، وإنْ لم يكُنْ كذلك، (فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا)؛ لمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: «أنَّ رجلين تَداعَيَا في دابَّةٍ لَيسَ لِواحِدٍ منهما بيِّنةٌ، فأمَرَهُما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَسْتَهِما على اليمين
(5)
» رواهُ أحمدُ، وأبو داود
(6)
وابنُ ماجَهْ، وإسْنادُه ثِقاتٌ
(7)
، ولِأنَّ القُرْعةَ تُمَيِّزُ عِنْدَ التَّساوِي، ولِأنَّه لَا مَزِيَّةَ لأِحَدِهما، أشْبَهَ ما لو أعْتَقَ أحد
(8)
عَبدَيهِ في مَرَضِه، (فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ حَلَفَ وَأَخَذَهَا)؛ لِمَا ذَكَرْنا.
وقِيلَ: يَقتَسِمانها، ويَتحالَفانِ.
(1)
قوله: (القسم) سقط من (ن).
(2)
ينظر: المغني 10/ 255.
(3)
في (ن): في.
(4)
في (ن): وعوضها.
(5)
في (ن): الثمن.
(6)
قوله: (أحمد وأبو داود) في (م): أبو داود.
(7)
أخرجه أحمد (10347)، وأبو داود (3618)، وابن ماجه (2329)، والنسائي في الكبرى (5956)، من طرق عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وسنده صحيح وقوّاه الألباني، إلا أنّ بعض العلماء جعلوا هذا الطريق وجهًا من أوجه الاختلاف الواقع في الحديث السّابق عن ابن أبي عروبة عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جدِّه. وصنيع الدارقطني والبيهقي أنه حديث آخر مستقلّ. ينظر: علل الدارقطني 11/ 206، و 7/ 203، الخلافيات 7/ 505، السنن الكبرى 10/ 431، الإرواء 8/ 275.
(8)
في (ن): أحدهما.
وقِيلَ: مَنْ قَرَعَ مِنْ المدعيين
(1)
وحَلَفَ فهِيَ له.
وذَكَرَ جماعةٌ: أنَّه إذا اعْتَرَفَ أنَّه
(2)
لا يَمْلِكُها، وقال: لا أعْرِفُ صاحِبَها، وصدَّقاهُ في
(3)
نَفْيِ العِلْم؛ لم يَحلِفْ، وأُخِذَتْ منه، واقْتَرَعَا، فمَن قَرَعَ صاحِبَه؛ حَلَفَ أنَّها له وأخَذَها.
وإنْ كذَّباهُ أوْ أحدُهما؛ لَزِمَه يمينٌ واحِدةٌ بذلك، واقترعا
(4)
قَبْلَ حَلِفِه الواجِبِ وبَعدَه، وإنْ نَكَلَ تعيَّنَ قَبْلَه.
وإن اقْتَرَعا قَبْل؛ فلا حَلِفَ عَلَيهِ؛ كغَيرِ المقْروعِ المكذِّبِ له.
فإنْ نَكَلَ؛ لَزِمَه القِيمةُ.
وعَنْهُ: يَقِفُ الحُكْمُ حتَّى يأتِيا بأمرٍ بيِّن
(5)
، قال
(6)
: لِأنَّ إحْداهُما كاذِبَةٌ، فسَقَطَتَا، كما لو ادَّعَيَا زَوجِيَّةَ امرأةٍ، وأقام كلُّ واحِدٍ البيِّنة، ولَيسَتْ بِيَدِ أحَدِهما، فإنَّهما يَسقُطانِ، كذا هُنَا.
(فَإِنْ كَانَ المُدَّعَى عَبْدًا) مُكلَّفًا، (فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا؛ لَمْ يُرَجَّحْ
(7)
بِإِقْرَارِهِ)، هذا رِوايَةٌ ذَكَرَها القاضي وغَيرُه؛ لِأنَّه مُتَّهَمٌ، وهو مَحجُورٌ عَلَيهِ، أشْبَهَ الطِّفْلَ.
والمذْهَبُ: أنَّه إذا صَدَّقَ أحدَهما؛ فهو له كمُدَّعٍ واحِدٍ، وإن
(8)
صدَّقهما فهو لهما، وإنْ جَحَدَ؛ قُبِلَ قَولُه، وحُكِيَ: لَا.
وإنْ كان غَيرَ مُكلَّفٍ؛ لم يُرجَّحْ بإقْراره.
(1)
في (م): المدعين.
(2)
قوله: (أنه) سقط من (ن).
(3)
في (م): ففي.
(4)
في (ن): فذلك وأقرعنا.
(5)
في (ن): تبين.
(6)
أي: قال في «عيون المسائل» . ينظر: الفروع 11/ 287.
(7)
في (م): أحدهما لم ترجح.
(8)
في (ن): فإن.
مسائلُ:
إذا أقرَّ بها لأِحدهما بعَينِه؛ حَلَفَ وأخَذَها، ويَحلِفُ المقِرُّ للآخَر، وإنْ نَكَلَ؛ أخَذَ منه بَدَلَها.
وإنْ أخَذَها المُقَرُّ له، فأقام الآخَرُ بيِّنةً؛ أخَذَهَا منه، قال في «الرَّوضة»: للمُقَرِّ له قِيمتُها على المُقِرِّ.
وإنْ أقرَّ بها لهما، ونكل عن
(1)
التَّعْيين؛ اقْتَسماها.
وإن قال: هِيَ لأِحدِهما وأجهلُه
(2)
، فإنْ صدَّقاه؛ لم يَحلِفْ، ويُقرَعُ بَينَهما، فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وأخَذَها، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
.
(وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ حُكِمَ لَهُ بِهَا) بغَيرِ خِلافٍ
(4)
؛ لِأنَّها أظْهَرَتْ أنَّه المسْتَحِقُّ للعَينِ المالِكُ لها.
(وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
(5)
بَيِّنَةٌ؛ تَعَارَضَتَا)؛ لِأنَّه لا مَزِيَّةَ لأحدهما
(6)
على الأُخْرى، وسَواءٌ كان مُقِرًّا لهما، أوْ لِأَحدهما لا بعَينه، أوْ لَيستْ بِيَدِ أحدٍ، (وَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ)، وفِيهِ رِوايَتانِ:
إحْداهما
(7)
: القُرْعةُ، وهي ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وصححه ابنُ المنَجَّى
(8)
، ورُوِيَ عن ابن
(9)
عمرَ
(10)
،
(1)
في (م): في.
(2)
في (م): أو جهله.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 258.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 29/ 152.
(5)
في (ن): واحد.
(6)
في (ظ): لإحداهما.
(7)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب إذا لم ينازع من هي في يده).
(8)
زاد في (ظ): عن ابن المنجى.
(9)
قوله: (ابن) سقط من (ن).
(10)
لم نقف عليه. وينظر: الإشراف لابن المنذر 4/ 234.
وابنِ الزُّبَير
(1)
، وقاله
(2)
إسحاقُ وأبو عُبَيدٍ؛ لمَا رَوَى ابنُ المسيِّب: «أنَّ رَجُلَينِ اخْتَصَما إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في أمْرٍ، وجاء كلُّ واحِدٍ منهما بشُهودٍ عُدولٍ، فأسهم
(3)
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَينَهما» رَواهُ الشَّافِعِيُّ
(4)
، وقياسًا
(5)
على ما إذا لم يكن
(6)
بيِّنةٌ.
فَعَلَى هذا: مَنْ خَرَجَتْ له القُرعةُ؛ أخَذَها مِنْ غَيرِ يمينٍ، وقال أبو الخَطَّاب: عَلَيهِ اليمينُ مع بينته
(7)
؛ ترجيحًا لها
(8)
.
والثَّانِيَةُ: تُقْسَمُ العَينُ بَينَهما؛ لحديث
(9)
أبي مُوسَى في البعير
(10)
.
(1)
عزاه المصنف إلى عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ولم نجده عنه، وقد أخرجه أحمد (1418)، والبيهقي في الكبرى (6684)، عن هشام، عن عروة، أخبرني أبي الزبيرُ رضي الله عنه: أنه لما كان يوم أحد أقبلتْ امرأة تسعى، حتى إذا كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم. فقال: «المرأة المرأة» ، فوقفتْ وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفنوه فيهما، وفيه: فأقرعنا بينهما فكفّنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له. وسنده صحيح قاله الألباني، وحسنه الضياء المقدسي. ينظر: الأحاديث المختارة 3/ 69، الإرواء 3/ 165.
(2)
في (ن): وقال.
(3)
في (ظ): قاسمهم.
(4)
لم نجده عن الشافعي، وأسنده البيهقي عنه في المعرفة (20282)، وقد أخرجه أبو داود في مراسيله (398)، والطحاوي في شرح المشكل (4759)، والبيهقي في الكبرى (21235)، عن ابن المسيب مرسلاً، ورجاله ثقات، وله شاهد من حديث عروة وسليمان بن يسار، أخرجه البيهقي في الكبرى (21236)، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف.
(5)
في (ن): قياسًا.
(6)
في (م): لم تكن.
(7)
في (م): ببينته.
(8)
في (م): لهما.
(9)
زيد في (ن): ابن.
(10)
تقدم تخريجه 10/ 466 حاشية (2).
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّه
(1)
على أنَّ العَينَ في يَدِهِما.
وفي قَولٍ: يَتوقَّفُ الأمْرُ حتَّى يتبين
(2)
.
فرعٌ: إذا أنْكَرَهُما مَنْ العينُ
(3)
في يده، وكانَتْ لأِحَدِهما بيِّنةٌ؛ حُكِمَ له بها.
وإنْ أقام كلٌّ منهما بيِّنةٌ، فإنْ قُلْنا: تستعمل
(4)
البَيِّنتان
(5)
؛ أُخِذَت العَينُ مِنْ يَدِه وقُسِمَتْ بَينَهما، أوْ يدفع
(6)
إلى مَنْ تخرج
(7)
له القُرْعةُ، وهو المشْهورُ، وإنْ قُلْنا بسقوطهما
(8)
؛ حَلَفَ صاحِبُ اليَدِ وأُقِرَّتْ في يده؛ كما لو لم تكن بيِّنةٌ.
(فَإِنْ
(9)
أَقَرَّ صَاحِبُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا؛ لَمْ يُرَجَّح
(10)
بِذَلِكَ)؛ كإقْرارِ العَبْد لأِحَدِ المدَّعِيَينِ، إذا قُلْنا: لا تسقط
(11)
البيِّنتان؛ لِأنَّه ثَبَتَ زَوالُ ملكِه، فصار كالأجنبي
(12)
.
وإنْ قُلْنا بسُقوطهما، فأَقَرَّ لأِحَدِهما، أوْ لهما؛ قُبِلَ إقْرارُه، فإن
(13)
(1)
بعده بياض في (ن)، ولعلها: محمول. كما في الممتع 4/ 608: (والأول أصح؛ لما تقدم، وحديث أبي موسى محمول على ما إذا كانت العين في يد المنازعين).
(2)
في (م): تتبين.
(3)
في (ن): الغبن.
(4)
في (ظ): يستعمل.
(5)
في (م): البينات، وفي (ن): النيشان.
(6)
في (م): تدفع.
(7)
في (م) و (ن): يخرج.
(8)
في (م): بسقوطها.
(9)
في (ن): وإن.
(10)
في (م): لم ترجح.
(11)
في (ن): لا يسقط.
(12)
في (ن): كأجنبي.
(13)
في (ن): فأما إن.
أقرَّ
(1)
لِأحَدِهما في الاِبْتِداء، صار المقَرُّ له صاحِبَ اليَدِ؛ لِأنَّ مَنْ في يَدِه العَينُ مُقِرٌّ بأنَّ يَدَه نائبةٌ عن يَدِه.
وإنْ أَقَرَّ لهما جميعًا؛ فاليَدُ لكلٍّ مِنهما في الجُزء الَّذي أُقِرَّ له
(2)
به، قاله في «الشَّرح» وغَيرُه.
وفي «المحرَّر» و «الرِّعاية» : أنَّه إذا أَقَرَّ لأِحَدِهما بها
(3)
؛ أنَّها
(4)
له مع يمينه، ثُمَّ يَحلِفُ المقِرُّ لِلآخَر على الأصحِّ، فإنْ نَكَلَ لَزِمَه عِوَضُها.
فرعٌ: أَخَذَ ثَوبًا مِنْ زَيدٍ بعَشَرَةٍ، وآخَرَ مِنْ عَمْرٍو بعِشْرينَ، فادَّعَى كلٌّ منهما الأكثرَ قِيمةً، ولا بيِّنةَ؛ اقْتَرَعا، فمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وأخَذَ الأكثرَ قِيمةً، والباقِي لِلآخَر، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
؛ لِأنَّهما تَنازَعَا عَينًا في يَدِ غَيرِهما.
وفي «الرِّعاية» : وكذا إن اشْتَراها منهما اثْنانِ، أوْ باعَهُ لهما واحِدٌ.
(وَإِنِ ادَّعَاهَا صَاحِبُ الْيَدِ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهِيَ لَهُ
(6)
؛ لِأنَّه صاحِبُ اليَدِ، وهو مُنكِرٌ، فلَزِمَتْه اليَمِينُ؛ للخَبَر، وكَمَنْ لا بيِّنةَ له.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَ المُدَّعِيَيْنِ)؛ لِأنَّه يَظهَرُ المستحق
(7)
لهما
(8)
دُونَ صاحِبِ اليَدِ، (فَيَكُونُ لمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ)؛ لِأنَّ بَيِّنتَهما أظْهَرَتْ أنَّهما المسْتَحِقَّانِ لها، وأنَّه لا حَقَّ لصاحِبِ اليَدِ، فرجحت
(9)
إحدى البيِّنتَينِ
(1)
قوله: (لأحدهما أو لهما قبل إقراره فإن أقر) سقط من (م).
(2)
قوله: (له) سقط من (م).
(3)
كتب في هامش (ن): (المذهب: إن أقر لأحدهما بعينه فهي له).
(4)
قوله: (بها أنها) في (ن): بأنها.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2933.
(6)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(7)
في (م): للمستحق.
(8)
قوله: (لهما) سقط من (م)، وهو في (ظ): لها.
(9)
قوله: (فرجحت) في (ظ): في حجب.
بالقُرْعة؛ كما لو
(1)
أقرَّ صاحِبُ اليَدِ لأِحَدِهما لكِنْ لا يَعلَمُه بعَينِه.
تنبيه: إذا
(2)
ادَّعَى أنَّه اشْتَرَى أو اتَّهَبَ مِنْ زَيدٍ عَبدَه، وادَّعَى آخر كذلك، أو ادَّعى
(3)
العَبْدُ العِتْقَ، وأقاما بيِّنتَينِ بذلك؛ قدَّمْنا أسْبَقَ التَّصَرُّفَينِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، وإلاَّ تَعَارَضَتَا، فيَسْقُطانِ، أوْ يُقسَمُ، أوْ يُقرَعُ كما سَبَقَ.
وعَنْهُ: تُقدَّمُ بيِّنةُ العِتْقِ.
ولو كان العَبْدُ بيَدِ أحدِ المُتَداعِيَيْنِ أوْ يَدِ نَفْسِه؛ فالحُكْمُ كذلك؛ إلْغاءً لهذه اليَدِ، للعِلْم بمُسْتَنَدِها، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
، واخْتارَهُ أبو بكرٍ.
وعَنْهُ: أنَّها
(5)
يَدٌ مُعتَبَرةٌ، فلا تَعارُضَ، بل الحُكْمُ على الخِلافِ في الدَّاخِلِ والخارِجِ، قالَهُ المجْدُ رحمه الله تعالى.
(وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٌ، فَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ، وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَهُ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً
(6)
؛ انْبَنَى عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ)؛ لأنَّ المشْتَرِيَ داخِلٌ؛ لأِنَّ يَدَه على العبد، والعَبْدَ خارِجٌ؛ لِأنَّه لَيسَتْ له يَدٌ.
هذا إذا
(7)
كانا بتاريخٍ واحِدٍ، فإنْ كانا
(8)
بتاريخَينِ مُختَلِفَينِ؛ قدَّمْنا الأُولَى، وبَطَلَت الأُخْرَى؛ لِأنَّه إنْ سَبَقَ العِتْقُ؛ لم يَصِحَّ البَيع، وإنْ سبقَ
(9)
البَيعُ لم يَصِحَّ العِتْقُ؛ لِأنَّه أعْتَقَ عَبدَ غَيرِه.
(1)
قوله: (لو) سقط من (م).
(2)
قوله: (إذا) سقط من (ظ) و (ن).
(3)
في (م): وادعى.
(4)
ينظر: زاد المسافر 3/ 584.
(5)
قوله: (أنها) سقط من (ن).
(6)
في (م): بينته.
(7)
في (ن): إن.
(8)
في (م) و (ن): كان.
(9)
في (ظ) و (ن): صح.
لا يُقالُ: يَحتَمِلُ أنَّه عاد إلى ملكِه فأعْتَقَه؛ لِأنَّه قد ثَبَتَ الملْكُ للمُشْتَرِي، فلا يُبطِلُه عِتْقُ البائع.
(وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ زَيْدٍ؛ فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ مَا إِذَا ادَّعَيَا عَيْنًا فِي
(1)
يَدِ غَيْرِهِمَا)؛ لِأنَّ العَبدَ عَينٌ، وهو في يَدِ غَيرِ المتنازِعَينِ، فَعَلَى هذا: يُرجَعُ إلى قَولِ زَيدٍ، فإنْ أنْكَرَهما؛ فالْقَولُ قَولُه مع يمينه؛ لِأنَّه مُنكِرٌ، وإنْ أَقَرَّ لِأحَدِهما؛ قُبِلَ إقْرارُه، وحَلَفَ لِلآْخَرِ، وإنْ أقامَ أحَدُهما بيِّنةً؛ حُكِمَ له بها، وإنْ أقامَ كلٌّ منهما
(2)
بيِّنةً؛ قُدِّمَت السَّابِقةُ، وإنْ قُلْنا بالقُرْعة؛ أُقْرِعَ بَينَ المشْتَرِي والعَبْدِ، فمَنْ خَرَجَتْ له القُرْعةُ؛ حَلَفَ وحُكِمَ له، وإنْ قُلْنا بالقِسْمة؛ جُعِلَ نِصفُ العَبْد مَبِيعًا ونِصفُه حُرًّا، ثُمَّ يَسْرِي إلى باقِيهِ إنْ كان البائعُ مُوسِرًا.
(وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَبْدٌ، فَادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلَانِ، كُلُّ وَاحِدٍ
(3)
مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنِّي بِثَمَنٍ سَمَّاهُ، فَصَدَّقَهُمَا؛ لَزِمَهُ الثَّمَنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ لِأنَّه يَجُوزُ أنْ يكونَ اشْتَراهُ مِنْ أحدِهما، ثُمَّ مَلَكَه الآخر
(4)
فاشْتَراهُ منه.
فإنْ قال: اشْتَرَيْتُه مِنْ كلِّ واحِدٍ منكما صفقةً واحدةً؛ فقد أقرَّ لكلٍّ منهما بنصفِ الثَّمَن، وله تحليفُه على الباقي، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
(وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا؛ حَلَفَ لَهُمَا وَبَرِئَ)؛ لِأنَّ مَنْ أنْكَرَ وجبت عليه اليَمِينُ، ويَحلِفُ لكلٍّ منهما يَمِينًا، ذَكَرَه في «الكافي» .
(وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدَهُمَا؛ لَزِمَهُ مَا ادَّعَاهُ)؛ لِتَوافُقِهما على صِحَّةِ دَعْواهُ، (وَحَلَفَ
(5)
لِلآْخَرِ)؛ لِأنَّه مُنكِرٌ.
(وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ؛ فَلَهُ الثَّمَنُ)؛ لِأنَّ البيِّنةَ مُقدَّمةٌ على الإنكار؛ للخَبَرِ، (وَيَحْلِفُ لِلآْخَرِ)؛ لِأنَّه مُنكِرٌ.
(1)
في (م): من.
(2)
قوله: (منهما) سقط من (م).
(3)
في (ن): رجل.
(4)
في (م): للآخر.
(5)
في (ن): ويحلف.
(وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَأَمْكَنَ صِدْقُهُمَا؛ لاِخْتِلَافِ تَارِيخِهِمَا، أَوْ إِطْلَاقِهِمَا، أَوْ إِطْلَاقِ إِحْدَاهُمَا
(1)
وَتَارِيخِ الْأُخْرَى؛ عُمِلَ بِهِمَا)، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ البيِّنةَ حُجَّةٌ شرعيَّةٌ، فإذا أمْكَنَ صِدْقُهما من الجانِبَينِ؛ وَجَبَ العَمَلُ بهما
(2)
، كالخَبَرَينِ إذا أمْكَنَ العَمَلُ بهما.
وقِيلَ: إذا لم يُؤرَّخَا أوْ أحدُهما؛ تَعارَضَتَا؛ كما لو اتَّحَدَ تاريخُهما.
وفي «الكافي» : باحتمال
(3)
اسْتِواءِ تاريخهما، والأصلُ براءةُ الذِّمَّة.
والأوَّلُ أَوْلَى.
وذكر
(4)
في «الشَّرح» سُؤالاً: وهو أنَّه لِمَ قُلتُمْ: إنَّ البائعَ إذا كان واحِدًا والمشْتَرِي اثْنَينِ، فأقام أحدُهما بيِّنةً أنَّه اشْتَراهُ في المحرَّم، وأقام الآخَرُ بيِّنةً أنَّه اشْتَراهُ في
(5)
صَفَرٍ؛ يكون
(6)
شِراءُ الثَّانِي باطِلاً؟
وأجاب عنه: بأنَّه إذا ثَبَتَ الملْكُ للأوَّل
(7)
لم يُبطِلْه بأنْ يبيعه
(8)
للثَّاني
(9)
ثانيًا
(10)
، وفي مسألتنا ثُبوتُ شِرائه مِنْ كلِّ واحدٍ مِنهُما يُبطِلُ مِلْكَه؛ لِأنَّه لا
(1)
في (ن): أحدهما.
(2)
في (م): بها.
(3)
في (م): احتمال.
(4)
في (ن): ذكره.
(5)
قوله: (المحرم وأقام الآخر بينة أنه اشتراه في) سقط من (ن).
(6)
في (م): لم يكن.
(7)
في (ن): الأول.
(8)
في (م): بيعه.
(9)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 10/ 260، والشرح الكبير 29/ 200: الثاني.
(10)
في (ن): ثابتًا.
يَجوزُ أنْ يَشتَرِيَ ثانيًا مِلْكَ نفسِه، ويَجوزُ للبائع أنْ يَبِيعَ ما لَيسَ له، فافْتَرَقَا.
(وَإِنِ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا؛ تَعَارَضَتَا)؛ لِأنَّهما تَسَاوَيَا، والتَّساوِي يُوجِبُ التَّعارُضَ، (وَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ)؛ لِأنَّه في مَعْناهُ، فإنْ قُلْنا بالتَّساقُط؛ رُجِعَ إلى قَولِ المدَّعَى عَلَيهِ، كما لو لم تكُنْ بيِّنةً، فَعَلَى هذا: لا يَلزَمُ المدَّعَى عَلَيهِ شَيءٌ من الثَّمن.
وإنْ قُلْنا بالقُرعة؛ وَجَبَ الثَّمَنُ لمَن تَخرُجُ له القُرعةُ، ويَحلِفُ لِلآخَر ويَبرَأُ.
وإنْ قُلْنا بالقِسْمة؛ قُسِمَ الثَّمنُ بَينَهما، ويَحلِفُ لكلِّ واحدٍ
(1)
مِنهُما على الباقِي.
(وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ بَاعَنِي إِيَّاهُ بِأَلْفٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً؛ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا)؛ لِأنَّ نَقْلَ الملْك حاصِلٌ لمَنْ سَبَقَ، فوُقُوعُ العَقْد بَعْدَ ذلك لا يَصِحُّ.
(وَإِنْ
(2)
لَمْ تَسْبِقْ
(3)
إِحْدَاهُمَا؛ تَعَارَضَتَا)؛ لِأنَّهما تساويا، وهو مُوجِبٌ للتَّعارُضِ.
(وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: غَصَبَنِي إِيَّاهُ، وَقَالَ الآْخَرُ: مَلَّكَنِيهِ، أَوْ أَقَرَّ لِي بِهِ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً؛ فَهُوَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ)؛ لِأنَّه لا تَعارُضَ بَينَهما؛ لجِوازِ أنْ يكُونَ غَصَبَه من هذا ثُمَّ مَلَّكَهُ لِلآخَر، (وَلَا يَغْرَمُ لِلآْخَرِ شَيْئًا)؛ لِأنَّه لم يَحُلْ بَينَه وبَينَ ما أقرَّ به، وإنَّما
(4)
حالت البيِّنةُ
(5)
بَينَهما.
فرعٌ: إذا ادَّعى عَمْرٌو عبدًا بِيَدِ زَيدٍ، وأقامَ بيِّنةً أنَّه اشْتَراهُ منه
(6)
، وأقامَ
(1)
قوله: (واحد) سقط من (ظ).
(2)
في (ن): فإن.
(3)
في (ظ) و (ن): لم يسبق.
(4)
في (م): وإن.
(5)
قوله: (البينة) سقط من (ن).
(6)
قوله: (وأقام بينة أنه اشتراه منه) سقط من (ن).
زَيدٌ بَيِّنةً أنَّه اشْتَراهُ مِنْ عَمْرٍو؛ قدِّمت
(1)
بيِّنةُ زَيدٍ، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وذَكَرَه القاضِي، وقال: لم يَتناقَضْ به أصْلُنا في تَقْديمِ بيِّنةِ الخارج؛ لِأنَّا نَقُولُ ذلك إذا كانت الدَّاخِلَةُ لا تُفِيدُ إلَّا ما تفيده
(2)
اليَدُ، وهذه تُفِيدُ اليَدَ والشِّراءَ.
وقِيلَ: تُقدَّمُ بيِّنةُ عَمْرٍو؛ لجَوازِ أنْ يكُونَ اشْتَراهُ مِنْ زَيدٍ ولم يَقبِضْه.
ويَحتَمِلُ أنْ يكُونَ قد اشْتَراهُ زَيدٌ مِنْ عمرٍو وقَبَضَه منه.
والصَّحيحُ عِنْدَ السَّامَرِّيُّ: التَّعارُضُ والتَّساقط
(3)
، وأنَّه يَبقَى لِزَيدٍ إنْ حلف
(4)
.
خاتمةٌ
(5)
: ادَّعى نكاحَ صغيرةٍ في يَدِه، فُرِّقَ بَينَهما، وفَسَخَه الحاكِمُ، إلَّا أنْ يكونَ له بيِّنةٌ؛ لِأنَّ النِّكاحَ لا يَثبُتُ إلاَّ بعَقْدٍ وشَهادةٍ، وإنْ صَدَّقَتْهُ إذا بَلَغَتْ؛ قُبِل
(6)
، ذَكَرَه في «الكافي» ، وفي «الرِّعاية»: هو
(7)
أظهر.
وإن ادَّعَى زوجيَّةَ امرأةٍ، فأقرَّتْ بذلك؛ قُبِلَ إقْرارُها؛ لِأنَّها أقرَّتْ على نفسها، وهي غَيرُ مُتَّهَمةٍ؛ لِأنَّها لو أرادت النِّكاحَ؛ لم تُمنَع
(8)
منه.
فإن ادَّعاها اثْنانِ، فأَقرَّت لِأحَدِهما؛ لم يُقبَلْ منها
(9)
بلا بيِّنةٍ تَشهَدُ بأصْلِ النِّكاح وشُروطِه، وإلَّا
(10)
فُرِّقَ بَينَهما؛ لِأنَّها مُتَّهمةٌ، فإنَّها لو أرادت ابْتِداءَ
(1)
في (ظ): وقدمت.
(2)
في (ظ): يفيده، وفي (ن): يقيده.
(3)
في (ظ): التساقط.
(4)
في (م): يحلف.
(5)
في (ن): مسألة.
(6)
في (م): وقيل.
(7)
في (ن): وهو.
(8)
في (ظ) و (ن): لم يمنع.
(9)
في (م): منهما.
(10)
في (م): ولا.
تَزويجِ أحدِ المتداعِيَينِ؛ لم يكُنْ لها ذلك قَبْلَ الاِنفِصالِ مِنْ دَعْوَى الآخَر.
وإنْ أقاما بيِّنتَينِ؛ تَعارَضَتَا وسَقَطَتَا، فلا نِكاحَ.
وإن اخْتَلَفَ تاريخُهما؛ فهي للأسْبَق تاريخًا، فإنْ جُهِلَ الأسْبَقُ؛ عُمِلَ بقَولِ الوليِّ، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، قال ابنُ حمدان: الولي
(2)
المجْبِرُ، فإنْ جُهِلَ؛ فُسِخَا. واللهُ أعلم
(3)
.
(1)
ينظر: زاد المسافر 3/ 576.
(2)
قوله: (الولي) سقط من (ظ) و (ن).
(3)
قوله: (والله أعلم) سقط من (ن). وكتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المؤلف رحمه الله.
(بَابٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ)
بَابٌ التَّعارُضُ مَصدَرُ تَعارِضَتِ البيِّنتانِ: إذا تَقابَلَا، تقول
(1)
: عارَضْتُه بمِثْلِ ما صَنَعَ؛ أيْ: أتيت بمِثْلِ ما
(2)
أَتَى، فتَعارُضُهما: أنْ تشهد
(3)
إحْداهما بنَفْيِ ما أثْبَتَتْهُ الأُخْرَى، أوْ بالعكس، فالتعارض
(4)
: التَّعادُلُ مِنْ كلِّ وَجْهٍ.
(إِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: مَتَى قُتِلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قُتِلَ، وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ)؛ لِأنَّ الأصْلَ عَدَمُ القتل، لكِنْ يَحلِفُ الوَرَثَةُ على نَفْيِه، قاله في «الرِّعاية» .
ومُقتَضاهُ: أنَّه إذا أقامَ العَبْدُ بينةً بهِ
(5)
أنَّها تُقْبَلُ، وهو كذلك.
(وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
(6)
بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ؛ فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ فَيَعْتِقُ، أَوْ يَتَعَارَضَانِ فَيَبْقَى
(7)
عَلَى الرِّقِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ).
المنصوصُ: أنَّها تُقدَّمُ بيِّنةُ العَبْد
(8)
، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّها تَشهَدُ بزيادةٍ، وهو القَتْلُ.
والثَّانِي: يَتعارَضانِ فيَسقُطانِ، صحَّحه في «المستوعب» ؛ لِأنَّ إحْداهُما تشهد
(9)
بضدِّ ما شَهِدَتْ به الأخرى، فَعَلَى هذا: يَبقَى العَبْدُ رقيقًا؛ لِأنَّه لم
(1)
في (م): يقول.
(2)
في (م): أما.
(3)
في (ن): يشهد.
(4)
في (م): فإن التعارض.
(5)
قوله: (به) سقط من (ظ).
(6)
قوله: (كل واحد منهم) سقط من (م).
(7)
في (ن): ويبقى.
(8)
ينظر: الفروع 11/ 291. وكتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(9)
في (ن): يشهد.
يَثبُتْ عِتْقُه، وقِيلَ: يُقرَعُ بَينَهما، وقِيلَ: يُقسم
(1)
، قال ابنُ حَمْدانَ: فيَعتِقُ نِصفُه إذَنْ.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ مُتُّ فِي المُحَرَّمِ فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ مُتُّ فِي صَفَرٍ فَغَانِمٌ حُرٌّ، وَأَقَامَ
(2)
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمُوجِبِ عِتْقِه؛ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ سَالِمٍ)، قدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ مَعَهَا زيادةَ عِلْمٍ.
والمذْهَبُ كما قدَّمه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: أنَّهما يتعارضان
(3)
فيَسقُطانِ، ويَبْقَيَان
(4)
على الرِّقِّ إذا جُهِلَ وَقْتُ مَوته، وكما لو لم تقم
(5)
بيِّنةٌ.
وقِيلَ: تُقدَّم
(6)
بينةُ
(7)
غانِمٍ فيعتق
(8)
.
وقِيلَ: يُقرَعُ بَينَهما، وفي «الكافي»: أنَّه المذْهَبُ، فيَعتِقُ مَنْ تقع
(9)
له القُرْعةُ.
وإنْ بان مَوتُه بَعْدُ، وجُهِلَ زَمنُه ولا بيِّنةَ؛ رَقَّا؛ لأنَّه
(10)
يَجُوزُ أنْ يَموتَ في غَيرِ الشَّهْرَينِ.
وفي «المحرَّر» : يَحتَمِلُ فِيما إذا ادَّعى الوَرثةُ مَوتَه قَبْلَ المحرَّم أنْ يَعتِقَ مَنْ شَرْطُه الموتُ في صَفَرٍ؛ لِأنَّ الأصْلَ بقاءُ الحياة معه.
(1)
قوله: (وقيل: يقسم) سقط من (م).
(2)
في (ن): فأقام.
(3)
في (ن): يتعارض.
(4)
في (م): ويبقى.
(5)
في (ن): لم يقم.
(6)
في (ن): يقدم.
(7)
قوله: (وقيل: وتقدم بينة) سقط من (م).
(8)
في (م): فينعتق.
(9)
في (م): تقع.
(10)
زيد في (م): لا.
وعلى المذْهَب: إذا عُلِمَ مَوتُه في أحَدِ الشَّهْرَينِ؛ أُقْرِعَ بَينَهما.
وقِيلَ: يُعمَلُ فِيهِما بأصْلِ الحياة.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ مُتُّ فِي مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْتُ فَغَانِمٌ حُرٌّ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ؛ تَعَارَضَتَا وَبَقِيَا عَلَى الرِّقِّ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا)، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «المستوعب» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ كلَّ واحدةٍ تُكذِّبُ الأُخْرَى، وتُثبِتُ زيادةً بِنَفْيِها
(1)
الأخرى.
قال في «الشَّرح» : وهو ظاهِرُ الفساد؛ لِأنَّ التَّعارُضَ أثَرُه في إسْقاطِ البيِّنتَينِ، ولو لم يَكُونَا لَعَتَقَ أحدُهما، فكذلك إذا سَقَطَتَا.
(وَالْقِيَاسُ أَنْ يَعْتِقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ)، وهو رِوايةٌ قدَّمها في «المحرَّر»
(2)
وغَيرُه؛ لِأنَّ أحدهما
(3)
اسْتَحَقَّ العِتْقَ، ولا نعلم
(4)
عَينه، وكما لو جُهِلَ مِمَّ
(5)
مات، ولم تكن
(6)
له بيِّنةٌ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَعْتِقَ غَانِمٌ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَشْهَدُ بِزِيَادَةٍ).
وقِيلَ: يَعتِقُ سالِمٌ وحدَه.
وحَكَى في «الفروع» الأَقْوالَ الأربعةَ مِنْ غَيرِ ترجيحٍ لأحدها
(7)
.
وكذا حُكْمُ: إنْ مُتُّ مِنْ
(8)
مَرَضِي، بَدَلَ «في» .
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 29/ 209: تنفيها.
(2)
كتب في هامش (ظ): (والفروع).
(3)
في (ن): ولأن إحداهما.
(4)
في (ظ): ولا تعلم.
(5)
في (م): فما.
(6)
في (م): ولم يكن.
(7)
في (ظ) و (م): لأحدهما.
(8)
في (م): في.
وقدَّم في «المحرَّر» و «الرِّعاية» : أنَّه
(1)
إذا جُهِلَ مِمَّ
(2)
مات؛ أنَّهما على الرِّقِّ؛ لاِحْتِمالِ مَوتِه في المرض بحادِثٍ.
وقِيلَ: يَعتِقُ أحدُهما بالقُرعة؛ إذ الأصلُ
(3)
عَدَمُ الحادِثِ.
ويَحتَمِلُ: أنْ يَعتِقَ مَنْ شَرْطُه المرضُ؛ لِأنَّ الأصلَ دَوامُه وعَدَمُ البُرء.
فرعٌ: إذا قال الوَرَثَةُ: أعْتَقَكَ في مرضِ مَوتِه، فقال: بل
(4)
في صحَّته، فأنكروا
(5)
ولا بيِّنةَ له، وهو دُونَ الثُّلث فأقلَّ؛ عَتَقَ، وإلاَّ صُدِّقَ الوَرَثَةُ.
(وَإِنْ أَتْلَفَ ثَوْبًا، فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ قِيمَتَهُ عِشْرُونَ، وَشَهِدَتْ أُخْرَى أَنَّ قِيمَتَهُ ثَلَاثُونَ؛ لَزِمَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ)، جَزَمَ به في «المستوعب» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروع» ؛ لِأنَّه مُتَيَقَّنٌ، وربَّما اطَّلعت
(6)
بيِّنةُ الأقلِّ على ما يُوجِبُ النَّقْصَ، فتكُونُ شَهادةً بزِيادةٍ خفيت
(7)
على بيِّنةِ الأكْثَرِ.
وعَنْهُ: يَسقُطانِ؛ لِتَعارُضِهما في الزَّائد، فيَحلِفُ الغارِمُ على الأقلِّ.
وقِيلَ: يُقرَعُ بَينَهما.
وقِيلَ: الأكْثَرُ، واخْتارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(8)
في نَظِيرها فِيمَنْ آجَرَ حصة
(9)
مَوْلِيِّه، قالَتْ بيِّنةٌ: بأجْرةِ مِثْلِه، وبَيِّنةٌ: بنِصْفِها، وإنْ كان بكلِّ قِيمةٍ شاهِدٌ ثَبَتَ عشرةٌ بهما على الأُولَى، وعلى الثَّانية يَحلِفُ مع أحدِهما ولا تَعارُضَ؛ لِعَدَمِ
(1)
قوله: (أنه) سقط من (م) و (ن).
(2)
في (م): ثم.
(3)
قوله: (إذا الأصل) في (ن): والأصل.
(4)
في (ن): بلى.
(5)
في (ظ) و (ن): فأنكر.
(6)
في (ن): أطلقت.
(7)
قوله: (خفيت) مكانه بياض في (ن).
(8)
ينظر: الفروع 11/ 296.
(9)
في (م): حصته.
كمالِ بيِّنةِ الأقلِّ.
ونَصَرَ المؤلِّفُ الأوَّلة
(1)
؛ لِأنَّ البيِّنتَينِ تعارضتا
(2)
في الزَّائد، وتُخالِفُ الزِّيادةَ في الإخبار
(3)
، فإنَّ مَنْ يَرْوِي النَّاقِصَ لا يَنفِي الزَّائدةَ، وكذلك مَنْ شهد
(4)
بألْفٍ لا ينفي
(5)
أنَّ عَلَيهِ ألْفًا أُخْرَى.
فرعٌ: إذا كانت العَينُ قائمةً؛ قُدِّمَتْ بيِّنةُ ما يُصدِّقُها الحِسُّ، فإن احتمل
(6)
، فقال شَيخُنا ابن
(7)
نَصْرِ الله: لو اختلفت
(8)
بيِّنتانِ في قيمة
(9)
عَينٍ قائمةٍ لِيَتِيمٍ يُرِيدُ الوصيُّ بَيعَها؛ أُخِذَ ببينة
(10)
الأكْثَرِ.
(فَلَوْ
(11)
مَاتَتِ امْرَأَةٌ وَابْنُهَا، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَوَرِثْتُهُ، وَقَالَ أَخُوهَا: مَاتَ ابْنُهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، وَلَا بَيِّنَةَ؛ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ)؛ لِأنَّه منكر
(12)
، (وَكَانَ مِيرَاثُ الاِبْنِ لِأَبِيهِ، وَمِيرَاثُ المَرْأَةِ لِأَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ)؛ لِأنَّ سَبَبَ الحيِّ مِنْ مَورُوثه مَوجُودٌ، وإنَّما يُمنَعُ لِبَقاءِ مَورُوثِ الآخَرِ بَعدَه، وهذا الأمرُ مَشْكوكٌ فِيهِ، فلا يَزُولُ عن اليَقِين بالشَّكِّ.
(1)
قوله: (وعلى الثانية يحلف مع أحدهما
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(2)
في (ظ): تعارضا.
(3)
في (م): الإجبار.
(4)
في (م): شهدت.
(5)
في (م): لا ينبغي.
(6)
قوله: (فإن احتمل) في (م): فاحتمل.
(7)
في (م): أبو.
(8)
في (م): اختلف.
(9)
قوله: (قيمة) سقط من (ظ).
(10)
في (م): بينة.
(11)
في (ن): ولو.
(12)
قوله: (لأنه منكر) سقط من (ن).
لا يُقالُ: قد أعْطَيتُم الزَّوجَ وهو لا يَدَّعِي إلَّا الرُّبُعَ؛ لِأنَّه مُدَّعٍ لجميعه
(1)
؛ رُبُعه بمِيراثه منها، وثلاثةُ أرْباعه بإرْثِه من ابْنِه.
(وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ؛ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه إذا لم يُمكِنِ العَمَلُ بهما وَجَبَ تَساقُطُهما؛ لِأنَّه لا مَزِيَّةَ لأِحَدِهما على الأخرى.
(وَقِيَاسُ مَسَائِلِ الْغَرْقَى أَنْ تَجْعَلَ
(2)
لِلْأَخِ سُدُسَ مَالِ الابْنِ
(3)
، وَالْبَاقِيَ لِلزَّوْجِ)؛ لِأنَّه يُقدَّر أنَّ المرأةَ ماتَتْ أوَّلاً
(4)
، فيَكُونُ مِيراثُها لاِبْنِها وزَوجِها، ثُمَّ مَاتَ الاِبْنُ فوَرِثَ الزَّوجُ كلَّ ما في يَدِه، فَصَارَ مِيراثُها كُلُّه لِزَوجِها، ثُمَّ يُقدَّرُ أنَّ الاِبْنَ مات أوَّلاً؛ فَلأِمِّه الثُّلُثُ والباقي لأِبيهِ، ثُمَّ ماتَتْ أُمُّه وفي يَدِها الثُّلث، فكان بَينَ أخِيها وزَوجِها نِصفَينِ، لِكلِّ واحِدٍ منهما السُّدُسُ، فلم يَرِثِ الأخُ إلَّا سُدُس
(5)
مالِ الاِبْنِ.
قال المؤلِّفُ: فلعلَّ
(6)
هذا القول يختصُّ بمن جُهِل موتهما واتَّفق وارثُهما
(7)
على الجهل به
(8)
.
تنبيهٌ: إذا شَهِدَ اثْنانِ لاِثْنَينِ بالوصيَّة مِنْ تَرِكَةِ زَيدٍ، فشهد المشهودُ
(9)
لهما للشاهدين
(10)
بوصيَّةٍ مِنْ تلك التَّرِكةِ، أوْ شَهِدَ اثْنانِ أنَّ أباهما طلَّق ضَرَّةَ
(1)
في (م): بجميعه.
(2)
في (م): يجعل.
(3)
في (ظ): ما للابن.
(4)
قوله: (أولاً) سقط من (م).
(5)
في (م): السدس.
(6)
في (ظ) و (م): فعلى. والمثبت موافق للمغني 10/ 279، والشرح 29/ 279.
(7)
في (ن): ميراثهما.
(8)
قوله: (به) سقط من (م).
(9)
في (م): فشهدا لشهود.
(10)
في (ن): للسابقين.
أُمِّهما؛ قُبِلَتْ شهادتُهما فِيهِما على الأشْهَر.
وإنْ شَهِدَ اثْنانِ أنَّ
(1)
زَيدًا أَخَذَ مِنْ صبِيٍّ ألْفًا، وشَهِدَ آخَرانِ على عَمْرٍو أنَّه أَخَذَ منه ألْفًا؛ لَزِمَ الوليَّ طَلَبُه بهما؛ لاِحْتِمالِ أنْ يكونَ أحدُهما أخَذَها منه وردَّه إلَيهِ بلا إذن وليِّه.
وإنْ شَهِدت البيِّنتانِ على ألْفٍ بعَينه؛ طَلَبَه مِنْ أيِّهما شاء، ذَكَرَه في «المحرَّر» وغَيره.
وإنْ شَهِدَ اثْنانِ على اثْنَينِ بقَتْلٍ، فَشَهِدَ الآخَرانِ أنَّ
(2)
الأوَّلَينِ قَتَلاهُ، فصدَّقَ الوليُّ الأوَّلَينِ؛ حَكَمَ بشَهادَتِهما؛ لأِنَّهما غَيرُ مُتَّهَمَينِ، وإنْ صَدَّقَ الآخَرَينِ وحْدَهما؛ لم يُحكَمْ له بشَيءٍ؛ لِأنَّهما مُتَّهَمانِ؛ لكَونِهما يَدفَعانِ عن أنْفُسهما ضَرَرًا، وإنْ صَدَّقَ الجميعَ؛ فكذلك؛ لِأنَّهما مُتَعارِضَتانِ، فلا يُمكِنُ الجَمْعُ بَينَهما.
(1)
قوله: (أباهما طلق ضرة أمهما
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
قوله: (أن) مكانه بياض في (م).
(فَصْلٌ)
(إِذَا
(1)
شَهِدَتْ
(2)
بَيِّنَةٌ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ أَوْصَى
(3)
بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ، وَشَهِدَتْ
(4)
أُخْرَى أَنَّهُ وَصَّى
(5)
بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُ مَالِهِ؛ أُقْرِعَ
(6)
بَيْنَهُمَا، فَمَنَ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ عَتَقَ دُونَ صَاحِبِهِ
(7)
؛ لِأنَّه لم تترجَّح
(8)
بيِّنةُ أحدِهما على الأخرى، والقُرعةُ مُرجِّحةٌ، بدليلِ الإمامة
(9)
، (إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ)؛ لِأنَّ الوصيَّتَيْنِ
(10)
سَواءٌ، وسَواءٌ اتَّفَقَ تاريخُهما أو اخْتَلَفَ، ولِأنَّ الوصيَّةَ يُسَوَّى فِيهَا بَينَ المتقدِّمِ والمتأخِّر.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ
(11)
بِغَيْرِ قُرْعَةٍ)؛ لِأنَّ القِسْمةَ أقْرَبُ إلى الصَّواب، ولِأنَّ القُرعةَ إنَّما تَجِبُ إذا كان أحدُهما حُرًّا والآخَرُ عَبدًا.
والأوَّلُ هو قِياسُ المذْهَبِ؛ لِأنَّ الإعْتاقَ بَعْدَ الموت كالإعتاق في مَرَضِ الموت، فتعيَّنَت القُرعةُ، ولحديثِ عِمْرانَ
(12)
؛ لِأنَّ المقْتَضِي مِنْ أحدِهما في
(1)
في (ن): وإذا.
(2)
في (م): شهد.
(3)
في (ن): وصى.
(4)
في (م): وشهد.
(5)
قوله: (أنه وصى) سقط من (ظ) و (م).
(6)
في (م): أقر.
(7)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(8)
في (م) و (ن): لم يترجح.
(9)
في (م): الأمانة.
(10)
في (ظ) و (م): الوصيين.
(11)
في (م): نصف.
(12)
مراده ما أخرجه مسلم (1668)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه «أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجزأهم أثلاثًا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرقَّ أربعة» .
الحياة مَوجُودٌ بَعْدَ الممات.
والمذْهَبُ - كما جَزَمَ به أئمَّةُ المذْهَبِ -: أنَّه إذا شَهِدَتْ بيِّنةٌ لا تَرِثُه: بعِتْقِ سالِمٍ في مَرَضِ مَوتِه، وهو ثُلُثُ مالِه، وبيِّنةُ وارِثِه: بعِتْقِ غانِمٍ، وهو كذلك، وأُجِيزُ الثُّلثُ؛ فَكَأَجْنَبِيَّتَيْنِ
(1)
، يَعتِقُ أسْبَقُهما على الأصحِّ، وإنْ سَبَقَت الأجنبيَّةُ؛ فكذَّبَتْها الوَارِثَةُ، أو سَبَقَت الوارِثةُ وهي فاسقةٌ
(2)
؛ عَتَقَا، وإنْ جُهِلَ أسْبَقُهما؛ عَتَقَ واحِدٌ بقُرعةٍ.
وقِيلَ: يَعتِقُ نِصفُهما.
وإنْ كانت الوارِثةُ فاسِقَةً غَيرَ مُكذِّبَةٍ؛ عَتَقَ سالِمٌ وَحْدَه، وَوُقِفَ عِتْقُ غانِمٍ على قُرعةٍ، أوْ يَعتِقُ نصفُه على الآخَر.
وإنْ جَمَعَت الوارِثَةُ الفِسْقَ والتَّكذِيبَ، أو الفِسْقَ والشَّهادة
(3)
بالرُّجوع عن عِتْقِ سالِمٍ؛ عَتَقَا مَعًا.
(وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ؛ عَتَقَ غَانَمٌ وَحْدَهُ
(4)
، سَوَاءٌ كَانَتْ وَارِثَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ)؛ لِأنَّه لا تُهمةَ في ذلك.
لا يُقالُ: هما يُثبِتان
(5)
ولاءَ سالِمٍ لِأنْفُسهما؛ لِأنَّهما يُسقِطانِ وَلاءَ غانِمٍ أيْضًا، على أنَّ
(6)
الوَلاءَ إنَّما هو إثبات
(7)
سَبَبِ المِيراثِ، ومِثْلُ ذلك لا تُرَدُّ به الشَّهادةُ.
(1)
في (ظ): كأجنبيين.
(2)
قوله: (أو سبقت الوارثة وهي فاسقة) في (م): وهي وارثة.
(3)
في (م): وشهادة.
(4)
قوله: (عتق غانم وحده) في (م): ثم وجده.
(5)
في (ظ) و (م): بيِّنتَان. والمثبت موافق للمغني 10/ 265، والشرح 29/ 219.
(6)
قوله: (أن) سقط من (ن).
(7)
في (م): ثبات.
(وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ غَانِمٍ سُدُسَ المَالِ، وَبَيِّنَتُهُ
(1)
أَجْنَبِيَّةً؛ قُبِلَتْ)؛ لِعدَمِ التُّهمة فيها، فعلى هذا: يَعتِقُ غانِمٌ وحْدَه.
(وَإِنْ كَانَتْ وَارِثَةً؛ عَتَقَ الْعَبْدَانِ) على المذْهَب، وقدَّمه في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الرِّعاية» ، أمَّا سالِمٌ؛ فلِشهادةِ الأجنبيَّة بالوصيَّة بعِتْقِه، وأمَّا غانِمٌ؛ فلِإقْرارِ الوَرثة بعِتْقِه، مع أنَّه أقلُّ مِنْ ثُلُثِ الباقِي.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّ التُّهمةَ في حقِّ الوَرَثةِ إنَّما هو في حقِّ الرُّجوع، فتَبطُلُ الشَّهادةُ بهما
(2)
، ويَبقَى أصْلُ العِتْقِ لِغانِمٍ، فاحْتِيجَ إلى القُرعة؛ لِيَتَمَيَّزَ المسْتَحِقُّ مِنْ غَيرِه، (فَإِنْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِسَالِمٍ؛ عَتَقَ وَحْدَهُ)؛ لِأنَّه ثُلُثُ المالِ، (وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَانِمٍ؛ عَتَقَ هُوَ وَنِصْفُ سَالِمٍ)؛ لِأنَّ ذلك ثُلثُ المال؛ كما لو لم يَشهَدْ بالرُّجوع، فإنَّ الشَّهادةَ بالرُّجوع لم تُقبَلْ، فكأنَّ وُجودَها كَعَدَمِها.
وقال أبو بكرٍ: يَجُوزُ على مَذهَبِه أنْ يَعتِقَ مِنْ الَّذي قِيمَتُه الثُّلث نصفه
(3)
، ويُقرَعَ بَينَ العَبدَينِ، فأيُّهما وَقَعَتْ عَلَيهِ القُرعةُ عَتَقَ، وإنْ قُلْنا بالقِسْمة؛ عَتَقَ مِنْ كلِّ واحِدٍ ثُلُثاهُ.
(وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَعْتَقَ سَالِمًا فِي مَرَضِهِ، وَشَهِدَتِ الأُخْرَى
(4)
أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ المَالِ؛ عَتَقَ سَالِمٌ وَحْدَهُ)؛ لِأنَّ عَطَايَا المريضِ مُقدَّمةٌ على وصاياهُ؛ لِرُجْحانها بنَفْسِ الإيقاع.
(وَإِنْ شَهِدَتْ
(5)
بَيِّنَةُ غَانِمٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ)، ولا تاريخَ؛ ثَبَتَ إعْتاقُه
(1)
في (م): وبينة.
(2)
في (م): به.
(3)
في (م): بصفة.
(4)
في (ن): أخرى.
(5)
قوله: (وإن شهدت) في (ن): وشهدت.
لهما بشَرْطِه؛ لِأنَّ ما شَهِدَتْ به كلُّ بيِّنةٍ لا تنفي
(1)
ما شَهِدَتْ به الأخرى
(2)
، (أَيْضًا
(3)
؛ عَتَقَ أَقْدَمُهُمَا تَارِيخًا)؛ لِأنَّ عَطايَا المريضِ يُقدَّمُ فِيهَا الأَسْبَقُ فالأسْبَقُ.
(فَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ)؛ بأنِ اتَّفَقَ تاريخُهما، أوْ أُطْلِقَتا، أوْ إحداهما؛ فهما سَواءٌ؛ لِعَدَمِ المَزِيَّةِ؛ (عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ)؛ لِأنَّ البيِّنَتَينِ تَساوَتَا، فاحْتِيجَ إلى التَّمييز، والتَّرجيحُ حاصِلٌ بالقُرعة.
وقِيلَ: يَعتِقُ مِنْ كلِّ واحِدٍ نِصفُه.
(فَإِنْ
(4)
كَانَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا
(5)
وَارِثَةً، وَلَمْ تُكَذِّبِ الْأَجْنَبِيَّةَ؛ فَكَذَلِكَ)؛ أيْ: يَعتِقُ أقْدَمُهما تاريخًا مع العلم به، وأحدهما
(6)
بالقُرعة مع الجَهْل به؛ لِأنَّ الوَارِثَةَ غَيرُ مُتَّهَمةٍ ولا مُكذَّبَةٍ، وهي بمَثابةِ الأجنبيِّ، ولو كانت البيِّنَتانِ أجنبِيَّتَينِ؛ لَكانَ الأمْرُ كذلك، فكذا إذا كانَتْ إحْداهُما وارِثَةً.
(وَإِنْ قَالَتْ: مَا أَعْتَقَ سَالِمًا، وَإِنَّمَا
(7)
أَعْتَقَ غَانِمًا؛ عَتَقَ غَانِمٌ كُلُّهُ)؛ لِإقْرارِ الوَرثةِ بعِتْقِه.
وقِيلَ: يَعتِقُ ثُلُثاهُ إنْ حُكِمَ بعِتْقِ سالِمٍ، وهو ثُلُثُ الباقِي؛ لِأنَّ العبدَ الَّذي شَهِدَت الأجنَبِيَّتان
(8)
كالمغْصوبِ مِنْ التَّرِكةِ.
(1)
في (م): لا ينفي.
(2)
قوله: (ولا تاريخ ثبت إعتاقه لهما
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(3)
قوله: (أيضًا) سقط من (ظ) و (م). وهي مثبتة في نسخ المقنع الخطية.
(4)
في (ن): وإن.
(5)
في (ن): إحداهما.
(6)
في (ظ): أو أحدهما.
(7)
في (ن): إنما.
(8)
في (ن): الأجنبيان، وفي (ظ): الأجنبيات. وفي الشرح الكبير 29/ 225: شهد به الأجنبيان.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لِأنَّ المعتَبَرَ خُروجُه مِنْ الثُّلُث حالَ الموت، وحال الموت في قَولِ الوَرَثَة لم يَعتِقْ سالِمٌ، إنَّما عَتَقَ بالشَّهادة بَعْدَ الموتِ.
(وَحُكْمُ سَالِمٍ كَحُكْمِهِ لَوْ لَمْ يُطْعَنْ فِي بَيِّنَتِهِ فِي
(1)
أَنَّهُ يَعْتِقُ إِنْ تَقَدَّمَ تَارِيخُ عِتْقِهِ
(2)
، أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَإِلَّا فَلَا)؛ لِأنَّ طَعْنَ الوَارِثَة في
(3)
الأجنبيَّة غَيرُ مَقْبولٍ؛ لأِنَّ الأجنبيَّةَ مُثْبِتةٌ والوارِثَةُ نَافِيةٌ، والمثْبِتُ مُقدَّمٌ على النَّافِي، وإذا لم يُقبَل الطَّعْنُ؛ صار طَعْنُها كلا طعنٍ
(4)
، ولو لم تَطعَن الوارثة
(5)
في الأجنبيَّة؛ لَكانَ الحُكمُ كما ذُكِرَ، فكذا ما هو بمَنزَلَتِه.
(فَإِنْ
(6)
كَانَتِ الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً، وَلَمْ تَطْعَنْ فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ؛ عَتَقَ سَالِمٌ كُلُّهُ)؛ لِأنَّ البيِّنةَ العادِلةَ شَهِدَتْ بعِتْقِه، ولم يُوجَدْ مَا يعارضها، (وَيُنظَرُ فِي غَانِمٍ
(7)
، فَإِنْ كَانَ تَارِيخُ عِتْقِهِ سَابِقًا، أَوْ خَرَجَتْ لَهُ القُرْعَةُ
(8)
؛ عَتَقَ كُلُّهُ)؛ لِإقْرارِ الوَرَثَةِ أنَّه
(9)
هو المسْتَحِقُّ للعِتْق، (وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا، أَوْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِسَالِمٍ؛ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ)؛ لِأنَّ بيِّنتَه لو كانَتْ عادِلةً لم يَعتِقْ منه شَيءٌ، فإذا كانَتْ فاسِقَةً أَوْلَى.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَعْتِقُ مِنْ غَانِمٍ نِصْفُهُ)؛ لِأنَّه اسْتَحَقَّ العتق
(10)
بإقْرارِ
(1)
قوله: (في) سقط من (ظ) و (م).
(2)
قوله: (عتقه) سقط من (م).
(3)
قوله: (في) سقط من (م).
(4)
قوله: (كلا طعن) في (م): كالطعن.
(5)
في (م): الورثة.
(6)
في (ن): وإن.
(7)
قوله: (وينظر في غانم) سقط من (ظ).
(8)
في (ن): القرعة له.
(9)
في (م): أنما.
(10)
قوله: (العتق) سقط من (م).
الوَرَثَة مع ثُبوتِ العِتْق لِلآخَر بالبيِّنة العادِلةِ، فَصَارَتْ بالنِّسبة إليه
(1)
كأنَّه أعْتَقَ العَبْدَينِ، فيَعْتِقُ مِنهُ نِصفُه في الأحْوالِ كلِّها.
قال المؤلِّفُ: وهذا لا يَصِحُّ، فإنَّه لو أعْتَقَ العَبدَينِ؛ لأعتقنا
(2)
أحدهما بالقُرعة، ولِأنَّه في حالِ تقديمِ تاريخِ عِتْقِ مَنْ شَهِدَتْ له البيِّنةُ؛ لا يَعتِقُ منه شَيءٌ ولو كَانَتْ بَينتُه
(3)
عادِلةً، فَمَعَ فِسْقها أَوْلَى.
(وَإِنْ كَذَّبَتْ
(4)
بَيِّنَةَ سَالِمٍ؛ عَتَقَ الْعَبْدَانِ)؛ لِأنَّ سالمًا مَشْهودٌ بعِتْقِه، وغانِمٌ مُقَرٌّ له بأنَّه لا مُسْتَحِقَّ للعتق
(5)
سِواهُ
(6)
.
وقِيلَ: يَعتِقُ مِنْ غانِمٍ ثُلُثاهُ.
والأوَّلُ أَوْلَى.
فرعٌ: ذَكَرَ أكثرُ
(7)
أصْحابِنا: أنَّ التَّدبيرَ مع التَّنجِيز، كآخر
(8)
التَّنجِيزَينِ مع أوَّلِهما؛ لِأنَّ التَّدْبِيرَ تَنجِيزٌ بالموت، فَوَجَبَ أنْ يَتأخَّرَ عن المنَجَّز في الحياة.
أصلٌ: إذا شَهِدَ عَدْلانِ أنَّ زَيدًا وصَّى
(9)
لِعَمْرٍو بِثُلثِ ماله، وشَهِدَ آخَرانِ أنَّه وَصَّى لِبَكْرٍ بثُلثِ مالِه، وشَهِدَ آخَرانِ أنَّه رَجَعَ عن وصيَّةِ إحداهما
(10)
؛ أُقْرِعَ بَينَهما، فمَن قَرَعَ قدِّم
(11)
وإنْ تأخَّرَتْ وصيَّتُه، ذَكَرَه ابنُ أبي مُوسَى
(1)
في (م): إلى.
(2)
في (ن): لاعتقاد.
(3)
في (م): بينة.
(4)
في (م): كذب.
(5)
قوله: (للعتق) سقط من (م).
(6)
زيد في (ظ): وقيل: يعتق سواه. وقد ضرب عليها، وسقطت من (م) و (ن).
(7)
قوله: (أكثر) سقط من (م) و (ن).
(8)
في (م): كأجر، وقوله:(التنجيز كآخر) سقط من (ن).
(9)
في (ن): أوصى.
(10)
في (م): أحدهما.
(11)
في (م): قدمت.
والسَّامَرِّيُّ، وذَكَرَ أبو بكرٍ أنَّه قِياسُ قَولِ أحمدَ.
وإذا صحَّ الرُّجوعُ عن إحداهما بغَيرِ تعيينٍ؛ صحَّت الشَّهادةُ به؛ لِأنَّ الوصيَّةَ تَصِحُّ بالمجْهولِ، وتَصِحُّ الشَّهادةُ فِيها بالمجْهولِ.
وقال القاضي: لا تَصِحُّ الشَّهادةُ؛ لِأنَّهما لم يُعيِّنا المشْهودَ عَلَيهِ؛ كما لو قالا: نَشهَدُ أنَّ لهذا على أحدِ هذَينِ ألْفًا.
فلو شَهِدَ اثْنانِ أنَّه وَصَّى لِزَيدٍ بثُلُثِ مالِه، وشَهِدَ وَاحِدٌ أنَّه وَصَّى لِعَمْرٍو بثُلُثِ مالِه؛ انْبَنَى على الخِلاف.
أحدُهما: يَتعارَضانِ، فيَحلِفُ عَمْرٌو مع شاهِدِه، ويُقسَمُ الثُّلثُ بَينَهما.
والثَّانِي: لا، فينفرد
(1)
زَيدٌ بالثُّلث، وتَقِفُ وَصِيَّةُ عَمْرٍو على إجازةِ الوَرَثَةِ.
فأمَّا إنْ شَهِدَ واحِدٌ بالرُّجوع عن وصيَّةِ زَيدٍ؛ فلا تَعارُضَ، ويَحلِفُ عَمْرٌو مع شاهِدِه، وتثبت
(2)
له الوصيَّةُ.
والفَرْقُ بَينَهما: أنَّ في الأُولَى تَقابَلَت البيِّنتانِ، فَقدَّمْنا أقْواهُما، وفي الثَّانِيَةِ: لم يَتقابَلَا، وإنَّما ثَبَتَ الرُّجوعُ، وهو يَثبُتُ بالشَّاهِدِ واليَمِينِ؛ لِأنَّ المقصودَ مِنهُ المالُ.
(1)
في (م): ينفرد.
(2)
في (م): وثبتت.
(فَصْلٌ)
(إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ، مُسْلِمًا وَكَافِرًا، وَادَّعَى
(1)
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَإِنْ عُرِفَ أَصْلُ دِينَهِ) مِنْ إسْلامٍ أو كفرٍ
(2)
؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِيهِ
(3)
، روايةً واحِدةً إن حَلَفَ؛ لأِنَّ الأصْلَ بَقاءُ ما كان عَلَيهِ؛ كسائرِ المواضِعِ.
(وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ؛ فَالمِيرَاثُ لِلْكَافِرِ)، جَزَمَ به الأصْحابُ إنِ اعْتَرَفَ المسْلِمُ بأُخُوَّةِ الكافِرِ؛ (لِأَنَّ المُسْلِمَ لَا يُقِرُّ وَلَدَهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ)، ولأِنَّه مُعتَرِفٌ بأنَّ أباهُ كان كافِرًا، وهو يَدَّعِي إسْلامَه، فَجَعَلَ أصْلَ دِينِه الكُفْرَ، والقَولُ قَولُ مُدَّعِي الأصْلِ.
وعَنْهُ: هو بَينَهما، رواها ابنُ مَنصورٍ
(4)
، اعْتَرَفَ أنَّه أخُوهُ أوْ لا.
وقِيلَ: هو للمسلم
(5)
؛ لأِنَّ الدَّارَ دارُ الإسْلامِ، فيُحكَمُ بإسْلامِ لَقِيطِها، ولأِنَّه يَجُوزُ أنَّ أخاه
(6)
الكافِرَ مُرتَدٌّ لم يَثبُتْ عِنْدَ الحاكِم رِدَّتُه.
(وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفِ المُسْلِمُ أَنَّهُ أَخُوهُ، وَلَمْ تَقُمْ بِهِ
(7)
بَيِّنَةٌ؛ فَالمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّهما سواءٌ في اليَدِ والدَّعْوَى، أشْبَهَ ما لو تَداعَيَا عينًا
(8)
في أيْدِيهِما.
(1)
في (ن): فادعى.
(2)
في (م): وكفر.
(3)
قوله: (من يدعيه) هي في (م) و (ن): مدعيه.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4162.
(5)
في (م): كالمسلم، وفي (ن): المسلم.
(6)
قوله: (أخاه) سقط من (م).
(7)
قوله: (به) سقط من (م).
(8)
قوله: (عينًا) سقط من (م).
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأنَّ حُكْمَ المَيِّتِ حُكْمُ المُسْلِمِينَ فِي
(1)
غَسْلِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ)، والدَّفنِ، وغَيرِ ذلك.
(وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ المَذْهَبِ
(2)
: أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا) إنْ لم تكُن التَّرِكةُ في أيْدِيهِما، فمَن قَرَعَ؛ حَلَفَ واسْتَحَقَّ، وإنْ كانَتْ في أيْدِيهِما؛ قُسِمَتْ بَينَهما نِصفَينِ ويَتحالَفانِ، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وهو سَهْوٌ؛ لاِعْتِرافِهما أنَّه إرِثٌ.
ومُقتَضَى كَلامِ القاضِي: أنَّ التَّرِكةَ إذا كانَتْ بيد أحدِهما أنَّها
(3)
له مع يَمِينِه، وهذا لا يَصِحُّ؛ لأنَّ
(4)
كُلًّا منهما يُقِرُّ بأنَّ هذه التَّرِكةَ تَرِكةُ هذا الميِّت، وأنَّه إنَّما يَستَحِقُّ بالميراث؛ فلا حُكْمَ لِيَدِه.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَظْهَرَ أَصْلُ دِينِهِ)؛ لِأنَّه لا يُعلَمُ المسْتَحِقُّ إلَّا بذلك.
قال أبو الخَطَّاب: أوْ يَصطَلِحَا؛ لِأنَّه هو المقصودُ.
وفي
(5)
«مُختَصَرِ ابنِ رَزِينٍ» : إنْ عُرِفَ ولا بيِّنةَ؛ فقَولُ مُدَّعٍ.
وقِيلَ: يُقرَعُ أوْ يُوقَفُ.
فرعٌ: حُكْمُ سائرِ الأقارِب؛ كالأوْلادِ فِيمَا ذكرنا
(6)
، وسَيَأْتِي.
(وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ)، ولم يُعرَفْ أصْلُ دِينِه؛ (تَعَارَضَتَا)، لِأنَّهما تَساوَتَا، وذلك يُوجِبُ التَّعارُضَ.
وفي «الكافي» : (إذا أقام
(7)
كلٌّ مِنهُما بيِّنةً أنَّه مات على دِينِه؛ فقال
(1)
في (ظ): من.
(2)
قوله: (قياس المذهب) في (ن): القياس.
(3)
في (ن): أنه.
(4)
في (م): أن.
(5)
في (م): في.
(6)
في (م): ذكر.
(7)
في (م): قام.
الخِرَقِيُّ وابنُ أبي مُوسَى: يكُونَانِ كَمَنْ لا بيِّنةَ لهما، وقد ذَكَرْنا أنَّ البيِّنتَينِ إذا تَعارَضَتَا؛ قُدِّمَتْ إحْداهُما بالقُرعة في وَجْهٍ، وفي آخَرَ تُقسَمُ العَينُ بَينَهما، وقِيلَ: تُقدَّمُ بيِّنةُ المسْلِمِ هُنا؛ لِأنَّه يَجُوزُ أنْ يكونَ اطَّلَعَتْ على أمْرٍ خَفِيَ على البيِّنة الأُخْرَى).
ثُمَّ ذَكَرَ في «الكافي» : فإن اخْتَلَفَ تاريخُهما؛ عُمِلَ بالأخيرة منهما؛ لِأنَّه ثَبَتَ بها أنَّه انتقل
(1)
عمَّا شَهِدَتْ به الأُولَى، وإن اتَّفَقَ تاريخُهما تَعارَضَتَا، وإنْ أطْلَقَتَا، أو إحْداهُما؛ قدِّمَتْ بيِّنةُ المسْلِمِ.
(وَإِنْ قَالَ شَاهِدَانِ: نَعْرِفُهُ مُسْلِمًا، وَقَالَ شَاهِدَانِ: نَعْرِفُهُ كَافِرًا؛ فَالمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ إِذَا لَمْ يُؤَرِّخِ
(2)
الشُّهُودُ مَعْرِفَتَهُمْ)؛ لِأنَّ العَمَلَ بهما مُمكِنٌ؛ إذ الإسْلامُ يطرأ
(3)
على الكُفْر، وعَكْسُه خِلافُ الظَّاهر؛ لِعَدَمِ إقْرارِ المرْتَدِّ.
والمذْهَبُ: أنَّه إنْ عُرِفَ أصْلُ دِينِه؛ قُدِّمَت النَّاقِلةُ عَنْهُ، وإلَّا فرواياتُ التَّعارُضِ، اخْتارَهُ القاضِي وجماعةٌ
(4)
، واخْتارَه في «المغْنِي» ولو اتَّفَقَ تاريخهما، وهو ظاهِرُ «المنتخب» .
وعَنهُ: تُقدَّمُ بيِّنةُ الإسْلامِ، اختاره
(5)
الخِرَقِيُّ.
فرعٌ: إذا شَهِدَتْ بيِّنةٌ أنَّه مَاتَ ناطِقًا بكَلِمةِ الإسلام، وأخْرَى بعَكْسِها؛ تَعارَضَتَا، سَواءٌ عُرِفَ أصْلُ دِينِه أوْ لَا، فيَسقُطانِ، أوْ يَستَعْمِلانِ بقِسْمةٍ أوْ قُرعةٍ، ويُصَلَّى عَلَيهِ تَغْلِيبًا له مَع الاِشْتِباه، قال القاضِي: ويُدفَنُ مَعَنَا، وقال ابنُ عَقِيلٍ: بل
(6)
وَحْدَه.
(1)
في (ن): ابتدل.
(2)
في (م): لم تؤرخ.
(3)
في (ن): يظهر.
(4)
كتب في هامش (ظ): (وقدمه في الفروع).
(5)
في (ن): اختارها.
(6)
في (ظ) و (ن): بلى.
(وَإِنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا
(1)
فِي دِينِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبَوَيْنِ)؛ لِأنَّ كَونَهما كافِرَينِ بمَنزلةِ مَعرفةِ أصْلِ دِينِه، وقِيلَ: قَبْلَ بُلوغِه، وهو ظاهِرُ المذْهَبِ؛ لِأنَّه حِينَئِذٍ مَحكُومٌ له بدِينِ أبَوَيهِ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الاِبْنَيْنِ)، هذا وَجْهٌ، وفي
(2)
«الرِّعاية الكُبْرَى» : هو أَوْلَى؛ لِظاهِرِ الدَّار، وانْقِطاعِ حُكْمِ التَّبعِيَّةِ عن الأَبَوَينِ بالبلوغ؛ لِأنَّ كُفْرَ أبَوَيهِ يَدُلُّ على أصْلِ دِينِه في صِغَرِه، وإسْلامَ ابْنَيْهِ يَدُلُّ على إسْلامِه في كِبَرِه، فيُعمَلُ بهما جميعًا، يُحمَلُ كلٌّ منهما على مُقتَضاهُ.
وقِيلَ: يُصدَّقُ ابْناهُ في دَارِنا.
وقِيلَ: يَقِفُ الأَمْرُ حتَّى يَتَبَيَّنَ أوْ يَصطَلِحَا.
ويَحلِفُ مَنْ قُدِّمَ قَولُه.
(وَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا كَافِرًا، وَأَخًا وَامْرَأَةً مُسْلِمَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي دِينِهِ
(3)
؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الاِبْنِ، عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ)، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ كَونُ الأب كافِرًا؛ لِأنَّه لو كان مُسلِمًا لمَا أُقِرَّ وَلدُه على الكفر في دارِ الإسلام.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّها مَشروعةٌ في الإبهام
(4)
، وهو مَوجُودٌ هُنا.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ المَذْهَبِ أَنْ تُعْطَى
(5)
المَرْأَةُ الرُّبُعَ)؛ لِأنَّ الولدَ الكافِرَ لا يَحجُبُ الزَّوجةَ، (وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الاِبْنِ وَالْأْخِ نِصْفَيْنِ)؛
(1)
في (ن): فاختلفوا.
(2)
في (م): في.
(3)
في (م): قوله.
(4)
في (م): الإيهام.
(5)
في (ن): يعطى.
لِتَساوِيهما في الدَّعْوَى، وعلى هذا: تَصِحُّ المسألةُ مِنْ ثمانيةٍ.
وفِيهِ وَجْهٌ: للزَّوجة الثُّمُنُ، والباقِي بَينَ الاِبن والأخ نِصفَينِ، وتَصِحُّ مِنْ ستَّةَ عَشَرَ.
وفِيهِ وَجْهٌ: جميعُ المِيراث لِلاِبْن، فَجَعَلَ أصْلَ دِينه الكُفْرَ، وحَكَمَ ببقائه اسْتِصْحابًا للحال.
وقِيلَ: هُما مع ابْنِه كأخيه المسْلِمِ فِيمَا ذَكَرْنا، لكِنَّ النِّصْفَ للمرأة والأخِ على أربعةِ أسْهُمٍ، لها سَهْمٌ وله ثَلاثةٌ، والنِّصفُ الباقِي لاِبْنِه، قدَّمه
(1)
في «المحرَّر» .
(وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ، وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ؛ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، فَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَقَالَ: أَسْلَمْتُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِي)، أوْ بَعدَه قَبْلَ قَسْمِ تَرِكَتِه، وقُلْنا بأنَّه يَرِثُ، (وَقَالَ أَخُوهُ: بَلْ بَعْدَهُ؛ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ)، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الشَّرح» ؛ لِأنَّ الأصلَ بَقاءُ الكفر إلى أنْ يُعلَمَ زوالُه، وعلى أخِيهِ اليَمِينُ؛ لِأنَّه مُنكِرٌ، ويكُونُ على
(2)
نَفْيِ العِلْم؛ لِأنَّها على نَفْيِ فِعْلِ أخِيهِ.
وقدَّم في «الرعاية» : أنَّ الميراث بينهما.
وإن
(3)
أقاما بَيِّنَتينِ بما قالا؛ قُدِّمت بينةُ الكافر، سَواءٌ اتَّفَقا على وَقْتِ مَوتِ أبِيهِما أمْ لا، ذَكَرَه في «الرِّعاية» .
وإنْ لم يَثْبُتْ أنَّه كان كافِرًا، فادَّعَى عَلَيهِ أنَّه كان كذلك، فأنْكَرَ؛ فالمِيراثُ بَينَهُما.
(فَإِنْ
(4)
قَالَ: أَسْلَمْتُ فِي المُحَرَّمِ، وَمَاتَ أَبِي فِي صَفَرٍ، وَقَالَ أَخُوهُ: بَلْ
(1)
في (ظ): وقدمه.
(2)
قوله: (ويكون على) في (م): وعلى.
(3)
في (ن): فإن.
(4)
في (ن): وإن.
مَاتَ فِي ذِي الْحِجَّةِ؛ فَلَهُ المِيرَاثُ مَعَ أَخِيهِ)؛ لِأنَّ الأصْلَ بَقاءُ حَياتِه إلى أنْ يُعلَمَ زَوالُها.
وإنْ أقام كلُّ واحِدٍ بيِّنةً بدَعْواهُ، فَقِيلَ: يَتعارَضانِ، وقِيلَ: تقدَّم
(1)
بَيِّنةُ مَنْ ادَّعَى تَقدُّم
(2)
مَوتِه؛ لِأنَّ مَعَها زِيادةَ عِلْمٍ يَجُوزُ أنْ يَخْفَى على الأُخْرَى.
وإنْ قال أكبرهما
(3)
: أسْلَمْتُ أنا في المحرَّم، ومات أبي في صَفَرٍ، وقال أصْغَرُهما: أسْلَمْتُ أنا في صَفَرٍ، وفِيهِ أسْلَمَ أَبِي؛ ورثاه
(4)
.
وقِيلَ: إنْ صَدَّقَ الأكْبَرُ بإسْلامِ الأصْغَرِ فِيهِ، أوْ قامَتْ به بيِّنةٌ، وإلَّا فَلَا شركة
(5)
، اقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الرِّعاية» ، وهو ظاهِرُ «المستوعب» . والله أعلم
(6)
.
(1)
في (ن): يقدم.
(2)
في (ظ) و (ن): تقديم.
(3)
في (ن): أكثرهما.
(4)
في (م): ورثا.
(5)
في (م): فلا شرك.
(6)
قوله: (والله أعلم) سقط من (م) و (ن).
(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)
وهي جَمْعُ شهادةٍ، وهي: الإخْبارُ عمَّا
(1)
شُوهِدَ أوْ عُلِمَ، ويَلزَمُ مِنْ ذلك اعتقادها
(2)
، ومِن ثَمَّ كذَّبَ اللهُ المنافِقِينَ في قَولهم:{نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنَافِقون: 1]؛ لِأنَّ قُلوبَهم لم تُواطِئْ ألْسِنَتَهم، والشَّهادةُ يَلزَمُ منها ذلك، فإذا
(3)
انتفى اللاَّزِمُ انْتَفَى الملزوم
(4)
، وإذنْ لم يَصدُقْ إطْلاقُ {نشهد} ،
انتهَى
(5)
.
قال الجَوهَرِيُّ: (الشَّهادةُ خَبَرٌ قاطِعٌ)
(6)
، فتطلق
(7)
على التَّحمُّلِ، تَقُولُ: شَهِدتُ بمَعْنَى تحمَّلْتُ، وعلى الأداء، تَقُولُ: شَهِدْتُ عِنْدَ القاضِي شَهادَةً؛ أيْ: أدَّيْتُها، وعلى المشْهودِ به تَقُولُ: تحمَّلْتُ شَهادةً؛ يَعْنِي: المشْهودَ به.
واشْتِقاقُها مِنْ المشاهَدةِ؛ لأِنَّ الشَّاهِدَ يُخبِرُ عمَّا شاهَدَه، وتُسَمَّى بيِّنةً؛ لِأنَّها تُبَيِّنُ ما الْتَبس
(8)
، وهي حجَّةٌ شرعيَّةٌ تُظْهِرُ الحقَّ ولا تُوجِبُه.
والإجْماعُ مُنعَقِدٌ على مَشروعِيَّتِها
(9)
، وسَنَدُه قَولُه تعالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البَقَرَة: 282]، {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطّلَاق: 2]، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البَقَرَة: 282]، والسُّنَّةُ مُسْتَفِيضَةٌ بذلك، والحاجَةُ
(1)
في (ن): بما.
(2)
في (ظ): انعقادها.
(3)
في (م): فإن.
(4)
في (م): اللزوم.
(5)
أي: من كلام الزركشي في شرحه. ينظر: شرح الزركشي 7/ 299.
(6)
ينظر: الصحاح 2/ 494.
(7)
في (ن): فيطلق.
(8)
في (م): ما لبس.
(9)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 66، مراتب الإجماع ص 52.
داعِيَةٌ إلى ذلك؛ لِحُصُولِ التَّجاحُدِ بَينَ النَّاس.
(تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ)؛ أي: المشْهودِ به، فهو مَصدَرٌ بمَعْنَى المفعول، (وَأَدَاؤُهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ)؛ لقوله تعالَى:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البَقَرَة: 282]، {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البَقَرَة: 283]، وإنَّما خَصَّ القَلْبَ بالإثم
(1)
؛ لِأنَّه مَوضِعُ العِلْم بها، ولِأنَّها لو لم تكُنْ كذلك؛ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ التَّحمُّل والأَداءِ، فيُؤدِّي إلى ضَياعِ الحُقوقِ، ولِأنَّها أمانةٌ؛ فلَزِمَ أداؤها كسائرِ الأمانات.
وشَأْنُ فَرْضِ الكِفاية: (إِذَا قَامَ بِهِ
(2)
مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ)، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح»: في إثْمِه بامْتِناعِه مع وُجُودِ غَيرِه وَجْهانِ:
أحدُهما: يَأثَمُ؛ لِأنَّه قد تَعيَّنَ عَلَيهِ بدُعائه، ولِأنَّه مَنهِيٌّ عن الاِمْتِناع.
والثَّانِي: لَا؛ لأنَّ
(3)
غيره
(4)
يَقُومُ مَقامَه فلم يَتَعيَّنْ في حقِّه، كما لو لم يُدْعَ إلَيهَا، فظاهِرُه أنَّه لا فَرْقَ.
والأَوْلَى: أنَّه خاصٌّ بالتَّحمُّل.
وإذا وَجَبَ تَحمُّلُها؛ ففي وُجوبِ كِتابَتِها لِتُحْفَظَ وجْهانِ.
(وَإِنْ لَمْ يَقُمْ
(5)
بِهَا مَنْ يَكْفِي؛ تَعَيَّنَتْ عَلَى مَنْ وُجِدَ)، فتَصِيرُ فَرْضَ عَينٍ، نَصَّ عَلَيهِ
(6)
، إنْ دُعِيَ وقَدَرَ بلا ضَرَرٍ في بَدَنِه أوْ عِرْضِه أوْ مالِه أوْ أهله
(7)
؛
(1)
في (ن): الإثم بالقلب.
(2)
في (ن): بها.
(3)
في (م): لأنه.
(4)
زيد في (م): قد. والمثبت موافق للمغني 10/ 129.
(5)
في (ن): لم تقم.
(6)
ينظر: المحرر 2/ 243.
(7)
في (م) و (ن): وأهله.
لقوله تعالَى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البَقَرَة: 282]، ولِأنَّها أمانةٌ؛ فلَزِمَ أداؤها؛ كالوديعة.
(قَالَ
(1)
الْخِرَقِيُّ: وَمَنْ
(2)
لَزِمَتْهُ
(3)
الشَّهَادَةُ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ
(4)
، لَا يَسَعُهُ التَّخَلُّفُ عَنْ
(5)
إِقَامَتِهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ)، ظاهِرُه: أنَّ أداءَ الشَّهادة فَرْضُ عَينٍ، وهو المنصوصُ
(6)
؛ لِظاهِرِ الآيات، ولقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 58].
وقِيلَ: بَلْ أداؤها فَرْضُ كِفايَةٍ، جزم
(7)
به أبو الخَطَّاب والمؤلِّفُ في كُتُبِه.
فَعَلَى هذا: إذا كان المتحمِّلُ جماعةً؛ فالأداءُ مُتعلِّقٌ بالجميع، فإذا قامَ به مَنْ يَكفِي؛ سَقَطَ عن الجميع، وإنِ امْتَنَعَ الكلُّ أَثِمُوا.
وإنْ لم يُوجَدْ إلاَّ مَنْ يَكفِي؛ تَعَيَّنَ عَلَيهِ؛ كما لو وُجِدَ مؤذنٌ
(8)
واحِدٌ، ولو كان عبدًا لم يَمنَعْهُ سيِّدُه؛ كصَلاةِ الفَرض.
فإنْ أدَّى شاهِدٌ وأبَى الآخَرُ، وقال: احْلِفْ أنت بَدَلِي، فهل يَأثَمُ؟ فِيهِ وجْهانِ.
فَعَلَى ما ذَكَرَه الخِرَقِيُّ: يتعيَّنُ على كلٍّ مِنْ المتحمِّلِينَ القِيامُ بالشَّهادة؛ كما يَجِبُ على المكلَّفِ الصَّلاةُ، وسَواءٌ كان المشْهودُ عَلَيهِ نَسيبًا أوْ غَيرَه، لكِنْ بشَرْطِ أنْ يَقدِرَ على أدائها، فلو كان عاجِزًا عن أدائها لِحَبْسٍ أوْ مَرَضٍ؛ لم
(1)
في (م): وقال.
(2)
في (م): من.
(3)
في (ظ) و (م): لزمه.
(4)
في (ظ): البعيد والقريب.
(5)
في (م): من.
(6)
ينظر: زاد المسافر 3/ 540. وكتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(7)
في (م): وجزم.
(8)
في (ن): مؤدي. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي 7/ 316.
يَلزَمْه؛ إذْ جميعُ التَّكالِيف مَلحُوظٌ فِيهَا القُدْرةُ.
ولا بدَّ مع
(1)
ذلك ألَّا
(2)
يَلحَقَه ضررٌ، فإنْ كان يَلحَقُه ضَرَرٌ في نَفْسِه أوْ مالِه؛ لم يَلزَمْه؛ لقوله تعالَى:{وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البَقَرَة: 282]، على أنْ يكُونَ مَبنِيًّا للمَفعول، كما صرَّح به ابنُ عبَّاسٍ، حَيثُ قَرَأَ: «ولا يضارَر
(3)
» بالفَتْح
(4)
.
وقِيلَ: مبني للفاعِلِ، قالَهُ عمرُ، فقرأ
(5)
: «ولا يُضارّ
(6)
» بالكَسْر
(7)
، فيَخرُجُ مِنْ هذا؛ لِأنَّ
(8)
النَّهيَ إذنْ للشَّاهِد عمَّا
(9)
يُطلَبُ منه، أوْ عن التَّحريف والزِّيادة والنُّقْصانِ.
وقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا ضَرَرَ ولا إضْرارَ»
(10)
، ولأنَّ
(11)
القاعِدةَ أنَّ الإنسانَ
(1)
في (م): من.
(2)
في (م): لئلا.
(3)
في (م): ولا يضار، وفي (ن): ولا تضار.
(4)
لم نقف عليه من قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه الطبري في تفسيره (5/ 114)، قال: حدِّثت عن الحسين، سمعت أبا معاذ، أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ: (ولا يضارَرْ)، وفي سنده ضعف وانقطاع؛ فإن الضحاك بن مزاحم الهلالي لم يسمع من ابن مسعود رضي الله عنه. قاله البيهقي وابن عبد الهادي وابن حجر. ينظر: السنن الكبرى 7/ 517، تنقيح التحقيق 4/ 417، المطالب العالية 12/ 623.
(5)
في (ن): يقرأ.
(6)
في (ن): ولا تضار. وفي شرح الزركشي 7/ 317: يضارِر.
(7)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (5/ 115)، من طريق عمرو، عن عكرمة، قال: كان عمر رضي الله عنه يقرأ: (ولا يُضاررْ كاتب ولا شهيد)، ورجاله ثقات، إلاّ أنه منقطع؛ فإن عكرمة لم يسمع من عمر رضي الله عنه، كما قاله الحاكم، وأقره البيهقي وابن حجر والألباني. ينظر: شعب الإيمان 4/ 300، المقاصد الحسنة (632)، الضعيفة (14/ 1067).
(8)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي: أن.
(9)
في (م): كما، وفي (ن): بما.
(10)
تقدم تخريجه 5/ 393 حاشية (3).
(11)
في (م): ولا ضرار؛ لأن.
لا يَضُرُّ نَفْسَه لِنَفْعِ غَيرِه.
ومِن ثَمَّ إذا عَجَزَ الشَّاهِدُ عن المشي؛ فأُجْرَةُ المركُوب والنَّفقة على ربِّ الشَّهادة؛ كنَفَقَةِ المحرِمِ في الحجِّ، وهذا إذا كان دُونَ مَسافَةِ قَصْرٍ.
وقِيلَ: ما يَرجِعُ إلى مَنزِلِه لِيَومِه، حَكاهُ ابنُ حَمْدانَ.
وقِيلَ: إنْ قلَّ الشُّهودُ وكَثُرَ أهْلُ البلد؛ فهي فَرضُ عَينٍ، وإلاَّ فَفَرْضُ كِفايَةٍ.
والأداءُ مُختَصٌّ بمَجْلِس الحاكِمِ، وظاهِرُ إطْلاقِ المؤلِّف، وأوْرَدَه ابنُ حمدان
(1)
مَذهَبًا: مُطلَقًا، والَّذي أوْرَدَه في «المحرَّر» و «الوجيز»: أنَّه يَختَصُّ المالَ، وكلَّ حقِّ آدَمِيٍّ.
فرعٌ: إذا دُعِيَ فاسِقٌ إلى شهَادةٍ؛ فله الحُضورُ مع عَدَمِ غَيرِه، ذَكَرَه في «الرِّعاية» ، ومُرادُه: لِتحمُّلها.
وفي «المغْنِي» وغَيره: إنَّ التَّحمُّلَ لا تُعتبر
(2)
له العدالةُ، فلو لم يُؤَدِّ حتَّى صار عَدْلاً؛ قُبِلَتْ.
(وَلَا يَجُوزُ لمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا)، وكذا في «المستوعب» ؛ لِئَلَّا يَأخُذَ العِوَضَ عن فَرْضِ العَينِ.
(وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ
(3)
يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لِأنَّ فَرْضَ الكِفايَة إذا قامَ به
(4)
البَعْضُ وَقَعَ مِنهُ فَرضًا، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وعبَّرَ عنه بالجُعْل؛
(1)
قوله: (وقيل: إن قل الشهود
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(2)
في (م): لا يعتبر.
(3)
قوله: (لم) سقط من (م).
(4)
في (م): بها.
ك «المحرَّر» ، وفي «الفروع» جمع بينهما
(1)
.
والثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأنَّ النَّفقةَ على عِياله فَرضُ عَينٍ، فلا يشتغل
(2)
عنه بفَرْضِ كِفايَةٍ، قال أبو الخَطَّاب: وأصْلُ ذلك في أخْذِ الأُجْرةِ على القُرب.
وفي «المغْنِي» : مَنْ له كفاية
(3)
فَلَيسَ له الأخْذُ، ومَن لَيسَ له كِفايَةٌ، ولا تعيَّنَتْ عَلَيهِ؛ فله أخْذُها، وإلَّا فاحْتِمالانِ.
وقِيلَ: يُباحُ مع التَّعيين للحاجة.
وقِيلَ: يَجُوزُ مع التَّحمُّل.
وقِيلَ: أُجْرَتُه في بَيتِ المال؛ كمُزَكٍّ، ومُعرِّفٍ، ومُترجِمٍ، ومُفْتٍ، ومُقِيمِ حَدٍّ وقودٍ
(4)
، وحافِظِ مال
(5)
بَيتِ المالِ، ومُحتَسِبٍ، وخَلِيفةٍ.
(وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فِي حَدٍّ للهِ تَعَالَى؛ أُبِيحَ) له
(6)
(إِقَامَتُهَا) مِنْ غَيرِ تَقَدُّمِ دَعْوى؛ لِأنَّ أبا بكرةَ وأصْحابَه والجارُودَ وأبا هُرَيرةَ أقامُوا الشَّهادةَ على قُدامةَ بنِ مَظْعونٍ بشِرْبِ الخَمْر
(7)
، (وَلَمْ يُسْتَحَبَّ
(8)
؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا؛ سَتَرَه اللهُ في الدُّنيا والآخِرَة»
(9)
.
واسْتَحَبَّ القاضِي وأصْحابُه وأبو الفَرَج، و «التَّرغيب» كالمؤلِّف: تَرْكَه؛
(1)
في (م): بينها.
(2)
في (ن): فلا يستعمل.
(3)
في (م): كناية.
(4)
في (م): وقف.
(5)
قوله: (مال) سقط من (م).
(6)
قوله: (له) سقط من (م) و (ن).
(7)
أخرجه: عبد الرزاق (17076)، وابن شبة في تاريخ المدينة (3/ 842)، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، في قصة طويلة بسند صحيح. وأخرجها النسائي في الكبرى (5270)، عن عكرمة عن ابن عباس، وفي سنده يحيى بن فليح بن سليمان، وفيه ضعف.
(8)
في (م): ولم تستحب.
(9)
أخرجه البخاري (2442)، ومسلم (2580)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
للتَّرغِيب في السَّتْر، وهذا يُخالِفُ ما جَزَمَ به في آخَرِ «الرِّعاية» مِنْ وُجوبِ الإغْضاءِ عمَّنْ سَتَرَ المعصية، وهو ظاهِرُ كَلامِ الخَلاَّل.
قال في «الفروع» : ويَتوَجَّهُ فِيمَنْ عُرِفَ بالشرِّ
(1)
والفَسادِ: لا يُستَرُ عَلَيهِ.
(وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لَهُمْ بِالْوُقُوفِ عَنْهَا، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لقولِ عمرَ في قِصَّةِ المُغِيرةِ لَمَّا شَهِدَ عَلَيهِ ثلاثةٌ وجاء الرَّابِعُ: ما تَقُولُ يا سلح العقاب
(2)
، وكالتَّعريضِ
(3)
للفاعِلِ بالرُّجوع عن إقْرارِه، وفي «الانتصار»: تَلْقِينُه الرُّجوعَ مَشروعٌ.
والثَّانِي: لَا؛ كحقِّ آدَمِيٍّ.
فرعٌ: إذا دعا
(4)
زَوجٌ أربعةً لِتحَمُّلِها بِزِنَى امْرأَتِه؛ جَازَ؛ لقَولِه تعالَى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ
…
(15)} الآية [النِّسَاء: 15]. وقِيلَ: لا؛ كغيره، أوْ لِإسْقاطِ الحَدِّ.
(1)
في (م): بالشرب.
(2)
في (ظ): الغراب. قال في المصباح المنير 1/ 284: (سلح الطائر سلحًا، من باب نفع، وهو منه كالتغوط من الإنسان). وفي المغني 9/ 72: (قول عمر: يا سلح العقاب، معناه: أنه يشبه سلح العقاب، الذي يحرق كل شيء أصابه، وكذلك هذا، توقع العقوبة بأحد الفريقين لا محالة، إن كملت شهادته حُدَّ المشهود عليه، وإن لم تكمل، حُدَّ أصحابه).
والأثر: أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (6134) من طرق عن السريِّ بن يحيى قال: حدثنا عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهدي قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشهد على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، فتغيّر لون عمر، ثمّ جاء آخر فشهد فتغيّر لون عمر، ثمّ جاء آخر فشهد فتغيّر لون عمر حتى عرفنا ذلك فيه، وأنكر لذلك. وجاء آخر يحرِّك بيديه فقال:«ما عندك يا سلح العقاب؟» . وصاح أبو عثمان صيحةً تُشبَّه بها صيحةُ عمر حتى كربتُ أن يُغشى عليَّ. قال: رأيت أمرًا قبيحًا قال: «الحمد لله الذي لم يُشمِت الشيطان بأمة محمَّد» فأمر بأولئك النفر فجلدوا. وسنده صحيح كما قاله الشيخ الألباني. ينظر: الإرواء 8/ 28.
(3)
في (ظ) و (ن): وكالتعرض.
(4)
في (ن): ادعى.
قال في «الرِّعاية» : وإنْ قال
(1)
: احْضُرَا لِتَسْمَعا قَذْفَ زَيدٍ لي؛ لَزِمَهُما.
ويَتَوَجَّهُ: إنْ لَزِمَ إقامةُ الشَّهادةِ.
وهَلْ تُقبَلُ الشَّهادةُ بحدٍّ قَديمٍ؟ فِيهِ وَجْهانِ.
(وَمَنْ كَانَتْ
(2)
عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لآِدَمِيٍّ يَعْلَمُهَا؛ لَمْ يُقِمْهَا حَتَّى يَسْأَلَهُ
(3)
؛ لِقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «خَيرُ القُرونِ قَرْنِي
…
» الخَبَرَ
(4)
، وهو صحيحٌ، لِأنَّ أداءَها حقٌّ لآِدَمِيٍّ، فلا يستوفى
(5)
إلَّا بِرِضاهُ؛ كسائِرِ حُقوقِه، ولا يَقدَحُ ذلك في عَدالَتِه؛ كشَهادَةِ حِسْبةٍ، ويُقِيمُها بطَلَبِه ولو لم يَطلُبْها الحاكِمُ، ويَحرُمُ كَتْمُها.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ويقدح
(6)
فِيهِ، وقال: إنْ كان بِيَدِ مَنْ لا يَستَحِقُّه، ولا يصل
(7)
إلى مَنْ يَستَحِقُّه؛ لم يَلزَمْهُ إعانةُ أحَدِهما، ويُعِين
(8)
مُتأوِّلاً مُجتَهِدًا
(9)
.
(فَإِنْ
(10)
لَمْ يَعْلَمْهَا؛ اسْتُحِبَّ إِعْلَامُهُ بِهَا)؛ لِأنَّ ذلك تنبيهًا
(11)
على حقِّه،
(1)
قوله: (وإن قال) سقط من (م).
(2)
في (م): كان.
(3)
في (ن): تسأله.
(4)
أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2533)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، بلفظ:«خير الناس قرني» ، واللفظ المذكور والمشهور على الألسنة:«خَيرُ القُرونِ قَرْنِي» ، قال عنه الألباني:(ليس له أصل في السنة). ينظر: موسوعة العقيدة للشادي 1/ 218. وينظر للفائدة في الجمع بين الحديثين: شرح معاني الآثار 4/ 150، السنن الصغير 4/ 151، المفهم للقرطبي 5/ 173، 6/ 487.
(5)
في (ن): فلا تستوفى.
(6)
في (م): القدح.
(7)
في (م): ولا تصل.
(8)
في (م): أربعين.
(9)
ينظر: الاختيارات ص 513، الفروع 11/ 310.
(10)
في (م): فإذا.
(11)
في (ن): يثبتها.
وكالوديعة، (وَلَهُ إِقَامَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ)؛ لقوله النبي صلى الله عليه وسلم:«أَلَا أنبِّئكم بخَيرِ الشُّهداء؟! الَّذي يَأتِي بشَهادته قَبْلَ أنْ يُسأَلَها» رواهُ مُسلِمٌ
(1)
، وتُرِكَ إطْلاقُ هذا الحديثِ؛ لأجل
(2)
الخَبَرِ الآخر
(3)
؛ جَمْعًا بَينَهُما.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُهُ)؛ لقوله تعالَى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ
…
(86)} الآية [الزّخرُف: 86]، قال المفسِّرُونَ: مَنْ شَهِدَ بالحقِّ، وهو تَوحيدُ الله تعالَى، وهو يَعلَمُ ما شَهِدَ به عن بصيرةٍ وإتقان
(4)
، ومَعْناهُ: لكِنْ مَنْ شَهِدَ بالحقِّ، فيكُونُ الاِسْتِثْناءُ مُنقَطِعًا، وقال ابنُ عبَّاسٍ: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الشَّهادة، قال
(5)
: «تَرَى الشمس؟!» قال
(6)
: «على مِثْلِها فاشْهَدْ أوْ دَعْ» رَواهُ الخَلاَّلُ
(7)
، ولِأنَّ الشَّهادةَ بغَيرِ عِلْمٍ رَجْمٌ بالغيب، وذلك حرامٌ.
(1)
أخرجه مسلم (1719)، من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.
(2)
في (م): لأصل.
(3)
قوله: (الآخر) سقط من (م).
ومراده بالخبر الآخر: حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه البخاري (6428)، ومسلم (2535) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ خيركم قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السِّمن» .
(4)
في (م): واتفاق. وينظر: تفسير الطبري 20/ 662، زاد المسير 4/ 86.
(5)
في (ن): فقال.
(6)
قوله: (قال) سقط من (ظ).
(7)
أخرجه العقيلي (4/ 69)، وابن عدي (7/ 430)، والحاكم (7045)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 18)، والبيهقي في الكبرى (20579)، من طريق محمد بن سليمان بن مسمول، أخبرني عبيد الله بن سلمة بن وهرام، عن أبيه، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما به مرفوعًا. ومحمد بن مَسْمول المكي: ضعيف جدًّا منكر الحديث، قال ابن عديٍّ:(عامة ما يرويه لا يتابع عليه في إسناده ولا متنه)، وقد عدّه العقيلي وابن عديٍّ من مناكيره، وضعفه البيهقي وابن حجر والألباني، وقال الحافظ:(وصححه الحاكم فأخطأ). ينظر: نصب الراية 4/ 82، البدر المنير 9/ 617، التلخيص الحبير 4/ 363، الإرواء 8/ 282.
ومَدرَكُ العِلْم الَّذي تحصل
(1)
به الشَّهادةُ: (بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ) غالِبًا، زاد في «المستوعب» و «الرِّعاية»: حال
(2)
التَّحمُّل؛ لقوله تعالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
…
(36)} الآيةَ [الإسرَاء: 36]، ويَختَصُّ الثَّلاثُ في الآية بالسُّؤال؛ لِأنَّ العِلْمَ بالفؤاد
(3)
، وهو يَستَنِدُ إلى السَّمْع والبَصَرِ؛ لأنَّ
(4)
مُدرَكَ الشَّهادةِ: الرُّؤيةُ والسَّماعُ، وهما بالبَصَر والسَّمْع دُونَ ما عَداهُما مِنْ مدارك
(5)
العِلْم، وهو المسُّ والذُّوقُ والشَّمُّ، لا حاجةَ إلَيها في
(6)
الشَّهادة في الأغْلَب.
(وَالرُّؤْيَةُ تَخْتَصُّ بِالأفْعَالِ
(7)
؛ كَالْقَتْلِ، وَالْغَصْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالرَّضَاعِ، وَالْوِلَادَةِ، وَغَيْرِهَا)؛ كالعُيوب المرئِية في المبيع
(8)
ونحوِها.
(وَالسَّمَاعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: سَمَاعٌ مِنَ
(9)
المَشْهُودِ عَلَيْهِ، نَحْوُ الْإِقْرَارِ، وَالْعُقُودِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتَاقِ)، وحُكْمِ الحاكِم، فلا يَجُوزُ التَّحمُّلُ فِيهَا إلَّا بسَماعِ القَول ومَعرفةِ القائل
(10)
يقينًا، ذَكَرَه في «الكافي» .
وحِينَئِذٍ: يَلزَمُه أنْ يَشهَدَ عَلى مَنْ سَمِعَه، وإنْ لم يُشْهِدْهُ
(11)
به لِاخْتِفائه،
(1)
في (ن): يحصل.
(2)
في (ن): رجال.
(3)
في (م): بالقول.
(4)
في (ن): لأنه.
(5)
في (م): تدارك.
(6)
قوله: (إليها في) في (م) و (ن): إلى. والمثبت موافق لما في المغني 10/ 139، الشرح الكبير 29/ 261.
(7)
في (ظ): بأفعال.
(8)
في (ن): البيع.
(9)
قوله: (من) سقط من (ن).
(10)
في (ظ): القاتل.
(11)
في (م): لم يشهد.
أوْ مع العِلْم به؛ لِأنَّ العِلْمَ يَحصُلُ بذلك، وإنْ حَصَلَ العِلْمُ بِدونِه؛ كمَعرفةِ صَوتِ القائل؛ كَفَى؛ لأِنَّه عَلِمَ المشْهودَ عَلَيهِ كما لو رآه، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ وجَمْعٍ
(1)
.
وقال جماعةٌ مِنْ العلماء: لا تَجُوزُ الشَّهادةُ حتَّى يُشاهِدَ القائل المشهودَ عليه
(2)
؛ لِأنَّ الأصْواتَ تَشْتَبِهُ.
وأُجِيبَ: بأنَّ جَوازَ اشتباه
(3)
الأصوات كجَوازِ اشْتِباهِ الصُّوَر.
وعَنْهُ: لا يَلزَمُه فيُخيَّرُ.
وعَنْهُ: يَحرُمُ في إقْرارٍ وحُكْمٍ.
وعَنْهُ: وغَيرِهما حتَّى يَشهَدَه.
وعَنْهُ: إنْ أقرَّ بحقٍّ سابِقٍ نحو: كان له؛ فحتى
(4)
يَشهَدَه.
وظاهِرُ كلامِهم: أنَّ الحاكِمَ إذا شَهِدَ عَلَيهِ؛ شَهِد
(5)
، سَواءٌ وَقْتَ الحُكْم أوْ لَا.
وقال أبو الخَطَّاب وأبو الوَفاء: إذا كان بَعْدَه فيَقُولانِ: أخبرنا
(6)
أنَّه حَكَمَ، ولا يَقُولانِ: أشْهَدَنا
(7)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (15559)، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«إذا كان لأحد عندك شهادة، فسألك عنها فأخبره بها ولا تقل: لا أخبرك بها، لعلّه يرجع أو يرْعوِي» . وسنده حسن.
وأخرج البيهقي في الكبرى (20580)، عن أبي مجلز، قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: إن ناسًا يدعُونني يُشهِدُونني، وأكره ذاك، قال:«اشهد بما تعلم» . وسنده صحيح.
(2)
قوله: (عليه) سقط من (ن).
(3)
في (ظ) و (ن): الاشتباه.
(4)
في (ن): فيجيء.
(5)
في (م): شهداء.
(6)
في (ن): أخبر.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 11/ 314، والإنصاف 29/ 293:(وقال أبو الخطاب وأبو الوفاء: لا يجوز لهما أن يقولا: أشهدنا، وإنما يخبران بقوله).
وعلى الأُولَى: إذا قال المتحاسِبانِ: لا تشهدوا
(1)
عَلَينا بما جَرَى بَينَنَا؛ لم يَمنَعْ ذلك الشَّهادةَ، ولَزِمَ إقامَتُها على الأَشْهَر. تنبيهٌ: إذا عَرَفَ المشْهُودَ عَلَيهِ باسْمِه وعَينِه ونَسَبِه؛ جاز أنْ يَشهَدَ عَلَيهِ مُطلَقًا، وإنْ لم يَعرِفْ ذلك
(2)
؛ لم يَشهَدْ عَلَيهِ في غَيبَتِه.
وفي «الفروع» : وإنْ كان غائبًا، فعرَّفه
(3)
به مَنْ يَسكُنُ إلَيهِ؛ جاز أنْ يشهد
(4)
في الأصحِّ.
وظاهِرُ ما نَقلَه مُهَنَّى: الاِكْتِفاءُ بمَعْرِفةِ الاِسْم
(5)
؛ لِأنَّه إذا حَصَلَ به التمييز
(6)
فلا حاجةَ إلى مَعرِفةِ النَّسَب.
والمرأةُ كالرَّجُل، قال أحمدُ: إلَّا لِمَنْ تَعرِف
(7)
، وعلى مَنْ تَعرِفُ، وقال: لا تشهد
(8)
على امرأةٍ حتَّى تنظر
(9)
إلى وَجْهِها
(10)
، وهو محمولٌ على مَنْ لم يَتَيَقَّنْ مَعْرِفَتَها.
ونَصَّ أحمدُ على المنْع على مَنْ لا يَعرِفُه بتعريفِ غَيرِه
(11)
، قال القاضِي:
(1)
في (ن): لا يشهدوا.
(2)
في (ن): لم يعرفه.
(3)
في (م): فعرف.
(4)
قوله: (أن يشهد) سقط من (م).
(5)
ينظر: زاد المسافر 3/ 528.
(6)
في (م): التميز.
(7)
في (ن): يعرف.
(8)
في (ن): لا يشهد.
(9)
في (ن): ينظر.
(10)
ينظر: زاد المسافر 3/ 539.
(11)
ينظر: زاد المسافر 3/ 539.
وهو
(1)
مَحمولٌ على الاِسْتِحْباب؛ لِتَجْوِيزِه
(2)
الشَّهادةَ بالاِسْتِفاضةِ.
ونَقَلَ حنبلٌ: لا يَشْهَدُ عَلَيها إلَّا بإذْنِ زَوجِها، وعلَّله بأنَّه أمْلَكُ لِعِصْمَتِها
(3)
، وقَطَعَ به، وحُمِلَ على أنَّه لا يَدخُلُ بَيتَها إلَّا بإذْنِ زَوجها؛ للخَبَر
(4)
.
فأمَّا الشَّهادةُ عَلَيها في غَيرِ بَيتِها؛ فجائزٌ؛ لِأنَّ إقْرارَها وتَصرُّفَها صحيحٌ إذا كانَتْ رَشِيدةً.
(وَسَمَاعٌ مِنْ جِهَةِ الاِسْتِفَاضَةِ فِيمَا
(5)
يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِذَلِكَ)؛ لِأنَّ المنْعَ منها يُؤدِّي إلى عَدَمِ ثُبوتِ ما ذُكِرَ غالِبًا في بعضها، وهو ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وهو مَنفِيٌّ شَرْعًا؛ (كَالنَّسَبِ)، وهو مَحَلُّ إجْماعٍ
(6)
؛ كالوِلادة؛ لِأنَّه لا سبيلَ إلى معرفته
(7)
إلَّا بالاستفاضة
(8)
، (وَالمَوْتِ، وَالمِلْكِ) المطلَقِ، قيَّدَه به جماعةٌ، مِثْلَ أنْ يَستَفِيضَ عِندَه أنَّه مِلْكُ فُلانٍ، (وَالنِّكَاحِ)، قال جماعةٌ: دَوامُه، لا أنَّه
(9)
تَزَوَّجَها، (وَالْخُلْعِ، وَالْوَقْفِ)، أيْ: أنَّه وَقْفُ زَيدٍ، لا أنَّه وَقَفَه، (وَمَصْرِفِهِ)، وحَكاهُ في «المغْنِي» عن الأصحاب، وجَزَمَ به في «الكافي» ، وفي «الرِّعاية»: أنَّ الوَقْفَ ومَصرِفَه يَثبُتُ بها، في الأصحِّ فيهما،
(1)
في (ظ): هو.
(2)
في (ن): لتحريره.
(3)
ينظر: زاد المسافر 3/ 539.
(4)
أخرجه البخاري (5195)، من حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلاّ بإذنه، ولا تأذن في بيته إلاّ بإذنه» .
(5)
في (م): ممن، وفي (ظ): مما.
(6)
ينظر: المغني 10/ 141.
(7)
في (م): معرفة.
(8)
في (ن): باستفاضة.
(9)
قوله: (لا أنه) في (ن): لأنه.
(وَالْعِتْقِ)؛ أيْ: أنَّه عتيقٌ وحرٌّ، لا أنَّ
(1)
سيِّدَه أعْتَقَه، (وَالْوَلَاءِ، وَالْوِلَايَةِ، وَالْعَزْلِ)؛ لِأنَّ العلمَ في ذلك كلِّه يَتعذَّر
(2)
غالِبًا، أشْبَهَ النَّسَبَ.
لا يُقالُ: يُمكِنُ العِلْمُ به بمُشاهَدةِ سببه؛ لِأنَّ الإمْكانَ لا يُنافِي التَّعذُّرَ غالِبًا، ولِأنَّ وُجودَ السَّبب لا يُعلَمُ به المسبَّبُ قطعًا
(3)
؛ لِجَوازِ أنْ يَبِيعَ - مَثَلاً - غَيرَ ملكه
(4)
.
وذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ: أنَّه يَثبُتُ في الملكِ
(5)
المطْلَقِ، والوَقْفِ، والنِّكاحِ، والعِتْقِ، والنَّسَبِ، والوَلاءِ، وقالَه الإصْطَخْرِيُّ، واقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الشَّرح» ، وزادَ: مصَرِف الوَقْف، والموت، والوِلاية، والعَزْل، وكذا في «الكافي» ، إلَّا أنَّه لم يَذكُر الوَلاءَ.
(وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)؛ كالطَّلاق، نَصَّ عَلَيهِ
(6)
.
وفي «عمد الأدلَّة» : مُقتَضَى تعليلِ أصْحابِنا: أنَّه
(7)
يَثبُتُ الدَّينُ بالاِسْتِفاضة.
ومُقتَضاهُ: أنَّه لا يَثبُتُ في حدٍّ، ولا قَوَدٍ، وظاهِرُ قَولِ الخِرَقِيِّ وابنِ حامِدٍ بخِلافِه؛ لِأنَّهم أطْلَقُوا الشَّهادةَ بما تَظاهَرَتْ به الأخْبارُ.
وفي «التَّرغيب» : تُسمَعُ فيما
(8)
تستقرُّ
(9)
مَعرِفَتُه بالتَّسامُع، لا في عَقْدٍ.
(1)
قوله: (لا أن) في (م): لأن.
(2)
في (ن): تتعذر.
(3)
قوله: (بمشاهدة سببه؛ لأن الإمكان
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
قوله: (ملكه) سقط من (م).
(5)
قوله: (الملك) سقط من (ن).
(6)
ينظر: الفروع 11/ 316.
(7)
في (ظ): أن.
(8)
في (ن): بما.
(9)
في (م): يستقر.
والأَشْهَرُ: أنَّه لا يَثبُتُ إلَّا في نَسَبٍ، ومَوتٍ، ومِلْكٍ مُطلَقٍ، وعِتْقٍ، وَوَلَاءٍ، ونِكاحٍ، وَوَقْفٍ.
(وَلَا تُقْبَلُ الاِسْتِفَاضَةُ إِلَّا مِنْ عَدَدٍ يَقَعُ الْعِلْمِ بِخَبَرِهِمْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ)، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لِأنَّ الاِسْتِفاضَةَ مَأخُوذةٌ مِنْ: فَيْضِ
(1)
الماءِ؛ لِكَثْرَتِه، وذلك يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ القائلِ به.
(وَقَالَ الْقَاضِي: تُسْمَعُ
(2)
مِنْ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا)، يَسكُنُ قَلْبُه إلى خَبرِهما؛ لِأنَّ الثَّابِتَ بها
(3)
حقٌّ مِنْ الحُقوق، فَوَجَبَ أنْ يُسمَعَ مِنهُما كغَيرِهما.
واخْتارَ المجْدُ في «محرَّره» ، وحَفِيدُه: أوْ واحِدٍ تسكن
(4)
إلَيهِ نَفْسُه
(5)
.
والأوَّلُ: المذْهَبُ؛ لِأنَّه لو اكْتَفَى باثْنَينِ لاشترط
(6)
فيه ما يُشتَرَطُ في الشَّهادة على الشَّهادة، وإنَّما اكْتَفَى فيها بمُجرَّد السَّماع، والثَّالِثُ بعيدٌ عن مَعْناها.
ويَلزَمُ الحُكْمُ بشَهادةٍ لم يُعلَمْ تَلقِّيها من الاِسْتِفاضة.
ومَن قال: شَهِدتُ بها؛ فَفَرْعٌ.
وفي «التَّعليق» وغَيرِه: الشَّهادةُ بها خَبَرٌ لا شهادة
(7)
، وأنَّها
(8)
تحصل
(9)
بالنِّساء والعَبِيد.
(1)
في (ن): قبض.
(2)
في (م) و (ن): يسمع.
(3)
في (م): لها.
(4)
في (ظ): فسكن، وفي (ن): يسكن.
(5)
ينظر: الاختيارات ص 514.
(6)
في (م): لا يشترط.
(7)
قوله: (خبر لا شهادة) سقط من (ن).
(8)
في (م) و (ن): وإنما. والمثبت موافق للفروع 11/ 317.
(9)
في (م): يحصل.
(وَإِنْ سَمِعَ إِنْسَانًا يُقِرُّ بِنَسَبِ أَبٍ أَوِ ابْنٍ، فَصَدَّقَهُ المُقَرُّ لَهُ؛ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهِ)؛ لتوافق
(1)
الْمُقِرِّ والْمُقَرِّ له على ذلك، (وَإِنْ كَذَّبَهُ؛ لَمْ يَشْهَدْ)؛ لتكذيبه إيَّاهُ.
(وَإِنْ سَكَتَ؛ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ)، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
، وقدَّمه
(3)
في «الكافي» و «المستوعب» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ السُّكوتَ في النَّسب إقْرارٌ به، بدليلِ مَنْ بُشِّرَ بولدٍ فسكت
(4)
، كان مُقِرًّا به، بخِلافِ سائرِ الدَّعاوَى، ولِأنَّ النَّسَبَ يَغلِبُ فيه الإثْباتُ، ألَا تَرَى أنَّه يَلحَقُ بالإمْكان في النِّكاح؟!
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَتَكَرَّرَ)، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب، وهو وَجْهٌ؛ لِأنَّ السُّكوتَ مُحتَمِلٌ، فاعْتُبِرَ له التَّكْرارُ؛ لِيَزُولَ الاِحْتِمالُ.
(وَإِنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إِنْسَانٍ) مُدَّةً طويلةً، قاله في «التَّرغيب» ، و «المجرد»
(5)
، و «الفُصول» ، و «الكافي» ، و «المحرر»
(6)
، و «الوجيز» ، وظاهِرُ كلامِ المؤلِّف يشمل
(7)
القَصيرةَ، وصرَّحوا به في كتُبِ الخِلاف، وذَكَرَه ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ، (يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ المُلاَّكَ مِنَ النَّقْضِ
(8)
، وَالْبِنَاءِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالإِعَارَةِ
(9)
، وَنَحْوِهَا؛ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ بِالمِلْكِ لَهُ)، قدَّمه أكْثَرُ الأصْحاب، وجَزَمَ به ابنُ هُبَيرةَ، وصحَّحه ابن المُنَجَّى؛ لِأنَّ اليَدَ دليلُ
(1)
في (ن): ليوافق.
(2)
ينظر: الفروع 11/ 419.
(3)
في (م): قدمه.
(4)
في (ن): وسكت.
(5)
في (م): و «المحرر» .
(6)
قوله: (و «المحرر») سقط من (م).
(7)
في (م): يشتمل.
(8)
في (ن): البعض.
(9)
في (ن): والإعارة والإجارة.
الملك، واسْتِمْرارها مِنْ غَيرِ مُنازِعٍ يُقَوِّيها، فجَرَتْ مجْرَى الاِسْتِفاضَة، والاِحْتِمالُ لا يَمْنَعُ جَوازَ الشَّهادة، بدليلِ جَوازِها بالملك؛ بِناءً على ما عايَنَه من السَّبب؛ كالبَيع والإرْث ونَحوِهما، مع أنَّه يَحتَمِلُ أنَّ البائعَ والمُوَرِّثَ لَيسَ مالِكًا.
وفي «المغْنِي» : لا سبيلَ إلى العِلْم هُنا، فجازَتْ بالظَّنِّ، ويُسَمَّى عِلْمًا؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [المُمتَحنَة: 10]، ولا سبيلَ إلى العِلْم اليَقِينِيِّ هنا، فاكْتُفِي بالظَّنِّ.
ويَتَوَجَّهُ احْتِمالٌ: يُعتَبَرُ حُضورُ المدَّعِي وَقْتَ تصرُّفِه، وأنْ لا يكون
(1)
قَرابَتَه، ولا يَخافَ مِنْ سُلْطانٍ إنْ عارَضَه؛ لِأنَّه إذا ادَّعَى شَخْصٌ على المتصرِّف
(2)
أنَّ ذلك مِلْكُه؛ لا يَجُوزُ لِمَنْ رآهُ يَتصرَّفُ أنْ يَشهَدَ
(3)
بالملك له إلا
(4)
بما ذُكِرَ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَشْهَدَ إِلَّا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ)، هذا وَجْهٌ، وصحَّحه السَّامَرِّيُّ؛ لِأنَّ يَدَه يَحتَمِلُ أنْ تكُونَ غَيرَ مالِكةٍ.
وفي «مُختَصَرِ ابنِ رَزِينٍ» : يشهد
(5)
بمِلْكٍ بتصرُّفِه.
وعَنْهُ: مع يَدِه.
وفرَّقَ قَومٌ فقالوا: يشهد
(6)
بالملك في المدَّة الطَّويلة، وفي القصيرة باليَدِ، وهو ظاهِرٌ.
(1)
في (م): لا تكون.
(2)
في (ن): التصرف.
(3)
زاد في (ظ): له.
(4)
قوله: (إلا) هو في (ن): وإلا. وفي (ظ): له لا.
(5)
في (ظ): تشهد.
(6)
في (ظ) و (ن): نشهد.
(فَصْلٌ)
(وَمَنْ شَهِدَ بِالنِّكَاحِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِهِ)، كذا ذكره
(1)
في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع» ؛ لِأنَّ النَّاسَ يَختَلِفُونَ في شروطه
(2)
، فيَجِبُ ذِكْرُها؛ لِئَلَّا يَعتَقِدَ الشَّاهِدُ صِحَّتَه وهو فاسِدٌ، ولعلَّ ظاهِرَه: إذا اتَّحَدَ مَذهَبُ الشَّاهِد والحاكِمِ؛ لا يَجِبُ التبيين
(3)
.
ونَقَلَ عبدُ الله فِيمَن ادَّعَى أنَّ هذه الميِّتةَ امْرأتُه، وهذا ابْنُه منها: فإنْ أقامها
(4)
بأصْلِ النِّكاح، ويَصلُحُ ابْنَه؛ فهو على أصْلِ النِّكاح، والفِراشُ ثابِتٌ يَلحَقُه
(5)
.
وإن ادَّعت
(6)
أنَّ هذا الميِّتَ زَوجُها؛ لم يُقبَلْ إلَّا ببيِّنةٍ تَشهَدُ بأصْلِ النِّكاح، وتُعطى
(7)
الميراث.
(وَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ
(8)
مُرْشِدٍ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَرِضَاهَا) إن
(9)
لم تكُنْ مُجبَرةً، هذا مِنْ جُملةِ الشُّروط، ولعلَّه إنَّما ذَكَرَ ذلك؛ للخلافِ في بَعضِها.
وحاصِلُه: أنَّ البيِّنةَ تَشهَدُ بذلك، وأنَّه تَزَوَّجَها في صِحَّةِ بَدَنِه، وجوازٍ
(1)
قوله: (ذكره) سقط من (ن).
(2)
في (م): شروط.
(3)
في (م): التعيين.
(4)
في (ن): أقاما.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 348.
(6)
في (ن): ادعى.
(7)
في (ظ): ويعطى. وفي (م): يعطى.
(8)
في (م): ولي.
(9)
في (م): ورضاهما وإن.
من
(1)
أمْرِهِ، لكِنْ لا يُعتَبَرُ: في صِحَّتِه وجَوازِ أمْرِه
(2)
.
تنبيهٌ: إذا شَهِدَ باسْتِباحَةِ الزَّوجِيَّةِ؛ جاز، وإنْ ذَكَرَ سَبَبَها لم تكُنْ شَهادةً.
وقِيلَ: لا يُشهَدُ فيها باسْتِفاضةٍ، وهو بعيدٌ.
وإنْ عَقَدَ بلَفْظٍ لا خِلافَ فيه؛ شَهِدَ بالعَقْد والزَّوجِيَّةِ، يقول
(3)
: حَضَرْتُ العَقْدَ الجَارِيَ بَينَهما وأشْهَدُ به، وإنْ قال: حَضَرْتُ وشَهِدْتُ به؛ فقال ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ وَجْهَينِ، والصِّحَّةُ أظْهَرُ.
فرعٌ: مُقتَضَى ما ذَكَرَه المؤلِّفُ: أنَّه لا يُشتَرَطُ في البَيعِ ونَحوِه ذِكْرُ شُروطِه، وهو وَجْهٌ، والأشْهَرُ: أنَّه يُشتَرَطُ في سائرِ العُقُودِ.
(وَإِنْ شَهِدَ بِالرَّضَاعِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ، وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثَدْيِهَا، أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ)؛ لِاخْتِلافِ النَّاس فِيما يَصِيرُ به ابْنَها، ولا بُدَّ أنْ يكونَ ذلك في الحَولَينِ، وقِيلَ: ودخول
(4)
اللَّبَنِ إلى جَوفِه.
قال في «الكافي» : وإنْ رَأَى امْرأةً اتَّخَذتْ صبِيًّا تَحْتَ ثِيابِها فأرْضَعَتْهُ؛ لم يَجُزْ أنْ يَشهَدَ بإرْضاعه؛ لأِنَّه يَجُوزُ أنْ تتَّخِذَ
(5)
شَيئًا على هَيئةِ الثَّدْيِ تُمِصُّه له.
(وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ؛ احْتَاجَ أَنْ يَقُولَ: ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، أَوْ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ، أَوْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ)؛ لِأنَّ ما ذُكِرَ شَرْطٌ في إيجابِ القَتْلِ، فاحْتِيجَ إلى قَولِه في الشَّهادة به، ويُعْتَبَرُ ذِكْرُ الآلةِ، وَوَصْفُ الجِنايَة بعَمْدٍ أوْ غَيرِه، والاِنْفِرادُ به أوْ شارَكَ غَيرَه.
(1)
قوله: (من) سقط من (ظ) و (م).
(2)
أي: لا يعتبر في أداء الشهادة أن يقول: في صحته وجواز أمره. ينظر: الفروع 11/ 321.
(3)
في (ظ): تقول.
(4)
في (م): دخول.
(5)
في (ن): يتخذ.
(فَإِنْ
(1)
قَالَ: جَرَحَهُ فَمَاتَ؛ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ)؛ لِجَوازِ أنْ يكُونَ مات بغَيرِ هذا، ولِأنَّه لم
(2)
يَستَنِد الموت إلى الجَرح، فلم يَثبُتْ كَونُ الموت بسببِ جَرْحِه.
فإنْ قال
(3)
: ضَرَبَه فَوَجَدَه مُوضَحًا، أوْ فَسَالَ دَمُه؛ لم يَصِحَّ.
وإنْ قال: ضَرَبَه فأوْضَحَه، فَوَجَدَ في رأسه مُوضِحَتَينِ؛ وَجَبَ دِيَةُ مُوضِحةٍ؛ لِأنَّه قد أثْبَتَها، ولم يَجِبْ قِصاصٌ؛ لِأنَّا لا نَدْرِي أيَّتَهما الَّتي شهدت بها
(4)
.
(وَإِنْ شَهِدَ بِالزِّنَى؛ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَنْ
(5)
زَنَى بِهَا، وَأَيْنَ زَنَى، وَكَيْفَ زَنَى، وَأَنَّهُ رَأَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا)؛ لِأنَّ اسْمَ الزِّنى يُطلَقُ على ما لا يُوجِبُ الحدَّ، وقد يَعتَقِدُ الشَّاهِدُ ما لَيسَ بِزِنًى زِنًى، فاعْتُبِرَ ذِكْرُ صِفَتِه؛ لِيَزولَ الاِحْتِمالُ، ولأِنَّه إذا اعْتُبِرَ التَّصريحُ في الإقْرار؛ كان اعْتِبارُه في الشَّهادة أَوْلَى، وقد تكون
(6)
المرأةُ مِمَّنْ يَحِلُّ له وطْؤُها، أوْ له فِيهِ شُبْهةٌ، وقد تكُونُ الشَّهادةُ على فِعْلَينِ، فاعْتُبِرَ المكانُ، وإنْ لم يَذكُر الشهود
(7)
ذلك سَأَلَهم الحاكِمُ عَنْهُ.
(وَمِنْ أَصْحَابِنَا) - وهو ابْنُ حامِدٍ - (مَنْ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ المَزْنِيِّ
(8)
بِهَا، وَلَا ذِكْرِ المَكَانِ)؛ لِأنَّه لم يَأتِ ذِكْرُهما في الحديث
(1)
في (ن): وإن.
(2)
قوله: (ولأنه لم) في (م): ولم.
(3)
قوله: (قال) سقط من (ن).
(4)
قوله: (شهدت بها) في (م): شهدتها. وفي (ن): شهد بها.
(5)
قوله: (من ذكر من) في (ن): أن يذكر بمن.
(6)
في (ن): يكون.
(7)
في (م): المشهور.
(8)
في (م): الزنى.
الصَّحيحِ
(1)
، ولَيسَ في حَديثِ الشَّهادة في رَجْمِ اليَهودِيَّينِ ذِكْرُ المكان
(2)
.
وكذا لا يُشتَرَطُ أيضًا ذِكْرُ الزَّمان؛ لِأنَّ الأزْمِنَةَ في الزِّنى واحِدٌ لا تختلف
(3)
.
وفِيهِ وَجْهٌ: بَلَى؛ لتكون
(4)
شَهادَتُهم على فِعْلٍ واحِدٍ.
وتُقْبَلُ بِحَدٍّ قديمٍ؛ كالقِصاص، وقال ابنُ أبي مُوسَى: لا تُقبَلُ؛ لِقَولِ عمرَ
(5)
.
(وَإِنْ
(6)
شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ المَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالنِّصَابِ، وَالْحِرْزِ، وَصِفَةِ السَّرِقَةِ)؛ لِأنَّ الحُكْمَ يَختَلِفُ باخْتِلافِها، ولِتَتَمَيَّزَ السَّرِقَةُ المُوجِبَةُ لِلقَطْعِ مِنْ غَيرِها.
(وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَذْفِ ذَكَرَ المَقْذُوفَ، وَصِفَةَ الْقَذْفِ)، ويَذكُرُ الْقَاذِفَ، وقِيلَ: وأيْنَ، ومتى
(7)
.
(وَإِنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ ابْنُ أَمَةِ فُلَانٍ؛ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ حَتَّى يَقُولَا: وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» و «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لِجَوازِ أنْ تكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ تَمَلُّكِها.
(1)
كما في صحيح مسلم (1691، 1695)، في قصة رجم ماعز حديث أبي هريرة، وجابر بن سمرة وغيرهما رضي الله عنهم.
(2)
في (م): المشهور. والحديث أخرجه البخاري (3635)، ومسلم (1699)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
في (ن): لا يختلف.
(4)
في (ن): ليكون.
(5)
مراده رسالة عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: «المسلمون عدول بعضهم على بعض إلاَّ مجلود في حدٍّ» ، وتقدم تخريجه 10/ 347 حاشية (8).
(6)
في (ن): ومن.
(7)
في (م): وقيل: وابن أبي.
وقِيلَ: لا يُشتَرَطُ قَولُهما: ولَدَتْه في مِلْكِه.
فإنْ قَالَا: في مِلْكِه؛ صحَّ
(1)
؛ لِأنَّها شَهِدَتْ أنَّه نَماءُ مِلكِه، ونَماءُ مِلكِه ملكُه
(2)
ما لم يَرِدْ نقله
(3)
عنه.
فإنْ قيل
(4)
: قد قُلْتُمْ: لا تُقبَلُ شَهادَتُه بالملك السَّابِقِ على الصَّحيح، وهذه
(5)
شَهادَةٌ بمِلْكٍ سابِقٍ!
قُلْنا: الفَرْقُ على تقديرِ التَّسليم: النَّماءُ تابِعٌ للملْك في الأصل، فإثْباتُ مِلكِه في الزَّمَن الماضِي على وَجْهِ التَّبَع، وجَرَى مَجْرَى ما لو قال: مَلَكَه مُنذُ سَنَةٍ، وأقام البيِّنةَ به، فإنَّ ملكَه يثبت
(6)
في الزَّمَن الماضي
(7)
تَبَعًا لِلحالِ، فيَكُونُ له النَّماءُ فِيمَا مَضَى؛ لِأنَّ البيِّنةَ هنا شَهِدَتْ بسببِ الملك، فقويت
(8)
بذلك، ولهذا لو
(9)
شَهِدَتْ بالسَّبب في الزَّمَن الماضي، فقال: أقْرَضْتُه
(10)
ألْفًا؛ ثَبَتَ الملْكُ وإنْ لم يَذكُرْه، فَمَعَ ذِكْرِه أَوْلَى.
فرعٌ: إذا شَهِدَ على إقْرارِ غَيرِه بحقٍّ، فقِيلَ: يُعتَبَرُ ذِكْرُ سَبَبِه، والأصحُّ: لا
(11)
؛ كاسْتِحْقاقِ مالٍ.
(1)
قوله: (فإن قالا: في ملكه صح) سقط من (م).
(2)
قوله: (ونماء ملكه ملكه) سقط من (م).
(3)
في (ن): يقبله.
(4)
في (ن): قتل.
(5)
في (ظ): وبعده.
(6)
في (ظ) و (ن): ثبت. والمثبت موافق للمغني 10/ 271، والشرح 29/ 281.
(7)
قوله: (على وجه التبع، وجرى مجرى
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(8)
في (م): فقربت.
(9)
قوله: (ولهذا لو) في (ن): ولو.
(10)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 10/ 271، والشرح الكبير 29/ 282: أقرضه.
(11)
قوله: (لا) سقط من (م).
وإنْ شَهِد
(1)
بَسَبَبٍ يوجبه
(2)
، أوِ اسْتِحْقاقِ غَيرِه؛ ذَكَرَه.
وفي «الرِّعاية» : مَنْ شَهِدَ لِزَيدٍ على عَمْرٍو بشَيءٍ؛ سأله
(3)
عن سَبَبِه، انْتَهَى.
ولا تُعتَبَرُ إشارتُه إلى مشهودٍ عَلَيهِ حاضِرٍ مع نَسَبِه وَوَصْفِه، ولا قَولُه: طَوعًا في صِحَّتِه مُكلَّفًا؛ عَمَلاً بالظَّاهِرِ.
وما صَحَّت الشَّهادةُ به صحت
(4)
الدَّعْوَى، وبالعَكْسِ.
وعلى
(5)
اخْتِيارِ المؤلِّفِ: لا يُشتَرَطُ ذلك فِيما إذا كانَتْ في يَدِ المتعاقدين
(6)
، أمَّا إذا كانت
(7)
في يَدِ غَيرِهما؛ فلا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الملْكِ والتَّسْلِيمِ، وتَشْهَد البيِّنةُ به.
(وَإِنْ شَهِدَا
(8)
أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ
(9)
فُلَانٍ، أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ
(10)
، أَوْ أَعْتَقَهَا؛ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ
(11)
بِهَا حَتَّى يَقُولَا: وَهِيَ فِي مِلْكِهِ)؛ لِأنَّه قَدْ يَبِيعُ وَيَقِفُ ويَعتِقُ ما لا يَملِكُه، ولِأنَّه لو لم يُشتَرِطْ قَولُ الشَّاهِدَينِ: وهي في ملكِه؛ لتَمكَّن
(12)
كلُّ مَنْ أرادَ أنْ يَنزِعَ شَيئًا مِنْ يَدِ غَيرِه أنْ يَتَّفِقَ هو وشَخْصٌ ويَبِيعَه إيَّاهُ بحُضْرةِ
(1)
في (ن): شهدت.
(2)
في (ن): توجيه.
(3)
قوله: (سأله) سقط من (م).
(4)
في (ن): فتجب.
(5)
في (م): على.
(6)
في (ن): المتصادقين.
(7)
في (م): كان.
(8)
في (م) و (ن): شهد.
(9)
قوله: (من) سقط من (م).
(10)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(11)
قوله: (له) سقط من (ن).
(12)
في (م): لتمكين.
شَاهِدَينِ، ثُمَّ ينتزعه
(1)
المشْتَرِي مِنْ يَدِ صاحِبِه، ثُمَّ يقتسمانه
(2)
، وفي ذلك ضَرَرٌ عظيمٌ لا يَرِدُ الشَّرْعُ بمِثْلِه.
(وَإِنْ شَهِدَا
(3)
أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ، أَوِ الطَّيْرَ
(4)
مِنْ بَيْضَتِهِ
(5)
، أَوِ الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهَا)، ذَكَرَه الأَصْحابُ؛ لِأنَّ الغَزْلَ عَينُ القُطْن، وإنَّما تَغَيَّرَتْ صِفَتُه، والطَّيرَ هو البَيضةُ اسْتَحَالَتْ، والدَّقِيقَ عَينُ الحِنْطة، وإنَّما تَفَرَّقَتْ أجْزاؤها.
وقِيلَ: أو البَيضة مِنْ طَيرِه؛ فكذلك، والأصحُّ: لا، حتَّى يَقُولَا: باضَتْها في ملْكِه؛ لِأنَّ البَيضَةَ غَيرُ الطَّيرِ، وإنَّما هِيَ مِنْ نَمائِه؛ كالوَلَدِ.
(وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ، وَادَّعَى
(6)
آخَرُ أَنَّهُ وَارِثُهُ، فَشَهِدَ لَهُ
(7)
شَاهِدَانِ أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ
(8)
؛ سُلِّمَ المَالُ إِلَيْهِ)، في قَولِ أكْثَرِ العُلَماء؛ لِأنَّ هذا ممَّا لا
(9)
يُمكِنُ عِلْمُه، فكفى
(10)
فيه الظَّاهِرُ مَعَ شَهادَةِ الأصْلِ بعَدَمِ وَارِثٍ آخَرَ، (سَوَاءٌ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ البَاطِنَةِ
(11)
، أَوْ لَمْ يَكُونَا)، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ قَولَ البيِّنة يَعضُدُه الأصْلُ.
وفِيهِ وَجْهٌ: أنَّه لا يُقبَلُ مِنْ غَيرِ أهْلِ الخِبْرةِ الباطِنةِ، فيَجِبُ الكَشْفُ عن
(1)
في (م): ينزعه.
(2)
في (م): يقسمانه.
(3)
قوله: (وإن شهدا) في (م): وشهدا، وفي (ن): وإن شهد.
(4)
في (م): والطير.
(5)
في (ن): بيضه.
(6)
في (ن): فادعى.
(7)
قوله: (له) سقط من (ظ) و (م).
(8)
في (ن): سواه.
(9)
قوله: (لا) سقط من (م) و (ن). والمثبت موافق للمغني 10/ 143، والشرح 29/ 284.
(10)
في (ن): وكفى.
(11)
قوله: (الباطنة) سقط من (م).
حاله؛ لِأنَّ عَدَمَ عِلْمِهم بِوارِثٍ لَيسَ بدليلٍ على عَدَمِه، بخِلافِ أهْلِ الخِبْرة الباطنة، فيأمرُ مَنْ يُنادِي بمَوتِه، ولِيَحْضُرَ وَارِثُه، فإذا
(1)
غَلَبَ على ظَنِّه أنَّه لا وَارِثَ له؛ سلَّمَه، وقِيلَ: بكَفِيلٍ.
فَعَلَى الأوَّلِ: يُكَمَّلُ لِذِي الفَرْضِ فَرْضُه.
وعلى الثَّاني، وجَزَمَ به في «التَّرغيب»: يَأخُذُ اليَقِينَ، وهو رُبُعُ ثُمُنٍ للزَّوجة عائلاً، وسُدُسٌ لِلأُمِّ عائلاً، مِنْ كلِّ ذِي فَرْضٍ لا حَجْبَ فِيهِ ولا يَقِينَ في غَيرِه.
ومُقتَضاهُ: أنَّه إذا شهدا
(2)
له بالإرْثِ؛ كَفَى، نَقَلَ الأَزَجِيُّ فِيمَنِ ادَّعَى إرْثًا، لا يَخرُجُ
(3)
في دَعْواهُ إلى إثْباتِ السَّبَب الَّذي يرث
(4)
به، وإنَّما يَدَّعِي الإرْثَ مُطلَقًا؛ لِأنَّ
(5)
أدْنَى حالاته: أنَّه يَرِثُ بالرَّحِم، وهو صحيحٌ على أصْلِنا، والمعروفُ خِلافُه.
(وَإِنْ قَالَا: لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي هَذَا الْبَلَدِ)، أوْ بأرضِ كذا؛ (احْتَمَلَ أَنْ يُسَلَّمَ إِلَيْهِ الْمَالُ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لمَا تَقدَّمَ.
(وَاحْتَمَلَ: أَنْ لَا يُسَلَّمَ إِلَيْهِ حَتَّى يَسْتَكْشِفَ الْقَاضِي عَنْ خَبَرِهِ فِي الْبُلْدَانِ الَّتِي سَافَرَ إِلَيْهَا)، وقالَهُ أكْثَرُ أهْلِ العِلْم، قال
(6)
في «الشَّرح» : وهو أَوْلَى؛ لِأنَّهما قد يَعلَمانِ أنَّه لا وَارِثَ له في تلك الأرض، ويَعْلَمانِ له وارِثًا في
(1)
في (م) فإن.
(2)
في (م): شهد.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 11/ 323: لا يُحْوَج.
(4)
قوله: (يرث) سقط من (ن).
(5)
في (م): لأنه.
(6)
في (م): قاله.
غَيرِها؛ فلم يُقبَلْ، كما لو قالا: لا نَعلَمُ له وارِثًا في هذا البَيتِ.
وإنْ شهدا
(1)
بأنَّه ابْنُه لا وَارِثَ له غَيرُه، وبينةٌ
(2)
كذلك؛ ثَبَتَ نَسَبُه مِنهُما، وقُسِمَ المالُ بَينَهما؛ لِأنَّه لا يُنافِي.
قال المؤلِّفُ في «فَتاوِيه» : إنَّما احْتاجَ إلى إثْباتِ: لا وَارِثَ له سِواهُ؛ لِأنَّه يُعْلَم
(3)
ظاهِرًا، فإنَّ بحكم
(4)
العادة يَعرِفُه جاره ومَنْ يَعرِفُ باطِنَ أمْرِه، بخِلافِ دَينِه على الميِّت، لا يَحتاجُ إلى إثْباتِ: لا دَينَ عَلَيهِ سِواهُ؛ لِخَفاءِ الدَّين.
فرعٌ: لا تُرَدُّ الشَّهادةُ على النَّفْيِ مُطلَقًا، بدليلِ هذه المسألةِ والإعْسارِ، بَلْ يُقبَلُ إذا كان النَّفْيُ مَحصُورًا؛ كَقَولِ الصَّحابيِّ:«دُعِيَ إلى الصَّلاةِ فَقَامَ، فَطَرَحَ السِّكِّينَ وصلَّى ولم يَتوَضَّأْ»
(5)
؛ كالإثْباتِ.
وهل يَشهَدُ عَقْدًا فاسِدًا مُختَلَفًا فيه، ويَشهَدُ به؟ يَتوَجَّهُ دُخولُها فِيمَنْ أَتَى فَرْعًا مُختَلَفًا فيه.
قال في «التَّعليق» : يَشهَدُ، وفي «الفَتاوَى المصْرِيَّة»: يَجُوزُ لِلكاتِبِ والشَّاهِدِ أنْ يَكتُبَ ويَشهَدَ به، ولو لم يَرَ جَوازَه؛ لِأنَّه من المسائلِ الاِجْتِهادِيَّةِ، والفقيهُ يَحكُمُ بما يَراهُ مِنْ الخِلافِ.
فرعٌ: إذا شهدا
(6)
أنَّه طَلَّقَ، أوْ أعْتَقَ، أوْ أبْطَلَ مِنْ وَصاياه واحِدةً ونَسِيَا عَينَها؛ لم تُقبَلْ هذه الشَّهادةُ، ذَكَرَه
(7)
في «المحرَّر» و «الرِّعاية» .
(1)
قوله: (وإن شهدا) في (م): وإن شهد، وفي (ن): وأشهدا.
(2)
في (م): وبين له.
(3)
قوله: (لأنه يعلم) في (ن): لا نعلم.
(4)
في (ن): تحكم.
(5)
أخرجه البخاري (675)، ومسلم (355)، من حديث عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه.
(6)
في (م): شهد، وفي (ن): أشهدا.
(7)
في (ن): ذكر.
وقِيلَ: بَلَى، جَزَمَ به في «المبهج» في الوصيَّة.
وفيِهَا في «التَّرغيب» : قال أصْحابُنا: يُقرَعُ بَينَ الوصيِّتَينِ، فمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُها؛ فهِيَ الصَّحيحة.
(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ المُسْتَخْفِي)، وهو المُتَوَارِي عن المشهود عَلَيهِ، وهي مَقْبولةٌ، قال في «الشَّرح»: على الرِّواية الصَّحيحة، رواهُ سعيدٌ بإسْنادٍ رجالُه ثِقاتٌ، عن عَمْرِو بنِ حُرَيثٍ
(1)
، ولِأنَّه قد تَدْعُو الحاجةُ إلى ذلك، مِثْلَ أنْ يكُونَ خَصْمُه يُقِرُّ
(2)
سِرًّا ويَجحَدُ جَهْرًا، فلو لم تَجُزْ شَهادَتُه؛ لَأدَّى إلى بُطْلانِ الحقِّ.
والثَّانِيَةُ: لا تُسمَعُ شَهادَتُه، اختاره
(3)
أبو بكرٍ وابْنُ أبي مُوسَى؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحُجرَات: 12]، ولقوله عليه السلام: «مَنْ حدَّثَ بحديثٍ
(4)
ثُمَّ الْتَفَتَ؛ فهو أمانةٌ»
(5)
.
وفي ثالثةٍ: إنْ أقرَّ بحقٍّ في الحال؛ شَهِدَ به، كقوله: عليَّ كذا، وإنْ أقرَّ
(1)
أخرجه عبد الرزاق (15524)، أخبرنا رجل، عن الشيباني، عن الحكم بن عتيبة، عن عمرو بن حريث قال:«تجوز شهادة المختفي، إنما يفعل ذلك بالغادر الفاجر» ، وفي سنده رجل مبهم، وأخرجه ابن أبي شيبة (21778)، حدثنا حفص، عن الشيباني، عن الشعبي، عن شريح:«أنه كان لا يجيز شهادة المختبئ» . قال: قال عمرو بن حريث: «كذا يفعل بالخائن الظالم، أو قال: الفاجر» .
(2)
في (ن): مقرًا.
(3)
في (م): واختاره، وفي (ن): اختارها.
(4)
في (م): حديث.
(5)
أخرجه أحمد (14474)، وأبو داود (4868)، والترمذي (1959)، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا، وسنده حسن، وله شاهد أخرجه أبو يعلى في مسنده (4158)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا. والحديث حسّنه الترمذي، وقوّاه الألباني. ينظر: المقاصد الحسنة (60)، الصحيحة (1090).
بسابِقَتِه؛ كأقْرَضَنِي، أوْ كان عليَّ وقضيته
(1)
إذا جعلناه
(2)
إقْرارًا؛ لم يَشهَدْ به حتَّى يُشْهِدَه به، قال في «المحرَّر»: وهي الأصحُّ.
وعَنْهُ: يَشهَدُ بما سَمِعَه، ولا يُؤدِّي حتَّى يَقُولَ: اشْهَدْ عليَّ، فإذا قالَهُ؛ وَجَبَ الأداءُ.
(وَمَنْ سَمِعَ رَجُلاً) مُكلَّفًا (يُقِرُّ بِحَقٍّ)، أوْ عَقْدٍ، أوْ عِتْقٍ، أوْ طَلاقٍ، (أَوْ يُشْهِدُ شَاهِدًا بِحَقٍّ)؛ فعلى الخِلافِ، والمذْهَبُ: أنَّه يَشهَدُ عَلَيهِ وإنْ لم يَقُلْ له: اشْهَدْ.
وعَنهُ: لا؛ كالشَّهادة.
وفرَّق المؤلِّفُ بَينَهما: بأنَّ الشَّهادةَ على الشَّهادة ضعيفةٌ، فاعْتُبِرَ تقويتها
(3)
بالاِسْتِدْعاءِ.
(أَوْ سَمِعَ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ، أَوْ يُشْهِدُ
(4)
عَلَى حُكْمِهِ وَإِنْفَاذِهِ
(5)
فِي إِحْدَى
(6)
الرِّوَايَتَيْنِ)، وهي ظاهِرُ المذْهَبِ؛ لِأنَّ المعتمد علَيهِ السَّماعُ، وهو مَوجُودٌ، ولِأنَّ أبا بَكْرَةَ وأصْحابَه شَهِدُوا على المُغِيرَةِ ولم يَقُلْ عُمَرُ: هل أشْهَدَكم أوْ لا؟
(7)
، وكذلك عُثْمانُ لم يَسأَل الَّذِينَ شَهِدُوا على الوَلِيدِ بنِ عُقْبَةَ بذلك
(8)
، ولم يَقُلْ هذا أحدٌ مِنْ الصَّحابة ولا غَيرِهم.
(1)
في (م): وقضية.
(2)
في (ن): جعلنا.
(3)
في (ن): تفويتها.
(4)
في (ن): شهد.
(5)
في (ظ) و (م): أو إنفاذه.
(6)
في (م): أحد.
(7)
تقدم تخريجه 9/ 483 حاشية (6).
(8)
أخرج القصة مسلم (1707).
(وَلَا يَجُوزُ
(1)
فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُشْهِدَهُ عَلَى ذَلِكَ)؛ كالشَّهادة على الشَّهادة.
وقدَّم
(2)
في «المحرَّر» و «الرِّعاية» : تلزم
(3)
الشَّهادةُ.
وعَنْهُ: يُخيَّرُ في ذلك.
وذَكَرَ القاضِي رِوَايَةً في الأفْعالِ: لا يَشْهَدُ، حتَّى يَقُولَ له
(4)
المشْهُودُ عَلَيهِ: اشْهَدْ.
وهذا إنْ أرادَ به العُمومَ في جميعِ الأفعال؛ لم يَصِحَّ؛ لِأنَّ الغاصب
(5)
لا يَقُولُ لأِحَدٍ: اشْهَدْ عليَّ أنِّي غَصَبْتُ، وإنْ أرادَ به الأفْعالَ الَّتِي تكون
(6)
بالتَّراضِي؛ كقَرْضٍ وبَيعٍ؛ جَازَ.
(1)
في (م): ولا تجوز.
(2)
في (م): وقدمه.
(3)
في (م): تلزمه، وفي (ن): يلزم.
(4)
قوله: (له) سقط من (م).
(5)
في (ن): الناصب.
(6)
في (ظ): يكون.
(فَصْلٌ)
(إِذَا
(1)
شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَحْمَرَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ ثَوْبًا أَبْيَضَ)؛ لِأنَّه إذا اخْتَلَفَ الشَّاهِدانِ فِي صِفَةِ المشْهُودِ به؛ لم تَكمُلِ البيِّنةُ على واحِدٍ مِنهُما.
(أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَهُ الْيَوْمَ، وَشَهِدَ الآْخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَمْسِ؛ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ)؛ لِاختلافهما
(2)
في الوَقْتِ.
(وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى الْفِعْلِ إِذَا
(3)
اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ؛ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ)؛ لِأنَّ أحدَ الفِعْلَينِ غَيرُ الآخَرِ؛ لأِنَّ الفِعْلَ الواقِعَ في يَومٍ غَيرُ الفِعْل الواقِعِ في
(4)
يومٍ آخَرَ.
فلو شَهِدَا بفِعْلٍ مُتَّحِدٍ في نَفْسِه؛ كإتْلافِ ثَوبٍ، وقَتْلِ زَيدٍ، أوْ باتِّفاقِهما؛ كغَصْبٍ وسَرِقَةٍ، واخْتَلَفَا في وَقْتِه، أوْ مَكانِه، أوْ صِفَةٍ تتعلَّقُ به؛ كلَوثٍ وآلةِ قَتْلٍ ممَّا
(5)
يَدُلُّ على تَغايُرِ الفِعْلَينِ؛ لم تَكمُلِ البيِّنةُ على المذْهَب، وفي «المحرَّر»: هو
(6)
قَولُ أصْحابِنا؛ للتَّنافِي.
وقال أبو بكرٍ: يُجمَعُ بَينَهما حتَّى يُوجِبَ الْقَطْعَ والقَوَدَ.
وقِيلَ: بل يَحلِفُ مع كلِّ شاهِدٍ، ويَأخُذُ ما شَهِدَ به من مالٍ.
وقِيلَ: لا حدَّ بحالٍ
(7)
.
(1)
في (ن): وإذا.
(2)
في (ن): لاختلافها.
(3)
في (ن): أو.
(4)
قوله: (في) سقط من (م).
(5)
في (ن): ما.
(6)
في (م): وهو.
(7)
في (م): يخالفه.
وإنْ أمْكَنَ تعدُّده
(1)
ولم يَشْهَدَا
(2)
بأنَّه مُتَّحِدٌ، فبكلِّ
(3)
شَيءٍ شاهِدٌ، فيُعمَلُ بمُقْتَضَى ذلك، ولا تَنافِيَ بَينَهما.
ولو كان بَدَلَ شاهِدٍ بيِّنةٌ؛ ثبتا هُنا إن ادَّعاهما، وإلَّا ما ادَّعاه، وتَعارَضَتَا في الأُولَى، قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ أنَّه لا تَعارُضَ فِيهِ؛ لِإمْكانِ الجَمْعِ.
فرعٌ: إذا شَهِدَ واحِدٌ بالفِعْل، وآخَرُ على الإقْرار به؛ جُمِعَتْ شَهادتُهما، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
، واختاره
(5)
أكثرُ الأصْحابِ؛ لقصة
(6)
الوليدِ في شُرْبِ الخمر
(7)
.
ولو شَهِدَا في وَقْتَينِ على إقْرارِه بالغصبِ
(8)
، أوْ شَهِدَ اثْنانِ على الفِعْل، وآخَرانِ على الإقْرارِ به؛ لم يُجمَعْ بَينَهما في الأَشْهَر؛ لِأنَّه يَجُوزُ أنْ يكُونَ ما أقرَّ به غَيرُ ما شَهِدَ به الشَّاهِدَانِ، وهذا يبطُلُ
(9)
بالشَّهادة على إقْرارَينِ.
مسألةٌ: إذا شَهِدَ أحدُهما أنَّه أقرَّ بقَتْلِه عَمْدًا، أوْ قَتَلَه عمدًا
(10)
، وآخَرُ أنَّه أقرَّ بقَتْلِه، أوْ قتله
(11)
وسَكَتَ؛ ثَبَتَ القَتْلُ، وصُدِّقَ المدَّعَى عَلَيهِ في صِفَتِه.
(وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ
(12)
بِأَلْفٍ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ
(13)
(1)
في (م): تعدد.
(2)
في (ظ) و (م): ولم يَشْهَد.
(3)
في (م): به كل.
(4)
ينظر: المحرر 2/ 240.
(5)
في (م): واختار.
(6)
في (م): كقصة.
(7)
أخرجه مسلم (1707).
(8)
في (م): وبالغصب.
(9)
في (ن): تبطل.
(10)
قوله: (أو قتله عمدًا) سقط من (م).
(11)
قوله: (أو قتله) سقط من (م).
(12)
قوله: (له) سقط من (م).
(13)
قوله: (له) سقط من (ظ) و (م).
بِأَلْفٍ الْيَوْمَ)؛ لِأنَّهما - وإنْ كانا إقْرارَينِ - فهُما إقْرارٌ بشيءٍ
(1)
واحِدٍ، وكذا في «الرِّعاية» ، مع أنَّه أطْلَقَ الخْلافَ في كلِّ شَهادةٍ على القَولِ.
(أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ دَارَهُ أَمْسِ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ إِيَّاهَا الْيَوْمَ؛ كَمُلَتِ الْبَيِّنَةُ، وَثَبَتَ الْبَيْعُ)؛ لِأنَّ المشْهودَ به شَيءٌ واحِدٌ، يَجُوزُ أنْ يُعادَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فلم يُؤثِّرْ؛ كما لو شَهِدَ أحدُهما بالعربيَّة والآخَرُ بالفارِسِيَّة، (وَالْإِقْرَارُ) في الصُّورة الأُولَى.
(وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهَادَةٍ عَلَى الْقَوْلِ)، وكذا في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الشَّرح» ، وسَواءٌ اخْتلَفَا وَقْتًا أوْ مَكانًا؛ لأِنَّ المشهودَ به واحِدٌ، كما لو شهدا
(2)
على الإقْرارِ بشَيءٍ، واخْتَلَفَا في وَقْتِه، أوْ مَوضِعِه، أو اللُّغة المقرِّ بها.
وفي «الرِّعاية» قَولٌ: أنَّهما إذا اخْتَلَفا وقتًا أوْ مَكانًا؛ لم تَكمُل البيِّنةُ.
ولم يَذكُرْ في «الكافي» في الإقْرارِ خِلافًا أنَّ الشَّهادةَ تَكمُلُ فِيهِ، وذَكَرَ في غَيرِه احْتِمالَينِ.
(إِلَّا النِّكَاحَ إِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ، وَشَهِدَ الآخَرُ
(3)
أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ؛ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ)؛ لِأنَّ اخْتِلافَ الشُّهودِ في الوقت يمنع
(4)
مِنْ كَمالِ البيِّنة ومِن ثُبوتِه.
أمَّا أوَّلاً: فَلِأَنَّ البيِّنةَ الكامِلةَ يَثبُتُ مُوجَبُها كما تقدَّمَ، والبيِّنةُ المذْكورةُ لا يَثبُتُ مُوجَبُها.
وأمَّا ثانِيًا: فَلأِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِه: حُصولُ الشَّاهِدَينِ له، فإذا اخْتَلَفَا في
(1)
في (م): ويبقى.
(2)
في (م): شهد.
(3)
في (م): آخر.
(4)
في (ن): منع.
الوَقْت؛ لم يَتحقَّقْ حُصولُ الشَّرط، فلم يَثبُت المشْروطُ مع عَدَمِ تَحقُّقِ شَرطِه، قاله
(1)
ابن المنَجَّى.
وفي «الشَّرح» : لم تَكمُلِ البيِّنةُ في قَولِهم جميعًا؛ لِأنَّه لم يَشهَدْ بكلِّ عَقْدٍ إلَّا شاهِدٌ واحِدٌ، فلم يَثْبُتْ.
(وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ)، ألْحَقَ أكثرُ
(2)
أصْحابِنا القَذْفَ بالأفْعال، وهو المذْهَبُ؛ لِأنَّ البيِّنةَ لم تَكمُلْ على قَذْفِه، ولِأنَّ اخْتِلافَ الشهود
(3)
شبْهةٌ، وَالْحَدُّ يُدرأ
(4)
بها.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ الْقَذْفُ)؛ لِأنَّ المشْهودَ به واحِدٌ، أشْبَهَ البَيعَ وسائرَ الأمْوالِ.
تنبيهٌ: ذَكَرَ في «الشَّرح» : أنَّه إذا شَهِدَ أحَدُهما أنَّه أقرَّ عِنْدِي يَومَ الخميس بدِمَشْقَ أنَّه قَتَلَه، أوْ قَذَفَه، أوْ غَصَبَه، وشَهِدَ الآخَرُ أنَّه أقرَّ عندي
(5)
بهذا يَومَ السَّبْت؛ كَمُلَتِ البيِّنةُ، وهو قَولُ أكْثَرِهِم.
وقال زُفَرُ: لا تَكمُل
(6)
؛ لأِنَّ كلَّ إقْرارٍ لم يَشهَدْ به إلَّا واحِدٌ؛ كالشَّهادة على الفِعْل.
وجَوابُه: أنَّ المُقَرَّ به واحِدٌ، وقد شَهِدَ اثْنانِ على الإقْرارِ به، فكَمُلَتْ؛ كما لو كان الإقْرارُ به واحِدًا.
وفارَقَ الشَّهادةَ على الفِعْل، فإنَّ الشهادة
(7)
على فِعْلَينِ مُختَلِفَينِ، فنَظِيرُه
(1)
في (م): قال.
(2)
قوله: (أكثر) سقط من (م).
(3)
في (ن): المشهود.
(4)
في (ن): يبرأ.
(5)
قوله: (يوم الخميس بدمشق
…
) إلى هنا سقط من (م).
(6)
قوله: (لا تكمل) سقط من (م).
(7)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 10/ 217، والشرح 29/ 303: الشهادة فيها.
في الإقرار
(1)
: أنْ يَشهَدَ أحدُهما أنَّه أقرَّ عنده
(2)
أنَّه
(3)
قَتَلَه يَومَ الخَمِيسِ، والآخَرُ: أنَّه قَتَلَه يَومَ الجُمعة؛ لم تَكمُل البيِّنةُ؛ لأنَّ
(4)
الَّذي شَهِدَ به أحدُهما غَيرُ الَّذي شَهِدَ به الآخَرُ؛ كما لو شهد
(5)
أحدُهما أنَّه غَصَبَه دَنانِيرَ، والآخَرُ دَراهِمَ.
ثُمَّ ذَكَرَ قَولَ أبي بكرٍ: أنَّها تَكمُلُ؛ لِأنَّ ذلك لَيسَ مِنْ المقْتَضِي، فلا يُعتَبَرُ في الشَّهادة.
والأوَّلُ أصحُّ.
قُلتُ: وعلى عَدَمِ الجَمْع: لمدَّعي
(6)
القَتْلِ أنْ يَحلِفَ مع أحَدِهما ويَأخُذَ الدِّيَةَ، ومَتَى جَمَعْنا مع اخْتِلافِ الوَقْت في قَتْلٍ أوْ طَلاقٍ؛ فالعِدَّةُ والإرْثُ يَلِي آخِرَ المدَّتَين.
(وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ؛ ثَبَتَ أَلْفٌ) على المذْهَب؛ لِأنَّ الشَّهادةَ فِيهَا كَمُلَتْ، وكما لو لم يَزِدْ أحدُهما على صاحبه، وسَواءٌ عَزَوَا أوْ أحدُهما الشَّهادةَ إلى الإقْرار، أوْ جِهَةٍ واحِدةٍ غَيرِه، أوْ لم يَعزُوا
(7)
.
وقِيلَ: لَا؛ لِأنَّه لم يَشهَدْ بكلِّ إقْرارٍ إلَّا واحِدٌ.
قال في «الشَّرح» : ويبطل
(8)
إذا شَهِدَ أحدُهما أنَّه أقرَّ له بألْفٍ غُدْوةً،
(1)
قوله: (في الإقرار) في (ن): كالإقرار.
(2)
في (ن): عبد.
(3)
قوله: (أقر عنده أنه) كتب على الهامش في (ظ).
(4)
في (م): ولأن.
(5)
زيد في (ن): به.
(6)
في (ن): كمدعي.
(7)
في (ظ) و (ن): لم يعرفا.
(8)
في (ن): وتبطل.
وآخَرُ أنَّه أقرَّ بها عَشِيَّةً، مع أنَّ كلَّ إقْرارٍ إنَّما شَهِدَ به واحِدٌ.
وكذا إذا شَهِدَ واحِدٌ بألْفٍ وآخَرُ بخَمْسِمائَةٍ، أوْ شاهِدٌ بثَلاثِينَ وآخَرُ بعِشْرينَ.
وقِيلَ: بل يَحلِفُ مع كلِّ شاهِدٍ، ويَأخُذُ ما شَهِدَا به، ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ وابْنُ حَمْدانَ.
(وَيَحْلِفُ عَلَى الآْخَرِ مَعَ شَاهِدِهِ إِنْ أَحَبَّ)، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
؛ لِأنَّ المالَ يثبت
(2)
بشاهِدٍ ويَمِينٍ.
قال في «الشَّرح» : وهذا إذا أطْلَقَا الشَّهادةَ، أوْ لم تختلف
(3)
الأسباب والصِّفات.
فإنْ شَهِدَ له شاهدان
(4)
بألْفٍ، وآخَرانِ بخَمْسِمائَةٍ، ولم تَختَلِفِ الأسْبابُ والصِّفاتُ؛ دَخَلَتِ الخَمْسُمائة في الأَلْف، وَوَجَبَ له ألفٌ
(5)
بالشَّهادَتَينِ، وإن اختلفت
(6)
الأسْبابُ والصِّفاتُ وَجَبَا؛ لِأنَّهما مُختَلِفانِ.
(وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ، فَهَلْ تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَلْفٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: تَكمُلُ؛ كالَّتِي قَبلَها، جزم
(7)
به في «المستوعب» و «الوجيز» ، وصحَّحه في «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ الشهادة
(8)
كانَتْ مُطابِقَةً غَيرَ مسندةٍ
(9)
للمَشْهودِ به
(1)
ينظر: المحرر 2/ 241.
(2)
في (م): ثبت.
(3)
في (ظ) و (م): لم يختلف.
(4)
في (م): الشاهدان.
(5)
في (م): الألف.
(6)
في (ظ) و (م): اختلف.
(7)
في (ن): وجزم.
(8)
قوله: (الشهادة) سقط من (م)، وزيد في (م) و (ن): إذا.
(9)
في (م): مستندة.
على سَبَبٍ، فبالْقِياس على ما إذا
(1)
كانَتِ البيِّنةُ على الإقْرارِ، وسَواءٌ عَزَوَا أوْ أحدُهما الشَّهادةَ إلى إقْرارٍ أوْ جِهَةٍ غَيرِه أوْ لم يَعْزُوَا، فَعَلَى هذا: يحلف
(2)
المدَّعِي إنْ شاءَ لِتَمامِ الأكْثَر مع شاهِدِه ويَأخُذُ ذلك.
والثَّانِي: لا تَكمُلُ؛ لأنَّه
(3)
يَحتَمِلُ أنْ تكون
(4)
الألْفُ مِنْ غَيرِ الألْفَينِ، فَعَلَيهِ: لا يَثبُتُ شَيءٌ مِنْ ذلك، قاله
(5)
ابْنُ المنَجَّى وغَيرُه.
(وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ قَرْضٍ، وَشَهِدَ آخَرُ
(6)
أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ؛ لَمْ تَكْمُلِ الْبَيِّنَةُ)، جَزَمَ به أكثرُ الأصْحاب؛ لِأنَّ أحَدَ الألْفَينِ لا يُمكِنُ أنْ يكُونَ الآخَرُ، فَعَلَى هذا: يَحلِفُ مع كلِّ شاهِدٍ، ويَأخُذُ ما شَهِدَ به.
وقِيلَ: إنْ شهدا
(7)
على الإقْرارِ؛ كَمُلَتْ.
وعلى الأوَّل: لو شَهِدَ شاهِدٌ بألْفٍ، وآخَرُ بألْفٍ مِنْ قَرْضٍ؛ كَمُلَت البيِّنةُ.
(وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ بَعْضَهُ، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ)، وهو المذْهَبُ؛ لِأنَّ ما قَضاهُ لم يَبْقَ عَلَيهِ، فيَكُونُ كَلامُه مُتناقِضًا، فتَفسُدُ شَهادَتُه.
وفارَقَ هذا: ما لو شَهِدَ بألْفٍ، ثُمَّ قال: بل بِخَمْسِمائَةٍ؛ لِأنَّ ذلك رُجوعٌ عن الشَّهادة بخَمْسِمائَةٍ، وإقْرارٌ بغَلَطِ نفسه
(8)
.
(1)
في (ن): ذكر.
(2)
في (م): يختلف.
(3)
زيد في (ن): إذًا.
(4)
قوله: (أن تكون) سقط من (م).
(5)
في (ن): قال.
(6)
في (م): آخران.
(7)
في (م): شهد.
(8)
في (م): بنفسه.
(وَإِنْ شَهِدَا
(1)
أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَضَاهُ نِصْفَهُ
(2)
؛ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا)، جَزَمَ به في «المستوعب» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ الوَفاءَ لا يُنافِي القَرْضَ.
ويَتخرَّجُ فِيهِ كالَّتي قَبْلَها.
ويَتخرَّجَ فِيهِما: أنْ لا يَثبُتَ
(3)
بشَهادَتِهما سِوَى الخَمْسِمائَة.
وعلى الأوَّل: يَحتاجُ قَضاءُ الخَمْسِمائَة إلى شاهِدٍ ويَمِينٍ.
(وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا
(4)
لِي بِخَمْسِمَائَةٍ؛ لَمْ يَجُزْ) إذا كان الحاكِمُ لم يُوَلَّ الحُكْمَ فَوقَها، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، قَدَّمه أئمَّةُ المذْهَبِ، وصحَّحَه المؤلِّفُ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لقوله تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} [المَائدة: 108]، ولِأنَّه لو ساغَ له ذلك؛ لَسَاغَ للقاضِي أنْ يَقضِيَ ببعضِ ما شَهِدَ به الشَّاهِدُ.
وقال القاضِي في «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّة» : للشَّاهِد أنْ يَشهَدَ بالألف
(6)
، والقاضِي يَحكُمُ بالقَدْر الَّذِي جُعِلَ له الحُكْمُ فِيهِ، وذَكَرَه نَصًّا.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجُوزُ)؛ لِأنَّ مالِكَ الشَّيءِ مالِكٌ لِبعْضِه، فمَنْ شَهِدَ بألْفٍ؛ فقد شَهِدَ بخَمْسِمائَةٍ.
فائدةٌ: إذا شَهِدَ اثْنانِ في مَحفِلٍ على واحِدٍ مِنهُم أنَّه طَلَّقَ، أوْ أعْتَقَ؛ قُبِلَ.
(1)
في (م): شهد.
(2)
قوله: (نصفه) سقط من (ظ).
(3)
في (ن): لا تثبت.
(4)
في (م): يشهدا.
(5)
ينظر: المغني 10/ 241.
(6)
في (م): بألف.
وكذا لَوْ شهدا
(1)
على خطيبٍ أنَّه قال أوْ فَعَلَ على المنْبَرِ في الخُطْبة شَيئًا لم يَشهَدْ به غَيرُهما، مع المشارَكة في سَمْعٍ وبَصَرٍ، ذَكَرَه في «المغْنِي» وغيره
(2)
.
ولا يُعارِضُه قَولُهم: إذا انْفَرَدَ واحِدٌ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّواعِي على نقله
(3)
مع مُشارَكَةِ خَلْقٍ كثيرٍ رُدَّ
(4)
.
(1)
في (م): شهد.
(2)
قوله: (وغيره) سقط من (ن).
(3)
في (ن): فعله.
(4)
في (ن): يرد.
قال في الكشاف 15/ 273 في بيان عدم المعارضة: (للفرق بين شهادة واحد وشهادة اثنين، وبين تقييدهم بكون ذلك الشيء مما تتوفر الدواعي على نقله وبين عدم ذلك القيد).
(بَابُ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ)
(وَهِيَ سِتَّةٌ) على المذْهَبِ:
(أَحَدُهَا: الْبُلُوغُ)؛ لِأنَّ غَيرَ البالِغِ كالصَّبِيِّ، (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ) على المشْهور في المذْهَب، وصحَّحه القاضِي والسَّامَرِّيُّ؛ لقَولِه تعالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البَقَرَة: 282]، ولا شكَّ أنَّ الصَّبِيَّ لَيسَ مِنْ رجالنا
(1)
، ولَيسَ مِمَّنْ يُرْضَى، وقد أخْبَرَ اللهُ تعالَى أنَّ الشَّاهِدَ الكاتِمَ شَهادَتَه آثِمٌ، والصَّبِيُّ لَيسَ بآثِمٍ، فَدَلَّ على أنَّه لَيسَ بشاهِدٍ، ورَواهُ سعيدٌ بإسْنادٍ جَيِّدٍ عن ابْنِ عبَّاسٍ
(2)
، ولِأنَّه لا تَحصُلُ الثقةُ
(3)
بقَولِه؛ لِعَدَم خَوفِه مِنْ مَأثَمِ الكَذِبِ، ولِأنَّ مَنْ لا يُقبَلُ قَولُه على نفسه في الإقرار؛ لا تُقْبَلُ شَهادَتُه على غَيرِه؛ كالمجْنونِ.
(وَعَنْهُ: تُقْبَلُ مِمَّنْ هُوَ فِي حَالِ أَهْلِ العَدَالَةِ
(4)
؛ لأنَّه يُمكِنُه ضَبْطُ ما يَشْهَدُ به، فقُبِلَتْ؛ كالبالِغِ.
واسْتَثْنَى ابْنُ حامِدٍ مِنها: الحُدودَ والقِصاصَ، فلا
(5)
تُقبَلُ شَهادَتُه
(1)
في (ن): رجالكم.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور في تفسيره (455)، والبيهقي في الكبرى (20609)، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، قال: كتبت إلى ابن عبّاس رضي الله عنهما أسأله عن شهادة الصبِّيان، فكتب إليَّ:«إن الله عز وجل يقول: {مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، فليسوا ممن نرضى، لا تجوز» ، وأخرجه عبد الرزاق (15494)، أخبرني ابن جريج، أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، أنه أرسل إلى ابن عبّاس، وهو قاضٍ لابن الزبير يسأله عن شهادة الصبيان؟ فقال:«لا أرى أن تجُوز شهادتهم، إنّما أمرنا الله ممن نرضى، وإن الصّبيَّ ليس برضيٍّ» ، وسندهما صحيح.
(3)
في (ن): البينة.
(4)
في (م): العدل.
(5)
في (م) و (ن): فلم.
فِيهَا احْتِياطًا.
وهل يُكْتَفى
(1)
بالعَقْل فَقَطْ؛ كما نَصَّ عليه
(2)
في رِوايَةِ حَنبَلٍ
(3)
؟ أو
(4)
لا بُدَّ مْن بُلُوغِ عَشْرِ سِنِينَ، وهو ظاهِرُ نَصِّه في رِوايَةِ ابن
(5)
إبْراهِيمَ
(6)
، وقاله
(7)
في «الكافي» و «المغْنِي» ؟ على قَولَينِ.
وعَنْهُ: تُقْبَلُ مِنْ المُمَيِّزِ.
وقِيلَ: على مِثْلِه.
(وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ
(8)
إِلَّا فِي الْجِرَاحِ، إِذَا شَهِدُوا قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ عَنِ
(9)
الْحَالِ الَّتِي تَجَارَحُوا
(10)
عَلَيْهَا)، رَواهُ سَعِيدٌ، ثنا هُشَيمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عن إبراهيمَ، قال: «كانوا يُجِيزُونَ شَهادَةَ بعضِهم على بعضٍ فِيمَا
(11)
كان بَينَهم»
(12)
، ولِأنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُهم وضَبْطُهم، فإنْ تَفرَّقُوا؛ لم تُقبَلْ شَهادَتُهم؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ أنْ يُلَقَّنُوا، وحَكاهُ ابنُ الحاجِب إجْماعَ أهْلِ المدينة
(13)
.
وعَنْهُ: تُقبَلُ في الجراحِ
(14)
والقَتْلِ خاصَّةً إذا أدَّاها أوْ أشهد على شهادته
(1)
في (م): تكتفي.
(2)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 90.
(4)
في (م): أن، وزيد في (ن): لأن.
(5)
قوله: (ابن) سقط من (ن).
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 36.
(7)
في (ن): قاله.
(8)
في (م): لا يقبل.
(9)
في (م): على.
(10)
في (ن): تحارجوا.
(11)
زاد في (ظ): إذا.
(12)
أخرجه ابن أبي شيبة (21032)، وسنده صحيح.
(13)
ينظر: جامع الأمهات ص 576.
(14)
في (ن): الخراج.
قَبْلَ التَّفَرُّقِ عن تلك الحالِ، ولا يُلتَفَتُ إلى رجوعهم بَعْدَ ذلك، وزاد ابنُ عَقِيلٍ في «التَّذكرة»: إذا وُجِدَ ذلك في الصَّحراء.
(الثَّانِي: الْعَقْلُ)، وهو نَوعٌ من العُلُومِ الضَّرورِيَّة، وهو فِطْنَةٌ، والعاقِلُ: مَنْ عَرَفَ الواجِبَ عَقْلاً؛ الضَّرُورِيَّ وغَيرَه، والممْكِنَ والممْتَنِعَ، وما يَضُرُّه ويَنفَعُه غالِبًا؛ لِأنَّ مَنْ لا عَقْلَ له؛ لا يُمكِنُه تَحمُّلُ الشَّهادة ولا أداؤها؛ لِأنَّه لا يُعقَلُ ذلك إلَّا بضَبْطِ الشَّهادةِ.
(فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَعْتُوهٍ، وَلَا مَجْنُونٍ)، ولا سَكْرانَ، وذَكَرَ ابنُ المنْذِر الإجماعَ على أنَّ شَهادةَ مَنْ لَيسَ بعاقِلٍ لا تُقبَلُ
(1)
؛ إذْ لا تَحصُلُ الثقةُ
(2)
بقَولِه، ولا يحصل
(3)
له
(4)
عِلْمٌ بما يَشهَدُ به.
(إِلَّا مَنْ يُخْنَقُ
(5)
فِي الْأَحْيَانِ إِذَا شَهِدَ فِي إِفَاقَتِهِ)، وذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لِأنَّها شَهادةٌ مِنْ عاقِلٍ، أشْبَهَ مَنْ لم يُخنَقْ، ولا بُدَّ وأنْ يكُونَ قد تَحمَّلَها في حالِ إفاقَتِه؛ لِأنَّ تَحمُّلَه في جُنونِه لا يَصِحُّ؛ لِعَدَمِ الضَّبْط.
وفي «المستوعب» : مَنْ يُصرَعُ في الشَّهر مَرَّةً أوْ مَرَّتَينِ؛ فَقِيلَ: تُقبل
(6)
في حالِ إفاقَتِه، وقَدَّمَ هذا في «الرِّعاية» ، ثُمَّ ذَكَرَ ما في «المقنع» قَولاً.
(الثَّالِثُ: الْكَلَامُ)؛ لِأنَّ الشَّهادةَ يُعتَبَرُ فِيهَا التَّيقن
(7)
، وذلك مَفْقودٌ مع فَقْدِ الكَلامِ، (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ)، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
، واخْتارَهُ مُعظَم
(1)
ينظر: الإجماع ص 66.
(2)
في (ن): البقية.
(3)
في (ن): ولا تحصل.
(4)
قوله: (له) سقط من (م).
(5)
في (م): تحقق.
(6)
في (م): يقبل.
(7)
في (م): اليقين.
(8)
ينظر: زاد المسافر 3/ 526.
الأصْحاب؛ لِأنَّها مُحتَمِلةٌ، والشَّهادةُ يُعتَبَرُ فِيهَا اليقين، وذلك مفقودٌ
(1)
، فلم تُقبل
(2)
؛ كإشارةِ النَّاطِق، وإنَّما قُبِلت الإشارةُ في أحْكامِه المخْتَصَّةِ به للضَّرورة، وهي مَعدُومَةٌ هُنا.
لا يُقالُ: إنَّه صلى الله عليه وسلم حِينَ أشار إلى أصحابه أنْ يَجلِسُوا، فامْتَثَلُوا ذلك
(3)
؛ لِأنَّ الشَّهادةَ تُفارِقُ ذلك؛ لِأنَّه اكْتُفِي بها مِنهُ مع كَونِه ناطِقًا.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُقْبَلَ فِيمَا طَرِيقُهُ الرُّؤْيَةُ إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ)، هذا
(4)
وَجْهٌ، وقد أوْمَأَ إلَيهِ الإمامُ؛ لأِنَّ اليقينَ حاصِلٌ في التَّحمُّل.
وإشارةِ المؤدِّي العاجِزِ عن النُّطق؛ كنُطْقِه، وفارَقَ ما طريقُه السَّماعُ؛ مِنْ حَيثُ إنَّ الأخْرَسَ غالِبًا يكُونُ أصمَّ، فيَقَعُ الخَلَلُ في التَّحمُّل.
فلو تَحمَّلَها وأدَّاها بخَطِّه؛ فقد تَوقَّفَ أحمدُ فِيهَا
(5)
، واخْتَار أبو بكرٍ: أنَّها لا تُقبَلُ، واخْتارَ في «المحرَّر» عَكْسَها.
(الرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ)، وهو إجْماعٌ في الجُملة
(6)
، ونَقَلَه عن أحمدَ نحو
(7)
عِشْرينَ نَفْسًا
(8)
، (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرٍ
(9)
على مُسلِمٍ ولا كافِرٍ؛ لِأنَّه لَيسَ مِنْ
(1)
قوله: (وذلك مفقود) سقط من (ظ) و (ن).
(2)
في (م): فلم يقبل.
(3)
يشير إلى ما أخرجه مسلم (412)، من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه، فصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، فصلوا بصلاته قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا فجلسوا.
(4)
في (ن): وهذا.
(5)
ينظر: المحرر 2/ 287.
(6)
ينظر: الإجماع ص 66.
(7)
قوله: (نحو) سقط من (ن).
(8)
ينظر: المغني 10/ 166.
(9)
في (م): الكافر.
رجالِنا، ولا هو
(1)
مَرْضِيٌّ.
(إِلَّا أَهْلَ الْكِتَابِ)، وهم اليهودُ والنَّصارَى، ومَن يُوافِقُهم في التَّدَيُّن، (فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ، إِذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ)، في أصحِّ الرِّوايَتَينِ، ونَصَرَه المؤلِّفُ، فشهادتُهم
(2)
في السَّفَر بمَوتِ مُسلِمٍ أوْ كافِرٍ؛ جائزةٌ، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ
…
(106)} الآيات [المَائدة: 106]، «نَزَلَتْ في تميمٍ الدَّارِيِّ، وعَدِيِّ بنِ بَدَّاءٍ، شَهِدَا بِوَصِيَّةِ سَهْمِيٍّ» رواهُ البُخاريُّ مِنْ حديثِ ابنِ عباس
(3)
، «وقَضَى به أبو مُوسَى الأشْعَرِيُّ، وأخْبَرَ أنَّه كان في عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم» رواه أبو داودَ، ورِجالُه ثِقاتٌ
(4)
، قال ابنُ عمرَ
(5)
: «آخر
(6)
سورةٍ نَزَلَت: المائدةُ» رَواهُ التِّرمذِيُّ، وقال:(حَسَنٌ غَرِيبٌ)
(7)
، قالَتْ عائشةُ: «ما وَجَدْتُم
(1)
قوله: (ولا هو) في (ن): وهو غير.
(2)
في (م): بشهادتهم.
(3)
أخرجه البخاري (2780).
(4)
أخرجه أبو داود (3605)، وسعيد بن منصور في تفسيره (857)، وابن جرير الطبري (9/ 76)، من طريق هشيم، أخبرنا زكريا بن أبي زائدة، حدثنا الشعبيُّ به في قصة، قال ابن كثير:(رواه - يعني ابن جرير - عن عمرو بن علي الفلاس، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن مغيرة الأزرق، عن الشعبي؛ «أن أبا موسى قضى بدقوقا»، وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي: عن أبي موسى الأشعري). ينظر: تفسير ابن كثير 3/ 220، فتح الباري 5/ 412.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في مصادر التخريج، وتحفة الأشراف للمزي 6/ 353: عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(6)
في (ن): آخره.
(7)
أخرجه الترمذي (3063)، والحاكم (3211)، والبيهقي في الكبرى (13979)، وسنده حسن؛ فيه حيي بن عبد الله المعافري: متكلّم فيه، وهو صدوق يهم. وقد صححه الحاكم، وقال الترمذي: (حسن غريب، ورُويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: آخر سورة أنزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} .
فِيها مِنْ حَلالٍ فأحِلُّوهُ، وما وَجَدْتُمْ فِيها مِنْ حرامٍ فحرِّمُوهُ» رواه أحمدُ
(1)
، وقَضَى ابنُ مَسْعودٍ بذلك في زَمَنِ
(2)
عُثْمانَ، رواهُ أبو عُبَيدٍ
(3)
، قال ابن المنْذِر: وبهذا قال أكابِرُ الماضِينَ
(4)
.
وحَمْلُ الآيَةِ على أنَّه أَرَادَ: من غير
(5)
عَشِيرتِكم؛ لا يصح
(6)
؛ لِأنَّ جماعةً - مِنهُم ابنُ مَسْعودٍ وابنُ عبَّاسٍ - قالوا: «مِنْ غَيرِ مِلَّتِكم ودِينِكم»
(7)
، ولأنَّ
(8)
الشَّاهِدَينِ مِنْ المسْلِمِينَ لا قَسامَةَ عَلَيهِما.
ولا يَصِحُّ حَمْلُها على التَّحمُّل؛ لِأنَّه لا
(9)
أيْمانَ فِيهِ.
وحَمْلُها على اليمين غَيرُ مَقْبولٍ؛ لقوله تعالى: {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ}
(1)
أخرجه أحمد (25547)، والنسائي في الكبرى (11073)، والطحاوي في شرح المشكل (6/ 304)، والحاكم (3210)، وسنده حسن صحيح، قال الحاكم:(حديث صحيح على شرط الشيخين)، ووافقه الذهبيُّ.
(2)
في (ن): زمان.
(3)
أخرجه أبو عبيد بن سلاّم في الناسخ والمنسوخ (289)، من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سلمة بن أبي سلمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قصة، وكان ذلك في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. وابن لهيعة ضعيف سيئ الحفظ، وقد اختلط.
(4)
لم نجده في كتب ابن المنذر المطبوعة. وينظر: المغني 10/ 165.
(5)
قوله: (غير) سقط من (ظ).
(6)
قوله: (لا يصح) سقط من (ن).
(7)
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: لم نقف عليه.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطحاوي في شرح المشكل (4547)، من طرق عن عبد الواحد بن زياد، حدثنا حبيب بن أبي عمرة، قال: سمعت سعيد بن جبير، يقول: قال ابن عبّاس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} ، قال:«من غير أهل الإسلام من الكفّار، إذا لم تجدوا المسلمين» ، وفي لفظ:«من غير المسلمين من أهل الكتاب» ، وسنده صحيح.
(8)
في (م): لأن.
(9)
قوله: (لا) سقط من (ن).
[المَائدة: 106]، ولِأنَّه عَطْفٌ على ذَوِي العدلِ
(1)
من المؤمِنِينَ، وهما شاهِدانِ، قال أحمدُ: أهْلُ المدينة لَيسَ عِندَهم حديثُ أبي مُوسَى
(2)
.
وشَرْطُه: أنْ يكُونُوا مِنْ أهل الكتاب؛ كما ذَكَرَه، وهو الَّذي في
(3)
«الكافي» و «المستوعب» و «الوجيز» .
وقدَّم في «الرِّعاية» : أنَّه لا يُشتَرَطُ.
وفي
(4)
«المحرَّر» رِوايَتانِ مِنْ غَيرِ تَرجِيحٍ.
و «أوْ» في قَولِه تعالى: {أَوْ آخَرَانِ} [المَائدة: 106] لَيسَتْ للتَّخيير، والمعْنَى: إنْ لم يَجِدُوا هذا. وقِيلَ: بَلَى.
(وَحَضَرَ المُوصِيَ
(5)
المَوْتُ؛ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ)؛ لمَا سَبَقَ، (وَيُحَلِّفُهُمُ الْحَاكِمُ) وُجوبًا، وقِيلَ: نَدْبًا، (بَعْدَ الْعَصْرِ)؛ لِخَبَرِ أبي مُوسَى، قال ابنُ قُتَيْبَةَ: لِأنَّه وَقْتٌ تُعظِّمُه
(6)
أهْلُ الأدْيانِ
(7)
: (لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ
(8)
الرَّجُلِ)؛ لمَا رَوَى الشَّعبِيُّ: «أنَّ رجلاً من المسلمين حَضَرَتْه الوَفاةُ بدَقُوقَا
(9)
هذه، ولم يَجِدْ أحدًا من المسْلِمِين
(1)
زيد في (ن): من ذوي العدل.
(2)
ينظر: أحكام أهل الملل ص 135. وحديث أبي موسى رضي الله عنه تقدم تخريجه 10/ 547 حاشية (6).
(3)
في (م): من.
(4)
في (م): في.
(5)
في (م): الوصي.
(6)
في (م): تعظيم.
(7)
ينظر: تأويل مشكل القرآن ص 219.
(8)
في (ن): الوصية.
(9)
بفتح أوله، وضم ثانيه، وبعد الواو قاف أخرى، وألف ممدودة ومقصورة: مدينة بين إربل وبغداد. ينظر: معجم البلدان 2/ 459.
يُشْهِدُه
(1)
على وصيَّته، فأشْهَدَ رجُلَينِ من أهْلِ الكتاب، فَقَدِما الكوفةَ، فأتَيَا أبا مُوسَى الأشْعَرِيَّ، فأخْبَراهُ، وقَدِمَا بِتَرِكَتِه ووصيَّتِه، فأحْلَفَهُما بَعْدَ العَصْر: ما خَانَا ولا كَتَمَا ولا كذبا
(2)
ولا بَدَّلَا ولا غَيَّرا، وأنَّها لَوَصِيَّةُ الرَّجُل وتَرِكَتُه، فأمْضَى شَهادتَهما» رَواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
.
(فَإِنْ عُثِرَ)؛ أيْ: فإنِ اطُّلِعَ (عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا): فَعَلَا ما أوْجَبَ إثْمًا، واسْتَوْجَبَا أنْ يُقالَ: إنَّهما لمِنَ الآثِمِينَ؛ (قَامَ آخَرَانِ)؛ أيْ: شاهِدانِ آخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهما مِنْ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيهم؛ أي: الإثْمُ، (مِنْ أَوْلِيَاءِ المُوصِي)، ومَعْناهُ: من الَّذِينَ جُنِيَ عَلَيهِم، وهُم أهْلُ الميِّتِ وعَشِيرَتُه، وفي قِصَّةِ بُدَيلٍ: أنَّه لمَّا ظَهَرَتْ خِيانةُ الرَّجُلَينِ؛ حَلَفَ رَجُلانِ مِنْ وَرَثَتِه: أنَّه إناء
(4)
صاحِبهما
(5)
، وأنَّ شَهادَتَهما أحقُّ مِنْ شَهادَتِهما، (فَحَلَفَا بِاللهِ تَعَالَى: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَلَقَدْ خَانَا وَكَتَمَا)؛ أيْ: لَيَمينُنا
(6)
أحقُّ بالصَّواب مِنْ يَمِينِ هذَينِ الخائنَينِ، (وَيَقْضِي لَهُمْ)؛ لِمَا سَلَفَ.
(وَعَنْهُ: أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ تُقْبَلُ عَلَى بَعْضٍ
(7)
،
(1)
في (م): يشهد.
(2)
قوله: (ولا كذبا) سقط من (م).
(3)
أخرجه الدارقطني (4341) مختصرًا بسند صحيح، وتقدم تخريجه 10/ 547 حاشية (6).
(4)
قوله: (أنه إناء) في (م): أنهما خانا، وفي:(ن): أنه أخانا.
(5)
أخرج البخاري القصة مختصرة (2780)، وأخرجها الترمذي (3059) مطولة. قال الترمذي:(حديث غريب، وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحاق هذا الحديث، هو عندي محمد بن السائب الكلبي يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل الحديث، وهو صاحب التفسير).
(6)
في (م): لتميننا.
(7)
قوله: (أن شهادة بعض أهل الذمة تقبل على البعض) هو في (ظ) و (م): تقبل شهادة بعضهم على بعض.
نَقَلَها حَنبَلٌ
(1)
؛ لمَا رَوَى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أجازَ شَهادةَ أهْلِ الذِّمَّة بعضِهم على بعضٍ» رواهُ ابنُ ماجَهْ
(2)
، وكالمسْلِمِينَ.
(وَالمَذْهَبُ الْأَوَّلُ)؛ لمَا ذَكَرْنا مِنْ الأدِلَّة، ولِأنَّ مَنْ لا تُقبَلُ شَهادتُه على غَيرِ أهْلِ دِينِه؛ لا تُقبلُ على أهْلِ دينه
(3)
؛ كالحربيِّ، والخبرُ مَردُودٌ بضُعْفِه، فإنَّه مِنْ رِوايةِ مُجالِدٍ، ولو سُلِّمَ؛ فيَحتَمِلُ أنَّه أراد اليمينَ؛ لِأنَّها تُسَمَّى شَهادةً؛ لقوله تعالَى:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النُّور: 6].
وعلى الثَّانِيَةِ: أجازَها البَرْمَكِيُّ في صُورةٍ خاصَّةٍ للحاجة، وهي شَهادةُ السَّبي
(4)
بعضِهم على
(5)
بعضٍ
(6)
إذا ادَّعى أحدُهم أنَّ الآخَرَ أخُوهُ.
وعَلَيها: تُعتَبَرُ عَدالَتُه في دِينِه مع بَقِيَّةِ الشُّروط فيها
(7)
، واخْتَلَفُوا؛ فمِنْهُم مَنْ قال: الكُفْرُ مِلَّةٌ واحِدةٌ، والأشْهَرُ: لا.
(الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَحْفَظُ)؛ لِأنَّ مَنْ لا يَحفَظُ لا تحصل
(8)
الثِّقَةُ
(1)
ينظر: زاد المسافر 3/ 532.
(2)
أخرجه ابن ماجه (2374)، والبيهقي في الكبرى (20627)، وتفرد به مجالد بن سعيد، وهو ضعيف سيئ الحفظ، وقد ضعفه ابن عبد الهادي والبوصيري وابن حجر والألباني، وقال البيهقي:(هكذا رواه أبو خالد الأحمر، عن مجالد، وهو مما أخطأ فيه، وإنما رواه غيره عن مجالد، عن الشعبي، عن شريح من قوله وحكمه غير مرفوع). ينظر: السنن الصغير للبيهقي 4/ 158، تنقيح التحقيق 5/ 85، مصباح الزجاجة 3/ 56، التلخيص الحبير 4/ 364، الإرواء 8/ 283.
(3)
قوله: (لا تقبل على أهل دينه) سقط من (ن).
(4)
في (ظ): البنين، وغير واضحة في (ن). والمثبت هو الموافق للروايتين والوجهين 3/ 92 والمغني 10/ 166.
(5)
قوله: (على) سقط من (م).
(6)
في (ظ) و (م): لبعض.
(7)
قوله: (فيها) سقط من (م).
(8)
في (ن): لا يحصل.
بقَولِه، ولا يغلب
(1)
على الظَّنِّ صِدْقُه.
(فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ)، بفَتْحِ الفاء، اسْمُ مَفْعولٍ مِنْ أغْفَلَ، (وَلَا مَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ)، جزم
(2)
به في «الوجيز» وغَيره؛ لِأنَّ الثِّقةَ لا تَحصُلُ بقَوله؛ لِاحْتِمالِ أنْ تكُونَ شَهادَتُه مِمَّا غَلِطَ فِيهَا ونَسِيَ، ولِأنَّه ربَّما شَهِدَ على غَيرِ مَنْ اسْتُشْهِدَ عَلَيهِ، أوْ بِغَيرِ ما شَهِدَ به، أوْ لِغَيرِ مَنْ أشْهَدَه.
وفي «المحرَّر» و «الفروع» : وسَهْوٌ؛ لِمَا سَبَقَ.
وفي «التَّرغيب» : الصَّحيحُ إلاَّ في أمْرٍ جَلِيٍّ يَكشِفُه الحاكِمُ ويراجعه
(3)
حتَّى يَعلَمَ تثبُّتَه
(4)
، وأنَّه
(5)
لا سَهْوَ ولا غَلَطَ فِيهِ.
ومُقتَضاهُ: أنَّها تُقبَلُ مِمَّنْ يَقِلُّ منه
(6)
ذلك؛ لِأنَّ أَحَدًا لا يَسلَمُ مِنْ الغَلَط والنِّسْيانِ.
(1)
في (م): لا يغلب.
(2)
في (م): وجزم.
(3)
في (ن): وتراجعه.
(4)
في (م): بينته. وفي (ن): تبينه.
(5)
في (م): ولأنه.
(6)
في (م): عنه.
(فَصْلٌ)
(السَّادِسُ: الْعَدَالَةُ)، قال في «المستوعب»: لا يَختَلِفُ المذهَبُ أنَّه يُشتَرَط فِيمَن يَجُوزُ الحُكمُ بشَهادَتِه خمسةُ شُروطٍ: العَقْلُ، والإسْلامُ، والعَدالةُ، وانْتِفاءُ التُّهمةِ، والعِلْمُ بما يشهد
(1)
به، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحُجرَات: 6]، وقُرِئ بالمثلثة
(2)
، ولِأنَّ غَيرَ العَدْل لا يُؤمَنُ منه أنْ يَتحامَلَ على غَيرِه، فيَشهَدَ عَلَيهِ بغَيرِ حقٍّ، وعن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا:«لا تَجُوزُ شَهادةُ خائنٍ ولا خائنةٍ، ولا ذِي غِمْرٍ عَلَى أخِيهِ، ولا تَجُوزُ شَهادةُ القانِعِ لأِهْلِ البَيتِ» ، والقانِعُ: الَّذي يُنْفِقُ عَلَيهِ أهلُ
(3)
البَيتِ، رواه أحمدُ وأبو داودَ، وإسْنادُه جيِّدٌ، وفِيهِ سُلَيمانُ بنُ مُوسى الأشدق، وزاد أبو داود:«وزَانٍ وزَانِيَةٍ»
(4)
، روى
(5)
نحوَه جماعةٌ مِنْ حديثِ عائشةَ، مِنهم التِّرمذِيُّ، وقال:(لا يَصِحُّ عِندَنا مِنْ قِبَلِ إسْناده)
(6)
.
(وَهِيَ اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ فِي دِينِهِ، وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ)، العَدالةُ في اللُّغة: عِبارةٌ عن الاِسْتِواء والاِسْتِقامةِ؛ لِأنَّ العَدْلَ ضِدُّ الجَور، والجَورُ: المَيلُ، فالْعَدْلُ: الاِسْتِواءُ في الأحْوال كلِّها.
(1)
في (م): شهد.
(2)
أي: (فتثبتوا)، وهي قراءة حمزة والكسائي. ينظر: معاني القراءات للأزهري 1/ 315.
(3)
في (م): صاحب.
(4)
تقدم تخريجه 1/ 346 حاشية (1).
(5)
قوله: (روى) سقط من (م).
(6)
زيد في (ن): ثقات. وينظر: سنن الترمذي 4/ 545. وحديث عائشة رضي الله عنها تقدم تخريجه 10/ 346 حاشية (1).
(وَقِيلَ: الْعَدْلُ: مَنْ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ)، وقد تَقدَّمَ ذلك في بابِ طريقِ الحُكم وصِفَتِه.
(وَيُعْتَبَرُ لَهَا شَيْئَانِ):
(الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ: أَدَاءُ الفَرَائِضِ) بشُروطِها، زَادَ في «المستوعب» وغَيره: بسُنَنِها، وذَكَرَ القاضِي والسَّامَرِّيُّ والمجْدُ: والسُّنَّةِ الرَّاتِبةِ، وأوْمَأَ إلَيهِ؛ لقوله فيمن
(1)
يُواظِبُ على تَرْكِ سُنَنِ الصَّلاة: رَجُلُ سُوءٍ
(2)
، ونَقَلَ أبو طالِبٍ: الوترُ سُنَّةٌ سَنَّها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فمَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنْ سُنَنِه فهُو رَجُلُ سُوءٍ
(3)
، وأثَّمَه القاضِي.
قال في «الفروع» : ومُرادُه أنَّه لا يَسلَمُ مِنْ تَرْكِ فَرْضٍ، وإلَّا فلا يَأثَمُ بسنَّةٍ.
(وَاجْتِنَابُ المَحَارِمِ)؛ لِأنَّ مَنْ أدَّى الفرائضَ، واجْتَنَبَ المحارِمَ؛ عُدَّ صالِحًا عُرْفًا، فكذا شَرْعًا.
(وَهُوَ)؛ أي: اجْتِنابُ المحارِم: (أَنْ لَا يَرْتَكِبَ كَبِيرَةً، وَلَا يُدْمِنَ عَلَى صَغِيرَةٍ)، على المذْهَبِ؛ لِأنَّ اعْتِبارَ اجْتِنابِ كلِّ
(4)
المحارِمِ يُؤدِّي إلى ألَّا تُقبَلَ شَهادةُ أَحَدٍ؛ لِأنَّه لا يَخلُو مِنْ ذَنْبٍ ما
(5)
؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)} [الشّورى: 37]، مَدحَهم لاجتنابهم ما ذُكرَ، وإنْ كان وُجِدَ مِنهم صغيرةٌ، ولقوله عليه السلام: «إنْ تَغفِرِ
(6)
(1)
في (م): بقوله فمن.
(2)
ينظر: الفروع 11/ 329.
(3)
ينظر: العدة في أصول الفقه 2/ 410، المغني 10/ 118.
(4)
زيد في (م): من.
(5)
قوله: (ما) سقط من (م).
(6)
في (ن): يغفر.
اللَّهُمَّ تَغفِرْ جَمًّا، وأيُّ
(1)
عَبْدٍ لَكَ لا ألَمَّا»
(2)
؛ أيْ: لم يُلِمَّ، وقد أمَرَ اللهُ تعالَى أنْ لا تُقبَلَ شهادةُ القاذِف، وهو كبيرة، فيُقاسُ عَلَيهِ كلُّ مرتكبِ كبيرةٍ، ولِأنَّ مَنْ لم
(3)
يَرتَكِب الكبيرةَ وأدْمَنَ على الصَّغيرة؛ لا يُعَدُّ مُجتَنِبًا للمَحارِمِ.
وفي «الكافي» : أنَّ الاِعْتِبارَ في الصَّغائر بالأغْلَب؛ لِأنَّ الحُكمَ له؛ لقوله تعالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعرَاف: 8].
وقِيلَ: ولا
(4)
تَكرَّر
(5)
منه صَغِيرةٌ.
وقِيلَ: ثلاثًا.
وفي الخَبَر الَّذي رواهُ التِّرمذِيُّ: «لا صغيرةَ مع إصرارٍ
(6)
، ولا كبيرةَ مع اسْتِغْفارٍ»
(7)
.
(1)
في (ن): وإني.
(2)
أخرجه الترمذي (3284)، وأبو يعلى في معجمه (190)، والبزار (4960)، والحاكم (180)، والبيهقي في الشعب (6655)، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. صححه الترمذي والحاكم، وأعله البيهقي بالوقف، وأشار البزار إلى تفرد زكريا بن إسحاق به، قال ابن كثير:(وفي صحته نظر)، ونحوه قال ابن حجر. ينظر: تفسير ابن كثير 7/ 461، الأمالي الحلبية ص 45.
(3)
قوله: (لم) سقط من (م).
(4)
في (م): لا.
(5)
في (ن): ولا يكرر.
(6)
في (م): الإصرار.
(7)
لم نجده بهذا اللفظ عند الترمذي، وقد أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة (173)، والشهاب في مسنده (853)، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. وفيه أبو شيبة الخراساني، وهو متكلم فيه، فقال أبو زرعة:(صالح)، وقال أبو حاتم:(منكر الحديث، ليس بالقوي)، وعدَّ الذهبيّ حديثه هذا من منكراته، فقال:(أتى بخبر منكر)، وذكره. وله شاهد: أخرجه أبو داود (1514)، والترمذي (3559)، والبزار (1/ 205)، عن أبي نصيرة، عن مولى لأبي بكر، عن أبي بكر، مرفوعًا بلفظ:«ما أصرّ من استغفر ولو فعله- وفي لفظ: وإن عاد - في اليوم سبعين مرة» ، ومولى أبي بكر مجهول لا يعرف. والحديث ضعفه ابن المديني والترمذي والبزار والألباني، وحسنه ابن حجر وابن كثير، وذكر أنه ضعِّف؛ لأجل جهالة مولى أبي بكر، فقال:(ولكن جهالة مثله لا تضرّ؛ لأنه تابعيٌّ كبير، ويكفيه نسبته إلى أبي بكر الصديق، فهو حديث حسن)، وتعقبه الألباني فقال:(كذا قال! وما أرى له وجْهًا من القبول؛ لأن الرجل مجهول العين، أما لو كان مجهول الحال، وقد روَى عنه جمع من الثقات، ولم يظهر له حديث منكر؛ فنعم، والله أعلم). ينظر: الجرح والتعديل 9/ 287، تفسير ابن كثير 2/ 125، فتح الباري 1/ 112، ضعيف أبي داود - الأم 2/ 97.
والكبيرةُ: نَصَّ أحمدُ
(1)
: أنَّ ما فِيهِ حَدٌّ في الدُّنيا؛ كالشِّرْك بالله تعالَى وقتل
(2)
النَّفْس الحَرامِ، أوْ وعيدٌ في الآخِرة؛ كأكْلِ الرِّبا.
وعنهُ فِيمَنْ أكَلَ الرِّبا: إن
(3)
أكْثَرَ؛ لا يُصَلَّى خَلْفَه
(4)
، قال القاضي وابنُ عَقِيلٍ: فاعْتَبَرَ الكَثْرةَ.
وعُقوقُ الوالدَينِ المسلِمَينِ.
والصَّغيرةُ: كنَظَرِ مُحرَّمٍ، واسْتِماعِ كَلامِ الأجْنَبِيَّاتِ لغَيرِ ضرورةٍ، والنَّبْزِ باللَّقَب، والتَّجسُّسِ.
وفي «الفصول»
(5)
: والغِيبة، و «المستوعب»: الغيبةُ
(6)
والنَّميمةُ من الصَّغائر، وعَكْسُه في «الرِّعاية» وغَيرها.
والكَذِبُ من الصَّغائر.
وعنه: تردُّ
(7)
بكَذْبةٍ، وهو ظاهِرُ «المغْنِي» ، واخْتارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(8)
؛
(1)
ينظر: الفروع 4/ 382.
(2)
في (ن): وقيل.
(3)
قوله: (إن) سقط من (ن).
(4)
ينظر: العدة في أصول الفقه 3/ 925.
(5)
قوله: (وفي «الفصول») سقط من (ن).
(6)
قوله: (و «المستوعب»: الغيبة) سقط من (م).
(7)
في (ن): يرد.
(8)
ينظر: منهاج السنة 2/ 427، الاختيارات ص 517.
كشَهادةِ الزُّور، وكَذِبٍ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورَمْيِ فِتَنٍ ونحوِه.
ويَجِبُ إنْ تخلَّص
(1)
به مُسلِم مِنْ القَتْل، ويُباحُ لإصْلاحٍ، وحربٍ
(2)
، وزَوجةٍ.
وقال ابنُ الجَوزيِّ: وكلِّ مَقصُودٍ محمودٍ لا يُتَوصَّلُ إليه
(3)
إلَّا به، وهو التَّورِيَةُ في ظاهِرِ نَقْلِ حنبلٍ
(4)
.
وفي «مُعتَمَدِ القاضي» : مَعْنَى الكبيرةِ: أنَّ عقابها
(5)
أعْظَمُ، والصَّغِيرةِ أقل
(6)
، ولا يُعلَمانِ إلَّا بتوقيف.
وقال ابنُ حامِدٍ: إنْ تكرَّرَت الصَّغائرُ مِنْ نَوعٍ أوْ أنْواعٍ؛ فظاهِرُ المذْهَبِ: تجتمع وتكون
(7)
كبيرةً، وفي كَلَامِ بعضِ الأصْحابِ ما يُخالِفُه.
قال أحمدُ: لا تَجُوزُ شَهادةُ قاطِعِ الرحم
(8)
، ومَن لا يُؤَدِّي زكاةَ مالِه، وإذا
(9)
أخْرَجَ في طريقِ المسْلِمِينَ الأُسْطُوانة، ولا يكون ابنُه عَدْلاً إذا وَرِثَ أباه حتَّى يَرُدَّ ما أخَذَ مِنْ طَريقِ المسْلِمِينِ
(10)
.
(وَقِيلَ: أَلَّا يَظْهَرَ مِنْهُ
(11)
إِلَّا الْخَيْرُ)؛ لِأنَّ ما تقدَّمَ ذِكْرُه في نَفْسِ الأمرِ
(12)
(1)
في (م): يخلص.
(2)
في (م): حرب.
(3)
قوله: (إليه) سقط من (م).
(4)
ينظر: الفروع 11/ 334.
(5)
في (ن): عقابهم.
(6)
في (ن): أول.
(7)
في (ظ): يجتمع ويكون.
(8)
في (م): رحم.
(9)
في (م): ولا إذا.
(10)
ينظر: زاد المسافر 3/ 524.
(11)
قوله: (منه) سقط من (م).
(12)
زيد في (م): لما.
فيه مَشَقَّةٌ وحَرَجٌ، وذلك
(1)
مُنتَفٍ شَرْعًا.
وفي «الرِّعاية» : هي
(2)
فِعْلُ ما يَجِبُ ويُسْتَحَبُّ، وتَرْكُ ما يَحرُمُ ويُكرَهُ، ومُجانَبَةُ الرِّيَبِ والتُّهَمِ، ومُلازَمَةُ المُروءَةِ.
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ)؛ لِمَا تَقدَّمَ، (سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ أَوِ الاِعْتِقَادِ)، أمَّا مِنْ جِهَةِ الأفْعال: كالزِّنى والقَتْل ونحوهما
(3)
؛ فلا خِلافَ في رَدِّ شَهادتِه
(4)
.
وأمَّا مِنْ جِهَةِ الاِعْتِقادِ، وهو اعْتِقادُ البِدْعة؛ يُوجِبُ
(5)
ردَّ الشَّهادة؛ لِعُمومِ النصوص
(6)
، قال أحمدُ: ما يعجبني
(7)
شهادةُ الجَهْمِيَّة، والرَّافِضة، والقَدَرِيَّة المُغْلِية
(8)
.
وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ، وابنُ حَمْدانَ، وغَيرُهما: أنَّه لا تقبل
(9)
شهادةُ مَنْ فَسَقَ ببدعةٍ أوْ كَفَرَ بها؛ كالقائلِينَ بخَلْقِ القُرآن، وبنفي
(10)
القَدَرِ، والمشبِّهةِ، والمجسِّمة
(11)
، والجَهْمِيَّةِ، واللَّفْظِيَّةِ، والواقِفِيَّة.
وذَكَرَ ابنُ البَنَّاء في تكفيرِ مَنْ سَبَّ الصَّحابةَ والسَّلَفَ مِنْ الرَّافِضة، ومَن
(1)
في (م): ذلك.
(2)
زيد في (م): من.
(3)
في (ظ): ونحوها.
(4)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 139.
(5)
في (ظ): فوجب.
(6)
في (م): النص.
(7)
في (ن): تعميق.
(8)
في (ن): العلية. والمثبت موافق للشرح الكبير 29/ 344. وينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4115، زاد المسافر 3/ 524.
(9)
في (ن): لا يقبل.
(10)
في (م): ونفي، وفي (ن): ويبقى.
(11)
قوله: (والمجسمة) سقط من (م).
سَبَّ عَلِيًّا مِنْ الخَوارِج خِلافًا، والَّذي ذَكَرَه القاضِي: عَدَمُ التَّكْفِير.
وفي «الرِّعاية» : في تكفيرِ مَنْ قال: إنَّ اللهَ لم يَخلُقِ المعاصِيَ، وتكفيرِ الخَوارِجِ، والواقِفِيَّةِ، وتكفيرِ مَنْ حَكَمْنا بكُفْرِه؛ رِوايَتانِ.
ومَن قلَّد في خَلْقِ القرآن، ونَفْيِ الرُّؤية ونحوِها؛ فَسَقَ
(1)
، اخْتارَه الأكْثَرُ، وظاهِرُ كلامِه: أنَّه
(2)
يَكفُرُ؛ كمُجْتَهِدِهِم الدَّاعِيَةِ.
وعَنْهُ فِيهِ: لا، اخْتارَه المؤلِّفُ في رسالته إلى صاحِبِ «التَّلخيص» ؛ لقَولِ
(3)
أحْمَدَ للمُعتَصِمِ: يا أمِيرَ المؤمِنِينَ
(4)
.
(وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَبُولِ شَهَادِةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ مِنْ جِهَةِ الاِعْتِقَادِ، المُتَدَيِّنِ بِهِ، إِذَا لَمْ يَتَدَيَّنْ بِالشَّهَادَةِ لمُوَافِقِهِ
(5)
عَلَى مُخَالِفِهِ)، قاله أبو الخَطَّاب؛ كالخَطَّابِيَّة؛ لِأنَّه أحْسَنُ حالاً مِنْ الكافِرِ، فإذا قُبِلَتْ شَهادَتُه؛ كان قَبولُ قَولِ الفاسِقِ مِنْ جِهَةِ الاِعْتِقادِ المُتَدَيِّنِ به أَوْلَى.
وعَنْهُ: جَوازُ الرِّوايَةِ عن القَدَرِيِّ إذا لم يكن
(6)
داعِيَةً، فكذا الشَّهادةُ.
وجَوابُه: أنَّه أحَدُ نَوعَيِ الفِسْقِ، أشْبَهَ الآخَرَ.
(وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ
(7)
الْفُرُوعِ المُخْتَلَفِ فِيهَا) بَينَ الأئِمَّةِ خِلَافًا شائعًا، ذَكَرَه في «المستوعب» و «الرِّعاية» ، (فَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، أَوْ شَرِبَ مِنَ النَّبِيذِ مَا لَا يُسْكِرُهُ، أَوْ أَخَّرَ الْحَجَّ الْوَاجِبَ مَعَ
(8)
إِمْكَانِهِ، وَنَحْوِهِ)؛ كما لو أخَّرَ الزَّكاةَ
(1)
في (ن): سبق.
(2)
قوله: (أنه) سقط من (ن).
(3)
في (ن): كقول.
(4)
ينظر: سيرة الإمام أحمد لابنه صالح ص 55.
(5)
في (م): لموافقته.
(6)
في (ن): لم تكن.
(7)
زاد في (ظ): جهة.
(8)
في (م): من.
مع إمكانه، (مُتَأَوِّلاً)، أوْ مُقلِّدًا لمُتَأَوِّلٍ
(1)
؛ (فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ)، قدَّمَه السَّامَرِّيُّ وابنُ حَمْدانَ، وجَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز»
(2)
؛ لِأنَّ الاِخْتِلافَ في الفروعِ
(3)
رحمةٌ للعِباد، والتَّأويلُ فيها سائغٌ
(4)
جائزٌ، بدليلِ اخْتِلافِ الصَّحابة ومَنْ بعدَهم
(5)
، ولم يَعِبْ
(6)
بعضهم
(7)
على بعضٍ، ولم يُفَسِّقْه؛ لِأنَّه فَعَلَ ما له فِعْلُه، أشْبَهَ المتَّفَقَ عَلَيهِ.
وعَنْهُ: يَفسُقُ مُتأوِّلٌ لم
(8)
يَسكرْ مِنْ نبيذٍ، اخْتارَه في «الإرشاد»
(9)
و «المبهج» ؛ كحدِّه
(10)
؛ لِأنَّه يَدعُو إلى المجْمَعِ عَلَيهِ، وللسُّنَّة المستفيضة
(11)
.
وعَنْهُ: أُجِيزُ شهادتَه، ولا أصلي
(12)
خَلْفَه
(13)
. ونَقَلَ حنبلٌ
(14)
: المُسْكِرُ خمرٌ، ولَيسَ يَقُومُ مَقامَ الخَمْرة بعَينِها، فإنْ شَرِبَها مُستَحِلًّا؛ قُتِلَ، وإنْ لَمْ يجاهر
(15)
، ولم يُعلِنْ، ولم يَستَحِلَّها؛ حُدَّ، وهو الأشْهَرُ فِيهِ.
وعَنْهُ: إنْ أخَّر الحجَّ مع قُدْرتِه عَلَيهِ؛ فَسَقَ، وحَمَلَها القاضي على اعْتِقادِ
(1)
في (ظ): كمتأولٍ.
(2)
قوله: («المحرر» و «الوجيز») في (م): «الوجيز» .
(3)
قوله: (في الفروع) سقط من (م).
(4)
في (م): شائع.
(5)
في (م): بعضهم.
(6)
قوله: (يعب) سقط من (م) و (ن).
(7)
نقطت في (ظ) و (م): يعضهم.
(8)
في (م): ولم.
(9)
في (م): الانتباذ.
(10)
في (م): لحده.
(11)
في (م): المقتضية.
(12)
قوله: (ولا أصلي) في (م): والأصل.
(13)
ينظر: مسائل صالح 3/ 180.
(14)
ينظر: الفروع 11/ 344.
(15)
في (م): لم يجاوز.
تحريمِ التَّأْخِير، فأمَّا إن اعْتَقَدَ الجَوازَ؛ فَلَا، صحَّحه في «الرِّعاية» ، وكذا حملها
(1)
في «الشَّرح» ، ثُمَّ قال: وقِيلَ: تُرَدُّ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بقَولِ عمرَ:«ما هُمْ مُسْلِمِينَ»
(2)
.
(وَإِنْ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ؛ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ)، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، زاد في «الشَّرح»: إذا
(4)
تكرَّر؛ لِأنَّه فَعَلَ ما يَعتَقِدُ تحريمَه، أشْبَهَ فِعْلَ المحرَّمِ إجْماعًا.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلَّا تُرَدَّ)؛ كالمتَّفَقِ على حلِّه
(5)
، ولِأنَّ لِفِعْلِه مسَاغًا في الجملة.
وفي «الإرشاد» : إلَّا أنْ يُجِيزَ رِبَا الفَضْلِ، أوْ يَرَى الماءَ من الماء؛ لتحريمهما
(6)
الآنَ، وذَكَرَهما الشَّيخُ تقيُّ الدِّين مما
(7)
خَالَفَ النَّصَّ مِنْ جِنسِ ما يُنقَضُ فيه حُكْمُ الحاكِمِ.
وفي «التَّبصرة» فيمن
(8)
تَزَوَّجَ بلا وَلِيٍّ، أوْ أكَلَ مَتْروكَ التَّسمِيَةِ، أوْ تَزوَّجَ
(1)
قوله: (حملها) سقط من (م).
(2)
ذكره بهذا اللفظ ابن قدامة في المغني (10/ 164) فقال: وقال عمر: «لقد هممت أن أنظر في الناس، فمن وجدته يقدر على الحج ولا يحج، ضربت عليه الجزية» ، ثم قال:«ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين» ، ولم نقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه ابن أبي شيبة (14455)، من طريق عدي بن عدي، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من مات وهو موسر لم يحجّ، فليمت على أيٍّ حال شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا» ، وسنده صحيح. وأخرجه أبو بكر الإسماعيلي كما ذكره ابن كثير في مسند الفاروق (294)، من طريق أخرى بنحوه. قال ابن كثير:(إسناد صحيح عنه، وقد روي من وجوه أخر مرفوعًا).
(3)
ينظر: مسائل صالح 3/ 180.
(4)
في (م): إن.
(5)
في (ن): حمله.
(6)
في (م) و (ن): كتحريمها. والمثبت موافق للفروع 11/ 343.
(7)
في (ن): ما.
(8)
في (م): من.
بنتَه مِنْ الزِّنى، أوْ أُمَّ
(1)
مَنْ زَنَى بها: احْتَمَلَ أنْ تُرَدَّ.
تنبيهٌ
(2)
: مَنْ أَخَذَ بالرُّخَص فَسقَ، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، وذَكَرَه ابنُ عبدِ البَرِّ إجْماعًا
(4)
، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: كَرِهَه العُلَماء
(5)
، وذَكَرَ القاضِي: غَيرَ مُتأَوِّلٍ ولا مُقلِّد.
ويَتَوَجَّهُ تخريجٌ مِمَّنْ تَرَكَ شرطًا أوْ رُكْنًا
(6)
مُختَلَفًا فيه: لا يُعِيدُ في رِوَايَةٍ.
ويَتَوَجَّهُ تقييده
(7)
: بما لم يُنقَضْ فِيهِ حُكْمُ حاكِمٍ.
وقِيلَ: لا يُفسَّقُ إلَّا العالِمُ، مع ضعْفِ الدَّليل.
والتَّمذهُبُ
(8)
بمَذهَبٍ مُعَيَّنٍ، وامتناع
(9)
انتقاله عنه إلى غَيرِه في مسألةٍ؛ ففيها
(10)
وَجْهانِ، وعَدَمُه أشْهَرُ.
ومَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إِمَامٍ بعَينِه؛ اسْتُتِيبَ، فإنْ تابَ وإلاَّ قُتِلَ، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(11)
.
قال: واخْتُلِفَ في دُخولِ الفُقَهاء في أهْلِ الأهْواء، فأدْخَلَهم القاضِي، وأخْرَجَهم ابنُ عَقِيلٍ
(12)
.
(1)
في (م): أمر.
(2)
في (م): شهادة.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 344.
(4)
ينظر: جامع بيان العلم 2/ 927.
(5)
ينظر: الفروع 11/ 345.
(6)
في (ظ): ركنًا أو شرطًا.
(7)
في (م): تقيده.
(8)
في (م): المتمذهب. وهي غير واضحة في (ظ).
(9)
في (م): وأشاع.
(10)
في (م): فقيهًا.
(11)
ينظر: الاختيارات ص 482، الفروع 11/ 346.
(12)
ينظر: الفروع 11/ 343.
(الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ المُرُوءَةِ)، وهِيَ بالهمز
(1)
، بوزن سُهولَةٍ: الإنسانية، قال الجَوهَرِيُّ: ولك أنْ تُشَدِّدَ
(2)
، (وَهُوَ: فِعْلُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُه وَيَشِينُهُ) عادةً؛ لِأنَّ مَنْ فقدها؛ فقد اتَّصَفَ بالدَّناءة والسَّقاطة، وكَلامُه لا تَحصُلُ الثِّقَةُ به.
(فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ المُصَافِعِ)، قال الجوهري
(3)
: (الصَّفْعُ كلمةٌ مُوَلَّدَةٌ)
(4)
، فالمصافِع
(5)
إذِنْ: مَنْ يَصفَعُ غَيرَه، ويُمَكِّنُ غَيرَه مِنْ قَفاهُ فيَصْفَعُه، (وَالمُتَمَسْخِرِ
(6)
، وَالمُغَنِّي، وَالرَّقَّاصِ)؛ أيْ: كثيرِ الرَّقْص؛ لِأنَّ ذلك سُخْفٌ ودَناءةٌ، فمَنْ رَضِيَه لِنَفْسِه واسْتَحْسَنَه؛ فلَيسَتْ له مُروءةٌ، ولا تَحصُلُ الثِّقةُ بقَولِه.
وحاصِلُه: أنَّ كَلامَ المؤلِّفِ مُشْعِرٌ بأنَّ شهادةَ مَنْ ذُكِرَ لا تُقبَلُ؛ لِعَدَمِ المُروءة.
قال ابنُ المنَجَّى: وفيه نَظَرٌ، وهو أنَّ المتَّصِفَ بخَصْلةٍ مِمَّا ذُكِرَ يَنبَغِي أنْ يُنظَرَ فِيما اتَّصَفَ به، فإنْ كان مُحرَّمًا؛ كان المانِعُ مِنْ قَبولِ شَهادَتِه كونَه
(7)
فاعِلاً للمُحرَّمِ. لا يُقالُ: فِعْلُ المُحرَّمِ مَرَّةً لا يَمنَعُ مِنْ قَبولِ شهادته؛ لِأنَّ الكلامَ مَفْروضٌ فِيمَنْ هو مُتَّصِفٌ بذلك، مُستَمِرٌّ عَلَيهِ مَشْهورٌ به، وذلك يَقتَضِي المداوَمَةَ عَلَيهِ،
(1)
في (م): بالهمزة.
(2)
ينظر: الصحاح 1/ 72.
(3)
زيد في (م): من.
(4)
ينظر: الصحاح 3/ 1243.
(5)
في (م): والمصافع.
(6)
في (ن): والمتمشخر.
(7)
في (ظ): لكونه.
والمُداوَمَةُ على الصَّغيرة كالكبيرة في رَدِّ الشَّهادة.
وإنْ كان ما اتَّصَفَ به غَيرَ مُحرَّمٍ؛ كان المانِعُ مِنْ قَبولِ شَهادتِه؛ كَونَه فَعَلَ دَناءَةً وسَفَهًا، وذلك مِنْ فَقْدِ المُروءةِ.
فقَولُه: «لا تُقبَلُ شَهادَةُ المصافِع
(1)
…
» إلى آخِرِه، فَفِعْلُ كلِّ واحِدٍ منها دناءةٌ وسَفَهٌ مِنْ غَيرِ تحريمٍ؛ لِأنَّها من
(2)
الشَّرع، ولم تَرِد
(3)
.
ويَلتَحِقُ بما ذَكَرَه المؤلِّفُ: حِكايَةُ ما يُضحِكُ به النَّاسَ، ونارِنْجِيَّاتٌ
(4)
، وتعزيمُه
(5)
، وبَولُه في شارعٍ، وكَشْفُ رأسِه أوْ بطنِه أوْ صَدْرِه أوْ ظَهْرِه في مَوضِعٍ لم تَجْرِ العادةُ بكَشْفِه فِيهِ، وتحريشُ البهائم والجَوارِحِ للصَّيد، ودَوامُ اللَّعِبِ والمعالَجة بشَيْل
(6)
الأحْجارِ والخَشَب الثِّقال، وما عَدَّه النَّاسُ سَفَهًا؛ كمُتَزَيٍّ بِزِيٍّ يُسخَرُ منه.
تنبيهٌ: يُكرَهُ غِناءٌ، قاله الخَلاَّلُ وصاحِبُه، واختاره القاضِي؛ لحديثِ عائشةَ: «وعِندِي جارِيَتانِ تغنِّيانِ
…
» الخَبَرَ
(7)
، وقال عمرُ: «الغناء
(8)
زاد الرَّاكِبُ»
(9)
.
(1)
في (م): الصانع.
(2)
في (ن): في.
(3)
في (ظ): لم يرد.
(4)
النَّارِنْجِيَّات: تشبيه وتلبيس؛ كالسحر، وليس بسحر. ينظر: تاج العروس 6/ 236.
(5)
في (ن): وتعزمه.
(6)
في (م): بسبيل.
(7)
أخرجه البخاري (949)، ومسلم (892).
(8)
في (ن): المغنى.
(9)
أخرجه البيهقي في الكبرى (9182)، وفيه أسامة بن زيد بن أسلم وهو ضعيف من قبل حفظه، وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (22/ 197)، عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال عمر رضي الله عنه. ورواية عروة بن الزبير عن عمر مرسلة. قاله أبو حاتم وأبو زرعة. ينظر: جامع التحصيل (ص 236).
وقال جماعةٌ مِنهم صاحِبُ «المغْنِي» : هو حَرامٌ، قال في «التَّرغيب»: اختاره
(1)
الأكثرُ؛ لقوله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحَجّ: 30]، قال
(2)
ابن الحَنَفِيَّة: (هو الغِناءُ)، وقال
(3)
ابنُ مَسْعودٍ وابنُ عبَّاسٍ في قوله تعالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمَان: 6]: «هو الغِناءُ»
(4)
، وعن أَبِي أُمامَةَ مرفوعًا:«أنَّه نَهَى عن شِراءِ المغنِّيات، وبَيعِهِنَّ، والتِّجارةِ فِيهِنَّ، وأكْلِ أثْمانِهِنَّ» رواهُ التِّرمذِيُّ
(5)
.
(1)
في (ن): واختاره.
(2)
في (ظ): وقال.
(3)
في (ن): قال.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 382.
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (21130)، والحاكم (3542)، والبيهقي في الكبرى (21003)، وإسناده حسن على أقلّ أحواله، وقد صححه الحاكم والذهبي وابن الملقن وابن حجر والألباني. ينظر: البدر المنير 9/ 672، التلخيص الحبير 4/ 367، تحريم آلات الطرب (ص/ 143)، الصحيحة 6/ 1017.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي في الكبرى (21004)، من طريق جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعطاء بن السائب الكوفي: صدوق اختلط، وجرير بن عبد الحميد سمع منه بعد الاختلاط. وللأثر طرق أخرى أخرجها ابن جرير الطبري في تفسيره (18/ 535)، ومدارها على ابن السائب، وعلى ابن أبي ليلى، وهو ضعيف سيِّئ الحفظ.
(5)
أخرجه الترمذي في جامعه (1282)، وفي العلل الكبير (335)، من طريق عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا. وعبيد الله بن زحر الإفريقي، مختلف فيه، والأكثر على تضعيفه، وله عن عليٍّ الألهاني نسخة باطلة كما قاله الدارقطني. قال ابن حبان:(إذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن؛ لا يكون متن ذلك الخبر إلَّا مما عمِلت أيديهم، فلا يحلّ الاحتجاج بهذه الصحيفة)، والحديث ضعفه أحمد والبخاري والترمذي والألباني، وتراجع عن تقويته، وأخرجه ابن ماجه (2168)، وفي سنده سقط، وفي الباب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أخرجه أبو يعلى (527)، وفيه الحارث بن نبهان، وهو متروك. ينظر: المجروحين 2/ 62، المنتخب من علل الخلال (43)، ميزان الاعتدال 3/ 7، الصحيحة (2922).
فَعَلَى هذا: تُرَدُّ شَهادتُه؛ لفعله
(1)
المحرَّمِ.
وعلى الأوَّلِ: فِعْلُه دناءة
(2)
وسَفَهٌ.
وقال أحمدُ: (يَبِيعُ الوصيُّ جارِيَةَ الطِّفْل على أنَّها غَيرُ مُغنِّيَةٍ)
(3)
، قال أحمد
(4)
أيضًا: (الغناء
(5)
ينبت
(6)
النِّفاقَ في القَلْبِ، لا يعجبني
(7)
.
وذَكَرَ في «الشِّفا» : الإجماعَ على كُفْرِ مَنْ اسْتَحَلَّه
(8)
.
وفي «المستوعب» و «التَّرغيب» وغَيرِهما: يَحرُمُ مع آلة
(9)
بلا خلافٍ بَينَنا.
وكذا قالوا هم وابنُ عَقِيلٍ: إنَّ اسْتِماعَه مِنْ النِّساء الأجانِبِ يَحرُمُ قَولاً واحِدًا.
وإنْ داوَمَه، أو اتخذه
(10)
صِناعةً يُقْصَدُ له
(11)
، أو اتَّخَذَ غُلامًا أوْ جارِيَةً يَجمَعُ عَلَيهِما؛ رُدَّتْ شهادتُه
(12)
مُطلَقًا.
(1)
في (م) و (ن): بفعله.
(2)
في (ن): زيادة.
(3)
ينظر: المغني 10/ 155.
(4)
قوله: (أحمد) سقط من (م).
(5)
في (ن): نصًا المغنى.
(6)
في (ن): يثبت.
(7)
في (ن): لا يغمس. وينظر: مسائل عبد الله ص 316.
(8)
أي: القاضي عياض في كتاب الشفا، كما في الفروع 11/ 349، ولم نقف عليه في كتب القاضي.
(9)
في (ن): الآلة.
(10)
في (م): واتخذه.
(11)
قوله: (له) سقط من (ظ) و (ن).
(12)
قوله: (شهادته) سقط من (م).
مَسائِلُ:
الأُولَى: يَحرُمُ مِزْمارٌ وطُنْبُورٌ ونَحوُهما، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، فَمَنْ أدام
(2)
اسْتِعْمالَها؛ رُدَّتْ شَهادَتُه، وكذا عُودٌ وجَنْكٌ
(3)
؛ لِأنَّها تُطرِبُ وتَفعَلُ في طِباعِ غالِبِ النَّاس ما يَفعَلُه المسْكِراتُ، وقال صلى الله عليه وسلم:«لَيَكُونَنَّ مِنْ أمَّتِي أُناسٌ يَستَحِلُّونَ الخمرَ والمعازف» ، مُختَصَرٌ من
(4)
«البخاريِّ»
(5)
، والمعازف: المَلَاهِي، قالَهُ الجَوهَرِيُّ
(6)
وغَيرُه.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 344، مسائل عبد الله ص 316.
(2)
في (م): أراد.
(3)
قال في تاج العروس 27/ 100: آلة يضرب بها كالعود، معرب.
(4)
في (ن): في.
(5)
أخرجه البخاري (5590)، معلّقًا مجزومًا به عن شيخه هشام بن عمار، ووصله الإسماعيلي في مستخرجه، - ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى (6100)، قال: أخبرني الحسن يعني ابن سفيان -، والطبراني في الكبير (3417)، حدثنا موسى بن سهل الجوني البصري، وابن حبان (6754)، أخبرنا الحسين بن عبد الله القطان، ثلاثتهم عن هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري مرفوعًا. وسنده صحيح. وصححه الإسماعيلي، وابن حبان، وابن عبد الهادي، وابن القيم، والألباني، وابن حجر وقال - بعد أن توسع في تخريجه -:(وهذا حديث صحيح لا علّة له ولا مطعن له، وقد أعلّه أبو محمد ابن حزم بالانقطاع بين البخاري وصدقة بن خالد، وبالاختلاف في اسم أبي مالك، وهذا كما تراه قد سقته من رواية تسعة عن هشام متصلاً فيهم، مثل الحسن بن سفيان، وعبدان، وجعفر الفريابي، وهؤلاء حفاظ أثبات، وأما الاختلاف في كنية الصحابي؛ فالصحابة كلهم عدول، لا سيما وقد روينا من طريق ابن حبان المتقدمة من صحيحه فقال فيه: إنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين يقولان فذكره عنهما معًا). ينظر: المحرر (477)، إغاثة اللهفان 1/ 259، نصب الراية 4/ 231، تغليق التعليق 5/ 22، فتح الباري 10/ 52، تحريم آلات الطرب (ص 38)، الصحيحة (91).
(6)
ينظر: الصحاح 4/ 1403.
وقال بعضُ العُلَماء: المزْمارُ مُباحٌ؛ لحديثِ نافِعٍ عن ابنِ عمرَ
(1)
.
وجَوابُه: الفَرْقُ بَينَ السَّماعُ والاِسْتِماع، بدليلِ سَجْدةِ التِّلاوة، والمحرَّمُ إنَّما هو الاِسْتِماعُ، مع أنَّ أبا داودَ قال: الحديثُ مُنكَرٌ.
وحاصِلُه: أنَّه يَحرُمُ استماع
(2)
صَوتِ كلِّ مَلْهاةٍ، مع غِناءٍ وغَيرِه، في سُرورٍ وغَيرِه.
وكره
(3)
أحمدُ الطبل
(4)
، قاله
(5)
في «الرِّعاية» ؛ لغَيرِ حَرْبٍ.
الثَّانيةُ: الضَّرْب بالقضيب
(6)
مكروهٌ إذا انْضَمَّ إلَيهِ تصفيقٌ ورقصٌ، وإنْ خَلَا عن ذلك لم يُكرَهْ؛ لِأنَّه لَيسَ بآلةِ لهوٍ، ولا يُطرِب
(7)
، ولا يُسمَعُ مُنفَرِدًا، ذَكَرَه في «الشَّرح» و «الرِّعاية» .
والتَّغْبِيرُ
(8)
يتبع الغِناء الَّذي معه؛ إنْ حَرُم حَرُمَ، وإنْ كُرِهَ كُرِهَ.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 382.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (4535)، وأبو داود (4924)، والبيهقي في الكبرى (10/ 375)، من طريق الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن نافع، قال: سمع ابن عمر مزمارًا، قال: فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئًا؟ قال: فقلت: لا، قال: فرفع إصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا. وسنده قابل للتحسين، فيه سليمان بن موسى الأشدق وهو متكلم فيه، وله مناكير، لعلَّ هذا منها، فقد قال أبو داود:(حديث منكر). قال في عون المعبود 13/ 182: (هكذا قاله أبو داود، ولا يعلم وجه النكارة فإن هذا الحديث رواته كلهم ثقات).
(2)
في (م): سماع.
(3)
في (ن): ذكره.
(4)
في (م): الجبل. وينظر: الفروع 8/ 377.
(5)
في (م): قال.
(6)
في (م) و (ن): بالقصب. والمثبت موافق للمغني 10/ 155، والشرح 29/ 368.
(7)
في (ن): ولا تطرب.
(8)
في (ظ): التغيير.
وقِيلَ: يَحرُمُ مُطلَقًا.
قال أحمد: أكرَهُ التغبير
(1)
؛ لِأنَّه يُلِذُّ ويُطرِبُ، وقال: لا يَسمعُ
(2)
التغبير
(3)
، فقِيلَ: هو بدعة
(4)
، فقال: حَسْبُكَ
(5)
.
وفي «الكافي» : مَنْ أدْمَنَ على شَيءٍ مِنْ ذلك؛ رُدَّت شَهادتُه؛ لِأنَّه إمَّا مَعصِيَةٌ وإمَّا دناءةٌ.
الثَّالِثَةُ: يُباحُ الدُّفُّ؛ لأِنَّه لو كان مُحرَّمًا؛ لمَا أباحَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في العُرس
(6)
، ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ، ولم يُفرِّقْ.
وذَكَرَ أصحابُنا وغَيرُهم: أنَّه مكروهٌ في غَيرِ النِّكاح، رُوِيَ عن عمرَ
(7)
، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
قِيلَ: والخِتانِ، وقِيلَ: وسُرورٍ حادِثٍ غَيرِهما.
لكِنْ إنْ ضَرَبَ به الرِّجالُ تشبيهًا بالنِّساء؛ كُرِهَ ذلك، ذكره
(8)
في «الكافي» و «الشَّرح» و «الرِّعاية» .
(1)
في (ظ): التغيير. ينظر: الأمر بالمعروف للخلال ص 71.
والتغبير: تهليل أو ترديد صوت يردد بقراءة وغيرها. ينظر: تاج العروس 13/ 195.
(2)
في (م): لا تسمع.
(3)
في (ظ): التغيير.
(4)
زيد في (ن): فقال: هو بدعة.
(5)
ينظر: الأمر بالمعروف للخلال ص 71.
(6)
أخرجه البخاري (5147)، قالت الرّبيع بنت معوِّذ ابن عفراء رضي الله عنها: جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بُنَي عليّ، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلتْ جُويريات لنا يضرِبنَ بالدفِّ. الحديث
(7)
أخرج سعيد بن منصور (632)، وابن أبي شيبة (16402)، عن ابن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال:«نبئت أن عمر كان إذا استمع صوتا أنكره، وسأل عنه، فإن قيل عرس أو ختان أقره» ، وفيه إبهام ظاهر، وأخرجه مسدد كما في المطالب العالية (1678)، حدثنا حماد، عن أيوب، عن ابن عمر قال:«إن عمر رضي الله عنه كان إذا سمع صوتًا فزع» ، وذكره. وأيوب لم يلق ابن عمر رضي الله عنهما.
(8)
قوله: (ذكره) سقط من (م).
الرَّابِعةُ: الحُداءُ - بضمِّ الحاء، وقِيلَ: بكَسْرها -؛ لا بأسَ به.
ولذلك
(1)
ينشد للأعراب
(2)
، وسائر أنواع الإنشاد
(3)
ما لم يُخرِجْه إلى حدِّ الغِناء، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغَيره.
وقِيلَ: هو كالغِناء.
الخامِسةُ: قال الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: الشِّعرُ كالكلام، حَسَنُه كحَسَنه، وقبيحُه كقَبِيحِه
(4)
.
قال أحمدُ في روايةِ ابنِ منصورٍ: ما يكره
(5)
منه؟ قال: الهجاء والرَّقِيقُ الَّذي يُشبِّبُ بالنِّساء، وأمَّا الكلامُ الجاهِلِيُّ؛ فما أنْفَعَه، وسَأَلَه عن الخبر:«لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوفُ أحدِكم قَيحًا خَيرٌ مِنْ أنْ يَمتَلِئَ شِعْرًا»
(6)
، فتلكَّأ
(7)
، فذَكَرَ له قَولَ النَّضْر: (لم تمتلئ
(8)
أجْوافنا؛ لِأنَّ فيها القُرآنَ وغَيرَه، وهذا
(9)
كان في الجاهِلِيَّة، فأمَّا اليَومَ فلا)، فقال: ما أحْسَنَ ما قال
(10)
.
واخْتارَ جماعةٌ قَولَ أبِي عُبَيدٍ: أنْ يَغلِبَ عَلَيهِ، قال في «الفروع»: وهو أظْهَرُ.
(1)
في (م): وكذلك.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 29/ 372: وكذلك نشيد الأعراب.
(3)
في (ن): الإنشاء.
(4)
ينظر: نهاية المطلب 19/ 24.
(5)
في (م): ما تكره.
(6)
أخرجه البخاري (6154)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرجه البخاري (6155)، ومسلم (2257)، نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم (2258)، من حديث سعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم.
(7)
في (م): فتلكن، وفي (ن): قيل لي.
(8)
في (ظ) و (م): لم يمتلئ.
(9)
في (ظ) و (ن): وهكذا.
(10)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4657.
وإنْ أفرط
(1)
شاعِرٌ بالمدحة
(2)
بإعطائه، وعكسه بعكسه، أوْ شبَّبَ بمدح
(3)
خمرٍ أوْ بأمْرَدَ
(4)
؛ فَسَقَ، لا إنْ شبَّبَ بامرأته أوْ أَمَتِه، ذَكَرَه القاضِي.
السَّادِسةُ: تُكرَهُ قِراءةُ الألْحانِ، قاله أحمدُ، وقال: بدعةٌ لا يُسمَعُ، كلُّ شَيءٍ مُحدَثٍ لا يُعجِبُنِي، إلَّا أنْ يكونَ طَبْعَ الرَّجل كأبي مُوسَى
(5)
، ونَقَلَ جَمْعٌ: أوْ يُحْسِنُه بلا تكلُّفٍ
(6)
.
وقال جماعةٌ: إنْ غَيَّرَت النَّظْمَ؛ حرمت
(7)
، وإلَّا فَوجْهانِ في الكراهة.
وفي «الوسيلة» : يَحرُمُ، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
.
وعَنْهُ: يُكرَهُ.
وقِيلَ: لا
(9)
، ولم يُفرِّقْ.
(وَاللاَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ) وهو مُحرَّمٌ في قَولِ عليٍّ، قال:«وهو مَيسِرُ العَجَم»
(10)
، وأبي مُوسَى
(11)
،
(1)
في (م) و (ن): فرط.
(2)
في (م) بالمدح.
(3)
في (ن): سبب يمدح.
(4)
كتب في هامش (ظ): (أو بامرأة مُعيَّنة مُحرَّمة)، وهي في الفروع 11/ 350.
(5)
ينظر: الأمر بالمعروف للخلال ص 72.
(6)
ينظر: الأمر بالمعروف للخلال ص 73.
(7)
في (م): حرمته.
(8)
ينظر: الفروع 11/ 349.
(9)
قوله: (وقيل: لا) سقط من (ن).
(10)
أخرجه ابن أبي شيبة (26150)، والبيهقي في الكبرى (20928)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليٍّ رضي الله عنه به، وهو مرسل كما قاله البيهقي؛ فإن محمدًا الباقر لم يدرك عليًّا، لكن له شواهد. ينظر: البدر المنير 9/ 671.
(11)
أخرجه البيهقي في الكبرى (20935)، من طريق ابن شهاب: أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «لا يلعب بالشّطرنج إلاّ خاطئ» ، وفي سنده انقطاع؛ فإن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه توفي سنة خمسين، وقيل واحد أو ثلاث خمسين، ومولد الزهري فيما قاله دحيم وأحمد بن صالح: في سنة خمسين، وفيما قاله خليفة بن خياط: في سنة ثلاث وخمسين. وقيل: ست وخمسين. ينظر: الإصابة 4/ 182، سير أعلام النبلاء 5/ 326، 2/ 451.
وأبي سَعِيدٍ
(1)
، وابنِ عمرَ، وقال
(2)
(3)
، قال مالِكٌ:(بَلَغَنا أنَّ ابنَ عبَّاسٍ وَلِيَ مالَ يتيمٍ وهو فِيهَا، فأحْرَقَها)
(4)
، ومرَّ عليٌّ على
(5)
قومٍ
(6)
يَلعَبونَ به فقال: «ما هذه التَّماثِيلُ الَّتي أنتم لها عاكِفونَ!» رواه البَيهَقِيُّ
(7)
، وقال: هو الأشْبَهُ بمَذهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وقال مالكٌ: قال اللهُ تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يُونس: 32]، وهذا لَيسَ من الحقِّ فيكُونُ مِنْ الضَّلال
(8)
.
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (20936)، من طريق عبيد الله بن أبي جعفر قال:«كانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تكره الكَبل وإن لم يقامر عليها، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه يكرَه أن يلعب بالشطرنج» ، وفي سنده انقطاع؛ عبيد الله بن أبي جعفر المصري، أبو بكر الفقيه: ثقة من صغار التابعين.
(2)
في (ن): قال.
(3)
أخرجه الآجري في تحريم النرد والشطرنج والملاهي (27)، والبيهقي في الكبرى (20934)، عن شجاع بن الوليد، أخبرنا عبيد الله بن عمر قال: سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج؟ فقال: «هي شرٌّ من النرد» ، وسنده صحيح، وأخرج البيهقي في الكبرى (20957)، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول:«النرد هي الميسر» ، وسنده حسن.
(4)
أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (96)، والبيهقي في الكبرى (20933)، من طريق معن بن عيسى عن مالك بلاغًا.
(5)
قوله: (على) سقط من (ن).
(6)
زيد في (م) وهم.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (26158)، والبيهقي في الكبرى (20929)، عن ميسرة بن حبيب، قال: مرَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قوم. فذكره. وسنده منقطع؛ فإن ميسرة بن حبيب النهدي، صدوق، قال أحمد:(لم يدرك ميسرة عليًّا). ينظر: جامع التحصيل (ص 289).
(8)
ينظر: الموطأ 2/ 958، البيان والتحصيل 18/ 274.
ولا نُسلِّمُ على لاعِبٍ به، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
.
فأمَّا إنْ كان بِعِوَضٍ، أوْ تَرْكِ واجِبٍ، أوْ فِعْلِ مُحرَّمٍ؛ فهو مُحرَّمٌ إجماعًا
(2)
.
(وَالنَّرْدِ)، هو مُحرَّمٌ وإنْ خَلَا عن قِمارٍ؛ لمَا رَوَى بُرَيدةَ مَرفوعًا، قال
(3)
: «مَنْ لَعِبَ بالنَّردشير
(4)
فكأنَّما صبغ
(5)
يَدَه في لحمِ خنزيرٍ ودَمِه» رواهُ مسلِمٌ
(6)
، والنَّردُ: اسمٌ أعْجَمِيٌّ مُعرَّبٌ، وشير
(7)
: بمَعْنَى حُلْوٍ، ورَوَى أبو موسى مرفوعًا
(8)
: «مَنْ لَعِبَ بالنَّرد فقد عصى اللهَ ورسولَه» رواهُ مالِكٌ وأحمدُ وغَيرُهما
(9)
، قال أحمدُ:(النَّرْدُ أشدُّ مِنْ الشِّطرنج)
(10)
، قال الأصحابُ: إنَّما شُدِّدَ فِيهِ؛ لِأنَّه لا يَسُوغُ فيه الاِجْتِهادُ.
فائدةٌ: ذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ: أنَّ حكمَ اللَّعِب بالأربعةَ عَشَرَ، والصَّدر، وهو
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4704، الأمر بالمعروف للخلال ص 61.
(2)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 304.
(3)
قوله: (قال) سقط من (م).
(4)
في (ن): بالنرذسير.
(5)
في (م): أصبغ.
(6)
أخرجه مسلم (2260).
(7)
في (ن): وسير.
(8)
زيد في (م): قال.
(9)
أخرجه مالك (2/ 958)، وأحمد (19551)، وأبو داود (4938)، وابن ماجه (3762)، والبزار (3075)، وابن حبان (5872)، والحاكم (160)، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه به مرفوعًا. والحديث في سنده اختلاف وانقطاع؛ فإن سعيد بن أبي هند الفزاري لم يلق أبا موسى الأشعري كما قاله أبو حاتم الرازي، ومع هذا فالحديث صححه ابن حبان والحاكم والذهبي وابن الملقن، وأعله ابن القطان وابن التركماني وغيرهما. ينظر: المراسيل لابن أبي حاتم (264)، بيان الوهم 2/ 445، الجوهر النقي 10/ 214، البدر المنير 9/ 631.
(10)
ينظر: الأمر بالمعروف للخلال ص 73.
حُفَرٌ تجعل
(1)
في الأرض، والكِعاب
(2)
؛ حكمُ النَّرد، وعن
(3)
أبي موسى مرفوعًا: «مَنْ لَعِبَ بالكِعاب؛ فقد عصى اللهَ ورسولَه» رواه أحمدُ
(4)
، ولِأنَّه من المَيْسِرِ.
(وَالْحَمَامِ)؛ أي: اللاَّعِبِ بها، فإنْ قَصَدَ المُراهَنةَ وأخْذَ حَمامِ غَيرِه؛ حَرُمَ، وإنْ كان عَبَثًا ولَهْوًا؛ فهو دَناءةٌ وسَفَهٌ.
قال أحمدُ: مَنْ لَعِبَ بالحَمَام الطَّيَّارة يراهن
(5)
عَلَيها أوْ يُسرِّحُها من المواضِعِ لَعِبًا؛ لم يكُنْ عَدْلاً
(6)
؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً سرَّحَ حمامًا، ثمَّ أتْبَعَه بَصَرَه، فقال:«شَيطانٌ يَتبَعُ شَيطانًا»
(7)
.
فأمَّا إنْ قَصَدَ بتعليمها
(8)
حَمْلَ الكُتُب بما تَدْعُو الحاجةُ إلَيهِ، أو
(1)
في (م): جمع يجعل.
(2)
الكعاب: فصوص النرد. ينظر: شرح أبي داود لابن رسلان 16/ 601.
(3)
في (م): عن.
(4)
أخرجه أحمد (19501)، وفي سنده انقطاع، وراوٍ لم يسمّ، وهو جزء من الحديث السابق.
(5)
في (م): ليراهن.
(6)
ينظر: الآداب الشرعية 3/ 344.
(7)
أخرجه أحمد (8543)، وأبو داود (4940)، وابن ماجه (3765)، والبزار (7994)، وابن حبان (5874)، من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وإسناده حسن؛ فإن محمَّد بن عمرو بن علقمة، صدوق حسن الحديث، والحديث صححه ابن حبان، وأعلّه بالإرسال البزار، فقال:(وهذا الحديث لا نعلم أحدًا أسنده عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة إلا حماد بن سلمة ومحمد بن عبد الله، وخالفهما شريك فرواه عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن عائشة، وغير من سمّينا يذكره عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة مرسلاً)، وشريك القاضي سيئ الحفظ، قال البيهقي:(وحديث حماد أصحّ)، وهو كذلك. ينظر: العلل للدارقطني 14/ 307، مصباح الزجاجة 4/ 124، إتحاف الخيرة المهرة 6/ 150.
(8)
في (م): تبليغها.
استفراخَها
(1)
، أوْ للأُنْس بأصْواتِها؛ جازَ.
(وَالَّذِي يَتَغَدَّى فِي السُّوقِ) والنَّاسُ يَرَونَه، وألْحَقَ به في «الغُنْية»: أكْلَه على الطَّريق، فأمَّا
(2)
إنْ أكَلَ كِسْرةً ونَحوَها؛ لم يَضُرَّ.
(وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ)، وكذا نَومُه بَينَ جالِسِينَ، وخُروجُه عن مُسْتَوَى الجُلوس بلا عُذر.
وكذا طُفيليٌّ
(3)
، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(4)
.
(وَيُحَدِّثُ
(5)
بِمُبَاضَعَتِهِ
(6)
أَهْلَهُ وَأَمَتَهُ)، ومُخاطَبَتُهما بخِطابٍ فاحِشٍ بَينَ النَّاس.
(وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ)؛ أي: يَكشِفُ عَورتَه في حمَّامٍ وغَيرِه؛ لِأنَّ فِعْلَ ذلك حرامٌ؛ لِأنَّ فيه كَشْفًا لعَورَتِه المأمورِ بسَتْرِها.
(وَنَحْوِ ذَلِكِ)؛ كمَنْ بَنَى حمَّامًا للنِّساء، نَقَلَه ابنُ الحكم
(7)
.
(فَأَمَّا
(8)
الشَّيْنُ فِي الصِّنَاعَةِ؛ كَالْحَجَّامِ، وَالْحَائِكِ، وَالنَّخَّالِ): الَّذي يُغرْبِلُ في الطَّريق على فُلوسٍ وغَيرِها، (وَالنَّفَّاطِ): الَّذي يَلعَبُ بالنِّفط، مِثْلَ لَبَّانٍ وتَمَّارٍ، (وَالْقَمَّامِ): الكَنَّاس، يُقالُ: قَمَّ البَيتَ: إذا كَنَسَه، (وَالزَّبَّالِ): وهو الَّذي صِناعَتُه الزِّبْلُ، كَنْسًا وجَمْعًا ونَقْلاً، (وَالمُشَعْوِذِ)، قال ابنُ فارِسٍ: لَيستْ في كلامِ أهلِ البادية، وهو خِفَّةٌ في اليدين كالسِّحر
(9)
، (وَالدَّبَّاغِ،
(1)
في (م): واستفراخها.
(2)
في (م): وأما.
(3)
في (ن): كفيلي.
(4)
ينظر: المغني 10/ 163.
(5)
في (ظ): ومحدث.
(6)
في (ظ) و (م): بمباضعة.
(7)
في (م): الحاكم. وينظر: زاد المسافر 3/ 524.
(8)
في (ن): وأما.
(9)
ينظر: مجمل اللغة 1/ 505.
وَالْحَارِسِ)، والحَدَّادِ، والصَّباغ، (وَالْقَرَّادِ): الَّذي يَلعَبُ بالقِرد
(1)
، ويَطُوفُ به الأسْواقَ وغَيرَها مكتسِبًا
(2)
به، (وَالْكَبَّاشِ): الَّذي يَلعَبُ بالكِباش ويُناطِحُ بها، وهو مِنْ أفْعالِ السُّفَهاء والسَّفِلةِ، (فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إِذَا حَسُنَتْ طَرَائِقُهُمْ
(3)
؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أصحُّهما: تُقبَلُ، زاد في «المحرَّر» و «الوجيز»
(4)
: لا مَسْتورُ الحال منهم، وإنْ قَبِلْناهُ مِنْ غَيرِهم؛ لِأنَّ بالنَّاس حاجةً إلَيهم، فبردِّ
(5)
شهادةِ فاعِلِه؛ يَمنَعُ مِنْ تَعاطِيهِ، فيُؤدِّي إلى ضَرَرٍ عظيمٍ بالخَلْق، وذلك مُنتَفٍ شرعًا.
والثَّانِي: لا؛ لِأنَّ تعاطيَ ذلك يتجنَّبُه
(6)
أهلُ المروءات.
وفي «الكافي» و «الشَّرح» : أنَّ الأَوْلَى قَبولُ شهادةِ الحائك والحارِس والدَّبَّاغ؛ لِأنَّه تَوَلَّى ذلك
(7)
كثيرٌ من الصَّالِحِينَ وأهلِ المُروءات، واخْتاره في «التَّرغيب» قال: أوْ يَقُولُ: تُرَدُّ ببلدٍ يُستَزْرَى بهم
(8)
فيه، وفي «الفنون»: وكذا خَيَّاطٌ. وهو غريبٌ.
فرعٌ: الصَّيرَفيُّ ونحوُه إنْ لم يَتَّقِ الرِّبا؛ رُدَّتْ شهادتُه، ذَكَرَه المؤلِّفُ، قال أحمدُ: أكْرَهُ الصَّرْفَ
(9)
.
ويُكرَهُ كسبُ مَنْ
(10)
صَنْعَتُه دَنِيئَةٌ، والمرادُ: مع إمْكانِ أصْلَحَ منها، ومَن
(1)
في (ن): بالقرود.
(2)
في (م): متكسبًا.
(3)
في (ظ): طريقتهم.
(4)
قوله: (و «الوجيز») سقط من (م).
(5)
في (ن): فترد.
(6)
في (ن): تتجنبه.
(7)
زاد في (م): جمع. والمثبت موافق للشرح 29/ 363.
(8)
قوله: (يستزرى بهم) في (ن): يستتر رأيهم.
(9)
ينظر: الفروع 11/ 352.
(10)
قوله: (من) سقط من (م).
يُباشِرُ النَّجاسةَ؛ كجَزَّارٍ، ذَكَرَه جماعةٌ؛ لأِنَّه يُوجِبُ قَساوةَ قَلْبِه، وفاصِدٍ، ومُزَيِّنٍ، وجرائحي
(1)
، قال بعضُهم: وبَيطارٍ، وظاهِرُ «المغْنِي»: لا يُكرَهُ كَسْبُ فاصِدٍ.
أفْضَلُ المعايِش: التِّجارةُ، قاله
(2)
بعضُهم، وقال الأَزَجِيُّ: الزِّراعةُ، واخْتارَ في «الفروع»: الصَّنعةَ باليَدِ، وفي «الرِّعاية»: أفْضَلُ الصَّنائع الخِياطةُ. ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ: (أنَّه سُئِلَ عنها وعن عَمَلِ الخُوصِ، أيُّهما أفْضَلُ؟ قال: كلَّما نَصَحَ فيه فهو حَسَنٌ)
(3)
، وكان إدريسُ خَيَّاطًا
(4)
، وكذا لُقْمانُ
(5)
.
ويُستَحَبُّ الغَرْسُ والحَرْثُ، واتِّخاذُ الغَنَم، قال المروذي: حثَّني
(6)
أبو عبد الله على لُزُومِ الصَّنعة
(7)
، وكان زَكَرِيَّا نَجَّارًا، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(8)
.
(1)
في (م): وجوائحي.
(2)
في (ن): قال.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 33.
(4)
أخرجه أبو بكر الدينوري في أدب المجالسة (3118)، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله الله تبارك وتعالى:{ورفعناه مكانا عليا} ؛ قال: «كان إدريس خيَّاطًا» ، وفي سنده محمد بن عبد العزيز بن المبارك الدِّينَوَري، قال الذهبيُّ:(كان ضعيفًا بمرّة)، وقال ابن حجر:(أكثر عنه أحمد بن مروان في المجالسة له، وهو منكر الحديث ضعيف). ينظر: تاريخ الإسلام 6/ 812، لسان الميزان 7/ 306.
(5)
لم نقف عليه، وقد أخرج ابن أبي شيبة (34294)، والطبري في تفسيره (18/ 548)، عن أبي الأشهب - جعفر بن حيّان -، قال: حدثني خالد بن ثابت الربعي، قال جعفر: - وكان يقرأ الكتب -: «أنّ لقمان كان عبدًا حبشيًّا نجارًا» ، وخالد الربعي ضعيف، ترك أبو زرعة حديثه. ينظر: تاريخ الإسلام 3/ 230، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة 4/ 91.
(6)
في (م): حدثني.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 352.
(8)
أخرجه مسلم (2379)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولم يخرِّجه البخاري، بل انفرد به مسلم كما ذكره الحميدي والإشبيلي والمزي. ينظر: الجمع بين الصحيحين 3/ 304، الجمع بين الصحيحين للإشبيلي 3/ 497، تحفة الأشراف 10/ 386.
(فَصْلٌ)
(وَمَتَى زَالَتِ المَوَانِعُ مِنْهُمْ، فَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَقَلَ المَجْنُونُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَتَابَ الْفَاسِقُ؛ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ)؛ لِأنَّ المُقْتَضِيَ مَوجُودٌ، وإنَّما رُدَّتْ لمانِعٍ، وقد زَالَ.
ولا يُشتَرَطُ الإقْرارُ به.
وذَكَرَ القاضِي: أنَّ الإقْرارَ به أَوْلَى إذا كان معصيةً مشهورةً.
وشَرْطُها: نَدَمٌ، وإقْلاعٌ، وعَزْمٌ ألَّا يَعودَ، وأنْ يكُونَ ذلك خالِصًا لوجهه تعالَى.
فإنْ تابَ مِنْ حقِّ آدَمِيٍّ؛ لم تُقبَلْ شهادتُه حتَّى يُبرِئَه منه، أوْ يُؤخِّرَه برضاه
(1)
، أوْ يَنوِيَ ردَّه إذا قَدَرَ.
وقِيلَ: يَسقُطُ بالتَّوبة، ويُعَوِّضُ اللهَ المظلومَ بما شاء، فتقبل
(2)
إذَنْ.
وإنْ كان من حقٍّ لله
(3)
؛ كزكاةٍ وصلاةٍ، فلا بُدَّ مِنْ فِعْلِه سريعًا بحَسبِ طاقته.
ويُعتَبَرُ ردُّ مَظلَمةٍ، أوْ يَستَحِلُّه، ويستمهلُه
(4)
مُعْسِرٌ.
(وَلَا يُعْتَبَرُ إِصْلَاحُ الْعَمَلِ)، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»؛ لقوله عليه السلام:«التَّائبُ مِنْ الذَّنْب كمَنْ لا ذَنْبَ له»
(5)
، ولِأنَّ شهادةَ
(1)
في (م): برضا.
(2)
في (م): وتقبل، وفي (ن): فيقبل.
(3)
في (ن): الله.
(4)
في (م): أو يستمهله.
(5)
أخرجه ابن ماجه (4250)، والطبراني في الكبير (10281)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 210)، والبيهقي في الكبرى (20561)، والخطيب في الموضح (1/ 246)، عن معمر، عن عبد الكريم، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فذكره. وسنده محتمل للتحسين، إلاّ أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ابن مسعود. لكن له شواهد، حسنه بها العراقي - كما قاله السخاوي -، وابن حجر والألباني، وضعفه البيهقي والهيثمي، وقال أبو نعيم:(غريب من حديث عبد الكريم، لم يصله عن معمر إلاّ وهيب)، وقال الخطيب:(تفرد بروايته محمد بن عبد الله الرقاشي عن وهيب بهذا الإسناد مرفوعًا، ولم يتابع عليه)، لكن تابعه معلي بن أسد وهو ثقة عن وهيب. ينظر: مجمع الزوائد 10/ 200، فتح الباري 13/ 471، المقاصد الحسنة (ص 249)، الصحيحة (616).
الكافِرِ تُقبَلُ بمجرَّدِ الإسْلامِ، فلأن تُقبَلَ شهادةُ الفاسِقِ بمُجرَّدِ التَّوبةِ بطَريقِ الأَولَى، ولقولِ عمرَ رضي الله عنه لِأبِي ذرٍّ
(1)
(2)
، ولِحُصولِ المغْفِرة بها.
(وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ فِي التَّائِبِ إِصْلَاحُ الْعَمَلِ سَنَةً)؛ لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [النُّور: 5]، فنهى عن قَبُولِ الشَّهادةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى التَّائِبَ المصلِح
(3)
، ولِأنَّ عمرَ لمَّا أَمَرَ بضَرْبِ صَبيغ
(4)
، وأَمَرَ بهُجْرانه حتَّى بَلَغَه تَوبَتُه، فأَمَرَ أنْ لا يُكلَّمَ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ
(5)
.
وقِيلَ: إنْ فَسَقَ بفِعْلٍ، وإلاَّ لم يُعتَبَرْ، ذَكَرَه في «التَّبصِرة» رِوايَةً.
وعَنْهُ: في مُبتَدِعٍ، جَزَمَ به القاضي والحُلْوانيُّ.
وقِيلَ: يُعتَبَرُ مُضِيُّ مُدَّةٍ يُعلَمُ حالُه فِيها.
وعَنْهُ: ومُجانَبَةُ قَرِينِه فِيهِ.
وفي كِتابِ ابنِ حامِدٍ: أنَّه يَجِيءُ عَلى قَولِ بعض
(6)
أصحابِنا: مِنْ شَرْطِ
(1)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المصادر: أبو بكرة.
(2)
سيأتي تخريجه 10/ 580 حاشية (6).
(3)
في (ن): الصلح.
(4)
في (م): ضبيغ.
(5)
قصة صبيغ أخرجها الدارمي (150)، والآجري في الشريعة (153)، وابن بطة في الإبانة (789)، وصحح الحافظ إسنادها في الإصابة 3/ 371.
(6)
قوله: (بعض) كتب على هامش (م).
صِحَّتِها وُجودُ أعمالٍ صالحةٍ؛ لِظاهِرِ الآية: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفُرقان: 70].
فرعٌ: إذا علَّقَ تَوبَتَه بشَرطٍ؛ فإنَّه غَيرُ تائبٍ حالاً، ولا عِنْدَ وُجودِه.
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ اَلْقَاذِفِ
(1)
؛ أيْ: تَسقُطُ شَهادَتُه بالقذف إذا لم يُحقِّقْه؛ لِلآية، والمرادُ بالقاذِفِ: المردودُ الشَّهادة، وهو
(2)
الَّذي لم يأتِ بما يحقِّق
(3)
قَذْفَه؛ كالزَّوج يَقذِفُ زَوجَتَه ويَتحَقَّقُ عدمه
(4)
بالبيِّنة أو اللِّعان، وكالأجنبيِّ يَقذِفُ أجنبيَّةً ويَتحقَّقُ قَذْفُه بالبيِّنة، فهذا لا تُرَدُّ شهادتُه.
(حَتَّى يَتُوبَ)، فتُقبَلُ شَهادتُه، سواءٌ حُدَّ أوْ لا، جَزَمَ به الأصْحابُ، وبه قال أكثرُهم، وكسائرِ الذُّنوب، بَلْ هذا أَوْلَى، ولِقَولِ عمرَ لِأبِي ذرٍّ
(5)
: «إنْ تُبْتَ قَبِلْتُ شَهادَتَكَ» رواهُ أحمدُ وغَيرُه
(6)
، واحْتَجُّوا به مع اتِّفاقِ المسْلِمِينَ على الرِّواية عن أبي بَكْرَةَ، مع أنَّ عُمَرَ لم يَقبَلْ شهادتَه؛ لِعَدَمِ تَوبَتِه مِنْ ذلك، ولم يُنكر
(7)
ذلك.
قال في «الفروع» : وهذا فيه نَظَرٌ؛ لِأنَّ الآيةَ إنْ تَنَاوَلَتْهُ؛ لم تُقبَلْ رِوَايَتُه لِفِسْقِه، وإلَّا قُبِلَتْ شهادتُه؛ كرِوايَتِه؛ لِوُجودِ المقْتَضِي وانْتِفاءِ المانِعِ.
(1)
في (ظ) و (م): قاذف.
(2)
في (م): هو.
(3)
في (ن): تحقق.
(4)
في (م): قذفه.
(5)
في (م): ذكر. وصوابه كما في المصادر: أبو بكرة.
(6)
لم نجده عند أحمد، وقد أخرجه البخاري - قبل حديث (2648) معلقًا مجزومًا به، ووصله الشافعي في مسنده - ترتيب سنجر (1703)، والطبري في تفسيره (17/ 163)، والطحاوي في شرح المشكل (12/ 359)، والبيهقي في الكبرى (20545)، من طرق عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي بكرة: «إن تبتَ قبلتُ شهادتك» ، يعني في قذفه المغيرة بن شعبة. وهذا مرسل، ومراسيل ابن المسيب عن عمر محمولة على الاتصال.
(7)
في (ن): ولم تنكر.
(وَتَوْبَتُهُ: أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ)، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، جَزَمَ به في «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الرِّعاية»؛ لقوله عليه السلام في قَولِه تعالَى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5]: «توبتُه
(2)
أنْ يُكْذِبَ نَفْسَه»
(3)
، ولِكَذِبِه حُكْمًا.
(وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ صِدْقَ نَفْسِهِ، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ
(4)
: قَدْ نَدِمْتُ عَلَى مَا قُلْتُ، وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُ)؛ لِأنَّ المقصودَ يَحصُلُ بذلك، ولِأنَّ النَّدَمَ تَوبَةٌ؛ للخبر
(5)
، وإنَّما اعْتُبِرَ القَولُ؛ لِيُعلَمَ تحقُّقُ النَّدم.
وقِيلَ: إنْ كان سَبًّا؛ فالتَّوبةُ منه إكْذابُ نَفْسه، وإنْ كان شهادةً؛ فبِأَنْ يَقُولَ: القَذْفُ حرامٌ باطِلٌ، ولن أَعُودَ إلى ما قُلْتُ، اخْتارَهُ القاضِي وصاحِبُ «التَّرغيب» ، قال القاضِي: هو المذْهَبُ؛ لأِنَّه قد يكُونُ صادِقًا، فلا يُؤمَرُ بالكَذِبِ، وهو قَولُ السَّامَرِّيِّ، إلَّا أنَّه قال: يَقُولُ: نَدِمْتُ على ما كان مِنِّي، ولا أَعُودُ إلى ما أُتَّهَم فيه، ولا أَعُودُ إلى مِثْلَ ما كان مِنِّي؛ لِأنَّ في ذلك ألَّا يَشهَدَ.
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 438، مسائل ابن منصور 7/ 3381، مسائل عبد الله ص 437.
(2)
في (ن): وتوبته.
(3)
لم نجد فيه شيئًا مرفوعًا، وقد أورد الطبري في تفسيره (17/ 162) آثارًا عن جمع من السلف في هذا المعنى، منها ما أخرجه عن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب أبا بكرة، وشِبْل بن معبد، ونافع بن الحارث بن كلدة، حدَّهم وقال لهم:«من أكذب نفسه أجزتُ شهادتَه فيما استقبلَ، ومن لم يفعل لم أجز شهادته» ، فأكذب شِبلٌ نفسه ونافعٌ، وأبى أبو بكرة أن يفعلَ. قال الزهري:«هو والله سنّةٌ، فاحفظوه» ، ولا بأس بإسناده.
(4)
قوله: (أن يقول) سقط من (م).
(5)
أخرجه أحمد (3568)، وابن ماجه (4252)، والطيالسي (380)، والحاكم (7612)، عن ابن معقل، قال: دخلت مع أبي على عبد الله - يعني ابن مسعود رضي الله عنه، فسمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الندم توبة» ، وحسنه ابن حجر، وصححه الحاكم والذهبي، قال البوصيري:(هذا إسناد صحيح رجاله ثقات). ينظر: مصباح الزجاجة 4/ 248، فتح الباري 13/ 471.
(فَصْلٌ
(1)
(وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ الْحُرِّيَّةُ)، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
، اخْتارَهُ ابنُ حامِدٍ وأبو الخَطَّاب وابنُ عَقِيلٍ، وقدَّمَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، قال أحمدُ: كان أَنَسٌ يُجِيزُ شَهادةَ العبد، لَيسَ شيء
(3)
يَدفَعُه
(4)
، ولِأنَّه تعالى أَمَرَ بإشْهادِ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا، ومَن فَقَدَ الحُرِّيَّةَ؛ فهو عَدْلٌ، بدليلِ قَبُولِ رِوايَتِه وفُتْياهُ، ولِأنَّ العَبْدَ عَدْلٌ غَيرُ مُتَّهَمٍ، فقُبِلَتْ شَهادَتُه؛ كالحرِّ.
(بَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ)، ذكره
(5)
ابنُ هُبَيرةَ: أنَّه المشْهورُ، وهو ظاهِرُ المذْهَبِ، وقاله جماعةٌ مِنهُم أبو ثَورٍ، ورَواهُ الخَلاَّلُ بإسْنادِه عن أَنَسٍ، وهو إسْنادٌ جيِّدٌ
(6)
، ورَواهُ أيْضًا مِنْ رِوايَةِ الحَسَنِ عن عليٍّ
(7)
؛ لِعُمومِ الآياتِ، ولِحَديثِ عُقْبةَ بنِ الحارِثِ في الرَّضاع
(8)
، ولقوله:«يَحمِلُ هذا العِلْمَ مِنْ كلِّ خلفٍ عُدُولُه»
(9)
، وقد كان كَثِيرٌ مِنْ سَلَفِ هذه الأمَّةِ وعُلمائها
(1)
قوله: (فصل) سقط من (م).
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4104، زاد المسافر 3/ 530.
(3)
قوله: (شيء) سقط من (م).
(4)
ينظر: زاد المسافر 3/ 531 ويأتي قريبًا أثر أنس رضي الله عنه.
(5)
في (ظ): ذكر.
(6)
علقه البخاري قبل حديث (2659) بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة (20282)، عن المختار بن فلفل، قال: سألت أنسًا عن شهادة العبيد، فقال:«جائزة» ، وسنده صحيح.
(7)
لم نقف عليه.
(8)
أخرجه البخاري (88)، عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه، أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوّج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كيف وقد قيل؟» ففارقها عقبة، ونكحت زوجًا غيره.
(9)
تقدم تخريجه 10/ 348 حاشية (3).
وصلحائها مَوالِيَ، ولم يَحدُثْ فِيهِمْ بالإعْتاقِ إلَّا الحُرِّيَّةُ، وهِي لا تُحدِثُ عِلْمًا ولا دِينًا.
(إِلَّا فِي
(1)
الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي
(2)
إِحْدَى
(3)
الرِّوَايَتَيْنِ)، فإنَّها لا تُقبَلُ فِيهِما؛ لمَا في شَهادَتِه من الخلاف؛ إذْ أكْثَرُ الفُقَهاء - ونَقَلَه أبو طالِبٍ
(4)
- أنَّه يُشْتَرَطُ لها الحُرِّيَّةُ، وذلك شُبْهةٌ، والحُدودُ والقِصاصُ تدرأ
(5)
بالشُّبهة.
والثَّانِيَةُ
(6)
: تُقبَلُ، اخْتارَها القاضِي يَعقُوبُ، وإلَيهِ مَيلُ ابنِ عَقِيلٍ في «التَّذكرة» ، فإنَّه قال: لَيسَ عن
(7)
أحمدَ مَنْعٌ في الحدود، وذلك لمَا تَقدَّمَ مِنْ العُموم.
وظاهِرُ رِوايَةِ المَيمُونيِّ: أنَّها تُعتَبَرُ في حدٍّ لا قِصاصٍ
(8)
؛ لِأنَّه حقٌّ لآِدَمِيٍّ مَبْنِيٌّ على الشُّحِّ والضِّيق، بخِلافِ الأوَّلِ، فإنَّها مَبْنِيَّةٌ على المُساهَلَةِ والمُسامَحَةِ، وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ وأبي الفَرَجِ وصاحِبِ «الرَّوضة» .
وفي «الكافي» : أنَّها لا تقبل
(9)
في الحدِّ، وفي القَوَدِ احْتِمالانِ.
فرعٌ: متى تعيَّنَتْ؛ حَرُم مَنْعُه، ونَقَلَ المَرُّوذِيُّ: مَنْ أجَازَ شَهادتَه؛ لم يَجُزْ لِسَيِّدِه مَنْعُه مِنْ قِيامِها
(10)
، فلو عَتَقَ بمَجْلِسِ الحُكْمِ، فَشَهِدَ؛ حَرُمَ رَدُّه، قال
(1)
قوله: (في) سقط من (ن).
(2)
في (ن): على.
(3)
في (م): أحد.
(4)
ينظر: الفروع 11/ 357.
(5)
في (ظ): يدرأ.
(6)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(7)
قوله: (عن) سقط من (ن).
(8)
ينظر: زاد المسافر 3/ 531.
(9)
زيد في (م): إلا. والمثبت موافق للكافي 4/ 280.
(10)
ينظر: زاد المسافر 3/ 531.
في «المفردات» : فلو ردَّه مع ثُبوتِ عَدالَتِه؛ فسق
(1)
.
والمكاتَبُ
(2)
، والمُدَبَّرُ، وأمُّ الوَلَد، والمُعْتَقُ بعْضُه؛ كالقِنِّ.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَمَةِ فِيمَا تَجُوزُ
(3)
فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ) الأحرارِ؛ لِدُخولها في قَولِه تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البَقَرَة: 282]، مع حديثِ عُقْبَةَ المتقدِّمِ ذِكْرُه
(4)
.
(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ عَلَى
(5)
مَا يَرَاهُ)؛ لِأنَّه فِيمَا رآه
(6)
كغَيرِه، (وَعَلَى
(7)
المَسْمُوعَاتِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ صَمَمِهِ)؛ لِأنَّه في ذلك كمَنْ لَيسَ به صَمَمٌ.
(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي المَسْمُوعَاتِ) إذا تَيَقَّنَ الصَّوتَ؛ أيْ: صَوتَ المشْهودِ عَلَيهِ، والمرادُ بالجَواز: القَبول
(8)
، فإذا حَصَلَ ذلك للأعْمَى؛ وَجَبَ قَبولُ شَهادَته كالبصير، ولِأنَّه يُرْوَى عن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ:«أنَّهما أجَازَا شَهادَةَ الأعمى»
(9)
، ولا يُعرَفُ لهما مُخالِفٌ في الصَّحابة؛ لِحُصولِ العِلْمِ له بذلك؛
(1)
في (ن): عدالة يسبق.
(2)
في (م): وحكم المكاتب.
(3)
في (ظ): يجوز.
(4)
أخرجه البخاري (88).
(5)
في (ن): في.
(6)
في (ن): يراه.
(7)
في (ن): وفي.
(8)
في (م): المقبول، وقوله:(بالجواز القبول) في (ن): الجواز بالقبول.
(9)
قوله: (وجب قبول شهادته كالبصير
…
) إلى هنا سقط من (م).
ولم نقف على أثر علي رضي الله عنه، وقد أخرج عبد الرزاق (15380)، والبيهقي في الكبرى (20586)، عن الأسود بن قيس العنزي سمع قومه يقولون:«إن عليًّا رضي الله عنه رد شهادة أعمى في سرقة لم يجزها» ، وفيه انقطاع كما هو ظاهر.
ولم نقف على أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما صريح في جواز شهادة الأعمى، لكن علّق البخاريُّ قبيل حديث (2655) عن الزهريِّ، ووصله الحسين الكرابيسي في كتابه أدب القضاء كما في تغليق التعليق (3/ 387)، عن الزهري أنه قال:«أرأيت ابن عبّاس لو شهد على شهادة أكنتَ تردُّه؟» ، وكان ابن عبَّاس يبعث رجلاً إذا غابت الشّمس أفطر، ويسأل عن الفجر، فإذا قيل له طلع صلى ركعتين»، وسنده صحيح مرسلاً. وأخرجه عبد الرزاق (7597)، عن صاحب له، عن عوف، عن أبي رجاء قال: كنتُ أشهد ابن عباس عند الفطر في رمضان، فكان يُوضع طعامه، ثمّ يأمر مراقبًا يراقب الشمس، فإذا قال: وجبتْ قال: «كلوا» . قال ابن حجر: (ووجه تعلُّقه به - أي بباب شهادة الأعمى - كونُه كان يعتمد على خبر غيره مع أنه لا يرى شخصه، وإنما سمع صوته)، وقال ابن الملقن:(واحتجاج الزهري بابن عباس؛ لأنه كُفَّ بصره في آخر عمره كأبيه وجده). ينظر: التوضيح 16/ 537، فتح الباري 5/ 265.
كاستمتاعِه بزَوجَتِه
(1)
، وهذا بخِلافِ ما طَرِيقُه الرُّؤيةُ؛ لِأنَّه لا رُؤيَةَ له.
(وَبِالاِسْتِفَاضَةِ)؛ لِأنَّه يَعتَمِدُ القَولَ، وشَهادَتُه جائزةٌ، وقاله الشَّافِعِيُّ
(2)
، وزادَ: والترجمة
(3)
، وإذا أقرَّ عِنْدَ أُذُنِه ويَدُ الأعْمَى على رأسه، ثُمَّ ضَبَطَه حتَّى حَضَرَ عِنْدَ الحاكِمِ فَشَهِدَ عَلَيهِ، ولم يُجِزْها في غَيرِ ذلك؛ لِأنَّ مَنْ لا تجوز
(4)
شهادتُه على الأفعال؛ لا تجوز
(5)
على الأقوال؛ كالصَّبِيِّ، ولِأنَّ الأصْواتَ تَشْتَبِهُ.
(وَتَجُوزُ
(6)
فِي المَرْئِيَّاتِ الَّتِي تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى، إِذا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ، وَنَسَبِهِ، وَمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ)؛ لِأنَّ العَمَى فَقْدُ حاسَّةٍ لا تُخلُّ
(7)
بالتَّكْلِيفِ، فلا تَمنع
(8)
قَبولَ الشَّهادة؛ كالصَّمَم، ورَوَى الخَلاَّلُ في «جامعه» عن
(1)
في (م) و (ن): كاستماعه بزوجته. ثم كتب في هامش (ن): (لعله: كاجتماعه). وفي البيان للعمراني 13/ 358: (كما يجوز أن يستمتع بامرأته إذا عرف صوتها).
(2)
ينظر: الحاوي 16/ 191، المهذب 3/ 456.
(3)
في (ن): الرحمة.
(4)
في (ن): لا يجوز.
(5)
في (ن): لا يجوز.
(6)
في (ن): ويجوز.
(7)
في (ظ): لا يخل.
(8)
في (ظ): فلا يمنع.
إسماعيلَ بنِ سعيدٍ: سَأَلْتُ أحمدَ عن شَهادةِ الأعْمَى فِيمَا قد
(1)
عَرَفَهُ قَبْلَ أنْ يَعْمَى، فقال: جائزٌ في كلِّ ما ظَنَّه نحو النَّسَب، ولا يَجُوزُ في الحدود
(2)
.
وقال أبو حَنِيفةَ: لا تُقبَلُ مُطلَقًا، وذَكَرَ أحمدُ أنَّ أصحابَه جوَّزوا ذلك
(3)
، ذَكَرَه الخَلاَّلُ.
(فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا بِعَيْنِهِ؛ فَقَالَ الْقَاضِي)، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو المنصوصُ: (تُقْبَلُ
(4)
شَهَادَتُهُ أَيْضًا، وَيَصِفُهُ
(5)
لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ)؛ لِعُمومِ الأدِلَّةِ.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وكذا إنْ تَعَذَّرَ رُؤْيَةُ العَينِ المشْهودِ لها أوْ عَلَيها أوْ بها؛ لمَوتٍ أوْ غَيبةٍ
(6)
.
(وَيَحْتَمِلُ) - هذا وَجْهٌ -: (أَلَّا يَجُوزَ
(7)
؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا
(8)
يَنْضَبِطُ غَالِبًا)، وعلَّلَه المؤلِّفُ هُنا.
وفي «المحرَّر» و «الفُروع» الوَجْهانِ مِنْ غَيرِ ترجيحٍ، وهما أيضًا فِيما إذا عَرَفَه بصَوتِه.
(وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ
(9)
، ثُمَّ عَمِيَ)، أوْ خَرِسَ، أَوْ جُنَّ، أوْ مات؛ (قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ)، وهو قَولُ أكثرِ العلماء، والمرادُ به: الحُكْمُ بها
(10)
؛ لِأنَّ
(1)
قوله: (قد) سقط من (م).
(2)
ينظر: النكت على المحرر 2/ 289.
(3)
ينظر: الأصل للشيباني 4/ 522، النكت على المحرر 2/ 289.
(4)
في (م): فقيل.
(5)
في (ن): ونصفه.
(6)
ينظر: الاختيارات ص 522، الفروع 11/ 358.
(7)
في (م): لا تجوز.
(8)
قوله: (لا) سقط من (م).
(9)
في (ن): حاكم.
(10)
قوله: (بها) سقط من (م).
المانِعَ طَرَأَ بَعْدَ أداءِ الشَّهادةِ، فلا يورِّث
(1)
تهمةً في حالِ الشَّهادة، فلم يَمنَع الحُكْمَ بها؛ كما لو شَهِدَ ثُمَّ ماتَ.
وقال أبو حَنِيفةَ: لا تُقبَلُ؛ كما لو طَرَأَ الفِسْقُ
(2)
.
وفرَّقَ في «الشَّرح» : بأنَّ الفِسْقَ يُورِثُ تهمةً في حالِ الشَّهادة، بخِلافِ غَيرِه.
لكِنْ لو حَدَثَ بَعْدَ الشَّهادة ما لا يجوز
(3)
معه شهادةٌ؛ لم يُحكَمْ بها؛ لِأنَّ العادةَ أنَّ الإنْسانَ يَستَبْطِنُ الفِسْقَ ويُظْهِرُ العداوة
(4)
، فلا يَأمَنُ أنْ يكونَ فاسِقًا حِينَ أداءِ الشَّهادة، فلم يَجُز الحُكْمُ بها
(5)
مع الشَّكِّ.
إلَّا عداوةً ابتدأها
(6)
المشْهودُ عَلَيهِ، بأن
(7)
قذَفَ
(8)
البيِّنة؛ لِأنَّها لا تَمنَعُ؛ لأنَّنا
(9)
لو أبْطَلْناها بهذا؛ لتمكَّن
(10)
كلُّ مشهودٍ عَلَيهِ بإبطالِ شهادةِ الشَّاهِد بقَذْفِه.
وكذا المنازَعةُ والمقاوَلةُ وَقْتَ غَضَبِه ومُحاكَمَتِه بِدُونِ عداوةٍ ظاهِرةٍ سابِقةٍ، قال في «التَّرغيب»: ما لم يَصِلْ إلى حدِّ العَداوة أو الفِسْقِ.
فإنْ حَدَثَ بعضُ ما يَمنَعُ الحكمَ بها بَعْدَ الحكم وقَبْلَ الاِسْتِيفاء؛ فإنْ كان ذلك حَدًّا لله؛ لم يُسْتَوْفَ؛ لِأنَّ هذا شبهةٌ، وهو يُدرأُ بها، وإنْ كان مالاً؛
(1)
في (م): فلا تورث.
(2)
ينظر: الأصل للشيباني 11/ 228، شرح مختصر الطحاوي للجصاص 8/ 58.
(3)
في (م): لا تجوز.
(4)
في (م): العدالة.
(5)
قوله: (بها) سقط من (ن).
(6)
في (م): وابتدأ ما.
(7)
في (م): فإن.
(8)
في (ن): فرق.
(9)
في (ظ) و (ن): لأنها.
(10)
في (ظ): التمكن.
اسْتُوفِيَ؛ لِأنَّ الحكمَ قد تمَّ
(1)
، وإنْ كان قَودًا أوْ حَدَّ قَذَفَ؛ فَوَجْهانِ.
(وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ، فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ)، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لِعُمومِ الأدِلَّة، وأنَّه عَدْلٌ مَقْبولُ الرِّواية والشَّهادةِ في غَيرِ الزِّنى، فتُقبل
(2)
فيه كغَيره، وَوَلَدُ الزِّنى لم يَفعَلْ فِعْلاً قبيحًا يَجِبُ أنْ يكُونَ له نظير
(3)
؛ لِأنَّ الزَّانِيَ لو تاب
(4)
؛ لَقُبِلَتْ شَهادَتُه، وهو الَّذي فَعَلَ الفِعْلَ القَبيحَ، فإذا قُبِلَتْ شهادتُه مع ما ذُكِرَ؛ فغَيرُه أَوْلَى.
قال ابنُ المنذِر: وما رُوِيَ عن عُثْمانَ أنَّه قال: «ودَّتِ الزَّانِيَةُ أنَّ النِّساءَ كلَّهنَّ يَزْنِينَ»
(5)
، لا أعْلَمُه ثابِتًا عنه، وكَيفَ يَجُوزُ أنْ يُثْبِتَ عُثْمانُ كلامًا بالظَّنِّ عن ضمير
(6)
امرأةٍ لم يَسمَعْها تذكره
(7)
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الإْنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ؛ كَالمُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعِ
(8)
، وَالْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ
(9)
، وَالْحَاكِمِ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ)، ذكره
(10)
الأصحابُ؛ لحديثِ عُقْبةَ في الرَّضاع، والباقي
(11)
بالقِياس عَلَيهِ.
وفي «المستوعب» : تُقبَلُ شَهادةُ القاسِمِ على القِسْمة بَعْدَ فَراغِه إذا كان بغَيرِ عِوَضٍ، وسَبَقَه إلَيهِ القاضِي وأصْحابُه، وجَزَمَ به في «المغْنِي» .
(1)
قوله: (قد تم) في (م): قديم.
(2)
في (م): فيقبل، وفي (ن): فقبل.
(3)
قوله: (نظير) سقط من (ن).
(4)
قوله: (لو تاب) سقط من (ن).
(5)
هذا الأثر ذكره ابن تيمية في كتابه الاستقامة (2/ 257) وغيره، ولم نجده مسندًا.
(6)
في (م): خمير.
(7)
في (ن): بذكره. وينظر: الإشراف 4/ 277.
(8)
كتب في هامش (ظ): (ولو بأجرة).
(9)
كتب في هامش (ظ): (بعد الفراغ ولو بعوض).
(10)
في (م): وذكره.
(11)
في (م): الباقي.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ، وَالْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ
(1)
، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه جماعةٌ.
(وَعَنْهُ فِي شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ: أَخْشَى أَنْ لا تُقْبَلَ
(2)
، فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: لا تُقبَلُ، وقالَهُ جمعٌ مِنْ أصْحابِنا، وجَزَمَ به ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ؛ لمَا رَوَى أبو داودَ وابنُ ماجَهْ بإسْنادٍ جيِّدٍ عن أبي هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَجُوزُ شَهادةُ بَدَوِيٍّ على صاحِبِ قَريَةٍ»
(3)
، ولمَا فِيهِ مِنْ الجفاء في الدِّين.
والثَّانِي
(4)
: تُقبَلُ، صحَّحه في «المستوعب» وابنُ المنجَّى؛ لِأنَّ مَنْ قُبِلَتْ شهادتُه على أهْلِ البدو؛ قُبلت شهادتُه
(5)
على أهْلِ القُرَى، دليلُه شهادةُ القَرَوِيِّ على البَدَوِيِّ، والحديثُ محمولٌ على أنَّ شهادةَ البَدَوِيِّ لا تُقبَلُ للجَهْل بعدالته
(6)
الباطِنَةِ، وخَصَّه بهذا؛ لِأنَّ الغالِبَ أنَّه لا يكُونُ مَنْ يسأله
(7)
الحاكِمُ عنه
(8)
.
(1)
قوله: (والقروي على البدوي) سقط من (ظ).
(2)
ينظر: الهداية ص 598.
(3)
أخرجه أبو داود (3602)، وابن ماجه (2367)، والبزار (8730)، وابن الجارود (1009)، والحاكم (7048)، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وسنده صحيح، وقد أعلّه البيهقي، فقال:(هذا الحديث مما تفرّد به محمد بن عمرو بن عطاء، عن عطاء بن يسار)، وقال الذهبي:(هو حديث منكر مع نظافة سنده)، والحديث حسّنه البزار، وصححه ابن الجارود والألباني، وقال ابن عبد الهادي وابن مفلح:(إسناده جيد). ينظر: تنقيح التحقيق 5/ 83، الإرواء 8/ 289.
(4)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(5)
قوله: (شهادته) سقط من (ظ) و (م).
(6)
في (ن): بعدالة البينة.
(7)
في (م): ممن يسأل.
(8)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(بَابُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ)
المَوانِع: جَمْعُ مانِعٍ، وهو اسْمُ فاعِلٍ مِنْ مَنَعَ الشَّيءَ، إذا حال بَينَه وبَينَ مَقصودِه، فهذه الموانِعُ تَحُولُ بَينَ الشَّهادة ومَقْصودها، فإنَّ المقصودَ منها: قَبولُها والحُكْمُ بها.
(وَيَمْنَعُ
(1)
قَبُولَ الشَّهَادَةِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ)، يَأْتِي عدُّها
(2)
.
(أَحَدُهَا: قَرَابَةُ الْوِلَادَةِ)، وهِيَ بمَعْنَى: لا تُقبَلُ لِعَمُودَيْ نسبِه
(3)
، (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ) مِنْ قِبَلِ
(4)
البَنينَ والبنات، (وَلَا وَلَدٍ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ) نَقَلَه الجَماعةُ عنه
(5)
، وسَواءٌ في ذلك الآباءُ والأمّهاتُ، وآباؤهما وأمَّهاتُهما، وذكر
(6)
«التِّرمذِيُّ» : أنَّه قَولُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ
(7)
؛ لمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُروةَ، عن عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَجُوزُ شهادةُ خائنٍ ولا خائنةٍ، ولا ذِي غِمْرٍ على أخِيه، ولا ظَنِينٍ في قَرابةٍ ولَا وَلَاءٍ» ، وفي إسْنادِه يَزِيدُ بنُ زِيادٍ، وهو ضعيفٌ، قال التِّرمذِيُّ:(لا يَصِحُّ عِندَنا مِنْ قِبَلِ إسْنادِه)
(8)
، ورواهُ الخَلاَّلُ بنَحوِه مِنْ حديثِ عُمَرَ
(9)
،
(1)
في (ن): وتمنع.
(2)
في (م) و (ن): عددها.
(3)
زيد في (م): نقله جماعة.
(4)
في (ظ) و (م): قبيل.
(5)
قوله: (عنه) سقط من (م). وينظر: مسائل ابن منصور 13/ 124، مسائل صالح 1/ 469، مسائل ابن هانئ 2/ 37، زاد المسافر 3/ 528.
(6)
في (ن): ذكره.
(7)
ينظر: سنن الترمذي 4/ 545.
(8)
تقدم تخريجه 1/ 346 حاشية (1).
(9)
لم نقف على رواية الخلال، وقد أخرجه البيهقي في الكبرى (20861)، من طريق مالك، أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين» ، وسنده منقطع. وأخرج الدارقطني (4603)، من طريق يحيى بن سعيد، أخبرنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال:«ألَا لا تجوز شهادة الخائن ولا الخائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا الموقوف على حدٍّ» ، ويحيى بن سعيد وهو الفارسي، متروك كما قاله الدارقطني.
وأبي هُرَيرةَ
(1)
، والظَّنِينُ: المُتَّهَمُ، وكلٌّ منهما
(2)
مُتَّهَمٌ في حقِّ صاحِبِه؛ لِأنَّه يَمِيلُ إلَيهِ بطَبْعِه، بدليلِ قَولِه عليه السلام:«فاطِمَةُ بَضْعةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي ما أرابَها»
(3)
، وسَواءٌ اتَّفَقَ دِينُهما أو اخْتَلَفَ.
لكِنْ قال القاضي، وأصحابُه، والمؤلِّفُ، وصاحِبُ «التَّرغيب»: لَا مِنْ زِنًى ورَضاعٍ، فإنَّها تُقبَلُ؛ لِعَدَمِ وُجوبِ الإنْفاقِ والصِّلة، وعِتْقِ أحدِهما على صاحبه، والتَّبَسُّطِ في المالِ.
(وَعَنْهُ: تُقْبَلُ فِيمَا لَا يَجُرُّ بِهِ
(4)
نَفْعًا غَالِبًا، نَحْوُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ قَذْفٍ)؛ لِأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما لا يَنتَفِعُ بما يَحصُلُ لِلآخَر، فتَنْتَفِي التُّهمةُ عنه في شَهادَتِه، قال في «الفروع»: كشَهادتِه له بمالٍ وكلٌّ منهما غَنِيٌّ؛ لِأنَّه لا تُهمةَ في حقِّه؛ لِعَدَمِ وجوبِ النَّفقة.
(وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ)؛ لِدُخوله في العُموم، (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ)؛ لِأنَّ مالَ ابْنِه كمَالِه؛ للخَبَر
(5)
، فكانَتْ شهادته
(6)
لنفسه.
ونَقَلَ حنبلٌ: تُقبَلُ مُطلَقًا
(7)
، ذَكَرَها في «المبهج» و «الواضح» ؛ لِأنَّهما
(1)
يعني حديث: «لا تجوز شهادة بدَوِيٍّ على صاحب قرية» ، وقد تقدم تخريجه 10/ 589 حاشية (3).
(2)
في (م): منهم.
(3)
أخرجه البخاري (3729)، ومسلم (2449)، من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
(4)
قوله: (لا يجر به) في (ن): لا يجريه.
(5)
يعني حديث «أنت ومالك لأبيك» ، وتقدم تخريجه 3/ 389 حاشية (4).
(6)
في (م): شهادة.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 363.
عَدْلانِ، فيَدخُلانِ فِيهِ، روي
(1)
ذلك عن عمرَ وشُرَيحٍ، وقاله عمرُ بنُ عبد العزيز، وأبو ثَورٍ، والمزنيُّ، وغَيرُهم.
فرعٌ: إذا شَهِدَا على أبِيهِما بقَذْفِ ضرَّة أمِّهما وهي تحتَه، أوْ طلاقها
(2)
؛ فاحْتِمالانِ في «المنتخب» .
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فيِ أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النِّسَاء: 135]، ولِأنَّ شهادةَ كلِّ واحِدٍ مِنهما على الآخَر لا تُهمةَ فِيها، فشَهادَتُه عَلَيهِ أبْلَغُ في الصِّدْق؛ كشَهادته على نَفْسِه.
والثَّانِيَةُ: لا تُقبَلُ؛ لِأنَّ مَنْ لم تُقبَلْ شَهادتُه له؛ لم تُقبل
(3)
عَلَيهِ؛ كغَيرِ العَدْلِ.
وقال ابنُ هُبَيرةَ: لا أرى شهادةَ الولد على والده في حدٍّ ولا قِصاصٍ؛ لِاتِّهامه في المِيراث.
ومُكاتَبُ والِدَيهِ وَوَلَدِه؛ كهُما، ذَكَرَه في «الرِّعاية الكبرى»
(4)
.
فرعٌ: إذا شَهِدَ لِوَلدِه أوْ غَيرِه ممن
(5)
تُرَدُّ شَهادَتُه له، وأجنبيٍّ
(6)
بألْفٍ، أوْ بِحَقِّ آخَرَ مُشْتَرَكٍ؛ بَطَلَتْ في الكلِّ، نَصَّ عَلَيهِ
(7)
، وذَكَرَ جماعةٌ: تصحُّ
(8)
في حقِّ الأجنبيِّ فقطْ.
(1)
في (ن): وروي.
(2)
في (ن): طلاقهما.
(3)
قوله: (شهادته له لم تقبل) سقط من (ن).
(4)
قوله: (فرع: إذا شهدا على أبيهما بقذف ضرة
…
) إلى هنا سقط من (م).
(5)
في (م): من.
(6)
في (ظ): أو أجنبي.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 368.
(8)
في (ظ) و (م): يصح.
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إِحْدَى
(1)
الرِّوَايَتَيْنِ)، نَقَلَها الجماعةُ
(2)
، واختارَها الأكثرُ، وجَزَمَ به ابنُ هُبَيرةَ وصاحِبُ «الوجيز» ؛ لأنَّه
(3)
يَنتَفِعُ بشَهادته ليَنْبَسِط
(4)
كلُّ واحِدٍ في مالِ الآخَر، واتِّساعه بسَعَتِه، وإضافةِ مالِ كلِّ واحِدٍ إلى الآخَرِ؛ لقوله تعالى:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزَاب: 33]، و {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزَاب: 53]، ولِأنَّ يَسارَ الرَّجل يَزِيدُ في نَفَقةِ امْرأتِه، ويَسارَها يَزِيدُ في قِيمةِ بُضْعِها المملوكِ لِزَوجها، ولِأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَرِثُ الآخَرَ مِنْ غَيرِ حَجْبٍ، فأوجبَ
(5)
التُّهمة في شهادتِه، وظاهِرُه: ولو بَعْدَ الفِراق.
والأخرى
(6)
: يَجوزُ؛ لِأنَّ النِّكاحَ عَقْدٌ على منفعةٍ، فلا يَتضَمَّنُ ردَّ الشَّهادة؛ كالإجارة.
وظاهِرُه: أنَّ شهادةَ أحدهما على الآخَرِ مَقْبولةٌ، صرَّح به في «المستوعب» و «المحرَّر» .
وقِيلَ: في قَبولِها رِوايَتانِ.
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ)، لا نَعلَمُ فِيهِ خِلافًا
(7)
؛ لأِنَّ مالَ العبد لِسَيِّده، فشهادتُه
(8)
له؛ شهادةٌ لنفسه، قال في «الشَّرح»: لا تُقبَلُ شهادتُه لِعَبْده
(1)
في (م): أحد.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 13/ 124، مسائل عبد الله ص 437، مسائل صالح 1/ 469، زاد المسافر 3/ 529.
(3)
زيد في (ن): لا.
(4)
في (ن): له لتبسط.
(5)
في (ن): فأورث.
(6)
في (ن): ويقبل في الأخرى.
(7)
ينظر: المغني 10/ 174.
(8)
في (ظ): بشهادته.
بنكاحٍ
(1)
، ولا لِأَمَتِه بطَلاقٍ.
(وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ)؛ لِأنَّه يَنبَسِطُ في ماله، وتَجِبُ نَفَقَتُه، فهو
(2)
كالأب
(3)
مع ابْنِه، زادَ في «الرِّعاية الكبرى»: بمال
(4)
.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لْأَخِيهِ)، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، وذكره
(6)
التِّرْمذِيُّ وابنُ المنذِرِ إجْماعًا
(7)
، قال أحمدُ:(قد أجاز ابنُ الزُّبَير شهادةَ الأخ لأِخِيهِ) رواه الخلال
(8)
، ولِأنَّه غَيرُ مُتَّهَمٍ، فيَدخُلُ في العُمومات، ولا يَصِحُّ قِياسُه على عَمُودَيِ النَّسَبِ؛ لمَا بَينَهما من التَّفاوُت.
(وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ)؛ أيْ: تُقبَلُ شَهادةُ بعضِهم لِبعضٍ؛ كالأخ، بَلْ هذا أَوْلَى منه.
(وَالصَّدِيقِ) الملاطِف
(9)
(لِصَدِيقِهِ)، وهو قَولُ عامَّتِهم، وهو الأَشْهَرُ،
(1)
في (م): لنكاح.
(2)
قوله: (فهو) سقط من (م).
(3)
في (ن): كالابن.
(4)
في (ن): يمال.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 38.
(6)
في (م): وذكر.
(7)
ينظر: سنن الترمذي 4/ 121، الإجماع لابن المنذر ص 67.
(8)
قوله: (رواه الخلال) سقط من (م).
والأثر: أخرجه عبد الرزاق (15467)، أخبرنا ابن جريج، أخبرني مزاحم، أنّ عبيد الله بن أبي يزيد أخبره:«أنّ ابن الزبير رضي الله عنه أجاز شهادته لعبد الله بن أبي يزيد أخيه، وشهادة عبد الله بن أبي يزيد له» ، ومزاحم بن أبي مزاحم المكيّ: ذكره ابن أبي حاتم وابن حبان، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وقال ابن حبان:(يروي المراسيل)، ووثقه الذهبي، وقال ابن حجر:(مقبول). ينظر: الجرح والتعديل 8/ 405، الثقات لابن حبان 7/ 511، السنن الكبرى 10/ 341 الكاشف 2/ 254.
(9)
قوله: (الملاطف) سقط من (ن).
قاله
(1)
في «الرِّعاية» .
وردَّه ابنُ عَقِيلٍ بصَداقَةٍ وَكِيدةٍ، وعاشِقٍ لِمَعْشوقِهِ؛ لِأنَّ العِشْقَ يُطِيشُ.
(وَالمَوْلَى لِعَتِيقِهِ)؛ كالأخ لأِخِيهِ، بَلْ هذا أَوْلَى؛ لِأنَّه لا تُهمةَ فِيهِ، أشْبَهَ الأجنبيَّ، وعَكْسُه، ولِغَيرِ سيِّده.
لكِنْ لو أعْتَقَ عَبْدَينِ، وادَّعى رجلٌ أنَّ المُعْتِقَ غَصَبَهُما منه، فشَهِدَ العَتِيقانِ بصِدْقِ المدَّعِي؛ لم تُقبَلْ شهادتُهما؛ لِعَودهِما إلى الرِّقِّ، ذَكَرَه القاضي وغَيرُه
(2)
.
وكذا لو شَهِدا بَعْدَ عِتْقِهما أنَّ
(3)
مُعتِقَهما غَيرُ بالِغٍ حالَ العِتْق، أوْ جَرَحَا الشَّاهِدَينِ بحُرِّيَّتِهما.
ولو عَتَقَا بتدبيرٍ أو وصيَّةٍ، فشَهِدَا بِدَينٍ أوْ وَصِيَّةٍ مُؤثِّرَةٍ في الرِّقِّ؛ لم يُقبل
(4)
؛ لِإقْرارِهما بَعْدَ الحُرِّيَّة بِرِقِّهِما لِغَيرِ سيِّدٍ.
فرعٌ: إذا حَلَفَ الشَّاهِدُ مع شَهادَتِه؛ لم تُرَدَّ في ظاهِرِ كلامهم، ومع النَّهي عنه يَتوجَّهُ على كلامه في «التَّرغيب»: تُرَدُّ.
(1)
في (م): قال.
(2)
كتب في هامش (ظ): (واقتصر عليه في الفروع).
(3)
في (م): أو.
(4)
في (م): لم تقبل.
(فَصْلٌ)
(الثَّانِي: أَنْ يَجُرَّ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ)؛ لِأنَّ فاعِلَه مُتَّهَمٌ في الشَّهادة، والتُّهمةُ تمنع
(1)
مِنْ قَبولها؛ (كَشَهَادَةِ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ) بمالٍ، (وَالْوَارِثِ لِمَوْرُوثِهِ
(2)
بِالْجُرْحِ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ)؛ لِأنَّه قد يَسْرِي، فتَجِبُ الدِّيةُ له ابتِداءً، ويقبل
(3)
له بِدَينٍ في مَرَضِه في الأَشْهَر، فلو حَكَمَ بهذه الشَّهادةِ؛ لم يَتغَيَّر الحكمُ بَعْدَ مَوتِه.
تنبيهٌ: لو شَهِدَ غَيرُ وارِثٍ، فصار عِنْدَ المَوت وارِثًا؛ سُمِعَتْ، دُونَ عَكْسِه، والمانِعُ ما يَحصُلُ له به نَفْعٌ حالَ الشَّهادة، فلهذا جازَ شهادةُ الوارِثِ لموروثه
(4)
، مع أنَّه إذا ماتَ وَرِثَه، وشَهادتُه لاِمرأةٍ يَحتَمِلُ أنْ يَتزَوَّجَها، وشَهادتُه لغريمٍ له يَحتَمِلُ أنْ يُوَفِّيَه منه، أوْ يُفلِسَ فيتعلَّقَ حقُّه به.
ومُنعت
(5)
الشَّهادةُ لمَورُوثِه بالجُرح قَبْلَ الاِنْدِمالِ وإنْ لم يكُنْ له حقٌّ في الحال؛ لِأنَّه ربَّما أفْضَى إلى المَوت به، فتَجِبُ الدِّيَةُ للوارِث الشَّاهِدِ به ابْتِداءً، فيكُونُ شاهِدًا لنفسه، مُوجِبًا له به حقًّا ابتداءً.
وهذا بخِلافِ الشَّاهِد لمُوروثه المريضِ بحقٍّ، فإنَّها
(6)
تُقبَلُ؛ لِأنَّه إنَّما يجب
(7)
للمَشْهود له، ثُمَّ يَجُوزُ أنْ يَنتَقِلَ، ويَجُوزُ أنْ لا يَنتَقِلَ، فلم يمنع
(8)
(1)
في (ظ) و (ن): يمنع.
(2)
في (م): لمورثه.
(3)
في (م): وتقبل.
(4)
في (م): لمورثه.
(5)
في (ظ): ولمنعت.
(6)
في (ن): فإنهما.
(7)
في (م): تجب.
(8)
في (ن): فلم تمنع.
الشَّهادةَ له؛ كالشَّهادة للغريم.
فإنِ قِيلَ: فقد أجزتُم
(1)
شهادةَ الغَرِيم لغَريمِه بالجُرح قَبْلَ الاِنْدِمال، كما أجزتُم
(2)
شهادتَه له
(3)
بمالٍ.
قُلْنا: إنَّما جاز ذلك؛ لِأنَّ الدِّيَةَ لا تَجِبُ للشَّاهِد ابْتِداءً، إنَّما تَجِبُ للقَتِيلِ أو الوَرَثةِ، ثُمَّ يستوفي
(4)
الغريم منها، فأشْبَهت الشَّهادةَ له بمالٍ، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
(وَالْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ)؛ لِأنَّه يَثبُتُ له فيه حقُّ التَّصرُّف، فهو مُتَّهَمٌ فيها.
وأجاز شريحٌ وأبو ثَورٍ شَهادتَه للمُوصَى عليهم
(5)
إذا كان الخصمُ
(6)
غَيرَه؛ لِأنَّه أجنبيٌّ مِنهُم، فقُبِلَتْ؛ كما بَعْدَ زَوالِ الوصيَّةِ.
(وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ
(7)
بِمَا
(8)
هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ)، وعبَّر السَّامَرِّيُّ عنه: بالقانِع، ثُمَّ فسره بالوكيل.
وتُرَدُّ مِنْ وَصِيٍّ ووكيلٍ ولو بَعْدَ العَزل، وقِيلَ: وكان خاصَمَ فيه.
وجزم
(9)
في «المغْنِي» وغَيره: أنَّها تُقبَلُ بَعدَ عَزْلِه، لكِنْ نَقَلَ ابنُ منصورٍ: إن خاصَمَ في خُصومةٍ مرَّةً، ثُمَّ نَزَعَ، ثُمَّ شهد
(10)
: لم تُقبَلْ
(11)
.
(1)
في (م): أجزأتم.
(2)
في (م): أجزأتم.
(3)
قوله: (له) سقط من (ن).
(4)
في (م): تستوفي.
(5)
قوله: (عليهم) سقط من (م) و (ن).
(6)
قوله: (الخصم) سقط من (م).
(7)
في (م): لوكيله.
(8)
في (ن): فيما.
(9)
زيد في (م): به.
(10)
زيد في (م): له.
(11)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4123.
وتُقبَلُ شهادتُه
(1)
على مُوَكِّلِه، ويتيمٍ في حِجْره.
(وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ) بما
(2)
هو شَريكٌ فيه، لا نَعلَمُ فِيهِ خِلافًا
(3)
؛ لِاتِّهامه.
وكذا المضارِبُ بمالِ المُضارَبَة.
(وَالْغُرَمَاءِ لِلْمُفْلِسِ) المحْجُورِ عَلَيهِ (بِمَالٍ)، سواءٌ كان المفْلِسُ حيًّا أوْ مَيِّتًا؛ لِأنَّ حقوقَهم تتعلَّقُ به، وأمَّا قَبْلَ الحَجْرِ؛ فتُقبَلُ؛ لِأنَّ حقَّهم إنَّما يتعلَّقُ بذِمَّته.
وقال ابنُ حَمْدانَ: لا تُقبَلُ قَبْلَ الحَجْرِ مع إعْسارِهِ.
(وَأَحَدِ الشَّفِيعَيْنِ بِعَفْوِ الآْخَرِ عَنْ شُفْعَتِهِ
(4)
؛ لِأنَّه مُتَّهَمٌ، فإنْ شَهِدَ بَعْدَ إسْقاطِ شُفْعَتِهِ؛ قُبِلَتْ؛ لِانْتِفاءِ التُّهمة.
مسائلُ:
لا تُقبَلُ شهادةُ أجِيرٍ لمَن اسْتأْجَرَه، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
، وفي
(6)
«المستوعب» وغَيره: فيما اسْتَأْجَرَه فِيهِ.
وذَكَرَ الخَلاَّلُ في «جامِعه» : أنَّ أحمدَ قال في رِوايَةِ عبدِ الملِكِ: كَيفَ لا يَجُوزُ، ولكن
(7)
النَّاسَ تكلَّمُوا فِيهِ، فرأيْتُه يغلِبُ
(8)
على قَلْبِه جَوازُه
(9)
.
(1)
قوله: (شهادته) سقط من (م).
(2)
في (ن): فيما.
(3)
ينظر: المغني 10/ 169.
(4)
في (م): شفيعه.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4100، زاد المسافر 3/ 529.
(6)
في (م): في.
(7)
في (م): لا تجوز لكن.
(8)
في (م): فغلب.
(9)
قوله: (فرأيْتُه يغلِبُ على قَلْبِه جَوازُه)، ذكره في الفروع 11/ 361 من كلام الميموني.
ولا حاكِمٍ لمَن في حِجْرِه، قاله في «الإرشاد» و «الرَّوضة»
(1)
.
وتقبل
(2)
عَلَيهِ بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ
(3)
؛ لِأنَّه لا يُتَّهَمُ، وفِيهِ رِوايَةٌ.
ولا لمَن له كلامٌ أو استحقاقٌ
(4)
في شَيءٍ، وإنْ قلَّ؛ كرباطٍ
(5)
ومدرسةٍ في ظاهِرِ كَلامِهم.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في قَومٍ في دِيوانٍ آجَرُوا شَيئًا: لا تقبل
(6)
شهادةُ أحدٍ مِنهُم على مستأجرٍ
(7)
؛ لِأنَّهم وُكَلاءُ أوْ ولاةٌ
(8)
، قال: ولا شَهادةُ دِيوانِ الأمْوال السُّلْطانِيَّةِ على الخُصوم
(9)
.
(1)
كتب في هامش (ظ): (واقتصر عليه في الفروع).
(2)
في (ن): ويقبل.
(3)
ينظر: المغني 10/ 240.
(4)
في (م): واستحقاق.
(5)
في (م): وكرباط.
(6)
في (ن): لا يقبل.
(7)
في (م): مشاجر.
(8)
في (ن): وولاة.
(9)
ينظر: الاختيارات ص 521، الفروع 11/ 360.
(فَصْلٌ)
(الثَّالِثُ: أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا؛ كَشَهَادَةِ الْعَاقِلَةِ بِجَرْحِ شُهُودِ قَتْلِ الْخَطَأِ)؛ لِأنَّه مُتَّهَمٌ لمَا فيه
(1)
مِنْ دفع
(2)
الدِّيَةِ عن أنْفُسِهم.
فإنْ كان الجارِحُ فَقِيرًا أوْ بعيدًا؛ فاحتِمالانِ:
أحدُهما: يُقبَلُ؛ لِأنَّه لا يَحمِلُ شَيئًا مِنْ الدِّيَةِ.
والثَّانِي: لَا؛ لِجَوازِ أنْ يُوسِرَ أوْ يموت
(3)
مَنْ هُوَ أقْرَبُ منه قَبْلَ الحَول، فيحملها.
(وَالْغُرَمَاءِ بِجَرْحِ شُهُودِ الدَّيْنِ
(4)
عَلَى المُفْلِسِ)؛ لمَا فِيهِ مِنْ تَوفِيرِ المال عَلَيهم.
(وَالسَّيِّدِ بِجَرْحِ مَنْ شَهِدَ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ بِدَيْنٍ)؛ لِأنَّه مُتَّهَمٌ فِيهَا؛ لمَا يَحصُلُ بها مِنْ دَفْعِ الضَّرَر عن نَفْسِه، فكأنَّه شَهِدَ لِنَفْسِه، قال الزُّهْرِيُّ:«مَضَتِ السُّنَّة في الإسلام: لا تَجُوزُ شهادةُ خَصْمٍ ولا ظَنِينٍ»
(5)
، والظَّنِينُ: المتَّهَمُ.
يؤُيِّدُه: ما رَوَى سعيدٌ، ثنا عبدُ العزيز بنُ محمَّدٍ، أخبرني
(6)
محمَّدُ بنُ زَيدِ بنِ المهاجر
(7)
، عن طَلحةَ بنِ عبدِ الله بنِ عَوفِ، قال: «قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ اليمينَ على المدَّعَى عَلَيهِ، ولا تَجُوزُ شهادةُ خَصْمٍ ولا
(1)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(2)
في (ن): رفع.
(3)
في (م): ويموت.
(4)
في (م): يجرح الشهود.
(5)
أخرجه البيهقي في الكبرى (20865).
(6)
في (م): أخبرنا.
(7)
في (م): المهاجري.
ظَنِينٍ»، وهو مُرسَلٌ
(1)
.
ويَلتَحِقُ بذلك: أنَّ شهادةَ الضَّامِنِ بإبْراءِ المضْمُونِ عنه، أوْ قَضائه؛ غَيرُ مَقْبولةٍ؛ لمَا ذَكَرْنا.
(وَالوَصِيِّ
(2)
بِجَرْحِ
(3)
الشَّاهِدِ عَلَى الْأَيْتَامِ، وَالشَّرِيكِ بِجَرْحِ
(4)
الشَّاهِدِ عَلَى شَرِيكِهِ)؛ لِأنَّه مُتَّهَمٌ، وهو ظاهِرٌ.
(وَسَائِرِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِإِنْسَانٍ إِذَا شَهِدَ بِجَرْحِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ)؛ كالوصيِّ، والوكيلِ، والشَّريكِ، وغَرِيمِ المفْلِسِ المحجورِ
(5)
عَلَيهِ ونَحوِهم؛ لأِنَّهم مُتَّهَمُونَ في دَفْعِ الضَّرَر عَنهُم في ثُبوتِ الحقِّ الَّذي يتضمَّن
(6)
إزالةَ حُقوقِهم مِنْ المشْهُودِ به.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (20823)، وأبو داود في المراسيل (396)، من طرق عن محمد بن زيد، عن طلحة بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وطلحة بن عبد الله بن عوف الزهري، ثقة من الطبقة الوسطى من التابعين.
(2)
في (ن): والرضي.
(3)
في (م): يخرج، وفي (ظ): يجرح.
(4)
في (م): يخرج، وفي (ظ): يجرح.
(5)
في (ظ): والمحجور.
(6)
في (ن): تتضمن.
(فَصْلٌ)
(الرَّابِعُ: الْعَدَاوَةُ)؛ لمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجوز
(1)
شهادةُ خائنٍ ولا خائنةٍ، ولا زَانٍ ولا زانِيَةٍ، ولا ذِي غِمْرٍ على أخِيهِ» رواه أبو داودَ
(2)
، والغِمْر: الحِقْد، ولِأنَّ العداوة
(3)
تُورِثُ تُهمةً شديدةً، فمَنَعَت الشَّهادةَ؛ كالقَرابَة القريبة
(4)
، ويُعتَبَرُ كَونُها لِغَيرِ الله تعالَى، مَورُوثةً أوْ مُكتَسَبَةً. وفي «التَّرغيب» و «الرِّعاية»: ظاهِرةٌ، بحَيثُ يُعلَمُ أنَّ كلًّا مِنهُما يُسَرُّ بمَساءَةِ الآخَرِ ويَغتَمُّ بفَرَحِه، ويَطلُبُ له الشرَّ
(5)
.
زادَ ابنُ حَمْدانَ: أوْ حاسِدٍ، لكِنْ في الخبر: «ثلاثةٌ لا يَنجُو مِنهُنَّ أحدٌ: الحَسَدُ والظَّنُّ والطِّيَرةُ، وسأحدِّثُكم بالمخرَجِ مِنْ ذلك، إذا حَسَدْتَ فلا تَبْغِ
(6)
، وإذا ظنَنْتَ
(7)
فلا تَتَحقَّقْ، وإذا تَطَيَّرْتَ فامْضِ»
(8)
.
(1)
في (م): لا تقبل.
(2)
تقدم تخريجه 10/ 346 حاشية (1).
(3)
قوله: (ولأن العداوة) سقط من (ن).
(4)
في (م): والقريبة.
(5)
في (م): السوء.
(6)
في (ن): فلا تسع.
(7)
في (م): ظنت.
(8)
أخرجه السمرقندي في تنبيه الغافلين (219)، من طريق إسماعيل بن عُلية، عن عَبّاد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاوية مرفوعًا بنحوه. وسنده ضعيف مع إرساله؛ فإن عبد الرحمن بن معاوية المدني ضعفه مالك والنسائي، وقال أبو حاتم:(ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به)، وأخرج البيهقي في الشعب (1129)، من طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن إسماعيل بن أمية نحوه مرفوعًا قال البيهقي:(هذا منقطع). ينظر: الجرح والتعديل 5/ 284، الكامل 5/ 501، تهذيب التهذيب 6/ 272.
وعِبارةُ الخِرَقِيِّ، و «المستوعب» ، و «الرِّعاية»: لا تُقبَلُ شَهادةُ خَصْمٍ، فيَدخُلُ فيه: كلُّ مَنْ خاصَمَ في حقٍّ؛ كالوكيل والشَّريك فِيما هُوَ وكيلٌ أوْ شَرِيكٌ فيه.
(كَشَهَادَةِ المَقْذُوفِ عَلَى قَاذِفِهِ، وَالمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى قَاطِعِهِ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.
فَعَلَى هذا: لا تُقبَلُ شهادتُهم إنْ شَهِدَتْ أنَّ هؤلاء قَطَعُوا الطَّريقَ عَلَينا أو على القافلة، بل على هؤلاء، ولَيس للحاكِمِ أنْ يَسأَلَ: هل قَطَعوها عَلَيكم معهم؟ لِأنَّه لا يَبحَثُ عمَّا شهدت
(1)
به الشُّهودُ.
وإنْ شَهِدَتْ أنَّهم عَرَضُوا لنا، وقَطَعُوا الطَّريقَ على غَيرِنا؛ ففي «الفصول»: تُقَبلُ، قال: وعِندِي لَا.
(وَالزَّوْجِ بِالزِّنَى عَلَى امْرَأَتِهِ)، في قَولِ أكْثَرِ العُلَماء؛ للخبر، ولِأنَّ ذلك يُورِثُ تهمةً، بخِلافِ الصَّداقة، فإنَّ شهادةَ الصَّديق لصديقِه بالزُّور نَفْعُ غَيرِه بما ضرَّ به نَفْسَه، وبَيعُ آخِرتِه بدُنْيَا غَيرِه، وشهادةُ العدوِّ على عَدُوِّه يَقصِدُ بها نَفْعَ نفسه مِنْ التَّشَفِّي بعَدُوِّه، فافْتَرَقَا.
وأمَّا المُحاكَمَةُ في الأمْوالِ؛ فَلَيستْ عَداوةً تَمنَعُ الشَّهادةَ في غَيرِ ما حاكَمَ
(2)
فِيهِ؛ لِأنَّها لو لم تُقبَلْ؛ لَاتَّخَذَ النَّاسُ ذلك وسيلةً إلى إبْطالِ الشَّهادات والحُقوقِ.
وظاهرُ
(3)
كلامهم: أنَّها تُقبَلُ لِعَدوِّه؛ لِانْتِفاءِ التُّهمة.
وعَنْهُ: لا، كما لا تُقبَلُ عَلَيهِ.
(1)
في (م): شهد.
(2)
في (م): حكم.
(3)
في (م): فظاهر.
(فَصْلٌ)
(الْخَامِسُ: أَنْ يَشْهَدَ الْفَاسِقُ بِشَهَادَةٍ، فَتُرَدَّ
(1)
، ثُمَّ يَتُوبَ وَيُعِيدَهَا؛ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ)، جَزَمَ به «المحرَّر» و «الوجيز» و «السَّامَرِّيُّ» ، وزاد: وَجْهًا واحِدًا؛ (لِلتُّهَمَةِ) في أدائها؛ لكَونِه يُعيَّرُ برَدِّها، فربَّما قَصَدَ بأدائها أنْ يقبل
(2)
لِإزالةِ العار الَّذي لَحِقَه بِرَدِّها، ولِأنَّها رُدَّتْ باجْتِهادٍ، فقبولها
(3)
نقضٌ
(4)
لذلك الاِجْتِهادِ.
وعَنْهُ: تُقبَلُ، حكاها في «الرِّعاية» ، وقاله أبو ثَورٍ والمزني، قال ابنُ المنذِرِ: والنَّظَرُ يَدُلُّ على هذا
(5)
؛ كغَيرِ هذه الشَّهادة، وكما لو شَهِدَ وهو كافِرٌ، فرُدَّتْ، ثُمَّ أسْلَمَ.
(وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ حَتَى
(6)
صَارَ عَدْلاً؛ قُبِلَتْ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(7)
؛ لِأنَّ التُّهمةَ إنَّما كانَتْ مِنْ أجْلِ العار الَّذي يَلحَقُه في الرَّدِّ، وهو مُنتَفٍ هنا.
وهكذا الصَّبِيُّ والكافِرُ إذا شَهِدَ بَعْدَ الإسلام والبُلوغ؛ لِأنَّ الصِّبيانَ في زَمَنِه صلى الله عليه وسلم كانُوا يروُون
(8)
بَعْدَما كَبِرُوا؛ كابْنِ جَعْفَرٍ وابنِ الزُّبَيرِ
(9)
، والشَّهادةُ
(1)
قوله: (بشهادة فترد) في (م): شهادة.
(2)
في (م): تقبل.
(3)
في (م): قبولها.
(4)
في (ن): يفضي.
(5)
ينظر: الإشراف 4/ 303.
(6)
قوله: (حتى) سقط من (ن).
(7)
ينظر: المغني 10/ 185.
(8)
في (م): يردون، وفي (ن): يرون.
(9)
هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير بن العوام، من صغار الصحابة.
في مَعْنَى الرِّوايةِ؛ لِأنَّ التُّهمةَ هنا مُنتَفِيَةٌ.
وكذا العَبْدُ إذا شَهِدَ بَعْدَ العِتْق.
(وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ عَبْدٌ، فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ، ثُمَّ أَعَادُوهَا بَعْدَ زَوَالِ
(1)
الْكُفْرِ وَالرِّقِّ وَالصِّبَا) - وعبارةُ بعضِهم: بَعْدَ زَوالِ المانِعِ، وهي أَوْلَى -؛ (قُبِلَتْ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «المحرَّر» و «المستوعب» ؛ لِأنَّ ردَّ الشَّهادةِ في الأحْوالِ المذكورةِ لا غَضاضةَ فيها، فلا
(2)
تَقَعُ تُهمةٌ في الإعادة، بخِلافِ الَّتي قَبْلَها، ولِأنَّ البُلوغَ والحُرِّيَّةَ لَيسَا مِنْ فِعْلِه، ويَظهَرانِ، بخِلافِ الفِسْقِ.
والثَّانِيَةُ: لا تُقبَلُ، اخْتارَها أبو بكرٍ وابنُ أبي مُوسَى؛ كالفاسق، ولِأنَّ شَهادةَ العبد مُجتَهَدٌ فِيهَا، فإذا ردَّت؛ لم تُقبَلْ كالفاسِقِ.
وكذا إذا ردَّت لِجُنونٍ أوْ خَرَسٍ، ثُمَّ أعادَها بَعْدَ زَوالِ المانِعِ؛ فإنَّها تُقبَلُ على الأصحِّ.
(وَإِنْ شَهِدَ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ لِمَوْرُوثِهِ بِجُرْحٍ
(3)
قَبْلَ بُرْئِهِ، فَرُدَّتْ، ثُمَّ أَعَادَهَا
(4)
بَعْدَ عِتْقِ المُكَاتَبِ، وَبُرْءِ الْجَرِيحِ؛ فَفِي رَدِّهَا وَجْهَانِ):
أحدُهما: تُقبَلُ، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «المُغْنِي» ؛ لِأنَّ زَوالَ المانِعِ لَيسَ مِنْ فِعْلِه، أشْبَهَ زَوالَ الصِّبا، ولِأنَّ ردَّها بسببٍ لا عارَ فِيهِ، فلا
(5)
يُتَّهَمُ في قَصْدِ نَفْيِ العار بإعادتها، بخِلافِ الفِسْقِ.
(1)
قوله: (زوال) سقط من (م).
(2)
في (م): ولا.
(3)
في (ظ): بالجرح.
(4)
في (ظ): أعادوها.
(5)
قوله: (فلا) سقط من (م).
والثَّاني
(1)
: لا تُقبَلُ، صحَّحه في «المحرَّر» ، وذَكَرَ في «الكافي»: أنَّه الأَولَى، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ ردَّها باجتهاده
(2)
، فلا يُنقَضُ ذلك باجْتهاده، ولِأنَّها رُدَّتْ للتُّهمة؛ كالمرْدُودةِ للفِسْقِ.
ونَصَرَ المؤلِّفُ الأوَّلَ، فإنَّ
(3)
الأصْلَ قَبولُ شَهادةِ العَدْل، ولا يَصِحُّ القِياسُ، وأمَّا نَقْضُ الِاجْتِهاد بالِاجْتِهاد؛ فهو جائزٌ بالنِّسبة إلى المستَقْبَل، غَيرُ جائزٍ بالنسبة
(4)
إلى الماضي، بدليلِ: أنَّ عمرَ رضي الله عنه قَضَى في قَضِيَّةٍ بقَضايَا مُختَلِفَةٍ
(5)
، وقَبولُ الشَّهادةِ هُنا مِنْ النَّقْض في المسْتَقْبَلِ.
فرعٌ: الخِلافُ جارٍ
(6)
في كلِّ مَوضِعٍ رُدَّتْ لِتُهمةِ رَحِمٍ، أوْ زَوجِيَّةٍ، أوْ عَدَاوةٍ، أوْ جَلْبِ نَفْعٍ، أوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، ثُمَّ زَالَ المانِعُ، ثُمَّ أعادَها.
وقِيلَ: إنْ زَالَ المانِعُ باخْتِيارِ الشَّاهِدِ؛ كإعْتاقِ العَبْد، وتَطْلِيقِ الزَّوجة؛ رُدَّتْ، وإلَّا فَلَا.
(وَإِنْ شَهِدَ الشَّفِيعُ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ فِي الشُّفْعَةِ عَنْهَا، فَرُدَّتْ، ثُمَّ عَفَا الشَّاهِدُ
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
في (م): باجتهاد.
(3)
في (م): بأن.
(4)
في (م): (بالنسبين)، وكتب فوقه (على).
(5)
من ذلك: ما أخرجه عبد الرزاق (19005)، وابن أبي شيبة (31097)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 331)، عن سماك بن الفضل، سمعت وهبًا، يحدث عن الحكم بن مسعود قال: شهدتُ عمر رضي الله عنه أشرك الإخوة من الأب والأم مع الإخوة من الأم في الثلث، فقال له رجل: قد قضيتَ في هذا عام الأول بغير هذا، قال:«وكيف قضيت؟» قال: جعلته للإخوة للأم ولم تجعل للإخوة من الأب والأم شيئًا، قال:«ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي» . وسنده صحيح، ورجاله ثقات، وفي اسم الحكم بن مسعود الثقفي خلاف لا يضر. قال الذهبي:(هذا إسناد صالح). ينظر: السنن الكبرى 6/ 417، ميزان الاعتدال 1/ 579، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة 3/ 489.
(6)
في (م): جاز.
عَنْ شُفْعَتِهِ، وَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ؛ لَمْ يُقْبَلْ
(1)
، ذَكَرَهُ الْقَاضِي
(2)
، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لِأنَّه مُتَّهَمٌ، أشْبَهَ الفاسِقَ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُقْبَلَ
(3)
، هذا وَجْهٌ؛ لِزَوالِ المانِعِ.
والأَولَى: أنْ يُخرَّجَ على الوَجْهَينِ في الَّتي قَبْلَها؛ لِأنَّها إنَّما رُدَّتْ؛ لِكَونه يَجُرُّ بها إلى نَفْسِه نفعًا
(4)
، وقد زال ذلك بعَفوِه.
مسألةٌ: قال في «التَّرغيب» : مِنْ مَوانِعِها الحِرْصُ على أدائها قَبْلَ اسْتِشْهادِ مَنْ يَعلَمُ بها، قَبْلَ الدَّعْوَى أوْ بَعدَها، فَتُرَدُّ، وهل يَصِيرُ مَجْروحًا؟ يَحتَمِلُ وَجْهَينِ.
قال: ومِن مَوانِعِها العَصَبِيَّةُ، فلا شَهادةَ لمَنْ عُرِفَ بها، وبالإفراطِ
(5)
في الحَمِيَّةِ، كتعصُّب
(6)
قبيلة على قبيلةٍ، وإنْ لم يبلغ
(7)
رُتْبةَ العَداوةِ.
فرعٌ: إذا شَهِدَ عِنْدَ حاكِمٍ، فقال آخَرُ: أشْهَدُ بمِثْلِ ما شَهِدَ به، أوْ بذلك، أو كذلك، أوْ بما وَضَعْتُ به خَطِّي؛ فقال ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ أوْجُهًا، ثالِثُها: يصح في
(8)
: وبذلك، وكذلك فقطْ، وهو أشْهَرُ.
وفي «نُكَتِ المحرَّر» : أنَّ القَولَ بالصِّحَّة في الجَميعِ أَوْلَى.
(1)
قوله: (عن شفعته، وأعاد تلك الشهادة لم يقبل) هو في (م): لم تقبل.
(2)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(3)
في (م): تقبل.
(4)
قوله: (نفعًا) سقط من (ن).
(5)
في (م): ولا بإفراط.
(6)
في (ظ): كتعصيب.
(7)
في (م): لم تبلغ.
(8)
قوله: (يصح في) هو في (م): تصح في مثل. والمثبت موافق للفروع 11/ 381.
(بَابُ أَقْسَامِ المَشْهُودِ بِهِ)، وعددِ شُهودِه
(وَالمَشْهُودُ بِهِ يَنْقَسِمُ
(1)
خَمْسَةَ أَقْسَامٍ)، يَأتِي بَيانُها.
(أَحَدُهَا: الزِّنَى، وَمَا يُوجِبُ حَدَّهُ)؛ كاللِّواط، (فَلَا يُقْبَلُ
(2)
فِيهِ إِلَّا أَرْبَعَةُ
(3)
رِجَالٍ، أَحْرَارٍ
(4)
، عُدُولٍ، وتَقدَّمَ في بابِ حدِّ الزِّنى.
(وَهَلْ يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَى بِشَاهِدَيْنِ، أَوْ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحْداهُما: لا يثبتُ
(5)
إلَّا بأربعةٍ
(6)
، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه مُوجِبٌ لِحَدِّ الزِّنى، فأشبه
(7)
الفِعْلَ، والمرادُ: الإقْرارُ المعْتَبَرُ، وهو أرْبَعٌ.
الثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ عَدْلانِ؛ كسائرِ الأقارير.
فإنْ كان المُقِرُّ أعْجَمِيًّا؛ ففي التَّرجمة وجْهانِ؛ كالشَّهادة على الإقْرارِ، وقدَّم في «الرِّعاية»: أنَّه يُقبَلُ فيه
(8)
تُرْجُمانانِ.
ومَن عُزِّرَ بِوَطْءِ فرجٍ
(9)
؛ ثَبَتَ برَجُلَينِ، قدَّمه أكثرُ الأصْحاب، وقِيلَ:
(1)
في (م): فينقسم.
(2)
في (م): فلا تقبل.
(3)
في (م): بأربعة.
(4)
كتب في هامش (ن): (ولو أرقاء).
(5)
في (م): لا تثبت.
(6)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(7)
في (ن): إنما يشبه.
(8)
في (م): منه.
(9)
كتب في هامش (ظ): (يدخل في هذا: من وطئ زوجته في حيض، أو إحرام، أو صوم، وواطئ البهيمة، ونحو ذلك، فأما لو كان الوطء مباحًا لا يوجب حدًّا، ولا تعزيرًا؛ كوطء الرجل أمته أو زوجته إذا احتاج إلى إثبات ذلك؛ فالظاهر أن حكمه كذلك، وهو أنه يثبت برجلين؛ لأنه لا يوجب حدًّا، وليس مما يختص به النساء غالبًا حتى يُكتفى فيه بامرأة، ولم أجد هذه المسألة في كلام الأصحاب مصرحًا بها، قاله ابن نصر الله).
أربعةٍ، قال ابنُ حَمْدانَ: مع البيِّنة، واثْنَينِ مع الإقرار.
وتَثْبُتُ المباشَرةُ دُونَ الفَرْجِ، وما أوجب
(1)
تعزيرًا بعَدْلَينِ، أشْبَهَ ظُلْمَ النَّاس.
(الثَّانِي: الْقِصَاصُ، وَسَائِرُ الْحُدُودِ؛ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ حُرَّانِ
(2)
، اقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الكافي» و «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الفُروع» .
وعَنهُ: لا يُقبَلُ في القَتْلِ العَمْدِ إلاَّ أربعةُ رجالٍ، وبه قال الحَسَنُ.
وعن
(3)
عطاءٍ وحمَّادٍ: يُقبَلُ في ذلك كلِّه رجلٌ وامْرأتانِ؛ كالشَّهادة على الأمْوالِ.
ولنا: أنَّه أحَدُ نَوعَيِ القِصاصِ، فيُقبَلُ فِيهِ اثْنانِ؛ كقَطْعِ الطَّرَف، بخِلافِ الزِّنى، وهذا مِمَّا يُحتاطُ لِدَرْئه، ويَندَرِئُ بالشُّبُهات، ولا تَدْعُو الحاجةُ إلى إثباته
(4)
.
لا يُقالُ: القَتْلُ أعْظَمُ مِنْ الزِّنى، واشْتُرِطَ فيه أربعةٌ؛ كان القتل
(5)
أَوْلَى؛ لِأنَّ القَتْلَ فِيهِ حَقُّ آدَمِيٍّ، وفي اشْتِراطِ الأربعةِ إسْقاطٌ له، بخِلافِ الزِّنى، وفي شهَادةِ النِّساء شُبْهةٌ، رَوَى الزُّهْرِيُّ قال:«مضَتِ السُّنَّةُ على عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ لا تُقبَلَ شهادةُ النِّساء في الحُدودِ»
(6)
.
وعَنهُ: جَوازُ شهادةِ النِّساء على الاِنْفِراد بَينَهُنَّ في الحَمَّامات.
(1)
في (م): وأما أوجب، وفي (ن): وما وجب.
(2)
كتب في هامش (ن): (ولو رقيقان).
(3)
قوله: (عن) مكانه بياض في (م).
(4)
في (ظ): إتيانه.
(5)
قوله: (القتل) سقط من (م).
(6)
أخرجه عبد الرزاق (13373)، وابن أبي شيبة (15402).
وفي اشْتِراطِ الحُرِّيَّة خِلافٌ سَبَقَ.
وإنْ أقرَّ بقَتْلِ عَمْدٍ؛ ثَبَتَ إقْرارُه بمَرَّةٍ.
وعَنْهُ: أربعٍ، نَقَلَ حنبل: يُردِّدُه ويَسألُ عنه، لَعَلَّ به
(1)
جُنونًا أوْ غَيرَ ذلك
(2)
.
(الثَّالِثُ: مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ المَالُ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، غَيْرَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ كَالطَّلَاقِ، وَالنَّسَبِ، وَالْوَلَاءِ
(3)
، وَالْوَكَالَةِ فِي غَيْرِ المَالِ، وَالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)؛ كالظِّهار، والاِسْتِيلادِ، والنِّكاح؛ (فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الفروع» ، وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ: أنَّه
(4)
المشْهورُ في المذْهَبِ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لقوله تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطّلَاق: 2]، قاله
(5)
في الرَّجْعة، والباقِي قِياسًا؛ ولِأنَّه لَيسَ بمالٍ ولا يُقصَدُ به المالُ، أشْبَهَ العُقوباتِ، ولِأنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلى عَدَمِ الطَّلاق والنِّكاح.
(وَعَنْهُ: فِي النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْعِتْقِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ)؛ لِأنَّه لا يَسقُطُ بالشُّبهة، أشْبَهَ المالَ، ولِأنَّ العبدَ
(6)
مالٌ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لِأنَّ إلْحاقَ النِّكاح بالطَّلاق أَوْلَى مِنْ إلْحاقِه بالمال، ولذلك
(7)
قال القاضِي: لا يَثبُتانِ إلَّا بشهادةِ رَجُلَينِ، رِوايةٌ واحدةٌ.
(1)
قوله: (به) سقط من (ن).
(2)
ينظر: الفروع 11/ 369.
(3)
في (م): والولادة.
(4)
في (م): أنها.
(5)
في (م): قال.
(6)
في (م): العقد.
(7)
في (م): وكذلك.
(وَعَنْهُ فِي الْعِتْقِ
(1)
: أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ
(2)
شَاهِدٌ وَيَمِينُ المُدَّعِي)، اخْتارَها أبو بكرٍ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(3)
، قال في «الفروع»:(ولم أجِدْ مُسْتَنَدَها عن أحمدَ)؛ لِأنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلى العِتْق، وفي قَبولِ شاهِدٍ ويمينِ المعْتَق تَوسِعةٌ في ثُبوتِ العِتْق.
(وَقَالَ الْقَاضِي: النِّكَاحُ وَحُقُوقُهُ؛ مِنَ الطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالرَّجْعَةِ؛ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لِأنَّه يُحتاطُ لها، بخِلافِ غَيرِها، (وَالْوَكَالَةُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْكِتَابَةُ، وَنَحْوُهَا يُخَرَّجُ
(4)
عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، ما خَلَا العُقوباتِ البَدَنِيَّةَ، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
وعَنْهُ: لا يُقبَلُ أنَّه
(5)
وَصِيٌّ حتَّى يَشهَدَ له رَجُلانِ، أوْ رَجُلٌ عَدْلٌ، فظاهر
(6)
هذا: أنَّه يُقبَلُ في الوصيَّة شَهادةُ رجلٍ واحدٍ.
ونَصَّ في الإعْسارِ: أنَّه لا يَثبُتُ إلَّا بثلاثةٍ
(7)
؛ لحديثِ قَبَيصَةَ
(8)
، قال القاضي: هو في حِلِّ
(9)
المسألة، لا في الإعْسارِ.
ونَقَلَ عنه أبو طالبٍ، وأبو الحارث، ويعقوبُ بنُ بُخْتانَ، في الأسير يَدَّعِي أنَّه كان مُسلِمًا قَبْلَ الأَسْر؛ لِيَدْرَأَ عنه الرِّقَّ: إنْ شَهِد له بذلك رجلٌ من
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
في (ظ) و (م): وعنه: يقبل في العتق.
(3)
ينظر: الفروع وتصحيح الفروع 11/ 369.
(4)
في (ن): تخرج.
(5)
في (م): لأنه.
(6)
في (ن): وظاهر.
(7)
قال في المغني 10/ 131: (نُقل عن أحمد رضي الله عنه في الإعسار ما يدل على أنه لا يثبت إلّا بثلاثة؛ لحديث قبيصة بن المخارق: «حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه، لقد أصابت فلانًا فاقة»، قال أحمد: هكذا جاء الحديث، فظاهر هذا أنه أخذ به).
(8)
أخرجه مسلم (1044).
(9)
في (م): أصل.
الأسرى؛ قُبِلَتْ شَهادتُه مع يمينه، وكذا إنْ شَهِدَتْ له امرأةٌ واحِدةٌ
(1)
، فنَصَّ على قَبولِ شَهادَتِها في الإسْلامِ.
قال القاضي: فيُخرَّجُ مِنْ هذا: أنَّ كلَّ عقدٍ
(2)
لَيسَ مِنْ شَرْطِ صحته
(3)
الشَّهادةُ؛ يثبت
(4)
بشاهِدٍ وامْرَأَتَينِ أوْ يمينٍ.
وفي «المحرَّر» : هل يُقبَلُ الرَّجُلانِ والمرأتانِ، أو الشَّاهِدُ واليمينُ في دَعْوَى قتلِ الكافِرِ لِاسْتِحْقاقِ سَلَبِه؟ ودَعْوَى الأسير
(5)
إسْلامًا سابِقًا؟ على رِوايتَينِ.
فرعٌ: يُقبَلُ طبيبٌ وبَيطارٌ واحِدٌ في مَعرفةِ داءٍ ومُوضِحةٍ إنْ تعذَّرَ آخَرُ، نَصَّ عَلَيهِ
(6)
؛ لِأنَّه مِمَّا يعسر
(7)
عَلَيهِ إشْهادُ اثْنَينِ، فكَفَى الواحِدُ؛ كالرَّضاعِ، وإنْ أمْكَنَ إشْهادُ اثْنَينِ لم يُكتَفَ بدونِهما؛ لِأنَّه الأصلُ.
وأطْلَقَ في «الرَّوضة» قَبولَ الواحِدِ.
فإن اخْتَلَفا؛ قُدِّمَ قَولُ المثْبِتِ.
(قَالَ
(8)
أَحْمَدُ رحمه الله فِي
(9)
الرَّجُلِ يُوَكِّلُ وَكِيلاً
(10)
وَيُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ: إِنْ كَانَتْ فِي المُطَالَبَةِ بِدَيْنٍ)؛ صحَّ
(11)
؛ لِأنَّ الوكالةَ في اقْتِضاء
(1)
ينظر: الفروع 11/ 376.
(2)
في (ن): عبد.
(3)
في (م): صحة.
(4)
في (ن): تثبت.
(5)
في (م): لأسير.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4147.
(7)
في (م): يعتبر.
(8)
في (ظ) و (م): وقال.
(9)
قوله: (في) سقط من (م).
(10)
في (ظ) و (م): آخر.
(11)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 87.
الدَّين يُقصَدُ منها
(1)
المالُ؛ كالحَوالةِ، (فَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا)؛ لمَا سَبَقَ.
(الرَّابِعُ: المَالُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ المَالُ؛ كَالْبَيْعِ)، والأجلِ، والخِيارِ فِيهِ، (وَالْقَرْضِ، وَالرَّهْنِ، وَالْوَصِيَّةِ لَهُ)؛ أيْ: لمُعَيَّنٍ، والوقفِ
(2)
عَلَيهِ، وقِيلَ: إنْ مَلَكَه، وتسميةِ مهرٍ، ورِقِّ مَجْهولِ النَّسَب، (وَجِنَايَةِ الْخَطَأِ: يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ
(3)
رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَشَاهِدٌ وَيَمِينُ المُدَّعِي)، قدَّمه في «الكافي» و «المستوعب» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز»؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين
…
} إلى قوله: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]
(4)
، نَصَّ على المُدايَنةِ، وقِسْنا عَلَيهِ سائرَ ما ذَكَرْنا، ولِأنَّ المقصودَ منها المالُ، أشْبَهَت الشَّهادةَ بنفْسِ المالِ.
ولا خِلافَ أنَّ المالَ يَثبُتُ بشهادةِ النِّساء مع الرِّجال
(5)
؛ للنَّصِّ.
وأكْثَرُ العلماء يَرَونَ ثُبوتَ المال لمُدَّعِيهِ بشاهدٍ ويمينٍ؛ لمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ، وأحمدُ، ومسلمٌ، عن عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضى بيمينٍ وشاهِد» ، زاد الشافعي: قال
(6)
عَمْرو
(7)
: «في الأموال» ،
(1)
في (ن): منه.
(2)
في (م): الوقف.
(3)
قوله: (فيه شهادة) هو في (ظ): (فيه)، وفي (م):(فيها).
(4)
كتب في هامش (ظ): (وإنما يحلف المدعي بعد شهادة شاهده وتعديله؛ لأنه إنما يحلف مَنْ قوي جانبه، وجانب المدعي فيما ذكر إنما يقوى حينئذ، وفارق عدم اشتراط تقدم شهادة الرجل على المرأتين بقيامهما مقام الرجل قطعًا ولا ترتيب بين الرجلين، ويحلف وجوبًا على الاستحقاق لما ادعاه، وإن حدث للشاهد فسقٌ بعد الحكم [بشهادته] لم ينقض، أو قبله فكأن لا شاهد، ويحلف المدعى عليه).
(5)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 68.
(6)
في (ن): فقال.
(7)
في (ن): عمر.
ولأِحمدَ في روايةٍ: «إنَّما كان ذلك في الأموال»
(1)
، ولِأنَّ اليمينَ تُشرَع
(2)
في حقِّ مَنْ ظَهَرَ صِدْقُه، ولذلك شُرِعَتْ في حقِّ صاحِبِ اليد، وفي حقِّ المنكِرِ، والمدَّعِي هُنا ظَهَرَ صِدْقُه بشاهده
(3)
، فَوَجَبَ أنْ تُشرَعَ اليمينُ في حقِّه.
وقِيلَ: تُقبَلُ امْرأتانِ ويمينٌ.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لو قُبِلَ امرأةٌ ويمينٌ تَوَجَّهَ
(4)
؛ لِأنَّهما إنَّما أُقِيما مَقامَ رجلٍ في التَّحمُّل، وكخَبَرِ
(5)
الدِّيانة.
وسواءٌ كان المدَّعِي مُسلِمًا أوْ كافِرًا، عَدْلاً أوْ فاسِقًا، رجلاً أو امرأةً، نَصَّ عَلَيهِ
(6)
.
قال مالِكٌ: مَضَتِ السُّنَّةُ أنَّه يُقضَى باليمين مع الشَّاهد
(7)
.
ولا يُشتَرَطُ أنْ يقولَ المدَّعِي: شاهِدِي صادِقٌ في شهادته.
وقِيلَ: بَلَى، جَزَمَ به في «التَّرغيب» .
وإنْ نَكَلَ؛ حَلَفَ المدَّعَى عَلَيهِ، وسَقَطَ الحقُّ، وإنْ نَكَلَ؛ حُكِمَ عليه
(8)
، نَصَّ عَلَيهِ
(9)
.
وهل تُرَدُّ اليمينُ هنا؟ فيه وَجْهانِ:
(1)
أخرجه مسلم (1712)، وأحمد (2967، 2968)، والشافعي في مسنده- ترتيب سنجر (1709).
(2)
في (ن): تسوغ.
(3)
في (م): بشاهد.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 525، الفروع 11/ 370.
(5)
في (ن): لخبر.
(6)
ينظر: المغني 10/ 135.
(7)
ينظر: النوادر والزيادات 8/ 391.
(8)
قوله: (وسقط الحق، وإن نكل حكم عليه) سقط من (ن).
(9)
ينظر: الفروع 11/ 371.
أشْهَرُهما: لا تُرَدُّ؛ لِأنَّها كانَتْ في جَنَبَتِه، وقد أسَقَطَها بنُكوله عنها، وصارتْ في جَنَبَةِ غَيرِه، فلم تَعُد
(1)
إلَيهِ؛ كالمدَّعَى عَلَيهِ إذا نَكَلَ عَنها، فرُدَّتْ على المدَّعِي، فنَكَلَ عنها.
والثَّانِي: تُرَدُّ؛ لِأنَّ سببها
(2)
نكولُ المدَّعَى عَلَيهِ.
فإذا حَلَفَ واحدٌ من الجماعة؛ أخذَ
(3)
نصيبَه، ولا يُشارِكُه ناكِلٌ، ولا يَحلِفُ وَرَثَةُ ناكِلٍ، إلَّا أنْ يَمُوتَ قَبْلَ نكولِه.
وعَنْهُ في الوصيَّة: يَكفِي واحِدٌ.
وعَنْهُ: إنْ لم يَحضُرْه
(4)
إلَّا نِساءٌ؛ فامرأةٌ.
وسأله ابنُ صدقةَ: الرَّجلُ يُوصِي ويُعتِقُ، ولا يَحضُرُه إلَّا النِّساءُ، تَجُوزُ شهادتهن
(5)
؟ قال: نَعَمْ، في الحقوق
(6)
.
ونَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: الشَّاهِدُ واليمينُ في الحقوق، فأمَّا
(7)
المواريثُ؛ فيُقرَعُ
(8)
.
وعَنْهُ: لا يُقبَلُ في جنايةِ الخَطأِ إلَّا رَجُلانِ، واخْتارَه أبو بكرٍ.
(وَهَلْ تُقْبَلُ
(9)
فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ المُوجِبَةِ لِلْمَالِ دُونَ الْقِصَاصِ - كَالْهَاشِمَةِ، وَالمُنَقِّلَةِ - شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ).
(1)
قوله: (غيره فلم تعد) في (م): ولم يعد.
(2)
في (ن): سبقها.
(3)
في (م): وأخذ
(4)
في (ظ): يحضر
(5)
في (ن): شهادتين.
(6)
ينظر: الفروع 11/ 371.
(7)
في (م): وأما.
(8)
ينظر: الفروع 11/ 371.
(9)
في (م): يقبل.
نَقُولُ في جِنايَةِ العمد الَّتي لا تُوجِبُ قَوَدًا؛ كجائفةٍ، وجِنايَةِ أبٍ، وقَتْلِ مُسلِمٍ لكافرٍ، وحرٍّ بِعَبدٍ؛ رِوايَتانِ:
ظاهِرُ المذْهَبِ
(1)
: أنَّه يُقبَلُ فِيهِ رجلٌ وامْرأتانِ، وشاهِدٌ ويمينٌ؛ لِأنَّه لا يُوجِبُ إلَّا المالَ، أشْبَهَ البَيعَ.
والثَّانية: لا يُقبَلُ فيه
(2)
إلَّا رجُلانِ، اخْتارَه أبو بكرٍ وابنُ أبي موسى؛ لِأنَّها جِنايةُ عَمْدٍ، أشْبَهَت المُوضِحةَ.
فَعَلَى الأول
(3)
: إنْ كانَ القَوَدُ في
(4)
بَعضِها؛ كمَأْمُومةٍ وهاشِمةٍ، هل يَثبُتُ المالُ فقطْ؟ فيه
(5)
رِوايَتانِ، والمذْهَبُ - كما قاله في «المغْنِي» و «التَّرغيب» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» -: أنَّه يقبل
(6)
؛ لِأنَّ مُوجَبَها المالُ؛ كجِنايَةِ الخَطَأِ.
مسألةٌ: إذا رَمَى سَهْمًا على
(7)
إنْسانٍ فتعدَّى منه إلى آخَرَ، فماتا؛ ثَبَتَ الثَّانِي بشاهِدٍ ويمينٍ، وكذا الأوَّلُ إنْ كان مُوجَبُه القَوَدَ، والشَّاهِدُ لَوثٌ، حَلَفَ معه خمسينَ يمينًا
(8)
، وثبتت
(9)
الدِّيَةُ، وقِيلَ: والقَوَدُ أيضًا.
(الْخَامِسُ: مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ، وَالرَّضَاعِ)، وعَنْهُ: وتَحلِفُ فيه، (وَالاِسْتِهْلَالِ، وَالْبَكَارَةِ، وَالثُّيُوبَةِ، وَالْحَيْضِ، وَنَحْوِهِ، فَيُقْبَلُ فِيهِ
(10)
شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ)، قدَّمه في «الكافي» ،
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
قوله: (فيه) سقط من (ن).
(3)
في (ظ): الأولى.
(4)
زيد في (م): أولهما.
(5)
في (م): لأنه.
(6)
في (م): تقبل.
(7)
في (م) و (ن): إلى.
(8)
قوله: (ثبت الثاني بشاهد ويمين
…
) إلى هنا سقط من (م).
(9)
في (م): ثبتت، وفي (ظ): وتثبت.
(10)
قوله: (فيقبل فيه) في (ن): فتقبل.
و «المحرَّر» ، و «الرِّعاية» ، و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لمَا تقدَّم في الرَّضاع، وعن عليٍّ:«أنَّه أجاز شهادةَ القابِلة وحْدَها في الاِسْتِهْلال» رواهُ أحمدُ وسعيدٌ من رِوايَةِ جابِرٍ الجُعْفِيِّ
(1)
.
ويُشتَرَطُ فِيها: العدالةُ، جَزَمَ به في «الوجيز» .
وفي «الفروع» : يُقبَلُ فِيهِ امرأةٌ، لا ذِمِّيَّةٌ، نَقَلَه الشَّالَنْجِيُّ وغَيرُه
(2)
.
وفي «الاِنْتِصار» : فيَجِبُ أن لا
(3)
يُلتَفَتَ إلى لَفْظِ الشَّهادة، ولا مَجلِسِ الحكم؛ كالخَبَر، ولا أَعْرِفُ عن إمامِنا ما يَرُدُّه.
(وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنِ امْرَأَتَيْنِ)؛ لِأنَّ كلَّ جنسٍ لم يَثبُت الحقُّ فيه
(4)
؛ لم يَثبُتْ إلَّا باثْنَينِ؛ كالرِّجالِ
(5)
.
(وَإِنْ شَهِدَ بِهِ الرَّجُلُ)؛ كان كالمرأة، و (كَانَ أَوْلَى بِثُبُوتِهِ)؛ لِأنَّه
(6)
أكمَلُ منها، ولأنَّ
(7)
ما قُبِلَ فِيهِ قَولُ المرأةِ؛ قُبِلَ فِيهِ قَولُ الرَّجل؛ كالرِّوايَةِ.
تنبيهٌ: ظاهِرُه: أنَّ الجِراحةَ وغَيرَها في الحَمَّام والعُرْس ونحوِهما مِمَّا لا
(1)
لم نجده عند أحمد، وقد أخرجه البيهقي في الكبرى (20544)، من طريق سعيد بن منصور، وأخرجه ابن أبي شيبة (20715)، وفيه جابر الجعفي وهو متروك، وعبد الله بن نجي فيه نظر. وقد ضعفه البيهقي، وقال: (لا يصح،
…
ورواه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف، عن غيلان بن جامع، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه أن عليًّا رضي الله عنه، فذكره قال إسحاق الحنظلي: لو صحّت شهادة القابلة عن علي رضي الله عنه لقلنا به، ولكن في إسناده خلل، قال الشافعي رحمه الله تعالى: لو ثبت عن عليٍّ رضي الله عنه صِرنا إليه إن شاء الله، ولكنه لا يثبت عندكم ولا عندنا عنه). ينظر: الخلافيات للبيهقي 7/ 462، نصب الراية 4/ 80.
(2)
ينظر: زاد المسافر 3/ 537، الفروع 11/ 378.
(3)
قوله: (لا) سقط من (م).
(4)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(5)
في (م): كالرجل.
(6)
في (ن): لأن.
(7)
في (م): ولا.
يحضرُه
(1)
الرِّجالُ؛ أنَّه يقبل
(2)
فِيهِ امرأةٌ واحِدةٌ، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، خِلافًا لاِبْنِ عَقِيلٍ وغَيرِه.
ولو ادَّعَتْ إقْرارَ زَوجِها بأُخُوَّةِ رَضاعةٍ
(4)
، فأنْكَرَ، قال في «الَّترغيب»: وقُلْنا تُسمَعُ الدَّعْوَى بالإقْرارِ؛ لم يُقبَلْ فِيهِ نساءٌ فقطْ.
وتَرْكُ القابِلةِ ونَحوِها الأُجْرةَ لحاجةِ المقْبولةِ أفْضَلُ، وإلَّا دَفَعَتها
(5)
إلى مُحتاجٍ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(6)
.
(1)
في (ن): لا تحضره.
(2)
في (م): تقبل.
(3)
ينظر: الفروع 11/ 378.
(4)
في (ن): ورضاعة.
(5)
في (ن): دفعها.
(6)
ينظر: الاختيارات ص 225، الفروع 11/ 378.
(فَصْلٌ
(1)
(وَإِذَا شَهِدَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)، أوْ شاهِدٌ ويَمِينٌ؛ (لَمْ يَثْبُتْ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ)، اقْتَصَرَ علَيهِ في «الكافي» و «الشَّرح» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ القَتْلَ يُوجِبُ القِصاصَ، والمالُ بَدَلٌ منه، فإذا لم يَثبُت الأصلُ؛ لم يجب
(2)
بَدَلُه، وإنْ قُلْنا: مُوجَبُه أحدُ شَيئَينِ؛ لم يَتَعَيَّنْ أحدُهما إلَّا بالاختيار
(3)
، فلو أوْجَبْنا الدِّيَةَ وَحْدَها؛ أوْجَبْنا مُعَيَّنًا.
ونَقَلَ ابنُ مَنصُورٍ عنه: أنَّه يَثبُتُ المالُ إنْ كان المجْنِيُّ عَلَيهِ عبدًا
(4)
، زاد في «الرِّعاية الكبرى»: أوْ حُرًّا.
(وَإِنْ شَهِدُوا
(5)
بِالسَّرِقَةِ؛ ثَبَتَ المَالُ)؛ لِكَمالِ بيِّنتِه
(6)
، (دُونَ الْقَطْعِ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ لِأنَّ السَّرِقةَ تُوجِبُهما؛ أي
(7)
: المالَ والقَطْعَ، فإذا قَصَرَتْ عن أحدهما؛ ثَبَتَ الآخَرُ.
واخْتارَ في «الإرشاد» و «المبهج» : لا يثبت
(8)
المالُ؛ كالقَطْع؛ لأنَّها شهادةٌ لا توجِبُ
(9)
الحَدَّ، وهو أحَدُ موجَبَيْها
(10)
، فإذا بَطَلَتْ في أحدهما؛
(1)
قوله: (فصل) سقط من (م).
(2)
في (م): لم تجب.
(3)
في (ن): باختيار.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3565.
(5)
في (ظ): شهد.
(6)
في (م): ببينته.
(7)
قوله: (توجبهما أي) في (م): توجبها.
(8)
في (ن): لا ثبت.
(9)
في (ن): لا يوجب.
(10)
في (م): موجبها.
بَطَلَتْ في الآخَر.
وبَنَى في «التَّرغيب» عَلَيهِما: القَضاءَ بالغُرْم على ناكِلٍ.
(وَإِنِ ادَّعَى رَجَلٌ الْخُلْعَ؛ قُبِلَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)؛ لِأنَّه يَدَّعِي المالَ الَّذي خالَعَتْه به، فأمَّا البَيْنونةُ؛ فتَحصُلُ بمُجرَّدِ دَعْواهُ، ذَكَرَه أصْحابُنا.
(وَإِنِ ادَّعَتْهُ المَرْأَةُ؛ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إِلَّا رَجُلَانِ)؛ لِأنَّها لا تَقصِدُ بذلك إلَّا الفَسخَ، ولا يثبت
(1)
إلَّا بعَدْلَينِ.
فأمَّا إنِ اخْتَلَفا في عِوَضِ الخُلْع أوِ الصَّداقِ؛ ثَبَتَ بشاهِدٍ ويمينٍ؛ لِأنَّه مَالٌ.
(وَإِذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ)، أوْ شاهِدٌ ويَمِينٌ، (لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ، وَوَلَدُهُا مِنْهُ
(2)
؛ قُضِيَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ
(3)
؛ لِأنَّه يَدَّعِي مِلْكِها، وقد أقامَ بيِّنةً كافيةً فيه، ويَثبُتُ لها حُكمُ الاِسْتِيلاد بإقْراره؛ لِأنَّ إقْرارَه ثَبَتَ في ملْكِه، والملْكُ ثبت
(4)
بشاهِدٍ ويمينٍ.
وظاهِرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّه حَصَلَ بقَولِ البيِّنة، ولَيسَ هو بمُرادٍ، بل مُرادُه الحُكْمُ بأنَّها أمُّ ولده
(5)
، مع قَطْعِ النَّظَر عن علَّةِ ذلك، وعِلَّتُه: أنَّ المدَّعِيَ مقرٌّ
(6)
بأنَّ وَطْأَها كان في مِلْكِه.
(وَهَلْ تَثْبُتُ
(7)
حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ وَنَسَبُهُ مِنْ مُدَّعِيهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في
(1)
في (ن): ولا تثبت.
(2)
في (ظ) و (م): وولده منها.
(3)
في (م): ولده.
(4)
في (م): يثبت.
(5)
في (م): ولد.
(6)
في (م): يقر.
(7)
في (ظ): يثبت.
«المحرَّر» و «الفروع» :
الأشهر
(1)
، كما نَصَرَه في «الشَّرح»: أنَّه لا يَثبُتُ حُرِّيَّةُ الولدِ ولا نَسَبُه؛ لِأنَّ البيِّنةَ لا تَصلُحُ لِإثْباتِ ذلك، فَعَلَى هذا: يَبْقَى الولدُ في يَدِ المُنكِرِ مَمْلوكًا له.
والثَّانيةُ: بَلَى، يَثبُتانِ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ الوَلَدَ نَماءُ الجارِيَةِ وقد ثبتت
(2)
له، فتبعها
(3)
الولدُ في الحُكْم، ثُمَّ يَثبُتُ نَسَبُه وحُرِّيَّتُه بإقْرارِه.
وقِيلَ: يَثبُتُ نَسَبُه مِنْ أبِيهِ بدَعْواهُ وإنْ بَقِيَ عبدًا لمَن هو بيده
(4)
.
فإنِ ادَّعَى أنَّها كانت في
(5)
مِلْكِه فأعْتَقَها؛ لم يَثبُتْ ذلك برجلٍ وامْرأتَينِ، قدَّمه في «الكافي» و «الشَّرح» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ البيِّنةَ شَهِدَتْ بمِلْكٍ قديم، فلم يَثبُتْ، والحُرِّيَّةُ لا تَثْبُتُ برجلٍ وامرأتين
(6)
.
وقِيلَ: تثبت
(7)
؛ كالَّتي قَبْلَها.
مسألةٌ: يَجوزُ الحَلِفُ بمعرفةِ الخَطِّ؛ كمَنْ رَأَى خَطَّ مورُوثه
(8)
بأنَّ له على زَيدٍ شَيئًا، أوْ أنَّه أبْرَأَه منه؛ حَلَفَ إذا وثِقَ
(9)
بدِينِه وأمانَتِه.
وإنْ رَأَى زيدٌ
(10)
بخَطِّه: أنَّ له دَينًا على عَمْرٍو، أوْ أنَّه قَضَاهُ، وعَلِمَ صحَّةَ
(1)
في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
في (م): يثبت.
(3)
في (م): فيتبعها.
(4)
في (م): في يده.
(5)
قوله: (في) سقط من (ظ) و (ن).
(6)
قوله: (قدمه في «الكافي» و «الشرح»
…
) إلى هنا سقط من (م).
(7)
في (م): يثبت.
(8)
في (م): مورثه.
(9)
في (م): أوثق.
(10)
قوله: (زيد) سقط من (م).
ذلك؛ حَلَفَ عَلَيهِ.
وإنْ أخْبَرَه ثِقَةٌ: أنَّ زَيدًا قَتَلَ أباهُ، أوْ غَصَبَه شَيئًا؛ حَلَفَ عَلَيهِ، وضَمَّنَه إيَّاه.
ولا تَجُوزُ الشَّهادةُ في هذه المسائلِ، والفرق
(1)
بَينَهما: أنَّ الشَّهادةَ لغَيرِه، فيَحتَمِلُ أنَّ مَنْ له الشَّهادةُ قد زَوَّرَ على خَطِّه، ولا يَحتَمِلُ هذا فِيما يَحلِفُ عَلَيهِ؛ لِأنَّ الحقَّ إنَّما هو للحالِفِ، فلا يُزَوِّرُ أحدٌ
(2)
عَلَيهِ، ولأنَّ
(3)
ما يَكتُبُه الإنسانُ مِنْ حُقوقه يَكثُرُ فيَنسَى بعضَه، بخِلافِ الشَّهادة، والأَولَى التَّوَرُّعُ عن
(4)
ذلك. واللهُ أعلم
(5)
.
(1)
قوله: (والفرق) سقط من (م).
(2)
في (م): أحدهما.
(3)
في (م): ولأنما.
(4)
في (م): من.
(5)
قوله: (والله أعلم) سقط من (م) و (ن). وكتب في هامش (ظ): (بلغ بأصله رحمه الله.
(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَالرُّجُوعِ عَنِ الشَّهَادَةِ)
قال جعفرُ بنُ محمَّدٍ: سمِعْتُ أحمدَ يُسألُ عن الشَّهادة على الشَّهادة، فقال: هي جائزةٌ، وكان قَومٌ يُسَمُّونَها التَّأْوِيلَ
(1)
.
والأصْلُ فِيهَا الإجْماعُ، قال أبو عُبَيدٍ: أجْمَعَت العلماءُ من أهل الحجاز والعراق على إمْضاءِ الشَّهادة على الشَّهادة في الأمْوالِ
(2)
.
والمعْنَى شاهِدٌ بذلك؛ لِأنَّ الحاجةَ داعِيَةٌ إلَيها، فإنَّها لو لم تُقبَلْ؛ لَبَطَلَت الشَّهادةُ على الوُقوفِ، وما يَتأخَّرُ إثْباتُه عِنْدَ الحاكِمِ لو مَاتَتْ شُهودُه، وفي ذلك ضررٌ على النَّاس، ومَشقَّةٌ شديدةٌ، فَوَجَبَ قَبولُها؛ كشهادةِ الأصل.
(تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي، وَتُرَدُّ فِيمَا يُرَدُّ فِيهِ)؛ لِأنَّها في مَعْناهُ؛ لاِشْتِراكِهما في كَونِهما فَرْعًا لأِصلٍ.
وذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ: أنَّ قَبولَها في كلِّ شَيءٍ حتَّى القِصاص والحدود
(3)
، في قَولِ مالِكٍ
(4)
وأحمدَ في
(5)
روايةٍ، وقد سبق
(6)
ذِكْرُ ذلك في مَوضِعِه.
(وَلَا يُقْبَلُ
(7)
؛ أيْ: لا يُحكَمُ بها، قالَهُ في «المحرَّر» و «الوجيز» ، (إِلَّا أَنْ تَتَعَذَّرَ شَهَادَةُ شُهُودِ الأَصْلِ بِمَوْتٍ)، وعلى الأصحِّ:(أَوْ مَرَضٍ)، أوْ خَوفٍ مِنْ
(1)
كذا في النسخ الخطية، وهو الموافق لكشاف القناع 15/ 334، والذي في زاد المسافر 3/ 539 ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي 3/ 362: المباديل.
(2)
ينظر: الإشراف 4/ 304.
(3)
في (م): في الحدود.
(4)
ينظر: المدونة 2/ 93.
(5)
قوله: (في) سقط من (م).
(6)
قوله: (وقد سبق) في (م): وسبق.
(7)
في (ظ): ولا تقبل.
سُلْطانٍ أوْ غَيرِه، (أَوْ غَيْبَةٍ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ)؛ لِأنَّ شهادةَ الأصْلِ أقْوَى؛ لِأنَّها تُثْبِتُ نفْسَ الحقِّ، وهذه لا تُثبِتُه؛ لِأنَّ سماعَ القاضِي منهما
(1)
مُتَيَقَّنٌ، وصِدْقَ شاهِدَي الفَرْعِ عليهما
(2)
مَظْنونٌ، فلم يُقبَل الأدنى
(3)
مع القُدْرة على الأقْوَى، وكسائر الأبْدالِ.
والغَيبةُ هُنا: مَسافَةُ القَصْر، ذَكَرَه مُعظَمُ الأصْحاب؛ لِأنَّ ما دُونَ ذلك في حُكْمِ الحاضِرِ.
واخْتارَ القاضِي: أنَّها
(4)
ما لا يَتَّسِعُ الذَّهابُ والعَودُ في يَومٍ، وقاله
(5)
أبو يُوسُفَ وأبو حامِدٍ الشَّافِعِيُّ
(6)
؛ للمَشَقَّة، بخِلافِ ما دُونَ اليوم.
(وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ
(7)
إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِمْ)، هذا رِوايَةٌ: أنَّه لا يُحكَمُ بشَهادةِ فَرعٍ في حياةِ أصْلٍ؛ لِأنَّه إذا كان حَيًّا؛ رُجِيَ حُضورُه، فكان كالحاضر.
والمذْهَبُ الأوَّلُ؛ لأِنَّه قد تعذَّرتْ شهادةُ الأصْل؛ فقُبل
(8)
؛ كما لو ماتَ شاهِدُ الأصْلِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ)، قال أحمدُ:(لا تكُونُ شهادةٌ إلاَّ أنْ يُشهِدَك)
(9)
؛ لِأنَّ الشَّهادةَ على الشَّهادة فِيهَا مَعْنَى النِّيابةِ، والنِّيابَةُ بِغَيرِ إذْنٍ لا تجوز
(10)
.
(1)
في (م): منها.
(2)
في (م): عليها.
(3)
في (م): الأداء.
(4)
قوله: (أنها) سقط من (م).
(5)
في (ن): وقال.
(6)
ينظر: عيون المسائل للسمرقندي ص 306، الوسيط للغزالي 7/ 332.
(7)
في (م): لا تقبل.
(8)
في (م): وقيل.
(9)
ينظر: المغني 10/ 190.
(10)
في (ظ) و (ن): لا يجوز.
وعَنْهُ: تجوز
(1)
مُطلَقًا، ذَكَرَها ابنُ عَقِيلٍ، وقدَّمها في «التَّبصرة» .
(فَيَقُولُ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بنَ فُلَانٍ، وَقَدْ عَرَفْتَهُ بِعَيْنِهِ
(2)
وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، أَقَرَّ عِنْدِي وَأَشْهَدَنِي
(3)
عَلَى نَفْسِهِ طَوْعًا
(4)
بِكَذَا، أَوْ شَهِدْتُ عَلَيْهِ، أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا
(5)
، هذا وَجْهُ تعداد
(6)
الشَّهادة.
وظاهِرُه: أنَّه إذا اسْتَرْعَى غَيرَه؛ لم يَجُزْ أنْ يَشهَدَ حتَّى يَستَرْعِيَه بعَينه.
ورجَّح في «المغْنِي» ، وقدَّمه في «الكافي» و «الشَّرح»
(7)
: أنَّه يَجُوزُ أنْ يَشْهَدَ؛ لحصولِ
(8)
الاِسْتِرْعاءِ.
(وَإِنْ
(9)
سَمِعَهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ) مِنْ غَيرِ ذِكْرِ سببٍ ولا شهادةٍ عِنْدَ الحاكم؛ لِأنَّ شاهد
(10)
الأصْلِ لم يَسْتَرْعِه الشَّهادةَ؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ أنَّ ذلك وَعْدٌ، ويَحتَمِلُ أنْ يريد
(11)
بالشَّهادة العِلْمَ، فلم يَجُزْ أنْ يَشهَدَ مع الاِحْتِمالِ، بخِلافِ ما إذا اسْتَرْعاهُ؛ لِأنَّه لا يَستَرْعِيهِ إلاَّ على واجِبٍ.
فإنْ قِيلَ: لو سَمِعَ رجلاً يقُولُ: لِفُلانٍ عليَّ ألْفُ دِرْهَمٍ؛ جازَ أنْ يَشهَدَ
(1)
في (ظ): يجوز.
(2)
قوله: (بعينه) سقط من (م).
(3)
في (م): أو أشهدني.
(4)
زيد في (م): بعينه.
(5)
في (ن): بذلك.
(6)
في (م): تعدد، وفي (ن): بعد أداء.
(7)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(8)
في (م): بحصول.
(9)
في (ن): فإن.
(10)
في (م): شهادة.
(11)
في (م): يزيد.
بذلك، فكذا هذا
(1)
!
قُلْنا: الفَرْقُ بَينَهما: أنَّ الشَّهادةَ تَحتَمِلُ العِلْمَ، ولا تحتمل
(2)
الإقْرارَ؛ لأنَّ
(3)
الإقْرارَ أوْسَعُ في لُزُومِه من الشَّهادة، بدليلِ صِحَّتِه في
(4)
المجْهولِ، وأنَّه لا يُراعَى فِيهِ العَدَدُ؛ لِأنَّ الإقْرارَ قَولُ الإنسانِ على نَفْسِه وهو غَيرُ مُتَّهَمٍ عليها
(5)
.
فلو قال: أشْهَدَنِي فُلانٌ بكذا، أوْ عِنْدِي شَهادةٌ عَلَيهِ بكذا، أوْ لِفُلانٍ على فلانٍ كذا
(6)
، أوْ شهدتُ
(7)
، أوْ أقرَّ عِنْدِي به؛ فوَجْهانِ، أقواهما
(8)
: المنْعُ، قاله في «الرِّعاية» .
(إِلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، أَوْ يَشْهَدُ بِحَقٍّ يَعْزُوهُ إِلَى سَبَبٍ؛ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ قَرْضٍ، فَهَلْ يَشْهَدُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، هما رِوايَتانِ عن أحمدَ:
إحداهما: لا يَجوزُ إلَّا أنْ يَسْتَرْعِيَه، نَصَرَه القاضي وغَيرُه؛ لمَا تَقدَّمَ.
والثَّانية: الجَوازُ، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وفي «الرِّعاية»: أنَّه الأَشْهَرُ
(9)
؛ لِأنَّه بالشَّهادة عِنْدَ الحاكِمِ ونسبته
(10)
الحقَّ
(11)
(1)
في (م): هنا.
(2)
في (ن): ولا يحتمل.
(3)
في (م): ولأن.
(4)
في (ن): من.
(5)
في (م): عليهما.
(6)
قوله: (كذا) سقط من (م).
(7)
في (م): شهد.
(8)
في (م): إقرارهما.
(9)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(10)
في (م): ونسبة.
(11)
في (ن): للحق.
إلى سببِه يَزُولُ الاِحْتِمالُ، أشْبَهَ ما لو اسْتَرْعاهُ.
ويُؤدِّيها الفَرْعُ بصِفةِ تَحمُّلِه، ذَكَرَه جماعةٌ، قال في «المنتخب» وغَيره: وإلَّا لم يَحكُمْ بها.
وفي «التَّرغيب» و «الرِّعاية» : أنَّه يَكْفِي العارِفَ: أشْهَدُ على شهادةِ فُلانٍ بكذا.
ويشترطُ
(1)
: أنْ يُعيِّنا شاهِدَي الأصلِ، ويسميانهما
(2)
.
تنبيهٌ: إذا سَمِعَه خارِجَ مَجلِسِ الحاكِمِ يَقُولُ: عِنْدِي شَهادةٌ لِزَيدٍ، أوْ أشْهَدُ بكذا؛ لم يَصِرْ فَرعًا، فلو شَهِدَ عِنْدَ الحاكم، فعُزِلَ؛ فهل
(3)
يَصِيرُ الحاكِمُ المعزولُ فَرعًا على الشَّاهِد؟ قال ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ وَجْهَينِ.
(وَتَثْبُتُ شَهَادَةُ شَاهِدَيِ
(4)
الْأَصْلِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ
(5)
عَلَيْهِمَا)، قال الإمامُ أحمدُ: لم يَزَل النَّاس على هذا
(6)
، (سَوَاءٌ شَهِدَا
(7)
عَلَى كُلِّ
(8)
وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
(9)
شَاهِدٌ مِنْ شُهُودِ الْفَرْعِ)، نَصَّ عَلَيهِ
(10)
، وقدَّمه الجَماعةُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقِيلَ: هو إجماعٌ؛ كما لو شَهِدَا بنَفْسِ الحقِّ، ولِأنَّ شهودَ الفَرْع بَدَلٌ من
(11)
شُهودِ الأصْل، فاكْتُفِيَ بمِثْلِ عَدَدِهم.
(1)
في (ن): فيشترط.
(2)
في (م): يسميانها.
(3)
في (م): فلم.
(4)
قوله: (شاهدي) سقط من (م).
(5)
في (م): يشهد.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 30/ 54، الفروع 11/ 384.
(7)
في (م): شهد.
(8)
قوله: (على كل) هو في (ظ): (على)، وفي (م): عليهما.
(9)
قوله: (منهما) سقط من (ظ) و (م).
(10)
ينظر: الفروع 11/ 384.
(11)
قوله: (من) سقط من (ن).
(وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنِ بَطَّةَ: لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلِّ شَاهِدِ أَصْلٍ شَاهِدَا
(1)
فَرْعٍ)، اختاره المُزَنِيُّ؛ لِأنَّ شاهِدَي الفرعِ يُثبِتانِ شَهادةَ شاهِدَي الأصْلِ، فلا
(2)
يَثبُتُ شهادةُ كلٍّ منهما بواحدٍ، كما لا يَثبُتُ إقْرارُ مُقِرَّيْنِ بشَهادةِ اثنَينِ يَشهَدُ كلٌّ منهما على واحِدٍ.
وفي «المحرَّر» تخريجٌ: أنَّه يكفي
(3)
شهادةُ فَرعَينِ بشَرطِ أن
(4)
يشهَدَ
(5)
على كلِّ واحِدٍ من الأصلَينِ.
وفي «الكافي» و «الشَّرح» : أنَّ هذا قَولُ ابنِ بطَّةَ، وجَزَمَ به ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ؛ لِأنَّه إثْباتُ قَولِ اثْنَين، فَجَازَ بشاهِدَينِ؛ كالشَّهادة على إقْرارِ نَفْسَينِ.
وعَنهُ: يكفي
(6)
شهادة رجلٍ على اثنَينِ، ذَكَرَه القاضي وغَيرُه.
فرعٌ: يتحمَّلُ
(7)
فرعٌ على فرعٍ، ولا يَجُوزُ لشاهِدِ أصْلٍ أنْ يكونَ فَرعًا على أصلٍ آخَرَ معه، ولا أنْ يُزَكِّيَ أصلَ رَفيقِه في الشَّهادة
(8)
.
(وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ)، نَصَرَه القاضِي وأصحابُه، وقدَّمه في
(1)
في (م): شاهد.
(2)
في (م): قد.
(3)
في (ن): تكفي.
(4)
قوله: (بشرط أن) في (ن): يشهدان.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي المحرر 2/ 341: يشهدا.
(6)
في (ن): تكفي.
(7)
في (ن): تحمل.
(8)
كتب في هامش (ظ): (لأنه يفضي إلى انحصار الشهادة في أحدهما).
وكتب في هامشها أيضًا: (قال ابن نصر الله: يريد بالأصل كل من صلح كونه أصلاً بوجود فرع له، سواء كان أصلاً أو فرعًا، فإن الفرع أصل بالنسبة إلى من قد شهد على شهادته، ولو قيل: ولا يزكي شاهد رفيقه؛ كان أبين، والمراد منع تزكيته له بعد شهادتهما، فلو كان قد زكاه قبل ذلك، ثم شهدا، قُبلت شهادتهما؛ لانتفاء التهمة إذن، ولم أجد ذلك مصرحًا به، ولكنه مفهوم من قوله: رفيقه، إذ المراد رفيقه في شهادته).
«المحرَّر» ، وهو قَولُ أكثرِ العلماء؛ لِأنَّ شهادتَهم على شهادةِ شاهِدَينِ، ولَيسَ ذلك بمالٍ، ولا المقصودُ منه المالُ، ويَطَّلِعُ عَلَيهِ الرِّجالُ، أشْبَهَ القَوَدَ والنِّكاحَ.
ومُقتَضاهُ: أنَّ لهنَّ مَدخَلاً في شَهادةِ الأصل، وهو كذلك في رِوايةٍ قدَّمها في «الكافي» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّها شهادةٌ بمالٍ، وصحَّحها في «المحرَّر» .
(وَعَنْهُ
(1)
: لَهُنَّ مَدْخَلٌ)، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لِأنَّ المقصودَ مِنْ شَهادتِهنَّ إثْباتُ الحقِّ الَّذي يَشهَدُ به شُهودُ الأصل، فكان لهنَّ مَدخَلٌ في ذلك؛ كالبَيعِ.
وعَنْهُ: لا مَدخَلَ لهنَّ في الأصول؛ لِأنَّ في الشَّهادة على الشَّهادة ضعفًا، فاعتُبِرَ تقويتُها
(2)
بالذُّكُوريَّة.
وفي «التَّرغيب» : المشهورُ: أنَّه لا مَدخَلَ لهنَّ في
(3)
الأصل.
وفي «الفروع» : رِوايَتانِ.
(فَيَشْهَدُ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ)؛ لِدُخولهنَّ فيه.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَجُوزُ
(4)
شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ رحمه الله؛ لِأنَّ في شَهادةِ النِّساء ضعفًا، فلا يُضَمُّ ضعفٌ إلى ضعْفٍ.
(قَالَ
(5)
أَبُو الْخَطَّابِ: وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ سَهْوٌ مِنْ نَاقِلِهَا)؛ لِأنَّه إذا قُبِلَ شهادةُ امرأةٍ على مِثْلِها؛ فلأن
(6)
تُقبَلَ شهادةُ رجلٍ على امرأةٍ بطريقِ الأَوْلَى؛
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
في (ن): تفويتها.
(3)
قوله: (الأصول؛ لأن في الشهادة على الشهادة
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
في (م): لا يجوز.
(5)
في (ظ) و (م): وقال.
(6)
زيد في (م): حتى.
لأِنَّ الرَّجُلَ أحْسَنُ حالاً منها
(1)
، ولِأنَّ ناقِلَ هذه الرِّوايةَ قال فِيها: أقْبَلُ شهادةَ رجل على شَهادةِ رَجُلَينِ، وهذا مِمَّا لا وَجْهَ له
(2)
، فإنَّ رجلاً واحِدًا لو كان أصْلاً، فَشَهِدَ في القتل العمدِ، ومعه مِائَةُ امرأةٍ؛ لم يُقبَلْ، فكَيفَ يُقبَلُ إذا شَهِدَ بها وحْدَه وهو فرعٌ ويُحكَمُ بها.
قال: ولو أنَّ أحمدَ قال ذلك؛ حملناه
(3)
على أنَّه لا تقبل
(4)
شهادةُ
(5)
الرَّجل حتَّى ينضمَّ
(6)
إلَيهِ غَيرُه، فيُخرَّجُ مِنْ هذه الرِّوايةِ: أنَّه لا يَكفِي شاهِدٌ واحِدٌ على شاهِدٍ واحِدٍ، كما يَقُولُه أكثرُ الفقهاء.
(وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيِ الْفَرْعِ، حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُمَا، وَعَدَالَةُ
(7)
شَاهِدَيِ الْأَصْلِ)، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لِأنَّ الحُكْمَ يَنبَنِي على شَهادَتِهما، فإنْ عَدَّلَ شُهودُ الفرع شُهودَ الأصْلِ؛ كَفَى بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(8)
.
وفي «الرِّعاية» : وفِيهِ نَظَرٌ، ولَيسَ بشَيء؛ لِأنَّ شَهادَتَهما بالحقِّ مَقْبولةٌ، فكذا في العدالة، ولا يَجِبُ عَلَيهم ذلك.
فإن
(9)
لم يَشهَدُوا بعَدالَتِهم؛ تَوَلَّى الحاكِمُ ذلك.
وقال الثَّوريُّ: إنْ لم يُعدِّلْ شاهدا
(10)
الفرعِ شاهِدَي الأصْلِ؛ لم يُحكَمْ
(1)
في (ن): منهما.
(2)
قوله: (له) سقط من (م).
(3)
في (ن): حكمناه.
(4)
في (م): لا يقبل.
(5)
في (ن): هذه.
(6)
في (م): يضم.
(7)
في (م): حتى تثبت عدالة.
(8)
ينظر: المغني 10/ 189.
(9)
في (م): وإن.
(10)
في (م): شاهد.
بها؛ لِأنَّ تَرْكَ تعديلهما
(1)
يرتاب به الحاكِمُ، ولا يَصِحُّ؛ لِأنَّه يَجوزُ أنْ لا
(2)
يَعرِفَا ذلك، ويَجُوزُ أنْ يَعرِفَا عَدالَتَهما ويَتركانها اكْتِفاءً بما ثَبَتَ عِنْدَ الحاكِمِ مِنْ عَدالتِهما.
(وَإِنْ شَهِدَا عِنْدَهُ، فَلَمْ يَحْكُمْ حَتَّى حَضَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ؛ وُقِفَ الْحُكْمُ عَلَى سَمَاعِ شَهَادَتِهِمْ)؛ لِأنَّه قَدَرَ على الأصل قَبْلَ العَمَل بالبَدَل، كالمُتَيَمِّمِ يَقدِرُ على الماء، وكفسقِ
(3)
بعضِهم.
وظاهره
(4)
: أنَّه إذا كان حُضورُهم بَعْدَ الحكم؛ أنَّه
(5)
لا يُؤثِّرُ فِيهِ، وهو كذلك.
(وَإِنْ حَدَثَ مِنْهُمْ مَا يَمْنَعُ
(6)
قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ)؛ لِأنَّ الحُكْمَ يَنبَنِي عَلَيها، أشْبَهَ ما لو فَسَقَ شُهُودُ الفرع أوْ رَجَعُوا.
(وَإِنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ؛ لَزِمَهُمُ الضَّمَانُ)؛ لِأنَّ الإتْلافَ كان بشهادتِهم؛ كما لو
(7)
أتْلَفُوا بأيْدِيهم.
فإنْ قالوا: بانَ لنا
(8)
كَذِبُ الأصْلِ، أوْ غَلَطُهم؛ لم يَضمَنُوا، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع» .
(وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ)؛ أيْ: بَعْدَ الحُكم؛ (لَمْ يَضْمَنُوا)، قدَّمه عامَّةُ الأَصْحابِ؛ كالمُتَسَبِّبِ مع المباشِرِ، ولِأنَّهم لم يُلجِئُوا الحاكِمَ إلى الحُكْمِ.
(1)
في (ن): تعديلها.
(2)
قوله: (لا) سقط من (م).
(3)
في (م): ويفسق.
(4)
في (ن): فظاهره.
(5)
في (م): لأنه.
(6)
زاد في (ظ) و (م): من.
(7)
قوله: (لو) سقط من (م).
(8)
في (م): لها.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَضْمَنُوا)، هذا قَولٌ في المذهب قدَّمه في «المغْنِي» ونَصَرَه؛ لِأنَّ الحُكْمَ يُضافُ إلَيهِم، بدليلِ: أنَّه يعتبر
(1)
عَدالتُهم، ولأنَّهم
(2)
سببٌ في الحُكْم، فضَمِنُوا؛ كالمُزَكِّينَ.
فإنْ قال شاهدا
(3)
الأصْلِ: كَذَبْنا، أوْ غَلِطْنا؛ ضَمِنُوا. وقِيلَ: لا.
وإنْ قالوا بَعْدَ الحُكم: ما أشهدناهم
(4)
بشَيءٍ؛ لم يَضمَن الفريقانِ شَيئًا.
فرعٌ: إذا شَهِدَ شاهدا
(5)
فرعٍ على أصْلٍ، وتَعذَّرَ الآخَرُ؛ حَلَفَ واسْتَحَقَّ، ذَكَرَه في «التَّبصرة» ، واقْتَصَر عَلَيهِ في «الفروع» .
وقال جمعٌ: إذا أنْكَرَ الأصلُ شهادةَ الفرع؛ لم يُعمَلْ بها؛ لِتَأكُّدِ الشَّهادةِ، بخِلافِ الرِّوايَةِ.
مسألةٌ: إذا غَيَّرَ العَدْلُ شَهادتَه بحضْرةِ الحاكِمِ، فزاد فِيهَا أوْ نَقَصَ قَبْلَ الحُكْم، أوْ أدَّى بَعْدَ إنْكارِها؛ قُبِلَتْ، نَصَّ عَلَيهِما
(6)
؛ كقوله: لا أعْرِفُ الشَّهادةَ.
وقِيلَ: لَا؛ كبَعْدِ الحُكْم.
وقِيلَ: يُؤخَذُ بقَولِه المتقدِّمِ.
وإنْ رَجَعَ قَبْلَ الحُكم، قاله في «الرِّعاية» ؛ لَغَتْ، ولا حُكْمَ، ولم يَضمَنْ.
وإنْ لم يُصرِّحْ بالرُّجوع، بل قال للحاكِمِ: تَوَقَّفْ، فتَوَقَّفَ، ثُمَّ أعادها إلَيها؛ قُبِلَتْ في الأصحِّ، وفي وُجوبِ إعادتِها احْتِمالانِ.
(1)
في (ظ): تعتبر.
(2)
في (ن): ولأنه.
(3)
في (م) و (ن): شاهد.
(4)
قوله: (ما أشهدناهم) في (م): شهدناهم.
(5)
قوله: (شاهدا) سقط من (م).
(6)
ينظر: الفروع 11/ 388.
وإنِ ادَّعَى عَلَيهِ شهادةً، فأنكر
(1)
، ثُمَّ شَهِدَ بها، وقال: كنت
(2)
أُنْسِيتُها؛ قُبِلَتْ، قال في «المستوعب»: ولا تُقبَلُ الشهادة
(3)
إلَّا في مَجلِسِ الحُكْم، ولهذا قال ابنُ البَنَّاء: لا تَتِمُّ الشَّهادةُ إلَّا بخمسةِ أشْياءَ: شاهِدٍ، ومَشْهودٍ به، ومَشهودٍ له، ومَشْهودٍ عَلَيهِ، ومَشْهودٍ فِيهِ؛ يَعْنِي: مَجلِسَ الحُكْم.
(1)
في (م): فأنكرها.
(2)
في (ظ): قال: وكنت.
(3)
زيد في (م): عليه.
(فَصْلٌ)
(وَمَتَى رَجَعَ شُهُودُ المَالِ بَعْدَ الْحُكْمِ؛ لَزِمَهُمْ)؛ أي: الشُّهودَ (الضَّمَانُ
(1)
، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لِأنَّهما قد اعْتَرَفا بأنَّهما قد أخْرَجَا مالَه مِنْ يَدِه بغَيرِ حقٍّ، فلزمهما
(2)
الضَّمانُ؛ كما لو شهدا
(3)
بعِتْقِه، ولِأنَّهما تسبَّبَا إلى إتْلافِ حقِّه بشَهادَتِهما بالزُّور عَلَيهِ، فضَمِنَا؛ كشَاهِدَي القِصاصِ، بل وُجوبُ المال أَوْلَى؛ لِأنَّ القِصاصَ يُدْرَأ بالشُّبهة. ويُسْتَثْنَى منه: ما لم يُصدِّقْهم مَشْهودٌ له.
فأمَّا
(4)
المُزَكُّونَ؛ فلا يَغْرَمُونَ شَيئًا، ذَكَرَه مُعظَمُ الأصْحابِ.
واقْتَضَى ذلك: أنَّه لا يُرجَعُ على المحْكومِ له بشَيءٍ، وهو كذلك، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(5)
.
(وَلَمْ يُنْقَضِ الْحُكْمُ) في قَولِ أكثر
(6)
أهلِ الفُتْيا من علماء الأمصار.
وقال ابنُ المسيِّبِ، والأوزاعيُّ: يُنقَضُ وإنِ اسْتَوْفَى الحقَّ؛ كما لو تبيَّنَ أنَّهما كانَا كافِرَينِ.
وجَوابُه: أنَّ
(7)
حقَّ المشْهودِ له وَجَبَ، فلا يَسقُطُ؛ كما لو ادَّعَياهُ
(1)
كتب في هامش (ظ): (يستثنى من ذلك: ما لو شهد شاهدان بدين فأبرأ منه مستحقه، ثم رجع الشاهدان؛ لم يغرما شيئًا للمشهود عليه، ذكره في المغني في كتاب الصداق، قال: ولو قبضه المشهود له، ثم وهبه للمشهود، ثم رجعا؛ غرما. قاله ابن نصر الله).
(2)
في (ظ): فلزمه.
(3)
في (م): شهد.
(4)
في (م): وأما.
(5)
ينظر: المغني 10/ 222.
(6)
قوله: (أكثر) سقط من (ن).
(7)
في (ن): أنه.
لِأنْفُسِهما، يُحقِّقُ هذا: أنَّ حقَّ الإنسانِ لا يزول
(1)
إلَّا ببيِّنةٍ أوْ إقرارٍ، ولَيسَ هذا واحدًا مِنهُما.
وفارَقَ الكافِرَ؛ لأِنَّه لم يُوجَدْ شَرْطُ الحُكْم، وهو شهادةُ العُدولِ، وهنا
(2)
يَجُوزُ أنْ يكُونَا عَدْلَينِ صادِقَينِ في شَهادَتِهما، وإنَّما كذبا
(3)
في رُجوعِهما.
وتُفارِقُ العُقوباتِ؛ حَيثُ لا تستوفى
(4)
؛ لأنَّها
(5)
تُدْرَأُ بالشُّبُهات.
(سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ المَالُ قَائِمًا أَوْ تَالِفًا)؛ لِأنَّ وُجوبَ الحقِّ مُتعلِّقٌ بالحُكْم، وهو مَوجُودٌ - فِيمَا ذَكَرَ - على السَّواء، لكِنْ ذَكَرَ في «المغْنِي»: أنَّه إذا شهدا
(6)
بدَينٍ، فأبرأ
(7)
منه مُستَحِقُّه، ثُمَّ رَجَعَا؛ لم يغرماه
(8)
للمَشْهُودِ عَلَيهِ.
(وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْعِتْقِ) بَعْدَ الحُكم؛ (غَرِمُوا الْقِيمَةَ)؛ لِأنَّهما أزالَا يَدَه عن عبده بشَهادَتِهما المَرجوعِ عنها، أشْبَهَ ما لو شَهِدا بحُرِّيَّته، وإنَّما غَرِمُوا القِيمةَ؛ لِأنَّ العَبدَ مِنْ المتقَوِّمات، ومَحلُّه: ما لم يُصدِّقهم
(9)
المشْهُودُ له.
فإنْ قالا: أعْتَقَه على مائةٍ، وقِيمَتُه مِائةٌ، ثُمَّ رَجَعَا؛ لم يَغرَما شَيئًا.
(وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) وبَعْدَ الحكم
(10)
؛ (غَرِمُوا نِصْفَ
(1)
في (ن): لا تزول.
(2)
في (م): وهذا.
(3)
في (م): ذكرنا.
(4)
في (ظ) و (ن): لا يستوفى.
(5)
زيد في (م): لا.
(6)
في (ظ) و (ن): شهد.
(7)
في (م): فأبرأه.
(8)
في (م): لم يغرما.
(9)
في (م): لم يصدقه.
(10)
قوله: (الحكم) سقط من (م).
المُسَمَّى)، أوْ بَدَلَه، لا مَهْرَ المِثْل أوْ نِصْفَه؛ لِأنَّ خُروجَ البُضْع مِنْ مِلْكِ الزَّوج غَيرُ مُتقوِّمٍ، بدليلِ ما لو أخرجته
(1)
مِنْ مِلْكه بِرِدَّةٍ أوْ رَضاعٍ، وإنَّما يَجِبُ نِصْفُ المسمَّى؛ لِأنَّهما ألْزَماهُ للزَّوج بشَهادَتِهما؛ كما يَرجِعُ به زوجٌ
(2)
على مَنْ فَسَخَ نِكاحَه، وكما لو شَهِدَا بالنِّصف.
(وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ)؛ أيْ: بَعْدَ الدُّخول؛ (لَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا)، جَزَمَ به الأصْحابُ، واخْتارَه القاضِي؛ لِأنَّهما لم يُقرِّرا عَلَيهِ شَيئًا، ولَم يُخرِجَا مِنْ مِلْكه مُتقَوِّمًا، أشْبَهَ ما
(3)
لو أخْرَجاهُ مِنْ مِلْكه بقَتْلِها أوْ رَضاعٍ.
وعَنْهُ: يُضمَنُ المسمَّى كلُّه، وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وَجْهًا: أنَّه يَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ
(4)
.
تنبيهٌ: إذا شَهِدَ قَومٌ بتعليقِ طلاقٍ أوْ عِتْقٍ، وآخَرُونَ بوُجودِ شَرْطِه، ثُمَّ رَجَعُوا؛ فالغُرْم على عَدَدِهم.
وقِيلَ: على كلِّ جهةٍ نِصفُه.
وقِيلَ: يَغرَمُ الكلَّ
(5)
شُهودُ التَّعليق.
قال ابنُ حَمْدانَ: إذا شَهِدَ اثْنانِ بالعَقْد، واثْنانِ بالدُّخول، واثْنانِ بالطَّلاق، ثُمَّ رَجَعُوا؛ فالغُرْمُ على شاهَدَيِ الطَّلاق.
وإنْ شَهِدَا بطَلاقٍ، أوْ رَضاعٍ، أوْ لِعانٍ، ثُمَّ رَجَعَا؛ غَرِمَا مَهْرَ المِثْل مُطلَقًا.
وقِيلَ: بل نِصفَه قَبْلَ الدُّخول.
(1)
في (م): خرجت.
(2)
قوله: (زوج) سقط من (ظ) و (ن).
(3)
قوله: (أشبه ما) في (ن): كما
(4)
ينظر: الفروع 11/ 390.
(5)
في (م): كل.
وإنْ رَجَعَا، ثُمَّ قامَتْ بيِّنةٌ بأنَّ بَينَهما رَضاعًا؛ لم يَضمَنَا شَيئًا.
وإنْ رَجَعَ شُهودٌ بكِتابةٍ؛ غَرِمُوا ما بَينَ قِيمَتِه سَلِيمًا ومُكاتَبًا، فإنْ عَتَقَ؛ فما بين
(1)
قِيمَتِه ومالِ الكتابة.
وقِيلَ: كلَّ قيمته
(2)
.
وكذا شُهودٌ باسْتِيلادٍ.
(وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْقِصَاصِ، أَوِ الْحَدِّ) بَعْدَ الحُكم (قَبْلَ الاِسْتِيفَاءِ؛ لَمْ يُسْتَوْفَ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الكافي» و «الشَّرح» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه يُدْرَأ بالشُّبهة، والمالُ يُمكِنُ جَبْرُه، والقِصاصُ شُرِعَ للتَّشَفِّي، لا للجبر
(3)
.
فَعَلَى هذا: تَجِبُ دِيَةُ القودِ
(4)
، فإنْ وَجَبَ عَينًا؛ فَلَا، قاله
(5)
في «الواضح» ، واقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الفروع» .
وقِيلَ: يُستَوْفَى إنْ كان لآِدَمِيٍّ؛ كالفسق الطَّارِئِ، والفَرْقُ واضِحٌ.
(وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ)؛ أيْ: بَعْدَ الاِسْتِيفاء، (وَقَالُوا: أَخْطَأْنَا؛ فَعَلَيْهِمْ دِيَةُ مَا تَلِفَ)، أوْ أرْشُ الضَّرْب، نَقَلَه أبو طالِب
(6)
، ولا تَحمِلُه العاقِلةُ، ويُعزَّرانِ ولا قَوَدَ؛ لِأنَّ بإقْرارِهم حَصَلَ التَّلَفُ بسَبَبِهم، لكِنْ على طَرِيقِ الخطأ، فلزمهم
(7)
الدِّيَةُ مُخفَّفةً.
(1)
قوله: (فما بين) في (ن): وأبين.
(2)
في (م): قيمة.
(3)
في (ن): لا للخبر.
(4)
قوله: (تجب دية القود) في (م): تجب في الذمة.
(5)
في (م): قال.
(6)
ينظر: الفروع 11/ 390.
(7)
في (ظ): فلزمتهم.
فإنْ قال أحدُهما: عَمَدتُ، وقال الآخَرُ: أخْطَأْتُ؛ فَعَلَى العامِدِ نِصفُ الدِّيَة مُغلَّظًا، وعلى الآخَرِ نِصفُها مُخفَّفًا، ولا قَودَ في الأصحِّ.
وإنْ قال أحدُهما: عَمَدْنا، وقال الآخَرُ: أخْطَأْنا؛ قُتل
(1)
المعْتَرِفُ بالعَمْد - زاد في «الرِّعاية» : في رِوايَةٍ - أوْ غَرِم نِصْفَ الدِّيَة مُغلَّظًا، والمخْطِئُ نِصفَها مخفَّفًا
(2)
؛ لِأنَّ كلَّ واحِدٍ يؤاخذ
(3)
بإقْرارِه.
وإنْ قال كلُّ واحِد: عَمَدْتُ، ولا أدْرِي ما فَعَلَ غَيرِي؛ قُتِلَا، جَزَمَ به في «الكافي» و «الرِّعاية» .
وقِيلَ: لا قَوَدَ عَلَيهما؛ لِأنَّ إقْرارَ كلٍّ منهما لو انْفَرَدَ؛ لم يَجِبْ عَلَيهِ قَوَدٌ.
(وَيَتَقَسَّطُ
(4)
الْغُرْمُ
(5)
عَلَى عَدَدِهِمْ)؛ لأِنَّ التَّفْوِيتَ حَصَلَ منهم كلِّهم، فَوَجَبَ تقسيطُ الغَرامة عليهم
(6)
كلِّهم؛ كما لو اتَّفَقَ جماعةٌ وأتْلَفُوا مِلْكًا لِإنسانٍ، فَعَلَى هذا: لو رَجَعَ شاهِدٌ مِنْ عشَرَةٍ؛ غَرِمَ العُشْرَ.
(فَإِنْ
(7)
رَجَعَ أَحَدُهُمْ؛ غَرِمَ بِقِسْطِهِ)، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
، كما لو رَجَعَا جميعًا.
وقِيلَ: يَجِبُ الكلُّ على الرَّاجِع؛ لِأنَّ الحقَّ ثبت
(9)
به، ذَكَرَه في «الواضِح» .
فرعٌ: إذا شَهِدَ رجلٌ وامرأتانِ بمالٍ، ثُمَّ رَجَعُوا؛ غَرِمَ الرَّجُلُ النِّصفَ وهما
(1)
في (ظ): فعلى. وفي (م): قبل.
(2)
في (م): فحلفا.
(3)
في (م): لو أخذ.
(4)
في (ن): ويقسط.
(5)
قوله: (الغرم) سقط من (م). وزاد في (ظ) و (م): بينهم.
(6)
قوله: (عليهم) سقط من (م).
(7)
في (ن): وإن.
(8)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4109، مسائل أبي داود ص 305.
(9)
في (م): ثبتت.
النِّصفَ، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، وجَزَمَ به في «الكافي» ؛ لأِنَّهما كرجلٍ، فلو شَهِدَ رجلٌ وعَشْرُ نِسوةٍ؛ فَعَلَيهِ السُّدسُ، وعلى كلِّ امرأةٍ مِنهُنَّ سُدُسٌ.
وقِيلَ: مُناصَفَةً؛ لِأنَّ الرَّجلَ نِصفُ البيِّنة.
وقِيلَ: هو كأُنثَى.
وكذا رَضاعٌ، قال في «التَّرغيب»: إلَّا أنَّه لا تشطير
(2)
، وأمَّا
(3)
إنْ قُلْنا: لا يَثبُتُ إلَّا بامْرأَتَينِ؛ فالغُرْمُ بالتسديس
(4)
.
(وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ سِتَّةٌ بِالزِّنَى، فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُمُ اثْنَانِ؛ غَرِمَا ثُلُثَ الدِّيَةِ
(5)
؛ لِأنَّهما ثُلُثُ البيِّنة.
وقال بعضُ الأئمَّة: لا شَيءَ عَلَيهِما؛ لِأنَّ بيِّنةَ الزِّنى قائمةٌ بغَيرِهما.
(وَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ؛ لَزِمَتْهُمُ
(6)
الدِّيَةُ أَسْدَاسًا)؛ لِأنَّهم سِتَّةٌ، فالغَرامَةُ تُقسَّط
(7)
عَلَيهِم.
(وَإِنْ شَهِدَ
(8)
أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَاثْنَانِ بِالْإِحْصَانِ، فَرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ)؛ ضَمِنوهُ؛ لِأنَّ قَتْلَه حَصَلَ بمجموعِ
(9)
الشَّهادَتَينِ، كما لو شَهِدُوا جميعًا بالزِّنى.
(وَلَزِمَتْهُمُ الدِّيَةُ أَسْدَاسًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ
(10)
، قدَّمه في «المحرَّر»
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4109.
(2)
في (م): لا يستطير.
(3)
في (ن): وأنا.
(4)
في (م): بالسدس.
(5)
في (ظ) و (م): المال.
(6)
في (م): لزمهم.
(7)
قوله: (تقسط) في (ظ): بقسط ما. وفي (ن): يقسط.
(8)
زيد في (ن): عليه.
(9)
في (م) و (ن): مجموع.
(10)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
و «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ كشُهُودِ الزِّنى؛ لِأنَّ القَتْلَ حَصَلَ مِنْ جميعِهم.
(وَفِي الآْخَرِ)، وهو رِوايَةٌ:(عَلَى شُهُودِ الزِّنَى النِّصْفُ، وَعَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ النِّصْفُ)، اخْتارَه أبو بكرٍ، ونَصَرَه القاضي؛ لِأنَّ قَتْلَه حَصَلَ بنَوعَينِ من البيِّنة، فتُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَيهِما.
وقِيلَ: لا يَضمَنانِ؛ لِأنَّهم شَهِدُوا بالشَّرط لا بالسَّبب المُوجِبِ.
فإنْ شَهِدَ بِزِناهُ ثَمانِيَةٌ، فرُجِمَ، ثُمَّ رَجَعَ أربعةٌ؛ ضَمِنُوا نِصْفَ دِيَته.
وقال ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ أنْ لا يَلزَمَهم شَيءٌ.
وإنْ رَجَعَ الكلُّ؛ ضَمِنوها أثْمانًا.
وإنْ رَجَعَ شُهودُ أحدِ الجِهَتَينِ؛ لزمتهم
(1)
الدِّيَةُ كلُّها، وقِيلَ: نِصفُها.
تنبيهٌ: إذا شَهِدَ بالقَتْل ثلاثةٌ، أوْ بالزِّنى خمسةٌ، ثُمَّ رَجَعَ الزَّائدُ مِنهُم قَبْلَ الحُكمِ أو الاِسْتِيفاءِ؛ لم يَضُرَّ؛ لِأنَّ ما بَقِيَ من البيِّنة كافٍ، ويُحَدُّ الرَّاجِعُ؛ لِأنَّه قاذِفٌ، وقِيلَ: لا يُحَدُّ؛ لِأنَّه قاذِفٌ لمَنْ ثبَتَ أنَّه زانٍ، ذَكَرَه ابن
(2)
الزَّاغُونيِّ.
وإنِ اسْتُوفِيَ، ثُمَّ رَجَعُوا أوْ بعضُهم؛ فكَشاهِدَيِ القَتْلِ وأربعةِ الزِّنى فِيما ذَكَرْنا، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، وجَزَمَ به الجماعة
(4)
.
فإن رَجَعَ أحدُهم في القَتْلِ؛ فالثُّلُثُ، وفي الزِّنى؛ الخُمُسُ.
وقِيلَ: لا يَغرَمُ شَيئًا، وهو أقْيَسُ.
(1)
في (م) و (ن): لزمهم.
(2)
قوله: (ابن) مكانه بياض في (م).
(3)
ينظر: النكت على المحرر 2/ 348.
(4)
في (ن): جماعة.
فلو رَجَعَ مِنْ خمسةِ زِنًى اثْنانِ، فهل عَلَيهِما خُمُسانِ، أوْ رُبُع
(1)
؟ أو اثْنانِ مِنْ ثَلاثةِ قتلٍ
(2)
، فالثُّلُثانِ أو النِّصف؟ فيه الخِلافُ.
(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى، وَشَهِدَ اثْنَانِ
(3)
مِنْهُمْ بِالْإِحْصَانِ؛ صَحَّتِ الشَّهَادَةُ)؛ لِأنَّه لا مانِعَ مِنْ صِحَّتِها، (فَإِنْ رُجِمَ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنِ الشَّهَادَةِ؛ فَعَلَى مَنْ شَهِدَ بِالْإِحْصَانِ ثُلُثَا الدِّيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ
(4)
، وهو الأشْهَرُ، الثُّلُثُ لشهادتهما
(5)
بالإحْصانِ، والثُّلثُ لشهادتهما
(6)
بالزِّنى، (وَعَلَى الثَّانِي: يَلْزَمُهُمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا)، النِّصفُ لِشَهادَتِهما بالإحْصان، والرُّبُعُ لِشَهادَتِهما بالزِّنى، والباقِي على الآخَرَينِ.
وقِيلَ: لا يَجِبُ على شاهَدَيِ الإحْصانِ إلاَّ النِّصفُ؛ لأِنَّهما كأربعة
(7)
أنفُسٍ، جَنَى اثْنانِ جِنايَتَينِ، وجَنَى الآخران
(8)
أربعَ جِناياتٍ.
فرعٌ: لا ضَمانَ برُجوعٍ عن كَفالةٍ بنَفْسٍ، أوْ براءةٍ منها، أوْ أنَّها زَوجَتُه، أوْ أنَّه
(9)
عَفَا عن دَمِ عَمْدٍ؛ لِعَدَمِ تضمُّنِه
(10)
مالاً.
وفي «المبهج» : قال القاضي
(11)
: وهذا لا يَصِحُّ؛ لِأنَّ الكَفالةَ
(1)
في (م): أربع.
(2)
في (ن): قيل.
(3)
قوله: (وشهد اثنان) هو في (ظ) و (م): واثنان.
(4)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(5)
قوله: (الثلث لشهادتهما) في (م): كشاهدتهما.
(6)
في (م): كشهادتهما.
(7)
في (ن): كالأربعة.
(8)
في (ن): الآخر.
(9)
في (م): وأنه.
(10)
في (م): تضمينه.
(11)
قوله: (قال القاضي) سقط من (م).
متضمِّنة
(1)
بهَرَبِ المكْفولِ، والقَوَدُ قد يَجِبُ به مالٌ.
فرعٌ: إذا شَهِدَ رَجُلانِ على آخَرَ بنكاحِ امرأةٍ بصَداقٍ ذَكَراهُ، وشَهِدَ آخَرانِ بدُخولِه بها، ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الحُكْم؛ لَزِمَ شُهودَ النِّكاح الضَّمانُ؛ لِأنَّهم ألْزَمُوهُ المسمَّى.
وقِيلَ: عليهم
(2)
النِّصفُ، وعلى الآخَرَينِ النِّصفُ.
وإنْ شَهِدَ مع هذا شاهِدانِ بالطَّلاق؛ لم يَلزَمْهما شَيءٌ؛ لأِنَّهما لم يُوجِبَا عَلَيهِ شَيئًا لم يكُنْ واجِبًا عَلَيهِ، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
(وَإِنْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ؛ غَرِمَ المَالَ كُلَّهُ)، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
؛ لِأنَّه حُجَّةُ الدَّعْوَى، فاخْتَصَّ الضَّمانُ به؛ كالشَّاهِدَينِ، يحقِّقُه
(4)
: أنَّ اليمينَ قَولُ الخَصْم، وقَولُه لَيسَ بحُجةٍ على خَصْمِه، وإنَّما هو شُرْطُ الحُكْم، فجَرَى مَجرَى مُطالَبَتِه للحاكم بالحُكم.
وإنْ سلَّمْنا أنَّها حجةٌ
(5)
، لكِنْ إنَّما جعلها
(6)
حُجَّةً شهادةُ الشَّاهِدِ، ولهذا لم يَجُزْ تَقْدِيمُها على شَهادَتِه، وكيمينِه على بيِّنةِ غائبٍ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ في «عمد الأدلَّة» : يَجُوزُ في أحَدِ الاِحْتِمالَينِ أنْ تُسمع
(7)
يمينُ المدَّعِي قَبْلَ الشَّاهِدِ.
(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَغْرَمَ النِّصْفَ)؛ لِأنَّه أحدُ حجَّتَي الدَّعْوَى؛ كالشاهدين
(8)
.
(1)
في (ن): تتضمنه.
(2)
في (م): قيل: وعليهم.
(3)
ينظر: الطرق الحكمية ص 118.
(4)
في (م): تحققه.
(5)
زيد في (م): شهادة.
(6)
في (ن): جعلناها.
(7)
في (م): يسمع.
(8)
قوله: (كالشاهدين) سقط من (م).
فرعٌ: رُجوعُ شُهودِ تَزْكِيَةٍ؛ كرُجُوعِ مَنْ زَكَّوهُمْ.
ومَن شَهِدَ بَعْدَ الحُكم بِمُنافٍ للأولة
(1)
؛ فكرُجُوعِه وأَوْلَى، قاله
(2)
الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين
(3)
.
(إِذَا
(4)
بَانَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ كَانَا كَافِرَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ؛ نُقِضَ
(5)
؛ أي
(6)
: إذا
(7)
بَانَ بَعْدَ الحُكم كُفْرُ الشُّهود؛ نُقِضَ بغَيرِ خِلافٍ
(8)
؛ لِأنَّ شَرْطَ الحُكْم: كَونُ الشَّاهِدِ مُسلِمًا، ولم يُوجَدْ.
وكذا إذا بَانَ فِسْقُهم على المذْهَبِ.
(وَيُرْجَعُ بِالمَالِ، أَوْ بِبَدَلِهِ
(9)
عَلَى المَحْكُومِ لَهُ
(10)
، قدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ الحُكْمَ قد نُقِضَ، فيَجِبُ أنْ يَرجِعَ الحقُّ إلى مُستَحِقِّه.
وقد عُلِمَ منه: أنَّه إذا كان مَوجُودًا؛ أُلْزِمَ بِرَدِّه بعَينِه، وهو ظاهِرٌ.
(وَإِنْ
(11)
كَانَ المَحْكُومُ بِهِ إِتْلَافًا)؛ كقَتْلٍ، أوْ كان الحُكْمُ لله بإتْلافٍ حِسِّيٍّ، أو بما
(12)
سَرَى إلَيهِ؛ (فَالضَّمَانُ عَلَى المُزَكِّينَ)؛ لِأنَّ المحْكومَ به قد
(1)
قوله: (للأولة) سقط من (م).
(2)
في (م): قال.
(3)
كتب في هامش (ظ): (واقتصر عليه في الفروع). وينظر: الاختيارات ص 526، الفروع 11/ 393.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي نسخ المقنع الخطية: وإن.
(5)
في (م): فقضى.
(6)
قوله: (أي) سقط من (ن).
(7)
قوله: (إذا) سقط من (م).
(8)
ينظر: المغني 10/ 230.
(9)
في (م): يبذله.
(10)
قوله: (له) سقط من (م).
(11)
في (م): فإن.
(12)
قوله: (أو بما) في (م): وإنما.
تَعَذَّر ردُّه، وشُهُودُ التَّزْكِيَة ألْجَؤُوا الحاكِمَ إلى الفِعْل، فَلَزِمَهم الضَّمانُ؛ كما لو شَهِدَ عَدْلانِ بحَقٍّ، ثُمَّ حَكَمَ حاكِمٌ بها، ثُمَّ رَجَعَا، ولِأنَّ الحاكِمَ أتَى بما عَلَيهِ، والشُّهودُ لم يَعتَرِفُوا بِبُطْلانِ شَهادتِهم، وإنَّما التَّفْريطُ مِنْ المزَكِّينَ.
وقال القاضي: الضَّمانُ على الحاكم، وهذا الَّذي ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ؛ لِأنَّه فرَّطَ في الحُكْمِ
(1)
بمَنْ لا يَجُوزُ الحُكْمُ بشَهادَتِه. وقال أبو الخَطَّاب: الضَّمانُ على الشُّهود؛ لِأنَّهم فَوَّتُوا الحقَّ على مستحقِّه
(2)
بشَهادَتِهم الباطِلةِ؛ كما لو رَجَعُوا.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تَزْكِيَةٌ؛ فَعَلَى الْحَاكِمِ)؛ لِأنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بفعله
(3)
أوْ بأمْرِه، فَلَزِمَه الضَّمانُ؛ لِتَفْريطِه، وكذا إنْ كان مُزَكُّونَ فَماتُوا، ذَكَرَه في «الكافي» و «الرِّعاية» ، ولا قَوَدَ؛ لِأنَّه مُخطِئٌ، وتَجِبُ الدِّيَةُ في بَيتِ المال، وعَنْهُ: على عاقِلَتِه.
فإنْ قِيلَ: إذا كان الوليُّ قد اسْتَوفَى حقَّه، فيصيرُ
(4)
الضَّمانُ عَلَيهِ؛ كما لو حُكِمَ له بمالٍ فَقَبَضَه، ثُمَّ بانَ فِسْقُ الشُّهود.
قُلْنا: ثَمَّ حَصَلَ في يَدِ المسْتَوفِي مالُ المحْكُومِ عَلَيهِ بغَيرِ حقٍّ، فَوَجَبَ عَلَيهِ ردُّه وضَمانُه إنْ تَلِفَ، وهُنا لم يَحصُلْ في يَدِه شَيءٍ، وإنَّما أتْلَفَ شَيئًا بخَطَأِ الإمامِ وتَسْلِيطِه عَلَيهِ؛ فافْتَرَقَا.
(1)
قوله: (في الحكم) سقط من (م).
(2)
في (ظ): مستحقيه.
(3)
في (ن): بقوله.
(4)
في (ظ) و (ن): فينصبُّ.
(وَعَنْهُ: لَا يُنْقَضُ
(1)
إِذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ)؛ لِأنَّ شَرْطَ الحُكْم أن
(2)
لا يَظهَرَ للقاضي فِسْقُ الشهود
(3)
، وذلك موجودٌ
(4)
، والكُفْرُ لا يَخفَى غالِبًا.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لِأنَّهما لم يَعتَرِفَا ببُطْلانِ شَهادَتِهما، لكِنْ تَبَيَّنَ فَقْدُ شَرْطِ الحُكْمِ، فَوَجَبَ أنْ يُقْضَى بنَقْضه، كما لو تبيَّنَ أنَّه
(5)
حَكَمَ بالقياس، وهو مُخالِفٌ للنَّصِّ.
وإنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا، أوْ وَلَدًا، أوْ والدًا
(6)
، أوْ عَدُوًّا؛ فإنْ كان الَّذي حَكَمَ يَرَى الحكمَ به؛ لم يُنقَضْ؛ لأِنَّه لم يُخالِفْ نَصًّا ولا إجْماعًا، وإلاَّ نُقِضَ.
فرعٌ: إذا جَلَدَ الإمامُ إنسانًا ببيِّنة قامَتْ عِندَه، ثُمَّ بَانَ فِسْقُهم، أوْ كُفْرُهم، أوْ أنَّهم عَبِيدٌ؛ ضَمِنَ الإمامُ ما حَصَلَ بسببِ الضَّرْب؛ كما لو قَطَعَ أوْ قَتَلَ، وهو قَولُ الشَّافِعِيِّ
(7)
.
وقال مالِكٌ: يَضمَنُ في الكُفْر والرِّقِّ
(8)
.
وقال أبو حَنِيفةَ: لا ضَمانَ عَلَيهِ
(9)
.
(وَإِنْ شَهِدُوا عِنْدَ الحَاكِمِ بِحَقٍّ
(10)
، ثُمَّ مَاتُوا؛ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ)؛ لِأنَّ المَوتَ لا يُؤثِّرُ في الشَّهادة، ولا يَدُلُّ على الكَذِب فِيها، ولا يَحتَمِلُ أنْ يكونَ مَوجودًا حالَ أداءِ الشَّهادة، بخِلافِ الفِسْقِ؛ فإنَّه يَحتَمِلُ ذلك، وكذا إنْ
(1)
قوله: (وعنه: لا ينقض) في (م): وعنده.
(2)
قوله: (أن) سقط من (ن).
(3)
قوله: (الشهود) سقط من (م).
(4)
زيد في (م): إلى حين الحكم.
(5)
في (ن): بأنه.
(6)
قوله: (أو والدًا) سقط من (م).
(7)
ينظر: الحاوي الكبير 17/ 275.
(8)
ينظر: التلقين 2/ 214، المعونة ص 1564.
(9)
ينظر: المحيط البرهاني 8/ 53.
(10)
قوله: (بحق) سقط من (ظ) و (م).
جُنُّوا، (إِذَا ثَبَتَتْ
(1)
عَدَالَتُهُمْ)؛ لِحُصولِ الثِّقة للحاكم بقَولِ الشَّاهِد، وذلك مَوجُودٌ مع الموت؛ كالحياة.
(وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِشَاهِدِ الزُّورِ)، بإقْرارِه
(2)
أوْ عَلِمَ كَذِبَه وتَعمُّدَه، وفي «الكافي»: يَثبُتُ بأحَدِ أُمورٍ ثلاثةٍ: أنْ يُقِرَّ بذلك، أوْ تقوم
(3)
البيِّنةُ به، أوْ يَشهَدَ بما يَقطَعُ بكَذِبه، (عَزَّرَهُ) في قَولِ أكثرِ العلماء، ورَواهُ سعيدٌ عن عمرَ، ولم يُعرَفْ له مُخالِفٌ
(4)
، ولأِنَّه قَولٌ مُحرَّمٌ يَضُرُّ به النَّاسَ، أشْبَهَ السبَّ
(5)
والقَذْفَ؛ ولِأنَّ في ذلك زَجْرًا له ولِغَيرِه عن ارْتكابِ مِثْلِ فِعلِه.
وظاهِرُه: ولو تَابَ، وهو وَجْهٌ ذَكَرَه القاضِي في «خِلافِه» .
والثَّانِي: لا تعزيرَ.
وهما في كلِّ تائبٍ
(6)
بَعْدَ وُجوبِ التَّعزير.
(1)
في (م): ثبت.
(2)
زاد في (ظ): أو كذبه.
(3)
في (م): يقوم.
(4)
لم نجده عند سعيد بن منصور، وقد أخرجه عبد الرزاق (15388)، وابن أبي شيبة (23043)، من طرق عن شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر قال:«شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقام شاهد زور عشيّة في إزار ينكت نفسه» ، وعاصم بن عبيد الله العدوي: ضعيف سيئ الحفظ، وأخرجه عبد الرزاق (15394)، أخبرنا يحيى بن العلاء، أخبرني الأحوص بن حكيم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب أمر بشاهد الزّور أن يُسخَم وجهه، ويُلقى في عنقه عمامته، ويُطاف به في القبائل، ويقال:«إن هذا شاهد الزور، فلا تقبلوا له شهادة» ، وأخرجه عبد الرزاق (15392، 15393)، من طريق الحجاج، عن مكحول، عن الوليد بن أبي مالك: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله بالشّام في شاهد الزور: «أن يجلد أربعين جلدة، وأن يُسخم وجهه، وأن يُحلَّق رأسه، وأن يطال حبسه» ، والحجاج بن أرطاة ضعيف.
(5)
في (م): السبب.
(6)
في (م) و (ن): ثابت.
وتعزيرُه بما يَراهُ الحاكِمُ، نقله
(1)
حنبلٌ
(2)
، ما لم يُخالِفْ نَصًّا، وفي «المغْنِي»: أو مَعْنَى نَصٍّ.
قال ابنُ عَقِيلٍ وغَيرُه: وأنْ يَجمَعَ بَينَ عُقوباتٍ إنْ لم يرتدع
(3)
إلَّا به.
وقال في «الشَّرح» : لا يَزِيدُ على عَشْرِ جَلَداتٍ.
ونَقَلَ مُهَنَّى: كراهةَ تَسْويدِ الوَجْهِ
(4)
.
(وَطَافَ بِهِ فِي المَوَاضِعِ
(5)
الَّتِي
(6)
يَشْتَهِرُ فِيهَا
(7)
؛ لِيَشتَهِرَ أمْرُه، فيُجْتَنَب
(8)
، (فَيُقَالُ: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا
(9)
شَاهِدَ زُورٍ، فَاجْتَنِبُوهُ)؛ لِيَحصُلَ إعْلامُ النَّاس بذلك، فإذا تاب؛ قُبِلَتْ شَهادتُه كسائرِ التَّائِبِينَ.
ولا يعزَّر
(10)
بتَعارُضِ البيِّنة، ولا بغَلَطِه
(11)
في شَهادَتِه أوْ رُجوعِه، ذَكَرَه في «المغْنِي» ؛ لِأنَّ التَّعارُضَ لا يُعلَمُ به كَذِبُ إحدى
(12)
البيِّنتَينِ بعَينها، والغَلَطُ قد يَعْرِض
(13)
للصَّادِق العَدْل ولا يَتعمَّدُه، فعُفِيَ عنه.
وكذا إذا ظَهَرَ فِسْقُه؛ لِأنَّ الفِسْقَ لا يَمنَعُ الصِّدْقَ.
(1)
في (م): نقل.
(2)
ينظر: الأحكام السلطانية للقاضي ص 282.
(3)
في (م): لم يردع.
(4)
ينظر: الأحكام السلطانية للقاضي ص 283.
(5)
في (م): الموضع.
(6)
في (ظ) و (م): الذي.
(7)
في (م): فيه.
(8)
في (م): ويجتنب.
(9)
قوله: (وجدنا هذا) في (م): وجدناه.
(10)
في (م): ولا يقرر.
(11)
في (ن): ولا تغلطه.
(12)
في (م): أحد.
(13)
في (ن): تعرض.
وفي «التَّرغيب» : إنِ ادَّعَى شُهودُ القَوَد الخَطَأَ؛ عُزِّرُوا.
(وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ إِلَّا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ)، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ، قال في «الشَّرح»: ولا أعْلَمُ فيه خلافًا
(1)
؛ لِأنَّ الشَّهادةَ مَصدَرٌ، فلا بدَّ من الإتْيان بفِعْلِها المشْتَقِّ منها
(2)
، ولِأنَّ فِيها مَعْنًى لا يَحصُلُ في غَيرِها، بدليلِ: أنَّها تُستَعْمَلُ في اللِّعانِ، ولا يَحصُلُ ذلك من
(3)
غَيرِها.
(فَإِنْ قَالَ: أَعْلَمُ، أَوْ أُحِقُّ؛ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ
(4)
؛ لِأنَّ الحُكْمَ يَعتَمِدُ لَفْظَ الشَّهادة، ولم يُوجَدْ.
والثَّانِيَةُ: يُقبَلُ، اخْتارَه أبو الخَطَّاب، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين، قال: (ولا نَعلَمُ عن صَحابيٍّ ولا تابعِيٍّ لَفْظَ الشَّهادة، قال عليُّ بنُ المَدِينيِّ: أقولُ: إنَّ العَشرةَ في الجَنَّة، ولا أشْهَدُ، فقال له
(5)
أحمدُ: متى قلتَ فقد شَهِدتَ، ونَقَلَ الْمَيمُونيُّ عنه أنَّه قال: وهل مَعْنَى القَولِ والشَّهادةِ إلاَّ واحِدٌ؟ ونَقَلَ أبو طالِبٍ عنه أنَّه قال: العِلْمُ شَهادةٌ)
(6)
.
فرعٌ: لا يَلزَمُه أنْ يَشهَدَ أنَّ الدَّينَ باقٍ في ذِمَّتِه إلى الآن، بل يَحكُمُ الحاكِمُ باسْتِصْحابِ الحالِ. واللهُ أعلم
(7)
.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 30/ 100.
(2)
في (ن): منهما.
(3)
في (ن): في.
(4)
كتب في هامش (ظ): (أحق: بفتح الهمزة أو ضمها، من حققت الأمر، بمعنى تحققته، وصرت منه على يقين، أو من أحققت الأمر بهذا المعنى بعينه، أو بمعنى أثبته).
(5)
قوله: (له) سقط من (م).
(6)
ينظر: الاختيارات ص 500، الفروع 11/ 379.
(7)
قوله: (والله أعلم) سقط من (ن).
(بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى)
اليَمِينُ تَقطَعُ الخصومةَ
(1)
في الحالِ، ولا تُسقِطُ الحقَّ.
وتَصِحُّ يمينُ كلِّ مُكلَّفٍ، مُختارٍ، تَوَجَّهَتْ عَلَيهِ دَعْوَى صحيحةٌ، فِيمَا يَصِحُّ بَذْلُه.
ومَن أنْكَرَ بُلوغَه بَعْدَ إقْراره، أوِ ادَّعاه لِتِسْعِ سِنِينَ؛ صُدِّقَ بلا يَمِينٍ، فإذا
(2)
بلغ حَلَفَ.
وقِيلَ: إنِ ادَّعاه بالسِّنِّ؛ احْتاجَ بيِّنةً، فلا يَحْلِفُه.
ولا يَحلِفُ وصيٌّ على نَفْيِ الدَّين على المُوصِي، قال ابنُ حَمْدانَ: بل
(3)
على نَفْيِ لُزومِه من التَّرِكة إلى المدَّعِي، ولا شاهِدٌ على صِدْقه إلاَّ المرضعة
(4)
، ولا حاكِمٌ على حُكْمِه، أوْ نَفْيِه، أوْ عَدْلِه، أوْ نَفْيِ جَوره وظُلْمِه، ولو مَعْزولاً.
ولا المدَّعِي إذا طَلَبَ يمينَ خَصْمِه، فقال: لِيحْلِفْ أنَّه ما أحْلفَنِي.
وقِيلَ: بل يَحلِفُ المدَّعِي أنَّه لم يَحلِفْه، فإنْ أبَى حَلَفَ المدَّعَى عَلَيهِ يَمِينَ الرَّدِّ.
ولا المدَّعَى عَلَيهِ إذا قال المدَّعِي: ليحْلِفْ أنَّه ما أحْلَفَنِي.
ولا مَنْ حُكِمَ له بشَيءٍ، فقال خَصمُه: إنَّه لا يَستَحِقُّه.
وإنِ ادَّعَى الوصيُّ أنَّ الميِّتَ وصَّى للفقراء بشَيءٍ، فأنكره
(5)
الوَرَثَةُ،
(1)
في (م): الخصومات.
(2)
في (ن): إذا.
(3)
في (م): بلى.
(4)
في (م): لمرضع.
(5)
في (ظ): فأنكر.
ونَكَلُوا عن اليمينِ؛ حُبِسُوا حتَّى يَحلِفُوا أوْ يُقِرُّوا.
وقِيلَ: يُحكَمُ بذلك، ولا يَحلِفُ الوصيُّ
(1)
.
وإنْ رأى الحاكِمُ في دفْتره دَينًا على رجلٍ لميِّتٍ لا
(2)
وَارِثَ له ولم يَحلِفْ؛ حُبِسَ حتَّى يَحلِفَ أوْ يقرَّ
(3)
، ولا يَحلِفُ الحاكِمُ في الأصحِّ.
(وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ المُنْكِرِ فِي كُلِّ حَقٍّ لآِدَمِيٍّ)، في رِوايَةٍ اخْتارَها المؤلِّفُ، وجَزَمَ بها أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ، وقدَّمها ابنُ رَزِينٍ، وذَكَرَ في «الشَّرح»: أنَّها أَوْلَى؛ لقوله عليه السلام: «لَو يُعطَى النَّاسُ بدَعْواهُم؛ لَادَّعَى قَومٌ دِماءَ رِجالٍ وأمْوالَهم، ولكِنَّ اليمينَ على المدَّعَى عَلَيهِ»
(4)
، فجَعَلَ اليمينَ على المدَّعَى عليه
(5)
بعد
(6)
ذِكْرِ الدِّماء، وذلك ظاهِرٌ في أنَّ الدَّعْوَى بالدَّمِ
(7)
تُشرع
(8)
فيها اليمينُ، وسائرُ الحقوق إمَّا مِثْلُه أوْ دُونَه، فَوَجَبَ مشروعيَّةُ اليمين في ذلك كلِّه؛ لِعُمومِ الأخْبارِ، ولِأنَّها دَعْوَى صحيحةٌ في حقِّ آدَمِيٍّ؛ كدَعْوَى المالِ.
وظاهِرُ المذهب
(9)
: أنَّها تُشرَعُ في كلِّ حقِّ آدَمِيٍّ، غَيرِ العَشَرة المسْتَثْناةِ، وسَيأْتِي؛ لِأنَّه إمَّا مالٌ، أو ما يُقصَدُ منه المالُ، ولا خِلافَ بَينَ العلماء في مشروعيَّة اليمين في ذلك إذا لم يكُنْ للمدَّعِي بيِّنةٌ
(10)
.
(1)
في (م): الوفي.
(2)
في (م): ميت ولا.
(3)
في (م): يقروا.
(4)
أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(5)
قوله: (فجعل اليمين على المدعى عليه) سقط من (ن).
(6)
زيد في (م): ما.
(7)
في (م): في الدم.
(8)
في (ن): يشرع.
(9)
قوله: (وظاهر المذهب) في (م): وظاهره.
(10)
ينظر: المغني 9/ 487.
(قَالَ
(1)
أَبُو بَكْرٍ: إِلَّا فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ)، فإنَّه لا يُسْتَحْلَفُ فِيهِما، قال
(2)
: وهو الغالِبُ على قَولِ أبي عبدِ الله؛ لِأنَّ أمْرَهما أشَدُّ، ولا يدخلُهُما
(3)
البَدَلُ.
(وَقَالَ
(4)
أَبُو الْخَطَّابِ: إِلَّا فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، والرَّجْعَةِ
(5)
، وَالرِّقِّ، وَالْوَلَاءِ، وَالاسْتِيلَادِ
(6)
، وَالنَّسَبِ، وَالْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» والأدَمِيُّ، وزادوا: الإِيلاءَ؛ لِأنَّ ذلك لا يَثبُتُ إلَّا بشاهِدَينِ، فلا تُشرع
(7)
فيها اليمينُ؛ كالحدودِ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الطَّلَاقِ
(8)
، وَالْقِصَاصِ، وَالْقَذْفِ؛ رِوَايَتَانِ)؛ لِأنَّه بالنَّظَر إلى تأكُّدِها
(9)
يَنبَغِي ألَّا تُشرع
(10)
اليمينُ فيها، وبالنَّظَر إلى أنَّها حقُّ آدَمِيٍّ؛ فتُشرَع
(11)
فيها، (وَسَائِرُ السِّتَّةِ)؛ أيْ: جميعُها، (لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لِتأكُّدِها، وعَدَمِ مُساواةِ غَيرِها لها.
وعَنْهُ: يُستَحْلَفُ إلَّا في طلاقٍ
(12)
، وإِيلاءٍ، وقَوَدٍ، وقَذْفٍ.
وعَنْهُ: يُستَحْلَفُ فِيمَا يُقضَى فِيهِ بالنُّكول.
(1)
في (م): وقال.
(2)
قوله: (فيهما قال) في (م): فيها.
(3)
في (م): ولا يدخلها.
(4)
في (ن): قال.
(5)
في (ن): والرجعة والطلاق.
(6)
في (م): والاستيلاء.
(7)
في (ن): فلا يشرع.
(8)
قوله: (في الطلاق) في (م): والطلاق.
(9)
في (م): تأكيدها.
(10)
في (م): ألا يشرع.
(11)
في (ن): فيشرع.
(12)
في (م): إطلاق.
وفي «الجامِعِ الصَّغيرِ» : ما لا يَجُوزُ بَذْلُه
(1)
، وهو ما ثَبَتَ بشاهِدَينِ؛ لا يُستَحْلَفُ فيه.
وفسَّرَ القاضي الاِسْتِيلادَ: بأنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلادَ أَمَةٍ، فينكره
(2)
، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: هي المدَّعية
(3)
.
وذَكَرَ القاضِي والسَّامَرِّيُّ: أنَّ الوَصِيَّة إلَيهِ والوكالةَ
(4)
لا
(5)
يُستحْلَفُ فِيهِما.
وقال ابنُ أبي مُوسَى: لا يُستَحْلَفُ في إيلاءٍ ولا فَيئةٍ، قال السَّامَرِّيُّ: لِأنَّهما مِنْ حُقوقِ الله تعالَى؛ لِأنَّ حكمهما
(6)
وُجوبُ الكَفَّارة إذا ادَّعَيَا على
(7)
الرجل، فإنِ ادَّعاهما الرَّجُلُ؛ فلا يمين
(8)
على المرأة؛ لِأنَّه إقْرارٌ على نفسه، لا دَعْوَى على غَيرِه.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُحَلَّفُ فِي الْقِصَاصِ)؛ لِأنَّه يُدرَأُ بالشُّبهة، (وَلَا المَرْأَةُ إِذَا أَنْكَرَتِ النِّكاحَ)؛ لِأنَّه لا يَصِحُّ بَذْلُها
(9)
، (وَتُحَلَّفُ
(10)
إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا)؛ لمَا فِيهِ مِنْ الاِحْتِياطِ لبُضْعِهَا
(11)
.
وإذا أحْلَفْناهُ في ذلك؛ قَضَينا فيه بالنُّكول، إلَّا في قَوَدِ النَّفْس خاصَّةً، قال
(1)
في (م): له.
(2)
في (م): أمته فتنكره.
(3)
في (ن): الداعية. ينظر: الاختيارات ص 500، الفروع 11/ 273.
(4)
في (ن): بالوكالة.
(5)
قوله: (لا) سقط من (م).
(6)
في (م): حكمها.
(7)
في (م): عن.
(8)
في (م): فلا نهي.
(9)
في (ظ): بدلها.
(10)
في (ن): ويحلف.
(11)
في (ن): لبعضها.
أحمدُ في رِوايَةِ الكَوسَجِ في رجلٍ ادَّعَى على آخَرَ أنَّه قَذَفَه فأنكر
(1)
: يَحلِفُ له، فإنْ نَكَلَ أُقِيمَ عَلَيهِ
(2)
، قال أبو بكرٍ: هذا قَولٌ قديمٌ، والمذْهَبُ خِلافُه.
وعَنْهُ: لا يُقْضَى بالقَوَدِ فِيما دُونَ النَّفس، قال ابنُ حَمْدانَ: وهي
(3)
أصحُّ.
وعَنْهُ: لا يُقضَى بالنُّكول إلاَّ في الأموال خاصَّةً، قدَّمه في «الكافي» .
ومَتَى لم يَثبُتِ القَوَدُ بنكوله؛ فهل يَلزَمُ النَّاكِلَ الدِّيَةُ؟ على رِوايَتَينِ، نَصَّ عَلَيهِما في القَسامة
(4)
.
وكلُّ ناكِلٍ قُلْنا لا يُقْضَى عَلَيهِ؛ فهل يُخَلَّى سبيلُه، أوْ يُحبَسُ حتَّى يُقِرَّ أوْ يحلف
(5)
؟ على وَجْهَينِ، أصلهما
(6)
: إذا نَكَلَتِ الزَّوجةُ عن اللِّعان.
وفي رَدِّ اليمينِ خِلافٌ سَبَقَ، فإنْ قُلْنا: تردُّ
(7)
اليمينِ، فتعذَّرَ ردُّها؛ قُضِيَ بالنُّكول على الأصحِّ. وقِيلَ: بل يَحلِفُ وليُّ صغيرٍ ومجنونٍ. وقِيلَ: إنْ باشر
(8)
ما ادَّعاه. وقِيلَ: بل يحلفان إذا زال المانِعُ، ولا يُقْضَى بالنُّكول قَبْلَ ذلك.
(وَإِذَا أَنْكَرَ المُولِي
(9)
مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ؛ حَلَفَ)؛ لِأنَّه إذا لم يَحلِفْ؛ أدَّى ذلك إلى تَضَرُّرِ المرأة، وهو مُنتَفٍ شَرعًا.
(1)
زيد في (ن): لم.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3663، وتمامها:(الحد، إلا القتل).
(3)
في (م): وهو.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3585.
(5)
في (م): ويحلف.
(6)
في (م): أصلها.
(7)
في (م): في رد، وفي (ظ): برد.
(8)
في (م): باشره.
(9)
في (ن): الولي.
(وَإِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا بِعِتْقِهِ؛ حَلَفَ مَعَهُ)؛ لِأنَّ عِتْقَه نَقْلُ مِلْكٍ، أشْبَهَ البَيعَ.
(وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى؛ كَالْحُدُودِ، وَالْعِبَادَاتِ)، أمَّا الحُدودُ؛ فلا نَعلَمُ فِيهَا خِلافًا
(1)
؛ لِأنَّه لو أقرَّ ثُمَّ رَجَعَ عن إقراره؛ قُبِلَ منه مِنْ غَيرِ يمينٍ، وخلي
(2)
، فلَأن لا يُسْتَحْلَفَ مع عدم
(3)
الإقرار أَوْلَى.
وأمَّا الحُقوقُ الماليَّةُ؛ كدَعْوَى السَّاعِي الزَّكاةَ على ربِّ المال؛ فقال أحمدُ: القَولُ قَولُ ربِّ المال بغَيرِ يمينٍ
(4)
؛ كالحدود وكالصَّلاة.
وكذا لو ادَّعَى عَلَيهِ كفَّارةَ يمينٍ، أوْ ظِهارٍ، أوْ نَذْرٍ، أوْ صَدقةٍ؛ قُبِلَ قَولُه في نَفْيِ ذلك بغَيرِ يمينٍ؛ لِأنَّه لا حقَّ للمُدَّعِي فِيهِ، ولا وِلايَةَ له عَلَيهِ؛ كما لو ادَّعى عَلَيهِ حقًّا بغَيرِ إذْنِه، ولا وِلايَةَ له
(5)
عَلَيهِ.
فإنْ تَضَمَّنتْ دَعْواهُ حقًّا له، مِثْلَ: أنْ يَدَّعِيَ سَرِقةَ مالِه، أو الزِّنى بجارِيَته لِيَأخُذَ مَهْرَها؛ سُمِعَتْ دَعْواهُ، وتَجِبُ اليمينُ مع الإنكار وعَدَمِ البيِّنة، ويُقْضَى بالنُّكول في الغُرم
(6)
.
(وَيَجُوزُ الْحُكْمُ فِي المَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ المَالُ: بِشَاهِدٍ
(7)
وَيَمِينِ المُدَّعِي)، تَقدَّمَ في بابِ المشْهُودِ به.
(1)
ينظر: المغني 10/ 214.
(2)
في (م): وحبس.
(3)
قوله: (عدم) سقط من (ظ) و (م). والمثبت موافق للمغني 10/ 214، والشرح الكبير 30/ 111.
(4)
ينظر: المغني 10/ 214
(5)
قوله: (له) سقط من (م).
(6)
في (ظ): المغرم.
(7)
في (م): شاهد.
(وَلَا تُقْبَلُ
(1)
فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ
(2)
وَيَمِينٍ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لِأنَّ شهادةَ النِّساء ناقِصةٌ، وإنَّما انْجَبَرَتْ بانْضِمامِ الذَّكر إليهنَّ
(3)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تُقْبَلَ)، هذا وَجْهٌ؛ لِأنَّ المرأتَينِ في المال يقُومانِ مَقامَ رجلٍ، ويَبطُلُ ذلك
(4)
بشهادةِ أربعِ نِسْوةٍ، فإنَّه لا يقبل
(5)
إجْماعًا
(6)
.
(وَلَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَسَائِرِ مَا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ: شَاهِدٌ وَيَمِينُ) المُدَّعِي
(7)
، وقد سَبَقَ ذكر
(8)
ذلك.
(وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ)، مِثْلَ: أنْ يَدَّعِيَ مائةً
(9)
على
(10)
شخصٍ، ويُقِيمَ شاهِدًا، ويُرِيدُ أنْ يَحلِفَ معه، (أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ)، مِثْلَ: أنْ يُدَّعَى عَلَيهِ بمائة
(11)
، فيَقُولَ: ما يَسْتَحِقُّ عليَّ شيئًا؛ (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ)، ذَكَرَه مُعظَمُ الأصْحاب؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَحْلَفَ رجلاً، فقال: «قُلْ: واللهِ الَّذي لا إلهَ إلَّا هُوَ ما لَه عليك
(12)
حقٌّ»
(13)
، (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى النَّفْيِ؛ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ).
(1)
في (م): ولا يقبل.
(2)
في (ن): امرأة.
(3)
قوله: (الذَّكر إليهنَّ) هو في (م): الذكر واليمين، وفي (ظ): ذكر اليمين.
(4)
قوله: (ذلك) سقط من (م).
(5)
في (م): لا تقبل.
(6)
ينظر: شرح الزركشي 7/ 306، وخالف فيه ابن حزم، فقال بقبول شهادة أربع نسوة. ينظر: المحلى 8/ 476.
(7)
قوله: (المدعي) سقط من (ن).
(8)
قوله: (ذكر) سقط من (ن).
(9)
في (ن): ذلك بمائة.
(10)
قوله: (على) سقط من (م).
(11)
في (ظ): مائة.
(12)
في (م): (علي)، وكتب فوقها (عليك).
(13)
أخرجه أحمد (2280)، وأبو داود (3620)، والبيهقي في الكبرى (20719)، من طرق عن عطاء بن السّائب، عن أبي يحيى، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بنحوه، وعطاء بن السّائب صدوق اختلط، وقد تفرّد به. والحديث عدّه الذهبي من مناكير عطاء، وضعفه المنذري والألباني. ينظر: مختصر سنن أبي داود 2/ 520، ميزان الاعتدال 3/ 72، الإرواء 8/ 307.
وفي «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع» : يَحلِفُ في إثْباتٍ ونَفْيٍ على البتِّ، إلَّا لنفي
(1)
فِعْلِ غَيرِه.
ونَقَلَ الجماعةُ: أوْ نَفْيِ دَعْوَى على غَيرِه، فيَكفِيهِ نَفْيُ العِلْم
(2)
.
(وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ)، مِثْلَ: أنْ يَدَّعِيَ أنَّ غَيرَه غَصَبَه ثَوبَه: (أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ؛ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ)، اخْتارَه ابنُ أبي مُوسَى، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، ونَصَرَه في «الشَّرح»؛ لِحدِيثِ الحَضْرَمِيِّ: «ولكِنْ أحْلِفْهُ
(3)
واللهِ ما يَعلَمُ أنَّها أرْضِي غَصَبنيها
(4)
أَبُوهُ» رواهُ أبو داودَ
(5)
، ولِأنَّه لا يُمكِنُه الإحاطةُ بفِعْلِ غَيرِه، بخِلافِ فِعْلِ نَفْسِه، وكالشَّهادة، فإنَّها تَكُونُ بالقَطْع فِيمَا يُمكِنُ القَطْعُ فِيهِ مِنْ العقود
(6)
، وعلى الظَّنِّ فِيمَا لا يُمكِنُ فِيهِ القَطْعُ من الأمْلاكِ والأَنْسابِ، وعلى نَفْيِ العِلْم فِيما لا يُمكِنُ الإحاطةُ بانْتِفائه؛ كالشَّهادة على أنَّه لا وَارِثَ له إلاَّ فُلانٌ وفُلانٌ.
(1)
في (م): النفي.
(2)
ينظر: زاد المسافر 3/ 511، الفروع 11/ 278.
(3)
في (م): أحلف.
(4)
في (م): غصبتها.
(5)
أخرجه أحمد (21849)، وأبو داود (3244)، والنسائي في الكبرى (5959)، وابن حبان (5088)، والحاكم (7805)، عن كردوس، عن الأشعث بن قيس رضي الله عنه في قصة. وفي سنده كردوس التغلبي، وهو مقبول، وقال عنه أبو حاتم:(فيه نظر)، وقد تفرّد بهذا اللَّفظ، والحديث صححه ابن حبان والحاكم، وضعفه الألباني، والقصة أخرجها مسلم (139)، بدون هذه الزيادة. ينظر: الجرح والتعديل 3/ 423، الإرواء 8/ 309.
(6)
في (ن): القود.
وعَنْهُ: يمينُ النَّفْي على نَفْيِ العِلْم في كلِّ شَيءٍ.
وعَنْهُ: وغَيرُها على العِلْم، اخْتارَه أبو بكرٍ، واحْتَجَّ بالخبر الَّذي ذَكَرَه أحمدُ، عن الشَّيبانيِّ، عن القاسِمِ بنِ عبدِ الرَّحمن مرفوعًا: «لَا تَضطرُّوا
(1)
النَّاس في أيْمانهم أنْ يَحلِفُوا على
(2)
ما لا يَعلَمونَ»
(3)
.
وفي «مُختَصَرِ ابنِ رَزِينٍ» : يمينُه بَتٌّ على فعله
(4)
، ونَفْيٌ على فِعْلِ غَيرِه.
وعبدُه
(5)
كأجنبيٍّ في حَلِفِه على البتِّ.
وأمَّا بهيمتُه؛ فما
(6)
يُنسَبُ إلى تفريطٍ وتقصيرٍ؛ فَعَلَى البَتِّ، وإلَّا فَعَلَى نَفْيِ العِلْم، ذَكَرَه في «الرِّعاية» و «الفُروع» .
(وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُمْ
(7)
يَمِينًا وَاحِدَةً، فَرَضُوا؛ جَازَ)، ذَكَرَه أكثرُ الأصحاب؛ لِأنَّ الحقَّ لهم، ولا يَلزَمُ أنْ يكونَ لكلِّ واحِدٍ بعضُ اليمين، كما أنَّ الحقوقَ إذا قامَتْ بها البيِّنةُ الواحِدةُ لا يكُونُ
(1)
في (ظ) و (ن): يضطروا.
(2)
قوله: (على) سقط من (م).
(3)
أخرجه أبو الطاهر المخلص في المخلصيات (365، 1210)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 187)، من طريق عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان، عن مسعر، عن أبي إسحاق الشيباني، عن القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تضطروا الناس في أيمانهم إلى ما لا يعلمون» ، وهو منقطع، القاسم لم يسمع من جده، قاله ابن المديني والعلائي، وأخرجه عبد الرزاق (1603)، وأبو داود (399)، من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تضطروا الناس في أيمانهم فيحلفوا بما لا يعلمون» ، وهو معضل. ينظر: جامع التحصيل ص 252، الإرواء 8/ 308.
(4)
قوله: (على فعله) سقط من (ن).
(5)
في (م): وعنده.
(6)
في (م): يمينه فيما.
(7)
قوله: (لهم) سقط من (ن).
لكلِّ حقٍّ بعضُ البيِّنة.
وقال القاضِي: ويَحتَمِلُ أنْ لا يصحَّ
(1)
؛ لِأنَّ اليمينَ حُجَّةٌ في حقِّ الواحِدِ، فإذا رَضِيَ بها اثْنانِ؛ صارَت الحُجَّةُ في حقِّ كلِّ واحِدٍ منهما ناقِصَةً، والحُجَّةُ الناقصةُ
(2)
لا تَكمُلُ بِرِضَا الخَصْمِ؛ كما لو رَضِيَ أنْ يَحكُمَ بشاهِدٍ واحِدٍ.
(وَإِنْ أَبَوْا؛ حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(3)
؛ لِأنَّه مُنكِرٌ لكلِّ واحِدٍ منهم.
وحَكَى الإصْطَخْرِيُّ: أنَّ إسماعيلَ بنَ إسْحاقَ القاضِيَ حلَّف رجلاً بحقٍّ لِرَجُلَينِ يمينًا واحِدةً، فخَطَّأَه أهلُ عَصْرِه.
فرعٌ: إذا تَوَكَّلَ لجماعةٍ
(4)
في دَعْوى واحِدةٍ في حُقوقٍ؛ صحَّ دَعْواهُ بالكلِّ دَفْعةً واحِدةً، وهل تَكفِي يمينٌ للكُلِّ، أوْ أيْمانٌ؟ فِيهِ وَجْهانِ.
ومَن ادَّعَى على زَيدٍ شَيئًا بدَعاوى في مَجلِسٍ واحدٍ؛ فلِكلِّ دَعْوى يمينٌ. وقِيلَ: ضِدُّه.
وإنِ ادَّعَى الكلَّ دَعْوى واحدةً؛ فيمينٌ واحِدةٌ.
وإنِ ادَّعَى ربُّ الماشِيَةِ أنَّه كان باعَها في حَولها، ثُمَّ اشْتَراها، أوْ أخْرَجَ الفَرْضَ إلى ساعٍ آخر
(5)
؛ فهل يَحلِفُ وُجوبًا، أو اسْتِحْبابًا؟ على وَجْهَينِ.
(1)
في (ن): لا تصح.
(2)
قوله: (والحجة الناقصة) سقط من (م).
(3)
ينظر: المغني 10/ 78.
(4)
في (م): الجماعة.
(5)
قوله: (آخر) سقط من (ن).
فإن
(1)
وَجَبَ، فنَكَلَ؛ حُكِمَ عَلَيهِ بالحقِّ، وإن
(2)
سُنَّ
(3)
؛ فَلَا.
وكذا الجِراحُ.
(1)
في (م): وإن.
(2)
في (ظ): فإن.
(3)
في (م): من.
(فَصْلٌ)
(وَالْيَمِينُ المَشْرُوعَةُ: هِيَ
(1)
الْيَمِينُ بِاللهِ تَعَالَى)؛ لقَولِه تعالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعَام: 109]، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النُّور: 6]، ولأخبارٍ
(2)
، وهذا
(3)
قَولُ عامَّةِ العلماء.
(وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ
(4)
تَغْلِيظَهَا بِلَفْظٍ، أَوْ زَمَنٍ، أَوْ مَكَانٍ؛ جَازَ)، ولم يُستَحَبَّ، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه أرْدَعُ للمُنكَر.
وقِيلَ: يُكرَهُ، قدَّمه في «الرِّعاية» في غَيرِ لِعانٍ وقَسامةٍ.
وعَنْهُ: لا يَجُوزُ، ذَكَرَها في «التَّبصرة» ، واختارها
(5)
أبو بكرٍ والحُلْوانيُّ؛ لِعَدَمِ ورودِه
(6)
.
ونَصَرَ القاضِي، وأبو الخَطَّاب قال: وأَوْمَأَ إلَيهِ أحمدُ: أنَّها تُغلَّظُ؛ لِأنَّها حُجَّةُ أحدِهما، فَوَجَبَ مَوضِعَ الدَّعْوَى؛ كالبيِّنة.
وعَنْهُ: يُستَحَبُّ، وذَكَرَه الخِرَقِيُّ في أهْلِ الذِّمَّة.
(فَفِي اللَّفْظِ يَقُولُ: وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الطَّالِبِ الْغَالِبِ، الضَّارِّ النَّافِعِ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، الطَّالِبُ: اسْمُ فاعِلٍ مِنْ طَلَبَ الشَّيءَ؛ أي
(7)
: قَصَدَه،
(1)
في (م): وهي.
(2)
في (ن): والأخبار. ومن تلك الأخبار: ما أخرجه البخاري (2679)، ومسلم (1646)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:«من كان حالفًا، فليحلف بالله أو ليصمت» .
(3)
في (ن): فهذا.
(4)
في (م): لحاكم.
(5)
في (ظ) و (م): اختاره.
(6)
قوله: (لعدم وروده) في (م): وردده.
(7)
في (م): إذا.
والغالِبُ: اسْمُ فاعِلٍ مِنْ غَلَبَ يَغْلِبُ، بمَعْنَى: قَهَرَ، والضَّارُّ النَّافِعُ: مِنْ أسماءِ
(1)
الحُسْنَى؛ أيْ: هو
(2)
قادِرٌ على ضُرِّ مَنْ شاءَ ونَفْعِ مَنْ شاء
(3)
، وخائنةُ الأَعْيُنِ: تُفسَّر
(4)
بأنَّه يُضمِرُ في نَفْسه شَيئًا، ويكف
(5)
لِسانَه، ويُومِئُ بعَينِه، فإذا ظَهَرَ ذلك
(6)
؛ سُمِّيَتْ خائنةَ الأعْيُنِ.
ولم يَذكُر الحَلِفَ بالمصحف، قال ابنُ المنْذِر: لا أعْلَمُ أحدًا أوْجَبَ اليمينَ على المصحف
(7)
.
وقال الشَّافِعِيُّ: رَأيْتُهم يُؤكِّدُونَ اليمينَ بالمصحف، ورَأيْتُ ابنَ مازِنٍ قاضِيَ صَنْعاءَ
(8)
يُغلِّظُ اليمينَ به
(9)
، قال أصْحابُه: فتغلظ
(10)
عَلَيهِم بإحْضارِ المصحف
(11)
.
قال ابنُ المنْذِر: لا تترك
(12)
سنَّةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِفِعْلِ ابنِ مازِنٍ ولا غَيرِه
(13)
.
(1)
كذا في النسخ الخطية. ولعلها: من أسماء الله.
(2)
قوله: (هو) سقط من (م)، وفي (ن): فهو.
(3)
قوله: (ونفع من شاء) سقط من (م).
(4)
في (ظ) و (م): يفسر.
(5)
في (م): ويكلف.
(6)
في (م): بذلك.
(7)
ينظر: الإشراف 4/ 217.
(8)
هو مطرف بن مازن الكناني، ويكنى أبا أيوب، وكان قد ولي القضاء بصنعاء، ومات بالرقة في آخر خلافة هارون الرشيد. ينظر: الطبقات لابن سعد 5/ 548، الطبقات لخليفة بن خياط ص 521.
(9)
ينظر: الأم 7/ 36.
(10)
في (ن): فيغلظ.
(11)
ينظر: البيان للعمراني 13/ 258.
(12)
في (ن): لا يترك.
(13)
لم نقف عليه في كتب ابن المنذر، وظاهر ما في المغني 10/ 207: أنه من كلام ابن قدامة.
(وَالْيَهُودِيُّ يَقُولُ: وَاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَفَلَقَ لَهُ
(1)
الْبَحْرَ، وَأَنْجَاهُ مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ)؛ لمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لليهود
(2)
: «نَشَدْتُكُم بالله الَّذي أنْزَلَ التَّوراةَ على مُوسَى: ما تَجِدُونَ في التَّوراة على مَنْ زَنَى؟» رواهُ أبو داودَ
(3)
.
(وَالنَّصْرَانِيُّ يَقُولُ: وَاللهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَجَعَلَهُ يُحْيِي المَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ)؛ لِأنَّه لَفْظٌ تتأكَّد
(4)
به يمينُه، أشْبَهَ اليَهوديَّ.
وظاهِرُه: أنَّها تُغلَّظُ في حقِّ كلِّ نَصْرانيٍّ بذلك، وفيه
(5)
إشْكالٌ؛ لِأنَّ مِنهُمْ مَنْ لا يَعتَقِدُ أنَّ عيسى
(6)
رسولُ الله، وإنَّما يَعتَقِدونَه ابْنًا لله، تعالى
(7)
الله عن
(1)
قوله: (له) سقط من (م) و (ن).
(2)
في (م): لليهودي.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (13330)، وأبو داود (3624)، والبيهقي في الكبرى (20716)، عن الزهري، حدّثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا به. وفي سنده ضعف وإبهام، وقد ضعفه الألباني. لكن له شواهد: فأخرج الحميدي في مسنده (1331)، والدارقطني (4350)، من حديث جابر رضي الله عنه: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لعالمين من اليهود: «فأنشدكما بالله الذي أنزل التوراة على موسى كيف تجدون حدّهم في التوراة؟» . وفي سنده مجالد، وقد تفرّد به عن الشعبي، وليس بالقويِّ. قاله الدارقطني. وأخرج ابن ماجه (2327)، بسند صحيح عن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعًا بنحوه، وقصّة رجم اليهوديين: أخرجها البخاري (3635)، ومسلم (1699)، من حديث نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وليس فيهما تحليفهم بقوله:«نَشدْتكم بالله الَّذي أنزلَ التّوراة على موسى» . ينظر: نصب الراية 4/ 104، تنقيح التحقيق 5/ 86، تفسير ابن كثير 1/ 340، الإرواء 5/ 93.
(4)
في (م): تأكد، وفي (ن): يتأكد.
(5)
في (م): فيه.
(6)
قوله: (أن عيسى) في (م): أنه.
(7)
قوله: (لله تعالى) سقط من (م).
ذلك، فتغليظُ اليمين بما ذُكِرَ؛ يُؤدِّي إلى خُروجِ اليمين عن أنْ تكون
(1)
يمينًا، فضلاً عن أنْ تكُونَ مُغلَّظةً.
(وَالمَجُوسِيُّ يَقُولُ
(2)
: وَاللهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَصَوَّرَنِي
(3)
؛ لِأنَّه يُعظِّمُ خالِقَه ورازِقَه، أشْبَهَ كلمةَ التَّوحيد
(4)
عِنْدَ المسلِم.
وذَكَرَ ابنُ أبي مُوسَى: أنَّه يَحلِفُ مع ذلك بما يُعظِّمُه من الأنوار وغَيرِها.
والوَثَنِيُّ كالمجوسيِّ، قدَّمَه في «الرِّعاية» وغَيرِها.
وذَكَرَ في «الشَّرح» - وهو الأشهر
(5)
-: أنَّه يَحلِفُ هو ومَن يَعبُدُ غَيرَ الله تعالَى بالله وَحْدَه.
(وَالزَّمَانُ؛ يُحَلِّفُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ
(6)
؛ لقوله تعالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المَائدة: 106]، قِيلَ: المرادُ صلاةَ العَصْر، (أَوْ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ)؛ أيْ: بَينَ الأذان والإقامةِ؛ لِأنَّه وَقْتٌ تُرجى
(7)
فيه إجابَةُ الدُّعاء
(8)
، فتُرجى فِيهِ مُعاجلة
(9)
الكاذِبِ.
(وَالْمَكَانِ؛ يُحَلِّفُهُ بِمَكَّةَ
(10)
بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ)؛ لِأنَّه مَقامٌ شريفٌ زائدٌ على غَيرِه في الفضيلةِ، (وَفِي الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ المَقْدِسِ)، وقد وَرَدَ في «سُنَن
(1)
قوله: (أن تكون) في (م): أتكون.
(2)
قوله: (يقول) سقط من (ن).
(3)
في (ن): وصورني ورزقني.
(4)
قوله: (كلمة التوحيد) في (م): كلمته.
(5)
قوله: (أنه يحلف مع ذلك بما يعظمه
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(6)
قوله: (والزمان يحلفه بعد العصر) سقط من (م).
(7)
في (م): يرجى.
(8)
قوله: (إجابة الدعاء) في (ن): الإجابة الداعي.
(9)
في (ن): معًا حكم.
(10)
قوله: (يحلفه بمكة) في (م): يحلف.
ابنِ ماجَهْ»: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «هِيَ من الجَنَّة»
(1)
.
(وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ)؛ كمَدينةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: (عِنْدَ المِنْبَرِ)؛ قِياسًا على الخبر الوارِدِ في مِنبَرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، رواهُ مالِكٌ والشَّافِعِيُّ وأحمدُ، مِنْ حديثِ جابِرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ حَلَفَ على مِنبَرِي هذا بيمينٍ
(2)
آثِمَةٍ؛ فليتبوأْ مَقْعَدَه من النَّار»
(3)
.
وفي «الواضِحِ» : هل يَرْقَى مُتلاعِنانِ المنبرَ؟ الجَوازُ، وعَدَمُه.
وقيل: إنْ قلَّ النَّاسُ؛ لم يَجُز الصُّعودُ، وذَكَرَ أبو الفَرَجِ: يَرْقَيَانهِ
(4)
، وفي «الاِنْتِصار»: يشترط
(5)
قِيامُه عَلَيهِ؛ لِأنَّه أبْلَغُ.
(وَيَحْلِفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي المَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا)؛ لِأنَّ اليمينَ تُغلَّظُ في
(1)
أخرجه أحمد (20341، 20345)، وابن ماجه (3456)، والحاكم (7133)، من حديث رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه، بلفظ:«العجوة والصخرة من الجنة» ، وفي لفظ عند أحمد:«العجوة والشجرة من الجنة» ، وسنده صحيح، وقد صححه الحاكم والذهبي والبوصيري. لكن الألباني أعلّه باضطراب في متنه، ثمّ ذكر:(أنه ليس في الحديث: بأنّ الصخرة هي صخرة بيت المقدس). ينظر: مصباح الزجاجة 4/ 56، الضعيفة (1252)، الإرواء 8/ 312.
(2)
في (م): يمين.
(3)
أخرجه مالك (2/ 727)، والشافعي في مسنده - ترتيب سنجر (1720)، وأحمد (14706)، وابن حبان (4368)، وصححه ابن حبان، وسنده قوي؛ فإنّ في إسناده عبد الله بن نِسطَاس، ولم يرو عنه غير هاشم بن هاشم، إلا أنه وثّقه النّسائي وابن عبد البرّ، وباقي رجاله ثقات. وله شاهد: أخرجه أحمد (10711)، وابن ماجه (2326)، والحاكم (7812)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«لا يَحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمةٌ على يمين آثمة، ولو على سواك رطب إلاّ وجبت له النار» . وقد صححه الحاكم والذهبي والبوصيري والألباني. ينظر: الاستذكار 7/ 126، مصباح الزجاجة 3/ 45، تهذيب التهذيب 6/ 56، الإرواء 8/ 313.
(4)
في (ن): يرقيا به.
(5)
في (ظ): تشترط.
حقِّهم زَمانًا، فكذا مَكانًا، قال الشَّعبيُّ لِنَصْرانيٍّ:«اذْهَبْ إلى البِيعةِ»
(1)
، وقال كعبُ بنُ سُور
(2)
في نَصْرانيٍّ: «اذْهَبُوا به إلى المذبح»
(3)
.
(وَلَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إِلاَّ فِيمَا لَهُ خَطَرٌ؛ كَالْجِنَايَاتِ، وَالْعِتَاقِ، وَالطَّلَاقِ
(4)
، وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ المَالِ)، قدَّمَه السَّامَرِّيُّ، وجَزَمَ به في «الكافي» وغَيرِه؛ لِأنَّ التَّغليظَ للتَّأكِيدِ، وما لا خَطَرَ فِيهِ؛ لا يَحتاجُ إلى تأكيدٍ.
(وَقِيلَ: مَا يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ)؛ لِأنَّ قَطْعَه يَدُلُّ على الاِهْتِمام به، والتأكيدُ يناسبه.
وقال ابنُ حَزْمٍ: تُغلَّظ
(5)
في القليل والكثير
(6)
.
(وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَرْكَ
(7)
التَّغْلِيظِ، فَتَرَكَهُ؛ كَانَ مُصِيبًا)؛ لمُوافَقَته مُطلَقَ النَّصِّ، وقال في «المستوعب»: جَازَ، ولم يكُنْ تارِكًا للسُّنَّة.
وتَرْكُ التَّغليظ أَوْلَى، اختاره المؤلِّفُ ونَصَرَه؛ لِظَواهِر النُّصوص
(8)
، إلَّا في مَوضِعٍ وَرَدَ الشَّرعُ به وصحَّ؛ كتَحْلِيفِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم اليهودَ بقَولِه:«نَشَدْتُكُم بالله الَّذي لا إلهَ إلَّا هُوَ»
(9)
.
ومَن بَذَلَ اليمينَ دُونَ التَّغليظ؛ لم يكُنْ ناكِلاً، جزمَ
(10)
به في «المحرَّر» و «الفروع» .
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (20376).
(2)
في (م): سوار.
(3)
في (م) و (ن): الذبح. أخرجه عبد الرزاق (10235).
(4)
قوله: (خطر كالجنايات والعتاق والطلاق) في (ن): حظ كالجنات والطلاق والعتاق.
(5)
قوله: (ابن حزم تغلظ) في (م): حزم تغليظ.
(6)
ينظر: المحلى 8/ 470.
(7)
قوله: (ترك) سقط من (م).
(8)
في (م): النص.
(9)
تقدم تخريجه 10/ 662 حاشية (4).
(10)
في (م): وجزم.
وعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أنَّه لا يُحلَفُ بطلاقٍ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وِفاقًا
(1)
، وابنُ عبدِ البَرِّ إجْماعًا
(2)
.
وفي «الأحكام السُّلْطانِيَّة» : للوالِي إحْلافُ المُتَّهَم بطَلاقٍ وعِتْق وصَدَقَةٍ؛ اسْتِبْراءً وتغليظًا في حقِّ الله تعالَى وحقِّ آدَمِيٍّ.
فرعٌ: إذا ادَّعَى حقًّا على مُعْسِرٍ عاجِزٍ عنه وعن بعضه؛ لم يَجُزْ أنْ يَحلِفَ أنَّه لا يَستَحِقُّ عَلَيهِ شَيئًا، ولو نَوَى السَّاعةَ، نَقَلَه الجماعةُ
(3)
، وسَواءٌ خاف حَبْسًا أوْ لَا.
وجوَّزه صاحِبُ «الرِّعاية» بالنِّيَّة، وهو قَولُ الكرابيسي
(4)
وأبِي ثَورٍ، قال في «الفُروعِ»: وهو مُتَّجِهٌ.
فإنْ عَلِمَ صاحِبُ الحقِّ بعُسْرته؛ لَزِمَه إنْظارُه، قال في «المستوعب»: ولا يَحِلُّ لمَنْ عَلَيهِ حقٌّ وهو قادِرٌ عَلَيهِ مَنْعُه، إذا الْتَمَسَه مَنْ يَستحِقُّ المُطالَبَةَ به
(5)
.
مسائلُ:
الأولى
(6)
: إذا ادَّعى جماعةٌ مالاً لهم
(7)
بشاهد
(8)
، أوْ أقَامَ الورثة
(9)
شاهِدًا بدَينٍ للميِّت وغَيرِه، وحلفوا
(10)
؛ اسْتَحَقُّوا، ومَنْ نَكَلَ عنها لم يَأخُذْ
(1)
ينظر: الاختيارات ص 512.
(2)
ينظر: التمهيد 14/ 368.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 35.
(4)
في (ن): الكراييس.
(5)
قوله: (به) سقط من (م).
(6)
قوله: (الأولى) سقط من (م).
(7)
قوله: (لهم) سقط من (م).
(8)
في (ن): شاهد.
(9)
زيد في (ن): بدين.
(10)
في (م): وأحلفوا.
شَيئًا، وإذا مات؛ لم يحلف
(1)
وَرَثَتُه، وإنْ ماتَ ولم يَنكُلْ؛ حَلَفُوا.
ولو كان في الوَرَثة غائبٌ فحضرَ
(2)
، أوْ مَجْنونٌ فأَفاقَ؛ حَلَفَ وأخَذَ حَقَّه، ولا يَحتاجُ إلى إعادةِ الشهادة
(3)
.
وقِيلَ: إنْ كان المخلَّفُ دارًا، فَحَلَفَ أحَدُهم؛ اشْتَرَكُوا فِيمَا أَخَذَه، فلو
(4)
وَصَّى لِاثْنَينِ مع شاهِدٍ، والآخَرُ مَجْنونٌ أوْ غائبٌ، ثُمَّ زَالَ المانِعُ؛ أُعيدت
(5)
الشَّهادةُ مع يَمِينِه، ولا يُجزِئُ يمينٌ قَبْلَ الشَّهادة والتَّزكِيَة.
الثَّانِيَةُ: إذا كان لمَيِّتٍ دَينٌ بشاهِدٍ، وعَلَيهِ دَينٌ، فلم يَحلِف الوارِثُ مع الشَّاهِدِ؛ فهل للغريم أنْ يَحلِفَ؟ قال ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ وَجْهَينِ، والأصحُّ: إنْ قُلْنا التَّرِكة للوارِث، وتُوفَّى
(6)
مِنْ حَيثُ شاء
(7)
: لم يَحلِفِ الغَريمُ، وإنْ قُلْنا: لا تَنتَقِلُ التَّرِكةُ إلَيهِ قَبْلَ الوفاء؛ حَلَفَ الغَريمُ: أنِّي أسْتَحِقُّ مِنْ دَينِي على الميِّت، أوْ أنَّ له عَلَيهِ دَينَ كَذَا.
الثَّالِثَةُ: إذا ادَّعَى الإمامُ أوْ نائبُه حقًّا لِبَيتِ المالِ، أو ادَّعى
(8)
وَكِيلُ الفقراء حَقًّا لهم مِنْ وصيَّةٍ ونَحوِها، أوِ ادَّعَى ناظرُ
(9)
وَقْفٍ أوْ قَيِّمَ مَسجِدٍ حقًّا لهما، فأنْكَرَهما المدَّعَى عَلَيهِ، ولم يَحلِفْ؛ قُضِيَ عَلَيهِ بالنُّكول، وأُخِذَ منه المدَّعَى به
(10)
.
(1)
في (ن): لم تحلف.
(2)
في (م): غائبة فحضروا.
(3)
قوله: (الشهادة) سقط من (م).
(4)
في (م): أخذوه ولو.
(5)
في (ن): اعتدت.
(6)
في (م): ويوفى.
(7)
قوله: (من حيث شاء) مكانه بياض في (ن).
(8)
في (ظ): وادعى.
(9)
في (ن): نظر.
(10)
قوله: (به) سقط من (م).
وقِيلَ: يُحْبَسُ حتَّى يُقِرَّ أوْ يحلف
(1)
.
وقِيلَ: بَلْ يَحلِفُ المدَّعِي منهم ويَأخُذُ ما ادَّعاهُ.
وقال ابنُ حَمْدانَ: ولا يَحلِفُ إمامٌ ولا حاكِمٌ.
وإنْ قُلْنا: يحَلِف أحدُهم، فأقامَ شاهِدًا بما ادَّعاهُ؛ حَلَفَ لِإتْمامِ البيِّنة.
(1)
في (م): ويحلف.
(كِتَابُ الْإِقْرَارِ)
الإقْرارُ: الاِعْتِرافُ، وهو: إظْهارُ الحقِّ لَفْظًا.
وقِيلَ: تصديق
(1)
المدَّعِي حقيقةً أوْ تقديرًا.
وشَرْعًا: إظْهارُ المكلَّفِ الرَّشِيدِ المخْتارِ ما عَلَيهِ، لَفْظًا، أوْ كِتابَةً في الأقْيَس، أوْ إشارةِ أخرسَ
(2)
، أوْ على مُوكِّلِه، أوْ مَورُوثه، أوْ مُوَلِّيه، بما يُمكِنُ صِدْقُه فيه
(3)
، ولَيسَ بإنْشاءٍ.
وهو ثابِتٌ بالإجماع
(4)
، وسَنَدُه قَولُه تعالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ
…
(81)} الآيةَ [آل عِمرَان: 81] الآيةَ [آل عِمرَان: 81]، {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التّوبَة: 102]، و {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعرَاف: 172]، ورَجَمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ماعِزًا والغامِدِيَّةَ به
(5)
، وقال لِأَنَيسٍ:«اغْدُ على امْرأةِ هذا، فإنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْها»
(6)
، ولِأنَّه إخْبارٌ على وَجْهٍ تَنتَفِي عنه التُّهمةُ والرِّيبةُ، ولهذا كان آكَدَ من الشَّهادة، فإنَّ المدَّعَى عَلَيهِ إذا اعْتَرَفَ؛ لا تُسمَعُ عَلَيهِ الشَّهادةُ، وإنْ كَذَّبَ المدَّعِي بيِّنتَه؛ لم تُسمع، فلو كَذَّب المقِرَّ ثمَّ صدَّقه؛ سُمِع
(7)
.
(يَصِحُّ الْإِقْرَارُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ، مُخْتَارٍ، غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ)، كذا في
(1)
في (م): تصدق.
(2)
قوله: (أخرس) من نسخة أشار إليها في هامش (ظ).
(3)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(4)
ينظر: مراتب الإجماع ص 55.
(5)
قوله: (به) سقط من (م).
والحديث أخرجه مسلم (1695) من حديث بريدة رضي الله عنه.
(6)
أخرجه البخاري (2314)، ومسلم (1697)، من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما.
(7)
في (م): تسمع.
«الوجيز» ؛ أي
(1)
: يَصِحُّ بما يُتصَوَّرُ مِنه الْتِزامُه؛ كحقِّ آدَمِيٍّ، وحقِّ الله
(2)
تعالَى لا يَسقُطُ بالشُّبهةِ؛ كزكاةٍ وكفَّارةٍ، بشَرْطِ كَونِه بِيَدِه ووِلايَتِه واخْتِصاصِه، لا مَعْلومًا، ولا ما هُوَ مِلْكُه حِينَ الإقْرارِ به على الأَشْهَر، ولا ما
(3)
يَستَحِيلُ مِنهُ، ولا لِمَنْ لا يَصِحُّ أنْ يَثبُتَ ذلك له بحالٍ.
وأمَّا إقْرارُه على ما في يَدِ غَيرِه وتَصرُّفه شَرعًا؛ فدعْوى أوْ شَهادةٌ، فإذا صارَتْ بيده وتَصرُّفِه شرعًا؛ لَزِمَه حُكمُ إقْرارِه، وتصحُّ
(4)
مع إضافةِ الملْك إلَيهِ؛ كدَارِي، على الأصحِّ.
(فَأَمَّا الصَّبِيُّ، وَالمَجْنُونُ؛ فَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُمَا)؛ لقوله عليه السلام: «رُفِعَ القَلَمُ عن ثَلاثٍ
…
» الخبرَ
(5)
، وكذا حُكمُ المُبَرْسَمِ، والمُغْمَى عَلَيهِ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(6)
؛ ولِأنَّه التزام
(7)
حقٍّ بالقَولِ؛ فلم يَصِحَّ منه
(8)
كالبَيعِ.
وهذا إذا كان الجنون
(9)
مُطبِقًا، فإنْ كان غَيرَ مُطبِقٍ؛ فيَصِحُّ إقْرارُه في إفاقَتِه.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ)؛ كالبالِغِ، نَصَّ عَلَيهِ في رِوايَةِ مُهَنَّى
(10)
، ذَكَرَه في «المستوعب»
(1)
في (ن): أن.
(2)
في (ظ): لله.
(3)
في (م): وما لا.
(4)
في (م): ويصح.
(5)
تقدم تخريجه 1/ 448 حاشية (1).
(6)
ينظر: مراتب الإجماع ص 55، المغني 5/ 109.
(7)
في (ن): إلزام.
(8)
في (ظ): منهم.
(9)
في (ن): المجنون.
(10)
ينظر: زاد المسافر 4/ 294.
و «المحرَّر» ، وصحَّحه في «الكافي» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ كعَبْدٍ قَبْلَ حَجْرِ سيِّدِه عَلَيهِ.
وذَكَرَه في «الرِّعاية» ، وزاد: مع اخْتِلافِ الدِّين واتِّفاقِه.
وقِيلَ: يَصِحُّ في الشَّيء اليسيرِ.
ومَنَعَ في «الاِنْتِصار» عَدَمَ صِحَّتِه، ثُمَّ سَلَّم؛ لِعَدَمِ مصلحتِه فِيهِ.
وكذا الدَّعْوَى، وإقامةُ البيِّنة، والتَّحْليفُ، ونَحوُه.
وأطْلَقَ في «الرَّوضة» صحة
(1)
إقْرارِ مُمَيِّزٍ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: في إقْرارِه رِوايَتانِ؛ أصَحُّهما وأنَصُّهما: يَصِحُّ إذا أقرَّ في قَدْرِ إذْنِه.
والثَّانِيَةُ: لا يَصِحُّ حتَّى يَبلُغَ؛ لِعُمومِ الخَبَر، وكالطفل
(2)
، وحَمَلَها القاضي على غَير المأذون، قال الأَزَجِيُّ: هو
(3)
حَمْلٌ بلا دليلٍ.
(دُونَ مَا زَادَ)؛ لِأنَّ مُقتَضَى الدَّليل: عَدَمُ صِحَّةِ إقْرارِه، تُرِكَ العَمَلُ به فِيما أُذِنَ له فيه، فيَبقَى ما عَداهُ على مُقتَضاهُ.
تنبيهٌ: إذا أقرَّ مَنْ شُكَّ في بُلوغِه، فأنْكَرَه؛ صُدِّقَ بلا يمينٍ، قاله الشَّيخانِ؛ لحكمنا
(4)
بِعَدَمِ يمينِه؛ أيْ: بِعَدَمِ يمينِ الصَّبيِّ، ولو ادَّعاه بالسنِّ؛ قُبِلَ ببيِّنةٍ.
وفي
(5)
«التَّرغيب» : يُصدَّقُ صبيٌّ ادَّعَى البُلوغَ بلا يمينٍ.
وإنْ قال: أنا صبِيٌّ؛ لم يُحلَّفْ، ويُنتظَرُ بُلوغُه.
(1)
قوله: (صحة) سقط من (م).
(2)
في (م): كالطفل.
(3)
في (ن): وهو.
(4)
في (م): بحكمنا.
(5)
في (م): في.
وفي
(1)
«عُيونِ المسائل» : يُصدَّقُ في
(2)
سِنٍّ يَبلُغُ في مِثْلِه، وهو تِسْعُ سِنِينَ، ويَلزَمُه بهذا البُلوغِ ما أَقَرَّ به، قال: وعلى قِياسِه الجارِيَةُ.
فإن ادَّعى أنَّه أنْبَتَ بعِلاجٍ أوْ دَواءٍ، لا بالبُلوغِ؛ لم يُقبَلْ، ذَكَرَه المؤلِّفُ في «فَتاوِيهِ» .
أمَّا لو قال بَعْدَ البُلوغ: لم أكُنْ بالِغًا وَقْتَ الإقرار؛ قُبِلَ قَولُه مع يمينه، جَزَمَ به في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لِأنَّ الأصْلَ الصِّغَرُ.
والثَّاني: لا يُقبَلُ؛ لِتَعلُّقِ الحقِّ بذِمَّتِه ظاهِرًا.
ولو ادَّعَى أنَّه كان زائلَ العَقْل؛ لم يُقبل
(3)
إلَّا ببيِّنةٍ؛ لِأنَّ الأصلَ السَّلامةُ.
وذَكَرَ الأَزَجِيُّ: يُقبل
(4)
إذا كان عُهِدَ منه جُنونٌ في بعض أوْقاته، قال في «الفروع»: ويتوجَّه قَبولُه ممَّن غَلَبَ عَلَيهِ.
(وَكَذَلِكَ العَبْدُ المَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ)؛ قِياسًا عَلَيهِ، بل
(5)
هذا أَوْلَى؛ لأِنَّه مُكلَّفٌ، ولا يُحبَسُ به.
وفي «الموجز» و «التَّبصرة» : يَصِحُّ بَعْدَ حَجْرِ سيِّدِه، نَقَلَ ابنُ مَنصُور: إذا أَذِنَ لِعَبده فأَقَرَّ؛ جَازَ
(6)
، وإنْ حَجَرَ عَلَيهِ وفي يَدِه مالٌ، ثُمَّ أَذِنَ فأقرَّ به؛ صَحَّ، ذَكَرَه الأَزَجِيُّ وصاحِبُ «الترغيب» وغَيرُهما.
(وَلِا يَصِحُّ إِقْرَارُ السَّكْرَانِ)؛ أيْ: في حالِ غَيرِ إفاقَتِه، نَصَرَه في
(1)
في (م): في.
(2)
في (ن): وفي.
(3)
قوله: (لتعلق حق بذمته ظاهرًا
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
في (م): ويقبل.
(5)
قوله: (قياسًا عليه بل) في (م): مسائل.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3002.
«الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» وغَيره؛ لِأنَّه غَيرُ عاقِلٍ فلم يَصِحَّ منه كالمجْنونِ، ولِأنَّه لا يُوثَقُ بصِحَّة قولِه
(1)
.
(وَيَتَخَرَّجُ: صِحَّتُهُ
(2)
، بِنَاءً عَلَى طَلَاقِهِ)؛ لِأنَّ أفْعالَه تَجْرِي مَجْرَى أفْعالِ الصَّاحِي.
وقال في «الكافي» : السَّكرانُ بمَعْصِيةٍ؛ حُكْمُ إقْرارِه حُكْمُ طَلاقِه.
قال في «الشَّرح» : أمَّا مَنْ زَالَ عَقْلُه بسببٍ مُباحٍ؛ فلا يَصِحُّ إقراره
(3)
بغَيرِ خِلافٍ
(4)
.
(وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُ المُكْرَهِ)؛ لقوله عليه السلام: «رُفِعَ عن أُمَّتِي الخَطَأُ، والنِّسيانُ، وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ»
(5)
، ولِأنَّه قَولٌ أُكْرِهَ عَلَيهِ بغَيرِ حقٍّ، فلم يَصِحَّ منه
(6)
؛ كالبيع.
فَعَلَى هذا: تَحرُمُ الشَّهادةُ عَلَيهِ، وكَتْبُ حجَّةٍ
(7)
عَلَيهِ، قاله في «النُّكَت» .
(إِلَّا أَنْ يُقِرَّ بِغَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ
(8)
، مِثْلَ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى الْإِقْرَارِ لإِنْسَانٍ
(9)
، فَيُقِرَّ لِغَيْرِهِ، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ، فَيُقِرَّ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا، أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِدَنَانِيرَ، فَيُقِرَّ بِدَرَاهِمَ؛ فَيَصِحُّ) إقْرارُه؛ لِأنَّه أَقَرَّ بما
(10)
لم يُكرَهْ عَلَيهِ،
(1)
في (ظ) و (م): بصحته بقوله.
(2)
كتب في هامش (ظ) و (ن): (وهو المذهب).
(3)
في (ن): إقرار.
(4)
ينظر: المغني 5/ 110، الشرح 30/ 150.
(5)
تقدم تخريجه 2/ 46 حاشية (5).
(6)
قوله: (منه) سقط من (م).
(7)
قوله: (حجة) سقط من (م).
(8)
قوله: (أكره عليه) في (ن): أكرهه. وقوله: (عليه) سقط من (م).
(9)
في (م): الإنسان.
(10)
قوله: (أقر بما) في (م): لما.
فصحَّ
(1)
منه؛ كما لو أَقَرَّ به ابتداء
(2)
.
وَذَكَرَ في «الرِّعاية» : أنَّه إذا أُكْرِهَ أنْ يُقِرَّ بألْفٍ، فأَقَرَّ ببعضها؛ لم يَصِحَّ.
فإن
(3)
ادَّعَى أنَّه كان مُكرَهًا؛ لم يُقبَلْ منه؛ لِأنَّ الأصْلَ السَّلامةُ، لكِنْ إنْ ثَبَتَ أنَّه كانَ مُقَيَّدًا، أوْ مَحْبوسًا، أوْ مُوَكَّلاً به، أوْ هدَّدَه قادِرٌ؛ قُبِلَ قَولُه مع يمينه؛ لِأنَّ هذا دلالة على
(4)
الإكْراهِ.
قال الأَزَجِيُّ: لو أقام بيِّنةً بأَمارةِ الإكْراه اسْتَفادَ بها أنَّ الظَّاهِرَ معه، فيَحلِفُ ويُقبَلُ قَولُه، ولم يَرتَضِه في «الفروع» .
فرعٌ: تُقدَّمُ بيِّنةُ الإكْراه على بيِّنة
(5)
الطَّواعِيَةِ، وقِيلَ: يَتعارَضانِ، وتَبقَى الطَّواعِيَةُ فلا يُقضَى بها.
ولو قال مَنْ
(6)
ظاهِرُه الإكراه
(7)
: عَلِمْتُ لو لم أُقِرَّ - أيْضًا - أُطْلِقْتُ، فلم أكُنْ مُكرَهًا؛ لم يَصِحَّ؛ لِأنَّه ظَنٌّ منه، فلا يُعارِض
(8)
يقينَ الإكْراهِ.
(وَإِنْ
(9)
أُكْرِهَ عَلَى وَزْنِ ثَمَنٍ، فَبَاعَ دَارَهُ فِي ذَلِكَ؛ صَحَّ)، وكُرِهَ شِراؤه، نَصَّ عَلَيهِ
(10)
، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرعاية»
(11)
، وجَزَمَ به في «الشَّرح» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه لم يُكرَهْ على البَيع، أشْبَهَ ما لو لم يُكرَهْ أصْلاً.
(1)
في (م): فيصح.
(2)
في (م): ابتدأ.
(3)
في (م): وإن.
(4)
قوله: (على) سقط من (ظ) و (ن).
(5)
قوله: (بينة) سقط من (م) و (ن).
(6)
قوله: (من) سقط من (م).
(7)
قوله: (الإكراه) سقط من (ن).
(8)
في (ن): فلا تعارض.
(9)
في (ن): فإن.
(10)
ينظر: المحرر 1/ 311.
(11)
قوله: (و «الرعاية») سقط من (م).
والثَّانِيَةُ: لا يَصِحُّ؛ لمَا سَبَقَ.
مسألةٌ: إذا أَقَرَّ بغَيرِ حدٍّ خالِصٍ لله تعالَى، ثُمَّ رَجَعَ عن إقْرارِه؛ لم يُقبَلْ، ذَكَرَه في «الكافي» و «الشَّرح» ، زَادَ: ولا نَعلَمُ فِيهِ خِلافًا
(1)
؛ لِأنَّه حقٌّ ثَبَتَ لغَيرِه، فلم يُقبَلْ رُجوعُه عنه.
وقدَّمَ أبو بكرٍ في «التَّنبيه» : أنَّ مَنْ أَقَرَّ بمالٍ أوْ حدٍّ؛ أنَّه يُقبَل رُجوعُه.
قال السَّامَرِّيُّ: لا يَجُوزُ أنْ يكُونَ هذا مَذهَبًا، ولَيسَ له وَجْهٌ، وهو مُسلَّمٌ في الأوَّل لا الثَّاني.
وإنْ أقرَّ المحْجُورُ عَلَيهِ بمالٍ؛ لم يَلزَمْه في حالِ حَجْرِه، تَقدَّمَ في بابِه.
(وَأَمَّا المَرِيضُ مَرَضَ
(2)
المَوْتِ المَخُوفِ؛ فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِغَيْرِ المَالِ)؛ لِعَدَمِ التُّهمة.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ؛ صَحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، كذا صحَّحه في «المحرَّر» ، وفي «الكافي»
(3)
: أنَّه ظاهِرُ المذْهَب، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لِأنَّه غَيرُ متَّهم في حقِّه
(4)
، بخِلافِ الوارِثِ، وهذا قَولُ أكْثَرِهم، وذَكَرَ ابنُ المنْذِر أنَّه إجْماعُ مَنْ يُحفَظُ عَنْهُ
(5)
، فهو كالإقْرارِ في الصِّحَّة.
(وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ
(6)
بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ)؛ لِأنَّه مَمْنوعٌ مِنْ عَطِيَّةِ ذلك للأجنبِيِّ، بخِلافِ الثُّلث فما دُونُ.
(1)
ينظر: المغني 5/ 119، الشرح 30/ 222.
(2)
في (ظ): بمرض.
(3)
قوله: (وفي «الكافي») في (ن): و «الكافي» .
(4)
قوله: (في حقه) سقط من (ن).
(5)
ينظر: الإشراف 4/ 444.
(6)
في (ن): وفي الأخرى: لا تصح.
وعَنْهُ: لا يَصِحُّ مُطلَقًا، ذَكَرَها في «الكافي» و «الشَّرح» ؛ كالإقْرارِ لِوارِثٍ، ولِأنَّ حقَّ الوَرَثَة تَعلَّقَ بمالِه، أشْبَهَ المفْلِسَ.
(وَلَا يُحَاصُّ المُقَرُّ لَهُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ
(1)
، قال القاضِي: هو قِياسُ المذْهَبِ، وصحَّحه السَّامَرِّيُّ، سَواءٌ أخبر
(2)
بِلُزومِه قَبْلَ المرض أوْ بَعْدَه؛ لِأنَّه أَقَرَّ بَعْدَ تَعلُّقِ الحقِّ بتَرِكَتِه؛ كما لو أَقَرَّ بَعْدَ الفَلَس.
(وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَالقَاضِي
(3)
، وهو ظاهِرُ «الخِرَقِيِّ» ، واخْتارَه ابنُ أبي مُوسَى، وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ:(يُحَاصُّهُمْ) إذا لم يكُنْ في التَّرِكة وَفاءٌ للجميع؛ لِأنَّهما حَقَّانِ يَجِبُ قَضاؤهما مِنْ رأسِ المال، فَتَسَاوَيَا؛ كدَينِ الصِّحَّة، وكما لو ثَبَتَا بالبيِّنة.
وعلى الثَّانية التي
(4)
نَقُولُ: لا تَصِحُّ بزيادةٍ على الثُّلث؛ لا يحاص
(5)
.
فإن
(6)
أَقَرَّ لهما جميعًا في المرضِ؛ تساويا
(7)
؛ لِأنَّهما تساويا
(8)
في الحالِ؛ كغَرِيمَيِ الصِّحَّة.
فرعٌ: إذا أَقَرَّ المريضُ بعَينٍ ثُمَّ بدَينٍ، أوْ عَكْسِه: فَرَبُّ العَينِ أحقُّ.
وفي الثَّانية: احْتِمالٌ في «نِهايَةِ الأَزَجِيِّ» ؛ كإقْرارِه بدَينٍ.
فإنْ أقرَّ بعَينٍ؛ لَزِمَه في حقِّه، ولم يَنفَرِدْ بها المُقَرُّ له حتَّى يَسْتَوْفِيَ الغُرَماءُ في الأَشْهَر.
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
في (ظ): أجبر.
(3)
قوله: (والقاضي) سقط من (م).
(4)
قوله: (التي) سقط من (م).
(5)
في (ظ): لا تحاص.
(6)
في (م): وإن.
(7)
في (ظ): تساوتا.
(8)
في (ن): تساوتا.
(وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ
(1)
؛ لَمْ يُقْبَلْ إِلَّا
(2)
بِبَيِّنَةٍ)، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، قال جماعةٌ: أوْ أجازَهُ بقيَّةُ الوَرَثةِ.
وظاهِرُ نصِّه: لا
(4)
، وهو ظاهِرُ «الاِنْتِصار» .
والأوَّلُ: أَوْلَى؛ لِأنَّه إيصالُ
(5)
المالِ إلى وَارِثه بقَولِه، فلم يصح
(6)
كالهِبَة والوصيَّة، بخِلافِ ما إذا كان له بيِّنةٌ، أوْ أجازَ الوارثُ
(7)
؛ لِعَدَمِ التُّهمةِ.
واخْتارَ بعضُهم: يَصِحُّ إذا
(8)
لم يُتَّهَمْ؛ كمَنْ له بِنْتٌ وابنُ عمٍّ، فَأَقَرَّ لِابْنَتِه؛ لم يُقبَلْ، وإنْ أَقَرَّ لاِبْنِ عمِّه؛ قُبِلَ.
وجَوابُه: أنَّ التُّهمةَ لا يُمكِنُ اعْتِبارُها بنَفْسِها، فَوَجَبَ اعْتِبارُها بمَظِنَّتها، وهو الإرْثُ.
وعنه
(9)
: يَصِحُّ مُطلَقًا، وقاله الحَسَنُ وعَطاءٌ وإِسْحاقُ؛ لِأنَّ مَنْ صَحَّ الإقْرارُ له في الصِّحَّة؛ صَحَّ في المرض؛ كالأجنبيِّ.
وعلى الأوَّلِ: (إِلَّا أَنْ يُقِرَّ لاِمْرَأَتِهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، فَيَصِحُّ)، نَصَّ عَلَيهِ
(10)
، بالزَّوجِيَّةِ لا بإقراره
(11)
، جَزَمَ به في «الكافي» و «الشَّرح» و «الوجيز» ، وقدَّمه
(1)
في (م): الوارث.
(2)
قوله: (لم يقبل إلا) هو (ظ): قبل.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 289.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4500.
(5)
في (ن): اتصال.
(6)
في (ن): فلم تصح.
(7)
في (م): الورثة.
(8)
في (م): إن.
(9)
في (م): وعنده.
(10)
ينظر: زاد المسافر 4/ 298.
(11)
في (ن): بالإقرار.
في «الفروع» ؛ لِأنَّه إقْرارٌ بما تحقَّقَ سبَبُه، وعُلِمَ وُجُوبُه، ولم تُعلم
(1)
البراءةُ منه، أشْبَهَ ما لو اشْتَرَى عبدًا فأَقَرَّ للبائع بثَمَنِ مِثْلِه، نَقَلَ أبو طالِبٍ: يكُونُ مِنْ الثُّلث
(2)
.
وفي «التَّبصرة» ، و «نِهايَةِ الأَزَجِيِّ» ، و «المغْنِي» ، و «التَّرغيب»: يَصِحُّ بمهرِ
(3)
مِثْلِها، فظاهِرُه: أنَّهم جَعَلُوهُ لها بالإقرار، لا بالزَّوجِيَّة.
وعَنْهُ: لا يَصِحُّ، وهو قَولُ الشَّعبِيِّ؛ لمَا تَقدَّمَ.
فلو أَقَرَّتْ أنَّه لا مَهْرَ لها عَلَيهِ؛ لم يَجُزْ إلَّا أنْ يقيم
(4)
بيِّنةً أنَّها أَخَذَتْه منه، نَقَلَه مُهَنَّى
(5)
.
(وَإِنْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ) بِمالٍ؛ (فَهَلْ يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: يَصِحُّ، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ كما لو أَقَرَّ بلَفْظَينِ.
والثَّانِي: لا يَصِحُّ؛ كما لو شَهِدَ لاِبْنِه وأجنبيٍّ بشَيءٍ.
وفَرَّقَ في «الشَّرح» بَينَهما: بأنَّ الإقْرارَ أقْوَى، ولذلك لا تعتبر
(6)
فيه العدالةُ.
وقِيلَ: لا يَصِحُّ إنْ عَزاهُ إلى سببٍ واحِدٍ.
فرعٌ: يَصِحُّ إقْرارُه بأخْذِ دَينِ صحَّةٍ ومَرَضٍ مِنْ أجنبيٍّ، في ظاهِرِ كلامِه،
(1)
في (ن): ولم يعلم.
(2)
ينظر: الفروع 11/ 408.
(3)
في (ن): مهر.
(4)
في (م): تقيم.
(5)
ينظر: الفروع 11/ 409.
(6)
في (ن): لا يعتبر.
قاله القاضِي وأصْحابُه.
وذَكَرَ الشَّريفُ في «رؤوس المسائل» : إذا أَقرَّ المريضُ باسْتِيفاءِ ديونه
(1)
؛ قُبِلَ منه.
وفي «الرِّعاية» : لا يَصِحُّ بقَبضِ مَهْرٍ وخُلْعٍ، بل حَوالةٍ ومبيعٍ
(2)
، وقَرْضٍ، وإنْ أَطْلَقَ فوجهان
(3)
.
(وَإِنْ
(4)
أقَرَّ لِوَارِثٍ، فَصَارَ عِنْدَ المَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ؛ لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ
(5)
، وَإِنْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ؛ صَحَّ وَإِنْ صَارَ وَارِثًا
(6)
، نَصَّ عَلَيْهِ
(7)
، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الكافي» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأِنَّ العبْرةَ بحالِ الإقْرارِ لا الموتِ، فيَصِحُّ في الثَّانِيَةِ لا الأُولَى؛ للتُّهمة فِيهَا، بخلاف
(8)
الثَّانية؛ كالشَّهادة، ولأنَّه
(9)
إذا أقرَّ لِغَيرِ وارِثٍ؛ ثَبَتَ الإقْرارُ، وصَحَّ؛ لوُجودِه مِنْ أهله
(10)
خالِيًا عن تُهمةٍ، فثَبَتَ الحقُّ به، ولم يُوجَدْ مُسقِطٌ، فلا يسقط
(11)
، وإذا
(12)
أَقَرَّ لِوارِثٍ؛ وَقَعَ باطِلاً؛ لِاقْتِرانِ التُّهمة به، فلا يَنْقَلِبُ صحيحًا بَعْدَ ذلك.
قال في «الفروع» : ومُرادُهم - واللهُ أعْلَمُ - بِعَدَمِ الصِّحةِ: لا يَلزَمُ، لا
(1)
في (ن): ذنوبه.
(2)
في (ن): وبيع.
(3)
قوله: (وإن أقر لوارث وأجنبي
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
في (م): ولو.
(5)
قوله: (إقراره) سقط من (ظ) و (م).
(6)
زيد في (ن): صح.
(7)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4485.
(8)
في (م): خلاف.
(9)
في (م): لأنه.
(10)
في (م): أهلية.
(11)
قوله: (مسقط فلا يسقط) في (ن): فسقط.
(12)
في (م): فإذا.
بُطْلانُه؛ لِأنَّهم قاسُوهُ على الوصيَّة.
(وَقِيلَ: إِنَّ الاِعْتِبَارَ بِحَالِ المَوْتِ، فَيَصِحُّ فِي الْأُولَى، وَلَا يَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ؛ كَالْوَصِيَّةِ)، وهو رِوايَةٌ؛ لأِنَّه مَعْنًى يُعتَبَرُ فيه عَدَمُ المِيراث، فاعْتُبِر فيه حالةُ الموت؛ كالوصيَّة.
والفَرْقُ ظاهِرٌ: أنَّ الوصيَّة عَطِيَّةٌ بَعْدَ الموت، فاعْتبِرَ فيها حالةُ الموتِ
(1)
، بخِلافِ مَسأَلَتِنا.
وأطْلَقَ في «الوجيز» : الصِّحَّةَ فِيهِما، وهو غَرِيبٌ.
وكذا الحُكْمُ إنْ أعطاهُ
(2)
وهو غَيرُ وارِثٍ، ثُمَّ صار وارِثًا؛ ذَكَرَه في «التَّرغِيبِ» وغَيره.
(وَإِنْ أَقَرَّ لاِمْرَأَتِهِ بِدَيْنٍ، ثُمَّ أَبَانَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا؛ لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ)؛ أيْ: إذا مات في مرضه؛ لِأنَّه إقْرارٌ لِوارِثٍ في مرض الموت، أشْبَهَ ما لو لم يُبِنْها، ولِأنَّ الاِعْتِبارَ إمَّا بحالِ الإقْرارِ، أوْ بحالِ الموت، والزَّوجةُ وارِثَةٌ في الحالَينِ.
وفي «الرِّعاية الكُبْرَى» : لو أقرَّ لها بدَينٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَها وماتَ؛ بَطَلَ إلَّا أنْ يُجِيزَه الورثةُ.
فرعٌ: إذا أَقَرَّ مريضٌ بهِبَةٍ أنَّها صَدَرَتْ منه في صحَّته لِأجنبيٍّ؛ صَحَّ؛ لا أنَّه
(3)
وَهَبَ وارِثًا.
وفي «نِهايَةِ الأَزَجِيِّ» : يَصِحُّ لأِجنَبِيٍّ؛ كإنشائه.
وفِيهِ لِوارِثٍ وَجْهانِ:
أحدهما: لا يَصِحُّ؛ كالإنشاء.
(1)
قوله: (كالوصية، والفرق ظاهر أن
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (م): أعلاه.
(3)
قوله: (لا أنه) في (م): لأنه.
والثَّاني: يَصِحُّ؛ لِأنَّه لو أَخْبَرَ عن شَيءٍ لو صَدَقَ فيه ثَبَتَ اسْتِحْقاقُ الوارِثِ له؛ فلا بدَّ
(1)
من القَبول.
وفي «الروضة» و «الانتصار» : لا يَصِحُّ لِوارِثِه بِدَينٍ ولا غَيرِه.
(وَإِنْ أَقَرَّ المَرِيضُ بِوَارِثٍ؛ صَحَّ)، صحَّحه في «المحرَّر» و «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ لِأنَّه إقرارٌ
(2)
لِغَيرِ وارِثٍ، فَصَحَّ؛ كما لو لم يَصِرْ وارِثًا.
(وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ)؛ لِأنَّه حِينَ الموتِ وارثٌ، وكما لو أَقَرَّ لِوارِثٍ بمال
(3)
.
وجَوابُه: هُنا إقْرارٌ بمالٍ مِنْ طَرِيقِ الحُكْم، وهناك
(4)
مِنْ طَرِيقِ الصَّريح، والأُصولُ فرَّقَتْ بَينَ الإقرارين
(5)
.
(وَإِنْ أقرَّ
(6)
بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي صِحَّتِهِ؛ لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُهَا)؛ لِأنَّه مُتَّهَمٌ، وكما لو طلَّقها في مرضه
(7)
.
تنبيهٌ: يَصِحُّ إقْرارُ المريض بإحْبالِ الأَمَةِ؛ لِأنَّه يَملِكُ ذلك، فَمَلَكَ الإقْرارَ به.
وكذا كلُّ ما
(8)
مَلَكَه؛ مَلَكَ الإقْرارَ به.
فإذا أَقَرَّ بذلك ثُمَّ ماتَ؛ فإنْ بيَّن
(9)
أنَّه اسْتَوْلَدَها في مِلْكِه؛ فَوَلَدُه حُرُّ
(1)
قوله: (بد) سقط من (م).
(2)
في (م): أقر.
(3)
في (م): بحال.
(4)
في (م) و (ن): وهنا.
(5)
في (م): الإقرار.
(6)
زيد في (م): أن المريض.
(7)
قوله: (وإن أقر بطلاق امرأته
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(8)
قوله: (ما) سقط من (م).
(9)
في (م): تبين.
الأصْلِ، وأُمُّه أُمُّ وَلَدٍ تَعتقُ بمَوته مِنْ رَأْسِ المالِ.
وإنْ قال
(1)
: مِنْ نكاحٍ أوْ وَطْءِ شبهةٍ؛ عَتَقَ الولدُ، ولم تَصِرْ أُمَّ ولَدٍ له، فإنْ كان
(2)
مِنْ نكاحٍ؛ فَعَلَيهِ الوَلاءُ؛ لِأنَّه مَسَّه رقٌّ
(3)
، وإنْ كان مِنْ وَطْءِ شبْهةٍ؛ لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ.
وإنْ لم يُبيِّن
(4)
السَّبَبَ؛ فالأصلُ الرِّقُّ، ويَحتَمِلُ أنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ استيلادُها
(5)
في مِلْكه، ولا وَلاءَ على الولد؛ لِأنَّ الأصْلَ عَدَمُه.
فإن
(6)
كان له وارِثٌ؛ قامَ مَقامَه في بَيانِ كَيفِيَّةِ اسْتِيلادِها.
(1)
في (م): بان.
(2)
قوله: (كان) سقط من (م).
(3)
قوله: (مسه رق) في (ن): مسروق.
(4)
في (ن): لم يتبين.
(5)
في (ن): العادة واستيلادها.
(6)
في (ن): وإن.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِحَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ طَلَاقٍ؛ صَحَّ)، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لِأنَّ ذلك يُسْتَوْفَى مِنْ بَدَنِه، وذلك له دُونَ سيِّدِه؛ لِأنَّ السَّيِّدَ لا يَملِكُ منه إلَّا المالَ، ولقوله عليه السلام:«الطَّلاقُ لمَنْ أَخَذَ بالسَّاق»
(1)
، ومَن مَلَكَ الإنْشاءَ؛ مَلَكَ الإقْرارَ به، (وَأُخِذَ بِهِ) في الحالِ؛ لأنَّ
(2)
مَنْ صَحَّ إقْرارُه؛ أُخِذَ به؛ كالحُرِّ
(3)
، وكسَفِيهٍ ومُفلِسٍ، وسَواءٌ أَبَقَ أمْ لَا.
(إِلَّا أَنْ يُقِرَّ بِقِصَاصٍ فِي النَّفْسِ، فَنَصُّ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ
(4)
، قَدَّمَه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقاله زُفَرُ والمُزَنِيُّ؛ لأِنَّه يُسقِطُ حقَّ السَّيِّد به، أشْبَهَ الإقْرارَ بقَتْلِ الخَطَأِ، ولِأنَّه مُتَّهَمٌ في أنَّه يُقِرُّ لمَن يَعفُو على مالٍ، فيَستَحِقُّ رَقَبَتَه؛ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ سيِّدِه، وحينئذ: يكُونُ طَلَبُ الدَّعْوَى منه ومن سيِّدِه جميعًا
(5)
.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ)، وابنُ عَقِيلٍ، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ:(يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ)؛ كالأطْراف، ولِأنَّ إقْرارَ مَولاهُ عَلَيهِ به لا يَصِحُّ، فلو لم يُقبَلْ إقْرارُه؛ لَتَعَطَّلَ.
وعلى هذا: يَطلُبُها منه فقطْ، ولَيسَ للمُقَرِّ له بالقَوَد العفو
(6)
على رَقَبَتِه أوْ مالٍ.
(1)
تقدم تخريجه 8/ 61 حاشية (5).
(2)
في (ن): لأنه.
(3)
في (ظ) و (ن): كالحدِّ.
(4)
ينظر: المحرر والنكت على المحرر 2/ 381.
(5)
قوله: (قدمه في «المحرر» و «الفروع»
…
) إلى هنا سقط من (ن).
(6)
في (م): لقود بالعفو.
وقِيلَ: لا يَصِحُّ إقْرارُه بقَوَدٍ
(1)
في النَّفس فما دُونَها.
وقِيلَ: في إقْرارِه بالعُقوبات رِوايَتانِ، بالنَّقل والتخريج
(2)
.
ونصُّه: أنَّه يَصِحُّ في غَيرِ قَتْلٍ
(3)
.
(وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ
(4)
؛ لَمْ يُقْبَلْ)، ذَكَرَه في «المستوعب» و «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه لا يَملِكُ منه إلَّا المالَ.
وقِيلَ: إنْ أَقَرَّ عَلَيهِ بما يُوجِبُ القَوَدَ؛ وَجَبَ المالُ دُونَ القَوَد؛ لِأنَّ المالَ يَتعلَّقُ برقَبَتِه، وهي مالٌ للسَّيِّد، فصحَّ إقْرارُه به؛ كجِنايَةِ الخَطَأِ، اقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الكافي» .
(إِلاَّ
(5)
فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَيُقْبَلُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ مِنَ
(6)
المَالِ)؛ لِأنَّ المالَ للسَّيِّد.
واقْتَضَى ذلك: أنَّه لا يُقبَلُ في القِصاص؛ لِأنَّ البَدَنَ للعبد لا للسَّيِّد.
(وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ غَيْرُ المَأْذُونِ لَهُ بِمَالٍ)، أوْ بما
(7)
يُوجِبُه، أوْ مأذونٌ
(8)
له بما لا يَتعلَّقُ بالتِّجارة؛ كقَرْضٍ وجِنايَةٍ؛ (لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحَالِ)؛ لِأنَّه إقْرارٌ مِنْ مَحْجورٍ عَلَيهِ في حقِّ غَيرِه، (وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ)، نَصَّ عَلَيهِ؛ عَمَلاً بإقْرارِه على نَفْسِه؛ كالمُفْلِسِ.
(1)
في (م): بقوده.
(2)
قوله: (بالنقل والتخريج) في (م): بالقتل في التحريم.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3482.
(4)
كتب في هامش (ظ): (أي: بالقصاص في النفس).
(5)
في (ن): لا.
(6)
قوله: (من) سقط من (ن).
(7)
في (م): ما.
(8)
في (م): المأذون.
(وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ)، اخْتارَه الخِرَقِيُّ وغَيرُه؛ كجنايته
(1)
.
والأوَّلُ أصحُّ، والفَرْقُ بَينَهما: أنَّ الجِنايَةَ فِعْلٌ، وفِعْلُ المحْجور عَلَيهِ مُعتَبَرٌ، وما صحَّ إقِرارُ العَبْدِ فِيهِ؛ فهو الخَصْمُ فِيهِ، وإلَّا فسيده
(2)
.
(وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِمَالٍ، أَوْ مَا
(3)
يُوجِبُهُ؛ كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ؛ قُبِلَ)؛ لِأنَّ المالَ حقُّه، فإذا أقرَّ به؛ وَجَبَ قَبولُه؛ كسائرِ ماله.
وفي «الكافي» : إنْ أقرَّ بقَوَدٍ؛ وَجَبَ المالُ، ويَفْدِي السَّيِّدُ ما يَتعلَّقُ بالرَّقَبة لو ثَبَتَ بِبَيِّنةٍ.
فائدةٌ: المدبَّرُ، وأُمُّ الولَدِ، والمُعلَّقُ عِتْقُه بصِفَةٍ؛ كالْقِنِّ.
فرعٌ: إذا أَقَرَّ مُكاتَبٌ بجِنايَةٍ؛ تَعلَّقَتْ بِذِمَّتِه ورَقَبَتِه.
وقِيلَ: لا يَتَعلَّقُ إلَّا بِذِمَّتِه؛ كالمأْذُونِ.
وقال السَّامَرِّيُّ: إنْ أَقَرَّ مُكاتَبٌ بجِنايَةِ خَطَأٍ؛ لَزِمَتْه، فإن
(4)
عَجَزَ؛ تَعلَّقَتْ برَقَبَتِه.
ولا يَتعلَّقُ ذلك بالسَّيِّد، رِوايَةً واحدةً، قاله القاضِي.
(وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ
(5)
فِي يَدِهِ، وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ؛ قُبِلَ إِقْرَارُهِ فِي الْقَطْعِ دُونَ المَالِ)؛ لِأنَّ القَطْعَ حقٌّ له، فَقُبِلَ
(6)
؛ كما لو أَقَرَّ بقِصاصٍ في طَرَفٍ، وأمَّا المالُ فهو حقٌّ للسَّيِّد، فلم يُقبَلْ إقْرارُ العَبْدِ به
(7)
؛ كما لو أَقَرَّ العبدُ بمالٍ
(1)
في (م): بجنايته.
(2)
في (م): فلسيده.
(3)
في (ظ): بما.
(4)
في (ن): وإن.
(5)
في (م): المال.
(6)
قوله: (فقبل) سقط من (ن).
(7)
قوله: (به) سقط من (ن).
في يَدِه.
وقِيلَ: لا يُقطَعُ؛ لِأنَّ ذلك شبهةٌ.
وعلى الأوَّل: المنصوصُ: أنَّه لا يُقطَعُ حتَّى يَعتِقَ، ويُتبَعُ بالمال بَعْدَ العِتْق، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» .
وعَنْهُ: يَتعلَّقُ برقَبَتِه، فيَفْدِيهِ سيِّدُه، أوْ يُسْلِمُه به؛ لِعَدَمِ التُّهمة.
(وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ
(1)
، أَوِ العَبْدُ
(2)
غَيرَ مُكاتَبٍ (لِسَيِّدِهِ بِمَالٍ
(3)
؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لِأنَّ مالَ العَبْدِ لِسَيِّدِه.
وقِيلَ: يَصِحُّ إقْرارُهما بما بِيَدِهما إن
(4)
قُلْنا العَبْدُ يَملِكُ.
فرعٌ: إذا أَقَرَّ عبدٌ
(5)
بِرِقِّه لِغَيرِ مَنْ هو بِيَدِه؛ لم يُقبَلْ، وإنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بذلك؛ قُبِلَ؛ لأنَّه
(6)
في يَدِ السَّيِّد، لا في يَدِ نَفْسِه.
(وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَلْفٍ، وَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِهِ
(7)
؛ ثَبَتَ)؛ لِاتِّفاقِهما عَلَيهِ، ويكون
(8)
كالكتابة، (وَإِنْ أَنْكَرَ؛ عَتَقَ)؛ لِأنَّه أَقَرَّ بحُرِّيَّته، (وَلَمْ يَلْزَمْهُ
(9)
الْأَلْفُ)؛ لِأنَّه مُدَّعٍ لها، ويَحلِفُ العَبْدُ، على الأَشْهَر.
وإنِ ادَّعَى أنَّه باعَهُ أجْنَبِيًّا فأَعْتَقَه، وأنكره
(10)
؛ عَتَقَ على سيِّدِه، وحَلَفَ المُنكِرُ على الثَّمَن.
(1)
في (م): لعيده.
(2)
في (ن): لعبد.
(3)
قوله: (بمال) سقط من (ظ). والمثبت موافق لنسخ المقنع الخطية.
(4)
في (ن): وإن.
(5)
في (م): العبد.
(6)
في (م): كأنه.
(7)
في (ن): به العبد.
(8)
في (ظ): وتكون.
(9)
في (ظ): ولم تلزمه.
(10)
في (م): وأنكر، وفي (ظ): فأنكره.
(وَإِنْ أَقَرَّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ بِمَالٍ؛ صَحَّ، وَكَانَ
(1)
لِمَالِكِهِ)؛ لِأنَّ السَّيِّدَ هو الجِهَةُ الَّتي يَصِحُّ بها
(2)
الإقْرارُ، فتَعَيَّنَ جَعْلُ المالِ له، فكان الإقْرارُ لِسَيِّدِه، وحِينَئِذٍ يلزم
(3)
بتصديقه ويَبطُلُ بِرَدِّه؛ لِأنَّ يَدَ العَبْدِ كَيَدِ سيده
(4)
.
(وَإِنْ أَقَرَّ لِبَهِيمَةٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) في ظاهِرِ المذْهَب؛ لِأنَّها لا تمْلِكُ، ولا لها أهْلِيَّةُ الملْكِ.
وقِيلَ: يَصِحُّ؛ كقوله: بِسَبَبِها، زَادَ في «المغْنِي» وغَيرِه: يُدفَعُ لمَالِكِها؛ كالإقْرارِ لِعَبْدِه، فيُعتَبَرُ تصديقُه.
قال في «الشَّرح» : وإنْ قال: عليَّ بسببِ هذه البهيمةِ؛ لم يكُنْ إقْرارًا لأِحَدٍ؛ لِأنَّ مِنْ شرط
(5)
صِحَّة الإقرار
(6)
: ذِكْرَ المُقَرِّ له
(7)
، وإنْ قال: لمَالِكِها، أوْ لِزَيدٍ عَلَيَّ بسبَبِها ألْفٌ؛ صَحَّ.
وفي «الفروع» : لو قال: لمَالِكِها عليَّ بسبَبِ حَمْلِها، فإنِ انْفَصَلَ وادَّعَى أنَّه بسبَبِه؛ صَحَّ، وإلَّا فَلَا.
فرعٌ: لا يَصِحُّ الإقْرارُ لِدارٍ إلَّا مع السَّبب، وإنْ أَقَرَّ لمَسْجِدٍ، أوْ مَقبَرةٍ، أوْ طَرِيقٍ، ونَحوِه، وذَكَرَ سبَبًا صحيحًا كغلَّةِ وقفه؛ صَحَّ، وإنْ أطْلَقَ؛ فالأَشْهَر صِحَّتُه.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ، فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ؛ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهَا)؛ لِأنَّ الحُرِّيَّةَ
(1)
في (ظ) و (م): ويكون.
(2)
في (م): لها.
(3)
في (ظ): يلزمه.
(4)
قوله: (كيد سيده) في (م): كسيده.
(5)
في (ظ): شرطه.
(6)
قوله: (لأحد؛ لأن من شرط صحة الإقرار) سقط من (ن).
(7)
زاد في (ظ): به.
حقٌّ لله تعالَى، فلم يَرتَفِعْ بقَولِ أَحَدٍ؛ كالإقْرارِ على حقِّ الغَيرِ.
(وَعَنْهُ: يُقْبَلُ
(1)
فِي نَفْسِهَا)، صحَّحه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِانْتِفاءِ التُّهمة، كما لو أقَرَّتْ بمالٍ.
(وَلَا يُقْبَلُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَرِقِّ الْأَوْلَادِ)؛ لأِنَّ ذلك حقٌّ للزوج
(2)
.
(وَإِنْ أَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَدًا
(3)
؛ كَانَ رَقِيقًا)؛ لِأنَّه حَدَثَ بَعْدَ ثُبُوتِ رِقِّها.
(وَإِذَا
(4)
أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ
(5)
أَنَّهُ ابْنُهُ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ
(6)
هَلْ أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ
(7)
:
أحدهما
(8)
، وجَزَمَ به في «الوجيز»: أنَّها لا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ له؛ لِاحْتِمالِ أَنَّها أتَتْ به في غَيرِ مِلْكِه.
والثَّانِي: بَلَى؛ لِأنَّه أَقَرَّ بوَلَدِها وهي في مِلْكِه، فالظَّاهِرُ أنَّه اسْتَوْلَدَها في مِلْكِه.
(1)
في (ظ) و (ن): تقبل.
(2)
قوله: (ولا يقبل في فسخ النكاح ورق الأولاد؛ لأن ذلك حق للزوج) سقط من (م).
(3)
في (م): وكذا.
(4)
في (ن): وإن.
(5)
في (م): أمة.
(6)
في (ن): ولم تبين.
(7)
كتب في هامش (ن): (المذهب: أنها لا تصير أم ولد إلا بقرينة).
(8)
كتب في هامش (ظ): (وهو المذهب).
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِنَسَبِ صَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ، مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ ابْنُهُ
(1)
؛ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ
(2)
، هذا هو المذْهَبُ؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الشَّخصَ لا يلحق به
(3)
مَنْ لَيسَ منه؛ كما لو أَقَرَّ بمالٍ.
ولا بُدَّ أنْ يكُونَ مِمَّا يُمكِنُ صِدْقُه، وأنْ لا يَدفَعَ به نَسَبًا لِغَيرِه، ولا يُنازِعَه فِيهِ مُنازِعٌ، وحِينَئِذٍ يثبت
(4)
نَسَبُه، زاد في «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الفُروع»: ولو أسْقَطَ وارِثًا مَعْروفًا.
فإذا بَلَغَ أوْ عَقَلَ، فأنْكَرَ؛ لم يُقبَلْ منه؛ لأِنَّه نَسَبٌ حُكِمَ بثُبوته، فلم يَسقُطْ بِرَدِّه؛ كما لو قامَتْ به بيِّنةٌ، ولو طَلَبَ إحْلافَه على ذلك لم يُسْتَحْلَفْ؛ لِأنَّ الأبَ لو عاد فجَحَدَ النَّسَبَ؛ لم يُقبَلْ منه.
وقِيلَ: يَسقُطُ باتِّفاقهما على الرُّجوع عنه؛ كالمال.
والأوَّلُ: أصحُّ؛ لِأنَّ النَّسَبَ يُحتاطُ له.
(وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا؛ وَرِثَهُ) المُقِرُّ، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الرِّعاية» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ سَبَبَ ثُبوته مع الحياة الإقْرارُ، وهو مَوجُودٌ هُنا.
وقِيلَ: لا يَرِثُه؛ للتُّهمة في أخْذِ مِيراثه.
وفي «الرِّعاية» : إذا ماتَ المُقِرُّ؛ وَرِثَه المقَرُّ به
(5)
.
(وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا عَاقِلاً؛ لَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يُصَدِّقَهُ)؛ لِأنَّ له قَولاً صحيحًا،
(1)
قوله: (أنه ابنه) سقط من (ظ).
(2)
قوله: (منه) سقط من (ن).
(3)
في (م): لا يلحقه به.
(4)
في (ن): ثبت.
(5)
قوله: (به) سقط من (ن).
فاعْتُبِرَ تصديقُه؛ كما لو أَقَرَّ له بمالٍ، وحِينَئِذٍ: إذا صدَّقَه ثَبَت
(1)
نَسَبُه، ولو كان
(2)
بَعْدَ مَوتِ المُقِرِّ؛ لِأنَّ بتصدِيقه
(3)
يَحصُلُ اتِّفاقُهما على التَّوارُث من الطرفين
(4)
جميعًا.
(وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما
(5)
: يثبُت
(6)
نَسَبُه وإرْثُه، اخْتارَه القاضي، وجَزَمَ به في «الكافي» و «الوجيز» ؛ لِأنَّه لا قَولَ له، أشْبَهَ الصَّغِيرَ.
والثَّانِي: لَا؛ لِأنَّ نَسَبَ المكلَّف لا يَثبُتُ إلَّا بتَصْدِيقِه، ولم يُوجَدْ.
ويُجابُ عن هذا: بأنَّه غَيرُ مُكلَّفٍ.
ولا يُعتَبَرُ في تَصْديقِ أحدِهما بالآخَر تَكرارُه في المنْصُوص
(7)
، فيَشهَدُ الشَّاهِدانِ بنَسَبِهما بِدُونِه.
فرعٌ: إذا أَقَرَّ بأَبٍ، أوْ زَوجٍ، أوْ مَولًى أعْتَقَه؛ قُبِلَ بالشُّروط السَّابِقةِ.
وفي «الوسيلة» : إذا قال عن
(8)
بالِغٍ: هو ابْنِي، أوْ أبي
(9)
، فسَكَتَ المدَّعَى عَلَيهِ؛ ثَبَتَ نَسَبُه في ظاهِرِ قَولِه.
(1)
في (م): يثبت.
(2)
قوله: (كان) سقط من (م).
(3)
في (م): تصديقه.
(4)
في (م): طريقين.
(5)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(6)
في (ن): ثبت.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 419.
(8)
في (ن): غير.
(9)
في (م): أبي وابني.
فائدةٌ: قَدِمَت امرأةٌ من
(1)
بلاد
(2)
الرُّوم ومَعَها طِفْلٌ، فأَقَرَّ به رجلٌ؛ لَحِقَه؛ لِوُجودِ الإمْكانِ، وعَدَمِ المُنازِع، والنَّسَبُ يُحتاطُ لِإثْباتِه، ولهذا: لو وَلَدَت امرأةُ رجلٍ وهو غائبٌ عنها بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أوْ أكثرَ مِنْ غَيبته؛ لَحِقَه وإنْ لم يُعرَفْ له قُدومٌ إلَيها، ولا عُرِفَ لها خُروجٌ مِنْ بَلَدِها.
(وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِ المُقِرِّ، فَادَّعَتِ الزَّوْجِيَّةَ؛ لَمْ يَثْبُتْ
(3)
بِذَلِكَ)؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكُونَ مِنْ وَطْءِ شبْهةٍ أوْ نِكاحٍ فاسِدٍ.
ويَدخُلُ فيه: ما إذا أَقَرَّ بنَسَبِ صغيرٍ لم يكُنْ مُقِرًّا بزَوجِيَّةِ أُمِّه، وكذا دَعْوَى أُخْتِه البُنُوَّةَ، ذَكَرَه في «التَّبصرة» .
تنبيهٌ: له أَمَتانِ، لكلِّ واحدةٍ منهما ولدٌ، ولا زَوجَ لواحدةٍ
(4)
منهما، ولم يُقرَّ بوطئها
(5)
، فقال: أحَدُ هَذَينِ ابْنِي؛ أُخِذَ بالبيان، فإن
(6)
عَيَّنَ أحدَهما؛ ثَبَتَ نَسَبُه وحرِّيَّتُه، ويُطالَبُ بِبَيانِ الاِسْتِيلادِ، فإنْ قال: استولدْتُها
(7)
في مِلْكِي؛ فالولدُ حُرُّ الأصْلِ، أُمُّه أُمُّ وَلَدٍ، وإنْ قال: مِنْ نِكاحٍ أوْ وَطْءِ شُبْهةٍ؛ فالأمَة
(8)
رقيقٌ قِنٌّ، ذَكَرَه في «الكافي» وغَيره، وتَرِقُّ الأُخْرَى وَوَلَدُها.
فإن
(9)
ادَّعَت الأُخْرى أنَّها
(10)
المُسْتَولَدَةُ؛ فالقَولُ قَولُه مع يمينِه.
(1)
في (م): في.
(2)
في (م) و (ن): بلد.
(3)
في (م): لم تثبت.
(4)
في (م): لواحد.
(5)
في (م): بوطئهما.
(6)
في (ن): بالسابق وإن.
(7)
في (ن): استولدتهما.
(8)
في (ظ): فأمه، وفي (ن): بالأمة.
(9)
في (ظ): وإن.
(10)
قوله: (أنها) سقط من (م).
وإنْ ماتَ قَبْلَ البَيان؛ قامَ وارِثُه مَقامَه، فإنْ لم يكُنْ له وارِثٌ، أوْ لم يتعين
(1)
الوارِثُ؛ عُرِضَا
(2)
على القافَة، فأُلْحِقَ بمَنْ ألْحَقَتْه به القافَةُ، وإنْ لم تكن
(3)
قافَةٌ، أوْ أشْكَلَ؛ أُقْرِعَ بَينَهما، فيَعتِقُ أحدُهما بالقُرعةِ. والمذهَبُ: أنَّه يَثبُتُ نَسَبُه ويَرِثُ، ذَكَرَه في «الكافي» و «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» .
وقِيلَ: لا يَثبُتانِ؛ لِأنَّه لا مَدخَلَ للقُرْعة في تمييز
(4)
النَّسَب، ولها مَدخَلٌ في تمييز
(5)
الرِّقِّ من الحرِّيَّة، واقْتَصَرَ عَلَيهِ السَّامَرِّيُّ، ثُمَّ ذَكَرَ: أنَّه يَجعَلُ سَهْمُه في بَيتِ المالِ؛ لأنَّا
(6)
نَعلَمُ أنَّ أحَدَهما يَستَحِقُّ نصيبَ ولدٍ، ولا يُعرَفُ عينُه
(7)
، فلا تستحقه
(8)
بقية الوَرَثَة، فيكُونُ في بَيتِ المال.
وقال: يَعتِقُ مِنْ كلِّ واحِدٍ نصفُه، ويُسْتَسْعَى في باقِيهِ، ولا يَرِقَّانِ.
فرعٌ: إذا بَاعَ واشْتَرَى، ثمَّ أَقَرَّ بالرِّقِّ لِزَيدٍ؛ صَحَّ، ولم تبطل
(9)
عُقودُه الماضِيَةُ.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ، فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ)؛ لِأنَّ إقْرارَ الإنسان على غَيرِه غَيرُ مَقْبولٍ.
(وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا
(10)
وَهُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ؛ صَحَّ إِقْرَارُهُ، وَثَبَتَ
(1)
في (م): لم يتغير.
(2)
في (ظ): عرض.
(3)
في (م): لم يكن، وزيد في (ن): له.
(4)
قوله: (تمييز) سقط من (م).
(5)
في (م): غير.
(6)
زيد في (م): لا.
(7)
في (م): عنه.
(8)
في (ن): فلا يستحقه.
(9)
في (ظ): ولم يبطل.
(10)
في (م): موتها.
النَّسَبُ)؛ لحديثِ سعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ وعبدِ
(1)
بنِ زَمْعَةَ، وهي مُتَّفَقٌ عليها
(2)
مِنْ حديثِ عائشةَ
(3)
، ولِأنَّ الوَارِثَ يَقُومُ مَقامَ مورِّثه
(4)
في حُقوقه، وهذا مِنْ حُقوقه، إلَّا اللهم
(5)
أنْ يكُونَ الميِّتُ قَدْ نَفَاهُ، فلا يَثبُتُ؛ لِأنَّه تحمَّل
(6)
على غَيرِه نَسَبًا حَكَمَ بنَفْيِه.
ويَدخُلُ في كلامه: ما إذا كان الوارِثُ ابنةً واحدةً، فإنَّها تَحوزُ المالَ بالفرض والرَّدِّ.
فإنْ أَقَرَّت الزَّوجةُ بابْنٍ لِزَوجِها الميِّت - زَادَ في «الرِّعاية» : مِنْ غَيرِها -، أوْ أَقَرَّ الزَّوجُ بابنٍ لها مِنْ غَيرِه بَعْدَ مَوتها، فصدَّقَهُما نائبُ الإمامِ؛ ثَبَتَ النَّسَبُ.
وعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أنَّ المُقِرَّ إذا كان غَيرَ وارِثٍ؛ لم يُقبَلْ إقْرارُه؛ لِأنَّه لا يُقبَلُ إقْرارُه في المال، فكذا في النَّسَب.
(وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ)؛ لِأنَّه لا يُسْتَوْفَى حقُّ شريكِه، فَوَجَبَ أنْ لا يَثبُتَ في حقِّه، فلو خلَّف ابنين
(7)
؛ عاقِلاً ومجنونًا، فأَقَرَّ العاقِلُ بأخٍ؛ لم يَثبُتْ نَسَبُه، فإنْ مات المجْنونُ وله وارِثٌ غَيرُ أخيه؛ اعْتُبِرَ وِفاقُه، وإلَّا كَفَى إقْرارُه.
(وَلِلْمُقَرِّ لَهُ مِنَ المِيرَاثِ مَا فَضَلَ
(8)
فِي يَدِ المُقِرِّ) أوْ كلُّه إنْ كان يُسقِطُه؛
(1)
زيد في (ن): الرحمن.
(2)
في (م): عليهما.
(3)
أخرجه البخاري (2053، 6765)، ومسلم (1457).
(4)
في (ظ): موروثه.
(5)
قوله: (اللهم) سقط من (م).
(6)
في (م): يحمل.
(7)
في (م): اثنين.
(8)
في (م): فضل ما.
كما تَقدَّمَ في الفرائض
(1)
.
ولو مات المنكِرُ، والمقِرُّ وارثه
(2)
؛ ثَبَتَ نَسَبُ المقَرِّ به منهما.
وقِيلَ: لا يَثبُتُ، لكن
(3)
يُعطِيهِ الفاضِلَ في يَدِه عن إرْثِه.
فلو مات المقِرُّ بَعْدَ ذلك عن بني
(4)
عمٍّ، وكان المقِرُّ أخًا؛ ورِثَه دُونَهم على الأوَّل، وعلى الثَّاني: يَرِثُه دُونَ المقَرِّ به.
ولو مات المقِرُّ بنسبٍ مُمكِنٍ، ولم يَثبُتْ، ولم يُخلِّفْ وارِثًا مِنْ ذَوِي سَهْمٍ، ولا رحمٍ
(5)
، ولا مَولًى سِوَى المقَرِّ به
(6)
؛ جُعِلَ الإقْرارُ كالوصيَّة، فيُعْطَى ثُلُثَ المال في وَجْهٍ، وفي الآخَر جميعَه، وقِيلَ: لا يُجعَلُ كالوصيَّة، ويكُونُ الإرْثُ لِبَيتِ المالِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ
(7)
مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ
(8)
بِنَسَبِ وَارِثٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ، إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ مَوْلَاهُ)، نَصَّ عَلَيهِ
(9)
؛ لِأنَّ الحقَّ له، فلا يُقبَلُ إقْرارُه بما يُسقِطُه.
ويَتخرَّجُ: أنْ يُقبَلَ بِدُونِه، اخْتارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(10)
.
ومُقتَضاهُ: أنَّه إذا لم يكُنْ عَلَيهِ وَلاءٌ؛ فإنَّه يُقبَلُ إقْرارُه بكلِّ وارِثٍ، حتَّى أخٍ أوْ عَمٍّ، بشَرْطِ إمْكانِه وتصديقِه إنْ كان مُكلَّفًا.
(1)
ينظر: 7/ 208.
(2)
في (ن): وارث.
(3)
قوله: (لكن) سقط من (م).
(4)
في (م): ابن.
(5)
في (م): ولا حمى.
(6)
قوله: (المقر به) في (م): القربة.
(7)
في (م): كان إقرار.
(8)
في (ظ) و (م): الولاء.
(9)
ينظر: المحرر 2/ 410، الفروع 11/ 421.
(10)
ينظر: الفروع 11/ 421.
أصلٌ: إذا أَقَرَّ رجلٌ بحُرِّيَّةِ عبدٍ، ثُمَّ اشْتَراهُ، أوْ شَهِدَ بها
(1)
ثُمَّ اشْتَراهُ؛ عَتَقَ في الحالِ، ويكُونُ البَيعُ صحيحًا بالنِّسبة إلى البائع؛ لِأنَّه محكومٌ له بِرِقِّه، وفي حقِّ المشْتَرِي؛ لِلاِسْتِنقاذ، فإذا صار العبدُ في يَدِه؛ حُكِمَ بحُرِّيَّته؛ لِإقْراره السَّابِقِ، والوَلاءُ مَوقُوفٌ، فإنْ مات وخلَّفَ مالاً، فرَجَعَ أحدُهما عن إقراره؛ فالمالُ له؛ لِأنَّ أحدًا لا يَدَّعِيهِ سِواهُ.
وإنْ رَجَعَا معًا؛ احْتَمَلَ أنْ يُوقَفَ حتَّى يَصطَلِحا عَلَيهِ؛ لِأنَّه لأِحَدِهما، ولا يُعرَفُ عَينُه، واحْتَمَلَ أنَّ مَنْ هو في يَدِه يَأخُذُه ويَحلِفُ؛ لِأنَّه مُنكِرٌ.
وإنْ لم يَرجِعْ واحِدٌ منهما؛ فقِيلَ: يُقَرُّ في يَدِ مَنْ هُو في يَدِه، فإنْ لم يكُنْ في يَدِ أحدهما
(2)
؛ فهو لِبَيتِ المالِ.
وَقِيلَ: هو لِبَيتِ المال بكلِّ حالٍ.
وفي ثُبوتِ خِيارِ المجْلِسِ والشَّرط في هذا البَيعِ؛ وجْهانِ، والأصحُّ: عَدَمُ ثُبوتِهما للمُشْتَرِي.
وإنْ باعه نفْسَه بألْفٍ في ذِمَّتِه؛ صَحَّ، ولم يثبتا
(3)
فِيهِ، بل يَعتِقُ في الحالِ.
وإن
(4)
باعَه بألْفٍ في يَدِه؛ فرِوايَتانِ.
(وَإِنْ أَقَرَّتِ المَرْأَةُ بِنِكَاحٍ عَلَى نَفْسِهَا؛ فَهَلْ يُقْبَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أشْهَرُهما، وصحَّحه في «المحرَّر»: أنَّه يُقبَلُ؛ لِأنَّه حقٌّ عَلَيها، فقُبِلَ؛ كما لو أَقَرَّتْ بمالٍ، ولِزَوالِ التُّهمة بإضافةِ الإقْرارِ إلى شرائطه، وكبَيعِ سِلْعَتِها.
والثَّانيةُ: لَا؛ لِأنَّها تَدَّعِي النَّفَقةَ والكُسْوةَ والسُّكْنَى، ولأِنَّ النِّكاحَ يَفتَقِرُ
(1)
قوله: (شهد بها) في (ن): اشتراها.
(2)
قوله: (يده، فإن لم يكن في يد أحدهما) في (م): يدهما.
(3)
في (ن): ولم يبينا.
(4)
في (ن): فإن.
إلى شُروطٍ، ولم يُعلَمْ حُصولُها بالإقْرارِ.
وفي «الاِنْتِصار» : لا يُنكَرُ عَلَيهِما ببلدِ غُربةٍ؛ للضَّرورة.
ونَقَلَ الميمونيُّ: يُقبَلُ إنِ ادَّعَى زَوجِيَّتَها واحِدٌ لا اثْنانِ
(1)
، اخْتارَه القاضِي وأصْحابُه.
وفي «تَعليقِ القاضي» : يَصِحُّ إقْرارُ بكرٍ بالِغٍ به
(2)
وإنْ أجبرها
(3)
الأبُ؛ لِأنَّه لا يَمتَنِعُ صِحَّةُ الإقْرار بما لا إذْنَ فيه؛ كصبيٍّ أَقَرَّ بَعْدَ بُلوغِه أنَّ أباهُ آجره
(4)
في صِغَرِه، ومع بيِّنتِهما يُقدَّمُ أسْبَقُهما، فإنْ جُهِلَ؛ عُمِلَ بقَولِ الوليِّ، ذَكَرَه في «المنتخب» و «المبهج» .
(وَإِنْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا بِهِ؛ قُبِلَ إِنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً)، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
؛ لِأنَّ مَنْ مَلَكَ شَيئًا؛ مَلَكَ الإقْرارَ به.
وكذا يُقبَلُ إنْ كانَتْ غَيرَ مُجبَرَةٍ، وهي مُقِرَّةٌ له بالإذْنِ، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» .
(وَإِلَّا فَلَا)؛ أي
(6)
: إذا لم تكُنْ مُجبَرةً؛ فلا يُقبَلُ؛ لِأنَّه لا يَملِكُ تزويجَها بغَيرِ رِضاها، أشْبَهَ الأجنبيَّ.
فرعٌ: إذا
(7)
ادَّعَى نِكاحَ صغيرةٍ بِيَدِه؛ فُرِّقَ بَينَهما، وفَسَخَه حاكِمٌ، وإنْ صَدَّقَتْه إذا بَلَغَتْ؛ قُبِلَ، فَدَلَّ أنَّ مَنْ ادَّعَتْ أنَّ فُلانًا زَوْجُها، فأنْكَرَ، فطَلَبَت الفُرقةَ؛ يُحكَمُ عَلَيهِ، وسُئلَ عنها المؤلِّفُ فلم يُجِبْ.
(1)
ينظر: الفروع 11/ 416.
(2)
في (ن): كمن بالغ فيه.
(3)
في (ظ) و (ن): جبرها.
(4)
في (م): أجبره.
(5)
ينظر: الفروع 11/ 417.
(6)
قوله: (أي) سقط من (م).
(7)
قوله: (إذا) سقط من (م) و (ن).
(وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانَةَ امْرَأَتُهُ، أَوْ أَقَرَّتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا، فَلَمْ يُصَدِّقِ المُقَرُّ لَهُ المُقِرَّ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ المُقِرِّ؛ صَحَّ، وَوَرِثَهُ)؛ كما لو صدَّقَه في الحياة، وفِيها خِلافُ القاضِي.
الثَّانيةُ: لم يَجحَدْ ولم يُصدِّقْه إلَّا بَعْدَ موت
(1)
المُقِرِّ؛ فيَصِحُّ، ويرثُه
(2)
، ويَتخرَّجُ مِنْ مسألةِ الوارِثِ بَعدَها: لا إرْثَ.
الثَّالثةُ: كذَّبَه في
(3)
حياته، وصدَّقَه بَعْدَ مَوتِه؛ فَوَجْهانِ:
أحَدُهما: يَصِحُّ، قال في «الرَّوضة»: هو
(4)
قَولُ أصْحابِنا؛ لِأنَّه وُجِدَ كلٌّ منهما بشَرطِه، إذْ لَيسَ مِنْ شَرْطِ التَّصْديقِ الفَورِيَّةُ.
والثَّانِي: لَا؛ لأِنَّه إذا كذَّبه
(5)
في حياته؛ فهو مُتَّهَمٌ؛ لِحُصولِ ما يُنافِيهِ قَبْلَه، قالَهُ في «شَرح المحرَّر» .
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فِيمَنْ أنْكَرَ الزَّوجِيَّةَ، فأَبْرَأَتْه فأَقَرَّ بها: لها طلبه
(6)
بحقِّها
(7)
.
(وَإِنْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ بِدَيْنٍ؛ لَزِمَهُمْ قَضَاؤُهُ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(8)
؛ لِأنَّهم أقَرُّوا باسْتِحْقاقِ ذلك على موروثهم
(9)
، (مِنَ التَّرِكَةِ)؛ أيْ: يَتعلَّقُ ذلك بالتَّرِكة؛ كما لو أقرَّ به في حياته، والإقْرارُ أبْلغُ من البيِّنة، ويَلزَمُ
(1)
قوله: (موت) سقط من (م).
(2)
في (ظ) و (م): وترثه.
(3)
في (م): من.
(4)
في (ن): وهو، وزاد في (ظ):(قياس)، والمثبت موافق للفروع 11/ 418.
(5)
في (م): أكذبه.
(6)
في (ظ) و (م): طلبته.
(7)
ينظر: الفروع 11/ 418.
(8)
ينظر: المغني 5/ 155.
(9)
في (ن): مورثهم.
الوارِثَ أقلُّ الأمْرَينِ من قيمتها، أوْ قَدْرِ الدَّين؛ كالجانِي.
(فَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ) بِلا شهادةٍ؛ (لَزِمَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ إِرْثِهِ)؛ لِأنَّه لا يَستَحِقُّ أكثرَ من ذلك؛ كما لو أَقَرَّ الوَرَثَةُ كلُّهم، فإذا وَرِثَ النِّصفَ؛ فنِصْفُ الدَّين؛ كإقْراره بوصيَّةٍ، لا كلِّ إرْثِه، وعلى هذا فَقِسْ.
وهذا ما لم يَشهَدْ منهم عَدْلانِ، أوْ عَدْلٌ ويمينٌ، فيَلزَمُهم الجميعُ.
وفي «التَّبصرة» : إنْ أقرَّ عَدْلانِ، أوْ عَدْلٌ ويمينٌ؛ ثَبَتَ، ومُرادُه: وشَهِدَ العَدْلُ، وهو
(1)
مَعْنَى ما في «الرَّوضة» .
وفِيهَا: إنْ خلَّفَ وارِثًا واحدًا لا يَرِثُ كلَّ المال؛ كبِنْتٍ وأخت
(2)
، فأَقَرَّ بما
(3)
يَستَغْرِقُ التَّرِكةَ؛ أَخَذَ ربُّ الدَّين كلَّ ما بِيَدِها.
(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ؛ لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ)؛ لِأنَّه لا يَلزَمُهم أداءُ
(4)
دَينِه إذا كان حَيًّا مُفْلِسًا، كذا هُنا إذا كان ميِّتًا.
فرعٌ: يقدَّم
(5)
ما ثَبَتَ بإقْرارِ الميِّت على ما ثَبَتَ بإقْرارِ الورثة
(6)
، وقِيلَ عَكْسُه، وقِيلَ بالتَّسْوِيَة بَينَهما، ويقدَّم
(7)
عَلَيهِما ما ثَبَتَ ببيِّنةٍ، نَصَّ عَلَيهِ
(8)
.
(1)
في (ن): هو.
(2)
في (ن): أخت.
(3)
في (ن): ما.
(4)
في (ظ): إذا.
(5)
في (ن): تقدم.
(6)
في (م): لورثة.
(7)
في (ظ): وتقدم.
(8)
ينظر: الفروع 11/ 422.
(فَصْلٌ)
(إِذَا
(1)
أَقَرَّ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ) بمالٍ؛ (صَحَّ) على المذْهَب، وقَدَّمَه في «الرِّعاية» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لِأنَّه يَجُوزُ أنْ يكُونَ له وَجْهٌ، فَصَحَّ؛ كالطِّفل.
(فَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ لَمْ
(2)
يَكُنْ حَمْلٌ؛ بَطَلَ)؛ لِفَواتِ شَرْطِه.
وكذا إنْ ماتَ المُقِرُّ ولم يُفسِّرْه مع وُجُوبِ تفسيره، أوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أشْهُرٍ، وقِيلَ: أربعِ سِنِينَ مع زَوجٍ أوْ سيِّدٍ يَطَؤها.
وقِيلَ: إنْ ماتَ قَبْلَ تفسيره؛ صحَّ
(3)
، ونُزِّل
(4)
على ما أمْكَنَ.
(وَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا؛ فَهُوْ لِلْحَيِّ)؛ لِأنَّ الشَّرْطَ فيه مُحقَّقٌ، بخِلافِ الميِّت.
(وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا حَيَّيْنِ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا سَوَاءً، الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ)؛ لِأنَّه لا مَزِيَّةَ لأِحَدِهما على صاحبه، إلَّا أنْ يَعْزُوَه إلى ما يُوجِبُ التَّفاضُلَ مِنْ إرْثٍ أوْ وصية
(5)
، فيُعمَلُ به، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الفُروع» .
وقِيلَ: بَلْ أثْلاثًا.
وقال القاضِي: إنْ أطْلَقَ؛ كلِّفَ ذِكْرَ السَّبب، فيَصِحُّ منه ما يصح
(6)
،
(1)
في (ن): وإذا.
(2)
في (ن): ولم.
(3)
قوله: (صح) سقط من (م).
(4)
في (م): وترك، وفي (ن): ويزول.
(5)
في (م): ووصية.
(6)
قوله: (ما يصح) سقط من (ن).
ويَبطُلُ ما يَبطُلُ.
(وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ)؛ لِأنَّ الحملَ لا يَملِكُ، (إِلَّا أَنْ يَعْزِيَهُ إِلَى سَبَبٍ
(1)
مِنْ إِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ)، وهو قَولُ أبي ثَورٍ؛ لِأنَّه إقْرارٌ مُستَنِدٌ إلى سببٍ صحيحٍ، فعُمِل
(2)
به؛ لِأنَّه لا يُملَكُ بغَيرِهما، ويُعمَلُ بحَسَبِ السَّبب الَّذي بَيَّنَه، فإنْ كان إرْثًا؛ فبحسب
(3)
الإرْث، فإنْ كان وصيَّةً؛ فبحسب
(4)
الوصيَّة.
فَعَلَى هذا: إنْ وَضَعَتْه ميِّتًا، وكان عَزاهُ إلى إرْثٍ أوْ وصيَّةٍ؛ عادَتْ إلى وَرَثَةِ الموصِي ومَوروث الطِّفل.
فرعٌ: إذا قال: له عليَّ ألْفٌ جَعَلَها له أوْ نحوه؛ فعِدَةٌ لا يُؤخَذُ بها.
ويَتَوَجَّهُ: يَلزَمُه؛ كقوله: له عليَّ ألْفٌ أقرضنيه
(5)
، عِنْدَ غَيرِ التَّميميِّ، وجزم
(6)
الأَزَجِيُّ: لا يَصِحُّ؛ كأقْرَضَنِي ألْفًا، ذَكَرَه في «الفروع» .
(وَمَنْ أَقَرَّ لِكَبِيرٍ عَاقِلٍ بِمَالٍ) في يَدِه، ولو كان المُقَرُّ به
(7)
عبدًا، أوْ نَفْسَ المُقِرِّ؛ بأنْ أَقَرَّ بِرِقِّ نَفْسِه للغَيرِ، (فَلَمْ يُصَدِّقْهُ؛ بَطَلَ إِقْرَارُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قدَّمَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأنَّه
(8)
لا يُقبَلُ قَولُه عَلَيهِ في ثُبوتِ مِلْكِه.
فَعَلَى هذا: يُقَرُّ بِيَدِ المُقِرِّ؛ لأِنَّه كان في يَدِه، فإذا بَطَلَ إقْرارُه؛ بَقِيَ كأنْ
(1)
في (م): سببه.
(2)
في (ظ) و (م): يعمل.
(3)
في (ن): فيحسب.
(4)
في (ن): فتحسب.
(5)
في (ظ) و (م): أقرضته.
(6)
زيد في (ن): به.
(7)
قوله: (به) سقط من (ن).
(8)
في (ن): أنه.
لم يُقِرَّ به، فإنْ عاد المقِرُّ فادَّعاهُ لنفسه، أوْ لثالثٍ
(1)
؛ قُبِلَ منه، ولم يُقبَلْ بَعدَها عَوْدُ المقَرِّ له أوَّلاً
(2)
إلى دَعْواه.
(وَفِي الآْخَرِ: يُؤْخَذُ المَالُ إِلَى بَيْتِ المَالِ)، فيُحفَظُ له حتَّى يَظهَرَ مالِكُه؛ لِأنَّه بإقْراره خَرَجَ عن مِلْكِه، ولم يَدخُلْ في مِلْكِ المُقَرِّ له، وكلُّ
(3)
واحِدٍ منهما يُنْكِرُ ملكه
(4)
، فهو كالمال الضَّائع، فَعَلَى هذا: يُحكَمُ بحُرِّيَّتِهما، ذَكَره في «المحرَّر». وعُلِم منه: أنَّه إذا أكْذَبَه؛ أنَّه يَبطُلُ إقْرارُه قَولاً واحدًا، وعلى الثَّاني: أيُّهما
(5)
غَيَّرَ قَولَه؛ لم يُقبَلْ مِنْهُ. واللهُ أعْلَمُ
(6)
.
(1)
في (ن): والثالث.
(2)
في (م): إلا.
(3)
في (م): فكل.
(4)
قوله: (ملكه) سقط من (م).
(5)
في (م): أنهما.
(6)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(بَابُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ)
(وَإِذَا
(1)
ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا، فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ أَجَلْ
(2)
، بفَتْحِ الهمزة والجِيمِ وسُكونِ اللاَّم، وهو حَرفُ تصديقٍ؛ كنَعَمْ، قال الأخْفَشُ:(إلَّا أنَّه أحْسَنُ مِنْ «نَعَمْ» في التَّصديق، و «نَعَمْ» أحْسَنُ منه في الاِسْتِفْهام)
(3)
، ويَدُلُّ عَلَيهِ قَولُه تعالَى:{فَهَلْ وَجَدْتُّمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعرَاف: 44]، وقِيلَ لِسَلْمانَ رضي الله عنه: عَلَّمَكُمْ نبيُّكم كلَّ شَيءٍ حتَّى الخِراءةَ؛ قال: «أجل»
(4)
، (أَوْ صَدَقْتَ
(5)
، أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهَا، أَوْ
(6)
بِدَعْوَاكَ؛ كَانَ مُقِرًّا)؛ لِأنَّ هذه الألفاظَ وُضِعَتْ للتَّصديق.
ولو قال: ألَيسَ لي عَلَيكَ كذا؟ قال: بَلَى؛ كان إقْرارًا صحيحًا؛ لِأنَّ «بَلَى» جَوابٌ للسُّؤال بحَرْفِ النَّفْي؛ لقوله تعالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعرَاف: 172]، فلو قال: نَعَمْ، لم يكُنْ مُقِرًّا.
وقِيلَ: إقْرارٌ مِنْ عامِّيٍّ؛ كقوله: عَشَرةٌ غَيرُ دِرْهَمٍ؛ بضَمِّ الرَّاء، يَلزَمُه تِسْعةٌ.
وفي «مُختَصَرِ ابنِ رَزِينٍ» : إذا قال: لي عَلَيكَ كذا؛ فقال: نَعَمْ، أوْ بَلَى؛ كان مُقِرًّا.
(1)
في (ن): إذا.
(2)
كتب في هامش (ظ): (قوله: "أجل" هي ك: نعم، وزنًا ومعنى).
(3)
ينظر: الصحاح 4/ 1622.
(4)
أخرجه مسلم (262).
وكتب في هامش (ظ): (عن عائشة رضي الله عنها قالت قال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى» قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ قال: «أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم» قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك).
(5)
في (م): وصدقت.
(6)
قوله: (بها أو) سقط من (م).
وفي قِصَّةِ إسْلامِ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ: فَقَدِمْتُ المدينةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيهِ، فقلتُ: يا رسولَ الله أتَعْرِفُني؟ قال: «نَعَمْ، أنتَ الَّذي لقيتني
(1)
بمكَّةِ»، قال: فقلتُ: بَلَى
(2)
. قال في «شَرحِ مُسلِمٍ» : (فِيهِ صِحَّةُ الجَواب ب: بلى
(3)
، وإنْ لم يكُنْ قَبلَها نفيٌ، وصحَّة
(4)
الإقْرارِ بها)، قال:(وهو الصَّحيحُ مِنْ مَذْهَبِنا)
(5)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَنَا أُقِرُّ، أَوْ: لَا أُنْكِرُ، أَوْ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحِقًّا
(6)
، أَوْ: عَسَى، أَوْ: لَعَلَّ، أَوْ: أَظُنُّ، أَوْ: أَحْسَبُ، أَوْ: أُقَدِّرُ، أَوْ: خُذْ، أَوِ: اتَّزِنْ، أَوْ: أَحْرِزْ
(7)
، أَوِ: افْتَحْ كُمَّكَ؛ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا)؛ لأنَّ
(8)
قَولَه: «أنَا أُقِرُّ» ؛ وَعْدٌ بالإقْرار، والوعدُ بالشَّيء لا يكُونُ إقْرارًا به، هذا
(9)
هو الأصحُّ فِيهِ وفي «لا أُنكِرُ» ؛ لِأنَّه لا يَلزَمُ مِنْ عَدَمِ الإنكار الإقْرارُ، فإنَّ بَينَهما قِسْمًا آخَرَ، وهو السُّكوتُ عَنْهُما، ولِأنَّه يَحتمِلُ: لا أُنكِرُ بُطْلانَ دَعْواكَ.
وقِيلَ: بَلَى؛ ك: أنا
(10)
مُقِرٌّ.
وقَولُه: «يَجُوزُ أنْ يكُونَ مُحِقًّا» ؛ لِجَوازِ أنْ لا يكونَ مُحِقًّا؛ لِأنَّه لا يَلزَمُ مِنْ جَوازِ الشَّيء وُجُوبُه.
وقَولُه: «عَسى أوْ لَعَلَّ» ؛ لِأنَّهما وُضِعَا للشَّكِّ.
(1)
في (ن): أتيتني.
(2)
أخرجه مسلم (832)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
(3)
في (ظ): بلى.
(4)
في (م): وصحته.
(5)
ينظر: شرح مسلم للنووي 6/ 116.
(6)
زيد في (م): أو غير.
(7)
قوله: (أو أحرز) سقط من (ظ) و (م).
(8)
في (ن): لأنه.
(9)
في (م): وهذا.
(10)
في (ن): كان.
وقَولُه: «أظُنُّ، أوْ أحْسَبُ، أوْ أُقدِّر
(1)
»؛ لِأنَّها تُستَعمَلُ في الشَّكِّ أيضًا.
وقَولُه: «خُذْ» ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ: خُذ الجواب
(2)
مِنِّي.
وقَولُه: «واتَّزِنْ» ؛ أيْ
(3)
: أحْرِزْ ما لَكَ على غَيرِي.
وقَولُه: «افْتَحْ كُمَّك» ؛ لِأنَّه يُستعمَلُ اسْتِهْزاءً لا إقْرارًا.
وكذا قَولُه: اخْتِمْ عَلَيهِ، أو: اجْعَلْه في كِيسِك، أوْ: سافِرْ بدَعْواكَ، ونحوه
(4)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ، أَوْ: خُذْهَا، أَوِ: اتَّزِنْهَا
(5)
، أَوِ: اقْبِضْهَا، أَوْ: أَحْرِزْهَا
(6)
، أَوْ: هِيَ
(7)
صِحَاحٌ؛ فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «المحرَّر» و «الفُروع»:
أشْهرُهما
(8)
: يكُونُ مُقِرًّا، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه عَقِبَ الدَّعْوَى، فيصرفه
(9)
إلَيهَا، ولِأنَّ الضَّميرَ يَرجِعُ إلى ما تَقدَّمَ.
وكذا إذا قال: أقْرَرْتُ، قال تعالَى:{أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عِمرَان: 81]، ولم يَقُولُوا: أقْرَرْنا بذلك، فكان منهم إقِرارًا.
والثَّاني: لَا؛ لِأنَّه لم
(10)
يُقِرَّ بوُجوبِه؛
(1)
في (ظ): وأقدر.
(2)
في (ن): الجراب.
(3)
قوله: (أي) كذا في النسخ الخطية، ولعل صوابها:(أو). جاء في الممتع 4/ 711، الكشاف 15/ 390:(وقوله: "اتزن وأحرز" مالك على غيري).
(4)
قوله: (ونحوه) سقط من (م).
(5)
في (م) و (ن): خذه أو اتزنه.
(6)
قوله: (أو اقبضها أو أحرزها) سقط من (م)، وفي (ن): أو اقبضه أو أحرزه.
(7)
في (م) و (ن): هو.
(8)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(9)
في (م): فنصرفه.
(10)
في (ن): لا.
لِأنَّه يَجُوزُ أنْ يُعطِيَه ما
(1)
يَدَّعِيهِ مِنْ غَيرِ أنْ يكُونَ واجبًا عَلَيهِ، فأَمْرُه بأخذِها
(2)
أَوْلَى أنْ لا يَلزَمَ منه الوُجوبُ، ولأنَّه
(3)
يَحتَمِلُ: إنِّي مقرٌّ
(4)
بالشَّهادة، أوْ بِبطْلانِ دَعْواكَ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، أَوْ: فِي عِلْمِي، أَوْ: فِيمَا أَعْلَمُ، أَوْ قَالَ: اقْضِنِي
(5)
دَيْنِي عَلَيْكَ أَلْفًا
(6)
، أَوْ: سَلِّمْ إِلَيَّ
(7)
ثَوْبِي هَذَا
(8)
، أَوْ: فَرَسِي هَذِهِ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَدْ أَقَرَّ بِهَا)، وفِيهِ مَسائِلُ:
الأُولَى: إذا قال: له عليَّ ألْفٌ إنْ شاء اللهُ، فهو إقْرارٌ، نَصَّ عَلَيهِ
(9)
؛ لِأنَّه قد وُجِدَ منه، وعَقَّبَه بما لا يَرفَعُه، فلم يَرتَفِع الحكمُ به؛ كما لو قال: له عليَّ ألْفٌ في عِلْمِ الله
(10)
، أوْ مشيئته.
وكذا قَولُه: له عليَّ ألْفٌ إلاَّ إنْ شاء زَيدٌ، أوْ: لا يَلزَمُنِي إلَّا أنْ يَشاءَ اللهُ، وفيهما
(11)
احْتِمالٌ: أنَّه لَغْوٌ.
الثانية: إذا قال: له عليَّ ألْفٌ في عِلْمِي، أوْ: عِلمِ اللهِ، أوْ: فِيما أعْلَمُ
(12)
، لا: فِيما أظُنُّ؛ لأِنَّ ما عَلِمَه لا يَحتَمِلُ غَيرَ الوُجوبِ.
(1)
قوله: (يقر بوجوبه؛ لأنه يجوز أن يعطيه ما) سقط من (م).
(2)
في (ن): بأحدهما.
(3)
في (ن): لأنه.
(4)
في (ن): أن يقر.
(5)
في (م): اقضي.
(6)
قوله: (ألفًا) سقط من (م).
(7)
في (ظ) و (م): لي.
(8)
في (م): نقضًا.
(9)
ينظر: زاد المسافر 4/ 300.
(10)
في (ن): علمه.
(11)
في (ن): وفيه.
(12)
أي: كان مقرًّا به. ينظر: المغني 5/ 161.
الثَّالثة: بقيَّةُ الصُّوَر؛ فيَلزَمُه؛ لِأنَّه جَوابٌ صريحٌ، أشْبَهَ ما لو قال: عِندِي؛ كقوله: اقْضِنِي ألْفًا من الَّذي عَلَيكَ، أوْ: إليَّ، أوْ: هل لي عَلَيكَ ألْفٌ؟ فقال: نَعَمْ، أوْ قال: أمْهِلْنِي يومًا
(1)
، أوْ: حتَّى أفْتَحَ الصُّندوقَ.
فرعٌ: إذا قال: بِعْتُكَ، أوْ زَوَّجْتُكَ، أوْ قَبِلْتُ إنْ شاء اللهُ؛ صحَّ؛ كالإقرار، قال في «عُيونِ المسائل»: ك: أنا صائمٌ غَدًا إنْ شاءَ اللهُ، يَصِحُّ بنِيَّتِه وصومه
(2)
، ويكُونُ تأكيدًا، ولم يرتضه في «الفروع» .
قال القاضِي: يَحتَمِلُ أنْ لا تَصِحَّ العُقودُ؛ لِأنَّ له الرُّجوعَ فِيها بَعدَ إيجابها قَبلَ القَبول، بخِلافِ الإقرار.
وفي «المجرد»
(3)
: في بِعْتُكَ، أوْ: زَوَّجْتُكَ إنْ شاءَ اللهُ، أوْ: بِعْتُكَ إنْ شِئْتَ، فقال: قَبِلْتُ، أوْ: قَبِلْتُ إنْ شاءَ الله
(4)
؛ صحَّ.
وقال أبو إسْحاقَ بنُ شاقلا: إذا قال: زوَّجْتُكَ إنْ شاء الله
(5)
؛ لا أعْلَمُ خِلافًا عنه أنَّ النِّكاحَ صحيحٌ.
وإنْ قال: بِعْتُكَ بألْفٍ إنْ شِئْتَ، فقال: قد شِئْتُ وقَبِلْتُ؛ صحَّ؛ لِأنَّ هذا الشَّرطَ مِنْ مُوجَبِ العَقْد ومُقتَضاهُ.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ؛ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا)، حَيثُ قَدَّمَ الشَّرْطَ؛ لِأنَّه لَيسَ بمُقِرٍّ في الحالِ، وما لا يَلزَمُه في الحالِ؛ لا
(6)
يَصِيرُ واجِبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرط؛ لِأنَّ الشَّرْطَ لا يَقتَضِي إِيجابَ ذلك.
(1)
قوله: (يومًا) سقط من (م).
(2)
قوله: (بنيته وصومه) في (م): صومه.
(3)
في (م): «المحرر» .
(4)
في (م): لله.
(5)
في (م): لله.
(6)
في (م): لم.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ)، أوْ: إنْ شاءَ، (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
الأَشْهَرُ: أنَّه لا يكُونُ مُقِرًّا؛ كالَّتي قَبلَها.
والثَّانِي: يكُونُ مُقِرًّا؛ لِأنَّه قَدَّمَ الإقْرارَ، فثَبَتَ حُكْمُه وبَطَلَ الشَّرْطُ؛ لِأنَّه لا يَصلُحُ أنْ يكُونَ آجِلاً، ولأِنَّ الحقَّ الثَّابِتَ في الحالِ لا يَقِفُ على شَرْطٍ؛ فَسَقَطَ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ؛ كَانَ مُقِرًّا)، قاله أصْحابُنا
(1)
؛ لأنَّه
(2)
بَدَأَ بالإقْرارِ، فعُمِلَ به، وقَولُه: (إذا جاءَ رأْسُ الشهر
(3)
يَحتَمِلُ أنَّه أرادَ المَحَلَّ، فلا يَبطُلُ الإقْرارُ بأمْرٍ مُحتَمَلٍ.
(وَإِنْ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أشْهَرهما
(4)
: لا يكُونُ مُقِرًّا، وجَزَمَ به في «الكافي» وغَيره؛ لِأنَّه بَدَأَ بالشَّرط، وعلَّق عَلَيهِ لَفْظًا يَصلُحُ للإقرار، ويَصلُحُ للوَعْد، فلا يكُونُ إقْرارًا مع الاِحتمال.
والثَّاني: بَلَى؛ كالَّتي قَبلَها.
قال في «الشَّرح» : ويَحتَمِلُ أنَّه لا فَرْقَ بَينَهما؛ لِأنَّ تقديمَ الشَّرط وتأخيرَه سَواءٌ، فيكُونُ فِيهما جميعًا وجْهانِ، وكذا في «الرِّعاية» .
وفي «المحرَّر» و «الفروع» : يَصِحُّ: له عليَّ كذا إذا جاء وقتُ كذا؛ لِاحْتِمالِ إرادةِ المحلِّ.
قال في «الفروع» : وفيه تخريجٌ مِنْ
(5)
عكسها.
(1)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(2)
زيد في (م): قد.
(3)
في (ظ) و (م): الحول.
(4)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(5)
في (ن): في.
وأطْلَقَ في «التَّرغيب» وجْهَينِ فِيهِما.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ، أَوْ: إِنْ شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ صَدَّقْتُهُ؛ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا)؛ لِأنَّه علَّقه على شرطٍ، ولِأنَّه يَجُوزُ أنْ يُصدِّقَ الكاذِبَ.
وفي «الكافي» وغَيره: إذا قال: له عليَّ ألْفٌ إنْ شَهِدَ به فُلانٌ؛ هل يكُونُ مُقِرًّا؟ على وَجْهَينِ.
(فَإِنْ
(1)
قَالَ: إِنْ شَهِدَ بِهِ
(2)
فُلَانٌ فَهُوَ صَادِقٌ؛ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:
إحْداهُما: لا يكُونُ إقْرارًا
(3)
؛ لِأنَّه علَّقه على شَرْطٍ.
والثَّانِي: بَلَى، جَزَمَ به في «الوجيز» و «الفروع» ؛ لِأنَّه لا يُتصَوَّرُ صِدْقُه إلَّا مع ثُبوته في الحالِ، وقد أَقَرَّ بصِدْقه.
قال في
(4)
«الرِّعاية» : فإنْ قال: الشُّهودُ عُدُولٌ؛ فلَيسَ إقْرارًا بالمدَّعَى، وقِيلَ: بَلَى، إنْ جازَ الحُكْمُ عَلَيهِ به
(5)
، قال ابنُ حَمْدانَ: أوْ
(6)
قُلْنا طَلَبُ التَّزكِيَة للشُّهود.
(وَإِنْ أَقَرَّ الْعَرَبِيُّ بِالْعَجَمِيَّةِ، أَوِ الأَعْجَمِيُّ
(7)
بِالعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ: لَمْ أدرِ مَعْنَى
(8)
مَا قُلْتُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِأنَّه مُنكِرٌ، والظَّاهِرُ براءةُ ذِمَّتِه، وصِدقُه في قُولِه، ووجبت
(9)
اليمينُ؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ كَذِبُه.
(1)
في (ن): وإن.
(2)
قوله: (به) سقط من (ن).
(3)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(4)
قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).
(5)
قوله: (به) سقط من (م).
(6)
في (ن): إن.
(7)
في (ن): العجمي.
(8)
قوله: (لم أدر معنى) هو في (ظ): (لم أدر)، وفي (م): لم أرد.
(9)
في (م): وجبت.
مسألةٌ: إذا قال: بِعْتُكَ أَمَتِي بألْفٍ، فقال: بل زَوَّجْتَنِيها، ولا بيِّنةَ لِأحدِهما؛ لم يَحلِف السَّيِّدُ أنْ
(1)
لا نكاحَ.
وقِيلَ: بلى
(2)
، ويَحلِفُ مُنكِرُ الشراء
(3)
على نَفْيِه، وتُرَدُّ الأَمَةُ إلى سيِّدها مِلْكًا، ولا بَيعَ ولا نِكاحَ ولا شَيءَ على الآخَر، سواءٌ دَخَلَ بها أوْ لا.
وهل لسيِّدها وَطْؤها إذا عادَتْ؟ فِيهِ وجْهانِ.
فإنْ نَكَلَ المشْتَرِي عن اليمين، أو حَلَفَ مُنكِرُ النِّكاح اليمينَ المردودةَ عَلَيهِ؛ ثَبَتَ البَيعُ، ووجب
(4)
الثمن
(5)
، وللمُشْتَرِي وَطْؤُها بكلِّ حالٍ؛ لِأنَّها زَوجَتُه أوْ أَمَتُه.
ويَحتَمِلُ: أنْ يَجِبَ الأقلُّ مِنْ ثَمَنِها أو الأَرْشِ.
فإنْ وَلَدَتْ وتَنازَعا؛ فالولدُ حُرٌّ، ونفقتُه
(6)
على أبِيهِ، ويَتَوارَثانِ، ولا تعود
(7)
إلى مُنكِر النِّكاح؛ لِأنَّه يَزعُمُ أنَّها أمُّ ولدِ الواطِئِ، وأنَّ وَلَدَه حُرٌّ لا وَلاءَ عَلَيهِ، ويَدَّعِي ثَمَنَها، ولا يُقَرُّ
(8)
بِيَدِ الواطِئِ؛ لِأنَّه يَزعُمُ أنَّها مِلْكُ مُنكِرِ النِّكاح وولدُها ومهرُها
(9)
.
فإنْ كان الواطِئُ صادِقًا؛ جاز له وطْؤُها باطِنًا فَقَطْ، ونَفَقَتُها في كَسْبِها.
وقال ابنُ حَمْدانَ: بَلْ على سيِّدها.
(1)
في (م): أي.
(2)
زيد في (م): إن جاز الحكم عليه.
(3)
في (م): اليد.
(4)
في (م): ووجبت.
(5)
في (ظ) و (م): اليمين.
(6)
في (م): ونفته.
(7)
في (م): ولا يعود.
(8)
في (ظ): ولا تقر.
(9)
في (ن): مهرها. والمقصود: ولدها ومهرها ملكه أيضًا.
ويُوقف
(1)
فاضِلُه حتَّى يَنكَشِفَ الحال
(2)
، أو يَصْطَلِحا، والولدُ حُرٌّ.
فإنْ ماتَ قَبْلَ مَوتِ مُسْتَولِدِها؛ فلِمُدَّعِي بَيعِها أخْذُ الثَّمن مِنْ تَرِكَتِها، فإنْ فَضَلَ شَيءٌ؛ وُقِفَ.
وإنْ ماتَتْ بَعْدَ مَوتِه؛ صُرِفَ إلى نسيبها
(3)
الحُرِّ الوارِثِ؛ لِأنَّها حُرَّةٌ، فإنْ عُدِمَ؛ وُقِفَ التَّركةُ والوَلاءُ حتَّى يُعرَفَ المسْتَحِقُّ.
فإنْ صدَّقه مُستَولِدُها؛ لَزِمَه الثَّمَنُ، وكانَتْ أمَّ وَلدٍ، وإنْ صدَّقَه سيِّدُها الأوَّلُ؛ سَقَطَ الثَّمَنُ، وَوَجَبَ مَهْرُ المثلِ
(4)
، ولم تَبطُلْ حُرِّيَّتُها، ولا حُرِّيَّةُ ولدِها.
وقِيلَ: إنْ بَطَلَ البَيعُ؛ فلا ثَمَنَ ولا مَهْرَ، ولا يأخذُها أحدهما
(5)
، ولا يَطَؤُها.
والأوَّلُ ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية» .
وذَكَرَ في «النِّهاية» : أنَّ الصَّحيحَ جَوازُ الوَطْء لمدعي
(6)
الزَّوجيَّةِ، وقِيلَ: باطنًا. والله أعلم
(7)
.
(1)
في (ظ): وتوقف.
(2)
قوله: (الحال) سقط من (م).
(3)
في (م): نسبها.
(4)
قوله: (المثل) سقط من (م).
(5)
قوله: (أحدهما) سقط من (م).
(6)
في (م) و (ن): كمدعي.
(7)
قوله: (والله أعلم) سقط من (ظ) و (ن).
(بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا إِذَا وَصَلَ بِإقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ)
(إِذَا وَصَلَ بِهِ
(1)
مَا يُسْقِطُهُ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي
(2)
، أَوْ: قَدْ قَبَضَهُ
(3)
، أَوِ: اسْتَوْفَاهُ، أَوْ: أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، أَوْ: تَكَفَّلْتُ
(4)
بِهِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ، أَوْ: أَلْفٌ إِلَّا أَلْفًا، أَوْ: إِلَّا سِتَّمِائَةٍ؛ لَزِمَهُ الْأَلْفُ)، وفِيهِ مَسائِلُ:
الأُولَى: إذا قال: له عليَّ ألْفٌ لا تَلزمني
(5)
؛ لَزِمَه الألْفُ؛ لِأنَّ مجموعَ قَولِه لا يُمكِنُ تصحيحُه؛ لِأنَّه لا سبيلَ أنْ يكُونَ «له عليَّ ألْفٌ» لا تلزمه
(6)
، فيُلْغَى هو، ويَلزَمُه؛ لعَدَمِ المُعارِضِ.
وفِيهِ احْتِمالٌ بعيدٌ
(7)
حكاه في «الرِّعاية» ؛ لِرَفْعِه ما أقَرَّ به.
وذَكَرَ القاضِي: أنَّه يُقبَلُ قَولُه في المسائلِ كلِّها، إلاَّ في قَولِه: له
(8)
عليَّ ألفٌ
(9)
لا تَلزَمُنِي؛ لِأنَّه عَزَا إقْرارَه إلى سبَبِه؛ فقُبِلَ؛ كما لو عَزاهُ إلى سببٍ صحيحٍ.
وحَكاهُ ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ
(10)
، وذَكَرَ أنَّه احْتَجَّ في ذلك بمَذهَبِ ابنِ مَسْعودٍ
(11)
.
(1)
في (ظ) و (م): بإقراره.
(2)
في (م): لا يلزمني.
(3)
في (م): قضيته.
(4)
في (م): تكلفت.
(5)
في (م): لا يلزمني.
(6)
في (م): لا يلزمه.
(7)
في (ن): يعيد.
(8)
قوله: (له) سقط من (م).
(9)
في (م): الألف.
(10)
أي: أنه يلزمه ما أقر به ولا يقبل قوله. ينظر: النكت على مشكل المحرر 2/ 429.
(11)
لم نقف عليه.
وجَوابُه: أنَّ هذا يناقض ما أَقَرَّ به؛ فلم يُقبَلْ؛ كالصُّورة الَّتي سلَّمَها، أوْ يقولُ: رَفَع
(1)
جميعَ ما أَقَرَّ به، فلم يُقبَلْ؛ كاسْتِثْناءِ الكُلِّ.
الثَّانِيَةُ: إذا قال: له عليَّ ألْفٌ قد قَضَيتُه
(2)
- وكان سريعًا - أوْ بعضه
(3)
؛ قُبِلَ بيَمِينِه، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
، اخْتارَهُ عامَّةُ شُيوخِنا.
وعَنْهُ: يُقبَلُ في بعضه؛ كاسْتِثْناءِ البَعضِ.
وإنْ قال: قَضَيتُ جميعَه؛ لم يُقبَلْ إلَّا ببيِّنةٍ؛ كاسْتِثْناءِ الكلِّ
(5)
.
وإذا قال جَوابًا للدَّعْوَى: أبْرَأَنِي منها، أوْ: بَرِئْتُ إلَيهِ منها؛ فالخِلافُ.
الثَّالِثَةُ: إذا قال: له عليَّ ألْفٌ اسْتَوفاها؛ لَزِمَه الألْفُ.
الرَّابِعةُ: إذا قال: له عليَّ من
(6)
ثَمَنِ خمرٍ؛ لَزِمَه الألْفُ؛ لِأنَّ ثَمَنَ الخمر لا يكُونُ عَلَيهِ، فذِكْرُه له بَعْدَ الإقْرار رَفْعٌ للألْفِ بجُمْلتِه، فلم يَصِحَّ؛ كالأُولى، لا: مِنْ ثَمَنِ خمرٍ ألْفٌ.
الخامِسةُ: إذا قال: تكفَّلت
(7)
بشَرطِ خِيارٍ؛ فتلزمه
(8)
الألْفُ، على الأَشْهَر.
السَّادسةُ: إذا قال: له عليَّ ألْفٌ إلَّا ألْفًا؛ لَزِمَه الألْفُ بغَيرِ خِلافٍ
(1)
في (م): نقول: رجع.
(2)
في (ن): قد قبضنيه.
(3)
قوله: (أو بعضه) سقط من (م).
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 299، الفروع 11/ 427.
(5)
قوله: (كاستثناء الكل) سقط من (م).
(6)
قوله: (من) سقط من (م). صواب العبارة: (له عليَّ ألف من ثمن خمر) كما في الممتع 4/ 714؛ لتوافق المتن، وليفرق مع الجملة آخر الفقرة. وينظر: المحرر 2/ 428 حيث فرق بين قوله: له عليَّ من ثمن خمر مائة، وبين: له على مائة من ثمن خمر
(7)
في (م): تكلفت.
(8)
في (م) و (ن): فيلزمه.
نَعلَمُه
(1)
؛ لِأنَّه باطِلٌ.
السَّابِعةُ: إذا قال: له عليَّ ألفٌ إلَّا سِتمائة؛ لَزِمَه الألْفُ؛ لِأنَّه اسْتِثْناءُ الأكْثَرِ، ولم يَرِدْ ذلك في لُغَةِ العرب، وما ذَكَرَه المؤلِّفُ هُنا جَزَمَ به في «المستوعب» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الكافي» .
وإنْ قال: له عليَّ مِائةٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِه، أوْ: لم أقْبِضْه، أوْ: مِنْ مُضارَبَةٍ تَلِفَتْ، وشَرَطَ عليَّ ضَمانَها مِمَّا يفعله
(2)
النَّاسُ عادةً؛ فوَجْهانِ.
فرعٌ: قال له
(3)
: لي عَلَيكَ ألْفٌ، فقال: قَضَيتُكَ منه مائةً؛ فلَيسَ بإقْرارٍ.
ويَحتَمِلُ: أنْ يَلزَمَه الباقِي.
ويَجِيءُ على الرِّواية: أن
(4)
يَلزَمَه ما ادَّعَى قَضاءَه، وهو رِوايَةٌ في «المنتخب» .
(وَإِنْ قَالَ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَضَيْتُهُ، أَوْ: قَضَيْتُ مِنْهُ خَمْسَمِائَةٍ، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وعامَّةُ شُيوخِنا، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»:(لَيْسَ بِإِقْرَارٍ)، نَصَّ عَلَيهِ في رِوايَةِ ابنِ مَنصورٍ
(5)
، (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ)، ذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ: أنَّ أحمدَ احْتَجَّ في ذلك بقَولِ ابنِ مَسْعودٍ
(6)
، ولِأنَّه قَولٌ يُمكِنُ صِدْقُه، ولا تناقض
(7)
فِيهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظ، فَوَجَبَ قَبولُ قَولِه، ولا يَلزَمُه شَيءٌ؛ كاسْتِثْناءِ البَعض، بخِلافِ المنفَصِلِ؛ لِأنَّه قد استقرَّ
(8)
بسُكوتِه
(1)
ينظر: الشرح الكبير 30/ 222.
(2)
في (م): يفعل.
(3)
قوله: (له) سقط من (ظ).
(4)
في (م): أنه.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3005.
(6)
الظاهر أنه الأثر المتقدم، ولم نقف عليه.
(7)
في (م): ولا يناقض.
(8)
في (م): استتر.
عَلَيهِ، ولهذا لا يَرفَعُه اسْتِثْناءٌ ولا غيره
(1)
.
(وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ) وهو رواية
(2)
: (يَكُونُ مُقِرًّا)؛ لِأنَّ قَولَه: «كان له عليَّ» يقتضي
(3)
وُجُوبَ المُقَرِّ به
(4)
عَلَيهِ، بدليلِ ما لو
(5)
سَكَتَ عَلَيهِ، (مُدَّعِيًا لِلْقَضَاءِ)؛ لِأنَّ قَولَه: قَضَيتُه؛ دَعْوى لذلك
(6)
، (فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ)، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ كما لو ادَّعى ذلك بكلامٍ منفصل
(7)
، وكاسْتِثْناءِ الكلِّ.
(فَإِنْ
(8)
لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ
(9)
؛ حَلَفَ المُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ
(10)
، وَلَمْ يُبْرِئْ، واسْتَحَقَّ)؛ لِأنَّ المدَّعَى عَلَيهِ ادَّعَى القَضاءَ، وقَولُه مُحتَمَلٌ، فيَجِبُ أنْ يَحلِفَ على ذلك، وحِينَئِذٍ فيَستَحِقُّ؛ لِأنَّ خَصْمَه أقرَّ به
(11)
.
(وَقَالَ: هَذَا
(12)
رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى)، واختاره
(13)
أبو الوَفاء وغَيرُه؛ لسُكوتِه قَبْلَ دَعْواهُ.
وعَنهُ: لَيسَ بجَوابٍ صحيحٍ، فيُطالَبُ بِرَدِّ الجواب.
وفي «التَّرغيب» و «الرِّعاية» : هو أشْهَرُ.
(1)
في (م): ولا غير.
(2)
قوله: (وهو رواية) سقط من (ظ) و (ن).
(3)
في (ن): مقتضي.
(4)
قوله: (به) سقط من (م).
(5)
قوله: (لو) سقط من (ن).
(6)
في (م): كذلك.
(7)
في (ن): ينفصل.
(8)
في (ظ) و (م): وإن.
(9)
في (م): بينته.
(10)
في (ن): لم يقض.
(11)
قوله: (به) سقط من (م).
(12)
في (ن): هذه.
(13)
في (م): واختار.
وقِيلَ: تُقْبَل
(1)
دَعْوَى الوفاءِ، لا الإبْراءِ، وبَنَى عَلَيها في «الوسيلة»: لَوْ قال لِعَبدِه: أَخَذْتُ منك
(2)
كذا قَبْلَ العِتْق، قال: بَعدَه.
قال في «الفروع» : ويَتَوَجَّهُ عَلَيها: لَوْ قال: كان له عليَّ ألْفٌ، هَلْ تُسمع
(3)
دَعْواهُ؟ فذَكَرَ أبو يَعْلَى الصّغِيرُ: لا تُسمَعُ، قال في «التَّرغيب»: بلا خِلافٍ.
تنبيهٌ: إذا قال: كان
(4)
له عليَّ ألْفٌ، وسَكَتَ؛ لَزِمَه الألْفُ في ظاهِرِ قَولِ أصْحابِنا.
ويَتَخَرَّجُ: لَيسَ بإقْرارٍ؛ لأِنَّه لم يَذكُرْ عَلَيهِ شَيئًا في الحال، وإنَّما أَخْبَرَ بذلك في زَمَنٍ ماضٍ.
وكذا لو شَهِدَت البيِّنةُ به
(5)
ولم يَثبُتْ.
وجَوابُه: أنَّه أَقَرَّ بالوجوب
(6)
، والأصْلُ بَقاؤُه حتَّى يُوجَدَ ما يَرفَعُه، بدليلِ ما لو تَنازَعا دارًا، فأَقَرَّ أحدُهما للآخَرِ أنَّها كانَتْ مِلْكَه؛ حُكِمَ له بها، إلاَّ أنَّه هُنا إذا عاد فادَّعَى القَضاءَ أو
(7)
الإبْراءَ؛ سُمِعَتْ دَعْواهُ؛ لِأنَّه لا تنافي
(8)
بَينَ الإقْرارِ وبَينَ ما يَدَّعِيهِ على إحدى
(9)
الرِّوايَتَينِ، قاله
(10)
في «الشَّرح» .
(1)
في (م): يقبل.
(2)
في (م) و (ن): مثل.
(3)
في (م): يسمع.
(4)
قوله: (كان) سقط من (م).
(5)
قوله: (به) سقط من (م) و (ن).
(6)
في (م): بالجواب.
(7)
قوله: (أو) سقط من (ن).
(8)
في (ن): إلا أنه لا ينافي.
(9)
في (م): أحد.
(10)
في (م): قال.
(فَصْلٌ)
(وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونَ النِّصْفِ)، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، ولا نَعلَمُ فِيهِ خِلافًا
(2)
؛ لِأنَّه لغة
(3)
العَرَب، قال الله تعالَى:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العَنكبوت: 14]، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«الشَّهِيدُ تُكفَّرُ عنه خَطاياهُ كلُّها إلَّا الدَّينَ»
(4)
، ولأنَّ
(5)
الاِسْتِثْناءَ يَمنَعُ أنْ يَدخُلَ في الإقْرار ما لَوْلاهُ لَدَخَلَ، ولا يَرفَعُ ما ثَبَتَ؛ لِأنَّه لو ثَبَتَ بالإقْرارِ شَيءٌ؛ لم يَقدِرِ المُقِرُّ على رَفْعِه، فيَصِحُّ اسْتِثْناءُ ما دُونَ النِّصفِ.
(وَلَا يَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ)؛ أيْ: لا يَصِحُّ اسْتِثناءُ الأكْثَرِ، لا يَختَلِفُ المذْهَبُ فِيهِ، قالَهُ في «الشَّرح» ، وصحَّحه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به السَّامَرِّيُّ وغَيرُه، وذكره ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ، وأبي يُوسُفَ، وعَبدِ الملِكِ بنِ الماجشون، وهو قَولُ أهْلُ اللُّغة.
وقِيلَ: يصحُّ
(6)
، وهو قَولُ أكْثَرِ أهْلِ العِلْم؛ لقوله تعالَى: {
…
فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} [ص: 82 - 83]، وهم أكثرُ، بدليلِ قَولِه تعالَى:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)} [يُوسُف: 103]، ومِنهُ قَولُ الشَّاعِر
(7)
:
(1)
ينظر: المحرر 2/ 454.
(2)
ينظر: المغني 5/ 114.
(3)
في (ن): لغو.
(4)
أخرج مسلم (1886)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، بلفظ:«يُغفر للشهيد كلّ ذنبٍ إلَّا الدّين» .
(5)
في (م): وكان.
(6)
قوله: (وهو قول أهل اللغة، وقيل يصح) سقط من (م).
(7)
ذكره أبو حيان في التذييل والتكميل 8/ 257، ولم ينسبه لأحد، ويأتي كلام ابن فضَّال أنه قال:(هو بيت مصنوعٌ لم يثبت عن العرب).
أدُّوا الَّتي نَقَصَتْ تِسْعِينَ مِنْ مائةٍ
…
ثُمَّ ابْعَثُوا حَكمًا بالحقِّ قَوَّامَا
وكاسْتِثْناءِ الأَقَلِّ، وكالتَّخصيص.
والجَوابُ: أنَّه لم يَرِدْ في لِسانِ العَرَبِ، وقد أنْكَرُوهُ، قال الزَّجَّاجُ:(لم يَأْتِ الاِسْتِثْناءُ إلَّا في القليلِ من الكثيرِ)
(1)
، ولَوْ قال: مِائةً إلاَّ تِسْعةً وتِسْعِينَ؛ لم يكُنْ مُتكلِّمًا بالعربيَّة، ومَعْناهُ قَولُ القُتَيبيِّ وغَيرِه، وما احْتَجُّوا مِنْ التَّنزيل، أُجِيبَ عنه: بأنَّه اسْتِثناءُ المخْلَصِينَ مِنْ بَنِي آدَمَ، وهم أقلُّ، والغاوين
(2)
من العباد، وهم أقَلّ؛ لأِنَّ الملائكةَ كلَّهم طائعونُ، والبَيتُ لَيسَ فِيهِ اسْتِثْناءٌ، مع أنَّ ابنَ فَضَّالٍ النَّحْوِيَّ
(3)
قال: هو بَيتٌ مَصْنوعٌ؛ لم يَثبُتْ عن العَرَب
(4)
.
(وَفِي اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ وَجْهَانِ)، وذَكَرَ أبو الفَرَج رِوايَتَينِ:
أحدهما
(5)
: أنَّه
(6)
يَصِحُّ، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وصحَّحه في «الرِّعاية» ، وذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ: أنَّه ظاهِرُ المذْهَب؛ لِأنَّه لَيسَ بالأكثَرِ.
والثَّانِي: لَا، وهو قَولُ أبي بكرٍ.
وذَكَرَ في «الشَّرح» ، وابنُ المنَجَّى: أنَّه أَوْلَى؛ لِأنَّه لم يَأْتِ في لِسانِهم إلَّا في القليل من الكثيرِ.
فرعٌ: حُكْمُ الاستثناء
(7)
بسائرِ أدَوَاتِه؛ حُكْمُ الاِسْتِثْناءِ بإلَّا، فإذا قال: له
(1)
ينظر: معاني القرآن للزجاج 4/ 164.
(2)
قوله: (أقل والغاوين) في (م): أهل الغاوين.
(3)
هو: علي بن فضال بن علي بن غالب أبو الحسن، المجاشعي، التميمي، المفسر، إمام النحو، اشتهر بالفرزدقي؛ لاتصال نسبه بالفرزدق الشاعر، من مصنفاته: الدول، الإكسير في التفسير، شرح عنوان الأدب، توفى سنة 479 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 18/ 528.
(4)
ينظر: المغني 5/ 130.
(5)
في (م): إحداهما.
(6)
زيد في (م): لا.
(7)
في (م): الأكثر.
عليَّ عَشَرَةٌ سِوَى دِرهَمٍ، أوْ: لَيسَ دِرهَمًا، أوْ: خَلَا دِرهَمًا، أوْ: عَدا دِرهَمًا، أوْ: ما خَلَا، أوْ: ما عَدَا دِرهَمًا، أو
(1)
: لا يكُونُ دِرهَمًا، أوْ: غَيرَ دِرهَمٍ - بفَتحِ الرَّاء -؛ كان مُقِرًّا بتسعةٍ.
وإن قال: غَيرُ دِرهَمٍ - بضَمِّ الرَّاء -، وهو من أهلِ العربيَّة؛ كان مُقِرًّا بعَشَرةٍ؛ لأِنَّها صِفَةٌ للعَشَرةِ المُقَرِّ بها، ولا يكُونُ اسْتِثْناءً.
وإنْ لم يكُنْ من أهْلِ العربية
(2)
؛ لَزِمَه تِسْعةٌ؛ لِأنَّ الظَّاهِرَ أنَّه يُرِيدُ الاِسْتِثْناءَ، وإنَّما ضَمَّها جَهْلاً، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، وشَرْطُه: أنْ يكُونَ مُتَّصِلاً بالكلام.
وفي «الواضِحِ» : لو كان مُنفَصِلاً، وهو أنْ يَسكُتَ سُكوتًا يُمكِنُه الكلامُ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى؛ فهل يَصِحُّ؟ على رِوايَتَينِ:
أصحُّهما: لَا.
والثَّانيةُ: بَلَى؛ كما لو تقارب
(3)
ما بَينَهما، أوْ مَنَعَه مانِعٌ مِنْ تَمامِ الكلامِ.
(فإذا
(4)
قَالَ: لَهُ عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ الْعَشَرَةُ إِلَّا وَاحِدًا؛ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ تِسْعَةٍ)؛ لِأنَّه اسْتِثْناء الأقَلِّ، ويُرجَعُ في تَعْيِينِ المسْتَثْنَى إلَيهِ؛ لِأنَّه أعْلَمُ بمُرادِه.
وكذا قَولُه: غَصَبْتُ هؤلاء العَشَرةَ إلَّا واحِدًا.
(فَإِنْ مَاتُوا إِلَّا وَاحِدًا، فَقَالَ: هُوَ المُسْتَثْنَى، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يُقبَلُ، صحَّحه في «الشَّرح» و «الفُروع» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ ما قاله، وكما لو تَلِفَ بَعْدَ تعيِينِه.
(1)
قوله: (سوى درهم، أو ليس درهمًا
…
) إلى هنا سقط من (م) و (ن).
(2)
قوله: (كان مقرًا بعشرة
…
) إلى هنا سقط من (م).
(3)
في (م) و (ن): تفاوت. والمثبت موافق لما في النكت على المحرر 2/ 437.
(4)
في (م): وإذا.
والثَّاني: لَا؛ لِأنَّه يَرفَعُ جميعَ ما أَقَرَّ به.
وإنْ قُتِلُوا إلاَّ واحدًا؛ قُبِلَ تَفْسيرُه به، وجْهًا واحدًا؛ لِأنَّه لا يَرفَعُ جملة
(1)
الإقْرارِ؛ لِوُجُوبِ قِيمةِ الباقِينَ للمقرِّ
(2)
له.
وإنْ قُتِلُوا كلُّهم؛ فله قِيمةُ أحدِهم، ويُرجَعُ في تَفْسِيرِه إلَيهِ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ إِلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذِهِ الدَّارُ لَهُ وَهَذَا الْبَيْتُ لِي؛ قُبِلَ مِنْهُ)؛ لِأنَّ الأوَّلَ اسْتِثْناءُ البَيتِ مِنْ الدَّار، ولا يَدخُلُ البَيتُ في إقْرارِه، مع أنَّه في مَعْنَى الاِسْتِثْناءِ؛ لكَونِه أخْرَجَ بَعضَ ما تَناوَلَه اللَّفْظُ بكلامٍ مُتَّصِلٍ.
وظاهِرُه: ولو كان البَيتُ أكثرَ مِنْ النِّصف
(3)
، صرَّح به في «الشَّرح» و «الفُروع» ، زاد في «المحرَّر» و «الوجيز»: بخِلافِ: إلاَّ ثُلُثَيها، وفِيهِ وجْهٌ.
وإنْ قال: له هذه الدَّارُ إلَّا ثُلُثَها، أوْ رُبُعَها؛ صحَّ، وكان مُقِرًّا بالباقِي.
وإنْ قال: له
(4)
هذه الدَّارُ نِصْفُها؛ صحَّ، وكان مُقِرًّا بالنصف
(5)
؛ لِأنَّ هذا بَدَلُ البعضِ
(6)
، وهو شائعٌ
(7)
؛ كقوله
(8)
تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ} [المُزّمل: 2 - 3]، ويَصِحُّ ذلك فيما دُونَ النِّصف؛ كقوله: هذه الدَّارُ رُبُعُها أوْ
(1)
في (م): جملته.
(2)
في (م): المقر.
(3)
كتب في هامش (ظ): (قوله: "وظاهره ولو كان البيت أكثر من النصف"؛ هذا هو الصحيح من المذهب، وإنما جاز ذلك؛ لأنه لما كان الغالب من الدور والمساكن أن البيت الواحد منها، لا جزء يسير من الدار، وما عداه يكون منها أكثر منه؛ جاز استثناؤه منها، وإن كان معظمها فإنه قليل لا يكاد يكثر حتى يُفرد بحكم، طردًا لغالب الباب، بخلاف الثُّلثين، وثلاثة الأرباع، فإنه الأكثر لا شك فيه دائمًا، واستثناء الأكثر لا يصح).
(4)
قوله: (له) سقط من (ظ).
(5)
في (م): بالنص.
(6)
قوله: (البعض) سقط من (ن).
(7)
في (م): متابع.
(8)
في (ظ): لقوله.
أقَلُّ؛ كقولهم: رأيتُ زَيدًا وَجْهَه.
وإنْ قال: له هذه الدَّارُ ولي نِصفُها؛ صحَّ في الأقْيَسِ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَةٌ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ، أَوْ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ
(1)
إِلَّا دِرْهَمًا؛ فَهَلْ يَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَصِحُّ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ العَطْفَ جَعَلَ الجملتين
(2)
كجُمْلةٍ واحِدةٍ، فَعَادَ الاِسْتِثْناءُ إلَيهِما؛ كقَولِه عليه السلام: «لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرجلَ
(3)
في بَيتِه، ولا يَجلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِه إلَّا بإذْنِه»
(4)
، فيَصِيرُ الاِسْتِثْناء في الأُولَى: دِرهَمَينِ مِنْ خمسةٍ، وفي الثَّانية: دِرْهَمًا من درهمين، وذلك اسْتِثناءٌ صحيحٌ؛ لِأنَّه أقلُّ مِنْ الأكْثَرِ فِيهِما، وفِيهِ شَيءٌ، فإنَّه في الثَّانية النِّصفُ، وفِيهِ الخِلافُ إلَّا أنْ يُزادَ فِيهِ دِرْهَمٌ آخَرُ.
والثَّاني: لا يَصِحُّ، صحَّحه في «الفُروع» ؛ لِأنَّه يَرفَعُ إحدى
(5)
الجُمْلتَينِ؛ لِأنَّ عَودَه إلى ما يَلِيهِ مُتيَقَّنٌ، وما زاد مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَعَلَى هذا: يكُونُ قد اسْتَثْنَى الأكْثَرَ أوِ الكُلَّ، وكِلاهُما باطِلٌ، وذَكَر المؤلِّفُ أنَّه الأَولَى، والاِسْتِثْناءُ في الخَبَر؛ لم يَرفَعْ إحدى
(6)
الجُمْلتَينِ، وإنَّما أخْرَجَ من
(7)
الجملتين
(8)
مَعًا من النِّصف نِصفَه.
وقدَّمَ في «الرِّعاية» : أنَّه يَعُودُ إلى الكلِّ.
(1)
في (م): ودرهمين.
(2)
في (ن): الحكمين.
(3)
قوله: (الرجل) سقط من (ن).
(4)
أخرجه مسلم (673)، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
(5)
في (م): أحد.
(6)
في (م): أحد.
(7)
في (م): في.
(8)
قوله: (وإنما أخرج من الجملتين) سقط من (ن).
فإنْ كان ثَمَّ قَرِينةٌ؛ عُمِلَ بها.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إِلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا؛ لَزِمَتْهُ
(1)
الْخَمْسَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّهما صارَا كجُمْلةٍ واحِدةٍ، فبَطَلَ الاِسْتِثْناءُ؛ كالزِّيادة على النِّصف.
(وَفِي الآْخَرِ: يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ)؛ لِأنَّهما لا يَصِيرانِ كجملة
(2)
، فبَطَلَ الاِسْتِثْناءُ الثَّاني؛ لِئَلَّا يكُونَ مستثنيًا
(3)
للأكْثَرِ.
(وَيَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ مِنَ الاِسْتِثْنَاءِ)؛ لقوله تعالىَ: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)} [الحِجر: 58 - 60]، ولِأنَّ الاِسْتِثْناءَ إبْطالٌ، والاستثناء
(4)
مِنْهُ رُجُوعٌ إلى مُوجَبِ الإقْرارِ.
(فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً، إِلَّا دِرْهَمًا؛ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ)؛ لأِنَّه خَرَجَ منها بالاِسْتِثْناء الأوَّلِ ثلاثةٌ، وعاد بالاِسْتِثْناء الثَّاني دِرهَمٌ، فإذا ضَمَمْته إلى الأربعة
(5)
صار خَمْسةً، ولِأنَّه مِنْ إثْباتٍ نَفْيٌ، ومِن النفيِ
(6)
إثْباتٌ، وهو جائزٌ في اللُّغة.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلاَّ خَمْسَةً، إِلّا ثَلَاثَةً، إِلَّا دِرْهَمَيْنِ، إِلَّا دِرْهَمًا؛ لَزِمَتْهُ
(7)
عَشَرَةٌ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ)؛ لِأنَّ استثناء
(8)
النِّصف لا يَصِحُّ، ويَبطُلُ
(1)
في (ظ) و (م): لزمه.
(2)
في (ن): جملة.
(3)
في (ن): مستثنًى.
(4)
في (م): الاستثناء.
(5)
في (م): أربعة.
(6)
في (م): نفي.
(7)
في (ظ) و (م): لزمه.
(8)
في (م): الاستثناء.
الاِسْتِثناءُ مِنْ الاِسْتِثْناء بِبُطْلانِ الاِسْتِثْناءِ، فيَلزَمُه عَشَرةٌ؛ لكَونِه سالمًا عَنْ المُعارِضِ.
(وَفِي الآْخَرِ: يَلْزَمُهُ سِتَّةٌ)؛ لِأنَّ اسْتِثْناءِ النِّصف صحيحٌ، ولا يَبطُلُ الاِسْتِثْناءُ من الاِسْتِثْناء؛ لِأنَّه إذا اسْتَثْنَى الخمسة
(1)
من العَشَرة؛ بَقِيَ خمسةٌ، واسْتِثْناءُ الثَّلاثة منها غَيرُ صحيحٍ؛ لِأنَّها أكْثَرُ، ويَبْقَى قَولُه:«إلَّا دِرْهَمَينِ» اسْتِثْناءٌ صحيحٌ؛ لِأنَّه أقلُّ، فإذا ضمَمْتَ
(2)
الدِّرْهَمَ إلى الخَمْسةِ؛ صار المجْمُوعُ سِتَّةً.
(وَفِي الآْخَرِ: يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ)؛ لِأنَّ استثناء
(3)
الخَمْسةِ غَيرُ صحيحٌ؛ لِأنَّها نِصْفٌ، واسْتِثْناءُ الدِّرْهَمَينِ مِنْ الثَّلاثة لا يَصِحُّ؛ لِأنَّها أكْثَرُ، واسْتِثْناءُ الدِّرْهَمِ من الدِّرْهَمَينِ أيضًا لا يَصِحُّ؛ لِأنَّه نِصْفٌ، فيَبقَى قَولُه:«إلَّا ثَلاثةً» صَحِيحًا، فيَصِيرُ بمَنزِلةِ قَولِه: له عليَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلاثةً، وذلك سَبْعةٌ.
(وَفِي الآْخَرِ: ثَمَانِيَةٌ)؛ لِأنَّ اسْتِثْناءَ النِّصْفِ لا يَصِحُّ، وقَولُه:«إلَّا ثَلاثَةً» يَعمَلُ عَمَلَه، وقَدْ وليه
(4)
: «إلَّا دِرْهَمَينِ» ، وهو
(5)
غَيرُ صحيحٍ؛ لِأنَّه أكْثَرُ، فعاد
(6)
مِنهُ دِرْهَمٌ للسَّبعة، فيَصِيرُ الباقِي ثمانية
(7)
.
وإنْ كان الاِسْتِثْناءُ الثَّاني بحَرْفِ العَطْف؛ كان مُضافًا إلى الاِسْتِثْناءِ الأوَّلِ، فإذا قال: له عليَّ عَشَرةٌ إلَّا ثلاثةً وإلاَّ درهمين
(8)
؛ كان مستثنيًا
(9)
(1)
في (ن): الجملة.
(2)
في (م): ضمت.
(3)
في (م): الاستثناء.
(4)
قوله: (وقد وليه) في (ن): وقوله.
(5)
في (ن): فهو.
(6)
في (ظ): فيعاد.
(7)
قوله: (ثمانية) سقط من (م).
(8)
قوله: (إلا درهمين) سقط من (م).
(9)
في (ن): مستثنًى.
لخمسةٍ، مُقِرًّا بمِثْلِها.
أصْلٌ: إذا اسْتَثْنَى ما لا يَصِحُّ، ثُمَّ اسْتَثْنَى منه شيئًا
(1)
؛ بَطَلَا؛ لِأنَّ الأوَّلَ باطِلٌ، فكذا فَرْعُه.
وقِيلَ: يَرجِعُ ما بَعْدَ الباطِل إلى ما قَبْلَه؛ لِأنَّ الباطِلَ في حُكْمِ
(2)
العَدَم.
وقِيلَ: يُعتَبَرُ ما تؤول
(3)
إلَيهِ جُمْلَةُ الاِسْتِثْناءات.
(وَلَا
(4)
يَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ
(5)
، نَصَّ عَلَيْهِ) في رِوايَةِ ابنِ مَنصُورٍ
(6)
، (فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا ثَوْبًا؛ لَزِمَتْهُ المِائَةُ)؛ لِأنَّه غَيرُ داخِلٍ في مَدْلولِ المِائَة، فكَيفَ يُخرَجُ منها، ولِأنَّ الاِسْتِثْناءَ صَرْفُ اللَّفْظ بحَرْفِ الاِسْتِثْناء عمَّا كان يَقتَضِيهِ لَولاهُ؛ لِأنَّه مُشْتَقٌّ مِنْ قَولِهم: ثَنَيْتُ فُلانًا عَنْ رَأْيِه، إذا صَرَفْتَه عمَّا كان عَلَيهِ، وثَنَيتُ عِنانَ دابَّتِي: ردَدْتُها
(7)
عن وَجْهِها الَّذي كانَتْ ذاهِبَةً إلَيهِ، ولا يوجد
(8)
هذا في غَيرِ الجِنْسِ والنَّوع، ولِأنَّ الاِسْتِثْناءَ مِنْ غَيرِ الجِنْس لا يكُونُ إلَّا في الجَحْد بمَعْنَى لكِن، والإقْرارُ إثْباتٌ، وهذا جَوابُ قَولِه تعالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ
(1)
قوله: (شيئًا) سقط من (ن).
(2)
في (ن): عدم.
(3)
في (م): يؤول.
(4)
في (م): لا.
(5)
كتب في هامش (ظ): (وإنما لم يصح الاستثناء من غير الجنس؛ لأن الاستثناء على ما تقدم في بعض تعريفاته: إفراد بعض الجملة بحرف الاستثناء، وغير الجنس ليس من جملة الجنس حتى يدخل فيه ثم يخرجه، ألا ترى أنا إذا قلنا: قام القوم، لم يتناول هذا اللفظ الحمار ولا الكلب).
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3004.
(7)
في (م): ورردتها.
(8)
في (م) و (ن): ولا يؤخذ.
إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50]، {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مَريَم: 62]، وقَولِ الشَّاعِر
(1)
:
وبَلْدةٍ لَيسَ بها أَنِيسُ
…
إلاَّ الْيَعافِيرُ وإلاَّ العِيسُ
(إِلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَيْنًا مِنْ وَرِقٍ، أَوْ وَرِقًا مِنْ عَيْنٍ، فَيَصِحُّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)، واخْتارَه أبو حَفْصٍ العُكْبرِيُّ، وصاحِبُ «التَّبصرة» و «الرَّوضة» ؛ لِأنَّهما كالجنس الواحِدِ؛ لِاجْتِماعهما في أنَّهما
(2)
قِيَمُ المُتْلَفَات وأروش
(3)
الجِناياتِ، ويعبر
(4)
بأحَدِهما عن الآخَر، وتُعلم
(5)
قِيمَته منه، فأشْبَهَا النَّوعَ الواحِدَ، بخِلافِ غَيرِهما.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ
(6)
، وهو رِوايةٌ اخْتارَها جَماعةٌ، وقدَّمها في «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الفُروع» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لِاخْتِلافِ جِنسِهما.
ولَعَلَّ الخِلافَ مَبنِيٌّ على أنَّهما جِنْسٌ واحِدٌ أوْ جِنْسانِ.
وقال أبو الخَطَّاب: يَلزَمُ مِنْ الصِّحَّة صِحَّةُ اسْتِثْناءِ ثَوبٍ مِنْ غَيرِه.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : يُمكِنُ حملها
(7)
على ما إذا كان أحدُهما يُعبَّرُ به عن الآخَر، أوْ يعلم
(8)
قَدْرُه منه، ورواية
(9)
البُطْلان: على ما إذا انْتَفَى ذلك.
(1)
هو: عامر بن الحارث المعروف بجران العود. ينظر: الكتاب لسيبويه 2/ 322، خزانة الأدب 10/ 17.
(2)
في (ن): أنها.
(3)
في (ن): وأرش.
(4)
في (م): ويعير.
(5)
في (م): ويعلم.
(6)
كتب في هامش (ظ): (وهو المذهب).
(7)
في (ن): حملهما.
(8)
في (م): ويعلم.
(9)
في (م): رواية.
وقِيلَ: بل نَوعٍ مِنْ آخر
(1)
، فَلَوْ قال
(2)
: له عليَّ عَشَرةُ آصُعٍ تَمْرًا بَرْنِيًّا إلَّا ثلاثةً تَمْرًا مَعْقِلِيًّا؛ فيَصِحُّ؛ لتقارُب
(3)
المقاصِدِ مِنْ النَّوعَينِ؛ كالوَرِقِ والعَينِ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لِأنَّ العِلَّةَ الصَّحيحةَ في العَين والوَرِق
(4)
غَيرُ ذلك.
(فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إِلَّا دِينَارًا؛ فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ
(5)
، هما مَبْنِيَّانِ على الخِلافِ السَّابِقِ، فإذا صحَّحْناهُ؛ رُجِعَ في تَفْسِيرِ قِيمةِ الدِّينارِ إلَيهِ، قاله
(6)
أبو الخَطَّاب، وقدَّمَه في «الرِّعاية» .
والأَشْهَرُ: أنَّه يُرجَعُ إلى سِعْره بالبَلَد، فإنْ تَعَذَّرَ؛ فإلى تفسيرِه.
وفي «المنتَخَب» : إنْ بَقِيَ منه أكثرُ المِائةِ.
وفي «المُذهب» : يُقبَلُ بالنِّصف فأقلَّ، وقدَّمَه الأَزَجِيُّ.
(1)
قوله: (من آخر) سقط من (م).
(2)
في (م): قيل.
(3)
في (م): لتفاوت.
(4)
قوله: (العين الورق) في (م): الورق.
(5)
زيد في (م): كذا في «الفروع» .
(6)
في (م): قال.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: زُيُوفًا)؛ أيْ: رَدِيئةً، (أَوْ صِغَارًا)؛ أيْ: دَراهِمَ طَبَرِيَّةً، كلُّ دِرهَمٍ منها أربعةُ دَوَانِيقَ، وذلك ثُلُثَا دِرهَمٍ، (أَوْ إِلَى شَهْرٍ)؛ أيْ: مؤجلة
(1)
؛ (لَزِمَهُ أَلْفٌ
(2)
جِيَادٌ وَافِيَةٌ حَالَّةٌ)؛ لِأنَّ الإطْلاقَ يَقتَضِي ذلك؛ كما لو باعَهُ بألْفِ دِرْهَمٍ وأطْلَقَ، فإنَّه يَلزَمُه كذلك، فإذا اسْتَقرَّتْ في ذِمَّتِه كذلك؛ فلا يتمكَّن
(3)
مِنْ تغييرها
(4)
، ولِأنَّه يَرجِعُ عن بعضِ ما
(5)
أَقَرَّ به، ويَرفَعُه بكلامٍ مُنفَصِلٍ، فلم يُقبَلْ؛ كالاستثناءِ
(6)
المنفَصِلِ.
ولا فَرْقَ في الإقْرارِ بها دَينًا، أوْ وَدِيعةً، أوْ غَصْبًا.
وقال أبو حَنِيفةَ: يُقبَلُ إقْرارُه في الغَصْب والوَدِيعة
(7)
؛ كما لو أَقَرَّ بغَصْبِ عبدٍ، ثُمَّ جاء به مَعِيبًا.
وجَوابُه: أنَّ العَيبَ لا يَمنَعُ إطْلاقَ اسْمِ العَبْد عَلَيهِ، بخِلافِ مَسأَلَتِنا.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ أَوْ مَغْشُوشَةٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا؟ عَلَى
(8)
وَجْهَيْنِ)، كذا في «الفُروع»:
(1)
في (ن): يؤجله.
(2)
قوله: (لزمه ألف) في (م): لزمته.
(3)
في (ن): فلا يمكن.
(4)
في (م): تغيرها.
(5)
في (ن): بما.
(6)
في (م): فالاستثناء.
(7)
ينظر: المبسوط 18/ 14، بدائع الصنائع 7/ 216.
(8)
في (م): فعلى.
أحدُهما: يُقبَلُ تَفْسيُره بدَراهِمِ البَلَد، قدَّمَه في «الكافي» ، وذَكَرَ في «الشَّرح» أنَّه الأَوْلَى؛ لأِنَّ مُطلَقَ كَلامِهم يُحمَلُ على عُرْف بَلدِهم؛ كما في البَيعِ والصَّداق، وكما لَوْ كانَتْ مُعامَلَتُهم بها ظاهرة
(1)
في الأصحِّ، قالَه في «الرِّعاية» .
والثَّاني: لا يُقبَلُ، قدَّمَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ إطْلاقَ الدَّراهِم يَنصرِفُ إلى دَراهِمِ الإسْلامِ، وهو ما كان عَشَرةٌ منها وَزْنَ سَبْعةِ مَثاقِيلَ، وتكون
(2)
فِضَّةً خَالِصةً، وهي الَّتي قَدَّرَ بها الشَّارِعُ نُصُبَ الزكوات
(3)
، والدِّياتِ، والجِزْيَة، والقَطْعِ في السَّرِقة.
ويُخالِفُ الإقْرارُ البَيعَ مِنْ حَيثُ إنَّه أقرَّ
(4)
بِحَقٍّ سابِقٍ، فانْصرَفَ إلى دَراهِمِ الإسْلامِ، والبَيعُ إِيجابٌ في الحال، فاخْتَصَّ بِدرَاهِمِ البَلَد.
فرعٌ: إذا أَقَرَّ بدَراهِمَ وأطْلَقَ، ثُمَّ فَسَّرَها بسِكَّةِ البَلَد، أوْ سِكَّةٍ تزيد
(5)
عَلَيهَا، أوْ مِثْلِها؛ صُدِّقَ.
وإنْ كانَتْ دُونَها، زاد في «المغْنِي» و «الشَّرح»: وتساوتا
(6)
وَزْنًا؛ لم يُقبَلْ في وَجْهٍ؛ عَمَلاً بالإطْلاقِ في البَيع، وكالنَّاقِصة في الوَزْن، ويُقبَلُ في آخَرَ؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ ما فسره به
(7)
، وفارَقَ النَّاقِصَةَ، فإنَّ في الشَّرْع الدَّراهِمَ لا يَتَناوَلُها، بخِلافِ هذه.
(1)
في (م): مرة.
(2)
في (م): ويكون.
(3)
في (م): الزكاة.
(4)
في (م): إقرار.
(5)
في (ن): يزيد.
(6)
في (م): وتساويا.
(7)
قوله: (به) سقط من (م).
ولو أَقَرَّ بمائةِ دِرْهَمٍ أوْ دِينارٍ؛ فالشَّهادَةُ مِنْ نَقْدِ البَلَد، نَقَلَه ابنُ مَنصُورٍ
(1)
؛ كمُطلَقِ عَقْدٍ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَى شَهْرٍ، فَأَنْكَرَ المُقَرُّ لَهُ الأَجَلَ
(2)
؛ لَزِمَهُ مُؤَجَّلاً)، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّه هكذا أَقَرَّ، فعَلَى هذا: لو عَزاهُ إلى سببٍ يَقْبلُ
(4)
الْأَمْرَينِ
(5)
؛ قُبِلَ قَولُه في الضَّمان، وفي غَيرِه وجْهانِ، قالَهُ في «المحرَّر» و «الفُروع» ، والأشهر
(6)
قَبولُه.
(وَيَحْتَمِلُ: أنْ
(7)
يَلْزَمَهُ حَالًّا)، وقالَهُ أبو الخَطَّاب؛ لِأنَّ التَّأجِيلَ يَمْنَعُ اسْتِيفاءَ الحقِّ في الحالِّ؛ كما لو قال: قَضَيتُه إيَّاها.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ زُيُوفٌ، وَفَسَّرَهُ بِمَا لَا فِضَّةَ فِيهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ)؛ لِأنَّها لَيسَتْ دَراهِمَ على الحقيقة، فيكُونُ تَفْسيرُه به رُجُوعًا عمَّا أَقَرَّ به، فلم يُقبَلْ؛ كاستثناء
(8)
الكُلِّ.
وفي «الكافي» : إذا أَقَرَّ بذلك، ثُمَّ فَسَّرَه بما لا قِيمةَ له؛ لم يُقبَلْ؛ لِأنَّه ثَبَتَ في ذِمَّتِه شَيئًا، وما لا قِيمَةَ له لا يَثبُتُ فِيهَا.
وظاهِرُه: أنَّه إذا فسَّره
(9)
بما له قِيمةٌ؛ أنَّه يُقبَلُ، وقُوَّةُ كلامِه هنا يَقتَضِي أنَّه ألْفُ دِرهَمٍ؛ إذْ لو لم يكُنْ كذلك؛ لَصَحَّ إطْلاقُه على الفُلوس؛ لِأنَّها
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3006.
(2)
في (ن): التأجيل.
(3)
ينظر: زاد المسافر 4/ 304.
(4)
في (م): لقبل.
(5)
كتب في هامش (ن): (أي: الحلول والأجل).
(6)
قوله: (والأشهر) سقط من (ن).
(7)
في (م): أنه.
(8)
في (م) و (ن): كاستيفاء.
(9)
في (م): أقر.
تُوصَفُ بالأَلْف.
(وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَغْشُوشَةٍ)، أَوْ مَعِيبَةٍ عَيبًا يَنقُصُها؛ (قُبِلَ)؛ لِأنَّه صادقٌ
(1)
.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ؛ لَزِمَتْهُ نَاقِصَةً) في الأصحِّ؛ لِأنَّه إنْ كانَتْ دَراهِمُ البَلَد ناقِصةً؛ كان إقْرارُه مُقَيَّدًا، وإنْ كانَتْ وازِنَةً؛ كان ذلك بمَنزِلةِ الاستثناءِ
(2)
.
وقال القاضِي: إذا قال: له عَلَيَّ دَراهِمُ ناقِصةٌ؛ قُبِلَ قَولُه، وإنْ قال: صِغارٌ، وللنَّاس دَراهِمُ صِغارٌ؛ قُبِلَ قَولُه أيْضًا، وإنْ لم يكُنْ لهم صِغارٌ؛ لزمته
(3)
وازِنةً؛ كما لو
(4)
قال: دِرهَمٌ، فإنَّه يَلزَمُه دِرهَمٌ وَازِنٌ.
وذَكَرَ في «الكافي» : أنَّه يَحتَمِلُ أنْ لا يُقبَلَ تَفْسيرُه بناقِصٍ؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكُونَ صغيرًا في ذاته وهو وازنٌ
(5)
.
فرعٌ: إذا قال: له عليَّ ألْفٌ وازِنٌ، فقِيلَ: يَلزَمُه العَدَدُ والوَزْنُ، وقِيلَ: تلزمه
(6)
وازِنةً.
وفي «الرِّعاية» : لو أَقَرَّ له بمائةٍ وازِنةٍ، ودفع
(7)
إلَيهِ خمسِينَ وَزْنُها مائةٌ؛ لم يُجزِئْه دُونَ مائةٍ وازِنَةٍ، وقِيلَ: بَلَى.
وإنْ قال: عددًا؛ لَزِماهُ؛ لِأنَّ إطْلاقَ الدِّرهَمِ يَقتَضِي الوَزْنَ، وذِكْرُ العَدَد لا يُنافِيهَا، فَوَجَبَ الجَمْعُ بَينَهما.
(1)
في (ن): صادف.
(2)
في (م): استثناء.
(3)
في (ن): لزمه.
(4)
قوله: (لو) سقط من (م).
(5)
في (ن): وازنة.
(6)
في (ظ): يلزمه.
(7)
في (ن): ورفع.
فإنْ كان ببلدٍ يَتعامَلُونَ بها عَدَدًا؛ فالوَجْهانِ.
وإنْ قال: له عَلَيَّ دِرْهَمٌ كبيرٌ؛ لَزِمَه دِرْهَمٌ إسْلامِيٌّ وَازِنٌ؛ لِأنَّه كبيرٌ في العُرف، وكذا
(1)
لو قال: دُرَيهِمٌ؛ لِأنَّ التَّصغِيرَ قد يكُونُ لِصِغَرِه في ذاته، وقد يكُونُ لِقِلَّةِ قَدْره عِندَه، وقد يكُونُ لمَحَبَّتِه، قال في «الفُروع»: ويَتَوَجَّهُ في دُريهِمٍ؛ يقبلُ
(2)
تفسيرُه.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي رَهْنٌ، وَقَالَ المَالِكُ: وَدِيعَةٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِأنَّ العَينَ ثبتت
(3)
له بالإقْرار، وادَّعى المقرُّ
(4)
دَينًا، فكان القَولُ قَولَ مَنْ يُنكِرُه، وكما لو
(5)
ادَّعَى ذلك بكلامٍ مُنفَصِلٍ، نَقَلَ أحمدُ بنُ سعيدٍ: إذا قال: له
(6)
عِنْدِي وَدِيعةٌ، قال
(7)
: هي رَهْنٌ على كذا: فعَلَيهِ البيِّنةُ أنَّها رَهْنٌ
(8)
.
وذَكَرَ الأَزَجيُّ تخريجًا مِنْ
(9)
: كان له عليَّ وقَضَيتُه.
ومِثْلُه: لو أَقَرَّ بِدارٍ، وقال: اسْتَأْجَرْتُها، أوْ بِثَوبٍ، وادَّعَى أنَّه قَصَرَه أوْ خاطَه، أوْ بعبْدٍ، وادَّعَى اسْتِحْقاقَ خِدْمَتِه سنةً، أوْ أَقَرَّ بسُكْنَى دارِ غَيرِه، وادَّعَى أنَّه سَكَنَها بإذْنِه.
(1)
في (م): وكذلك.
(2)
في (م): ليقل.
(3)
في (م): تثبت.
(4)
في (ظ) و (م): المفسر.
(5)
قوله: (وكما لو) في (م): ولو.
(6)
قوله: (له) سقط من (م).
(7)
في (م): فقال.
(8)
ينظر: زاد المسافر 4/ 303.
(9)
قوله: (من) سقط من (م).
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ
(1)
عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ، وَقَالَ
(2)
المُقَرُّ لَهُ: بَلْ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِكَ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهُما
(3)
: يُقبَلُ قَولُ المُقَرِّ له، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه اعْتَرَفَ له بالألْفِ، وادَّعَى على المُقَرِّ له سَبَبًا، أشْبَهَ الَّتي قَبْلَها.
والثَّاني: يُقبَلُ قَولُ المُقِرِّ، قال القاضِي: هو قِياسُ المذْهَبِ؛ لأنَّه
(4)
أَقَرَّ بحقٍّ في مُقابَلةِ حقٍّ لا يَنفَكُّ أحدُهما عن الآخَر، فإذا لم يُسلَّمْ له ما لَهُ؛ لم يُسلِّمْ ما عَلَيهِ؛ كما لو قال: بِعْتُكَ هذا بكذا، فقال: بَلْ مَلَّكْتُه بغَيرِ شَيءٍ، وفارَقَ الَّتي قَبلَها؛ لِأنَّ الدَّينَ يَنفَكُّ عن الرَّهْن، والثَّمَنُ لا يَنفَكُّ عن المَبِيعِ.
ولَوْ قال: له عليَّ
(5)
أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قال: لم أقْبِضْه؛ قُبِلَ؛ كالمتَّصل
(6)
؛ لِأنَّ إقْرارَه تعلَّقَ بالمبيعِ
(7)
، والأصْلُ عَدَمُ القَبضِ.
ولو قال: له عليَّ ألْفٌ، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قال: مِنْ ثَمَنِ مبيعٍ
(8)
لم أقْبِضْه؛ لم يُقبَلْ.
وكذا لَوْ قال: له
(9)
عِنْدِي مِائةٌ وَدِيعةً بشَرْطِ الضَّمان، فإنَّه يَلْغُو وَصْفُه لها بالضَّمان، وبقيت
(10)
على الأصْلِ.
(1)
قوله: (له) سقط من (م).
(2)
في (ن): أو قال.
(3)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(4)
زيد في (ن): لو.
(5)
قوله: (له علي) سقط من (ظ) و (م).
(6)
في (م): كالمنفصل.
(7)
في (ظ) و (م): بالبيع. والمثبت موافق للمغني 5/ 143، والشرح 30/ 270.
(8)
قوله: (مبيع) سقط من (م).
(9)
قوله: (له) سقط من (ظ).
(10)
في (م): وبعتك، وفي (ن): وثبت. والمثبت موافق للفروع 11/ 437.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ، وَفَسَّرَهُ بِدَيْنٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ؛ قُبِلَ مِنْهُ)، لا نَعلَمُ فِيهِ خِلافًا، ذَكَرَه في «الشَّرح»
(1)
، سَواءٌ فسَّرَه مُتَّصِلاً أوْ مُنفَصِلاً؛ لِأنَّه فسَّرَ لَفْظَه بأحَدِ مَدْلُولَيهِ؛ فقُبِلَ، كما لو قالَ: له عليَّ ألْفٌ، وفسَّرَه بدَينٍ.
فَعَلَى هذا: تثبت
(2)
أحْكامُ الوَدِيعةِ، بحَيثُ لوِ ادَّعَى تَلَفَها أوْ رَدَّها؛ قُبِلَ.
فرعٌ: إذا قال: له عِنْدِي ألْفٌ
(3)
، أوْ هَلَكَ المَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِه؛ صُدِّقَ، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
.
ويَحتَمِلُ: أن
(5)
يَلزَمَه؛ لِظُهورِ مناقضتِه
(6)
، قال ابنُ حَمْدانَ: إنْ قاله
(7)
مُنفَصِلاً.
وكذا ظنَنْتُه تالِفًا، ثُمَّ عَلِمْتُ تَلَفَه.
وقال الأَزَجِيُّ: لا يُقبَلُ هُنا، واخْتارَه المؤلِّفُ؛ لمَا فِيهِ مِنْ مُناقَضَةِ الإقرار
(8)
، والرُّجوعِ عمَّا أَقَرَّ به.
وقَدَّمَ في «الشَّرح» : أنَّه إذا قال: له عِنْدِي وَدِيعةٌ رَدَدْتُها إلَيهِ، أوْ تَلِفَتْ؛ أنَّه يَلزَمُه ضَمانُها.
(وَإِنْ
(9)
قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، وَفَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ)، ذَكَرَه مُعظَمُ الأصْحابِ، وقالَهُ أكْثَرُ العُلَماء؛ لأنَّ «عليَّ» للإيجاب
(10)
في الذِّمَّة، والإقْرارِ
(1)
ينظر: المغني 5/ 134، الشرح الكبير 30/ 270.
(2)
في (م): أي: ثبت.
(3)
أي: ورددتها إليه. ينظر: المغني 5/ 134، الشرح الكبير 30/ 270.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2773.
(5)
في (م): أي.
(6)
في (م): مناقضه.
(7)
في (م): قاله له.
(8)
في (م): مناقضته والإقرار.
(9)
في (ن): وإذا.
(10)
في (م): الإيجاب.
فِيهِ بظاهِرِ اللَّفْظ، بدليلِ ما لو قال: ما على فُلانٍ عَلَيَّ؛ كان ضامِنًا، فإذا فسَّرَه بالوديعة؛ لم يُقبَلْ؛ لِأنَّ تفسيرَه يُناقِضُ ظاهِرَ إقْرارِه.
وهذا إذا كان التَّفْسيرُ مُتَّصِلاً؛ لِأنَّ الكلامَ بآخِرِه.
وقِيلَ: يُقبَلُ المنفصِلُ؛ كالمتَّصِل، وكما لو صَدَّقَ المقَرُّ
(1)
له، وقال
(2)
: مُضارَبَةً أوْ وديعةً.
فإن
(3)
زاد بالمتَّصِل: وقد تَلِفَتْ؛ لم يُقبَلْ، ذَكَرَه القاضِي وغَيرُه؛ لِأنَّ قَولَه:«له عليَّ» يَقتَضِي أنَّها عَلَيهِ، وقَولُه:«وقد تلفت»
(4)
يَقتَضِي أنَّها لَيسَتْ عَلَيهِ، وهو
(5)
تَناقُضٌ، فلم
(6)
يُقبَلْ مِنهُ، بخِلافِ ما لَوْ قال: كان
(7)
له عليَّ ألْفٌ وَدِيعةً، وتَلِفَتْ، فإنَّه مانِعٌ مِنْ لُزُومِ الأمانَةِ؛ لِأنَّه أخْبَرَ عن
(8)
زمَنٍ ماضٍ، فلا تَناقُضَ.
وإنْ أحْضَرَه، وقال: هو هذا وهو وديعةٌ، فقال المُقَرُّ له: هذا وديعةٌ، والمُقَرُّ به غَيرُه، وهو دَينٌ عَلَيكَ؛ صُدِّق المقَرُّ له، وذَكَرَه الأَزَجِيُّ عن الأصْحابِ.
وقال القاضِي، وصحَّحه في «الرِّعاية»: يُصدَّقُ المُقِرُّ.
(وَلَوْ
(9)
قَالَ: لَهُ فِي هَذَا المَالِ أَلْفٌ؛ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ)، جَزَمَ به الأكثَرُ؛ لِأنَّه
(1)
في (م): المفسر.
(2)
في (ظ): وقاله، وفي (ن): وماله.
(3)
في (ن): وإن.
(4)
قوله: (لم يقبل، ذكره القاضي وغيره
…
) إلى هنا سقط من (م).
(5)
في (م): وهي.
(6)
في (ن): يناقض لم.
(7)
قوله: (كان) سقط من (م).
(8)
في (م): من.
(9)
في (ن): وإن.
اعْتَرَفَ أنَّ الألْفَ مُستَحَقٌّ في المال المشارِ إلَيهِ.
وكذا إنْ قال: له في هذا العبدِ ألْفٌ، أوْ في هذه الدَّارِ نِصفُها؛ فلا يُقبَلُ تفسيره
(1)
بإنْشاءِ هِبَةٍ.
(وَإِنْ
(2)
قَالَ: لَهُ مِنْ مَالِي، أَوْ: فِي مَالِي، أَوْ: فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ، أَوْ: نِصْفُ دَارِي هَذِهِ)؛ صحَّ على الأصحِّ.
وفي «التَّرغيب» : المشْهورُ لا؛ للتَّناقُضِ.
فَلَوْ زاد
(3)
: بحقٍّ لَزِمَنِي، ونحوَه؛ صحَّ عَلَيهِما، قاله القاضي وغَيرُه.
(وَ) على الأوَّل: إنْ (فَسَّرَهُ
(4)
بِالْهِبَةِ، وَقَالَ
(5)
: بَدَا لِي مِنْ تَقْبِيضِهِ؛ قُبِلَ مِنْهُ)، ذَكَرَه جماعةٌ؛ لِأنَّ التَّفْسيرَ يَصلُحُ أنْ يَعُودَ إلَيها مِنْ غَيرِ تنافٍ
(6)
، وكما لوْ قال: له عليَّ ألْفٌ، ثُمَّ فسَّرَه بدَينٍ.
وقال القاضِي وأصْحابُه: لا يُقبَلُ.
وعلى الأوَّل: إنْ ماتَ ولم يُفسِّرْه، أوْ رَجَعَ عنه؛ لم يَلزَمْه شَيءٌ.
وذَكَرَ الأَزَجِيُّ في: له ألْفٌ في
(7)
مالِي؛ يَصِحُّ؛ لِأنَّ مَعْناهُ: اسْتَحَقَّه بسببٍ سابِقٍ، و: مِنْ مالِي؛ وَعْدٌ، قال: وقال أصْحابُنا: لا فَرْقَ بَينَ (مِنْ) و (الفاء) في أنَّه يُرجَعُ في تَفْسيره إلَيهِ، ولا يكُونُ إقْرارًا إذا أضافَه إلى نَفْسِه، ثُمَّ أخْبَرَ لغَيرِه بشَيءٍ منه.
(1)
في (ن): إقراره.
(2)
في (ظ): فإن.
(3)
في (م): زادا.
(4)
في (ن): إن وفسره. وفي (م): وإن فسره.
(5)
زيد في (ن): قد.
(6)
في (ن): مناف.
(7)
في (ظ): من.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ؛ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ)؛ لِأنَّ ذلك في قُوَّةِ قَولِه: له على أبي
(1)
دَينُ كذا.
وفي «التَّرغيب» : له في هذا المالِ، أوْ: في هذه التَّرِكةِ ألْفٌ؛ صحَّ، قال: ويُعتَبَرُ أنْ لا يكُونَ مِلْكَه.
فلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَقَرَّ، وكان مِلْكَه إلى أنْ أَقَرَّ، أوْ قال
(2)
: هذا مِلْكِي إلى الآن، وهو لفُلانٍ؛ فباطِلٌ، ولو قال: هو لِفُلانٍ، وما زال مِلْكِي إلى أنْ أقْرَرْتُ؛ لَزِمَه بأوَّلِ كلامِه.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ نِصْفُ هَذِهِ الدَّارِ؛ فَهُوَ مُقِرٌّ بِنِصْفِهَا)؛ لِأنَّه أقرَّ
(3)
بذلك.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ هَذِهِ الدَّارُ عَارِيَةً؛ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْعَارِيَةِ)؛ لإقراره
(4)
بذلك، ف «عارية
(5)
» بَدَلٌ مِنْ «الدَّار» ، ولا يكُونُ إقْرارًا بالدَّارِ؛ لِأنَّه رَفَعَ بآخِرِ كلامِه ما دَخَلَ في أوَّلِه، وهو بَدَلُ اشْتِمالٍ؛ لِأنَّ الأوَّلَ مُشْتَمِلٌ على الثَّاني؛ كقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البَقَرَة: 217]، فالشهر الحرام
(6)
يَشتَمِلُ على القتال، فَعَلَى هذا: لا تثبت
(7)
له الدَّارُ، وإنَّما يَثبُتُ له مَنفَعَتُها، فكأنَّه قال: له الدَّارُ مَنفَعَتُها.
وإنْ قال: له
(8)
هذه الدَّارُ هِبَةٌ؛ عُمِلَ بالبَدَل، وفِيهِ نَظَرٌ؛ لأِنَّ الدَّارَ لا تَشتَمِلُ على الْهِبَة، لكِنْ تُوجِبه
(9)
بالنِّسبة إلى الملْك؛ لِأنَّ قَولَه: (له الدَّارُ)
(1)
في (ظ): أي.
(2)
في (م): وقال.
(3)
في (م): إقرار.
(4)
في (ن): لأن إقراره.
(5)
في (م) و (ن): بعارية.
(6)
قوله: (الحرام) سقط من (ظ) و (م).
(7)
في (م): لا يثبت.
(8)
قوله: (له) سقط من (ن).
(9)
في (م): توجه، وفي (ظ): يوجه.
إقْرارٌ بالملْك، والملْكُ يَشتَمِلُ على ملك
(1)
الهِبَة، فقد أبْدَلَ من الملْك بَعضَ ما يَشتَمِلُ عليه، وهو الهِبَةُ، فكأنَّه قال: له ملْكُ الدَّارِ هِبَةً، وحينئذ
(2)
: تُعتَبَرُ شُروطُ الهِبَة.
وقِيلَ: لا يصح
(3)
؛ لكَونِه مِنْ غَيرِ الجِنْس.
قال في «الفروع» : ويَتَوَجَّهُ عَلَيهِ - أيْ: على القَولِ بأنَّه لا يَصِحُّ - مَنْعُ: له هذه الدَّارُ ثُلُثُها، وذَكَرَ المؤلِّفُ صِحَّتَه؛ لأِنَّه لا يَجعَلُه اسْتِثْناءً، بل بَدَلاً.
وإنْ قال: هِبَةً سُكْنَى، أوْ هِبَةً عارِيَةً؛ عُمِلَ بالبَدل.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: قِياسُ قَولِ أحمدَ: بُطْلانُ الاِسْتِثْناءِ هُنا؛ لِأنَّه اسْتَثْنَى الرَّقَبَةَ وبقَّى
(4)
المنفَعَة، وهو باطِلٌ عِندَنا، فيكُونُ مُقِرًّا بالرَّقَبة والمنفَعةِ.
(وَإِنْ أقرَّ
(5)
أَنَّهُ وَهَبَ، أَوْ رَهَنَ
(6)
وَأَقْبَضَ، أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَقَالَ: مَا قَبَضْتُ وَلَا أَقْبَضْتُ
(7)
، وَسَأَلَ إِحْلَافَ خَصْمِهِ
(8)
؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ
(9)
الْيَمِينُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، هما رِوايَتانِ في «المغْنِي»:
إحداهُما: لا يُسْتَحْلَفُ، نَصَرَه القاضِي وأصْحابُه؛ لِأنَّ دَعْواهُ مُكذِّبٌ لِإقْراره؛ فلا تُسمَعُ، ولِأنَّ الإقْرارَ أقْوَى من البيِّنة، ولو شَهِدَت البيِّنة به
(10)
،
(1)
في (م): تلك.
(2)
في (م): فحينئذ.
(3)
في (ن): لا تصح.
(4)
في (ن): ونفي.
(5)
في (م): قال.
(6)
في (ظ): ورهن.
(7)
قول: (ولا أقبضت) سقط من (ظ).
(8)
قوله: (خصمه) سقط من (م).
(9)
في (م): تلزمه.
(10)
قوله: (به) سقط من (م).
ثُمَّ قال: أحْلِفُوهُ لِي؛ لم يُستَحْلَفْ، فكذا هنا.
والثَّانِيَةُ: بَلَى
(1)
، قدَّمها في «المحرَّر» ، وصحَّحَها في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لِأنَّ العادةَ جارِيَةٌ بالإقْرار بالقَبْضِ قَبْلَه؛ لِأنَّها تكُونُ شَهادةَ زُورٍ.
فَعَلَى الأولى
(2)
: قال الشَّريفُ وأبو الخَطَّاب: ولا يُشبِه
(3)
مَنْ أَقَرَّ بِبَيعٍ، وادَّعَى تَلْجِئَةً إنْ قُلْنا: يُقبَلُ؛ لِأنَّه ادَّعَى مَعْنًى آخَرَ لم يَنفِ ما أَقَرَّ به.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فِيمَن أَقَرَّ بمِلْكٍ، ثُمَّ ادَّعَى شِراءَه قَبْلَ إقْرارِه: إنَّه لا يُقبَلُ ما تناقض
(4)
إقْراره إلَّا مع شُبهةٍ معتادة
(5)
.
فرعٌ: إذا أَقَرَّ بِبَيعٍ أوْ هِبَةٍ أوْ إقْباضٍ، ثُمَّ ادَّعَى فَسادَه، وأنَّه أَقَرَّ يَظُنُّ الصِّحَّةَ؛ لم يُقبَلْ، وله تَحْلِيفُ المقَرِّ له، فإنْ نَكَلَ؛ حَلَفَ هو بِبُطْلانه، وكذا إنْ قُلْنا بِرَدِّ اليمين، فحَلَفَ المقِرُّ، قاله ابنُ حَمْدانَ.
(وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّ الْمَبِيعَ
(6)
لِغَيْرِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي)؛ لِأنَّه يُقِرُّ على غَيرِه، ولأِنَّه مُتَّهَمٌ فِيهِ، (وَلَمْ يَنْفَسِخِ الْبَيْعُ)؛ لِأنَّ الإقْرارَ الَّذي صَدَرَ بَعدَه مَرْدُودٌ، والمرْدُودُ وُجُودُه كعَدَمِه، ولِأنَّ حقَّ المشْتَرِي قد
(7)
تعلَّقَ بالمبِيعِ، فلم يَنفَسِخْ بغَيرِ رِضاهُ، ما لم يُوجَدْ ما يُوجِبُ ذلك، (وَلَزِمَتْهُ
(8)
غَرَامَتُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ)؛ لِأنَّه فَوَّتَه عَلَيهِ بالبَيع.
(1)
كتب في هامش (ظ): (وهي المذهب).
(2)
في (ن): الأول.
(3)
في (م): ولا يشتبه.
(4)
في (م): يناقض.
(5)
في (م): معتاد. وينظر: الاختيارات ص 533، الفروع 11/ 445.
(6)
في (ظ): البيع.
(7)
قوله: (قد) سقط من (م).
(8)
في (ن): ولزمه.
(وَكَذَلِكَ
(1)
إِنْ وَهَبَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ)، فهو كما لو باعَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ به لغَيرِه.
(وَإِنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ مِلْكِي، ثُمَّ مَلَكْتُهُ بَعْدُ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأنَّ الأصْلَ أنَّ الإنسانَ إنَّما يتصرف
(2)
فِيمَا له التَّصرُّفُ فِيهِ، ولِأنَّ التُّهمةَ هُنا أكْثَرُ.
(وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلَكَهُ، أَوْ قَالَ: قَبَضْتُ
(3)
ثَمَنَ مِلْكِي، وَنَحْوَهُ؛ لَمْ تُسْمَعْ
(4)
بَيِّنَتُهُ أَيْضًا)؛ لِأنَّها تَشهَدُ بخِلافِ ما أَقَرَّ به، فهو مُكذِّبٌ لها، وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فِيمَا إذا ادَّعَى بَعْدَ البَيع أنَّه كان وَقْفًا عَلَيهِ: فهو بمَنزِلةِ أنْ يَدَّعِيَ أنَّه قد مَلَكَه الآنَ
(5)
.
تنبيهٌ: إذا قال: ملكْتُ
(6)
هذه العَينَ مِنْ زَيدٍ؛ فقد أقرَّ له
(7)
بملكها
(8)
، ولا يُحكَمُ له إلَّا ببيِّنةٍ أوْ تَصدِيقِ زَيدٍ.
وإنْ قال: أَخَذْتُها مِنْ يَدِه؛ فقد اعْتَرَفَ له بالْيَد، ويَلزَمُه ردُّها إلَيهِ.
فإن
(9)
قال: مَلَكْتُها على يَدِه؛ لم يكُنْ مُقِرًّا له بالْيَد ولا بالملك؛ لأِنَّه يُريدُ مُعاوَنَتَه وسِفارَتَه
(10)
.
(1)
في (م): وكذا.
(2)
في (ن): ينصرف.
(3)
في (م): اقتضيت.
(4)
في (ظ): لم يسمع.
(5)
ينظر: النكت على المحرر 2/ 450.
(6)
قوله: (ملكت) سقط من (ن).
(7)
قوله: (له) سقط من (م).
(8)
في (ن): تملكها.
(9)
في (م): وإن.
(10)
قال في تاج العروس 12/ 41: (سفارة بالكسر: هي كالكفالة والكتابة، يراد بها التوسط للإصلاح).
فلو أَقَرَّ له بشَيءٍ، ثُمَّ جاءه به، وقال: هذا الَّذي أقْرَرْتُ لك به، قال: بَلْ هو غَيرُه؛ لم يلزم
(1)
تسليمُه إلى المقَرِّ له؛ لأِنَّه لا يَدَّعِيهِ، ويَحلِفُ المقِرُّ أنَّه لَيسَ عِندَه سِواهُ، فإنْ رَجَعَ المقَرُّ له
(2)
فادَّعاه؛ لَزِمَه دَفْعُه؛ لِأنَّه لا مُنازِعَ له فِيهِ.
وإنْ قال المقَرُّ له: صَدَقْتَ، والَّذي أقْرَرْتَ به
(3)
آخَرُ عِندَك؛ لَزِمَه تسليمُ هذا، ويَحلِفُ على نَفْيِ الآخَر.
(1)
في (م): لم يلزمه.
(2)
قوله: (له) سقط من (ن). والمثبت موافق لما في المغني 5/ 145، والشرح الكبير 30/ 291.
(3)
قوله: (به) سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُ هَذَا العَبْدَ
(1)
مِنْ زَيْدٍ، لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو)؛ لَزِمَه دفعه
(2)
إلى زَيدٍ؛ لِإقْرارِه له به، ولم يُقبَلْ رُجوعُه عنه؛ لِأنَّه حقٌّ لآِدَمِيٍّ على ما سَبَقَ، ويَغرَمُ قِيمتَه لِعَمْرٍو، لأنَّه
(3)
حالَ بَينَه وبَينَ ملْكِه
(4)
لِإقْرارِه به لغيره
(5)
، فلَزِمَه ضَمانُه؛ كما لو أتْلَفَه، ولِأنَّه أضربَ
(6)
عن الأوَّلِ وأثْبَتَ للثاني، فلا
(7)
يُقبَلُ الإضْرابُ بالنِّسبة إلى الأوَّل
(8)
؛ لأِنَّه إنْكارٌ بَعْدَ إقْرارٍ، ويُقبَلُ بالنِّسبة إلى الثَّاني؛ لِأنَّه لا
(9)
دافِعَ له، فإذا تَعذَّرَ تسليمُه إلَيهِ من أجْلِ تعلُّقِ
(10)
حقِّ الأوَّل به؛ تَعَيَّنَ دَفْعُ القِيمة إلَيهِ.
وقِيلَ: لا يَغرَمُ لِعَمْرٍو شَيئًا.
(أَوْ: مَلَّكْتُهُ لِعَمْرٍو وَغَصَبْتُهُ مِنْ زَيْدٍ؛ لَزِمَهُ دَفْعُهُ إِلَى زَيْدٍ)؛ لإقْرارِه له بالْيَد، (وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو)؛ للحيلولة
(11)
، وهذا هو الأَشْهَرُ.
والثَّاني: لا يَلزَمُه لِعَمْرٍو شَيئًا، قاله القاضي وابنُ عَقِيلٍ، وقدَّمه في
(1)
في (م): المبيع.
(2)
في (م): دعوة.
(3)
في (ظ) و (ن): ولأنه.
(4)
في (م): ملك.
(5)
في (م): لغير.
(6)
في (م): أقرب.
(7)
في (ن): ولا.
(8)
في (م): الأولى.
(9)
قوله: (لا) سقط من (م).
(10)
في (ن): تعليق.
(11)
قوله: (للحيلولة) سقط من (م).
«الكافي» ؛ لِأنَّه لا تَفْريطَ منه؛ إذ
(1)
يَجُوزُ أنْ يكُونَ مَلَّكَه لعَمْرٍو وهو في يَدِ زَيدٍ بإجارةٍ أو غَيرِها.
وقِيلَ: يَلزَمُه دَفْعُه إلى عَمْرٍو، ويَغرَمُ قِيمَتَه لِزَيدٍ؛ لِأنَّه لمَّا أَقَرَّ به لِعَمْرٍو أوَّلاً؛ لم يُقبَلْ إقْرارُه بالْيَد لِزَيدٍ، قال المؤلِّفُ: وهذا وَجْهٌ حَسَنٌ، وفي «المحرَّر»: هو الأصحُّ.
ولا
(2)
فَرْقَ بَينَ التَّقْديمِ والتَّأْخِيرِ، والمتَّصِل والمنفَصِل، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
قال في «المحرَّر» و «الرِّعاية» : وإنْ قال: غَصَبْتُه مِنْ زَيدٍ، وملَّكه
(3)
لعمرو
(4)
، وأخَذَه زَيدٌ؛ لم
(5)
يَضمَنِ المقِرُّ لِعَمْرٍو شَيئًا، زاد في
(6)
«الرِّعاية» : في الأَشْهَرِ.
فائدةٌ: قال أحمدُ في رَجُلٍ قال لآِخَرَ: استودعتُكَ
(7)
هذا الثَّوبَ، قال: صَدَقْتَ، ثُمَّ قال: استودَعَنِيه رجلٌ آخَرُ؛ فالثَّوبُ للأوَّل، ويَغرَمُ قِيمَتَه لِلآخَر
(8)
.
(وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ أُخِذَ بِالتَّعْيِينِ)؛ لِأنَّه إقْرارٌ بمُجْمَلٍ، ومَن أَقَرَّ بمُجْمَلٍ
(9)
لَزِمَه البيانُ، ضَرورةَ أنَّ
(10)
الحُكْمَ لَا يَقَعُ إلاَّ على مَعْلومٍ،
(1)
في (ن): أو.
(2)
في (ن): وإلا.
(3)
في (ن): وملكته.
(4)
في (م): عمرو.
(5)
في (ظ) و (ن): ولم. والمثبت موافق للمحرر 2/ 448.
(6)
قوله: (زاد في) في (ن): وفي.
(7)
في (م): استودعك.
(8)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2776.
(9)
قوله: (إقرار بمجمل، ومن أقر بمجمل) في (م): أقر بحمل.
(10)
في (م): إذ.
(فَيَدْفَعُهُ إِلَى مَنْ عَيَّنَهُ
(1)
؛ لِأنَّه هو
(2)
المسْتَحِقُّ، (وَيَحْلِفُ لِلآْخَرِ) إنِ ادَّعاهُ؛ لِتَكُونَ اليمينُ سببًا لِثُبوتِ ردِّ العَبد أوْ بَدَلِه، ولا يَغرَمُ له شَيئًا؛ لِأنَّه لم يُقِرَّ له بشَيءٍ.
(وَإِنْ
(3)
قَالَ: لَا أَعْرِفُ
(4)
عَيْنَهُ، فَصَدَّقَاهُ؛ انْتُزِعَ مِنْ يَدِهِ)؛ لِأنَّه ظَهَرَ بإقْرارِه أنَّه
(5)
لا حقَّ له فِيهِ، ولم يَتَعَيَّنْ مُستَحِقُّه، (وَكَانَا خَصْمَيْنِ فِيهِ)؛ لِأنَّ كُلًّا مِنهُما يَدَّعِيهِ.
(وَإِنْ كَذَّبَاهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) أنَّه لا يَعلَمُ؛ لِأنَّه مُنكِرٌ، ويُنتَزَعُ مِنْ يَدِه، فإنْ كان لِأحدِهما بيِّنةٌ؛ حُكِمَ له به، وإنْ لم يكن
(6)
بيِّنةٌ؛ أقْرَعْنا بَينَهما، فمَنْ قَرَعَ صاحِبَه حَلَفَ وسُلِّمَ إلَيهِ، وإنْ بَيَّنَ الغاصِبُ بَعْدَ ذلك مالِكَها؛ قُبِلَ منه؛ كما لو بيَّنَه ابْتِداءً.
ويَحتَمِلُ: أنَّه إذا ادَّعَى كلُّ واحِدٍ أنَّه المغْصُوبُ منه؛ تَوَجَّهتْ عَلَيهِ اليمينُ لكلِّ واحِدٍ مِنهُما أنَّه لم يَغصِبْه، فإذا حَلَفَ لِأحَدِهما؛ لَزِمَه دَفْعُه لِلآخَر؛ لِأنَّ ذلك يَجْرِي مَجْرَى تَعْيِينِه، وإنْ نَكَلَ عن اليَمِينِ لهما؛ سُلِّمَتْ إلى أحدِهما.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي وَقْتَيْنِ؛ لَزِمَهُ أَلْفٌ
(7)
وَاحِدٌ
(8)
؛ لِأنَّ الأصْلَ براءةُ الذِّمَّة من الزَّائد، والعُرْفُ شاهِدٌ بذلك، ولِأنَّه لو قال: رأيتُ زَيدًا، ثُمَّ قال: رأيتُ زيدًا
(9)
كان الثَّاني هو الأوَّل، والرُّؤيةُ إنَّما هي الرُّؤيةُ أوَّلاً، ونَظِيرُ ذلك:
(1)
زيد في (ن): له.
(2)
قوله: (هو) سقط من (ن).
(3)
في (ن): فإن.
(4)
في (م): لا عرف.
(5)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(6)
في (ن): لم تكن.
(7)
في (م): الألف.
(8)
في (ظ): واحدة.
(9)
قوله: (ثم قال: رأيت زيدًا) سقط من (ن).
أن
(1)
الله تعالَى لمَّا أخْبَرَ عن إرسالِ نُوحٍ، وهُودٍ، وصالِحٍ، وشُعَيبٍ، وإبراهيمَ، ومُوسى وعِيسى، وكرر
(2)
ذلك في مَواضِعَ لم تكن
(3)
القِصَّةُ الثَّانيةُ غَيرَ الأُولَى.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ فَرَسٍ، أَوْ قَرْضٍ؛ لَزِمَهُ أَلْفَانِ)؛ لِاخْتِلافِ سببِهما؛ كقوله: رَأَيتُ زَيدًا الطَّويلَ، ثُمَّ قال: رَأيتُ زَيدًا القَصِيرَ، لم يكُن الثَّاني الأوَّلَ البَتَّةَ.
وكذا إنْ ذَكَرَ ما يقتضي التَّعدُّدَ؛ كأجَلَينِ لهما، أوْ سِكَّتَينِ، أوْ صفتينِ
(4)
؛ لَزِمَه ألفان
(5)
، كمَنْ قال: قَبَضْتُ ألْفًا يَومَ السَّبت، وألْفًا يَومَ الأَحَد، بخِلافِ تعدُّدِ الأشْهاد.
فلو قَيَّدَ أحدَهما بسببٍ، وأطْلَقَ الآخَرَ؛ حُمِلَ المطْلَقُ على المُقَيَّد، ولَزِمَه ألْفٌ واحِدةٌ مع اليمين، ولو شَهِدَ بكلِّ إقْرارٍ شاهِدٌ؛ جُمِعَ قَولُهما؛ لِاتِّحادِ المخْبَرِ عنه، ولا جَمْعَ في الأفْعالِ.
(وَإِذَا
(6)
ادَّعَى رَجُلَانِ دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا شَرِكَةً بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِنِصْفِهَا؛ فَالمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا) في قَولِ أبي الخَطَّاب، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به
(7)
في «الشَّرح» ؛ لِاعْتِرافهما أنَّ الدَّارَ لهما مُشاعَةً، فالنِّصفُ المقرُّ به
(8)
بَينَهما كالباقِي.
(1)
زيد في (ن): شاء.
(2)
في (م): وذكر.
(3)
في (ن): لم يكن.
(4)
في (م): صفقتين.
(5)
في (م): الثاني.
(6)
في (م): وإن.
(7)
قوله: (به) سقط من (م).
(8)
قوله: (به) سقط من (ظ) و (م).
وقال القاضِي، وجَزَمَ به في «الوجيز»: إنْ أضافَا الشَّركةَ إلى سببٍ واحِدٍ مِنْ إرْثٍ، أوْ غَنِيمَةٍ، أوْ شِراءٍ ونحوِه، ولم يكُونا قَبَضَاها بَعْدَ الملْك لها؛ فكذلك، وإلَّا اخْتَصَّ المقَرُّ له بالمقَرِّ به؛ لِأنَّ نصيبَ كلٍّ منهما يَتعلَّقُ بنصيبِ الآخَرِ، بدليلِ: ما لو كان المِيراثُ طعامًا، فَهَلَكَ بعضُه أوْ غُصِبَ؛ كان الذَّاهِبُ بَينَهما، والباقِي بَينَهما، فكذا الإقْرارُ.
مسألةٌ: إذا قال مَنْ العَينُ في يَدِه: النِّصفُ لي، والباقي أجْهَلُ رَبَّه؛ أَخَذَ ما ادَّعَى، وفي الباقِي أوْجُهٌ.
ومَن ادَّعى عَينًا في يَدِ زَيدٍ، فأَقَرَّ بها لعَمْرٍو، وكذَّبَه عَمْرٌو - وإنْ أَقَرَّ له بكلِّها -؛ فالمُقَرُّ له مُقِرٌّ لشَريكِه في الدَّعْوَى بالنِّصف، وإنْ كان ما أَقَرَّ له بالشَّركة، بل ادَّعى
(1)
كلَّها؛ خاصَمَه في النِّصف.
فإنِ ادَّعَى على عَمْرٍو وبكرٍ
(2)
عَينًا في أيدِيهما، فصَدَّقَه أحدُهما؛ فنَصِيبُه له، فإنْ صالَحَه عنه بمالٍ؛ صَحَّ، فإنْ طَلَبَ المُنكِرُ الشُّفْعةَ؛ أخَذَها
(3)
إنْ تَعدَّد
(4)
سببُ ملْكَيهما، وإنِ اتَّحَدَ فَوَجْهانِ.
(وَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: هَذِهِ الألْفُ لُقَطَةٌ، فَتَصَدَّقُوا بِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ؛ لَزِمَ الْوَرَثَةَ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ)، قاله
(5)
أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه جميعُ مالِهِ، فالأمْرُ بالصَّدقة به
(6)
وَصِيَّةٌ بجميعِ المال، فلا يَلزَمُ منه إلَّا الثُّلث، وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يُصدِّقُوهُ أوْ يُكذِّبُوهُ.
(1)
قوله: (بل ادعى) هو في (ظ): فادَّعى.
(2)
في (ن): ونكر.
(3)
في (م): أخذهما.
(4)
في (ن): وإن تعذر.
(5)
في (م): قال.
(6)
قوله: (به) سقط من (م).
(وَحُكِيَ عَنِ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَلْزَمُهُمُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ
(1)
، هذا رواية
(2)
؛ لأنَّ
(3)
أمْرَه بالصَّدقة به
(4)
يَدُلُّ على تَعَدِّيهِ فيه
(5)
على وَجْهٍ يَلزَمُهم الصَّدقةُ بجَمِيعِه، فيكُونُ ذلك إقْرارًا منه لغَيرِ وارِثٍ، فيَجِبُ امْتِثالُه، وكالإقرار في الصِّحَّة، ولو قال فِيهَا لِوَكِيله: هذه الألْفُ لُقَطةٌ، فتَصدَّقْ بها؛ لَزِمَه، فكذا إذا قال في مَرضِه.
والأوَّلُ: أصحُّ؛ لِأنَّ الإقْرارَ في المرَضِ يُفارِقُ الإقْرارَ في الصِّحَّة في أشْياءَ، والفَرْقُ: بَينَ الوَكِيل والوَرثَة؛ لأِنَّه مأْمُورٌ بخِلافِ الوَرَثَة، فإنَّ تصدُّقَهم
(6)
بذلك يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ ضَمانِه عَلَيهِم.
وجَزَمَ السَّامَرِّيُّ ب: إنْ قُلْنا: لا تُملك
(7)
اللُّقَطةُ؛ فبكُلِّه، وإلَّا بِثُلُثِه إن
(8)
مَلَكَه بَعْدَ الحَول.
فرعٌ
(9)
: إذا أعْتَقَ عبدًا، أوْ وَهَبَه، ولَيسَ له سِواهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بدَينٍ؛ نفَذَ
(10)
عِتْقُه وهِبَتُه، ولم يُنقَضَا بإقْراره، نَصَّ عَلَيهِ
(11)
.
وقِيلَ: بَلَى ويُباعُ فِيهِ.
وإنْ أَقَرَّ مريضٌ بدَينٍ ثُمَّ بِوَدِيعةٍ، أوْ بالعَكْس؛ فَرَبُّ الودِيعةِ أحقُّ بها.
(1)
كتب في هامش (ظ): (قول القاضي هو المذهب).
(2)
قوله: (رواية) سقط من (م).
(3)
في (ن): لأنه.
(4)
قوله: (به) سقط من (م).
(5)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(6)
في (م): تصديقهم.
(7)
في (ظ): لا يملك.
(8)
في (م): وإن.
(9)
في (م): فصل.
(10)
في (ن): بعد.
(11)
ينظر: المحرر 2/ 379.
(فَصْلٌ)
(إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ مِائَةً، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ، فَأَقَرَّ ابْنُهُ لَهُ بِهَا، ثُمَّ ادَّعَاهَا آخَرُ؛ فَأَقَرَّ لَهُ؛ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ)؛ لِأنَّه قد أَقَرَّ له بها، ولا مُعارِضَ له، فَوَجَبَ كَونُها له؛ عَمَلاً بالإقْرار السَّالِمِ عن المُعارِضِ، (وَيَغْرَمُهَا لِلثَّانِي)؛ لِأنَّه حالَ بَينَه وبَينَها، فلَزِمَه غَرامَتُها له؛ كما لو شَهِدَ بمالٍ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الحُكْم.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا مَعًا؛ فَهِيَ بَيْنَهُمَا)؛ لِتَساوِيهِما.
(وَإِنْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا وَحْدَهُ؛ فَهِيَ لَهُ)؛ لِإقْرارِه له، فاخْتَصَّ بها، (وَيَحْلِفُ
(1)
لِلآْخَرِ) في الأصحِّ، قالَهُ في «الرِّعاية» ؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ أنَّه المُسْتَحِقُّ، واليمينُ طريقُ ثُبوتِ الحقِّ أوْ بَدَلِه، وإنْ نَكَلَ؛ قُضِيَ عليه؛ لِأنَّ النكول
(2)
كالإقْرار، ولو أَقَرَّ؛ لَزِمَه الغُرْمُ، فكذا إذا
(3)
نَكَلَ عن اليمين.
(وَإِنِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى المَيِّتِ مِائَةً دَيْنًا
(4)
؛ أيْ: بِدَينٍ يَستَغْرِقُ التَّرِكةَ، قالَهُ في «المحرَّر» و «الفروع» ، (فَأَقَرَّ لَهُ، ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَرَّ لَهُ)، ولم يُخلِّف الميتُ إلا مائةً
(5)
؛ (فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؛ فَهِيَ بَيْنَهُمَا)؛ لِأنَّ حُكْمَ المجْلِس الواحِدِ حُكْمُ الحالةِ الواحِدةِ، (وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ؛ فَهِيَ
(6)
لِلْأَوَّلِ، وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي)، ذَكَرَه الخِرَقِيُّ والسَّامَرِّيُّ والمؤلِّفُ في «الكافي» ، وجَزَمَ به في «الشَّرح» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ الأوَّلَ اسْتَحَقَّ تَسلُّمَه كلِّه بالإقْرار، فلا
(1)
في (م): وحلف.
(2)
قوله: (لأن النكول) سقط من (م).
(3)
في (م): إن.
(4)
في (م): دينار.
(5)
قوله: (ولم يخلف الميت إلا مائة) سقط من (ظ) و (م).
(6)
في (م): فهو.
يُقبَلُ إقْرارُ الوارِثِ بما يُسقِطُ حَقَّه؛ لِأنَّه إقْرارٌ على غَيرِه.
وقِيلَ: يُقدَّمُ الأوَّلُ مُطلَقًا.
وأطْلَقَ الأَزَجِيُّ احْتِمالاً: يَشْتَرِكانِ؛ كإقْرارِ مريضٍ لهما.
قال في «المحرَّر» : وظاهِرُ كَلامِ أحمدَ يَتَشارَكانِ إنْ تَواصَلَ الكلامُ بالإقْرارَينِ، وإلَّا قُدِّمَ الأوَّلُ.
وقال الشَّافِعيُّ رضي الله عنه: يَتَشارَكانِ مُطلَقًا؛ كإقْرارِ المَورُوث
(1)
.
والفَرْقُ: أنَّ إقْرارَ المَورُوثِ لا يَتعلَّقُ بمالِه، والوارِثُ لا يَملِكُ إنْ يُعَلِّقَ
(2)
بالتَّرِكة دَينًا آخَرَ، ولا يَملِكُ التَّصرُّفَ في التَّرِكة ما لم يَلتَزِمْ قَضاءَ الدَّينِ، بخِلافِ المَورُوثِ.
(وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَمِائَتَيْنِ، وَادَّعَى
(3)
رَجُلٌ مِائَةً دَيْنًا عَلَى المَيِّتِ، فَصَدَّقَهُ أَحَدُ الاِبْنَيْنِ وَأَنْكَرَ الآْخَرُ؛ لَزِمَ المُقِرَّ نِصْفُهَا) مِنْ سَهْمِه؛ لِأنَّه يُقبَلُ إقْرارُه على نَفْسه، ولِأنَّه لَا يلزمه
(4)
أكثرُ مِنْ نِصْفِ دَينِ أبِيهِ، ولكَونِه لا يَرِثُ إلَّا نِصْفَ التَّرِكةِ، فلَزِمَه نصفُ الدَّينِ؛ كما لو ثَبَتَ ببيِّنةٍ أوْ بإقْرارِ المَيِّتِ، ويَحلِفُ المُنكِرُ ويَبْرَأُ.
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلاً، فَيَحْلِفُ الْغَرِيمُ مَعَ شَهَادَتِهِ)، ولو لَزِمَ المُقِرَّ جميعُ الدَّينِ؛ لم تُقبَلْ شَهادتُه على أَخِيهِ؛ لكَونِه يَدفَعُ عن نَفْسِه ضَرَرًا، (وَيَأْخُذُ مِائَةً)؛ لِأنَّ المالَ ثبت
(5)
بشاهِدٍ ويَمِينٍ، (وَتَكُونُ المَائَةُ الْبَاقِيَةُ بَيْنَ الاِبْنَيْنِ)؛ لِأنَّها مِيراثٌ لا تَعلُّقَ لأِحَدٍ بها سِواهُما.
(1)
ينظر: المحرر 2/ 379.
(2)
في (م) و (ن): تعلق.
(3)
في (ن): فادعى.
(4)
في (م): لا يلزم.
(5)
في (م): يثبت.
تنبيهٌ: إذا قال: لِزَيدٍ عليَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثُلُثَ ما لِعَمْرٍو عليَّ، ولِعَمْرٍو عليَّ عَشَرةٌ إلَّا رُبُعَ ما لِزَيدٍ عليَّ، فخُذْ مَخرَجَ الثُّلُث والرُّبُع اثْنَيْ عَشَرَ، أسْقِطْ منه أحدًا
(1)
، يَبقَى أحد
(2)
عَشَرَ، وهو الجُزْءُ المَقْسومُ عَلَيهِ، ثُمَّ أسْقِطْ مِنْ المَخرَج الثُّلثَ أربعةً، تبقى
(3)
ثمانيةٌ، تَضرِبُها في عَشَرةٍ، تَبلُغُ ثَمانِينَ، تقسمها
(4)
على أحَدَ عَشَرَ، تخرج
(5)
سبعةً وثلاثةَ أجْزاءٍ مِنْ أحَدَ عَشَرَ جُزءًا من أحدٍ
(6)
، وهو دَينُ زَيدٍ، ثُمَّ أسْقِطْ من المخْرَجِ رُبُعَه، يَبقَى تِسعةً، تَضرِبُها في العَشَرة، تَبلُغُ تِسْعِينَ، تَقسِمُها على أحدَ عَشَرَ، تخرج
(7)
ثمانيةٌ وجُزْآنِ مِنْ أحَدَ عَشَرَ جُزءًا مِنْ أَحَدٍ، وهو دَينُ عَمْرٍو.
مسألةٌ: إذا قالَ: لِزَيدٍ عليَّ عَشَرةٌ إلَّا نصفَ ما لِعَمْرٍو عليَّ، ولِعَمْرٍو عليَّ عَشَرةٌ إلَّا ثُلثَ ما لِزَيدٍ، فاجْعَلْ لِزَيدٍ شَيئًا، ولِعَمْرٍو عَشَرةً إلَّا ثُلثَ شيء
(8)
، فنِصْفُ دَينِ عَمْرٍو خمسةٌ إلَّا سدسَ
(9)
شَيءٍ، فهذا يَعدِلُ ثُلُثَيْ دَينِ زَيدٍ، وهو ثُلُثا شَيءٍ، فاجْبُر الخَمْسةَ إلَّا سُدس
(10)
شَيءٍ بسُدس
(11)
شَيءٍ، وزِدْ مِثْلَه على الشَّيء، يَصِيرُ خمسةَ أسْداسِ شَيءٍ، فابْسُط الدَّراهِمَ الخَمْسةَ مِنْ جِنْسِها أسْداسًا تكن
(12)
ثلاثين، اقْسِمْها على الخمسة أسْداسٍ، تخرج بالقِسْمة سِتَّةٌ،
(1)
في (م): واحدًا.
(2)
في (م): إحدى.
(3)
في (ظ): يبقى.
(4)
في (ن): فقسمها.
(5)
في (م): يخرج.
(6)
في (م): واحد.
(7)
في (م): يخرج.
(8)
في (م): وشيء.
(9)
قوله: (عمرو خمسة إلا سدس) في (م): وخمسة الأسداس.
(10)
في (م): الأسداس.
(11)
قوله: (فهذا يعدل ثلثي دين
…
) إلى هنا هو في (ن): فسدس.
(12)
في (م): يكون.
وهي دَينُ زَيدٍ، فعُلِمَ أنَّ الدَّينَ الآخَرَ ثَمانِيَةٌ؛ لِأنَّ السِّتَّةَ تَنْقُصُ عن
(1)
العَشَرة بنِصْفِ الثَّمانِيَة.
(وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَعَبْدَيْنِ مُتَسَاوِيَيِ
(2)
الْقِيمَةِ، لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمَا
(3)
، فَقَالَ أَحَدُ الاِبْنَيْنِ: أَبِي أَعْتَقَ هَذَا فِي مَرَضِهِ
(4)
، وَقَالَ الآْخَرُ: بَلْ أَعْتَقَ هَذَا الآخَرَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ
(5)
؛ عَتَقَ
(6)
مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ)؛ لِأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما حقُّه نِصْفُ العَبْدَينِ، فقُبِلَ قَولُه في عِتْقِ حقِّه مِنْ الَّذي عيَّنه، وهو ثُلُثَا النِّصفِ الَّذي له، وذلك الثُّلُثُ؛ لِأنَّه يَعتَرِفُ بحُرِّيَّةِ ثلثيه
(7)
، فيُقبل
(8)
قَولُه في حقِّه منهما، وهو الثُّلُثُ، ويَبقَى الرِّقُّ في ثُلُثِه، فله نصفُه، وهو السُّدُسُ ونصفُ العَبْد الَّذي يُنْكِرُ عِتْقَه، وقد بيَّنَه بقَوله:(وَصَارَ لِكُلِّ ابْنٍ سُدُسُ) العبد
(9)
(الَّذِي أَقَرَّ بِعِتْقِهِ، وَنِصْفُ الْعَبْدِ الآْخَرِ)؛ لِأنَّ كلَّ ابنٍ يَملِكُ نِصْفَ كلِّ عبدٍ، وقد عَتَقَ ثُلُثُ الَّذي أَقَرَّ بعِتْقِه، يبقى
(10)
سُدُسُه ونِصْفُ الآخَر على ما كان عَلَيهِ قَبْلَ الإقْرارِ.
(وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَبِي أَعْتَقَ هَذَا، وَقَالَ الآْخَرُ: أَبِي أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا لَا أَدْرِي مَنْ مِنْهُمَا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا)؛ «لِأنَّ رجلاً أَعْتَقَ ستَّةَ مَمْلُوكِينَ له عن دُبُرٍ،
(1)
في (م): على.
(2)
في (م) و (ن): متساوي.
(3)
في (م): غيرها.
(4)
قوله: (في مرضه) سقط من (ن).
(5)
قوله: (في مرض موته) سقط من (ظ) و (م).
(6)
في (م): عتق الآخر.
(7)
في (ن): ثلثه.
(8)
في (م): فقبل.
(9)
قوله: (العبد) سقط من (ن).
(10)
زيد في (ن): سدس.
فأَقْرَعَ بَينَهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأَعْتَقَ اثْنَينِ وأرَقَّ أربعةً»
(1)
، ولأنَّ
(2)
القُرْعةَ شُرِعَتْ للتَّمْييز؛ ولِأنَّها تَقُومُ مَقامَ الَّذي لم يُعيَّنْ عِتْقُه.
(فَإِنْ وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى الَّذِي اعْتَرَفَ الاِبْنُ بِعِتْقِهِ؛ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثَاهُ)؛ لِأنَّه الثُّلُثُ؛ كما لو عيَّناه
(3)
بقَولِهما، (إِنْ لَمْ يُجِيزَا عِتْقَهُ
(4)
كَامِلاً)، فإذا أجازاهُ؛ عَتَقَ كلُّه، عَمَلاً بالعِتْقِ السَّالِمِ عن المُعارِضِ.
(وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الآْخَرِ؛ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ عَيَّنَ
(5)
الْعِتْقَ فِي الْعَبْدِ الثَّانِي سَوَاءً)؛ لِأنَّ القُرْعةَ جَعَلَتْه مُستَحِقًّا للعتق
(6)
بالنِّسبة إلى الاِبْنِ المدَّعِي عَدَمَ المعرفة، فصَارَ بمَنزِلةِ ما لو عيَّنَه.
فعَلَى هذا: يَعتِقُ ثُلُثُ كلِّ واحِدٍ، ويَبْقَى سُدُسُ الخارِجِ بالقُرعة للذي
(7)
قال: لا أدْرِي، ونِصفُه للاِبْنِ الآخَرِ، ويَبقَى نِصفُ العَبْد الآخَرِ لِلاِبْن الَّذي قال: لا أدْرِي، وسُدُسُ الآخَرِ.
فإنْ رَجَعَ الاِبْنُ الَّذي جَهِلَ عَينَ المعتَق
(8)
، فعَيَّنَ أحدَهما؛ عَتَقَ منه ثُلثُه، وهل يَبطُلُ العِتْقُ في الَّذي عَتَقَ بالقُرْعة؟ فِيهِ وَجْهانِ.
(1)
أخرجه مسلم (1668)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(2)
في (م): لأن.
(3)
في (ن): عينا.
(4)
في (م): لم يجز أعتقه.
(5)
في (ظ) و (م): عينا.
(6)
قوله: (للعتق) سقط من (م).
(7)
في (ن): الذي.
(8)
في (ظ): العتق.
(بَابُ الإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ)
المُجْمَلُ: ما لم تتَّضِح
(1)
دَلالَتُه، وهو نَقِيضُ المُبَيَّن، وهو: ما احْتَمَلَ أمْرَينِ فَصاعِدًا على السَّواء.
(إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ، أَوْ كَذَا)، صَحَّ إقْرارُه بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(2)
، ويفارقُ
(3)
الدَّعْوَى حَيثُ لا تصح
(4)
بالمجْهولِ؛ لكون
(5)
الدَّعْوَى له والإقْرارِ عَلَيهِ، فَلَزِمَه ما عَلَيهِ مع الجَهالة، دُونَ ما لَهُ، ولِأنَّ الدَّعْوَى إذا لم تَصِحَّ فله تحريرُها، والمُقِرُّ لا داعي له إلى التَّحْرير، ولا يُؤمَنُ رجوعه عن إقْراره، فألْزَمْنا مع
(6)
الجَهالَة.
وتَصِحُّ الشَّهادةُ على الإقْرارِ به؛ كالمعْلُوم.
(قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ)؛ أيْ: يَلزمُه تفسيرُه؛ لِأنَّ الحُكْمَ بالمجْهولِ لا يَصِحُّ.
(فَإِنْ أَبَى؛ حُبِسَ حَتَّى يُفَسِّرَ)؛ أيْ: إذا امْتَنَع من التَّفسير؛ فإنَّه يُحبَسُ حتَّى يُفسِّرَ، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لِأنَّ التَّفْسِيرَ حقٌّ عَلَيهِ، فإذا امْتَنَعَ منه؛ حُبِسَ عَلَيهِ؛ كالمال.
وقال القاضِي: يُجعَلُ ناكِلاً، ويُؤمَرُ المُقَرُّ له بالبَيَان، فإنْ بَيَّنَ شَيئًا، فصدَّقه المُقِرُّ؛ ثَبَتَ، وإنْ كذَّبَه وامْتَنَعَ من البيان؛ قِيلَ له: إنْ بيَّنْتَ وإلَّا جَعَلْتُكَ ناكِلاً وقَضَيتُ عَلَيكَ.
(1)
في (م): لم يتضح.
(2)
ينظر: المغني 5/ 137.
(3)
في (ن): وتفارق.
(4)
في (م): لا يصح.
(5)
في (م): بكون.
(6)
قوله: (فألزمنا مع) في (م): خالف منافع.
(فَإِنْ مَاتَ؛ أَخَذَ وَارِثُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إِنْ خَلَّفَ المَيِّتُ شَيْئًا يُقْضَى مِنْهُ)، زاد في «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الفُروع»: وقُلْنا: لا يُقبَلُ تفسيرُه بِحَدِّ قَذْفٍ؛ لِأنَّ الحقَّ ثَبَتَ على مُوَرِّثِهم، فتَعَلَّقَ بتَرِكَتِه؛ كما لو كان مُعَيَّنًا، (وَإِلَّا فَلَا)؛ أيْ: لا يُؤاخَذُ بالتَّفسير حَيثُ لم يُخلِّف الميِّتُ شَيئًا يُقْضَى منه؛ لِأنَّ الوارِثَ لا يَلزَمُه وَفاءُ دَينِ الميِّتِ إذا لم يُخلِّفْ تَرِكةً؛ كما لا يَلزَمُه في حَياتِه.
وعَنْهُ: إنْ صَدَّقَ الوارِثُ مَورُوثَه في إقْراره؛ أُخِذَ به، وإلَّا فَلَا.
وقِيلَ: إنْ أبَى وارِثٌ أنْ يُفَسِّرَه، وقال: لا عِلْمَ لي بذلك؛ حَلَفَ، ولَزِمَه من التَّرِكة ما يَقَعُ عَلَيهِ الاِسْمُ؛ كالوصيَّةِ له بشَيءٍ، قال في «الشَّرح»: ويَحتَمِلُ أنْ يكُونَ المُقِرُّ كذلك إذا حَلَفَ أنْ لا يَعلَمُ؛ كالوارِثِ.
فرعٌ: إذا ادَّعَى عَلَيهِ شَيئًا، فأَقَرَّ بغَيرِه؛ صحَّ، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، إنْ صدقه
(2)
، والدَّعْوَى باقِيَةٌ.
(فَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ، أَوْ مَالٍ؛ قُبِلَ وَإِنْ قَلَّ
(3)
، وثَبَتَ؛ لِأنَّه يَصِحُّ إطلاقه
(4)
على ما ذُكِرَ حقيقةً وعُرْفًا، إلاَّ أنْ يُكذِّبَه المُقَرُّ له، ويَدَّعِي جِنْسًا آخَرَ، أوْ لا
(5)
يَدَّعِي شَيئًا، فيَبطُلُ إقْرارُه، وكذلك سائرُ ما يُتَمَوَّلُ غالِبًا.
(وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ؛ كَقِشْرِ جَوْزَةٍ، أَوْ مَيْتَةٍ، أَوْ خَمْرٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ)، وكذلك سائرُ ما لا يُتَمَوَّلُ عادةً؛ لِأنَّ إقْرارَه اعْتِرافٌ بحقٍّ عَلَيهِ، فإذا فسَّرَه بقِشْرِ جَوزَةٍ أوْ بَيضةٍ؛ لم يُقبَلْ؛ لِأنَّه لا يَثبُتُ في الذِّمَّة، وأمَّا المَيْتَةُ والخَمْرُ؛ فلَيسَا بحقٍّ عليه
(6)
، قال جماعةٌ: وكحَبَّةِ بُرٍّ أوْ شَعِيرٍ.
(1)
ينظر: زاد المسافر 4/ 299.
(2)
قوله: (إن صدقه) سقط من (م).
(3)
في (ظ): وإن قل قُبل.
(4)
في (م): بإطلاقه.
(5)
في (م): ولا.
(6)
قوله: (فإذا فسره بقشر جوزة أو بيضة
…
) إلى هنا سقط من (م).
وقِيلَ: يُقبَلُ، وجَزَمَ به الأَزَجِيُّ، وزاد: أنَّه يَحرُمُ أخْذُه، ويَجِبُ ردُّه، وأنَّ قِلَّتَه لا تمنع
(1)
طَلَبَه والإقْرارَ به.
والأَشْهَرُ: لا يُقبَلُ بِرَدِّ سَلامٍ، وتَشْمِيتِ عاطِسٍ، وعِيادةِ مريضٍ، وإجابةِ دَعْوةٍ ونحوِه؛ لِأنَّ هذه الأشْياءَ تَسقُطُ بفَواتها، ولا تَثْبُتُ في الذِّمَّة.
وقِيلَ: يُقبَلُ تَفْسِيرُه إذا
(2)
أراد حقًّا على ردِّ سَلامِه إذا سلَّم، وتَشْمِيتِه إذا عَطَسَ؛ للخَبَر
(3)
.
(وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ، أَوْ حَدِّ قَذْفٍ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهُما
(4)
: يُقبَلُ، لم يَذكُرْ في حدِّ القَذْف في «الكافي» غَيرَه، وصحَّحه في «الشَّرح» فيه أيضًا؛ لأِنَّه حقٌّ عَلَيهِ في ذِمَّته، والكلبُ شَيءٌ يَجِبُ ردُّه وتسليمُه إلَيهِ، فالإيجاب
(5)
يَتَناوَلُه.
والثَّاني: لا يُقبَلُ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ حدَّ القَذْف لَيسَ بمالٍ، والإقْرارُ إخْبارٌ عمَّا يَجِبُ ضَمانُه، والكلبُ لا يَجِبُ ضمانه
(6)
.
ولم يُفرِّق المؤلِّفُ هُنا في الكلب بَيْنَ ما يَجُوزُ اقْتِناؤه أوْ يَحرُمُ، وكذا السَّامَرِّيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية» .
والمذْهَبُ، كما ذَكَرَه في «الكافي» و «المحرَّر» و «الشَّرح» و «الفروع»: أنَّ الخلاف
(7)
إنَّما هو فِيمَنْ يُباحُ نَفْعُه، فَعَلَى هذا: لو فسَّرَه بما لا يَجُوزُ اقْتِناؤه؛
(1)
في (ن): لا يمنع.
(2)
في (م): وإذا.
(3)
أخرجه البخاري (1240)، ومسلم (2162)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«حقُّ المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام، وعيادةُ المريض، واتباعُ الجنائز، وإجابةُ الدعوة، وتشميتُ العاطس» .
(4)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب إذا كان الكلب يباح اقتناؤه).
(5)
في (م): فلا يجاب.
(6)
قوله: (والكلب لا يجب ضمانه) سقط من (م).
(7)
قوله: (أن الخلاف) سقط من (م).
لم يُقبَلْ، قَولاً واحِدًا.
والخِلافُ جارٍ في جِلْدِ مَيتَةٍ، وذَكَرَ الأَزَجِيُّ: وفي مَيتَةٍ، وأطْلَقَ في «التَّبصرة» الخِلافَ في كلبٍ وخِنْزيرٍ.
(وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُ مِنْهُ
(1)
شَيْئًا، ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ وَلَدِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ)، جَزَمَ به في «المستوعب» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» في (نَفْسِه)؛ لِأنَّ الغَصْبَ لا يَثبُتُ عَلَيهِ، ولا على وَلَدِه؛ إذ الغَصْبُ الاِسْتِيلاءُ على مالِ الغَيرِ.
وإنْ فَسَّرَه بخَمْرٍ، أوْ جِلْدِ مَيتَةٍ، أوْ كلبٍ فيه نَفْعٌ؛ قُبِلَ منه.
وفي الوَلَد وَجْهٌ: أنَّه يُقبَلُ.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّه
(2)
إنْ فَسَّرَه بما يُنتَفَعُ به؛ قُبِلَ.
قال الأَزَجِيُّ: فإنْ كان المقَرُّ له
(3)
مُسلِمًا؛ لَزِمَه إراقةُ الخَمْر وقتلُ
(4)
الخِنْزيرِ.
وإنْ قال: غَصَبْتُكَ، ثُمَّ فسَّرَه بحَبْسِه وسَجْنه؛ قُبِلَ.
وفي «الكافي» : لا يَلزَمُه شَيءٌ؛ لِأنَّه قد يَغصبُه نَفْسَه.
وذَكَرَ الأَزَجِيُّ: إنْ قال: غَصَبْتُكَ، ولم يَقُلْ شَيئًا؛ قُبِلَ بنَفْسِه وَوَلَدِه عِنْدَ القاضِي.
قال
(5)
: وَعِنْدِي لَا؛ لِأنَّ الغَصْبَ حكمٌ شَرْعِيٌّ، فلا يُقبَلُ إلاَّ بما هو مُلتَزَمٌ شَرعًا.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَليَّ
(6)
مَالٌ عَظِيمٌ، أَوْ خَطِيرٌ، أَوْ كَثِيرٌ، أَوْ جَلِيلٌ؛ قُبِلَ
(1)
قوله: (غصبت منه) هو في (ظ): غصبته.
(2)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(3)
قوله: (له) سقط من (ظ).
(4)
في (م): وقيل.
(5)
في (م): وقال.
(6)
قوله: (علي) سقط من (م).
تَفْسِيرُهُ بِالْكَثِيرِ وَالقَلِيلِ
(1)
مِنْ المال؛ لأِنَّه لا حدَّ لذلك في لُغَةٍ ولا شَرْعٍ ولا عُرْفٍ، والنَّاسُ يَختَلِفُونَ في ذلك، ولِأنَّه ما مِنْ مالٍ إلَّا وهو عظيمٌ كثير
(2)
بالنِّسبة إلى ما دُونَه.
ويَتَوَجَّهُ: العُرْفُ وإنْ لم يَنضَبطْ؛ كيَسِيرِ اللُّقَطة والدَّمِ الفاحِشِ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: عُرْفُ المتكلِّمِ، فيُحمَلُ مُطلَقُ كلامِه على أقَلِّ مُحتَمَلاتِه
(3)
.
واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ: في مالٍ عظيمٍ نِصابَ السَّرِقة، وقال في خَطِيرٍ ونَفِيسٍ: صِفَةٌ لا يَجُوزُ إلْغاؤها؛ كسليمٍ
(4)
.
وإنْ قال
(5)
: عظيمٌ عِنْدَ الله؛ قُبِلَ بالقَليلِ، وإنْ قال
(6)
: عظيمٌ عِنْدِي؛ احْتَمَلَ كذلك، واحْتَمَلَ: يُعتبر
(7)
حالُه.
فإنْ قال: له عليَّ مالٌ، ولم يصفه
(8)
؛ قُبِلُ تَفْسيرُه بأقلِّ ما يُتَمَوَّلُ؛ لأِنَّ اسْمَ المالِ يَقَعُ عَلَيهِ حقيقةً وعُرْفًا، ويُتَمَوَّلُ عادةً، فقُبِلَ تَفْسيرُه به
(9)
؛ كالمال الزَّكَوِيِّ، فإنْ فَسَّرَه بأمِّ وَلَدٍ؛ قُبِلَ.
وقال ابنُ حَمْدانَ: ويَحتَمِلُ ردُّه.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ
(10)
؛ قُبِلَ تَفْسِيرُهَا
(11)
بِثَلَاثَةٍ)؛ كدَراهِمَ،
(1)
في (ن): بالقليل والكثير.
(2)
في (م) و (ن): كبير.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 536، الفروع 11/ 451.
(4)
في (ن): كسَيلم. والمثبت موافق للفروع 11/ 451.
(5)
في (م): قلنا.
(6)
في (م): قلنا.
(7)
في (م) و (ن): تتغير. والمثبت موافق للفروع 11/ 451.
(8)
في (ن): ولم يضفه.
(9)
قوله: (به) سقط من (م).
(10)
قوله: (كثيرة) سقط من (م).
(11)
في (م): تفسيره.
نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، (فَصَاعِدًا)؛ لِأنَّ الثَّلاثةَ أقل
(2)
الجَمْع، قال في «الفُروع»: ويَتَوَجَّهُ فَوقَ العَشَرة؛ لِأنَّه اللُّغةُ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا بُدَّ للكَثْرة مِنْ زِيادةٍ، ولو دِرْهَمٍ؛ إذْ لا حدَّ للوَضْع، كذا قال.
وفي «المذهب» : احْتِمالُ تسعةٍ؛ لِأنَّه أكثرُ القَليلِ.
وإنْ فَسَّرَ ذلك بما يُوزَنُ بالدَّراهِمِ عادةً؛ كإبْرِيسمٍ وزَعْفرانٍ؛ ففي قَبوله احْتِمالانِ.
وإنْ قال: له عليَّ
(3)
بعضُ العَشَرةِ؛ فسَّرَه بما شاءَ منها
(4)
، وإنْ قال: شَطْرُها، فنِصْفُها، وقِيلَ: ما شَاءَ.
(وَإِنْ قَالَ
(5)
: لَهُ عليَّ
(6)
كَذَا دِرْهَمٌ، أَوْ كَذَا وَكَذَا، أَوْ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمٌ - بِالرَّفْعِ -؛ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) في قَولِ ابنِ حامِدٍ، وجَزَمَ به في «المستوعب» و «الكافي» و «الشَّرح» و «الوجيز» ، وقدَّمه
(7)
في «الفُروع» ؛ لِأنَّ تقديرَه مع عَدَمِ التَّكرير: شيءٌ
(8)
هو دِرْهَمٌ، فيُجعَلُ الدِّرْهَمُ بَدَلاً مِنْ كذا، والتَّكْرارُ للتَّأكيدِ لا يَقتَضِي الزِّيادةَ، كأنَّه قال: شَيءٌ شَيءٌ هو درهم
(9)
، فالتَّكْرارُ مع الواو بمنزلةِ قوله
(10)
: شَيئانِ هما دِرْهَمٌ؛ لِأنَّه ذَكَرَ شَيئَينِ، ثُمَّ أبْدَلَ منهما دِرهَمًا، فصار
(1)
ينظر: الفروع 11/ 451.
(2)
في (م): أول.
(3)
قوله: (علي) سقط من (م).
(4)
في (م): منهما.
(5)
في (م): قيل.
(6)
قوله: (علي) سقط من (م).
(7)
في (م): وقدره.
(8)
في (م): بشيء.
(9)
قوله: (فيجعل الدرهم بدلاً من كذا
…
) إلى هنا سقط من (م).
(10)
في (م): قال.
كأنَّه قال: هما دِرهَمٌ.
وقال التَّمِيميُّ: يَلزَمُه مع التَّكْرار دِرْهَمانِ.
وقِيلَ: دِرْهَمٌ وبعضُ آخَرَ، ويُفسِّرُه.
قال
(1)
في «المحرَّر» : وهذا عِنْدِي إذا كان يَعرِفُ العربيَّةَ، فإنْ لم يَعرِفْها؛ لَزِمَه بذلك دِرهَمٌ.
(وَإِنْ قَالَهُ
(2)
بِالْخَفْضِ؛ لَزِمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ، يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ)، جَزَمَ به في «الكافي» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ الدِّرهَمَ مخفوضٌ
(3)
بالإضافة، فيكُونُ المعْنَى: له عليَّ بعضُ دِرهَمٍ، ولأنَّه
(4)
إذا كرَّرَ؛ يَحتَمِلُ أنْ يكُونَ أضافَ
(5)
جُزءًا إلى جُزءٍ، ثُمَّ أضاف الجُزءَ الأخِيرَ إلى الدِّرهَمِ.
وقال القاضي: يَلزَمُه دِرهَمٌ.
وقِيلَ: يَجِبُ مع التَّكْرار بالواو دِرهَمٌ وبعضُ آخَرَ.
وقال المجْدَ: مَنْ جَهِلَ العربيَّةَ؛ يَلزَمُه دِرهَمٌ.
قال
(6)
القاضي: الإقْرارُ لا يعتبر
(7)
فيه العربيَّةُ، بدليلِ أنَّه لو قال: كذا دِرهَمٍ - بالخَفْض؛ لم يَلزَمْه مائةُ دِرهَمٍ؛ لكَونها أقلَّ عددٍ يُفسَّرُ بواحدٍ
(8)
مخفوض
(9)
.
(1)
في (م): وقال.
(2)
في (ن): قال.
(3)
في (ن): محفوظ.
(4)
في (م): لأنه.
(5)
قوله: (أضاف) سقط من (م).
(6)
في (ن): وقال.
(7)
في (م): لا تعتبر.
(8)
في (ن): فواحد.
(9)
في (م): محفوظ.
قال في «المستوعب» : وإنَّما لم يلزمه
(1)
المائةُ؛ لأنَّ
(2)
إقْرارَه يَحتَمِلُ المائةَ، ويَحتَمِلُ بعضَ دِرهَمٍ، فحُمِلَ على الأقلِّ؛ لأِنَّه اليقينُ، وما زَادَ لا يَلزَمُه؛ لِأنَّه مشكوكٌ فيه.
(وَإِنْ قَالَ
(3)
: كَذَا دِرْهَمًا - بِالنَّصْبِ -؛ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ)؛ لِأنَّ الدِّرهمَ وَقَعَ مُميِّزًا لمَا قَبْلَه، والمميِّزُ مفسِّرٌ.
وقال بعضُ النُّحاة: هو مَنصوبٌ على القَطْع، كأنَّه قَطَعَ ما ابْتَدَأَ به، وأَقَرَّ بدِرهَمٍ.
فرعٌ: إذا قال: له عليَّ كذا دِرهَمْ - بالوَقْف -؛ قُبِلَ تفسيرُه بجُزءِ درهم
(4)
، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الفُروع» ؛ لأِنَّه أسْقَطَ حركةَ الجر
(5)
للوَقْف.
وقال القاضي: يَلزَمُه دِرهَمٌ، واختار
(6)
المجْدُ: إنْ جَهِلَ العربيَّةَ، قال في «الفروع»: ويَتَوَجَّهُ في
(7)
عربيٍّ كذا دِرهمًا: أحدَ عَشَرَ؛ لأِنَّه أقلُّ عددٍ يُميِّزُه.
(وَإِنْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا - بِالنَّصْبِ -؛ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ
(8)
، وهو قَولُ القاضِي، وقَدَّمَه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّ (كذا) يَحتَمِلُ أقلَّ مِنْ دِرهمٍ، فإذا عُطِفَ عَلَيهِ مِثْلُه، ثُمَّ فَسَّرهُما بدِرهَمٍ واحِدٍ؛ جازَ، وكان كلامًا
(9)
صحيحًا.
(1)
في (ظ): لم تلزمه.
(2)
في (م): لأنه.
(3)
في (م): كان.
(4)
في (م): ودرهم.
(5)
في (ن): الجزء.
(6)
في (م): اختاره.
(7)
في (ن): من.
(8)
كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).
(9)
في (م) و (ن): كاملاً.
(وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ)؛ لِأنَّه ذَكَرَ جُملتَينِ فسَّرَهما بدِرهَمٍ، فيَعُودُ التَّفْسيرُ إلى كلِّ واحِدٍ منهما؛ كقوله: عِشْرونَ دِرهَمًا.
وقِيلَ: يَلزَمُه دِرهَمٌ وبعضُ آخَرَ؛ لِأنَّه جَعَلَ الدِّرْهَمَ تفسيرًا لمَا يَلِيهِ، والأُولَى باقِيَةٌ على إبْهامِها، فيُرجع
(1)
في تَفْسِيرها إلَيهِ.
وإنْ قال: كذا كذا دِرهمًا لَزِمَه أحدَ عَشَرَ؛ لِأنَّه أقلُّ عَدَدٍ مركَّب
(2)
يُفسَّر
(3)
بالواحِدِ.
وإنْ قال: كذا وكذا؛ لَزِمَه أحَدٌ وعِشْرُونَ دِرْهَمًا؛ لأِنَّه أقلُّ عَدَدٍ عُطِفَ بعضُه على بعضٍ، فيفسَّر
(4)
بذلك.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ؛ رُجِعَ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ)؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ الدَّراهِمَ أو الدَّنانِيرَ، أوْ غير
(5)
ذلك، ففي الأَلْف إبهامٌ
(6)
كالشَّيء، (فَإِنْ
(7)
فَسَّرَهُ بِأَجْنَاسٍ؛ قُبِلَ مِنْهُ)؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ ذلك؛ كالجِنْسِ الواحِدِ، وفي نحو: كِلابٍ؛ وَجْهانِ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ
(8)
وَدِرْهَمٌ، أَوْ أَلْفٌ وَدِينَارٌ، أَوْ أَلْفٌ وَثَوْبٌ، أَوْ فَرَسٌ، أَوْ دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ، أَوْ دِينَارٌ وَأَلْفٌ؛ فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي: الْأَلْفُ مِنْ جِنْسِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وجزم
(9)
به ابنُ هُبَيرةَ وصاحِبُ «الوجيز» ؛ لأِنَّه ذُكِرَ مُبهَمًا مع
(1)
في (م): إيهامها ويرجع.
(2)
في (ن): يركب.
(3)
في (م): يفسره.
(4)
في (م): يفسره.
(5)
في (م): والدنانير وغير.
(6)
في (م): إيهام.
(7)
في (م) و (ن): وإن.
(8)
زيد في (م): درهم.
(9)
في (م): جزم.
مُفَسَّرٍ، فكان
(1)
المبْهَمُ مِنْ جِنْسِ المفسَّر؛ كما لو قال: مِائَةٌ وخَمْسونَ دِرهَمًا؛ لِأنَّ العَرَبَ تَكتَفِي بتفسيرِ إحدى
(2)
الجُمْلتَينِ عن الأُخْرَى؛ كقوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)} [الكهف: 25].
ولَوْ قال
(3)
المؤلِّفُ: مِنْ جِنْسِ ما ذُكِرَ معه؛ لَكَانَ أَوْلَى.
(وَقَالَ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إِلَيْهِ)، وقاله
(4)
أكثرُ العُلَماء؛ لِأنَّ العَطْفَ لا يَقتَضِي التَّسْوِيَةَ بَينَ المعطوفَينِ في الجِنْس؛ كقولك: رأيتُ رجلاً وحِمارًا، ولِأنَّ الأَلْفَ مُبهَمٌ، فرُجِع
(5)
في تَفْسيرِه إلَيهِ؛ كما لو لم يُعطَفْ عَلَيهِ.
وفي «المحرَّر» عن التَّمِيمِيِّ: أنَّه يُرجَعُ إلى تَفْسيرِه مع العَطْف، دُونَ التَّمْييزِ والإضافةِ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ خَمْسُونَ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ؛ فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ)، قدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية» و «المحرَّر» ، وحَكاهُ عن التَّمِيمِيِّ، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لِأنَّ المفسِّرَ إذا تَعقَّبَ أشْياءَ؛ رَجَعَ إلى جميعِها في لِسانِ العَرَب، كقَوله تعالى:{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: 23]، و {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يُوسُف: 4].
والفَرْقُ بَينَ هذه والَّتي قَبْلَها: أنَّ الدَّراهِمَ ذُكِرَ هُنا تفسيرًا، ولهذا لا يَجِبُ بزيادةٍ على العدد، وفي الَّتي قَبْلَها ذُكِرَ للإيجاب، ولهذا يَجِبُ بزيادةٍ على الألْف، كذا فرَّقَ بَينَهما أبو الخَطَّاب.
(1)
في (م): وكان.
(2)
في (م): أحد.
(3)
قوله: (ولو قال) في (م): وقال.
(4)
في (م): وقال
(5)
في (ن): فيرجع.
(وَيَحْتَمِلُ عَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ: أَنْ يُرْجَعَ فِي تَفْسِيرِ الأَلْفِ
(1)
إِلَيْهِ)، قاله أبو الخَطَّاب، وصحَّحَه السَّامَرِّيُّ؛ لِأنَّ الإبهام
(2)
فِيهِ واقِعٌ، أشْبَهَ قَولَه: له
(3)
عليَّ ألْفٌ ودِرهَمٌ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إِلَّا دِرْهَمًا؛ فَالْجَمِيعُ
(4)
دَرَاهِمَ)، اخْتارَه ابنُ حامِدٍ والقاضِي، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لِأنَّ الاِسْتِثْناءَ الصَّحيحَ: ما كان من الجِنْس.
وقال التَّمِيمِيُّ وأبو الخَطَّاب: يُرجَعُ في تَفْسِيرِ الأَلْف إلَيهِ؛ لِأنَّ الأَلْفَ مُبْهَمٌ، والدِّرْهَمَ لم يُذكر
(5)
تَفْسِيرًا له، ولأِنَّه يَحتَمِلُ أنَّه أراد الاِسْتِثْناءَ مِنْ غَيرِ الجِنس.
وجَوابُه: أنَّه
(6)
لم يَرِدْ عن العرب الاِسْتِثْناءُ مِنْ الإثْبات إلَّا من الجِنْس، فمَتَى عُلِمَ أحدُ الطَّرَفَينِ؛ عُلِمَ أنَّ الآخَرَ مِنْ جِنْسِه، كما لو عُلِمَ المسْتَثْنَى منه.
وعلى قَولِ التَّمِيمِيِّ وأبِي الخَطَّاب: إن
(7)
فَسَّرَه بغَيرِ الجِنْس؛ بَطَلَ الاِسْتِثْناءُ فيه
(8)
.
تنبيهٌ: إذا قال: مِائَةٌ وخَمْسونَ دِرْهَمًا؛ فالجميعُ دَراهِمُ.
وقِيلَ: لا يكُونُ تَفْسِيرًا إلاَّ لمَا يَلِيهِ.
(1)
في (م): الأول.
(2)
في (م): الإيهام.
(3)
قوله: (له) سقط من (م).
(4)
في (م): فالجمع.
(5)
في (م): والدراهم لم تذكر.
(6)
زيد في (ن): إذا.
(7)
قوله: (إن) سقط من (م).
(8)
قوله: (فيه) سقط من (م) و (ن).
وإنْ قال: تِسْعةٌ وتِسْعُونَ دِرْهَمًا؛ فالكلُّ دَراهِمُ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
فإنْ قال: له عليَّ ألْفٌ إلَّا شَيئًا؛ قُبِلَ تَفْسِيرُه على ما دُونَ النِّصْف.
وكذا إنْ قال: إلاَّ قليلاً.
وإنْ قال: له عليَّ مُعظَمُ الألف
(2)
، أوْ جُلُّها
(3)
؛ لَزِمَه أكثر
(4)
مِنْ نِصْفِ الألْفِ، ويَحلِفُ على الزِّيادة إذا ادُّعيت
(5)
عَلَيهِ، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
(وَإِذَا
(6)
قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ شِرْكٌ، أَوْ: هُوَ شَرِيكِي فِيهِ، أَوْ: هُوَ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا؛ رُجِعَ فِي تَفْسِيرِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إِلَيْهِ)؛ لِأنَّ الشَّرِكةَ تَقَعُ على النِّصف تارةً، وعلى غَيرِه أخْرَى.
ومَتَى تردَّدَ اللَّفْظُ بَينَ شَيئَينِ فصاعِدًا؛ رُجِعَ في
(7)
التَّفْسِير إلَيهِ بأيِّ جُزْءٍ كان له فِيهِ شَرِكةٌ، فكان له تَفْسيرُه بما شاء؛ كالنِّصف، ولَيسَ إطْلاقُه على ما دُونَ النِّصف مَجازًا، ولا مُخالِفًا للظَّاهِر.
وإنْ قال: هو لِي وله، أوْ: قد أشْرَكْتُه فِيهِ؛ فكذلك
(8)
.
وإنْ قال: له فِيهِ سَهْمٌ؛ فكذا في قَولِ الأكْثَرِ، وجَعَلَه القاضِي سُدُسًا؛ كالوصيَّةِ، وجَزَمَ به في «الوجيز» .
(1)
ينظر: المغني 5/ 132، الشرح 30/ 337.
(2)
في (ظ): ألف.
(3)
في (م): أجلها.
(4)
في (م): الأكثر.
(5)
في (ن): أوعيت.
(6)
في (ن): وإن.
(7)
في (ن): إلى.
(8)
في (م): كذلك.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ مَالِ فُلَانٍ؛ قِيلَ لَهُ: فَسِّرْ
(1)
؛ لِأنَّ المُقَرَّ به
(2)
مَجْهولٌ، (فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ قَدْرًا؛ قُبِلَ)، وإنْ قلَّ؛ كحَبَّةِ بُرٍّ، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغَيره؛ لأنَّ
(3)
مَنْ رُجِعَ إلى تَفْسِيره؛ قُبِلَ منه ما فسَّرَه به.
(وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَكْثَرَ بَقَاءً وَنَفْعًا
(4)
؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ أَنْفَعُ مِنَ الْحَرَامِ؛ قُبِلَ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ كَذِبُه، (سَوَاءٌ عَلِمَ مَالَ فُلَانٍ، أَوْ جَهِلَهُ، أَوْ ذَكَرَ قَدْرَهُ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ)، جَزَمَ به السَّامَرِّيُّ والمجْدُ وصاحِبُ «الوجيز» ، وقدَّمَه في «الرِّعاية» و «الفُروع» ؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ ما قالَهُ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَلْزَمَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ قَدْرًا بِكُلِّ
(5)
حَالٍ)، قال في «الكافي»: وهو الأولى
(6)
؛ لِأنَّه ظاهِرُ اللَّفْظِ السَّابِقِ إلى الفَهْم؛ كما لو أَقَرَّ له
(7)
بدَراهِمَ؛ لَزِمَه ثلاثةٌ، ولم يُقبَلْ تَفْسِيرُه بما دُونَها.
وقدَّمَ في «الشَّرح» : إنْ فَسَّرَه بأقلَّ مِنْ مالِه مع عِلْمِه؛ أنَّه لا يُقبَلُ.
ولَوْ قال: له مِثْلُ ما في يَدِ زَيدٍ؛ لزِمَه مِثْلُه.
ولو قال: لِي عَلَيكَ ألْفٌ، فقال: عليَّ أكثرُ مِنْها؛ لم يَلزَمْه أكثرُ منها
(8)
عِنْدَ القاضِي، ويُفسِّرُه، وخالف
(9)
المؤلِّف فِيها، وهو أظْهَرُ؛ لِأنَّ لفظة
(10)
(1)
قوله: (له فسر) في (م): فسره.
(2)
في (م): المفسر هو.
(3)
في (م): ولأن.
(4)
في (م): أو نفعًا.
(5)
في (م): لكل.
(6)
في (م): أولى.
(7)
قوله: (له) سقط من (م).
(8)
قوله: (لم يلزمه أكثر منها) سقط من (ن).
(9)
قوله: (وخالف) سقط من (م).
(10)
في (م): لفظ.
«أكْثَر» إنَّما
(1)
تستعمل
(2)
حقيقةً في العَدَد أو القَدْر، وينصرف
(3)
إلى جِنسِ ما أضيفت
(4)
إلَيهِ، لا يُفهَمُ مِنْها عِنْدَ الإطْلاقِ غَيرُ ذلك.
فرع: ذَكَرَ في «المستوعب» و «الرِّعاية» : إذا قال: لِي عَلَيكَ ألْفٌ، فقال: لك عليَّ من الذَّهِب أكْثَرُ؛ فَسَّرَ الأكْثَرَ ونَوعَ الذَّهَب، وإنْ قال: أكْثَرُ عَدَدًا؛ صُدِّقَ في قَدْرِ الأكْثَرِ، ونَوعِ الذَّهَب مِنْ جَيِّدٍ ورَدِيءٍ، وتِبْرٍ ومَضْرُوبٍ.
قال في «الشَّرح» : ولَوْ قال: ما عَلِمْتُ لِفُلانٍ أكْثَرَ مِنْ كذا، وقامَت البيِّنةُ بأكْثَرَ منه؛ لم يَلزَمْه أكْثَرُ مِمَّا اعْتَرَفَ به؛ لأِنَّ مَبلَغَ المالِ حقيقةً لا يُعرَفُ في
(5)
الأَكْثَرِ.
(وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا، فَقَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَكَ
(6)
، وَقَالَ: أَرَدْتُ التَّهَزُّؤَ؛ لَزِمَهُ حَقٌّ لَهُمَا، يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قدَّمه في «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه أقرَّ لِفُلانٍ بحقٍّ مَوصُوفٍ بالزِّيادة على ما للمُدَّعِي، فيَجِبُ عَلَيهِ ما أَقَرَّ به لِفُلانٍ، ويَجِبُ للمُدَّعِي حقٌّ؛ لِأنَّ لَفْظَه يَقتَضِي أنْ يكُونَ له شَيءٌ.
(وَفِي الآْخَرِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ)، قدَّمه في «الرِّعاية»؛ لِأنَّه يَجُوزُ أنْ يكُونَ أراد: حقُّك عليَّ أكْثَرُ مِنْ حَقِّه، والحقُّ لا يَختَصُّ المالَ.
قال ابنُ المنَجَّى: وَالأوَّلُ أَوْلَى، وإرادةُ التَّهَزُّؤِ دَعْوى تتضمَّنُ
(7)
الرُّجُوعَ عن الإقْرار، فلا يُقبَلُ.
(1)
في (م): إنها.
(2)
في (ن): يستعمل.
(3)
في (م): وتنصرف.
(4)
قوله: (ما أضيفت) في (م): أما أضيف.
(5)
في (ن): من.
(6)
هنا تنتهي نسخة (م).
(7)
في (ن): يتضمن.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا
(1)
قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ؛ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ)، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لِأنَّ ذلك ما بَينَهما، وكذا إنْ عرَّفَهما بالأَلِفِ واللاَّم.
(وَإِنْ قَالَ: مِنْ دِرْهَمٍ إِلَى عَشَرَةٍ؛ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ) على المذْهَب؛ لِأنَّ «مِنْ» لِابْتِداءِ الغايةِ، وأوَّلُ الغايَة مِنْها، و «إلى» لِانْتِهاء الغايَة، ولا يُقالُ منها
(2)
؛ ك: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البَقَرَة: 187].
وقِيلَ: يَلزَمُه ثمانيةٌ، جَزَمَ به ابنُ شِهابٍ؛ لِأنَّ الأوَّلَ والعاشِرَ حَدَّانِ، فلا يَدخُلانِ في الإقْرارِ، فيَلزَمُه ما بَينَهما.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَلْزَمَهُ عَشَرَةٌ)، هذا رِوايَةٌ في «الوسيلة» ، قدَّمها في «الرِّعاية» ؛ لِأنَّ العاشِرَ أَحَدُ الطَّرَفَينِ، فيَدخُلُ فِيهَا كالأوَّل، وكما
(3)
لَوْ قال: قَرأْتُ القُرآنَ مِنْ أوَّلِه إلى آخِرِه.
قال في «المستوعب» : العَشَرَةُ حَدٌّ، هل تدخل
(4)
في المحْدُودِ؟ على رِوايَتَينِ، نَصَّ عَلَيهِما إذا حَلَفَ لا كَلَّمْتُكَ إلى العِيدِ
(5)
.
وكذا الخِلافُ إذا قال: ما بَينَ دِرهَمٍ إلى عَشَرةٍ، قال في «الفُروعِ»: ويَتَوَجَّهُ هُنا ثَمانِيَةٌ.
وإنْ أرادَ مَجْمُوعَ الأعْداد؛ فخَمْسةٌ وخَمْسونَ، وهو أنْ يَزِيدَ أوَّلَ العدد - وهو واحِدٌ - على العَشَرة، فيَصِيرَ أحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ اضْرِبْها في نِصْفِ
(1)
في (ن): إذا.
(2)
في (ظ): فيها.
(3)
في (ن): كما.
(4)
في (ن): يدخل.
(5)
ينظر: المستوعب 2/ 683.
العَشَرة؛ تَبْلُغْ ذلك.
وإنْ قال: ما بَينَ عَشَرَةٍ إلى عِشْرينَ، أوْ مِنْ عَشَرةٍ إلى عِشْرينَ؛ لَزِمَه تِسْعةَ عَشَرَ على الأوَّل، وعِشْرونَ على الثَّالِث، وقِياسُ الثَّاني: تِسْعةٌ، ذَكَرَه في «المحرَّر» وغَيره.
(وَإِنْ قاَلَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَوْقَ دِرْهَمٍ، أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ، أَوْ فَوْقَهُ، أَوْ تَحْتَهُ، أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ مَعَهُ دِرْهَمٌ)؛ لَزِمَه دِرهَمانِ
(1)
، قدَّمَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِأنَّه أَقَرَّ بدِرْهَمٍ مقرونٍ
(2)
بآخَرَ، فلَزِماهُ؛ كالعَطْف.
وقال القاضِي: يَلزَمُه دِرهَمٌ؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ فَوقَ دِرْهَمٍ أوْ تَحتَهُ في الجَودة، ويَحتَمِلُ مَعَه أوْ مَع دِرْهَمٍ لِي، فلم يَجِب الزَّائدُ بالاِحْتِمال.
فلَوْ قال: دِرْهَمٌ قَبْلَه دِرْهَمٌ وبَعدَه دِرهَمٌ؛ لَزِمَه ثلاثةٌ؛ لِأنَّ قَبْلَ وبَعْدَ تُستعمل للتَّقْدِيمِ والتَّأخِيرِ في الوُجُوب، فحُمِلَ عَلَيهِ.
وإنْ قال: قَبْلَ دِرهَمٍ أوْ بَعْدَ دِرهَمٍ؛ فاحْتِمالانِ، ذَكَرَه في «الرِّعاية» .
(أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ)؛ لَزِمَه دِرْهَمانِ، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» ، و «المستوعب» زَادَ: وجْهًا واحِدًا؛ لِأنَّه إنَّما نفى الاِقْتِصارَ على واحِدٍ، وأثْبَتَ الزِّيادةَ عَلَيهِ، أشْبَهَ ما لَوْ قال: دِرْهَمٌ بَلْ أكْثَرُ، فإنَّه يَلزَمُه اثْنانِ.
(1)
كتب في هامش (ظ): (وجه لزوم الدرهمين في هذه الصور؛ فلأن فوق وتحت من أسماء الظروف، ففوق يدل على جهة العلو، وتحت على جهة السفل، ومع للمصاحبة، واختلاف الجهة يدل على اختلاف الحال، فكأنه قال: له علي درهم في جهة أو مكان ودرهم في جهة أخرى، وكذا القول في تحت، وأما مع؛ فكأنه قال: له درهم يصحبه درهم، والمصاحبة من باب المفاعلة أو التضايف، والتغاير لازم للمعنَيَينْ).
(2)
في (ن): يقرون.
وقِيلَ: ثلاثةٌ، وهو قَولُ زُفَرَ ودَاوُدَ.
(أَوْ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ؛ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ)؛ لِأنَّه أَقَرَّ بهما، وإضْرابُه عَنْهُما لا يَصِحُّ، وإنَّما لم تلزمه
(1)
الثَّلاثةُ؛ لِأنَّ الثَّالِثَ يَصلُحُ أنْ يَدخُلَ فِيمَا قَبْلَه.
وقِيلَ: يَلزَمُه دِرهَمٌ، وهو ظاهِرٌ.
(وَإِنْ قَالَ
(2)
: دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمٌ لَكِنْ دِرْهَمٌ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ):
أحدُهُما: يَلزَمُه دِرهَمٌ، قدَّمه في «الكافي» ، قال أحمدُ فِيمَنْ قال لاِمْرأتِه: أنتِ طالِقٌ، لا بَلْ أنْتِ طالِقٌ؛ لم تَطلُقْ إلَّا واحِدةً
(3)
، وهذا في مَعْناه؛ لِأنَّه لم يُقِرَّ بأكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ.
والثَّانِي: يَلزَمُه دِرهَمانِ، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ حَمْلاً لِكَلامِ العاقِلِ على الفائدة، ولِأنَّ العَطْفَ يَقتَضِي المُغايَرَةَ، ولِأنَّه أضْرَبَ عن الأوَّل، فلم يَسقُطْ بإضْرابِه، وأثْبَتَ الثَّانِيَ معه.
وإنْ قال: دِرهَمٌ بَلْ دِرهَمانِ بَلْ ثلاثةٌ؛ وَجَبَ ثَلاثةٌ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ هَذَا الدِّرْهَمُ، بَلْ هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ؛ لَزِمَتْهُ
(4)
الثَّلَاثَةُ)، لا نَعلَمُ فِيهِ خِلافًا
(5)
؛ لِأنَّه متى كان الَّذي أَضْرَبَ عنه لا يُمكِنُ أنْ يكُونَ المذكورَ بَعدَه ولا بَعضَه؛ لَزِمَه الجَمِيعُ؛ لِأنَّه يكُونُ مُقِرًّا بهما، ولا يُقبَلُ رُجوعُه عن شَيءٍ مِنهُما، فلَزِماهُ.
(وَإِنْ قَالَ: قَفِيزُ حِنْطَةٍ، بَلْ قَفِيزُ شَعِيرٍ، أَوْ دِرْهَمٌ، بَلْ دِينَارٌ؛ لَزِمَاهُ مَعًا)،
(1)
في (ن): لم يلزمه.
(2)
زيد في (ن): له علي.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1783.
(4)
في (ن): لزمه.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 30/ 356.
جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمَه في «الفُروع» ؛ لِأنَّ الثَّانِيَ غَيرُ الأوَّلِ، وكِلاهُما مُقَرٌّ به، والإضْرابُ لا يَصِحُّ؛ لِأنَّ الإضراب
(1)
بَعْدَ الإقْرارِ لا يَصِحُّ.
وقِيلَ: يَلزَمُه الشَّعِيرُ والدِّينارُ؛ للإضْرابِ عن الأوَّل.
(وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ؛ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ)؛ لِأنَّه مُقِرٌّ به، وقَولُه:«فِي دِينارٍ» لا يَحتَمِلُ الحِسابَ.
فإنْ أرادَ العَطْفَ، أو مَعْنَى «مَعَ» ؛ لَزِماهُ، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
فإنْ فسَّرَه بالسَّلَمِ، فصدَّقَه؛ بَطَلَ إنْ تَفرَّقَا عن المجلس.
وإنْ قال: ثَوبٌ قَبَضْتُه في دِرهَمٍ إلى شَهْرٍ؛ فالثَّوبُ مالُ السَّلَم، أَقَرَّ بقَبْضِه، فيَلزَمُه الدِّرْهَمُ.
(وَإِنْ قَالَ: دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ؛ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ)؛ أيْ: إذا أطْلَقَ، ولم يُخالفْه عُرْفٌ، كما لَوْ قال: في عَشَرَةٍ لِي، فإنْ خالَفَه عُرْفٌ؛ ففي لُزُومه مُقتَضاهُ وَجْهانِ، (إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحِسَابَ؛ فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ)؛ لِأنَّ ذلك هو المُصْطَلَحُ عَلَيه عِنْدَ الحُسَّاب.
وإنْ أراد مَعَ عَشَرةٍ؛ لَزِمَه أحدَ عَشَرَ، إلَّا أنْ يكُونَ مِنْ أهْلِ الحِسابِ؛ فلا يُقبَلُ؛ عَمَلاً بالظَّاهِر، أوْ يُعمَلُ به؛ لِأنَّه لا يَمتَنِعُ أنْ يُستَعْمَلَ اصْطِلاحُ العامَّة، فِيهِ احْتِمالانِ، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
مَسائِلُ:
إذا قال: له عليَّ دِرهَمٌ ودِرهَمٌ، أوْ دِرهَمٌ فدِرهَمٌ، أوْ ثُمَّ دِرهَمٌ؛ لَزِمَه دِرهَمانِ.
وقِيلَ: إذا قال: دِرهَمٌ فدِرهَمٌ، أرَدْتُ دِرهَمٌ لَازِمٌ لي؛ أنَّه يُقبَلُ.
(1)
زيد في (ن): لا يصح.
والجَوابُ: أنَّ الفاءَ مِنْ حُروفِ العَطْف؛ كالواو وثُمَّ؛ لِأنَّه عَطَفَ شَيئًا على شَيءٍ، فاقْتَضَى ثَبوتَهما؛ كما لو قالَ: أنْتِ طَالِقٌ فطالِقٌ.
وإنْ قالَ: دِرهَمٌ ودِرهَمٌ ودِرهَمٌ، أوْ رَتَّبَ بِثُمَّ؛ لَزِمَه ثلاثةٌ، قدَّمه في «الكافي» و «الشَّرح» وغَيرِهما؛ لِأنَّ العَطْفَ يَقتَضِي المُغايَرَةَ، فَوَجَبَ أنْ يكُونَ الثَّالِثُ غَيرَ الثَّانِي، والثَّانِي غَيرَ الأوَّلِ، والإقْرارُ لا يَقتَضِي تأكيدًا، فَوَجَبَ حَمْلُه على العَدَد.
وفي «الرِّعاية» : أنَّه إذا أراد بالثَّالِثِ تَكْرارَ الثَّانِي وتَوكِيدَه؛ صُدِّقَ، وَوَجَبَ اثْنانِ، وإنْ أرادَ تَكْرارَ الأوَّلِ وتَوكِيدَه؛ فَلَا.
وكذا إنْ قال: دِرهَمٌ دِرهَمٌ دِرهَمٌ، فيَجِبُ مع الإطْلاقِ ثَلاثَةٌ، ذَكَرَه المؤلِّفُ والسَّامَرِّيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية»؛ كقَولِه: ثلاثةُ دراهم
(1)
، وقِيلَ: دِرهَمانِ.
وإنْ قال: دِرهَمٌ ودِرهَمٌ ثُمَّ دِرهَمٌ، أوْ: دِرهَمٌ فدِرهَمٌ ثُمَّ دِرهَمٌ، أوْ: دِرهَمٌ ثُمَّ دِرهَمٌ فدِرهَمٌ؛ لَزِمَه ثلاثةٌ، وجْهًا واحِدًا؛ لِأنَّ الثَّالِثَ مُغايِرٌ للثَّانِي، فلم يَحتَمِلِ التَّأكِيدَ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي تَمْرٌ فِي جِرَابٍ، أَوْ سِكِّينٌ فِي قِرَابٍ، أَوْ ثَوْبٌ فِي مِنْدِيلٍ، أَوْ عَبْدٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ، أَوْ دَابَّةٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ؛ فَهَلْ يَكُونُ مُقِرًّا بِالظَّرْفِ وَالْعِمَامَةِ وَالسَّرْجِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يكُونُ مُقِرًّا بالمظروف
(2)
فَقَطْ، اخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقالَهُ أكْثَرُ العُلَماء؛ لِأنَّ إقْرارَه لم يَتَناوَلِ الظَّرْفَ؛ لِأنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكُونَ في ظَرْفٍ للمُقِرِّ، وكجَنِينٍ في جارِيَةٍ، أوْ دابَّةٍ في بَيتٍ.
(1)
في (ن): درهم.
(2)
في (ن): بالظرف.
الثَّانِي: يكُونُ مُقِرًّا بالثَّانِي كالأوَّل؛ لِأنَّه ذَكَرَه في سِياقِ الإقْرارِ، أشْبَهَ المظْروفَ.
واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فِيمَا إذا قال: عَبْدٌ عَلَيهِ عِمامَةٌ: يكُونُ مُقِرًّا بِهِما
(1)
.
وكذلك إنْ قال: غَصَبْتُ ثَوبًا في مِندِيلٍ، أو زَيتًا في زِقٍّ، أوْ دَراهِمَ في كِيسٍ، أوْ في صُندُوقٍ.
وقِيلَ: إنْ قَدَّمَ المظْروفَ؛ فهو مُقِرٌّ به، وإنْ أخَّرَه؛ فهو مُقِرٌّ بظَرْفِه.
وقِيلَ: مُقِرٌّ بالعِمامَة دُونَ السَّرْج.
فأمَّا إنْ قال: عَبْدٌ بِعِمامَةٍ، أوْ بِعِمامَتِه، أوْ دابَّةٌ بسَرْجٍ، أوْ بسَرْجِها، أوْ سَيفٌ بقِرابٍ، أوْ قِرابِهِ؛ لَزِمَه ما ذَكَرَه؛ لِأنَّ الباءَ تُعلِّق
(2)
الثَّانِيَ بالأوَّلِ.
فإنْ قالَ: في يَدِي دارٌ مفروشة
(3)
؛ فَوَجْهانِ.
وإنْ قال: له عِنْدي دابَّةٌ في إصْطَبْلٍ؛ فَقَدْ أَقَرَّ بالدَّابَّةِ وَحْدَها.
وإنْ قالَ: له الأَلْفُ الَّذي في الكِيس؛ فهو مُقِرٌّ بها دُونَ الكَيسِ، فإنْ لم يكُنْ فِيهِ شَيءٍ؛ لَزِماهُ في الأَقْيَسِ، وإنْ نَقَصَ يُتِمُّه.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ فِيهِ فَصٌّ؛ كَانَ مُقِرًّا بِهِمَا)، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز»؛ لِأنَّ الفَصَّ جُزْءٌ من الخاتَمِ؛ كما لو قَالَ: له عَلَيَّ ثَوبٌ فِيهِ عَلَمٌ.
وإنْ قَالَ: خاتَمٌ وأطلَقَ؛ لَزِماهُ؛ لِأنَّه اسْمٌ للجَمِيعِ، وفِيهِما وَجْهٌ.
(وَإِنْ قَالَ: فَصٌّ فِي خَاتَمٍ؛ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ)؛ ك: عَلَيَّ ثَوبٌ في مِندِيلٍ.
(وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ؛ لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا)؛ لِأنَّ «أوْ» لِأحَدِ
(1)
لم نقف عليه في كتبه.
(2)
في (ن): تقلق.
(3)
في (ن): مغروسة.
الأمْرَينِ، (يُرْجَعُ فِي تَعْيِينِهِ إِلَيْهِ)؛ كما لَوْ قَالَ: له عَلَيَّ شَيءٌ.
فإنْ أَقَرَّ له بنَخْلةٍ؛ لم يُقِرَّ بأرْضِها، ولَيسَ لِرَبِّ الأرض قَلْعُها، وثَمَرَتُها للمُقَرِّ له.
وفي «الاِنْتِصار» : احْتِمالٌ كالبَيعِ.
قال أحمدُ فِيمَنْ أَقَرَّ بِها: هِيَ له بأصْلِها
(1)
، فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ أرْضَها، ويَحتَمِلُ لَا، وعَلَيهِما يُخرَّج: هَلْ له إعادةُ غيرهما
(2)
؟
فإنْ سَقَطَتْ أوْ قَلَعَها ربُّها لم يكُنْ له مَوضِعُها.
واللهُ تَعالَى أعْلَمُ بالصّواب، وإلَيهِ المَرْجِعُ والمَآبُ.
تَمَّ الشَّرحُ المبارَكُ المسمَّى ب «المبدِع شَرح المقْنِع» بحَمْدِ الله وعَونِه وحُسْنِ تَوفِيقِه، عَلَى يَدِ العَبدِ الفَقِيرِ إلى اللهِ تعالَى مُوسَى بنِ أحمدَ بنِ موسَى الكِنَانِيِّ المقْدِسِيِّ الحَنْبَليِّ، غَفَرَ اللهُ له ولِوالِديهِ، ولمَن دعا لهم بالمغْفِرةِ ولجميعِ المسْلِمِينَ، وذلك بتاريخِ سادِسَ عَشَرَ شَهْرِ صَفَرِ الخَيرِ
(3)
مِنْ شُهورِ سنةِ تِسْعٍ وثَمانِينَ وثَمانِمائَةٍ، أحْسَنَ اللهُ تَقَضِّيَها في خَيرٍ وعافِيَةٍ آمِينَ، وكان ذلك بمَدْرسةِ شَيخِ الإسْلامِ أبِي عُمَرَ قَدَّسَ اللهُ رُوحَه، ونَوَّرَ ضَرِيحَه بِصالِحِيَّةِ دِمَشْقَ المحْروسَةِ، آمَنَها اللهُ تَعالَى مِنْ سائرِ المَخَافَاتِ آمِينَ.
وصلَّى اللهُ على سيِّدِنا مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ وصَحْبِه وسلَّم.
(1)
ينظر: الفروع 11/ 466.
(2)
في (ن): غيرها.
(3)
قول الناسخ: (صفر الخير) قول غير سديد، قال ابن عثيمين كما في مجموع فتاويه 2/ 114:(وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين مثلاً من شهر صفر أرَّخ ذلك وقال: انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير. فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة، والجهل بالجهل، فهو ليس شهر خير ولا شر، ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: "خيرًا إن شاء الله" فلا يقال خير ولا شر، بل هي تنعق كبقية الطيور).
وحَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العَظِيمِ.
أسْتَغْفِرُ اللهَ وأَتُوبُ إليه
(1)
.
(1)
قوله: (بحمد الله وعونه وحسن توفيقه
…
) إلى هنا هو في (ن): وكان ذلك الفراغ في سابع شهر القعدة الحرام، من شهور أربع وثمانين وثمانمائة، غفر الله تعالى لمؤلفه ولكاتبه ولناظر فيه ولجميع المسلمين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.