الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)
الشُّروط: جمع شَرْط؛ كفلوس جمع فَلْس، والشَّرائط: جمع شَرِيطة، قاله الجوهري
(1)
.
والأشراط واحدها
(2)
: شرَط بفتح الرَّاء، وسمِّي شرَطًا؛ لأنَّه علامة على المشروط، ومنه قوله تعالى:{فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محَمَّد: 18].
وفي الاصطلاح: هو
(3)
ما يَلزَم من انتفائِه انتفاءُ الحُكم؛ كالإحصان مع الرَّجم، فالشَّرط ما لا يُوجَد المشروطُ مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده.
وهو عقْليٌّ؛ كالحياة للعلم.
ولُغوِيٌّ؛ ك: إن دخلتِ الدَّار فأنتِ طالِقٌ.
وشَرْعيٌّ؛ كالطَّهارة للصَّلاة.
وقال بعضهم
(4)
: هو ما يتوقَّف على صحَّة الشَّيء إن لم يكن عذر، ولا يكون منه.
(وَهِيَ مَا يَجِبُ لَهَا قَبْلَهَا)؛ أي: يتقدَّم على الصَّلاة ويسبِقها، ويجب استمرارها فيها، وبهذا المعنى فارقت الأركان.
(وَهِيَ سِتٌّ)، كذا بخط المؤلِّف بغير هاء، وقياسه ستَّة بالهاء؛ لأنَّ واحدها شرط، وهو مذكَّر يلزم الهاء في جمعه؛ لقوله تعالى:{وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحَاقَّة: 7]،
(1)
ينظر: الصحاح 3/ 1136، وفيه:(الشرط معروف، وكذلك الشريطة، والجمع شروط وشرائط).
(2)
في الأصل و (أ) و (د) و (و): واحد.
(3)
قوله: (هو) سقط من (د).
(4)
كتب على حاشية (د): (وهو المذهب).
فكأنَّه قال: شرائط الصَّلاة، وهي ست كما ذكره في «الهداية» و «العمدة»:
(أوَّلُهَا: دُخُولُ الْوَقْتِ)؛ لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسرَاء: 78]، قال ابن عبَّاس:«دُلوكها إذا فاء الفيء»
(1)
، ويقال: هو غروبها، وقيل: طلوعها، وهو غريب، قال عمرُ:«الصَّلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصحُّ إلاَّ به»
(2)
، وحديث جبريل حين أمَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في الصَّلوات الخمسِ، ثمَّ قال:«يا محمَّدُ! هذا وقت الأنبياء من قبلك»
(3)
.
فالوقت سبب وجوب الصَّلاة؛ لأنَّها تضاف إليه، وهي تدلُّ على السببية، وتتكرَّر
(4)
بتكرُّره، وهو سبب نفس الوجوب؛ إذ سبب وجوب الأداء الخطاب
(5)
.
(وَالثَّانِي: الطَّهَارَةُ مِنَ الْحَدَثِ)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل اللهُ صلاةَ أحدكم إذا أحدث حتَّى يتوضَّأ» متَّفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(6)
، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يَقبَل الله صلاةً بغير طُهور، ولا صدقةً من غُلول» رواه مسلم من حديث ابن عمر
(7)
.
(1)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 11)، وابن أبي شيبة (6272)، والبيهقي في الكبرى (1679)، عن داود بن حصين، قال: أخبرني مخبر عن ابن عباس رضي الله عنه، وذكره.
وأخرج الطبري في التفسير (15/ 25)، وابن المنذر في الأوسط (937)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«دلوكها: زوالها» ، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن حزم في المحلى (2/ 13)، عن الضحاك بن عثمان عن عمر. وإسناده ضعيف، الضحاك لم يلق عمر، إنما يروي عن مثل نافع وهشام بن عروة. ينظر: تهذيب الكمال 13/ 272.
(3)
سيأتي تخريجه 2/ 9 حاشية (7).
(4)
في (ب) و (و): وتكرر.
(5)
في (أ): كالخطاب.
(6)
أخرجه البخاري (135)، ومسلم (225).
(7)
أخرجه مسلم (224).
(وَالصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ خَمْسٌ) في اليوم واللَّيلة، وأجمع المسلمون على ذلك، وأنَّ غيرها لا يجب إلاَّ لعارض؛ كالنَّذر، وأمَّا الوتر فسيأتي.
والأصل فيه أحاديث؛ منها ما في الصَّحيحين عن أبي ذر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فَرض الله على أمَّتي ليلةَ الإسراء خمسين صلاةً، فلم أزل أراجعه وأسأله التَّخفيف حتَّى جعلها خمسًا في كلِّ يومٍ وليلةٍ، وقال: هي خمسٌ، وهي خمسون في أمِّ الكتاب»
(1)
.
وكان قيامُ اللَّيل
(2)
واجبًا، فنُسخ في حقِّ الأمَّة، وكذا في حقه عليه السلام على الأصحِّ.
قال القَفَّالُ في «محاسِن الشَّريعة»
(3)
: (في الأربع لطيفةٌ حسُن معها عدم الزيادة في الفرض عليها، وهي أنَّك إذا ذكرت آحادها فقلت: واحدٌ، واثنان، وثلاثة، وأربعة، جمعت كلَّ الأعداد، وجدتها عشرة، ولا شيء من الأعداد يخرج أصله عن عشرة).
وأراد بالمفروضات: العَينِيّةَ، ولهذا لم يذكر صلاة الجنازة؛ لكونها فرضًا على الكفاية.
نعم، يرد عليه الجمعة، فإنها من المفروضات العينية
(4)
، ولم تدخل
(5)
في كلامه.
(1)
أخرجه البخاري (349)، ومسلم (163).
(2)
زيد في (د): واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم، وزيد في (و): على النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
ينظر: محاسن الشريعة، ص 84.
والقفال: هو أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل، القفال الكبير الشاشي الشافعي، كان فقيهًا محدثًا أصوليًا لغويًا شاعرًا، لم يكن بما وراء النهر للشافعيين مثله في وقته، وعنه انتشر مذهب الشافعي في بلاده، من مصنفاته: أصول الفقه، ومحاسن الشريعة، وشرح رسالة الشافعي، توفي سنة 381 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 200، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 200.
(4)
قوله: (ولهذا لم يذكر صلاة الجنازة) إلى هنا سقط من (أ).
(5)
في (أ) و (ب): يدخل.
(الظُّهْرُ)، واشتقاقها من الظُّهور؛ إذ هي ظاهرة في وسط النَّهار.
والظُّهرُ لغةً: الوقت بعد الزَّوال.
وشرعًا: اسم للصَّلاة، من باب تسمية الشيء باسم وقته، فقولنا: صلاة الظُّهر؛ أي: صلاة هذا الوقت.
وبدأ بها المؤلِّف تَبَعًا للخِرَقِيِّ ومعظم الأصحاب؛ لبَداءة جبريل عليه السلام بها لمَّا صلَّى بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وبدأ ابن أبي موسى والشِّيرازِيُّ وأبو الخَطَّاب بالفجر؛ لبَداءته عليه السلام بها السَّائل
(2)
، ولأنَّها أوَّل اليوم، ويعضُده: أنَّ إيجابها كان لَيلاً، وأوَّل صلاة تحضر بعد ذلك هي الفجر، فلم لا بدأ بها جبريل؟!
وجوابه: أنَّه يحتمل أنَّه وُجد تصريح بأنَّ أوَّل وجوب الخمس من الظُّهر، ويحتمل أنَّ الإتيان بها متوقِّف على بيانها؛ لأنَّ الصَّلوات مجمَلة، ولم تُبَيَّنْ
(3)
إلاَّ عند الظُّهر.
والحكمة
(4)
أنَّه بدأ بها: إشارة منه
(5)
أنَّ هذا الدِّين ظهر أمره، وسطع نوره من غير خَفاء، ولأنَّه لو بدأ بالفجر لختم بالعشاء في ثلث اللَّيل، وهو وقت خفاء، فلذلك
(6)
ختم بالفجر؛ لأنَّه وقت ظهور، لكن فيه ضعف؛ إشارةً إلى أنَّ هذا الدِّين في آخر الأمر يضعف.
(وَهِيَ الْأُولَى)، قال عياض:(هو اسمها المعروف)
(7)
؛ لأنَّها أوَّل صلاة
(1)
سيأتي تخريجه قريبًا 2/ 9 حاشية (6).
(2)
في (أ) و (ب) و (و): للسائل. والحديث أخرجه مسلم (614)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
(3)
في (ب): يبين.
(4)
زيد في (ب): في.
(5)
زيد في (ب): إلى.
(6)
في (ب): فكذلك.
(7)
ينظر: مشارق الأنوار 1/ 51.
صلاَّها جبريل بالنَّبيِّ عليهما السلام معلِّمًا له في اليومين، وتسمَّى أيضًا: الهَجِيرَ؛ لفعلها في وقت الهاجرة.
(وَوَقْتُهَا مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)، أجمع العلماء على أنَّ أوَّل وقت الظُّهر إذا زالت الشَّمس
(1)
؛ لحديث جابر: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل فقال: قم فصلِّه
(2)
، فصلَّى الظُّهر حين زالت الشَّمس، ثمَّ جاءه من الغد للظُّهر، فقال: قم فصلِّه، فصلَّى الظُّهر حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه، ثمَّ قال: ما بين هذين وقت» إسنادُه ثقاتٌ، رواه أحمد والتِّرمذي، وقال البخاريُّ: (هو أصحُّ
(3)
شيء في المواقيت)، وصحَّحه ابن خُزَيمة، وللتِّرمذِيِّ وحسَّنه من حديث ابن عباس نحوه
(4)
، وفيه: «فصلَّى الظُّهر حين زالت الشَّمس
(5)
، وكانت قدر الشِّراك»
(6)
، وهو بشين معجمة مكسورة، وراء مهملة، وبالكاف، وهو أحد سُيور النَّعل.
ثمَّ اعلم أنَّ الشَّمس إذا طلعت؛ رُفع لكلِّ شاخص ظلٌّ طويل من جانب
(1)
ينظر: الأوسط 2/ 326، مراتب الإجماع ص 26.
(2)
في (د) و (و): فصلِّ. والمثبت موافق لما في المسند.
(3)
زيد في (و): كل.
(4)
كتب في هامش الأصل و (و): (وفيه: «أن رسول الله قال: أمَّني جبريل عند البيت مرتين»).
(5)
قوله: (ثم جاءه من الغد للظهر، فقال: قم فصله) إلى هنا سقط من (ب).
(6)
أخرجه أحمد (14538)، والترمذي (150)، والنسائي (513)، من حديث جابر رضي الله عنه، وأخرجه أحمد (3081)، والترمذي (149)، وابن خزيمة (325)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ونقل الترمذي في السنن كلام البخاري، والحديث جاء من رواية عدد من الصحابة، وهو في صحيح مسلم (610) بلفظ مختصر، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه مرفوعًا:«نزل جبريل فأمَّني، فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه» ، وصححه ابن عبد البر وابن العربي والنووي وغيرهم. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 444 - 445، الإرواء 1/ 268.
المغرب، ثمَّ ما دامت الشَّمس ترتفع فالظِّل ينقص، فإذا انتهت الشَّمس إلى وسط السَّماء، وهي حالة الاستواء؛ انتهى نقصانه، فإذا زال الظِّلُّ أدنى زيادة؛ فهو الزَّوال، فهو إذن ميلُها عن وسط السَّماء
(1)
، ويختلف فيء الزَّوال فيطول
(2)
في الشِّتاء، ويقصر في الصَّيف، لكن لا يقصر ظِلُّه وقت الزَّوال في بعض بلاد خراسان؛ لسير الشَّمس ناحيةً عنها، ذكره ابن حمدان.
وذكر السَّامَرِّيُّ وغيرُه: أنَّ ما كان من البلاد تحت وسَط الفَلَك -مثل
(3)
مكَّةَ وصنعاءَ في يوم واحِدٍ، وهو أطول أيام السَّنة- لا ظِلَّ ولا فَيْء لوقت الزَّوال، بل يعرف الزَّوال هناك بأن
(4)
يظهر للشَّخص فَيْءٌ من نحو المشرق؛ للعلم بكونها
(5)
قد أخذت مُغَرِّبة.
ويختلف باختلاف الشَّهر والبلد، فأقلُّ
(6)
ما تزول في
(7)
إقليم الشَّام والعراق -على ما نقله أبو العباس الشِّيحِيُّ
(8)
- على قَدَم وثُلُث في نصف
(1)
كتب على هامش الأصل وهامش (د): (والظل أصله: الستر، ومنه: أنا في ظل فلان، ومنه: ظل الجنة، وظل شجرها، وظل الليل: سواده، وظل الشمس: ما ستر الشخوص من سقطها، ذكره ابن قتيبة، قال: والظل يكون غدوة وعشية، من أول النهار وآخره، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال؛ لأنه فاء؛ أي: رجع من جانب إلى جانب، وقال ثعلب في فصيح الكلام: الظل للشجرة وغيرها بالغداة، والفيء بالعشي). وزاد في هامش الأصل: (كما قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحى تستطيعه
ولا الفيء من برد العشي تذوق
قال: وأُخبرت عن أبي عبيدة قال: قال رؤبة: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه؛ فهو فيء وظل، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل فقط).
(2)
في (د): فمطول.
(3)
في (د) و (و): قبل.
(4)
في (و): أن.
(5)
في (أ) و (ب): بأنها، وفي (و): كونها.
(6)
في (أ): فبأقل.
(7)
في (أ): يزول من. وفي (و): يزول في.
(8)
هو أحمد بن سعيد أبو العباس الشامي، يعرف بالشيحي، سكن بغداد وحدث بها، وله كتب مصنفة في الزوال وعلم مواقيت الصلاة وغير ذلك، توفي سنة 406 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 179.
حزيران، ويتزايد إلى أن يبلغ عشرة أقدام وسُدُس في نصفِ كانونَ الأوَّلِ، وهو أكثر ما تزول
(1)
عليه الشَّمس.
فإذا أردت معرفة ذلك
(2)
: فقف على مستوٍ من الأرض، وعلِّم الموضع الذي انتهى إليه ظلُّك، ثمَّ ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى، وألصق عقبك بإبهامك، فإذا بلغت مساحة هذا القدر بعد انتهاء النَّقص فهو وقت زوال الشَّمس، وتجب
(3)
به الظُّهر.
وعُلم منه: أن الصَّلاة تجب بأوَّل الوقت وجوبًا موسَّعًا
(4)
، نَصَّ عليه في رواية أبي طالِبٍ
(5)
.
وشرط ابن بَطَّة وابن أبي موسى: مُضِيَّ زمن يتَّسع لأدائها؛ حذارًا من تكليف ما لا يطاق.
وجوابه: أنَّه
(6)
لا يكلَّف
(7)
بالفعل قبل الإمكان حتَّى يلزم تكليف ما لا يطاق، وإنَّما يَثبُت في ذمَّته بفعله إذا قدر؛ كالمُغْمَى عليه.
وأمَّا آخره فقال: (إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ)، وهو المراد بقولهم: سوى
(8)
الزَّوال، نَصَّ عليه لما سبق، وصلاَّها
(1)
في (و): يزول.
(2)
في (د): ذاك.
(3)
في (ب) و (و): ويجب.
(4)
كتب على هامش الأصل و (د): (في حق من هو من أهل الوجوب).
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4770، الانتصار 2/ 104.
(6)
قوله: (أنه) سقط من (و).
(7)
في (أ): تكلف.
(8)
زيد في (د): في.
عليه السلام في حديث أبي موسى -حين سأله السَّائل- حين زالت الشَّمس، ثمَّ أخَّرها في اليوم الثَّاني حتَّى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، وقال:«الوقْتُ فيما بيْن هذَينِ» رواه مسلمٌ
(1)
، وعن عبد الله بن عمرو
(2)
مرفوعًا: «وقت صلاة الظُّهر إذا زالت الشمس، وكان ظلُّ الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر» رواه مسلم
(3)
، قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: متى يكون الظل مثله؟ قال: (إذا زالت الشمس
(4)
فكان الظلُّ بعد الزوال مثله)
(5)
.
ومعرفة ذلك: أن يضبط ما زالت عليه الشمس، ثمَّ تُنظر
(6)
الزِّيادة عليه، فإن بلغت قدر الشخص؛ فقد انتهى وقت الظُّهر، وطول الإنسان ستة أقدام وثلثان بقدمه تقريبًا.
وعنه: آخره أول وقت العصر، فبينهما وقت مشترك قدر أربع ركعات.
قال أحمد: الزَّوال في الدُّنيا واحد، وأنكر على المنجِّمين أنَّه يتغيَّر في البلدان
(7)
، ومثله لا يقول ذلك إلاَّ عن
(8)
توقيف.
(وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا)؛ لما روى أبو بَرْزةَ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي الهَجِيرَ التي تدعونها الأُولى حين تَدْحَضُ
(9)
الشَّمس»
(10)
، وقال جابِرٌ: «كان
(1)
أخرجه مسلم (614).
(2)
في (ب) و (و): عمر.
(3)
أخرجه مسلم (612).
(4)
قوله: (وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر) إلى هنا سقط من (أ) و (ب).
(5)
ينظر: المغني 1/ 271.
(6)
في (أ) و (ب): ينظر.
(7)
ينظر: مسائل حرب: الطهارة والصلاة ص 591.
(8)
في (و): من.
(9)
كتب على هامش الأصل و (د): (يعني تزول).
(10)
أخرجه البخاري (547)، ومسلم (647).
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي الظهر بالهاجِرةِ» متَّفَقٌ عليهما
(1)
، وقالت عائشةُ:«ما رأيتُ أحدًا أشدَّ تعجيلاً للظُّهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من أبي بكر، ولا من عمر» حديث حسن
(2)
.
قال في «التَّلخيص» : ويحصل بأن يشتغل بأسباب الصَّلاة من حين دخول الوقت، وهو ظاهر «الفروع» ، فإنَّه لا يُعدُّ حينئذٍ متوانيًا ولا مقصِّرًا.
وذكر الأَزَجِيُّ قولاً: يتطهَّر قبله.
(إِلاَّ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْغَيْمِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً
(3)
، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» .
أمَّا في الحَرِّ؛ فيُستحَبُّ تأخيرها مطلقًا إلى أن ينكسِرَ، وحكاه التِّرمذِيُّ عن ابن المبارك وأحمدَ وإسحاقَ، وقال:(هو أشبه بالاتِّباع)
(4)
، وصحَّحه في «الشَّرح» ، واقتصر عليه في «الكافي» ، وقاله القاضي في «الجامع» ، والخِرَقِيُّ وابن أبي موسى وغيرهم؛ لما روى أبو هريرة مرفوعًا:«إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدوا بالصَّلاة؛ فإنَّ شدَّةَ الحرِّ من فَيحِ جهنَّمَ» متفق عليه
(5)
، وفي لفظٍ:«أبرِدوا بالظُّهر» ، وفيح جهنم: هو غلَيانها، وانتشار لهَبِها ووهجها
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري (560)، ومسلم (646).
(2)
أخرجه أحمد (25038)، والترمذي (155)، وقال الترمذي:(حديث عائشة حديث حسن)، وفي سنده حكيم بن جبير، ضعفه أحمد ويحيى والنسائي، ونقل الترمذي عن البخاري قوله:(يروى هذا أيضًا عن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن عائشة، وهو حديث فيه اضطراب). ينظر: العلل الكبير للترمذي ص 64، التحقيق لابن الجوزي 1/ 291.
(3)
كتب على هامش الأصل و (د): (ولو صلى وحده).
(4)
ينظر: سنن الترمذي 1/ 295.
(5)
أخرجه البخاري (533)، ومسلم (615).
(6)
في (أ): وريحِها.
وصريحه
(1)
: أنَّه مختصٌّ بمن يصلِّي في
(2)
جماعةً، وهو قول أبي الخَطَّاب وطائفة؛ تعليلاً بالمشقَّة.
واعتبر القاضي في «المجرد»
(3)
مع الخروج إلى الجماعة: كونه في البلاد الحارَّة، ومساجد الجماعات
(4)
.
فأمَّا
(5)
تأخيرُها في الغيم؛ فيستحَبُّ لكلِّ من يصلِّي جماعةً كما ذكره، وذكره القاضي والسَّامَرِّيُّ، ونَصَّ عليه في رواية المَرُّوذِي
(6)
؛ لما روى ابن منصور عن إبراهيم قال: «كانوا يؤخِّرون الظُّهرَ ويعجِّلون العصر في اليوم المتغيِّم»
(7)
، ولأنَّه وقت يخاف منه العوارض من المطر ونحوه، فيشقُّ الخروج لكلِّ صلاةٍ منهما، فاستُحبَّ تأخير الأولى من المجموعتين؛ ليقرب
(8)
من وقت الثَّانية؛ لكي يخرج لهما خروجًا واحدًا؛ طلَبًا للأسهل المطلوب شرعًا
(9)
.
(1)
في (أ): وظاهره.
(2)
قوله: (في) سقط من (أ).
(3)
في (ب) و (و): المحرر.
(4)
كتب على هامش الأصل و (د): (قال ابن الزاغوني: يؤخرها حتى ينكسر الفيء ذراعًا أو نحو ذلك، وفي التلخيص: إلى رجوع الذي يمشي فيه الساعي إلى الجماعة).
(5)
في (أ): وأما.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 438، المغني 1/ 283.
(7)
في (د) و (و): المغيم.
ولم نقف على الأثر في سنن سعيد المطبوع، وعزاه إليه في كنز العمال (8/ 219)، وذكره عنه شيخ الإسلام في شرح العمدة (2/ 203)، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير (23/ 626)، لمختارة الضياء المقدسي.
وأخرج ابن أبي شيبة (6287)، وابن المنذر في الأوسط (1069)، عن عمر قال:«إذا كان يوم الغيم، فعجلوا العصر وأخروا الظهر» ، وإسناده صحيح.
(8)
في (و): ليخرج.
(9)
كتب على هامش الأصل و (د): (وفي الغيم، قال ابن الزاغوني: يؤخر وسط الوقت).
وعنه: لا تُؤخَّرُ، بل تُعجَّل مع الغيم، وهو ظاهر الخِرَقِيِّ و «الكافي» و «التَّلخيص» ؛ إذ مطلوبية
(1)
التَّأخير في عامَّة الأحاديث إنَّما وردت في الحرِّ.
وفيه وجه: يُستحَبُّ التَّأخير لكلِّ مصلٍّ، وظاهر كلام أبي الخَطَّاب: يؤخِّر الظُّهرَ لا المغرب.
وأمَّا الجمعة؛ فيسنُّ تقديمها مطلقًا، قال سهل بن سعد:«ما كنَّا نَقِيلُ ولا نتغدَّى إلاَّ بعد الجمعة»
(2)
، وقال سلَمة بن الأكوع: «كنَّا نجمِّع مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثمَّ نرجع نَتَتَبَّع
(3)
الفيء» متفق عليهما
(4)
.
وتأخيرها لمن لم تجب عليه الجمعة إلى بعد صلاتها، ولمن يرمي الجمرات حتَّى يرميها؛ أفضل.
(ثُمَّ الْعَصْرُ)، وهو العشِيُّ، قال الجوهري: (والعصران: الغداة والعشِيُّ، ومنه سمِّيت
(5)
صلاة العصر)
(6)
.
وذكر الأزهري مثله: (تقول
(7)
: فلان يأتي فلانًا العصرين والبردين؛ إذا كان يأتيه طرفي النهار)
(8)
، فكأنَّها سمِّيت باسم وقتها.
(وَهِيَ الْوُسْطَى)، مؤنَّث الأوسط، وهو والوسط: الخيار، وفي صفة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه من أوسط قومه؛ أي: من خيارهم
(9)
، وليست بمعنى متوسِّطة؛ لكون
(1)
في (أ) و (د) و (و): مطلوبه. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي 1/ 488.
(2)
أخرجه البخاري (938)، ومسلم (859).
(3)
في (أ): يرجع فيتبع، وفي (و): نرجع فيتفق.
(4)
أخرجه البخاري (4168)، ومسلم (860).
(5)
قوله: (ومنه سميت) هو في (ب): ومن ثم صليت.
(6)
ينظر: الصحاح 2/ 749.
(7)
في (أ): يقول.
(8)
ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 49.
(9)
أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (4/ 381) في قصة هرقل مع أبي سفيان، وفيه:«فقال: زعمت أنه من أمحضهم نسبًا، وكذلك يأخذ الله النبي إذا أخذه، لا يأخذه إلا من أوسط قومه» ، وهو في البخاري (7)، بنحوه.
الظهر هي الأولى، بل بمعنى
(1)
الفُضْلى، وفي الصَّحيحين: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «شَغَلونا عن الصَّلاة الوُسطى حتَّى غابت الشَّمسُ» ، ولمسلم: «شَغَلونا عن الصَّلاة الوسطى
(2)
صلاة العصر»
(3)
، وقاله أكثر العلماء من الصَّحابة وغيرهم، وصحَّحه النووي، قال المَاوَرْدِيُّ:(هذا مذهب الشَّافعي)، قال: (وإنَّما نصَّ على أنَّها الصُّبح؛ لأنَّه لم تبلغه
(4)
الأحاديث الصَّحيحة في العصر)
(5)
.
وقيل: هي الصُّبح. وقيل: الظُّهر. وقيل: المغرب؛ لأنَّها وتر النهار ولا تُقصر. وقيل: هي العشاء. وقيل: إحدى الخمس مبهمة
(6)
. وقيل: جميعها. وقيل: الجمعة.
(وَوَقْتُهَا: مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ)، وهو إذا صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه سوى فَيْءِ الزَّوال، ومقتضاه: أنَّ بخروج وقت الظُّهر يدخل وقت العصر، من غير فاصِلٍ بين الوقتَين، هذا هو المعروف في المذهب؛ لحديث جابر:«أنَّ جبريلَ صلَّى بالنَّبيِّ صلى الله عليهما العصرَ حين صار ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه في اليوم الأوَّل»
(7)
.
وظاهر الخِرَقِيِّ و «التَّلخيص» : أنَّ بينهما وقتًا فاصلاً، فلا تجب إلاَّ بعد الزِّيادة.
(1)
في (أ) و (د) و (و): معنى.
(2)
قوله: (الوسطى) سقط من (أ).
(3)
أخرجه البخاري (2931)، ومسلم (627).
(4)
في (د): يبلغه.
(5)
ينظر: الحاوي الكبير 2/ 8، شرح مسلم للنووي 5/ 129.
(6)
في (أ) و (د) و (و): مبهم.
(7)
سبق تخريجه 2/ 9 حاشية (6).
وآخِرُ وقتِها المختار
(1)
: (إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ) في روايةٍ نقلها الأثرم وغيرُه
(2)
، وصحَّحها في «الشَّرح» ، وابن تَميم، وجزم بها في «الوجيز» ، قال في «الفروع»:(وهي أظهر)؛ لما روى عبدُ الله بن عَمْرٍو: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وقت العصر ما لم تَصْفرَّ الشَّمس» رواه مسلم
(3)
.
(وَعَنْهُ: إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ) سوى ظلِّ الزَّوال إن كان، وهي اختيار الخِرَقِي وأبي بكر والقاضي وكثير من أصحابه، وقدَّمها في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأنَّ جبريل صلاَّها بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في اليوم الثَّاني حين صار ظلُّ كلِّ شَيءٍ مِثلَيه، وقال:«الوقت فيما بين هذين»
(4)
.
وفي «التَّلخيص» : (أنَّ ما بينهما وقت جواز، ثمَّ هو وقت ضرورة إلى غروبها)، وفي «الكافي»: (أنه
(5)
إذا خرج وقت الاِختيار بقي
(6)
وقت الجواز إلى الغروب)، قال ابن تميم:(وظاهر «الرَّوضة» أنَّ وقت العصر يخرج بالكلِّيَّة بخروج وقت الاختيار).
(ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الاِخْتِيَارِ)، وهو الذي يجوز تأخير الصَّلاة إلى آخره من غير عذر، وجزم
(7)
في «المحرَّر» و «الشَّرح» : أنَّه لا يحلُّ تأخيرها عن وقت الاختيار إلاَّ لعذر، وظاهر كلام غيرهما الكراهة.
(وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ)، وهو الذي تقع الصَّلاة فيه أداءً، ويأثم فاعلُها
(1)
قوله: (المختار) سقط من (أ).
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 42، مسائل صالح 3/ 52، مسائل حرب: الطهارة والصلاة ص 591.
(3)
أخرجه مسلم (612).
(4)
سبق تخريجه 2/ 9 حاشية (6).
(5)
سقطت من (أ) و (ب).
(6)
في (أ): ففي.
(7)
زاد في (أ): (به).
بالتَّأخير إليه لغير عذر (إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ)؛ لأنَّ مقتضى
(1)
الأحاديث ذهاب الوقت بعد ما
(2)
ذُكر فيها، تُرك العمل به في الإدراك قبل غيبوبة الشَّمس؛ فيبقى ما عداه على مقتضاه.
وظاهره: أنَّ وقت العصر يبقى إلى الغروب في حقِّ المعذور وغيره، هذا هو المعروف في المذهب، وعليه أكثر العلماء؛ لقوله عليه السلام:«من أدرك من العصر ركعةً قبل أن تغرب الشَّمس؛ فقد أدركها» متفق عليه
(3)
، وحينئذٍ لا فرق بين المعذور وغيره إلاَّ في الإثم
(4)
وعدمه، فالمعذور له التَّأخير، وغيره ليس له ذلك ويأثم به.
وظاهر الخِرَقِيُّ وابن أبي موسى: أنَّ الإدراك مختصٌّ بمن له ضرورة؛ كحائض طهرت، وصبيٍّ بلغ، ومجنون أفاق، ونائمٍ استيقظ، وذمِّيٍّ أسلم، وألحق ابن عبدوس به: الخباز والطَّباخ والطَّبيب إذا خَشُوا تَلَف ذلك.
وعلى هذا: من لا عذر له لا يدركها بذلك، بل تفوت بفوات وقتها المختار، وتقَع منه
(5)
بعد ذلك قضاءً، وقاله بعض العلماء، وهو أحد احتمالي ابن عبدوس، ووجَّهه الزَّركشي.
(وَتعْجِيلُهَا) في أوَّل الوقت (أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ)
(6)
، وهو قول أكثر العلماء؛ لما روى أبو بَرْزَةَ الأَسْلَميُّ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي العصر، ثمَّ
(1)
في (و): المقتضى.
(2)
في (أ) و (د): بعده، وزيد في (و): إذا.
(3)
أخرجه البخاري (579)، ومسلم (608).
(4)
في (أ) و (د): الاسم.
(5)
في (د) و (و): ويقع به.
(6)
كتب على هامش (و): (قلت: تأكد تعجيلها يوم الغيم؛ لما روى أحمد وابن ماجه عن بريدة مرفوعًا: «بَكِّروا بالصَّلاة في اليوم الغيم؛ فإن من فاتته صلاة العصر حبط عمله»).
يَرجِع
(1)
أحدُنا إلى رحله في أقصى المدينة والشَّمسُ حيَّة»
(2)
وعن رافِع بن خَدِيجٍ قال: «كنَّا نصلِّي العصر مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثمَّ نَنحَر الجَزور، ثمَّ نَقسِم
(3)
لحمَها عشرةَ أجزاءٍ، ثمَّ تُطبخ
(4)
فنأكل
(5)
لحمًا نضيجًا
(6)
قبل أن تغيب
(7)
الشَّمسُ» متَّفَقٌ عليهما
(8)
، والأحاديث الثَّابتة تدل على هذا؛ فمنها: ما رَوى التِّرمذيُّ مرفوعًا أنه
(9)
قال: «الوقت الأوَّل في الصَّلاة
(10)
رضوانُ الله، والوقتُ الآخِر
(11)
عفوُ الله»
(12)
.
(1)
زيد في (د) و (و): إلى.
(2)
سبق تخريجه 2/ 12 حاشية (10).
(3)
في (ب) و (و): يقسم.
(4)
في (ب) و (و): يطبخ.
(5)
في (د) و (و): فيأكل.
(6)
في (أ): نظيرًا.
(7)
في (و): يغيب.
(8)
أخرجه البخاري (2485)، ومسلم (625).
(9)
قوله: (أنه) سقط من (أ).
(10)
في (د): للصلاة.
(11)
في (د) و (و): الأخير.
(12)
أخرجه الترمذي (172)، والدارقطني (983) من حديث ابن عمر رضي الله عنه، وفيه يعقوب بن الوليد المدني، كذَّبه أحمد وغيره.
وأخرجه الدارقطني (984) من حديث جرير بن عبدالله البجلي، وفي سنده الحسين بن حميد بن الربيع، وهو متهم بالكذب، وفيه أيضًا عبيد بن القاسم الأسدي، قال ابن حجر في التقريب (ص 378):(متروك، كذبه ابن معين، واتهمه أبو داود بالوضع).
وأخرجه الدارقطني أيضًا (985)، من حديث أبي محذورة رضي الله عنه، وفيه إبراهيم بن زكريا العجلي الضرير المعلم، قال أبو حاتم:(حديثه منكر)، وقال ابن عدي:(حدث عن الثقات بالبواطيل). وللحديث طرق أخرى شديدة الضعف، وقال أحمد:(لا أعرف شيئًا يثبت فيه)، يعني في هذا الباب. ينظر: الكامل لابن عدي 3/ 244، 1/ 412، البدر المنير 3/ 206، التلخيص الحبير 1/ 458.
وعنه: مع غَيم، نقله صالح
(1)
، قاله القاضي، ولفظ روايته: (يؤخِّر
(2)
العصر أحبُّ إليَّ، آخِر وقت العصر عندي ما لم تَصفَرَّ الشمس)، فظاهره مطلقًا
(3)
. تنبيه: قد استفيد من كلامهم: أنَّ من الصَّلوات ما له إلاَّ وقت واحد؛ كالظُّهر، والمغرب، والفجر على المختار، وما له ثلاثة؛ كالعصر والعشاء؛ وقت فضيلة وجوازٍ وضرورة، وفي كلام بعضهم: أنَّ لها وقت فضيلة ووقتَ اختيار على الخلاف، ووقتَ جواز على قول، ووقتَ كراهة؛ أي: تأخيرها إلى الاصفرار، ووقتَ تحريم، أي: تحريم التَّأخير إليه، ومعناه: أن يبقى ما لا يَسعُ الصَّلاة.
فائدة: يسنُّ الجلوس بعدها إلى الغروب، وبعد الفجر إلى طلوعها، ولا يستحبُّ ذلك في بقيَّتها، نَصَّ عليه
(4)
، ذكره ابن تميم.
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 52، مسائل ابن منصور 2/ 438.
(2)
هكذا في النسخ الخطية، وهو موافق لما في الفروع 1/ 428، والإنصاف 3/ 151، ولفظ رواية صالح في المطبوع 3/ 52:(تعجيل العصر أحب إليَّ، آخر وقت العصر عندي ما لم تصفر الشمس، ولا أقول: إن آخر وقتها أن يكون ظل كل شيء مثليه، هذا أكثر)، فقال:(تعجيل) مكان قوله: (يؤخر).
قال شيخ الإسلام في شرح العمدة 2/ 206: (وقد روى عنه صالح: "آخر وقت العصر ما لم تغيَّر الشمس"، وقال: "يؤخر الصلاة أحب إليَّ، آخر الوقت العصر عندي ما لم تصفر الشمس"، فجعل القاضي وابنه هذه رواية ثانية بتصريحه بأن آخر الوقت أحب إليه، والأشبه والله أعلم أنه إنما قصد أن القول بجواز تأخير العصر أحب إلي من قول من لا يجوِّز تأخيرها إلى الاصفرار، فإن استحباب تأخير العصر بعيد جدًّا من مذهبه، وله مثل هذا الكلام كثيرًا ما يقول: (هذا أحب إليَّ) وليس غرضه الفعل، وإنما غرضه حكم الفعل، والأصل في ذلك ما تقدم من الأمر الكلي).
(3)
كتب على هامش الأصل: (لحديث بريدة الأسلمي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فقال:«بكروا في الصلاة في اليوم الغيم؛ فإن من فاتته صلاة العصر حبط عمله» رواه أحمد وابن ماجه.
(4)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 24.
(ثُمَّ الْمَغْرِبُ)، وهو في الأصل مصدر غربت الشَّمس، بفتح الرَّاء وضمِّها، غُروبًا ومغربًا، ويطلق في اللغة على وقت الغروب ومكانه، فسمِّيت هذه بذلك؛ لفعلها في هذا الوقت، (وَهِيَ الْوَتْرُ)؛ أي: وتر النَّهار
(1)
، وليس مراده الوتر المشهور، بل إنَّها وتر لكونها ثلاثَ ركعات.
(وَوَقْتُهَا: مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ) إجماعًا
(2)
؛ للأحاديث المستفيضة بذلك، وغَيبوبةُ الشَّمس سقوطُ قُرْصها، وحكى الماوردي: أنَّه لا بدَّ من غيبوبة الضَّوء المسْتَعْلِي عليها
(3)
.
قلت: ويعرف الغروب في العمران بزوال الشُّعاع من رؤوس الجبال، وإقبال الظَّلام من المشرق.
ويمتدُّ وقتُها (إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ)، قال النَّوَوِيُّ: (وهذا هو الصَّحيح أو الصَّواب
(4)
الذي لا يَجُوزُ غيرُه)
(5)
؛ لأنَّه عليه السلام «صلَّى المغرب حين غابتِ الشَّمس، ثمَّ صلَّى المغرب في اليوم الثَّاني حين غاب الشَّفقُ»
(6)
،
(1)
كتب على هامش (و): (قد ورد في تسميتها بوتر النهار حديث رواه الدارقطني في سننه قال: ثنا الحسن بن رشيق بمصر، حدثنا محمَّد بن أحمد بن حماد الدولابي، حدثنا أبو خالد يزيد بن سنان، حدثنا يحيى بن زكريا الكوفي، حدثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وتر الليل ثلاث كوتر النهار صلاة المغرب»، يحيى بن زكريا هذا يقال له: ابن أبي الحواجب ضعيف، ولم يروه عن الأعمش مرفوعًا غيره. انتهى).
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 38، مراتب الإجماع ص 26.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير 2/ 19.
وفي النجم الوهاج للدميري 2/ 12 بعد أن نقل كلام الماوردي: (والإجماع منعقد على خلاف دعواه).
(4)
في (أ): والصواب. والمثبت موافق لما في شرح مسلم.
(5)
ينظر: شرح مسلم 5/ 111.
(6)
أخرجه مسلم (614)، والنسائي (523) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:«ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق» ، وفي لفظ لحديث أبي موسى:«فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق في اليوم الثاني» ، واللفظ الأخير عند أبي داود (395).
وأخرجه مسلم أيضًا (613) عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له:«صل معنا هذين - يعني اليومين -» ، فذكر في اليوم الأول:«ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس» وفي اليوم الثاني: «وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق» ، وفي لفظ آخر لمسلم:«ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق» ، وللترمذي (152):«إلى قبيل أن يغيب الشفق» .
وعن عبد الله بن عمْرٍو: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وقتُ المغرب ما لم يَغِبِ الشَّفَقُ» رواهما مسلمٌ
(1)
، ولأنَّ ما قبل مغيب الشَّفق وقت لاستدامتها، فكان وقتًا لابتدائها؛ كأوَّل وقتها.
وقال
(2)
م ش
(3)
في المشهور عنهما: لها وقت واحدٌ مضيَّق مُقَدَّرٌ
(4)
آخره بالفَراغ منها.
وقالتِ الشَّافعيَّةُ
(5)
: هو عُقَيبَ غروب الشَّمس بقَدْر ما يتطهَّر ويَستُرُ عَورتَه، ويؤذِّن ويُقِيم، ويُصلِّي خمسَ ركعات، قال بعضُهم: (وأكل لُقَمٍ يَكسِر بها
(6)
سَورة الجُوع
(7)
، والصَّحيح عندهم: أنَّه يأكل حتَّى يشبع
(8)
؛ لأنَّ جبريل صلاَّها بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في اليَومَين
(9)
حين غابتِ الشَّمس
(10)
.
(1)
أخرجه مسلم (612)
(2)
في (د): فقال.
(3)
ينظر: مواهب الجليل 1/ 392، الحاوي الكبير 2/ 19.
(4)
في (أ): منذر.
(5)
ينظر: الحاوي الكبير 2/ 19، المجموع 3/ 31.
(6)
في (أ): بكسرتها.
(7)
في المصباح 1/ 294: (سورة الجوع والخمر: الحدة).
(8)
ينظر: المجموع 3/ 32، نهاية المحتاج 1/ 366.
(9)
في (ب): يومين.
(10)
سبق تخريجه 2/ 9 حاشية (6).
وأجيب: بحمله على الاستحباب والاختيار، وتأكيد فعلها أول الوقت، وما سبق على الجواز، مع أنَّها متضمِّنة لزيادة، وهي متأخِّرة عن حديث جبريل؛ لأنَّه كان أوَّل فرض الصَّلاة بمكَّة، وأحاديثُنا بالمدينة، فتكون ناسخةً لما يخالفها على تقدير التَّعارض.
(الْأَحْمَرِ)، كذا ذكره مُعظَم الأصحاب، قال النَّوويُّ:(وهو قول جمهور الفقهاء وأهل اللُّغة)
(1)
؛ لما روى ابن عمر
(2)
مرفوعًا قال: «الشَّفقُ الحُمْرةُ
(3)
» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، والصحيح وقفه
(4)
، ولأنَّ الشَّمس أوَّل ما تَغرُب يَعقُبها شُعاعٌ، فإذا بعُدت عن الأفق قليلاً زال الشُّعاع، وبقِيَتْ حمرة، ثمَّ تَرِقُّ الحمرة، وتنقلب صفرةً، ثمَّ بياضًا على حسب البُعْد.
وعنه: الشَّفَقُ البياضُ، روي عن أبي هريرة
(5)
وأنس
(6)
؛ لأخبار لا حجَّة فيها إن صحَّت.
(1)
ينظر: شرح مسلم 5/ 112.
(2)
في (أ): عمرو.
(3)
في (د) و (و): الأحمر.
(4)
أخرجه الدارقطني (1056)، والبيهقي في الكبرى (1744) ورجحا وقفه، وأخرج ابن خزيمة (354)، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه مرفوعًا:«ووقت المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق» ، قال ابن خزيمة:(فلو صحت هذه اللفظة في هذا الخبر لكان في هذا الخبر بيان أن الشفق الحمرة، إلا أن هذه اللفظة تفرد بها محمد بن يزيد إن كانت حفظت عنه، وإنما قال أصحاب شعبة في هذا الخبر: «ثور الشفق» مكان ما قال محمد بن يزيد: «حمرة الشفق». ينظر: التلخيص الحبير 1/ 451، السلسلة الضعيفة (3759).
(5)
أخرجه عبد الرزاق (2040)، وابن أبي شيبة (3338)، وابن المنذر في الأوسط (969)، عن ابن لبيبة، قال: جئت إلى أبي هريرة فقال: «صل صلاة العشاء إذا ذهب الشفق وادلأم الليل من ههنا - وأشار إلى المشرق -، فيما بينك وبين ثلث الليل، وما عجلت بعد ذهاب بياض الأفق فهو أفضل» ، إسناده ضعيف، ابن لبيبة هو عبد الرحمن بن نافع الطائفي، وهو مجهول.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (2124)، وابن المنذر في الأوسط (966)، عن عاصم بن سليمان قال: كان أنس بن مالك إذا أراد أن يصلي العشاء قال لغلام له أو لمولاة له: «انظر هل استوى الأفقان؟» ، إسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة (8956)، والفريابي في الصيام (52)، وابن المنذر في الأوسط (967)، عن موسى بن أنس: أن أنسًا كان يُصعِد الجارية فوق البيت، فيقول:«إذا استوى الأفق فآذنيني» ، وإسناده صحيح.
وعنه: هو الحمرة في السَّفر، وفي الحضر البياض، اختاره الخِرَقِيُّ، وعلَّله: بأنَّ
(1)
في الحضر قد تنزل الحمرة فتُواريها الجدرانُ، فيُظنُّ
(2)
أنَّها قد غابت.
والأوَّل أصحُّ؛ لقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)} [الانشقاق: 16]، وقد قال الخليل بن أحمد وغيره: البياض لا يغيب إلاَّ عند طلوع الفجر
(3)
.
(وَتَعْجِيلُهَا) أوَّلَ وقتها (أَفْضَلُ) إلاَّ لعذر إجماعًا
(4)
؛ لما رَوى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي المغربَ إذا وَجَبتْ»
(5)
، وعن رَافِع بن خَدِيجٍ قال: «كنَّا نصلِّي المغرب
(6)
مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فينصرف أحدُنا وإنَّه ليبصر مواقِع نَبله» متَّفَقٌ عليهما
(7)
، ولما فيه من الخروج من الخلاف.
(إِلاَّ لَيْلَةَ جَمْعٍ)، وهي ليلة المزدَلِفةِ، سمِّيت جَمْعًا؛ لاجتماع الناس فيها، وهي ليلة عيد الأضحى، (لمن قصدها)؛ أي: لمُحرِم قصدها، فيستحَبُّ له
(1)
في (د): بأنه.
(2)
في (و): فتظن.
(3)
لم نجد هذا النقل عن الخليل، والذي نقله ابن قتيبة في غريب الحديث 1/ 177، ولسان العرب 10/ 180 عن الخليل أنه قال في الشفق الأبيض:(راعيته الى نصف الليل).
(4)
ينظر: الأوسط لابن المنذر 2/ 369.
(5)
أخرجه البخاري (560)، ومسلم (646).
(6)
قوله: (المغرب) سقطت من (أ).
(7)
في (ب) و (د) و (و): عليها. والحديث أخرجه البخاري (559)، ومسلم (637).
تأخيرها ليصلِّيَها مع العشاء الآخِرةِ، إجماعًا
(1)
؛ لفعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وكلامهم يقتضي: لو دفع من عرفة قبل الغروب، وحصل بالمزدلفة وقت الغروب؛ لم يؤخِّرها، ويصلِّيها في وقتها.
وظاهره: تعجيلها أفضلُ ولو مع غَيْم في روايةٍ، وهو
(3)
ظاهر «المستوعب» و «الكافي» و «التَّلخيص» .
وفي أخرى: يُسنُّ تأخيرها معه، وهو الذي في «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» .
وهل ذلك لكلِّ مُصَلٍّ، أو لمن يخرج إلى الجماعة؟ فيه وجهان.
فائدة: لا يُكرَه تسميتُها بالعشاء، وبالمغرب أولى.
(ثُمَّ الْعِشَاءُ)، قال الجوهري:(العَشِيُّ والعشِيَّةُ من صلاة المغرب إلى العَتَمة)
(4)
، والعِشاء بالكسر والمدِّ مثلُه، وهو اسم لأوَّل الظَّلام، سمِّيت الصَّلاة بذلك؛ لأنَّها تفعل فيه، ويقال لها: عِشاءُ الآخِرَةِ، وأنكره الأَصمَعِيُّ، وغلَّطوه في إنكاره
(5)
.
(وَوَقْتُهَا: مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ)؛ أي: المعهود، وهو (الْأَحْمَرُ) إن كان في مكان يظهر له الأفق، وإن كان في مكان يستَتِرُ عنه الأفق بالجبال أو نحوها؛ استظهر حتَّى يغيب البياض، فيستَدِلُّ به على غيبوبة الحمرة لا لنفسه.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 3/ 157، الفروع 1/ 431، ونقل ابن المنذر وابن حزم: الإجماع على استحباب الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة. ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 57، مراتب الإجماع ص 45.
(2)
أخرجه البخاري (139)، ومسلم (1280)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(3)
في (أ): وهي.
(4)
ينظر: الصحاح 6/ 2426.
(5)
ينظر: المجموع شرح المهذب 3/ 42. وفيه: (العشاء الآخرة)، بدل: (عشاء الآخرة).
ويمتَدُّ (إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ)، نَصَّ عليه
(1)
، واختاره الأكثر؛ لأنَّ جبريل صلاَّها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الأوَّل حين غاب الشَّفق، وفي اليوم الثَّاني
(2)
حين كان ثلث اللَّيل الأول، ثمَّ قال:«الوقت فيما بين هذين» رواه مسلمٌ
(3)
، وعن عائشةَ قالت:«كانوا يصلُّون العَتَمة فيما بين أن يغيب الشَّفق إلى ثلث اللَّيل» رواه البخاري
(4)
.
(وَعَنْهُ: نِصْفِهِ)؛ أي: يمتَدُّ وقت الاختيار إلى نصف اللَّيل، اختاره القاضي وابن عَقِيل والشَّيخانِ، وقدَّمه ابن تميم، قال في الفروع
(5)
: (وهو أظهر)؛ لما رَوى أنَسٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخَّرها إلى نصف اللَّيل، ثمَّ صلَّى، ثمَّ قال:«ألا صلَّى النَّاس وناموا، أما إنَّكم في صلاةٍ ما انتظرتُموها» متَّفَقٌ عليه
(6)
، وعن عبد الله بن عَمْرو مرفوعًا قال:«وقت العشاء إلى نصف اللَّيل» رواه مسلمٌ
(7)
.
وفي «المغني» و «الشَّرح» : أنَّ الأَوْلى أنَّها لا تؤخَّر عن ثلث اللَّيل؛ لأنَّه يجمع الرِّواياتِ، والزِّيادة تعارضت فيها الأخبار، وصحَّحه الحُلْوَانِيُّ.
لكن يقال: ثبت تأخيرها إلى نصف اللَّيل عنه عليه السلام قولاً وفعلاً، وهو زيادة على الثُّلث، فيكون الأخذ به أَوْلى.
وفي «الوجيز» : يسنُّ تأخيرُها إلى ثلث اللَّيل إن سَهُل.
وفي «التَّلخيص» : ما بينهما وقت جوازٍ.
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 52، مسائل صالح 1/ 155، مسائل ابن هانئ 1/ 39.
(2)
زيد في (و): في، وزيد في (د): إلى.
(3)
سبق تخريجه 2/ 9 حاشية (6).
(4)
أخرجه البخاري (864).
(5)
قوله: (في الفروع) هو في (أ): ابن تميم. والصواب المثبت.
(6)
أخرجه البخاري (572)، ومسلم (640).
(7)
أخرجه مسلم (612).
(ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الاِخْتِيَارِ) على الخلاف فيه، (وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ)؛ أي: الإدراك (إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي)؛ لقوله
(1)
عليه السلام: «ليس في النَّومِ تفريطٌ، إنَّما التَّفريطُ في اليقَظَة، أن تُؤَخَّرَ
(2)
صَلاةٌ إلى أن يدخل وقتُ صلاةٍ أخرى» رواه مسلم من حديث أبي قتادة
(3)
، ولأنَّه وقت للوتر، وهو من توابع العشاء، فاقتضى أن يكون وقتًا لها؛ لأنَّ التَّابع إنَّما يُفعل في وقت المتبوع؛ كركعتي
(4)
الفجر.
والحكم فيه حكم الضَّرورة في وقت العصر على ما ذكرناه.
ويحرم تأخيرُها عن وقت الاختيار بلا عذر، ذكره الأكثر. وقدَّم في «الرِّعاية» وغيرِها الكراهة.
وظاهر «الرَّوضة» : يخرج الوقت مطلقًا بخروج وقت الاختيار
(5)
.
ولم يذكر في «الوجيز» لها وقت ضرورة، قال في «الفروع»:(ولعله اكتفى بذكره في العصر، وإلاَّ فلا وجه لذلك).
ورَوى سعيدٌ عن ابن عبَّاس: «أنَّه كان يَستحِبُّ تأخيرها مطلقًا»
(6)
، قال النَّووِيُّ:(لم يقل أحد من الأئمَّة: إنَّ تأخيرها إلى بعد نصف اللَّيل أفضل من التَّقديم)
(7)
.
(1)
في (د) و (و): ولقوله.
(2)
في (ب) و (و): يؤخر.
(3)
أخرجه مسلم (681).
(4)
في (و): ركعتي.
(5)
زيد في (و): بلا عذر. والمثبت موافق لما في الفروع 1/ 433.
(6)
أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (1103)، والطبري في تفسيره (12/ 608)، وابن أبي حاتم في تفسيره (11265)، وابن المنذر في الأوسط (1032)، والبيهقي في الكبرى (2122)، عن عبيد الله بن أبي يزيد: كان ابن عباس يعجبه التأخير بالعشاء، ويقرأ:{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هُود: 114]. وإسناده صحيح.
(7)
ينظر: شرح مسلم 5/ 138.
(وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْمَشْرِقِ، وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ)، هذا بيان لمعنى الفجر الثَّاني، ويُسمَّى المستطير؛ لانتشاره في الأفق، قال تعالى:{وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسَان: 7]؛ أي: منتَشِرًا فاشِيًا ظاهِرًا.
والفجرُ الأوَّلُ الكاذِبُ: المستطيلُ بلا اعتراض، أزرق، له شُعاعٌ ثمَّ يُظْلِمُ، ولدِقَّته يسمَّى ذَنَب السِّرحان، وهو الذِّئْب؛ لأنَّ الضَّوء يكون في الأعلى دون الأسفل؛ كما أنَّ الشَّعر يكون على أعلى الذَّنب دون أسفله.
وقال محمَّدُ بن حسنويه: (سمعت أبا عبد الله يقول: الفجر يطلع بليل، ولكنَّه يستره أشجار جِنان عدْن)
(1)
، وهذا قريب ممَّا تقدَّم في زوال الشَّمس، لا بدَّ من ظهوره لنا، ولا يكفي وجوده في نفس الأمر.
(وَتَأْخِيرُهَا) إلى آخر وقتها المختارِ بحيث يفعلها فيه (أَفْضَلُ مَا لَمْ يَشُقَّ)، في قول أكثر العلماء من الصَّحابة ومَن بعدهم؛ لما رَوى أبو بَرْزَةَ قال:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَستَحبُّ أن يُؤَخِّرَ العِشاءَ التي تدعونها العَتَمة» متَّفَقٌ عليه
(2)
، وروى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم أن يؤخِّروا العِشاء إلى ثلث اللَّيلِ أو نصفِه» رواه أحمد، والتِّرمذي وصحَّحه
(3)
.
ومحلُّه ما لم تؤخَّرِ
(4)
المغربُ لغَيم أو جَمْع.
وظاهره: أنَّه إذا شقَّ على المأمومِين - والأصحُّ: أو على بعضهم-؛ فإنَّه
(1)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 293، المقصد الأرشد 2/ 398.
ومحمد بن حسنويه، صاحب الأدم، من أصحاب الإمام أحمد، نقل عنه أشياء. ينظر: المراجع السابقة.
(2)
أخرجه البخاري (547)، ومسلم (647).
(3)
أخرجه أحمد (7412)، والترمذي (167)، وابن ماجه (691)، وابن حبان (1531)، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن حبان، والحاكم، والنووي، وابن الملقن، وحسَّنه الألباني. ينظر: البدر المنير 1/ 716، صحيح ابن داود 1/ 81.
(4)
في (ب) و (و): يؤخر.
يُكرَه، ونَصَّ عليه في رواية الأثرم
(1)
؛ لأنَّه عليه السلام كان يأمر بالتَّخفيف رِفْقًا بهم
(2)
.
وظاهِرُه: أنَّها تؤخَّر ولو مع غَيم. وعنه: يُستَحبُّ تعجيلها معه.
وهل ذلك لكلِّ مصلٍّ، أو لمن يخرج إلى الجماعة؟ فيه وجهان، ذكرهما ابن تميم.
نعم؛ ويلتحق بما ذكره: عادم الماء العالم أو الرَّاجي وُجُودَه في آخر الوقت؛ أنَّ التَّأخير أفضل، وكذا تأخيرها لمصلِّي كسوف إن أمِن فوتَها، ولو أمره والده بتأخيرها ليصلِّي معه أَخَّر، نَصَّ عليه
(3)
، ويقدَّم في الكل إذا ظن مانعًا منها.
فائدة: لا يُكرَه تسميتُها بالعَتَمة في الأصحِّ، وهي في اللُّغة: شدَّة الظُّلمة، والأفضل أن تسمَّى العشاء.
فرع: يكره النَّوم قبلها؛ لحديث أبي برزة
(4)
الأسلمي
(5)
، متفق عليه.
وعنه: بلا مُوقِظٍ؛ «لأنَّه عليه السلام رخَّص لعليٍّ» رواه أحمد
(6)
.
(1)
ينظر: المغني 1/ 285، فتح الباري لابن رجب 4/ 404.
(2)
أخرجه البخاري (703)، ومسلم (467)، من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء» .
(3)
من رواية أبي بكر بن حماد المقري. ينظر: الفروع 3/ 427.
(4)
في (أ): أبي هريرة.
(5)
كتب على هامش الأصل و (د): («أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها»).
(6)
أخرجه أحمد (892)، ولفظه:«كنت رجلاً نؤومًا، وكنت إذا صليت المغرب وعلي ثيابي نمت، فأنام قبل العشاء، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فرخص لي» ، وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سيئ الحفظ جدًّا، كما في التقريب، وفيه أيضًا جدة ابن الأصبهاني تروي عن علي، وهي غير معروفة. قال ابن رجب:(وروي موقوفًا، وهو أشبه)، وذكر أنه روي مرفوعًا بلفظ: (يا رسول الله إني رجل نؤوم، وقد نهيت عن النوم قبل العشاء، وعن السمر بعدها؟ فقال:«إن يوقظك فلا بأس» ، وفيه سوار بن مصعب، متروك الحديث، ورفعه لا يثبت. ينظر: فتح الباري لابن رجب 4/ 391 - 392.
والحديث بعدها في الجملة إلاَّ لشغل
(1)
وشيءٍ يسير، والأصحُّ: وأهلٍ وعيالٍ.
وسبب الكراهة: أنَّ نومه يتأخَّر، فيخاف منه تفويت الصُّبح عن وقتها أو عن أوَّلِه، أو يفوته قيام اللَّيل ممَّن يعتاده، وعلَّله القُرطُبِيُّ: بأنَّ الله جعل اللَّيل سكَنًا
(2)
، وهذا يخرجه عن ذلك.
ويُستثنى منه: ما إذا كان في خير؛ كقراءة حديثٍ، ومذاكرةِ فقه، وحكايات الصَّالحين، وإيناس الضَّيف؛ لأنَّه خيرٌ ناجِزٌ، فلا يترك لمفسدة متوهَّمة
(3)
.
(ثُمَّ الْفَجْرُ)، سمِّي به؛ لاِنفجارِ الصُّبح، وهو ضوء النَّهار إذا انشقَّ عنه اللَّيل، وقال الجوهري: (هو في
(4)
آخِر اللَّيل؛ كالشَّفق في أوله، وقد أفجرنا كما تقول
(5)
: قد أصبحنا من الصُّبح)
(6)
، وهو مثلَّثُ الصَّاد، حكاه ابن مالك
(7)
، وهو ما جمع بياضًا وحُمرة، والعرب تقول: وجه صبيح؛ لما فيه من بياض وحمرة.
(1)
في (أ): لغسل.
(2)
ينظر: المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم 2/ 271.
(3)
في (أ): يتوهمة.
(4)
قوله: (في) سقط من (أ) و (و).
(5)
في (أ) و (د) و (و): يقول.
(6)
ينظر: الصحاح 2/ 778.
(7)
ينظر: إكمال الأعلام بتثليث الكلام 2/ 355.
ولا يُكرَه تسميتُها بصلاة الغداة في الأصحِّ، وهي من صلاة النهار، نَصَّ عليه
(1)
.
(وَ) أوَّلُ (وَقْتِهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) إجماعًا
(2)
، ويُسمَّى الصَّادق؛ لأنَّه صدقَك عن الصُّبح، ويمتدُّ وقتها المختار (إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ)؛ لما روى عبد الله بن عمرو: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وقت الفجر ما لم تطلع الشَّمس» رواه مسلم
(3)
.
وقال القاضي وابن عَقيل وابن عبدوس: يذهب وقت الاختيار بالإسفار، ويبقى وقت الإدراك إلى طلوع الشَّمس، قدَّمه في «الرِّعاية» .
فعلى هذا؛ يُكرَه التَّأخير بعد الإسفار بلا عذر، وقيل: يَحرُم.
قال ابن البَنَّاء: وبطلوع الشَّمس وغروبها يعتبَرُ في كلِّ بلد بحسبه.
فائدة: وقت الفجر يَتبَعُ اللَّيلَ، فيكون في الشِّتاء أطول من الصَّيف، والعشاء على العكس.
قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: (ومن زعم أنَّ وقت العشاء بقدر حصَّة الفجر في الشَّتاء وفي الصَّيف، فقد غلِط غلَطًا بيِّنًا باتِّفاق النَّاس)
(4)
.
(وَتَعْجِيلُهَا) أوَّلَ الوقت إذا تيقَّنه أو غلب على ظنِّه (أَفْضَلُ)، قدَّمه في «الكافي» و «المستوعب» و «الرِّعاية» ، ونصره المؤلِّف، وجزم به في «الوجيز» ، قال في «الفروع»:(وهي أظهر)؛ لما رَوتْ عائشةُ قالت: «كُنَّ نساءُ المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الفجر متلفِّعاتٍ بمروطهنَّ، ثمَّ ينقلِبْنَ إلى بيوتهنَّ حين يَقضِين الصَّلاةَ ما يعرفهنَّ أحد من الغَلَس» متَّفَقٌ عليه
(5)
، وعن
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 19.
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 38، مراتب الإجماع ص 26.
(3)
أخرجه مسلم (612).
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 94.
(5)
أخرجه البخاري (372)، ومسلم (645).
أبي مسعود الأنصاريِّ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم غلَّس بالصُّبح، ثمَّ أسفر، ثمَّ لم يَعُد إلى الإسفار حتَّى مات» رواه أبو داود وابن خزيمة في «صحيحه» ، قال الحازمي:(إسناده ثقات، والزِّيادة من الثِّقة مقبولةٌ)
(1)
، قال ابن عبد البَرِّ: (صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمرَ وعثمانَ أنَّهم كانوا يغلِّسون
(2)
، ومحالٌ أن يتركوا الأفضلَ وهم النِّهاية في إتيان الفضائل)
(3)
.
(وَعَنْهُ: إِنْ أَسْفَرَ الْمَأْمُومُونَ
(4)
؛ فَالْأَفْضَلُ الْإِسْفَارُ)، وهو الذي في «التَّحقيق» ، وجزم به الشَّريف وأبو الحسين، وأبو الخَطَّاب في «رؤوس المسائل» ، قال الحُلْوانِيُّ:(العملُ عليها)، وصحَّحها ابن عَقيل، قال القاضي:
(1)
أخرجه أبو داود (394)، وابن خزيمة (352)، بلفظ:«وصلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، ولم يعد إلى أن يسفر» ، صححه الخطابي، وحسنه النووي، والألباني، وهو في البخاري (521) ومسلم (610)، مجملاً من غير تفصيل المواقيت، وأعلَّ الخطيب البغدادي وابن رجب رواية تفصيل المواقيت؛ لتفرد أسامة بن زيد الليثي فيها دون بقية أصحاب الزهري، قال الدارقطني:(أدرجه في حديث أبي مسعود). ينظر: علل الدارقطني 6/ 185، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي ص 101، فتح الباري لابن رجب 4/ 163 - 167 صحيح أبي داود 2/ 251.
(2)
أثر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن ماجه (671)، وأبو يعلى الموصلي (5747)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1053)، وابن حبان (1496)، والبيهقي في الكبرى (2144)، عن مغيث بن سُمَي، قال: صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس، فلما سلَّم، أقبلت على ابن عمر، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: «هذه صلاتنا، كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما طعن عمر، أسفر بها عثمان» ، وحسنه البخاري كما ذكر البيهقي عن الترمذي.
وأثر عثمان: أخرجه ابن أبي شيبة (3241)، وابن المنذر في الأوسط (1057)، عن إياس الحنفي، قال:«كنا نصلي مع عثمان الفجر، فننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض» ، وإياس مجهول، وله شواهد يتقوى بها.
(3)
ينظر: التمهيد 4/ 340.
(4)
في الأصل و (أ): المأمون.
نقلها عبدُ الله والحسن بن ثواب
(1)
؛ لفعله عليه السلام في العِشاء، فينبغي أن يكون في الفجر مثلُه، ولمَّا بعث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مُعاذًا إلى اليمن فقال
(2)
: «يا معاذُ إذا كان الشِّتاءُ فغلِّسْ بالفجرِ، وإذا كان الصَّيفُ فأسفرْ؛ فإنَّ اللَّيلَ قصيرٌ، والنَّاسُ ينامُون» رواه أبو سعيد الأُمَوِيُّ في «مغازيه» والبَغَوِيُّ في «شرح السُّنَّة»
(3)
.
وظاهره: اعتبار حال المأمومين كلِّهم، والمذهب كما صرَّح به الشِّيرازيُّ والجَدُّ: أو أكثرهم، ولعلَّه مراد من أطلق.
وعنه: الإسفار أفضل مطلقًا؛ لما روى الطحاويُّ عن محمَّد بن خُزَيمةَ، عن القَعْنَبِيِّ، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن إبراهيم قال:«ما اجتمع أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على شيء ما اجتمعوا على التَّنوير»
(4)
، وعن عليٍّ وابنِ مسعود:«أنَّهما كانا يُسفِران بها» رواه سعيدٌ
(5)
، وعن رافع بن خَدِيج:
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 41، زاد المسافر 2/ 90، الروايتين والوجهين 1/ 110.
(2)
في (أ): قال.
(3)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 249)، والبغوي في شرح السنة (356)، وفي سنده: المنهال بن الجراح، وقد وقع قلبٌ في اسمه وصوابه: الجراح بن منهال، وهو راوٍ متروك متهم بالكذب، وحكم الألباني على الحديث بالوضع. ينظر: لسان الميزان 2/ 426، السلسلة الضعيفة (955).
(4)
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1097)، وأخرجه أبو يوسف في الآثار (98)، وابن أبي شيبة (3256)، وأسانيده إلى إبراهيم النخعي صحيحة، ولم يلق إبراهيم أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم، قاله ابن المديني. ينظر: جامع التحصيل ص 141.
(5)
أثر علي رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (2165)، وابن أبي شيبة (3244)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1074)، وابن المنذر في الأوسط (1059)، عن علي بن ربيعة، سمعت عليًّا يقول لمؤذنه:«أسفر أسفر» - يعني صلاة الصبح -. وإسناده صحيح.
وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (2160)، وابن أبي شيبة (3249)، وأحمد في المسند (3893)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1092)، وابن خزيمة (2852)، وابن المنذر في الأوسط (1060)، عن عبد الرحمن بن يزيد قال:«كان عبد الله بن مسعود يسفر بصلاة الغداة» ، وصحح الحافظ إسناده في الدراية (1/ 104).
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
قال: «أسفِروا بالفجر؛ فإنَّه أعظمُ للأجر» رواه أحمد وأبو داود، وصحَّحه ابن حبَّان
(2)
.
ويُستثنى من ذلك: الحاجُّ بمزدَلِفةَ.
لكن حكى التِّرمذيُّ عن الشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ: أنَّ معنى الإسفار أن يضيء الفجر فلا يُشَكُّ فيه
(3)
، قال الجوهري:(أسفر الصُّبح، أي: أضاء)
(4)
، يقال: أسفرتِ المرأةُ عن وجهها؛ إذا كشفته وأظهرته.
(وَمَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيَرةَ الْإِحْرَامِ مِنْ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا؛ فَقَدْ أَدْرَكَهَا)، جزم به في «التَّلخيص» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، واختاره أبو الخَطَّاب؛ لما رَوتْ عائشةُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أدركَ سجدةً مِنْ العصر قبلَ أن تغربَ الشَّمسُ، أو مِنْ الصُّبح قبل أن تطلُعَ الشَّمسُ؛ فقد أدركها» رواه مسلم، وللبخاريِّ:«فليُتِمَّ صلاتَهُ»
(5)
، وكإدراك الجمعة، والمسافِر صلاةَ المُقِيم.
وذكر القاضي: أنَّه يدركها بإدراك أيِّ جزء كان، قال: وهو ظاهر كلام الإمام.
وظاهره: لا فرق بين أن يكون أخَّرها لعذر؛ كحائض تَطهُر، ومجنونٍ يُفيق، أو لغيره.
ومحلُّه في غير الجمعة، كما قيَّده في «الوجيز» وغيرِه، وهو الأصحُّ فيها.
(1)
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سقط من (ب).
(2)
أخرجه أحمد (17279)، وأبو داود (424)، والترمذي (154)، وابن حبان (1490)، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح).
(3)
ينظر: سنن الترمذي 1/ 223.
(4)
ينظر: الصحاح 2/ 687.
(5)
أخرجه البخاري (556) ومسلم (608) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم (608) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وعنه: لا تدرك
(1)
بدون ركعة، اختارها الخِرَقِيُّ، وصحَّحها الحُلْوانيُّ؛ لتخصيص الشَّارع الإدراك بالرَّكعة، وهو متَّفقٌ عليه من حديث أبي هريرة
(2)
، وكالجمعة.
ومقتضاه: أنَّ الصَّلاةَ كلَّها أداءٌ إذا وقع بعضها خارج الوقت في ظاهر المذهب، ولو صلَّى دون ركعة، ولهذا ينويه، وقطع به أبو المعالي في المعذور؛ اعتبارًا بالتَّحريمة.
وقيل: قضاءً؛ اعتبارًا بالسَّلام؛ فإنَّه وقت سقوط الفرض.
وقيل: الخارج عن الوقت.
ولا تبطل
(3)
بخروج وقتها
(4)
وهو فيها هـ
(5)
في الفجر؛ لوجوبها كاملةً، فلا تؤدَّى ناقصةً، ومثله عصر أمسه تغرب وهو فيها.
(وَمَنْ شَكَّ فِي) دخول (الْوَقْتِ؛ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ)؛ لأنَّ الأصل عدم دخوله، فلو صلَّى مع الشَّكِّ؛ لم يصحَّ وإن أصاب، كما لو صلَّى مَنْ اشتبهت عليه القِبلة من غير اجتهاد.
وقال ابن حمدان: من أحرم بفرض مع ما ينافيه، لا مع ما ينافي الصَّلاة، عمدًا أو جهلاً أو سهوًا؛ فسَد فرضُه، ونفله يحتمل وجهين.
فلو غلب على ظنِّه دخولُه؛ كمن له صنعة جرت عادته بعمل شيء مقدَّر إلى وقت الصَّلاة، أو قارئ جرت عادته بقراءة شيء فقرأه؛ جازت صلاته، جزم به جماعةٌ؛ لأنَّه أمر اجتهادِيٌّ، فاكتُفي فيه بغلبة الظَّنِّ كغيره، ولأنَّ
(1)
في (د): يدرك.
(2)
أخرجه البخاري (580)، ومسلم (607)، ولفظه:«من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة» .
(3)
في (د) و (و): يبطل.
(4)
في (أ) بخروجه.
(5)
ينظر: المحيط البرهاني 1/ 278،
الصَّحابة كانوا يبنون أمر الفطر على غلبة الظَّنِّ
(1)
، ولا يعيد بحال، صرَّح به في «المحرَّر» ، إلاَّ أن يتبين أنَّ صلاتَه قَبلَ الوقت.
وأمَّا إذا تيقَّن؛ كالعالِم بالمواقيت ودقائق السَّاعات وبسَيْر
(2)
الكواكب إذا لم يكن في السَّماء عِلَّة ولا مانع؛ فمن باب أَوْلى.
وقيل: إن قدر على اليقين؛ لم يعمل بالظَّن، وهو ظاهر ما قدَّمه ابن تميم.
(فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ)؛ أي: بدخول الوقت (مُخْبِرٌ) ثِقةٌ
(3)
(عَنْ يَقِينِ) علم؛ بأن قال: رأيت الفجر طالِعًا، والشَّفقَ غارِبًا؛ (قَبِلَ قَوْلَهُ)؛ لأنَّ خبره مع الثِّقة يفيد وجوب العمل به، ولأنَّه خبر دِينيٌّ أشبه الرِّواية، وظاهره: ولو أمكنه اليقين.
(وَإِنْ كَانَ عَنْ ظَنٍّ؛ لَمْ يَقْبَلْهُ)؛ لأنَّه يقدر على الصَّلاة باجتهاد نفسه
(4)
، وتحصيل
(5)
مثل ظنِّه، أشبه حال اشتباه القبلة، زاد ابن تميم وغيره: إلاَّ أن يتعذَّر عليه الاجتهادُ، فيعمَل بقوله.
والأعمى والمطمور القادران على التَّوصُّل بالاستدلال؛ كالبصير القادر
(6)
؛ لاستوائهما
(7)
في إمكان التَّقدير بمرور الزَّمان.
فإن كان الأعمى عاجزًا عن معرفته بنفسه؛ قلَّد بصيرًا عالِمًا به، فإن عَدِم من يقلِّده، فاجتهد وصلَّى؛ أعاد إن أخطأ، وإلاَّ فلا، ذكره السَّامَرِّيُّ وغيرُه،
(1)
يشير إلى ما أخرجه البخاري (1959)، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت:«أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم، ثم طلعت الشمس» .
(2)
في (أ): وكسير.
(3)
زيد في (ب): أو سمع أذان ثقة عارف.
(4)
في (أ): معه.
(5)
في (و): ويحصل.
(6)
زيد في (و): ومتى.
(7)
في (أ): لاستوائهم.
وسيأتي، والأصحُّ: أنَّه يعيد مطلقًا.
تذنيب: إذا سمع أذان ثقة عارف بالوقت؛ فله تقليده؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّه لا يؤذِّن إلاَّ بعد دخول الوقت، فجرى مجرى خبرِه، ولأنَّه مؤتَمَن، لكن قال ابن عَقيل وأبو المعالي وابن تميم: لا يعمل به في دار الحرب حتَّى يعلم إسلامَه.
وفي كتاب أبي المعالي و «الرِّعاية» : لا أذان في غَيم؛ لأنَّه عن اجتهاد، ويجتهد هو، فدلَّ أنَّه لو عرف أنَّه يعرف الوقت بالسَّاعات، أو تقليدِ عارِفٍ؛ عمل به، جزم به المجْدُ، وقال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين:(قال بعض أصحابنا: لا يعمل بقول المؤذِّن مع إمكان العلم بالوقت، وهو خلاف مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبَرِين)
(1)
.
قلت: ومن الأَمارات: صياح الدِّيك المجرَّب، وكثرة
(2)
المؤذِّنين.
(وَمَتَى اجْتَهَدَ) قال الجَوهريُّ: (الاجتهادُ بَذلُ الوُسع في المجهود)
(3)
، وفي «الرَّوضة»: الاجتهاد التَّامُّ: أن يبذل الوسع في الطَّلب إلى أن يحسَّ
(4)
من نفسه بالعجز عن مزيد طلب، (وَصَلَّى، فَبَانَ أَنَّهُ وَافَقَ الْوَقْتَ)؛ أجزأه؛ لأنَّ الصَّلاة وقعت الموقع؛ لكونه أدَّى ما خُوطِب به وفُرض عليه
(5)
.
(أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ)؛ لأنَّ الصَّلاة تقع بعد الوقت قضاءً، وهو مسقِطٌ للفرض، ومجزِئٌ عنه
(6)
.
(1)
ينظر: الاختيارات ص 52.
(2)
في (د) و (و): ذكره.
(3)
ينظر: الصحاح 2/ 461، لكن فيه:(والاجتهاد والتجاهد: بذل الوسع والمجهود).
(4)
في (و): يخشى.
(5)
قوله: (وصلى فبان أنه وافق الوقت أجزأه) إلى هنا سقط من (و).
(6)
قوله: (تقع بعد الوقت قضاء، وهو مسقط للفرض، ومجزئ عنه) هو في (و): (وقعت الموقع، لكونه أدى ما خوطب به وفرض عليه).
(وَإِنْ
(1)
وَافَقَ قَبْلَهُ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ)؛ لأنَّه أدَّاها قبل وقت الوجوب، ويكون نفلاً، صرَّح به في «الوجيز» و «الرِّعاية» ، وكذا إذا ظنَّ أنَّ عليه فائتةً فأحرم بها، فبان أنَّها ليست عليه.
وقيل: تبطل.
وذكر ابن تميم وغيره: أنَّه إذا أخبره ثقةٌ عن علمٍ أنَّه صلَّى قبل الوقت؛ أعاد، وإلاَّ فلا.
ولا بدَّ من الفرق فيما إذا اجتهد في القبلة وصلَّى؛ فلا إعادة عليه وإن أخطأ، بخلاف الاجتهاد في الوقت، والفرق بينهما: أنَّ المجتهِد في القِبلة أدَّى
(2)
الصَّلاة بعد وجوبها عليه، وفي الوقت أدَّاها قبل وجوبها، ثمَّ تجدد
(3)
سبب الوجوب.
وأيضًا: فإنَّ تحصيل اليقين في الوقت ممكن، بخلاف القِبلة، ذكره ابن المُنَجَّى
(4)
، وفي الآخير نظر.
(وَمَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْوَقْتِ) وهو مكلَّف (قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ)؛ أي: تكبيرة الإحرام، ولكن أطلقه أحمد والأصحاب، فلهذا قيل: بجزء، (ثُمَّ) طرأ ما يسقط الفرض عنه، كما إذا (جُنَّ، أَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ؛ لَزِمَهُمُ الْقَضَاءُ)، ذكره الأكثرُ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّها وجبت بدخول الوقت، والأصل عدم سقوطها، وكآخر الوقت، وكالتي أمكن أداؤها.
وظاهر كلامهم: أنَّ المسألة مصوَّرة بدخول الوقت، ولكن إدراك جزء من الوسط كذلك.
(1)
في (و): فإن.
(2)
في (د): أي.
(3)
في (د): تجرد، وفي (و): يجوز.
(4)
في (د) و (و): منجا.
وعنه: أنَّه لا قضاء عليه إلاَّ أن يدرك منه ما يتمكَّن من فعلها، اختاره ابن أبي موسى وابن بَطَّة، كما لو طرأ العذر قبل دخول الوقت.
واختار الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: أن يضيق الوقت
(1)
.
وفي وجوب الثَّانية من صلاتي الجمع بوجوب الأُولى روايتان:
إحداهما: يجب، ويلزمه قضاؤها، كما لو أدرك جزءًا من وقت العصر.
والثَّانية
(2)
: لا، وهي الأصحُّ؛ لأنَّه لم يدرك شيئًا من وقتها، ولا
(3)
وقت تَبَعِها، أشبه من لم يدرك شَيئًا، بخلاف الثَّانية؛ فإنَّها تُفعل تَبَعًا للأُولى، فمُدرِك
(4)
وقتها مدرِكٌ لجزء
(5)
من وقتِ تَبَعِ
(6)
الأُولى.
(وَإِنْ) طرأ تكليف؛ بأن (بَلَغَ صَبِيٌّ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) ولو (بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ)، وهو الأصحُّ، وقيل: يجزئ كبعض تكبيرة، وفي «الفروع»:(وظاهر ما ذكره أبو المعالي حكاية القول بإمكان الأداء، وقد يؤخذ منه حكاية القول بركعة، فيكون فائدة المسألة، وهو متَّجِهٌ)؛ (لَزِمَهُمُ الصُّبْحُ)؛ أي: صلاة الصُّبح؛ لما تقدَّم من قوله: «من أدرك سجدةً من الفجر قبل أن تطلع الشَّمسُ فقد أدركها»
(7)
، فقوله: سجدةً؛ أي: مقدار سجدة.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 363، الاختيارات ص 53.
(2)
في (أ): والثاني.
(3)
زاد في (ب): (من)، وهو موافق لما في الشرح الكبير 3/ 181.
(4)
في (د) و (و): فيدرك.
(5)
في (و): بجزء.
(6)
في (د): يسع.
(7)
أخرجه مسلم (608)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لَزِمَهُمُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ)؛ لما روى سعيد والأثرم عن ابن عبَّاس وعبد الرحمن بن عوف أنَّهما قالا: «إذا طهرت الحائض قبل مغيب الشَّمس؛ صلَّت الظُّهرَ والعصر، وإذا رأت الطُّهر قبل أن يطلع الفجر صلَّت المغرب والعشاء» ، ورواه الخلاَّل والبَيْهَقِيُّ عن عبد الرَّحمن، وفي الإسناد ضعف
(1)
، ولم يعرف لهما في الصَّحابة مخالِفٌ، قال أحمد: (عامَّة التَّابعين يقولون به إلاَّ الحسن وحده قال: لا يجب إلاَّ الصَّلاة التي طهرت
(2)
فيها)
(3)
؛ لأنَّ وقت الثَّانية وقت للأُولى حال العذر، فإذا أدركه
(4)
المعذور؛ لزمه فرضها، كما يلزمه
(5)
فرض الثَّانية، ولأنَّ ما دون الرَّكعة تجب به الثَّانية، فوجبت
(6)
به الأولى كالرَّكعة.
وظاهره: ولو لم يتَّسع لفعلها، وقدر ما تجب به الثَّانية، ولا يُعتَبَر زمن يتَّسِع للطَّهارة، نَصَّ عليه
(7)
.
(1)
أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (7207)، والدارمي (922)، وابن المنذر في الأوسط (825)، والبيهقي في الكبرى (1816)، ومداره على يزيد بن أبي زياد الهاشمي، وهو ضعيف.
وأثر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (7205)، وحرب الكرماني - تحقيق السريع - (647)، وابن المنذر في الأوسط (824)، والبيهقي في الكبرى (1815)، عن مولىً لعبد الرحمن بن عوف عنه. قال الحافظ:(لم يعرف حاله).
وقد احتج أحمد في مسائل صالح وعبد الله بهذين الأثرين وأفتى بهما. ينظر: مسائل صالح 3/ 101، مسائل عبد الله ص 54، التلخيص الحبير 1/ 485.
(2)
في (أ): تطهرت.
(3)
ينظر: المغني 1/ 287، وينظر: نص أحمد في قضاء الصلاة وما يجمع إليها في زاد المسافر 2/ 70.
(4)
في (د) و (و): أدرك.
(5)
في (د) و (و): لزمه.
(6)
في (أ): فوجب.
(7)
ينظر: الفروع 1/ 438، شرح الزركشي 1/ 496.
(وَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لَزِمَهُمُ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ)؛ لما ذكرناه، وعلَّل أبو الخَطَّاب ذلك: بأنَّ من لزمه عصر يومه لزمه ظهر يومه؛ كالمُغمَى عليه إذا أفاق قبل الغروب.
(وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ) بعذر أو غيرِه؛ (لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا) وفاقًا
(1)
.
وقال بعضُ الظَّاهريَّةِ: إنَّ غير المعذور لا يَقضِي
(2)
، واختاره الشيخ تقي الدين
(3)
، وحكاه ابن
(4)
كج عن ابن بنت الشَّافِعِيِّ
(5)
، وحكمتُه: التَّغليظُ عليه.
(عَلَى الْفَوْرِ
(6)
في المنصوص
(7)
، إن لم يتضرَّر في بدنه أو معيشةٍ
(8)
يحتاجها، نَصَّ عليه
(9)
؛ لما رَوى أنسٌ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نام عن
(1)
ينظر: الجوهرة النيرة 1/ 67، الذخيرة 2/ 380، البيان للعمراني 2/ 51، الشرح الكبير 3/ 183.
(2)
ينظر: المحلى لابن حزم 2/ 10.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 40.
(4)
سقط من (أ).
(5)
ينظر: التمهيد للأسنوي ص 252. ونقله شيخ الإسلام في الاختيارات ص 53 عن أبي عبد الرحمن صاحب الشافعي، وهو ابن بنت الشافعي.
وابن كج: هو أبو القاسم يوسف بن أحمد بن يوسف بن كج الكجي الدينوري؛ أحد أئمة الشافعية، صنف كتبًا كثيرة، وكان يضرب به المثل في حفظه لمذهب الشافعي، توفي سنة 405 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 7/ 65، سير أعلام النبلاء 17/ 183.
وابن بنت الشافعي: هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع المطلبي الشافعي نسبًا ومذهبًا، وهو ابن بنت الشافعي الإمام، قال النووي:(وكنيته أبو محمد، .. ويقع في كتب أصحابنا اختلاف كثير جدًّا في اسمه وكنيته) وقيل: أبو عبد الرحمن، كان واسع العلم، جليلاً فاضلاً، قيل: لم يكن في آل شافع بعد الإمام الشافعي أجلُّ منه، قال النووي:(وانفرد ابن بنت الشافعي هذا بمسائل غريبة). ينظر: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 296، طبقات الشافعية 2/ 186.
(6)
كتب على هامش الأصل و (د): أي: في الحال.
(7)
ينظر: مسائل صالح 1/ 361، مسائل ابن منصور 2/ 429.
(8)
في (ب) و (و): معيشته.
(9)
ينظر: مسائل عبد الله ص 56.
صلاةٍ أو نسِيَها فليصلِّها إذا ذكرها» متَّفقٌ عليه، ولفظه للبخاريِّ
(1)
، وفي روايةٍ:«مَنْ نسيَ صلاةً فوقتُها إذا ذكرها» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ بإسنادٍ فيه ضَعفٌ
(2)
، فأمر بالصَّلاة عند الذِّكر، والأمر للوجوب، وإنَّما تحوَّل عليه السلام بأصحابه لمَّا ناموا، وقال:«إنَّ هذا منزلٌ حضرنا فيه الشَّيطانُ»
(3)
؛ لأنَّه سُنَّة، كفعل سُنَّة قبل الفرض.
وقيل: لا يجب القضاء على الفور.
وعلى الأول: يجوز التَّأخير لغرض صحيحٍ؛ كانتظار رُفقةٍ أو جماعةٍ للصَّلاة.
(مُرَتَّبًا) على الأصحِّ؛ لما روى جابِرٌ عن عمرَ بن الخطَّاب: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فاتته صلاةُ العصر يوم الخندق، فصلاَّها بعدما غربت الشَّمس، ثمَّ صلَّى بعدها المغرب» ، متفق عليه
(4)
، وعن ابن عمر مرفوعًا: «من نسيَ صلاةً فلم يذكرها إلاَّ وهو مع الإمام؛ فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي، ثم ليعد الصَّلاة التي صلاها مع الإمام
(5)
» رواه أبو بكر، وأبو يعلى المَوصِليُّ بإسنادٍ حسَنٍ
(6)
، ولأنَّها صلواتٌ مؤقَّتات، فوجب التَّرتيب فيها كالمجموعتَين، ولأنَّ القضاء يحكي الأداء.
(1)
أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684).
(2)
أخرجه الدارقطني (1565)، والطبراني في الأوسط (8840)، والبيهقي (3183)، فيه حفص بن عمر بن أبي العطاف، وهو ضعيف، بل قال البخاري وغيره:(منكر الحديث)، ونقل البيهقي عن البخاري وغيره أنهم قالوا:(الصحيح عن أبي هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا، ليس فيه: «فوقتها إذا ذكرها»). ينظر: البدر المنير 2/ 658.
(3)
أخرجه مسلم (680)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري (596)، ومسلم (631).
(5)
قوله: (فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي، ثم ليعد الصَّلاة التي صلاها مع الإمام) سقط من (أ).
(6)
أخرجه أبو يعلى الموصلي كما في المطالب العالية (3/ 842، رقم 445)، والطبراني في الأوسط (5132)، والبيهقي (3193)، مرفوعًا، وفيه إسماعيل بن إبراهيم، أبو إبراهيم الترجماني، قال ابن حجر في التقريب ص 105:(لا بأس به)، وقد وهم في رفعه، والصواب وقفه كما رجحه الدارقطني والبيهقي، ورواه موقوفًا مالك في الموطأ (1/ 168)، وعبد الرزاق (2255).
فظاهره: يختصُّ بحالة العذر.
وجوابه: أنَّه إذا وجبت الفوريَّة والتَّرتيب على المعذور؛ فغيره أَوْلى، وإنَّما قيَّده بالنِّسيان؛ لأنَّه قد خرج على سبب.
وعنه: لا يجب التَّرتيب، قاله في «المبهج» ؛ لأنَّ كلَّ واحدة عبادة مستقلَّة، والأداء إنَّما كان واجبًا في الأوَّل لضرورة الوقت؛ وكالصَّوم
(1)
.
وأسقط القاضي في موضعٍ الفوريَّةَ والتَّرتيبَ فيما زاد على خمس.
وعلى الأوَّل: التَّرتيب شرط لصحَّتها، فلو أخلَّ به؛ لم يصحَّ؛ كالرُّكوع والسُّجود.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه احتمال: يجب التَّرتيب ولا يعتبر للصِّحَّة).
مسألة: يُستَحَبُّ أن يصلِّي الفائتة جماعة.
ومن شكَّ فيما عليه من الصَّلاة؛ فإن شكَّ في زمن الوجوب؛ قضى ما يعلم وجوبه، وإن شكَّ في الصَّلاة بعد الوجوب؛ قضى ما يعلم فيه
(2)
براءة ذمَّته، نَصَّ عليه
(3)
.
(قَلَّتْ) الفوائتُ (أَوْ كَثُرَتْ)؛ لأنَّ التَّرتيب واجِبٌ، فلم يَسقُط بالكثرة، كما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها، لكن إذا قلَّت الفوائت؛ قضاها بسنَّتِها، وإن كثرت فالأَوْلى الاقتصار على الفرض؛ لفعله
(4)
عليه السلام يوم الخندق
(5)
.
(1)
في (أ): كالصوم.
(2)
في (د) و (و): به.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 73.
(4)
في (د) و (و): كفعله.
(5)
سبق تخريجه قريبًا 2/ 42 حاشية (4).
واستثنى أحمد سنَّة الفجر، وقال:(لا يهملها)
(1)
، وقال في الوتر:(إن شاء قضاه، وإن شاء فلا)
(2)
، ونقل مُهنَّى: (يقضي سنَّة الفجر لا
(3)
الوتر)
(4)
؛ لأنَّه دونها.
وأطلق القاضي وغيره: يقضي السُّنن والوتر كما يقضي غيره من الرَّواتب، نَصَّ عليه
(5)
.
ولا يصحُّ نفل مطلق على الأصحِّ؛ لتحريمه، كأوقات النَّهي.
وكذا يتخرَّج في النَّفل المبتدَأ بعد الإقامة، أو عند ضيق وقت المؤدَّاة مع علمه بذلك وتحريمه.
فائدة: قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: (إن عجز فمات بعد التَّوبة؛ غُفر له)
(6)
، قال:(ولا تسقط بحجٍّ، ولا تضعيف صلاة في المساجد الثَّلاثة، ولا غير ذلك)
(7)
.
(فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ)؛ سقط وجوب التَّرتيب في الصَّحيح المشهور في المذهب؛ لئلاَّ تصيرا فائتتَين، وفعل الحاضرة آكد؛ بدليل أنَّه يُقتل بتركها بخلاف الفائتة، ولأنَّ ترك التَّرتيب أيسرُ من ترك الوقت.
وعنه: لا يسقط، اختاره الخلاَّل؛ لأنَّه ترتيب، فلم يسقط بضيق الوقت؛ كترتيب الرُّكوع والسُّجود.
ونقل ابن منصور: (إذا كثرت الفوائت بحيث لا يتَّسع لها وقت الحاضرة؛
(1)
ينظر: الفروع 1/ 439.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 95، الفروع 1/ 439.
(3)
في (أ): إلا.
(4)
ينظر: الفروع 1/ 439.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 656، الفروع 1/ 439.
(6)
ينظر: الفروع 1/ 441.
(7)
ينظر: الاختيارات ص 53.
صلى الحاضرة
(1)
في أوَّل وقتها)
(2)
، وهي اختيار أبي حفص، وصحَّحه في «المغني» ؛ لأنَّه إذا لم يكن بدٌّ من الإخلال بالتَّرتيب؛ ففعلها في أوَّل الوقت ليحصل
(3)
فضيلة الوقت والجماعة أَوْلى، ولأنَّ فيه مشقَّةً، فإنَّه يتعذَّر معرفة آخِر الوقت في حقِّ أكثر النَّاس.
فعلى الأوَّل: المراد بفوات الحاضرة: ضيق وقتها حتَّى لا يتَّسع لفعلهما جميعًا.
وقيل: ما لا يتَّسع لفعل الفائتة وإدراك الحاضرة.
وهل خروج وقت الاختيار كخروج الوقت؟ فيه وجهان.
ولا يشتغل عن الحاضرة بالقضاء، فإن خالف وقضى؛ صحَّ، نَصَّ عليه
(4)
، لا نافلة في الأصحِّ.
وظاهره: لا فرق بين الحاضرة أن تكون جمعة أو غيرها، فإنَّ خوف فوت الجمعة كضيق
(5)
الوقت في سقوط التَّرتيب، نصَّ عليه
(6)
، فيصلِّي الجمعة قبل القضاء.
وعنه: لا يسقط، قال جماعة: لكنْ عليه فعل الجمعة في الأصح، ثمَّ يقضيها ظهرًا.
فإن كان الذي عليه الفائتة الإمام في الجمعة، وصلاَّها مع ذكره، فإن سقط التَّرتيب لضيق الوقت؛ صحَّت الجمعة، وقضى ما عليه، وإن قلنا: لا
(1)
قوله: (صلى الحاضرة) سقط من (أ).
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 447.
(3)
في (أ): لتحصل.
(4)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 35.
(5)
في (د) و (و): لضيق.
(6)
في رواية مهنى. ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 133.
يسقط؛ أعاد الجمعة إن
(1)
كان الوقت باقيًا.
فإن ذكر الفائتة قبل إحرامه بالجمعة؛ استناب فيها، وقضى الفائتة، فإن
(2)
أدرك الجمعة مع نائبه
(3)
، وإلاَّ صلَّى ظهرًا.
وإن لم يفعل، وصلَّى بهم؛ فعلى الخلاف.
وقيل: يلزمه أن يقضي، ثمَّ يأتي بما يدرك به الجمعة، وهو أشبه.
(أَوْ نَسِيَ التَّرْتِيبَ) بين فوائت حالَ قضائِها، أو بين حاضرةٍ وفائتةٍ حتَّى فرَغ منها؛ (سَقَطَ وُجُوبُهُ)، وليس عليه إعادةٌ، نصَّ عليه في رواية الجماعة
(4)
؛ لقوله عليه السلام: «عُفِيَ لأمَّتي عن الخطأ والنِّسيان»
(5)
، ولأنَّ المنسيَّة ليس عليها أَمَارة، فجاز أن يؤثِّر فيها النِّسيان؛ كالصِّيام.
(1)
في (أ): إذا.
(2)
في (د) و (و): وإن.
(3)
في (د) و (و): فائتة.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 632.
(5)
روي هذا الحديث من طرق عدة، منها: حديث ابن عباس، مرفوعًا:«إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» ، أخرجه ابن ماجه (2045)، وابن حبان (7219)، والحاكم (2801)، وأخرجه ابن ماجه (2043)، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وهذا الحديث اختلف فيه: فممن قواه العقيلي حيث خرجه من حديث ابن عباس ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما ثم قال: (وهذا يروى من غير هذا الوجه بإسناد جيد)، وصححه ابن حبان، والحاكم، وابن حزم، وحسنه النووي، وصححه الألباني، وأعله الإمام أحمد وأبو حاتم، ومحمد بن نصر المروزي،، سأل عبد الله الإمام أحمد عن الحديث: (فأنكره جدًّا، وقال: ليس يُروى فيه إلا عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم عليها أبو حاتم بأنها منكرة، ولا يثبت منها شيء، وقال ابن رجب بعد ذكره لإسناد حديث ابن عباس: (وهذا إسناد صحيح في ظاهر الأمر، ورواته كلهم محتج بهم في الصحيحين وقد خرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، كذا قال، ولكن له علة
…
)، ثم ذكر كلام أحمد وأبي حاتم، ورجح إرساله. وللحديث شاهدان صحيحان يؤيدان معناه:
الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري (6664)، ومسلم (127)،:«إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها، ما لم تعمل به أو تكلم» .
والثاني: ما أخرجه مسلم (126) وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «لما نزلت: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البَقَرَة: 286] قال الله تعالى: قد فعلت» الحديث، وبوَّب أبو عوانة في مستخرجه (219) على الحديث بقوله:(بيان رفع الخطأ والنسيان عن المسلمين وما حدثت به أنفسها ووسوست).
واللفظ الذي ذكره المصنف: (عفي لأمتي)، مشهور عند الفقهاء، وهو عند ابن عدي في الكامل (6/ 494)، قال ابن عدي:(منكر). ينظر: العلل للإمام أحمد 1/ 561، علل ابن أبي حاتم (1296)، الضعفاء للعقيلي 4/ 145، المحلى لابن حزم 3/ 427، جامع العلوم والحكم 2/ 361 - 362، التلخيص الحبير 1/ 671، الإرواء 1/ 123.
وعنه: لا يسقط مع النِّسيان؛ كالمجموعتَين.
وجوابه: أنَّه لا يتحقَّق فيهما؛ إذ لا بدَّ من نيَّة الجمع، وهو متعذِّر
(1)
مع النِّسيان.
وظاهره: لا فرق بين أن يكون ذكر الفائتة ثمَّ نسيها، أو لم يسبق لها ذكر.
وأنَّه لا يسقط التَّرتيب بخشية فوات الجماعة في الحاضرة على الأصحِّ.
ولا بالجهل بوجوبه
(2)
في الأصحِّ؛ لأنَّه نادرٌ، ولأنَّه
(3)
اعتقد بجهله خلاف الأصل، وهو التَّرتيب، فلم يعذر.
فلو صلَّى الظُّهر، ثمَّ الفجر جاهلاً، ثمَّ صلَّى العصر في وقتها؛ صحَّت عصره
(4)
لاعتقاده
(5)
لا صلاة عليه، كمن صلاها ثمَّ تبيَّن
(6)
أنَّه صلَّى الظُّهر بلا وضوء؛ أعاد الظُّهر.
(1)
في (د) و (و): يتعذر.
(2)
قوله: (بالجهل بوجوبه) هو في (أ): (بالجهل بوضوئه).
(3)
في (د) و (و): وأنه.
(4)
زيد في (د): الطهارة إن.
(5)
قوله: (لاعتقاده) سقطت من (أ).
(6)
في (أ): تيقن.
وإن نسي ظهرًا وعصرًا من
(1)
يومين، وجهل السَّابقة؛ فعنه: يبدأ بالظُّهر، ثمَّ بالعصر؛ اعتبارًا بالتَّرتيب الشَّرعي. وعنه: يتحرَّى.
فإن استويا؛ فعنه: بما شاء. وعنه: يصلِّي ظهرين بينهما عصرًا، وبالعكس؛ لأنَّه أمكنه أداء فرضه بيقين، قال في «المغني»: وهو القياس.
فرع: إذا ذكر فائتةً في حاضرةٍ؛ أتمَّها غير الإمام. وعنه: وهو نفلاً. وقيل: فرضًا. وعنه: تبطل
(2)
.
وإن نسي صلاةً من خمس يجهل عينَها؛ صلَّى خمسًا، نصَّ عليه
(3)
، بنيَّة الفرض. وعنه: فجرًا، ثمَّ مغربًا، ثمَّ رُباعيةً.
وإن ترك عشر سجدات من صلاة شهر
(4)
؛ قضى صلاة عشرة أيَّام؛ لجواز تركه كلَّ يوم سجدة، ذكره أبو المعالي.
(1)
في (د) و (و): في.
(2)
في (ب) و (د) و (و): يبطل.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 448، زاد المسافر 2/ 178.
(4)
في (و): فجر.
(بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ)
العورة في اللُّغة: النُّقصان، والشَّيء المستقبَح، ومنه كلمة عَوراء، أي:
(1)
قبيحة، فهي سوءة الإنسان، وكلُّ ما يُستحيا منه، وسمِّيت عورةً؛ لقبح ظهورها.
ثمَّ إنَّها تطلق على ما يجب سترها في الصَّلاة، وهو المراد هنا، وعلى ما يحرم النَّظر إليه، وسيأتي في النِّكاح.
(وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ) في قول أكثر العلماء، قال ابن عبد البَرِّ:(أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به، وصلَّى عريانًا)
(2)
؛ لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعرَاف: 31]، لأنَّها وإن كانت نزلت بسبب خاصٍّ؛ فالعبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السَّبب، ولقوله عليه السلام:«لا يقبلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلاَّ بخمارٍ» رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذي وحسَّنه من حديث عائشة، ورواه الحاكم، وقال:(على شرط مسلم)
(3)
، والمراد بالحائض: البالِغ، ولأنَّه عليه السلام:«نهى عن الطَّوافِ بالبيتِ عُريانًا»
(4)
، فالصَّلاة أَوْلى؛ لأنَّها أعلى وآكد منه.
(1)
قوله: (أي) سقطت من (أ) و (د) و (و).
(2)
ينظر: التمهيد 6/ 379.
(3)
أخرجه أحمد (25167)، وأبو داود (641)، والترمذي (377)، وابن حبان (1711) والحاكم (917)، من طريق حماد بن سلمة، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة به، وخالف حمادٌ أيوبَ وغيره من الرواة فأرسلوا الحديث، ورجح الدارقطني إرساله، وذكر مسلم أن حماد بن سلمة يخطئ في حديث قتادة كثيرًا، وصحح الحديث ابن الملقن والألباني. ينظر: التمييز لمسلم ص 218، البدر المنير 4/ 155، الإرواء 1/ 214.
(4)
أخرجه البخاري (369)، مسلم (1347)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والأحسن في الاستدلال أن يقال: انعقد الإجماع على الأمر به في الصَّلاة، والأمر بالشَّيء نهي عن ضدِّه، فيكون منهيًّا عن الصَّلاة مع كشف العورة، والنَّهي في العبادات يدلُّ على الفساد.
وهذا محلُّه عند القدرة، فإن عجز عنه وجب أن يصلِّي عُريانًا.
(وَسَتْرُهَا) لا من أسفل، والأظهر: بلى
(1)
إن تيسَّر النَّظَر، (عَنِ النَّظَرِ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ)؛ أي: السَّواد والبياض؛ (وَاجِبٌ)؛ لأنَّ السَّتر إنَّما يحصل بذلك، فدلَّ أنَّه إذا وصف بياض الجلد أو حمرته؛ فليس بساتر.
وإذا ستر اللَّون ووصف الخِلْقة؛ أي: حجم العضو؛ صحَّت الصَّلاة فيه؛ لأنَّ البشَرة مستورة، وهذا لا يمكن التحرُّز منه، وإن كان السَّاتر خفيفًا
(2)
.
ويكفي نباتٌ ونحوُه. وقيل: لا يكفي حشيش مع وجود ثوب.
ويكفي متَّصل به؛ كيَدِه ولِحيتِه على الأصحِّ.
وفي لزوم طين وماء كدِرٍ لعدَمٍ؛ وجهان
(3)
، لا باريةٍ
(4)
وحصيرٍ ونحوهِما ممَّا يضرُّ، ولا حفيرةٍ، واختار ابن عَقيل: يجب الطِّينُ لا الماء، ويكون من فوق.
وظاهره: أنَّه يجب سترها في غير الصَّلاة بين النَّاس.
وفي «الرِّعاية» : يجب سترها مطلقًا حتَّى خَلوةً عن نظر نفسه؛ لأنَّه يحرم كشفها خَلوةً بلا حاجة، فيحرم نظرها؛ لأنَّه استدامة لكشفها المحرَّم.
قال في «الفروع» : (ولم أجد تصريحًا بخلاف هذا، لا أنَّه يحرم نظر عورته حيث جاز كشفها، فإنَّه لا يحرم هو، ولا لمسها اتِّفاقًا، وقد قال
(1)
في (و): بل.
(2)
في (ب): صفيقًا. وهو الموافق لما في المغني 1/ 414 والشرح الكبير 3/ 199.
(3)
زاد في (ب): (أصحهما لا).
(4)
البارية: الحصير المعمول من القصب. ينظر: النهاية في غريب الحديث 1/ 162.
أبو المعالي: إذا وجب سترها في الصَّلاة عن نفسه وعن الأجانب؛ فهل يجب عن
(1)
نفسه إذا خلا؟ فيه وجهان:
أحدُهما: يجب السَّتر؛ عن الملائكة والجنِّ.
والثَّاني: يجوز).
وقوله: (واجب) مطلقًا إلاَّ لضرورة؛ كتداوٍ ونحوه، أو لأحد الزَّوجين، أو لأمَتِه
(2)
المباحَةِ، أو هي لسيِّدها.
(وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ وَالْأَمَةِ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ)، نصَّ أحمد أنَّ عورة الرَّجل ما ذكره
(3)
؛ لما روي عن علي
(4)
: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُبرِز فخِذَكَ، ولا تنظر إلى فخذِ حيٍّ أو ميتٍ» رواته
(5)
ثقات، رواه ابن ماجه وأبو داود وقال:(هذا الحديث فيه نَكارة)
(6)
، وقال ابن المنجَّى:(رواه أحمد)، وفيه نظر
(7)
، وعن جَرْهَدٍ الأسْلَمِيِّ قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليَّ
(1)
في (أ): على.
(2)
في (أ): ولأمته.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 62، الروايتين والوجهين 1/ 136.
(4)
زاد في (ب) و (و) و (د): قال.
(5)
في (و): رواية.
(6)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (1249)، وأبو داود (3140، 4015)، وابن ماجه (1460)، من طريق ابن جريج، عن حبيب بن ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه به، وله علتان، الأولى: أن ابن جريج لم يسمعه من حبيب، وإنما قال فيه: أُخبرت، والثانية: أن حبيب بن أبي ثابت لم تثبت له رواية عن عاصم. ينظر: علل ابن أبي حاتم (2308)، فتح الباري لابن رجب 2/ 407، التلخيص الحبير 1/ 664، الإرواء 1/ 295.
(7)
كتب على هامش (و): (قوله: (فيه نظر) أقول: القول ما قال ابن المنجى، فقد رواه أحمد قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدثني يزيد أبو خالد، حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي فذكره).
قلنا: تقدم في تخريج الحديث أنه من زوائد عبد الله في المسند.
بُردةٌ، وقد انكشفت فخذي، فقال:«غَطِّ فخذكَ؛ فإنَّ الفخذَ عورةٌ» رواه مالكٌ وأحمد وغيرهما، وفي إسناده اضطرابٌ
(1)
.
ولا فرق بين الحرِّ والعبد، وكذا من بلغ عشرًا في الأصحِّ.
وأمَّا الأمَة؛ فذكر معظم الأصحاب -وهو المذهب-: أنَّ عورتها كالرَّجل؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه مرفوعًا قال: «إذا زوَّج أحدُكم عبدَه أو أمتَه أو أجيرَه؛ فلا ينظر إلى شيءٍ من عورتِه؛ فإنَّ ما تحت السُّرَّة إلى ركبتِه عورةٌ» رواه أحمد وأبو داود
(2)
، يريد به الأمَة؛ فإن الأجير والعبد لا يختلف حاله بالتَّزويج وعدمِه، وكان عمر ينهى الإماء عن التَّقنُّع، وقال:«إنَّما القناع للحرائر»
(3)
، واشتهر ذلك، ولم يُنكر، فكان كالإجماع.
(1)
أخرجه مالك (2122) في رواية أبي مصعب الزهري، والبخاري معلقًا في الصلاة، باب: الصلاة بغير رداء، وأحمد (15926)، والترمذي (2795)، وابن حبان (1710)، والحاكم (7360) وقال الترمذي:(هذا حديث حسن، ما أرى إسناده بمتصل)، وصححه ابن حبان، والحاكم، وأُعل الحديث بالجهالة، والاضطراب في إسناده، قاله ابن القطان، وساق الدارقطني في العلل أوجهًا كثيرة تبين الاضطراب الحاصل في سنده. ينظر: علل الدارقطني 13/ 482، بيان الوهم والإيهام 3/ 338، البدر المنير 4/ 149.
(2)
أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (4114)، والدارقطني (887)، وفي سنده سوار بن داود يرويه عن عمرو بن شعيب، وهو صدوق له أوهام كما في التقريب، وتابعه الخليل بن مرة عن ليث بن أبي سليم عن عمرو بن شعيب، أخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 507، والخليل بن مرة قال عنه ابن عدي:(لم أر في أحاديثه حديثًا منكرًا قد جاوز الحد، وهو في جملة من يكتب حديثه وليس هو متروك الحديث)، قال ابن حجر في التقريب:(ضعيف)، وهذا الحديث هو حديث:«مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين» فإنه يروى مطولاً بذكر النهي عن النظر عن العورة، ومختصرًا بدونه، قال العقيلي:(والرواية في هذا فيها لين)، وحسنه النووي، وصححه ابن الملقن. ينظر: الضعفاء للعقيلي 4/ 176، الكامل لابن عدي 3/ 507 - 509، خلاصة الأحكام 1/ 252، البدر المنير 3/ 238، الإرواء 1/ 302.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (5064)، وابن أبي شيبة (6236)، عن أنس: أن عمر ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة، قال:«اكشفي رأسك، لا تشبهين بالحرائر» ، وصححه ابن المنذر في الأوسط (5/ 76)، والبيهقي في الكبرى (2/ 320).
وظاهره: أنَّ الرُّكبة والسُّرَّة ليسا من العورة، وهو الأصحُّ.
وعنه: والرُّكبة؛ لخبر ضعيف
(1)
.
وعنه: وهما، ذكره ابن عقيل.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا الْفَرْجَانِ
(2)
، نقلها عنه مهَنَّى
(3)
، واختاره المجْد وغيره في الرَّجل، قال في «الفروع»:(وهو أظهر)؛ لما روى أنس: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه، حتَّى إنِّي لأنظر إلى بياض فخذ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم» متَّفَقٌ عليه
(4)
، ولمسلمٍ:«فانحسر الإزار عن فخذ نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم، ودخل أبو بكر وعمر على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو كاشِفٌ فخذَيه لم يغطِّهما» رواه أحمد من حديث عائشة
(5)
، ولأنَّه ليس بمخرج، فلم يكن عورة؛ كالسَّاق، وسمَّى الشَّارع الفخذ عورة؛ لتأكُّد الاستحباب.
قال البخاريُّ: ويُروى عن ابن عبَّاس وجَرْهَد ومحمَّد بن جحش: عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «الفخذُ عورةٌ» ، وقال أنَسٌ:«حسَر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الإزارَ عن فخذه» ، وحديث أنس أسْنَدُ، وحديث جَرهَدٍ أحْوطُ
(6)
.
(1)
أخرجه الدارقطني (889)، من طريق أبي الجنوب عقبة بن علقمة، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا:«الركبة من العورة» ، قال أبو حاتم والدارقطني عن أبي الجنوب:(ضعيف)، ويرويه عنه النضر بن منصور وهو ضعيف أيضًا، قال ابن قدامة عن هذا الحديث:(لا يثبته أهل النقل). ينظر: المغني 1/ 414، تنقيح التحقيق 2/ 112.
(2)
في (و): الغربال.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 136.
(4)
أخرجه البخاري (371)، ومسلم (1365).
(5)
أخرجه أحمد (24330)، ومسلم (2401)، ولفظه:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي، كاشفًا عن فخذيه» ، وذكرت استئذان أبي بكر وعمر وعثمان للدخول.
(6)
سبق تخريج حديث جرهد، وأما حديث ابن عباس: فأخرجه أحمد (2493)، وعبد بن حميد (640)، والترمذي (2796)، ولفظه عند أحمد:«مر رسول الله صلى الله عليه وسلم، على رجل وفخذه خارجة، فقال: غط فخذك، فإن فخذ الرجل من عورته» ، وفي سنده أبو يحيى القتات وهو لين الحديث كما في التقريب، وحسنه الترمذي، وصححه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 474.
وأما حديث محمد بن جحش: فأخرجه أحمد (22494)، والبخاري في التاريخ 1/ 12، والحاكم (6684)، وفي سنده العلاء بن عبد الرحمن الحضرمي وهو صدوق له أوهام كما في التقريب، وفيه أبو كثير مولى محمد بن جحش ذكر بعضهم أنه مجهول، وتعقب ابن الملقن هذا بقوله:(وأبو كثير هذا حجازي يقال: إن له صحبة، روى له النسائي، فدعوى ابن حزم جهالته إذن غير جيدة، وقد تبعه في هذا ابن القطان فقال: لا يعرف حاله).
وصحح الحديث البيهقي حيث قال: (وقد ذكر البخاري في الترجمة حديث ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش بلا إسناد، قال الشيخ: وهذه أسانيد صحيحة يحتج بها)، وتعقبه ابن التركماني وبين أن جميع هذه الأحاديث معلولة، وقال ابن عبد الهادي عن حديث ابن جحش:(إسناده صالح). ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (3231)، الجوهر النقي 2/ 227 - 228، تنقيح التحقيق 2/ 110، البدر المنير 4/ 148.
وقال الطَّحاوي: (وقد
(1)
جاءت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم آثارٌ
(2)
متواتِرةٌ فيها: أنَّ الفخِذَ عورةٌ، ولم يُضادَّها
(3)
أثر صحيح)
(4)
.
وظاهر هذه الرِّواية: مشاركة الأمَة للرَّجل فيها، قال ابن المنجَّى: لم أجد في كتب الأصحاب تصريحًا بأنَّ عورة الأمة الفرجان في رواية.
وفيه نظر، فإنَّ أئمَّة من الأثبات
(5)
قد نقلوها، منهم أبو الخطَّاب والشِّيرازي.
(1)
في (أ) و (د): قد.
(2)
في (أ): أخبار.
(3)
في (ب): ويضادها.
(4)
ينظر: شرح معاني الآثار 1/ 475.
(5)
كتب على هامش (و): (قوله: "فإن أئمة من الأثبات
…
" إلى آخره، قال في الاختيارات: وقد حكى جماعة من أصحابنا أن عورتها السوأتان فقط؛ كالرواية في عورة الرجل، وهذا غلط قبيح فاحش على المذهب خصوصًا، وعلى الشريعة عمومًا، وكلام أحمد أبعد شيء عن هذا القول. انتهى). ينظر: الاختيارات 62.
وعنه: ما لا يظهر
(1)
غالبًا، اختارها أبو الحسين والمجْد، وقدَّمها في «الكافي» ، وجزم بها في «الوجيز»؛ لأنَّه لا يظهر غالبًا أشبه ما تحت السُّرَّة. وقيل: البَرْزَةُ كالرَّجل دون الخَفِرَة.
وقيل: ما عدا رأسِها عورة، وهو ظاهر الخِرَقي.
وعلى الأول: يُسنُّ ستر رأسها في الصَّلاة.
فرعٌ: إذا عَتَقت
(2)
وهي في الصَّلاة مكشوفة الرَّأس، ووجدت سُترةً؛ كالعريان
(3)
يجدها، فإن لم تعلم بالعتق، أو علِمت به ولم تعلم بوجوب السَّتر؛ فصلاتها باطلة؛ لأنَّ شرط الصَّلاة لا يعذر فيها بالجهل، وإن لم تجد سترة أتمَّت صلاتها، ولا إعادة.
(وَالْحُرَّةُ) البالِغةُ (كُلُّهَا عَوْرَةٌ) حتَّى ظفرها، نَصَّ عليه
(4)
، ذكر ابن هُبَيرة أنَّه المشهور، وقال القاضي: (هو
(5)
ظاهر كلام أحمد)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «المرأةُ عورةٌ» رواه التِّرمذي، وقال:(حسنٌ صحيحٌ)
(6)
، وعن أمِّ سلمة: أنَّها سألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: أتصلِّي المرأة في درع وخمار، وليس عليها إزار؟ قال:«إذا كان الدِّرع سابِغًا يغطِّي ظهور قدمَيها» رواه أبو داود، وصحَّح عبد الحق وغيره أنَّه موقوف على أمِّ سلمة
(7)
،
(1)
في (د): تظهر.
(2)
في (أ): أعتقت.
(3)
في (أ) و (د): فالعريان.
(4)
ينظر: أحكام النساء ص 31، مسائل أبي داود ص 60.
(5)
في (أ): وهو.
(6)
أخرجه الترمذي (1173)، وابن خزيمة (1685)، وابن حبان (5598)، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح غريب)، ووقع اختلاف في رفعه ووقفه، أشار إليه الدارقطني وبين أن رفعه صحيح، وصححه الألباني. ينظر: علل الدارقطني 5/ 314، الإرواء 1/ 303.
(7)
أخرجه أبو داود (640)، من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن محمد بن زيد، عن أم سلمة مرفوعًا، وأشار أبو داود إلى وقفه بقوله: (روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحاق، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة، لم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم، قصروا به على أم سلمة رضي الله عنها، وكذا رجح جمع من الأئمة وقفه. ينظر: البدر المنير 4/ 162، الإرواء 1/ 303.
وكرأسها وساقها؛ فإنَّهما بالإجماع
(1)
.
(إِلاَّ الْوَجْهَ)، لا خلاف في المذهب أنَّه يجوز للمرأة الحرَّة كشف وجهها في الصَّلاة، ذكره في «المغني» وغيره، وقد أطلق أحمد القول
(2)
بأنَّ جميعها عورة
(3)
، وهو محمول على ما عدا الوجه، أو على غير الصَّلاة.
وذكر ابن تميم رواية: أنَّه عورة، وذكر القاضي عكسها
(4)
إجماعًا.
(وَفِي الْكَفَّيْنِ) ظَهرًا وبطنًا إلى الكُوعين (رِوَايَتَانِ):
الأولى -وهي المذهب-: سبق حكمها.
والثَّانية: أنَّهما ليسا من العورة كالوجه، واختاره المجْد، وجزم به في «العمدة» و «الوجيز»؛ لقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النُّور: 31]، قال ابن عباس وعائشة:«وجهها وكفَّيها» رواه البيهقي، وفيه ضعف
(5)
، ولأنَّه يحرم سترهما في الإحرام كما يحرم ستر الوجه، ويظهران غالبًا، وتدعو الحاجة إلى كشفِهما للبيع وغيرِه كالوجه.
وقال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: (والقدَمين أيضًا)
(6)
.
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 29، الإقناع لابن القطان 1/ 121.
(2)
قوله: (القول) سقط من (أ).
(3)
ينظر: أحكام النساء ص 31.
(4)
في (و): عليها.
(5)
أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (17018)، وابن أبي حاتم في التفسير (14398)، وابن المنذر في الأوسط (2404)، والبيهقي في الكبرى (3214)، من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما تدل على ثبوته عنه.
وأثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه البيهقي في الكبرى (3217)، وفيه عقبة بن عبد الله الأصم وهو ضعيف. ينظر: ميزان الاعتدال 3/ 86.
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 114.
هذا كلُّه في الحرَّةِ البالِغةِ، أمَّا غير البالغة؛ كالمراهِقة والمميِّزة؛ فكالأمَة، وظاهر إطلاق المؤلف يخالفُه.
(وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهَا؛ كَالْأَمَةِ)، قدَّمه في «الكافي» و «الفروع» ؛ لأنَّ الرِّقَّ باقٍ فيهما، والمقتَضِي للستر بالإجماع هو الحريَّة
(1)
الكاملةُ، ولم توجد، فتبقى
(2)
على الأصل، وكونهما
(3)
لا ينقل الملك فيهما؛ لا يخرجهما عن حكم الإماء كالموقوفة، وانعقاد سبب الحريَّة في أم الولد لا يؤثِّر
(4)
كالمكاتبة، لكن يُستَحبُّ
(5)
لهما ستر الرَّأس؛ لما فيهما من شبه الأحرار، وللخروج من الخلاف، والأخذ بالاحتياط.
(وَعَنْهُ: كَالْحُرَّةِ)، قدَّمه ابن تميم؛ لأنَّ أمَّ الولد لا تُباع، ولا ينقل الملك فيها
(6)
، والمعتَق بعضها فيها حرية تقتضي السَّتر، فوجب كالحرَّة.
وقدَّم في «المحرَّر» : أنَّ أمَّ الولد كالأمَة، وصحَّح في المعتق بعضها أنَّها كالحرَّة، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ فيها حرية يُغلَّب
(7)
حكمُها احتياطًا للعبادة، كما
(8)
وجب على الخُنثى المشكِل ستر فرجَيْه احتياطًا.
وقدَّم في «التَّلخيص» : أنَّ أمَّ الولد كحرَّة، وفي المعتَق بعضُها
(9)
روايتان.
فرعٌ: المكاتَبة والمدبَّرة والمعلَّق عتقُها بصفة؛ كالقِنِّ؛ لأنَّه يجوز بيعُهن
(1)
في (أ): الحرة.
(2)
قوله: (توجد فتبقى) هو في (و): يبق، وفي (د): فيبقى.
(3)
في (ب) و (د) و (و): وكونها.
(4)
في (و): تؤثر.
(5)
في (د): تستحب.
(6)
قوله: (فيها) سقط من (أ).
(7)
في (أ): حرية فغُلِّب.
(8)
في (د): وكما.
(9)
قوله: (أنها كالحرة، وجزم به في " الوجيز ") إلى هنا سقط من (و).
وعتقُهن كالقن
(1)
. وعنه: كحرَّة. وعنه: المدبَّرة كأمِّ ولدٍ
(2)
.
تنبيهٌ: لم يتعرَّض المؤلِّف لعورة الخُنثى المشكِلِ، والمذهبُ: أنَّه كرجل؛ لأنَّ الأصل عدم وجوب السَّتر، فلا نُوجِبه
(3)
بالشَّكِّ، ويجب سَتر فرجَيه وإن قلنا: العورةُ الفرجانِ فقط؛ لأنَّ أحدهما فرجٌ حقيقِيٌّ، ولا يتحقَّق ستره إلاَّ بسترهما.
وعنه: كامرأة، ذكره القاضي، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ، قال ابن حمدان: وهو أَولى؛ لأنَّه يحتمل أن يكون امرأةً، فوجب ذلك احتياطًا.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ) حُرًّا كان أو عبدًا (أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ)، ذكره بعضُهم إجماعًا
(4)
، قال ابن تميم وغيرُه:(مع ستر رأسه بعِمامة)؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ سائلاً
(5)
سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الصَّلاة في ثوبٍ واحدٍ، فقال: «أَوَلِكُلِّكم
(6)
ثَوبانِ؟» متَّفق عليه، زاد البخاريُّ: ثمَّ سأل رجلٌ عمرَ فقال: «إذا وسَّع الله عليكم فأوْسِعوا»
(7)
، وقال إبراهيم:«كانوا يستحبُّون إذا وسَّع الله عليهم أن لا يصلِّي أحدُهم في أقلَّ من ثَوبَين»
(8)
.
قال القاضي: وهو في الإمام آكَد، ونقله أبو طالب؛ لأنَّه بين يدَيِ المأمومين، وتتعلَّق صلاتهم بصلاته.
وصرَّح ابن تميم: أنَّه لا يكره أن يصلِّي في ثوب واحد إذا ستر عورته وعاتِقَيه.
(1)
قوله: (كالقن) سقط من (أ).
(2)
في (ب) و (و): الولد.
(3)
في (أ) و (و): يوجبه.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 38.
(5)
في (أ): سالمًا.
(6)
في (و): أو أمكنكم.
(7)
أخرجه البخاري (365)، ومسلم (515).
(8)
لم نقف عليه.
قال في «الشَّرح» : (فإن
(1)
لم يكن إلاَّ
(2)
ثوب واحد؛ فالقميص أَولى؛ لأنَّه أبلغ، ثمَّ الرِّداء، ثمَّ المِئْزَر أو السَّراويل).
(فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ) هو بفتح السِّين: مصدر ستر، وبكسرها: ما يستتر
(3)
به (الْعَوْرَةِ؛ أَجْزَأَهُ إِذَا كَانَ عَلَى عَاتِقِهِ)، هو موضع الرِّداء من المنكب (شَيْءٌ مِنَ اللِّبَاسِ) يجب سَتر عاتقه، نَصَّ عليه
(4)
مع القدرة، ذكره الجماعة؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يصلِّينَّ أحدُكم في الثَّوبِ الواحدِ لَيْس على عاتقِه منه شيءٌ» رواه البخاري ومسلم وقال: «عاتِقَيه» ، ولأحمد: اللَّفظانِ
(5)
.
وظاهره: لا فرق بين الفرض والنَّفل، وهو ظاهر الخِرَقي؛ لقول إبراهيم:«كانوا يكرهون إعراء المناكب في الصَّلاة» رواه سعيد
(6)
، ولأنَّ ما اشتُرط للفرض اشتُرط للنَّفل؛ كالطَّهارة.
وعنه: سنَّة؛ لأنَّه ليس بعورة، أشبه بقيَّة البدن.
وعلى الأول: يجزئه سَتر أحدِ عاتِقَيه، نَصَّ عليه
(7)
، وهو قول الأكثر.
وعنه: يجب سترهما، ذكره السَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص» ، واقتصر
(8)
ابن هُبَيرةَ في حكايته عن أحمد.
(1)
في (د) و (و): وإن.
(2)
زيد في (و): من.
(3)
في (د) و (و): يستر.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4809، التمهيد 6/ 366.
(5)
أخرجه البخاري (359)، ومسلم (516). وفي مسند أحمد (7307)، بلفظ:«عاتقه» . وأخرجه أحمد (7466)، من طريق أخرى عن أبي هريرة، بلفظ:«عاتقيه» .
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (3512).
(7)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4809، التمهيد 6/ 366.
(8)
زاد في (ب): عليه.
وفي وجه: يجزئه ستر عاتِقَيه أو أحدهما، قدَّمه في «الرِّعاية» .
وفي آخر
(1)
: يجزئه وضع خَيْط ونحوه؛ لأنَّ هذا شيء، فيتناوله الخبر.
وفي آخر
(2)
: يجزئه ما يسمَّى لِباسًا وإن قلَّ، دون حبل ونحوه، وهذا ظاهر الخِرَقي، وقدَّمه في «الكافي» .
ومتى قلنا بوجوبه؛ فهو شرط لصحَّة الصَّلاة في ظاهر المذهب، قال القاضي: وعليه أصحابنا؛ لأنَّ النَّهي يقتضي فساد المنهيِّ عنه.
وعنه: ليس بشرط، ذكره القاضي وابن عَقيل، وحملها المؤلِّف على أنَّه لا يجب ستر المنكبَين جميعًا، لا أنَّها تنفي الشَّرطية.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ)، يعني إذا اقتصر على سَتر العورة دون المنكبَين؛ أجزأه في صلاة النَّفل دون الفرض، نَصَّ عليه في رواية حنبل
(3)
، ذكره السَّامَرِّيُّ وغيرُه، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأنَّ مَبناه على التَّخفيف، ولذلك يُسامح فيه بترك القيام والاستقبال في حال سَيره مع القدرة، فسُومِح فيه بهذا القدر.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ) الحرَّةِ
(4)
(أَنْ تُصَلِّيَ فِي دِرْعٍ)، قيل: هو اسمٌ لقميصها، وقال الإمام أحمد:(هو شبه القميص، لكنَّه سابغ يغطِّي قدمَها)
(5)
، (وَخِمَارٍ)؛ هو ما تغطِّي
(6)
به رأسَها، (وَمِلْحَفَةٍ)؛ هو شيء يُلتحف به من فوق الدِّرع، رُوي استحبابُ ذلك عن عمر، وابنه
(7)
،
(1)
في (أ): أخرى.
(2)
في (و): في آخر. وفي (أ): وفي أخرى.
(3)
ينظر: المغني 1/ 416.
(4)
قوله: (الحرة) سقط من (د) و (و).
(5)
ينظر: فتح الباري لابن رجب 2/ 414.
(6)
في (و): يغطى.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (6175)، وابن المنذر في الأوسط (2411)، عن ابن عمر، قال:«إذا صلت المرأة، فلتصل في ثيابها كلها، الدرع والخمار والملحفة» ، وإسناده صحيح.
وعائشة
(1)
، روى محمَّد بن عبد الله الأنصاري، ثنا سليمان التَّيمي، عن محمَّد بن سِيرين، عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب قال:«تصلِّي المرأة في درع وخمار وإزار»
(2)
، وحِكمته: المبالغة في سترها، ولا تبين عَجيزتها
(3)
.
(فَإِنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى سَتْرِ عَوْرَتِهَا؛ أَجْزَأَهَا)؛ لما روي عن أم سلمة وميمونة: «أنَّهما كانا يصلِّيان في درع وخمار ليس عليهما إزار» رواه مالك
(4)
، قال أحمد:(اتَّفق عامَّتُهم على الدِّرع والخمار، وما زاد فهو خير وأستر)
(5)
، ولأنَّها سترت ما يجب عليها ستره، أشبهت الرَّجل
(6)
.
ويكره أن تصلِّي في نقاب وبُرقع، نَصَّ على ذلك
(7)
، ولا تضمُّ ثيابها،
(1)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2412)، عن عروة بن الزبير، عن عائشة: أنها كانت تقوم إلى الصلاة في الخمار والإزار والدرع، فتسبل إزارها فتخالف به، وكانت عائشة تقول:«ثلاثة أثواب لا بد للمرأة في الصلاة إذا وجدتها: الخمار، والجلباب، والدرع» ، إسناده صحيح، رجاله ثقات.
(2)
أخرجه الأنصاري في جزئه (11)، وابن أبي شيبة (6168)، وابن المنذر في الأوسط (2410)، والبيهقي في الكبرى (3264)، قال ابن كثير:(إسنادٌ صحيح على شرطهما)، وصحح إسناده البوصيري وابن حجر. ينظر: مسند الفاروق 1/ 151، إتحاف الخيرة (1175)، والمطالب العالية (321).
(3)
في (د) و (و): عجزها.
(4)
أثر أم سلمة تقدم تخريجه 2/ 55 حاشية (7).
وأثر ميمونة رضي الله عنها: أخرجه مالك (1/ 142)، وابن أبي شيبة (6171)، ومسدد كما في المطالب العالية (323)، وابن المنذر في الأوسط (2406)، والبيهقي في الكبرى (3256)، عن ميمونة رضي الله عنها:«أنها كانت تصلي في الدرع والخمار، ليس عليها إزار» ، قال ابن حجر في المطالب:(صحيح موقوف).
(5)
ينظر: المغني 3/ 219.
(6)
قوله (الرجل) سقطت من (أ).
(7)
ينظر: الفروع 2/ 38.
زاد السَّامَرِّيُّ: في حال قيامها.
(وَإِذَا انْكَشَفَ مِنَ الْعَوْرَةِ يَسِيرٌ لَا يَفْحُشُ فِي النَّظَرِ) عُرفًا؛ (لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ)، نَصَّ عليه
(1)
، واختاره السَّامَرِّيُّ، وقدَّمه في «التَّلخيص» ، وفي «المحرَّر»
(2)
؛ لما روي: أنَّ عمرو بن سلمة كان يؤمُّ قومه، قال عمرو: «وكانت عليَّ بردة إذا سجدت تقَلَّصتْ
(3)
عنِّي، فقالت امرأة من الحيِّ: ألا تغطُّوا عنا اسْتَ قارئكم!» رواه البخاري
(4)
، ولأنَّ
(5)
ثياب الفقراء لا تخلو من خَرق، وثياب الأغنياء لا تخلو من فَتق، والاحتراز من ذلك يشقُّ ويعسر
(6)
، فعُفي عنه كيسير الدَّم.
وعنه: تَبطل
(7)
مطلقًا، اختاره الآجُرِّيُّ؛ لأنَّه حكم معلَّق بالعورة، فاستوى قليلُه وكثيرُه؛ كالنَّظر.
ولو عبَّر بقوله: (يسير
(8)
وهو ما لا يفحش) كأبي الخطَّاب والمجْد؛ لكان أولى.
(وَإِنْ فَحُشَ بَطَلَتْ)؛ لأنَّ التَّحرُّز منه ممكِن من غير مشقَّة، أشبه سائر العورة، وحكى ابن المنذر الإجماع على أنَّ المرأة الحرَّة إذا صلَّت وجميع رأسها مكشوفٌ أنَّ عليها الإعادة
(9)
، والأصل وجوب ستر جميعها، فعُفي عنه
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 718.
(2)
في (أ): (وجزم به) وقد شطب عليها في الأصل.
(3)
في (أ): قلصت.
(4)
أخرجه البخاري (4302)، من حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنهما.
(5)
في (و): وكان.
(6)
قوله: (ويعسر) سقط من (ب) و (و).
(7)
في (و): يبطل.
(8)
في (و): فيسير.
(9)
ينظر: الإجماع ص 43.
في اليسير غير الفاحش؛ للنَّص وللمشقَّة، فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل.
وظاهره: لا فرق بين الرَّجل والمرأة، ولا بين الفرجَين وغيرهما، قال في «الشَّرح» وغيره:(إلاَّ أنَّ العورة المغلَّظة يفحُش منها ما لا يفحُش من غيرها)، فاعتبر الفُحْش من
(1)
كلِّ عضو بحسبه، وهو معنى ما ذكره ابن عقيل: أنَّه يعفى عن يسير المخفَّفة دون المغلَّظة.
وظاهره: ولو قصر زمنه، وكشف كثير في زمن يسير؛ ككشف يسير سهوًا في زمن طويل، قال في «الرِّعاية»: إن فحُش أو طال زمنه، وإلاَّ فروايتان.
تنبيه: إذا انكشفت عورته سهوًا، وقال ابن تميم: أو عمدًا، فسَتَرها في الحال؛ عُفي عنه ولم تبطل صلاته؛ لأنَّه يسيرٌ في زمن يسيرٍ.
وعنه: لا، كما لو طال زمنُه.
وقال التَّميمي: إن بدت عورته وقتًا، واستترت آخر؛ لم يُعِدْ؛ للخبر، فلم
(2)
يشترط اليسير.
قال في «المغني» : (ولا بد من اشتراطه؛ لأنَّه يفحُش).
وإذا أطارت الرِّيح سترته، واحتاج عملاً كثيرًا في أخذها؛ فوجهان.
(وَمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ أَوْ مَغْصُوبٍ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ)، هذا هو المشهور عن أحمد في الثَّوب المغصوب؛ لما روى أحمد: حدَّثنا أسود
(3)
بن عامر، حدَّثنا بقيَّة، عن عثمان بن زُفَر، عن هاشم
(4)
الأوقص، عن نافع، عن ابن عمر أنَّه قال: «من اشترى ثوبًا بعشرة دراهم، وفيه درهم حرام؛ لم
(1)
في (أ): في.
(2)
في (ب): ولم.
(3)
في (د): الأسود.
(4)
في (أ): هشام.
يقبل الله له صلاةً ما دام عليه»، ثمَّ أدخل أصبعيه في أذنيه، وقال: «صُمَّتَا
(1)
إن لم يكن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله
(2)
» قال البخاري: (هاشِمٌ غيرُ ثِقةٍ، وبقيَّة مدلِّس)
(3)
، ولأنَّ قيامه وقعوده ولُبثه فيه محرَّم منهيٌّ عنه، فلم يقع عبادةً؛ كالصَّلاة في زمن الحيض، وكالنَّجس، وحكم الجزء المشاع أو المُعيَّن كذلك، ذكره ابن عقيل، هذا إذا كان عالِمًا ذاكِرًا.
وظاهره: يعمُّ الرَّجل والمرأة، وهو كذلك في المغصوب، وأمَّا الحرير فتصحُّ
(4)
صلاة المرأة فيه؛ لإباحته لها، وكذا الرَّجل في حالة
(5)
العذر، ولو عبَّر ب:(من صلَّى في ثوب محرَّم عليه) كما في «الوجيز» ؛ لَاستقام.
وظاهره: لا
(6)
فرق بين الفرض والنَّفل؛ لأنَّ ما كان شرطًا في الفرض فهو شرط للنَّفل.
وقيَّده في «الشَّرح» : بما إذا كان هو السَّاترَ
(7)
لها، واختاره ابن الجوزي.
وعنه: إن علِم النَّهي لم يصحَّ، وإلاَّ صحَّت.
(وَعَنْهُ: تَصِحُّ
(8)
مَعَ التَّحْرِيمِ)، اختاره
(9)
الخلاَّل وصاحب «الفنون» ؛ لأنَّ
(1)
في (هـ): هنا.
(2)
زيد في (و): وفي إسناده هاشم بن بقية.
(3)
أخرجه أحمد (5732)، والبيهقي في شعب الإيمان (5707)، في سنده هاشم الأوقص، قال البخاري والجوزجاني:(غير ثقة)، وذُكر في ترجمته أنه كان موافقًا لعمرو بن عبيد في بدعته، قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن هذا الحديث، فقال:(ليس بشيء، ليس له إسناد)، وقال البيهقي:(إسناده ضعيف)، ينظر: الكامل لابن عدي 8/ 421، لسان الميزان 8/ 315، تنقيح التحقيق 2/ 101.
(4)
في (و): فيصح.
(5)
في (د): حال.
(6)
في (أ): ولا.
(7)
في (أ): إذا كان الساتر لها.
(8)
في (و): يصح.
(9)
في (أ): اختارها.
النَّهي لا يعود إلى الصَّلاة، وكعِمامة مغصوبة، وخاتم ذهب، وخُفٍّ وتِكَّة
(1)
في الأصحِّ.
وقيل: بل مع الكراهة، وهو ظاهر «المستوعب» .
وعنه: الوقف في التِّكَّة.
وعنه: يقف على إجازة المالك.
وعنه: إن كان شعارًا لم يصحَّ، جزم به في «الوجيز» .
وقال أبو بكر: إن صلَّى في خاتم حديد أو صُفْر؛ أعاد.
وعلى الأول: لو جهل أو نسي كونه غصبًا
(2)
أو حريرًا، أو حبس بغصب حتَّى صلَّى فيه؛ صحَّت على الأصحِّ.
تنبيه: إذا لم يجد غير سترة حرير؛ صلَّى فيها ولا إعادة، وقيل: روايتان.
ويصلِّي
(3)
عريانًا مع مغصوب، فلو صلَّى فيه، أو غصب ستارة الكعبة وصلَّى؛ لم تصحَّ على الأشهر.
والحرير أولى من النَّجس، قاله ابن حمدان.
ولا يصحُّ نفل آبِق، ذكره ابن عقيل.
فرع: لم يتعرَّض المؤلِّف للخنثى المشكل في الحرير، والأشهر: أنَّه في الصَّلاة -وعنه: وغيرها- كرجل، قاله القاضي.
(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ ثَوْبًا نَجِسًا؛ صَلَّى فِيهِ)؛ لأنَّ ستر العورة آكد من إزالة النَّجاسة؛ لتعلُّق حقِّ الآدمِي به في ستر عورته، ووجوبه في الصَّلاة وغيرها، فكان تقديمه أولى؛ لكونه متَّفقًا على اشتراطه، فلو صلَّى عُريانًا مع وجوده؛
(1)
التكة بالكسر: رباط السراويل. ينظر: القاموس المحيط ص 935. ومراده: الخف المحرم والتكة المحرمة؛ كالتي من حرير. ينظر: الإنصاف 3/ 226.
(2)
في (و): غاصبًا.
(3)
في (ب): فيصلي.
أعاد قولاً واحدًا.
وعنه: لا يصلِّي فيه حتَّى يضيق الوقت.
وعلى الأوَّل: لو كان نجِس العَين؛ كجلد ميتة؛ صلَّى عُريانًا من غير إعادة، ذكره بعضهم، فلو كان معه ثوبانِ نجِسانِ؛ صلَّى في أقلِّهما وأخفِّهما نجاسةً.
(وَأَعَاَد) ما صلَّى فيه (عَلَى الْمَنْصُوصِ)
(1)
وهو المذهب؛ لأنَّه أخلَّ بشرط الصَّلاة مع القدرة عليه، أشبه ما لو صلَّى محدِثًا.
ويُستثنى منه: ما إذا عجز عن إزالتها، فإنَّه يصلِّي ولا يُعِيد؛ لأنَّه شرط عجز عنه، فسقط كالسُّترة، ذكره في «الكافي» .
(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ لَا يُعِيدَ)، هذا رواية عن أحمد، واختاره المؤلِّف، وجزم به في «التَّبصرة» ؛ لأنَّ الشَّرع منعه نزعه، أشبه إذا لم يمكنه، وكالعجز عن السُّترة، (بِنَاءً عَلَى
(2)
مَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ
(3)
؛ لأنَّه عاجِزٌ عن الشَّرط، فلم يلزمه؛ كمن عدِم الماءَ.
فخرَّج جماعةٌ فيه روايةً من الإعادة في الثَّوب، وخرَّجوا في الثَّوب من المكان.
ولم يخرِّج آخرون، وهو أظهر؛ لظهور الفرق؛ لأنَّ من لم يجد إلاَّ ثوبًا نجِسًا له حالتان يمكنه الصَّلاة معها مع الخلل؛ لأنَّه إذا صلَّى عُريانًا لم يحمل النَّجاسة؛ فقد فاته السترة وحدها، وإذا صلَّى في الثَّوب النجِس؛ فقد فاته طهارة الثَّوب وحده، فاختيار إحدى الحالتين على الأخرى يوجب الإعادة؛ استدراكًا للخلل الحاصل بترك الشرط الذي كان مقدورًا عليه من وجه، بخلاف المحبوس في المكان النجس، فإنه ليس له إلا حالة واحدة، وهي
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 111.
(2)
زيد (ب) و (و): أن.
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 112، الروايتين والوجهين 1/ 92.
الصَّلاة، فالشرط ليس بمقدور عليه من كل وجه.
وخرَّج في «التعليق» رواية عدم الإعادة
(1)
في الثَّوب من
(2)
عدَم الطَّهورين.
تنبيه: لم يتعرَّض المؤلِّف لكيفيَّة الصَّلاة في الموضع النَّجِس، والمنصوص: أنَّه يجلس على قدمَيه، ويُومِئ بالرُّكوع والسُّجود، قدَّمه السَّامَرِّيُّ وغيرُه.
وعنه: يُومِئ غاية ما يمكنه.
وعنه: يسجد بالأرض.
ومحلُّه: ما إذا كانت النَّجاسة يابسة، أمَّا إذا كانت رَطْبة؛ فإنَّه يُومِئ وجهًا واحدًا، قاله ابن تميم.
(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ؛ سَتَرَهَا) وترك سَتر منكبَيه، وصلَّى قائمًا، اختاره المؤلِّف، وصحَّحه في «الشَّرح» ، وجزم به في «الوجيز»؛ لما روى جابِرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان الثَّوبُ واسِعًا فخالِفْ بين طرفَيه، وإن كان ضيِّقًا فاشدُدْه على حِقْوكَ» رواه أبو داود
(3)
، ولأنَّ القيام متَّفَق على وجوبه، فلا يترك لأمر مختلَف فيه، وكما لو لم يكْفِ.
وقال القاضي: يستر منكبيه ويصلِّي جالسًا؛ لأنَّ الجلوس بدل عن
(4)
سَتر العورة؛ لكونه يستر معظمها والمغلَّظ منها، وستر المنكب لا بدل
(5)
له،
(1)
قوله: (استدراكًا للخلل الحاصل بترك الشرط) إلى هنا سقط من (أ) و (د).
(2)
في (أ) و (ب): في.
(3)
أخرجه مسلم (3010)، وأبو داود (634)، وهو في البخاري (361) بلفظ:«فإن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتزر به» .
(4)
في (أ): على.
(5)
في (أ) و (ب) و (و): لا بد. والمثبت موافق لما في شرح العمدة 2/ 326.
فكان
(1)
مراعاته أَولى.
وبعَّد ابن تميم ذلك، وحمله ابن عَقيل على سُترةٍ تتَّسع
(2)
إن تركها
(3)
على كتفَيه، وسدلها
(4)
من ورائه تستر دبره.
وقدَّم في «الفروع» : أنَّه
(5)
إذا وجد ما يستُر منكبيه وعَجُزَه فقط؛ ستر ذلك، وصلَّى جالسًا، نَصَّ عليه
(6)
، وهو المذهب؛ لأنَّ ستر المنكبَين الحديث فيه أصحُّ.
(فَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيعُهَا: سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ)؛ لأنَّهما أفْحَش، وهما عورةٌ بلا خلاف
(7)
؛ لأنَّ غيرهما كالحريم والتَّابع لهما، وعبَّر بعضهم عنهما بالسَّوأتين؛ لقوله تعالى:{فَبَدَتْ لَهُمَا سُوْآتُهُمَا} [طه: 121]، سمِّيا بذلك؛ لأنَّ كشفهما يسوء صاحبَه.
(فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا جَمِيعًا؛ سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ)؛ لاستوائهما، (وَالْأَوْلَى سَتْرُ الدُّبُرِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه أفحش، وينفرج في الرُّكوع والسُّجود.
(وَقِيلَ: الْقُبُلُ أَوْلَى)؛ لأنَّ به يستقبل القِبلة، والدُّبر يَستَتِر بالأَلْيتَينِ.
وقال ابن حمدان: يعتبر أكثرهما سَترًا.
وفي المذهب: هل القبل أولى من
(8)
الدبر؟ فيه روايتان.
(1)
في (أ): وكان.
(2)
في (و): يتسع.
(3)
في (و): يتركها.
(4)
قوله: (وسدلها من) هو في (و): ويشدها على. وفي (أ): ويسدلها.
(5)
في (و): أما.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 52.
(7)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 43، مراتب الإجماع ص 29.
(8)
في (أ): أو.
وهذا تفريعٌ
(1)
على
(2)
ما ذكره: أنَّه يستر عورته ويصلِّي قائمًا. وعلى الثَّاني: فلا.
وظاهره: لا فرق بين أن يكون رجلاً أو امرأةً أو خنثى، ويتوجَّه: أنَّه يستر آلة الرَّجل إن كان هناك امرأةٌ، وآلتَها إن كان هناك رجل.
(وَإِنْ بُذِلَتْ لَهُ سُتْرَةٌ؛ لَزِمَهُ قَبُولُهَا إِذَا
(3)
كَانَتْ عَارِيَّةً)، هذا هو الصَّحيح؛ لأنَّ المِنَّةَ لا تكثر
(4)
فيها، فأشبه بذل الحبل والدَّلو لاستقاء الماء.
وقيل: لا يلزمه؛ كالهبة في الأصحِّ.
والثَّاني: يلزمه قبولها هبةً، وذكره المؤلِّف احتِمالاً؛ لأنَّ العار
(5)
في كشف عورته أكثر من الضَّرر
(6)
فيما يلحَقه من المِنَّة.
وفُهم منه: أنَّه لا يلزمه طلبها عاريّة، ويلزمه تحصيلها بقيمة المثل والزِّيادة؛ كماء الوضوء.
(فَإِنْ عَدِمَ بِكُلِّ حَالٍ؛ صَلَّى)، ولا تسقط
(7)
عنه بغير خلاف نعلمه
(8)
، كما لو عجز عن استقبال القِبلة، (جَالِسًا) ندبًا، ولا يتربَّع بل ينضامُّ، نقله الأثرم والميموني
(9)
.
وقدَّم في «الرِّعاية» : أنَّه يتربَّع، نَصَّ عليه في رواية محمَّد بن حبيب
(10)
،
(1)
في (ب) و (و): التفريع.
(2)
زيد في (و): قولهما.
(3)
في (أ) و (د): إن.
(4)
في (و): يكثر.
(5)
في (ب) و (و): العاري.
(6)
في (أ): الضَّرير.
(7)
في (د) و (و): يسقط.
(8)
ينظر: الشرح الكبير 3/ 236.
(9)
ينظر: شرح العمدة 2/ 332، الفروع 2/ 53.
(10)
ينظر: الفروع 2/ 53.
ومحمد بن حبيب، هو أبو عبد الله البزار، كان رجلاً معروفًا جليل القدر من أصحاب الإمام أحمد، توفي سنة 291 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 293، المقصد الأرشد 2/ 398.
وقيل: وجوبًا.
(يُومِئُ إِيمَاءً)؛ أي: بالرُّكوع والسُّجود، قدَّمه في «المحرَّر» وغيرِه، وجزم به أبو الحسين وأبو الخَطَّاب وصاحب «الوجيز»؛ لما رُوي عن ابن عمر: أنَّ قومًا انكسرت بهم مركبُهم فخرجوا عُراةً، قال:«يصلُّون جلوسًا، يُومِئون إيماءً برؤوسهم»
(1)
، ولم ينقل خلافه، ويُومِئ بالسُّجود أكثر من الرُّكوع.
(وَإِنْ
(2)
صَلَّى قَائِمًا) وسجد بالأرض؛ (جَازَ)؛ لقوله عليه السلام: «صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعِدًا»
(3)
.
وظاهره: أنَّ صلاة الجالِس بالإيماء أولى من صلاته قائمًا؛ لأنَّ الجلوس فيه ستر العورة، وهو قائم مقام القيام، ولو صلَّى قائمًا لسقط السَّتر إلى غير بدل؛ لأنَّ السَّتر آكد من القيام؛ لأنَّه يجب في الصَّلاة وغيرها، ولا
(4)
يسقط مع القدرة بحال، والقيام يسقط في النَّافلة، ولأنَّ القيام سقط
(5)
عنهم لحفظ العورة، وهي في حال السُّجود أفحش، فكان سقوطه أولى.
لا يقال: السَّتر كلُّه لا يحصل وإنَّما يحصل بعضه، فلا يفي ذلك بترك ثلاثة أركان: القيام والرُّكوع والسُّجود؛ لأنَّ العورة إن كانت الفرجين فقد حصل سترهما، وإلاَّ حصل ستر أغلظها وأفحشها.
(1)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2415)، وفي إسناده عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة، وهو ضعيف كما في التقريب (ص 358).
(2)
في (و): فإن.
(3)
أخرجه البخاري (1117) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(4)
في (و): فلا.
(5)
في (و): يسقط.
وعنه: يصلِّي جالسًا، ويسجد بالأرض؛ لأنَّ السُّجود آكد من القيام؛ لكونه مقصودًا في نفسه، ولا يسقط فيما يسقط فيه القيام
(1)
، وهو النَّفل.
(وَعَنْهُ): يلزمه (أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا، وَيَسْجُدُ بِالْأَرْضِ)، اختاره الآجُرِّي وغيرُه، وقدَّمه ابن الجوزي؛ لأنَّ المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط.
وعنه: إن قام وأَوْمَأَ بالسُّجود؛ صحَّ.
وقيل: يقعد
(2)
الجماعة ولا يقومون، ويسجدون بالأرض.
وظاهره: أنَّه لا إعادة عليه، وصرَّح به جماعة، وألحقه الدِّينَوَرِي في وجوب الإعادة بفاقد الطَّهورين. وفي «الرِّعاية»: أنَّه يعيد على الأقْيَس.
فرع: إذا نسي السُّترة وصلَّى عُريانًا؛ أعاد لتفريطه؛ كالماء.
(وَإِنْ وَجَدَ) العُريان (السُّتْرَةَ قَرِيبَةً مِنْهُ) عُرفًا؛ لأنَّه لا تقدير فيه، (فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ)، وأمكنه من غير زمن طويل ولا عمل كثير؛ (سَتَرَ، وَبَنَى) على ما مضى من صلاته؛ كأهل قباء لمَّا علموا بتحويل القبلة استداروا إليها
(3)
وأتمُّوا صلاتهم
(4)
.
(وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً؛ سَتَرَ وَابْتَدَأَ)؛ لأنَّه لا يمكن فعلها إلاَّ بما ينافيها من العمل الكثير، أو بدون شرطها، بخلاف التي قبلها.
وقيل: يبني مطلقًا. وقيل: يبتدئ مطلقًا. وقيل: إن انتظر من يناوله لها؛ لم تبطل؛ لأنَّه انتظار واحد كانتظار المسبوق.
(وَيُصَلِّي
(5)
الْعُرَاةُ جَمَاعَةً) وجوبًا، لا فُرادَى؛ لقول ابن عمر السَّابق،
(1)
قوله: (لكونه مقصودا في نفسه، ولا يسقط فيما يسقط فيه القيام) سقط من (و).
(2)
في (أ): تقعد.
(3)
قوله: (إليها) سقط من (و).
(4)
أخرجه البخاري (399)، ومسلم (525)، من حديث البراء رضي الله عنه.
(5)
في (و): وتصلي.
ولأنَّهم قدروا على الجماعة من غير عذر، أشبه المسبوقين، ولا تسقط
(1)
الجماعة لفوات السُّنَّة في الموقف، كما لو كانوا في ضيق لا يمكن تقديم أحدهم، وإذا شرعت الجماعة حال الخوف مع تعذُّر الاقتداء بالإمام في بعض الصَّلاة والحاجة إلى مفارقة وفعل ما يبطل الصَّلاة في غير تلك الحال؛ فأولى أن يشرع هنا.
وقال ابن عَقيل: جلوسًا وجوبًا، وأنَّ في منفرد روايتين، قال: والصَّحيح أنَّه كالجماعة، ويقومون صفًّا واحدًا.
(وَإِمَامُهُمْ فِي وَسَطِهِمْ)؛ لأنَّه أستر لهم، فإن تقدَّمهم لم يصحَّ في الأصحِّ.
وإن كانوا في ظُلمة؛ صلَّوا جماعةً وتقدَّمهم إمامهم.
وإن لم يسَعهم صف واحد؛ وقفوا صفوفًا، وغضُّوا أبصارهم.
قال في «الشَّرح» : (وإن صلَّى كلُّ صفٍّ جماعة فهو أحسن).
وقال ابن تميم وغيره: فإن كانوا نوعًا واحدًا والموضع ضيِّق؛ صلَّوا جماعةً كالنَّوعين.
وفيه وجه: يصلِّي الكلُّ جماعةً واحدةً وإن كثرت الصُّفوف.
(وَإِنْ كَانُوا رِجَالاً وَنِسَاءً؛ صَلَّى كُلُّ نَوْعٍ لِأَنْفُسِهِمْ)؛ لأنَّها إن وقفت خلفه شاهدت العورة، ومعه خلاف سنَّة الموقف، وربَّما أفضى إلى الفتنة.
(وَإِنْ كَانُوا فِي ضَيْقٍ) بفتح الضاد مخفَّفًا، من ضَيِّق، ويجوز فيه الكسر على المصدر على حذف مضاف تقديره: ذي ضِيق؛ (صَلَّى الرِّجَالُ وَاسْتَدْبَرَهُمُ النِّسَاءُ، ثُمَّ صَلَّى النِّسَاءُ
(2)
وَاسْتَدْبَرَهُنَّ الرِّجَالُ)؛ لما في ذلك من تحصيل الجماعة مع عدم رؤية الرِّجالِ النِّساءَ، وبالعكس.
(1)
في (و): يسقط.
(2)
قوله: (ثم صلى النساء) سقط من (د).
تنبيه: إذا صلَّى عُريانًا، وأعار سُترته؛ لم يصحَّ، ويُستحبُّ أن يعير إذا صلَّى، ويصلِّي بها واحدٌ بعد آخَرَ.
وهل يلزمهم انتظارها ولو خرج الوقت، أم لا كالقدرة على القيام بعده؟ فيه وجهان.
فإن استوَوْا، ولم يكن الثَّوب لواحد؛ أُقرِع، والأصحُّ: يقدَّم إمام مع ضيق الوقت، وتقدَّم المرأة عليه؛ لأنَّ عورتها أفحش.
ولا يَأتَمُّ مستَتِرٌ بعارٍ، ويصلِّي بها عارٍ، ثمَّ يكفَّن ميت. وقيل: يقدَّم هو. وقيل: الحيُّ، قاله ابن حمدان، وهو بعيد.
(وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ السَّدْلُ)، كذا ذكره جمع؛ لما روى أبو هريرة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن السَّدل في الصَّلاة» رواه أبو داود بإسناد حسن
(1)
، وروى سعيد عن إبراهيم قال:«كانوا يكرهون السَّدل في الصَّلاة»
(2)
.
وعنه: إن لم يكن تحته ثوب. وعنه: أو إزار.
فعلى هذا؛ لا إعادة، قاله أبو بكر، اتِّفاقًا إن لم تَبْدُ عورتُه، وعنه: بلى.
(1)
أخرجه أبو داود (643)، وابن خزيمة (772)، وابن حبان (2289)، والحاكم (931)، من طريق الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء عنه به، والحسن بن ذكوان صدوق يخطئ وكان يدلس، كما في التقريب. واختلف في وصله وإرساله، فوصله الحسن بن ذكوان، وأرسله عامر الأحول.
وأخرجه أحمد (7934) والترمذي (378)، من طريق عِسْل بن سفيان عن عطاء عنه به، وعِسْل بن سفيان التميمي ضعيف، وله طرق أخرى، وحسنه العراقي، والألباني، ينظر: صحيح أبي داود 3/ 209.
(2)
لم نقف عليه، وقد علَّق ابن المنذر في الأوسط (5/ 58) عن محارب بن دثار أنه قال:«كانوا يكرهون السدل في الصلاة» ، ومحاربٌ كوفيٌّ، سمع ابن عمر وجابر رضي الله عنهما، وحدَّث عن جماعة من تلاميذ ابن مسعود كالأسود النخعي وغيره.
وأخرج ابن أبي شيبة (6482)، عن إبراهيم:«أنه كره أن يسدل ثوبه في الصلاة» .
وحكى التِّرمذي عن أحمد: (لا يُكرَه)
(1)
، قال ابن المنذر:(لا أعلم فيه حديثًا يثبت)
(2)
.
وهو
(3)
: إرخاءُ الثَّوب لغةً، قاله الجوهري
(4)
.
واصطلاحًا: (أَنْ يَطْرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ ثَوْبًا، وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى)، قدَّمه السَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص» و «الفروع» ، وجزم به في «الشَّرح» ، زاد: (ولا يضمَّ طرَفيه
(5)
بيديْه)، وهو رواية.
وظاهره: أنَّه إذا ردَّ أحد طرفيه على الكتف الأخرى؛ لا يكره؛ لزوال معنى السدل، ونقل صالح: (طرحه
(6)
على أحدهما، ولم يردَّ أحد طرفيه على الآخر)
(7)
.
وقال ابن عقيل: هو إسبال الثَّوب على الأرض.
وقيل: وضع وسط الرِّداء على رأسه، وإرساله من ورائه
(8)
على ظهره، وهي لِبْسة
(9)
اليهود.
وقال القاضي: هو وضع الرِّداء
(10)
على عنقه، ولم يردَّه على كتفيه
(11)
.
(1)
ينظر: سنن الترمذي 1/ 488، وعبارته:(فأما إذا سدل على القميص فلا بأس، وهو قول أحمد).
(2)
ينظر: المغني 1/ 418.
(3)
قوله: (وهو) سقط من (أ).
(4)
ينظر: الصحاح 5/ 1728.
(5)
في (أ) و (د) و (و): طرفه. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 3/ 246.
(6)
في (و): طرفه.
(7)
قوله: (لا يكره لزوال معنى السدل) إلى هنا سقط من (أ).
وينظر كلام أحمد في مسائل صالح 1/ 374.
(8)
قوله: (من ورائه) هو في (أ): في رواية. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 56.
(9)
في (أ) و (و): لشبه.
(10)
قوله: (على رأسه، وإرساله في رواية على ظهره) إلى هنا سقط من (و).
(11)
في (أ) و (ب): كتفه.
(وَيُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ)، قدَّمه جماعةٌ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لما روى أبو هريرة وأبو
(1)
سعيد: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصَّمَّاء» رواه البخاري
(2)
.
(وَهُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ)، ومعنى الاضطباع: أن يجعل وسط الرِّداء تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، وجاء ذلك مفسَّرًا في حديث أبي سعيد من رواية إسحاق، عن عبد الرَّزاق، عن مَعمَر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عنه مرفوعًا: «نهى عن لبستين، وهما
(3)
اشتمال الصَّمَّاء، وهو أن يضَع ثوبَه على أحد عاتقَيه
(4)
فيبدو أحد شقِّيه ليس عليه ثوب، والاحتِباء، وهو أن يحتَبِيَ به ليس على فرجه منه شيْء»
(5)
.
وقال السَّامَرِّيُّ: هو أن يلتَحِف بثوب يردُّ طرفيه إلى أحد جانبيه، ولا يبقى ليديه موضع تخرج
(6)
منه، وهو المعروف عند العرب.
والأول: قول الفقهاء، وهم أعلم بالتَّأويل.
وظاهره: أنَّه إذا كان عليه ثوب؛ لم يكره؛ لأنَّها لبسة المحرِم، وفعلها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
(7)
.
(1)
في (أ) و (ب) و (و): وابن.
(2)
أخرجه البخاري (367) من حديث أبي سعيد، وبرقم (368) من حديث أبي هريرة، ومسلم (2099) من حديث جابر، رضي الله عنهم.
(3)
في (د): وهو.
(4)
في (د): عاتقه.
(5)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (14987)، ومن طريقه ابن حبان (5427).
(6)
في (و): يخرج.
(7)
أخرجه أحمد (17952)، وأبو داود (1883)، والترمذي (859)، من حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وحسنه الألباني، وأخرجه أحمد (2792)، وابن خزيمة (2707)، من حديث ابن عباس، وإسناده لا بأس به، فيه عبد الله بن عثمان بن خُثيم، قال في التقريب:(صدوق). ينظر: صحيح أبي داود 6/ 133.
وأنَّ صلاته صحيحة إلاَّ أن تبدو عورته، صرَّح به في «المحرر» وغيرُه. وعنه: يعيد.
وفيه وجه: يكرَه فوق الإزار لا القميص.
وعلى الأوَّل: الكراهة؛ قيل: لكشف
(1)
كتفه الأيمن.
وقيل: لظهور عورته، فعلى هذا: ينبغي أن يكون محرَّمًا؛ لإفضائه إليه، ذكره في «الشَّرح» .
(وَعَنْهُ: يُكْرَهُ) مطلقًا (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ)؛ لعموم النَّهي.
فرع: إذا احتبى، وعليه ثوب يستر عورته؛ جاز، وإلاَّ حرُم. وعنه: يكره مطلقًا. وعنه: المنع، قاله ابن تميم.
(وَيُكْرَهُ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ)؛ لما روى أبو هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه» رواه أبو داود بإسناد حسن
(2)
، ففيه تنبيه على كراهة تغطية الوجه
(3)
؛ لاشتماله على تغطية الفم، ولأنَّ الصَّلاة لها تحليل وتحريم، فشرع لها كشف الوجه كالإحرام.
(وَالتَّلَثُّمُ عَلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ)؛ روي ذلك عن ابن عمر
(4)
، ولقوله عليه السلام:«أُمِرتُ أن أسجدَ على سبعةِ أَعْظُمٍ» متَّفقٌ عليه
(5)
.
وعنه: لا يكره.
(1)
في (و): يكشف.
(2)
سبق تخريجه 2/ 73 حاشية (1).
(3)
قوله: (لما روى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه، رواه أبو داود بإسناد حسن، ففيه تنبيه على كراهة تغطية الوجه) سقط من (أ).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (4062)، وابن أبي شيبة (7306)، عن نافع:«أن ابن عمر كان يكره أن يصلي الرجل وهو متلثم» ، وإسناده ضعيف، مداره على عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف الحديث.
(5)
أخرجه البخاري (812)، ومسلم (490)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وفي التَّلثُّم على الأنف روايتان، وسهَّل أحمد في تغطية اللِّحية، وقال:(لا بأس بتغطية الوجه لحرٍّ أو برد)
(1)
.
(وَلَفُّ الْكُمِّ)؛ لقوله عليه السلام: «ولا أكفَّ شعرًا، ولا ثوبًا» متَّفقٌ عليه
(2)
، زاد في «الرِّعاية»: وتشميره، وفي «الوجيز»: وإرساله، ويُستثنى على كلامه بلا سبب.
(وَ) يُكره (شَدُّ الْوَسَطِ) بفتح السِّين (بِمَا يُشْبِهُ شَدَّ الزُّنَّارِ)؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن التَّشبُّه بأهل الكتاب» رواه أبو داود
(3)
.
وعنه: يكرَه لبس المنطقة، ونقل حرب: يكره شدُّ وسَطِه على القميص؛ لأنَّه من زِيِّ اليهود
(4)
، ولا بأس به على القباء، قال القاضي: لأنَّه من عادة المسلمين.
وعنه: لا
(5)
يكره، قال أحمد: أليس قد روي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «لا يصلِّينَّ أحدكم إلاَّ وهو محتزم»
(6)
، زاد ابن تميم: إلاَّ أن يشدَّه لعمل الدُّنيا؛ فيُكرَه.
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 86.
(2)
وهو حديث ابن عباس السابق.
(3)
مراده كما في الشرح الكبير (3/ 252): ما أخرجه أحمد (6356)، وأبو داود (635)، من طريق نافع عن ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال عمر رضي الله عنه: «إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود» ، ووقع في إسناده تردد من نافع في رفعه ووقفه، ووقفه سالم على ابن عمر، أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2220)، ورجح وقفه، وصححه مرفوعًا النووي والألباني. ينظر: الخلاصة 1/ 238، فتح الباري لابن رجب 2/ 358، صحيح أبي داود 3/ 200.
(4)
ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 399، الفروع 2/ 58.
(5)
قوله: (لا) سقط من (أ) و (ب).
(6)
ينظر: المغني 1/ 419.
والحديث: أخرجه أحمد (9909) وأبو داود (3369)، والبيهقي (3295)، ولفظه عند أبي داود:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغنائم حتى تقسم، وعن بيع النخل حتى تحرز من كل عارض، وأن يصلي الرجل بغير حزام» ، وإسناده ضعيف فيه راوٍ مجهول.
وظاهره: أنَّه إذا شدَّه بمئزر أو حبل؛ أنَّه لا بأس به، وقاله أحمد، وذكره في «الكافي» ، وقدَّم ابن تميم أنَّه يستحبُّ، نَصَّ عليه
(1)
، وقد فعله ابن عمر
(2)
.
ويُستثنى منه المرأة، فإنَّه يكره لها شدُّ وسطها مطلقًا.
(وَ) يُكره (إِسْبَالُ شَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ)؛ كالقميص والإزار والسَّراويل (خُيَلَاءَ)، ذكره في «الكافي» ، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» في
(3)
غير حرب؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «من أسبلَ إزارَه في صلاتِه خيلاءَ؛ فليس من اللهِ في حلٍّ ولا حرام» رواه أبو داود من حديث ابن مسعود
(4)
.
والمذهب كما ذكره في «المستوعب» و «الشَّرح» ، وصحَّحه في «الفروع»: أنَّه حرام، وهو ظاهر كلام أحمد
(5)
؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «من جرَّ ثوبَه خيلاءَ لم ينظرِ اللهُ إليه» متَّفَقٌ عليه
(6)
.
(1)
في رواية أبي طالب. ينظر: المغني 1/ 419
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (6508)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان لا يصلي إلا وهو مؤتزر» . وإسناده صحيح.
(3)
في (د): من.
(4)
أخرجه أبو داود الطيالسي (349)، ومن طريقه أبو داود (637)، والبزار (1884)، من طريق أبي عوانة، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا، وأشار أبو داود والبزار إلى أن أبا عوانة تفرد برفعه، ورواه جماعة موقوفًا، وأخرج الموقوف الطبراني في المعجم الكبير (9368)، ولفظه:«المسبل إزاره في الصلاة ليس من الله عز وجل في حل ولا حرام» ، وحسن إسناد الموقوف ابن حجر وقال:(ومثل هذا لا يقال بالرأي). ينظر: الفتح 10/ 257، صحيح أبي داود 3/ 204.
(5)
قال الإمام أحمد: (لم أحدث عن فلان، كان سراويله شراك نعله، وقال: ما أسفل من الكعبين في النار، والسراويل بمنزلة الإزار، لا يجر شيئًا من ثيابه). ينظر: شرح العمدة 2/ 365.
(6)
أخرجه البخاري (3665)، ومسلم (2085)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
والمراد في غير حرب بلا حاجة، نحو كونه حمش السَّاقين، ولم يرد التَّدليس على النِّساء.
ويكره فوق نصف ساقيه، نَصَّ عليه
(1)
.
وعلى الأصحِّ: تحت كعبه بلا حاجة. وعنه: ما تحتهما فهو في النَّار.
ويجوز للمرأة
(2)
زيادة إلى ذراع.
وقال جماعةٌ: ذيل نساء المدن في البيت كرجل.
ويسنُّ تطويل كمِّ الرَّجل إلى رؤوس أصابعه أو أكثر يسيرًا، وتوسيعها قصدًا، وقصر كمِّها، واختلف في سَعته.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 146، شرح العمدة 2/ 373.
(2)
في (أ): للرجل.
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، اختاره أبو الخطَّاب، وجزم به السَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص»؛ لما رَوى أبو طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تَدخُل الملائكةُ بيتًا فيه كلبٌ أو صورةٌ» متَّفَق عليه
(1)
، والمراد به: كلب منهيٌّ عن اقتنائه، وقال أحمد في رواية صالح:(الصُّورة لا ينبغي لُبسها)
(2)
، وكتعليقه، وستر الجُدُر به وفاقًا
(3)
، وظاهره عامٌّ في الكُلِّ.
والثَّاني: يكره، ولا يحرم، قاله ابن عقيل، وقدَّمه ابن تميم؛ لقوله عليه السلام في آخر الخبر:«إلاَّ رقمًا في ثوب»
(4)
، وكافتراشه وجعله مخدًّا؛ «لأنَّه عليه السلام اتَّكأ على مخدَّةٍ فيها صورةٌ» رواه أحمد
(5)
.
وعُلم ممَّا سبق: أنَّه يحرم تصوير صورة الحيوان، وحكاه بعضهم وفاقًا؛ لما روت عائشة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ أصحابَ هذه الصُّوَرِ يعذَّبونَ يومَ القيامة، ويقال لهم: أحْيُوا ما خلقتم» رواه البخاري
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري (3225)، ومسلم (2106).
(2)
ينظر: مسائل صالح 1/ 252.
(3)
ينظر: بدائع الصنائع 1/ 116، الذخيرة 13/ 285، الحاوي 9/ 563، الفروع 2/ 75.
(4)
وهو حديث أبي طلحة السابق قريبًا، أخرجه البخاري (5958)، ومسلم (2106).
(5)
أخرجه أحمد (26103)، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد اشتريت نمطًا فيه صورة، فسترته على سهوة بيتي، فلما دخل، كره ما صنعت، وقال:«أتسترين الجُدُر يا عائشة؟» ، فطرحته فقطعته مرفقتين، فقد رأيته متكئًا على إحداهما، وفيها صورة. وأصله في البخاري (2479)، وفيه:«فكانتا في البيت يجلس عليهما» ، من غير ذكر الاتكاء عليه، وفي مسلم (2107)، في بعض طرقه:«فأخذته فجعلته مرفقتين، فكان يرتفق بهما في البيت» ، والارتفاق هو الاتكاء. ينظر: تاج العروس 25/ 351.
(6)
أخرجه البخاري (2105)، ومسلم (2107).
فلو أزيل منها ما لا تبقى الحياة معه؛ لم يكره في المنصوص
(1)
، ومثله شجر ونحوه.
وكره الآجُرِّي
(2)
الصَّلاة على ما فيه صورة، وكذا في «الفصول» ، ولو على ما يداس؛ لقوله عليه السلام:«لا تدخلُ الملائكةُ بيتًا فيه صورةٌ ولا كلْبٌ ولا جنبٌ» إسناده حسن
(3)
.
(وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ) ولا الخُنثى ولو كافرًا
(4)
(لُبْسُ ثِيَابِ الْحَرِيرِ) في الصَّلاة وغيرها في غير حال العذر، حكاه ابن المنذِر إجماعًا
(5)
؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا تلبسوا الحريرَ؛ فإنَّه من لَبِسه في الدُّنيا لم يلبَسْه في الآخرة» متَّفق عليه من
(6)
حديث عمر رضي الله عنه
(7)
، حتَّى تِكَّة وشَرَّابة، نَصَّ عليه
(8)
، والمراد: شرابة مفردة؛ كشرابة البريد لا تبعًا
(9)
فإنَّها كزِرٍّ.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 350، الورع رواية المروذي ص 151.
(2)
في (أ): الأزجي. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 76.
(3)
أخرجه أحمد (1172)، وأبو داود (227)، والنسائي (261)، وابن حبان (1205)، من طريق عبد الله بن نُجي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعًا، وضعفه البخاري، وقال:(عبد الله بن نُجي الحضرمي، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، قاله شعبة، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، فيه نظر)، وضعف الحديث العراقي والألباني. ينظر: التاريخ الكبير 5/ 214، ضعيف أبي داود 1/ 76.
(4)
كتب على هامش (و): قوله: (ولو كافرًا) قال في القواعد الأصولية للعلامة ابن اللحام: وهو ظاهر كلام أحمد والأصحاب، قاله بعض المتأخرين، وبناه بعضهم على القاعدة، واختار الشيخ تقي الدين الجواز.
(5)
لم نجده في كتب ابن المنذر، والذي في المغني 1/ 421، والشرح الكبير 3/ 258: حكاية الإجماع عن ابن عبد البر. ينظر: التمهيد 8/ 318، مراتب الإجماع ص 150.
(6)
في (أ): في.
(7)
أخرجه البخاري (5830)، ومسلم (2069).
(8)
ينظر: مسائل عبد الله ص 64.
(9)
في (أ): تبقى.
وعلَّل القاضي والآمِدِي إباحة كيس المصحف؛ لأنَّه يسير، فعلى هذا يُستثنى.
(وَلَا مَا غَالِبُهُ الْحَرِيرُ)؛ لأنَّ الغالِب له حكم الكلِّ، فحرم لعموم الخبر، والقليل
(1)
مستهلَك فيه، أشبه الضَّبَّة من الفضَّة.
وقال ابن عبد البرِّ: (مذهب ابن عباس
(2)
وجمع أنَّ المحرَّم الحرير الصَّافي الذي لا يخالطه غيره)
(3)
، وسيأتي.
وظاهر كلام أحمد: أنَّ الاعتبار بالظُّهور، وجزم به في «الوجيز» ، وقيل: بالوزن، قدَّمه في «الرِّعاية» .
(وَلَا افْتِرَاشُهُ)؛ لما روى حذيفة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يُلبسَ الحريرُ والدِّيباجُ، وأن يُجلَسَ عليه» رواه البخاري
(4)
، قال أحمد في رواية صالح وجعفر:(افتراش الحرير كلُبسه)
(5)
، وكذا الاستِناد إليه.
ثمَّ استثنى من ذلك بقوله: (إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ)؛ لأنَّها تبيح المحرَّم بدليل أكل الميتة.
وظاهره: إباحته للنِّساء مطلقًا؛ لما روى أبو موسى: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أُحِلَّ الذَّهبُ والحريرُ للإناثِ من أمَّتي، وحُرِّمَ على ذكورها» رواه جماعة منهم التِّرمذي، وصحَّحه
(6)
.
(1)
في (و): القليل.
(2)
وهو قول ابن عباس: «إنَّما نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الثَّوب المُصمَت من قَزٍّ» ، وسيأتي قريبًا.
(3)
ينظر: التمهيد 14/ 249.
(4)
أخرجه البخاري (5837).
(5)
ينظر: مسائل صالح 1/ 245.
(6)
أخرجه أحمد (19503)، والترمذي (1720)، والنسائي (5148)، وهو حديث مروي من طرق كثيرة من الصحابة، قال الترمذي:(حديث أبي موسى حديث حسن صحيح)، قال ابن كثير:(إسناده على شرط البخاري ومسلم)، وذكر بعض الحفاظ أنه منقطع. ينظر: تحفة الطالب لابن كثير (ص 52)، التلخيص الحبير 1/ 211، الإرواء 1/ 305.
وأغرب ابن عقيل في «فُنونه» فجوَّز لهنَّ لُبسَه دون الاستِناد والافتراش.
فرع: يحرم تعليقه وستر الجدر به، غير الكعبة المشرَّفة وِفاقًا
(1)
، وحرَّم الأكثرُ استعمالَه مطلقًا، فدلَّ أنَّ في بشخانة
(2)
، وخيمة، وبقجة
(3)
، وكمران
(4)
، ونحوِه الخلاف.
(فَإِنِ اسْتَوَى هُوَ وَمَا نُسِجَ مَعَهُ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «الفروع» وغيره:
أحدهما: يباح، جزم به في «الوجيز»؛ لقول ابن عباس: «إنَّما نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الثَّوب المُصمَت من قَزٍّ، أمَّا السَّدَى والعلَم فلا يرى
(5)
به بأسًا» رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن
(6)
، ولأنَّ الحرير ليس أغلب، أشبه الأقلَّ.
والثَّاني: يحرم، قال ابن عقيل:(هو الأشبه)؛ لعموم الخبر، ولأنَّ النِّصف كثير؛ لأنَّه لا يطلق على ما نسج
(7)
معه من الكتان
(8)
والقطن؛
(1)
ينظر: البناية شرح الهداية 12/ 108، القوانين الفقهية 1/ 289، روضة الطالبين 3/ 334.
(2)
في (د) و (و): ثخانة. والمثبت موافق لما في الفروع.
جاء في تكملة المعاجم العربية 1/ 348: (بالفارسية بَشَه خانه، وتجمع على بشاخين: كِلَّة ناموسية، وزخارف السرير أو الغرفة لصيانة الحشايا والمخدات).
(3)
البقجة: قطعة مربعة من قماش مبطن تختلف ألوانه، تلفف بها الملابس لحفظها. ينظر: تكملة المعاجم العربية 1/ 390.
(4)
الكمران: الحزام. ينظر: تكملة المعاجم العربية 9/ 139.
(5)
في (و): نرى.
(6)
أخرجه أحمد (1879)، وأبو داود (4055)، من طريق خُصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعًا، وخُصيف بن عبد الرحمن صدوق سيئ الحفظ، خلط بأخرة، وضعفه جماعة، ولكن تابعه عكرمة بن خالد المخزومي فرواه عن سعيد بن جبير عنه به، كما عند أحمد (2856)، بلفظ:«إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت حريرًا» ، ولم يذكر الاستثناء في آخره، وصححه إسناده ابن الملقن. ينظر: تحفة المحتاج 1/ 537، الإرواء 1/ 310.
(7)
في (أ): ناسخ.
(8)
في (أ): الكتاب.
كتان
(1)
ولا قطن.
وقيل: يكره ولا يحرم، كما لو شكَّ في كثرة الحرير أو مساواته غيره مع إباحة النِّصف.
تنبيه: أباح أحمد لبس الخزِّ
(2)
، وهو ما سُدِّي بإبريسم، وأُلْحِم بوَبَر أو صُوف؛ للخبر، ولفعل الصَّحابة
(3)
، وجعله ابن عقيل كغيره من الثِّياب المنسوجة من الحرير وغيره، وفرَّق بينهما أحمد: بأنَّ هذا لبسه الصَّحابة، وبأنَّه لا سرف
(4)
ولا خيلاء.
وعُلم منه: إباحة الصُّوف، وكذا الكتَّان إجماعًا
(5)
، والنَّهي عنه في
(6)
حديث جابر لا أصل له
(7)
، ونقل عبد الله عن أبيه:(يكره للرِّجال)
(8)
، ولعلَّه
(1)
في (أ): كان.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4697، مسائل صالح 2/ 203.
(3)
قال أبو داود (4039): (وعشرون نفسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أكثر لبسوا الخز، منهم أنس، والبراء بن عازب).
وأخرج ابن أبي شيبة (24641)، عن خيثمة بن عبد الرحمن:«أن ثلاثة عشر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسون خزًّا» .
وأخرج البيهقي في الشعب (5800)، عن وهب بن كيسان قال:«رأيت ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يلبسون الخز: سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأنس» .
(4)
في (أ): شرف.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 78.
(6)
في (ب) و (د) و (و): من.
(7)
لم نقف عليه من حديث جابر، وأخرج مسدد في مسنده كما في إتحاف الخيرة (3985)، عن أم الدرداء قالت: أوصاني أبو الدرداء رضي الله عنه قال: «إذا رأيت الناس قد لبسوا الكتان فالبسي القطن، وإذا رأيتهم قد لبسوا الم عز وجل ي فالبسي الصوف» ، وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.
(8)
ينظر: مسائل عبد الله ص 448.
محمول على حالة لم ينبِّه عليها عبد الله، مع أنَّه لبسه
(1)
الصَّحابة وغيرهم
(2)
، وكالقطن.
(وَيَحْرُمُ) على ذَكَرٍ بلا حاجة (لُبْسُ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ، وَالْمُمَوَّهِ بِهِ)؛ أي: المطلِيِّ، وكذا عبَّر في «الوجيز» .
ولا فرق في الذَّهب بين خالصه ومَشُوبِه، والمنفرد والخليط، بخلاف الحرير؛ لما تقدَّم في خبر أبي موسى.
وظاهره: أنَّ المنسوج والمموَّه بالفضَّة؛ ليس كذلك.
والأشهر: أنَّه كالذَّهب، قدَّمه ابن تميم وفي «الفروع». وقال في «الرِّعاية»: وقيل: أو فضَّة.
وقيل: يكره، إلاَّ في مِغفَر، وجَوْشَن
(3)
، وخُوذة
(4)
، أو في سلاحه لضرورة.
(فَإِنِ اسْتَحَالَ لَوْنُهُ) ولم يحصل منه شيء، وقيل: مطلقًا؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: يحرم؛ للخبر.
والثَّاني: يباح، وهو ظاهر «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لزوال علَّة التَّحريم من السرف
(5)
والخُيَلاء، وكسر قلوب الفقراء.
وقيل: يكره.
(1)
في (ب) و (و): لبس.
(2)
أخرجه أحمد (19758)، وأبو داود (4033)، والترمذي (2479)، وابن ماجه (3562)، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:«يا بني لو شهدتنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابتنا السماء، لحسبت أن ريحنا ريح الضأن» ، قال الترمذي:(حديث صحيح).
(3)
في (أ): وجوجش. والجَوشَن: بفتح الجيم والشين: الدرع. ينظر: الصحاح 5/ 2092، تحرير ألفاظ التنبيه ص 280.
(4)
الخُوذَةُ: بالضم: المِغْفَرُ. ينظر: القاموس المحيط ص 333.
(5)
في (أ): الشرف.
وقيَّد ابن تميم: إن كان بعد استحالته لا يحصل منه شيء؛ فهو مباح وجهًا واحدًا.
وقيل: المنسوج بذهب كحرير.
فرع: ما حرم استعماله حرم تملُّكه وتمليكه
(1)
كذلك، وعمل خياطة لمن حرم عليه نصًّا
(2)
.
(وَإِنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ لِمَرَضٍ أَوْ حِكَّةٍ) بكسر الحاء، وهو الجرَب، أو من أجل القمل؛ جاز في ظاهر المذهب، قاله في «الشَّرح» ، وصحَّحه في «الفروع»؛ لأن أنَسًا روى:«أنَّ عبد الرحمن بن عوف والزبير شكيا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم القَمْل، فرخَّص لهما في قميص الحرير، فرأيته عليهما في غَزاة» رواه البخاري، وفيه وفي مسلم عن أنس:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رخَّص لهما في قميص الحرير في سفر من حِكَّة كانت بهما»
(3)
، وما ثبت في حقِّ صحابيٍّ؛ ثبت في حقِّ غيره ما لم يقم دليل على اختصاصه به، وقسنا على المنصوص
(4)
ممَّا ينفع فيه لُبس الحرير.
ووهم في «الشَّرح» ؛ فأورد الرُّخصة في القمل فقط.
وعنه: لا يباح؛ لعموم الخبر، والرُّخصة يحتمل أن تكون خاصَّةً بهما.
وعلى الأوَّل: لا بدَّ وأن يؤثِّر في زوالها.
(أَوْ فِي الْحَرْبِ) المباح لغير حاجة روايتان:
إحداهما: الإباحة، وهي ظاهر كلام الإمام في رواية الأثرم
(5)
، وهو قول
(1)
قوله: (وتمليكه) سقط من (أ).
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 146، الفروع 2/ 81.
(3)
أخرجه البخاري (2920) واللفظ الآخر في البخاري (2919)، ومسلم (2076). دون قوله:(في سفر)، فلمسلم وحده.
(4)
في (أ): النصوص.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 188، المغني 1/ 422.
عطاء وعروة، وكان له يلمق
(1)
من ديباج بطانته
(2)
من سُندُس محشُوٍّ قَزًّا يلبسه في
(3)
الحرب، ولأنَّ المنع من لُبسه لما فيه من الخُيَلاء، وذلك غير مذموم في الحرب.
ومحلُّه: عند مفاجأة العدوِّ. وقيل: عند القتال. وقيل: في دار الحرب. وعنه: مع نكاية العدوِّ.
والثَّانية: التَّحريم؛ للعموم، ونصرَه
(4)
في «التَّحقيق» ، لكن إذا احتاج إليه مثل أن يكون بطانة لبيضة أو درع أو نحوه؛ أبيح.
وقال بعض أصحابنا: يجوز مثل ذلك من الذَّهب
(5)
؛ كدرع مموَّه به لا يستغني عن لُبسه، وهو محتاج إليه.
فرع: المذهب أنَّه يباح الحرير لحاجةِ بَرْد أو حرٍّ ونحوه لعدم، وذكر ابن تميم: أنَّه من احتاج إلى لُبس الحرير لحرٍّ أو برد أو تحصُّنٍ
(6)
من عدوٍّ ونحوه؛ أبيح.
(أَوْ أَلْبَسَهُ الصَّبِيَّ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يحرم على وليِّه إلباسُه حريرًا أو ذهبًا، نَصَّ عليه في رواية الجماعة
(7)
، وصحَّحه في «الشَّرح»؛ لقوله عليه السلام:«وحُرِّمَ على ذكورِها»
(8)
،
(1)
أي: كان لعروة يلمق من ديباج. ينظر: المغني 1/ 422. واليلمق: القباء، فارسي معرب. ينظر: الصحاح 4/ 1571.
(2)
في (أ): ببطانة.
(3)
زيد في (ب): دار.
(4)
في (و): ونصه.
(5)
في (و): الأصل.
(6)
في (أ): لحصن.
(7)
ينظر: مسائل حرب - النكاح 2/ 855، الروايتين والوجهين 3/ 137.
(8)
سبق تخريجه 2/ 82 حاشية (6).
وعن جابر قال: «كنَّا ننزعه عن الغلمان، ونتركه على الجواري» رواه أبو داود
(1)
، و «شقَّق عمر وابن مسعود وحذيفة قمص الحرير على الصِّبيان» رواه الخلاَّل
(2)
.
ويتعلَّق التَّحريم بالمكلَّفين بتمكينهم من الحرام؛ كتمكينهم من شرب الخمر، وكونهم محلًّا للزِّينة مع تحريم الاستمتاع بهم؛ أبلغ في التَّحريم.
فعلى هذا: لو صلَّى فيه؛ لم تصحَّ
(3)
على المذهب.
والثَّانية: يباح؛ لعدم تكليفه، قال سعيد: ثنا هشيم، عن العوَّام، عن إبراهيم التَّيمي قال:«كانوا يرخِّصون للصَّبيِّ في خاتم الذَّهب، فإذا بلغ ألقاه»
(4)
.
(وَيُبَاحُ حَشْوُ الْجِبَابِ وَالْفُرُشِ) بضم الرَّاء جمع فِراش، وقد يُسكَّن
(5)
،
(1)
أخرجه أبو داود (4059)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (6727)، وإسناده صحيح.
(2)
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (24657)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (6683)، عن إبراهيم بن سعد قال:«دخل عبد الرحمن بن عوف ومعه ابن له على عمر، عليه قميص حرير، فشق القميص» ، وإسناده صحيح.
وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الكبير (8786)، والبيهقي في الشعب (5688)، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنت جالسًا مع عبد الله بن مسعود، فأتاه ابن له صغير قد ألبسته أمه قميصًا من حرير وهو معجب به، فقال:«يا بُني من ألبسك هذا؟ اُدنه» ، فدنا منه فشقه، ثم قال:«اذهب إلى أمك فلتلبسك ثوبًا غيره» ، ورجاله رجال الشيخين، وله طريق أخرى فيه ضعف عند ابن أبي شيبة (24655).
وأثر حذيفة رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (24656)، وأبو يوسف في الآثار (1015)، عن سعيد بن جبير قال:«قدم حذيفة بن اليمان من سفر، وقد كُسي ولده الحرير، فنزع منه ما كان على ذكور ولده، وترك منه ما كان على بناته» ، وإسناده صحيح.
(3)
في (د) و (و): يصح.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (25155)، ومسدد كما في المطالب العالية (2277)، قال ابن مفلح في الفروع (2/ 71) بعد ذكره الأثر:(هشيم مدلس)، وقد عنعنه.
(5)
في (د) و (و): تسكن.
(بِهِ)؛ لأنَّه لا خُيَلاء فيه.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَحْرُمَ)، وذكره ابن عَقيل روايةً؛ كبِطانة، وللعموم.
وفي تحريم كتابة المهر فيه؛ وجهان.
(وَيُبَاحُ الْعَلَمُ) بفتح اللاَّم (الْحَرِيرُ) وهو طراز الثَّوب (إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ) مضمومةً (فَمَا دُونُ)؛ أي: فأقلُّ، نَصَّ عليه
(1)
، وقدَّمه غير واحد؛ لما روى عمر:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لُبس الحرير إلاَّ موضع أصبعين أو ثلاثةً أو أربعةً» رواه مسلم
(2)
.
وفي «الوجيز» : دونها، وفي «الرِّعاية» وغيرها: قدر كفٍّ عرضًا.
فلو لبِس أثوابًا في كلِّ واحد قدرُ ما يُعفى عنه، ولو جُمع صار ثوبًا؛ فقيل: لا بأس. وقيل: يكره.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مُذَهَّبًا)، واختاره المجْدُ وحفيدُه
(3)
، وهو روايةٌ؛ لما روى مُعاوِيةُ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لُبْس الذَّهب إلاَّ مُقطَّعًا» رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن
(4)
، ولأنَّه يسيرٌ أشبه الحرير ويسير الفضَّة.
والمذهب: أنَّه يحرم يسير ذهب تبعًا، نَصَّ عليه
(5)
؛ كالمفرد.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 146، مسائل حرب - النكاح 2/ 856.
(2)
أخرجه مسلم (2069).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 82.
(4)
أخرجه أحمد (16844)، وأبو داود (4239)، والنسائي (5150)، من طريق أبي قلابة عن معاوية، قال أبو داود:(أبو قلابة لم يلق معاوية)، وأخرجه أحمد (16833 - 16864)، والنسائي (5151)، من طريق قتادة، عن أبي شيخ الهُنائي عن معاوية، وأبو شيخ الهنائي اسمه حيوان بن خالد، وقيل: خيوان، قال ابن سعد والعجلي:(ثقة)، وكذا قال ابن حجر في التقريب والذهبي في الكاشف، وقع في الحديث اختلاف، وأعله أبو حاتم بعلة خفية. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 316، الكاشف للذهبي 2/ 434، تهذيب التهذيب 12/ 129، صحيح أبي داود 6/ 46.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 73.
مسألة: يجوز بيعُ حريرٍ لِكافرٍ، ولُبسه له؛ قاله الشيخ تقي الدين
(1)
، وظاهر كلام أحمد والأصحاب التَّحريم كما هو ظاهر الأخبار، وجزم به في «شرح مسلم» ، وقال عن خلافه: (قد يتوهَّمه متوهِّمٌ، وهو وهَم باطلٌ، وليس في الخبر أنَّه أذِن له في لُبسها، وقد بعث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى عليٍّ وأسامةَ كما بعث إلى عمرَ
(2)
، ولم يلزم منه إباحةُ لُبسه)
(3)
، وهو مبنيٌّ على مخاطبتهم بفروع الإسلام، وفائدتها: زيادة العقاب في الآخرة.
(وَكَذَلِكَ) تُباح
(4)
(الرِّقَاعُ) وهو جمع رُقعة، وهي الخِرقة المعروفة، (وَلَبِنَةُ) بفتح اللاَّم وكسر الباء، (الْجَيْبِ)، قال صاحب «المطالِع»:(جَيب القميص: طَوقه الذي يخرج منه الرأس)
(5)
، فعلى هذا؛ لبنته: الزِّيق، (وَسُجفُ) جمع سجاف، بضم السِّين مع ضمِّ الجيم وسكونها، (الْفِرَاءِ) بكسر الفاء ممدودًا، واحده
(6)
: فَرْو بغير هاء، قاله الجوهري، وأثبتها ابن فارس
(7)
؛ لأنَّ ذلك كله مساوٍ للعلَم، وكذا حكم الخياطة به، والأزرار.
(وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الْمُزَعْفَرِ)، نقله الأكثرُ
(8)
، وهو مذهب ابن عمر وغيره
(9)
؛
(1)
قوله: (قاله الشيخ تقي الدين) سقط من (أ) و (د). وينظر: الفروع 2/ 73.
(2)
أخرجه مسلم (2068)، وأحمد (6339) ولفظه:«أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء، فبعث إلى عمر بحلة، وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب حلة» .
(3)
ينظر: شرح مسلم 14/ 39.
(4)
في (و): يباح.
(5)
ينظر: مطالع الأنوار 2/ 178.
(6)
في (ب): واحدها.
(7)
ينظر: الصحاح 6/ 2453، مجمل اللغة ص 719.
(8)
ينظر: مسائل صالح 2/ 20، مسائل حرب - الطهارة ص 304.
(9)
هكذا في جميع النسخ الخطية، وهو مخالف لما في الفروع، حيث جعل ما نقله الأكثر ومذهب ابن عمر وغيره: أنه لا يكره، قال 2/ 77:(نقل صالح: ويكره للرجل لبس المزعفر، والمعصفر، والأحمر المصمت، وقيل: لا، ونقله الأكثر في المزعفر، وهو مذهب ابن عمر وغيره)، وهو موافق لما في شرح العمدة لشيخ الإسلام 2/ 390، فإنه جعل قول أكثر الأصحاب أنه لا يكره المزعفر، ثم ذكر ما نقله صالح من الكراهة وذكر أنها قول أبي الخطاب وابن قدامة، ثم قال:(والأول - أي عدم الكراهة - هو الصحيح؛ لما روي عن ابن عمر أنه كان يصبغ بالصفرة، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها. متفق عليه).
وصبغ ابن عمر رضي الله عنهما بالصفرة: أخرجه البخاري (166)، ومسلم (1187)، ولم نقف على ما يدل على أنه كان يكره المزعفر، بل الثابت والمنقول عنه خلافه، فقد أخرج مالك (2/ 991)، عن نافع:«أن عبد الله بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق، والمصبوغ بالزعفران» .
«لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى الرِّجالَ عن المزعفَر» متفق عليه
(1)
.
وذكر الآجري
(2)
والقاضي تحريمَه عليه.
وقيل: يُعِيد من صلَّى به أو بمعصفَر، اختاره أبو بكر.
وقدَّم جماعةٌ: لا يُكرَه، نَصَّ عليه
(3)
. وقيل: في غير الصَّلاة.
(وَالْمُعَصْفَرِ)؛ لما رَوى عليٌّ: «قال نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، وعن لُبس المعصفَر» رواه مسلمٌ، وله أيضًا: «إنَّ هذه من ثِياب الكفَّار، فلا تَلبسْهما
(4)
»
(5)
.
ويُستثنى منه: إلاَّ في الإحرام؛ فإنَّه لا يُكرَه، نَصَّ عليه
(6)
.
وظاهره: أنَّه يباح للنِّساء؛ لتخصيص الرَّجل بالنَّهي.
(1)
أخرجه البخاري (5846)، ومسلم (2101)، من حديث أنس رضي الله عنه ولفظه:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل» .
(2)
في (د): الأَزَجيُّ. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 77، والإنصاف 3/ 271.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 77، مختصر ابن تميم 2/ 88.
(4)
في (أ) و (ب): تلبسها.
(5)
أخرجه مسلم (2078)، واللفظ الآخر (2077) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين، فقال:«إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها» .
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 152.
قلت: ويَلتَحِق بما ذكره: الأحمرُ المصْمَتُ، نَصَّ عليه
(1)
.
واختار في «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه لا بأسَ به. والمذهبُ: يُكره.
ونقل المَرُّوذِيُّ: يُكره للمرأة كراهةً شديدةً لغير
(2)
زِينةٍ
(3)
.
وكذا طَيْلسانٌ في وجه، وجلدٌ مختلَفٌ في نجاسته، وافتراشه في الأشهر، ومشيه في نعل واحدة بلا حاجة.
وعُلم منه: أنه يباح الأبيض والأصفر والأخضر، وكذا الأسود؛ «لأنَّه عليه السلام دخل مكَّة عام الفتح وعليه عمامة سوداء»
(4)
.
وعنه: يُكره الأسود للجند
(5)
.
وقيل: في غير حرب.
ونقل المرُّوذيُّ فيمن ترك ثيابًا سُودًا: يُحرِقها الوصيُّ
(6)
؛ لأنَّها لباسُ الجند أصحاب السُّلطان والظَّلمةِ.
تذنيب: يُستحبُّ التَّواضُع في اللِّباس؛ لما روى أحمد عن عبد الرحمن بن مَهدِيٍّ، عن زهير بن محمَّد، عن صالح بن كَيسان، عن عبد الله بن أبي أمامة، عن أبيه مرفوعًا:«البَذاذةُ من الإيمان» رجاله ثقات
(7)
، قال أحمد في رواية الجماعة:(هو التَّواضُع في اللِّباس)
(8)
.
(1)
ينظر: الورع ص 186.
(2)
في (د): كغير.
(3)
ينظر: الورع ص 184.
(4)
أخرجه مسلم (1358) من حديث جابر رضي الله عنه.
(5)
في (أ): وللجند.
(6)
ينظر: شرح العمدة 2/ 395.
(7)
أخرجه أحمد (24009/ 58)، وأبو داود (4161)، وابن ماجه (4118)، ووقع اختلاف في سنده ولأجله ضعفه ابن عبد البر، وحسنه العراقي وصححه ابن حجر والألباني. ينظر: التمهيد 24/ 12، الفتح 10/ 368، الصحيحة (341).
(8)
ينظر: الفروع 1/ 150.
ونقل المرُّوذي
(1)
: يكره الرَّقيق للحيِّ، ولا بأس بغسله من العرق والوسخ، نَصَّ عليه، و «كان ابن مسعود يعجبه إذا قام إلى الصَّلاة الرِّيحُ الطَّيبةُ والثِّيابُ النَّقِيَّةُ»
(2)
.
وقال غير واحد: يُباحُ المورَّد والممسَّك.
ويحرم
(3)
للرجل أن يلبس ثياب المرأة،
(1)
ينظر: الورع ص 178.
(2)
أخرجه الآجري في فضل قيام الليل (37)، عن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود رضي الله عنه، وروايته عنه مرسلة، والراوي عنه يقال له: أبو عيسى، لم نعرف من هو.
وأخرجه أبو داود في المراسيل (29)، عن عون بن عبد الله، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مرسلاً.
(3)
هكذا في الأصل، وكتب فوقها:(ويكره)، وفي (أ) و (ب): ويكره.
والذي في الفروع والإقناع والمنتهى: تحريم تشبه الرجل بالمرأة، في لباس أو غيره، قال في الفروع 2/ 85:(ويحرم تشبه رجل بامرأة وعكسه، في لباس وغيره، واحتج أحمد بلعن فاعل ذلك، وفي المستوعب وغيره: يكره، وقد كره أحمد أن يصير للمرأة مثل ثوب الرجال، ويأتي في زكاة الأثمان).
وقال في زكاة الأثمان 4/ 163: (وهذه المسألة، وهي تشبه الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل في اللباس وغيره يحرم، وفاقًا لأكثر الشافعية، قال المروذي: كنت عند أبي عبد الله، فمرت به جارية عليها قباء، فتكلم بشيء، فقلت: تكرهه؟ قال: كيف لا؟! أكرهه جدًّا، لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال. قال: وكره - يعني أحمد - أن يصير للمرأة مثل جيب الرجال، وجزم به الشيخ، وجزم به الأصحاب؛ صاحب الفصول والنهاية والمغني والمحرر وغيرهم في لبس المرأة العمامة، وكذا قال القاضي: يجب إنكار تشبه الرجال بالنساء وعكسه، واحتج بما نقله أبو داود: لا يلبس خادمته شيئًا من زي الرجال، لا يشبهها بهم، ونقل المروذي: لا يخاط لها ما كان للرجل وعكسه. وفي المستوعب والتلخيص وابن تميم: يكره، وقدمه في الرعاية "وه"، مع جزمهم بتحريم اتخاذ أحدهما حلي الآخر ليلبسه، مع أنه داخل في المسألة).
ولكن فرق في الغاية بين التشبه، وبين لبس الرجل لباس المرأة فيكره إلا إن كان معه تشبه فيحرم، قال في مطالب أولي النهى 1/ 350:("حرم تشبه أنثى برجل، كعكسه" أي: كما يحرم تشبه رجل بامرأة "في لباس وغيره" .... "وكره لرجل لبس ثياب المرأة، وعكسه" أي: يكره للمرأة لبس ثياب الرجل "نصًّا"، إذا لم يكن فيه تشبه، وأما معه فيحرم).
والعكس، نَصَّ عليه
(1)
، كالزِّيق العريض للرَّجل.
واختلفت
(2)
عنه في كراهته للنِّساء، قال القاضي: إنَّما كرهه أحمد لإفضائه إلى الشُّهرة.
(1)
ينظر: الورع ص 1/ 181، مسائل أبي داود ص 351.
(2)
في (أ) و (ب): واختلف.
(فَصْلٌ)
يسنُّ الرِّداء، وقيل: يباح، كَفَتْل طَرَفِه، نَصَّ عليه
(1)
.
ويسنُّ إرخاء ذُؤابة خلفَه، نَصَّ عليه
(2)
، وإطالتُها كثيرًا من الإسبال، قاله الشَّيخ تقِيُّ الدِّين
(3)
، وإن أرخَى طرفها
(4)
بين كتفيه فحسن، قاله الآجُرِّيُّ
(5)
.
وتُسنُّ السَّراويل، وفي «التَّلخيص»: لا
(6)
بأس، قال صاحب «النَّظم»:(وفي معناه التُّبَّان)، وجزم بعضهم بإباحته، والأول أظهر، قال أحمد:(السَّراويل أستر من الإزار، ولباس القوم كان الإزار)
(7)
، فدلَّ على أنَّه لا يجمع بينهما.
ويستحبُّ القميص، قاله القاضي، ويباح القَباء، قال صاحب «النَّظم»: ولو للنِّساء، (والمراد: ولا تشبُّه) قاله في «الفروع» .
وظاهر كلامهم: لا فرق بين الجديد والعتيق، قال عبد الله بن محمَّد الأنصاري
(8)
: (ينبغي للفقيه أن يكون له ثلاثةُ أشياءَ جديدة: سراويلُه، ومَداسُه، وخِرقَةٌ يصلِّي عليها).
(1)
ينظر: مسائل حرب- النكاح 2/ 866.
(2)
من رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث. ينظر: شرح العمدة 1/ 236.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 79.
(4)
في (د): طرفيها.
(5)
في (و): الأحمدي.
(6)
في (و): ولا.
(7)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 147، الفروع 2/ 80.
(8)
هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري، الهروي، شيخ الإسلام، كان شديدًا على الأشعرية، من مصنفاته: ذم الكلام، الفاروق، منازل السائرين، وغيرها. توفي سنة 481 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 247، ذيل الطبقات 1/ 113.
ويجدِّد عمامته كيف شاء.
فرع: ما حرُم استعمالُه؛ حرُم بيعُه وخياطتُه، وكذا أجرتُها، نَصَّ عليه
(1)
.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 146، الفروع 2/ 81.
(بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ)
وهو الشَّرط الرَّابع؛ لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدَّثِّر: 4]، قال ابن سيرين وابن زيد: (أمر بتطهير الثِّياب من النَّجاسة التي لا تجوز
(1)
الصَّلاة معها، وذلك لأنَّ المشركين كانوا لا يتطهَّرون، ولا يطهِّرون ثيابهم)
(2)
. وهذا أظهر الأقوال فيها، وهو حمل اللَّفظ على حقيقته، وهو أولى من المجاز، فيكون شرطًا بمكَّة، لكن صحَّ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي قبل الهجرة في ظلِّ الكعبة، فانبعث أشقى القوم فجاء بسَلا جَزور بني فلان ودمِها وفَرْثها، فطرحه بين كتفيه وهو ساجد حتَّى أزالته فاطمة» رواه البخاري من حديث ابن مسعود.
(3)
قال
(4)
المجْدُ: لا نسلِّم أنَّه أتى بدمها، ثمَّ الظَّاهر أنَّه منسوخ؛ لأنَّه كان بمكَّة قبل ظهور الإسلام، ولعلَّ الخَمسَ لم تكن فُرضت، والأمر بتجنُّب النَّجاسة مدَنيٌّ متأخِّرٌ، بدليل خبر النَّعلين
(5)
،
(1)
في (أ) و (د) و (و): يجوز.
(2)
ينظر: تفسير الطبري 23/ 409.
(3)
أخرجه البخاري (240)، ومسلم (1794).
وكتب على هامش (و): (وعلى هذا؛ لا يصح الاستدلال بالآية؛ لأنها نزلت بمكة بعد سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العَلق: 1].
(4)
في (د): وقال.
(5)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف، قال: «لم خلعتم نعالكم؟» فقالوا: يا رسول الله، رأيناك خلعت فخلعنا، قال:«إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثًا، فإذا جاء أحدكم المسجد، فليقلب نعله، فلينظر فيها، فإن رأى بها خبثًا فليمسه بالأرض، ثم ليصل فيهما» .
أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، وابن خزيمة (1017)، وابن حبان (2185)، واختلف في وصله وإرساله، ورجح أبو حاتم الموصول، قال النووي:(إسناده صحيح)، وصححه ابن كثير، والألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 225، الخلاصة 1/ 319، تحفة الطالب لابن كثير ص 111، صحيح أبي داود 3/ 220.
وصاحب القبرَين
(1)
، والأعرابيِّ الذي بال في طائفة المسجد
(2)
، وحديثِ جابر بن سَمُرة:«أنَّ رجلاً سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: أُصلِّي في الثَّوب الذي آتي فيه أهلي؟ قال: نعم، إلاَّ أن ترى فيه شيئًا فتَغسله» رواه أحمد وابن ماجه، وإسنادُه ثقاتٌ
(3)
، إلى غير ذلك من الأحاديث، فثبت بها أنَّه مأمورٌ باجتنابها، ولا يجب ذلك في غير الصَّلاة، فتعيَّن أن يكون فيها، والأمر بالشيء نهي عن ضدِّه.
وعنه: ليس بشرط؛ للخبر السَّابق.
وعلى الأوَّل: فطهارة بدن المصلِّي، وسترتِه، وبقعتِه - محلِّ بدنه -
(4)
، والمذهب: وثيابه ممَّا لا يُعفَى عنه
(5)
؛ شرطٌ كطهارة الحدث.
فائدة: طهارةُ الحدث فُرضت قبل التَّيمُّم، ذكره القاضي وجماعة في
(1)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال:«إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة» ، أخرجه البخاري (218)، ومسلم (292).
(2)
أخرجه البخاري (219)، ومسلم (284) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أحمد (20825)، وابن ماجه (542)، وابن حبان (2333)، من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر به مرفوعًا، ورواه جماعة عن عبد الملك بن عمير موقوفًا، منهم أسباط بن محمد كما عند ابن أبي شيبة (8407)، وأبو عوانة كما عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (301)، ورجح وقفه أحمد وأبو حاتم والدارقطني وغيرهم. ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 506، علل الدارقطني 13/ 411، فتح الباري لابن رجب 2/ 344.
(4)
بياض في (أ) بمقدار كلمة.
(5)
كتب على هامش (و): (قوله: "لا يعفى عنه" أي: منه الذي لا يعفى عنه، ومتعلق الجار والمجرور الطهارة و (طهارة): مبتدأٌ خبره: شرطٌ).
قياس الوضوء على التَّيمُّم في النِّيَّة مع تقدُّمه عليه
(1)
.
وفي «الصَّحيحَين» : أنَّ عائشة قالت: «أُنزلت آية التَّيمُّم» ، قيل: هي
(2)
آية المائدة أو سورة النِّساء.
وقال أبو بكر بن العربيِّ: (لا نعلم أيَّة آية
(3)
عَنَتْ عائشة بقولها: «فأُنزلت آية التَّيمُّم» )، قال:(وحديثُها يدلُّ على أنَّ التَّيمُّم قبل ذلك لم يكن معروفًا ولا مفعولاً لهم)
(4)
.
وقال القُرْطُبيُّ: (معلومٌ أنَّ غُسل الجنابة لم يُفرَض قبل الوضوء، كما أنَّه معلومٌ عند جميع أهل السِّيَر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم منذُ افترِضت
(5)
عليه الصَّلاة بمكَّة؛ لم يصلِّ إلاَّ بوضوءٍ مثل وضوئنا اليوم)، قال: (فدلَّ أنَّ آيةَ الوضوء إنَّما نزلت
(6)
ليكون فرضُها المتقدِّمُ مَتْلُوًّا في التَّنزيل، وفي قولها:«فنزلت آيةُ التَّيمُّم» ، ولم تقل
(7)
آية الوضوء، ما يبيِّن أنَّ الذي طرأ لهم من العلم في ذلك الوقت حكم التَّيمُّم لا حكم الوضوء)
(8)
.
(فَمَتَى لَاقَى بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، أَوْ حَمَلَهَا)، زاد في «المحرَّر»: أو حمل ما يُلاقيها؛ (لَمْ تَصِحَّ
(9)
صَلَاتُهُ)، أقول: متى باشرها بشيء من بدنه أو ثوبه؛ لم تصحَّ
(10)
، ذكره مُعظَم الأصحاب، وفي
(1)
قوله: (عليه) سقط من (أ) و (ب).
(2)
بياض في (أ) بمقدار كلمة.
(3)
بياض في (أ) بمقدار كلمة.
(4)
ينظر: أحكام القرآن 1/ 562.
(5)
في (أ) و (د): فرضت.
(6)
في (أ): أنزلت.
(7)
في (و): يقل.
(8)
ينظر: تفسير القرطبي 5/ 233.
(9)
في (و): يصح.
(10)
في (و): يصح.
«التَّلخيص» : أنَّه الأظهر، وزاد: إلاَّ أن يكون يسيرًا، وذكر ابن عَقيل في سُترته المنفصِلة عن ذاته
(1)
إذا وقعت حال سجوده على نجاسة: أنَّها لا تبطل.
فإن كان ثوبه يمسُّ شيئًا نجِسًا؛ كثوب من يصلِّي إلى جانبه، وحائط لا يستَنِد إليه؛ صحَّت، قاله ابن عَقيل، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأنَّه ليس بموضع لصلاته، ولا محمولاً فيها.
واختار السَّامَرِّيُّ والمجْدُ وجماعةٌ: أنَّها تبطل؛ لأنَّ سُترته ملاقِيَةٌ لنجاسة، أشبه ما لو وقعت عليه
(2)
، فلو استند إليها حال قيامه أو ركوعه أو سجوده؛ بطلت.
وظاهره: أنَّه لو قابلها حال ركوعه أو سجوده من غير مباشرة؛ أنَّها لا تبطل، ذكره في «الكافي» و «المستوعب» .
وفيه وجه: كما لو باشرها ببعض أعضائه.
فإن كانت بين رجلَيه لم يصبها؛ فالقياس أنَّها كذلك، وذكر السَّامَرِّيُّ وابن حمدان فيها الصِّحَّةَ.
وشرطها: أن تكون النَّجاسة غير معفوٍّ عنها؛ لأنَّ المعفُوَّ عنه لا أثَر له.
وأمَّا إذا حملها؛ لم تصحَّ
(3)
كما لو كانت على بدنه، فلو حمل آجُرَّةً باطنها نجس، أو قارورةً مسدودةَ الرَّأس فيها نجاسة
(4)
؛ لم تصحَّ
(5)
؛ لأنَّه
(1)
في (أ) و (د): رأسه.
(2)
قوله: (عليه) سقطت من (أ) و (د).
(3)
في (د) و (و): لم يصح.
(4)
كتب على هامش (و): عنقود عنب حباته مستحيلة خمرًا، ولو حمل بيضة مذرة؛ لم تصح صلاته، وإليه ميل المجد قياسًا على القارورة بل أولى، وقيل: تصح، جزم في المنور. [ينظر: الإنصاف 3/ 239].
(5)
في (د) و (و): لم يصح.
حاملٌ لنجاسة غير معفُوٍّ عنها في غير معدنها، أشبه حملها في كمِّه.
وكذا حمل مستجمِر، والأصحُّ فيه الصِّحَّة.
وفي حمل بيضة فيها فرْخٌ ميت؛ وجهان.
وعُلم منه: أنَّه إذا حمل طاهرًا؛ طائرًا
(1)
أو غيره أنَّها لا تبطل؛ للخبر
(2)
، ولأنَّ النَّجاسة في معدنها، فهي كالنَّجاسة في بدن المصلِّي.
فرع: إذا جهل كونها في الصَّلاة، أو سقطت عليه فأزالها، أو زالت سريعًا؛ صحَّت في الأصحِّ؛ للخبر
(3)
، ولأنَّه زمن يسير فعُفي عنه؛ كاليسير في القَدْر، وفيه وجه.
(وَإِنْ طَيَّنَ الْأَرْضَ النَّجِسَةَ، أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئًا طَاهِرًا؛ صَحَّتْ صَلَاتُهُ)، جزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأنَّه ليس بحامل للنَّجاسة، ولا مباشِرٍ لها، وكما لو غسل وجه آجُرٍّ نجِسٍ، وكسرير تحته نجس
(4)
، أو علْوٍ سُفلُه غصب، (مَعَ الْكَرَاهَةِ) في ظاهر كلام أحمد
(5)
، وقَدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية» ، وفي «الشَّرح»: أنَّه أَوْلى؛ لاعتماده على النَّجاسة.
وعنه: يعيد، ذكرها الشَّيخان؛ لاعتماده عليها، أشبه ملاقاتها.
وعنه: إن بسط على نجاسة رطبة لم تصحَّ
(6)
، وإلاَّ صحَّت؛ اختاره
(1)
قوله: (طائرًا) سقط من (أ) و (د).
(2)
يشير إلى ما أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه: قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال:«ما حملكم على إلقاء نعالكم» ، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا» .
(3)
وهو حمله لأمامة بنت زينب وهو يصلي، أخرجه البخاري (156)، ومسلم (543).
(4)
قوله: (وكسرير تحته نجس) زيادة من (أ) و (ب) و (و).
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 157.
(6)
في (د) و (و): لم يصح.
ابن أبي موسى؛ للاتِّصال.
وعلى الأوَّل: يُشتَرط أن يكون الحائلُ صفيقًا، فإن كان خفيفًا؛ فالأصحُّ المنعُ.
وحيوان نجس كأرض. وقيل: تصحُّ
(1)
هنا، صحَّحه ابن تميم.
وكذا ما وضع على حرير يحرم جلوسه عليه، ذكره أبو المعالي، فيتوجَّه: إن صحَّ؛ جاز جلوسه عليه، وإلاَّ فلا، ذكره في «الفروع» .
«ورأى ابن عمرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي على حمارٍ وهو متوجِّه إلى خَيْبر» رواه مسلم، قال الدَّارقُطني: هو غَلَط من عمرو بن يحيى المازني، والمعروف صلاته على البعير والرَّاحلة، لكنَّه من فعل أنس
(2)
.
(وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَكَانٍ طَاهِرٍ مِنْ بِسَاطٍ) أو حَبْل (طَرَفُهُ نَجِسٌ) لا يصيبه
(3)
؛ (صَحَّتْ صَلَاتُهُ)، ذكره السَّامَرِّيُّ وغيرُه، وصحَّحه المؤلِّف؛ لأنَّه ليس بحاملٍ للنَّجاسة، ولا مصلٍّ عليها، وإنَّما اتصل مصلاَّه بها، أشبه ما لو
(1)
في (و): لم يصح.
(2)
أخرجه مسلم (700)، وأبو داود (1226) والنسائي في الكبرى (821) من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن سعيد بن يسار، عن ابن عمر رضي الله عنه، قال النسائي:(لم يتابع عمرو بن يحيى على قوله: "يصلي على حمار"، إنما يقولون يصلي على راحلته)، وقد استنكر العلماء هذا اللفظ مع صحة المعنى، قال ابن عبد البر:(وهذا إنما أنكر العلماء منه اللفظ دون المعنى، ولا خلاف بين الفقهاء في جواز صلاة النافلة على الدابة حيث توجهت براكبها في السفر)، ومال النووي والألباني إلى ثبوتها. ينظر: السنن الكبرى للنسائي (821)، الاستذكار 2/ 255، شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 211، صحيح أبي داود 4/ 386.
أما فعل أنس رضي الله عنه: فقد أخرجه مسلم (702)، عن أنس بن سيرين، قال: تلقينا أنس بن مالك حين قدم الشام، فتلقيناه بعين التمر، فرأيته يصلي على حمار ووجهه ذاك الجانب - وأومأ همام عن يسار القبلة -، فقلت له: رأيتك تصلي لغير القبلة، قال:«لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله لم أفعله» .
(3)
في (أ): يصِيبُه.
صلَّى على أرض طاهرة متَّصلة بأرض نجِسة، وظاهره: ولو حاذاها بصدره إذا سجد في الأصحِّ.
والثَّاني: المنعُ؛ لأنَّها في حريم مصلاَّه، والهواء تابع للقرار، أشبه الصَّلاة على سقف الحُشِّ.
وظاهره: ولو تحرَّك النجِس بحركته، وهو المذهب.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا
(1)
بِهِ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَه إِذَا مَشَى، فَلَا تَصِحُّ)، جزم به في «الوجيز» و «الفروع» وغيرها؛ لأنَّه مستتبع لها، فهو كحاملها.
فإن كان بيده أو وسطه حبل مشدود في نجس، أو سفينة صغيرة فيها نجاسة تنجرُّ
(2)
معه إذا مشى؛ لم تصحَّ
(3)
؛ كحمله ما يلاقيها، وإلاَّ صحت؛ لأنَّه ليس بمستتبعٍ
(4)
لها، ذكره السَّامَرِّيُّ، وجزم به في «الفصول» ، واختاره المؤلِّف، كما لو أمسك غصنًا من شجرةٍ عليها نجاسةٌ
(5)
.
وقيل: لا تصحُّ
(6)
، جزم به في «التَّلخيص» ، وقاله القاضي؛ لأنَّه حامل لما
(7)
هو ملاق للنَّجاسة.
قال المجْدُ: إن كان الشدُّ في موضع نجس ممَّا لا يمكن جرُّه معه كفِيلٍ؛ لم تصحَّ
(8)
؛ كحمله ما يلاقيها.
(1)
في (أ): معلقًا.
(2)
في (أ) و (د) و (و): ينجر.
(3)
في (أ) و (د) و (و): لم يصح.
(4)
في (أ): مستتبعًا.
(5)
كتب على هامش (و): (قال في الفروع: "وظاهر كلامهم: أن ما لا ينجر تصح الصَّلاة لو انجر، قال: ولعل المراد خلافه)، وعبارة الفروع 2/ 103:(وظاهر كلامهم: أن ما لا ينجس يصح لو انجر، ولعل المراد خلافه، وهو أولى).
(6)
في (و): يصح.
(7)
في (د) و (و): ما.
(8)
في (أ) و (د) و (و): يصح.
قال في «الشَّرح» : (والأوَّلُ أَوْلى؛ لأنَّه لا يقدر على استِتْباع الملاقي للنَّجاسة، أشبه
(1)
ما لو أمسك سفينة عظيمة فيها نجاسة).
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه مثلها: حبل بيده طرفُه على نجاسة يابسة). ومقتضى كلام المؤلِّف الصِّحَّة.
وكذا حكم ما لو سقط طرف ثوبه على نجاسة
(2)
، ذكره ابن تميم.
فرع: إذا داس النَّجاسة عمدًا في الأشهر بطَلت، وإن داسَها مركوبه فلا.
قال ابن حمدان: بلى إن أمكن ردُّه عنها ولم يردَّها.
تنبيه: إذا شرب خمرًا ولم يَسكر؛ غسل فمَه وصلَّى، ولم يلزمه قَيءٌ، نَصَّ عليه
(3)
، وقيل: بلى يلزمه؛ لإمكان إزالتها.
وقد رَوى
(4)
أحمد وغيره من حديث ابن عمر مرفوعًا: «لم يقبلِ اللهُ له صلاةً أربعينَ يومًا»
(5)
، فالمرادُ
(6)
: نفيُ ثوابها لا صحَّتها، قاله المجد.
وحكم سائر النَّجاسات كذلك، لأنَّها حصلت في معدتها
(7)
.
(1)
في (و): اشتبه.
(2)
في (و): نجاسته.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 103.
(4)
في (د): روي عن.
(5)
أخرجه أحمد (4917) من طريق عطاء بن السائب، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:«من شرب الخمر لم تقبل له صلاته أربعين ليلة» ، وعطاء بن السائب صدوق اختلط، وهو هنا من رواية معمر بن راشد عنه، وهو قد سمع منه بعد الاختلاط.
وأخرجه أحمد (6644) مطولاً من طريق ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن الديلمي، قال: دخلت على عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وفيه:«أنه من شرب شربة خمر لم يقبل الله له توبة أربعين صباحًا» ، وأخرجه مختصرًا النسائي (5664)، والحاكم (7232) وحسنه الألباني. ينظر: الصحيحة (1854).
(6)
في (أ): والمراد.
(7)
في (ب) و (و): معدنها.
(وَمَتَى وَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ هَلْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا؛ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ
(1)
؛ لأنَّ الأصل عدم كونها في الصَّلاة؛ لاحتمال حدوثها بعدها، فلا نبطلها
(2)
بالشَّكِّ.
(وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهَا، لَكِنَّهُ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وكذا في «المحرَّر»:
إحداهما: لا تبطل
(3)
، اختاره المؤلِّف
(4)
، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه ابن تميم والجَدُّ، وقاله جماعةٌ، منهم ابن عمر
(5)
؛ لحديث أبي سعيد في خَلْع النَّعلين
(6)
، ولو بطلت لاستأنفها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.
والثَّانية
(7)
: تبطل، وهي الأشهر، فعلى هذا يعيد؛ لأنَّها طهارة مشترَطة، فلم تسقط
(8)
بالجهل؛ كطهارة الحدث.
(1)
كتب على هامش (و): وذكر في التبصرة وجهًا: أنها تبطل.
(2)
في (أ) و (ب): فلا تبطل.
(3)
في (د) و (و): يبطل.
(4)
في هامش (و): (والشيخ تقي الدين، والمجد، وصححه ابن المنجى). ينظر: الإنصاف 3/ 290.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (7286)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان إذا كان في الصلاة فرأى في ثوبه دمًا، فإن استطاع أن يضعه وضعه، وإن لم يستطع أن يضعه؛ خرج فغسله، ثم جاء فبنى على ما كان صلى» ، وأخرجه محمد بن الحسن في موطئه (36)، والشافعي في الأم (7/ 261)، وأبو عبيد في الطهور (415)، والبيهقي في المعرفة (4161)، من طرق عن نافع، عن ابن عمر. وأخرجه عبد الرزاق (3701)، والشافعي في الأم (7/ 261)، وابن المنذر في الأوسط (713)، والبيهقي في الكبرى (4090)، من طريق سالم، عن ابن عمر بنحوه، وأسانيده صحاح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 57).
(6)
سبق تخريجه 2/ 97 حاشية (5).
(7)
زيد في (د): وهي المذهب.
(8)
في (و): يسقط.
وأجيب: بأنَّ طهارة الحدث آكَدُ؛ لكونها
(1)
لا يُعفى عن يسيرها.
وقال القاضي وابن عَقيل: يعيد مع النِّسيان روايةً واحدةً
(2)
، وقطع به في «التَّلخيص» ، وكذا قال الآمِدِيُّ: يعيد إذا كان قد توانى روايةً واحدةً؛ لأنَّه منسوب إلى التَّفريط بخلاف الجاهل.
وفي «المغني» : (الصَّحيح التَّسوية بينهما؛ لأنَّ ما عُذر فيه بالجهل عُذر فيه بالنِّسيان، بل أولى؛ لورود النَّصِّ بالعفو عنه).
وكذا الخلاف إن عجز عنها حتَّى فرغ
(3)
، قال أبو المعالي: أو زاد مرضه بتحريكه، وفي «الرِّعاية»: أو جهل حكمها.
تنبيه: إذا عَلِم بالنَّجاسة في أثناء الصَّلاة، وأمكن إزالتها من غير عمل كثير، ولا زمن طويل؛ فالحكم كما لو علم بعد الصَّلاة، فإن قلنا: لا تبطل؛ أزالها
(4)
وبنى، وقال ابن عقيل: تبطل روايةً واحدةً.
وإن لم يمكن
(5)
إزالتها إلاَّ بعمل كثير، أو مضى زمن طويل؛ بطلت. وقيل: لا، بل يزيلها ويبني
(6)
.
(1)
في (أ) و (د) و (و): لكونه.
(2)
كتب على هامش (و): (قوله: "وقال القاضي وابن عقيل: يعيد مع النسيان رواية واحدة" قال الشيخ تقي الدين: إنما الروايتان منصوصتان عن أحمد في الجاهل بالنَّجاسة، فأما الناسي فليس عنه في ذلك نص). ينظر: شرح العمدة 2/ 429.
(3)
كتب على هامش (و): (محل الخلاف على القول بأن اجتناب النَّجاسة شرط لا واجب؛ فيصح قولاً واحدًا عند الجمهور).
(4)
في (د): إزالتها.
(5)
في (ب): تمكن.
(6)
كتب على هامش (و): (قال في الإنصاف: "لو علم بها في الصَّلاة: لم تبطل صلاته على الصحيح من المذهب. وقيل: تبطل مطلقًا؛ فعلى المذهب: إن أمكن إزالتها من غير عمل كثير
…
" إلى آخره، ذكره الشارح هنا، وهذه العبارة موضحة لعبارة الشارح هنا؛ لأنه قد يفهم من عبارته عدم التعرض لحكم وجودها في الصَّلاة إلا إذا أمكن إزالتها من غير عمل كثير).
(وَإِذَا جَبَرَ سَاقَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَجَبَرَ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ
(1)
، قدَّمه
(2)
في «الكافي» و «التَّلخيص» ، وصحَّحه ابن تميم والجَدُّ، وجزم به في «الوجيز» .
والمراد بخوف الضَّرر: فوات نفس أو عضو أو مرض؛ لأنَّ حراسة النَّفس وأطرافها من الضَّرر واجب، وهو أهمُّ من رعاية شرط الصَّلاة، ولهذا لا يلزمه شراء سُترة ولا ماء للوضوء بزيادة تجحف بماله، فإذا جاز ترك شرط مجمع عليه لحفظ ماله؛ فترك شرط مختلف فيه لأجل بدنه بطريق الأولى.
وعنه: يلزمه إذا لم يخف التلف، اختاره أبو بكر؛ لأنه غير خائف
(3)
للتَّلف أشبه إذا لم يَخَف الضَّرر.
والأوَّل: أولى.
فإن ستره اللَّحمُ؛ لم يحتج إلى تيمُّم، وإلاَّ تيمَّم له، قاله ابن تميم
(4)
وغيره.
وكذا إذا خاط جرحه بشيء نجس، فإن خاف التَّلف؛ لم يلزمه روايةً واحدةً.
(وَإِنْ لَمْ يَخَفِ) الضَّررَ؛ (لَزِمَهُ قَلْعُهُ)؛ لأنَّه قادر على إزالته من غير ضرر، فلو صلَّى معه لم يصحَّ، فإذا مات من يلزمه قلعه؛ قُلع، وأطلقه جماعة، قال أبو المعالي وغيره: ما لم يغطِّه اللَّحم؛ للمُثلة.
(وَإِنْ سَقَطَتْ سِنُّهُ) أو عضوه، (فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا فَثَبَتَتْ
(5)
؛ فَهِيَ طَاهِرَةَ)
(1)
في (و): الضر.
(2)
في (و): وقدمه.
(3)
قوله: (مختلف فيه لأجل بدنه بطريق الأولى) إلى هنا سقط من (أ).
(4)
زيد في (و): وعليه الجمهور.
(5)
في (و): فنبتت.
على المذهب؛ لأنَّه جزء من جملة، فكان
(1)
حكمه حكمها؛ كسائر الحيوانات الطَّاهرة والنَّجسة.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا نَجِسَةٌ)، اختارها القاضي؛ لأنَّه لا حرمة لها، بدليل أنَّه لا يصلَّى عليها، وقد أُبِينت من حيٍّ، فتكون نجِسةً، (حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَظْمِ النَّجِسِ إِذَا جَبَرَ بِهِ سَاقَهُ)؛ لتساويهما حينئذٍ في أصل النَّجاسة.
وقيل: إن ثبتت
(2)
السِّنُّ وغيرها، ولم يتغيَّر
(3)
؛ فهو طاهر، وإن ثبتت
(4)
وتريَّح أو تغيَّر؛ فهو نجس يؤمر بقلعه، ويعيد ما صلَّى قبل زواله
(5)
.
وظاهره: أنَّه إذا لم يَثبُت
(6)
فإنَّه يزيله ويعيد ما صلَّى به في الأصحِّ، قال في «المستوعب»: أصلهما الرِّوايتان في نجاسته.
فرع: إذا جعل موضع سِنِّه سنَّ شاة مذكاة؛ فصلاته معه مجزئة، ثبتت أو لم تثبت
(7)
.
وصلةٌ: وصل المرأة شعرها، زاد في «الشَّرح»:(أو شعر غيرها) بشعر؛ حرام؛ لأنَّ فاعل ذلك ملعون
(8)
.
وقيل: يكره، قدَّمه في «الرِّعاية» .
ولا بأس بوصله بقرامل، وتركها أفضل.
(1)
في (أ): وكان.
(2)
في (و): نبتت.
(3)
في (ب) و (و): تتغير.
(4)
قوله: (وإن ثبتت) هو في (و): وإن نبتت.
(5)
في هامش (و): قاله ابن أبي موسى.
(6)
في (و): ينبت.
(7)
في (و): نبتت أو لم تنبت. وقوله: (فرع: إذا جعل موضع سنه سن شاة مذكاة، فصلاته معه مجزئة ثبتت أو لم تثبت) سقط من (أ).
(8)
زيد في (ب): فاعله.
وعنه: يكره، رجَّحه
(1)
في «الشَّرح» ، وبعَّده ابن حمدان.
وعنه: يحرم.
والأيِّم وذات
(2)
الزَّوج سواء.
وقيل: لا بأس بإذن زوج، لكن إن كان شعر أجنبية؛ في حلِّ النَّظر إليه وجهان، وإن كان شعر بهيمة؛ كره.
ثمَّ إن كان الشَّعر نجِسًا؛ لم تصحَّ الصَّلاة معه في الأشهر.
وإن كان طاهرًا، أو قلنا بالتَّحريم؛ ففي صحَّة الصَّلاة معه وجهان.
(وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ)، هي بتثليث الباء، لكن بفتحها هو القياس، وبضمِّها المشهور، وبكسرها قليل، والشيء إذا كثر في مكان؛ جاز أن يبنى من اسمه؛ كقولهم: أرض مَسبَعة إذا كثر فيها السباع.
(وَالْحَمَّامِ) مشدَّد، واحد الحمَّامات المبنيَّة.
(والْحشِّ) بفتح الحاء وضمِّها: البستانُ، ويطلق على المخرَج؛ لأنَّهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، وهي الحُشوش، فسمِّيت الأخلية في الحضر حُشوشًا بذلك.
(وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ)، واحدها: عطَن، بفتح الطاء، وهي المعاطن، الواحد: معطِن، بكسرها، (وَهِيَ التِي تُقِيمُ فِيهَا، وَتَأْوِي إِلَيْهَا) قاله أحمد
(3)
، وقيل: مكان اجتماعها إذا صدرت عن المنهل، زاد بعضهم: وما تقف فيه لتَرِد الماء. قال في «المغني» و «الشَّرح» : (والأوَّل أجودُ؛ لأنَّه جعله في مقابلة مُراح الغنم)، لا نزولها في سيرها، قال جماعة: أو لعلفها؛ للنَّهي.
وما ذكره من عدم صحَّة الصَّلاة في هذه المواضع هو المجزوم به في
(1)
في (د) و (و): رجحها.
(2)
في (أ) و (ب): وذوات.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 67.
المذهب، وعليه الأصحاب؛ لما روى أبو سعيد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «جُعِلَتْ لي الأرضُ كلُّها مسجدًا، إلاَّ المقبرةَ والحمَّام» رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذي وصحَّح أنَّه مرسَل، وابن حبَّان والحاكم، وقال:(أسانيده صحيحة)، وقال ابن حزم:(خبرٌ صحيحٌ)
(1)
، وعن سَمُرة بن جندب: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتَّخذوا القبورَ مساجد، فإنِّي أنهاكم عن ذلك» رواه مسلم
(2)
، وعن البراء بن عازب: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلُّوا في مرابِضِ الغنم، ولا تصلُّوا في مبارِكِ الإبل» رواه أحمد وأبو داود، وصحَّحه أحمد وإسحاق، وقال ابن خُزيمة: لم نرَ خلافًا بين علماء الحديث أنَّ هذا الخبر صحيح
(3)
.
والمنع منها تعبُّدٌ
(4)
، فيتناول ما يقع عليه الاسم، وفي آخَرَ: بأنها
(5)
مظنَّة النَّجاسة
(6)
، فأقيمت مقامها.
وظاهره: أنَّ صلاة الجنازة لا تصحُّ في المقبرة كغيرها، وهو إحدى الرِّوايات، قدَّمه في «الرِّعاية» .
وعنه: يُكره، ذكرها السَّامَرِّيُّ.
(1)
أخرجه أحمد (11784)، وأبو داود (492)، والترمذي (317)، وابن حبان (317)، والحاكم (919)، واختلف في وصله وإرساله، ورجح إرساله الترمذي والدارقطني، وقوّاه ابن حزم، وابن دقيق العيد، وقال ابن تيمية:(أسانيده جيدة)، وصححه الألباني. ينظر: علل الدارقطني 11/ 320، المحلى 2/ 346 - 347، مجموع الفتاوى 17/ 502، التلخيص الحبير 1/ 658، صحيح أبي داود 2/ 394.
(2)
أخرجه مسلم (532)، من حديث جندب بن عبدالله البجلي رضي الله عنه، لا من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أحمد (18703)، وأبو داود (184)، وابن خزيمة (32)، من حديث البراء رضي الله عنه.
وأخرج مسلم (360) نحوه من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.
(4)
في (أ) و (د): بعيد.
(5)
قوله: (بأنها) سقط من (أ).
(6)
في (ب) و (و): للنجاسة.
وفي ثالثةٍ، - وهي المذهب -: صحَّتها فيها من غير كراهة، فعلى هذا: يُستثنى.
ولا فرق فيها بين القديمة والجديدة، تكرَّر نبشها أو لا.
ولا يَضرُّ
(1)
قبرانِ؛ لأنَّه لا يتناولها الاسم.
وقيل: بلى، واختاره الشَّيخ تقِيُّ الدِّين
(2)
، قال في «الفروع»:(وهو أظهر، بناءً على أنَّه هل تسمَّى مقبرة أم لا؟).
وظاهر كلامهم: أنَّ الخشخاشة
(3)
فيها جماعةٌ قبرٌ واحِدٌ، فلا
(4)
يَمنع؛ كما لو دَفن بداره مَوتى.
ونصَّ أحمد - وهو المذهب -: أنَّه لا يُصلَّى في مسلَخِ حمَّام
(5)
، ومثله أتُّونه
(6)
وما تبعه في بيع، وكره
(7)
أحمد الصَّلاة فوق الحمَّام
(8)
.
والصحيح: قصر النَّهي على ما يتناوله النَّصُّ، وأنَّ الحكم لا يتعدَّى إلى غيره؛ لأنَّ الحكم إن كان تعبُّدًا لم يُقَسْ عليه، وإن عُلِّل فإنَّما يعلَّل بمظنَّة النَّجاسة، ولا يُتخيَّل
(9)
هذا في أسطحتها.
لكن يصلَّى فيها للعذر، وفي الإعادة روايتان.
(1)
زاد في (ب): قبرٌ ولا.
(2)
ينظر: شرح العمدة 2/ 270.
(3)
قال في كشاف القناع 1/ 22: (الخشخاشة: بيت في الأرض له سقف، يقبر فيه جماعة، لغة عامية، قاله في الحاشية).
(4)
في (د) و (و): ولا.
(5)
ينظر: مسائل حرب- الطهارة ص 440.
(6)
قال في الصحاح 5/ 2067: (الأتون، بالتشديد: هذا الموقد، والعامة تخففه، والجمع الأتاتين، ويقال هو مولد).
(7)
في (أ) و (د): وذكره.
(8)
ينظر: مسائل حرب- الطهارة ص 441.
(9)
في (أ): يتمثَّل.
وظاهره: أنَّه لا يُصلِّي فيها مَنْ أمكنه الخروج، ولو فات الوقت.
والحشُّ ثبت
(1)
الحكم فيه بالتَّنبيه؛ لكونه مُعَدًّا للنَّجاسة، ومقصودًا لها، ولأنَّه قد مُنع من ذكر الله تعالى ومن الكلام فيه، فمَنعُ الصَّلاة فيه أَوْلى.
وقال في «المغني» : (لا أعلم فيه نصًّا).
(وَالْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ) على المذهب؛ لأنَّها عبادةٌ أتى بها على الوجه المنهيِّ عنه، فلم تصحَّ
(2)
كصلاة الحائض، ولا فرق في الغصب بين دعوى الملك أو المنفعة.
ويُلحَق به: ما إذا أخرج ساباطًا في موضعٍ لا يحلُّ له، أو غَصَب راحلة وصلَّى عليها، أو سفينةً أو لَوحًا فجعله سفينةً وصلَّى عليه، أو مسجدًا وغيَّره عن هيئته، أو بسط طاهرًا على أرض مغصوبة، أو مغصوبًا على أرض مباحة.
فإن لم يغيِّر المسجد عن هيئته، بل منع النَّاس الصَّلاة فيه
(3)
؛ فصلاته فيه
(4)
صحيحة مع الكراهة في الأصحِّ، ولا يضمنه
(5)
بذلك.
فإن كانت الأبنية مغصوبة والبقعة حلال؛ فروايتان.
وقيل: هذا إن استند إليها، وإلاَّ كرهت وصحَّت.
فإن صلَّى في أرض غيره بلا إذنه، أو صلَّى على مصلاَّه بلا إذنه ولم يغصبه، أو أقام غيره من المسجد وصلَّى فيه؛ فوجهان.
ويُستثنى منه: الجمعةُ؛ فإنَّها تصحُّ في موضع غصب، نَصَّ عليه
(6)
؛ لأنَّها
(1)
قوله: (ثبت) سقط من (أ).
(2)
في (د) و (و): يصح.
(3)
قوله: (فيه) سقط من (ب) و (د) و (و).
(4)
قوله: (فيه) سقطت من (أ).
(5)
كتب على هامش (و): (قال الشيخ تقي الدين: قياس المذهب ضمانه). [ينظر: الاختيارات ص 64].
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 886.
تختصُّ ببقعته، وفي طريقٍ ضرورةً وحافتَيها، نَصَّ عليها
(1)
، وعلى راحلةٍ فيها
(2)
، وذكر جماعة: وطريق أبيات يسيرة، وكذا عيد وجنازة، جزم به في «الشَّرح» ، وقيل: وكسوف، واستسقاء.
(وَعَنْهُ: تَصِحُّ) في هذه المواضع؛ لما روى
(3)
جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «جُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا، فأيُّما رجلٍ أدركتْهُ الصَّلاةُ فليصلِّ حيث أدركتْهُ» متفق عليه
(4)
، ولأنه موضع طاهر، فصحت الصَّلاة فيه كالصحراء، ولم ينقل عن أحد من العلماء أنهم أمروا بإعادتها
(5)
، ولأنَّ النَّهي لمعنىً في
(6)
غير الصَّلاة، أشبه ما لو صلَّى وفي يده خاتم ذهب، (مَعَ التَّحْرِيمِ)؛ للنَّهي.
وعنه: مع الكراهة و
(7)
.
وعنه: لا تصحُّ
(8)
إن علم النَّهي؛ لخَفاء دليله.
وقيل: إن خاف فوت الوقت صحَّت.
(وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: حُكْمُ الْمَجْزَرَةَ) وهي ما أُعِدَّ للذَّبح، (وَالْمَزْبَلَةِ)؛ أي: مرمى الزِّبالة وإن كانت طاهِرةً، (وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ)؛ أي: التي تَقرَعها
(9)
(1)
ينظر: الفروع 2/ 108.
وتوضيح المسألة كما في الإنصاف 3/ 309: (يُستثنى من كلام المصنف وغيره ممن أطلق: صلاة الجمعة ونحوها في الطريق وحافتيها، فإنها تصح للضرورة، نص عليه).
(2)
أي: في الطريق. ينظر: الإنصاف 3/ 309.
(3)
قوله: (روى) سقط من (أ).
(4)
أخرجه البخاري (335)، ومسلم (521).
(5)
قوله: (ولأنه موضع طاهر) إلى هنا سقط من (أ).
(6)
قوله: (لمعنى في) هو في (أ) و (ب) و (و): في معنى.
(7)
ينظر: المبسوط 1/ 206، الذخيرة 2/ 110، البيان 2/ 113، المغني 2/ 55.
(8)
في (د) و (و): يصح.
(9)
في (و): يقرعها.
الأقدامُ؛ مثل الأسواق والشَّوارع، دون ما علا عن جادَّة المارَّة يَمْنَةً ويَسْرَةً، نَصَّ عليه
(1)
.
وألحق صاحب «الرَّوضة» بذلك: المدبَغة، والمذهب خلافه.
(وَأَسْطِحَتِهَا كَذَلِكَ)؛ أي: لا تصحُّ الصَّلاة فيها في اختيار الأكثر، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه ابن الجوزي وفي «الفروع» ، وقدَّمه في «المحرَّر» وغيره؛ لما روى ابن عمر: «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلَّى في سبْع مواطِنَ: المزبلةِ، والمجزرةِ، والمقبرةِ، وقارعةِ الطريق، وفي الحمَّام
(2)
، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بَيت الله
(3)
» رواه ابن ماجه، والتِّرمذي وقال:(ليس إسناده بالقوي)، وقد رواه اللَّيث بن سعد عن عبد الله بن عمر العُمَري
(4)
، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا
(5)
.
وعُلم منه: أنَّ الصَّلاة تصحُّ فيها، وهو الصَّحيح عنده، وهو قول أكثر العلماء، ويحتمله كلام الخِرَقي؛ لأنَّه لم يذكرها، ولعموم الأحاديث الصَّحيحة، واستثنى في بعضها المقبرة والحمَّام، فيبقى فيما عداها على العموم.
مع أنَّ حديث ابن عمر يرويه زيد
(6)
بن جبيرة وعبد الله بن عمر العمري،
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 97.
(2)
قوله: (وفي الحمام) هو في (و): والحمام.
(3)
زيد في (ب): الحرام.
(4)
كتب على هامش (و): (عبد الله بن عمر ضعيف، وهو المكبر، بخلاف المصغر).
(5)
أخرجه الترمذي (346)، وابن ماجه (746)، والبزار (161)، وفي سنده زيد بن جبيرة وهو متروك كما في التقريب، وحديثه منكر جدًّا، وقد روي الحديث عن عمر وابن عمر رضي الله عنهما، وسئل عنهما أبو حاتم فقال:(جميعًا واهيين)، وقال ابن عدي:(غير محفوظ)، ولفظ:«محجَّة الطريق» عند ابن ماجه والبزار. ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 336، الكامل لابن عدي 4/ 155.
(6)
كتب على هامش (و): (زيد؛ قال البخاري وابن معين: متروك، وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه) انتهى.
وقد تُكلِّم فيهما من قبل حفظهما.
وفي لفظ: «ومحجَّة الطريق» بدل «قارعة» ، وهي الطَّريق الجادَّة المسلوكة في السَّفر، وليس المرادُ كلَّ طريق؛ لأنَّه لا يخلو موضع من المشي فيه، ولهذا ذكر ابن تميم وصاحب «الشَّرح»: لا بأس بطُرُق الأبياتِ القليلةِ.
تنبيه: أسطِحةُ مواضع النَّهي؛ كهِي عند أحمد وأكثر الأصحاب؛ لأنَّ الهواءَ تابِعٌ للقرار، بدليل الجنب يُمنع من اللُّبث على سطح المسجد، ويحنث بدخول سطح الدَّار إذا حلف لا يدخلها، فيعود الضَّمير إلى الكُلِّ، وهو ظاهر «المغني» .
وظاهر كلامه هنا: أنَّ الأسطحة لا يكون لها حكم القرار، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لما ذكرنا.
قال أبو الوفاء: لا سطح نهر؛ لأنَّ الماء لا يصلَّى عليه، واختار أبو المعالي وغيره الصحَّة؛ كالسَّفينة، قال: ولو جمَد الماءُ؛ فكالطريق
(1)
، وذكر بعضهم الصحَّة.
(وَتصِحُّ
(2)
الصَّلَاةُ إِلَيْهَا) مع الكراهة، نَصَّ عليه
(3)
، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه جماعة؛ لقوله عليه السلام:«وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا»
(4)
.
(إِلاَّ الْمُقْبَرَةَ)، اختاره الشَّيخان، قال في «الفروع»:(وهو أظهر)؛ لما روى أبو مرثد الغنوي
(5)
: أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُصلُّوا إلى القبور،
(1)
في (أ): بالطريق.
(2)
في (و): ويصح.
(3)
في رواية أبي طالب. ينظر: المغني 2/ 53.
(4)
أخرجه البخاري (335)، ومسلم (521).
(5)
في (أ): أبو يزيد القَنَوي.
ولا تجلسوا إليها» رواه مسلم
(1)
.
(وَالْحَشِّ فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ)، وهو رواية عن أحمد، وقيل: وحمَّام، وشرطه: لا حائل ولو كمؤْخِرة الرَّحل، وظاهره: ليس
(2)
كسُترة صلاة فيكفي الخطُّ، بل كسُترة المتخلِّي.
ولا يضرُّ بُعْد كثير عرفًا. وعنه: لا يكفي حائط المسجد، جزم به جماعة؛ لكراهة السَّلف الصَّلاة في مسجد في قبلته
(3)
حَشٌّ
(4)
.
وتأوَّل ابن عقيل النَّصَّ على سراية النَّجاسة تحت مقام المصلِّي، واستحسنه صاحب «التَّلخيص» .
وعنه: لا يصلَّى إلى ذلك، وقارعة الطَّريق، فإن فعل؛ فقال أبو بكر: في الإعادة قولان
(5)
، والصَّحيح: أنْ لا إعادة
(6)
على الجميع، قاله ابن تميم وغيره، واختار أبو بكر خلافه.
(1)
كتب تحتها في (و): (وأبو داود وابن ماجه والتِّرمذي والنَّسائي)، والحديث أخرجه مسلم (972).
(2)
في (د): لبس.
(3)
في (و): قبلة.
(4)
أخرج عبد الرزاق (1583)، وابن أبي شيبة (7582)، عن إبراهيم النخعي قال:«كانوا يكرهون أن يتخذوا ثلاثة أبيات قبلة: القبر والحمام والحش» ، وإسناده صحيح، وثبت عن عبد الله بن عمرو وابن عباس رضي الله عنهم.
أثر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (7577)، وابن المنذر في الأوسط (762)، عن عبد الله بن عمرو، قال:«لا تصل إلى الحش، ولا إلى الحمام، ولا إلى المقبرة» ، وإسناده صحيح.
أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (1585)، وابن المنذر في الأوسط (761)، عن ابن عباس قال:«لا تصلين إلى حش ولا حمام ولا في المقبرة» ، وإسناده صحيح.
(5)
في (ب): وجهان.
(6)
في (أ) و (ب) و (د): الإعادة. وفي مختصر ابن تميم 2/ 99: (يكره أن يصلي إلى شيء من هذه المواضع، فإن صلى؛ صحت صلاته) ثم ذكر الخلاف.
قال القاضي: يقاس على ذلك سائر مواضع النَّهي إلاَّ الكعبة. وفيه نظر؛ لأنَّ النَّهي عنده تعبُّد
(1)
، وشرطه
(2)
فَهْم المعنى.
تذنيب: ما زال اسمُه مما نُهي عنه؛ زال المنعُ منه في الأشهر.
والمصلِّي في مسجد بُنِيَ في مقبرة؛ كالمصلي فيها؛ لأنَّه لا يخرج بذلك عن أن يكون مقبرة، لكن إن حدث حول المسجد؛ لم يمنع الصَّلاة فيه، زاد في «الشَّرح»: (بغير خلاف؛ لأنه لم يتبع
(3)
ما حدث بعده)، وكذا إن حدث في قبلته فهو كالمصلِّي إليها.
مسألة: تصحُّ
(4)
الصَّلاة في أرض السِّباخ على الأصحِّ. وفي «الرِّعاية» : يُكرَه كأرض الخسف، نَصَّ عليه
(5)
؛ لأنَّه موضع مسخوط عليه.
ولا تصحُّ
(6)
في عجَلة سائرةٍ، ولا أُرجوحَةٍ تَحرَّك؛ لأنَّه ليس بمستقرِّ القدمين على الأرض
(7)
، كما لو سجد على بعض أعضاء السُّجود وترك الباقي معلَّقًا.
وفيه وجه، وقدَّم في «الشَّرح»: أنَّها تصحُّ
(8)
على العجلة إذا أمكنه ذلك.
والمربوط في الهواء يُومئ.
(وَلَا تَصِحُّ
(9)
الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ، وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا)، هذا هو المشهور،
(1)
في (د): بعيد.
(2)
أي: وشرط القياس.
(3)
قوله: (لم يتبع) هو في (أ): (لم يبع).
(4)
في (و): يصح.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 68، مسائل ابن منصور 2/ 646.
(6)
في (و): يصح.
(7)
في (و): الأصح.
(8)
في (و): يصح.
(9)
في (و): يصح.
وجزم به أكثر الأصحاب؛ لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البَقَرَة: 144]، وللخبر
(1)
.
والمصلِّي فيها أو عليها غير مستقبل لجهتها
(2)
، ولأنَّ المصلِّي فيها مستدبر
(3)
منها ما يصلح أن يكون قبلة مع القدرة، وذلك يبطل الفرض، والمصلِّي عليها ليس مصلِّيًا، وقد أمر بالصَّلاة إليها.
وظاهره: لا فرق بين أن يسجد على منتهى الكعبة أو يقف عليه، أوْ لَا، وذكره ابن هبيرة وصاحب «التَّلخيص» .
وجزم
(4)
في «المحرَّر» ، وهو ظاهر كلام أحمد
(5)
: أنَّه إذا وقف على منتهاها بحيث إنَّه لم يبق وراءه شيء منها، أو قام خارجها وسجد فيها؛ فإنَّه يصح
(6)
؛ لأنَّه استقبله، ولم يستدبر منه شيئًا، كما لو صلَّى إلى أحد أركانه، وظاهر كلام الأكثر بخلافه.
وعنه: تصحُّ
(7)
، وهو ظاهر ما قدَّمه في «الكافي» ، واختاره الآجُرِّيُّ؛ كمن نذر الصَّلاة فيها.
(1)
أي: خبر ابن عمر رضي الله عنهما، وتقدم تخريجه 2/ 114 حاشية (5).
(2)
في (أ): لجملتها. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 3/ 314.
(3)
في (أ) و (و) و (د): يستدبر.
(4)
زاد في (أ) و (د) و (و): (به). والصواب بدونها، ففي الإنصاف 3/ 314:(لو وقف على منتهى البيت، بحيث إنه لم يبق وراءه منه شيئ، أو صلى خارجه لكن سجد فيه، صحت صلاة الفريضة والحالة هذه، على الصحيح من المذهب. نص عليه، وجزم به في «المحرر»، وقدمه في «الفروع»، والمجد في «شرحه»، و «الحاوي». وقيل: لا تصح. وهو ظاهر كلام المصنف هنا).
(5)
ينظر: الفروع 2/ 113.
(6)
في (و): تصحُّ.
(7)
في (ب) و (و): يصح.
وعنه: مع الكراهة.
وعنه: إن جهل النَّهي؛ لأنَّه معذور.
(وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ) فيها على الأصحِّ، وعليها، لا نعلم فيه خلافًا، قاله في «المغني» و «الشَّرح»؛ لما روى ابن عمر قال: «دخل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم البيت
(1)
، هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم الباب
(2)
، فلمَّا فتحوا كنت أوَّلَ من ولج، فلقيت بلالاً فسألته: هل صلَّى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، بين العمودين اليمانِيَيْنِ» متفق عليه
(3)
.
لا يقال: فابن
(4)
عباس قال: «لم يصلِّ فيها»
(5)
؛ لأنَّه نفي، والإثبات مقدَّم عليه، خصوصًا ممَّن كان حاضر القصة، ولأنَّ مبناها على التَّخفيف والمسامحة، بدليل صحَّتها قاعدًا أو إلى غير القبلة على الرَّاحلة.
وقدَّم في «الرِّعاية» : أنَّه لا يصحُّ نفل فوقها في الأصحِّ، ويصحُّ فيها على الأصحِّ، واقتصر جماعة على الصحَّة هنا.
وشرطها: (إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا)؛ ليكون مستقبِلاً بعضَها، فعلى هذا: لو صلَّى إلى جهة الباب أو على ظهرها ولا شاخص متَّصل بها؛ لم يصحَّ، وذكره في «الشَّرح» عن الأصحاب؛ لأنَّه غير مستقبِل لشيء منها.
فإن لم يكن شاخِصًا؛ فوجهان.
قال في «المغني» : (والأولى أنَّه لا يشترط كون شيء منها بين يديه؛ لأنَّ الواجب استقبال موضعها وهوائها دون حيطانها، بدليل ما لو انهدمت)
(1)
قوله: (البيت) سقط من (أ).
(2)
قوله: (الباب) سقط من (أ) و (د) و (و).
(3)
أخرجه البخاري (1598)، ومسلم (1329).
(4)
في (أ): وابن.
(5)
أخرجه البخاري (398)، ومسلم (1331).
والعياذ بالله تعالى، ولهذا تصحُّ
(1)
على أبي قبيس؛ فإنَّه
(2)
أعلى منها.
وقيل: لا تصحُّ
(3)
على ظهرها.
وقيل: لا تصحُّ
(4)
فيها إن نُقض البناء وصُلِّي إلى الموضع.
والحِجْر منها، نَصَّ عليه
(5)
، وهو ستَّةُ أذرُع وشيء، فيصحُّ التوجُّه إليه.
وقال ابن حامد وابن عقيل: لا، وقاله أبو المعالي في المكِّي.
ويسنُّ النَّفل فيه، والفرض
(6)
كداخلها في ظاهر كلامهم، والله أعلم.
مسألة: يُستحبُّ نفله فيها. وعنه: لا.
ونقل الأثرم: يصلِّي فيها إذا دخل وجاهه، كذا فعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
(7)
، ولا يصلِّي حيث شاء.
ونقل أبو طالب: يقوم كما قام عليه السلام بين الأسطوانتين
(8)
.
(1)
في (و): يصح.
(2)
في (أ) و (ب): لأنه.
(3)
في (و): يصح.
(4)
في (و): يصح.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2265.
(6)
زيد في (و): فيه.
(7)
أخرجه البخاري (1598)، ومسلم (1329).
(8)
ينظر روايتا الأثرم وأبي طالب: في الفروع 2/ 114.
(بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ)
قال الواحِديُّ: (القِبلة: الوِجهة، وهي الفِعلة من المقابلة، والعرب تقول: ما له قبلة ولا دبرة، إذا لم يهتد
(1)
لجهة أمره)
(2)
.
وأصل القبلة في اللغة: الحالة التي يقابل الشيء غيره عليها، كالجِلسة للحال التي يجلس عليها، إلاَّ أنَّها الآن صارت كالعَلَم للجهة التي يستقبلها المصلِّي، وسمِّيت قبلة لإقبال النَّاس عليها. وقيل: لأنَّه يقابلها، وهي تقابله.
(وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ)؛ لقوله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البَقَرَة: 144]، قال علي:«شطره قِبَلَه»
(3)
، وقال ابن عمر:«بينما النَّاسُ بقباء في صلاةِ الصُّبح، إذ جاءهم آتٍ، فقال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد أُنْزِلَ عليه قرآن، وقد أُمِرَ أن يستقبلَ القبلةَ، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشَّامِ، فاستداروا إلى الكعبةِ» متفق عليه
(4)
.
واختُلف: هل كانت شرعة التوجُّه إلى بيت المقدس بالمدينة بالسُّنَّة أو القرآن؟ على قولين ذكرهما القاضي، وذكر ابن الجوزي عن الحسن وأبي العالية والربيع وعكرمة: أنَّه كان برأيه واجتهاده.
قال في «الفروع» : (ولم يصرِّحوا بصلاته قبل الهجرة، وسئل عنها
(1)
في (و): يعتد.
(2)
ينظر: الوسيط في تفسير القرآن المجيد 1/ 224.
(3)
زاد في (د) و (و): (والاستقبال لا يجب في غير الصلاة؛ فتعين فيها، وهو بالصدر لا بالوجه).
وأثر علي رضي الله عنه أخرجه ابن جرير في التفسير (2/ 664)، وابن أبي حاتم في التفسير (1363)، والدينوري في المجالسة (1461)، والحاكم (3064)، والبيهقي في الكبرى (2195)، وقال الحاكم:(حديث صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي.
(4)
أخرجه البخاري (403)، ومسلم (526).
ابن عقيل فقال: الجواب: ذكر ابن أبي خَيثمة
(1)
في «تاريخه» أنَّه قيل: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى الكعبة قبل الهجرة، وصلَّى إلى بيت المقدس بالمدينة
(2)
.
(إِلاَّ فِي حَالِ الْعَجْزِ عَنْه)؛ كالمربوط إلى غير القبلة، والمصلوب ونحوهما؛ لأنَّه شرط عجز عنه، فسقط؛ كالقيام، ومنه: إذا اشتدَّ الخوف عند التحام الحرب، ويأتي.
(وَالنَّافِلَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ)، هو عبارة عن قطع المسافة، وجمعه: أسفار، يسمَّى بذلك؛ لأنَّه يسفر عن أخلاق الرِّجال، قاله ثعلب
(3)
.
(الطَّوِيلِ)، قال ابن عبد البَرِّ: (أجمعوا على أنَّه جائز لكل من سافر سفَرًا تُقصر
(4)
فيه الصَّلاة أن يتطوَّع على دابَّته حيثما توجَّهت به)
(5)
.
(وَالْقَصِيرِ)، هو مغنٍ عن الأوَّل؛ لأنَّه إذا جاز في القصير
(6)
جاز في الطَّويل من باب أولى، وجزم به الأصحاب؛ لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البَقَرَة: 115]، قال ابن عمر:«نزلت في التَّطوُّع خاصَّة»
(7)
، ولما روى هو: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يسبِّحُ على ظهرِ راحلتِهِ حيث
(1)
هو أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب بن شداد أبو بكر نسائي الأصل، أخذ عن الإمام أحمد، وكان ثقة عالمًا متقنًا حافظًا بصيرًا بأيام الناس، راوية للأدب، له التاريخ الكبير، توفي سنة 279 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 44، المقصد الأرشد 1/ 106.
(2)
ينظر كلام ابن أبي خيثمة في تاريخه 1/ 383.
(3)
ينظر: المطلع ص 85.
(4)
في (و): يقصر.
(5)
ينظر: التمهيد 17/ 72.
(6)
كتب على هامش (و): (قلت: لكنه لا يستغنى عن اللفظين معًا؛ لأنه لو اقتصر على القصير لظُنَّ تقييد الموصوف به).
(7)
أخرجه الدارقطني (1063)، والبيهقي في الكبرى (2243)، بهذا اللفظ، وأخرجه مسلم (700) بمعناه.
كان وجهُهُ، يُومئُ برأسِهِ، وكان ابنُ عمر يفعلُهُ» متفق عليه، وللبخاري:«إلاَّ الفرائض»
(1)
، ولم يفرِّق بين طويل السَّفر وقصيره، ولأنَّ ذلك تخفيف في التَّطوُّع، لئلاَّ
(2)
يؤدِّي إلى تقليله
(3)
لو قطعه، فاستويا فيه إذا كان مباحًا.
زاد في «التَّلخيص» وابن تميم وغيرهما: إذا كان يقصد جهة معيَّنة، لا من ركب
(4)
التعاسيف
(5)
، ويومئ
(6)
بالرُّكوع والسُّجود، وهو أخفض من ركوعه، هذا إذا كان الرَّاكب يحفظ نفسه بفخذيه وساقيه؛ كراحلة القتَب
(7)
.
فأمَّا إذا كان في الهَودج والعمارية
(8)
؛ فإن أمكنه الاستقبال في جميعها والرُّكوع والسُّجود؛ لزمه كراكب السَّفينة؛ لأنَّه ممكن غير مشقٍّ، وإن قدر على الاستقبال دونهما؛ لزمه وأومأ بهما، نَصَّ عليه
(9)
.
وقال أبو الحسن التَّميمي: لا يلزمه ذلك؛ لأنَّ الرُّخصة العامَّة مستوٍ
(10)
فيها
(11)
من وجدت فيه المشقَّة وغيره؛ كالقصر والجمع، ولعلَّه موافق لظاهر كلامه.
(1)
أخرجه البخاري (1105)، ومسلم (700)، واستثناء الفرائض عند البخاري (1097).
(2)
في (د) و (و): كيلا.
(3)
في (د) و (و): تعليله.
(4)
في (أ): راب.
(5)
راكب التعاسيف: هو الذي ليس له مقصد معلوم، من عسفت الطريق إذا سلكته على غير قصد. ينظر: المصباح المنير 1/ 236.
(6)
في (د): ونوى.
(7)
القتب: -بالتحريك- للجَمل، كالإِكاف لِغَيْرِهِ. ينظر: النهاية في غريب الحديث 4/ 11، والمصباح المنير 2/ 489.
(8)
الهودج: مركب من مراكب النساء عليه قبة. والعمارية: محمل كبير مظلل يجعل على البعير من الجانبين كليهما. ينظر: النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب 1/ 183.
(9)
ينظر: زاد المسافر 2/ 141، المغني 1/ 316.
(10)
في (أ) و (ب) و (د): يستوي.
(11)
في (أ) و (ب) و (د): فيه.
ويعتبر طهارة محلِّه، نحو سرْج وركاب.
ولا فرق في المركوب بين أن يكون بعيرًا أو غيره.
وظاهره: أنَّه لا يجوز في الحضر على المذهب؛ لأنَّه لم ينقل عنه عليه السلام.
وعنه: يجوز للسَّائر الرَّاكب خارج المصر، فعله أنس
(1)
؛ لأنَّه راكب أشبه المسافر.
(وَهَلْ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ لِلْمَاشِي) في السَّفر سائرًا؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ
(2)
:
إحداهما: لا يجوز، وهو ظاهر الخِرَقِيِّ و «الوجيز» ؛ لأنَّ الرُّخصة وردت في الرَّاكب، والماشي بخلافه؛ لأنَّه يأتي في الصَّلاة بمشي متتابع وعمل كثير، فلم
(3)
يصحَّ الإلحاق.
والثَّانية، نقلها المثنَّى بن جامع
(4)
: يجوز، اختاره القاضي، وجزم به ابن الجوزي، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وصحَّحه ابن تميم.
وفي «الفروع» : (لأنَّ الصَّلاة أبيحت للرَّاكب لئلاَّ
(5)
ينقطع عن النَّافلة في السَّفر، وهو موجود في الماشي)
(6)
.
(1)
ذكره في الفروع (2/ 120)، ولم نقف على التصريح في كون أنس رضي الله عنه فعله في الحضر، وأخرج ابن المنذر في الأوسط (2805)، عن حميد عن أنس، أنه صلى على حمار تطوعًا لغير القبلة، يومئ إيماء. وإسناده صحيح، ولم يحدد فيه أن ذلك في الحضر، والمشهور من فعل أنس رضي الله عنه أنه في السفر، فقد أخرج البخاري (1100)، ومسلم (702)، عن أنس بن سيرين، قال: استقبلنا أنس بن مالك حين قدم من الشام، فلقيناه بعين التمر فرأيته يصلي على حمار، ووجهه من ذا الجانب - يعني عن يسار القبلة - فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة، فقال:«لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله لم أفعله» .
(2)
كتب المصنف على هامش الأصل: (الصحيح الجواز).
(3)
في (و): فلا.
(4)
كتب على هامش (د): (وهو المذهب). وينظر: الشرح الكبير 3/ 325، الإنصاف 3/ 324.
(5)
في (د) و (و): كيلا.
(6)
لم نجده في الفروع، وهو في المغني 1/ 302.
فعلى هذا؛ يلزمه أن يفتتحها إلى القبلة إذا أمكنه روايةً واحدةً، ويركع ويسجد بالأرض إليها
(1)
؛ لأنَّه ممكن، ويفعل ما سوى ذلك ماشيًا إلى جهة سيره.
وقيل: يومئ
(2)
بهما إلى جهة سيره.
وقيل: ما سوى القيام يفعله إلى القبلة غير ماشٍ.
(فَإِنْ أَمْكَنَهُ)؛ أي: الرَّاكب (افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ)؛ أي: بالإحرام (إِلَى الْقِبْلَةِ)، بالدَّابَّة أو بنفسه كراكب راحلة منفرِدة تُطيعه؛ (فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يلزمه بلا مشقَّة
(3)
، جزم به في «الوجيز» ، ونقله واختاره الأكثر، وذكره
(4)
أبو المعالي وغيره المَذْهب؛ لما رَوى أنسٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سافرَ وأرادَ أن يتطوَّعَ؛ استقبل
(5)
بناقتِهِ القِبلة، فكبَّر ثمَّ صلَّى حيث كان وِجهةُ رِكابِهِ» رواه أحمد، وأبو داود وهذا لفظه، وهو حديث حسن
(6)
، ولأنَّه أمكنه ابتداء الصَّلاة إلى القبلة فلزمه، وكراكب السَّفينة.
والثَّانية: لا يلزمه، اختاره أبو بكر، ورجَّحه في «المغني» وغيره؛ لما فيه من المشقَّة، ولحديث ابن عمر
(7)
، ولأنَّه جزء من الصَّلاة أشبه سائرها، ويُحمل الخبر الأوَّل على الاستحباب.
(1)
في (أ) و (ب): إليهما.
(2)
قوله: (يومئ) سقط من (أ).
(3)
كتب المصنف على هامش الأصل: (الصحيح يلزمه).
(4)
في (و): ونقله.
(5)
قوله: (استقبل) سقط من (أ).
(6)
أخرجه أحمد (13109)، وأبو داود (1225)، والضياء في المختارة (1840)، وقال:(إسناده صحيح)، وصححه ابن السكن، وقال ابن الملقن:(إسناده صحيح)، وحسنه النووي وابن حجر والألباني، ينظر: البدر المنير 3/ 437، صحيح أبي داود 4/ 385.
(7)
تقدَّم تخريجه 2/ 123 حاشية (1).
وعُلم منه: أنَّه إذا لم يمكنه استقبالها به؛ كراكب راحلة لا تطيعه، أو جمل مقطور
(1)
لا يمكنه إدارته؛ لم يلزمه؛ لأنَّه عاجز عنه
(2)
، أشبه الخائف، وقال القاضي: يحتمل أن يلزمه.
ولم يتعرَّض لذكر الرُّكوع والسُّجود، والمذهب: أنَّه يلزمه إذا أمكنه من غير مشقَّة، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه كسفينة، قاله جماعة، فدلَّ أنَّه وفاق.
وقيل: لا يلزمه، وذكره في «الرِّعاية» روايةً؛ للتَّساوي في الرُّخص العامَّة، فدلَّ أنَّ السَّفينة كذلك كالمحفَّة.
تذنيب: إذا نذر الصَّلاة عليها؛ جاز. وذكر القاضي قولاً: لا، فيتوجَّه مثله
(4)
من نذر الصَّلاة في الكعبة.
فرع: إذا عذر من عدلت به دابَّته عن جهة سيره، أو عدل هو إلى غير القبلة وطال؛ بطلت. وقيل: لا، فيسجد للسَّهو؛ لأنَّه مغلوب كساهٍ.
وإن لم يعذر
(5)
؛ بأن عدلت دابَّته وأمكنه ردُّها، أو عدل إلى غيرها مع علمه؛ بطلت.
وكذا إن انحرف عن جهة سيره، فصار قفاه إلى القبلة عمدًا، إلاَّ أن يكون ما انحرف إليه جهة القبلة، ذكره القاضي.
وإن وقفت دابته تعبًا، أو منتظِرًا رُفقةً، أو لم يسر كسيرهم، أو نوى النُّزول ببلد دخله؛ استقبل القبلة.
(1)
قال في جمهرة العرب 2/ 758: (بعير مقطور إلى آخر، وهو القطار من الإبل)، والمراد والله أعلم: البعير الذي يسير في قطار الإبل.
(2)
قوله: (ولأنه جزء من الصَّلاة أشبه سائرها) إلى هنا سقط من (و).
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 141.
(4)
قوله: (مثله) سقط من (د) و (و).
(5)
في (أ) و (ب): يعذر.
وإن نزل في أثنائها؛ نزل مستقبلاً وأتمَّها، نَصَّ عليه
(1)
.
وإن أقام في أثنائها؛ أتمَّ صلاة مقيم، وإن ركب ماش فيها؛ أتمَّها، والمقدَّم بطلانها.
(وَالْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ؛ إِصَابَةُ الْعَيْنِ)؛ أي: عين الكعبة (لِمَنْ قَرُبَ مِنْهَا)، وهو من كان معاينًا لها، أو ناشئًا بمكة، أو كثُر
(2)
مقامُه فيها، فيلزمه بحيث لا يخرج شيء من بدنه عنها، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه قادر على التوجُّه إلى عينها قطعًا، فلم يجز العدول عنه والتوجُّه إليها ظنًّا.
فعلى هذا: لو خرج ببعض بدنه عن مُسامَتِها
(4)
؛ لم تصحَّ
(5)
، وقيل: بلى.
فإن كان ثمَّ حائل أصليٌّ من جبل ونحوه، وتعذَّر عليه اليقين؛ اجتهد إلى عينها، وعنه: أو إلى جهتها، وذكر جماعة: إن تعذَّر فكبعيد.
ولا يضرُّ علُوٌّ عليها، ولا نزول عنها إذا أخرجه ذلك عن بنائها ولم يخرج عن موضعها؛ لأنَّ الواجب استقبالها.
تنبيه: حكم من كان بالمدينة في استقبال قبلة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ حكم من كان بمكة
(6)
؛ لأنَّه لا يُقَرُّ على الخطأ.
وقال صاحب «النَّظم» : وكذا مسجد الكوفة؛ لاتِّفاق الصَّحابة عليه.
لكن قال في «الشَّرح» : (في قول الأصحاب نظَرٌ، فإنَّ صلاة الصَّف
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 57.
(2)
في (و): أكثر.
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 128.
(4)
في (أ): مسامتتها.
(5)
في (د) و (و): يصح.
(6)
كتب على هامش (و): (ظاهر شرح ابن المنجى عدم إلحاقه. هـ خ).
المستطيل في مسجده عليه السلام صحيحةٌ، مع خروج بعضهم عن استقبال عين الكعبة؛ لكون الصَّف أطول منها، وقولهم:"إنَّه لا يُقَرُّ على الخطأ" صحيح، لكن إنَّما الواجب عليه استقبال الجهة، وقد فعله).
(وَإِصَابَةُ الْجِهَةِ لِمَنْ بَعُدَ عَنْهَا)، جزم به في «الكافي» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «التَّلخيص»
(1)
و «المحرر» و «الفروع» ، وهو المذهب؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما بينَ المشرقِ والمغربِ قِبلةٌ» رواه ابن ماجه، والتِّرمذي وصحَّحه
(2)
، وحكاه عن عمر
(3)
وابنه
(4)
وعلي
(5)
وابن عباس
(6)
، ولأنَّ الإجماع انعقد على صحَّة صلاة الاثنين المتباعدَين يستقبلان قِبلةً واحدةً، وعلى صحَّة صلاة الصَّف الطَّويل على خطٍّ مُستَوٍ.
لا يقال: مع البعد يتَّسع المحاذي
(7)
؛ لأنَّه إنَّما يتَّسع
(8)
مع التَّقوُّس، أمَّا مع عدمه فلا.
فعلى هذا؛ لا يضرُّ التَّيامن والتَّياسر في الجهة.
(1)
هنا ينتهي السقط من النسخة (ز).
(2)
أخرجه الترمذي (344)، وابن ماجه (1011)، ورجح أبو زرعة والدارقطني وقفه على ابن عمر، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه الألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 473، علل الدارقطني 2/ 31، الإرواء 1/ 324.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (3633)، وابن أبي شيبة (7431)، والبيهقي في الكبرى (2232)، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (3636)، وابن أبي شيبة (7433)، وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (7435)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 59)، وفيه عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، ضعفه أحمد وغيره.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (7436)، وفيه عبد الأعلى الثعلبي، وهو ضعيف، وأخرجه وكيع في أخبار القضاة (3/ 54)، وفيه من لم نقف على ترجمته.
(7)
في (و): المجاري.
(8)
في (ز): يتبع.
والبعيد هنا: من لم يقدر على المعايَنة، ولا على من يخبره عن علم.
وعنه: يلزمه إصابة عينها، اختاره أبو الخَطَّاب، وذكر أبو المعالي: أنَّه المشهور؛ لقوله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البَقَرَة: 144]، وقياسًا على القريب، والخبر الأوَّل لا يُمكن حمله على عموم الأمكنة، بل هو خاصٌّ بالمدينة وما شابهها، فعلى هذا: إن تيامن أو تياسر بطلت.
وفي «الرِّعاية» : عليها: إن رفع رأسه نحو السَّماء فخرج بوجهه عن القبلة؛ منع، وكذا ذكره ابن عبدوس، وجعلاه فائدة الخلاف، وفيه نظَرٌ، بل إنَّما يظهر في صورة يخرج فيها المصلي عن استقبال العين إلى استقبال الجهة، وهذا لم يخرج عن العين إلى الجهة، وإنَّما خرج وجهه خاصَّة.
(فَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ)؛ أي: معرفة القِبلة (بِخَبَرِ ثِقَةٍ) عدْلٍ ظاهرًا وباطنًا، وقيل: أو مستور أو مميِّز، (عَنْ يَقِينٍ)؛ أي: عن علم؛ لزمه تقليده في الأصحِّ، وليس له
(1)
الاجتهاد؛ كالحاكم يقبل النَّصَّ من الثِّقة، ولا يجتهد.
وقال في «التَّلخيص» : القادِر على معرفة القِبلة ليس له متابَعة المخبِر. وظاهره: أنَّه لا يقبل خبر فاسق، لكن يصحُّ التوجُّه إلى قِبلته في بيته، فلو شكَّ في حاله؛ قُبِلَ قوله في الأصحِّ، وإن شكَّ في إسلامه فلا.
وأنَّه إذا أخبره عن اجتهاد؛ أنَّه لا يجوز تقليده في الأصحِّ.
وقيل: مع ضيق الوقت، ذكره القاضي ظاهر كلام أحمد، واختاره جماعة.
وقيل: إن كان أعلم منه قلَّده.
وفي «التَّمهيد» : يصلِّيها على حسب حاله، ثمَّ يعيد إذا قدر، فلا
(2)
(1)
قوله: (وليس له) هو في (أ): (ولأن)، وفي (ز):(وليس).
(2)
في (أ): ولا.
ضرورة إلى التَّقليد؛ كعادم الطَّهورين يصلِّي ويعيد.
ويلزمه السُّؤال، فظاهره: يقصد المنزل في اللَّيل ليستخبِر
(1)
.
(أَوِ اسْتِدْلَالٍ بِمَحَارِيبَ)، واحدها: محراب، وهو صدر المجلس، ومنه: محراب المسجد، وهو الغرفة، وقال المُبَرِّد: لا يكون محرابًا إلاَّ أن يُرتقى إليه بدرج، (لِلْمُسْلِمِينَ
(2)
، عدولاً كانوا أو فُسَّاقًا؛ (لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِهِ) إذا علمها لهم؛ لأنَّ اتِّفاقهم عليها مع تكرُّر الأعصار إجماع عليها، ولا يجوز مخالفتها.
وعنه: يجتهد، فإن أخطأ فوجهان، وعنه: ولو بالمدينة.
والمذهب الأوَّل.
ولا ينحرِف؛ لأنَّ دوام التَّوجُّه إليه كالقطع؛ كالحرمين.
(وَإِنْ وَجَدَ مَحَارِيبَ) ببلدٍ خرابٍ (لَا يَعْلَمُ هَلْ هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لَا؛ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا)؛ لأنَّه لا دلالة فيها؛ لاحتمال كونها لغير المسلمين، وإن كان عليها آثار الإسلام، لجواز أن يكون الباني مشركًا
(3)
عملها ليغرَّ بها المسلمين.
وعُلم منه: أنه
(4)
إذا علم أنَّها للكفَّار؛ لا يجوز له التَّقليد؛ لأنَّ قولهم لا يُرجع إليه، فمحاريبهم
(5)
أَوْلى.
وفي «المغني» : (إذا عُلمت قبلتهم؛ كالنَّصارى إذا رأى محاريبهم
(6)
في
(1)
في (د): فيستخبر. والمثبت موافق لما في الفروع، والذي في (د) موافق لما في كشاف القناع.
(2)
في (ز): المسلمين.
(3)
في (أ): يشترط.
(4)
قوله: (أنه) سقط من (أ).
(5)
في (و): فمحاربهم.
(6)
في (و): محاربهم.
كنائسهم؛ علم
(1)
أنَّها مستقبلة للمشرق).
(وَإِنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ)، ولم يمكنه معرفتُها؛ (اجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا)؛ لأنَّ ما وجب اتِّباعه عند وجوده؛ وجب الاستدلال عليه عند خَفائه؛ كالحكم في الحادثة.
والمجتهد في القِبلة: هو العالِم بأدلَّتها؛ لأنَّ من علم أدلَّة شيء كان مجتهِدًا فيه، والجاهل الذي لا يعرف أدلَّتها وإن كان فقيهًا، وكذا الأعمى؛ فهذان فرضهما التَّقليد.
ويجب على من يريد السَّفر تعلُّم ذلك.
ومنعه قوم؛ لأنَّ جهة القِبلة ممَّا يندر التباسه، والمكلَّف يجب عليه تعلُّم ما يعمُّ لا ما يَندُر.
(بِالدَّلَائِلِ) جمع دليل، وهو أمور؛ منها: النجوم، قال الله تعالى:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النّحل: 16]، (وَأَثْبَتُهَا الْقُطْبُ)؛ لأنَّه لا يزول عن مكانه إلاَّ قليلاً، ويمكن كل أحد معرفته، قال جماعةٌ: وأصحُّها وأقواها القطب، بتثليث القاف، حكاه ابن سِيدَهْ
(2)
، وهو نجم خفِيٌّ شماليٌّ، وذكر السَّامَرِّيُّ: أنَّه الجَدْيُ، وحوله أنجم دائرة كفراشة الرَّحى، في أحد طرفيها الجدْي، والآخر الفَرقدان، وبين ذلك ثلاثة أنجم من فوق، وثلاثة
(3)
من أسفل، تدور هذه الفراشة حول القطب دوران فراشة الرَّحى حول سفُّودها في كل يوم وليلة دورة، وعليه تدور
(4)
بنات نعش، وهي سبعة أنجُم متفرِّقة
(5)
مضيئة ممَّا يلي
(1)
في (د): على.
(2)
ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/ 289.
(3)
زاد في (أ): أنجم.
(4)
في (د) و (و): يدور.
(5)
في (د) و (و): مفرَّقة.
الفرقدين، وهو خفيٌّ جدًّا يراه حَدِيد النظر إذا لم يكن القمرُ طالعًا، (فَإِذَا
(1)
جَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ كَانَ مُسْتَقْبِلاً
(2)
للْقِبْلَةِ
(3)
بالشَّام والعراق والجزيرة؛ لأنَّه قد أخبر بذلك ثقاتٌ عن يقين.
وقيل: ينحرف في الشَّام إلى الشَّرق قليلاً، وبالعراق يجعله حِذاء أذنه اليمنى على علوها، ذكره المؤلِّف.
وذكر ابن تميم: أنَّه إذا جعل القطب أو الجَدي أو الفَرقدَين أو بنات نَعْش وراءه؛ فقد استقبلها فيما ذكرنا.
وفيه وجْهٌ: لا يَجتهد، وعليه أن يصلِّي إلى أربع جهات.
(وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَمَنَازِلُهُمَا، وَمَا يَقْتَرِنُ بِهَا وَيُقَارِبُهَا؛ وَكُلُّهَا
(4)
تَطْلُعُ مِنَ المَشْرِقِ
(5)
، وَتَغْرُبُ فِي المَغْرِبِ
(6)
عَنْ يَمِينِ الْمُصَلِّي)، وذلك معلوم، لكن الشَّمس تختلِف مطالِعها ومغاربها على حسَب اختلاف منازلها، فتطلع قرب الجنوب شتاءً، وقرب الصَّبا صَيفًا، وهي في الطُّلوع والغروب كما ذكره.
والقمر يبدو أول ليلة هلالاً في المغرب عن يمين المصلِّي، ثمَّ يتأخَّر كل ليلة منزلاً، حتَّى يكون في السَّابع وقت المغرب في قِبلة المصلِّي مائلاً عنها قليلاً إلى المغرب، ثمَّ يطلع ليلة الرَّابع عشر
(7)
من المشرق قبل غروب الشَّمس بدْرًا، فيكون مراده عند التَّكامل، وليلة إحدى وعشرين يكون في قِبلة
(1)
في (ب) و (ز): إذا.
(2)
في (أ) و (ز): مستقبل.
(3)
في (أ) و (ب): القبلة.
(4)
قوله: (وكلها) هو في (د) و (و): ويقارنها وكلها.
(5)
في (أ) و (ب) و (د): الشرق.
(6)
في (أ) و (ب) و (د): الغرب.
(7)
قوله: (عشر) سقط من (أ). والمثبت موافق لما في المغني 1/ 321.
المصلِّي أو قريبًا منها وقت الفجر، وليلة ثمان وعشرين يبدو عند الفجر كالهلال من المشرق.
وتختلِف مطالعه بحسب اختلاف منازله، وهي ثمانيةٌ وعشرون منزلاً، ينزل في كل ليلة واحدًا منها، والشَّمس تنزل
(1)
في كل منزل منها ثلاثة عشر يومًا، فيكون عَودُها إلى المنزل الذي نزلت فيه عند تمام حول كامل من أحوال السَّنة الشَّمسية.
والمنازل
(2)
منها ما بين طلوعها إلى غروبها؛ أربعة عشر منزلاً، ومن غروبها إلى طلوعها كذلك، فوقت الفجر منها منزلان، والمغرب منزل، وهو نصف
(3)
سواد اللَّيل، وسواد اللَّيل اثنا عشر منزلاً.
(وَالرِّيَاحُ)، وأمَّهاتُها أربعٌ
(4)
، لكن قال أبو المعالي: الاستدلال بها ضعيف: (الْجَنُوبُ
(5)
تَهُبُّ مُسْتَقْبِلَةً لِبَطْنِ كَتِفِ الْمُصَلِّي الْيُسْرَى مَارَّةً إِلَى يَمِينِهِ) في الزَّاوية التي بين المشرق والقِبلة، فإذا استقبلها المصلِّي كانت القبلة بالعراق عن يمينه، والمشرق على
(6)
يساره، وفي الشَّام من مطلع سُهَيل إلى مطلع الشَّمس في الشِّتاء.
(وَالشَّمَالُ مُقَابِلُهَا
(7)
تهبُّ من ظهر المصلِّي؛ لأنَّ مهبَّها من القطب إلى
(1)
في (أ): تزول.
(2)
في (د) و (و): فالمنازل.
(3)
كتب على حاشية (ز): (يصف سواد الليل، كذا في المغني). قلنا: الذي في المغني 1/ 320: (وهو نصف سدس سواد الليل).
(4)
قوله: (وأمهاتها أربع) هو في (د): (ومهابها الأربع)، وفي (و):(أمهاتها الأربع).
(5)
في (و): والجنوب.
(6)
في (ز): عن.
(7)
في (أ): مقابلتها.
مغرب الشَّمس في الصَّيف، (تَهُبُّ إِلَى مَهَبِّ الْجَنُوبِ)، فإذا استقبلها تكون على يمينه، والمغرب على يساره
(1)
.
(وَالدَّبُورُ تَهُبُّ مُسْتَقْبِلَةً شَطْرَ وَجْهِ الْمُصَلِّي الْأَيْمَنِ) من
(2)
الزَّاوية التي بين القبلة والمغرب، فإذا استقبلها يكون القطب على يساره، والمشرق على يمينه.
(وَالصَّبَا مُقَابِلَتُهَا
(3)
تَهُبُّ إِلَى مَهَبِّهَا)؛ فهي تهبُّ يَسْرَةَ المتوجِّه إلى قِبلة الشَّام؛ لأنَّ مهبَّها من مطلع الشَّمس في الصَّيف إلى مطلع العَيُّوق، فإذا استقبلها كانت القبلة بالعراق على يساره، والمغرب على يمينه.
وتُسمَّى
(4)
القبَول؛ لأنَّ باب الكعبة وعادة أثواب القرب
(5)
إلى مطلع الشمس فتقابلهم، وبقيَّة الرِّياح عن جنوبهم وشمائلهم ومن ورائهم.
فوائد: قال جماعة من أصحابنا: يستدلُّ بالأنهار الكبار غير المجدَّدة، فكلُّها بخلقة الأصل تجري من مهبِّ الشَّمال من يَمنة المصلِّي إلى يَسرته على انحراف
(6)
قليل، إلاَّ نهرين؛ أحدهما
(7)
: بخُراسان، ويُسمَّى المقلوب، والآخر
(8)
بالشَّام، ويسمَّى العاصي، فإنَّهما يجريان عكس ذلك.
(1)
قوله: (على يمينه والمغرب على يساره) هو في (و): القطب على يساره والمشرق على يمينه.
(2)
في (أ) و (د) و (و): في.
(3)
في (ز): مقابلها.
(4)
في (و): ويسمى.
(5)
هكذا بخط المصنف وفي (أ). وفي (ب): أبواب العرب. وهو الموافق لما في الفروع 2/ 126، والإنصاف 3/ 342.
(6)
في (أ): الانحراف.
(7)
قوله: (أحدهما) سقط من (أ).
(8)
قوله: (والآخر) سقط من (أ).
قال في «المغني» : (وهذا لا ينضبط؛ لأنَّ الأردن بالشَّام يجري نحو القِبلة، وكثير منها يجري نحو البحر يصبُّ فيه).
وبالجبال، فإنَّ غالب وجوهها إلى القبلة خلقة
(1)
يعرفه أهله.
وبالمجرَّة في السَّماء، وهي أول اللَّيل ممتدَّة على كتِف المصلِّي الأيسر إلى القِبلة، وفي آخره على الأيمن في الصَّيف، وفي الاستدلال بها فيه نَظَر، ولهذا لم يذكرها الأكثر، منهم المؤلِّف.
مسألة: يُستحبُّ أن يتعلَّم أدلَّة القِبلة والوقت، ويتوجَّه وجوبُه، فإن دخل الوقت وخفيت
(2)
عليه؛ لزمه قولاً واحدًا؛ لقصر زمنه، ويقلِّد لضيق الوقت؛ لأنَّ القبلة يجوز تركها للضَّرورة، وهي شدَّة الخوف، ولا يعيد، بخلاف الطَّهارة.
والأعمى يقلِّد فيه، وله العمل
(3)
بلمس محراب ونحوه.
فإن قلَّد غيره، ثمَّ أبصر في الصَّلاة، وفرضه قبول الخبر؛ أتمَّها، وكذا إن كان فرضه الاجتهاد ورأى ما يدلُّ على صوابه، وإن
(4)
لم يرَ شيئًا، أو كان قلَّد غيره لعَماه؛ بطلت في الأشهر.
ومن صلَّى باجتهاد أو بيقين
(5)
، ثمَّ عَمِيَ فيها؛ بنى فقط.
(وَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ؛ لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ)؛ لأنَّ فرض كل واحد ما يؤدِّي إليه اجتهاده، فلا يجوز له تقليد صاحبه وإن كان أعلم منه؛ كالعالِمَين يختلفان في الحادثة.
(1)
في (أ) و (د) و (و): خلفه.
(2)
في (أ): وجبت.
(3)
في (أ) و (ز): العلم.
(4)
في (أ): فإن.
(5)
في (أ) و (ز): تيقن. وفي (ب) و (و): وبيقين.
وظاهره: لا فرق بين اختلافهما في جهتين أو جهة، والأول المذهب، والثَّاني قُوَيل.
ولا يصحُّ اقتداؤه به - نَصَّ عليه
(1)
، لظنِّه خطأه - بإجماع.
وذكر في «المغني» : أنَّ قياس المذهب صحَّة الاقتداء مع اختلافهما في جهتين، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لأنَّ كلًّا منهما يعتقد صحَّة صلاة الآخَر، وأنَّ فرضه التوجُّه إلى ما توجَّه إليه، فلم يمنع الاقتداء به؛ كالمصلِّين
(2)
حول الكعبة.
وقيل: تبطل صلاة المأموم فقط.
وظاهر كلامهم: يصحُّ ائتمامه به إذا لم يعلم حاله.
فإن
(3)
كان اختلافهما في جهة، فتيامن
(4)
أحدهما وتياسَر
(5)
الآخَر؛ وفي
(6)
صحَّة اقتداء أحدهما بالآخر وجهان، ذكرهما القاضي.
وذكر في «الشَّرح» : أنَّه لا يختلف المذهب في صحَّة الاقتداء؛ لاتِّفاقهما في الجهة
(7)
الواجب استقبالها.
وظاهره: ولو ضاق الوقت؛ كالحاكم ليس له تقليده
(8)
غيره، وكما لو كان متَّسعًا.
وفيه وجه، وهو الذي في «التَّلخيص» ، وذكره القاضي ظاهر كلام أحمد؛
(1)
ينظر: الفروع 2/ 127.
(2)
في (ب) و (د): كالمصلي.
(3)
في (أ) و (ب) و (ز): وإن.
(4)
في (د): فيتيامن.
(5)
في (د): ويتياسر.
(6)
في (ب) و (ز): ففي.
(7)
في (أ) و (د) و (ز): جهة.
(8)
هكذا في الأصل، وفي (أ) و (ب) و (د) و (ز): تقليد.
لأنَّه قال فيمن هو في مدينة فتحرَّى فصلَّى لغير القبلة في بيت: يعيد؛ لأنَّ عليه أن يسأل
(1)
.
وردَّه المؤلِّف: بأنَّ مقتضاه المنع من
(2)
الاجتهاد في المصر؛ لأنَّه يمكنه التَّوصُّل بطريق الخبر عن يقين.
فإن اتَّفق اجتهادهما فائتمَّ أحدهما بالآخَر، فمن بان له الخطأ؛ انحرف وأتمَّ، وينوي
(3)
المأموم المفارقة للعذر ويُتِمُّ، ويتبعه من قلَّده في الأصحِّ.
تنبيه: إذا صلَّى بلا اجتهاد ولا تقليد، أو ظنَّ جهةً باجتهاده فخالفها؛ أعاد، وإن تعذَّر الأمران لخفاء الأدلَّة، أو عدم من يقلِّده لجهله
(4)
؛ صحَّت صلاته بتحرٍّ في الأشهر.
وإن صلَّى بلا تحرٍّ؛ أعاد.
وعنه: يعيد إن تعذَّر التحرِّي.
وقيل: ويعيد في الكلِّ إن أخطأ، وإلاَّ فلا.
(وَيَتْبَعُ الْجَاهِلُ وَالْأَعْمَى) وجوبًا (أَوْثَقَهُمَا فِي نَفْسِهِ)، ذكره السَّامَرِّيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه ابن تميم، والمراد به: أعلمهما عنده، وأصدقهما قولاً، وأشدُّهما تحرِّيًا لدينه؛ لأنَّ الصَّواب إليه أقرب.
وظاهره: أنَّه إذا قلَّد المفضول لا يصحُّ، وهو ظاهر «الخِرَقي» وغيره؛ لأنَّه يترك ما يغلب على ظنِّه أنَّه الصَّواب، فلم يجز؛ كالمجتهد ترك اجتهاده.
وقيل: يستحبُّ، فعلى هذا: له تقليد من شاء منهما، ذكر في «الشَّرح»:
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 68.
(2)
في (ب) و (ز): في.
(3)
في (أ): ونوى.
(4)
في (أ) و (ز): لجهة.
أنَّه الأَوْلى كما لو استويا، وكعاميٍّ في الفُتيا على الأصحِّ.
وعلى الأوَّل: لا عِبرة بظنِّه، فلو غلب على ظنِّه إصابةُ المفضولِ؛ لم يَمنعْه من تقليد الفاضِلِ.
فإن
(1)
كان أحدُهما أَدْينَ، والآخَرُ أعلمَ؛ فوجْهانِ، فلو تَساوَيا؛ فمَن شاء.
وقال أبو الوَفاء: إن اختَلَفا فإلى الجِهتَين.
تذنيب: إذا قلَّد اثْنَين؛ لم يَرجِع برجوع أحدِهما؛ لأنَّه دخل فيها بظاهِرٍ، فلا يَزول إلاَّ بمثله.
والمقلِّد إذا أخبر فيها بالخطأ عن يَقِينٍ؛ لزِمه الرجوعُ إليه؛ لأنَّه لو أَخبر بذلك المجتهد الذي قلَّده؛ فالجاهل والأعمى أَوْلى.
وإن كان عن اجتهاد، أو لم
(2)
يتبيَّن له؛ لم يلزمْه؛ لأنَّه شرع فيها بدليلٍ يقينًا، فلا يزول عنه بالشَّكِّ.
وذكر في «الشَّرح» : (أنَّ الثَّانيَ إنْ كان أَوْثقَ من الأوَّل، وقلنا: يلزمه تقليد الأفضل؛ فإنَّه يَرجِع إلى قوله؛ كالمجتهِد إذا تغيَّر
(3)
اجتهاده في أثنائها).
(وَإِذَا صَلَّى الْبَصِيرُ فِي حَضَرٍ
(4)
فَأَخْطَأَ)؛ أعاد، ذَكَرَه معظَمُهم، وجزم به في «المحرَّر» ، وصحَّحه ابنُ تميمٍ؛ لأنَّ ذلك لا يكون إلاَّ لتَفريطٍ؛ لأنَّ الحضَرَ ليْس بمحلٍّ
(5)
للاجتهاد؛ لقدرةِ
(6)
مَنْ فيه على الاستدلال بمحاريبِ المسلمين.
(1)
في (أ) و (و): وإن.
(2)
في (د): ولم.
(3)
في (و): تعين.
(4)
في (ز): الحضر.
(5)
في (أ): محَلًّا.
(6)
في (ز): ولقدرة.
ولا فرق في ظاهر كلامهم بين أن يصلِّي باجتهادٍ أو غيره.
وعنه: لا إعادةَ عليه إذا
(1)
صلَّى باجتهادٍ، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وهو ظاهِرُ «المستوعِب» ؛ لأنَّه أتى بما أُمر به، فخرج عن العُهدة كالمُصِيب، واحتجَّ أحمدُ بقضيَّة أهلِ قُباءَ
(2)
.
وفي ثالِثةٍ: ما لم يُخْطِ جزمًا.
وظاهره: أنَّ المَكِّيَّ كغيره، وهو ظاهِرٌ في رواية صالح
(3)
.
وأنَّه لا يعيد مع الإصابة؛ لأنَّه مأمورٌ بها إلى القِبلة، وقد وجدت.
وقيل: يعيد؛ لأنَّه ترك فرضَه وهو السُّؤال.
فإذا أخبره ثقةٌ عدلٌ في الحضر بالقِبلة فصلَّى إليها، وبان خطؤه؛ أعاد، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» وغيرهما؛ لأنَّه قد تبيَّن أنَّ خبره ليس بدليل.
ويُستثنى من كلامه: ما إذا كان محبوسًا فيه، ولا
(4)
يَجِد من يخبره
(5)
؛ فإنَّه يصلِّي بالتَّحرِّي، ولا يعيد، قاله أبو الحسن التَّميميُّ؛ أشبه المسافِر.
(أَوْ صَلَّى الْأَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ؛ أَعَادَا)؛ كترْكه الواجِبَ عليه؛ لأنَّه في الحضر بمنزلة البصير؛ لقدرته على الاستدلال بالخبر
(6)
ولمس المحاريب، ويَعلم أيضًا بأنَّ
(7)
باب المسجد إلى المغرب وغيره.
وظاهره: أنَّه يعيد ولو أصاب؛ لأنَّه ترك فرضه مع أنَّه يغلِب على ظنِّه عدم إصابته.
(1)
في (أ) و (و): إن.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 130.
(3)
لم نجده في مسائل صالح، وينظر: الفروع 2/ 130.
(4)
في (أ): ولم.
(5)
زيد في (ب) و (ز): به.
(6)
في (أ): الخبر.
(7)
في (أ) و (د): أن.
وفيه وجه: أنَّه يعيد مع الخطأ.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْأَعْمَى) والمقلِّد في السَّفَر (مَنْ يُقَلِّدُهُ)؛ تحرَّى، فإن صلَّى بدونه مع القدرة عليه؛ قضى. وقيل: إن أخطأ.
فإن عُدِم التَّحرِّي؛ (صَلَّى) على حسَب حاله، قاله أبو بكر؛ لأنَّه لو لم يصلِّ لأدَّى إلى خلوِّ الوقت عن صلاة في الجملة، وهو غير جائز؛ كعادِم الطَّهورين.
(وَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ)، وقيل: روايتان، حكاهما في «الشَّرح» وغيرِه:
إحداهما: يعيد مطلقًا، وهو ظاهر الخِرَقي؛ لأنَّه صلَّى بغير دليل.
والثَّانية: لا؛ لأنَّه أتى بما أُمر به، وعادِمٌ للدَّليل.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ أَخْطَأَ أَعَادَ)؛ لفوات الشَّرط، وهو عدم الإصابة والصَّلاة بغير دليل.
(وَإِنْ أَصَابَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: لا يعيد؛ لأنَّه استقبل القِبلة فيها، وهو
(1)
إن كان فرضه السُّؤال؛ فقد سقط بعدم المسؤول.
والثَّاني: بلى؛ لأنَّها وقعت في الوقت على نوع من الخلَل؛ استدراكًا لما حصل.
(وَمَنْ صَلَّى بِالاِجْتِهَادِ)، ثمَّ شكَّ في اجتهاده؛ لم يلتفِت وبنَى
(2)
، لأنه
(3)
دخل فيها بظاهر، فلا يزول عنه
(4)
بالشَّكِّ، وكذا إن زال ظنُّه، ولم يبن
(5)
له
(1)
قوله: (وهو) سقط من (و).
(2)
سقط من (و).
(3)
في (أ): لا.
(4)
قوله: (عنه) سقط من (و).
(5)
في (أ) و (ب) و (ز): يُبيَّن.
الخطأُ، ولا ظهر له جهة أخرى، (ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ؛ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ)؛ لما رَوى عامِر بن ربيعة قال: «كنَّا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ في
(1)
ليلةٍ مُظلِمةِ، فلم نَدرِ أين القِبلةُ؛ فصلَّى كلُّ رجلٍ منَّا على حِياله، فلمَّا أصبحنا فذكرنا ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فنزل:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البَقَرَة: 115]» رواه ابن ماجَهْ، والتِّرمذيُّ وقال:(لَيس إسنادُه بِذاك)
(2)
، ولأنَّه شرْط عجز عنه، أشبه
(3)
سائر الشُّروط.
ولا فرق بين كون الأدلَّة ظاهِرةً فاشتبهتْ عليه، أو مستورةً بِغَيمٍ أو ما يسترها عنه، وكذا إذا قلَّد فأخطأ مقلَّدُه.
(فَإِنْ أَرَادَ صَلَاةً أُخْرَى؛ اجْتَهَدَ لَهَا)؛ لأنَّها واقِعةٌ متجدِّدةٌ، فتَستدعِي
(4)
طلَبًا جديدًا؛ كطلَب الماء في التَّيمُّم، وكالحادثة في الأصحِّ فيها؛ كمُفْتٍ ومُستَفْتٍ، وألزمه
(5)
فيها أبو الخَطَّاب وأبو الوفاء إن لم يَذكُر طريقَ الاجتهاد.
(فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ؛ عَمِلَ بِالثَّانِي)؛ أي: بالآخِر؛ لأنَّه تَرجَّح في ظنِّه، والعملُ به واجبٌ.
وظاهِرُه
(6)
: ولو كان في صلاةٍ؛ فإنَّهُ يَبنِي، نقله الجماعةُ، وهو الأصحُّ
(1)
قوله: (سفر في) سقط من (أ).
(2)
أخرجه أبو داود الطيالسي (1241)، والترمذي (345)، وابن ماجه (1020)، وفي سنده أشعث بن سعيد البصري، أبو الربيع السمان، وهو متروك، وشيخه: عاصم بن عبيد الله بن عاصم القرشي، ضعيف، قال العقيلي:(حديث عامر بن ربيعة فليس يروى متنه من وجه يثبت)، وله شاهد من حديث جابر، حسنه الألباني. ينظر: الضعفاء للعقيلي 1/ 30، الإرواء 1/ 323.
(3)
في (و): لشبه.
(4)
في (و): فيستدعي.
(5)
في (د): والتزمه.
(6)
في (ب) و (و): فظاهره.
ش
(1)
؛ لقصَّة أهل قُباءَ، والصَّلاةُ تَتَّسِعُ لاجتهادَين لطولها، بخلاف حكم الحاكِم.
وعنه: تَبطُل
(2)
.
وقال ابن أبي موسى: يلزمه جهته
(3)
الأولة؛ لئلاَّ يُنقض الاجتهادُ بالاجتهاد.
(وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ)؛ لأنَّها لو وجبت الإعادةُ لكان نقضًا للاجتهاد بمثله
(4)
، وذلك غير جائزٍ؛ لعدم تناهيه، وكالحاكم بغير خلاف نعلمه
(5)
.
فرع: إذا ظنَّ الخطأَ فيها؛ بطَلتْ، وقال أبو المعالي: إن بان له صحَّةُ ما كان عليه، ولم يَطُل زمنُه؛ استمرَّ وصحَّت.
وإن بان له الخطأُ فيها؛ بنى، نَصَّ عليه
(6)
؛ لأنَّه مجتهِدٌ أدَّاه اجتهادُه إلى جهةٍ أخرى فلم يَجُز له تركُها، ولأنَّ ما مضى منها كان صحيحًا، فجاز البناءُ عليه.
ومن أخبر فيها بالخطأ يقينًا؛ لزِمه قَبولُه، وإلاَّ لم يَجُز، وذكر جماعةٌ: إلاَّ أن يكونَ الثَّاني يَلزَمُه تقليدُه؛ فكمَنْ تغيَّر اجتهادُه.
وخرَّج أبو الخطَّاب وغيرُه على منصوصه في الثِّيابِ المشْتبِهةِ: وجوبَ الصَّلاةِ إلى أَربَعِ جِهاتٍ، وهو رِوايةٌ، واللهُ أعلمُ.
(1)
ينظر: المجموع 3/ 225، مغني المحتاج 1/ 339.
(2)
في (و): يبطل.
(3)
قوله: (جهته) سقطت من (أ).
(4)
في (د) و (و): مثله.
(5)
ينظر: المغني 1/ 322، شرح الزركشي 7/ 261.
وكتب على هامش (د): (وظاهره: لو صلَّى أربع ركعات لأربع جهات بالاجتهاد؛ فلا قضاء عليه؛ لأن كل واجب مؤداه بالاجتهاد؛ ولم يتعين فيها الخطأ).
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 639.
(بَابُ النِّيَّةِ)
النِّيَّة مُشدَّدةٌ، وحُكي فيها التَّخفيف، يقال: نويت نيَّة، ونَواة، وأنْويْت كنَويْت، قاله الزَّجَّاجُ
(1)
، وانْتوَيْت كذلك، حكاها الجَوهَريُّ
(2)
.
وهي في اللُّغة: القصدُ، وهو
(3)
عزْمُ القلب على الشَّيء، يقال: نواك الله بخير؛ أي: قصَدك به.
وفي الشَّرع: العزمُ على فعل الشَّيء تقرُّبًا إلى الله تعالى.
ومحلُّها القلبُ، والتَّلفُّظ لَيس بشرطٍ؛ إذ الغرضُ جعْلُ العبادةِ لله تعالى، وذلك حاصِلٌ بالنِّيَّة، لكن ذكر ابنُ الجَوزيِّ وغيرُه: أنَّه يُستَحَبُّ أن يَلفِظ بما نَواه.
وإن سبق لسانُه إلى غيرِ ما نَواه؛ لم يَضُرَّ، فإن تلفَّظ بما نَواه كان تأكيدًا، ذكره في «الشَّرح»
(4)
.
(وَهِيَ الشَّرْطُ السَّادِسُ لِلصَّلَاةِ
(5)
؛ أي: لا تَصِحُّ
(6)
إلاَّ بها بغير
(1)
ينظر: المطلع ص 88.
(2)
ينظر: الصحاح 6/ 2516.
(3)
في (أ): وهي.
(4)
كتب على هامش (و): (قال في الاختيارات: "ولا يجب نطقه بها سرًا باتفاق الأئمة الأربعة، وشذ بعض المتأخرين فأوجب النطق بها، وهو خطأ مخالف للإجماع، واتفق الأئمة أنه لا يشرع الجهر بها، ولا تكرارها، وينبغي تأديب من اعتاده، وكذا بقية العبادات، ولا يستحب النطق بها [عند] الإحرام وغيره، قال أبو داود: قلت لأحمد: تقول قبل الإحرام شيئًا؟ [قال: "لا"]، والجهر منهي عنه عند الشافعي وسائر أئمة المسلمين، وفاعله مسيء، وإن اعتقده دينًا خرج عن إجماع المسلمين، ويجب نهيه، ويعزل عن الإمامة إن لم ينته" انتهى)، [ما بين المعقوفتين زيادة من الاختيارات ص 20].
(5)
قوله: (للصلاة) سقط من (ب) و (ز).
(6)
في (و): يصح.
خلافٍ
(1)
؛ لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البَيّنَة: 5]، والإخلاصُ عمَلُ القلبِ، وهو أن يَقصِد بعمَلِه اللهَ وحدَه، ولقوله عليه السلام: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لاِمْرئٍ
(2)
ما نَوَى»
(3)
، ولأنَّها قُرْبةٌ مَحْضةٌ، فاشتُرطتْ لها النِّيَّةُ كالصَّومِ.
وقيل: فرْضٌ. وقيل: رُكنٌ، وعدَّها في «التَّلخيص» مع الأركان؛ لاتِّصالها بها، وإلاَّ فهي بالشَّروط أشْبهُ.
وقال سيِّدُنا الشَّيخُ عبدُ القادِرِ: هي قبل الصَّلاة شَرطٌ، وفيها رُكنٌ، قال صاحِبُ «النَّظم»: فيَلزَمُ في بقيَّة الشُّروط مثلها، وفيه نَظَر.
(عَلَى كُلِّ حَالٍ)؛ أي: لا تَسقُط
(4)
بوجْهٍ، فهي شَرطٌ مع العِلم والجَهْل، والذِّكرِ والنِّسيانِ، وغيرِها.
(وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا إِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً)، فرضًا كانت كالظُّهر والعصر، أو نفلاً كالوتر والسُّنَّةِ الرَّاتبةِ ونحوِها، نَصَّ عليه
(5)
، وجزم به الأصحابُ؛ لعموم الخبَرِ، فيَلزَمُه نيَّةُ الفِعل والتَّعْيينِ؛ لِتتميَّزَ عن غيرِها.
وقيل: نيَّة الفرض تُغنِي عن تَعيِينه، ويحتمله كلامُ الخِرَقِيِّ.
وقيل: إذا نوى فرضَ الوقت فيه، أو ما عليه في
(6)
رُباعيَّة جَهِلها؛ صحَّ وكفى، وأَوْمَأ إليه أحمدُ
(7)
.
(1)
زاد في (ب) و (ز): (نعلمه). وينظر: الأوسط لابن المنذر 3/ 71، الإقناع لابن القطان 1/ 128.
(2)
في (ب) و (و): لكل امرئ.
(3)
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907) من حديث عمر رضي الله عنه.
(4)
في (و): يسقط.
(5)
ينظر: شرح الزركشي 1/ 539.
(6)
في (د): في.
(7)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 109.
وقيل: يكفي نيَّةُ الصَّلاة في نفْلٍ معيَّنٍ، ذَكَره في التَّرغيب.
(وَإِلاَّ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ) مطلَقِ (الصَّلَاةِ) إذا كانت نافلةً مطلَقةً؛ كصلاة اللَّيل؛ لعدَم التَّعيينِ فيها.
(وَهَلْ تُشْتَرَطُ
(1)
نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْفَرْضِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، قيل: هما رِوايتانِ:
إحداهما: لا تُشترَطُ، جزمَ به مُعظَمُ الأصحاب، وصحَّحه ابنُ تميمٍ وغيرُه؛ لأنَّ التَّعيينَ يُغنِي
(2)
عنها؛ لكون الظُّهر لا يَقَعُ من المكلَّف إلاَّ فرضًا، كما أغنى عن نيَّة عدد الرَّكعات.
والثَّانية: تُشترَط، وهو قول ابن حامد، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لِيتميَّز عن ظُهر الصَّبيِّ، وعن المُعادة، فعلى هذا: يحتاج إلى نيَّة الفعل والتَّعيينِ والفرْضيَّة.
وكذا الخلافُ في اشتراط نيَّة الأداء في الحاضِرة.
ويصحُّ القضاءُ بنيَّة الأداء
(3)
، وعكسه إذا بان خلاف ظنِّه، ذكره الأصحابُ، قالوا: ولا يصحُّ القضاءُ بنيَّة الأداء، وعكسُه؛ أي: مع العِلْم.
وظاهره
(4)
: أنَّه لا يُشترَط إضافةُ الفعل إلى الله تعالى فيها
(5)
، وكذا في جميع العبادات في قول الأصحاب.
وقال أبو الفرَج: الأشبَهُ اشتراطُه.
وقيل: يُشترَط فيما يُقصَد لعينه؛ كالصَّلاة والصِّيام، دون الطَّهارة.
(1)
في (و): يشترط.
(2)
في (ز): مغني.
(3)
كتب على هامش (د): لقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البَقَرَة: 200] أي: أديتم.
(4)
في (ب) و (ز): فظاهره.
(5)
في (ب) و (ز): فيهما.
تنبيه: إذا نوى مَنْ عليه ظُهران فائتتان ظُهرًا منهما؛ لم
(1)
يُجزِئْه عن واحدةٍ منهما حتَّى يُعيِّنَ السَّابقةَ؛ لأجل التَّرتيب.
وقيل: بلى كصلاتَيْ نَذْرٍ؛ لأنَّه مخيَّر هنا في التَّرتيب.
وإن قصد بالفائتة أنَّها ظُهرُ أمسِه، وبالحاضرة أنَّها ظهر يومه؛ لم يحتج إلى وصفهما بالقضاء والأداء.
فإن كانتا عليه وحاضرة، فترك شرطًا في واحدة؛ لزمه إعادةُ واحدةٍ في الأشْهَر.
فإذا ظنَّ أنَّ عليه فائتة فنواها في وقت حاضرة مثلها، ثمَّ بان أنَّها لم تكن عليه؛ لم تجزئه عن الحاضرة في الأظهر، قاله ابن تميم.
والثَّاني: تجزئه كما لو نوى ظهر أمسِ، وعليه ظُهر يومٍ قبلَه.
(وَيَأْتِي بِالنِّيَّةِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ)؛ لأنَّه أوَّل الصَّلاة؛ لتكون النِّيَّةُ مقارِنةً للعبادة، ويُشترَط أن يدخل فيها بنيَّةٍ
(2)
جازِمةٍ، فإن دخل بنيَّة متردِّدةٍ؛ لم يصحَّ.
(فَإِنْ تَقَدَّمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ) عُرْفًا؛ (جَازَ)، هذا ظاهِرُ ما في «التَّلخيص» و «المحرَّر» ، وقدَّمه ابن تميم والجَدُّ؛ لأنَّها عبادة، فجاز تقديم نيَّتها عليها كالصَّوم، ولأنَّ أولها من أجزائها، فكفَى استصحابُ النِّيَّة فيها كسائر أجزائها.
وذكر السَّامَرِّيُّ وابن الجَوزيِّ: أنَّه لا يجوز
(3)
تقديمُها إلاَّ بعد دخول الوقت بالزَّمن اليسيرِ
(4)
، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وجزم به في «الوجيز» ، وعليه
(1)
قوله: (لم) سقط من (و).
(2)
في (أ): نية.
(3)
كتب على هامش (و): (قلت: فعلى الأول؛ لا فرق بين الوقت وغيره إذا كان يسيرًا).
(4)
كتب على هامش (و): (قال في الفروع: "وقيل: وبزمن كثير، نقل أبو طالب وغيره: إذا خرج منه بنية يريد الصلاة فهو نيَّة، أتراه كبر وهو لا ينوي الصلاة؟! واحتج به شيخنا وغيره على أن النِّيَّة تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله؛ قصده ضرورة، وعند الحنفية: له تقديمها ما لم يوجد ما يقطعها، وهو عمل لا يليق بالصلاة؛ لأن الصلاة تبطل به؛ فكذا النِّيَّة". انتهى).
شرَحَ ابن الزَّاغوني كلامَ الخِرَقي؛ معلِّلاً بأنَّها ركن، فلا يفعل
(1)
قبل الوقت كبقيَّة الأركان.
وقال الآمِدِي: يجوز بالزَّمن الطَّويل كالصَّوم، ويَحتمِله كلامُ الخِرَقي.
واشترط الآجُرِّيُّ مقارنتها للتَّكبير؛ كالشَّافعِيِّ
(2)
.
وهذا كلُّه ما لم يَفسَخْها؛ أي: يقطعها، وبقاء
(3)
إسلامه، قال في «الوسيلة» و «التَّعليق»: أو يَشتَغل بعمل ونحوه؛ كعمل من سلَّم
(4)
عن نقص. وقيل: أو يتكلَّم، وكذا الحكم في سائر العبادات.
فرعٌ: تَصحُّ
(5)
النِّيَّةُ للفرض من القاعد. وفي «التَّلخيص» : لا، وعليه لا يَنعقِد نفلاً.
(وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ حُكْمَهَا إِلَى آخِرِ الصَّلَاةِ)؛ لأنَّ كلَّ عبادة يُشترَط لها النِّيَّة؛ فيشترط استصحابها كالصَّوم.
ومعنى الاستصحاب: أن لا ينويَ قطعَها، فدلَّ على أنَّها إذا ذَهِل عنها
(6)
أو عَزَبت عنه في أثنائها؛ أنَّها لا تَبطُل؛ لأنَّ التَّحرُّز من هذا غير ممكن.
(فَإِنْ قَطَعَهَا فِي أَثْنَائِهَا؛ بَطَلَتْ)، نَصَّ عليه
(7)
؛ لأنَّ النِّيَّةَ شرطٌ في
(1)
في (أ): تتصل.
(2)
ينظر: الحاوي 2/ 92، البيان 2/ 160.
(3)
بياض في (أ).
(4)
قوله: (من سلم) سقط من (د).
(5)
في (و): يصح.
(6)
في (أ) و (د) و (و): ذهلت عنه.
(7)
لم نقف على من جعلها رواية منصوصة عن أحمد، وذكر في الإنصاف 3/ 368: أنها قول جماهير الأصحاب ولم يذكرها رواية، ولم نقف على من ذكر أن الرواية الثانية: أنها لا تبطل، والذي في المغني والشرح: هو قول الحنفية. ولم يذكر صاحب الإنصاف هذا القول عن أحد من الأصحاب.
جميعها، وقد قطعَها، أشبَه ما لو سَلَّم يَنوي
(1)
الخروج منها.
وفي ثانية: لا تبطل كالحجِّ.
وفرَّق في «المغني» و «الشَّرح» : بأنَّ الحجَّ لا يخرج منه بمحظوراته، بخلاف الصَّلاة.
وقيل: لا تَبطُل إن أعادها قريبًا، وهو بعيدٌ.
(وَإِنْ تَرَدَّد
(2)
فِي قَطْعِهَا)، أو عزم على الفسخ؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: لا تَبطُل، وهو قول ابن حامد؛ لأنَّه دخل بنيَّة متيقَّنة، فلا تزول
(3)
بالشَّكِّ كسائر العبادات.
والثَّاني: تَبطُل
(4)
، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ استدامةَ النِّيَّة شرط، ومع التَّردُّد لا يَبقَى مستديمًا.
وكذا إن علَّق قطعَها على شرطٍ، وصحَّح في «الرِّعاية»: أنَّها لا تَبطُل.
وظاهره: أنَّه إذا عزم على فعل محظور كالحدث
(5)
؛ أنَّها لا تَبطل، وصرَّح به جمع.
أصلٌ: إذا شكَّ فيها في النِّيَّة، أو في تكبيرةِ الإحرام؛ استأنفها؛ لأنَّ الأصل عدمُها.
فإن ذكر ما شكَّ فيه قبل قطعها؛ فقدَّم في «الرِّعاية» : أنَّه إن أطال
(1)
في (و): وينوي.
(2)
في (أ): وإن ترد.
(3)
في (و): يزول.
(4)
في (و): يبطل.
(5)
في (أ) و (ب) و (ز): كالحديث.
استأنفها، وإلاَّ فلا.
وقال جماعةٌ: إن لم يكن أتى بشيءٍ من أفعال الصَّلاة بنى؛ لأنَّه لم يوجد مُبطِل لها.
وإن كان قد عمِل فيها عمَلاً مع الشَّكِّ؛ بنى في قول ابن حامد، وقاله في «التَّلخيص» ؛ لأنَّ الشَّكَّ لا يُزيل حكم النِّيَّة.
وقال القاضي: تَبطُل، وجزم به في «الكافي» ؛ لخلوِّه عن نيَّة معتبَرة.
وقال المجْدُ: إن كان العملُ قولاً؛ لم تبطُل
(1)
؛ كتعمُّد
(2)
زيادتِه، ولا يَعتدُّ به، وإن كان فعلاً كركوع وسجود؛ بطلت؛ لعدم جوازه؛ كتعمُّده في غير موضعه، وحسَّنه ابن تميم.
(فَإِنْ
(3)
أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ)، أو بان عدمُه، أو بفائتةٍ فلم تكن؛ (انْقَلَبَ
(4)
نَفْلاً)؛ لأنَّ نيَّة الفرض تَشمَل نيَّة النَّفل، فإذا بطلت نيَّة الفرْضيَّة؛ بقيت
(5)
نيَّة مطلَقِ الصَّلاةِ.
وعنه: لا تَنعقِد
(6)
؛ لأنَّه لم يَنْوِهِ.
وظاهره: أنَّه إذا أحرم به قبل وقته مع علمه؛ أنَّها لا تنعقد، وهو كذلك في الأصحِّ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ، ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلاً؛ جَازَ)، قدَّمه جماعةٌ، وهو المذهبُ؛ لأنَّه إكمال في المعنى؛ كنقض المسجد للإصلاح، ولأنَّ نيَّة النَّفل
(1)
في (د): يبطل.
(2)
في (أ) و (ب) و (و) و (ز): كتعمده.
(3)
كتب على هامش (و): (عبارة الفروع: وإن أحرم بفرض فبان عدمه؛ كمن أحرم بفائتة فلم تكن أو بان قبل وقته؛ انقلب نفلاً).
(4)
في (أ): انقلبت.
(5)
في (أ): تعينت.
(6)
في (و): لا ينعقد.
تضمَّنتها نيَّة
(1)
الفرض، لكنَّه يكره؛ لكونه أبطل عملَه.
وقال القاضي في موضِعٍ: لا يَصحُّ
(2)
روايةً واحدةً، كما لو انتقل من فرض إلى آخر.
وفي «الجامع» : أنَّه يُخرَّج على روايتَين
(3)
، وصحَّح في المذهب: أنَّه لا يصحُّ؛ لأنَّه أبطل عملَه لغير سببٍ ولا فائدةٍ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَجُوزَ إِلاَّ لِعُذْرٍ)؛ أي: لِغرَضٍ صحيحٍ، (مِثْلَ أَنْ يُحْرِمَ مُنْفَرِدًا فَيُرِيدَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ)، قدَّمه غير واحِدٍ؛ لأنَّه يَنتقِل إلى أفضل من حاله، وذلك مطلوب في نظر الشَّرع.
وهل ذلك أفضل أم تركُه؟ على روايتَين. صرَّح في «الشَّرح» بعدَم الكراهة.
وعنه: لا يجوز، حكاها القاضي.
وعن أحمدَ فيمن صلَّى ركعةً من فريضةٍ منفرِدًا، ثمَّ حضر الإمام، وأقيمت الصلاةُ: يَقطَع صلاتَه ويدخل معهم
(4)
؛ يتخرَّج منه: قَطْعُ النَّافلة بحضور
(5)
الجماعة بطريق الأَوْلى.
فإن دخل معهم قبل قطعه؛ ففي الإجزاء روايتان.
(وَإِنِ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ؛ بَطَلَتِ الصَّلَاتَانِ)؛ لأنَّه قَطَع نيَّةَ الأُولى، ولم يَنوِ للثَّانية من أوَّلها.
وقال ابن حمدانَ: إن قلنا لا تجب نيَّة القضاء؛ صحَّ ما نقله إليه، دون ما
(1)
في (د): تضمنها نيته.
(2)
في (أ): تصح.
(3)
في (أ): الروايتين.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 176.
(5)
في (ب) و (ز): لحضور.
نقله
(1)
عنه.
وفي «الفروع» : أنَّه إذا نوى الثَّاني من أوَّله بتكبيرة الإحرام أنَّه يصحُّ، وفي نفله
(2)
الخلافُ.
وكذا كلُّ صلاة نواها فرضًا
(3)
، واعتقد جوازه بعد إتمامها فرضًا؛ كصلاة الفَذِّ خلف الصَّف، وفي الكعبة، وخلف الصَّبيِّ، والمتنفِّلِ على روايةٍ، والأَقْيَس بقاؤها نفلاً.
وإن اعتقد عدَم جوازه؛ فوجهان، وظاهره: البطْلانُ.
وقوله: (بطلت الصَّلاتان) فيه تجوُّز؛ لأنَّ الثَّانية
(4)
لا تُوصَف
(5)
به.
(وَمِنْ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ: أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَالَهُمَا)؛ أي: يُشتَرَط أن ينويَ الإمامُ الإمامةَ على الأصحِّ؛ كالجمعة وِفاقًا
(6)
، والمأموم لحاله؛ لأنَّ الجماعة تتعلَّق به
(7)
أحكام وجوب الاتِّباع، وسقوط السَّهو عن المأموم، وفساد صلاته بصلاة إمامه، وإنَّما يتميَّزان بالنِّيَّة، فكانت شرطًا، رجلاً كان المأمومُ أو امرأةً
(8)
، صرَّح به في «المستوعب» .
وقيل: إن كان المأمومُ امرأةً؛ لم يَصِحَّ ائْتمامُها به إلاَّ بالنِّيَّة؛ لأنَّ صلاته تَفسُد إذا وقفتْ بجنبه.
(1)
في (أ): فعله.
(2)
في (د): فعله.
(3)
كتب على هامش (و): قوله: (وكذا كل صلاة نواها فرضًا)، عبارة الفروع:(وكذا حكم ما يفسد الفرض فقط إذا وجد فيه؛ كترك القيام إلى آخره)، وهي أحسن.
(4)
في (د) و (و): الثاني.
(5)
في (و): يوصف.
(6)
ينظر: تحفة الفقهاء 1/ 125، الدر الثمين 1/ 245، المجموع 4/ 203، المغني 2/ 170.
(7)
في (ب): بها.
(8)
زيد في (و): وفساد صلاته بصلاة إمامه.
ونحن نمنعه، ولو سُلِّم؛ فالمأموم مثله، ولا ينوي كونها معه في الجماعة، فلا عِبرة بالفرق.
وعنه: يُشترَط في الفرض.
وظاهره: أنَّه إذا نوى أحدهما دون الآخَر؛ لم يصحَّ؛ لأنَّ الجماعة إنَّما تنعقد بالنِّيَّة، فاعتبرت منهما جميعًا.
وأنَّه إذا اعتقد كلٌّ منهما أنَّه إمامُ الآخَر، أو مأمومه؛ فسدت صلاتُهما، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأنَّه ائتمَّ بمن ليس بإمام في الصُّورة الثَّانية، وأمَّ من
(2)
لم يأتمَّ به في الأُولى.
وقيل: تصحُّ
(3)
فُرادَى
(4)
، جزم به في «الفصول» .
وإن لم نَعتبِر نيَّةَ الإمامة؛ صحَّت في الأُولى فرضًا فُرادَى، وكذا إذا نوى إمامةَ من لا يصحُّ أن يؤمَّه؛ كامرأةٍ تَؤُمُّ رجلاً.
وإن
(5)
شكَّ في كونه إمامًا أو مأمومًا؛ لم يَصِحَّ؛ لعدم الجزم
(6)
بالنِّيَّة، وفي «المجرد»
(7)
: ولو بعد الفراغ؛ لا تصحُّ صلاةُ الإمام في الأَشهَر.
مسائل
الأولى: لا يُشتَرَطُ تعيينُ الإمامِ
(8)
. وقيل: بلى.
(1)
ينظر: المغني 2/ 170.
(2)
زيد في (و): بمن.
(3)
في (د) و (و): يصح.
(4)
كتب على هامش (و): في الثانية. الفروع.
(5)
في (د): فإن.
(6)
زيد في (و): به.
(7)
في (أ) و (د): (المحرر). والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 148، والإنصاف 3/ 375.
(8)
كتب على هامش (و): (قال الشيخ تقي الدين: إن عين وقصده خلف من حضر، وعلى من حضر؛ صح وإلا فلا).
فعلى الأُولى: لو عيَّنه فبان غيرُه؛ بطَلت.
وفيه وجهٌ: يُتِمُّها مُنفرِدًا.
الثَّانية: لا يُشتَرَطُ تعيينُ المأمومِ. وقيل: بلى.
فعلى الأُولى
(1)
: إن عيَّن مأمومًا وأخطأ؛ ففي صحَّة صلاته وجْهان.
الثَّالثة: إذا جَهِل ما قرأ به إمامُه؛ لم يَضُرَّ في الأَشهَر.
الرَّابعة: إذا أحرم بجماعةٍ، فانفَضُّوا
(2)
قبل ركوعهم
(3)
؛ بطَلتْ.
وقيل: يتمُّها وحده.
وكذا إن أحرم ظنًّا أنَّه يأتيه
(4)
مأمومٌ، ثمَّ لم يأتِ، وإن فعل ذلك، وهو لا يرجو مجيءَ أحد؛ لم تصحَّ
(5)
صلاته في الأصحِّ.
وإن نوى زَيدٌ الاقتداءَ بعمْرٍو، ولم يَنْوِ عمرٌو الإمامةَ؛ صحَّتْ صلاةُ عَمْرٍو وحدَه.
(وَإِنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الاِئْتِمَامَ؛ لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، وهو المذهبُ، وصحَّحه في «الشَّرح» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه لم يَنْوِ الائتمامَ في ابتداء الصَّلاة، ولأنَّه نَقَل
(6)
نفسه مؤتَمًّا؛ فلم يجزْ؛ كنِيَّة إمامتِه فرضًا.
ولا فرق بين أن يصلِّيَ وحده ركعةً أو لا.
وفارق نقله إلى الإمامة؛ للحاجة إليه.
(1)
في (و): الأول.
(2)
في (د) و (و): وانفضوا.
(3)
في (د) و (و): ركوعه وإحرامهم.
(4)
في (د): تأتيه.
(5)
في (و): يصح.
(6)
في (أ): فعل.
والثَّانية: تَصِحُّ
(1)
؛ كما لو نوى الإمامةَ، ولأنَّه نَقَل نفسَه إلى الجماعة. فعلى هذا يُكرَه. وعنه: لا.
ومتى فَرَغ قَبْل إمامِه؛ فارقه وسلَّم، نَصَّ عليه
(2)
، وإن انتظره ليسلِّم معه جاز.
(وَإِنْ) أحرَم منفرِدًا، ثمَّ (نَوَى الْإِمَامَةَ؛ صَحَّ فِي النَّفْلِ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، قال ابنُ تِميمٍ وغيره: وهو المنصوص؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قام يَتهجَّدُ وحدَهُ، فجاء ابنُ عبَّاسٍ فأحرَم معه، فصلَّى به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم» متَّفَقٌ عليه
(3)
.
(وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْفَرْضِ) على المذهب؛ لأنَّه لم يَنوِ الإمامةَ في ابتداء الصَّلاةِ، أشْبَه ما لوْ أحرَم يومَ الجمعة بعد الخُطبة وكمال العدد، ثمَّ انفضُّوا، فأحرَم
(4)
بالظُّهر، ثمَّ تكامَل العددُ وهو في الصَّلاة فنَوى الجمعةَ.
وعنه: لا يَصِحُّ
(5)
في فرْضٍ ولا نفْلٍ، قدَّمه في «التَّلخيص» ، وقطع به بعضُهم، وفي «الفروع»: اختاره الأكثر؛ لأنَّه لم يَنوِ الإمامةَ في ابتدائها؛ أشْبَه ما لو ائتمَّ بمأمومٍ.
(وَيَحْتَمِلُ: أنْ تَصِحَّ
(6)
فيهما، (وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي)، هذا
(7)
روايةٌ عنه، واختارها المؤلِّفُ والشَّيخُ تقِيُّ الدِّين
(8)
؛ «لأنَّه عليه السلام أحرَم وحدَه، فجاء جابِرٌ وجَبَّارٌ فصلَّى بهِما» رواه أبو داود، قاله في «الشَّرح» ، قلتُ: رواه مسلمٌ في
(1)
في (و): ينو.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 176.
(3)
أخرجه البخاري (117)، ومسلم (763).
(4)
في (د): أحرم.
(5)
في (أ) و (ب) و (ز): تصح.
(6)
في (د) و (و): يصح.
(7)
في (أ) و (ب): هذه.
(8)
ينظر: الفروع 2/ 150.
«صحيحه»
(1)
، ولأنَّ الأصلَ مساواةُ الفرض للنَّفل في النِّيَّة، والحاجةُ داعيةٌ إلى ذلك، فصحَّ؛ كحالة الاِستِخْلاف.
(فَإِنْ أَحْرَمَ مَأْمُومًا، ثُمَّ نَوَى الاِنْفِرَادَ لِعُذْرٍ)؛ كمرض، وغَلَبةِ نُعاسٍ، وتطويلِ إمامٍ، وغير ذلك؛ جاز
(2)
؛ لما رَوى جابِرٌ قال: «صلَّى معاذٌ بقومه، فقرأ سورةَ البقرة، فتأخَّرَ رجلٌ فصلَّى وحدَه، فقيل له، فقال: لآتِيَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأُخبِرَه، فأتاه فأَخبَرَه، فقال: أفتَّانٌ أنتَ يا مُعاذُ؟! مرَّتَينِ» متَّفقٌ عليه
(3)
، ولم يأمُرْه بالإعادةِ، وكالطَّائفةِ الأُولى في
(4)
صلاة الخوف.
فلو زال عذرُه وهو يصلِّي؛ فله الدُّخولُ معه، ولا يَلزَمُه، وكمسبوقٍ مُستخلَفٍ أتمَّ مَنْ خلْفَه صلاتَهم.
فعلى هذا: إن فارقه في ثانيةِ الجمعة لعذر؛ أتمَّها جُمعةً كمسبوقٍ، وإن فارقه في الأُولى؛ فكمَزحومٍ فيها حتَّى
(5)
تفوتَه
(6)
الرَّكعتان.
وإن قلنا: لا تَصِحُّ
(7)
الظُّهرُ قبْل الجمعةِ؛ أتمَّ نفلاً.
وإن فارقه في قيامٍ؛ أتى ببقيَّة القراءة، وبعدها؛ له الرُّكوعُ في الحال.
وإن ظنَّ في صلاة سرٍّ أنَّ الإمام قرأ؛ لم يقرأ. وعنه: بلى؛ لأنَّه لم يُدرك معه الرُّكوع.
فرع: لو سلَّم من له عُذرٌ، ثمَّ صلَّى وحدَه؛ فظاهِرُ كلامهم: لا يجوز، فيُحمَل فِعلُ مَنْ فارق معاذًا على ظنِّ الجواز، لكن لم يُنكَر عليه، فدلَّ على
(1)
أخرجه مسلم (3010)، وأخرجه أبو داود أيضًا بمعناه (634).
(2)
بياض في (أ) بمقدار كلمة.
(3)
أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465).
(4)
قوله: (الأولى في) هو في (ب): الأولى من، وفي (د) و (ز) و (و): الأولة من.
(5)
في (د): حين.
(6)
في (ز): تفوتنا.
(7)
في (و): يصح.
جوازه، وذكره في «شرح مسلمٍ»
(1)
.
(وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لَمْ يَجُزْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، وهي
(2)
الأصحُّ، كما لو ترك متابَعةَ إمامِه بغَيرِ نيَّةِ المفارَقةِ.
والثَّانية: يجوز ولا تَبطُل
(3)
، كما إذا نوى المنفردُ الإمامةَ، بل ههنا أَوْلى، فإنَّ المأمومَ قد يصير منفرِدًا بغَير نيَّةٍ، وهو المسبوقُ إذا سلَّم إمامُه، والمنفرِدُ لا يصير مأمومًا بغير نيَّةٍ بحال، قال ابن تميم: والإمامُ كالمأمومِ في ذلك.
فرع: تَبطُل صلاةُ مأمومٍ ببطلانِ صلاةِ إمامِه لعُذرٍ أو غيرِه
(4)
، اختاره الأكثرُ، لا عكسُه في الأظهر، ويتمُّها منفرِدًا.
وعنه: لا تَبطُل صلاةُ مأمومٍ، ويتمُّونها فُرادَى، والأشهرُ: أو جماعةً، اختاره جمعٌ.
وقال القاضي وصاحب «التَّلخيص» : إن فسَدت صلاتُه بِتركِ رُكنٍ؛ فسَدتْ صلاتُهم روايةً واحدةً، وإن كان بِفِعلِ مَنهِيٍّ عنه؛ كالحدَثِ والكلامِ؛ فروايتان.
واستثنى في «المستوعب» : إذا صلَّى بهم محدِثًا، ولم يَذْكُرْ حتَّى سلَّم، فإنَّه لا تَبطُل صلاتُهم روايةً واحدةً استحسانًا.
(وَإِنْ) أحرَم مأمومًا، ثمَّ (نَوَى الْإِمَامَةَ لاِسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ إِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ؛ صَحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، وهو المنصورُ عند أصحابنا؛ لما رُوي:«أنَّ عمرَ لمَّا طُعن أخذ بِيدِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ فقدَّمه، فأتمَّ بهم الصَّلاةَ»
(1)
ينظر: شرح مسلم 4/ 182.
(2)
في (ب) و (ز): وهو.
(3)
في (و): يبطل.
(4)
في (أ) و (ب): لغيره.
رواهُ البخاريُّ
(1)
، فما عابَهُ عائِبٌ، ولا أنكرَه منكِرٌ، فكان كالإجماع، ولفِعْل
(2)
عليٍّ، رواهُ سَعيدٌ
(3)
.
وظاهره: سواءٌ قلنا ببُطلانِ صلاةِ الإمام أو لَا، وبالجملة فقد اختَلَفتِ الرِّوايةُ فيها، والأصحُّ أنَّها باطِلةٌ؛ كتعمُّده، ولقوله عليه السلام: «إذا فَسا أحدُكم في صلاتِهِ فلينصرِفْ فليَتوضَّأ
(4)
، وليُعِدِ الصَّلاةَ» رواه أبو داودَ بإسنادٍ جيِّدٍ، من حديثِ عليِّ بن طَلْقٍ
(5)
.
وعنه: إن كان من السَّبِيلَينِ ابتدأ
(6)
، ومن غيرهما يَبنِي؛ لأنَّ نجاستَهما أغلظُ.
وعنه: يَبنِي مطلقًا، اختاره الآجُرِّيُّ؛ لخَبَرٍ رواهُ ابنُ ماجَهْ والدَّارَقُطْنِيُّ عن عائشةَ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أصابَهُ قيءٌ أو رُعافٌ أو قَلَسٌ أو مَذْيٌ فليَنصرِفْ فليَتوضَّأ، ثمَّ ليَبْنِ على صَلاتِه، وهو في ذلك لا يَتكلَّمُ»
(7)
.
فعلى هذا: إذا احتاج إلى عملٍ كثيرٍ؛ فوجهانِ، أصحُّهما: البِناءُ، قاله
(1)
أخرجه البخاري (3700)، في قصة مقتل عمر رضي الله عنه.
(2)
في (د) و (و): وكفعل.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (3670)، والبيهقي في الكبرى (5258)، وإسناده صحيح، وذكر في المغني (2/ 75)، أن الإمام أحمد احتج به.
(4)
في (أ) و (ب): وليتوضأ.
(5)
أخرجه أحمد (24009/ 33)، وأبو داود (205)، والترمذي (1164)، وابن حبان (2237)، وفي سنده عيسى بن حطان، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب:(مقبول)، وكذا شيخه مسلم بن سلام الحنفي، وحسن الحديث الترمذي، وصححه ابن السكن، وابن حبان، وابن الملقن، وقال ابن القطان:(لا يصح)، وضعفه الألباني، وفي اسم صحابي الحديث هل هو علي بن طلق أو طلق بن علي بحث ذكره ابن الملقن وغيره. ينظر: بيان الوهم والإيهام، البدر المنير 4/ 97، ضعيف أبي داود 1/ 380.
(6)
في (ز): ابتداء.
(7)
سبق تخريجه 1/ 225 حاشية (3).
ابن تميم، وعنه: يُخيَّر، والأوَّل أَولى.
وحديث عائشة فيه إسماعيل بن عيَّاش عن ابن جُرَيجٍ، وهو حِجازيٌّ، وروايته عن الحجازيِّين ضعيفةٌ عند أكثر المحدِّثين.
وإن سبَق الإمامَ الحدثُ، فجهِل هو والمأمومُ حتَّى فرَغوا من الصَّلاة؛ فصلاةُ المأموم صحيحةٌ.
تنبيه: إذا لم يَستخلِف الإمامُ، فاستخلَف الجماعةُ أحدَهم، أو مسبوقًا منهم، أو من غيرهم، أو استخلف كلُّ طائفةٍ رجلاً، أو صلَّى بعضُهم فُرادَى، أو كلُّهم، أو تطهَّر الإمامُ وأتمَّ بهم قريبًا وبنى؛ صحَّ الكلُّ على المذهب.
وله أن يَستخلِف لحدوثِ مرضٍ، أو خوفٍ، أو حَصْرٍ عن قراءةٍ واجبةٍ، أو قصرٍ ونحوه.
وظاهِرُه
(1)
: وجُنونٍ، وإغماءٍ، واحتلامٍ، ولو مسبوقًا، نَصَّ عليه
(2)
، ويَستخلِف من يسلِّم بهم.
وله استخلافُ من لم يَدخُل معه نصًّا
(3)
، ويَبنِي على ترتيبِ الأوَّلِ في الأصحِّ.
فإن استخلف في الرُّكوع؛ لَغَتْ تلك الرَّكعةُ.
وقال ابن حامِدٍ: إن استخْلَفه فيه أو بعده؛ قرأ لنفسه، وانتظره المأمومُ، ثمَّ ركع ولَحِقَ المأمومُ.
وإن استَخْلَف امرأةً وفيهم رجلٌ، أو أمِّيًّا وفيهم قارِئٌ؛ صحَّت صلاةُ الثَّاني بالنِّساء والأمِّيِّين فقطْ.
وقال في «الرِّعاية» : ومن استَخلف فيما لا يُعتَدُّ له به
(4)
؛ لم يَمنَع اعتدادَ
(1)
في (د) و (و): فظاهرة.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 153.
(3)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 274.
(4)
في (و): به له.
المأموم به.
(وَإِنْ
(1)
سُبِقَ اثْنَانِ) أو أكثرُ (بِبَعْضِ الصَّلَاةِ، فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي قَضَاءِ مَا بَقِيَ
(2)
، أو ائتم مقيم بمثله إذا سلم إمام مسافر
(3)
؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: يصحُّ، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه انتِقال من جماعةٍ إلى جماعةٍ لعذر، فجاز كالاِستِخلاف، واستدلَّ في «الشَّرح» بقضيَّة أبي بكر حين تأخَّر وتقدَّم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
(4)
، وفيه نَظَرٌ.
والثَّاني: لا يصحُّ؛ لأنَّه ثبت لكلٍّ منهما حكمُ الانفراد بسلام إمامه
(5)
، فصار كالمنفرِد ابتداءً، وبناه في «الشَّرح» على عدَم الاِستخلاف.
وعنه: لا يَصِحُّ هنا وإن صحَّ في التي قبلها، اختاره المجْدُ.
وعلى الأوَّل: محلُّه في غَيرِ الجمعة، كما جزم به في «الوجيز» وصرَّح به القاضي؛ لأنَّها إذا أُقيمَتْ بمسجدٍ مرَّةً؛ لم تُقَم فيه ثانيةً.
(وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْر) السَّبقِ؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ كاستِخْلاف إمامٍ بلا عذرٍ؛ لأنَّ مقتضى الدَّليل منعُه، وإنَّما ثبَت جوازُه في محلِّ العُذْرِ؛ لقضيَّة عمرَ
(6)
، فيَبقَى فيما
(7)
عداه على مقتضاه.
وظاهر كلامه في «الكافي» و «الشَّرح» : أنَّ هذا راجِعٌ إلى المسألة قبلَها.
وظاهر كلامه في «التَّلخيص» : أنَّ في جواز ذلك من غَيرِ عذرٍ رِوايتَينِ.
(1)
في (د): فإن.
(2)
في (ب) و (د) و (و) و (ز): ما فاتهما.
(3)
قوله: (أو ائتم مقيم بمثله إذا سلم إمام مسافر) سقط من (أ).
(4)
أخرجه البخاري (683)، ومسلم (418).
(5)
في (و): إماميه.
(6)
أخرجه البخاري (3700) في قصة مقتل عمر رضي الله عنه.
(7)
في (و): ما.
(وَإِنْ أَحْرَمَ إِمَامًا لِغَيْبَةِ إِمَامِ الْحَيِّ، ثُمَّ حَضَرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَأَحْرَمَ بِهِمْ، وَبَنَى عَلَى صَلَاةِ خَلِيفَتِهِ، وَصَارَ الْإِمَامُ مَأْمُومًا، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أشهرهما: أنَّه يَصِحُّ ويجوز؛ لما رَوى سهلُ بن سعدٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمْرو بنِ عَوفٍ ليُصلِح بينهم، فحانتِ الصَّلاةُ، فصلَّى أبو بكرٍ، وجاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم والنَّاس في الصَّلاة، فتخلَّصَ حتَّى وقَف في الصَّفِّ، وتقدَّم
(1)
فصلَّى بهم» متَّفقٌ عليه
(2)
.
والثَّاني: لا، صحَّحه في «الوسيلة» ، وذكر أنَّه اختيار أبي بكرٍ؛ لعدم الحاجة إليه، وفِعْلُه عليه السلام يحتمل أن يكون خاصًّا له؛ لأنَّ أحدًا لا يُساوِيه في الفضلِ، ولا ينبغي لأحدٍ أن يتقدَّم عليه بخلافِ غَيرِه، كما قال أبو بكرٍ:«ما كان لابنِ أبي قُحافةَ أن يتقدَّم بين يَدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(3)
.
وقيل: يجوز ذلك للإمامِ الأعظمِ فقطْ
(4)
.
(1)
في (و): فتقدم.
(2)
أخرجه البخاري (684)، ومسلم (421).
(3)
أخرجه البخاري (683)، ومسلم (418).
(4)
زيد في (و): والله أعلم بالصواب.
(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ)
يُسَنُّ الخروجُ إليها بسكينةٍ ووَقَارٍ؛ لخبر أبي هريرة في الصَّحيحين
(1)
، ويقارِب خُطاه، ويقول ما ورد، فمنها: ما رواه أحمدُ عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خرجَ من بيتِهِ إلى الصَّلاةِ فقال: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بحقِّ السَّائلينَ عليك، وأسألُكَ بحقِّ مَمْشايَ هذا، فإنِّي لم أخرُج أشَرًا، ولا بَطَرًا، ولا رِياءً، ولا سُمعةً، خرجتُ اتِّقاءَ سخطِكَ، وابتغاءَ مرْضاتِكَ، فأسألك أن تُنقِذني مِنَ النَّار، وأن تَغفِرَ لي ذنوبي، إنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلاَّ أنتَ؛ أقبل اللهُ إليه بوجهِهِ، واستغفرَ له سبعونَ ألفَ ملَكٍ»
(2)
.
فإذا وصل
(3)
المسجدَ؛ قدَّم رِجلَه اليُمنَى في الدُّخول، واليُسرَى في عكْسه، ويقول ما ورد، ولا يُشبِّك أصابعَه، ولا يخوض في حديث الدُّنيا، ويجلِس مستقبِل القِبلةِ.
وإن سَمِع الإقامةَ؛ لم يَسْعَ إليها إذا كان خارجَه، ونصُّه:(لا بأْسَ به يسيرًا إن طمِع أنَّه يدرك التَّكبيرةَ الأُولى)، واحتجَّ بأنَّه جاء عن الصَّحابة، وهم مختلِفون
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (636)، ومسلم (602).
(2)
أخرجه أحمد (11156)، وابن ماجه (778)، من طريق فضيل بن مرزوق، عن عطية، عنه به، وعطية هو العوفي وهو صدوق يخطئ كثيرًا كما في التقريب، وأعله أبو حاتم بالوقف، وأخرجه موقوفًا ابن أبي شيبة (29202)، وله شاهد من حديث بلال رضي الله عنه، أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (85)، لكن في إسناده الوازع بن نافع العقيلي الجزري، قال عنه ابن معين وأحمد:(ليس بثقة)، وقال البخاري:(منكر الحديث)، وضعفه الألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 5/ 365، ميزان الاعتدال 4/ 327، السلسلة الضعيفة (24).
(3)
في (د) و (و): دخل.
(4)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 366، المغني 1/ 328.
احتج أحمد في رواية مهنى بفعل الصحابة كما في الطبقات 1/ 366، فمما ورد:
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (3410)، ومن طريقه الطبراني (9360)، عن سلمة بن كهيل، أن ابن مسعود سعى إلى الصلاة، فقيل له: فقال: «أوليس أحق ما سعيت إليه الصلاة» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (7398)، عن سلمة بن كهيل، عن عمارة بن عمير، عن ابن مسعود نحوه. وهذا مرسل.
وأخرج ابن المنذر (1929)، والطبراني (9259)، عن ليث بن أبي سليم، عن رجل من طيئ، عن أبيه، قال: كان عبد الله ينهانا عن السعي إلى الصلاة، فخرجت ليلة، فرأيته يشتد إلى الصلاة، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، كنت تنهانا عن السعي إلى الصلاة، فرأيتك الليلة اشتددت إليها؟ قال:«إني بادرت حد الصلاة» ، يعني التكبيرة الأولى. ليث ضعيف، وفيه رجلان مبهمان، ولعل أحد الطريقين يتقوى بالآخر.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرج مالك (1/ 72)، ومن طريقه الشافعي (7/ 265)، وعبد الرزاق (3411)، وابن أبي شيبة (7395)، عن نافع:«أن ابن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع، فأسرع المشي إلى المسجد» ، وإسناده صحيح.
(السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ إِلَى الصَّلَاةِ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ)، كذا في «الكافي» وغيرِه؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَفعَل ذلك» رواه ابن أبي أَوْفَى
(1)
، ولأنَّه دُعاءٌ إلى الصَّلاةِ، فاستُحبَّ المبادرةُ إليها، قال ابن المنذر:(أجمع على هذا أهلُ الحرمَين)
(2)
.
وهذا إنْ رأى الإمامَ، وإلاَّ قام عند رُؤيته.
وقيل: إن كان الإمام غائبًا لم يَصِلْ إلى المسجد.
وقيل: أو في المسجد؛ لم يقوموا حتَّى يرَوه.
وذكر في «الشَّرح» : أنَّه إن كان في المسجد أو قريبًا منه؛ قاموا قبل رُؤيته، وإلاَّ فلا.
وعنه: ينبغي أن تُقام
(3)
الصُّفوف قبل أن يدخل الإمام.
(1)
أخرجه البزار (3371)،، وابن عدي في الكامل 2/ 535، والبيهقي (2297)، ولفظه عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال:«كان بلال إذا قال: قد قامت الصلاة؛ نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير» ، وفي سنده الحجاج بن فروخ قال ابن معين:(ليس بشيء).
(2)
لم نجده في كتب ابن المنذر، وينظر: المغني 1/ 331.
(3)
في (و): يقام.
وذكر بعض أصحابنا: الأَوْلى أن يقوم إمامٌ، ثمَّ مأمومٌ.
ولا يُحرِم الإمامُ حتَّى تَفرُغَ الإقامةُ، نَصَّ عليه
(1)
، وهو قول جلِّ أئمَّة الأمصار.
وعُلم منه: جوازُ إقامةِ المقيمِ قبل ذلك.
والمراد بالقيام إليها: هو التَّوجُّه إليها؛ ليَشمَل العاجِزَ عنه.
(ثُمَّ يُسَوِّي الْإِمَامُ الصُّفُوفَ) بالمناكِبِ والأَكعُبِ استحبابًا، فيَلتَفِت عن يمينه فيقول: استوُوا رحمكم الله، وعن يساره كذلك، وفي «الرِّعاية»: يقول عن يساره: اعتدِلوا رحمَكم اللهُ.
ويُكمَل الأوَّلُ فالأوَّلُ، ويَتراصُّون، قال أَنَسٌ:«كانَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُقبِل علينا بوجهه قبل أن يكبِّرَ فيقول: تراصُّوا واعتَدِلوا» متَّفقٌ عليه، زاد البخاريُّ:«فإنِّي أراكُم من وراءِ ظَهْري»
(2)
، ورُوي عن عمرَ وعُثمانَ
(3)
.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه: يجبُ تسويةُ الصُّفوف، وهو ظاهِر كلام شيخنا؛ «لأنَّه عليه السلام رأى رجلاً بادِيًا صدرُه، فقال: لتُسَوُّنَّ صفوفَكم أو ليخالِفَنَّ اللهُ بين وُجوهِكم»
(4)
، ومَن ذَكَر الإجماعَ على استحبابه؛ فمرادُه ثبوتُ استحبابه، لا نَفيُ وجوبِه).
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 61، زاد المسافر 2/ 205.
(2)
أخرجه البخاري (719)، ومسلم (433).
(3)
أثر عمر رضي الله عنه أخرجه مالك في موطأ محمد بن الحسن (97)، وعبد الرزاق (2439)، وبكر بن بكار في جمهرة الأجزاء الحديثية (39)، عن نافع عن ابن عمر قال:«كان عمر لا يكبر حتى تعتدل الصفوف، يوكل بذلك رجالاً» ، وإسناده صحيح.
وأثر عثمان رضي الله عنه أخرجه مالك (1/ 158)، ومن طريقه عبد الرزاق (2408) والطحاوي في مشكل الآثار (14/ 295)، والبيهقي في الكبرى (2293)، عن مالك الأصبحي قال: كنت مع عثمان بن عفان، فقامت الصلاة، وفيه: حتى جاءه رجال قد كان وكَّلهم بتسوية الصفوف فأخبروه أن الصفوف قد استوت، فقال لي:«استوفي الصف، ثم كبَّر» ، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه البخاري (717)، ومسلم (436).
فائدة: يمينُه والصَّفُّ الأوَّل، وهو ما يقطعه المنبر، وعنه: ما يليه للرِّجال؛ أفضل، وله ثوابه وثواب من وراءه ما اتَّصلت الصُّفوف، وكلَّما قرُب منه فهو أفضل، وظاهر ما حكاه أحمد عن عبد الرَّزَّاق: أنَّ بقربه أفضل
(1)
، ومرادُهم: أنَّ بُعْدَ يمينه ليس أفضلَ من قُرْبِ يَساره.
وللأفضلِ تأخيرُ المفضولِ والصَّلاةُ مكانَه، فتُستثنَى
(2)
. وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: لا.
وفي كراهة ترك الصَّف الأوَّل لقادِرٍ وجهان.
والصَّفُّ الأخيرُ للنِّساءِ أفضلُ.
(ثُمَّ يَقُولُ) قائمًا في فرض مع القدْرة: (اللهُ أَكْبَرُ)، فلا تَنعَقِد
(3)
إلاَّ بها نُطقًا، وما رُوي عن بعضهم أنَّه سنَّةٌ، وأنَّ الدُّخول فيها يكفي فيه مجرَّد النِّيَّة؛ فقال النَّوَوِيُّ:(إنَّه لا يصحُّ عنهم مع هذه الأحاديث)
(4)
.
(لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا)، نَصَّ عليه؛ لما رَوى عليٌّ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مفتاحُ الصَّلاةِ الطُّهورُ، وتحريمُها التَّكبيرُ، وتحليلُها التَّسليمُ» رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذي، ورُوي مرسَلاً، قال التِّرمذي:(هذا أصحُّ شَيء في هذا الباب، والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم)
(5)
، وقال النَّبيُّ
(1)
هكذا في الأصل وباقي النسخ الخطية المعتمدة، والذي في الفروع 2/ 160:(تقدمه أفضل).
(2)
في (ب) و (و): فيستثنى.
(3)
في (أ) و (ب): ولا تنعقد.
(4)
ينظر: شرح مسلم للنووي 4/ 96، وعبارته:(لا أظن هذا يصح عن هؤلاء الأعلام مع هذه الأحاديث الصحيحة).
(5)
أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (61)، والترمذي (3)، وابن ماجه (275)، من طريق عبدالله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية، عن علي رضي الله عنه به، وفي سنده ابن عقيل وهو صدوق في حديثه لين، وللحديث شواهد أخرى تقويه، وصححه ابن السكن، وحسنه البغوي، وروي من حديث جابر وأبي سعيد الخدري وابن عباس وغيرهم، رضي الله عنهم. ينظر: خلاصة الأحكام 1/ 348، البدر المنير 3/ 447، صحيح أبي داود 1/ 102.
صلى الله عليه وسلم: «لا يقبلُ اللهُ صلاةَ امرئٍ حتَّى يضعَ الطُّهورَ مواضِعَهُ، ثمَّ يستقبِلَ القِبلةَ، ويقول: اللهُ أكبرُ» رواه أبو داود من حديثِ رِفاعة
(1)
، وقال عليه السلام للمسيء في صلاته:«إذا قمتَ فكبِّرْ» متَّفقٌ عليه
(2)
، ولم يُنقَل أنَّه كان يستفتِحها بغير ذلك.
فلا تنعقِد
(3)
بقول
(4)
: اللهُ الأكبر
(5)
، أو الكبيرُ، أو الجليل، ولا:(الله أقبر) بالقاف، ولا:(الله) فقط. وقيل: يكره، ويصحُّ في الأُوليين
(6)
.
وظاهره: أنَّه إذا نَكَّسه لا يصحُّ، وهو المشهور.
مسألة: إذا مدَّ همزةَ (اللهُ) لم تنعقِد
(7)
؛ لأنَّه غيَّر المعنى، فصار استفهامًا، وكذا إن قال: أكْبار؛ لأنَّه بقي
(8)
جمع كَبَرٍ، وهو الطَّبْل، وإن مطَّطه
(9)
؛ كُرِه مع بقاء المعنى وصحَّت.
فرع: إذا تمَّمه راكعًا، أو أتى به فيه، أو كبَّر قاعدًا، أو أتمَّه قائمًا؛ انعقد
(10)
في الأصحِّ نفلاً؛ لسقوط القيام فيه، ويدرك الرَّكعة إن كان الإمام
(1)
أخرجه أبو داود من طريقين (857، 858)، والطبراني في المعجم الكبير (4526)، ولفظه عند أبي داود: «إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء يعني مواضعه ثم يكبر
…
»، وعند الطبراني:«فيضع الوضوء مواضعه، ثم يقول: الله أكبر» وهو حديث صحيح، ووقع في طريق أبي داود الأول علة خفية أشار إليها أبو حاتم، وحسن إسناده البزار، وصححه الألباني. ينظر: مسند البزار 9/ 177، صحيح أبي داود 4/ 7.
(2)
أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397).
(3)
في (أ) و (ب) و (د): ولا ينعقد.
(4)
في (أ) و (ب) و (د): بقوله.
(5)
في (د) و (و): أكبر.
(6)
في (د) و (و): الأولين.
(7)
في (و): ينعقد.
(8)
في (أ): نفى.
(9)
في (أ): شطَّه.
(10)
في (ز): انعقدت.
في نفل، ذكره القاضي.
(فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا؛ لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا)؛ لأنَّها ركن في الصَّلاة، فلزمه تعلُّمها كالفاتحة، زاد في «الرِّعاية»: في مكانه أو فيما قرُب منه.
وقال في «التَّلخيص» : إن كان في البادية؛ لزِمه قصدُ البلد لتعلُّمه، ولا يكفيه التَّرْجمة بدلاً، بخلاف التيمُّم.
(فَإِنْ) عجَز، أو (خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ؛ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ)، ذكره السَّامَرِّيُّ وغيرُه، وصحَّحه ابن تميم، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّه عجَز عن اللفظ، فلزمه الإتيانُ بمعناه؛ كلفظة النِّكاح.
وعنه: لا يكبِّر إلاَّ بالعربيَّة، اختاره الشَّريف؛ لأنَّه ذِكرٌ تعيَّنتْ صيغته، فلم يترجم عنه؛ كالقراءة، وكالقادر، فيُحرِم بقلبه، وقيل: يجب تحريك لسانه، وإن قدر على البعض قاله.
وحكم الذِّكر الواجبِ؛ كالتَّكبير في ذلك، بخلاف المسنون، فإنَّه لا يَأتِي به بغير العربيَّة، نَصَّ عليه، فإن ترجم عنه؛ بطلت.
فرعان:
الأوَّل: إذا عرف لسانًا فارسيًّا وسريانيًّا؛ فثالثها: يخيَّر، ويقدَّمان على التُّركي، وقيل: يخيَّر كما يخيَّر بين التُّركي والهنديِّ.
الثَّاني: يَلزَم الأخرسَ ومن سقط عنه النُّطقُ؛ تحريكُ لسانه بقدر الواجب من القراءة ونحوِها، ذكره القاضي وصاحب «التَّلخيص» وغيرُهما؛ لأنَّ الصَّحيحَ يَلزَمه النُّطقُ بتحريك لسانه، فإذا عجَز عن أحدهما لزِمه الآخَرُ.
واختار المؤلِّف، ورجَّحه في «الشَّرح»: لا، كمن سقط عنه القيامُ سقط عنه النُّهوضُ إليه وإن قدَر عليه؛ لأنَّه عبَثٌ، ولم يَرِدِ الشَّرع به؛ كالعبَثِ بسائر جوارحه، وإنَّما لزم القادر ضرورةً.
(وَ) يُستحبُّ أن (يَجْهَرَ الْإِمَامُ بِالتَّكْبِيرِ كُلِّهِ) بحيث يُسمِع مَنْ خلفَه، وأدناه
سماعُ غيره، وذلك مطلوبٌ؛ لما فيه مِنْ متابَعة المأمومين لإمامهم، وكذا جهره بتسميعٍ وسلامٍ وقراءةٍ في جهرية، فإن لم يمكنه إسماعهم؛ جهَر به بعضهم ليُسمِعهم؛ لما في الصَّحيح عن جابر قال: «صلَّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خلفَه، فإذا
(1)
كبَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كبَّر أبو بكرٍ ليُسمِعَنا
(2)
»
(3)
.
وكذا حكم جهرِه
(4)
بتحميدٍ وسلامٍ لحاجةٍ، فيُسنُّ.
(وَيُسِرُّ غَيْرُهُ بِهِ)؛ أي: بالتَّكبير (وَبِالْقِرَاءَةِ)؛ لأنَّه لا حاجة إليه، وربَّما لبَّس على المأمومِين، وإنَّما سُنَّ له الإسرارُ بها في حال إخفاء الإمام لا في حال جهره؛ لأنَّه يُسنُّ له الإنصاتُ، والجمعُ بين مسنونيَّة الإسرارِ والإنصاتِ متناقِضٌ.
(بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ)؛ لأنَّه يجب على كل مصلٍّ أن يجهَر بكلِّ
(5)
قولٍ واجب بقدر ما يُسمِعُ نفسَه؛ لأنَّه لا يكون كلامًا بدون الصَّوت، وهو ما يتأتَّى سماعُه، وأقرب السَّامعين إليه نفسه، وهذا ليس يفيد في مسنونية ذلك؛ لأنَّه لو رفع صوتَه بحيث يُسمِعُ من يليه فقط؛ لكان مُسِرًّا آتيًا بالمقصود.
وهذا إن
(6)
لم يَمنَع مانِعٌ من سماع نفسه، فإن كان؛ فبحيث يحصل السَّماع مع عدمه.
(وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) ندبًا بغير خلاف نعلمه
(7)
عند افتِتاحها، وليس بواجب اتِّفاقًا، ويقال لتاركه: تارك السُّنَّة، وقال القاضي: لا بأس أن يقال: هو مبتدِعٌ.
(1)
في (و): فلما.
(2)
في (أ) و (ب): يسمعنا.
(3)
أخرجه مسلم (413).
(4)
في (أ) و (ب) و (د) و (و): جهرٍ.
(5)
في (د): كل.
(6)
في (و): إذا.
(7)
ينظر: الأوسط 3/ 137، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 127.
فإن عجَز عن رفع إحدى يديه؛ رفع الأخرى، فإن
(1)
كانتا في كُمَّيه رفعهما؛ لخبر وائل بن حجر
(2)
.
(مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ)؛ أي: يكون ابتداءُ الرَّفع مع ابتداء التَّكبير، وانتهاؤه مع انتهائه، نَصَّ عليه
(3)
، وهو الصَّحيح؛ لما رَوى وائلُ بنُ حُجْر:«أنَّه رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يرفع يدَيه مع التَّكبير»
(4)
، ولأنَّ الرَّفع للتَّكبير فكان معه.
وعنه: يرفعهما قبل التَّكبير
(5)
، ثمَّ يحطُّهما بعده؛ لأنَّه يَنفِي الكبرياءَ عن غير الله، وبالتَّكبير يُثبِتُها لله، والنَّفي مقدَّم؛ ككلمة الشَّهادة.
وقيل: يُخَيَّر، قال في «الفروع»:(وهو أظهر).
فإن ترك الرَّفع حتَّى فَرَغ من التَّكبير؛ لم يرفَع؛ لأنَّها سنَّةٌ فات محلُّها.
(مَمْدُودَةَ الْأَصَابِعِ)؛ لقول أبي هريرة: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يرفَع يدَيه مدًّا» رواه
(1)
في (أ) و (ب) و (ز): وإن.
(2)
كتب على هامش (و): (قوله: "لخبر وائل بن حجر"، هو ما أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما عن وائل: «أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة وكبَّر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع اليمنى على اليسرى، كلما أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما وكبر فركع .. » الحديث، وعنه أيضًا قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء، فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة» رواه أبو داود).
(3)
ينظر: مسائل حرب - الصلاة ص 13.
(4)
أخرجه أحمد (18848)، من طريق أبي البختري، عن عبد الرحمن بن اليحصبي، عن وائل بن حجر به، وفي سنده عبد الرحمن بن اليحصبي الكوفي، وثقه ابن حبان.
وأخرجه أبو داود (725)، والبيهقي (2312)، من طريق المسعودي، حدثني عبد الجبار بن وائل، حدثني أهل بيتي، عن أبي أنه حدثهم، وحسنه الألباني. ينظر: الإرواء 3/ 113.
(5)
كتب على هامش (و): قوله: (وعنه يرفعهما قبل التكبير) هذا هو الأظهر؛ لحديث أبي حميد الذي رواه البخاري وأحمد وأبو داود والنَّسائي والتِّرمذي وابن ماجه ولفظ أبي داود: «كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم كبر حتى يقر كل عضو في موضعه معتدلاً» .
أحمد وأبو داود والتِّرمذيُّ بإسنادٍ حسَنٍ
(1)
.
(مَضْمُومًا بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ)، هذا هو المذهبُ؛ لأنَّ الأصابع إذا ضُمَّت تَمتدُّ.
وعنه: مُفرَّقَةً
(2)
؛ لما روى أبو هريرة قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا كبَّرَ نَشَر أصابعَهُ» ذكره أحمدُ، ورواه التِّرمذي، وقال:(إنَّه خطأٌ)
(3)
، ثمَّ لو صحَّ كان معناه المدُّ؛ لأنَّ النَّشر لا يقتضي التَّفريق؛ كنشر الثَّوب.
ويكون مستقبِلاً ببطونهما القِبلة، ذكره ابن تميم و «المبهج» و «الفروع» ، ولم يذكرْه آخرون منهم المؤلِّف.
وقيل: قائمةً حال الرَّفع والحطِّ.
(إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ أَوْ إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ)، ذكره في «التَّلخيص» وغيرِه، واختاره الخِرَقِيُّ، قال في «الفروع»:(وهي أشهر)؛ لما روى ابن عمر قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصَّلاة رفع يدَيه حتَّى يكونا حَذوَ منكبَيه، ثمَّ يكبِّر» متفق عليه
(4)
، وعن مالك بن الحُوَيْرِث: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يرفع إلى فروع
(1)
قوله: (لقول أبي هريرة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مدًّا») إلى هنا سقط من (د).
والحديث: أخرجه أحمد (8875)، وأبو داود (753)، والترمذي (240)، وابن خزيمة (473)، وإسناد صحيح، رجاله ثقات، وهو أصح من اللفظ الذي سيأتي تخريجه قريبًا:«إِذَا كَبَّرَ نَشَرَ أَصَابِعَهُ» .
(2)
كتب فوقها في (و): (وهو قول الشافعي).
(3)
أخرجه الترمذي (239)، وابن خزيمة (458)، وفي سنده يحيى بن اليمان وهو صدوق عابد يخطئ كثيرًا وقد تغير، قاله ابن حجر في التقريب، وهو مع هذا خالف غيره من الثقات في رواية الحديث، قال الترمذي:(وقد روى غير واحد هذا الحديث، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدًّا» وهو أصح من رواية يحيى بن اليمان، وأخطأ ابن اليمان في هذا الحديث)، وكذا رجح أبو حاتم خطأ ابن اليمان في هذا الحديث. ينظر علل ابن أبي حاتم 2/ 134.
(4)
أخرجه البخاري (736)، ومسلم (390).
أذنَيه» رواه مسلم
(1)
، وظاهره التَّخيير؛ لصحَّة الرِّواية بهما.
وعنه: يرفعهما إلى منكبَيه، اختاره الأكثرُ، وذكر في «الشَّرح»: أنَّ مَيلَ أبي عبد الله إلى هذا أكثرُ؛ لكثرة رُواته من الصَّحابة، وقربِهم.
وعنه: إلى فروع أذنيه، اختاره
(2)
الخلاَّل وصاحبُه.
وعنه: إلى صدره.
ونقل أبو الحارِث: يجاوِز بهما أذنيه
(3)
؛ لأنَّه عليه السلام فَعَلَه.
وقال أبو حفص: يجعل يدَيه حذوَ منكبَيه، وإبهامَيه عند شحمة أذنيه؛ جمعًا بين الأخبار، وقاله في التَّعليق.
ومن لم يقدِر على الرَّفع المسنون؛ رفع حسبَ إمكانه، وإن لم يمكن رفعهما إلاَّ بزيادة على أذنيه؛ رفعهما؛ لأنَّه يأتي بالسُّنَّة وزيادةٍ، ويسقط بفراغ التَّكبير كلِّه
(4)
.
فائدة: كشْفُ يدَيه هنا وفي الدُّعاء أفضلُ، ورفعُهما إشارةً إلى رفع الحجاب بينه وبين ربِّه، كما أنَّ السَّبَّابةَ إشارةٌ إلى الوحدانية، ذكره ابن شهاب.
(ثُمَّ يَضَعُ كَفَّ يَدِهِ
(5)
الْيُمْنَى عَلَى كُوعِ الْيُسْرَى)، نَصَّ عليه
(6)
؛ «لأنَّ
(1)
أخرجه مسلم (391).
(2)
في (و): رواه مسلم واختاره.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 168.
(4)
كتب على هامش (و): قال في المغني: فأما المرأة؛ قد ذكر القاضي فيها روايتين عن أحمد؛ إحداهما: ترفع؛ لما روى الخلاَّل بإسناده عن أم الدرداء وحفصة بنت سيرين: (أنهما كانا يرفعان أيديهما)، وهو قول طاوس، ولأنَّ من شرع في حقِّه التكبير شرع في حقه الرفع كالرجل، فعلى هذا ترفع قليلاً، قال أحمد:(رفع دون رفع). والثانية: لا يشرع؛ لأنه في معنى التجافي، ولا يشرع ذلك لها، بل تجمع نفسها في الركوع والسجود وسائر صلاتها.
(5)
قوله: (كف يده) هو في (أ) و (ب) و (د): كفه من.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 168.
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وضَع اليمنى على اليسرى» رواه مسلم من حديث وائل، وفي رواية لأحمد وأبي داود: «ثمَّ وضَع يدَه اليُمنى على كفِّه اليُسرى
(1)
والرُّسْغِ والسَّاعِدِ»
(2)
.
(3)
ونقل أبو طالب
(4)
: بعضُها على الكفِّ، وبعضُها على الذِّراع، لا بطنها على ظاهر كفِّه اليسرى، وجزم بمثله القاضي في «الجامع» .
ومعناه: ذُلٌّ بين يدَيْ عِزٍّ، نقله أحمد بن يحيى الرَّقِّي
(5)
.
وعنه: يخيَّر.
وعنه: يرسلهما في صلاة الجنازة.
وعنه: في صلاة التطوُّع.
(وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ) في أشهر الرِّوايات، وصحَّحها ابن الجوزي وغيره؛ لقول عليٍّ:«من السُّنَّة وضع اليمنى على الشِّمال تحت السرَّة» رواه أحمد وأبو داود، وذكر في «التَّحقيق»: أنَّه لا يصحُّ
(6)
.
قيل للقاضي: هو عورة فلا يضعهما عليه كالعانة والفخذ؛ فأجاب: بأنَّ العورة أولى وأبلغ بالوضع عليه لحفظه.
وعنه: تحت صدره، وفوق سرَّته.
(1)
قوله: (رواه مسلم من حديث وائل) إلى هنا سقط من (أ).
(2)
كتب فوقها في (و): (وفي رواية ابن خزيمة: أنه وضعهما على صدره).
(3)
أخرجه مسلم (401)، وأحمد (18870)، وأبو داود (727).
(4)
ينظر: الفروع 2/ 168.
(5)
في (أ): البرقي. والمثبت هو الصواب.
وهو: أحمد بن يحيى بن حيان الرقي، ممن روى عن الإمام أحمد. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 84، المقصد الأرشد 1/ 208. وتنظر الرواية في طبقات الحنابلة 1/ 84.
(6)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده (875)، وأبو داود (756)، والدارقطني (1102)، وفيه: عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو متروك، واضطرب في سنده، وشيخه زياد بن زيد السوائي مجهول. ينظر: التحقيق 1/ 339، التلخيص الحبير 1/ 650، الإرواء 2/ 69.
وعنه: يُخيَّر، اختاره في «الإرشاد» ؛ لأنَّ كلًّا منهما مأثورٌ.
وظاهره: يكره وضعهما على صدره، نصَّ عليه
(1)
مع أنَّه رواه
(2)
.
(وَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ)؛ لما روى أحمدُ في «النَّاسخ والمنسوخ» عن ابن سيرين: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقلِّبُ بصرَهُ إلى السَّماء، فنزلت: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون: 2]، فطأطأ رأسَه»
(3)
، ورواه سعيد، حدثنا حمَّاد بن زيد، حدثنا أيُّوب، عن ابن سيرين، وزاد فيه، قال:«كانوا يستحبُّون للرَّجل أن لا يجاوِز بصرُه مصلاَّه»
(4)
، ولأنَّه أخشعُ وأكفُّ لنظره.
إلاَّ في: صلاة الخوف عند الحاجة، وحال إشارته في التَّشهُّد؛ فإنَّه يَنظُر إلى سبَّابته
(5)
؛ لخبر ابن
(6)
الزُّبَير، وصلاته تجاه الكعبة؛ فإنَّه ينظر إليها
(7)
.
وفي «الغُنية» : يُكرَه إلصاقُ الحَنَك بالصَّدر وعلى الثَّوب، وأنَّه
(8)
يُروى عن الحسن: أنَّ العلماء من الصَّحابة كرهَتْه
(9)
.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 48.
(2)
كتب على حاشية (و): قلت: الصحيح عدم الكراهة؛ لما روى ابن خزيمة في حديث وائل: أنه صلى الله عليه وسلم وضعهما على صدره.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (3262)، وابن أبي شيبة (6322)، والبيهقي (3539)، مرسلاً، وأخرجه الحاكم في مستدركه (3483) موصولاً، ورجح البيهقي والذهبي إرساله. ينظر: الإرواء 2/ 71.
(4)
لم نقف عليه في كتب سعيد بن منصور، وقد قال البيهقي في الكبرى 2/ 402:(ورواه حماد بن زيد، عن أيوب مرسلاً)، وقد أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (143)، وابن جرير في التفسير (17/ 7)، والبيهقي في الكبرى (3541)، وإسناده صحيح.
(5)
في (أ) و (د) و (و) و (ز): سبابتيه.
(6)
قوله: (ابن) سقط من (ب) و (ز).
(7)
كتب على هامش (د): (وظاهره إطلاقه، فشمل الأعمى والمصلي في ظلمة، وفيه شيء). وعليها إشارة تصحيح.
(8)
في (و): فإنه.
(9)
لم نقف على كلام الحسن ولا على شيء بمعناه عن الصحابة رضي الله عنهم، والذي في الغنية لعبد القادر الجيلاني 2/ 189:(مروي عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال: كان العلماء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: خمس وأربعون خصلة مكروهة منهي عنها في صلاة الفريضة)، وذكر منها:(إلصاق الحنك بالصدر).
(ثُمَّ يَقُولُ) سِرًّا: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ)، ذكره مُعظَم الأصحابِ، قال التِّرمذيُّ:(العملُ عليه عند أهل العلم من التَّابعين وغيرِهم)
(1)
، ونَصَّ عليه
(2)
؛ «لأنَّه عليه السلام كان يَستفتِح بذلك» رواه أحمد، وأبو داود، والتِّرمذي ولفظه له، من حديث أبي سعيدٍ، وهو من رواية عليِّ بن عليٍّ الرِّفاعيِّ، وقد وثَّقه أبو زُرعةَ وابن مَعينٍ، وتَكلَّم فيه بعضُهم
(3)
، وصحَّح أحمدُ قولَ عمرَ بمحضَرٍ من الصَّحابة، وهو من رواية عَبدةَ عن عمر، ولم يدركه، وبأنَّه رُوي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ لَيستْ بذاك.
(1)
ينظر: سنن الترمذي 1/ 324.
وكتب فوقها في (و): (منهم عمر بن الخطاب، وابن مسعود، والثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي).
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 46، مسائل عبد الله ص 75.
(3)
أخرجه أحمد (11473)، وأبو داود (775)، والترمذي (242)، قال الترمذي:(وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب، وقد أخذ قوم من أهل العلم بهذا الحديث)، وفي سنده علي بن علي الرفاعي أبو إسماعيل البصري، تكلم فيه بعض الأئمة ووثقه آخرون، قال أحمد:(لم يكن بهذا الشيخ بأس إلا أنه رفع أحاديث)، ونقل الترمذي عنه أنه قال:(لا يصح هذا الحديث).
وأخرج مسلم (399)، عن عبدة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول:«سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك» ، قال ابن عبد الهادي:(ذكره مسلم في صحيحه؛ لأنه سمعه مع غيره، وليس هو على شرطه، فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه، إنما رواه رواية). وأخرجه ابن أبي شيبة (2387) عن عمر بإسناد صحيح، ينظر: العلل ومعرفة الرجال 1/ 67، تنقيح التحقيق 2/ 153، المحرر ص 219، الإرواء 2/ 48.
ولَيستْ: (وجَّهت وجهي) والآية بعدها أفضل؛ لخبر عليٍّ
(1)
.
واختار الآجُرِّيُّ: قَولَ ما في خبر عليٍّ كلِّه.
واختار ابن هُبَيرة والشَّيخ تقِيُّ الدِّين: أنَّ جمعَهما أفضلُ
(2)
.
ويجوز ما ورد، نَصَّ عليه
(3)
.
قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: (الأفضل أن يأتي بكلِّ نوع أحيانًا، وكذا صلاة الخوف)
(4)
.
ولا يجهر به إمامٌ، وإنَّما جهَر به ليعلِّم النَّاسَ.
(ثُمَّ يَقُولُ) سِرًّا قبل القراءة، نَصَّ عليه
(5)
: (أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، ذكره في «الكافي» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، واختاره القاضي في «الجامع»؛ لقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النّحل: 98]؛ أي: إذا أردت القراءة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها قبل القراءة.
وعنه: (أعوذ بالله السميع العليم
(6)
من الشيطان الرجيم)، جزم به في «المحرَّر» ، وقدَّمه في «التَّلخيص» ؛ لحديث أبي سعيدٍ المرفوعِ
(7)
، قال التِّرمذيُّ:(هو أشهر حديث في الباب)
(8)
، وهو متضمِّن للزِّيادة، والأخذُ بها
(1)
أخرجه مسلم (771).
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 403.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 509.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 459.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 116.
(6)
قوله: (أي: إذا أردت القراءة) إلى هنا سقط من (أ).
(7)
كتب على هامش (و): (قوله: "لحديث أبي سعيد المرفوع" هو ما رواه التِّرمذي عن أبي سعيد: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة استفتح، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه»).
(8)
سبق تخريجه 2/ 173 حاشية (3) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
أَولى، لكن ضعَّفه أحمدُ
(1)
.
وعنه - بعد كمالها -: إنَّ الله هو السَّميعُ العليمُ، اختارها في «التَّنبيه» ، والقاضي في «المجرد» ، وابن عَقيل والسَّامَرِّيُّ؛ جمعًا بين الأدِلَّة.
وكيفما تعوَّذ فحسَنٌ، وهذا كلُّه واسِعٌ.
مسألة: الاستِفتاحُ والتَّعوُّذ سنَّتانِ، نَصَّ عليه
(2)
. وعنه: واجبان، اختاره ابن بَطَّة. وعنه: التعوُّذ.
ويَسقُطان بفوات محلِّهما، وكالبسملة
(3)
.
واختار الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: التَّعوُّذَ أوَّل كل قُربةٍ
(4)
.
(ثُمَّ يَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في
(5)
أوَّل الفاتحة، وأوَّل كلِّ سورة في قول أكثرهم؛ لما رَوى نُعَيمٌ المُجْمِرُ قال: «صلَّيت وراءَ أبي هريرة فقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ (1)} ، ثمَّ قرأ بأمِّ القرآن حتَّى بلغ:{ولا الضالين}
…
» الحديث، ثمَّ قال:«والذي نفسي بيده إنِّي لأَشْبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه النَّسائي، وفي لفظٍ لابنِ خُزَيمةَ والدَّارَقُطْنِيِّ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسرُّ ببِسم الله الرَّحمن الرَّحيم، وأبو بكرٍ، وعمرُ» وزاد ابن خُزَيمة: «في الصَّلاة»
(6)
.
(وَلَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ)، جزم به أكثرُ الأصحاب، وصحَّحه ابنُ الجَوْزيِّ وابنُ تَميم والجَدُّ، وحكاه القاضي إجماعًا سابقًا، وكغيرها؛ لما روى
(1)
ينظر: سنن الترمذي 1/ 324.
(2)
نص عليه في مسائل حرب. ينظر: الجامع لعلوم الإمام أحمد 21/ 141.
(3)
في (أ) و (ب): كالبسملة.
(4)
ينظر: الفروع: 2/ 170. والذي في الاختيارات ص 77، والفتاوى الكبرى 5/ 332: (يستحب التعوذ أول كل قراءة).
(5)
في (د): من.
(6)
أخرجه النسائي (905)، وابن خزيمة (499)، والحاكم (849)، والدارقطني (1168)، وهو حديث مختلف فيه، فقد صححه البيهقي، وقال الدارقطني:(هذا صحيح ورواته كلهم ثقات) كذا في السنن، قال ابن حجر:(وهو أصح حديث ورد في ذلك)، وضعفه ابن الجوزي ونقل عن الدارقطني قوله:(كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الجهر فليس بصحيح فأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف)، وقال ابن تيمية:(اتفق أهل المعرفة على أنه ليس في الجهر حديث صحيح)، وأعله الزيلعي وأشار إلى أن ذكر البسملة في حديث نعيم شذوذ، وأنه تفرد بذكرها، دون سائر الروايات المخرجة في الصحيحين وغيرها. ينظر: تنقيح التحقيق 2/ 177، مختصر الفتاوى المصرية ص 46، نصب الراية 1/ 335، الفتح 2/ 267.
أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله: قَسَمتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نِصفَين، فإذا قال العبد:، قال الله تعالى
(1)
: حمِدني عبدي» رواه مسلم
(2)
، ولو كانتْ آيةً لعدَّها
(3)
وبدأ بها، ولما تحقَّق التَّنصيف؛ لأنَّ ما هو ثناء وتمجيد أربعُ آياتٍ ونصفٌ، وما هو للآدمي آيتان ونصفٌ؛ لأنَّها سبع آيات إجماعًا
(4)
، لكن حكى الرَّازي عن الحسن البَصريِّ: أنَّها ثمان آيات
(5)
، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في
(6)
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [المُلك: 1]: «إنَّها ثلاثون آيةً» رواه أحمد وأبو داود والتِّرمذيُّ بإسنادٍ حسَنٍ
(7)
، ولا يختلِف العادُّون أنَّها ثلاثون آيةً بدون
(8)
البسملة.
وهي قرآن على الأصحِّ، آية منه، وكانت تنزل فصلاً بين السُّور غير «براءة» .
(1)
قوله: (الله تعالى) سقط من (ز).
(2)
أخرجه مسلم (395).
(3)
في (د): يعدها.
(4)
ينظر: الأوسط لابن المنذر 3/ 122.
(5)
ينظر: التفسير الكبير 1/ 178.
(6)
قوله: (في) سقط من (د) و (و).
(7)
أخرجه أحمد (7975)، وأبو داود (1400)، والترمذي (2891)، وقال:(هذا حديث حسن)، وصححه ابن حبان، والحاكم، وابن الملقن، ينظر: البدر المنير 3/ 561.
(8)
في (أ): بخلاف.
وعنه: ليست من القرآن إلاَّ في «النَّمل» ، فإنَّها بعض آية فيها إجماعًا
(1)
، فلهذا نقل ابن الحكم: لا تكتب
(2)
أمام الشِّعر
(3)
ولا معه، وذكر الشَّعبي: أنَّهم كانوا يكرهونه، قال القاضي: لأنَّه يَشوبُه الكذب والهجو
(4)
غالبًا.
(وَعَنْهُ: أنَّهَا مِنْهَا)، اختارها ابن بَطَّة وأبو حفص، وصحَّحه ابن شهاب
(5)
؛ لما روى أنَسٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أُنْزِلَ عليَّ سورةٌ، فقرأ بسم الله الرَّحمن الرَّحيم {إنا أعطيناك الكوثر}» رواه مسلمٌ
(6)
، و «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أمر
(7)
بقراءتها مع الفاتحة» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ بإسنادٍ رجالُه ثقاتٌ
(8)
، واحتجَّ أحمدُ: بأنَّ الصحابة أجمعوا على كتابتها في المصاحف.
ثمَّ اعلم: أنَّ مسألة البسملة عظيمةٌ صنَّف فيها الأئمَّة، منهم الخطيب البغداديُّ، قال الأصوليُّون: وقوَّة الشبهة في
(9)
(بسم الله الرحمن الرحيم) منعت التَّكفير من الجانبين، فدلَّ على أنَّها ليست من المسائل القطعيَّة، خلافًا للقاضي أبي بكر.
فائدة: تُكتب
(10)
أوائل الكتب
(11)
، كما كتبها سليمان والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 174، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 46.
(2)
في (و): يكتب.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 171.
(4)
في (أ) و (ب): والهجر.
(5)
كتب على هامش (و): (وهو قول ابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبي عبيد مغني).
(6)
أخرجه مسلم (400).
(7)
قوله: (أمر) سقط من (ز).
(8)
أخرجه الدارقطني (1176)، ولفظه عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة؟» قلت: أقرأ: (الحمد لله رب العالمين) قال: «قل: (بسم الله الرحمن الرحيم)» .
(9)
قوله: (الشبهة في) سقطت من (أ).
(10)
زاد في (أ) و (ب): في.
(11)
في (و): السور.
صلح الحُدَيبيَة، وإلى قَيصَرَ وغيرِه
(1)
، نَصَّ عليه، فتُذكرُ في ابتداء جميع الأفعال، وعند دخول المنزل، والخروج منه للتَّبرُّك، وهي تطرد الشَّيطان، وإنَّما يُستحبُّ إذا ابتدأ فعلاً تبَعًا لغيرها لا مستقلَّةً، فلم تُجعل كالحمدلة، ونحوها.
(وَلَا يُجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ)، قد مضى شرحه، والآن لا يجهر بالبسملة وإن قلنا هي من الفاتحة، قال في «الشَّرح»:(لا خلاف عنه فيه)، وحكى التِّرمذيُّ أنَّه قولُ أكثرِ العلماء من الصَّحابة والتَّابعين، منهم أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ
(2)
، وقد روى أحمد والنَّسائي على شرط الصَّحيح:«لا يجهرون ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم» ، وفي لفظ البخاريِّ عن أنَسٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمرَ كانوا يفتتحون الصَّلاة ب: {الحمد لله رب العالمين}» ، وفي رواية مسلمٍ:«لا يذكرون بسم الله الرَّحمن الرَّحيم في أوَّل قراءةٍ، ولا في آخرها»
(3)
.
(1)
كتبها سليمان عليه السلام كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ (1)} [النَّمل: 30]، وأما النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فأخرجه البخاري (2731)، وإلى قيصر كما في البخاري (7).
(2)
كتب على هامش (و): (وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وعمار، وبه يقول الحكم بن عتيبة، وحماد، والأوزاعي، والثوري، وابن المبارك، ومالك، وأصحاب الرأي).
أخرج مالك (1/ 81)، عن أنس بن مالك أنه قال:«قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان؛ فكلهم كان لا يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) إذا افتتح الصلاة» ، وإسناده صحيح.
وأما أثر علي رضي الله عنه: فأخرجه عبد الرزاق (2601)، وابن أبي شيبة (4146)، والبيهقي في الخلافيات (1544)، وفيه ثوير بن أبي فاختة وهو ضعيف.
(3)
أخرجه أحمد (12845) والنسائي (907)، من حديث أنس رضي الله عنه، وأخرجه البخاري (743)، ومسلم (399)، ولفظه عندهما:«أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة ب {الحمد لله رب العالمين}» ، وعند مسلم:«لا يذكرون {بسم الله الرحمن الرحيم} في أوَّل قراءة ولا في آخرها» .
وعنه: يجهر
(1)
؛ لأخبارٍ منها ما روى أبو هريرة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أمَّ النَّاسَ قرأ: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم» ، قال الدَّارَقُطْني: إسنادُه كلُّهم ثقاتُ
(2)
.
(3)
وعنه: بالمدينة؛ ليتبيَّن أنَّها سنَّةٌ؛ لأنَّ أهل المدينة ينكرونها، كما جهر ابن عبَّاس بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة
(4)
.
وعنه: يجهَر في نفل.
وقيل: إن قلنا: هي من الفاتحة جهَر بها.
واختار الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: يجهَر بها وبالتَّعوُّذ وبالفاتحة في الجنازة ونحو ذلك أحيانًا؛ فإنَّه المنصوص عن أحمد؛ تعليمًا للسُّنَّة، وللتَّأليف
(5)
.
(1)
كتب على هامش (و): (وهو قول الشافعي، وروي عن عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير).
(2)
كتب على هامش (و): (قال الشيخ في المغني: وحديث أبي هريرة ليس فيه أنه جهر بها، ولا يمتنع أن يسمع منه حال الإسرار؛ كما سمع الاستفتاح والاستعاذة من النبي صلى الله عليه وسلم مع إسراره بهما، وقد روى أبو قتادة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم الآية أحيانًا في صلاة الظهر» متفق عليه).
(3)
أخرجه بمعناه النسائي (905)، والبزار (8156)، وابن خزيمة (499)، وابن حبان (1797)، والدارقطني (1168)، قال الدارقطني:(هذا صحيح ورواته كلهم ثقات)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والخطيب وغيرهم، وذكر ابن عبد الهادي أن ذكر البسملة فيه معلول، وكذا قال الزيلعي:(فإن ذكر البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمر من بين أصحاب أبي هريرة، وهم ثمانمائة ما بين صاحب وتابع، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حدَّث عن أبي هريرة أنه عليه السلام كان يجهر بالبسملة في الصلاة، وقد أعرض عن ذكر البسملة في حديث أبي هريرة صاحبا الصحيح)، ينظر: الخلاصة للنووي 1/ 370، المحرر في الحديث (231)، نصب الراية 1/ 336، فتح الباري 2/ 267.
(4)
أخرجه البخاري (1335)، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، قال:«ليعلموا أنها سنة» .
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 275، الاختيارات ص 77.
ويخيَّر في غير صلاة في الجهر بها، نقله الجماعةُ
(1)
، وكالقراءة والتعوُّذ. وعنه: يجهر. وعنه: لا.
(ثمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ)، وهي ركنٌ في كلِّ ركعة
(2)
في ظاهر المذهب
(3)
؛ لما روى عُبادةُ مرفوعًا: «لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب» متفق عليه
(4)
، وفي لفظ: «لا تُجزئُ صلاةٌ لمن لم يقرأ بفاتحةِ
(5)
الكتاب» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، (وقال: إسناده صحيحٌ)، وعن أبي هريرة مرفوعًا:«من صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خِداجٌ» ، يقوله ثلاثًا رواه مسلم
(6)
، والخِداجُ: النُّقصان في الذَّات نقصَ فساد وبطلانٍ، تقول العرب: أخدجت النَّاقة ولدها؛ أي: ألقته وهو دم لم يَتمَّ خَلْقُه.
فإن نسيها في ركعة؛ لم يَعتدَّ بها، وذكر ابن عَقيل أنَّه يأتي بها فيما بعدها مرَّتين، ويعتدُّ بها، ويسجد للسَّهو.
وعنه: في الأُوليَين
(7)
.
وعنه: يكفي آيةٌ من غيرها، وظاهره: ولو قصُرت، ولو كانت كلمةً.
وعنه: سبع.
وعنه: ما تيسَّر.
وعنه: لا تجب قراءة في غير الأُوليَين والفجر؛ لقول عليٍّ
(8)
.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 47.
(2)
كتب على هامش (و): (قال في المغني: وهذا مذهب مالك والأوزاعي والشافعي).
(3)
كتب على هامش (د): لما روى أحمد وابن حبان في صحيحه أنه عليه السلام قال للمسيء في صلاته: «إذا استقبلت القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اصنع ذلك في كل ركعة» .
(4)
أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394).
(5)
في (و): فاتحة.
(6)
أخرجه مسلم (395).
(7)
كتب على هامش (و): (ونحوه عن النخعي والثوري وأبي حنيفة. مغني).
(8)
أخرجه عبد الرزاق (2657)، وابن أبي شيبة (3743)، وابن المنذر في الأوسط (1335)، عن الحارث، عن علي أنه قال:«يقرأ في الأوليين، ويسبح في الأخريين» ، وإسناده ضعيف جدًّا، مداره على الحارث الأعور، قال ابن المنذر:(فأما حديث الحارث فغير ثابت، كان الشعبي يكذبه)، وضعفه إسحاق بن راهويه فيما نقله عنه حرب في مسائله (ص 104).
وثبت عن علي رضي الله عنه خلافه: أخرجه عبد الرزاق (2656)، وابن أبي شيبة (3726)، والبخاري في جزء القراءة (24)، والحاكم (874)، والدارقطني (1229)، عن علي أنه كان يقول:«يقرأ الإمام ومن خلفه في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب» ، صحح الدارقطني إسناده.
وحكى أبو الخَطَّاب عن بعض العلماء: أنَّ الفاتحة تتعيَّن في ركعة.
ويأتي حكم المأموم في قراءتها.
بديعةٌ: سُمِّيت بالفاتحة؛ لأنَّه يُفتتَح بقراءتها في الصَّلاة، وبكتابتها في المصاحف، وتسمَّى الحمدَ، والسَّبعَ المثاني، وأمَّ الكتاب، والواقية، والشَّافية، والأساسَ، والصَّلاةَ، وأمَّ القرآن؛ لأنَّ المقصود منه تقرير أمور الإلهيات والمعاد والنُّبوَّات، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى، ف {الحمد لله} الى {الرحيم}: يدلُّ على الإلهيات
(1)
، و {مالك يوم الدين}: يدل
(2)
على المعاد، و {اياك نعبد واياك نستعين}: يدلُّ على نفي الجَبر والقدر، وعلى إثبات أنَّ الكلَّ بقضاء الله تعالى، و {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخرها: يدلُّ على النبوات
(3)
.
وتُسمَّى: الشِّفاء، والشَّافية، والسُّؤال، والدُّعاء.
وقال الحسنُ: (أودع الله تعالى فيها
(4)
معانيَ القرآن كما أَوْدع فيه
(5)
معنى الكتبِ السَّابقةِ).
(1)
قوله: (والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر لله تعالى فالحمد لله إلى الرحيم يدل على الإلهيات) سقط من (و).
(2)
قوله: (يدل) سقط من (أ).
(3)
في (أ) و (ب): الثواب.
(4)
قوله: (فيها) سقط من (ز).
(5)
قوله: (فيه) سقط من (أ) و (ب) و (د).
وهي أفضل سورة، قاله ابن شهاب
(1)
وغيره.
وهي مكِّيَّة، وقال مجاهد:(مدنيَّة)، وخُطِّئَ في ذلك، وقيل: نزلت مرَّتين، فهي مكِّيَّةٌ مدنيَّةٌ.
(وَفِيهَا إِحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً) بغير خلاف
(2)
، وهذا على المذهب، وعلى أنَّ البسملة آية منها فيصير فيها أربعة عشرة
(3)
تشديدةً؛ لأنَّ فيها ثلاثة، ويلزمه أن يأتي بقراءتها مرتَّبة
(4)
مشدَّدة، غير ملحون فيها لحنًا يُحيل المعنى، مثل كسر كاف {إِيَّاكَ} [الفَاتِحَة: 5]، أو ضم تاء {أَنْعَمْتَ} [الفَاتِحَة: 7]، أو فتح همزة الوصل في {اهْدِنَا} [الفَاتِحَة: 6].
(فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا أَوْ تَشْدِيدَةً مِنْهَا، أَوْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ، أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ؛ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا)، وفيه مسائل:
الأولى: إذا ترك ترتيبَ الفاتحة؛ ابتدأها؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها مرتَّبة متوالية، وقال:«صلُّوا كما رأَيْتُموني أصلِّي»
(5)
، ولأنَّ القرآن مُعجِز، والإعجاز يتعلَّق بالنَّظم والتَّرتيب، وهي ركن، فلم يَجُز تنكيسها؛ كتكبيرة الإحرام.
الثانية: إذا ترك شَدَّةً منها؛ لزِمه استئنافُها؛ لأنَّ الشَّدَّةَ
(6)
أُقِيمت مقامَ حرف، ومن ترك
(7)
حرفًا منها؛ فكأنَّه لم يقرأها؛ لأنَّ المُركَّب ينعدِم بعدَم جزءٍ من أجزائه.
وذكر القاضي في «الجامع» : أنَّها لا تَبطُل بترك شَدَّةٍ؛ لأنَّها غير ثابتة في
(1)
الزهري، كما في الاختيارات ص 79.
(2)
ينظر: المغني 1/ 348.
(3)
في (ب) و (ز) و (و): عشر.
(4)
قوله: (مرتبة) سقط من (و).
(5)
أخرجه البخاري (631).
(6)
في (و): المدة.
(7)
في (أ): بدَّل.
خطِّ المُصحف، وإنَّما هي صفة للحرف، ويُسمَّى تاركُها قارئًا للفاتحة، ولا يختلِف المذهب أنَّه إذا ليَّنها ولم يحقِّقها على الكمال؛ أنَّه لا يعيد الصَّلاة؛ لأنَّ ذلك لا يُحيل المعنى، ويختلِف باختلاف الناس.
قال في «المغني» و «الشَّرح» : ولعلَّه إنَّما أراد في «الجامع» هذا المعنى، فيكون قوله متَّفِقًا، وفيه نَظَرٌ.
الثَّالثة: إذا أطال قطْعَها بذِكرٍ كثيرٍ، أو سُكوتٍ طويلٍ غيرُ مأموم؛ لزِمه استئْنافُها؛ لأنَّه يعدُّ مُعرِضًا عن الفاتحة بذلك، وهو على أضرُبٍ:
أحدها: قطْعٌ بذِكرٍ أو سُكوتٍ مشروعٍ؛ كالتَّأمين، وسجود التِّلاوة، والتَّسبيح بالتَّنبيه، واستماع قراءة الإمام، فإنَّه لا يؤثِّر وإن طال، ذكره ابن تميم، وكذا إذا سمع آيةَ رحمةٍ فسأل؛ أنَّه لا يُعدُّ مُعرِضًا، وفي «الشَّرح»: أنَّه إذا كثُر استأنَفَها.
الثَّاني: قطْعٌ غيرُ مشروعٍ؛ كالتَّهليل والتَّسبيح، فذكر القاضي أنَّ ذلك مُبطِل لها، والأصحُّ أنَّ الكثيرَ مُبطِلٌ؛ لأنَّه أخلَّ بالموالاة، بخلاف اليسير فإنَّه يُعفى عنه.
الثَّالث: قطعٌ بسكوتٍ طويلٍ غيرِ مشروعٍ، فهذا مُبطِل لها في ظاهر كلام الجماعة، وسواءٌ كان باختيار أو مانِعٍ من عقله، أو أُرْتِجَ عليه، لكن إن كان يسيرًا جرت العادةُ به؛ لم يقطع قراءتَها، سواءٌ نوى قطْعها أو لا
(1)
؛ لأنَّه يسيرٌ فعُفِي عنه. وقال القاضي: يكون قطعًا
(2)
مع النِّيَّة؛ لتحقُّق الإعراض.
ولو نوى قطْعَ القراءة لم تنقطع؛ لأنَّ القراءة باللِّسان، فلم تنقطع، بخلاف نيَّة الصَّلاة. وقيل: إن سكت مع ذلك يسيرًا؛ انقطعت.
(1)
قوله: (لا) سقط من (أ) و (ب) و (و).
(2)
في (أ) و (ب) و (و): قطعها.
الرَّابع: قطْعٌ بسكوتٍ طويلٍ مشروعٍ؛ كالمأموم يَشرَع في القراءة، ثمَّ يَسمع قراءةَ الإمام فينصِتُ، ثمَّ يُتِمُّها بعد فراغ إمامه، فهذا لا يؤثِّر؛ لأنَّه مشروع كالذِّكر.
مسألة: يُستَحبُّ أن يقرأها مرتَّلةً مُعرَبةً، يقف عند كل آية؛ كقراءته عليه السلام، ويُكرَه الإفراطُ في التَّشديد والمدِّ والتَّرجيع، وإن أحال منها معنًى بلحن يَقدِر على إصلاحه؛ لم يعتدَّ به، وإن لم يُحِلْ صحَّ، ذكره جماعة، فإن قرأ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفَاتِحَة: 7] بظاء قائمة؛ فأوجُهٌ، ثالثها: إن عرف الفرق بينهما بطلت
(1)
، وإلاَّ فلا.
(فَإِذَا
(2)
قَالَ: {وَلَا الضَّالِّينَ} ، قَالَ: آمِينَ)، بعد سكتةٍ لطيفةٍ؛ ليُعلم أنَّها ليست من القرآن، وإنَّما هي طابِع الدُّعاء، ومعناه: اللَّهم استجِبْ، وقيل: اسم من أسمائه تعالى.
ويَحرُم تشديدُ الميمِ، لأنه يصير بمعنى
(3)
قاصدين، ويخيَّر في مدِّ همزته وقصرها، والمدُّ أَوْلى، ذكره القاضي
(4)
.
(يَجْهَرُ بِهَا الإِمَامُ وَالمَأْمُومُ فِي صَلَاةِ الجَهْرِ)؛ لما رَوى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمَّنَ الإمامُ فأمِّنوا؛ فإنَّه مَنْ وافقَ تأمينُهُ تأمينَ الملائكةِ غُفِرَ له» متَّفَقٌ عليه
(5)
، وروى أبو وائلٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ: آمينَ، يمدُّ
(1)
زاد في (د) و (و): (فإن الضاد من الضلال والظاء من ظل يفعل كذا، ظلولاً، إذا فعله نهارًا).
(2)
في (د): وإذا.
(3)
في (أ): معنى.
(4)
زاد في (د) و (و): (قال البيهقي: حسدنا اليهود على القبلة التي هدينا إليها وضلوا عنها، وعلى الجمعة، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين). وقد رواه البيهقي في السنن الكبرى (2442) مرفوعًا من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410).
بها صوتَه» رواه أحمد وأبو داودَ، والدَّارَقُطْنِيُّ وصحَّحه
(1)
، وقال عَطاءٌ: (كان ابن الزُّبير يؤمِّن ويؤمِّنون حتَّى إنَّ للمسجد للجَّة
(2)
رواه الشَّافعيُّ
(3)
.
وعن أحمدَ: تَرْك الجهر.
وعلى الأولى، -وهي الأصحُّ-: يقولها المأمومُ بعد الإمام.
وذكر جماعةٌ: معًا، فإن
(4)
تركه إمامٌ أو أَسرَّه
(5)
؛ جهَر به مأمومٌ ليُذكِّرَ النَّاسَ، فإن تركه حتَّى قُرِئ غيرُه؛ لم يقله.
ولم يتعرَّض المؤلِّف لذكر المنفرِد، وحكمه
(6)
: الجهرُ بها؛ قياسًا عليهما.
فرع: إذا قال: آمين ربَّ العالَمين؛ فقياسُ قولِ أحمدَ في التَّكبير: اللهُ أكبرُ كبيرًا؛ لا يُستحَبُّ.
(فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْفَاتِحَةَ)؛ لزمه
(7)
تعلُّمها؛ لأنَّها واجبةٌ في الصَّلاة، فلزِمه تحصيلُها إذا أمكنه كشروطها، فإن لم يَفعَلْ مع القُدرة عليه؛ لم تَصِحَّ صلاتُه.
(1)
أخرجه أحمد (18842)، وأبو داود (932)، والترمذي (248)، والدارقطني (1267)، من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، قال الترمذي:(حديث حسن)، واختلف في هذا الحديث سفيان وشعبة في ألفاظ من متنه وإسناده، ورجح أحمد، وأبو زرعة، والبخاري وجماعة حديث سفيان، قال النووي:(ورواه شعبة، وقال: «خفض بها صوته» واتفق الحفاظ على غلطه فيها، وأن الصواب المعروف: مد، ورفع بها صوته). وينظر: بيان الوهم والإيهام 3/ 374، خلاصة الأحكام 1/ 381، تنقيح التحقيق 2/ 200، التلخيص الحبير 1/ 581.
(2)
في (أ): للحجة.
(3)
أخرجه الشافعي (ص 51)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (2454)، بلفظ مقارب للفظ المذكور، وفيه ضعف.
وأخرجه بهذا اللفظ: عبد الرزاق (2640)، وابن المنذر في الأوسط (1370)، وابن حزم في المحلى (2/ 294)، وإسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 156).
(4)
في (أ): فلو.
(5)
في (أ) و (ز): أسر به.
(6)
في (د): وحكم.
(7)
في (أ): لزمها.
فإن كان عاجِزًا عنه، إمَّا لبُعدِ حفْظه، (أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا)؛ سَقَطَ، قال أبو الفرَج: إذا طال زمنه، (قَرَأَ)؛ لما رَوى رفاعة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: «إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فإن كان معك قراءة فاقرأ، وإلاَّ فاحمَد الله وهلِّله وكبِّر
(1)
، ثمَّ اركَعْ» رواه أبو داود والتِّرمذي
(2)
، وظاهِرُه: أنَّه لا يَنتقِل إلى الذِّكر إلاَّ عند العجز عن القراءة.
ويُعتبَر أن يكون ذلك (قَدْرَهَا فِي عَدَدِ الحُرُوفِ)، هذا قولٌ في المذهب؛ لأنَّ الثَّوابَ مقدَّرٌ بالحرف
(3)
، فكفى اعتباره
(4)
.
(وَقِيلَ: فِي
(5)
عَدَدِ الآْيَاتِ) دون عدد الحروف، (مِنْ غَيْرِهَا)؛ لقوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحِجر: 87]، ولأنَّه عليه السلام عدَّ الفاتحةَ سبْعًا
(6)
، ولأنَّ من فاته صومٌ طويلٌ لم يُعتبَر في القضاء مثلُه.
والمذهب: أنَّه يُعتبَر أن يكون بعدد الآي والحروف من غير نقص؛ لأنَّ الحرف مقصود، بدليل تقدير الحسنات
(7)
به كالآي، وليكون البدل كالمبدَل حسب الإمكان.
(1)
في (و): وكبره.
(2)
أخرجه أبو داود (861)، والترمذي (302)، وابن خزيمة (545)، من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه، قال الترمذي:(حديث حسن)، وصححه ابن خزيمة، وقال ابن عبد البر:(حديث ثابت)، وصححه الألباني. ينظر: البدر المنير 3/ 458، صحيح أبي داود 4/ 11.
(3)
في (د) و (و): يقدر بالحرف.
(4)
زيد في (و): (وهي مائة وبضع وثلاثون حرفًا، وبالبسملة خمس وخمسون حرفًا، إلا لمن أدغم أو قرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فإنها تنقص حرفًا وتزيد حرفًا).
(5)
في (د): من.
(6)
لعل مراده حديث أبي سعيد بن المعلى في البخاري (4703) الذي فيه: «ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد» فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج من المسجد فذكرته، فقال:«{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته» .
(7)
في (أ): الحساب.
وعنه: يُجزئه قراءة آيةٍ.
(فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلاَّ آيَةً؛ كَرَّرَهَا بِقَدْرِهَا)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه
(1)
بمثابة من قرأها لكونها من جنس الواجب.
وظاهره: لو أحسن آيةً منها فقطْ كرَّرها في الأصحِّ؛ لأنَّ الآية منها أقرب شبهًا إلى بقيَّة الفاتحة من غيرها.
والثَّاني: يقرؤها مرَّةً، ويَعدِل إلى الذِّكر بقدر بقيَّتها؛ لأنَّه إذا قرأها مرَّة فقد أسقط فرضَها، فيجب أن لا يعيدها؛ كمن وجد بعض ما يكفيه لغسله؛ فإنَّه يستعمله ثمَّ ينتقل إلى البدَل في الباقي.
وذكر بعضُهم: أنَّه إذا كان يحسن آخرَها؛ أتى قبله بالبدل، ثمَّ أتى بما يحسن منها.
وعنه: لا يلزمه تَكرار آيةٍ، اختاره ابن أبي موسى.
وقيل: يقرأ الآية وشيئًا من غيرها.
وظاهر ما سبق: أنَّه إذا أحسَن بعضَ آيةٍ لا يكرِّرها، ذكره في «المغني» وغيره، بل يَعدِل إلى غيرِه.
وقيل: هي كآية.
والآية الطَّويلة كآية الدَّين؛ لا تحتاج إلى تَكرار، بخلاف القصيرة.
(فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتَرْجِمَ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى) في المنصوص
(2)
، وصحَّحه ابن تميم؛ لقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} [يُوسُف: 2]، و {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} [الشُّعَرَاء: 195]، قال أحمدُ:(القرآنُ مُعجِز بنفسه)
(3)
؛ أي: في اللَّفظ والمعنى.
(1)
في (و): لأنها.
(2)
ينظر: الانتصار 1/ 121.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 177.
قال الأصحاب: ترجمتُه بالفارسيَّة لا تُسمَّى قرآنًا، فلا يَحرُم على الجنب، ولا يَحنَث بها
(1)
من حلف لا يقرأ.
وقيل: يجوز؛ لقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعَام: 19]، وإنَّما يُنذَر كلُّ قوم بلسانهم. وجوابه ما سبق.
(وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِله، وَلَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ)؛ لما رَوى عبد الله بن أبي أَوْفى: «أنَّ رجلاً قال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي لا أستطيع أن آخذ
(2)
شيئًا من القرآن، فعلِّمني ما يجزئني، فعلَّمه هؤلاء الخمسَ»
(3)
رواه أحمد، وأبو داود، والنَّسائي، والدَّارَقُطْنِيُّ وزاد:«في صلاتي» بإسنادٍ حسنٍ
(4)
، ولم يأمره عليه السلام أن يصلِّي خلْفَ قارِئٍ، زاد بعضُهم في الحوقلة:(العليِّ العظيمِ)، ولأنَّ هذا بدَلٌ من غير الجنس أشبه التيمُّم.
وعنه: يكرِّره بقدر الفاتحة، وقاله ابن عقيل وابن الجوزي.
والمذهبُ: إسقاط الحوقلة، كما ذكره في «المحرَّر» وقدَّمه في «الفروع» .
وعنه: يزيد على الخمس جُملتَين؛ لتَصيرَ سبْعَ جُمَل بدل آيات الفاتحة من أيِّ ذكرٍ شاء.
(1)
في (و): بهما.
(2)
قوله: (أن آخذ) هو في (أ): أخذ.
(3)
كتب على هامش (و): (لفظ الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن، فعلمني ما يجزئني، قال: «قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» والمصنف رحمه الله تعالى رواه بالمعنى).
(4)
أخرجه أحمد (19110)، وأبو داود (832)، والنسائي (924)، والدارقطني (1195)، وفي سنده إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي الكوفي، ضعفه شعبة وأحمد وجماعة، إلا أن للحديث متابعة يتقوى بها، قال المنذري:(إسناده جيد)، وحسنه الألباني: ينظر: تهذيب التهذيب ترجمة إبراهيم السكسكي 1/ 138، الإرواء 2/ 12.
فذكر الحُلْوانيُّ: يَحمَد
(1)
ويكبِّر. وذكر ابنه
(2)
في «التَّبصرة» : يسبِّح، ونقله صالِحٌ
(3)
. ونقل ابن منصور: ويكبِّر
(4)
. ونقل الميموني: ويهلِّل. ونقل عبد الله: يحَمِد ويكبِّر ويهلِّل
(5)
، واحتجَّ بخبر رفاعة، فدلَّ أنَّه لا يُعتبَر الكلُّ، ولا شيء معيَّن.
فرعٌ: إذا صلَّى وتلقَّف
(6)
القراءةَ من غيره؛ صحَّتْ، ذكره في «النَّوادر» وفي «الفروع» .
ويتوجَّه على الأشهَر: يلزم
(7)
غير حافِظٍ يَقرَأُ من مُصحَفٍ.
(فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ إِلاَّ بَعْضَ ذَلِكَ؛ كَرَّرَهُ بِقَدْرِهِ)، كما قلنا فيمن يُحسِن بعضَ الفاتحة.
(فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنَ الذِّكْرِ)، زاد بعضُهم: وعجَز عن قارِئٍ يَؤُمُّه، (وَقَفَ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ)؛ أي: قراءة الفاتحة، ذكره في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأنَّ القيامَ مقصودٌ في نفْسِه؛ لأنَّه لو ترَكه مع القدرة عليه؛ لم يُجزئْه.
وإن كان أخرسَ؛ فمع القدرة تَجِب القراءةُ والقيامُ بقدرها، فإذا عجز عن أحدِهما؛ لزِمه الآخَرُ؛ لقوله عليه السلام:«إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتُم»
(8)
.
مسألة: يُستحَبُّ سُكوتُ الإمام بقدر
(9)
الفاتحة، ليقرأ مَنْ خلفَه؛ لئلاَّ
(1)
في (ب) و (د) و (و): ويحمد.
(2)
في (و): أنه.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 178.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 530.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 178.
(6)
في (ز): وتلقن.
(7)
في (أ): يكرر.
(8)
أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(9)
في (د): بعد.
ينازَع فيها، كنصِّه على السُّكوت قبلها.
ونقل عبدُ الله
(1)
: يسكت قبل القراءة وبعدها.
وقيل: ظاهر كلام أحمد: أنَّ السَّكتةَ إذا فرغ من القراءة كلِّها؛ لئلاَّ يَصلَ القراءةَ بتكبيرةِ الرُّكوع، ولا يسنُّ السُّكوتُ ليقرأ المأموم.
(ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً) كاملةً نَدْبًا، يَبتدِئُها بالبسملة، نَصَّ عليه سِرًّا
(2)
، وفي «المغني» و «الشَّرح»: أنَّ الخلاف في الجهر هنا كالخلاف في أول الفاتحة.
(تَكُونُ فِي الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ المُفَصَّلِ)، وهو من «قافْ» ، وفي الفنون
(3)
: من «الحجرات» ، وقيل: من «القتال» ، وقيل: من «والضُّحى» ، وهو غريب.
(وَفِي المَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَفِي الْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ)؛ لما رَوى سُليمان بن يَسَار عن أبي هريرة قال: «ما رأيتُ رجلاً أشبهَ صلاةً برسولِ الله صلى الله عليه وسلم من فُلانٍ، قال سليمان: فصلَّيتُ خلفَهُ فكان يقرأُ في الغداةِ بطوالِ المفصَّل، وفي المغربِ بقصارِهِ، وفي العشاءِ بوسَطِ المفصَّل» رواه أحمد، والنَّسائي ولفظه له، ورُواته ثقاتٌ
(4)
.
وإن قرأ على خلاف ذلك؛ فظاهر كلام جماعةٍ: أنَّه يُكرَه، وصرَّح به في «الواضح» في المغرب.
وهذا إن لم يكن عُذْرٌ، فإن كان عُذْرٌ؛ لم يُكرَه بأقصرَ من ذلك؛ كمرضٍ، وسفرٍ ونحوهما، وإن لم يكن عُذْرٌ كُرِه بقصاره في فجر، لا بطواله في
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 75.
(2)
ينظر: مسائل صالح 1/ 480، مسائل ابن منصور 2/ 536.
(3)
في (أ): العيون. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 179، والإنصاف 3/ 459.
(4)
أخرجه أحمد (7991)، والنسائي (982)، وابن خزيمة (520) وابن حبان (1837)، قال النووي:(إسناده حسن)، وقال ابن عبد الهادي:(إسناده صحيح). ينظر: الخلاصة 1/ 387، المحرر (238).
مغرب، نَصَّ عليهما
(1)
.
وعنه: يجب بعدها قراءة شيء، فظاهره: ولو بعض آية؛ لظاهر الخبر.
وعلى المذهب: تُكرَه الفاتحة فقط، وقراءة السُّورة -وإن قصرت- أفضل من بعضها.
قال القاضي وغيره: تجوز آيةٌ، إلاَّ أنَّ أحمد استحبَّ كونَها طويلةً
(2)
؛ كآية الدَّين والكرسِيِّ.
ونصَّ أحمد على جواز تفريق السُّورة في ركعتين
(3)
؛ لفعله عليه السلام
(4)
.
وإن قرأ السُّورة قبل الفاتحة؛ لم تقَع موقعها.
فائدة: ذكر جماعةٌ أنَّه يقرأ في الثَّانية أقلَّ من الأولى، وفي الظُّهر أكثرَ من العصر، وذكر الخِرَقِيُّ وتبعه ابن الجوزي والسَّامَرِّيُّ: أنَّه يقرأ في الأولى من الظُّهر بنحو ثلاثين آيةً، وفي الأولى من العصر على النِّصف؛ لفعله عليه السلام، رواه مسلم من حديث أبي سعيد
(5)
، ونَصَّ عليه في رواية حرب
(6)
، قاله القاضي في «الجامع» .
(وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ
(7)
فِي الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ
(8)
مِنَ المَغْرِبِ
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 125، بدائع الفوائد 6/ 137.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 120.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 53.
(4)
ورد في عدَّة أحاديث منها: قراءته عليه السلام الطور في المغرب، أخرجه البخاري (765)، ومسلم (463) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، وقراءته عليه السلام المرسلات في المغرب، أخرجه البخاري (763) من حديث أم الفضل رضي الله عنها.
(5)
أخرجه مسلم (452).
(6)
ينظر: مسائل حرب - الصلاة ص 69.
(7)
في (ب) و (ز): بالقراءة.
(8)
في (و): وفي الأولتين.
والعِشَاءِ)، وهو مُجمَعٌ على استحبابه
(1)
؛ لفعله عليه السلام، وقد ثبت ذلك بنقل الخلَف عن السَّلف.
وظاهره: أنَّه لا يُشرع للمأموم بغير خلاف
(2)
؛ لأنَّه مأمورٌ بالإنصات، وصرَّح
(3)
غيرُ واحِدٍ بالكراهة. وقيل: يجهر في صلاة الجهر بالحمد.
ولا للمنفرِد، والأشهَر: أنَّه يُخيَّر؛ لأنَّه لا يُراد سماع غيره، أشبه المأمومَ في سكتات الإمام بخلاف الإمام.
وعنه: يسنُّ له؛ لأنَّه غير مأمورٍ بالإنصات، أشبه الإمام.
ونقل الأثرمُ: تركُه أفضلُ
(4)
.
وقيل: يجهر في غير بدل الجمعة.
وأمَّا المرأةُ: فإذا لم يَسمَعها أجنبِيٌّ؛ فقيل: تجهَر كالرَّجل. وقيل: يَحرُم. قال أحمد: لا ترفع صوتها
(5)
، قال القاضي: أطلَق المنعَ
(6)
.
فرع: يُخيَّر القائمُ لقضاء ما فاته بين جهر وإخفاتٍ، ويُسِرُّ
(7)
في قضاء صلاةِ جَهْرٍ نهارًا مطلقًا، ويَجهَرُ بها ليلاً في جماعةٍ.
مسألة: يُكرَه جهْرُ إمامٍ أو منفرِدٍ نهارًا في نفل، زاد بعضهم: لا يُسنُّ
(8)
له الجماعةُ، وقيل: لا، ويُخيَّر ليلاً. والأَوْلى تركُه إذا كان فيه ضرَرٌ، وفعلُه إذا كان فيه نفعٌ.
(1)
ينظر: الأوسط 2/ 318، مراتب الإجماع ص 33.
(2)
ينظر: المغني 1/ 407.
(3)
في (د): وخرج.
(4)
ينظر: مسائل حرب - الصلاة ص 113، الفروع 2/ 186.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 186.
(6)
كتب على هامش (و): (وقال الشيخ تقي الدين: تجهر إن صلت بنساء جماعة، ولا تجهر إن صلت وحدها). ينظر: الاختيارات 82.
(7)
في (ز) و (و): ويسن.
(8)
في (و): تسن.
(وَإِنْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ)؛ كقراءةِ ابنِ مسعودٍ: (فصيامُ ثلاثةِ أيامٍ متتابعاتٍ)
(1)
؛ (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ)، جزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وذكر ابن المُنَجَّى
(2)
أنَّه المذهبُ؛ لأنَّ القرآن ثبت بطريقٍ مقطوعٍ به، وهو التَّواتر، ولا تَواتُرَ فيها، بل أجمعت الصَّحابة على خلاف ذلك.
(وَعَنْهُ: يَصِحُّ
(3)
، جزم به في «المغني» ، وقدَّمه ابنُ تميمٍ، وفي «الفروع»: مع الكراهة
(4)
، وذكر الشَّيخ تقي الدين
(5)
أنَّها أنصُّهما
(6)
؛ لصلاة الصَّحابة بعضهم خلف بعض، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أحبَّ أن يقرأ
(7)
القرآنَ غَضًّا كما أُنزِلَ؛ فليقرأْ بقراءةِ ابنِ
(8)
أمِّ عَبدٍ» رواه أحمدُ، وفي ابن المُنَجَّى: رواه البخاريُّ، وهو وهَمٌ
(9)
، وقال أئمَّةٌ من السَّلف: مصحفُ عثمان أحد الحروف السَّبعة، وشرْطُه اتصال سنده.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (16102، وما بعده)، من طرق عن ابن مسعود، قال البيهقي في سننه (20012):(وكل ذلك مراسيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، إلا أن منها رواية مجاهد عنه، قال الألباني: (فقد يكون قرأها في مصحفه، وقد يكون سمعها منه صغيرًا، فإن بين وفاة ابن مسعود وولادة مجاهد عشر سنين)، ثم قال:(وبالجملة فالحديث أو القراءة ثابت بمجموع هذه الطرق عن هؤلاء الصحابة: ابن مسعود، وابن عباس، وأُبَي). ينظر: إرواء الغليل 8/ 203.
(2)
في (ز): منجى.
(3)
في (ز): تصحُّ.
(4)
في (أ) و (ب) و (و): الكراهية.
(5)
قوله: (تقي الدين) سقط من (أ).
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 13/ 403.
(7)
قوله: (أن يقرأ) سقط من (أ).
(8)
قوله: (ابن) سقط من (ز).
(9)
أخرجه الطيالسي (332)، وأحمد (35)، وابن حبان (7066)، وحسنه الألباني، وله شاهد في مسلم (2464) بلفظ: «اقرؤوا القرآن من أربعة نفر: من ابن أم عبد - فبدأ به
…
» الحديث. ينظر: الصحيحة (2301).
وفي تعليق الأحكام به
(1)
الرِّوايتان، وظاهر كلام ابن تميم: أنَّ الأحكام لا تتعلَّق بذلك عليهما.
واختار المجْدُ: لا تَبطُل الصَّلاةُ به
(2)
، ولا تُجزئ عن ركن القراءة.
تنبيه: ظاهِر ما سبق: أنَّها تصحُّ بما وافق مصحف عثمان، زاد بعضهم: على الأصحِّ، وصحَّ سندُه، وإن لم يكن من قراءة العشرة، نَصَّ عليه
(3)
، وفي تعليق
(4)
الأحكام به روايتان.
واختار أحمدُ قراءةَ نافع
(5)
، قال في «المغني» و «الشَّرح»: من طريقِ إسماعيلَ بنِ جعفرٍ.
وعنه: قراءةُ أهلِ المدينةِ كلُّها سواءٌ، ثمَّ قراءة عاصم من طريق أبي بكر بن عيَّاش، ثمَّ قراءة ابن عامر.
وأثنى أحمدُ على قراءة أبي عمرو
(6)
، غير أنَّه كَرِه إدغامَه الكبيرَ.
وعنه: يحرم.
وعنه: تُكرَه قراءةُ حمزةَ والكِسائيِّ؛ لما فيهما من الكسر والإدْغام الشَّديدَيْن، وزيادة المدِّ، فعلى هذا: إن أظهرَ ولم يُدغِم، وفتح ولم يُمِل
(7)
؛ فلا كراهةَ.
والصَّلاة بجميع ذلك صحيحةٌ، نَصَّ عليه
(8)
، وذكر في «الشَّرح»: أنَّ
(1)
قوله: (به) سقط من (أ) و (ب).
(2)
قوله: (به) سقط من (و).
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 122، الفروع 2/ 183.
(4)
زاد في (أ): (به).
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 102.
(6)
ينظر: المغني 1/ 354، مختصر ابن تميم 2/ 136.
(7)
في (أ): يُمد. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 184
(8)
ينظر: المغني 1/ 354، مختصر ابن تميم 2/ 136.
أحمد لم يَكره قراءة أحد من العشرة إلاَّ ما ذكر عن حمزة والكسائيِّ.
وإن كان في القراءة زيادةُ حرف؛ فهي أَوْلى؛ لأجل العشرِ حسناتٍ، واختار الشَّيخ تقِيُّ الدِّين: أنَّ الحرفَ الكلمةُ
(1)
.
وفي المذهب: يُكرَه
(2)
بما خالف عُرْفَ البلد.
(ثُمَّ) إذا فرغ من قراءته ثبت قائمًا، وسكت حتَّى يرجع إليه نفسه قبل أن يركع، ولا يَصِلُ قراءتَه بتكبيرة الرُّكوع، قاله أحمدُ
(3)
؛ لحديث سَمُرةَ: «فإذا فرغَ مِنَ القراءةِ سكتَ» رواه أبو داود
(4)
.
(يَرْفَعُ يَدَيْهِ) مع ابتداء الرُّكوع، وذلك مستحَبٌّ في قول خلائق من الصَّحابة ومن بعدهم؛ لما روى ابن عمر قال: «رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا استفتحَ الصَّلاةَ رفعَ يديه حتَّى يُحاذيَ منكبَيهِ، وإذا أراد أن يركعَ، وبعد ما
(5)
يَرفع رأسَه» متَّفَقٌ عليه
(6)
، وروى أحمد بإسنادٍ جيِّدٍ عن الحسن:«أنَّ أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك»
(7)
، «وكان ابن عمر إذا رأى رجلاً لا يَرفع يدَيه؛ حَصَبَه، وأمره أن يَرفعَ»
(8)
، ومضى عمَلُ السَّلف على هذا.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 12/ 103، 107.
(2)
في (د) و (و): كره.
(3)
ينظر: مسائل صالح 1/ 400.
(4)
أخرجه أحمد (20127)، وأبوداود (777)، وابن خزيمة (1578)، من حديث الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، والحسن مختلف في سماعه من سمرة، ورجح ابن المديني والبخاري سماعه منه مطلقًا، وبعضهم لم يثبت إلا سماعه لحديث العقيقة فقط، ونفى آخرون سماعه منه مطلقًا. ينظر: البدر المنير 4/ 68، الإرواء 2/ 284.
(5)
قوله: (وبعدما) في (د) و (و): بعده.
(6)
أخرجه البخاري (736)، ومسلم (390).
(7)
لم نقف عليه في شيء من كتب أحمد، وأخرجه ابن أبي شيبة (2432)، والبخاري في رفع اليدين (28)، وابن المنذر في الأوسط (1383)، والبيهقي في الكبرى (2524)، وإسناده صحيح.
(8)
أخرجه البخاري في رفع اليدين (14)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (ص 70)، وابن هانئ في مسائله (909)، والبيهقي في المعرفة (3361)، وصححه ابن الملقن. ينظر: البدر المنير 3/ 478.
(وَيَرْكَعُ مُكَبِّرًا)، وهو مشروعٌ في كل خفضٍ ورفْعٍ في قول عامَّتهم؛ لما روى أبو هريرة قال:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يكبِّر إذا قام إلى الصَّلاة، ثمَّ يكبِّر حين يَركَعُ» متَّفقٌ عليه
(1)
.
(فَيَضَعُ يَدَيْهِ) مفرَّجتي الأصابعِ (عَلَى رُكْبَتَيْهِ) استحبابًا في قول الأكثر.
وذهب قومٌ إلى التَّطبيق، وهو أن يجعل المصلِّي إحدى كفَّيه على الأخرى، ثمَّ يجعلهما بين ركبتَيه إذا ركع، وهذا كان في أوَّل الإسلام ثمَّ نُسِخ، وقد فعله مُصعَب بن سعد فنهاه أبوه، وقال:«كنَّا نفعل ذلك، فأُمرنا أن نضعَ أيديَنا على الرُّكب» متَّفقٌ عليه
(2)
، وفي حديث رفاعة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «وإذا ركعتَ فضعْ راحتَيكَ على ركبَتيكَ
(3)
» رواه أبو داود
(4)
.
والمذهبُ: أن يفرِّج بين أصابِعِه؛ «لأنَّه عليه السلام فرَّج أصابعَه من وراء ركبتَيه» رواه أحمد من حديث ابن مسعود
(5)
.
وذكر ابن الجوزي وفي «الكافي» : أنَّه يكون قابِضًا لرُكبتَيه.
(وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِيًا، وَيَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَ ظَهْرِهِ) اتِّفاقًا، (وَلَا يَرْفَعُهُ، وَلَا
(1)
أخرجه البخاري (789)، ومسلم (392).
(2)
أخرجه البخاري (790)، ومسلم (535).
(3)
قوله: (على ركبتيك) سقط من (أ) و (ب).
(4)
أخرجه أبو داود (859)، وصححه ابن حبان، وحسنه الألباني. ينظر: صحيح أبي داود 4/ 10.
(5)
صوابه أبي مسعود كما في مصادر التخريج.
أخرجه أحمد (17081)، والنسائي (1037)، والطبراني في الكبير (670)، من طريق زائدة، عن عطاء، عن سالم أبي عبد الله، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، وأخرجه أبو داود (863)، وابن خزيمة (598) والحاكم (816)، من طريق جرير بن عطاء به، وعطاء بن السائب اختلط، وسماع زائدة منه قبل الاختلاط، وصححه ابن خزيمة والحاكم والألباني بشواهد وتوقف في بعض ألفاظه. ينظر: تهذيب التهذيب 7/ 206، صحيح سنن أبي داود 4/ 15.
يَخْفِضُهُ)؛ لما روتْ عائشةُ قالت: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يرفع رأسَه، ولم يصوِّبْه، ولكن بين ذلك» متَّفقٌ عليه
(1)
، ورُوي «أنَّه عليه السلام كان إذا ركَع لو كان قَدَحُ ماءٍ على ظهره ما تحرَّك؛ لاستِواء ظهره» ذَكَره في «المغني» و «الشَّرح»
(2)
، والمحفوظ ما رواه ابن ماجَهْ عن وابِصةَ بنِ مَعبَدٍ قال:«رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي، وكان إذا ركعَ سوَّى ظهرَهُ حتَّى لو صُبَّ عليه الماءُ لاستقرَّ»
(3)
.
(وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ)؛ لما رَوى أبو حُمَيْدٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ركع فوضع يدَيه على ركبتَيه كأنَّه قابضٌ عليهما، ووتَّر يدَيه فنحَّاهما عن جنبَيه» رواه أبو داود، والتِّرمذي وصحَّحه
(4)
.
(وَقَدْرُ الْإِجْزَاءِ فِي رُكُوعٍ
(5)
: الاِنْحِنَاءُ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَسُّ
(6)
رُكْبَتَيْهِ) بيدَيه، كذا ذكره السَّامَرِّيُّ وجماعةٌ؛ لأنَّه لا يُسمَّى راكعًا بدونه، ولا يخرج عن حدِّ القيام إلى الرُّكوع إلاَّ به، والاعتبار بمتوسِّطي النَّاس، لا بطويل اليدَين، ولا بقصيرهما، قاله
(7)
ابن تميم.
وفي «الفروع» : (أو قدره من غيره، وقيل: في أقلَّ منه احتمالان).
وفي «التَّلخيص» وغيرِه: أدناه الانحناءُ بحيث يَنالُ كفَّاه رُكبتَيه، وفي
(1)
أخرجه مسلم (498)، ولم نقف عليه عند البخاري، وأُعل الحديث بالانقطاع. ينظر: صحيح أبي داود 3/ 368.
(2)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (997)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه، قال في مجمع الزوائد 2/ 123:(وفيه رجل لم يسم وسنان بن هارون اختلف فيه).
(3)
أخرجه ابن ماجه (872)، وإسناده ضعيف جدًّا فيه طلحة بن زيد الرقي وهو متروك، والراوي عنه عبد الله بن عثمان بن عطاء، وهو لين الحديث، كما في التقريب.
(4)
أخرجه أبو داود (734)، والترمذي (260)، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح).
(5)
في (و): في الرُّكوع. وقوله: (في ركوع) سقط من (أ) و (د).
(6)
قوله: (مس) سقط من (أ).
(7)
في (أ) و (ب): قال. وينظر: مختصر ابن تميم 2/ 140.
«الوسيلة» : نَصَّ عليه
(1)
، وذكر ابن هُبَيرة: أنَّهم اتَّفقوا على أنَّ هذا مشروع.
وقال المجْد: وضابط الإجزاء الذي لا يختلف: أن يكون انحناؤه إلى الرُّكوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدِل.
فإن كانتا
(2)
عليلتين لا يمكنه وضعهما؛ انحنى ولم يضعهما، فإن كانت إحداهما عليلة وضع
(3)
الأخرى، ذكره في «المغني» .
فرع: إذا سقط من قيامٍ أو ركوعٍ، ولم يطمئنَّ؛ عاد إلى الرُّكوع فاطمأنَّ، ولا يلزمه أن يقوم ثمَّ يركع، وإن اطمأنَّ في ركوعه ثمَّ سقط؛ انتصب قائمًا ثمَّ سجد، ولا يعيد الرُّكوع؛ لأنَّ فرضه قد سقط، والاعتدال عنه قد سقط بقيامه.
وإن ركع، ثمَّ عجَز عن القيام؛ سجد عن الرُّكوع، فإن قدَر على القيام قبل سجوده؛ عاد إليه، وإن
(4)
كان بعده؛ لم يلزمه العَود إلى
(5)
القيام؛ لأنَّ السُّجود قد صحَّ وأجزأ
(6)
، فسقط ما قبله.
قال في «الشَّرح» : (فإن
(7)
قام من سجوده عالِمًا بتحريم ذلك؛ بطلت؛ لأنَّه زاد فعلاً، وإن كان جاهلاً أو ناسيًا فلَا، ويعود إلى جِلسة الفَصْل، ويسجد للسَّهو).
(وَيَقُولُ) في ركوعه: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ)؛ لما رَوى حُذَيفةُ قال:
(1)
ينظر: الفروع 2/ 196، وفي مسائل أبي داود ص 53:(سئل عمن أدرك الإمام راكعًا فكبر، ثم ركع فرفع الإمام؟ قال: إذا أمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك).
(2)
في (أ) و (ب) و (د) و (و): كانا.
(3)
في (أ): أو وضع.
(4)
في (د) و (و): فإن.
(5)
زيد في (و): العود لأن.
(6)
في (ز): وأجزأه.
(7)
في (ز): وإن.
«صلَّيتُ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فكان يقولُ في ركوعه: سبحان ربِّي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربِّي الأعلى» رواه الجماعةُ إلاَّ البخاريَّ
(1)
، وعن عُقبةَ بنِ عامِرٍ قال: لمَّا نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} [الواقِعَة: 74] قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» ، فلمَّا نزلت:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] قال: «اجعلوها في سجودكم» رواه أحمد وأبو داود
(2)
.
والاقتصارُ عليها أفضلُ من غير زيادةٍ. وعنه: الأفضل وبِحمده، اختاره المجْد، قال أحمد:(جاء هذا وهذا)
(3)
.
والواجب مرَّة.
(ثَلَاثًا)، وهو أدنى (الْكَمَالِ)؛ لما روى أبو داود والتِّرمذي من حديث عَون عن ابن مسعود: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ركعَ أحدُكم فقالَ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيم
(4)
ثلاثَ مرَّاتٍ؛ فقد تمَّ ركوعُهُ، وإذا سجدَ قالَ مثلَ ذلك»، هذا مرسَلٌ؛ لأنَّ عَونًا لم يلقَ ابن مسعود
(5)
.
(6)
(1)
أخرجه مسلم (772)، وأبو داود (871)، والترمذي (262)، والنسائي (1008)، وابن ماجه (888).
(2)
أخرجه أحمد (17414)، وأبو داود (869)، وابن خزيمة (670)، وابن حبان (1898)، وفي سنده إياس بن عامر الغافقي قال العجلي عنه:(لابأس به) وصحح له ابن خزيمة، وابن حبان، وذكره في ثقاته، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وحسن إسناده النووي. ينظر: الخلاصة 1/ 396، الإرواء 2/ 40.
(3)
من رواية أحمد بن نصر. ينظر: المغني 1/ 361.
(4)
في (أ) و (ب) و (د): الأعلى.
(5)
كتب على هامش (و): (أقول: عون ثقة، أخرج له مسلم في الصحيح، وسمع جماعة من الصحابة).
(6)
أخرجه أبو داود (886)، والترمذي (261)، وحكما بانقطاعه وأن عون بن عبد الله بن عتبة لم يلق ابن مسعود، وأخرج البزار في مسنده (1947)، موقوفًا على ابن مسعود:«إن من السنة أن يقول الرجل في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثًا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثًا» ، وفي سنده السري بن إسماعيل وهو متروك الحديث.
فالكمال
(1)
للمنفرد: العرف
(2)
. وقيل: ما لم يخف سهوًا. وقيل: بقدر قيامه. وقيل: سبع، وهو ظاهر كلامه. وقيل: عشر.
والإمام إلى عشر. وقيل: ثلاث ما لم يُؤْثر مأموم. وقيل: ما لم يشقَّ. وظاهر «الواضح» : قدر قراءته. وقال الآجُرِّيُّ: خمس؛ ليدرك المأموم ثلاثًا.
وأمَّا الوسَط؛ فقال أحمد
(3)
: (جاء عن الحسن أنَّه قال: التَّسبيح التَّامُّ سبعٌ، والوسَطُ خمسٌ، وأدناه ثلاثٌ).
(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) إن كان إمامًا أو منفردًا؛ لأنَّه عليه السلام كان يقول ذلك، ورَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لبريدةَ: «يا بريدةُ! إذا رفعتَ رأسَكَ من الرُّكوع فقل: سمعَ اللهُ لمن حمدَهُ، ربَّنا ولكَ الحمدُ»
(4)
.
وظاهره: أنَّ ترتيب هذا الذِّكرَ واجبٌ، فلو قال: من حمد الله سمع له؛ لم يُجزئْه؛ لتغيُّر المعنى، فإنَّ الأول صيغة تصلح للدُّعاء، ومعنى سمع: أجاب، والثاني صيغة شرط وجزاء، فافترقا، أشبه ما لو نكس التَّكبير.
(وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ)؛ لحديث ابن عمر قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رفعَ رأسَهُ من الرُّكوع رفعهما» متَّفقٌ عليه
(5)
.
فيرفعهما
(6)
مع رفع رأسه في رواية؛ لما تقدَّم.
(1)
في (أ) و (ب): بالكمال.
(2)
في (أ) و (ب) و (د) و (و): بالعرف.
(3)
في رسالته في الصلاة. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 358، المغني 1/ 361.
(4)
أخرجه الدارقطني (1284)، وفيه: عمرو بن شمر الجعفي وهو متروك، وجابر الجعفي وهو ضعيف، قال ابن عبد الهادي في التنقيح (244/ 2):(إسناده ساقط)، وأخرجه البزار (1284) من وجه آخر بإسناد واهٍ جدًّا.
(5)
أخرجه البخاري (735)، ومسلم (391).
(6)
في (و): فرفعهما.
وعنه: بعد اعتداله، نقل أحمد بن الحسين
(1)
أنَّه رأى أحمد يفعله
(2)
.
وقيل: يرفعهما المأموم مع رأسه روايةً واحدةً؛ لأنَّه ليس في حقِّه ذكر بعد الاعتدال، والرَّفع إنَّما جُعل هيئةً للذِّكر.
وكذا المنفرِد إن قلنا: لا يقول بعد الرَّفع شيئًا.
(فَإِذَا قَامَ)؛ أي: اعتدل قائمًا (قَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ)، هذا مشروع في حقِّ كلِّ مصلٍّ في قول أكثر أهل العلم؛ لما روى أبو هريرة قال:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: سمعَ اللهُ لمن حمدَهُ؛ حين يرفعُ صلبَهُ من الرُّكوع، ثمَّ يقولُ وهو قائمٌ: ربَّنا ولكَ الحمدُ» متَّفقٌ عليه
(3)
.
ويُخيَّر بين إثبات الواو وحذفها، وبها أفضل، نَصَّ عليه
(4)
، وهو الأصحُّ؛ للاتِّفاق عليه من رواية ابن عمر وأنس وأبي هريرة
(5)
، ويكون أكثر حروفًا، ويتضمَّن الحمدَ مقدَّرًا ومظهَرًا، فإنَّ التَّقدير: ربَّنا حمدناك، ولك الحمد؛ لأنَّ الواو لمَّا كانت للعطف، ولا شيء ههنا يعطف عليه ظاهرًا؛ دلَّ أنَّ في الكلام مقدَّرًا.
وله قول: اللَّهمَّ ربَّنا ولك الحمدُ، وبلا (وَاوٍ) أفضل، نَصَّ عليه
(6)
؛ لأنَّه متَّفقٌ عليه من حديث أبي هريرة، وأكثر فعله عليه السلام:«اللهمَّ ربَّنا لك الحمدُ» .
وعنه: يقول: ربَّنا ولك الحمدُ، ولا يَتخيَّر.
(1)
هو أحمد بن الحسين بن حسان، من أهل سر من رأى، صحب الإمام أحمد، وروى عنه أشياء. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 39، المقصد الأرشد 1/ 89.
(2)
ينظر: المغني 1/ 364.
(3)
أخرجه البخاري (804)، ومسلم (392)، واللفظ لمسلم.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 51، مسائل صالح 1/ 389، مسائل عبد الله ص 73.
(5)
حديث ابن عمر رضي الله عنه أخرجه البخاري (735)، وحديث أنس رضي الله عنه أخرجه البخاري (689)، ومسلم (411)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري (734)، ومسلم (392).
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 51، مسائل صالح 1/ 430.
قال في «المغني» و «الشَّرح» : (وكيفما قال جاز وكان حسنًا؛ لأنَّ السُّنَّة وردت به).
فرع: إذا عطَس حال رفعه، فحمد الله لهما؛ لا يجزئه، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأنَّه لم يخلصه للرَّفع. وصحَّح المؤلِّف الإجزاء؛ كما لو قاله ذاهلاً.
وإن نوى أحدهما تعيَّن، ولم يجزئه عن الآخر.
(مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ
(2)
الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)؛ أي: حمدًا لو كان
(3)
أجسامًا لملأ
(4)
ذلك، ولمسلم وغيره: «وملء
(5)
ما بينهما»، والأوَّل أشهر في الأخبار، واقتصر عليه الإمام
(6)
والأصحاب؛ لما روى ابن أبي أوفى قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعَ ظهرَهُ
(7)
من الرُّكوعِ قالَ: سمعَ الله لمن حمدَهُ، ربَّنا لك الحمدُ ملءَ السَّماءِ، وملءَ الأرضِ، وملءَ ما شئتَ مِنْ شيءٍ بعدُ» رواه أحمدُ ومسلمٌ
(8)
.
والمعروف
(9)
في الأخبار (السَّماوات)؛ لما روى عليٌّ قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعَ رأسَهُ من الرُّكوعِ قال: سمعَ اللهُ لمن حمدَهُ، ربَّنا ولك الحمدُ ملءَ السَّماواتِ، وملءَ الأرضِ، وملءَ ما شئتَ مِنْ شيءٍ بعدُ» رواه
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 388.
(2)
قوله: (وملء الأرض) هو في (أ): والأرض.
(3)
في (أ): لكان.
(4)
في (ز): لملأه.
(5)
في (د) و (و): ملء.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 51، مسائل صالح 1/ 390.
(7)
في (و): رأسه.
(8)
أخرجه أحمد (19104)، ومسلم (476).
(9)
كتب على هامش (و): (تبع جده، والحمد لله تعالى على هذا، وأقول: بل كلاهما صحيح معروف؛ الإفراد والجمع. حسن).
أحمدُ، ومسلمٌ، والتِّرمذي
(1)
وصحَّحه
(2)
.
وفي «المحرَّر» و «الوجيز» ك «المقنع» : وهذا في حقِّ الإمام والمنفرِد؛ كسائر الأذكار، وهو اختيار الأصحاب؛ إذ الأصل التَّأسِّي بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، لا سيما وقد عضَده قوله عليه السلام:«صلُّوا كما رأيْتموني أصلِّي» .
وعنه: يَقتصِر المنفرِد على التَّسميعِ والتَّحميدِ فقطْ؛ حطًّا له عن رتبة الإمام، ورفعًا له عن رتبة المأموم؛ لأنَّه أكمل منه؛ لعدَم تبَعِيَّته.
وعنه: يسمِّع فقط.
وعنه: عكسُه.
وظاهِرُه: أنَّه لا يستحبُّ الزِّيادةُ على ذلك في روايةٍ، وخصَّها في «المغني» و «الشَّرح» بالفريضة، وكلام
(3)
أحمد عامٌّ.
ونقل عنه أبو الحارث: إن شاء قال: أهلَ الثَّناءِ والمجْدِ؟ قال أحمدُ: (وأنا أقوله)
(4)
، فظاهره: يُستحَبُّ، واختاره أبو حفْصٍ، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح» .
(فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا؛ لَمْ يَزِدْ عَلَى: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ) في ظاهر المذهب؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قالَ الإمامُ: سمعَ اللهُ لمن حمدَهُ؛ فقولوا: ربَّنا ولكَ الحمدُ» متَّفقٌ عليه
(5)
، واقتصارُه على أمرهم بذلك يدلُّ على أنَّه لا يُشرع في حقِّهم سواه.
(1)
قوله: (إذا رفع رأسه من الرُّكوع قال) إلى هنا سقط من (و).
(2)
أخرجه مسلم (771)، والترمذي (3222) من حديث علي، وأخرجه أحمد (2489)، ومسلم (478)، من حديث ابن عباس بهذا اللفظ.
(3)
في (د) و (و): وظاهر.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 388.
(5)
أخرجه البخاري (734)، ومسلم (414)، ولفظ مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«اللهم ربنا لك الحمد» .
ويأتي به حين يرفع؛ لأنَّه يأخذ في الرَّفع عُقَيبَ تسميع الإمام، فيحمَد
(1)
حينئذٍ
(2)
، وأمَّا الإمامُ
(3)
والمنفرِدُ؛ فيقولان ذلك بعد الاعتدال من الرُّكوع؛ لأنَّهما في حال الرَّفع يَشرَعان في التَّسميع.
(إِلاَّ عِنْدَ أَبِي الخَطَّابِ)، فإنَّه يزيد على ذلك: (مِلْءَ السَّماء
…
) إلى آخره، وهو رِوايةٌ نقلها الأثرم
(4)
، واختارها صاحب «النَّصيحة» والشَّيخ تقِيُّ الدِّين
(5)
؛ لأنَّه ذِكرٌ مشروعٌ في الصَّلاة، أشبه بقيَّة الأذكار.
وظاهره: اختصاص الزِّيادة عنده بما بعد التَّحميد، وفي «المغني»:(لا أعلم فيه خلافًا أنَّ المُؤتَمَّ لا يُسمِّع)؛ لأنَّه أُمِر بالتَّحميد عُقَيبَ تسميع إمامه.
وعنه: ويُسمِّع، وحكاه في «المحرَّر» قولاً؛ كالإمام والمنفرِد، ولأنَّه ذِكرٌ مشروعٌ لهما، فشُرع للمأموم؛ كسائر الأذكار.
وجوابُنا: بأنَّ حديثنا خاصٌّ بالمأموم، وحديث بُرَيدةَ عامٌّ، وتقديم الصَّحيح الخاصِّ أَوْلى، مع أنَّ إسناد حديث بُرَيدةَ فيه جابر الجُعفِيُّ وعمْرُو بن شَمِر، وهما ضعيفان عند أكثر المحدِّثين.
مسألة: لم يتعرَّض المؤلِّف لهيئة اليدين بعد الرَّفع، والمنصوص عنه: إن شاء أرسلهما، وإن شاء وضع يمينه على شماله
(6)
. وفي المذهب و «التَّلخيص» : يرسلهما.
(ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا)؛ للنُّصوصِ، (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) في ظاهر المذهب؛
(1)
في (و): يحمد.
(2)
في (و): فحينئذ.
(3)
في (د): للإمام.
(4)
ينظر: المغني 1/ 367.
(5)
ينظر: الاختيارات ص 83.
(6)
ينظر: مسائل صالح 2/ 205.
لقول ابن عمر: «وكان لا يَفعل ذلك في السُّجود» متَّفقٌ عليه
(1)
.
وعنه: بلى.
وعنه: في كل خفض ورفع، وفيه عن ابن عمر وأبي حُمَيدٍ أحاديث صحاح
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري (735) ومسلم (390).
(2)
تبع المصنف في ذلك ما ذكره صاحب الشرح الكبير 3/ 499، حيث قال:(وسئل - أي: الإمام أحمد - عن رفع اليدين في الصلاة فقال: يرفع في كل خفض ورفع، وقال: فيه عن ابن عمر وأبي حميد أحاديث صحاح)، فجعل حديث ابن عمر وأبي حميد رضي الله عنهم في الرفع في كل خفض ورفع، وكلام أحمد إنما هو في رفع اليدين إذا نهض من الركعتين، قال ابن رجب في الفتح 6/ 349:(قال إسحاق بن إبراهيم: سئل أحمد: إذا نهض الرجل من الركعتين يرفع يديه؟ قال: إن فعله فما أقربه؛ فيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي حميد أحاديث صحاح)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في رفع اليدين عند النهوض من الركعتين أخرجه البخاري (739)، وحديث أبي حميد رضي الله عنه أخرجه أبو داود (730).
وأخرج أحمد (6164)، عن أبي هريرة رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر ويفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد» ، ثم أسند عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال مثل ذلك، لكنه من رواية إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، وإسماعيل بن عياش روايته عن الحجازيين ضعيفة وهذه منها.
وأخرج أحمد (18853)، من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه:«فكان يكبر إذا خفض، وإذا رفع، ويرفع يديه عند التكبير» .
وأخرج الدارقطني في العلل (9/ 283)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ:«كان يرفع يديه في كل خفض ورفع» ، قال الدارقطني:(ولم يتابع عمرو بن علي على ذلك، وغيره يرويه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع»، وهو الصحيح).
وروي من حديث أنس رضي الله عنه، أخرجه الدارقطني (1119)، وأعله بالوقف، وأعله ابن رجب بذلك أيضًا، وقال ابن القيم:(وقد روي عنه: أنه كان يرفعهما أيضًا، وصححه بعض الحفاظ كأبي محمد بن حزم رحمه الله تعالى، وهو وَهَم، فلا يصح ذلك عنه البتة، والذي غره أن الراوي غلط من قوله: «كان يكبر في كل خفض ورفع»، إلى قوله: «كان يرفع يديه عند كل خفض ورفع»، وهو ثقة، ولم يفطن لسبب غلط الراوي ووهمه؛ فصحَّح). ينظر: زاد المعاد 1/ 215، فتح الباري 6/ 352 - 354.
وحيث استُحبَّ رفعُهما؛ فقال أحمد: هو من تمام الصَّلاة، من رفع أتمُّ صلاةً
(1)
.
وعنه: لا أدري
(2)
، قال القاضي: إنَّما توقَّف على نحو ما يقوله ابن سيرين: إنَّ الرَّفع من تمام صحَّتها
(3)
؛ لأنَّه قد حكي عنه: أنَّ من تركه يعيد، ولم يتوقَّف أحمد عن
(4)
التَّمام الذي هو تمام فضيلة وسنَّة، ومن تركه فقد ترك السُّنَّة.
(فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ)، على المشهور في المذهب، وهو قول عامَّتهم؛ لما روى وائلُ بن حُجْر قال:«رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا سجدَ وضعَ ركبتيه قبلَ يدَيه، وإذا نهضَ رفعَ يديه قبلَ ركبتَيه» رواه النَّسائي، وابن ماجه، والتِّرمذي وقال: (حسن غريب لا نعرف
(5)
أحدًا رواه غير
(6)
شَريك، والعملُ عليه عند أكثرهم)، ورواه أبو داود بإسنادٍ جيِّدٍ من غير
(7)
طريق شَرِيكٍ
(8)
، ولأنَّه أرْفق بالمصلِّي، وأحسن في الشَّكل ورأيِ العَين.
(1)
في (د) و (و): صلاته. وينظر: مسائل صالح 2/ 205.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 50.
(3)
أخرجه البخاري في رفع اليدين (39)، وذكره أبو داود في مسائله (ص 50)، وابن هانئ في مسائله (240).
(4)
في (أ): من.
(5)
في (و): يعرف.
(6)
في (د) و (و): عنه.
(7)
قوله: (غير) سقط من (أ) و (د).
(8)
أخرجه أبو داود (838)، والترمذي (268)، والنسائي (1154)، وابن ماجه (882)، وابن خزيمة (626)، من طريق شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر به، وأُعل بتفرد شريك بن عبد الله النخعي به، قال الترمذي:(وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم)، وقال الدارقطني:(وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به)، وأعله بعض الحفاظ بالإرسال، وصحح الحديث ابن خزيمة وابن حبان وابن السكن. ينظر: العلل الكبير للترمذي 1/ 69، التلخيص الحبير 1/ 616، الإرواء 2/ 75.
وعنه: عكسه؛ لما روى أبو هريرة مرفوعًا قال: «إذا سجدَ أحدُكم فليَضَعْ يدَيه قبلَ رُكبتَيه، ولا يَبْرُك بُروكَ البعيرِ» رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي، لكن قال الخَطَّابي:(حديثُ وائلٍ أصحُّ)، وقال الحاكم:(هو على شرط مسلم)
(1)
، وبتقدير
(2)
مساواته؛ فهو منسوخ بما روى ابن خُزَيمة عن أبي سعيد قال: «كنَّا نضعُ اليدَين قبلَ الرُّكبتين، فأُمرنا بوضع الرُّكبتين قبل اليدَين» ، لكنَّه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل، وقد تَكلَّم فيه ابن مَعينٍ والبخاريُّ
(3)
.
والمراد باليدين
(4)
ههنا: الكفَّان.
(ثَمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ) بغير خلاف
(5)
؛ لما روى أبو حميد
(6)
السَّاعدي قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا سجدَ أمكنَ جبهتَهُ وأنفَهُ من الأرضِ» رواه التِّرمذي، وصحَّحه
(7)
.
(1)
أخرجه أحمد (8955)، وأبو داود (840)، والنسائي (1091)، والدارقطني (1304)، وفي سنده محمد بن عبد الله بن حسن الملقب بالنفس الزكية وثقه النسائي، قال البخاري بعد أن أخرج حديثه:(لا يتابع عليه)، ومال إلى تقوية الحديث النووي، والألباني، وغيرهما، قال النووي:(إسناده جيد). ينظر: التاريخ الكبير للبخاري 1/ 139، مستدرك الحاكم (814)، معالم السنن 1/ 208، خلاصة الأحكام 1/ 403، الإرواء 2/ 78.
(2)
في (أ): وتقدير.
(3)
أخرجه ابن خزيمة (628)، وفي سنده إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، هو وأبوه متروكان، قال ابن معين عن يحيى:(ليس بشيء)، والبخاري:(في حديثه مناكير)، ينظر: التاريخ الكبير للبخاري 8/ 277 - 278، تاريخ ابن معين رواية الدوري 3/ 277، تنقيح التحقيق 2/ 253.
(4)
قوله: (باليدين) سقط من (أ) و (د).
(5)
ينظر: مراتب الإجماع ص 30.
(6)
في (أ) و (و): أبو سعيد.
(7)
أخرجه الترمذي (270)، وقال:(حديث حسن صحيح)، وصححه الألباني ينظر: الإرواء 2/ 15.
(وَيَكُونُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ)؛ أي: أصابع رِجلَيه، ويَثْنِيهما إلى القِبلة، ذكره في «المغني» و «الشَّرح»؛ لقوله عليه السلام:«أُمِرتُ أن أسجدَ على سبعةِ أعْظُمٍ»
(1)
، ذكر منها أطراف القدمين، وفي الصَّحيح:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سجدَ غيرَ مفترِشٍ، ولا قابضِهما، واستقبلَ بأطرافِ رجلَيه القِبلةَ» ، وفي رواية: «وفتخَ
(2)
أصابعَ رجلَيه»
(3)
.
وفي «المستوعب» : أنَّه يقيم قدميه، ويجعل بطون أصابعهما على الأرض، وقال في «التَّلخيص»: يجب جعل باطن أطرافها إلى القِبلة، إلاَّ أن يكون بهما
(4)
نَعل أو خُف، وقيل: يجب فتحها إن أمكن، قاله في «الرِّعاية» .
ويُكرَه أن يلصق كعبه في سجوده، قاله في «المستوعب» .
فرع: إذا سقط على جنبه بعد قيامه من الرُّكوع، ثمَّ انقلب ساجدًا؛ لم يُجزئْه سجوده حتَّى ينويَه؛ لأنَّه خرج عن سَنن الصَّلاة وهيْئتها.
وإن سقط منه ساجدًا؛ أجزأه بغير نيَّة؛ لأنَّه على هَيئتها، فلو قطع النِّيَّة عن ذلك؛ لم يجزئه، قال ابن تميم وغيره: ولا تبطل صلاته.
(وَالسُّجُودُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَاجِبٌ)؛ أي: ركن مع القدرة، اختاره الأكثر، وذكره ابن الجوزي قولاً واحدًا.
وعنه: لا يجب على غير الجبهة، ذكرها الآمِديُّ؛ لقوله عليه السلام:«سجدَ وجْهِي»
(5)
، فدلَّ على أنَّ السُّجود على الوجه، وبه يسمَّى ساجدًا، لا بوضع
(1)
أخرجه البخاري (812)، ومسلم (490)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(2)
كتب على هامش الأصل، وكذا على (د) وقال قبلها:(حاشية بخط المؤلف): (فتخ: هو بالخاء المعجمة، قال في النهاية: فتخ أصابع رجليه؛ أي: نصبها وغمز موضع الأصابع منها وثنى بها إلى باطن الرجل).
(3)
أخرجه البخاري (828)، من حديث أبي حميد رضي الله عنه، ورواية:«فتح أصابع رجليه» ، أخرجها الترمذي (304)، والنسائي (1101).
(4)
في (ب) و (د) و (ز): فيهما.
(5)
أخرجه مسلم (771)، من حديث علي رضي الله عنه.
غيره من الأعضاء، ولأنَّه لو وجب السُّجود على هذه الأعضاء؛ لوجب كشفها كالجبهة.
قال القاضي في «الجامع» : هذا ظاهر كلام أحمدَ، فإنَّه قد نصَّ في المريض يرفع شيئًا يسجد
(1)
عليه
(2)
، ومعلوم أنَّه قد أخلَّ بالسُّجود على يدَيه، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» ، فعلى هذه؛ فيكون السُّجود على البقيَّة سُنَّة.
والأوَّل أَوْلى؛ لما روى ابن عبَّاس مرفوعًا: «أُمِرتُ أن أسجدَ على سبعةِ أَعظُمٍ: على الجبهةِ - وأشار بيده إلى أنفه - واليدَين، والرُّكبتين، وأطراف القدمين» متَّفقٌ عليه
(3)
، وقال:«إذا سجدَ أحدُكم سجدَ معه سبعةُ آرابٍ: وجهه، وكفَّاه، ورُكبتاه، وقدماه» رواه مسلم
(4)
.
وأجاب في «المغني» و «الشَّرح» : بأنَّ سجود الوجه لا ينفي سجود ما عداه، وسقوط الكشف لا يمنع وجوب السُّجود، فإنَّا نمنع
(5)
في الجبهة على روايةٍ، ولو سُلِّم فالجبهة هي الأصل في السُّجود، وهي تُكشَف عادة بخلاف غيرها.
(إِلاَّ الْأَنْفَ)؛ فإنَّه لا يَجِبُ السُّجود عليه (عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) اختارها جماعةٌ، وهي ظاهر «الوجيز» ، وصحَّحها القاضي، قاله
(6)
في «الوسيلة» ؛ لأنَّه عليه السلام لم يَذكُر الأنفَ منها، وعن جابر قال: «رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سجدَ بأعلى
(1)
في (ب) و (ز): فيسجد.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 180.
(3)
سبق تخريجه 2/ 207 حاشية (7).
(4)
أخرجه بهذا اللفظ أحمد (1764)، وأبو داود (891)، والترمذي (272)، والنسائي (1094)، وابن ماجه (885)، ولفظ مسلم (491):«سبعة أطراف» ، وهو من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه.
(5)
قوله: (فإنا نمنع) هو في (و): فأما منع.
(6)
في (ب) و (ز): قال.
جبهتِهِ على قُصاصِ الشَّعرِ» رواه تَمَّامٌ في «فوائده»
(1)
، وإذا سجد بأعلى الجبهة؛ لم يَسجُد على الأنف.
والثَّانية: ركن، ذكر ابن هُبَيرة أنَّها المشهورة، وقدَّمها ابن تميم والجَدُّ، وصحَّحها ابن منجَّى وغيرُه؛ لما تقدَّم، فمتى أخلَّ بالسُّجود على عُضوٍ من هذه؛ لم تَصحَّ
(2)
.
تنبيه: إذا عجز عن السُّجود بغير الجبهة؛ سجد بما يَقدِر عليه ما أمكنه، ولا يجب أن يرفع إليه شيئًا يَسجُد عليه؛ لأنَّه هو الهبوط
(3)
، ولا يحصل بالرَّفع.
وإن عجز عن الجبهة لعارِض من مرَض أو غيرِه؛ سقط عنه السُّجود بما يَقدِر عليه، قال أحمدُ في المريض يرفع إلى جبهته شيئًا يَسجُد عليه: إنَّه يجزئه
(4)
، حكاه في «المغني» و «الشَّرح» ، وصحَّحه ابن تَمِيم.
وقيل: لا يَسقُط، جزم به القاضي في «التَّعليق» ؛ لأنَّه لا يمكن وضعه بدون بعضها، ويمكن رفعه بدون شيءٍ منها.
ويجزئه بعض كل عضو منها، وذكر في «التَّلخيص»: أنَّه يجب سجوده بباطن كفِّه أو بعضه، وفي «الرِّعاية»: وقيل: وأصابعه، وهو قول ابنِ حامِدٍ.
ولا يُجزِئُ سجودُه على أنفه عن جَبهتِه وِفاقًا، وحكى ابن المنذر عن هـ الإجزاء، قال:(ولا أعلم أحدًا سبَقه إلى هذا)
(5)
، قلت: ولعلَّه ذهب إلى أنَّ
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (432)، وتمام في فوائده (428)، وفي سنده: أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف، وأخرجه ابن أبي شيبة (2697)، والدارقطني (1320)، من وجه آخر وفي سنده: عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة الحمصي وهو واهي الحديث. ينظر: تنقيح التحقيق 2/ 258، البدر المنير 3/ 646، تهذيب التهذيب 6/ 348.
(2)
في (ب) و (و): يصح.
(3)
قوله: (هو الهبوط) هو في (و): هوى بالهبوط.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 180، المغني 1/ 370.
(5)
السجود على الأنف دون الجبهة يجوز عند أبي حنيفة مع الكراهة، وعنه واختارها صاحباه: لا يجوز إلا للعذر. ينظر: الأوسط 3/ 175، العناية شرح الهداية 1/ 303، الذخيرة 2/ 193، الحاوي الكبير 2/ 162، المغني 1/ 371.
الجبهةَ والأنفَ عُضوٌ واحِدٌ، لإشارته عليه السلام إليه، والعُضوُ الواحِدُ يُجزِئُ
(1)
السُّجودُ على بعضِه.
(وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ المُصَلَّى بِشَيْءٍ مِنْهَا)؛ أي: من أعضاء السُّجود، وهو إجماعٌ في القدَمَين
(2)
؛ لصحَّة صلاة لابِس الخُفَّين، وفي الرُّكبتَين؛ لاتِّصالهما بالعورة أو منها عند بعض، وقول الجمهور في اليدَين؛ لما روى عبد الله بن عبد الرَّحمن قال:«جاءنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فصلَّى بنا في مسجد بني عبدِ الأشْهَل، فرأيته واضعًا يدَيه في ثوبه إذا سجد» رواه أحمد وابن ماجه
(3)
.
(إِلاَّ الجَبْهَةَ)؛ فإنَّه يَجِب عليه مباشرةُ المصلَّى بها (عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، ذكرها أبو الخَطَّاب؛ لقول خَبَّابٍ:«شكَوْنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّ الرَّمضاءِ في جِباهِنا وأَكُفِّنا؛ فلم يُشكِنا» رواه البَيْهَقِيُّ، ومُسلِمٌ وليس فيه:«جِباهنا وأكفِّنا»
(4)
، وعن عليٍّ قال:«إذا سجد أحدُكم فليَحسِر العِمامةَ عن جَبهتِه» رواه البَيْهَقِيُّ
(5)
،
(1)
في (و): يحصل.
(2)
ينظر: نهاية المطلب 2/ 163، كفاية النبيه 3/ 187.
(3)
أخرجه أحمد (18953)، وابن ماجه (1031)، وهو حديث ضعيف، فيه: إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، وفيه ضعف، وأخرجه ابن ماجه أيضًا (1032) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت، عن أبيه، عن جده به، وإسناده ضعيف أيضًا؛ إبراهيم ضعيف كوالده، وترجم البخاري لعبد الرحمن بن ثابت بن الصامت في كتابه الضعفاء وقال:(لم يصح حديثه). ينظر: الضعفاء للبخاري ص 69، بيان الوهم والإيهام 3/ 376، الإرواء 2/ 17.
(4)
أخرجه مسلم (619)، والبيهقي (2065)، ولفظة:«جباهنا وأكفنا» هي عند السراج في مسنده (2657)، والبيهقي في السنن الكبرى (2657).
وكتب على هامش (و): (وليس عند "مسلم" ذكر الحر فليُعلم. حسن).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (2756)، وابن المنذر في الأوسط (1460)، والبيهقي في الكبرى (2660)، وفيه عبد الأعلى الثعلبي، قال عنه الذهبي في المهذب 1/ 552:(فيه ضعف)، وضعفه أحمد وغيره. ينظر: تهذيب التهذيب 6/ 94.
وكان
(1)
ابن عمر يَكرَه السُّجود على كَوْرِ العِمامة
(2)
، ولأنَّه سجد على ما هو حائِلٌ له، أشبه ما لو سجد على يديه.
والثَّانية: لا يَجِب، وهي الأصحُّ في المذهب، ونصرها في «المغني» و «الشَّرح» ، وقدَّمها في «المحرَّر» و «الفروع»؛ لما رَوى أنَسٌ قال:«كنَّا نُصلِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فيَضَعُ أحدُنا طرَفَ الثَّوبِ من شدَّةِ الحرِّ في مكانِ السُّجودِ» متَّفقٌ عليه
(3)
، قال البخاري: قال الحسن: «كان القوم يسجدون على العِمامة والقَلَنسُوَة، ويداه في كُمَّيه»
(4)
، وروى البَيهَقيُّ عن الحسن قال
(5)
: «كان أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم وعلى عمائمهم»
(6)
.
وذكر القاضي: أنَّه لو سجد على كَور العمامة، أو كمِّه، أو ذَيله؛ صحَّت صلاتُه روايةً واحدةً.
والجواب عن حديث خبَّاب: أنَّهم طلبوا منه ما يُزيل عنهم ضرر الرَّمضاء في جباههم وأكفِّهم بتأخير الصَّلاة أو تسقيف المسجد أو نحوه، لا أنَّهم
(1)
في (ب): فكان.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (1570)، وابن أبي شيبة (2757)، وحرب الكرماني - الطهارة والصلاة - (1241)، وابن المنذر في الأوسط (1461)، والبيهقي في الكبرى (2661)، وأسانيده صحيحة.
(3)
أخرجه البخاري (385)، ومسلم (620).
(4)
علقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 68)، ووصله عبد الرزاق (1566)، عن هشام بن حسان، عن الحسن.
(5)
قوله: (كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة، ويداه في كمه. وروى البيهقي عن الحسن قال) سقط من (و).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (2739)، والبيهقي في الكبرى (2667)، وقال: (وأصح ما روي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
طلبوا الرُّخصة في السُّجود على العمائم والأكمام؛ لأنَّه إنَّما طلبه الفقراء، ولم يكن لهم عمائم ولا أكمام طوال يتَّقون بها الرَّمضاء.
وعلى الصِّحَّة؛ ففي كراهة حائل متَّصل - حتَّى طين كثير- روايتان، ولا يكره لعذر، نقله صالح وغيره
(1)
.
وذكر السَّامَرِّيُّ: أنَّ ظاهر ما نقله أكثر الأصحاب لا فرق، قال في «الفروع»:(وليس بمرادٍ، بل قال جماعةٌ: يُكرَه بمكانٍ شديدِ الحرِّ والبرد، قال ابن شهاب: لترك الخشوع؛ كمُدافَعة الأخبثين).
مسألتان:
الأولى: إذا سجد على يدَيه؛ لم يُجزِئْه قولاً واحدًا؛ لأنَّ السُّجود عليها يفضي إلى تداخُل أعضاء السُّجود، قال القاضي في «الجامع»: لم أجِدْ عن أحمد نصًّا فيها، ويُجزئُه إن قلنا: لا يجب السُّجود على غير الجبهة، وإن قلنا بالوجوب فلا؛ لئلاَّ يتداخَل محلُّ السُّجود بعضه في بعض.
الثَّانية: إذا علا موضِعُ رأسه على موضع قدمَيه، فلم يستعلِ
(2)
الأسافِل بلا حاجة؛ جاز. وقيل: يُكرَه. وقيل: تبطل. وقيل: إن كثر
(3)
. وقال في «التَّلخيص» : التَّنكيس في السُّجود - وهو استعلاء الأسافل-؛ واجب، والصَّحيح: أنَّ اليسير لا بأس به دون الكثير.
ولم يَذكُر جماعةٌ التَّنكيس في الواجبات والسُّنن.
(وَ) يسنُّ أن (يُجَافِي
(4)
عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ)، وفخذَيه عن ساقَيه؛ لما في الصَّحيح: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يُجَنِّحُ حتَّى يُرى
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 564، الفروع 2/ 202.
(2)
في (ب) و (ز): تستعل، وفي (و): تشتغل.
(3)
في (د): كره.
(4)
في (ز): ويجافي.
وَضَحُ إبْطَيهِ»
(1)
، وعن أبي حُمَيدٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سجدَ أمكنَ أنفَهُ وجبهتَهُ من
(2)
الأرض، ونحَّى يدَيه عن جنْبَيه، ووضعَ كفَّيه حذوَ منكبَيه» رواه أبو داود
(3)
، وقال
(4)
أبو عبد الله في «رسالته» : (جاء عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أنَّه كان إذا سجدَ لو مرَّت بهيمةٌ لنفذت
(5)
(6)
، وذلك لشدَّةِ رفعِ مِرفَقَيه وعَضُدَيه»)
(7)
، وهذا ما لم يؤذِ جارَه.
(وَيَضَعُ يَدَيْهِ) يعني: راحتَيه على
(8)
الأرض مبسوطتَين مضمومتَي الأصابِع، مستقبِلاً بهما القِبلة؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا سجدَ ضَمَّ أصابِعَه» رواه أبو حاتِمٍ والبَيهَقيُّ
(9)
، (حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ)؛ لما تقدَّم، ونقل عبدُ الله: حذاء أذنَيه
(10)
، ونقل أبو طالِبٍ: قريبةً من أذنيه
(11)
.
(وَيُفَرِّقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ) ورِجْلَيه؛ «لأنَّه عليه السلام كان إذا سجدَ
(12)
فرَّج بين فخِذَيه»
(13)
، وذكر ابن تميم وغيرُه: أنَّه يَجمَع بين عَقِبَيه.
(1)
أخرجه مسلم (495).
(2)
في (د): في.
(3)
سبق تخريجه 2/ 197 حاشية (3).
(4)
في (د): قال.
(5)
في (ز): لتعدت، وفي (و): لنفدته.
(6)
أخرجه مسلم (496)، وأبو داود (898) عن ميمونة، قالت:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بَهْمةٌ أن تمر بين يديه لمرت» .
(7)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 363.
(8)
في (و): في.
(9)
أخرجه ابن خزيمة (642)، وابن حبان (1920)، والبيهقي (2695)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الملقن، وغيرهم. ينظر: البدر المنير 3/ 668.
(10)
ينظر: المغني 1/ 374 من رواية الأثرم.
(11)
ينظر: الفروع 2/ 203.
(12)
زيد في (و): ضم أصابعه.
(13)
أخرجه أبو داود (735)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1548)، هذا حديث ضعيف، في سنده عبد الله بن عيسى العمري، وصوابه: عيسى بن عبد الله كما نبه عليه البيهقي، وهو مقبول، والراوي عنه: عتبة بن أبي حكيم الهمداني، وهو صدوق يخطئ كثيرًا كما في التقريب. ينظر: الإرواء 2/ 80.
ويُكرَه افتراشُ الذِّراع في السُّجود؛ للنَّهي المتِّفَقِ عليه من حديث أنَسٍ
(1)
.
مسألة: له أن يَعتمِد بمِرفَقَيه على فخذَيه إن طال، ولم يقيِّده جماعةٌ؛ لخبر أبي هريرة: أنَّ الصَّحابة شَكَوْا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقَّة السُّجود عليهم، فقال
(2)
: «استعينوا بالرُّكَب»
(3)
، قال ابن عَجْلانَ: (هو أن يَضَع مِرفَقَيه على رُكبتَيه إذا طال
(4)
السُّجود)
(5)
، وقيل: في نفلٍ، وعنه: يُكرَه.
قال في «الفروع» : (وظاهر المسألة: لو وضَع جبهتَه بالأرض ولم يَعتمِد عليها؛ يُجزئُه، وقد احتجَّ بعضُ أصحابنا بأمره عليه السلام بتمكين الجبهة من الأرض، وبفعله
(6)
، ووجوب الرُّجوع إليه، وهذا يقتضي الوجوب، فهذان
(1)
أخرجه البخاري (822)، ومسلم (493)، ولفظه:«اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» .
(2)
في (أ) و (ب) و (ز): قال.
(3)
أخرجه أحمد (8477)، وأبو داود (902)، والترمذي (286)، ورجح البخاري وأبو حاتم والترمذي إرساله، وحسن إسناده النووي، ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 499، الخلاصة 1/ 412، ضعيف سنن أبي داود 1/ 347.
(4)
في (د): أطال.
(5)
ينظر: مستدرك الحاكم 1/ 352.
(6)
أما أمره صلى الله عليه وسلم: فأخرجه أحمد (2604)، من حديث ابن عباس ولفظه:«وإذا سجدت فأمكن جبهتك من الأرض، حتى تجد حجم الأرض» ، قال ابن رجب:(في إسناده لين)، وصححه الألباني، وله شاهد عند ابن حبان (1887)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، بلفظ:«وإذا سجدت فمكِّن جبهتك، ولا تنقر نقرًا» ، وإسناده لا بأس به، وآخر من حديث رفاعة بن رافع عند الشافعي (ص 34)، وأحمد (18995)، والطَّبراني في الكبير (4530)، ولفظه:«وإذا سجدت فمكِّن لسجودك» ، وفي لفظٍ للطَّبراني (4527):«ثم اسجد فأمكن جبهتك من الأرض» ، قال الذهبي:(إسناده جيد). ينظر: تنقيح التحقيق للذهبي 1/ 161، فتح الباري لابن رجب 2/ 449، الصحيحة (1349).
وأما فعله صلى الله عليه وسلم: فأخرجه أبو داود (734)، والترمذي (270)، وابن حبان (1871)، من حديث أبي حميد الساعدي:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض» ، قال الترمذي:(حديث أبي حميد حديث حسن صحيح)، وصححه ابن حبان، والألباني، وأصله في البخاري (298). ينظر: الإرواء 2/ 15.
وجهان، وقد ذكروا لو سجد على حَشِيش أو قُطن أو ثلْج وبرَد، ولم يَجِد حجمه؛ لم يصحَّ
(1)
؛ لعدم المكان المستقَرِّ عليه).
(وَيَقُولُ: سَبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا)؛ كالتَّسبيح في الرُّكوع على ما مرَّ.
وفي «المغني» : أنَّه يُستحَبُّ الدُّعاء بما ورد؛ لقوله عليه السلام: «وأمَّا السُّجودُ فأكثِروا فيه من الدُّعاءِ، فقَمِنٌ أن يُستجابَ لكم» رواه مسلمٌ
(2)
، ومعناه: حَقِيقٌ وجَدِيرٌ.
وقال القاضي: لا تُستحَبُّ
(3)
الزِّيادة عليه في الفرض، وفي النَّفل روايتان.
وردَّه المؤلِّف بما صحَّ من الأخبار
(4)
، وسنَّتُه عليه السلام أحقُّ بالاتِّباع.
(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ) إذا قضى سُجودَه (مُكَبِّرًا)، ويكون ابتداؤه مع ابتدائه، وانتهاؤه مع انتهائه.
(1)
في (د): تصحُّ.
(2)
أخرجه مسلم (479)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
في (ب) و (و): يستحب.
(4)
منه حديث عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» يتأول القرآن. أخرجه البخاري (817)، ومسلم (484).
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره» ، أخرجه مسلم (483).
وحديث عائشة رضي الله عنها: أنه كان يقول عليه السلام في سجوده: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ، أخرجه مسلم (486).
(وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى)، ويَفتَح أصابِعَه نحو القِبلة؛ لقول أبي حُمَيد في صفة صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ثمَّ ثَنَى رجلَه
(1)
اليسرى، وقَعَد عليها، واعتَدَل حتَّى رجع كلُّ عظمٍ في موضعه»
(2)
، وفي حديث عائشةَ: «وكان يَفرُش
(3)
رجلَه اليسرى، ويَنصِب اليمنى» متَّفَقٌ عليه
(4)
.
قال جماعةٌ منهم الجَدُّ: ويَبسُط يدَيه على فخِذَيه مضمومةَ الأصابِعِ، زاد في «التَّلخيص»: ويَضُمُّ الإبهامَ، ولم يَذكُره آخرون.
(ثُمَّ يَقُولُ) بين السَّجدَتينِ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي ثَلَاثًا)، ذكره السَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص» و «الفروع» وغيرُهم؛ لما رَوى حُذَيفةُ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السَّجدتين: ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي» رواه النَّسائيُّ وابن ماجَهْ، وإسنادُه ثِقاتٌ
(5)
.
وقال ابن أبي موسى: مرَّتَين، وهو ظاهر الخِرَقِيِّ؛ للخبر.
وفي «الرِّعاية» : يقول
(6)
: ربِّ اغفر لي أو لنا، ثلاثًا.
وفي «الشَّرح» : إن قال: ربِّ اغفر لنا؛ فلا بأس.
ولم يُعيِّن
(7)
أحمدُ في رواية جماعةٍ ثلاثًا، بل قال: يقول: ربِّ اغفر لي
(8)
.
قال حَرْبٌ: (ومذهبُه: إن قال
(9)
؛
(1)
في (و): رجليه.
(2)
سبق تخريجه 2/ 197 حاشية (3).
(3)
في (د) و (و): يفترش.
(4)
أخرجه مسلم (498)، وهو من أفراد مسلم، ولم يخرجه البخاري.
(5)
أخرجه أحمد (23375)، وأبو داود (874)، والنسائي (1145)، وابن ماجه (897)، وهو حديث صحيح. ينظر: الإرواء 2/ 41.
(6)
في (د): بقوله.
(7)
في (يعين) هو في (ز): يعتن.
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 52، مسائل ابن منصور 2/ 576، مسائل ابن هانئ 1/ 47.
(9)
زيد في (ز): شيء. والمثبت موافق لما في مسائل حرب.
جاز
(1)
، وإن لم يقل؛ جاز، والأمر عنده واسعٌ)
(2)
، والأصحُّ خلافه.
ولا يُكرَه في الأصحِّ ما ورد عن ابن عبَّاس قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول بين السَّجدتَين: اللهمَّ اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، وعافني» رواه أبو داود
(3)
.
وعنه: يُستحَبُّ في نفل. واختار المؤلِّف: وفَرْضٍ.
(ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى)، من التَّكبير والتَّسبيح والهيئة
(4)
؛ لأنَّه عليه السلام كان يفعل ذلك.
(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا)؛ لأنَّه «عليه السلام كان يُكبِّر في كلِّ رفعٍ وخفضٍ»
(5)
.
(وَيَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ)؛ نَصَّ عليه
(6)
؛ لحديث وائِل ابنِ حُجْرٍ
(7)
، وعن ابن عمر قال: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يَعتمِد الرَّجل على يدَيه إذا
(1)
قوله: (جاز) سقط من (د) و (و).
(2)
ينظر: مسائل حرب، الصلاة ص 176.
(3)
أخرجه أحمد (3514)، وأبو داود (850)، وفي سنده كامل بن العلاء التميمي، وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان، وقال ابن سعد:(ليس بذاك)، وقال النسائي:(ليس بالقوي)، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق يخطئ)، وحسن إسناد الحديث النووي، وصححه ابن الملقن، وحسنه الألباني. ينظر: الخلاصة 1/ 415، البدر المنير 3/ 672، تهذيب التهذيب 8/ 409، صحيح أبي داود 3/ 436.
(4)
قوله: (والهيئة) سقط من (أ).
(5)
أخرجه البخاري (784) عن عمران بن حصين، أنه صلى مع علي رضي الله عنه بالبصرة، فقال:«ذكَّرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع» .
وأخرجه أيضًا (785)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«أنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف، قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم» .
وأخرجه أحمد (4224)، عن ابن مسعود رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل رفع وخفض» ، وله طرق أخرى كثيرة. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 591، الإرواء 2/ 35.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 566، مسائل حرب، الصلاة ص 159.
(7)
سبق تخريجه 2/ 206 حاشية (5).
نهض في الصَّلاة» رواه أبو داود
(1)
، ولأنَّه أشقُّ، فكان أفضل كالتَّجافي.
قال القاضي: لا يَختلِف قولُه أنَّه لا يَعتمِد على الأرض، سواءٌ قلنا يَجلِس للاستراحة أو لا.
(إِلاَّ أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ؛ فَيَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ)؛ لما رَوى الأثرمُ عن عليٍّ قال: «من السُّنَّة في الصَّلاة المكتوبةِ إذا نَهَض؛ ألاَّ يَعتمِد بيدَيه على الأرض، إلاَّ أن يكون شَيخًا كبيرًا لا يَستطيعُ»
(2)
، وذكر في «الشَّرح»:(أنَّه إذا شقَّ عليه؛ اعتمد على الأرض، لا نعلم فيه خلافًا).
واقتضى كلامُه: أنَّه لا يَجلِس جِلسة الاِستراحةِ، وهو المذهب المنصور عند أصحابنا؛ لما رَوى أبو هريرة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَنهَضُ على صدورِ قدميه» رواه التِّرمذيُّ بإسنادٍ فيه ضعف
(3)
(4)
، ورُوي ذلك عن عمرَ
(5)
،
(1)
أخرجه أبو داود (992)، وابن خزيمة (692)، وهذا اللفظ مرجوح، والصواب اللفظ الذي أخرجه أحمد وغيره (6347):«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة، وهو يعتمد على يديه» ، ونص على شذوذها البيهقي، وابن القطان، والنووي، وغيرهم. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (2808)، بيان الوهم والإيهام 5/ 39، الخلاصة 1/ 423، السلسلة الضعيفة (967).
(2)
ذكر ابن عبد البر في التمهيد 19/ 256: (وقال الأثرم: رأيت أحمد بن حنبل إذا نهض يعتمد على فخذيه، وذكر عن علي رضي الله عنه قال: إن من السنة) ثم ذكره.
أخرجه ابن أبي شيبة (3998)، وابن المنذر في الأوسط (1509)، والبيهقي في الكبرى (2812)، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق، قال أحمد:(منكر الحديث)، وضعفه ابن معين وأبو داود وآخرون. ينظر: تهذيب التهذيب 6/ 136.
(3)
قوله: (فيه ضعف) هو في (أ): ضعيف.
(4)
أخرجه الترمذي (288)، وهو حديث ضعيف جدًّا، في سنده خالد بن إلياس، ويقال: ابن إياس، وهو متروك الحديث كما في التقريب. ينظر: الدراية 1/ 147، الإرواء 2/ 81.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (3982)، وابن المنذر في الأوسط (1502)، عن الشعبي:«أن عمر وعليًّا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم» ، فيه عيسى بن ميسرة ضعفه أحمد، بل قال غير واحد:(متروك). ينظر: تهذيب التهذيب 8/ 224.
وابنِه
(1)
، وعليٍّ
(2)
، وابنِ مسعودٍ
(3)
، وابنِ عبَّاسٍ
(4)
، قال أحمدُ:(أكثرُ الأحاديث على هذا)
(5)
، قال التِّرمذي: (وعليه العملُ عند
(6)
أهل العلم)
(7)
، قال أبو الزِّناد:(تلك السُّنَّة)
(8)
.
وفي «الغُنْية» : يُكرَه أن يقدِّم إحدى رِجلَيه، وإنَّه قيل: يقطع الصَّلاة، وكذا في رسالة أحمد:(يُكرَه)
(9)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (4024 طبعة الشثري)، وابن المنذر في الأوسط (1499)، والبيهقي في الكبرى (2763)، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«رأيته ينهض في الصلاة على صدور قدميه» ، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (4022 طبعة الشثري)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (1501)، عن عبيد بن أبي الجعد قال:«كان عليٌّ ينهض في الصلاة على صدور قدميه» ، وعبيد صدوق قليل الحديث، وهو إنما يروي عن علي بواسطة، ولا ندري إن كان قد أدرك عليًّا أو لا.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (2999 طبعة التأصيل)، والطبراني في الكبير (9327)، وابن المنذر في الأوسط (1494)، والبيهقي في الكبرى (2764)، عن عبد الرحمن بن يزيد:«كان عبد الله ينهض في الصلاة على صدور قدميه» ، قال البيهقي:(هو عن ابن مسعود صحيح)، وصححه ابن رجب في الفتح 7/ 291، وابن حجر في الفتح 2/ 303.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (2968)، وابن المنذر في الأوسط (1495)، عن أبي عطية الوادعي، عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما بنحو ما روي عن ابن مسعود، ورجاله ثقات.
(5)
ينظر: المغني 1/ 380.
(6)
زيد في (و): أكثر.
(7)
ينظر: سنن الترمذي 2/ 80.
(8)
هكذا في النسخ الخطية: (قال أبو الزناد)، وهو موافق لما في المغني 1/ 380، والشرح الكبير 3/ 527، وشرح الزركشي 1/ 574، وكذلك في التمهيد لابن عبد البر 19/ 254، وشرح البخاري لابن بطال 2/ 438.
وعلقه ابن المنذر في الأوسط 3/ 197، إلا أنه قال:(قال ابن أبي الزناد)، ولفظه:«السنة أن يعجل الإمام الوثوب من كل سجدة، ولا يجلس في الواحدة والثالثة» ، وهو عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني، وكان فقيهًا.
(9)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 363.
(وَعَنْهُ: يَجْلِسُ جِلْسَةَ الاِسْتِرَاحَةِ)، اختارها أبو بكر عبد العزيز، وشيخُه الخلاَّل، وذكر أن أحمد رجع عن الأولى؛ لما روى مالك بن الحُوَيرِث:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَجلِس إذا رفع رأسه من السُّجود قبل أن يَنهَض» رواه البخاري
(1)
.
وقيل: له ذلك إن كان ضعيفًا، قال المؤلِّف:(وفي هذا جَمعٌ بين الأخبار)، وإلاَّ فمِثلُ هذا لا يخفى على عمرَ وعليٍّ ومن سمَّينا.
فيجلِس (عَلَى قَدَمَيْهِ وَأَلْيَتَيْهِ)، نَصَّ عليه في رواية المَرُّوذيِّ
(2)
، وذكر ابن الجوزي: أنَّه ظاهر المذهب؛ لأنَّه لو جلس مُفترِشًا لم يَأمَنِ السَّهو، وليفارق الجلسة بين السَّجدتين، وعليه يُحمَل قول ابن عبَّاس في الإقعاء على القدَمين: «هو
(3)
سنَّةُ نبيِّكم صلى الله عليه وسلم»
(4)
؛ للاتِّفاق على أنَّه لا يُستحَبُّ في هذه الصُّورة، وذَكَر الآمِديُّ: أنَّ أصحابنا لا يختلِفون في ذلك.
وقيل: يَجلِس مُفترِشًا؛ كالجلوس بين السَّجدتَين، قدَّمه في «الشَّرح» و «الفروع» ، وذكره القاضي والمؤلِّف في «المغني» احتِمالاً، واحتجَّ بحديث أبي حُمَيدٍ، وقال: هو صحيحٌ صريحٌ لا ينبغي العدولُ عنه.
وقال الخَلاَّل: (رُوي عن أحمدَ ما لا أُحصيه كثرةً أنَّه يجلس على أَليتَيه)
(5)
.
وهل هي فصْلٌ بين الرَّكعتين أو من الثَّانية؟ فيه وجهان.
(ثُمَّ يَنْهَضُ) بغير تكبير؛ لأنَّه انتهى تكبيره عند انتهاء جلوسه.
(1)
أخرجه البخاري (677).
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 81، الروايتين والوجهين 1/ 128.
(3)
في (ب) و (ز): وهو.
(4)
أخرجه مسلم (536).
(5)
ينظر: المغني 1/ 380.
وقال أبو الخَطَّاب: يَنهَض مكبِّرًا.
وردَّه في «المغني» : بأنَّه يُفضِي إلى أن يُواليَ بين تكبيرتَين
(1)
في رُكنٍ واحدٍ لم يرد الشَّرع بجمعهما فيه.
بُشْرَى: رَوى ابنُ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قامَ العبدُ يصلِّي أُتِيَ بذنوبه فوُضِعَتْ على رأسِهِ أو عاتقِهِ، فكلَّما ركعَ أو سجدَ تساقطَتْ عنهُ» رواهُ ابنُ حِبَّانَ في «صحيحه»
(2)
.
(ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى)؛ لقوله عليه السلام للمسيء في صلاته لما وصف له الركعة الأولى: «ثمَّ افعَل ذلكَ في صلاتِك كلِّها»
(3)
، وفهم منه: مساواة قراءة الثانية للأولى
(4)
، وسيأتي.
(إِلاَّ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ)؛ لأنَّها وضعت للدُّخول في الصَّلاة، وهو مُنتفٍ.
(وَالاِسْتِفْتَاحِ)، بغير خلاف نعلمُه
(5)
؛ لما رَوى أبو هُرَيرةَ، قال:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا نَهَضَ إلى الرَّكعةِ الثَّانيةِ استَفتحَ القراءةَ ب {الحمد لله رب العالمين} ولم يَسكُتْ» رواه مسلم
(6)
.
واستَثنَى أبو الخَطَّاب و «المغني» و «الوجيز» و «الفروع» : تجديد النِّيَّة؛ لاستصحابها حُكمًا، ولأنَّها تُراد للعقد، وقد انعقدت.
قال المجْدُ: وترك استثنائها أَوْلى؛ لأنَّها شرط لا ركن، ويجوز أن تتقدَّم
(1)
في (أ) و (ز): التكبيرتين. والمثبت موافق لما في المغني 1/ 381.
(2)
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (2732)، وابن حبان (1734)، والبيهقي (4697)، وصححه الألباني. ينظر: الصحيحة (1398).
(3)
أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397).
(4)
في (أ): كالأولى.
(5)
ينظر: المغني 1/ 381.
(6)
أخرجه مسلم (599).
الصَّلاة؛ اكتفاءً بالدَّوام الحُكْميِّ.
(وَفِي الاِسْتِعَاذَةِ رِوَايَتَانِ)، كذا في «المغني»:
إحداهما: لا يتعوَّذ من تعوَّذ في الأولى، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وهو قول عَطاءٍ، والحسن، والثَّوريِّ؛ لظاهر خبر أبي هُريرةَ المتقدِّم، ولأنَّ الصَّلاة جملةٌ واحدةٌ، فإذا أتى بالاستعاذة في أوَّلها كفى، فلو تركها في الأولى؛ أتى بها في الثَّانية، قال ابن الجوزي: رواية
(1)
واحدة
(2)
، بخلاف الاستفتاح، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه يراد
(4)
لافتتاح الصَّلاة، وهي للقراءة
(5)
. وقيل: يَفتَتِح إن وجب
(6)
.
والثَّانية: يستعيذ في كل ركعة؛ لظاهر قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} [النّحل: 98]، ولحصول الفصل؛ كالصَّلاتين.
فعلى هذه؛ يستعيذ المسبوقُ، وعلى الأولى لا
(7)
كالاستفتاح، فإذا قام للقضاء استفتح واستعاذ، نَصَّ عليه
(8)
؛ لأنَّ ما يدركه المأموم مع الإمام آخر صلاته.
(ثُمَّ يَجْلِسُ) للتَّشهُّد إجماعًا
(9)
، (مُفْتَرِشًا)؛ كجُلوسه بين السَّجدتَين؛
(1)
في (أ): رواه.
(2)
قوله: (فإذا أتى بالاستعاذة في أولها كفى) إلى هنا سقط من (و).
(3)
ينظر: المغني 1/ 382.
(4)
قوله: (يراد) سقط من (و).
(5)
في (ب) و (د) و (و): القراءة.
(6)
أي: عند من يقول بوجوب الاستفتاح، قال الآمدي:(متى قلنا بوجوب الاستفتاح فنسيه في الأولى؛ أتى به في الثانية). ينظر الإنصاف 3/ 529.
(7)
قوله: (لا) سقط من (أ) و (ب) و (د).
(8)
ينظر: مسائل حرب - الصلاة ص 42.
(9)
ينظر: مراتب الإجماع ص 30، الإقناع لابن القطان 1/ 135.
لحديث أبي حميد
(1)
: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا جلسَ للتَّشهُّد جلسَ على رِجلِه اليُسرى، ونَصَبَ الأخرى، وقعدَ على مَقْعَدَتِه» رواه البخاريُّ
(2)
.
وعنه: إن توَّرك في أثنائه جاز ولا فَضْلَ فيه؛ لما رَوى ابنُ مسعودٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَجلِسُ في وسَط الصَّلاة وفي آخرها مُتورِّكًا»
(3)
.
والأوَّل أصحُّ؛ لأنَّ حديثَ أبي حُمَيدٍ مقدَّمٌ على حديثِ ابنِ مسعودٍ، فإنَّ أبا حُمَيدٍ ذكره في عشَرةٍ من الصَّحابة فصدَّقوه، وهو متأخِّرٌ عن ابنِ مسعودٍ، فالأخذ
(4)
به مُتعيِّنٌ
(5)
.
(وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى)، وكذا اليُسرى؛ لأنَّه أشهر في الأخبار، لا
(6)
يُلْقِمُهما
(7)
رُكبتَيه.
وفي «الكافي» ، واختاره صاحبُ «النَّظم»: التَّخيير، كذا في الأخبار:«يدَيه» ، وفيها:«كفَّيه»
(8)
، وفي حديث وائل بن حُجْر:«ذراعيه»
(9)
.
(1)
في (أ) و (د) و (ز): سعيد.
(2)
أخرجه البخاري (828).
(3)
أخرجه أحمد (4382)، وابن خزيمة (708)، ولفظه عندهما:«إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على وركه اليسرى» ، قال الألباني:(منكر بهذا التمام)، ينظر: السلسلة الضعيفة (5624).
(4)
في (ز): والأخذ.
(5)
زيد في (د) و (و): والحكمة فيه: أن التشهد الأول خفيف، والمصلي بعده يبادر إلى القيام، فناسب فيه الافتراش؛ لأنه هيئة المستوفز، وأما الأخير فليس بعده عمل، بل يسن فيه المكث للتسبيح والدعاء.
(6)
في (ب): ولا.
(7)
في (ز) و (و): يلقهما.
(8)
أخرجه مسلم (580)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه:«كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه» ، وفي لفظ له: «وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى
…
ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى».
(9)
أخرجه النسائي (1264)، والطبراني في المعجم الكبير (78)، من حديث وائل رضي الله عنه بلفظ:«ووضع ذراعيه على فخذيه» ، وأخرجه الترمذي (292) بلفظ:«ووضع يده اليسرى - يعني - على فخذه اليسرى» ، وهو حديث صحيح، صححه الترمذي والبيهقي والنووي وجماعة. ينظر: الخلاصة للنووي 1/ 426، الإرواء 2/ 68.
(يَقْبِضُ
(1)
مِنْهَا الْخِنْصِرَ والبِنْصِرَ، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى)، كذا ذكره السَّامَرِّي وابنُ الجوزي، وجزم به في «المحرَّر» ، وقدَّمه في «التَّلخيص» و «الفروع»؛ لما رَوى وائِلُ بنُ حُجْرٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وضعَ مِرفَقَهُ الأيمنَ على فخذِهِ اليمنى، ثمَّ عقدَ من أصابعه الخِنصِرَ والتي تليها، وحلَّقَ حلْقةً بأصبعه الوسطى على الإبهام، ورفع السَّبَّابةَ يشيرُ بها» رواه أحمد وأبو داود
(2)
.
وعنه: يَبسُطُهما، ويحلِّق الإبهام مع الوسطى، وهي ظاهر الخِرَقيِّ.
وعنه: يَقبِض أصابعَه الثَّلاثَ، ويَعقِد إبهامَه كخَمسِين، قدَّمه ابن تميم، واختاره المجْدُ في «شرح الهداية» ؛ لخبر ابن عمر
(3)
.
وعنه: هي كيُسراه، فيَضَعُ أصابعَها مضمومةً مستقبِلاً بها القِبلةَ لا مُفرَّجةً.
(وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ)؛ سمِّيت به لأنَّهم كانوا يُشيرون بها إلى السَّبِّ، وسَبَّاحةً لأنَّه يُشار بها للتَّوحيد
(4)
، والمراد سبَّابة اليمنى؛ لفعله عليه السلام، وظاهره: لا بغيرها ولو عُدِمت، قال في «الفروع»: (ويتوجَّه احتمالٌ؛ لأنَّ علته
(5)
التَّنبيه على التَّوحيد).
(1)
في (د) و (و): فيقبض.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (2522)، وأحمد (18876)، وأبو داود (726)، والنسائي (1265)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والنووي، وابن القيم. ينظر: الهدي 1/ 231، الفتح 2/ 366، الإرواء 2/ 68.
(3)
أخرجه مسلم (580).
(4)
في (ب): إلى التوحيد.
(5)
قوله: (لأن علته) هو في (أ) و (و) و (د): (لأن عليه). والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 210.
(فِي تَشَهُّدِه مِرَارًا)، وكذا في «المستوعب» ، وظاهره: أنَّه يشير بها في كلِّ تشهُّده، وهو رواية.
والأشهر: أنَّ موضِعَ الإشارة بها عند ذكر الله؛ لينبِّه
(1)
على الوحدانية، زاد ابن تميم: وذِكْرِ
(2)
رسولِه
(3)
.
وقدَّم في «التَّلخيص» : أنَّه يَرفعُها
(4)
في تشهُّده مرَّتَين أو ثلاثًا.
وذكر جماعةٌ: أنَّه يشير بها، ولم يقولوا مِرارًا، وظاهره: ولو مرَّةً، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ
(5)
والأخبارِ.
وعلى كل حال؛ لا يحرِّكها في الأصحِّ؛ لفعله عليه السلام
(6)
.
قال في «الغُنية» : (ويُديم نظرَه إليها كلَّ تشهُّده)؛ لخبر ابن الزُّبَير، رواه أحمد
(7)
.
فائدة: يشير بالسَّبَّاحة إذا دعا في صلاته أو غيرها، نَصَّ عليه
(8)
؛ لحديث
(1)
في (أ) و (د) و (ز): لتنبه.
(2)
في (ب): ذكر.
(3)
في (و): قوله.
(4)
في (أ): يرفعهما.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 210.
(6)
أخرجه أبو داود (989)، عن عبد الله بن الزبير، أنه ذكر:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا، ولا يحركها» ، قال ابن القيم:(فهذه الزيادة في صحتها نظر، وقد ذكر مسلم الحديث بطوله في صحيحه عنه، ولم يذكر هذه الزيادة). ينظر: الهدي 1/ 231، السلسلة الضعيفة (5572).
(7)
أخرجه أحمد (16100)، وأبو داود (990)، والنسائي (1275)، وابن خزيمة (718)، وأبو عوانة (2018)، وابن حبان (1944)، ولفظه:«وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته» ، وصححه ابن الملقن، والألباني، وأصله في مسلم (579). ينظر: البدر المنير 4/ 11، صحيح أبي داود 4/ 145.
(8)
ينظر: الفروع 2/ 211.
وائلٍ قال: «فرأيته يحرِّكها يدعو بها» رواه
(1)
أبو داود
(2)
.
(وَيَبْسُطُ
(3)
الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ
(4)
الْيُسْرَى)؛ لما رَوى ابنُ عمرَ قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصَّلاة وضع يدَيه على رُكبتَيه، ورفع أصبعَه
(5)
التي تلي الإبهامَ فدعا بها، ويدُه اليسرى على رُكبتِه
(6)
باسطَها عليها» رواه مسلمٌ
(7)
.
قوله: (على فخذه
(8)
اليسرى)؛ أي: لا يخرج بها عنها، بل يجعل أطراف أصابعه مُسامِتَةً لركبته.
زاد في «المحرَّر» وغيره: مضمومةَ الأصابِعِ، زاد في «المغني» وغيره: مستقبِلاً بأطراف أصابعها القِبلة، قال في «التَّلخيص»:(قريبًا من الركبة)، وفي
(9)
«الكافي» : أو يُلْقِمُها
(10)
ركبتَه
(11)
، وقال ابن تميم:(إن قبض بها على ركبته فلا بأس).
(ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) سرًّا؛ لخبر ابن مسعودٍ، وهو في الصَّحيحَين وغيرِهما،
(1)
قوله: (وائل قال: «فرأيته يحركها يدعو بها» رواه) سقط من (ز).
(2)
سبق تخريجه 2/ 225 حاشية (2)، وزيادة:«يحركها» أخرجها ابن خزيمة (714)، وابن حبان (1860)، وهي شاذة؛ تفرد بها زائدة بن قدامة دون بقية الرواة من أصحاب عاصم بن كليب، قاله ابن خزيمة في صحيحه، وغيره. ينظر: السلسلة الضعيفة (5572).
(3)
زيد في (ب): كفه.
(4)
في (ز): الفخذ.
(5)
في (أ): أصبعيه.
(6)
في (ب) و (د) و (و): ركبتيه.
(7)
أخرجه مسلم (580).
(8)
في (ب) و (ز): الفخذ.
(9)
قوله: (وفي) هو في (أ): قال في.
(10)
في (أ): أو يُلْقِمُهما.
(11)
في (أ) و (ب) و (ز): ركبتيه.
(فَيَقُولُ: «التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»)، ولفظُه: كنَّا إذا جلسْنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة قلنا: السَّلام على الله من عباده، السَّلام على جبريل، السَّلام على ميكائيل، السَّلام على فلانٍ، فسمعَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنَّ الله هو السَّلام، فإذا جلس أحدُكم فلْيقُل: التَّحيَّات لله
…
» إلى آخره، قال
(1)
: «ثمَّ ليتخيَّرْ من الدُّعاء أعجبَهُ إليه فيدعُو» ، وفي
(2)
لفظ: «علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التَّشهُّد، كفِّي بين كفَّيه، كما يعلِّمني السُّورةَ من القرآن» ، قال التِّرمذيُّ:(هو أصحُّ حديث في التشهُّد، والعملُ عليه عند أكثر أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين)
(3)
، وليس في المتَّفَقِ عليه حديث غيره، ورواه أيضًا ابن عمر، وجابر، وأبو هريرة، وعائشة
(4)
، ويترجَّح: بأنَّه اختصَّ بأنَّه عليه السلام أمره بأن
(5)
يُعلِّمه
(6)
النَّاس، رواه أحمد
(7)
.
وليس تشهُّد ابن عبَّاس أفضلَ، وهو: «التَّحيَّاتُ المباركاتُ، الصَّلواتُ
(1)
قوله: (قال) سقط من (د) و (و).
(2)
في (ز): أو في.
(3)
ينظر: سنن الترمذي 2/ 82.
(4)
أما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: فأخرجه البخاري (831، 835، 6265)، ومسلم (402).
وأما حديث عمر رضي الله عنه: فأخرجه مالك في الموطأ (53)، والبيهقي (2831).
وأما حديث جابر رضي الله عنه: فأخرجه النسائي (1175).
وأما حديث عائشة رضي الله عنها: فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2993)، والبيهقي (2840).
ولم نقف عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، لكن ذكر ابن حجر أن أبا بكر بن مردويه أخرجه في كتاب التشهد له، وقال:(إسناده صحيح). ينظر: التلخيص الحبير 1/ 641.
(5)
في (د) و (و): أن.
(6)
في (أ): يعلم.
(7)
قوله: (رواه أحمد) سقط من (د) و (و).
الطَّيِّبات لله
…
» إلى آخره، ولفظ مسلم:«وأشهد أنَّ محمَّدًا رسولُ الله»
(1)
.
ولا تشهُّد عمر، وهو: «التَّحيَّاتُ لله، الزَّاكياتُ لله
(2)
، الطَّيِّبات الصَّلواتُ لله، سلام عليك
…
» إلى آخره
(3)
.
فإن تشهَّد بأحدها؛ أجزأه، حكاه ابن هُبَيرة اتِّفاقًا، لكن قال بعض أصحابنا، وهو الذي في «التَّلخيص»: إنَّه لا يُجزِئُ غير
(4)
تشهُّد ابن مسعود، فعلى هذا لو ترك منه حرفًا؛ لم يُجزِئْه.
وقد ذكر المؤلِّفُ، وصحَّحه هو وغيرُه: أنَّه متى أخلَّ بلفظةٍ ساقطةٍ في بعض التَّشهُّدات؛ فلا بأس، وقدَّمه جماعةٌ، كما إذا أسقط لفظًا لا يَسقُط المعنى به.
فعلى هذا: الواجبُ خمسُ كلماتٍ، وهي: «التَّحيَّاتُ لله، سلامٌ عليك أيُّها النَّبيُّ ورحمة الله
(5)
، سلامٌ علينا وعلى عباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله»، أو:«رسول الله» ؛ لأنَّ هذا يأتي على معنى الجميع، وهو المتَّفَقُ عليه في الرِّوايات.
وظاهره: أنَّه لا يُسمِّي في أوَّله، وصرَّح
(6)
القاضي بالكراهة، وأنَّه يرتِّب
(7)
الجُمَل، وهو وجهٌ؛ لأنَّه إذا لم يرتِّب؛ فقد أخلَّ به في ذكر مشروعٍ،
(1)
أخرجه أحمد (2665)، ومسلم (403).
(2)
قوله: (لله) سقطت من (أ).
(3)
أخرجه مالك (1/ 90)، والشافعي في المسند (ص 237)، وعبد الرزاق (3067)، وابن أبي شيبة (2992)، والحاكم في المستدرك (979)، والبيهقي في الكبرى (2838)، وإسناده صحيح. ينظر: نصب الراية 1/ 421، أصل صفة الصلاة 3/ 901.
(4)
في (و): عن.
(5)
زيد في (ب) و (ز): وبركاته. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 208 وغيره.
(6)
في (أ): خرَّج.
(7)
في (د) و (و): ترتب.
فلم يصحَّ كالأذان.
فائدة: إذا قال: (السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين)؛ يَنوي به النِّساءَ ومن لا شركة له
(1)
في صلاته في ظاهر كلامهم
(2)
؛ لقوله عليه السلام: «أصابت كلَّ عبدٍ لله صالحٍ في السَّماءِ والأرضِ» .
مُهمَّات: التَّحيَّات جمع تحيَّة، وهي العظمة، وقال أبو عمرو: الملك، وقال ابن الأنباري: السَّلام، وقيل: البقاء
(3)
.
والصَّلوات: هي الخمسُ، وقيل: الرَّحمة، وقيل: الأدعية، وقيل: العبادات.
والطَّيِّبات: هي الأعمال الصَّالحة، وقال ابن الأنباري:(الطَّيِّبات من الكلام)
(4)
.
ومن
(5)
خواصِّ الهَيللة
(6)
: أنَّ حروفها كلها مُهمَلة؛ تنبيهًا على التَّجرُّد من كل معبودٍ سوى الله تعالى، وجوفيةٌ
(7)
ليس فيها شيء من
(8)
الشَّفوية؛ إشارة إلى أنَّها تخرج من القلب.
(هَذَا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ)، وظاهره: تخفيفه، وأنَّه لا يُستحَبُّ الزِّيادة عليه، ونصُّه فيها: أساء
(9)
، ذكره القاضي في «الجامع» .
(1)
في (أ): يشركه له.
(2)
قوله: (في ظاهر كلامهم) سقط من (ب) و (ز).
(3)
ينظر: الزاهر 1/ 60، تهذيب اللغة 5/ 188، المطلع ص 100.
(4)
ينظر: الزاهر 1/ 61.
(5)
في (و): وفي.
(6)
في (د) و (و): التهليلة.
(7)
في (أ): وجوفه.
(8)
قوله: (من) سقط من (أ) و (ب) و (و).
(9)
في (ز): إنشاء. وينظر: الفروع 2/ 209.
واختار ابن هُبَيرة: تُسنُّ الصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، واختاره الآجُرِّيُّ، وزاد:(وعلى آله).
وذكر جماعةٌ: لا بأس بزيادة: (وحده لا شريك له). وقيل: قولها أَولى.
ويكرِّره مسبوقٌ، نَصَّ عليه
(1)
، فإن سلَّم قبل تمامه؛ قام ولم يُتِمَّه.
(ثُمَّ يَقُولُ) في التَّشهُّد الذي يعقبه السَّلام: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ
(2)
إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)، هذا هو المشهورُ في المذهب، واقتصر عليه أكثرُ أصحابنا؛ لما رَوى كعْب بن عُجْرَةَ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلِّمُ عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ قال: «قولوا: اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمَّد، كما صلَّيتَ على آل
(3)
إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمَّد، وعلى آل محمَّد، كما باركتَ على آل
(4)
إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد» متَّفَقٌ عليه
(5)
.
قال جَدِّي: (في «الانتصار»
(6)
: إلاَّ أنَّ البخاريَّ قال: «وآل محمَّد» بإسقاط على)، وليس كذلك، فإنَّه رواه في كتاب «بدء الخلق»:«وعلى آل محمَّد» بإثباتها
(7)
.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 80.
(2)
قوله: (آل) سقط من (أ) و (ب) و (و) و (ز).
(3)
قوله: (آل) سقط من (و).
(4)
قوله: (آل) سقط من (و).
(5)
أخرجه البخاري (3370)، ومسلم (406).
(6)
ينظر: الانتصار في أحاديث الأحكام (ويسمى: كفاية المستقنع لأدلة المقنع) لجمال الدين يوسف المرداوي 1/ 237.
(7)
أخرجه البخاري في مواضع منها: (3370)، (4797)، (4798)، (6357)، (6358).
(وَإِنْ شَاءَ قَالَ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ)؛ لما روى أحمد والنَّسائي والتِّرمذي، وصحَّحه من حديث كعْبٍ، وقال فيه:«اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وآل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مَجيدٌ، وبارِكْ على محمَّد وآل محمَّد، كما باركتَ على إبراهيم وآل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مَجيدٌ»
(1)
، قلتُ: ورواه البخاريُّ من حديثه أيضًا
(2)
.
وظاهره: أنَّه مخيَّرٌ بينهما، وهو رواية؛ لورود الرِّواية بهما
(3)
.
وعنه: يقتَصِر على الأخير
(4)
فقط، اختاره ابن عقيل، وقدَّمه في «المذهب» .
والأوَّل أَوْلى؛ لأنَّها وردت بألفاظ مختلِفة، فوجب أن يجزِئَ منها ما اجتمعت عليه الأحاديث، وهو الصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حَسْبُ، اختاره القاضي والشَّيخانِ، وصحَّحه ابن تميم والجَدُّ في «فروعه» .
وقال ابن حامد وأبو الخَطَّاب: تَجب
(5)
الصَّلاةُ على ما في خبر كعْبٍ، وهو ظاهر كلامه في «التَّلخيص» و «المذهب» ؛ لظاهر الأمر به
(6)
.
مسائل:
الأولى: أنَّ المشبَّه دون المشبَّه به، فكيف تُطلَب صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وتُشَبَّه
(1)
قوله: (وبارك على محمَّد وآل محمَّد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد) سقط من (و).
(2)
أخرجه أحمد (18104)، والبخاري (3370)، والنسائي (1287).
(3)
في (د) و (و): بها.
(4)
في (و): الآخر.
(5)
في (أ) و (د) و (و): يجب.
(6)
في (أ): الآية.
بالصَّلاة على إبراهيم وآله؟!
(1)
.
وجوابُه: بأنَّه يحتمل أنَّ مراده أصلُ الصَّلاة بأصلها، لا
(2)
القدْرُ بالقدر؛ كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
…
} [البَقَرَة: 183].
ويَحتمِل: أنَّ التَّشبيه وقع في الصَّلاة على الآل
(3)
، لا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيكون (وعلى آل محمَّد) متَّصل بما بعده، ويقدَّر له ما يتعلَّق به، والأوَّل مقطوعٌ عن التَّشبيه. وفيهما نَظر.
ويَحتمِل - وهو أحسنها -: أنَّ المشبَّه الصَّلاة على النَّبيِّ وآله بالصَّلاة على إبراهيم وآله، فتقابلت الجملتان، وتعذَّر
(4)
أن يكون لآل الرَّسول ما لآل
(5)
إبراهيم الذين هم الأنبياء، فكان ما يوفر
(6)
من ذلك حاصلاً للرَّسول صلى الله عليه وسلم، والذي يحصل من ذلك هو آثار الرَّحمة والرِّضوان، ومن كانت في حقِّه أكثرَ كان أفضلَ.
الثَّانية: السُّنَّة تقديمُ
(7)
التَّشهُّد على الصَّلاة، فإن لم يفعل من غير تغيير المعنى ولا إخلال
(8)
بشيء من الواجبات؛ فالأصحُّ عدَم الإجزاء.
(1)
كتب على هامش الأصل و (و): (في كتاب الصَّلاة لابن القيم: وشرعت الصَّلاة على آله مع الصَّلاة عليه؛ تكميلاً لقرة عينه بإكرام آله والصَّلاة عليهم، وأن يصلَّى عليه وعلى آله كما صلِّي على أبيه إبراهيم وآله، والأنبياء كلهم بعد إبراهيم من آله، ولذلك كان المطلوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الصَّلاة على إبراهيم وعلى جميع الأنبياء بعده وآله المؤمنين، فلهذا كانت هذه الصَّلاة أكمل مما يصلَّى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وأفضل).
(2)
في (و): إلا.
(3)
في (و): الأول.
(4)
في (أ): ومقدر. وفي (و): ويقدر.
(5)
قوله: (لآل الرسول ما لآل) هو في (أ) و (ز): (الآل الرسول بالآل).
(6)
في (و): توفر.
(7)
قوله: (تقديم) سقط من (و).
(8)
في (أ): والإخلال.
وكذا لو أبدل (آلَ) ب (أهل)، وقال القاضي: يجزئه.
الثَّالثة: كان يلزمه عليه السلام أن يقول في تشهُّده: (وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد
…
) إلى آخره، والشَّهادتين في الأذان، ذكره ابن عقيل، وفيه وجْهٌ ذكره ابن حمدان.
الرَّابعة: لا تَجِبُ الصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خارج الصَّلاة. وقيل: بلى، اختاره أبو جعْفرٍ الطَّحاويُّ، وأبو عبد الله الحَلِيمِيُّ
(1)
، واللَّخْمِيُّ
(2)
، وأبو عبد الله بن بَطَّة.
والقائلون به؛ قيل: تجب في العمر مرَّةً واحدةً. وقيل: كلَّما ذُكر، ودليلُه ظاهِرٌ.
وله الصَّلاة على غيره منفرِدًا، نَصَّ عليه
(3)
، وكرهها جماعةٌ، وحرَّمها آخرون، وقاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين مع الشِّعار
(4)
.
الخامسة: آل محمَّد
(5)
عليه السلام: أتباعُه على دينه، ذكره القاضي؛ لقوله تعالى:{آلِ فِرْعَوْنَ} [آل عِمرَان: 11]؛ يعني: أتباعه على دينه.
وقيل: كلُّ تقيٍّ؛ للخبر، رواه تَمَّامٌ في «فوائده»
(6)
.
(1)
هو الحسين بن الحسن بن محمد الحليمي الشافعي، أبو عبد الله، القاضي العلامة، رئيس المحدثين والمتكلمين بما وراء النهر، من أصحاب الوجوه في المذهب، توفي سنة 403 هـ، من مصنفاته: المنهاج في شعب الإيمان. ينظر: وفيات الأعيان 2/ 137، سير أعلام النبلاء 17/ 231.
(2)
هو علي بن محمد الربعي اللخمي، أبو الحسن. من أهل الأندلس، كان فقيهًا فاضلاً، ذا حظ من الأدب، انتهت إليه رئاسة الفتوى بإفريقية. توفى سنة 478. ينظر: وفيات الأعيان 2/ 137، الأعلام 4/ 328.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 113.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 472.
(5)
في (و): مسجد.
(6)
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (3332)، وتمامٌ في فوائده (1567)، والبيهقي (2873)، وهو حديث ضعيف جدًّا، فيه نافع أبو هرمز، كذبه يحيى بن معين، وضعفه أحمد وغيره من الحفاظ. ينظر: العلل المتناهية 1/ 265، السلسلة الضعيفة (1304).
وقيل: أزواجه، ومن آمن به من عشيرته
(1)
.
وقيل: هم بنو هاشم المؤمنون.
ونصَّ أحمد على أنَّهم أهل بيته
(2)
، فمنهم بنو هاشم، وفي بني المطَّلِب روايتا زكاةٍ.
وأفضل أهل بيته: عليٌّ، وفاطمةُ، وحسنٌ، وحسَينٌ
(3)
، وظاهر كلامه في موضع
(4)
: أنَّ حمزة أفضل من حسن وحسين.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَوَّذَ، فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ)؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فرغَ أحدُكم من التشهُّدِ الأخيرِ فليستَعِذْ بالله من أربعٍ» ، وذكرهنَّ، رواه مسلم، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك، متَّفَقٌ عليه
(5)
.
وذكر ابن الجوزي وابن تميم: تَكرار (أعوذ بالله) في كل جملة.
وحكى القاضي وجوب ذلك، وذكره في «الرِّعاية» روايةً؛ لظاهر الأمر به.
(وَإِنْ دَعَا بِمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ)؛ أي: أخبارِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأخبار أصحابه، زاد في «المغني» و «الشَّرح»: وأخبارِ السَّلف، وبأمر الآخرة، ولو لم يُشبِه ما ورد؛ (فَلَا بَأْسَ)، وكذا ذكر الخِرَقِيُّ والسَّامَرِّي؛ لقوله: «ثمَّ ليتخيَّر
(6)
من
(1)
في (ب) و (و): عترته.
(2)
ينظر: الاختيارات للبعلي ص 84.
(3)
كتب فوقها في (ز): (هذا متفرع عن تفسيرهم بأهل بيته، فذكره تكرار).
(4)
أي: كلام شيخ الإسلام كما في الفروع 2/ 215. وينظر: الاختيارات ص 84.
(5)
أخرجه البخاري (1377)، ومسلم (588).
(6)
في (أ): يتخير.
الدُّعاء أعجبَهُ إليه فيدعو»
(1)
.
وذكر ابنُ تميم: أنَّه يدعو بما ورد، وجزم به في «الوجيز» و «الفروع
(2)
»؛ لما رُوي عن أبي بكر الصِّدِّيق أنَّه قال: يا رسولَ الله! علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: «قل: اللَّهمَّ إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا
(3)
، ولا يغفرُ الذُّنوبَ إلاَّ أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنَّك أنت الغفور الرَّحيم» متَّفَقٌ عليه
(4)
، وعن عليٍّ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان في آخر ما يقول بين التَّشهُّد والتَّسليم: اللَّهمَّ اغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسرَرْتُ وما أعلنْتُ، وما أنت أعلم به منِّي، أنت المقدِّمُ والمؤخِّر
(5)
، لا إله إلاَّ أنت» رواه التِّرمذِيُّ، وصحَّحه
(6)
، وعن معاذ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أوصيكَ بكلماتٍ تقولهنَّ في كلِّ صلاة: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكركَ، وشُكركَ، وحسنِ عبادتكَ» رواه أحمدُ
(7)
، وقال عبد الله: سمعت أبي يقول في سجوده: (اللَّهمَّ كما صُنتَ وجهي عن السجود لغيرك؛ فصُنْ وجهي عن المسألة لغيرك)، قال:(وكان عبد الرَّحمن يقوله)، وقال
(8)
: (سمعت الثَّوريَّ يقوله)
(9)
.
(1)
أخرجه البخاري (835).
(2)
في (ب): وقدمه في الفروع.
(3)
زيد في (ب): فاغفر لي.
(4)
أخرجه البخاري (834)، ومسلم (2705).
(5)
في (أ) و (ب): وأنت المؤخر.
(6)
أخرجه مسلم (771)، والترمذي (3421).
(7)
أخرجه أحمد (22119)، وأبو داود (1522)، وابن خزيمة (751)، وابن حبان (2020) و (2021)، والحاكم (1010)، وقال:(هذا حديث صحيح على شرط الشيخين)، وصحح إسناده النووي، وقال ابن حجر في البلوغ:(سنده قوي)، وصححه الألباني. ينظر: الخلاصة 1/ 468، بلوغ المرام (325)، صحيح أبي داود 5/ 253.
(8)
قوله: (وقال) هو في (أ): عمر قال.
(9)
ينظر: المغني 1/ 393.
ومحلُّه: ما لم يَشُقَّ على مأموم، أو يخفْ سهوًا إن كان منفرِدًا.
وظاهره: أنَّه لا يدعو بغير ذلك.
وعنه: لا بأس أن يدعو بجميع حوائج دنياه وآخرته، اختاره في «المغني» ، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لظواهر الأخبار.
وظاهِرُ كلام جماعةٍ: جوازُ الدُّعاءِ بما كان قربةً إلى الله تعالى وإن لم يَرِدْ
(1)
به أثَرٌ، وقَطع به في «المحرَّر» .
فأمَّا ما يُقصَد به ملاذُّ الدُّنيا وشهواتُها؛ كقوله: اللَّهمَّ ارزقني جاريةً حسناءَ، وحُلَّةً خضراءَ؛ لم يَجُزْ؛ لأنَّه من
(2)
كلام الآدميين.
وعنه: يجوز؛ لقوله: «ثمَّ ليتخيَّرْ من الدُّعاء
(3)
…
» إلى آخره.
وأجيب: بحمله على الدُّعاء المأثور.
فرع: يجوز الدُّعاء لمعيَّنٍ على الأصحِّ، رُوي عن عليٍّ
(4)
وأبي الدَّرداء
(5)
. وقيل: في نفل. وعنه: يكره.
والمراد: بغير
(6)
كاف الخطاب، ذَكره جماعةٌ، وإلاَّ بطلت؛ لخبر تشميت
(1)
في (أ): ترد.
(2)
في (أ): في.
(3)
قوله: (من الدعاء) سقط من (د) و (و).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (4976)، وابن أبي شيبة (7050)، وابن المنذر في الأوسط (2722)، والبيهقي في الكبرى (3324)، من طرق عن عبد الرحمن بن معقل:«أن عليًّا قنت في المغرب، فدعا على ناس وعلى أشياعهم، وقنت قبل الركوع» ، وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (8102)، وابن المنذر في الأوسط (1579)، والبيهقي في الكبرى (3326)، عن معاوية بن قرة قال: قال أبو الدرداء: «إني لأدعو لسبعين من إخواني وأنا ساجد» ، قال الذهبي في المهذب 2/ 684:(منقطع)، واحتج به يحيى بن معين كما في تهذيب الكمال 28/ 136.
(6)
في (و): لغير.
العاطِس
(1)
، وقوله عليه السلام لإبليس:«ألعنُكَ بلعنةِ الله»
(2)
؛ قبل التَّحريم، أو مُؤوَّل.
ولا تَبطُل
(3)
بقوله: (لعنه
(4)
الله) عند اسمه على الأصحِّ، ولا من عوَّذ نفسه بقرآنٍ لِحُمَّى ونحوها، ولا من لدغته
(5)
عقربٌ فقال: باسم الله، ولا بالحَوقلة في أمر الدُّنيا.
(ثُمَّ يُسَلِّمُ) وهو جالِس بلا نزاعٍ، وأنَّه تحليلُها، وهو منها؛ لقوله:«وتحليلُها التَّسليم» ، وليس لها تحليلٌ سواه.
(عَنْ يَمِينِهِ)، فيقول مطلقًا؛ لأنَّه أحد طرفيها، فاشترط
(6)
له كالأوَّل: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ)، رُوي ذلك عن أبي بكرٍ
(7)
، وعمرَ
(8)
، وعليٍّ
(9)
،
(1)
أخرجه مسلم (537)، من حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه لما قال لمن عطس وهو في الصلاة:«يرحمك الله» ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة:«إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» .
(2)
أخرجه مسلم (542)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
(3)
في (و): يبطل.
(4)
في (و): لعنة.
(5)
في (ب) و (د) و (و): لدغه.
(6)
في (و): فأشرط.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (3127)، وابن سعد في الطبقات (6/ 76)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1617)، وابن المنذر في الأوسط (1542)، عن مسروق:«أن أبا بكر كان إذا سلم عن يمينه وعن شماله قال: السلام عليكم ورحمة الله، ثم انفتل ساعتئذ كأنما كان جالسًا على الرضف» ، وإسناده حسن، وثبَّت البخاري سماع مسروق من الحسن في التاريخ الأوسط 1/ 123.
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة (3048)، عن شقيق قال: قد صليت خلف عمر وعبد الله، فكلاهما يقولان:«السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» ، ورجاله ثقات.
(9)
أخرجه ابن أبي شيبة (3051)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1621)، وابن المنذر في الأوسط (1544)، عن شقيق بن سلمة قال: صليت خلف علي، فسلم عن يمينه وعن شماله، وقال:«السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» ، ولا بأس بأسانيده.
وعمَّارٍ
(1)
، وابنِ مسعودٍ
(2)
؛ لقول ابنِ مسعودٍ: «إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّمُ عن يمينه وعن يساره: السَّلامُ عليكم ورحمة الله، السَّلام عليكم ورحمة الله، حتَّى يُرى بياضُ خدِّه» رواه أبو داود، والنَّسائيُّ، والتِّرمذيُّ وقال:(حسَنٌ صحيحٌ، والعملُ عليه عند أكثر أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين ومَن بعدهم)
(3)
. وأصحُّ الرِّوايات عنه عليه السلام أنَّها تسليمتانِ، فعن سعد قال:«كنتُ أرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يسلِّمُ عن يمينه ويساره حتَّى يُرى بياضُ خدِّه» رواه مسلمٌ
(4)
.
ويُسنُّ التفاتُه فيهما، قال أحمد:(ثبت عندنا من غير وجه أنَّه كان عليه السلام يُسلِّم عن يمينه وعن يساره حتَّى يُرى بياض خدِّه)
(5)
.
ويكون التِفاتُه في الثَّانية أكثرَ، قاله المؤلِّف؛ لفعله عليه السلام، رواه ابن صاعِدٍ
(6)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (3134)، وابن أبي شيبة (3049)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1625)، عن حارثة بن مضرب:«أن عمار بن ياسر كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن يساره مثل ذلك» ، صححه البخاري كما في العلل الكبير (107).
(2)
تقدم تخريجه قريبًا مع أثر عمر رضي الله عنه.
وأخرج السرَّاج (871)، عن الرَّبيع بن خُثيم:«أنه سمع عبد الله بن مسعود يسلم عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» ، وإسناده حسن.
(3)
أخرجه أبو داود (996)، والترمذي (295)، والنسائي (1324)، وابن الجارود (209)، وابن خزيمة (728)، وابن حبان (1991)، وهو حديث صحيح، صححه العقيلي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم، وهو في مسلم (581) لكن بلفظٍ مختصر، وله شاهد عند مسلم (582)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. ينظر: فتح الباري لابن رجب 7/ 364 - 366، الإرواء 2/ 29.
(4)
أخرجه مسلم (582).
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 83.
(6)
أخرجه الدارقطني (1347) من حديث عمار بن ياسر، قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم عن يمينه يُرى بياض خده الأيمن، وإذا سلَّم يرى بياض خده الأيمن والأيسر، وكان تسليمه: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله» ، ورجَّح البخاري وقفه، قال الترمذي:(سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: الصحيح عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن عمار من فعله)، وأخرجه ابن ماجه (916) ووقع خلاف في نسخ ابن ماجه في تعيين صحابيه، هل هو عمار أم حذيفة. ينظر: العلل الكبير للترمذي (ص 72)، تنقيح التحقيق 2/ 286، نصب الراية 1/ 430، مصباح الزجاجة 1/ 113.
وذكر ابن عَقيل وابن الجوزي والسَّامَرِّيُّ: أنَّه يَبتدِئُ بقوله: (السَّلام عليكم) إلى القِبلة، ثمَّ يَلتفِتُ عن يمينه ويساره في قوله:(ورحمة الله)؛ جمْعًا بين الأحاديث.
ويَجهَر بالأولى، ويُسِرُّ بالثَّانية
(1)
، نَصَّ عليه
(2)
، لتقدُّمها
(3)
، أو لحصول التحلُّل بها.
واختار ابن حامِدٍ، وقدَّمه في «الرِّعاية»: خلافَها؛ لئلاَّ يُسابِقَه المأمومُ في السَّلام، أو في القيام للقضاء إن كان مسبوقًا.
وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: أنَّه يَجهَر، وبالأولى
(4)
أكثرَ.
وقيل: يسرُّهما؛ كمأمومٍ
(5)
، قال في «المذهب»: ومنفرِدٍ.
ويُستحبُّ حذفه، ويَجزِمُه، ولا يُعرِبُه.
فرعٌ: إذا نكَّس السَّلامَ مطلقًا؛ لم يُجزِئْهُ. وقيل: بلى، وبعَّده المؤلِّف.
فإن نكَّره؛ فأوْجُهٌ، ثالثُها: يُجزِئُ مع التَّنوين؛ لإقامته مقام الألف واللاَّم، وقيل: تنكيره أفضل، وفيه ضَعْفٌ.
(فَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَرَحْمَةُ اللهِ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ)، اختاره أبو الخَطَّاب وابن عَقيل
(1)
في (أ) و (د) و (و): الثانية.
(2)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 470.
(3)
في (ب) و (و): لقدمها.
(4)
في (ب) و (و): بالأولى.
(5)
في (ب) و (و): المأموم.
وصحَّحه، وقدَّمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» ؛ لأنَّه عليه السلام كان يقوله، وهو سلامٌ في صلاةٍ، فيَرِدُ
(1)
مقرونًا بالرَّحمة، فلم يُجزِئْه بدونها؛ كالسَّلام في التَّشهُّد، فعلى هذا: هي ركنٌ، وصحَّحه في «المذهب» .
(وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُهُ)، قال: وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ؛ لقوله: «وتحليلُها التَّسليمُ» ، وهو حاصِلٌ بدون ذكر الرَّحمة، وجعله في شرح «المحرَّر» دليلاً للأول
(2)
، وحمله على السَّلام المعهود، وفيه نَظَرٌ، وعن عليٍّ:«أنَّه كان يسلِّم عن يمينه وعن يساره السَّلام عليكم، السَّلام عليكم» رواه سعيدٌ في «سننه»
(3)
، ولأنَّ ذِكر الرَّحمة تكريرٌ للثَّناء، فعلى هذا: هي سنَّة.
(وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي صَلَاةِ الْجَنَازَةِ
(4)
، من حيث إنَّها صلاةٌ مفروضةٌ، واقتصر فيها على السَّلام من غير ذِكر الرَّحمة، لكنَّ الفرقَ ظاهِرٌ.
وفي «التَّلخيص» و «المحرَّر» : في وجوبها روايتانِ.
تَتِمَّة: إذا زاد: (وبركاتُه
(5)
؛ فلا بأْسَ؛ لفِعلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود من حديثِ وائِلٍ
(6)
، وتركُها أفضل.
(وَيَنْوِي بِسَلَامِهِ الخُرُوجَ مِنَ الصَّلَاةِ)، هذا الأَوْلى؛ لتكونَ النِّيَّةُ شامِلةٌ لطرَفَيِ الصَّلاة.
(فَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ جَازَ)، نَصَّ عليه
(7)
، وقدَّمه ابن تمِيمٍ والجَدُّ، وجزم به في
(1)
في (ز): ورد.
(2)
قوله: (للأول) سقط من (أ).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (3131)، والشافعي في الأم (7/ 174)، وإسناده صحيح.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 583.
(5)
في (ب) و (د) و (و): بركاته.
(6)
أخرجه أبو داود (997)، وابن خزيمة (728)، وصحح هذه الزيادة النووي، وابن عبد الهادي، وابن الملقن، ينظر: المحرر (271)، البدر المنير 4/ 64.
(7)
ينظر: المغني 1/ 400.
«الوجيز» ، ونَصَره في «الشَّرح» ؛ لأنَّ نيَّةَ الصَّلاة قد شَمِلت جميعَها، والسَّلامُ من جملتها، فاكتفى فيه بالنِّيَّة المستصحَب حكمُها، وكتكبيرة الإحرام، ولأنَّها عبادةٌ فلم تَجِب النِّيَّةُ للخروج منها؛ كسائر العبادات.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ)، هو روايةٌ عن أحمدَ، وصحَّحه في «المذهب» ، واقتصر عليه ابن هُبَيرةَ؛ لأنَّه أحدُ طرَفَيِ الصَّلاة، فوجبتْ فيه النِّيَّةُ؛ كالطَّرَفِ الأَوَّلِ، فعلى هذا: هي رُكْنٌ.
وقيل: إن سها عنها سجد
(1)
للسَّهو.
فإن نوى الخروجَ منها مع الحفَظَةِ والإمامِ والمأمومِ؛ جاز، نَصَّ عليه
(2)
؛ لما رَوى سَمُرةُ بن جُندَبٍ قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نَرُدَّ على الإمام، وأن يسلِّمَ بعضُنا على بعضٍ» رواه أبو داود، وإسناده ثقات
(3)
. وقيل: تَبطُل للتَّشريك. وقيل: يُستحَبُّ.
وقال أبو حَفْصٍ: السُّنَّةُ أن يَنوِيَ بالأولى الخروجَ، وبالثَّانية على الحَفَظَة ومن معه إن كان في جماعةٍ.
وإن نوى بسلامه الحاضرين، ولم ينوِ الخروجَ؛ فقال ابن حامِدٍ: تبطل وجهًا واحدًا؛ لتمحُّضه خطابَ آدمِيٍّ. والأشهر: يجوز.
وعنه: لا يترك السَّلام على إمامه.
وإن وجبت الثَّانية؛ اعتبر نية
(4)
الخروجِ منها.
(وَإِنْ كَانَ فِي مَغْرِبٍ أَوْ رُبَاعِيَّةٍ؛ نَهَضَ مُكَبِّرًا إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ)؛
(1)
في (ب) و (و): يسجد.
(2)
ينظر: المغني 1/ 400.
(3)
أخرجه أبو داود (1001)، وهو حديث ضعيف؛ فإنه من رواية سعيد بن بشير عن قتادة، وأغلب الأئمة على تضعيفه، وروايته عن قتادة خاصة منكرة، قال الساجي:(حدث عن قتادة بمناكير). ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 8، الإرواء 2/ 87.
(4)
في (أ): فيه.
كنهوضه من السُّجود، قائمًا على صدور قدمَيه كما تقدَّم.
وظاهره: أنَّه لا يرفع يدَيه، وحكاه بعضهم وِفاقًا
(1)
.
وعنه: بلى، اختاره المجْدُ وحفيدُه
(2)
، وهي أظهر، وقد صحَّحه أحمد وغيره عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
، قال الخَطَّابيُّ:(وهو قولُ جماعةٍ من أهل الحديثِ)
(4)
.
(وَصَلَّى الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ مِثْلَ الثَّانِيَةِ)؛ لقوله: «ثمَّ افعل ذلك في صلاتِكَ كلِّها»
(5)
.
واقتضى كلامُه: مساواةَ الثَّالثةِ للرَّابِعةِ في عدَم التَّطويل؛ لأنَّها مثلُها.
(إِلاَّ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ) فيهما بغير خلاف نعلمه
(6)
.
(وَلَا يَقْرَأُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ، قال ابن سيرين: «لا أعلَمُهم يختلِفون
(7)
فيه»
(8)
؛ لحديث أبي قَتادةَ: «أنَّه كان عليه السلام يَقرَأ
(9)
في الرَّكعتين الأُخرَيَين
(10)
بأمِّ الكتاب»
(11)
، «وكتب عمرُ إلى شُرَيحٍ يأمرُه بذلك»
(12)
.
(1)
ينظر: المبسوط 1/ 14، شرح التلقين 1/ 549، البيان 2/ 228، الفروع 2/ 211.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 452.
(3)
أخرجه البخاري (739)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(4)
ينظر: معالم السنن 1/ 194.
(5)
أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397).
(6)
ينظر: الأوسط 2/ 318، مراتب الإجماع ص 33.
(7)
في (و): مختلفون.
(8)
أخرجه الشالنجي بإسناده كما قال في المغني 1/ 412.
(9)
قوله: (يقرأ) سقط من (ز).
(10)
في (ب) و (و): الأخيرتين.
(11)
أخرجه البخاري (776).
(12)
أخرجه ابن أبي شيبة (3723)، وابن المنذر في الأوسط (1330)، عن شريح، أن عمر بن الخطاب كتب إليه:«أن اقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب» ، ورجاله ثقات.
ويُستثنَى: الإمامُ في صلاة الخوف إذا قلنا: يَنتظِر الطَّائفةَ الثَّانيةَ في الرَّكعة الثَّالثة، فيَقرَأُ سورةً معها.
وعنه: يُستحَبُّ؛ لفعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، رواه مسلمٌ من حديث أبي سعيدٍ
(1)
.
وظاهِرُ كلامِهم: لا فرْقَ بين الفرض والنَّفل.
(ثُمَّ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكًا)؛ لحديث أبي حُمَيدٍ، فإنَّه وصف جلوسَه في التَّشهُّد الأوَّل مُفترِشًا، والثَّاني مُتورِّكًا، وهذا بيانُ الفرق بينهما، وزيادةٌ يَجِب الأخذُ بها والمصير إليها، وحينئذٍ لا يُسَنُّ التَّورُّكُ إلاَّ في صلاةٍ فيها تشهُّدان أصليَّان، في الأخير منهما.
وعنه: لا تورُّكَ في المغرب، والأوَّلُ المذهبُ.
وصِفتُه كما رواه الأثرمُ عن الإمامِ
(2)
: (يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَيُخْرِجُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَجْعَلُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ)، واختاره أبو الخَطَّاب، وجزم به في «المحرَّر» و «الفروع»؛ لقول أبي حُمَيدٍ:«فإذا كان في الرَّابعة؛ أفْضَى بوَرِكه اليُسرى إلى الأرض، وأخرَج قدمَيه من ناحيةٍ واحدةٍ» رواه أبو داود، وفي لفظ:«جلس على أليتَيه، ونصَب قدَمه اليمنى»
(3)
.
وذكر الخِرَقِيُّ والقاضي والسَّامَرِّيُّ: أنَّه يَجعل باطنَ قدمِه اليسرى تحت فخِذِه اليمنى، وقدَّمه ابن تمِيمٍ، وصحَّحه
(4)
المجْدُ في «شرح الهداية» ؛ لأنَّه عليه السلام كان يَفعلُه، رواه مسلمٌ من حديث ابن الزُّبَير
(5)
.
(1)
أخرجه مسلم (452).
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 80، مسائل حرب - الصلاة ص 188.
(3)
سبق تخريجه 2/ 197 حاشية (3).
(4)
زيد في (و): ابن.
(5)
أخرجه مسلم (579).
وعنه: يُخرِج قدمَه الأَيسرَ من تحت ساقِه الأيمنِ؛ لحديث أبي حُمَيد أيضًا.
وأيَّها فعل جاز.
فرعٌ: سُئل أحمدُ: هل يُتورَّك في تشهُّد سجود السَّهو؟ قال: نعم، هو من بقيَّة الصَّلاة
(1)
، وحمله في «الشَّرح» على ما إذا كان السَّهوُ في صلاة
(2)
فيها تشهُّدان
(3)
، وعلَّله: بأنَّ تشهُّدها
(4)
يُتورَّك فيه، وهذا تابِعٌ له.
وفيه نَظَر؛ فإنَّ مقتضى هذا أنَّه يتورَّك في كل تشهُّدٍ؛ كسجود
(5)
السَّهو بعد السَّلام في الرُّباعيَّة وغيرِها، وقاله القاضي؛ لأنَّه تشهُّد ثانٍ في الصَّلاة، فيحتاج
(6)
إلى الفرق.
(وَالمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ)؛ لشُمولِ الخِطاب لهما
(7)
؛ لقوله: «صلُّوا كما رأيْتُموني أُصلِّي» ، (إِلاَّ أَنَّهَا تَجْمَعُ
(8)
نَفْسَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)؛ أي: لا يُسنُّ لها التَّجافِي؛ لما رَوى يزيدُ بن أبي حَبِيب: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على امرأتَين تُصلِّيانِ
(9)
فقال: «إذا سجدتُما فضمَّا بعضَ اللَّحمِ إلى بعضٍ، فإنَّ المرأةَ لَيستْ في ذلك كالرَّجُلِ» رواه أبو داود في «مراسيله»
(10)
، ولأنَّها
(1)
ينظر: المغني 1/ 388.
(2)
في (أ): حالة.
(3)
في (و): يشهدان.
(4)
في (و): يشهدها.
(5)
في (ز): لسجود.
(6)
في (أ): يحتاج.
(7)
في (د): لها.
(8)
في (ب): مجمع.
(9)
في (ب) و (و): يصليان.
(10)
أخرجه أبو داود في المراسيل (87)، ومن طريقه البيهقي (3201)، عن يزيد بن أبي حبيب، وروي فيهما حديثان مرفوعان ضعيفان أخرجهما البيهقي في السنن، وذكر أن المرسل خير منهما مع إرساله:
الأول: من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه:«وكان يأمر الرجال أن يتجافوا في سجودهم، ويأمر النساء ينخفضن في سجودهن» ، وفي سنده: عطاء بن عجلان وهو ضعيف، وقال البيهقي عن حديثه:(منكر).
والثاني: من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «إذا جلست المرأة في الصلاة وضعت فخذها على فخذها الأخرى، وإذا سجدت ألصقت بطنها في فخذيها كأستر ما يكون لها، وإن الله تعالى ينظر إليها ويقول: يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لها» ، وفي سنده: الحكم بن عبد الله، أبو مطيع البلخي، وهو ضعيف أيضًا. ينظر: السلسلة الضعيفة (2652).
عورةٌ، فكان الألْيَقُ بها الاِنضمامَ.
وذَكَر في «المستوعب» وغيره: أنَّها تَجمع نفسَها في جميع أحوال الصَّلاة؛ لقول عليٍّ رضي الله عنه
(1)
.
(وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً)؛ لأنَّ ابنَ عمر كان يأمر النِّساء أن يتربَّعْنَ في الصَّلاة
(2)
.
(أَوْ تَسْدِلُ
(3)
رِجْلَيْهَا فَتَجْعَلُهُمَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا)، وكذا في «الخِرَقِيِّ» و «المحرَّر» و «المذهب» ، ونَصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّه غالِبُ فعل عائشةَ
(5)
، وأشْبهُ
(1)
أخره عبد الرزاق (5072)، وابن أبي شيبة (2777)، والبيهقي في الكبرى (3197)، عن الحارث الأعور، عن علي قال:«إذا سجدت المرأة فلتحتفز، ولتلصق فخذيها ببطنها» ، قال الذهبي في المهذب 2/ 662:(الحارث لين).
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في العلل (1177)، من طريق آخر بلفظ:«سجود الرجل في الصلاة أن يخوِّي ولا يفترش ذراعيه، وسجود المرأة تفرش فخذيها بطنها وتضمهما» ، وفيه شريك بن عبد الله القاضي، وهو ضعيف.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (2789)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (ص 79)، وابن المنذر في الأوسط (2301)، من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن نافع عنه. والعمري ضعيف.
(3)
في (د): يسدل.
(4)
ينظر: مسائل صالح 1/ 457، مسائل عبد الله ص 79، مسائل ابن منصور 2/ 555.
(5)
لم نقف عليه.
بجِلسة الرَّجل، وأبلَغُ في الإكمال والضَّمِّ، وأسهلُ عليها.
وظاهره
(1)
: أنَّها مخيَّرة بين الجلوس متربِّعةً أو السَّدلِ؛ لاستوائهما، ولكن السَّدل أفضل، نَصَّ عليه
(2)
، واختاره في «شرح الهداية» .
ولا تَجهَر بقراءة إن سمعها أجنَبِيٌّ، وإلاَّ جَهَرت كذِكْرٍ.
(وَهَلْ يُسَنُّ لَهَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما
(3)
: يُسنُّ، قدَّمه ابنُ تميمٍ والجَدُّ، وهو عُمومُ كلامِ الأصحابِ؛ «لأنَّ أمَّ سلمة كانت تَرفَع يدَيها
(4)
، ورواه
(5)
سعيدٌ عن أمِّ الدَّرداء
(6)
، ورواه الخلاَّلُ عن حفصةَ بنتِ سِيرِينَ
(7)
، وقياسًا على الرَّجل.
والثَّانيةُ: لا يُسنُّ، جزم بها في «الوجيز» ، قال القاضي، وتبعه في «الشَّرح»: لأنَّه في معنى التَّجافِي.
فعلى هذا: هل
(8)
يُكرَه أو يجوز؟ على روايتَين.
(1)
في (ب) و (و): فظاهره.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 79، مسائل ابن منصور 2/ 555.
(3)
كتب على هامش (ز): وهي المذهب.
(4)
لم نقف عليه. وقد ذكره أيضًا في الشرح الكبير 3/ 586.
(5)
في (أ): رواه.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (2470)، والبخاري في التاريخ الكبير (6/ 78)، وفي رفع اليدين (23، 24)، عن عبد ربه بن سليمان بن عمير قال: رأيت أم الدرداء ترفع يديها في الصلاة حذو منكبيها حين تفتتح الصلاة، وحين تركع، وإذا قال:«سمع الله لمن حمده» رفعت يديها وقالت: «ربنا ولك الحمد» . وعبد ربه قال فيه الذهبي: (مجهول)، ووثقه ابن حبان ومروان بن محمد الطاطري، وأم الدرداء هي الصغرى، تابعية ثقة فقيهة. ينظر: تاريخ أبي زرعة ص 334، ميزان الاعتدال 2/ 544، التقريب ص 758.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (2475)، وحرب الكرماني - الطهارة والصلاة - (752)، عن عاصم الأحول قال:«رأيت حفصة بنت سيرين تصلي، فإذا ركعت رفعت يديها عند ثدييها» ، وفيه يحيى بن ميمون، قال في التقريب ص 597:(متروك).
(8)
في (و): كله.
والثَّالثة: تَرفَع
(1)
دونه
(2)
، قاله أبو بكر، وهو أوسط الأقوال، قاله المجْدُ.
فائدةٌ: لم يتعرَّض المؤلِّف لذِكر الخُنثى المُشكِلِ، وحكمُه: كامرأةٍ، قاله ابن تميمٍ وابنُ حمدانَ وغيرُهما.
(1)
في (و): يرفع.
(2)
أي: دون رفع الرجل. قال في الإنصاف 3/ 588: (ترفعهما قليلاً).
(فَصْلٌ)
يُستحَبُّ الذِّكْرُ والاستغفارُ ثلاثًا؛ كما ورد في الأخبار
(1)
، ذكره في «الشَّرح» وغيرِه.
قال في «المستوعب» و «الرِّعاية» : ويَقرأُ آيةَ الكرسِيِّ، وكذا المعوِّذتَين، زاد بعضهم: و {قل هو الله أحد} ، ولم يذكره الأكثر.
ويُسبِّح ثلاثًا وثلاثين، ويَحمَد كذلك، ويكبِّر أربعًا وثلاثين؛ للخبر
(2)
، ذكره في «المستوعب» و «المذهب» وغيرهما، قالوا: ويقول لا إله إلاَّ الله وحده لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ يحيي ويميت
(3)
، وهو على كلِّ شَيءٍ قديرٌ. وفي «المستوعب» وغيره: وهو حيٌّ لا يموت، بيده الخير.
كذا قالوا، واتِّباعُ السُّنَّة أَوْلى.
ويَفرُغ من عدد ذلك معًا؛ قاله أحمدُ في رواية أبي داود
(4)
؛ للنَّصِّ
(5)
.
وعنه: يخيَّر بينه وبين إفراد كلِّ جملة.
(1)
وهو ما أخرجه مسلم (591)، عن ثوبان، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال:«اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام» .
(2)
أخرجه البخاري (486)، وابن خزيمة (749)، وأبو عوانة (2085) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم (596) من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
(3)
قوله: (يحيي ويميت) سقط من (أ) و (ب).
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 112.
(5)
في آخر الحديث عند البخاري (843)، من طريق سُمَي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال سُمَي: فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا: نسبح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين، ونكبر أربعًا وثلاثين، فرجعت إليه، فقال: تقول: «سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين» . ينظر: زاد المعاد 1/ 290، فتح الباري لابن رجب 7/ 409.
واختار القاضي الإفراد.
ويُستحَبُّ الجهرُ بذلك، وحكى ابن بَطَّالٍ
(1)
عن أهل المذاهبِ المتبوعةِ خلافَه، وكلام أصحابنا مختلِف، قاله في «الفروع» ، قال: (ويتوجَّه: يجهر لقصد
(2)
التَّعليم فقط، ثمَّ يتركه).
والمقصود من العدد: ألا يَنقُص منه، وأمَّا الزِّيادة فلا تَضُرُّ شيئًا، لا سيما من غير قصد؛ لأنَّ الذِّكرَ مشروعٌ في الجملة، فهو يُشبِه
(3)
المقدَّر في الزَّكاة إذا زاد عليه.
ويُشرَع للإمام أن يدعوَ بعد الفجر والعصر؛ لحضور الملائكة فيهما، فيؤمِّنون على الدُّعاء، والأصحُّ: وغيرِهما، جزم به جماعةٌ، ويستقبِل المأموم، ذكره السَّامَرِّيُّ.
ولا
(4)
يَخُصُّ نفسَه بدعوةٍ، وإن فَعَل فلا بأسَ، نَصَّ عليه
(5)
. وقيل: يُكرَه، وهو قول إسحاقَ.
ويُشِير إلى السَّماء في دعائه بأُصبُعه، ويُسمِعُه المأمومَ.
وقيل: إن قصد تَعليمه
(6)
، وإلاَّ خَفَضَ صوته كالمأموم والمنفرِدِ.
وعنه: يُكرَه الجهرُ مطلقًا.
ولا يَجِبُ الإنصاتُ، خلافًا لابنِ عَقيل.
قال ابنُ تميم: (ويُستحَبُّ للمأموم
(7)
ألا ينصرِف قبل إمامه، إلاَّ أن يُطيل
(1)
ينظر: شرح البخاري لابن بطال 2/ 458.
(2)
في (أ): بقصد.
(3)
في (د): نسبة.
(4)
في (و): فلا.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 47.
(6)
في (أ) و (ب): تعلمه.
(7)
زيد في (و): والمنفرد.
الجلوسَ، فإن كان رجالٌ ونساءٌ؛ استُحبَّ أن يَقُمْنَ عُقَيْبَ سلامِه، ويَثبُتُ الرِّجالُ قليلاً).
ويَنصرِف كيف شاء عن يمينه وشماله، وهو في الصَّحيح، وصحَّحه التِّرمذيُّ، وقال:(العملُ عليه عند أهل العلم)
(1)
.
وفي «الرِّعاية» : ينصرِف عن يمينه.
وقيل: أو عن يساره إن سَهُل.
قال القاضي: يمينُه أَوْلى إلاَّ أن يكونَ جِهةُ انصرافه غيرها.
ومن أَدَبِ الدُّعاء:
بَسْطُ يدَيه، ورفعُهما إلى صدره، وكشفُهما أَوْلى. وذَكَر جماعةٌ: أنَّ الدُّعاء للرَّهْبة بظَهْر الكَفِّ؛ كدُعائه عليه السلام في الاِستسقاء
(2)
.
والبَداءة بحمد الله تعالى، والثَّناء عليه، قال الشَّيخ تقِيُّ الدِّين
(3)
: وخَتْمُه به، والصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أوَّلَه وآخِرَه، قال الآجُرِّيُّ: ووسَطه.
وسؤالُه بأسمائه وصفاته بدعاءٍ جامِعٍ مأثورٍ، ويكون متطهِّرًا مستقبِلَ
(1)
أخرجه البخاري (852)، عن عبد الله بن مسعود:«لا يجعل أحدكم للشيطان شيئًا من صلاته يرى أن حقًّا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ينصرف عن يساره» .
وأخرج مسلم (708) عن السدي، قال: سألت أنسًا: كيف أنصرف إذا صليت؟ عن يميني، أو عن يساري؟ قال:«أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه» .
وأخرج الترمذي (301)، عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمُّنا، فينصرف على جانبيه جميعًا، على يمينه وعلى شماله» ، قال الترمذي: (حديث هلب حديث حسن، وعليه العمل عند أهل العلم: أنه ينصرف على أي جانبيه شاء، إن شاء عن يمينه، وإن شاء عن يساره، وقد صح الأمران عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أخرجه مسلم (895)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء» .
(3)
ينظر: الفروع 2/ 235، الاختيارات ص 86.
القِبلة، ويلحُّ، ويكرِّره
(1)
ثلاثًا، ولا يَسأَم من تَكراره في أوقاتٍ، ولا يَعجَل، ويَنتَظِرُ الفرَج من الله تعالى، ويَجتنِب السَّجع.
وسُئل ابن عَقيل: هل يجوز أن يقال: في القرآن سَجْعٌ؟ فأجاب
(2)
بالجواز، قال ابن الصيرفي: لو سكت عن هذا كان أحسنَ.
ولا يَعْتَدِ
(3)
فيه.
ويَبدأ بنفسه، ويَعُمُّ، ويؤمِّن المستمِع، وتأمينُه في أثناء دعائه وخَتْمه به
(4)
متَّجِه.
ويُكرَه رفع بصره، وظاهر كلامِ جماعةٍ خلافه
(5)
.
وشرْطُه الإخلاصُ، قال الآجُرِّيُّ: واجتناب الحرام، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره: أنَّه من الأدب، وقال الشّيخ تقِيُّ الدِّين: تَبعُد إجابتُه إلاَّ مُضْطَرًّا أو مظلومًا
(6)
.
«وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في الدُّعاء قال: يا حيُّ يا قيُّوم» رواه التِّرمذي من رواية إبراهيم بن الفضل، وهو ضعيفٌ
(7)
.
(1)
في (و): ويكون.
(2)
في (أ): وأجاب.
(3)
في (أ): يتعد، وفي (د) و (و): يعقد.
(4)
قوله: (به) سقط من (أ) و (ز).
(5)
كتب على هامش (ز): وهو الصحيح.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 240، الاختيارات ص 87.
(7)
أخرجه الترمذي (3436)، وقال:(هذا حديث غريب)، وهو حديث ضعيف جدًّا، فيه إبراهيم بن الفضل قال فيه جماعة من الأئمة:(منكر الحديث)، وقال ابن حجر في التقريب:(متروك). ينظر: تهذيب التهذيب 1/ 150، السلسلة الضعيفة (6345).
(فَصْلٌ)
(وَيُكْرَهُ الاِلْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ)، جزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» وغيرهما؛ لما روتْ عائشةُ قالت: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الاِلتفاتِ في الصَّلاة، فقال:«هو اختلاسٌ يختلسُهُ الشَّيطانُ من صلاة العبدِ» رواه البخاري
(1)
، وعن أنَسٍ مرفوعًا قال:«إيَّاكَ والاِلتفاتَ في الصَّلاة؛ فإنَّ الاِلتفاتَ في الصَّلاةِ هَلَكَةٌ، فإن كان لا بدَّ ففي التَّطوُّع لا الفريضة»
(2)
، ولأنَّه يكون به خارِجًا وجهُه عن جهة الكعبة، وأقلُّ ما فيه الكراهة.
ويُستثنَى منه: ما إذا كان لحاجةٍ فإنَّه لا يُكرَه؛ لما رَوى ابن عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى وهو يَلتفِتُ إلى الشِّعبِ» رواه أبو داود، ورواه النَّسائي، وفيه:«وكان أرسل فارسًا إليه يَحرُسُ»
(3)
.
وعلى الأوَّل: لا تَبطل الصَّلاةُ به إلاَّ أن يَستَدِيرَ عن القِبلة بجُملته أو يَستَدبِرها، ما لم يكُنْ في الكعبة، أو يختلِف اجتهادُه فيها، أو في شدَّة خوفٍ، فإن استدار بصدره مع وجهه؛ لم تَبطُل، ذكره ابن عقيل والمؤلِّف،
(1)
أخرجه البخاري (751).
(2)
أخرجه الترمذي مختصرًا (589)، وأخرجه مطولاً أبو يعلى الموصلي (3624)، والطبراني في المعجم الأوسط (5991)، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن غريب)، ونقل النووي والزيلعي عن الترمذي أنه قال:(حسن صحيح)، ونقل ابن عبد الهادي في المحرر أن الترمذي صححه، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، والحديث من رواية سعيد بن المسيب عن أنس، وأشار البخاري إلى أنه لا يعرف بينهما سماع كما نقل عنه الترمذي، وضعف الحديث ابن رجب، وغيره. ينظر: الخلاصة 1/ 467، فتح الباري لابن رجب 6/ 453، نصب الراية 1/ 362.
(3)
أخرجه أبو داود (916)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والنسائي في الكبرى (8819)، من حديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه وهو حديث صحيح. ينظر: الإرواء 2/ 90.
خلافًا لابن تميمٍ وغيرِه.
(وَرَفْعُ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ) وِفاقًا
(1)
؛ لما رَوى أنَسٌ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما بالُ أقوامٍ يَرفَعونَ أبصارَهم إلى السَّماءِ في صلاتِهم؟!» فاشتدَّ قولُهُ في ذلك حتَّى قال: «ليَنتَهُنَّ عن ذلك أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم» رواه البخاري
(2)
.
وكذا يُكرَه تغميضُه، نَصَّ عليه، واحتجَّ بأنَّه فعل اليهود
(3)
، ولأنَّه يغير هَيئةَ المصلِّي، وربِّما كان سببًا للنَّوم، فأمَّا مع الحاجة فلا.
وقد نقل أبو داود: إِنْ نظر أمَتَه عُريانة غمَّض عينيه
(4)
.
(وَافْتِرَاشُ الذِّرَاعَيْنِ فِي السُّجُودِ)؛ أي: يَمُدُّهما على الأرض مُلصِقًا لهما بها؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اعتَدِلوا في السُّجودِ، ولا يَبسُط أحدُكم ذراعَيهِ انبِساطَ الكلبِ» متَّفَقٌ عليه من حديث أنس
(5)
، قال التِّرمذِيُّ:(وأهل العلم يختارونه)
(6)
.
(وَالْإِقْعَاءُ فِي الْجُلُوسِ)، ذكره معظم الأصحاب، وفي «الشَّرح»: أنَّه الأَوْلى؛ لما روت عائشةُ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَفرشُ رجلَهُ، وينصبُ اليُمنى، ويَقْعُدُ على مقعَدتِهِ» متَّفقٌ عليه
(7)
، وعن أبي هريرة قال:«نهاني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ثلاثٍ: عن نَقرةٍ كنقرةِ الدِّيكِ، وإقْعاءٍ كإقعاءِ الكلبِ، والْتِفاتٍ كالْتِفاتِ الثَّعلَبِ» رواه أحمد
(8)
، ولأنَّه يَتضمَّن ترك الافتراشِ المسنون فعلاً وقولاً،
(1)
ينظر: تحفة الفقهاء 1/ 141، مواهب الجليل 1/ 549، الحاوي 2/ 191، الفروع 2/ 239.
(2)
أخرجه البخاري (750).
(3)
ينظر: مسائل حرب - الصلاة ص 195.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 54.
(5)
أخرجه البخاري (822)، ومسلم (493).
(6)
سنن الترمذي (2/ 65).
(7)
سبق تخريجه 2/ 217 حاشية (2).
(8)
أخرجه أحمد (8106)، وسنده ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد القرشي وهو ضعيف كما في التقريب، والراوي عنه شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو صدوق يخطئ.
وأخرجه البيهقي (2741)، بلفظ:«ونهاني عن الالتفات في الصلاة التفات الثعلب، وأقعي إقعاء القرد، وأنقر نقر الديك» ، وفي سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. وذكر الهيثمي أنه أخرجه أيضًا أبو يعلى الموصلي والطبراني، ولم أقف عليه عندهما، وحسَّن إسناده.
وله شاهد عند أحمد (15532)، عن عبد الرحمن بن شبل، بلفظ:«ينهى عن ثلاث: عن نقرة الغراب، وعن افتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام كما يوطن البعير» ، وفي سنده تميم بن محمود، قال البخاري:(في حديثه نظر).
قال النووي: (قال الحفاظ: ليس في النهي عن الإقعاء حديث صحيح إلا حديث عائشة). ينظر: التاريخ الكبير للبخاري 2/ 154، الخلاصة 1/ 418، مجمع الزوائد 2/ 79 - 80، التلخيص الحبير 1/ 552، الإرواء 2/ 22.
فكان مكروهًا، وحينئذ
(1)
لا تَبطُل به.
وقال ابن حامِدٍ، والقاضي في «شرحه الصَّغير»: تَبطُل به.
وذكر ابن تميم وغيره: أنَّه يُكرَه الإقعاءُ من غير حاجةٍ.
وعنه: هو
(2)
جائزٌ، روى مهنَّى عنه: (لا أفعله، ولا أَعِيبُ على من يفعله، العبادلة
(3)
كانوا يفعلونه)
(4)
.
(وَهُوَ أَنْ يَفْرُشَ قَدَمَيْهِ، وَيَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ)؛ كذا فسَّره الإمامُ أحمدُ
(5)
، واقتصر عليه في «المغني» و «الفروع» .
(1)
قوله: (وحينئذ) سقط من (أ).
(2)
في (أ): أنه.
(3)
كتب على هامش (د): (العبادلة يعني: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وغيرهما).
(4)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 348.
والأثر: أخرجه عبد الرزاق (3029)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 119)، وابن المنذر في الأوسط (1486)، والبيهقي في الكبرى (2737)، من طرق عن طاوس:«أنه رأى ابن عمر وابن الزبير وابن عباس يقعون بين السجدتين» .
إسناده صحيح كما قال الحافظ في التلخيص (1/ 622).
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 573.
قال أبو عُبَيدٍ: (هو
(1)
قول أهل الحديث، فأمَّا عند العرب: فهو جلوس الرَّجل على أَليتَيه ناصبًا فخِذَيه مثل إقعاء الكلب)
(2)
، قال في «المغني»:(ولا أعلم أحدًا قال باستحباب الإقعاء على هذه الصِّفة).
وقيل: هو ألا يَمُدَّ ظَهرَيْ قدمَيه ويجلسُ على عقبيه أو بينهما على أَليتَيه، أو يَنصبُ قدمَيه ويجلِس بينهما، أو عليهما، أو يَفرشُهما
(3)
ويجلِس عليهما، أو يجلس
(4)
على ركبتيه وأليتيه مع نصب ركبتيه أو فخِذَيه.
وذكر في «الرِّعاية» روايةً: أنَّ هذا كلَّه يُسنُّ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ سُنَّةٌ)؛ لقول طاوس لابن عبَّاس في الإقعاء على القدمَينِ فقال: «هي السُّنَّةُ» ، قال: قلنا: إنَّا لنراه جَفاءً بالرَّجل، فقال:«هي سنَّةُ نبيِّك صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم
(5)
.
(6)
مسألة: يُكرَه أن يَعتمدَ على يده أو غيرها وهو جالسٌ؛ لقول ابن عمر: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يجلسَ الرَّجلُ في الصَّلاةِ وهو معتمدٌ
(7)
على يدِهِ» رواه أحمدُ وأبو داود
(8)
.
وأن يَستَنِد إلى الجدار ونحوه؛ لأنَّه يزيل مشقَّة القيام إلاَّ من حاجة؛ «لأنَّه عليه السلام لمَّا أسنَّ وأخذه اللَّحم؛ اتَّخذ عَمودًا في مصلاَّه يَعتمِد عليه» رواه أبو داود
(9)
.
(1)
في (ب) و (د) و (و): هذا.
(2)
ينظر: غريب الحديث 1/ 210.
(3)
قوله: (أو يفرشهما) هو في (و): لفرشهما.
(4)
في (ب) و (و): مجلس.
(5)
قوله: (رواه مسلم) سقط من (أ) و (ز).
(6)
أخرجه مسلم (536).
(7)
في (د) و (و): يعتمد.
(8)
سبق تخريجه 2/ 218 حاشية (6).
(9)
أخرجه أبو داود (948)، عن عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي، حدثنا أبي، عن شيبان، عن حصين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يساف، عن وابصة بن معبد رضي الله عنه به، ورجاله ثقات عدا عبد الرحمن والد عبد السلام، فإنه مجهول، لكن تابعه عبيد الله بن موسى العبسي، ثقة من رجال الصحيحين، وأخرج هذه المتابعة الحاكم (975)، والبيهقي (3571)، قال الحاكم:(هذا حديث صحيح على شرط الشيخين)، وصححه الألباني. ينظر: الإرواء 2/ 104
فإن كان يَسقُط لو أزيل؛ لم يصحَّ، ونقل الميموني:(لا بأس بالاستناد إليه)
(1)
، وحُمل على الحاجة.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ)؛ أي: بوله
(2)
سواءٌ خاف فَوتَ الجماعة أو لا، لا نعلم فيه خِلافًا
(3)
؛ لما روتْ عائشةُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاةَ بِحضْرةِ طعامٍ، ولا وهو يُدافِعُهُ الأَخبثانِ» رواه مسلمٌ
(4)
.
(5)
والمرادُ به: أن يَبتدِئَ بها مع المُدافَعة، ولأنَّه يَشغَله عن خشوع
(6)
الصَّلاة، وحضور قلبه فيها، فإن فعل صحَّت على المذهب، كما لو صلَّى وقلبُه مشغولٌ بشَيء من الدُّنيا.
وعنه: يُعيد.
وعنه: إن أزعجه، وقاله ابن أبي موسى.
ويتوجَّه: أنه
(7)
إذا خاف فوت الوقت؛ فإنَّه يصلِّي معها من غير كراهة.
وفي معناه الحاقِب، وهو الذي احتبس غائطُه، وعبارتُه في «الفروع» أشملُ، قال ابن أبي الفتح: وفي معناهما من به ريح محتبسة
(8)
، فتجيءُ الرِّوايات.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 275.
(2)
في (أ): قوله.
(3)
ينظر: الإقناع لابن القطان 1/ 141.
(4)
كتب فوقها في (و): والدارمي.
(5)
أخرجه مسلم (560).
(6)
في (و): حصول.
(7)
قوله: (أنه) سقط (أ) و (د).
(8)
في (أ): يحبسه، وفي (ب) و (و): محبسة.
وحكم الجوع المُفرِط والعطش المُفرِط كذلك، قاله بعض أصحابنا، قال ابن عَقيل: إنَّما جمع بينهما الشَّارع؛ لاستوائهما في المعنى.
وكذا
(1)
قال: يُكرَه ما يَمنَعه من إتمام الصَّلاة بخشوعها؛ كحرٍّ وبرْد؛ لأنَّه يُقلِقه
(2)
.
(أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ نَفْسُهُ إِلَيْهِ)، جزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، قال التِّرمذيُّ:(هو أشبه بالاتِّباع)
(3)
، وهو يروى
(4)
عن أبي بكر
(5)
وعمرَ
(6)
وابنِه؛ لقوله عليه السلام: «لا صلاةَ بحضرةِ طعامٍ» ، ولحديث ابن عمر، وهو في الصَّحيحين
(7)
، وللبخاريِّ:«كان ابن عمر يُوضَع له الطَّعامُ، وتُقامُ الصَّلاةُ، فلا يأتيها حتَّى يَفرُغَ، وإنَّه يَسمَع قراءة الإمام»
(8)
.
وهذا ما لم يَضِقِ الوقتُ، فإن ضاق؛ فلا يُكرَه بل يَجِبُ.
وظاهره: أنَّه إذا لم تَتُقْ نفسُه إليه أنَّه يبدأ بالصَّلاة من غير كراهة.
(1)
في (ب) و (و): ولو.
(2)
كتب هي هامش الأصل: (لكان أولى)، وكتبت في (ز) و (و) في الصلب.
(3)
ينظر: سنن الترمذي 2/ 184.
(4)
في (ب) و (د) و (و): مروي.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (7920)، عن أبي المليح قال: كنا مع أبي بكر وقد خرج لصلاة المغرب وأذَّن المؤذن، فتُلُقِّي بقصعة فيها ثريد ولحم، فقال:«اجلسوا فكلوا، فإنما صنع الطعام ليؤكل» ، فأكل، ثم دعا بماء، فغسل أطراف أصابعه ومضمض وصلى. وفيه راوٍ لم يُسَمَّ.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (2186)، وابن أبي شيبة (7922)، والدولابي في الكنى (1227)، وابن المنذر في الأوسط (1911)، عن يسار بن نمير مولى عمر: أن عمر كان يقول: «إذا اجتمع صلاتكم وطعامكم؛ فابدؤوا بطعامكم ثم افرغوا لصلاتكم» ، وإسناده صحيح.
(7)
حديث ابن عمر أخرجه البخاري (673)، مسلم (559)، بلفظ:«إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجلن حتى يفرغ منه» .
(8)
أخرجه البخاري (673).
وقدَّم في «الفروع» وغيره: أنَّه يُكرَه ابتداؤها تائقًا لطعام، والمعنى يقتضيه.
وظاهره: سواءٌ كان بحضرته أوْ لا؛ لقول أبي الدرداء: «من فِقْه الرَّجل إقبالُه على حاجته، حتَّى يُقبِل على صلاته وقلبُه فارِغٌ» رواه أحمدُ في «الزُّهد» ، والبخاريُّ في «تاريخه»
(1)
.
لكنَّ الأوَّلَ
(2)
هو ظاهر الأخبار، وعلى هذا إن بدأ بالصَّلاة؛ صحَّت إجماعًا، حكاه ابن المنذر
(3)
؛ لأنَّ البَداءة بالطَّعام رُخصةٌ، فإذا لم يفعلها صحَّت كسائر الرُّخص.
(وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ)؛ لأنَّه عليه السلام رأى رجلاً يَعبَثُ في صلاته فقال: «لو خَشَعَ قلبُ هذا لخضعت
(4)
جوارحُهُ»
(5)
، قال في «الهداية»
(6)
للحنفية
(7)
: (لأنَّ العبَثَ حرامٌ خارجَ الصَّلاة، فما ظنُّك به فيها؟!)، وخالَفه غيره.
(1)
لم نقف عليه فيهما، وقد أخرجه ابن المبارك في الزهد (1142)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (134)، وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم (1/ 135)، وإسناده صحيح.
(2)
في (ب): الأولى.
(3)
لم نجده في كتب ابن المنذر المطبوعة، وقد حكى الإجماع ابن عبد البر في الاستذكار، ونقله عنه في المغني. ينظر: الاستذكار 2/ 297.
(4)
في (ب): لخشعت. وهو موافق لكتب المذهب؛ كالمغني والشرح الكبير والكشاف، وهو المذكور في كتب التخريج.
(5)
أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول كما ذكر ذلك الزيلعي والعراقي، وفي سنده سليمان بن عمرو أبو داود النخعي، وقد أجمع الحفاظ على كذبه وأنه وضاع، وضعف العراقي وزكريا الأنصاري إسناده، وحكم عليه الألباني بالوضع. ينظر: تخريج أحاديث الكشاف 2/ 399، تخريج الإحياء 1/ 178، لسان الميزان ترجمة سليمان بن عمرو 4/ 163، الإرواء 2/ 92.
(6)
في (ب) و (ز): البداية.
(7)
ينظر: الهداية في شرح بداية المبتدي 1/ 64.
(وَالتَّخَصُّرُ)، وهو
(1)
وَضْع يده على خاصرَتِه؛ لما روى أبو هريرة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلِّي الرَّجلُ مُختَصِرًا» متَّفَقٌ عليه
(2)
، ولأنَّه يَمنَع الخضوعَ والخشوعَ، ويَمنَع من وضْع اليمين على الشِّمال.
ويُكرَه صلاة الحازِق
(3)
من ضيق الخُفِّ، ومن لا يَعقِل غالبًا؛ كخوف أو غضب أو إزعاج وتخبيط ونحوه.
(وَالتَّرَوُّحُ) بمِروحةٍ ونحوها، وقاله جماعةٌ منهم عَطاءٌ؛ لأنَّه من العبَث، زاد في «الشَّرح» و «الفروع»: إلاَّ لحاجة كغَمٍّ شديدٍ، نَصَّ عليه
(4)
.
ومُراوحتُه بين رِجلَيه مستحبَّةٌ، وتُكرَه
(5)
كثرتُه؛ لأنَّه فعل اليهود.
(وَفَرْقَعَةُ
(6)
الْأَصَابِعِ)؛ لما رَوى الحارثُ عن عليٍّ قال: «لا تُقَعْقع
(7)
أصابعَك، وأنت في الصَّلاة» رواه ابن ماجه
(8)
.
(1)
في (أ) و (و): هو.
(2)
أخرجه البخاري (1220)، ومسلم (545).
(3)
في (و): الحادق.
قال في النهاية 1/ 378: (الحازق: الذي ضاق عليه خفه فحزق رجله، أي: عصرها وضغطها).
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 630.
(5)
في (و): ويكره.
(6)
في (ب): وفرقعته، وفي (ز): وفرقة.
(7)
في (د): تتفَقَّعْ، وفي (و): تفرقع. والمثبت موافق لما ذكره السيوطي في جمع الجوامع 11/ 287، من تخريج ابن ماجه له، فلعلها في نسخة من نسخ ابن ماجه، والذي في مطبوع سنن ابن ماجه:«تُفَقِّعْ» .
(8)
الذي في سنن ابن ماجه حديث مرفوع وليس من قول علي رضي الله عنه، وهو كذلك في المغني 2/ 9، والشرح الكبير 3/ 597.
أخرجه ابن ماجه (965)، من طريق الحارث الأعور عن علي. قال النووي كما في الخلاصة 1/ 492:(الحارث كذاب مجمع على ضعفه)، وفي نصب الراية 2/ 87:(وهو معلول بالحارث). وينظر: السلسلة الضعيفة 2/ 99.
وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا: أخرجه ابن أبي شيبة (7280)، عن شعبة مولى ابن عباس: صليت إلى جنب ابن عباس ففقعت أصابعي، فلما قضيت الصلاة قال:«لا أمَّ لك، تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة» ، وشعبة متكلم فيه، قال أحمد في رواية عبد الله:(ما أرى به بأسًا). ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 346.
(وَتَشْبِيكُهَا)؛ لما رَوى كعبُ بنُ عُجرةَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شَبَّك أصابعَه في الصَّلاة، ففرَّج بين أصابعِهِ» رواه التِّرمذيُّ وابن ماجَهْ، وإسنادُه ثِقاتٌ
(1)
، وقال ابن عمر في الذي يصلِّي وهو مشبِّكٌ أصابعَه:«تلك صلاة المغضوب عليهم» رواه ابن ماجَهْ
(2)
.
مسائل:
يُكرَه أن يُصلِّي وبين يدَيه ما يُلهِيه، أو يَنظُر في كتابٍ.
وأن يَكفَّ شعْره أو ثوبه أو يُصلِّي وهو معقوص الشَّعر، ولو فعلهما
(3)
لِعَمَلٍ قبل صلاته، أو مكتوفُ اليدَين.
ومسُّ لِحيتِه.
وأن يَمسَح أثَر السُّجود، وفي «المغني»: إكثاره منه، ولو بعْدَ التَّشهُّد، وعنه: وبعد الصَّلاة.
(1)
أخرجه الترمذي (386)، من طريق الليث بن سعد، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن رجل، عن كعب به. وفيه راو مبهم.
وأخرجه ابن ماجه (967)، من طريق أبي بكر بن عياش، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن كعب به. وأبو بكر بن عياش قال ابن حجر في التقريب عنه:(ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح). ووقع في هذا الحديث اضطراب ضعفه بعضهم بسببه، قال ابن رجب:(وفي إسناده اختلاف كثير واضطراب)، وضعفه الألباني، وأشار إلى بعض طرق الاختلاف. فتح الباري لابن رجب 3/ 423، الفتح لابن حجر 1/ 566، الإرواء 2/ 99.
(2)
لم نقف عليه عند ابن ماجه، وأخرجه أبو داود (993)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (3573). وإسناده صحيح. ينظر: صحيح سنن أبي داود للألباني 4/ 148.
(3)
في (ب) و (ز): فعلها.
وأن يَنفُخ فيها، ويحرِّك
(1)
الحصى.
وأن يَخُصَّ موضِع جبهته بما يسجد عليه؛ لأنَّه من شعار الرَّافضة.
وأن يُعلِّق في قِبلته شيئًا من مصحفٍ وغيرِه، ولا بأس بكونه على الأرض، وأن يكتب في القِبلة، وأن يصلِّيَ وبين يديه نجاسةٌ أو بابٌ مفتوحٌ، أو إلى نارٍ من قِنديلٍ وشَمْعةٍ.
والرَّمزُ بالعين، والإشارة لغير حاجةٍ، وإخراجُ لسانه، وفتحُ فمِه، ووضعه فيه شيئًا لا بيده، نَصَّ عليه
(2)
.
وأن يَستصحِب ما فيه صورةٌ من فصٍّ أو ثوبٍ.
وصلاتُه إلى متحدِّثٍ أو نائمٍ، نَصَّ عليه
(3)
، وعنه: لا يُكرَه النَّفل.
وإلى كافِرٍ، وصورةٍ منصوبةٍ، نَصَّ عليهما
(4)
، وظاهره: ولو كانت صغيرةً لا تبدو للنَّاظِرِ إليها، وأنَّه لا يكره إلى غير منصوبةٍ
(5)
، ولا سجوده على صورةٍ، ولا صورة خلفه في البيت، ولا فوق رأسه في سقف، أو عن أحد جانِبَيه، وإلى وجه آدمي، نَصَّ عليه
(6)
.
وفي «الرِّعاية» : أو حيوانٍ غيرِه.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّه كان عليه السلام يَعرِض راحلتَه ويصلِّي إليها
(7)
.
وإلى امرأةٍ تُصلِّي بين يدَيه.
(1)
في (ب) و (د) و (و): ويحول.
(2)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 210، الفروع 2/ 275.
(3)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 211.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 276، فتح الباري لابن رجب 4/ 109.
(5)
زيد في (و): نص عليهما وظاهره. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 277.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 276.
(7)
أخرجه مسلم (502)، من حديث عن ابن عمر رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض راحلته وهو يصلي إليها» .
وإن غلَبه تثاؤبٌ في صلاته؛ كَظَمَ، فإن أبى استُحبَّ وضعُ يده على فيه على الأصحِّ؛ للخبر
(1)
.
ولا يقال: تثاوُبٌ، بل تثاؤُبٌ.
(وَ) يُستحَبُّ (لَهُ رَدُّ المَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع» ، وهو قولُ أكثرِ العلماء
(2)
؛ لما رَوى أبو سعيدٍ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إذا صلَّى أحدُكم إلى شَيءٍ يَستُرُه من النَّاسِ، فأرادَ أحدٌ أن يَجتازَ بين يدَيه؛ فلْيَدفَعْهُ، فإنْ أبى فلْيُقاتِلْهُ، فإنَّما هو شَيطانٌ» متَّفَقٌ عليه
(3)
، وعن ابن عمر مرفوعًا:«إذا كان أحدُكم يُصلِّي فلا يَدَعَنَّ أحدًا يَمُرُّ بين يدَيه، فإن أبى فليقاتِلْهُ، فإنَّ معه القَرينَ» رواه مسلمٌ
(4)
.
وعنه: يَجبُ ردُّه، آدميًّا كان أو غيرَه، في الفرض والنَّفل في ظاهِرِ كلامِهم؛ لظاهر الأخبار.
وعنه: يَختصُّ بالفرض
(5)
.
وظاهِرُ كلامِهم: سواءٌ كان بين يدَيه سُترةٌ فمرَّ دونها، أو لم يكن فمرَّ قريبًا منه.
وقيل: قدر خطوتَين بحيث لو مشى وردَّه؛ لم تَبطُل، وصرَّح به في «الكافي» ؛ لأنَّه موضِعُ سجوده، أشْبه مَنْ نصب سُترةً، ولأنَّ المراد بنصبها الإعلامُ بأنَّه في الصَّلاة، وفي الدَّفع إعلامٌ صريحٌ.
(1)
أخرجه مسلم (2994)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع» ، ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (2995).
(2)
في (ب) و (ز): أهل العلم.
(3)
أخرجه البخاري (509)، ومسلم (505).
(4)
أخرجه مسلم (506).
(5)
في (أ): الفرض.
وقيل: هو يَختصُّ
(1)
بمن بين يدَيه سُترةٌ إذا مرَّ دونها، وهو ظاهِرُ «الرِّعاية» وغيرِها، والنَّصُّ شاهِدٌ له.
وهذا ما لم يَغلِبْه أو يَكنْ محتاجًا، بأن كان الطَّريقُ ضيِّقًا، أو تتعيَّنُ
(2)
طريقًا، ويُكرَه
(3)
الصَّلاةُ هناك، ذكره في «المذهب» ، ولا يَحرُمُ.
أو في مكَّةَ المشرَّفةِ في روايةٍ، قدَّمها ابن تميمٍ؛ لأنَّه عليه السلام «صلَّى بمكَّةَ والنَّاسُ يَمُرُّون بين يدَيه، وليس بينهما سُتْرةٌ» رواه أحمد وغيره
(4)
.
وأَلْحقَ في «المغني» : الحرَم بمكَّةَ.
وظاهِرُه: لا فرْقَ بين مكَّةَ وغيرِها، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وأطلق في «الفروع» الخلافَ.
فإن تركه يَمُرُّ؛ نَقَصَتْ صلاتُه، نَصَّ عليه
(5)
، وحمله القاضي: إن تركه قادرًا.
فإن أبى؛ دفعه، فإن أصرَّ؛ فله قتاله على الأصحِّ ولو مشى، فإن خاف فسادَها؛ لم يكرِّر دَفعَه
(6)
، ويَضمَنه
(7)
على الأصحِّ فيهما.
(1)
في (ب) و (و) و (ز): مختص.
(2)
في (ب) و (و): يتعين.
(3)
في (ب) و (د): وتكره.
(4)
أخرجه أحمد (27241)، وأبو داود (2016)، من طريق كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة، عن بعض أهله، عن جده، وسنده ضعيف، للإبهام. وأخرجه ابن ماجه (2958)، والنسائي (758)، من طريق كثير، عن أبيه، عن جده، وأعله ابن المديني، والدارقطني. ينظر: علل الدارقطني 14/ 42، السنن الكبرى للبيهقي 2/ 387، السلسلة الضعيفة (928).
(5)
ينظر: الفروع 2/ 257، فتح الباري لابن رجب 4/ 99.
(6)
كتب على هامش الأصل: (حاشية تعليق: وعنه له تكراره ولا يضمنه).
(7)
كتب على هامش الأصل: (حاشية إنصاف: يعني إن كرره على الصحيح من المذهب بشرط خوف فساد صلاته).
والمذهبُ: يَحرُم مرورُه بين مُصلٍّ وسُتْرتِه، وظاهِرُه: ولو بَعُدَ منها؛ لما روى أبو جُهَيمٍ عبدُ الله بن الحارث بن الصِّمَّةِ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلمُ المارُّ بين يدَيِ المصلِّي ماذا عليه؛ لكانَ أن يقفَ أربعينَ خيرًا له من أن يَمُرَّ بين يدَيه» ، قال أبو النَّضر أحدُ رواته: لا أدري؛ أقال أربعين يومًا أو شهرًا أو سنَةً، متَّفَقٌ عليه
(1)
.
وكذا يَحرُم بين يدَيه قريبًا منها إذا لم يكن سُتْرةٌ في الأصحِّ، وهو ثلاثةُ أذرُعٍ، وقيل: العُرْفُ، لا مَوضِعُ
(2)
سجودِه.
وفي «الفصول» و «التَّرغيب» : يكره.
وقيل: النَّهيُ مختصٌّ بما بينه وبين سُتْرتِه، وحكى ابنُ حَزم الاتِّفاقَ على إثمه في هذه الصُّورة
(3)
.
فرع: للمصلِّي دفْع العدوِّ من سَيلٍ أو سَبُعٍ
(4)
أو سقوطِ جدارٍ ونحوِه، وإن كثُر لم تَبطُل
(5)
في الأشهر.
(وَ) له (عَدُّ الآيِ)، زاد ابن تَميمٍ والجَدُّ: بأصابِعه؛ لما روى أنَسٌ قال: «رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَعقِدُ الآيَ بأصابعِهِ» رواه محمَّد بن خَلَف
(6)
، وكتكبيرات العيد.
(1)
أخرجه البخاري (510)، ومسلم (507).
(2)
في (د) و (و): بموضع.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 30.
(4)
في (و): من سبع أو سيل.
(5)
في (د) و (و): يبطل.
(6)
أخرجه ابن عدي في الكامل 3/ 250، من حديث أنس رضي الله عنه قال:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يَعُدُّ الآي» ، وهو حديث منكر، فيه حسان بن سياه، تفرد به عن ثابت عن أنس، وحسان ضعفه ابن عدي والدارقطني، وقال أبو نعيم الأصبهاني:(ضعيف، روى عن ثابت مناكير).
وأخرجه أيضًا ابن عدي في الكامل 8/ 279، والطبراني في المعجم الكبير (14486)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد الآي في الصلاة» ، قال ابن عدي:(غير محفوظ)، وفيه نصر بن طريف وهو متروك، واتهمه غير واحد بالكذب.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي من فعل جماعة من التابعين، ساق رواياتهم ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 426، باب: في عدِّ الآي في الصلاة من لم ير به بأسًا، والبيهقي في مواضع في السنن الكبرى منها:(3370)، و (3371)، من فعل أبي عبد الرحمن السلمي، والنخعي، وعروة بن الزبير. ينظر: ميزان الاعتدال ترجمة نصر بن طريف 4/ 251، لسان الميزان ترجمة حسان بن سياه 3/ 16.
(وَالتَّسْبِيحِ)؛ لأنَّه في معنى عدِّ الآي، قاله أبو بكر، وصحَّحه ابن أبي موسى، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ، وجزم به في «المحرَّر» .
ونصَّ أحمدُ: أنَّه يُكرَه
(1)
؛ لأنَّ المنقولَ عن السَّلف عدُّ الآي دون التَّسبيح؛ لأنَّه يتوالى لقصره، فتتوالى حسناته
(2)
، فيكثر العمل، بخلاف عدِّ الآي، وأطلق ابن الجوزي والجَدُّ الخلافَ.
(وَقَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) في قول أكثرهم؛ لما روى أبو هريرة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودَين في الصَّلاة؛ الحيَّةِ والعقربِ» رواه الخمسةُ، وصحَّحه التِّرمذيُّ
(3)
.
وكرهه النَّخَعيُّ، والأوَّلُ أَوْلى.
(وَالْقَمْلَةِ)؛ لأنَّ عمرَ
(4)
وأنَسًا
(5)
والحسنَ البصريَّ كانوا يفعلونه
(6)
، ولأنَّ
(1)
ينظر: المغني 2/ 10.
(2)
هكذا بخط المؤلف، وفي (أ): حسابه. وهو الموافق لما في الشرح الكبير 3/ 608، وكشاف القناع 2/ 423.
(3)
أخرجه أحمد (7379)، وأبو داود (921)، والترمذي (390)، والنسائي (1202)، وابن ماجه (1245)، وابن خزيمة (869)، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (7478)، عن عبد الرحمن بن الأسود:«كان عمر بن الخطاب يقتل القملة في الصلاة حتى يظهر دمها على يده» ، فيه أبو بكر بن أبي مريم ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما. ينظر: تهذيب التهذيب 12/ 28.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (7486)، والدولابي في الكنى (1176)، وابن المنذر في الأوسط (1649)، عن أنس:«أنه كان يقتل القمل في الصلاة» ، ولا بأس بإسناده.
(6)
علقه ابن المنذر في الأوسط (3/ 276)، والبيهقي في الكبرى (2/ 418).
في تركها أذًى له إن تركها على جسده، ولغيره إن ألقاها، وهو عملٌ يسيرٌ، فلم يُكرَه.
وعنه: بلى.
وقال القاضي: التَّغافُل عنها أَوْلى.
وفي جواز دفنها في مسجد وجهان
(1)
.
وظاهِرُه: أنَّه يباح
(2)
قتلُها فيه، وهو المنصوص
(3)
، وعليه أن يُخرجَها أو يَدفِنها، قيل للقاضي: يكره قتْلُها ودفنُها فيه كالنُّخامة؟ فقال: دفْنُ
(4)
النُّخامة كفَّارة لها، فإذا دفنها كأنه
(5)
لم يتنخَّم، فكذا القَملة.
وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّ أعماقَه تَجِب صيانتُه عن النَّجاسة كظاهره، بخلافها
(6)
.
وفي معناه البُرغوثُ، نقل المَرُّوذِيُّ أنَّه سئل عن قتل القملة والبُرغوث
(7)
في المسجد؛ فقال: أرجو ألا يكون به بأس
(8)
.
فائدة: له حكُّ جسده يسيرًا. وقيل: ضرورةً.
ويجب ردُّ كافرٍ عُصِم دمُه عن بئر في الأصحِّ؛ كمسلم؛ فيقطع
(9)
، وقيل: يتم
(10)
.
(1)
كتب على هامش (و): (اختار القاضي فيهما الجواز من غير كراهة).
(2)
في (أ): مباح.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 266.
(4)
في (و): وفي.
(5)
في (أ): كأن.
(6)
قال في كشاف القناع 1/ 377: (وهذا النظر إنما يتم على القول بنجاسة ميتة ما لا نفس له سائلة، والمذهب طهارتها، فلا يتأتى التنظير).
(7)
في (و): البرغوثة.
(8)
ينظر: الفروع 2/ 266.
(9)
في (أ): يقطع، وفي (د) و (و): ينقطع.
(10)
قوله: (يتم) سقط من (أ).
وكذا إن فرَّ منه غريمُه؛ يخرُج في طلَبِه، وكإنقاذِ غريقٍ.
(وَلُبْسُ الثَّوْبِ، وَ) لَفُّ (الْعِمَامَةِ)؛ لما روى وائلُ بنُ حُجْرٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم الْتَحف بإزاره وهو في الصَّلاة»
(1)
، وكذا إن سقط رداؤه فله رفعُه، ولأنَّه عَمَلٌ يسيرٌ أشبهَ حملَ أُمامةَ
(2)
، وفَتْح البابِ لعائشةَ
(3)
.
(مَا لَمْ يَطُلْ)، راجِعٌ إلى قوله: (وله ردُّ المارِّ
…
) إلى آخره؛ لأنَّه قد صحَّ عنه جوازُ أكثرِ هذه الأفعالِ.
(فَإِنْ طَالَ)؛ أي: كثُرَ (الْفِعْلُ
(4)
عُرفًا بلا ضرورةٍ، وقيل: ثلاثًا، وقيل: ما ظُنَّ فاعلُه لا في صلاةٍ، (فِي الصَّلَاةِ) مُتوالِيًا؛ (أَبْطَلَهَا) إجماعًا
(5)
، (عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا)، إذا كان من غير جنس الصَّلاة؛ لأنَّه يَقطع الموالاةَ، ويَمنَع مُتابعة
(6)
الأذكار، ويُذهب الخشوعَ فيها، ويغلب على الظَّنِّ أنَّه ليس فيها، وكلُّ ذلك منافٍ لها، أشبه ما لو قطعها.
فإن كان لضرورةٍ؛ لم يقطعْها، وكان حكمُه حكمَ الخائفِ، جزم به في «الشَّرح» وغيرِه.
(1)
أخرجه مسلم (401)، ولكن بلفظ:«أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر، ثم التحف بثوبه» الحديث، ولم نقف عليه باللفظ الذي ذكره المصنف.
(2)
أخرجه مسلم (516)، عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أحمد (25972)، والترمذي (601)، والنسائي (1206)، وابن حبان (2355) عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعًا، والباب في القبلة، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه أو عن يساره حتى فتح الباب، ثم رجع إلى الصلاة» ، وفي سنده برد بن سنان أبو العلاء، وهو صدوق، قال الترمذي:(هذا حديث حسن غريب)، وحسنه الألباني. ينظر: الإرواء 2/ 108.
(4)
في (أ) و (د) و (و): الفصل.
(5)
ينظر: مراتب الإجماع ص 27.
(6)
في (أ): متابع.
وعُلم منه
(1)
: أنَّه لا فرق بين العمد والسَّهو؛ كما جزم به الأصحابُ؛ لوجود المبطِل.
وعنه: لا تَبطُل
(2)
بالسَّهو، اختاره المجْدُ.
وعلى الأوَّل: يحتاج إلى الفرق بين الأقوال والأفعال؛ لأنَّه إذا تكلم ساهيًا؛ فيه الخلافُ، بخلاف الفعل؛ إذ القول أخفُّ من الفعل، بدليل أنَّها تَبطُل بتَكرار السُّجود دون تَكرار الفاتحة.
(إِلاَّ أَنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقًا)؛ فلا تَبطُل به
(3)
ولو طال المجموعُ، لا كلُّ عَمَلٍ منها، «لأنَّه عليه السلام أمَّ النَّاسَ في المسجد، فكان إذا قامَ حملَ أمامةَ بنتَ زينبَ، وإذا سجدَ وضعَها» رواه مسلمٌ، وللبخاريِّ نحوُه
(4)
، «وصلَّى عليه السلام على المنبر، وتكرَّر صعودُه ونزولُه عنه» متَّفَقٌ عليه
(5)
، وأخَذَ الحسنَ والحُسينَ في كلِّ الرَّكعات متفرِّقًا
(6)
.
(1)
قوله: (منه) سقط من (أ).
(2)
في (ب) و (د) و (و): يبطل.
(3)
في (و): يبطل به.
(4)
أخرجه مسلم (543)، عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، وأخرجه البخاري (516).
(5)
أخرجه البخاري (377)، ومسلم (544).
(6)
أخرجه أحمد (16033)، والنسائي (1141)، والحاكم (4775)، والبيهقي (3423)، من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أبيه قال:«خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته، سجدة أطالها» الحديث، وهو حديث صحيح.
وأخرجه أبو يعلى الموصلي (3428)، من حديث أنس رضي الله عنه نحوه، وفيه محمد بن ذكوان البصري وهو ضعيف، وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده كما في إتحاف الخيرة للبوصيري (1438)، من طريق عطية العوفي، عن أبي سعيد رضي الله عنه، نحوه، قال البوصيري:(هذا إسناد ضعيف؛ لضعف عطية العوفي).
وقيل: تَبطُل
(1)
به، ذكره ابن تميم.
فرع: إشارةُ أخرسَ، مفهومةً أو لا؛ كفعلٍ
(2)
.
ولا تَبطُل
(3)
بعمل القلب في ظاهِرِ المذهب، ولا بإطالةِ نَظَرٍ في كتاب في الأصحِّ.
(وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ)؛ لعدم نقل
(4)
ذلك، وهي ركن، واختُلف في تكرارها، وأقلُّ أحواله الكراهة.
(وَالْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فِي الْفَرْضِ) في روايةٍ؛ لأنَّه خلافُ السُّنَّةِ المأثورةِ.
والثَّانية: لا يُكرَه، وهي الصَّحيحةُ؛ لقول ابنِ مسعودٍ: «لقد عرفتُ النَّظائرَ التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن
(5)
بينهنَّ، فذكر عِشرينَ سُورةً من المفصَّلِ، سورتَين في كل
(6)
ركعة» متَّفَقٌ عليه
(7)
، وعن ابن عمر: «أنَّه كان يقرأ في المكتوبةِ بالسُّورتَين في ركعةٍ
(8)
» رواهُ مالِكٌ
(9)
، وكتَكرار سورةٍ في ركعةٍ، وتفريقِ سورةٍ في ركعتَين، نَصَّ عليهما
(10)
.
لكن لا تُستحَبُّ
(11)
الزِّيادةُ على سورةٍ في ركعةٍ، ذَكَره جماعةٌ؛ لفعله عليه السلام.
(1)
في (د) و (و): يبطل.
(2)
قوله: (لا كفعل) هو في (د) و (و): الفعل.
(3)
في (ب) و (د): يبطل.
(4)
في (أ) و (ب) و (و) و (ز): فعل.
(5)
في (أ): يفرِّق.
(6)
قوله: (كل) سقط من (أ) و (ب) و (و) و (ز).
(7)
أخرجه البخاري (775)، ومسلم (822).
(8)
في (د): كل ركعة.
(9)
أخرجه مالك (1/ 79)، ومن طريقه الشافعي (ص 215)، وابن المنذر في الأوسط (1338)، والبيهقي في الكبرى (2480)، عن نافع، وإسناده صحيح.
(10)
ينظر: الفروع 2/ 181.
(11)
في (ب) و (و): يستحب.
وعنه: تُكرَه
(1)
المداومةُ.
(وَلَا يُكْرَهُ
(2)
؛ أي: الجمعُ بين سُوَرٍ (فِي النَّفْلِ)؛ قال في «الشَّرح» : روايةً واحدةً؛ «لأنَّه عليه السلام قرأ في ركعةٍ سورةَ
(3)
البقرة وآل عمران والنِّساء»
(4)
، و «كان عثمانُ يَختِم القرآنَ في ركعةٍ»
(5)
، وقال أحمد: صلَّيتُ ركعتَين ختَمتُ فيهما القرآن
(6)
.
وقيل: يُكرَه، وهو بعيدٌ.
(وَلَا تُكْرَهُ
(7)
قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا)، وهو المشهور عنه؛ لقوله تعالى:{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المُزّمل: 20]، ولقول أبي سعيدٍ:«أُمِرنا أن نقرأ الفاتحةَ وما تيسَّر» رواه أبو داودَ
(8)
، وعن ابنِ مسعودٍ: «أنَّه كان يقرأ في الآخِرة
(9)
من صلاة الصُّبح آخر آل عمران وآخر الفرقان» رواه الخلاَّلُ
(10)
،
(1)
في (و): يكره.
(2)
قوله: (ولا يكره) هو في (أ) و (ز): ولا تكره.
(3)
زيد في (د): ثم.
(4)
أخرجه مسلم (772)، من حديث حذيفة رضي الله عنه.
(5)
جاء ذلك عن عثمان من طرق متعددة ذكر أكثرها ابن عساكر في تاريخه (39/ 232)، منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة (3700)، وابن سعد في الطبقات (3/ 75)، وأحمد بن منيع كما في المطالب العالية (582)، والبيهقي في الكبرى (4782)، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، عن عثمان رضي الله عنه. قال الحافظ في المطالب:(إسناده حسن).
(6)
ينظر: المغني 2/ 126.
(7)
في (د) و (و): يكره.
(8)
أخرجه أبو داود (818)، بلفظ:«أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» ، وأخرجه أحمد (10998)، وابن حبان (1790)، بلفظ:«أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» ، قال ابن حجر:(إسناده صحيح)، وصححه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 567، صحيح أبي داود 3/ 401.
(9)
في (ب) و (و): الأخيرة.
(10)
أخرجه حرب الكرماني - كتاب الطهارة والصلاة - (830)، وإسناده حسن.
قال الحسنُ: (غزوتُ مع ثلاثمائةٍ من الصَّحابة، فكان أحدُهم يقرأ إذا أمَّ أصحابَه بخاتِمةِ البقرة وبخاتِمةِ الفرقان وبخاتِمةِ الحشر، وكان لا يُنكِر بعضُهم على بعضٍ)
(1)
.
(وَعَنْهُ: يُكْرَهُ) في الفرض، نقلها المَرُّوذِيُّ، وقال:(سورةٌ أعجب إليَّ)
(2)
.
قال المَرُّوذِيُّ: كان لأبي عبد الله قَرابةٌ يُصلِّي به، فكان يقرأ في الثَّانية من الفجر بآخِرِ السُّورة، فلمَّا أكثر؛ قال أبو عبد الله: تقدَّم أنت فصلِّ، فقلت له: هذا يصلِّي بكم منذ كم؟ قال: دعْنا منه، يَجيء بآخِرِ السُّورة، وكرهه
(3)
.
قال المؤلِّف: (ولعلَّ أحمدَ إنَّما أحبَّ اتِّباعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ المنقولَ عنه قراءةُ السُّورةِ أو بعضِها من أوَّلِها).
وعنه: تُكرَه
(4)
المداومةُ.
وعنه: قراءةُ الأوساطِ لا الأواخِرِ؛ لعدَم نقله.
وظاهره: جواز قراءة أوائل السور، وصرَّح به بعضهم.
وتُكرَه
(5)
قراءةُ كلِّ القرآن في فرضٍ. وعنه: لا؛ كفرائضَ.
تذنيبٌ: يُستحَبُّ أن يقرأ كما في المُصحف، ويُكرَه تنكيسُ السُّوَر في ركعةٍ أو ركعتَين؛ كالآيات.
وعنه: لا، اختاره المجْدُ وغيرُه؛ للأخبار، واحتجَّ أحمدُ بأنَّه عليه السلام
(1)
ذكره القاضي في الروايتين والوجهين 1/ 120، وشيخ الإسلام في شرح العمدة 2/ 767.
وأخرج نحوه ابن عدي في الكامل (1/ 263)، ولا بأس برجاله، وذكره البخاري في التاريخ الكبير معلقًا (5/ 452).
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 119.
(3)
ينظر: المغني 1/ 355.
(4)
في (و): يكره.
(5)
في (و): ويكره.
تَعلَّم
(1)
على ذلك
(2)
، فدلَّ على التَّسوية.
وقال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين: (ترتيب الآيات واجِبٌ؛ لأنَّ ترتيبَها بالنَّصِّ، وترتيب السُّوَر بالاجتهاد في قول الجماهير، فتجوز قراءةُ هذه قبل هذه، وكذا في الكتابة، ولهذا تنوَّعت مصاحفُ الصَّحابة في كتابتها، لكن لمَّا اتَّفَقوا على المُصحف زمنَ عثمانَ؛ صار هذا ممَّا سنَّه الخلفاءُ الرَّاشدون)
(3)
.
وعلَّل المجْدُ كراهةَ تنكيسِ الآيات: بأنَّه مظنَّةُ تغييرِ المعنى بخلاف السُّوَر، إلاَّ ما ارتبطتْ وتعلَّقتْ
(4)
بالأُولى؛ كسورةِ قرَيش مع الفيل على رأيٍ، فحينئذٍ يُكرَه، ولا يبعد
(5)
تحريمه عمدًا؛ لأنَّه تغييرٌ لموضِعِ السُّورة.
فإن نكَّس الكلماتِ؛ حرُم وبطَلتْ.
(وَ) يُشرَع (لَهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى إِمَامِهِ إِذَا أُرْتِجَ عَلَيْهِ)؛ قاله عامَّةُ الأصحاب، ورُوي عن عثمانَ
(6)
وابنِ عُمرَ
(7)
، ورواه البَيهَقِيُّ بإسنادٍ حسَنٍ عن عليٍّ
(8)
.
(1)
قوله: (تعلم على) هو في (ب) و (ز): يعلم عمل. والمثبت موافق لما في الفروع.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 182.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 13/ 397.
(4)
في (أ): أو تعلقت.
(5)
في (أ): يعتمد.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (2825)، وابن أبي شيبة (4793)، وابن المنذر في الأوسط (2065)، عن عَبيدة بن ربيعة قال:«أتيت المسجد، فإذا رجل يصلي خلف المقام، طيب الريح، حسن الثياب، وهو يقترئ، ورجل إلى جنبه يفتح عليه. فقلت: من هذا؟ فقالوا: عثمان» .
(7)
أخرجه عبد الرزاق (2826)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (5787)، عن نافع قال:«كنت ألقن ابن عمر في الصلاة فلا يقول شيئًا» ، وإسناده صحيح.
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة (4794)، وأحمد بن منيع كما في المطالب العالية (423)، وابن المنذر في الأوسط (2067)، والبيهقي في الكبرى (5792)، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، قال:«إذا استطعمك الإمام فأطعمه» ، ومداره على عبد الأعلى بن عامر الثعلبي وهو ضعيف، وقد صححه الحافظ في التلخيص 1/ 677، ولعله صححه بشواهده.
وظاهِرُه: لا فرْقَ بين الفرض والنَّفل في القراءة الواجبة أو غيرها.
وعنه: إن طال.
وعنه: في نفل.
وقيل: إن سكت.
وقيل: يجوز في الفرض في الحمد
(1)
وفي النَّفل مطلقًا.
وعنه: تَبطُل
(2)
به؛ لقوله عليه السلام: «يا عليُّ لا تَفتَح على الإمامِ» رواه أبو داودَ بإسنادٍ فيه ضعفٌ، قال الشَّعْبيُّ: فيه الحارِثُ، وكان كذَّابًا
(3)
.
وقيل: تَبطُل بتجرُّده للتَّفهيم.
والأوَّل أصحُّ؛ لما روى ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاةً فَلُبِسَ عليه، فلمَّا انصرف قال لأُبَي: «صلَّيتَ
(4)
معنا؟» قال: نَعمْ، قال:«فما مَنَعك؟» رواه أبو داود، وقال الخَطَّابيُّ:(إسنادُه جيِّدٌ)
(5)
، ولأنَّه تنبيهٌ فيها بما هو مشروع، أشبه التَّسبيح.
فعلى هذا: يجب في الفاتحة؛ كما لو نَسيَ سجدةً. وقيل: لا يَجِب فيها كغيرها.
وظاهِرُه: أنَّها لا تَبطُل، ولو فتَح بعد أخذه في قراءة غيرها.
(1)
قوله: (في الحمد) سقط من (و).
(2)
في (و): يبطل.
(3)
أخرجه أبو داود (908)، وفي سنده الحارث الأعور ولا يحتج به، وفيه انقطاع بيَّنه أبو داود في سننه، وضعفه ابن القطان والنووي، وغيرهما. ينظر: بيان الوهم والإيهام 3/ 13، الخلاصة 1/ 505، ضعيف سنن أبي داود 1/ 349.
(4)
في (أ) و (و): أصليت.
(5)
أخرجه أبو داود (907)، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان والضياء المقدسي وغيرهما. ينظر: معالم السنن للخطابي 1/ 216، صحيح أبي داود 4/ 62.
فإن عجز عن إتمام ما أُرْتِج عليه؛ فقال ابن عَقيل: يَسقُط وتصحُّ
(1)
صلاتُه، وصلاةُ الأمِّيِّ خلفه دون القارئ؛ فإنَّه يُفارِقُه، ويُتمُّ لنفسه.
وقيل: عليه أن يخرج.
ثمَّ إن استخلف من يُتمُّ بهم وصلَّى معه؛ جاز، وإلاَّ تعلَّم ما أُرْتِجَ عليه ثمَّ صلَّى، صحَّحه المؤلِّف، قال ابنُ تميمٍ وغيرُه: وهو أظهر.
وظاهره: أنَّه لا يَفتَح على غير إمامه، نَصَّ عليه؛ لأنَّ ذلك يشغَله عن صلاته، فإن فعل؛ لم تَبطُل، قاله
(2)
في «الشَّرح» ، وكما لو فتح
(3)
غير المصلِّي عليه.
تنبيه: إذا عطَس، أو بُشِّر بما يَسُرُّه، فقال: الحمدُ لله، أو أَخبَره بما يغمُّه فقال: لا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله، أو خاطَب بشَيءٍ من القرآن؛ لم تَبطُل
(4)
على الأصحِّ؛ للأخبار.
لكنْ يُكرَه لعاطِس الحمدُ
(5)
، ونقل أبو داودَ:(يَحمَد في نفسِه، ولا يُحرِّك لسانَه)
(6)
، فلو عطَس حال شروعه في الحمد، فنوى القراءةَ لمَّا عطَس؛ فهل يجزئ عن فرض؟ على وجهين.
(1)
في (د) و (و): ويصح.
(2)
في (أ) و (د) و (ز): قال.
(3)
زاد في (أ) و (و): في.
(4)
في (و): يبطل.
(5)
في (أ): الحمد لله.
(6)
كذا في الفروع 2/ 270، والإنصاف 3/ 360، والذي في مسائل أبي داود ص 55:(سمعت أحمد سُئِلَ عن الرجل يعطس في الصلاة المكتوبة وغيرها؟ قال: يحمد اللَّه ولا يجهر. قلت: يحرك بها لسانه؟ قال: نعم). وينظر: مسائل صالح 3/ 70، ومسائل ابن هانئ 1/ 110، وليس فيها: لا يحرك لسانه.
وقال القاضي: إذا قصد
(1)
بالحمد الذِّكرَ أو القرآنَ؛ لم تَبطُل، فإن قصد خطابَ آدَمِيٍّ؛ بطَلتْ، وإن قصدهما؛ فوجهان.
(وَإِذَا نَابَهُ شَيْءٌ)؛ أي: أمْرٌ (مِثْلُ سَهْوِ إِمَامِهِ)؛ كما لو أتى بفعلٍ في غيرِ محلِّه؛ لزِم المأمومَ تنبيهُه، (أَوِ اسْتِئْذَانِ إِنْسَانٍ) داخِلٍ (عَلَيْهِ؛ سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلاً)، ولو كثُر، ويجوز بقراءةٍ وتكبيرٍ وتهليلٍ في الأظهرِ.
(وَإِنْ
(2)
كَانَتِ امْرَأَةً؛ صَفَّحَتْ)، وفي «المحرَّر» و «الوجيز»: صفَّقتْ، وهما سواءٌ، ومعناهما متقارِبٌ.
وقيل: التَّصفيحُ: الضَّربُ بظاهر إحداهما على باطن الأخرى. وقيل: بأصبعين من إحداهما على صفحة الأخرى. والتَّصفيق: الضَّربُ بجميع إحدى الصَّفحتَين على الأخرى، نقله القاضي عِيَاضٌ
(3)
.
(بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى)؛ لقوله عليه السلام في خبر سَهْلٍ: «إذا نابَكُم شيءٌ في صلاتِكم فليسبِّح الرِّجالُ، وليصفِّحِ النِّساءُ» ، وعن أبي هريرة مرفوعًا:«التَّسبيحُ للرِّجالِ، والتَّصفيقُ للنِّساءِ» متَّفق عليهما
(4)
.
وظاهِرُه: أنَّها لا تُسبِّح، بل هو مكروهٌ، نَصَّ عليه
(5)
؛ كتصفيقه وتطبيقٍ
(6)
وصفيرٍ، ويُكرَه بنَحنحةٍ
(7)
في الأصحِّ.
وشرط التَّصفيق: ما لم يَطُلْ، قاله في «الفروع» ، وهو مُرادٌ.
(1)
قوله: (إذا قصد) هو في (أ): أو اقتصد.
(2)
في (أ) و (و): فإن.
(3)
ينظر: مشارق الأنوار 2/ 50.
(4)
حديث سهل رضي الله عنه أخرجه البخاري (7190)، ومسلم (421)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري (1203)، ومسلم (422).
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 217.
(6)
قوله: (وتطبيق) سقط من (و).
(7)
في (و): تنحنه.
وظاهِرُ ذلك: لا تَبطُل
(1)
بتصفيقها على جهة اللَّعب، قال في «الفروع»: (ولعلَّه غير مراد، وتَبطُل به لمنافاته الصَّلاة
(2)
، والخُنثى كامرأةٍ.
فرع: إجابةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان
(3)
واجبةً في الصَّلاة مطلَقًا، نَصَّ عليه
(4)
، وإن قرأ آية فيها اسمه صلَّى عليه في نفل نصًّا، وأطلقه بعضُهم.
ولا يُجيب
(5)
الوالدَ في نفل إن لزِم
(6)
بالشروع، وسأله المَرُّوذيُّ عنها، فقال: (يُروى عن ابنِ المُنكَدِر
(7)
: إذا دعتك أمُّك فيها فأجِبْها، وأبوك لا
(8)
تُجِبْه)
(9)
، وكذا
(10)
الصَّوم.
(وَإِنْ بَدَرَهُ البُصَاقُ)، ويقال بالسِّين والزَّاي أيضًا، أو المُخاطُ، أو النُّخامةُ؛ (بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ)، وحكَّ بعضَه ببعضٍ؛ إذهابًا لصورته إن كان في المسجد؛ لما روى أنَسٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قامَ أحدُكم في صلاتِهِ فإنَّه يناجِي ربَّهُ، فلا يَبزُقنَّ قِبَلَ قِبلتِهِ، ولكنْ عن يسارِهِ أو تحت قدمه، ثمَّ أخذ طرفَ ردائِهِ فبزَقَ فيه، ثمَّ ردَّ بعضَه على بعضٍ» رواه البخاري
(11)
، ولمسلمٍ
(1)
في (و): يبطل.
(2)
زيد في (ب): مطلقًا.
(3)
في (ب) و (ز): كانت.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 265.
(5)
في (ب) و (و): يجب.
(6)
في (د) و (و): لزمه.
(7)
زيد في (و): أنه.
(8)
في (أ): فلا.
(9)
ينظر: شرح العمدة 3/ 519، الفروع 2/ 264.
أخرجه ابن أبي شيبة (8013)، وحرب الكرماني - الطهارة والصلاة - (1043)، عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً:«إذا دعتك أمك في الصلاة فأجبها، وإذا دعاك أبوك فلا تجبه» ، قال حرب: قيل لأحمد عنه، فرأيته يضعف الحديث.
(10)
زاد في (أ) و (ز): في.
(11)
أخرجه البخاري (417).
معناه من حديث أبي هُرَيرةَ
(1)
، ولما فيه من صيانة المسجد عن البُصاق فيه
(2)
، قال أحمد: (البُزاق في المسجد خطيئةٌ، وكفَّارتُه دفْنُه؛ للخبر
(3)
(4)
، قال أبو الوفاء: لأنَّ بدفنِه تزولُ القذارةُ.
واختار المجْدُ: يجوز في بقعةٍ يدفن فيها ويُخَلَّقُ موضعُها استحبابًا.
ويَلزَم غيرَه إزالتُها إن لم يُزِلها فاعلُها؛ لخبر أبي ذرٍّ
(5)
.
(وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ المَسْجِدِ؛ بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى)، قاله جماعةٌ؛ لقوله عليه السلام:«لِيَبصُق عن يسارِهِ أو تحتَ قدمِهِ اليُسرى»
(6)
.
وظاهِرُه: أنَّه يُكرَه أن يَبصُق أمامه أو عن يمينه؛ لخبر أبي هريرة: «وليَبصُق عن يسارِهِ أو تحت قدمِهِ
(7)
فيَدفِنُها» رواه البخاريُّ
(8)
، ولأبي داود بإسنادٍ جيِّدٍ عن حُذَيفةَ مرفوعًا:«مَنْ تفلَ تُجاهَ القبلةِ؛ جاءَ يومَ القيامةِ وتفلُهُ بين عَينَيه»
(9)
.
وفي «الوجيز» : ويَبصُق في الصَّلاة أو المسجد في ثوبه، وفي غيرهما يَسرةً. وفيه نَظَرٌ.
(1)
أخرجه مسلم (550).
(2)
في (أ): وفيه.
(3)
أخرجه البخاري (415)، ومسلم (552).
(4)
ينظر: الفروع 2/ 273.
(5)
أخرجه مسلم (553)، ولفظه:«عرضت عليَّ أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد، لا تدفن» .
(6)
سبق تخريجه قريبًا.
(7)
زيد في (ب): اليسرى.
(8)
سبق تخريجه قريبًا.
(9)
أخرجه أبو داود (3824)، وابن خزيمة (925)، وابن حبان (1639)، وهو حديث صحيح. ينظر: السلسلة الصحيحة (222).
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى سُتْرَةٍ) مع القُدْرة عليها؛ بغير خلاف نعلمه
(1)
.
وظاهِرُه: لا فرق بين الحضر والسَّفر، ولو لم يخشَ مارًّا؛ لقوله عليه السلام:«إذا صلَّى أحدُكم؛ فليصلِّ إلى سُترةٍ، وليَدنُ منها» رواه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي سعيد
(2)
.
وفي «الواضح» : (يَجِب)، وهو بعيدٌ، ويشهد له ما رواه ابن عبَّاسٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في فضاءٍ ليس بين يدَيه شَيءٌ» رواه أحمدُ وأبو داود
(3)
.
(1)
ينظر: الإقناع لابن القطان 1/ 142.
(2)
أخرجه أبو داود (698)، وابن ماجه (954)، وصحح إسناده النووي. ينظر: الخلاصة 1/ 518، صحيح أبي داود 3/ 281.
(3)
أخرجه بهذا اللفظ ابن أبي شيبة (2866)، وأحمد (1965)، وإسناده ضعيف، فيه الحجاج بن أرطاة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، كما في التقريب، وتابعه شعبة، لكن مع مخالفة في السند والمتن.
وأخرجه أحمد في المسند (3017)، بلفظ:«مررت أنا والفضل على أتان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس في فضاء من الأرض، فنزلنا ودخلنا معه، فما قال لنا في ذلك شيئًا» ، وفي سنده شعبة بن دينار مولى عبد الله بن عباس، متكلم فيه، قال أبو حاتم والجوزجاني والنسائي:(ليس بالقوي)، وقال أحمد (ما أرى به بأسًا)، وقال البخاري:(يحتمل منه)، قال ابن عدي:(لا بأس به)، ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 347.
وأخرجه أحمد (1797)، وأبو داود (718) من طريق عباس بن عبيد الله بن عباس، عن الفضل بن عباس، قال:«أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا ومعه عباس، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه، فما بالى ذلك» ، واللفظ لأبي داود، وفي سنده عباس بن عبيد الله بن عباس، لم يوثقه غير ابن حبان، وقال ابن القطان:(لا تعرف حاله)، وأعل ابن حزم الحديث بالانقطاع لأنه لم يدرك عمه الفضل، ووافقه ابن حجر، قال النووي:(إسناده حسن).
وأخرجه البخاري (76)، لكن بلفظ آخر: عن عبد الله بن عباس، قال:«أقبلت راكبًا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي» ، وقوله:(إلى غير جدار)، فسره الشافعي بأنه إلى غير سترة، وجاء توضيحها في رواية عند البزار (4951)، وابن خزيمة (838)، ولفظها:«فمررنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، وهو يصلي المكتوبة، ليس شيء يستره يحول بيننا وبينه» . ينظر: بيان الوهم والإيهام 3/ 354 الخلاصة للنووي 1/ 521، فتح الباري لابن رجب 4/ 5 - 7، فتح الباري لابن حجر 1/ 171، تهذيب التهذيب 5/ 123، السلسلة الضعيفة (5814)، صحيح أبي داود 3/ 301.
والسُّترةُ: ما يستَتر
(1)
به، ولو بخيط مطلقًا.
(مِثْلِ آخِرَةِ الرَّحْلِ
(2)
؛ لقوله عليه السلام: «إذا وضعَ أحدُكم بين يدَيه مثلَ مُؤْخرةِ الرَّحْلِ
(3)
؛ فليصلِّ، ولا يُبالِ من
(4)
يَمُرُّ وراءَ ذلك
(5)
» رواه مسلمٌ
(6)
، «وصلَّى في الكعبةِ وبينه
(7)
وبين الجدارِ نحوٌ من ثلاثةِ أذرع» رواه أحمد والبخاري
(8)
.
فإن كان في مسجدٍ ونحوِه؛ قرُب من الجدار، أو فضاء؛ فإلى شَيءٍ شاخِصٍ من شجرةٍ أو بعيرٍ أو ظهرِ إنسانٍ أو عصًا؛ «لأنَّه عليه السلام صلَّى إلى حَرْبةٍ وإلى بعيرٍ» رواه البخاري
(9)
.
ويلقي
(10)
العصا بين يدَيه عَرضًا؛ لأنَّها في معنى الخطِّ، ويُستحَبُّ انحرافُه عنها قليلاً؛ لفعله عليه السلام، رواه أحمد وأبو داود من حديث المقداد بإسناد ليِّن، قال عبد الحقِّ: وليس إسنادُه بقويٍّ
(11)
، لكنْ عليه جماعة من
(1)
في (أ) و (د) و (ز): يستر.
(2)
في (د) و (و): الرجل.
(3)
في (و): الرجل.
(4)
قوله: (من) سقط من (و).
(5)
في (و): تلك.
(6)
أخرجه مسلم (499).
(7)
في (ب) و (ز): بينه.
(8)
أخرجه أحمد (5927)، والبخاري (506).
(9)
الصلاة إلى الحربة أخرجه البخاري (498)، والصلاة إلى البعير عند البخاري أيضًا (430).
(10)
في (أ) و (د) و (و): وتكفي.
(11)
أخرجه أحمد (23820)، وأبو داود (693)، وهو حديث ضعيف، في سنده الوليد بن كامل، وهو لين الحديث، وفيه جهالة المهلب بن حجر وضباعة بنت المقداد بن الأسود، وممن ضعفه أيضًا: ابن عدي والبيهقي وابن القطان. ينظر: الخلاصة 1/ 519، ضعيف سنن أبي داود 1/ 250.
العلماء على ما ذكر
(1)
ابن عبد البَرِّ
(2)
.
ويكون بينه وبينها ثلاثةُ أذرُعٍ، نَصَّ عليه
(3)
، وكلَّما دنا فهو أفضل؛ للنَّصِّ
(4)
، ولأنَّه أصونُ لصلاته.
وطولها ذراعٌ، نَصَّ عليه
(5)
. وعنه: مثل عظم الذِّراع.
وهذا على سبيل التَّقريب؛ لأنَّه عليه السلام قدَّرها بمُؤخرةِ الرَّحل
(6)
، وهو عُود في مؤخَّره - ضدُّ قادمته
(7)
- والمرادُ به: رحْلُ البعير، وهو أصغر من القتَب، والمؤخرة تختلِف؛ فتارةً تكون ذراعًا، وتارةً أقلَّ، وعلى كلِّ حال يُجزِئُ الاِستِتارُ بها.
وعَرضُها لا حدَّ له؛ لأنَّها قد تكون غليظةً كالحائط، ودقيقةً كالسَّهم، لكن قال أحمد:(ما كان أعرضَ فهو أعجبُ إليَّ)
(8)
.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ خَطَّ خَطًّا)، نَصَّ عليه
(9)
، وهو المذهب؛ لقوله عليه السلام:«إذا صلَّى أحدُكم فلْيَجعَلْ تِلْقاءَ وجهِهِ شَيئًا، فإن لم يجدْ؛ فلينصبْ عصًا، فإن لم يكن معه عصًا؛ فليَخُطَّ خَطًّا، ولا يضرُّه ما مرَّ بين يدَيه» رواه أحمدُ وأبو داود من حديث أبي هُريرة، وذكر الطَّحاويُّ أنَّ فيه رجلاً مجهولاً، وقال البَيْهَقِيُّ:
(1)
في (د): ذكره.
(2)
ينظر: التمهيد 4/ 199.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 115، زاد المسافر 2/ 129.
(4)
وهو ما أخرجه أحمد (16090) وأبو داود (695)، عن سهل بن أبي حثمة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا صلى أحدكم إلى سترة؛ فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته» ، وهو حديث صحيح، صححه ابن حبان وغيره. ينظر: صحيح أبي داود 3/ 277.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 465.
(6)
سبق تخريجه قريبًا.
(7)
في (أ) و (ز): قادمه.
(8)
ينظر: المغني 2/ 175.
(9)
ينظر: زاد المسافر 2/ 130.
(لا بأس به في مثل هذا)
(1)
.
وصِفتُه كالهلال، لا طولاً، لكنْ قال في «الشَّرح»:(وكيفما خطَّ أجزأه).
وعنه: يُكرَه الخطُّ.
(فَإذَا مَرَّ منْ وَرَائِهَا شَيْءٌ
(2)
؛ لَمْ يُكْرَهْ)؛ للأخبارِ السَّابِقةِ، (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
(3)
سُتْرَةٌ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ) قريبًا - ومرادُهم ثلاثةُ أذرُعٍ فأقلُّ من قدمه
(4)
-، أو كانت فمرَّ بينه وبينها
(5)
(الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) بغير خلاف نعلمه
(6)
في المذهب؛ لقوله عليه السلام: «إذا قامَ أحدُكم يُصلِّي فإنَّه يَستُرُهُ إذا كان بين يدَيه مثلُ مؤخرة الرَّحلِ، فإن لم يكن فإنَّه يَقطعُ صلاتَهُ المرأةُ والحمارُ والكلبُ الأسودُ» رواهُ أحمدُ من حديث أبي ذرٍّ
(7)
.
والأسودُ البَهيمُ: الذي لا لَون فيه سوى السَّواد، ذكره جماعةٌ. وعنه: أو بين عيْنَيه بياضٌ، وصحَّحه ابن تميم، فإن كان فيه بياضٌ في
(8)
غير هذا
(1)
أخرجه أحمد (7392)، وأبو داود (689)، وابن ماجه (943)، وابن خزيمة (811)، وابن حبان (2361)، وهو حديث وقع فيه اضطراب شديد في سنده، واختلف الحفاظ فيه، فصححه أحمد وابن المديني، وضعفه ابن عيينة والشافعي والبغوي والنووي وغيرهم، قال ابن عبد الهادي:(وهو حديث مضطرب الإسناد)، وذكره ابن الصلاح والعراقي مثالاً للحديث المضطرب، ونازعهما في ذلك ابن حجر، وقال في بلوغ المرام:(ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن). ينظر: المحرر (283)، البدر المنير 4/ 198، النكت على ابن الصلاح 2/ 772 - 773، بلوغ المرام (234)، ضعيف سنن أبي داود 1/ 239.
(2)
قوله: (شيء) سقط من (ب) و (ز).
(3)
قوله: (له) سقط من (أ) و (ب)(ز).
(4)
في (د) و (و): قربه.
(5)
في (أ): وبينهما.
(6)
في (و): تعلمه.
(7)
أخرجه أحمد (21342)، ومسلم (510).
(8)
في (أ): من.
الموضع؛ فليس بِبَهيمٍ روايةً واحدةً، وخُصَّ البهيم به مع أنَّه لَيس في الخبر؛ لأنَّه شَيطانٌ.
مسألة: يُباح قتلُ البَهِيمِ، ذكره المؤلِّف وغيرُه؛ لقوله عليه السلام:«لولا أنَّ الكِلابَ أمَّةٌ من الأُممِ؛ لأمرتُ بقتلِها، فاقتلوا منها كلَّ أسودَ بَهيم؛ فإنَّه شيطانٌ»
(1)
.
وذكر ابن تميم وغيرُه: أنَّه يحرم اقتناؤه.
(وَفِي المَرْأَة، وَالْحِمَارِ) الأهليِّ (روَايَتَانِ)، كذا أطلقهما في «المحرَّر» و «الفروع»:
إحداهما: لا تَبطُل
(2)
، نقلها الجماعةُ
(3)
، وهي ظاهر «الوجيز»؛ لما رُوي: «أنَّ زينبَ بنتَ أبي سَلَمةَ مرَّت بين يدَيْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلم تَقطَع
(4)
صلاتَهُ» رواهُ أحمد وابنُ ماجَهْ بإسنادٍ حسَنٍ
(5)
، وعن ابنِ عبَّاس قال: «أقبلتُ راكبًا على حمارٍ أتانٍ والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بِمِنًى إلى غيرِ جِدارٍ، فمرَرْتُ بين يدَيْ
(1)
أخرجه أحمد (16788)، وأبو داود (2845)، والترمذي (1486)، وقال:(حديث حسن صحيح).
(2)
في (و): يبطل.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 67، مسائل ابن منصور 6/ 240، مسائل ابن هانئ 2/ 65، زاد المسافر 2/ 130.
(4)
في (و): يقطع.
(5)
أخرجه أحمد (26523)، وابن ماجه (948)، من طريق محمد بن قيس، عن أمه، عن أم سلمة نحوه، وهو حديث ضعيف، أم محمد بن قيس مقبولة، وضعف الحديث ابن القطان والبوصيري، والألباني، وقول ابن القطان وتبعه الألباني أن محمد بن قيس لا يعرف غير صحيح، بل هو قاص عمر بن عبد العزيز وهو ثقة، وبعضهم يجعل محمد بن قيس القاص ومحمد بن قيس -شيخ مدني آخر يروي عنه أبو معشر- واحدًا، وابن حجر يفرق بينهما. ينظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 23 - 24، تهذيب الكمال 26/ 323، مصباح الزجاجة 1/ 116، تهذيب التهذيب 9/ 414، التقريب ص 503، السلسلة الضعيفة (4743).
بعضِ الصَّفِّ فنزلتُ، وأرسلتُ الأَتانَ تَرتَعُ، فدخلتُ في الصَّفِّ فلم يُنكِرْ عليَّ أحَدٌ»
(1)
، وعن عائشةَ قالت:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي باللَّيل وأنا مُعتَرِضةٌ بينه وبين القِبلة» مُتَّفَقٌ علَيهما
(2)
.
والثَّانية: تَبطُل، قدَّمه السَّامَرِّي وابنُ تَمِيمٍ، ورجَّحه في «الشَّرح» ؛ للنَّصِّ السَّابق، وحديثُ عائشةَ لا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّ حكمَ الوُقوف يخالف
(3)
حكمَ المرورِ، وحديثُ ابنِ عبَّاسٍ لَيس فيه إلاَّ أنَّه مرَّ بين يدَي بعض الصَّفِّ، وسُترةُ الإمام سُترةٌ لمن خلفه.
وظاهِرُه: أنَّه لا يَقطَعُها غيرُ ما ذُكِر، وهو المذهب.
وعنه: يقطعها
(4)
شَيطانٌ، قدَّمه ابن تميمٍ وغيرُه.
وعنه: وسِنَّوْرٌ أسودُ.
وفي الصَّغيرة
(5)
وجْهٌ.
وظاهِرُه: لا فرق بين الفرض والنَّفل. وعنه: لا يَبطُل النَّفلُ. وعنه: والجنازةُ.
فرع: وسُترةٌ مغصوبةٌ ونجِسةٌ كغيرِها، قدَّمه في «الرِّعاية» .
وفيه وجْهٌ: كالصَّلاة إليها؛ كالقبر.
قال صاحب «النَّظم» : وعلى قياسِه سُترةُ الذَّهب، قال في «الفروع»:(ويتوجَّه منها: لو وضع المارُّ سُترةً أو تَستَّرَ بدابَّةٍ؛ جاز).
تذنيب: سُترةُ الإمامِ سُترةٌ لمَنْ خلفَه، ذكره
(6)
الأصحابُ، وهو قول
(1)
أخرجه البخاري (76).
(2)
أخرجه البخاري (382)، ومسلم (512).
(3)
قوله: (حكم الوقوف يخالف) سقط من (ب).
(4)
في (أ) و (ز): يُبطِلُها.
(5)
في (د) و (و): الصغير.
(6)
في (و): ذكر.
الفقهاء السَّبعة؛ للأخبار، ولا عكس، فلا يُستحَبُّ لمأمومٍ سُترةٌ، ولَيست سُترَةً له.
ومعناه: إذا مرَّ ما يُبطِلها؛ فظاهره: أنَّ هذا فيما يُبطِلها خاصَّةً، وأنَّ كلامهم في نهي الآدمي عن المرور على ظاهره، وكذا المصلِّي لا يدع شيئًا يَمُرُّ بين يدَيه؛ لأنَّه عليه السلام كان يصلِّي إلى سُترةٍ دون أصحابه.
وقال صاحب «النَّظم» : لم أرَ أحدًا تعرَّض لجواز مرور الإنسان بين يدَي المأمومِين، فيحتمل
(1)
جوازُه؛ اعتبارًا بسُترةِ الإمام له حكمًا، ويحتمل اختصاص ذلك بعدم الإبطال؛ لما فيه من المشقَّة على الجميع.
قال القاضي عِيَاضٌ
(2)
: اختلفوا هل سُتْرة الإمام سُتْرةٌ لمن خلفه، أم هي سُتْرة له خاصَّةً وهو سُتْرةٌ لمن خلفه؟ مع الاتِّفاق على أنَّهم يصلُّون إلى سُتْرةٍ.
ولمسلمٍ من حديثِ أبي هريرة مرفوعًا: «إنَّما الإمامُ جُنَّةٌ»
(3)
؛ أي: يَمنَعُ من نقص صلاة المأموم، لا أنَّه
(4)
يجوز المرورُ قُدَّام المأموم.
(وَيَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي المُصْحَفِ)، والقراءةُ منه فيها، جزم به مُعظَمُ الأصحاب؛ لما رَوى الأثرمُ:«أنَّ عائشةَ كان يؤمُّها عبدٌ لها في المُصحف»
(5)
، وقال الزَّهري: «كان خيارُنا يَقرؤون في المصاحف
(6)
»
(7)
،
(1)
في (د): فيحمل، وفي (و): فتحمل.
(2)
ينظر: إكمال المعلم 2/ 418.
(3)
أخرجه أحمد (10037)، ومسلم (416)، «إنما الإمام جنة، فإن صلى قاعدًا، فصلوا قعودًا» ، وهو عند البخاري (2957)، بغير هذا اللفظ.
(4)
قوله: (لا أنه) هو في (ز): لأنَّه.
(5)
أخرجه ابن وهب في الموطأ (303)، وابن أبي شيبة (7217)، وابن أبي داود في المصاحف (ص 457)، والبيهقي في الكبرى (3366)، وعلقه البخاري مجزومًا به 1/ 140، قال الحافظ في تغليق التعليق 2/ 291:(وهو أثر صحيح).
(6)
في (و): المصحف.
(7)
أخرجه ابن أبي داود في المصاحف ص 459، ولفظه: قال محمد بن عبد الله ابن أخي ابن شهاب: سألت ابن شهاب عن القراءة في المصحف يؤم الناس، فقال:«لم يزل الناس منذ كان الإسلام يفعلون ذلك» ، وإسناده حسن.
وهو قولُ عَطاءٍ، ولأنَّه لَيس بعملٍ كثيرٍ.
والفرضُ والنَّفلُ سواءٌ، قاله ابن حامد.
وعنه: يجوز في النَّفل، وحمل في «الشَّرح» كلامَ المؤلِّف عليه.
وعنه: لغير الحافِظ.
وعنه: يَبطُل فرضٌ؛ لقول ابن عبَّاس: «نهانا أن نَؤمَّ من المصاحف» رواه أبو بكر بن أبي داود
(1)
.
وقيل: ونفلٌ أيضًا؛ لأنَّه اعتَمد في فرض القراءة على غيره؛ كاعتماده بحَبْلٍ في قيامه.
(وَإِذَا مَرَّتْ بِهِ
(2)
آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَهَا)؛ أي: يَسأل الرَّحمةَ من الله تعالى، (وَآيَةُ عَذابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهَا) على المذهب؛ لما رَوى حُذَيفةُ قال:«صلَّيتُ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ، فافْتتح البقرة، فقلتُ: يركَع عند المائة، ثمَّ مضى» ، إلى أن قال:«إذا مرَّ بآية فيها تَسبيحٌ سبَّح، وإذا مرَّ بسُؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذٍ تعوَّذ» مُختصَرٌ رواه مسلمٌ
(3)
، ولأنَّه دُعاءٌ وخيرٌ.
وعنه: يُستحَبُّ، قاله القاضي وغيرُه.
وظاهرُه: لكلِّ مُصلٍّ.
(1)
أخرجه ابن أبي داود (ص 449)، وفيه نهشل بن سعيد الورداني، متروك، كذبه أبو داود الطيالسي وابن راهويه. ينظر: تهذيب الكمال 30/ 31.
(2)
قوله: (به) سقط من (و).
(3)
أخرجه مسلم (772).
وسبق: إذا تلَى آيةً فيها ذِكرُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(وَعَنْهُ: يُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ)؛ لأنَّ المنقول عنه عليه السلام في النَّفل، فيُقتصر عليه.
وعنه: يَفعَلُه إن صلَّى وحدَه، ونقل الفضْلُ: لا بأْسَ أن
(1)
يقولَه مأمومٌ، ويَخفِضُ صوتَه
(2)
.
وقال أبو بكرٍ الدِّينَوَرِي وابنُ الجوزي: معنى ذلك تَكرارُ الآيةِ، قال ابنُ تميم: وليس بشيءٍ.
قال أحمدُ: (إذا قرأ {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} [القِيَامَة: 40] في صلاةٍ وغيرِها قال: سبحانك فبلى)
(3)
، في فرضٍ ونفلٍ، ومنع منه ابنُ عَقيلٍ فيهما.
فائدة: سُئل بعضُ أصحابنا عن القراءة بما فيه دُعاءٌ، هل يحصلان له؟ فتوقَّف، ويتوجَّه الحصولُ؛ لخبر
(4)
أبي ذرٍّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله
(5)
ختَم سورةَ البقرة بآيتَين أعطانِيهما من كنزِه
(6)
الذي تحتَ العرشِ، فتعلَّموهنَّ، وعلِّموهنَّ نساءَكم وأبناءَكم؛ فإنَّها صَلاةٌ وقُرآنٌ ودُعاءٌ» رواه الحاكِمُ، وقال: على شرط البخاريِّ
(7)
.
(1)
في (و): بأن.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 271.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 476.
(4)
في (و): بخبر.
(5)
قوله: (إن الله) سقط من (أ).
(6)
في (أ) و (ب) و (د) و (و) و (ز): تحت الكنز.
(7)
هذا الحديث اختلف في وصله وإرساله، فأخرجه الحاكم (2066) من طريق عبد الله بن صالح المصري، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر رضي الله عنه موصولاً، قال الحاكم:(هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه).
ورواه مرسلاً عبد الله بن وهب، ومعن بن عيسى القزاز، وهما ثقتان حافظان، فتُرجَّح روايتهما على رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو كما قال ابن حجر في التقريب:(صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة)، أخرج رواية ابن وهب أبو داود في المراسيل (91)، وأخرج رواية معن الدارمي (3433).
وأخرجه أحمد (21343) موصولاً بنحوه، من طريق ربعي بن حراش، عمن حدثه عن أبي ذر، وفي طريق آخر (21344)، عن ربعي، عن زيد بن ظبيان أو عن رجل، وفي أخرى (21345)، عن ربعي، عن خرشة بن الحر، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر. فأما زيد بن ظبيان الكوفي فمقبول، وأما خرشة والمعرور فهما ثقتان من رجال الصحيح.
(فَصْلٌ)
(أَرْكَانُ الصَّلَاةِ): جمع رُكنٍ، وهو جانب الشَّيْء الأقوى، وهو ما كان فيها، ولا يَسقط عمدًا ولا سهوًا، وسمَّاها بعضهم فروضًا، وهو لَفْظيٌّ؛ (اثْنَا عَشَرَ) كذا في «الوجيز» وغيرِه، وجعلها في «البُلغة» عشرةً، وعدَّ منها النِّيَّةَ؛ لأنَّ المشروع فيها قسمان: واجبٌ، ومسنونٌ، والأول: قسمان: ما لا يَسقُط مطلقًا، وهي الأركان.
(الْقِيَامُ)؛ لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البَقَرَة: 238]، ولحديث عمرانَ:«صلِّ قائمًا»
(1)
، ومحلُّه في الفرض لقادِرٍ، وهو قدر التَّحريمة؛ لأنَّ المسبوق يدرك به فرض القيام، ذكره في «الخلاف»
(2)
وغيره، ولا يضرُّه مَيلُ رأسه، قال أبو المعالي وغيرُه:(وحدُّه ما لم يَصِرْ راكعًا).
ويُستثنَى منه: العُريان، والخائف، ولمداواةٍ، وقِصَرُ سقفٍ لعاجز عن الخروج، ومأموم خلف إمام الحيِّ العاجز عنه بشرطه.
فإن قام على رِجْلٍ؛ لم يجزئه، ذكره في «المذهب» ، وظاهر كلامهم يخالفه، ونقل خطَّاب بن بشر: لا أدري
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (1117).
(2)
في (و): القيام.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 245.
هو خطاب بن بشر بن مطر أبو عمر البغدادي، قال أبو بكر الخلال: كان رجلاً صالحًا يقص على الناس، وقد سمعت منه حديثًا، وكنت إذا سمعت كلامه كأنه نذير قوم؛ وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان صالحة، توفي سنة 264 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 152.
(وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ)؛ لحديث عليٍّ: «تحريمُها التَّكبيرُ»
(1)
.
(وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ)؛ أي: في حقِّ الإمامِ والمنفردِ، ويتحمَّلها إمامٌ عن مأموم، وكذا بدلها.
(وَالرُّكُوعُ) إجماعًا
(2)
، وسندُه قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا} [الحَجّ: 77]، وحديثُ المسيءِ في صلاته، وهو ما رواه أبو هريرةَ: «أنَّ رجلاً دخلَ المسجدَ فصلَّى، ثمَّ جاءَ فسلَّمَ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فردَّ عليه، ثمَّ قال: ارجع فصلِّ، فإنَّك لم تُصلِّ، فعلَ ذلك ثلاثًا، ثمَّ قال: والذي بعثك بالحقِّ ما أُحسِنُ غَيرَه، فعلِّمني، فقال: إذا قمتَ إلى الصَّلاةِ فكبِّر، ثمَّ اقرأ ما تيسَّرَ معك من القرآن، ثمَّ اركع حتَّى تطمئنَّ راكعًا، ثمَّ ارفع حتَّى تعتدلَ قائمًا، ثمَّ اسجد حتَّى تَطمئِنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفع حتَّى تطمئنَّ جالسًا
(3)
، ثمَّ افعل ذلك في صلاتِك كلِّها» رواه الجماعةُ، ولمسلمٍ، وعزاه عبدُ الحقِّ إلى البخاريِّ:«إذا قمتَ إلى الصَّلاةِ فأسبِغ الوضوءَ، ثمَّ استقبلِ القبلةَ، فكبِّر»
(4)
، فدلَّ على أنَّ المسمَّاةَ في الحديث لا تَسقُط
(5)
بحال، فإنَّها لو سقطت لسقطت عن الأعرابيِّ؛ لجهله بها.
(وَالاِعْتِدَالُ عَنْهُ)؛ لأنَّه عليه السلام داوَم على فعله، وقال: «صلُّوا كما رأيتموني
(1)
سبق تخريجه 2/ 164 حاشية (5).
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 42.
(3)
قوله: (جالسًا) سقط من (أ) و (د) و (و) و (ز).
(4)
أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397).
(5)
في (و): يسقط.
أصلِّي»
(1)
، فلو طوَّله؛ لم تَبطُل، قال الحسنُ بن محمَّدٍ الأَنْمَاطِيُّ: رأيتُ أبا عبد الله يُطِيلُ الاعتدالَ والجلوسَ بين السجدتَينِ
(2)
؛ لحديث البَرَاءِ، متَّفقٌ عليه
(3)
.
(وَالسُّجُودُ) إجماعًا
(4)
، (وَالجُلوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ)؛ لما رَوتْ عائشةُ قالتْ:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رفعَ رأسَهُ من السُّجود لم يَسجُد حتَّى يَستويَ قاعدًا» رواهُ مسلمٌ
(5)
.
(وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ)؛ لما سبق، ولحديث حُذَيفةَ: أنَّه رأى رجلاً لا يُتمُّ ركوعَه ولا سجودَه، فقال له: «ما صلَّيتَ، ولو متَّ؛ متَّ على غَيرِ الفِطرةِ التي فَطَر الله عليها
(6)
محمَّدًا صلى الله عليه وسلم» رواه البخاريُّ
(7)
.
وظاهِرُه: أنَّها رُكنٌ واحِدٌ في الكُلِّ؛ لأنَّه يعمُّ القيامَ.
وهي السُّكونُ وإن قلَّ، قدَّمه ابن تميم والجَدُّ في «فروعه» .
وقيل: بقَدْرِ الواجِبِ، وحكاه ابن هُبَيرةَ عن أكثر العلماء.
وقيل: بقدر ظنِّه أنَّ
(8)
مأمومَه
(9)
الضَّعيف وثقيل اللِّسان أتى بما يَلزمه.
(وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَالْجُلُوسُ لَهُ)، هذا هو المذهبُ، وهو قولُ
(1)
أخرجه البخاري (631).
(2)
ينظر: الفروع 2/ 246.
وهو: الحسن بن محمد الأنماطي البغدادي، ذكره أبو بكر الخلال فقال: نقل عن أحمد مسائل صالحة. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 138، المقصد الأرشد 1/ 333.
(3)
أخرجه البخاري (792)، ومسلم (471).
(4)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 42.
(5)
أخرجه مسلم (498).
(6)
في (أ): عليها الله.
(7)
أخرجه البخاري (791).
(8)
قوله: (ظنه أن) هو في (و): أن ظنه.
(9)
في (أ): مأموم.
عمرَ
(1)
وابنِه
(2)
وأبي سعيدٍ البدري
(3)
؛ لقوله: «إذا قعدَ أحدُكم في صلاتِهِ فليقل: التَّحيَّاتُ لله
…
» الخبر، متَّفق عليه
(4)
، وعن ابن مسعودٍ قال: كنَّا نقول
(5)
قبل أن يُفرَضَ
(6)
التَّشهُّد: السَّلام على الله، السَّلام على جبريل وميكائيل، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَقولوا هكذا، ولكن قولوا: التَّحيَّاتُ لله
…
» وذكره، رواه النَّسائيُّ، وإسنادُه ثقاتٌ، والدَّارَقُطْنِيُّ، وقال: (إسنادٌ
(7)
صحيحٌ)
(8)
، وقال عُمرُ:«لا تُجزِئُ صلاةٌ إلاَّ بتشهُّدٍ» رواهُ سَعيدٌ، والبخاريُّ
(1)
أخرجه محمد بن الحسن في الآثار (184)، وعبد الرزاق (3080)، وابن أبي شيبة (8713)، والبخاري في التاريخ الكبير (443)، والبيهقي في الكبرى (2824)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«لا صلاة إلا بتشهد» ، من طريق أبي النضر مسلم الشامي، عن حملة بن عبد الرحمن، وهما مجهولان.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (8714)، عن جعفر بن برقان، عن عقبة بن نافع قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «ليس من صلاة إلا وفيها قراءة وجلوس في الركعتين، وتشهد وتسليم، فإن لم تفعل ذلك سجدت سجدتين بعدما تسلم، وأنت جالس» ، وفيه ضعف، عقبة بن نافع مجهول الحال، وبين جعفر وعقبة راشد الأزرق كما قال البخاري وأبو حاتم، وهو مجهول. ينظر: التاريخ الكبير 6/ 434، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 317، الثقات لابن حبان 5/ 227.
(3)
تبع في ذلك صاحب المغني والشرح الكبير، ولم نقف عليه، والوارد عن أبي مسعود البدري ما أخرجه الدارقطني (1344)، والبيهقي في الكبرى (3969)، أنه قال:«لو صليت صلاة لا أصلي فيها على محمد وعلى آل محمد ما رأيت أنها تتم» ، قال البيهقي:(تفرد به جابر الجعفي وهو ضعيف).
وورد عن ابن مسعود نحو قول عمر رضي الله عنهما: أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1644)، والبيهقي في الكبرى (3964)، وفيه عنعنة أبي إسحاق السبيعي.
(4)
أخرجه البخاري (831، 835، 6265)، ومسلم (402).
(5)
قوله: (نقول) سقط من (أ) و (ب).
(6)
زاد في (ب): علينا.
(7)
في (د): إسناده.
(8)
سبق تخريجه 2/ 228 حاشية (4).
في «تاريخه»
(1)
.
والرُّكن منه: (اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ) مع ما
(2)
يُجزِئ من التَّشهُّد الأوَّل.
وعنه: واجِبٌ يَسقُط بالسَّهو، وهو غريبٌ.
وعنه: سنَّةٌ.
وقال أبو الحسين: لا يختلِف
(3)
قولُه: إنَّ الجلوسَ فرضٌ، واختُلِف قوله في الذِّكر فيه، وهو معنى ما حكاه ابن هُبَيرةَ عن أحمدَ.
(والتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى)؛ لقوله: «وتحليلُها التَّسليمُ»
(4)
، وقالت عائشة:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَختُمُ صلاتَهُ بالتَّسليمِ»
(5)
، وثبت ذلك عنه من غير وجْهٍ، ولأنَّها نُطقٌ مشروعٌ في أحدِ طرَفَيها
(6)
، فكان رُكنًا كالطَّرَف الآخَرِ.
(وَالتَّرْتِيبُ)؛ أي: بين الأركان؛ لأنَّه عليه السلام كان يصلِّيها مرتَّبة، وعلَّمها للمُسيءِ في صلاته مرتِّبًا ب (ثُمَّ)، ولأنَّها عبادةٌ تَبطُل بالحدَث، فكان التَّرتيبُ رُكنًا فيها كغيرها.
(وَمَنْ
(7)
تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا عَمْدًا؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ)؛ لأنَّه عليه السلام نفى الصَّلاةَ مع الجهل، وأمَرَه بالإعادةِ، ولم يجعلْه عُذرًا، وإذا انتفى مع الجهل؛ فمع العمْد أولى.
وترْكُه سهوًا يأتي.
(وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ)، هذا هو القسم الثاني من الواجبات، وسمَّى أبو الفرَج
(1)
ينظر: التاريخ الكبير للبخاري (443)، وتقدم تخريجه قريبًا.
(2)
قوله: (تجزئ صلاة إلا بتشهد. رواه سعيد) إلى هنا سقط من (و).
(3)
زيد في (ب): المذهب.
(4)
سبق تخريجه 2/ 164 حاشية (5).
(5)
أخرجه مسلم (498).
(6)
في (ز): طرفها.
(7)
في (ب) و (ز): من.
الواجِبَ: سنَّةً اصطلاحًا، قال ابن شهابٍ: كما سمَّى المبيتَ ورميَ الجمار وطوافَ الصَّدر سُنَّةً، وهو واجِبٌ.
(التَّكْبِيرُ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) في الأصحِّ؛ لأنَّه عليه السلام كان يكبِّر، وقال:«صلُّوا كما رأيْتموني أصلِّي»
(1)
.
وعنه: ركنٌ لا يَسقُط
(2)
بالسَّهو كتكبيرةِ الإحرام.
وعنه: يَسقط
(3)
في حقِّ
(4)
مأمومٍ فقطْ.
وعنه: سنَّة؛ لأنَّه عليه السلام لم يعلِّمه
(5)
المسيءَ في صلاته، ولا يجوز تأخيرُ البيان عن وقت الحاجة.
قلنا
(6)
: ولم يعلِّمه
(7)
التشهُّدَ، ولا السَّلامَ، ولعلَّه اقتصَر على تعليمه ما أساء فيه.
(وَالتَّسْمِيعُ)، وهو قول: سمع الله لمن حمده، في حقِّ إمامٍ ومنفرِدٍ، (وَالتَّحْمِيدُ) وهو قولُ: ربَّنا ولك الحمدُ، في حقِّ الكُلِّ، (فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ)؛ لما سبق من النُّصوص فعلاً له، وأمْرًا به.
(وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَرَّةً مَرَّةً) على المذهب، والزَّائدُ على المرَّةِ سُنَّةٌ.
(وَسُؤَالُ المَغْفِرَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَرَّةً) على المشهور، ولم ينقل تركه.
وعنه: سنَّة؛ لأنَّه لم يعلِّمْه المسيءَ في صلاته.
(1)
أخرجه البخاري (631).
(2)
في (أ) و (ب) و (د) و (ز): تسقط.
(3)
في (أ) و (د) و (ز): تسقط.
(4)
في (و): كل.
(5)
في (أ) و (د) و (و): يُعَلِّم.
(6)
في (و): ولنا.
(7)
في (و): نعلمه.
(وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَالجُلُوسُ لَهُ)، اختاره الأكثرُ؛ لأنَّه عليه السلام فعَله، وداوَم
(1)
على فعله، وأمر به، وسجد للسَّهو حين نسِيَه، وهذا هو الأصل المعتمد عليه في سائر الواجبات؛ لسقوطها بالسَّهو، وانجِبارِها بالسُّجود؛ كواجبات الحجِّ.
ويُستثنَى منه: غيرُ مأمومٍ قام إمامُه عنه سهوًا، فيُتابِعه
(2)
.
(وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في روايةٍ اختارها الخِرَقِيُّ، وفي «المغني»: (هي
(3)
ظاهِرُ المذهب)، وصحَّحها في «الشَّرح» ، وجزم بها في «الوجيز»؛ لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزَاب: 56]، والأمر للوجوب، ولا موضع تَجِب فيه الصَّلاةُ
(4)
أَوْلى من الصَّلاةِ المفروضةِ. وعنه: ركنٌ، قدَّمها في «المحرَّر» و «الفروع» ، وصحَّحها في «المذهب» و «الوسيلة» ، وذكر ابن هُبَيرةَ: أنَّها المشهورةُ، وأنَّها اختيار الأكثرِ؛ لحديث كعبٍ
(5)
.
وعنه: سنة، قال المروذي لأبي عبد الله: إن ابن راهويه يقول: لو أن رجلاً ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد بطلت صلاته، فقال:(ما أَجْترئُ أن أقول مثل هذا)، وفي رِوايةٍ:(هذا شُذوذٌ)
(6)
؛ لقوله: «إذا فعلتَ هذا فقد قضيتَ صلاتَكَ» ، وكخارج الصَّلاة.
(فِي مَوْضِعِهَا)؛ أي: في التَّشهُّدِ الأخيرِ بعْد الشَّهادتَين.
(1)
في (و): ودوام.
(2)
سقط من (د) من هنا إلى قوله في صلاة التطوع: (ولا في غيره، ولأنه شهادة للأخبار).
(3)
في (و): هو.
(4)
زاد في (ب): على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(5)
أخرجه البخاري (3370)، ومسلم (406).
(6)
ينظر: المغني 1/ 388.
(وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ فِي رِوَايَةٍ)، قال القاضي: وهي أصحُّ
(1)
؛ لأنَّه عليه السلام كان يُسلِّمُهما
(2)
، ولأنَّها عبادةٌ شُرِع لها تحليلان، فكانتْ واجبةً كالأُولى.
وعنه: أنَّها رُكنٌ كالأُولى، صحَّحه
(3)
في «المذهب» ، وقدَّمه في «التَّلخيص» وابنُ تَمِيم وابنُ حَمْدانَ، وهي ظاهر «الهداية» و «المحرَّر»؛ لعُموم قوله:«وتحليلُها التَّسليم» ، فعلى هذا: هُما من الصَّلاةِ.
وعنه: سنَّةٌ، اختارها المؤلِّفُ، وصحَّحها في «الشَّرح» ، وجزم بها في الوجيز
(4)
، وحكاه ابنُ المنذِر إجماعَ مَنْ يَحفَظ عنه
(5)
.
وعنه: في النَّفْل.
وعنه: هما واجِبتانِ، وذكر ابنُ هُبَيرةَ: أنَّها المشهورةُ، وصحَّحها في «الوسيلة» .
قال القاضي: الثَّانيةُ سنَّةٌ في الجنازة والنَّافلةِ رِوايةً واحدةً.
(مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا عمدًا
(6)
؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ)؛ لأنَّها واجِبةٌ أشْبَهتِ الأركانَ.
(1)
زاد في (أ) و (و) و (ز): (وجزم بها في الوجيز). والصواب عدم إثباتها. ينظر: الوجيز ص 75، الإنصاف 3/ 674.
(2)
في أحاديث كثيرة ومنها: ما أخرجه مسلم (582) عن سعد بن أبي وقاص: «كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى أرى بياض خده» ، وما أخرجه أحمد (3699) وأبو داود (996)، من حديث ابن مسعود، وعن وائل بن حجر (18857)، وغيرها.
(3)
في (ب) و (ز): صححها.
(4)
قوله: (وجزم بها في الوجيز) سقط من (أ). والمثبت هو الصواب. ينظر: الوجيز ص 75، الإنصاف 3/ 674.
(5)
في (و): منه. قال ابن المنذر في الإجماع ص 39: (وأجمعوا على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة).
(6)
قوله: (عمدًا) سقط من (أ) و (ب) و (و).
(وَمَنْ تَرَكَهُ
(1)
سَهْوًا) أو جهْلاً، نَصَّ عليه
(2)
؛ (سَجَدَ لِلسَّهْوِ)؛ «لأنَّه عليه السلام لمَّا تَرك التَّشهُّدَ الأوَّلَ سجدَ له قبْلَ أن يُسلِّمَ» متَّفقٌ عليه من حديث عبد الله ابن بُحَيْنَة
(3)
، ولولا أنَّه واجِبٌ لما سجد لجَبْره؛ لأنَّه لا يزيد في الصَّلاة زيادةً مُحرَّمةً لجَبْر ما ليس بواجبٍ، وغَيرُ التَّشهُّدِ من الواجِباتِ مَقِيسٌ عليه، ولا يَمتنِع أن يكون للعبادة واجِبٌ يُجبَر
(4)
إذا تركه، وإن كانت لا تَصِحُّ
(5)
إلاَّ بها؛ كالحجِّ.
واقتضى كلامُه: أنَّ الصَّلاةَ صحيحةٌ بترك الواجِبِ سهوًا؛ لأنَّه عليه السلام بنَى على صلاته.
(وَعَنْهُ: أنَّ هَذِهِ سُنَنٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا)؛ لعدَم تعليمِها
(6)
للمُسيءِ.
تنبيهٌ: إذا ترك شَيئًا ولم يَدرِ أفرضٌ أم سنَّةٌ؛ لم يَسقُط فرضُه للشَّكِّ في صحَّته.
وإن اعتقد الفرض سنَّةً، أو بالعكس، فصلاَّها على ذلك؛ لم تصحَّ؛ لأنَّه بناها على اعتقادٍ فاسدٍ، ذكره ابن الزَّاغُونيِّ.
وظاهر كلامِهم خلافُه، قال أبو الخَطَّاب: لا يضرُّه أن لا يعرفَ الرُّكنَ من الشَّرط، والفرضَ من السُّنَّة، وردَّ المجْدُ على من لم يصحِّحِ الاِئتمامَ ممَّن يعتقد أنَّ الفاتحةَ نفلٌ؛ بِفعلِ الصَّحابة فمن بعدهم، مع شدَّة اختلافهم فيما هو
(1)
في (ب) و (ز): تركها.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 248.
(3)
أخرجه البخاري (830)، ومسلم (570).
(4)
في (و): تخيير.
(5)
في (و): يصح.
(6)
في (أ): تعلمها.
الفرض والسُّنَّة، ولأنَّ اعتقادَ
(1)
الفرضيَّة والنَّفليَّة يؤثِّر
(2)
في
(3)
جُملَة الصَّلاةِ لا تفاصيلِها؛ لأنَّ من صلَّى يَعتقِد الصَّلاةَ فريضةً، يأتي بأفعال تصحُّ معها
(4)
، بعضُها فرضٌ وبعضُها نفلٌ، وهو يَجهَل الفرضَ من السُّنَّة، أو يعتقِد الجميعَ فرضًا؛ صحَّتْ صلاتُه ع
(5)
.
فرعٌ: الخشوعُ - وهو ما يَتعلَّق بالقلب - سنَّةٌ، ذَكره المؤِّلفُ وجَمْعٌ.
وذَكَر الشَّيخُ وجيهُ الدِّين: أنَّه واجِبٌ
(6)
.
قال في «الفروع» : (مرادُه - واللهُ أعلمُ - في بعضها، وإن أراد في كلِّها، فإنْ لم تَبطل بتركِه
(7)
فخلافُ قاعدةِ تَرْكِ الواجِبِ، وإن أَبطَل به فخلافُ الإجماعِ، وكِلاهما خلافُ الأخبارِ).
فائدة: مَنْ علِم بطلانَ صلاته، ومضى فيها؛ أُدِّب؛ لاستهزائه بها، ذَكَره السَّامَرِّيُّ.
ولا يكفر
(8)
إذا صلَّى محدِثًا بلا عُذرٍ متعمِّدًا في قول الجماهير؛ لأنَّ الكفرَ بالاعتقاد، وهذا اعتِقاده صحيحٌ.
(وَسُنَنُ الْأَقْوَالِ)، هذا بيانُ القسم الثَّاني أو الثَّالِثِ
(9)
(اثْنَا عَشَرَ)، كذا في «الكافي» وغيرِه:
(1)
في (ب): الاعتقاد.
(2)
في (ب) و (و): تؤثر.
(3)
في (أ): من.
(4)
زاد في (أ) و (د) و (ز): الصَّلاة.
(5)
قوله: (ع) هو في (ب): فائدة. وينظر: الفروع 2/ 254.
(6)
زيد في (و): لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون: 1 - 2] وفسره علي بلين القلب وكف الجوارح.
(7)
قوله: (تبطل بتركه) هو في (و): يبطل تركه.
(8)
في (و): يبطل.
(9)
في (ب) و (د) و (ز): والثالث.
(الاِسْتِفْتَاحُ، وَالتَّعَوُّذُ، وَقِرَاءَةُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَوْلُ آمِينَ، وِقِرَاءَةُ السُّورَةِ) وقد سبَق ذِكرُها.
(وَالْجَهْرُ وَالْإِخْفَاتُ)، حكاه ابن هُبَيرةَ اتِّفاقًا. وقيل: واجِبانِ. وقيل: الإخفاتُ فقطْ.
وإنْ نَسِي فجهَر فيما يُسَرُّ فيه
(1)
؛ بنى على قراءته سرًّا، وإن أسرَّ فيما يُجهَرُ فيه
(2)
؛ بنى على قراءته سرًّا.
وعنه: يَستأنِفُها جهْرًا وإن كان فرَغ من
(3)
القراءة، نَصَّ عليه
(4)
.
والفرْقُ: أنَّ الجهرَ زيادةٌ حصل بها المقصودُ وزيادةٌ، فلا حاجة إلى إعادته، والإسرار نقص فاتَتْ به سنَّةٌ مقصودةٌ؛ وهو إسماعُ المأموم القراءةَ، وقد أمكنه الإتيانُ بها، فينبغي أن يأتيَ بها.
(وَقَوْلُ: مِلْءَ السَّمَاءِ، بَعْدَ التَّحْمِيدِ) لغَير مأمومٍ، (وَمَا زَادَ عَلَى التَّسْبِيحَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَلَى الْمَرَّةِ فِي سُؤَالِ المَغْفِرَةِ، وَالتَّعَوُّذِ فِي التَّشَهُّدِ
(5)
الْأَخِيرِ، وَالْقُنُوتُ فِي الْوَتْرِ)؛ لما تقدَّم في مواضعه. وعنه: واجبةٌ، وفيه شَيءٌ.
وكذا يُسَنُّ الدُّعاءُ في التَّشهُّد الأخيرِ غَير التَّعوُّذ، ذكره أبو الخَطَّاب في «هدايته» ، وعدَّ
(6)
من سُننِ الأقوال
(7)
: السُّجودَ على أنفِه، وجَلسةَ
(1)
قوله: (يسر فيه) هو في (و): يستوفيه.
(2)
في (و): به.
(3)
قوله: (من) سقط من (ز) و (و).
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 79.
(5)
في (و): التعوذ.
(6)
في (أ) و (د): وعده.
(7)
هكذا بخط المؤلف، وعدها أبو الخطاب في الهداية ص 87 من المسنونات، ولم يخصها بسنن الأقوال.
الاِستراحة، والتَّسليمةَ الثَّانيةَ في روايةٍ، ومن سُننِ الأفعال
(1)
: الجهرُ والإخفاتَ بالقراءةِ، وب (آمين)، وهو بعيدٌ.
(فَهَذِهِ سُنَنٌ
(2)
لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا)؛ لأنَّها غَيرُ واجِبةٍ، فلا تَبطُل بتركها؛ كمسنونات الحجِّ، (وَلَا يَجِبُ السُّجُودُ لَهَا)؛ لأنَّ فعلَها غيرُ واجِبٍ، فجَبرُها أَوْلى، لكنْ يُكرَه تركُها، (وَهَلْ يُشْرَعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يُشرَع، قدَّمه ابنُ تميمٍ وابنُ حَمدانَ، قال في «الشَّرح»:«لكلِّ سَهوٍ سجدتانِ» رواه أحمدُ من حديثِ ثَوبانَ، ورواه ابنُ ماجَهْ: ثنا هِشامُ بنُ عَمَّارٍ وعثمانُ بن أبي شَيبةَ قالا: ثنا إسماعيلُ بنُ عياش، عن عبيد الله بن عبيد
(3)
، عن زُهَير بن سالم العَنسيِّ، عن عبد الرَّحمن بنِ جُبَير بنِ نُفَيرٍ، عن ثَوبانَ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
(4)
: «لكلِّ سهوٍ سجدتانِ بعدما يُسلِّم» ، وإسماعيلُ روايتُه عن الشَّامِيِّين حُجَّة، ورواه أحمدُ: ثنا الحَكَم بنُ نافِعٍ، ثنا إسماعيلُ، فذكره
(5)
، ولأنَّ السُّجودَ جُبْرانٌ، فشُرِع لينجبرَ ما فاتَ.
والثَّانية: لا يُشرَع، وهي ظاهِرُ «الوجيز» ؛ لأنَّ تركها عمدًا لا يُبطِل
(1)
هكذا بخط المؤلف والنسخ الخطية، وعدها أبو الخطاب في الهداية ص 87 من الهيئات، وقال:(وهي مسنونة؛ إلا أنها صفة في غيرها، فسميت: هيئة)، ومرادهم بالهيئات: سنن الأفعال. ينظر: الإنصاف 3/ 683.
(2)
قوله: (سنن) سقطت من (أ) و (ب) و (و)
(3)
قوله: (عياش عن عبيد الله بن عبيد) هو في (أ): عباس عن عبيد الله، وفي (و): عباس عن عبيد الله بن عبيد.
(4)
قوله: (يقول) سقط من (أ).
(5)
أخرجه أحمد (22417)، وأبو داود (1038)، وفي إسناده زهير بن سالم العنسي قال الدارقطني:(حمصي منكر الحديث)، ووثقه ابن حبان، وحسن الحديث ابن التركماني والألباني بشواهده. ينظر: الجوهر النقي 2/ 337، تهذيب التهذيب 3/ 344، صحيح أبي داود 4/ 201، الإرواء 2/ 47.
الصَّلاةَ، فلم يُشرَع لسهوها سُجودٌ؛ كسُنَن الأفعال
(1)
، ولأنَّ السُّجودَ زيادةٌ في الصَّلاة، فلم يَجُز إلاَّ بتوقيفٍ.
(وَمَا سِوَى هَذَا؛ مِنْ سُنَنِ الْأَفْعَالِ)، وتُسمَّى
(2)
هيئاتِها؛ كرفْع يدَيه عند الإحرام والرُّكوع والرَّفع منه، ووضع اليُمنى على اليُسرى، والنَّظر إلى موضع سجوده، ووضع اليدين على الرُّكبتين في الرُّكوع، والتَّجافي فيه وفي السُّجود، ومدِّ الظَّهر معتدِلاً، وجعله حِيال رأسه، والبَداءة بوضع الرُّكبتين قبل اليدين في
(3)
السُّجود، وعكسه في القيام منه وفي التشهُّد الأوَّل، والتفريق بين ركبتيه في السُّجود، ووضع يديه حذو منكبيه مضمومةً مستقبلاً بهما القبلة، ونصب قدميه، وفتح أصابعهما في السُّجود والجلوس، والافتراش بين السَّجدتين وفي التشهُّد الأوَّل، والتورُّك في الثَّاني، ووضع اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة
(4)
محلَّقةً، والإشارة بالسَّبَّابة، ووضع اليسرى على الفخِذ اليسرى مبسوطةً، والالتفات في السَّلام عن يمينه ويساره، والسُّجود على الأنف، وجِلسة الاستراحة، ونيَّة الخروج منها في سلامه على ما سبق.
(لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا)؛ لأنَّها سنَّةٌ، (وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لَهَا)، نصره واختاره الأكثرُ؛ لأنَّه لا يمكن التَّحرُّز من تركها لكثرتها، فلو شرع السُّجود لم تخلُ صلاةٌ من سجود في الغالب، وبه يُفرَّق بينها وبين سنن الأقوال.
وذكر جماعةٌ منهم أبو الخَطَّاب الرِّوايتين فيهما، فعلى هذا لا فرق.
وقدَّم ابن تميم وابن حمدان: أنَّه يُشرع كالأوَّل.
(1)
في (ب) و (ز): الأقوال.
(2)
في (و): ويسمى.
(3)
في (و): وفي.
(4)
في (ب) و (ز) و (و): مفتوحة.
وإذا
(1)
قلنا لا يسجد
(2)
فسجد؛ لم تَبطُل صلاتُه، نَصَّ عليه
(3)
.
(1)
في (ب) و (و): فإذا.
(2)
في (و): يشرع.
(3)
زيد في (و): والله أعلم. وينظر: المغني 2/ 251.
(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)
قال صاحب «المشارق» : (السَّهو في الصَّلاة: النِّسيان فيها، وقيل: هو الغفلة)
(1)
.
وقيل: النِّسيانُ عدمُ ذِكْر ما قد كان مذكورًا، والسَّهوُ: ذُهولٌ وغفلةٌ عمَّا كان مذكورًا، وعمَّا لم يكن، فعلى هذا هو أعمُّ من النِّسيان.
ولا مِرْيةَ
(2)
في مشروعيَّةِ سجودِ السَّهوِ، قال الإمامُ أحمدُ: (يُحفَظ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خمسة أشياء: سلَّم
(3)
من اثنتَين فسجد، سلَّم من ثلاث فسجد، وفي الزِّيادة، والنُّقصان، قام
(4)
من اثنتين ولم يتشهَّد)
(5)
.
قال
(6)
الخطَّابي: (المعتمَد عليه عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة)
(7)
؛ يعني حديثي
(8)
ابن مسعود وأبي سعيد وأبي هريرة وابن بُحَينةَ
(9)
.
(1)
ينظر: مشارق الأنوار 2/ 229.
(2)
في (أ): مزية.
(3)
قوله: (خمسة أشياء: سلم) سقط من (أ).
(4)
كذا في النسخ، وفي المغني 2/ 12:(وقام). فتكون خمسة.
(5)
ينظر: مسائل صالح 3/ 217، مسائل ابن منصور 2/ 538، مسائل عبد الله ص 87.
(6)
في (ب) و (ز) و (و): وقال.
(7)
ينظر: معالم السنن 1/ 238.
(8)
في (أ): حديث.
(9)
فأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: فأخرجه البخاري (401)، ومسلم (572)، من طريق إبراهيم، عن علقمة، قال: قال عبد الله صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص - فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال:«وما ذاك» ، قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه، واستقبل القبلة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فلما أقبل علينا بوجهه، قال:«إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين» .
وأخرجاه مختصرًا بلفظ: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسًا، فقالوا: أزيد في الصلاة؟ قال: «وما ذاك» قالوا: صليت خمسًا، فثنى رجليه وسجد سجدتين. وظاهر سياق الحديث أنه حديث واحد، وكذا ظاهر صنيع شراح الحديث؛ كالنووي في شرح مسلم 5/ 61، وابن رجب في الفتح 9/ 392، وابن حجر في الفتح 1/ 504، و 3/ 94، والعيني في عمدة القاري 7/ 305، والقسطلاني في إرشاد الساري 1/ 416، أنه حديث واحد، ولم نقف على حديثٍ آخر لابن مسعود رضي الله عنه في السهو، ولم يظهر لنا مراد الخطابي بقوله:(حديثي ابن مسعود).
وحديث أبي سعيد رضي الله عنه: أخرجه مسلم (571)، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان» .
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1232)، ومسلم (389)، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان، فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم، فليسجد سجدتين وهو جالس» . وحديث ابن بحينة رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1224)، ومسلم (570)، عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه، أنه قال:«صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام، فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم، فسجد سجدتين وهو جالس، ثم سلم» .
(وَلَا يُشْرَعُ فِي الْعَمْدِ)، ذكره الأصحاب؛ لقوله عليه السلام:«إذا سها أحدُكم فليسجد»
(1)
، فعلَّق السُّجود على السَّهو، ولأنَّه
(2)
شُرع جُبرانًا، والعامِد لا يُعذَر ولا ينجبر خلَلُ صلاته بسجوده، بخلاف السَّاهي، ولذلك أضيف السُّجود إلى السَّهو.
وقال ش
(3)
: يسجد لترك القنوت، والتشهُّد، والصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيه؛ لأنَّ ما تعلَّق الجبر بسهوه؛ تعلَّق بعمده؛ كجُبران الحج.
(1)
أخرجه بهذا اللفظ ابن خزيمة (1055)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وأخرجه مسلم (572)، بلفظ:«فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» .
(2)
في (أ): لأنَّه.
(3)
قوله: (ش) سقطت من (أ). وينظر: الحاوي 2/ 181، حلية العلماء 2/ 143.
وجوابه: بأنَّه يَبطُل بزيادة ركن.
(وَيُشْرَعُ لِلسَّهْوِ فِي زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَشَكٍّ)؛ لأنَّ الشَّرع إنَّما ورد به في ذلك، فدلَّ أنَّ حديث النَّفس لا يُشرع له سجودٌ؛ لعَدَم الاحتراز منه، وهو معفوٌّ عنه.
(لِلنَّافِلَةِ وَالْفَرْضِ) في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ للأخبارِ الواردةِ فيه، ولأنَّها صلاة ذات ركوعٍ وسجودٍ، فشُرع لها السُّجود؛ كالفريضة.
ويُستثنَى منه: صلاة الجنازة؛ لأنَّه
(1)
لا سجود
(2)
في صلبها، ففي جبرها
(3)
أَوْلى.
ولا في سجدةِ تلاوةٍ؛ لأنَّه لو شُرِع كان الجبر
(4)
زائدًا على الأصل.
أو شُكرٍ، أو نَظَرٍ إلى شَيءٍ مُلْهٍ
(5)
.
وعنه: يسجد في ذلك كلِّه، ذكره ابن تميم، قال ابن حمدان: استحبابًا.
ولا يسجد لسهوٍ في سجدتي السَّهو، نَصَّ عليه
(6)
، وهو إجماعٌ حكاه إسحاقُ
(7)
؛ لأنَّه يفضي إلى التَّسلسل، وكذا إن سها بعدهما قبل السَّلام.
وكثرةِ سهو، حتَّى يصير كوسواس، ذكره ابن أبي موسى.
(فَأَمَّا الزِّيَادَةُ)، هذا شُروعٌ في بيان تفصيل الأحوال الثَّلاثة وحكمها، ثمَّ هي تنقسِم إلى قسمين: زيادةُ أقوالٍ، وزيادةُ أفعالٍ.
وزيادة الأفعال قسمان:
(1)
في (أ) و (ب) و (د): لأنَّها.
(2)
في (ب): يسجد.
(3)
في (أ): جبرانها.
(4)
في (أ) و (د) و (ز): الجبران.
(5)
في (ب) و (ز): يلهي.
(6)
ينظر: مسائل حرب - الصلاة ص 254.
(7)
ينظر: المغني 2/ 35.
أحدهما: قوله: (فَمَتَى زَادَ فِعْلاً مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ؛ قِيَامًا) أي: يقوم في موضع جلوس، (أَوْ قُعُودًا) أي: يقعُد في موضع قيامٍ، (أَوْ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا عَمْدًا؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
(1)
إجماعًا، قاله في «الشَّرح» ؛ لأنَّه بها
(2)
يُخلُّ بِنظْمِ الصَّلاة، ويُغيِّر هَيئتها، فلم تكن صلاةً، ولا فاعلُها مصلِّيًا.
(وَإِنْ كَانَ سَهْوًا؛ سَجَدَ لَهُ)، قليلاً كان أو كثيرًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود:«فإذا زادَ الرَّجل أو نقصَ في صلاته؛ فليسجُدْ سجدتَينِ» رواه مسلم
(3)
، ولأنَّ الزِّيادةَ سهوٌ، فيَدخُل
(4)
في قولِ الصَّحابيِّ: «سها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فسجد» ، بل هي نقصٌ في المعنى، يُشرَع لها السُّجودُ ليَنجَبِر النَّقصُ، لكن متى ذكر عاد إلى ترتيب الصَّلاة بغير تكبير.
قال جماعةٌ: إن زاد عُقَيب ركعةٍ جلوسًا يسيرًا، زاد جَمعٌ: بقدر جِلسة الاِستراحة؛ فهل يَسجُد لسهوه، ويُبطِل عمدُه؟ فيه وجهان.
وفي «التَّلخيص» : إن جلس عن قيام، ولم يتشهَّد، ثمَّ ذكر؛ سجد للسَّهو، قال القاضي: سواء كان بقدر جِلسة الاستراحة أو أطولَ؛ لأنَّ صفتها تخالف صفة الجلوس للتَّشهُّد.
وقياس المذهب: أنَّه إن كان يسيرًا لا يَسجُد؛ لأنَّه لا يُبطِل عمدُه الصَّلاةَ، ولا وجه لما ذكره القاضي إلاَّ إذا قلنا: تُجبَرُ الهيئاتُ بالسُّجود، ولهذا علَّل بتغاير القُعودَين في الكيفيَّة.
وقيل: إن قام إلى خامسةٍ في رباعيَّةٍ؛ عاد فسلَّم، وبطل فرضُه، وتصير نفلاً. وفيه نَظَرٌ.
(1)
في (ز): الصَّلاة.
(2)
قوله: (بها) سقط من (أ).
(3)
أخرجه مسلم (572).
(4)
في (و): فتدخل.
مسألة: إذا رفَع رأسَه من السُّجود يَجلِس للاستراحة، وكان موضعُ جلوسه للفصل أو التشهُّد، ثمَّ ذكر؛ أتى بذلك، ولا سجود عليه.
ولو جلس للتَّشهُّد قبل السُّجود؛ سجد لذلك، وإن جلس للفصل يظنُّه التَّشهُّد وطوَّله؛ لم يَجِبِ السُّجودُ.
ولو نوى القصرَ فأتمَّ سهوًا؛ ففرضُه الرَّكعتان، ويسجد للسَّهو.
وإن قام أو سجد فيها إكرامًا لإنسانٍ؛ بطلت.
(وَإِنْ زَادَ رَكْعَةً)؛ كخامسةٍ في الرُّباعيَّة، أو رابِعةٍ في المغرب، أو ثالثةٍ في الفجر، (فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا؛ سَجَدَ لَهَا)؛ لما روى ابنُ مسعودٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى خمسًا، فلمَّا انفَتَل قالوا: إنَّك صلَّيتَ خمسًا فانفتلَ، ثمَّ سجدَ سجدتَين، ثمَّ سلَّم» متَّفَقٌ عليه، وفي روايةٍ قال:«إنَّما أنا بشرٌ أنسى كما تَنسَون، فإذا نسيَ أحدُكم فليسجُدْ سجْدتي السَّهو» رواه مسلم
(1)
.
(وَإِنْ عَلِمَ) بالزِّيادة (فِيهَا) أي: في الرَّكعة؛ (جَلَسَ فِي الْحَالِ) بغير تكبير، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّه لو لم يَجلِسْ لزاد في الصَّلاة عمدًا، وذلك مُبطِلٌ لها، (فَتَشَهَّدَ
(3)
إِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ)؛ لأنَّه ركنٌ لم يأتِ به، (وَسَجَدَ) للسَّهو؛ لقوله عليه السلام:«من زادَ أو نقصَ؛ فليَسجُدْ سجدتَينِ»
(4)
، (وَسَلَّمَ) لتَكمُل صلاته.
وظاهِرُه: أنَّه إذا كان قد تشهَّد؛ فإنَّه يسجد ويسلِّم.
وفي «الشَّرح» وغيره: إن كان تشهَّد، ولم يصلِّ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ صلَّى عليه، ثمَّ سجد للسَّهو، ثمَّ سلَّم.
(1)
أخرجه البخاري (404)، ومسلم (572).
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 254، وليس فيه: بغير تكبير.
(3)
في (أ) و (د): وتشهد.
(4)
أخرجه مسلم (572).
تنبيه: إذا قام إلى ثالثةٍ نهارًا، وقد نوى ركعتين نفلاً؛ رجع إن شاء، وسجد للسَّهو، وله أن يُتِمَّها أربعًا، ذكره في «الشَّرح» ، ولا يَسجُد، وهو أفضلُ.
وإن كان ليلاً؛ فكما
(1)
لو قام إلى ثالثةٍ في الفجر، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّها صلاة شُرعت ركعتَين أشبهت الفجرَ.
(وَإِنْ سَبَّحَ)، وفي «الفروع»:(نبَّه)، وهو أَولى؛ لشموله، (اثْنَانِ
(3)
ثِقَتانِ فأكثرُ، ويلزمهم تنبيهه، وذكر صاحب «النَّظم» احتمالاً في الفاسق كأذانه، وفيه نظَرٌ، وفي المميِّز خلافٌ؛ (لَزِمَهُ الرُّجُوعُ) إليهما، وظاهره: سواء سبَّحا به إلى زيادةٍ
(4)
أو نُقصانٍ، وسواء قلنا: يعمل بغلبة ظنِّه أوْ لا، وسواء غلب على ظنِّه صوابُهما أو خطؤهما، نَصَّ عليه
(5)
؛ لأنَّه عليه السلام رجع إلى قول أبي بكرٍ وعمرَ، وأمر عليه السلام بتذكيره
(6)
.
وعنه: يستحَبُّ، ذكرها القاضي، وعليها يعمل بيقينه أو التَّحرِّي، لا أنَّه لا يرجع.
وظاهره: أنَّه لا يرجع إلى ثقة، نَصَّ عليه
(7)
؛ لأنَّه عليه السلام لم يرجِع إلى قول ذي اليدين
(8)
وحده.
(1)
في (و): فهو كما.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 87.
(3)
في (ب) و (د) و (ز): به اثنان.
(4)
في (و): لزيادة.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 75.
(6)
في قصة ذي اليدين: أخرجها البخاري (1229)، ومسلم (573).
(7)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 75.
(8)
كتب على هامش الأصل: (ذو اليدين هو ذو الشمالين، اسمه: الخرباق بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي).
وحديث ذي اليدين في سجود السهو أخرجه البخاري (1229)، ومسلم (573) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقيل: يرجع إليه في زيادة، لا مطلقًا.
واختار أبو محمَّد الجوزي: يرجع إلى واحد يظنُّ صدقَه.
قال في «الفروع» : (ولعلَّ المرادَ ما ذكره الشَّيخُ: إن ظنَّ صدقه عمل بظنِّه، لا بتسبيحه، لكن أطلق أحمد أنَّه لا يرجع إليه
(1)
.
وظاهر ما ذكروه: أنَّ المرأة كالرَّجل في هذا، وإلاَّ لم يكن في تنبيهها فائدةٌ، ولَمَا كُرِه تنبيهُها بالتَّسبيح ونحوه.
وظاهره: أنَّه يلزمه الرُّجوع إليهما ولو تيقَّن صوابَ نفسه، وهو قول أبي الخطَّاب، وذكره الحُلْواني روايةً؛ كالحاكم يحكم بالشاهدين ويترك يقين نفسه.
والمذهب: أنَّه لا يلزمه الرُّجوع إليهما حينئذٍ؛ لأنَّ قولهما إنَّما يفيد الظَّنَّ، واليقين مقدَّمٌ عليه.
وأجاب في «المغني» و «الشَّرح» : بأنَّه علِم خطأهما، فلا يرجع إليهما فيه، وكذا نقول في الشَّاهدين: متى علم الحاكم كذبهما أو غلطهما؛ لم يجز الحكم بشهادتهما، ولا أظنُّ أبا الخطَّاب يمنع من ذلك.
ومراده ما قاله القاضي: يترك الإمام اليقين، ومراده الأصل، قال: كالحاكم
(2)
يرجع إلى الشُّهود، ويترك الأصلَ واليقين، وهو براءةُ الذِّمم، وكذا شهادتهما برؤية الهلال يرجع إليهما ويترك الأصل واليقين، وهو بقاءُ الشَّهر.
فرع: إذا اختَلَف الجماعةُ عليه؛ سقط قولهم؛ كالبيِّنتَين إذا تعارضتا، ويعمل بغلبة ظنِّه.
(1)
قوله: (إليه) سقط من (أ) و (ب) و (د).
(2)
في (ز): فالحاكم.
وفي وجه - وذكر
(1)
في «الوسيلة» أنَّه أشبه بالمذهب -: أنَّه يَرجِع إلى مَنْ وافقه.
وقال ابن حامد: يرجع إلى قول من أثبت الخطأ.
ويرجع منفردًا إلى ثقتين
(2)
، وقيل: لا؛ لأنَّ من في الصَّلاة أشدُّ تحفُّظًا.
قال القاضي: والأوَّل أشبه بكلام أحمد في الطَّواف
(3)
.
(فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ) الإمامُ في موضع يَلزَمه الرُّجوع؛ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) نَصَّ عليه
(4)
، وجزم به الأصحابُ؛ لأنَّه ترك الواجب عمدًا، (وَصَلَاةُ مَنِ اتَّبَعَهُ عَالِمًا) على الأصحِّ فيهما؛ لأنَّه اقتدى بمن يَعلم بطلانَ صلاته؛ كما لو اقتدى بمن يَعلمُ حدثَه.
(فَإِنْ فَارَقَهُ) وسلَّم؛ صحَّت صلاتُه في أصحِّ الرِّوايات، واختاره الأكثرُ؛ لأنَّه فارقه لعذر، أشبه من فارق إمامَه إذا سبقه الحدث.
وعنه: ينتظره ليسلِّم معه وجوبًا.
وعنه: استحبابًا.
وعنه: يجب متابعتُه فيها
(5)
.
وعنه: يخير
(6)
المأموم في انتظاره أو اتِّباعه.
(1)
زاد في (أ) و (ب): ابن تميم.
(2)
في (أ) و (ز): تبيين.
(3)
قال في الفروع 2/ 319: (لقوله في رجل قال: طفنا سبعًا، وقال الآخر: ستًّا، فقال: لو كانوا ثلاثة فقال اثنان: سبعًا، وقال الآخر: ستًّا؛ قُبِلَ قولهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول القوم). وهي من رواية أبي طالب كما في الكشاف 2/ 471.
(4)
ينظر: المغني 2/ 16.
(5)
كتب على هامش (و): (قوله: "وعنه: يجب متابعته فيها"، وجه الرواية: احتمال أنَّه ترك ركنًا قبل ذلك، فلا يترك يقين المتابعة بالشك).
(6)
في (ب) و (و): يخير.
وعنه: تبطل في الكلِّ، ومعنى الإبطال: أنَّها تخرج أن تكون فرضًا، بل يُسلِّم عقب
(1)
الرَّابعة، وتكون
(2)
لهم نفلاً، ذكره في «الفصول» عن الأصحاب.
(أَوْ كَانَ) متَّبِعه (جَاهِلاً) وساهيًا
(3)
؛ (لَمْ تَبْطُلْ) على الأصحِّ؛ لأنَّ الصَّحابة تابعوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في الخامسة في حديث ابن مسعود
(4)
، ولم تَبطُل صلاتُهم، وتابعوه أيضًا في حديث ذي اليدَين، ولم يأمرهم بالإعادة.
تنبيهٌ: إذا أدركه مسبوقٌ فيها؛ انعقدت صلاته، واعتدَّ بها، قدَّمه ابن تميم، وقاله القاضي، بناءً على اقتداء المفترِض بالمتنفِّل.
والمذهبُ المنصوصُ عليه: أنَّه لا يعتدُّ بها؛ لأنَّها سهوٌ وغلطٌ.
وعنه: الوقفُ، نقلها أبو الحارث
(5)
.
والأوَّل نصره المؤلِّف، وهذا إذا لم يَعلَم بأنَّها زائدة، فإن علم؛ لم يدخل معه مفترِض، وكذا لا يدخل معه في سجود سهو بعد السَّلام على الأصحِّ.
(وَالْعَمَلُ المُسْتَكْثَرُ فِي الْعَادَةِ)، هذا شُروعٌ في بيان القسم الثَّاني من
(6)
زيادة الأفعال، (مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ) لغير حاجةٍ؛ كالمشي والتروُّح ونحوهما، (يُبْطِلُهَا عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ)؛ لما فيه من قطع الموالاة بين الأركان، ما لم يكن ضرورة، (وَلَا تَبْطُلُ بِالْيَسِيرِ)؛ كحَمْل أُمامةَ، وفتْحِ الباب لعائشةَ
(7)
.
وقد عُلم منه: أنَّ المرجع فيهما إلى العُرْف، وذكره في «المستوعب» و «الشَّرح» .
(1)
في (ب) و (و): عقيب.
(2)
في (ب) و (و): ويكون.
(3)
في (أ): أو ساهيًا.
(4)
أخرجه البخاري (404)، ومسلم (572).
(5)
ينظر: المغني 2/ 16.
(6)
في (أ): في.
(7)
سبق تخريجه 2/ 268 حاشية (3).
(وَلَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ
(1)
؛ لعدم سجوده عليه السلام له.
(وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ)؛ لأنَّه عمَلٌ من غير جنس الصَّلاة، فاستوى كثيرُه وقليلُه؛ كالجماع.
وظاهره: لا فرق بين الفرض والنَّفل، وهو إجماع من يُحفَظ عنه في الفرض
(2)
؛ لأنَّهما ينافيان الصَّلاة، إلاَّ ما حكاه في «الرِّعاية» قولاً: أنَّها لا تَبطُل بيسير شربٍ، لكنَّه غير معروفٍ.
وكذا النَّفل، قدَّمه جماعةٌ، وذكر في «الشَّرح»: أنَّه الصَّحيح من المذهب، وبه قال أكثرهم؛ لأنَّ ما أبطل الفرضَ أبطل النَّفلَ؛ كسائر المبطلات.
وعنه: لا، إذا كان يسيرًا؛ كغيرهما.
وعنه: لا تَبطُل بالشُّرب فقط؛ لما رُوي: «أنَّ ابن الزَّبير وسعيد بن جُبَيرٍ شرِبا في التَّطوُّع»
(3)
.
قال الخلاَّل: سهَّل أبو عبد الله في ذلك
(4)
، وذكر ابن هُبَيرة: أنَّه المشهورُ عنه؛ لأنَّ مدَّ النَّفلِ وإطالتَه مستحبَّةٌ مطلوبةٌ، فيَحتاج معه كثيرًا إلى جُرعة ماءٍ لدفع العطش، كما سومح به جالسًا، وعلى الرَّاحلة.
(وَإِنْ كَانَ) الأكلُ أو الشربُ (سَهْوًا) أو جهلاً، ولم يذكرْه جماعةٌ؛ (لَمْ تَبْطُلْ إِذَا كَانَ يَسِيرًا)
(5)
، كذا ذكره معظم الأصحاب؛ لأنَّ تركهما عمادُ
(1)
في (ب) و (ز): السُّجود.
(2)
ينظر: الأوسط 3/ 248، الإجماع لابن المنذر ص 39.
(3)
أثر ابن الزبير: أخرجه صالح في مسائله (1057)، وابن المنذر في الأوسط (1590)، عن الحكم قال:«رأيت عبد الله بن الزبير يشرب وهو في الصلاة» ، وإسناده صحيح.
وأثر ابن جبير: أخرجه عبد الرزاق (3582).
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 142.
(5)
زاد في (أ) و (د): (هـ). وينظر: تبيين الحقائق 1/ 159، البحر الرائق 2/ 12.
الصَّوم، وركنُه الأصليُّ، وفواتُه اقتِضاءٌ لإبطاله من إبطاله
(1)
الصَّلاة، فإذا لم يؤثِّر فيه حالة السهو؛ فالصَّلاة أَولى، وكالسَّلام.
قال في «الكافي» : (فعلى هذا يَسجُد؛ لأنَّه يُبطِل الصَّلاةَ بعمده، وعُفي عن سهوه، فيسجد له كجنس الصَّلاة).
وعنه: تَبطُل
(2)
به، وهو قول الأوزاعي، وقدَّمه في «الكافي» ؛ لأنَّه من غير جنس الصَّلاة، فاستوى سهوُه وعمدُه، كالكثير.
وقيل: تَبطُل بالأكل فقط.
وظاهِرُه: أنَّها تَبطُل به إذا كان كثيرًا بغير خلاف، قاله في «الشَّرح» ؛ لأنَّ غيرهما يُبطِلُها إذا كثُر، فهما أولى.
وقيل: الفرض وحدَه، قاله في «الرِّعاية» .
والمذهبُ: أنَّها لا تَبطُل بيسير شُرْبٍ عُرفًا في نفل، ولو عمدًا
(3)
.
وظاهر ما في «المستوعب» و «التَّلخيص» : أنَّ الفرض والنَّفل لا يَبطُل بكثير ذلك سهوًا.
تنبيه: إذا ترك بفيه سُكَّرًا ونحوَه، وبلع ما ذاب؛ فهو كالأكل، وكما لو فتح فاه فنزل فيه ماء المطر فابتلعه. وقيل: لا تبطل فيهما.
وإن بَقِيَ بين أسنانه بقيَّة طعام يجري به ريقه فبلعه، أو ازدَرَدَه بلا مَضْغٍ، أو ترك بِفمِه لُقْمةً لم يَمضغها ولم يبتلعْها؛ لم تَبطُل؛ للمشقَّة، ولأنَّه عمل يسيرٌ، لكنه يكره، ذكره جمعٌ؛ لأنَّه يَشغَله عن خشوع الصَّلاة.
(1)
قوله: (من إبطاله) سقط من (أ) و (ب) و (د).
(2)
في (و): يبطل.
(3)
كتب على هامش (و): (قوله: "والمذهب أنها لا تبطل بيسير شرب عرفًا في نفل ولو عمدًا" قد قدم الخلاف في هذا، والذي صحح في المغني والشرح: تبطل بذلك ولو يسيرًا إذا كان عمدًا، قال في الكافي: هذا أولى، وجزم به في المنور، وقال في الشرح: وهو قول أكثر الفقهاء).
فإن لاكَها؛ فهو كالعمل؛ إن كثُر بطَل
(1)
، وإلاَّ فلا، ذكره في «الكافي» و «الرِّعاية» ، وقال في «الرَّوضة»: ما أمكن إزالتُه بطلت بابتلاعه.
(وَإِنْ أَتَى)، شرع في بيان زيادة الأقوال، وهي قسمان:
أحدهما: ما يُبطل عمدُه الصَّلاةَ؛ كالسَّلامِ وكلامِ الآدميين، وسيأتي.
والثاني: ما لا يبطلها مطلقًا، وهو المراد بقوله:(بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ) عمْدًا، سوى السَّلام، قاله في «الوجيز» و «الفروع» ، وهو مرادُ من أَطلَق؛ (كَالْقِرَاءَةِ فِي السُّجُودِ وَالْقُعُودِ، وَالتَّشَهُّدِ فِي الْقِيَامِ، وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لَمْ تَبْطُلْ
(2)
بِهِ) نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه مشروعٌ في الصَّلاة في الجملة.
وقيل: تَبطُل به، ذكره ابن الجَوزي في «مسبوكه» ، وقاله ابن حامد وأبو الفرَج في قراءته راكعًا أو ساجدًا، فعلى هذا؛ يجب السُّجود لسهوه.
(وَ) على الأوَّل: (لَا يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ)؛ كسائر ما لا يُبطِل عمدُه
(4)
الصَّلاةَ، (وَهَلْ يُشْرَعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يُشرع، صحَّحه
(5)
في «الوسيلة» و «الرِّعاية» و «الفروع» ، ونصره جماعةٌ، فعلى هذا هو مستحَبٌّ، وجزم به في «الوجيز»؛ لعموم قوله عليه السلام:«إذا نسيَ أحدُكم؛ فليَسجُدْ سجدتَينِ»
(6)
.
والثَّانية: لا يُشرع، قدَّمها في «المغني» ؛ لأنَّها لا تَبطُل بعمده، فلم يشرع السُّجود لسهوه؛ كترك سنن الأفعال.
(1)
في (ب) و (د) و (و): بطلت.
(2)
زيد في (ب): صلاته، وفي (ز): الصَّلاة.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 146.
(4)
في (ز): عمد.
(5)
في (ب) و (د): صححها.
(6)
أخرجه البخاري (404)، ومسلم (572) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
وظاهِرُه: أنَّه إذا أتى بذكر أو دعاء متعمِّدًا؛ لم يَرِد الشَّرعُ به فيها؛ كقول: آمين ربَّ العالمين، وفي التَّكبير: الله أكبر كبيرًا، أنَّه لا يُشرع له سجود
(1)
، وجزم به في «المغني» و «الشَّرح»؛ لأنَّه رُوي:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول فيها: الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُّنا ويَرضَى، فلم يأمرْه بالسُّجود»
(2)
.
وفيه وجْهٌ: أنَّها تَبطُل به، ذكره ابن الجَوزيِّ. وفيه بُعدٌ.
(وَإِنْ
(3)
سَلَّمَ قَبْلَ إِتْمَامِ صَلَاتِهِ عَمْدًا؛ أَبْطَلَهَا)؛ لأنَّه تكلَّم فيها، والباقي منها إمَّا ركنٌ أو واجبٌ، وكلاهما تَبطُل الصَّلاةُ بتركه عمدًا.
(وَإِنْ كَانَ) السَّلامُ (سَهْوًا)؛ لم تَبطُل به روايةً واحدةً، قاله في «المغني» ؛ لأنَّه عليه السلام هو وأصحابُه فعلوه، وبنَوا على صلاتهم
(4)
؛ لأنَّ جنسَه مشروعٌ فيها، أشبه الزِّيادة فيها من جنسها.
(ثُمَّ ذَكَرَ قَرِيبًا؛ أَتَمَّهَا)، زاد غيرُ واحدٍ: وإن انحرف عن القبلة أو خرج من المسجد، نَصَّ عليه
(5)
، (وَسَجَدَ)؛ لما رَوى ابنُ سِيرِينَ عن أبي هريرة قال: «صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشيِّ - قال ابن سيرين: قد سمَّاها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا - فصلَّى بنا ركعتين، ثمَّ سلَّم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتَّكأ عليها كأنَّه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبَّك بين أصابعه، ووضع خدَّه الأيمن على ظهر كفِّه اليسرى، وخرجت السَّرَعانُ من أبواب المسجد، فقالوا: قُصرت الصَّلاة، وفي القوم
(1)
في (ب) و (ز): السُّجود.
(2)
أخرجه البخاري (799)، من حديث رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه، ومسلم (600) من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
في (و): فإن.
(4)
مراده حديث ذي اليدين وسيأتي ذكره قريبًا.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 590.
أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلِّماه، وفي القومرجل في يده
(1)
طُولٌ، يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيتَ أم قُصِرت الصَّلاةُ؟ فقال: لم أنسَ، ولم تُقصَر، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فتقدَّم فصلَّى ما ترك، ثمَّ سلَّم، ثمَّ كبَّر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثمَّ رفع رأسه
(2)
وكبَّر، فربَّما سألوه: ثمَّ سلَّم؟ فيقول: نُبِّئتُ أنَّ عمران بن حصين قال: ثمَّ سلَّم» متَّفق عليه، ولفظُه للبخاري
(3)
.
لكن إن لم يذكر حتَّى قام؛ فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي عليه عن جلوس؛ لأنَّ هذا القيام واجب للصَّلاة، فلزمه الإتيان به مع النِّيَّة.
وشرط الإتمام: استمرار الطَّهارة، فلو أحدث استأنفها.
(فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ)؛ بطَلت في قول الجمهور؛ لأنَّها صلاةٌ واحدةٌ، فلم يَجُز بناءُ بعضها على بعض مع طول الفصل، ولتعذُّر البناء معه.
ويُرجَعُ فيه إلى العُرف، قال في «المغني» و «الشرح»:(والمقاربة لمثل حاله عليه السلام في خبر ذي اليدين؛ إذ لم يَرِدْ بتحديده نصٌّ).
وقيل: قدر ركعةٍ طويلةٍ، قاله القاضي في «الجامع» .
وقيل: قدر الصَّلاة التي هو فيها.
وقيل: ما دام في المسجد؛ لأنَّه محلٌّ للصَّلاة.
تنبيه: إذا لم يذكر المتروك حتَّى شرع في صلاة غيرها: فإن طال الفصل؛ بطَلت، وإن لم يطل؛ عاد إلى الأولى وأتمَّها.
وعنه: يستأنفها، اقتصر عليه في «الكافي» ؛ لتضمُّن عمله قطع نيَّتها.
وعنه: يستأنفها إن كان ما شرع فيه نفلاً.
(1)
في (و): يديه.
(2)
زيد في (ز) و (و): فكبر ثم رفع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه.
(3)
حديث ذي اليدين في سجود السهو أخرجه البخاري (1229)، ومسلم (573).
وذكر في «المبهِج» : يُكمِّل الأولى من الثَّانية، نفلاً كانت أو فرضًا؛ لأنَّه سهوٌ معذورٌ فيه.
وفي «الفصول» : فيما إذا كانت صلاتَي جمعٍ أتمَّها
(1)
، ثمَّ سجد عقيبها للسَّهو عن الأولى؛ لأنَّهما كصلاة واحدة، ولم يخرج من المسجد.
والأوَّل المذهب؛ لأنَّه عمل عملاً من جنس الصَّلاة سهوًا، فلم تَبطُل، كما لو زاد ركعة.
وأمَّا إتمام الأولى بالثَّانية؛ فلا يصحُّ؛ لأنَّه قد خرج من الأولى بالسَّلام ونيَّةِ الخروج منها، ولم ينوها بعد ذلك، ونيَّة غيرها لا تجزئ عن نيَّتها؛ كحالة
(2)
الابتداء.
(أَوْ تَكَلَّمَ) في هذه الحال؛ أي: إذا سلَّم
(3)
يظنُّ أنَّ صلاته قد تمَّت، (لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ)؛ كقوله: يا غلامُ اسقني ماءً، ونحوه؛ (بَطَلَتْ)، نَصَّ عليه في روايةِ جماعةٍ
(4)
، وهو المذهب؛ لما رَوى مُعاويةُ بن الحَكَم: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ صلاتَنا هذه لا يَصلُح فيها شيءٌ من كلام النَّاس» رواه مسلم وأبو داود، وقال:«لا يَحلُّ» مكان «لا يصلح»
(5)
.
وعنه
(6)
: لا تَفسُد بالكلام في هذه الحال؛ لأنَّه نوع من النِّسيان، أشبه المتكلِّم جاهلاً.
وأطلق جمعٌ الخلاف.
(وَإِنْ تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَتِهَا؛ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ):
(1)
في (أ) و (ب) و (ز): أتمَّهما.
(2)
في (ز): حالة.
(3)
في (ز): تكلم.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 78، مسائل صالح 2/ 476، مسائل ابن منصور 2/ 622.
(5)
أخرجه مسلم (537)، وأبو داود (930).
(6)
كتب على هامش (و): (أقول: وبهذه الرواية قال مالك والشافعي).
(إِحْدَاهُنَّ: تَبْطُلُ) مُطلَقًا، اختارها الخلاَّل وصاحبُه، وقدَّمها في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وصحَّحها جماعةٌ، وهي اختيارُ أكثرِ الأصحاب؛ لما رَوى زيدُ ابنُ أرقمَ قال:«كنَّا نتكلَّم في الصَّلاة، يكلِّم الرَّجل منَّا صاحبَه، وهو إلى جنبه في الصَّلاة، حتَّى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البَقَرَة: 238]، فأُمرنا بالسُّكوت، ونهينا عن الكلام» متَّفق عليه، وللتِّرمذيِّ فيه:«كنَّا نتكلَّم خَلْف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة»
(1)
، وزَيدٌ مدَنيٌّ، وهو يدلُّ على أنَّ نسخَ الكلام كان بالمدينة، ويعضُده حديثُ معاويةَ
(2)
.
(وَالثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ) مطلقًا، نَصَّ عليه في رواية جماعة
(3)
، وقدَّمه ابن تميم، وذكر المؤلِّف أنَّه الأَولى، وصحَّحه في «الشَّرح»
(4)
؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلَّموا، وبنَوا على صلاتهم» .
فعلى هذا: إن أمكنه استِصلاحُ الصَّلاة بإشارةٍ ونحوها، فتكلَّم؛ فذكر في «المذهب» وغيره: أنَّها تبطُل.
وعنه: إن تكلَّم لمصلحتها سهوًا؛ لم تَبطُل، وإلاَّ بطَلت، قال في «المحرَّر»: وهو أصحُّ عندي؛ لأنَّ النَّهيَ عامٌّ، وإنَّما ورد في حال السَّهو فيختصُّ به، ويبقى في غيره على الأصل.
(وَالثَّالِثَةُ: تَبْطُلُ صَلَاةُ المَأْمُومِ)؛ لأنَّه لا يمكنه التَّأسِّي بالخليفَتين، فإنَّهما كانا مجِيبَين للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإجابتُه واجبةٌ بالنَّصِّ
(5)
، ولا بذي اليدين؛ لأنَّه تكلَّم
(1)
أخرجه البخاري (1200)، ومسلم (539)، والترمذي (405).
(2)
أخرجه مسلم (537)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، ولفظه:«إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» .
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 101، مسائل أبي داود ص 78، مسائل صالح 2/ 476، مسائل ابن منصور 2/ 622.
(4)
زاد في (أ) و (د) و (و) و (ز): (وهو ظاهر «الوجيز»)، وقد ضُرب عليها في الأصل.
(5)
قوله: (بالنص) سقط من (و).
وكتب على هامش (و): (قلت: بل يمكنه التَّأسِّي بالسرعان الذين قالوا: قصرت الصَّلاة، فلم يأمرهم عليه السلام بالإعادة).
سائلاً عن قَصْر الصَّلاة في وقت يمكن ذلك فيه، فعذر
(1)
، بخلاف غيره، (دُونَ الْإِمَامِ، اخْتَارَهَا الخِرَقِيُّ)؛ لأنَّ له أسوةً بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّه كان إمامًا وتكلَّم وبنى على صلاته، فعلى هذه: المنفرِدُ كالمأموم، ذكره في «الرِّعاية» ، وهو ظاهر «المحرَّر» .
وظاهره: أنَّ الخلاف جارٍ بمن ظنَّ تمام صلاته، فسلَّم ثمَّ تكلَّم، واختاره جمعٌ.
وقال القاضي والمجْد: هو على الإطلاق، وصحَّحه ابن تميم، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأنَّ الكلام هنا قد يكون أشدَّ؛ كإمامٍ نسي القراءة ونحوها، فإنَّه يحتاج أن يأتي بركعة، فلا بدَّ له
(2)
من إعلام المأموم.
والكلامُ غيرُ المبطل: ما كان يسيرًا، فإن كثر وطال؛ أبطل، اختاره الشَّيخانِ، والقاضي زاعمًا أنَّه روايةٌ واحدةٌ؛ لأنَّ الأحاديث المانِعة من الكلام عامَّة، تُركت في اليسير؛ للأخبار، فيبقى ما عداه على مقتضى العموم.
وقيل: لا تَبطُل، وهو ظاهر كلامه، واختاره القاضي في «الجامع الكبير» ؛ لأنَّ ما عُفي عنه بالنِّسيان استوى قليلُه وكثيرُه
(3)
؛ كالأكل في الصَّوم.
مسألة: لا بأس بالسَّلام على المصلِّي، نَصَّ عليه
(4)
، وفعله ابن عمر
(5)
؛
(1)
في (أ) و (ز): يعذر.
(2)
قوله: (له) سقط من (أ).
(3)
في (و): وكبيره.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 624.
(5)
أخرجه مالك (1/ 168)، وعبد الرزاق (3595)، وابن أبي شيبة (4816)، والبيهقي في الكبرى (3404)، عن نافع: أن عبد الله بن عمر مرَّ على رجل وهو يصلي، فسلَّم عليه، فردَّ الرجل كلامًا، فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال له:«إذا سُلِّم على أحدكم وهو يصلي؛ فلا يتكلم، ولْيُشِرْ بيده» ، وإسناده صحيح.
لقوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النُّور: 61]؛ أي: على أهل دينكم.
وعنه: يُكرَه، وهي
(1)
قول ابن عقيل، وقدَّمها في «الرِّعاية» ، وقاله الشَّعبيُّ وعطاءٌ وأبو مِجْلَزٍ؛ لأنَّه ربَّما غلِط فردَّ بالكلام.
وعنه: يُكره في فرض.
وقيل: لا يكره إن عرف كيفيَّة الرَّدِّ، وإن كثر ذلك عرفًا بلا ضرورة.
فإن ردَّه لفظًا؛ بطلت؛ لأنَّه كلام آدمي أشبه تشميت العاطس.
ويردُّه إشارةً لفعله عليه السلام، رواه أبو داود والتِّرمذي وصحَّحه
(2)
، ولا يجب في الأصحِّ.
وعنه: يكره، وعنه: في فرض.
ولا يردُّه في نفسه، بل يستحبُّ بعدها؛ لردِّه
(3)
عليه السلام على ابن مسعود بعد السَّلام
(4)
.
ولو صافح إنسانًا يريد السَّلام عليه؛ لم تبطل.
(1)
في (ب) و (ز): وهو.
(2)
أخرجه أبو داود (927)، والترمذي (368)، من طريق هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: «كان يشير بيده» ، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وصححه ابن الجارود وابن حبان والألباني. ينظر: صحيح أبي داود 4/ 83.
(3)
في (ز): كرده.
(4)
أخرجه أحمد (3575)، وأبو داود (924)، والنسائي (1220)، وابن حبان (2243)، قال النووي:(إسناده حسن)، وصححه الألباني، وأصله عند البخاري (1216)، ومسلم (538). ينظر: المجموع للنووي 4/ 104، صحيح أبي داود 4/ 79.
(وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ؛ بَطَلَتْ)، اعلم أنَّ الكلام فيها ينقسم إلى أقسام:
أحدها: أن يتكلَّم عمدًا عالِمًا أنَّه فيها، مع علمه بتحريم ذلك، لغير مصلحة الصَّلاة، ولا لأمر يوجب ذلك؛ بطلت إجماعًا، حكاه ابن المنذر
(1)
؛ لما روى ابن مسعود قال: كنَّا نسلِّم على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو في الصَّلاة فيردُّ علينا، ثمَّ قال:«إن في الصَّلاة لشُغلاً» متَّفق عليه، وفي لفظ لأبي داود قال: فلمَّا قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاة؛ قال: «إنَّ الله يحدث
(2)
من
(3)
أمره ما يشاء، وإنَّ الله قد أحدَث أن لا تَكلَّموا فيها»
(4)
.
وأبعد في «الرِّعاية» ، فحكى قولاً: أنَّها لا تَبطُل بكلامٍ يسيرٍ.
والثَّاني: أن يتكلَّم ساهيًا، وهو مُبطِلٌ لها في قول الأكثر؛ للعموم.
(وَعَنْهُ: لَا تَبْطُلُ إِذَا كَانَ سَاهِيًا)، قدَّمه أبو الحسين وابن تميم، ونصره في «التَّحقيق» ، ولا فرق بين أن يتكلَّم ساهيًا أنَّه في صلاة أو يَظنَّ أنَّ صلاته قد تمَّت فيسلِّم ويتكلَّم
(5)
.
(أَوْ جَاهِلاً)، ذكره المؤلِّف وصاحب «التَّلخيص» ؛ لأنَّه عليه السلام لم يأمُر معاويةَ حين شمَّت العاطس جَهْلاً بتحريمه بالإعادة، والسَّاهي مثلُه؛ لأنَّ ما عُذر فيه بالجهل عُذر فيه بالنِّسيان.
وظاهِرُه: أنَّه لا فرْقَ بين الجاهل بتحريم الكلام
(6)
أو الإبطال به.
قال القاضي في «الجامع» : لا أعرف عن أحمدَ نصًّا في الجاهل بتحريم
(1)
ينظر: الأوسط 3/ 234.
(2)
قوله: (يحدث) سقط من (أ) و (ب) و (ز).
(3)
قوله: (من) هو في (ب) و (ز): يحدث في.
(4)
أخرجه البخاري (1216)، ومسلم (538)، وأبو داود (924).
(5)
في (أ) و (و): وتكلم.
(6)
قوله: (بتحريم الكلام) سقط من (أ).
الكلام
(1)
، وألْحَق بعضُ أصحابنا الحديثَ العهدِ بالإسلام به.
وفيه وجْهٌ: لا تَبطُل بحال، ذكره في «المغني» احتمالاً؛ لما روى أبو هريرة:«أنَّ أعرابيًّا قال وهو في الصَّلاة: اللَّهمَّ ارحمني ومحمَّدًا، ولا ترحَمْ معنا أحدًا» ، فلم يأمرْه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالإعادة، رواه البخاري
(2)
.
ثمَّ قال: والأَولى أن يُخرَّج هذا على الرِّوايتين في النَّاسي؛ لأنَّه معذورٌ بمثله.
الثَّالث
(3)
: أن يتكلَّم جاهلاً، وقد ذُكِر.
(وَيَسْجُدُ لَهُ)؛ لعموم الأحاديث، ولأنَّ عمدَه يُبطِلُها، فوجب السُّجود لسهوه؛ كترك الواجبات.
لا يقال: لم يؤمر معاوية بالسُّجود فكيف يسجد؛ لأنَّه كان مأمومًا، والإمام يتحمَّل عنه سهوه.
الرَّابع: أن يتكلَّم مغلوبًا عليه، وهو أنواع:
أحدُها: أن تخرج الحروف بغير اختيارِه؛ كما لو غلبه سُعال أو عُطاس أو تَثاؤبٌ، فبان حرفان، أو سبق لسانه حال قراءته إلى كلمة أخرى غير القرآن؛ لم تبطل، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّه لا يمكنه التَّحرُّز منه، وقيل: هو كالنَّاسي.
الثَّاني: أن ينام فيتكلَّم، فقد توقَّف أحمدُ عن الجواب عنه
(5)
، والأَولى: أنَّها لا تبطل به؛ لرفع القلم عنه، ولعدم صحَّة إقراره وعتقه.
(1)
قوله: (قال القاضي في الجامع: لا أعرف عن أحمد نصًّا في الجاهل بتحريم الكلام) سقط من (و).
(2)
أخرجه البخاري (6010).
(3)
في (ب) و (ز): والثالث.
(4)
ينظر: فتح الباري لابن رجب 6/ 126.
(5)
ينظر: المغني 2/ 37.
الثَّالث: أن يُكرَهَ على الكلام، فصحَّح في «المغني»: الإبطالَ به، وذكره ابن شهاب، كما لو أُكرِه على زيادة ركن أو ركعة
(1)
.
وذكر في «التَّلخيص» أنَّه كالنَّاسي؛ لقوله عليه السلام: «رُفِعَ عن أمتي الخطأُ، والنِّسيانُ، وما اسْتُكرِهوا عليه»
(2)
، قال القاضي: هو أَولى منه بالعفو وصحَّة الصَّلاة، نصره
(3)
في «التَّحقيق» ؛ لأنَّ الفعل غير منسوبٍ إليه، بدليل أنَّه لو أُكره على إتلافِ مال؛ لم يضمنه، والنَّاسي يضمن ما أتلفه.
والأوَّل أولى؛ لأنَّ النِّسيان يكثر، بخلاف الإكراه.
الرَّابع: أن يتكلَّم بكلام واجب، مثل أن يخشى على ضرير أو صبيٍّ الوقوعَ في هلكة، أو يرى
(4)
حيَّةً تقصِد غافلاً، أو نارًا يخاف أن تشتعل في شيء، ولا يمكنه التَّنبيه بالتَّسبيح، فقال أصحابنا: تَبطُل به؛ لما سبق.
وقيل: لا، وهو ظاهر كلام أحمد، وصحَّحه في «الرِّعاية» ؛ لقصَّة
(5)
ذي اليدين.
وقيل: هو كالنَّاسي.
وذكر ابن تميم وغيره: أنَّه متى أمكن استغناؤه بإشارةٍ؛ لم يَجُز أن يتكلَّم، ولا يتكلَّم بزيادة على حاجته.
وحاصلُه: أنَّ المبطل منه ما كان على حرفَين؛ كقوله: أب، ودم؛ أي: ظاهرًا؛ لأنَّه لا تنتظم كلمة من أقلَّ منهما، فلو قال: لا، فسدَت صلاتُه؛ لأنَّها
(6)
لام وألف.
(1)
قوله: (أو ركعة) سقطت من (أ).
(2)
سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).
(3)
في (ب) و (د): ونصره.
(4)
في (أ): رأى.
(5)
في (و): لقضية.
(6)
في (و): لأنه.
(وَإِنْ قَهْقَهَ أَوْ نَفَخَ
(1)
أَوِ انْتَحَبَ، فَبَانَ حَرْفَانِ؛ فَهُوَ كَالْكَلَامِ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى)، وفيه مسائل:
الأولى: إذا قهقه، وهي ضِحْكة معروفة، بأن قال: قَه قَه، فالأظهر: أنَّها تَبطُل به، وإن لم يَبِن حرفان، ذكره في «المغني» ، وقدَّمه الأكثر، كالمتن، وحكاه ابن المنذر إجماعًا
(2)
؛ لما روى جابر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «القَهقهةُ تَنقُض الصَّلاةَ، ولا تَنقُضُ الوضوءَ» رواه الدَّارَقُطْنيُّ بإسنادٍ فيه ضعفٌ
(3)
، ولأنَّه تعمَّد فيها بما ينافيها، أشبه خطاب الآدمي.
وظاهره: أنَّها لا تَفسُد بالتَّبسُّم، وهو قول الأكثر، حكاه ابن المنذر
(4)
.
الثَّانية: إذا نفَخ فيها؛ فهو كالكلام إذا بانَ حرفان، ذكره في «المذهب» و «المحرَّر» و «الوجيز» وصحَّحه المؤلف؛ لما روي عن ابن عبَّاس قال:«من نفَخَ في صلاته فقد تكلَّم» رواه سعيد
(5)
، وعن أبي هريرة نحوه
(6)
، لكن قال ابن المنذر:(لا يَثبُت عنهما)
(7)
.
(1)
قوله: (أو نفخ) سقطت من (أ) و (ب) و (و).
(2)
ينظر: الأوسط 3/ 253، الإجماع ص 34.
(3)
أخرجه الدارقطني (658)، وهو حديث ضعيف جدًّا، في إسناده: أبو شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي وهو متروك الحديث كما في التقريب، وضعفه ابن الجوزي، وصحح وقفه الدارقطني والبيهقي وغيرهما. ينظر: التحقيق 1/ 193، الخلاصة 1/ 141، التلخيص الحبير 1/ 671، الإرواء 2/ 114.
(4)
ينظر: الأوسط 3/ 253.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (3018)، وابن أبي شيبة (6542)، وابن المنذر في الأوسط (1585)، وإسناده صحيح.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (3019)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (1587)، قال ابن المنذر:(ولا يثبت عن ابن عباس وأبي هريرة أن النفخ بمنزلة الكلام).
(7)
ينظر: الأوسط 3/ 247.
وكتب على هامش (و): (قد ثبت عن ابن عباس بإسناد صحيح رواه سعيد عن ابن معاوية عن الأعمش عن مسلم بن بهيج).
وعنه: تَبطُل مطلقًا؛ لظاهِرِ ما ذكرنا.
وعنه: عكسها؛ رُوي
(1)
عن جماعة منهم ابن مسعود
(2)
، وقيل لقدامة بن عبد الله: نتأذَّى بريش الحمام إذا سجدنا، فقال:«انفخوا» رواه البيهقي بإسناد حسن
(3)
، وقدامة صحابيٌّ، وعن عبد الله بن عمرو:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نفخ في صلاة الكسوف» رواه أحمد، وأبو داود بإسناد حسن، والبخاري تعليقًا
(4)
، وكالحرفِ الواحدِ.
والأَولى حملُه على ما إذا لم ينتظِم حرفان، فإن انتظمَ بطَلَت.
الثَّالثة: إذا انتحبَ؛ بأن رفع صوتَه بالبكاء من غير خشية، كالكلام إذا بان حرفان؛ لأنَّه من جنس كلام الآدميين.
وظاهره: لا فرق بين ما غلب صاحبَه، وما
(5)
لم يغلبه، لكن قال في «المغني» و «النِّهاية»: أنَّه إذا غلب صاحبَه لم يضرُّه؛ لكونه غير داخل في وسعه، ولم يحكيا فيه خلافًا.
قوله
(6)
: (فهو كالكلام)؛ أي: يبطل إن كان عمدًا، وإن كان ساهيًا أو جاهلاً؛ خُرِّج على الرِّوايتين.
(1)
في (ز): وروي.
(2)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1583)، وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه البيهقي في الكبرى (3365)، وأخرجه ابن معين في تاريخ الدوري (195)، والفاكهي في أخبار مكة (1286)، ولا بأس بإسناده، فيه سلمة بن الفضل الأبرش، ضعفه جماعة ووثقه آخرون، سئل عنه أحمد فقال:(لا أعلم إلا خيرًا). ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 153.
(4)
أخرجه أحمد (6483)، وأبو داود (1194)، والبخاري تعليقًا، باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة، (2/ 65)، وصححه الألباني. ينظر: 2/ 124.
(5)
في (أ) و (د): وبين ما.
(6)
في (أ) و (د): وقوله.
الرَّابعة: أنَّه إذا انتحَبَ من خشية الله تعالى؛ أنَّه لا يضرُّ؛ لما روى
(1)
مطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير عن أبيه قال: «رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي، ولصدرِهِ أزيزٌ كأزيزِ المِرجلِ مِنَ البكاءِ» رواه أحمد وأبو داود
(2)
، قال أحمد:(كان عمر يبكي حتَّى يُسمَعَ له نَشِيجٌ)
(3)
، وذكره
(4)
البخاري عن عبد الله بن شدَّاد: «أنَّه سمعه وهو في آخر الصُّفوف»
(5)
.
وظاهره: وإن لم يكن عن غَلَبة، وقاله القاضي وأبو الخطاب، وصحَّحه ابن تميم، وهو ظاهر كلام الأكثر؛ لأنَّ الله تعالى مدح الباكين فقال:{خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مَريَم: 58]، {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسرَاء: 109]، وهو عامٌّ فيما تضمن
(6)
حرفًا أو حروفًا؛ ولأنَّه
(7)
ذكر ودعاء، ولهذا مدح إبراهيم فقال:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التّوبَة: 114]، وفي التَّفسير:(أنَّه كان يتأوَّه خوفًا من الله تعالى)
(8)
.
والثَّاني: تَبطُل
(9)
، ذكر
(10)
المؤلِّف: أنَّه الأشبه بأصول أحمد؛ لعموم
(1)
قوله: (روى) سقط من (أ).
(2)
أخرجه أحمد (16312)، وأبو داود (904)، وابن خزيمة (900)، وابن حبان (665)، وصححه النووي وغيره. ينظر: الخلاصة 1/ 497، صحيح أبي داود 4/ 58.
(3)
ينظر: المغني 2/ 37، وفي مسائل صالح 2/ 259:(سمعت أبي يقول: عبد الله بن شداد لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، سمع من علي ومن عمر، قال: سمعت نشيج عمر).
(4)
في (ب): وذكر.
(5)
علقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 144)، ووصله عبد الرزاق (2716)، وسعيد بن منصور في التفسير (1138)، وابن أبي شيبة (3565)، والبيهقي في الشعب (1895)، قال الحافظ في تغليق التعليق 2/ 300:(إسناد صحيح).
(6)
في (أ) و (ز): يضمن.
(7)
في (أ): لأنَّه.
(8)
ينظر: تفسير السمرقندي 3/ 532، تفسير الثعالبي 3/ 222.
(9)
في (و): يبطل.
(10)
في (أ) و (و) و (ز): ذكره.
النُّصوص، والمدح على البكاء لا يخصِّصه؛ كردِّ السَّلام، وتشميت العاطس، وكما لو لم يكن من خشية؛ لأنَّه يقع على الهجاء، ويدلُّ بنفسه على المعنى كالكلام.
وإن استدعى البكاءَ؛ كُره كالضَّحك، وإلاَّ فلا.
فرع: إذا تأوَّه، أو أنَّ؛ فبان حرفان من خوف الله تعالى؛ لم تبطل وإن كان عن غير غلبة؛ لأنَّ الكلام لا ينسب إليه، ولا يتعلَّق به حكم من أحكام الكلام، فدلَّ أنَّهما إذا ظهرا من بُكاءٍ أو بُصاقٍ أو تَثاؤبٍ أو سُعالٍ -لا من خشية الله تعالى-؛ أنَّها تَبطُل.
قال في «المستوعب» وغيره: إذا قلنا إنَّ الكلام ناسيًا لا تَبطُل الصَّلاة به؛ فما كان من هذه الأشياء غالبًا؛ لا تَبطُل به وإن بان حرفان.
(وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي النَّحْنَحَةِ مِثْلَ ذَلِكَ)؛ أي: هي كالنَّفخ والقَهْقهَة؛ إن بان حرفان فسدت؛ لأنَّه إذ أبانهما كان متكلِّمًا، أشبه ما لو أنَّ.
(وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ: أَنَّهُ كَانَ يَتَنَحْنَحُ فِي الصَّلَاةِ)، نقلها المَرُّوذِيُّ ومُهنَّى
(1)
، (وَلَا يَرَاهَا مُبْطِلَةً لِلصَّلَاةِ)، اختارها المؤلِّفُ، ويَعضُده ما رَوى أحمدُ وابن ماجَهْ عن عليٍّ قال: «كان لي مدخلان من
(2)
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم باللَّيل والنَّهار، فإذا دخلتُ عليه وهو يصلِّي يَتَنحنَح لي»، وللنَّسائيِّ معناهُ
(3)
، ولأنَّها
(1)
ينظر: المغني 2/ 40.
(2)
في (أ) و (ب): زمن.
(3)
أخرجه أحمد (608)، والنسائي (1135)، وابن ماجه (3708)، وابن خزيمة (902)، من طريق عبد الله بن نُجَي، عن علي رضي الله عنه، وعبد الله بن نجي مختلف فيه، فقد قال عنه البخاري وابن عدي:(فيه نظر)، وقال الدارقطني:(ليس بقوي)، ووثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر:(صدوق)، واختلف في سماعه من علي، فنفاه ابن معين، وأثبته البزار، وقد وردت رواية لهذا الحديث عند أحمد (647)، والنسائي (1138)، أدخل فيها بينه وبين علي أباه، وقال ابن حبان:(يروى عن علي، ويروى أيضًا عن أبيه عن علي)، وذكر الدارقطني أن عبد الله لم يسمع هذا الحديث من علي وإنما سمعه من أبيه. ينظر: الثقات لابن حبان 5/ 30، علل الدارقطني 3/ 258، تهذيب التهذيب 6/ 55، البدر المنير 4/ 185.
صوتٌ لا يدلُّ بنفسه، ولا مع لفظٍ غيرِه على معنًى؛ لكونها حروف غير محقَّقة كصَوتٍ أُعقل
(1)
، ولا يُسمَّى فاعلُها متكلِّمًا، بخلاف النَّفخ والتَّأوُّه، وأطلق في «المحرَّر» الرِّوايتين.
وقيل: إن تنَحنح لضرورةٍ أو حاجةٍ فبان حرفان؛ فوجهان، وحمل
(2)
الأصحاب ما روي عن الإمام
(3)
أحمدَ: أنَّه لم يأتِ بحرفَين.
وردَّه المؤلِّف؛ بأنَّ ظاهر حاله أنَّه لم يعتبر ذلك؛ لأنَّ الحاجة تدعو إليها.
(1)
اعتقل لسانه: أي أرتج عليه، فلم يقدر على الكلام. ينظر: الصحاح 5/ 1772، طلبة الطلبة ص 169.
(2)
في (ز): وحملت.
(3)
قوله: (الإمام) سقط من (أ).
(فَصْلٌ)
(وَأَمَّا
(1)
النَّقْصُ؛ فَمَتَى تَرَكَ رُكْنًا) ناسيًا أو ساهيًا - غيرَ تكبيرةِ الإحرامِ، والنِّيَّةِ إذا قلنا بركنيَّتها -؛ (فَذَكَرَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى؛ بَطَلَتِ) الرَّكعةُ (التِي تَرَكَهُ مِنْهَا) فقط، نَصَّ عليه
(2)
، وجزم به الأصحاب؛ لأنَّه ترك رُكنًا
(3)
، ولم يُمكِنِ استدراكُه لتلبسه
(4)
بالرَّكعة التي بعدها، فلَغَتْ ركعتُه، وصارت التي شرعَ فيها عِوَضًا عنها.
ولا يعيد الاِستفتاحَ، نَصَّ عليه في رواية الأثرم
(5)
، وقال: إن ذكر الرُّكنَ المتروكَ قبل السُّجود في الثَّانية؛ فإنَّه يعود إلى السَّجدة الأُولى، وإن ذكر بعد سجوده في الثَّانية؛ وقعت عن الأولى؛ لأنَّ الرَّكعة الأولى قد صحَّت، وما فعله في الثَّانية سهوًا لا يُبطِل؛ كما لو ذكر قبل القراءة، وذكر أحمد هذا القول فقرَّبَه، إلاَّ أنَّه اختار الأوَّلَ، وذكره ابنُ تميم وغيرُه وجهًا.
والأوَّلُ أقوى؛ لأنَّ المزحوم في الجمعة إذا زال الزِّحامُ والإمام راكع في الثَّانية؛ فإنَّه يتبعه، ويسجد معه، ويكون السُّجود من الثَّانية دون الأولى.
فعلى هذا: إن كان التَّرك من الأولى صارت الثَّانيةُ أوَّلَته
(6)
، والثَّالثةُ ثانيَته
(7)
، والرَّابعةُ ثالثَته
(8)
، ويأتي بركعة، وكذا القول في الثَّانية والثَّالثة والرَّابعة.
(1)
في (و): وإنَّما.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 584، مسائل ابن هانئ 1/ 77.
(3)
في (ب) و (ز) و (و): ركنها.
(4)
في (أ): لتسليمه.
(5)
ينظر: المغني 2/ 22.
(6)
في (أ): أوَّله.
(7)
في (أ): ثانيه.
(8)
في (أ): ثالثه.
فإن رجع عمدًا مع علمه؛ بطَلت صلاتُه، نَصَّ عليه
(1)
؛ كتركه الواجب عمدًا.
وظاهِرُه: أنَّه لا يَبطُل ما مضى من الرَّكعات قبل المتروكِ ركنُها. وقال ابن الزَّاغوني: بلى، وبعَّده ابنُ تميمٍ وغيرُه.
(وَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ)؛ أي: قبل القراءة؛ (عَادَ) لُزومًا (فَأَتَى بِهِ)؛ أي: بالمتروك، نَصَّ عليه
(2)
؛ لكون القيام غير مقصود في نفسه؛ لأنَّه يلزمه منه قدرُ القراءة الواجبة، وهي المقصودة، ولأنَّه أيضًا ذكره في موضعه، كما لو ترك سجدةً من الرَّكعةِ الأخيرةِ، فذكرها قبل السَّلام، فإنَّه يأتي بها في الحال.
وقال في «المبهج» : من ترك ركنًا ناسيًا فلم يَذكُرْ حتَّى شرع في رُكنٍ آخرَ؛ بطلت تلك الرَّكعة، وذكره بعضهم روايةً.
فعلى الأوَّل: إن لم يَعُدْ مع علمه؛ بطلت صلاتُه، وإن كان سهوًا أو جهلاً؛ لم تَبطُل؛ لأنَّه فعلٌ غير متعمَّد، أشبه ما لو مضى قبل ذكر المتروك، وتَبطُل تلك الرَّكعةُ.
وقال أبو الخَطَّاب: إذا لم يُعِده؛ لا يعتدُّ بما يفعله بعد المتروك.
فإن ذكر الرُّكوع وقد جلس
(3)
؛ أتى به وبما بعده.
فإن
(4)
ذكر بعد أن قام من السَّجدة الثَّانية، وكان جلس للفصل؛ أتى بالسَّجدة فقط، ولم يجلس؛ لأنَّه لم يتركه.
وقيل: بلى، ثمَّ يسجد، وإلاَّ جلس للفصل، ثمَّ يسجد.
(وَ) يأتي معه (بِمَا بَعْدَهُ)؛ لوجوب التَّرتيب.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 320.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 697، الفروع 2/ 320.
(3)
في (و): ذكر.
(4)
في (أ) و (ب): وإن.
(وَإِنْ كَانَ) ذكره
(1)
(بَعْدَ السَّلَامِ؛ فَهُوَ كَتَرْكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ)، كذا ذكره جماعة منهم في «المحرَّر» ؛ لأنَّ الرَّكعة التي لَغَتْ بترك ركنها؛ غير معتدٍّ بها، فوجودها كعدمها، فإذا سلَّم قبل ذِكرها؛ فقدْ سلَّم من نقصٍ.
فإن طال الفصلُ أو أحدث؛ بطلَت لفواتِ المُوالاة، كما لو ذكره في يوم آخر.
وإن لم يَطُل بل كان عن قُرْبٍ عُرفًا؛ لم تَبطُل، وأتى بركعةٍ، وظاهره: لو
(2)
انحرف عن القبلةِ أو خرَجَ من المسجد، نَصَّ عليه
(3)
، ويسجد له قبل السَّلام، نقله حرب
(4)
بخلاف ترك الرَّكعة بتمامها.
وقال أبو الخطَّاب، وجزم به في «التَّبصرة» و «التَّلخيص»: تَبطُل، ونقله الأثرمُ
(5)
وغيرُه؛ لأنَّه تركَ ركنَ الصَّلاة، ولم يمكنْه استدراكُه؛ لكونِه خرجَ منها بالسَّلام.
والأوَّل
(6)
أَولى، كما لو كان المتروكُ ركعةً، فإنَّه إجماعٌ؛ لخبرِ ذي اليدين
(7)
.
لكن ذكر في «المغني» و «الشَّرح» : (إن كان المتروكُ سلامًا؛ أتى به فحسْبُ، وإن كان تشهُّدًا؛ أتى به وبالسَّلام، وإن كان غيرَهما أتى بركعةٍ كاملةٍ)، وهو المنصوص
(8)
.
(1)
قوله: (ذكره) سقط من (و).
(2)
هكذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 2/ 321: ولو.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 76، الفروع 2/ 321.
(4)
ينظر: مسائل حرب- الصلاة ص 230.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 321.
(6)
في (و): والأولى.
(7)
أخرجه البخاري (1229)، ومسلم (573).
(8)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 247.
وقيل: يأتي بالرَّكن وبما بعده، قال ابن تميم:(وهو أحسن).
وإن
(1)
لم يعلم حتَّى شرع في صلاةٍ؛ فقد سبق.
تنبيه: إذا ترك رُكنًا لا يَعلَم موضعَه، أو جهل عَين الرُّكن المتروك؛ بنى على الأحوط؛ لئلاَّ يخرج من الصَّلاة وهو شاكٌّ فيها، فتكون مُغَرَّرًا بها؛ لقوله عليه السلام:«لا غِرارَ في صلاةٍ، ولا تسليمٍ» رواه أبو داود
(2)
، قال الأثرمُ: سألتُ أبا عبد الله عن تفسيره
(3)
: (أمَّا أنا فأرى أن لا يخرج منها إلاَّ على يقين أنَّها قد تمَّت)
(4)
.
فعلى هذا: إذا ترك سجدةً لا يَعلَم مِنْ الأولى أو
(5)
الثَّانية؛ جعَلَها مِنْ الأولى وأتى بركعة، وإن تركَ سجدتين لا يَعلَم مِنْ ركعة أو ركعتين؛ سجدَ سجدةً، وحصلت له ركعةٌ، وإن ذَكَر بعد شروعه في قراءة الثَّالثة لغَت الأُولَيان، فإن
(6)
ترك ركنًا لا يَعلَم هل هو ركوعٌ أو سجودٌ، جعلَه رُكوعًا، وإن شكَّ في القراءة والرُّكوع؛ جعله قراءةً، وإن ترك اثنتَين متواليتَين من الفاتحة؛ جعلهما من ركعة، وإن لم يعلم تواليهما؛ جعلهما من ركعتين.
(وَإِنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَذَكَرَ فِي التَّشَهُّدِ؛ سَجَدَ سَجْدَةً، فَصَحَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ، وَيَأْتِي بِثَلَاثٍ) نقله الجماعةُ
(7)
، وصحَّحه في
(1)
في (أ): فإن.
(2)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (9936، 9937)، وأبو داود (928)، واللفظ له، وأخرجه البزار (9748)، والطحاوي في مشكل الآثار (1597)، والبغوي في شرح السنة (3299)، وصححه الحاكم والنووي والألباني. ينظر: الخلاصة 1/ 511، الصحيحة (318).
(3)
زيد في (ب) و (و): فقال.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 77.
(5)
زيد في (ب): من.
(6)
في (و): وإن.
(7)
ينظر: ينظر: مسائل صالح 2/ 446، الروايتين والوجهين 1/ 145.
«التَّلخيص» وهو المذهبُ؛ لأنَّه قد بطل كل واحدة من الثَّلاث بشروعه في التي بعدها، وبقيت الرَّابعةُ ناقصةً، فيتمُّها بسجدة فتصحُّ، وتصير أولاه، ويأتي بالثَّلاث الباقية، ثمَّ يتشهَّد، ويسجد للسَّهو ويسلِّم.
وعنه: تصحُّ
(1)
له ركعتانِ، ويأتي بركعتَينِ، قال المؤلِّفُ: ويحتمل أن يكون هذا هو الصَّحيح؛ لأنَّ أحمد حكاه عن الشافعي، وقال: هو أشبه من قول هـ
(2)
.
وعنه: لا يصحُّ
(3)
له سوى تكبيرة الإحرام، فيَبنِي عليها.
(وَعَنْهُ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ)، وقاله إسحاقُ
(4)
؛ لأنَّه يؤدِّي إلى التَّلاعب في الصَّلاة، ويُفضِي إلى عملٍ كثيرٍ غيرِ معتدٍّ به، وهو ما بين التَّحريمة والرَّكعة الرَّابعة، وبناهُ جماعةٌ منهم صاحب «الشَّرح» على المسألة قبلَها.
فإن لم يذكُر حتَّى سلَّم؛ بطلَت، نَصَّ عليه
(5)
، وذكره في «المُذهب» و «التَّلخيص» روايةً واحدةً؛ لأنَّ الرَّكعةَ الأخيرةَ بطلت بسلامه.
وفيه وجْهٌ: كما لو لم يُسلِّمْ.
وإن ذكَر، وقد قرأ في الخامسة؛ فهي أُولاه، ولغا ما قبلها، ذكره في «التَّلخيص» وغيره، ولا يُعيد الافتتاح، وتشهُّده قبل سجدتَي الأخيرةِ زيادةٌ فِعليَّة، وقبل السَّجدة الثَّانية زيادةٌ قوليَّة.
(وَإِنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَ؛ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا)، كذا ذكره جماعةٌ منهم صاحب «المحرَّر» و «الوجيز»؛ لما رَوى المغيرةُ بنُ شُعبةَ:
(1)
في (و): يصح.
(2)
ينظر: مسائل صالح 2/ 446.
(3)
في (ب) و (ز): تصحُّ.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 701.
(5)
ينظر: المغني 2/ 30.
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قامَ أحدُكم من الرَّكعتَين فلم يَسْتَتِمَّ قائمًا فليَجلِسْ، وإذا اسْتَتَمَّ قائمًا فلا يجلسْ، ويَسجد سجدتيِ
(1)
السَّهو» رواه أحمدُ وأبو داودَ وابن ماجَهْ من روايةِ جابِرٍ الجُعْفي، وقد تُكُلِّم فيه،
(2)
ولأنَّه أخلَّ بواجبٍ، وذكره قبل الشَّروع في ركن، فلزمه الإتيان به، كما لو لم تُفارِقْ ألْيَتاهُ الأرضَ.
وظاهِرُه: أنَّه يلزمه الرُّجوعُ سواء فارقت ألْيَتاهُ الأرض أو كان إلى القيام أقرب، ويَجبُ على مأمومٍ اعتدل مُتابعتُه.
(وَإِنِ
(3)
اسْتَتَمَّ قَائِمًا) ولم يَقرَأْ؛ (لَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ رَجَعَ جَازَ) نَصَّ عليه
(4)
، وهو معنى ما في «المحرَّر» و «المذهب» و «التَّلخيص» و «الكافي» ، وذَكَر أنَّه قولُ الأصحاب
(5)
؛ كما لو ذكره قبل الاعتدال، ولأنَّه لم يتلبَّس بركن مقصود؛ لأنَّ القيام ليس بمقصود في نفسه، ولهذا جاز تركه عند العجز، بخلاف غيره من الأركان.
(1)
في (ب): سجدة.
(2)
أخرجه أحمد (18222)، وأبو داود (1036)، وابن ماجه (1208)، وفي سنده جابر الجعفي وهو ضعيف جدًّا.
وأخرج أحمد (18163)، والترمذي (365) وغيرهما من طريق المسعودي، عن زياد بن علاقة، قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة، فلما صلى ركعتين، قام ولم يجلس، فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم، ثم سجد سجدتين، ثم قال:«هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، والمسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي قال ابن حجر:(صدوق اختلط قبل موته، وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط)، ولكن تابعه غيره عليه، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وصححه الألباني. ينظر: البدر المنير 4/ 222، الإرواء 2/ 109.
(3)
في (ز): فإن.
(4)
ينظر: المغني 2/ 20.
(5)
قوله: (الأصحاب) سقطت من (أ).
والأَشهَرُ: يُكرَه رجوعُه، جزم به في «الوجيز» ، وذكره في «الفروع» .
وعنه: يَمضِي وجوبًا، صحَّحه المؤلِّف؛ لما تقدَّم من حديثِ المغيرةِ، ولأنَّ القيام ركن، فلم يَجُز الرُّجوعُ بعد الشُّروع فيه كالقراءة.
وعنه: يلزمه الرُّجوعُ، وقاله النَّخَعيُّ.
ويتبعه المأموم.
(وَإِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ
(1)
الرُّجُوعُ)؛ لحديث المغيرةِ، ولأنَّه شرع في ركن مقصود، كما لو شرع في الرُّكوع.
وظاهِرُه: أنَّها تبطل صلاةُ الإمام إذا رجع بعد شروعه فيها، إلاَّ أن يكون جاهلاً أو ناسيًا، وكذا حال المأمومين
(2)
إن تبِعوه، وإن سبَّحوا به قبل أن يعتدِل فلم يَرجِع؛ تشهَّدوا لأنفسهم وتبِعوه.
وقيل: بل يفارقونه، ويُتمُّون صلاتهم.
(وَعَلَيْهِ السُّجُودُ لِذَلِكَ كُلِّهِ)، جزم به أكثر الأصحاب؛ لحديث المغيرة، ولعموم قوله عليه السلام:«إذا سها أحدُكم فليسجد سجدتين»
(3)
.
وعنه: إن كثر نهوضه، وإن قلَّ
(4)
، قدَّمه ابن تميم.
وفي «التَّلخيص» : إن بلغ حدَّ الرُّكوع سجد؛ لأنَّه زاد ما يُبطِل عمدُه الصَّلاةَ.
وقال القاضي في موضع: إذا لم يَعتدِل قائمًا فلا سجود، وحكاه في
(1)
قوله: (له) سقط من (أ).
(2)
في (أ) و (و) و (ز): المأموم.
(3)
سبق تخريجه 2/ 303 حاشية (1).
(4)
هكذا بخط المؤلف والنسخ الخطية، وعبارة مختصر ابن تميم (2/ 167):(إلا أن يكون نهوضًا يسيرًا فلا يسجد)، فلعل صواب العبارة:(لا إن قل)، وفي الإنصاف 4/ 62:(وعنه: إن كثر نهوضه سجد له، وإلا فلا، وهو وجه لبعض الأصحاب، وقدمه ابن تميم).
«شرح المذهب» عن شيخه؛ لخبرٍ رواه الدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
.
مسألة
(2)
: حُكمُ تركِ الذِّكرِ فيه كتركهما، فلو نسي تسبيح ركوع، فذكره بعد زواله عن حدِّ الرُّكوع حتَّى انتصب قائمًا؛ فوجهان:
أحدهما: لا يرجع، جزم به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنه
(3)
يزيد ركوعًا، ويأتي بالتَّسبيح في ركوع غير مشروع.
فعلى هذا: إن رجع بطلَت، لا سهوًا، بل يسجد له، فإن أدركه مسبوقٌ في هذا الرُّكوع لم يُدرِكها، ذكره المؤلِّف.
والثَّاني: يجوز له الرُّجوعُ، اقتصر عليه في «المحرَّر» ، وذكره القاضي قياسًا على القيام في ترك التَّشهُّد، وليس مثلَه؛ لأنَّ التَّشهُّدَ واجبٌ في نفسه غير متعلِّق بغيره، بخلاف بقيَّة الواجبات؛ لأنَّها تجب في غيرها، كالتَّسبيح، مع أنَّ الأَولى في التَّشهُّد لا يرجع؛ إمَّا جزمًا كما في «المغني» ، أو استحبابًا كالمشهور.
وقياس بقيَّة الواجبات مثله، قاله في «المحرر» وغيره.
(1)
مراده والله أعلم: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعًا: «إذا شك أحدكم فقام في الركعتين فاستتم قائمًا فليمض وليسجد سجدتين، وإن لم يستتم قائمًا فليجلس ولا سهو عليه» ، أخرجه الطبراني في الكبير (947)، والدارقطني (1419)، بهذا اللفظ، ونحوه عند أبي داود (1036)، وابن ماجه (1208)، قال ابن حجر:(ومداره على جابر الجعفي وهو ضعيف جدًّا). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 9.
(2)
بياض في (أ) بمقدار كلمة.
(3)
في (و): ولأنَّه.
(فَصْلٌ)
(وَأَمَّا الشَّكُّ)، هذا هو القسم الثَّالثُ ممَّا يشرع له سجود السَّهو.
(فَمَنْ
(1)
شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ؛ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ)، اختاره الأكثرُ، منهم أبو بكر، ورُوي عن عمرَ
(2)
وابنِه
(3)
وابنِ عبَّاس
(4)
؛ لما روى أبو سعيدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِهِ فلم يدرِ كم صلَّى؛ فليطرح الشَّكَّ، وليَبْنِ على ما استيقنَ، ثمَّ يسجدُ سجدتين قبل أن يسلِّمَ» رواه مسلم
(5)
، وكطهارة
(6)
وطواف، ذكره ابن شهاب، ولأنَّ الأصل عدم ما شكَّ
(1)
في (أ) و (ب) و (و) و (ز): فمتى.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (4404)، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي قال: صليت مع عمر أربعًا قبل الظهر في بيته، فقال:«إذا أوهمت فكن في زيادة، ولا تكن في نقصان» ، وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه مالك (1/ 96)، وعبد الرزاق (3471)، وابن أبي شيبة (4409)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2527)، والبيهقي في الكبرى (3811)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن النسيان في الصلاة قال:«ليتوخ أحدكم الذي يظن أنه نسي من صلاته، فليصله» ، وإسناده صحيح.
قال ابن عبد البر في الاستذكار 1/ 519: (وهذا عندي هو البناء على اليقين؛ لأنه قد أمره أن يصلي ما ظن أنه نسيه من صلاته)، وقال البيهقي في الخلافيات 3/ 125:(والأحرى بالصواب هو الأخذ باليقين، وبيانه فيما روينا، وقال أبو سليمان الخطابي: التحري قد يكون بمعنى اليقين، قال الله عز وجل: {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجنّ: 14]).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (3477)، عن ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: «إن نسيت الصلاة المكتوبة فَعُدْ لصلاتك» ، قال: لم أسمعه منه في ذلك غير ذلك، قال: ولكن بلغني عنه، وعن ابن عمر أنهما قالا:«فإن نسيت الثانية فلا تعدها، وصلِّ على أحرى في نفسك، ثم اسجد سجدتين بعدما تسلم وأنت جالس» ، وفيه انقطاع ظاهر.
(5)
أخرجه مسلم (571).
(6)
في (أ) و (ب): وطهارة.
فيه، وكما لو شكَّ في أصل الصَّلاة، وسواء تكرَّر ذلك منه أوْ لا، قاله في «المستوعب» وغيره.
(وَعَنْهُ: يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ)، نقلها الأثرم
(1)
، وذكر الشَّريف وأبو الخطَّاب: أنَّها اختيار الخِرَقِي، وروي عن عليٍّ
(2)
وابن مسعود
(3)
؛ لما روى ابن مسعود: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِهِ؛ فليَتَحرَّ الصَّوابَ فليتمَّ عليه، ثمَّ لِيسجد سجدتَين» متَّفقٌ عليه، وللبخاريِّ:«بعد التَّسليم» ، وفي لفظٍ لمسلمٍ:«فليتحرَّ أقربَ ذلك إلى الصَّوابِ»
(4)
.
واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أنَّه يستأنفها من يعرض له أولاً
(5)
، وقال: على
(1)
ينظر: المغني 2/ 14.
(2)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1666)، عن الشعبي، عن علي رضي الله عنه أنه قال:«إذا شك في ركعة أو ركعتين؛ فإنه يتحرى أصوب ذلك ثم يسجد سجدتي الوهم» ، رجاله ثقات، واختُلف في سماع الشعبي من علي. ينظر: علل الدارقطني 4/ 97، علوم الحديث للحاكم ص 111، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي ص 201، جامع التحصيل ص 204.
(3)
أخرجه أبو يوسف في الآثار (180)، وابن أبي شيبة (4408)، والنسائي (1245)، والطبراني في الكبير (9182)، عن أبي وائل، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:«إذا وهم أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، ويسجد سجدتين وهو قاعد بعدما يفرغ» ، وإسناده صحيح، وله طرق أخرى صحيحة عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572).
(5)
هكذا في النسخ الخطية، وعبارة الفروع 2/ 326: (وعنه: بظنه وه، وزاد: ليستأنفها من يعرض له أولاً، اختاره شيخنا، قال: وعلى هذا عامة أمور الشرع
…
)، قال ابن قندس في حاشيته على الفروع عند:(واختاره شيخنا): (أي: اختار الأخذ بالظن، والأخذ بالظن عليه عامة أمور الشرع).
فالذي يظهر أن قوله: (أنَّه يستأنفها من يعرض له أولاً) ليست من كلام شيخ الإسلام بل هو قول الحنفية، ويؤيده وجود هذه العبارة لشيخ الإسلام بدون هذه الزيادة. ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 6، الاختيارات 93، الإنصاف 4/ 66.
ومعنى العبارة كما في تعليل المختار 1/ 74: (ومن شك في صلاته فلم يدر كم صلى، وهو أول ما عرض له؛ استقبل، فإن كان يعرض له الشك كثيرًا بنى على غالب ظنه، فإن لم يكن له ظن بنى على الأقل).
هذا عامَّة أمور الشَّرع، وأنَّ مثله يقال في طواف، وسعي، ورمي جمار، وغير ذلك
(1)
.
(وَظَاهِرُ المَذْهَبِ: أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، وَالْإِمَامَ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ)، جزم به في «الكافي» و «الوجيز» ، وذكر في «الشَّرح»: أنَّه المشهور عن أحمدَ، وأنَّه
(2)
اختيار الخِرَقِيِّ؛ جمعًا بين الأخبار، ولأنَّ للإمام من ينبِّهه ويذكِّره إذا أخطأ الصَّواب، بخلاف المنفرِد.
ومرادهم: ما لم يكن المأمومُ واحدًا، فإن كان؛ فباليقين؛ لأنَّه لا يرجع إليه، بدليل المأموم الواحد لا يرجع إلى فعل إمامه، ويبني على اليقين للمعنى المذكور، ويُعايا بها.
وذكر في «المُذهب» : أنَّ المنفرد يَبنِي على الأقلِّ روايةً واحدةً، وكذا الإمام في الأصحِّ.
(فَإِنِ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ؛ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ)، وهو الأقلُّ بغير خلاف
(3)
؛ لأنَّه الأصل، وهو شامِلٌ للإمام والمنفرد، وأمَّا المأموم فيَتبَعُ إمامَه مع عدم الجزم بخطئه، وإن جزم بخطئه؛ لم يتبعه، ولم يسلِّم قبله.
وإن تيقَّن الإمامُ أنَّه مصيبٌ فيما فعله؛ لم يسجد للسَّهو في الأَشهَر، وسواءٌ بنى على اليقين أو غلبة الظَّنِّ.
(وَمَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ؛ فَهُوَ كَتَرْكِهِ)، ويعمل باليقين؛ لأنَّ الأصل عدمه.
وقيل: هو كركعة قياسًا.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 326، الاختيارات ص 93.
(2)
في (و): فإنه.
(3)
ينظر: شرح مسلم للنووي 5/ 63.
قال أبو الفرَج: التَّحرِّي سائغٌ في الأقوال والأفعال، ومحلُّه في غير تكبيرة الإحرام والنِّيَّة على ما مرَّ.
(وَإِنْ
(1)
شَكَّ فِي تَرْكِ وَاجِبٍ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، وكذا في «الفروع»:
أحدهما: يلزمه السُّجود، قدَّمه في «المحرَّر» ، وصحَّحه في «الشَّرح»
(2)
؛ لأنَّ الأصل عدمه.
والثَّاني: لا
(3)
، قدَّمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» ، وجزم به في «الوجيز» ، وذكر في «المُذهب» أنَّه قولُ أكثر أصحابنا؛ لأنَّ الأصل عدم وجوبه، فلا يَجِب بالشَّكِّ.
(وَإِنْ شَكَّ فِي زِيَادَةٍ؛ لَمْ يَسْجُدْ)؛ لأنَّ الأصلَ عدمُها.
وعنه: يسجد، اختاره القاضي، كشكِّه فيها وقت فعلها، فلو بان صوابُه، أو سجد ثمَّ بان أنه
(4)
لم يَسْهُ، أو سها بعده قبل سلامه في سجوده قبل السَّلام؛ فوجهان.
وقيل: يسجد في النَّقص لا الزِّيادة، قال في «الرِّعاية»: وهو أظهر.
فإن كان شكُّه بعد السَّلام؛ لم يَلتفِت إليه، نَصَّ عليه
(5)
؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّه أتى بها على الوجه المشروع.
وقيل: بلى مع قِصَر الزَّمن.
(1)
في (ب) و (ز): فإن.
(2)
كتب على هامش (و): (قال في الشرح: "والصحيح وجوب السُّجود إلا على الرواية التي تقول: إنَّ هذه سنن لا يجب السهو بها").
(3)
كتب على هامش (و): (قوله: "والثاني: لا"، هذا المذهب، واختاره ابن حامد والموفق والمجد).
(4)
قوله: (أنه) سقط من (أ) و (و) و (ز).
(5)
ينظر: الفروع 2/ 326.
فإن طال فلا، وجهًا واحدًا.
فرع: إذا شكَّ هل سهوه ممَّا يُسجَدُ له أم لا، أو ظنَّ أنَّ له سهوًا فسجد
(1)
له؛ فبان سجوده له سهوًا؛ فهل يسجد؟ فيه وجهان.
فإن كثر السَّهو حتَّى صار وسواسًا؛ لم يَلتفِتْ إليه.
(وَلَيْسَ عَلَى المَأْمُومِ سُجُودُ سَهْوٍ
(2)
في قول عامَّة العلماء؛ لما روى ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على من خَلْفَ الإمامَ سهوٌ، فإن سها الإمامُ فعليه وعلى من خلفه» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
.
وظاهِرُه: ولو أتى بما تركه بعد السَّلام، لكن إن سها فسلَّم معه، أو سها معه أو فيما انفرد به
(4)
؛ سجد، وكذا إن سها بعد مُفارَقة إمامِه روايةً واحدةً.
(إِلاَّ أَنْ يَسْهُوَ إِمَامُهُ فَيَسْجُدُ مَعَهُ)، وحكاه إسحاق وابن المنذر إجماعًا
(5)
؛ لعموم قوله: «إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا سجدَ فاسجدوا»
(6)
، وسواءٌ كان السُّجودُ قبل السَّلام أو بعده.
(1)
في (أ) و (و): يسجد.
(2)
كتب على هامش (و): (قوله: "وليس على المأموم سجود سهو" زاد في الرعاية: ولو أتى بما تركه بعد سلام إمامه، وخالفه المجد وغيره في ذلك، قال المجد في شرحه: لو كان المأموم واحدًا فشك المأموم؛ فلم أجد فيه نصًّا عن أصحابنا، وقياس المذهب: لا يقلد إمامه، ويبني على اليقين كالمنفرد؛ لكن لا يفارقه قبل السَّلام، فإذا سلم أتى بالركعة المشكوك فيها وسجد للسهو).
(3)
أخرجه الدارقطني (1413)، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه خارجة بن مصعب الخراساني، قال ابن حجر في التقريب:(متروك وكان يدلس عن الكذابين، ويقال: إن ابن معين كذَّبه)، ورُوي من قول عطاء بإسناد صحيح عند عبد الرزاق (3507)، ومن قول إبراهيم النخعي عند ابن أبي شيبة (4527). ينظر: الخلاصة 2/ 642، الإرواء 2/ 131.
(4)
قوله: (به) سقط من (أ) و (و) و (ز).
(5)
ينظر: الأوسط 3/ 322.
(6)
أخرجه البخاري (378)، ومسلم (411)، من حديث أنس رضي الله عنه.
وظاهِرُه: أنَّه يسجد مسبوقٌ مع إمامه إن سها إمامه فيما أدركه، وكذا فيما لم يدركه
(1)
.
وعنه: لا يَلحَقه حكمُه، فلا يسجد معه، بل يقضي، ثمَّ يسجد إن سجد بعد السَّلام، وإن سجد قبله تبعه.
وعنه: يخيَّر بين متابَعةِ إمامه وتأخير السُّجود إلى آخر صلاته.
وإذا تبع المسبوق إمامه، ثمَّ قضى هل يعيد السُّجودَ
(2)
؟ فيه روايتان:
إحداهما: يعيده
(3)
؛ لأنَّ محلَّه آخر صلاته، وإنَّما سجد مع إمامه تبعًا.
والثَّانية: لا؛ لأنَّه قد سجد وانجبرت صلاته.
فإذا
(4)
لم يسجد معه؛ سجد وجهًا واحدًا.
وظاهره: أنَّه يسجد مع إمامه ولو لم يُكْمِل التَّشهُّدَ، ثمَّ يتمُّه. وقيل: ثمَّ يعيد السُّجود إذا سلَّم.
تنبيهٌ: إذا قام مأموم لقضاء ما فاته، فسجد إمامه بعد السَّلام، وقلنا: يجب عليه متابعة إمامه؛ فهو كالقائم عن التَّشهُّد الأوَّل، نَصَّ عليه
(5)
.
وهل يعود، أو لا، أو يخيَّر؟ فيه رواياتٌ.
فإن كان قرأ؛ لم يرجع على المذهب.
(1)
كتب على هامش (و): (قوله: "وكذا فيما لم يدركه"، هذا المذهب، وسواء كان قبل السَّلام أو بعده؛ روي عن عطاء والحسن والنخعي وأصحاب الرأي، وقال ابن سيرين: يقضي ثم يسجد، وقال مالك والليث والأوزاعي والشافعي في السُّجود قبل السَّلام؛ كقولنا، وكقول ابن سيرين فيما بعده).
(2)
كتب فوقها في (و): يعني: في سجود السهو، وإن سجد مع الإمام ثم قضى ما فاته فهل يسجد مرة ثانية.
(3)
في (أ) و (ب): يعيد.
(4)
في (أ): وإذا، وكتب فوقها في (و):(وللشافعي قولان كالروايتين)، وليس عليها إشارة تصحيح.
(5)
ينظر: المغني 2/ 33.
فإن أدركه في إحدى سجدتي السَّهو؛ سجد معه، فإذا سلَّم أتى بالثَّانية، ثم قضى
(1)
صلاتَه، نَصَّ عليه
(2)
.
وقيل: لا يأتِي بها، بل يقضي صلاتَه بعد سلام إمامه، ثمَّ يسجد.
وإن أدركه بعد سجود السَّهو وقبل السَّلام؛ لم يسجد، قاله في «المُذهب» .
(فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْإِمَامُ؛ فَهَلْ يَسْجُدُ المَأْمُومُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يَسجد، اختارها الأكثرُ؛ لأنَّها نقصت بسهو إمامه؛ فلزمه جبرها، وكما
(3)
لو انفرد لعذرٍ؛ ولعموم
(4)
قوله: «فعليه
(5)
وعلى من خلفه»
(6)
.
والثَّانية: لا، قدَّمها في «المحرَّر» ، وهي ظاهر «الوجيز» ، وقاله جماعةٌ؛ لأنَّه إنَّما يَسجُد تَبَعًا، ولم يوجد.
قال في «التَّلخيص» : وأصلهما؛ هل سجود المأموم تَبَعًا، أو لسهو إمامه؟ فيه
(7)
روايتان.
وهذا فيما إذا تركهما الإمام سهوًا
(8)
، فإن ترك سجود السَّهو الواجب قبل
(1)
في (أ): وقضى.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 703.
(3)
في (أ): كما.
(4)
في (أ) و (ب): لعموم.
(5)
قوله: (فعليه) سقط من (أ).
(6)
سبق تخريجه قريبًا.
(7)
في (أ) و (ب): في.
(8)
كتب على هامش (و): (قال المجد ومن تابعه: محل الروايتين فيما لو تركه الإمام سهوًا، وأما إن تركه الإمام عمدًا وهو مما يشرع قبل السَّلام؛ بطلت صلاته في ظاهر المذهب، وقيل: تبطل صلاته على روايتين).
السَّلام عمدًا؛ بطلت صلاةُ الإمام، وفي صلاتهم روايتان.
والمرادُ بالمأموم: غير المسبوق ببعضها، فإنَّه لا يسجد لذلك في قول أكثرهم.
(فَصْلٌ)
(وَسُجُودُ السَّهْوِ لِمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ؛ وَاجِبٌ) في ظاهِرِ المذهب
(1)
.
وعنه: شرط لصحَّتها، حكاه
(2)
ابن تميم وغيرُه.
وعنه: سنَّةٌ، وتأوَّلها بعضهم
(3)
.
والأوَّل: هو المشهور عن أحمد، قاله ابن هُبَيرةَ، سوى نفْس سجود سهوٍ قبل سلام، فإنَّها تصحُّ مع سهوه، وتبطل بتركه عمدًا، ولا يجب السُّجود له.
(وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، إِلاَّ فِي السَّلَامِ قَبْلَ إِتْمَامِ صَلَاتِهِ، وَفِيمَا إِذَا بَنَى الْإِمَامُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ)
(4)
، هذا هو
(5)
المذهب، واختاره الأكثرُ؛ لحديث ابن مسعود وذي اليدَين
(6)
، ولأنَّه من تمامها، فكان قبل السَّلام؛ كسجود صُلْبِها.
وظاهِرُه: لا فرق بين أن يسلِّم عن نقص ركعة أو أقلَّ.
وقال في «الخلاف» و «المحرَّر» وغيرهما: عن نقصِ ركعةٍ، وإلاَّ قبْلَه، نَصَّ عليه
(7)
.
(1)
كتب فوقها في (و): (لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في غير حديث، كحديث ابن مسعود وأبي سعيد).
(2)
زيد في (ب): ابن المنذر.
(3)
كتب على هامش (و): (قوله: "وتأولها بعضهم"، قال الشيخ الموفق: وجهًا له، ولعل مبنى هذه الرواية على أن الواجبات التي شُرع السُّجود لجبرها غير واجبة، فيكون جبرها غير واجب، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «كانت الركعة والسجدتان نافلة له»).
(4)
كتب فوقها في (و): (وأما إذا قلنا: يبني على اليقين، فإنه يسجد بعد السلام، ويكون بعده في صورة واحدة).
(5)
زيد في (ب): المشهور في.
(6)
حديث ابن مسعود أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572). وحديث ذي اليدين أخرجه البخاري (1229)، ومسلم (573).
(7)
ينظر: الفروع 2/ 331.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الْجَمِيعَ قَبْلَ السَّلَامِ)
(1)
، اختاره أبو محمَّد الجَوزي وابنه أبو الفرَج، قال في «الخلاف»: وهو القياس؛ لحديث ابن بُحَينَةَ وغيره
(2)
، قال الزُّهريُّ:(كان آخر الأمرَين السُّجودَ قبل السَّلام)
(3)
.
وعنه: عكسه؛ لحديث ثَوبان: «لكلِّ سهوٍ سجدتان بعدَ التَّسليمِ» رواه سعيدٌ من رواية إسماعيل بن عيَّاش عن الشاميِّين
(4)
.
(وَعَنْهُ
(5)
: مَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ فَهُوَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَانَ قَبْلَهُ)، وقاله أبو ثَورٍ؛ لأنَّه عليه السلام سجد في حديث ابن بُحَينةَ قبل السَّلام، وكان من نقص.
والصَّحيح: أنَّ كلَّ سجود سجده عليه السلام بعد السَّلامِ
(6)
؛ فهو بعد السَّلام، وسائر السُّجود قبله.
وعنه: عكسه.
وهذا الخلافُ في محلِّ وجوبه، وهو ظاهر «المستوعب» و «التَّلخيص» ، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(7)
، ويدلُّ عليه كلامُ أحمدَ.
(1)
كتب على هامش (و): وهذا مروي عن أبي هريرة والأزهري والليث والأوزاعي ومذهب الشافعي.
(2)
أخرجه البخاري (1224)، ومسلم (570).
(3)
أخرجه البيهقي (3836)، من طريق مطرف بن مازن، عن معمر، عن الزهري، قال البيهقي:(قول الزهري منقطع لم يسنده إلى أحد من الصحابة، ومطرف بن مازن غير قوي). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 14.
(4)
كتب على هامش (و): (وهذا مروي عن علي وسعد وابن مسعود وعمار وابن عباس وابن الزبير وأنس والحسن، ويقال: أصحاب الرأي قالوا: وله فعلهما قبل السَّلام)، والحديث سبق تخريجه 2/ 299 حاشية (5).
(5)
كتب على هامش (و): (هذا مذهب مالك، واختاره الشيخ تقي الدين).
(6)
قوله: (بعد السَّلام) سقط من (و).
(7)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 20 - 24، الاختيارات ص 94.
والثَّاني: أنَّه في محل الفضل
(1)
، ذكره القاضي وأبو الخطَّاب، وجزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ، قال القاضي: لا خلاف في جواز الأمرَين، وإنَّما الكلام في الأَوْلى والأفضل، فلا معنى لادِّعاء النَّسخ.
(وَإِنْ نَسِيَهُ
(2)
قَبْلَ السَّلَامِ؛ قَضَاهُ مَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ) عُرفًا (أَوْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ)، نَصَّ عليه
(3)
، وقدَّمه في «المستوعب» و «التَّلخيص» و «المحرَّر» وغيرهم؛ لما روى ابن مسعود:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سجدَ بعدَ السَّلامِ والكلام» رواه مسلمٌ
(4)
، ولأنَّه لتكميل الصَّلاة، فلا يأتي به بعد طول الفصل؛ كركنٍ من أركانها، ولأنَّ المسجد محلُّ الصَّلاة، فاعتبرت فيه المدَّة؛ كخِيَار المجلس.
وظاهِرُه: أنَّه إذا طال أو خرج أو أحدث؛ لم يسجد وصحَّت، وأنَّه يأتي به ولو تكلَّم، صرَّح به في «المحرَّر» ؛ للخبر.
وعنه: متى تكلَّم امتنع من السُّجود، ولو كان في المسجد
(5)
.
وقيل: إن تكلَّم لا
(6)
لمصلحة الصَّلاة لم يسجد.
وقيل: إن طال الفصل وهو في المسجد؛ لم يَمنَع، وهو ظاهر الخِرَقي؛ لأنَّ حكم المسجد حكم البقعة الواحدة، فكأنَّه باقٍ في مصلاَّه؛ بدليل الاقتداء.
(1)
كتب فوقها في (و): وهو المذهب.
(2)
كتب على هامش (و): (متى نسي سجود السهو؛ قضاه ما دام في المسجد وإن تكلم، وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور، وقال الحسن وابن سيرين: إذا صرف وجهه عن القبلة لم يبن ولم يسجد، وقال أبو حنيفة: إن تكلم بعد الصَّلاة سقط عنه؛ لأنه أتى بما ينافيها، أشبه ما لو أحدث).
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 81.
(4)
أخرجه مسلم (572).
(5)
زيد في (ب): لم يمتنع.
(6)
قوله: (لا) سقط من (ب).
وقيل: يسجد وإن خرج من المسجد ما لم يَطُلِ الفصلُ، صحَّحه ابن تميمٍ
(1)
، وهو ظاهر «الوجيز» ؛ لأنَّه عليه السلام رجع إلى المسجد بعد خروجه منه لإتمام الصَّلاة
(2)
، فالسُّجود أَوْلى.
وعنه: يَسجُد وإن خرج وطال الفصلُ؛ كجُبرانات الحجِّ
(3)
.
وعنه: لا يسجد مطلقًا.
وفيه وجه: إذا أحدث بعد صلاته وتوضَّأ أنَّه يسجد.
تنبيه: إذا ذكره وهو في صلاةٍ أخرى؛ سجد إذا سلَّم. وقيل: إن قرب الزَّمن.
ولا يجب بترك سجود السَّهو ساهيًا سجود آخر، ولا تَبطُل به؛ لأنَّه جابِرٌ للعبادة كجُبْراناتِ الحجِّ. وعنه: متى تعذَّر السُّجودُ الواجبُ بطلتْ.
(وَيَكْفِيهِ لِجَمِيعِ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ) إذا لم يَختَلف محلُّهما، بغير خلاف
(4)
، (إِلاَّ أَنْ يَخْتَلِفَ مَحَلُّهُمَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ):
أحدهما: يكفيه سجدتان، نَصَّ عليه
(5)
، ونصره المؤلِّفُ، وهو ظاهر
(1)
كتب على هامش (و): واختاره المجد.
(2)
أخرجه مسلم (574)، عن عمران بن الحصين، قال:«سلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضبًا، فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلَّم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم» .
(3)
كتب على هامش (و): (وبه قال مالك في الزيادة، واختاره الشيخ تقي الدين).
(4)
أي: بلا خلاف في المذهب، وإلا فقد نقل ابن قدامة الإجماع فيما إذا كان أكثر من سهو من جنس واحد، لا إذا كان محلهما واحدًا، قال في المغني 2/ 31:(إذا سها سهوين أو أكثر من جنس؛ كفاه سجدتان للجميع، لا نعلم أحدًا خالف فيه، وإن كان السهو من جنسين، فكذلك، حكاه ابن المنذر قولاً لأحمد، وهو قول أكثر أهل العلم؛ منهم النخعي، والثوري، ومالك، والليث، والشافعي، وأصحاب الرأي، وذكر أبو بكر فيه وجهين: أحدهما، ما ذكرنا. والثاني، يسجد سجودين). وينظر: الإشراف 2/ 75، الإنصاف 4/ 89.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 699.
«الوجيز» وقول الأكثر
(1)
؛ لأنَّه عليه السلام سها فسلَّم، وتكلَّم بعد سلامه، وسجد لهما سجودًا واحدًا
(2)
، ولأنَّه شُرِع للجبر، فكفى فيه سجود واحد؛ كما لو كان من جنسٍ، ولأنَّه إنَّما أُخِّر ليجمع السَّهو كلَّه.
والثَّاني
(3)
: يتعدد، قدَّمه في «المحرَّر»؛ لعموم حديث ثَوبانَ:«لكلِّ سهوٍ سجدتان بعد السَّلام»
(4)
، ولأنَّ كل سهو يقتضي سجودًا، وإنَّما يتداخلان في الجنس الواحد.
وجوابُه: بأنَّ السَّهو اسم جنسٍ، فيكون التَّقدير: لكلِّ صلاةٍ فيها سهوٌ سجدتان، يدلُّ عليه قوله:«بعد السَّلام» ، ولا يلزمه بعد السَّلام سجودان.
والجنسان
(5)
ما كان قبل السَّلام وبعده. وقيل: ما كان من زيادةٍ ونقصٍ. والأَوَّل أَوْلى، قاله المؤلف.
وإذا قيل بالتداخل؛ سجد قبل السَّلام؛ لأنَّه الأصل. وقيل: بعده. وقيل: الحكم للأسبق.
فرع: إذا شكَّ في محلِّ سجوده؛ سجد قبل السَّلام.
ومن شكَّ هل سجد لسهوه أو لا؛ سجد مرَّةً في الأَشهَر.
فلو فارق إمامه لعذرٍ، وقد سها الإمام، ثمَّ سها المأموم فيما انفرد به؛ فالمنصوصُ عنه: أنَّهما جنس واحد، ويكفيه في الأصحِّ سجودٌ لسهوَين
(6)
، أحدهما جماعةً، والآخَرُ منفرِدًا.
(1)
كتب على هامش (و): (وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي).
(2)
وذلك في حديث ذي اليدين وقد سبق تخريجه.
(3)
كتب على هامش (و): (وهذا قول الأوزاعي وابن أبي حازم وعبد العزيز بن أبي مسلم).
(4)
سبق تخريجه 2/ 299 حاشية (5).
(5)
في (أ): الجنسان.
(6)
في (ز) و (و): كسهوين.
(وَمَتَى سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ)، زاد المؤلِّف وغيرُه: سواءٌ كان محلُّه بعد السَّلام، أو قبله فنسيه إلى ما بعده؛ (جَلَسَ فَتَشَهَّدَ)؛ أي: التَّشهُّدَ الأخيرَ وجوبًا، (ثمَّ سلَّم)، وهو قولُ جماعةٍ منهم ابنُ مسعودٍ
(1)
؛ لما روى عِمرانُ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سها فسجدَ سجدتَين، ثمَّ تشهَّدَ، ثمَّ سلَّمَ» رواه أبو داود والتِّرمذي وحسَّنه
(2)
، ولأنَّه سجود يُسلَّم له، فكان معه تشهُّد يعقبه سلام؛ كسجود الصُّلب.
وفي تورُّكه في ثنائية
(3)
وجهان.
ويكبِّر للسُّجود والرَّفعِ منه؛ لفعله عليه السلام
(4)
.
وقيل: إن سجد بعد السَّلام؛ كبَّر واحدةً، ذكره ابنُ تميمٍ.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (4459)، عن إبراهيم، عن عبد الله قال:«فيهما تشهد» ، وإسناده صحيح، وصححه العلائي. ينظر: فتح الباري 3/ 99.
ومن وجه آخر: أخرجه عبد الرزاق (3491)، وابن المنذر في الأوسط (1688)، والبيهقي في الكبرى (3854)، وأحمد (4076)، وابن أبي شيبة (4458)، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود:«أنه تشهد في سجدتي السهو» ، وفيه خُصيف الجزري، ضعفه أحمد وغيره، قال الذهبي في المهذب 2/ 772:(الحديث منكر، تفرد به خُصيف وقد ضُعِّف، وأبو عبيدة عن أبيه منقطع)، وضعفه ابن المنذر.
(2)
أخرجه أبو داود (1039)، والترمذي (395)، وابن خزيمة (1062)، من طريق أشعث، عن ابن سيرين، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران به، وقال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وذِكْر التشهد فيه شاذٌّ، تفرد به أشعث بن عبد الملك الحمراني، وهو ثقة فقيه، إلا أنه تفرد بهذه اللفظة دون بقية الرواة، والمحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران بدون ذكر التشهد، قاله الذهلي والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم. ينظر: فتح الباري لابن رجب 9/ 433، الفتح لابن حجر 3/ 99، الإرواء 2/ 128.
(3)
رسم الكلمة في الأصل وفي النسخ الخطية يحتمل المثبت، ويحتمل:(شأنه)، ويحتمل:(ثنائه) كما في المطبوع من الفروع، والمثبت هو الموافق لمعنى ما ذكره الأصحاب، قال في الإنصاف 4/ 93:(يجلس مفترشًا إذا كانت الصلاة ركعتين، على الصحيح .... وقيل: يتورك .... ، وأما إن كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية، فإنه يتورك، بلا نزاع أعلمه).
(4)
كما في حديث ذي اليدين أخرجه البخاري (1229)، ومسلم (572).
وصفته، وما يقول فيه وبعد الرَّفع منه؛ كسجود الصُّلب.
وقيل: لا يتشهَّد، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(1)
؛ كسجوده قبل السَّلام، ذكره في «الخلاف» إجماعًا، ولأنَّه سجودٌ مفردٌ أشبهَ سجدةَ التِّلاوة.
(وَمَنْ
(2)
تَرَكَ السُّجُودَ الْوَاجِبَ قَبْلَ السَّلَامِ عَمْدًا؛ بَطَلَتْ الصَلَاةُ) بما قبل السَّلام؛ لأنَّه ترك الواجب عمدًا.
وعنه: لا، ذكره في «المحرَّر» قولاً، مع قطعه بوجوبه كواجبات الحجِّ.
(وَإِنْ تَرَكَ المَشْرُوعَ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لَمْ تَبْطُلْ) في ظاهر المذهب؛ لأنَّه جبرٌ للعبادة خارجٌ منها، فلم تَبطُل بتركها، كجُبرانات الحجِّ، وسواء تركه عمدًا أو سهوًا.
وعنه: تَبطُل؛ قياسًا على المشروع قبل السَّلام.
ويُفرَّق بين الواجب في الصَّلاة والواجب
(3)
لها؛ لأنَّ الأذان والجماعة واجبٌ لها، ولا تَبطُل بترك شيء
(4)
من ذلك.
وفي صلاة المأمومين عليهما الرِّوايتان.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 48.
(2)
في (و): وإن.
(3)
قوله: (والواجب) هو في (أ) و (و): وبين الواجب.
(4)
قوله: (تبطل بترك شيء) هو في (أ): تبطل بشيء.
(بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ)
التَّطوُّع في الأصل: فِعلُ الطَّاعة، وشرعًا وعُرفًا: طاعةٌ غيرُ واجبةٍ.
والنَّفْل والنَّافلة: الزِّيادة. والتَّنفُّلُ: التَّطوُّعُ.
(وَهِيَ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ)؛ لما روى سالمُ بنُ أبي الجَعد عن ثوبانَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اسْتقِيموا ولن تُحْصُوا، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاةُ» رواه ابن ماجَهْ، وإسنادُه ثِقاتٌ إلى سالم، قال أحمدُ: سالم
(1)
لم يَلقَ ثوبانَ، بينهما مَعْدانُ بن أبي
(2)
طلحةَ، ولَيستْ هذه الأحاديثُ صِحاحًا، ورواه البَيْهَقِيُّ في «سننه» ، وابنُ حِبَّانَ في «صحيحه» ، ومالكٌ في «موطَّئه» بلاغًا، وله طُرُقٌ فيها ضعفٌ
(3)
، ولأنَّ فرضَها آكَدُ الفروضِ، فتطوُّعها آكد التَّطوُّعات، ولأنَّها تَجمع أنواعًا من العبادة: الإخلاص، والقراءة، والرُّكوع، والسُّجود، ومناجاةِ الرَّبِّ، والتوجُّه إلى القِبلة، والتَّسبيح، والتَّكبير، والصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
لكنْ أطلق أحمدُ والأصحابُ: أنَّ الجهادَ أفضلُ الأعمال المتطوَّع
(4)
بها، قال أحمد:(لا أعلم شَيئًا بعد الفرائض أفضلَ من الجهاد)
(5)
.
(1)
قوله: (سالم) سقط من (أ).
(2)
قوله: (أبي) سقط من (و).
(3)
أخرجه مالك في الموطأ بلاغًا 1/ 34، وأخرجه أحمد (22378)، وابن ماجه (277)، وابن حبان (1735)، والبيهقي (384)، من طريق سالم بن أبي الجعد عن ثوبان، قال ابن حبان:(وخبر سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان خبر منقطع)، لكنه روي من طرق أخرى عن ثوبان صحيحة، وصححه ابن عبد الهادي. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 285، الإرواء 2/ 135.
(4)
في (و): للتطوع.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 109، المغني 9/ 199.
وذكر أكثر أصحابنا: ثمَّ العِلْم، ثمَّ الصَّلاة.
وعلى ما ذكره في الجهاد: أنَّه أفضل الأعمال المتطوَّع بها، والصَّلاة أفضل تطوُّع بَدَنِيٍّ محْض.
وذَكَر جماعةٌ: أنَّ النَّفقة فيه أفضلُ.
وجزم آخرون: بأنَّ الرِّباط أفضل من الجهاد.
وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: استِيعابُ عشرِ ذي الحجة بالعبادة ليلاً ونهارًا أفضلُ من جهاد لم يذهب فيه نفسُه ومالُه
(1)
.
ونقل مُهنَّى: (طلبُ العلم أفضلُ الأعمال لمن صحَّت نيَّته)، قيل: فأيُّ شيء تصحيح النِّيَّة؟ قال: (ينوي
(2)
يتواضع فيه، وينفي عنه الجهل)
(3)
.
وقيل: بل الصَّوم أفضل؛ لقوله عليه السلام لأبي أمامةَ: «عليك بالصَّومِ؛ فإنَّه لا مثلَ له» رواه النَّسائيُّ، وفيه لِينٌ
(4)
.
وقيل: ما تعدَّى نفعُه؛ كعيادةِ مريضٍ، واتِّباعِ جنازةٍ.
وظاهر كلام ابن الجَوزي: أنَّ الطَّواف أفضل من الصَّلاة فيه، وقاله
(5)
الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وذكره عن الجمهور
(6)
.
وقيل: الحجُّ أفضل؛ لأنَّه جهادٌ؛ فإنَّ فيه مشهدًا ليس في الإسلام مثلُه؛
(1)
ينظر: الفروع 2/ 338، الاختيارات ص 95.
(2)
قوله: (ينوي) سقط من (و).
(3)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 381.
(4)
أخرجه أحمد (22140)، والنسائي (2220)، وابن خزيمة (1893)، وابن حبان (3425)، والحاكم (1533)، وقال:(صحيح الإسناد)، وصحح إسناده ابن حجر، وحسنه الألباني. ووقع اختلاف في سنده على وجهين خرَّجهما ابن حبان وغيره، وقال ابن حبان:(كلا الوجهين محفوظان). ينظر: فتح الباري 4/ 104، السلسلة الصحيحة (1937).
(5)
في (ب): وقال.
(6)
ينظر: الاختيارات ص 96.
وهو يوم عرفة، وإن مات به فقد خرج من ذنوبه.
ونقل عنه مثنَّى
(1)
أفضليةَ الفِكر
(2)
على الصَّلاة والصَّوم. قال في «الفروع» : فيتوجَّه أنَّ عملَ القلب أفضلُ من عمل الجوارح.
وحاصله: أنَّ أفضلَها جهادٌ، ثمَّ توابعه، ثمَّ علم؛ تعلُّمه وتعليمه
(3)
، ثمَّ صلاة.
ونصَّ: أنَّ الطَّواف لغريب أفضل منها فيه
(4)
، والوقوفُ بعرفة أفضلُ منه في الصَّحيح.
ثمَّ ما تعدَّى نفعُه، فصدقةٌ على قريب محتاج أفضل من عتق، وعتق أفضل من صدقة على أجنبيٍّ، إلاَّ
(5)
زمن
(6)
حاجة، ثمَّ حجٌّ، ثمَّ عتقٌ، ثمَّ صوم.
واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أنَّ الذِّكر بقلب أفضل من القراءة بلا قلب
(7)
، وهو معنى كلام ابن الجوزي.
(وَآكَدُهَا: صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالاِسْتِسْقَاءِ)؛ لأنَّه يُشرَع لهما الجماعةُ مطلقًا، أشبها الفرائض.
وظاهره: أنّ صلاة الكسوف آكد من صلاة الاستسقاء؛ لأنَّه عليه السلام لم يتركها عند وجود سببها، بخلاف الاستسقاء، فإنَّه كان يستسقي تارةً
(8)
، ويترك أخرى.
(1)
في (أ) و (ب): مهنى. والصواب المثبت. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 337.
(2)
قوله: (الفكر) في (أ): الذكر. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 351.
(3)
في (أ): يعلُّمه وتعلمه.
(4)
ينظر: الفروع 6/ 33.
(5)
في (ز): لا.
(6)
في (و): ذي.
(7)
ينظر: الفروع 2/ 350، الاختيارات ص 96.
(8)
قوله: (تارة) سقط من (و).
ويلحَق بهما في الآكدية: ما تسنُّ له الجماعةُ؛ كالتَّراويح، ذكره في «المذهب» و «المستوعب» ؛ وهو معنى ما في «الفروع» .
(ثُمَّ الْوَتْرُ)، قدَّمه جماعةٌ، منهم صاحبُ «التَّلخيص» ، وجزم به في «الوجيز» وغيره.
وذكر ابنُ تميمٍ وجهًا: أنَّه آكد ممَّا تسنُّ له الجماعة.
وهذا على المشهور؛ أنَّه ليس بواجب.
وقال القاضي: ركعتا الفجر آكدُ منه؛ لاختصاصها بعدد مخصوص، وهو روايةٌ.
وذكر المؤلِّفُ: أنَّ السُّننَ الرَّاتبةَ آكدُ من التَّراويحِ.
ونقل حنبلٌ: ليس بعد المكتوبة أفضلُ من قيام الليل
(1)
.
(وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) نَصَّ عليه
(2)
؛ وهو الصَّحيح من المذهب؛ لقوله عليه السلام للأعرابيِّ حين سأله عمَّا فرض الله عليه من الصَّلاة، قال:«خَمسُ صلواتٍ» ، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: «لا، إلاَّ أن تطَّوَّعَ» متَّفقٌ عليه
(3)
، وكذَّب عُبادةُ رجلاً يقول
(4)
: الوتر واجب، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خَمسُ صلواتٍ كتبهنَّ اللهُ على العبد في اليوم واللَّيلة» الخبر
(5)
، وعن عليٍّ قال:«الوتر ليس بحتمٍ كهيئةِ الصَّلاةِ المكتوبةِ، ولكنَّه سنَّةٌ سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 223.
(2)
ينظر: مسائل صالح 1/ 267، زاد المسافر 2/ 229.
كتب فوقها في (و): وبه قال مالك والشافعي.
(3)
أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11).
(4)
في (ب): قال: إن.
(5)
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 123)، والحميدي في مسنده (392)، وأحمد (22693)، وأبو داود (425)، وصححه ابن عبد البر والنووي وابن الملقن والألباني، ينظر: الخلاصة 1/ 549، البدر المنير 5/ 389، صحيح أبي داود 2/ 301.
أحمد والتِّرمذيُّ وحسَّنه
(1)
ولأنَّه يَجوز فعله على الرَّاحلة من غير ضرورة، أشبه السُّنن.
وعنه: هو واجب
(2)
، اختاره أبو بكر؛ لقول النبي عليه السلام:«من لم يوتر فليس منَّا» رواه أحمد وأبو داود، وفيه ضعفٌ
(3)
، وعن أبي أيوب: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الوتر حقٌّ؛ فمن أحبَّ أن يوترَ بخمسٍ فليفعل، ومن أحبَّ أن يوترَ بثلاثٍ فليفعل، ومن أحبَّ أن يوترَ بواحدةٍ فليفعل» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، ورواته ثقات، والنَّسائي، وقال: (الموقوف
(4)
أَولى بالصَّواب)
(5)
، وكان عليه السلام يواظِب عليه حضَرًا وسفرًا
(6)
.
(1)
أخرجه أحمد (652)، والترمذي (453)، والنسائي (1676)، وابن ماجه (1169)، وابن خزيمة (1067)، والحاكم (1118)، وصححه ابن خزيمة والحاكم وحسَّنه الترمذي.
(2)
كتب على هامش (و): وهو قول أبي حنيفة.
(3)
أخرجه أحمد (23019)، وأبو داود (1419)، والحاكم (1146)، من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وفي سنده عبيد الله بن عبد الله العتكي يكنى أبا المنيب، قال البخاري:(عنده مناكير)، وقال العقيلي:(لا يتابع على حديثه)، وقال البيهقي:(لايحتج به)، وقال أبو حاتم:(صالح)، ووثقه ابن معين، والحاكم، قال ابن حجر:(وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه أحمد بلفظ: «من لم يوتر فليس منا»، وفيه الخليل بن مرة وهو منكر الحديث، وفي الإسناد انقطاع بين معاوية بن قرة وأبي هريرة كما قال أحمد)، وصحح الحديث الحاكم، وضعفه النووي والألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 7/ 27، التلخيص الحبير 2/ 53، الإرواء 2/ 146.
(4)
في (أ) و (ب): المؤلف.
(5)
أخرجه أحمد (23545)، وأبو داود (1422)، والنسائي (1712)، وفي الكبرى (1406)، وابن ماجه (1190)، وابن حبان (2407)، وهو حديث مختلف فيه رفعًا ووقفًا، ورجَّح ثبوته مرفوعًا ابن القطان، وقال النووي:(إسناده صحيح)، وصححه ابن الملقن والألباني، وأما الوقف فرجحه الذهلي وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وجماعة، قال ابن حجر:(وهو الصواب). ينظر: الخلاصة 1/ 548، البدر المنير 4/ 294، التلخيص الحبير 2/ 36، صحيح أبي داود 5/ 164.
(6)
أخرج البخاري (1000)، ومسلم (700)، عن ابن عمر، قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته، حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل، إلا الفرائض ويوتر على راحلته» .
وقال أحمدُ: (من ترك الوتر عمدًا فهو رجلُ سوءٍ، ولا ينبغي أن تُقبَل له شهادةٌ)
(1)
.
وأجيب: بأنَّه محمولٌ على تأكيد الاستحباب.
(وَوَقْتُهُ: مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ) الثَّاني، جزم به في «المغني» و «التَّلخيص» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع»؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث خارجةَ بن حذافةَ:«لقد أمدَّكم الله بصلاةٍ هي خيرٌ لكم من حُمْرِ النَّعم؛ وهي الوتر فيما بين العشاءِ إلى طلوعِ الفجرِ» رواه أحمد وغيره، وفيه ضعف
(2)
، وعن معاذٍ معناه مرفوعًا، رواه أحمدُ من رواية عبد
(3)
الله بن زَحْر؛ وهو ضعيفٌ
(4)
، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أوتِرُوا قبلَ أن تُصبِحُوا» رواه مسلمٌ
(5)
.
وعنه: إلى صلاة الفجر، جزم به في «الكافي» ، ورواه البَيهَقيُّ عن ابن مسعود، وإسناده ثقات
(6)
، وعن أبي بصرةَ مرفوعًا: «إنَّ اللهَ زادكم
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 267، زاد المسافر 2/ 229.
(2)
أخرجه أحمد (24009/ 8)، وأبو داود (1418)، والترمذي (452)، وابن ماجه (1168)، وفي إسناده راويان مجهولان، قال الترمذي:(حديث غريب)، وضعفه البخاري وابن حبان والبيهقي وغيرهم. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 41، صحيح أبي داود 2/ 80.
(3)
في (و): عبيد، وهو الصواب كما في المصادر الحديثية.
(4)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (22095)، وفي سنده عبيد الله بن زَحْر الضمري الإفريقي، واختلف في حاله، وثقه أحمد في رواية وضعفه في أخرى، وقال ابن المديني:(منكر الحديث)، وقال أبو زرعة:(لا بأس به، صدوق)، وقال أبو حاتم:(لين الحديث)، وقال ابن عدي:(ويقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه)، وقال ابن حجر:(صدوق يخطئ). ينظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 7/ 13.
(5)
أخرجه مسلم (754).
(6)
كتب فوقها في (و): (وهو مروي عن علي رضي الله عنه.
والأثر أخرجه البيهقي في الكبرى (4205)، وأخرجه عبد الرزاق (4605)، وابن أبي شيبة (6758)، وابن المنذر في الأوسط (2675)، والطبراني في الكبير (9407)، من طرق عن الأسود بن هلال قال: سمعت عبد الله بن مسعود ينادي به نداء: «الوتر ما بين الصلاتين، صلاة العشاء وصلاة الفجر متى ما أوترت فحسن» ، وإسناده صحيح.
صلاةً، فصلُّوها
(1)
ما بين العشاء إلى صلاة الصُّبح» رواه أحمد من رواية ابن لَهِيعة
(2)
، ويحمل على حذف المضاف، بدليل الرِّواية الأُولى.
ويدخل في كلامه: ما لو جَمَع العشاء جَمْع تقديم.
وظاهرُه: أنَّه إذا أوتر قبل العشاء أنَّه لا يصحُّ، وأنَّه إذا أخَّره حتَّى يطلع الفجر يكون قضاءً، وصحَّحه في «المغني» .
وذكر في «الشَّرح» احتمالاً: أنَّه يكون أداءً؛ لحديث أبي بصرةَ.
والأفضلُ فعلُه آخرَ اللَّيل لمن وَثِق، لا مطلقًا.
وقال القاضي: وقتُه المختارُ كوقت العشاء المختار.
وقيل: كلُّ اللَّيل سواءٌ.
ومن له تهجُّد؛ جعله بعده.
فإن أوتر أول اللَّيل؛ لم يكره، نَصَّ عليه
(3)
.
(وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ)؛ لحديث أبي أيُّوب
(4)
؛ وهو قولُ كثير من الصَّحابة
(5)
.
(1)
في (أ): تطوعًا.
(2)
أخرجه أحمد (27229)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4491)، وفي سنده عبد الله بن لهيعة المصري، والأقرب في حاله أنه ضعيف سواء قبل احتراق كتبه أم بعدها، والحديث هنا هو من رواية عبد الله بن يزيد المقرئ عنه، وبعض أهل العلم يقوِّي روايته عنه، ومع ذا تابعه عند أحمد (23851)، سعيدُ بنُ يزيد الحميري، وهو ثقة. ينظر: البدر المنير 4/ 315، الإرواء 2/ 158.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 98.
(4)
كتب فوقها في (و): (وعنه عليه السلام قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة»، وعن ابن عمر وابن عباس: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الوتر ركعة في آخر الليل» رواه مسلم).
(5)
ذكر البيهقي في السنن الكبرى في باب الوتر بركعة (3/ 32) جملة من الآثار عن الصحابة في الوتر بركعة، منهم: عمر، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، وتميم الداري، وأبي موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس، وخالد بن زيد الأنصاري، ومعاوية بن أبي سفيان، ومعاذ بن الحارث أبو حليمة القاري رضي الله عنهم.
وأخرج البخاري (6356)، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير رضي الله عنه:«أنه رأى سعد بن أبي وقاص يوتر بركعة» .
(وَأَكْثَرُهُ) وفي «الوجيز» : وأفضلُه: (إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ
(1)
، نَصَّ عليه
(2)
، وذَكَره جماعةٌ؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«صلاةُ اللَّيلِ مثنى مثنى، فإذا خَشِيتَ الصُّبحَ فأَوتِر بواحدةٍ» متَّفقٌ عليه
(3)
، وعن عائشة قالت:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي فيما بين أن يَفرُغ العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعةً، يسلِّم من كلِّ ركعتين، ويُوتِرُ بواحدةٍ» ، رواه مسلم
(4)
.
وظاهره: أنَّه لا يكره فعله بواحدة وإن لم يتقدَّمها صلاة، حتَّى في حقِّ المسافر.
وعنه: يركع ركعتين، ثمَّ يوتر.
قال أحمدُ: الأحاديث الَّتي جاءت عنه عليه السلام أنَّه أوتر بركعة كان قبلها صلاة متقدِّمةٌ
(5)
.
وقال أبو بكرٍ: لا بأس بالوتر بركعة لعذر من مرض أو سفر أو نحوه.
وقيل: له سَرْد عشرة، ثمَّ يجلس فيتشهَّد، ثمَّ يوتر بالأخيرة، ويتشهَّد ويسلِّم، نَصَّ عليه
(6)
.
(1)
في (ب) و (ز): بركعة.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 94، مسائل ابن هانئ 1/ 83.
(3)
أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749).
(4)
أخرجه مسلم (736).
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 95، مسائل صالح 1/ 366، مسائل عبد الله ص 94.
(6)
ينظر: الإنصاف 4/ 115.
وقيل: له سَرْد إحدى عشرةَ بتشهُّدٍ واحدٍ وسلامٍ.
وقيل: أكثره ثلاث عشرة ركعةً؛ لما روى أحمد: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن أم سلمة، قالت:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُوتِر بثلاثَ عشرةَ، فلمَّا كبر وضعف أوتر بسبعٍ»
(1)
.
ويحتمل أنَّهما الرَّكعتان اللَّتان كان يصلِّيهما جالسًا بعد الوتر، أو ركعتا الفجر، وفيه بُعد.
واستحبَّ أحمد أن تكون
(2)
الرَّكعة عقيب الشَّفع، ولا يؤخِّرها عنه
(3)
، وليس كالمغرب حتمًا هـ
(4)
، ولا أنَّه ركعة قبله شفع لا حدَّ له م
(5)
، وتمسَّكا بأخبار فيها ضعف، على أنَّه لا حجَّة فيها
(6)
.
(1)
أخرجه أحمد (26738)، والترمذي (457)، والنسائي (1708)، والحاكم (1149)، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم وابن الملقن، ووقع في هذا الحديث اختلاف في سنده، وأُعلَّ بالانقطاع بين يحيى الجزار وأم سلمة رضي الله عنها، نقله ابن رجب عن الأثرم. ينظر: فتح الباري لابن رجب 9/ 135 - 136، البدر المنير 4/ 303.
(2)
في (و): يكون.
(3)
ينظر: المغني 2/ 121.
(4)
ينظر: الحجة على أهل المدينة 1/ 191، بدائع الصنائع 1/ 271. فالمذهب عندهم: الوتر ثلاث حتمًا، لا ينقص عنه.
(5)
ينظر: البيان والتحصيل 1/ 453، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 316. فالمذهب عندهم: أن الوتر لا بد أن يكون قبله شفع، على خلاف بينهم: هل هو كمال في الوتر أو شرط له.
(6)
منها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «نهى عن البتيراء، أن يصلي الرجل ركعة واحدة يوتر بها» ، أخرجه ابن عبد البر في التمهيد 13/ 254، وفي سنده عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، قال العقيلي:(الغالب على حديثه الوهم).
ومنها: حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: «وتر الليل ثلاث كوتر النهار صلاة المغرب» ، أخرجه الدارقطني (1653)، وضعفه، وأعلَّه البيهقي وابن القيم بالوقف. ينظر: معرفة السنن الآثار 4/ 70، إعلام الموقعين 2/ 269، تهذيب التهذيب 10/ 179.
وينظر في أدلتهم أيضًا: المبسوط للسرخسي الحنفي 1/ 164، شرح التلقين للمازري المالكي، وينظر بحث المسألة والجواب عن أدلتهم: التعليق الكبير للقاضي أبي يعلى 2/ 187.
(وَإِنْ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ؛ سَرَدَ ثَمَانِيًا، وَجَلَسَ وَلَمْ يُسَلِّمْ، ثُمَّ صَلَّى التَّاسِعَةَ، وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ)؛ لما روت عائشة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك» رواه مسلم
(1)
.
وقيل: كإحدى عشرة؛ يسلِّم من كلِّ ركعتَين، ويوتر بركعةٍ.
قال في «الخلاف» عن فعله عليه السلام: قصد بيان الجواز، وإن كان الأفضل غيره، وقد نَصَّ أحمد على جواز هذا
(2)
.
(وَكَذَلِكَ السَّبْعُ)؛ أي: يَسْرُد سِتًّا، ويجلس ولم يسلِّم، ثمَّ يصلِّي السَّابعة، ويتشهَّد، ويسلِّم، نَصَّ عليه
(3)
، وجزم به في «الكافي» ؛ لفعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، رواه أحمد وأبو داود، وإسنادُه ثقات من حديث عائشة
(4)
.
والأشهر في المذهب، ونصَّ عليه أحمد: أنَّ السَّبع كالخمس
(5)
؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، رواه النَّسائي من حديث عائشة، وإسناده ثقات
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم (746).
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 94، زاد المسافر 2/ 230.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 94.
(4)
أخرجه أحمد (24269)، وأبو داود (1342)، وأصله في مسلم (746) بمعناه.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 94، زاد المسافر 2/ 230.
(6)
أخرجه أحمد (24269)، ومسلم (746)، وأبو داود (1343)، من طريق ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة، وفيه:«فلما أسن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه اللحم أوتر بسبع» .
وكذا أخرجه عبد الرزاق (4741) عن معمر، عن قتادة به.
ورواه هشام الدستوائي عند النسائي (1719)، وهمام عند أبي داود (1342)، وغيرهما عن قتادة به، وفيه:«لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة» ، فذكر صفة الإيتار بسبع.
ورواه شعبة عند النسائي (1718)، عن قتادة بلفظ:«صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن» ، وقد ثبت عن شعبة أنه قال:(هشام أعلم بحديث قتادة مني وأكثر مجالسة له مني)، وهو حديث صحيح، صححه ابن خزيمة وابن حبان، وهو في صحيح مسلم (746).
واختار الإمام أحمد فيما نقله أبو طالب: أنه لا يقعد إلا في آخرهن، واقتصر ابن حبان ومحمد بن نصر المروزي والبيهقي وابن القيم على رواية الدستوائي، وجوَّز ابن حزم والبغوي الوجهين. ينظر: مختصر قيام الليل ص 284، المحلى 2/ 86، شرح السنة 4/ 84، الهدي 1/ 320، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9/ 59، فتح الباري لابن رجب 9/ 109، البدر المنير 4/ 305، صحيح أبي داود 5/ 88 ..
(وَإِنْ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ؛ لَمْ يَجْلِسْ إِلاَّ فِي آخِرِهِنَّ)، هذا المذهب؛ لقول عائشة:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي من اللَّيل ثلاثَ عشْرةَ ركعةً، يوتر من ذلك بخمسٍ، لا يجلس في شيء إلاَّ في آخرهنَّ» متَّفَقٌ عليه
(1)
.
وحكى ابن عَقِيل في جميع ذلك وجهين:
أحدهما: أنَّه
(2)
يسلِّم من كلِّ ركعتين، ويوتر بواحدة، قال: وهذا أصحُّ.
والثَّاني: يصلِّي الجميع بسلام، فيجلس عُقَيب الشَّفع، ويتشهَّد ثمَّ يقوم، فيأتي بركعةٍ، ثمَّ يتشهَّد ويسلِّم.
(وَأَدْنَى الْكَمَالِ: ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ)، ذكره الجماعة
(3)
؛ منهم أبو الخطَّاب، وجزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع»؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«افصل بين الواحدةِ والثِّنتينِ بالتَّسليم» رواه الأثرم بسنده عن نافع عن ابن عمرَ
(4)
، وهو قول جماعة من الصَّحابة ومن بعدهم
(5)
، ولأنَّ الواحدةَ
(1)
أخرجه بهذا اللفظ مسلم (737)، وأخرجه البخاري (1140)، إلا أنه لم يذكر:«يوتر من ذلك بخمسٍ، لا يجلس في شيء إلاَّ في آخرهنَّ» .
(2)
قوله: (أنه) سقط من (و).
(3)
كتب فوقها في (و): (وفاقًا لمالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يفصل بسلام، واستدل بقول عائشة: كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث).
(4)
أخرجه الدارقطني (1677)، وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(5)
أخرج البخاري (991)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته» .
وأخرج ابن أبي شيبة (6815)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1748)، عن نافع وسعيد المقبري قالا:«رأينا معاذًا القاري يسلم في ركعتي الوتر» ، وإسناده صحيح.
وأخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (1754)، عن عامر الشعبي قال:«كان آل سعد وآل عبد الله بن عمر يسلمون في الركعتين من الوتر، ويوترون بركعة ركعة» ، ولا بأس بإسناده.
المفردة اختلف في كراهتها، والأفضل أن يتقدَّمها شفع، فلذلك كانت الثَّلاث أدنى الكمال.
لكن إن سردهنَّ بسلام جاز، ذكره جماعةٌ.
وقال القاضي: إذا صلَّى الثَّلاثَ بسلام، ولم يكن جلس عُقَيب الثَّانية؛ جاز، وإن كان جلس؛ فوجهان: أصحُّهما: لا يكون وترًا.
(يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: {سَبِّحِ} [الأعلى: 1]، وَفِي الثَّانِيَةِ: {قل يا أيها الكافرون}، وَفِي الثَّالِثَةِ: {قل هو الله أحد})؛ لما رَوى ابنُ عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ ذلك» رواه أحمد والتِّرمذي
(1)
، ورواه أبو داود وغيرُه من حديث أُبيِّ بنِ كَعب، زاد أحمدُ
(2)
والنَّسائيُّ: «فإذا سلَّم قال: سُبحان الملكِ القدوس
(3)
ثلاثًا»، ولهما في روايةٍ: «ورفع صوتَه بالأخيرة
(4)
»
(5)
.
وعنه: يضيف مع الإخلاص المعوِّذَتَين؛ «لأنَّه عليه السلام كان يقرأ بذلك» رواه
(1)
أخرجه أحمد (2720)، والترمذي (462)، وصحح إسناده النووي، وابن الملقن، والعراقي. ينظر: الخلاصة 1/ 556، البدر المنير 4/ 338، تخريج أحاديث الإحياء ص 231.
(2)
قوله: (زاد أحمد) هو في (أ): (وأحمد).
(3)
قوله: (القدوس) سقط من (أ).
(4)
في (و): بالآخرة.
(5)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (21142)، وأبو داود (1423)، والنسائي (1699)، وعند الدارقطني (1660) زيادة، أن يقول في الأخيرة:«رب الملائكة والروح» ، قال النووي:(إسناده صحيح)، وكذا قال العراقي في تخريج الإحياء. ينظر: الخلاصة 1/ 556، تخريج أحاديث الإحياء ص 407.
ابن ماجَهْ والدَّارَقُطْنيُّ من حديثِ عائشةَ، لكنْ فيه ضعفٌ، وذكر في «التَّحقيق»: أنَّه لا يَصحُّ، وقد أنكر أحمدُ وابن معينٍ زيادتهما
(1)
.
(وَيَقْنُتُ فِيهَا)؛ أي: في الرَّكعةِ الآخرةِ في جميع السَّنَة على الأصحِّ؛ لأنَّه عليه السلام كان يقول في وتره أشياء تأتي
(2)
، و (كان) للدَّوام، ولأنَّ ما شُرِع في رمضان شُرِع في غيره؛ كعدده.
وعنه: لا يَقنُت إلاَّ في النِّصف الأخير من رمضان، اختاره الأثرم؛ «لأنَّ أُبيًّا كان يفعل ذلك حين يصلِّي التَّراويح» رواه أبو داود والبيهقيُّ، وفيه انقطاع
(3)
، ثمَّ هو رأي أُبيٍّ.
(1)
أخرجه أبو داود (1424)، والترمذي (463)، وابن ماجه (1173)، من طريق خُصيف، عن عبد العزيز بن جريج، قال: سألنا عائشة، بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
الحديث، وهو حديث لا يصح؛ فيه علتان:
الأولى: خصيف بن عبد الرحمن الجزري، وهو صدوق سيئ الحفظ، خلط بأخرة، كما في التقريب.
والثانية: عبد العزيز بن جريج والد عبد الملك، وهو لم يسمع من عائشة، ونص البخاري والعقيلي أنه لا يتابع على حديثه هذا، وقال العقيلي:(حديث ابن عباس وأبي بن كعب بإسقاط المعوذتين أصح)، وضعَّف الحديثَ ابنُ الجوزي وابنُ القطان وغيرهما.
وروي من وجه آخر: أخرجه الدارقطني (1649)، من طريق يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة به، وأنكره أحمد على يحيى بن أيوب المصري، وأعله أبو حاتم، وقال ابن الجوزي:(لا يصح). ينظر: التاريخ الكبير 6/ 23، علل ابن أبي حاتم 2/ 330، الضعفاء للعقيلي 3/ 12، التحقيق 1/ 458، بيان الوهم والإيهام 3/ 384، تنقيح التحقيق 2/ 423 - 424.
(2)
قوله: (أشياء تأتي) هو في (أ): ما شاء يأتي.
(3)
أخرجه أبو داود (1429)، والبيهقي في الكبرى (4300)، عن الحسن نحوه. وهو منقطع، الحسن لم يلق عمر وأُبيًّا.
وأخرج أبو داود (1428)، والبيهقي في الكبرى (4299)، عن محمد بن سيرين، عن بعض أصحابه نحوه، وفيه جهالة راويه.
وأخرج عبد الرزاق (7729)، عن الزهري نحوه. والزهري لم يلق أُبيًّا.
ومجموع طرقه تدل على ثبوته، قال ابن خزيمة في صحيحه 2/ 154:(وأعلى خبر يحفظ في القنوت في الوتر عن أُبي بن كعب في عهد عمر بن الخطاب موقوفًا، أنهم كانوا يقنتون بعد النصف، يعني من رمضان).
وعنه: أنَّه رجع عنها.
وخيَّر الشَّيخ تقيُّ الدِّين في دعاء
(1)
القنوت بين فعلِه وتركِه، وأنَّه إن صلَّى بهم قيام رمضان، فإن قنَت جميع الشَّهر، أو نصفه الأخير، أو لم يقنت بحال؛ فحسن
(2)
.
(بَعْدَ الرُّكُوعِ) نَصَّ عليه
(3)
، روي عن الخلفاء الرَّاشدين
(4)
؛ لما روى أبو هريرة وأنس: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قنَت بعد الرُّكوع» متَّفق عليه
(5)
.
وعنه: يسنُّ قبله، لكن يكبِّر، ثمَّ يَقنُت، نَصَّ عليه
(6)
، روي عن جمع من الصَّحابة
(7)
. قال الخطيب: (الأحاديث الَّتي جاء فيها قبل الرُّكوع كلُّها معلولة).
(1)
في (ب): في الدعاء، وسقطت (في) من (أ).
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 271.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 90، مسائل ابن منصور 9/ 4851.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (7012)، والبيهقي في الكبرى (3108)، عن العوام بن حمزة، قال: سألت أبا عثمان عن القنوت، فقال:«بعد الركوع» ، فقلت: عمن؟ فقال: «عن أبي بكر، وعثمان» ، إسناده حسن كما قال البيهقي.
وأخرج ابن أبي شيبة (6902)، والبيهقي في الكبرى (4860)، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي:«أن عليًّا، كان يقنت في الوتر بعد الركوع» ، وعطاء اختلط، وقد جاء عند ابن أبي شيبة (7020)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1492)، بالإسناد نفسه إلا أنه قال:«قبل الركوع» ، مكان:«بعد الركوع» ، ولعل ذلك بسبب اختلاط عطاء كما ذكر الألباني رحمه الله تعالى. ينظر: الإرواء 2/ 166.
(5)
أخرجه البخاري (4560)، ومسلم (675). من حديث أبي هريرة، وحديث أنس عند البخاري (1001)، ومسلم (677).
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 101.
(7)
قال ابن المنذر في الأوسط 5/ 208: (فممن روي عنه أنه قنت قبل أن يركع: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وابن عباس).
فمن ذلك: ما أخرجه عبد الرزاق (4966)، وابن المنذر في الأوسط (2723)، وابن ماجه (1183)، والحازمي في الاعتبار (ص 96)، عن حميد، عن أنس قال: قلت له: كيف كنتم تقنتون؟ قال: «كل ذلك، قبل الركوع وبعده» ، واللفظ لعبد الرزاق، وفي رواية ابن ماجه:«سئل عن القنوت في صلاة الصبح» ، قال الحازمي:(هذا إسناد صحيح لا علة له)، وهو كما قال.
وأخرج البخاري (4088)، عن عبد العزيز بن صهيب: سأل رجل أنسًا عن القنوت؛ أبعد الركوع أو عند فراغ من القراءة؟ قال: «لا، بل عند فراغ من القراءة» ، وذلك لما دعا على قوم في نازلة من النوازل.
ويرفع يديه إلى صدره، ويبسط بطونهما نحو السَّماء، نصَّ على ذلك
(1)
.
(فَيَقُولُ) الإمامُ جهرًا، وكذا منفرِدٌ نَصَّ عليه
(2)
، وقيل: ومأموم، وكان أحمدُ يُسِرُّ
(3)
، وظاهر كلام جماعةٍ: أنَّ الجهر مختصٌّ بالإمام فقط، قال في «الخلاف»: وهو أظهر، (اللَّهُمَّ) أصله: يا الله، فحذفت ياء من
(4)
أوَّله، وعوِّض عنها الميم في آخره، ولذلك
(5)
لا يجتمعان إلاَّ في ضرورة الشِّعر؛ لئلاَّ يجمع بين العوض والمعوَّض، ولحظوا في ذلك: أن يكون الابتداء بلفظ اسم الله تعالى؛ تبرُّكًا وتعظيمًا، أو طلَبًا
(6)
للتَّخفيف بتصيير اللَّفظين لفظًا واحدًا.
(إِنَّا
(7)
نَسْتَعِينُك، وَنَسْتَهْدِيكَ، وَنَسْتَغْفِرُكَ)؛ أي: نطلب منك المعونة، والهداية، والمغفرة، (وَنَتُوبُ إِلَيْكَ)، التَّوبة: الرُّجوع عن الذَّنب، وفي
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 90.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 362.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 96.
(4)
في (و): في.
(5)
في (و): وكذلك.
(6)
في (أ) و (ب): وطلبًا.
(7)
قوله: (إنا) سقط من (ز).
الشَّرع: النَّدم على ما مضى من الذَّنب، والإقلاع في الحال، والعزم على ترك العود في المستقبل؛ تعظيمًا لله تعالى، فإن كان الحقُّ لآدَميٍّ؛ فلا بدَّ أن يحلِّله.
(وَنُؤْمِنُ بِكَ)؛ أي: نصدِّق بوحدانيتك، (وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ)، قال الجَوهريُّ:(التوكُّل إظهار العجز، والاعتماد على الغير، والاسم التُّكلان)
(1)
، وقال ذو النُّونِ المصريُّ:(هو ترك تدبير النَّفس، والانخلاع من الحول والقوَّة)
(2)
، وقال سهْل بن عبد الله:(هو الاسترسالُ مع الله تعالى على ما يريد)
(3)
.
(وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ)؛ أي: نمدَحك، ونصفك بالخير، والثَّناء في الخير خاصَّةً، وبتقديم النُّون؛ فيعمل في الخير والشَّرِّ، وقال أبو
(4)
عثمان المَعَافِرِيُّ: (أثنَيت على الرَّجل: وصفته
(5)
بخَيرٍ أو شرٍّ)
(6)
.
(نَشْكُرُكَ
(7)
وَلَا نَكْفُرُكَ)، أصل الكفر: الجحودُ والتِّيهُ، قال في
(1)
ينظر: الصحاح 5/ 1845.
(2)
ينظر: الرسالة القشيرية ص 300.
وذو النون: ثوبان بن إبراهيم الإخميميّ المصري، أبو الفَيَّاض، أو أبو الفيض، أحد الزهاد العباد المشهورين، من أهل مصر، توفي سنة 245 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 1/ 315، الأعلام 2/ 102.
(3)
ينظر: الرسالة القشيرية ص 300.
وهو سهل بن عبد الله بن يونس التستري، أبو محمد، أحد الزهاد، له كتاب في تفسير القرآن، توفي سنة 283. ينظر: وفيات الأعيان 2/ 429، الأعلام 3/ 143.
(4)
في (أ): ابن.
(5)
في (أ): تصفه.
(6)
ينظر: المطلع ص 118.
والمعافري: هو أبو عثمان سعيد بن محمد المعافري، من أهل قرطبة، ويعرف بابن الحداد، أخذ عن أبي بكر بن القوطية، وهو الذي بسط كتابه في الأفعال وزاد فيه، توفي بعد الأربعمائة. ينظر: بغية الوعاة 1/ 589.
(7)
في (و): ونشكرك.
«المطالع
(1)
»: (والمرادُ هنا كفرُ النِّعمة؛ لاقترانه بالشُّكر).
(اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ)، قال الجَوهَريُّ:(معنى العبادةِ: الطاعةُ والخضوعُ والتَّذلُّلُ)
(2)
، ولا يستحقُّه إلاَّ الله تعالى، قال الفخرُ إسماعيلُ
(3)
وأبو البقاء: العبادةُ ما أُمر به شرعًا من غير اطِّرادٍ عُرْفيٍّ، ولا اقتضاءٍ عقليٍّ، وسُمِّي العبدُ عبدًا؛ لذِلَّته وانقياده لمولاه.
(وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ) لا لغيرك، (وَإِلَيْكَ نَسْعَى)، يقال: سعَى يسعَى سعيًا: إذا عدا.
وقيل: إذا كان بمعنى الجَرْيِ عُدِّيَ ب (إلى)، وإذا كان بمعنى العمل فباللاَّم؛ لقوله تعالى:{وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسرَاء: 19].
(وَنَحْفِدُ) بفتح النُّون، ويجوز ضمُّها، يقال: حفَد بمعنى: أسرع، وأحفد لغةٌ فيه بمعنى نُحفِد
(4)
: نُسرع؛ أي: نُبادر بالعمل والخدمة.
(نَرْجُو رَحْمَتَكَ)، يقال: رجوته، أي
(5)
: أمَّلته، والرَّحمةُ: سَعةُ العَطاءِ، (وَنَخْشَى عَذَابَكَ)؛ أي: نخاف عُقوبتك؛ لقوله تعالى: {نَبِّاءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ (50)} [الحِجر: 49 - 50]، (إِنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ) بكسر الجيم: الحقَّ، لا اللَّعب
(6)
، (بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ) بكسر الحاء؛ أي: لاحِقٌ بهم، ومن فتحها أراد أنَّ الله يُلحقه إيَّاه، وهو معنًى
(1)
في (ب): المطلع. وهو الصواب. ينظر: المطلع ص 118.
(2)
ينظر: الصحاح 2/ 503.
(3)
هو إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي المأموني، الفقيه الأصولي، المناظر المتكلم، أبو محمد، ويلقب فخر الدين، من مصنفاته: جنة الناظر وجنة المناظر في الجدل، توفي سنة 610 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 3/ 142، المقصد الأرشد 1/ 269.
(4)
في (أ): يحفد.
(5)
في (أ) و (ب): إن.
(6)
في (أ) و (و) و (ز): التعب.
صحيحٌ، غَير أنَّ الرِّوايةَ هي الأُولى، قال الخلاَّلُ: سألتُ ثعْلبًا عن ملحِق وملحَق، فقال: العربُ تقولهما جميعًا.
هذا الدُّعاء قنَت به عمرُ رضي الله عنه، وفي أوِّله:«بسم الله الرَّحمن الرَّحيم» ، وفي آخره:«اللَّهمَّ عَذِّبْ كفرةَ أهلِ الكتاب الذين يصدُّون عن سبيلك»
(1)
، وهاتانِ سُورتانِ في مُصحَف أُبَيٍّ، قال ابنُ سِيرينَ: كتبهما أُبيٌّ في مُصحَفه إلى قوله: «ملحق»
(2)
، زاد غيرُ واحدٍ:«ونخلع ونترك من يكفرك» .
(اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ)، أصل الهُدَى
(3)
: الرِّسالة والبيان؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقَيمٍ} [الشّورى: 52]، فأمَّا قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القَصَص: 56]، فهي من الله تعالى التَّوفيقُ والإرشادُ، وطلب الهداية من المؤمنين مع كونهم مُهتدين؛ بمعنى طلَب التَّثبيت عليها، أو بمعنى المزيد منها.
(وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ)، المرادُ بها: العافية من الأسقام والبلايا، والمُعافاةُ: أن يُعافِيَك الله من النَّاس، ويُعافِيَهم منك.
(وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ)، البرَكةُ: الزِّيادةُ، وقيل: هي حلُول
(4)
الخير الإلهيِّ في الشيء
(5)
، والعَطِيَّةُ: الهِبةُ، والمرادُ بها: ما أنعم به.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (4969)، وابن أبي شيبة (7031)، وأبو داود في مسائله (480)، والبيهقي في الكبرى (3143)، وإسناده صحيح، قال البيهقي:(صحيح موصول).
(2)
أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص 318)، ورجاله ثقات. وأخرج أيضًا (ص 319)، عن عزرة بن عبد الرحمن بن زرارة أنه قرأ ذلك في مصحف أُبي. وإسناده صحيح. وأخرج ابن أبي شيبة (7030)، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة (2/ 712)، عن ميمون بن مهران نحوه. وأخرج ابن الضريس في فضائله كما في الدر المنثور للسيوطي (8/ 695)، عن حماد بن سلمة قوله: قرأنا في مصحف أبي بن كعب، وذكره.
(3)
في (ب): الهداية.
(4)
في (أ): طول.
(5)
في (أ): البر.
(وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ)، الوليُّ: ضِدُّ العدوِّ؛ وهو فَعِيل من تَلَيْت الشيء إذا عُنيت به، ونظرت فيه؛ كما ينظر الوليُّ في مال اليتيم؛ لأنَّه تعالى ينظر في أمر وليِّه بالعناية، ويجوز أن يكون من وَلَيت الشَّيء: إذا لم يكن بينه وبينه واسطةٌ؛ بمعنى: أنَّ الوليَّ يقطع الوسائط بينه وبين الله تعالى حتَّى يصير في مقام المراقبة والمشاهدة؛ وهو مقام الإحسان.
(وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ)، سبحانه لا رادَّ لأمره، ولا معقِّب لحكمه؛ فإنَّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، (إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ)، رواهُ أحمدُ، ولفظُه له، وتَكلَّم فيه، وأبو داودَ والتِّرمذيُّ، وحسَّنه من حديث الحَسنِ بنِ عليٍّ قال: «علَّمني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهنَّ في قنوت الوتر: اللَّهمَّ اهدني
…
» إلى «وتعاليت» ، وليس فيه:«ولا يعزُّ من عادَيْتَ» ، ورواه البَيهَقيُّ، وأثبتها فيه
(1)
، وتبعه المؤلِّف.
والرِّواية إفراد الضَّمير، وجمعها المؤلِّف؛ لأنَّ الإمامَ يُستحَبُّ له أن يُشارِك المأمومَ في الدُّعاء.
وفي «الرِّعاية» : لك الحمدُ على ما قضَيتَ، نستغفرك اللَّهمَّ ونتوب إليك، لا لَجَأَ
(2)
، ولا
(3)
مَلْجَأ ولا مُلتَجَأ
(4)
ولا مَنْجَا منك إلا إليك.
(1)
أخرجه أحمد (1718)، وأبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (1745)، وابن خزيمة (1095)، وابن حبان (945)، قال الترمذي:(حديث حسن ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئًا أحسن من هذا)، وصححه النووي وابن الملقن وغيرهما، ولفظة:«ولا يعزُّ من عادَيْتَ» هي عند أبي داود، والبيهقي (3138)، وأعلَّ بعضُ الحفاظ كابن خزيمة ذكر قنوت الوتر فيه، وأنه من أفراد بعض الرواة. ينظر: الخلاصة 1/ 445، البدر المنير 3/ 630، التلخيص الحبير 1/ 603.
(2)
قوله: (لا لجأ) سقط من (و)، وهو في (ز): لا نجا.
(3)
في (و): لا.
(4)
قوله: (ولا ملتجأ) سقط من (و).
(اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ)، قال الخطَّابي:(في هذا معنًى لطيفٌ، وذلك أنَّه سأل الله تعالى أن يجيره برضاه من سخطه، وهما ضدَّان، ومتقابلان، وكذلك المعافاة، والمؤاخذة بالعقوبة، لجأ إلى ما لا ضدَّ له؛ وهو الله، أظهر العجز والانقطاع، وفزع منه إليه، فاستعاذ به منه)
(1)
.
قال ابن عَقيل: لا يَنبغي أن يقولَ في دعائه: أعوذ بك منك؛ إذ حاصله أعوذ بالله من الله. وفيه نَظَرٌ؛ إذ هو ثابت في الخبر.
(لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ)؛ أي: لا نُطيقه، ولا نَبلغه، ولا تنتهي
(2)
غايتُه؛ لقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المُزّمل: 20]؛ أي: تطيقوه، (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)، اعترافٌ بالعجز عن تفصيل الثَّناء، وردٌّ إلى المحيط علمُه بكل شَيءٍ جُملةً وتفصيلاً، فكما أنَّه تعالى لا نهاية لسلطانه وعظمته؛ لا نهاية للثناء عليه؛ لأنَّه تابِعٌ للمُثْنى عليه.
رُوي هذا عن عليٍّ: أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك» رواه الخمسةُ، ورُواتُه ثِقاتٌ
(3)
.
قال في «الشَّرح» : (ويقول في قنوت الوتر ما رُوي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه)، وهو معنى ما نقله أبو الحارث: يدعو بما شاء
(4)
.
واقتصر جماعةٌ على دعاء: «اللَّهمَّ اهْدِنا» ، وظاهِرُه أنَّه يُستحَبُّ، وإن لم
(1)
ينظر: معالم السنن 1/ 214.
(2)
في (و): ينتهي.
(3)
أخرجه أحمد (751)، وأبو داود (1427)، والترمذي (3566)، والنسائي (1747)، وابن ماجه (1179)، قال الترمذي:(حديث حسن)، وصححه الألباني. ينظر: صحيح أبي داود 5/ 169.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 363.
يتعيَّن، واختاره أحمدُ
(1)
، ونقل المَرُّوذِيُّ: يُستحَبُّ بالسُّورتين، وأنه لا توقيت
(2)
.
ويصلِّي على النَّبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، نَصَّ عليه
(3)
، قال ابنُ تميمٍ: في أوَّلِه ووسَطِه وآخرِه. وفي «التَّبصرة» : وعلى آله.
وقوله تعالى: الآية {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا
…
(111)} [الإسرَاء: 111]، قال في «الفروع»:(فيتوجَّه قولُها قُبَيلَ الأذان، وفي «نهاية أبي المعالي»: يُكرَه).
فرع: المنفرِد يُفرِدُ الضَّمير، ويَجهَر به، نَصَّ عليه، وعند الشَّيخ تقيِّ الدِّين: يَجمَعه
(4)
؛ لأنَّه يدعو لنفسه وللمؤمنين.
ويؤمِّن مأمومٌ على الأصحِّ إن سَمع. وعنه: أنَّه يقنُت معه، ويجهر به. وعنه: يتابعه في الثَّناء، ويؤمِّن على الدعاء. وعنه: يخيَّر.
وإن لم يسمع؛ دعا، نَصَّ عليه
(5)
.
وذكر أبو الحسين رواية فيمن صلَّى خلف من يقنُت في الفجر: أنَّه يسكت، ولا يتابعه
(6)
.
(وَهَلْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ) إذا فرغ؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أشهرهما: أنَّه يمسح بهما وجهه، نقله أحمد
(7)
، واختاره الأكثرُ؛ لما
(1)
ينظر: الفروع 2/ 363.
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 231، مختصر ابن تميم 2/ 180، الفروع 2/ 363.
(3)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 180، الفروع 2/ 363.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 365.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 102.
(6)
ينظر: النكت على المحرر 1/ 90.
(7)
جاء في مسائل عبد الله ص 91: (سُئِلَ أبي وأنا أسمع، عن رفع الأيدي في القنوت يمسح بها وجهه؟ قال: الحسن يُروى عنه أنه كان يمسح بها وجهه في دعائه إذا دعا).
روى السَّائب بنُ يزيدَ عن أبيه: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يدَيه، ومسح بهما وجهه» رواه أبو داود من
(1)
رواية ابن لَهِيعةَ
(2)
، وكخارِج الصَّلاة.
والثَّانية: لا، نقلها الجماعةُ
(3)
، واختارها الآجُرِّي؛ لضعف الخبر.
وعنه: يُكرَه، صحَّحها في «الوسيلة» .
وعنه: يَمرُّ بهما
(4)
على صدره، وإذا سجد رفع يديه، نَصَّ عليه؛ لأنَّه مقصود في القيام، فهو كالقراءة، ذكره القاضي وغيره، وقيل: لا، وهو أظهر.
(وَلَا يَقْنُتُ فِي غَيْرِ الْوَتْرِ)، رُويت كراهتُه
(5)
عن ابن مسعود
(6)
وابن عبَّاسٍ
(7)
وابن عمر
(8)
(1)
في (أ): في.
(2)
أخرجه أبو داود (1492)، وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف، وفيه أيضًا حفص بن هاشم بن عتبة وهو مجهول، وأخرجه الترمذي من حديث عمر رضي الله عنه، ولكنه لا يصح، قال ابن معين وأبو زرعة:(هذا حديث منكر)، وذلك لأن في سنده حماد بن عيسى الجهني، قال عنه ابن معين:(شيخ صالح)، وقال أبو حاتم:(ضعيف الحديث)، وقال أبو داود:(ضعيف روى أحاديث مناكير)، وقال ابن حجر في التقريب:(ضعيف). ينظر: تهذيب التهذيب 3/ 19، البدر المنير 3/ 640، الإرواء 2/ 178.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 102، مسائل عبد الله ص 95، الروايتين والوجهين 1/ 164.
(4)
في (أ): يمر يده.
(5)
في (أ): كراهيته.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (4949)، وابن أبي شيبة (6966)، والطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس - (673)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1506)، والطبراني في الكبير (9165، 9432)، وغيرهم من وجوه متعددة أن ابن مسعود رضي الله عنه كان لا يقنت في صلاة الفجر.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (6995)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1502)، عن مجاهد وسعيد بن جبير:«أن ابن عباس كان لا يقنت في صلاة الفجر» ، وإسناده صحيح، وله طرق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(8)
أخرجه مالك (1/ 159)، والشافعي (ص 228)، وعبد الرزاق (4952)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1511)، والبيهقي في المعرفة (3902)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات» ، وروي عن ابن عمر من طرق أخرى صحاح.
وأبي الدَّرْداء
(1)
، وصرَّح
(2)
ابن تميم بأنَّه بِدْعةٌ.
وعن أحمد: الرُّخصة فيه في الفجر، ورواه
(3)
الخطيب عن أبي بكر
(4)
وعمر
(5)
وعليٍّ
(6)
بأسانيدَ ضعيفةٍ.
قال أحمدُ: ثنا عبد الرَّزاق، ثنا أبو جعفرٍ الرَّازي، عن الرَّبيع بن أنس، عن أنس قال:«ما زال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقنُت في الفجر حتَّى فارَقَ الدُّنيا» ، ورواه
(7)
الخطيبُ وجماعةٌ من طريق أبي جعفرٍ الرَّازي، واسمه عيسى بن ماهانَ، وثَّقه جماعة وضعَّفه آخرون
(8)
، ولأنَّ عمر كان يقنُت فيها بمحضَر من
(1)
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس - (655)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1509)، عن علقمة بن قيس، قال:«لقيت أبا الدرداء بالشام، فسألته عن القنوت، فلم يعرفه» ، وإسناده صحيح.
(2)
في (ب) و (ز): وخرج. والمثبت موافق لما في مختصر ابن تميم 2/ 170.
(3)
في (و): رواه.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (7001)، عن شيخ:«أن أبا بكر قنت في الفجر» ، وإسناده ضعيف لهذا المبهم.
(5)
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس - (591)، وابن المنذر في الأوسط (2721)، عن أبي عثمان النهدي:«أنه شهد عمر بن الخطاب يقنت في الفجر بعد الركوع» ، وإسناده صحيح.
(6)
أخرجه الطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس - (579)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1495)، والبيهقي في الكبرى (3115)، عن عبد الله بن معقل قال:«قنت عليٌّ رضي الله عنه في الفجر» ، قال البيهقي:(وهذا عن علي صحيح مشهور)، ولفظ الطبري:«فقنت على سبعة نفر: منهم فلان وفلان وأبو فلان وأبو فلان» .
(7)
في (و): رواه.
(8)
أخرجه أحمد (12657)، والدارقطني (1692)، وفي سنده عيسى بن ماهان وهو مختلف في حاله، لخص أمره ابن حجر بقوله:(صدوق سيئ الحفظ)، وذكر جمع من الأئمة أنه يغلط ويهم كثيرًا، مع ديانته وصدقه في نفسه، ومن هنا اختلف الأئمة في الحديث، فحكم بعض الأئمة على الحديث بالنكارة، قال ابن رجب:(منكر)، ونقل عن الأثرم أنه قال:(هو حديث ضعيف، مخالف للأحاديث)، ولهذا الحديث متابعات وطرق لا يصح منها شيء، قال ابن رجب:(وروي أيضًا ذلك عن أنس من وجوه كثيرة، لا يثبت منها شيء، وبعضها موضوعة)، ومال إلى تصحيح الحديث الحاكم والدارقطني والنووي والحازمي وغيرهم. ينظر: الخلاصة 1/ 450، فتح الباري لابن رجب 9/ 190 - 191، البدر المنير 3/ 620، التلخيص الحبير 1/ 597.
الصَّحابة وغيرهم، بل نصَّ أحمد أنَّه لا يقنُت فيها، وقال:(لا يُعجبني)
(1)
؛ لما روى مسلم عن أنس: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قنَت شهرًا يدعو على حيٍّ من أحياء العرب، ثمَّ تركه»
(2)
، وروى أبو هريرةَ وابنُ مسعودٍ نحوه مرفوعًا
(3)
، وعن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: إنَّك قد صلَّيت خلْف النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وخلف عليٍّ ههنا بالكوفة نحو عشر سنين، أكانوا يقنُتون في الفجر؟ قال:«أي بني! مُحدَث» رواه أحمد بإسناد صحيح، والتِّرمذيُّ، وقال:(العمل عليه عند أهل العلم)، وليس فيه (في الفجر)
(4)
.
ويُجاب عن حديث أنس السَّابق: أنَّه أراد طول القيام؛ فإنَّه يُسمَّى قنوتًا، أو أنَّه كان يقنُت إذا دعا لقومٍ أو دعا عليهم؛ للجمع بينهما، يؤيِّده ما روى سعيدٌ عن أبي هريرة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان
(5)
لا يقنُت في الفجر إلاَّ
(6)
إذا دعا لقوم، أو
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 99، مسائل عبد الله ص 91.
(2)
أخرجه البخاري (4090) بمعناه، ومسلم (677) بلفظ المصنف.
(3)
أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه (675)، ولم نقف على حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(4)
أخرجه أحمد (15879)، والترمذي (402)، وابن ماجه (1241)، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن الجوزي وغيره، وطعن فيه بعض الأئمة بأن طارقًا الأشجعي ليست له صحبة، وأجيب: بأن ابن سعد والبخاري أثبتا صحبته، وتكلم بعضهم في رواية ابنه أبي مالك واسمه سعد بن طارق، إلا أن أحمد وابن معين والعجلي وثَّقوه، وأخرج مسلم له حديثين في الصحيح. ينظر: تنقيح التحقيق 2/ 429 - 430.
(5)
في (ز): قال.
(6)
قوله: (إلا) سقط من (ب) و (و).
دعا عليهم»
(1)
، وعن فعل عمر: أنَّه كان في أوقات النوازل، وعن سعيد بن جُبَير، قال: أشهد على ابن عبَّاسٍ أنَّه قال: «القنوت في الفجر بِدعةٌ» رواه الدَّارَقُطْنيُّ
(2)
، ولأنَّها صلاةٌ مفروضةٌ، فلم يُسنَّ فيها كبقيَّة الصَّلواتِ.
(إِلاَّ أَنْ تَنْزِلَ بِالمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ)، هي الشَّديدة من شدائد الدَّهر؛ (فَلِلْإِمَامِ)؛ أي: يُستحبُّ للإمام الأعظم؛ لأنَّه عليه السلام هو الذي قنَت
(3)
، فيتعدَّى الحكمُ إلى من يقوم مقامه. وعنه: ونائبه. وعنه: بإذنه. وعنه: وإمام جماعة. وعنه: كلِّ
(4)
مصلٍّ، (خَاصَّةً الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ)، هذا رواية عن أحمد، واختاره المؤلِّف وغيره
(5)
، لفعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وعنه: والمغرب، قاله أبو الخطَّاب؛ «لأنَّه صلى الله عليه وسلم قنَت في المغرب والفجر» رواه مسلم
(6)
.
وقيل: والعشاء.
والمشهور من المذهب: أنَّه يقنت في الصَّلوات كلِّها، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لفعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عبَّاسٍ،
(1)
أخرجه البخاري (4560)، وابن خزيمة (619)، بلفظ: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع، فربما قال: إذا قال: سمع الله لمن حمده
…
»، وبلفظ المصنف أخرجه ابن خزيمة (620)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
أخرجه الدارقطني (1704)، والبيهقي في الكبرى (3159)، وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن ميسرة أبو ليلى، ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وآخرون، قال البيهقي:(لا يصح، وأبو ليلى الكوفي متروك). ينظر: تهذيب التهذيب 6/ 48.
(3)
كما سبق تخريجه قريبًا من حديث أنس وأبي هريرة في الصحيحين وغيرهما.
(4)
في (أ) و (ب): وكل.
(5)
زاد في (ب) و (ز): (وذكر في الشرح أنه الأولى) سقط من (أ) و (و)، وضرب عليها في الأصل.
(6)
أخرجه مسلم (678)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
رواه أحمد وأبو داود
(1)
.
قال في «الشَّرح» : (والأوَّل أَولى؛ لأنَّه لم يُنقل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، إلاَّ في الوتر والفجر).
ويُستثنى من ذلك: الجمعة؛ فإنَّه لا يقنت فيها على المنصوص
(2)
. وقيل: بلى.
ويرفع صوتَه في صلاة جهريَّة، وظاهر كلامهم: مطلقًا.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه: لا يقنت لرفع الوباء في الأظهر؛ لأنَّه لم يثبت القنوت في طاعون عَمْواسٍ
(3)
، ولا في غيره، ولأنَّه
(4)
شهادةٌ؛ للأخبار
(5)
فلا يُسأل رفعُه).
(ثُمَّ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ) التي تفعل مع الفرائض، (وَهِيَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ)، كذا ذكره معظم الأصحاب؛ لقَولِ ابنِ عمرَ: «حفِظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظُّهر، وركعتين بعدها
(6)
، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصُّبح، كانت ساعة لا يُدخَل على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيها
(7)
، حدثتْني حفصةُ: أنَّه
(1)
أخرجه أحمد (2746)، وأبو داود (1443)، وابن خزيمة (618)، والبيهقي (3098)، وصححه البغوي وابن الملقن، وحسنه الألباني. ينظر: شرح السنة 3/ 122، البدر المنير 3/ 627، الإرواء 2/ 163.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 367.
(3)
هنا ينتهي السقط من (د).
(4)
في (د) و (و): ولأنَّها.
(5)
لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الطاعون شهادة لكل مسلم» أخرجه البخاري (2830)، ومسلم (1916).
(6)
قوله: (وركعتين بعدها) سقط من الأصل و (أ).
(7)
زيد في (ب): أحد.
كان إذا أذَّن المؤذِّن وطلع الفجر صلَّى ركعتين» متَّفقٌ عليه
(1)
، وكذا أخبرت عائشةُ، رواه التِّرمذيُّ وصحَّحه
(2)
.
(وَهُمَا آكَدُهَا)؛ أي: أفضلها، لقول عائشة:«لم يكن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على شيء من النَّوافل أشدَّ تعاهدًا منه على ركعتيِ الفجر» متَّفقٌ عليه
(3)
، وقال أبو هريرة: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «صلُّوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل» رواه أحمد وأبو داود
(4)
.
وقيل: سنَّة المغرب.
ويستحبُّ تخفيف سنَّة الفجر، وقراءة ما وَرَدَ، لا الفاتحة فقط، وتجوز راكبًا، وتوقَّف أحمد في موضعٍ؛ نقل أبو الحارث: ما سمعت فيه شيئًا، ما أجترئ عليه
(5)
.
ويُستحبُّ الاضطجاع بعدهما على جنبِه الأيمنِ قَبْلَ فرضِه، نَصَّ عليه
(6)
؛ لقول عائشة: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى ركعتي الفجر اضطجع» ، وفي رواية:
(1)
أخرجه البخاري (1180)، ومسلم (729).
(2)
أخرجه الترمذي (414)، من طريق المغيرة بن زياد، عن عطاء، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ثابَرَ على ثنتي عشرة ركعة من السُّنَّة بنى الله له بيتًا في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر» ، قال الترمذي:(حديث عائشة حديث غريب من هذا الوجه)، وفي سنده المغيرة بن زياد وهو متكلم فيه، قال ابن حجر:(صدوق له أوهام)، وأعلَّ بعض الحفاظ هذا الحديث به، قال النسائي:(هذا خطأ، ولعل عطاء قال: عن عنبسة، فتصحف بعائشة)، قال ابن حجر:(يعني أن المحفوظ حديث عنبسة بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة، وقد أخرجه مسلم). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 34.
(3)
أخرجه البخاري (1169)، ومسلم (724).
(4)
أخرجه أحمد (9253)، وأبو داود (1258)، وإسناده ضعيف، فيه راو مجهول، وقال المنذري:(ليس بالقوي)، وضعفه الألباني. ينظر: الإرواء 2/ 183.
(5)
ينظر: الفروع 2/ 368.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 106، مسائل ابن منصور 2/ 651.
«فإن
(1)
كنت مستيقظةً حدَّثني، وإلاَّ اضطجع» متفق عليه
(2)
.
وذهب الظَّاهرية إلى وجوبه.
وعن أحمد: لا يستحبُّ؛ لأنَّ ابن مسعود أنكره
(3)
.
ونقل أبو طالبٍ: يكره الكلام بعدهما
(4)
، إنَّما هي ساعة تسبيح.
ولعلَّ المراد في
(5)
غير العلم؛ لقول الميموني: (كنَّا نتناظر أنا وأبو عبد الله في المسائل قبل صلاة الفجر)
(6)
، وغير الكلام المحتاجِ إليه.
ويتوجَّه: لا يكره؛ لحديث عائشة
(7)
.
(وَقَالَ
(8)
أَبُو الخَطَّابِ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ)، اختاره الآجُرِّي، وقال: اختاره أحمد؛ لحديث عليٍّ: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي قبل العصر أربعًا
(9)
، يفصل بينهنَّ بالتَّسليم على الملائكة المقرَّبين، ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين» رواه التِّرمذيُّ وحسَّنه
(10)
، وعن ابن عمر مرفوعًا: «رحم الله امرأً
(1)
في (ز): إن.
(2)
أخرجه البخاري (1119، 1160)، ومسلم (736، 743).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (6389)، عن إبراهيم قال: قال عبد الله: «ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يتمعَّك كما تتمعَّك الدابة والحمار، إذا سلَّم قعد فصلى» ، رجاله ثقات، وإبراهيم لم يسمع من ابن مسعود، إلا أن روايته عنه محمولة على الاتصال عند جماعة من المحدثين. ينظر: تهذيب التهذيب 1/ 177.
(4)
في (أ): قبلهما، وفي (د): دونهما بعدهما. ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 654، الفروع 2/ 368.
(5)
قوله: (في) سقط من (ب) و (د).
(6)
ينظر: الفروع 2/ 368.
(7)
سبق تخريجه قريبًا.
(8)
في (ز): قال.
(9)
زيد في (و): يصلي.
(10)
أخرجه أحمد (650)، وأبو داود (1272)، والترمذي (429)، والنسائي (874)، وابن ماجه (1161)، قال الترمذي:(حديث عليٍّ حديث حسن)، ومداره على عاصم بن ضمرة السلولي، وثقه أحمد وابن المديني وغيرهما، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق)، ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه كان يضعف هذا الحديث، وذكر ابن الملقن أن بعض أهل العلم صححه، وحسنه الألباني. ينظر: البدر المنير 4/ 75، السلسلة الصحيحة (237).
صلَّى قبل العصر أربعًا» رواه أحمدُ
(1)
.
ويُحمَل هذا على التَّرغيب، وليست من الرَّواتب؛ لأنَّ ابن عمر لم يحفظها
(2)
. واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أربعًا قبل الظُّهر
(3)
؛ لما روت أمُّ حبيبة مرفوعًا: «من صلَّى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعةً سوى المكتوبة؛ بنى الله له بيتًا في الجنَّة» رواه مسلم، والتِّرمذيُّ وزاد:«أربعًا قبل الظُّهر»
(4)
، وأخْبَرَت به عائشةُ عن صلاته عليه السلام، رواه مسلمٌ
(5)
.
تذنيب: فعلُ جميعِ الرَّواتبِ في البيتِ أفضلُ في قول الجمهور. وعنه: سنَّة المغرب والفجر. زاد في «المغني» : والعشاء في بيته، والباقي في المسجد؛ «لأنَّ ابن عمر أخبر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلاهنَّ في بيته» متَّفقٌ عليه
(6)
.
وعنه: التَّسوية.
(1)
أخرجه الطيالسي (2048)، وأحمد (5980)، وأبو داود (1271)، والترمذي (430)، وابن حبان (2453)، وفي سنده محمد بن إبراهيم بن أبي المثنى مسلم بن مهران بن المثنى القرشي، وهو صدوق يخطئ كما في التقريب، وينسب أحيانًا لجده، ولجد أبيه، ولجد جده، وقال الترمذي (حديث حسن غريب)، واستنكره أبو داود الطيالسي، وضعفه ابن القطان، وحسنه ابن الملقن والألباني وغيرهما. ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 215، بيان الوهم والإيهام 5/ 702، البدر المنير 4/ 286، صحيح أبي داود 5/ 13.
(2)
في (و): يحفظهما.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 280.
(4)
أخرجه مسلم (728)، والترمذي (415).
(5)
أخرجه البخاري (1182)، ومسلم (730).
(6)
أخرجه البخاري (1180)، ومسلم (729).
وكلُّ سنَّة قبل الصَّلاة؛ فوقتها من
(1)
دخول وقتها إلى فعلها، وبعدها إلى آخر وقتها.
ويُستحَبُّ الفصل بينهما بكلامٍ أو قيامٍ؛ لقول مُعاويةَ: «أُمرنا بذلك» رواه مسلم
(2)
.
وتجزئ سنَّة عن تحيَّة مسجدٍ، من غير عكس.
فإن فاتته سنَّة الظُّهر قبلها؛ قضاها بعدها وبدأ بها.
وهي وسنَّة الفجر بعدهما في الوقت؛ قضاءً، ذكره ابن الجوزي وصاحب «التَّلخيص» ، وقيل: أداءً.
(وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ السُّنَنِ؛ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهُ)، قدَّمه ونصره جماعةٌ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع»؛ لما روى أبو هريرة مرفوعًا:«من لم يُصلِّ ركعتي الفجر؛ فليصلِّهما بعدما تطلع الشَّمس» رواه التِّرمذيُّ، والبَيهَقيُّ وقال:(تفرَّد به عمرو بن عاصم، وهو ثقةٌ)
(3)
، وعن عائشةَ:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا لم يصلِّ أربعًا قبل الظُّهر؛ صلاهنَّ بعدها» رواه التِّرمذي، وإسنادُه ثِقاتٌ
(4)
.
(1)
في (أ): في.
(2)
أخرجه مسلم (883)، ولفظه: «
…
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، ألا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج».
(3)
أخرجه الترمذي (423)، وابن خزيمة (1117)، وابن حبان (2472)، والبيهقي (4231)، وقال الترمذي:(هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)، وكذا قال البغوي إنه حديث غريب، وأشار الترمذي أنه تفرد به عمرو بن عاصم الكلابي عن قتادة، وهو صدوق في حفظه شيء، والمعروف من حديث قتادة، بلفظ:«من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والألباني. ينظر: شرح السنة 3/ 335، السلسلة الصحيحة (2361).
(4)
أخرجه الترمذي (426)، وقال:(حديث حسن غريب).
وعنه: تُقضَى
(1)
سنَّةُ الفجر إلى الضُّحى.
وقيل: لا تقضى
(2)
إلاَّ هي إلى وقت الضُّحى، وركعتا الظُّهر.
مسألةٌ: يُكرَه تركُ الرَّواتب، فإن داوَم عليها، رُدَّ قوله
(3)
وأثم، قاله القاضي.
والمشهور: لا، لكن
(4)
قال أحمد: من ترك الوتر فهو رجلُ سوءٍ
(5)
.
فصلٌ: تسن المحافظة على أربع قبل الظُّهر، وأربع بعدها، وأربع قبل العصر، وأربع بعد المغرب، وقال المؤلِّف: ستٍّ، وأربع بعد العشاء غير السُّنن.
قال في «المستوعب» : التَّنفُّل بين المغرب والعشاء مرغَّب فيه؛ وهو التَّهجُّد.
ويجوز فعل ركعتين بعد الوتر جالسًا، ولا يُستحَبُّ في قول الأكثر. وعدَّها الآمِديُّ من السُّنن الرَّواتب، قال في «الرِّعاية»: وهو غريبٌ.
(ثُمَّ التَّرَاوِيحُ)، سُمِّيت به؛ لأنَّهم كانوا يجلسون بين كل أربع يستريحون، وقيل: لأنَّها مشتقَّة من المراوحة؛ وهي التَّكرار في الفعل.
وهي سنَّةٌ سنَّها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وليست مُحدَثةً لعُمرَ؛ وهي من أعلام الدِّين الظَّاهرة.
وقال أبو بكر: تجب
(6)
.
والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأنَّ في المتَّفق عليه من حديث عائشة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
في (ب) و (و): يقضي.
(2)
في (ب) و (و): يقضي.
(3)
قوله: (رد قوله) هو في (ب): ردت شهادته لقوله.
(4)
قوله: (لكن) سقط من (و)
(5)
ينظر: مسائل صالح 1/ 266، زاد المسافر 2/ 229.
(6)
في (أ) و (د): يجب.
صلاَّها بأصحابه
(1)
ليلتَين أو ثلاثًا، ثمَّ تركها خشيةَ أن تُفرض
(2)
»
(3)
.
(وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) في قول أكثر العلماء، وقد روى مالكٌ عن يزيدَ
(4)
بن رُومانَ قال: «كان النَّاس يقومون في زمن
(5)
عمر رضي الله عنه في رمضان بثلاثٍ وعشرين ركعة»
(6)
، والسِّرُّ فيه: أنَّ الرَّاتبة عشرٌ، فضُوعِفتْ في رمضان؛ لأنَّه وقت جدٍّ وتشميرٍ.
وقال مالكٌ: ستٌّ وثلاثون، وزعم أنَّه الأمرُ القديمُ، وتعلَّق بفعل أهل المدينة
(7)
.
وحكى التِّرمذيُّ عنهم أنَّها إحدى وأربعون ركعةً
(8)
، واختاره إسحاقُ.
وقال السَّائب بن يزيدَ: «أمر عمر أُبَيًّا وتميمًا أن يقوما بالنَّاس بإحدى
(1)
قوله: (صلاها بأصحابه) هو في (ب) و (ز): بالصحابة.
(2)
في (أ): تفترض، وفي (ز) و (و): يفرض.
(3)
أخرجه البخاري (924)، ومسلم (761).
(4)
في (ب) و (ز): زيد.
(5)
في (د): زمان.
(6)
أخرجه مالك (1/ 115)، ومن طريقه الفريابي في الصيام (179)، والبيهقي في الكبرى (4289)، وهو مرسل، قال البيهقي في فضائل الأوقات ص 276:(رواه يزيد بن رومان عن عمر بن الخطاب مرسلاً)، وقال كما في نصب الراية 2/ 154:(ويزيد بن رومان لم يدرك عمر).
(7)
جاء في المدونة 1/ 287: (قال مالك: بعث إليَّ الأمير وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقومه الناس بالمدينة، قال ابن القاسم: وهو تسعة وثلاثون ركعة بالوتر، ست وثلاثون ركعة والوتر ثلاث، قال مالك: فنهيته أن ينقص من ذلك شيئًا، وقلت له: هذا ما أدركت الناس عليه، وهذا الأمر القديم الذي لم تزل الناس عليه).
وأخرج ابن أبي شيبة (7689)، عن داود بن قيس، قال:«أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستًّا وثلاثين ركعة، ويوترون بثلاث» ، وإسناده صحيح.
(8)
ينظر: سنن الترمذي 2/ 162.
عشرة ركعة» رواه مالك
(1)
.
وقال أحمد: رُوي في هذا ألوانٌ
(2)
، ولم يَقضِ فيه بشيءٍ.
وقال عبدُ الله: رأيت أَبي يصلِّي في رمضانَ ما لا أُحصي
(3)
.
وقال أيضًا: لا بأس بالزِّيادة على عشرين ركعةً
(4)
، وحكاه في «الرِّعاية» قولاً.
(يَقُومُ بِهَا فِي رَمَضَانَ) بعد سُنَّة العشاء، وقبل الوَتر.
وعنه: أو بعد العشاء، جزم به في «العمدة» ، لا قبلها.
وخالف فيه بعضُ الحنفية، وأفتى به بعض أئمتنا؛ لأنَّها من صلاة اللَّيل، وشنَّع الشَّيخ تقيُّ الدِّين عليه
(5)
، ونسبه إلى البِدعة.
ولا يكفيها نيَّةٌ واحدةٌ في الأصحِّ.
(فِي جَمَاعَةٍ، وَيُوتِرُ بَعْدَهَا فِي الْجَمَاعَةِ) نَصَّ عليه
(6)
، قال أحمد:(كان علي وجابر وعبد الله يصلُّونها في الجماعة)
(7)
، وروى البَيهَقيُّ عن عليٍّ: «أنَّه
(1)
أخرجه مالك (1/ 115)، وعنه: النسائي في الكبرى (4670)، والفريابي في الصيام (174)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1741)، والبيهقي في الكبرى (4287)، وإسناده صحيح.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 759، زاد المسافر 2/ 226.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 96.
(4)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 186.
(5)
قوله: (عليه) سقط من (ب) و (ز). ينظر: الفروع 2/ 373، الاختيارات ص 97.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 757، مسائل أبي داود ص 90، زاد المسافر 2/ 226.
(7)
ينظر: التمهيد لابن عبد البر 8/ 118.
أثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (7701)، وابن أبي الدنيا في فضائل رمضان (43)، عن أبي عبد الرحمن، عن علي:«أنه قام بهم في رمضان» ، وأخرجه ابن أبي الدنيا (44)، من وجه آخر، ويتقوى كلا الإسنادين بالآخر.
وأثر جابر رضي الله عنه: لم نقف عليه.
وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (7741)، وابن أبي شيبة (7693)، والطبراني في الكبير (9588)، عن زيد بن وهب قال:«كان عبد الله يؤمنا في رمضان» ، واللفظ لابن أبي شيبة، وإسناده صحيح.
كان يجعل للرِّجال إمامًا، وللنِّساء إمامًا»
(1)
، وفي حديث أبي ذرٍّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جمع أهله وأصحابه، وقال:«إنَّه من قام مع الإمام حتَّى ينصرفَ كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ» رواه أحمد، وصحَّحه التِّرمذيُّ
(2)
.
وفُهِم منه: أنَّ وقتها ممتدٌّ إلى الفجر الثَّاني.
وظاهره: لا فرق بين المسجد وغيره، وجزم في «المستوعب» وغيره: أنَّ السُّنَّة المأثورة فعلها جماعةً في المساجد.
وفعلها أوَّلَ اللَّيل أحبُّ إلى أحمدَ، لكن ذكر ابن تميمٍ وغيرُه: أنَّه لا بأس بتأخيرها بمكَّةَ.
وشَمِل كلامُه: ما إذا كان أوَّلَه غَيمٌ وقلنا بالصَّوم، فإنَّها تُفعل، واختاره ابن حامد والسَّامَرِّيُّ.
واختار أبو حفصٍ: لا؛ وهو الأظهر، قاله في «التَّلخيص» .
أنواعٌ: يُسنُّ أن يجهر فيها، وفي الوتر بالقراءة.
واستحبَّ أحمدُ: أن يبتدئ فيها بسورة القلم، ثمَّ يسجد، ثمَّ يقوم فيقرأ من البقرة
(3)
.
ولا يزيد فيه على ختمة إلاَّ أن يؤثروا، ولا ينقص عنها، نَصَّ عليه
(4)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (5125، 7722)، وابن أبي شيبة (6152)، والبيهقي في الكبرى (4277)، وفي إسناده عمر بن عبد الله الثقفي، ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما. ينظر: تهذيب الكمال 21/ 417.
(2)
أخرجه أحمد (21419)، والترمذي (806)، وابن ماجه (1327)، وابن خزيمة (2206)، وابن حبان (2547)، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح).
(3)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 249، الفروع 2/ 374.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 91، المغني 2/ 124.
وقيل: يعتبر حالهُم.
ويدعو لختمه قبل ركوع آخر ركعة منها، ويرفع يديه، ويطيل الأولى ويعظ بعدها، نَصَّ على الكل
(1)
.
وقيل: يَختِم في الوتر ويدعو.
وقيل: يدعو بعد كل أربع؛ كبَعْدِها، وكرهه ابن عقيل، وقال: هو بدعةٌ.
ويستريح بين كل أربع، فعله السلف، ولا بأس بتركِه.
وقراءة الأنعام في ركعةٍ؛ بدعةٌ.
(فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ؛ جَعَلَ الْوَتْرَ بَعْدَهُ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخرَ صلاتِكم باللَّيلِ وترًا» متَّفقٌ عليه
(2)
، وهذا على سبيل الأفضلية.
(فَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَأَوْتَرَ مَعَهُ؛ قَامَ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَشَفَعَهَا بِأُخْرَى) نَصَّ عليه
(3)
، وجزم به الأشياخُ؛ لقوله عليه السلام:«لا وِترانِ في ليلةٍ» رواه أحمدُ وأبو داود من حديث قَيس بن طَلْق عن أبيه، وقَيس فيه لِين
(4)
.
قال السَّامَرِّيُّ: ويَنوِي بالرَّكعة فسخَ الوتر.
وعنه: يعجبني أن يوتر معه، اختاره الآجريُّ.
وقال القاضي: إن لم يُوتِر معه؛ لم يدخل في وتره؛ لئلاَّ يزيد على ما اقتضته تحريمة الإمام، فلو أوتر ثمَّ صلَّى؛ لم ينقض وتره، نَصَّ عليه
(5)
،
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 227.
(2)
أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751).
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 229، الفروع 2/ 376.
(4)
أخرجه أحمد (16296)، وأبو داود (1439)، والترمذي (470)، وابن خزيمة (1101)، وقال الترمذي:(حسن غريب)، وحسنه ابن الملقن، وصححه ابن خزيمة وابن حبان. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 43، صحيح أبي داود 5/ 184.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 652، مسائل عبد الله ص 92، مسائل أبي داود ص 94.
ونصره المؤلِّف، ثمَّ لا يوتر، ويتوجَّه احتمال يوتر.
وعنه: ينقُضه.
وعنه
(1)
: بركعة، ثمَّ يصلِّي مَثْنَى مَثْنَى، ثمَّ يُوتر.
وعنه: يخيَّر في نقضه.
وظاهر ما سبق: أنَّه لا بأس بالتَّراويح مرتَين في مسجد أو مسجدَين، جماعة أو فُرادى.
(وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ) نَصَّ عليه، وقال:(روي عن عبادة وأبي الدَّرداء وعقبة بن عامرٍ)
(2)
.
وظاهره: لا فرق بين الإمام وغيره؛ لما فيه من التَّطويل، ولقلَّة مبالاتهم بمتابعة إمامهم.
(1)
قوله: (وعنه) سقط من (أ) و (د).
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 92، مسائل صالح 3/ 44، مسائل عبد الله ص 96.
أثر عبادة رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (7730)، والبخاري في التاريخ الكبير (1961)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 155)، عن بَحير بن رَيْسان:«أنه كان عند عبادة بن الصامت شهد ذلك، زجرهم أن يصلوا إذا تروَّح الإمام في رمضان، فجعل يزجرهم وهم لا يبالون ولا ينتهون فضربهم، فرأيته يضربهم على ذلك» ، واحتج به أحمد، ونقل العقيلي عن البخاري قوله:(بَحير بن رَيْسان عن عبادة بن الصامت لا يتابع عليه، وأبو سفيان مجهول لا يعرف).
وأثر أبي الدرداء رضي الله عنه: ذكره أحمد في مسائل صالح (3/ 44)، واحتج به، وذكر إسناده إلى راشد بن سعد: أن أبا الدرداء كان يكره الصلاة بين التراويح. ورجاله ثقات، إلا أن في سماع راشد بن سعد من أبي الدرداء نظرًا. ينظر: تهذيب التهذيب 3/ 226، السلسلة الضعيفة 12/ 64.
وأثر عقبة بن عامر رضي الله عنه: علقه الإمام أحمد في مسائل عبد الله عنه (ص 96)، بلفظ: قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: «لا تشبهوها بالفريضة» ، واحتج به، وأورده المقريزي في مختصر قيام رمضان للمروزي (ص 238)، ولم نقف على إسناده، ولفظه عند المروزي:«وكان عقبة بن عامر يوكِّل بالناس في رمضان رجالاً يمنعونهم من السبحة بين الأشفاع؛ لئلا يدرك رجلاً الصلاة وهو في سبحة لم يفرغ منها» .
ولا يُكرَه الطَّواف، نَصَّ عليه، قال ابن تميم: مع إمامه.
(وَفِي التَّعْقِيبِ رِوَايَتَانِ)، كذا في «الفروع»:
إحداهما: يكره، جزم به في «المذهب» و «المستوعب» و «التلخيص» ؛ لمخالفة أمره عليه السلام
(1)
، زاد أبو بكر والمجْدُ: ما لم يَنتصِف اللَّيل روايةً واحدةً، ذكره ابنُ تميمٍ وغيرُه.
والثَّانية، ونقلها عنه الجماعةُ
(2)
، وصحَّحها في «المغني» و «الشَّرح» ، وجزم بها في «الوجيز»: أنَّه لا يكره؛ لقَولِ أَنَسٍ: «لا يَرجِعون إلاَّ لخير يرجونه أو لشرٍّ يحذرونه»
(3)
، قيل: والكراهةُ قولٌ قديمٌ، نقله محمَّدُ بنُ الحَكَم.
(وَهُوَ أَنْ يَتَطَوَّعَ)؛ أي: يُصلِّي مطلَقًا (بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وَ) بعد (الْوَتْرِ فِي جَمَاعَةٍ)، نَصَّ عليه
(4)
، هذا بيانٌ لمعنى التَّعقيب.
وظاهره: أنَّه إذا تطوَّع بعدهما وحدَه لا يُكره، وصرَّح به ابن تميم وذكره منصوصًا، وهو ظاهر «المغني» وغيره، ولم يقيِّده في «التَّرغيب» جماعة، واختاره في «النِّهاية» ، ومحلُّه عند القاضي: إذا لم يكن رقَد، وقيل: أو أكَلَ، واستحبَّه ابن أبي موسى لمن فسَخ وتره.
(وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ
(5)
النَّهَارِ)؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
في قوله: «اجعلوا آخرَ صلاتِكم باللَّيلِ وترًا» ، كما في الممتع 1/ 435، وقد سبق تخريجه 2/ 385 حاشية (4).
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 161.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (7733)، وإسناده صحيح، واحتج به أحمد في رواية المروذي وأبي طالب. ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 161.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 840، الروايتين والوجهين 1/ 161.
(5)
زاد في (ب) و (ز): صلاة.
قال: «أفضلُ الصَّلاةِ بعْد الفريضة
(1)
صلاةُ اللَّيلِ» رواه مسلم
(2)
، وقال عَمرُو ابنُ العاصِ:«ركعةٌ باللَّيل خيرٌ من عشر ركعات بالنَّهار» رواه ابن أبي الدُّنيا
(3)
، ولأنَّها أبلغ في الإسرار، وأقربُ إلى الإخلاص؛ فالتَّطوُّع المطلق أفضلُه صلاة اللَّيل، قال أحمد:(ليس بعد المكتوبة أفضلُ من قيام اللَّيل)
(4)
.
وهل هي أفضلُ من السُّنن الرَّاتبة؟ فيه خلاف.
(وَأَفْضَلُهَا وَسَطُ اللَّيْلِ)، ذكره جماعةٌ منهم في «الوجيز» ، قال آدم بن أبي إياس: ثنا أبو هلال الرَّاسبي، عن الحسَن مرفوعًا:«أفضل الصَّلاة بعد المكتوبة: الصَّلاة في جَوف اللَّيل الأَوسطِ»
(5)
، وفي «الصَّحيح» مرفوعًا:«أفضلُ الصَّلاةِ صلاةُ داودَ؛ كان ينام نصف اللَّيل، ويقوم ثلثَه، وينام سُدسَه»
(6)
، ويُروى أنَّ داود عليه السلام قال:«يا ربِّ، أيَّ وقت أقومُ لك؟ قال: لا تَقُم أوَّل اللَّيل ولا آخره، ولكن وسط اللَّيل، حتَّى تخلوَ بي، وأخلوَ بك»
(7)
.
ولم يذكر في «الكافي» و «المذهب» : أنَّ الأوسطَ أفضلُ.
وفي «الرِّعاية» : آخرُه خَيرٌ، ثمَّ وسَطُه.
(1)
في (أ): الفرائض.
(2)
أخرجه مسلم (1163).
(3)
لم نقف عليه.
(4)
ينظر: زاد المسافر 2/ 223.
(5)
لم نقف على الإسناد المذكور، وآدم ثقة، وأبو هلال صدوق فيه لين، وقد أخرجه ابن أبي شيبة (6614)، من طريق هشيم، عن منصور، عن الحسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الليل أفضل؟ فقال: «جوف الليل الأوسط» ، وهو مرسل.
وأخرج مسلم (1163)، وأحمد (8026)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«أفضل الصلاة، بعد الصلاة المكتوبة، الصلاة في جوف الليل» .
(6)
أخرجه البخاري (1131)، ومسلم (1159).
(7)
ذكره ابن نصر المروزي في قيام الليل كما في مختصره للمقريزي (ص 95)، من قول فرقد السبخي عن داود عليه السلام.
(وَالنِّصْفُ الْأَخِيرُ
(1)
أَفْضَلُ مِنَ الْأَوَّلِ)؛ لقوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} [الذّاريَات: 17 - 18]، وورد: أنَّ العرش يهتزُّ وقتَ السَّحر
(2)
، وفي الصَّحيح مرفوعًا قال: «ينزلُ ربُّنا إلى السَّماءِ الدُّنيا حين يبقى ثلثُ اللَّيل الآخِر
(3)
؛ فيقول: من يدعوني فأستجيبُ له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفرُ له؟»
(4)
.
ومن الثُّلث الأوسط.
والثُّلث بعد النِّصف أفضل مطلقًا، نَصَّ عليه
(5)
.
وعنه: الاستغفارُ في السَّحر أفضل من الصَّلاة
(6)
.
ولا يقومه
(7)
كلَّه إلاَّ ليلة عيد، وقيامُه كلِّه عملُ الأقوياء، حتَّى ولا ليالي العشر، قال أحمد:(إذا نام بعد تهجُّده لم يَبِن عليه السَّهر)
(8)
.
وقيام اللَّيل: من المغرب إلى طلوع الفجر، والنَّاشئة لا تكون
(9)
إلاَّ بعد رَقدة.
وتكره مداومة قيام اللَّيل
(10)
.
(1)
في (و): الآخر.
(2)
أخرجه محمد بن نصر المروزي في قيام الليل كما في تخريج أحاديث الإحياء للعراقي (ص 412)، وأورده المقريزي في مختصر قيام الليل (ص 97)، وهو من رواية سعيد الجريري قال:«قال داود: يا جبريل أي الليل أفضل؟ قال: ما أدري غير أن العرش يهتز من السحر» .
(3)
في (ب) و (و): الأخير.
(4)
أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).
(5)
ينظر: زاد المسافر 2/ 223.
(6)
قوله: (الصَّلاة) سقط من (و).
(7)
في (أ) و (ب): يقوم.
(8)
ينظر: المغني 2/ 100.
(9)
في (أ) و (د) و (ز) و (و): يكون.
(10)
كذا العبارة في الفروع، والتنقيح، ومنتهى الإرادات، وأما الإقناع فقال:(وتكره مداومة قيامه كله).
قال الحجاوي في حاشيته على التنقيح ص 103: (يعني: استيعاب كل ليلة بالقيام من أولها إلى آخرها، بل يقوم من كل ليلة بعضها، وهو ما وردت به السنة، وقد فهم بعض المصنفين في زمننا من كلام المنقِّح: أنه يقوم غِبًّا، وعبارة الفروع توهِم ذلك، وليس بوارد عن أحد).
قال البهوتي في حاشيته على المنتهى ص 255: (ويُرَدُّ: بأن كلامه في المبدع تبعًا لجده صاحب الفروع يوافق كلام المنتهى، حيث قال: وتُكرَه مداومة قيام الليل).
وهو مستحبٌّ، إلاَّ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فكان
(1)
واجبًا، ولم يُنسخ على المشهور.
(وَصَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)؛ لما روى ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةُ اللَّيلِ مثْنَى مثْنَى» متَّفقٌ عليه
(2)
.
فإن زاد على ذلك؛ فاختار ابن شهاب والمؤلِّف: أنَّه
(3)
لا يَصِحُّ
(4)
، قال أحمد فيمن قام في
(5)
التَّراويح إلى ثالثة: يرجع وإن قرأ؛ لأنَّ عليه تسليمًا
(6)
، ولا بدَّ؛ للخبر.
وعنه: يَصحُّ مع الكراهة، ذكره جماعةٌ، وهو المشهور، وسواءٌ علم العدَدَ أو نسيَه.
قوله: (مَثْنَى)، هو معدول عن اثنين اثنين
(7)
؛ ومعناه معنى المكرَّر، فلا يجوز تكريره، وإنَّما كرَّره عليه السلام للَّفظ لا للمعنى.
وذكر الزَّمخشري: (مُنِعَتِ الصَّرفَ للعدْلَين؛ عدلها عن صيغتها، وعدلها
(1)
في (أ): وكان.
(2)
أخرجه البخاري (472)، ومسلم (749).
(3)
في (د) و (و): أنها.
(4)
في (د) و (و): تصحُّ.
(5)
في (د) و (و): إلى.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 397.
(7)
قوله: (اثنين اثنين) هو في (أ) و (د): اثنتين اثنتين.
عن تكررها
(1)
.
(وَإِنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ) كالظُّهر؛ (فَلَا بَأْسَ)؛ لفعله عليه السلام، رواه النَّسائي من حديث عليٍّ
(2)
، وعن ابن عمر نحوه
(3)
، وعن أبي أيُّوبَ مرفوعًا: «مَنْ تطوَّعَ قبلَ الظُّهرِ [بأربعٍ]
(4)
لا يُسلِّمُ فيهنَّ تُفتحُ له أبوابُ السَّماءِ»
(5)
رواه أبو داود والتِّرمذي، وصحَّحه البخاريُّ
(6)
.
وإن لم يجلس إلاَّ في آخرهنَّ؛ فقد ترك الأَوْلى.
يقرأ في كل ركعة مع الفاتحة سورة.
فإن زاد على أربعٍ نهارًا؛ كُرِه روايةً واحدةً، وفي الصِّحَّةِ روايتان، قاله في
(1)
في (أ) و (ب) و (د): تكرارها. وينظر: تفسير الزمخشري 1/ 467.
(2)
سبق تخريجه 2/ 378 حاشية (10).
(3)
رواه عبد الرزاق (4227)، وابن أبي شيبة (6635)، والطحاوي في معاني الآثار (1964)، وابن المنذر في الأوسط (2773)، عن نافع:«أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلي بالليل ركعتين، وبالنهار أربعًا» ، وإسناده ثابت كما قال ابن المنذر.
(4)
قوله: (بأربع) مثبتة في (أ)، وهي الموافقة لما في المصادر الحديثية، وقد سقطت من الأصل و (د) و (ز) و (و).
(5)
كتب على هامش (د): (متن الحديث في الشرح الكبير: «أربع قبل الظهر لا يسلم فيهن تفتح لهن أبواب السَّماء» رواه أبو داود).
(6)
أخرجه أبو داود (1270)، والترمذي في الشمائل (277)، وابن ماجه (1157)، وابن خزيمة (1214)، وفي سنده عبيدة بن معتب الضبي، وهو ضعيف.
تنبيه: هو عند الترمذي في السنن معلق بصيغة التمريض حيث قال: (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يصلي أربع ركعات بعد الزوال، لا يسلم إلا في آخرهن»).
وأخرجه أحمد (23551، 23565) من طريقين آخرين فيهما مقال، وأشار الدارقطني أنه وقع في سنده اختلاف.
وأخرجه أحمد (15396)، والترمذي (478)، والنسائي في الكبرى (329)، من حديث عبد الله بن السائب بمعناه إلا أنه ليس فيه ذكر الفصل بالتسليم، وقال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وحسنه الألباني بمجموع طرقه دون لفظة:«ليس فيهن تسليم» . ينظر: علل الدارقطني 6/ 128، صحيح أبي داود 5/ 11.
«المذهب» ، وقدَّم في «الفروع»: الصِّحَّة.
(وَالْأَفْضَلُ مَثْنَى)؛ لما روى عليُّ بن عبد الله البارِقِيُّ، عن ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةُ اللَّيلِ والنَّهار مثْنى مثْنى» رواه الخمسةُ، وصحَّحه البخاريُّ، وقال أحمدُ:(إسنادُه جيِّدٌ)، وعليُّ بن عبد الله روى له مسلمٌ
(1)
، ولأنَّه أبعد من السَّهو، وأشبه بصلاة اللَّيل.
وقيل: لا يصحُّ إلاَّ مثنى، ذكره في «المنتخب» .
زيادةٌ: كثرة ركوعٍ وسجودٍ أفضلُ من طول قيامٍ، وقيل: نهارًا.
وعنه: طول القيام، قدَّمه في «الرِّعاية» .
وعنه: التَّساوي، اختاره المجْدُ وحفيدُه
(2)
.
وبالجملة: ما روي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تخفيفُه أو تطويلُه؛ فالأفضل اتِّباعه فيه.
وكان أحمد يعجبه أن يكون له ركعات معلومة
(3)
.
(وَصَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ) في الأجر (مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ)؛ لقوله عليه السلام في حديث عمران
(4)
: «مَنْ صلَّى قائمًا فهو أفضلُ، ومن صلَّى قاعدًا فله
(1)
أخرجه أحمد (4791)، وأبو داود (1295)، والترمذي (597)، والنسائي (1666)، وابن ماجه (1322)، واختلف الحفاظ في زيادة ذكر النهار، فممن صححها البخاري - أسنده عنه البيهقي -، وأحمد كما في رواية الميموني عنه أنه قال:(إسناده جيد)، وصححها ابن خزيمة والبيهقي وغيرهم، وممن ضعفها وحكم بشذوذها ابن معين، وأحمد - كما نقل عنه ابن تيمية - والترمذي والنسائي والعقيلي والدارقطني، قال النسائي:(إسناده جيد إلا أن جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي فلم يذكروا فيه النهار). ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 289، المحرر لابن عبد الهادي (325)، التلخيص الحبير 2/ 55، صحيح أبي داود 5/ 39.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 14/ 6.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 105، مسائل ابن منصور 2/ 660.
(4)
زاد في (د) و (ز): (بن حصين).
نصفُ أجرِ القائمِ» رواه أحمد والبخاريُّ
(1)
، وفي «المستوعب»:«إلاَّ المتربِّع» ، رواه أحمد عن شاذان، عن شَريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مولاه السَّائب، عن عائشة مرفوعًا بهذه الزيادة
(2)
.
ومرادهم مع القدرة، فأمَّا مع العجز فهما سواء، ويتوجَّه فرضًا ونفلاً؛ ما يأتي في صلاة الجماعة في تكميل الأجر.
(وَ) يُستحَبُّ أن (يَكُونَ فِي حَالِ الْقِيَامِ مُتَرَبِّعًا)؛ روي عن ابن عمر
(3)
وأنس
(4)
، قالت عائشةُ:«رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي متربِّعًا» رواه النَّسائيُّ والدَّارَقُطْنيُّ
(5)
.
وعنه: يَفترش، وقاله زُفَر
(6)
، والفتوى عليه.
(1)
أخرجه أحمد (19887)، والبخاري (1115).
(2)
أخرجه أحمد (24426)، والدارقطني (1481)، وهذا الحديث غَلِط فيه شريك، قاله المروزي، ينظر: مختصر قيام الليل (ص 201).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (6120)، وابن المنذر في الأوسط (2299)، عن سماك بن سلمة الضبي، قال:«رأيت ابن عمر وابن عباس وهما متربعان في الصلاة» ، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (6121)، وابن المنذر في الأوسط (2300)، والبيهقي في المعرفة (4367)، عن عقبة الطائي قال:«رأيت أنسًا يصلي متربعًا» ، ولا بأس برجاله، ويقويه ما أخرجه ابن أبي شيبة (6123)، والبخاري في التاريخ الكبير (2158)، عن عمر الأنصاري، قال:«رأيت أنسًا يصلي متربعًا على طنفسة» ، وعمر الأنصاري مجهول.
(5)
أخرجه النسائي (1661)، وابن خزيمة (978)، وابن حبان (2512)، والدارقطني (1482)، من طريق أبي داود الحفري، عن حفص بن غياث، عن حميد، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة به، قال النسائي:(هذا الحديث خطأ)، وذكر النسائي أنه لم يروه إلا أبو داود الحفري، وذكر البيهقي وابن عبد الهادي وابن الملقن أن له متابعًا وهو محمد بن سعيد الأصبهاني وهو ثقة ثبت، أخرج روايته الحاكم (947)، قال ابن حجر:(فظهر أنه لا خطأ فيه) أي: بهذه المتابعة، لكن الأقرب أن الخطأ فيه من حفص بن غياث كما ذكر محمد بن نصر المروزي. ينظر: المحرر لابن عبد الهادي (396)، تحفة المحتاج لابن الملقن 1/ 287، التلخيص الحبير 1/ 553، أحاديث معلة ظاهرها الصحة لمقبل الوادعي ص 467.
(6)
ينظر: تحفة الفقهاء 1/ 380.
وذكر أبو المعالي: يحتبي.
وفي «الوسيلة» رواية
(1)
: إن كثر ركوعه وسجوده لم يتربَّع.
فعلى الأوَّل: يَثنِي رجليه في سجوده، وكذا في حال ركوعه، جزم به في «المستوعب» و «المحرَّر» .
وعنه: لا؛ وهي أقيس؛ لأنَّ هيئة الرَّاكع في رجليه هيئة القائم، فينبغي أن يكون على هيئته.
قال المؤلِّف: وهذا أصحُّ في النَّظر، إلاَّ أنَّ أحمد ذهب إلى فعل أنس
(2)
، وأخذ به.
فرعٌ: لم يتعرَّض المؤلِّف للتَّطوُّع مضطجعًا؛ وظاهره: أنَّه لا يصحُّ، وقدَّمه في «الفروع» ، ونقل ابن هانِئٍ صحَّته
(3)
، ورواه التِّرمذيُّ عن الحسَن
(4)
.
وهل يُومِئ أم يسجد؟ فيه وجهان.
وله القيام عن جلوس، وكذا عكسه، وخالف فيها أبو يوسف ومحمَّد
(5)
؛ لأنَّ الشُّروع
(6)
مُلزِمٌ كالنَّذر.
(وَأَدْنَى)؛ أي: أقلُّ (صَلَاةِ الضُّحَى: رَكْعَتَانِ)؛ لما روى أبو هريرة قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ؛ بصيام ثلاثة أيَّامٍ
(7)
من كلِّ شهر، وركعتي
(1)
قوله: (رواية) سقط من (أ) و (د).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (6145)، عن أبي حفص عمر الأنصاري، قال:«رأيت أنسًا يصلي متربعًا، فإذا أراد أن يركع ثنى رجله» ، والأنصاري مجهول كما تقدم.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 108.
(4)
أخرجه الترمذي (2/ 209)، بإسناده عن الحسن أنه قال:«إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائمًا وجالسًا ومضطجعًا» .
(5)
ينظر: بدائع الصنائع 1/ 297.
(6)
في (ب): الشرع.
(7)
قوله: (أيام) سقط من (ب).
الضُّحى، وأن أوترَ قبلَ أن أنامَ»
(1)
، وعن أبي الدرداء نحوه، متَّفقٌ عليه
(2)
، وفي لفظ لأحمدَ ومسلمٍ: «وركعتي
(3)
الضُّحى كلَّ يوم»
(4)
.
وتُكره
(5)
مداومتها، بل تُفعل غِبًّا، نَصَّ عليه
(6)
؛ لقول عائشة: «ما رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يصلِّي الضُّحى قطُّ» متَّفقٌ عليه
(7)
؛ ولما فيها من التَّشبيه بالفرائض.
وقال الآجُرِّيُّ وابن عقيل وأبو الخطَّاب: تُستحَبُّ مداومتها، ونقله موسى بن هارون
(8)
؛ للخبر السَّابق، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين لمن لم يَقُم في ليله
(9)
.
(وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٌ)، قاله الأصحاب؛ لما روت أمُّ هانِئٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى ثمان ركعات ضُحًى» متَّفقٌ عليه
(10)
.
واختار في «الهَدْيِ»
(11)
: أنَّها صلاةٌ بسبب الفتح شكرًا لله تعالى عليه، وأنَّ الأمراء كانوا يصلُّونها إذا فتح الله عليهم، وقاله بعض العلماء.
وعن أحمد: أكثرُها اثنتا عشرةَ ركعةً؛ وهي في «الشَّرح» احتمال؛ لقول أنس: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من صلَّى الضُّحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرًا
(1)
أخرجه البخاري (1981)، ومسلم (721).
(2)
أخرجه مسلم (722)، وهو من أفراد مسلم. ينظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي 1/ 467، تحفة الأشراف 8/ 238.
(3)
في (ب): ركعتي.
(4)
أخرجه أحمد (8106)، وليس في مسلم هذا اللفظ.
(5)
في (أ): ويكره.
(6)
ينظر: زاد المسافر 2/ 232.
(7)
أخرجه البخاري (1177)، ومسلم (718).
(8)
ينظر: الفروع 2/ 403.
(9)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 284.
(10)
أخرجه البخاري (1176)، ومسلم (336).
(11)
ينظر: زاد المعاد 1/ 343.
في الجنَّة من ذَهَبٍ» رواه ابن ماجَهْ والتِّرمذيُّ، وقال: غريبٌ
(1)
.
(وَوَقْتُهَا: إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ)، وتبعه في «الوجيز» ، ومعناه: أنَّ وقتها من خروج وقت النَّهي إلى أن تتعالى الشَّمس.
والأفضلُ فعلُها عند اشتداد حرِّها؛ لما روى زيد بن أرقم: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةُ الأوَّابينَ حين
(2)
تَرْمَضُ الفِصالُ» رواه أحمدُ ومسلمٌ
(3)
، ومعناه: أن تَحمَى الرَّمْضاء؛ وهي الرَّمْلُ، فتَبرُك الفِصالُ من شدة الحرِّ؛ ومنه سمِّي رمضان.
ويمتدُّ وقتُها إلى قُبَيل الزَّوال.
(وَهَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ) أي
(4)
: يفرد؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «الهداية»:
إحداهما: يصحُّ، قدَّمها في «المحرر» و «الفروع» ، ونصرها أبو الخطَّاب وابن الجَوزي؛ وهو قول عمر، رواه سعيد، ثنا جَرير عن قابوس عن أبيه عنه
(5)
، ولأنَّ الوتر مشروع؛ وهو ركعةٌ.
والثَّانية: لا، جزم بها في «الوجيز» ، وهي ظاهر الخِرَقيِّ، وقوَّاها في
(1)
أخرجه الترمذي (473)، وابن ماجه (1380)، قال ابن حجر:(إسناده ضعيف)، ينظر: التلخيص الحبير 2/ 50.
(2)
في (د) و (و): حتى.
(3)
أخرجه أحمد (19264)، ومسلم (748).
(4)
في (أ): أن.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (5136، 7794)، وابن أبي شيبة (6250)، والشافعي في الأم (1/ 328)، والبيهقي في الكبرى (4781)، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه قال: دخل عمر بن الخطاب المسجد فركع ركعة، فقيل له: فقال: «إنما هو تطوع، فمن شاء زاد، ومن شاء نقص، كرهت أن أتخذه طريقًا» ، وقابوس ضعيف، وبه أعله الذهبي في المهذب (2/ 958).
«المغني» ؛ لأنَّه خلاف قوله عليه السلام: «صلاةُ اللَّيلِ مثنى مثنى»
(1)
، ولأنَّه لا يجزئ
(2)
في الفرض، فكذا في النَّفل؛ كالسَّجدة، ولم يرد أنَّه فُعل في غير الوتر.
فرعٌ: يجوز التَّطوُّع جماعةً. وقيل
(3)
: ما لم يُتَّخذ
(4)
عادة. وقيل: يستحبُّ. وقيل: يكره. قال أحمد: ما سمعته
(5)
.
(فَصْلٌ)
تسنُّ
(6)
صلاةُ الاستخارة، أطلقه الإمام والأصحاب، فظاهره: ولو في حجٍّ وغيره من العبادات؛ لحديث جابر رواه البخاريُّ
(7)
.
ويستحبُّ صلاة الحاجة إلى الله تعالى، وإلى آدمِيٍّ؛ لما روى عبد الله بن أبي أَوفى: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له إلى الله حاجةٌ
(8)
أو إلى أحدٍ من بني آدم؛ فليتوضَّأ، وليحسِنِ الوضوءَ، ثمَّ ليصلِّ ركعتين، ثمَّ ليُثنِ على الله تعالى، وليصلِّ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ ليقل: لا إله إلاَّ الله الحليم الكريم، لا إله إلاَّ الله العليُّ العظيم، سبحان ربِّ العرش العظيم، الحمد لله ربِّ العالمين، أسألك موجباتِ رحمتك، وعزائمَ مغفرتك، والغنيمةَ من كلِّ
(1)
سبق تخريجه 2/ 392 حاشية (1).
(2)
في (ز) و (و): تجزئ.
(3)
قوله: (وقيل) سقط من (أ).
(4)
في (و): تتخذ.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 90.
(6)
في (و): يسن.
(7)
أخرجه البخاري (6382).
(8)
قوله: (إلى الله حاجة) هو في (أ): حاجة إلى الله.
برٍّ
(1)
، لا
(2)
تدع لي ذنبًا إلاَّ غفرته، ولا حاجةً هي لك رضًا إلاَّ قضيتَها يا أرحم الرَّاحمين» رواه ابن ماجه، والتِّرمذي وقال: غريب
(3)
(4)
.
وصلاةُ التَّوبة؛ لما روى عليٌّ قال: حدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما مِنْ رجلٍ يذنبُ ذنبًا، ثمَّ يقومُ فيتطهَّرُ، ثمَّ يصلِّي ركعتين، ثمَّ يستغفرُ الله؛ إلاَّ غفر له، ثمَّ قرأ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
…
(135)} إلى آخرها
(5)
[آل عمران: 135]»، رواه أبو داود، والتِّرمذيُّ وقال: حسنٌ غريب
(6)
، لكن في إسناده مقالٌ؛ فإنَّه من رواية أبي الورقاء، وهو مضعَّف
(7)
في الحديث
(8)
(9)
.
وعَقِبَ الوضوءِ؛ للخبر الصحيح
(10)
، قال ابن هُبَيرة: وإن كان بعد عصر؛
(1)
زيد في (ب): والسَّلامة من كل إثم.
(2)
في (أ) و (د): ولا.
(3)
زيد في (ب): وفي إسناده مقال؛ فإنه من رواية أبي الورقاء؛ وهو مضعف في الحديث. وستأتي في كلام المؤلف قريبًا، والذي في (ب) هو الصواب.
(4)
أخرجه الترمذي (479)، وابن ماجه (1384)، إسناده ضعيف جدًّا، فيه: أبو الورقاء فائد بن عبد الرحمن، وهو متروك كما في التقريب.
(5)
في (أ): آخر الآية.
(6)
قوله: (غريب) سقط من (أ).
(7)
في (و): يضعف.
(8)
زاد في (أ): (فإنه).
قلت: هذه العلة إنما هي للحديث السابق، وقد جاءت نسخة (ب) على الصواب.
(9)
أخرجه أحمد (47)، وأبو داود (1521)، والترمذي (406)، وابن حبان (623)، وفي سنده أَسماء بن الحكم الفَزارِي وثقه العجلي، واستنكر البخاري حديثه هذا وقال:(لا يتابع عليه)، وقال البزار:(مجهول)، وقال ابن حبان:(يخطئ)، وحسن حديثه الترمذي وابن عدي، وصححه الألباني. ينظر: التاريخ الكبير 2/ 45، الكامل لابن عدي 2/ 142، تهذيب الكمال 2/ 533 - 534، تهذيب التهذيب 1/ 267، صحيح أبي داود 5/ 252.
(10)
أخرجه البخاري (1149)، ومسلم (2458)، من حديث بلال رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:«يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة، فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة» قال بلال: ما عملت عملاً في الإسلام أرجى عندي منفعة، من أني لا أتطهر طهورًا تامًّا، في ساعة من ليل ولا نهار، إلا صليت بذلك الطهور، ما كتب الله لي أن أصلي.
احتسب بانتظاره بالوضوء الصَّلاة، فيكتب له ثواب مصلٍّ.
وتحيَّةُ المسجد؛ فإن جلس قبل الصَّلاة؛ سنَّ
(1)
له أن يقوم فيصلِّي؛ «لأنَّه عليه السلام أمر رجلاً بذلك» رواه مسلم
(2)
.
وليلة العيدين في رواية، وقاله جمع؛ لقوله عليه السلام:«مَنْ قامَ ليلتي العيدين محتسبًا لم يَمُتْ قلبُهُ يومَ تموتُ القلوبُ» رواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة، وفيه بقيَّةُ، وروايته
(3)
عن أهل بلده جيِّدة؛ وهو حديث حسن
(4)
.
وصلاة التَّسبيح عند جماعة، ونصُّه: لا، وضعَّف الخبرَ المَرويَّ في ذلك
(5)
؛ وهو ما روى ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّمها لعمِّه العبَّاسِ: «أربع ركعات؛ يقرأ في كلِّ ركعة الفاتحة وسورة، ثمَّ يسبِّح ويحمد ويهلِّل ويكبِّر خمس عشرة مرة، ثمَّ يقولها في ركوعه، ثمَّ في رفعه منه، ثمَّ في سجوده، ثمَّ في رفعه منه
(6)
، ثمَّ في سجوده، ثمَّ في رفعه منه، عشرًا عشرًا، ثمَّ كذلك في
(1)
قوله: (الصَّلاة سن) هو في (أ): الصلاة أن.
(2)
أخرجه البخاري (931)، ومسلم (875).
(3)
في (د): ورواته.
(4)
أخرجه ابن ماجه (1782)، من طريق بقية بن الوليد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة، وذكره الدارقطني في العلل من طريق ثور، عن مكحول عنه، وقال:(والمحفوظ أنه موقوف عن مكحول)، والراوي عن بقية محمد بن مصفى الحمصي وهو صدوق له أوهام وكان يدلس، قاله ابن حجر، وضعَّف الحديث العراقي والألباني وغيرهما. ينظر: علل الدارقطني 12/ 269، السلسلة الضعيفة (521).
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 89، مسائل ابن منصور 9/ 4695، مسائل ابن هانئ 1/ 105، زاد المسافر 2/ 232.
(6)
قوله: (منه) سقط من (و).
كلِّ ركعة مرة، في كلِّ يوم، ثمَّ في الجمعة، ثمَّ في الشَّهر، ثمَّ في العمر» رواه أحمد، وقال:(لا يصحُّ)، وأبو داود، وابن خزيمة، والآجُرِّيُّ، وصحَّحوه، وادَّعى الشَّيخ تقيُّ الدِّين أنَّه كذِبٌ
(1)
، وفيه نَظرٌ
(2)
.
قال المؤلِّف: (لا بأس بها؛ فإنَّ الفضائل لا يشترط لها صحَّة الخبر)، وفيه نظر؛ فإنَّ عدم قول أحمد بها يدلُّ على أنَّه لا يرى العمل بالخبر الضَّعيف في الفضائل.
ويُستحَبُّ إحياء ما بين العشاءَين؛ للخبر
(3)
.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 11/ 579.
(2)
لم نقف عليه في شيء من كتب الإمام أحمد، ولم يذكر أحد من الحنابلة أن أحمد قد خرَّجه، وأخرجه أبو داود (1297)، والترمذي (482)، والحاكم (1192)، وابن خزيمة (1216)، وهو حديث مشهور اختلف فيه الأئمة، فممن تكلم فيه: أحمد والترمذي والعقيلي والمزي وابن تيمية والذهبي وجماعة، وممن قواه الآجري والمنذري وابن الصلاح والألباني.
نقل ابن القيم عن أحمد من رواية مهنى وعبد الله قال: (صلاة التسبيح لم يثبت عندي فيها حديث)، وقال في رواية أبي الحارث:(صلاة التسبيح حديث ليس لها أصل ما يعجبني أن يصليها يصلي غيرها)، وقال الترمذي:(وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث في صلاة التسبيح، ولا يصح منه كبير شيء، وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم: صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيه)، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وتُعقِّب على ذلك، قال ابن تيمية:(وأظهر القولين أنها كذب، وإن كان قد اعتقد صدقها طائفة من أهل العلم، ولهذا لم يأخذها أحد من أئمة المسلمين، بل أحمد بن حنبل وأئمة الصحابة كرهوها وطعنوا في حديثها)، وقال ابن حجر:(والحق أن طرقه كلها ضعيفة وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن، إلا أنه شاذ؛ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات). ينظر: الموضوعات لابن الجوزي 2/ 143، منهاج السنة النبوية 7/ 434، بدائع الفوائد 4/ 114، البدر المنير 4/ 235، التلخيص الحبير 2/ 14 - 23، صحيح أبي داود 5/ 40.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (5930)، وأبو داود (1321)، والبيهقي في الكبرى (4747)، عن قتادة عن أنس بن مالك في هذه الآية:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} ، قال:«كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء» ، وإسناده صحيح كما قال الألباني في صحيح أبي داود 5/ 67.
قال جماعة
(1)
: وليلة عاشوراء، وليلة أوَّل رجب، وليلة نصف شعبان، وفي «الرِّعاية»: وليلة نصف رجب.
وفي «الغنية» : وبين الظُّهر والعصر، ولم يذكر ذلك آخرون، وهو أظهر.
وقيل
(2)
: وصلاة الرَّغائب، واختلف الخبر في صفتها، والأصحُّ: أنَّها لا تُفعل، قال ابن الجوزي، وأبو بكر الطَّرَسُوسِيُّ
(3)
: هي موضوعةٌ
(4)
.
(1)
في (أ): أحمد.
(2)
قوله: (وقيل) سقط من (أ).
(3)
في (أ) و (ب) و (د) و (ز): الطرطوشي. وينظر: الحوادث والبدع ص 131.
(4)
حديث صلاة الرغائب مروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ صلاةَ الرغائب - وهي أول ليلة جمعة من رجب -؛ فصلَّى ما بين المغرب والعشاء ثنتي عشرة ركعة بست تسليمات، كلُّ ركعة بفاتحة الكتاب مرة، والقَدْرِ ثلاثًا، و:{قل هو الله أحد} ثنتي عشْرةَ مرة، فإذا فرغ من صلاته قال: اللهم صلِّ على محمد
…
).
قال ابن الأثير في جامع الأصول: (هذا الحديث مما وجدته في كتاب رزين، ولم أجده في أحد من الكتب الستة، والحديث مطعون فيه)، وعدَّها النووي من البدع المذمومة المنكرة وقال:(والحديث المروي فيها باطل شديد الضعف، أو موضوع، ولا يغتر بكونها في قوت القلوب، والإحياء، ولا بمن اشتبه عليه الصواب فيهما فذكر ورقات في استحبابها، فإنهم غالطون في ذلك، مخالفون لسائر الأمة)، ورزين هو ابن معاوية العبدري المالكي، ألف كتاب الصحاح جمع فيه ما في الصحاح الخمسة والموطأ. ينظر: جامع الأصول 6/ 154، خلاصة الأحكام 1/ 616، وترجمة زرين في التحبير للسمعاني 1/ 286، وانظر تعليق المعلمي اليماني على كتابه في تحقيقه للفوائد المجموعة ص 49.
(فَصْلٌ)
(وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ صَلَاةٌ)؛ لأنَّه سجود لله تعالى يقصد به التَّقرُّب إليه، له تحريم وتحليل، فكان صلاةً؛ كسجود الصَّلاة.
فعلى هذا: يشترط له ما يشترط لصلاة النَّافلة في قول أكثر العلماء؛ لقوله عليه السلام: «لا يقبلُ اللهُ صلاةً بغير طهورٍ» رواه مسلم
(1)
، فيدخل في عمومه السُّجود، ولأنَّه سجود أشبه سجدتي السَّهو.
وهو على الفور فلا يُقضى؛ لأنَّها تتعلَّق بسبب، فإذا فات لم يسجد.
وقيل: إن طال الفصل، وهو ظاهر ما في «الشَّرح» ؛ لأنَّه إذا لم يطُل لم يبعُد سببُها.
وعنه: إن سمعه غير المتطهِّر؛ تطهَّر وسجد.
وسبق أنَّه لا يجوز التيمُّم لخوفه فوته مع وجود الماء، وقد حكى النَّوويُّ الإجماعَ على اشتراط الطَّهارة له وللشُّكر
(2)
.
(وَهُوَ سُنَّةٌ)، نَصَّ عليه
(3)
؛ وهو المذهب؛ لقول زيد بن أرقم: «قرأتُ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم {وَالنَّجْمِ} [النّجْم: 1] فلم يسجد فيها» متَّفقٌ عليه، ورواه الدَّارَقُطني ولفظه:«فلم يسجد منَّا أحد»
(4)
، وقال عمر: «إنَّ الله لم يفرض علينا السُّجود إلاَّ أن نشاء
(5)
» رواه البخاريُّ
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم (224).
(2)
ذكر في المجموع: (أنه لا خلاف فيه عندنا)، لا أنه إجماع. ينظر: المجموع 4/ 63.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 103.
(4)
أخرجه البخاري (1072)، ومسلم (577)، وهو من حديث زيد بن ثابت عندهما، ورواية الدارقطني (1527).
(5)
في (و): يشاء.
(6)
أخرجه البخاري (1077).
وعليها: يسجد في الأصحِّ في طواف مع قصر فصل.
ويتيمَّم محدِثٌ، ويسجد مع قِصره، وإذا نسي سجدةً لم يُعِدها لأجلِه، ولا يسجد لهذا السَّهو.
ونقل صالح وجوبَه في الصَّلاة فقط
(1)
.
وعنه: مطلقًا؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِاءَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)} [الانشقاق: 21]، ولا يُذَمُّ إلاَّ على ترك واجب، ولأنَّه سجودٌ يُفعل في الصَّلاة؛ أشبه سجودَ صُلبِها.
وجوابه: بأنَّه ينتقض عندهم بسجود السَّهو.
(لِلْقَارِئِ وَالمُسْتَمِعِ)، في الصَّلاة وغيرها بغير خلاف علمناه
(2)
، ونَصَّ عليه
(3)
؛ لما روى ابن عمر قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السَّجدةَ فيسجدُ، ونسجدُ معه، حتَّى ما
(4)
يجدُ أحدُنا مكانًا لجبهته» متَّفقٌ عليه، ولمسلم:«في غير صلاة»
(5)
، والألف واللاَّم بدل الإضافة؛ أي: ومستمعه، وبه عبَّر
(6)
في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع» ؛ لأنَّه كتالٍ، وكذا يشاركه في الأجر، فدلَّ على المساواة.
قال في «الفروع» : (وفيه نَظَرٌ)، وروى أحمد بإسنادٍ فيه مقال عن أبي هريرة مرفوعًا:«مَنِ استمعَ آيةً كُتِبَتْ له حسنةٌ مضاعفةٌ، ومن تلاها كانت له نورًا يومَ القيامةِ»
(7)
.
(1)
لم نجده في المطبوع من مسائل صالح، وينظر: مختصر ابن تميم 2/ 220.
(2)
ينظر: المغني 1/ 446.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 742.
(4)
في (و): لا.
(5)
أخرجه البخاري (1075)، ومسلم (575).
(6)
في (د): جزم.
(7)
أخرجه أحمد (8494)، من طريق عباد بن ميسرة، عن الحسن البصري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعباد بن ميسرة لين الحديث، ضعفه أحمد وغيره، والحسن لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان (1828)، والبغوي في تفسيره 1/ 43، من طريق ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وليث ضعيف، وهو من رواية إسماعيل بن عياش عنه، وروايته عن الحجازيين ضعيفة.
لكن لا يسجد في صلاة لقراءة غير إمامه في الأصحِّ؛ كما لا يسجد مأموم لقراءة نفسه، فإن فعل بطلت في وجه. وعنه: يسجد. وعنه: في نفل. وقيل: يسجد إذا فرغ.
(دُونَ السَّامِعِ)، جزم به معظم الأصحاب، وهو المنصوص
(1)
؛ لما روي أنَّ عثمان بن عفَّان مرَّ بقاصٍّ، فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان، فلم يسجد، وقال:«إنَّما السَّجدة على من استمع»
(2)
، ولا نعلم له مخالفًا في عصره
(3)
، ولأنَّه
(4)
لا يشارك القارئ في الأجر، فلم يشاركه في السُّجود.
وفيه وجه: يسجد كالمستمِع.
(وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ يَصْلُحُ إِمَامًا لَهُ)؛ أي: يجوز اقتداؤه به؛ لما روى عطاءٌ: أنَّ رجلاً من الصَّحابة قرأ سجدة، ثمَّ نظر إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:«إنَّك كنت إمامَنا، ولو سجدتَ سجدنا معك» رواه الشَّافعي مرسَلاً، وفيه إبراهيم بن أبي
(5)
يحيى، وفيه كلامٌ
(6)
،
(1)
ينظر: الفروع 2/ 307.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (5906)، وابن المنذر في الأوسط (2871)، والبيهقي في الخلافيات (2139)، وإسناده صحيح، وقد علقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 41).
(3)
في (أ) و (د) و (و): عصرهم.
(4)
في (و): وأنه.
(5)
قوله: (أبي) سقط من (أ) و (ب) و (د).
(6)
أخرجه الشافعي كما في مسنده (ص 156)، أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، مرسلاً. وإبراهيم بن محمد متروك، وقد توبع، أخرج ذلك أبو داود في المراسيل (77)، من طريق هشام بن سعد وحفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء مرسلاً.
وأخرجه ابن أبي شيبة (4363)، وأبو داود في المراسيل (76)، من طريق ابن عجلان، عن زيد بن أسلم قال: قرأ غلام عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، قال ابن حجر:(رجاله ثقات إلا أنه مرسل)، وقال البيهقي: وروي موصولاً بإسناد ضعيف. ينظر: فتح الباري 2/ 556، التلخيص الحبير 2/ 28.
وقال ابن مسعود لتَميم بن حذلم
(1)
، وهو غلامٌ يقرأ
(2)
عليه سجدة، فقال:«اسجد فإنَّك إمامنا فيها» رواه البخاريُّ تعليقًا
(3)
.
فلا يسجد قُدَّام إمامه، ولا عن يساره مع خلوِّ يمينه، ولا رجل لتلاوة امرأة وخنثى.
وقيل: بلى، في الكلِّ
(4)
؛ كما يسجد لتلاوة أميٍّ وزمِن؛ لأنَّ ذلك ليس بواجب عليه.
ولا يسجد رجلٌ لتلاوة صبيٍّ في وجه.
(فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْقَارِئُ؛ لَمْ يَسْجُدْ)، نَصَّ عليه
(5)
؛ لقوله: «ولو سجدتَ سجدنا معك»
(6)
، وقدَّم في «الوسيلة»: أنَّه إذا كان التَّالي في غير صلاةٍ، ولم يسجد؛ سجد مستمِعُه، قال أحمد: إذا ترك الإمام السُّجود؛ فإن شاء أتى به
(7)
.
(1)
في (أ): حذام.
(2)
في (د) و (و): فقرأ.
(3)
علَّقه البخاري في الصحيح بصيغة الجزم (2/ 41)، ووصله سعيد بن منصور كما في تغليق التعليق (2/ 410)، ووصله البخاري في التاريخ الكبير (4/ 124)، وجعله عن تميم بن حِذْيم، وفرَّق بينه وبين ابن حَذلم، وخالفه ابن حبان وابن ماكولا وجعلاهما واحدًا. وإسناده صحيح. ينظر: الثقات لابن حبان 4/ 85، الإكمال لابن ماكولا 2/ 405.
(4)
قوله: (في الكل) سقط من (ب) و (ز).
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 226.
(6)
سبق تخريجه 2/ 404 حاشية (6).
(7)
في مسائل عبد الله ص 104: (إذا أتى على السجدة ولم يسجد، قال: يومئون الذي يصلون خلفه؟ قال: لا بأس). وينظر: مختصر ابن تميم 2/ 226.
تنبيهٌ: لا يُجزئ ركوع ولا سجود عن سجدة التِّلاوة في الصَّلاة، نَصَّ عليه؛ لأنَّه سجود مشروع، أشبه سجود الصَّلاة.
وعنه: بلى.
وعنه: يجزئ ركوع الصَّلاة وحده، ذكرها في «المستوعب» ، وهي قول القاضي؛ لقوله تعالى:{وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24].
وأجيب: بأنَّ المراد به السُّجود؛ لقوله: {وخرَّ} ، وذكر في «المذهب»: أنَّه إن جعل مكان السُّجود ركوعًا؛ لم يجزئه، وبطلت صلاته.
فائدةٌ: ذكر في «المغني» و «الشَّرح» : أنَّ السَّجدة إذا كانت آخر السُّورة؛ سجد ثمَّ قام فقرأ شيئًا، ثمَّ ركع، وإن أحبَّ قام ثمَّ ركع من غير قراءة، وإن شاء ركع في آخرها؛ لأنَّ السُّجود يُؤتَى به عُقَيب الرُّكوع، نَصَّ عليه
(1)
، وهو قول ابنِ مسعودٍ
(2)
.
(وَهُوَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَجْدَةً)، هذا هو المشهور والصحيح من
(3)
المذهب.
وعنه: خمسَ عشرةَ، لما روى أبو داود عن عمرو بن العاص:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرأه خمسَ عشرةَ سجدةً»
(4)
، فعلى هذا سجدة {ص} من عزائم السُّجود، واختاره أبو بكر، وابن عَقيل.
(1)
ينظر: مسائل حرب - الصلاة - ص 219.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (5919)، وإسحاق في مسنده كما في المطالب العالية (547)، والطبراني في الكبير (8714)، والبيهقي في الكبرى (3763)، عن الأسود، عن ابن مسعود قال:«إذا قرأت سورة آخرها سجدة، فإن شئت فاركع فإنما الركعة من السجدة، وإن شئت فاسجد ثم اقرأ بعدها سورة» ، قال الحافظ في المطالب:(إسناد صحيح موقوف).
(3)
في (أ) و (د) و (و): في.
(4)
أخرجه أبو داود (1401)، وابن ماجه (1057)، والحاكم (811)، وفي سنده عبد الله بن مُنَين، فيه جهالة، والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي وهو مجهول أيضًا، وقال ابن عبد الهادي:(وإسناد الحديث لا بأس به، لكن عبد الله بن منين فيه جهالة)، وحسنه المنذري والنووي، وضعفه الإشبيلي وابن القطان والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 620، البدر المنير 4/ 257، ضعيف سنن أبي داود 2/ 72.
والصَّحيح: أنَّها لَيستْ من عزائم السُّجود، بل سجدةُ شُكرٍ؛ لما روى البخاريُّ عن ابن عبَّاسٍ قال:«{ص} ليست من عزائم السُّجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسجُد فيها»
(1)
، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«سجدَها داودُ توبةً، ونَسجُدُها شُكرًا» رواه النَّسائيُّ
(2)
.
فعلى هذا: يسجد خارج الصَّلاة، فإن سجد فيها عالِمًا؛ بطلت، ذكره الجماعةُ
(3)
، وقيل: لا تبطل؛ وهو أظهر؛ لأنَّ سببها من
(4)
الصَّلاة.
فإذا سقط منها؛ بقي أربع عشرة، منها ثلاث في المُفصَّل؛ «لأنَّه عليه السلام سجد في النَّجم، وسجد معه المسلمون والمشركون» رواه البخاريُّ من حديث ابن عبَّاسٍ
(5)
، وسجود الفريقَين معه؛ لكونها أوَّلَ سجدةٍ لا لغيره، وعن أبي هريرة قال:«سجدنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الانشقاق وفي {اقرأ باسم ربك}» رواه مسلمٌ
(6)
.
(فِي الْحَجِّ مِنْهَا اثْنَتَانِ)، هذا قولُ عمرَ
(7)
،
(1)
أخرجه البخاري (1069).
(2)
أخرجه النسائي (957)، والطبراني في الأوسط (1008)، والدارقطني (1515)، من طريق عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما به، ورجح البيهقي إرساله، وضعف الموصول فقال:(هذا هو المحفوظ، وهو مرسل)، قال: (وقد روي من وجه آخر عن عمر بن ذر، عن أبيه، عن ابن عباس موصولاً، وليس بالقوي، ورجح إرساله المنذري أيضًا، وصححه ابن السكن والألباني. ينظر: البدر المنير 4/ 250، التلخيص الحبير 2/ 25، صحيح أبي داود 5/ 154.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 143.
(4)
في (د) و (و): في.
(5)
أخرجه البخاري (1071).
(6)
أخرجه مسلم (578).
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (4287)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص 248)، عن ابن عمر، عن عمر أنه سجد في الحج سجدتين، ثم قال:«إن هذه السورة فُضِّلت على سائر السور بسجدتين» ، وإسناده صحيح، وله طرق أخرى صحيحة عن عمر رضي الله عنه.
وابنِه
(1)
، وعليٍّ
(2)
، وأبي الدَّرداء
(3)
، وأبي موسى
(4)
، وابن عبَّاسٍ
(5)
؛ لقوله عليه السلام: «في الحجِّ سجدتان» رواه أبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن العاص، وهو من
(6)
رواية عبد الله بن منير
(7)
عن عمرو، ولم يرو عنه غير الحارث بن سعيدٍ
(8)
، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من لم يسجدهما فلا يقرأهما» رواه أحمد وغيره من رواية ابن لَهِيعة
(9)
.
(1)
أخرجه مالك (1/ 206)، ومن طريقه عبد الرزاق (5891)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2134)، والبيهقي في المعرفة (4429)، عن عبد الله بن دينار قال:«رأيت عبد الله بن عمر يسجد في سورة الحج سجدتين» ، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (4291)، وابن المنذر في الأوسط (2843)، والبيهقي في الكبرى (3732)، عن علي رضي الله عنه:«أنه سجد في الحج سجدتين» ، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف، وبه أعله الذهبي في المهذب (2/ 755).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (4289)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2135)، وابن المنذر في الأوسط (2845)، والبيهقي في الكبرى (3738)، عن جبير بن نفير:«أن أبا الدرداء سجد في الحج سجدتين» ، وإسناده جيد، قال ابن حزم في المحلى 3/ 324:(وصح عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأبي الدرداء).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (4355)، والحاكم (3475)، والبيهقي في الكبرى (3734)، عن صفوان بن محرز:«أن أبا موسى سجد في سورة الحج سجدتين» ، وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (5894)، وابن أبي شيبة (4290)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص 248)، والحاكم (3472)، والبيهقي في الكبرى (3735)، عن أبي العالية، عن ابن عباس قال:«فُضِّلت سورة الحج بسجدتين» ، وإسناده صحيح.
(6)
في (د) و (و): في.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه: بن منين، بنونين مصغر.
(8)
سبق تخريجه 2/ 406 حاشية (4).
(9)
أخرجه أحمد (17412)، وأبو داود (1402)، والترمذي (578)، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وفيه مشرح بن هاعان المعافري وثقه ابن معين وقال أحمد:(معروف)، إلا أن ابن حبان قال فيه:(يروي عن عقبة مناكير لا يتابع عليها، فالصواب ترك ما انفرد به)، وقال ابن عدي:(لا بأس به)، وقال ابن حجر:(مقبول)، ولأجلهما ضعف الحديث الترمذي وجماعة، قال الترمذي:(ليس إسناده بذاك القوي)، وضعفه النووي وابن الملقن، وثبت هذا المعنى موقوفًا عن عدد من الصحابة. ينظر: الخلاصة للنووي 2/ 625، البدر المنير 4/ 252، تهذيب التهذيب 10/ 155، التلخيص الحبير 2/ 26.
وعنه: الأُولى فقط.
وعنه: عكسه.
تنبيهٌ: إذا قرأ سجدةً، فسجد
(1)
ثمَّ أعادها، ففي تكرارها وجهان. وقيل: يوحِّدها الرَّاكب في صلاة ويكرِّرها غيره.
ويتوجَّه مثله: تحية مسجد إن تكرَّر دخوله، ويأتي فيمن تكرَّر دخوله مكة.
فائدةٌ: موضع سجدة {ص} عند
(2)
{وَأَنَابَ} [ص: 24]، و {حم} عند {يَسْأَمُونَ} [فُصّلَت: 38]؛ لأنه من تمام الكلام. وقيل: {تَعْبُدُونَ} [فُصّلَت: 37]، واختاره
(3)
جماعة؛ لأنَّ الأمر بالسُّجود فيها. وعنه: يخيَّر.
(وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ، وَ) يكبِّر (إِذَا رَفَعَ)، هذا هو المذهب
(4)
؛ لما تقدَّم من حديث ابن عمر، ولأنَّه سجود مفرَدٌ أشبه السُّجود بعد السَّلام للسَّهو.
وقيل: لا يكبِّر للرَّفع منه، بل يسلِّم إذا رفع؛ وهو ظاهر الخِرَقي.
وقيل: إن كان في غير صلاة
(5)
كبَّر للإحرام والسُّجود والرَّفع منه
(6)
، وقاله أبو الخطَّاب، وصحَّحه في «الرِّعاية» ؛ كما لو صلَّى ركعتَين.
[ ..... ]{وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108)} [الإسرَاء: 108]
(7)
.
(1)
في (أ): يسجد.
(2)
قوله: (عند) سقط من (و).
(3)
في (د): واختار.
(4)
في (و): المشهور.
(5)
في (ب) و (و): الصلاة.
(6)
قوله: (منه) سقط من (أ).
(7)
كتبت هذه العبارة في هامش الأصل وعليها علامة تصحيح، وما بين المعقوفين في أوله غير واضح في الأصل، ولا توجد هذه العبارة في شيء من النسخ الخطية الأخرى، ولم نقف عليها في كتب الأصحاب، ونقل النووي في المجموع 4/ 65: أن اختيار الشافعي رحمه الله تعالى أن يقول في سجود التلاوة: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} ، فلعل هذا هو المراد، والله أعلم.
(وَيَجْلِسُ)، كذا قاله في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأنَّها صلاة يُشترط لها التَّكبير، فاشتُرط لها ذلك، ولم يذكره آخرون، والمراد النَّدب، ولهذا لم يذكروا جلوسه في الصَّلاة لذلك.
(وَيُسَلِّمُ)، وهو ركن في أصحِّ الرِّوايتين، ويجزئ واحدة، نَصَّ عليه
(1)
.
وعنه: لا يجزئه إلاَّ اثنتان، ذكرها القاضي في «المجرَّد
(2)
».
وعنه: لا سلام له
(3)
؛ لأنه لم يُنقَل.
(وَلَا يَتَشَهَّدُ)؛ لأنَّه صلاةٌ لا ركوع فيه، فلم يُشرَع
(4)
التشهُّد؛ كصلاة الجنازة، بل لا يسنُّ، نَصَّ عليه
(5)
.
وخرَّج أبو الخطَّاب: أنَّه يتشهَّد؛ قياسًا على الصَّلاة، وفيه بُعد.
والأفضل سجوده عن قيام
(6)
، فإن سجد عن جلوس فحسَنٌ، قاله أحمد
(7)
.
مسألةٌ: يقول فيه وفي سجود الشُّكر: (سبحان ربِّي الأعلى)، وجوبًا، وإن زاد ما ورد؛ فحسَنٌ.
وذكر في «الرِّعاية» : أنَّه يخيَّر بين التَّسبيح وبين ما ورد.
والأَولى أن يقول فيه ما يليق بالآية.
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 145.
(2)
في (و): المحرر.
(3)
قوله: (له) سقط من (د).
(4)
في (و): يشهد.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 145.
(6)
في (أ): القيام.
(7)
ينظر: مسائل أبي داود ص 103.
(فَإِنْ سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ، نَصَّ عليه
(1)
، قدَّمه جماعةٌ، وجزم به في «الوجيز»؛ لما روى وائِلُ بن حُجْرٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يكبِّر في كلِّ رفعٍ وخفضٍ، ويرفع يديه في التكَّبير»
(2)
.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَرْفَعُهُمَا)، وهو رواية، وفي
(3)
«الشَّرح» : أنَّه قياس المذهب؛ لقول ابن عمر: «كان لا يفعل في السُّجود» متَّفقٌ عليه
(4)
؛ وهو مقدَّم على الأوَّل؛ لأنَّه أخصُّ منه، وأطلق في «الفروع» الخلاف.
وظاهره: أنَّه يرفعهما إن كان في غير صلاة في الأصحِّ.
أصلٌ: يُكرَه اختصارُ السُّجود؛ وهو جمع آياته وقراءتها في وقت ليسجد فيها
(5)
، وقيل: هو أن يحذف
(6)
في قراءته آيات السُّجود، قال المؤلِّف: وكلاهما محدَث، وفيه إخلال بالتَّرتيب.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ السُّجُودُ فِي صَلَاةٍ لَا يَجْهَرُ فِيهَا)، ولا قراءة السَّجدة فيها، بل يكرهان، ذكره الجماعة
(7)
منهم صاحب «الفروع» ؛ لأنَّ فيه إبهامًا على المأمومين.
وقيل
(8)
: لا يُكره؛ لما روى ابن عمر: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سجد في الظُّهر ثمَّ قام فركع، فرأى أصحابُه أنَّه قرأ تنزيل السجدة» رواه أبو داود
(9)
، وفي
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 93.
(2)
سبق تخريجه 2/ 168 حاشية (4).
(3)
في (و): في.
(4)
أخرجه البخاري (735)، ومسلم (390).
(5)
في (و): فيه.
(6)
في (أ): يخفف.
(7)
في (أ): جماعة.
(8)
في (و): قيل.
(9)
أخرجه أبو داود (807)، وأبو يعلى الموصلي (5743)، والبيهقي (3759)، من طريق سليمان التيمي، عن أمية، عن أبي مجلز، عن ابن عمر، وعند البيهقي والموصلي بإسقاط أمية، وعند البيهقي أن سليمان التيمي قال:(ولم أسمعه من أبي مجلز)، وهو حديث ضعيف، في سنده: أمية، الراوي عن أبي مجلز، ولا يُدرى من هو، قال الذهبي:(لا يدري من ذا، وعنه سليمان التيمي، والصواب إسقاطه من بينهما)، وقال ابن حجر:(مجهول). ينظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 32، ميزان الاعتدال 1/ 276، البدر المنير 4/ 264، ضعيف سنن أبي داود 1/ 313.
«المغني» و «الشَّرح» : اتِّباعُ السُّنَّة أَولى.
(فَإِنْ فَعَلَ؛ فَالمَأْمُومُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اتِّبَاعِهِ وَتَرْكِهِ)، هذا قول أكثر الأصحاب؛ لأنَّه ليس بمسنونٍ للإمام، ولم
(1)
يُوجَدِ الاِستماع المقتضي للسُّجود.
وقال القاضي: يلزمه متابعتُه، واختاره المؤلِّف؛ لقوله:«إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتمَّ به»
(2)
، وما ذكروه ينتقض بالأطرش والبعيد.
ومقتضاه: أنَّه يلزمه متابعتُه في صلاة الجهر، وهو الأصحُّ، وأنَّه لا يكره قراءتها فيها، وكذا يخرَّج في وجوب
(3)
متابعته في سجود سهو مسنون، وتشهُّد أوَّل إن قلنا: هو سنَّة، قاله ابن تميم.
(وَيُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ) هـ م
(4)
في كراهته، وفي ابن تميمٍ:(لأمير النَّاس)؛ وهو غريبٌ، (عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ)، كذا قاله جمهور أصحابنا؛ لما روى أبو بكرةَ
(5)
: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمرٌ يسرُّه أو يُسَرُّ به؛ خرَّ
(6)
ساجدًا» رواه أحمدُ والتِّرمذيُّ، وقال: حَسَنٌ غريبٌ
(7)
، والعملُ
(1)
في (و): فلم.
(2)
أخرجه البخاري (378)، ومسلم (411)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(3)
قوله: (في وجوب) هو في (د) و (و): من وحيث.
(4)
ينظر: التجريد للقدوري 2/ 667، شرح التلقين 1/ 806.
(5)
في (أ): أبو بكر.
(6)
في (و): فخر.
(7)
أخرجه أحمد (20455)، وأبو داود (2774)، والترمذي (1578)، وابن ماجه (1394)، والحاكم (1025)، وفي سنده بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، اختلف في حاله، قال ابن حجر:(صدوق يهم)، وحسن الحديث الترمذي والألباني. ينظر: الإرواء 2/ 226.
عليه عند أكثر العلماء، «وسجد عليه السلام حين قال له جبريلُ: يقول الله: من صلَّى عليك صلَّيتُ عليه، ومن سلَّم سلَّمت
(1)
عليه» رواه أحمد
(2)
، «وسجد حين شُفِّع في أمَّته فأُجِيبَ» رواه أبو داود
(3)
، «وسجد الصِّدِّيق حين جاءه قتلُ مُسَيلِمَةَ» رواه سعيدٌ
(4)
، «وسجد عليٌّ حين رأى ذا الثُّدَيَّةِ في الخوارج» رواه أحمدُ
(5)
، «وسجد كعبٌ حين بُشِّر بتوبة الله عليه» ، وقصَّته متَّفقٌ عليها
(6)
.
وظاهره: لا فرق بين النِّعم الباطنة والظَّاهرة، وقيَّده القاضي وجماعةٌ: بالظَّاهرة؛ لأنَّ العقلاء يهنِّئون بالسَّلامة من العارض، ولا يفعلونه في كل ساعةٍ.
(1)
قوله: (ومن سلم سلمت) هو في (ب) و (و) و (ز): ومن سلم عليك سلمت. وفي (أ): (وفي مسلم: سلمت).
(2)
أخرجه أحمد (1664)، والحاكم (2019)، وقال:(هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)، وحسَّن إسناده الضياء المقدسي، ووقع اختلاف في سنده أشار إليه الدارقطني وغيره، وحسنه الألباني بمجموع طرقه. ينظر: المختارة 3/ 126، علل الدارقطني 4/ 297، الإرواء 2/ 228.
(3)
أخرجه أبو داود (2775) ومن طريقه البيهقي (3935)، من طريق يحيى بن الحسن، عن الأشعث بن إسحاق بن سعد، عن عامر بن سعد، عن أبيه، وإسناده ضعيف، فيه: يحيى بن الحسن وهو مجهول، وشيخه الأشعث مجهول كذلك، لم يوثقه غير ابن حبان، قال ابن حجر:(مقبول). ينظر: ضعيف أبي داود 2/ 363.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (8413)، والبيهقي في الكبرى (3940)، وأخرجه من وجه آخر: عبد الرزاق (5963)، وابن المنذر في الأوسط (2882)، ومن وجه ثالث: الطبراني في الكبير (5272)، والبيهقي في الكبرى (3939)، ومن وجه رابع: عبد الرزاق (2/ 228)، وابن أبي شيبة (32848)، ولا يخلو واحد منها من ضعف، ومجموعها يدل على ثبوته، وأشار ابن القيم إلى صحته. ينظر: إعلام الموقعين 4/ 311.
(5)
أخرجه أحمد في المسند (848)، وفي فضائل الصحابة (1224)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (247)، والبزار (897)، والنسائي في الكبرى (8513)، عن طارق بن زياد، وإسناده صحيح.
(6)
أخرجه البخاري (4418)، ومسلم (2769) عن حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
وظاهره: أنَّه يسجد لأمرٍ يخصُّه؛ وهو المنصوص
(1)
.
ويشترط لها ما يشترط لسجود التِّلاوة.
(وَلَا يَسْجُدُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ)؛ لأنَّ سببه ليس منها، فإن فعل بطلَت، إلاَّ أن يكون جاهلاً أو ناسيًا.
وعند ابن عقيل: فيه روايتان
(2)
من حمد لنعمة أو
(3)
استرجع لمصيبة.
واستحبَّه ابن الزَّاغوني فيها؛ كسجدة التِّلاوة.
وفرَّق القاضي: بأنَّ سبب سجود التِّلاوة عارِضٌ في الصَّلاة.
وإذا رأى مُبتَلًى في دينه؛ سجد بحضوره، وإن كان في بدنه؛ كتمه عنه، قال إبراهيمُ النَّخَعيُّ: كانوا يَكرَهون أن يسألوا الله العافية بحضرة المُبتلى، ذكره ابن عبد البَرِّ
(4)
.
(1)
ينظر: الفروع 2/ 312.
(2)
في (و): روايتا.
(3)
في (أ): إذا.
(4)
ينظر: بهجة المجالس ص 83.
(فَصْلٌ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ)
(وَهِيَ خَمْسَةٌ)، هذا هو المشهور في المذهب.
وظاهِرُ الخِرَقِيِّ أنَّها ثلاثةٌ: بعد الفجر حتَّى تطلُع الشَّمس، وبعد العصر حتَّى تغرُب؛ وهو
(1)
يَشمَل وقتين، ولعلَّه اعتمد على أحاديث عمرَ وأبي هريرة وأبي سعيد.
(بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ)؛ لما روى أبو سعيد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاةَ بعد صلاةِ الفجرِ حتَّى تطلعَ الشَّمسُ، ولا صلاةَ بعد صلاةِ العصرِ حتَّى تغيبَ الشَّمسُ» متَّفقٌ عليه، وفيهما من حديث عمر وأبي هريرة مثله، إلاَّ أنَّهما قالا:«بعد الفجر» ، و «بعد العصر»
(2)
.
ويتعلَّق النَّهي من طلوع الفجر الثَّاني، نَصَّ عليه
(3)
، وهو قول الأكثر؛ لما روى ابن عمر مرفوعًا:«لا صلاةَ بعد الصُّبح إلاَّ ركعتين» رواه أحمد والتِّرمذيُّ، وقال:(هذا ما أجمع عليه أهل العلم)، وفي لفظ للتِّرمذيِّ:«لا صلاةَ بعد طلوعِ الفجرِ إلاَّ ركعتي الفجرِ» ، وعن ابن المسيَّب نحوُه مرسَلاً، رواه البَيهَقيُّ
(4)
.
(1)
في (و): وهي.
(2)
حديث أبي سعيد رضي الله عنه أخرجه البخاري (586)، ومسلم (827)، وحديث عمر رضي الله عنه أخرجه البخاري (581)، ومسلم (826)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري (584)، ومسلم (825).
(3)
كتب على هامش (و): (قوله: "ويتعلق النَّهي
…
" إلى آخره: هذا المذهب، وبه قال ابن المسيب وحميد بن عبد الرحمن وأصحاب الرأي).
(4)
أخرجه أحمد (5811)، وأبو داود (1278)، والترمذي (419)، وقال:(حديث غريب)، وفي سنده أيوب بن حصين التميمي وقيل: محمد بن حصين، لم يرو عنه إلا قدامة بن موسى، وقال الدارقطني:(مجهول)، وكذا في التقريب، وله طرق أخرى عن ابن عمر رضي الله عنه لا تخلو من مقال.
وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أخرجه الدراقطني (1551)، والبيهقي (4128)، وفيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، وأكثر الأئمة على تضعيف حديثه.
وأخرجه البيهقي (4130)، مرسلاً عن سعيد بن المسيب، وقال البيهقي:(وروي موصولاً بذكر أبي هريرة فيه، ولا يصح وصله)، وصححه الألباني بمجموع طرقه وشواهده. ينظر: تنقيح التحقيق 2/ 378، التلخيص الحبير 1/ 482، الإرواء 2/ 232.
وعنه: من صلاة الفجر إلى طلوع الشَّمس، اختاره أبو محمَّد رزق الله التَّميمي
(1)
، وذكر في «التَّحقيق» أنَّه قول أكثرهم
(2)
.
وفي العصر: بفعلها لا
(3)
بالوقت بغير خلاف نعلمه
(4)
، وظاهره: ولو في وقت الظهر جمعًا، ويَفعل سنَّة الظُّهر بعدها ولو في جمع تأخير، والاعتبار بالفراغ منها لا بالشُّروع، قاله غير واحد.
(وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ)، هو بكسر القاف؛ أي: قدر رمح، والظَّاهر أنَّه الرُّمح المعروف، وقال في «المستوعب»: حتَّى تَبْيَضَّ.
(وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ
(5)
، وظاهره: ولو في يوم الجمعة. وفيه وجه: لا نهي فيه
(6)
،
(1)
هو: رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث، التميمي، أبو محمد، المحدث الفقيه الواعظ، شيخ أهل العراق في زمانه، وكان حسن العبادة، فصيح اللسان، توفي سنة 488 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 250، ذيل الطبقات 1/ 172.
(2)
كتب على هامش (و): (هذا قول الحسن والشافعي).
(3)
في (أ) و (ب) و (د): إلا.
(4)
ينظر: المغني 2/ 86، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 173.
(5)
كتب على هامش (و): (قوله: "عند قيامها حتى تزول" هذا المذهب، وظاهر كلام الخرقي: غير وقت نهي لقصره، والصحيح الأول).
(6)
كتب على هامش (و): (رخص فيه طاوس والحسن والأوزاعي والشافعي وإسحاق؛ لحديث أبي سعيد: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصَّلاة نصف النهار إلا يوم جمعة» رواه أبو داود وفيه .... ضعيف).
واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(1)
.
وظاهره: ولو لم يَحضُر الجامع؛ لظاهر الخبر، والأصل بقاء الإباحة إلى أن يعلم.
(وَإِذَا تَضَيَّفَتْ لِلْغُرُوبِ)؛ أي: مالت له
(2)
، وعنه: إذا اصفرَّتْ، (حَتَّى تَغْرُبَ)؛ لما روى مسلمٌ عن عُقْبةَ بنِ عامِرٍ قال:«ثلاثُ ساعاتٍ نهانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نصلِّي فيهن، وأن نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تطلعُ الشَّمسُ بازغةً حتَّى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظَّهيرةِ حتَّى تزولَ، وحين تتضيَّفُ الشَّمسُ للغروب حتَّى تغربَ»
(3)
، وعن عمرو بن عَبَسة معناه بأطول منه، رواه أحمد ومسلم، وفيه
(4)
: «بأنها تطلع وتغيب بين قرني شيطان»
(5)
، والمراد به: حزبه وأتباعه، وقيل: قومه وغلبته، وقيل: هما جانبا الرأس، ومعناه: أنه يدني رأسه إلى الشَّمس في هذه الأوقات؛ ليكون الساجدون
(6)
لها من الكفار كالساجدين
(7)
له في الصورة، فيكون
(8)
له ولشيعته تسلط ظاهر من أن يلبِّسوا على المصلين صلاتهم، كما منع من الصَّلاة في الأماكن التي هي مأوى الشيطان، وفي حديث عمرو بن عبسة: «ثم أقصر
(9)
عن الصَّلاة؛ فإن حينئذ
(1)
ينظر: مجوع الفتاوى 23/ 205.
(2)
كتب على هامش (و): (قوله: "أي: مالت له" ظاهره: أنه يحصل وقت النَّهي قبل شروعها في الغروب اختاره الموفق، قال المجد: هذا أولى وأحوط، وفيه رواية ثانية: أوله إذا شرعت في الغروب، وعليه أكثر الأصحاب).
(3)
أخرجه مسلم (831).
(4)
في (د): دون.
(5)
أخرجه أحمد (17377)، ومسلم (831).
(6)
في (ب) و (ز): الساجد.
(7)
في (و): فالساجدون.
(8)
في (د) و (و): فتكون.
(9)
في (و): اقتصر.
تسجَّر جهنم» فهو معلل حينئذ
(1)
.
وظاهره: لا فرق بين مكَّة وغيرها في ذلك. وعنه: لا نهي بمكَّة، ويتوجَّه: إن قلنا الحرم كمكَّة
(2)
في المرور بين يدي المصلي؛ أنَّ هنا مثله.
وكلامه في «الخلاف» : أنَّه لا يصلِّي فيه اتِّفاقًا.
وعنه: ولا نهي بعد عصر. وعنه: ما لم تصفرَّ.
ولا بين الشِّتاء والصَّيف.
(وَيَجُوزُ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ فِيهَا)؛ لقوله عليه السلام: «من نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها؛ فليصلِّها إذا ذكرها، لا كفَّارةَ لها إلاَّ ذلك»
(3)
.
وعنه: لا يجوز؛ لعموم النَّهي.
وأجيب: بأنَّه محمولٌ على التَّطوُّع؛ جمعًا بين الأدلَّة.
وكذا الخلاف عندنا في النَّذر، ولا فرق بين أن يكون مطلقًا أو معيَّنًا
(4)
، فلو نذرها وقت نهي؛ انعقدت مع الكراهة، ومع التَّحريم لا تنعقد، وقيل: لا تنعقد وقت نهي مطلقًا.
(وَتَجُوزُ صَلَاةُ الجَنَازَةِ) بعد الفجر والعصر إجماعًا
(5)
لطولهما، فإنَّ الانتظار فيهما يضرُّ بالميت، زاد ابن تميمٍ، وحكاه في «الرعاية» قولاً:
(1)
قوله: (وفيه: «بأنها تطلع وتغيب بين قرني شيطان») إلى هنا سقط من (أ) و (ز).
(2)
في (أ) و (ب) و (د): كسكة.
(3)
أخرجه مسلم (680) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
كتب على هامش (و): (قوله: "وكذا الخلاف عندنا في النذر"، أي: فيجوز كما يجوز قضاء الفرائض. قوله: "ولا فرق بين أن يكون مطلقًا" كما لو نذر صلاة، "أو معينًا" كما لو نذرها في وقت نهي؛ فإنها تنعقد على الصحيح من المذهب كما ذكر الشيخ الموفق في المغني والمجد في شرحه، ويتخرج أن لا ينعقد موجبًا لها، وكذا قال في مجمع البحرين والفروع، وبه قال أبو حنيفة).
(5)
ينظر: المغني 2/ 82.
الفرض منها.
وعنه: لا يصلِّي بعد الفجر حتَّى تطلع الشَّمس.
وظاهره: أنَّه لا يصلِّي على قبر وغائب
(1)
وقت نهي، وقيل: نفلاً.
وصحَّح في المذهب: يجوز على قبر في الوقتين الطَّويلين؛ لطول زمانهما.
وحُكي: مطلقًا.
وفي «الفصول» : لا
(2)
يجوز بعد العصر؛ لأنَّ العلَّة في جوازه على الجنازة خوف الانفجار، وقد أُمن في القبر.
قال في «الفروع» : (وصلَّى قوم من أصحابنا بعد العصر بفتوى بعض المشايخ، ولعلَّه قاس على الجنازة
(3)
، وحُكي لي عنه أنَّه
(4)
علَّل بأنَّها مفروضة، وهذا يلزم
(5)
عليه فعلها في الأوقات الثَّلاثة).
فرع: تُقدَّم الجنازة على صلاة الفجر والعصر، وتؤخَّر
(6)
عن الباقي، وذكر في «المُذهَب»: أنَّه يبدأ بالجنازة مع سَعة الوقت، ومع ضيقه بالفرض، قولاً واحدًا.
(وَ) تجوز (رَكْعَتَا الطَّوَافِ) فيهما؛ وهو قول جماعة من الصَّحابة
(7)
؛ لما
(1)
في (د): ولا غائب.
(2)
سقطت من (أ). والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 415.
(3)
زيد في (ب): وحكي مطلقًا في الفصول لا يجوز. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 415.
(4)
في (أ) و (ب): بأنه.
(5)
في (أ): يلزمه.
(6)
في (و): ويؤخر.
(7)
منهم: ابن عمر، وابن الزبير، وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم.
وأثر ابن عمر وابن الزبير: أخرجه ابن أبي شيبة (13251)، عن عطاء، قال:«رأيت ابن عمر وابن الزبير، طافا بالبيت بعد صلاة الفجر، ثم صليا ركعتين قبل طلوع الشمس» ، ولا بأس بإسناده.
وأثر ابن عباس: أخرجه عبد الرزاق (9005)، بإسناد صحيح.
روى جُبير بن مطعم: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا أحدًا طافَ بهذا البيتِ، وصلَّى فيه
(1)
، في أيِّ ساعةٍ شاءَ من ليلٍ أو نهارٍ» رواه التِّرمذيُّ وصحَّحه
(2)
، ولأنَّهما تابعة
(3)
للطَّواف، ويجوز فرضه ونفله وقت النَّهي.
وعنه: لا يجوز؛ لعموم النَّهي.
وأجيب: بأنَّه مُستثنًى من حديث ابن عبَّاس، مع أنَّ حديثنا لا تخصيص
(4)
فيه.
(وَ) يجوز (إِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ إِذَا أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ)
(5)
؛ لما روى يزيد بن الأسود قال: صلَّيت
(6)
مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، فلمَّا قضى صلاته؛ إذا هو برجلين لم يصلِّيا معه، فقال:«ما منعكما أن تصلِّيا معنا؟» فقالا: يا رسول الله، قد صلَّينا في رحالنا، قال
(7)
: «لا تفعلا، إذا صلَّيتما في رحالكما، ثمَّ أتيتما مسجد جماعة فصلِّيا معهم، فإنَّها لكما نافلة» رواه التِّرمذيُّ، وصحَّحه
(8)
، وهذا نصٌّ في الفجر، والعصر مثله، ولأنَّه متى لم يُعِدْ لحقه تهمة
(9)
في حقِّه، وتهمة في حقِّ الإمام.
(1)
في (و): به.
(2)
أخرجه أحمد (16736)، وأبو داود (1894)، والترمذي (868)، والنسائي (585)، وابن خزيمة (1280). وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح).
(3)
في (أ): تابع.
(4)
في (و): يختص.
(5)
كتب على هامش (و): (وهذا المذهب، وبه قال الحسن والشافعي).
(6)
في (أ): صلينا.
(7)
في (أ): فقال.
(8)
أخرجه أحمد (17474)، والترمذي (219)، والنسائي (858)، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن السكن. ينظر: البدر المنير 4/ 412.
(9)
في (و): نقمة.
فصريحه: أنَّه يشترط لذلك أن يكون في المسجد مع الجماعة، وعبَّر به غير واحد، وذكر في «الشَّرح»: أنَّ ظاهر كلامه لا فرق بين المصلِّي جماعة أو فُرادى، وفيه شيء.
وعنه: لا يجوز؛ لعموم النَّهي، وجوابه واضحٌ.
وشرط القاضي لجوازه
(1)
: أن تكون
(2)
إعادتها مع إمام الحيِّ، وهو ظاهر ما في «المستوعب» و «التَّلخيص» ، وفي «الوجيز» ك «المقنع» ، إلاَّ أنَّه قال: إلاَّ المغرب بمسجد غير الثَّلاثة هو فيه، قال جماعةٌ: أو دخل وهم يصلُّون بعدهما، لكن قال ابن تميم وغيره: لا يُستحبُّ الدُّخول.
(وَهَلْ تَجُوزُ فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا تجوز على الجنازة فيها، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، ونصره المؤلِّف
(3)
؛ لحديث عُقْبة، وذِكره الصَّلاة مع الدَّفن ظاهر في الصَّلاة على الميت، وكالنَّوافل، ولأنَّها أوقات خفيفة لا يخاف على الميت فيها.
والثَّانية: يجوز؛ للعموم
(4)
، ولأنَّها أبيحت في بعض الأوقات؛ فتباح في الباقي كالفرائض، وحكاهما في «المذهب» في الكراهة.
وقال ابن أبي موسى: يصلَّى عليها في جميع الأوقات إلاَّ حال الغروب، زاد في «الرِّعاية»: والزَّوال.
ومحلُّ ذلك: ما لم يُخف عليه، فإن خيف؛ صُلِّي عليه في كلِّ وقت روايةً واحدةً.
(1)
في (أ): إعادتها، وفي (ب) و (د) و (و): بجوازه.
(2)
في (و): يكون.
(3)
كتب على هامش (و): (وهذا المذهب، وبه قال أكثر أهل العلم، وروي عن جابر وابن عمر).
(4)
كتب على هامش (و): (واختاره الشيخ تقي الدين وصاحب الفائق، وجزم بها في الوجيز).
وفي الطَّواف: يجوز قولاً واحدًا، قاله في «المذهب» و «التَّلخيص» ، وقدَّمه في «المحرَّر». وعنه: لا يجوز؛ لحديث عقبة.
ويجوز فيها إعادة الجماعة؛ لتأكيد ذلك، للخلاف في وجوبه. والثَّانية: المنع؛ لحديث عقبة.
(وَلَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بِغَيْرِهَا)؛ أي: يَحرُم ابتداءُ التَّطوُّعِ المطلقِ (فِي شَيْءٍ مِنَ
(1)
الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ)؛ لما تقدَّم، وعن عائشة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي بعد العصر، وينهى عنها» رواه أبو داود
(2)
، وقالت أمُّ سلمة: «سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ينهى
(3)
عنهما - عن
(4)
الركعتين بعد العصر - ثمَّ رأيته يصلِّيهما، وقال: يا بنت أبي أميَّة! إنَّه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان» متَّفقٌ عليه
(5)
، قال الزَّركشي:(وهذا ممَّا لا خلاف فيه)، وفيه شيء؛ فإنَّه روي عن أحمد أنَّه قال: لا نفعله، ولا نعيب على من يفعله.
وعنه: الرُّخصة بعد العصر ما لم تصفرَّ الشَّمس، قال ابن المنذر: (رخَّصت فيه طائفة بعد العصر مطلقًا؛ منهم عليٌّ
(6)
، والزُّبير وابنه
(7)
، وتميم
(1)
زيد في (ز): هذه.
(2)
أخرجه أبو داود (1280)، والبيهقي من طريقه (4402)، ورجال إسناده ثقات، لكن فيه عنعنة ابن إسحاق، وقال الألباني:(منكر). ينظر: السلسلة الضعيفة (945).
(3)
في (و): ينتهى.
(4)
في (أ) و (ج) و (د): يعني.
(5)
أخرجه البخاري (1233)، ومسلم (834).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (7352)، والشافعي في الأم (7/ 175)، والبيهقي في الكبرى (4097)، عن عاصم بن ضمرة، عن علي:«أنه صلى بفسطاطه بصفين ركعتين بعد العصر» ، وإسناده حسن.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (7351)، وابن المنذر في الأوسط (1098)، عن هشام بن عروة، عن أبيه:«أن الزبير وعبد الله بن الزبير كانا يصليان بعد العصر ركعتين» ، وإسناده صحيح.
الدَّاري
(1)
، والنُّعمان بن بشير
(2)
، وأيُّوب
(3)
، وعائشة
(4)
(5)
.
وظاهره: أنَّه لو خالف وأحرم به؛ لم تنعقد، وذكره في التلخيص وغيره الصحيحَ من المذهب. وعنه: بلى.
وفي جاهل روايتان.
قال ابن تميم: (وظاهر الخرقي: أن
(6)
إتمام النَّفل في وقت النَّهي لا بأس به)، ولا يقطعه بل يخفِّفه.
(إِلاَّ مَا لَهُ سَبَبٌ؛ كَتَحِيَّةِ المَسْجِدِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَقَضَاءِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ
(7)
عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يجوز الكلُّ فيها، اختاره
(8)
صاحب «الفصول» و «المذهب»
(1)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1098)، عن عروة بن الزبير، عن تميم الداري:«أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين» ، إسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1102)، عن حبيب كاتب النعمان بن بشير قال:«كان النعمان بن بشير يصلي بعد العصر ركعتين» ، وفي إسناده شريك النخعي وهو ضعيف الحديث.
(3)
هكذا في النسخ الخطية، والذي في الأوسط:(أبو أيوب الأنصاري).
أخرجه عبد الرزاق (3977)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (1103)، عن طاوس:«أن أبا أيوب كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر تركهما، فلما توفي عمر ركعهما» ، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه البخاري (1233)، ومسلم (834)، عن كريب: أن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة، أرسلوه إلى عائشة رضي الله عنها وفيه:«سلها عن الركعتين بعد العصر، وقل: إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما» ، الحديث.
(5)
ينظر: الأوسط 2/ 393.
(6)
قوله: (التلخيص وغيره الصحيح من المذهب
…
) إلى هنا سقط من (أ).
(7)
زاد في (ب) و (ز): (فإنها).
(8)
في (ز): اختارها.
و «المستوعب» والشَّيخ تقيُّ الدِّين
(1)
، وألحق به الاستخارة فيما يفوت، وعقب الوضوء؛ لقوله:«إذا دخلَ أحدُكم المسجدَ؛ فلا يجلس حتَّى يركعَ ركعتين»
(2)
، وقوله:«مَنْ نام عن وترِهِ أو نسيَهُ؛ فليصلِّهِ إذا ذكرَهُ»
(3)
، وقوله:«إنَّ الشَّمسَ والقمرَ آيتان من آيات الله؛ فإذا رأيتموها فصلُّوا»
(4)
، هذا وإن كان عامًّا من وجْهٍ؛ فهو خاصٌّ من وجْهٍ آخر، فيترجَّح
(5)
على أحاديث النَّهي بحديث أمِّ سلمةَ، وكتحيَّة المسجد حال خطبة الجمعة، وليس عنهما جوابٌ صحيحٌ
(6)
.
وأجاب القاضي: بأنَّ المنع هنا اختصَّ
(7)
الصَّلاة، فهو آكَدُ، وهذا على العكس أظهر. قال: مع أنَّ القياسَ المنعُ، تركناه لخبر سُلَيكٍ
(8)
، وسجود التِّلاوة مستحبٌّ مأمور به
(9)
.
والثَّانية: المنعُ، اختاره الأكثر، قاله الشَّريف وابن الزَّاغُوني، وصحَّحه
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 191 - 219.
(2)
أخرجه البخاري (444)، ومسلم (714)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أحمد (11264)، وأبو داود (1431)، والترمذي (465)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ورجح الترمذي والبغوي إرساله، وقال ابن عبد الهادي:(وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به)، ينظر: شرح السنة للبغوي 4/ 88، المحرر (344).
(4)
أخرجه البخاري (1040)، ومسلم (911)، من حديث أبي مسعود رضي الله عنه، وهو في الصحيحين من حديث جماعة من الصحابة.
(5)
في (و): ورجح.
(6)
كتب على هامش (و): (وهذا كلام جده في الفروع).
(7)
في (و): يختص.
(8)
خبر سُليكٍ أخرجه البخاري (931)، ومسلم (875)، عن جابر رضي الله عنه قال: دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال:«أصليت؟» قال: لا، قال:«قم فصل ركعتين» .
(9)
في (أ) و (ب) و (ز): بها.
القاضي وصاحب «الوسيلة» ، وهو أشهر
(1)
؛ لعموم النَّهي، وإنَّما ترجَّح
(2)
عمومُها على أحاديث التَّحيَّة وغيرها؛ لأنَّها حاظِرةٌ، وتلك مُبيحةٌ أو نادبة.
والصَّلاة بعد العصر من خصائصه عليه السلام، فعلى هذا: لا يسجد لتلاوة في وقت قصير.
وعنه: يقضي ورده ووتره قبل صلاة الفجر.
وعنه: يقضي وتره والسُّنن مطلقًا إن خاف إهمالها أو نسيانها.
واختار المؤلِّف: يقضي سنَّة الفجر بعدها، ويقضي غيرها بعد العصر.
ولم يتعرَّض المؤلِّف لصلاة الاِستسقاء، وفي «المغني» و «الشَّرح»: أنَّها لا تفعل وقت نهي بلا خلاف، وذكر جماعةٌ روايتين، وصحَّح السَّامَرِّيُّ الجوازَ، والله أعلمُ.
(1)
في (و): أقرب.
(2)
في (و): يرجح.
(بَابُ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)
شُرع لهذه الأمَّة ببركة نبيِّها محمَّد صلى الله عليه وسلم الاجتماعُ للعبادة في أوقاتٍ معلومةٍ، فمنها ما هو في اليوم واللَّيلة للمكتوبات، ومنها ما هو في الأسبوع؛ وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السَّنة متكرِّرًا؛ وهو صلاتا العيدين لجماعة كلِّ بلد
(1)
، ومنها ما هو عامٌّ في السَّنة؛ وهو الوقوف بعرفة؛ لأجل التَّواصُل والتَّوادُد وعدم التَّقاطع.
(وَهِيَ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى الرِّجَالِ، لَا شَرْطٌ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ وهو
(3)
قول الأكثر
(4)
، وقاله عَطاءٌ والأوزاعيُّ؛ لقوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النِّسَاء: 102]، فأمر بالجماعة في حال الخوف، ففي غيره أولى، يؤكِّده قوله تعالى:{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البَقَرَة: 43]، وقد روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أثقلُ الصَّلاةِ على المنافقينَ صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْوًا، ولقد هممتُ بالصَّلاةِ فتُقامُ، ثمَّ آمُرُ رجلاً فيصلِّي بالنَّاس، ثمَّ أنطلقُ معي برجالٍ معهم حِزَمٌ
(5)
من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصَّلاة؛ فأُحَرِّقُ عليهم بيوتَهم بالنَّارِ» متفق عليه
(6)
.
وعنه: شرطٌ، ذكرها في «الواضح» و «الإقناع» ، وصحَّحها ابن عَقِيل؛ قياسًا على الجمعة؛ لما روى ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سمعَ النِّداءَ
(1)
قوله: (كل بلد) هو في (أ): البلد.
(2)
ينظر: الانتصار 2/ 476.
(3)
في (د): هو.
(4)
كتب فوقها في (و): روي عن ابن مسعود وأبي موسى.
(5)
في (د): بحزم.
(6)
أخرجه البخاري (657)، ومسلم (651).
فلم يُجِب؛ فلا صلاةَ له إلاَّ من عُذْرٍ» رواه أبو داود من رواية يحيى بن حيَّة
(1)
؛ وهو ضعيف، وصحَّح عبد الحقِّ: أنَّه من قول ابن عبَّاسٍ، ورواه ابن ماجَهْ والبَيهَقيُّ، وإسنادُه ثقاتٌ
(2)
، لكن قال الشَّريف: لا يصحُّ عن صاحبنا في كونها شرطًا.
وعنه: سنَّة، وقاله أكثر العلماء؛ لما روى ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرين درجةً»
(3)
، وفي حديث أبي هريرة: «بخمسةٍ
(4)
وعشرين درجةً
(5)
» متَّفق عليهما، وفي حديث أبي سعيد: «بخمسٍ وعشرين درجةً
(6)
» رواه
(7)
البخاريُّ
(8)
، ذكر ابن هُبَيرة: أنَّه نشأ من ضرب خمسة في مثلها، ويزاد على ذلك الوحدة والاجتماع.
وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين وجهًا: أنَّها فرض كفاية، ومقاتلة تاركها كالأذان
(9)
.
(1)
هكذا في الأصل وفي جميع النسخ الخطية، وصوابه: ابن أبي حية، وهو أبو جناب الكلبي، واسم أبي حية: حي. ينظر: تهذيب التهذيب 22/ 201.
(2)
أخرجه أبو داود (551)، والدارقطني (1557)، وفي سنده يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي وهو ضعيف كثير التدليس، ولم يصرح بالسماع، وضعفه من هذا الوجه النووي والألباني.
وأخرجه ابن ماجه (793)، والبيهقي (5642)، وصحح إسناده ابن حجر، وأعل بالوقف، قال البيهقي والإشبيلي:(الموقوف أصح)، ورجح رفعه الألباني. ينظر: بيان الوهم والإيهام 3/ 95، الخلاصة للنووي 2/ 655، التلخيص الحبير 2/ 76، الإرواء 2/ 336.
(3)
زاد في (أ): رواه البخاري.
(4)
في (أ) و (ب) و (و) و (ز): بخمس.
(5)
قوله: (درجة) سقط من (د) و (و).
(6)
قوله: (درجة) سقط من (و).
(7)
في (و): ورواه.
(8)
أخرجه البخاري (645) ومسلم (650) من حديث ابن عمر، وأخرجه البخاري من حديث أبي سعيد (646)، وأخرجه البخاري (477)، ومسلم (649) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(9)
ينظر: الفروع 2/ 420.
وعلى الأوَّل: تنعقد
(1)
باثنين في غير جمعة وعيد، ولو أنثى وعبد، لا بصبيٍّ في فرض، نَصَّ عليه
(2)
.
ويُشترَط فيهم: أن يكونوا أحرارًا، ولو سفرًا في شدَّة خوف، فلو صلَّى منفردًا مطلقًا؛ صحَّت.
ولا ينقص أجره مع العذر، وبدونه؛ في صلاته فضل، خلافًا لأبي الخطَّاب وغيره في الأولى، ولنقله عن أصحابنا في الثَّانية، وكذا قيل للقاضي: عندكم لا فضل في صلاة الفذِّ، فقال:(قد تحصل المفاضلة بين شَيئَين، ولا خير في أحدهما)، وفيه نظر؛ لأنَّه يلزم من ثبوت النِّسبة بينهما بجزء معلوم؛ ثبوت الأجر فيهما، وإلاَّ فلا نسبة ولا تقدير.
واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين - كأبي الخطَّاب - فيمن عادتُه الانفرادُ مع العذر، وإلاَّ تمَّ أجره
(3)
.
وذكر في موضع آخَرَ: أنَّ من صلَّى قاعدًا لعذر؛ له أجر القائم
(4)
، واختاره
(5)
جماعةٌ؛ لما روى أحمد والبخاري: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مرضَ العبدُ أو سافرَ؛ كُتِبَ له ما كانَ يعملُ صحيحًا مقيمًا»
(6)
.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه احتمالُ تساويهما في أصل الأجر وهو الجزاء، والفضل بالمضاعفة).
وظاهره: أنَّها لا تجب على النِّساء، بل يستحبُّ لهن. وعنه: لا. وعنه: يكره. ومال أبو يَعلَى الصغير إلى وجوبها إذا اجتمعْن.
(1)
في (أ) و (ب) و (د) و (ز): ينعقد.
(2)
ينظر: مسائل صالح 1/ 401.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 237، الاختيارات ص 102.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 419، الاختيارات ص 102.
(5)
في (أ) و (ب) و (د): واختار.
(6)
أخرجه أحمد (19679)، والبخاري (2996).
ولا الصِّبيان، إلاَّ على رواية وجوبها عليهم، قاله في «المذهب» .
ولا خُنثَى مُشكِل، قاله ابن تميم.
وفي وجوبها للفائتة والمنذورة؛ وجهان.
فرعٌ: للنِّساء حضور جماعة الرِّجال. وعنه: الفرض. وكرهه القاضي وابن عقيل للشَّابَّة؛ وهو أشهر، والمراد المستحسَنة. وقيل: يحرم
(1)
في الجمعة، وغيرها مثلها؛ ومجالس الوعظ كذلك وأولى
(2)
.
(وَلَهُ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، كذا قاله جمعٌ، ونصره المؤلِّف؛ لقوله عليه السلام:«جُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا، فأيُّما رجلٍ أدركتهُ الصَّلاةُ فليصلِّ حيث أدركتْه» متَّفقٌ عليه
(3)
، وفعلُها في المسجد هو السُّنَّةُ.
والثَّانية: يجب فعلُها في المسجد
(4)
، زاد في «الشَّرح» و «الرِّعاية»: قريب منه؛ لقوله عليه السلام: «لا صلاةَ لجارِ المسجدِ إلاَّ في المسجدِ» ، وعن عليٍّ مثلُه، وزاد:«جار المسجد من أسمعه المنادِي» رواه البَيهَقيُّ بإسنادٍ جيِّد
(5)
.
(1)
في (أ): يجزئ. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 422.
(2)
في (و): أولى.
(3)
أخرجه البخاري (335)، ومسلم (521).
(4)
كتب على هامش (و): (قوله: "والثانية يجب فعلها في المسجد" ويستدل لهذه الرواية بالأحاديث السابقة الدالة على وجوب الجماعة؛ فإنها صريحة في إتيان المساجد، ولحديث ابن أم مكتوم: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هل عندي رخصة أن أصلي في بيتي، قال: «لا أجد رخصة»).
(5)
أخرجه الدارقطني (1553)، والحاكم (898)، والبيهقي (4945)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وسنده ضعيف فيه سليمان بن داود اليمامي، قال ابن معين عنه:(ليس بشيء)، وقال البخاري:(منكر الحديث).
وأخرجه الدارقطني (1552) من حديث جابر، وإسناده ضعيف أيضًا، فيه محمد بن سكين الكوفي، ويقال:(ابن مسكين)، قال أبو حاتم:(مجهول)، وقال البخاري عن حديثه:(في إسناد حديثه نظر)، وضعفه الدارقطني وغيره.
وضعف هذه الأحاديث ابن القطان والنووي وغيرهما، قال ابن حجر:(حديث «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» مشهور بين الناس، وهو ضعيف ليس له إسناد ثابت).
وأثر علي رضي الله عنه أخرجه عبد الرزاق (1915)، وابن أبي شيبة (3469)، والبيهقي (4943)، موقوفًا، وفي سنده مجهول.
وله طريق أخرى: أخرجه ابن أبي شيبة (3470)، وأحمد كما في مسائل صالح (575)، رجاله ثقات أيضًا وفيه انقطاع.
ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 202، لسان الميزان 7/ 163، التلخيص الحبير 2/ 77، الإرواء 2/ 251.
وقيل: لا تصحُّ
(1)
في غير مسجد مع القدرة عليه؛ وهو بعيدٌ.
وفي «المحرَّر» : إنَّ فعلَها في المسجد فرضُ كفايةٍ.
وعنه: فرض عينٍ؛ لإرادة التَّحريق.
(وَيُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الثَّغْرِ)؛ هو موضع المخافة
(2)
من فروج البلدان
(3)
، (الاِجْتِمَاعُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ)؛ لأنَّه أعلى للكلمة، وأوقع للهَيبة، فإذا جاءهم خبر عن عدوِّهم سمعه جميعُهم، وتشاوروا في أمرهم، وإن جاء
(4)
عين للكفار؛ رأى كثرتهم فأخبر بها.
قال الأوزاعيُّ
(5)
: (لو كان الأمر إليَّ؛ لسمَّرتُ أبواب المساجد التي للثغور؛ ليجتمع الناس في مسجد واحد)
(6)
.
(وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِهِمُ الصَّلَاةُ فِي المَسْجِدِ الذِي لَا تُقَامُ فِيهِ الجَمَاعَةُ
(7)
إِلاَّ
(1)
في (و): يصح.
(2)
في (أ): المسافة.
(3)
قال في مقاييس اللغة 4/ 499: (الفروج: الثغور التي بين مواضع المخافة، وسميت فروجًا لأنها محتاجة إلى تفقد وحفظ).
(4)
في (ب): جاءهم.
(5)
قوله: (قال الأوزاعي) هو في (و): والأوزاعي.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 95.
(7)
في (أ): الجماعة فيه.
بِحُضُورِهِ)؛ لأنَّه يحصل به ثواب عمارة المسجد، وتحصيل للجماعة لمن يصلِّي فيه، وذلك معدوم في حقِّ غيره.
زاد في «الشَّرح» وابن تميمٍ: وكذلك إن كانت تقام فيه مع
(1)
غيبته، إلاَّ أنَّ في قصد غيره
(2)
كسر قلب جماعته
(3)
، فجبر قلوبهم أَولى.
(ثُمَّ مَا كَانَ أَكْثَرَ
(4)
جَمَاعَةً)، ذكره في «الكافي» وغيره، وفي «الشَّرح»:(أنَّه الأَولى)، وصحَّحه ابنُ تميمٍ؛ لما روى أُبيُّ بنُ كعبٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةُ الرَّجلِ مع الرَّجلِ أزكى من صلاتِهِ وحدَهُ، وصلاتُهُ مع الرَّجلينِ أزكى من صلاتِهِ مع الرَّجلِ، وما كان أكثرَ فهو أحبُّ إلى الله» رواه أحمد وأبو داود، وصحَّحه ابن حبَّان
(5)
.
(ثُمَّ) إن
(6)
استويا؛ فيكون الأفضلُ فعلَها (فِي المَسْجِدِ الْعَتِيقِ)؛ لأنَّ الطَّاعة فيه أسبق، والمذهب: أنَّه يُقدَّم على الأكثر جماعة، وقيل: إن استويا في القرب والبعد، قال في «الرِّعاية»:(وهو أظهر)
(7)
، وفي «الوجيز»: العتيقُ أفضلُ، ثمَّ الأَبعدُ، ثمَّ ما تمَّت جماعتُه.
(وَهَلِ الْأَوْلَى قَصْدُ الْأَبْعَدِ أَوِ الْأَقْرَبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
(1)
قوله: (فيه مع) هو في (أ) و (و): في.
(2)
قوله: (زاد في الشرح وابن تميم: وكذلك إن كانت تقام في غيبته، إلا أن في قصد غيره) سقط من (و).
(3)
في (أ) و (ب) و (د): جماعة.
(4)
في (أ) و (ب) و (د): أكثرهم.
(5)
أخرجه أحمد (21265)، وأبو داود (554)، والنسائي (843)، وابن حبان (2056)، وصححه ابن المديني وابن السكن والعقيلي والنووي وغيرهم. ينظر: صحيح أبي داود 3/ 75.
(6)
قوله: (ثمَّ إن) هو في (و): وإن.
(7)
قوله: (وهو أظهر) ضرب عليها في (أ).
إحداهما: قصدُ الأبعدِ أفضلُ، جزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»؛ لما روى أبو موسى مرفوعًا: «إنَّ أعظمَ النَّاسِ في
(1)
الصَّلاةِ أجرًا؛ أبعدُهم فأبعدهم
(2)
مَمْشًى» رواه مسلمٌ
(3)
، ولكثرة حسناته بكثرة خُطاه.
والثَّانية: قصدُ الأقربِ؛ لما تقدَّم، ولأنَّ له جِوارًا؛ فكان أحقَّ بصلاته؛ كما أنَّ الجار أحقُّ بمعروف جاره، وكما لو تعلَّقت الجماعة بحضوره.
وقيل: يقدَّمان على الأكثر جمعًا.
مسألة: تُقدَّم الجماعةُ مطلقًا على أوَّل الوقت، ذكروه في كتب الخلاف.
وهل فضيلةُ أوَّلِ الوقت أفضل، أم انتظار كثرة الجمع؟ فيه وجهان.
(وَلَا يَؤُمُّ فِي مَسْجِدٍ قَبْلَ إِمَامِهِ الرَّاتِبِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)، قال أحمدُ: ليس لهم ذلك
(4)
، وصرَّح في «الكافي» و «المستوعب» و «المحرَّر» و «الفروع»: بأنَّها تَحرُم؛ لأنَّه بمنزلة صاحب البيت، وهو أحقُّ بها؛ لقوله عليه السلام:«لا يَؤُمَّنَّ الرَّجلُ الرَّجلَ في بيْته إلاَّ بإذنه»
(5)
، ولأنَّه يؤدِّي إلى التَّنفير عنه، وتبطل فائدة اختصاصه بالتقدُّم، ومع الإذن هو نائب عنه.
وحيث قلنا: بأنَّه يحرم؛ فظاهره: أنَّها لا تصحُّ، وفي «الرِّعاية»: تصحُّ مع الكراهة.
ويُستثنَى منه: ما إذا كان سلطانًا؛ فإنَّه أحقُّ من إمام المسجد.
(1)
قوله: (في) سقط من (و).
(2)
قوله: (فأبعدهم) سقط من (أ).
(3)
أخرجه البخاري (651)، ومسلم (662).
(4)
ينظر: الفروع 2/ 425.
(5)
أخرجه مسلم (673)، بلفظ:«ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه» ، وأخرجه أبو داود (582) بلفظ المصنف.
(إِلاَّ أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ)؛ «لصلاة
(1)
أبي بكرٍ بالنَّاس حين غاب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم» متَّفقٌ عليه
(2)
، وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف مرَّةً؛ فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أحسنتم» رواه مسلم
(3)
.
وفي «الكافي» : يجوز مع غَيبة الإمامِ الرَّاتبِ، والأشهر: لا، إلاَّ مع تأخُّره وضيق الوقت.
(فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ عُذْرُهُ؛ انْتُظِرَ وَرُوسِلَ)؛ لأنَّ الائتمام به سنَّةٌ وفضيلة؛ فلا يُترك
(4)
مع الإمكان، ولما فيه مِنْ الافتيات بنَصْبِ غيرِه، وقيَّده في «الفروع» تَبَعًا لغيره: بما إذا كان قريبًا، ولم يحصُل به مشقَّةٌ، وتأخَّرَ عن وقتِه المعتاد.
(مَا لَمْ يُخْشَ خُرُوجُ الْوَقْتِ)؛ فإنَّه يُقدَّم غيرُه؛ لئلاَّ يفوت الوقت، وتصير الصَّلاة قضاءً.
وكذا إن
(5)
كان بعيدًا، أو لم يغلب على الظَّنِّ حضوره، أو غلب ولا يَكرَه ذلك؛ صلَّوا، قاله ابن تميم والجَدُّ في فروعه.
(فَإِنْ صَلَّى
(6)
فريضةً، وظاهره: ولو في جماعةٍ، (ثُمَّ أُقِيمَتِ
(7)
الصَّلَاةُ) في جماعةٍ (وَهُوَ فِي المَسْجِدِ)، أو جاءه غير
(8)
وقت نهي ولم يقصد الإعادة، أو دخل إليهم وهم يصلُّون، قاله في «المغني» و «الشَّرح» ؛ (اسْتُحِبَّ لَهُ إِعَادَتُهَا)، ذكره جمعٌ؛ لما تقدَّم، ولئلاَّ يتوهَّم رغبته عنه.
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): كصلاة.
(2)
أخرجه البخاري (684)، ومسلم (421).
(3)
أخرجه مسلم (274).
(4)
في (ب) و (د): تترك.
(5)
في (أ): إذا.
(6)
في (ز): صلوا.
(7)
في (و): أديت.
(8)
قوله: (غير) سقط من (أ).
وظاهره: لا فرق في إعادتها مع إمام الحيِّ أو غيرِه.
وقال القاضي: يُستحَبُّ
(1)
مع إمام الحيِّ، وقد سبق.
وقد عُلم: أنَّها لا تجب
(2)
الإعادة. وعنه: بلى مع إمام الحيِّ بشرطه.
(إِلاَّ المَغْرِبَ)، قدَّمه الأكثر؛ لأنَّ التَّطوُّع لا يكون بركعة، ولو كان صلَّى
(3)
وحده، ذكره القاضي وغيره.
(وَعَنْهُ: يُعِيدُهَا)، صحَّحه
(4)
ابن عَقِيل وابن حَمدانَ؛ للعموم؛ ولما روي عن
(5)
حُذَيفة: «أنَّه أعاد الظُّهر والعصر والمغرب، وكان قد صلاهنَّ في جماعة» رواه الأثرم
(6)
، (وَيَشْفَعُهَا بِرَابِعَةٍ) في المنصوص، يقرأ فيها بالحمد وسورة؛ كالتَّطوُّع، نقله أبو داود
(7)
.
وفيه وجه: لا يشفعُها؛ وهو مبني
(8)
على صحَّة التَّطوُّع بفرد
(9)
، وإن لم يشفعها صحَّت.
والأُولى فرضُه، نَصَّ عليه
(10)
؛ لأنَّها وقعت فريضة، فأسقطت الفرض،
(1)
في (د): تستحب.
(2)
زيد في (و): عنه.
(3)
في (أ): حصل.
(4)
في (أ) و (ب) و (ز): صححها.
(5)
قوله: (عن) سقط من (أ) و (د) و (و).
(6)
أخرجه عبد الرزاق (3935)، وابن أبي شيبة (6653)، وحرب الكرماني - الطهارة والصلاة - (1196)، وابن المنذر في الأوسط (1110)، ومداره على جابر الجعفي وهو ضعيف.
ومن وجه آخر: أخرجه مسدد كما في المطالب العالية (443)، وابن أبي شيبة (6657)، ومداره على ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف أيضًا، ولا يتقوى الطريقان لشدة ضعف جابر الجعفي.
(7)
ينظر: مسائل أبي داود ص 71.
(8)
في (أ): ينبني.
(9)
قوله: (بفرد) سقط من (أ).
(10)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 724.
وكإعادتها منفردًا، ذكره القاضي وغيره، ولهذا يَنوِي المُعادةَ نفلاً.
وفي مذهب مالكٍ
(1)
: هل ينوي فرضًا، أو نفلاً، أو إكمالَ الفضيلة، أو يفوض
(2)
الأمر إلى الله تعالى؟
ومذهب الشافعيِّ
(3)
: ينوي الفرضَ، ولو كانت الأولى فرضه، قال بعض أصحابه: ينوي ظهرًا أو عصرًا، ولا يتعرَّض للفرض، وعند بعضهم: كلاهما فرض كفرض الكفاية إذا فعله طائفة ثمَّ فعله طائفة أخرى.
فرع: المسبوقُ في
(4)
ذلك؛ يتمُّه بركعتين من الرُّباعيَّة، نَصَّ عليه
(5)
؛ لقوله عليه السلام: «وما فاتكم فأتمُّوا»
(6)
. وقيل: يسلِّم معه.
(وَلَا تُكْرَهُ إِعَادَةُ الْجَمَاعَةِ)؛ أي: إذا صلَّى إمام الحيِّ ثمَّ حضر جماعةٌ أخرى؛ استُحبَّ لهم أن يصلُّوا جماعةً، هذا قول ابن مسعود
(7)
، وذكره بعضهم روايةً واحدةً؛ لعموم قوله:«تَفْضُلُ صلاةُ الجماعةِ على صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرين درجةً»
(8)
، وقوله:«مَنْ يتصدَّق على هذا فيصلِّي معه؟ فقام رجل من القوم فصلَّى معه» رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي سعيد،
(1)
ينظر: شرح التلقين 1/ 722، الذخيرة 2/ 266.
(2)
في (أ): تفويض.
(3)
ينظر: البيان 2/ 382، المجموع 4/ 224.
(4)
في (د) و (و): من.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 321.
(6)
أخرجه البخاري (636)، ومسلم (602).
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (7107)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (2058)، عن سلمة بن كهيل:«أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلوا، فجمع بعلقمة ومسروق والأسود» ، ولا بأس برجاله، إلا أن سلمة بن كهيل لم يسمع من ابن مسعود شيئًا. ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 157.
(8)
سبق تخريجه 2/ 427 حاشية (8).
وإسنادهُ جيِّد، وحسَّنه التِّرمذيُّ
(1)
.
وقال القاضي: يكره؛ لئلاَّ يفضي إلى اختلاف القلوب، ولأنَّه مسجدٌ له إمامٌ راتبٌ، فكُره فيه إعادة الجماعة؛ كالمسجد الحرام.
وقيل: من غير مساجد الأسواق، وهو ظاهر.
وقيل: المساجد العظام.
وقيل: لا يجوز.
والأوَّلُ أَولى؛ لأنَّه قادرٌ على الجماعة، فاستُحبَّ له؛ كالمسجد الذي في ممرِّ النَّاس، وحينئذٍ يؤذِّن لها ويقيم، قاله ابن تميم.
ويُكرَه قصدُها للإعادة، زاد بعضهم: ولو كان صلَّى فرضه وحده، ولأجل تكبيرة الإحرام لفوتها
(2)
له، لا لقصد الجماعة، نصَّ على ذلك
(3)
.
قال في «التَّلخيص» : وفضيلة التَّكبيرة الأُولى لا تحصل إلاَّ بشهود تحريم الإمام.
(فِي غَيْرِ المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ)، فإنَّه يُكره إعادتها فيها، روي عن أحمد
(4)
، قال في «الشَّرح»:(وذكره أصحابنا؛ لئلاَّ يتوانى النَّاسُ في حضور الجماعة مع الإمام الرَّاتب فيها)، وتعظيمًا لها.
وما ذكره في المسجد الأقصى هو رواية، والمذهب: أنَّه يكره في مسجد مكَّة والمدينة؛ وعلَّله أحمد: بأنَّه أرغب في توقير الجماعة.
(1)
أخرجه أحمد (11019)، وأبو داود (574)، والترمذي (220)، وابن الجارود (330)، وابن حبان (2399)، وهو حديث حسن، في سنده سليمان الناجي، وهو صدوق، وصححه ابن حبان والحاكم وجماعة. ينظر: الإرواء 2/ 316.
(2)
في (أ): كفوتها، وفي (و): لفواتها. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 430، والكشاف 2/ 155.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 71.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 70.
وعنه: يكره في مساجد الحِلِّ وغيرها مع كثرة الجَمْع، لا مع ثلاثة أنفس أو أقلَّ، قال في «الرِّعاية»: وفيه بُعدٌ.
مسألة: ليس للإمام اعتيادُ الصَّلاة مرَّتين، وجعْلُ الثَّانية عن فائتة أو غيرها، والأمَّة متَّفقون على أنَّه بِدعةٌ مكروهةٌ؛ ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(1)
.
(«وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ؛ فَلَا صَلَاةَ إِلاَّ المَكْتُوبَةُ»)، رواه مسلمٌ من حديث أبي هريرة مرفوعًا
(2)
، «وكان عمر يضرب على صلاة بعد الإقامة»
(3)
.
وظاهره: أنَّه لا يجوز ابتداء فعل نافلة بعد إقامة
(4)
الفريضة، مع أنَّ «صلاة» نكرة في سياق النَّفي فتعُمُّ، لكن فعل الفائتة تجوز بشرطه.
(وَإِنْ أُقِيمَتْ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ؛ أَتَمَّهَا) خفيفةً؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محَمَّد: 33]، وظاهره: ولو خارج مسجد، قال ابن تميم وغيره: لا يزيد على ركعتين إلاَّ أن يكون قد شرع في الثَّالثة، نَصَّ عليه
(5)
، فإن سلَّم عنها جاز.
(إِلاَّ أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الجَمَاعَةِ؛ فَيَقْطَعُهَا) على المذهب؛ لأنَّ الفرض أهمُّ، وظاهره: أنَّه أراد فوات جميعها، وخصَّ صاحب «النِّهاية» بفوات الرَّكعة الأُولى، قال ابن المنجى:(وكلٌّ متَّجِهٌ)، لكن في حمل كلامه على ما ذكر نظر.
(وَعَنْهُ: يُتِمُّهَا)؛ للآية الكريمة.
(وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ؛ فَقَدْ أَدْرَكَ الجَمَاعَةَ)، هذا هو المجزوم به في
(1)
ينظر: الاختيارات ص 104.
(2)
أخرجه مسلم (710).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (3988)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (2757)، عن سويد بن غفلة قال: وذكره. وإسناده ضعيف؛ لضعف راويه جابر الجعفي.
(4)
في (و): فائتة.
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 270، الفروع 2/ 24.
المذهب؛ لأنَّه أدرك جزءًا من صلاة الإمام، أشبه ما لو أدرك ركعة، وكإدراك المسافر، ولأنَّه يلزم أن يَنويَ الصِّفة التي عليها؛ وهو كونه مأمومًا، فينبغي أن يدرك فضل الجماعة.
وشرطه: جلوسه مع الإمام في التَّشهُّد. وقيل: أو قبل سلام الثَّانية.
وظاهِرُ كلام ابن أبي موسى: أنَّه لا يكون مدركًا لها إلاَّ بإدراك ركعة معه، وذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين روايةً، واختارها
(1)
؛ لقوله عليه السلام في خبر أبي هريرة: «مَنْ أدركَ ركعةً مِنَ الصَّلاةِ مع الإمامِ فقد أدركَ الصَّلاةَ» متَّفقٌ عليه
(2)
.
(وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ؛ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ)؛ لما روى أبو هريرة مرفوعًا: «إذا جئتم إلى الصَّلاةِ ونحن سجودٌ فاسجدوا، ولا تعدُّوها شيئًا، ومَنْ أدركَ الرُّكوعَ فقد أدركَ الرَّكعةً» رواه أبو داود بإسنادٍ حَسَنٍ
(3)
، ولأنَّه لم يَفُته من الأركان غير القيام؛ وهو يأتي به مع التَّكبيرة، ثمَّ يدرك مع الإمام بقيَّة الرَّكعة.
وشرط حصولها: إذا اجتمع مع الإمام فيه بحيث ينتهي إلى قدر الإجزاء في الرُّكوع، وإن لم يطمئنَّ.
وقيل: إن أدرك معه الطُّمأنينة، حكاه ابن عَقِيل.
وفي «التَّلخيص» وجْهٌ: يدركها ولو شكَّ في إدراكه راكعًا؛ لأنَّ الأصل
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 330.
(2)
أخرجه البخاري (580)، ومسلم (607).
(3)
أخرجه أبو داود (893)، وابن خزيمة (1622)، والحاكم (783)، وقال:(هذا حديث صحيح الإسناد)، وفي سنده يحيى بن أبي سليمان المدني، قال البخاري عنه:(منكر الحديث)، وقال أبو حاتم:(مضطرب الحديث، ليس بالقوي، يكتب حديثه)، وقال ابن حجر في التقريب:(لين الحديث)، ولما أخرجه ابن خزيمة قال:(في القلب من هذا الإسناد شيئٌ)، وله شاهد عند البيهقي (2576)، وصححه الألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 11/ 228، الإرواء 2/ 260.
بقاء الرُّكوع.
فإن كبَّر والإمام في الرُّكوع، ثمَّ لم يستطع حتَّى رفع إمامُه؛ لم يدركه، نَصَّ عليه
(1)
، ولو أحرم قبل رفعه
(2)
لم يدركه، ولو أدرك ركوع المأمومين.
(وَأَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ)، وهي تكبيرة الإحرام، وتسقط تكبيرة الرُّكوع، نَصَّ عليه
(3)
، واحتجَّ بأنَّه فعلُ زيدِ بنِ ثابِتٍ وابنِ عمرَ
(4)
، ولا يُعرَف لهما مخالِفٌ في الصَّحابة، ولأنَّه اجتمع عبادتان من جنسٍ واحدٍ في محلٍّ، فأجزأ الرُّكن عن الواجب؛ كطواف الزِّيارة والوداع.
قيل للقاضي: لو كانت تكبيرةُ الرُّكوع واجبةً؛ لم تسقط، فأجاب: بأنَّ الشَّافعيَّ أوجب القراءة، وأسقطها إذا أدركه راكعًا.
وعنه: يجب معها تكبيرة الرُّكوع، صحَّحه ابن عَقِيل وابن الجوزي؛ وهو ظاهر كلام جماعة؛ لوجوبها.
ويتوجَّه: أنَّه لا بدَّ من قيام بعد تكبيرة الإحرام.
فإن نواهما بتكبيرةٍ لم تَنعقِد، ذكر
(5)
القاضي أنَّه الظَّاهر من قول أحمدَ؛ لأنَّه لو شرَّك بين الواجب وغيره في النِّيَّة، أشبه ما لو عطس عند رفع رأسه فقال:(ربَّنا ولك الحمد) عنهما.
وعنه: بلى، اختاره الشَّيخان، ورجَّحه في «الشَّرح» ؛ لأنَّ نية
(6)
الرُّكوع لا
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 710.
(2)
قوله: (قبل رفعه) هو في (أ): بعد ركعة.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 1/ 206، مسائل أبي داود ص 53، مسائل ابن هانئ 1/ 48.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (2505)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (1263)، عن ابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، قالا:«إذا أدرك الرجل القوم ركوعًا فإنه يجزئه تكبيرة واحدة» ، إسناده صحيح، واحتج به أحمد في مسائل ابن هانئ (1/ 48)، ومسائل عبد الله (ص 106).
(5)
في (و): ذكره.
(6)
في (أ): سنة.
تنافي نيَّة الافتتاح؛ لأنَّهما من جملة العبادة.
وإن نوى بتكبيره الرُّكوع؛ لم يجزئه؛ لأنَّ تكبيرة الإحرام ركن، ولم يأت بها.
(وَالْأَفْضَلُ اثْنَتَانِ)؛ خُروجًا من الخلاف، قال أبو داود: قلت لأحمدَ: يكبِّر مرَّتين أحبُّ إليك؟ قال: إن كبَّر تكبيرتَين ليس فيه اختلافٌ
(1)
.
فَرْع: إذا أدركه في غير ركوع؛ سُنَّ
(2)
دخوله معه ندبًا؛ للخبر
(3)
، وظاهره مطلقًا، وينحطُّ معه عن قيام بلا تكبير، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّه لا يعتدُّ
(5)
له به، وقد فاته محلُّ التَّكبير.
ويقوم مسبوقٌ بتكبير نصًّا
(6)
، ولو لم تكن ثانيتَه، وإن قام قبل سلام الثَّانية، ولم يرجع؛ انقلبت نفلاً في الأصحِّ.
(وَمَا أَدْرَكَ) المسبوقُ (مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا)، هذا هو المشهور في المذهب، وصحَّحه وجزم به جماعةٌ؛ لما روى أحمد عن ابن عُيَينةَ، عن الزُّهري، عن سعيد، عن أبي هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتَكم فاقضوا» ، ورواه النَّسائيُّ من حديث ابن عيينة كذلك، قال مسلمٌ: أخطأ ابن عُيَينةَ في هذه اللَّفظة: «فاقضوا» ، ولا أعلم رواها عن الزُّهري غيرُه، وفيه نَظَرٌ؛ فقد رواها أحمد عن عبد الرَّزاق، عن معمر، عن الزُّهري، وقد رُويت عن أبي هريرة من غير وجه، وذكر صاحب
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 53.
(2)
في (و): يسن.
(3)
وهو حديث: «إذا جئتم إلى الصَّلاةِ ونحن سجودٌ فاسجدوا، ولا تعدُّوها شيئًا» ، سبق تخريجه 2/ 438 حاشية (3).
(4)
ينظر: الفروع 2/ 436.
(5)
في (أ): لا يعد، وفي (ب): لم يعتد.
(6)
ينظر: الفروع 2/ 437.
«التَّحقيق» والمؤلِّف أنَّه متَّفقٌ عليه من حديث أبي هريرة، وفيه نَظَرٌ، وفي روايةٍ لمسلمٍ:«واقضِ ما سبقك»
(1)
، والمَقْضِيُّ: هو الفائت؛ فيكون على صفته.
(فَيَسْتَفْتِحُ وَيَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ السُّورَةَ) مع الفاتحة؛ لأنَّه أوَّل صلاته.
فعلى هذا؛ لو أدرك من رباعيَّةٍ أو مغرب ركعة
(2)
؛ تشهَّد عُقَيب قضاء ركعة على المذهب؛ كالرِّواية الثَّانية.
وعنه: في المغرب فقط.
وعنه: يتشهَّد عقيب ركعتَين، قدَّمها في «الرِّعاية» ؛ لأنَّ المَقْضِيَّ أوَّل صلاته، وهذه صفة أولها، قال في «الكافي» و «الشَّرح»: لأنَّهما ركعتان يقرأ فيهما الفاتحة والسُّورة، وهما متواليتان؛ كغير المسبوق.
وعنه: ما يدركه أوَّلُ صلاته، وما يقضيه آخرُها؛ لقوله عليه السلام:«ما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتَكم فأتمُّوا» متَّفقٌ عليه من حديث أبي قتادة وأبي هريرة
(3)
.
(1)
هذا الحديث أخرجه البخاري (635)، ومسلم (602)، وأبو داود (572)، وغيرهم، بلفظ:«وما فاتكم فأتموا» ، وأما لفظة:«فاقضوا» ، فالصحيح أنها ليست في الصحيحين إلا أنها في مسلم بلفظ:«صل ما أدركت، واقض ما سبقك» ، وأما لفظة:«فاقضوا» ، فاختلف فيها الأئمة، فقال مسلم وأبو داود: بأنه تفرد بها ابن عيينة، ونص مسلم على أن ابن عيينة أخطأ فيه، وتبعه البيهقي، ونص غيرهما أنه لم يتفرد بها بل تابعه غيره، فرواها معمر عن الزهري عند عبد الرزاق (3399)، ومعمر عن همام عن أبي هريرة عند أحمد (8223)، ومن غير وجه عن أبي هريرة، قال ابن دقيق العيد في الإلمام:(وقد اختلف في هذه اللفظة؛ فقيل: فأتموا، وقيل: فاقضوا، وكلاهما صحيح)، والخلاصة: أن رواية من روى فأتموا أكثر، قاله ابن رجب وابن حجر. وينظر: الإلمام 1/ 217، تنقيح التحقيق 2/ 506، فتح الباري لابن رجب 5/ 395، فتح الباري لابن حجر 2/ 118 - 119.
(2)
قوله: (ركعة) سقط من (أ).
(3)
حديث أبي قتادة رضي الله عنه عند البخاري (635)، ومسلم (603)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري (636)، ومسلم (602).
وأُجِيب بأنَّ المعنى: فأتمُّوا قضاءً؛ للجمع بينهما، وعليها: يتشهَّد عقَيب ركعة.
وذكر المؤلِّف: إن تشهَّد عقَيب ركعة أو ركعتين جاز؛ لأنَّ مسروقًا وجُندُبًا ذكرا ذلك عند ابن مسعود، فصوَّب فعل مسروق، ولم يُنكِر فعل جُندُبٍ، ولم يأمره بالإعادة
(1)
.
ويستفتح ويستعيذ، ويقرأ السُّورة فيما يدركه فقط، وقيل: يقرأ السُّورة مطلقًا، وذكر ابن أبي موسى أنَّه المنصوص عليه.
قال المؤِّلف: (لا أعلم فيه خلافًا بين الأئمَّة الأربعة)، لكن بنى ابن هُبَيرة وجماعة قراءتها على الخلاف، وهو ظاهر رواية الأثرم
(2)
.
ويُخرَّج عليه: الجهرُ، والقنوتُ، وتكبيرُ العيد، وكذا التورُّك والافتراش.
وقال صاحب «المحرَّر» : لا يحتسب له تشهُّد الإمام الأخير إجماعًا، لا من أوَّل صلاته
(3)
، ولا من آخرها، ويأتي بالتَّشهُّدِ الأوَّلِ، ويكرِّره حتَّى يسلِّم إمامُه.
ويتوجَّه فيمن قنَت مع إمامه: لا يقنُت ثانيًا؛ كمن سجد معه للسَّهو لا يعيده على الأصحِّ.
ويلزمه القراءةُ فيما يقضيه، قال المجْدُ: لا أعلم فيه خلافًا.
(وَلَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ)؛ أي: قراءة الفاتحة (عَلَى المَأْمُومِ)، روي ذلك عن عليٍّ، وابن عبَّاسٍ، وابن مسعودٍ، وجابِرٍ، وابنِ عمرَ
(4)
، وهو قولُ الأكثرِ؛
(1)
أخرجه أبو يوسف في الآثار (260)، ومحمد بن الحسن في الآثار (130)، وابن أبي شيبة (8482)، ورواه أحمد في مسائل عبد الله (ص 108)، والطبراني في الكبير (9373)، عن إبراهيم النخعي، وإسناده صحيح، وقد احتج به الإمام أحمد في رواية عبد الله وابن هانئ.
(2)
ينظر: الفروع 2/ 438.
(3)
في (أ): الصلاة.
(4)
سيأتي قريبًا تخريج الآثار عن علي وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم.
وأثر ابن عباس: أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1316)، عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: أقرأ والإمام بين يدي؟ فقال: «لا» ، وإسناده صحيح.
وأثر جابر: أخرجه عبد الرزاق (2819)، وابن أبي شيبة (3786)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1313)، عن عبيد الله بن مقسم قال: سألت جابر بن عبد الله: أتقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر شيئًا؟ فقال: «لا» ، وإسناده صحيح.
لما روى أحمد: ثنا أسود
(1)
بن عامر، ثنا الحسَنُ بن صالحٍ، عن أبي الزُّبَير، عن جابِرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كان له إمامٌ فقراءتُهُ له قراءةٌ» ، قال في «الشَّرح»: هذا إسناد
(2)
متَّصِلٌ صحيحٌ، وضعَّفه جماعةٌ؛ لأنَّ فيه لَيثَ بنَ أبي سُلَيمٍ وجابرًا الجُعْفيَّ، ورواه الدَّارَقُطْنيُّ عن عبد الله بن شدَّادٍ مرسَلاً، قال في «الأحكام»: هو الصَّحيح، وصوَّبه الدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
.
والمراد بأنَّه لا قراءة على مأمومٍ: أي: يحملها الإمامُ عنه، وإلاَّ فهي
(1)
في (أ): الأسود.
(2)
في (أ): إسناده.
(3)
أخرجه أحمد (14643)، وإسناده منقطع؛ لأن الحسن بن صالح بن حي لم يسمع من أبي الزبير، وبينهما جابر الجعفي، وليث بن أبي سليم، فقد أخرجه ابن ماجه (850)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1298)، والدارقطني (1253)، من طريق جابر الجعفي، وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1297)، والدارقطني (1253)، والبيهقي (2898)، من طريق ليث بن أبي سليم كلاهما عن أبي الزبير عن جابر به. وجابر الجعفي وليث بن أبي سليم ضعيفان لا يحتج بهما، وذكر البيهقي أن المحفوظ أنه موقوف على جابر من قوله بلفظ:«من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام» . وأخرجه ابن أبي شيبة (3779)، والدارقطني مرسلاً (1237)، ورجَّح إرساله من هذا الوجه أبو حاتم والدارقطني، وذكر ابن حجر أن الحديث له طرق عن غير جابر من الصحابة كلها معلولة، قال الزيلعي بعد أن ضعف طريق جابر:(ولكن له طرق أخرى وهي وإن كانت مدخولة، ولكن يشد بعضها بعضًا)، وقال شيخ الإسلام:(هذا المرسل عضده ظاهر القرآن والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومرسِله من أكابر التابعين، ومثل هذا المرسل يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد نص الشافعي على جواز الاحتجاج بمثل هذا المرسل). ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 156، نصب الراية 2/ 6 - 7، التلخيص الحبير 1/ 568، الإرواء 2/ 268.
واجبةٌ عليه، نبَّه عليه القاضي، كما يحمل عنه سجود سهو
(1)
وسُترة، وكذا تشهُّدٌ أوَّلُ إذا سبقه بركعة، وسجدة تلاوة، ودعاء قنوتٍ، قاله في «التَّلخيص» وغيره.
وعنه: تجب، ذكرها التِّرمذيُّ والبَيهَقيُّ
(2)
، واختارها الآجُرِّيُّ.
ونقل الأثرم: لا بدَّ للمأموم من قراءة الفاتحة
(3)
، ذكره ابن الزَّاغوني؛ لما رُوي عن عُبادةَ مرفوعًا:«إنِّي أراكُم تقرؤون وراءَ إمامِكم، لا تفعلوا إلاَّ بأمِّ القرآن؛ فإنَّه لا صلاةَ لمن لم يَقرأ بها» رواه أبو داود والتِّرمذيُّ وحسَّنه، وفيه ابنُ إسحاقَ، وهو مدلِّسٌ
(4)
.
وقيل: في صلاة السِّرِّ، ذكره في «النَّوادر» .
والأوَّلُ أصحُّ؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِاءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعرَاف: 204]، قال أحمد: أجْمَع النَّاسُ على أنَّ هذه الآية في الصَّلاة
(5)
، قال ابنُ مسعودٍ:«لا أعلمُ في السُّنَّة القراءةَ خَلف الإمامِ»
(6)
،
(1)
في (و): السهو.
(2)
ينظر: سنن الترمذي 2/ 25، القراءة خلف الإمام للبيهقي ص 54.
(3)
ينظر: الفروع 2/ 190.
(4)
أخرجه أحمد (22671)، وأبو داود (823)، والترمذي (311)، من طريق ابن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة رضي الله عنه، قال الترمذي:(وروى هذا الحديث الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، وهذا أصح)، وأُعلَّ هذا الحديث برواية ابن إسحاق عن مكحول معنعنًا وهو مدلس، وورد من طريق أخرى التصريح بالسماع، ووردت متابعة له صحيحة من رواية زيد بن واقد الدمشقي عن مكحول وهو ثقة، وأعلَّه ابن عبد البر بالاضطراب، وصححه البخاري، وحسنه الترمذي والدارقطني، وصححه البيهقي، وقال الخطابي وابن الملقن:(جيد). ينظر: معالم السنن 1/ 205، التمهيد لابن عبد البر 11/ 46، معرفة السنن والآثار 3/ 80، البدر المنير 3/ 547، أصل صفة الصلاة للألباني 1/ 327.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 48.
(6)
لم نقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج الطبراني في الكبير (9313)، عن إبراهيم:«أن ابن مسعود كان لا يقرأ خلف الإمام» ، وإسناده صحيح، ورواية إبراهيم عن ابن مسعود محمولة على الاتصال عند بعض المحدثين.
وأخرج الطبراني في الكبير (9312)، والبيهقي في الخلافيات (1920)، عن ابن مسعود قال:«لا تقرأ خلف الإمام إلا أن يكون إمامًا لا يقرأ» ، وهو ضعيف، فيه أبو حمزة القصاب، ضعفه أحمد وغيره. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 234.
وقال ابن عمرَ: «قراءتُه تَكفيك»
(1)
، وقال عليٌّ:«ليس على الفطرة من قرأ خلف الإمام»
(2)
، وقال ابن مسعودٍ:«وَدِدْتُ من قرأ خلف الإمام أن أملأ فاه ترابًا» ، روى ذلك سعيدٌ
(3)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (3784)، والدارقطني (1503)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (ص 180)، عن نافع وأنس بن سيرين، عن ابن عمر بذلك، وإسناده صحيح، وقد روي من وجوه أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (2801)، وابن أبي شيبة (3781)، والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام (ص 12)، والدارقطني (1255)، والبيهقي في الخلافيات (1902)، وإسناده مضطرب معلول، وقد ضعفه البخاري وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي، قال البخاري في جزء القراءة:(وهذا لا يصح؛ لأنه لا يعرف المختار، ولا يُدرى أنه سمعه من أبيه أم لا؟ وأبوه من علي، ولا يحتج أهل الحديث بمثله، وحديث الزهري عن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه؛ أدل وأصح).
وحديث الزهري: أخرجه ابن أبي شيبة (3753)، والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام (ص 16)، والدارقطني (1232)، والبيهقي في الكبرى (2932)، أن عليًّا كان يقول:«اقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في كل ركعة بأم الكتاب وسورة» .
(3)
لم نقف عليه في سنن سعيد بن منصور، وقد أخرجه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام (ص 13)، من طريق إبراهيم النخعي قال: قال عبد الله: «وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام مُلئ فوه نتنًا» ، ورجاله ثقات إلا أن إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود، وحمل جماعة من المحدثين روايته على الاتصال لكونه أخذه عن أصحابه، وضعفه البخاري بقوله:(وهذا مرسل لا يحتج به)، وأعله بعلل أخرى.
ومن وجه آخر: أخرجه عبد الرزاق (2803)، وابن أبي شيبة (3780)، والطبراني في الكبير (9311)، وابن المنذر في الأوسط (1310)، والبيهقي في الكبرى (1916)، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال:«أنصت للقراءة، فإن في الصلاة شغلاً، وسيكفيك الإمام» ، وإسناده صحيح.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ) الفاتحةَ (فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ)، ولو لتنفُّسٍ؛ نقله ابن هانئ
(1)
، ولا يضرُّ
(2)
تفريقها.
وظاهره: أنَّ للإمام سَكتاتٍ بعد تكبيرة
(3)
الإحرام وفراغ الفاتحة، ويُستحَبُّ أن يكون قدرها، وفراغ القراءة
(4)
.
وقال
(5)
المجْدُ: هما سكتتان على سبيل الاستحباب:
إحداهما: تختصُّ بأوَّل ركعة؛ للاِستفتاح.
والثَّانية: عند فراغه من القراءة كلها؛ ليردَّ
(6)
إليه نفَسه.
(ومَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ)؛ لأنَّ القراءة مشروعةٌ فيها
(7)
؛ وإنَّما ترك لأجل التَّشويش، وهذا المعنى مفقودٌ هنا.
وفي «المستوعب» : يقرأ الفاتحة وسورةً.
وفي «الشَّرح» : يقرأ في الجهر في سكتات الإمام بالفاتحة، وفي السِّرِّ يقرأ بها وسورة؛ كالإمام والمنفرِد.
وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين: (هل الأفضلُ قراءة الفاتحة للاختلاف في وجوبها أم غيرها؛ لأنَّه استمعها؟ ومقتضى نص أحمد وأكثر أصحابه
(8)
الثَّاني)
(9)
، وفيه شيء.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 53.
(2)
في (و): قضى.
(3)
في (و): تكبيرات.
(4)
في (و): الفاتحة.
(5)
في (ز): قال.
(6)
في (و): بالرد. وفي (أ): لتردَّ.
(7)
في (و): فيه.
(8)
قوله: (وأكثر أصحابه) هو في (أ): ولصحابه. وفي (ب) و (د): وأصحابه. والمثبت موافق لما في مجموع الفتاوى 22/ 329.
(9)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 329.
فلو قرأ حال جهر إمامه؛ كُره. وقيل: يُستحَبُّ بالفاتحة. وقيل: يحرم، وروي عن تسعة من الصَّحابة
(1)
.
(أَوْ لَا يَسْمَعُهُ لِبُعْدِهِ)؛ أي: يُستحَبُّ له أن يقرأ، نَصَّ عليه
(2)
؛ فإن سمع قراءته؛ فالمذهب: يكره. وقيل: يعيد، أومأ إليه أحمد.
فإن سمع هَمْهَمَة الإمام، ولم يَفهَم قراءتَه؛ لم يَقرَأ، نَصَّ عليه في رواية الجماعة
(3)
.
وعنه: بلى، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(4)
، قال في «الفروع»: وهي أظهرُ.
(فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِطَرَشٍ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، وكذا في «الفروع» ، وسئل أحمد عن الأطرش هل يقرأ؟ قال: لا أدري
(5)
، فظاهره التَّوقُّف، لكن إن كان بعيدًا؛ قرأ، وإن كان قريبًا، وهي مسألة المتن؛ فوجهان:
أحدهما: يستحبُّ؛ لأنَّه لا يسمع، فلا يكون مأمورًا بالإنصات، ومحلُّه ما لم يَشغَل
(6)
غيرَه عن الاستماع، ولا يُخلِّط على من يقرب منه، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .
(1)
قال في الشرح الكبير 4/ 308: (وقالت طائفة: لا يقرأ خلف الإمام في سر ولا جهر، يروى ذلك عن تسعة من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم، ذكرناهم في المسألة قبلها، رواه سعيد في سننه).
وقال قبل ذلك 4/ 303: (وممن كان لا يرى القراءة خلف الإمام: علي، وابن عباس، وابن مسعود، وأبو سعيد، وزيد بن ثابت، وعقبة بن عامر، وجابر، وابن عمر، وحذيفة بن اليمان)، وتقدم تخريج جملة من هذه الآثار.
(2)
ينظر: مسائل صالح 2/ 465، مسائل أبي داود ص 48، مسائل عبد الله ص 256.
(3)
ينظر: المغني 1/ 407.
(4)
ينظر: الفروع 2/ 192.
(5)
ينظر: المغني 1/ 407.
(6)
في (و): يشتغل.
والثَّاني: يُكرَه، جزم به في «الوجيز» ؛ لما
(1)
فيه من التَّشويش على المصلِّين.
(وَهَلْ يَسْتَفْتِحُ وَيَسْتَعِيذُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يُستحَبُّ، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ سماعَه لقراءة إمامِه قَامت مقامَ قراءتِه، بخلاف الاستفتاحِ والتعوُّذِ.
ومحلُّه ما لم يَسمع قراءةَ إمامه، قاله في «الشَّرح» وغيره.
والثَّانية: يُكرَهان، وذكر ابن المُنَجَّى أنَّها هي الصَّحيحة؛ لأنَّ ذلك يَشغَله عن القراءة، وهي أهمُّ.
وعنه: يكره التعوُّذ فقط، اختاره القاضي؛ لأنَّ التَّعوُّذ إنَّما شرع من أجل
(2)
القراءة، فإذا سقطت؛ سقط التَّبَع، بخلاف الاستفتاح؛ لأنَّه أمكن من غير اشتغال عن الإنصات.
وظاهِرُه
(3)
: أنَّهما يسنَّان في صلاة السِّرِّ، نَصَّ عليه
(4)
.
فرع: إذا جهل ما قرأ به إمامه؛ لم يَضرَّ. وقيل: يتمُّها وحده. وقيل: تبطل. نقل ابن أصرم
(5)
: يعيد
(6)
، فقال أبو إسحاقَ: لأنَّه لم يدرِ هل قرأ الحمد أم لا؟ ولا مانع من السَّماع، وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: بل لتركه الإنصات الواجب
(7)
.
(1)
زيد في (و): روي.
(2)
في (أ): لأجل.
(3)
في (ز): فظاهره.
(4)
ينظر: المغني 1/ 405.
(5)
هو: أحمد بن أصرم بن خزيمة بن عباد، ينتهي نسبه إلى عبد الله بن مغفل، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقل عن أحمد أشياء، توفي سنة 285 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 22.
(6)
ينظر: الفروع 1/ 195، الاختيارات ص 82.
(7)
ينظر: الفروع 1/ 195، الاختيارات ص 82.
(وَمَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ إِمَامِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ بَعْدَهُ)، الأَولى أن يشرع في أفعال الصَّلاة بعد شُروع الإمام؛ لقوله عليه السلام:«إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤْتَمَّ به، فإذا كبَّرَ فكبِّروا، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا سجدَ فاسجدوا» ، وقال البَراء:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمعَ الله لمن حمدَه، لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظهرَهُ حتَّى يَقَع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجِدًا، ثمَّ نَقَعُ سُجودًا بعدَه» متَّفقٌ عليهما
(1)
.
فإن كبَّر معه للإحرام؛ لم تَنعقِد صلاته؛ لأنَّه ائْتَمَّ بمن لم تَنعقِد صلاتُه.
وإن سلَّم معه؛ كره وصحَّ. وقيل: لا؛ كسلامه قبله بلا عذر عمدًا، وسهوًا يعيده بعده، وإلاَّ بطلت.
وإن فعل الباقيَ معه؛ كُرِه
(2)
؛ لمخالفة السُّنَّة، ولم تَفسُد صلاتُه؛ لأنَّه اجتمع معه في الرُّكن، ذكره السَّامَرِّيُّ وجماعةٌ.
وقال في «المبهج» : تبطل، وبعَّده في «الرِّعاية» .
وقيل: إن ساوقه
(3)
بالرُّكوع بطلت، لا بغيره.
ولا يجوز أن يسبقه، جزم به الأكثر؛ لقوله عليه السلام: «أما يخشى أحدُكم إذا
(1)
في (أ) و (ب) و (د): عليه. الحديث الأول أخرجه البخاري (378)، ومسلم (411) من حديث أنس رضي الله عنه. وحديث البراء أخرجه البخاري (690) ومسلم (474).
(2)
كتب على هامش (و): (قوله: "وإن فعل الباقي معه؛ كره" هذا اختيار ابن عقيل، والصحيح من المذهب: أن ذلك محرم ولا تبطل الصَّلاة بمجرده، وقدم في «الشرح»: أنها تبطل، وذكر أنه ظاهر كلام الإمام أحمد، فإنه قال: ليس لمن يسبق الإمام صلاة، ولو كان له صلاة لرُجي له الثواب، ولم يخش عليه العقاب).
ما ذكره المحشي عن ابن عقيل وكلام الشارح فيه نظر، فإن الشارح ذكر ذلك فيمن ركع أو سجد قبل إمامه، لا فيمن وافق إمامه في أفعال الصلاة، وكذا المنقول عن ابن عقيل من القول بالكراهة كما في الإنصاف. ينظر: الشرح الكبير مع الإنصاف 4/ 317.
(3)
كذا في الفروع 2/ 446، قال في المصباح 1/ 296:(تساوقت الإبل: تتابعت، قاله الأزهري وجماعة، والفقهاء يقولون: تساوقت الخطبتان، ويريدون المقارنة والمعية، وهو ما إذا وقعتا معًا ولم تسبق إحداهما الأخرى، ولم أجده في كتب اللغة بهذا المعنى).
رفعَ رأسَهُ قبلَ الإمامِ أن يحوِّلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حمارٍ، أو يجعلَ صورتَهُ صورةَ حمارٍ» متفق عليه
(1)
، ونقل مُهنَّى: تبطل
(2)
، وفي «الكافي» و «الشَّرح»: أنَّه ظاهر كلامه، والصَّحيح: أنَّها لا تبطل.
فعلى هذا: متى سبقه بالرُّكوع؛ وجب عليه العَود ليركع
(3)
معه؛ وهو المراد بقوله: (ليأتي به بعده).
(فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا)؛ أي: لم يَعُدْ حتَّى لَحِق الإمامُ فيه؛ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا)، حكاه في «المحرَّر» قولاً؛ لأنَّه ترك الواجب عمدًا.
(إِلاَّ الْقَاضِيَ) فإنَّها لا تَبطل عنده، صحَّحه
(4)
في «المذهب» ، وذكر في «التَّلخيص» أنَّه المشهور، وقدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأنَّه سبْقٌ يسيرٌ، وقد اجتمع معه في الرُّكن المقصود، وعلى هذا
(5)
: إن عاد بطلت في وجه
(6)
، وبعَّده ابن حَمدانَ.
وظاهره: أنَّه إذا فعل ذلك سهوًا أو جهلاً؛ أنَّها تصحُّ في الأصحِّ
(7)
.
(فَإِنْ) سبقه بركنٍ، مثل: إن (رَكَعَ وَرَفَعَ
(8)
قَبْلَ رُكُوعِ إِمَامِهِ عَالِمًا عَمْدًا؛ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، وكذا ذكره أبو الخطَّاب، وذكر السَّامَرِّيُّ وجماعةٌ أنَّهما روايتان:
(1)
أخرجه البخاري (691)، ومسلم (427).
(2)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 348.
(3)
في (أ): ليرفع.
(4)
في (أ) و (ب) و (د): وصححه.
(5)
في (أ): ذلك.
(6)
كتب فوقها في (و): (ذكره المجد، وقال: لأنَّه قد زاد ركوعًا أو سجودًا عمدًا، وذلك يبطل عندنا قولاً واحدًا).
(7)
كتب فوقها في (و): (ويعتد بتلك الركعة).
(8)
قوله: (إن ركع ورفع) هو في (ب): أن يركع، وفي (د): أن يركع ويرفع.
إحداهما: تَبطُل، نَصَّ عليه
(1)
، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه سبقه بركنٍ كاملٍ؛ وهو مُعظَمُ الرَّكعة، أشبه ما لو سبقه بالسَّلام، وللنَّهي.
والثَّانية: لا تَبطُل، ذكر
(2)
في «التَّلخيص» أنَّه المشهور؛ لأنَّه سبقه بركنٍ واحدٍ، أشبه التي قبلها، فعلى هذه: لا يُعتدُّ له بتلك الرَّكعةِ في أصحِّ الرِّوايتين، قاله في «المذهب» .
والأصحُّ: أنَّ الرُّكوعَ ركنٌ، وعنه: كاثنين.
(وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا؛ لَمْ تَبْطُلْ)؛ لقوله عليه السلام: «عُفِيَ
(3)
لأمَّتي عن الخطأ والنِّسيان»
(4)
.
(وَهَلْ تَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ) إذا فاته ذلك مع إمامه؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
المذهب: أنَّها تبطل إن لم يأت بما فاته مع إمامه؛ لأنَّه لم يَقتَدِ بإمامه في الرُّكوع، أشبه ما لم يدركه.
والثَّانية: لا تُلغَى، بل يُعتدُّ بها؛ لأنَّه معذور بجهله أو نسيانه، قال ابنُ تميمٍ: وكما لو كان عامدًا، وقلنا بصحَّة صلاته بالسَّبق برُكنٍ غير الرُّكوع.
قال في «المحرَّر» : وخرَّج منها الأصحابُ صحَّة الصَّلاة مع العمْد؛ لأنَّ الجاهلَ عامدٌ، والجهل بالحظر لا يبيح المحظور.
(فَإِنْ) سبقه بركنين؛ بأن (رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ قَبْلَ رَفْعِهِ) عمدًا؛ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ)، جزم به الأصحابُ؛ لأنَّه لم يَقتدِ بإمامه في أكثر الرَّكعة، (إِلاَّ الْجَاهِلَ وَالنَّاسِيَ؛ تَصِحُّ صَلَاتُهُمَا)؛ لأنَّ التَّحريم بالصَّلاة
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 169.
(2)
في (أ): ذكره.
(3)
في (أ): عفي عن.
(4)
سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).
صحيحٌ، ولم يوجد ما يُبطِله
(1)
؛ لأنَّ فعلَ الجاهلِ والنَّاسِي يُعذَران فيهِ؛ للخبر.
(وَتَبْطُلُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ)؛ لأنَّه لم يقتدِ بإمامه فيها، وهذا إذا لم يأتِ بذلك مع إمامه، قاله
(2)
ابنُ تميمٍ وابنُ حمدانَ والجدُّ.
وأمَّا السَّبق بالأقوال؛ فإنَّه لا يَضُرُّ سوى تكبيرة الإحرام والسَّلام كما تقدَّم.
قال في «المستوعب» : إذا سبق إمامَه في جميع الأقوال؛ لم يَضُرَّ إلاَّ تكبيرة الإحرام؛ فإنَّه يُشترَط أن يأتيَ بها بعده، والمستحَبُّ أن يتأخَّر بما عداها.
وحكم التَّخلف عن الإمام بركنٍ أو أكثرَ يأتي في صلاة الجمعة.
فرع: إذا تَرك متابعةَ إمامِه مع عِلمه بالتَّحريم؛ بطلت، فإن تخلَّف عنه بركعةٍ فأكثرَ لعُذرٍ؛ تابَعَه وقضَى كمسبوقٍ
(3)
.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ مَعَ إِتْمَامِهَا)؛ لما في الصَّحيحين من حديث ابن
(4)
مسعود مرفوعًا قال: «يا أيُّها النَّاسُ إنَّ منكم منفِّرين، فأيُّكم صلَّى بالنَّاسِ فليتجوَّز؛ فإنَّ فيهم الضَّعيفَ والكبير وذا الحاجة»
(5)
، ولحديثِ
(1)
في (أ): يبطلها.
(2)
في (أ) و (ب) و (و): قال.
(3)
كتب على هامش (و): (وإن كان بركن كامل؛ مثل أن يركع ويرفع قبل ركوع المأموم لعذر؛ فإنه يفعل ما سبق به ويدرك إمامه ولا شيء عليه، وإلا بطلت، وكذا إن تخلف عن إمامه بركنين وأمن فوات الركعة، وإن لم يأمن فوات الركعة الثانية تبع إمامه ولغت ركعته، والتي تليها عوضها).
(4)
كذا في النسخ الخطية، وتبع المصنفُ صاحبَ الشرح الكبير (4/ 327)، وصوابه كما في التخريج الآتي: أبي مسعود، وهو الأنصاري رضي الله عنه.
(5)
أخرجه البخاري (702)، ومسلم (466)، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
معاذٍ
(1)
، ومعناه: أن يَقتصِر على أدنى الكمال من التَّسبيح وسائر أجزاء الصَّلاة، إلاَّ أن يؤثر المأموم التَّطويل وعددهم منحصِر، وهو عامٌّ في كلِّ الصلوات، مع أنَّه سبق أنَّه يستحب أن
(2)
يقرأ في الفجر بطوال المفصَّل.
ويُكرَه سرعةٌ تمنَع المأموم فعل ما يُسنَّ، قاله السَّامَرِّيُّ وغيرُه.
وظاهره: أنَّ المنفردَ لا يكون كذلك؛ لقوله عليه السلام: «إذا صلَّى
(3)
لنفسه؛ فليطوِّل ما شاء».
(وَتَطْوِيلُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى) من كلِّ صلاةٍ (أَكْثَرَ مِنَ الثَّانِيَةِ)؛ لما روى أبو قَتادة قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُطوِّلُ في الرَّكعة الأُولى» متَّفقٌ عليه
(4)
، وقال أبو سعيدٍ: «كانت صلاة الظُّهر تقام
(5)
، فيذهب الذَّاهب إلى البقيع، فيقضي حاجتَه ثمَّ يتوضَّأ، ثمَّ يأتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الرَّكعة الأولى ممَّا يُطوِّلها» رواه مسلم
(6)
، وليلْحَقه القاصِدُ إليها؛ لئلاَّ يفوته من الجماعة شيءٌ.
فإن طوَّل الثَّانية عنها، فإن كان يسيرًا كالغاشية مع {سَبِّحِ} ؛ فلا أثَر له.
قال الإمامُ أحمدُ فيمن طوَّل قراءةَ الثَّانية على الأولى: يُجزئه، وينبغي ألا يفعل
(7)
.
فإن
(8)
كان في صلاة خوف في الوجه الثَّاني؛ كانت الثَّانيةُ أطولَ.
(1)
أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465)، من حديث جابر رضي الله عنه، في قصة صلاة معاذ رضي الله عنه بقومه، وفيه:«فلولا صليت ب {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)}، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة» .
(2)
قوله: (يستحب أن) سقط من (أ).
(3)
في (و): فعل.
(4)
أخرجه البخاري (759)، ومسلم (451).
(5)
قوله: (تقام) سقط من (أ).
(6)
أخرجه مسلم (454).
(7)
ينظر: مسائل عبد الله ص 77، الفروع 2/ 451.
(8)
في (أ): وإن.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ انْتِظَارُ دَاخِلٍ
(1)
فِي الرُّكُوعِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، بل يُكرَه؛ لأنَّ انتظاره تشريكٌ في العبادة، فلم يُشرَع كالرِّياء، ويتخرَّج بطلانها من تشريكه في نيَّة خروجه منها.
والثَّانية: يستحبُّ، قدَّمه في «المستوعب» و «المحرَّر» و «الفروع» ، ونصره المؤلِّفُ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه انتظار ينفع ولا يشقُّ، فشرع كتطويل الرَّكعة الأولى، وتخفيف الصَّلاة، وكالانتظار في صلاة الخوف، ما لم يشقَّ على متابعيه، نَصَّ عليه
(2)
، وجزم به الأكثر، زاد الشَّيخان: أو يَكثُر
(3)
الجمعُ؛ لأنَّه يَبعد ألا يكون فيهم من يشقُّ عليه، زاد جماعة: أو طال ذلك. وقيل: يُستحبُّ لمن جرت عادته بالصَّلاة معه، لكن قال صاحب «التَّلخيص» وجَمعٌ: ولا يميِّز بين داخِلٍ وداخِلٍ.
وقال القاضي: هو جائزٌ، وليس بمستحَبٍّ.
وإنَّما يَنتظِر من كان ذا حرمةٍ؛ كأهل العلم، ونظرائهم من أهل الفضل.
فلو أحسَّ بداخلٍ حال القيام؛ فكالرُّكوع، ذكره في «الشَّرح» وغيره، وفي حال تشهده وجهان، وظاهر «الوجيز» و «الفروع»: مطلقًا، وفي «الخلاف»: لا في السُّجود؛ لأنَّ المأموم لا يَعتدُّ به.
(وَإِذَا اسْتَأْذَنَتِ المَرْأَةُ إِلَى
(4)
المَسْجِدِ؛ كُرِهَ مَنْعُهَا)، صرَّح به جماعةٌ؛ لقوله عليه السلام: «لا تمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ، وبيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ، وليخرجنَ تَفِلاتٍ
(5)
» رواه أحمد وأبو داود
(6)
، وتَخرُج غير متطيِّبة؛ لهذا الخبر، وقال
(1)
زيد في (ز): وهو.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 606، مسائل أبي داود ص 53، مسائل عبدالله ص 112.
(3)
في (أ) و (ب) و (د): ويكثر. والمثبت موافق لما في الفروع 2/ 451.
(4)
قوله: (إلى) سقط من (و).
(5)
في (د) و (و): بذلات.
(6)
أخرجه أحمد (9645)، وأبو داود (565)، وابن خزيمة (1679)، من طريق محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات» ، في سنده: محمد بن عمرو بن علقمة وهو صدوق له أوهام، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والنووي، وابن الملقن، وحسنه الألباني.
وأخرجه البخاري (900)، ومسلم (442)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ:«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» .
وأخرجه أحمد (5468)، وأبو داود (567)، وابن خزيمة (1684)، من طريق العوام بن حوشب، حدثني حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر، وفيه:«وبيوتهن خير لهنَّ» ، وحبيب بن أبي ثابت ثقة جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، لكنه لم يصرح في السماع هنا، وأيضًا اختلف في سماعه من ابن عمر، فنفى ابن المديني سماعه من صحابي إلا من ابن عباس وعائشة، وأثبت سماعه من ابن عمر جماعة منهم: البخاري، ومسلم، وابن خزيمة وغيرهم. ينظر: العلل لابن المديني ص 66، التاريخ الكبير للبخاري 313/ 2، الكنى والأسماء لمسلم 2/ 905، البدر المنير 5/ 46، تهذيب التهذيب 2/ 179، الإرواء 2/ 293.
عليه السلام: «إذا استأذنَكم نساؤُكم باللَّيلِ إلى المسجدِ فأْذَنوا لهنَّ» متَّفق عليه
(1)
، وأمتُه كامرأته.
وظاهره: أنَّ لها حضور صلاة الرِّجال جماعة؛ للخبر. وعنه: الفرض.
وكرهه القاضي وابن عقيل للشَّابَّة، وذكره ابن هُبَيرة اتِّفاقًا، والمراد للمستحسَنة خوف الفتنة بها.
قال بعض الحنفيَّة
(2)
: والفتوى اليوم على الكراهة في كل الصَّلوات؛ لظهور الفساد.
واستحبَّه ابن هُبَيرة.
وقيل: يَحرُم في الجمعة، قال في «الفروع»: (ويتوجَّه في غيرِها مثلُها، وأنَّ مجالس الوعظ كذلك وأَولى
(3)
.
(وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا)، أطلقه الأصحاب؛ وهو مرادٌ، وجزم به المجْدُ وغيرُه؛
(1)
أخرجه البخاري (899)، ومسلم (442).
(2)
ينظر: الجوهرة النيرة للعبادي الحنفي 1/ 61.
(3)
قوله: (كذلك وأولى) هو في (و): كذلك أولى.
للأخبار الخاصَّة في النِّساء بالنِّسبة إلى مسجده عليه السلام، وروى أحمدُ: ثنا هارون، أخبرني عبد الله بن وهب، ثنا داود بن قَيس، عن عبد الله بن سُويد الأنصاريِّ، عن عمَّته أمِّ حُمَيدٍ امرأة أبي حُمَيد السَّاعِديِّ: أنَّها جاءت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنِّي أحبُّ الصَّلاةَ معك، قال: «قد علمتُ أنَّكِ تُحبِّينَ الصَّلاةَ معي، وصلاتُكِ في بيتِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في حُجرتِكِ، وصلاتُكِ في حجرتِكِ خيرٌ من صلاتِكِ في دارِكِ
(1)
، وصلاتُكِ في مسجد قومِكِ خير من صلاتِكِ في مسجدي»، قالت
(2)
: فأمرَتْ فبُنِيَ لها مسجدٌ في أقصى بيتٍ من بيتها والله
(3)
، فكانت تصلِّي فيه حتَّى لقِيَتِ الله عز وجل»، وهو حديثٌ حسَنٌ إن شاء الله تعالى
(4)
.
وأطلق في «عيون المسائل» و «المستوعب» و «الرِّعاية» : أنَّ الصَّلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة
(5)
، وبالمدينة
(6)
بخمسين ألفًا، وبالأقصى نصفُه؛ لخبر أنس
(7)
،
(1)
زاد في (د) و (و): (وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك).
(2)
في (د) و (و): قال.
(3)
هكذا في الأصل وباقي النسخ الخطية، والذي في المسند:(وأظلمه).
(4)
أخرجه أحمد (27090)، والروياني في مسنده (1115)، وابن خزيمة (1689)، وابن حبان (2217)، قال الهيثمي:(رجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن سويد الأنصاري، ووثقه ابن حبان)، وحسن إسناده ابن حجر. ينظر: مجمع الزوائد (2106)، فتح الباري 2/ 349.
(5)
قوله: (صلاة) سقط من (أ).
(6)
في (و): وفي المدينة.
(7)
أخرجه ابن ماجه (1413)، والطبراني في الأوسط (7008) من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا:«صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة» ، وفيه أبو الخطاب الدمشقي، قال الذهبي:(ليس بالمشهور)، ثم ذكر حديثه هذا وقال:(هذا منكر جدًّا)، وضعف الحديث ابن الجوزي، وابن حجر، وغيرهما. ينظر العلل المتناهية 2/ 86، ميزان الاعتدال 4/ 520، التلخيص الحبير 4/ 438.
فيكون المراد غير صلاة المرأة في بيتها، فلا تعارض
(1)
.
وكذا مضاعفة النَّفل على غيرها، لكنَّ كلامَ الأصحاب: أنَّ النَّافلة بالبيت
(2)
أفضل للأخبار
(3)
.
ومسجد المدينة مراد؛ لأنَّه السَّبب، وهذا أظهر.
ويحتمل أنَّ مرادهم التَّفضيل المذكور بالنِّسبة إلى سائر المساجد، أو إلى غير البيوت، فلم تدخل البيوت، فلا تعارض.
مسائل:
الجنُّ مكلَّفون في الجملة؛ يدخل كافرهم النَّار، ومؤمنهم الجنَّة، لا أنَّه يصير ترابًا كالبهائم، وثوابه النَّجاة من النَّار، وهم في الجنَّة كغيرهم بقدر ثوابهم، خلافًا لمن قال: لا يأكلون ولا يشربون فيها، أو أنَّهم في رَبَض الجنَّة.
ولم يبعث إليهم نبيٌّ قبل نبيِّنا، وليس منهم رسولٌ، ذكره القاضي وغيره. وقيل: بلى؛ وهو قول الضَّحاك.
وقال
(4)
ابن
(5)
حامد: هم كالإنس في التَّكليف
(6)
والعبادات.
وفي «النَّوادر» : تنعقد الجمعة والجماعة بالملائكة وبمسلم الجن، وهو موجود زمن النُّبوَّة.
(1)
في (د): معارض.
(2)
في (ب) و (د) و (و): في البيت.
(3)
وهو حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» أخرجه البخاري (731).
(4)
في (أ) و (د): وقاله. والمثبت هو الموافق لما في الفروع 2/ 460.
(5)
قوله: (ابن) سقط من (د)، وفي (و): أن.
(6)
في (أ): التنظيف.
والمراد في الجمعة: من لزمته؛ كما هو ظاهر كلام ابن حامد، فإنَّ المذهب: لا تنعقد
(1)
بآدميٍّ لا تلزمه
(2)
؛ كمسافر وصبيٍّ، فهنا أولى.
وذكر الشّيخ تقيُّ الدِّين: أنَّهم ليسوا
(3)
كالإنس في الحدِّ والحقيقة، فلا يكون تكليفُهم مساويًا لما على الإنس، لكن يشاركوهم في جنس التَّكليف بالأمر والنَّهي، والتَّحليل والتَّحريم بلا نزاعٍ
(4)
.
فقد يدلُّ على مناكحتهم
(5)
وغيرها، ويقتضيه
(6)
إطلاق الأصحاب، وفي «المغني»: لا تصحُّ الوصيَّة لجنِّيٍّ؛ لأنَّه لا يملك بالتَّمليك كالهبة.
قال في «الفروع» : (فيتوجَّه من انتِفاء التَّمليك منَّا؛ منْعُ الوطْءِ؛ لأنَّه في مقابَلةِ مالٍ).
وإذا صحَّ نكاحُ جِنِّيَّةٍ؛ فهي في الحقوق كآدميَّةٍ؛ لظاهر الشَّرع، إلاَّ ما خصَّه الدَّليل، وأنَّه لا بدَّ من شروط صحَّة ذلك.
ويُقبَل قولهم: إنَّ ما بيدهم ملكهم مع إسلامهم، وكافرهم كالحربيِّ، ويَجرِي التَّوارث الشَّرْعيُّ، وأنَّه يعتبر لصحَّة صلاتهم ما يعتبر لصحَّة صلاة الآدَميِّ.
وظاهر ما سبق: أنَّهم في الزَّكاة والصَّوم والحجِّ كذلك.
ويحرم عليهم ظلمُ الإنس، وظلمُ بعضِهم بعضًا.
ويسقط فرض غسل ميت بغسلهم، قال في «الفروع»:(ويتوجَّه مثلُه كل فرضِ كفايةٍ إلاَّ الأذان).
(1)
في (أ) و (و) و (ز): ينعقد.
(2)
في (و): يلزمه.
(3)
قوله: (ليسوا) سقط من (أ).
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 4/ 233، الاختيارات ص 106.
(5)
في (أ): مناكحهم.
(6)
في (ب) و (ز): ويقضيه.
وكذا تَحِلُّ ذبيحتُه؛ لوجود المقتضي وعدم المانِع، ولعدم اعتبار التَّكليف فيه.
وقال ابنُ مسعود: ذكر عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ نام ليلةً حتَّى أصبح، قال:«ذلك رجلٌ بال الشَّيطان في أذنه» متَّفَقٌ عليه
(1)
، خصَّ الأُذن لأنَّها حاسَّةُ الانتباه، قيل: ظهر عليه وسخِر منه، ويتوجَّه: أنَّه على ظاهره؛ كقَيئه، فيكون بَولُه وقَيؤه طاهِرًا، وهو غريبٌ.
(1)
أخرجه البخاري (3270)، ومسلم (774).
(فَصْلٌ فِي الإِمَامَةِ)
(السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ)، هذا ظاهر «المذهب» ، وجزم به مُعظَم الأصحاب؛ لما روى أبو سعيدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانوا ثلاثةً فليؤمَّهم أحدُهم، وأحقُّهم بالإمامةِ أقرؤهم» رواه أحمدُ ومسلمٌ
(1)
، وعن أبي مسعودٍ
(2)
: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله، فإن
(3)
كانوا في القراءةِ سواءً فأعلمُهم بالسُّنَّة، فإن كانوا في السُّنَّة سواءً فأقْدَمُهم هِجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقْدَمُهم سِنًّا - وفي لفظٍ: سلمًا -، ولا يؤمَّنَّ الرَّجلُ الرَّجلَ في سلطانِهِ، ولا يَقعُد في بيته على تَكرمتِهِ إلاَّ بإذنِهِ» رواه مسلمٌ
(4)
، قال الطَّبري
(5)
: لمَّا استخلَف عليه السلام أبا بكرٍ بعد قوله: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم» ؛ صحَّ أنَّ أبا بكر أقرؤهم وأعلمهم؛ لأنَّهم لم يكونوا يتعلَّمون شيئًا من القرآن حتَّى يتعلَّموا معانيَه وما يراد به، كما قال ابن مسعود: «كان الرَّجل منَّا إذا علم عشر آيات لم يتجاوزهنَّ حتَّى يعلم
(6)
معانيَهنَّ، والعملَ بهنَّ»
(7)
.
(1)
أخرجه أحمد (11190)، ومسلم (672).
(2)
في (ز): سعيد.
(3)
في (أ): وإن.
(4)
أخرجه مسلم (673).
(5)
لم نجده في كتب الطبري المطبوعة، وقد ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (8/ 58) من قول أبي الحسن الأشعري.
(6)
في (ب) و (د): يتعلم.
(7)
أخرجه الطبري (1/ 80)، عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، وإسناده صحيح كما قال الشيخ أحمد شاكر.
وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (1450)، والحاكم (2047)، والبيهقي في الكبرى (5289)، من طريق شَريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن ابن مسعود، وشَريكٌ النخعي ضعيف، وقد خالفه سفيان عند الطحاوي في مشكل الآثار (1451)، وحماد بن زيد عند ابن سعد في الطبقات (6/ 172)، وجرير بن عبد الحميد عند الطبري (1/ 80)، أن أبا عبد الرحمن قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا. ولم يقل: (ابن مسعود)، وهو المحفوظ.
لكنْ أجاب أحمد عن حديث أبي بكر في تقديمه مع تقدُّم قوله: «أقرؤكم أُبَيٌّ»
(1)
: أراد به الخلافة
(2)
.
ومراده بالأَقرَأ: أجودُه؛ كما جزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع»؛ لقوله عليه السلام: «من قرأ القرآنَ فأعربَهُ؛ فله بكلِّ حرفٍ عشرُ حسناتٍ، ومن قرأه
(3)
ولحنَ فيه؛ فله بكلِّ حرفٍ حسنةٌ» رواه التِّرمذيُّ، وقال: صحيحٌ حسَنٌ
(4)
، ولأنَّه أعظمُ في الأجر.
وقيل: يقدَّم الأكثرُ قُرآنًا؛ لقوله عليه السلام: «ليؤمَّكم أكثرُكُم قُرآنًا»
(5)
. وعليهما
(6)
: إذا عرف واجب الصَّلاة، وما يحتاجه فيها، وقيل: وسجود
(1)
أخرجه أحمد (13990)، والترمذي (3791)، وابن ماجه (154)، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وصححه الضياء المقدسي في المختارة (2240). ينظر: السلسلة الصحيحة (1224).
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 203.
(3)
في (أ): قرأ.
(4)
اللفظ الذي أخرجه الترمذي (2910)، هو قوله:«من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» ، وأما لفظ المصنف؛ فأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (7574)، وفي سنده نهشل بن سعيد القرشي يرويه عن الضحاك بن مزاحم، وهو متروك، وقال بعض الأئمة:(روى عن الضحاك الموضوعات)، وأخرجه ابن عدي في الكامل (8/ 239)، بلفظ آخر وهو:«من قرأ القرآن فأعربه؛ كان له بكل حرفٍ أربعون حسنة، ومن أعرب بعضًا ولحن في بعضٍ؛ كان له بكل حرف عشرون حسنة، ومن لم يعرب منه شيئًا؛ فإن له بكل حرفٍ عشر حسنات» ، وفيه نوح بن أبي مريم قال الذهبي:(فقيه واسع العلم، تركوه). ينظر: الكاشف للذهبي 2/ 327، تهذيب التهذيب 10/ 479، السلسلة الضعيفة (2348).
(5)
أخرجه البخاري (4302)، من حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنه.
(6)
قوله: (وعليهما) سقط من (د) و (ز) و (و)، وهو في (أ): وعليها.
السَّهو، وقيل: وجاهل يأتي بها عادةً، والمنصوص خلافه
(1)
.
وعنه: يُقدَّم الأَفْقه عليه، اختاره ابن عَقِيل، إذا كان يَقرَأ ما يكفي في الصَّلاة؛ لأنَّه قد ينوبُه في الصَّلاة ما لا يدري ما يفعل فيه إلاَّ بالفقه، فقُدِّم كالإمامة الكبرى والحُكم.
(ثُمَّ أَفْقَهُهُمْ)؛ للخبر السَّابق، فإن اجتمع فقيهان قارئان، وأحدهما أفقه أو أقرأ؛ قُدِّم، فإن كانا قارئين؛ قُدِّم أجودُهما قراءةً، أو أكثرهما
(2)
.
ويقدَّم قارئٌ لا يعرف أحكامَ الصلاة
(3)
على فقيه أُمِّيٍّ، فإن اجتمع فقيهان أحدُهما أعلمُ بأحكام الصَّلاة؛ قُدِّم؛ لأنَّ علمه يُؤثِّر في تكميل الصَّلاة.
(ثُمَّ أَسَنُّهُمْ)، اختاره الخِرَقيُّ، وذكره
(4)
السَّامَرِّيُّ، وصحَّحه في «المذهب» ، وفي «الرِّعاية»: أنَّه أشهر، وجزم به في «الوجيز»؛ لقوله عليه السلام لِمالِكِ بنِ الحُوَيرِثِ:«إذا حضرَتِ الصَّلاةُ؛ فليؤذِّن لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم» متَّفقٌ عليه
(5)
، ولأنَّه أقربُ إلى الخشوع وإجابةِ الدُّعاء.
(ثُمَّ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً)؛ للخبر، ومعناه: أن يكون أحدُهما أسبقَ هِجرةً من دار الحرب إلى دار الإسلام، قيل: بنفسه، وقيل: بآبائه، وقيل: بكلٍّ منهما؛ لأنَّه قُربةٌ وطاعةٌ؛ فقُدِّم به، وسَبْقُ الإسلام كالهجرة، قاله في «الشَّرح» و «الفروع» .
(ثُمَّ أَشْرَفُهُمْ)؛ لقوله عليه السلام: «الأئمَّةُ من قريشٍ»
(6)
، وقال: «قَدِّموا قريشًا،
(1)
ينظر: مسائل صالح 2/ 118، مسائل عبدالله ص 110.
(2)
في (أ): وأكثرهما.
(3)
في (أ): صلاته.
(4)
في (أ): وذكر.
(5)
أخرجه البخاري (628)، ومسلم (674).
(6)
حديث مشهور عن جماعة من الصحابة، منها ما أخرجه أحمد (12307)، والنسائي في الكبرى (5909) والبيهقي (5298)، من حديث أنس رضي الله عنه، وإسناده صحيح. ومنها حديث أبي برزة الأسلمي، أخرجه أحمد (19777) وقال ابن حجر:(وإسناده حسن)، وأخرجه الطبراني في الأوسط (3521)، والحاكم (6962)، والبيهقي (16540)، من حديث علي رضي الله عنه، قال ابن كثير:(إسناده جيد)، واختلف عليه في وقفه ورفعه، ورجح الدارقطني وقفه، وعند البخاري (3501)، ومسلم (1820) من حديث ابن عمر مرفوعًا:«لا يزال هذا الأمر في قريش، ما بقي في الناس اثنان» . ينظر: علل الدارقطني 2/ 198، تحفة الطالب لابن كثير (136)، التلخيص الحبير 4/ 116، الإرواء 2/ 298.
ولا تَقدَّموها»
(1)
، والشَّرف
(2)
يكون بعلوِّ النَّسب، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» ، فعليه تُقدَّم بنو هاشم ثمَّ قريشٌ.
وظاهِرُ كلامِ أحمدَ
(3)
: يُقدَّم الأقدمُ هِجرةً، ثمَّ الأسنُّ، ثمَّ الأشرَفُ، وقدَّمه في «المحرَّر» .
وقال الخِرَقيُّ: يُقدَّم الأسنُّ، ثمَّ الأَشرَفُ، ثمَّ الأقدمُ هِجرةً، وقدَّمه في «الفروع» .
وقال ابن حامد: الأشرف ثمَّ الأقدم هجرةً ثمَّ الأسنُّ، عكس ما في المتن.
(ثُمَّ الْأَتْقَى)، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه أقربُ إلى الإجابة، وقد ورد:«إذا أمَّ الرَّجلُ القومَ، وفيهم من هو خَيرٌ منه؛ لم يزالوا في سَفالٍ»
(4)
، ذكره
(1)
أخرجه الشافعي (ص 278)، من طريق ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب بلاغًا، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5297)، عن الزهري، عن سليمان بن أبي حثمة، قال البيهقي:(هذا مرسل، وروي موصولاً، وليس بالقوي)، وله شواهد عن جماعة من الصحابة لا تخلو من مقال، وصححه الألباني. ينظر: البدر المنير 4/ 466، الإرواء 2/ 295.
(2)
في (أ): والشريف.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 5.
(4)
كتب على هامش (د): (السفال: نقيض العلو).
والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط (4582)، والعقيلي في الضعفاء 4/ 355، وابن عدي في الكامل 3/ 270، من حديث علي رضي الله عنه، وفي سنده الهيثم بن عقاب، قال العقيلي:(كوفي مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به).
الإمامُ أحمدُ في رسالته
(1)
.
وقال جماعةٌ: ثمَّ الأتقى والأوْرع.
وقيل: يقدَّمان على الأشرف، وذكره في «الشَّرح» احتمالاً؛ لقوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحُجرَات: 13]، ولأنَّ شرف الدِّين خيرٌ من شرَف الدُّنيا.
(ثُمَّ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ)، ذكره في «المذهب» و «التَّلخيص» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ وهو روايةٌ؛ لأنَّ سعد بن أبي وقَّاص أقرعَ بين النَّاس في الأذان يومَ القادسية
(2)
، فالإمامةُ أَوْلى، ولأنَّهم تساوَوْا في الاِستِحقاق، وتعذَّر الجمعُ، فأُقرع بينهم كسائر الحقوق.
ثمَّ اختيار الجماعة في روايةٍ.
وقيل: يقدَّم القائمُ بعِمَارة المسجد، وجزم به في «الفصول» .
فإن اختلف الجماعةُ؛ عُمِل بالأكثر، فإن استوَوْا؛ قيل: يُقرَع، وقيل: يختار السُّلطان الأَوْلى، وقيل: يقدَّم بحُسْن الخُلق وه م
(3)
، وقيل: والخِلْقة، وفاقًا لمالك
(4)
وزاد: وبحُسْن اللِّباس، وهذا كلُّه على سبيل الاستحباب بغير خلاف علمناه.
(وَصَاحِبُ الْبَيْتِ) بشرطه
(5)
، (وَإِمَامُ المَسْجِدُ؛ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ)، من الكلِّ بغير خلاف نعلمه
(6)
؛ لما رُوي أنَّ ابن عمر أتى أرضًا له وعندها مسجد
(1)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 359.
(2)
سبق تخريجه 1/ 470 حاشية (5).
(3)
قوله: (وه م) سقط من (أ) و (ب) و (و) و (ز). ينظر: تبيين الحقائق 1/ 134، القوانين الفقهية 1/ 48.
(4)
ينظر: القوانين الفقهية 1/ 48، أسهل المدارك 1/ 246.
(5)
في (أ): بشرط.
(6)
ينظر: المغني 2/ 150.
يصلِّي فيه مولًى له، فصلَّى ابن عمر معهم، فسألوه أن يؤمَّهم فأبى، وقال:«صاحب المسجد أحقُّ»
(1)
، ولأنَّ في تقديم غيره افتِياتًا وكَسْرًا لقلْبِه
(2)
.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: إنَّما يكون أَوْلى مع التَّساوي.
والأوَّلُ أَولى.
ويُستحَبُّ تقديمُهما للأفضل
(3)
منهما.
ويُستثنى من الأولى: أنَّ السَّيِّد يقدَّم على عبده في بيت العبد؛ لفعل الصَّحابة، رواه صالِحٌ
(4)
، ولعموم ولايته.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ ذَا سُلْطَانٍ)، فهو أولى في المنصوص
(5)
؛ «لأنَّه عليه السلام أَمَّ عِتْبانَ بنَ مالِكٍ وأَنَسًا في بيوتهما»
(6)
، ولأنَّ له ولايةً عامَّةً، وكذا
(1)
أخرجه عبد الرزاق (3850)، والشافعي في الأم (1/ 185)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (5325)، وإسناده صحيح، قال النووي في المجموع 4/ 284: بإسناد حسن أو صحيح.
(2)
في (و): لغيره.
(3)
في (د): لأفضل.
(4)
لم نقف عليه، ولعل المؤلف وهم في نقله، فالذي في المغني 2/ 151 والشرح الكبير 4/ 348:(ولو اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد أولى؛ لأنه المالك على الحقيقة، وولايته على العبد، وإن لم يكن سيده معهم فالعبد أولى؛ لأنه صاحب البيت)، ثم استدلوا بفعل الصحابة الذي خرَّجه صالح في مسائله.
أخرجه صالح في مسائله (924)، وعبد الرزاق (3822)، وابن أبي شيبة (6104)، وابن المنذر في الأوسط (1946)، والبيهقي في الكبرى (5323)، عن أبي سعيد مولى بني أُسَيد قال: تزوجت وأنا مملوك، فدعوت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍّ وابن مسعود وحذيفة، فحضرت الصلاة، فتقدَّم حذيفة ليصلي بنا، فقال له أبو ذر أو غيره:«ليس ذلك لك» ، فقدَّموني وأنا مملوك فأممتهم. وإسناده صحيح إلى أبي سعيد، وقد وثَّقه ابن حبان والهيثمي. ينظر: الثقات لابن حبان 5/ 588، مجمع الزوائد 7/ 229.
(5)
ينظر: الأحكام السلطانية ص 37.
(6)
حديث عتبان رضي الله عنه: أخرجه البخاري (424)، ومسلم (33)، وحديث أنس رضي الله عنه أخرجه البخاري (871).
الوالي مِنْ قِبَله، زاد في «الكافي»: ونائبهما.
واقتضى ذلك: أنَّ السلطان مقدَّمٌ على خليفته.
وذكر أبو الخطَّاب وجهًا: أنَّهما يقدَّمان عليه؛ لعموم قوله عليه السلام: «مَنْ زارَ قَومًا فلا يَؤمّهم»
(1)
، ولأنَّ ولايةَ صاحبِ البيتِ والمسجد خاصَّة، وإمامة السلطان عامَّة، ولذلك لا يتصرَّف السلطان إلاَّ بالغبطة؛ كالوكيل، بخلاف المالك، فافترقا.
وقال ابن حامِدٍ: صاحِبُ البيت وحده أحقُّ بها، وهو أَولى.
فرع: مُعيرٌ ومستأجِرٌ أَولى في الأصح
(2)
من مستعيرٍ ومؤجِرٍ، وفي «الوجيز»: وساكن
(3)
البيت أحقُّ، ومقتضاه: أنَّ المستعيرَ مقدَّمٌ على المالك، وفيه نَظَر على المذهب.
(وَالحُرُّ أَوْلَى مِنَ الْعَبْدِ)، ذكره الأصحاب؛ لأنَّه أكملُ في أحكامه وأشرفُ، ويَصلُح إمامًا في الجمعة والعيد، ولو مبعَّض.
وعنه: العبدُ أَوْلى إن كان أفضلَ أو أَدْينَ؛ لما ذكرناه
(4)
.
واقتضى ذلك: صحَّةَ إمامته في قول الجمهور؛ «لأنَّ عائشة كان يؤمُّها
(1)
أخرجه أحمد (20532)، وأبو داود (596)، والترمذي (356)، وابن خزيمة (1520)، وفي إسناده أبو عطية مولى بني عقيل، قال عنه أبو حاتم:(لا يعرف ولا يسمى)، وقال ابن المديني:(لا يعرفونه)، وقال ابن القطان:(مجهول)، قال ابن حجر:(وصحَّح ابنُ خزيمة حديثه)، وجعل ابن حجر تصحيح ابن خزيمة لحديثه تقوية لحاله، ولذا قال عنه في التقريب:(مقبول)، وللحديث شاهد صحيح من حديث أبي مسعود الأنصاري، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه الألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 12/ 170، صحيح أبي داود 3/ 148.
(2)
في (أ): الصَّحيح.
(3)
في (و): وصاحب.
(4)
في (ب) و (ز): ذكرنا.
غلامٌ لها»
(1)
، وفيه شَيءٌ، ولعموم:«يؤمُّ القومَ أقرؤهم»
(2)
، «وصلَّى ابنُ مسعود وحذيفةُ وأبو ذرٍّ وراءَ أبي سعيدٍ مولى أبي أسيد وهو عبدٌ» رواه صالح في مسائله
(3)
، ولأنَّه من أهل الأذان، فصحَّ أن يكون إمامًا كالحرِّ.
فعلى هذا: لا يُكرَه، جزم به غير واحد.
(وَالحَاضِرُ أَوْلَى مِنَ المُسَافِرِ)، ذكره معظم الأصحاب؛ لأنَّه إذا أمَّ حصَّل جميع الصَّلاة في جماعةٍ بخلافه.
وقال القاضي: إن كان إمامًا فهو أحقُّ، جزم به ابن تميم؛ لأنَّه عليه السلام كان يصلِّي بهم عام الفتح، ويقول لأهل البلد:«صَلُّوا أربعًا فإنَّا سَفْرٌ» رواه أبو داود
(4)
.
فعلى هذا: يُتمُّها المقيمُ بعد السَّلام كمسبوق، فإن أتمَّ المسافر؛ فروايتا متنفِّلٍ بمفترِضٍ.
وقال ابن عَقِيلٍ: ليس بجيِّد؛ لأنَّه الأصل، فليس بمتنفِّلٍ.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (7216)، وابن أبي داود في المصاحف (ص 456)، عن القاسم، قال:«كان يؤم عائشة عبد يقرأ في المصحف» ، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 140)، وقال الحافظ في التغليق 2/ 291:(وهو أثر صحيح).
(2)
أخرجه مسلم (673).
(3)
/ 465 حاشية (4).
(4)
أخرجه أحمد (19871)، وأبو داود (1229)، والترمذي (545)، وابن خزيمة (1643)، والبيهقي (5484)، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان، قال ابن حجر:(وهذا ضعيف؛ لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف)، وقال في التلخيص:(وإنما حسَّن الترمذي حديثه لشواهده، ولم يعتبر الاختلاف في المدة كما عُرِف من عادة المحدثين من اعتبارهم الاتفاق على الأسانيد دون السياق). ينظر: الفتح 2/ 563، التلخيص الحبير 2/ 115، ضعيف سنن أبي داود 2/ 34.
وصحَّح في «الشَّرح» : الصِّحَّةَ؛ لأنَّ المسافرَ إذا نوى الإتمامَ لزمه، فيصير المجموعُ فرضًا، فعلى هذا؛ لا تُكره
(1)
إمامتُه بمسافِرٍ؛ كعكسه.
وفي «الفصول» : إن نوى المسافِرُ القصرَ؛ احتمل ألا يجزئه؛ وهو أصحُّ؛ لوقوع الأخيرتَين منه بلا نيَّةٍ، ولأنَّ المأموم إذا لزمه حكم المتابعة؛ لزمه نيَّة
(2)
المتابعة كنيَّة
(3)
الجمعة، واحتمل أن يجزئه؛ لأنَّ الائتمام لزمه حكمًا.
(وَالْبَصِيرُ أَوْلَى مِنَ الْأَعْمَى فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، ذكره غيرُ واحدٍ، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع»
(4)
؛ لأنه أقدرُ على تَوقِّي النَّجاساتِ، واستقبالِ القِبلة باجتهاده.
والثَّاني: يقدَّم الأعمى؛ وهو روايةٌ؛ لأنَّه أخشع؛ لكونه لا يشتغِل في الصَّلاة بما يُلهيهِ.
وعنه
(5)
: هما سواءٌ، وقاله القاضي؛ لأنَّ الخشوع مع توقِّي النَّجاسة يتقابلان
(6)
، فيتساويان.
قال المؤلف: (والأَوَّلُ أَوْلى؛ لأنَّ البصير لو غمَّض عينَيه كُرِه له ذلك، ولو كان فضيلةً لكان مستحَبًّا؛ لأنَّه يحصِّل بتغميضه ما يحصِّله الأعمى).
فإن كان الأعمى أصمَّ؛ ففي صحَّة إمامته وجهان
(7)
.
وظاهره: أنَّها لا تكره
(8)
إمامتُه؛ «لأنَّه عليه السلام استخلَف ابنَ أمِّ مكتومٍ على
(1)
في (و): يكره.
(2)
في (أ) و (و) و (ز): نيَّته.
(3)
في (و): كغير.
(4)
قوله: (وقدمه في الفروع) سقط من (و).
(5)
في (و): وعنده.
(6)
في (د) و (و): متقابلان.
(7)
كتب على هامش (و): (المذهب الصحَّة).
(8)
في (أ): تكره.
المدينة، فصلَّى بهم وهو أعمى» رواه أحمد وغيره من حديث أنس
(1)
.
تنبيه: لم يَتعرَّض المؤلِّفُ لإمامة البَدَوِيِّ، والأصحُّ: أنَّها لا تُكرَه إمامتُه، ويُقدَّم الحَضَرِيُّ عليه.
وقال جماعةٌ: ويقدَّم حَسَن الخُلق، وقيل: الخِلقة على غيره
(2)
.
وتُكرَه
(3)
إمامةُ من يُصرَعُ، نَصَّ عليه
(4)
.
قال جماعةٌ: ومن يُضحِك
(5)
صوتُه أو رؤيتُه، وقيل: والأمْرد.
وفي «المذهب» وغيره: وإمامةُ من اختُلِف في صحَّة إمامته.
قال في «الفروع» : (فيؤخذ منه: يُكره إمامةُ المُوسوِس؛ وهو متَّجه؛ لئلاَّ يَقتدِيَ به عامِّيٌّ، وظاهر كلامهم: لا).
قال في «المذهب» : والمتوضِّئُ أَوْلى من المتَيمِّم.
(وَهَلْ تَصِحُّ إِمَامَةُ الْفَاسِقِ وَالْأَقْلَفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا تصحُّ إمامةُ الفاسق مطلقًا، قاله أكثر الأصحاب، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ وصاحب «الفروع» ، وذكر ابن هُبَيرةَ أنَّها الأشهَر، قال ابنُ الزَّاغُونيِّ: وهي اختيار المشايخ؛ لقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ
(1)
أخرجه أحمد (13000)، وأبو داود (595)، وفي سنده عمران بن دَاوَر القطان أبو العوام، قال ابن معين في رواية:(ليس بشيء)، وضعفه النسائي، قال أحمد:(صالح الحديث)، واستشهد به البخاري في الصحيح، قال ابن حجر:(صدوق يهم)، وحسن إسناده الضياء المقدسي، وأخرجه ابن حبان (2134)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن حجر:(إسناده حسن)، وصححه بشواهده الألباني. ينظر: المختارة 7/ 91، التلخيص الحبير 2/ 91، تهذيب التهذيب 8/ 131، الإرواء 2/ 311.
(2)
قوله: (وقال جماعة: ويقدم حسن الخلق وقيل: الخلقة على غيره) سقط من (و).
(3)
في (و): ويكره.
(4)
ينظر: زاد المسافر 2/ 194.
(5)
في (أ) و (د) و (ز): تضحك.
فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} [السَّجدَة: 18]، ولما
(1)
روى ابن ماجَه عن جابِرٍ مرفوعًا: «لا تَؤُمَّنَّ
(2)
امرأةٌ رجلاً، ولا أعرابيٌّ مهاجِرًا، ولا فاجرٌ مؤمنًا، إلاَّ أن يقهرَهُ بسلطانٍ يخافُ سوطَهُ وسيفَهُ
(3)
»
(4)
، وعن ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا أئمَّتَكم خياركم؛ فإنَّهم وفدُكم بَيْنَكم وبين ربِّكم» ، قال البَيهَقيُّ:(إسنادُه ضعيفٌ)
(5)
، ولأنَّه لا يُقبل إخباره لمعنًى في دينه أشبه الكافرَ، ولا يُؤمَن
(6)
على شرائط الصَّلاة.
ولا فرق بين أن يكون فِسقُه من جهة الاعتقاد أو من جهة الأفعال، فمتى
(7)
كان يُعلن ببدعته، ويتكلَّم بها، ويناظر عليها؛ لم يصحَّ.
قال أحمدُ: لا يُصلَّى خلْفَ أحَدٍ من أهل الأهواء إذا كان داعيةً
(8)
، أي:
(1)
في (ز): لما.
(2)
في (أ) و (د) و (و) و (ز): يؤمن.
(3)
في (د) و (و): سيفه وسوطه.
(4)
أخرجه ابن ماجه (1081)، والبيهقي في شعب الإيمان (2754)، وهو حديث ضعيف جدًّا في سنده الوليد بن بكير أبو خباب، قال أبو حاتم:(شيخ)، وقال الدارقطني:(متروك)، وفيه: عبد الله بن محمد العدوي، قال البخاري وأبو حاتم والدارقطني:(منكر الحديث)، ورماه وكيعٌ بالوضع، قال ابن عبد البر:(هذا الحديث واهي الإسناد). ينظر: فتح الباري لابن رجب 6/ 195 - 196، تهذيب التهذيب 11/ 132، الإرواء 3/ 50.
(5)
أخرجه الدارقطني (1881)، والبيهقي (5133)، وفي سنده عمر بن عبد الرحمن المدائني، قال ابن عدي:(منكر الحديث)، وفيه سلام بن سليمان الثقفي وهو ضعيف كما في التقريب، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (777)، والدارقطني (1882)، والحاكم (4981)، من حديث مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وفيه سنده ضعيفان وهما عبدالله بن موسى التيمي ويحيى بن يعلى الأسلمي، قال الدارقطني:(إسناد غير ثابت). ينظر: السلسلة الضعيفة (1822)، (1823).
(6)
في (ز): يؤتمن.
(7)
في (د) و (و): فمن.
(8)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 62، المغني 2/ 137.
يظهرها، ويدعو إليها
(1)
، وعليه حمل المؤلِّفُ كلامَ الخِرَقيِّ.
ومن صلَّى خلْف من يُعلن ببدعته أو بسُكْرٍ؛ أعاد، فيكون موافِقًا لما اختاره الشَّيخان من أنَّ البطلانَ مختصٌّ بظاهِر الفِسقِ دون خَفِيِّه.
قال في «الوجيز» : لا يَصِحُّ خلْفَ الفاسق المشهورِ فِسقُه، لكنْ ظاهِرُ كلامه - وهو المذهبُ - مُطلقًا.
فعلى هذا: تَصِحُّ
(2)
خلْف عدل استنابه، ولا إعادة في المنصوص، وقيل: إن كان المستنيب وحده عدلاً فوجهان، صحَّحه أحمد، وخالف القاضي وغيره.
وظاهر كلامهم: لا يؤمُّ فاسقٌ فاسقًا، وقاله القاضي وغيره، بخلاف الأمِّيِّ؛ لأنَّه لا يمكنه رفْعُ ما عليه من النَّقص، والفِسقُ يزول بالتَّوبة.
ويعيد في المنصوص إذا علم فسقه
(3)
.
ودخل في كلامه: الجمعةُ، والمذهبُ: أنَّها تصلَّى خلْفَه؛ لأنَّها تختصُّ بإمامٍ واحدٍ، فالمنع منها خلفه يؤدي إلى تفويتها دون سائر الصَّلوات.
نعم، لو أقيمت في موضِعَين في أحدهما عدْلٌ؛ فعلها وراءه.
ونقل ابنُ الحكم: أنَّه كان يصلِّي الجمعة ثمَّ يصلِّي الظهر أربعًا
(4)
، وذكر غير واحد الإعادة ظاهر المذهب كغيرها، وصحَّحه ابن عقيل.
وعنه: لا إعادة، قال في «الرِّعاية»: هي الأشهر؛ لأنَّها صلاةٌ مأمورٌ بها كغيرها
(5)
.
(1)
في (أ): لها.
(2)
في (و): يصح.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 64، زاد المسافر 2/ 192.
(4)
ينظر: الانتصار 2/ 475.
(5)
قوله: (وعنه: لا إعادة، قال في الرعاية: هي الأشهر لأنَّها صلاة مأمور بها كغيرها) سقط من (و).
وكذا إن خاف فتنةً أو أذًى؛ صلَّى خلْفه وأعاد، نَصَّ عليه
(1)
.
فإن نوى الانفرادَ ووافقه في أفعالها؛ لم يُعِد على الأصحِّ.
وألحق المؤلِّفُ وصاحبُ «التَّلخيص» العيدَ بالجمعة.
والثَّانية: تصحُّ مع الكراهة، ذكر الشَّريف أنَّها قولُ أكثرهم، روى ابنُ مسعودٍ وواثِلةُ وأبو الدَّرداء عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا بأسانيدَ ضعيفةٍ رواها الدَّارَقُطْنيُّ
(2)
، وعن مكحولٍ عن أبي هريرة:«الصَّلاةُ واجبةٌ عليكم خلْف كلِّ مسلمٍ برًّا كان أو فاجِرًا» رواه أبو داود والدَّارَقُطْنيُّ، وقال: (مكحولٌ لم يلقَ أبا هريرةَ، ومَن
(3)
دونَه ثِقاتٌ)، وضعَّف في «التَّحقيق» إسنادَه
(4)
، وعن
(1)
ينظر: المغني 2/ 142.
(2)
حديث ابن مسعود: أخرجه الدارقطني (1769)، ولفظه:«والصلاة على كل ميت من أهل التوحيد وإن كان قاتل نفسه» ، قال الدارقطني:(فيه عمر بن صبح متروك).
وحديث واثلة: أخرجه الدارقطني (1766)، ولفظه:«لا تُكفِّروا أهل قبلتكم وإن عملوا الكبائر، وصلوا مع كل إمام، وجاهدوا مع كل أمير، وصلوا على كل ميت» ، وفيه الحارث بن نبهان وهو متروك.
وحديث أبي الدرداء: أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 90)، والدارقطني (1760)، ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 426، ولفظه:«وصلوا خلف كل إمام، وجاهدوا» ، قال الدارقطني:(ولا يثبت إسناده، من بين عباد وأبي الدرداء ضعفاء)، وذكر العقيلي والدارقطني والبيهقي وغيرهم أنه ليس في هذا الباب شيء ثابت، وأن جميع الطرق ضعيفة، قال البيهقي:(وأصحها حديث مكحول عن أبي هريرة). ينظر: الضعفاء للعقيلي 3/ 90، البدر المنير 4/ 455، الدراية لابن حجر 1/ 169.
(3)
في (و): وفي.
(4)
أخرجه أبو داود (594)، والدارقطني (1768)، والبيهقي (6832) من طريق مكحول عن أبي هريرة، ومكحول لم يلق أبا هريرة، وأنكر أحمد هذا الحديث، وقال الحاكم:(حديث منكر)، وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (6310) والدارقطني (1759) من طريق هشام بن عروة عن أبي صالح عنه، وفيه راو متروك. ينظر: التحقيق لابن الجوزي 1/ 478، فتح الباري لابن رجب 6/ 188، الإرواء 2/ 304، ضعيف سنن أبي داود 1/ 208.
ابن عمر مرفوعًا: «صَلُّوا على مَنْ قال: لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وصَلُّوا خلف
(1)
من قال: لا إلهَ إلاَّ اللهُ» رواه الخلاَّل والدَّارَقُطْنيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ
(2)
، وكما تَصحُّ مع فسق المأموم.
وعنه: في نفل، جزم به جماعة، وذكره بعضهم روايةً واحدةً.
وأمَّا إمامة
(3)
الأَقْلَف؛ فعنه: تصحُّ مع الكراهة، ذكره في «المحرَّر» ، وقدَّمه ابنُ تميمٍ وصاحب «الفروع» ، وجزم به في
(4)
«الوجيز» ؛ لأنَّه إن أمكنه غسلُ النَّجاسة غَسَلها، وإلاَّ عُفيَ عن إزالتها؛ لعدَم الإمكان.
والثَّانية: لا تصحُّ؛ لأنَّه حامِلٌ لنجاسة
(5)
ظاهرةٍ يمكنه إزالتُها.
وهل ذلك لترك الخِتان الواجب، أو لعجزه عن غسل النَّجاسة؟ فيه وجهان.
وقيل: إن كثرت إمامتُه لم تَصحَّ.
وعلى المنع: تصحُّ إمامته بمثله، قاله جماعةٌ، زاد ابن تميمٍ:(إن لم يَجب الختانُ).
وقيل: يصحُّ في التراويح إذا لم يكن قارِئٌ غيره.
فروع:
الأول: تصحُّ خلف من خالَف في فرع، نَصَّ عليه
(6)
؛ لفعل الصَّحابة
(1)
في (أ) و (ب) و (و) و (ز): على.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13622)، والدارقطني (1761)، وهو حديث ضعيف جدًّا، له طرق عن ابن عمر رضي الله عنهما كلها شديدة الضعف، لا تخلو من متهم بالوضع أو متروك. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 96، الإرواء 2/ 305.
(3)
قوله: (وأما إمامة) هي في (ب) و (ز) و (و): وإمامة.
(4)
في (ز): صاحب.
(5)
في (و): نجاسة.
(6)
ينظر: مسائل صالح 3/ 211، مسائل أبي داود ص 17.
والتَّابعين مع شدَّة الخلاف، ما لم يَعلم أنَّهم تركوا ركنًا أو شرطًا.
وذكر ابن أبي موسى في الصَّلاة خلْف شارِب نبيذ معتقِدًا
(1)
حلَّه روايتين.
وذكر أنَّه لا يُصلى
(2)
خلْف من يقول: الماءُ من الماء، أو يُجيزُ ربا الفضل.
الثَّاني: إذا ترك ركنًا أو شرطًا عند المأموم؛ فعنه: يعيد المأموم، اختاره جمع، وقدَّمه في «المستوعب» و «المحرَّر» ؛ لاعتقاده فسادَ صلاة إمامه، كما لو اعتقد مُجمعًا عليه فبان خلافُه.
وعنه: لا يُعيد، اختاره المؤلِّفُ والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(3)
؛ كالإمام، وكعِلْم المأموم لمَّا سلَّم في الأصحِّ.
الثَّالث: إذا ترك الإمام عمدًا ما يَعتقِدُه وحدَه واجبًا؛ بطلت صلاتُهما. وقال السَّامَرِّيُّ: تَفسُد صلاةُ المأموم إن علِم في الصَّلاة بحال الإمام.
الرَّابع: إذا ترك رُكنًا أو شرطًا أو واجبًا مختلَفًا فيه بلا تأويلٍ ولا تقليدٍ؛ أعاد، ذكره الآجري إجماعًا؛ كتركه فرضَه، ولهذا أمر عليه السلام الذي ترك الطُّمأنينة بالإعادة.
وعنه: لا؛ لخفاء الطُّرق. وعنه: إن طال.
الخامس: إذا فعل ما يعتقد تحريمه في غير الصَّلاة من المختلَف فيه، فإن داوم على ذلك فسق، وإن لم يداوم؛ فذكر المؤلِّفُ: أنَّه لا بأس بالصَّلاة خلفه؛ لأنَّه من الصَّغائر، وذكر السَّامَرِّيُّ أنَّه يُفسَّق.
قال ابن عَقِيلٍ: لو شرب النَّبيذَ عامِّيٌّ بلا تقليدٍ لعالِم؛ فَسَق، وهو معنى
(1)
في (أ) و (و) و (ز): يعتقد.
(2)
في (أ): لا يَصحُّ.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 34، الاختيارات ص 107.
كلام القاضي بناءً على ما صرَّح به جماعةٌ: أنَّه
(1)
لا يجوز أن يُقدِم على
(2)
فعلٍ لا
(3)
يعلم جوازَه، ويَفسُق إن
(4)
كان ممَّا يُفسَّق به.
(وَفِي إِمَامَةِ أَقْطَعِ الْيَدَيْنِ) أو أحدهما (وَجْهَانِ)، وقيل: روايتان، حكاهما الآمِديُّ:
أحدهما: يصحُّ، اختاره القاضي، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه لا يُخِلُّ بركنٍ في الصَّلاة؛ كقطع الأنف.
والثَّاني: لا، اختاره أبو بكر؛ لإخلاله
(5)
بالسُّجود على عُضْوٍ.
وقيل: إن كثرت إمامته.
وحُكمُ أقطعِ الرِّجلين أو أحدِهما كذلك.
واختار في «المغني» و «الشَّرح» : أنها لا تَصِحُّ إمامتُه؛ لأنَّه عاجز عن القيام أشبه الزَّمِن.
وعلى المنع: تصحُّ إمامتُه بمثله، ذكره في «الكافي» .
وجزم ابن عقيل: بأنَّها تكره إمامة من قُطِع أنفُه.
(وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ كَافِرٍ) وِفاقًا
(6)
؛ لأنَّها تَفتقِرُ إلى النِّيَّة والوضوء، وهما لا يَصحَّان منه، ولأنَّه ائْتَمَّ بمَن ليس هو من أهل الصَّلاة، أشبه ما لو ائْتَمَّ بمَجْنونٍ.
وسواءٌ علِم بكفره في الصَّلاة، أو بعد الفراغ منها؛ لأنَّ الكفرَ لا يَخفَى غالبًا، فالجاهلُ به مفرِّط.
(1)
في (أ): لأنه.
(2)
في (د): حل.
(3)
في (و): ولا.
(4)
في (أ): إذا.
(5)
في (ز): لا إخلاله.
(6)
ينظر: تبيين الحقائق 1/ 134، الذخيرة 2/ 237، الحاوي 2/ 328، المغني 2/ 146.
وقيل: يَصِحُّ إن كان يُسِرُّه، وعلى هذا: لا إعادةَ على مَنْ صلَّى خلْفه وهو لا يعلم، كما لو ائْتَمَّ بمُحدِثٍ وهو لا يَعلَم.
وجوابُه: بأنَّ المُحدِث يُشتَرَط ألا يَعلَمَ حدَث نفسِه، والكافرُ يَعلَمُ حالَ نفسِه.
تنبيه: إذا علِمَه مُسلمًا فصلَّى خلْفه، فقال بعد الصَّلاة: هو كافِرٌ؛ لم تَبطُلْ؛ لأنَّها كانت محكومًا بصحَّتها؛ وهو ممَّن لا يُقبَل قولُه.
وإن قال بعد سلامه: هو كافرٌ، وإنَّما صلى
(1)
تهزِّيًا؛ فنصه: يعيد المأموم
(2)
، كمن ظن كفره أو حدثه فبان خلافه.
وقيل: لا، كمن جهل حاله؛ لأن الظاهر من المصلين الإسلام، سيما
(3)
إذا كان إمامًا.
وإن علم له حالان، أو إفاقة وجنون لم يدر في أيهما ائتم، وأمَّ فيهما؛ ففي الإعادة أوجه، ثالثها
(4)
: إن علم قبل الصلاة إسلامه، وشكَّ في ردَّته؛ لم يُعِد، وإلاَّ أعاد، ذكره في «الشَّرح» .
(وَلَا أَخْرَسَ)؛ لأنَّه أخلَّ بفرض الصَّلاة؛ كالمضطجع يؤمُّ القائم.
وظاهره: أنَّها لا تصحُّ ولو بمثله، نص عليه
(5)
، وقاله أكثر الأصحاب؛ لأنه مأيوس من نطقه.
وفي «الأحكام السلطانية» ، و «الكافي»: أنها تصحُّ
(6)
، قال في «الشَّرح»: هو قياس المذهب؛ قياسًا على الأمِّيِّ والعاجِزِ عن القيام يؤمُّ مِثلَه.
(1)
سقطت من (ز) و (و).
(2)
ينظر: الفروع 3/ 27.
(3)
في: (أ) و (ز): لاسيما.
(4)
قوله: (وإن علم له حالان) إلى هنا سقط من (أ).
(5)
ينظر: زاد المسافر 2/ 194.
(6)
قوله: (ولو بمثله، نص عليه) إلى هنا سقط من (أ).
(وَلَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ)؛ لأنَّ في صلاته خلَلاً غير مجبور
(1)
ببدَل؛ لكونه يصلِّي مع خروج النَّجاسة التي يحصل بها الحدَث من غير طهارةٍ، أشْبه ما لو ائْتَمَّ بمُحدِثٍ يعلم بحدثه، وإنَّما صحَّت صلاته في نفسه؛ للضَّرورة.
ولو عبَّر ب (من حدَثُه مستمِرٌّ) ك «الوجيز» و «الفروع» ؛ لكان أَوْلى.
وتصحُّ إمامتُه بمثله، ذكره في «الشَّرح» ، وفي «الفروع» وجهان.
مسألة: لا يَصِحُّ ائْتِمامُ المتطهِّر بعادِم الطَّهورَين، ولا القادر على الاستقبال بالعاجز عنه؛ لأنَّه تاركٌ لشرطٍ يقدر عليه المأموم، أشبه ائْتِمامَ المُعافَى بمن حدَثُه مُستمِرٌّ.
(وَلَا عَاجِزٍ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ)؛ أي: لا تَصِحُّ إمامةُ عاجِزٍ عن رُكنٍ أو شرط بالقادر عليه، ذكره في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأنَّه أخلَّ بركنٍ لا يَسقُط في النَّافلة، فلم يَجُزْ؛ كالقارئ بالأُمِّيِّ.
وقيل: يجوز، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(2)
؛ كالقاعد يؤمُّ القائمَ.
وعلى الأوَّل: لا
(3)
فرق فيه بين إمام الحيِّ وغَيرِه.
وقاس أبو الخطَّاب المنعَ على صلاة الجنازة والمربوط، وأمَّا القيام فهو أخفُّ، بدليل سقوطه في النَّافلة.
قال في «الشَّرح» : (أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المصلِّين خلْفَ الجالِسِ بالجُلوسِ
(4)
، ولا خلاف أنَّ المصلِّيَ خلْف المضطجع لا يضطجع).
وتصحُّ إمامتُهم بمثلهم، جزم به في «الفروع» ، وفي «الشَّرح»: أنَّه قياسُ
(1)
في (أ) و (و) و (ز): محتَرِزٍ.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 29.
(3)
في (أ) و (و) و (ز): ولا.
(4)
في قوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون» ، أخرجه البخاري (688)، ومسلم (412) من حديث عائشة رضي الله عنها.
المذهب؛ لأنَّه عليه السلام صلَّى بأصحابه في المطر بالإيماء
(1)
.
(وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ عَاجِزٍ عَنِ الْقِيَامِ)؛ لأنَّه عجَز عن ركنٍ من أركان الصَّلاة، فلم يَصحَّ الاقتداءُ به؛ كالعاجز عن القراءة.
(إِلاَّ إِمَامَ الحَيِّ)، وهو الإمامُ الرَّاتبُ في المسجد؛ لما في المُتَّفَقِ عليه من حديث عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في بَيْته وهو شاكٍ، فصلَّى جالسًا، وصلَّى وراءَه قومٌ قيامًا، فأشارَ إليهم أن اجلسوا، فلمَّا انصرفَ قال:«إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ به» إلى قوله: «وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون»
(2)
، قال ابن عبد البَرِّ:(رُوي هذا مرفوعًا من طُرُقٍ متواترةٍ)
(3)
، ولأنَّ إمامَ الحيِّ يُحتاج إلى تقديمه، بخلاف غيره، والقيام أخفُّ بدليل سقوطه في النَّفل.
(المَرْجُوَّ زَوَالُ عِلَّتِهِ)؛ لئلاَّ يُفْضِي إلى ترك القيام على الدَّوام، أو مخالفة الخبر، ولا حاجة إليه، والأصل فيه فعله عليه السلام، وكان يُرجَى برؤه.
وعنه: يصحُّ مع غيرِ إمام الحيِّ، وإن لم يُرجَ زوالُه.
(وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا)؛ لما تقدَّم، قال في «الخلاف»: هذا اسْتِحسانٌ، والقياسُ: لا تصحُّ؛ لأنَّه عليه السلام صلَّى في مرض موته قاعدًا، وصلَّى أبو بَكرٍ والنَّاسُ خلْفَه قِيامًا، متَّفقٌ عليه من حديث عائشةَ
(4)
.
وأجاب أحمدُ عنه
(5)
: بأنَّه لا حجَّةَ فيه؛ لأنَّ أبا بكر ابتدأ بهم قائمًا، فيُتمُّها كذلك، والجمع أَولى من النَّسخ، ثمَّ يَحتمل أنَّ أبا بكر كان هو الإمام.
(1)
أخرجه أحمد (17573)، والترمذي (411)، والبيهقي (2224)، قال الترمذي:(حديث غريب)، وضعفه البيهقي والألباني. ينظر الإرواء 2/ 347.
(2)
أخرجه البخاري (688)، ومسلم (412) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
التمهيد لابن عبد البر 6/ 138.
(4)
أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 65، مسائل صالح 3/ 239.
قال ابن المنذِر: وقد رُوي عن عائشةَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى في مرضه خلف أبي بكر في ثوبٍ متوشِّحًا به» ورواه أنسٌ أيضًا، وصحَّحهما التِّرمذيُّ، قال: ولا يُعرف
(1)
أنَّه عليه السلام صلَّى خلْفَ أبي بكر إلاَّ في هذا الحديث، قال مالك: العمل عليه عندنا
(2)
.
لا يقال: لو كان هو الإمام؛ لكان عن يسار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي الصَّحيح:«أنَّه كان عن يسار أبي بكر» ؛ لأنَّه يحتمل أنَّه فعل ذلك لأنَّ خلفه صفٌّ، وفعل مثل قولنا أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ، وجابِرٌ، وقيسُ بنُ قهد
(3)
، وأبو هريرة
(4)
.
(1)
في (أ) و (د) و (ز): ولا نعرف.
(2)
حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه أحمد (25257)، والترمذي (362)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (5648)، وابن حبان (2119)، وإسناده صحيح، قال الترمذي:(حسن صحيح غريب).
وحديث أنس رضي الله عنه أخرجه أحمد (12617)، والترمذي (363)، والنسائي (785)، والبزار (6838)، وابن حبان (2125)، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، قال ابن رجب:(وصححه العقيلي وغير واحد). ينظر: فتح الباري 6/ 80.
(3)
في (أ) و (ب) و (د): فهد. والصواب المثبت كما في الإصابة لابن حجر 5/ 376: (بالقاف).
(4)
قال الإمام أحمد كما ذكر ابن رجب في الفتح 6/ 154: (فعله أربعة من الصحابة: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر، وأبو هريرة)، وقال ابن حجر في الفتح 2/ 175:(والأسانيد عنهم بذلك صحيحة).
أثر أسيد بن حضير رضي الله عنه: أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 606)، وابن المنذر في الأوسط (2045)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (14/ 313)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 139)، عن بشير بن يسار: أن أسيد بن حضير كان يؤم قومه فاشتكى، فخرج إليهم بعد شكواه، فأمره أن يتقدم فيصلي بهم، قال:«فإني لا أستطيع أن أصلي قائمًا؛ فاقعدوا» ، قال: فصلى بهم قاعدًا وهم قعود. قال ابن رجب في الفتح 6/ 154: (وهذا إسناد صحيح).
وأثر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 161)، وابن أبي شيبة (7138)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (14/ 314)، وابن المنذر في الأوسط (2043)، والبيهقي في المعرفة (5715)، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه:«أنهم خرجوا يشيعونه وهو مريض، فصلى جالسًا، فصلوا خلفه جلوسًا» ، وإسناده صحيح.
وأثر قيس بن قهد رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (4084)، وابن أبي شيبة (7143)، والبخاري في التاريخ الكبير (638)، وابن المنذر في الأوسط (2042)، عن قيس بن أبي حازم قال: أخبرني قيس بن قهد أن إمامًا لهم اشتكى، قال:«فصلينا بصلاته جلوسًا» ، وإسناده صحيح.
وأثر أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (7139)، وابن المنذر في الأوسط (2044)، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال:«الإمام أمير، فإن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا» ، وإسناده صحيح.
وكتب على هامش (و): (وبه قال الأوزاعي وحماد بن زيد وإسحاق وابن المنذر، وقال مالك في إحدى الروايتين عنه: لا تصحُّ صلاة القادر على القيام خلف القاعد، وهو قول محمَّد بن الحسن، وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي: يصلون خلفه قيامًا؛ لما روت عائشة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر، ثم وجد في نفسه خفة، فخرج بين رجلين فأجلساه إلى جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد» متفق عليه).
لكنِ المستحبُّ له أن يَستخلِف؛ لأنَّ النَّاس مختلِفون في صحَّة إمامته، مع أنَّ صلاة القائم أكمل، وكمالُها مطلوبٌ.
(فَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا؛ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا هو المشهور، وصحَّحه في «التَّلخيص» و «الفروع» ، وقدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حين صلَّى وراءه القومُ قيامًا لم يأمرهم بالإعادة»
(1)
، ولأنَّ القيامَ هو الأصلُ، وقد أتَوا به.
والثَّاني: لا يَصِحُّ، أوْمأَ إليه أحمدُ
(2)
؛ للنَّهي عنه.
وقيل: لا تصحُّ صلاة من علِم وجوبَ الجلوس دون مَنْ جهِله؛ كالرَّاكع دونَ الصَّف.
فرع: إذا قدَر المقيَّدُ والمريضُ على الإتيان بجميع الأركان؛ فلا بأسَ بإمامتهما.
(1)
أخرجه البخاري (688)، ومسلم (412) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 65، مسائل صالح 3/ 239.
(وَإِنِ ابْتَدَأَ بِهِمُ الصَّلَاةَ قَائِمًا، ثُمَّ اعْتَلَّ)؛ أي: حصل له عِلَّةٌ (فَجَلَسَ؛ أَتَمُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا)؛ لقِصَّة أبي بكر، ولأنَّ القيام هو الأصل، فإذا بدأ به في الصَّلاة؛ لزمه في جميعها إذا قدَر عليه، كمن أحرم في الحضر ثمَّ سافر، قاله في «الشَّرح» .
وظاهِرُه: أنَّه لا يجوز الجلوسُ، نَصَّ عليه
(1)
، وذكر الحُلْوانيُّ: ولو لم
(2)
يكن إمامَ الحيِّ.
(وَلَا تَصِحُّ إِمَامَةُ المَرْأَةِ وَالخُنْثَى لِلرِّجَالِ، وَلَا الْخَنَاثَى
(3)
، لا يَصحُّ أن يَأْتمَّ رجلٌ بامرأةٌ في الصَّحيح من المذهب؛ وهو قول عامَّتهم، قال البَيهَقيُّ:(وعليه الفقهاءُ السَّبعةُ والتَّابعون فمَن بعدهم)
(4)
؛ لما روى ابن ماجَهْ عن جابِرٍ مرفوعًا: «لا تَؤُمَّنَّ
(5)
امرأةٌ رجلاً»
(6)
، ولأنَّها لا تُؤذِّن
(7)
للرِّجال، فلم يجز أن تَؤُمَّهم كالمجنون.
وكذا لا تَصِحُّ إمامتُها
(8)
بالخُنثى؛ لاحتمال أن يكون رجلاً.
وظاهِرهُ: لا فرْق بين الفرض والنَّفل على الصَّحيح، وأنَّه
(9)
لو صلَّى خلْفها وهو لا يعلم؛ لا يصحُّ، وعليه الإعادة، ذكره السَّامَرِّيُّ وغيرُه.
وعنه: تَصِحُّ
(10)
في النَّفل.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 34.
(2)
قوله: (ولو لم) هو في (أ): ولم.
(3)
في (أ): للخناثى.
(4)
ينظر: السنن الكبرى 3/ 128.
(5)
في (أ): يؤمن.
(6)
سبق تخريجه 2/ 470 حاشية (4).
(7)
في (و): يؤذن.
(8)
في (د) و (و): لا يصح إمامته.
(9)
في (د): ولأنَّه.
(10)
في (و): يصح.
وعنه: في التَّراويح، قدَّمه في «التَّلخيص» ، وجزم به ابنُ هُبَيرةَ.
وخصَّ بعضُ أصحابنا الجواز: بذوي الرَّحم، وبعضُهم: بكونها عجوزًا، وبعضُهم: بأن تكون أقرأَ من الرِّجال
(1)
.
وعلى الصحَّة: تَقِفُ خلْفَهم، ويَقتدون بها في جميع أفعال الصَّلاة؛ لأنَّ أمَّ ورقةَ قالت: يا رسول الله إنِّي أحفظ القرآنَ، وإنَّ أهل بيتي لا يَحفَظونه، فقال:«قدِّمي الرِّجالَ أمامَك، وقُومي فصلِّي من ورائهم» ذكره صاحب «النِّهاية»
(2)
، ولأنَّه
(3)
أسترُ.
وقيل: لا بدَّ أن يتقدَّمهم أحدُهم، وفيه بُعْد.
وعنه: يَقتدون بها في القراءة، وتقتدي بهم في غيرها، فيَنوِي الإمامةَ أحدُهم.
واختار الأكثرُ الصِّحَّةَ في الجملة؛ لخبر
(4)
أمِّ ورقة العامِّ؛ وهو ما رواه أبو داود: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِن لها أن تَؤُمَّ أهلَ دارِها، وجعل لها مؤذِّنًا» ، فظاهِرُه الصِّحَّةُ مطلقًا، والخاصِّ؛ وهو ما رواه الدَّارَقُطْنيُّ:«أنَّه أَذِن لها أن تَؤُمَّ نساءَ أهلِ دارِها»
(5)
.
(1)
في (ب) و (ز): الرجل.
(2)
في (و): التلخيص.
والحديث أخرجه أبو بكر المرُّوذي كما في التعليقة للقاضي (2/ 437)، بإسناده عن أبي خلاد الأنصاري قال: سألتْ أم ورقة رضي الله عنها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكره. ولم نقف عليه.
(3)
في (د) و (و): ولأنَّها.
(4)
في (أ) و (ز): لخبري، في (د): بخبر.
(5)
أخرجه أحمد (27283)، من طريق الوليد بن جميع، قال: حدثتني جدتي، عن أم ورقة، وفيه جهالة جدة الوليد، وأخرجه أبو داود (591)، (592)، وابن خزيمة (1676)، والدارقطني (1084)، وفي إسناده عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري، قال ابن حجر:(مجهول الحال)، ينظر: التلخيص الحبير 2/ 67.
قال
(1)
في «الشَّرح» : (هذه زيادةٌ يَجب قبولُها)، لكنْ إن صحَّ فيحمل على النَّفل؛ جمعًا بينه وبين النَّهي.
وأمَّا الخُنثى؛ فلا تَصِحُّ إمامتُه للرَّجل
(2)
؛ لاحتمال أن يكون امرأةً، ولا بخُنثى مثلِه؛ لجواز أن يكون الإمامُ امرأةً والمأمومُ رجلاً.
وقيل: اقتداءُ خنثى بمثلِه، وإن قلنا: لا يَؤمُّ خُنثى نساءً، وفيه نَظرٌ.
وظاهره: صحَّة إمامة المرأة بالنِّساء، وسيأتي، وكذا إمامة الخنثى بهنَّ؛ لأنَّ غايته أن يكون امرأةً، وإمامتها بهنَّ صحيحة، وإذا أمَّها وقفت خلفه.
وقال ابن عَقِيلٍ: إذا أمَّ الخنثى قام وسَطهنَّ.
وقيل: لا تَصحُّ
(3)
صلاتُه في جماعةٍ، وذكره القاضي عن أبي حفصٍ البَرْمَكِيِّ.
(وَلَا إِمَامَةُ الصَّبِيِّ لِبَالِغٍ
(4)
في فرض، نَصَّ عليه
(5)
، واختاره أكثر الأصحاب، ورواه الأثرم عن ابنِ مسعودٍ
(6)
وابنِ عبَّاسٍ
(7)
، وقال عليه السلام: «لا
(1)
في (د): فقال.
(2)
في (أ) و (ب): للرجال، وفي (و): إمامة الرجل.
(3)
في (أ) و (و) و (ز): لا يصحُّ.
(4)
في (ب) و (و): البالغ.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 62، مسائل صالح 3/ 239.
(6)
أخرجه الأثرم بإسناده كما في تعليقة القاضي أبي يعلى - تحقيق الفريح - (2/ 340)، عن أبي هاشم الرُّمَّاني، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«لا يؤم الغلام حتى تجب عليه الحدود» ، ولم نقف على من خرَّجه غيره، وأبو هاشم الرماني إنما يروي عن إبراهيم النخعي ومَن في طبقته، ولم يدرك ابن مسعود رضي الله عنه، ولذا قال ابن رجب في الفتح 6/ 173:(وخرَّجه الأثرم أيضًا بإسناد منقطع عن ابن مسعود).
(7)
أخرجه عبد الرزاق (1872، 3847)، وابن المنذر في الأوسط (1937)، والبيهقي في الكبرى (5858)، من طريق داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:«لا يؤم الغلام حتى يحتلم، وليؤذن لكم خياركم» ، قال ابن رجب في الفتح 6/ 173:(رُوي ذلك عن ابن عباس، خرَّجه عنه بإسناد فيه مقال)، وقال الذهبي عن الأثر في المهذب 3/ 1155:(روايات داود عن عكرمة تُكلِّم فيها)، قال ابن المديني:(ما روى عن عكرمة فمنكر الحديث). ينظر: تهذيب الكمال 8/ 380.
تُقدِّموا صِبيانَكم»
(1)
، ولأنَّها حالُ كمال، والصَّبيُّ ليس من أهلها، أشبه المرأة بل آكَد؛ لأنَّه نَقصٌ يمنع التَّكليفَ وصحَّة الإقرار، والإمام ضامن، وليس هو من أهل الضَّمان؛ لأنَّه لا يُؤمَن منه الإخلال بشرط القراءة حالة السِّرِّ.
وعنه: تَصحُّ فيه، اختاره الآجُرِّيُّ، وذكره المجْدُ تخريجًا، وبناه جماعةٌ على اقتداء المفترِض بالمتنفِّل.
وظاهره: يقتضي صحَّةَ إمامته إن لزمته
(2)
؛ وهو متَّجِهٌ؛ لأنَّ «عمرَو بن سَلِمة كان يؤمُّ قومه وهو ابن ستِّ سنين أو سبعِ سنين» رواه البخاري وأبو داود، وقال فيه:«وأنا ابنُ سبع سنين أو ثمان سنين»
(3)
.
وجوابُه: أنَّ الأمرَ لم يبلغِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، لكنَّه خلافُ الظَّاهر، قال الخطَّابيُّ: (كان أحمدُ يُضعِّف أمرَ عمرِو ابن
(4)
سلمة، وقال مرَّة: دعْه ليس بشيءٍ)
(5)
،
(1)
أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة 1/ 207، من حديث الحكم بن الصلت مرفوعًا بلفظ:«لا تقدموا بين أيديكم في صلاتكم سفهاءكم ولا على جنائزكم» ، وذكره الديلمي في مسند الفردوس (7310)، وضعفه البيهقي، وقال ابن عبد الهادي:(هذا حديث لا يصح، ولا يعرف له إسناد صحيح، بل روي بعضه بإسناد مظلم). ينظر: مختصر الخلافيات للبيهقي 2/ 303، تنقيح التحقيق 2/ 469.
كتب على هامش (و): (هذا الحديث ذكره المصنف هكذا ولم يقرَّه، وقد أخرج الديلمي عن علي مرفوعًا: «لا تقدموا سفهاءكم وصبيانكم في صلاتكم ولا على جنائزكم، فإنهم وفدكم إلى الله عز وجل»، وأخرج ابن قانع وعبدان وأبو موسى عن الحكم بن الصلت القرشي مرفوعًا: «لا تقدموا بين أيديكم في صلاتكم ولا على جنائزكم سفهاءكم» والحديثان واهيان، والله أعلم).
(2)
في (د): لزمه.
(3)
أخرجه البخاري (4302)، وأبو داود (585).
(4)
قوله: (ابن) سقط من (أ).
(5)
ينظر: معالم السنن 1/ 169.
وقال في رواية أبي داود: (لا أدري أيَّ شيءٍ هذا)
(1)
.
وعلى الصِّحَّة: يُقدَّمُ العبدُ عليه، ذكره ابنُ تميمٍ.
وظاهِرُه: أنَّ الخلاف فيمن يَعقِلُها؛ لقولهم: وتَصِحُّ منه إذا بلغ سبعَ سنين، فدلَّ أنَّ ما دونها لا تصحُّ
(2)
، نعم تصح
(3)
بمثله، وجزم في «المنتخب» بخلافه.
(إِلاَّ فِي
(4)
النَّفْلِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، جزم به الأكثرُ، ونصره الشَّريف وأبو الخطَّاب، وصحَّحه في «المستوعب» و «الفروع» ؛ لأنَّه متنفِّلٌ يُؤمُّ متنفِّلين؛ وهي أخفُّ؛ إذ الجماعة تَنعقِد به فيها إذا كان مأمومًا.
والثَّانية: لا تَصحُّ
(5)
؛ لما ذكرناه.
(وَلَا تَصِحُّ إِمَامَةُ مُحْدِثٍ، وَلَا نَجِسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ)، هذا هو المجزوم به عند المعظَم؛ لأنَّه أخلَّ بشرط الصَّلاة مع القدرة، أشبه المتلاعبَ؛ لكونه لا صلاة له في نفسه.
وظاهره: أنَّ من صلَّى خلفه فعليه الإعادة، سواءٌ جَهِل الحدثَ أو عَلِمه، وصرَّح به في «المذهب» وغيره خلافًا ل «الإشارة» ، وبناه في «الخلاف» على إمامة الفاسِقِ؛ لفِسقه بذلك.
قيل
(6)
للقاضي: هو أمينٌ على طهارته لا يُعرَف إلاَّ من جهته، فإذا عملنا بقوله؛ لم يقبل رُجوعُه، كما لو أقرَّت بانقضاء العدَّة وزوِّجت ثمَّ رجعت.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 62.
(2)
في (أ): لا يصحُّ.
(3)
قوله: (نعم تصحُّ) سقط من (أ) و (ب).
(4)
قوله: (في) سقط من (ب) و (ز).
(5)
في (أ): لا يصحُّ.
(6)
في (أ): وقيل.
قال: فيجب لهذا المعنى: ألا يُقبل قولُه قبل الدُّخول في الصَّلاة، وعلى أنَّ دخولها في عقد النِّكاح اعتراف بصحَّته، فلم تُصدَّق، وهذا من أمر
(1)
الدين، فقيل: كقبل الصَّلاة.
وعلَّله في «الفصول» : بأنَّه فاسِقٌ، وإمامتُه عندنا لا تَصِحُّ.
ولكنَّ الفرقَ واضحٌ؛ بأنَّ الفاسق متطهِّر، وإنَّما تخلَّفت الصحَّة لمانِعٍ، بخلافه هنا.
(فَإِنْ جَهِلَ هُوَ وَالمَأْمُومُ حَتَّى قَضَوُا الصَّلَاةَ؛ صَحَّتْ صَلَاةُ المَأْمُومِ وَحْدَهُ)، ذكره جماعةٌ منهم المؤلِّف، وفي «المحرَّر» و «التَّلخيص»؛ لما روى البَرَاء بنُ عازِبٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلَّى الجنبُ بالقومِ أعادَ صلاتَهُ، وتمَّت للقومِ صلاتُهم» رواه محمَّد بن الحسين
(2)
الحَرَّانيُّ
(3)
، وهو قول جماعةٍ من الصَّحابة
(4)
؛ وهو في محلِّ الشُّهرة، ولم يُنكَر،
(1)
في (أ): أمور.
(2)
في (أ) و (ب): الحسن.
(3)
أخرجه الدارقطني (1366)، والبيهقي (4076)، من طريق جويبر، عن الضحاك بن مزاحم، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:«صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم وليس هو على وضوء، فتمت للقوم وأعاد النبي صلى الله عليه وسلم» ، وفيه جويبر بن سعيد الأزدي وهو ضعيف جدًّا، والضحاك لم يلق البراء، قال البيهقي:(وهذا غير قوي)، وأخرجه ابن المنذر في الأوسط 4/ 213، من حديث علي رضي الله عنه، وفيه الحارث الأعور وهو ضعيف. ينظر: البدر المنير 4/ 441، السلسلة الضعيفة (2376).
(4)
قال ابن المنذر في الأوسط 4/ 211: (فعل ذلك عمر بن الخطاب، فأعاد الصلاة ولم يعد من خلفه صلاتهم، وروي هذا القول عن عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر).
أثر عمر رضي الله عنه روي من وجوه متعددة، منها: ما أخرجه الدارقطني (1371)، والبيهقي في الكبرى (4073)، عن الشَّريد الثقفي:«أن عمر صلى بالناس وهو جنب، فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا» ، وإسناده صحيح، ومن وجه آخر صحيح: أخرجه مالك (1/ 49)، والشافعي كما في المسند (ص 18)، وعبد الرزاق (3644)، والبيهقي في الكبرى (801)، عن زُبيد بن الصلت بنحوه.
وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2053)، والدارقطني (1372)، والبيهقي في الكبرى (4074)، عن محمد بن عمرو بن الحارث: أن عثمان صلى بالناس صلاة الفجر، فلما تعالى النهار رأى أثر الجنابة على فخذه، فقال:«كبرت والله، كبرت والله، أجنبت ولا أعلم» ، فاغتسل وأعاد الصلاة، ولم يأمرهم أن يعيدوا. محمد بن عمرو بن الحارث لم نقف على من وثَّقه غير ابن حبان في الثقات 7/ 368.
وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (4575)، وابن المنذر في الأوسط (2054)، عن الحارث، عن علي قال:«إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة، آمره أن يغتسل ويعيد ولا آمرهم أن يعيدوا» ، والحارث الأعور ضعيف الحديث.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (3650)، وابن أبي شيبة (4569)، وابن المنذر في الأوسط (2055)، والدارقطني (1373)، والبيهقي في الكبرى (4075) عن سالم، عن ابن عمر:«أنه صلى بهم الغداة، ثم ذكر أنه صلى بغير وضوء فأعاد ولم يعيدوا» ، وإسناده صحيح.
فكان
(1)
إجماعًا، ولأنَّ الحدَث ممَّا يَخفَى، ولا سبيلَ إلى معرفته، فكان المأمومُ معذورًا.
وهذا في غير الجمعة إذا كانوا بالإمام أربعين؛ فإنَّها لا تصحُّ، كما لو كان المأموم محدِثًا فيها.
وعنه: يعيد كالإمام، اختاره أبو الخطَّاب، رُوي عن عليٍّ ولم يَثبُت
(2)
، ولأنَّه صلَّى بهم محدِثًا، أشْبه ما لو علِم.
(1)
في (أ): وكان.
(2)
أخرج عبد الرزاق (3663)، عن أبي جعفر:«أن عليًّا صلى بالناس وهو جنب، أو على غير وضوء، فأعاد وأمرهم أن يعيدوا» ، وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه إبراهيم بن يزيد المكي وهو متروك الحديث، وهو منقطع أيضًا، قال ابن عبد البر في الاستذكار 1/ 290:(غير متصل).
وأخرجه عبد الرزاق (3661)، والدارقطني (1370)، والبيهقي في الكبرى (4078)، عن علي رضي الله عنه من وجه آخر، وفيه عمرو بن خالد الواسطي، قال الدارقطني:(متروك الحديث، رماه أحمد بن حنبل بالكذب)، وبنحوه قال البيهقي، وقد ضعف الأثر عن علي: ابن المنذر وابن حزم. ينظر: الأوسط 4/ 213، المحلى 3/ 133.
وحُكمُ النَّجاسة كالحدَث؛ لأنَّ كلًّا منهما طهارةٌ لها.
والمجزوم به في «المحرَّر» : اختصاص الحكمِ بالحدَث؛ لأنَّ النَّجاسة أخفُّ، وخفاؤها أكثر، فلذلك
(1)
صحَّت صلاةُ الإمام مع نسيانها.
وعُلِم منه: أنَّه إذا عَلِم هو والمأمومُ فيها؛ استأنف المأمومُ على الأصحِّ؛ لأنَّه ائْتَمَّ بمَن صلاتُه فاسدةٌ، أشْبه ما لو ائْتَمَّ بامرأةٍ.
وعنه: يَبنِي، ذكرها ابنُ عَقِيل؛ لأنَّ ما مضى من صلاتهم صحيحٌ، فكان
(2)
لهم البناء عليه جماعةً أو فُرادى.
فإن علم معه واحد أعاد الكلُّ، نَصَّ عليه
(3)
. واختار القاضي والمؤلِّف: يُعيد من علِم.
وإن علِمه اثنان، فأنكره هو؛ أعادوا، نقله أبو طالبٍ
(4)
، واحتجَّ بخبر ذي اليدين. وقيل: بل هما فقطْ.
فائدة: إذا علم أنَّ على إمامه فائتةً، وصحَّت صلاتُه في وجْهٍ؛ ففي صلاة المأموم وجهان.
وإن عَلِم أنَّه ترك واجبًا عليه فيها
(5)
سهوًا، أو شكَّ في إخلال إمامه
(6)
بشرطٍ أو ركنٍ؛ صحَّت صلاتُه معه، بخلاف ما لو ترك السِّتارة أو الاستقبال؛ لأنَّه لا يَخفَى غالبًا.
(وَلَا تَصِحُّ
(7)
إِمَامَةُ الْأُمِّيِّ)، منسوبٌ إلى الأمِّ، وقيل: أمَّةِ العرَب، (وَهُوَ
(1)
في (ب) و (ز): ولذلك.
(2)
في (أ): وكان.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 27.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 27.
(5)
قوله: (فيها) سقط من (د) و (و).
(6)
في (و): صلاته.
(7)
في (و): يصح.
مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ)؛ أي: لا يَحفَظها، أي: لا تَصِحُّ
(1)
إمامتُه بمن يُحسِنها، (مضَتْ السُّنَّة على ذلك)، قاله الزُّهريُّ
(2)
؛ لأنَّ القراءةَ شرطٌ مقصودٌ في الصَّلاة، فلم يَصِحَّ اقتداءُ القادِر عليه بالعاجز عنه، كالطَّهارة والسُّترة؛ وهو يتحمَّلها عن المأموم، وليس هو من أهل التَّحمُّل. (أَوْ يُدْغِمُ) في
(3)
الفاتحة (حَرْفًا لَا يُدْغَمُ)؛ أي: في غيرِ مثلِه، وغيرِ ما يُقارِبه في المَخرَج؛ وهو الأَرَتُّ، وفي «المذهب»: هو الذي في لسانه عَجَلةٌ يُسقِط بعضَ الحروف.
(أَوْ يُبْدِلُ حَرْفًا) بغيره؛ وهو الألْثَغُ، كمن يبدل
(4)
الرَّاءَ غَينًا.
(أَوْ يَلْحَنُ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ المَعْنَى)؛ ككسر كافِ {إيَّاكَ} ، وضمِّ تاءِ {أَنْعَمْتَ} ، وفتحِ همزة {أَهْدِنَا} في الأصحِّ فيها.
وظاهره: إذا لم يُحِل المعنى؛ كفتح دال {نَعْبُدُ} ونون {نَسْتَعِنُ} ؛ لا يكون أمِّيًّا، وصرَّح به جماعةٌ؛ لأنَّ المعنى المقصودَ حاصِلٌ.
وعنه: يَصِحُّ في ذلك كلِّه، حكاها الآمِدِيُّ وابنُ تميمٍ، وتأوَّلها القاضي.
وقيل: إن لم يَكثُر.
وقيل: في نفلٍ.
وظاهِرُ
(5)
ما ذكره المؤلِّفُ: أنَّها لا تَصِحُّ، سواء علِم المأمومون بحاله أو جهِلوه، فإن علموا كونَه أمِّيًّا لمَّا سلَّم؛ فوجهان.
وإن بَطَلتْ صلاةُ قارِئٍ خلْف أمِّيٍّ؛ ففي إمام
(6)
وجهان.
(1)
في (د) و (و): يصح.
(2)
رواه أبو بكر النجاد، كما في التعليقة للقاضي - تحقيق الفريح - 2/ 246، ولم نقف عليه.
(3)
في (ب) و (و): من.
(4)
في (و): بدل.
(5)
في (و): فظاهر.
(6)
في (أ): إمامته. والمثبت موافق لما في الفروع 3/ 31.
وإن اقتدى قارِئٌ وأمِّيٌّ واحدٌ خلف أمِّيٍّ؛ بَطَل فرضُ القارِئِ في ظاهر كلامه، ثمَّ هل تَبقَى نفْلاً فتَصِحُّ
(1)
صلاة الكُلِّ، أو لا تبقى فتبطل
(2)
، أو الإمام؟ فيه أوجهٌ.
(إِلاَّ بِمِثْلِهِ) في الأصحِّ؛ لأنَّه يساويه، فصحَّت إمامتُه؛ كالعاجِز عن القيام.
تنبيه: لا يَصِحُّ اقتداءُ عاجزٍ عن نصف الفاتحة الأوَّل بعاجز عن نصفها الأخير، ولا عكسه، ولا اقتداء قادِرٍ على الأقوال الواجبة بالعاجز عنها، فإن لم يحسنها وأحسن بقدرها من القرآن؛ لم يَجُز أن يأْتمَّ بمن لا يحسن شيئًا من القرآن، وجوَّزه المؤلِّف، قال ابن تميم: وفيه نظرٌ.
وإن صلَّى خلف من يحسن دون السَّبْع؛ فوجهان.
فائدة: إذا شكَّ قارِئٌ في صلاةِ سرٍّ؛ هل إمامُه أمِّيٌّ؛ صحَّت؛ عملاً بالظَّاهر، فإن أسرَّ في صلاةِ جهرٍ؛ فوجهان، فإن أخبر أنَّه قرأ؛ فلا إعادةَ عليهما؛ لأنَّ الظَّاهِرَ صدقُه، وتُستحَبُّ
(3)
الإعادةُ، ذكره في «الشَّرح» .
(وَإِنْ قَدَرَ عَلَى إِصْلَاحِ ذَلِكَ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ)، ولا صلاةُ مَنْ ائْتَمَّ به؛ لأنَّه ترك رُكنًا مع القدرة على الإتيان به، أشْبه تاركَ الرُّكوع والسُّجود.
(وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ)، وهو كثيرُ اللَّحْن، وتَصِحُّ
(4)
، نَصَّ عليه
(5)
إن كان لا يُحِيل
(6)
المعنى، فإن أحاله في غير الفاتحة؛ لم يَمنع صحَّةَ إمامتِه إلاَّ أن يَتعمَّدَه، ذكره في «الشَّرح» ؛ لأنَّه مُستهْزِئٌ ومُتعدٍّ، ونَقَل إسماعيلُ بنُ إسحاقَ:
(1)
في (ز): تصحُّ.
(2)
في (و): فيبطل.
(3)
في (ب) و (و): ويستحب.
(4)
في (و): ويصح.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 55.
(6)
في (و): يخل.
لا يُصلَّى خلْفَه
(1)
.
(وَالْفَأْفَاءُ الذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ، وَالتَّمْتَامُ الذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ)؛ لأنَّ في قراءتهم نقصًا عن حال الكمال بالنِّسبة إلى مَنْ لا يفعل ذلك، ولأنَّهم يأتون بالحرف الواجب، وإنَّما يزيدون حركة أو فاءً أو تاءً، وذلك غيرُ مؤثِّرٍ؛ كتكرير الآية.
(وَ) تُكرَه
(2)
إمامةُ (مَنْ لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الحُرُوفِ)؛ كالقاف والضَّاد في حقِّ البَدويِّ وغيره؛ للنَّقص.
وظاهِرُه: صحَّةُ إمامته
(3)
؛ أعجميًّا كان أو عربيًّا.
وقيل: من قرأ {وَلَا الضَّالِيْنَ} بظاءٍ قائمةٍ؛ لا تَصِحُّ
(4)
؛ لأنَّه يُحيل المعنى، يقال: ظلَّ يَفعَل كذا؛ إذا فعله نهارًا، وقد سبق.
(وَأَنْ يَؤُمَّ نِسَاءً أَجَانِبَ لَا رَجُلَ
(5)
مَعَهُنَّ)، كذا ذكره مُعظَمُ الأصحاب؛ لأنَّه عليه السلام «نهى أن يَخلوَ الرَّجلُ بالأجنبية»
(6)
، ولِمَا فيه من مخالَطة الوسواسِ، وحُكمُ الواحدةِ كالجَمْع.
واقتضى ذلك: أنَّه إذا أمَّ محارمَه أو أجنبيَّاتٍ معهنَّ رجلٌ؛ فلا كراهة؛ لأنَّ النِّساء كنَّ يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ
(7)
، وقيل
(8)
: نسيبًا
(1)
ينظر: الفروع 3/ 19.
(2)
في (و): ويكره.
(3)
في (د) و (و): إمامه.
(4)
في (و): لا يصح.
(5)
في (د) و (و): رجال.
(6)
في (أ): الأجنبية. والحديث أخرجه البخاري (3006)، ومسلم (1341)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(7)
أخرجه البخاري (578)، ومسلم (645)، من حديث عائشة رضي الله عنها:«كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر» الحديث.
(8)
زيد في (د): ولا رجل، وزيد في (و): ولا رجل معين. والمثبت موافق لما في الفروع 3/ 14.
لإحداهنَّ، جزم به في «الوجيز» ، وقيل: محرمًا، وعنه: يُكرَه في الجهر مطلقًا.
قال في «الفروع» : وعلى كلِّ حالٍ؛ لا وجْه لاعتبار كونه نسيبًا.
وفي «الفصول» : يُكرَه للشَّوابِّ وذواتِ الهَيئَة الخروجُ، ويُصلِّين في بيوتهنَّ.
فإن صلَّى بهم رجلٌ محرَمٌ؛ جاز، وإلاَّ لم يَجُز، وصحَّت الصَّلاةُ.
(أَوْ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) في قول أكثرهم؛ لما روى أبو أُمامةَ مرفوعًا قال: «ثلاثةٌ لا تُجاوزُ صلاتُهم آذانَهم: العبدُ الآبقُ حتَّى يرجعَ، وامرأةٌ باتَتْ وزوجُها عليها ساخطٌ، وإمامُ قومٍ وهم له كارهونَ» رواه التِّرمذيُّ، وهو حسَنٌ غريبٌ، وفيه لِينٌ
(1)
، وأخبر عليه السلام:«أنَّ صلاتَه لا تُقبَلُ» رواه أبو داود من رواية الإفْريقيِّ، وهو ضعيفٌ عند الأكثر
(2)
.
(1)
روي هذا الحديث من طرق عن الصحابة؛ منها ما ذكره المصنف من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، أخرجه الترمذي (360)، والطبراني في المعجم الكبير (8090)، قال الترمذي:(هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه)، وفي سنده أبو غالب البصري، اختلف في اسمه فقيل: حَزَوَّر، وقيل: غيره، واختلف في حاله، فقال ابن معين:(صالح الحديث)، وضعفه النسائي، وقال الدارقطني:(ثقة)، وفي رواية عنه:(يعتبر به)، قال ابن حجر:(صدوق يخطئ)، وقال البيهقي عن الحديث:(ليس بالقوي)، ورجح النووي تحسينه، قال أحمد شاكر في حاشيته على الترمذي:(بل هو حديث صحيح، فإن أبا غالب ثقة، وثَّقَهُ موسى بن هارون الحمال والدارقطني وغيرهما).
وأخرجه ابن ماجه (971)، وابن حبان (1757)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال النووي:(إسناده حسن).
وأخرجه الترمذي (358)، من حديث أنس رضي الله عنه، وأعله بالإرسال. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (5342)، الخلاصة 2/ 704، صحيح أبي داود 3/ 145، السلسلة الصحيحة (650، 2325).
(2)
أخرجه أبو داود (593)، وابن ماجه (970)، وفي سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف.
وقيل: ديانةً، نَصَّ عليه، وجزم به في «الوجيز» .
وظاهره: أنَّه إذا كرهه اثنان أو ثلاثةٌ؛ لا يُكرَه، وقاله
(1)
أحمد، حتَّى يَكرَهه أكثرُهم
(2)
.
قال القاضي: المستحَبُّ أن لا يَؤمَّهم؛ صيانةً لنفسه.
فإن استوى الفريقان؛ فوجهان، والأَولى أن لا يَؤمَّهم؛ إزالةً لذلك الاختلاف، ذكره في «الشَّرح» وغيره.
أمَّا إذا كان ذا دينٍ وسنَّةٍ فكرهوه لذلك؛ فلا كراهةَ في حقِّه، بل يُكره إن كان لِخَلَلٍ في دينِه أو فَضْلِه، قاله الأكثرُ.
وقال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين: (إذا كان بَينهم مُعاداةٌ من جنس معاداة أهل الأهواء أو المذاهب؛ فلا ينبغي أن يَؤمَّهم؛ لأنَّ المقصودَ بالصَّلاة جماعةً إنما يتم
(3)
بالائْتِلاف)
(4)
.
وقال جَدُّه: (أو لدُنيا)، وهو ظاهر كلام جماعة.
وقيل: تَفسُد صلاته؛ لخبر أبي
(5)
أُمامةَ السَّابِقِ.
(وَلَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَى وَالجُنْدِيِّ إِذَا سَلِمَ دِينُهُمَا)؛ لعُموم قوله: «يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهم»
(6)
، وصلَّى التَّابِعون خلْف ابنِ زِيادٍ؛ وهو ممَّن في نَسَبِه نَظرٌ، وقالتْ عائشةُ:«لَيس عليه من وِزْر أبَوَيه شَيءٌ، قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعَام: 164]»
(7)
،
(1)
في (أ) و (ب): وقال.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 4/ 405.
(3)
في (أ): إمامتُهم.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 17، الاختيارات ص 106.
(5)
قوله: (أبي) سقط من (أ).
(6)
أخرجه مسلم (673).
(7)
أخرجه عبد الرزاق (13860)، وابن أبي شيبة (6096)، وابن المنذر في الأوسط (1949)، والبيهقي في الكبرى (19992)، وإسناده صحيح.
ولأنَّ كلًّا منهما حرٌّ
(1)
مَرْضِيٌّ في دينه، فصلَح لها كغيره.
وكذا حُكمُ الخَصِيِّ، واللَّقِيطِ، والمَنفِيِّ بِلِعانٍ، والأعرابيِّ، إذا سلِم دينُهم، وصلَحوا لها.
وقيل: يُكرَه اتِّخاذُ ولدِ الزِّنى إمامًا راتِبًا.
وعنه: أحِبُّ أن يُصلِّيَ
(2)
خلْفَ غيرِ الجُنْديِّ.
وعنه: لا يُعجبني إمامةُ الأعرابيِّ إلاَّ أن يكونَ قد سَمِع
(3)
؛ لأنَّ الغالبَ عليهم الجهلُ.
قال
(4)
في «الشَّرح» : والمُهاجِرُ أَوْلَى.
مسألةٌ: لا يُكرَه على الأصحِّ إمامةُ ابنٍ بأبيه، وظاهِرُ روايةِ أبي داودَ
(5)
: لا يَتقدَّمه في غير الفرض.
وإن أَذِن الأفضلُ للمفضول؛ لم يُكرَه في المنصوص
(6)
، وبدون إذنه؛ يُكرَه، نَصَّ عليه. وقيل: إلاَّ خوفَ أذًى.
والمرادُ: سوى إمامِ المسجد، وصاحبِ البَيت؛ فإنَّه يَحرم كما سبق.
(وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ مَنْ يُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِمَنْ يَقْضِيهَا) روايةً واحدةً، قاله الخلاَّلُ؛ لأنَّ الصَّلاةَ واحدةٌ، وإنَّما اختَلَف الوقتُ، وكذا عكسه؛ لما قُلناه.
(1)
في (د) و (ز) و (و): حسن.
(2)
في (ب) و (ز): أصلي.
(3)
كتب في هامش الأصل: (وفقه).
(4)
في (د) و (و): فإن.
(5)
الذي في مسائل أبي داود ص 63: (قلت لأحمد: يؤم الرجل أباه؟ قال: مِنْ الناس مَنْ يتوقى ذلك؛ إجلالاً لأبيه، ثم قال: إذا كان أقرأهم فأرجو، يعني: أن لا بأس به).
(6)
ينظر: الفروع 3/ 11.
وعنه: لا يَصِحُّ
(1)
مطلقًا؛ لاختلافِ النِّيَّة، وفي «المذهب»: إذا قضى
(2)
الظُّهرَ خلْفَ من يؤدِّيها صحَّ وجهًا واحدًا، وفي العكس
(3)
روايتان.
وإن قضى ظُهرَ يوم
(4)
خلف ظُهر يومٍ آخَرَ؛ فالأصحُّ الصحَّةُ، وذكره بعضُهم قولاً واحدًا، هذا فيما إذا اتَّحدَت الصَّلاةُ، فإذا اختلفت فسيأتي.
(وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ المُفْتَرِضِ
(5)
بِالمُتَنَفِّلِ) في رواية نقلها إسماعيلُ بنُ سعيدٍ وأبو داود
(6)
، واختارها المؤلِّفُ وصاحب «النَّصيحة» و «التَّبصرة» والشَّيخُ تقِيُّ الدِّين
(7)
؛ لما روى جابِرٌ: «أنَّ معاذًا كان يُصلِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عِشاءَ الآخرةِ، ثمَّ يَرجِع إلى قومه فيصلِّي بهم تلك الصَّلاة» متَّفقٌ عليه، ولفظُه لمسلمٍ
(8)
، ورواه الدَّارَقُطْنيُّ وزاد:«هي له تطوُّعٌ، وهي لهم مكتوبةٌ»
(9)
، «وصلَّى عليه السلام بطائفةٍ من أصحابه ركعتين، ثم سلَّم
(10)
، ثمَّ صلَّى بالطائفةِ الأخرى ركعتَينِ ثمَّ سلَّم» رواه أحمد
(11)
، ولأنَّهما صلاتانِ اتَّفقتا في الأفعال، أشبه المُتَنَفِّلَ خلْفَ المُفتَرِض.
وذكر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وجهًا: لحاجةٍ
(12)
، نحو كونه أحقَّ بالإمامة.
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): لا تصحُّ.
(2)
في (د): قصر.
(3)
في (ب): الغلس.
(4)
في (أ): يومه.
(5)
في (د) و (و): المفرض.
(6)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 171.
(7)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 389.
(8)
أخرجه البخاري (700)، ومسلم (465).
(9)
أخرجه الدارقطني (1075).
(10)
قوله: (من أصحابه ركعتين ثم سلم) هو في (أ): له بركعتين.
(11)
أخرجه أحمد (20497)، وأبو داود (1248)، والنسائي (1551)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وإسناده صحيح. ينظر: الخلاصة 2/ 746، صحيح أبي داود 4/ 415.
(12)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 262.
والثَّانية: لا يصحُّ
(1)
، نقلها حنبلٌ وأبو الحارث
(2)
، وصحَّحها ابن عَقِيلٍ وصاحب «التَّلخيص» ، ونصرها جماعةٌ، وجزم بها في «الوجيز» ، وقدَّمها في «الفروع»؛ لقوله عليه السلام:«إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليُؤْتَمَّ به، فلا تَختَلِفوا عليه»
(3)
، ولأنَّ صلاةَ المأموم لا تتأدَّى بنيَّة الإمام، أشبه صلاة الجمعة خلف من يصلِّي الظُّهر، وهو يَنتقِض بالمسبوق في الجمعة إذا أدرك أقلَّ من ركعة، فإنَّه ينوي الظُّهر خلْف من يصلِّيها.
(وَمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصلِّي الْعَصْرَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، ومثلُه صلاةُ كلِّ مُفترِضٍ خلْف مُفترِضٍ
(4)
بفرض غيرِه وقْتًا واسمًا، وسيأتي.
(وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا) وهو المذهب؛ لأنَّ الاختلافَ في الصِّفة كالاختلاف في الموصوف، فيجب أن تكون
(5)
الصحَّة وعدمها كما تقدَّم.
مسائل:
الأولى: إذا صلَّى فرضًا رُباعيَّة خلْف متنفِّلٍ بركعتَين، أو خلْف مَنْ يُصلِّي فجرًا؛ فالخلافُ.
وقيل: الصِّحَّةُ أقوى، فيتِمُّ كمسبوقٍ.
وكذا إن صلَّى فجرًا خلْف مَنْ يُصلِّي الظُّهرَ أربعًا، وقيل: أو المغربَ، فإذا تمَّ فرْضُه قبل إمامه هل يَنتظِره، أو يسلِّم قبله، أو يُخيَّر؟ فيه أوجُهٌ.
فإن كانت إحداهما تُخالف الأخرى؛ كصلاة كسوفٍ، واستسقاءٍ، وجنازةٍ، وعيدٍ؛ مُنِع فرضًا، وقيل: نفلاً؛ لأنَّه يُفضي إلى المخالفة في الأفعال.
(1)
في (ب) و (ز): لا تصحُّ.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 171.
(3)
أخرجه البخاري (722)، ومسلم (414).
(4)
في (د): خلف مفرض.
(5)
في (أ) و (د) و (و) و (ز): يكون.
الثَّانية: إذا صلَّى ظُهرًا تامَّةً خلْف مَنْ يُصلِّي الجمعةَ؛ لم يَصِحَّ على الأصحِّ، وقيل: إن صحَّ بِناءُ الظُّهر على نيَّة الجمعة صحَّ، وإلاَّ فلا.
وقيل: إن أدرك ما يعتدُّ به صحَّ.
وإن كمُلت الجمعة لمَن
(1)
هو في ظُهر، كما لوْ سبَق الإمامَ الحدثُ في التَّشهُّد، وقد أدركه إنسانٌ فيه؛ فالخلاف.
الثَّالثة: إذا صلَّى مريضٌ بمثله ظُهرًا قبل
(2)
إحرام صلاة الجمعة، وقلنا: يَصِحُّ
(3)
، ثُمَّ حضر الإمامُ الجمعةَ؛ لم ينقلِب ظُهرُه نفلاً في الأصحِّ.
(1)
في (د) و (و): لمن.
(2)
في (أ): مثل.
(3)
في (ب) و (ز): تصحُّ.
(فَصْلٌ فِي الْمَوْقِفِ)
(السُّنَّةُ
(1)
: أَنْ يَقِفَ المَأْمُومُونَ) رجالاً كانوا أوْ نِساءً (خَلْفَ الْإِمَامِ)؛ لفِعله عليه السلام: «كان إذا قام إلى الصَّلاة قام أصحابه خلفَه»
(2)
، وقد رُوي:«أنَّ جابِرًا وجَبَّارًا وقَف أحدُهما عن يمينه، والآخَر عن يساره، فأخذ بأيديهما حتَّى أقامهما خلفه» رواه مسلمٌ وأبو داود
(3)
، ولا يَنقُلُهما إلاَّ إلى الأَكْمل، وعن سَمُرةَ قال:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنَّا ثلاثةً أن يتقدَّمَ أحدُنا» رواه التِّرمذيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ، وقال:(غريبٌ، والعملُ عليه عند أهل العلم)
(4)
.
وكان ابنُ مسعود يرى أن يقف الاثنان عن جانِبي الإمام؛ لأنَّه صلَّى بين عَلْقمةَ والأسودِ، وقال:«هكذا رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ» رواه أحمد، وفيه هارونُ بن عنترةَ، وقد وثَّقه جماعةٌ، وقال ابن حِبَّانَ: لا يُحتجُّ به، وقال ابن عبد البَرِّ:(لا يَصحُّ رفعُه، والصَّحيح أنَّه من قولِ ابن مسعودٍ)
(5)
.
(1)
قوله: (السنة) سقط من (و).
(2)
روي هذا المعنى في أحاديث منها: حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه عند البخاري (686)، وفيه:«أين تحب أن أصلي من بيتك؟» فأشرت له إلى المكان الذي أحب، فقام وصففنا خلفه، ثم سلم وسلمنا. ومنها حديث أنس رضي الله عنه عند البخاري (689)، وتواتر هذا المعنى في أحاديث كثيرة في صلاته صلى الله عليه وسلم بأصحابه.
(3)
أخرجه مسلم (3010)، وأبو داود (634).
(4)
أخرجه الترمذي (233)، والروياني في مسنده (794)، والطبراني في المعجم الكبير (6951)، وقال:(حسن غريب)، وفي سنده إسماعيل بن مسلم المكي البصري، وهو ضعيف، بل قال أحمد وغيره من الأئمة:(منكر الحديث). ينظر: تهذيب التهذيب 1/ 332.
(5)
أخرجه أحمد (3927)، ومسلم (534)، والنسائي في الكبرى (800)، من طرق عن علقمة والأسود، وفي بعضها عن الأسود وحده، بأسانيد صحيحة، ولفظ مسلم: (
…
فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ثم ركعنا، فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثم طبق بين يديه، ثم حطهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظه لأحمد ولأبي داود نحوه، ونحوه عند أحمد والنسائي، وفيها رفع التطبيق، ورفع موقف الإمام، وصفة ذلك.
وأخرجه أحمد (4030)، وأبو داود (613)، من طريق هارون بن عنترة، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: استأذن علقمة والأسود على عبد الله، قال: إنه سيليكم أمراء يشتغلون عن وقت الصلاة، فصلوها لوقتها، ثم قام فصلى بيني وبينه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم»، لفظه لأحمد ولأبي داود ونحوه. وهارون بن عنترة اختلف فيه وهو مع هذا لا بأس به، فقد وثقه أحمد وابن معين، وضعفه ابن حبان والدارقطني في رواية، ووثقه في أخرى، وللحديث طرق أخرى صحيحة كما سبق ذكرها، ورجَّح ابن عبد البر والمنذري والنووي وقفه وأنه من فعل ابن مسعود رضي الله عنه، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وأجاب آخرون: بأنه منسوخ؛ لأن هذه الصلاة فيها ذكر التطبيق، وابن مسعود أخذها بمكة، فيكون هذا الحكم من جملتها، ذكره الزيلعي، وقال ابن حجر:(وأغرب ابن عبد البر والمنذري والنوري فقالوا: إن الصحيح وقف هذا الحديث، زاد المنذري أن مسلمًا أخرجه موقوفًا، وأخرجه أبو داود مرفوعًا وإسناده ضعيف كذا قال، وهو في مسلم من ثلاث طرق، ثالثها مرفوعة). ينظر: الاستذكار 2/ 270، الخلاصة للنووي 2/ 715 - 716، نصب الراية 2/ 33، الدراية 1/ 170، تهذيب التهذيب 11/ 1، صحيح أبي داود 3/ 171.
وأجِيب: بأنَّه منسوخٌ، أو محمولٌ على الجواز.
وأجاب ابنُ سِيرِينَ: بأنَّ المسجدَ كان ضيِّقًا، رواه البَيهَقيُّ
(1)
.
ويُستثنَى منه: أنَّ إمام العُرَاة يَقِف وَسْطًا وجوبًا، والمرأة إذا صلَّت بالنِّساء.
(فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ) في قول أكثر العلماء؛ لقوله عليه السلام: «إنَّما جُعِلَ الإمامُ لِيُؤْتَمَّ به»
(2)
، والمخالفةُ في الأفعال مُبطِلةٌ؛ لكونه يَحتاج في الاقتِداء إلى الالتفات خلْفه، ولأنَّه لم يُنقَل عنه عليه السلام ولا هو في معنى المنقول، فلم يَصِحَّ، كما لو صلَّى في بيته بصلاة الإمام، وهو عامٌّ في كلِّ الصَّلوات، ولو بإحرامٍ فأكثرَ؛ لأنَّه ليس موقِفًا بحال.
(1)
ينظر: السنن الكبرى (5173).
(2)
أخرجه البخاري (378)، ومسلم (411).
والاِعتبارُ بمؤخِّر القَدَم، وإلاَّ لم يَضُرَّ؛ كطُول المأموم؛ لأنَّه يتقدَّم برأسه في السُّجود. قال في «الفروع»:(ويتوجَّه العُرْف).
فإن صلَّى قاعدًا فالاعتبارُ بمَحلِّ القُعود؛ وهو الأَلْيَةُ، حتَّى لو مدَّ رِجلَيه وقدَّمها على الإمام؛ لم يَضُرَّ، وإن كان مضطجعًا فبالجَنب.
وذكر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وجْهًا: يُكرَه ويَصحُّ، والمراد: وأمكن الاقتداء، وهو متَّجِهٌ، أشبَه من خلْفَه.
وقيل: تَصِحُّ
(1)
جمعةٌ وعيد وجنازة لعُذْرٍ، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(2)
، وقال:(من تأخَّر بلا عُذْرٍ، فلمَّا أَذَّن جاء فصلَّى قُدَّامه؛ عُزِّر)
(3)
.
فعلى الأَوَّل: لا تَصِحُّ
(4)
صلاتُهم.
قال ابنُ تَميمٍ: (وفي صلاة الإمام وجهان)، هذا إن لم يكن خلفه صفٌّ.
لكن يُستثنَى منه: المرأةُ إذا أَمَّتْ رجالاً في تراويح، وداخل
(5)
الكعبة إذا تقابلا، أو جعل ظَهره إلى ظَهر إمامه؛ لأنَّه لا يَعتقِد خطأَه، فإن جعل ظَهره إلى وجهه؛ [لم يصح]
(6)
؛ لأنَّه مقدَّم عليه.
فإن وقفوا حَولَ الكعبة مستدِيرين؛ صحَّت، فإن كان المأمومُ أقربَ في
(7)
جهته من الإمام في جهته؛ جاز، فإن كانا في جهةٍ واحدةٍ؛ بطلت. وقدَّم في «الرِّعاية»: لا يضرُّ.
(1)
في (د) و (و): يصح.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 404.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 108.
(4)
في (و): لا يصح.
(5)
في (و): ودخل.
(6)
قوله: (لم يصح) سقط من الأصل ومن (أ) و (د) و (و)، والمثبت من (ب) و (ز)، والفروع 3/ 37.
(7)
في (أ): من.
وفي شِدَّة الخَوف نصًّا إذا أمكن المتابَعةُ.
(فَإِنْ وَقَفُوا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ مِنْ
(1)
جَانِبَيْهِ؛ صَحَّ)؛ لما تقدَّم، وقيل: إن وقف بينهما، ففي الكراهة احتمالان.
(وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا؛ وَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ)؛ «لإدارة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ابنَ عبَّاسٍ وجابِرًا إلى يمينه لمَّا وقفا عن يساره» رواه مسلمٌ
(2)
.
ويُندَب تخلُّفه قليلاً؛ خوفًا من التَّقدُّم، ومراعاةً للمرتبة.
فإن بان
(3)
عدم صحَّة مصافَّته
(4)
؛ لم يصحَّ
(5)
، والمراد: لمن
(6)
لم يحضر معه أحدٌ، فيجيء الوجه: يصحُّ
(7)
منفردًا، وكصلاتهم قدَّامه في
(8)
صحَّة صلاته وجهان.
(فَإِنْ
(9)
وَقَفَ خَلْفَهُ)؛ لأنَّه صار فَذًّا، (أَوْ عَنْ يَسَارِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ)، كذا ذكره جماعةٌ، والمرادُ: إذا صلَّى ركعةً فأكثرَ، نَصَّ عليه
(10)
، مع خلوِّ يمينه.
وعنه: يَصِحُّ
(11)
، اختاره أبو محمَّدٍ التَّمِيميُّ والمؤلِّفُ، قال في «الفروع»:(وهي أظهرُ)، وفي «الشَّرح»: (هي
(12)
القياس، كما لو كان عن
(1)
في (أ) و (ز) و (و): عن.
(2)
أخرجه مسلم (763)، وحديث جابر عنده أيضًا (3010).
(3)
قوله: (بان) سقط من (أ) و (و).
(4)
في (و): مصادفته.
(5)
في (أ): لم تصح.
(6)
في (ز): كمن.
(7)
في (أ): تصح.
(8)
في (أ): ففي.
(9)
في (أ): وإن.
(10)
ينظر: مسائل أبي داود ص 54.
(11)
في (ب) و (ز): تصحُّ.
(12)
في (ب) و (ز): هو.
يمينه، وكونُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ردَّ ابنَ عبَّاسٍ وجابرًا لا يَدُلُّ على عدم الصِّحَّة، بدليل ردِّ جابر وجبَّار إلى ورائه مع صحَّة صلاتهما عن جانبَيه).
وقيل: يَصحُّ
(1)
إن كان خلْفَه صفٌّ؛ لأنَّه عليه السلام «صلَّى وأبو بكر عن يمينه»
(2)
، وكان أبو بكر هو الإمامَ. وفيه شَيءٌ.
وحُكمُ الجماعة كالواحد.
تنبيه: إذا كبَّر عن يساره؛ أدارَه من ورائه إلى يمينه، فإن كبَّر معه
(3)
آخَرُ؛ وقفا خلْفَه، فإن كبَّر الآخَر عن يسارِه؛ أخذهما بيده إلى ورائه، فإن شقَّ ذلك، أو تعذَّر؛ تقدَّم الإمام فصلَّى بينهما، أو عن يسارهما، ولو تأخَّر الأيمنُ قبل إحرام الدَّاخل ليصلِّيا خلفه؛ جاز، وفي «النِّهاية» و «الرِّعاية»: بل أَولى؛ لأنَّه لغرضٍ صحيحٍ.
ولو أدركهما الدَّاخل جالِسَيْنِ؛ كبَّر وجلس عن يمين صاحبِه، أو يسار الإمام، ولا يتأخَّر إذًا للمشقَّة.
وظاهره: أنَّ الزَّمْنَى لا يَتقدَّمُون ولا يَتَأخَّرُون للعِلَّة.
(وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً؛ وَقَفَتْ خَلْفَهُ)؛ لقوله عليه السلام: «أخِّروهنَّ من حَيثُ أخَّرهنَّ الله»
(4)
، وسواءٌ كان
(5)
معه رجلٌ أو رجالٌ، فإن وقفت وحدَها فهي فَذٌّ، وصحَّحه في «الكافي» .
(1)
في (ز): تصحُّ.
(2)
أخرجه البخاري (713)، ومسلم (418).
(3)
قوله: (معه) سقط من (أ).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (5115)، ومسدد كما في المطالب العالية (391)، والطبراني في الكبير (9484)، موقوفًا على ابن مسعود رضي الله عنه، قال البوصيري:(هذا إسناد رجاله ثقات)، وقال ابن الهمام:(لا يثبت رفعه فضلاً عن شهرته، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود). ينظر: نصب الراية 2/ 36، إتحاف الخيرة للبوصيري 2/ 148، الأسرار المرفوعة للقاري (ص 87).
(5)
في (أ): أكان.
وإن وقفَتْ مع رجلٍ؛ فكذا في قول جماعةٍ، ونقله المجدُ عن أكثر الأصحاب.
وعنه: لا، اختاره القاضي وأبو الوفاء.
فإن كان في صفِّ الرَّجال
(1)
؛ كُرِه، ولم تَبطُل صلاةُ مَنْ يليها وخلفَها، ذكره ابن حامد، واختاره جماعةٌ، كما لو وقفَتْ في غير صلاةٍ.
وذكر ابنُ عَقِيل فيمن يليها روايةً: تَبطُل، وفي «الفصول»: أنَّه الأَشْبه، وأنَّ أحمد توقف، وذكر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه المنصوص
(2)
.
وقيل: ومَن خلفها. وقيل: وأمامها.
ولا تبطل صلاتها.
وذهب الشَّريف وأبو الوفاء إلى خلافه؛ للنَّهي عن وقوفها والوقوف معها، فهما سواءٌ.
فإن وقفَتْ عن يمينه؛ فظاهره يصحُّ
(3)
، وعن يساره إن لم تَبطُل صلاتُها ولا من يليها، فكَرَجُلٍ في ظاهِرِ كلامهم.
وفي «التَّعليق» : إذا كان الإمامُ رجلاً، وهو عُريانُ؛ فإنَّها تَقِف عن يمينه.
(فَإِنِ اجْتَمَعَ أَنْوَاعٌ؛ تَقَدَّمَ الرِّجَالُ)؛ أحرارًا كانوا أو عبيدًا؛ لقوله عليه السلام: «ليَلِني منكُم أُولو الأحلامِ والنُّهى» رواه مسلمٌ
(4)
، ويُقدَّمُ الأفْضلُ فَالأفضلُ.
(ثُمَّ الصِّبْيَانُ)؛ «لأنَّه عليه السلام صلَّى، فصفَّ
(5)
الرِّجال، ثمَّ صفَّ خلْفَهم الغِلمانَ
(6)
» رواه أبو داود، وأحمدُ بمعناه وزاد:«والنِّساء خلف الغِلمانِ» ،
(1)
في (أ): الرجل.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 45.
(3)
في (ب) و (ز): تصحُّ.
(4)
أخرجه مسلم (432).
(5)
في (و): بصف.
(6)
في (و): الصبيان.
وفيه لِين وضعف
(1)
.
وفي «المذهب» روايةٌ: تأخيرهم
(2)
عن الكلِّ.
(ثُمَّ الخَنَاثَى)؛ لأنَّه يحتمل أن يكونوا رجالاً، وفيه إشارةٌ إلى صحَّة وقوف الخَناثى صفًّا، قال بعضُ أصحابنا: هو
(3)
مَبنِيٌّ على أن وقوف المرأة إلى جانب الرَّجل لا تبطل
(4)
الصَّلاةَ، وعلى أنَّ الرَّجلَ الواحدَ إذا وقف مع امرأةٍ لا يكون فَذًّا، وإلاَّ لم يَصِحَّ صفُّهم
(5)
.
وإن أمَّ رجلٌ خُنثى؛ صحَّ في الأصحِّ، فيقف عن يمينه، صحَّحه في «الشَّرح». وقيل: خلْفَه.
وإن أمَّ رجلاً وخُنثى؛ وقف الرَّجل عن يمينه، والخُنثى خَلْفَهُما.
وفي «الشَّرح» : يَقِف
(6)
عن يسار الإمام أو يمين الرَّجل، ولا يقفان خلفه؛ لجواز أن يكون
(7)
امرأةً إلاَّ عند من أجاز للرَّجل مصافَّتَها.
فإن
(8)
أمَّ امرأةً وخنثى، فقال ابن تميم: يقفا خلفَه متباعدين.
(ثُمَّ النِّسَاءُ)، فلو انفردت عن صفِّ النِّساء، أو صلَّت بامرأةٍ مثلِها فوقفت خلفَها؛ لم يصح.
(1)
أخرجه أحمد (22911)، وأبو داود (677)، والطبراني في الكبير (3416)، وفي إسناده شهر بن حوشب، وهو صدوق كثير الإرسال والأوهام، وحسن إسناده النووي وابن الملقن، وضعفه الألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 714، تحفة المحتاج 1/ 459، ضعيف سنن أبي داود 1/ 234.
(2)
في (أ): تأخيرها.
(3)
في (ز): هي.
(4)
في (ب) و (د): يبطل.
(5)
في (ب) و (ز): منهم.
(6)
في (ز): تقف.
(7)
في (د): تكون.
(8)
في (د) و (و): وإن.
وفي «الكافي» عكسُه؛ لأنَّها يجوز وقوفها منفرِدةً؛ بدليل حديث أنسٍ
(1)
.
(وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ فِي تَقْدِيمِهِمْ إِلَى الْإِمَامِ) وإلى القبلة في قبرٍ لضرورةٍ، (إِذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُهُمْ)، وسيأتي.
(وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إِلاَّ كَافِرٌ) اتِّفاقًا، (أَوِ امْرَأَةٌ)، أو خنثى؛ فهو فذٌّ، قاله ابن حامد، وفي «الكافي» و «التَّلخيص»: لأنَّهم من غير أهل الوقوف معَه.
وفيه وجْهٌ، وذكره في «المحرَّر» عن القاضي، وصحَّحه ابن عَقِيلٍ
(2)
؛ لأنَّه وقف معه مفترِض صلاتُه صحيحةٌ، أشْبهَ الرَّجلَ.
(أَوْ مُحْدِثٌ يَعْلَمُ حَدَثَهُ؛ فَهُوَ فَذٌّ)؛ أي: لا تَصِحُّ
(3)
صلاتُه؛ لأنَّ وجودَه كعدَمه، وكذا إذا وقف معه سائرُ من لا تَصِحُّ صلاتُه، قاله في «الشَّرح» .
فدلَّ: إنْ صحَّت صلاته؛ صحَّت مصافَّته، فلو جَهِل الحدثَ حتَّى سلَّما صحَّت، ولم يكن فذًّا، نَصَّ عليه
(4)
.
قال القاضي: كجَهْل مأموم حدَثَ إمامِه.
وفي «الفصول» : إن بان مبتدِعًا أعاد؛ لأنَّ المبتدِعَ لا يَؤمُّ، بخلاف المحدِث، فإنَّ المتيمِّم يؤمُّ.
(وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ) إذا وقف معه في فرْضٍ؛ لأنَّه لا تَصِحُّ
(5)
إمامتُه بهم، فلم يَصِحَّ
(6)
أن يصافَّهم
(7)
كالمرأة، لكن روى الأثرمُ: أنَّ أحمد سئل عن
(1)
أخرجه البخاري (727)، وهو قوله:«صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأمي أم سليم خلفنا» .
(2)
في (و): حامد.
(3)
في (و): لا يصح.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 87.
(5)
في (ب) و (و): لا يصح.
(6)
في (ز): تصحُّ.
(7)
في (ز): تصافهم.
وقوف الصَّبيِّ مع الفرض فتوقَّف، وقال:(ما أدري)، فذُكر له حديث أنس
(1)
فقال: (ذاك في التَّطوُّع)
(2)
.
والمنصوص عنه
(3)
، وجزم به في «الوجيز»: أنَّه فَذٌّ.
وانعقاد الجماعة به ومصافَّته؛ مبنيٌّ على صحَّة إمامته؛ لأنَّه ليس من أهل الشَّهادة، وفرضُه نفلٌ.
وقيل: تَصِحُّ
(4)
مصافَّتُه وإن لم تَصِحَّ
(5)
إمامتُه؛ لأنَّها لا يُشترَط
(6)
لها صحَّةُ الإمامة؛ كالفاسق والعبد، والمفترِض
(7)
خلْف المتنفِّل، قاله ابنُ عَقِيلٍ، وصحَّحه ابنُ تميم وابن المنَجَّى في «الخلاصة» ، قال في «الفروع»:(وهو أظهرُ)، ولأنَّه لو اشتُرِط في صحَّتها صحَّةُ الإمامة
(8)
؛ لما صحَّت مصافَّة الأخرَس.
وظاهر كلام أبي الخطَّاب: صحَّة إمامته في الجملة دون مصافَّته، حيث جوَّز أن يكون إمامًا في النَّفل.
وعلى الصِّحَّة؛ فيقف رجل وصبيٌّ خلفَه.
وعلى الأوَّل: عن يمينه أو من جانِبَيه، نَصَّ عليه
(9)
.
(إِلاَّ فِي النَّافِلَةِ)؛ لحديث أنسٍ. وعنه: لا
(10)
؛ كالفرض.
(1)
أخرجه البخاري (727).
(2)
ينظر: التمهيد 1/ 269.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 87.
(4)
في (و): يصح.
(5)
في (و): يصح.
(6)
في (أ) و (د): تشترط.
(7)
في (د): والمفرض.
(8)
في (أ): للإمامة.
(9)
ينظر: الفروع 3/ 48.
(10)
قوله: (لا) سقط من (أ).
فرع: إذا وقف اثنان خلف الصَّف، فخرج أحدُهما
(1)
لعذرٍ أو غيره؛ دخل الآخَر في الصَّف، أو وقف عن يمين الإمام، أو نبَّه من يخرج فيقف معه.
فإن لم يمكنه؛ نوى مفارقتَه وأتمَّ منفرِدًا؛ لأنَّه عذر، أشبه ما لو سبق إمامَه الحدثُ.
(وَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ فُرْجَةً) بضمِّ الفاء: هي الخلَل في الصَّفِّ؛ (وَقَفَ فِيهَا)؛ لقوله عليه السلام: «إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على الَّذينَ يَصِلُونَ الصُّفوفَ»
(2)
.
قال ابنُ تميمٍ: (فإن كانت بحذائه؛ كره أن يمشي إليها عرضًا، وإن كان الصَّفُّ غير مرصوصٍ؛ دخل فيه، نَصَّ عليه)
(3)
.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ)؛ لأنَّه موقِف الواحدِ، (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ؛ فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ) بنَحْنحةٍ أو كلامٍ، وجهًا واحدًا؛ لما في ذلك من حصول من يقف معه ويتبعه.
وظاهره: يُكره جذبه
(4)
، نَصَّ عليه
(5)
، وقيل: يَحرُم، اختاره ابن عَقِيل؛ لما فيه من التَّصرُّف فيه بغير إذنه، ولو كان عبده أو ابنه؛ لأنَّه لا يملك التَّصرُّف فيه حال العبادة كالأجنبيِّ.
وقال ابنُ عَقِيل: جوَّز أصحابُنا جذْبَ رجلٍ يقوم معه صفًّا
(6)
، وصحَّحه
(1)
في (ز): إحداهما.
(2)
أخرجه أحمد (24381)، وأبو داود (676)، وابن ماجه (995)، وابن خزيمة (1550)، وابن حبان (2163)، وحسنه المنذري وابن حجر والألباني، وروي بلفظ:«ميامن الصفوف» ، وهو خطأ من بعض الرواة، قاله البيهقي. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 3/ 146، فتح الباري 2/ 199، صحيح أبي داود 3/ 255.
(3)
ينظر: ابن تميم 2/ 321.
(4)
في (أ): بيده.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 612.
(6)
في (أ): وصفًا.
في «المغني» للحاجة، فجاز كالسُّجود على ظهر إنسان أو قدَمه حال الزِّحام.
وفي «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه إذا امتنع من الخروج معه؛ لم يُكرِهْه، وصلَّى وحده، أو انتظر جماعةً أخرى.
(فَإِنْ صَلَّى فَذًّا رَكْعَةً؛ لَمْ يَصِحَّ
(1)
، وقاله النَّخَعيُّ وإسحاقُ؛ لما روى عليُّ بنُ شَيبانَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاةَ لفَرْدٍ خلفَ الصَّفِّ» رواه أحمد وابن ماجه
(2)
، وعن وابِصةَ بنِ مَعْبَدٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
(3)
رأى رجلاً يُصَلِّي خلْف الصَّفِّ، فأمره أن يعيدَ الصَّلاةَ» رواه أحمدُ والتِّرمذيُّ وحسَّنه، وابن
(4)
ماجَهْ، وإسنادُه ثقاتٌ، قال ابنُ المنذِر:(ثبَّت أحمدُ وإسحاقُ هذا الحديثَ)
(5)
، ولأنَّه خالَف الموقفَ
(6)
، أشبه ما لو وقف قُدَّام الإمام.
(1)
في (ز): لم تصحَّ.
(2)
أخرجه أحمد (16297)، وابن ماجه (1003)، وابن خزيمة (1569)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2305)، وابن حبان (2202)، من طريق ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي، أن أباه علي بن شيبان حدثه، أنه خرج وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكره، قال الإمام أحمد:(حديث ملازم حسن)، وصحح إسناده ابن القيم والبوصيري والألباني. ينظر: إعلام الموقعين 4/ 185، فتح الباري لابن رجب 7/ 131، مصباح الزجاجة (365)، الإرواء 2/ 329.
(3)
قوله: (قال: «لا صلاة لفرد خلف الصف» رواه أحمد وابن ماجه، وعن وابصة بن معبد: «أن النبي صلى الله عليه وسلم») سقط من (و).
(4)
في (و): ابن.
(5)
أخرجه أحمد (18000)، وأبو داود (682)، والترمذي (230)، وابن ماجه (1004)، وابن حبان (2199)، وحسنه الترمذي والبغوي، ووقع في إسناده اختلاف، ولأجله توقف فيه الشافعي ولم يثبته، وقال ابن عبد البر:(حديث وابصة مضطرب الإسناد لا يثبته جماعة من أهل الحديث)، وأجاب ابن القيم عن الاضطراب، وبيَّن أن الحديث محفوظ. ينظر: الأوسط لابن المنذر 4/ 184، التمهيد لابن عبد البر 1/ 269، شرح السنة 3/ 378، حاشية ابن القيم على مختصر السنن مع عون المعبود 2/ 266، فتح الباري لابن رجب 7/ 129، الإرواء 2/ 323.
(6)
في (أ): الموقوف، وفي (د) و (ز) و (و): الوقف.
وظاهره: لا فرق بين العامِد والعالِم وضدِّهما على المذهب، وفيه إشارةٌ إلى أنَّه لو أحرم بالصَّلاة فذًّا: أنَّها تَصِحُّ.
وعنه: عكسُها، اختاره في «الرَّوضة» .
وعنه: إن علِم النَّهيَ.
وعنه: تصحُّ
(1)
، حكاها الدِّينوريُّ؛ لأنَّ أبا بكرةَ - واسمُه نُفَيْعٌ - ركَع دون الصَّفِّ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«زادكَ اللهُ حِرْصًا، ولا تَعُدْ» رواه البخاريُّ
(2)
، ولم يأمرْه بالإعادة.
وجوابُه: بأنَّه عليه السلام نهاه عن العَود، والنَّهي يقتضي الفساد، وعَذَره فيما فعله بالجهل، وفيه نظرٌ على المذهب.
وعنه: في النَّفل، وبناه في «الفصول» على من صلَّى بعض الصَّلاة منفرِدًا، ثمَّ نوى الائْتِمامَ.
وفي «النَّوادر» روايةٌ: يَصِحُّ لخوفه تضييقًا، وهو معنى قول بعضهم: لعذر
(3)
.
وحيث صحَّت، فالمرادُ مع الكراهة.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه إلاَّ لعُذرٍ، وهو ظاهر كلام شيخنا
(4)
.
وقيل: تصحُّ
(5)
فذًّا في صلاة الجنازة، قاله في «التَّعليق» ، وجزم جماعةٌ أنَّه أفضلُ إن تعيَّن
(6)
صفًّا، ولأحمدَ من رواية عبد الله العُمَريِّ عن أنسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى على جنازةٍ، فكانوا ستَّةً، فجعل الصَّفَّ
(7)
الأوَّل ثلاثةً،
(1)
في (و): يصح.
(2)
أخرجه البخاري (783).
(3)
قوله: (لعذر) سقط من (ب).
(4)
ينظر: الفروع 3/ 40، مجموع الفتاوى 23/ 396.
(5)
في (و): يصح.
(6)
في (و): يعين.
(7)
قوله: (الصف) سقط من (ز).
والثَّانيَ اثنين، والثَّالثَ واحدًا»
(1)
.
قال في «الفصول» : ويُعايَا بِها، وردَّه في «المغني» لعدَم صحَّة الخبر فيه، قال: لأن
(2)
أحمدُ لو علم فيه حديثًا لم يَعْدُه إلى غيره.
(وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ؛ صَحَّتْ صَلَاتُهُ)، ذكره جماعةٌ؛ لأنَّه أدرك في الصَّفِّ ما يُدرِك به الركعة
(3)
.
(وَإِنْ رَفَعَ) الإمامُ من الرُّكوع (وَلَمْ يَسْجُدْ؛ صَحَّتْ)، قدَّمه السَّامَرِّيُّ والشَّيخانِ؛ لأنَّ أبا بكرةَ فَعَله
(4)
، وفعله أيضًا زيدُ بن ثابت
(5)
وابن مسعود
(6)
، وكما
(7)
لو أدرك الرُّكوع معه.
وعنه: لا تصحُّ
(8)
، قدَّمه ابن تميم وابن حمدان، وصحَّحه ابن الجوزي،
(1)
لم نقف عليه، وعزاه ابن قدامة إلى ابن عقيل ثم قال:(ولا أحسب هذا الحديث صحيحًا، فإني لم أره في غير كتاب ابن عقيل، وأحمد قد صار إلى خلافه، وكره أن يكون الواحد صفًّا، ولو علم أحمد في هذا حديثًا لم يعده إلى غيره). ينظر: المغني 2/ 367.
(2)
في (أ): الإمام.
(3)
قوله: (الركعة) سقط من (أ).
(4)
أخرجه البخاري (783).
(5)
أخرجه مالك (1/ 165)، وابن وهب في الجامع (417)، وابن أبي شيبة (2624)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2324)، والطبراني في مسند الشاميين (3003)، وابن المنذر في الأوسط (1998)، والبيهقي في الكبرى (2589)، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال:«دخل زيد بن ثابت المسجد، فوجد الناس ركوعًا فركع، ثم دب حتى وصل الصف» ، وإسناده صحيح.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (3381)، وابن أبي شيبة (2622)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2322)، وابن المنذر في الأوسط (2000)، والطبراني في الكبير (9354)، والبيهقي في الكبرى (2587)، عن زيد بن وهب قال: دخلت أنا وابن مسعود المسجد والإمام راكع، فركعنا، ثم مضينا حتى استوينا في الصف، فلما فرغ الإمام قمت أصلي فقال:«قد أدركته» ، وإسناده صحيح.
(7)
في (أ) و (ب): كما.
(8)
في (أ) و (د) و (و): لا يصحُّ.
وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه لم يدرك في الصَّفِّ ما يدرك به ركعةً، أشبه من صلَّى ركعةً فذًّا.
وجعلهما
(1)
في «المنتخب» و «الوجيز»
(2)
: فيما إذا سجد الإمامُ.
(وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَ النَّهْيَ؛ لَمْ تَصِحَّ
(3)
، هذا رواية، واختارها الخِرَقيُّ؛ لأنَّه عليه السلام لم يأمر أبا بَكرةَ بالإعادة، ونهاه عن العَود، والنَّهيُ يقتضي الفساد.
وظاهره: لا فرق بين من دخل قبل رفع الإمام رأسَه من
(4)
الرُّكوع أو بعده، وهو المنصوص
(5)
.
(وَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ)، وهو المراد بقوله في «الفروع»:(لغير غرض)
(6)
وفي «الكافي» و «الشَّرح» : ولا خَشِيَ الفواتَ؛ (لَمْ تَصِحَّ
(7)
، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحها
(8)
ابنُ تميم وفي «الفروع» ؛ لأنَّ الرُّخصةَ وردت في المعذور، فلا يُلحَق به غيرُه.
وقيل: تصحُّ
(9)
، قدَّمه في «الكافي» ؛ لأنَّ الموقِفَ لا يختلف بخيفَةِ الفواتِ وعدمِه.
(وَإذَا كَانَ المَأْمُومُ يَرَى) الإمامَ أو (مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ؛ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إِذَا اتَّصَلَتِ الصُّفُوفُ)، جزم به الخِرَقيُّ والمؤلِّف في «الكافي» و «نهاية
(1)
في (أ): وجعلها.
(2)
في (ب) و (ز): والموجز.
(3)
في (أ) و (د) و (و): لم يصحَّ.
(4)
في (د) و (و): في.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 803، مسائل أبي داود ص 54.
(6)
في (و): الرُّكوع لغير غرض، وقوله:(لغير غرض) سقط من (أ).
(7)
في (أ) و (د) و (و) و (ز): لم يصحَّ.
(8)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وصححه.
(9)
في (أ) و (د) و (و): يصحُّ.
أبي المعالي»؛ لأنَّه أمكنه الاقتداءُ بإمامه من غير خلَل، فوجب أن يصحَّ؛ لانتفاء عدم الرُّؤية وعدم الاتِّصال المفسِدَين لها، وكما لو صلَّى في الصَّفِّ الأوَّلِ.
ويرجع فيه إلى العُرف.
وفي «التَّلخيص» و «الرِّعاية» : أو ثلاثة أذرع؛ لظاهر الأمر بالدُّنوِّ من الإمام
(1)
إلاَّ ما خصَّه الدَّليل.
وفسَّره في «المغني» : بِبُعدٍ غيرِ معتادٍ، ولا يَمنَع الاقتداءَ، ومعناه في «الشَّرح» و «المذهب» على أنَّه لا يُعتبَر اتِّصالُ الصُّفوف في المسجد.
قال أبو الحسَن الآمدي
(2)
: لا خلاف في المذهب أنَّه إذا كان في أقصى المسجد، وليس بينه وبين الإمام ما يمنع الاستطراق والمشاهدة؛ أنَّه يصح اقتداؤه به، وإن لم تتَّصِل
(3)
الصُّفوف؛ لأنَّ المسجد بُني للجماعة، فكلُّ
(4)
من حصل فيه حصل في محلِّ الجماعة، بخلاف خارج المسجد، فإنَّه ليس مُعدًّا للاجتماع فيه، فلذلك اشتُرِط الاتصالُ فيه.
(وَإِنْ
(5)
لَمْ يَرَ مَنْ وَرَاءَهُ؛ لَمْ تَصِحَّ
(6)
، قدَّمه ابنُ تميمٍ، وهو ظاهِرُ كلامِه، وصرَّح به في «الخلاصة»؛ لقول عائشةَ لنِساءٍ كُنَّ يصلِّينَ في حُجرتها:«لا تصلِّين بصلاة الإمام، فإنَّكنَّ دونه في حجابٍ»
(7)
، فعلَّلت النَّهي
(1)
كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» ، أخرجه مسلم (432) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
في (أ): البري.
(3)
في (و): لم يتصل.
(4)
في (أ): وكل.
(5)
في (و): فإن.
(6)
في (و): لم يصح.
(7)
أخرجه البيهقي في المعرفة (5849)، وفيه إبراهيم بن محمد الأسلمي وهو متروك، وليث بن أبي سليم وهو ضعيف الحديث، قال ابن رجب في الفتح 6/ 300:(وهذا إسناد ضعيف، ولذلك توقف الشافعي في صحته).
بالحجاب
(1)
، وهو موجودٌ هنا، ولأنَّه لا يمكنه الاقتداءُ في الغالب، كما لو لم يسمع التَّكبير.
(وَعَنْهُ: تَصِحُّ
(2)
إِذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ)؛ أي: إذا صلَّى في مسجدٍ
(3)
بسماع التَّكبير فيه، ولم يَرَ إمامَه، ولا بعضَ مَنْ معه؛ صحَّ، صحَّحه ابن عقيل وفي «الكافي» ، وقدَّمه في «المحرر» و «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّهم في موضع الجماعة، ويمكنهم الاقتداءُ به بسماع التَّكبير، أشبه المشاهدة.
وعنه: في النَّفل.
وعنه: والفرض مطلقًا لظلمةٍ وضررٍ، فيدخل فيه الجمعة.
وقيل: تصحُّ
(4)
فيها روايةً واحدةً.
تَتِمَّاتٌ:
إذا اقتدى به خارج المسجد وهو يراه أو من خلفه في بعض الصَّلاة؛ صحَّ، جزم به أبو الحسين، وذكره المجْدُ الصَّحيحَ من
(5)
المذهب، ولو جاوز ثلاثمائةَ ذِراعٍ، أو كانت جمعةً في دارٍ ودكَّانٍ.
واعتبر جماعةٌ اتِّصال الصُّفوف عُرفًا.
فإن كان بينهما نهرٌ تجري
(6)
فيه السُّفن، أو طريقٌ، ولم تتصل
(7)
الصُّفوف إن صحَّت الصَّلاة فيه؛ لم يمنع الاقتداء في رواية، اختاره المؤلِّف وغيره؛
(1)
قوله: (بالحجاب) سقط من (أ).
(2)
في (و): يصح.
(3)
في (أ): المسجد.
(4)
في (د) و (و): يصح.
(5)
في (أ): في.
(6)
في (و): يجري.
(7)
في (و): يتصل.
لعدم النَّصِّ في ذلك والإجماع.
وقال صاحب «المحرَّر» : هو القياس؛ تُرِك للآثار
(1)
.
قال في «الكافي» : إلاَّ أن يكون ذلك عريضًا يمنع الاتِّصال.
وعنه: يمنع، اختاره الأكثر؛ للآثار.
ومثله: إذا كان
(2)
بسفينةٍ وإمامُه في أخرى؛ لأنَّ الماء طريق، وليست الصُّفوفُ متَّصلةً.
والمرادُ في غير شدَّة الخوف، كما ذكره القاضي وغيرُه.
وألْحَق الآمِديُّ بالنَّهر
(3)
: النَّارَ والبئرَ، وقيل: والسَّبُعَ.
وإن كان بينهما حائلٌ يمنع
(4)
الرُّؤية، لكن يسمع التَّكبير؛ فالخلاف
(5)
.
(وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ أَعْلَى مِنَ المَأْمُومِ)، وذلك مكروهٌ، ذكره
(6)
جماعةٌ، وهو ظاهر المذهب؛ لما روى أبو داود عن حُذيفةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمَّ الرَّجلُ القومَ فلا يقومنَّ في مكانٍ أرفعَ من مكانِهم» ، ورَوى الدَّارَقُطْنيُّ معناه بإسنادٍ حسَنٍ
(7)
،
(1)
في (و): للإيثار.
من ذلك: ما أخرجه عبد الرزاق (4880)، وابن أبي شيبة (6155)، وأبو بكر عبد العزيز في كتابه الشافي كما في فتح الباري لابن رجب (6/ 297)، عن نُعيم بن أبي هند، عن عمر بن الخطاب أنه قال في الرجل يصلي بصلاة الإمام قال:«إذا كان بينهما نهر أو طريق أو جدار فلا يأتم به» ، نعيم بن أبي هند لم يدرك عمر.
(2)
قوله: (كان) سقط من (أ).
(3)
في (أ): بالنهي.
(4)
في (و): فمنع.
(5)
في (و): والخلاف.
(6)
في (أ): وذكره.
(7)
أخرجه أبو داود (598)، وفي إسناده راوٍ لم يسم، وله شاهد عند أبي داود (597)، صححه الإشبيلي والألباني، وأخرجه الدارقطني (1882) من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، بلفظ:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه» ، وفي سنده زياد البكائي، مختلف فيه، وقال جمع من الأئمة:(لا بأس به)، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين). ينظر: الأحكام الوسطى للإشبيلي 1/ 336، التلخيص الحبير 2/ 110، تهذيب التهذيب 3/ 376، صحيح أبي داود 3/ 151.
وقال ابنُ مسعودٍ لحذيفةَ
(1)
: «ألم تعلم
(2)
أنَّهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى» رواه الشَّافعيُّ بإسنادٍ ثِقاتٍ
(3)
.
وظاهره: لا فرق بين أن يَقصِد تعليمَهم أم
(4)
لا.
وعنه: لا يكره.
وعنه: إن أراد التَّعليم؛ لحديث سهل: أنَّه عليه السلام صلَّى على المنبر، ثمَّ نزل القَهْقرى فسجد، وسجد معه الناس، ثمَّ عاد حتَّى فرغ، ثمَّ قال:«إنَّما فعلتُ هذا لتأتمُّوا، ولتعلموا صلاتي» متَّفقٌ عليه
(5)
.
والظَّاهر: أنَّه عُلُوٌ يسيرٌ؛ لأنَّه كان على الدَّرجة السُّفلى؛ جمعًا بينه وبين ما سبق.
وقيل: يجوز له خاصَّةً.
(فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ كَثِيرًا)، وهو ذراع عند القاضي، وقدَّره أبو المعالي
(1)
في (ز): حذيفة.
(2)
في (ز): يعلم.
(3)
أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 59)، وأبو داود (597)، وابن الجارود (313)، وابن خزيمة (1523)، وابن حبان (2143)، والطبراني في الكبير (702)، والحاكم (760)، والبيهقي في الكبرى (5232)، والبغوي في شرح السنة (381)، وإسناده صحيح، قال الألباني في صحيح أبي داود 3/ 149:(إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال النووي: "إسناده صحيح"، وكذا قال عبد الحق).
(4)
في (د) و (و): أو.
(5)
أخرجه البخاري (917)، ومسلم (544).
بمقدار
(1)
قامةِ المأموم، لحاجته إلى رفع رأسه إليه، وهو منهيٌّ عنه؛ (فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ)؛ أي: الإمامُ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ):
المذهب: صحَّتها؛ لفعل حُذيفةَ وعمَّارٍ، رواه أبو داود
(2)
.
والثَّاني: لا تصحُّ
(3)
، قاله ابن حامد، وصحَّحه ابن عقيل؛ للنَّهي.
فعلى هذا: إن ساواه بعضُهم؛ صحَّت صلاتُه وصلاتُهم في الأصحِّ، زاد بعضهم: بلا كراهة، وفي النَّازلين إذًا الخلاف.
ولا بأس بعلوِّ المأموم، نَصَّ عليه
(4)
.
ولا يعيد الجمعة
(5)
من يصلِّيها فوق سطح المسجد، «رُوي عن أبي هريرة أنَّه صلَّى على ظهر المسجد بصلاة الإمام» رواه الشَّافعيُّ
(6)
، ورواه سعيدٌ عن
(1)
في (أ): مقدار.
(2)
أخرجه أبو داود (598)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (5235)، عن عدي بن ثابت الأنصاري، حدثني رجل: أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدَّم عمار وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه فاتبعه عمار، حتى أنزله حذيفة فلما فرغ عمار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أمَّ الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم» أو نحو ذلك؟ قال عمار: «لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي» ، إسناده ضعيف، قال ابن عبد الهادي:(في إسناد هذا الحديث رجل مبهم)، وبنحوه قال الحافظ في التلخيص، وضعف النووي إسناده. ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 722، تنقيح التحقيق 2/ 496، التلخيص الحبير 2/ 111.
(3)
في (أ) و (د) و (و): لا يصحُّ.
(4)
ينظر: فتح الباري لابن رجب 2/ 454.
(5)
زاد في الأصل و (أ) هنا: فوق. وهي غير موجودة في (ب) و (د) و (و) و (ز)، وهو الموافق لما في كشاف القناع.
(6)
أخرجه الشافعي (ص 50)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (5242)، وفي إسناده محمد بن إبراهيم الأسلمي، وهو متروك.
وأخرجه ابن أبي شيبة (6159)، والفاكهي في أخبار مكة (1300)، والبيهقي في الكبرى (5244)، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، ولا بأس بإسناده، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 85).
أنَسٍ
(1)
، ولأنَّه يمكنه الاقتداء به
(2)
أشبه المتساوين، وقيَّدها في «الكافي» بما إذا اتَّصلت الصُّفوف.
(وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي طَاقِ الْقِبْلَةِ)؛ أي: المحراب، رُوي عن ابن مسعودٍ وغيرِه
(3)
، لأنه
(4)
يَستَتِرُ عن بعض المأمومين، أشبه ما لو كان بينهم وبينه حجاب، وحينئذٍ فيقف عن يمين المحراب، نَصَّ عليه
(5)
(6)
، فإن كان حاجة كما صرَّح به
(7)
؛ كضيق المسجد وكثرة
(8)
الجمع؛ لم يكره.
وعنه: لا يكره مطلقًا؛ كسجوده فيه، وكما لو شاهده المأمومُ.
وعنه: يُستحَبُّ، ذكرها ابن أبي موسى.
فائدة: اتِّخاذُ المحرابِ فيه مُباحٌ، نَصَّ عليه، وقيل: يُستحَبُّ
(9)
، أومأ إليه
(1)
لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1302)، عن سعيد بن سلام العطار، عن مالك بن دينار قال: أخبرني من رأى أنس بن مالك رضي الله عنه صلى فوق سطح المسجد بصلاة الإمام. وإسناده واهٍ، سعيدٌ قال فيه الإمام أحمد:(كذاب)، والراوي عن أنس مبهم. ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 141.
(2)
قوله: (به) سقط من (أ).
(3)
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (4700)، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: «اتقوا هذه المحاريب» ، وكان إبراهيم لا يقوم فيها. وهذا مرسل صحيح، وقد صرح إبراهيم بأن ما قال فيه:(قال عبد الله) فقد سمعه عن غير واحد عن عبد الله. ينظر: الطبقات لابن سعد 6/ 272، تهذيب التهذيب 1/ 177.
وأخرج ابن أبي شيبة (4698)، عن عبيد بن أبي الجعد، قال: كان أصحاب محمد يقولون: «إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المساجد» يعني الطاقات.
(4)
في (أ): لا.
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 328.
(6)
زاد في (و) و (ز): (إذا لم تكن حاجة).
(7)
قوله: (كما صرَّح به) سقط من (أ).
(8)
في (و): ذكره.
(9)
قوله: (ذكرها ابن أبي موسى فائدة اتخاذ المحراب فيه مباح، نص عليه، وقيل: يستحب) سقط من (و).
أحمد
(1)
، واختاره الآجُرِّيُّ وابنُ عَقِيلٍ، ليَستدلَّ به الجاهلُ.
لكن قال الحسَنُ: (الطَّاق في المسجد أحدثه
(2)
النَّاس)
(3)
، وكان يَكرَه كلَّ محدَثٍ
(4)
، وعن سالِم بن أبي الجَعْد: (لا تزال هذه الأمَّة بخيرٍ ما لم يتَّخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح
(5)
النَّصارى)
(6)
، وعن عليٍّ:«أنَّه كان إذا مرَّ بمسجدٍ يُشرِف قال: هذه بِيعَة» ، احتجَّ به أحمد
(7)
، وظاهِرُه الكراهةُ.
(أَوْ يَتَطَوَّعَ فِي مَوْضِعِ المَكْتُوبَةِ)، نَصَّ عليه
(8)
؛ لما رَوى المغيرةُ بنُ شُعبةَ مرفوعًا قال: «لا يصلِّينَّ الإمامُ في مقامِهِ الَّذي صلَّى فيه المكتوبةَ حتَّى يَتنحَّى عنه» رواه أبو داود
(9)
، ولأنَّ في تحوُّله من مكانه إعلامًا لمن أتى المسجد أنَّه
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 605، مختصر ابن تميم 2/ 328.
(2)
في (و): أحدث.
(3)
لم نقف عليه بهذا اللفظ، وروى عبد الرزاق (3901): أن الحسن اعتزل الطاق أن يصلي فيه.
(4)
أي: الإمام أحمد، كما يدل عليه كلام صاحب كشاف القناع 1/ 493. وينظر: طبقات الحنابلة 1/ 67.
(5)
في (أ): مفاتح كمفاتح.
(6)
لم نقف عليه بهذا اللفظ عن سالم، وروى ابن أبي شيبة (4696)، عن سالم بن أبي الجعد، أنه قال:«لا تتخذوا المذابح في المساجد» ، وإسناده صحيح.
ورواه ابن أبي شيبة (4699) باللفظ المذكور مرفوعًا من حديث موسى الجهني، وفيه انقطاع.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (5128)، وابن أبي شيبة (3149)، وأحمد في الورع (609)، رجاله ثقات، وهو منقطع؛ مسلم بن عمران البطين لم يدرك عليًّا.
(8)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 580، مسائل ابن هانئ 1/ 61.
(9)
أخرجه أبو داود (616)، وابن ماجه (1428)، من طريق عطاء الخراساني عن المغيرة رضي الله عنه، قال أبو داود:(عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة)، وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:«أيعجز أحدكم إذا صلى أن يتقدم، أو يتأخر، أو عن يمينه، أو عن شماله» ، أخرجه ابن أبي شيبة (6011)، وأحمد (9496)، والبيهقي (3044)، وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل وهو ضعيف جدًّا، ووقع فيه اضطراب، وعلقه البخاري (848)، فقال:(ويذكر عن أبي هريرة، رفعه: «لا يتطوع الإمام في مكانه»، ولم يصح)، قال ابن حجر:(قوله: (ولم يصح) هو كلام البخاري؛ وذلك لضعف إسناده، واضطرابه، تفرد به ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، واختلف عليه فيه)، وأخرج ابن أبي شيبة (6027) عن علي قال:(من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه)، قال ابن حجر:(إسناده حسن)، وصحح الألباني الحديث بشواهده. ينظر: الفتح لابن رجب 7/ 429، الفتح لابن حجر 2/ 335، صحيح أبي داود 3/ 177.
قد صلَّى فلا يَنتظِره، ويطلب جماعةً أخرى.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يُكرَه، لكنَّ تركَه أفضلُ؛ كالمأموم.
(إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ) فيهما، والحاجةُ هنا: بأن
(1)
لا يَجِد مَوضِعًا يتحوَّل إليه.
(وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِينَ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي إِذَا قَطَعَتْ صُفُوفَهُمْ)، ذكره في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع» ، رواه البَيهَقيُّ عن ابن مسعودٍ
(2)
، وعن هارون بن مسلمٍ، عن قتادة، عن معاوية بن قرَّة، عن أبيه قال:«كنَّا نُنهى أنَّ نَصُفَّ بين السَّواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونُطرَدُ عنها طرْدًا» رواه ابنُ ماجَهْ، وفيه لِينٌ
(3)
، وقال أنس:«كنَّا نتَّقِي هذا على عهده صلى الله عليه وسلم» رواه أحمد
(1)
في (أ): أن.
(2)
أخرجه البيهقي في الكبرى (5206)، وأخرجه عبد الرزاق (2487)، وابن أبي شيبة (7500)، والبخاري في التاريخ الكبير (2081)، وابن المنذر في الأوسط (1990)، والطبراني في الكبير (9293)، عن معدي كرب قال: قال ابن مسعود: «لا تَصفُّوا بين السواري» ، وفي لفظ:«لا تصطفوا بين الأساطين» ، وإسناده صحيح، معدي كرب الهمداني قال فيه يعقوب بن شيبة:(ثقة قليل الحديث)، وذكره ابن حبان في الثقات. ينظر: المتفق والمفترق للخطيب 3/ 1681، الثقات لابن حبان 5/ 458.
(3)
أخرجه ابن ماجه (1002)، وابن خزيمة (1567)، وابن حبان (2219)، والحاكم (794)، وفي سنده هارون بن مسلم البصري، قال ابن المديني وأبو حاتم:(مجهول)، وقال ابن المديني:(إسناده ليس بالصافي)، قال ابن حجر في التقريب:(مستور)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والألباني. ينظر: فتح الباري لابن رجب 4/ 95، السلسلة الصحيحة (335).
وأبو داود، وإسنادُه ثِقاتٌ
(1)
، قال أحمد:(لأنَّه يَقْطَع الصَّفَّ)
(2)
.
قال بعضُهم: فتكون ساريةٌ عرضُها مقام ثلاثة بلا حاجة. ويتوجَّه: أكثر أو العُرف.
فلو كان الصَّفُّ صغيرًا قدر ما بين السَّاريتين؛ لم يُكرَه؛ لأنَّ الصَّفَّ لا ينقطع بذلك.
وعنه: لا يكره؛ كالإمام، وكقَطْع المنبر؛ «لأنَّه عليه السلام لمَّا دخل الكعبةَ صلَّى بين السَّاريتين»
(3)
.
مسألة: يُكرَه اتِّخاذُ غير إمام مكانًا بالمسجد لا يُصلِّي فرضَه إلاَّ فيه، ويباح في النَّفل؛ جمعًا بين الخَبرَين
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (12339)، وأبو داود (673)، والترمذي (229)، وحسنه، وابن خزيمة (1568)، وهو حديث صحيح، صححه ابن خزيمة والحاكم والذهبي وابن حجر وغيرهم. ينظر: الفتح 1/ 578، صحيح أبي داود 3/ 251.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 70.
(3)
أخرجه البخاري (505)، ومسلم (1329).
(4)
أما الخبر الأول: فأخرجه أحمد (15532)، وأبو داود (862)، والنسائي (1112)، وابن ماجه (1429)، وابن حبان (2277)، من طريق تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعًا بلفظ:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير» ، وتميم بن محمود، قال فيه البخاري:(في حديثه نظر)، وقال العقيلي عن حديثه:(لا يتابع عليه)، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو إلا هذا الحديث، قال ابن رجب:(وفي إسناده اختلاف كثير)، وحسنه الألباني. ينظر: الضعفاء للعقيلي 1/ 170، الفتح لابن رجب 4/ 53، تهذيب التهذيب 1/ 514، صحيح أبي داود 4/ 12.
وأما الخبر الثاني: فمراده - كما في المنتقى مع نيل الأوطار 3/ 233 والفروع 3/ 60 - حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: «أنه كان يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها» ، أخرجه البخاري (502)، ومسلم (509).
وفي «الرِّعاية» : يُكرَه مداومتُه بمَوضِعٍ
(1)
منه، وقال المَرُّوذِيُّ: كان أحمد لا يوطِّن الأماكن، ويَكرَه إيطانَها
(2)
.
وظاهِرُه: ولو كانت فاضِلةً، ويتوجَّه: لا يُكرَه، وهو ظاهِرُ ما سبق من تحرِّي نُقْرَةِ الإمامِ، وأنَّه لا يُكرَه ولو لحاجة؛ كإسماع
(3)
حديثٍ وتدريسٍ وإفتاءٍ ونحوِه؛ لأنَّه يُقْصَد.
(وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ إِطَالَةُ الْقُعُودِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ)؛ لقول عائشة: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا سلَّمَ لم يَقعُد إلاَّ مقدارَ ما يقول: اللَّهمَّ أنت السَّلامُ، ومنك السَّلامُ، تباركتَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ» رواهُ مسلمٌ
(4)
، ولأنَّه إذا بقِي على حاله ربَّما سها؛ فظنَّ أنَّه لم يُسلِّم، أو ظنَّ غيرُه أنَّه في الصَّلاة، فيُستحَبُّ له أن يقومَ أو يَنحرِفَ عن قِبلته؛ لقول سَمُرةَ:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى صلاةً أقبلَ علينا بوجهِهِ» رواه البخاري
(5)
.
وذَكَر جماعةٌ: يُستحبُّ ألا يُطيل الإمامُ جُلوسَه إلى القِبلة من غير حاجةٍ.
وظاهره: يستحَبُّ أن يدعوَ مستقبل المأمومين، وأنَّه يُكرَه استقبالُها فيه، ذكره غير واحد.
والمأموم والمنفرد على حالهما، قال في «التَّلخيص»: ويأتيان بالذِّكر
(6)
مستقبلَيْنِ
(7)
القِبلة، مُثْنِيَيْ رجليهما.
(1)
في (د) و (و): موضع.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 59.
(3)
في (ب) و (د): كاستماع.
(4)
أخرجه مسلم (592).
(5)
أخرجه البخاري (845).
(6)
في (و): في الذكر.
(7)
في (ب): مستقبلا.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسَاءٌ؛ لَبِثَ) الإمامُ ومن معه من الرِّجال (قَلِيلاً؛ لِيَنْصَرِفَ النِّسَاءُ)؛ لأنَّه عليه السلام وأصحابُه كانوا يفعلون ذلك، قال الزُّهري: (فنرى - والله أعلم - لكي ينفذ من ينصرفَ من
(1)
النِّساءُ) رواه البخاري من حديث أم سلمة
(2)
، ولأنَّ الإخلال بذلك يُفضي إلى اختلاط الرِّجال بالنِّساء.
ويُستحَبُّ ألا ينصرف المأموم قبل إمامه؛ لقوله عليه السلام: «لا تَسبِقوني بالانصراف» رواه مسلمٌ
(3)
، ولئلاَّ يَذكُر سهوًا فيَسجُد له.
زاد في «المغني» و «الشَّرح» : إلاَّ أن يُخالِف الإمامُ السُّنَّةَ في إطالة الجلوس، أو ينحرف، فلا بأس بذلك.
(وَإِذَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ بِالنِّسَاءِ؛ قَامَتْ وَسْطَهُنَّ فِي الصَّفِّ)، رُوي عن عائشةَ
(4)
، ورواه سعيدٌ عن أمِّ سلمة
(5)
، ولأنَّه يُستحَبُّ لها التَّستُّر، وهذا أسترُ
(6)
لها، أشبه إمام العُراة.
(1)
قوله: (من) سقط من (أ).
(2)
أخرجه البخاري (849).
(3)
أخرجه مسلم (426).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (5086)، وأحمد كما في العلل برواية عبد الله (3611)، وابن سعد في الطبقات (8/ 483)، وابن المنذر في الأوسط (2076)، والدارقطني (1507)، عن ريطة الحنفية:«أن عائشة أَمَّتهن وقامت بينهن في صلاة مكتوبة» ، وريطة الحنفية لم نقف على من وثَّقها غير العجلي، وصحح النووي الأثر كما في الخلاصة 2/ 679، وروي من طرق أخرى عن عائشة رضي الله عنها.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (5082)، والشافعي في الأم (1/ 191)، ومسدد كما في المطالب العالية (397)، وابن أبي شيبة (4952)، وابن سعد في الطبقات (8/ 484)، وابن المنذر في الأوسط (2075)، والدارقطني (1508)، والبيهقي في الكبرى (5357)، وابن حزم في المحلى (3/ 137)، عن حُجيرة بنت حصين، قالت:«أَمَّتنا أم سلمة في صلاة العصر قامت بيننا» ، وحجيرة مجهولة، وتابعتها أم الحسن البصري عند ابن أبي شيبة (4953)، وأبو بكر النيسابوري في زيادات المزني (78)، وابن حزم في المحلى (3/ 136)، فالأثر صحيح.
(6)
في (و): أشبه.
وفيه إشارةٌ: أنَّ النِّساء يصلِّين جماعةً، وصرَّح باستحبابه غير واحد، فإن تقدَّمتهنَّ صحَّ؛ لكونه موقفًا في الجملة للرَّجل.
ويحتمل: ألا يجوز؛ لأنَّها خالفت موقفها، أشبه ما لو خالف الرَّجل موقفه.
فإن
(1)
أمَّت واحدةً؛ وقفت عن يمينها؛ كالمأموم من الرِّجال، فإن
(2)
وقفت خلفها جاز؛ لأنَّه موقف لها؛ لحديث أنس
(3)
، ذكره في «الشَّرح» تَبعًا ل «الكافي» ، والمذهبُ: أنَّه لا يجوز، مع أنَّه لا دلالة في حديث أنس.
غريبة: قال في «المستوعب» وغيره: من الأدب أن يَضَع الإمام نعله عن يساره، والمأموم بين يديه؛ لئلا يؤذيَ غيرَه.
(1)
في (د) و (و): وإن.
(2)
في (أ): وإن.
(3)
وهو حديث: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم، فقمت ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا» ، أخرجه البخاري (871).
(فَصْلٌ)
(وَيُعْذَرُ فِي) ترك (الجُمُعَةِ وَالجَمَاعَةِ المَرِيضُ)؛ لأنَّه عليه السلام لمَّا مَرِض؛ تخلَّفَ عن المسجدِ، وقال:«مُروا أبا بكر فليصلِّ بالنَّاس» متَّفقٌ عليه
(1)
.
وسواء
(2)
خاف طول المرض أو كثرته، وكذا خوف حدوثه؛ لما روى أبو داود عن ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فسَّر العُذرَ: «بالخوف والمرض»
(3)
، لكن إن لم يَتضرَّرْ بإتيانها راكبًا أو محمولاً
(4)
، أو تبرَّع به أحدٌ، أو بأن يقودَ أعمى؛ لزِمَتْه الجمعةُ، وقيل: لا؛ كالجماعة.
نقل المروذي في الجمعة: يَكترِي ويَركَب
(5)
، وحمله القاضي على ضعف عقب المرض، فأمَّا مع المرض فلا يلزمه؛ لبقاء العذر.
(1)
أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).
(2)
في (أ): سواء.
(3)
أخرجه أبو داود (551)، والدارقطني (1557)، والحاكم (896) من طريق أبي جناب، عن مغراء العبدي، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به، وفي سنده أبو جناب، وهو ضعيف ومدلس وقد عنعن، وضعف الحديث بهذا السياق ابن الجوزي والنووي والألباني، وله طريق أخرى من رواية شعبة، ثنا عدي بن ثابت به، بلفظ:«من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له، إلا من عذر» أخرجه ابن ماجه (793)، وابن حبان (2064)، والدارقطني (1555)، وصححه ابن حبان والإشبيلي، قال ابن عبد الهادي:(وإسناده على شرط مسلم، وقد أعله الدارقطني بالوقف)، وقال ابن حجر:(وإسناده صحيح لكن قال الحاكم: وقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة)، وصححه الألباني، وله شاهد من حديث أبي موسى اختلف في رفعه ووقفه، ورجح البيهقي وقفه على أبي موسى، وشواهد أخرى لا تخلو من مقال. ينظر: المحرر (369)، البدر المنير 4/ 414، التلخيص الحبير 2/ 76، صحيح أبي داود 3/ 66.
(4)
في (أ): ومحمولاً.
(5)
في الأصل: (وتركيب). ينظر: الفروع 3/ 61.
ويُستثنَى منه: ما إذا كان في الجامع، فتَلزَمه
(1)
الجماعةُ.
(وَمَنْ يُدَافِعُ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ)؛ لما تقدَّم، (أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ)، ويأكل حتَّى يَشبَع، نَصَّ عليه؛ لخبر أنس في «الصَّحيحين»
(2)
.
وعنه: ما يُسَكِّن
(3)
به نفسَه، إلاَّ أن يخاف ضررًا، وجزم به جماعةٌ في الجمعة.
وذَكر ابنُ حامِدٍ
(4)
: إنْ بدأ بالطَّعام، ثمَّ أقيمت الصَّلاة؛ ابتدر إلى الصَّلاة؛ لحديث عَمرِو بنِ أميَّة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دُعِيَ إلى
(5)
الصَّلاة وهو يَحْتَزُّ من كتِفِ شاةٍ، فأكلَ منها، فقامَ وصلَّى» متَّفقٌ عليه
(6)
.
قال في «الفروع» : ولعلَّ مرادَه مع عدم الحاجة
(7)
، وهو ظاهِرٌ.
(وَالخَائِفُ مِنْ ضَيَاعِ مَالِهِ أَوْ فَوْتِهِ
(8)
أَوْ ضَرَرٍ فِيهِ)؛ كمن يَخاف على ماله من لصٍّ أو سلطانٍ، أو يخاف على بهيمته من سبُعٍ أو شُرودٍ، وكمن له خُبزٌ في تَنُّورٍ، أو طعامٌ على نارٍ، أو ماءٌ في زرعٍ، أو يَخاف
(9)
ضياعَ ماله، أو إباقَ عبده، أو يرجو وُجدانهما في تلك الحال، أو يكون مستأجَرًا على حفظ مال، ونحو ذلك؛ لأنَّ المشقَّةَ اللاَّحِقةَ بذلك أكثرُ من بَلِّ الثِّياب بالمطر الذي هو عُذرٌ بالاتِّفاق.
(1)
في (د) و (و): فيلزمه.
(2)
أخرجه البخاري (672)، ومسلم (557).
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): يكبر.
(4)
في (ب) و (ز): حمدان. والمثبت موافق لما في الفروع 3/ 61.
(5)
قوله: (إلى) سقط من (أ).
(6)
أخرجه البخاري (208)، ومسلم (355).
(7)
في (و): الجماعة.
(8)
في (د) و (و): موته.
(9)
قوله: (على بهيمته من سبع أو شرود، وكمن له خبز في تنور، أو طعام على نار، أو ماء في زرع، أو يخاف) سقط من (و).
وقال ابنُ عَقِيلٍ: خَوفُ فَوتِ المال عُذرٌ في ترك الجمعة إذا لم يتعمَّد سببَه، بل حصل اتِّفاقًا.
(أَوْ مَوْتِ قَرِيبِهِ) نَصَّ عليه
(1)
، أو تمريضه، ونقل ابن منصورٍ: وليس له من يَخدُمه، وأنَّه لا يترك الجمعة
(2)
، وكذا إن خاف على أهله
(3)
أو ولده؛ «لأنَّ ابن عمر استُصرِخ على سعيدِ بن زيدٍ وهو يَتجمَّر للجمعة، فأتاه بالعقيق، وترك الجمعةَ»
(4)
، قال في «الشَّرح»: ولا نعلم في هذا خلافًا.
(أَوْ) يَخافُ (عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرٍ)؛ كسبُعٍ أو سَيلٍ ونحوِهما
(5)
، (أَوْ سُلْطَانٍ) يأخذه، (أَوْ مُلَازَمَةِ
(6)
غَرِيمٍ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ) يُعطيه؛ لأنَّ حبسَ المُعسِر ظُلمٌ، وكذا إن كان الدَّين مؤجَّلاً وخشي أن يطالبه به قبل محلِّه.
وظاهره: أنَّه إذا قدر على أداء دَينه فلا عُذر؛ للنَّصِّ
(7)
.
فإن وجب عليه حدٌّ لله تعالى أو لآدمي
(8)
، أو قِصاص؛ فمِثلُه؛ لأنَّه يتعيَّن عليه وفاؤه.
لكن في القصاص إذا رجا العفْوَ على مال؛ وجهان، أظهرهما: أنَّه عذر
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 247.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4760.
(3)
في (أ): ماله.
(4)
أخرجه البخاري (3990)، بنحوه، وأخرجه عبد الرزاق (5494)، وابن سعد في الطبقات (3/ 383، 384)، وابن المنذر في الأوسط (1742).
(5)
في (و): أو نحوهما.
(6)
في (د) و (و): يلازمه.
(7)
لقوله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع» ، أخرجه البخاري (2287)، ومسلم (1564)، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«لي الواجد يحل عرضه وعقوبته» أخرجه البخاري معلقًا بصيغة التمريض (3/ 118)، وأخرجه أحمد (17946)، وأبو داود (3628)، وابن حبان (5089)، وحسنه ابن حجر والألباني. ينظر: الفتح 5/ 62، الإرواء 5/ 259.
(8)
قوله: (أو لآدمي) سقط من (أ).
حتَّى يصالح؛ لأنَّ الحدودَ لا تدخلها
(1)
المصالحة، بخلاف القصاص.
(أَوْ) أراد سفَرًا مُباحًا، إنشاءً أو استدامةً، قاله ابن تميم وابن حمدان، يخاف (فَوْتَ رُفْقَتِهِ)؛ لأنَّ عليه في ذلك ضرَرًا، (أَوْ غَلَبَةَ النُّعَاسِ)؛ لأنَّ «رجلاً صلَّى مع مُعاذٍ، ثمَّ انفرد فصلَّى وحده عند تطويل معاذ وخوف النُّعاس والمشقَّة، فلم ينكر عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حين أخبرَه»
(2)
.
وظاهره: أنَّه يُعذَر بغلبته، سواءٌ
(3)
خاف فوتَها في الوقت أو مع الإمام، وهو ظاهر «الشَّرح» ، وفي «الرِّعاية»: أنَّه أشْهَرُ، وقدَّمه في «الفروع» .
وظاهر «المستوعب» و «التَّلخيص» : أنَّه يُعذَر إذا خاف فوتها مع الإمام فقط.
وذكر ابن تميم: أنَّه يعذر في الجماعة لا الجمعة.
وقيل: لا فيهما، وهو ظاهِرُ «الكافي» .
وفي «المذهب» و «الوجيز» : يُعذر فيهما بخوفه
(4)
نقض الوضوء بانتظاره.
(أَوِ الْأَذَى بِالمَطَرِ والْوَحَلِ)؛ لأخبارٍ؛ منها ما في «الصَّحيحَين» عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال لمُؤذِّنه في يومٍ مَطِيرٍ - زاد مسلمٌ: في يوم جُمعةٍ -: «إذا قلتَ: أشْهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، فلا تقل: حيَّ على الصَّلاة، قل: صلُّوا في بُيوتكم، فعل ذلك
(5)
من هو خَيرٌ منِّي، يعني النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، إنَّ الجمعةَ عزمةٌ
(6)
، وإنِّي كرِهتُ أن أُخرِجَكم فتَمْشُوا في الطِّينِ والدَّحْض»
(7)
.
(1)
في (د) و (و): يدخلها.
(2)
أخرجه البخاري (6106)، ومسلم (465).
(3)
في (ب) و (ز): وسواء.
(4)
في (د) و (و) و (ز): كخوفه.
(5)
قوله: (فعل ذلك) سقط من (و).
(6)
في (ب) و (ز): عزيمة.
(7)
أخرجه البخاري (901)، ومسلم (699).
وثلْجٌ، وجليدٌ، وبرَدٌ كذلك.
وعنه: سفرًا.
فائدة: الوحَل بتحريك الحاء، والتَّسكينُ لُغةٌ رديئةٌ.
(وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ فِي اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ الْبَارِدَةِ)؛ لقول ابنِ عمرَ: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُنادِي مُنادِيهِ في اللَّيلةِ البارِدةِ أو المطيرة
(1)
في السفر
(2)
: صَلُّوا في رحالكم» متَّفقٌ عليه
(3)
، ورواهُ ابن ماجَهْ بإسنادٍ صحيحٍ، ولم يَقُل:«في السَّفر»
(4)
.
وفي «الفروع» : (بريحٍ باردةٍ في لَيلةٍ مُظلمةٍ، ولم يذكر بعضُهم: مُظلمة).
وعنه: أعذار في السَّفر.
قال الآمِدِيُّ: الأعذارُ كالمطر والوحَل والريح أعذار في السَّفر، وفي الحضر روايتان.
وذكر أبو المعالي: أنَّ كل ما أذهب الخشوعَ؛ كالحرِّ المزعجِ؛ عُذرٌ، ولهذا جعله الأصحاب كالبرد في
(5)
المنع من الحكم والإفتاء.
مسائل:
يُلْحق بما تقدَّم: إذا خاف تطويلَ الإمام كثيرًا.
وليس رؤية المنكر
(6)
في طريقه عذرًا، نَصَّ عليه
(7)
.
(1)
في (أ): المطر.
(2)
في (أ): والسفر. وفي (ب) و (ز): قال.
(3)
أخرجه البخاري (632)، ومسلم (697).
(4)
أخرجه ابن ماجه (937).
(5)
في (د) و (و): وفي.
(6)
في (و): البله.
(7)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 216.
الثَّانية: يُكرَه حضورُ المسجد من
(1)
أكل بَصَلاً أو فُجْلاً أو نحوه، حتَّى يذهب ريحه.
وعنه: يحرم.
وظاهره: ولو خلا المسجدُ من آدميٍّ؛ لتأذِّي الملائكة، والمرادُ حضور الجماعة، ولو لم يكن مسجد، ولو في غير صلاة.
وظاهره: أنَّه لا يُخرَج، وجزم جماعة بخلافه، لكن إنْ حرُم دخولُه؛ وجب إخراجه، وإلاَّ استُحِبَّ.
فائدة: يَقْطَع الرَّائحةَ الكريهةَ مَضغُ السَّذابِ
(2)
أو السُّعد
(3)
، قاله بعضُ الأطِبَّاء.
الثَّالثة: إذا طرأ
(4)
بعضُ الأعذار في الصَّلاة؛ أتمَّها خفيفةً إن أمكن، وإلاَّ خرج منها، والمأموم يُفارِق
(5)
إمامَه، ويُتمُّها أو يخرج منها، قال أبو الدَّرْداء:«من فِقْه الرَّجل إقبالُه على حاجته حتَّى يُقبِل على صلاته وقَلبُه فارِغٌ» رواه البخاري
(6)
.
(1)
في (د) و (و): لمن.
(2)
من أنواع البقول، ويسمى الفيجن، له خواص وطبائع معروفة في كتب الطب. ينظر: تاج العروس 3/ 45.
(3)
نبت له أصل تحت الأرض أسود طيب الريح. ينظر: تهذيب اللغة 2/ 45.
(4)
في (ز): طوى.
(5)
في (أ): يقارن، وفي (د) و (ز) و (و): مفارق.
(6)
إنما رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم في باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة (1/ 135)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (1142)، ومن طريقه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (134)، وإسناده صحيح.
(بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ)
الأَعذارُ: جَمعُ عُذرٍ، كأقْفالٍ جَمعُ قُفلٍ.
(وَيُصَلِّي المَرِيضُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» خ)، كذا وُجِد بخطِّ المؤلِّف بخاء مُعجمةٍ، إشارةً إلى أنَّ البخاريَّ أخرجه، وكذا رواه جماعةٌ، زاد النَّسائيُّ:«فإن لم تستطع فمُستلْقيًا»
(1)
، وعن عليٍّ مرفوعًا: «يصلِّي المريضُ قائمًا، فإن لم يستطع صلَّى قاعدًا، فإن لم يستطع أن يسجدَ أومأَ، وجعلَ سجودَهُ أخفضَ من ركوعِهِ، فإن لم يستطع أن يصلِّي قاعدًا صلَّى على جنبِهِ الأيمنِ مستقبلَ القبلةِ، فإن لم يستطع صلَّى مستلقيًا، رجلاه ممَّا يلي
(2)
القبلةَ» رواه الدَّارَقُطْنيُّ
(3)
.
فإذا أمكنه القيام؛ لزمه إجماعًا، ولو معتمدًا
(4)
إلى حائط ونحوه، أو على إحدى رجليه.
وقال ابن عقيل: لا يلزمه اكتراء من يقيمه ويعتمد عليه، فإن عجز عنه، أو
(1)
أخرجه البخاري (1117)، وأبو داود (952)، والترمذي (372)، وابن ماجه (1223)، والزيادة التي ذكرها المصنف عند النسائي، لم نقف عليها في السنن الكبرى ولا الصغرى، وعزاها للنسائي ابن قدامة في المغني 2/ 106، والمجد ابن تيمية في المنتقى مع النيل 2/ 236، والزيلعي في نصب الراية 2/ 175، وابن حجر في التلخيص 3/ 285.
(2)
في (أ): تلي.
(3)
أخرجه الدارقطني (1706)، ومن طريقه البيهقي (3678)، قال الدارقطني:(حديث منكر)، الحسن بن الحسين العرني قال فيه ابن عدي:(منكر الحديث)، وقال ابن حجر:(متروك)، وفيه الحسين بن الحكم، قال ابن القطان:(لا يعرف حاله)، وضعف الحديث النووي وابن الملقن وغيرهما. ينظر: الخلاصة 1/ 341، البدر المنير 3/ 524، لسان الميزان 3/ 33، الإرواء 2/ 344.
(4)
في (أ) و (ب): متعمدًا.
يلحقه بالقيام ضرر من زيادة مرض أو ضعف أو تأخر برء
(1)
؛ صلَّى قاعدًا
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحَجّ: 78].
متربِّعًا ندبًا، وقيل: وجوبًا، ويَثنِي رجليه في ركوعٍ، وسجود
(3)
كمتنفِّل.
وفي «النِّهاية» و «الرِّعاية» : إن قدر أن يرتفع إلى حد الرُّكوع؛ لزمه، وإلاَّ ركع جالسًا.
وعنه: إن أطال القراءة تربَّع، وإلاَّ افترش، ولا يفترش مطلقًا.
وعنه: لا يقعد إلاَّ إن عجز عن قيامه لدنياه، وهي قول ميمون بن مهران.
وأسقطه القاضي بضرر متوهَّم، وأنَّه لو تحمَّل الصِّيام والقيام حتَّى ازداد مرضه؛ أثِم.
ثمَّ إنَّ الإمام والأصحاب اعتبروا الخوف، وهو ضدُّ
(4)
الأمن، فقالوا: يُصلِّي صلاة الخوف إذا لم يُؤمن هجوم العدو.
والمذهب: أنَّه يصلِّي كما ذكرنا، ولو كان بتعدِّيه بضرب ساقه، كتعدِّيها بضرب بطنها فنُفِست.
فإن عجز؛ فعلى جنبه، والأيمن أفضل، فإن صلَّى على الأيسر، فظاهر كلام جماعة جوازه؛ لظاهر خبر عمران، ولأنَّ المقصود استقبال القبلة، وهو حاصلٌ.
وقال الآمِديُّ: يكره مع قدرته على الأيمن.
(فَإِنْ) تركه قادِرٌ، و (صَلَّى
(5)
عَلَى ظَهْرِهِ، وَرِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ؛ صَحَّتْ
(1)
قوله: (برء) سقط من (و).
(2)
قوله: (فإن عجز عنه، أو يلحقه بالقيام ضرر من زيادة مرض أو ضعف أو تأخر برء صلَّى قاعدًا) سقط من (أ).
(3)
في (أ): ويجوز.
(4)
في (و): حد.
(5)
في (و): صلَّى.
صَلَاتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، ذكره في «التَّلخيص» و «المذهب» و «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» مع الكراهة، وهو ظاهِرُ كلام أحمدَ؛ لأنَّه نوع استقبالٍ، ولهذا يُوجَّه الميت إليه عند الموت.
والثَّاني: لا يَصحُّ، قال في «الشَّرح»: (وهو أظهَرُ؛ لأنَّه نقله
(1)
عند العجز عن الصَّلاة على جَنْب، فدلَّ أنَّه لا يجوز مع القدرة عليه)؛ ولأنَّه ترك الاستقبال بوجهه وجملته.
ونقل الأثرم
(2)
: يُصلِّي كيف شاء، كلاهما جائزٌ، فظاهره التَّخيير بينهما.
أمَّا إذا عجز عن الصَّلاة على جَنْب؛ تعيَّن أن يُصلِّيَ مُستلقيًا وجهًا واحدًا.
(وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)؛ لقوله عليه السلام: «وإذا
(3)
أمرتُكم بأمرٍ فأْتوا منه ما اسْتَطعْتُم»
(4)
، واعتبارًا بالأصل ما أمكنه، نَصَّ عليه
(5)
.
وقال أبو المعالي: وأقلُّ ركوعه مقابَلةُ وجهه ما وراء ركبتَيه من الأرض أدنى مقابَلةٍ، وتَتمَّتها الكمالُ.
(وَيَجْعَلُ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ)؛ للخبر، وليتميَّز أحدُهما عن الآخَر.
وإن سجد ما أمكنه على شَيءٍ رَفَعه؛ كُرِه وأجزأه، نَصَّ عليهما
(6)
؛ لأنَّه أتى بما
(7)
يمكنه من الانحطاط، أشبه ما لو أومأ. وعنه: يُخيَّر. وذكر ابنُ
(1)
في (أ): فعله.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 68.
(3)
في (د) و (و): إذا.
(4)
أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
(5)
ينظر: مسائل عبدالله ص 105.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 688.
(7)
في (و): ما.
عَقِيلٍ روايةً بالمنع؛ كيَدِه.
ولا بأس بسجوده على وِسادة ونحوها. وعنه: هو أَوْلى من الإيماء.
واحتجَّ بفعل أمِّ سلَمةَ وابن عبَّاس وغيرهما
(1)
، قال: ونهى عنه ابنُ مسعودٍ وابنُ عمرَ
(2)
.
(فَإِنْ عَجَزَ) هو بفتح الجيم في الماضي، وكسرها في المستقبل في
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 688.
أثر أم سلمة رضي الله عنها: أخرجه عبد الرزاق (4145)، والشافعي في الأم (1/ 100)، وابن أبي شيبة (2801)، وابن المنذر في الأوسط (2315)، والبيهقي في الكبرى (3675)، عن أم الحسن البصري قالت:«رأيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسجد على مرفقة، وهي قاعدة؛ من رمد كان بها» ، وإسناده حسن.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (4146)، وابن أبي شيبة (2800)، وابن المنذر في الأوسط (2316)، عن أبي فزارة السلمي قال: سألت ابن عباس عن المريض يسجد على المرفقة الطاهرة، فقال:«لا بأس به» ، فيه ضعف، أبو فزارة السلمي مجهول، ويقويه ما أخرجه عبد الرزاق (4148)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (2317)، عن ابن عباس قال:«لا بأس بأن يلف المريض الثوب ويسجد عليه» ، وفيه ضعف أيضًا، والأثر ثابت بمجموع الطريقين، وقد احتج به الإمام أحمد كما في مسائل ابن منصور.
وأخرج ابن المنذر في الأوسط (2318)، نحوه عن حذيفة، وفيه ضعف، وعن أنس (2319)، وإسناده صحيح.
(2)
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (4144)، وابن المنذر في الأوسط (2307)، والبيهقي في الكبرى (3673)، عن زيد بن معاوية، عن علقمة: دخلت مع عبد الله على أخيه عتبة نعوده وهو مريض، فرأى مع أخيه مروحة يسجد عليها، فانتزعها منه عبد الله، وقال:«اسجد على الأرض، فإن لم تستطع فأوم إيماءً، واجعل السجود أخفض من الركوع» ، وهذا لفظ البيهقي، وعند عبد الرزاق: علقمة والأسود. ولا بأس بإسناده، وأخرجه ابن أبي شيبة (2829)، من وجه آخر صحيح.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (4138)، وابن أبي شيبة (2807)، والشافعي في القديم كما في المعرفة للبيهقي (4350)، وابن المنذر في الأوسط (2311)، عن عطاء قال: دخل ابن عمر على ابن صفوان بن الطويل، فوجده يسجد على وسادة، فنهاه، وقال:«أومئ، واجعل السجود أخفض من الركوع» ، وإسناده صحيح.
الأَشهَر، (عَنْ ذَلِكَ؛ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ)؛ أي: بعَينه؛ لما روى زكريَّا السَّاجِيُّ بإسناده عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه، عن عليِّ بن الحسين، عن الحسين بن عليِّ بن أبي طالبٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «فإن لم يستطع أومأَ بطرفِهِ»
(1)
.
وظاهرُ كلامِ جماعةٍ: لا يَلزَمه، وصوَّبه في «الفروع» ؛ لعدَم ثبوتِه.
وفي «المستوعب» : يُومِئُ بطَرفه أو قلبه.
وفي «الفروع» : يُومِئ بطَرفه ناويًا، مُستحضِر الفعل والقول إن عجز عنه بقلبه، كأسيرٍ عاجِزٍ لخوفه.
وفي «الخلاف» زيادةً عليهما: أو حاجبيه
(2)
، وقاسه على الإيماء برأسه.
ولا يلزم عليه الإيماء بيديه
(3)
؛ لأنَّه لا يمتنع أن يلزمه، وقد قال أحمد: يصلِّي
(4)
مضطجعًا ويُومئ
(5)
، فأطلق وجوب الإيماء، ولم يخصَّه ببعض الأعضاء.
(وَلَا تَسْقُطُ
(6)
عَنْهُ
(7)
الصَّلَاةُ) ما دام عقلُه ثابِتًا، ذكره ونصره جماعةٌ؛ لأنَّه مسلِمٌ بالغٌ عاقِلٌ، أشبه القادر على الإيماء برأسه.
وعنه: تسقط
(8)
، اختارها الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(9)
؛ لظاهِرِ خبر عِمرانَ، وروي عن أبي سعيد نحوه
(10)
.
(1)
سبق تخريجه 2/ 530 حاشية (3).
(2)
في (د) و (و): وحاجبيه.
(3)
في (د) و (و): ببدنه.
(4)
في (أ): إنه يصلي.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 70.
(6)
في (و): ولا يسقط.
(7)
قوله: (عنه) سقط من (ب) و (ز).
(8)
في (و): يسقط.
(9)
ينظر: مجموع الفتاوى 10/ 440، الفروع 3/ 71.
(10)
قال القاضي في الروايتين والوجهين 1/ 179: (والحديث الذي ذهب إليه: رواه إسماعيل بن رجاء، عن أبيه قال: لما مرض أبو سعيد الخدري وضأته. قال: ثم قلت: الصلاة، قال: «قد كفاني، إنما العمل في الصحة»).
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (2826)، وابن عساكر في تاريخه (20/ 395)، من طريق إسماعيل بن رجاء بن ربيعة، عن أبيه، بلفظ: كنا عند أبي سعيد الخدري في مرضه الذي توفي فيه وهو ثقيل، قال: فأغمي عليه، قال: فلما أفاق، قلنا: الصلاة يا أبا سعيد، فقال:«كفانِ» ، وإسناده حسن.
(وَإِنْ) صلَّى قاعدًا، ثمَّ (قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ، أَوْ) صلَّى على جَنْبٍ، ثمَّ قدر على (الْقُعُودِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ؛ انْتَقَلَ إِلَيْهِمَا
(1)
وَأَتَمَّهَا)؛ لأنَّ المبيحَ العجزُ، وقد زال، ولأنَّ ما صلَّى كان العُذْرُ موجودًا، وما
(2)
بقي قد أتى بالواجب فيه.
ولا يقرأ حال نهوضه إلى القيام، لكن إن قدر على القيام قبل القراءة؛ لزِمه أن يأتيَ بها بعد قيامه، وإن كان بعد القراءة؛ قام فركع من غير قراءةٍ، وعكسه لو مرِض في أثنائها جلَسَ.
وله القراءة في هُوِيِّه، ويأتي بها على حسَب حاله.
(وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ)؛ لزِمه؛ لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البَقَرَة: 238]، ولخبر عِمرانَ، ولأنَّه رُكنٌ قدَر عليه، فلم يَسقُط بالعجز عن غيره كالقراءة.
(وَعَجَزَ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ قَائِمًا)؛ لأنَّ الرَّاكع كالقائم في نَصْب رجلَيه، فوجب أن يومئ به في قيامه، (وَ) أَوْمأَ (بِالسُّجُودِ قَاعِدًا)؛ لأنَّ السَّاجد كالجالس في جمع رجلَيه، فوجب أن يُومِئ في جلوسه ليحصل الفرق بين الإيماءين.
مسائل:
منها: إذا كان في بَيتٍ سقفُه قصيرٌ يَتعذَّر خروجُه منه، أو في سَفينةٍ يَعجِز
(1)
في (ز) و (ب) و (د): إليه، وزيد في (و): إلى الصَّلاة.
(2)
في (أ): ما.
عن القيام فيها والخروجِ منها؛ صلَّى جالسًا، نَصَّ عليه
(1)
. وقيل: بل يقوم ما أمكنه كالأحدب.
ومنها: إذا قدَر قائِمًا مُنفرِدًا، وجالسًا جماعةً؛ خُيِّر بينَهما، قال في «الشَّرح»: لأنَّه يَفعَل في كلٍّ منهما واجبًا، ويترك واجبًا. وقيل: جماعةً أَوْلى. وقيل: يَلزَمه قائمًا مُنفرِدًا؛ لأنَّه رُكنٌ بخلاف الجماعة.
ومنها: لو تقوَّس ظَهرُه فصار كالرَّاكع، فمتى ركع زاد في انحنائه قليلاً؛ ليَقَع الفرق، وإن لم يمكنه أن يَحنِيَ ظَهرَه؛ حَنَى
(2)
رَقَبتَه، وإذا سجد قرَّب وجهه من الأرض ما أمكنه، وإن قدَر أن يَسجُد على صُدْغَيه
(3)
؛ لم يَلْزَمه؛ لأنَّه ليس من أعضاء السُّجود.
(وَإِذَا قَالَ ثِقَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالطِّبِّ)، ومعناه في «المحرَّر» ، (لِلْمَرِيضِ) أو لمن به رَمَدٌ ونحوه: (إِنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ؛ فَلَهُ ذَلِكَ
(4)
؛ لأنَّه عليه السلام «صلَّى جالسًا حين جُحِش شِقُّهُ»
(5)
، والظَّاهِر أنَّه لم يَكن لعجزه عن القيام، بل فعله إمَّا للمشقَّة، أو خَوفِ الضَّرَر، وكلاهما
(6)
حجَّةٌ، «وأمُّ سلمة تركت السُّجود لرَمَدٍ بها»
(7)
، ولأنَّه يُخاف منه الضرر
(8)
أشبَه المرض، وذلك وسيلةٌ إلى عافيته، وهي مطلوبةٌ شرعًا.
ويُشترَط: إسلامُهم وثقتهم
(9)
؛ لأنَّه أمْرٌ دِينيٌّ، فاشترط له ذلك كغيره.
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 45، مسائل أبي داود ص 110.
(2)
في (د) و (و): يحني.
(3)
في (ب) و (د) و (و) و (ز): صدغه.
(4)
قوله: (فله ذلك) سقط من (أ).
(5)
أخرجه البخاري (689)، ومسلم (411).
(6)
في (أ): كلاهما.
(7)
تقدم تخريجه 2/ 533 حاشية (1).
(8)
قوله: (الضرر) سقط من (أ).
(9)
في (أ): وفِقهُهم.
وظاهره: أنَّه لا يُقبَل فيه أقلُّ من ثلاثةٍ؛ لأنَّه جَمْعٌ، قال ابن المُنَجَّى: وليس بمرادٍ؛ لأنَّ قولَ الاِثنَينِ كافٍ، صرَّح
(1)
به المؤلِّف وغيره
(2)
، وحكاه في «الفروع» قولاً.
وقيل: عن يَقِينٍ.
والمذهبُ: أنَّه يُقبَل قولُ مسلمٍ ثقةٍ، ونصَّ أحمد أنَّه يُفطر بقولِ واحدٍ: إنَّ الصَّوم ممَّا
(3)
يمكِّن العلَّة
(4)
.
(وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا لِقَادِرٍ عَلَى الْقِيَامِ)؛ لأنَّه قادِرٌ على رُكن الصَّلاة، فلم يَجُزْ تركُه، كما لو لم يكُن فيها، وظاهِرُه: الجوازُ إذا عجَز، وقد سبَق، فلو قدَر فيها على انتصابٍ يَخرُج به عن حدِّ الرَّاكع؛ فظاهِرُه اللُّزومُ.
وإن كان لا يَقدِر على الخروج
(5)
منها؛ صلَّى
(6)
على حسَب حاله فيها، وأتى بما يَقدِر عليه من التَّيامُن
(7)
وغيره.
وكلَّما
(8)
دارت؛ انحرف إلى القِبلة في الفرض. وقيل: لا يَجِب؛ كالنَّفل في الأصحِّ فيه.
فإن كانت ضيِّقةً لا يُمكن كلَّ من فيها الصَّلاةُ قائمًا في حالة؛ صَلَّوا
(1)
في (أ): وصرَّح.
(2)
في (أ): في غيره.
(3)
في (د) و (و): ما.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 79.
(5)
قوله: (على الخروج) هو في (ب) و (ز): أن يخرج.
(6)
قوله: (صلَّى) سقط من (و).
(7)
هكذا في الأصل وباقي النسخ الخطية، والذي في مختصر ابن تميم 3/ 241، وشرح العمدة لابن تيمية 2/ 525، والإنصاف 5/ 20: القيام.
(8)
في (أ): كلما.
فُرادَى، ما لم يَضِقِ الوقتُ.
وإن أمكن الإتيانُ فيها بجميع واجبات الصَّلاة؛ لم يلزمه الخروجُ، حاضِرًا كان أو مسافرًا، واقفةً كانت أو سائرة
(1)
، فرضًا كانت الصَّلاةُ أو نفلاً، قدَّمه جماعةٌ، وصحَّحه في «الشَّرح» ، كالصَّلاة على الأرض.
وعنه: يلزمه؛ لأنَّها ليست حالَ استقرار.
قال جماعةٌ: متى كان فيه مشقَّةٌ على أصحابه، لم يَجِب، نَصَّ عليه
(2)
.
وظاهره: أن النَّفل فيها يصح مطلقًا.
مسألة: تقام الجماعة في السفينة. وعنه: لا إذا صلَّوا جلوسًا، نص عليه
(3)
(4)
، «وصلَّى جماعةٌ فيها قيامًا جماعةً، وهم يَقدِرون على الخروج، منهم أبو هُريرةَ وأبو سعيدٍ» رواه سعيدٌ والبَيهَقيُّ
(5)
.
(وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ)، واقِفةً وسائِرةً، وعليه الاِستقبالُ وما يَقدِر عليه، (خَشْيَةَ التَّأَذِّي بِالْوَحَلِ)، نصره المؤلِّف، وقدَّمه جماعةٌ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لما رَوى يعلى
(6)
بنُ مُرَّةَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مَضيقٍ هو وأصحابُه وهو على راحلته، والسَّماءُ من فوقهم،
(1)
في (أ) و (د) و (و): مسافرة.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 68، الروايتين والوجهين 1/ 178.
(3)
قوله: (وظاهره: أن النَّفل فيها يصح مطلقًا) إلى هنا سقط من (أ).
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 68، بدائع الفوائد 4/ 107.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (4557)، وابن أبي شيبة (6564)، والبيهقي في الكبرى (5492)، عن عبد الله بن أبي عتبة قال:«كنت مع جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وأبي الدرداء، - وأراه ذكر أبا هريرة - في سفينة، فأمَّنا الذي أمَّنا قائمًا، ولو شئنا أن نخرج لخرجنا» ، وأخرجه سعيد بن منصور كما في شرح العمدة لشيخ الإسلام (2/ 524)، وإسناده صحيح، وعلَّقه البخاري بصيغة الجزم (1/ 85).
(6)
في (أ) و (ز): معلى.
والبلَّةُ من أسفلَ منهم، فحضرت الصَّلاةُ، فأمَر
(1)
المؤذِّنَ فأذَّن وأقام، ثمَّ تقدَّم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فصلَّى بهم، يُومِئُ إيماءً، يَجعل السُّجودَ أخفضَ من الرُّكوع» رواه أحمدُ والتِّرمذيُّ، وقال:(العملُ عليه عند أهل العلم)
(2)
، وفَعَله أنسٌ
(3)
، ذَكَره أحمدُ، ولم يُنقَل عن غيره خلافُه.
فإن قدَر على النُّزول من غير مَضرَّة؛ لزِمه ذلك، والقيامُ والرُّكوعُ كغير حالةِ المطر، ويُومِئُ بالسُّجود؛ لما فيه من الضَّرر.
وعنه: لا يجوز ذلك؛ لقول أبي سعيد: «أبصرتْ عينايَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم انصرفَ وعلى جبهتِهِ وأنفِهِ أثَرُ الماءِ والطِّينِ» متَّفقٌ عليه
(4)
، ولأنَّ القيامَ والسُّجودَ من أركان الصَّلاة، فلم يَسقط بالمطر؛ كبقيَّة الأركان.
وأُجِيب: بأنَّه عُذرٌ يُبيح الجمعَ، فأثَّر في أفعال الصَّلاة؛ كالسَّفر والمرض، والحديثُ محمولٌ على اليسير عملاً بالظَّاهِرِ؛ لأنَّه كان في مسجده في المدينة فلم يُؤثِّر، بخلاف الكثير الذي يُلوِّث الثِّيابَ والبَدنَ.
(وَهَلْ يَجُوزُ ذِلِكَ لِلْمَرِيضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يجوز، قدَّمها في «المحرَّر» ، واختارها أبو بكر، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّ مشقَّةَ النُّزول في المرض أكثر من مشقَّة النُّزول بالمطر، لكنْ قيَّدها في رواية إسحاقَ
(5)
: إذا لم يستطع النُّزول، ولم يصرِّح أحمدُ بخلافه.
(1)
في (ب) و (ز): قام.
(2)
أخرجه أحمد (17573)، والترمذي (411)، والبيهقي (2224)، وقال الترمذي:(حديث غريب)، وضعفه البيهقي والألباني. ينظر: الإرواء 2/ 347.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (ص 4511)، وابن أبي شيبة (4965)، والطبراني في الكبير (680)، عن أنس بن سيرين قال:«كنت مع أنس بن مالك في يوم مطير حتى إذا كنا بأطيط، والأرض فضفاض، صلى بنا على حماره صلاة العصر، يومئ برأسه إيماء، وجعل السجود أخفض من الركوع» ، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه البخاري (2027)، ومسلم (1168).
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 83.
والثَّانية: المَنْعُ، قال في «الفروع»: نقله واختاره الأكثرُ؛ «لأنَّ ابن عمر كان يُنزِل مرضاه» ، واحتجَّ به أحمد
(1)
؛ لأنَّ الصَّلاة
(2)
على الأرض أسْكنُ له وأمكنُ، بخلاف صاحب الطِّين.
وظاهر المذهب: أنَّه لا يلزمه النُّزول مع مشقَّةٍ شديدةٍ أو زيادةِ ضرَرٍ، وصرَّح به في «الشَّرح» ، وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: أنَّ فيه الرِّوايتيْنِ.
أمَّا إذا خاف انقطاعًا عن الرُّفقة، أو العجز عن الرُّكوب؛ فيصلِّي كخائفٍ على نفسه من عدُوٍّ.
فرعٌ: من أتى بكلِّ فرضٍ أو شرطٍ للصَّلاة، وصلَّى عليها بلا عُذرٍ، أو في سفينةٍ ونحوِها مَنْ أمكنَه الخروجُ واقِفةً أو سائِرةً؛ صحَّتْ.
ومَن كان في ماءٍ وطينٍ؛ أَوْمأَ كمصلوبٍ ومربوطٍ، والغريقُ يَسجُد على مَتْن الماء.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 83.
أخرجه البيهقي في الكبرى (2223)، من طريق الأوزاعي، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما. والأوزاعي لم يسمع من نافع شيئًا، قاله ابن معين وأبو زرعة، وله علة أخرى ذكرها البيهقي، وقد احتج به أحمد في مسائل ابن هانئ. ينظر: تهذيب التهذيب 6/ 240.
(2)
زيد في (و): كانت.
(فَصْلٌ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ)
أجمَعوا على قصرها بشرطه، وسنَدُه:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النِّسَاء: 101]، علَّق القصرَ بالخوف؛ لأنَّ الآية نزلت على غالب أسفاره عليه السلام، وأكثرُها لم تَخلُ من عدوٍّ.
وذَكَر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين أنَّ القَصْرَ قِسمان
(1)
:
مُطْلَق: وهو ما اجتمع فيه قصر الأفعال والعَدَد؛ كصلاة الخوف حيث كان مسافرًا، فإنَّه يرتكب فيها ما لا يجوز في صلاة الأمن، والآية وردت على هذا.
ومُقيَّد: وهو ما اجتمع فيه قصر العدد فقط؛ كالمسافِر، أو قصر العمل فقط؛ كالخائف.
وهو حسَنٌ، لكنْ يَرِد عليه
(2)
قَولُ يَعْلَى لِعُمرَ بن الخطَّاب: ما لنا نَقْصُر وقد أمِنَّا؟ فقال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
(3)
فقال: «صدَقةٌ تصدَّقَ اللهُ بها عليكم، فاقبَلوا صدقتَهُ» رواه مسلمٌ
(4)
، فظاهِرُ ما فَهِماه
(5)
: تقييدُ قصرِ العدد بالخوف، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أقرَّهما على ذلك.
وقيل: قوله: {إِنْ خِفْتُمْ} [النِّسَاء: 101]؛ كلامٌ مبتدَأٌ معناه: وإن خفتم.
وقال ابنُ عمرَ: «صحبتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السَّفر على ركعتَين، وأبو بكر وعمرُ وعثمانُ كذلك» متَّفقٌ عليه
(6)
.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 91.
(2)
في (ب) و (ز): على هذا.
(3)
من هذا الموضع سقط من (د).
(4)
أخرجه مسلم (686).
(5)
في (و): فهمناه.
(6)
أخرجه البخاري (1102)، ومسلم (689).
(وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا)، ذَكَره أكثرُ
(1)
الأصحاب، وحكاه ابن هُبَيرةَ اتِّفاقًا؛ لأنَّه عليه السلام كان يترخَّص
(2)
في العود من
(3)
السَّفر، وهو مُباحٌ، وكالغزو، وفي «الوجيز»: سفرًا جائزًا، وهو أعمُّ.
والمرادُ: من ابتدأ سفرًا مُباحًا، وصرَّح به في «الفروع» ، والأصحُّ: أو هو أكثرُ قصده.
وعنه: لا يَترخَّص في سفر النُّزهة والتَّفرُّج، اختاره
(4)
أبو المعالي؛ لأنَّه إنَّما شُرع إعانةً على تحصيل المصلحة، ولا مصلحة في هذا.
وظاهِرُ
(5)
كلامِ ابنِ حامِدٍ: اختصاصُه بسفر الطَّاعة.
وقال في «المبهج» : إذا سافر لتجارةٍ مُكاثِرًا في الدُّنيا؛ فهو سفرُ معصيةٍ.
والأَوَّل أَوْلى، وهو شامِلٌ إذا غُرِّبت المرأةُ ومعها مَحرَمٌ، فله التَّرخُّصُ، وكذا الزَّاني، وقاطِع الطَّريق
(6)
، وفيهما وجْهٌ
(7)
.
ودَلَّ على جوازه في سفرٍ واجبٍ من باب التَّنبيه.
ولا قصر في سفر المعصية، نَصَّ عليه
(8)
؛ لما فيه من الإعانة على المعصية.
(1)
في (و): معظم.
(2)
في (أ): يرخص.
(3)
في (أ) و (د) و (ز): في.
(4)
في (ب) و (ز): واختاره.
(5)
في (ب) و (ز): فظاهر.
(6)
كتب في هامش (و): (لأنَّه سفر وجب بالشرع؛ أشبه سفر الفرد).
(7)
كتب على هامش (و): (قوله: "وفيهما وجه"، قال ابن عقيل: ويحتمل أن لا تقصر؛ لأنَّه سفر سببه المعصية، أشبه سفر المعصية، ولأنَّه ليس بأحسن حالاً من سفر النزهة وفيه روايتان، فيخرج ههنا مثله).
(8)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2413، زاد المسافر 2/ 218.
كتب في هامش (و): (واختار الشيخ تقي الدين: جواز القصر فيه، ورجحه ابن عقيل في بعض المواضع).
وأباح في «التَّلخيص» تناول الميتة للضَّرورة.
ولو عصى في سفره المباحِ لم يَمنَع التَّرخُّصَ؛ كارتكابها في الحضر
(1)
لا يمنعه.
ومن
(2)
نقل سفرَه المباحَ إلى معصيةٍ؛ لم يترخَّص في الأصحِّ؛ لزوال سببه.
وإن نقل سفرَ المعصية إلى مباح، وقد بقِي مسافة قَصْرٍ؛ قَصَرَ في الأصحِّ؛ لأنَّ وجودَ ما مضى من
(3)
سفره كعدَمه.
مسألة: إذا سافَر لزيارة القبور والمشاهد، فقال ابن عَقِيلٍ وصاحبُ «التَّلخيص»: لا يُباح له التَّرخُّصُ
(4)
؛ لقوله: «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاَّ لثلاثةِ مساجدَ» متَّفقٌ عليه
(5)
.
وقال المؤلِّف: الصَّحيح جوازُه، والحديثُ محمولٌ على نفي الفضيلة.
وقال ابن المنَجَّى: السَّفرُ المكروهُ؛ كزيارة القبور والمشاهد؛ ملحَق بالسَّفر المحرَّم، وفيه نَظرٌ.
واختَلف كلامُ الحُلْوانيِّ؛ هل السَّفرُ لزيارة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أو الوالدين واجِبٌ، أو طاعةٌ كزيارته عليه السلام؟
لكنْ قال أبو محمَّدٍ الجُوَيْنِيُّ: يَحرُم الشَّدُّ إلى غَير المساجد الثَّلاثة، نقله النَّوويُّ
(6)
، وذَكَر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: يَجِب
(7)
السَّفرُ المنذورُ إلى المشاهِدِ.
(1)
قوله: (الحضر) سقط من (أ).
(2)
في (و): ولو.
(3)
في (أ): في.
(4)
في (ز): الرخص.
(5)
أخرجه البخاري (1189)، ومسلم (1397).
(6)
ينظر: شرح مسلم 9/ 106.
(7)
كتب على هامش (و): (لعله: لا يجب).
والصواب: أن شيخ الإسلام ذكره ذلك وجهًا في المذهب لا اختيارًا، كما في الفروع 5/ 156، قال:(وحكى شيخنا وجهًا: يجب السفر المنذور إلى المشاهد، ومراده والله أعلم: اختيار صاحب الرعاية).
ويدل لذلك ما قرره شيخ الإسلام من تحريم السفر لتلك المشاهد، قال في مجموع الفتاوى 27/ 8:(ولو نذر السفر إلى قبر الخليل عليه السلام، أو قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى الطور الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام، أو إلى جبل حراء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه وجاءه الوحي فيه، أو الغار المذكور في القرآن، وغير ذلك من المقابر والمقامات والمشاهد المضافة إلى بعض الأنبياء والمشايخ، أو إلى بعض المغارات أو الجبال: لم يجب الوفاء بهذا النذر باتفاق الأئمة الأربعة؛ فإن السفر إلى هذه المواضع منهي عنه). وينظر: الرد على الإخنائي 1/ 195، مجموع الفتاوى 27/ 20، الإنصاف 7/ 587.
(يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا)، الفَرْسَخُ: واحد الفَراسِخ، وهو ثلاثةُ أمْيالٍ هاشِميَّةٍ، وبأمْيال بني أُمَيَّة: مِيلانِ ونِصفٌ، والمِيلُ
(1)
: اثنا عشَرَ ألْفَ قَدَمٍ، ستَّةُ آلاف ذراع، والذِّراعُ: أربعةٌ وعشرون أصبعًا مُعتَرِضةً مُعتدِلةً، كلُّ أصبُع: ستُّ حبَّاتِ شَعِيرٍ، بُطونُ بعضِها إلى بعضٍ، عَرْض كلِّ شعيرةٍ: ستُّ شَعَراتِ بِرْذَونٍ، وذلك أربعةُ بُرُدٍ، مسيرة يومَين قاصِدَين، نَصَّ عليه
(2)
، وهو قول عمر
(3)
وابن عبَّاسٍ
(4)
؛ لما روى الدَّارَقُطْنيُّ عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «يا أهلَ مكَّةَ لا تَقصُروا في أقلَّ من أربعةِ بُرُدٍ، من مكَّةَ إلى عُسْفانَ» ضعَّفه أحمدُ ويحيى
(5)
،
(1)
كتب على هامش الأصل: (أي: الهاشمي).
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 106، مسائل ابن منصور 2/ 674، مسائل صالح 1/ 135.
(3)
هكذا في الأصل في النسخ الخطية المعتمدة، والذي في كتب الأصحاب والموافق لما في المصادر الحديثية: ابن عمر. ولم نقف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك شيئًا.
(4)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2261)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (79)، والبيهقي في الكبرى (5397)، عن عطاء بن أبي رباح:«أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربع برد فما فوق ذلك» ، وإسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم 2/ 43، وصحح النووي إسناده في الخلاصة 2/ 730.
(5)
أخرجه الطبراني في الكبير (11162)، والدارقطني (1447)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (5404)، وقال:(وهذا حديث ضعيف، إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة، والصحيح أن ذلك من قول ابن عباس)، وقال النووي:(إسناده ضعيف جدًّا والصحيح موقوف على ابن عباس)، وضعفه ابن حجر. ينظر: الخلاصة 2/ 731، الفتح 2/ 566، التلخيص الحبير 2/ 116، الإرواء 3/ 13.
مع أنَّ أحمدَ احتجَّ به مع تضعيفه
(1)
.
وظاهر كلامهم: أنَّ هذا تقريبٌ، وقال أبو المعالي: تحديدٌ.
والبَرُّ والبحرُ سواءٌ، فلو قطعه في زمنٍ يسيرٍ في البحر؛ قصر، كما لو قطعها في البرِّ في أقلَّ من يومين.
وذكر صاحب «المسالك»
(2)
أنَّ من دمشق إلى القَطيفة أربعةً وعشرين مِيلاً، ومن دمشق إلى الكُسوة اثنا عشر مِيلاً.
وعن ابن عبَّاسٍ وابن عمر: «يقصر في يوم»
(3)
، وقاله الأوزاعيُّ، وروى أبو داود: «أنَّ دِحية أفطر في
(4)
ثلاثة أميال، وأفطر معه ناسٌ كثيرون»
(5)
.
وقيل: يقصر في طويل السَّفر وقصيره.
(1)
ينظر: المغني 2/ 188.
(2)
في (أ): المسائل. ينظر: المسالك والممالك لابن خرداذبة ص 98.
(3)
أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه مالك (1/ 147)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (2263)، والبيهقي في الكبرى (5394)، وعبد الرزاق (4300)، والطبراني في مسند الشاميين (3180)، عن سالم:«أن ابن عمر كان يقصر الصلاة في مسيرة اليوم التام» ، وإسناده صحيح.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (8147)، عن عطاء قال: قال ابن عباس: «تقصر الصلاة في اليوم التام، ولا تقصر فيما دون ذلك» ، وإسناده صحيح.
(4)
في (ب) و (ز): من.
(5)
أخرجه أبو داود (2413)، وابن خزيمة (2041)، عن منصور الكلبي عن دحية. وإسناده ضعيف؛ لجهالة منصور الكلبي، قال ابن خزيمة:(إن ثبت الخبر، فإني لا أعرف منصور بن زيد الكلبي هذا بعدالة ولا جرح)، وقال في التقريب:(مستور)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود 2/ 279.
والأوَّلُ أَوْلى؛ لأنَّه مسافة تجمع مشقَّة السَّفر من الحلِّ والعقد
(1)
، فجاز القصر فيه كغيره.
قال المؤلِّفُ: (والحجَّةُ مع من أباح القصرَ لكلِّ مُسافِرٍ، إلاَّ أنَّ الإجماع انعقد على خلافه)
(2)
.
(فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ خَاصَّةً إِلَى رَكْعَتَيْنِ)، ولا قصر في المغرب والفجر إجماعًا، حكاه ابن المنذِر
(3)
؛ لأنَّ الفجر لو قُصرت صارت ركعةً، ولا نظير لذلك في الفرض، والمغربُ وتر النَّهار، فلو قُصر منها ركعةٌ؛ لم تَبقَ وترًا، وركعتان كان إجحافًا بها، وإسقاطًا لأكثرها، ولا نظير لها في الفرض.
(إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أَوْ خِيَامَ قَوْمِهِ)؛ لأنَّ الله تعالى جوَّز القصرَ لمن ضَرب في الأرض، وقبل مُفارَقةِ ما ذُكر لا يكون ضاربًا ولا مسافرًا، ولأنَّ
(4)
ذلك أحدُ طرفي السَّفر، أشبه حالة الانتهاء، و «لأنَّه عليه السلام كان يَقصُر إذا ارتحل»
(5)
.
فعلى هذا: يَقصُر إذا فارَق بيوتَ قريته العامرة
(6)
، بشرْط أن لا يَرجِع، أو لا يَنوِي الرُّجوعَ قريبًا، فإن فعل؛ لم يترخَّص حتَّى يرجع ويفارقه، ولو لم ينوِ الرُّجوع لكن بدا له لحاجة؛ لم يترخَّص بعد نيَّة عَوده حتَّى يفارِقَه ثانيًا.
وقيل: والخراب، كما لو ولِيه عامِرٌ، وقال أبو المعالي: أو جعل مزارع
(1)
قوله: (والعقد) سقط من (أ) و (ز) و (و).
(2)
عبارة المغني 2/ 190، والشرح الكبير 5/ 41:(إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه).
(3)
ينظر: الأوسط 4/ 331، الإجماع ص 41.
(4)
في (و): لأن.
(5)
مراده كما في الشرح الكبير (5/ 45)، ما أخرجه البخاري (1089)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:«صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعًا، وبذي الحليفة ركعتين» ، وبوَّب عليه البخاري قوله:(باب يقصر إذا خرج من موضعه).
(6)
قوله: (العامرة) سقط من (أ).
وبساتين يسكنه أهله، ولو في فصل للنُّزهة.
وقيل: يَقصُر بمفارقته
(1)
سور بلده.
وظاهِرُه: ولو
(2)
اتَّصل به بلدٌ، واعتبر أبو المعالي انفصاله ولو بذراع.
ويعتبر في ساكن القصور والبساتين؛ مفارقة ما نسبوا إليه عرفًا.
(وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِتْمَامِ)؛ نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه عليه السلام داوَم عليه، ولم يُنقَل عنه الإتمامُ، وكذلك الخلفاء الرَّاشدون مِنْ بعده
(4)
، وروى أحمدُ: أنَّ عمرَ قال
(5)
: «إنَّ اللهَ يُحبُّ أن تُؤتى رُخصُهُ كما يَكرَهُ أن تُؤتى معصيَتُهُ»
(6)
.
وفيه وجْهٌ: أنَّ الإتمامَ أفضلُ؛ لأنَّه أكثر عملاً وعددًا، وهو الأصلُ، أشبه غسل الرِّجلين.
(وَإِنْ
(7)
أَتَمَّ؛ جَازَ) في المشهور؛ للآية، ولِحديث يَعلَى
(8)
، قالت
(1)
في (ب) و (ز) و (و): بمفارقة.
(2)
في (و): فلو.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 81، زاد المسافر 2/ 220.
(4)
أخرج البخاري (1102)، ومسلم (689)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك رضي الله عنهم» .
(5)
هكذا بخط المؤلف وفي جميع النسخ الخطية المعتمدة، وتبعه على ذلك في كشاف القناع وشرح منتهى الإرادات ومطالب أولي النهى، ولم نقف عليه من قول عمر رضي الله عنه، وصوابه: عن ابن عمر مرفوعًا وموقوفًا.
(6)
أخرجه مرفوعًا: أحمد (5866)، وابن خزيمة (2027)، وابن حبان (2742)، والبيهقي في الشعب (3607)، وحسن إسناده الهيثمي، وصححه الألباني. ينظر: مجمع الزوائد 3/ 162، الإرواء 3/ 9.
وأخرجه موقوفًا: ابن أبي شيبة (26473)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 191)، عن تميم بن سلمة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورجاله ثقات، إلا أن تميم بن سلمة لم يدرك ابن عمر، قال أبو نعيم:(كذا رواه تميم عن ابن عمر موقوفًا، ورواه نافع وغيره عنه مرفوعًا).
(7)
في (ب) و (و): فإن.
(8)
أخرجه مسلم (686).
عائشةُ: «أتمَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وقَصَر» قاله الشَّافعيُّ، ورواه الدَّارَقُطْنيُّ، وصحَّحه
(1)
، «وبيَّن سلمانُ أنَّ القصرَ رُخصةٌ بمَحضَرِ اثنيْ عشَرَ صحابيًّا» رواه البَيهَقيُّ بإسنادٍ حسَنٍ
(2)
، ولمَّا أَتَمَّت عائشةُ قال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أحسنتِ» رواه أبو داود الطَّيالِسِيُّ والدَّارَقُطْنيُّ، وقال:(إسنادُ حسَنٌ)
(3)
.
(1)
أخرجه الدارقطني (2297)، باللفظ الذي ذكره المصنف، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه سنده طلحة بن عمرو الحضرمي، ضعفه الدارقطني والبيهقي، وقال ابن حجر في التقريب:(متروك)، وأما اللفظ الذي صححه الدارقطني فأخرجه بعده (2298)، عن عائشة رضي الله عنها:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم» ، وقال:(هذا إسناد صحيح)، وقال أحمد (منكر)، ورجَّح ابن عبد الهادي وابن حجر وقفه على عائشة، قال ابن حجر في البلوغ:(ورواته ثقات، إلا أنه معلول والمحفوظ عن عائشة رضي الله عنها من فعلها)، والرواية الموقوفة أخرجها البيهقي (5430)، من طريق شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصلي في السفر أربعًا، فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: «يا ابن أختي، إنه لا يشق علي» . ينظر: تنقيح التحقيق 2/ 519، التلخيص الحبير 2/ 112، بلوغ المرام (431).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (4283، 10329)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (6053)، وأبو نعيم في الحلية (6053)، والبيهقي في الكبرى (5439)، وابن أبي شيبة (8160)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2420)، عن أبي ليلى الكندي قال: أقبل سلمان في اثني عشر راكبًا - أو ثلاثة عشر - من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما حضرت الصلاة قالوا: تقدم يا أبا عبد الله قال: «إنا لا نؤمكم، ولا ننكح نساءكم، إن الله هدانا بكم» ، قال: فتقدم رجل من القوم فصلى أربع ركعات، فلما سلم قال سلمان:«ما لنا وللمربَّعة، إنما كان يكفينا نصف المربعة، ونحن إلى الرخصة أحوج» ، وفيه عنعنة أبي إسحاق السبيعي وهو مدلس.
وأخرجه ابن أبي شيبة (8161)، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر كما في المطالب العالية (729)، من وجه آخر، وفيه راوٍ مجهول، والأثر ثابت بمجموع الطريقين والله أعلم.
(3)
لم نقف عليه عند الطيالسي، وأخرجه النسائي (1456)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (4258)، من رواية عبد الرحمن بن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه الدارقطني (2293)، ومن طريقه البيهقي (5428)، من رواية عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة، ولفظه:«خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة رمضان، فأفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصمت وقصر وأتممت» الحديث، وأُعلَّ هذا الحديث بعلتين: الأولى: أن عبد الرحمن لم يسمع من عائشة، وأن الرواية بذكر أبيه غير محفوظة قاله أبو حاتم وأبو بكر النيسابوري، ورجَّح جمع من الأئمة ثبوت سماعه منها، والثانية: أن ذكر العمرة في رمضان منكر، قاله ابن القيم والذهبي وابن عبد الهادي وابن الملقن وابن حجر، وقالوا:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رمضان قط). ينظر: علل الدارقطني 14/ 258، الهدي 2/ 55، 2/ 93، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 2/ 520، تنقيح التحقيق للذهبي 1/ 270، البدر المنير 4/ 526، التلخيص الحبير 2/ 111.
وقيل: يَجب القصرُ، وهو قولُ حماد
(1)
.
وعنه: الوقفُ.
وقال مرَّةً: لا يُعجبني الإتمامُ
(2)
، وكرِهه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(3)
، قال في «الفروع»: وهو أظهرُ.
مسائل:
الأولى: يُعتبَر تحقيقُ المسافة، فلو شكَّ في قدر السَّفر؛ لم يَقصُر وإن بان بعده أنَّه طويلٌ، كما لو صلَّى شاكًّا في دخول الوقت. وقال ابن أبي موسى وابن عَقِيلٍ: متى بلغ المسافةَ قَصَر، وعنه: إن بلغ عشرين فرسخًا.
الثَّانية: أنَّه لا بدَّ أن يَقصِد جِهةً مُعيَّنةً، فلو سافر ولم يَقصِدها؛ لم يَقصُر، وأنَّه
(4)
لا بدَّ من الجزم ببلوغ المسافة، فلو علِم صاحبَه في بلدٍ بعيدٍ، ونوى إن وجده قَبْلَه؛ لم يَقصُر.
وقيل: إن بلغ مسافة قصر؛ قصَر
(5)
، وكذا سائحٌ وتائهٌ.
الثَّالثة: إذا سافر ليَترخَّص؛ فقد ذكروا لو سافَر ليُفطر؛ حَرُما. وقيل: يُكرَه.
(1)
في (ب) و (د) و (و): جماعة. والصواب المثبت، لموافقته ما في المغني 2/ 197، والشرح الكبير 5/ 50، وهو حماد بن أبي سليمان.
(2)
ينظر: التمهيد 11/ 187.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 82.
(4)
في (و): فإنه.
(5)
قوله: (قصر) سقط من (أ).
ومثلُه: من لا خُفَّ في رجله، فلبسه لغرَض المسح خاصَّةً؛ لا يُستحبُّ له، كما لا يُستحَبُّ إنشاءُ السَّفر لغرَض الترخُّص
(1)
، ويأتي من سافر
(2)
يقصد حلَّ يمينه.
الرَّابعة: يَقصُر ويترخَّص مسافر مُكرَهًا؛ كأسيرٍ على الأصحِّ؛ كامرأةٍ وعبدٍ تَبَعًا لزوجٍ وسيِّدٍ في نيَّته وسفره.
وفيهما وجهٌ: لا قَصْرَ.
وقال أبو المعالي: والجيشُ مع الأميرِ، والجنديُّ مع أميره إن كان رزقُهم في مال أنفسهم، ففي أيِّهما يعتبر نيَّته؟ فيه وجهان، وإلاَّ فكالأجير.
والعبدُ لشريكين؛ تُرجَّح نيَّة إقامة أحدهما.
والأسير إذا صار ببلدهم، فإنَّه يُتمُّ في المنصوص
(3)
؛ تَبَعًا لإقامتهم، كسفرهم.
الخامسة: يُوتِر ويركع سنَّةَ الفجر في السَّفر، ويخيَّر في غيرهما.
وعند الشَّيخ تقيِّ الدِّين: يُسنُّ تركُ غيرهما
(4)
.
وأطلق أبو المعالي التَّخييرَ في النَّوافل والسُّنن.
ونقل ابن هانِئٍ: يتطوَّع أفضل
(5)
، وجزم به في «الفصول» و «المستوعب» ، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في غير الرَّواتب
(6)
، ونقله بعضهم إجماعًا
(7)
.
(فَإِنْ أَحْرَمَ فِي الحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ، أَوْ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ)؛ أتمَّ، نَصَّ
(1)
في (ز) و (و): الرخص.
(2)
في (ب) و (ز): في مسافر.
(3)
ينظر: مسائل صالح 3/ 198، مسائل أبي داود ص 331.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 128.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 81.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 87.
(7)
ينظر: الفروع 3/ 87.
عليهما
(1)
؛ لأنَّها عبادةٌ اجتمع لها حكم الحضر والسَّفر، فغُلِّبَ حكم الحضر كالمسح.
وفي الثَّانية وجْهٌ: اعتبارًا بحالة أدائها؛ كصلاة صحَّة في مرض.
والمسألةُ مصوَّرةٌ في راكب السَّفينة، فلو سافر بعد دخول الوقت؛ لم يَجُز القصرُ في قول أصحابنا؛ لأنَّه تعيَّن فعلها أربعًا، فلم يجز النُّقصان منها كالمنذورة.
وعنه: يجوز، وحكاه ابن المنذر إجماعًا
(2)
؛ لأنَّها مؤدَّاةٌ في السَّفر، أشبه ما لو دخل وقتها فيه.
وقيل: إن ضاق الوقت؛ لم يَقصُر
(3)
وجهًا واحدًا.
(أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ)؛ أتمَّها إجماعًا، حكاه أحمدُ وابنُ المنذِر
(4)
، إلاَّ أنَّه قال: اختُلف فيه عن الحسَن، ولأنَّ القضاءَ معتبَرٌ بالأداء، وهو أربَعٌ.
(أَوْ) ذَكَرَ (صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ) أتمَّ، نَصَّ عليه
(5)
، وقاله الأوزاعيُّ؛ لأنَّ القصرَ من رُخَص السَّفر، فبطل بزواله؛ كالمسح ثلاثًا.
وكذا لو أخَّرها مسافِرٌ عمدًا حتَّى خرج وقتُها، أو ضاق عنها، قاله في «المحرَّر» وغيره؛ لأنَّها تَعلَّقتْ بذِمَّته كالدَّين، والأصلُ الإتمامُ.
وقيل: يَقصُر فيهما، وفيما إذا ذكر صلاة حضَرٍ في سفرٍ.
(أَوِ ائْتَمَّ مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ) أتمَّ، نَصَّ عليه
(6)
، قال ابنُ عبَّاسٍ:«تلك السُّنَّة»
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 730.
(2)
ينظر: الأوسط 4/ 354.
(3)
هنا ينتهي السقط من (د).
(4)
ينظر: الأوسط 4/ 368.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 109.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 480، مسائل ابن هانئ 1/ 81.
رواه أحمد
(1)
، ولأنَّها صلاةٌ مردودةٌ من أربَعٍ، فلا يُصلِّيها خلْف من يصلِّي الأَربَع كالجمعة.
وسواءٌ أدرك معه جميع الصَّلاة، أو بعضَها، اعتقده مسافرًا أو لا.
وعنه: في ركعة فأكثر.
فعلى الأولى: إن أدرك معه تَشهُّدَ الجمعة؛ أتمَّ، نَصَّ عليه
(2)
. وعلى الثَّانية: يَقصُر.
ويتوجَّه تخريجٌ من صلاة الخوف: يَقصُر مسافِرٌ مطلقًا، كما خرَّج بعضُهم إيقاعَها مرَّتيْنِ على صحَّة مفترِضٍ بمتنفِّلٍ.
وشمِل ما إذا أحرم المسافرون خلْف مسافِرٍ، فأحدث واستخلف مقيمًا، فيَلزَمُهم الإتمامُ دون إمامهم المحدِث.
(أَوْ بِمَنْ
(3)
يَشُكُّ فِيهِ)؛ أي: في إقامته وسفره؛ لزمه أن يُتمَّ، وإن بان أنَّ الإمامَ مُسافِرٌ لعدَم نيَّته، لكن إذا علِم أو غلَب على ظنِّه أنَّ الإمامَ مُسافِرٌ بأَمَارةٍ وعَلامةٍ؛ كهَيئة لِباسٍ، لا أنَّ
(4)
إمامَه نوى القصرَ؛ فله أن ينويَه؛ عملاً بالظَّنِّ.
(1)
أخرجه أحمد (1862)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (12895)، والطبري في تهذيب الآثار (333)، وأبو الشيخ في الأقران (117)، عن موسى بن سلمة، قال: كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال:«تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم» ، وإسناده حسن.
وأخرجه مسلم (688)، وابن خزيمة (951)، عن موسى بن سلمة الهذلي، بلفظ: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: «ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم» ، قال ابن خزيمة:(هذا الخبر عندي دال على أن المسافر إذا صلى مع الإمام فعليه إتمام الصلاة).
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 86.
(3)
في (و): من.
(4)
قوله: (لا أن) هو في (ب) و (و): لأن.
ولو قال: إن قَصَر قَصَرتُ، وإن أتمَّ أتممْتُ؛ لم يَضُرَّ.
وإن سبق إمامَه الحدث، فخرج قبل علمه بحاله؛ فله القصرُ؛ عمَلاً بالظَّاهر.
وقيل: يَلزَمه الإتمامُ؛ لأنَّه الأصل.
(أَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَلْزَمُه إِتْمَامُهَا)؛ كما لو اقتدى بمقيمٍ، أو نَوَى الإِتْمامَ، (فَفَسَدَتْ) بالحدَث، ونحوِه، (وَأَعَادَهَا)؛ أتمَّ؛ لأنَّها وجبتْ عليه بتلبُّسه بها.
وقيل: إن بان أنَّ الإمامَ محدِثٌ قبل السَّلام؛ ففي وُجوب الإتمام وجهان.
(أَوْ لَمْ يَنْوِ القَصْرَ) عند الإحرام؛ (لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ)، ذَكَره معظمُ الأصحاب؛ لأنَّه الأصلُ، وإطلاقُ النِّيَّة يَنصرِف إليه، كما لو نوى الصَّلاةَ مُطلقًا انصرف إلى الانفراد الذي هو الأصلُ.
فعلى هذا: إن شكَّ في النِّيَّة في
(1)
الصَّلاة أتمَّ، فإن ذكر أنَّه كان نوى القصرَ لم يَقْصُر، ذكره في «المذهب» و «الشَّرح» ؛ لأنَّه لزِمه الإتمامُ، فلم يَزل.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) وجماعةٌ: (لَا يَحْتَاجُ الجَمْعُ وَالْقَصْرُ إِلَى نِيَّةٍ)؛ لأنَّه مُخَيَّرٌ قبل الدُّخول في الصَّلاة، فكذا بعده، والقصرُ هو الأصلُ؛ لخبر عُمرَ وعائشةَ
(2)
، ولأنَّ السَّفرَ حال يُبِيح القصرَ، فإذا تلبَّس المسافِرُ بها فيه بغير نيَّةٍ؛ جاز له القصرُ؛ لقيام السَّفر مقامَ نيَّته؛ كالإتمام في الحضر.
فعلى هذا: لو نوى الإتمامَ
(3)
، ثمَّ أراد القصْر؛ قَصَر؛ لأنَّه رُخصةٌ.
(1)
في (أ): من.
(2)
أثر عمر أخرجه مسلم (686)، وأثر عائشة سبق 2/ 548 حاشية (1).
(3)
في (د): الإمام.
وقيل: لا؛ لأنَّ ما يوجِب
(1)
الأَربَع قد وجد.
مسائل:
منها: إذا صلَّى مسافِرٌ ومُقِيمٌ خلْف مُسافِرٍ؛ أتمَّ المقيمُ إذا سلَّم إمامُه إجماعًا
(2)
.
ومنها: إذا أمَّ مسافِرٌ مقيمين فأتمَّ بهم الصَّلاةَ، صحَّ؛ لأنَّ المسافِرَ يَلزَمه الإتمامُ بنيَّته.
وعنه: تَفسُد صلاةُ المقيمين، قال القاضي: لأنَّ الرَّكعتين الأخيرَتَين نفْلٌ في حق الإمام، فلا يَؤمُّ بهما مفترِضٌ.
ومنها: إذا انتقل مسافِرٌ من القصر إلى الإتمام؛ جاز، وفرضه الأُولَيانِ، قاله ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه.
وإنْ فَعَله عمدًا مع بقاء نيَّة القصر؛ فهل تَبطُل صلاتُه؟ على وجهين.
وإن لم يغيِّر
(3)
نيَّة القصر، وصلَّى أربعًا؛ سجد للسَّهو على الأصحِّ، ولا يجب ذلك على الأشهر، فإن كان إمامًا، وعلِم المأمومُ أنَّه لم يُرِد الإتمامَ؛ سبَّحوا به، ولم يُتابِعوه؛ لأنَّه سهوٌ، فإن تابَعوه؛ فوجهان.
ومنها: إذا شكَّ هل نوى إمامه الإتمام، أو قام سهوًا؟ لزِم
(4)
متابعتُه.
وقال ابن عقيل: إن قام إلى ثالثةٍ عمدًا أتمَّ، فإن سلَّم منها عمدًا؛ بطَلتْ، وإن قام سهوًا؛ لم يَلزَمه الإتمامُ، فإن شاء سجد وجلس، وإن شاء أتمَّ.
ومنها: إذا نوى مسافِرٌ القصرَ خلْف مقيمٍ عالِمًا بذلك؛ لم يَصِحَّ. وقيل:
(1)
في (أ): موجب.
(2)
ينظر: المغني 2/ 211.
(3)
في (أ): تعتبر، وفي (و): يعتبر.
(4)
في (ب) و (ز): لزمه.
بلى، ويُتِمُّها. وقيل: ويَقصُرها، وفي وجوب نيَّة سفر القصر في أوَّله؛ وجهان.
وإذا نوى الظُّهرَ تامَّةً مُسافِرٌ أو عبدٌ خلْف إمامِ جمعةٍ؛ لم يَصِحَّ، نَصَّ عليه
(1)
.
(وَمَنْ لَهُ طَرِيقَانِ بَعِيدٌ وَقَرِيبٌ، فَسَلَكَ الْبَعِيدَ)؛ قَصرَ، كذا في «الوجيز» وغيرِه؛ لأنَّ المسافةَ بعيدةٌ، أشْبهَ المنفرِدَ، وكما لو كان الآخَرُ مَخُوفًا أو مُشِقًّا.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: إن سلكه لرفع أذيَّةٍ، واجتلابِ نفعٍ؛ قَصر قولاً واحدًا، وإن كان لا لغرَضٍ صحيحٍ؛ خُرِّج على الرِّوايتين في سفر النُّزهة، قال ابنُ حَمدانَ: ومثلُه بقيَّةُ رُخَص السَّفر.
(أَوْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي) سفر (آخَرَ؛ فَلَهُ الْقَصْرُ)؛ لأنَّ وجوبَها وفِعلَها وُجِد في السَّفر، أشبَه ما لو أدَّاها. وقيل: يُتِمُّها؛ كذكره لها في إقامة متخلِّلة.
وظاهره: أنَّه إذا ذكرها فيه؛ أنَّه يقصر وِفاقًا
(2)
.
وفيه وجْهٌ: يُتِمُّها؛ لأنَّه مختصٌّ بالأداء؛ كالجمعة.
قال ابنُ تميمٍ وغيره: وقضاءُ بعض الصَّلاة في ذلك؛ كقضاء جميعها.
(وَإِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ أَكْثَرَ مِنْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً)؛ أي: اثنتين وعشرين صلاةً؛ (أَتَمَّ، وَإِلاَّ قَصَرَ)، هذا هو المشهور عن أحمد، وفي «الكافي»: أنَّه المذهب، واختاره الخِرَقيُّ والأكثرُ؛ لما احتجَّ به أحمد، ومعناه متَّفقٌ عليه من حديث جابر وابن عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قدِم مكَّةَ صبيحةَ
(1)
ينظر: الفروع 3/ 90.
(2)
ينظر: الجوهرة النيرة 1/ 88، التاج والإكليل 2/ 496، منهاج الطالبين 1/ 44، المغني 2/ 209.
رابِعةٍ من
(1)
ذي الحجَّة، فأقام بها الرَّابع والخامس والسَّادس والسَّابع، وصلَّى الصُّبحَ في اليوم الثَّامن، ثمَّ خرج إلى مِنًى، وكان يَقصُر الصَّلاةَ في هذه الأيام، وقد أجمعَ على إقامتها»
(2)
، وقال أنسٌ:«أقمنا بمكَّةَ عشرًا نَقصُر الصَّلاةَ» متَّفقٌ عليه
(3)
، قال الأثرمُ: سمعتُ أبا عبد الله يَذكُر حديثَ أنسٍ، ويقول:(هو كلامٌ ليس يَفقَهُه كل أحدٍ)
(4)
، ووجهه: أنَّه حسب مقام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بمكةَ ومِنًى، وليس له وجْهٌ غير هذا.
وعنه: إن نوى إقامةَ أكثر من أربعة أيَّامٍ؛ أتمَّ، وإلاَّ قَصَر، قدَّمه السَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص» ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه القاضي، وذكر ابنُ عَقِيلٍ أنَّه المذهب؛ لأنَّ الذي تحقَّق أنَّه عليه السلام نواه: إقامة أربعة أيَّامٍ؛ لأنَّه كان حاجًّا، والحاجُّ لا يَخرُج قبل يوم التَّرْويةِ.
وعنه: إن نوى إقامةَ أربعةِ أيَّامٍ؛ أتمَّ، وإلاَّ قَصَر، قدَّمه في «المحرَّر»؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«يُقيمُ المهاجِرُ بعد قضاءِ نُسُكِهِ ثلاثًا»
(5)
، وبأنَّ عمر أجْلى اليهود من جزيرة العرب وضرب لهم أجلاً ثلاثًا
(6)
.
(1)
قوله: (من) سقط من (ب) و (ز).
(2)
حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه البخاري (2505)، ومسلم (1213)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1564)(2505)، ومسلم (1240)، وليس باللفظ الذي ذكره المصنف، وإنما ذكره المصنف بمعناه.
(3)
أخرجه البخاري (1081)، ومسلم (693).
(4)
ينظر: المغني 2/ 213.
(5)
أخرجه البخاري (3933)، ومسلم (1352)، من حديث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه.
(6)
أخرجه مالك برواية أبي مصعب الزهري (1864)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (18762)، عن نافع، عن أسلم مولى عمر: أن عمر بن الخطاب ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوقون بها، ويقضون حوائجهم، ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال.
وأخرجه مالك برواية محمد بن الحسن (873)، وابن أبي شيبة (32992)، وابن زنجويه في الأموال (417)، وأبو عبيد في الأموال (272)، وابن المنذر في الأوسط (6417)، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب، وذكره. فجعل مكان:(أسلم): ابن عمر. وهو صحيح عن عمر رضي الله عنه.
وفي «النَّصيحة» : فَوق ثلاثة أيَّامٍ، لا خمسةَ عشَرَ يومًا، بل في رُستاقٍ
(1)
يَنتقل فيه، نَصَّ عليه
(2)
، كقصره عليه السلام بمكةَ ومِنًى وعَرَفةَ عَشْرًا
(3)
.
ويُحتسَب يوم الدُّخول والخروج من المُدَّة على الأظهر.
ولا فرق بين أن يكون البلدُ للمسلمين أو لغيرهم، وفي «التَّلخيص»: أنَّ إقامة الجيش للغزو لا يَمنع التَّرخُّص وإن طال؛ لفعله عليه السلام
(4)
.
وظاهِرُه: أنَّه إذا نوى الإقامةَ بمَوضِعٍ يتعذَّر فيه الإقامة؛ كالبرِّيَّة؛ لا يَقصُر؛ لأنَّه نوى الإقامة.
والمذهب: بلى؛ لأنَّه لا يمكنه الوفاءُ بهذه النِّيَّة، فلَغتْ، وبقِيَ حُكمُ السَّفر الأوَّل مُستدامًا.
فلو نوى المسافِرُ إقامةً مُطلَقةً، وقيل: بموضع يُقامُ فيه؛ أنَّه يُتِمُّ.
ومن نوى إقامةً تَمنَع القصرَ، ثمَّ نوى السَّفر قبل فَراغها؛ فقيل: يقصر
(5)
، وقيل: إذا سافر.
(وَإِنْ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ)؛ قَصَر؛ «لأنَّه عليه السلام أقام بتبوكَ عشرين يومًا يَقصُر الصَّلاةَ» إسنادُه ثِقاتٌ، رواه أحمد وأبو داود والبيهقي، وقال: تفرَّد معمر بروايته مسنَدًا، ورواه عليُّ بن المبارَك مرسَلاً
(6)
، «ولمَّا فتح النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مكَّةَ؛
(1)
قال في المصباح 1/ 226: (الرستاق: معرب، ويستعمل في الناحية التي هي طرف الإقليم، والرزداق، بالزاي والدال: مثله، والجمع: رساتيق، ورزاديق).
(2)
ينظر: الفروع 3/ 94.
(3)
أخرجه البخاري (1081)، ومسلم (693) من حديث أنس رضي الله عنه.
(4)
كما في فتح مكة وغزوة تبوك، وسيأتي تخريجه قريبًا.
(5)
في (أ) و (ز): تقصر.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (4335)، ومن طريقه أحمد (14139)، وأبو داود (1235)، وابن حبان (2749)، والبيهقي في الكبرى (5473)، من رواية معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر موصولاً، وأخرجه ابن أبي شيبة (8209)، مرسلاً من رواية علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير به، قال أبو داود:(غير معمر يرسله، لا يسنده)، وأعله الدارقطني بالإرسال، وصححه ابن حزم والنووي، وقال:(ولا يقدح فيه تفرد معمر؛ فإنه ثقة حافظ، فزيادته مقبولة)، وكذا قال ابن الملقن، وصححه الألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 734، البدر المنير 4/ 538، التلخيص الحبير 2/ 114، الإرواء 3/ 23.
أقام فيها
(1)
تِسعَ عشْرةَ
(2)
يُصلِّي ركعتَين» رواه البخاريُّ
(3)
، وقال أنَسٌ:«أقام أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِرامَهُرْمُزَ تسعةَ أَشهُرٍ يَقصُرون الصَّلاةَ» رواه البَيهَقيُّ بإسنادٍ حسَنٍ
(4)
، قال ابنُ المنذِر:(أجمعوا أنَّ المسافِرَ يَقصُر ما لم يُجمِعْ إقامةً، ولو أتى عليه سِنونَ)
(5)
.
ولا فرق بين أن يغلِب على ظنِّه كثرةُ ذلك أو قلَّته، وصرَّح به في «الكافي» ، وابنُ تميمٍ.
وقيل: إن ظنَّ قضاءَ حاجته من استواء ريحٍ أو خروج قافلةٍ؛ لم يَقصُر، كما لو علِم.
(أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا)؛ قَصَر؛ لما روى الأثرمُ: «أنَّ ابنَ عمر أقام بأَذْرَبِيجَانَ ستَّةَ أَشهُرٍ يَقصُر الصَّلاةَ، وقد حال الثَّلجُ بينه وبين الدُّخول»
(6)
، وفي معناه:
(1)
في (د) و (و): بها.
(2)
في (ب) و (ز): تسعة عشر.
(3)
أخرجه البخاري (4299).
(4)
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 481)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (5480)، عن يحيى بن أبي كثير عن أنس، وصحح إسناده النووي، وصححه ابن حجر، وأعله الألباني بالانقطاع بين يحيى وأنس، قال ابن حبان:(لم يسمع من أنس ولا من صحابي شيئًا). ينظر: الثقات 7/ 596، الخلاصة 2/ 734، الدراية 1/ 212، الإرواء 3/ 27.
(5)
ينظر: المغني 2/ 215.
(6)
ساق شيخ الإسلام ابن تيمية إسناد الأثرم كما في مجموع الفتاوى (24/ 142)، وأخرجه عبد الرزاق (4339)، وابن سعد في الطبقات (4/ 162)، والطبري في تهذيب الآثار - مسند عمر - (401)، والبيهقي في الكبرى (5476)، وصحح إسناده النووي وابن حجر والألباني. ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 734، الدراية 1/ 212، الإرواء 3/ 27.
إذا حبسه مرضٌ أو مطرٌ، فإن حُبِس بحقٍّ؛ لم يَقصُر.
(أَوْ لَمْ يَنْوِ الإْقَامَةَ؛ قَصَرَ أَبَدًا)؛ لما تقدَّم، وعن عليٍّ قال:«يَقْصُر الذي يقول: أخرجُ اليومَ، أخرجُ غدًا، شهرًا»
(1)
، وعن سعدٍ:«أنَّه أقام في بعض قرى الشَّام أربعين يومًا يَقصُر الصَّلاةَ» رواهما سعيدٌ
(2)
.
ولا فرق - إذا لم ينوِ الإقامةَ، أو نواها مدَّةً لا تَمنَع القصرَ - بين أن يكون
(3)
البلد مُنتهى قصْدِه أو لم تكن على المنصوص
(4)
، وهو ظاهر كلام الخِرَقيِّ والأكثرِ؛ لأنَّه عليه السلام «قصر في حجِّه مدَّةَ مُقامه بمكَّةَ»
(5)
، وكان مُنتهى قصْدِه، وكذلك الخلفاءُ مِنْ بعدِه.
وقال بعضُ أصحابنا: إذا كان مُنتهى قصْدِه؛ لم يقصر حتَّى يخرج منه؛ لانتهاء سفره.
وهذا كلُّه إذا لم يكن فيه زوجةٌ، أو تزوَّج، فإنَّه يتمُّ على الأشهر.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (4334)، وابن أبي شيبة (8213)، والبيهقي في الخلافيات (2670)، وضعفه ابن المنذر في الأوسط (4/ 356)، وقال البيهقي في الخلافيات:(هذا مرسل).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (4350)، وابن أبي شيبة (8200)، والطبري في تهذيب الآثار - مسند عمر - (387)، وابن المنذر في الأوسط (2290)، والبيهقي في الخلافيات (2384)، عن عبد الرحمن بن المسور به، وإسناده جيد؛ قال الحافظ في التقريب عن عبد الرحمن بن المسور:(مقبول)، وقد وثَّقه الذهبي في الكاشف ص 644، وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 101، وروى له مسلم حديثًا في الأصول، وروى عنه جمع، فأقل أحواله أنه حسن الحديث.
(3)
قوله: (يكون) سقط من (أ).
(4)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 160.
(5)
سبق تخريجه 2/ 556 حاشية (2) و (3) من حديث ابن عباس وجابر وأنس رضي الله عنهم.
وعنه: أو أهلٌ أو ماشيةٌ؛ لأنَّه قول ابن عبَّاسٍ
(1)
.
وقيل: أو مالٌ.
وقيل: إن كان به ولدٌ أو والدٌ أو دارٌ قَصَر، وفي أهلٍ غيرِهما ومالٍ؛ وجهان.
فرعان:
الأول
(2)
: إذا مَرَّ المسافِرُ بوطنه؛ أتمَّ.
وعنه: لا، ولا حاجةَ فيه، وإلاَّ قَصَر.
الثَّاني: إذا نَسي حاجةً في بلده، فرجع لأخذها عن قرب؛ قَصَر في رجوعه، اختاره المؤلِّف.
وفي وجْهٍ: لا، اختاره القاضي، وحكاه عن أحمدَ.
وفي رجوعه إلى غير وطنه؛ وجهان.
فإن نوى أن يقيم به ما يَمنَع القصرَ؛ لم يَقصُر في رجوعه.
وقيل: إن قصد بلدًا بعينه، ونوى الرُّجوعَ قريبًا؛ قَصَر في رجوعه، نَصَّ عليه
(3)
.
مسألةٌ: إذا سافَر من ليس بمكلَّف سفرًا طويلاً، ثمَّ كُلِّف بالصَّلاة في أثنائه؛ فله القَصرُ مطلقًا فيما بقِيَ.
(1)
أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 48)، وعبد الرزاق (4297)، وابن أبي شيبة (8140)، وابن المنذر في الأوسط (2294)، والبيهقي في الكبرى (5494)، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لابن عباس: أقصر إلى عرفة؟ قال: «لا، ولكن إلى جدة وعسفان والطائف، وإن قدمت على أهل أو ماشية فأتم» ، وإسناده صحيح كما قال الحافظ في التلخيص 2/ 117.
(2)
قوله: (الأول) سقط من (ب) و (ز).
(3)
ينظر: الشرح الكبير 5/ 42.
(وَالمَلاَّحُ) صاحب السَّفينة، قاله الجوهريُّ
(1)
، (الذِي مَعَهُ أَهْلُهُ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ بِبَلَدٍ؛ لَيْسِ لَهُ التَّرَخُّصُ) أي: يعتبر للسَّفر
(2)
المبيح: كونه منقطعًا، فإن كان دائمًا كما مثَّله؛ لم يترخَّص، نَصَّ عليه
(3)
، وهو قول الحَسن وعطاءٍ؛ لأنَّه غير ظاعِنٍ عن وطنِه وأهلِه، أشبه المقيمَ.
فعلى هذا: لا يترخَّص بفطر رمضان؛ لأنَّه يقضيه في السَّفر، وكما تعتدُّ امرأتُه مكانها كمقيم.
وظاهره: أنَّه لا بدَّ من اجتماع الأمرَين، فلو انتفى أحدُهما؛ لم يَمنَع التَّرخُّص.
ولم يَعتبِر القاضي فيه أن يكون معه أهله، وهو خلاف نصوصه؛ لأنَّ الشَّبَهَ لا يَحصُل حقيقةً
(4)
إلاَّ بمجموع الأمرَين.
ومثلُه مُكارٍ، وساعٍ، وبريدٌ، وراعٍ، ونحوُهم، نَصَّ عليه
(5)
.
وقيل: عنه: يترخَّص، اختاره المؤلِّفُ، سواءٌ كان معه أهله أو لا؛ لأنَّه أشقُّ.
(1)
ينظر: الصحاح 1/ 408.
(2)
في (ب) و (ز): السَّفر.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 87، مسائل أبي داود ص 107، مسائل صالح 3/ 45.
(4)
في (أ): حقيقته.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 87، مسائل أبي داود ص 107، مسائل صالح 3/ 45.
(فَصْلٌ فِي الجَمْعِ)
(يَجُوزُ الجَمْعُ)، وتركُه أفضلُ.
وعنه: فعله، اختاره أبو محمَّد الجوزي وغيرُه؛ كجَمعَيْ عرفةَ ومُزدَلِفةَ.
وعنه: التَّوقُّف.
(بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، أَوِ الْعِشَاءَيْنِ
(1)
فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا
(2)
، فهذه الأَربعُ هي التي تُجمَعُ في وقت إحداهما؛ الظُّهر والعصر، أو المغرب
(3)
والعشاء.
(لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: السَّفَرِ الطَّوِيلِ) نَصَّ عليه
(4)
، وهو قولُ أكثرهم؛ لما روى معاذٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان
(5)
في غزوة تَبوكَ إذا ارتحل قبل زَيغ الشَّمس؛ أخَّرَ الظُّهرَ حتَّى يَجمَعَها إلى العصر، يصلِّيهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ
(6)
الشَّمس صلَّى الظُّهرَ والعصرَ جميعًا ثمَّ سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء» رواه أبو داود والتِّرمذيُّ، وقال: حسَنٌ غريب
(7)
، وعن
(1)
في (أ) و (ز): والعشاءين.
(2)
في (ب) و (ز): أحدهما.
(3)
في (أ) و (ب) و (ز): والمغرب.
(4)
ينظر: مسائل عبدالله ص 116، مسائل ابن منصور 2/ 484، مسائل ابن هانئ 1/ 82.
(5)
قوله: (كان) سقط من (أ).
(6)
في (أ): رفع.
(7)
أخرجه أحمد (22094)، وأبو داود (1220)، والترمذي (553)، وابن حبان (1458)، قال الترمذي:(حسن غريب)، وأعلَّ هذا الحديثَ جماعةٌ من الحفاظ، منهم أبو داود والترمذي والطبراني والبيهقي، بتفرد قتيبة به عن الليث، وحكموا على هذه الرواية بالنكارة، قاله الخطيب والمنذري والذهبي، والمحفوظ ما أخرجه مسلم (706):«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعا» ، وقال ابن حجر:(أشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة)، ومال إلى تصحيحه ابن القيم والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق للذهبي 1/ 274، الهدي 1/ 459، البدر المنير 4/ 560، الفتح 2/ 583، الإرواء 3/ 28.
أنس معناه، متَّفقٌ عليه
(1)
.
وظاهِرُه: لا فرق بين أن يكون نازلاً أو سائرًا، في جمع التَّقديم أو التَّأخير
(2)
.
وقال القاضي: لا يجوز إلاَّ لسائِرٍ.
وعنه: لسائِرٍ وقتَ الأولى، فيؤخِّر إلى الثَّانية، اختاره الخِرَقيُّ؛ لما روى ابن عمر قال: «رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجلَهُ السَّيرُ في السَّفرِ يؤخِّرُ المغربَ حتَّى يَجمَعَ بينها
(3)
وبين العشاءِ»، قال سالم: وكان ابنُ عمرَ يَفعَلُه، متَّفقٌ عليه
(4)
.
وقال ابن أبي موسى: الأظهر من مذهبه: أنَّ صفةَ الجمع فِعلُ الأولى آخر وقتها، والثَّانية أولَ وقتها.
وظاهره: أنَّه لا يجوز في القصر على المذهب، وفيه وجْهٌ.
(وَالمَرَضِ الذِي يَلْحَقُهُ بِتَرْكِ الجَمْعِ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ) نَصَّ عليه
(5)
، وصحَّحه جماعةٌ، وجزم به في «المحرَّر» وغيره؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ
(6)
من غير خَوفٍ ولا مَطَرٍ»، وفي رواية:«من غير خوفٍ ولا سَفَرٍ» ، رواهما مسلمٌ من حديث ابن عبَّاسٍ
(7)
، ولا عذر بعد ذلك إلاَّ المرض، وقد ثبت جواز
(1)
أخرجه البخاري (1111)، ومسلم (704).
(2)
في (أ): والتأخير.
(3)
في (ب) و (د): بينهما.
(4)
أخرجه البخاري (1091)، ومسلم (703).
(5)
ينظر: مسائل صالح 3/ 177.
(6)
زاد في (أ) و (ز): (فيه).
(7)
أخرجه البخاري (543)، ومسلم (705)، وليس عند البخاري:«في غير خوف ولا وسفر» ، ولا الرواية الأخرى «من غير خوف ولا مطر» ، وإنما لفظه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا: الظهر والعصر والمغرب والعشاء» ، وأعلَّ بعض الحفاظ لفظة:«ولا مطر» ، منهم: البزار وابن عبد البر والبيهقي. ينظر: الفتح لابن رجب 4/ 261، نصب الراية 2/ 193، الفتح لابن حجر 2/ 23.
الجمع للمستحاضة؛ وهي نوعُ مرضٍ.
وفي «الوجيز» : يجوز بكلِّ عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة، عدا النعاس ونحوه، انتهى.
واحتجَّ أحمدُ: بأنَّ المرض أشدُّ من السَّفر، وشرط بعضهم: إن جاز له ترك القيام، واحتجم أحمد بعد الغروب ثمَّ تعشَّى، ثم جمع
(1)
بينهما
(2)
.
وعنه: لا يجوز؛ لما سبق.
تنبيهٌ: يجوز لمرضع، نَصَّ عليه
(3)
، للمشقَّة بكثرة النَّجاسة. وفي «الوسيلة» روايةٌ: لا.
وقال أبو المعالي: هي كمريض، وكمن به
(4)
سلَس البول، ذكره في «المحرَّر» ، ولكلِّ من يَعجِز عن الطَّهارة والتَّيمُّم لكلِّ صلاة، وعن
(5)
معرفة الوقت؛ كأعمى ونحوه، أومَأ إليه أحمد
(6)
، ومن له شغل أو عذر يبيح ترك جمعة وجماعة، قاله ابن حمدان وغيره.
(وَالمَطَرِ الذِي يَبُلُّ الثِّيَابَ)، نَصَّ عليه
(7)
، وهو قول الأكثر؛ لما تقدَّم من حديث ابن عبَّاسٍ، وفعله ابن عمر، رواه مالكٌ
(8)
، قال أبو سلمة: «من السُّنَّة
(1)
في (أ): فجمع.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 105.
(3)
ينظر: التمهيد لابن عبد البر 12/ 216.
(4)
في (أ): له.
(5)
في (أ) و (ز): وغير.
(6)
عزاه في الإنصاف 5/ 90 إلى الرعاية.
(7)
ينظر: مسائل أبي داود ص 108.
(8)
أخرجه مالك (1/ 145)، وعنه عبد الرزاق (4438)، والبيهقي في الكبرى (5556)، وإسناده صحيح.
إذا كان يومٌ مَطِيرٌ أن يَجمَع بين المغرب والعشاء» رواه الأثرم
(1)
، وروى النَّجَّاد بإسناده:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مَطيرةٍ»
(2)
، وفعَله أبو بكر وعمر وعثمان
(3)
.
وحكم الثَّلج كذلك في المنصوص
(4)
.
وفيهما وجه: لا يجوز، قال ابن تميم:(وهو ظاهر كلام أحمد).
وظاهره: أنَّه لا يجوز لِطَلٍّ، ولا لمطرٍ خفيفٍ لا يَبُلُّ الثِّيابَ، وهو الأصحُّ؛ لعدم المشقَّة، وفيه وجْهٌ.
(إِلاَّ أَنَّ جَمْعَ المَطَرِ يَخْتَصُّ الْعِشَاءَيْنِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) نَصَّ عليه
(5)
، واختاره جمهور الأصحاب، قال في «الفروع»:(وهو الأشهر)؛ لأنَّه لم يَرِد إلاَّ في المغرب والعشاء، ومشقَّتُهما أكثرُ من حيث إنَّهما يفعلان في الظُّلمة، ومشقَّة السَّفر لأجل السَّير وفوات الرفقة، وهو معدوم هنا.
(1)
ينظر: التمهيد (12/ 212).
(2)
أخرجه الضياء المقدسي كما في المنتقى من مسموعات مرو، ذكره الألباني في الإرواء، وحكم عليه بقوله:(ضعيف جدًّا)، ينظر: الإرواء 3/ 39.
(3)
أخرجه النجاد بإسناده كما في تعليقة القاضي (3/ 91)، عن عروة بن الزبير، قال:«جُمِع على عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم في الليلة المطيرة، يفرغ من المغرب، ثم يؤذن المؤذن العشاء، ثم يقيم» ، ولم نقف على إسناده، إلا أن رواية عروة عن الخلفاء منقطعة، قال أبو حاتم وأبو زرعة:(حديثه عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم مرسل).
وأخرج ابن وهب كما في المدونة (1/ 204)، عن ابن قسيط:«أن جمع الصلاتين بالمدينة في ليلة المطر، المغرب والعشاء؛ سُنَّة، وأن قد صلاها أبو بكر وعمر وعثمان على ذلك» ، ولا بأس برجاله، إلا أنه منقطع، يزيد بن قسيط لم يدرك الخلفاء الثلاثة.
وأخرج عبد الرزاق (4440)، عن صفوان بن سليم قال:«جمع عمر بن الخطاب بين الظهر والعصر في يوم مطير» . وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه إبراهيم بن محمد وهو متروك، وصفوان لم يدرك عمر رضي الله عنه.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 105.
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 372.
والثَّاني: يجوز بين الظُّهر والعصر كالعشاءين، وهو رواية، اختاره القاضي وأبو الخطَّاب
(1)
، وصحَّحه في «المذهب» ؛ لأنَّه معنًى أباح الجمعَ، فأباحه بين الظُّهر والعصر كالسَّفر.
(وَهَلْ يَجُوزُ لِأَجْلِ الْوَحَلِ، أَوِ الرِّيحِ
(2)
الشَّدِيدَةِ
(3)
، أَوْ لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ طَرِيقُهُ تَحْتَ سَابَاطٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، وفيه مسائلُ:
الأولى: يجوز الجمعُ لأجل الوحَل في الأصحِّ، قال القاضي: قال أصحابنا: هو عذرٌ يبيح الجمع بمجرَّده، ويَلحَق به المشقَّة كالمطر.
والثَّاني: لا يبيحه، ذكره أبو الخطَّاب؛ لأنَّ مشقَّته دون مشقَّة المطر، فلا يصحُّ قياسه عليه.
وفيه نَظرٌ؛ لأنَّ الإنسان يتأذَّى به في نفسه وثيابه، وذلك أعظم ضررًا من البَلَل.
وظاهره: لا فرق بين أن يكون ليلاً أو نهارًا على المذهب.
وقيَّده الشَّريف وأبو الخطَّاب في «رؤوس المسائل» : باللَّيل.
وظاهر كلام ابن أبي موسى: اعتبار الظُّلْمة ليلاً.
الثَّانية: يجوز في الرِّيح الشَّديدة، صحَّحه ابن الجوزي والآمِدِيُّ وابنُ تميمٍ، قال أحمد في رواية الميموني:«إنَّ ابن عمر كان يجمع في اللَّيلة الباردة»
(4)
، زاد غير واحد: ليلاً، وزاد في «المذهب» و «الكافي» و «المستوعب»: مع ظُلمةٍ.
(1)
كتب على هامش (و): (قلت: والشيخ تقي الدين).
(2)
في (ز): والريح.
(3)
زاد في (ز): الباردة.
(4)
لم نقف عليه، وذكره عن الميموني: القاضي في التعليقة (3/ 95)، وابن مفلح في الفروع (3/ 107).
والثَّاني
(1)
: المنعُ، وقد عُلما.
الثَّالثة: يجوز لمن يصلِّي وحدَه، أو في جماعةٍ في بيته، أو مسجد طريقُه تحت ساباط، أو بينه وبينه خطوات يسيرة في ظاهر كلام أحمد، قاله القاضي؛ لأنَّ الرُّخصة العامَّة يَستوِي فيها حال وجود المشقَّة وعدمها؛ كالسَّفر.
والثَّاني: لا يجوز، اختاره ابن عقيل، وصحَّحه في «المذهب» ؛ لعدم المشقَّة.
وقيل: إن كان يصلِّي الثَّانية جماعةً في وقتها لم يجمع، وإلاَّ جمع.
(وَيَفْعَلُ الْأَرْفَقَ بِهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْأُولَى إِلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، أَوْ تَقْدِيمِ الثَّانِيَةِ إِلَيْهَا)، كذا ذكره جماعةٌ، منهم
(2)
صاحب «الوجيز» ، وصحَّحه في «الشَّرح»
(3)
؛ لحديث معاذٍ السَّابق، تفرَّد به قتيبة، قال البخاريُّ: قلتُ له: مع مَنْ كتبتَ هذا عن اللَّيث؟ قال: مع خالدٍ المدائني، قال البخاريُّ: (وخالد هذا كان يدخل
(4)
الأحاديث على الشُّيوخ)
(5)
، وروى ابنُ عبَّاسٍ نحوَه، رواه الشَّافعيُّ وأحمدُ
(6)
، «وأخَّر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ يومًا في غَزوةِ تَبوكَ، ثمَّ خرج
(1)
في (أ) و (ز): الثاني.
(2)
في (أ): ومنهم.
(3)
كتب في هامش (و): (واختاره الشيخ تقي الدين).
(4)
قوله: (وخالد هذا كان يدخل الأحاديث على) هو في (أ): رجل يد هذا كان يده لا.
(5)
ينظر: معرفة علوم الحديث للحاكم ص 119.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (4405)، والشافعي كما في المسند (ص 48)، وأبو داود معلقًا (1208)، من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ:«ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال، وإذا سافر قبل أن تزول الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر، قال: وأحسبه قال في المغرب والعشاء مثل ذلك» ، وحسين بن عبد الله ضعيف، واختلف عليه في سنده، وله طرق أخرى، منها ما أخرجه أحمد (2191)، من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس، قال: - لا أعلمه إلا قد رفعه - قال: «كان إذا نزل منزلاً فأعجبه المنزل؛ أخَّر الظهر حتى يجمع بين الظهر والعصر
…
» فذكره، قال ابن حجر:(ورجاله ثقات إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف)، وقوَّاه البيهقي بمجموع طرقه وشواهده، وكذا صححه الألباني أيضًا. ينظر: الفتح 2/ 583، الإرواء 3/ 31.
فصلَّى الظُّهر والعصر جميعًا، ثمَّ دخل، ثمَّ خرج فصلَّى المغربَ والعشاء جميعًا» رواه مالكٌ، عن أبي
(1)
الزُّبير، عن أبي الطُّفيل، عن معاذٍ، قال ابنُ عبد البَرِّ:(هذا حديثٌ صحيحٌ ثابِتُ الإسنادِ)
(2)
، ولأنَّ الجَمْع من رُخَص السَّفر، فلم يَختصَّ بحالةٍ؛ كسائر رُخَصه.
وتقدَّم أنَّه مختَصٌّ بحالة السَّير في روايةٍ، وحُمل على الاستحباب.
والمنصوص عنه: أنَّ الجَمعَ في وقت الثَّانية أفضلُ
(3)
، وذكره المجْدُ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّه أحوطُ، وفيه خروجٌ من الخلاف، وعملٌ بالأحاديث كلِّها.
وقيل: في جَمع السَّفر.
وقيل: التَّقديم، وجزم به غير واحدٍ في جمع المطر، ونقله الأثرم
(4)
، وأنَّ في جمع السَّفر تؤخَّر
(5)
.
وما ذكره المؤلِّف هنا هو قولٌ في المَذهب، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(6)
، وذَكَره ظاهِرَ مذهب أحمد المنصوص عنه، وهو يَعُمُّ
(7)
أقسامه،
(1)
في (أ): ابن.
(2)
أخرجه مالك (1/ 143)، والشافعي كما في مسنده (ص 29)، وأبو داود (1206)، والنسائي (587)، وأصله في مسلم بمعناه (706)، وقال ابن عبد البر:(حديث صحيح ثابت). ينظر: التمهيد 12/ 194.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 484، مسائل أبي داود ص 108، مسائل ابن هانئ 1/ 82.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 107.
(5)
في (ب) و (و): يؤخر.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 107، الاختيارات ص 112.
(7)
في (د) و (و): يقسم.
لكن قال في «الشَّرح» : المستحَبُّ أن يؤخِّر الأولى عن أوَّل وقتها شيئًا، قال أحمدُ: يَجمَع بينهما إذا اختلط الظَّلام أو غاب الشَّفق، فعله ابنُ عمرَ
(1)
.
(وَلِلْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ):
الأوَّلُ: (نِيَّةُ الجَمْعِ) في الأَشهَر، قال القاضي
(2)
وغيرُه: هو المذهبُ؛ لأنَّه عمَلٌ، فيدخل في عموم قوله:«إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات»
(3)
، (عِنْدَ إِحْرَامِهَا) على المذهب؛ لأنَّ كلَّ عبادةٍ اشتُرِطتْ فيها النِّيَّةُ؛ اعتُبِرتْ في أوَّلها؛ كنيَّةِ الصَّلاة.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تُجْزِئَهُ النِّيَّةُ قَبْلَ سَلَامِهَا)، هذا قولٌ، وصحَّحه ابنُ الجَوزيِّ؛ لأنَّ مَوضِعَ الجمع عند الفراغ من الأُولى إلى الشُّروع في الثَّانية، فإذا لم تتأخَّر النِّيَّةُ عنه؛ أجزأه
(4)
.
وقيل: تُجزِئه بعد سلام الأُولى قبل إحرام الثَّانية.
وقيل: محلُّ النِّيَّة عند إحرام الثَّانية، لا قبلَه ولا بعدَه.
وعلى الأُولى: لا تجب في الثَّانية، وهو الأَشهَر.
(وَ) الثَّاني: الموالاةُ، وهو (أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا) فُرقةً طويلةً؛ لأنَّ معنى الجمعِ المتابَعةُ والمقارَنةُ، ولا يحصل ذلك مع التَّفرُّق الطَّويل، وسواءٌ جَمعَ في وقت الأُولى أو الثَّانية على الأشهَر.
وقيل: يَسقُط بالنِّسيان، قدَّمه ابن تميمٍ؛ لأنَّ إحداهما هنا تَبَعٌ لاستقرارها؛ كالفوائت.
(1)
ينظر: المغني 2/ 205. وأثر ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة (7267)، وابن المنذر (1157) من طرق عن نافع قال: «كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطؤوا بالمغرب، وعجَّلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق، فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى بذلك بأسًا» وإسناده صحيح.
(2)
قوله: (القاضي) سقط من (أ).
(3)
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).
(4)
كتب على هامش (و): (قال في الإنصاف: وقيل: لا تشترط النية في الجمع، اختاره أبو بكر والشيخ تقي الدين، وتقدم ذكره في الفصل قبله).
(إِلاَّ بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَالْوُضُوءِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»
(1)
؛ لأنَّ ذلك يَسيرٌ، وهو مَعْفُوٌّ عنه، وهما من مصالح الصَّلاة، وظاهِرُه: تقديرُ اليسير بذلك.
وصحَّح في «المغني» ، وجزم به في «الوجيز»: أنَّ مرجِعَه إلى العُرف؛ كالقَبْض والحِرْز.
ويُشترَط في الوضوء: أن يكون خفيفًا، فإن طال؛ بطَل الجمعُ، واستثنى معهما
(2)
جماعةٌ: الذِّكرَ اليسيرَ؛ كتكبير عيدٍ
(3)
.
(وَإِنْ
(4)
صَلَّى السُّنَّةَ بَيْنَهُمَا؛ بَطَلَ الْجَمْعُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ، وهو ظاهر «الفروع» ؛ لأنَّه فرَّق بينهما بصلاة، فبطل، كما لو قضى فائتةً.
والثَّانية: لا تَبطُل؛ لأنَّها تابِعةٌ للصَّلاة، فلم يَقَع الفَصْل بأجنبيٍّ، كما لو تيمَّم
(5)
، وفي «الانتصار»: يجوز تنفُّله بينهما، ونقل أبو طالِبٍ
(6)
: لا بأس أن يَطَّوَّع
(7)
بينهما
(8)
.
(1)
كتب على هامش (و): (واختار الشيخ تقي الدين: عدم اشتراط الموالاة).
(2)
في (ز): معها.
(3)
كتب على هامش (و): (قوله: "واستثنى جماعة الذكر اليسير كتكبير عيد" يعني: ليس المراد تصوير الذِّكر اليسير كما في تكبير العيد، بل مراده: أن الذِّكر اليسير مستثنى كما استثني تكبير العيد).
(4)
في (أ) و (ب) و (ز): فإن.
(5)
كتب على هامش (و): (قال الطوفي في شرح الخرقي: أظهر القولين: عدم البطلان؛ إلحاقًا للسنة الراتبة بجزء من الصَّلاة لتأكدها).
(6)
ينظر: الفروع 3/ 112.
(7)
في (ب) و (د) و (و): يتطوع.
(8)
كتب على هامش (و): (وإذا قلنا: لا يصلي السنة بينهما؛ فله أن يصلي سنة الظهر بعد العصر من غير كراهة، قاله أكثر الأصحاب، وقيل: لا يجوز. وقيل: إن جمع في وقت العصر؛ لم يجز، وإلا جاز؛ لبقاء الوقت إذن، ويصلي في جمع التقديم سنة العشاء بعد سنة المغرب على الصحيح، وقال ابن عقيل: الأشبه عندي: أن لو أخرها إلى وقت دخول العشاء، وذكر الأول احتمالاً).
وهذا إذا لم يُطِل الصَّلاةَ، فإن أطالها؛ بطَل الجمعُ روايةً واحدةً.
فإن تكلَّم بكلمة أو كلمتين؛ جاز.
وذكر القاضي: أنَّ الجمع يَبطُل بالتَّفريق اليسير.
واعتبر في «الفصول» : الموالاةَ، قال: ومعناها: أن لا يَفصِل بينهما بصلاةٍ ولا كلامٍ؛ لئلاَّ يزولَ معنى الاسمِ، وهو الجمع.
وقال: إن سبقه الحدَث في الثَّانية، وقلنا: تَبطُل به، فتوضَّأ أو اغتسل ولم يُطِل؛ ففي بطلان جمعه
(1)
احتمالان.
(وَ) الثَّالثُ: (أَنْ يَكُونَ العُذْرُ
(2)
المبيحُ (مَوْجُودًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ، وَسَلَامِ الْأُولَى)، كذا ذكره الأكثرُ، منهم في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأنَّ افتِتاحَ الأُولى موضِعُ النِّيَّة، وفراغها وافتتاح الثَّانية مَوضِعُ الجمع.
وقيل: لا يُشترَط عند سلام الأولى، وأنَّه
(3)
متى انقطع ثمَّ عاد قبل طول الفصل؛ صحَّ الجمع، قال ابنُ تميمٍ وغيره: سواء قلنا باعتبار نيَّة الجمع أوْ لا.
وقيل: يُشترَط دوامُه في الأُولى.
وظاهرُه: أنَّه إذا انقطع المطرُ في الأُولى ولم يَعُدْ؛ أنَّه يَبطُل الجمع، لكن إن حصل وحَلٌ وقلنا بجوازه له
(4)
؛ لم يَبطُل.
ولا يُشترَط دوامُ العذر إلى فراغ الثَّانية في جمع المطر ونحوه، بخلاف غيره.
(1)
في (أ): جميعه.
(2)
قوله: (أن يكون) سقط من (ب) و (ز)، وقوله:(العذر) سقط من (أ).
(3)
في (ب) و (ز): فإنه.
(4)
قوله: (له) سقط من (أ) و (د).
وإن انقطع السَّفرُ في الأُولى؛ بطل الجمعُ مطلقًا، وتَصحُّ ويُتمُّها.
وإن انقطع في الثَّانية؛ كمن نوى الإقامة فيها، أو دخلت السَّفينةُ البلدَ؛ بطل الجمعُ، كما لو
(1)
كان قبل الشُّروع فيها؛ كالقصر والمسح، فعلى هذا: تنقلِب
(2)
نفلاً، وقيل: تبطل.
وقيل: لا يَبطُل الجمع؛ كانقطاع المطر في الأشهر
(3)
، والفرق: أنَّه لا يتحقَّق انقطاعُ المطر لاحتمال عَوده في أثناء الصَّلاة، ويَخلُفه الوحَلُ، وهو عُذرٌ مُبيحٌ، بخلاف مسألتنا.
ومريضٌ كمسافِرٍ.
وظاهر ما سبق: أنَّه إذا قدِم المسافِرُ، أو أقام، أو عُوفِيَ المريضُ بعد الثَّانية؛ صحَّ الجمعُ وإن كان الوقتُ باقيًا
(4)
كما لو قَدِم في أثناء الوقت.
(وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ؛ كَفَاهُ)؛ أي: أجزأَه (نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى)؛ لأنَّه متى أخَّرها عن ذلك بغير نيَّةٍ؛ صارت قضاءً لا جمعًا.
(مَا لَمْ يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا)، كذا جزم به الأكثرُ؛ لأنَّ تأخيرَها عن القدْر الذي يضيق عن فعلها؛ حرامٌ.
وذكر المجْدُ وغيرُه: أن يَنوِيَه قبل أن يبقى من وقت الأُولى بقدرها؛ لفوت فائدة الجمع؛ وهي التَّخفيف بالمقارَنة بينهما.
وقيل: أو قدْر تكبيرة أو ركعة، وذكره في «المغني» احتمالاً؛ لأنَّه يُدركُها به، وحمل الأوَّل على أنَّه الأَولى.
(1)
قوله: (كما لو) هو في (أ) و (ب): فلو.
(2)
في (د) و (ز) و (و): ينقلب.
(3)
كتب على هامش (و): (قال في الفروع: والفرق أن نتيجة المطر وَحَل، فيعتبرونها في المعنى سواء).
(4)
في (أ): بان.
وقيل: يَنوِيه من
(1)
الزَّوال والغروب.
(وَ) يُشترَط: (اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ)؛ لأنَّ المُجوِّزَ للجمْعِ العُذْرُ، فإذا لم يَستمِرَّ؛ وجب أن لا يجوز؛ لزوال
(2)
المقتضي؛ كالمريض يَبرَأ، والمسافِرِ يَقدَم، والمطرِ يَنقَطِع.
وظاهره: أنَّه لا يُعتبَر وجودُ العذر في وقت الثَّانية؛ لأنَّهما صارتا واجِبتَين في ذِمَّته، فلا بدَّ له من فِعلهما.
ويُشترَط التَّرتيب في الجَمعَين، لكن إن جمع في وقت الثَّانية، وضاق الوقتُ عنهما، قال في «الرِّعاية»: أو ضاق وقتُ الأُولى عن إحداهما؛ ففي سقوط التَّرتيب لضيقه وجهان.
(وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ)؛ أي: ممَّا تقدَّم اشتراطُه في جمع التَّقديم من
(3)
نيَّة الجمع عند الافتتاح، ووجودِ العذر عند إحرامهما وسلامِ الأُولى، والموالاةِ؛ لأنَّ الثَّانيةَ مفعولةٌ فِي وقتها، فهي أداءٌ بكل حالٍ، والأُولى معها؛ كصلاةٍ فائتةٍ، وهذا هو الأصحُّ.
والثَّاني: يُشترَط؛ لأنَّ حقيقتَه ضمُّ الشَّيء إلى الشَّيء، ولا يحصل
(4)
مع التَّفريق.
فعلى هذا: إنْ تَرَك الموالاةَ أثِم، وصحَّت، كما لو صلَّى الأُولى في وقتها مع نيَّة الجمع ثم تركه.
وعلى الأوَّل
(5)
: لا بأسَ بالتَّطوُّع بينهما، نَصَّ عليه
(6)
.
(1)
في (أ): في.
(2)
في (د) و (و): لجواز.
(3)
في (ب) و (د) و (و): في.
(4)
في (أ) و (د) و (ز): ولا تحصل.
(5)
كتب على هامش (و): (قوله: "على الأول" أي: القول باشتراط الموالاة).
(6)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 370.
ولو صلَّى الأُولى وحدَه، ثم الثَّانيةَ
(1)
إمامًا أو مأْمومًا، أو صلَّى إمامٌ الأُولى، وإمامٌ الثَّانية، أو صلَّى معه مأمومٌ الأولى، وآخرُ الثَّانيةَ، أو نوى الجمعَ خلْف من لا يَجمَع، أو بمن لا يَجمَع؛ صحَّ.
مسائل:
الأولى: إذا بان فسادُ أُولاهما بعد الجمع بنسيان ركنٍ أو غيرِه؛ بطلت، وكذا الثَّانية، فلا جَمعَ، ولا تَبطُل الأُولى ببطلان الثَّانية، ولا الجمعُ إن صلاَّها قريبًا.
وإن ترك ركنًا، ولم يَدرِ من أيِّهما تركه؛ أعادهما إن بقي الوقتُ، وإلاَّ قضاهما.
الثَّانية: السُّنَّةُ تَتْبَعُ الفرضَ تَقَدُّمًا وتَأخُّرًا. وقيل: لا يجوز فعلُ سنَّة الظُّهر الثَّانية بعد صلاة العصر جمعًا. وقيل: إن جمع في وقت العصر لم يَجُزْ، وإلاَّ جاز؛ لبقاء الوقت إذًا.
الثَّالثة: صلاةُ عرفةَ ومزدلفةَ كغيرهما، نَصَّ عليه
(2)
، اختاره الأكثرُ.
واختار أبو الخَطَّاب والشيخُ تقيُّ الدِّين: الجمعَ والقصرَ مطلقًا
(3)
.
والأشهَرُ عن أحمد: الجمعُ فقط، اختاره المؤلِّفُ، ولامتِناعِ القصرِ للمَكِّيِّ.
قال أحمدُ: ليس ينبغي أن يُوَلَّى أحدٌ منهم الموسمَ؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقْدَم وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ رضي الله عنهم من المدينة»
(4)
، وقال عَطاءٌ:(من السُّنَّة أن لا يُوَلَّى أحدٌ منهم)
(5)
.
(1)
في (أ): والثانية.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 115.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 17/ 479، الفروع 3/ 115.
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 330.
(5)
لم نقف عليه.
(فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الخَوْفِ)
وهي ثابِتةٌ؛ بقوله
(1)
تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النِّسَاء: 102]، وما ثبت في حقِّه صلى الله عليه وسلم ثبت في حقِّ أمَّته، ما لم يَقُمْ دليلٌ على اختصاصه؛ لأنَّ الله تعالى أمر باتِّباعه، وتخصيصُه
(2)
بالخطاب لا يقتضي اختصاصَه بالحكم، بدليل قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التّوبَة: 103].
وبالسُّنَّة، وقد ثبت وصحَّ أنَّه عليه السلام صلاَّها
(3)
، وأجمع الصَّحابةُ على فعلها، وصلاَّها عليٌّ
(4)
، وأبو موسى الأشعريُّ
(5)
، وحُذَيفةُ
(6)
.
(1)
في (أ) و (ز): لقوله.
(2)
في (د): ويخصصه.
(3)
سيأتي تخريجها قريبًا.
(4)
علَّقه البيهقي في الكبرى (3/ 358)، بقوله: ويُذكر عن جعفر بن محمد عن أبيه: «أن عليًّا رضي الله عنه صلى المغرب صلاة الخوف ليلة الهرير» ، هكذا أخرجه البيهقي بغير إسناد، وأشار إلى ضعفه.
وأخرج في المعرفة (6720)، عن الشافعي أنه قال:«وحُفظ عن علي بن أبي طالب أنه صلى صلاة الخوف ليلة الهرير كما روى صالح بن خوات عن النبي صلى الله عليه وسلم» ، ولم يقف على إسناده النووي وابن الملقن وابن حجر والألباني كما يدل عليه صنيعهم. ينظر: المجموع 4/ 414، البدر المنير 5/ 27، التلخيص الحبير 2/ 187، الإرواء 3/ 42.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (8290)، وابن جرير في التفسير (7/ 435)، عن الحسن:«أن أبا موسى صلى بأصحابه بأصبهان، فصلت طائفة منهم معه، وطائفة مواجهة العدو، فصلى بهم ركعة، ثم نكصوا وأقبل الآخرون يتخللونهم، فصلى بهم ركعة، ثم سلم، وقامت الطائفتان فصلتا ركعة» ، وهذا مرسل جيد.
وأخرج ابن أبي شيبة (8274)، ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (15/ 260)، عن قتادة، عن أبي العالية الرياحي عن أبي موسى نحوه. رجاله ثقات، إلا أنه منقطع بين قتادة وأبي العالية.
وأخرج خليفة في تاريخه (ص 139)، عن يونس بن جبير:«أن أبا موسى صلى بدارا صلاة الخوف» ، وهذا مرسل جيد، فالأثر ثابت عن أبي موسى بمجموع هذه الطرق.
(6)
أخرج أحمد (23268، 23389)، وأبو داود (1246)، والنسائي (1529)، وغيرهم، عن ثعلبة بن زهدم، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام، فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: «أنا» ، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا. رجاله ثقات، وثعلبة بن زهدم مختلف في صحبته، قال في التهذيب 2/ 22:(جزم بصحة صحبته ابنُ حبان وابن السكن وأبو محمد بن حزم وجماعة ممن صنف في الصحابة يطول تعدادهم).
فإن قلتَ: فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّها يومَ الخندق؟
وجوابُه: بأنَّه كان قبل نزولها، قال في «الشَّرح»: ويَحتمِل أنَّه عليه السلام نَسيَها يومئذٍ، ولم يكن يومئذٍ قتالٌ يَمنَعه
(1)
منها.
(قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عبْدِ اللهِ) أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ حَنبَلٍ: (صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ الخَوْفِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ، أَوْ سِتَّةٍ)، وقال في روايةٍ أخرى: ستَّةِ أَوجُهٍ أو سَبْعَةٍ
(2)
، (كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ فَعَلَهُ)، قال الأثْرمُ: قلت لأبي عبد الله: تَقُول بالأحاديث كلِّها، أو تَختارُ واحدًا منها؟ قال: أنا أَقُول مَنْ ذهَبَ إليها كُلِّها فحَسَنٌ، وأمَّا حديثُ سَهلٍ
(3)
فأنا أختاره
(4)
.
وشرطُه: أن يكون العدوُّ مُباحَ القتال، سفَرًا كان أو حضَرًا، مع خَوف هُجومِهم على المسلمين؛ لقوله تعالى:{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النِّسَاء: 101].
(فَمِنْ ذَلِكَ: إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ؛ صَفَّ الْإِمَامُ المُسْلِمِينَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ)، قال جماعةٌ: أو أكثرَ، (فَصَلَّى بِهِمْ جَمِيعًا) من الإحرام، والقيام، والرُّكوع، والرَّفع منه، (إِلَى أَنْ يَسْجُدَ فَيَسْجُدُ مَعَهُ الصَّفُّ الذِي يَلِيهِ، ويَحْرُسُ
(1)
في (ز): تمنعه.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 111، الأوسط لابن المنذر 5/ 43، وأما قول أحمد:(خمسة أو ستة) فلم نقف عليه، وفي مسائل ابن منصور 2/ 734: أنه من قول إسحاق لا أحمد.
(3)
سيذكره المصنف بلفظه.
(4)
ينظر: المغني 2/ 306.
الآخَرُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إِلَى الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدُ وَيَلْحَقُهُ، فَإِذَا سَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ، سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الذِي حَرَسَ، وَحَرَسَ الآخَرُ، حَتَّى يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ فَيَسْجُدُ، وَيَلْحَقُهُ فَيَتَشَهَّدُ، وَيُسَلِّمُ بِهِمْ) جميعًا، هذه الصِّفةُ رواها جابِرٌ قال: «شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفَّنا خلْفَه صفَّينِ، والعدوُّ بيننا وبين القِبلة، فكبَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فكبَّرنا جميعًا، ثمَّ ركَع وركعْنا، ثمَّ رفع رأسه من الرُّكوع ورفعْنا جميعًا، ثمَّ انحدَر بالسُّجود والصَّفُّ الذي يليه، وقام الصَّفُّ المؤخَّرُ في نَحْر العدوِّ، فلمَّا قضى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجودَ، وقام الصَّفُّ الذي يليه؛ انحدر الصفُّ المؤخَّرُ بالسُّجود، وقاموا، ثمَّ تقدَّم الصَّفُّ المؤخَّرُ، وتأخَّر الصَّفُّ المقدَّمُ، ثمَّ ركع، وركعْنا جميعًا، ثمَّ رفع رأسَه من الرُّكوع، ورفعْنا جميعًا، ثمَّ انحدر بالسُّجود، والصَّفُّ الذي يليه الذي
(1)
كان مؤخَّرًا في الركعة الأُولى، وقام الصَّفُّ المؤخَّرُ في نَحْرِ العدوِّ، فلمَّا قضى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجودَ، وقام الصَّفُّ الذي يليه؛ انحدر الصَّفُّ المؤخَّرُ بالسُّجود فسجد، ثمَّ سلَّم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وسلَّمنا جميعًا» رواه مسلم، وروى البخاري بعضَه، وروى
(2)
هذه الصفة أحمد وأبو داود من حديث أبي عيَّاش
(3)
الزرقي
(4)
، قال:«فصلاَّها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مرَّتَينِ؛ مرَّةً بعُسْفَانَ، ومرَّة بأرض بني سُلَيمٍ»
(5)
.
(1)
قوله: (الذي) سقط من (أ).
(2)
في (أ): روى.
(3)
في (د) و (ز): أبي عباس.
(4)
في (ز): الرزقي.
(5)
أخرجه البخاري (4130)، ومسلم (840)، وحديث أبي عياش أخرجه أحمد (16580)، وأبو داود (1236)، والنسائي (1549)، وابن حبان (2875)، وأعله البخاري بالإرسال، قال ابن رجب:(وكذلك صحح إرساله عبد العزيز النخشبي وغيره من الحفاظ، وأما أبو حاتم الرازي، فإنه قال في حديث منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش: إنه صحيح)، ثم قال:(قال الإمام أحمد: كل حديث رُوي في صلاة الخوف فهو صحيح)، وصححه الدارقطني، وقال ابن حجر:(إسناده جيد). ينظر: العلل الكبير للترمذي (165)، سنن الدارقطني (1778)، الفتح لابن رجب 8/ 346، الإصابة لابن حجر 11/ 273.
ولم يَذكُرِ المؤلِّفُ هنا تأخُّرَ المتقدِّمِ، وتَقدُّمَ المؤخَّرِ، وهو مذكور في الخبر كما ترى، وجزم به في «الوجيز» .
فقيل: هو أَولى؛ للتَّساوي في فضيلة الموقف، ولقرب مواجهة العدُوِّ.
وقيل: يجوز؛ في الرَّكعة الثَّانية
(1)
يَحرُس السَّاجدَ معه أوَّلاً.
وذكر القاضي وأصحابُه، واقتصر عليه في «المحرر»: أنَّ الصَّفَّ الأوَّلَ في
(2)
أوَّلِ ركعةٍ لا يَسجُدون مع الإمام، بل يَقِفون حَرَسًا؛ لأنَّه أحوطُ.
وإن حرَس بعض الصَّفِّ، أو جعلهم صَفًّا واحدًا؛ جاز؛ لحصول المقصود، وفِعْله عليه السلام أَوْلَى.
وظاهِرُ
(3)
ما ذكره المؤلِّف: أنَّه لا يُشتَرَط لها إلاَّ أن يكون العدوُّ في جهة القِبلة، والأشهر: أنَّه يشترط مع ذلك ألا يَخفى بعضُهم عن المسلمين، وأن لا يخافوا كَمِينًا، زاد أبو الخطَّاب وتَبِعه في «التَّلخيص»: أو
(4)
يكونَ المسلمون فيهم
(5)
كثرةٌ بأن يَحرُس بعضُهم، ويصلِّي بعضٌ؛ لأنَّ المقصودَ يَحصُل به.
(الْوَجْهُ الثَّانِي: إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، جَعَلَ طَائِفَةً حَذْوَ الْعَدُوِّ، وَطَائِفَةً تُصَلِّي مَعَهُ
(6)
، فَإِذَا قَامُوا إِلَى الثَّانِيَةِ؛ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمَّتْ لأنْفُسِهَا أُخْرَى، وَسَلَّمَتْ وَمَضَتْ إِلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ
(7)
الْأُخْرَى فَصَلَّتْ مَعَهُ
(1)
في الفروع 3/ 116: (وفي الركعة الثانية).
(2)
قوله: (الأول في) هو في (ب) و (ز): من.
(3)
في (و): وظاهره.
(4)
في (ب) و (ز): أن.
(5)
في (ز): منهم.
(6)
زاد في (ب) و (ز): ركعة.
(7)
زاد في (ب) و (ز): الطائفة.
الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ؛ أَتَمَّتْ لأنْفُسِهَا أُخْرَى، وَتَشَهَّدَتْ، وَسَلَّمَ بِهِمْ)، وذلك متَّفقٌ عليه من حديث صالح بن خوَّاتِ بن جُبَيرٍ عمَّن صلَّى مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرِّقاع صلاة الخوف:«أنَّ طائفةً صفَّت معه، وطائفةً وجاه العدوِّ، فصلَّى بالتي معه ركعة، ثمَّ ثبت قائمًا، وأتمُّوا لأنفسهم، ثمَّ انصرفوا وصفُّوا وِجاه العدوِّ، وجاءتِ الطَّائفةُ الأخرى فصلَّى بهم الرَّكعة التي بَقِيَتْ من صلاتِهِ، ثمَّ ثَبَتَ جالسًا وأتمُّوا لأنفسهم، ثمَّ سلَّم بهم» ، وصحَّ عن صالِحِ بن خوَّات عن سهل بن أبي حَثْمةَ مرفوعًا
(1)
، وهذا هو المختار عند أحمد؛ لأنَّه أنكى للعدو، وأقلُّ في الأفعال، وهو أشبهُ بكتاب الله تعالى، وأحوطُ للصلاة والحرب.
وإن صلَّى كما في حديث ابن عمر
(2)
، وهو الوجه الثَّالث؛ جاز.
وظاهره: أنَّه يشترط لهذه الصَّلاة أن يكون العدوُّ في غير جِهة القِبلة، وهو قول القاضي وجماعةٍ؛ لأنَّ صلاته عليه السلام بذات الرِّقاع كانت كذلك، والمنصوص عن أحمد: أنَّها تفعل وإن كان العدو
(3)
في جهة القِبلة
(4)
.
قال ابنُ تميمٍ: (قال شيخنا: نصُّ أحمد محمول على ما إذا لم تمكن صلاة عُسْفان؛ لانتشار العدوِّ، وقول القاضي محمول على ما إذا أمكنت).
قوله: (جَعَلَ طَائِفَةً حَذْوَ العَدُوِّ)؛ شرط
(5)
أبو الخطَّاب، واقتصر عليه في «التَّلخيص»: أن يكونَ المصلُّون يمكن تفريقهم طائفتين، كلُّ طائفةٍ ثلاثةٌ؛ لقوله تعالى:{فَإِذَا سَجَدُوا} [النِّسَاء: 102]، وأقلُّ الجمع ثلاثةٌ.
(1)
أخرجه البخاري (4129)، ومسلم (841).
(2)
أخرجه البخاري (942)، ومسلم (839).
(3)
قوله: (العدو) سقط من (أ).
(4)
ينظر: المغني 2/ 298.
(5)
في (ز): شرطه.
وذهب المؤلِّف وجمعٌ: إلى عدم اشتراطه؛ لأنَّ ما دون الثَّلاثة يَصِحُّ به الجماعةُ، فجاز أن تكون
(1)
طائفةً كالثَّلاثة، بل تطلق ويراد بها الواحد.
قال القاضي وغيره: إن كان كلُّ طائفةٍ أقلَّ من ثلاثةٍ؛ كُرِه، وصحَّ.
وظاهره: لا تجب
(2)
التَّسوية بينهما، لكن يجب أن تكون الطَّائفةُ التي بإزاء العدوِّ تحصل الثِّقةُ بكِفايتها وحراستها، زاد أبو المعالي: بحيث يحرم فرارها، فإن فرَّط الإمامُ في ذلك؛ أثِمَ، وهو صغيرة، الأشبه أنَّه لا يقدح؛ لأنَّ النَّهي لا يختصُّ بشرط الصَّلاة، وقيل: يَفسق وإن
(3)
لم يتكرَّر، كالمودَع.
ومتى خشِي اختلالَ حالهم، واحْتِيج إلى معونتهم بالطَّائفة الأخرى؛ فللإمام أن يَنْهَز إليهم بمن معه، وثبتوا على ما مضى من صلاتهم، فإن أتى الطَّائفةَ التي بإزاء العدو مدَدٌ، استغنت به عن الحراسة؛ فهل تترك
(4)
الحراسة بغير إذن الإمام وتصلِّي
(5)
؟ فيه وجهان، وعليهما: متى صلَّت
(6)
؛ فصلاتُها صحيحةٌ.
قوله: (وَطَائِفَةً تُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَةً)، يُستحَبُّ أن يخفِّف بهم الصَّلاة؛ لأنَّ موضوعها على التَّخفيف، وكذا الطَّائفة التي تفارقه.
وظاهره: أنَّها لا تفارقه حتَّى يَستقِلَّ قائمًا؛ لأنَّ النُّهوضَ يشترِكون فيه جميعًا، فلا حاجة إلى مفارقتهم له قبله؛ لأنَّها إنَّما جازت للعذر، وتنوي
(1)
في (ب) و (و): يكون.
(2)
في (و): لا يجب.
(3)
في (و): إن.
(4)
في (و): يترك.
(5)
في (ب) و (و): ويصلي.
(6)
في (أ): جاءت.
المفارقة؛ لأنَّ من ترك المتابَعةَ، ولم يَنوِ المفارقةَ؛ بطلت.
وتَسجُد لسهو إمامها قبل المفارقة عند فراغها؛ وهي بعد المفارقة منفرِدةٌ.
وقيل: مَنْويَّةٌ، والطَّائفةُ الثَّانية منويَّةٌ في كلِّ صلاته، يسجدون لسهوه لا لسهوهم.
قوله: (ثَبَتَ قَائِمًا)؛ أيْ: يقرأ حال انتظاره ويُطيلها، ذكره في «المحرَّر» وغيره، ولم يذكرها
(1)
المؤلِّفُ؛ لأنَّه ليس في الصَّلاة حالُ سكوتٍ، والقيامُ محلُّ القراءة، فينبغي أن يأتي بها؛ كما في التشهُّد إذا انتظرهم.
وقال القاضي: إذا قرأ في انتظارهم؛ قرأ بعد مجيئهم بفاتحة الكتاب وسورةٍ خفيفةٍ، وإن لم يقرأ في انتظارهم؛ قرأ إذا جاؤوا بالفاتحة وسورةٍ، وهذا على سبيل الاستحباب، فلو قرأ قبل مجيئهم، ثمَّ ركع عند مجيئهم، أو قبلَه، فأدركوه راكعًا؛ ركعوا معَه، وصحَّت لهم الرَّكعة مع ترك السُّنَّة.
قوله: (فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ)، أي: يتشهَّدُ ويطيلُه، ويُطيل الدَّعاء فيه حتَّى يُدركوه فيتشهَّدوا، ويسلِّم بهم.
وقيل: له أن يُسلِّم قبلهم بعد أن صلَّوا معه ركعةً، ثمَّ يُصَلُّوا وحدَهم ركعةً أخرى ويُسلِّموا.
والأوَّل أَوْلى لموافقة الخبر، ولقوله تعالى:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النِّسَاء: 102]، فيدلُّ على أنَّ صلاتَهم كلَّها معه، ولِتَحصُلَ المعادلةُ بينهما، فإنَّ الأُولى أدركت معه فضيلةَ الإحرام، والثَّانية السَّلامَ.
وهذه الصِّفة والتي
(2)
قبلها؛ في الرَّكعتين، كصلاة الفجر، والرُّباعيَّة المقصورة للمسافِر، فأمَّا الجُمَعة فتصلَّى
(3)
في الخوف حضرًا بشرط كون
(1)
في (ز): يذكره.
(2)
في (ب) و (و): التي.
(3)
في (أ): الجُمَع فيصلَّى.
الطَّائفة أربعين، فيصلِّي بطائفةٍ ركعةً بعد حضورها الخُطبةَ، فإن أحرم بالتي لم تحضرها؛ لم يَصِحَّ، وتقضي كلُّ طائفةٍ ركعةً بلا جهرٍ.
ويُصلَّى الاستسقاءُ ضرورةً كالمكتوبة، والكُسوفُ والعِيدُ آكَدُ منه.
(فَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا؛ صَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً)، ذَكَره الأصحابُ؛ لأنَّه إذا لم يكن بدٌّ من التَّفضيل؛ فالأُولى أَحَقُّ به، وما فات الثَّانيةَ يَنجبِرُ بإدراكها السَّلام مع الإمام.
ونَصَّ أحمد على أنَّه لو عَكَس؛ صحَّتْ
(1)
، ورُوي عن عليٍّ
(2)
؛ لأنَّ الأُولى أدركتْ معه فضيلة الإحرام، فينبغي أن يزيدَ الثَّانية في الرَّكعات؛ ليَحصل الجبرُ به.
قال في «الشَّرح» : (وكيف فعل جازَ)، والأوَّلُ أَوْلى؛ لأنَّها تصلِّي جميع صلاتها في حكم الإتمام، والأُولى تَفعَل صلاتَها في حكم الانفراد.
قال في «الفروع» : (ويتخرَّج: تَفسُد
(3)
من فسادها بتفريقهم
(4)
أربعَ طوائفَ.
وعلى الأوَّل: إذا صلَّى بالثَّانية الرَّكعة الثَّالثة، وجلس للتَّشهُّد؛ قامت ولا تتشهَّد معه؛ لأنَّه ليس بموضع لتشهُّدها، بخلاف الرُّباعية.
وفيه وجْهٌ: تتشهَّد معه إذا قلنا: إنَّها تقضي ركعتين متوالِيتَين؛ لئلاَّ يفضي إلى أن يُصلِّيَ ثلاث ركعاتٍ بتشهُّدٍ واحدٍ، ولا نظير له.
(وَإِنْ كَانَتْ رُبَاعِيَّةً غَيْرَ مَقْصُورَةٍ؛ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَأَتَمَّتِ
(1)
ينظر: الفروع 3/ 122.
(2)
لم نقف عليه. قال في المغني 2/ 305: (لأنه روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى ليلة الهرير هكذا)، وتقدم في أول الفصل الكلام عن صلاة الخوف الواردة عن علي رضي الله عنه.
(3)
في (ب) و (د): يفسد.
(4)
في (أ): تفريقهم.
الْأُولَى) بعد مفارَقة الإمام (بِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ}) وحدَها (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) لأنَّها آخِرُ صلاتِها، (وَ) تقوم (الْأُخْرَى) إذا تشهَّدت معه الأُولى (تُتِمُّ بِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وَسُورَةٍ)؛ لأنَّها أوَّل صلاتها، وتستفتح إذا قامت للقضاء
(1)
، ويُسلِّم بهم.
وإن قلنا: ما يقضيه المسبوقُ آخر صلاته؛ فلا استفتاح، ولا يقرأ السُّورةَ.
(وَهَلْ تُفَارِقُهُ الْأُولَى فِي التَّشَهُّدِ، أَوْ فِي الثَّالِثَةِ
(2)
؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما
(3)
: تُفارِقه
(4)
إذا فرغ من التَّشهُّد، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» وغيره، ويَنتظِر الثَّانية جالسًا، يكرِّره، فإذا أتت قام لتدرك
(5)
جميع الرَّكعة الثَّالثة، ولأنَّ الجلوس أخف على الإمام؛ لأنَّه متى انتظرهم قائمًا احتاج إلى قراءة السُّورة في الثَّالثة، وهو خلاف السُّنَّة.
وقال أبو المعالي: تُحْرِمُ معه، ثمَّ يَنهَض
(6)
بهم.
والثَّاني: يفارقونه حين قيامه إلى الثَّالثة؛ لأنَّه يحتاج إلى التَّطويل من أجل الانتظار، والتَّشهُّد يُستحَبُّ تخفيفُه، ولأنَّ ثوابَ القائم أكثرُ.
قال في «الشَّرح» : وكلاهما جائزٌ.
وتَصِحُّ
(7)
بطائفةٍ ركعةً، وبأخرى ثلاثًا، ويكون تاركًا للأفضل، قاله ابنُ تميمٍ.
(وَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعًا، فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً)، أو فرَّقهم ثلاثَ فِرَقٍ،
(1)
كتب على هامش (د): (وهو المذهب).
(2)
في (أ) و (د) و (و) و (ز): الثانية.
(3)
في (ز): إحداهما.
(4)
في (ب) و (و): يفارقه.
(5)
في (أ): ليدركه.
(6)
في (ز): نهض.
(7)
في (أ): ويصحُّ.
فصلَّى بالأُولى ركعتَين، وبالباقيتَين
(1)
ركعةً ركعةً، أو صلَّى بكلِّ فِرْقةٍ ركعةً في المغرب؛ (صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَيَيَنِ) فقطْ، ذَكَره السَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّهما ائْتَمَّا بمَن صلاتُه صحيحةٌ، ولمفارقتها قبل الانتظار الثَّالث، وهو المبطِل؛ لأنَّه لم يَرِد، (وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ)؛ لأنَّه زاد انتظارًا ثالثًا لم يَرِد الشَّرعُ به، فوجب بطلانُها، أشبه ما لو فعله من غير خَوفٍ.
وسواءٌ كان هذا التَّفريقُ لحاجةٍ أو غيرِها، قاله ابنُ عَقيلٍ؛ لأنَّه يُمكنهم صلاةُ شدَّةِ الخَوفِ.
(وَالْأُخْرَيَيْنِ إِنْ عَلِمَتَا بُطْلَانَ صَلَاتِهِ)؛ لأنَّهما ائْتَمَّا بمَن صلاتُه باطِلةٌ، أشْبهَ ما لو كانت باطلةً من أوَّلها.
وظاهره: أنَّهما إذا جهلتا بطلانَ صلاة الإمام أنَّها تَصحُّ؛ لأنَّه ممَّا يخفى، وكما لو ائْتَمَّ بمُحدِثٍ لا يعلم حدثَه، ويجوز خَفاؤه على الإمام أيضًا، قاله في «الشَّرح» و «الوجيز» .
وفيه: تَبطُل صلاةُ الثَّالثة والرَّابعة مطلقًا؛ لأنَّ الإمامَ والمأمومَ يَعلمانِ وجودَ المبطِل، وإنَّما خَفِيَ عليهم حكمُه، فلم يَمنَع ذلك البُطلانَ، كما لو علم حدَث الإمام، ولم يعلم كونه مبطِلاً.
وقيل: إن كان لحاجةٍ صحَّت صلاةُ الجميع
(2)
، قال ابنُ تميمٍ: (وهو
(1)
في (د) و (و): وبالثانيتين.
(2)
كتب على هامش (و): (قوله: "وقيل إن كان لحاجة
…
" إلخ، هذا القول قاله المجد في شرحه، ونص كلامه: والصحيح عندي على أصلنا إن كان هذا الفعل لحاجة؛ صحت صلاة الكل؛ كحاجتهم إلى ثلاثمائة بإزاء العدو والجيش أربعمائة؛ لجواز الانفراد لعذر، والانتظار إنما تطويل قيام وقراءة وذكر، وإن كان لغير حاجة؛ صحت صلاة الأولى؛ لجواز مفارقتها، بدليل جواز صلاته بالثانية الركعات الثلاث، وبطلت صلاة الإمام والثانية؛ لانفرادها بلا عذر، وهو مبطل على الأشهر وبطلت صلاة الثالثة والرابعة؛ لدخولها في صلاة باطلة).
أقْيسُ، فعلى هذا تُفارِقه الأوليان بعد القيام، وتُفارِقه
(1)
الثَّالثة، وتقوم الرَّابعة عَقِب رفعه من السُّجود، وإن كان لغير حاجة؛ صحَّت
(2)
صلاةُ الأُولى فقط، وبطلت صلاة الإمام وباقي الطَّوائف).
وقيل: تَبطُل صلاةُ الكلِّ؛ لنيَّته صلاةً محرَّمةً ابتداءً.
وقيل: تصحُّ صلاةُ الإمام فقط، جزم به في الخلاف؛ لأنَّ صلاة المأمومين إنَّما فسدت لانصرافهم في غير وقت الانصراف.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه احتمالٌ: تَبطُل صلاةُ الأُولى والثَّالثة
(3)
؛ لانصرافهما في غير محلِّه).
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ تَمْضِي
(4)
إِلَى الْعَدُوِّ، وَتَأْتِي الْأُخْرَى فَيُصَلِّيَ بِهَا رَكْعَةً وَيُسَلِّمَ وَحْدَهُ، ثُمَّ تَأْتِيَ الْأُولَى فَتُتِمَّ صَلَاتَهَا، ثُمَّ تَأْتِيَ الْأُخْرَى فَتُتِمَّ صَلَاتَهَا)؛ لما رَوى ابنُ عمرَ قال: «صلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخَوفِ
(5)
بإحدى الطَّائفتين ركعةً وسجدتَين، والطَّائفةُ الأخرى مُواجِهةُ العدوِّ، ثمَّ انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبِلين على العدوِّ، وجاء أولئك فصلَّى بهم
(6)
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ركعةً ثمَّ سلَّم، ثمَّ قضى هؤلاء ركعةً، وهؤلاء ركعةً» متَّفقٌ عليه
(7)
.
(1)
في (ب) و (و): ومفارقة.
(2)
قوله: (صحت) سقط من (أ).
(3)
هكذا بخط المؤلف و (أ). والذي في (ب) و (د) و (و): والثانية. وهو الموافق لما في الفروع 3/ 123، والإنصاف 5/ 135، قال المرداوي:(ووجه في «الفروع» بطلان صلاة الأولى والثانية؛ لانصرافهما في غير محله).
(4)
في (و): يمضي.
(5)
في (ز): للخوف.
(6)
في (أ): لهم.
(7)
أخرجه البخاري (942)، ومسلم (839).
وعلى كلِّ طائفةٍ القراءةُ في الرَّكعة التي تقضيها.
وقال القاضي: لا قراءة عليها؛ لأنَّها مُؤتَمَّةٌ به حكمًا، فلا تقرأ
(1)
فيما تقضيه
(2)
؛ كمن
(3)
زُحم أو نام حتَّى سلَّم إمامه، والمنصوصُ خلافُه
(4)
.
وإن قضت الثَّانيةُ ركعتها حين تفارق الإمام ثمَّ تمضي، وتأتي الأولى فتُتِمُّ صلاتَها؛ جاز، قال ابن تميم: وهو أحسنُ؛ لخبر ابن مسعودٍ
(5)
.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً، وَيُسَلِّمَ بِهَا)، رواه أحمدُ وأبو داود والنَّسائي عن أبي بكْرةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(6)
،
(1)
في (أ) و (د) و (ز): يقرأ.
(2)
في (د) و (ز): يقضيه.
(3)
في (أ): من.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 124.
(5)
أخرجه أحمد (3561)، وأبو داود (1244)، من طريق خُصيف، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، ولفظه:«صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقاموا صفًّا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصف مستقبل العدو، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤلاء العدو، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلَّم، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلَّموا، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا» ، وخصيف بن عبد الرحمن ضعيف، وتابعه أبو إسحاق السبيعي عند الطبراني في الكبير (10272)، لكنه من رواية شَريك بن عبدالله النخعي وهو صدوق يخطئ كثيرًا، قال البيهقي:(وهذا الحديث مرسل، أبو عبيدة لم يدرك أباه، وخُصيف الجزري ليس بالقوي)، وضعفه النووي والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 746، ضعيف سنن أبي داود 2/ 40.
(6)
أخرجه أبو داود الطيالسي (918)، وأحمد (20497)، وأبو داود (1248)، والنسائي (836)، والبزار (3658)، والدارقطني (1781)، من طريق الحسن، عن أبي بكرة، وحسن إسناده البزار، وقال الحاكم:(صحيح على شرط الشيخين)، وأعله ابن القطان بالانقطاع؛ لأن أبا بكرة أسلم في حصار الطائف فهو لم يشهد هذه الصلاة، قال ابن حجر:(وهذه ليست بعلة؛ فإنه يكون مرسل صحابي)، وصححه ابن الملقن. ينظر: بيان الوهم والإيهام 2/ 475، البدر المنير 5/ 8، التلخيص الحبير 2/ 178.
ورواه الشَّافعيُّ والنَّسائيُّ عن جابِرٍ مرفوعًا
(1)
.
وذكر جماعةٌ: أنَّ هذه صفة
(2)
حَسنةٌ قليلةُ الكُلفة، لا يُحتاج فيها إلى مفارَقة الإمام، ولا إلى تعريف كيفيَّة الصَّلاة.
وبناه القاضي على اقتداء المفترِض بالمتنفِّل، ونصُّه: التَّفرقةُ
(3)
.
(الْوَجْهُ الخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ الرُّبَاعِيَّةَ المَقْصُورَةَ تَامَّةً، وَتُصَلِّيَ
(4)
مَعَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَقْضِي شَيْئًا، فَتَكُونُ
(5)
لَهُ تَامَّةً، وَلَهُمْ مَقْصُورَةً)؛ لما رَوى جابِرٌ قال: «أقْبلْنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حتَّى إذا كنَّا بذاتِ الرِّقاع، قال: فنُودِي بالصَّلاة، فصلَّى بطائفةٍ ركعتين ثمَّ تأخَّروا، وصلَّى بالطَّائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت
(6)
لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعُ ركعاتٍ، وللقوم ركعتان ركعتان
(7)
» متَّفقٌ عليه
(8)
.
وتأوَّله القاضي: على أنَّه عليه السلام صلَّى بهم كصلاة الحضَر، وأنَّ كلَّ طائفةٍ قضت ركعتين. وهو تأويلٌ فاسِدٌ؛ لمخالَفة صفة الرِّواية وقولِ أحمدَ، ومنعه صاحب «المحرَّر» ؛ لاحتمال سلامه، فتكون
(9)
الصِّفة قبلها.
تتميمٌ: وهو الوجْهُ السَّادسُ، ولم يذكره المؤلِّف هنا، وهو: لو قصرها
(1)
أخرجه مسلم (840)، والبخاري مختصرًا (4125)، والشافعي كما في المسند (ص 57)، والنسائي (1545).
(2)
في (أ): الصفة.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 61، الفروع 3/ 125.
(4)
في (ب) و (و): ويصلي.
(5)
في (و): فيكون.
(6)
في (ب) و (و): وكانت.
(7)
قوله: (ركعتان) سقط من (أ).
(8)
أخرجه البخاري (4136)، ومسلم (843).
(9)
في (و): فيكون.
وصلَّى بكلِّ طائفة
(1)
ركعةً بلا قضاءٍ؛ كصلاته عليه السلام في خبر ابن عبَّاسٍ وحُذيفةَ وزيد بنِ ثابِتٍ
(2)
؛ صحَّ في ظاهر كلامه
(3)
، واختاره المؤلِّف، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» و «مَجمَع البحرَين» وغيرهم، والمذهبُ خلافُه، وعليه الأكثر.
قال في «الشَّرح» : الذين
(4)
قالوا: ركعةً، إنَّما هو عند شدَّة القتال، والذين رَوَينا عنهم صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أكثرُهم لم ينقُصوا من ركعتين، وابن عبَّاسٍ
(1)
قوله: (بكل طائفة) هو في (ز): بطائفة.
(2)
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (2382)، والنسائي في الكبرى (1936)، وابن خزيمة (1344)، من طريق أبي بكر بن أبي جهم، عن عبيد الله بن عبدالله، عن ابن عباس، قال الشافعي:(وقد روي حديث لا يثبت أهل العلم بالحديث مثله)، وذكره، وأخرجه البخاري (944) بلفظٍ ليس فيه الاجتزاء بركعة واحدة، من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«قام النبي صلى الله عليه وسلم، وقام الناس معه، فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس منهم معه، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية، فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى، فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضًا» .
قال ابن رجب: (وإذا اختلف أبو بكر بن أبي الجهم والزهري، فالقول قول الزهري، ولعل مسلمًا ترك تخريج هذا الحديث للاختلاف في متنه، وقد صحح الإمام أحمد إسناده).
وأخرج مسلم (687)، عن ابن عباس أنه قال:«فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة» .
وحديث حذيفة رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (1246)، والبزار (2968)، وابن خزيمة (1343)، والحاكم (1245)، ولفظه عند أبي داود:«فصلى بهؤلاء ركعة، وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا» ، وصححه ابن خزيمة والحاكم والألباني.
وحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه النسائي (1932)، وابن خزيمة (1345)، وأحالَا على لفظ حديث حذيفة، وسنده صحيح أيضًا. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي (6049)، فتح الباري لابن رجب 8/ 365، الإرواء 3/ 44، صحيح أبي داود 4/ 409.
(3)
في (أ) و (ب) و (د) و (و): كلامهم.
(4)
في (ز): والذين.
لم يَعلَم ذلك لصغر سنِّه، فالأخذ برواية من حضرها وصلاها مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلى.
زيادةٌ: إذا صلَّى بهم صلاةَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عامَ نَجْدٍ على ما خرَّجه أحمدُ من حديث أبي هريرة
(1)
؛ وهي: أن تقوم
(2)
معه طائفةٌ، وأخرى تُجاه العدوِّ، وظَهرُها إلى القِبلة، ثمَّ يُحرِم وتُحرِم معه الطَّائفتان، ثمَّ يصلِّي ركعةً هو والتي معه، ثمَّ يقوم إلى الثَّانية ويذهب الذين معه إلى وجه العدوِّ، وتأتي الأخرى فتَركَع وتَسجُد، ثمَّ يصلِّي بالثَّانية ويجلس، وتأتي التي تُجاه العدوِّ فتركع وتسجد، ويسلِّم بالجميع؛ جاز.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُثْقِلَهُ؛ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ)، ذَكَره مُعظَمُ الأصحاب؛ لقوله تعالى:{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النِّسَاء: 102]، وقوله:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النِّسَاء: 102]، فدلَّ على الجُناح عند عدم ذلك، ولأنَّه لو وجب لكان شرطًا كالسُّترة، قال ابنُ مُنَجَّى:(وهو خلاف الإجماع)، ولأنَّ حمله يراد لحراسةٍ أو قتالٍ، والمصلِّي لا يَتَّصف بواحدةٍ منهما، والأمر به للرِّفق بهم والصِّيانة لهم، فلم يكن
(3)
للإيجاب، كما أنَّ النَّهي عن الوِصال لمَّا كان للرِّفق؛ لم يكن للتَّحريم.
وذَكَر الشَّريف وابنُ عَقِيلٍ: بأنَّ حملَه في غير الصَّلاة محظورٌ، فالأمرُ به هنا أمرٌ بعد حظرٍ، وهو للإباحة مع قولهم: يُستحَبُّ.
(1)
أخرجه البخاري معلقًا (4136)، وأحمد (8260)، وأبو داود (1240)، وابن خزيمة (1361)، وحسنه البخاري، نقله عنه الترمذي في العلل (168).
(2)
في (و): يقوم.
(3)
في (د) و (و): تكن.
وظاهره: أنَّه يُكرَه حمل ما يُثقِله كالجَوْشَن، وما يَمنَع من إكمالها كالمِغْفَر، وما يَضرُّ غيرَه كالرُّمح، هذا إذا كان متوسِّطًا، فإن كان في حاشية لم يُكرَه، قال
(1)
جماعةٌ: وإن احتاج إلى ذلك؛ فلا كراهة.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ)؛ أي: حَمْل الخِفِّ من سلاحٍ يَقِيه، واختاره جماعةٌ، وقاله داود
(2)
، وفي «الشَّرح»:(وهو أظهرُ؛ لأنَّ الأمرَ للوجوب)، وليس بشرطٍ وِفاقًا
(3)
، قال في «الفروع»:(ويَتوجَّهُ احتمالٌ).
لكنْ إن كان بهم أذًى من مطرٍ أو مرضٍ، فلا يجب بغير خلاف
(4)
.
فرعٌ: يجوز حملُ سلاحٍ نَجِسٍ في هذه الحال للحاجة، بلا إعادة على المشهور.
(1)
في (أ) و (ب) و (د) و (ز): قاله.
(2)
في (ب) و (و): أبو داود. والمثبت موافق لما في المغني 2/ 306.
(3)
ينظر: بدائع الصنائع 1/ 244، شرح التلقين 1/ 1051، الحاوي الكبير 2/ 468، الشرح الكبير 5/ 142.
(4)
ينظر: المغني 2/ 306.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا اشْتَدَّ الخَوْفُ)، المرادُ به حال المسايَفة، وهو أن يَتواصلَ الطَّعْن والكَرُّ والفَرُّ، ولم يُمكِن تفريقُ القوم، ولا صلاتُهم على ما سبق؛ (صَلَّوْا)؛ أي: يَلزَمهم فِعلُ الصَّلاة (رِجَالاً وَرُكْبَانًا، إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البَقَرَة: 239]
(1)
، قال ابنُ عمرَ: «فإن كان
(2)
خوفٌ أشدَّ من ذلك؛ صلَّوا رجالاً قيامًا على أقدامهم وركبانًا، مستقبِلي القِبلة وغير مستقبِلها» متَّفقٌ عليه، زاد البخاريُّ: (قال نافِعٌ: لا أرى ابنَ عمر ذكر ذلك إلاَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن ماجَهْ مرفوعًا
(3)
، ولأنَّه عليه السلام صلَّى بأصحابه في غير شدَّةِ الخوفِ، وأمرهم بالمشي إلى وِجاه العدوِّ وهم في الصَّلاة، ثم
(4)
يعودون لقضاء ما بقي من صلاتهم
(5)
، وهو مشيٌ كثيرٌ، وعملٌ
(1)
كتب على هامش (و): (وقال ابن عباس في قوله تعالى:: «علم أنه يصلي الراكب على دابته، والرجل على رجليه، {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، يعني: كما علمكم أن يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه» رواه ابن أبي حاتم، وقال جابر بن عتبة بن عبد الله: «إذا كانت المسايفة؛ فأومأ برأسه حيث كان وجهه؛ فذلك قوله: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البَقَرَة: 239]» رواه ابن المنذر وابن أبي حاتم، وبهذا قال مجاهد وقتادة وإبراهيم وغيرهم، قال أبو حنيفة وابن أبي ليلى: لا يصلي مع المسايفة ولا مع المشي؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ يوم الخندق، وأخَّر الصَّلاة، وقال الشافعي: يصلي، لكن إن تابع المشي والطعن والضرب أو فعل ما يطول؛ بطلت صلاته، والأول الصحيح).
(2)
في (أ): وكان.
(3)
أخرجه البخاري (4535)، ومسلم (839)، وابن ماجه (1258)، وأشار ابن رجب وابن حجر إلى أنه اختلف في رفعه ووقفه، ورجح ابن حجر رفعه. ينظر: الفتح لابن رجب 8/ 356، الفتح لابن حجر 2/ 432.
(4)
قوله: (ثم) سقط من (أ).
(5)
كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي أخرجه البخاري (942)، ومسلم (839)، وأخرج البخاري (944) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه:«فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى، فركعوا وسجدوا معه، والناس كلهم في صلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضًا» .
طويلٌ، واستدبارٌ للقِبلة
(1)
، فمع شدَّته أَوْلى.
(وَيُومِئُونَ
(2)
إِيمَاءً عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ)؛ لأنَّهم لو تمَّموا الرُّكوعَ والسُّجودَ لكانوا هَدَفًا لأسلحة الكفَّار، معرِّضين لأنفسهم بالهلاك، ويُومِئُ بالسُّجود أخفضَ من الرُّكوع، ولا يَجِب أن يسجدَ على ظهر دابَّته.
وله الكَرُّ والفَرُّ ونحوُه؛ لأنَّه موضِعُ ضَرورةٍ، ولو كان ذلك مُبطِلاً؛ لجاز إخلاء الوقت عن الصَّلاة، ولأنَّهم مكلَّفون تصحُّ طهارتهم؛ كالمريض، بخلاف الصِّياح، فإنَّه لا حاجةَ بهم إليه، ولا يزول الخوفُ إلاَّ بانهزام الكُلِّ.
وظاهِرُه: أنَّ لهم فعلَ ذلك سواءٌ وُجِد قبل الصَّلاة أو فيها، وتَنعقدُ
(3)
الجماعة حينئذٍ، نَصَّ عليه
(4)
؛ للنُّصوص، فظاهره
(5)
: أنَّها تجب، وهو ظاهِرُ ما احتجُّوا به.
وقيل: لا يجب.
وعند ابن حامد والمؤلِّف: لا تَنعقِد
(6)
.
وعلى الأَوَّل: يُعفَى عن تقدُّم الإمام؛ كعملٍ كثيرٍ، لكن يُعتبَر إمكانُ المتابَعةِ.
وأنَّ الصَّلاةَ لا تُؤخَّرُ عن وقتها، وهو قولُ أكثرهم.
(1)
في (د): القبلة.
(2)
في (ز): يومئون.
(3)
في (أ): وتَتعدَّدُ.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 109.
(5)
في (ز): وظاهره.
(6)
في (أ) و (د) و (ز): لا ينعقد.
وعنه: يجوز تأخيرها حال شدَّة الحرب والتِحامِ القتال والمطارَدةِ، ذكرها ابن أبي موسى، ولا يجب.
وعنه: ما يَدُلُّ على الرُّجوع عنها، قال في «التَّلخيص»: وهو الصَّحيحُ، وتأخيرُه عليه السلام يومَ الخندق
(1)
، قال أبو سعيدٍ:«كان ذلك قبل نزول صلاةِ الخوف» رواه أحمدُ والنَّسائي
(2)
، وأنَّه لا إعادةَ عليهم.
(فَإِنْ أَمْكَنَهُمُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
المذهبُ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»: لا يَلزَمهم؛ كبقيَّة أجزائها.
والثَّانية: بلى؛ وهي ظاهِرُ
(3)
الخِرَقيِّ، وجزم بها في «الوجيز» ، كما لو أمكنهم ذلك في ركعةٍ كاملةٍ.
وظاهِرُه: لا تَجِب مع العجز، حكاه بعضُهم روايةً واحدةً، وفيه نَظَرٌ، فقد ذكر أبو بكرٍ في «الشَّافي» ، وابنُ عَقِيلٍ: أنَّه يَجِب مع القدرة، ومع العجز روايتان.
(وَمَنْ هَرَبَ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا)؛ كخَوف قَتْلٍ مُحرَّمٍ أو أسْرٍ، (أَوْ مِنْ سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ)، وهو الحيوان المعروف - بضم الباء وسكونها - وقد يطلق على كلِّ حيوانٍ مفترِسٍ، (أَوْ نَحْوِهِ) كَنَارٍ؛ (فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كَذَلِكَ)؛ أيْ: كما تقدَّم؛ لوجود شرطه، سواءٌ خاف على نفسه أو ماله أو أهله، أو ذَبَّه عنه، وعلى الأصحِّ: أو عن غيره.
(1)
أخرجه البخاري (596)، ومسلم (631)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(2)
كتب على هامش (و): (قلت: وكذلك رواه الطيالسي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق وأبو يعلى وعبد بن حميد والبيهقي في سننه).
والأثر أخرجه أحمد (11199)، والنسائي (661)، وابن أبي شيبة (4780)، والبيهقي في الخلافيات (1179)، بإسناد صحيح، قال البيهقي:(رواة هذا الحديث كلهم ثقات).
(3)
زاد في (ب) و (د) و (و): كلام.
فإن أمكنه صلاةُ أمْنٍ؛ لدخوله
(1)
حِصنًا، أو صعوده رَبوةً؛ فله ذلك؛ لأنَّه
(2)
لا ضرورة لذلك.
وفي تأخير الصَّلاة لمُحْرِم خوف فوت الحج؛ خلافٌ
(3)
.
وظاهره: أنَّ العاصيَ بهرَبه ليس له أن يصلِّي صلاة الخوف؛ لأنَّها رُخصةٌ، فلا تَثبُت
(4)
بالمعصية؛ كرُخَص السَّفر.
(وَهَلْ لِطَالِبِ الْعَدُوِّ الخَائِفِ فَوَاتَهُ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما - واختارها
(5)
الأكثرُ -: أنَّ له ذلك، رُوي عن شُرَحْبيل بنِ حَسَنة، وقاله الأوزاعيُّ؛ لقول عبد الله بن أُنَيسٍ: «بعثني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى خالدِ ابنِ سُفيانَ الهُذَليِّ، قال: اذهبْ فاقتله، فرأيتُهُ وقد حضرَتْ صلاة
(6)
العصر، فقلتُ: إنِّي لأخافُ أن يكونَ بيْني وبيْنه ما يؤخِّرُ الصَّلاةَ، فانطلقتُ وأنا أصلِّي أومئُ إيماءً نحوَهُ» رواه أبو داود
(7)
، وظاهِرُ حالِه: أنَّه أخبر بذلك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، أو كان قد علِم جوازه، فإنَّه لا يُظَنُّ به أنَّه فعل ذلك مُخطئًا، ولأنَّ فوات
(1)
في (أ) و (ز): كدخوله.
(2)
في (ب) و (و): فإنه.
(3)
قوله: (وفي تأخير الصَّلاة لمحرم خوف فوت الحج خلاف) سقط من (أ).
(4)
في (ب) و (و): يرخص.
(5)
في (ب) و (و): واختاره.
(6)
في (أ): الصلاة.
(7)
أخرجه أحمد (16047)، وأبو داود (1249)، وابن خزيمة (982)، وابن حبان (7160)، وفي إسناده ابن عبد الله بن أنيس، وهو عبد الله، ترجم له البخاري في التاريخ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وابن حبان في الثقات، ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وبقية رواة الحديث ثقات غير محمد بن إسحاق فهو صدوق، وقد صرَّح بالتحديث، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال ابن حجر:(إسناده حسن)، وضعفه الألباني بسبب جهالة حال ابن أنيس. ينظر: التاريخ الكبير 5/ 125، الجرح والتعديل 5/ 90، الثقات لابن حبان 5/ 37، الفتح لابن حجر 2/ 437، الإرواء 3/ 47.
الكفَّار ضرَرٌ عظيمٌ، فأُبِيحت صلاةُ الخوف عند فوته؛ كالحالة الأخرى.
والثَّانية: لا يصلِّي إلاَّ صلاة أمْن، صحَّحها ابن عَقِيلٍ، وقاله أكثرُ العلماء؛ لأنَّها مشروطةٌ بالخوف، وهو معدومٌ هنا، وكذا التَّيمُّم له.
وقال ابن أبي موسى: إن خاف الطَّالب رجوعَ العدوِّ صلَّى صلاةَ خائفٍ، وهو الذي في «الشَّرح» .
(وَمَنْ أَمِنَ فِي الصَّلَاةِ؛ أَتَمَّ صَلَاةَ آمِنٍ، وَإِنِ ابْتَدَأَهَا آمِنًا فَخَافَ؛ أَتَمَّ صَلَاةَ خَائِفٍ) على حسَب حاله؛ لأنَّه يَبنِي على صلاةٍ صحيحةٍ، وكما لو صلَّى قائمًا ثمَّ عجَز، أو عاجِزًا ثمَّ قَدَر.
وظاهِرُه
(1)
: أنَّه لو انتهى السَّيلُ أو الحريقُ إليه وهو يُصلِّي؛ أنَّه يصلِّي صلاةَ خائفٍ، وكذا من خاف كَمِينًا أو مَكِيدةً أو مَكروهًا، وإن لم يكن العدوُّ بإزاء المسلمين، ولا إعادة عليهم على الأَشهَر.
(وَمَنْ صَلَّى صَلَاةَ الخَوْفِ لِسَوادٍ
(2)
ظَنَّهُ عَدُوًّا، فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ، أَوْ بَيْنَه وَبَيْنَهُ مَا يَمْنَعُهُ؛ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ)، كذا ذَكَرَه الأكثرُ؛ لأنَّه لم يُوجَد المُبِيحُ، أشْبه مَنْ ظَنَّ الطَّهارةَ، ثمَّ علِم بحدَثه، وسواءٌ استَنَد ظنُّه إلى خبَرِ ثقةٍ أو غيرِه.
وقيل: لا إعادةَ، وذكره ابنُ هُبَيرةَ روايةً.
وكذا إن كان وثمَّ مانِعٌ، وقيل: إن خفِيَ المانِعُ، وإلاَّ أعاد.
فإن بان عدوًّا يَقصِد غيرَه؛ لم يُعِد في الأصحِّ؛ لوجود سببِ الخوف بوجود عدوٍّ يَخاف هَجْمَه، كما لا يُعيد مَنْ خاف عدوًّا في تخلُّفه عن رفقته فصلاَّها، ثمَّ بان أمْنُ الطَّريق.
(1)
في (و): فظاهره.
(2)
كتب على هامش (د): (قال الأزهري والجوهري: السواد: الشخص، والجمع أسودة، ثمَّ أساود جمع الجمع).
وقال في «التَّبصرة» : إن كان بينهم وبين العدوِّ خندقٌ أو سُورٌ، فخافوا طمَّه أو هدمه إن اشتغلوا؛ صلَّوا صلاةَ الخوف، قال القاضي: فإن علموا أنَّ ذلك لا يَتِمُّ إلاَّ بعد الفراغ منها
(1)
؛ صلَّوا صلاةَ آمِنٍ، والله أعلمُ.
(1)
قوله: (منها) سقط من (ب) و (و).
(بَابُ صَلَاةِ الجُمُعَةِ)
وهي بتثليثِ الميم، حكاه ابن سِيدَهْ
(1)
، والأصلُ الضَّمُّ.
واشتِقاقُها من اجتماع النَّاس للصَّلاة. وقيل: لجمعها الجماعاتِ. وقيل: لِجَمْع طِينِ آدمَ فيها. وقيل: لأنَّ «آدم جُمِع فيها خَلْقُه» رواه أحمدُ من حديث أبي هريرة
(2)
. وقيل: لأنَّه جُمِع مع حوَّاء في الأرض فيها، وفيه خبرٌ مرفوعٌ
(3)
. وقيل: لما جمع فيها من الخير.
قيل: أوَّل مَنْ سمَّاه يومَ الجمعة: كعبُ بن لُؤَيٍّ، واسمُه القديمُ يومُ العَروبة، وهو أفضلُ أيَّامِ الأسبوع.
(وَهِيَ وَاجِبَةٌ) بالإجماع
(4)
، وسنَده قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجُمُعَة: 9]، والسَّعيُ
(5)
الواجبُ لا يَجِب إلاَّ إلى واجِبٍ.
(1)
ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 1/ 350، المخصص 2/ 386.
(2)
أخرجه أحمد (8102)، من طريق فرج بن فضالة، عن علي بن أبي طلحة، عن أبي هريرة، ولفظه: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لأي شيء سمي يوم الجمعة؟ قال: «لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم» ، وفرج بن فضالة ضعيف، وعلي بن أبي طلحة لم يدرك أبا هريرة، وضعفه ابن حجر.
(3)
أخرجه أحمد (23729)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3828)، وابن خزيمة (1732)، والحاكم (1028)، والطبراني في الكبير (6089)، من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سلمان، ما يوم الجمعة؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال:«يا سلمان، يوم الجمعة به جمع أبوك أو أبوكم» الحديث، وهذا لفظ ابن خزيمة، ووقع في طرقه اختلاف في رفع جملة:«يوم الجمعة به جمع أبوك أو أبوكم» ، قال ابن حجر:(أخرجه أحمد وابن خزيمة وغيرهما في أثناء حديث، وله شاهد عن أبي هريرة ذكره ابن أبي حاتم موقوفًا بإسناد قوي، وأحمد مرفوعًا بإسناد ضعيف). ينظر: الفتح 2/ 353.
(4)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 40، مراتب الإجماع ص 33.
(5)
في (د): وللسعي.
والمرادُ به: الذَّهابُ إليها لا الإسراعُ.
وبالسُّنَّة؛ فمنها قولُ ابنِ مسعودٍ: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لقد هَمَمْتُ أن آمرَ رجلاً يصلِّي بالنَّاس، ثمَّ أُحرِّقَ على رجالٍ يتخلَّفونَ عن الجمعةِ بيوتَهم» ، وقال أبو هريرةَ وابنُ عمرَ: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيَنْتَهِيَنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجُمُعاتِ، أو لَيَختِمَنَّ اللهُ على قلوبهم، ثمَّ لَيكونُنَّ من الغافلين» رواهما مسلمٌ
(1)
.
وهي صلاةٌ مستقلَّةٌ بنفسها؛ لعدَم انعقادها بنيَّة الظُّهر ممَّن لا تَجِب عليه، ولجوازها قبل الزَّوال لا أكثرَ من ركعتَين.
قال أبو يَعْلَى الصَّغيرُ: ولا يُجَمِّع في محلٍّ يُبيح الجمعَ
(2)
.
وعنه: ظُهرٌ مقصورةٌ.
وفي «الانتصار» و «الواضح» : هي الأصلُ، والظُّهرُ بَدَلٌ، زاد بعضهم: رُخْصةٌ في حقِّ مَنْ فاتته.
وهي أفضلُ من الظُّهرِ.
(عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ)؛ لأنَّ الإسلامَ والعقلَ شرطانِ للتَّكليف وصحَّةِ العبادة، فلا تَجِب على مجنونٍ إجْماعًا
(3)
، ولا على صبِيٍّ في الصَّحيح من المذهب؛ لما رَوى طارِقُ بنُ شِهابٍ مرفوعًا:«الجمعةُ حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ في جماعةٍ إلاَّ أربعة: عبدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صبيٌّ، أو مريضٌ» رواه أبو داودَ، وقال:(طارِقٌ قد رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يَسمَع منه شَيئًا)، وإسنادُه
(1)
حديث ابن مسعود عند مسلم (652)، وحديث ابن عمر وأبي هريرة عنده برقم (865).
(2)
قال في الإنصاف 5/ 94 في فصل في الجمع: (فعلى الثاني؛ لا يجمع الجمعة مع العصر في محل يبيح الجمع، قال القاضي أبو يعلى الصغير وغيره: ذكروه في الجمعة. ويأتي هناك).
(3)
ينظر: المجموع للنووي 3/ 6.
ثِقاتٌ
(1)
، ولأنَّ البلوغَ من شرائط التَّكليف بالفروع.
وعنه: تَجب
(2)
على مميِّزٍ، ذكرها في «المذهب» و «الشَّرح» ، وزاد: بناءً على تكليفه.
وذكر السَّامَرِّيُّ: إن لَزِمت المكتوبةُ صبيًّا؛ لَزِمته، وقيل: لا، واختاره المجْدُ، وقال: هو كالإجماع للخبر.
(ذَكَرٍ) ذكره ابنُ المنذر إجماعًا
(3)
؛ لأنَّ المرأةَ ليست من أهل الحضور في مجامِع الرِّجال.
وفي «نهاية الأَزَجيِّ» روايةٌ: أنَّها تَلزَمها
(4)
.
(حُرٍّ)، هو المشهور، وهو قول أكثرهم، ولأنَّ العبد مملوك المنفعة محبوسٌ على سيِّده، أشبه المحبوس بالدَّين
(5)
.
ومقتضاه: أنَّها لا تجب
(6)
على المعتَق بعضُه، وقيل: يلزمه في نَوبَته، وهو ظاهِرٌ.
(1)
أخرجه أبو داود (1067)، والحاكم (1062)، والبيهقي (5578)، وطارق بن شهاب له رؤية وليست له رواية، فتكون روايته من قبيل مرسل الصحابي، وهي حجة عند جماهير المحدثين، قال النووي:(وهذا الذي قاله أبو داود لا يقدح في صحة الحديث؛ لأنه إن ثبت عدم سماعه يكون مرسل صحابي وهو حجة)، وصححه ابن الملقن والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 757، البدر المنير 4/ 636، صحيح أبي داود 4/ 232.
(2)
في (أ) و (ز): يجب.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 40.
(4)
في (و): يلزمها.
(5)
زاد في (أ) و (ز): (وعنه: تَلزَمه، اختاره أبو بكر؛ لعموم الآية، وقياسًا على الظُّهر، فيُستحَبُّ أن يستأذِنَ سيِّده، ويَحرُم منعُه ومخالفتُه، قال المؤلِّف: لا يَذهب إليها من غير إذْنٍ. وعنه: تلزمه بإذن سيِّدٍ) ومسحت من الأصل، وضرب عليه في (د). وتأتي قريبًا في كلام المصنف 2/ 603.
(6)
في (و): لا يجب.
والمدبَّرُ والمعلَّقُ عتقُه بصفة
(1)
؛ كالقِنِّ؛ لبقاء الرِّقِّ وتعلُّق حقِّ السَّيِّد.
(مُسْتَوْطِنٍ بِبِنَاءٍ) مُعتادٍ، ولو كان فراسخ، نقله الجماعة
(2)
، من حجَر أو قَصَب ونحوه، متَّصلاً أو متفرِّقًا، يَشمَله اسمٌ واحدٌ، لا يُرتَحل عنه شتاءً ولا صَيفًا.
(لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضعِ الجُمُعَةِ) إذا كان خارجًا عن المِصْر (أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ)، نَصَّ عليه
(3)
(تَقْرِيبًا) عن مكان الجمعة.
وعنه: عن أطراف البلد.
(1)
في (و): نصفه.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 84، مسائل ابن منصور 2/ 862.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 82، زاد المسافر 2/ 246.
وعنه: الاعتبار بسماع النِّداء؛ لقوله عليه السلام: «الجمعةُ على مَنْ سمعَ النِّداءَ» رواه أبو داود، وقال:(إنَّما أسنده قَبِيصَة)، قال البَيهَقيُّ:(هو من الثِّقات)، قال في «الشَّرح»:(الأَشْبه أنَّه من كلامِ عبد الله بن عمرٍو)
(1)
، ورواه الدَّارَقُطْنيُّ، ولفظُه:«إنَّما الجمعةُ على من سمع النِّداء»
(2)
.
والعِبرةُ بسماعه من المنارة لا بين يدي الإمام، نَصَّ عليه
(3)
، زاد بعضهم: غالبًا من مكانها، أو من أطراف البلد.
وعنه: يجب على من يَقدِر على الذَّهاب إليها، والعَودِ إلى أهله في يومه
(4)
، رُوي عن أنَسٍ والحسَن
(5)
.
والأوَّلُ المذهبُ؛ لظاهر الآية، ولأنَّهم
(6)
من أهل الجمعة، يَسمعون النِّداء كالمِصر، واعتبارُ سَماع النِّداء غيرُ مُمكنٍ؛ لأنَّه يكون فيهم الأصمُّ وثقيلُ السَّمع، وقد يكون بين يدَي الإمام، فيَختصُّ بسماعه أهل المسجد، فاعتُبر بمظنَّته، والموضع الذي يسمع فيه النِّداء غالبًا إذا كان المؤذِّنُ صيِّتًا، والرِّياحُ ساكنةً، والأصواتُ هادئةً، والعوارضُ مُنتفيةً: هو فَرْسَخٌ.
فلو سمعته قريةٌ من فوق فرسخٍ لعلوِّ مكانها، أو لم يسمعه من دونه لجبلٍ حائلٍ أو انخفاضها؛ فعلى الخلاف، وحيث لَزمهم، لم تنعقِد بهم؛ لئلاَّ يصير التَّابع أصلاً.
وأمَّا إذا كان في البلد؛ فيجب عليه السَّعي إليها، قرُب أو بعُد، سمع النِّداء أو لم يسمعه؛ لأنَّ البلد كالشَّيء الواحد.
(إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
(7)
عُذْرٌ) من مرضٍ ونحوِه؛ لأنَّه معذورٌ.
(وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ) له القصرُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا يسافرون في الحجِّ وغيرِه، فلم يصلِّ أحدٌ منهم الجمعةَ فيه مع اجتماع الخلقِ الكثيرِ، وكما لا يلزمه بنفسه؛ لا يلزمه بغيره، نَصَّ عليه
(8)
، لكن إن كان عاصيًا
(9)
(1)
الشرح الكبير 2/ 146.
(2)
أخرجه أبو داود (1065)، والدارقطني (1589)، وفي سنده راويان مجهولان: أبو سلمة بن نبيه وعبدالله بن هارون، واختلف في رفعه ووقفه، وأشار أبو داود إلى ذلك بقوله:(روى هذا الحديثَ جماعةٌ عن سفيانَ مقصورًا على عبدِ الله بن عمرو، ولم يرفعوه، وإنما أسنده قَبِيصةُ)، وقبيصة بن عقبة، وإن كان ثقة إلا أنه متكلم في روايته عن الثوري وهذا منه، قال ابن معين:(قبيصة ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان ليس بذاك القوي، فإنه سمع منه وهو صغير)، وهذه الرواية منها، ورجح وقفه الإشبيلي وابن رجب وغيرهما. ينظر: فتح الباري 8/ 158، البدر المنير 4/ 642.
(3)
ينظر: بدائع الفوائد 4/ 55، فتح الباري لابن رجب 8/ 230.
(4)
في (أ): قومه.
(5)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1755)، عن أنس بلفظ:«تجب الجمعة على من آواه الليل إلى رحله» ، وإسناده صحيح.
وأثر الحسن: أخرجه عبد الرزاق (5152)، وابن أبي شيبة (5080)، مثله.
(6)
في (أ): لأنَّهم.
(7)
قوله: (له) سقط من (أ).
(8)
ينظر: مسائل عبد الله ص 125، مسائل ابن منصور 2/ 866، مسائل أبي داود ص 82.
(9)
قوله: (عاصيًا) سقط من (ب) و (و).
بسفره لزمته
(1)
.
وذكر ابنُ تميمٍ: إن حضر مكانَها، فإن كان سفره دون مسافة القصر؛ وجبت عليه بغيره لا بنفسه.
فإن أقام ما يَمنَع القصرَ، ولم يَنوِ استيطانًا؛ لزمتْه في الأشهرِ؛ لعموم الآية والأخبار، ولم تنعقِد
(2)
به؛ لعدَم الاستيطان، وفي صحَّة إمامته فيها وجهان.
وعنه: لا تَلزَمه
(3)
، جزم به في «التَّلخيص» ، وهو ظاهِرُ كلامه هنا وفي «الكافي» ؛ لأنَّ الاستيطان من شرائط الوجوب.
قال إبراهيمُ: (كانوا يُقيمون بالرَّيِّ السَّنةَ وأكثرَ، وبسِجِسْتان السِّنين لا يُجمِّعون ولا يُشرِّقون) رواه سعيد
(4)
.
فرعٌ: لا جمعةَ بمِنًى كعَرَفةَ، نَصَّ عليه
(5)
، نقل يعقوب: ليس بهما
(6)
جمعةٌ، إنَّما يصلِّي الظُّهرَ ولا يَجهَر. وقيل: ولا يومُ التَّروية.
(وَلَا عَبْدٍ، وَلَا امْرَأَةٍ)؛ لما ذكرناه، (وَلَا خُنْثَى)؛ لأنَّه لا يُعلَم كونُه رجلاً، لكنْ يُشكِل عليه بأنَّه إذا قيل: إنَّها فرضُ الوقت، والظُّهرُ بدلٌ عنها.
(وَمَنْ حَضَرَهَا مِنْهُمْ)؛ أي: من هؤلاء؛ (أَجْزَأَتْهُ)؛ لأنَّ إسقاطَ الجمعةِ عنهم تخفيفٌ، فإذا حضرها أجزأت؛ كالمريض.
(1)
في (أ): لزمه.
(2)
في (و): ولم ينعقد.
(3)
في (و): لا يلزم.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (5101)، عن إبراهيم، بلفظ:«كان أصحابنا يغزون، فيقيمون السنة أو نحو ذلك، يقصرون الصلاة، ولا يجمِّعون» ، وأخرجه بنحوه عبد الرزاق (4429، 5202)، وإسناده صحيح.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 167، مسائل أبي داود ص 182.
(6)
في (ز): فيهما. وفي (أ): بينهما.
(وَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ)؛ لأنَّه ليس من أهل الوجوب، وإنَّما تصحُّ
(1)
منهم الجمعة تَبَعًا لمن
(2)
انعقدت به، فلو انعقدت بهم لانعقدت بهم متفرِّقين؛ كالأحرار المقيمين.
(وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا)؛ لئلاَّ يَصيرَ التَّابعُ متْبوعًا، وهو في المرأة اتِّفاقٌ
(3)
.
وكذا مسافِرٌ له القصرُ.
وقيل: تَلزَمه
(4)
تَبَعًا للمقيمين، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(5)
، وحكاه بعضهم روايةً: تلزمه
(6)
بحضورها في وقتها ما لم يَنضرَّ بالانتظار، وتنعقد به، ويَؤمُّ فيها؛ كمن سقطت عنه تخفيفًا لعُذرِ مرَضٍ وخَوفٍ ونحوهما؛ لزوال ضرره، فهو كمسافرٍ يَقدَم.
وإن قلنا: تَلزَم
(7)
عبدًا وصبيًّا؛ صحَّت إمامتُهما، وانعقدت بهما، وصحَّحه في «الفروع» في العبد.
وقال القاضي في «المجرد» : لا تَصِحُّ
(8)
إمامة الصَّبيِّ فيها ولو وجبت عليه.
(وَعَنْهُ فِي الْعَبْدِ: أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ)، اختارها أبو بكر لعموم الآية، وقياسًا
(1)
في (أ) و (ز): يصح.
(2)
في (د) و (و): كمن.
(3)
ينظر: الهداية 1/ 83، الكافي في فقه أهل المدينة 1/ 210، المجموع 4/ 255، الفروع 3/ 140.
(4)
في (و): يلزمه.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 140.
(6)
في (د) و (و): ملزمة.
(7)
في (و): يلزم.
(8)
في (و): لا يصح.
على الظهر، فيستحب أن يستأذن سيده، ويحرم منعه ومخالفته، قال المؤلف: لا يذهب إليها من غير إذن.
وعنه: تلزم بإذن سيد
(1)
.
تنبيهٌ: من لم تَجِب عليه لمرضٍ أو سفرٍ، أو اختُلف في وجوبها كعبدٍ؛ فهي أفضلُ في حقِّه، ذَكَره ابنُ عَقِيلٍ.
وللمرأة حضورُها. وقيل: يُكرَه للشَّابَّة فقطْ. وقيل: لا يجوز.
(وَمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ لِعُذْرٍ)؛ كمرضٍ وخَوفٍ، (إِذَا حَضَرَهَا؛ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَانْعَقَدَتْ بِهِ)، وأمَّ فيها؛ لأنَّ سقوطَها لِمشقَّةِ السَّعي، فإذا تحمَّل، وحضرها؛ انتفت المشقَّة، ووجبت عليه، وانعقدت به كالصَّحيح.
(وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مِمَّنْ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ)؛ أيْ: ممَّن تَلزَمه
(2)
(قَبْلَ صَلَاةِ الإِمَامِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ)، ذَكَره الأصحابُ؛ لأنَّه صلَّى ما لم يُخاطَب به، وترك ما خُوطِب به، فلم تَصِحَّ، كما لو صلَّى العصرَ مكان الظُّهرِ، وكشكِّه في دخول الوقت، لأنَّها فرض الوقت.
فعلى هذا: يعيدها ظُهرًا إذا تعذَّرت الجمعةُ.
ثمَّ إن ظنَّ أنَّه يُدرِك الجمعة؛ سعَى إليها؛ لأنَّها المفروضةُ في حقِّه، وإلاَّ انتظر حتى يتيقَّن أنَّ الإمام صلَّى، ثمَّ يُصلِّي الظُّهرَ.
وقيل: إن أمكنه إدراكُها، وإلاَّ صحَّت ظهره.
وحكى أبو إسحاقَ بن شاقْلَا وجهًا: أنَّ فرضَ الوقت الظُّهْرُ، فتَصِحُّ
(1)
في (و): سيده. وقوله: (وعنه: في العبد أنها تجب عليه اختارها أبو بكر لعموم الآية، وقياسًا على الظهر، فيستحب أن يستأذن سيده، ويحرم منعه، قال المؤلف: لا يذهب إليها من غير إذن، وعنه: تلزم بإذن سيد) سقط من (أ) و (ز).
(2)
في (و): يلزمه.
مُطلقًا، ولا تَبْطُل
(1)
بالسَّعي إلى الجمعة.
وكذا إذا صلَّى الظُّهرَ شاكًّا هل صلَّى الإمامُ الجمعةَ، أو صلَّى الظُّهرَ أهلُ بلدٍ مع بقاء وقت الجمعة؛ لم يَصِحَّ في الأشهَر، ويعيدونها إذا فاتت الجمعة
(2)
.
لكن يُستثنَى على الأوَّل: ما لو أخَّر الإمامُ الجمعةَ تأخيرًا
(3)
مُنكَرًا، فلِلْغَيرِ أن يُصلِّيَ ظُهرًا، ويُجزِئُه عن فرضه، جزم به المجْدُ، وجعَلَه ظاهِرَ كلامِه؛ لخبر تأخير
(4)
الأمراء
(5)
الصَّلاة عن وقتها
(6)
.
(وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) كالمسافِرِ والمريضِ؛ (أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ)، ذَكَره جماعةٌ، منهم صاحبُ «الوجيز» ؛ لأنَّه ربَّما زال عُذرُه فلَزِمته
(7)
الجمعةُ.
لكنْ يُستثنَى من ذلك: من
(8)
دام عذرُه؛ كامرأةٍ وخُنثى، فالتَّقديم
(9)
في حقِّهما أفضلُ، ولعلَّه مرادُ مَنْ أطلق.
وظاهِرُه: أنَّهم إذا صلَّوْا قبل الإمام؛ أنَّها صحيحةٌ على الأصحِّ، وهو
(1)
في (د) و (و): ولا يبطل.
(2)
قوله: (أو صلَّى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت الجمعة لم يصحَّ في الأشهر، ويعيدونها إذا فاتت الجمعة) سقط من (و).
(3)
في (د) و (و): تأخرًا.
(4)
في (د) و (و): تأخر.
(5)
في (أ): الإمام.
(6)
أخرجه مسلم (648)، عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله: «كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ أو يميتون الصلاة عن وقتها؟» قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: «صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ، فإنها لك نافلة» .
(7)
في (ز): فلزمه.
(8)
في (و): ما.
(9)
في (د) و (و): فالتقدم.
قولُ عامَّتهم؛ لأنَّهم أدَّوْا فرْضَ الوقت، ولو زال عُذرُه لم تَلزَمه
(1)
الجمعةُ؛ كالمَعْضُوب إذا حُجَّ عنه، ثمَّ بَرِئَ.
وقيل: بلى، وهو روايةٌ في «التَّرغيب» ؛ كصبِيٍّ بلغ في الأشهَر.
وقيل: إن زال عُذرُه والإمامُ في الجمعةِ؛ لزمته.
وقيل: إن عُوفِيَ المريضُ بين الإحرام والسَّلام؛ أعادها.
وفي
(2)
زوال عُذرِ غيره وجهان.
والثَّانية: لا تَصِحُّ
(3)
قبل الإمام، اختاره أبو بكر، كمن تَجِب
(4)
عليه.
وعلى الأولى
(5)
: لو صلاَّها ثمَّ حضر الجمعةَ؛ كانت له نفلاً؛ لأنَّ الأُولى أسقطت الفرض. وقيل: بل فرضًا.
مسألة: لا يُكرَه لمن فاتته الجمعةُ، أو لم يكن من أهل فرضها؛ الصَّلاةُ جماعةً في المِصر؛ لحديث فضل صلاة الجماعة
(6)
، وفعَلَه ابنُ مسعودٍ، واحتجَّ
(7)
به أحمدُ
(8)
.
(1)
في (و): لم يلزمه.
(2)
في (و): في.
(3)
في (د) و (و): لا يصح.
(4)
في (و): يجب.
(5)
في (أ): الأول.
(6)
وهو حديث «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» ، أخرجه البخاري (645)، ومسلم (650)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(7)
في (د) و (و): احتجَّ.
(8)
ينظر: مسائل عبد الله (ص 121).
وأثر ابن مسعود: أخرجه عبد الرزاق (5456)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (9544)، وابن المنذر في الأوسط (1858)، عن الحسن بن عبيد الله قال: صليت أنا وزِرٌّ، فأمَّني، وفاتتنا الجمعة، فسألت إبراهيم، فقال:«فعل ذلك عبد الله بعلقمة والأسود» ، قال سفيان:«وربما فعلته أنا والأعمش» ، ورجاله ثقات.
زاد السَّامَرِّيُّ وغيرُه على الأوَّل: بأذانٍ وإقامةٍ.
وفي كراهتها في مكانها وجهان.
ومن خاف فتنةً أو ضررًا؛ صلَّى حيث يَأْمَن ذلك.
ونقل الأثرم: لا يُصلِّي فوق ثلاثةٍ جماعةً
(1)
، ذكره ابنُ عَقِيلٍ تَبَعًا لشيخه.
ومن لزَمتْه الجمعةُ فتَرَكَها بلا عُذرٍ؛ تَصدَّق بدينارٍ أو نصفِه؛ للخبر
(2)
، ولا يَجِب، قاله في «الفروع» .
(وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ الجُمُعَةُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ)؛ أي: بعد اللُّزوم قبل فعلها روايةً واحدةً؛ كتركها بعد الوجوب، كما لو تركها لتجارةٍ، بخلاف غيرها، وهذا بناءً على استقرارها بأوَّله، فلهذا خُرِّج الجوازُ مع الكراهة ما لم يُحرِم بها؛ لعدَم الاستقرار.
ويَجوز إذا خاف فوتَ رفقةِ سفرٍ مباحٍ. وقيل: بل مندوبٍ.
(وَيَجُوزُ قَبْلَهُ)؛ أي: قبل الزَّوال بعد طلوع الفجر، اختاره المؤلِّفُ؛ لما رَوى الشَّافعيُّ عن سُفيانَ بنِ عُيَيْنة، عن الأسود بن قَيس، عن أبيه
(3)
، عن
(1)
ينظر: الفروع 3/ 144.
(2)
كتب على الهامش الأصل: (الذي خرجه أبو داود في سننه لفظه: «من ترك الجمعة من غير عذر؛ فليتصدق بدينار، فإن لم يجد؛ فنصف دينار»، وفي لفظ: «من فاتته الجمعة من غير عذر؛ فليتصدق بدرهم، أو نصف درهم، أو صاع حنطة، أو نصف صاع»، وذكر الشيخ شمس الدين ابن القيم في فصل ساعة الإجابة في يوم الجمعة: وقد جاء الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لمن تركها: «أن يتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار» رواه أبو داود والنسائي من رواية قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب، قال أحمد: قدامة بن وبرة لا يعرف، ووثقه ابن معين، وحكى البخاري: لا يصح سماعه من سمرة. حاشية ابن نصر الله).
والخبر أخرجه أحمد (20087)، وأبو داود (1053)، والنسائي (1372)، وابن خزيمة (1861)، وابن حبان (2788)، من طريق قدامة بن وبرة، عن سمرة، وحكم عليه أحمد بالاضطراب، وضعفه البخاري والبيهقي، وأعله ابن الجوزي بالإرسال. ينظر: الخلاصة للنووي 2/ 766، البدر المنير 4/ 693، ضعيف سنن أبي داود 1/ 410.
(3)
قوله: (عن أبيه) سقط من (أ).
عمر قال: «لا تَحبِس الجمعةُ عن سفر»
(1)
، وكما لو سافَر من اللَّيل.
(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ)، قدَّمها في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجزَم بها في «الوجيز»؛ لما رَوى الدَّارَقُطْنيُّ عن ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سافرَ مِنْ دارِ إقامةٍ يومَ جمعةٍ؛ دعَتْ عليه الملائكةُ أن لا يُصحَبَ في سفرِهِ، وأن لا يُعانَ على حاجتِهِ»
(2)
، ولأنَّ هذا وقتٌ يَلزَم من كان على فرسخٍ السَّعيُ إليها، فلم يَجُز لمَن في البلد السَّفرُ بطريق الأَوْلى، وبدليلِ الاعتِدادِ بالغَسل، وأنَّه يُسَنُّ التَّبكيرُ إليها، فمنع من التسبُّب
(3)
إلى تفويتها، قال أحمدُ:(مَنْ سافَر يومَ جمعةٍ، قلَّ من يَفعَلُه إلاَّ رأى ما يَكرَه)
(4)
.
وعليها: له السَّفَرُ إن أتى بها في طريقه، وإلاَّ كُرِه روايةً واحدةً.
(وَعَنْهُ: يَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً)، وأنَّه أفضلُ، نَقَلها أبو طالِبٍ
(5)
؛ لأنَّه عليه السلام جهَّز جيشَ مُؤْتَةَ يومَ الجمعةِ، وروى أحمدُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جهَّز زيدَ بنَ حارِثةَ، وعليًّا
(6)
، وعبدَ الله بنَ رَواحةَ، فتخلَّف عبدُ الله بنُ رَواحةَ لصلاةِ الجمعةِ، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لغَدوةٌ في سبيلِ الله أو رَوحةٌ؛ خيرٌ من الدُّنيا
(1)
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 218)، وعبد الرزاق (5537)، وابن أبي شيبة (5106)، وابن المنذر في الأوسط (1786)، والبيهقي في الكبرى (5638)، وصححه الألباني في السلسلة الضعيفة 1/ 387.
(2)
أخرجه الدارقطني في الأفراد، عزاه إليه العراقي وابن حجر، وضعفاه، قال العراقي:(أخرجه الدارقطني في الأفراد من حديث ابن عمر، وفيه ابن لهيعة وقال: غريب، والخطيب في الرواة عن مالك من حديث أبي هريرة بسند ضعيف). ينظر: تخريج الإحياء 1/ 188، التلخيص الحبير 2/ 162، الضعيفة (218).
(3)
في (أ) و (ب): السبب.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 146.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 187.
(6)
صوابه: (جعفرًا) كما في المعجم الكبير للطبراني (12081)، والسنن للبيهقي (5656).
وما فيها»، فَراحَ مُنطلِقًا
(1)
.
وذكر القاضي: أنَّ الرِّوايات إن
(2)
دخل وقتُها، وإلاَّ جاز.
وعلى المنع: له السَّفرُ إن أتَى بها في قريةٍ بطريقه، وإلاَّ كُرِه روايةً واحدةً، وظاهِرُ كلام جماعة
(3)
: لا يُكرَه.
(1)
تجهيز الجيش يوم الجمعة والحديث الذي بعده حديث واحد، أخرجه أبو داود الطيالسي (2822)، وابن أبي شيبة (19303)، وأحمد (2317)، والطبراني في الكبير (12081)، من طريق الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جعفرًا وزيدًا وابن رواحة - يعني في جيش مؤتة -، فتخلف ابن رواحة ومضى القوم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما خلَّفك؟» ، فقال: يا رسول الله، الجمعة، أُجمِّع ثم أروح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لغدوةٌ في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» ، وسنده ضعيف، حجاج بن أرطاة صدوق كثير الخطأ والتدليس، وقد رواه بالعنعنة.
(2)
في (أ) و (ز): إذا.
(3)
في (أ): أحمد.
(فَصْلٌ)
(وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ):
(أَحَدُهَا: الْوَقْتُ)؛ لأنَّها مفروضةٌ، فاشتُرِط لها كبقيَّة الصَّلوات، فلا تصحُّ
(1)
قبل الوقت ولا بعده إجماعًا
(2)
.
(وَأَوَّلُهُ: أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ)؛ نَصَّ عليه
(3)
، قدَّمه السَّامَرِّيُّ وصاحبُ «التَّلخيص» ، وقاله القاضي وأصحابُه؛ لقَولِ عبدِ الله بن سِيدان: «شهدتُ الجمعةَ مع أبي بكرٍ، فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النَّهار، ثمَّ شهدتها مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: قد انتَصف النَّهار، ثمَّ شهدتها مع عثمان، فكانت صلاته وخطبته
(4)
إلى أن أقول: زال النَّهار، فما رأيت أحدًا عاب ذلك ولا أنكره» رواه الدَّارَقُطنيُّ وأحمدُ، واحتجَّ به
(5)
، قال: وكذلك
(1)
في (ز): فلا يصحُّ.
(2)
ينظر: الإقناع لابن القطان 1/ 162.
(3)
ينظر: الانتصار في المسائل الكبار 2/ 576، فتح الباري 2/ 264.
(4)
في (د) و (و): خطبته وصلاته.
(5)
رواه عبد الرزاق (5210)، وابن أبي شيبة (5132)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 265)، والدارقطني (1623)، وابن المنذر في الأوسط (995)، وإسناده صحيح إلى عبد الله بن سِيدان، قال ابن حجر:(تابعي كبير إلا أنه غير معروف العدالة)، وذكر قول البخاري عنه:(لا يُتابع على حديثه)، ولذا قال ابن المنذر:(غير ثابت)، وضعفه النووي.
واحتج به أحمد في رواية أبي الحسن الترمذي، قال أحمد:(على ما جاء من فعل أبي بكر وعمر، لا أرى به بأسًا؛ لأنها عيد والأعياد كلها في أول النهار)، وقال أبو الخطاب:(وقد صحح أحمد حديثه وأخذ به).
وجوَّد ابن رجب إسناده، وقال:(وأحمد أعرف الرجال من كل من تكلم في هذا الحديث، وقد استدل به واعتمد عليه).
قال الألباني: (وإسناده محتمل للتحسين)، وذلك أنه تابعي كبير، روى عنه أربعة من الثقات، وذكره ابن حبان والعجلي في الثقات، وحديثه ليس بمنكر، بل له ما يوافقه من أفعال الصحابة رضي الله عنهم.
تنبيه: الأثر أخرجه أحمد في رواية ابنه عبد الله كما ذكر المجد في المنتقى، وابن رجب في فتح الباري، وابن كثير في مسند الفاروق 1/ 206، ولم نقف عليه في مسائله المطبوعة ولا في غيره من كتب الإمام أحمد، ورواه أبو بكر عبد العزيز في كتابه الشافي بإسناده إلى عبد الله ابن الإمام أحمد عنه كما في التعليقة للقاضي (3/ 299).
ينظر: الانتصار 2/ 581، فتح الباري لابن رجب 8/ 173، الخلاصة 2/ 773، الفتح 2/ 387، الأجوبة النافعة ص 42.
رُوي عن ابنِ مسعودٍ وجابِرٍ وسعيدٍ
(1)
ومُعاويةَ: «أنَّهم صلَّوا قبل الزَّوال»
(2)
، ولم يُنكَر، فكان كالإجماع، ولأنَّها صلاةُ عِيدٍ أشْبهت العيدَينِ.
فعلى هذا: هل هو وقتٌ لوجوبها، كما اختاره أبو حفص بن بَدران وغيرُه، أو وقت جوازها، نقله واختاره الأكثرُ وذكر القاضي وغيرُه أنَّه المذهبُ؟ فيه روايتان.
(1)
هكذا بخط المؤلف وفي باقي النسخ المعتمدة، ولعل الصواب:(سعد)، وهو سعد بن أبي وقاص، كما في المصادر الحديثية، ويأتي تخريجه.
(2)
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (5134)، وابن المنذر في الأوسط (997)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 55)، عن عبد الله بن سَلِمة، قال: صلى بنا عبد الله الجمعة ضحى، وقال:«خشيت عليكم الحر» ، ضعفه ابن المنذر والبيهقي بعبد الله بن سَلِمة، واحتج أحمد بالأثر، وحسن الألباني إسناده. ينظر: مسائل عبد الله ص 125، معرفة السنن 4/ 335، الإرواء 3/ 62.
وأثر جابر رضي الله عنه: لم نقف عليه.
وأثر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (5121)، ومسدد كما في المطالب العالية (700)، عن مصعب بن سعد، قال:«كان سعد يقيل بعد الجمعة» ، وهو صحيح كما قال الحافظ في المطالب.
وأثر معاوية رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (5135)، والبخاري في التاريخ الكبير (1594)، وابن المنذر في الأوسط (998)، عن سعيد بن سويد، قال:«صلى بنا معاوية الجمعة ضحى» ، وسعيد أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 4/ 29 وسكت عنه، وذكره البخاري في تاريخه وقال بعد ذكره الأثر:(ولا يتابع عليه).
(وَقَالَ الخِرَقِيُّ: يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ)، حكاه ابنُ هُبَيرةَ روايةً عن أحمد، واختاره أبو بكرٍ وابن شاقْلا والمؤلِّفُ؛ لما روى جابِرٌ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي الجمعةَ، ثمَّ نَذهبُ إلى جِمالنا فنريحُها حين تَزول الشَّمسُ» رواه مسلم
(1)
.
وفي نسخةٍ للخرقي: الخامسة، واختاره ابنُ أبي موسى، وظاهِرُه: أنَّه لا يجوز فعلُها قبل ذلك.
وأغرب ابنُ عَقِيلٍ في «مفرداته» : أنَّ مذهبَ قومٍ من أصحابنا: أنَّه يجوز فعلُها في وقت الفجر.
وعنه: تَلزَم
(2)
بالزَّوال، اختاره الآجُرِّيُّ، وهو قولُ أكثرِ العلماء؛ لما روى سلمةُ بنُ الأكوع قال:«كنا نصلي الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشَّمسُ» متَّفقٌ عليه
(3)
، وفعلُها بعدَه أفضلُ، وأنَّها لا تُفعل أوَّل النَّهار؛ لأنَّ التَّوقيت لا يَثبُت إلاَّ بدليلٍ، وللخروج من الخلاف.
وتعجيلُها في أوَّل وقتها أفضلُ، صَيفًا وشِتاءً؛ لأنَّ التَّأخير يَشُقُّ على النَّاس؛ لاجتماعهم أوَّله، بخلاف الظُّهر.
(وَآخِرُهُ: آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ) بغير خلافٍ
(4)
، لأنَّها بدَلٌ منها، أو واقِعةٌ مَوقِعَها، فوجب الإلحاقُ؛ لما بينهما من المشابهة.
(فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ فِعْلِهَا؛ صَلَّوْا ظُهْرًا)؛ لفوات الشَّرْط، قال في «الشَّرح»: لا نَعلَم فيه خلافًا.
(1)
أخرجه مسلم (858).
(2)
في (و): يلزم.
(3)
أخرجه البخاري (4168)، ومسلم (860).
(4)
ينظر: الإقناع لابن القطان 1/ 162.
(وَإِنْ خَرَجَ وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً؛ أَتَمُّوهَا جُمُعَةً)، نَصَّ عليه
(1)
، وذكره الأكثرُ، وهو المذهبُ؛ لأنَّ الوقتَ إذا فات لم يُمكِن استدراكُه، فسقط اعتبارُه في الاستدامة للعُذْر، وكالجماعة في حقِّ المسبوق.
وعنه: يُعتبَر الوقت في جميعها إلاَّ السَّلام؛ لأنَّ الوقت شرط، فيُعتبَر
(2)
في جميعها كالطَّهارة.
(وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ) فعل (رَكْعَةٍ، فَهَلْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا، أَوْ يَسْتَأْنِفُونَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدهما: يُتمُّونها ظُهرًا؛ لأنَّهما صلاتا وقتٍ، فجاز بناء إحداهما
(3)
على الأخرى، كصلاة السَّفر مع الحضر.
والثَّاني: يَستأنِفونها ظُهرًا؛ لأنَّهما صلاتان مختلِفتان
(4)
، فلم تُبْنَ إحداهما على الأخرى؛ كالظُّهر والصُّبح.
وظاهرُه: أنَّهم لا يُتمُّونها جمعةً، وهو ظاهر الخِرَقيِّ، قال ابنُ المنجَّى: وهو قولُ أكثرِ الأصحاب؛ لأنَّه عليه السلام خَصَّ إدراكها بالرَّكعة
(5)
.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 147.
(2)
في (أ): يعتبر.
(3)
في الأصل: أحدهما.
(4)
في (و): مختلفان.
(5)
وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها فقد تمت صلاته» أخرجه النسائي (557)، وابن ماجه (1121)، وابن خزيمة (1851)، والدارقطني (1601)، ورجح أبو حاتم أن ذكر الجمعة وهم، والصواب ما في الصحيح:«من أدرك من صلاة ركعة، فقد أدركها» ، قال ابن عدي:(وهذا لا يرويه الثقات عن الزهري، ولا يذكرون الجمعة، وإنما قالوا: «من أدرك من الصلاة ركعة»، وإنما ذكر الجمعة مع الحجاج قومٌ ضعافٌ عن الزهري)، وقال ابن حبان:(ذكر الخبر الدال على أن الطرق المروية في خبر الزهري: «من أدرك من الجمعة ركعة» كلها معللة ليس يصح منها شيء). ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 431، الكامل لابن عدي 2/ 527، صحيح ابن حبان 4/ 352، سبل السلام 1/ 400، الإرواء 3/ 84.
وقيل: يُتِمُّونها جمعةً، حكاه ابنُ حامِدٍ وأبو بكرٍ والقاضي، وذكر ابن الجَوزيِّ: أنَّه الصَّحيحُ من «المذهب» ، وذكره في «الرِّعاية» نَصًّا
(1)
، وقياسًا على بقيَّة الصَّلوات.
ورُدَّ: بالحديث السَّابق، وبأنَّ الفرق بينها وبين سائر الصَّلوات ثابِتٌ في كثيرٍ من الأحكام، فيَمتنِع القياسُ.
فلو دخل وقتُ المغرب وَهُمْ فيها، فقيل كذلك، وقيل: تَبطُل؛ لأنَّ وقت المغرب ليس وقتًا لها، وقت العصر ووقت الظُّهر التي الجمعة بدَلُها.
فعلى المذهب: لو بقِيَ من الوقت قدر الخُطبة والتَّحريمة؛ لزمهم فعلُها، وإلاَّ لم يَجُز، وكذا يَلزَمهم إن شَكُّوا في خروجه؛ عملاً بالأصل.
(الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِقَرْيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا)؛ «لأنَّه عليه السلام كتب إلى قُرى عُرينةَ أن يُصلُّوا الجمعةَ»
(2)
، و «أسْعدُ بن زُرارةَ جمَّع بهم بِهَزْم النَّبِيت»
(3)
، ولأنَّ القرية المبنيَّة بما جرت به العادةُ يستوطنها العددُ.
فدلَّ على أنَّها لا تصحُّ من أهل الخيام وبيوت الشعر والخركاوات
(4)
؛
(1)
كتب على هامش (د): (وهو المذهب، بشرط إحرام الأربعين قبل خروج الوقت).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (5854)، مرسلاً عن الزهري قال:«بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى قرى عُرينة وفدك وينبع ونحوها من القرى مسيرة ثلاثة أيام من المدينة؛ أن يجمعوا ويشهدوا العيدين» ، ومراسيل الزهري من أوهى المراسيل كما قال جمع من الأئمة منهم ابن القطان وابن معين، وفيه راوٍ مبهم، وقال الشافعي:(وقد يروى من حيث لا يثبت أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع حين قدم المدينة بأربعين رجلاً وروي أنه كتب إلى أهل قرى عُرينة أن يصلوا الجمعة والعيدين). ينظر: الأم 1/ 219، شرح علل الترمذي 1/ 535.
(3)
أخرجه أبو داود (1069)، وابن ماجه (1082)، وابن خزيمة (1724)، وابن حبان (7013)، والحاكم (1039)، والدارقطني (1585)، والبيهقي في الكبرى (5606)، وصححه جماعة من الأئمة.
(4)
قال في صبح الأعشى 2/ 146: (الخركاه: بيت من خشب مصنوع على هيئة مخصوصة، ويغشّى بالجوخ ونحوه، تحمل في السفر لتكون في الخيمة للمبيت في الشتاء لوقاية البرد).
لأنَّ ذلك لم يُقصد للاستيطان غالِبًا، وكذلك كانت قبائل العرب حوله عليه السلام ولم يأمُرهم بها، زاد في «المستوعب» وغيره: ولو اتَّخذوها أوطانًا؛ لأنَّ استيطانهم في
(1)
غير بنيان.
وقدم الأَزَجيُّ، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(2)
: صحَّتها ووجوبها على المستوطنين بعمود
(3)
أو خيام
(4)
، قال في «الفروع»: وهو متَّجِهٌ.
نقل أبو النَّضر العِجْلي
(5)
: ليس على أهل البادية جمعةٌ؛ لأنَّهم يتنقلون
(6)
.
وفي تصريح المؤلِّف بالقرية؛ تنبيهٌ على أنَّه لا يُشترَط لصحَّتها المصرُ.
وتُشترَط الإقامةُ فيها، فلو رحل عنها أهلها
(7)
في بعض السَّنة؛ لم يَصحَّ.
قال ابن تميم: وكذا لو دخل قومٌ بلدًا لا ساكن به
(8)
بنِيَّة الإقامة به سنةً فلا جمعةَ عليهم، ولو أقام ببلدٍ ما يَمنَع القصر، وأهله لا تجب عليهم، فلا جمعة أيضًا، فلو خربت القرية وعزم أهلُها على عمارتها والإقامة بها؛ فعليهم الجمعة، وإن عزموا على النُّقلة فلا.
(وَتَجُوزُ إِقَامَتُهَا فِي الْأَبْنِيَةِ المُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَهَا اسْمٌ وَاحِدٌ)؛ قياسًا على القرية المتَّصلة، واعتبر أحمد في رواية ابن القاسِم: اجتماعَ المنازل في القرية
(9)
، قاله القاضي، وقال أيضًا: معناه: متقارِبةُ الاجتماع.
(1)
في (ز): من.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 24/ 166، الفروع 3/ 137.
(3)
في (أ): بجرد، وفي (ب) و (د): بتجرد. والمثبت موافق لما في الفروع 3/ 137.
(4)
قوله: (بجرد أو خيام) هو في (و): بخيام.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 137.
(6)
في (أ): ينتقلون.
(7)
في (ز): أهل.
(8)
في (أ): فيه.
(9)
ينظر: الفروع 3/ 136.
والصَّحيحُ: أنَّ التَّفريقَ إذا لم تَجرِ به العادةُ؛ لم يَصحَّ
(1)
فيها الجمعةُ، زاد في «الشَّرح»: (إلاَّ أن يَجتمِع منها ما يسكنه أربعون، فتجب بهم
(2)
الجمعة، ويتبعهم الباقون).
قال ابنُ تميمٍ والجَدُّ في «فروعه» : ورَبَضُ البلدِ له حكمُه، وإن كان بينهما فُرجةٌ.
تنبيه: إذا تقارَب قريتان في كلٍّ منهما دون الأربعين؛ لم يَصِحَّ فعلُ الجمعة في واحدةٍ بتكميل الأخرى، فإن كَمَل في إحداهما
(3)
؛ لزمهم فعلُها، وإن كَمَل في كلٍّ منهما؛ فالأَوْلى جَمْع كلِّ قريةٍ في موضعها.
وقال القاضي: القرية إذا كانت من المصر على فرسخ فما دون؛ لزمهم قصده، والأصحُّ خلافُه، كما لو كانت إلى جنب قريةٍ أخرى، فلو كان في قرية أربعون، وإلى جنبها مصر فيه دونه؛ لزم أهله قصد القرية.
(وَ) تجوز إقامتُها (فِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ)، وأنَّه لا يُشترَط لها البنيانُ؛ لقول كعب: «أسعد بن زُرارة أوَّلُ من جمع بنا في هَزْم النَّبيت في حَرَّةِ
(4)
بني بَيَاضَةَ في نَقِيع
(5)
يقال له: نَقِيعُ
(6)
الخَضِمات، قال: كم كنتم يومئذٍ؟ قال: أربعون رجلاً» رواه أبو داود والدَّارَقُطْنيُّ، قال البَيهَقيُّ:(حسَنُ الإسناد صحيحٌ) قال الخطَّابي: (حَرَّة بني بَياضة: على مِيلٍ من المدينة)
(7)
، وقياسًا على الجامع، وظاهره: وإن لم يكن عذر.
(1)
في (أ): لم تصح.
(2)
في (و): فيجب لهم.
(3)
في (ز): أحدهما.
(4)
في (و): وحرة.
(5)
في (ب) و (و): بقيع.
(6)
في (ب) و (و): بقيع.
(7)
ينظر: معالم السنن 1/ 245، والحديث سبق تخريجه 2/ 614 حاشية (3).
ويجوز للمسافر القصرُ والفطر فيه، ذكره القاضي.
وقيل: لا يصحُّ
(1)
إلاَّ في جامعٍ إلاَّ لعذرٍ، لكن قال ابنُ عَقِيلٍ: إذا صلَّى في الصَّحراء استخلف من يُصلِّي بالضَّعَفة.
(الثَّالِثُ: حُضُورُ أَرْبَعِينَ) رجلاً (مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي ظَاهِرِ المَذْهَبِ)، وهو الأصحُّ، واختاره عامَّة المشايخ؛ لما تقدَّم من حديث كعبٍ، وقال أحمدُ
(2)
(3)
، وقال جابِرٌ:«مضت السُّنَّةُ: أنَّ في كلِّ أربعينَ فما فوقُ جُمعةٌ وأضحَى وفطرٌ» رواه الدَّارَقُطْنيُّ، وفيه
(4)
ضعفٌ
(5)
.
(وَعَنْهُ: تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ)، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(6)
؛ لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجُمُعَة: 9]، وهذا جَمعٌ وأقلُّه ثلاثةٌ.
(1)
في (ز): لا تصحُّ.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4813.
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (6294)، عن أبي مسعود الأنصاري قال:«أول من قدم من المهاجرين المدينة: مصعب بن عمير، وهو أول من جمع بها يوم الجمعة، جمعهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم» ، قال ابن حجر:(وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف).
وأخرجه عبد الرزاق (5146)، والبيهقي (5702)، مرسلاً عن الزهري، وليس فيه ذكر العدد. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 139، الإرواء 3/ 68.
(4)
في (أ): وبه.
(5)
أخرجه الدارقطني (1579)، والبيهقي في الكبرى (5607)، قال البيهقي:(تفرد به عبد العزيز القرشي، وهو ضعيف)، وضعفه ابن الجوزي وقال:(فيه عبد العزيز، قال أحمد: اضرب على أحاديثه فإنها كذب)، وبنحوه قال ابن حجر. ينظر: التحقيق 1/ 500، التلخيص 2/ 137.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 151، الاختيارات ص 119.
وعنه: في القُرى خاصَّة؛ لقلَّتهم.
وعنه: بخمسين؛ لما روى أبو هريرة قال: «لمَّا بلغ أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خمسينَ؛ جمعَ بهم» رواه النجاد
(1)
.
وعنه: بسبعةٍ. وعنه: بخمسةٍ. وعنه: بأربعةٍ.
وعلى الرِّوايات كلِّها: لا يُعتبَر كونُ الإمام زائدًا على العدد على المذهب.
وعنه: بلى، فعليها: لو بَانَ مُحدِثًا ناسِيًا؛ لم يُجزِئْهم إلاَّ أن يكونوا بدونه العددَ المعتبرَ.
ويتخرَّج: لا مطلقًا، قال المجْدُ: بناءً على رواية
(2)
: أنَّ صلاةَ المُؤْتَمِّ بناسٍ حَدَثَه تَفسُد
(3)
، إلاَّ أن يكون قرأ خلْفه.
فرع: إذا رأى الإمامُ وحدَه العددَ، فنقَص؛ لم يَجُز أن يَؤُمَّهم، ولزِمه استخلافُ أحدِهم، وبالعكس لا يَلزَم واحدًا منهما.
ولو أمره السُّلطانُ ألا يُصَلِّيَ إلاَّ بأربعين، لم يَجُزْ بأقلَّ، ولا أن يستخلف لقصر ولايته، بخلاف التَّكبير الزَّائد، وبالعكس الولاية باطلةٌ؛ لتعذُّرها من جهته.
ويحتمل: أن يستخلف لها أحدهم.
(1)
في (أ) و (ب) و (د) و (و): البخاري.
لم نقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج الطبراني في الكبير (7952)، والدارقطني (1580)، من حديث أبي أمامة مرفوعًا:«الجمعة واجبة على خمسين رجلاً، وليست على من دون الخمسين جمعة» ، وفي سنده جعفر بن الزبير، قال الدارقطني:(متروك)، وضعفه البيهقي وابن الجوزي وابن القطان وغيرهم. ينظر: التحقيق 2/ 551، بيان الوهم والإيهام 3/ 105، البدر المنير 4/ 596.
(2)
قوله: (رواية) سقط من (أ).
(3)
في (و): يفسد.
(فَإِنْ نَقَصُوا قَبْلَ إِتْمَامِهَا
(1)
؛ لم يُتِمُّوها جمعةً؛ لأنَّه
(2)
شرطٌ، فاعتُبِر في جميعها كالطَّهارة، و (اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا)؛ نَصَّ عليه
(3)
، وجزم به السَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص» .
وقيل: يُتمُّون ظُهرًا.
وقيل: جمعةً، ولو بقي وحدَه ولو لم
(4)
يسجد في الأولى.
وقيل: جمعةً إن بقي معه اثنا عشر رجلاً؛ لأنَّه العددُ الباقي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانوا في الصَّلاة، رواه البخاري
(5)
، والمراد في انتظارها
(6)
كما روى مسلمٌ في الخُطبة، وللدَّارَقُطْنيِّ:«بقي معه أربعون رجلاً» ، تفرَّد به علي بن عاصم
(7)
.
وإنَّما انفضُّوا لظنِّهم جواز الانصراف، ولأبي داود في مراسيله:«أن خطبته عليه السلام هذه كانت بعد صلاته الجمعة» ، فظنوا ألا شيء عليهم في الانصراف
(8)
.
(1)
في (أ): إقامتها.
(2)
زيد في (و): فرض.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 152.
(4)
قوله: (ولو لم) هو في (ب) و (ز): ولم.
(5)
أخرجه البخاري (936)، ومسلم (863)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(6)
في (و): انتظارهم.
(7)
أخرجه الدارقطني (1583)، وقال:(لم يقل في هذا الإسناد: "إلا أربعين رجلاً" غير علي بن عاصم عن حصين، وخالفه أصحاب حصين، فقالوا: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً)، وقال في العلل:(ولم يتابع على هذا القول)، وقال ابن رجب:(وعلي بن عاصمٍ، ليس بالحافظ، فلا يقبل تفرده بما يخالف الثقات)، وعلي بن عاصم هو الواسطي وذُكر في ترجمته أنه كان كثير الغلط. ينظر: علل الدارقطني 13/ 360، فتح الباري 8/ 310.
(8)
قوله: (ولأبي داود في مراسيله) إلى هنا سقط من (أ).
أخرجه أبو داود في المراسيل (62)، من طريق بكير بن معروف أنه سمع مقاتل بن حيان، قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة، فدخل رجل فقال: إن دحية بن خليفة قدم بتجارته» فذكره، وأخرجه الحازمي في الناسخ والمنسوخ (ص 118) من طريق أبي داود، وقال القسطلاني:(شاذ معضل)، وقال الألباني:(وهذا منكر بهذا السياق مع إعضاله)، ومع عدم ثبوته فقد ذكر السهيلي وابن رجب أنه من أحسن الأجوبة. ينظر: فتح الباري 8/ 315، التوضيح شرح الجامع الصحيح لابن الملقن 7/ 628، إرشاد الساري 2/ 192، السلسلة الصحيحة 7/ 414.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه أنَّهم انفضُّوا لقدوم التِّجارة لشدَّة المجاعة، أو ظنِّ وجوب خُطبةٍ واحدةٍ، وقد فرغت).
قال في «الشَّرح» : (ويحتمل أنَّهم عادوا فحضروا القدرَ الواجِبَ، ويحتمل أنَّهم عادوا قبل طول الفصل).
(وَيَحْتَمِلُ) هذا وجْهٌ: (أَنَّهُمْ إِنْ نَقَصُوا قَبْلَ رَكْعَةٍ؛ أَتَمُّوا ظُهْرًا، وَإِنْ نَقَصُوا بَعْدَ رَكْعَةٍ؛ أَتَمُّوا جُمُعَةً)، وهو قياسُ قولِ الخِرَقيِّ، واختاره المؤلِّفُ، وذَكَره قياسَ المذهب، قال المُزَنِيُّ:(وهو الأَشْبَهُ عندي كالمسبوق)
(1)
.
والأوَّلُ أصحُّ، والفَرْق: بأنَّ المسبوق أدرك ركعة من جمعة، تمَّت شرائطها وصحَّت، فجاز البناء عليها بخلاف هذه.
وإن بقي العددُ؛ أتمَّ جمعة، قال أبو المعالي: سواء سمعوا الخطبة أو لحقوهم قبل نقصهم بلا خلاف؛ كبقائه من السَّامعين.
(وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً)؛ أي: بسجْدتَيها، وتَظهَر فائدتُه فيما لو زُحم عن السُّجود؛ (أَتَمَّهَا جُمُعَةً) رواه البَيهَقيُّ عن ابنِ مسعودٍ
(2)
وابنِ عمرَ
(1)
، وعن أبي هريرة مرفوعًا: «مَنْ أدركَ ركعةً مِنَ الجمعةِ؛ فقد أدركَ
(1)
ينظر: مختصر المزني مع الأم 8/ 120.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (5477)، وابن أبي شيبة (5332)، والطبراني في الكبير (9545)، والبيهقي في الكبرى (5739)، وفي الخلافيات (2844)، عن ابن مسعود قال: «من أدرك الركعة فقد أدرك الجمعة، ومن لم يدرك الركعة فليصل أربعًا" وصححه البيهقي في الخلافيات.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (5471)، وابن أبي شيبة (5334)، وابن المنذر في الأوسط (1851)، والبيهقي في الكبرى (5737)، عن ابن عمر قال:«إذا أدرك الرجل يوم الجمعة ركعة صلى إليها ركعة أخرى، فإن وجدهم جلوسًا صلى أربعًا» ، وإسناده صحيح.
الصَّلاةَ» رواه الأثرم، ورواه ابن ماجه ولفظُه:«فليُصلِّ إليها أخرى» ، قال ابنُ حِبَّانَ:(هذا خطأٌ)، وقال ابنُ الجوزيِّ:(لا يَصِحُّ)
(1)
.
(وَمَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ؛ أَتَمَّهَا ظُهْرًا)؛ لمفهومِ ما سبق.
وعنه: يَكونُ مُدركًا للجُمعةِ؛ لقوله: «ما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فاقْضوا»
(2)
، وكالظُّهر، وكإدراك المسافِرِ صلاةَ المقيمِ.
والفَرْق: بأنَّ المسافر إدراكُه إدراك إلزام، وهذا إدراك إسقاط للعدد، وبأنَّ الظهر ليس من شرطها الجماعة، بخلاف مسألتنا.
وظاهر كلام المؤلِّف: صحَّةُ دخوله معه، وهو الأصحُّ، بشرط أن ينويها بإحرامه، ولهذا قال:(إِذَا كَانَ قَدْ نَوَى الظُّهْرَ فِي قَوْلِ الخِرَقِيِّ)، صحَّحه الحُلْوانِيُّ، وهو الأظهر؛ لأنَّ النِّيَّة قَصْدٌ يَتبَع العلمَ، ويُوافِق الفعلَ، فالمصلِّي للظُّهر لا يَنوِي جمعةً؛ لأنَّه يَنوِي غيرَ ما يَفعلُه، ولأنَّ الظُّهرَ لا تَتَأدَّى بنيَّة الجمعة ابتداءً، فكذا استدامتُه؛ كالظُّهر مع العصر، وهذا فيما إذا دخل وقتُها، وإلاَّ كانت نفلاً.
(وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقْلَا: يَنْوِي جُمُعَةً) تَبَعًا لإمامه، (وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا)، وذَكَره القاضي المذهبَ؛ كصلاة المسافِرِ مع المقيمِ.
وضعَّفه المجْدُ بأن قال: (فَرَّ من اختلافِ النِّيَّة، ثُمَّ التزمه في البِناء، والواجِبُ العكسُ أو التَّسويةُ، ولم يَقُلْ أحدٌ بالبناء مع اختلاف يَمنَع الاقتداءَ).
(1)
سبق تخريجه 2/ 613 حاشية (5).
(2)
أخرجه أحمد (7250)، والنسائي (861)، وهو في البخاري (636)، ومسلم (602)، بلفظ:«فأتموا» .
وقيل: الخلاف مبنيٌّ على أنَّ الجمعة هل هي ظُهر مقصورةٌ، أم صلاةٌ مُستقِلَّةٌ؟ فيه وجهان.
ومحلُّ ذلك: ما إذا كانت بعد الزَّوال، فإن كان قبله لم يَصِحَّ دخولُ مَنْ فاته معه في أظهر الوجهين، فإن دخل انعقدت نفلاً.
والثَّاني: يَصِحُّ دخوله بنيَّة الجمعة، ثمَّ يبني عليها ظُهرًا، ويجب أن يصادِف ظُهرُه زوالَ الشَّمس.
(وَمَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ) بالأرض؛ (سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ)؛ أي: قدَمه وجوبًا إن أمكن، ذكره معظمهم؛ لقول عمر:«إذا اشتدَّ الزِّحام فليسجد على ظهر أخيه» رواه أبو داود الطَّيالِسِيُّ وسعيدٌ
(1)
، وهذا قاله بمَحضَرٍ من الصَّحابة وغيرِهم في يوم جمعةٍ، ولم يَظهَر له مخالِفٌ، ولأنَّه يأتي بما يمكنه حال العجز، فوجب وصحَّ؛ كالمريض يُومِئُ.
وقيل: لا يجوز ذلك، وذكر ابن عقيل: أنَّه لا يسجد على ظهر أحد، ويومئ غاية الإمكان، فأمَّا إن احتاج إلى وضع يديه أو ركبتيه، وقلنا: يجوز في الجبهة؛ فوجهان، ذكره ابن تميمٍ وغيره.
(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ)؛ انتظر، و (سَجَدَ إِذَا زَالَ الزِّحَامُ) ويَتْبَع إمامَه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك في صلاة عُسْفان للعذر
(2)
، وهو موجودٌ هنا،
(1)
أخرجه أبو داود الطيالسي (70)، ومن طريقه أحمد في المسند (217)، والبيهقي في الكبرى (5629)، عن سيار بن المعرور، عن عمر رضي الله عنه. وإسناده ضعيف، لجهالة سيار، قال ابن المديني في العلل ص 93:(هذا إسناد مجهول، لا نحفظه إلا من هذا الطريق، وسيار بن المعرور مجهول، لا نعلم أحدًا روى عنه إلا سماك).
وصح عن عمر رضي الله عنه من وجه آخر: أخرجه ابن أبي شيبة (2726)، وابن المنذر في الأوسط (1856)، والبيهقي في الكبرى (5630)، ولفظه:«إذا اشتد الحر فليسجد على ثوبه، وإذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه» وإسناده صحيح ورجاله ثقات.
(2)
أخرجه مسلم (840)، والبخاري مختصرًا (4125)، من حديث جابر رضي الله عنه.
والمفارَقة وقعت صورةً لا حكمًا، فلم يؤثِّر.
(إِلاَّ أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ؛ فَيُتَابِعُ إِمَامَهُ، وَتَصِيرُ أُولَاهُ)، ذَكَره ابنُ الجَوزيِّ وصاحب «التَّلخيص»؛ لقوله عليه السلام: «فإذا
(1)
ركعَ فاركعوا»
(2)
، ولأنَّه مأمومٌ خاف فوت الثَّانية؛ فلَزِمه
(3)
المتابَعةُ كالمسبوق.
وعنه: لا يُتابِعه
(4)
، بل يَشتغِل بسجود الأولى، وكما لو زال الزِّحام والإمامُ قائمٌ.
فإن لم يَزُل الزِّحام
(5)
حتَّى سجد الإمامُ في الثَّانية؛ تابَعَه
(6)
، وهل تحصل له ركعةٌ يتمُّها جمعةً، أو يصلِّي ظُهرًا؟ فيه وجهان.
(فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ؛ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ)؛ لتركه
(7)
متابَعةَ إمامه عمدًا، ومتابَعتُه واجبةٌ؛ لقوله: «فلا
(8)
تختلِفوا عليه»
(9)
، وترك الواجب عمدًا يُبطِلها وِفاقًا
(10)
.
(وَإِنْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ فَسَجَدَ)؛ أي: إذا جَهِل تحريمَ متابعة إمامه في الثَّانية؛ لم تَبطُل صلاتُه، ولم يَعتدَّ بسجوده؛ لأنَّه أتى به في موضع الرُّكوع جهلاً، فهو كالسَّاهي، وقال أبو الخطَّاب: يَعتدُّ به، (ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ؛
(1)
في (د) و (و): إذا.
(2)
أخرجه البخاري (722)، ومسلم (414)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
في (أ): فلزمته.
(4)
في (د) و (و): متابعة.
(5)
في (و): بسجود الأولى بالزحام.
(6)
في (و): وتابعه.
(7)
في (أ): كتركه، وفي (د) و (و): له.
(8)
في (ب) و (ز): ولا.
(9)
أخرجه البخاري (722)، ومسلم (414)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(10)
ينظر: التجريد للقدوري 2/ 716، روضة المستبين في شرح التلقين 1/ 359، المجموع 4/ 77، المغني 2/ 3.
أَتَى بِرَكْعَةٍ أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِهِ)؛ لأنَّه أتى بسجودٍ مُعتدٍّ
(1)
به، (وَ) إذا اعتدَّ له بذلك؛ (صَحَّتْ جُمُعَتُهُ)؛ لأنَّه أدرك مع الإمام ركعةً، والجمعةُ تُدرَك بها، ويَسجُد للسَّهو، قاله أبو الخطَّاب.
وخالف فيه المؤلِّفُ، قال ابن تميم: وهو أظهرُ؛ لأنَّه ليس
(2)
على المأموم سجودُ سهوٍ.
(وَعَنْهُ: يُتِمُّهَا ظُهْرًا)؛ لأنَّه لم يُدرِك مع الإمام ركعةً بسجدتَيها؛ لأنَّ ما أَتَى به من السُّجود لم يُتابِع إمامه فيه حقيقةً، وإنَّما أتى به على وجه التَّدارك، فلم يكن مُدرِكًا للجمعة.
مسائل:
الأولى
(3)
: إذا أدرك الرُّكوعَ وزُحِم عن السُّجود، أو أدرك القيامَ وزُحِم عن الرُّكوع والسُّجود حتَّى سلَّم إمامُه، أو سبَقَه الحدثُ، ففاته ذلك بالوضوء، وقلنا: يَبنِي؛ استأنَف ظُهرًا، نَصَّ عليه
(4)
؛ لاختلافهما في فرضٍ وشرطٍ؛ كظُهرٍ وعصرٍ، ولافتقار كلٍّ منهما إلى النِّيَّة.
وعنه: يُتِمُّها ظُهرًا؛ لأنَّه لم يُدرِك ركعةً كاملةً، أشبه المسبوق بركوع الثَّانية.
وعنه: يُتمُّها جمعةً، اختاره الخلاَّل؛ كمُدرِكٍ ركعةً.
وعنه: يُتمُّ جمعةً مَنْ زُحِم عن سجودٍ أو نسِيَه؛ لإدراكه الرُّكوع؛ كمن أتى بالسُّجود قبل سلام إمامه على الأصحِّ؛ لأنَّه أتى به في جماعةٍ، والإدراك الحكميُّ كالحقيقيِّ؛ كحمل الإمام السَّهو عنه.
(1)
في (د) و (و): يعتد.
(2)
في (د) و (و): أيسر.
(3)
في (أ): فالأولى.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 872، زاد المسافر 2/ 256.
الثَّانية: إذا فاته مع الإمام الرُّكوع والسُّجود بنومٍ أو غفلةٍ ونحوه؛ لَغَتْ تلك الرَّكعةُ، نَصَّ عليه، وكذا إن فاته الرُّكوع فقط في رواية، فإن فاته ركعةٌ فأكثرَ بذلك
(1)
، لم يَقضِ قبل سلام إمامه، نَصَّ عليه في الجمعة
(2)
، بل يتابعه، فإذا سلَّم الإمامُ قضى ما فاته كالمسبوق.
فعلى هذا: إن فاته رُكنٌ؛ أتى به ثمَّ لحق إمامه، وإن كان ركوعًا في الأشهر، وإن كان ركنين؛ لغت ركعته
(3)
، نَصَّ عليه
(4)
.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: يأتي بهما؛ كنصِّه في المزحوم.
فإن زُحِم عن الجلوس للتَّشهُّد؛ أتى به قائمًا وأجزأه، قاله ابنُ حامِدٍ، والأَوْلَى انتظارُ زوالِ الزِّحامِ.
الثَّالثة: إذا أحرم مع الإمام فزُحِم، وأُخرِجَ من الصَّفِّ فصلَّى فذًّا؛ لم يَصِحَّ، وإن أُخرِجَ
(5)
في الثَّانية؛ فإن نوى مفارَقتَه؛ أتمَّها جمعةً في قياس «المذهب» ، وإلاَّ فروايتان:
إحداهما: يُتمُّها جمعةً؛ كمسبوقٍ. والثَّانية: يُعيد؛ لأنَّه فذٌّ في ركعةٍ.
(الرَّابِعُ: أَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ)؛ لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجُمُعَة: 9]، والذِّكر هو الخُطبةُ، فَأَمَر بالسَّعي إليه، فيكون واجبًا، ولمواظبته عليه السلام عليها، مع قوله:«صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي»
(6)
، وعن عمر وعائشة:«قُصِرت الصَّلاةُ من أجل الخُطبة»
(7)
.
(1)
قوله: (بذلك) مثبتة في الأصل، وسقطت من جميع النسخ.
(2)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 443.
(3)
في (ز): ركعتين لغت ركعة.
(4)
ينظر: مختصر ابن تميم 2/ 444. ومن قوله: (وكذا إن فاته الرُّكوع) إلى هنا سقط من (أ).
(5)
في (و): أحرم.
(6)
أخرجه البخاري (631) من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
(7)
أثر عمر أخرجه عبد الرزاق (5485)، وابن أبي شيبة (5331)، وهو مرسل كما قال الحافظ في التلخيص 2/ 172.
وأخرجه ابن أبي شيبة (5324)، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حُدِّثت عن عمر بن الخطاب، أنه قال: وذكره. وهذا منقطع.
وأثر عائشة رضي الله عنها: لم نقف عليه.
ويُشترَط اثنتان؛ لقول ابن عمر: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ خُطبتين وهو قائمٌ، يفصلُ بينهما بجلوسٍ» متَّفَقٌ عليه
(1)
، ولأنَّهما أقيما مقام الرَّكعتين، فالإخلال بإحداهما إخلالٌ بإحدى الرَّكعتين.
وعنه: تُجزِئُه واحدةٌ.
والمنصوص: أنَّهما بدَلٌ من الرَّكعتين
(2)
.
ويُشترَط تقديمُهما على الصَّلاة؛ لفعله عليه السلام وأصحابِه، بخلاف غيرها
(3)
، لأنَّهما شرطٌ في صحَّة الجمعة، والشَّرط مقدَّمٌ، أو لاشتغال النَّاس بمعايشهم، فقُدِّما لأجل التَّدارك، وأن يكونا في وقتٍ تصحُّ
(4)
فيه الجمعة من مكلَّف مستورِ العورة، قاله القاضي.
(مِنْ
(5)
شَرْطِ صِحَّتِهِمَا: حَمْدُ اللهِ تَعَالَى)؛ لما روى أبو هريرة مرفوعًا: «كلُّ كلامٍ لا يُبدَأُ فيه بالحمدِ للهِ فهو أجذمُ
(6)
» رواه أبو داود، ورواه جماعةٌ مرسلاً
(7)
، وروى أبو داود عن ابن مسعودٍ قال:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا تَشهَّد قال: الحمدُ لله»
(8)
، ويَتعيَّن هذا اللَّفظُ في قول الجمهور.
(1)
أخرجه البخاري (928)، ومسلم (861).
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 88، مسائل عبد الله 123، زاد المسافر 2/ 252.
(3)
في (أ) و (ب) و (د) و (و): غيرهما.
(4)
في (أ) و (و): يصح.
(5)
في (ب) و (ز): ومن.
(6)
كتب على هامش (ز): (أي: مقطوع البركة).
(7)
سبق تخريجه 1/ 7 حاشية (5).
(8)
أخرجه أبو داود (1097)، وإسناده ضعيف، فيه راويان مجهولان، الأول: أبو عياضٍ الراوي عن ابن مسعود، والثاني: عبد ربه بن يزيد، قال ابن حجر:(لا يصح؛ لأنه من رواية أبي عياض وهو مجهول لا يعرف اسمه ولا حاله)، وهذا الحديث هو أحد الروايات في حديث خطبة الحاجة، الذي جمع طرقه الشيخ الألباني. ينظر: موافقة الخبر الخبر لابن حجر 1/ 35، وضعيف سنن أبي داود 2/ 6، خطبة الحاجة للألباني ص 13.
(والصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ) محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ كلَّ عبادة افْتَقَرتْ إلى ذكر الله تعالى؛ افْتَقَرتْ إلى ذكر رسوله؛ كالأذان، ويتعيَّن لفظ الصَّلاة، أو يشهد أنَّه عبْدُ الله
(1)
ورسوله.
وأوجبه الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(2)
؛ لدلالته عليه، ولأنَّه إيمانٌ به، والصَّلاة دعاءٌ له، وبينهما تفاوُتٌ.
وقيل: لا يُشترَط ذِكرُه؛ لأنَّه عليه السلام لم يذكر ذلك في خُطبته، وعمَلاً بالأصل.
(وَقِرَاءَةُ آيَةٍ) كاملةٍ؛ لما روى جابِرُ
(3)
بنُ سَمُرةَ قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ آياتٍ، ويذكِّرُ
(4)
النَّاسَ» رواهُ مسلمٌ
(5)
، ولأنَّهما
(6)
أقيما مقام ركعتين، والخطبةُ فرضٌ، فوجبت فيها القراءةُ كالصَّلاة.
وظاهره: أنَّها لا تتعيَّن، قال أحمد:(يقرأ ما شاء).
وأنَّه لا يُجزِئُ بعضُ آيةٍ في الأصحِّ؛ لأنَّ الحكم لا يتعلَّق بما دونها، بدليل منع الجُنب منها.
وقال أبو المعالي: لو قرأ آية لا تَستقِلُّ بمعنًى أو حكمٍ؛ كقوله: {ثُمَّ نَظَرَ (21)} [المدَّثِّر: 21]، أو:{مُدْهَآمَّتَانِ (64)} [الرَّحمن: 64]؛ لم يكفِ.
(1)
في (د) و (و): عبده.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 390.
(3)
في (د) و (و): طلق.
(4)
في (و): يذكر.
(5)
أخرجه مسلم (862).
(6)
في (أ): لأنَّهما.
وقيل: يشترط في أحدهما.
والمذهب: أنَّه مِنْ قراءة آية، ولو كان جنبًا مع تحريمها.
وعنه: لا يُشتَرَط قراءةُ آيةٍ فيهما، اختاره المؤلِّف، فلو قرأ ما تضمَّن الحمدَ والموعظةَ، ثمَّ صلَّى على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أجزأ
(1)
.
قال أبو المعالي: وفيه نظر؛ لقول
(2)
أحمد: (لا بدَّ من خُطبةٍ)
(3)
، وكما لا يُجزِئ عنها قراءة فاطر أو الحج
(4)
، نَصَّ عليه
(5)
.
(وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى الله تَعَالَى)؛ لأنَّه المقصودُ، وقيل: في الثَّانية، والمذهب: في كلٍّ منهما.
وذكر أبو المعالي والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(6)
: ولا يَكفِي ذكرُ الموت وذمُّ الدُّنيا، ولا بدَّ أن يحرِّك
(7)
القلوب، ويبعث بها إلى الخير، فلو اقتصر على: أطيعوا الله، واجتنبوا معاصيَه؛ فالأظهر لا يكفي وإن كان فيه وجه
(8)
؛ لأنَّه لا بدَّ من اسم الخُطبة عرفًا.
ويُشترَط الموالاةُ بين أجزائهما
(9)
والصَّلاة في الأصحِّ؛ لأنَّهما مع الصَّلاة كالمجموعتَين، فلو قرأ سجدةً فنزل فسجد؛ لم يُكرَه.
وظاهر كلامه
(10)
في «التَّلخيص» و «الرِّعاية» :
(1)
في (أ): اجتزأ.
(2)
في (د): كقول.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 167.
(4)
في (أ) و (ب): والحج.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 167.
(6)
ينظر: الاختيارات ص 120.
(7)
في (ز): يحزن.
(8)
في (أ) و (ب) و (ز): وصية.
(9)
في (د) و (و): أجزائها.
(10)
في (ب) و (ز): فظاهر كلامهم.
أنَّه
(1)
لا يَضرُّ
(2)
تفريقٌ كثيرٌ بدعاءٍ
(3)
لسلطانٍ
(4)
ونحوِه.
ولا يكون ذلك بغير العربيَّة إلاَّ عند العجز؛ كالقراءة.
ثمَّ هل يجب إبدالُ عاجزٍ عن قراءةٍ بذكرٍ، أم لا؛ لحصول معناها؟ فيه وجهان.
ويبدأ بالحمد لله، ثمَّ بالصَّلاة، ثمَّ بالموعظة، ثمَّ القراءة في ظاهر كلام جماعةٍ.
(وَ) يُشترَط (حُضُورُ الْعَدَدِ المُشْتَرَطِ) لسماع القدر الواجب؛ لأنَّه ذكر اشتُرِطَ للصَّلاة، فاشتُرِطَ
(5)
له العددُ؛ كتكبيرة الإحرام، فإن انفضُّوا وعادوا قبل فوت ركنٍ منها؛ بَنَوْا، وإن كثر التَّفريق، أو فات منها ركن، أو أحدث فتطهَّر؛ ففي البِنَاء والاستِئْناف مع اتِّساع الوقت وجهان.
ويَرفَع صوتَه بهما بحيث يسمع العدد المعتبَر إذا لم يَعرِض مانِعٌ، فإن لم يسمعوا لخفض صوته أو بُعدٍ؛ لم يصحَّ، وكذا إن كانوا صُمًّا، خلافًا للمجْد.
فإن قرُب الأصمُّ وبَعُد من يسمع؛ فقيل: لا يصحُّ؛ لفوت المقصود. وقيل: بلى، كما لو كان أهل القرية طُرشًا أو عُجمًا وهو عربيٌّ.
وإن كانوا كلُّهم خُرْسًا؛ صلَّوْا ظُهرًا في الأصحِّ.
وتُشترَط
(6)
النِّيَّةُ، ذكره في «الفنون» .
والأشهر: أنَّها تَبطُل بكلامٍ محرَّمٍ، ولو يسيرًا.
(1)
في (و): لأنه.
(2)
قوله: (لا يضر) سقط من (و).
(3)
في (و): كدعاء.
(4)
في (ب) و (و): السلطان.
(5)
في (أ): واشترط.
(6)
في (ب) و (د) و (و): ويشترط.
(وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ، وَأَنْ يَتَوَلاَّهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: يُشترَط تقدُّمُ الطَّهارة، قدَّمه السَّامَرِّيُّ وغيره؛ لأنَّه عليه السلام لم يكن يَفصِل بين الخطبة والصَّلاة بطهارةٍ، فدلَّ على أنَّه كان متطهِّرًا، ولأنَّه ذِكرٌ شُرِط في الجمعة أشبه تكبيرة الإحرام.
والثَّانية: لا، واختارها الأكثرُ، وجزم بها في «الوجيز» ، ولأنَّه ذِكرٌ يَتقدَّم الصَّلاة، أشبه الأذان.
وعنه: تُشترَط
(1)
الكبرى، اختاره جماعةٌ.
ونصُّه: تجزئ خطبة الجنب
(2)
، جزم به الشَّريف وأبو الخطَّاب؛ لأنَّ تحريم لُبثه لا تعلُّق له بواجب العبادة، كمن صلَّى ومعه درهمُ غَصْبٍ.
لكن قيَّده القاضي في «جامعه» وابن الجوزي والسَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص» فيه: بأن يكون المنبر خارج المسجد؛ لأنَّ لُبثَه فيه معصيةٌ تنافي
(3)
العبادة.
وقيل: إن جاز للجنب قراءة آية، أو لم تجب القراءة في الخطبة؛ فوجهان؛ كالأذان وستر العورة.
وإزالة نجاسة؛ كطهارة صغرى.
الثانية
(4)
: إحداهما لا يشترط، بل يستحبٌّ
(5)
، قدَّمه الأكثر، وجزم به في «الوجيز» ، وذكر في «التلخيص» أنَّه المشهور؛ لأنَّ الخطبة منفصلة عن الصَّلاة، أشبها الصلاتين، لكن في فعل اثنين للخطبتين وجهان.
(1)
في (و): يشترط.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 171.
(3)
في (و): ينافي.
(4)
أي: المسألة الثانية: وهي: أن يتولى الخطبتين من يتولى الصلاة.
(5)
في (أ) و (د): مستحب.
والثَّانية: يُشترط، قدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأنَّ الخطبة أقيمت مقام ركعتين.
وعنه: لا يشترط مع العذر؛ كالحدث، ذكر في «الشَّرح» أنَّه المذهب؛ لأنَّه إذا جاز الاستخلاف في الصَّلاة للعذر؛ فههنا أولى.
وعلى الجواز: لا يشترط حضور النَّائب الخطبة
(1)
كالمأموم، لتعيُّنها عليه.
وعنه: بلى؛ لأنَّه لا تصحُّ جمعة من لم يحضرها إلاَّ تبعًا كمسافرٍ.
وإن أحدث واستخلف من لم يحضر الخطبة؛ صحَّ على الأشهر، ولو لم يكن صلَّى معه على الأصحِّ.
وإن منعنا الاستخلاف؛ أتمُّوا فرادى جمعةً بركعة
(2)
كمسبوقٍ.
وقيل: مطلقًا؛ لبقاء حكم الجماعة لمنع الاستخلاف.
وقيل: ظهرًا؛ لأنَّ الجماعةَ شرطٌ، كما لو اختلَّ العدد.
وإن جاز الاستخلاف فأتمُّوا فرادى؛ لم تَصحَّ
(3)
جمعتُهم، ولو كان في الثانية؛ كما لو أنقص
(4)
العددُ وأَوْلى.
مسألتان
(5)
:
الأولى: إذا قلنا: يُعتَدُّ بأذان المميِّز والفاسِق؛ ففي خطبته وجهان، زاد في «الرِّعاية»: إن صحَّ أن يؤمَّ غير من خطب، وإن لم تصحَّ
(6)
إمامة العبد؛ ففي صحَّة خطبته وجهان.
(1)
في (و): الجمعة.
(2)
قوله: (بركعة) سقطت من (أ) و (ب).
(3)
في (أ): لم يصحَّ.
(4)
هكذا في الأصل و (أ)، وهو موافق لما في بعض نسخ الفروع، وفي (ب) و (د) و (و) و (ز): نقص. وهو موافق لما في نسخة أخرى من الفروع والإنصاف.
(5)
في (أ) و (ب) و (ز): مسائل.
(6)
في (و): لم يصح.
الثَّانية: لمن لا يُحسن الخطبةَ قراءتُها مِنْ
(1)
صحيفةٍ، ذَكَره أبو المعالي وابنُ عَقِيلٍ، قال: كالقراءة في الصَّلاة لمن لا يُحسِن القراءةَ في المُصحَف، والمذهبُ: أنَّه لا بأْسَ بالقراءة في المصحف كالقراءة من الحفظ، فهذا مثلُه.
(وَمِنْ سُنَنِهِمَا
(2)
أن يَخطُب على منبرٍ)؛ لما روى سهْلُ بنُ سعْدٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أرسلَ إلى امرأةٍ مِنَ الأنصارِ: أن مُرِي غلامَكِ النَّجَّارَ يَعمَلْ لي أعوادًا أجلسُ عليها إذا كلَّمتُ النَّاسَ» متَّفقٌ عليه
(3)
، وفي الصَّحيح:«أنَّه عُمِل من أَثْلِ الغابة، فكان يَرتقِي عليه»
(4)
، واتخاذُه كان في سنةِ سبْعٍ من الهجرة، وقيل: سنة ثمانٍ، وكان ثلاثةَ دُرُجٍ، وسُمِّي
(5)
منبرًا لارتِفاعه، من النَّبْر، وهو الاِرتِفاعُ، واتِّخاذُه سُنَّةٌ مُجمَعٌ عليها، قاله في «شرح مسلم»
(6)
، ويكون صعودُه فيه على تُؤَدَةٍ إلى الدَّرَجة التي تَلِي السَّطحَ، قاله في «التَّلخيص» .
(أَوْ مَوْضِعٍ عَالٍ) إن لم يكن؛ لأنَّه في معناه؛ لاشتراكهما في المبالغة في الإعلام.
ويكونان عن يمين مستقبلي القبلة، وقال أبو المعالي: إن وقف بالأرض وقف على يسار مستقبِلي القِبلة بخلاف المنبر.
(وَيُسَلِّمُ عَلَى المَأْمُومِينِ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ)؛ لما روى ابن ماجه عن جابِرٍ قال: «كان
(7)
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا صعِد المنبرَ سلَّم»
(8)
،
(1)
في (ب) و (ز): في.
(2)
في (ب) و (و): سننها.
(3)
أخرجه البخاري (917)، ومسلم (544).
(4)
أخرجه البخاري (377).
(5)
في (أ): ويسمى.
(6)
ينظر: شرح مسلم 6/ 152.
(7)
قوله: (قال: كان) هو في (أ): أن.
(8)
أخرجه ابن ماجه (1109)، وابن عدي 5/ 241، والبيهقي (5741)، وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، قال البيهقي:(تفرد به ابن لهيعة)، وسئل عنه أبو حاتم فقال:(موضوع)، وضعفه الإشبيلي والنووي، وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه البيهقي (5742)، وهو ضعيف، وشاهد آخر من مرسل الشعبي لكنه ضعيف؛ فهو من رواية مجالد بن سعيد عنه، ومجالد ضعيف أيضًا، وقواه الألباني بما له من الشواهد من عمل الخلفاء الراشدين. ينظر: العلل لابن أبي حاتم 2/ 559، الخلاصة للنووي 2/ 739، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 2/ 565، السلسلة الصحيحة (2076).
ورواه
(1)
الأثرم عن أبي بكرٍ وعمرَ
(2)
وابنِ مسعودٍ وابنِ الزُّبير
(3)
، ورواه النجاد عن عثمانَ
(4)
، وكسلامه
(5)
على من عنده في خروجه، قال القاضي وجماعةٌ: لأنَّه استقبالٌ بعد استدبارٍ، أشبه من فارق قومًا ثمَّ عاد إليهم.
وعكسُه المؤذِّن، قاله المجْدُ.
وظاهره استحبابُ استقبال الخطيبِ النَّاسَ، وهو كالإجماع، قاله ابن المنذر
(6)
.
ولم يذكر المؤلِّف ردَّ السَّلام عليه، وهو فرضُ كفايةٍ، وكذا كلُّ سلامٍ
(1)
في (د) و (و): رواه.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (5282)، وابن أبي شيبة (5195)، ومن طريقه الأثرم كما في التحقيق لابن الجوزي (801)، من طريق مجالد عن الشعبي:«أن أبا بكر وعمر كانا يفعلانه» ، قال ابن الملقن في البدر المنير 4/ 615:(وهذا مع إرساله؛ فيه مجالد وهو لين).
(3)
لم نقف على أثر ابن مسعود رضي الله عنه، وقد ذكره الزركشي في شرح الخرقي 2/ 166.
وأثر ابن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1800)، عن سليمان بن نشيط قال:«رأيت ابن الزبير صعد المنبر، فلما قام عليه سلم ثم جلس» ، وسليمان بن نشيط سكت عنه البخاري وأبو حاتم، وقال:(روى عن ابن الزبير، مرسل). ينظر: التاريخ الكبير 4/ 40، الجرح والتعديل 4/ 147.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (5196)، عن أبي نضرة، قال:«كان عثمان قد كبر، فإذا صعد المنبر سلم، فأطال قدر ما يقرأ إنسان أم الكتاب» ، إسناده صحيح كما قال الألباني. ينظر: السلسلة الصحيحة 5/ 107.
(5)
في (أ): وكسلام.
(6)
لم نجده في كتب ابن المنذر المطبوعة، وينظر: شرح الزركشي 2/ 167.
مشروعٍ على الجماعة المسلَّم عليهم، لا فرضُ عين. وقيل: سنَّة كابتدائه. وفيه وجهٌ غريبٌ: واجب، ذكره الشيخ تقيُّ الدِّين
(1)
.
(وَيَجْلِسُ إِلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ)؛ لما روى ابنُ عمر قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يجلِسُ إذا صعدَ المنبرَ حتَّى يَفرُغَ المؤذِّنُ، ثمَّ يقومُ فيخطبُ» مختصرًا، رواه أبو داود
(2)
، وذَكَره ابنُ عَقِيلٍ إجماعَ الصَّحابة
(3)
، ولأنَّه يَستريح بذلك من تعَب الصُّعود، ويتمكَّن من الكلام التَّمكُّنَ التَّامَّ.
وهذا النِّداء هو الذي يتعلَّق به وُجوب السَّعي؛ لأنَّه الذي كان على عهده عليه السلام.
وعنه: بالأوَّل؛ لسقوط الفرض به، ولأنَّ عثمان سنَّه
(4)
، وعملت به الأمَّة.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 176.
(2)
أخرجه أبو داود (1092)، بهذا اللفظ، وأصله في البخاري (920)، ومسلم (861)، بلفظ:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا، ثم يقعد، ثم يقوم كما تفعلون الآن» ، وفي إسناده عند أبي داود: عبد الله بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف، وله شاهد من مرسل الزهري أخرجه أبو داود في المراسيل (55)، وقواه الزيلعي.
قال ابن حجر: (جُلُّ الروايات عن ابن عمر ليست فيها هذه الجلسة الأولى، وهي من رواية عبد الله العمري المضعَّف، فلم تثبت المواظبة عليها بخلاف التي بين الخطبتين). ينظر: نصب الراية 1/ 197، فتح الباري 2/ 406.
(3)
جاء ذلك عن عمر رضي الله عنه من وجوه متعددة، أخرج البخاري (6830)، حديثًا طويلاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: «فلما كان يوم الجمعة
…
جلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون قام، فأثنى على الله بما هو أهله».
ولعل ابن عقيل أراد ما أخرجه البخاري (916)، عن السائب بن يزيد:«إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام، يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وكثروا، أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك» .
(4)
أخرجه البخاري (916).
ومَن بَعُد منزلُه؛ سعَى في وقتٍ يدركها كلَّها إذا علم حضور العدد، بعد طلوع الفجر لا قبله.
(وَيَجْلِسُ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ)؛ لِمَا روى ابنُ عمرَ قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطُبُ خُطبتَين وهو قائمٌ، يَفصِلُ بينهما بجلوسٍ» متَّفقٌ عليه
(1)
، وكجلسته الأولى، ويستحبُّ تخفيفها، قال في «التَّلخيص»: بقدر سورة الإخلاص.
وعنه: يجب الجلوس بينهما، اختاره النجاد؛ لفعله عليه السلام
(2)
.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّ جماعةً من الصَّحابة، منهم عليٌّ
(3)
، سَرَدوا الخُطبة من غير جلوسٍ، ولأنَّه ليس فيها ذِكرٌ مشروعٌ، فلم يَجِب كالأولى.
(وَيَخْطُبُ قَائِمًا)، نَصَّ عليه
(4)
، واختاره الأكثرُ، لفعله عليه السلام
(5)
، ولأنَّه ذِكْرٌ ليس من شرطه الاستقبال، فلم يَجِب له القيامُ كالأذان.
وعنه: يَجِب مع القدرة، جزم به في «النَّصيحة» ، وبالجلوس بينهما، وقال الطَّحاويُّ عن قول الشَّافعيِّ
(6)
: (لم يَقُله غيره)
(7)
، وليس كذلك.
(1)
هذا اللفظ الذي ذكره المصنف: أخرجه النسائي (1416)، وابن خزيمة (1446)، والدارقطني (1630)، ولفظ البخاري (920)، ومسلم (861):«كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا، ثم يقعد، ثم يقوم كما تفعلون الآن» ، ولعل المصنف تبع في عزوه عبد الغني المقدسي في العمدة حيث عزاه للصحيحين، وأشار ابن حجر في الفتح أن هذا وهمٌ. ينظر: فتح الباري 2/ 406.
(2)
سبق تخريجه قريبًا.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (5267)، وابن أبي شيبة (5181)، والشافعي في اختلاف العراقيين الملحق بالأم (7/ 176)، عن أبي إسحاق السبيعي، قال:«رأيت عليًّا يخطب على المنبر، فلم يجلس حتى فرغ» ، وإسناده صحيح.
(4)
ينظر: المغني 2/ 224.
(5)
أخرجه البخاري (920)، ومسلم (861) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(6)
قول الشافعي هو: أنَّ الخطبة جالسًا لا تصح إلا من عذر، وأنه يشترط القيام في الخطبتين والجلوس بينهما. ينظر: الأم 1/ 229، الحاوي 2/ 433.
(7)
ينظر: الحاوي 2/ 433.
(وَيَعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا)؛ لما روى الحَكَم بن حَزْنٍ قال: «وفدتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعةَ، فقامَ متوكِّئًا
(1)
على سيفٍ أو قوسٍ أو عصًا» مختصر، رواه أبو داود
(2)
، ولأنَّه أمكنُ له، وإشارةٌ إلى أنَّ هذا الدِّين فُتِحَ به.
ويكون اعتمادُه على ذلك بإحدى يدَيه في ظاهر كلامه، قال في «الفروع»:(ويتوجَّه باليسرى، والأخرى بحَرْف المنبر، فإن لم يَعتمِد أمسك يمينه بشماله أو أرسلهما).
(وَيَقْصِدُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ)؛ لفعله عليه السلام
(3)
، ولأنَّ في التِفاته إلى أحد جانِبَيه إعراضًا عن الآخَر.
وظاهره: أنَّه إذا التفت أو استدبر النَّاس؛ أنَّه يجزئ مع الكراهة، صرَّحوا
(4)
به في الاستدبار؛ لحصول المقصود.
وفيه وجهٌ: لا يُجزئ؛ لتركه الجهة المشروعة.
(1)
في (د) و (و): يتوكأ.
(2)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (17856)، وأبو داود (1096)، وابن خزيمة (1452)، في سنده شهاب بن خراش، والجمهور على توثيقه كابن معين وأحمد وأبي زرعة وأبي حاتم، وقال ابن عدي:(في بعض رواياته ما ينكر)، قال ابن حجر:(صدوق يخطئ)، وشيخ ابن خراش هو شعيب بن زريق الطائفي ولا بأس به، وصححه ابن السكن وابن خزيمة، وحسن إسناده النووي وابن حجر والألباني، وله شاهد من حديث البراء عند أبي داود (1145)، وفيه أبو جناب الكلبي، ضعيف لكثرة تدليسه، وله شاهد من مرسل عطاء عند البيهقي (5752)، بسند صحيح. ينظر: الخلاصة 2/ 797، البدر المنير 4/ 632، التلخيص الحبير 2/ 158، الإرواء 3/ 78.
(3)
كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الناس بوجهه جاء في عدة أحاديث يشد بعضها بعضًا، قال ابن رجب:(استقبال الإمام أهل المسجد واستدباره القبلة مجمع عليه، والنصوص تدل عليه)، ينظر: فتح الباري لابن رجب 8/ 250. وأما كونه لم يلتفت؛ فقد قال الحافظ: (لم أره في حديث إلا إن كان يؤخذ من مطلق الاستقبال). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 158.
(4)
في (أ) و (ب): خرَّجوا.
وينحرف إليه المأمومون إذا خطب، نَصَّ عليه
(1)
؛ لفعل الصَّحابة
(2)
.
(وَيَقْصُرُ الْخُطْبَةَ)؛ لما روى مسلمٌ عن عمَّارٍ مرفوعًا: «إنَّ طولَ صلاةِ الرجل وقصرَ خطبتِهِ؛ مئنَّةٌ من فقهِهِ، فأطيلوا الصَّلاةَ، وأقصُرُوا الخطبةَ»
(3)
.
وفي «التَّعليق» : والثَّانيةُ أقصرُ، جعله أصلاً لإفراد الإقامة.
ويُستحَبُّ رفعُ صوته حسب الإمكان.
(وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ)؛ لأنَّ الدُّعاءَ لهم مسنونٌ في غير الخُطبة، ففيها أَوْلَى، ولا يَجب في الثَّانية.
وقيل: ويرفع يديه، جزم به في «الفصول» ، واحتجَّ بالعموم.
وقيل: لا يُستحبُّ، قال المجْدُ: هو بدعة، وفاقًا للمالكيَّة والشافعيَّة
(4)
وغيرهم.
وقد يُفهَمُ من كلامه: أنَّ الدُّعاءَ لا يسنُّ للمسلمات، وليس كذلك؛ لأنَّ جمع المذكَّر
(5)
يشملهم.
ولم يذكر المؤلِّف الدُّعاءَ للسُّلطان فيها، ولا لمعيَّن، وهو جائز، بل قيل:
(1)
ينظر: المغني 2/ 225.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (5226)، وأبو داود في المراسيل (54)، والبيهقي في الكبرى (5712)، عن عدي بن ثابت، قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب؛ استقبله أصحابه بوجوههم» ، وهو مرسل حسن.
وأخرج ابن أبي شيبة (5233)، وابن المنذر في الأوسط (1814)، عن المستمر بن الريان، قال:«رأيت أنس بن مالك جاء يوم الجمعة، فاستند إلى الحائط واستقبل الإمام» ، إسناده صحيح، وعلقه البخاري في الصحيح 2/ 10 بصيغة الجزم.
وأخرج البيهقي في الكبرى (5098)، عن نافع:«أن ابن عمر كان إذا خرج الإمام لم يقعد الإمام حتى يستقبله» ، وإسناده جيد، وعلقه البخاري أيضًا.
(3)
أخرجه مسلم (869).
(4)
ينظر: التاج والإكليل 2/ 547، نهاية المحتاج 1/ 506.
(5)
قوله: (جمع المذكر) هو في (ز): جمع الذكر.
يستحبُّ للسلطان، حتَّى قال أحمد أو غيره:(لو كان لنا دعوةٌ مستجابةٌ لدعونا بها لإمامٍ عادِلٍ)
(1)
، ولأنَّ في صلاحه صلاح المسلمين
(2)
، ولأنَّ أبا موسى كان يدعو في خطبته لعمر
(3)
، وروى البزَّار:«أرفعُ النَّاس درجةً يوم القيامة إمامٌ عادلٌ»
(4)
، قال أحمد:(إنِّي لأدعو له بالتَّسديد والتوفيق)
(5)
. فإذا فرغ منها؛ نزل عند لفظة الإقامة في وجه، قاله في «التَّلخيص». وفي الآخَر: إذا فرغ منها. وينزل مسرعًا.
(وَلَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ الْإِمَامِ) في الأصحِّ؛ «لأنَّ علِيًّا صلَّى بالنَّاس وعثمانُ محصورٌ، فلم يُنكِره أحد، وصوَّبه عثمان» رواه البخاريُّ بمعناه
(6)
، ولأنَّها فرض الوقت، أشبهت الظُّهر، قال أحمد: (وقعت الفتنة بالشَّام تسع سنين، فكانوا
(7)
يُجَمِّعون)
(8)
.
(وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ)؛ لأنَّه لا يُقيمها في كلِّ عصر إلاَّ الأئمَّة؛ وهي من أعلام الدِّين الظَّاهرة، أشبهت الجهاد.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 178.
(2)
في (ز): للمسلمين.
(3)
أخرجه الدينوري في المجالسة (2238)، وابن بشران في فوائده (624)، وعلي بن بلبان الفارسي في تحفة الصديق (ص 124)، وقوام السنة في سير السلف الصالحين (ص 78)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/ 79)، في قصة طويلة، ومدارها على فرات بن السائب، وهو منكر الحديث. ينظر: ميزان الاعتدال 3/ 341.
(4)
لم نقف عليه عند البزار، وأخرجه أبو يعلى الموصلي (1003)، بهذا اللفظ، وأخرجه بنحوه أحمد (11174)، والترمذي (1329)، وقال الترمذي:(حديث حسن غريب)، ومداره على عطية العوفي وهو ضعيف، وضعفه الألباني. ينظر: السلسلة الضعيفة (1156).
(5)
ينظر: سير أعلام النبلاء 11/ 267.
(6)
أخرجه البخاري (695).
(7)
في (أ) و (د) و (و) و (ز): وكانوا.
(8)
ينظر: المغني 2/ 245، الفروع 3/ 154.
وعنه: إن لم يتعذَّر.
وعنه: يشترط لوجوبها لا لجوازها.
وإن لم يعلم بموته إلاَّ بعد الصَّلاة، واشترط إذنه؛ فعنه: لا إعادة للمشقَّة. وعنه: بلى؛ لبيان الشَّرط.
فرع: إذا غلب الخوارج على بلد، فأقاموا فيه الجمعة؛ جاز اتِّباعهم، نَصَّ عليه
(1)
، قال القاضي: ولو قلنا: من شرطها إمام، إذا كان خروجهم بتأويل سائغ.
وقال ابن أبي موسى: يصلِّي معهم الجمعة، ويعيدها ظُهرًا.
(1)
ينظر: المغني 2/ 245.
(فَصْلٌ)
(وَصَلَاةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ) إجماعًا، حكاه ابن المنذر
(1)
، قال عمر:«صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر، وقد خاب من افترى» رواه أحمد
(2)
.
(يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ)، قاله الأئمَّة؛ لفعله عليه السلام
(3)
، ونقله الخلف عن السَّلف، وقد روي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«صلاةُ النَّهارِ عجماءُ إلاَّ الجمعةَ والعِيدين»
(4)
.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالمُنَافِقِينَ) بعد الفاتحة، ذكره الأصحاب؛ لأنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما
(5)
» رواه مسلم من
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 40.
(2)
أخرجه النسائي في الكبرى (495)، وفي الصغرى (1420)، وابن ماجه (1064)، وابن خزيمة (1425)، من طريق زبيد اليامي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قال: قال عمر، فذكره، وفي آخره:«على لسان نبيكم، وقد خاب من افترى» ، ووقع في سنده اختلافٌ؛ فرُوي بهذا الوجه، ورُوي بإسقاط كعب كما عند أحمد (257) وغيره، ورجَّح الوجه الثاني: أبو حاتم والدارقطني، وأعلَّ الحديث: ابن معين والنسائي وغيرهما؛ بأن ابن أبي ليلى لم يسمعه من عمر، ونقل ابن عبد البر عن ابن المديني أنه رجَّح الرواية التي فيها ذكر كعب، ورجَّح مسلم أن ابن أبي ليلى سمع من عمر، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 294، علل الدارقطني 2/ 115، التمهيد 16/ 296، البدر المنير 4/ 648، الإرواء 3/ 105.
(3)
منه ما أخرجه مسلم (877)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قراءة سورة الجمعة والمنافقون:«إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة» .
(4)
أخرجه عبد الرزاق (4199)، وابن أبي شيبة (3664)، من قول الحسن البصري، وأخرجاه من قول غيره من التابعين، قال النووي عن المرفوع:(باطل لا أصل له)، وقال ابن رجب:(وكثير من العلماء جعله حديثًا مرفوعًا، منهم: ابن عبد البر وابن الجوزي، ولا أصل لذلك، وحُكي عن أبي حامد الإسفراييني سأل الدارقطني عنه فقال: لا أعرف صحيحًا ولا فاسدًا). ينظر: الخلاصة 1/ 394، الفتح 7/ 48، السلسلة الضعيفة (5328).
(5)
في (أ) و (ب) و (د): بها.
حديث ابن عبَّاسٍ
(1)
.
وفي «المغني» و «الشَّرح» : إن قرأ في الثَّانية بالغاشية فحسَنٌ؛ «لفعله عليه السلام» رواه مسلم من حديث النُّعمان بن بشير
(2)
.
وعنه: يقرأ في الثَّانية ب (سبح)، قال مالك:(أدركت عليه النَّاس)
(3)
، والذي جاء به الحديث: الغاشية مع سورة
(4)
الجمعة.
وقيل: يقرأ في الأولى ب (سبح)، وفي الثَّانية بالغاشية؛ «لفعله عليه السلام» رواه مسلم من حديث النعمان بن بشير
(5)
، ورواه أبو داود من حديث سمرة
(6)
.
وقال الخِرَقيُّ: وسورة، قال الحُلْواني: وهذا يدلُّ على أنَّه لا يختصُّ بسورة معيَّنة، وقال
(7)
في «الشَّرح» : ومهما قرأ به فحسنٌ - وهو ظاهر «الوجيز» - لكنِ الأَوْلى الاقتداء به عليه السلام؛ لأنَّ سورةَ الجمعة تليق بها؛ لما فيها من ذكرها، والأمر بها، والحثِّ عليها.
تذنيب: يُستحبُّ أن يقرأ في فجر يوم الجمعة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسَان: 1]، نَصَّ عليه
(8)
؛ لأنَّه عليه السلام كان يقرأ بهما،
(1)
أخرجه مسلم (877) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أحمد (1993)، وأبو داود (1075)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (878)، عن عبيد الله بن عبد الله، قال: كتب الضحاك بن قيس إلى النعمان بن بشير يسأله: أيَّ شيء قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، سوى سورة الجمعة؟ فقال:«كان يقرأ هل أتاك» .
(3)
ينظر: التمهيد 16/ 323.
(4)
قوله: (سورة) سقط من (أ) و (د) و (و).
(5)
أخرجه مسلم (878).
(6)
أخرجه أحمد (20080)، وأبو داود (1125)، والنسائي (1422)، قال الألباني:(إسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان). ينظر: صحيح أبي داود 4/ 288.
(7)
في (د) و (و): قال.
(8)
ينظر: فتح الباري لابن رجب 8/ 133.
متَّفقٌ عليه من حديث أبي هريرة
(1)
.
قال
(2)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: واستحب ذلك لتضمُّنهما ابتداء
(3)
خلق السَّماوات والأرض وخلق الإنسان إلى أن يدخل الجنَّة أو النَّار
(4)
.
ويكره
(5)
مداومتُه عليهما
(6)
في المنصوص، وصحَّح في المذهب خلافه؛ لئلاَّ يُظَنَّ أنَّها مفضَّلة بسجدة، أو لظنِّ الوجوب.
فإن سها عن السَّجدة، فعن أحمد: يسجد للسَّهو، قال القاضي: كدعاء القنوت، قال: ولا يلزم على هذا بقية سجود التِّلاوة في غير صلاة الفجر في غير يوم الجمعة؛ لأنَّه يَحتمِل أن يقال فيه مثل ذلك، ويحتمل أن يفرَّق بينهما؛ لأنَّ الحثَّ والتَّرغيب وُجد في هذه السَّجدة أكثر، والسُّنَّة إكمالها.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ويكره تحرِّيه قراءة سجدةٍ غيرها
(7)
.
(وَتَجُوزُ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ) فأكثرَ (مِنَ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ)؛ كسَعة البلد، وتباعُد أقطاره، أو بُعد الجامع، أو ضيقه، أو خوف فتنةٍ، ولأنَّها تُفعل في الأمصار العظيمة في مواضع من غير نكير، فكان إجماعًا، قال الطَّحاويُّ:(وهو الصَّحيح من مذهبنا).
وعنه: لا يجوز؛ لأنَّه عليه السلام وأصحابُه لم يقيموها في أكثر من موضع واحِدٍ.
(1)
أخرجه البخاري (891)، ومسلم (879).
(2)
في (د) و (و): وقال.
(3)
قوله: (ابتداء) سقط من (ز).
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 24/ 206.
(5)
في (أ) و (ز): وتكره.
(6)
في (ب) و (د) و (و): وعليها.
(7)
ينظر: مجموع الفتاوى 24/ 206.
والأوَّلُ أصحُّ، والجواب: لعدم حاجتهم إلى أكثر، ولأنَّ الصَّحابة كانوا يؤْثِرون سماع
(1)
خطبته وشهود جمعته وإن بعدت منازلهم.
وظاهره: أنَّه إذا استغنى بجمعتين؛ لم تجز الثَّالثة
(2)
.
(وَلَا تَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا)، لا نعلم فيه خلافًا إلاَّ عن عطاءٍ
(3)
، (فَإِنْ فَعَلُوا)؛ أي: فعلوها في موضعين من غير حاجةٍ؛ (فَجُمُعَةُ الْإِمَامِ هِيَ الصَحِيحَةُ)؛ لأنَّ في تصحيح غيرها افتِياتًا عليه، وتفويتًا لجمعته.
وظاهره: ولو تأخَّرت، وهو ظاهر كلام جماعةٍ، وذكر ابنُ حمدان أنَّه أَوْلَى، وسواء قلنا: إذنه شرط أوْ لا.
وقيل: السَّابقة هي الصَّحيحة؛ لأنَّه لم يتقدَّمها ما يُفسدها.
(فَإِنِ اسْتَوَيَا
(4)
في الإذْن وعدمِه؛ (فَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ)؛ لأنَّ الاستغناءَ حصل بالأولى، فأنيط الحكم بها
(5)
؛ لكونها سابقة.
ويعتبر السَّبق بالإحرام. وقيل: بالشُّروع في الخطبة. وقيل: بالسَّلام.
وظاهِرُه: ولو كانت إحداهما في المسجد الأعظم أو قصبة البلد في وجه.
وفي الآخر
(6)
: تصحُّ
(7)
الواقعة فيهما ولو كانت الثَّانية، وصحَّحه بعضهم؛ لأنَّ لهذه المعاني مزيَّةً، فقُدِّم بها؛ كجمعة
(8)
الإمامِ.
(1)
في (أ): بسماع.
(2)
في (أ): الثانية.
(3)
ينظر: المغني 2/ 248.
(4)
في (أ): استوتا.
(5)
قوله: (بها) سقط من (أ) و (ب) و (د) و (و).
(6)
في (أ): الأصح.
(7)
في (و): يصح.
(8)
في (ب) و (ز): الجمعة.
(فَإِنْ وَقَعَتَا مَعًا) ولا مَزِيَّةَ لإحداهما؛ بطلتا؛ لأنَّه لا يمكن تصحيحهما، ولا تعيين
(1)
إحداهما بالصِّحَّة، أشبه ما لو جمع بين أختَين، وتلزمهم الجمعة إن أمكن؛ لأنَّه مِصرٌ لم يصلَّ فيه جمعة صحيحة.
فإن سبقت إحداهما وعُلِمت؛ بطَلت الثَّانيةُ، ولزِم أهلَها الظُّهرُ.
فإن علموا بذلك في أثنائها؛ استأنفوا ظُهرًا، صحَّحه المؤلِّف؛ لأنَّ ما مضى لم يكن فعله جائزًا، بخلاف المسبوق.
وجزم القاضي وغيره، وقدَّمه في «الرِّعاية»: يتمُّونها ظُهرًا.
(أَوْ جُهِلَتِ الْأُولَى؛ بَطَلَتَا مَعًا)؛ لِمَا ذكرناه.
وكذا إذا جُهِل الحالُ؛ هل وقعتا معًا أو في وقتين، فهل يصلُّون
(2)
ظُهرًا، كما ذكره في «الشَّرح» أنَّه الأَولى، وقدَّمه في «الفروع» ؛ للشَّكِّ في شرط إقامة الجمعة؟ أو جمعةً؛ لأنَّا لا نعلم المانِعَ من صحَّتها، والأصلُ عدمُه؟ فيه وجهان، قال ابن تميم:(الأشبه أنَّهم يعيدون جمعةً)؛ أي: بشرطها.
(وَإِذَا وَقَعَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاجْتُزِئَ بِالْعِيدِ، وَصَلَّى
(3)
ظُهْرًا؛ جَازَ)؛ لأنَّه عليه السلام صلَّى العيد، وقال:«من شاء أن يُجَمِّع فليُجَمِّعْ» رواه أحمد من حديث زيد بن أرقمَ
(4)
.
(1)
في (ز): تعين.
(2)
في (ب) و (ز): يصلونها.
(3)
في (ز): وصلوا.
(4)
أخرجه أحمد (19318)، وأبو داود (1070)، وابن ماجه (1310)، وابن خزيمة (1464)، وفي إسناده إياس بن أبي رملة الشامي وهو مجهول، وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود (1073)، وابن ماجه (1311)، قال الخطابي:(في إسناده مقال)، وأخرجه عبد الرزاق (5728) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1156) مرسلاً، ورجح الدارقطني إرساله، وله شواهد أخرى، نقل ابن عبد البر عن علي بن المديني قوله:(في هذا الباب غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد)، وصححه الحاكم والألباني. ينظر: العلل للدارقطني 10/ 216، الاستذكار 2/ 386، صحيح أبي داود 4/ 237.
وحينئذٍ تسقط
(1)
الجمعةُ - إسقاطَ حضور لا وجوب، فيكون حكمُه كمريض، لا كمسافرٍ ونحوه - عمن
(2)
حضر العيد مع الإمام عند الاجتماع، ويصلِّي الظُّهر كصلاة أهل الأعذار.
وعنه: لا تَسقطُ الجمعةُ؛ للعموم، كالإمام.
(إِلاَّ لِلْإِمَامِ)، هذا المذهب؛ لما روى أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة: أنَّ
(3)
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «قد اجتمعَ في يومِكم هذا عيدانِ، فمن شاءَ أجزأَهُ مِنَ الجمعةِ، وإنَّا مُجمِّعون» ورواته ثقات، وهو من رواية بقية، وقد قال: حدثنا
(4)
، ولأنَّه لو تركها لامتنع فعلها في حقِّ من تجب عليه، ومن يريدها ممَّن سقطت عنه.
فعلى هذا: إن اجتمع معه العدد المعتبر؛ أقامها، وإلاَّ صلَّوا ظُهرًا.
وعنه: تسقط
(5)
عنه كهم، قدَّمه ابن تميم، وحكاه السَّامَرِّيُّ عن الأصحاب، واحتجَّ المؤلِّف: بأنَّ ابن الزُّبَير لم يصلِّها، وكان إمامًا
(6)
،
(1)
في (و): يسقط.
(2)
في (أ): لمن.
(3)
في (ز): عن.
(4)
أخرجه أبو داود (1073)، وابن ماجه (1311)، والبزار (8996)، من طريق بقية قال: حدثنا شعبة، عن المغيرة الضبي، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وذكر الإمام احمد والبزار وغيرهما: أن المشهور فيه الإرسال، وصحح أحمد إرساله، قال ابن عبد الهادي:(وكذا قال أحمد بن حنبل: إنما رواه الناس عن أبي صالح مرسلاً، وتعجب من بقية كيف رفعه)، قال الدارقطني:(هو غريب من حديث مغيرة، ولم يرفعه عنه غير شعبة، وهو أيضًا غريب عن شعبة، لم يروه عنه غير بقية)، وصحح إرساله. ينظر: العلل للدارقطني 10/ 216، تنقيح التحقيق 2/ 560. التلخيص الحبير 2/ 209.
(5)
في (و): يسقط.
(6)
قوله: (وكان إمامًا) سقط من (أ).
أثر ابن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (5725)، وأبو داود (1072)، والفريابي في أحكام العيدين (ص 219)، وابن المنذر في الأوسط (2182)، عن عطاء قال: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير، فقال:«عيدان اجتمعا في يوم واحد» ، فجمعهما جميعًا فصلاهما ركعتين بكرة، لم يزد عليهما حتى صلى العصر. وعند الفريابي زيادة: فذُكر ذلك لابن عباس فقال: «أصاب» ، وإسناده صحيح.
ولأنَّها إذا سقطت عن المأموم؛ سقطت عن الإمام؛ كحالة السَّفر.
وجزم ابن عقيل: بأنَّ له الاستنابة، وقال: الجمعة تسقط بأدنى عذر، كمن له عروسٌ تُجلَى، فكذا المسرَّة بالعيد، وردَّه في «الفروع» .
وعنه: لا تسقط عن العدد المعتبر، فتكون فرضَ كفايةٍ.
فرع: يَسقُط العيدُ بالجمعة، سواء فُعِلت قبل [الزَّوال]
(1)
أو بعده؛ لفعل
(2)
ابن الزُّبَير، وقولِ ابنِ عبَّاسٍ:«أصاب السُّنَّةَ» رواه أبو داود
(3)
.
فعلى هذا: لا يَلزَمه شيءٌ إلى العصر، لكن قال ابنُ تميمٍ:(إن فُعِلت بعد الزَّوال؛ اعتُبر العزمُ على الجمعة لترك صلاة العيد).
وذكر أبو الخطَّاب والمؤلِّف وصاحب «الوجيز» : السُّقوطَ بفعل الجمعة وقت العيد.
وفي «مفردات ابن عقيل» : احتمالٌ
(4)
يسقط الجمع
(5)
، وتصلَّى فُرادى.
(وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ)، نَصَّ عليه
(6)
؛ «لأنَّه عليه السلام كان يُصَلِّي بعد الجمعةِ ركعتَين» متَّفقٌ عليه من حديث ابن عمر
(7)
.
(1)
قوله: (الزوال) زيادة من (ز).
(2)
في (أ): بفعل.
(3)
تقدم تخريجه قريبًا.
(4)
قوله (احتمال) سقط من (ب) و (ز).
(5)
في (ز): الجميع. والمثبت موافق لما في الفروع 3/ 195.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 86، مسائل ابن منصور 2/ 871.
(7)
أخرجه البخاري (937)، ومسلم (882).
(وَأَكْثَرُهَا سِتُّ رَكَعَاتٍ)، نَصَّ عليه
(1)
؛ لقول ابن عمر: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَفعله» رواه أبو داود
(2)
، واختار في «المغني»:(أربعًا)
(3)
، رُوِي عن ابن عمر
(4)
؛ «لفعله عليه السلام، وأمره» رواه مسلم من حديث أبي هريرة
(5)
.
وقيل: إن شاء صلَّى بسلامٍ أو سلاميْن مكانه، نَصَّ عليه
(6)
.
وعنه: في بيته أفضلُ.
وقيل: لا سنَّة لها.
ويسنُّ أن يفصِل بكلامٍ أو انتقال من موضعه؛ للخبر
(7)
.
وظاهره: لا سنَّةَ لها قبلها، نَصَّ عليه، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وهو مذهب الشَّافعيِّ، وأكثر أصحابه، وعليه جماهير الأئمَّة؛ لأنَّها وإن كانت ظُهرًا مقصورةً، فتفارِقُها في أحكامٍ
(8)
.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 86، مسائل صالح 2/ 8، مسائل عبد الله ص 121.
(2)
أخرجه أبو داود (1130)، والترمذي (523)، وقال الألباني في صحيح أبي داود 4/ 293:(إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح).
(3)
لم ينص على اختياره في المغني، وإنما اختاره في الكافي 1/ 337، والذي في الإنصاف 5/ 264:(وقيل: أكثرها أربع، اختاره المصنف) أي: ابن قدامة، ولم يذكر: في المغني.
(4)
أي: أنه صلاها ستًّا، أخرجه عبد الرزاق (5522)، وأبو داود (1133)، والترمذي (2/ 402)، والحاكم (1073)، والبيهقي في الكبرى (5947)، عن عطاء: أنه رأى ابن عمر يصلي بعد الجمعة قال: «فَيَنْمازُ قليلاً عن مصلاه فيركع ركعتين، ثم يمشي أنفس من ذلك ثم يركع أربع ركعات» ، وإسناده صحيح.
(5)
أخرج مسلم (881)، حديث أبي هريرة بلفظه:«إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا» .
تنبيه: نقل إبراهيم الحربيُّ عن أحمد أنَّه قال: أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأربع ركعات، وصلَّى هو ركعتين، فأيُّهما فعلت فحسنٌ، وإن أردت أن تحتاط؛ صلَّيت ركعتين وأربعًا، جمعت فعله وأمره. ينظر: تقرير القواعد بتحقيقنا 1/ 105.
(6)
ينظر: مسائل عبد الله ص 123.
(7)
أخرجه مسلم (883) من حديث معاوية رضي الله عنه.
(8)
ينظر: مجموع الفتاوى 24/ 189.
وعنه: ركعتان، اختاره ابنُ عَقِيلٍ.
وعنه: أربع، وقاله طائفةٌ من أصحابنا، قال عبد الله: (رأيت أبي يُصلِّي في المسجد - إذا أذَّن المؤذِّنُ - ركعات
(1)
.
(1)
في (أ): ركعتان. وينظر: مسائل عبد الله ص 60.
(فَصْلٌ)
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجُمُعَةِ فِي يَوْمِهَا)، ولا يَجِب، حكاه ابنُ عبد البَرِّ إجماعًا
(1)
، وفيه نظرٌ، قال التِّرمذيُّ:(العملُ على أنَّه مُستحَبٌّ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في خبر عائشةَ: «لوْ أنَّكم تطهَّرتُم ليومِكم هذا»
(2)
، وظاهِرُه: حصولُ الفضيلة به ولو أحدث بعده ولم يَتَّصِل به الرَّواحُ.
(وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ عِنْدَ مُضِيِّهِ إِلَيْهَا)؛ لأنَّه أبْلغ في المقصود، وفيه خروجٌ من الخلاف، وذَكَر جماعةٌ: من له زوجةٌ فالمستحَبُّ أن يُجامِع ثمَّ يَغتسِل، نَصَّ عليه
(3)
؛ للخبر
(4)
.
(وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ)؛ لما روى أبو سعيدٌ مرفوعًا قال: «لَا يغتسلُ رجلٌ يومَ الجمعةِ ويتطهَّرُ ما استطاعَ مِنْ طُهرٍ، ويَدَّهنُ بدهنٍ، ويَمَسُّ من طيبِ امرأتِهِ، ثمَّ يخرجُ فلا يُفرِّقُ بين اثنين، ثمَّ يصلِّي ما كُتِبَ له، ثمَّ يُنصِتُ إذا تكلَّمَ الإمامُ، إلاَّ غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعةِ الأخرى» رواه البخاري
(5)
، يعني: ما ظهر لونُه، وخفِي ريحُه؛ لتأكُّد الطِّيب، وظاهر كلام أحمد والأصحاب خلافه.
(وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ)؛ لوروده في بعض الألفاظ
(6)
، وأفضلها البياض،
(1)
ينظر: التمهيد 10/ 79.
(2)
أخرجه البخاري (902)، ومسلم (847).
(3)
ينظر: فتح الباري لابن رجب 8/ 90.
(4)
لحديث أوس بن أوس، وسيأتي تخريجه قريبًا.
(5)
أخرجه البخاري (883)، من حديث سلمان الفارسي، وحديث أبي سعيد وأبي هريرة جميعًا عند أحمد (11768) بلفظ آخر.
(6)
عند أحمد في المسند (11768)، وأبي داود (343)، من حديث أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعًا وفيه:«ولبس من أحسن ثيابه» ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وحسن إسناده النووي والألباني. ينظر: صحيح أبي داود 2/ 172.
ويعتمَّ، ويَرتدي.
(وَيُبَكِّرَ إِلَيْهَا) ولو كان مُشتغِلاً
(1)
بالصَّلاة في منزله.
(مَاشِيًا)؛ لقوله عليه السلام: «ومشى، ولم يَركَبْ» ، ويكون بسكينةٍ ووقارٍ، بعد طلوع الفجر الثَّاني. وقيل: بعد صلاته، لا بعد طلوع الشَّمس، ولا بعد الزَّوال.
فإن كان عذرٌ؛ فلا بأسَ بالرُّكوب كالعَود
(2)
.
(وَيَدْنُوَ مِنَ الْإِمَامِ) مستقبِل القِبلة؛ لقوله عليه السلام: «من غسَّلَ واغتسلَ، وبكَّرَ وابتكرَ
(3)
، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمامِ فاستمعَ ولم يلغُ؛ كان له بكلِّ خطوةٍ يخطوها أجرُ سنةٍ عملُ صيامِها وقيامِها» رواه أحمد وأبو داود من حديث أوس بن أوسٍ، وإسناده ثقاتٌ
(4)
.
(وَيَشْتَغِلَ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ) والقراءة؛ لما في ذلك من تحصيل الأجر، بشرط أن يكون غير سامعٍ للخطبة؛ بأن يَحضُر قبلها، أو في مكانٍ بعيدٍ.
(وَيَقْرَأَ سُورَةَ الكَهْفِ فِي يَوْمِهَا)؛ لما روى البيهقي بإسنادٍ حسنٍ عن أبي سعيدٍ مرفوعًا: «مَنْ قرأَ سورةَ
(1)
في (و): مستقلاً.
(2)
قوله: (وقيل بعد صلاته، لا بعد طلوع الشَّمس) إلى هنا سقط من (و).
(3)
كتب على هامش الأصل: ("من غسل": أي: جامع واغتسل من الجنابة، "بكر وابتكر": الأول أسرع، والثاني سمع أوائل الخطبة؛ كما يبتكر الرجل الباكورة من الفاكهة).
(4)
أخرجه أحمد (16173)، وأبو داود (345)، والنسائي (1384)، وابن ماجه (1087)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الترمذي والنووي، وقال الألباني:(إسناده صحيح). ينظر: الخلاصة للنووي 2/ 775، صحيح أبي داود 2/ 176.
الكهفِ يومَ الجمعةِ أضاءَ له مِنَ النُّورِ ما بين الجمعتين»، ورواه سعيدٌ موقوفًا، وقال:«ما بينه وبين البيت العتيق» ، زاد أبو المعالي وصاحب «الوجيز»:(أو ليلتها)؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ قرأَ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ أو ليلتِهِ؛ وُقِيَ فتنةَ الدَّجَّالِ»
(1)
.
(وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ) رجاءَ أن يصادِف ساعة الإجابة؛ لقوله عليه السلام: «إنَّ في الجمعةِ ساعةً لا يوافِقُها عبدٌ مسلمٌ يسألُ
(2)
اللهَ شيئًا إلاَّ أعطاهُ إيَّاهُ»، وأشارَ بيدِهِ يقلِّلها. متَّفقٌ عليه من حديث أبي هريرة
(3)
.
واختُلف فيها؛ فقال أحمد: (أكثر الحديث في السَّاعة التي ترجى فيها الإجابة أنَّها بعد العصر، وتُرجَى بعد زوال الشَّمس)
(4)
.
وفي «الدعوات» للمستغفري
(5)
: عن عراك بن مالك: أنه كان إذا صلَّى الجمعة انصرف فوقف في الباب فقال: (اللَّهمَّ أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت لما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين)
(6)
.
(1)
أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (952)، والحاكم (3392)، وصححه، والبيهقي (5996)، من طريق نعيم بن حماد، عن هشيم، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، به، ونعيم بن بن حماد الخزاعي صدوق يخطئ كثيرًا، وتابع نعيمًا على رفعه يزيدُ بن مخلد بن يزيد، أشار لهذه المتابعة البيهقي، ويزيد هذا مجهول، فلا تتقوى بها رواية الرفع، وأخرجه موقوفًا النسائي في عمل اليوم والليلة (954)، والدارمي (3450) والبيهقي في الشعب (2220)، ولفظه عند النسائي:«من قَرَأَ سورة الكهف كَمَا أنزلت، ثمَّ أدرك الدَّجال؛ لم يُسلط عليه، أَوْ لم يكن لَهُ عليه سَبِيل، وَمن قَرَأَ سُورة الكهف كَانَ لَهُ نورًا من حيث قَرَأَهَا مَا بَينه وَبَين مَكَّة» ، وعند الدارمي والبيهقي بلفظ:«ما بينه وبين البيت العتيق» ، ورجح وقفه النسائي والبيهقي، وضعفه النووي مرفوعًا، وقال ابن حجر:(ومثله لا يقال من قبل الرأي، فله حكم المرفوع). ينظر: الخلاصة 2/ 814، مجمع الزوائد 1/ 239، النكت الظراف 3/ 447.
(2)
في (أ): سأل.
(3)
أخرجه البخاري (935)، ومسلم (852).
(4)
ينظر: سنن الترمذي 1/ 618.
(5)
هو الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز المستغفري، من مصنفاته: معرفة الصحابة، والدعوات، ودلائل النبوة، توفي سنة 432 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 17/ 564، الجواهر المضية 1/ 180. وينظر الأثر في: تفسير ابن أبي حاتم 10/ 3356.
(6)
قوله: (وفي الدعوات للمستغفري) إلى هنا سقط من (أ) و (و) و (د).
(وَ) يُكثِر (الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ
(1)
أي: في يوم الجمعة؛ لقوله عليه السلام: «أكثروا عليَّ مِنَ الصَّلاةِ في يومِ الجمعةِ» ، رواه أبو داود وغيره بإسنادٍ حسَنٍ
(2)
، قال الأصحاب:(وليلتها)؛ لقوله عليه السلام: «أكثروا الصَّلاةَ عليَّ ليلةَ الجمعةِ ويومَ الجمعةِ، فمَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه عشرًا» رواه البَيهَقيُّ بإسنادٍ جيِّدٍ
(3)
.
وقد روي الحثُّ عليها مطلقًا؛ لما روى ابن
(4)
مسعودٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أولى النَّاسِ بي يومَ القيامةِ أكثرُهم عليَّ صلاةً» رواه التِّرمذيُّ وحسَّنه
(5)
.
(1)
قوله: (فيه): سقط من (أ).
(2)
أخرجه أبو داود (1047)، والنسائي (1374)، وابن ماجه (1085)، وابن خزيمة (1733)، وابن حبان (910)، من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه، وهو حديث صحيح، صححه النووي والألباني وغيرهما. ينظر: الإرواء 1/ 34.
(3)
أخرجه القطيعي في جزء الألف دينار (142)، والبيهقي (5994)، من طريق إبراهيم بن طهمان، عن أبي إسحاق، عن أنس، وأشار البيهقي إلى أن في إسناده ضعفًا، وقال الذهبي:(إسناده صالح)، وأبو إسحاق السبيعي مدلس، وقد رواه بالعنعنة، وله طريق أخرى عند ابن عدي في الكامل 3/ 577، وفيه درست بن زياد القشيري وهو ضعيف، وأخرجه الشافعي كما في المسند (ص 70)، عن صفوان بن سليم مرسلاً، وفيه إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي وهو متروك، وذكر ابن القيم رواية ابن عدي ثم قال:(وهذا وإِن كان إسناده ضعيفًا فهو محفوظ في الجملة، ولَا يضر ذكره في الشواهد)، وحسنه الألباني، إلا لفظة:«ليلة الجمعة» فلم يصححها. ينظر: جلاء الأفهام (ص 404)، السلسلة الصحيحة (1407).
(4)
في (د) و (و): أبو.
(5)
أخرجه الترمذي (484)، وابن حبان (911)، والبيهقي في الشعب (1462)، وقال:(حسن غريب)، قال ابن حجر:(صححه ابن حبان، وله شاهد عند البيهقي عن أبي أمامة بلفظ: «صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة»، ولا بأس بسنده)، وحديث أبي أمامة أُعلَّ بالانقطاع، ووقع في حديث ابن مسعود اضطراب في سنده، ذكره الدارقطني في العلل. ينظر: علل الدارقطني 5/ 112، جلاء الأفهام (ص 86)، الفتح 11/ 167.
فائدة: روى ابن السُّنِّي من حديث أنسٍ مرفوعًا: «مَنْ قرأَ إذا سلَّمَ الإمامُ يومَ الجمعةِ قبلَ أن يَثنيَ رجلَيه؛ فاتحةَ الكتابِ، و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، والمعوِّذتين سبعًا؛ غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِهِ وما تأخَّرَ، وأُعطِيَ مِنَ الأجرِ بعددِ مَنْ آمنَ باللهِ ورسولهِ»
(1)
.
(وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ)؛ لما رَوى أحمدُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رأى رجلاً يتخطَّى رقابَ النَّاس، فقال له:«اجلسْ فقد آذيتَ»
(2)
، ولما فيه من سوء الأدب والأذى، وذلك مكروهٌ، وقد صرَّح جماعةٌ بتحريمه.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا)؛ فلا يُكرَه له ذلك؛ للحاجة؛ لتعيين مكانه، وألحق به في «الغُنية»: المؤذِّنَ.
(أَوْ يَرَى) المصلِّي (فُرْجَةً فَيَتَخَطَّى إِلَيْهَا)؛ لأنَّهم أسقطوا حقَّ أنفسهم بتأخُّرهم.
وعنه: إن وصلها بدونه كُرِهَ، وإلاَّ فلا، ذكره المؤلِّف، وقدَّمه في «الفروع» .
(1)
أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (375)، وابن شاهين في فضائل الأعمال (472)، من حديث عائشة مرفوعًا بلفظ:«من قرأ بعد صلاة الجمعة: {قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق}، و {قل أعوذ برب الناس} سبع مرات، أعاذه الله عز وجل من السوء إلى الجمعة الأخرى» ، وفي سنده الخليل بن مرة وهو ضعيف، قال ابن حجر:(سنده ضعيف، وله شاهد من مرسل مكحول أخرجه سعيد بن منصور في سننه؛ عن فرج بن فضالة، وزاد في أوله: «فاتحة الكتاب»، وقال في آخره: «كفَّر الله عنه ما بين الجمعتين»، وفرج ضعيف)، وأخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (ص 273)، من مرسل ابن شهاب، نحوه، وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، وضعفه الألباني. ينظر: فيض القدير للمناوي 6/ 203، السلسلة الضعيفة (4129).
(2)
أخرجه أحمد (17697)، وأبو داود (1118)، والنسائي (1399)، وابن خزيمة (1811)، وابن حبان (2790)، وقال النووي وابن الملقن:(إسناده على شرط مسلم)، قال ابن حجر:(وضعفه ابن حزم بما لا يقدح)، وصححه الألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 785، البدر المنير 4/ 680، التلخيص الحبير 2/ 174، صحيح أبي داود 4/ 281.
وعنه: لا يُكرَه مطلقًا.
وعنه: يُكرَه تخطِّيه ثلاثةَ صفوفٍ.
وقيل: يُكرَه إلاَّ أن تكون
(1)
الفُرجةُ أمامَه.
(وَعَنْهُ: يُكْرَهُ) مطلقًا؛ لما روى سَهلُ بن مُعاذٍ مرفوعًا: «مَنْ تخطَّى رقابَ النَّاسِ يومَ الجمعةِ؛ اتَّخذَ جسرًا إلى جهنَّمَ» رواه الترمذي
(2)
(3)
.
(وَلَا يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ)، وذلك حرامٌ؛ لما روى ابن عمر:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهى أن يقيمَ الرَّجلُ أخاهُ مِنْ مقعدِهِ ويجلسَ فيه» متَّفق عليه
(4)
، ولكن يقول: افسَحوا، قاله في «التَّلخيص»؛ لما روى مسلم عن جابر مرفوعًا:«لا يقيمُ أحدُكم أخاهُ يومَ الجمعةِ ثمَّ يخالفُ إلى مقعدِهِ، ولكن ليقل: افسحوا»
(5)
، ولأنَّ المسجد بيت الله، والنَّاسُ فيه سواءٌ.
وظاهره: ولو كان عبدَه أو ولدَه، إلاَّ الصَّغير.
وسواء كان راتِبًا له يجلس فيه
(6)
أو لَا.
وفي «الرِّعاية» : يُكرَه.
(إِلاَّ مَنْ قَدَّمَ صَاحِبًا لَهُ، فَجَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ)؛ لأنَّ ابن سيرين
(1)
في (ب) و (و): يكون.
(2)
في (أ): البيهقي.
(3)
أخرجه الترمذي (513)، وابن ماجه (1116)، والبيهقي في الشعب (2740)، من حديث معاذ بن أنس الجهني، وفي سنده رشدين بن سعد وزَبَّان بن فائد وهما ضعيفان، بل قال أحمد عن زبان:(أحاديثه مناكير)، وقال ابن حبان:(منكر الحديث جدًّا، يتفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة، لا يحتج به)، وكذا قاله البغوي، قال الترمذي:(حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، والعمل عليه عند أهل العلم). ينظر: شرح السنة 4/ 267، تهذيب التهذيب 3/ 308.
(4)
أخرجه البخاري (911)، ومسلم (2177)، وعندهما:«ولكن تفسحوا وتوسعوا» .
(5)
أخرجه مسلم (2178).
(6)
قوله: (يجلس فيه) هو في (د) و (و): مجلس. وفي (أ): فجلس فيه.
كان يفعل ذلك
(1)
؛ لأنَّه قعد فيه لحفظه له، ولا يحصل ذلك إلاَّ بإقامته، وعلَّله في «الشَّرح»: بأنَّ النَّائب يقوم باختياره.
وفي «الفروع» : (قال
(2)
أصحابنا: إلاَّ من جلس بمكان يحفظه لغيره بإذنه أو دونه)، ولم يذكر جماعة:(أو دونه)؛ لأنَّه توكيل في اختصاص مباح
(3)
، كتوكيله في تملُّك المباح ومقاعد الأسواق، لكن إن جلس في مكان مصلَّى
(4)
الإمام، أو طريق المارَّة، أو استقبل المصلِّين في مكان ضيِّق؛ أقيم، قاله أبو المعالي.
مسألةٌ: إذا آثر
(5)
بمكانه الأفضل، فقيل: يُكرَه، وقيل: لا كما لو جلس، وقيل: إن آثر عالِمًا أو ديِّنًا جاز، ولا يكره القبول في الأصحِّ، وفي «الفصول»: لا يجوز الإيثار.
وكذا الخلاف إن آثر بمكانه فسَبَق إليه آخر.
وصحَّح في «الشَّرح» وابن حمدان: أنَّه لا يجوز؛ لأنَّه قام مقامه، أشبه ما لو تحجَّر مواتًا ثم
(6)
آثر به
(7)
غيره، وهذا بخلاف ما لو وسَّع لرجل في طريقٍ فمرَّ غيره؛ لأنَّها جُعلت للمرور فيها، والمسجد جُعل للإقامة فيه
(8)
.
(وَإِنْ وَجَدَ مُصَلًّى مَفْرُوشًا؛ فَهَلْ لَهُ رَفْعُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «الفروع»:
(1)
علقه ابن المنذر في الأوسط (4/ 88).
(2)
في (ب) و (ز): قاله.
(3)
في (أ) و (ز): بمباح.
(4)
قوله: (مصلَّى) سقط من (ب) و (ز).
(5)
في (و): أتى.
(6)
قوله: (ثم) سقط من (أ) و (ب) و (د) و (و).
(7)
قوله: (آثر به) هو في (د) و (و): آثره، وزيد في (ب): على.
(8)
زيد في (و): أحدها.
أحدهما: لا يجوز، قدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأنَّه كالنَّائب عنه، ولما فيه من الافتيات على صاحبه، والتَّصرُّف في ملكه بغير إذنه، والإفضاء إلى الخصومة، وقاسه في «الشَّرح» على السَّابق إلى رحبة المسجد، ومقاعد الأسواق.
فعلى هذا: له رفعُه إذا حضرت الصَّلاةُ، قاله في «الفائق» .
والثَّاني: له رفعُه والصَّلاةُ مكانَه، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه لا حرمة له بنفسه، والفضيلة بالسَّبق بالبدن.
وقيل: إن كان صاحبه لا يصل إليه إلاَّ بتخطِّي النَّاس رفَعَه، وإلاَّ فلا.
وعُلم منه: أنَّه لا يصلِّي عليه، وقدَّم في «الرِّعاية»: يُكرَه، وجزم جماعةٌ بتحريمه، وقال في «الفروع»:(ويتوجَّه إن حرُم رفعُه فله فرشُه، وإلاَّ كره، وأطلق شيخنا: ليس له فرشه).
(وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)؛ لما روى مسلمٌ عن أبي أيُّوب مرفوعًا: «مَنْ قامَ مِنْ مجلسِهِ ثمَّ رجع
(1)
إليه؛ فهو أحقُّ به»
(2)
.
وقيَّده بعضهم: بما إذا عاد قريبًا، وأطلقه الأكثر
(3)
، منهم المؤلِّف، وقيَّده في «الوجيز»: بما إذا عاد ولم يتشاغل بغيره.
وذكر في «الشَّرح» وتبعه ابن تميم: إن لم يصل إليه إلاَّ بالتَّخطِّي فكمن
(1)
في (ب) و (ز): عاد.
(2)
أخرجه مسلم (2179)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وكذا في مستخرج أبي عوانة (9558)، طبعة الجامعة الإسلامية، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (5902)، والبزار في مسنده (8382)، من طريق آخر، من حديث أبي هريرة أيضًا، ولم نقف عليه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
(3)
في (د): لأكثر.
رأى فُرجةً، وجوَّزه أبو المعالي.
(وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؛ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ يُوجِزُ فِيهِمَا)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءَ أحدُكم يومَ الجمعةِ وقد خرجَ الإمامُ؛ فليصلِّ ركعتين
(1)
» متَّفقٌ عليه، زاد مسلمٌ:«ولْيَتجَوَّز فيهما»
(2)
، وكذا قاله
(3)
أحمد
(4)
والأكثر، ولا يزيد عليهما.
هذا إذا كانت تُقام في مسجدٍ، فإن لم يكن لم يُصلِّ
(5)
.
وفي «المغني» و «التَّلخيص» و «المحرَّر» : إن لم تفته
(6)
معه تكبيرة الإحرام.
فإن جلس؛ قام فأتى بهما، أطلقه أصحابنا؛ لقوله:«قُمْ فاركع ركعتين»
(7)
.
قال المجْدُ في شرحه: ما لم يَطُل الفصلُ.
فإن ذكر فائتة، أو قلنا: له
(8)
سنَّة؛ صلاَّها، وكفت
(9)
إن كانت الفائتة ركعتين فأكثر؛ لأنَّ تحيَّة المسجد لا تحصل بغيرهما
(10)
.
(1)
كتب على هامش الأصل و (د): (عن جابر بن عبد الله قال: «جاء سليك الغطفاني والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فأمره أن يصلي ركعتين» أخرجه أبو الفضل بن أبي الفراتي).
(2)
أخرجه البخاري (930)، ومسلم (875).
(3)
في (د): قال.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 89.
(5)
في (و): فليصل.
(6)
في (و): يفته.
(7)
سبق تخريجه حاشية (2).
(8)
كذا في الأصل والنسخ الخطية، والذي في الفروع:(لها).
(9)
قوله: (وكفت إن) هو في (د): ركعتان.
(10)
في (و): بغيرها.
ولو نوى التَّحية والفرض؛ فظاهر كلامهم: حصولهما
(1)
له؛ كنظائرهما
(2)
.
مسائل:
منها: إذا صعد المنبر؛ انقطع التَّنفُّل مطلقًا، وفي كلام بعضهم بخروجه، وهو أشهر في الأخبار
(3)
، ولو لم يَشرع في الخطبة، وجوَّز ابن عقيل وابن الجوزي لمن لم يسمعها، وقيل: يكره.
وظاهر كلامهم: لا تحريم إن لم يحرم الكلام فيها، وهو متَّجه، قاله في «الفروع» .
ويخفِّفه من هو فيه، ومن نوى أربعًا؛ صلَّى ركعتين.
ومنها: إذا نَعَس استُحبَّ له أن يتحوَّل؛ لقوله عليه السلام: «إذا نَعَسَ أحدُكم في مجلسِهِ فليتحوَّل إلى غيره» صحَّحه التِّرمذيُّ
(4)
.
(1)
في (و): حصولها.
(2)
في (ز): كنظائرها.
(3)
من ذلك ما أخرجه أحمد (20721)، من طريق يونس بن زيد، عن عطاء الخراساني، قال: كان نبيشة الهذلي رضي الله عنه يُحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة، ثم أقبل إلى المسجد، لا يؤذي أحدًا، فإن لم يجد الإمام خرج؛ صلى ما بدا له، وإن وجد الإمام قد خرج؛ جلس فاستمع وأنصت، حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه» الحديث، وسنده منقطع؛ عطاء لم يسمع من نُبيشة، قال الطبراني:(لم يسمع من أحد من الصحابة إلا من أنس). ينظر: تهذيب التهذيب 7/ 214.
(4)
أخرجه أحمد (4741)، وأبو داود (1119)، والترمذي (4741)، وابن خزيمة (1819)، وابن حبان (2792)، والبيهقي في الكبرى (5925)، من طريق ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وأُعلَّ الحديث بتفرد ابن إسحاق برفعه، قال ابن المديني:(لم ينكر على محمد بن إسحاق إلا حديث نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا نعس أحدكم»)، قال البيهقي:(هذا الحديث يُعَدُّ في أفراد محمد بن إسحاق بن يسار، ولا يثبت رفع هذا الحديث، والمشهور عن ابن عمر من قوله)، وله طريق أخرى عن غير ابن إسحاق أعله الدارقطني، ورجح وقفه، وكذا النووي، قواه الألباني. ينظر: الضعفاء للعقيلي 4/ 23، علل الدارقطني 12/ 345، السلسلة الصحيحة (468).
ومنها: أنَّه لا يُكرَه الاحتباء وقت الخطبة، نَصَّ عليه
(1)
، وفعله جماعة من الصَّحابة
(2)
، وكرهه
(3)
الشَّيخان؛ «لنهيه عليه السلام عنه» رواه أبو داود، والتِّرمذي وحسَّنه، وفيه ضعفٌ
(4)
، ولأنَّه يصير متهيِّئًا
(5)
للنَّوم والسُّقوط.
وقال محمَّد بن إبراهيم البُوشَنْجِيُّ: ما رأيت أحمد جالسًا إلاَّ القُرفُصاء إلاَّ أن يكون في صلاة
(6)
؛ وهي أن يجلس على أَلْيَتيه رافعًا ركبتَيه إلى صدره، ومفضيًا بأخمص قدميه إلى الأرض، وربَّما احتبى بيده، ولا جِلسةَ أخشع منها.
(وَلَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ، ونصره المؤلِّف، وصحَّحه في «التَّلخيص»؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 874.
(2)
أخرج ابن أبي شيبة (5245)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (7/ 343)، والبيهقي في الكبرى (5911)، عن نافع:«كان ابن عمر يحتبي يوم الجمعة والإمام يخطب» ، وإسناده صحيح.
قال أبو داود في السنن (1/ 290): (كان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب، وأنس بن مالك، وشريح، وصعصعة بن صوحان، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد، ونعيم بن سلامة).
(3)
في (أ) و (ز): وكرهها.
(4)
أخرجه أحمد (15630)، وأبو داود (1110)، والترمذي (514)، وابن خزيمة (1815)، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب» ، وفي سنده أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، ضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم:(يكتب حديثه، ولا يحتج به)، وقال النسائي:(أرجو أنه لا بأس به)، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق)، وشيخه سهل بن معاذ لا بأس به، وقال الترمذي:(حديث حسن)، وصححه ابن خزيمة والحاكم، وحسنه الألباني، وللحديث شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن ماجه (1134)، وسنده ضعيف. ينظر: مصباح الزجاجة للبوصيري 1/ 137، صحيح أبي داود 4/ 273.
(5)
زيد في (د) و (و): عنه.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 179.
قُرِاءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعرَاف: 204]
(1)
، ولقوله عليه السلام:«من قال: صه، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعةَ له»
(2)
رواه أحمد وأبو داود
(3)
، ولقوله عليه السلام في خبر ابن عباس:«والذي يقول: أنصت ليس له جمعة» رواه أحمد من رواية مجالد
(4)
، ولقوله عليه السلام
(5)
لأبي الدَّرداء: «إذا سمعتَ إمامَكَ يتكلَّمُ فأنصِتْ حتَّى يَفرُغَ» رواه أحمد
(6)
.
وظاهره: لا فرق بين القريب والبعيد، سمع الخطبة أوْ لا، وقيل: وحالةَ الدُّعاء المشروع.
(1)
كتب على هامش الأصل: (الإنصات واجب، وهو قول مالك مطلقًا، يعني: لمن يسمع أو لم يسمع، وقال أحمد: لا يلزمه إذا لم يسمعها، وقال أبو حنيفة كقول مالك والشافعي في أحد قوليه: إنه واجب، والصحيح عنده أنه سنة لا واجب. انتهى).
(2)
كتب على هامش الأصل: (قوله: "لغا"؛ أي: قال باطلاً، واللغو: الكلام الساقط الباطل، وقيل: أي ملت عن الصواب، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي، وفيه النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وقال ابن وهب: من لغا كانت صلاته ظهرًا وحُرِم فضل الجمعة. انتهى).
(3)
أخرجه أحمد (719)، وأبو داود (1051)، من حديث علي رضي الله عنه، وفيه راو مجهول، قال الألباني:(إسناده ضعيف؛ عطاء وهو: ابن أبي مسلم الخُراسانِي صدُوقٌ يهِمُ كثيرًا، ومولى امرأته مجهول)، وله شاهد في البخاري (934)، ومسلم (851)، من حديث أبي هريرة بلفظ:«إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت» . ينظر: ضعيف سنن أبي داود 1/ 400.
(4)
أخرجه أحمد (2033)، والبزار (4725)، والطبراني في الكبير (12563)، وفيه مجالد بن سعيد، قال أحمد:(مجالد ليس بشيء)، وقال يحيى:(لا يحتج بحديثه)، وقال ابن حجر:(إسناده لا بأس به)، والحديث له شواهد سبق تخريجها قريبًا. ينظر: العلل المتناهية لابن الجوزي 1/ 466، بلوغ المرام (454).
(5)
قوله: (وأبو داود ولقوله عليه السلام في خبر ابن عباس) إلى هنا سقط من (أ).
(6)
أخرجه أحمد (21730)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 367، من طريق حرب بن قيس عن أبي الدرداء، قال العلائي:(قال أبو حاتم: لم يدرك أبا الدرداء، وهو مرسل). ينظر: جامع التحصيل (ص 161).
وعنه: يحرم على سامعٍ، اختاره القاضي وجمعٌ.
وعنه: يكره مطلقًا.
وعنه: يجوز.
فعلى الأوَّل: يباح ما يحتاج إليه؛ كتحذير ضريرٍ ونحوه؛ لأنَّه يجوز
(1)
في الصَّلاة، وتشميتِ عاطسٍ، وردِّ السلام نُطقًا
(2)
كإشارته به
(3)
؛ لأنَّه مأمورٌ به لحقِّ آدميٍّ، أشبه
(4)
الضَّرير، فدلَّ على أنَّه يَجِب.
والثَّاني: يمنع من ذلك نُطقًا، وهو ظاهر كلامه؛ لأنَّه مأمورٌ بالإنصات.
ويصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر؛ كالدُّعاء اتِّفاقًا
(5)
.
والأفضل لمن لا يسمع: أن يشتغل بذكر الله خُفْيةً، وقيل: بل سكوته أفضل، فيسجد لتلاوة، وفي «الفصول»: إن بعد
(6)
ولم يسمع همهمة الإمام؛ جاز أن يقرأ، وأن يذاكر
(7)
في الفقه.
ولمن
(8)
يسمع تسكيت المتكلِّم إشارة، نَصَّ عليه
(9)
، وإشارة أخرس مفهومة ككلامه
(10)
.
(1)
في (أ): ضرر.
(2)
في (د) و (و): مطلقًا. والمثبت موافق لما في الفروع 3/ 184.
(3)
قوله: (به) سقط من (د) و (و).
(4)
في (د): لشبه.
(5)
ينظر: بدائع الصنائع 1/ 264، شرح التلقين 1/ 1003، المجموع 4/ 592، الفروع 3/ 184.
(6)
في (د) و (و): قعد.
(7)
في (و): تذاكر.
(8)
في (د) و (و): ولم.
(9)
ينظر: مسائل أبي داود ص 85.
(10)
في (و): لكلامه.
(إِلاَّ لَهُ أَوْ لِمَنْ كَلَّمَهُ)، كذا أطلقه
(1)
جماعةٌ، وقيَّده في «المحرَّر» و «الفروع»: لمصلحة؛ «لأنَّه عليه السلام كلَّم سُلَيكًا، وكلَّمه هو» رواه ابن ماجه بإسنادٍ صحيحٍ من حديث أبي هريرة
(2)
، وسأل عمر عثمان فأجابه
(3)
، «وسأل العباسُ بن مرداس
(4)
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم الاستسقاء»
(5)
.
وعنه: يكرهان، ولا منع؛ كأمر إمامٍ
(6)
بمعروفٍ.
(وَيَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا) من غير كراهةٍ؛ لما روى مالكٌ والشَّافعيُّ بإسناد
(7)
جيِّد عن ثعلبة بن مالكٍ
(8)
قال: «كانوا يتحدثون يوم الجمعة، وعمر جالس على المنبر، فإذا
(9)
سكت المؤذِّن قام عمر فلم يتكلَّم
(1)
في (أ) و (ز): ذكره.
(2)
أخرجه ابن ماجه (1114)، وأبو داود (1116) وأخرجه البخاري (930)، ومسلم (597) من حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (878)، ومسلم (845)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب، بينا هو يخطب الناس يوم الجمعة؛ دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناداه عمر:«أية ساعة هذه؟» فقال: إني شغلت اليوم، فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء، فلم أزد على أن توضأت، وذكر الحديث.
(4)
في (أ): مرداش.
(5)
أخرجه البخاري (933)، ومسلم (897)، من حديث أنس رضي الله عنه، وفي تعيين السائل قال ابن حجر:(قيل: هو مرة بن كعب، وقيل: العباس بن عبد المطلب، وقيل: أبو سفيان بن حرب، وكل ذلك غلط ممن قاله لمغايرة كل من أحاديث الثلاثة للقصة التي ذكرها أنس، ثم وجدت في دلائل النبوة للبيهقي من رواية مرسلة ما يدل على أنه: خارجة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، أخو عيينة بن حصن فهذا هو المعتمد)، ولم نقف عليه من خلال تخريج الحديث على أن السائل هو العباس بن مرداس. ينظر: فتح الباري 1/ 265.
(6)
في (و): الإمام.
(7)
في (أ): إسناد.
(8)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه: ثعلبة بن أبي مالك. كما في كتب التراجم.
(9)
في (و): وإذا.
أحد حتَّى يقضي الخطبتين»
(1)
.
وقيل: يكره.
(وَعَنْهُ: يَجُوزُ فِيهَا)، فبالقياس على الإمام، وعلى من كلَّمه.
ولم يتعرَّض المؤلِّف للكلام بين الخطبتين، وفيه أوجه: الجواز، والكراهة، والتَّحريم، وجعل الشَّيخان أصل التَّحريم سكوته لتنفس.
مسائل:
الأولى: ليس له أن يتصدَّق على سائلٍ وقت الخطبة، ولا يناوله إذًا؛ للإعانة على محرَّم، وإلاَّ جاز، نَصَّ عليه
(2)
.
وفي «الرِّعاية» : يُكره، فإن كانت
(3)
المسألة قبلها ثمَّ جلس لها
(4)
؛ جاز، كالصَّدقة على من لم يسأل، أو سأل الإمام الصَّدقة لإنسانٍ.
وقيل: يُكره السُّؤال والتَّصدُّق في المسجد، جزم به في «الفصول» ، وظاهر كلام ابن بَطَّة: يحرم السُّؤال، وقاله في إنشاد الضالَّة، وهذا مثله وأَوْلى.
الثَّانية: يُكرَه العبثُ والشُّرب حال الخطبة
(5)
، وإلاَّ جاز، نَصَّ عليه
(6)
.
وقيل: لا بأس بالشُّرب إذا اشتدَّ عطشه، وجزم أبو المعالي بأنَّه إذًا أَولى.
(1)
أخرجه مالك (1/ 103)، ومن طريقه الشافعي في الأم (1/ 227)، ومن طريقهما ابن المنذر في الأوسط (1837)، والبيهقي في الكبرى (5684)، عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي. وإسناده صحيح.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 187.
(3)
قوله: (كانت) سقط من (أ) و (د) و (ز) و (و).
(4)
قوله: (لها) سقط من (أ).
(5)
كتب على هامش (د): (إن سمعها)، وعليها إشارة نسخة.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 89.
وقال في «الفصول» : وكره
(1)
جماعة شربه بعد الأذان بقطعةٍ
(2)
؛ لأنَّه بيعٌ منهيٌّ عنه، وكذا شربه على أن يعطيه الثَّمن بعد الصَّلاة؛ لأنَّه بَيعٌ، ويتخرَّج الجواز للحاجة دفعًا للضَّرر، وتحصيلاً لاستماع الخطبة.
الثَّالثة
(3)
: يُستحَبُّ لمن صلَّى الجمعة أن ينتظر صلاة العصر، فيصلِّيها في موضعه
(4)
، ذكره في «الفصول» و «المستوعب» ، ولم يذكره الأكثرُ.
ويُستحَبُّ انتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة؛ لقوله عليه السلام: «إنَّكم لن تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتموها»
(5)
.
وذكر الشَّيخان وجماعةٌ: جلوسه بعد فجرٍ وعصرٍ إلى طلوعها وغروبها، لا
(6)
في بقيَّة الصَّلوات، نَصَّ عليه
(7)
، لكن اقتصر على الفجر؛ لفعله عليه السلام، رواه مسلمٌ عن جابر بن سَمُرةَ
(8)
.
(1)
في (أ): وذكره. والمثبت موافق لما في الفروع 3/ 188، والإنصاف 5/ 311.
(2)
قال في المصباح المنير 2/ 508: (قطعت له قطعة من المال: فرزتها، واقتطعت من ماله قطعة: أخذتها).
(3)
في (ز): الثانية.
(4)
في (أ) و (ب): موضعها.
(5)
أخرجه البخاري (572)، ومسلم (640) من حديث أنس رضي الله عنه.
(6)
قوله: (لا) سقط من (ب)، وهو في (د): لأن.
(7)
ينظر: الفروع 3/ 195.
(8)
أخرجه مسلم (670).