الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ صلَاةِ العِيدَيْنِ)
سُمِّي به؛ لأنَّه يعود ويتكرَّر لأوقاته. وقيل: لأنَّه يعود بالفرَح والسُّرور. وقيل: سمِّي به
(1)
تفاؤلاً ليعود ثانيةً؛ كالقافلة.
وجمع بالياء، وأصله الواو؛ لِلُزومها في الواحد، وقيل: للفرق بينه وبين أعواد الخَشَب.
(وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) في ظاهر المذهب، والإجماعُ على مشروعيَّتها
(2)
، وسنَده قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ (3)} [الكَوثَر: 2]، هي صلاة العيد في قول عِكرمةَ وعَطاءٍ
(3)
وقَتادةَ
(4)
، قال في «الشَّرح»:(وهو المشهور في التَّفسير)، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم والخلفاءُ بعده يداوِمون عليها، ولأنَّها من أعلام الدِّين الظَّاهرة، فكانت واجبةً كالجهاد، بدليل قتل تاركها، ولم تجب على الأعيان؛ لحديث
(5)
الأعرابيِّ، متَّفق عليه
(6)
، ولأنَّه لا يُشرَع لها أذان، أشبهت صلاة الجنازة.
وعنه: فرضُ عينٍ، اختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(7)
.
وعنه: سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، جزم به في «التَّبصرة» ، فلا يُقاتَل تاركُها؛ كالتَّراويح.
(1)
قوله: (به) سقط من (ز).
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 179.
(3)
في (أ): عطاء وعكرمة.
(4)
ينظر: تفسير الطبري 24/ 693.
(5)
في (د): كحديث.
(6)
أخرجه البخاري (46)، ومسلم (11)، من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن أعرابيًّا جاء يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال: هل عليَّ غيرهن؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» .
(7)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 183.
وعلى الوجوب: (إِنِ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا؛ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ)؛ كالأذان.
(وَأَوَّلُ وَقْتِهَا: إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ)؛ لأحاديث النَّهي، وكما قبل طلوع الشَّمس، ولأنَّه عليه السلام ومَن بعدَه لم يصلُّوها إلاَّ بعد ارتفاع الشَّمس
(1)
، بدليل الإجماع على فعلها ذلك الوقت، ولم يكن يَفعَل إلاَّ الأفضل، وروى الحسَنُ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يغدو إلى الفطرِ والأضحى حين تطلعُ الشَّمسُ فيَتمُّ طُلوعُها، وكان يفتتحُ الصَّلاةَ إذا حضرَ»
(2)
.
(وَآخِرُهُ إِذَا زَالَتْ)؛ لأنَّها شاركت الضُّحى في أوَّل وقتها، فكذا يجب أن تشاركه
(3)
في آخره.
(فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِالْعِيدِ إِلاَّ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ خَرَجَ مِنَ الْغَدِ فَصَلَّى بِهِمُ الْعِيدَ)؛ لما روى أبو
(4)
عُمير بن أنس عن عُمومةٍ له من الأنصار قال: «غُمَّ علينا هلالُ
(1)
منها: ما علقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 19)، ووصله أبو داود (1135)، وابن ماجه (1317)، والطبراني في مسند الشاميين (997)، والبيهقي في الكبرى (6148)، عن يزيد بن خمير الرحبي، قال: خرج عبد الله بن بسر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام، فقال:«إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه» ، وذلك حين التسبيح، قال النووي:(بإسناد صحيح على شرط مسلم)، وصححه ابن حجر، وقال في الفتح:(وفي رواية صحيحة للطبراني: «وذلك حين تسبيح الضحى»).
وأورد ابن حجر في التلخيص حديثًا آخر: وهو حديث جندب قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين، والأضحى على قيد رمح» ، وذكر أنه أخرجه الحسن بن البناء في كتاب الأضاحي، وساق سنده، وفيه: معلى بن هلال الحضرمي اتفق النقاد على تكذيبه، كما في التقريب. ينظر: الخلاصة 2/ 827، تغليق التعليق 2/ 376، الفتح 2/ 457.
(2)
أخرجه الشافعي في الأم 1/ 265، والبيهقي من طريقه في السنن الكبرى (6150)، وهو مع كونه مرسلاً، إلا أنه يشهد له ما سبق تخريجه قريبًا، وقال البيهقي:(وشاهده عمل المسلمين بذلك).
(3)
في (ب) و (و): يشاركه.
(4)
في (أ): ابن.
شوَّالَ، فأصبحنا صيامًا، فجاءَ ركبٌ من آخر النَّهارِ فشهدوا أنَّهم رأوا الهلالَ بالأمس، فأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاس أن يُفطِروا من يومهم، وأن يخرجوا غدًا لعيدهم» رواه أحمد وأبو داود والدَّارَقُطْنيُّ، وحسَّنه
(1)
.
وقال م
(2)
: لا يُصلَّى في غير يوم العيد.
قال أبو بكرٍ الخطيبُ
(3)
: (سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَى أن تُتَّبَع، وحديث أبي
(4)
عمير صحيحٌ، فالمصير إليه واجبٌ)، وكالفرائض.
وكذا لو مضى أيَّامٌ، قال ابن حمدان: وفيه نظَرٌ، وقال القاضي في «الخلاف»: لا تصلَّى إذًا.
(وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْأَضْحَى وَتَأْخِيرُ الْفِطْرِ)؛ لما رَوى الشَّافِعيُّ مرسَلاً: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم: أن عجِّلِ الأضحى، وأخِّرِ الفطرَ، وذكِّرِ النَّاسَ»
(5)
، ولأنَّه يتَّسع بذلك وقت الأضحية، ووقت إخراج صدقة الفطر،
(1)
أخرجه أحمد (20584)، وأبو داود (1157)، والدارقطني (2203، 2204)، والبيهقي (6283)، وأبو عمير بن أنس قال عنه ابن عبد البر:(مجهول لا يحتج به)، لكن وثَّقه ابن سعد، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح حديثه جماعة من الأئمة، قال ابن حجر في التقريب:(ثقة)، وقال الدارقطني:(إسناده حسن)، وقال البيهقي:(إسناده صحيح، وعمومة أبي عمير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكونون إلا ثقات)، وقال ابن رجب:(وصححه إسحاق بن راهويه والخطابي والبيهقي، واحتج به أحمد). ينظر: الفتح لابن رجب 8/ 462، تهذيب التهذيب 12/ 188.
(2)
قوله: (م) سقط من (ب) و (و). وينظر: النوادر والزيادات 1/ 500، شرح التلقين 1/ 1061.
(3)
عزاه في الشرح الكبير للخطابي. ينظر: معالم السنن 1/ 252.
(4)
في (أ): ابن.
(5)
أخرجه الشافعي في المسند (ص 72)، عن إبراهيم بن محمد، أخبرني ابن الحويرث الليثي:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم» ، ومن طريقه البيهقي (6149)، وهو مع إرساله ضعيف جدًّا؛ إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي متروك، قال النووي:(هذا مرسل وضعيف، إبراهيم ضعيف)، وضعفه ابن حجر وغيره، وقال البيهقي:(وقد طلبته في سائر الروايات بكتابه إلى عمرو بن حزم فلم أجده). ينظر: الخلاصة 2/ 827، التلخيص الحبير 2/ 195.
ويكون تعجيل الأضحية بحيث يوافق من بِمِنًى في ذبحهم
(1)
، نَصَّ عليه
(2)
.
(وَالْأَكْلُ فِي الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ)؛ لقول بُرَيدةَ: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَخرجُ يومَ الفطرِ حتَّى يُفطرَ، ولا يَطعَمُ يومَ النَّحرِ حتَّى يصلِّي» رواه أحمد
(3)
.
والأفضل تمرات وترًا؛ لقول أنسٍ: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يغدو يومَ الفطرِ حتَّى يأكلَ تمراتٍ» رواه البخاريُّ، وزاد في رواية منقطعة:«ويأكلُهنَّ وترًا»
(4)
.
وفي «شرح الهداية» : أنَّ الأكل فيه آكد من الإمساك في الأضحى.
والتَّوسعة على الأهل والصَّدقة.
(وَالْإِمْسَاكُ فِي الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ)؛ لما تقدَّم، فإن كان له أضحيَّةٌ استُحِبَّ أن يأكل من كبدها؛ لأنَّه أسرع تناولاً وهضْمًا، وإن لم يكن؛ فإن شاء أكل قبل خروجه، نَصَّ عليه
(5)
.
(وَالْغُسْلُ) وقد سبق.
(1)
في (أ): ذبيحتهم.
(2)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 6.
(3)
أخرجه أحمد (22983)، وابن خزيمة (1426)، وابن حبان (2812)، والحاكم (1088)، قال الترمذي:(حديث بريدة بن حصيب الأسلمي حديث غريب، وقال محمد: لا أعرف لثواب بن عتبة غير هذا الحديث)، وثواب بن عتبة المهري البصري، وثقه ابن معين، وقال أبو داود:(لا بأس به)، وقال العجلي:(يكتب حديثه، وليس بالقوي)، وصحح حديثه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن القطان والنووي وغيرهم. ينظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 356، الخلاصة للنووي 2/ 826، تهذيب التهذيب 2/ 31.
(4)
أخرجه البخاري (953)، والزيادة في آخره علقها البخاري في باب التبكير إلى العيد، ووصلها ابن خزيمة (1429)، والدارقطني (1717)، وهي عند أحمد (12268)، بلفظ:«يأكلهن إفرادًا» ، وإسنادها صحيح، صححها الإسماعيلي وابن خزيمة. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 197.
(5)
ينظر: المغني 2/ 275.
(وَالتَّبْكِيرُ إِلَيْهَا) للمأموم؛ ليحصل له الدُّنوُّ من الإمام وانتظار الصَّلاة، فيكثر ثوابه، (بَعْدَ الصُّبْحِ)؛ أي: بعد صلاة الصُّبح، قاله جماعةٌ.
وذهب آخرون: أنَّه بعد طلوع الشَّمس، فَعَله رافِعٌ وبنوه
(1)
، قاله ابن المنذر.
(مَاشِيًا)؛ لما روى الحارث عن عليٍّ قال: «من السُّنَّة أن يخرج إلى العيد ماشيًا» رواه التِّرمذي، وقال:(العملُ على هذا عند أكثر أهل العلم)
(2)
.
وقال أبو المعالي: إن كان البلد ثَغْرًا؛ استُحِبَّ الرُّكوب وإظهار السِّلاح.
ويُستثنَى من كلامه: من له ضرورةٌ من مرضٍ ونحوه، فإنَّه يخرج راكبًا؛ كالعَود؛ لقول عليٍّ:«ثمَّ تركب إذا رجعتَ» رواه البَيهَقيُّ
(3)
.
(عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ)؛ لما روى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَعتَمُّ، ويَلبس بُردَه الأحمرَ في العيدين والجمعة» رواه ابنُ عبد البَرِّ
(4)
، وعن ابن عمر: «أنَّه
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (5617)، وابن المنذر في الأوسط (2124)، والبيهقي في الكبرى (3/ 425)، عن عيسى بن سهل بن رافع بن خديج:«أنه رأى جده رافع بن خديج وبنيه يجلسون في المسجد، حتى إذا طلعت الشمس صلوا ركعتين، ثم يذهبون إلى المصلى، وذلك في الفطر والأضحى» ، وفيه ضعف، عيسى بن سهل قال عنه في التقريب:(مقبول).
(2)
أخرجه الترمذي (530)، وابن ماجه (1296)، وحسنه الترمذي، وتعقبه النووي، وابن الملقن وقال:(الحارث الأعور استضعف، ونسبه الشعبي وغيره إلى الكذب)، وضعف إسناده ابن حجر، وقال الألباني:(ولعل الترمذي إنما حسن حديثه؛ لأن له شواهد كثيرة)، ثم قال:(فمجموعها يدل على أن للحديث أصلاً). ينظر: المجموع 5/ 10، البدر المنير 4/ 678، فتح الباري 2/ 451، الإرواء 3/ 103.
(3)
وهو حديث عليٍّ رضي الله عنه السابق، وفي بعض طرقه ذكرٌ لهذه الزيادة، أخرجه البيهقي في الكبرى (6147).
(4)
أخرجه البيهقي في الكبرى (6136)، وابن عبد البر في التمهيد 24/ 36، من طريق حفص بن غياث، عن الحجاج، عن محمد بن علي، عن جابر رضي الله عنه، وأخرجه ابن أبي شيبة (5549)، مرسلاً من رواية هشيم، عن حجاج، قال ابن رجب:(والمرسل أشبه)، ومدار الحديث في كلا الوجهين على حجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وقد عنعنه، وضعفه النووي والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 820، فتح الباري 2/ 438، السلسلة الضعيفة (2455).
كان يَلْبس في العيدين أحسنَ ثيابِه» رواه البَيهَقيُّ بإسنادٍ جيِّدٍ
(1)
.
ويكون مُظهِرًا للتَّكبير. وعنه: يُظهر في الفطر فقط، لا عكسه.
(إِلاَّ المُعْتَكِفَ) في العشر
(2)
الأخير أو عشر ذي الحجَّة، (يَخْرُجُ مِنْ) معتَكفه إلى المصلَّى (فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ) نَصَّ عليه
(3)
؛ لقوله عليه السلام: «ما على أحدِكم أن يكونَ له ثوبانِ سوى
(4)
ثوبي مَهْنتِهِ لجمعتِهِ وعيدِهِ»
(5)
. إلاَّ المعتكفَ؛ فإنَّه يخرجُ في ثيابِ اعتكافِهِ، واستحبَّه السَّلف، وذكره ابن المنذر عن جماعة من العلماء
(6)
، ولأنَّه أثر العبادة، فاستُحبَّ بقاؤه كالخَلوق.
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (6143)، وصححه إسناده ابن رجب في الفتح 8/ 414، وابن حجر في الفتح 2/ 439.
(2)
في (و): عشر.
(3)
ينظر: المغني 2/ 275، مختصر ابن تميم 3/ 8.
(4)
في (و): على.
(5)
أخرجه ابن ماجه (1096)، والبزار (56)، وابن خزيمة (1765)، وابن حبان (2777)، من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن زهير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، وعمرو بن أبي سلمة التنيسي الدمشقي صدوق له أوهام، قال أبو حاتم (هذا حديث منكر بهذا الإسناد)، وذكر البزار أن عمرًا تفرد بروايته عن زهير، فقال:(ولا نعلم حدث به إلا عمرو عن زهير)، وضعفه ابن رجب، قال عنه الألباني:(إسناده جيد في الشواهد)، وأخرجه أبو داود (1078)، من حديث محمد بن يحيى بن حبان، وأشار أبو داود إلى وقوع اختلاف في وصله وإرساله، قال الألباني:(إسناده صحيح، وصححه عبد الحق الإشبيلي). ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 558، فتح الباري 8/ 117، صحيح أبي داود 4/ 245.
(6)
بوَّب ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 338: (من كان يحب أن يغدو المعتكف كما هو في مسجده إلى المصلى)، وذكر ذلك عن أبي قلابة وإبراهيم النخعي وأبي مجلز رحمهم الله، وقال شيخ الإسلام في شرح العمدة 3/ 715:(ذكر القاضي عن ابن عمر، والمطلب بن عبد الله بن حنطب، وأبي قلابة مثل ذلك).
وعنه: ثياب جيدة وَرَثَّة سواء، للمعتكف وغيره.
وقال القاضي في موضع
(1)
: معتكف كغيره في زينةٍ وطيبٍ ونحوهما.
(أَوْ إِمَامًا يَتَأَخَّرُ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ)؛ لما روى أبو سعيدٍ قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخرجُ يومَ الفطرِ والأضحى إلى المصلَّى، فأوَّلُ شيءٍ يبدأُ به الصَّلاة» رواه مسلمٌ
(2)
، ولأنَّ الإمامَ يُنتظَرُ ولا يَنتظِرُ.
لابِسًا أجمل ثيابه؛ لأنَّه منظورٌ إليه من بين سائر النَّاس، لكن إن كان معتكفًا؛ فظاهر كلامه: خروجه في
(3)
ثياب اعتكافه.
وقال ابنُ تميمٍ وغيره: (يُسنُّ للإمام التجمُّل والتنظُّف، وإن كان معتكِفًا).
فرع: لا بأس بخروج النِّساء إلى العيد، لكن لا يَتطيَّبن، ولا يَلْبَسْن ثوب شُهرةٍ أو زينةٍ، ولا يُخالطْن الرجالَ؛ لقوله عليه السلام:«وليَخرجْنَ تَفِلاتٍ»
(4)
.
وعنه: يستحبُّ، اختاره ابن حامد والمجْد؛ للحديث الصَّحيح، وش
(5)
في غير ذوي الهيْئات والمستحسَنات. وعنه: يُكرَه. وعنه: للشَّابَّة. وعنه: لا يعجبني خروجهنَّ في وقتنا؛ لقول عائشة، متَّفقٌ عليه
(6)
.
(وَإِذَا غَدَا فِي
(7)
طَرِيقٍ؛ رَجَعَ مِنْ أُخْرَى)؛ لما رَوى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
(1)
زيد في (و): شرًا.
(2)
أخرجه البخاري (956)، ومسلم (889).
(3)
في (د) و (و): من.
(4)
أخرجه أحمد (9645) وأبو داود (565)، وابن خزيمة (1679)، وابن حبان (2214)، وصححه النووي وابن الملقن والألباني، وأصله في الصحيح بلفظ:«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» ، دون قوله:«وليخرجن تفلات» . ينظر: الخلاصة للنووي 2/ 679، البدر المنير 5/ 46، صحيح أبي داود 3/ 101.
(5)
ينظر: الحاوي 2/ 494، المجموع 5/ 8.
(6)
أخرجه البخاري (869)، ومسلم (445)، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:«لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء؛ لمنعهن كما مُنعت نساءُ بني إسرائيل» .
(7)
في (أ): من.
كان إذا خرجَ إلى العيدِ
(1)
خالفَ الطَّريقَ» رواه البخاريُّ
(2)
، ورواه مسلمٌ من حديث أبي هريرة
(3)
، وعلَّته: ليشهد له الطَّريقان، أو لمساواته لهما في التَّبرُّك بمروره بهم، وسرورهم برؤيته، أو ليتبرَّك الطَّريقان بوطئه عليهما، أو لزيادة الأجر بالسَّلام
(4)
على أهل الطَّريق الآخَر
(5)
، أو لتحصل
(6)
الصَّدقة على الفقراء من أهل الطَّريقين، فينبغي طرده في غيرها.
قلنا: ويَلزَمه في
(7)
الجمعة، نقله ابن تميمٍ، وفي «شرح الهداية»: أنَّه المنصوص، لكن الظَّاهر أنَّ المخالفة فيه شرعت لمعنًى خاصٍّ، فلا يَلتَحِق به غيرُه.
وظاهره: لا
(8)
فرق بينهما. وقيل: الأَولى سلوك الأبعد في الخروج والأقرب في العَود، وصحَّحه النَّوويُّ
(9)
.
(وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا)؛ أي: لصحَّتها إذًا (الاِسْتِيطَانُ، وَإِذْنُ الْإِمَامِ، وَالْعَدَدُ
(1)
في (د): إلى للعيد.
(2)
أخرجه البخاري (986).
(3)
وابن خزيمة (1468)، وابن حبان (2815)، قال الترمذي:(حديث أبي هريرة حديث حسن غريب)، وصححه الحاكم والألباني، وعزاه المجد ابن تيمية إلى مسلم، قال الشوكاني:(ولم نجد له موافقًا على ذلك، ولا رأينا الحديث في صحيح مسلم). ينظر: الجوهر النقي 3/ 308، نيل الأوطار 3/ 345، الإرواء 3/ 104.
(4)
في (د) و (و): في السلام.
(5)
في (ب) و (د): الأخرى.
(6)
في (ب) و (و): لتحصيل.
(7)
زيد في (ب): يوم.
(8)
في (أ) و (ز): ولا.
(9)
ينظر: المجموع 5/ 13.
المُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وكذا في «المحرَّر» وأسقط الإذْنَ؛ «كالفروع»:
إحداهما: يُشترط ذلك، واختاره الأكثرُ، فلا تقام
(1)
إلاَّ حيث تقام
(2)
الجمعةُ؛ لأنَّها صلاةٌ لها خطبةٌ راتبةٌ، أشبهت الجمعة، ولأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وافَق العيد في حَجَّته، ولم يُصلِّ، لكن إن فاتت؛ قُضِيتْ تطوُّعًا من كلِّ أحد.
والثَّانية: لا، قدَّمه وصحَّحه جماعةٌ، وجزم به في «الوجيز» ، فيفعلها المسافر، والعبد، والمرأة، والمنفرِد؛ لأنَّ «أنسًا كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام جمع أهله ومواليَهم، وأمر عبد الله مولاه فصلَّى بهم ركعتين» رواه سعيدٌ، وذكره البخاريُّ في «صحيحه»
(3)
، وإنَّما لم يُقمها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لاشتغاله عنها بالمناسك، لأنَّها أهمُّ؛ لكونها
(4)
فرض عَينٍ، وصلاة العيد سنَّة في حقِّ المسافر.
وعلى الأُولى: يفعلونها تَبَعًا.
قال في «الشَّرح» وغيره: (إن صلَّوا بعد خُطبة الإمام صلَّوا بغير خُطبة؛ لئلاَّ يؤدِّي إلى تفريق الكلمة).
وصحَّح ابن الزَّاغوني: أنَّه يُشترط الاستيطان، وذكره ابن عَقِيلٍ روايةً واحدةً، قال: ويُكتَفَى باستيطان أهل البادية إذا لم يعتبر العدد، وإن قلنا باعتباره وكان في القرية أقلُّ منهم، وإلى جنبهم مِصرٌ أو قريةٌ تُقام
(5)
فيه
(1)
في (و): يقام.
(2)
في (و): مقام.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (5855)، وابن أبي شيبة (5803)، والبيهقي في الكبرى (6237)، وابن حجر في تغليق التعليق (2/ 386)، وهو صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 23).
(4)
في (أ) و (ز): لكونهما.
(5)
في (ب): يقام.
العيد؛ لزمهم السَّعي مطلقًا؛ لأنَّ العيدَ لا يتكرَّر، فلا
(1)
يشقُّ إتيانه، بخلاف الجمعة، قال ابنُ تميمٍ:(وفيه نظرٌ).
والصَّحيحُ: أنَّه لا يُشتَرَط إذْنُ الإمام؛ كالجمعة
(2)
.
(وَتُسَنُّ فِي الصَّحْرَاءِ) القريبة
(3)
عرْفًا، نقل حنبلٌ: الخروجُ إلى المصلَّى أفضلُ إلاَّ ضعيفًا أو مريضًا
(4)
؛ لقول أبي سعيدٍ: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخرُجُ في الفطرِ والأضحى إلى المصلَّى» متَّفقٌ عليه، وكذلك الخلفاء بعده
(5)
، ولأنَّه أوقع لهَيبة الإسلام، وأظهر لشعار الدِّين، ولا مشقَّة في ذلك؛ لعدم تكرُّرها، بخلاف الجمعة، قال النَّوويُّ:(والعمل على هذا في مُعظَم الأمصار)
(6)
.
وقال ش
(7)
: إن كان الجامع واسعًا فهو أفضلُ؛ كأهل مكَّة.
وجوابه: بأنَّهم
(8)
يحصِّلون بذلك معاينة الكعبة، وذلك من أكبر شعار الدِّين.
(وَيُكْرَهُ
(9)
فِي الْجَامِعِ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ)، وهو قولُ الأكثر؛ لمخالفة فعله عليه السلام
(10)
.
ومع العُذْر لا يُكرَه؛ لما روى أبو هريرة قال: «أصابنا مطرٌ في يومِ عيدٍ،
(1)
في (أ) و (ز): ولا.
(2)
في (و): للجمعة.
(3)
في (أ): القرية.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 201.
(5)
أخرجه البخاري (956)، ومسلم (889)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(6)
ينظر: شرح مسلم 6/ 177.
(7)
ينظر: الحاوي الكبير 2/ 497، نهاية المطلب 2/ 614.
(8)
في (أ) و (ز): أنَّهم.
(9)
في (أ): وتكره.
(10)
لما سبق تخريجه من حديث أبي سعيد قريبًا في خروجه إلى المصلى.
فصلَّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في المسجد» رواه أبو داود، وفيه لِين
(1)
، وللمعنى.
ويُستحبُّ للإمام أن يَستخلِف من
(2)
يصلِّي بضعَفة النَّاس في المسجد، نَصَّ عليه
(3)
؛ لفعل عليٍّ
(4)
، ويخطب لهم؛ لتكميل
(5)
حصول مقصودهم، وإن تركوا فلا بأس، قاله ابن تميم.
ولهم فعلها قبل الإمام وبعده، وأيُّهما سبق سقط الفرض وجازت التَّضحية، لكن قال ابن تميم:(الأَولى ألا يتقدَّم صلاة الإمام).
والمستخلَف هل يصلِّي أربعًا أو ركعتين؟ فيه روايتان.
ولا يؤمُّ فيها عبدٌ؛ كالجمعة في الأشهر.
(وَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ) قبل الخطبة، قال ابن عمر: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر
(1)
أخرجه أبو داود (1160)، وابن ماجه (1313)، والحاكم (1094)، وصححه، وفيه راويان مجهولان، قال الألباني:(إسناده ضعيف، عيسى وأبو يحيى التيمي لا يعرفان، وقال الذهبي: "هذا حديث فرد منكر"، وقال الحافظ: "إسناده ضعيف"). ينظر: ضعيف سنن أبي داود 2/ 17.
(2)
في (أ): لمن.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4053، مختصر ابن تميم 3/ 8.
(4)
أخرجه النسائي (1561)، عن ثعلبة بن زهدم: أن عليًّا استخلف أبا مسعود على الناس، فخرج يوم عيد، فقال:«يا أيها الناس، إنه ليس من السنة أن يصلى قبل الإمام» ، وإسناده صحيح.
وأخرج ابن أبي شيبة (5815)، والشافعي في الأم (7/ 176)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (3/ 434)، عن أبي إسحاق:«أن عليًّا أمر رجلاً يصلي بضعفة الناس في المسجد ركعتين» ، وصحح النووي إسناده في المجموع 5/ 5، وفيه عنعنة أبي إسحاق السبيعي، ونص أحمد بأنه مرسل كما في مسائل أبي داود (ص 82)، وروي عن علي من وجوه أخرى تدل على ثبوته عنه، ولذا احتج به أحمد في رواية المروذي والفضل كما في تعليقة القاضي 3/ 289.
(5)
في (د) و (و): ليكمل.
وعمر وعثمان يصلُّون العيدين قبل الخطبة» متَّفقٌ عليه
(1)
، فلو قدَّم الخطبة عليها
(2)
؛ لم يعتدَّ بها في قول الأكثر، وكما لو خطب في الجمعة بعدها.
وقد روي عن بني أميَّة تقديم الخطبة
(3)
، وذكر المؤلِّف: أنَّه لم يصحَّ عن عثمان
(4)
، وفي «شرح الهداية»: أنَّه
(5)
قدَّمها في أواخر خلافته.
(فَيُصَلِّي رَكْعَتْينِ) إجماعًا
(6)
؛ لما في الصَّحيحين عن ابن عبَّاس: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرجَ يومَ الفطرِ فصلَّى ركعتين، لم يصلِّ قبلها ولا بعدها»
(7)
، ولقول عمرَ: «صلاةُ الفطرِ والأضحى ركعتانِ ركعتانِ، تمامٌ غير
(8)
قصرٍ على لسان نبيِّكم، وقد خاب من افترى» رواه أحمد
(9)
.
(يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى بَعْدَ) تكبيرة الإحرام و (الاِسْتِفْتَاحِ، وَقَبْلَ التَّعَوُّذِ؛ سِتًّا) زوائدَ، (وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنَ
(10)
السُّجُودِ؛ خَمْسًا) زوائدَ، نَصَّ
(1)
أخرجه البخاري (963)، ومسلم (888).
(2)
قوله: (عليها) سقط من (أ) و (ز).
(3)
أخرجه البخاري (956)، ومسلم (889).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (5645)، وابن عبد البر في التمهيد (10/ 254)، عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال:«أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم الفطر عثمان بن عفان، لما رأى الناس ينقصون، فلما صلى حبسهم في الخطبة» ، وضعفه ابن عبد البر في التمهيد (12/ 10)، بما ثبت عن عثمان من المشهور عنه من صلاته قبل الخطبة، وأما في الاستذكار (2/ 382)، فقال:(اختلف في أول من خطب قبل الصلاة، فقيل: عثمان بن عفان وهو الصحيح إن شاء الله عن عثمان).
(5)
قوله: (أنه) سقط من (و).
(6)
ينظر: مراتب الإجماع ص 32.
(7)
أخرجه البخاري (989)، ومسلم (884)، واللفظ للبخاري.
(8)
في (و): عن.
(9)
تقدم تخريجه 2/ 640 حاشية (2).
(10)
في (د) و (و): في.
عليه
(1)
، وهو الذي ذكره أكثر الأصحاب؛ لما روى أحمد: ثنا وكِيعٌ، ثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن، سمعه من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كبَّر في عيدٍ اثنتَيْ
(2)
عشرةَ تكبيرةً، سَبعًا في الأُولى، وخمسًا في الآخِرة» إسنادٌ حسَنٌ، قال عبد الله: قال أبِي: (أنا أذهبُ إلى هذا)
(3)
، ورواه ابن ماجَهْ، وصحَّحه ابنُ المَدِينيِّ، وفي روايةٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: التَّكبيرُ سَبعٌ في الأُولى، وخمسٌ
(4)
في الآخِرة، والقراءةُ بعدَهما كلتَيهما» رواه أبو داود والدارقطني
(5)
.
وعنه: سَبعٌ زوائدُ في الأُولى، روي عن أبي بكر، وعمر، وعليٍّ، والفقهاء السَّبعةِ
(6)
، وهو ظاهر ما تقدَّم.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 766، مسائل صالح 2/ 279، مسائل أبي داود ص 87.
(2)
في (ب) و (د) و (و): ثنتي.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 127.
(4)
في (و): وسبع.
(5)
أخرجه أحمد (6688)، وأبو داود (1151)، وابن ماجه (1278)، وابن الجارود (262)، والدارقطني (1729)، وفي سنده عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، وثقه ابن المديني والعجلي، وضعفه ابن معين، وقال البخاري:(فيه نظر)، وقال ابن عدي:(يروي عن عمرو بن شعيب، أحاديثه مستقيمة، وهو ممن يكتب حديثه)، وقال الدارقطني:(يعتبر به)، قال النووي:(رواه أبو داود وآخرون بأسانيد حسنة، فيصير بمجموعها صحيحًا)، قال ابن حجر:(وصححه أحمد وعلي والبخاري فيما حكاه الترمذي)، وذكر الألباني أن البخاري صحح الحديث من فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله. ينظر: الخلاصة 2/ 831، تهذيب التهذيب 5/ 299، التلخيص الحبير 2/ 200، صحيح أبي داود 4/ 313.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (4895)، والشافعي في الأم (1/ 270 - 1/ 285)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (6872)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال:«كان علي يكبر في الفطر والأضحى والاستسقاء سبعًا في الأولى، وخمسًا في الأخرى، ويصلي قبل الخطبة، ويجهر بالقراءة» ، قال:«وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان يفعلون ذلك» ، ومداره على إبراهيم بن محمد الأسلمي، وهو متروك، ومحمد بن علي بن الحسين لم يدرك عليًّا، وبهاتين العلتين أعله ابن حزم في المحلى (3/ 295).
وعنه: خمس في الأولى، وأربع في الثَّانية، واحتجَّ بفعل أنسٍ
(1)
.
وعنه: يُصلِّي أهلُ القُرى بغير تكبيرٍ.
قال أحمد: (اختلف أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في التَّكبير، وكلُّه جائز)
(2)
.
وقال ابنُ الجَوزيِّ: (ليس يُروَى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في التَّكبير في العيدين حديثٌ صحيحٌ)
(3)
.
وقد عُلم منه: أنَّ التَّكبير في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التَّعوُّذ، وهو السُّنَّة، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّ الاستفتاح لأوَّل الصَّلاة، والاستعاذة للقراءة.
وعنه: الاستفتاحُ بعد التَّكبيرات الزَّوائد، اختاره الخلاَّل وصاحبه؛ لأنَّ الاستعاذةَ تلي الاستفتاح في سائر
(5)
الصَّلوات، فكذا هنا، والقراءة بعد الاستعاذة.
وعنه: يُخَيَّر.
(وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) نَصَّ عليه
(6)
؛ لحديث وائل بن حُجْر: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَرفعُ يدَيهِ مع التَّكبير»
(7)
، قال أحمد:(فأرى أن يدخل فيه هذا كلُّه)
(8)
، وعن عمر: «أنَّه كان يرفع يديه في
(9)
كلِّ تكبيرة في الجنازة والعيد»،
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (5711)، وابن المنذر في الأوسط (2161)، عن محمد بن سيرين:«أن أنس رضي الله عنه كان يكبر في العيد تسعًا» ، وإسناده صحيح.
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 269، التعليق للقاضي 4/ 48، فتح الباري لابن رجب 9/ 86.
(3)
ينظر: التحقيق في مسائل الخلاف 1/ 511.
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 128، مسائل أبي داود ص 87، زاد المسافر 2/ 270.
(5)
في (د) و (و): سهو.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4054، مسائل أبي داود ص 87.
(7)
سبق تخريجه 2/ 168 حاشية (4).
(8)
ينظر: المغني 2/ 283.
(9)
من قوله: (مع التَّكبير، قال أحمد: فأرى أن يدخل فيه هذا كله) إلى هنا سقط من (و).
وعن زيد كذلك، رواهما الأثرم
(1)
.
(وَيَقُولُ) بين كلِّ تكبيرتين، وعقب الآخرة منها في ظاهر كلامه، وصحَّحه في «شرح الهداية» ، و «المذهب»: أنَّه لا يأتي بالذِّكر بعد التَّكبيرة الأخيرة في الرَّكعتين: (اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا)؛ لما روى عقبةُ بنُ عامِرٍ قال: سألت ابنَ مسعودٍ عمَّا يقوله بعد تكبيرات العيد، قال:«يَحمْد الله، ويُثنِي عليه، ويصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم» رواه الأثرم وحربٌ، واحتجَّ به أحمد
(2)
، ولأنَّها تكبيراتٌ حالَ القيام، فاستُحِبَّ أن يتخلَّلها ذكرٌ؛ كتكبيرات الجنازة.
(وَإِنْ أَحَبَّ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ)؛ لأنَّ الغرَض الذِّكر بعد التَّكبير، لا ذكرٌ مخصوصٌ؛ لعدم وروده، فلهذا نقل حرب: أنَّ الذِّكر غير مؤقَّت
(3)
، يؤيِّده أنَّه روي عنه
(4)
: يَحمَد
(5)
ويُكبِّر ويُصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(1)
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه البيهقي في الكبرى (6189، 6190)، من طريقين:«أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة والعيدين» ، ومداره على ابن لهيعة، وهو ضعيف، وضعفه النووي والألباني.
وأثر زيد رضي الله عنه لم نقف على إسناده، قال الألباني:(الرواية عن زيد بذلك لم أقف على إسنادها). ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 834، إرواء الغليل 3/ 112.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 128.
وأثر ابن مسعود لم نقف عليه من طريق عقبة، وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (7286)، والقاضي إسماعيل في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (88)، والمحاملي في صلاة العيدين (9)، والبيهقي في الكبرى (6186)، من طريق علقمة عنه. وحسن إسناده النووي، وقواه ابن حجر، وصححه الألباني. ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 833، التلخيص الحبير 2/ 203، إرواء الغليل 3/ 114.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 202.
(4)
ينظر: زاد المسافر 2/ 270.
(5)
في (و): محمَّد.
وعنه: ويدعو
(1)
. وعنه: يسبِّح ويهلِّل.
وظاهره: قولُ شيءٍ لا وقوفٌ مجرَّدٌ.
فروعٌ:
الأول: إذا شكَّ في عدد التَّكبير؛ بنى على الأقلِّ.
الثَّانِي: إذا نسِيَ التَّكبير حتَى ركع؛ سقط ولم يأت به؛ لأنَّه سنَّةٌ فات محلُّه، وكذا إن ذكره قبل الرُّكوع في الأصحِّ، كما لو نسي الاستفتاح أو التعوُّذ حتى شرع في القراءة.
والثَّاني: لا يَسقُط، فعلى هذا يأتي به، وإن كان فرغ من القراءة لم يُعِدها، وإن كان فيها؛ أتى به، ثمَّ استأنفها؛ لتسلم
(2)
من أن يتخلَّلها غيرها.
وقيل: إن كان المنسيُّ يسيرًا؛ لم يستأنِف القراءةَ.
الثَّالث: إذا أدرك الإمامَ راكعًا؛ أحرم ثمَّ ركع، ولا يشتغِل بقضاء التَّكبير؛ لأنَّه ذكرٌ مشروعٌ كالاستفتاح، وكما لو نسيه الإمام حتَّى ركع، وإن أدركه قائمًا بعد فراغه من التَّكبير الزَّائد؛ لم يَقضِه، نَصَّ عليه
(3)
.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: يأتي به.
وعن أحمد: إن لم يسمع قراءة الإمام
(4)
، اختاره بعض أصحابنا.
فإن سبقه ببعض التَّكبير؛ فعلى الخلاف.
(ثُمَّ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِ {سَبِّحِ}، وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {الْغَاشِيَةِ} على المذهب؛ لما روى سَمُرةَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1)} [الأعلى: 1] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} [الغَاشِيَة: 1]» رواه
(1)
في (أ) و (ز): يدعو. والمثبت هو الموافق لما في الفروع 3/ 202.
(2)
في (ب) و (و): ليسلم.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 87، زاد المسافر 2/ 270.
(4)
قوله: (الإمام) سقط من (د) و (و).
أحمد، ولابن ماجه من حديث ابن عباس والنعمان بن بشير مثله
(1)
، وروي عن عمر وأنسٍ
(2)
، ولأنَّ فيه حثًّا على الصَّدقة والصَّلاة في قوله:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} [الأعلى: 14 - 15]، هكذا فسَّره سعيد بن المسيَّب وعمر بن عبد العزيز
(3)
.
وعنه: الأولى {ق} ، والثَّانية {اقْتَرَبَتِ} [القَمَر: 1]، اختاره الآجُرِّيُّ؛ لفعله عليه السلام، رواه مسلمٌ
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (20080)، والنسائي في الكبرى (1787)، من حديث سمرة رضي الله عنه، وصححه الألباني. وأخرجه ابن ماجه (1283)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2373)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف. وأخرجه أحمد (18409)، وأبو داود (1122)، والترمذي (533)، وابن ماجه (1281)، من حديث النعمان بن بشير، قال الترمذي:(حديث النعمان بن بشير حديث حسن صحيح). ينظر: الإرواء 3/ 116.
(2)
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (5731)، وابن المنذر في الأوسط (2175)، عن عبد الملك بن عمير، قال: حُدِّثت، -في رواية ابن المنذر: عن أشياخ لهم-، عن عمر:«أنه كان يقرأ في العيد بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)}» ، وإسناده ضعيف؛ للانقطاع أو الإبهام.
أثر أنس رضي الله عنه: أخرجه أبو داود الطيالسي (2159)، وابن أبي شيبة (5734)، والمحاملي في صلاة العيدين (19)، عن عمارة بن زاذان، قال: كنا عند ثابت، وعنده شيخ، فذكرنا ما يقرأ في العيدين، فقال الشيخ: صحبت أنس بن مالك إلى الزاوية يوم عيد، وإذا مولًى له يصلي بهم، فقرأ:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} ، فقال أنس:«لقد قرأ بالسورتين اللتين قرأ بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيد» ، وعند الطيالسي مكان:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)} ، {وَالَّليلِ إِذَا يَغْشَى (1)} وعمارة بن زاذان ضعيف، وقد اضطرب فيه، فمرة قال {الْغَاشِيَةِ} ، ومرة قال:{وَالَّليلِ} ، قال البخاري عن عمارة:(ربما يضطرب في حديثه)، وقال البوصيري:(رواه الطيالسي وأبو يعلى بسند ضعيف لجهالة التابعي)، وضعفه الألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 7/ 416، إتحاف الخيرة 2/ 330، إرواء الغليل 3/ 118.
(3)
ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 4/ 293، المحرر الوجيز 5/ 470.
(4)
أخرجه مسلم (891).
وعنه: لا توقيت، اختاره الخِرَقِيُّ.
(وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ)؛ لما روى الدَّارَقُطْنيُّ عن ابن عمر قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة في العيدين والاستسقاء»
(1)
، وقال المجْدُ: لا نعلم فيه خلافًا إلاَّ ما رواه الحارث الأعورُ عن عليٍّ: «أنَّه كان يُسمِع من يليه، ولم يَجهَر ذلك الجهرَ»
(2)
، قال في «الشَّرح»: وحكاه ابن أبي موسى عن أحمدَ.
(وَيَكُونُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ)، هذا هو الم شهور، وقاله الفقهاء السَّبعةُ، وذكره ابن المنذر عن ابن عبَّاس
(3)
، ولأنَّه تكبير في إحدى ركعتي العيد، فكان قبل القراءة؛ كالأولى.
(وَعَنْهُ: يُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ)، اختاره أبو بكر، وهو قول جابر بن عبد الله، وعقبة بن عامر
(4)
، ذكره ابن المنذر
(5)
؛ لأنَّه ذكرٌ مسنونٌ في قيام الرَّكعة
(1)
أخرجه الدارقطني (1803)، من طريق محمد بن عمر، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، قال الألباني:(وهذا سند واه جدًّا، عبد الله ضعيف، ومحمد بن عمر وهو الواقدي، متروك متهم بالكذب)، وروي من أوجه أخر شديدة الضعف. ينظر: الإرواء 3/ 115.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (5769)، وابن المنذر في الأوسط (2176)، والبيهقي في الكبرى (6195)، وإسناده ضعيف جدًّا؛ لضعف الحارث الأعور.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (5676)، وابن أبي شيبة (5704)، والفريابي في أحكام العيدين (126)، وابن المنذر في الأوسط (2162)، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أنه كان يكبر في العيد، في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الافتتاح، وفي الآخرة ستًّا بتكبيرة الركعة، كلهن قبل القراءة» ، وإسناده صحيح.
(4)
قوله: (كالأولى وعنه: يوالي بين القراءتين) إلى هنا سقط من (أ).
(5)
أثر جابر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (5707)، وابن المنذر في الأوسط (2160)، عن جابر بن عبد الله وسعيد بن المسيب، قالا:«تسع تكبيرات، ويوالى بين القراءتين» ، وإسناده منقطع، قتادة لم يسمع من جابر. ينظر: جامع التحصيل ص 255.
وأما أثر عقبة بن عامر رضي الله عنه فلم نقف عليه، ولعله أراد عقبة بن عمرو أبا مسعود الأنصاري، ذكره ابن المنذر معلقًا 4/ 274.
الأخيرة، فكان بعد القراءة كدعاء القنوت.
(فَإِذَا سَلَّمَ)؛ يحتمل أنَّه أراد به
(1)
السَّلام من الصَّلاة، وهو أظهرُ، ويحتمل أن يراد به السَّلام المعروف، وجزم به في «النَّصيحة» ، فقال: إذا استقبلهم سلَّم، وأومأ بيده.
(خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ) بعد الصَّلاة، كخُطبتَي الجمعة، فلو خطب قبل الصَّلاة؛ لم يعتدَّ بها في قول جمهور العلماء.
وهما كالجمعة في أحكامها على الأصحِّ، حتى في الكلام، نَصَّ
(2)
عليه
(3)
، إلاَّ التَّكبير مع الخاطب.
واستثنى جماعةٌ: الطَّهارة، واتِّحاد الإمام، والقيام، والجَلسة، والعدد؛ لكونهما سنَّةٌ لا شرطٌ للصَّلاة في الأصحِّ، فأشبها الذِّكر بعد الصَّلاة والأذان.
(يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا)؛ لما روى جابِرٌ قال: «خرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ فطرٍ أو أضحًى
(4)
، فخطبَ قائمًا، ثمَّ قعدَ قَعدةً، ثمَّ قام» رواه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن مسلمٍ البصري، وهو متروكٌ
(5)
، وعن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة قال:«السُّنَّة أن يَخطُب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس» رواه الشَّافعي من رواية إبراهيم بن يحيى، وفيه كلامٌ
(6)
.
(1)
قوله: (به) سقط من (أ)، وفي (و): أراده.
(2)
في (د) و (و): متفق.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 132.
(4)
في (ب) و (ز) و (و): وأضحى.
(5)
أخرجه ابن ماجه (1289)، وفي سنده راويان ضعيفان، وهما: عبد الرحمن بن عثمان بن أمية، وإسماعيل بن مسلم المكي، وضعف الحديث النووي وابن حجر، وقال الألباني:(منكر). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 205، السلسلة الضعيفة (5789).
(6)
كذا في النسخ الخطية: إبراهيم بن يحيى، وصوابه: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى. كما في كتب التراجم.
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 272)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (6213)، وإسناده ضعيف جدًّا، إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي متروك كما في التقريب، وتنظر ترجمته في التهذيب 1/ 158.
وهل يَجلِس عُقَيب صعوده إلى المنبر؛ ليستريح كما هو الأظهر، والمنصوص عن أحمد
(1)
والشَّافعيِّ في «الأمِّ»
(2)
، أوْ لا؛ لأنَّ الجلوس في الجمعة لموضع الأذان؟ فيه وجهان.
ويُسنُّ أن (يَسْتَفْتِحَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ)؛ لما روى سعيدٌ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: «يكبِّر الإمام يوم العيد قبل أن يَخطُب تسع تكبيراتٍ، وفي الثَّانية: سبع تكبيراتٍ»
(3)
، والتَّكبير في الأولى نسَقًا وفاقًا
(4)
.
وظاهر كلامه: جالسًا. وقيل: قائمًا؛ كسائر أذكار الخطبة.
وظاهره: أنَّه يبدأ بالتَّكبير في الثَّانية؛ كالأولى. وعنه: بعد فراغها، اختاره القاضي.
قال أحمد: قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: «إنَّه من السُّنَّة» .
وقيل: التَّكبيرات شرطٌ.
واختار الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه يفتتحها بالحمد
(5)
؛ لأنَّه لم يُنقل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم افتتح خطبةً بغيره.
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 18.
(2)
ينظر: الأم 1/ 272.
(3)
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 273)، وعبد الرزاق (5673)، والبيهقي (6216)، وعبيد الله من التابعين الثقات، وضعفه النووي والألباني. ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 838، السلسلة الضعيفة 12/ 636.
(4)
ينظر: البناية شرح الهداية 3/ 118، شرح التلقين 1/ 1086، البيان 2/ 644، المغني 2/ 286.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 393.
(يَحُثُّهُمْ فِي خُطْبَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّدَقَةِ)؛ لقوله عليه السلام: «أَغْنُوهم
(1)
عن السُّؤالِ في هذا اليومِ»
(2)
.
(وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مَا يُخْرِجُونَ)؛ أي: من جِنسها، وقدرِها، ووجوبِها، ووقتِها.
(وَيُرَغِّبُهُمْ فِي الْأَضْحَى)؛ لقوله عليه السلام لفاطمة
(3)
: «قومي إلى أضحيتك فاشهديها
(4)
؛ فإنَّ لكِ بأوَّلِ قطرةٍ من دمِها أن يُغفَرَ لك ما قد سلفَ من ذنوبكِ»
(5)
، وعن زيد بن أرقمَ: قال أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ما هذه الأضاحي؟ قال: «سنَّةُ أبيكم إبراهيم» ، قالوا: فما لنا فيها؟ قال: «بكلِّ شعرةٍ حسنةٌ» ، قالوا: والصُّوف؟ قال: «بكلِّ شعرةٍ
(6)
حسنةٌ»، قال الحاكم: صحيحُ الإسناد
(7)
.
(1)
زيد في (ب): بها.
(2)
أخرجه الدارقطني (2133)، والبيهقي في الكبرى (7739)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو حديث ضعيف في سنده أبو معشر نجيح، وهو ضعيف، بل قال البخاري:(منكر الحديث)، ضعف الحديث جماعة. ينظر: البدر المنير 5/ 620، الإرواء 3/ 332.
(3)
قوله: (لفاطمة) سقط من (ب) و (و).
(4)
في (أ) و (ب): واشهديها.
(5)
أخرجه الروياني في مسنده (138)، والحاكم (7524)، والبيهقي في الكبرى (19162)، في إسناده أبو حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية، قال أحمد وابن معين:(ليس بشيء)، وقال الذهبي:(أبو حمزة الثمالي ضعيف جدًّا)، وقال ابن حجر:(قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه: "إنه حديث منكر"، ورواه الحاكم أيضًا، والبيهقي من حديث علي، وفيه عمرو بن خالد الواسطي، وهو متروك). ينظر: نصب الراية 4/ 219، البدر المنير 9/ 313، التلخيص الحبير 4/ 353.
(6)
هكذا في الأصل وباقي النسخ، والذي في المستدرك:«فكل شعرة من الصوف حسنة» .
(7)
أخرجه أحمد (19283)، وابن ماجه (3127)، والطبراني في الكبير (5075)، والحاكم (3467)، وفي سنده عائذ الله المجاشعي، قال البخاري:(لا يصح حديثه)، وقال أبو حاتم:(منكر الحديث)، وقال الألباني:(موضوع). ينظر: البدر المنير 9/ 274، السلسلة الضعيفة (527).
(وَيُبَيِّنُ لَهُمْ حُكْمَ الْأَضْحِيَّةِ)؛ لأنَّه ثبت أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذكر في خُطبة
(1)
الأضحى كثيرًا من أحكامها من
(2)
رواية أبي سعيدٍ والبَراء وجابِرٍ وغيرهم
(3)
.
(والتَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ، وَالذِّكْرُ بَيْنَهُمَا
(4)
؛ سنَّةٌ في الأشهر؛ لأنَّه ذكرٌ مشروعٌ بين التَّحريمة والقراءة، أشبه الاستفتاح، فعلى هذا: إن نسيه فلا سجود للسَّهو في الأصحِّ.
وعنه: شرطٌ للصَّلاة.
وفي «الرَّوضة» : إن نسي التَّكبيراتِ الزَّوائدَ؛ أتمَّ ولم تَبطُل، وساهيًا لا يلزمه سجود؛ لأنَّها هَيْئةٌ، وفيه نظرٌ.
(وَالخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ)؛ لما روى عطاءٌ عن عبد الله بن السَّائب قال: شهدت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم العيدَ، فلمَّا قضى الصَّلاة قال:«إنَّا نَخطُبُ، فمن أحبَّ أن يجلسَ للخُطبةِ فليجلس، ومن أحبَّ أن يذهبَ فليذهب» رواه ابن ماجه، وإسنادُه ثقاتٌ، وأبو داود والنَّسائي، وقالا:(مرسَل)
(5)
، ولو وجبت لوجب حضورها واستماعها؛ كخطبة الجمعة.
(1)
في (ب) و (و): خطبته.
(2)
في (د) و (و): في.
(3)
أما حديث أبي سعيد رضي الله عنه فأخرجه مسلم (1973)، وأما حديث البراء رضي الله عنه فأخرجه البخاري (5545)، ومسلم (1961)، وأما حديث جابر رضي الله عنه فأخرجه مسلم (1964).
(4)
زيد في (و): لأنه.
(5)
أخرجه أبو داود (1155)، والنسائي (1571)، وابن ماجه (1290)، والدارقطني (1738)، من طريق الفضل بن موسى السيناني، عن ابن جريج، عن عطاء به، ورجح إرساله ابن معين وأحمد وأبو زرعة وغيرهم، وقالوا:(أخطأ فيه الفضل)، وقد خالفه سفيان الثوري وعبد الرزاق وهشام بن يوسف، فرووه عن ابن جريج، عن عطاء مرسلاً، قال ابن معين:(وصلُه خطأٌ من الفضل، وإنما هو عن عطاء مرسلاً)، وصححه ابن خزيمة والحاكم، ورجح ابن التركماني والألباني وصله، وأن الفضل بن موسى ثقة، وزيادته مقبولة. ينظر: فتح الباري لابن رجب 9/ 48، الإرواء 3/ 96.
وذكر القاضي وابن عقيل: أنَّهما شرط
(1)
.
فائدة: السُّنَّة لمن حضر العيد من النِّساء؛ حضور الخطبة، وأن يَنفرِدْن بموعظةٍ إذا لم يَسمعن خطبة الرِّجال، وفي «نهاية أبي المعالي»: إذا فرغ فرأى قومًا لم يسمعوها؛ استُحبَّ إعادةُ مقاصدها لهم؛ لفعله عليه السلام
(2)
، فدلَّ على استحبابه في حقِّ النِّساء، والمراد: مع عدم خوف فتنةٍ.
(وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِهَا)، وهو مكروهٌ، نَصَّ عليه
(3)
؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «خرجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم عيد، فصلَّى ركعتين، لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما» متَّفقٌ عليه
(4)
، قال أحمدُ: لا أرى الصَّلاة، وفي «المستوعب» وغيره: لا يُسنُّ، وفي «المحرَّر»: لا سنَّةَ لها قبلَها ولا بعدَها، وفيه نظرٌ.
وقيل: يصلِّي تحيَّة المسجد، واختاره أبو الفرَج، وجزم به في «الغُنية» ، وهو أظهر.
وظاهره: جواز فعل الصَّلاة بعدها في غير موضعها، ونَصَّ عليه.
ورَوى حربٌ عن ابن مسعودٍ: «أنَّه كان يصلِّي يوم العيد إذا رجع إلى منزله أربع ركعاتٍ» ، واحتجَّ به إسحاقُ
(5)
، فلو فارق موضعَها، ثمَّ عاد بعد
(1)
في (أ): سنة.
(2)
أخرجه البخاري (304)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، ومسلم (885)، من حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 95، مسائل أبي داود ص 87، مسائل ابن منصور 2/ 766.
(4)
أخرجه البخاري (989)، ومسلم (884)، واللفظ للبخاري.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (5620)، وابن أبي شيبة (5752)، والطبراني في الكبير (9530)، وابن المنذر في الأوسط (2142)، عن الشعبي، عن ابن مسعود رضي الله عنه، والشعبي لم يسمع منه كما قال أبو حاتم والدارقطني، وصحح العجلي مراسيل الشعبي. ينظر: تهذيب التهذيب 5/ 67.
الصَّلاة؛ لم يكره التَّنفُّل، نَصَّ عليه
(1)
.
فرعٌ: يُكرَه قضاءُ فائتةٍ موضع العيد قبل مفارقتِه، نَصَّ عليه
(2)
؛ لئلاَّ يُقتدى به.
(وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ؛ صَلَّى مَا فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ) نصَّ عليه
(3)
؛ لعموم قوله عليه السلام: «ما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتكم فاقضوا»
(4)
، ولأنَّها أصلٌ بنفسها، فتدرك بإدراك التَّشهُّد كسائر الصَّلوات.
وقال القاضي: يُصلِّي أربعًا كالجمعة.
وإذا أدرك معه ركعةً؛ قضى أخرى، وكبَّر فيها ستًّا زوائدَ أو خمسًا، على الخلاف.
وظاهر المذهب: أنَّ المسبوق في القضاء يراعي مذهبه في التَّكبير؛ لأنَّه في حكم المنفرِد في القراءة والسَّهو، فكذا في التَّكبير.
وعنه: بمذهب إمامه؛ لئلاَّ يكبِّر في الركعتين عددًا يخالف
(5)
الإجماع في الأصل، وكمأمومٍ.
وكذا إن فاته ركعةٌ أو ركعتان بنومٍ أو غفلةٍ.
(وَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ؛ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى صِفَتِهَا)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ، وهو الأصحُّ؛ لفعل أنسٍ
(6)
، ولأنَّه قضاء صلاةٍ، فكان على صفتها كسائر الصَّلوات.
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 17.
(2)
ينظر: المغني 2/ 288.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 87، زاد المسافر 2/ 271.
(4)
أخرجه بهذا اللفظ أحمد (7250)، وأبو داود (572، 573)، والنسائي (861)، وتفرد ابن عيينة بذكر لفظة:«فاقضوا» ، ونقل البيهقي عن مسلم قوله:(لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزهري غير ابن عيينة)، ثم قال مسلم:(أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة). ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 3/ 422.
(5)
في (أ): بخلاف.
(6)
تقدم تخريجه 3/ 13 حاشية (4).
وظاهره: متى شاء. وعند ابن عقيل: قبل الزَّوال، وإلاَّ من الغد.
وعنه: إن قضى جماعةً كبَّر، ولا يكبِّر المنفرِد.
وقال ابن البناء: إذا قضى ركعتين فهل يكبِّر؟ على وجهين
(1)
.
(وَعَنْهُ: أَرْبَعًا)؛ لقول ابنِ مسعودٍ: «من فاتته الصَّلاة مع الإمام
(2)
يوم العيد فليصلِّ أربعًا» رواه سعيدٌ والأثرم
(3)
، ورويا: «أنَّ عليًّا أمر رجلاً
(4)
يصلِّي بضعَفة النَّاس أربعًا»، واحتجَّ به أحمدُ في روايةٍ الأثرم
(5)
، وكقضاء الجمعة بلا تكبير؛ لأنَّه إنَّما يُصلِّي تطوُّعًا، فكان
(6)
على صفته، بسلام كالظهر. وعنه: أو بسلامين.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ)؛ لأنَّه تطوُّعٌ بالنَّهار، فكان مخيَّرًا فيه كالمطلق، ولأنَّ كلًّا قد جاء الأثر به عن الصَّحابة، ولا مرجِّح، فكان له فعل ما شاء، فإن خرج وقتها؛ فكالسُّنن في القضاء.
مسألة: يجوز استخلافُه للضَّعَفة، وفي صفة صلاة الخليفة الخلاف، وأيُّهما سبق سقط به الفرض، وضحَّى، وتنويه
(7)
المسبوقة
(8)
نفلاً.
(1)
في (ز): روايتين.
(2)
قوله: (مع الإمام) سقط من (أ).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (5713)، وابن أبي شيبة (5799)، والفريابي في أحكام العيدين (ص 207)، والطبراني في الكبير (9532)، وابن المنذر في الأوسط (2186)، والمحاملي في صلاة العيدين (131)، وهو من رواية الشعبي عن ابن مسعود، ولم يسمع منه، وصحح العجلي مراسيل الشعبي، واحتج أحمد بالأثر فيما نقله أحمد بن القاسم. ينظر: فتح الباري لابن رجب 9/ 78، تهذيب التهذيب 5/ 67.
(4)
زاد في (أ): (أن).
(5)
ينظر: المغني 2/ 290، وتقدم تخريج الأثر 3/ 15 حاشية (4).
(6)
في (أ): وكان.
(7)
في (أ): ولنومه، وفي (د) و (و): ويتنويه.
(8)
في (د) و (و): للسوقة.
(وَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ فِي لَيْلَتَيِ الْعِيدَينِ)، خصوصًا في الفطر، وهو آكد من الأضحى، نَصَّ عليه
(1)
، من غروب الشَّمس؛ لقوله تعالى:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البَقَرَة: 185]، قال أحمد:(كان ابن عمر يكبِّر في العيدين جميعًا)
(2)
.
ويجهر به في الخروج إلى المصلَّى فيهما في قول الأكثر.
وهو ممتدٌّ إلى فراغ الإمام من
(3)
خطبته؛ لأنَّ شعار العيد لم يَنْقَضِ، فسُنَّ كما في حال الخروج.
وعنه: إلى خروج الإمام إلى الصَّلاة؛ لفعل ابن عمر، رواه الشَّافعيُّ والدَّارَقُطْنيُّ
(4)
.
وعنه: إلى وصوله المصلَّى؛ لأنَّ التَّكبير في الخروج هو الذي اتَّفقت عليه الآثارُ، وما بعده ليس فيه نَصٌّ ولا إجماعٌ.
(وَفِي الْأَضْحَى) يُسنُّ فيه المطلَق في عشر ذي الحجَّة، ولو لم يرَ بهيمة الأنعام، ويرفع صوته، قاله أحمد
(5)
، والمراد: لغير أنثى.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 94.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله 1/ 129، مسائل ابن هانئ 1/ 94.
أخرجه الحاكم (1106)، والدارقطني (1716)، والفريابي في أحكام العيدين (46)، والبيهقي في الخلافيات (2874)، عن نافع:«أن ابن عمر كان يخرج إلى العيدين من المسجد، فيكبر حتى يأتي المصلَّى، ويكبر حتى يأتي الإمام» ، ولا بأس بإسناده، وأخرجه الشافعي في الأم (1/ 265)، وابن أبي شيبة (5619)، عن نافع بلفظ:«كان يغدو يوم العيد، ويكبر ويرفع صوته، حتى يبلغ الإمام» .
وروى الفريابي (41)، عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا:«نعم، كان عبد الله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام» ، وإسناده صحيح.
(3)
في (أ) و (ب): في.
(4)
تقدم تخريجه قريبًا.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 211.
وأيَّام العشر: الأيَّام المعلومات. وأيَّام التَّشريق: المعدودات.
(يُكَبِّرُ عُقَيبَ كُلِّ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ)، هذا هو المذهب؛ «لأنَّ ابن عمر كان لا يكبِّر إذا صلَّى وحدَه»
(1)
، وقال ابن مسعود:«إنَّما التَّكبير على من صلَّى في جماعة» رواه ابن المنذر
(2)
، ولأنَّه ذِكرٌ مختصٌّ بوقت العيد، فاختصَّ بالجماعة كالخطبة.
فيكبِّر الإمام إلى القبلة كغيره، والأشهر يُقبِل على النَّاس ثمَّ يكبِّر؛ لفعله عليه السلام
(3)
، ولأنَّه أقرب إلى المحافظة. وقيل: يُخيَّر.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ)، قدَّمه في «التَّلخيص» وغيره؛ للعموم، ولأنَّه ذِكرٌ مشروعٌ للمسبوق، أشبه التَّسليمة الثَّانية.
(مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إِلَى) بعدِ صلاة (الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)؛ لما روى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا صلَّى الصُّبحَ يومَ عرفةَ أقبلَ علينا فقال: "الله أكبرُ"، ومدَّ التَّكبيرَ إلى آخر أيَّامِ التَّشريق» رواه الدَّارقُطْنيُّ من رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفي، وهما ضعيفان
(4)
، قيل لأحمد
(5)
: بأيِّ حديث تذهب في ذلك؟ قال: (بالإجماع: عمرَ، وعليٍّ، وابن عبَّاسٍ، وابن مسعود)
(6)
، ولأنَّ الله تعالى أمر بالذِّكر في الأيَّام المعدودات؛ وهي أيَّامٌ
(1)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2212)، والطبراني في الكبير (13074)، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2213)، وإسناده جيد.
(3)
سيأتي تخريجه في الحاشية التالية.
(4)
أخرجه الدارقطني (1737)، والبيهقي في الكبرى (6278)، وهو حديث ضعيف جدًّا، فيه عمرو بن شمر وهو متروك الحديث، وجابر الجعفي وهو ضعيف، قال ابن الجوزي:(هذا حديث لا يثبت)، وقال الألباني:(سنده واه جدًّا). ينظر: التحقيق 1/ 513، الإرواء 3/ 124.
(5)
في (و): قال أحمد.
(6)
ينظر: العدة في الأصول للقاضي 4/ 1170.
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (5635)، والحاكم (1112)، وابن المنذر في الأوسط (2200)، والبيهقي في الكبرى (6273)، وإسناده ضعيف، فيه الحجاج بن أرطاة، وقد أنكره يحيى القطان كما نقل البيهقي.
وأثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (5631)، وعبد الله بن أحمد في مسائله (ص 129)، وابن المنذر في الأوسط (2201)، والحاكم (1113)، والطبراني في فضل عشر ذي الحجة (35)، والبيهقي في الكبرى (6275)، وإسناده حسن.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (5646)، ومسدد كما في المطالب العالية (757)، والدولابي في الكنى (687)، والحاكم (1114)، وابن المنذر في الأوسط (2202)، والبيهقي في الكبرى (6276)، وإسناده صحيح.
وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (5633)، وابن المنذر في الأوسط (2204)، وإسناده صحيح.
يُرمى فيها، أشبهت
(1)
يوم النَّحر.
وعنه: يكبر من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر التشريق، روي عن زيد بن ثابت
(2)
، والزهري.
وعنه: من ظهر يوم النحر
(3)
إلى صلاة الفجر آخر أيَّام التَّشريق، روي عن عثمان، رواه سعيدٌ
(4)
.
قال النَّوويُّ: (القولُ الأوَّل هو الرَّاجح، وعليه العمل في الأمصار)
(5)
.
وظاهر ما سبق: أنَّه لا يكبِّر في الفطر عَقب
(6)
الفرائض؛ لعدم نقلِه
(7)
،
(1)
في (و): فأشبهت.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (5636، 5637)، عن رجل من أهل الشام عن زيد، وإسناده ضعيف بهذا المبهم، وأخرجه الدارقطني (1740)، ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (2926)، بإسناد آخر مداره على الواقدي، وهو متروك.
(3)
قوله: (وعنه: يكبر من ظهر يوم النحر) إلى هنا سقط من (أ).
(4)
أخرجه الدارقطني (1743)، ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (2930)، ومداره على الواقدي وهو متروك.
(5)
ينظر: شرح مسلم 6/ 180.
(6)
في (د) و (و): عُقَيْب.
(7)
في (ب) و (ز): فعله.
وفيه وجهٌ، وجزم به في «التَّلخيص» ، ولا عقِب نافلةٍ، ولو صُلِّيت جماعةً.
(إِلاَّ المُحْرِمَ؛ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) إلى عصر آخر أيَّام التَّشريق؛ لأنَّه قبل ذلك مشغولٌ بالتَّلبية.
والجهر به مسنونٌ إلاَّ في حقِّ النِّساء، وتأتي به
(1)
؛ كالذِّكر عقب الصَّلاة.
وعنه: تكبر
(2)
تَبَعًا للرِّجال فقط.
وعنه: لا تكبِّر
(3)
كالأذان، وحمله القاضي على الجهر.
والمسافر كالمقيم، ولو لم يأتمَّ بمقيم، والمميِّز كالبالغ.
فرع: إذا فاتته صلاةٌ من أيَّام التَّشريق فقضاها فيها من عامه؛ كَبَّر؛ لأنَّها مفروضةٌ فيه، ووقت التَّكبير باقٍ.
وإن قضاها في غيرها؛ لم يكبِّر؛ كالتَّلبية. وفيه وجهٌ: بلى؛ كالدُّعاء.
وإن فاتته
(4)
من غيرها، فقضاها فيها؛ كبَّر في روايةٍ، ذكره المؤلِّف. وعنه: لا يكبِّر؛ كبَعْدِ أيَّامِها؛ لأنَّها سنَّةٌ فاتَ وقتُها.
فائدةٌ: سُمِّيت أيَّام التَّشريق؛ من تشريق
(5)
اللَّحم، وهو تقديدُه، وقيل: من قولهم: أشْرِقْ ثَبِير، وقيل: لأنَّ الهدي لا يُنحر حتى تُشرِق الشَّمس، وقيل: هو التَّكبير دُبُر الصَّلوات، وأنكره أبو عُبَيدٍ
(6)
.
(فَإِنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ؛ قَضَاهُ) مكانَه ويعود، فيجلس من قام أو ذهب؛ لأنَّ فعله جالسًا في مصلاَّه سنَّةٌ، فلا تُترك مع إمكانها.
(1)
قوله: (وتأتي به) سقط من (أ)، وفي (و): يأتي.
(2)
قوله: (يكبر) سقط من (أ).
(3)
في (د) و (ز) و (و): لا يكبر.
(4)
في (و): كاتبه.
(5)
في (أ): لتشريق.
(6)
ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 3/ 453.
وقال جماعةٌ: إن كبَّر ماشيًا فلا بأس، قال المؤلِّف: هو أقيس؛ كسائر الأذكار.
وظاهره: أنَّه يأتي به ولو طال الفصل، والمذهب: يُكره.
(مَا لَمْ يُحْدِثْ)؛ لأنَّه مُبطِل للصَّلاة، والذِّكر تابعٌ لها بطريق الأَوْلى
(1)
، (أَوْ يَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ)؛ لأنَّه سنَّةٌ فات محلُّها، وقيل: أو يتكلَّم؛ لأنَّه شرع عقيبها، فنافاه ما ينافيها
(2)
.
والوجه الثَّاني: يأتي به كالتَّلبية والدُّعاء، وأطلقهما في «الفروع» .
فإن نسيه الإمام؛ كبَّر المأموم ليُحرِز الفضيلة، بخلاف سجود السَّهو؛ لأنَّه من الصَّلاة، ففي الانفراد به ترك المتابعة.
وإذا سلَّم وعليه سجود سهوٍ؛ أتى به ثمَّ كبَّر؛ لأنَّه من تمام الصَّلاة.
تنبيهٌ: فإن اجتمع عليه تلبيةٌ وتكبيرٌ؛ فإن لم يرمِ جمرة العقبة حتَّى صلَّى الظُّهر يوم النَّحر؛ كبَّر ثمَّ لبَّى، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّ التَّكبير مشروعٌ مثله في الصَّلاة، فكان
(4)
أشبه بها.
والمسبوق ببعض الصَّلاة؛ يقضي ما فاته ثمَّ يكبِّر، نَصَّ عليه
(5)
؛ كالذِّكر والدُّعاء.
(وَفِي التَّكْبِيرِ عُقَيْبَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجْهَانِ):
أحدهما: لا يكبِّر، قال
(6)
أبو الخطَّاب: هو ظاهر كلام أحمد، وقدَّمه
(1)
في (أ): أولى.
(2)
قوله: (ما ينافيها) سقط من (أ).
(3)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 22، الفروع 3/ 215.
(4)
في (أ) و (و): وكان.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 93. وقوله: (لأن التَّكبير مشروع مثله في الصَّلاة) إلى هنا سقط من (و).
(6)
في (أ) و (ز): وقال.
في «الفروع» ، وقال:(في الفطر إن قيل فيه مقيَّد، نقله الجماعة)
(1)
؛ لأنَّ الأثر إنَّما جاء في المكتوبات.
والثَّاني: يكبِّر، اختاره أبو بكر وأبو الوفاء
(2)
، وقال: هو الأشبه بالمذهب، وفي «الشَّرح»: أنَّه الأَولى؛ لأنَّها مفروضةٌ مؤقَّتةٌ تسنُّ لها الجماعة كالمكتوبة، وخصَّه في «الكافي» بِعِيد الفطر
(3)
.
(وَصِفَةُ التَّكْبِيرِ شَفْعًا: الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ
(4)
، لَا إِلَهَ إِلاَّ الله، والله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ
(5)
، ولِله الْحَمْدُ)؛ لأنَّه عليه السلام كان يقول كذلك، رواه الدَّارَقُطنيُّ
(6)
، وقاله عليٌّ
(7)
، وحكاه ابن المنذر عن عمر
(8)
، قال أحمد: اختياري تكبير ابن مسعود
(9)
، وذكر مثله، وقال النَّخَعيُّ:«كانوا يكبِّرون كذلك» رواه النجاد
(10)
،
(1)
ينظر: الفروع 3/ 213.
(2)
في (و): العرفاء.
(3)
من هنا سقط من (د).
(4)
قوله: (أكبر) سقطت من الأصل، وهي مثبتة في باقي النسخ الخطية.
(5)
قوله: (الله أكبر) سقطت من (أ).
(6)
سبق تخريجه 3/ 31 حاشية (4).
(7)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2209)، والطبراني في عشر ذي الحجة (39)، وفيه الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف الحديث. وأخرجه ابن أبي شيبة (5632)، والطبراني في عشر ذي الحجة (38)، والبيهقي في الخلافيات (2939)، من طريق آخر، وفيه أبو جناب الكلبي، وهو ضعيف.
(8)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2207)، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف الحديث.
(9)
ينظر: مسائل أبي داود ص 88، زاد المسافر 2/ 275.
أخرجه ابن أبي شيبة (5633)، وأبو يوسف في الآثار (297)، وابن المنذر في الأوسط (2204)، وإسناده صحيح. قال القاضي في التعليق (4/ 89):(وعلى هذا اعتمد أحمد رحمه الله تعالى).
(10)
في (أ): البخاري.
أخرجه ابن أبي شيبة (5650)، والمحاملي في صلاة العيدين (185)، وإسناده صحيح.
ولأنَّه تكبيرٌ
(1)
خارج الصَّلاة له تعلُّقٌ بها، ولا يَختصُّ الحاجَّ، فكان شفعًا كالأذان.
واستحَبَّ ابن هُبَيرة تثليث التكبير أولاً وآخِرًا.
وأمَّا تكريره
(2)
ثلاثًا في وقتٍ واحدٍ فلم أره في كلامهم، ولعلَّه يقاس على الاستغفار بعد الفراغ من الصَّلاة، وعلى قول:«سبحان الملك القدوس»
(3)
بعد الوِتر؛ لأنَّ الله وِتر يحب الوتر.
تَتِمَّاتٌ:
لا بأس قولُه
(4)
لغيره: تقبَّل الله منَّا ومنك، نقله الجماعة
(5)
؛ كالجواب، وقال: لا أبتدئ به
(6)
. وعنه: الكُلُّ حسَنٌ. وعنه: يُكره.
ولا بأس بالتَّعريف عشيَّة عرفة بالأمصار
(7)
، نَصَّ عليه
(8)
، وقال: إنَّما هو دعاءٌ وذكرٌ، قيل: تفعله أنت؟ قال: لا، وأوَّلُ من فعله ابن عبَّاسٍ
(9)
(1)
في (ب) و (ز): يكبر.
(2)
في (أ): تكبيره.
(3)
قوله: (القدوس) سقط من (أ).
(4)
في (ب): بقوله.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 89.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 215.
(7)
كتب على هامش الأصل: (قال الأثرم: سألت أحمد رحمه الله تعالى عن التعريف في الأمصار؛ يجتمع الناس في المساجد يوم عرفة، فقال: أرجو ألا يكون به بأس، قد فعله غير واحد: الحسن وبكرٌ وثابتٌ ومحمد بن واسع، كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة)، وينظر: طبقات الحنابلة 1/ 165.
(8)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 94، زاد المسافر 2/ 272.
(9)
أخرجه عبد الرزاق (8122)، وابن أبي شيبة (14266)، وابن سعد في الطبقات (2/ 367)، عن الحسن قال:«أول من عَرَّف بأرضنا ابن عباس» ، قال ابن المديني:(الحسن لم يسمع من ابن عباس وما رآه قط، كان الحسن بالمدينة أيام كان ابن عباس بالبصرة)، وكذا قال غيره. ينظر: العلل لابن المديني ص 51، المراسيل لابن أبي حاتم ص 33.
وعمرو بن حُرَيثٍ
(1)
.
وعنه: يُستحَبُّ، ذكرها الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين
(2)
.
ومن تولى صلاة العيد؛ أقامها كل عام، لأنَّها راتبة، ما لم يمنع منها، بخلاف كسوف واستسقاء، ذكره القاضي
(3)
وغيره.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (14267)، عن موسى بن أبي عائشة قال:«رأيت عمرو بن حريث يخطب يوم عرفة وقد اجتمع الناس إليه» ، وسنده صحيح.
(2)
ينظر: جامع المسائل المجموعة الخامسة 1/ 365، قال رحمه الله تعالى:(ومع هذا فلم يستحبه أحمد، وكان هو نفسه لا يعرف ولا ينهى من عرَّف. وقد قيل عنه: إنه يستحب).
(3)
قوله: (ومن تولى صلاة العيد أقامها كل عام) إلى هنا سقط من (أ).
(بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفِ)
يقال: كسَفت بفتح الكاف، وضمِّها، ومثله خسفت، وقيل: الكسوف للشَّمس، والخسوف للقمر، وقيل: عكسه؛ وهو مردودٌ بقوله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)} [القِيَامَة: 8]، وقيل: الكسوف في أوَّله، والخسوف في آخره، وقيل: الكسوف بذهاب
(1)
بعض ضوئه والخسوف لذهاب كلِّه.
وفعلها ثابِتٌ بالسُّنَّة المشهورة، واستنبطها بعضهم من قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فُصّلَت: 37].
(وَإِذَا كَسَفَتِ
(2)
الشَّمْسُ أَوِ الْقَمَرُ
(3)
استعمله فيهما؛ (فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلَاةِ)، هي سنَّةٌ مؤكَّدةٌ، حكاه ابن هُبيرة والنَّوويُّ إجماعًا
(4)
، وقد مرَّ؛ لقوله عليه السلام:«إنَّ الشَّمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ الله، لا يُخسفانِ لموتِ أحدٍ، ولا لحياتِهِ، فإذا رأيتُمْ ذلك فصلُّوا» متَّفقٌ عليه
(5)
، فأمر بالصَّلاة لهما أمرًا واحدًا، وروى أحمد معناه، ولفظه:«فافزعوا إلى المساجدِ»
(6)
، وروى
(1)
في (ز): لذهاب.
(2)
في (أ): خسفت.
(3)
في (و): والقمر.
(4)
ينظر: الإفصاح 1/ 187، المجموع للنووي 5/ 44.
(5)
أخرجه البخاري (1041)، ومسلم (911)، من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (8299)، وأحمد (6483)، وابن حبان (2829)، من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وعطاء بن السائب صدوق اختلط، وسماع ابن فضيل منه بعد الاختلاط، لكن تابعه سفيان وشعبة وغيرهما، وعلقه البخاري مختصرًا بصيغة التمريض (2/ 65)، وأخرجه أحمد (23629)، من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، قال الهيثمي:(رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح). ينظر: مجمع الزوائد 2/ 207، تغليق التعليق 2/ 446.
الشَّافعيُّ من رواية إبراهيم بن أبي يحيى: إنَّ القمرَ خُسِفَ، وابنُ عبَّاسٍ أمير على البصرة، فخرج فصلَّى بالنَّاس ركعتين، في كلِّ ركعةٍ ركعتين، وقال:«إنَّما صلَّيتُ كما رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي»
(1)
.
وهو شامِلٌ للحضر والسفر، والرِّجال والنِّساء، وإن حضرها غير ذوي الهيئات مع الرِّجال فحسَنٌ، وكذا للصِّبيان حضورها، واستحبَّه ابن حامدٍ لهم، ولعجائز
(2)
؛ كجمعة وعيدٍ.
(جَمَاعَةً) في جامع أفضل؛ لقول عائشة: «خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبَّر، وصفَّ النَّاسَ وراءه» متَّفقٌ عليه
(3)
، ولما فيه من المبادرة بها؛ لخوف فوتها بالتَّجلِّي.
وعنه: بالمصلَّى أفضل.
(وَفُرَادَى)؛ لأنَّها نافلةٌ ليس من شرطها الاستيطان، فلم يشترط لها الجماعة؛ كالنَّوافل.
(بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وغَيْرِ
(4)
إِذْنِهِ)؛ لأنَّها نافلةٌ، وإذنه ليس شرطًا فيها، وكصلاتها منفردًا.
وعنه: بلى؛ كالعيد.
(وَيُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةَ جَامِعَةً)؛ «لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث مُناديًا فنادَى: الصَّلاةَ
(1)
أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 78)، والبيهقي في السنن الكبرى (6358)، وفي سنده إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، وهو متروك، وهو من رواية الحسن ابن عباس، ولم يسمع منه. ينظر: جامع التحصيل للعلائي (ص 163).
(2)
في (ب) و (ز): وكعجائز.
(3)
أخرجه البخاري (1046)، ومسلم (901).
(4)
في (أ): غير.
جامِعةً» متَّفقٌ عليه
(1)
، والأوَّلُ منصوبٌ على الإغراء، والثَّاني على الحال، وفي «الرِّعاية»: برفعهما ونصبهما.
ووقتها
(2)
: من حين الكسوف إلى الانجلاء، ولا تُقضَى؛ كاستسقاءٍ وتحيَّةِ مسجدٍ.
(فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً طَوِيلَةً) من غير تعيينٍ، وذكر جماعةٌ
(3)
: أنَّه يقرأ قدر سورة البقرة، أو
(4)
هي، (وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ) على الأصحِّ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي كُسُوفِ الشَّمس.
(ثُمَّ يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلاً) من غير تقديرٍ، وقال القاضي، وجزم به في «التَّلخيص» وغيره: إنَّه بقدر مائة آيةٍ، وقال ابن أبي موسى: بقدر مُعظَم القراءة، وقيل: نصفها.
(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُسَمِّعُ وَيُحَمِّدُ
(5)
كغيرها، (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً، وَيُطِيلُ؛ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ)، قيل: كمعظمها، (ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ؛ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ)، نسبته إلى القراءة كنسبة الأوَّل منها.
(ثُمَّ يَرْفَعُ)، وظاهره: من غير إطالةٍ، (ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ) في الأصحِّ، وقيل: يُطيله كالرُّكوع، وقيل: وكذا الجلوس بينهما، وظاهره: أنَّه لا يطيله، وصرَّح به ابن عقيل والأكثر؛ كما لا يطيل القيام عن ركوع يسجد بعده، وحكاه القاضي عياض إجماعًا
(6)
؛ لعدم ذكره في الرِّوايات
(7)
، وانفرد
(1)
أخرجه البخاري (1051)، ومسلم (910)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
(2)
في (و): ووقتهما.
(3)
كتب على هامش (و): (قلت: منهم الشارح).
(4)
زيد في (ز): لو.
(5)
قوله: (ويحمد) سقط من (و).
(6)
ينظر: شرح مسلم للنووي 6/ 206.
(7)
في (و): الزيادات.
أبو الزُّبَير عن جابر مرفوعًا بإطالته
(1)
، فيكون فعَلَه مرَّة ليبيِّن الجوازَ، أو أطاله قليلاً ليأتيَ بالذِّكر الوارد فيه.
والأصل فيه: ما روت عائشةُ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قام في خسوف الشمس، فاقترأ
(2)
قراءةً طويلةً، ثمَّ كبَّر فركع
(3)
ركوعًا طويلاً، ثمَّ رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده ربَّنا ولك الحمد، ثمَّ قام فاقترأ
(4)
قراءةً طويلةً هي أدنى من القراءة الأولى، ثمَّ كبَّر فركع ركوعًا هو أدنى من الرُّكوع الأوَّل، ثمَّ سمَّع وحمَّد، ثمَّ فعل في الرَّكعة الآخِرة مثل ذلك، حتَّى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشَّمسُ قبل أن ينصرف» متَّفقٌ عليه
(5)
، وقال ابنُ عبَّاسٍ:«خُسِفَتِ الشَّمسُ، فقام النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قيامًا طويلاً نحوًا من سورة البقرة»
(6)
، وفي حديث أسماء:«ثمَّ سجدَ فأطالَ السُّجود»
(7)
، وفي حديث عائشة:«أنَّه جهرَ بقراءته» .
قال ابن عبد البر
(8)
: هذا أصحُّ ما في الباب، وباقي الرِّوايات معلَّلةٌ ضعيفةٌ، وقال أحمد: أصحُّ حديث في الباب حديثُ ابنِ عبَّاسٍ وعائشةَ
(9)
.
(1)
أخرجه مسلم (904)، ورجح النووي شذوذها، وتعقبه ابن حجر بما أخرجه أحمد (6763)، وابن خزيمة (1393)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ولفظ ابن خزيمة:«ركع فأطال الركوع حتى قيل: لا يرفع، ثم رفع رأسه فأطال القيام حتى قيل: لا يسجد» . ينظر: شرح النووي على مسلم 6/ 206، الفتح لابن حجر 2/ 539.
(2)
في (و) و (ز): فقرأ.
(3)
في (أ): وركع.
(4)
في (ز): فقرأ.
(5)
أخرجه البخاري (1046)، ومسلم (901).
(6)
أخرجه البخاري (1052)، ومسلم (907).
(7)
أخرجه البخاري (1053)، ومسلم (906).
(8)
قوله: (البر) سقط من (أ). ينظر: التمهيد 3/ 305.
(9)
ينظر: الممتع لابن المنجى 1/ 577.
(ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الثَّانِيَةِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ)، لكن يكون دون الأُولى في كلِّ ما يفعل فيها، قال القاضي وابنُ عَقِيلٍ: القراءةُ في كلِّ قيامٍ أقصر ممَّا قبله، وكذا التَّسبيح، وذكر أبو الخطَّاب وغيره: قراءة القيام الثَّالث أطول من الثَّاني.
(ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ)؛ لما روى النَّسائي عن عائشةَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تشهَّد ثمَّ سلَّم»
(1)
.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُشرع لها خطبةٌ على المذهب؛ «لأنَّه عليه السلام أمر بها دون الخُطبة» .
وعنه: لها خطبتان، تَجلَّى الكسوف أو لَا، اختاره ابن حامد والسَّامَرِّيُّ، ولم يذكر القاضي نصًّا بعَدَمهما، إنَّما أخذوه من نصِّه:(لا خطبةَ للاستسقاء).
(فَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ فِيهَا؛ أَتَمَّهَا خَفِيفَةً)؛ لقوله عليه السلام في حديث أبي مسعودٍ: «فصلُّوا وادْعوا حتَّى ينكشفَ ما بِكُمْ» متَّفقٌ عليه
(2)
، ولأنَّ المقصودَ التَّجلِّي وقد حصل.
وظاهره: أنَّه لا يَقطعها؛ لكونه منهيًّا عنه، وشُرع تخفيفُها؛ لزوال السَّبب.
وقال القاضي: إن كان بعد الرُّكوع الأوَّل؛ أتمَّها صلاةَ كسوفٍ، وإن كان فيه أو قبله؛ أتمَّها بركوعٍ واحدٍ.
(وَإِنْ تَجَلَّى قَبْلَهَا)؛ لم يصلِّ؛ لقوله عليه السلام: «إذا رأيتُمْ ذلك فافزعوا إلى
(1)
أخرجه النسائي (1497)، وابن حبان (2842)، من رواية عبد الرحمن بن نمر، عن الزهري، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه البخاري معلقًا (1066)، ومسلم مختصرًا (901)، من غير ذكر التشهد والتسليم.
(2)
أخرجه البخاري (1041)، ومسلم (911)، من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
الصَّلاةِ حتَّى ينجليَ»
(1)
، فجعله غايةً للصَّلاة، والمقصود منها زوال العارِض، وإعادة النِّعمة بنورهما، وقد حصل.
فإن خفَّ قبلها؛ شرَع فيها وأوجزه
(2)
.
(أَوْ غَابَتْ) الشمس (كَاسِفَةً، أَوْ طَلَعَتْ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ؛ لَمْ يُصَلِّ)؛ لأنَّه ذهب وقت الانتفاع بهما.
وقيل: إن طلعت والقمرُ خاسِفٌ؛ صلَّى، ويعمل بالأصل في بقائه، فلو شكَّ في التَّجلِّي لغَيم، أتمَّها من غير تخفيفٍ، ولو انكشف الغَيم عن بعض النيِّر
(3)
ولا كسوف عليه؛ أتمَّها؛ لأنَّ الباقيَ لا يُعلم حالُه، والأصل بقاؤه.
والأشهر: يصلِّي إذا غاب القمر خاسفًا ليلاً؛ لأنَّه لم يذهب وقت الانتفاع بنوره.
والثاني: لا؛ لغيبوبته كالشَّمس.
وفي منع الصَّلاة له بطلوع الفجر كطلوع الشَّمس وجهان إن فُعلت وقت نهيٍ.
فرعٌ: إذا فرغ منها، ولم يذهب الكسوف؛ لم يُعِدها، بل يذكر ويدعو، ويعمل
(4)
بالأصل في بقائه وذهابه.
وقال ابن حامِدٍ: يُصلِّي ركعتين ركعتين حتَّى ينجليَ؛ لفعله عليه السلام، رواه
(1)
أخرجه البخاري (1060)، من حديث المغيرة رضي الله عنه بلفظ:«فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي» ، وعند أحمد (14762) من حديث جابر رضي الله عنه:«فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى ينجلي» ، وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، لكن الحديث ثابت لشواهده الكثيرة في الصحيحين وغيرها.
(2)
في (ب) و (و): وأوجز.
(3)
في (و): النهي.
(4)
في (ز): أو يعمل.
أبو داود عن النُّعمان بن بشيرٍ
(1)
.
(وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ، أَوْ أَرْبَعٍ؛ فَلَا بَأْسَ
(2)
، وفي «المحرَّر» و «الفروع»: جاز كصلاة الخوف، روى مسلمٌ من حديث جابرٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى ستَّ ركعاتٍ بأربع سَجَدات» ، وعن أُبيِّ بن كعبٍ:«أنَّه صلى الله عليه وسلم صلَّى ركعتين، في كلِّ ركعةٍ خمسَ ركوعاتٍ وسجدتينِ» رواه أبو داود وعبدُ الله بن أحمد
(3)
.
قال المؤلِّف: لا يزيد على أربعٍ؛ لأنَّه لم يَرِد
(4)
، وفيه نظرٌ.
(1)
أخرجه أحمد (18365)، وأبو داود (1193)، والنسائي (1485)، والبيهقي في الكبرى (6335)، من رواية أبي قلابة عن النعمان بن بشير، وإسناده منقطع، فإن أبا قلابة لم يسمع من النعمان، كما قاله ابن معين وغيره، قال البيهقي:(هذا مرسل، أبو قلابة لم يسمعه من النعمان بن بشير، إنما رواه عن رجل عن النعمان، وليس فيه هذه اللفظة الأخيرة)، وصححه النووي، وقال الألباني عن الحديث:(مضطرب الإسناد والمتن). ينظر: الخلاصة 2/ 864، جامع التحصيل للعلائي (ص 211)، الإرواء 3/ 131.
(2)
قوله: (فلا بأس) سقط من (و).
(3)
حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (904)، وحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه: أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (21225)، وأبو داود (1182)، والبيهقي في الكبرى (6326)، وضعفه ابن عبد البر والبيهقي وابن القيم وغيرهم.
ومال إلى تصحيح جميع الروايات جماعةٌ، قال ابن حجر:(وقال ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي وغيرهم من الشافعية: يجوز العمل بجميع ما ثبت من ذلك، وهو من الاختلاف المباح، وقواه النووي في شرح مسلم).
وذهب الشافعي وأحمد والبخاري وغيرهم من الأئمة: إلى أن الصواب أنه صلى ركوعين في ركعتين، قال ابن تيمية:(والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين، وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم، وقد بين ذلك الشافعي، وهو قول البخاري وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه). ينظر: صحيح ابن خزيمة 3/ 317، التمهيد لابن عبد البر 3/ 307، شرح النووي على مسلم 6/ 199، مجموع الفتاوى 1/ 256، زاد المعاد 1/ 436، فتح الباري لابن حجر 2/ 532.
(4)
في (ب) و (و): يزد.
وفي السُّنن: كصلاة النَّافلة.
وعنه: أربع ركوعاتٍ في كلِّ ركعة أفضل.
قال النَّوويُّ: (وبكلِّ نوع قال به بعض الصَّحابة، وحمل بعضهم ذلك على اختلاف حال الكسوف، ففي بعض الأوقات
(1)
تأخَّر الانجلاء، فزاد في عدد الرُّكوع، وفي بعضها أسرع فاقتصر، وفي بعضها توسَّط فتوسط)
(2)
.
واعتُرض عليه: بأنَّ تأخُّر الانجلاء لا يُعلم في الرَّكعة الأولى، وقد اتَّفقت الرِّوايات على أنَّ عدد الرُّكوع في الرَّكعتين سواءٌ.
وقال بعض السَّلف: هو محمولٌ على بيان الجواز في جميعها، قال النَّوويُّ:(وهذا أقوى)
(3)
.
وظاهره: أنَّه لا يجوز الزِّيادة في السُّجود، وصرَّح به في «الفروع» ؛ لأنَّه لم يَرِد.
فرعٌ: الرُّكوع الثَّاني سنَّةٌ، وتُدرَك
(4)
به الرَّكعة في وجهٍ، واختاره
(5)
أبو الوفاء إن صلاَّها الإمامُ بثلاثِ ركوعات؛ لإدراكه مُعظَم الرَّكعة.
(وَلَا يُصَلِّي لِشَيْءٍ مِنْ سَائِرِ الآْيَاتِ)؛ لعدَمِ نَقْله عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، مع أنَّه وُجد في زمانهم انشقاق القمر، وهبوب الرِّياح، والصَّواعق، وروى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا هبَّت ريحٌ شديدةٌ اصفَرَّ لونُهُ، وقال:«اللَّهمَّ اجعلها رياحًا، ولا تجعلها ريحًا»
(6)
؛ لأنَّ الرِّياح نعمة؛ لقوله تعالى: {وَمِنْ
(1)
في (د) و (و): الروايات.
(2)
ينظر: شرح مسلم للنووي 6/ 199.
(3)
ينظر: شرح مسلم للنووي 6/ 199.
(4)
في (أ): يدرك.
(5)
في (د) و (و): واختار.
(6)
أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 81)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (7246)، والبغوي في التفسير (4/ 376)، وفي إسناده راوٍ مجهول وهو شيخ الشافعي قال:(أخبرنا من لا أتهم)، وأخرجه الطبراني من وجه آخر في المعجم الكبير (11533)، وفيه أبو علي الرحبي الحسين بن قيس وهو متروك، واستنكر الحديث الطحاوي، وقال الألباني:(منكر). ينظر: شرح معاني الآثار 2/ 379، السلسلة الضعيفة (5600).
آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الرُّوم: 46].
(إِلاَّ لِلزَّلْزَلَةِ
(1)
، هي رجْفة الأرض واضطرابُها وعدمُ سكونها، (الدَّائِمَةِ) نَصَّ عليه
(2)
؛ لفعل ابن عبَّاسٍ، رواه سعيدٌ والبَيهَقيُّ
(3)
، وروى الشَّافعيُّ عن عليٍّ نحوَه
(4)
، وقال:(لو ثبت هذا الحديث لقُلْنا به)
(5)
.
وعن أحمد
(6)
: يصلِّي لكلِّ آيةٍ، وذكره
(7)
الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين قولَ المحقِّقين من العلماء
(8)
؛ لأنَّه عليه السلام علَّل الكسوفَ بأنَّه آيةٌ
(9)
، وهذه صلاةُ رهبةٍ وخوفٍ، كما أنَّ صلاة الاستسقاء صلاةُ رغبةٍ ورجاءٍ، وقد أمر الله تعالى عباده أن يَدعوه خوفًا وطمَعًا.
وفي «النَّصيحة» : يصلُّون لكلِّ آيةٍ ما أحبُّوا، ركعتين أم أكثر؛ كسائر الصَّلوات، وأنَّه يَخطُب.
(1)
في (أ): الزلزلة.
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 233.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (4929)، وابن أبي شيبة (8333)، وابن المنذر في الأوسط (2922)، والبيهقي في الكبرى (6382)، عن عبد الله بن الحارث:«أن ابن عباس صلى بهم في زلزلة كانت أربع سجدات، فيها ست ركوعات» ، وصححه البيهقي.
(4)
أخرجه الشافعي في الأم (7/ 177)، ومن طريقه البيهقي (6381)، عن علي:«أنه صلى في زلزلة ست ركعات في أربع سجدات: خمس ركعات وسجدتين في ركعة، وركعة وسجدتين في ركعة» ، وضعفه النووي. ينظر: المجموع 5/ 55.
(5)
ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 3/ 477.
(6)
زاد في (أ): (أنه).
(7)
في (أ): ذكره.
(8)
ينظر: الاختيارات ص 126.
(9)
سبق تخريجه 3/ 38 حاشية (5).
تنبيهٌ: تُقدَّم الجنازةُ على الكسوف، ويُقدَّم هو على الجمعة إن أُمن فوتُها أو لم يشرع في خطبتها، وكذا على العيد والمكتوبة مع سعة الوقت في
(1)
الأصحِّ، فإن خاف
(2)
بدأ بالفرض.
وفي تقديم الوتر إن خيف فوتُه، والتَّراويح عليه؛ وجهان، وقيل: إن صُلِّيت التَّراويح جماعةً قُدِّمت؛ لمشقَّة الانتظار.
وإن كَسَفت بعرفةَ؛ صلَّى ثم دفَع.
وإن مُنعت وقتَ نهيٍ؛ ذَكَر ودعا.
وقيل: لا يُتصوَّر كسوفٌ إلاَّ في ثامنِ أو تاسعِ وعشرين، ولا خسوفٌ إلاَّ في إبدار
(3)
القمر، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
.
وردَّه في «الفروع» بما ذكره أبو شامة
(5)
في «تاريخه»
(6)
: (أنَّ القمر خسف ليلة السَّادس عشر من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكسفت الشَّمس في
(7)
غَدِه، والله على كلِّ شيءٍ قديرٌ)، قال:(واتَّضح بذلك ما صوَّره الشَّافعي من اجتماع الكسوف والعيد، واستبعده أهل النِّجامة).
(1)
في (ب) و (ز): على.
(2)
في (ب) و (ز): ضاق.
(3)
في (د): أنوار.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 24/ 257 - 35/ 175.
(5)
في (أ): (ابن شامة)، وفي (ب) و (ز): أبو أسامة.
وهو: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم، شهاب الدين، أبو شامة المقدسي الشافعي، الفقيه المقرئ النحوي، من مصنفاته: مختصر تاريخ ابن عساكر، كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، والباعث على إنكار البدع والحوادث، توفي سنة 665 هـ. ينظر: فوات الوفيات 2/ 269، طبقات الشافعية للسبكي 8/ 165.
(6)
ينظر: الذيل على الروضتين ص 189.
(7)
في (ب) و (ز): من.
وكسفت الشَّمس يوم مات إبراهيم عاشر ربيع الأوَّل
(1)
، قاله غيرُ واحدٍ
(2)
.
ويُستحبُّ العتقُ في كسوفها، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأمره به
(4)
عليه السلام
(5)
، قال في «المستوعب» وغيره: لقادِرٍ، وهو الظَّاهر.
(1)
كتب على هامش الأصل: (في السنة التاسعة من الهجرة، ذكر ذلك جمهور أهل السير).
(2)
منهم الواقدي، قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 24/ 257:(وما يروى عن الواقدي من ذكره: أن إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم العاشر من الشهر وهو اليوم الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف: غلط، والواقدي لا يحتج بمسانيده، فكيف بما أرسله من غير أن يسنده إلى أحد، وهذا فيما لم يعلم أنه خطأ، فأما هذا فيعلم أنه خطأ).
(3)
ينظر: الفروع 3/ 225.
(4)
قوله: (به) سقط من (ب) و (د) و (و).
(5)
أخرجه البخاري (1054)، من حديث أسماء رضي الله عنها قالت:«لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس» .
(بَابُ صَلَاةِ الاِسْتِسْقَاءِ)
هو استفعال من السُّقْيا.
قال القاضي عياض: (الاستسقاء: الدُّعاء بطلب السُّقيا)
(1)
، فكأنَّه قال: باب الصَّلاة لأجل طلب السُّقيا على صفةٍ مخصوصةٍ.
(وَإِذَا أَجْدَبَتِ
(2)
الْأَرْضُ)؛ أي: أصابها الجَدَب، وهو نقيض الخصب، (وَقَحَطَ
(3)
المَطَرُ)؛ أي: احتبس، (فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلَاةِ)، وهي سنَّةٌ مؤكَّدةٌ؛ لقول عبد الله بن زَيد:«خرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَستسقِي، فتوجَّه إلى القبلة يدعو، وحوَّلَ رداءَهُ، ثمَّ صلَّى ركعتين، جهر فيهما بالقراءة» متَّفقٌ عليه
(4)
(5)
.
وظاهره: يُسنُّ حضرًا وسفرًا، جماعةً وفُرادى، والأفضل جماعةً، حتَّى ولو كان القحط في غير أرضهم.
وظاهره: اختصاصُها بالمجدِب، فلو غار ماء عينٍ أو نهرٍ أو نقص وضَرَّ؛ فروايتان.
ولا استسقاء لانقطاع مطرٍ عن أرضٍ غيرِ مسكونةٍ ولا مسلوكةٍ؛ لعدم الضرر.
(وَصِفَتُهَا فِي مَوْضِعِهَا وَأَحْكَامِهَا؛ صِفَةُ صَلَاةِ الْعِيدِ)؛ لأنَّها في معناها. قال ابنُ عبَّاسٍ: «سنَّةُ الاستسقاء سنَّةُ العيدين»
(6)
، فعلى هذا تُسنُّ في
(1)
ينظر: مشارق الأنوار 2/ 228.
(2)
كتب على هامش (د): (أجدبت: بالدال المهملة).
(3)
كتب على هامش الأصل: (الجوهري: والقحط الجدب، وقحط المطر من يقحط قحوطًا إذا احتبس).
(4)
كتب على هامش (و): (قال ابن حجر: الجهر من أفراد البخاري).
(5)
أخرجه البخاري (1024)، ومسلم (894)؛ واللفظ للبخاري، ولم يذكر مسلم الجهر بالقراءة. ينظر: البدر المنير 5/ 141، التلخيص الحبير 2/ 224.
(6)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2223)، والنيسابوري في الزيادات على المزني (135)، والدارقطني (1800)، والحاكم (1217)، والبيهقي في الكبرى (6405)، وفيه محمد بن عبد العزيز، وهو منكر الحديث، وقال الذهبي وابن عبد الهادي عن الأثر:(منكر). ينظر: تنقيح التحقيق للذهبي 1/ 298، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 2/ 609.
الصَّحراء، وأن يصلِّيَ ركعتين، يكبِّر في الأولى سبعًا، وفي الثَّانية خمسًا من غير أذانٍ ولا إقامةٍ؛ لأنَّه عليه السلام لم يُقِمها إلاَّ في الصَّحراء؛ وهي أوسعُ عليهم من غيرها، وقال ابنُ عبَّاسٍ: «صلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ركعتَين كما يُصلِّي في
(1)
العِيدِ»، قال التِّرمذيُّ:(حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ)
(2)
، وعن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمرَ:«أنَّهم كانوا يصلُّون صلاةَ الاستسقاء، يكبِّرون فيها سبعًا وخمسًا» رواه الشَّافعيُّ من رواية إبراهيم بن أبي يحيى
(3)
؛ وهو مرسَلٌ
(4)
، وعن ابنِ عبَّاسٍ نحوُه، وزاد فيه:«وقرأ {سَبِّحِ} [الأعلى: 1]، وفي الثَّانية بِ {الْغَاشِيَةِ}» رواه الدَّارَقُطْنيُّ
(5)
.
(1)
في (د): من.
(2)
أخرجه أحمد (2039)، وأبو داود (1165)، والترمذي (566، 567)، وابن خزيمة (1405)، وابن حبان (2862)، من رواية هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة، عن أبيه، عن ابن عباس، وهشام قال عنه أبو حاتم:(شيخ)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب:(مقبول)، وذكر أبو حاتم أن رواية إسحاق بن عبد الله عن ابن عباس مرسلة، وصحح الحديث جماعة، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان وأبو عوانة وغيرهم، وقال الألباني:(إسناده حسن). ينظر: الجرح والتعديل 2/ 226، البدر المنير 5/ 143، تهذيب التهذيب 11/ 32، صحيح أبي داود 4/ 329.
(3)
في (أ) و (ب) و (د): ابن يحيى.
(4)
أخرجه الشافعي في الأم 1/ 285، قال: أخبرني من لا أتهم عن جعفر بن محمد «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر
…
» فذكره، وإسناده ضعيف، لجهالة شيخ الشافعي، وهو معضل أيضًا، قال الألباني:(هكذا وقع فيه: "جعفر بن محمد"، ليس فيه "عن أبيه"، فهو معضل مع جهالة شيخ الشافعي الذي لم يسم، وقد أسنده من وجه واهٍ فقال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه مثله)، ينظر: الإرواء 3/ 135.
(5)
أخرجه الدارقطني (1800)، والبزار كما في كشف الأستار (659)، والحاكم (1217)، وصححه، وفيه محمد بن عبد العزيز الزهري، قال ابن رجب:(ومحمد بن عبد العزيز الزهري هذا متروك الحديث، لا يحتج بما يرويه)، وقال ابن عبد الهادي:(حديث منكر)، وأخرجه الشافعي في الأم 1/ 285، موقوفًا على ابن عباس بذكر عدد التكبير فقط دون القراءة، وفيه إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، وهو متروك. ينظر: تنقيح التحقيق 2/ 610، فتح الباري 9/ 207،
وعنه: ركعتين كصلاة التَّطوُّع؛ وهي ظاهر «الخِرَقيِّ» ؛ لقول عبد الله بن زيد: «استسقى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وصلَّى ركعتينِ» رواه البخاريُّ
(1)
.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّها مُطلَقةٌ، ورواية ابنِ عبَّاسٍ مقيَّدةٌ.
وقد عُلم أنَّها تُفعل أوَّل النَّهار. وقيل: بعد الزَّوال، وذكره ابن عبد البَرِّ عن جماعةٍ من العلماء
(2)
.
(وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الخُرُوجَ: وَعَظَ النَّاسَ)؛ أي: يُخوِّفهم ويذكِّرهم
(3)
بالخير فيما يُرِقُّ به قلوبَهم، وينصحهم، ويذكِّرهم بالعواقب.
(وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنَ المَعَاصِي
(4)
، وَالخُرُوجِ مِنَ المَظَالِمِ)، وذلك واجبٌ؛ لأنَّ المعاصيَ سببُ القحط، والتَّقوى سبب للبركات؛ لقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعرَاف: 96].
(وَالصِّيَامِ)؛ لأنَّه وسيلةٌ إلى نزول الغيث، وقد رُوي:«دعوةُ الصَّائمِ لا تُرَدُّ»
(5)
، ولما فيه من كسر الشَّهوة وحضور القلب، والتَّذلُّل للرَّبِّ، زاد جماعةٌ: ثلاثةَ أيَّامٍ، وأنَّه يخرج صائمًا.
(1)
أخرجه البخاري (1024)، ومسلم (894).
(2)
ينظر: التمهيد 17/ 175.
(3)
في (ز): نذكرهم.
(4)
قوله: (من المعاصي) سقطت من (أ).
(5)
أخرجه أحمد (8043)، والترمذي (3598)، وحسنه، وابن ماجه (1752)، وابن خزيمة (1901)، وابن حبان (3428)، من طريق أبي مجاهد، عن أبي مدلة، عن أبي هريرة، وأبو مدلة مجهول، قال ابن المديني:(لا يعرف اسمه، مجهول، لم يرو عنه غير أبي مجاهد)، وضعفه الألباني. ينظر: السلسلة الضعيفة (1358).
وظاهر ما ذكروه: أنَّه لا يَلزَم الصَّوم بأمره، مع أنَّهم صرَّحوا بوجوب طاعته في غير المعصية، وذكره بعضهم إجماعًا
(1)
، قال في «الفروع»:(ولعلَّ المراد في السِّياسة والتَّدبير والأمور المجتهد فيها، لا مطلقًا، ولهذا جزم بعضهم: تجب في الطَّاعة، وتُسنُّ في المسنون، وتكره في المكروه).
(وَالصَّدَقَةِ)؛ لأنَّها متضمِّنةٌ للرَّحمة المُفْضية إلى رحمتهم بنزول الغيث.
(وَتَرْكِ التَّشَاحُنِ)، هو
(2)
تَفاعُلٌ من الشَّحناء؛ وهي العداوة؛ لأنَّها تحمل على المعصية والبَهت، وتمنع نزول الخير، بدليل قوله عليه السلام: «خرجتُ لأخبركم
(3)
بليلةِ القدر؛ فتلاحَى فلانٌ وفلانٌ فرُفِعَتْ»
(4)
. (وَيَعِدُهُمْ يَوْمًا)؛ أي: يعيِّنه لهم (يَخْرُجُونَ فِيهِ)؛ ليتهيَّؤوا
(5)
للخروج على الصِّفة المسنونة.
(وَيَتَنَظَّفُ لَهَا)؛ من إزالة الرَّائحة وتقليم الأظفار ونحوهما؛ لئلاَّ يُؤذي النَّاس، وهو يوم يَجتمعون له، أشبه الجمعة.
(وَلَا يَتَطَيَّبُ) وِفاقًا
(6)
؛ لأنَّه يوم استكانةٍ وخضوعٍ.
(وَيَخْرُجُ مُتَوَاضِعًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَذَلِّلاً، مُتَضَرِّعًا
(7)
؛ لما روى ابنُ عبَّاسٍ
(1)
ينظر: إكمال المعلم 6/ 240، شرح مسلم للنووي 12/ 222.
(2)
في (أ): وهو.
(3)
في (أ): أخبركم.
(4)
أخرجه البخاري (49)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(5)
في (ب) و (ز): ليتميز، وفي (د) و (و): ليهتموا.
(6)
ينظر: العناية شرح الهداية 2/ 96، الشرح الكبير للدردير 1/ 405، المجموع للنووي 5/ 66، الفروع 3/ 227.
(7)
قوله: (متضرعًا) سقط من (أ) و (ب).
كتب على هامش الأصل: ("متواضعًا" التواضع: ضد التكبر، والتخشع: التذلل ورمي البصر إلى الأرض وخفض الصوت وسكون الأعضاء، "متذلِّلاً متضرعًا" التذلل: الخضوع، والتضرع: الابتهال).
قال: «خرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذلِّلاً، متواضعًا، متخشِّعًا، متضرِّعًا، حتَّى أتى المصلَّى» قال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ
(1)
.
(وَمَعَهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالشُّيُوخِ
(2)
؛ لأنَّه أسرع لإجابتهم.
وظاهره: تخرج العجائز. والأشهر: لا يُستحَبُّ، بل قال ابن عَقِيلٍ: ظاهر كلام أحمد أنَّه لا يجوز خروجهم. وقيل: يستحبُّ؛ وهو ظاهر كلام جماعة.
ولا تخرج ذات هيئة؛ لأنَّ الضَّرر في
(3)
خروجهنَّ أكثر.
(وَيَجُوزُ خُرُوجُ الصِّبْيَانِ)؛ كالبهائم؛ لأنَّ الرِّزق مشترَك بين الكلِّ، لكنَّ المميِّزَ يُستحَبُّ خروجُه.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُسْتَحَبُّ)؛ لما روى البزار
(4)
مرفوعًا: «لولا أطفالٌ رُضَّعٌ، وعبادٌ رُكَّعٌ، وبهائمُ رُتَّعٌ؛ لصُبَّ عليكم العذابُ صبًّا»
(5)
، ولأنَّهم
(6)
لا ذنوبَ لهم، فيكون دعاؤهم مستجابًا كالمشايخ.
(1)
سبق تخريجه 3/ 50 حاشية (2).
(2)
في هامش الأصل: (الشيخ: من تجاوز الخمسين).
(3)
في (د) و (و): من.
(4)
في (أ): الزبير.
(5)
أخرجه البزار (8146)، والبيهقي في الكبرى (6390)، وفي سنده إبراهيم بن خثيم بن عراك، قال أبو زرعة:(منكر الحديث)، وقال النسائي:(متروك)، وضعفه غيرهما، قال البيهقي:(وله شاهد بإسناد آخر غير قوي)، وهذا الشاهد أخرجه الطبراني في الأوسط (6539)، والبيهقي في الكبرى (6391)، من طريق مالك بن عبيدة بن مسافع عن أبيه عن جده، قال ابن حجر:(ومالك قال أبو حاتم وابن معين: "مجهول"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: "ليس له غير هذا الحديث"، وله شاهد مرسل أخرجه أبو نعيم أيضا في معرفة الصحابة). ينظر: لسان الميزان 1/ 273، التلخيص الحبير 2/ 229، السلسلة الضعيفة (4362).
(6)
في (د) و (و): ولأنه.
والمذهبُ الأوَّلُ؛ لأنَّ النَّصَّ لا يدلُّ على الاستحباب، وإلاَّ لزم
(1)
استحبابُ خروج البهائم.
وفي «الفصول» : نحن لخروج الشُّيوخ والصِّبيان أشدُّ استحبابًا، قال: ويُؤمَر سادةُ العبيد بإخراج عبيدهم وإمائهم، ولا يجب، والمراد: مع عدم الفتنة.
(وَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ؛ لَمْ يُمْنَعُوا)؛ لأنَّه خروجٌ لطلب الرِّزق، والله ضمِن أرزاقَهم كما ضمن أرزاق المسلمين.
والمذهب: يكره؛ لأنَّهم أعداء الله، فهم بعيدون من الإجابة، وإن أغيث المسلمون فربَّما ظنُّوه بدعائهم.
ونقل الميموني: أنَّه لا يُكره
(2)
؛ وهو ظاهر كلام أبي بكر.
(وَلَمْ يَخْتَلِطُوا بِالمُسْلِمِينَ)؛ لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً} [الأنفَال: 25]، ولأنَّه لا يؤمن أن يصيبهم عذاب؛ فيَعُمَّ من حضر.
وظاهره: أنَّهم لا يُفردون بيومٍ؛ لئلاَّ يتَّفق نزول غيثٍ يومَ خروجهم وحدهم، فيكون أعظم لفتنتهم، وربَّما افتتن بهم غيرهم.
وقال ابن أبي موسى والسَّامَرِّيُّ وصاحبُ «التَّلخيص» : إفرادهم بيوم أولى؛ لئلاَّ يظنُّوا إنَّما حصل من السقاء
(3)
بدعائهم.
وفي خروج عجائزهم الخلاف، ولا تخرج منهم شابَّةٌ بلا خلاف في المذهب، ذكره في «الفصول» ، وجَعَلَ كأهل الذِّمَّة من خالف دين الإسلام في الجملة.
(1)
في (ب) و (د): للزم.
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 235.
(3)
في (أ): السقيا.
فائدةٌ: يُستحَبُّ الاستسقاء بمن ظهر صلاحُه؛ لأنَّه أقرب إلى الإجابة، وقد استسقى عمر بالعبَّاس
(1)
، ومعاويةُ بيزيدَ بن الأسود
(2)
، واستسقى به الضَّحَّاك بن قيس
(3)
مرةً أخرى
(4)
، ذكره
(5)
المؤلِّف.
وقال السَّامَرِّيُّ وصاحب «التَّلخيص» : لا بأس بالتوسُّل في الاستسقاء بالشُّيوخ والعلماء المتَّقين، وقال في «المذهب»: يجوز أن يُتَشفَّع إلى الله برجلٍ صالحٍ، وقيل: يستحبُّ.
قال أحمد في «منسكه» الذي كتبه للمَرُّوذيِّ
(6)
: إنَّه يَتوسَّل بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في دعائه، وجزم به في «المستوعب» وغيره
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري (1010، 3710)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/ 602)، وابن سعد في الطبقات (7/ 444)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 380)، واللالكائي في كرامات الأولياء (151)، وابن عساكر في تاريخه (65/ 112)، عن سليم بن عامر: أن الناس قحطوا بدمشق، فخرج معاوية يستسقي بيزيد بن الأسود. وصحح الحافظ إسناده في التلخيص 2/ 234.
(3)
قوله: (بن قيس) سقط من (أ).
(4)
أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/ 602)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 381)، وابن عساكر في تاريخه (65/ 112)، وابن بشكوال في المستغيثين بالله (ص 155)، وابن الجوزي في المنتظم (6/ 34): أن الضحاك بن قيس خرج يستسقي. وهو جيد بمجموع الطرق.
والضحاك بن قيس هو ابن خالد بن وهب القرشي، مختلف في صحبته، قال البخاري:(له صحبة). ينظر: تهذيب الكمال 13/ 279، الإصابة 3/ 387.
(5)
في (ب): وذكره.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 229.
(7)
ذكر ذلك في الفروع 3/ 229، ثم بين المقصود بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال:(وجعلها شيخنا -يعني شيخ الإسلام- كمسألة اليمين به، قال: والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته، والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، وبدعائه وشفاعته، ونحوه مما هو من فعله وأفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع إجماعًا، وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله تعالى: {اتقوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ})، وتبعه في الإنصاف 5/ 420.
(فَيُصَلِّي بِهِمْ) ركعتين كالعيد، وعنه: بلا تكبيرٍ زائدٍ؛ وهو ظاهر الخِرَقِيِّ، وفي «النَّصيحة»: يَقرأ في الأولى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نُوح: 1]، وفي الثَّانية ما أحبَّ.
(ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً)؛ لأنَّه لم يُنقل أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خطب فيه بأكثر منها.
وعنه: خطبتين كالعيد.
وهي بعد الصَّلاة على الأصحِّ، قال ابن عبد البَرِّ:(وعليه جماعة الفقهاء)
(1)
؛ لقول أبي هريرة: «صلَّى
(2)
بنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ خطبنا» رواه أحمد
(3)
، وكالعيد.
وعنه: قبلها، رُوي عن عمر
(4)
وابن الزُّبير
(5)
؛ كالجمعة.
(1)
ينظر: التمهيد 17/ 172.
(2)
في (ز): وصلَّى.
(3)
أخرجه أحمد (8327)، وابن ماجه (1268)، وابن خزيمة (1422)، وهو من رواية النعمان بن راشد الجزري، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال ابن خزيمة:(في القلب من النعمان بن راشد، فإن في حديثه عن الزهري تخليطًا كثيرًا)، والنعمان متكلم فيه، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق سيِّئ الحفظ)، وأعله الدارقطني من جهة إسناده أيضًا. ينظر: علل الدارقطني 9/ 94، البدر المنير 5/ 161، السلسلة الضعيفة (5630).
(4)
علقه ابن المنذر في الأوسط (4/ 318)، بقوله:(روينا عن عمر بن الخطاب أنه خطب قبل الصلاة)، ولم نقف عليه مسندًا.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (4899)، وابن المنذر في الأوسط (2221)، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن يزيد الخطمي:«أن ابن الزبير خرج يستسقي بالناس، فخطب، ثم صلى بغير أذان ولا إقامة، قال: وفي الناس يومئذ البراء بن عازب، وزيد بن أرقم» ، وقال الهيثمي:(رجاله رجال الصحيح)، وأعله الحافظ في الفتح (2/ 513) بوَهَم عبد الرزاق، وأن الذي فعله عبد الله بن يزيد رضي الله عنه لما كان أميرًا على الكوفة من جهة عبد الله بن الزبير بأمره.
فقد أخرج البخاري (1022)، من طريق زهير، عن أبي إسحاق:«خرج عبد الله بن يزيد الأنصاري وخرج معه البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم، فاستسقى، فقام بهم على رجليه على غير منبر، فاستغفر، ثم صلى ركعتين يجهر بالقراءة، ولم يؤذن ولم يقم» ، وأخرج مسلم (1254)، عن شعبة، عن أبي إسحاق نحوه.
ورواه عبد الرحمن بن مهدي كما في المحلى (3/ 310)، وقبيصة كما في المعرفة والتاريخ (2/ 630)، كلاهما عن الثوري، ووافقا زهيرًا وشعبة، وجاء في روايتهما: أن ابن الزبير بعث إلى عبد الله بن يزيد: أن استسق بالناس.
وعنه: يخيَّر، اختاره جماعة.
وعنه: لا خطبة لها، صحَّحها ابن عقيل، ونصرها في «الخلاف» ، فعليها: يدعو بعدها.
وعلى الأوَّل: يخطب على منبر، ويجلس للاستراحة، ذكره الأكثر؛ كالعيد في الأحكام، والنَّاس جلوس.
(يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ؛ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ)؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «صنعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاءِ كما صنعَ في العيدِ»
(1)
.
وعنه: يفتتحها بالحمد كالجمعة.
وقيل: بالاستغفار؛ لأنَّه مناسب.
قال في «المحرر» و «الفروع» : ويكثر فيها الدعاء والصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك معونة على الإجابة، وعن عمر قال:«الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك» رواه التِّرمذي
(2)
.
(1)
سبق تخريجه 3/ 50 حاشية (2).
(2)
أخرجه الترمذي (486)، وإسحاق بن راهويه كما في المطالب العالية (3321)، والإسماعيلي في مسند عمر كما في جلاء الأفهام (ص 72)، وفيه أبو قرة الأسدي، قال في الميزان:(مجهول)، وقال السخاوي:(وفي سنده من لا يعرف)، وله شاهد من قول عليٍّ عند الطبراني في الأوسط (721):«كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم» ، وفيه ضعف أيضًا، وجزم شيخ الإسلام بنسبته إلى عمر وعلي. ينظر: الفتاوى الكبرى 5/ 355، القول البديع للسخاوي ص 223، السلسلة الصحيحة 5/ 54.
(وَيُكْثِرُ فِيهَا الاسْتِغْفَارَ)؛ لأنَّه سبب
(1)
لنزول الغيث، روى سعيدٌ: «أنَّ عمر خرج يستسقي، فلم يزد
(2)
على الاستغفار، فقالوا: ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السَّماء الذي ينزل به المطر، ثمَّ قرأ أن:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)} [نُوح: 10 - ]»
(3)
، وعن عليٍّ نحوُه
(4)
.
(وَقِرَاءَةُ
(5)
الآْيَاتِ التِي فِيهَا الْأَمْرُ بِهِ)؛ كقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هُود: 3].
(وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) في الدُّعاء؛ وهو سنَّةٌ؛ لقول أنسٍ: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَرفَع يديه في شيءٍ من دعائه إلاَّ في الاستسقاء، وكان يرفع حتَّى يُرى بياضُ إبْطيه
(6)
» متَّفقٌ عليه
(7)
.
قال جماعةٌ: وظهورُهما نحو السماء؛ لحديث رواه مسلم
(8)
.
(1)
من قوله: (قال في «المحرر» و «الفروع») إلى هنا سقط من (أ).
(2)
في (و): يسود.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور كما في التفسير من سننه (1095)، وعبد الرزاق (4902)، وابن أبي شيبة (8343)، وأبو عبيد في غريب الحديث (579)، وابن سعد في الطبقات (3/ 320)، والطبري في التفسير (23/ 293)، وابن أبي حاتم في التفسير (10960)، والبيهقي في الكبرى (6423)، وهو منقطع بين الشعبي وعمر، وبه أعله الشيخ الألباني في الإرواء (3/ 141).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (4904)، وفيه إبراهيم بن محمد الأسلمي، وهو متروك، وحسين بن عبد الله بن ضميرة، وهو منكر الحديث.
(5)
في (ب) و (د) و (و): وقرأ.
(6)
في (أ): إبطه.
(7)
أخرجه البخاري (1031)، ومسلم (895).
(8)
وهي رواية مسلم (895).
(فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، رَوى ابنُ عمر:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال ذلك كلَّه»
(1)
، ورَوى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا
(2)
: «اللَّهمَّ اسقنا غيثًا مُغيثًا، مَريئًا مُربِعًا
(3)
، طَبَقًا غَدَقًا عاجلاً غير رائث
(4)
» رواه ابن ماجه، وإسناده ثقاتٌ
(5)
، قوله: «غير رائث
(6)
» أي: غير بطيءٍ ولا متأخِّر.
وظاهره: أنَّ الدُّعاء مختصٌّ به، وأنَّ النَّاس يؤمِّنون، وقال الخِرَقيُّ: بل
(7)
يدعون.
(اللَّهُمَّ)؛ أي: يا الله، (اسْقِنَا) بوصل الهمزة وقطعها، (غَيْثًا)، هو مصدر، والمراد به المطر، ويسمَّى الكلأ: غيثًا، (مُغِيثًا)، هو المُنقذ من الشدَّة، يقال: غاثه وأغاثه، وغِيثَت الأرضُ؛ فهي مَغِيثة ومَغيوثة
(8)
، (هَنِيئًا)
(1)
أخرجه الشافعي في الأم 1/ 278 معلقًا، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (7210)، قال الشافعي:(روي سالم بن عبد الله عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره، قال ابن حجر: (ولم نقف له على إسناد، ولا وصله البيهقي في مصنفاته، بل رواه في المعرفة من طريق الشافعي، قال: ويروى عن سالم به). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 231.
(2)
زيد في (ز): قال.
(3)
كتب على هامش الأصل: (مريعًا: أعني خصيبًا، والمريع بالياء: الخصيب، وبالباء: منبتًا للربيع. الخطابي).
قال الخطابي في معالم السنن 1/ 255: (قوله: "مريعًا" يروى على وجهين، بالياء والباء).
(4)
في (أ) و (و): راتب.
(5)
أخرجه ابن ماجه (1270)، والطبراني في الكبير (12677)، من طريق حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال البوصيرى:(إسناده صحيح، ورجاله ثقات)، وأخرجه عبد الرزاق (4907)، عن ابن جريج قال:(أخبرني حبيب بن أبي ثابت، أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال)، قال ابن رجب:(وروي عن حبيب مرسلاً، وهو أشبه)، وضعفه الألباني. ينظر: فتح الباري 9/ 199، الإرواء 2/ 146.
(6)
في (أ) و (و): راتب.
(7)
قوله: (بل) سقط من (أ).
(8)
في (و): ومغوثة.
هو ممدودٌ مهموزٌ؛ وهو الذي يحصل من غير مشقَّة، (مَرِيئًا): السَّهل النَّافع؛ وهو ممدودٌ مهموزٌ: المحمود العاقبة، (غَدَقًا) بفتح الدَّال وكسرها، والمغدق: الكثير الماء والخير، (مُجَلِّلاً): السَّحاب الذي يعمُّ العباد والبلاد نفعه، (سَحًّا)، الصَّبُّ، يقال: سحَّ الماء يسحُّ؛ إذا سال من فوق إلى أسفل، وساح يسيح: إذا جرى على وجه الأرض، (عَامًّا): شاملاً، (طَبَقًا)، بفتح الطَّاء والباء، الذي طبق البلاد مطره، (دَائِمًا)؛ أي: متَّصلاً إلى أن يحصل الخِصب.
(اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ)، القانِط: الآيِس؛ لقوله تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزُّمَر: 53]؛ أي: لا تَيْأَسوا.
(اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا
(1)
سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنَ اللَّأْوَاءِ) أي: الشِّدَّة، وقال الأزهري: شدة
(2)
، (وَالجَهْدِ) بفتح الجيم: المشقَّة، وبضمها: الطَّاقة، قاله الجوهريُّ
(3)
، وقال ابن مُنَجَّى: هما المشقَّة، ورُدَّ بما سبق
(4)
، (وَالضَّنْكِ): الضِّيق، (مَا لَا نَشْكُوهُ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ)، قال الجوهريُّ: الضَّرْع لكلِّ ذات ظِلْف أو خُفٍّ
(5)
، (وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الجُوعَ وَالجَهْدَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا)، المدرار: الدَّائم إلى وقت الحاجة.
(1)
في (أ): ولا.
(2)
هكذا في الأصل وباقي النسخ الخطية، والذي في المطلع (ص 142)، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 88:(قال الأزهري: اللأواء شدة المجاعة).
(3)
ينظر: الصحاح 2/ 460.
(4)
قوله: (بما سبق) هو في (د) و (و): أسبق.
(5)
ينظر: الصحاح 3/ 1249.
هذا الدُّعاء بكماله رواه ابن عمر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، غير أنَّ قوله:«اللَّهمَّ سُقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق» رواه الشَّافعيُّ في «مسنده» عن المطَّلب بن حنطب؛ وهو مرسَل
(1)
(2)
.
وعن عمرو بن شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه قال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: «اللَّهمَّ اسقِ عبادَكَ وبهائمك، وانشر رحمتك، وأَحْيِ بلدَكَ الميِّتَ» رواه أبو داود
(3)
.
(وَ) يُسنُّ للإمام أنْ (يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي أَثْنَاءِ الخُطْبَةِ)؛ «لأنَّه عليه السلام حوَّل إلى النَّاس ظَهرَه، واستقبل القِبلةَ يدعو، ثمَّ حوَّل رداءَه» متَّفَقٌ عليه
(4)
. وقيل: يَستقبِل بعد الخطبة، وأطلقهما في «الفروع» .
قال النَّوَويُّ: (فيه استحبابُ استقبالها للدُّعاء، ويُلحَق به الوضوءُ والغُسل والتَّيمُّم والقراءة وسائر الطَّاعات إلاَّ ما خرج بدليل كالخطبة)
(5)
.
(وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ) بعد استقبالها؛ لما في حديث عبد الله: «أنَّه حوَّل رداءه
(1)
في (ز): لمرسل.
(2)
أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 80)، وفي الأم 1/ 278، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (7209)، وفيه إبراهيم بن أبي يحيى وهو متروك، ومع هذا فالرواية مرسلة، لأن المطلب بن عبد الله بن حنطب، تابعي، وهو صدوق كثير التدليس والإرسال، قال ابن سعد:(وليس يحتج بحديثه؛ لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا). ينظر: تهذيب التهذيب 10/ 179.
(3)
أخرجه أبو داود (1176)، والبيهقي في الكبرى (6441)، موصولاً، وهو من رواية علي بن قادم عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وعلي بن قادم صدوق، لكن روايته عن سفيان منكرة، قال ابن عدي:(ونُقِم على علي بن قادم أحاديث رواها عن الثوري غير محفوظة)، وهذه منها، وأخرجه مرسلاً: عبد الرزاق (4912)، وأبو داود (1176)، وفي المراسيل له (69)، قال أبو حاتم:(والمرسل أصح). ينظر: الكامل لابن عدي 6/ 345، البدر المنير 5/ 165.
(4)
أخرجه البخاري (1024)، ومسلم (894).
(5)
ينظر: شرح مسلم 6/ 189.
حين استقبل القبلة» رواه مسلم
(1)
.
(فَيَجْعَلُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ)، نَصَّ عليه
(2)
، لما
(3)
روى أحمد وغيره من حديث أبي هريرة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خطب، ودعا الله، وحوَّلَ وجهَهُ نحو القِبلةِ رافعًا يدَيه، ثمَّ قلَب رداءه، فجعل الأيمنَ على الأيسر، والأيسرَ على الأيمن»
(4)
.
وكان الشَّافعيُّ يقول بهذا، ثمَّ رجع فقال:(يجعل أعلاه أسفله)
(5)
؛ لما روى عبد الله بن زيد: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استسقى، وعليه خَميصةٌ سوداءُ، فأراد أن يجعل أسفلها أعلاها فثقُلت عليه، فقلبها الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن» رواه أحمدُ وأبو داود
(6)
.
وأجيب عن هذه الرِّواية: على تقدير ثبوتها، فهي ظنٌّ من الرَّاوي، وقد نقل التَّحويلَ جماعةٌ لم يَنقُل أحدٌ منهم أنَّه جعل أعلاه أسفله، ويَبعُد أنَّه عليه السلام ترك ذلك في جميع الأوقات لثِقَل الرِّداء.
(وَيَفْعَلُ النَّاسُ كَذَلِكَ)، وهو قول أكثرهم؛ لأنَّ ما ثبت في حقه
(7)
ثبت في حقِّ غيرِه، ما لم يَقُم دليلٌ على اختصاصه، كيف وقد عُقل المعنى؛ وهو التَّفاؤل بقَلْب الرِّداء ليُقلَب ما بهم من الجدب إلى الخِصب، مع أنَّه روي عن جعفر بن محمَّد عن أبيه:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حوَّلَ رداءَهُ ليتحوَّلَ القحطُ» رواه
(1)
أخرجه مسلم (894).
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 781، مسائل أبي داود ص 106، زاد المسافر 2/ 236.
(3)
قوله: (لما) سقط من (أ).
(4)
سبق تخريجه 3/ 56 حاشية (3).
(5)
ينظر: الأم 1/ 287.
(6)
أخرجه أحمد (16473)، وابن خزيمة (1415)، وأبو عوانة (2480)، وابن حبان (2867)، والحاكم (1221)، وصححه الألباني. ينظر: الإرواء 3/ 143.
(7)
قوله: (ثبت في حقه) سقط من (أ).
الدَّارَقُطْنيُّ
(1)
(2)
.
(وَيَتْرُكُوهُ حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ)؛ لعدم نقله، ولم يذكرها المؤلِّف في «الكافي» .
وظاهر ما سبق: أنه
(3)
لا تحويل في كسوف، ولا حالة الأمطار والزَّلزلة، صرَّح به في «الفروع» وغيره.
(وَيَدْعُو سِرًّا حَالَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ)؛ لأنَّه أقرب إلى الإخلاص، وأبلغ في الخشوع؛ لقوله تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} [الأعرَاف: 55]، ويُسنُّ الجهرُ ببعضه حتَّى يَحصُل التَّأمين.
(فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ، وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتَنَا)؛ لأنَّ في ذلك استنجازًا لما وعد من فضله حيثُ قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البَقَرَة: 186]، فإن دعا بغير ذلك؛ فلا بأسَ.
فإذا فرغ منه؛ استقبلهم بوجهه، ثمَّ حثَّهم على الصَّدقة والبِرِّ والخير، ويُصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويدعو للمؤمنين وللمؤمنات، ويقرأ آية، ويقول:
(1)
كتب على هامش الأصل: (ورواه الحاكم، قال شيخنا: رجحه ورجاله ثقات، وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل ألا يقصد إليه، قال: وإنما التحويل إشارة بينه وبين ربه، قيل له: حول رداءك يتحول حالك، والأول أولى من القول بالظن، وقال بعضهم: إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال، وهذا لا يقتضي الثبوت على العاتق، فالحمل على المعنى الأول أولى، فإن الاتباع أولى من تركه بمجرد احتمال الخصوص، والله أعلم).
(2)
أخرجه الدارقطني (1798)، والحاكم (1216)، وصححه، والبيهقي في الكبرى (6418)، وروي مرسلاً، قال ابن حجر:(ورد فيه حديث رجاله ثقات، أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر، ورجح الدارقطني إرساله). ينظر: الفتح 2/ 499.
(3)
في (أ): أن.
أستغفِرُ الله لي ولكم ولجميع المسلمين، وقد فرغ منها، ذكره السَّامَرِّيُّ.
(فَإِنْ سُقُوا)؛ فذلك فضلٌ من الله ونعمة، (وَإِلاَّ عَادُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا)؛ لأنَّه أبلغ في التَّضرُّع، وقد رُوي:«إنَّ الله تعالى يُحبُّ الملحِّين في الدُّعاء»
(1)
، ولأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، فاستُحِبَّ كالأوَّل.
قال أصبغُ: (استُسقِي للنِّيل بمصر خمسة وعشرين مرَّةً متواليةً، وحضره ابن وهب وابن القاسم وجمعٌ)
(2)
.
(وَإِنْ) تأهَّبوا للخروج ف (سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ؛ شَكَرُوا اللهَ تَعَالَى، وَسَأَلُوهُ المَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ)؛ لأنَّهم إذا فعلوا ذلك زادهم الله من فضله، قال تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
وظاهِرُه: أنَّهم لا يُصَلُّون؛ لأنَّها تُراد لنزول الغيث، وقد وُجد.
وقال القاضي وابن عَقِيلٍ والجَدُّ في «فروعه» وجمعٌ: إنَّه يستحبُّ خروجهم بعد التَّأهُّب، ويُصلُّون شُكرًا لله، ويسألوه المزيدَ؛ لأنَّ الصَّلاة شُرعت لإزالة العارِض من الجدب، وذلك لا يحصل بمجرَّد النُّزول.
وقيل: يَخرجون، ولا يُصلُّون، وقيل: عكسه.
وذكر
(3)
ابن مُنَجَّى: أنَّ التَّشاغل عند نزول الغيث بالدُّعاء مُستحَبٌّ؛ لقوله عليه السلام: «يُستجابُ الدُّعاءُ عند ثلاث: التقاءِ الجيوش، وإقامةِ الصَّلاة، ونزولِ الغَيث» ، وقالت عائشة:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا رأى المطرَ قال: اللَّهمَّ صَيِّبًا نافِعًا» رواه أحمد والبخاريُّ
(4)
.
(1)
أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 452)، والبيهقي في الشعب (1073)، وفي سنده يوسف بن السفر وهو متروك، قال أبو حاتم:(هذا حديث منكر؛ نرى أن بقية دلسه عن ضعيف، عن الأوزاعي)، قال العقيلي:(يوسف بن السفر عن الأوزاعي يحدث بمناكير)، قال الألباني:(باطل). ينظر: علل ابن أبي حاتم 5/ 423، السلسلة الضعيفة (637).
(2)
ينظر: النوادر والزيادات 1/ 516.
(3)
في (ب): ذكره، وفي (د) و (ز) و (و): ذكر.
(4)
أخرجه أحمد (24144)، والبخاري (132).
فلو سُقوا بعد خروجهم؛ صلَّوا وجهًا واحدًا، فإن كان في الصَّلاة أتَمَّها، وفي الخُطبة روايتان.
مسألةٌ: ذكر القاضي وجمعٌ: أنَّ الاستسقاء ثلاثةُ أضْرُبٍ:
أحدها: ما وصفنا؛ وهو أكملها.
الثَّاني: استسقاء الإمام يوم الجمعة في خطبتها؛ كما فعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، متَّفقٌ عليه من حديث أنس
(1)
.
والثَّالث: يدعو الله تعالى عُقَيْبَ
(2)
صلواتِهم، وفي خلواتِهم.
(وَيُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةَ جَامِعَةً)؛ كالكسوف.
(وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا إِذْنُ الْإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا يُشترَط، اختارها أبو بكر وابن حامد، وقدمها في «الفروع» ، وهي
(3)
ظاهر كلام الأكثر، لأنَّها نافلةٌ أشبهت النَّوافل، فعليها: يفعلها المسافر وأهل القرى، ويخطُب بهم
(4)
أحدهم.
والثَّانية: يُشترَط؛ لفعله عليه السلام بأصحابه، وكذلك الخلفاء من بعده، وكالعيد، فعليها: إن خرجوا بغير إذنه؛ دعوا وانصرفوا بلا صلاةٍ.
وفي ثالثةٍ: يُعتبر إذنه للصَّلاة
(5)
وللخطبة، دون الخروج
(6)
لها والدعاء.
وقال أبو بكر: إن خرجوا بغير إذن صلَّوا ودعوا من غير خطبة.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي أَوَّلِ المَطَرِ، وَيُخْرِجُ رَحْلَهُ)، هو مسكن الرَّجل،
(1)
أخرجه البخاري (1013)، ومسلم (897).
(2)
في (ز): عقب.
(3)
في (ب) و (د): وهو.
(4)
في: (أ): به.
(5)
في (ب) و (ز): في الصَّلاة.
(6)
في (أ): والخروج.
وما يَستصحِبُه من الأثاث، (وَثِيَابَهُ؛ لِيُصِيبَهُمَا)؛ لقول أنسٍ: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطرٌ، فحَسَر ثوبَه حتَّى أصابه من المطر، فقلنا: لم صنعتَ هذا؟ قال: «لأنَّه حديثُ عهدٍ بربِّه» رواه مسلم
(1)
، ورُوي:«أنَّه عليه السلام كان يَنزِع ثيابَه في أوَّل المطر، إلاَّ الإزار يتَّزر به»
(2)
.
ولم يذكر المؤلِّف استحبابَ الوضوء والغسل منه، وذكره جماعةٌ، واقتصر في «الشَّرح» على الوضوء فقط؛ لأنَّه رُوي أنَّه عليه السلام كان يقول إذا سال الوادي: «اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعلَهُ اللهُ طُهرًا فنتطَّهرَ
(3)
به»
(4)
.
قال أبو المعالي: ويقرأ عند فراغه: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يُونس: 89]؛ تفاؤلاً بالإجابة.
فائدةٌ: إذا سمع الرَّعد ورأى البرق؛ سبَّح؛ لما في «الموطَّأ» : أنَّ عبد الله بن الزُّبير كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال:«سبحان من يسبِّح الرَّعد بحمده والملائكة من خيفته»
(5)
، ولا يُتْبِعُ بصرَه البرقَ؛ لأنَّه مَنهيٌّ عنه
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم (898).
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا، نقله عنه ابن رجب في الفتح (9/ 234)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 377)، قال أبو نعيم:(غريب بهذا اللفظ، تفرد به الرقاشي عن أنس)، ويزيد بن أبان الرقاشي ضعيف، وضعفه الألباني. ينظر: فتح الباري لابن رجب 9/ 234، السلسلة الضعيفة (4272).
(3)
في (ب) و (د) و (ز): فيتطهر.
(4)
أخرجه البيهقي في الكبرى (6457)، من رواية الشافعي، قال: أنبأنا من لا أتهم، عن يزيد بن الهاد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل قال: وذكره. قال البيهقي: (هذا منقطع، وروي فيه عن عمر)، وضعفه النووي والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 884، الإرواء 3/ 144.
(5)
أخرجه مالك في الموطأ رواية أبي مصعب الزهري (2094)، ومن طريقه ابن أبي شيبة (29214)، وأحمد في الزهد (1115)، والبخاري في الأدب المفرد (723)، وغيرهم، وصحح إسناده النووي كما في الخلاصة 2/ 888، وابن الملقن في تحفة المحتاج 1/ 567.
(6)
أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (653)، والطبراني في الأوسط (7719)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:«نهينا أن نتبع أبصارنا الكوكب إذا انقض، وأمرنا أن نقول عند ذلك: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله» ، وفي سنده عبد الأعلى بن أبي المساور، وهو متروك، قال النووي:(إسناده ليس بثابت)، وضعفه ابن حجر. ينظر: المجموع 5/ 99، الفتح 8/ 721.
(وَإِنْ زَادَتِ المِيَاهُ فَخِيفَ مِنْهَا؛ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا) إلى آخره، واقتصر في «المُذهب» و «الفروع» على ذلك؛ لما في الصَّحيح: أنَّه عليه السلام كان يقول ذلك ما عدا الآية
(1)
؛ وهي لائقة بالحال، فاستُحبَّ قولها؛ كسائر الأقوال اللاَّئقة بمحالِّها.
وفُهِم منه: أن ماء العيون إذا زادت كذلك، وأنَّه لا يُصلِّي بل يدعو؛ لأنَّه أحد الضَّررين، فاستُحبَّ الدُّعاء لانقطاعه.
قال النَّوويُّ: (ولا يُشرع له الاجتماعُ في الصحراء)
(2)
.
وقد مرَّ أنَّ الآمِديَّ قال: يصلَّى لكثرة المطر.
قوله: (اللَّهمَّ حَوَالَيْنَا) أي: أنزله حوالي المدينة مواضع النَّبات، (وَلَا عَلَيْنَا) في المدينة، ولا في غيرها من المباني، (اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ) جمع ظرِب، قال الجوهري: (هو بكسر الراء
(3)
: واحد الظِّراب، وهي الرَّوابي الصِّغار)
(4)
، (وَالآْكَامِ) بفتح الهمزة يليها مَدَّةٌ على وزن آصال، وتكسر الهمزة بغير مدٍّ على وزن جبال، فالأوَّل جمع أُكُمٍ ككتُب، وأُكُمٌ جمع إِكَامٍ كجبال، وإكَام جمعُ أَكَمٍ كجبل، وأكَم واحده أكَمَة، فهو مفردٌ جُمِع أربعَ مرَّات، قال عياض: (هو ما غَلُظ
(5)
من الأرض، وإن لم يبلغ أن يكون جبلاً، وكان
(1)
أخرجه البخاري (933)، ومسلم (897).
(2)
ينظر: شرح مسلم 6/ 193.
(3)
في (و): الضاد.
(4)
ينظر: الصحاح 1/ 174.
(5)
في (ب) و (ز): علا.
أكثر
(1)
ارتفاعًا ممَّا حوله؛ كالتُّلول
(2)
ونحوها)
(3)
، وقال مالكٌ:(هي الجبال الصِّغار)
(4)
، قال الخليل:(هي حَجَر واحدٌ)
(5)
، (وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ)، هي الأمكنة المنخفضة، (وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ)؛ أي: أصولها؛ لأنَّه أنفع لها.
(رَبَّنَا لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهْ)؛ أي: لا تكلِّفنا من الأعمال ما لا نطيق، وقيل: هو حديث النَّفس والوسوسة، وعن مكحول:(هو الغُلْمَةُ)، وعن إبراهيم:(هو الحُبُّ)، وعن محمَّد بن عبد الوهاب
(6)
: (هو العِشق)
(7)
، وقيل: هو شماتة الأعداء، وقيل: هو الفرقة والقطيعة، نعوذ بالله منها {وَاعْف عَنَا}؛ أي: تجاوز وامحُ عنَّا ذنوبنا {واغفر لنا} ، أي: استر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا، {وَارْحَمْنَا} فإنَّا لا ننال العمل بطاعتك، ولا نترك
(8)
معاصيك إلاَّ برحمتك، {أَنْتَ مَوْلَانَا}: ناصرنا وحافظنا
(9)
، {فَانصُرْنَا عَلَى الْقَومِ الْكَافِرِينَ} .
يُستحَبُّ أن يقول: مُطِرنا بفضل الله ورحمته، ويَحرُم بِنَوء كذا؛ لخبر
(1)
في (د) و (و): أكبر.
(2)
في (ز): كالطول.
(3)
ينظر: مشارق الأنوار 1/ 405.
(4)
ينظر: مشارق الأنوار 1/ 30.
(5)
ينظر: العين 5/ 420.
(6)
هو محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكافي ابن شرف الإسلام عبد الوهاب، ابن الحنبلي، أبو المعالي الأنصاري، الشيرازي، الواعظ، توفي سنة 656 هـ. ينظر: تاريخ الإسلام 14/ 816، طبقات المفسرين للداوودي 2/ 193.
(7)
تنظر الأقوال: تفسير ابن أبي حاتم 2/ 581، تفسير البغوي 1/ 358
(8)
في (أ): ترك.
(9)
في (أ): حافظنا.
زيد بن خالدٍ، وهو في الصَّحيحين
(1)
، وإضافة المطر إلى النَّوء دون الله كفرٌ إجماعًا
(2)
.
ولا يُكره في نوء كذا، خلافًا للآمدي، إلاَّ أن يقول مع ذلك: برحمة الله تعالى.
(1)
أخرجه البخاري (846)، ومسلم (71).
(2)
ينظر: الفروع 3/ 234.
(كِتَابُ الجَنَائِزِ)
الجَنائز: بفتح الجيم لا غَيرُ، جمْعُ جِنازةٍ بالكسر، والفتحُ لغةٌ.
ويُقال: بالفتح للميت، وبالكسر للنَّعْش عليه ميتٌ، ويُقال عكسُه، فإذا لم يكن عليه ميتٌ فلا يقال: نعشٌ ولا جنازةٌ، وإنَّما يقال له سريرٌ، قاله الجَوهريُّ
(1)
.
واشتقاقُه: من جَنَز، إذا ستَرَ، والمضارِع بِكَسْر النُّون.
وكان من حقِّه أن يُذكَر بَينَ الوَصايا والفَرائِض، لكنْ ذُكِر هنا؛ لأنَّ أهمَّ ما يُفعَل بالميت الصَّلاة، فذُكِر في العِباداتِ.
فَصْلٌ
يُستحَبُّ الإكثارُ من ذِكْر المَوتِ والاِستعدادُ له؛ لقوله عليه السلام: «أكْثِروا من ذِكْر هاذِم اللَّذَّات»
(2)
، هو
(3)
بالذَّال المُعجَمة.
ويُكرَه الأَنِينُ على الأصحِّ، وكذا تَمَنِّي الموتِ عِنْدَ نُزولِ الشَّدائِد،
(1)
ينظر: الصحاح 3/ 870.
(2)
أخرجه أحمد (7925)، والترمذي (2307)، والنسائي (1824)، وابن ماجه (4258)، وابن حبان (2992)، والحاكم (7909)، من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وأعله أحمد والدارقطني بالإرسال، قال أبو داود:(سمعت أحمد ينكر حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت» قال: هذا من قبل محمد بن عمرو، يعني توصيله)، وقال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وللحديث شواهد أخرى، وصححه ابن حبان والحاكم وابن السكن وابن الملقن والألباني. ينظر: مسائل أبي داود ص 409، البدر المنير 5/ 181، التلخيص الحبير 2/ 235، الإرواء 3/ 145.
(3)
في (د) و (و): وهو.
ويُستحَبُّ أنْ يَقُولَ: «اللَّهم أحْيِنِي إذا كانت
(1)
الحياةُ خيرًا لِي
(2)
، وتَوَفَّنِي إذا كانتِ الوفاةُ خَيرًا لِي»
(3)
.
ومُرادُ الأصحابِ: غَيرُ تَمَنِّي الشَّهادةِ، علَى ما فِي الصَّحيحِ:«مَنْ تَمَنَّى الشَّهادةَ خالِصًا مِنْ قَلْبِه؛ أعطاه اللهُ منازِلَ الشُّهداء»
(4)
.
ولا يُكرَه لِضَرَرٍ [بدينِه]
(5)
، وقِيلَ: يُستحَبُّ.
وفِي كراهة مَوتِ الفَجْأَةِ؛ رِوايتان، وفيه خَبَرانِ مُتعارِضان رواهُما أحمدُ
(6)
،
(1)
في (أ): علمت.
(2)
قوله: (لي) سقط من (و).
(3)
أخرجه البخاري (6351)، ومسلم (2680)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(4)
أخرجه مسلم (1909)، من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه.
(5)
كذا في (ز) وفي الأصل و (أ) و (ب): بدنه، والصواب المثبت كما في الفروع 3/ 245.
(6)
والحديث الذي يدل على عدم الكراهة: ما أخرجه عبد الرزاق (6781)، وأحمد (25042)، والطبراني في الأوسط (3129)، والبيهقي في الكبرى (6572)، من طرق عن عائشة مرفوعًا:«موت الفجأة تخفيف عن المؤمنين، وسخطة على الكافرين» ، وطرقه كلها ضعيفة وبعضها ضعيف جدًّا، فطريق أحمد والبيهقي فيه: عبيد الله بن الوليد الرصافي وهو ضعيف، وطريق عبد الرزاق فيه: يحيى بن العلاء رمي بالوضع، وطريق الطبراني فيه: صالح بن موسى الطلحي وهو متروك.
وروي موقوفًا على عائشة وابن مسعود رضي الله عنهما عند ابن أبي شيبة (12007)، والبيهقي (6573)، وإسناده لا بأس به. ينظر: الخلاصة للنووي 2/ 903، ميزان الاعتدال 1/ 19، تخريج مختصر ابن الحاجب لابن حجر 1/ 317، الفتح 3/ 254.
ولَعَلَّ الجمْعَ بينهما يختلف
(1)
باخْتِلاف الأشخاص، وكذا هما في حقنة
(2)
لحاجةٍ وقطع العروق وفصدها
(3)
.
مسائِلُ:
التَّداوِي مُباحٌ، وتركُه أفضلُ، نَصَّ عليه
(4)
. واختار
(5)
القاضي وجماعةٌ: فعلَه. وقيل: يَجِب، زاد بعضهم: إن ظن نفعَه.
ويَحرُم بمحرَّم مأكولٍ وغيرِه من صوتِ مَلْهاةٍ وغيرِه، نقله الجماعةُ في ألْبانِ الأُتُنِ
(6)
، واحتجَّ بتحريمها، وفي التِّرْياق والخمر، ونقله المرُّوذِيُّ في مداواة الدُّبُر بالخَمْر
(7)
، ويجوز ببَوْلِ إبلٍ فقطْ.
ونَقَل الفضلُ في حَشِيشةٍ تُسْكِرُ تُسْحَقُ وتُطرَح مع دواءٍ؛ لا بأس، أمَّا مع الماء فلا
(8)
، وشدَّد فيه
(9)
.
وذكر جماعةٌ: أنَّ الدَّواء المسمومَ إنْ غَلَب منه
(10)
السَّلامة، ورُجِيَ نفعُه؛ أُبِيح شربُه لدَفْع ما هُو أخْطَرُ منه؛ كغيره، وقيل: لا؛ لأنَّ فيه تعريضًا للتَّلَف.
ويُكرَه أن يَسْتَطِبَّ مُسلمٌ ذِمِّيًّا لغَيْر ضَرورةٍ، وأنْ يَأخُذَ منه دواءً لم يُبَيِّنْ مُفرَداتِه المباحة، وصرَّح في «المُذهب» بجَوازه.
(1)
في (أ) و (ز): مختلف.
(2)
في (أ): حقه.
(3)
في (د): وقصدها.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 143.
(5)
في (أ): واختاره.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3978، مسائل ابن هانئ 2/ 142، مسائل عبد الله ص 434.
(7)
ينظر: الورع ص 202.
(8)
قوله: (فلا) سقط من (أ).
(9)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 143، الفروع 3/ 242.
(10)
في (و): فيه.
(تُسْتَحَبُّ
(1)
عِيَادَةُ المَرِيضِ)، والسُّؤال عن حاله؛ لأخبارٍ
(2)
، وقيل: بعد ثلاثةِ أيَّامٍ؛ لفِعْله عليه السلام، رواهُ ابنُ ماجَهْ بإسنادٍ ضعيفٍ عن أنَسٍ
(3)
.
وَأوْجَبَ الشِّيرازيُّ وجماعةٌ عيادتَه؛ لظاهِرِ الأمْرِ به
(4)
، والمرادُ مرَّةً، واختاره الآجُرِّيُّ.
وفِي «الرِّعاية» : فرضُ كفايةٍ؛ كوجهٍ في ابتداء السَّلام.
ويَغِبُّ بها، وظاهِرُ إطلاقِ جماعةٍ: خِلافُه.
قال في «الفُروع» : (ويتوجَّه اختلافُه باختلاف النَّاس، والعملُ بالقرائن).
بكرةً
(5)
وعشيًّا، ويُكرَه وسَطَ النَّهار، نَصَّ عليه
(6)
، وفي رمضان لَيْلاً، لا مُبتدِعٌ، نَصَّ عليهما
(7)
.
ويأخُذ بيده
(8)
، ويقول:«لا بأسَ، طَهورٌ إنْ شاءَ اللهُ تعالَى» ؛ لفِعْله عليه السلام
(9)
.
(1)
في (ب) و (و): ويستحب.
(2)
ومنها: ما أخرجه البخاري (1239)، ومسلم (2066)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض
…
» الحديث.
(3)
أخرجه ابن ماجه (1437)، والبيهقي في الشعب (8781)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضًا إلا بعد ثلاث» ، وفي سنده مسلمة بن علي الخُشَني، وهو متروك، قال أبو حاتم:(حديث باطل موضوع). ينظر: علل ابن أبي حاتم 6/ 211، الضعيفة (145).
(4)
أخرجه البخاري (1239)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال:«أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض» الحديث.
(5)
في (و): يكره.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 253.
(7)
ينظر: الفروع 3/ 253 - 264.
(8)
في (و): بيديه.
(9)
أخرجه البخاري (3616)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
ويُخبِرُ بما يَجِد بلا شَكْوَى، وكان أحمَدُ يَحمَد الله أوَّلاً
(1)
؛ لخبَرِ ابنِ مسعودٍ: «إذا كان الشُّكر قَبْلَ الشَّكْوَى؛ فلَيْسَ بِشاكٍ»
(2)
.
ويُنفِّس له في أجله؛ لخبَرٍ رواه ابنُ ماجَهْ عن أبِي سعيدٍ
(3)
، فإنَّ ذلك لا يَرُدُّ شَيئًا.
ويَدْعُو له، ويُستحَب بما رواهُ أبو داودَ والحاكِمُ، وقال:(علَى شَرْطِ البخاريِّ)، عنِ ابْن عبَّاسٍ مرفوعًا:«ما مِنْ عبدٍ مسلمٍ يعود مريضًا لم يَحضُرْ أجلُه، فيَقولُ سبْعَ مرَّاتٍ: أسألُ اللهَ العظيمَ ربَّ العرش العظيم أن يَشفِيَك؛ إلاَّ عُوفِيَ»
(4)
.
(1)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 208.
(2)
ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة 1/ 208، من رواية عبد الرحمن المتطبب، عن بشر بن الحارث قال: حدثنا المعافى بن عمران، عن سفيان بن سعيد، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود قالا: سمعنا عبد الله بن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك» ، وإسناده جيد، وأخرج الخطيب البغدادي في التاريخ 10/ 276، عن ابن سيرين قوله:(إذا حمد اللهَ العبدُ قبل الشكوى لم تكن شكوى).
(3)
أخرجه الترمذي (2087)، وابن ماجه (1438)، ولفظه:«إذا دخلتم على المريض، فَنَفِّسوا له في الأجل، فإن ذلك لا يرد شيئًا، وهو يطيب بنفس المريض» ، قال الترمذي:(حديث غريب)، وفي سنده موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي وهو منكر الحديث، وسئل أبو حاتم عن أحاديث رواها فقال:(هذه أحاديث منكرة، كأنها موضوعة، وموسى ضعيف الحديث جدًّا). ينظر: علل ابن أبي حاتم 5/ 617، العلل الكبير للترمذي ص 317، السلسلة الضعيفة (184).
(4)
أخرجه أحمد (2137)، وأبو داود (3106)، والترمذي (2083)، والبزار (5130)، وابن حبان (2975)، والحاكم (1268)، وصححه، وفي سنده أبو خالد الدالاني، مختلف فيه، قواه ابن معين وغيره، وضعفه ابن حبان وغيره، لكنه توبع في هذا الحديث، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق يخطئ كثيرًا وكان يدلس)، وحسن حديثه بعض أهل العلم، قال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وقال البزار:(وإسناده حسن)، وصححه النووي. ينظر: الخلاصة 2/ 912.
لكنْ ذَكَر ابنُ الجوزيِّ: يُكرَه أنْ يَعُودَ امْرأةً غيرَ مَحْرَمِهِ، أوْ تَعُودَه.
وتعودُ امرأةٌ امرأةً من أقاربها، وإن كانت أجنبية فهل يُكرَه؟ يَحتمِل وجهَينِ، وأطلَق غيرُه عيادتها
(1)
.
(وَيُذَكِّرُهُ
(2)
إذا خِيف موتُه، قاله في «الوجيز» ، (التَّوْبَةَ)؛ لأنَّها واجبةٌ عليه على كلِّ حالٍ، وهو أحوجُ إليها من غيرها؛ لقوله عليه السلام:«إنَّ الله يَقبَل توبةَ العبدِ ما لَمْ يُغَرْغِرْ»
(3)
؛ يعني: ما لَمْ تبلُغ روحُه إلى حَلْقِه.
(وَالْوَصِيَّةَ)؛ لقَولِه عليه السلام: «ما حَقُّ امْرِئٍ مسلمٍ له شَيءٌ يُوصِي به يَبِيتُ لَيْلَتَينِ إلاَّ وَوَصِيَّتُه مكتوبةٌ عندَه» متَّفَقٌ عليه من حديثِ ابن عمرَ
(4)
.
(فَإِذَا نُزِلَ بِهِ)؛ أي: نزل الملكُ به لقبض
(5)
رُوحه؛ (تَعَاهَدَ) أرْفَقُ أهْلِه وأتْقاهُم لربِّه (بَلَّ حَلْقِهِ بِمَاءٍ وَشَرَابٍ
(6)
، وَنَدَّى شَفَتَيْهِ بِقُطْنَةٍ)؛ لأنَّ ذلك يُطفِئُ ما نَزَل به من الشِّدَّة، ويُسهِّلُ
(7)
عليه النُّطْقَ بِالشَّهادة.
(وَلَقَّنَهُ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)؛ لِمَا رَوَى مسلمٌ عن أبِي سعيدٍ مرفوعًا: «لَقِّنُوا
(1)
في (أ): إعادتها. والمثبت موافق لما في الفروع 3/ 261.
(2)
في (د): ونذكره، وفي (ز): وتذكيره.
(3)
أخرجه أحمد (6160)، والترمذي (3537)، وابن ماجه (4253)، وابن حبان (628)، والحاكم (7659)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفي سنده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي، قال أحمد:(أحاديثه مناكير)، وضعفه ابن معين وغيره، وقال أبو حاتم:(ثقة)، قال ابن حجر:(صدوق يخطئ)، والحديث حسنه الترمذي، وصححه الحاكم، وقال ابن القطان:(وهو عندي محتمل أن يقال فيه: صحيح)، وتعقبه الذهبي فقال:(بل هو منكر)، وضعفه البوصيري، وله طرق أخرى عن غير ابن عمر رضي الله عنهما. ينظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 413، الرد على ابن القطان للذهبي ص 58، تهذيب التهذيب 6/ 151.
(4)
أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627).
(5)
في (و): ليقبض.
(6)
في (ز): أو شراب.
(7)
في (أ): وليسهل.
مَوتاكم لا إلهَ إلاَّ اللهُ»
(1)
، وأُطلق على المحتضَر ميتًا باعتبار ما هو واقِعٌ لا محالةَ، وعن معاذٍ مَرْفوعًا:«مَنْ كان آخِرُ كَلامِه لا إلهَ إلاَّ اللهُ؛ دَخَل الجنَّةَ» رواه أحمدُ والحاكِمُ، وقال:(صحيحُ الإسْنادِ)
(2)
، واقتصَر عليها؛ لأنَّ إقرارَه بها إقْرارٌ بالأخرى، وفيه شَيءٌ.
وفي «الفروع» احتمالٌ، وقالَه بعضُ العلماء: يُلَقَّنُ الشَّهادتَينِ؛ لأنَّ الثَّانية تَبَعٌ، فلهذا اقْتَصَر في الخبر على الأُولَى.
قال أبو المعالِي: ويُكرَه من الوَرَثة بلا عُذْرٍ
(3)
.
(مَرَّةً)، نقله مُهنَّى وأبُو طالبٍ
(4)
، (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلَاثٍ)؛ لئلاَّ يُضْجِره، وعن ابن المبارَك لَمَّا حضَره الموتُ فجعل رجل يُلقِّنه لا إلهَ إلاَّ اللهُ، فأكثر عليه، فقال:(إذا قلت مرَّةً فأنا على ذلك ما لَمْ أتكلَّمْ)
(5)
.
(إِلاَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ، فَيُعِيدُ تَلْقِينَهُ بِلُطْفٍ وَمُدَارَاةٍ)، ذكَره النَّوويُّ إجْماعًا
(6)
؛ لأنَّ اللُّطفَ مطلوبٌ فِي كلِّ مَوضِعٍ، فهُنا أَوْلَى.
(وَيَقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَة {ياسين})؛ لقوله عليه السلام: «اقْرؤُوا يس علَى مَوتاكم» رواه أبو داود وابن ماجه، وفيه لِينٌ من حديث مَعقِل بن يَسَارٍ
(7)
، ولأنَّه يُسهِّلُ
(1)
أخرجه مسلم (916).
(2)
أخرجه أحمد (22034)، وأبو داود (3116)، والحاكم (1299)، وصححه، ورجاله ثقات عدا صالح بن أبي عريب، قال ابن حجر عنه:(مقبول)، وقال ابن منده:(مصري مشهور)، وروى له جماعة ووثقه ابن حبان، ولذا قال الألباني:(فهو حسن الحديث إن شاء الله)، وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ينظر: الإرواء 3/ 149.
(3)
أي: التلقين. كما في الفروع 3/ 271.
(4)
ينظر: زاد المسافر 3/ 279.
(5)
ينظر: سنن الترمذي 2/ 299.
(6)
ينظر: شرح مسلم 6/ 219.
(7)
أخرجه أبو داود (3121)، والنسائي في الكبرى (10846)، وابن ماجه (1448)، وهو حديث ضعيف، فيه راويان مجهولان، وأعله الدارقطني وابن القطان وغيرهما بالاضطراب والوقف، قال ابن حجر:(أعله ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه، ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال: هذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث). ينظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 49، التلخيص الحبير 2/ 244، الضعيفة (5861).
خروجَ الرُّوح.
ونَصَّ علَى أنَّه يَقْرَأُ عنده بفاتحة الكتاب
(1)
، وقيل: وتَبارَكَ.
(وَ) يُستحَبُّ (تَوَجُّهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ)؛ لقوله عليه السلام عن البيت الحرام: «قِبلتُكم أحياءً وأمواتًا» رواهُ أبو داودَ
(2)
، ولقول حُذَيفةَ: «وَجِّهوني
(3)
»
(4)
.
وعلى جنبه الأيْمَنِ أفضلُ، نَصَّ عليه
(5)
، إنْ كان المكانُ واسِعًا.
وعنه: مستلْقِيًا
(6)
، اختاره الأكثر.
وعنه: سواءٌ.
وعلى الثَّانية: يرفع رأسَه قليلاً؛ ليَصيرَ وجهُه إلى القِبلة، ذكرَه جماعةٌ.
ويُستحَبُّ تطهير ثيابه، ذكره في «المغني» ، و «الشَّرح» ؛ لأنَّ أبا سعيدٍ لَمَّا حضره الموتُ؛ دعا بثيابٍ جُدُدٍ فلبِسها، ثم قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:
(1)
ينظر: المغني 2/ 335.
(2)
أخرجه أبو داود (2875)، والحاكم (197)، والبيهقي في الكبرى (6723)، وفي سنده: عبد الحميد بن سنان، قال البخاري:(في حديثه نظر)، وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البيهقي (6724)، قال ابن حجر:(ومداره على أيوب بن عتبة وهو ضعيف، وقد اختلف عليه فيه)، وحسنه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 237، الإرواء 3/ 154.
(3)
قوله: (وجهوني) سقط من (و).
(4)
أخرجه ابن أبي الدنيا في المحتضرين (309)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (12/ 296)، عن ربعي بن حراش، عن أخته امرأة حذيفة رضي الله عنه. وإسناده صحيح إلى امرأة حذيفة، وقد ذكرها العجلي في الثقات (ص 525)، ولم نقف على من ترجم لها.
(5)
ينظر: زاد المسافر 2/ 280.
(6)
في (د) و (و): ملتقيًا.
«الميت يُبعَث في ثيابه التي يَموتُ فيها» رواه أبو داودَ
(1)
، وذكر ابنُ الجَوزيِّ عن بعض العلماء: أنَّ المرادَ بثيابِه: عملُه.
(فَإِذَا مَاتَ؛ أَغْمَضَ
(2)
عَيْنَيْهِ)؛ لأنَّه عليه السلام أغْمَض أبا سلمةَ، وقال:«إنَّ الملائكةَ يؤمِّنون علَى ما تَقولون» رواه مسلمٌ
(3)
، وعن شدَّادٍ مَرفوعًا:«إذا حضرتُم الميتَ فأغْمِضوا البَصَرَ، فإنَّ البصرَ يَتْبَع الرُّوحَ، وقُولوا خَيرًا، فإنَّه يُؤمَّن علَى ما قال» رواه أحمدُ
(4)
، ولئلاَّ يَقْبُحَ مَنْظَرُه ويُسَاءَ به الظَّنُّ.
ويقول من يُغَمِّضه: باسم الله، وعلى وفاة رسول الله، نَصَّ عليه
(5)
.
فرعٌ: يُغمِّض الرَّجلُ ذاتَ مَحرَم، وتغمضه، وكَرِه أحمدُ أن تغمضه
(6)
(1)
أخرجه أبو داود (3114)، وابن حبان (7316)، والحاكم (1260)، والبيهقي في الكبرى (6603)، ورجاله ثقات عدا يحيى بن أيوب الغافقي وهو مختلف فيه فوثقه جماعة، وضعفه آخرون بسبب روايته لمناكير، ولذا قال ابن حجر في التقريب:(صدوق ربما أخطأ)، وصححه النووي والألباني، ومال الإشبيلي والمعلمي إلى أن غيره أصح منه، قال الإشبيلي:(وما روي من قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس يحشرون حفاة عراة» أصح من هذا وأشهر)، وقال المعلمي:(فأما ما رُوي عن أبي سعيد الخدري، وفيه: «أن الميت يبعث في ثيابه التي مات فيها»، فأحسبه تفرد به يحيى بن أيوب الغافقي، وهو ممن يَكثر خطؤه، ومنهم من تأوله، راجع فتح الباري). ينظر: الخلاصة 2/ 919، الأحكام الكبرى 2/ 486، الفتح 11/ 383، تحقيق الفوائد المجموعة للمعلمي (ص 271)، السلسلة الصحيحة (1671).
(2)
في (أ): غمض.
(3)
أخرجه مسلم (919).
(4)
أخرجه أحمد (17136)، وابن ماجه (1455)، والبزار (3478) والطبراني في الكبير (7168)، والحاكم (1301)، وفي سنده قزعة بن سويد وهو ضعيف، وقد تفرد به، قال ابن عدي:(وهذا الحديث لا أعلمه رواه عن حميد غير قزعة)، وصححه الحاكم والألباني، ويشهد له حديث أم سلمة الذي في صحيح مسلم، وسبق تخريجه قريبًا، وفيه:«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر» الحديث. ينظر: الكامل 3/ 72، السلسلة الصحيحة (1092).
(5)
ينظر: زاد المسافر 2/ 280.
(6)
في (أ) و (د) و (و): يغمضه.
حائضٌ أوْ جُنُبٌ أو يَقرَباه
(1)
.
وتغمض
(2)
الأنثى مثلُها أو صبِيٌّ، وفي الخنثى وجهان.
(وَشَدَّ لَحْيَيْهِ
(3)
؛ لئلاَّ يَدخُله الهوامُّ، أو الماء في وقت غَسْله.
(وَلَيَّنَ مَفَاصِلَهُ)؛ لِتَبقَى أعضاؤه سهلةً على الغاسِل ليِّنةً، ومعناه: أنَّه يَرُدُّ ذراعَيه إلى عَضُدَيه، ثم يَرُدُّهما إلى جنبه، ثم يَرُدُّهما ويرد ساقيه
(4)
إلى فخِذَيه، وهما إلَى بطنه، ثم يَرُدُّهما، ويكون ذلك عَقِب موته قبل قَسوتها، فإن شقَّ ذلك تَركَه.
(وَخَلَعَ ثِيَابَهُ)؛ لئلاَّ تُحمي
(5)
جسدَه فيُسرِع إليه الفساد ويتغير، وربَّما خرجت منه نجاسةٌ فلوَّثها.
(وَسَجَّاهُ)؛ أي: غطَّاه (بِثَوْبٍ يَسْتُرُهُ)؛ لِمَا رَوتْ عائشةُ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حين تُوُفِّي سُجِّي بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ» متَّفقٌ عليه
(6)
، ولأنَّه أعظمُ في كرامته.
وينبغي أن يُعطَف فاضلُ الثَّوب عند رأسه ورجلَيه؛ لئلاَّ يَرتَفِع بالرِّيح.
(وَجَعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً) بكسر الميم؛ التي يُنظر فيها، (أَوْ نَحْوَهَا) من حديدٍ أوْ طِينٍ؛ لقول أنسٍ:«ضَعُوا على بطنه شيئًا من حديدٍ»
(7)
، ولئلا ينتفخ
(8)
بطنُه، قال ابنُ عقيلٍ: وهذا لا يُتصوَّر إلاَّ وهو على ظهره.
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 279.
(2)
في (و): ويغمض.
(3)
في (أ): لحيته.
(4)
في (أ): ساقه.
(5)
وفي (د) و (و): يحمي.
(6)
أخرجه البخاري (5814)، ومسلم (942).
(7)
أخرجه ابن حبان في الثقات (4/ 28)، وفي إسناده أيوب بن سليمان، وهو مجهول، وأخرجه البيهقي (6610) بإسناد آخر، وفيه محمد بن عقبة السدوسي، وهو ضعيف.
(8)
في (ز): ينفتح.
(وَوَضَعَهُ عَلَى سَرِيرِ غَسْلِهِ)؛ لأنَّه يُبعِد عن الهوامِّ، ويَرتفِع عن نَداوة الأرض.
(مُتَوَجِّهًا) إلَى القِبلة على جنبه الأيْمَن، وقيل: على ظهره، (مُنْحَدِرًا نَحْوَ رِجْلَيْهِ)؛ أي: يكون رأسُه أعلى
(1)
من رجليه
(2)
؛ ليَنصَبَّ عنه ماءُ الغسل وما يَخرُج منه.
(وَ) يَجِبُ أنْ (يُسَارَعَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ)؛ لِما رَوَى الشَّافعيُّ وأحمدُ والتِّرمذيُّ وحسَّنه، عن أبي هريرة مرفوعًا:«نفْسُ المؤمن معلَّقةٌ بدَينه حتَّى يُقضَى عنه»
(3)
، ولا فرق بين دَيْن الله تعالى ودَيْن الآدمي.
زاد في «الرِّعاية» : قبل غَسْلِه، وقال السَّامَرِّيُّ: قبل دَفْنه بوفائه أو برهْنٍ أو ضَمِينٍ عنه إن تعذَّر وفاؤه عاجِلاً، ولِما فيه من إبْراء الذِّمَّة.
(وَ) يُسَنُّ (تَفْرِيقُ وَصِيَّتِهِ)؛ لِمَا فيه من تعجيل الأجْر.
واقتضى ذلك: تقديم الدَّين على الوصيَّة؛ لقول علِيٍّ: «قضَى رسولُ الله
(1)
في (و): أعلاه.
(2)
في (أ): رجله.
(3)
أخرجه الشافعي (ص 361)، وأحمد (10599)، والترمذي (1078، 1079)، وابن ماجه (2413)، والحاكم (2219)، من طريق سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ووقع فيه اختلاف، فقيل هكذا، وقيل: عن سعد، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، ورجَّح الترمذي والدارقطني الوجه الثاني، قال الترمذي بعد أن أخرجه:(هذا حديث حسن وهو أصح من الأول)، وعمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، ضعفه جماعة كابن سعد وابن معين في رواية، ونقل ابن عبد البر عن أحمد بن زهير قال:(سئل يحيى بن سعيد عن هذا الحديث فقال: هو صحيح، وسئل عن عمر بن أبي سلمة فقال: ضعيف الحديث)، وقال البخاري:(صدوق إلا أنه يخالف في بعض حديثه)، وقال أبو حاتم:(ليس بذاك القوي)، وقال ابن عدي:(حسن الحديث لا بأس به)، وقال ابن حجر:(صدوق يخطئ)، وصحح الحاكم الحديث. ينظر: علل الدارقطني 9/ 303، التمهيد 23/ 236، تهذيب التهذيب 7/ 457.
صلى الله عليه وسلم بالدَّين قبل الوصيَّة»
(1)
.
وذهب أبو ثَورٍ إلَى عكسه؛ لظاهِر النَّص.
وجوابه: أنَّ الوصيَّة لمَّا أشبهت الميراث
(2)
في كونها بلا عِوَضٍ، فكان في إخْراجها مشقَّةٌ على الوارث، فقُدِّمت؛ حثًّا على إخراجها.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: (ولذلك
(3)
جِيءَ بكلمة «أوْ» التي للتَّسوية)
(4)
؛ أي: فيستويان في الاهتمام وعدم التَّضييع
(5)
وإنْ كان مقدَّمًا عليها.
(وَتَجْهِيزُهُ)؛ لقوله عليه السلام: «لا يَنبغِي لجيفة مُسلِمٍ أنْ تُحبس بين ظهرانَيْ أهلِه» رواه أبو داودَ
(6)
، ولأنَّه أصْونُ له، وأحْفَظُ من التَّغيير، لكنْ لا بأس أنْ
(1)
أخرجه أحمد (595، 1091)، والترمذي (2094)، وابن ماجه (2715)، وابن الجارود (950)، والبيهقي في الكبرى (12561)، ومداره على الحارث الأعور، قال البيهقي:(والحارث لا يحتج بخبره لطعن الحفاظ فيه)، وله طريق أخرى أخرجه الدارقطني (4152)، والبيهقي (12563)، من رواية يحيى بن أبي أنيسة الجزري، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب، لكن يحيى الجزري قال عنه أحمد والدارقطني:(متروك)، وقال البخاري:(ليس بذلك)، وعلقه البخاري بصيغة التمريض (4/ 5)، قال ابن حجر:(إسناد ضعيف، لكن قال الترمذي: "إن العمل عليه عند أهل العلم"، وكأن البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه، وإلا فلم تَجْرِ عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج به)، وحسنه الألباني، ومما يقوي خبر الحارث الأعور هنا أيضًا أن ابن كثير قال عنه:(لكن كان حافظًا للفرائض معتنيًا بها وبالحساب). ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 364، تفسير ابن كثير 2/ 229، الفتح 5/ 377، الإرواء 6/ 107.
(2)
في (أ): الموات.
(3)
في (أ): وكذلك.
(4)
ينظر: تفسير الزمخشري 1/ 484.
(5)
في (د) و (و): التضيع.
(6)
أخرجه أبو داود (3159)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (6620)، عن سعيد بن عثمان البلوي، عن عروة بن سعيد الأنصاري، عن أبيه، عن الحصين بن وحوح: أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، وذكره. قال الإشيبلي:(إسناده ليس بقوي)، وقال الألباني:(وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ مَنْ دون حصين بن وحوح لا يعرفون، وقد قال الحافظ في كلٍّ من عروة بن سعيد الأنصاري وأبيه: "مجهول"، وفي البلوي: "مقبول"، مع أنه لم يرو عنه غير عيسى بن يونس، ولم يوثقه غير ابن حبان). ينظر: الأحكام الوسطى 2/ 125، الضعيفة (3232).
يَنتَظِرَ منْ يَحضُره من وليِّه وغيره إن كان قريبًا، ولم يُخْشَ عليه أو يشق على الحاضرين، نَصَّ عليه
(1)
.
فإنْ مات فجأةً، أو شُكَّ في موته؛ انتُظِر به حتَّى يُعلَم موتُه، قال أحمدُ: من غُدوةٍ إلَى اللَّيل
(2)
.
وقال القاضي: يُترك
(3)
يومَينِ أو ثلاثةً ما لم يُخَف فسادُه.
(إِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ بِانْفِصَالِ
(4)
كَفَّيْهِ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ
(5)
، وَانْخِسَافِ
(6)
صُدْغَيْهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ)؛ لأنَّ هذه العلامات
(7)
دالَّةٌ على الموت يقينًا.
زاد في «الشَّرح» و «الرِّعاية» : وامتدادِ جِلْدة وجهه.
وظاهر «المستوعب» و «التلخيص»
(8)
و «الفروع» : أنَّ ذلك راجِعٌ إلى المسارَعة في تجهيزه، وكلامُ ابنِ تميمٍ دالٌّ على
(9)
أنَّه راجِعٌ إلى قوله: (وليَّن مفاصله) وما بعده.
وظاهِرُ كلامه في «المذهب» ، وصرَّح به ابن مُنَجَّى: أنَّه راجِعٌ إلى قضاء
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 281.
(2)
ينظر: المغني 2/ 337.
(3)
في (د) و (و): ترك.
(4)
قوله: (بانفصال) ضرب عليه في (ز).
(5)
قوله: (وميل أنفه) ذكر في (ب) و (ز) بعد قوله: (صدغيه)، وزيد في (ز): وانفصال كفيه.
(6)
في (ز): بانخساف.
(7)
في (ز): العاملات.
(8)
قوله: (والتلخيص) سقط من (أ).
(9)
في (د) و (و): إلى.
الدَّين وما بعده؛ لأنَّ الأوَّلَين لا وِلايَةَ لأحدٍ عليهما إلاَّ بعد الموت، والتَّجهيزُ قبل تيقُّنِ الموت تفريطٌ.
مسألةٌ: لا يُستحبُّ النَّعْيُ، وهو النِّداء بمَوته، بل يُكرَه، نَصَّ عليه. ونقل صالِحٌ: لا يُعجِبُنِي
(1)
.
وعنه: يُكرَه إعلامُ غير صديقٍ أو قريبٍ، ونقل حنبلٌ:(أو جارٍ)
(2)
.
وعنه: أو أهلِ دِينٍ.
ويتوجَّه: يُستحبُّ؛ لإعلامه عليه السلام أصحابَه بالنَّجاشِيِّ في اليوم الذي مات فيه، متَّفَقٌ عليه من حديث أبي هريرة
(3)
، وفيه كثرة المصلِّين، فيحصل لهم ثوابٌ ونفعٌ للميت.
ولا بأْسَ بتقبيله والنَّظر إليه، ولو بعد تكفينه، نَصَّ عليه
(4)
.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 273.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 273.
(3)
أخرجه البخاري (1245)، ومسلم (951).
(4)
ينظر: الفروع 3/ 274.
(فَصْلٌ فِي غَسْلِ المَيِّتِ)
(غَسْلُ الميت) المسلمِ، (وَتَكْفِينُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنُهُ: فَرْضُ كِفَايَةٍ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في
(1)
الذي وَقَصَتْه راحِلَتُه: «اغْسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ، وكفِّنوه في ثوبيه
(2)
» متَّفَقٌ عليه من حديث ابنِ عبَّاسٍ
(3)
وقال عليه السلام: «صَلُّوا علَى مَنْ قال: لَا إلهَ إلاَّ اللهُ» رواه الخلاَّلُ والدَّارَقُطْنيُّ، وضعَّفَ ابنُ الجَوزِيّ طُرُقَه كُلَّها
(4)
، والسُّترة واجبةٌ في الحياة، فكذا بعد الموت، ولأنَّ فِي تَرْكِه أذًى للنَّاس، وهَتْكًا لحُرمته
(5)
، ولا نَعلَم فيه خِلافًا.
وظاهِرُ «الوجيز» : أنَّ حملَه فرضُ كفايةٍ، وصرَّح فِي «المُذهب» بالاستحباب.
وأمَّا اتِّباعُه؛ فسُنَّةٌ، ذكره المؤلِّف وابن تميمٍ؛ لحديث البَرَاء
(6)
.
فعلى ما ذكره: يَسقُط فرضُها برجلٍ أو خنثى أو امرأةٍ.
ويُسنُّ لها الجماعةُ، إلاَّ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ويُشتَرَط لغَسْله: ماءٌ طَهورٌ، وإسلامُ غاسِل وعقْلُه، ولو جُنُبًا وحائِضًا، وفي مميِّزٍ روايتان؛ كأذانه.
فدلَّ على أنَّه لا يكفي من الملائكة، وهو ظاهِرُ كلامِ الأكْثَرِ، وفي
(1)
قوله: (في) سقط من (و).
(2)
في (أ): ثوبه.
(3)
أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206).
(4)
سبق تخريجه 2/ 473 حاشية (2).
(5)
في (أ): للحرمة.
(6)
أخرجه البخاري (1239)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه:«أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض» الحديث.
«الانتصار» : يكفي إنْ عُلِم.
تذنيبٌ: كَرِه أحمدُ للغاسِل والحفَّار أخْذَ أُجْرةٍ على عمَلِه إلاَّ أن يَكونَ محتاجًا، فيُعطَى من بيت المال، فإن تعذَّر أُعطِيَ بقدر عمله.
وذكر بعضُهم: أنَّ ما لا يَختصُّ فاعلُه أنْ يكونَ من أهل القربة أنَّه يجوز على الصَّحيح.
لكنْ ذَكَر القاضِي في «الجامع» : أنَّه إذا أُعطِيَ على الصَّلاة والحجِّ وتعليم القرآن من غير شرْطٍ أنَّه يَجُوز، وأحسنه كلامه في «الخصال»: إذا اختصَّ فاعله من أهل القربة إذا فعله عن نفسه عاد نفعه إلى غيره؛ كالجهاد والقضاء والإمامة؛ جاز أخذ الرَّزق عليه، وإن لم يَعُد نفعه إلى غيره؛ لم يَجُز كالصَّلاة والصِّيام والحجِّ، وكلُّ ما لم
(1)
يختصَّ فاعله أن يكون من أهل القربة كالبناء
(2)
يجوز أخذ الأجرة عليه فقط
(3)
.
(وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ: وَصِيُّهُ) العدلُ؛ لأنَّ «أبا بَكْرٍ أوْصَى أنْ تغسِّله امرأتُه أسماءُ»
(4)
، و «أوصى أنسٌ أن يغسله محمَّدُ بن سِيرينَ»
(5)
، ولأنَّه حقٌّ للميت؛ فقدِّم
(6)
فيه وصيُّه على غيره.
(1)
سقط (لم) من (أ).
(2)
في (د) و (و): كالنيابة. والمراد: كبناء المساجد. كما في الكافي وشرح الزركشي.
(3)
في (د) و (و): بقسط.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (6117)، وابن أبي شيبة (10970)، وابن المنذر في الأوسط (2941)، من مرسل ابن أبي مُليكة، وهو مرسل صحيح. وأخرجه عبد الرزاق (6124)، وابن سعد في الطبقات (3/ 203)، من مرسل أبي بكر بن حفص بن سعد، وهو مرسل صحيح، فيقوي أحدهما الآخر.
(5)
أخرجه أحمد في العلل برواية عبد الله (215)، وابن سعد في الطبقات (7/ 19)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (45/ 389)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 267)، وإسناده صحيح.
(6)
في (د) و (و): تقدم.
وقيل: أو فاسق.
وقيل: لا تصِحُّ الوصيَّة بذلك.
وقيل: بالصَّلاة فقط مع وجود عصبته
(1)
الصَّالح للإمامة.
(ثُمَّ أَبُوهُ)؛ لاختصاصه بالحُنُوِّ والشَّفقة، ولأنَّه مقدَّمٌ على الابن في ولاية النِّكاح، فكذلك في الصَّلاة.
(ثُمَّ جَدُّهُ) وإن علا؛ فلمشاركة الأب في المعنى.
وعنه: يُقدَّم الابْنُ علَى الجَدِّ لا علَى الأْبِ.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه تخريجٌ مِنْ نكاح).
(ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَاتِهِ)، فيقدَّم الابنُ، ثُمَّ ابنُه وإن نزل، ثُمَّ الأخُ من الأبوين، ثُمَّ من الأب، على ترتيب الميراث.
وعنه: يقدَّم أخٌ وابنه على جَدٍّ.
وعنه: سواءٌ.
(ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ) كالميراث، ثُمَّ الأجانِبُ، وهم أَولَى من زَوجةٍ، وأجنبيَّةٌ أَولَى من زوجٍ وسيِّدٍ، وزَوجٌ أَولَى من سيد، وزَوجةٌ أَولَى من أمِّ ولَدٍ.
ثم صديقُه، قاله بعضهم. قال في «الفروع»: فيتوجه منه
(2)
تقديم الجار على أجنبي.
(إِلاَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْأَمِيرَ)، وهو الإمامُ أو الحاكم مِنْ قِبَله؛ (أَحَقُّ بِهَا بَعْدَ وَصِيِّهِ)؛ لأنَّه عليه السلام كان يُصلِّي على الجنائِز
(3)
، ولم يُنقَل أنَّه كان يستأذِنُ أحدًا من العَصَباتِ.
(1)
في (د) و (و): عصبة.
(2)
قوله: (منه) سقط من (أ).
(3)
ورد في أحاديث كثيرة منها: في البخاري (460، 1317)، وفي مسلم (954).
وقد دلَّ علَى أنَّ الوصِيَّ يُقدَّم علَى الأميرِ؛ لأنَّ «أبا بكر أوصَى أنْ يُصلِّيَ عليه
(1)
عمرُ»، قاله أحمدُ
(2)
، وقال: أوْصَى عُمرُ أنْ يصلِّيَ عليه صُهَيبٌ
(3)
، وأَوْصتْ أمُّ سلمةَ أنْ يُصلِّيَ عليها سعيدُ بن زَيدٍ
(4)
، وأوْصَى
(1)
في (د): على.
(2)
الذي في مسائل صالح 3/ 137: (قلت: الرجل يوصي أن يصلي عليه رجل هو أحق أو ولده؟ قال: الموصى إليه أحق؛ أبو بكر صلى عليه عمر، وعمر صلى عليه صهيب، وأبو بكرة صلى عليه أبو برزة، ومسروق صلى عليه شريح، ويونس بن جبير صلى عليه أنس بن مالك).
وأثر أبي بكر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6364)، وابن سعد في الطبقات (3/ 207)، عن الزهري قال:«صلى عمر على أبي بكر، وصلى صهيب على عمر» ، وهو مرسل ورجاله ثقات.
(3)
أخرجه الحاكم (4516)، والبيهقي في الكبرى (7039)، وابن عساكر في تاريخه (44/ 449)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه أحمد كما في مسائل أبي داود (218)، وابن أبي شيبة (11299)، وابن المنذر في الأوسط (3087)، عن عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار، قال:«لما توفيت أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، وكان أمير المدينة يومئذ مروان» ، وأخرجه الحاكم (6767)، عن عطاء بن السائب، عن محارب، قال: حدثني ابنٌ لسعيد بن زيد: وذكره. وأخرجه يعقوب بن شيبة في المعرفة (1/ 216)، والبيهقي في الكبرى (6898)، عن عطاء بن السائب، وجعل مكان (أم سلمة): ميمونة، ولم يذكر ابن سعيد. وأخرجه البخاري في التاريخ الأوسط (469)، من طريق أبي عوانة، عن عطاء بن السائب، وذكر ابن سعيد، وجعل مكان (أم سلمة): ميمونة. وأخرجه البغوي في معجم الصحابة (963)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (21/ 88)، عن عطاء بن السائب، وذكر ابن سعيد، وجعل مكان (أم سلمة): زينب.
فاضطرب عطاء بن السائب فيه، وهو ممن اختلط بأخرة، وقد روى عنه هذا الأثر: جرير بن عبد الحميد وخالد بن عبد الله وأبو عوانة وأبو حمزة السكري، وجميعهم روى عنه بعد الاختلاط.
وأخرجه ابن أبي شيبة (11304)، من طريق سفيان، عن عطاء بن السائب، عن محارب، لكن بلفظ:«أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سوى الإمام» ، قال البيهقي في الكبرى:(وهذا أصح)، فالثوري روى عنه قبل الاختلاط، فالإسناد إلى محارب حسن، إلا أنه منقطع، محارب لم يدرك أم سلمة رضي الله عنها، قال الذهبي في السير 2/ 208:(منقطع).
وذِكْرُ سعيد بن زيد مشكل، قال الحافظ في الإصابة 8/ 344:(سعيد بن زيد مات قبل تاريخ موت أم سلمة على الأقوال كلها)، ولو ثبت أنها أوصت بأن يصلي عليها سعيدًا، فقد وجَّه الذهبي وابن حجر: بأنها كانت أوصت بأن يصلِّي سعيد عليها في مَرضةٍ مَرِضتها، ثم عوفيت، ومات سعيد قبلها.
أبُو بَكْرةَ أن يصلِّيَ عليه أبو هُرَيْرةَ
(1)
.
فإنْ قَدَّم الوصِيُّ غَيرَه؛ فوجهان.
فإنْ وصَّى إلَى اثْنَينِ؛ قيل: يُصلِّيَانِ معًا، وقيل: منفردَين.
ووصيَّته إلى فاسقٍ مبني
(2)
على صحَّة إمامتِه.
(وَغَسْلُ الْمَرْأَةِ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ) وصيَّتُها، قاله في «المحرَّر» و «الفروع» ، زاد في «الوجيز»: غَيْرُ الفاسِقة، والمؤلِّف تَرَك ذِكْرَها؛ استِغْناءً بما سَبَقَ، (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ نِسَائِهَا)، فتُقدَّم
(3)
أُمُّها وإن عَلَتْ، ثم بِنْتُها وإن نَزَلت، ثُمَّ القُربَى كالميراث، وعمَّتُها وخالتُها سواءٌ؛ لاستوائهما في القرب والمحرميَّة، وكذا بنت أخيها وبِنْت أختها، وقيل: تقدَّم
(4)
بنت الأخ، ثُمَّ أقرب نساء محارمها، ثُم الأجنبيَّات.
فرعٌ: يُسَنُّ البَداءة بِمَنْ يُخاف عليه، ثم بِأَبٍ، ثُمَّ بأقربَ، ثُمَّ بأفْضلَ، ثُمَّ بأَسنَّ، ثُمَّ بِقُرعةٍ.
(1)
قال أحمد في مسائل صالح 3/ 137: (وأبو بكرة صلى عليه أبو برزة)، وذكره خليفة في طبقاته (ص 106)، وابن حبان في الثقات (3/ 411)، وابن عساكر في تاريخه (62/ 201)، وابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1615)، ولم نقف عليه مسندًا.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: أخبرت يحيى بن معين عن المدائني، قلت له: إنه أخبرنا أن أبا بكرة مات سنة إحدى وخمسين أو في سنة اثنتين وخمسين، وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة، فقال يحيى:(يُقال). ينظر: تهذيب الكمال 30/ 9.
(2)
في (أ): تبنى.
(3)
في (و): فيقدم.
(4)
في (و): يقدم.
(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ غَسْلُ صَاحِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا هو المذهب؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لعائشةَ:«ما ضَرَّك لَوْ متِّ قَبْلِي فغسَّلْتُكِ وكفَّنْتُكِ، ثُمَّ صلَّيتُ عليكِ ودفَنتُكِ» رواهُ أحمدُ والدَّارَقُطْنيُّ بإسنادٍ فيه ابْنُ إسْحاقَ
(1)
، وروى ابنُ المنذر:«أنَّ عليًّا غسَّل فاطمةَ»
(2)
، وقد روي
(3)
عن عائشة أنَّها قالت: «لو استقبلْنا من أمرنا ما استدْبرْنا ما غسَّل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ نِساؤه»
(4)
،
(1)
أخرجه أحمد (25908)، وابن ماجه (1465)، وابن حبان (6586)، والدارقطني (1827)، من رواية بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة، وتابع ابنَ إسحاق في روايته صالحُ بن كيسان؛ أخرجه أحمد (25113)، والنسائي في الكبرى (7044)، لكن لم يقل صالح:«فغسلتك» ، ولفظه:«وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك» ، تفرد ابن إسحاق بذكر التغسيل، قال البيهقي:(الحفَّاظ يتوقَّون ما ينفرد به ابن إسحاق)، وأصله في البخاري (5666)، من غير هذا اللفظ أيضًا، وصححه الألباني. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 9/ 149، البدر المنير 5/ 207، الإرواء 3/ 160.
(2)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 43)، والحاكم (4769)، والدارقطني (1851)، والبيهقي في الكبرى (6661)، عن أم جعفر زوجة محمد بن علي، قالت: حدثتني أسماء بن عميس قالت: «غسلت أنا وعليٌّ فاطمةَ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وأم جعفر هي أم عون بن محمد، قال في التقريب:(مقبولة)، وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (3/ 396):(في سنده من يحتاج إلى كشف حاله)، وقد حسن إسناده ابن حجر والألباني، وقال الحافظ في التلخيص:(وقد احتج بهذا الحديث أحمد وابن المنذر، وفي جزمهما بذلك دليل على صحته عندهما)، ولم نقف على احتجاج أحمد به، بل ورد عنه خلاف ذلك، قال القاضي في التعليقة (4/ 169):(روى بكر بن محمد، عن أبيه قال: قيل لأبي عبد الله: غسل علي فاطمة رضي الله عنهم؟ قال: ليس له إسناد. وكذلك روى الفضل بن زياد عنه قال: يروى من طريق ضعيف)، ثم قال بعد ذلك:(يحتمل أن يكون قال ذلك مرة، ثم تبين صحته في الثاني؛ لأن أصحابنا رووا واعتمدوا عليه)، وهذا احتمال منه، وإلا فصريح كلام أحمد تضعيفه. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 327، الإرواء 3/ 162.
(3)
في (ب) و (ز): وروي.
(4)
أخرجه أحمد (26306)، وأبو داود (3141)، وابن ماجه (1464)، وابن الجارود (517)، والحاكم (4398)، وابن حبان (6627)، قال البيهقي في دلائل النبوة 7/ 242:(هذا إسناد صحيح)، وصححه الحاكم وابن حبان وابن الجارود، وقال ابن الملقن في البدر المنير 8/ 231:(وهذا الأثر حسن صحيح على شرط مسلم).
وقد وقَع ولم يُنكَر
(1)
، ولأنَّ آثار النِّكاح من عدَّة الوفاة والْإِرْث باقيةٌ، فكذا الغسلُ.
والثَّانية: ليس له ذلك؛ لأنها فرقة تباح
(2)
بها أختُها وأربَعٌ سواها، فوجب أن يحرم النَّظَرُ واللَّمْسُ؛ كالمطلَّقة قبل الدُّخول، ولأنَّ البَيْنونة حصلت بالموت، وزالت عِصْمةُ النِّكاح، فلم يَجُز كالأجنبيَّة.
وعنه: يجوز لعدم غيره، فيَحرُم نظر عورةٍ.
وحُكِيَ عنه: المنعُ مطلقًا؛ كالمذهب فيمن أبانها في
(3)
مرضه.
وعنه: يجوز لها دونه، اختاره الخِرَقيُّ
(4)
، وابن أبي موسى، والفرق: أنَّ للمرأة رخصةً في النَّظَر للأجنبيِّ، بخلاف الرَّجل؛ إذْ مَحذورُ الشَّهوة فيها أخفُّ.
وقد نفاه المؤلِّف، وحمَلَ كلامه على التَّنزيه، وفيه نَظَرٌ، فإنَّه ظاهِرُ رواية صالحٍ
(5)
.
(1)
في (و): ولم يذكر.
(2)
في (و): يباح.
(3)
في (و): من.
(4)
جاء في الفروع 2/ 390: (ويغسل امرأته، نقله الجماعة و"م ش" وعنه: لعدم، وعنه: المنع، اختاره الخرقي)، وقال في تصحيح الفروع معلقًا:(إنما اختار الخرقي الرواية الثانية لا الثالثة، فإنه قال: وإن دعت الضرورة إلى أن يغسل الرجل زوجته فلا بأس، والمصنف قد أثبت ثلاث روايات، والشيخ الموفق لما نفى رواية الجواز مع الضرورة؛ جعل اختيار الخرقي الجواز مطلقًا، لا المنع مطلقًا، فعلى كلا التقديرين؛ لم يختر الخرقي المنع مطلقًا كما قال المصنف).
(5)
ينظر: مسائل صالح 1/ 271.
وعلى الأُولَى: يَشمَلُ ما قبل الدُّخول، وأنَّها تغسِّله وإن لم تكن
(1)
في عدَّةٍ، كما لَوْ ولدَتْ عَقِب موته، والمطلَّقة الرَّجْعيَّة إن أبيحت
(2)
، وعنه: المنع؛ بناءً على تحريمها.
(وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ سُرِّيَّتِهِ)؛ لأنَّها فِراشٌ له ومملوكةٌ، وحكم الملك في
(3)
إباحة اللَّمس والنَّظر
(4)
حكم الزَّوجة في الحياة، بل بقاء الملك أَولَى؛ لبقاء وجوب تكفينها ومُؤْنة دفنها كالحياة، بخلاف الزَّوجة.
والثَّانية: المنعُ؛ لأنَّ الملك
(5)
يَنتقِل فيها إلى غَيرِه.
وعلى الأُولَى: لا يُغسِّل أمتَه المزوَّجةَ والمعتدَّةَ مِنْ زوجٍ، فإن كانت في استبراءٍ فوجهان، ولا المعتَقَ بعضُها.
وحُكْمُ أمِّ الولد كالأمَة، وفيه وجهٌ؛ لأنَّها عَتَقتْ بموته، ولم تَبقَ عُلْقةٌ من ميراثٍ ونحوه.
فائدةٌ: السُّرِّيَّة: هي الأمة التي بوَّأها بيتًا، منسوبةٌ إلى السِّرِّ؛ وهو الجِماعُ، وضموا السِّين؛ لأنَّ الحركات قد تُغيَّر في
(6)
الأبنية خاصَّة، كما قالوا في النِّسبة
(7)
إلى الدَّهر: دُهريّ، وقال الأخفش: هي
(8)
مشتقة من السِّر؛ لأنَّه يُسَر بها
(9)
.
(1)
في (و): لم يكن.
(2)
في (أ): (أتمت).
(3)
في (د) و (و): من.
(4)
في (أ): النظر واللمس.
(5)
قوله: (أولى لبقاء وجوب تكفينها ومؤنة دفنها كالحياة، بخلاف الزوجة، والثانية المنع؛ لأنَّ الملك) سقط من (و).
(6)
في (ز) و (و): تعبر في.
(7)
في (و): النسية.
(8)
قوله: (هي) سقط من (أ).
(9)
في (د) و (و): يسرها. وينظر: المطلع ص 146.
(وَلِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ غَسْلُ مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ)، ذكرًا كان أوْ أنثى، نَصَّ عليه
(1)
، واختاره الأكثرُ؛ لأنَّه لا عَورةَ له، بدليل أنَّ إبراهيم ابنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم غسَّله النِّساء
(2)
، قال ابنُ المنذِر:(أجمع كلُّ مَنْ نحفَظ عنه أنَّ المرأة تغسِّل الصَّبيَّ الصَّغيرَ)
(3)
، فتغسِّله مجرَّدًا بغير سُترةٍ، ولمس
(4)
عورته، والنَّظر إليها.
وعنه: الوقْفُ في الرَّجل للجارية.
وقيل: بمنعِه، اختاره المؤلِّف، وصاحب «الوجيز» ؛ لأنَّ عورتها أفحش.
وعنه: يُغسِّل ابنتَه الصَّغيرةَ.
وعنه: يكره دون سبع إلى ثلاثٍ.
(وَفِي ابْنِ السَّبْعِ وَجْهَانِ):
أحدهما: يجوز، قدَّمه ابنُ تميمٍ؛ لأنَّه فاقِدٌ أهليَّة فهمِ الخطاب، وليس محلًّا للشَّهوة، أشْبَهَ الطِّفل، لكنْ قال أحمد: يُستَرُ إذا بلغ السَّبعَ
(5)
.
والثَّانِي: لا، اختاره أبو بكرٍ وابن حامدٍ، وهو ظاهر «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأنه بلغ
(6)
سنًّا يَحصُل فيه التَّمييز،
(1)
ينظر: أحكام النساء ص 54، مسائل أبي داود ص 213.
(2)
أخرجه الزبير بن بكار في المنتخب في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (ص 58 - 60)، في قصة طويلة، وفيها: أن أم بردة هي من غسلت إبراهيم، وفي سنده إبهام وانقطاع.
وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 1926، أنه توفي في بيت أم بردة بنت المنذر زوج البراء بْن أوس، وهي التي أرضعته، فلم تزل ترضعه حَتَّى مات عنده، وذكر ابن الأثير قولاً في أسد الغابة 1/ 152: أن الفضل بن العباس هو الذي غسله.
وفي الروض الأنف للسهيلي 2/ 160: أن الذي غسّل إبراهيم أم بردة بنت المنذر مع أسماء بنت عميس، ومعهما علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وذكر في البداية والنهاية 8/ 250 أنه تولى تغسيله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي.
(3)
ينظر: الأوسط 5/ 338، الإجماع ص 44.
(4)
في (ب) و (ز): وتمس.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 213.
(6)
في (و): أبلغ.
أشبه من فوقها
(1)
، ولأنَّه مأمورٌ بالصَّلاة والتَّفرقة بينهم في المضاجع.
وقيل: تحد الجارية بتسعٍ؛ لقول عائشة: «إذا بلغت الجاريةُ تسع سنين فهي امرأةٌ» رواه أحمد، وذكره البخاري
(2)
.
وظاهره: أنَّه إذا زاد على السَّبع لا يُغسِّله غير
(3)
نوعه، صرَّح به في «النِّهاية» وغيرها؛ لأنَّه يصير محلًّا للشَّهوة، ويَحرُم النَّظر إلى عورته المغلَّظة؛ كالبالغ.
وعنه: إلى عشر، اختاره أبو بكر، أمكن الوطء أو لا.
(وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ، أَوِ امْرَأَةٌ بَيْنَ رِجَالٍ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ؛ يُمِّمَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا هو المنصور في المذهب؛ لما روى تَمَّامٌ في «فوائده» عن واثلة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ماتت
(4)
المرأةُ مع الرِّجال ليس بينها وبينهم مَحْرَم؛ تيمم كما يتيمم
(5)
الرجال»
(6)
، ولأنَّه لا يحصل بالغسل من غير مسٍّ تنظيف
(7)
، ولا إزالة نجاسة، بل ربَّما كثُرت.
(1)
في (أ): فوقه.
(2)
تقدم تخريجه 1/ 395 حاشية (6).
(3)
في (و): عن.
(4)
في (د): مات.
(5)
في (أ): ييمم.
(6)
أخرجه تمام في فوائده (1230)، من طريق أيوب بن مدرك، عن مكحول، عن واثلة رضي الله عنه مرفوعًا، وأيوب متروك، بل قال ابن حبان:(روى عن مكحول بنسخة موضوعة، ولم يره).
وأخرجه أبو داود في المراسيل (414)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (6669)، من طريق محمد بن أبي سهل، عن مكحول مرسلاً، وهو مع إرساله موضوع؛ محمد بن أبي سهل هو محمد بن سعيد المصلوب، ذكر ذلك أبو حاتم الرازي وغيره، ونبه عليه ابن القطان والألباني، وله طرق أخرى واهية، وروي مقطوعًا من قول بعض التابعين عند ابن أبي شيبة في المصنف (10963). ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 293، بيان الوهم والإيهام 3/ 19، الضعيفة (6382).
(7)
في (أ): بنظيف.
والمنصوص: أنَّه يَلُفُّ على يده خِرقةً؛ لئلاَّ يَمَسَّه، وقيل: لا يجب إن كان ذا رحِمٍ مَحرمٍ.
وعلم منه
(1)
: أنَّه لا مدخل للرِّجال في غسل الأقارب من النِّساء، ولا بالعكس في قول أكثرهم؛ لتحريمها كالأجنبيَّة، وبناه ابنُ تميمٍ على تحريم النظر إلى
(2)
ما لا يظهر غالبًا.
وعنه: لا بأس بغسل ذاتِ مَحْرَم مِنْ فوق قميصٍ عند الضَّرورة.
(وَفِي الْأُخْرَى: يُصَبُّ عَلَيْهِ المَاءُ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ)؛ لأنَّه أمْكَن غسله مع ستر ما حَرُم النَّظَرُ إليه.
(وَلَا يُمَسُّ)، وتُغطَّى وجوههم، وقيل: بل يمسُّ من وراء حائلٍ.
وعنه: هو والتَّيمم سواءٌ.
والرِّجال أَولَى بالخنثى. وقيل: النِّساء.
(وَلَا يَغْسِلُ مُسْلِمٌ كَافِرًا)؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المُمتَحنَة: 13]، وفي غسله
(3)
تولٍّ لهم، ولأنَّه لا يصلَّى عليه كالأجنبي.
(وَلَا يَدْفِنُهُ)، ولا يَحمِلُه، ولا يكفِّنه، ولا يَتبَع جنازته؛ للنَّهي عن الموالاة، وهو عامٌّ، ولأنَّه تعظيمٌ وتطهيرٌ له، أشْبَهَ الصَّلاة عليه، وفارق غسله في حياته، فإنَّه لا يَقصِد ذلك.
ولا فرق فيه بين القريب والزَّوجة وغيرهما.
وعنه: يجوز ذلك كلُّه، اختاره الآجُرِّي، وأبو حفصٍ قال: رواه الجماعة
(4)
.
(1)
قوله: (منه) سقط من (أ).
(2)
قوله: (إلى) سقط من (ب) و (و).
(3)
في (أ): غسلهم.
(4)
في (أ): جماعة. وينظر: الفروع 3/ 283.
وعنه: يَجوز دون غسله، قدَّمه ابنُ تميمٍ، واختاره المجْدُ، قال في «الرِّعاية»: وهو أظهرُ؛ لعدم ثبوته في قصَّة أبِي طالبٍ.
وعنه: دَفْنُه خاصَّةً كالعدَم؛ لأنَّه عليه السلام لَمَّا أُخبِر بموت أبِي طالبٍ قال لعليٍّ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ» رواه أبو داود والنَّسائي
(1)
.
وإذا غُسِّل؛ فكثوبٍ نَجِسٍ، فلا وضوء
(2)
ولا نية للغسل
(3)
، ويُلْقَى في حُفرةٍ، وإذا أراد أن يَتبعه؛ رَكِبَ وسار أمامَه.
(إِلاَّ أَلاَّ يَجِدَ مَنْ يُوَارِيهِ غَيْرُهُ) فإنَّه يلزمنا
(4)
دفنُه في ظاهر كلام أصحابنا؛ لأنَّ «قَتْلَى بدْرٍ أُلْقُوا في القليب»
(5)
، ولأنَّه يتضرَّر بتركه ويتغيَّر ببقائه، زاد بعضهم: وكذا حمله وتغسيله.
وظاهر
(6)
ما سبق: أنَّ الكافر لا يُغسِّل مسلمًا، نَصَّ عليه، وقد تقدَّم، وفيه وجهٌ: يجوز إن لم تجب نيَّة
(7)
غسله.
ويُغسِّل حلالٌ مُحرِمًا، وبالعكس؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما تصحُّ طهارته وغسله.
(وَإِذَا أَخَذَ فِي غَسْلِهِ؛ سَتَرَ عَوْرَتَهُ)، وهو ما بين سُرَّتِهِ وركبته على المذهب؛ حذارًا من النَّظر إليها؛ لقوله عليه السلام لعلي:«لا تُبْرِزْ فخذك، ولا تَنظُر إلَى فخِذِ حيٍّ ولا ميِّتٍ»
(8)
.
(1)
سبق تخريجه 1/ 279 حاشية (4).
(2)
في (أ): فلا فرض.
(3)
في (د): ولا بنية الغسل، وفي (ز): ولا بنية للغسل، وفي (و): والأشبه الغسل.
(4)
في (د) و (و): يلزمه.
(5)
أخرجه البخاري (520، 1794)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(6)
زيد في (ب): كلام أصحابنا.
(7)
في (أ): بنية.
(8)
سبق تخريجه 2/ 51 حاشية (6).
(وَجَرَّدَهُ)؛ نصَّ عليه في رواية الأثرم
(1)
، وهو المذهب؛ لأنَّ ذلك أمكن في تغسيله، وأبلغ في تطهيره، وأشبه بغسل الحيِّ، وأصْون له من التنجيس؛ إذ يحتمل خروجها منه، ولفعل
(2)
الصَّحابة بدليل أنهم قالوا: «لا نَدري أنجرِّد النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كما نُجرِّد موتانا»
(3)
، والظَّاهر أنه عليه السلام أمرهم به، وأقرَّهم عليه.
(وَقَالَ الْقَاضِي)، وهو رواية عن أحمدَ، واقتصر ابنُ هُبَيرةَ في حكايتها عنه فقط، واختارها الشَّريف وابن عقيل، وقدَّمها السامَريُّ وصاحب «التَّلخيص»: (يُغَسِّلُهُ
(4)
فِي قَمِيصٍ خَفِيفٍ وَاسِعِ الْكُمَّيْنِ)؛ «لأنَّه عليه السلام غُسِّل في قميصه» رواه مالكٌ
(5)
، وأحمدُ قال:(يعجبني أن يُغسَّل وعليه ثوبٌ، يُدخِل يده من تحت الثَّوب)
(6)
، ولأنَّه أسترُ للميت، وإن لم يكن واسعَ الكمَّينِ؛ توجَّه
(7)
أن يَفتِق رؤوسَ الدَّخارِيص، وأدخَلَ يدَه منها.
(1)
ينظر: الكافي 1/ 355.
(2)
في (د) و (و): وكفعل.
(3)
أخرجه أحمد (26306)، وأبو داود (3141)، وابن الجارود (517)، وابن حبان (6627)، والحاكم (4398)، وفي سنده محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس، وقد صرح بالتحديث في هذه الرواية، وصححه ابن حبان والحاكم وابن عبد البر، وحسنه النووي والألباني. ينظر: التمهيد 24/ 400، الخلاصة 2/ 935، الإرواء 2/ 162.
(4)
في (أ): يغسل، وفي (ز): تغسله.
(5)
أخرجه مالك (1/ 222)، وابن أبي شيبة (10888)، من رواية جعفر بن محمد، عن أبيه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غُسِّل في قميص» ، وهو مرسل، إلا أنه ثابت من حديث عائشة رضي الله عنها، قال ابن عبد البر:(والحُكم عندي فيه أنه مرسل عند مالك؛ لرواية الجماعة له عن مالك كذلك، إلا أنه حديث مشهور عند أهل السير والمغازي وسائر العلماء وقد رُوي مسندًا من حديث عائشة من وجه صحيح)، وسبق تخريجه في حاشية (3)، وفيه:«فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسَّلوه وعليه قميصه» ، وأخرجه البيهقي من وجه آخر (6625)، بسند في راوٍ ضعيف. ينظر: الاستذكار 3/ 53، التمهيد 2/ 158، الإرواء 3/ 159.
(6)
ينظر: مسائل عبد الله ص 134، التعليقة للقاضي 4/ 143.
(7)
في (د) و (و): يتوجه.
والأوَّلُ أشهرُ، وغسله عليه السلام في قميصٍ من خصائصه، واحتمال المفسدة مُنتفِيَةٌ في حقِّه؛ لأنَّه طيِّبٌ حيًّا ومَيتًا.
وظاهرُه: أنَّه لا يُغَطَّى وجهُه، نقله الجماعةُ
(1)
، والحديثُ المَرْوِيُّ فيه لا أصل له
(2)
، وظاهر كلام أبي بَكْرٍ يُسَنُّ، وأومأ إليه
(3)
؛ لأنَّه ربَّما تغيَّر لدمٍ أو غيره
(4)
فيُظنُّ السُّوءُ.
(وَيُسْتَرُ المَيِّتُ عَنِ الْعُيُونِ)، تحت سترٍ أو سقفٍ؛ لأنَّه ربَّما كان به عَيبٌ يَستُرُه في حياته، أو تظهر عَورتُه، واستَحبَّ ابنُ سِيرين أن يكون البيتُ مُظلِمًا، ذكره أحمدُ
(5)
؛ لأنَّه أسترُ، فدلَّ على أنَّه لا يُستَحَبُّ تغسيلُه تحت السَّماء؛ لئلاَّ يَستقبلها بعورته، وللخبر
(6)
.
ولا ينظر الغاسل إلاَّ لما [لا بُدَّ]
(7)
منه.
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 134.
(2)
وهو حديث: «خمِّروا وجوه موتاكم، ولا تشبهوا باليهود» ، أخرجه الطبراني في الكبير (11436)، والدارقطني (2773)، والبيهقي في الكبرى (6652)، من رواية حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وأعلَّه أحمد وغيره بالإرسال، قال أحمد:(أخطأ فيه حفص فرفعه)، ثم هو منكر، قال الزيلعي:(ثم هو مع إرساله منكر لا يجوز أن يقوله عليه السلام؛ لأنه لا يقول إلا الحق، واليهود لا تكشف وجوه موتاها). ينظر: العلل ومعرفة الرجال 2/ 383، الجوهر النقي 3/ 394، السلسلة الضعيفة (3556).
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 134، الفروع 3/ 285.
(4)
في (و): وغيره.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 169.
(6)
قال في المغني 2/ 339: (ذكر القاضي أن عائشة قالت: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته، فجعلنا بينها وبين السقف سترًا» ، ولم نقف عليه.
وأخرج أبو داود في مسائله (ص 196)، عن أبي مصلح، قال: أوصى الضحاك أخاه سالمًا، قال:«إذا غسلتني فاجعل حولي سترًا، واجعل بيني وبين السماء سترًا» .
(7)
كذا في (و)، وفي الأصل و (أ) و (ب) و (ز):(بد) دون (لا). والمثبت موافق لما في تعليقة القاضي 4/ 145، الهداية ص 119، التذكرة لابن عقيل ص 62.
(وَلَا يَحْضُرُهُ إِلاَّ مَنْ يُعِينُ فِي غَسْلِهِ)؛ لأنَّه ربَّما حدث
(1)
أمْرٌ يَكرَه الحيُّ أن يُطلَّع
(2)
منه على مثله، وربَّما ظهر فيه شيءٌ هو في الظَّاهر منكَرٌ، فيتحدَّث به، فيكون فضيحة
(3)
، والحاجة غير داعيةٍ إلى حضوره، بخلاف من يُعين الغاسل بصبٍّ ونحوه.
واستثنى القاضي وابنُ عَقِيلٍ: أنَّ لوليِّه الدُّخولَ عليه كيف شاء.
(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بِرِفْقٍ إلَى قَرِيبٍ مِنَ الْجُلُوسِ، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ)؛ ليَخرُج ما في جوفه من نجاسةٍ
(4)
، (عَصْرًا رَفِيقًا
(5)
؛ لأنَّ الميت في محلِّ الشَّفقة والرَّحمة.
وعنه: يفعلُه في الثَّانية.
وعنه: بل
(6)
في الثَّالثة؛ لأنَّه لا يَلِينُ حتَّى يصيبه الماءُ.
ويُستثْنَى منه الحامِلُ، فإنَّه لا يُعْصَر بطنُها؛ لخبرٍ رواه الخلاَّل
(7)
.
(1)
في (و): أحدث.
(2)
زيد في (و): عليه.
(3)
في (د) و (و): نصيحة.
(4)
في (د): نجاسته.
(5)
في (و): رقيقًا.
(6)
في (ب) و (ز): بلى.
(7)
أخرجه الطبراني في الكبير (304)، من رواية جنيد بن أبي وهرة وليث، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6765)، من رواية ليث فقط، من حديث أم سليم رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا توفيت المرأة فأرادوا غسلها، فليبدأ ببطنها، فليمسح مسحًا رفيقًا إن لم تكن حبلى، فإن كانت حبلى فلا يحركها» ، وليث بن أبي سليم ضعيف، وجنيد بن أبي وهرة لا بأس به، وأعله أبو حاتم وابنه والذهبي، قال أبو حاتم:(هذا حديث كأنه باطل، يشبه أن يكون كلام ابن سيرين)، وقال ابن أبي حاتم:(وليس لأم سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم في غسل الميت شيء)، وقال الذهبي:(جنيد بن أبي وهرة له حديث في غسل الميت طويل منكر). ينظر: علل ابن ابي حاتم 3/ 539، ميزان الاعتدال 1/ 425.
وظاهره: أنَّه لا يُجلِسه؛ لأنَّ فيه أذيَّةً له.
ويكون ثَمَّ بخور
(1)
؛ لئلاَّ يَظهَر منه ريحٌ.
(وَيُكْثِرُ صَبَّ المَاءِ حِينَئِذٍ)؛ ليَذهَب ما خَرَج، ولا تظهر
(2)
رائحته.
(ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً فَيُنَجِّيهِ) وِفاقًا
(3)
؛ لأنَّ في ذلك إزالةَ النَّجاسة، وطهارةً للميت من غير تعدِّي النَّجاسة إلَى الغاسل.
وظاهره: أنَّه
(4)
لا يكفي مسحها، ولا وصول الماء، بل يَجِب أن يُنَجَّى.
وتكفيه
(5)
خِرقةٌ واحدةٌ، قاله في «المحرَّر»
(6)
.
وقال غيره: بل
(7)
لا بدَّ
(8)
لكلِّ فرْجٍ من خِرْقةٍ؛ لأنَّ كلَّ خِرقةٍ خرج عليها شَيءٌ من النَّجاسة لا يُعتدُّ بها إلاَّ أن تُغسَل.
(وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَتِهِ)؛ لأنَّ النَّظر إليها حرامٌ، فمسُّها أَوْلَى.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّ سَائِرَ بَدَنِهِ إِلاَّ بِخِرْقَةٍ)؛ لفعل عليٍّ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(9)
، ولتزيلَ ما على بدنه من نجاسةٍ، ويأمَنَ مسَّ العورة المحرَّم
(10)
مسُّها.
قال ابنُ عقيلٍ: بدنُه عورةٌ؛ إكرامًا له من حيث وجب ستر جميعه،
(1)
في (ب) و (ز): يجوز.
(2)
في (أ): ولا يظهر.
(3)
ينظر: تبيين الحقائق 1/ 237، الذخيرة 2/ 445، الحاوي 3/ 9، المغني 2/ 340.
(4)
قوله: (أنه) سقط من (د) و (و).
(5)
في (د) و (و): ويكفيه.
(6)
في (د): «المجرد» .
(7)
قوله: (بل) سقط من (د).
(8)
قوله: (بل لا بدَّ) هو في (و): لأنه.
(9)
أخرجه ابن أبي شيبة (10887)، والبيهقي في الكبرى (6625)، وفي سنده يزيد بن أبي زياد، قال ابن حجر:(ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن)، وضعفه الألباني. ينظر: الإرواء 3/ 160.
(10)
في (أ): المحرم.
فيحرم
(1)
نظرُه، ولا يجوز أن يحضره إلاَّ مَنْ يُعينُ في أمره؛ وهو ظاهر كلام أبي بكرٍ.
فحينئذ
(2)
يُعِدُّ الغاسل خِرقَتينِ، إحداهما للسَّبيلَين، والأخرى لبقية بدنه.
(ثُمَّ يَنْوِي غَسْلَهُ)، وهي فرضٌ على الغاسل على الأصحِّ؛ لأنَّها طهارةٌ تَعبُّديَّةٌ، أشبهت غسل الجنابة.
والثَّانية، وهي ظاهر الخِرَقِيِّ وابنِ أبِي موسى وابنِ عَقيلٍ في «التَّذكرة»: لا؛ لأنَّ القَصْدَ التَّنظيفُ، أشْبَهَ غسل النَّجاسة.
والأُولى أَولَى؛ لأنَّه لو كان كذلك لمَا وَجَب غسل متنظف، ولجاز غسله بماء الوَرْد ونحوه.
وظاهره: أنَّه لا يَجِب الفعل، وهو وجهٌ، فلو كان الميتُ تحت ميزابٍ فنوى غسلَه إنسانٌ، ومضَى زَمَنٌ بعد النِّيَّة أجزأ.
ويَجِب في آخَرَ، وهو ظاهر كلام أحمد، فعلَى هذا لا يجزئ.
فلو حُمِل ووُضِع تحت ميزابٍ بِنِيَّةِ غَسلِه؛ أجزأَ وجهًا واحدًا، وكذا حكمُ الغَرِيق.
(وَيُسَمِّي
(3)
، وفيها الرِّوايات
(4)
السَّابقة.
(وَيُدْخِلُ أُصْبُعَيْهِ)، وهما السَّبَّابة والإبهام بعد غسل كفَّيه، نَصَّ عليه
(5)
، (مَبْلُولَتَيْنِ بِالمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفِي مَنْخِرَيْهِ فَيَنَظِّفُهُمَا)؛ لإزالة ما على تلك الأعضاء من الأذى، ولا يَجِبُ ذلك في الأصحِّ.
(1)
في (د): فحرم.
(2)
في (و): حينئذ.
(3)
في (و): ويسجى.
(4)
في (د) و (و): للزيادات.
(5)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 283.
والأَوْلَى أن يكون ذلك بخِرقةٍ، نَصَّ عليه؛ صيانةً لليد، وإكرامًا للميت، قاله الزَّرْكَشِيُّ
(1)
.
وقال
(2)
ابن أبي موسى: يَصُبُّ الماء على فِيهِ وأنفه، ولا يدخله فيهما.
(وَيُوَضِّئُهُ) كوضوء الصَّلاة؛ لِمَا في «الصَّحيح» : أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأمِّ عَطِيَّةَ في غسل ابنته: «ابدأن
(3)
بميامنها، ومواضِع الوُضوء منها»
(4)
.
وظاهره: أنَّه يَمسَح رأسَه.
قال أحمدُ
(5)
: يُوضَّأُ الميت مرَّةً واحدةً في الغَسلة الأُولَى إلاَّ أنْ يَخرُج منه شَيءٌ فيُعاد، وهو مستحَبٌّ لقيام مُوجِبه، وهو زوال عقله، وظاهر كلام القاضي وابن الزَّاغُونِي: أنَّه واجِبٌ.
(وَلَا يُدْخِلُ المَاءَ فِي فِيهِ، وَلَا أَنْفِهِ)؛ لأنَّه لا يُؤمَن معه وصوله إلى جَوفه، فيُفْضِي إلى المُثلة، وربَّما حصل منه الانفجار، وبهذا علَّل أحمدُ
(6)
.
(وَيَضْرِبُ السِّدْرَ فَيَغْسِلُ بِرغْوَتِهِ) هو مثلَّث الرَّاء (رَأْسَهُ، وَلِحْيَتَهُ، وَسَائِرَ بَدَنِهِ)؛ لقوله عليه السلام في المُحرِم: «اغسلوه
(7)
بماءٍ وسِدْرٍ»
(8)
، وقولِه للنساء
(9)
اللاَّتِي غسَّلْنَ ابنتَه: «اغسلنها ثلاثًا أو خَمْسًا أوْ سَبْعًا إنْ رأيتن
(10)
ذلك بماءٍ
(1)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 283.
(2)
في (د) و (و): وقاله.
(3)
في (و): ابتدئن.
(4)
أخرجه البخاري (167، 1254)، ومسلم (939).
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 192، مسائل صالح 3/ 149.
(6)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 283.
(7)
في (ب) و (ز): غسلوه.
(8)
أخرجه البخاري (1265)، ومسلم (1206).
(9)
في (و): النساء.
(10)
في (و): يأتين.
وسِدْرٍ»
(1)
، ولأن الرُّغوة تُزِيلُ الدَّرَنَ، ولا تتعلق بالشَّعر، وتزولُ بمُجرَّد مرور الماء.
وصريحه: أنَّ استعماله يكون في جميع البدن، وفي «الكافي» و «المحرر»
(2)
وقدَّمه في «الفروع» : أنَّه يكون في الرَّأس واللِّحية فقطْ.
ولا يُشترَط كونُه يسيرًا، خلافًا لابن حامدٍ، وقال: إنَّه الَّذي وجَد عليه أصحابَنا؛ ليَجمَع بين العمل بالخبر، ويكون الماء باقيًا على إطلاقه.
وقال القاضي وأبو
(3)
الخطَّاب: يُغسَلُ أوَّلَ مرَّةٍ بماءٍ وسِدْرٍ، ثُمَّ يُغْسَل عقب
(4)
ذلك بالماء القَراح، فيكون الجميع غسلةً
(5)
واحدةً، والاعتداد بالآخِر منهما؛ لأنَّ أحمد شبَّه غسله بغسل الجنابة
(6)
؛ لأنَّ السِّدر إن كثر سلب الطَّهوريَّة، واليسير لا يؤثِّر بِنَاءً على أنَّ
(7)
الماء تزول طَهوريَّته بتغيُّره بالطَّاهرات، والمؤلِّف لا يراه، لكن إن غلب على أجزائه؛ سلَبَه الطَّهوريَّة قولاً واحدًا، والمنصوص: أنَّه يكون في كلِّ الغَسَلات
(8)
.
(ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ، ثُمَّ الْأَيْسَرَ)؛ لقوله عليه السلام: «ابْدأْنَ بميامنها»
(9)
، ولأنَّه مسنونٌ في غسل الحيِّ، فكذا
(10)
الميت.
(1)
أخرجه البخاري (1254)، ومسلم (939).
(2)
في (د): و «المجرد» .
(3)
في (و): أبو.
(4)
في (د) و (و): عقيب.
(5)
في (د) و (و): غسل.
(6)
ينظر: المغني 2/ 342.
(7)
قوله: (أن) سقط من (د) و (و).
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 191، مسائل ابن منصور 3/ 1418.
(9)
أخرجه البخاري (167، 1254)، ومسلم (939).
(10)
زاد في (أ): في.
(ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ)؛ ليَعُمَّه بالغسل، وصفتُه: أن يَغسِل رأسَه ولحيتَه أوَّلاً، ثم يده اليمنى من منكبه إلى كتفه
(1)
، وصفحة عنقه اليمنى، وشِقَّ صدره وفخذه وساقه، يغسل الظَّاهر منه وهو مُسْتلْقٍ، ثُمَّ يَغسِل الأيسر كذلك، ثُمَّ يَرفَعُه من جانبه الأيمن ولا يكبه لوجهه، فيغسل الظَّهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه، ثُمَّ يغسل شقَّه الأيسرَ كذلك، ذكره القاضي والمؤلف
(2)
، فيَفرُغ من غسله مرَّةً في أربع دَفَعاتٍ.
وظاهر كلام أحمد وأبي الخطَّاب، وقاله المجْدُ: يفعل ذلك في دَفْعَتَيْنِ، فيَحرِفُه أوَّلاً على جنبه الأيسر، فيغسل شقَّه الأيمن من جهة ظهره
(3)
وصدره
(4)
، ثم يحرفه على جنبه الأيمن ويغسل الأيسر كذلك.
والأُولَى أبلغ في التَّنظيف، وكيفما فعل أجزأه.
(يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا)؛ لِمَا تقدَّم، إلاَّ الوضوء، فإنَّه مختصٌّ بأوَّل مرَّةٍ، وقيل: يعاد، وحُكي روايةً.
والتَّثليثُ مُستحَبٌّ، وتجزئ مرَّةً كالجنابة، لكن يُكرَه الاقتصار عليها، نَصَّ عليه
(5)
.
(يُمِرُّ يَدَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) على بطنه برفقٍ؛ لأنَّ فيه إخراجًا لِمَا تخلَّف، وأمْنًا من فساد الغسل بما يَخرُج منه بعدُ.
(فَإِنْ لَمْ يَنْقَ بِالثَّلَاثِ، أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ؛ غَسَلَهُ إِلَى خَمْسٍ، فَإِنْ زَادَ؛
(1)
هكذا بخط المؤلف وجميع النسخ الخطية، والذي في شرح الزركشي 2/ 284:(إلى كفِّه)، وفي الشرح الكبير 6/ 69:(إلى الكفين).
(2)
في (أ): المؤلف والقاضي.
(3)
في (ب) و (ز): وجهه.
(4)
في (د): فصدره.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 288.
فَإِلَى سَبْعٍ)؛ لما سبق
(1)
.
واختار أبو الخطَّاب وابنُ عَقِيلٍ: أنَّه إذا خرج منه نجاسةٌ بعد الثَّالثة أنَّه لا يُعادُ غَسلَه، بل يَغسِل محلَّ النَّجاسة ويُوضَّأُ؛ لأنَّ حكم الحيِّ كذلك، فالميتُ مثلُه.
والمذهبُ خلافُه؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّ الشَّارع إنَّما كرَّر الأمر بغسلها من أجل توقُّع النَّجاسة.
وظاهِرُه: أنَّ الخارج لا فرْق بين أن يكون من السَّبيلَينِ أو من غيرهما. وعنه: في الدَّم هو أسهلُ، فعليها في الإعادة احتمالان.
فائدةٌ: يُستحَبُّ خَضْبُ لِحية الرَّجل ورأس المرأة بالحِنَّاء، نَصَّ عليه
(2)
.
(وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ
(3)
كَافُورًا)؛ لقوله عليه السلام: «واجْعَلْنَ في الآخرة
(4)
كافورًا» متَّفقٌ عليه
(5)
، ولأنَّه يصلِّب الجسم، ويُبْرِده، ويُطيِّبُه، ويَطرُد عنه الهوامَّ بريحه
(6)
.
قيل: مع السِّدر، نقله الجماعة
(7)
، وعليه العملُ، ذكره الخلاَّل. وقيل: وحدَه في ماءٍ قَراحٍ، وقيل: يُجعَل في الكلِّ.
(وَالمَاءُ الْحَارُّ، وَالْخِلَالُ)، هو العُود الذي
(8)
يُتَخلَّلُ به، (وَالْأُشْنَانُ؛ يُسْتَعْمَلُ إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِ) لشدة
(9)
بَرْدٍ أو إزالة وَسَخٍ؛ لأنَّ إزالته مطلوبة شرعًا.
(1)
قوله: (لما سبق) سقط من (أ).
(2)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 59.
(3)
في (ب) و (و): الآخرة.
(4)
في (أ): الأخيرة.
(5)
أخرجه البخاري (167، 1254)، ومسلم (939).
(6)
في (أ): بريحته.
(7)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1418، زاد المسافر 2/ 292.
(8)
قوله: (الذي) سقط من (و).
(9)
في (د) و (ز) و (و): كشدة.
والمستحب أن يكون الخِلَال من شجرةٍ ليِّنةٍ تُنقِّي من غير جرحٍ، كالصفصاف ونحوه.
وظاهره: أنَّه إذا لم يحتج
(1)
إليه لا يستعمله، وصرَّح جماعة بالكراهة، وهو الأصحُّ بلا حاجةٍ؛ لأنَّ السُّنَّة لم تَرِد به، والمسخَّن يرخيه.
واستحبَّه ابن حامد؛ لأنَّه ينقي ما لا ينقي البارد.
(وَيَقُصُّ شَارِبَهُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ)؛ أي: إن طالا؛ لقول أنسٍ: «اصنعوا بموتاكم ما
(2)
تصنعون بعرائسكم»
(3)
، ولأنَّ تَرْكه يقبح منظره؛ فشرع إزالته كفتح عينيه، ولأنَّه فعل مسنونٌ في الحياة لا مضرَّة فيه، أشبه الغسل.
وعنه: لا يُقلِّم أظفارَه، بل ينقِّي وسخَها؛ لكونها لا تظهر، وهو
(4)
ظاهر الخِرَقيِّ، فيُخرَّج في نتف الإبط وجهان.
ويأخذ شعر إبطه في المنصوص
(5)
، وكذا عانته، قاله في «المحرَّر»
(6)
، وتزال
(7)
بالموسى أو المقراض، نَصَّ عليه
(8)
؛
(1)
في (و): يجرح.
(2)
في (أ): كما.
(3)
قال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 205): (هذا الحديث غريب، لا أعلم من خرَّجه بعد البحث عنه)، ونقل عن ابن الصلاح قوله:(بحثتُ عنه فلم أجده ثابتًا)، وقال في التلخيص (2/ 251):(وقال أبو شامة في كتاب السواك: هذا الحديث غير معروف)، وقال الألباني في الضعيفة 14/ 267:(لا أصل له).
وأخرج ابن أبي شيبة (10926)، عن بكر المزني قال: قدمت المدينة، فسألت عن غسل الميت، فقال بعضهم:«اصنع بميتك كما تصنع بعروسك غير ألا تخلقه» ، وإسناده صحيح كما قال الحافظ والألباني.
(4)
في (د): هو.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 134، مسائل ابن منصور 3/ 1388.
(6)
في (د): «المجرد» .
(7)
في (أ): ويقال.
(8)
ينظر: زاد المسافر 2/ 292.
لفعل سعد بن أبي وقَّاصٍ
(1)
. وقال القاضي: بنورة
(2)
؛ لأنَّها أسهل، ولا يَمَسَّها بيده، بل بحائلٍ.
والمذهب: أنَّها لا تؤخذ؛ لما
(3)
فيه من لمس العورة، وربَّما احتاج إلى نظرها، وهو محرَّمٌ، فلا يفعل لأجل مندوب، وهذا في غير المُحرِم.
ويدفن معه ما أخذ منه كعضوٍ ساقطٍ، ويعاد غسله، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّه جزء منه كعضوٍ، والمراد: يستحب.
وظاهره: أنَّه لا يَحلِق رأسَه، وظاهر كلام جماعة يُكرَه، قال في «الفروع»:(وهو أظهر).
رُدَّ: بأنَّه ليس من السنَّة في الحياة، وإنَّما يراد به الزِّينة أو النُّسُك، وهما لا يُطلبان هنا.
وكذا لا يختن
(5)
؛ لأنَّه إبانةُ جُزءٍ من أعضائه.
مسألةٌ: يزال عظم نجس جَبر به
(6)
كسرَه
(7)
إذا أمكن من غير مُثْلةٍ؛ كالحياة. وقيل: لا. وقيل: عكسُه.
فإن كانت عليه
(8)
جَبِيرةٌ؛ قُلِعَت للغسل الواجب، وإن سقط منه
(9)
شيء
(1)
أخرجه عبد الرزاق (6235)، وابن أبي شيبة (10951)، وأحمد كما في مسائل عبد الله (ص 134)، وابن المنذر في الأوسط (2938)، عن أبي قلابة عنه، ورجاله ثقات، واحتج به أحمد في رواية صالح وعبد الله. ينظر: التعليقة للقاضي 4/ 150.
(2)
في (د): بنوق.
(3)
في (أ): لأن.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1388، زاد المسافر 2/ 293.
(5)
في (د) و (و): ولذا لا يحقن.
(6)
في (أ): جبر.
(7)
في (د) و (ز) و (و): كسر.
(8)
في (أ): على.
(9)
في (د) و (ز): منها.
بقيت ومسح عليها.
ولا يبقى خاتمٌ ونحوه، ولو ببرده؛ لأنَّ بقاءه إتلافٌ لغير غرضٍ صحيحٍ.
قال أحمد: (تربط أسنانه بِذَهبٍ إنْ خِيف سقوطها)
(1)
. وقيل: لا يجوز، كما لو سقطت لم تُربَط به في الأصحِّ، ويؤخذ إن لم تسقط
(2)
.
(وَلَا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ، وَلَا لِحْيَتَهُ)، نَصَّ عليه
(3)
؛ لقول عائشة: «علام تَنْصُونَ ميتكم؟!»
(4)
؛ أي: لا تسرحوا
(5)
رأسه بالمشط؛ لأنَّه يقطع الشَّعر ويَنتفه.
وقال القاضي وغيره: يكره.
واستحبَّه ابن حامدٍ إذا كان خفيفًا، وحكى ابن المنجى
(6)
عنه، وعن أبي الخطَّاب: استحباب تسريح الشَّعر مطلقًا.
(وَيُضْفَرُ
(7)
شَعْرُ المَرْأَةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَيُسْدَلُ مِنْ وَرَائِهَا)؛ نَصَّ عليه
(8)
؛ لقول أمِّ عَطِيَّةَ: «فضَفَرْنا شعرها ثلاثةَ قُرونٍ، وألقيناه خلْفَها» رواه البخاري، ولمسلمٍ:«فضفرنا شعرَها ثلاثةَ قُرونٍ، قرنيها وناصيتها»
(9)
.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 291.
(2)
في (و): لم يسقط.
وكتب في هامش الأصل: (قال ابن نصر الله في حاشيته على الفروع عند قوله: "ويؤخذ إن لم تسقط"، أي: يؤخذ هذا الذهب الذي ربطت به أسنانه إن لم تسقط أسنانه بأخذه. انتهى).
(3)
ينظر: المغني 2/ 352.
(4)
أخرجه أبو يوسف في الآثار (382)، ومحمد بن الحسن في الآثار (227)، وعبد الرزاق (6232)، وأبو عبيد في الغريب (4/ 314)، عن إبراهيم عن عائشة، قال الحافظ في الدراية 1/ 230:(وهو منقطع بين إبراهيم وعائشة).
(5)
في (أ): لا يسرحوا.
(6)
في (أ): منجى.
(7)
في (و): وتظفر.
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 214، زاد المسافر 2/ 294.
(9)
أخرجه البخاري (167، 1254)، ومسلم (939).
وقال أبو بكر: أمامها؛ لا أنَّه يضفر ضفرتَين على
(1)
صدرها، قيل لأحمدَ: العروس تموت فتُجلَى، فأنكره شديدًا
(2)
.
(ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِثَوْبٍ)، هكذا فُعِلَ
(3)
بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(4)
، ولئلاَّ يبتل
(5)
كفَنه فيَفسُد به، وفي «الواضح»: لأنَّه سُنَّةٌ في الحيِّ في روايةٍ.
ولا يتنجَّس ما نشف به في المنصوص
(6)
.
(وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ السَّبْعِ؛ حَشَاهُ
(7)
؛ أي: محلَّ الخارج (بِالْقُطْنِ)؛ ليَمنَع الخارِج، وكالمستحاضة.
وقال أبو الخطَّاب وصاحب «النِّهاية» : إنَّه يلجِم المحلَّ بالقطن، فإن لم يمتنع حشاه به؛ إذ الحشو يوسِّع المحلَّ، فلا يُفعَل إلاَّ عند الحاجة.
(فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكِ) الخارِجُ بالقُطن؛ (فَبِالطِّينِ الْحُرِّ)؛ أي: الخالص؛ لأنَّ له قوة تمنع الخارج.
وعنه: يُكرَه، وِفاقًا لمشايخ الحنفيَّة
(8)
.
وظاهره: أنَّه لا يعاد غسله بعد السَّبع، نَصَّ عليه
(9)
، وجزم به الأكثر؛
(1)
قوله (على) ضرب عليها في (و).
(2)
ينظر: الفروع 3/ 291.
(3)
في (أ): فعلوا.
(4)
أخرجه أحمد (2357)، في حديث طويل من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه:«حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يغسل بالماء والسدر، جفَّفوه، ثم صنع به ما يصنع بالميت» ، وفي سنده حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وهو ضعيف، قال ابن كثير:(انفرد به أحمد)، أي: بإخراجه بهذا السياق، ولبعض ألفاظه شواهد. ينظر: البداية والنهاية 8/ 121.
(5)
في (ز) و (و): ينبل.
(6)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 201، الفروع 3/ 292.
(7)
في (و): حشاه بعد السبع.
(8)
ينظر: المبسوط 2/ 61.
(9)
ينظر: مسائل صالح 2/ 218، زاد المسافر 2/ 293.
لأنَّه عليه السلام لم يَزِدْ عليها
(1)
.
وقال جماعة: إنَّه يعاد غسله
(2)
؛ لأنَّ الزِّيادة على الثلاث لأجل الإنقاء، فكذا ما بعد السَّبع.
(ثُمَّ يَغْسِلُ المَحَلَّ)؛ أي: محلَّ النَّجاسة، (وَيُوَضَّأُ) وُجوبًا؛ كالجنب إذا أحدث بعد غسله؛ لتكون طهارتُه كاملةً.
وعنه: لا، وهي ظاهر الخِرَقيِّ؛ للمشقَّة والخوف عليه.
(وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي أَكْفَانِهِ؛ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْغَسْلِ)، بل يحمل على حاله؛ دفعًا للمشقَّة؛ لأنَّه يحتاج إلى إخراجه وإعادة غسله وتطهير أكفانه وتجفيفها أو إبدالها، فيتأخَّر دفنه
(3)
، وهو مخالِفٌ للسُّنَّة، ثمَّ لا يؤمن مثل هذا بعده.
وظاهره: لا فرق في
(4)
الخارج أن يكون قليلاً أو كثيرًا.
وعنه: يعاد غسله ويُطهَّر كفنه. وعنه: من الكثير.
لكن إن وضع على الكفن ولم يُلَفَّ، ثم خرج منه شَيءٌ؛ أعيد غسله، قاله ابن تميمٍ.
(وَيُغْسَلُ المُحْرِمُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَلَا يُلْبَسُ المَخِيطَ، وَلَا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ، وَلَا يُقَرَّبُ طِيبًا)؛ لِمَا في «الصَّحيحين»
(5)
من حديث ابن عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في مُحرِمٍ مات: «اغسلوه بماءٍ وسِدرٍ، وكفِّنوه في ثَوْبَيه، ولا تُحنِّطوه، ولا تخمِّروا رأْسه، فإنَّه يُبعَث يوم القيامة مُلبِّيًا»
(6)
، وللنَّسائي: «ولا تَمَسُّوهُ
(1)
لحديث أم عطية في الصحيحين وسبق تخريجه قريبًا.
(2)
زيد في (ب): بعد السبع نص عليه، وجزم الأكثر.
(3)
في (د) و (و): وقته.
(4)
في (أ): بين.
(5)
في (أ): «الصحيح» .
(6)
أخرجه البخاري (1265، 1851)، ومسلم (1206).
بطِيبٍ، فإنَّه يُبعَث يومَ القيامة مُحرِمًا»
(1)
.
وحينئذ؛ يُجَنَّبُ
(2)
ما يُجنَّب الحي؛ لبقاء إحرامه، وقيل: ويَفدِي الفاعل، ولا يُوقَف بعرفةَ، ولا يُطاف به، بدليل المحرِم الَّذي مات مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّه لا يُحِسُّ بذلك، كما لو جُنَّ.
وعنه: يصب
(3)
عليه الماء صَبًّا، ولا يفعل به كالحلال؛ لئلاَّ
(4)
يتقطع شعره.
وظاهره: أنَّه يجب تغطية وجهه، وكذا رِجْلَيه.
ونقل حنبلٌ: يجب كشفهما، ذكره الخِرَقيُّ وصاحب «التَّلخيص» ، قال الخلاَّل: هي
(5)
وهَمٌ من حنبلٍ؛ لأنَّ الإحرام لا تعلُّق له بالرِّجْلَينِ، لكن قال الزَّرْكَشيُّ: (كلام الخِرَقيِّ خرج على المعتاد؛ إذْ في الحديث أنَّه يكفن
(6)
في ثوبيه: الرِّداء والإزار
(7)
، والعادة عدم تغطيتهما للرِّجْلين)، وفيه نظرٌ.
وعنه: أنَّه يُكفَّن في ثوبيه لا يزاد؛ أي: يستحبُّ.
وظاهره: لا فرق بين أن يموت قبل رَمْيِ جمرة العقبة أو بعدها.
وفي الثَّانية وجْهٌ: أنَّه لا يُمنَع من الطِّيب ولبس المخيط؛ بناءً على أنَّه حل
(8)
بها.
هذا
(9)
كلُّه إذا كان رجلاً، فإن كانت امرأةً؛ فحكمها بعد الموت حكمها
(1)
أخرجه النسائي (1904)، وبنحوه أخرجه البخاري (1851)، ومسلم (1206).
(2)
قوله: (وحينئذ يجنب) هو في (و): ويجتنب، وفي (د): وحينئذ يجتنب.
(3)
في (د): يصيب.
(4)
في (د) و (و): كيلا.
(5)
قوله: (هي) سقط من (و).
(6)
في (و): كفن.
(7)
في (د) و (و): البرد أو الإزار.
(8)
في (أ): صلى، وفي (و): حبل.
(9)
في (أ): وهذا.
في الحياة، لا تمنع من لبس المخيط، وتغطي
(1)
رأسَها لا وجهها.
فرعٌ: لا تُمنع المعتدَّة للوفاة من الطِّيب في الأصحِّ.
(وَالشَّهِيدُ)، وهو من قُتِل بأيدي الكفار في معركتهم؛ (لَا يُغَسَّلُ)؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى
(2)
أُحُدٍ في دمائهم، ولم يُغسِّلْهم، ولم يُصَلِّ عليهم»، رواه البخاريُّ، ولأحمدَ معناه
(3)
.
وظاهره: ولو كان غير مكلَّف، صرَّح به في «الفروع» ، وجزم أبو المعالي بتحريمه، وحُكِي روايةً؛ لأنَّه أثر الشَّهادة والعبادة، وهو حي.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا)، فإنَّه يُغسَّل على الصَّحيح؛ لِمَا روى ابن إسحاق في المغازي عن عاصم بن عمر
(4)
بن قتادة، عن محمود بن لبيد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ صاحبكم لَتَغسِله الملائكةُ» ؛ يعني: حنظلةَ، قالوا لأهله: ما شأنُه؟ فقالت: خرج وهو جُنُبٌ حين سمع الهائعة، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لذلك غسَّلتْه الملائكةُ» ، وفي «الكافي»: أنَّه رواه
(5)
أبو داود الطَّيالسي
(6)
، ولأنَّه غسلٌ واجِبٌ لغير الموت، فلم يسقط؛ كغسل النَّجاسة.
(1)
في (أ) و (ب): ويغطى.
(2)
في (و): أمر بقتل.
(3)
أخرجه البخاري (1343)، وأحمد (14189).
(4)
في (أ) و (ب) و (د): بن عمرو. وقوله: (ابن) سقط من (د).
(5)
في (و): رواية.
(6)
أخرجه ابن حبان (7025)، والحاكم (4917)، والبيهقي في الكبرى (6814)، من رواية ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، قال الحاكم:(صحيح على شرط مسلم)، ويحيى لم يخرج له مسلم، وابن إسحاق صدوق وقد صرح بالتحديث، فالإسناد حسن، والطريق التي ذكرها المؤلف لم نقف عليها عند الطيالسي، وخرجها البيهقي (6815) مرسلاً، وقال:(كلاهما مرسلٌ وهو فيما بين أهل المغازي معروف)، وقال النووي:(وإسناده جيد)، وصححه الألباني بشواهده. ينظر: الإرواء 3/ 167.
والثَّانية: لا يجب؛ للعموم.
ومثله حائض ونفساء، طهرتا أو لا
(1)
.
وعلى الوجوب: لو مات وعليه حدثٌ أصغرُ؛ فهل يُوَضَّأُ؟ على وجهين.
وظاهره: أنَّه إذا أسلم ثُمَّ استشهد؛ أنَّه لا يُغسَّل للإسلام؛ لأنَّ أصرم
(2)
بن عبد الأشهل أسلم يوم أُحُدٍ ثمَّ قتل، فلم يأمر بغسله
(3)
.
وقيل: يجب، قدَّمه في «الفروع» ، وهو ظاهِرُ «الوجيز»؛ لقوله: ولا يغسل شهيد
(4)
إلاَّ لِمُوجِبِه.
(بَلْ يُنْزَعُ عَنْهُ)؛ أي: عن الشَّهيد لَأْمَةُ الحربِ، من (السِّلَاحِ وَالْجُلُودِ)؛ لما رَوَى ابْنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَر يَومَ أُحُدٍ بالشُّهداء أنْ يُنزَع عنهم الحديدُ والجلودُ، وقال:«ادفِنوهم بدمائهم وثيابِهم» رواه أحمدُ وأبو داودَ، وفيه علِيُّ بنُ عاصِمٍ، وفيه ضعفٌ
(5)
.
(1)
في (ز): أولاً.
(2)
في (أ): أحرم.
(3)
أخرجه أحمد (23634)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1069)، قال الهيثمي:(رجاله ثقات)، وحسن إسناده ابن حجر في الإصابة، وأصرم -ويقال: أصيرم- لقبه، واسمه: عمرو بن ثابت، قال ابن حجر:(وقد أخرج ابن إسحاق في المغازي قصة عمرو بن ثابت بإسناد صحيح عن أبي هريرة أنه كان يقول: أخبروني عن رجل دخل الجنة لم يصلِّ صلاةً! ثم يقول: هو عمرو بن ثابت). ينظر: مجمع الزوائد 9/ 363، الإصابة 4/ 501، الفتح 6/ 25.
(4)
زيد في (د) و (و): المعركة.
(5)
أخرجه أحمد (2217)، وأبو داود (3134)، والبيهقي في الكبرى (6812)، وفي إسناده علي بن عاصم الواسطي، قال الذهبي في الكاشف:(ضعفوه)، وقال ابن حجر:(صدوق يخطئ ويُصِرّ)، وأيضًا هو من رواية عطاء بن السائب، قال ابن حجر:(وهو مما حدث به عطاء بعد الاختلاط)، وسماع علي بن عاصم من عطاء بعد الاختلاط، وضعف الحديث النووي وابن الملقن والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 946، البدر المنير 5/ 253، المختلطين للعلائي (ص 84)، التلخيص الحبير 2/ 276، الإرواء 3/ 165.
وكذا يُنزَع عنه خفٌّ وفَرْوٌ، نَصَّ عليه
(1)
، وتغسل
(2)
نجاسة عليه، ويجب بقاءُ دمٍ لا تخالطه
(3)
نجاسةٌ، فإن خالطته؛ غسلا في الأصحِّ.
(وَيُزَمَّل)؛ أي: يُلَفُّ (فِي ثِيَابِهِ) ويُدفَن فيها، لِمَا روى أحمدُ عن عبد الله بن ثعْلبة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال يوم أُحُدٍ: «زمِّلوهم في ثيابهم»
(4)
.
والمنصوص عنه، وهو المذهب: أنَّ ذلك واجبٌ
(5)
؛ لأنَّه أثر العبادة، فعليه؛ لا يزاد ولا ينقص بحسب المسنون.
ويَرِدُ عليه: لو كان لابِسًا لحريرٍ، ولعلَّه غير مرادٍ، وذكر القاضي في تخريجه: أنَّه لا بأسَ بهما.
(وَإِنْ أَحَبَّ كَفَّنَهُ) الولِيُّ (بِغَيْرِهَا)، تَبِع القاضي في «المجرَّد» ، وحكاه في «المحرَّر» قَولاً، ونسبه الزَّرْكَشِيُّ إلى الشُّذوذ، لما روي:«أنَّ صفيَّةَ أرسلت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثَوبَين ليكفِّن فيهما حمزةَ، فكفَّنه في أحدهما، وكفَّن في الآخَر رجلاً آخَرَ» ، رواه يعقوب بن شَيبةَ، وقال: هو صالِحُ الإسناد
(6)
.
وأجاب في «الخلاف» : بأنَّه يحتمل أن ثيابه سُلبت
(7)
، أو أنَّهما ضُمَّا إلى
(1)
ينظر: المغني 2/ 396.
(2)
في (د) و (و): ويغسل.
(3)
في (د) و (و): لا يخالطه.
(4)
أخرجه أحمد (23657، 23659)، وسعيد بن منصور (2584)، والنسائي (2002)، والبيهقي (6800)، وهو حديث صحيح، قال الشوكاني:(رجاله رجال الصحيح)، وصححه الألباني. ينظر: نيل الاوطار 4/ 49، أحكام الجنائز (ص 60).
(5)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 343.
(6)
أخرجه أحمد (1418)، والبزار (980)، والبيهقي في الكبرى (6684)، وفي سنده عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، لكن تابعه كما في رواية البيهقي يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وصححه النووي والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 954، الإرواء 3/ 165.
(7)
وفي (و): سليب.
ما كان عليه، وقد رَوى في «المعتمد» ما يدلُّ عليه
(1)
.
(وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، اختاره القاضي وأصحابه، وجزم به في «الوجيز» ؛ للأخبار
(2)
، وهل ذلك لكونهم أحياءً عند ربهم، أو لغناهم عن الشَّفاعة؟ فيه احتمالان.
والثانية: يصلَّى
(3)
عليه، اختاره الخلاَّل وأبو بكرٍ وأبو الخطَّاب؛ لصلاته عليه السلام على أهل أُحُدٍ، متَّفقٌ عليه من حديث عقبة بن عامِرٍ
(4)
.
وجوابُه: بأنَّه مخصوصٌ بشهداء أُحُدٍ، بدليل أنَّه صلَّى عليهم بعد ثمان سنين، رواه البخاريُّ
(5)
، توديعًا للأحياء والأموات.
والثالثة: يُخيَّر
(6)
؛ لتعارُض الأخبار، فيُخيَّر كرفع اليدين إلى الأذنين أو إلى المنكبين.
وحُكي عنه: التَّحريم.
(1)
أخرج أحمد (12300)، وأبو داود (3136)، والترمذي (1016)، من طريق أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على حمزة وقد مُثِّل به، فقال:«لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية، حتى يحشر من بطونها» ، وقلت الثياب وكثرت القتلى، فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد. هذا لفظ أبي داود، قال الترمذي:(حديث غريب)، وحسنه النووي وابن الملقن، وأعله البخاري بأنه غير محفوظ، وقال:(وحديث أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن أنس غير محفوظ، غلط فيه أسامة بن زيد)، وأخرج البخاري (1343) من حديث جابر رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد. الحديث. ينظر: الخلاصة 2/ 946، البدر المنير 5/ 243.
(2)
تقدم تخريجه 3/ 112 حاشية (3).
(3)
في (د): مصلى عليه.
(4)
أخرجه البخاري (1344)، ومسلم (2296).
(5)
أخرجه البخاري (4042).
(6)
في (و): لخبر.
(وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ، أَوْ وُجِدَ
(1)
مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ، أَوْ حُمِلَ) بعد جرحه (فَأَكَلَ، أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ)، وفيه أمورٌ:
أحدها: أنَّه إذا سقط في المعركة من دابَّة أو شاهِقٍ، أو تردَّى في بئر فمات فيها؛ أنَّه يغسَّل ويصلَّى عليه؛ لأنَّ موته بسبب
(2)
ذلك، أشبه ما لو مات بغير قتل المشركين، وشرطه أن يكون بغير فعل العدوِّ، فأمَّا إذا كان بفعلهم فلا.
الثَّاني: إذا وُجِد ميتًا ولا أثر به؛ فكذلك؛ لأنَّ الأصلَ وجوبُ الغسل والصَّلاة، فلا يسقط بالاحتمال.
وعنه: لا؛ لأنَّه مات بسببٍ من أسباب القِتال.
وظاهرُه: أنَّه إذا كان به أثَرٌ فإنَّه لا يغسل، زاد أبو المعالي: لا دَمٌ من
(3)
أنفه أو دُبُره أو ذَكَره؛ لأنَّه معتادٌ.
قال القاضي وغيره: اعتبرنا الأثر هنا احتياطًا للغسل، ولم نعتبره
(4)
في القسامة؛ احتياطًا لوجوب الدَّم.
فإن مات حَتْف أنفه؛ غُسِّل، كمن ردَّ عليه سَهمُه فقتله، نَصَّ عليه
(5)
.
ونصر المؤلف: أنَّه كقتيل
(6)
الكفَّار؛ لأنَّ عامر بن الأكوع بارز رجلاً يوم خيبر، فعاد عليه سيفُه فَقَتله
(7)
، فلم يُفرَد عن الشهداء بحكمٍ، وهذا هو الظاهر.
(1)
في (أ): أو حمل.
(2)
في (أ): لسبب.
(3)
في (أ): في.
(4)
في (و): ولم يعتبره.
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 107.
(6)
في (و): قتيل.
(7)
أخرجه البخاري (4196).
الثَّالث: أنَّه إذا حُمل بعد جرحه
(1)
فأكل؛ أنَّه يُغسَّل؛ لتغسيله
(2)
عليه السلام سعد بن معاذ
(3)
، ولأنَّ الأكل لا يكون إلا
(4)
من
(5)
ذي حياةٍ مستقرَّة.
وظاهره: أنَّه إذا شرب أو تكلَّم؛ أنَّه لا يُغسَّل ولا يصلَّى عليه، صحَّحه المؤلِّف وابن تميمٍ؛ لأنَّه عليه السلام لم يُغسِّل سعدَ بنَ الرَّبيع وأصرمَ
(6)
بنَ عبد الأشهل، وقد تكلما وماتا بعد انقضاء الحرب
(7)
.
(1)
في (د) و (و): خروجه.
(2)
في (د) و (و): ليغسله.
(3)
لم نقف ما يدل على أنه عليه السلام غسَّل سعد بن معاذ، وكذا قال الألباني في الإرواء:(لم أجده بهذا السياق)، لكن أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده (1126)، من طريق محمد بن عمرو، حدثني أبي، عن علقمة بن وَقاص اللّيثي، عن عائشةَ، وفيه: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فخرج وخرج الناس، فبت مشيًا حتى إنه لينقطع شسوع نعالهم، وسقطت أرديتهم من عواتقهم، قالوا: يا رسول الله لقد بتت في المشي، فقال:«أخشى أن تسبقنا الملائكة كما سبقتنا إلى حنظلة» ، فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وهو يغسل. وأخرج الطحاوي في مشكل الآثار (4174)، من طريق سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه، وفيه:«خشيت أن تسبقنا الملائكة إلى غسله كما سبقتنا إلى غسل حنظلة بن أبي عامر» ، وأخرجه ابن سعد 3/ 427، من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد. وصححه الألباني. ينظر: الصحيحة (1158).
(4)
قوله: (إلا) سقط من (أ).
(5)
في (د) و (و): في.
(6)
في (أ): أحرم.
(7)
أما قصة أصرم بن عبد الأشهل فقد سبق تخريجها 3/ 113 حاشية (2).
وأما قصة سعد بن الربيع: فأخرجها مالك في الموطأ 2/ 465، عن يحيى بن سعيد مرسلاً، ووصلها الحاكم (4906)، والبيهقي في الدلائل (2/ 285)، من طريق محمد بن إسحاق، أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة حدثه، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«مَنْ ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟» وهذا الإسناد معضل، وأخرجه الحاكم أيضًا (4906)، من وجه آخر بإسناد حسن، قال ابن عبد البر:(هذا الحديث لا أحفظه ولا أعرفه إلا عند أهل السير، فهو عندهم مشهور معروف)، وصححه الحاكم، ونقل ابن حجر عن البخاري أنه قال:(هو مرسل)، وبمجموع طرقه يتقوى هذا الحديث. ينظر: التمهيد 24/ 94، لسان الميزان 7/ 151.
ولكن قدَّم السَّامَرِّيُّ وابن تميم والمجدُ والجَدُّ: أنَّ من شرب أو نام
(1)
أو بال كمن أكل، زاد جماعة: أو
(2)
عطس.
الرَّابع: أنَّه
(3)
إذا طال بقاؤه عرفًا، لا وقت صلاة أو يومًا وليلةً، وهو يَعقِل؛ لأنَّها تقتضي حياةً مستقرَّةً.
وظاهر الخِرَقيِّ: أنَّه لا يُشترط
(4)
لغسله والصلاة
(5)
طولُ الفصل، بل لو مات عقب الحمل وفيه رمَقٌ؛ فإنَّه يُغسَّل ويصلَّى عليه، وأورده المجْدُ مذهبًا، ونقل جماعةٌ: إنَّما يُترك غَسْل مَنْ قتل في المعركة.
(وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا؛ فَهَلْ يُلْحَقُ بِالشَّهِيدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما
(6)
: يُلْحق به، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ، فعليها: لا يُغسَّل، ولا
(7)
يُصلَّى عليه؛ كشهيد المعركة.
والثَّانية: لا؛ لأنَّ عمرَ وعثمانَ وعليًّا والحسين قُتِلوا ظلمًا وغُسِّلوا وصُلِّيَ عليهم
(8)
، ولأنَّه ليس بشهيد المعركة، أشبه المبطون.
(1)
في (أ): نام أو شرب.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): إن.
(3)
قوله: (أنه) سقط من (ب) و (ز).
(4)
في (د): لا يشرط.
(5)
زيد في (ب) و (د) و (و): عليه.
(6)
في (د) و (و): أحدهما.
(7)
في (د): فلا.
(8)
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه مالك (2/ 463)، والشافعي في الأم (1/ 305)، وابن سعد في الطبقات (3/ 366)، والبيهقي في الكبرى (6819)، عن ابن عمر:«أن عمر بن الخطاب غُسِّل وكُفِّن وصلي عليه، وكان شهيدًا يرحمه الله» ، وإسناده صحيح.
وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6365)، وعنه أحمد في زيادات عبد الله على المسند (549)، وفي فضائل الصحابة (781)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (262)، وابن عساكر في تاريخه (39/ 528)، عن قتادة، قال:«صلى الزبير على عثمان ودفنه، وكان أوصى إليه» ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 233):(رجاله رجال الصحيح إلا أن قتادة لم يدرك القصة)، وهو كما قال.
وأخرج أبو نعيم في معرفة الصحابة (267)، والبغوي في معجم الصحابة (4/ 333)، وابن عساكر في تاريخه (39/ 527)، عن عبد الله بن فروخ، قال:«شهدت عثمان دُفن في ثيابه بدمائه» ، زاد البغوي:«ولم يُغسَّل» ، وفي إسناده محبوب بن محرز وهو لين الحديث، وإبراهيم بن عبد الله بن فروخ وهو مجهول.
والذي يظهر: أن عثمان رضي الله عنه صُلِّيَ عليه، أما كونهم غسلوه فلم نجده في رواية، بل قال الحافظ في التلخيص (2/ 331):(اتفقت الروايات كلها على أنه لم يُغسَّل، واختُلف في الصلاة)، وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 381):(الأثر مشهور عنه دون غسله).
وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6646، 9593)، عن يحيى بن الجزار قال:«غُسِّل عليٌّ وكفن وصلي عليه» ، وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث.
وأخرج البيهقي في الكبرى (6821)، وابن عساكر في تاريخه (42/ 564)، عن أبي إسحاق: أن الحسن صلى على علي رضي الله عنهما. إسناده صحيح، وأبو إسحاق السبيعي رأى عليًّا كما قال المزي وغيره.
وأخرج ابن سعد في الطبقات (3/ 38)، وابن أبي الدنيا في مقتل عليٍّ (79)، وابن عساكر في تاريخه (42/ 564)، عن الشعبي:«أن الحسن بن علي صلى على علي بن أبي طالب، فكبَّر عليه أربع تكبيرات» ، ولا بأس بإسناده.
وأثر الحسين رضي الله عنه: لم نقف عليه، وقد ذكره الزركشي في شرحه 2/ 345.
وعلى الأُولى: من بُغي عليه لا يُغسَّل، وفي الصلاة عليه وجهان، والمذهب: أنَّ كلَّ شهيدٍ غُسِّل؛ صُلِّيَ عليه وجوبًا، ومن لا يُغسَّل لا يُصلَّى عليه.
تذنيبٌ: يُغسَّل الباغي ويصلَّى عليه، اختاره الخِرَقيُّ والقاضي.
وفيه وجْهٌ: يلحق بشهيد أهل العدل؛ للمشقَّة؛ لأنَّه لم ينقل غسل
(1)
أهل الجمل وصفِّين من الجانِبَينِ.
وقال ابن تميم: (من قتله المسلمون أو الكفار
(2)
خطأً؛ غُسِّل روايةً
(1)
في (أ): عن.
(2)
في (أ) و (ب) و (د): والكفار.
واحدة)، وكذا النفساء تُغسل
(1)
ويصلَّى عليها، وكالشَّهيد بغير قتل؛ كحريقٍ وغرق وهدْمٍ، وهُمْ بضعة عشرَ، ومن أغربها ما رواه ابن ماجه بإسنادٍ ضعيفٍ والدَّارَقُطني وصححه عن ابن عبَّاس مرفوعًا: «مَوتُ الغريب
(2)
شهادةٌ»
(3)
، وأغرب منه ما ذكره أبو المعالي ابن المنجى وبعض الشافعية
(4)
: أنَّ العاشِقَ منها، وأشاروا
(5)
إلى الخبر المرفوع: «من عَشِق وعفَّ وكتم فمات؛ مات شهيدًا» ، وهذا الخبر مذكور في ترجمة سويد بن سعيد مما
(6)
أنكر عليه، قاله ابن عديٍّ والبَيهقيُّ
(7)
.
(1)
في (و): يغسل.
(2)
في (ز): الغرب.
(3)
أخرجه ابن ماجه (1613)، والطبراني في الكبير (1103، 11628)، والدارقطني في العلل (12/ 367)، والبيهقي في الشعب (9426)، من طريق الهذيل بن الحكم، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن عكرمة، عن ابن عباس، ولفظ ابن ماجه:«موتُ غربةٍ شهادةٌ» ، وهذا سند ضعيف جدًّا؛ هذيل بن الحكم قال فيه البخاري:(منكر الحديث)، وقال العقيلي:(لا يقيم الحديث)، وعُدَّ هذا الحديث من مناكيره، وله طرق أخرى شديدة الضعف، قال أحمد بن حنبل:(هو حديث منكر)، وقال ابن الجوزي:(هذا الحديث لا يصح)، والدارقطني إنما صحح كونه من حديث عكرمة عن ابن عباس، لا أنه من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم كما في علله. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 294، التلخيص الحبير 2/ 323، السلسلة الضعيفة (425).
(4)
قوله: (وبعض الشافعية) سقط من (أ) و (ب) و (د). وينظر: روضة الطالبين 2/ 119، مغني المحتاج 2/ 35.
(5)
في (أ): وأشار.
(6)
في (أ): فيما.
(7)
أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 496)، والخطيب في التاريخ (5/ 364)، وهو حديث موضوع، استنكره الأئمة على سويد بن سعيد الحدثاني، كابن معين وابن عدي والبيهقي وجماعة، قال ابن حبان:(يأتي عن الثقات في المعضلات)، ثم ذكر حديثه هذا، وقال ابن القيم: (موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجح وقفه على ابن عباس رضي الله عنهما. ينظر: المجروحين 1/ 352، الكامل لابن عدي 4/ 496، المنار المنيف ص 140، الجواب الكافي ص 242، التلخيص الحبير 2/ 325.
مسألةٌ: قاطع الطَّريق يُقتَل أوَّلاً، ويُغسَّل ويُصَلَّى عليه، ثم يصلب
(1)
. وقيل: يؤخران عن
(2)
الصلب، قاله في «التلخيص» .
(وَإِذَا وُلِدُ السّقْطُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ)، ذَكَره مُعظَم الأصحاب، نَصَّ عليه في رواية حرْبٍ وصالِحٍ
(3)
؛ لقوله عليه السلام: «والسِّقْط يُصَلَّى عليه، ويُدْعَى لوالدَيه بالمغفرة والرَّحمة» رواه أحمدُ وأبو داودَ، ورواه النَّسائيُّ والتِّرمذيُّ وصحَّحه، ولفظُهما:«والطِّفل يُصَلَّى عليه»
(4)
، واحتَجَّ به أحمدُ
(5)
، ولأنَّه نَسَمةٌ نُفِخ فيها الرُّوحُ.
وظاهره
(6)
: أنَّه يُغسَّل ويُصَلَّى عليه وإن لم يَستهِلَّ، وأنَّه قبل استكمالها لا
(1)
قوله: (ثم) سقط من (أ)، وهي في (د): ويصلب.
(2)
في (ب) و (ز): على، وفي (أ): عين.
(3)
ينظر: مسائل صالح 3/ 176، مسائل أبي داود ص 221، مسائل ابن هانئ 1/ 193.
(4)
أخرجه أحمد (18162، 18181)، وأبو داود (3180)، والترمذي (1031)، وابن ماجه (1507)، وابن حبان (6032)، والحاكم (1344)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، لكن اختلف في رفعه ووقفه، ورجح وقفه الدارقطني، وصححه ابن حبان والحاكم مرفوعًا.
وأخرجه الترمذي (1032)، وابن ماجه (1508)، والحاكم (1345)، من حديث جابر رضي الله عنه، قال الترمذي:(وروى أشعث بن سوار وغير واحد، عن أبي الزبير، عن جابر موقوفًا، وروى محمد بن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر موقوفًا، وكأن هذا أصح من الحديث المرفوع)، ورجح وقفه أيضًا النسائي والدارقطني، قال ابن حجر:(وقد ضعفه النووي في شرح المهذب، والصواب: أنه صحيح الإسناد، لكن المرجح عند الحفاظ وقفه).
وأخرجه أبو داود (2920)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال ابن عبد الهادي:(إسناده جيد)، وصححه الألباني.
ينظر: علل الدارقطني 13/ 381، المحرر (965)، الفتح 11/ 489، التلخيص الحبير 2/ 266، الإرواء 6/ 146.
(5)
ينظر: مسائل صالح 3/ 176، زاد المعاد 1/ 494.
(6)
في (ب) و (ز): فظاهره.
يُغسَّل، ولا يُصَلَّى عليه؛ لأنَّه لم تنفخ
(1)
فيه الرُّوحُ.
وقدَّم في «التَّلخيص» وابن تميمٍ: أنَّه يُغسَّل ويُصَلَّى عليه إذا بان فيه خَلْقُ الإنسان، وإن
(2)
لم يستكملها.
فائدةٌ: يُستحَبُّ تَسميتُه، نَصَّ عليه
(3)
، اختاره الخلاَّل.
ونقل جماعةٌ: بعد أربعة أشْهُرٍ؛ لأنَّه لا يُبعَث قبلَها. واختار
(4)
في «المعتمد» : أنَّه يُبعَث، وهو ظاهر كلامِ أحمدَ
(5)
.
قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين وكثيرٌ من الفقهاء: فإن جُهل أذَكَرٌ أم أنثى؟ سُمِّي بصالِحٍ لهما؛ كطلحة، وإن كان من كافرين؛ فإن حكم بإسلامه فمسلم
(6)
، وإلاَّ فلا.
ونقل حنبلٌ: يُصَلَّى على كلِّ مولودٍ يولد
(7)
على الفطرة
(8)
.
تتميمٌ: إذا مات بدارنا مجهول الإسلام؛ غُسِّل وصُلِّيَ عليه ودُفِن في مقابرنا، ولو كان أقْلَفَ على المشهور، وإن وجد بدار حربٍ وعليه علامة المسلمين؛ غُسِّل وصُلِّيَ عليه.
ونقل ابنُ المنذر
(9)
الإجماعَ إذا وُجد الطفل
(10)
في بلاد المسلمين ميتًا يَجِب غَسْلُه ودفنه في مقابرنا.
(1)
في (و): لم ينفخ.
(2)
في (د) و (و): فإن.
(3)
ينظر: مسائل صالح 3/ 176، زاد المسافر 2/ 286.
(4)
في (ب) و (و): واختاره.
(5)
ينظر: زاد المسافر 2/ 286.
(6)
في (د) و (ز): حكم.
(7)
في (و): يوكل.
(8)
ينظر: الفروع 3/ 395.
(9)
ينظر: الإشراف 6/ 358.
(10)
في (د): للطفل.
وإن مات في سفينةٍ؛ غُسِّل وصُلِّيَ عليه بعد تكفينه، وأُلْقِيَ في البحر سَلًّا؛ كإدخاله القبر، مع خوف فساده أو حاجة، ويُثَقَّل بشيء
(1)
، وذكره في «الفصول» عن أصحابنا، قال: ولا موضع لنا الماء فيه بدلٌ عن التُّراب إلاَّ هنا.
ومن مات ببئرٍ؛ أُخرِج منها إذا أمكن، بأجرةٍ من ماله، ثمَّ من بيت المال، فإن لم يمكن إخراجُه إلاَّ بمُثْلة؛ طُمَّت وجُعِلت قبرَه، ومع حاجة الأحياء يُخرَج، وقيل: لا مع مُثْلَةٍ.
(وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ) لعدم الماء أو عذرٍ غيرِه؛ كالحَرْق والجُذام والتَّبضيع؛ (يُمِّمَ)؛ لأنَّ غسل الميت طهارةٌ على البدن، فقام التَّيمُّم عند العجز عنه مقامه؛ كالجنابة.
وهل يَلُفُّ من يمَّمَه على يده خِرْقَةً؟ سبق.
وإن تعذَّر غَسْلُ بعضه؛ غُسِل ما أمكن ويُمِّم للباقي في أصحِّ الوجهين.
وعنه: يُكفَّن ويُصلَّى عليه بلا غسلٍ ولا تيمم
(2)
؛ لأنَّ المقصود بالغسل التَّنظيفُ.
وقال ابن أبي موسى: المحترِق والمجذوم والمبضَّع؛ يُصبُّ الماء عليه
(3)
صبًّا، ثمَّ يُكفَّن.
فعلى الأوَّل: لو يُمِّم
(4)
لعدم الماء ثُمَّ صُلِّيَ عليه، ثمَّ وُجد الماء قبل دفنه؛ غُسِّل، وكذا إن وجده فيها، فلو وجده بعد دفنه لم يُنبَش، وإن بذله أجنبيٌّ؛ لزِم الوارثَ قَبولُه، بخلاف ثمنه، فإن عُدِما صُلِّيَ عليه بدونهما ودُفِن، فإن وجدا أو
(1)
في (د) و (و): بسن.
(2)
في (ز): بلا تيمم ولا غسل.
(3)
قوله: (عليه) سقطت من (أ) و (و).
(4)
في (ز): تيمم.
أحدُهما بعد دفنه؛ لم يُنبَش، ويجوز إن أُمِن تفسُّخه، وإن وجد الماء قبل دفنه؛ غُسِّل، وإن وجد التُّراب وحدَه ففي إنشاء التَّيمُّم وإعادة الصَّلاة احتمالان.
(وَعَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا)، ينبغي أن يكون الغاسِلُ أمينًا؛ ليَستُر ما يَطَّلِع عليه، وفي الخبر مرفوعًا: «لِيَغسِلْ موتاكم المأمونون
(1)
» رواه ابن ماجه
(2)
، وعن عائشة مرفوعًا:«مَنْ غسَّل ميتًا وأدَّى فيه الأمانةَ، ولم يُفْشِ عليه؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» ، رواه أحمد من رواية جابرٍ الجعفيِّ
(3)
، عارِفًا بالغسل، ديِّنًا فاضِلاً.
وظاهره: يلزَمُه ستر الشرِّ، لا إظهار الخير؛ ليُترحَّم عليه. وقيل: يُستحَبُّ.
قال جماعةٌ: ولا بدَّ أن يَلحَظ في هذا السَّتر اختصاصه بأهل السُّنة، فأمَّا أهل البدع، أو معروفٍ
(4)
بفجور؛ فيسن
(5)
إظهار شره، وستر خيره
(6)
،
(1)
في (د) و (و): المأمومون.
(2)
أخرجه ابن ماجه (1461)، وابن عدي في الكامل (8/ 161)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفي سنده مبشر بن عبيد، وهو متروك، ورماه أحمد وغيره بالوضع، قال أحمد:(أحاديثه أحاديث موضوعة كذب)، وكذا قال الدارقطني وغيرهما، وحكم الألباني على الحديث بأنه موضوع. ينظر: الضعيفة (4395).
(3)
أخرجه أحمد (24881)، والطبراني في الأوسط (3575)، وهو حديث ضعيف جدًّا، في سنده جابر الجعفي وهو متروك، ووقع اضطراب في سنده وقفًا ورفعًا، حكاه الدارقطني في العلل وقال:(ولعل هذا الاضطراب من جابر)، وأخرجه عبد الرزاق (6098)، وابن أبي شيبة (11156)، موقوفًا على معاذ رضي الله عنه، بسند ضعيف. ينظر: علل الدارقطني 14/ 353، الضعيفة (1225).
(4)
في (أ): ومعروف.
(5)
في (أ): يسن.
(6)
في (ز): خبره.
ونرجو
(1)
للمحسن، ونخاف على المسيء، ولا نشهد
(2)
إلاَّ لمن شهد له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، قاله الأصحاب.
وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أو اتَّفقت الأمَّة على الثَّناء أو الإساءة عليه
(3)
، وهو مراد الأكثر.
(1)
في (أ): ويرجى.
(2)
في (أ): ولا يشهد.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 11/ 65، الاختيارات ص 129.
(فَصْلٌ فِي الكَفَنِ)
لَمَّا فرغ من الكلام على الغسل؛ أتبعه الكفنَ فقال: (يَجِبُ كَفَنُ المَيِّتِ) ومُؤْنة تجهيزه لحقِّ الله وحقِّ الميِّت (فِي مَالِهِ)؛ لقوله عليه السلام في المُحرِم: «كفِّنوه في ثوبيه»
(1)
، ولأنَّ حاجة الميت مقدَّمة في ماله على ورثته، بدليل قضاء دينه.
(مُقَدَّمًا عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ)؛ لأنَّ المفلِس يُقدَّم بالكسوة على الدَّين، فكذا الميت، ولأنَّه إذا قُدِّم على الدَّين؛ فعلى غيره أَولَى.
وقيل: يُقدم دَينُ الرَّهن وأَرش الجناية، سواءٌ قلنا: الواجب ثوبٌ يَستُره أو أكثر، لأمر الشَّارع بتحسينه، رواه أحمدُ ومسلمٌ
(2)
.
فيجب ملبوس مثله، جزم به غير واحدٍ، ما لم يُوصِ بدونِه، وفي «الفصول»: أَنَّ ذلك بحسب حاله
(3)
؛ كنفقته
(4)
في حياته.
وظاهره: أنه لا يَجب الحَنوط والطِّيب؛ لعدم وجوبهما في الحياة. وقيل: بلى
(5)
؛ لأنَّه مما جَرَت العادةُ به.
ولا بأس بالمسك فيه، نَصَّ عليه
(6)
.
(1)
في (أ) و (ب): ثوبه. والحديث: أخرجه البخاري (1851)، ومسلم (1206)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه أحمد (14145)، ومسلم (943)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ولفظه:«إذا كَفَّن أحدكم أخاه؛ فليحسن كفنه» .
(3)
في (د): ماله.
(4)
في (د) و (و): كنفقة.
(5)
في (د) و (و): بل.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 185، مسائل عبد الله ص 138، زاد المسافر 2/ 295.
فإن أراد الورثةُ أخذَ ذلك من السبيل؛ لم يُجابُوا، وإن أراد أحدهم أن يَنفرِد به؛ لم يَلزَم بقيَّة الورثة قبوله، لكن ليس للبقيَّة نقلُه وسلُبه من كفنه بعد دفنه، بخلاف مبادرته إلى دفنه في ملك الميت؛ لانتقاله إليهم، لكن يكره لهم.
ولا يُسترُ بحشيشٍ، ويُقضى دينُه في ظاهر كلامهم.
فرعٌ: الجديدُ أفضلُ في المنصوص
(1)
، زاد في «الشَّرح»: إلاَّ أن يوصيَ بغيره فيُمتثل؛ لقضية
(2)
أبي بكر
(3)
، وقال ابنُ عقيل: العتيقُ غيرُ البالي أفضلُ.
(فَإِنْ
(4)
لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ؛ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ)؛ لأنَّ ذلك يَلزَمه حال الحياة، فكذا بعد الموت، بقدر إرثه، نَصَّ عليه، وينفرد به الأبُ، فإن عدم؛ فمن بيت المال إذا كان مسلمًا، فإن لم يكن؛ فعلى المسلمين العالِمين بحاله.
قال في «الفنون» : قال حنبلٌ: بثمنه كالمضطرِّ، وذكره غيره
(5)
.
قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: من ظنَّ أنَّ غيره لا يقوم به تعيَّن عليه
(6)
.
مسألةٌ: إذا جُبِي له ثمنُ كفنٍ ففضل منه شيء، أو كفَّنَه ورثتُه
(7)
؛ صُرف
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 195.
(2)
في (أ) و (د): لقصة.
(3)
أخرجه البخاري (1387)، من حديث عائشة في وفاة أبي بكر رضي الله عنهما، وفيه: فقال: «اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها» ، قلت: إن هذا خَلِق، قال:«إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة» .
(4)
في (أ): وإن.
(5)
في (أ): وذكره غير واحد، وينظر: الفروع 3/ 315.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 315.
(7)
في (د) و (و): ورثة.
في كفَنٍ آخَرَ، نَصَّ عليه
(1)
، فإن لم يكن؛ تصدَّق به، ولا يأخذه ورثته
(2)
في الأصحِّ.
(إِلاَّ الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ) نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّ النَّفقة والكُسوة وجبا بالزَّوجية
(4)
والتمكُّنِ من الاستمتاع
(5)
، وقد انقطع ذلك بالموت، أشبه ما لو بانت
(6)
في الحياة، أشبهت الأجنبيَّة، ودليلُ الانقطاع إباحةُ أختِها وأربعٍ سواها.
وقيل: بلى، وحُكي روايةً، وهي قول أكثر العلماء.
وقال الآمِديُّ: إن لم يكن لها ترِكةٌ؛ فعليه كفنها.
وقيل: يُكفِّن الزَّوجةَ الذِّمِّيَّة أقاربُها، فإن عُدِموا أو كانوا مسلمين؛ فمن بيت المال، والأصحُّ لا.
وأمَّا الرقيق؛ فكفنُه على مالكه.
مسائل:
الأولَى: يُدفن في مقبرةٍ مُسبَّلة بقول بعض الورثة؛ لأنَّه
(7)
لا منَّةَ، وعكسه الكفَنُ والمؤْنة، نَصَّ عليه
(8)
.
الثَّانيةُ: مات إنسان مع جماعةٍ في سفرٍ؛ كفَّنوه من ماله، فإن لم يكن؛ كفَّنوه ورجَعوا، فإن أبى الحاكمُ الإذن أو تعذر
(9)
إذنه، أو أمكن ولم
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 72، الفروع 3/ 324.
(2)
في (ب) و (د): ورثة، وفي (و): وارثه.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 185.
(4)
في (د) و (و): بالزوجة.
(5)
في (أ): الاستماع.
(6)
في (أ): ماتت.
(7)
في (د) و (و): كونه.
(8)
ينظر: الفروع 3/ 314.
(9)
في (و): أو يعذر.
يستأذنوه، أو لم يَنوُوا الرُّجوع؛ فوجهان.
الثَّالثةُ: إذا سُرِق كفنُه؛ كُفِّن من تركته ثانيًّا، نَصَّ عليه
(1)
، ولو قسمت، فإن كانت في قضاء دَينٍ أو وصيَّةٍ؛ لم يُسترجَع منها كفَنٌ آخَرُ، فإن أكله سَبُعٌ؛ فكفَنُه تَرِكةٌ.
(وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيضٍ)؛ لقول عائشةَ: «كُفِّن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثوابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ جُدُدٍ يَمَانِيَةٍ، ليس فيها قميصٌ ولا عِمامةٌ»
(2)
، وعن ابن عبَّاس مرفوعًا: «الْبَسوا البياضَ، فإنَّها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها
(3)
موتاكم» رواه أحمدُ والتِّرمذيُّ وصحَّحه، وقال:(العملُ عليه عند أكثرِ العلماء)
(4)
، ولأنَّ حالَ الإحرام
(5)
أكملُ أحوال الحي
(6)
، وهو لا يَلبَس المخيط، فكذا بعد موته.
وظاهره: يُكرَه في غير البياض من مُزَعْفَرٍ ومُعصْفَر؛ لأمره بالبياض، وظاهر «الوجيز» خلافه.
وأنَّه يُكرَه بما زاد كالخمسة، صرَّح به في «المستوعب» و «الشَّرح» وغيرهما.
وصحَّح ابنُ تميمٍ وقدَّمه في «الفروع» : أنَّه لا يُكرَه، بل في سبعة أثواب.
وظاهره: أنَّه لا يُعَمَّم، وقيل: لا يكره.
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 72، الفروع 3/ 324.
(2)
أخرجه البخاري (1264)، ومسلم (941).
(3)
في (ب) و (ز): فيه.
(4)
أخرجه أحمد (2219)، وأبو داود (3878)، والترمذي (994)، وابن ماجه (1472)، وابن حبان (5423)، وهو حديث صحيح، صححه الترمذي وابن حبان وابن الملقن وغيرهم. ينظر: البدر المنير 4/ 671، التلخيص الحبير 2/ 170.
(5)
قوله: (حال الإحرام) سقط من (أ).
(6)
في (أ): الإحرام.
وأمَّا الصَّغير فيُكفَّن
(1)
في واحدٍ، ويجوز في ثلاثةٍ، نَصَّ عليه
(2)
، وظاهر الخِرَقيِّ يُستحَبُّ أيضًا، ويكون من
(3)
قُطْنٍ، وقيل: وكتان
(4)
.
(يُبْسَطُ
(5)
بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)، أوسعُها وأحسنُها أعلاها، ثمَّ الَّتي تليها دونها؛ لأنَّ عادة الحي جعل الظَّاهر أفخرَ ثيابه.
(بَعْدَ تَجْمِيرِهَا) أي: تبخيرها
(6)
، زاد جماعةٌ: ثلاثًا؛ لِمَا رَوَى أحمدُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جمَّرتم
(7)
الميتَ فأجْمِروه ثلاثًا»
(8)
، ولأنَّ هذا عادة الحي عند غسله وتجديد ثيابه فكذا الميت، بعد رشها
(9)
بماء وَرْدٍ أو غيره ليعلَق.
(ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا مُسْتَلْقِيًا)؛ لأنَّه أمكنُ لإدراجه فيها، (وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ) وهو أخلاط من طِيبٍ مُعدُّ
(10)
للميِّت خاصَّةً (فِيمَا بَيْنَهَا)؛ لأنَّه مشروعٌ.
وظاهرُه: أنَّه لا يُجعَل فوق العليا؛ لكراهة عمر وابنه وأبي هريرة
(1)
في (أ) و (د): فيكون.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1408.
(3)
في (د) و (و): في.
(4)
في (د): وكثان، وفي (و): في كتان.
(5)
في (أ): ويبسط.
(6)
في (و): تنجيزها.
(7)
كذا في بخط المؤلف، وفي باقي النسخ: جهزتم. والمثبت موافق لما في المصادر.
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة (11120)، وأحمد (14540)، وابن حبان (3031)، والحاكم (1310)، من رواية يحيى بن آدم، عن قطبة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر به، قال ابن معين:(لم يرفعه إلا يحيى بن آدم، قال يحيى: ولا أظن هذا الحديث إلا غلطًا)، وصححه الحاكم والنووي والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 956، نصب الراية 2/ 264، أحكام الجنائز ص 64.
(9)
في (أ): رشهما.
(10)
في (أ): يعد.
ذلك
(1)
، وفي «الشرح»: أنَّه يجعل فوق الأولى حنوطًا
(2)
فقط، وقيل: بين الثَّانية والثَّالثة طِيبٌ وكافورٌ، نَصَّ عليه.
وقيل: لا يُذَرُّ على اللَّفائف شيءٌ، كما لا يوضع على الثَّوب الذي يَستُر النَّعش، نَصَّ عليه
(3)
.
(وَيُجْعَلُ مِنْهُ)؛ أي: من الحنوط (فِي قُطْنٍ يُجْعَلُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) بِرِفْقٍ، ويُكثِر ذلك؛ ليرد
(4)
ما يَخرُج عند تحريكه.
(ويَشُدُّ فَوْقَهُ خِرْقَةً مَشْقُوقَةَ
(5)
الطَّرْفِ كَالتُبَّانِ
(6)
وهو السَّراويل بلا أكمام، (تَجْمَعُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ وَمَثَانَتِهِ) بشدِّ
(7)
الخرقة، (وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ) من القطن (عَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ)، وهي عيناه ومنخراه وأذناه وفمه؛ لأنَّ في جعلها على المنافذ مَنْعًا من دخول الهوامِّ، ولأنَّها تمنَع سرعة الفساد إذا حدَثَ حدَثٌ.
وظاهره: أنَّه لا يُحشَى بالقطن، وفي «الغنية»: إن خاف حشَاه بقُطْنٍ
(1)
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (11039)، وابن سعد في الطبقات (3/ 366)، وابن المنذر في الأوسط (896)، عن عمر رضي الله عنه قال:«لا تحنطوني بمسك» ، ومداره على حجاج بن أرطاة وهو ضعيف الحديث.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (11158)، عن ابن عمر:«أنه كره الحنوط على النعش» ، وفيه عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف.
وأثر أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن المنذر في الأوسط (3209)، عن قيس بن رافع:«أن أبا هريرة أوصى أهله حين توفي: أن لا يظهروا عليه الطيب، ولا يجعلوه في قطيفة حمراء» ، ولا بأس بإسناده، وقيس بن رافع ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحسن بن ثوبان:(وكان من أهل العلم والستر)، وروى عنه جماعة. ينظر: تهذيب التهذيب 8/ 391.
(2)
في (د) و (و): حفيظًا.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 194.
(4)
في (د) و (و): لردِّ.
(5)
في (أ): مشقوطة.
(6)
في (د) و (و): كالثياب.
(7)
في (أ): يشد، وفي (و): شدَّ.
وكافورٍ، وفي «المستوعب»: إن خاف لا بأس به، نَصَّ عليه
(1)
.
(وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ)، وهي ركبتاه ويداه وجبهته وأطراف قدمه
(2)
؛ تشريفًا لها؛ لكونها مختصَّة بالسُّجود، ويُطيِّبها مع مغابِنِه، نَصَّ عليه
(3)
.
(وَإِنْ طَيَّبَ جَمِيعَ بَدَنِهِ كَانَ حَسَنًا)؛ «لأنَّ أنسًا طُلِيَ بالمسك»
(4)
، «وطلى ابنُ عمر ميتًا بالمسك»
(5)
، وذكر السَّامَرِّيُّ: أنَّه يُستحَبُّ تَطيِيب جميع بدنه بالصَّندل والكافور؛ لدفع الهوامِّ.
والمنصوص: يكره داخل عينيه
(6)
، وقاله الأكثر؛ لأنَّه يُفسِدها.
ويكره خَلْط زعفران ووَرْسٍ بحنوط؛ لأنَّه ربَّما ظهر لونه على الكفن، ولأنَّه يستعمل غذاءً وزينة
(7)
، ولا يعتاد
(8)
التطيب به.
ويكره طليه بصَبِرٍ ليمسكه
(9)
، وبغيره
(10)
؛ لعدم نقله.
(ثُمَّ يَرُدُّ طَرَفَ اللُّفَافَةِ الْعُلْيَا) من الجانب الأيمن (عَلَى شقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَرُدُّ
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 193، مسائل ابن منصور 3/ 1420.
(2)
في (أ) و (ب): قدمه.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 195، زاد المسافر 2/ 296.
(4)
وقفنا عليه بلفظ مقارب: أخرجه ابن أبي شيبة (11031)، وابن سعد في الطبقات (7/ 25)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2231)، وابن المنذر في الأوسط (890)، عن حميد:«عن أنس أنه جُعل في حنوطه صُرَّة من مسك، فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (6140)، وابن أبي شيبة (11038)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان يطيب الميت بالمسك، يذر عليه ذرورًا» ، وإسناده صحيح متصل.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 201، مسائل ابن منصور 3/ 1422.
(7)
في (ز) و (و): وزنة.
(8)
في (و): ولا يحتاج.
(9)
قوله: (ليمسكه) سقطت من (أ).
(10)
في (أ): ويغبره.
طَرَفَهَا الآْخَرَ) أي: من الجانب الأيسر (فَوْقَهُ) أي: فوق الطَّرف الآخَرِ، وهو الأيمن؛ لئلاَّ يَسقُط عنه الطَّرف الأيمن إذا وضع على يمينه
(1)
في القبر.
وعكس صاحب «الفصول» و «المستوعب» و «المحرَّر» وقال: لأنَّه عادة لبس الحي من
(2)
قباء ورداءٍ ونحوهما.
ويتوجَّه: أنَّهما سواءٌ.
(ثُمَّ يَفْعَلُ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ كَذَلِكَ)؛ أي: كالأولى؛ لأنَّهما في معناها، (وَيَجعَلُ مَا عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَ رِجْلَيْهِ)؛ كالحيِّ؛ لشرَفه، ولأنَّه أحقُّ بالسَّتر من رجليه، ويعيد الفاضل على وجهه ورجليه بعد جمعه؛ ليصير الكفَن كالكيس
(3)
فلا يَنتشِر.
(ثُمَّ يَعْقِدُها
(4)
إن خاف
(5)
انتشارها، (وَيَحُلُّ
(6)
الْعُقَدَ فِي الْقَبْرِ)؛ «لأنَّه عليه السلام لمَّا أدخَل نُعَيمَ بنَ مَسعودٍ القَبْرَ نزع الأخلَّة بفيه»
(7)
، وعن ابن مسعودٍ وسمُرةَ نحوُه
(8)
، ولأنَّ الخوف قد زال، زاد أبو المعالي وغيره: ولو نسي بعد
(1)
في (ب) و (ز): جنبه.
(2)
في (أ): في.
(3)
في (ب) و (د) و (و): كاللبس.
(4)
في (أ): يعيدها. وفي (و): يعقدهما.
(5)
في (د) و (و): إن ضاق.
(6)
في (د) و (ز) و (و): وتحل.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (11668)، وأبو داود في المراسيل (419)، والبيهقي في الكبرى (6714)، من رواية خلف بن خليفة، عن أبيه، أظنه سمعه من معقل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه رواية ابن أبي شيبة، وعند أبي داود أن خلف بن خليفة حدثهم عن أبيه قال: بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وهو حديث مرسل ضعيف، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (1763).
(8)
لم نقف عليهما، ولفظ أثر ابن مسعود رضي الله عنه كما في كشاف القناع (2/ 107):«إذا أدخلتم الميت اللحد فحُلُّوا العقد» ، رواه الأثرم.
تسوية التراب عليه قريبًا؛ لأنَّه سُنَّةٌ، لكنْ لا يَحُلُّ الإزارَ، نَصَّ عليه
(1)
.
(وَلَا يَخْرِقُ الْكَفَنَ)؛ لما فيه من إفساده
(2)
وتقبيح
(3)
الكفن المأمور بتحسينه، وكرهه أحمد، وقال: (بأنَّهم يتزاورون
(4)
فيها)
(5)
، وجوَّزه أبو المعالي خَوف نَبشه، قال أبو الوفاء: ولو خيف، وهو ظاهر كلام غيره.
(وَإِنْ كُفِّنَ فِي قَمِيصٍ ومِئْزَرٍ وَلُفَافَةٍ جَازَ)؛ «لأنَّه عليه السلام ألْبَس عبد الله بنَ أُبَيٍّ قميصَه لَمَّا مات» رواه البخاريُّ
(6)
، وعن عمرو
(7)
بن العاص: «أَنَّ الميت يؤزَّر، ويُقمَّص، ويُلَفُّ بالثَّالثة»
(8)
، وهذا عادة الحي.
وصرَّح في «الشَّرح» ، وهو ظاهر «الهداية»: أنَّه يكره.
والمنصوص: أن يكون القميص بكُمَّينِ ودخاريص لا يُزَرُّ
(9)
؛ لأنَّه لا يسنُّ للحي
(10)
زَرُّه فوق إزار؛ لعدم الحاجة.
وقيل: عكسه للحيِّ؛ لأنَّه العادة في العُرْف، فيؤزَّر بالمئزر
(11)
، ثم يلبس
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 192.
(2)
في (د) و (و): فساده.
(3)
في (و): ويقبح.
(4)
في (د): يتزاودون.
(5)
ينظر: زاد المسافر 2/ 308، الفروع 3/ 322.
(6)
أخرجه البخاري (1269)، ومسلم (2400)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(7)
في (و): عمر.
(8)
أخرجه مالك (1/ 224)، ومن طريقه عبد الرزاق (6188)، والبيهقي في الكبرى (6689)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وليس عن عمرو رضي الله عنهما. وإسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين.
(9)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1424، مسائل ابن هانئ 1/ 185.
(10)
في (أ): الحي.
(11)
في (د): بالمتزر.
القميص، ثم يُلَفُّ باللُّفافة.
وقيل: يزرُّه
(1)
، وهو روايةٌ.
وعنه: يستحبُّ ذلك، وعبارة «الوجيز»: وتجزئ، وفيها شَيءٌ.
(وَتُكَفَّنُ المَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: إِزَارٍ، وَخِمَارٍ، وَقَمِيصٍ، وَلُفَافَتَيْنِ) استحبابًا، وجزَم به جماعةٌ، لمَا رَوَى أحمدُ وأبو داود -وفيه ضعفٌ- عن ليلَى الثَّقَفِيَّةِ قالت: «كنت فيمن
(2)
غسَّل أمَّ كُلْثومٍ بنتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فكان أوَّلُ ما أعطانا الحِقَاء، ثمَّ الدِّرع، ثُمَّ الخمار، ثم الملحفة، ثم أُدْرِجَتْ بعد ذلك في الثَّوب الآخَر»
(3)
، قال أحمدُ: الحِقاء: الإزارُ، والدِّرعُ: القميصُ
(4)
.
فعلى هذا: تؤزر بالمئزر
(5)
، ثم تُلبس
(6)
القميص، ثم تُخمر بمِقْنعةٍ، ثم تُلف
(7)
باللُّفافَتَينِ، ونَصَّ أحمدُ: أنَّ الخامسة تَشُدُّ
(8)
بها
(9)
فخِذَيها تحت
(1)
في (أ): يؤزره.
(2)
في (د) و (و): ممن.
(3)
أخرجه أحمد (27135)، وأبو داود (3157)، والطبراني في الأوسط (2508)، والبيهقي (6773)، من رواية ابن إسحاق، قال: حدثني نوح بن حكيم الثقفي، عن رجل من بني عروة بن مسعود، يقال له: داود، قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن ليلى بنت قانف الثقفية. وإسناده ضعيف؛ لجهالة شيخ ابن إسحاق، قال الذهبي:(لا يعرف، تفرد عنه ابن إسحاق)، وقال ابن حجر في التقريب:(مجهول)، وضعفه ابن القطان والألباني، وحسن إسناده النووي. ينظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 52، الخلاصة 2/ 954، ميزان الاعتدال 4/ 276، الإرواء 3/ 173.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 214.
(5)
في (ب) و (ز): بمئزر.
(6)
في (و): يلبس.
(7)
في (و): يلف.
(8)
في (ب) و (و): يشد.
(9)
في (د): الخامسة تشدها.
المئزر
(1)
، وصرَّح به الخِرَقيُّ وأبو بكرٍ، وجزم به في «المحرَّر» .
وظاهره: أنَّها لا تُنَقَّب
(2)
، وذكر ابن تميم وابن حمدان: لا بأس به.
وأمَّا الصَّغيرة: فتكفَّن في قميص ولفافتين؛ لعدم احتياجها إلى خمارٍ في حياتها، فكذا في موتها، وكذا بنتُ تسعٍ. ونقل الجماعة
(3)
: كالبالِغة
(4)
، وهو ظاهرٌ.
فرعٌ: الخُنثَى كامْرأَةٍ.
(وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ: ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَهُ)؛ لأنَّ العورة المغلَّظة يُجزِئُ في سترها ثَوبٌ واحدٌ، فكفن الميت أَولَى، ولا فرْق بين الرَّجل والمرأة.
وعنه: يَجبُ ثلاثةٌ، احتجَّ القاضي وغيره: بأنَّها لو لم تجب؛ لم يَجزْ مع وارثٍ صغيرٍ.
وردَّه المؤلف بالكفن الحسن.
وقيل: تقدم الثَّلاثة على غير الدَّين من الإرث والوصيَّة، اختاره المجد وجزم به أبو المعالِي، قال: وإن كُفِّن من بيت المال؛ فبثوبٍ، وفي الزائد
(5)
للكمال وجهان.
ويتوجه: ثوب في الوقف على الأكفان
(6)
.
ويعتبر ألا يَصِف البشرة
(7)
، ويكره
(8)
رقَّةٌ تحكي
(9)
هيئة البدن، نَصَّ
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 214، مسائل ابن منصور 3/ 1385.
(2)
في (ز): تتنقب.
(3)
في (د): للجماعة.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 185.
(5)
في (و): الزوائد.
(6)
قوله: (ويتوجه ثوب في الوقف على الأكفان) سقط من (أ).
(7)
في (و): العشرة.
(8)
في (و): ويكون.
(9)
في (د) و (و): يحكي.
عليه
(1)
، وبشعر وصوف وكذا
(2)
منقوش، ذكره ابن تميم.
ويحرم بجلود، ذكره جماعة، وكذا تكفينها بحرير، نص عليه
(3)
(4)
؛ كصبيٍّ. وعنه: يُكرَه، وقيل: لا، ومثله
(5)
المذهَّب، ويجوز لعدمٍ تكفينه في ثوبٍ واحدٍ حريرٍ للضَّرورة لا مطلقًا.
فإن لم يجد إلاَّ بعض ثوب؛ ستر
(6)
العورة؛ كحال الحياة، وذكر السَّامَرِّيُّ وقدَّمه في «الرعاية»
(7)
: أنَّه يَستُر رأسَه؛ لأنَّه أفضل من باقيه، والباقي بحشيشٍ أو ورَقٍ
(8)
.
مسائِل:
الأُولَى: يَحرُم دَفْنُ حُلِيٍّ وثيابٍ غيرِ الكفَن؛ لأنَّه إضاعة مالٍ، وكرهه أبو حفصٍ، زاد في «الشَّرح»: لغير حاجةٍ.
الثَّانيةُ: إذا أوصى بدون ما يستر بدنه؛ لم يصِحَّ، كما لو أوصى بتكفينه في ثياب ثمينةٍ لا تليق
(9)
به، قاله
(10)
في «الرِّعاية» ، وإن وصَّى في ثوبٍ أو دون ملبوسِ مثلِه؛ جاز، ذكره المجْدُ إجماعًا، وإن وصَّى بثوبٍ، وقلنا: يجب أكثر؛ ففي صحة وصيَّته وجهان.
الثَّالثةُ: إذا مات جماعةٌ، ولم يُوجَد سوى ثوبٍ واحدٍ؛ جمع فيه ما
(1)
ينظر: الورع للمروذي ص 187.
(2)
في (د) و (و): ولو.
(3)
من قوله: (وبشعر وصوف) إلى هنا سقط من (أ).
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 137.
(5)
في (د): وبمثله.
(6)
في (ز): ستره.
(7)
في (د): للرعاية.
(8)
في (و): روث.
(9)
في (و): لا يليق.
(10)
في (أ): قال.
أمكن؛ لخبر أنسٍ في قَتْلَى أُحُدٍ
(1)
.
وقال ابنُ تميمٍ: (قال شَيخُنا: يُقسَمُ بينهم، وتُستَر عورةُ كلِّ واحدٍ، ولا يُجمَعون فيه).
الرَّابعةُ: إذا كان للميت كفَنٌ، وثَمَّ حيٌّ يحتاجه لدَفْع حَرٍّ أوْ بَرْدٍ؛ فالأصحُّ: له أخذه بثمنِه، زاد المجْدُ: إن خشِيَ التَّلَف.
وقال ابنُ عقيلٍ وابنُ الجَوزيِّ: يُصَلِّي عليه عادم في أحد لفافتيه، والأشهر: عُرْيانًا؛ كلُفافةٍ واحدةٍ يُقدَّم الميت بها.
(1)
أخرجه أحمد (12300)، وأبو داود (3136)، والترمذي (1016)، من طريق أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه:«فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد» ، قال الترمذي:(حديث غريب)، وحسنه النووي وابن الملقن، ولكن أعله البخاري بأنه غير محفوظ، وقال:(غلط فيه أسامة بن زيد)، وأخرج البخاري (1343)، من حديث جابر رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد
…
» الحديث. ينظر: الخلاصة 2/ 946، البدر المنير 5/ 243.
(فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى المَيِّتِ)
وهو مُناسِبٌ لِمَا قَبْلَه.
(السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَوَسَطَ الْمَرْأَةِ)؛ لِمَا رَوَى أحمدُ والتِّرمذيُّ وحسَّنه، وإسنادُه ثِقاتٌ، عن أنسٍ:«أنَّه صلَّى على رجلٍ فقام عند رأسه، ثمَّ صلَّى على امرأةٍ فقام وسَطها، فقال العَلَاء بن زِيادٍ: هكذا رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقومُ؟ قال: نَعَمْ»
(1)
، وعن سَمُرةَ بنِ جُندبٍ قال:«صلَّيتُ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ، فقام وسَطها» متَّفقٌ عليه
(2)
، ولأنَّه أستر لها.
وعنه: يقوم عند صدر الرَّجل، جزم به الخِرَقيُّ وصاحب «التَّلخيص» و «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ، قال في «الشَّرح»: وهو قريب من الأوَّل.
وعنه: عند صدرهما؛ لأنَّهما سواءٌ.
والخُنثى بين ذلك.
ولم يتعرَّض المؤلِّف للمَقام من الصَّبيِّ والصَّبيَّة، وظاهر «الوجيز»: أنَّهما كما سبق، فلو خالف الموضع؛ صحَّتْ ولم يُصِبِ السُّنَّةَ.
وتُسنَّ لها الجماعةُ، ولم يصلوها على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بإمامٍ إجماعًا
(3)
؛ احترامًا
(1)
أخرجه أحمد (13114)، وأبو داود (3194)، والترمذي (1034)، وقال الترمذي:(حديث حسن)، وصححه ابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 5/ 256، أحكام الجنائز ص 109.
(2)
أخرجه البخاري (332)، ومسلم (964).
(3)
أخرج ابن ماجه (1628)، وابن جرير في تاريخه (3/ 213)، وأبو يعلى (22)، والبيهقي في الكبرى (6907)، من طريق الحسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة موته صلى الله عليه وسلم، وفيه:«ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالاً يصلون عليه» ، قال الحافظ في التلخيص:(إسناده ضعيف)، وقال الذهبي في المهذب 3/ 1374:(الحسين راويه لين)، وتركه النسائي. وأخرج أحمد (20766)، من حديث أبي عسيب رضي الله عنه: أنه شهد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: كيف نصلي عليه؟ قال: «ادخلوا أرسالاً» ، قال الهيثمي:(رجاله رجال الصحيح).
قال ابن عبد البر: (وأما صلاة الناس عليه أفذاذًا فمجتمع عليه عند أهل السير وجماعة أهل النقل لا يختلفون فيه)، قال الحافظ:(وتعقبه ابن دحية بأن ابن القصار حكى الخلاف فيه). ينظر: التمهيد 24/ 397، مجمع الزوائد 9/ 37، التلخيص الحبير 2/ 290.
له وتعظيمًا.
ويَسقُط الفرض برجلٍ، أو امرأةٍ؛ كغسله
(1)
، وفي سقوطه بفعل [خُنثَيَيْنِ]
(2)
وجهان.
(وَيُقَدَّمُ إِلَى الْإِمَامِ) إذا اجتمعتْ جنائِزُهم: (أَفْضَلُهُمْ)؛ لأنَّ الفضيلة يُستحَقُّ بها التَّقدُّم في الإمامة، فكذا هنا، يؤيِّده أنَّه «كان عليه السلام يُقدِّم في القبر من كان أكثرَ قُرْآنًا»
(3)
. وقيل: الأدينُ. وقيل: الأكبرُ، نَصَّ عليه، ذكره في «الشَّرح» .
وقال القاضي: يُقدَّم السَّابِقُ وإن كان صبِيًّا إلاَّ المرأة، جزم
(1)
في (د) و (ز) و (و): لغسله.
(2)
هكذا في نسخة (أ)، (ب) و (د) و (ز)، وهي غير واضحة في الأصل وهي خطأ، حيث إنهم نصوا على سقوطها بخنثى واحد، ولم يذكروا فيه خلافًا، ولعل صواب العبارة:(سقوطه بفعل مميز)، كما في كتب الأصحاب، وهو الذي يدل عليه ترتيبهم، حيث يذكرون صلاة المميز بعد صلاة المكلف، وقال في الإنصاف 6/ 136:(وقدم المجد: سقوط الفرض بفعل المميز كغسله، وقدمه في «مجمع البحرين». وقيل: لا تسقط؛ لأنها نفل. جزم به أبو المعالي، وأطلقهما في «الرعاية»، و «القواعد الأصولية»)، وذكر صاحب القواعد الأصولية الوجهين ص 40.
(3)
أخرجه أحمد (16251)، وأبو داود (3215)، والنسائي (2011)، ولفظه عند أبي داود:«احفروا وأوسعوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر» ، قيل: فأيهم يقدم؟ قال: «أكثرهم قرآنًا» ، وصححه النووي وابن الملقن والألباني. الخلاصة 2/ 1014، البدر المنير 2/ 296، أحكام الجنائز ص 143.
به أبو المعالِي، كما لا يُؤخَّر المفضول من صف
(1)
المكتوبة في الصف الأوَّل وقرب الإمام.
فإن
(2)
تساوَوْا؛ قدَّم الإمام من شاء، فإن تشاحُّوا أُقْرِع بينهم، وذكَر ابنُ تميمٍ أنَّه مع التَّشاحِّ فهل يُقدَّم من أحقُّ بها، أو مَنْ ميتُه سَبَق بالحضور
(3)
أو الموت؟ فيه أوْجُهٌ، ويحتمل من سبق ميتُه بالتطهير
(4)
.
فيُستحَبُّ تقديم الحرِّ، ثُمَّ العبد المكلَّف، ثُمَّ الصَّبيِّ، ثُمَّ الخنثى، ثم المرأة، نقله الجماعة
(5)
؛ كالمكتوبة.
وعنه: يُقدَّم الصَّبيُّ على العبد.
وعنه: عبدٌ على حرٍّ دونه.
وعنه: المرأةُ على الصَّبيِّ، كما قدَّمها الصَّحابة في الصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(6)
، اختاره الخِرَقيُّ وأبو الوفاء، ونصره القاضي، ولحاجتها إلى الشَّفاعة.
ويقدَّم الأفضلُ أمامها في المسير، ذَكَره ابنُ عَقِيلٍ.
ويقدَّم من أولياء موتى
(7)
أولاهم بالإمامة، ثُمَّ قُرعةٌ، ولولِيِّ كلِّ ميت أن ينفرد بالصَّلاة عليه.
مسألةٌ: جمع الموتى
(8)
في الصَّلاة أفضل، نَصَّ عليه
(9)
، كما لو تغيَّر أوْ
(1)
في (د): في صف، وفي (و): المفضول وصف.
(2)
في (د) و (ز) و (و): وإن.
(3)
في (د) و (و): الحضور.
(4)
في (د) و (و): بالتطهر.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 188، مسائل عبد الله ص 142.
(6)
تقدم تخريجه 3/ 139 حاشية (3)، أخرجه ابن ماجه (1628)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه:«ثم أُدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه» .
(7)
قوله: (موتى) سقطت من (أ).
(8)
في (أ): المولى.
(9)
ينظر: الفروع 3/ 334.
شقَّ، وقيل: عكسُه. قال في «الفروع» : ويتوجَّهُ احتِمالٌ بالتَّسوية.
(وَيُجْعَلُ وَسَطُ المَرْأَةِ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ)، اختاره أبو الخطَّاب، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ وابنُ حَمْدانَ؛ لِيَقِف مِنْ
(1)
كلِّ واحدٍ منهما موقِفَه، وعلى المذهب: يجعل وسطها حذاء صدر الرَّجل، وخُنثَى بينهما.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يُسَوِّي بَيْنَ رُؤُوسِهِمْ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الكافي» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ «أمَّ كلثومٍ وابْنَها زَيْدًا تُوفِّيَا جميعًا، فصلَّى عليهما أميرُ المدينة، فسوَّى بين رؤوسهما» رواه سعيدٌ، ورواه أبو حفصٍ عن عمر
(2)
،
(1)
في (د) و (و): في.
(2)
في (و): عمرو. وصوابه: (ابن عمر)، كما في المصادر الأخرى وكتب الحنابلة.
أخرجه الدولابي في الكنى (1442)، والنسائي (1977)، وابن عساكر في تاريخه (19/ 490)، عن عمار مولى بني هاشم قال: حضرت جنازة صبي وامرأة، فقُدِّم الصبي مما يلي القوم، ووُضِعت المرأة وراءه، فصُلِّيَ عليهما، وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة، فسألتهم عن ذلك، فقالوا:«السنة» ، إسناده صحيح، وهذا لفظ النسائي.
وروي أن الإمام كان ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (6336)، وابن عساكر (19/ 492)، عن الشعبي:«أن ابن عمر صلى على أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وزيد بن عمر، فجعل زيدًا يليه، والمرأة أمام ذلك» .
وروي أن الإمام كان سعيد بن زيد رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (11568)، عن عمار مولى بني هاشم، وفيه:«فصلى عليهما سعيد بن العاص، فجعل زيدًا مما يليه، وجعل أم كلثوم بين يدي زيد» ، وإسناده صحيح، وبنحوه أخرج ابن عساكر في تاريخه (19/ 490).
وجاء الجمع بين ذلك: أخرجه عبد الرزاق (6337)، وابن المنذر في الأوسط (3123)، وابن الجارود (545)، والنسائي (1978)، والدارقطني (1852)، والبيهقي في الكبرى (6919)، وابن عساكر في تاريخه (19/ 491)، عن نافع:«أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعًا، فجعل الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القبلة، فصفَّهن صفًّا واحدًا، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب، وابن لها يقال له زيد وُضِعا جميعًا، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة، فوُضِع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: «هي السنة» ، وإسناده صحيح كما قال في التلخيص (2/ 332).
قال ابن عساكر (19/ 491): (المحفوظ أن الذي صلى عليهما عبد الله بن عمر في إمارة سعيد بن العاص).
وقال الحافظ في التلخيص (2/ 332): (فيحمل على أن ابن عمر أمَّ بهم حقيقة بإذن سعيد بن العاص، ويحمل قوله: إن الإمام كان سعيد بن العاص، يعني الأمير، جمعًا بين الروايتين، أو أن نسبة ذلك لابن عمر لكونه أشار بترتيب وضع تلك الجنائز على الجنازة في الصلاة).
ولأنَّ المرأةَ تابِعٌ لا حكم
(1)
لها.
وعليه: يقوم مقامه مِنْ الرجل، اختاره جماعة، ونقل
(2)
المَيمونِيُّ في رجالٍ أو نساءٍ: يجعلون درجًا، رأس هذا عند رِجل هذا، وأنَّ هذا والتسوية سواءٌ
(3)
، قال الخلاَّل: وعلى هذا ثبت قوله.
(1)
في (ز): لا لحكم.
(2)
في (و): نقل.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 334.
(فَصْلٌ)
يُستحَبُّ تسويةُ صفوف الجنازة، وألا ينقصهم عن ثلاثة صفوفٍ؛ لخبر
(1)
مالك بنِ هُبَيرةَ مرفوعًا: «ما من ميتٍ يموت فيصلِّي عليه ثلاثةُ صفوفٍ إلاَّ غُفر له»
(2)
، وسبق حكم الفذ.
ويستحبُّ لمن صلَّى ألا يبرح
(3)
من مكانه حتى ترتفع
(4)
، روي عن ابن عمر ومجاهِدٍ
(5)
.
(وَيُكَبِّرُ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ)؛ كتكبير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على النَّجاشِيِّ أربعًا، متَّفقٌ عليه
(6)
، واشتهرت الرِّوايات به.
(يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ)؛ لِمَا رَوَى ابنُ ماجَهْ بإسنادٍ فيه شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، عن أمِّ شَريكٍ الأنصاريَّةِ قالت: «أمرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة
(1)
في (و): ولخبر.
(2)
أخرجه أحمد (16724)، وأبو داود (3166)، والترمذي (1028)، والروياني في مسنده (1537)، من رواية ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد اليزني، عن مالك بن هبيرة، وصرح ابن إسحاق بالتحديث كما عند الروياني، وقال الترمذي:(حديث حسن)، وصححه الحاكم، وحسنه النووي وابن حجر. ينظر: الخلاصة 2/ 962، أحكام الجنائز ص 100.
(3)
في (و): لا برح.
(4)
في (و): يرتفع.
(5)
ذكره في المغني (2/ 367)، ولم نقف عليه مسندًا، ولفظه: قال مجاهد: «رأيت عبد الله بن عمر لا يبرح مصلاه إذا صلى على جنازة حتى يراها على أيدي الرجال» .
وأثر مجاهد: أخرجه عبد الرزاق (6325)، عن عبد الله بن كثير، أن مجاهدًا قال: كان يقال: «إذا ما صليتم على الجنازة فقوموا حتى ترفع» ، فحولها الناس فقالوا: قوموا حتى توضع. وإسناده حسن.
(6)
أخرجه البخاري (1245)، ومسلم (951).
بفاتحة الكتاب»
(1)
، وعن جابِرٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ بالفاتحة بعد التكبيرة
(2)
الأولَى»
(3)
، وكالمكتوبة.
وظاهره: أنَّه لا يَستفْتِح، وهو المشهورُ؛ لأنَّ مبناها على التَّخفيف.
وعنه: بلَى، اختاره الخلاَّل، وجزم به في «التَّبصِرة» .
ثم يتعوَّذ؛ للآية. وعنه: لا.
ويَضَعُ يمينَه على شماله، وكان أحمدُ يَفعلُه
(4)
، ونقل الفضل: أنَّه أرسلهما
(5)
.
ويبتدئ الحمد بالبسملة؛ كسائر الصَّلوات، قاله في «الشَّرح» ، وظاهره الاكتِفاء بها، قال في «الفصول»: بغير خلافٍ في مذهبنا، وجزم في «التَّبصرة» بقراءة سورةٍ معها.
قال أحمدُ: يقرأ الفاتحة سِرًّا ولو ليلاً
(6)
، لا يقال: فابنُ عبَّاسٍ جهر بها، وقال:«سُنَّةٌ وحَقٌّ»
(7)
، لأجل تعليمهم.
(1)
أخرجه ابن ماجه (1496)، وشهر صدوق كثير الإرسال والأوهام، والراوي عنه حماد بن جعفر، قال ابن حجر:(لين الحديث)، قال ابن حجر:(وفي إسناده ضعفٌ يسيرٌ). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 279.
(2)
في (د) و (و): التكبير.
(3)
أخرجه الشافعي في مسنده (ص 358)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (6958)، وفيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو متروك، وضعفه النووي. ينظر: الخلاصة 2/ 975.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1427.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 335.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 335.
(7)
أخرجه البخاري (1335)، بلفظ: صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، قال:«ليعلموا أنها سنة» ، وأخرجه النسائي (1987)، بلفظ:«سنة وحق» ، وفيه أيضًا:«وجهر حتى أسمعنا» ، وأخرجه ابن الجارود (536)، من طريق آخر بلفظ: وجهر بالقراءة، وقال:«إنما جهرت لأعلمكم أنها سنة» .
(وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّانِيَةِ) سِرًّا؛ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ، أنا مُطرِّف بن مازِنٍ، عن معمر، عن الزُّهريِّ، أخبرني أبو أُمامة بن سهلٍ، أنَّه أخبره رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أنَّ السُّنَّةَ في الصَّلاة على الجنازة: أن يكبِّر الإمامُ، ثُمَّ يَقرأ بفاتحة الكتاب بعد التَّكبيرة الأولى سِرًّا في نفسه، ثمَّ يصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويُخلِص الدُّعاء للميت، ثمَّ يُسلِّم»
(1)
، ويكون كما في التَّشهُّد، نَصَّ عليه
(2)
.
واستحبَّ القاضي بعدها: اللَّهم صلِّ على ملائكتك المقرَّبين، وأنبيائك والمرسلين
(3)
، وأهل طاعتك أجمعين.
وفي «الكافي» : لا تتعيَّن صلاةٌ؛ لأنَّ القصد مطلَقُ الصَّلاة.
(وَيَدْعُو) لنفسه، ولوالدَيه، والميت
(4)
، والمسلمين (فِي الثَّالِثَةِ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إذا صلَّيتُم على الميت فأخلِصوا له الدُّعاء» رواه أبو داود وابن ماجه، وفيه ابن إسحاقَ
(5)
، ولا تَوْقيتَ فيه، نَصَّ عليه
(6)
.
(1)
أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 359)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2868)، والبيهقي في الكبرى (6959)، وفي إسناد الشافعي: مطرف بن مازن الصنعاني، قال الذهبي في الميزان:(كذبه يحيى بن معين، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال آخر: واه، وأما ابن عدي فقال: لم أر له شيئًا منكرًا)، وقال ابن حجر:(وضعفت رواية الشافعي بمطرف، لكن قواها البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق عبيد الله بن أبي زياد الرصافي عن الزهري)، وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي صدوق، وصححه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 287، والإرواء 3/ 181.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1398، مسائل عبد الله ص 138، مسائل أبي داود ص 218.
(3)
في (أ): المرسلين. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير والإنصاف 6/ 149.
(4)
في (ب) و (د): للميت.
(5)
أخرجه أبو داود (3199)، وابن ماجه (1497)، وابن حبان (3076، 3077)، والبيهقي في الكبرى (6964)، وفيه محمد بن إسحاق، وقد صرح فيه بالسماع من شيخه كما عند ابن حبان في الرواية الثانية، وحسنه الألباني. ينظر: الإرواء 3/ 179.
(6)
ينظر: زاد المسافر 2/ 304، الفروع 3/ 336.
ويُستحَبُّ أن يدعو، (فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا
(1)
وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا») رواه أحمد والتِّرمذيُّ وابن ماجَهْ من حديث أبي هريرة، زاد ابن ماجه: «اللَّهم لا تَحرِمْنا أجرَه، ولا تضلنا
(2)
بعده» وفيه ابن إسحاقَ، قال الحاكمُ: حديث أبِي هريرة صحيحٌ على شرط الشَّيخينِ
(3)
، لكن زاد فيه المؤلِّف: وأنت على كلِّ شَيءٍ قديرٌ، ولفظ
(4)
: «السُّنَّةِ» .
(«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَأَوْسِعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ
(5)
، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ»)، رواه مسلمٌ من حديث عَوفِ بنِ مالِكٍ: أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على جنازةٍ حتَّى تمنَّى
(1)
في (د): متقلبنا.
(2)
في (د) و (و): ولا تفتنا.
(3)
أخرجه أحمد (8809)، وأبو داود (3201)، وابن ماجه (1498)، وابن حبان (3070)، والحاكم (1326)، من رواية يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الترمذي (1024) والنسائي في الكبرى (10856)، من رواية يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو إبراهيم الأشهلي، عن أبيه، ووقع في هذا الحديث اختلاف في طرقه على أوجهٍ، رجح أبو حاتم والدارقطني إرساله، قال الدارقطني:(والصحيح عن يحيى قول من قال: عن أبي إبراهيم، عن أبيه، وعن أبي سلمة مرسل)، والرواية المرسلة أخرجها عبد الرزاق (6419)، وابن أبي شيبة (11356)، ورجح البخاري أنه غير محفوظ والصواب وقفه على عبد الله بن سلام، وقال الترمذي:(حديث والد أبي إبراهيم حديث حسن صحيح)، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن. ينظر: علل ابن ابي حاتم 3/ 517، 3/ 526، علل الدارقطني 9/ 321 - 325، البدر المنير 5/ 271.
(4)
في (أ): ولفظة.
(5)
قوله: (وأدخله الجنة) سقط من (د) و (و).
أن يكون ذلك الميت، وفيه: «وأبْدِلْه أهلاً خَيْرًا من أهله
(1)
»
(2)
، وزاد المؤلِّف لفظ:«من الذُّنوب» .
(وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ)؛ لأنَّه لائِقٌ بالمحلِّ.
فإن كان الميتُ امرأةً أَنَّث الضَّمير، وإن كان خُنثَى قال: هذا الميت ونحوه.
تذنيبٌ: «نُزُله» ؛ بضمِّ الزَّاي، وقد تسكَّن
(3)
، «ومدخله»؛ بفتح الميم: موضع الدخول، وبضمِّها: الإدخال.
والزَّوج بغير هاء: للمذكَّر والمؤنَّث، وقد يقال لامرأة الرَّجل: زوجةٌ، حكاها الخليل والجَوهريُّ
(4)
.
وذَكَر جماعةٌ: أنَّه يُستحَبُّ أن يقول: (اللَّهم إنَّه عبدك، ابن عبدك
(5)
، ابن
(6)
أمتك، نَزَل بك وأنت خير منزولٍ به، اللَّهم إن كان محسنًا فجازه بإحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوَزْ عنه، اللهم إنَّا جئْنا شفعاءَ له فشفِّعْنا فيه، ولا تَحرِمْنا أجره، ولا تَفْتِنَّا بعده، واغفر لنا وله، إنَّك غفورٌ رحيمٌ).
وإن لم يعلم شرًّا من الميت قال: (اللهم لا نعلم إلاَّ خيرًا)؛ للخبر
(7)
.
(1)
زيد في (ب) و (ز): وأدخله الجنة.
(2)
أخرجه مسلم (963).
(3)
في (أ): يسكن.
(4)
ينظر: الصحاح 1/ 320.
(5)
قوله: (ابن عبدك) سقط من (أ).
(6)
في (أ) و (ب) و (و): وابن.
(7)
أخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 154، والخطيب البغدادي في التاريخ 7/ 466، وابن الجوزي في العلل 2/ 413، من رواية الضحاك بن حُمْرة، عن حميد الطويل، عن أنس رضي الله عنه، ولفظه:«ما من مسلم يموت فيشهد له رجلان من جيرته الأدنين، فيقولان: اللهم لا نعلم إلا خيرًا، إلا قال الله للملائكة: اشهدوا أني قد قبلت شهادتهما، وغفرت ما لا يعلمان» ، قال ابن الجوزي:(هذا حديث لا يصح، قال يحيى: الضحاك ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة)، وقال ابن حجر:(ضعيف). ينظر: تهذيب الكمال 13/ 259، وميزان الاعتدال 2/ 322.
ولا بأس
(1)
بالإشارة
(2)
بالإصبع حال الدُّعاء للميت، نَصَّ عليه
(3)
.
(وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا)، وعبارة «المحرَّر» و «الفروع»: صغيرًا، وهي
(4)
أَوْلَى؛ (قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرًا لِوَالِدَيْهِ، وَفَرَطًا، وَأَجْرًا، وَشَفِيعًا مُجَابًا، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ المُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي كَفالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الْجَحِيمِ)؛ لقوله عليه السلام: «والسِّقط يُصَلَّى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرَّحمة» رواه أبو داود، وفي آخر: قال صلى الله عليه وسلم: «السقط يصلى عليه، ويدعى لأبويه بالرحمة والعافية»
(5)
، وما ذُكر من الدُّعاء لائِقٌ بحاله، مناسِبٌ لِمَا هو فيه، فشُرِع؛ كالاِستغفار للبالِغ.
زاد جماعةٌ: سؤال المغفرة له. والأشهر: عدمه؛ لأنَّه لا ذنْبَ له، وإنَّما يدعو لوالدَيه، هذا هو السُّنَّة.
فرعٌ: إذا لم يُعرَف إسلام والديه؛ دعا لمواليه.
وفي «الفروع» : ومرادهم فيمن بلغ مجنونًا ومات أنَّه كصغير.
(وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلاً)؛ لِمَا رَوَى الجوزجاني عن زَيدِ بنِ أرْقم: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُكبِّر أربعًا، ثُمَّ يَقِفُ ما شاء الله»
(6)
، فكنتُ أحسب هذه الوقفة
(1)
قوله: (بأس) سقط من (أ).
(2)
في (و): للإشارة.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 186.
(4)
في (د) و (و): وهو.
(5)
قوله: (وفي آخر قال صلى الله عليه وسلم إلى هنا سقط من (أ) و (ب) و (و). والحديث سبق تخريجه 3/ 121 حاشية (3).
(6)
لم نقف على حديث زيد رضي الله عنه، قال الألباني:(ولم أقف عليه من حديث زيد، والمعروف حديث عبد الله بن أبي أوفى).
وحديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه: أخرجه أحمد (19140)، وابن ماجه (1503)، والحاكم (1330)، والبيهقي في الكبرى (6937)، من رواية إبراهيم الهجري، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، ولفظه عند ابن ماجه:«كان يكبر أربعًا، ثم يمكث ساعة، فيقول ما شاء الله أن يقول، ثم يسلِّم» ، وعند الحاكم:«ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يستغفر لها ويدعو» ، وقال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا» ، وفي سنده إبراهيم بن مسلم الهجري وهو ضعيف، وضعف الحديث البوصيري، وله طريق أخرى عند البزار (3342)، والبيهقي في الكبرى (6937)، من رواية الحسن بن صالح، عن أبي اليعفور، عن ابن أبي أوفى، وصححه الألباني. ينظر: مصباح الزجاجة 2/ 32، أحكام الجنائز ص 126، الإرواء 3/ 181.
ليكبر
(1)
آخِرُ الصفوف
(2)
.
وظاهره: أنَّه لا يشرع بعدها دُعاءٌ، نَصَّ عليه
(3)
، واختاره الخِرَقيُّ وابن عَقيلٍ وغيرهم، ولم يذكر بعضهم الوقوفَ.
ونقل جماعةٌ
(4)
: يدعو فيها كالثَّالثة
(5)
، اختاره أبو بَكرٍ والآجري والمجْدُ في «شرح الهداية» ؛ لأنَّ ابن أبي أَوْفَى فَعَلَه، وأخبر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَه
(6)
، قال أحمدُ:(هو مِنْ أصلَحِ ما رُوِيَ)
(7)
، وقال:(لا أَعْلمُ شيئًا يُخالِفه)
(8)
، ولأنَّه قيامٌ في جنازةٍ، أشْبَهَ الذي قبله.
فيقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، واختاره جمعٌ، وحكاه ابن الزَّاغوني عن الأكثر، وصحَّ:«أن أنَسًا كان لا يدعو بدعاءٍ إلاَّ خَتَمه بهذا»
(9)
.
(1)
في (د) و (و): لتكبير.
(2)
قوله: (فكنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف)، من كلام الجوزجاني كما في المغني 2/ 365، الشرح الكبير 2/ 348.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 139، مسائل ابن هانئ 1/ 187.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 218.
(5)
في (أ): كالثانية.
(6)
سبق تخريجه 3/ 149 حاشية (6).
(7)
ينظر: الفروع 3/ 338.
(8)
ينظر: الأوسط لابن المنذر 5/ 442.
(9)
أخرجه مسلم (2690)، بلفظ:«كان أنسٌ إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها» .
واختار أبو بكْرٍ: (اللَّهمَّ لا تَحرِمْنا أجرَه، ولا تَفْتِنَّا بعدَه، واغْفِرْ لنا وله)؛ لأنَّه لائق بالمحلِّ.
وفي «الوسيلة» روايةٌ: أيَّهما شاء.
وقد نَصَّ في روايةِ جماعةٍ
(1)
: أنَّه يدعو للميت بعد الرَّابعة، وللمسلمين بعد الثالثة، وهي اختيار الخلاَّل.
وظاهره: أنَّه لا يتشهَّد ولا يُسبِّح مطلقًا، نص عليه
(2)
، واختار
(3)
حَرْبٌ يقول: «السَّلام عليك أيَّها النبي» إلى قوله: «وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله» ، وهو قول عطاءٍ.
(وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ)، نَصَّ عليه، وقال: عن ستة
(4)
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
(5)
،
(1)
ينظر: الفروع 3/ 337.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 809، زاد المسافر 2/ 304.
(3)
في (ب) و (ز): واختاره.
(4)
قوله: (عن ستة) في (و): غيره.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 187، زاد المسافر 2/ 304.
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 492): (قال أحمد بن القاسم: قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أتعرف عن أحد من الصحابة أنه كان يسلم على الجنازة تسليمتين؟ قال: "لا، ولكن عن ستة من الصحابة أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة خفيفة عن يمينه"، فذكر ابن عمر وابن عباس وأبا هريرة وواثلة بن الأسقع وابن أبي أوفى وزيد بن ثابت)، ونحوه في الفروع 3/ 338.
أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (6450)، وابن أبي شيبة (11491)، وأحمد في مسائل أبي داود (1032)، وابن المنذر في الأوسط (3179)، والبيهقي في الكبرى (6984)، عن نافع، عن ابن عمر:«أنه كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه فكبَّر، فإذا فرغ سلم على يمينه واحدة» ، إسناده صحيح.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (6444)، وابن أبي شيبة (11493)، وأبو داود في مسائل أحمد (1029)، وابن المنذر في الأوسط (3182)، والبيهقي في الكبرى (6986)، عن مجاهد:«أن ابن عباس سلَّم تسليمة خفيفة على الجنازة» ، ولا بأس بإسناده.
وأثر أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (11500)، وابن المنذر في الأوسط (3184)، وفيه من لم نقف على ترجمته.
وأثر واثلة رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (11505)، وأحمد في مسائل أبي داود (ص 218)، وابن المنذر في الأوسط (3185)، عن عمرو بن مهاجر قال:«صليت مع واثلة على ستين جنازة من الطاعون رجال ونساء، فكبر أربع تكبيرات، وسلَّم تسليمة» ، وإسناده صحيح.
وأثر ابن أبي أوفى رضي الله عنه: أخرجه أحمد في مسائل أبي داود (1031)، وابن المنذر في الأوسط (3186)، ومداره على الجراح بن مليح، وهو ضعيف.
وأثر زيد بن ثابت رضي الله عنه: لم نقف عليه.
ولقوله: «وتَحليلُها التَّسليمُ»
(1)
، ورَوَى عَطاءُ بنُ السَّائب:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سلَّم على الجنازة تسليمةً» رواه الجوزجاني
(2)
، وقال ابن المبارَك:(من سلَّم عليها تسليمتَينِ فهو جاهِلٌ)
(3)
، ولأنَّ التَّسليمة عن يمينه أكثرُ ما رُوي فيه، وهو أشْبَهُ.
وإن سلَّم تِلقاءَ وجهِه جاز، نَصَّ عليه
(4)
.
وتجوز ثانيةٌ، واستحبَّها القاضي، وذكره الحُلْوانِيُّ روايةً، وقد روى الحاكمُ عن ابن أبي أوفى تسليمتَينِ
(5)
.
(1)
سبق تخريجه 2/ 164 حاشية (5).
(2)
أخرجه أبو داود في المراسيل (418)، والبيهقي في الكبرى معلقًا (6982)، وهو مرسل صحيح إلى عطاء، وله شاهد مرفوع: أخرجه الدارقطني (1817)، والحاكم (1332)، وعنه البيهقي في الكبرى (6982)، من طريق عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث، حدثني أبي، عن أبيه، عن أبي العنبس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وأخرجه ابن أبي شيبة (11500)، عن حفص بن غياث به موقوفًا، وقال النووي:(إسناده غريب)، وحسنه الألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 982، أحكام الجنائز ص 129.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 218.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 338.
(5)
لم نقف عليه عند الحاكم، وأخرجه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات (341)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (6988)، عن إبراهيم الهجري، قال: أمَّنا عبد الله بن أبي أوفى على جنازة ابنته، فكبر أربعًا، فمكث ساعة، حتى ظنَّنا أنه سيكبر خمسًا، ثم سلَّم عن يمينه وعن شماله، فلما انصرف، قلنا له: ما هذا؟ قال: «إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع» ، وهو ضعيف؛ لضعف إبراهيم الهجري، وذِكْر التسليمتين تفرد بها محمد بن مسلمة عن شريك، ولم يروها عن إبراهيم غير شريك، وشريك ومحمد بن مسلمة ضعيفان، قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 491):(والمعروف عن ابن أبي أوفى خلاف ذلك، أنه كان يسلم واحدة، ذكره الإمام أحمد عنه).
وظاهر كلامهم: يَجهَر بها الإمام. وقيل: يُسِرُّ.
ويُتابِع إمامًا في الثَّانية؛ كالقُنُوت.
(وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ)، رُوِي عن ابن عمر رواه الشَّافعيُّ
(1)
، وعن ابن عبَّاسٍ رواه سعيدٌ
(2)
، وعن عمرَ وزيدِ بنِ ثابِتٍ رواه الأثرمُ
(3)
، ولأنَّه لا يتَّصل طرفها بسجودٍ ولا قُعودٍ، فسُنَّ فيها الرَّفع؛ كتكبيرة الإحرام، وحَكَى في «الشَّرح» الإجماعَ على أنَّه يَرفَع في الأُولَى، وصفة الرَّفع وانتهاؤه كما سبق.
(وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ: التَّكْبِيرَاتُ) الأربعُ؛ لمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ وأبو هريرةَ وجابرٌ: «أنَّه عليه السلام كبَّر أربعًا» متَّفقٌ عليه
(4)
، فلو نقص تكبيرةً عمْدًا؛ بطلت،
(1)
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 309)، وابن أبي شيبة (11380)، والبخاري في جزء القراءة (106)، وابن المنذر في الأوسط (3130)، والبيهقي في الكبرى (6993)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة» ، وصحح الحافظ إسناده في التلخيص 2/ 332.
(2)
لم نقف عليه في سنن سعيد بن منصور المطبوع، ولم نجده في غيره، وقال الحافظ في التلخيص (2/ 333):(وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة. رواه سعيد بن منصور).
(3)
تقدم تخريجه 3/ 19 حاشية (1).
(4)
حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري (1336)، ومسلم (954)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري (1318)، ومسلم (951)، وحديث جابر رضي الله عنه عند البخاري (1334)، ومسلم (952).
وسهوًا يكبِّرها
(1)
ما لم يطل الفصل.
وقيل: يعيدها؛ لفعل أنس
(2)
.
والمنصوص
(3)
: أنَّه لا يستأنفها
(4)
إلاَّ إذا طال، أو وجد مُنافٍ من كلامٍ أوْ نحوِه.
(وَالْفَاتِحَةُ)، ولَم يُوجِب الشَّيخُ تقيُّ الدِّين قراءةً، بل استَحبَّها، وهو ظاهِرُ نقلِ أبِي طالبٍ
(5)
.
(وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: «لَا صلاةَ لِمَنْ لم يُصَلِّ علَى نَبيِّه»
(6)
، وقال ابنُ تميمٍ: وإنْ قُلْنا: لا تَجِب في الصَّلاة؛ لم تَجِب هنا.
(وَأَدْنَى دُعَاءٍ لِلْمَيِّتِ)؛ لأنَّه هو المقصود، فلا يجوز الإخلالُ به.
(1)
في (د) و (و): يكبر.
(2)
قال في كشاف القناع (2/ 116): (روي عن قتادة: أن أنسًا صلى على جنازة فكبَّر عليها ثلاثًا، وتكلم، فقيل له: إنما كبرت ثلاثًا، فرجع، فكبَّر أربعًا. رواه حرب في مسائله، والخلال في جامعه)، ولم نقف عليه في المطبوع منهما.
ونقل في المغني (2/ 385)، عن أحمد أنه قال:(قد كبر أنس ثلاثًا ناسيًا؛ فأعاد).
والذي وقفنا عليه من طريق قتادة: ما أخرجه عبد الرزاق (6417)، وابن المنذر في الأوسط (3146)، عن قتادة، عن أنس: أنه كبَّر على جنازة ثلاثًا، ثم انصرف ناسيًا، فتكلم وكلم الناس، فقالوا: يا أبا حمزة، إنك كبرت ثلاثًا، قال:«فصُفُّوا» ، فصَفُّوا، فكبر الرابعة. وإسناده صحيح.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 341.
(4)
في (د): فيستأنفها.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 341.
(6)
أخرجه ابن ماجه (400)، والدارقطني (1342)، والحاكم (992)، والبيهقي في الكبرى (3967)، من رواية عبد المهيمن بن عباس، عن أبيه، عن جده سهل بن سعد مرفوعًا، ولفظه عند ابن ماجه:«ولا صلاة لمن لا يصلي على النبي» ، واللفظ الذي ذكره المؤلف هو عند البقية، وعبد المهيمن بن عباس تكلم فيه جماعة، قال البخاري:(منكر الحديث)، وقال النسائي:(ليس بثقة)، وقال الدارقطني:(ليس بالقوي)، وضعف إسناده البيهقي وابن حجر. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 630، تهذيب التهذيب 4/ 432.
(وَالسَّلَامُ)؛ لأنَّه عليه السلام كان يُسلِّم على الجنائز
(1)
، وقال:«صَلُّوا كما رأيتُمونِي أُصلِّي»
(2)
، والمراد به واحدة. وعنه: ثنتان.
وظاهر
(3)
ما ذكره في «المستوعب» و «الكافي» ، وهنا: أنَّه تتعيَّن القراءةُ في الأُولى، والصَّلاة في الثَّانية، والدُّعاء في الثالثة
(4)
، وقدَّم في «الفروع» خلافَه.
ويُشترَط لها:
النِّيَّةُ، فينوي الصَّلاة على الميت، ولا يَضُرُّ جهلُه بالذَّكَر وغيرِه، فإنْ جَهِله؛ نَوَى من يصلِّي عليه الإمامُ.
وإن نوى أحدَ الموتى؛ اعتُبِر تعيِينُه، فإن نوى على رجلٍ فبان امرأةً، أو عكسُه؛ فقال أبو المعالي: يُجزِئه؛ لقوة التَّعيين على الصِّفة.
والقيامُ في فرضها؛ لأنَّها فرضُ كفايةٍ، فيَجِب فيها القيامُ كالمكتوبة، فلا تصح
(5)
من قاعدٍ، ولا على راحلةٍ بلا عُذْرٍ، وظاهره: ولو تكرَّرت إن قيل الثَّانيةُ فرضٌ.
والمؤلِّف تَرَك ذكرَهما لظهورهما.
وإسلامُ الميت، والطَّهارةُ من حدَثٍ ونَجَسٍ، والاِستقبالُ، والسُّترةُ كمكتوبة، فإن تعذَّر تطهير الميت؛ صُلِّيَ عليه.
وحضورُ الميت بين يدي المصلِّي، فلا تصح
(6)
على جنازةٍ محمولة
(7)
،
(1)
في (أ): الجنازة.
(2)
أخرجه البخاري (631)، ومسلم (674)، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، ولفظه للبخاري.
(3)
في (و): وظاهره.
(4)
في (أ): للثالثة.
(5)
في (د) و (و): فلا يصح.
(6)
في (و): فلا يصح.
(7)
في (أ): مجهولة.
ذكره جماعةٌ في المسبوق؛ لأنَّها كإمامٍ، ولهذا لا صلاةَ بدون الميت.
وقال المجد وغيرُه: قربُها من الإمام مقصودٌ؛ كقرب المأموم من الإمام؛ لأنَّه يُسنُّ الدُّنُوُّ منها، ولو صلَّى وهي من وراء جِدارٍ؛ لم يَصِحَّ.
(وَإِنْ كَبَّرَ الْإِمَامُ خَمْسًا؛ كَبَّرَ بِتَكْبِيرِهِ)؛ نقله الأثرمُ
(1)
، واختاره الخِرَقِيُّ، وقدَّمه في «التَّلخيص» ، وذكر في «الشَّرح»: أنَّه ظاهِرُ المذهب؛ لِمَا رَوَى مسلمٌ عن زيد بن أرْقَم أنَّه كبَّر على جنازةٍ خمسًا، وقال:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يكبِّرُها»
(2)
، وعن حذيفة نحوه، رواه أحمدُ
(3)
.
(وَعَنْهُ: لَا يُتَابِعُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ)، نقلها
(4)
حربٌ
(5)
، واختارها ابنُ عَقِيلٍ، وجزم به في «الوجيز» ، وهي المذهبُ، قاله أبو المعالي؛ لأنَّه زاد على القدر المشروع، فلم يتْبعْه كالقنوت في الأولى، وكما لو زاد على عدد الرَّكعات، وكما لو علم أو ظن بدعته
(6)
.
وأجاب النووي عما سبق: بالنسخ بالإجماع
(7)
. وفيه نظرٌ.
(وَعَنْهُ: يُتَابِعُ
(8)
إِلَى سَبْعٍ)، نقله الجماعةُ
(9)
،
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 217، مسائل ابن منصور 7/ 72، زاد المسافر 2/ 303.
(2)
أخرجه مسلم (957).
(3)
أخرجه أحمد (23448)، والطحاوي في معاني الآثار (2828)، والدارقطني (1825)، وفيه سنده يحيى بن عبد الله الجابر، ضعفه ابن معين والنسائي، وقال أحمد وابن معين -في رواية- وابن عدي:(لا بأس به)، ورواه عن عيسى مولى حذيفة، ضعفه البوصيري، ولم يرو عنه غير يحيى، ويشهد له حديث زيد بن أرقم السابق. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 389، إتحاف الخيرة للبوصيري 2/ 461.
(4)
في (و): رواه.
(5)
ينظر: المغني 2/ 383.
(6)
في (ب) و (ز): بدعة.
(7)
ينظر: شرح مسلم 7/ 26.
(8)
في (أ): تابع.
(9)
ينظر: مسائل أبي داود ص 217، زاد المسافر 2/ 303.
واختارها
(1)
أكثر الأصحاب، وقدَّمها في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأنَّه عليه السلام «كبَّر على حمزةَ سبعًا» رواه ابنُ شاهين
(2)
، وعن الحكم بن عُتَيبة قال:(كانوا يُكبِّرون على أهل بدرٍ خمسًا وستًّا وسبْعًا) رواه سعيدٌ
(3)
، ولأنَّ المأمومَ يُتابِع إمامَه في تكبيرات العيد، فكذا هنا.
وظاهره: أنَّه لا يتابعه فيما زاد عليها، قال أحمدُ:(هو أكثرُ ما جاء فيه).
ولا تبطل
(4)
بمجاوزة سبْعٍ، نَصَّ عليه
(5)
.
وينبغي أن يسبِّح بعدَها لا قبلَها، قاله أحمدُ
(6)
.
وذكر ابنُ حامِدٍ وجهًا: تَبطُل بمجاوزة أربعٍ عمْدًا، وبكلِّ تكبيرةٍ لا يتابع فيها.
(1)
في (ب) و (ز): واختاره.
(2)
أخرجه الدارقطني (4204)، من طريق عبد العزيز بن عمران، حدثني أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعبد العزيز بن عمران ضعيف.
وأخرجه الطبراني في الكبير (11051)، من طريق محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن كعب والحكم بن عتيبة، عن مقسم ومجاهد، عن ابن عباس، وفيه:«ثم أمر به فَهُيِّئَ إلى القبلة ثم كبر عليه تسعًا» .
وأخرجه البيهقي في المعرفة (7438)، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس، فذكر قصة في قتل حمزة، وفي آخرها قال:«ثم أمر بالقتلى فجعل يصلي عليهم، فيوضع تسعة وحمزة، فيكبر عليهم سبع تكبيرات ويرفعون، وترك حمزة، ثم يجاء بتسعة فيكبر عليهم سبعًا حتى فرغ منهم» ، ويزيد ضعيف، وأعلَّ البيهقيُّ هذه الطرق كلها، وبيَّن أنها غلط وأن الثابت أنه لم يصل عليهم. ينظر: نصب الراية 2/ 310، التلخيص الحبير 2/ 237.
(3)
عزاه إلى سعيد بن منصور: ابن الملقن في البدر المنير (5/ 262)، والحافظ في التلخيص (2/ 284)، ولم نقف عليه.
(4)
في (د) و (و): ولا يبطل.
(5)
ينظر: زاد المسافر 2/ 303.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 217.
وفي «الخلاف» قول
(1)
أحمد في رسالة مسدَّدٍ: (خالفني الشَّافعيُّ في هذا، فقال: إذا زاد على أربعٍ تُعاد الصَّلاة، واحتجَّ بحديث النَّجاشِيِّ
(2)
، قال أحمد: والحجَّةُ له).
ويمكن الجمع بينهما: بأنَّ المداومة على أربعٍ تدُلُّ على الفضيلة، وغيرها يدُلُّ على الجواز، فتتعين
(3)
المتابعةُ.
وإذا لم يُتابِعْ في الزِّيادة؛ فلا يجوز للمأموم السَّلام قبلَه، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّها زيادةٌ مختلَفٌ فيها.
وذكر أبو المعالِي وجْهًا: ينوي مفارقتَه ويسلِّم، كما لو قام إلى خامسةٍ، وعجِبَ أحمدُ من ذلك مع ما ورد، قال ابنُ مسعودٍ:«كبِّرْ ما كبر إمامُك»
(5)
.
تنبيهٌ: المنفرِد كإمام في زيادةٍ.
ولو كبَّر فجيء بثانيةٍ أو أكثر، فكبَّر الإمامُ ونواهما؛ جاز، نصَّ عليه
(6)
، إذا بقيَ من تكبيره أربعٌ، فيقرأ في الخامسة، ويصلِّي في السَّادسة، ويدعو في السَّابعة، ولو جِيءَ بخامسة لم يكبِّر عليها الخامسة؛ لئلاَّ يفضي إلى زيادة التَّكبير على سبْعٍ، أو نقصان الخامسة من أربعٍ، وكلاهما ممنوعٌ.
(1)
في (د) و (و): قوله.
(2)
أخرجه البخاري (1245)، ومسلم (951).
(3)
في (و): فيتعين.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 217.
(5)
قال في المغني (2/ 384): (ما أعجب حال الكوفيين، سفيان ينصرف إذا كبَّر الرابعة، والنبي صلى الله عليه وسلم كبَّر خمسًا، وفعله زيد بن أرقم وحذيفة، وقال ابن مسعود: كَبِّر ما كَبَّر إمامك)، وينظر: التمهيد لابن عبد البر 6/ 341.
وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في الأم (7/ 198)، وعبد الرزاق (6403)، وابن أبي شيبة (11450)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2853)، والبيهقي في الكبرى (6945)، قال ابن حزم في المحلى 3/ 349:(هذا إسناد في غاية الصحة).
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 188، مسائل عبد الله ص 138.
فإنْ أراد أهلُ الجنازة الأُولى رفعَها قبل سلامِ الإمام؛ لم يَجُزْ؛ لأنَّ الصَّلاة لا تَتِمُّ إلاَّ به.
ويُستحبُّ للمسبوق إذا حضر بين تكبيرتَيْن أن يُحرِم ويَدخُلَ معه؛ كالصَّلاة.
وعنه: يَنتظِر تكبيرَه؛ لأنَّ كلَّ تكبيرةٍ كركعةٍ، فلا يَشتغِل بقضائها.
وردَّه المؤلِّف: بأنَّ هذا ليس اشتغالاً
(1)
بقضاء
(2)
ما فاته، وإنَّما يُصلِّي معه ما أدركه.
وخيَّره في «الفصول» كسائر الصَّلوات.
وإن أدركه بعد الرَّابعة؛ فثالثها: إن شُرع بعدُ ذكْرٌ؛ كبَّر وتَبِعَه
(3)
.
(وَإِنْ
(4)
فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ التَّكْبِيرِ؛ قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ)، قدَّمه جماعةٌ؛ لأنَّ القضاء يَحكِي الأداءَ؛ كسائر الصَّلوات، والمقضيُّ أوَّلُ صلاته، يأتي فيه
(5)
بحسَب ذلك.
وفيه وجه: آخرُها؛ فيأتي بالقراءة فيما أدركه مع الإمام، وهذا ظاهر «التلخيص» .
لكنْ إن خشيَ رفْعَها؛ تابَعَ، رُفِعت أم لَا، نَصَّ عليه
(6)
.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَقْضِيهِ مُتَتَابِعًا)، هذا روايةٌ عن أحمدَ، وقدَّمه في
(1)
في (و): سبعًا.
(2)
في (و): لانقضاء.
(3)
يوضحها ما في الإنصاف 6/ 173: (ويدخل المسبوق بعد الرابعة على الصحيح من المذهب. وقيل: لا يدخل. وقيل: يدخل إن قلنا: بعدها ذكر وإلا فلا).
(4)
في (أ) و (ب): فإن.
(5)
في (ب) و (ز) و (و): به.
(6)
ينظر: مسائل صالح 3/ 59، مسائل عبد الله ص 140.
«المحرَّر» ، وحكاه أحمد عن إبراهيمَ
(1)
؛ لقول ابنِ عمرَ: «لا يقضِي»
(2)
، فإن كبَّر مُتَتَابِعًا فلا بأس، ولم يُعرَفْ له مخالِفٌ من
(3)
الصَّحابة.
وقال القاضي وأبو الخطَّاب وهو الأصحُّ: إن رُفِعتْ قبل إتمام التَّكبير؛ قضاه متتابِعًا؛ لعدَم من يُدْعَى له، وإن لم ترفع؛ قضاه على صِفته.
(فَإِنْ سَلَّمَ) مع الإمام (وَلَمْ يَقْضِهِ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: تَصِحُّ، اختارها الأكثرُ؛ لقوله عليه السلام لعائشةَ:«ما فاتَكِ فلا قضاءَ عليكِ»
(4)
، ولأنَّها تكبيراتٌ حال القيام؛ فلم يَجِب قضاؤها؛ كتكبيرات العيد.
والثَّانية: لا تَصِحُّ، اختاره
(5)
أبو بكرٍ والآجُرِّي وابن عَقِيلٍ وحكاه عن شيخه؛ لقوله: «وما فاتَكم فاقْضُوا»
(6)
.
أَصْلٌ: إذا صلَّى لم يُصَلِّ ثانيًا، كما لا يُستحَبُّ له ردُّ السَّلام ثانيًا، ذكَره جماعةٌ، ونَصَّ أحمدُ: أنَّه يُكرَه
(7)
.
وقيل: يحرم
(8)
، ذكره في «المنتخب» نصًّا
(9)
؛ كالغسل ونحوِه.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (11481)، عن إبراهيم، قال:«إذا فاتتك تكبيرة أو تكبيرتان على الجنازة؛ فبادر فكبِّر ما فاتك قبل أن تُرفَع» ، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (11480)، وابن المنذر في الأوسط (3189)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه لم يكن يقضي ما فاته من التكبير على الجنازة» ، وإسناده حسن.
(3)
في (د) و (و): في.
(4)
لم نقف عليه مسندًا، وقال ابن الجوزي في التحقيق 2/ 15:(روى أصحابنا عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله، أُصلي على الجنازة ويخفى عليَّ بعض التكبير، فقال: «ما سمعتِ فكبري وما فاتك فلا قضاء عليك»).
(5)
في (أ): اختارها.
(6)
سبق تخريجه 2/ 441 حاشية (1).
(7)
ينظر: الفروع 3/ 349.
(8)
في (و): يجزئه.
(9)
ينظر: الفروع 3/ 349.
وقيل: يصلِّي، اختاره في «الفنون» والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
؛ لأنَّه دُعاءٌ.
واختار ابنُ حامِدٍ والمجد
(2)
: يُصلِّي تَبَعًا، وإلاَّ فلا، إجماعًا؛ كبقيَّة الصَّلوات.
ومن لم يُصَلِّ؛ جاز أنْ يُصَلِّيَ بل يُستحَبُّ؛ لصلاتهم
(3)
على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(4)
، كما لو صلى
(5)
عليه بلا إذْنِ والٍ حاضِرٍ أو ولي بعده حاضر
(6)
، فإنَّها تُعادُ تَبَعًا.
ومتى رُفِعَت بعد الصَّلاة؛ لم تُوضَعْ لأحدٍ، ويبادَرُ إلى دَفْنها.
وقال القاضِي: إلاَّ أنْ يُرْجَى مجيء الولي
(7)
فتؤخر
(8)
، إلاَّ أنْ يخافَ تَغيُّرُه
(9)
.
(وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَازَةِ؛ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ)، نَصَّ عليه
(10)
، واختاره الأكثرُ؛ لمَا في «الصَّحيحين» من حديث أبي هريرة وابنِ عبَّاس:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى على قبر»
(11)
، وعن سعيد بن المسيب:«أن أمَّ سعدٍ ماتَتْ والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غائبٌ، فلمَّا قدِم صلَّى عليها، وقد مضى لذلك شَهرٌ»
(1)
ينظر: الفروع 3/ 349، الاختيارات ص 129.
(2)
في (د): والمحمد.
(3)
في (ب) و (ز): كصلاتهم.
(4)
تقدم تخريجه 3/ 139 حاشية (3).
(5)
في (أ): صلوا.
(6)
قوله: (حاضر) سقط من (و).
(7)
في (و): المولى.
(8)
في (أ): فيتأخر.
(9)
في (د) و (و): بغيره.
(10)
ينظر: مسائل ابن منصور 2/ 813، مسائل أبي داود ص 222، مسائل عبد الله ص 140.
(11)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري (1318)، ومسلم (951)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري (1336)، ومسلم (954).
رواه التِّرمذيُّ، ورُواتُه ثِقاتٌ
(1)
، قال أحمدُ:(أكثرُ ما سمعتُ هذا)
(2)
، ولأنَّه لا يُعلَم بقاؤه أكثر منه؛ فتَقَيَّد
(3)
به.
قيل: من دفنه، جزم به في «الوجيز». وقيل: من موته.
ويَحرُم بعده، نَصَّ عليه
(4)
.
قال في «الخلاف» : أجاب أبو بكرٍ فيما سأله أبو إسحاقَ عن قول الراوي
(5)
: بعد شهرٍ، يريد شهرًا؛ لقوله:{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)} [ص: 88]، أراد الحين.
لكن ذكر المؤلِّف وابن تميمٍ: أنَّه لا يَضُرُّ زيادةٌ يسيرةٌ؛ لِمَا روى الدَّارقُطْنيُّ عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «أنَّه صلَّى على قبرٍ بعد شهرٍ»
(6)
، قال القاضي: كاليومَين.
(1)
أخرجه الترمذي (1038)، والطبراني في الكبير (5378)، والبيهقي في الكبرى (7021)، هكذا مرسلاً، قال البيهقي:(مرسل صحيح)، وأخرجه أبو يعلى الموصلي (191)، والبيهقي في الكبرى (7022)، من رواية سويد بن سعيد، عن يزيد بن زريع، عن شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما موصولاً، وتفرَّد سويد بن سعيد الحدثاني بوصله وهو ضعيف، وأعلَّه أحمد والبيهقي، ورجَّحوا المرسل عليه. ينظر: تنقيح التحقيق 2/ 664، الإرواء 3/ 183.
(2)
ينظر: سنن الترمذي 3/ 346.
(3)
في (د) و (و): فيقيد.
(4)
ينظر: العدة في أصول الفقه 2/ 478.
(5)
في (ب) و (ز): الرازي.
(6)
أخرجه الدارقطني (1847)، وقال:(تفرد به بشر بن آدم، وخالفه غيره عن أبي عاصم)، وأصله في البخاري (1319)، ومسلم (954)، ولفظ البخاري:«أتى على قبر منبوذ، فصفهم وكبَّر أربعًا» ، ونحوه لمسلم، وعند الدارقطني (1846):«صلَّى على ميت بعد موته بثلاث» ، والروايات التي فيها تحديد وقت الصلاة عليه شاذة، قال ابن حجر:(وهذه روايات شاذة، وسياق الطرق الصحيحة يدل على أنه صلى عليه في صبيحة دفنه). ينظر: الفتح 3/ 205.
وقيل: إلى سنةٍ.
وقيل: ما لم يَبْلَ، فإن شكَّ في بقائه؛ فوجهان.
وقيل: يُصَلِّي عليه أبدًا، ولو لم يكن من أهل فرضها يوم موته، وإنَّما لم يَجُزْ على قبره عليه السلام؛ لئلاَّ يُتَّخَذَ مسجِدًا.
ومَن شكَّ في المدَّة؛ صلَّى حتَّى يَعلَم فراغَها.
وحُكمُ الغريق كذلك.
فأمَّا
(1)
إذا لم يُدفَنْ؛ فإنَّه يُصَلَّى عليه وإن مضى أكثرُ من شهرٍ، وقيَّده ابنُ شهابٍ -وقدَّمه في «الرِّعاية» - بالشَّهْرِ.
(وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّيَّةِ)؛ كالصَّلاة على القبر في أصحِّ الرِّوايتَين.
وظاهره: لا فرْقَ بين الإمام وغيره
(2)
، ولا بين
(3)
مسافة القصر وغيرها، في جهة القبلة أو غيرها
(4)
.
والثَّانية: لا يجوز؛ لأنَّ حضورَ الجنازة شرطٌ؛ كما لو كانا في بلدٍ واحدٍ.
وقيل: إن كان صُلي عليه، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(5)
.
والأوَّلُ المذهبُ؛ «لأنَّه صلى الله عليه وسلم صلَّى على النَّجاشيِّ، فصفَّ وكبَّر عليه أربعًا» متَّفقٌ عليه
(6)
.
لا يُقال: لم يكن بأرض الحبشة من يُصلِّي عليه؛ لأنَّه ليس من مذهبكم، فإنَّكم تمنَعون الصَّلاة على الغريق والأسير وإن لم يكن صُلِّيَ عليه، مع أنَّه
(1)
في (ب)(ز): وأما.
(2)
في (و): ولا غيره.
(3)
في (أ): ولأن.
(4)
قوله: (أو غيرها) سقطت من (أ).
(5)
ينظر: الفروع 3/ 353، الاختيارات ص 130.
(6)
أخرجه البخاري (1245)، ومسلم (951).
يبعد ما ذكرتم، فإنَّ النَّجاشِيَّ مَلِكُ الحبشة، وقد أظهر الإسلامَ، فيَبْعُد أنَّه لم يُوَافِقْه أحدٌ يُصَلِّي عليه.
ومُدَّتُه كمُدَّة الصَّلاة على القبرِ.
ويُعتبر انفصال مكانه عن البلد بما يُعَدُّ الذَّهاب إليه نَوعَ سفَرٍ.
وقال القاضي: يَكفِي خمسون
(1)
خطوةً.
قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: (وأقرب الحدود ما تجب
(2)
فيه الجمعة؛ لأنَّه إذَنْ من أهل
(3)
الصَّلاة في البلد، فلا يُعَدُّ غائبًا عنها)
(4)
.
ويعتبر أن يكون غير
(5)
وقت نهيٍ، قاله في «الرِّعاية» .
(فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْبَلَدِ؛ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا المذهب؛ لأنَّه يُمكِنُ حضوره، أشْبَهَ ما لو كانا في جانبٍ واحِدٍ.
والثَّانية: يجوز، اختاره ابن حامدٍ؛ كالعيد وللمشقَّة.
مَسَائِلُ:
منها: إذا صَلَّى على غائبٍ، ثُمَّ حُضِر بِه؛ استُحِبَّ أن يُصَلِّيَ عليه ثانيًا، جزم به ابنُ تميمٍ وغيره
(6)
، فيعايا بها.
ومنها: أنَّه لا يُصلِّي كلَّ يومٍ على كلِّ
(7)
غائبٍ؛ لأنَّه لم يُنقَل، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(8)
.
(1)
في (أ): عشرون.
(2)
في (ز): تحت.
(3)
في (و): قبل.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 130.
(5)
في (د) و (و): عن.
(6)
قوله: (وغيره) سقط من (ب) و (ز).
(7)
قوله: (كل) سقط من (د).
(8)
ينظر: الفروع 3/ 353، الاختيارات ص 130.
ومنها: الصَّلاة
(1)
على مستحيلٍ بإحراقٍ، وأَكِيلِ سَبُعٍ ونحوِه؛ وجهان، قال في «التَّلخيص»: الأظهرُ المنعُ؛ لاستحالته، بخلاف الغريق في اللُّجَّة، قال في «الفصول»: فأمَّا إن حصل في بطن سبُعٍ؛ لم يُصلَّ عليه مع مشاهدة السَّبُع.
ومنها: أنَّه لا يُصلَّى على مَنْ في تابوت مغطًّى، وقيل: إن أمكن كشفُه عادةً، وقال ابن حامد: يَصِحُّ كالمِكَبَّة.
(وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ)؛ أي: الإمام الأعظم، نقله الجماعةُ
(2)
، واختاره الخلاَّل وجزم به في «التَّبصرة» ، وقيل: أو نائبُه وإمامُ قريةٍ، وهو واليها في القضاء، نقله حربٌ
(3)
، (عَلَى الْغَالِّ مِنَ الْغَنِيمَةِ)، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّه عليه السلام امتنَع من الصَّلاة على رجُلٍ من المسلمين، فقال:«صَلُّوا علَى صاحِبِكم» ، فتغيَّرتْ وُجوهُ القوم، فقال:«إنَّ صاحبَكم غلَّ في سبيل الله» رواه أحمد واحتجَّ به
(5)
، وأبو داود والنسائي بإسنادٍ حسَنٍ من حديث زيد بن خالدٍ
(6)
، وهو شامِلٌ للقليل والكثير.
(1)
في (أ): في الصلاة.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 355.
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 283.
(4)
ينظر: مسائل صالح 1/ 353، مسائل أبي داود ص 335، زاد المسافر 2/ 283.
(5)
ينظر: المغني 2/ 415.
(6)
أخرجه أحمد (17031)، وأبو داود (2710)، والنسائي (1959)، وابن حبان (4853)، والحاكم (2582)، من طريق محمد بن يحيى بن حبان، عن أبي عمرة، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه مرفوعًا، وأبو عمرة مجهول لم يرو عنه غير محمد بن يحيى، قال ابن حجر في التقريب:(مقبول)، ولم يتابع، وصححه ابن حبان والحاكم، وقال النووي:(بإسناد صحيح إلى أبي عمرة، ولم يضعفه أبو داود، ولكنْ أبو عمرة مولى زيد لا يُعرف حاله، ولا يُعرف له إلا راوٍ واحد، فيكون مجهول العين)، وضعفه الألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 992، ضعيف سنن أبي داود 2/ 347.
(وَلَا) علَى (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ) عمْدًا في الأصحِّ؛ لِمَا رَوى مسلمٌ عن جابر بن سَمُرةَ: «أنَّ رجلاً قَتَل نفسَه بمشاقص؛ فلم يُصَلِّ عليه» ، وفي رواية للنَّسائيِّ: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا أنا فلا أُصَلِّي عليه»
(1)
، وهو سهمٌ له نَصلٌ عريضٌ ليس بالطَّويل.
وقيل: يحرم، وحُكِي روايةً.
قال ابنُ عَقِيلٍ: هو
(2)
من
(3)
هَجْرِ أهل البدع والفُسَّاق، فيَجيء الخلاف، فلا يُصَلِّي أهلُ الفضل على الفُسَّاق؛ لأنَّ في امتناع الإمام ردعًا
(4)
وزَجْرًا.
وظاهِرُه: أنَّه يُصلِّي عليهما غيرُ الإمام، قاله السَّامَرِّيُّ وغيرُه؛ لقوله:«صَلُّوا على مَنْ قال: لا إله إلاَّ اللهُ» رواه الخلاَّل
(5)
.
ويُصَلَّى على كلِّ عاصٍ، نَصَّ عليه
(6)
، وقال: ما نَعلَم أنَّه عليه السلام تركَ الصَّلاةَ على أحدٍ إلاَّ على الغالِّ وقاتِلِ نفسِه
(7)
، ويَلحَقُ بهما صاحِبُ بِدْعةٍ مُكفِّرةٍ.
وعنه: ولا يُصلِّي على أهل الكبائر، جزم به في «التَّرغيب» ، واختاره المجْدُ في كلِّ من مات عن
(8)
معصيةٍ ظاهرةٍ بلا توبةٍ، وهو مُتَّجِهٌ.
(1)
أخرجه مسلم (978)، والنسائي (1964).
(2)
في (د) و (و): وهو.
(3)
في (د) و (و): في.
(4)
في (د) و (و): دعاء.
(5)
أخرجه الطبراني في الكبير (13622)، والدارقطني (1761)، وهو حديث ضعيف جدًّا، له طرق عن ابن عمر رضي الله عنهما كلها شديدة الضعف، لا تخلو من متهم بالوضع أو متروك. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 96، الإرواء 2/ 305.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1405، زاد المسافر 2/ 283.
(7)
ينظر: مسائل صالح ص 353، مسائل ابن منصور 3/ 1405.
(8)
في (و): وعليه.
وعنه: ولا على مَنْ قُتِل في حَدٍّ.
وعنه: ولا على مدين.
وعنه: يُصلِّي على كلِّ أَحَدٍ، اختاره ابنُ عَقِيلٍ، كما يصلي غيره حتَّى على باغٍ ومحاربٍ.
(وَإِنْ وُجِدَ بَعْضُ المَيِّتِ) تحقيقًا، ذَكَره ابنُ عَقِيلٍ؛ (غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) على المذهب؛ لأنَّ «أبا أيُّوب صلَّى على رِجْلٍ» ، قاله أحمدُ
(1)
، «وصلَّى عمرُ على عِظامٍ بالشَّام»
(2)
، «وصلَّى أبو عبيدةَ على رؤوس بعد
(3)
تغسيلِها وتكفينِها» رواهما عبدُ الله بنُ أحمدَ
(4)
، وقال الشَّافِعيُّ: «ألْقَى طائر
(5)
يدًا بمكةَ
(6)
في وقْعة الجَمَلِ عُرِفَت بالخاتم»، وكانت يدَ عبدِ الرَّحمن بن عتاب
(7)
بن أسيد، فصلَّى عليها أهلُ مكَّةَ
(8)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (11902)، وفيه راوٍ مبهم، واحتج به أحمد في رواية عبد الله ص 141.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (11903)، وابن المنذر في الأوسط (3101)، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف.
قال ابن المنذر: (ولا يثبت عن عمر وأبي عبيدة ما روي عنهما)، وكذا قال في الإشراف 2/ 351.
(3)
قوله: (بعد) سقط من (أ).
(4)
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 306)، وابن أبي شيبة (11901)، وابن المنذر في الأوسط (3100)، والبيهقي في الكبرى (6826)، عن خالد بن معدان به، وهو منقطع، قال يعقوب بن شيبة وأبو نعيم كما في التهذيب 3/ 118:(لم يلق أبا عبيدة)، وضعف ابن المنذر الأثر.
(5)
في (د) و (و): الطائر.
(6)
قوله: (بمكة) سقط من (أ).
(7)
في (أ): غياث.
(8)
ذكره الشافعي في الأم (1/ 306)، بلاغًا، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (6826)، وذكره الحافظ في التلخيص (2/ 329).
والمرادُ بالبعض: غيرُ شعرٍ وظفرٍ روايةً واحدةً؛ لأنَّه لا حياة فيه، وكذا سِنٍّ، قاله في «الفروع» .
فعلَى ما ذكره: يُلَفُّ في شَيءٍ بعد تطهيره.
ويُصلَّى عليه وُجوبًا إن لم يكن صُلِّيَ عليه. وقيل: مطلقًا؛ كغسله
(1)
وتكفينه ودفنه في الأصحِّ. فقيل: يَنوِي الجملةَ
(2)
.
إذا صلَّى ثم وَجد الأكثر
(3)
؛ ففي الوجوب احتمالان وإن تكرَّر الوجوب؛ جعلاً للأكثر كالكلِّ.
(وَعَنْهُ: لَا يُصَلَّى عَلَى الْجَوَارِحِ) الَّتي يَكتسِبُ بها، كما لو بان من حيٍّ، وجوابه: بأنَّه مِنْ جملةٍ لا يصلى [عليها]
(4)
، ولئلاَّ تتكرر الصلاة.
فمتى وُجِدَ الأكثرُ صُلِّيَ عليه.
وهل يُنبَشُ ليُدفَنَ معه، أم بجنبه؟ فيه وجهان.
فَرعٌ: إذا بان من حيٍّ؛ كيدِ سارق انفصل في وقت لو وجدت فيه الجملة؛ لم تغسل
(5)
، ولم يصل عليها. وقيل: يصلى عليهما إن احتمل موته.
(وَإِنِ اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ)؛ كمسلمٍ (بِمَنْ
(6)
لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) ككافرٍ؛ (صُلِّيَ عَلَى الْجَمِيعِ)؛ لأنَّ الصَّلاة على المسلم واجبةٌ، ولا يمكنه الخروجُ عن العُهدة إلاَّ بذلكَ.
(1)
في (و): لغسله.
(2)
القول الثاني: ينوي على البعض الموجود فقط. قال في الإنصاف 6/ 193: (على الصحيح من المذهب).
(3)
في (د): الأكبر.
(4)
في جميع النسخ: عليه. والمثبت من المغني 2/ 402، والشرح الكبير 6/ 193.
(5)
في (و): لم يغسل.
(6)
في (أ): ممن.
وفُهِم منه: أنَّه يُغسَّل الجميعُ ويُكفَّنون، سواء
(1)
كان من يُصلَّى عليه أكثر أم لا، وسواءٌ في ذلك دارُ الحرب وغيرها.
وعنه: إذا اشْتَبَهوا في دار الحرب فلا.
(يَنْوِي مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ)؛ أي: ينوي
(2)
الصَّلاة على المسلم في ذلك؛ لأنَّ الصَّلاة على الكافر لا تجوز، فلم يكن بُدٌّ من ذلك.
ثم إن أمكن عزلُهم، وإلاَّ دُفِنوا مع المسلمين، قاله أحمدُ
(3)
.
مسألَةٌ: يُصلَّى على المسلمة الحاملة
(4)
دون حملها قبل مُضِيِّ تصويره، وعليهما معًا بعده
(5)
ولا يُصلَّى على أطفال المشركين؛ لأنَّ لهم حكمَ آبائهم، إلا مَنْ حكمنا بإسلامه منهم، ذكره
(6)
جماعةٌ.
(وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى المَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ)، قال الآجُرِّيُّ: السُّنَّةُ أنْ يُصَلَّىَ عليها فيه؛ لقول عائشةَ: «صلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على سُهيل بن بَيضاءَ في المسجد» رواه مسلمٌ
(7)
، «وصُلِّيَ على أبي بكرٍ وعمرَ فيه» رواه سعيدٌ
(8)
،
(1)
في (ب) و (ز): وسواء.
(2)
قوله: (ينوي) سقط من (أ).
(3)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 113.
(4)
في (أ) و (ب): الحامل.
(5)
زاد في (أ) و (ب) و (و): (فإن حمَلت كافرةٌ بمسلمٍ صُلِّيَ عليه دونَها إن مضى زمنُ تصويره، وإلاَّ فلا)، وهي مضروب عليها في الأصل و (د) و (ز).
(6)
في (ب): وكرهه.
(7)
أخرجه مسلم (973).
(8)
لم نقف عليه في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، وقد رواه عنه ابن سعد في الطبقات (3/ 307، 386).
وأثر أبي بكر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6576)، وابن المنذر في الأوسط (3115)، والبيهقي في الكبرى (7038)، وابن أبي شيبة (11967)، وابن سعد في الطبقات (3/ 207)، قال ابن حزم:(في غاية الصحة).
وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه مالك (1/ 230)، وعبد الرزاق (6577)، وابن سعد في الطبقات (3/ 368)، وابن المنذر في الأوسط (3113)، وغيرهم، قال ابن حزم:(في غاية الصحة)، وصحَّحه النووي. ينظر: المحلى 3/ 391، خلاصة الأحكام 2/ 965.
ولأنَّها صلاةٌ، فلم تُكرَهْ فيه كسائر الصَّلوات.
وقيل: هو أفضلُ. وقيل: عكسُه. وخيَّره أحمد
(1)
، واقتصر عليه في «الوجيز» .
فإن
(2)
لم يُؤمَنْ تلويثُه؛ لم يَجُزْ، ذَكرَه أبو المعالِي.
وذهب قومٌ إلَى الكراهة؛ لمَا روى أحمدُ، ثنا وكيعٌ، ثنا ابنُ أبِي ذِئْبٍ، عن صالحٍ مَولَى التَّوْأَمةِ، عن أبِي هُريرةَ مرفوعًا:«مَنْ صلَّى علَى جَنازةٍ في المسجد فلا شَيءَ له»
(3)
، ولأِنَّه يَحتمِلُ انفجارُه فيه.
وجوابُه: بأن صالِحًا فيه ضعفٌ، وبأنَّ احتمال انفجاره نادِرٌ، ثُمَّ هو عادةً بعلامةٍ، فمتى ظَهَرت؛ كُرِه إدخالُه المسجدَ.
(وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ
(4)
غَيْرُ النِّسَاءِ؛ صَلَّيْنَ عَلَيْهِ)؛ «لأنَّ
(5)
عائشةَ أمرت أن
(1)
ينظر: الفروع 3/ 360.
(2)
في (د): أفإن.
(3)
أخرجه أحمد (9730)، وأبو داود (3191)، وابن ماجه (1517)، والبيهقي في الكبرى (7040)، وصالح بن نبهان مولى التوأمة صدوق اختلط، قال ابن عدي:(لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج)، وبعض أهل العلم يضعف رواية صالح مطلقًا، قال ابن عبد البر:(من أهل العلم من لا يحتج بحديثه أصلاً لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصة)، وضعف الحديث جماعة من الحفاظ منهم أحمد وابن المنذر والخطابي وابن حبان والبيهقي، وبينوا أن متنه مخالف لحديث عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني. ينظر: المجروحين 1/ 336، الخلاصة 2/ 966، تنقيح التحقيق 2/ 652، السلسلة الصحيحة (2351).
(4)
في (أ): لم يحضر.
(5)
في (د) و (و): ولأن.
يؤتى بأم سعد»
(1)
، وكسائر الصَّلوات.
وظاهرُه: أنَّهنَّ يصلِّينَ عليه مع عدم الرِّجال وُجوبًا؛ ضرورة الخروج عن عُهدة الفرض، ويَسقُط بهنَّ، وفي كلام القاضي ما يُشعِر بخلافه.
ويُسَنُّ لهنَّ جماعةً، نَصَّ عليه
(2)
، وتَقِفُ إمامتُهنَّ وسَطًا كمكتوبةٍ، ويُقدَّم منهنَّ مَنْ يُقدَّم من الرِّجال حتَّى قاضيه
(3)
وواليه، ذَكَره ابنُ عَقِيلٍ؛ لسوَغان الاجتهاد.
وقيل: فُرادَى أفضلُ، واختاره القاضي؛ كصلاتهن بعد رجال في وجهٍ.
فائدةٌ: يَحصُل له بالصَّلاة عليها قِيراطٌ، وهو أمرٌ معلومٌ عند الله تعالى، وذكر ابنُ عَقِيلٍ: أنَّه قِيراطٌ نسبته من أجر صاحب المصيبة، وله بتمام دفنها آخر.
وذكر أبو المعالي وجهًا: أنَّ الثَّانِيَ بوضعه في قبره. وقيل: إذا ستر
(4)
باللَّبِن.
وهل يُعتَبَرُ للثَّانِي ألا يفارقها من الصلاة حتى تدفن، أم
(5)
يكفي حضور دفنها؟ فيه وجهان.
ولا تحمل الجنازة إلى مكان ومَحِلَّة ليصلَّى عليها، فهي كالإمام يُقصَد ولا يَقصِد، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ.
(1)
كذا في جميع النسخ الخطية، وصوابه: بسعد بن أبي وقاص، كما في الشرح الكبير 6/ 198.
والأثر أخرجه مسلم (973).
(2)
ينظر: الفروع 3/ 326.
(3)
في (أ): واجبة.
(4)
في (أ): استتر.
(5)
في (و): أنه.
(فَصْلٌ فِي حَمْلِ المَيِّتِ)
وهو فرضُ كفايةٍ، ولا يَختصُّ كونُ فاعله من أهل القربة، فيسقط بكافرٍ وغيره، وكذا تكفينُه، (وَدَفْنُهُ) وِفاقًا
(1)
؛ لعدم
(2)
اعتبار النِّيَّة.
(يُسْتَحَبُّ) أن يحمِلَه أربعةٌ؛ لأنَّه يُسنُّ (التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ)؛ لمَا رَوَى سعيدٌ وابنُ ماجَهْ عن أبي عُبَيدةَ بن عبد الله بن مسعودٍ، عن أبيه قال:«مَنِ اتبع جنازةً فليَحمِلْ بجوانب السَّرير كلِّها، فإنَّه من السنة، ثمَّ إنْ شاء فليتطوَّع، وإن شاء فليدَعْ» ، إسناده
(3)
ثقاتٌ، إلاَّ أنَّ أبا عُبَيدةَ لم يَسمَع من أبيه
(4)
، لكنْ كرِهه الآجُرِّيُّ وغيرُه إذا ازدحموا عليها.
(وَهُوَ أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى
(5)
عَلَى كَتِفِهِ الْأِيْمَنِ، ثُمَّ يَنْتَقِلَ
(6)
إِلَى المُؤَخَّرَة، ثُمَّ يَضَعَ قَائِمَةَ
(7)
الْيُمْنَى المُقَدَّمَةَ عَلَى كَتَفِهِ الْيُسْرَى، ثم يَنْتَقِلَ إِلَى
(1)
ينظر: بدائع الصنائع 1/ 319، شرح التلقين 1/ 1133، منهاج الطالبين 1/ 56، الفروع 3/ 363.
(2)
في (أ): لقوم.
(3)
في (ب) و (و): وإسناده.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (11281)، وابن ماجه (1478)، والطبراني في الكبير (9597)، من رواية عبيد بن نسطاس، عن أبي عبيدة، عن أبيه، قال النووي:(حديث ضعيف منقطع، لم يدرك أبو عبيدة أباه)، ومع هذا الانقطاع في سنده إلا أن الأئمة احتجوا برواية أبي عبيدة عن أبيه، قال يعقوب بن شيبة:(إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند، يعني في الحديث المتصل، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر). ينظر: الخلاصة 2/ 995، شرح علل الترمذي 1/ 544، السلسلة الضعيفة (4530).
(5)
في (د): باليسرى.
(6)
في (د): تنتقل.
(7)
في (و): قائمته.
المُؤَخَّرَةِ)، هذا صفة التَّربيعِ، ونقله الجماعةُ
(1)
، وهو المذهب؛ لأنَّه أحدَ الجانِبَينِ، فبُدِئ فيه بالمقدِّمة.
وعنه: ينتقل
(2)
من رِجْلِ السَّرير اليُمْنَى إلى رِجِله اليُسرى، ثم يَختُم برأسه، رواه النجاد
(3)
عن ابن عمرَ
(4)
، ولأنَّه أخفُّ.
(وَإِنْ حَمَلَ) كلُّ واحدٍ على عاتقه (بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَحَسَنٌ
(5)
، نَصَّ عليه في روايةِ ابنِ منصورٍ
(6)
؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم «حمل
(7)
جنازةَ سعد بن معاذٍ بين العَمودَين»
(8)
، ورُوِي عن سعدٍ وابن عمرَ وأبي هريرة أنَّهم فعلوا ذلك
(9)
.
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 298، الروايتين والوجهين 1/ 205.
(2)
في (د) و (و): ينقل.
(3)
في (ز): النجا.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (6520)، وابن أبي شيبة (11277)، قال ابن التركماني في الجوهر النقي 4/ 20:(سند صحيح على شرط مسلم).
(5)
في (أ) و (د): لحسن.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1393.
(7)
قوله: (حمل) ضرب عليه في (د).
(8)
أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 329، عن الواقدي، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن شيوخ من بني عبد الأشهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ من بيته بين العمودين حتى خرج به من الدار. وضعفه النووي. ينظر: الخلاصة 2/ 994.
(9)
أثر سعد رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في الأم (1/ 307)، وابن أبي شيبة (11185)، وأحمد في فضائل الصحابة (1256)، وابن سعد في الطبقات (3/ 135)، ويعقوب بن شيبة في المعرفة (1/ 222)، وابن المنذر في الأوسط (3021)، والبيهقي في الكبرى (6835)، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال:«رأيت سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف قائمًا بين العمودين المقدمين، واضعًا السرير على كاهله» ، وإسناده صحيح، قال النووي كما في خلاصة الأحكام 2/ 994:(على شرط الصحيحين).
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (11182)، والحاكم (6381)، وابن المنذر في الأوسط (3020)، والبيهقي في الكبرى (3066)، عن يوسف بن ماهك، قال:«رأيت ابن عمر في جنازة، واضعًا السرير على كاهله بين العمودين» ، وإسناده صحيح.
وأثر أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في الأم (1/ 307)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (3025)، والبيهقي في الكبرى (6838)، عن عبد الله بن ثابت، عن أبيه، قال:«رأيت أبا هريرة يحمل بين عمودي سرير سعد بن أبي وقاص» ، إسناد ضعيف، فيه راوٍ مبهم.
وعنه: يُكرَه، حكاها ابن الزَّاغونِيِّ.
والأصح عدمُها، وليس بأفضل من التربيع
(1)
.
وعنه: هما سواء
(2)
.
والأَوْلَى الجمعُ بينهما.
فإن عجَز عن حملها على ما ذُكر؛ حُملت بالدهوق
(3)
وكثرت الرِّجال
(4)
.
فإن كان
(5)
الميت طِفلاً؛ فلا بأسَ بحمله على الأيدي، صرَّح به جماعةٌ.
ويُستحبُّ أن يكون علَى نَعْشٍ كما قدَّمنا، فإن كانت امرأةً استُحِبَّ سَتر نعشها بمكبَّة
(6)
؛ لأنَّه أستر لها، ويروى:«أنَّ فاطمة صُنِع لها ذلك بأمرها»
(7)
، وما نقله بعضهم أنه أوَّلُ من اتخذ ذلك له زينبُ أمِّ المؤمنين؛ فيه
(1)
في (د): من الربيع.
(2)
قوله: (وعنه: هما سواء) سقط من (و).
(3)
في (و): بالذهوق.
جاء في العين 3/ 364: (الدهق: خشبتان يغمز بهما الساق)، وفي تكملة المعاجم العربية 4/ 420: (دُهِق الحيوان الميت كالوعل والحمار مثلاً، وذلك أن يحمله رجلان بعصا طويلة أدخلوها بين قوائمه بعد أن شد بعضها إلى بعض
…
وقد اشتق اسم من دَهْق، وجمعه دُهُوق، بمعنى: عتلة ورافعة).
(4)
قوله: (وكثرت) سقط من (ب) و (ز). وفي (أ): وكثرت والرجال. وفي التذكرة لابن عقيل ص 62: (فإن ثقل حمل بالدهوق وتكاثرت عليه الرجال).
(5)
قوله: (كان) سقط من (أ).
(6)
المكبة: شيء يُعمل من خشب أو جريد أو قصب، مثل القبة فوقها ثوب. ينظر: الإقناع (1/ 229).
(7)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 43)، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (647)، والبيهقي في الكبرى (6661)، وتقدم الكلام على هذه الطريق 3/ 90 حاشية (2).
وأخرج نحوه ابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 108)، بسند لا بأس به.
نظَرٌ، فإنَّ وفاتها كانت سنةَ عشرين
(1)
.
قال في «التَّلخيص» : ويجعل فوق المكبَّة ثَوبٌ.
وكذا إن كان به حدَبٌ ونحوه
(2)
؛ لأنَّه يَشتهِر بالمثلة.
ولا بأس بحمله على دابَّةٍ لغرَضٍ صحيح؛ كبعد قبره. وعنه: يُكرَه.
وظاهر
(3)
كلامهم: لا يحرم
(4)
حملها على هيئةٍ مُزْرِيةٍ، أو هيئةٍ يخاف معها سقوطها.
(وَيُسْتحب
(5)
الْإِسْرَاعُ بِهَا)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أسْرِعوا بالجنازة، فإن تكُ صالحة
(6)
؛ فخيرٌ تقدِّمونها إليه، وإن تك سوى ذلك؛ فشَرٌّ تضَعونه عن رِقابكم» متَّفقٌ عليه
(7)
، ويكون دون الخَبَب
(8)
، نَصَّ عليه
(9)
، زاد في «المذهب»: وفوق السَّعْيِ.
(1)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 111)، وأبو عروبة السلمي في الأوئل (118)، عن نافع مرسلاً.
وأخرج البيهقي في الكبرى (13423)، عن الزهري، أنه قال في زينب بن جحش:«هي أول امرأة جُعل عليها النعش، جعلته لها أسماء بنت عميس الخثعمية، أم عبد الله بن جعفر، كانت بأرض الحبشة، فرأتهم يصنعون النعش، فصنعته لزينب يوم توفيت» ، وهو مرسل حسن.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 1898: (فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من غُطي نعشها في الإسلام، ثم زينب بنت جحش)، وقال النووي في المجموع 5/ 271 عن خبر فاطمة:(فإن صح هذا، فهي قبل زينب بسنين كثيرة).
(2)
في (و): ومثله.
(3)
في (د): فظاهر.
(4)
في (ز): لا يكره، وضرب عليه في (ز). والمثبت موافق لما في الفروع وكشاف القناع.
(5)
في (و): يستحب.
(6)
قوله: (فإن تك صالحة) سقط من (ب).
(7)
أخرجه البخاري (1315)، ومسلم (944).
(8)
في (و): الجنب.
(9)
ينظر: زاد المسافر 2/ 299.
وفي «الكافي» : لا يُفْرِطُ في الإسراع فيَمخُضها ويُؤذِي مُتَّبِعَها
(1)
.
وقال القاضي: يُستحَبُّ ألا يَخرُج عن المشي المعتاد، ولكن تُراعى الحاجة، نَصَّ عليه
(2)
، فإنْ خِيف عليه التَّغَيُّر أسرعَ.
(ويَكُونُ المُشَاةُ أَمَامَهَا)، نَصَّ عليه
(3)
، وهو قول أكثرِهم، قال ابن المنذِر:«ثَبت أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ يمشون أمامَ الجنازة» ، ورواه أحمدُ عن ابن عمرَ
(4)
، ولأنَّهم شُفَعاءُ، والشَّفيع يتقدَّم المشفوعَ له.
واختار ابنُ حمْدانَ: حيث شاء.
وفي «الكافي» : حيث مشَى قريبًا منها فحسَنٌ
(5)
.
وقال الأَوْزاعِيُّ: خلفَها أفضلُ؛ لأنَّها متْبوعةٌ.
(وَالرُّكْبَانُ خَلْفَهَا)؛ لمَا رَوَى المغيرةُ بنُ شُعْبةَ مرفوعًا: «الرَّاكِبُ خلْفَ الجنازة» رواه التِّرمذيُّ، وقال:(حسَنٌ صحيحٌ)
(6)
، ولأنَّ سَيْرَه أمامَها يُؤْذِي مُتَّبِعَها.
(1)
في (أ): بمتبعها.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 365.
(3)
ينظر: مسائل صالح 1/ 448، مسائل عبد الله ص 144، زاد المسافر 2/ 299.
(4)
أخرجه أحمد (4539)، وأبو داود (3179)، والترمذي (1007)، والنسائي في الكبرى (2082)، وابن حبان (3045)، من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه:«أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة» ، واختلف فيه وصلاً وإرسالاً، ووقفًا ورفعًا، فأعله جماعة من الحفاظ بالإرسال، قال الترمذي:(وروى معمر ويونس بن يزيد ومالك وغير واحد من الحفاظ عن الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة، وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح)، ونحوه قال النسائي وجماعة، ورجح إرساله أيضًا ابن دقيق العيد وابن عبد الهادي، ورجح الإمام أحمد وقفه على ابن عمر رضي الله عنهما، وصححه مرفوعًا ابن حبان وابن الملقن والألباني. ينظر: المحرر لابن عبد الهادي (536)، البدر المنير 5/ 225، التلخيص الحبير 2/ 261، الإرواء 3/ 187.
(5)
في (و): حسن.
(6)
أخرجه أحمد (18162)، وأبو داود (3180)، والترمذي (1031)، والنسائي (1942)، وابن حبان (3049)، والحاكم (1343)، واختلف في رفعه ووقفه، وأخرجه الطبراني في الكبير (1042)، على الشك في رفعه، ورجح الدارقطني وقفه، وصححه مرفوعًا ابن حبان والحاكم وابن الملقن والألباني. ينظر: علل الدارقطني 7/ 134، البدر المنير 5/ 235، الإرواء 3/ 169.
وقال المجْدُ: يُكرَه أمامَها.
وفي راكبِ سفينةٍ وجْهانِ، بِناءً علَى أنَّ حكمَه كراكب أو كَمَاشٍ، وأنَّ عليهما يَنْبَنِي دَوَرانُه في الصَّلاة.
وَيُكرَه للمرأة اتِّباعُها، وحرَّمَه الآجُرِّيُّ في الشَّابَّة، قال أبو المَعالِي: يُمنعن مِنِ اتِّباعِها، وهو قولُ الجمهور.
وأباحه
(1)
قومٌ لقرابة.
وقال أبو حفْصٍ: هو بِدْعةٌ، ويَجِب طَرْدُهنَّ، فإنْ رَجَعْنَ، وإلاَّ رَجَع الرجال بعد أنْ يَحْثُوا في وجوههنَّ التُّرابَ.
وكذا يكره لمتبعها الضَّحِكُ والتَّبسُّمُ والتَّحدُّثُ بأمر الدُّنيا، وأن توضع عليها الأَيْدي، وأن يقال حالَ المشي معها: اللَّهم سلِّم
(2)
، رحمه الله، أو استغفروا له، نَصَّ عليه
(3)
.
ويُسَنُّ أن يسكتوا، أوْ يَذكُروا الله تعالى، قال بعضهم: خُفْيَةً.
فَرعٌ: يُكرَه الرُّكوبُ لمن تبعها إلاَّ لحاجةٍ، وكعَوْدِه
(4)
، وتقدمها
(5)
إلى موضِع الصَّلاة، لا
(6)
إلى المقبَرة.
(1)
في (ب) و (و): فأباحه.
(2)
في (د) و (و): سلمه.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1388، مسائل أبي داود ص 216، زاد المسافر 2/ 298.
(4)
في (أ): ولعودة.
(5)
في (أ): وتقديمها، وهو الموافق لما في الفروع، وقال ابن نصر الله في حواشي الفروع:(لعله: تقدمها).
(6)
في (أ) و (ب): إلا.
تنبيهٌ: إذا كان معها منكر وقَدر على إزالته؛ تَبِعها وأزاله، فإن عجَز عنه؛ لم يَجُز أن يتَّبِعها. وعنه: بلَى، ويُنكِرُه بِحسبِه.
ومَنْ كان حضورُه يُزِيل المنكرَ؛ لزِمه على الرِّوايتين؛ لحصول المقصود، فيعايا بها
(1)
.
(وَلَا يَجْلِسُ مَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ)؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ تَبِعَ جنازةً فلا يجلِسْ حتَّى تُوضَعَ» متَّفقٌ عليه من حديث أبي سعيدٍ
(2)
، والمراد به
(3)
: وضعُها على الأرض للدَّفن، نقله الجماعة
(4)
. وعنه: للصَّلاة. وعنه: في اللَّحد؛ لاختلاف الخبر.
وعنه: لا يُكرَه الجلوسُ قبل وضعها؛ كَمَنْ بَعُدَ.
(وَإن جَاءَتْ وَهُوَ جَالِسٌ لَمْ يقم لَهَا)؛ لقول علِيٍّ: «قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَعَد» رواه مسلمٌ
(5)
، وقال علِيٌّ:«كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أمَر بالقيام، ثُمَّ جلس، وأمرَنا بالجلوس» رواه أحمدُ وغيرُه، وإسنادُه ثقات
(6)
، وكذا إذا مرَّتْ به.
وعنه: القِيامُ وتَرْكُه سَواءٌ.
(1)
في (ز): فيعابها.
(2)
أخرجه البخاري (1310)، ومسلم (959)، وأبو داود (3173)، ووقع اختلاف في موضع وضعها أشار إليه أبو داود مختصرًا فقال:(روى هذا الحديث الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال فيه: «حتى توضع بالأرض»، ورواه أبو معاوية، عن سهيل، قال: «حتى توضع في اللحد»، وسفيان أحفظ من أبي معاوية). ينظر: فتح الباري 3/ 178.
(3)
قوله: (به) سقط من (و).
(4)
ينظر: مسائل صالح 2/ 132، مسائل ابن منصور 3/ 1395، زاد المسافر 2/ 300.
(5)
أخرجه مسلم (962).
(6)
قوله: (رواه أحمد وغيره، وإسناده ثقات) سقط من (ز).
والحديث: أخرجه أحمد (623)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2801)، وابن حبان (3056)، وهو حديث صحيح صححه ابن حبان والألباني. ينظر: الإرواء 3/ 192.
وعنه: يُستحَبُّ القيامُ، اختاره ابنُ عَقِيلٍ والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
؛ لأمره بذلك.
وعنه: حتَّى تَغِيبَ أوْ تُوضَعَ، فيقومُ قبل وصولها إليه حين رُؤيتها؛ للخبر
(2)
.
وظاهِرُه: ولو كانت جنازةَ كافِرٍ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، متَّفقٌ عليه
(3)
.
والأَصحُّ الكراهةُ؛ إذْ دليلُه ناسِخٌ لِمَا ذَكرْناه.
(وَيُدْخَلُ قَبْرَهُ مِنْ عِنْدِ رِجْلِ القَبْرِ)؛ أي: من شرقِهِ
(4)
ثم يَسُلُّه سَلًّا؛ «لأنَّه صلى الله عليه وسلم سُلَّ من قِبَل رأسه سَلًّا»
(5)
، وعبدُ الله بنُ يَزيدَ أَدْخَلَ الحارِثَ قَبْرَه من قبل رِجْل القبر، وقال:«هذا من السُّنَّة» رواه أحمدُ
(6)
، ولأنَّه ليس بموضِعِ
(1)
ينظر: الاختيارات ص 132، الفروع 3/ 368.
(2)
قال في الفروع 3/ 368: (ولعل المراد على هذا: يقوم حين يراها قبل وصولها إليه، للخبر؛ لأنه عليه السلام أمر به حين يراها)، والحديث أخرجه البخاري (1307)، ومسلم (958) عن عامر بن ربيعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الجنازة، فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع» .
(3)
أخرجه البخاري (1311)، ومسلم (960)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: مر بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا به، فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، قال:«إذا رأيتم الجنازة فقوموا» .
(4)
في (أ): شرقيه.
(5)
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 311)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (7054)، قال الشافعي: أخبرنا الثقة، عن عمر بن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:«سُلَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من قِبَل رأسه» ، قال ابن الملقن في البدر المنير 5/ 303:(والظاهر أن الثقة في كلام الشافعي هنا هو مسلم بن خالد الزنجي)، وإسناده ضعيف، عمر بن عطاء بن وراز ضعيف، ومسلم صدوق كثير الأوهام. وأخرجه الشافعي في مسنده (ص 360)، من مرسل عمران بن موسى وهو مقبول.
(6)
أخرجه أحمد في مسائل عبد الله كما في التعليق للقاضي (4/ 316)، وأخرجه عبد الرزاق (6465)، وابن سعد في الطبقات (6/ 169)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/ 217)، وأبو داود (3211)، والبيهقي في الكبرى (7052)، من طرق عن أبي إسحاق به. قال البيهقي:(هذا إسناد صحيح، وقد قال: "هذا من السنة" فصار كالمسند)، وصحح الحافظ إسناده في التلخيص 2/ 300.
تَوجُّهٍ بل دخول، فدخول الرَّأس أَولَى كعادة
(1)
الحيِّ؛ لكونه يجمع الأعضاء الشَّريفة، ولهذا يقف عند رأسه في الصَّلاة، ويبدأ به في حمله.
(إن كَانَ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ)، كذا ذكره جماعةٌ منهم المجدُ؛ لأنَّ في ضدِّها ضرَرًا ومشقَّةً، وهو منفي شرعًا، ولم يُقيِّدْه به في «الوجيز» و «الفروع» .
وظاهر كلامه: أنَّه يدخله معترضًا من قِبْليِّه
(2)
إذا لم يَسهُل من عند رجل القبر، وصرَّح به في «المحرَّر» .
وقيل: يبدأ بإدخال رِجلَيه من عند رأسه، ذكره ابن الزَّاغونِيِّ.
وظاهره: أنَّه لا توقيتَ فيمن يدخله، بل بحسب الحاجة كسائر أموره، وقيل: الوتر أفضلُ.
وأنَّه لا حدَّ لعُمْقه، نَصَّ عليه
(3)
؛ لقوله: «احفِروا وأعمقوا وأحْسنوا» رواه النَّسائيُّ
(4)
، قال أحمدُ:(يُعَمَّق إلى الصَّدْر)
(5)
، وقدَّره أكثرُ أصحابنا: بقامةٍ وبَسْطةٍ، وذكره جماعةٌ نَصًّا، والبَسْطة: الباعُ، وجعلهما في «الوسيلة»: أربعةَ أَذْرُعٍ ونِصفًا
(6)
نصًّا، وبالجملة: يكفي ما يَمنَع الرَّائحة والسِّباع.
(1)
في (د): كعبادة.
(2)
في (أ): قبلته.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 132، الفروع 3/ 368.
(4)
أخرجه أبو داود (3216)، والترمذي (1713)، والنسائي (2010)، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن الملقن وابن حجر والألباني. ينظر: البدر المنير 5/ 295، التلخيص الحبير 2/ 295، الإرواء 3/ 194.
(5)
ينظر: المغني 2/ 371.
(6)
في (د): وفصلها.
ولا يجوز جعْلُه علَى الأرض، ويُوضَع فوقه حبالٌ من تراب
(1)
؛ لأنَّه ليس بسُنَّةٍ، كما لا يجوز ستره إلاَّ بالثِّياب، ذَكَره ابنُ عَقِيلٍ.
تنبيهٌ: الأحق بالتَّكفين والدَّفن؛ أحقُّهم بالغسل
(2)
، وذكر المجْدُ وابن تميمٍ: أنَّه يُستحَبُّ أن يتولَّى دَفْنَ الميت غاسله، فيقدم
(3)
الوصِيُّ، ثُمَّ الأقربُ فالأقربُ، ثمَّ الرِّجال الأجانب، ثمَّ النِّساء المحارم، ثمَّ الأجنبيَّات.
والمرأة؛ محارمها الرجال أولى من الأجانب ومن محارمها النِّساء بدفنها.
وهل يُقدَّم
(4)
الزَّوج على محارمها الرِّجال أم لا؟ فيه روايتان.
فإنْ عُدِما؛ فالرِّجال الأجانب أَولَى في المشهور.
وعنه: نساء محارمها، قدَّمه المؤلِّف، وذكر أنَّه
(5)
أَولَى.
وشرطُه: عدَمُ محذورٍ من تَكشُّفهنَّ
(6)
بحضْرة الرِّجال أو غيره، قال المجْدُ: أو اتباعهن الجنازة.
ويقدَّم من الرِّجال خَصِيٌّ، ثمَّ شَيخٌ، ثُمَّ أفضلُ دِينًا ومعرفةً، ومن بَعُدَ عهدُه بجماع أَوْلَى مِمَّنْ قَرُبَ.
فَرعٌ: لا يُكرَه للرِّجال دَفْنُ امرأة مع حضور محرَمٍ، نَصَّ عليه
(7)
.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه احتمالٌ: يَحمِلُها من المغتَسَل إلى النَّعش،
(1)
في (د) و (ز) و (و): في تراب. والحبل، قال في العين 3/ 336:(الرمل الطويل الضخم).
(2)
في (أ): بالعمل.
(3)
في (و): فيتقدم.
(4)
في (أ): تقدم.
(5)
قوله: (وذكر أنه) ضرب عليه في (و).
(6)
في (د) و (و): في تكشيفهن.
(7)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 122.
ويسلمها
(1)
إلى مَنْ في القبر.
وتُحلُّ
(2)
عُقَدُ الكَفَن، وقاله الشافعي في «الأم»
(3)
.
ومتى كان الأَوْلَى بغَسْله الأَوْلَى بدَفنه؛ تولاَّهما بنفسه، ثُمَّ نائبه
(4)
إن شاء.
(وَلَا يُسَجَّى الْقَبْرُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً
(5)
، فإنَّه يسنُّ تغطية قبرها بغير خلاف نعلَمه
(6)
؛ لأنَّها عَوْرةٌ، ولا يُؤْمَن أنْ يَبْدُوَ منها شَيءٌ فيراه الحاضِرون، وظاهر «الوجيز»: ولو كانت صغيرةً.
ويُكرَه سترُ قبرِ الرَّجل، نَصَّ عليه
(7)
؛ لقول علِيٍّ، وقد مرَّ بقوم دَفَنُوا ميتًا وبَسَطُوا على قبره الثَّوب، فجذبه، وقال:«إنَّما يُصنَع هذا بالنِّساء» رواه سعيدٌ
(8)
، ولأنَّ كشفَه أمكَنُ وأبْعدُ من التَّشبُّه بالنِّساء، فإنْ كان ثَمَّ عذرٌ من مطَرٍ ونحوه لم يُكرَهْ.
(وَيُلْحِدُ لَهُ لَحْدًا)؛ لقول سَعْدٍ: «الحَدُوا لِي لَحْدًا، وانصِبُوا اللَّبِنَ علَيَّ نَصْبًا، كما صُنِع برسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه مسلمٌ
(9)
.
واللَّحدُ: إذا بلغ الحافرُ قرارَ القبر؛ حَفَرَ فيه ممَّا يلي القِبلةَ مكانًا يُوضَع
(1)
في (و): وتسليمها.
(2)
في (ب) و (و): ويحل.
(3)
في (أ): الأثر. ينظر: الأم 1/ 304.
(4)
في (ب) و (ز): بأبيه.
(5)
في (ز): لامرأة.
(6)
ينظر: المغني 2/ 373.
(7)
ينظر: زاد المسافر 2/ 307، الفروع 3/ 375.
(8)
أخرجه البيهقي في الكبرى (7051)، عن رجل من أهل الكوفة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال البيهقي:(وهو في معنى المنقطع؛ لجهالة الرجل من أهل الكوفة).
وصح نحوه عن عبد الله بن يزيد رضي الله عنه في جنازة الحارث، وتقدم تخريجه 3/ 179 حاشية (6).
(9)
أخرجه مسلم (966).
فيه الميت، وهو أفضل من الشَّقِّ على الأصح، وهو: أن يَحْفِرَ في أرض القَبر شقًّا يَضَع فيه الميت ويُسقَفُ عليه بشيء.
فيُكرَه الشَّقُّ بلا عُذْرٍ، فلو تعذَّر اللَّحد لكَوْن التُّراب يَنْهارُ؛ ثَبَّته بِلَبِنٍ وحجارةٍ إنْ أمْكَن، نَصَّ عليه
(1)
، ولا يشُق إذن
(2)
، قال أحمدُ:(لا أحب الشَّقَّ)
(3)
؛ لمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا: «اللَّحْدُ لنا، والشَّقُّ لغَيْرنا» رواه أحمدُ والتِّرمذِيُّ وقال: (غريب)
(4)
.
(وَيَنْصِبُ اللَّبِنَ عليه نَصْبًا)؛ لحديث سعدٍ، وإن جَعَلَ عليه طن
(5)
قَصَبٍ جاز؛ لقول عمرو بن شرحبيل: «رأيت المهاجرين يَستحِبُّون ذلك»
(6)
، ولكنَّ اللَّبِنَ أفضلُ؛ لأنَّه من جنس الأرض، وأبْعَدُ من أبنية الدُّنيا.
وعنه: القَصَب، اختارها الخلاَّل وصاحبُه وابنُ عَقِيلٍ؛ «لأنَّه صلى الله عليه وسلم طُرِح على قبره طن من قصَبٍ»
(7)
.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 375.
(2)
قوله: (إذن) سقط من (أ) و (ب).
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 307، المغني 2/ 372.
(4)
أخرجه أبو داود (3208)، والترمذي (1045)، والنسائي (2009)، قال الترمذي:(حديث غريب من هذا الوجه)، وضعفه ابن القطان والنووي؛ لأن مداره على عبد الأعلى بن عامر، ضعفه أحمد وأبو زرعة وغيرهما.
وأخرجه أحمد (19213)، وابن ماجه (1555)، من رواية جرير بن عبد الله رضي الله عنه، ومداره على أبي اليقظان عثمان بن عمير وهو ضعيف، وضعفه النووي وابن حجر، وللحديث طرق أخرى عن جرير وغيره من الصحابة، وحسنه الألباني بمجموع طرقه وشواهده. ينظر: بيان الوهم والإيهام 4/ 210، الخلاصة للنووي 2/ 1012، أحكام الجنائز ص 144.
(5)
في (أ): طين. والصواب المثبت كما في المغني 2/ 372، والطن: الحزمة من القصب والحطب. ينظر: العين 7/ 405.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (11724)، وابن سعد في الطبقات (6/ 107)، بإسناد حسن.
(7)
أخرجه ابن أبي شيبة (11723)، من طريق عثمان بن الحارث، عن الشعبي:«أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على لحده طن قصب» ، وهو مرسل.
وفي «المحرَّر» : هما سَواءٌ.
ويَسُدُّ الخَلَلَ بما يَمنَع التُّرابَ مِنْ طِينٍ وغَيرِه، قال أحمدُ:(ويَسُدُّ الفُرْجَة بحجر)
(1)
، فدلَّ أنَّ البَلاط كاللَّبِن، وإن كان اللَّبِنُ أفضلَ.
(وَلَا يُدْخِلُه خَشَبًا) بلا ضرورةٍ، (وَلَا شَيْئًا مَسَّتْهُ النَّار)؛ لقول إبراهيمَ:«كانوا يَستحِبُّون اللَّبِنَ، ويَكرَهون الخشَبَ والآجُرَّ»
(2)
، ولأنَّ فيه تَشبُّهًا
(3)
بأهل الدُّنيا، وتفاؤلاً ألا تَمسَّه النَّارُ.
ويُكرَه دَفنُه في تابوتٍ، ولو كان الميتُ امْرأةً، أو في حَجَرٍ منقوشٍ، قال بعضهم: أو يجعل فيه حديدًا، ولو كانت الأرضُ رخْوةً أوْ نَديَّةً.
(وَيَقُولُ الذِي يُدْخِلُهُ) القبرَ: (بِاسْمِ اللهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ)؛ لقولِ ابنِ عمرَ: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا وضع الميتَ في القبر قال ذلك» ، وفي لفظٍ:«وعلَى سُنَّةِ رسول الله» ، روى
(4)
ذلك أحمدُ والتِّرمذيُّ، وقال:(حسَنٌ غريبٌ)
(5)
.
وعنه: يقول: (اللَّهمَّ بارِكْ في القبر وصاحبِه).
وإن قرأ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ
…
(55)} الآية [طه: 55]، أوْ أتى بذِكرٍ أوْ دُعاءٍ لائِقٍ عند وضعه وإلحاده
(6)
؛
(1)
ينظر: الفروع 3/ 377.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (11770)، وإسناده صحيح.
(3)
في (د) و (و): تشبيهًا.
(4)
في (ب) و (ز): وروى.
(5)
أخرجه أحمد (4812)، والترمذي (1046)، والنسائي في الكبرى (10860)، وابن حبان (3109)، قال الترمذي:(حديث حسن غريب من هذا الوجه)، واختلف في رفعه ووقفه، قال ابن حجر:(وأُعلَّ بالوقف، وتفرد برفعه همام عن قتادة عن أبي الصديق عن ابن عمر، ووقفه سعيد وهشام، فرجح الدارقطني وقبله النسائي الوقف، ورجح غيرهما رفعه)، وصححه مرفوعًا ابن الملقن والألباني. ينظر: علل الدارقطني 12/ 410، البدر المنير 5/ 309، التلخيص الحبير 2/ 300، أحكام الجنائز ص 152.
(6)
في (ز): فإلحاده.
فلا بأْسَ؛ لفِعْله صلى الله عليه وسلم
(1)
وفِعْلِ الصَّحابة
(2)
.
(وَيَضَعُهُ فِي لَحْدِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبلَ الْقِبْلَةِ)؛ لأنَّه عليه السلام هكذا دُفِنَ
(3)
.
(1)
أخرجه أحمد (22187)، والحاكم (3433)، والبيهقي في الكبرى (6726)، من طريق عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة، قال: لما وُضعت أمُّ كلثوم بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)} ، «باسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله» ، وعلي بن يزيد الألهاني ضعيف، وعبيد الله بن زحر الإفريقي ضعفه جماعة، وقال أبو زرعة:(لا بأس به، صدوق)، وقال النسائي:(ليس به بأس)، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق يخطئ)، وضعفه البيهقي وابن حجر وغيرهما. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 301.
(2)
أخرج عبد الرزاق (6461)، وابن أبي شيبة (11698، 29844)، عن خيثمة قال: كانوا يستحبون أن يقولوا على الميت: «باسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم أجره من عذاب النار وعذاب القبر وشر الشيطان» ، إسناده صحيح، وخيثمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة، من كبار التابعين، روى عن جماعة الصحابة رضي الله عنهم.
ومن ذلك: ما أخرجه عبد الرزاق (6464)، عن إسماعيل بن أبي خالد: أن أبا بكر الصديق، كان يقول إذا أدخل الميت اللحد:«باسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباليقين بالبعث بعد الموت» ، وهو منقطع.
ومن ذلك: ما أخرجه عبد الرزاق (6463)، وابن أبي شيبة (11705)، عن علي، أنه كان يقول إذا أدخل الميت في قبره:«باسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وإسناده حسن.
وأخرج عبد الرزاق (6506)، وابن أبي شيبة (11707)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 658)، والبيهقي في الكبرى (6950)، عن عمير بن سعيد قال: كبر علي على يزيد بن المكفف أربعًا، وجلس على القبر وهو يدفن قال:«اللهم عبدك وولد عبدك، نزل بك اليوم وأنت خير منزول به، اللهم وسع له في مدخله، واغفر له ذنبه، فإنا لا نعلم منه إلا خيرًا وأنت أعلم به» ، وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه ابن ماجه (1552)، من طريق عطية العوفي، عن أبي سعيد رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخذ من قِبَل القبلة، واستُقبِل استقبالاً» ، ضعفه ابن الملقن وابن حجر، قال البوصيري:(إسنادٌ ضعيفٌ؛ عطية العوفي ضعفه أحمد وغيره).
وأخرج العقيلي (3/ 295)، عن بريدة قال:«أُخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَل القبلة، وأُلحد له ونُصب له اللبن نصبًا» ، وهو ضعيف أيضًا، قال ابن الملقن وابن حجر:(وفي إسناده عمرو بن بريد التميمي، وقد ضعفوه). ينظر: البدر المنير 5/ 313، التلخيص الحبير 2/ 301، مصباح الزجاجة 2/ 38.
والمذهب عند القاضي وأصحابه والمؤلِّف، وقدَّمه في «الفروع»: يَجِب دفنُه مستقبِلَ القِبلة.
وعند صاحب «الخلاصة» و «المحرَّر» ، وظاهر كلامه: أنَّه يُستحَبُّ؛ كجنبه الأيمن.
وظاهره: أنَّه لا يَجعَل تحت رأسِه شَيئًا؛ لقول عُمَر: «إذا جعلتُمونِي في اللَّحد فأفْضُوا بخَدِّي إلى الأرض»
(1)
.
واستَحبَّ عامَّتُهم أن يُجعَل تحت رأسه لَبنةٌ؛ كالمِخدَّة للحيِّ، ويُجعَل قدامه وخلفَه ما يَمنَع وقوعه على قفاه أو وجهه.
وفي «الشَّرح» و «الفروع» : يُدْنيه
(2)
من قِبلة اللَّحد، ويُسنِد
(3)
خلفه.
ويُكرَه المرقعة والمضربة
(4)
، نَصَّ عليه
(5)
، وكذا قطيفة تحته؛ لكراهة الصَّحابة
(6)
، وهو قولُ الأكثر،
(1)
أخرجه أحمد في الزهد (634)، وأحمد بن منيع كما في المطالب العالية (824)، وابن المنذر في الأوسط (3194)، من حديث ابن عمر، وفيه مجالد بن سعيد وهو ضعيف الحديث، والشعبي لم يسمع من ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
في (د) و (و): ببدنيه.
(3)
في (د): وسند.
(4)
والمضربة: لحاف ذو طاقين مخيطين خياطة كثيرة، بينهما قطن ونحوه. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 537.
(5)
ينظر: زاد المسافر 2/ 308، المغني 2/ 372.
(6)
ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (6390)، ومسدد كما في المطالب العالية (827)، وإسحاق في مسنده (2031)، والبلاذري في أنساب الأشراف (1/ 447)، والفاكهي في أخبار مكة (2822)، وأبو يعلى الموصلي (7110)، وابن سعد في الطبقات (8/ 139)، وابن حبان (4134)، والحاكم (6797)، عن يزيد بن الأصم قال: ماتت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بسرف، فأخذت ردائي، فبسطته تحتها، فأخذه ابن عباس فرمى به. وأسانيده صحاح.
ونَصَّ: أنَّه لا بأْسَ بها من علة
(1)
في الأرض
(2)
.
وعنه: مطلَقًا.
وقيل
(3)
: يُستحَبُّ؛ «لأنَّ شُقْرانَ وَضَع في قَبْر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قطيفةً حمراءَ»
(4)
، لكن من غير اتفاق منهم.
(وَيَحْثُو التُّرَابَ فِي الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) استِحبابًا؛ لمَا رَوَى جعفرُ بن محمَّدٍ عن أبيه: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حَثَى علَى الميت ثلاثَ حثَيَاتٍ بِيَدَيْه جميعًا» رواه الشَّافِعِيُّ
(5)
،
(1)
في (أ): علية.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 377.
(3)
في (و): وعنه.
(4)
أخرجه مسلم (967)، بدون ذكر شُقران رضي الله عنه، وأخرجه ابن ماجه (1628)، مطولاً.
(5)
أخرجه الشافعي كما في مسنده (ص 361)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (7718)، وفيه إبراهيم بن محمد الأسلمي متروك.
وأخرج الدارقطني (1836)، والبيهقي في الكبرى (6730) من حديث عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن عثمان بن مظعون رضي الله عنه فصلى عليه وكبر عليه أربعًا، وحَثَى بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم على القبر» ، وهذا ضعيف جدًّا؛ في إسناده القاسم بن عبد الله العمري وهو متروك، وضعفه البيهقي وابن الملقن.
وأخرجه ابن ماجه (1565)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، ولفظه:«صلى على جنازة، ثم أتى قبر الميت، فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثًا» ، قال أبو حاتم في العلل:(هذا حديث باطل)، وقال ابن كثير وابن الملقن:(إسناده لا بأس به)، وبين ابن حجر في التلخيص وجه كلام أبي حاتم، وصححه الألباني.
وله شاهد مرسل: أخرجه أبو داود في المراسيل (420)، وابن أبي حاتم في المراسيل (943)، عن زيد بن تغلب، عن أبي المنذر:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَثَى في قبر ثلاثًا» ، قال أبو حاتم:(زيد وأبو المنذر مجهولان). ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 416، البدر المنير 5/ 316، التلخيص الحبير 2/ 303، الإرواء 3/ 200.
ورُوِيَ عن علَيٍّ وابن عبَّاسٍ
(1)
، وأن يكون ذلك
(2)
باليد، قاله في «المحرَّر» و «الفروع» ، وهو شامِلٌ لحاضريه، زاد ابنُ تميمٍ: من قِبَلِ رأسه؛ لفعله عليه السلام، رواه ابنُ ماجَهْ
(3)
. وقيل: من دنا منه. وعنه: لا بأس بذلك.
وذَكَر ابن مُنَجَّى: أنَّه يَنبغِي أنْ يقولَ إذا حَثَى الأولى
(4)
: {منها خلقناكم} ، وفي الثَّانية:{وفيها نعيدكم} ، وفي الثالثة:{وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55].
(ثُمَّ يُهَالُ)، أي: يصبُّ (عَلَيْهِ التُّرَابُ)؛ لقول عائشةَ: «ما عَلِمْنا بِدَفْن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوتَ المَساحِي» رواه أحمدُ
(5)
، وقالتْ فاطمةُ
(1)
أثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6480)، وابن أبي شيبة (11713)، وابن المنذر في الأوسط (3221)، والبيهقي في الكبرى (6732)، عن عمير بن سعيد:«أن عليًّا حَثَى على يزيد بن المكفف» ، وسنده صحيح.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (6479)، وأحمد في فضائل الصحابة (1873)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/ 485)، والحاكم (5809)، وابن المنذر في الأوسط (3223)، والبيهقي في الكبرى (6734)، عن علي بن زيد بن جدعان: أن ابن عباس لما دَفن زيد بن ثابت حثى عليه التراب، ثم قال:«هكذا يدفن العلم» ، علي بن زيد بن جدعان ضعيف.
(2)
قوله: (ذلك) سقط من (أ).
(3)
سبق تخريجه 3/ 187 حاشية (6) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
في (أ): الأول.
(5)
أخرجه أحمد (24333)، والبزار (292)، والطحاوي في معاني الآثار (2934)، والبيهقي في الكبرى (6727)، من طريق ابن إسحاق، عن فاطمة بنت محمد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، وفيه محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع كما عند البيهقي، فهذا الحديث حسن.
لأنَسٍ: «كيف طابت أنفسُكم أنْ تَحثُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التُّراب» رواه البخاريُّ
(1)
.
ويُكرَه أن يُزاد في القبرِ مِنْ غيرِ تُرابه
(2)
، نَصَّ عليه
(3)
؛ لنهي عُقبةَ عنه، رواه أحمدُ
(4)
، قال في «الفصول»: إلاَّ أنْ يُحتاجَ إليه.
ولا بأْسَ بتَعْليمه بحجَرٍ أوْ خَشَبةٍ ونحوِهما عند رأسِه، نَصَّ عليه
(5)
؛ «لأنَّه عليه السلام تَرَك عند رأس قَبْرِ عُثمانَ بنِ مَظْعونٍ صخرة» رواه أبو داودَ
(6)
، ونَصَّ على استحبابه.
واختُلِف عنه في اللَّوح؛ والأشبه: أنَّه لا بأْسَ به بلا كتابةٍ، قاله ابنُ تميمٍ.
(وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ عَنِ الْأرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ)؛ «لأنَّه عليه السلام رُفِع قبرُه عن الأرض قدْرَ شِبْرٍ» رواه السَّاجِيُّ من حديث جابر
(7)
،
(1)
أخرجه البخاري (4462).
(2)
قوله: (من غير ترابه) سقط من (د).
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 224، مسائل ابن هانئ 1/ 190.
(4)
ذكره في المغني (2/ 376)، ولم نقف عليه في كتب الإمام أحمد أو غيره من كتب الحديث.
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 126.
(6)
أخرجه أبو داود (3206)، والبيهقي في الكبرى (6744)، من طريق كثير بن زيد المدني، عن المطلب، قال: لما مات عثمان بن مظعون، أخرج بجنازته فدفن
…
فذكره، قال ابن حجر:(إسناده حسن، ليس فيه إلا كثير بن زيد راويه عن المطلب، وهو صدوق، وقد بين المطلب أن مخبرًا أخبره به ولم يسمه، ولا يضر إبهام الصحابي)، وحسَّن إسناده أيضًا النووي وابن الملقن والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 1010، البدر المنير 5/ 324، التلخيص الحبير 2/ 307، السلسلة الصحيحة (3060).
(7)
أخرجه ابن حبان (6635)، والبيهقي في الكبرى (6736)، من طريق الفضيل بن سليمان، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله:«أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد ونصب عليه اللبن نصبًا، ورفع قبره من الأرض نحوًا من شبر» وحسن إسناده الألباني.
وأخرجه البيهقي في الكبرى (6737)، من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه مرسلاً، وله شاهد آخر مرسل بسند صحيح أخرجه أبو داود في المراسيل (421)، من طريق أبي بكر بن عياش، قال: حدثنا صالح بن أبي الأخضر، قال:«رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم شبرًا أو نحوًا من شبر» . ينظر: البدر المنير 5/ 318، أحكام الجنائز (ص 153).
ولأنَّه يُعلم أنَّه قبرٌ فيُتوقَّى ويُترحم
(1)
عليه.
ويُكرَه فوقَ شِبْرٍ؛ لأنَّ فَضالة أمر
(2)
بقبرٍ فسُوِّيَ، وقال:«سمعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ بذلك» رواه مسلمٌ
(3)
، وحمله المجْدُ على تقريبه من الأرض، والمنع عن علوها الفاحش.
(مُسَنَّمًا)؛ لمَا رَوَى البُخاريُّ عن سُفيانَ التَّمَّار: «أنَّه رأى قبرَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مسنَّمًا»
(4)
، ولأنَّ
(5)
التَّسطيح يُشْبِه أبنيَّة أهل الدنيا، وهو شعارُ أهلِ البدع، فكان مكروهًا.
وقال الشَّافعيُّ: التَّسطيحُ أفضلُ، وخالَفه كثيرٌ من أصحابه، قال:(وبلغنا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سَطَّح قبرَ ابنِه إبراهيمَ)
(6)
، وهو محمولٌ على أنَّه سَطَّح جوانبَها وسنَّم وسَطَها.
لكن يُستثنَى منه: ما إذا دُفِن بدار الحرب بعد تعذُّر نقله؛ فالأَوْلَى تسويته بالأرض وإخفاؤه، قاله أبو المعالي وغيرُه.
(وَيُرَشُّ
(7)
عَلَيْهِ المَاءُ)؛ «لأنَّه عليه السلام رشَّ على قبر سعدٍ ماءً» رواه ابنُ ماجَهْ
(1)
في (و): وترحم.
(2)
في (أ) و (ب): مر.
(3)
أخرجه مسلم (968).
(4)
أخرجه البخاري (1390).
(5)
في (د): ولا.
(6)
ينظر: الأم 1/ 311، نهاية المطلب 3/ 27.
(7)
في (أ): وينرش.
من حديث أبي رافِعٍ
(1)
، ورَوَى الخلاَّلُ بإسناده:«أنَّه رُشَّ على قبْر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الماءَ»
(2)
، ولأنَّ الماءَ يُلبِّده، وهو من آثار الرَّحمة.
ويُوضَع عليه حصى صغار، وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: أنَّه يعمُّه
(3)
بها؛ ليَحفَظ تُرابَه، وعن جعفر بن محمَّد عن أبيه: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رشَّ علَى قبر ابنه ماءً، وَوَضَعَ عليه حصباء
(4)
» رواه الشَّافِعِيُّ
(5)
.
(وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ)، قاله أحمد
(6)
؛ «لأنَّه صلى الله عليه وسلم طُيِّنَ قبرُه»
(7)
، ولأنَّ فيه صيانةً عن الدوس
(8)
، وكرهه
(9)
أبو حفص.
(1)
أخرجه ابن ماجه (1551)، وإسناده ضعيف، فيه مندل بن علي وشيخه محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، وهما ضعيفان.
(2)
أخرجه البيهقي في الكبرى (6743)، وفي إسناده محمد بن عمر الواقدي، قال النووي:(وفي رواية ضعيفة من رواية الواقدي: رش بلال على قبر النبي صلى الله عليه وسلم الماء، بدأ من رأس القبر إلى رجليه)، وكذا ضعفه ابن الملقن. ينظر: الخلاصة 2/ 1025، البدر المنير 5/ 324.
(3)
في (د): تعمه.
(4)
في (أ) و (ب): حصى.
(5)
أخرجه الشافعي (ص 360)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (6740)، وهو مع إرساله إسناده ضعيف جدًّا، فيه إبراهيم بن محمد الأسلمي وهو متروك. ينظر: الإرواء 3/ 205.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 224، مسائل صالح 1/ 263، زاد المسافر 2/ 310.
(7)
أخرجه أبو بكر النجاد كما في التعليقة للقاضي (4/ 322)، من طريق عبد الله بن مسلمة، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم رُفع قبرُه من الأرض شبرًا، وطُيِّن بطين أحمر من العرص، وجعل عليه من الحصا» .
وأخرجه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 19)، من طريق سعيد بن منصور، حدثنا الدراوردي به بلفظ:«وجُعل عليه حصى من حصى الغابة» ، وأخرجه البيهقي في الكبرى (6737)، من طريق أحمد بن عبدة، عن الدراوردي به بلفظ:«ووُضع عليه حصباء من حصباء العرصة» ، قال البيهقي:(هذا مرسل).
(8)
في (د) و (و): الدروس.
(9)
في (د): فكرهه.
وقيل: يُستحَبُّ، والنَّهي الوارد فيه محمولٌ على طِينٍ فيه تحسين للقبر
(1)
وزينةٌ.
(وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ) وتزويقه وتَخْليقُه، وهو بِدْعَةٌ.
(وَالْبِنَاءُ) عليه، أطلقه أحمد والأصحاب، لاصقة أو لا؛ لقول جابر:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يُجصَّصَ القبرُ، وأن يُقعدَ عليه، وأن يُبنى عليه» رواه مسلم
(2)
.
وذكر جماعةٌ: أنَّه لا بأس بالقُبَّة والبيت والحظيرة في مِلكِه.
قال المجْدُ: ويُكرَه في صحراء؛ للتضييق
(3)
والتشبه بأبنية الدنيا.
وكَرِه في «الوسيلة» البناءَ الفاخِرَ كالقُبَّة، فظاهره: لا بأس ببناءٍ مُلاصِقٍ؛ لأنَّه يراد لتعليمه وحفظه دائمًا، فهو كالحَصْباء، ولم
(4)
يَدخُل في النَّهي؛ لأنَّه خرج على المعتاد، أوْ يُخَصُّ منه.
وعنه: مَنْعُ البناءِ في وَقْفٍ عامٍّ.
وقال الشَّافعيُّ: (رأيتُ الأئمَّة بمكةَ يأمُرون بهدْم ما يُبْنَى)
(5)
، والمنقول هنا المنعُ خلافَ ما اقتضاه كلامُ ابنِ تميمٍ، يؤيِّده ما نقله أبو طالب عنه عمَّن اتخذ حُجْرةً في المقبرة لغيره، قال:(لا يُدفَن فيها)
(6)
، والمراد لا يَختصُّ به وهو كغيره، وجزَم ابنُ الجَوزِيِّ: بأنَّه يَحرُم حَفْرُ قَبْر في مُسبَّلةٍ قبل الحاجة، فههنا أَولَى.
(1)
في (و): القبر.
(2)
أخرجه مسلم (970) وقوله: (لاصقة أو لا؛ لقول جابر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه رواه مسلم) سقط من (أ).
(3)
في (د): للضيق.
(4)
في (د) و (و): فلم.
(5)
ينظر: الأم 1/ 316.
(6)
ينظر: الفروع 3/ 381.
وتكره
(1)
الخيمة والفُسطاط، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأمْر ابنِ عمر بإزالتِه، وقال:«إنَّما يُظِلُّه عمَلُه»
(3)
.
وظاهر ما سبق: أنَّ الصحراء أفضلُ؛ لأنَّه عليه السلام كان يَدفِن أصحابه بالبقيع، وهو أشبه بمساكن الآخرة، وأكثرُ للدُّعاء له، والتَّرَحُّمِ عليه، سِوَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، واختار صاحباه الدفن عنده تشرُّفًا وتبرُّكًا، ولم يُزَدْ عليهما؛ لأنَّ الخَرْقَ يتَّسع، والمكانُ ضيِّقٌ، وجاءت أخبار تدل
(4)
على دفنهم كما وقع، ذكرها المجدُ
(5)
.
(وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ)؛ لِمَا روى التِّرمذيُّ وصحَّحه من حديث جابِرٍ مرفوعًا: «نهى أن تُجصَّص القبور، وأن يُكتَبَ عليها، وأن توطأ»
(6)
.
(1)
في (و): ويكره.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 381.
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات كما ذكر الحافظ في تغليق التعليق (2/ 492)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم، باب الجريد على القبر (2/ 95)، ولا بأس بإسناده.
(4)
في (أ): بذلك.
(5)
منها: ما أخرجه مالك (1/ 232)، والطبراني في الكبير (126)، والحاكم (4400)، وصححه، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«رأيت ثلاثة أقمار سقطْنَ في حُجرتي» ، فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق، قالت:«فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن في بيتها» ، قال لها أبو بكر:«هذا أحد أقمارك، وهو خيرها» ، وفي روايةٍ للطبراني بسند ضعيف (128)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
وأخرج الحاكم (4401)، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا:«إن صدقت رؤياكِ؛ دُفِن في بيتكِ ثلاثة هم أفضل - أو خير- أهل الأرض» ، وفيه عمر بن سعيد الأبح وهو منكر الحديث. ينظر: لسان الميزان 6/ 93.
(6)
في (أ): أو توطأ.
والحديث: أخرجه أحمد (14148)، والترمذي (1052)، من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح، قد روي من غير وجه عن جابر)، قال ابن حجر:(وهو في مسلم بدون الكتابة وقال الحاكم: الكتابة على شرط مسلم، وهي صحيحة غريبة)، وقد أخرجه مسلم (970)، من طريق حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه» ، وأخرجه من طريق حجاج بن محمد وعبد الرزاق عن ابن جريج بمثله. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 305.
(وَالْجُلُوسُ)؛ لمَا رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرة مرفوعًا: «لَأَنْ يجلس أحدُكم على جمْرةٍ فتحرقَ ثيابَه، فتخلُصَ
(1)
إلى جِلْده؛ خيرٌ من أن يَجلِسَ على قَبْرٍ»
(2)
.
(وَالْوَطْءُ عَلَيْهِ)؛ لمَا رَوَى ابنُ ماجَهْ والخلاَّلُ مرفوعًا: «لَأَنْ أَطَأَ علَى جمرة أوْ سَيْفٍ أحب إلَيَّ أَنْ أَطَأَ على قَبْرِ مسلمٍ»
(3)
.
وفي «الكافي» : إن لم يكن له طريقٌ إلَى قبرِ مَنْ يَزوره إلاَّ بالوطْءِ؛ جاز للحاجة.
(وَالاِتِّكَاءُ إِلَيْهِ)؛ لما رَوَى أحمدُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى عمرو بن حَزْمٍ مُتَّكِئًا على قبرٍ فقال: «لا تُؤْذِه»
(4)
.
مسألةٌ: لا يجوز الإسراجُ علَى القبور، ولا اتِّخاذُ المساجد عليها، ولا بينها. قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين:(وتَتَعيَّنُ إزالتُها، لا أعلم فيه خلافًا)
(5)
.
ولا تَصِحُّ الصَّلاةُ فيها على ظاهر المذهب، فلو وُضع المسجد والقبر معًا لم يَجُزْ، ولم يَصِحَّ الوقف ولا الصَّلاة، قاله في «الهدْي»
(6)
.
(1)
في (د) و (و): فيتخلص.
(2)
أخرجه مسلم (971).
(3)
أخرجه ابن ماجه (1567)، والروياني في مسنده (171)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وقال المنذري:(إسناده جيد)، وصحح إسناده البوصيري والألباني. ينظر: الإرواء 1/ 102.
(4)
أخرجه أحمد (24009/ 39)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2944)، من حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، وأخرجه النسائي (2045)، بلفظ:«لا تقعدوا على القبور» ، وصحح إسناده الذهبي وابن حجر. ينظر: تنقيح التحقيق للذهبي 1/ 320، الفتح 3/ 225.
(5)
ينظر: الاختيارات ص 133.
(6)
ينظر: زاد المعاد 3/ 444.
وفي «الوسيلة» : يُكرَهُ اتخاذ المساجد عندها، ويكره الحديث
(1)
عندها، والمشيُ بالنعل فيها، ويُسَنُّ خلعه إلاَّ خوف نجاسةٍ أو شَوْكٍ، نَصَّ عليه
(2)
.
(1)
في (د) و (و): الحدث.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 144، زاد المسافر 2/ 312.
(فَصْلٌ)
يُستحَبُّ الدُّعاء له عند القَبْر بعد دَفْنِه، نَصَّ عليه، فعله أحمدُ جالِسًا، واستَحبَّ الأصحابُ وُقوفَه، ونَصَّ أحمدُ: أنَّه لا بأْسَ به
(1)
، قد فعله علِيٌّ
(2)
والأحنفُ.
وقال أبو حفْصٍ: هو بِدْعَةٌ.
واستَحبَّ الأكثرُ تلقينَه بعد دفْنِه؛ لقول راشد
(3)
بن سعدٍ، وضَمْرةَ بن حبِيبٍ، وحكيم بن عُمَيرٍ:(كانوا يستحبُّون أن يقال عند قبره: يا فلانُ قُلْ: لا إله إلاَّ الله، أشهد أن لاَّ إله إلاَّ الله -ثلاثَ مَرَّاتٍ-، يا فلان قُلْ: ربِّي اللهُ، وديني الإسلامُ، ونبيِّي محمَّدٌ)، رواه عنهم أبو بكر بن أبي مريمَ، وهو ضعيفٌ
(4)
، ولحديث
(5)
أبي أُمامَةَ، رواه ابن شاهين والطَّبرانِيُّ
(6)
، فيجلِس
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 390، مسائل ابن منصور 3/ 1403.
(2)
تقدم تخريجه 1/ 185 حاشية (2).
(3)
في (أ): زيد.
(4)
لم نقف عليه، وقد أخرجه سعيد بن منصور كما في الفروع 3/ 383، وأبو بكر بن أبي مريم الغساني الشامي ضعيف الحديث، ضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وغيرهم. ينظر: تهذيب التهذيب 12/ 28.
(5)
في (د): لحديث.
(6)
أخرجه الطبراني في الكبير (7979)، وفي إسناده من لا يعرف، منهم سعيد بن عبد الله الأودي، بيَّض له ابن أبي حاتم، وهو مجهول الحال، والحديث قواه ابن الملقن وابن حجر، قال ابن الملقن:(إسناده لا أعلم به بأسًا)، وقال ابن حجر:(وإسناده صالح، وقد قواه الضياء في أحكامه)، وأغلب الأئمة على تضعيفه، قال النووي:(وإسناده ضعيف)، وقال ابن الصلاح:(ليس إسناده بالقائم)، وقال ابن القيم:(لا يصح رفعه)، وضعفه العراقي والألباني. ينظر: زاد المعاد 1/ 522، البدر المنير 5/ 333، التلخيص الحبير 2/ 310، السلسلة الضعيفة (599).
الملقِّن عند رأسه.
وقال أحمدُ: (ما رأَيتُ أحدًا يفعلُه إلاَّ أهلَ الشَّام)
(1)
، وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين:(تلقينُه مُباحٌ عند أحمدَ وبعضِ أصحابه، ولا يُكْرَهُ)
(2)
.
وفي تلقين غير المكلَّف وجهان، بناءً على نزول الملكَينِ وسؤالِه وامتحانِه، النَّفيُ قولُ القاضي وابنِ عَقِيلٍ، والإثباتُ قولُ أبِي حَكِيمٍ، وحكاه ابنُ عَبْدوسٍ عن الأصحاب، وصحَّحه الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين
(3)
.
(وَلَا يُدْفَنُ فِيهِ اثْنَانِ)؛ أي: يَحرُم دَفْنُ اثْنَيْنِ فأكثرَ في قبْرٍ؛ لأنَّه عليه السلام كان يَدفِن كلَّ ميتٍ في قبرٍ، وعلى هذا استمرَّ فعلُ الصَّحابة ومَن بعدَهم.
وعنه: يُكرَه، اختاره ابنُ عَقِيلٍ والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
، قال في «الفروع»:(وهي أظهرُ).
وعنه: يجوز
(5)
، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، نقل أبو طالِبٍ: لا بأْسَ به
(6)
.
وقيل: يجوز في المحارم.
وقيل: فيمن لا حُكْمَ لعورته.
وعلَى الأوَّل: لا فرْقَ بين أن يُدفَنا معًا أو أحدهما بعد الآخَر، لكن إن لم يَبْلَ؛ لم يجز
(7)
، نَصَّ عليه، وإنْ بَلِيَ جاز في الأصحِّ، ويُعمَل بقول أهل الخِبْرة بتلك الأرض، فإن حفَرَ فوجد عظامَ الميت؛ دفنَها وحفَرَ في مكانٍ
(1)
ينظر: المغني 2/ 377.
(2)
ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 179، مجموع الفتاوى 24/ 296، الاختيارات ص 133.
(3)
ينظر: الاختيارات ص 134.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 134، الفروع 3/ 386.
(5)
في (أ): يحول.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 192، زاد المسافر 2/ 307.
(7)
قوله: (لم يجز) سقط من (أ).
آخَرَ، نَصَّ عليه
(1)
.
(إِلاَّ لِضَرُورَةٍ)؛ ككثرة الموتَى وقِلَّة مَنْ يَدفِنُهم، وخَوف الفساد عليهم؛ لقوله عليه السلام يَومَ أُحُدٍ:«ادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ والثَّلاثةَ في قَبْرٍ واحدٍ» رواه النَّسائِيُّ
(2)
.
(وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إِلَى الْقِبْلَةِ)؛ لقوله عليه السلام: «قَدِّمُوا أكثرَهُم قُرآنًا» ، حين سألوه مَنْ يُقدم
(3)
فيه، رواه النَّسائِيُّ والتِّرمذِيُّ وصحَّحه
(4)
، وكما يُقدَّم إلى الإمام في الصَّلاة.
(وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنَ التُّرَابِ)؛ نَصَّ عليه
(5)
؛ ليَصِيرَ كلُّ واحدٍ كأنَّه في قَبرٍ مُنفَرِدٍ.
وقال الآجُرِّيُّ: إن كان فيهم نساءٌ. وفيه نَظَرٌ.
ولا بأْسَ بالذَّهاب بعد دفنه من غير إذْنِ أهل الميت، نَصَّ عليه.
تذنيبٌ: كَرِه أحمدُ الدَّفْنَ عند طلوع الشَّمس وغروبها وقيامها، وفي «المغني»: لا يَجوز، ويجوز ليلاً، ذكره في «شرح مسلمٍ» قولَ الجمهور
(6)
.
وعنه: يُكرَه، حكاه ابنُ هُبَيْرةَ اتِّفاقَ الأئِمَّة الأرْبَعة، وفيه نَظَرٌ، فإنَّه حَكَى في «الإفصاح» الإجماع أنَّه لا يُكرَه، وأنَّه بالنَّهار أمْكَنُ.
وعنه: لا يَفعَله إلاَّ لِضَرورةٍ.
مسألَةٌ: يُستحَبُّ جمعُ الأقارب في بقعة؛ لتسهل
(7)
زيارتُهم، قريبًا من
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 214.
(2)
سبق تخريجه 3/ 140 حاشية (3).
(3)
في (د): فيتقدم.
(4)
سبق تخريجه 3/ 140 حاشية (3).
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 129، مسائل أبي داود ص 223، مسائل ابن هانئ 1/ 192، زاد المسافر 2/ 307.
(6)
ينظر: شرح مسلم 7/ 11.
(7)
في (د) و (ز): ليسهل.
الشُّهداء والصَّالحين؛ ليُنتفَع بمجاورتهم في البقاع الشَّريفة.
فلو أَوْصَى أن يُدفَن في ملكه؛ دُفِن مع المسلمين، قاله أحمدُ
(1)
، كما إذا اختلف الورثة، وحَمَل المجْدُ الأوَّلَ على ما إذا
(2)
نقصها نقصًا لا يَحتَمِله الثُّلثُ، قال في «الفروع»: وهو مُتَّجِهٌ.
قال أحمدُ: (لا بأسَ بشرائه مَوضِعَ قبرِه، ويُوصِي بدَفنه فيه، فَعلَه عُثمانُ وعائشةُ)
(3)
، قال ابن تميمٍ: (بشرط
(4)
خروجه من الثلث).
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 190.
(2)
زيد في (و): كان.
(3)
ينظر: المغني 2/ 381.
أثر عثمان رضي الله عنه: أخرج الطبراني في الكبير (109)، ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (265)، عن الإمام مالك أنه قال في قصة دفن عثمان رضي الله عنه:«فحملوه حتى أتوا به إلى حُشِّ كوكب، فلما دلوه في قبره؛ صاحت عائشة بنت عثمان» ، وذكر القصة. قال مالك: وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه قبل ذلك يَمرُّ بحش كوكب فيقول: «ليدفنن ههنا رجل صالح» .
وأخرج ابن سعد في الطبقات (3/ 77)، عن مالك بن أبي عامر، جد الإمام مالك أنه قال: كان الناس يتوقَّون أن يَدفنوا موتاهم في حُشِّ كوكب، فكان عثمان بن عفان يقول:«يوشك أن يهلك رجل صالح فيُدفن هناك، فيأتسي الناس به» ، قال مالك بن أبي عامر: فكان عثمان بن عفان أول من دفن هناك.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه (39/ 520)، عن الزبير بن بكار قال عن عثمان: دفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء الآخرة في حُشِّ كوكب بالبقيع، كان عثمان اشتراه فوسع به البقيع.
وكذا ذكر ابن أبي خيثمة وابن دحية: أن عثمان رضي الله عنه كان قد اشترى حُشَّ كوكب، ذكره ابن الملقن في البدر المنير 5/ 383، وذكر ذلك غيره كما في كتب التواريخ ومعاجم البلدان.
وأثر عائشة رضي الله عنها: لم نقف عليه، وذكره في المغني والشرح، والثابت أنها دُفنت بالبقيع: أخرجه عبد الرزاق (1593، 6570)، وابن المنذر في الأوسط (763)، والبيهقي في الكبرى (4278)، عن ابن جريج قال: قلت لنافع: أكان ابن عمر يكره أن يُصلى وسط القبور؟ قال: «لقد صلينا على عائشة وأم سلمة وسط البقيع» ، قال:«والإمام يوم صلينا على عائشة رضي الله عنها أبو هريرة، وحضر ذلك عبد الله بن عمر» ، وإسناده صحيح.
(4)
في (أ) و (ب): يشترط.
ويَصِحُّ بَيْعُ ما دُفِنَ فيه من ملْكه، ما لم يُجعل أو يصيَّر مقبَرةً، نَصَّ عليه
(1)
.
وقال ابنُ عقيلٍ: لا يَجوز بَيعُ مَوضِع القبر مع بقاء رِمَّتِه، وإن نُقِلَت وجب ردُّها؛ لتعيينه
(2)
لها. قال جماعةٌ: وله
(3)
حَرْثُها إذا بَلِيَ العظم.
ومن سبق إلى مُسبَّلةٍ؛ قُدِّم، ثُمَّ يُقرَع. وقيل: يُقدَّم من له مزيَّةٌ، نحو كونه عند أهله.
(وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قيمة) عادةً وعُرْفًا، وإن قلَّ خطره، قاله أصحابُنا، أوْ رماه ربُّه فيه؛ (نُبِشَ وَأُخِذَ)، نَصَّ عليه في مِسْحاةِ الحَفَّار
(4)
، دليلُه ما رُوِي عن المغيرة بنِ شُعبةَ:«أنَّه وَضَعَ خاتمه في قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: خاتَمِي، فدخَل وأخَذَه»
(5)
، ولتعلُّق حقِّه بعينه، ولا ضَرَر في أخذه.
وعنه: المنعُ إنْ بُذِل له عِوَضُه، فدلَّ على روايةٍ تَمْنَعُ نَبْشَه بلا ضرورةٍ.
وفي النَّبْش صُوَرٌ:
منها: مَنْ أمكن غسلُه، ودُفِن قبلَه، فإنَّه يُنبَشُ، نَصَّ عليه
(6)
، وجزم جماعةٌ: بأنَّه يُترَك إنْ خُشِيَ تَفسُّخه. وقيل: يَحرُم نَبشُه مطلقًا، فيُصَلَّى عليه كعدم ماءٍ وتُرابٍ.
ومنها: إذا دُفِن قبل الصَّلاة فإنَّه يُنبَشُ ويُصلَّى عليه، نَصَّ عليه
(7)
؛
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 132.
(2)
في (د): للتعيينه.
(3)
في (د): ولها.
(4)
ينظر: زاد المسافر 2/ 310، الفروع 3/ 392.
(5)
أخرجه ابن سعد في الطبقات 2/ 231، وأبو يعلى في مسنده كما في المطالب العالية 17/ 550، والطبراني في الكبير (993)، وفيه مجالد بن سعيد، قال البوصيري:(ومدار الإسناد على مجالد، وهو ضعيف). ينظر: إتحاف الخيرة 2/ 528.
(6)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 132.
(7)
ينظر: مسائل أبي داود ص 221، زاد المسافر 2/ 309.
ليوجد شرط الصَّلاة، وهو عدم الحائل. وقيل: يُصلَّى على القبرِ، وهو ظاهِرٌ. وعنه: يُخيَّرُ.
ومنها: إذا دُفِنَ قبل تكفينه فإنَّه يُنبَشُ، نَصَّ عليه
(1)
، وصحَّحه في «الرِّعاية» كالغسل. وقيل: لا؛ لستره
(2)
بالتُّراب.
ومنها: إبدالُ كفَنِه بأحسنَ منه، وخَيرٍ من بقعته، ودفنه لعذر بلا غسلٍ ولا حنوط، وكإفراده، نصَّ علَى الكل
(3)
.
ومنها: إذا دُفِن غيرَ موجَّهٍ للقبلة. وقيل: يَحرُم نَبْشُهُ، وقدَّم ابن تميمٍ: يُستحَبُّ.
ومنها: إذا دُفِن في مسجدٍ، فنَصَّ أحمدُ علَى نَبْشِه
(4)
.
ومنها: إذا دُفِن في ملك غيرِه؛ فللمالك نَقْلُه، والأَولَى تَرْكُه، وكَرِهَه أبو المَعالِي؛ لِهَتْك حُرْمَتِه.
ومنها: إذا كُفِّن الرَّجل في حريرٍ لغير حاجةٍ؛ نُبِش وأُخِذ في وجْهٍ.
قال في «الشَّرح» : (فإنْ تغيَّر الميت؛ لم يُنبَشْ بحالٍ).
وكلُّ موضع أجزْنا نبشه فالأفضلُ تَركُه.
(وَإِنْ كُفِّنَ بِثَوْبِ غَصْبٍ)؛ لم يُنْبَشْ؛ لِهَتْك حُرمتِه مع إمْكان دَفْع الضَّرَر بدونها.
فعلى هذا: تَجِب قيمتُه في تَرِكته.
وقال المجْدُ: يَضمَنُه من كفَّنه به؛ لمباشَرته الإتْلافَ عالِمًا، وإنْ جَهِل؛ فالقَرارُ على الغاصب، ولو أنه الميت.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 389.
(2)
في (أ): لا يستره.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 390.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 389.
فإنْ تعذَّر؛ نُبِش.
وإن كان قبل الدَّفْن؛ أُخِذَ؛ لتعلُّق حقِّه بعينه.
(أَوْ بَلِعَ مَالَ غَيْرِهِ) بغَيْرِ إِذْنه؛ (غَرِمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ) بطلب ربه؛ لأنَّ استحقاق العَين يَسقُط عند تعذُّر الرُّجوع ويَنتقِل إلى القيمة، كما لو أتلَف شيئًا في حياته.
وظاهِرُه: لا فرْق بين أن تبقى ماليَّته
(1)
كخاتم أو غيره، يسيرًا
(2)
كان أو كثيرًا، وذَكَر جماعةٌ: أنَّه يَغرَم اليسيرَ من تَرِكته وجهًا واحدًا، وإطلاق غيرهم بخلافه.
فإن تعذَّرت القيمة ولم يبذلها
(3)
وارثٌ؛ شُقَّ جوفُه في الأصحِّ.
فلو بلِعَه بإذن مالكه؛ لم يَجِبْ شَيءٌ، ويؤخذ
(4)
إذا بَلِيَ، ولا يُعرَض له قبلَه بحالٍ، ولا يَضمَنُه.
وكذا إذا بلِع مالَ نفسِه؛ لأنَّه أتْلَف ملكَه حيًّا، فإن كان عليه دَينٌ؛ فوجهان، وقيل: بل يُشَقُّ ويُؤخَذُ، وفي «المبهج»: يُحتَسَب من ثُلثِه
(5)
.
(وَقِيلَ: يُنْبَشُ وَيُؤْخَذُ الْكَفَنُ، وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيُخْرِجُهُ
(6)
، قدَّمه في «الكافي» و «الرعاية» ؛ لِمَا فيه من تخليص الميت من الإثم، وردِّ المال إلى مالكه، ودفع الضَّرر عن الورثة
(7)
بحفظ التَّرِكة لهم، فعلى هذا: إن كان ظنه
(1)
في (أ): مالية.
(2)
في (د): تسييرًا.
(3)
في (د) و (و): ولم يبذل لها.
(4)
في (أ): ويأخذه.
(5)
قوله: (من ثلثه) سقط من (أ).
(6)
في (ب) و (ز): فَيُخْرَجُ.
(7)
في (و): الوارث.
أنَّه ملكه؛ ففيه
(1)
وجهان.
تنبيهٌ: إذا اتَّخذ أنْفًا مِنْ ذَهَبٍ ومات؛ لم يُقلَع عنه، ويأخذُ البائع
(2)
ثَمنَه من تركته، فإن لم يكن؛ أَخذه إذا بَلِيَ. وقيل: يُؤخَذُ في الحال، فدلَّ أنَّه لا يُعتَبَرُ للرجوع حياة المفلِس في قول، مع أن
(3)
فيه هنا مُثْلةً.
(وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ؛ لَمْ يُشَقَّ بَطْنُهَا)، نَصَّ عليه
(4)
، وقدَّمه ونصره الأكثرُ؛ لما فيه مِنْ هَتْك حرمة متيقَّنةٍ لإبقاء حياةٍ مَوهُومَةٍ، ثُمَّ إنَّه لو
(5)
خرج حيًّا فالغالب المعتاد أنَّه لا يعيش، وقد احتجَّ أحمدُ بقوله عليه السلام:«كَسْر عَظْم الميت؛ كَكَسْر عَظْم الحيِّ» رواه أبو داودَ
(6)
.
(وَتَسْطُو عَلَيْهِ) النِّساء (الْقَوَابِلُ) فيُدخِلْن
(7)
أيديَهن في رحم الميتة (فَيُخْرِجْنَهُ) إذا طَمِعْنَ في حياته؛ بأن قويت
(8)
الحركة وانفتحت
(9)
المخارِج، قاله في «الخلاف» وابن المنجى
(10)
في «شرحه» .
والمذهبُ: أنَّهنَّ يَفعَلْن ذلك إذا احتَملت حياتُه؛ لأنَّ فيه إبقاءً للولد من
(1)
في (أ): فيه.
(2)
قوله: (البائع) سقط من (أ) و (ب) و (د).
(3)
قوله: (أن) سقط من (أ)، وفي (د) و (و): أنه.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1418، مسائل صالح 2/ 102، مسائل أبي داود ص 214، زاد المسافر 2/ 290.
(5)
في (أ): إن.
(6)
أخرجه أحمد (24686)، وأبو داود (3207)، وابن ماجه (1616)، وابن حبان (3167)، وحسنه ابن القطان، وصححه ابن حبان والنووي وابن دقيق العيد وابن الملقن وغيرهم. ينظر: بيان الوهم والإيهام 4/ 212، الخلاصة 2/ 1035، البدر المنير 6/ 769، الإرواء 3/ 213.
(7)
في (أ) و (ب): فيدخل.
(8)
في (أ): قوت.
(9)
في (أ): وانتفحت.
(10)
في (أ): منجى.
غير مُثْلَةٍ بأمِّه.
فإنْ عَجَزْن أو عُدِمْن؛ فاختار ابنُ هُبَيرةَ: أنَّه يُشَقُّ بطنُها. والمذهبُ: لا. فعنه: يفعل ذلك الرِّجال، والمحارم أولى
(1)
، اختاره أبو بكرٍ والمجْدُ؛ كمداواة الحيِّ. والأشهرُ: لا.
فإنْ لم يَخرُج؛ لم تدفن
(2)
ما دام حيًّا.
ولا يُوضَع عليه ما يُموِّته، فلو خرَج بعضُه حيًّا؛ شُقَّ حتَّى يَخرُج، فإن مات قبل خروجه؛ أخرج إن أمكن، وغُسِّل
(3)
، وإن تعذَّر؛ غُسِّل ما خرج، ولا
(4)
يحتاج إلى تيمُّمٍ؛ لأنَّه في حكم الباطن في الأشهر
(5)
، وصُلِّيَ عليه معها بشرطه، وإلاَّ عليها دونَه.
(وَيَحْتَمِلُ أَنْ
(6)
يُشَقَّ بَطْنُهَا إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَحْيَا
(7)
؛ لأنَّه تعارض
(8)
حقَّاهما، فقدِّم حقُّ الحيِّ؛ لكَوْنِ حُرْمتِه أَوْلَى
(9)
.
(وَإِنْ
(10)
مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ؛ دُفِنَتْ وَحْدَهَا)؛ نَصَّ عليه
(11)
؛
(1)
في (د) و (و): إذن.
(2)
في (و): لم يدفن.
(3)
قوله: (أخرج إن أمكن، وغسل) سقط من (أ) و (ب) و (و).
(4)
في (أ): لا.
(5)
قوله: (في الأشهر) سقط من (أ) و (ب) و (و).
(6)
في (أ) و (ب): أنه.
(7)
في (و): حي.
(8)
في (د): تعاوض.
(9)
زاد في (أ) و (ب): (فَرعٌ: إذا خرج بعضُ الولد ومات؛ أخرج إن أمكن، وغسِّل، فإن تعذَّر غسله؛ فلا يحتاج إلى تيمُّمٍ لما بَقِيَ؛ لأنَّه في حكم الباطن في الأشهر)، وقد ضُرب عليه في الأصل، وكتب فوقه: (ساقط من
…
إلى)، وضُرب عليه في (ز).
(10)
في (د): فإن.
(11)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 186.
لأنَّه جائِزٌ، ودَفْن الميت عند من يُبايِنُه في دينه مَنهِيٌّ عنه.
واختار الآجُرِّيُّ: يُدْفَنُ بِجَنْب قبورِ المسلمين، وقال أحمدُ: لا بأْسَ أن تُدفَن معَنا
(1)
، رُوِي عن عمرَ
(2)
؛ لما في بطنها.
وعبارة «المحرَّر» : (حامِلٌ بمسلِمٍ)، وهي أَوْلَى؛ لشُمولِها صورًا
(3)
.
(وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ) على جَنْبِها الأيسرِ؛ ليكون وجْهُ الجَنين إلَى القِبْلة على جنبه الأيمن؛ لأنَّ وجْه الجنين إلى ظهرها، ويتولَّى المسلمون دَفْنَها.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُصلَّى عليه؛ لأنَّه ليس بمَولودٍ ولا سِقْطٍ.
وقيل: يُصلَّى عليه إنْ مضَى زَمَنُ تصويره، قال في «الفروع»:(ولعلَّ مرادَه: إذا انفَصَل)، وهو الظَّاهر.
(وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ) وفي المقبَرة (فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا المذهبُ؛ لمَا رَوَى أنَسٌ مرفوعًا قال:«مَنْ دَخَل المقابِرَ فقرأ فيها (يس)؛ خُفِّف عنهم يومئذٍ، وكان له بعَدَدِهم حسناتٌ»
(4)
، وصحَّ عن ابن عمرَ: «أنَّه
(1)
ينظر: الفروع 3/ 395، وعبارته:(أن المروذي قال: كلام أحمد يدل: لا بأس به معنا؛ لما في بطنها).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (6585)، وابن المنذر في الأوسط (3225)، والبيهقي في الكبرى (7083)، عن عمرو بن دينار، أن شيخًا من أهل الشام أخبره:«عن عمر بن الخطاب أنه دفن امرأة من أهل الكتاب حبلى من مسلم في مقبرة المسلمين» ، وإسناده ضعيف، من أجل المجهول.
وأخرجه ابن أبي شيبة (11896)، والدارقطني (1833)، عن عمرو بن دينار مرسلاً.
(3)
قوله: (وعبارة «المحرر»: حامل بمسلم وهي أولى لشمولها صورًا) سقط من (ب) و (ز).
(4)
أخرجه الثعلبي في تفسيره 8/ 119، وهو حديث موضوع، فيه أيوب بن مدرك، قال الألباني:(متفق على ضعفه وتركه، بل قال ابن معين: كذاب، وفي رواية: كان يكذب). ينظر: السلسلة الضعيفة (1246).
أوْصَى إذا دُفِن أن يُقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها»
(1)
، ولهذا رَجَع أحمدُ عن الكراهة
(2)
، قاله أبو بكْرٍ، وأصلها: أنَّه مرَّ علَى ضَريرٍ يقرأ عند قَبْرٍ فنهاه عنها، فقال له محمَّدُ بنُ قُدامَةَ الجَوْهَرِيُّ
(3)
: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحَلَبِيِّ، قال
(4)
: ثقةٌ، فقال: أخبرني مبشر عن أبيه: «أنَّه أوصى إذا دُفِن أن يُقرأَ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعتُ ابنَ عمرَ أوصى بذلك» ، فقال أحمدُ عند ذلك: (ارْجِعْ فَقُلْ للرجل
(5)
يَقرأ)
(6)
، فلهذا قال الخلاَّل وصاحبُه: المذهبُ روايةً واحدةً أنَّه لا يُكْرَه، لكن قال السَّامَرِّيُّ: يُستحَبُّ أن يقرأ عند رأس القبر بفاتحة البقرة، وعند رِجْلَيْه بخاتمتها.
والثَّانية: يُكرَه، اختارها عبد الوهاب الورَّاق وأبو حفْصٍ، وهي قول جمهور السَّلف؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَجْعَلوا بُيوتَكم مقابِرَ لا يُقْرَأُ فيها شَيء من القرآن، فإنَّ الشَّيْطانَ ينفر مِنْ بَيتٍ يُقرَأُ فيه سورة البقرة»
(7)
، وعلَّله أبو الوفاء وغيرُه: بأنَّها مَدفِنُ النَّجاسة كالحُشِّ، قال بعضُهم: شدَّد أحمدُ حتَّى قال: لا يُقرَأ فيها في صلاة الجنازة، ونقل المَرُّوذِيُّ فيمَنْ نَذَر أن يقرأ عند قَبْر أبيه:
(1)
أخرجه يحيى بن معين في تاريخه (5238، 5413)، والخلال في الأمر بالمعروف (ص 87)، والطبراني في الكبير (491)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة (757)، والبيهقي في الكبرى (7068)، وفي الدعوات الكبير (638)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2174)، وابن عساكر في تاريخه (47/ 230)، قال البيهقي في الدعوات:(هذا موقوف حسن)، وقال الهيثمي:(رجاله موثقون)، واحتج به أحمد وابن معين، وحسَّن إسناده النووي، وأورده ابن تيمية وابن القيم في معرض الاستدلال. ينظر: مجمع الزوائد 3/ 44، اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 264، الروح ص 10.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 145.
(3)
نقل عن الإمام أحمد أشياء. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 315، المقصد الأرشد 3/ 487.
(4)
في (ب) و (ز): فقال.
(5)
زاد في (أ): (أن).
(6)
ينظر: القراءة عند القبور للخلال ص 88، زاد المسافر 2/ 311.
(7)
قوله: (البقرة) سقط من (و). والحديث أخرجه مسلم (780).
يُكفِّرُ عن يمينه ولا يَقْرَأ
(1)
.
واختار في «الفروع» : أنَّه يَقرَأ إلاَّ عند القبْرِ.
وعنه: أنَّها بِدْعةٌ؛ لأنَّه ليس من فعله عليه السلام، ولا فِعْل أصحابه.
(وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا) من دعاءٍ، واستغفارٍ، وصلاة
(2)
، وصَومٍ، وحجٍّ، وقراءةٍ، وغيرِ ذلك، (وَجَعَلَ ثَوَابَهَا
(3)
لِلْمَيِّتِ المُسْلِمِ؛ نَفَعَهُ ذَلِكَ)، قال أحمدُ:(الميت يَصِلُ إليه كلُّ شَيءٍ من الخير)
(4)
؛ للنُّصوص الواردة فيه
(5)
، ولأنَّ المسلمين يَجتَمِعون في كلِّ مِصْرٍ، ويقرؤون
(6)
ويُهدون لموتاهم من غير نكيرٍ، فكان إجماعًا؛ وكالدُّعاء والاستغفار، حتَّى لو أهداها للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم جَازَ، ووصل إليه
(7)
الثَّوابُ، ذكره المجْدُ
(8)
.
وقال الأكثرُ: لا يَصِلُ إلَى الميت ثواب القراءة، وإنَّ ذلك لفاعله، واستدَلُّوا بقوله تعالَى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39)} [النّجْم: 39]، و {لَهَا
(1)
ينظر: الفروع 3/ 420.
(2)
قوله: (وصلاة) سقط من (د) و (و).
(3)
في (د) و (و): ثوابه.
(4)
ينظر: الوقوف والترجل ص 85.
(5)
ومنها حديث عائشة عند البخاري (1388)، ومسلم (1004)، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال:«نعم» .
ومنها حديث الخثعمية التي قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: «نعم» ، أخرجه البخاري (1513)، ومسلم (1334).
(6)
قوله: (ويقرؤون) سقطت من (أ).
(7)
قوله: (إليه) سقط من (أ).
(8)
قال شيخ الإسلام في الاختيارات ص 138: (لا يستحب القرب للنبي صلى الله عليه وسلم، بل هو بدعة، هذا الصواب المقطوع به)، وقال:(وأقدم من بلغنا أنه فعل ذلك: علي ابن الموفق، أحد الشيوخ المشهورين، كان أقدم من الجنيد وأدرك أحمد طبقته وعاصره وعاش بعده).
مَا كَسَبَتْ} [البَقَرَة: 286]، وبقوله عليه السلام: «إذا مات الإنسانُ انقطَع عملُه
…
» الخبر
(1)
.
وجوابُه: بأنَّ ذلك في صُحُف إبْراهيم وموسى، قال عِكْرِمةُ: هذا في حقِّهم خاصَّةً، بخِلافِ شَرْعِنا، بِدليلِ حديثِ الخَثْعميَّةِ
(2)
، أوْ بأنَّها منسوخةٌ بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطُّور: 21]، أوْ أنَّها مُختصَّةٌ بالكافر؛ أي: ليس له من الجزاء إلا
(3)
جزاءُ سَعْيِه، يُوَفَّاه في الدُّنيا، وما له في الآخرة من نَصيبٍ، أوْ أنَّ معناها: ليس للإنسان إلاَّ ما سَعَى عَدْلاً، وله ما سَعَى غيرُه فضلاً، أوْ أنَّ
(4)
اللاَّم بمَعْنَى علَى؛ لقوله: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرّعد: 25].
وعن الثَّانية: بأنَّها تدل بالمفهوم
(5)
، ومنطوق السُّنَّة بخلافه.
وعن الحديث: بأنَّ الكلام في عمل غيره لا عملِه.
فعلَى هذا: لا يَفْتَقِر أن ينويه حال القراءة، نَصَّ عليه.
وذكر القاضِي أنَّه يقول: اللَّهم إن كنتَ أثَبْتَنِي على هذا؛ فاجْعَلْه -أوْ ما شاء منه- لفلان.
وقيل: يَسأَلُ الثَّوابَ، ثُمَّ يَجعلُه له، ولا يَضُرُّ جَهلُه به؛ لأنَّ الله يَعْلَمُه.
وبالَغَ القاضِي فقال: إذا صلَّى فَرْضًا، وأهْدَى ثوابَه؛ صحَّت الهديَّة، وأجزأ فاعلَه، وفيه بُعْدٌ.
فلو أهْدَى بعضَ القُرْبة؛ فنَقَل الكَحَّالُ فِي الرجل
(6)
يَعمَلُ شَيئًا من الخير
(1)
أخرجه مسلم (1631)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
ينظر: زاد المسير 4/ 192، والحديث أخرجه البخاري (1513)، ومسلم (1334).
(3)
قوله: (إلا) ضرب عليه في (و).
(4)
في (ب) و (و): وأن.
(5)
في (أ): بدل المفهوم.
(6)
في (أ): رجل.
من صلاة ونحوها، ويَجعَل نِصْفَه لأبيه أو أمه
(1)
قال: أرجو
(2)
.
وظاهِرُ كلامِه وكلامِ صاحب «التَّلخيص» و «المحرَّر» : أنَّه إذا جعل ثوابَ قُرْبَةٍ لحي؛ لا يَنفَعُه ذلك، والمذهبُ: أنَّ الحيَّ كالميت في ذلك.
قال القاضِي: لا تعرف رواية
(3)
بالفَرْق، بل ظاهِرُ الرِّواية تَعُمُّ؛ لأنَّ المعنى فيهما واحِدٌ.
قال ابنُ المنَجَّى: ولعلَّ المصنِّف إنَّما ذكر الميت؛ لأنَّ أكثر الأدلَّة فيه، وحاجتَه إلَى الثَّواب أكثرُ.
وأنَّه إذا جعلها لغَيرِ مُسلِمٍ؛ لا يَنفَعه، وهو صحيحٌ؛ لِنَصٍّ ورد فيه
(4)
.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلِحَ لِأَهْلِ المَيِّتِ طَعَامًا يُبْعَثُ
(5)
إِلَيْهِمْ)؛ لقوله عليه السلام: «اصْنَعُوا لآل جَعفَرٍ طَعامًا، فقد جاءهم ما شَغَلهم» رواه الشَّافعيُّ وأحمد والتِّرمذِيُّ وحسَّنه
(6)
، ولأنَّ فيه جبرًا، والمذهبُ ثلاثةُ أيَّامٍ.
(1)
في (أ) و (ز): وأمه.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 423.
(3)
في (د): ذواته.
(4)
وهو ما أخرجه أبو داود (2883)، والبيهقي في الكبرى (12637)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فقال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة، وإن هشامًا أعتق عنه خمسين وبقيت عليه خمسون رقبة، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه؛ بلغه ذلك» ، وحسن إسناده الألباني في أحكام الجنائز ص 172.
(5)
زيد في (ب) و (ز): به.
(6)
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 317)، وأحمد (1751)، وأبو داود (3132)، والترمذي (998)، وابن ماجه (1610)، والحاكم (1377)، قال الترمذي:(هذا حديث حسن)، وصححه الحاكم وابن السكن والضياء المقدسي وابن الملقن، وحسنه الألباني. ينظر: البدر المنير 5/ 355، أحكام الجنائز (ص 168).
(وَلَا يُصْلِحُونَ هُمْ طَعَامًا لِلنَّاسِ) فإنَّه مكروهٌ؛ لما رَوَى أحمدُ عن جَرِيرٍ قال: «كُنَّا نَعُدُّ الاِجتِماعَ إلَى أهل الميت، وصَنْعةَ الطَّعام بعد دَفْنه من النِّياحة» ، وإسنادُه ثِقاتٌ
(1)
، زاد في «المغني» و «الشَّرح»:(إلاَّ لحاجةٍ).
وقيل: يَحرُم، قال أحمدُ: ما يُعجِبُنِي، ونقل المَرُّوذِيُّ: هو من أفعال الجاهليَّة، وأنكره شديدًا
(2)
.
فَرعٌ: يُكرَه الذَّبح عند القبر، والأكل منه
(3)
؛ لخبر أنَسٍ: «لَا عَقْرَ في الإسلام» رواه أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ
(4)
.
وفي معناه
(5)
: الصَّدقةُ عند القبر، فإنَّه مُحدَثٌ، وفيه رِياءٌ.
(1)
أخرجه أحمد (6905)، وابن ماجه (1612)، والطبراني في الكبير (2279)، وصححه النووي والبوصيري، وقال الألباني:(وإسناده صحيح على شرط الشيخين). ينظر: المجموع للنووي 5/ 320، أحكام الجنائز (ص 167).
(2)
ينظر: الفروع 3/ 408.
(3)
قوله: (منه) سقط من (و).
(4)
أخرجه أحمد (13032)، وأبو داود (3222)، والنسائي (1852)، وابن حبان (3146)، والبيهقي (7069)، من رواية معمر، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، ورواية معمر عن ثابت ضعيفة، قال علي بن المديني:(في أحاديث معمر عن ثابت غرائب ومنكرة)، وقال ابن معين:(حديث معمر عن ثابت ضعيف)، وصححه النووي والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 1031، شرح علل الترمذي لابن رجب 2/ 691، السلسلة الصحيحة (2436).
(5)
في (د) و (و): معناها.
(فَصْلٌ)
(يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ)، نَصَّ عليه
(1)
، وحكاهُ النَّوَوِيُّ إجماعًا
(2)
؛ لقوله عليه السلام: «كُنْتُ نَهيتُكم عن زِيارة القُبورِ فزُوروها» رواه مسلم، والترمذي وزاد: «فإنها تذكر
(3)
الآخرة»
(4)
، وقال أبو هُرَيرةَ: زار
(5)
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قبرَ أُمِّه فبكى، وأبْكَى مَنْ حوله، وقال: «اسْتأْذنْتُ ربِّي أنْ أسْتَغْفِرَ لها؛ فلم يأذن لِي، واستأذنته أن أزور قبرَها فأذن لي، فزُورُوا القُبورَ، فإنَّها تُذكِّركم الموت
(6)
» متَّفقٌ عليه
(7)
.
وعنه: لا بأْسَ به، وقاله الخِرَقِيُّ وغيرُه، وأخذ منه جماعةٌ الإباحةَ؛ لأنَّه الغالِبُ في الأمر بعد الحظْرِ، لا سيَّما وقد قَرَنَه بما هو مُباحٌ.
وفي «الرِّعاية» : يُكرَه الإكثار منه. وفيه نَظَرٌ.
فَوائِدُ:
يُستحَبُّ للزَّائر أن يَقِف أمام القبْرِ. وعنه: حَيثُ شاء. وعنه: قعوده كقيامه، ذكره أبو المعالي.
وينبغي قُرْبه؛ كزيارته في حياته.
(1)
ينظر: الفروع 3/ 408.
(2)
ينظر: شرح مسلم 7/ 47.
(3)
في (ب) و (ز): تذكركم.
(4)
قوله: (لقوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم» إلى هنا سقط من (أ). والحديث أخرجه مسلم (977)، والترمذي (1054).
(5)
في (ب) و (و): زاد.
(6)
في (ب) و (ز): بالموت.
(7)
أخرجه مسلم (976)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من أفراد مسلم، قاله ابن عبد الهادي في التنقيح 2/ 678، وابن الملقن في البدر المنير 5/ 342.
ويجوز لَمْسُ القبر باليد. وعنه: يكره؛ لأنَّ القُرَبَ تُتَلَقَّى
(1)
من التوقيف، ولم يَرِدْ به سُنَّةٌ. وعنه: يُستحَبُّ، صحَّحها أبو الحسَين؛ لأنَّه يشبه
(2)
مصافحة الحيِّ، لا سيَّما ممن ترجى
(3)
بركته.
واجتماع النَّاس للزِّيارة كما هو المعتادُ؛ بِدعةٌ، قال ابنُ عَقِيلٍ: أَبْرَأُ إلَى الله تعالى منه.
ويَجُوز زيارةُ قبرِ المشرِكِ والوقوف لزيارته؛ لما سبق، ذكره المجْدُ، وجوَّزه حفيدُه للاِعتبار، قال: ولا يُمنَع الكافِرُ زِيارةَ قريبه المسلمِ
(4)
.
(وَهَلْ تُكْرَهُ لِلنِّساءِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما، وهي المذهبُ: يكره؛ لأنَّ المرأةَ قليلةُ الصَّبْرِ، فلا يُؤمَنُ تهييج
(5)
حُزْنها برؤية الأحبة
(6)
، فيَحمِلُها على فِعْلٍ محرم
(7)
.
والثَّانية: يُباحُ؛ «لأنَّ عائشةَ زارتْ قبر أخيها عبدِ الرَّحمن» ، وقال لها ابن
(8)
أبِي مُلَيكةَ: ألَيْس كان نُهِيَ عن زيارة القبور؟ قالت: «نَعَمْ، ثم أُمِر بزيارتها» رواه الأَثْرَمُ، واحتجَّ به أحمد
(9)
.
وعنه: يَحرُم؛ لما رَوَى أبو هريرةَ: «أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَوَّاراتِ
(1)
في (ز) و (و): يتلقى.
(2)
في (د): يشبهه.
(3)
في (و): يرجى.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 135.
(5)
في (و): تهبيج.
(6)
في (أ): الأجنبية.
(7)
في (أ): يحرم.
(8)
في (و): إن.
(9)
أخرجه أبو يعلى الموصلي (4871)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 125)، والحاكم (1392)، والبيهقي في الكبرى (7207)، وإسناده صحيح.
القُبُور» رواه أحمدُ والتِّرْمذيُّ وصححه
(1)
، وكما لَوْ عَلِمتْ أنَّها تَقَعُ في مُحرَّمٍ، ذَكَرَه المجْدُ مع تأثيمه بِظَنِّ وقوع النَّوحِ، ولا فرق، ولم يحرم هو وغيره دخول الحمَّام إلاَّ مع العلم بالمحرَّم.
ويُستثْنَى منه: زيارة قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وقبر صاحِبَيْه رضي الله عنهما.
(وَ) يُستحَبُّ أن (يَقُولَ إِذَا زَارَهَا أَوْ مَرَّ بِهَا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ)، كذا رواه مسلمٌ من حديث أبي هُرَيرةَ مرفوعًا، والسلام
(2)
فيه
(3)
معرَّف، وقاله جماعةٌ، والتَّنكير من طريقٍ لأحمدَ عن أبي هريرةَ وعائشةَ
(4)
.
وظاهره: أن تنكيره أفضلُ، نَصَّ عليه
(5)
.
وخيَّره المجْدُ، وبعضُهم حكاه نَصًّا، وكذا السلام على الأحياء.
وعنه: تعريفه أفضلُ كالرَّدِّ.
وقال ابن البنَّاء: سلامُ التحية مُنَكَّرٌ، وسلامُ الوَداع مُعَرَّفٌ.
والاِسْتِثْناء للتَّبرُّك، قاله العلماءُ. وفي «البغوي»: أنَّه يَرجِع إلَى اللُّحوق لا
(1)
أخرجه أحمد (8449)، والترمذي (1056)، وابن ماجه (1576)، وقال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وفي سنده عمر بن أبي سلمة وفيه كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق يخطئ)، وضعف الحديث عبد الحق الإشبيلي، وحسنه ابن القطان، وصححه الألباني بشواهده، فإن له شاهدًا من حديث ابن عباس ومن حديث حسان بن ثابت رضي الله عنهم. ينظر: المحرر لابن عبد الهادي (556)، البدر المنير 5/ 345، أحكام الجنائز (185).
(2)
في (أ): السلام.
(3)
في (ز): فمنه.
(4)
أخرجه مسلم (249) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو عند مسلم (974) من حديث عائشة رضي الله عنها بتعريف السلام، وأخرجه أحمد (7993، 8878) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بتعريف السلام وتنكيره، ومن حديث عائشة رضي الله عنها (24425)، بتنكير السلام، وتعريفه في (24801).
(5)
ينظر: الفروع 3/ 413.
إلَى الموت
(1)
. وفي «الشافي» : أنَّه يَرْجِعُ إلَى البِقاعِ.
(يَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالمُسْتَأْخِرِينَ)، رُوِيَ من حديث عائشةَ
(2)
، ذكره في «الشَّرح» .
(نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العافية
(3)
رواه مسلمٌ من حديث بُرَيدَةَ قال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمهم
(4)
إذا خَرَجوا إلى المقابر أن يقولَ قائلُهم: «السَّلامُ عليكم أهلَ الدِّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إنْ شاء الله بكم لَلَاحِقون، نسأل الله لنا ولكم العافيةَ»
(5)
، فدَلَّ علَى أنَّ اسمَ الدَّار يَقَعُ على المقابر، وإطلاق الأهل على ساكن المكان من حيٍّ وميتٍ.
(اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، ولَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ
(6)
رواه أحمدُ من حديث عائشةَ
(7)
.
(وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ)؛ لأنَّه رُوِيَ: «يَغفِر الله لنا ولكم»
(8)
، وقد ورد أنَّ النَّبيَّ
(1)
شرح السنة 5/ 471.
(2)
أخرجه مسلم (974).
(3)
قوله: (نسأل الله لنا ولكم العافية) في (و): اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم.
(4)
قوله: (يعلمهم) من (د) و (و).
(5)
أخرجه مسلم (975).
(6)
قوله: (اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم) في (و): نسأل الله لنا ولكم العافية.
(7)
أخرجه أحمد (24425)، والنسائي في الكبرى (8863) وابن ماجه (1546)، من طريق شريك، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن عائشة رضي الله عنها، وعاصم هو ابن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ضعفه ابن معين وغيره، وقال البخاري:(منكر الحديث)، والحديث في مسلم من غير هذه الزيادة، ولها شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أخرجه أبو داود (3201)، وصححه ابن حبان والحاكم، وأعلَّه البخاري وقال:(غير محفوظ). ينظر: المحرر لابن عبد الهادي (532)، البدر المنير 5/ 271.
(8)
أخرجه الترمذي (1053)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال الترمذي:(حديث غريب)، وفي سنده قابوس بن أبي ظبيان وفيه لين.
صلى الله عليه وسلم دعا لأهل الغرقد
(1)
فقال: «اللَّهم اغفر لأهل بقيع الغَرْقَدِ»
(2)
، سُمِّيَ به لغَرقدٍ كان به، وهو ما عَظُم من العَوْسَج، وقيل: كلُّ شَجَرٍ له شَوْكٌ.
فائدةٌ: يَسمَع الميت الكلامَ، ويَعرِف زائِرَه، قاله أحمدُ
(3)
، يومَ الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشَّمس. وفي «الغنية»: يعرفه
(4)
كلَّ وقْتٍ، وهذا الوقت آكَدُ.
وَيُكْرَه مَشيُه بين القبور بنَعلَينِ إلا خَوفَ نجاسةٍ أو شوك، نصَّ عليه، واحتجَّ بخبر بشير
(5)
بن الخَصَاصِيَّةِ
(6)
.
وعنه: لا يُكرَه كالخُفِّ؛ للمشقَّة.
وفي التُّمُشْكِ
(7)
ونحوِه وجهان.
(وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ المَيِّتِ)؛ نَصَّ عليه
(8)
؛ لِمَا رَوَى ابنُ ماجَهْ، وإسنادُه ثِقاتٌ، عن عَمْرِو بن حزم مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ مُؤمِنٍ يُعزِّي أخاه بمصيبةٍ
(1)
في (و): الغرقة.
(2)
أخرجه مسلم (974)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 415.
(4)
في (و): بعرفه.
(5)
في (ب) و (د) و (و): بشر.
(6)
ينظر: مسائل عبد الله ص 143، مسائل ابن هانئ 1/ 191.
والحديث: أخرجه أحمد (20784)، وأبو داود (3230)، والنسائي (2048)، وابن ماجه (1568)، وابن حبان (3170)، عن بشير بن الخصاصية رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يمشي في نعلين بين القبور، فقال:«يا صاحب السبتيتين، ألقهما» ، قال أحمد:(إسناده جيد)، وصححه ابن حبان والألباني، وحسن إسناده النووي. ينظر: الخلاصة 2/ 1069، تنقيح التحقيق 2/ 673، الإرواء 3/ 211.
(7)
جاء في تصحيح الفروع 3/ 417: (التمشك: بضم التاء المثناة من فوق، وضم الميم أيضًا وسكون الكاف؛ نوع من النعال مشهور الاسم عند أهل بغداد، قاله ابن نصر الله في حواشيه).
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 189، زاد المسافر 2/ 282.
إلاَّ كَسَاهُ اللهُ مِنْ حُلَلِ الكرامة يومَ القِيامةِ»
(1)
، وعن عبد الله بن مسعودٍ مرفوعًا:«مَنْ عَزَّى أخاه بمصيبةٍ فله مِثْلُ أجْرِه» رواه التِّرمذيُّ، وفي سَنَدِه علِيُّ بن عاصِمٍ؛ وهو ضعيفٌ
(2)
.
وهي التسلية والحثُّ على الصَّبر بوعد الأجر، والدُّعاء للميت والمصاب، وينبغي أنْ يَستعينَ بالصَّبْر والصَّلاة، ويَسْترجِعَ، ولا يَقولَ إلاَّ خيرًا، ويَسأَلَ الله أجْرَ الصَّابرينَ.
وظاهِره: لَا فَرْقَ بين أن يكون قبل الدَّفن أوْ بعدَه.
ويَعُمُّ بها أهلَ الميت حتَّى الصَّغيرَ -لكنْ يُكرَه لامرأةٍ شابَّةٍ أجْنبِيَّةٍ- ولو شَقَّ ثَوبَه، نصَّ عليه
(3)
؛ لزوال المحرَّم وهو الشَّقُّ، واستدامة لبسه مكروه
(4)
.
ويبدأ بخِيارهم، وهو مخيَّرٌ في أخذ يدِ من يعزيه، قاله أحمدُ
(5)
.
وظاهره: أنَّه لا حدَّ لآخر وقت التَّعزِيَة، فدلَّ أنَّها تُستحَبُّ مطلقًا، وهو ظاهر الخبر.
(1)
أخرجه ابن ماجه (1601)، من طريق قيس أبي عمارة مولى الأنصار قال: سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، يحدث عن أبيه، عن جده مرفوعًا، وقيس أبو عمارة فيه لين، وحسنه النووي، قال ابن عبد الهادي:(انفرد به ابن ماجه، وفيه إرسال، ومحمد بن عمرو بن حزم وُلد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، سنة عشر من الهجرة)، وضعفه الألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 1046، تنقيح التحقيق 2/ 682، الإرواء 3/ 216.
(2)
أخرجه الترمذي (1073)، والبزار (1632)، والبيهقي في شعب الإيمان (8843)، وفيه علي بن عاصم الواسطي، وهو صدوق يخطئ ويُصِرُّ، قال الترمذي:(هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث علي بن عاصم، وروى بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفًا، ولم يرفعه)، وضعفه البيهقي والنووي. ينظر: الخلاصة 2/ 1047، التلخيص الحبير 2/ 314، أحكام الجنائز (ص 163).
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 190.
(4)
في (أ): بمكروه، وفي (و): مكره.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 190.
وحدَّها في «المستوعب» إلى ثلاثة أيَّامٍ. وذَكَر ابنُ شِهابٍ والآمِدِيُّ وأبو الفَرَج: يُكرَه بعدها؛ لتَهيِيجِ الحُزْن، واسْتَثْنَى أبو المَعالِي: إذا كان غائبًا، فلا بأْسَ بها إذا حضر، واختاره صاحب «النظم» ، وزاد: ما لم ينس
(1)
.
فَرعٌ: إذا جاءته التَّعزيةُ في كتابٍ؛ ردَّها على الرَّسول لفظًا، قاله أحمدُ
(2)
.
ويُكْرَهُ تَكرارُها، فلا يُعزِّي مَنْ عَزَّى.
(وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا)؛ نَصَّ عليه
(3)
، واختاره الأكثرُ؛ لأنَّه مُحدَثٌ، مع ما فيه من تَهْيِيجِ الحُزْن.
وعنه: الرُّخْصةُ فيه، قال الخلاَّلُ: سهَّل أحمدُ في الجلوس إليهم في
(4)
غير مَوضِعٍ، قال: ونُقِل عنه المَنْعُ
(5)
.
وفيه وجْهٌ: لا بأْسَ به لأهل الميت دون غَيرِهم.
وعنه: لا بأْسَ بالجلوس عندَهم إذا خِيفَ عليهم شدَّة الجَزَع، وأمَّا المَبِيتُ عندَهم فأَكرَهُهُ
(6)
.
لكن يُستثْنَى منه الجلوسُ بِقرْب دار الميت ليتبع
(7)
الجنازةَ، أوْ يَخرُج ولِيُّه فيُعزِّيه، فعَلَه السَّلَفُ
(8)
.
(1)
في (ز): لم يقس.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 406.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 189.
(4)
في (د) و (و): من.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 406.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1415، مسائل ابن هانئ 1/ 192.
(7)
في (ز): لتتبع.
(8)
أخرج البخاري (1286)، ومسلم (928)، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: كنت جالسًا إلى جنب ابن عمر، ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان، وعنده عمرو بن عثمان، فجاء ابن عباس يقوده قائد، فأراه أخبره بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي، فكنت بينهما، وذكر الحديث.
(وَيَقُولُ
(1)
فِي تَعْزِيَةِ المُسْلِمِ بِالمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ)، قال المؤلف:(لا أعلم فِي التَّعْزِية شَيئًا مَحدودًا، إلاَّ أنَّه رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَزَّى رَجُلاً، فقال: «رَحِمَك اللهُ وآجَرَك» رواه أحمدُ)
(2)
، وعزَّى رَجُلاً
(3)
فقال: «آجَرَنا اللهُ وإيَّاكَ فِي هذَا الرَّجُلِ» ، ورُوِيَ أنَّه قال
(4)
: «أعْظَمَ اللهُ أجْرَكم، وأحْسَن عَزاءَكم» ، ويقول المُعَزَّى: استجابَ اللهُ دُعاك، ورحِمَنا وإيَّاكَ، فعله أحمدُ
(5)
.
فَرْعٌ: إذا قال لآخَرَ: عَزِّ عَنِّي فُلانًا؛ تَوَجَّهَ أن يقولَ له: فلانٌ يُعَزِّيك.
(وَفِي تَعْزِيَتِهِ عَنْ كَافِرٍ: أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَكَ، وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ: أَحْسَنَ اللهُ عَزَاءَكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ)؛ لأنَّ ذلك لائق بحال الميت والمُصابِ.
(1)
في (د) و (و): فيقول.
(2)
أخرج ابن أبي شيبة (12071)، والبيهقي في الكبرى (7092)، من طريق حسين بن أبي عائشة، عن أبي خالد الوالبي، أن النبي صلى الله عليه وسلم عزَّى رجلاً فقال:«يرحمك الله ويأجرك» ، وهو مرسل، وأبو خالد الوالبي مقبول، وأخرج أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان 1/ 118، من حديث الحسين بن علي رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عزى قال: «آجركم الله ورحمكم» ، وإذا هنأ قال:«بارك الله لكم، وبارك عليكم» ، وفي إسناده من لم نعرفه، ولم نقف عليه في مسند أحمد ولا في غيره من كتبه.
(3)
أي: الإمام أحمد كما في الفروع 3/ 405، والمعزَّى هو أحمد بن الشهيد كما في طبقات الحنابلة 1/ 48.
(4)
أي: الإمام أحمد لما عزى أبا طالب كما في الفروع 3/ 405.
وقد أخرج ابن حبان في المجروحين 1/ 126 من طريق ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزى رجلاً مسلمًا برجل ذمي مات له فقال له: «آجرك الله وأعظم أجرك وجبر مصيبتك» ، وفيه: إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي، قال ابن حبان عنه:(كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات، وما لا أصل عن الأثبات، لا يحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به).
(5)
ينظر: المغني 2/ 406.
وتَحرُم تَعزِيةُ كافِرٍ. وعنه: تجوز، فيقول ما ذَكَره المؤلِّفُ.
وظاهره
(1)
: أنَّه لا يدعو لكافِرٍ حَيٍّ بالأجر، ولا لكافِرٍ ميتٍ بالمغفرة.
(وَفِي تَعْزِيَتِهِ)؛ أي: الكافِرِ (عَنْ كَافِرٍ: أَخْلَفَ اللهُ عَلَيْكَ، وَلَا نَقَصَ عَدَدَكَ)، فيَدعُو له بما يَرجِع إلَى طول الحياة، وكثرة المال والولد؛ لأجل الجِزْيَة، وقال ابْنُ بَطَّةَ: يقول: أعطاك الله علَى مُصيبتك أفضلَ ما أعطى أحدًا من أهل دينك.
يقال لمن ذَهَب له شَيءٌ يُتَوقَّع مثلُه: أخْلَف الله عليك؛ أي: ردَّ الله عليك مثله
(2)
، وإنْ لم يُتوقَّع حصولُ مثله
(3)
: خلف الله عليك؛ أي: كان الله خليفةً منه عليك، ذكره ابن فارس والجَوهَرِيُّ
(4)
.
(وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى المَيِّتِ) مِنْ غَيرِ كَراهةٍ؛ لما رَوَى أنَسٌ قال: رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وعيناه
(5)
تَدْمَعانِ، وقال: «إنَّ الله لا يُعذِّب بدمع العين، ولا بحزن
(6)
القلب، ولكن يُعذِّبُ بهذا -وأشار إلى لسانه- أوْ يرحمُ» متَّفقٌ عليه
(7)
، ودخَل عليه السلام على ابنه إبراهيمَ، وهو يَجودُ بنفسه، فجَعَلَتْ عَيناه تَذْرِفانِ، فقال له عبد الرحمن بن
(8)
عوفٍ: وأنتَ يا رسول الله! فقال:
(1)
في (د): فظاهره.
(2)
في (د): بمثله.
(3)
في (د): بمثله.
(4)
ينظر: مقاييس اللغة 2/ 211، الصحاح 4/ 1357.
(5)
في (ب) و (ز): عيناه.
(6)
في (د): فلا يحرق، وفي (و): ولا يحرق.
(7)
أخرجه البخاري (1285)، من حديث أنس رضي الله عنه، وأما قوله:«إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم» ، فهو عند البخاري (1304)، ومسلم (924)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(8)
قوله: (بن) سقط من (أ).
«يَا ابن عَوفٍ، إنَّها رَحْمةٌ» ، ثُمَّ أتْبَعَها بأُخْرَى، فقال: «إنَّ العَينَ تدمع
(1)
، والقلبَ يَحزَنُ، ولا نقول
(2)
إِلاَّ مَا يُرْضِي ربَّنا، وإنَّا بفراقك يَا إبْراهيمُ لَمَحْزُونُون» رواه البُخارِيُّ
(3)
.
وظاهِرُه: لا فَرْقَ قبل الموت أو بعده أو بعد الدَّفن، وأخبار
(4)
النَّهْيِ؛ كقوله: «فإذا وَجَبتْ فلا تَبْكِيَنَّ باكيةٌ»
(5)
؛ محمولة على بكاءٍ معه نَدْبٌ أوْ نياحة
(6)
، قال المجد
(7)
: أو أنَّه كره كثرة البكاء، والدَّوام عليه أيَّامًا.
وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(8)
: أنَّه يُستحَبُّ؛ رحمةً للميت، وأنَّه أكْمَلُ من الفرح، كفرح الفُضَيلِ لَمَّا مات ابنُه عَلِيٌّ، وقال صلى الله عليه وسلم:«هذِهِ رحْمَةٌ جعَلها الله في قلوب عباده، وإنَّمَا يَرحَمُ الله مِنْ عِبادِه الرُّحَمَاءَ»
(9)
.
(وَ) يَجوزُ (أَنْ يَجْعَلَ المُصَابُ عَلَى رَأْسِهِ ثَوْبًا يُعْرَفُ بِه)، والمراد به علامةٌ لِيُعرَف بها فيُعزَّى؛ لأنَّها سُنَّةٌ، وهو وسيلةٌ إليها، فإذا لم يَكنْ سُنَّةً بَقِيَ الجَوازُ.
وقال ابنُ الجَوزيِّ: يُكرَه لُبْسُه خلافَ زِيِّه المعتاد.
وقيل: يُكرَه تَغَيُّرُ حاله مِنْ خَلْعِ ردائه ونَعْلِه، وتغليق حانوته، وتعطيل معاشه.
(1)
في (و): لتدمع.
(2)
في (و): ولا يقول.
(3)
أخرجه البخاري (1303).
(4)
في (د): واختيار، وفي (ز): وأخيار، وفي (و): واختار.
(5)
أخرجه أبو داود (3111)، والنسائي (1846)، وابن حبان (3189)، والحاكم (1300)، من حديث جابر بن عَتيك رضي الله عنه، وفيه قصة، وصححه الحاكم والنووي وابن الملقن. ينظر: الخلاصة 2/ 1055، البدر المنير 5/ 358.
(6)
في (و): ونياحة.
(7)
في (و): للمجد.
(8)
ينظر: مجموع الفتاوى 10/ 47.
(9)
أخرجه البخاري (1284)، ومسلم (923)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
وسُئِل أحمدُ يومَ مات بِشْرٌ عن
(1)
مسألةٍ فقال: (ليس هذا يومَ جوابٍ، هذا يَومُ حُزْنٍ)
(2)
، فدلَّ على ما ذكرنا.
قال جماعةٌ: لا بَأْسَ بِهَجْرِ المُصَاب للزِّينة وحَسَنِ الثِّياب ثلاثةَ أيَّامٍ.
(وَلَا يَجُوزُ النَّدْبُ)، وهو تَعْدادُ المحاسن نحو: وارَجُلاه، (وَلَا النِّيَاحَةُ)، نَصَّ عليهما
(3)
، وذَكَرَه في «المُذهَب» و «التلخيص» و «الوجيز» و «الفروع» ، وذَكَر ابْنُ عبد البَرِّ:(تَحرُم النِّياحةُ إجْماعًا)
(4)
؛ لقول عبد الرَّحمن بن عَوف: «ولكِنْ نُهِيتُ عن صوتين
(5)
أحمَقَينِ فاجِرَينِ: صَوتٌ عند مُصيبةٍ، وخَمْش وَجْهٍ»، حديثٌ حَسَنٌ رواه التِّرمذِيُّ
(6)
، وقالت أمُّ عطيَّةَ:«أَخَذَ علَينا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا نَنُوحَ» متَّفَقٌ عليه
(7)
، وقال أحمدُ في قوله تعالى:{وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [المُمتَحنَة: 12]: (هو النَّوْحُ)
(8)
.
وقدَّم
(9)
في «الكافِي» وهو ظاهر الخِرَقِيِّ: الكراهةَ؛ لقَول أمِّ عَطِيَّةَ: «إلاَّ آل فلانٍ فإنَّهم أسْعدونِي في الجاهليَّة، فلا بُدَّ لِي من
(10)
أنْ أُسْعِدَهم، فقال:
(1)
في (و): عني.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 403.
(3)
ينظر: الأمر بالمعروف للخلال ص 64، زاد المسافر 2/ 281.
(4)
ينظر: الاستذكار 3/ 68.
(5)
في (أ): صرمين.
(6)
أخرجه الترمذي (1005)، والطحاوي في معاني الآثار (6975)، والحاكم (6825)، والبيهقي في الشعب (9685)، وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سيئ الحفظ جدًّا، ووقع في إسناده اضطراب أشار إليه الدارقطني وقال:(والاضطراب من ابن أبي ليلى)، وله شواهد أخرى، وحسنه الترمذي والألباني. ينظر: علل الدارقطني 12/ 447، السلسلة الصحيحة (2157).
(7)
أخرجه البخاري (1306)، ومسلم (936).
(8)
ينظر: الأمر بالمعروف للخلال ص 64.
(9)
في (و): قدمه.
(10)
قوله: (من) سقط من (د) و (و).
إلاَّ آلَ فُلانٍ»، حديثٌ صحيحٌ
(1)
، وهو خاصٌّ بها؛ لخبَرِ أنَسٍ:«لَا إسْعادَ في الإسلامِ» رواه أحمدُ
(2)
.
وعنه: يُكرَه النَّدْبُ والنِّياحة الذي ليس فيه إلاَّ تَعْدادُ المحاسن بصِدْق.
وعنه: إباحتُهما، اختاره الخلاَّل وصاحبُه؛ لأنَّ «واثلة وأبا وائل كانا يَسمَعانِ النَّوحَ ويَبكِيانِ» رواهُ حَرْبٌ
(3)
.
لكنْ قال المؤلِّف: ظاهِرُ الأخْبار التَّحريمُ.
وجَزَم المجْدُ وابنُ تَمِيمٍ: أنَّه لا بأْسَ بيَسير النَّدْب إذا كان صِدْقًا، ولم يَخرُج مَخرَج النوح، ولا قُصِدَ نظْمُه، نَصَّ عليه
(4)
، كفِعْل أبِي بَكْرٍ وفاطِمةَ رضي الله عنهما
(5)
.
(وَلَا شَقُّ الثِّيَابِ وَلَطْمُ الْخُدُودِ)؛ لقوله عليه السلام: «لَيْس منَّا مَنْ لَطَم الخُدودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعَا بِدَعْوى الجاهِليَّةِ» متَّفقٌ عليه، من حديث ابن مسعود
(6)
.
(وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ)؛ كتَخْميش الوجْه، ونَتْف الشَّعر، وإظْهار الجَزَعِ.
(1)
في (أ): وهو حديث صحيح. والحديث أخرجه مسلم (936).
(2)
سبق تخريجه 3/ 210 حاشية (4).
(3)
لم نقف على أثر واثلة بن الأسقع، وأثر أبي وائل: أخرجه ابن أبي شيبة (12113)، وابن سعد في الطبقات (6/ 101)، عن سعيد بن صالح، قال:«رأيت أبا وائل يستمع إلى النوح ويبكي» ، وإسناده صحيح.
(4)
ينظر: زاد المسافر 2/ 281.
(5)
فعل أبي بكر رضي الله عنه: أخرجه أحمد (24029)، وإسحاق في مسنده (1333)، وأبو يعلى الموصلي (48)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 228)، والترمذي في الشمائل (374)، عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فوضع فمه بين عينيه، وضع يديه على صدغيه، وقال:«وانبياه، واخليلاه، واصفياه» ، وإسناده صحيح.
وفعل فاطمة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (4462)، أنها قالت لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه، مَنْ جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه» .
(6)
أخرجه البخاري (1294)، ومسلم (103).
(كِتَابُ الزَّكَاةُ)
وهِيَ فِي اللُّغة: النَّمَاءُ والزِّيَادةُ، يقال: زَكَا الزَّرْعُ، إذا نَمَا وزاد.
وتُطلَقُ على المدح؛ كقوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النّجْم: 32]، وعلى التَّطهير؛ كقوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)} [الشّمس: 9]؛ أي: طهَّرها عن الأدناس، وتُطلَقُ على الصَّلاح، يقال: رجُلٌ زكِيٌّ؛ أي: زائدُ الخير من قَومٍ أزْكِياءَ، وزَكَّى القاضِي الشُّهودَ: إذا بيَّن زيادتَهم في الخيرِ، فسُمِّي
(1)
المالُ المُخْرَج زكاةً؛ لأنَّه يزيد في
(2)
المُخرَج منه، ويَقِيه الآفات.
وفِي الشَّرع: حقٌّ يجب في مالٍ خاصٍّ، لطائفةٍ مخصوصةٍ، فِي وقتٍ مخصوصٍ.
وتسمى: صدقةً؛ لأنَّها
(3)
دليلٌ لصحَّة إيمانِ مُؤَدِّيها وتصديقِه.
وهي أحدُ أركان الإسلام، وهي واجِبةٌ بالإجْماع
(4)
، وسَنَدُه:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البَقَرَة: 43]، والأحاديثُ المستفيضةُ.
واختلف العلماء: هل فُرِضت بمكةَ أم بالمدينة؟ وفي ذلك آياتٌ، وذَكَر صاحبُ «المغني» و «المحرَّر» وحفيدُه
(5)
: أنَّها مَدَنِيَّةٌ، قال في «الفروع»: ولعلَّ المرادَ طلَبُها، وبَعْثُ السعاة لقبضها.
(تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ)، واحِدُها صِنْفٌ، وفَتْحُ الصَّادِ فيه لُغَةٌ، حكاه الجَوهَرِيُّ
(6)
، (مِنَ المَالِ)، هو اسمُ لِجميع ما يَمْلِكُه الإنسانُ، وعن
(1)
في (د): فيسمى.
(2)
في (د): وفي.
(3)
في (د) و (و): لأنه.
(4)
ينظر: الإشراف 3/ 5، مراتب الإجماع ص 34.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 7/ 425.
(6)
ينظر: الصحاح 4/ 1388.
ثَعْلَبٍ: أقَلُّ المال عند العرَب ما تَجِب فيه الزَّكاةُ
(1)
، وقال ابْنُ سِيدَهْ:(العرب لا تُوقِعُ المالَ مُطلَقًا إلاَّ علَى الإبل، وربَّما أوْقَعوه على المَواشِي)
(2)
.
(السَّائِمَةِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَالْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ، وَالأَثْمَانِ
(3)
، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ)، وسيأتِي ذلك.
(وَلَا تَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ)؛ لأنَّه الْأَصْلُ، فلا زكاةَ فِي الخَيل والرَّقيق؛ لقوله عليه السلام:«ليس عَلَى المسلمِ فِي عَبْدِه وفرسه صَدَقَةٌ» متَّفَقٌ عليه
(4)
، ولأبِي داودَ:«لَيْس في الخَيل والرَّقيق زَكاةٌ إلاَّ زكاةَ الفِطْرِ»
(5)
، لأنَّه لا يُطلَبُ درُّها
(6)
، ولا تُقْتَنَى في الغالب إلاَّ للزِّينة والاِسْتِعمالِ.
ولا في العَقار والثِّياب، إلاَّ أنْ يكونَ مُعَدًّا للتِّجارة.
ولا في الظباء، نَصَّ عليه
(7)
. وعنه: بلَى، اختارَهُ ابْنُ حامِدٍ؛ لأنَّها تُشبِه الغَنَمَ.
(وَقَالَ أَصْحَابُنَا)؛ أي: أكثرُهم: (تَجِبُ فِي المُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ
(1)
ينظر: أمالي القالي 2/ 301.
(2)
ينظر: المطلع ص 155.
(3)
قوله: (والأثمان) سقط من (أ).
(4)
أخرجه البخاري (1464) ومسلم (982) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
أخرجه أبو داود (1594)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (4/ 197)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ:«ليس في الخيل والرَّقيق زكاةٌ، إلا زكاةَ الفطر في الرَّقيق» ، وإسناده ضعيفٌ؛ لإبهام الرَّاوي عن مكحولٍ، ومكحولٌ وإن أدرك عراكَ بن مالك، لكنَّه لم يسمع منه، وإنما رواه عن سليمان بن يسار عن عراكٍ به، كما أخرجه النسائي (2469)، وابن الجارود في المنتقى (355)، والبيهقي في الكبرى (7674).
والحديثُ متَّفقٌ على صحته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بدون الاستثناءِ كما سبقَ، وأمَّا الاستثناءُ فقد أخرجه مسلمٌ (982)، بلفظ:«ليس في العبد صدقةٌ إلاَّ صدقة الفطر» . ينظر: البدر المنير 5/ 625، السلسلة الصحيحة (2189).
(6)
في (أ): ردها.
(7)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1093.
وَالْأَهْلِيِّ)؛ تغليبًا للوجوب، واحتِياطًا لتحريم قَتْله وإيجاب الجَزاء فيه، والنُّصوص تتناوله.
واختِيارُ المؤلِّفِ أَوْلَى؛ لأنَّ الواجباتِ لا تَثْبُتُ احتِياطًا، ولأنَّه يَنفَرِد باسمه وجنسه، فلم يَتناوَلْه النَّصُّ، ولا يُجزِئُ في هَدْيٍ ولا أُضحِيَّةٍ، ولا يَدخُل في وكالة.
(وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ) وغَنَمِه بِشَرطه (رِوَايَتَانِ)؛ أصحُّهما الوجوبُ؛ لعموم قوله عليه السلام لمُعاذٍ: «خُذْ مِنْ كلِّ ثلاثينَ من البقر
(1)
تَبِيعًا»
(2)
، قال القاضِي وغيرُه: ويُسمَّى بقَرًا حقيقةً، فيَدخُل تحت الظَّاهِر.
وفِي فِدائها في حَرَمٍ وإِحْرامٍ، وجَوازِ هَدْيٍ وأُضحِيَّةٍ وجهان.
والثَّانية: لا يجب، اختارَها المؤلِّف، وصحَّحها في «الشَّرح» ؛ لأنَّها تفارق البقرَ الأَهْليَّة صورة وحُكْمًا، والإيجاب من الشَّرع، ولم يَرِدْ، ولا يَصِحُّ القياسُ؛ لوجود الفارق، وكغَنَم الوحش.
(وَلَا تَجِبُ
(3)
إِلاَّ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: الْإَسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ)؛ لأِنَّه عليه السلام جعَلَ الإسلامَ شَرْطًا لوجوبها، متَّفَقٌ عليه من حديث مُعاذٍ
(4)
، ولأنَّها قُربةٌ وطاعةٌ، والكفْرُ يُضادُّ ذلك،
(1)
قوله: (من البقر) سقط من (و).
(2)
أخرجه أحمد (22013)، وأبو داود (1576)، والترمذيُّ (623)، والنَّسائي (2452)، وابن ماجه (1803)، والحاكم (1448)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، حسَّنه الترمذي والبغويُّ، وصححه الحاكم وابن عبد البر والألبانيُّ، وجوَّد سنده ابن القيِّم. ينظر: شرح السنَّة للبغويِّ 6/ 19، التَّمهيد لابن عبد البر 2/ 130، 275، الاستذكار 3/ 188، أحكام أهل الذمَّة لابن القيِّم 1/ 291، الإرواء 3/ 268.
(3)
في (د): ولا يجب.
(4)
أخرجه البخاريُّ (1458، 1395) واللفظ له، ومسلمٌ (19)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، فقال:«ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإنْ هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله قد افترض عليهم خمس صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخذ من أغنيائهم وتردُّ على فقرائهم» .
وطهرة
(1)
، والكافِرُ لا يُطهِّرُه إلاَّ الإسلامُ، وهي تفتقر إلى النِّيَّة، فلم تَجِبْ كالصَّوم.
وظاهِرُه: لا فرْقَ بين الأصلِيِّ والمرتَدِّ، أمَّا الأصلِيُّ فلا تَجِبُ عليه، زاد في «الرِّعاية»: على الأشهر
(2)
، ولا يقضيها إذا أسلم إجْماعًا
(3)
.
وأمَّا المرتَدُّ: فالمذهبُ عدمُ الوجوب، فقيل: مَأْخَذُه كونُها عبادةً، وقيل: لمنعه من ماله، وإن قلنا: يزول ملكه؛ فلا زكاةَ عليه.
والثَّانية: يجب، نصره أبو المَعالِي، وصحَّحه الأزجي؛ لأنَّها حَقٌّ مالِيٌّ أشبه الدَّين، والردة لا تُنافِي الوجوبَ ولا استمراره، لكنها تنافِي الأداءَ، فيأخذها الإمامُ منه، وينوي عنه؛ للتعذر، كسائر الحقوق المُمْتَنع منها، وإن لم يكن قربةً؛ كالحدود تُستوفى رَدْعًا وزَجْرًا مع وجود التَّوبة.
قال أبو المَعالِي: فإنْ أخذَها الإمامُ بعد رِدَّتِه ثُمَّ أسلم؛ أَجْزَأَتْ فِي الظاهر، وكذا فيما بينه وبين الله تعالى في وجْهٍ.
فلو ارتَدَّ بعد الوجوب
(4)
؛ أُخِذَتْ من ماله مُطلَقًا، وفيه وَجْهٌ.
وظاهِرُه: إيجابُها على الصَّبِيِّ والمجنون؛ للعموم، وأقوالِ الصَّحابة
(5)
؛
(1)
في (أ): وأطهرة.
(2)
في (و): الأظهر.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 37، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 197.
(4)
في (و): البلوغ.
(5)
قال الإمام أحمد في رواية الأثرم: (خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزكون مال اليتيم)، ذكره الزركشي 2/ 414.
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه أحمد في مسائل عبد الله (ص 158)، وأبو عبيد في الأموال (1301)، والدارقطني (1973)، والبيهقي في الكبرى (7340)، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر بن الخطاب: «ابتغوا بأموال اليتامى، لا تذهبها الزكاة» ، قال البيهقي:(هذا إسناد صحيح، وله شواهد عن عمر رضي الله عنه، ورواه عن عمر أيضًا: الحكم بن أبي العاص رضي الله عنه بإسناد صحيح، أخرجه أبو عبيد في الأموال (1304)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 159)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 331)، وابن زنجويه في الأموال (1808)، والبيهقي في المعرفة (8012)، ورواه عن عمر مرسلاً: مجاهد ومكحول وابن سيرين وعمرو بن دينار والشعبي والزهري وآخرون.
وأثر عليٍّ رضي الله عنه: روي من طرق متعددة، أخرجه عبد الرزاق (6986)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 159)، وسحنون في المدونة (1/ 308)، والبيهقي في الكبرى (7342)، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: باع لنا عليٌّ أرضًا بثمانين ألفًا، فلما أردنا قبض مالنا؛ نقصت، فقال:«إني كنت أزكيه» ، وكنا يتامى في حجره. ورجاله ثقات، إلا أن حبيب بن أبي ثابت مدلس وقد عنعنه. وله شاهد أخرجه ابن وهب كما في المدونة (1/ 308)، والشافعي في الأم (2/ 32)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (8017)، من طريق الحكم عن علي نحوه. وهو مرسل. وشاهد آخر أخرجه ابن أبي شيبة (10113)، والبخاري في الأوسط (295)، وأبو عبيد في الأموال (1305)، والطحاوي في مشكل الآثار (12/ 392)، والدارقطني (1980)، والبيهقي في الكبرى (7344)، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحوه، وفيه شريك القاضي وهو ضعيف. وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الشافعي في الأم (2/ 32)، وعبد الرزاق (7110)، وأبو عبيد في الأموال (1308)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 160)، وسحنون في المدونة (1/ 308)، وابن زنجويه في الأموال (1813)، والدارقطني (1978)، والبيهقي في الكبرى (7346)، من طرق عن نافع: عن ابن عمر أنه كان يزكي مال اليتيم. وأسانيده صحاح.
وأثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه مالك (1/ 251)، ومن طريقه الشافعي في الأم (2/ 30)، وسحنون في المدونة (1/ 308)، وابن زنجويه في الأموال (1812)، والبيهقي في الكبرى (7345)، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة تليني وأخًا لي يتيمين في حجرها، فكانت تخرج من أموالنا الزكاة. وأخرجه ابن أبي شيبة (10114)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 159)، وأبو عبيد في الأموال (1307)، من طرق أخرى عن القاسم، وأسانيده صحاح.
وأثر جابر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (6981)، وابن أبي شيبة (10115)، وأبو عبيد في الأموال (1310)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 159)، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول فيمن يلي مال اليتيم:«يعطي زكاته» . وإسناده صحيح.
ولأنَّها مواساةٌ، وهما من أهلها؛ كالمرأة.
(وَلَا عَبْدٍ)؛ لأنَّه لا مالَ له، فإنْ كان معتقًا بعضُه؛ فبِقَدْره؛ لأنَّه يملك
(1)
ملكًا تامًّا، أشْبَهَ الحُرَّ. (وَلَا مُكَاتَبٍ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّه عَبْدٌ، ومِلكُه غيرُ تامٍّ، يؤيده: ما رُوِيَ أنَّه عليه السلام قال: «لا زكاة في مالِ المكاتَب»
(3)
، وقالَه ابْنُ عُمَرَ وجابِرٌ
(4)
، ولم يُعْرَفْ لهما مخالِفٌ، فكان كالإجماع، ولأنَّ مِلكَه مُتزَلزِلٌ؛ لأنَّه بعَرَضِيَّة أنْ يَعجِزَ وهو محجورٌ عليه؛ لنَقْص مِلْكِه، ولا يَرِثُ ولَا يُورَثُ، وهو مشغولٌ
(1)
في (أ): يملكه.
(2)
ينظر: مسائل صالح 1/ 392، مسائل ابن منصور 3/ 1043، مسائل ابن هانئ 1/ 581.
(3)
أخرجه الدارقطني (1960)، مرفوعًا من حديث جابر رضي الله عنه، وهو حديثٌ معلولٌ من أوجهٍ عدَّة، منها أنَّ في سنده عبد الباقي بن قانع، أبا الحسين القاضي شيخ الدارقطني، قال عنه الدارقطني:(يعتمد حفظه، ويخطئ خطأ كثيرًا، ولا يرجع عنه)، وفيه أيضًا: عَبد الله بن بزيع الأنصاريُّ قاضي تُستَر، قال ابن عدي:(ليس هو عندي ممن يحتجُّ به)، قال:(وأحاديثه أو عامتها ليست محفوظة)، وقال الدارقطني:(ليِّن الحديث ليس بمتروكٍ)، وضعفه ابن الملقن والألباني وغيرهما، والصَّحيح عن جابرٍ الوقف، قال البيهقيُّ:(ورُوي ذلك في المكاتب عن عبد الله بن بزيع عن ابن جريج مرفوعًا، وهو ضعيف، والصَّحيح موقوف). ينظر: الكامل لابن عدي 5/ 415، العلل للدارقطني 10/ 288، سؤالات السُّلمي للدارقطني (206)، البدر المنير 5/ 472، الإرواء 3/ 251.
(4)
أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (7009)، وابن أبي شيبة (10233)، والبيهقي في الكبرى (7351)، عن نافع، عن ابن عمر قال:«ليس في مال المكاتب زكاة» ، وفيه عبد الله العمري المكبر، وهو ضعيفٌ.
وأخرج ابن زنجويه في الأموال (1843)، والبيهقي في الكبرى (7348)، وفي المعرفة (8034)، من طريق عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ:«ليس في مال العبد زكاة حتى يعتق» ، وإسناده صحيح.
وأثر جابر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (7004)، وابن أبي شيبة (10232)، وأبو عبيد في الأموال (1348)، وابن زنجويه في الأموال (1859)، والبيهقي في الكبرى (7352)، عن جابر بن عبد الله قال:«لا صدقة في مال العبد ولا المكاتب حتى يَعتقا» ، وإسناده صحيح، ورجّح البيهقي وقفه كما تقدم.
بوفاء نُجومِه، بخلاف المحجور عليه لنقْص تَصرُّفِه، والمرهون؛ فإنَّه مُنِع من التَّصرُّف فيه بعَقْده، فلم يَسقُطْ حَقُّ الله تعالَى.
وعنه: هو كالقن.
وعنه: يُزَكِّي بإِذْن سيِّده.
ولا عُشْرَ فِي زَرعِه، فإنْ عَتَقَ أوْ عَجَزَ أوْ قبض من نجوم كتابته وفي يده نصابٌ؛ استقبل
(1)
به حولاً، وما دون نصاب
(2)
فكمستفادٍ.
(وَإِنْ مَلَّكَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَالاً، وَقُلْنَا: إِنَّهُ يَمْلِكُهُ) علَى رِوايةٍ؛ (فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) علَى واحِدٍ منهما، قاله الأصحابُ؛ لأنَّ سيده لا يَملُكه، وملكُ العبد ضعيفٌ لا يَحتَمِل المواساةَ، بدليل أنَّه لا يَعتِق عليه أقاربُه إذا مَلَكَهم، ولا يجب عليه نفقةُ قريبه، والزَّكاة إنَّما تَجِب بطريق المواساة، وحينئِذٍ فلا فطرةَ إِذَنْ في الأصحِّ.
وعنه: يزكِّيه العبدُ.
وعنه: بإذْن السَّيِّد، ويحتمل أنَّه يزكِّيه السَّيِّد.
وعنه: الوقف.
(وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ) على روايةٍ، وهي اختيارُ أبِي بكْرٍ والقاضي وظاهِرُ الخِرَقِيِّ؛ (فَزَكَاتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ)، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه مالكه.
أصْلٌ: أمُّ الولد، والمُدبَّرُ؛ كالقِنِّ.
فَرعٌ: هل تَجِب في المال المنسوب إلى الجنين إذا انفصل حيًّا، اختارَه ابْنُ حَمْدانَ؛ لحكمنا
(4)
له بالملك ظاهِرًا، حتى منعنا باقي الورثة، أم لا،
(1)
في (و): استقل.
(2)
زيد في (د): استقل به حولاً وما دون نصاب، وفي (و): استقبل به حولاً وما دون نصاب.
(3)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 171.
(4)
في (د) و (و): كحكمنا.
كما هو ظاهر كلام الأكثر؛ فإنَّه لا مال له؟ فيه وجهان.
(الثَّالِثُ: مِلْكُ نِصَابٍ)؛ للنُّصوص
(1)
، ولا فرْق بين بهيمة الأنعام وغيرِها، ولا يَرِدُ الرِّكاز؛ لأنَّ
(2)
شبهه
(3)
بالغنيمة أكثر من الزَّكاة، ولهذا وجب فيه الخُمُسُ.
(فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ
(4)
؛ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ) في روايةٍ، واختارها أبو بَكْرٍ، وهو ظاهر الخِرَقِيِّ، وجَزَم به في «الوجيز» ، قال في «الشَّرح»: وهو ظاهر الأخبار، فينبغي أنْ لا يُعدَلَ عنه.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ نَقْصًا يَسِيرًا؛ كَالْحَبَّةِ وَالْحَبَّتَيْنِ)؛ فإنَّها تَجِبُ لذلك، قاله الأكثر؛ لأنَّه لا يَنضَبِط غالِبًا، فهو كنَقْص الحَول ساعةً أوْ ساعتَيْنِ، وهو لا يُخِلُّ بالمُواساةِ؛ لأِنَّ اليسيرَ لا حكمَ له في أشياءَ كثيرةٍ؛ كالعمَلِ اليسيرِ في الصَّلاة، وانكِشاف العَورة، والعفْو عن يسير الدم، فكذا هنا.
وظاهِرُه: أنَّه إذا كان
(5)
نَقْصًا بيِّنًا؛ كالدَّانِق والدَّانِقَينِ؛ أنَّها لا تَجِب في روايةٍ، وصحَّحها في «المُذهَب» ، وذكرها في «الشَّرح» عن الأصحاب.
وعنه: إن جازت
(6)
جواز الوازنة
(7)
؛ وجبت
(8)
، ولعلَّ المراد المضروبة، وهو الظَّاهر، قاله في «الفروع» ؛ ولأنَّها تقوم مقام الوازِنة.
وذَكَر جماعةٌ: إذا نَقَص النصاب ثلاثةَ دَراهِمَ أوْ ثُلُثَ مثقال؛ فلا زكاةَ فِي
(1)
يأتي ذكرها في أبوابها.
(2)
في (أ) و (ب): لأنه.
(3)
في (أ): شبه.
(4)
في (أ): النصاب.
(5)
قوله: (كان) سقط من (أ).
(6)
في (أ) و (ب): صارت.
(7)
الوازنة: الخالصة من الغش. ينظر: المغني 5/ 123.
(8)
قوله: (وجبت) سقط من (أ).
أصحِّ الرِّوايتَينِ.
وقيل: الدَّانِق والدَّانِقانِ لا يمنع في الفضَّة بخلاف الذَّهب، قال أبو المعالي: وهذا أوجه
(1)
.
وقيل: النَّقصُ اليسيرُ لا يُؤثِّرُ في آخر الحَول، بل في أوَّله ووسطه.
وظاهِرُه: أنَّ نصابَ الباقي تحديدٌ، وهو كذلك في بهيمة الأنعام، وكذا في الزَّرع والثمرة
(2)
كما سيأتي.
(وَتَجِبُ
(3)
فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِالْحِسَابِ)، أمَّا زيادةُ الحبِّ فيجب
(4)
فيها بالحساب اتِّفاقًا
(5)
، وكذا
(6)
زيادة النَّقْدَين؛ لقوله عليه السلام: «هاتُوا رُبُعَ العُشور، من كلِّ أربعينَ دِرْهمًا درهمًا
(7)
، وليس عليكم شَيءٌ حتى تتِمَّ مائتين فيجب فيها خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك» رواه الأثْرَمُ والدَّارَقُطْنِيُّ، ورُوِيَ عن علِيٍّ وابْنِ عُمَرَ
(8)
، ولم يُعرَفْ لهما مُخالِفٌ فِي الصَّحابة، ولأنَّه
(1)
في (د): لوجه.
(2)
في (أ): والثمر.
(3)
في (د): ويجب.
(4)
في (و): فتجب.
(5)
ينظر: البناية شرح الهداية 3/ 417، التاج والإكليل 3/ 118، البيان 3/ 233، المغني 3/ 12.
(6)
زاد في (أ): (في).
(7)
قوله: (درهمًا) ضرب عليه في (د).
(8)
حديث عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (1572)، والترمذي (620)، وابن ماجه (1790)، وابن خزيمة (2297) والدارقطني (1898)، والبيهقي في الكبرى (7407)، وغيرهم من طرقٍ عن أبي إسحاق السَّبيعي، واختلف عليه في رفعه ووقفه، قال التِّرمذيُّ:(روى هذا الحديث الأعمشُ وأبو عوانة وغيرهما، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، وروى سفيان الثوري وابن عيينة وغيرُ واحدٍ، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ، وسألتُ محمَّدًا -يعني البخاريَّ-: عن هذا الحديث؟ فقال: كلاهما عندي صحيحٌ عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون روَى عنهما جميعًا)، وقال الدَّارقطني:(ويشبه أن يكون القولانِ صحيحين)، وقد صحَّح إسناده ابن القطَّان، وحسَّنه البغويُّ، وقال ابن حجر:(خرَّجه أبو داود وغيره، وإسناده حسنٌ)، وقوَّى الألباني رواية الوقفِ. ينظر: سنن الترمذي 3/ 7، العلل للدارقطني 3/ 158، شرح السنة 6/ 47، تنقيح التحقيق 3/ 45، فتح الباري 3/ 327، صحيح أبي داود 5/ 293.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (7075)، وابن أبي شيبة (9869)، وأبو عبيد في الأموال (1162)، والبيهقي في الكبرى (7522)، من طرق عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه:«في كل مائتين خمسة دراهم، وما زاد فبالحساب» وصحح الحافظ إسناده في الدراية 1/ 257.
مالٌ من الأرض يتجزَّأُ ويَتَبعَّض من غير ضَرَرٍ، أشْبه الأربعين.
وظاهره: أنَّه يجب ولو لم يبلغ نقد
(1)
أربعين درهمًا أوْ أربعة دنانِيرَ.
(إِلاَّ) فِي (السَّائِمَةَ)، فلا زكاةَ في وَقْصِها؛ لمَا رَوَى أبو عُبَيدٍ في «غريبه» مرفوعًا أنَّه قال:«لَيْس فِي الأوْقاص صدقَةٌ» ، وقال:(الوَقْص: ما بين النِّصابَينِ)
(2)
، وفي حديث مُعاذٍ أنَّه قيل له: أُمرت في الأوقاص بِشَيءٍ؟ قال: لا
(3)
، وسأسأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال:«لَا» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ
(4)
، ولما فيه من الضَّرَر وعدم التَّشْقِيصِ.
وقيل: يَجِبُ، اختاره الشِّيرازِيُّ، فعليه: لَوْ تَلِفَ بعيرٌ من تسع، أو ملَكه قبل التَّمكن إن اعتبرناه؛ سَقَطَ تُسُعُ شاة، ولو تَلِفَ منها سِتَّةٌ؛ زكَّى الباقِيَ،
(1)
في (د) و (و): مقدار.
(2)
لم نجده بهذا اللفظ في غريب الحديث، وإنَّما أشار فيه (4/ 141) إلى حديث معاذ المشهور في زكاة البقر، الذي أخرجه الدارقطني كما ذكره المصنف بعده هنا، وقد أخرجه في كتاب الأموال (1021) مرفوعًا، وفيه: وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا آخذ مما بين ذلك شيئًا، وقال:«إنَّ الأوقاص لا فريضة فيها» ، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف. وينظر: الأموال لأبي عبيد ص 475، غريب الحديث 4/ 142.
(3)
قوله: (لا) سقط من (و).
(4)
أخرجه الدارقطني (1904)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن قيل له: بما أمرت؟ وذكره. وفي سنده الحسن بن عُمارة، وهو متروك الحديث كما قال أحمد وغير واحدٍ، قال ابن عبد الهادي:(الحسن بن عمارة ضعَّفوه وتركوه). ينظر: تهذيب الكمال 6/ 269، تنقيح التحقيق 3/ 12.
ثُلُث شاة
(1)
، ولو كانت مغصوبةً، فأخذ منها بعيرًا بعد الحَول؛ زكَّاه بتُسُع شاه
(2)
.
(الرَّابِعُ: تَمَامُ المِلْكِ)؛ لأنَّ الملك النَّاقص ليس نعمة كاملة، وهي إنما تَجِبُ في مقابلتها؛ إذِ الملك التَّامُّ عبارةٌ عما كان بيده لم يتعلَّق فيه حقُّ غيره، يَتصرَّف فيه على حسب اختياره، وفوائده حاصلةٌ له، قاله أبو المعالي.
(فَلَا زَكَاةَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ) وِفاقًا
(3)
؛ لعدَم استقراره؛ لأنَّه يَملِك تعجيزَ نفسه، ويَمْتَنع من الأداء، ولهذا لا يَصِحُّ ضمانُها، وفيه روايةٌ، فدلَ على الخلاف هنا.
(وَلَا فِي السَّائِمَةِ المَوْقُوفَةِ) على مُعيَّنٍ
(4)
، قال في «التَّلخيص»: الأشْبَهُ أنَّه لا زكاةَ، وجزم به
(5)
في «الكافي» ؛ لنقصه.
والثَّانِي: تَجِبُ، وهو المنصوص
(6)
؛ للعموم، وكسائر
(7)
أملاكه.
وبَنَى بعضُ أصحابُنا الخلافَ على ملك الموقوف عليه، وعلى الوجوب: لا يخرج منها؛ لأنَّ الوقف لا يَجوزُ نقل الملك فيه.
وأمَّا الوقفُ على غير مُعيَّن؛ كالمساكين والمساجد
(8)
ونحوهما؛ فلا
(1)
في (و): ثلاث شياه.
(2)
في (أ) و (ب): شياة.
(3)
ينظر: المبسوط 2/ 195، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1/ 384، تحفة المحتاج 3/ 335، الفروع 3/ 446.
(4)
كتب على هامش الأصل: (الأصح أنها تجب في السائمة الموقوفة، وكذا شجر وغلة أرض بشرط أن تكون موقوفة على معين، انتهى).
(5)
قوله: (به) سقط من (أ).
(6)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 173، الفروع 3/ 446.
(7)
في (و): وسائر.
(8)
قوله: (والمساجد) سقط من (و).
زكاةَ فيه قَولاً واحِدًا.
تنبيه: إذا وقَفَ على معيَّنٍ أرضًا أوْ شَجَرًا فحصل له من غَلَّته نِصابٌ؛ وجبت الزَّكاة، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأنَّ الزَّرع والثَّمَر ليس وقْفًا بدليل بيعه.
وقال أبو الفرَج: لا عُشر فيها إن كان فقيرًا، وجزم به الحُلْوانِيُّ.
وإن حصل لأهل الوقْف خمسةُ أَوْسُقٍ؛ خُرِّج على الرِّوايتين في تأثير الخُلْطَة في غير السَّائمة.
(وَلَا فِي حِصَّةِ المُضَارَبِ مِنَ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا ظاهِرُ المذهب، واختاره أبو بكْرٍ والقاضي والمؤلِّف، إمَّا لعدم
(2)
الملك أو لنقصانه
(3)
؛ لأنَّه وِقايةٌ لرأْس المال، ولا ينعقد الحَول إلاَّ باستقرار ملكه، نَصَّ عليه
(4)
.
والثَّانِي: الوُجوبُ، ويَنعَقِد حولُه بظُهور الرِّبْح، اختاره أبو الخطَّاب، وقدمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» ؛ لأنَّه مَلَكه، فتَجِب كسائر أمْلاكه.
فَعَلَى هذا: لا يجوز أن يخرج من مال المضاربة بدون إذن ربِّ المال في الأصحِّ.
والثَّانِي: يجوز؛ لأنَّهما دَخَلا على حكم الإسلام، ومِن حكمه
(5)
وُجوبُ الزَّكاة وإخراجُها من المال.
وعلى قولنا: لا يَملِك العامل الربح
(6)
بظهوره؛ فلا يَلزَم ربَّ المال زكاةُ حِصَّة العامل في الأصحِّ.
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 173، الفروع 3/ 446.
(2)
في (أ): لعد.
(3)
في (د) و (و): نقصانه.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1090، زاد المسافر 2/ 390.
(5)
في (د) و (و): وفي حكمه.
(6)
في (ز): للربح.
وإن كان حقُّ العامل دُونَ نِصابٍ؛ انْبَنَى على الخُلْطة في غير السَّائمة.
وظاهره: وُجوبُها على ربِّ المال، فيُزكِّي حقَّه من الرِّبح مع الأصل عند حوله، نَصَّ عليه
(1)
، إمَّا منه أو من غيره؛ لأنَّه يَملِك حقَّه من الرِّبح بظهوره في الأظهر.
فإن أخرَج شَيئًا من المال؛ جُعِل من الرِّبح، ذكره في «المغني» ، وقدمه في «الرِّعاية» ؛ لأنَّه وِقايةٌ لرأس المال.
وفي «الكافِي» : يُجعَل من رأس المال، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّه واجِبٌ كديته
(3)
.
وقال القاضي: يجعل منهما بالحصص، فيَنقُص رُبُعُ عُشُر رأس المال.
وقيل: إنْ قلنا: الزَّكاة في الذمة فمنهما، وإن قلنا: في العين فمن الرِّبح.
(فِيهِمَا)؛ أي: في الصُّورتَينِ المذكورتَينِ.
(وَمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ) باذِلٍ أو غيرِه، (مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ زَكَّاهُ إِذَا قَبَضَهُ لمَا مَضَى)؛ رُوِيَ عن عَلِيٍّ
(4)
، وقاله أبو ثَوْرٍ؛ لأنَّه يَقدِر على قبضه
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1090، زاد المسافر 2/ 390.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 466.
(3)
في (ب) و (و): كدينه.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (7116)، وابن أبي شيبة (10256)، وأبو عبيد في الأموال (1220)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 157)، وابن زنجويه في الأموال (1720)، والبيهقي في الكبرى (7623)، عن عبيدة، عن علي في الدين الظنون قال:«إن كان صادقًا فليزكه إذا قبضه لما مضى» ، ولفظ عبد الرزاق: أنه كان يسأل عن الرجل له الدين على الرجل: «ما يمنعه أن يزكي؟» قال: لا يقدر عليه، قال:«وإن كان صادقًا؛ فليؤد ما غاب عنه» ، وإسناده صحيح ورجاله رجال الشيخين، قال ابن حزم في المحلى (4/ 221):(في غاية الصحة)، واحتج به أحمد في مسائل عبد الله، والظنون: هو الذي لا يُرجى، قاله ابن حزم.
وأخرجه أحمد في مسائل عبد الله (ص 157)، عن الحكم، عن علي في الرجل يكون له الدين، قال:«يزكيه، فإن خاف أن ينوء، فلينتظر، فإذا خرج زكاه لما مضى» ، والحكم عن علي مرسل.
والانتفاع به، أشبه سائر ماله
(1)
، وللعموم؛ ولأنَّه ليس من المواساة إخراجُ زكاةِ مالٍ لَمْ يقبضه.
ولا فرق بين أن يَقصِد بِبقائه عليه الفرارَ من الزكاةِ أم لا.
وعنه: يجبُ إخراجُها في الحالِ قبل قبضِه
(2)
، كالوديعة.
وعنه: لسنةٍ واحدةٍ، وقاله ابنُ المسيِّب وعَطاءٌ، بناءً على أنَّه يُعتَبَرُ لِوُجوبها إمكانُ الأداء، ولم يُوجد فيما مضى.
وعنه: لا زكاةَ في دَينٍ بحالٍ، رُوِيَ عن عائشةَ
(3)
، لأنَّه غيرُ تامٍّ.
والأوَّلُ المذهبُ؛ لما رَوَى أحمدُ عن علِيٍّ وابنِ عمرَ وعائشةَ: «لَا زكاةَ في الدَّين حتَّى يُقبَضَ» ، ذكره أبو بكْرٍ بإسنادِه
(4)
، ولم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ.
فَرعٌ: لو قَبَضَ دون نِصابٍ زكَّاه، نَصَّ عليه
(5)
، خلافًا للقاضي وابنِ عَقِيلٍ.
وكذا لو كان بيده دون نِصابٍ، وباقيه دَيْنٌ أوْ غَصْبٌ أوْ ضالٌّ، والحوالة
(1)
في (و): أمواله.
(2)
قوله: (ولا فرق بين أن يقصد ببقائه) إلى هنا سقط من (أ).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (7115)، وابن أبي شيبة (10264)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 157)، عن عبد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت:«ليس في الدين زكاة» ، وعبد الله العمري ضعيف الحديث، وأخرجه ابن أبي شيبة (10259)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 157)، من وجه آخر عن عائشة، بلفظ:«ليس في الدين زكاة حتى يقبضه» ، وفيه عبد الله بن المؤمل، وهو ضعيف الحديث، وحسنه الألباني بمجموع الطريقين. ينظر الإرواء 3/ 252.
(4)
تقدم أثر عليٍّ وعائشة رضي الله عنهما قريبًا.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (7125)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 157)، عن عبد الله بن عمر، عن نافع:«كان ابن عمر لا يرى في الدين زكاة حتى يقبضه صاحبه» ، عبد الله العمري ضعيف.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1096، زاد المسافر 2/ 390.
به أو الإبراء كالقبض.
(وَفِي الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِ المَلِيءِ) وهو: المُعْسِرُ، (وَالمُؤَجَّلِ، وَالمَجْحُودِ) الذي لا بينةَ
(1)
به، (وَالمَغْصُوبِ، وَالضَّائِعِ) إذا عاد
(2)
إليه؛ (رِوَايَتَانِ)، وكذا أطلَقَهما في «المحرَّر»:
(إِحْدَاهُمَا): هو (كَالدَّيْنِ عَلَى المَلِيءِ)، اختارها الأكثرُ، وذكره جماعةٌ ظاهِرَ المذهب، وجزم به في «الوجيز» ؛ لصحَّة الحَوَالة به والإبْراء، فيُزكِّي ذلك إذا قبضه لما مضى من السِّنينَ، رواه أبو عُبَيدٍ عن علِيٍّ وابنِ عبَّاس
(3)
؛ للعموم، وكسائر ماله.
وقال الشِّيرازيُّ: إذا قلنا تجب في الدَّيْن وقَبَضه؛ فهل يزكيه لمَا مضى؟ على روايتين، ويتوجَّهُ ذلك في بقيَّة الصُّوَر.
وقيَّد في «المستوعب» المجحود: ظاهِرًا وباطِنًا. وقال أبو المَعالِي: ظاهرًا. وقال غيرهما: ظاهِرًا أوْ باطنًا أو هما.
وإن كان به بيِّنةٌ؛ فوجهان.
فَرعٌ: حُكمُ مسروقٍ، ومَدْفونٍ مَنْسِيٍّ، وموروثٍ جَهِلَه، أو جَهِلَ عند مَنْ هو؛ كذلك.
(وَالثَّانِيَةُ: لَا زَكَاةَ فِيهِ)، صحَّحها في «التَّلخيص» وغيره، ورجَّحها
(1)
في (أ): معه.
(2)
في (ز): عاذ.
(3)
تقدم أثر عليٍّ رضي الله عنه 3/ 235 حاشية (5).
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أبو عبيد في الأموال (1222)، عن ابن عباس، قال في الدين:«إذا لم ترج أخذه، فلا تزكه حتى تأخذه، فإذا أخذته فزك عنه ما عليه» ، وفيه عبد الله بن سليمان لم نقف على ترجمته، وله شاهد عند ابن زنجويه (1721)، عن أبي الزناد عن ابن عباس نحوه، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث، إلا أن الراوي عنه ابن المبارك، وحديثه عنه أحسن حالاً من غيره، فالأثر جيد بمجموع الطريقين.
جماعةٌ
(1)
، واختارها ابنُ شِهابٍ والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(2)
، روي عن عثمانَ وابنِ عمرَ
(3)
؛ لأنَّه غيرُ تامٍّ، وهو خارجٌ عن يدِه وتصرُّفه، أشبه الحُلِيَّ ودَيْنَ الكتابة، ولأنَّ الزَّكاة وجبتْ في مقابَلةِ الانتفاع بالنَّماء حقيقةً أو مظنة، وهو مفقودٌ هنا.
وفِي ثالثةٍ: إن كان لا يُؤَمِّل رجوعَه كالمسروق والمغصوب؛ فلا زكاة فيه، وما يُؤَمِّل رجوعَه؛ كالدَّين على المفلِس والغائبِ المنقطع خبره؛ فيه الزَّكاة، قال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين:(وهذا أقربُ إن شاء الله تعالَى)
(4)
.
وفي رابعةٍ: إن كان الذي عليه الدَّين يُؤدِّي زكاتَه
(5)
؛ فلا شَيءَ على ربِّه،
(1)
في (د): بجماعة.
(2)
ينظر: الاختيارات ص 146.
(3)
أثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه أبو عبيد في الأموال (1213)، وابن زنجويه في الأموال (1709)، عن السائب بن يزيد، أن عثمان بن عفان كان يقول:«إن الصدقة تجب في الدين الذي لو شئت تقاضيته من صاحبه، والذي هو على مليء تدعه حياء أو مصانعة؛ ففيه الصدقة» ، إسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين، وأخرجه البيهقي في الكبرى (7619)، من طريق أخرى عن عثمان بنحوه.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (7112)، وابن أبي شيبة (10251)، وابن زنجويه في الأموال (1711)، والبيهقي في الكبرى (7624)، عن موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول:«أخرجوا زكاة أموالكم من حول إلى حول، فما كان لكم من دين فاجعلوه بمنزلة ما في أيديكم من أموالكم، وما كان لكم من دين ظنون، فليس فيه زكاة حتى تقبضوه» ، إسناده ضعيف، موسى بن عبيدة ضعيف لا سيما في عبد الله بن دينار، قال ابن معين:(روى عن عبد الله بن دينار أحاديث مناكير).
وأخرج أبو عبيد في الأموال (1214)، وابن زنجويه في الأموال (1710)، عن نافع، عن ابن عمر، قال:«كل دين لك ترجو أخذه، فإن عليك زكاته كلما حال الحول» ، وإسناده صحيح.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 522، الإنصاف 6/ 329.
(5)
في (د): زكاة.
وإلا وجبتْ، نَصَّ عليه في المجْحود
(1)
؛ حِذارًا من وجوب زكاتين في مالٍ واحِدٍ.
(قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَاللُّقَطَةُ إِذَا جَاءَ رَبُّهَا؛ زَكَّاهَا لِلْحَوْلِ الَّذِي
(2)
كَانَ المُلْتَقِطُ مَمْنُوعًا مِنْهَا)، هذا من صُوَر المال الضَّائع، ذَكَرها لتأكيد وُجوبِ الزَّكاة، وهو المذهب، ولذلك ذَكَرَها بغير واوٍ.
وفيه إشارة أنَّ المُلتقِطَ
(3)
يَمْلِكها بعد حولِ التَّعريف؛ إذ لو
(4)
لم يَملكْها لَوَجَب على مالِكِها زكاتُها لجميع الأحوال على المذهب، وحينئِذٍ إذا مَلَكها الملتقِطُ استقبلَ بها حولاً وزكى، نَصَّ عليه
(5)
؛ لأنَّه مَلَكها ملكًا تامًّا، فوجبتْ كسائرِ مالِه، وكونُ المالكِ له انتزاعُها إذا عَرَفها؛ لا يَضرُّ
(6)
؛ كمالٍ وَهَبَه لابنه.
وقيل: لا يَلزمُه؛ لأنَّه مَدِينٌ بها.
وعلَى الأوَّل: لا زكاةَ على ربِّها إذا زكَّاها الملتقِطُ علَى الأصحِّ.
وإن أخرَج الملتقِطُ زكاتَها عليه منها، ثُمَّ أخذَها ربُّها؛ رَجَع عليه بما أَخْرج في الأشهر.
مَسائِلُ:
يَجري الصَّداقُ، وعِوَضُ الخُلْعِ، والأجرةُ قبل القَبْض وإن لم يَستَوْفِ المنفعةَ في حول الزَّكاة، نَصَّ عليه
(7)
؛ لأنَّ الملكَ في جميعه مستقِرٌّ،
(1)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 522.
(2)
في (و): بالذي.
(3)
في (و): المتلقط.
(4)
قوله: (لو) سقط من (أ).
(5)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 185.
(6)
قوله: (لا يضر) سقط من (أ).
(7)
ينظر: الفروع 3/ 452.
وتعريضَه للزَّوال لا تأثيرَ له، وهو ظاهِرُ إجماعِ الصَّحابة
(1)
.
وعنه: حتَّى يُقبَض ذلك.
وعنه: لا زكاةَ في صداقٍ قبل الدُّخول حتَّى يُقبَضَ، فيَثبُتُ الانعقادُ والوجوبُ قبل الدُّخول، وحكاه المجْدُ إجماعًا مع احتمالِ الانفساخ.
وعنه: يَملِكُ
(2)
نصفَه قبل الدُّخول.
قال في «الفروع» : وكذا الخلاف في اعتبار القبض في كل دَين، لا في مقابلة مالٍ أو مالٍ غيرِ زَكَوِيٍّ عند الكلِّ، كموصًى به ومَورُوثٍ وثَمَنِ مَسْكَنٍ.
وعنه: لا حوْل لأُجْرةٍ، اختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(3)
؛ كالمعدِن، وقيَّدَه بعضُهم بأجرة العَقار.
وإن سَقَط الصَّداقُ قبل القبض
(4)
لانفِساخ النِّكاح مِنْ جهتها؛ فلا زكاةَ عليها في الأشهر، وإن زكَّتْ صداقَها، ثم تَنَصَّفَ بطلاقِه؛ رَجَع الزَّوجُ فيما بَقِيَ بجميع حقِّه، ذكره جماعةٌ، وإن لم تكن زكَّتْهُ قبل الطَّلاق؛ فليس لها أن تُخْرِجَ منه بعده، فإن
(5)
فعلت لم يُجزِئْها؛ لأنَّه صار مشترَكًا، وإن زكَّتْه من غيره؛ رَجَع بنصفه كامِلاً.
ولا زكاة في الفَيء والخُمُس، ولو عَزَلها الإمامُ منهما، ولا في الغنيمة والحربُ قائمةٌ، ولا في الدِّية على العاقلة قبل الحَول.
وتجبُ في مَبِيعٍ قبل القَبْض، جزم به جماعةٌ، فيزكِّيه المشتري مطلقًا
(6)
،
(1)
لعل مراده ما تقدم عن علي وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: «لا زكاةَ في الدَّين حتى يُقبَض» ، فإنه قال هناك:(ولم يُعرف لهم مخالف).
(2)
في (و): تملك.
(3)
ينظر: الفروع 3/ 452، الاختيارات ص 146.
(4)
في (ز): للقبض.
(5)
في (ب) و (ز): وإن.
(6)
قوله: (مطلقًا) سقط من (د) و (و).
وكذا مبيعٌ
(1)
بشرط الخِيار أوْ خِيار المجلس، فيزكِّيه من حُكِم له بملكه ولو فُسِخ العقْدُ، ودَينُ السَّلَم إن كان للتِّجارة ولم يكن أثْمَانًا، وثَمَنُ المبيع، ورأسُ مالِ السَّلَم قبل قبض عِوَضِهما ولو انفسخَ العقْدُ.
وتجبُ في مالِ الابن وإن كان مُعرَّضًا
(2)
لتملُّكِ الأبِ ورجوعِه، وتجبُ في وديعةٍ ومرهونٍ في الأصحِّ.
ولا تجبُ في مالٍ حَجَر عليه القاضِي للغُرَماء، كالمغصوب؛ تشبيهًا للمَنْع الشَّرْعِيِّ بالمنع الحِسِّيِّ، فإنْ حَجَر عليه بعد وجوبها؛ لم تسقط، وقيل: بلى إن كان قبل تمكُّنِه مِنْ الإخراج، وله إخراجُها منه في وَجْهٍ.
ولا يُقبَل إقرارُه بها. وعنه: بلى، كما لو صدَّقه الغريم.
(وَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَنْقُصُ النِّصَابَ)؛ أي: يَمنَع الدَّينُ وإن لم يكن من جِنسِ المال وجوبَ الزَّكاة في قَدْره من الأموالِ الباطنة روايةً واحدة؛ لقول عثمان: «هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليَقْضِه، وليزكِ
(3)
ما بَقِيَ» رواه سعيدٌ وأبو عُبَيدٍ، واحتجَّ به أحمدُ
(4)
.
والأموالُ الباطنة هي الأثْمانُ وعروضُ التِّجارة، ذَكَره الشَّيخان والسَّامَرِّيُّ، وفي المعدن وجهانِ، وجزم الشِّيرازيُّ بأنَّها الأثمان فقطْ.
وعنه: لا يمنع؛ كمن لا دَيْنَ عليه.
(1)
في (ب) و (ز): بيع.
(2)
في (د) و (و): متعرضًا.
(3)
في (أ): وليترك.
(4)
أخرجه مالك (1/ 253)، والشافعي في الأم (2/ 53)، وعبد الرزاق (7086)، وابن أبي شيبة (10555)، وأبو عبيد في الأموال (1247)، ويحيى بن آدم في الخراج (594)، ومسدد كما في المطالب العالية (899)، وابن زنجويه في الأموال (1754)، والبيهقي في الكبرى (7606)، عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان يخطب وهو يقول: وذكره. وإسناده صحيح متصل.
وعلى الأول: لا فرق بين الحالِّ والمؤجَّل، ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ، قال: ولم يُفرِّق أصحابُنا.
وجزم في «الإرشاد» وغيره: بأنَّ مانعها الدَّين الحالُّ خاصَّةً، وهو روايةٌ.
ويُستَثْنَى من كلامه: إلاَّ دَيْنًا بسبب ضَمانٍ، أوْ مؤونةِ حصادٍ ودِياس
(1)
.
ولَا يَمنَعُ الدَّينُ خُمسَ الرِّكاز.
ويَمنَعُ دَينَ الخَرَاجِ، نَصَّ عليه
(2)
، وكذا دَيْنَ المضمونِ عنه لا الضامنِ، خلافًا لما ذكره أبو المعالي؛ كنِصابٍ غُصِب مِنْ غاصبه وأَتْلَفه، فإن المنعَ يختصُّ بالثَّانِي، مع أنَّ للمالك طَلَبَ كلٍّ منهما، ولو استَأجَر لرعي غنمه بشاةٍ موصوفةٍ صحَّ، وهي كالدَّين في منعها الزَّكاة.
فَرعٌ: إذا كان عليه دَيْنٌ وله دَيْنٌ مثلُه؛ جَعَل الدَّين في مقابلة ما في يده، نَصَّ عليه
(3)
. وفيه
(4)
وَجْهٌ: في مقابلة دَينه إن كان على مَلِيءٍ.
(إِلاَّ فِي المَوَاشِي وَالْحُبُوبِ) والثِّمار، وتُسَمَّى الأموالَ الظَّاهِرَةَ، (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، فإنَّه لا يَمنَع؛ لأنَّه عليه السلام كان يبعَثُ سُعاتَه فيأخذون الزَّكاة مِمَّا وجدوا من المال الظاهر من غير سُؤالٍ عن دَيْن صاحبه، بخلاف الباطنة، وكذا الخلفاء بعدَه؛ ولأنَّ تعلُّقَ الأطماع من الفقراء بها أكثرُ، والحاجةَ إلى حفظِها أَوفرُ، بخلافِ الباطنة.
والثَّانية: يَمنَعُ، اختارها القاضِي وأصحابُه وجَمْعٌ، وهي الأصحُّ؛ لأنَّ توجُّهَ المطالبة أظْهَرُ، وإلزامَ الحاكم بالأداء منها آكَدُ وأشدُّ.
وفي ثالثةٍ: يَمنَع ما استدانَهُ للنَّفقةِ على ذلك، دون ما استدانه للنَّفقةِ على
(1)
في (و): دياس وحصاد.
(2)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 183.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله 158، زاد المسافر 2/ 385.
(4)
في (د) و (و): وفي.
نفسِه وأهلِه؛ لأنَّه في الأوَّل مِنْ مصالح الزَّرع، فهو كالخراجِ، بخلاف الثَّاني.
وردَّه بعضُهم؛ لكونها
(1)
لا تَخرُج عن الأَوَّلتين؛ لأنَّ ما هو من مصالح الزَّرع فله إخراجه منه على كلتا الرِّوايتَينِ، فإذا لم يُخرِجه أوَّلاً أخرجناه ثانِيًا؛ لأنَّ الزَّكاة إنَّما تجب فيما بقي بعده.
وفي رابعةٍ: يَمنَع ما استدانه للنَّفقة على زرعه وثمره، أو كان من ثمنه خاصة
(2)
خلا الماشية، وهو ظاهر الخِرَقِيِّ.
قال أحمدُ: (اختلف ابنُ عمر وابنُ عبَّاسٍ، فقال ابن عمرَ: يُخرِج ما اسْتَدانه وأنفق على ثمرته وأهله، ويزكِّي ما بَقِيَ. وقال ابنُ عبَّاسٍ: يُخرِج ما استدان على ثَمَرتِه، ويُزكِّي ما بَقِيَ
(3)
، وإليه أذْهَبُ)
(4)
؛ لأنَّ المُصَدِّقَ إذا جاء فوجد إبِلاً أوْ بَقَرًا أوْ غَنَمًا، لم يَسأَلْ أيُّ شَيءٍ على صاحبها، وليس المالُ هكذا.
(وَالْكَفَّارَةُ كَالدَّيْنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وهذا روايةٌ، وصحَّحها صاحبُ «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجزم به ابنُ
(5)
البَنَّاء في «خلافه» في الكفَّارة والخَرَاج، ولأنَّ ذلك يَجِبُ قضاؤه، أشْبَهَ دَيْنَ الآدَمِيِّ، ولقوله عليه السلام:«دَيْنُ اللهِ أحقُّ بِالقَضاء»
(6)
، وكذا حكم نَذْرٍ مطلقٍ وزكاةٍ ودَينِ حجٍ
(7)
وغيرِه.
(1)
في (و): بكونها.
(2)
في (أ): حاجة.
(3)
أخرجه يحيى بن آدم في الخراج (589)، ولُوَين في جزئه (59)، وابن أبي شيبة (10096)، وابن زنجويه في الأموال (1928)، والبيهقي في الكبرى (7608)، عن جابر بن زيد عنهما. وإسناده صحيح.
(4)
ينظر: المغني 3/ 68.
(5)
قوله: (ابن) سقط من (أ).
(6)
أخرجه مسلم (1148)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(7)
في (و): وحج.
والثَّانِي: لا يَمنَعُ، وهو روايةٌ، وفي «المحرَّر»: الخَرَاج من دَيْن الله؛ لأنَّ حقوقَ الله تعالَى مبناها على المساهلة، ولا مطالبَ
(1)
بها مُعينٌ، وعلى ما ذَكَره في «المحرَّر» فيه نَظَرٌ، فإنَّ المطالِبَ به الإمامُ الذي لا يُمكِنُ دَفْعُه
(2)
ولا مماطلتُه
(3)
، فهو أشَدُّ من دَين غيره.
تنبيه: إذا نَذَر الصَّدقةَ بمالٍ بِعَينه، فحال الحَول؛ فلا زكاةَ؛ لزوال مِلكه أو نقصه.
وقال ابنُ حامِدٍ: تجب.
وفي «الرِّعاية» : إذا نَذَر التَّضحيةَ بنصابٍ مُعيَّنٍ؛ فلا زكاةَ، ويَحتَمِل وُجوبها إذا تمَّ حولُه قبلها.
وإن
(4)
قال: لله عليَّ الصدقةُ بهذا النِّصاب إذا حال الحولُ؛ فقيل: لا زكاةَ، وقيل: بلى، فتجزئه الزَّكاة منه في الأصحِّ، ويَبْرَأُ بِقدْرِها من الزَّكاة والنَّذر إن نواهما معًا؛ لكون الزَّكاة صدقةً.
وكذا لو نذَر الصَّدقةَ ببعض النِّصاب؛ هل يُخرِجُهما، أو يدخلُ النَّذرُ في الزَّكاة ويَنوِيهما؟ ذكره في «الفروع» .
(الْخَامِسُ: مُضِيُّ الحَوْلِ شَرْطٌ)؛ لقَول عائشةَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا زكاةَ في مالٍ حتَّى يَحُولَ عليه الحَولُ» رواه ابنُ ماجَهْ من روايةِ حارثةَ بن محمَّدٍ، وقد ضعَّفه جماعةٌ، وقال النسائي:(متروكٌ)
(5)
، ورَوَى التِّرمذي معناه من حديثِ
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): ولا يطالب.
(2)
في (ب) و (ز): رفعه.
(3)
في (و): ولا مطالبته.
(4)
في (و): وإذا.
(5)
أخرجه ابن ماجه (1792)، وأبو عبيد في الأموال (1131)، والبزار (303)، والدارقطني (1889)، والبيهقي في الكبرى (7274)، من طرقٍ عن حارثة بن محمَّد، عن عمرة، عن عائشةَ رضي الله عنها مرفوعًا.
وأخرجه ابن أبي شيبة (10222)، عن حماد بن سلمة، عن حارثة بن محمد، عن عمرة، عن عائشة موقوفًا نحوه، والحديث مداره على حارثة بن محمَّد بن أبي الرِّجال، الأنصاريّ المدنيّ، وهو متكلَّمٌ فيه، قال عنه ابن معين:(ضعيف ليسَ يُكتب حديثه)، وقال البخاريُّ وأبو حاتم:(منكر الحديث)، وقال أحمد:(ضعيفٌ ليس بشيءٍ)، الاضطراب فيه رفعًا ووقفًا منه، قال الدارقطني:(ويشبه أن يكون هذا من حارثة)، فالحديث منكرٌ ضعيفٌ جدًّا، لا يصحُّ مرفوعًا ولا موقوفًا؛ وضعف الحديث ابن الجوزي وابن الملقن والبيهقيُّ وغيرهم. ينظر: العلل للدارقطني 4/ 426، التاريخ الكبير 3/ 94، الجرح والتعديل 2/ 255، السنن الكبرى للبيهقي 4/ 160، التحقيق في أحاديث الخلاف 2/ 28، تهذيب الكمال 5/ 314، البدر المنير 5/ 455.
ابنِ عمرَ مِنْ روايةِ عبدِ الرَّحمن بنِ زيدِ بنِ أسْلَمَ، وقد تَكلَّمَ فيه غَيرُ واحِدٍ
(1)
، قال الخَطَّابِيُّ: (أراد به المالَ النَّامِيَ كالمواشِي والنقود
(2)
؛ لأنَّ نَماءَها لا يَظهَر إلاَّ بِمُضِيِّ الحَول عليها)
(3)
، وإذا ثبت فيهما ثبت في عُروض التِّجارة؛ لأنَّ الزَّكاة في قيمتها؛ ولأنَّها لا تَجِبُ إلاَّ في مِلكٍ نامٍ
(4)
، فاعتُبِر له الحَول رِفْقًا بالمالِك، ولِيَتكامَل النَّمَاءُ فيساوى
(5)
منه.
(1)
أخرجه الترمذيُّ (631)، والدارقطني (1895)، والبغويُّ في شرح السنة (1576)، من طرقٍ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا:«من استفاد مالاً؛ فلا زكاةَ عليه حتى يحول عليه الحول عند ربِّه» ، وعبد الرحمن بن زيد ضعيف، وقد وهِمَ في رفع هذا الحديث، خالفه نافعٌ فرواه عن ابن عمر موقوفًا عليه أخرجه مالك في الموطأ (1/ 246)، قال الترمذي:(وهذا أصحُّ من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ورواه أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيفٌ في الحديث، ضعفه أحمد ابن حنبل وعلي بن المديني وغيرهما من أهل الحديث، وهو كثير الغلط). ينظر: الجرح والتعديل 5/ 233، تهذيب الكمال 17/ 117.
(2)
في (أ): والتقوى.
(3)
ينظر: معالم السنن 2/ 31.
(4)
في (ب) و (د) و (و): تام.
(5)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الروض المربع والكشاف وغيرهما: فيواسي.
وظاهِرُه: لا بُدَّ مِنْ تمامِ الحَول، والأَشْهَرُ: أنَّه يُعْفَى عن ساعتَينِ، وكذا نِصفُ يَومٍ.
وفِي «المحرَّر» وقاله جَماعةٌ: لا يُؤثِّرُ نَقصُه دُونَ اليَوْمِ؛ لأنَّه لا ينضبط غالِبًا، ولا يُسَمَّى في العُرْف نَقْصًا.
ولا يُعتَبَرُ طَرَفَا الحَوْل خاصَّةً. ولنا وجْهٌ.
(إِلاَّ فِي الْخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ)؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعَام: 141]، وذلك يَنفِي
(1)
اعتبارَه في الثِّمار والحبوب، وأمَّا المعدنُ والرِّكاز فبالقِيَاس عليهما.
(فَإِذَا اسْتَفَادَ مَالاً) بإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ ونحوِها؛ (فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ)؛ لقوله عليه السلام: «لَيْس في المستفاد زكاةٌ حتَّى يَحُولَ عليه الحَوْلُ» رواه التِّرمذِيُّ، وقال: رُوِيَ موقوفًا
(2)
على ابن عمرَ، وهو أصح
(3)
، ولأنَّه مالٌ مَلَكَه بسببٍ مُنفَرِدٍ، فاعتُبِرَ له الحَولُ، أشْبَه ما لو استفاده ولا مالَ له غيرَه.
وظاهره: لا فَرْقَ بَيْن أن يكونَ من جِنْس ما عنده؛ كمن استفاد إبلاً وعنده إبلٌ، أوْ مِنْ غير جِنْسه.
(إِلاَّ نِتَاجَ السَّائِمَةِ، وَرِبْحَ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ حَوْلَهُمَا حَوْلُ أَصْلِهِمَا)؛ أي: يَجِب ضَمُّهما إلَى ما عِندَه من أصْلِه (إِنْ كَانَ نِصَابًا) في قول الجمهور،
(1)
في (أ) و (ب): يبقي.
(2)
في (أ) و (ب): مرفوعًا.
(3)
أخرجه مالك (1/ 246)، وعبد الرزاق (7030)، وابن أبي شيبة (10216)، والشافعي في الأم (2/ 18)، وابن زنجويه في الأموال (1623)، والترمذي (632)، والدارقطني (1894)، والبيهقي في الكبرى (7320)، من طرق عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفًا بإسناد صحيحٍ. وروي مرفوعًا، وضعف المرفوع الترمذي والبيهقي وغيرهما، وسبق تخريج المرفوع 3/ 245 حاشية (2).
لقول
(1)
عمر: «اعْتَدَّ عليهم بالسخلة
(2)
، ولا تَأخذْها منهم» رواه مالِكٌ
(3)
، ولقول علِيٍّ:«عدَّ عليهم الصِّغارَ والكِبارَ»
(4)
، ولا يُعرَفُ لهما مخالِفٌ في الصَّحابة، ولأِنَّ السَّائمةَ تَختَلِف وقْتَ وِلادتها، فإفراد كلِّ واحدةٍ يَشُقُّ، فجعلت تَبَعًا لِأُمَّهاتها، ولأنَّها تابِعةٌ لها في الملك، فتتبعها في الحَول، فلو
(1)
في (و): ولقول.
(2)
في (ز) و (و): بالمسخلة.
(3)
أخرجه مالك (1/ 265)، والشافعي في القديم كما في معرفة السنن (7978)، وابن زنجويه في الأموال (1511)، والطبراني في الكبير (6395)، والبيهقي في الكبرى (7302)، وفيه راوٍ لم يسم، وبه أعله ابن حزم في المحلى 4/ 86.
وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 10، 2/ 17)، وعبد الرزاق (6808)، وابن أبي شيبة (9985)، وأبو عبيد في الأموال (1044)، والبيهقي في الكبرى (7301)، وإسناده جيد، وأعله ابن حزم في المحلى ببشر بن عاصم بن سفيان وأبيه، قال:(كلاهما غير معروف)، ولم يصب، بشر وثَّقه ابن معين، وعاصم روى له ثلاثة وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب:(صدوق).
وأخرجه عبد الرزاق (6816)، وأبو عبيد في الأموال (1043)، من طريق أخرى، وإسناده صحيح متصل، وأعله ابن حزم بعكرمة بن خالد، قال الحافظ في التلخيص 2/ 347:(ضعفه بعكرمة بن خالد وأخطأ في ذلك؛ لأنه ظنه الضعيف ولم يرو الضعيف هذا، إنما هو عكرمة بن خالد الثقة الثبت).
(4)
لم نقف عليه، قال ابن الملقن في البدر المنير 5/ 473:(وهو غريب، لا يحضرني من خرَّجه)، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 2/ 350:(وأما قول عليٍّ فلم أره).
قال الحافظ: (وقد روى الخطابي في غريبه، من طريق عطية، عن ابن عمر: أن عليًّا بعث إلى عثمان بصحيفة فيها: «لا تأخذوا من الزخة ولا النخة شيئًا»، قال الخطابي: الزخة أولاد الغنم، والنخة أولاد الإبل، قلت: وهذا معارضٌ لما ذُكر عن علي، لكن إسناده ضعيف)، وهو في غريب الحديث للخطابي (2/ 176)، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه مبشر بن عبيد وهو متروك، بل رماه الإمام أحمد بالوضع، وحجاج بن أرطاة وعطية العوفي وهما ضعيفان.
وقد أخرجه ابن خزيمة (2262)، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا في حديث الزكاة الطويل، وفيه:«ويعد صغيرها وكبيرها» ، وتفرد بهذه اللفظة أيوب بن جابر، عن أبي إسحاق، وهو ضعيف الحديث.
ماتَتْ واحدةٌ من الأمات
(1)
، فنتجت سخلة؛ انقطع، بخلاف ما لو نتجت ثم ماتت، وربح التجارة كذلك معنى، فوجب أن يكون مثلَه حُكْمًا.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الأصلُ (نِصَابًا؛ فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ)؛ لِأَنَّه حِينَئِذٍ يَتحقَّقُ فيه التَّبعِيَّةُ لِمَا وجبت فيه الزَّكاةُ، وقد عُلِمَ أنَّه قبل ذلك لا تَجِبُ فيه الزَّكاة؛ لنقصانه عن النِّصاب.
ونَقَلَ حنبَلٌ: حولُ الكلِّ منذ ملك الأمات
(2)
كنَمَاء النِّصاب
(3)
، وفيه شَيءٌ.
تنبيهٌ: إذا نَضَّ الرِّبْحُ قبل الحول؛ لم يَستأْنِفْ له حَولاً.
ولا يَبْنِي الوارِثُ على حول الموروث، نقله الميمونِيُّ عن أحمدَ
(4)
.
ويَضُمُّ المستفادَ إلى نصابٍ بيده من جنسه أوْ في حكمه، ويُزَكِّي كلَّ واحِدٍ إذا تَمَّ حَولُه. وقيل: يُعتَبَرُ النِّصاب من
(5)
مستفادٍ.
(وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا صِغَارًا؛ انْعَقَدَ عَلَيْهِ الحَوْلُ
(6)
حِينَ مَلَكَهُ)، هذا هو المذهب؛ لعموم قوله:«فِي أرْبعينَ شاةً شاةٌ»
(7)
؛ لأنَّها تَقَعُ على الكبير
(1)
في (أ): الإناث، وفي (ب) و (و): الأمهات.
(2)
في (أ): الإناث.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 33.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 470.
(5)
قوله: (من) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(6)
زيد في (ب) و (ز): من.
(7)
أخرجه أبو داود (1568)، والترمذي (621)، وابن ماجه (1805)، وأبو يعلى (5470)، والحاكم (1443)، والبيهقي في الكبرى (7252) من طرق عن الزهري، عن سالم، عن أبيه في حديثٍ طويلٍ، وقد اختلف في وصله وإرساله، قال الترمذي:(حديث ابن عمر حديث حسن، والعمل على هذا الحديث عند عامة الفقهاء، وقد روَى يونس بن يزيد وغيرُ واحدٍ، عن الزهري، عن سالم هذا الحديث، ولم يرفعوه، وإنما رفعه سفيان بن حسين)، ومراده بقوله:(رفعه) أي: وصله، وقال:(سألتُ محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ عن هذا الحديث؟، فقال: أرجو أن يكون محفوظًا، وسفيان بن حسين صدوقٌ)، قال ابن حجر:(ويقال تفرد بوصله سفيان بن حسين وهو ضعيف في الزهري خاصة، والحفاظ من أصحاب الزهري لا يصلونه)، والحديث حسنَّه الترمذي وابن حجر، وصححه الألباني، وله شواهد منها كتاب الصدقة عند البخاري (1454)، من حديث أنس رضي الله عنه. ينظر: جامع الترمذي 2/ 11، الكامل لابن عدي 4/ 476، البدر المنير 5/ 417، تخريج أحاديث المختصر لابن حجر 1/ 203، التلخيص الحبير 2/ 341، الإرواء 3/ 266.
والصَّغير، ولقول أبي بكر:«لو مَنعوني عناقًا كانوا يُؤدُّونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتَلْتُهم على مَنْعها»
(1)
، وهي لا تَجب في الكبار.
لكن لو تغذَّت باللَّبن فقط؛ فقيل: تجب؛ لوجوبها فيها تَبَعًا للأمات
(2)
كما تتبعها في الحول، وقيل: لا؛ لعدم السَّوم، اختاره المجْدُ.
(وَعَنْهُ: لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَبْلُغَ سِنًّا يُجْزِئُ مِثْلُهُ فِي الزَّكَاةِ)؛ لقول مُصَدِّقِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أمرني
(3)
أن لا آخُذَ مِنْ راضِعٍ شَيئًا، إنَّمَا حَقُّنا في الثَّنِيَّة والجَذَعة»
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (1400)، ومسلم (20)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في (أ): للإناث.
(3)
قوله: (أمرني) سقط من (أ) و (ب).
(4)
أخرجه أحمد (18837)، وأبو داود (1579)، والنسائي (2457)، والدارقطني (1947)، من حديث هلال بن خبَّاب، عن ميسرة أبي صالح، عن سويد بن غفلة قال: أتانا مُصدَق النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وذكره. ومداره على هلال بن خبَّاب، أبو العلاء البصري، وهو صدوقٌ تغيَّر بأخرةٍ، وقد وثَّقه قومٌ وتكلَّم فيه من قبل حفظه آخرون، قال ابن الجوزي:(أمَّا حديث سويد ففيه هلال بن خبَّاب، وهو ضعيفٌ. قال أبو حاتم ابن حبَّان: اختلط في آخر عمره وكان يحدِّث بالشَّيء على التَّوهم، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد)، وتعقَّبه ابن عبد الهادي فقال:(هلال بن خبَّاب، وثَّقه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم الرَّازيُّ وغيرهم، وذكره ابن حِبَّان في كتاب الثِّقات، وقال: يخطئ، ويخالف. وذكره أيضًا في كتاب الضُّعفاء كما ذكره المؤلِّف)، والحديث حسَّنه النَّوويُّ وابن الملقِّن والألباني.
ولم يرد في حديث سويد هذا ذكرٌ للجذعة والثَّنية، كما ذكر النَّووي وابن الملقن وغيرهما، لكن ورد من حديث آخر: أخرجه أحمد (15426)، وأبو داود (1581)، والنسائي (2462)، والبيهقي في الكبرى (7300)، من حديث سعر بن ديسم، عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث طويل، وفيه:«وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ شافعًا، قلت: فأي شيء؟ قالا: عناقًا جذعة، أو ثنية» ، وفيه مسلم بن شعبة، ويقال: مسلم بن ثفنة، ولا يصح كما قاله البخاري وغيره، وهو مقبول، ولم يتابع على هذا الحديث، وضعفه الألباني في الإرواء. ينظر: الاستغناء لابن عبد البر 2/ 773، التحقيق لابن الجوزي 2/ 29، المجموع 5/ 399، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 3/ 21، البدر المنير 5/ 436، التلخيص الحبير 2/ 301. صحيح سنن أبي داود 5/ 299، الإرواء 3/ 272.
وعليها: إذا ماتت الأمات
(1)
كلُّها إلاَّ واحدةً؛ لم يَنقَطِع الحَولُ، بخلاف
(2)
إذا ماتَتْ كلُّها، قاله في «الشَّرْح» .
وذكَر القاضِي في «شرحه الصَّغير» : أنَّها تَجِب في الحِقاق، وفي بناتِ المَخاضِ واللَّبونِ وجْهانِ، بناءً علَى السِّخال.
(وَمَتَى نَقَصَ النِّصَابُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ)؛ انقطع؛ لأنَّ وجودَ النِّصابِ في جميع الحول شرطٌ للوجوب.
وظاهِرُه: عدَمُ العَفْو عنه مطلَقًا، لكنَّ اليَسيرَ مَعْفُوٌّ عنه؛ كالحبَّة والحبَّتَينِ، ولا في النَّقْص بين أن يكون في وسَط الحول أو طرفِه.
وظاهر كلام القاضي وغيرِه: أنَّ اليسيرَ في وسط الحول مؤثِّرٌ، وظاهرُ الخبر يَقتضي التَّأثير مطلَقًا، قال في «الشَّرح»: وهو أوْلَى إن شاء الله تعالى.
(أَوْ بَاعَهُ)، ولو بَيْع خِيَارٍ على المذهب، (أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ)؛ كمَنْ أبْدَل أربعين من الغنم بعشرين دِينارًا، أو مائتي درهمٍ بثلاثين من البقر، (انْقَطَعَ الْحَوْلُ)؛ لما تقدَّم، ويستأنفُ حولاً، لكن لا يَنقطع بموت الأمات
(3)
والنِّصابُ تامُّ النِّتاجِ، ولا ببيع فاسد.
(1)
في (أ): الإناث.
(2)
زاد في (أ): (ما).
(3)
في (أ): الإناث.
وظاهرُه: أنَّه يَنقَطِع إذا أَبْدَل ذَهبًا بفضَّةٍ، وبالعكس، وهو روايةٌ مخرَّجةٌ من عدم الضَّمِّ وإخراجه عنه؛ لأنَّهما جنسان. والمذهبُ: لا يَنقَطِع؛ لأنَّهما كالجنس الواحد.
فإن لم يَنقطع
(1)
؛ أَخرج ممَّا معه عند وجوب الزَّكاة، وذكر القاضي: أنَّه يُخرِج ممَّا مَلَكه أكثرَ الحَول، قال ابنُ تميمٍ:(ونَصَّ أحمدُ على مثله)
(2)
.
وذكر القاضي وأصحابُه والشَّيخان: إذا اشترى عرْضًا لتجارةٍ بنقدٍ، أو باعها به؛ أنَّه يَبني على حولِ الأوَّل؛ لأنَّ الزَّكاةَ تجبُ في أثمان العروض، وهي مِنْ جِنسِ النَّقد وِفاقًا
(3)
.
وفي عَطفِه الإبدالَ على البَيع؛ دليلٌ على أنَّهما غَيران.
قال أبو المَعَالِي: المبادَلةُ هل هي بيع
(4)
؟ فيه روايتان، ثمَّ ذكر نَصَّه بجواز إبدالِ المصحفِ لا بيعِه، وقولَ أحمدَ: المعاطاةُ بيعٌ، والمبادَلةُ مُعاطاةٌ
(5)
.
وبعض أصحابنا عبر بالبيع، وبعضٌ بالإبدال، ودليلهم يقتضي التَّسوية.
فَرعٌ: لا يَنقَطِعُ الحَولُ في أموال الصَّيارفة؛ لئلاَّ يُفْضِي إلى سقوطها فيما ينمو ووجوبِها في غيره، والأصولُ تَقْتَضِي العَكسَ.
(إِلاَّ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ عِنْدَ قُرْبِ وُجُوبِهَا، فَلَا تَسْقُطُ) ويحرم؛ لقوله تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} الآيات [القَلَم: 17]، فعاقبهم تعالى بذلك؛ لفرارهم من الزَّكاة؛ لأنَّه قصد به إسقاط حقِّ غيرِه، فلم
(1)
في (ز): لم يقطع.
(2)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 198.
(3)
ينظر: المبسوط 2/ 190، الفواكه الدواني 1/ 331، إعانة الطالبين 2/ 168، المغني 3/ 59.
(4)
في (أ): مبيع.
(5)
ينظر: الفروع 3/ 475.
يسقط، كالمطلِّق في مرض موته.
وشرَط المؤلِّفُ وجماعةٌ: أن يكون ذلك عند قُرْب وجوبها؛ لأنَّه مظِنَّة قصدِ الفرار، بخلاف ما لو كان في أوَّل الحول أو وسطه؛ لأنَّها بعيدةٌ
(1)
أو منتفية
(2)
.
وفي «الرِّعاية» : قبل الحول بيومين. وقيل: أو بشهرين لا أزيَدَ.
والمذهب: أنَّه إذا فَعَل ذلك فِرارًا
(3)
منها؛ أنَّها لا تَسقُط مطلقًا، أطلقه أحمدُ، وحُكْم الإتلاف كذلك، وحينئذ يزكِّي مِنْ جِنس المبيع لذلك
(4)
الحول.
وفي «مفردات» أبِي يَعْلَى الصَّغيرِ عن بعض أصحابنا: تسقط بالتَّحيُّل، وهو قول أكثرهم، كما بعد الحول الأوَّل؛ لعدم
(5)
تحقُّق التَّحيُّل فيه.
فَرعٌ: إذا ادَّعى عَدَمَ الفرار، وثَمَّ قرينةٌ؛ عُمِل بها، وإلاَّ فالقولُ قولُه فِي الأشهر.
(وَإِنْ أَبْدَلَهُ بِنِصَابٍ مِنْ جِنْسِهِ؛ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ) نَصَّ عليه
(6)
؛ لأنَّه لم يَزَل مالِكًا لنصابٍ في جميع الحول، فوجبت الزَّكاة لوجود شرطِها.
وإن زاد بالاستبدال؛ تَبِع الأصلَ في الحول، نَصَّ عليه
(7)
؛ كنتاج، فلو أبدل مائة شاةٍ بمائتَين؛ لزمه شاتان إذا حال حولُ المائة.
وقال أبو المَعَالِي: يَستأْنِف لزائدٍ حولاً، وهو ظاهِرٌ.
(1)
في (أ): بعيد به.
(2)
في (ز): متفية.
(3)
في (و): قرارًا.
(4)
في (د) و (و): كذلك.
(5)
في (أ): بعدم، وفي (ب) و (ز): كعدم.
(6)
ينظر: المغني 2/ 503.
(7)
ينظر: المغني 2/ 503.
ومقتضاه: أنَّه إذا أبدَلَه بدون نصابٍ؛ أنَّه ينقطعُ، وهو كذلك.
(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَنْقَطِعَ)، ذكره أبو الخطَّاب؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما لم يَحُلْ عليه الحَولُ، وكالجنسين
(1)
، وكرجوعه إليه بعَيبٍ أوْ فَسْخٍ.
(وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ؛ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِ المَالِ)، نقله واختاره الأكثرُ
(2)
، قال الجمهورُ: هو ظاهِر المذهب، وجزَم به في «الوجيز»؛ لقوله عليه السلام:«في أربعين شاةً شاةٌ»
(3)
، و «فيما سَقَت السَّماءُ العُشْرُ»
(4)
، وغيرها من الألفاظ الواردة بلفظ «في» المقتضية للظَّرْفِيَّةِ، وإنَّما جاز
(5)
الإخراج من غيرِه رُخْصَةً.
(وَعَنْهُ: تَجِبُ
(6)
فِي الذِّمَّةِ)، اختاره
(7)
الخِرَقِيُّ وأبو الخَطَّاب، قال ابْنُ عَقِيلٍ: هو الأشبه بمذهبنا؛ لأنَّه يجوز إخراجُها من غير النِّصاب، أشْبَهَ صدقةَ الفطر، ولو وجبت فيه لامتنع تَصرُّف المالك فيه بغير
(8)
إذن الفقير، ولتمكُّنه من أدائها من
(9)
غير المال، ولسقطت بتلفه
(10)
من غير تفريطٍ، كسقوط أَرْش الجناية بتلف الجانِي.
(وَلَا يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِهَا إِمْكَانُ الْأَدَاءِ)؛ لخبر اشتراط الحول، فإنَّه يَدُلُّ على الوجوب بعد الحول مطلَقًا، ولأنَّها حقُّ الفقير
(11)
، فلم يُعْتَبَر فيها إمكانُ
(1)
في (د): كالجنسين.
(2)
ينظر: الفروع 3/ 477.
(3)
تقدم تخريجه 3/ 248 حاشية (7).
(4)
أخرجه البخاري (1483)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5)
في (و): أجاز.
(6)
في (د): يجب.
(7)
في (د) و (و): اختارها.
(8)
في (د): بغمر.
(9)
في (د) و (و): في.
(10)
في (أ): بتلفظه.
(11)
في (أ): الفقراء.
الأداء
(1)
؛ كدَين الآدَمِيِّ، ولأنَّه لوِ اشتُرِط لم يَنعَقِد الحولُ الثَّانِي حتَّى [يَتَمكَّن]
(2)
من الأداء، وليس كذلك، بل ينعقد عقب الأوَّل إجْماعًا، واحتجَّ القاضي: بأنَّ للسَّاعِي المطالبةَ، ولا يكون إلاَّ لحقٍّ
(3)
سَبَقَ وجوبُه، كالصَّوم، فإنَّه يقضيه المريض، بخلاف الإطعام عنه على الأصحِّ؛ لأنَّ في الكفارة والفدية معنَى العقوبة.
وعنه: يعتبر؛ لأنَّها عبادةٌ، فاشتُرِط لوجوبها إمكان الأداء؛ كسائر العبادات.
وعنه: يعتبر في غير المال الظَّاهر.
والأوَّل هو المجزوم به، وقياسُهم يَنقلِب، فيقال: عبادة، فلا يُشترَط لوجوبها إمكانُ الأداء؛ كسائر العبادات، فإنَّ الصوم يجب على المريض والحائض والعاجز عن أدائه.
وعليه؛ لو أتلف النِّصاب بعد الحَول قبل التَّمكُّن من الأداء؛ ضمنها، وعلى الثَّانية: لا، وجزم في «الكافي» و «نهاية أبي المعالي» بالضَّمان.
(وَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ المَالِ)؛ لأنَّها عَينٌ تَلزَمه مُؤْنة تسليمها إلى مستحقِّها، فضمنها بتلفها
(4)
في يده؛ كعاريةٍ وغصبٍ.
وظاهره: ولو فرَّط؛ لأنَّها حَقُّ آدمِيٍّ، أو مشتمِلةٌ عليه، فلا يسقط بعد وجوبها؛ كدَينِ الآدمِيِّ.
ويستثنى منه: المعشَّرات إذا تلفت بآفة قبل الإحراز، وفي «المحرَّر»: قبل
(1)
في (د): أداء.
(2)
كذا في (ب)، وفي الأصل وباقي النسخ: يمكن. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي وكشاف القناع.
(3)
في (د) و (و): بحق.
(4)
في (أ): تتلفها.
قطعها؛ لأنَّها من ضمان البائع، بدليل الجائحة؛ إذ استقراره منوطٌ بالوضع في الجَرِين، وزكاة الدَّين؛ لعدم تلفه بيده.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْقُطُ إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ
(1)
، قال المؤلِّف:(وهو الصَّحيح إن شاء الله تعالى؛ لأنَّها تَجِب على سبيل المواساة، فلا تَجِب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفَقْرِ من تجب عليه)، ولأنَّها حقٌّ يتعلَّق بالعين، فيسقط
(2)
بتلفها من غير تفريطٍ؛ كالوديعة.
وجزم بعضهم: إن عُلِّقَت بالذِّمَّة لم تسقط، وإلاَّ فالخلاف.
وقال المجْدُ على الرِّواية الثَّانية: تسقط
(3)
في الأموال الظَّاهرة دون الباطنة، نَصَّ عليه
(4)
.
وقال أبو حفص العُكْبريُّ: روى أبو عبد الله النَّيسابوري الفرقَ بين الماشية والمال، والعمل على ما رَوَى الجماعةُ: أنَّها كالمال، ذكره القاضي وغيره.
(وَإِذَا مَضَى حَوْلَانِ عَلَى نِصَابٍ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُمَا؛ فَعَلَيْهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ إِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ)، ولو تعدَّى بالتَّأخير؛ لأنَّ المال يَصيرُ ناقِصًا؛ لتعلُّق حق الفقراء بجزء منه، فلا يجب
(5)
فيه للحول الثَّانِي لنقصانه
(6)
، وتصير زكاة الحَول الأوَّلِ باقِيةٌ.
(وَزَكَاتَانِ إن قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ)؛ أطلقه أحمدُ
(7)
وبعض الأصحاب؛
(1)
في (ز): لم تفرط.
(2)
في (د) و (ز) و (و): فتسقط.
(3)
في (أ) و (د): يسقط.
(4)
ينظر: الفروع 3/ 483.
(5)
في (و): فلا تجب.
(6)
في (د): بنقصانه.
(7)
ينظر: مسائل صالح 2/ 196، زاد المسافر 2/ 391.
لأنَّ المالَ نصابٌ كامِلٌ في
(1)
كلِّ حَولٍ، فلم يؤثِّر في تنقيص النِّصاب.
قال ابن عَقيلٍ: ولو قلْنا: إنَّ الدَّين يَمنَع؛ لم تسقط هنا؛ لأنَّ الشَّيء لا يُسقِط نفسَه، وقد يُسقِط غيرَه.
واختار جماعةٌ منهم صاحب «المستوعب» و «المحرَّر» : إن سقطت الزَّكاة بدَين الله، وليس له سوى النِّصاب؛ فلا زكاةَ للحول الثَّانِي، لأجل الدَّين، لا للتَّعلُّق بالعين.
زاد صاحب «المستوعب» : متى قلْنا: يَمنَع الدَّين فلا زكاة للعام الثَّاني، تعلقت بالعين أو الذِّمَّة، وإنَّ أحمد حيث لم يُوجب زكاة الحول الثَّانِي، فإنَّه بناء علَى رواية مَنْع الدَّين؛ لأنَّ زكاة العام
(2)
الأوَّل صارت دَينًا على ربِّ المال، والعكس بالعكس.
فعلى المذهب: في مائتين وواحدة من الغنم: خمس؛ ثلاث للأوَّل، واثنتان للثَّانِي، وعلى الثاني: سِتٌّ لحَولَينِ.
(إِلاَّ مَا كَانَتْ زَكَاتُهُ الْغَنَمَ مِنَ الْإِبِلِ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ زَكَاةً)، نَصَّ عليه في رواية الأثرم
(3)
؛ أنَّ
(4)
الواجب فيه في الذِّمَّة، وأنَّ الزَّكاة تتكرَّر؛ لأنَّ الواجب من غير الجنس؛ أي: ليس بجزءٍ من النِّصاب، وبه يُفَرَّق بينه وبين الواجب من الجنس، فظاهر
(5)
كلام أبي الخطَّاب، واختاره السَّامَرِّيُّ، و «المحرَّر»: أنَّه كالواجب من الجنس؛ لأنَّ تعلق الزَّكاة كتعلق الأَرْش بالجانِي.
فعلى ما ذكره: لو لم يكن سوى خَمْسٍ من الإبل؛ ففي امتِناع زكاة الحَول
(1)
في (د): من.
(2)
في (أ): الحول.
(3)
ينظر: مسائل صالح 2/ 196، زاد المسافر 2/ 391.
(4)
في (و): لأن.
(5)
في (و): وظاهر.
الثَّاني لكونها دَيْنًا؛ ما سبق
(1)
من الخلاف.
(وإن
(2)
كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ؛ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ جَمِيعِهِ لِكُلِّ حَوْلٍ إِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ)؛ لأنَّ الزَّكاةَ لما وجبت في الذِّمَّة؛ لم تتعلَّق بِشَيءٍ من المال، فوجب إخراجُها لكلِّ حَوْلٍ ما لم تُفْنِ
(3)
الزَّكاةُ المَالَ.
(وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ فِي الْعَيْنِ؛ سَقَطَ
(4)
مِنْ زَكَاةِ كُلِّ حَوْلٍ بِقَدْرِ نَقْصِهِ بِهَا
(5)
؛ لأنَّها لَمَّا وجبتْ في العين؛ نَقَص من المال مقدار الزَّكاة لتعلُّقها به، فوجَب ألاَّ تَجِب فيه زكاةٌ؛ لكونه مستحَقًّا للفقراء، فوجب أن يَنقُص من الجميع مقدارُ زكاة النَّقْص الذي تعلَّقتْ به الزَّكاةُ.
فَعَلَى الأوَّل: لو كان له أربعمائة درهم؛ وجب فيها لحولَين عشرون، وعلَى الثاني: تسعةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ونِصفُ درهم ورُبُعُه؛ لأنَّه تعلَّق قدرُ الواجب في الحول الأوَّل بالمال في الحول الثَّانِي، فينقص عشَرَةً، فتبقى
(6)
ثلاثمائة وتسعون دِرْهمًا.
وقوله: (سَقَطَ مِنْ زَكَاةِ كُلِّ
(7)
حَوْلٍ)؛ لا يَشمَل الحولَ الأوَّلَ؛ لأنَّه لَمَّا حال لم يكن قبلَه شَيءٌ وَجَبْ حتَّى يَنقُص بقدره على التَّعلُّق بالعين.
(وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ
(8)
؛ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ)؛ نَصَّ عليه
(9)
؛
(1)
في (أ): فأسبق.
(2)
في (و): فإن.
(3)
في (د): ما لم نقن.
(4)
في (ب) و (ز) و (و): نقص.
(5)
في (أ): به.
(6)
في (و): فيبقى.
(7)
في (ز): نقص من زكاته لكل.
(8)
في (أ) و (ب): زكاة.
(9)
ينظر: الفروع 3/ 485.
لقوله عليه السلام: «فَدَين الله أحقُّ بالقضاء»
(1)
، ولأنَّه حَقٌّ واجِبٌ تصح الوصية به
(2)
، فلم يسقط بالموت؛ كدَين الآدَمِيِّ.
وظاهره: ولو لم يُوصِ بها كالعشر، ونقل إِسْحاقُ بن هانئ: في حجٍّ لم يُوصِ به، وزكاةٍ وكفَّارةٍ: من الثُّلُث
(3)
، ونقل عنه أيضًا: من رأس المال مع علم ورثته
(4)
به، ونقل عنه أيضًا
(5)
في زكاة وصدقة: من رأس ماله
(6)
، قال في «الفروع»: ولم أجِدْ في كلام الأصحاب سوى النص السَّابق.
(فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) ولم يف بالكُلِّ؛ (اقْتَسَمُوا بِالْحِصَصِ)، نَصَّ عليه
(7)
، كديون الآدَمِيِّينَ إذا ضاق عنها المالُ.
وعنه: يُبدَأ بالدَّين، وذكره بعضُهم قولاً؛ لتقديمه بالرهنية
(8)
، ولأنَّ حقَّه مبنِيٌّ على الشُّحِّ، بخلاف حقِّ الله.
وأجاب ابن المنجى: بأنَّها حقُّ آدَمِيٍّ، أوْ مشتمِلَةٌ على حقِّه.
وقيل: تُقدَّم الزَّكاة إن عُلِّقت بالعين، اختاره في «المجرد»
(9)
و «المستوعب» ، قال صاحب
(10)
«المحرر» : لبقاء المال الزكوي، فجعله أصْلاً، ولو علِّقت بالذِّمَّة؛ لأنَّ تعلُّقها بالعين قهرِيٌّ، فيقدَّم على مرتَهِنٍ،
(1)
في (أ): بالوفاء.
والحديث أخرجه البخاري (1852)، ومسلم (1148)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
قوله: (به) سقط من (أ).
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 179.
(4)
في (د) و (ز): ورثة.
(5)
قوله: (أيضًا) سقط من (أ).
(6)
ينظر: الفروع 3/ 486.
(7)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 187.
(8)
في (أ): بالرهينة.
(9)
في (أ): المحرر. والمثبت موافق لما في الإنصاف 6/ 385.
(10)
في (أ): في.
وغريمٍ مفلِسٍ؛ كأرْش جِنايَةٍ، وإن تعلَّقت بالذِّمة؛ فهذا التعلق بسبب المال، فيزداد وينقص، ويختلف بحسبه.
وعنه: تُقدَّم
(1)
الزَّكاةُ على الحجِّ؛ لأنَّ قدر الواجب منها مستقِرٌّ.
ويُقدَّم النَّذر بمعيَّن عليها، وعلى الدَّين.
(1)
في (و): يقدم.
(بَابُ زَكَاةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)
بدأ به؛ اقتداءً بكتاب الصِّدِّيق الذي كتبه لأنسٍ رضي الله عنهما، أخرجه البُخاريُّ بطوله مُفرَّقًا
(1)
.
سُميت بهيمةً
(2)
؛ لأنها لا
(3)
تتكلَّم، والأنعام هي الإبل والبقر والغنم، وقال عياض: النَّعم: هي الإبل خاصَّةً، فإذا قيل: الأنعام دَخَل فيه البقرُ والغنمُ
(4)
.
(وَلَا تَجِبُ إِلاَّ فِي السَّائِمَةِ مِنْهَا)، السَّائمة: الراعية، وقد سامت تسوم سَومًا، إذا رَعَتْ، وأَسَمْتُها: إذا رعيتَها، ومنه قوله تعالى:{فِيهِ تُسِيمُونَ} [النّحل: 10]، وقوله عليه السلام في الإبل السَّائمة:«فِي كُلِّ أربعين بنتُ لَبونٍ، وفي سائمة الغنم في كلِّ أربعين شاةً»
(5)
، فذِكرُه السَّوْمَ يَدُلُّ على نفي الوجوب في غيرها، ولأنَّها تُراد للنَّسل والدَّرِّ، بخلاف
(6)
المعلوفة والعوامل.
وقيل: تَجِب في العوامل كالإبل التي تُكرى، قال في «الفروع»: وهو أظهر، ونَصَّ أحمدُ على عدم الوجوب
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري (1454).
(2)
زاد في (أ) و (ب): الأنعام.
(3)
قوله: (لا) سقط من (أ).
(4)
ينظر: مشارق الأنوار 2/ 17.
(5)
أخرجه بهذا السِّياق الترمذيُّ وأبو داود والحاكم من حديثِ ابن عمرَ، وهو حديثٌ حسنٌ، وقد تقدَّم تخريجه 3/ 248 حاشية (7).
وأخرجَ البخاريُّ (1454)، من حديث أنسٍ في كتاب الصِّديق رضي الله عنهما، وفيه في سائمة الإبل:«فإذا زادتْ على عشرين ومائةٍ، ففي كلِّ أربعين بنت لبونٍ، وفي كلِّ خمسين حقَّة، ومن لم يكنْ معه إلاَّ أربعٌ من الإبل، فليسَ فيها صدقةٌ إلاَّ أن يشاءَ ربها» .
(6)
في (د): بخلافه.
(7)
ينظر: الفروع 4/ 5.
وقيل: وتجب في معلوفةٍ؛ كمتولِّدٍ بين سائمةٍ ومعلوفةٍ.
(وَهِيَ التِي تَرْعَى) المباحَ، فلو
(1)
اشترى لها ما ترعاه
(2)
، أو جَمَع لها ما تأكل؛ فلا زكاة.
واختلف الأصحابُ؛ هل السَّومُ شَرْطٌ أو عدَمُه مانِعٌ؟ فلا يَصِحُّ التَّعجيل قبل الشُّروع فيه علَى الأوَّل دون الثَّانِي.
(أَكْثَرَ الْحَوْلِ)، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّ الأكثرَ يقوم مقامَ الكلِّ في كثير من الأحكام، ولأنَّه لو اعتُبِر في جميع الحول؛ لامْتَنَع وجوبُ
(4)
الزَّكاة أصلاً.
وقيل: يُعتبَر كلُّه، زاد بعضهم: ولا أثَر لِعلَفِ يومٍ أوْ يومين.
ولا يُعتبَر للسَّوم والعلَف نِيَّةٌ في وجْه، فلو سامت بنفسها، أو أسامها غاصِبٌ؛ وجبت، كغَصْبِه حَبًّا وزَرْعِه في أرض مالكه، فيه العُشر على ربه؛ كنباته بلا زرعٍ، وإن اعتلفت بنفسها أو علفها غاصبٌ؛ فلا زكاة؛ لفقدان الشَّرط.
وفي آخر: يعتبر
(5)
، فتنعكس الأحكام.
وقيل: تجب إذا علَفَها غاصِبٌ، اختاره جماعةٌ، فقيل: لتحريم فعله، وقيل: لانتفاء المؤنة عن ربِّها، وقيل: تجب إن أسامها؛ لتحقُّق الشَّرط، كما لو كَمُل النِّصاب بيد الغاصب.
(وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا
(6)
الْإِبِلُ)، بدأ بها لبداية الشَّارِع حين فَرَض زكاةَ الأنعام، ولأنها أهم؛ لكونها أعظمَ النَّعم قِيمةً وأجسامًا، وأكثرَ أموال
(1)
في (أ): ولو.
(2)
في (أ): مرعاة، وفي (ز): ما يرعاه.
(3)
ينظر: مسائل صالح 1/ 198، مسائل عبد الله ص 175، زاد المسافر 2/ 368.
(4)
في (أ): وحرت.
(5)
في (و): تعتبر.
(6)
في (ز): أحد.
العرب، ووجوبُ الزَّكاة فيها مما أجمع عليه
(1)
علماءُ الإسلام
(2)
.
(وَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا)، وهي أقلُّ نِصابها؛ لقوله عليه السلام:«مَنْ لم يكن عندَه إلاَّ أربعٌ من الإبل؛ فليس فيها صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ ذَوْدٍ صدقَةٌ»
(3)
.
(فَيَجِبُ
(4)
فِيهَا شَاةٌ
(5)
إجْماعًا
(6)
؛ لقوله عليه السلام: «إذا بلغَتْ خَمْسًا ففيها شاةٌ» رواه البخاريُّ
(7)
.
وقال أبو بكْرٍ: تُجزِئُه عشرةُ دَراهمَ؛ لأنَّها بدَلُ شاةِ الجبران، وجعله في
(8)
«الشَّرْحَينِ» : إذا عدِم الشَّاة.
وذَكَر بعضُهم: لا يجزئه مع وجود الشَّاة في ملْكه، وإلاَّ فوجهان.
وتُعتبَر الشَّاةُ بصفة الإبل، ففي كرامٍ سِمَانٍ؛ كريمةٌ سمينةٌ، والعكس بالعكس.
وإن
(9)
كانت الإبلُ مَعِيبةً؛ فقيل: الشَّاة كشاة الصِّحاح؛ لأنَّ الواجب من غير الجنس؛ كشاة الفدية والأضحيَّة.
(1)
في (د) و (و): عليها.
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 35، مراتب الإجماع ص 35.
(3)
جمع المؤلف هنا بين حديثين، الأول: حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1454)، ولفظه:«ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها» . والثاني: حديث أبي سعيد رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1459)، ومسلم (979)، وأخرجه مسلم (980)، من حديث جابر رضي الله عنه، ولفظه:«وليس فيما دون خمس ذودٍ من الإبل صدقة» .
(4)
في (د) و (و): فتجب.
(5)
قوله: (شاة) سقط من (د) و (و)، وزيد في (د): جما.
(6)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 45، مراتب الإجماع ص 35.
(7)
أخرجه البخاريُّ (1454)، من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.
(8)
في (ز): وفي.
(9)
في (د) و (و): فإن.
وقيل: بل صحَّتُها بقدر المال، تنقُص قيمتُها بقدر نقص الإبل، كشاة الغنم.
وقيل: شاةٌ تُجزِئ في الأضحيَّة من غير نَظَرٍ إلَى القيمة.
قال في «الشَّرح» : وبكلِّ حالٍ لا يُخرِج مريضةً.
وكذا شاة الجبران، ولا يُعتَبَرُ كونُها مِنْ جِنس غنمه، ولا
(1)
جِنسِ غنم البلد، ولا يُجزِئُ الذَّكَر. وقيل: بلَى؛ لإطلاقها.
(فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا؛ لَمْ يُجْزِئْهُ)؛ نَصَّ عليه
(2)
لأنَّه عَدَل عن
(3)
المنصوص عليه، فلم تُجزِئْه، كما لو أخرج بقرةً، وكنِصفَيْ شاتَين في الأصحِّ.
وسواء كانت قيمتُه أكثرَ من قيمة الشَّاة أو لا، وإنَّما أجزأت بنتُ لَبونٍ عن بنت مَخاضٍ؛ لأنَّه مُخرِجٌ للواجب، وزيادةٌ مِنْ جنسِ الواجب، بخلاف البعير.
وقيل: تُجزئ إن كانت قيمتُه قيمةَ شاةٍ وسط فأكثر، بناءً على إخراج القيمة.
وقيل: يُجزئ إن أجزأ عن خمسٍ وعشرين.
(وَفِي العَشْرِ: شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عشْرَةَ: ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي العِشْرِينَ: أَرْبَعُ شِيَاهٍ)، هذا كلُّه مُجمَعٌ عليه
(4)
، وثابِتٌ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله في حديث أبِي بَكْرٍ:«فِي أربَعٍ وعشرينَ من الإبل فما دُونَها؛ في كلِّ خَمْسٍ شَاةٌ»
(5)
.
(فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ؛ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ)، لا نَعلَم فيه خِلافًا إلاَّ
(1)
زيد في (و): من.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 14.
(3)
في (أ): على.
(4)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 45، مراتب الإجماع ص 36.
(5)
أخرجه البخاريُّ (1454) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
ما يُحكَى عن علِيٍّ
(1)
؛ لقوله عليه السلام: «فإذا بلَغَتْ خَمْسًا وعشرين إلَى خَمسٍ وثلاثين؛ ففيها بنتُ مَخاضٍ»
(2)
.
(وَهِيَ التِي لَهَا سَنَةٌ) ودخَلَت في الثَّانية، سُمِّيتْ بذلك؛ لأنَّ أُمَّها قد حملت غالِبًا، والماخِضُ: الحامِلُ، وليس بشرطٍ، وإنَّما ذُكر تعريفًا بغالب
(3)
حالها، كتعريفه الرَّبيبة بالحِجْر.
(فَإِنْ عَدِمَهَا) في مالِه، أو كانت معيبةً
(4)
؛ (أَجْزَأَهُ ابْنُ لَبُونٍ)؛ لقوله عليه السلام: «فإن لم يكن فيها بنتُ مخاضٍ فابنُ لبونٍ ذَكَرٍ» رواه أبو داود، وفي لفظ:«فإن لم يكن عنده بنتُ مخاضٍ علَى وجهها»
(5)
؛ لأنَّ وجودَها كالعدَم في الانتقالِ إلى البدَل، والأشهرُ: أو خنثى.
وظاهِره: أنَّه يُجزِئُ ولو نَقَصتْ قيمتُه عن بنت مخاضٍ، ويُجزِئُ حِقٌّ أوْ جَذَع
(6)
أو ثَنِيٌّ، وأوْلَى؛ لزيادة
(7)
السِّنِّ.
(1)
تقدم تخريجه أول كتاب الزكاة 3/ 231 حاشية (8)، في حديث طويل، وفيه:«وفي خمس وعشرين خمسة من الغنم» ، وهذه الجملة من الحديث أنكرها جماعة من الحفاظ، قال أبو عبيد في الأموال ص 447:(حُكي عن سفيان بن سعيد -يعني الثوري- أنه كان ينكر أن يكون هذا من كلام علي، ويقول: كان أفقه من أن يقول ذلك. وحَكى بعضهم عنه أنه قال: أبى الناس ذلك على علي)، وقال يعقوب بن سفيان في المعرفة 3/ 179:(أنكر أهل العلم هذا على عاصم بن ضمرة؛ لأن رواية عاصم عن علي خلاف كتابه إلى عمرو بن حزم، وخلاف كتاب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وبنحوه قال البيهقي في السنن 4/ 158، وقال: (أجمعوا على ترك القول به)، وضعفها ابن المنذر فيما نقله في المغني 2/ 436.
(2)
أخرجه البخاريُّ (1454)، من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
(3)
في (د) و (و): لغالب.
(4)
في (ز): أكانت معينة.
(5)
أخرجه البخاري (1448)، وأبو داود (1567)، ولفظ البخاري:«فإن لم يكن عنده بنتُ مخاضٍ على وجهها، وعنده ابن لبونٍ؛ فإنَّه يُقبل منه، وليس معه شيءٌ» .
(6)
في (ب) و (ز): جذعة.
(7)
في (د): الزيادة.
وفي بنت لَبونٍ وله جُبْرانٌ وجهان.
فإن اشترى بنت مخاضٍ وأخرجها؛ أجزأ بلا نزاعٍ؛ لأنَّها الأصل، ولا يُجزِئُ إخراجُ ابنِ لَبونٍ بعد شرائها.
فإن كان في ماله بنتُ مخاضٍ أعلَى من الواجب؛ لم يجزئه ابن لَبونٍ. والأشهرُ: لا يلزمُه إخراجُها، بل يُخيَّر بينها وبين شراءِ بنت مخاضٍ بصفة الواجب.
وقال أبو بَكرٍ: يجب عليه إخراجُها؛ بِناءً على قوله: إنَّه يُخرَج عن المِراض صحيحةٌ، حكاه ابنُ عَقيلٍ عنه.
(وَهُوَ الَّذِي
(1)
لَهُ سَنَتَانِ) ودخل في الثالثة، سمي
(2)
بذلك؛ لأنَّ أُمَّه وضعت، فهي ذاتُ لَبَنٍ.
(فَإِنْ عَدِمَهُ أَيْضًا؛ لَزِمَهُ) شِرَاءُ (بِنْتُ مَخَاضٍ)، ولا يجزئه هو؛ لقوله عليه السلام في خبر أبي بكر:«فمَن لَم يَكن عندَه بنتُ مخاضٍ على وجهِهَا، وعندَه ابنُ لبونٍ؛ فإنَّه يُقبَل مِنه»
(3)
، ذكَره ابنُ حامِدٍ وتَبِعَه الأصحابُ، ولأنَّهما استويا في العدَم، فلزِمَه بنتُ مَخاضٍ، كما لو استويا في الوجود، والخبرُ محمولٌ عليه.
(وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ: بِنْتُ لَبُونٍ)؛ لقوله في خبر أبي بكر: «فإذا بلغتْ ستًّا وثلاثينَ إلى خمسٍ وأربعين؛ ففيها بنتُ لبونٍ أنْثَى»
(4)
.
وظاهرُه: لا يُجزئ ابنُ لَبونٍ، وقيل: بل بجُبرانٍ
(5)
لعدمٍ.
(وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ: حِقَّةٌ)؛ لحديث الصِّدِّيق: «فإذا بلغتْ ستًّا وأربعين
(1)
قوله: (وهو الذي) في (د): والذي.
(2)
في (و): يسمى.
(3)
أخرجه البخاري، (1448)، وقوله:(هو لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر أبي بكر) إلى هنا سقط من (أ).
(4)
أخرجه البخاريُّ (1454) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
(5)
في (د) و (و): بلى يجبران.
إلى ستِّين؛ ففيها حِقَّةٌ طروقةُ الفَحْل»
(1)
، (وَهِيَ التِي لهَا ثَلَاثُ سِنِينَ) ودخلت في الرَّابعة، سُميت به؛ لأنَّها استحقَّتْ أن تُركبَ ويُحمَلَ عليها ويَطْرُقَها الفحْلُ، والذَّكَرُ منها: حِقٌّ.
(وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ: جَذَعَةٌ)؛ لقوله عليه السلام في الصَّدقة: «فإذا بلغَتْ إحدى وستِّين إلى خَمْسٍ وسبعين؛ ففيها جذَعَةٌ»
(2)
، (وَهِيَ التِي لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ) ودخلت في الخامسة، سُمِّيت به؛ لأنها تَجذَع إذا سقط سنُّها، والذَّكَرُ: جَذَعٌ.
فلو أخرج ثَنيَّةً، وهي التي دخلتْ في السَّادسة؛ أجزأ بلا جُبران، سُميت به
(3)
؛ لأنَّها ألقتْ ثَنِيَّتَها.
وقيل: ويجزئ عن الجَذَعة؛ حِقَّتان أو ابنتا لَبونٍ، وابنتا لبون عن الحِقَّة، ذكره المؤلِّف، ونقضه بعضهم ببنت مخاضٍ عن عشرين، وبثلاث بنات
(4)
مخاضٍ عن الجذعة.
(1)
أخرجه البخاريُّ (1454) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاريُّ (1454) من حديث أنسٍ رضي الله عنه.
(3)
قوله: (به) سقط من (أ).
(4)
في (و): بنت.
(فَصْلٌ)
الأسنان المذكورة للإبل، هو قول أهل اللُّغة، وذكر ابنُ أبي موسى: لبنتِ مخاضٍ سنتان، ولبنت لبونٍ ثلاثٌ، ولحقَّةٍ أربعٌ، ولجذعةٍ خمسٌ كاملةٌ، فحَمَله المجْدُ على بعض السَّنة، وهو غريبٌ؛ لقوله:(كاملة)، وقيل: لبنت مخاضٍ نصف سنةٍ، ولبنت لبونٍ سنةٌ، ولحِقَّةٍ سنتان، ولجذعةٍ ثلاث.
(وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ: ابْنَتَا لَبُونٍ) إجْماعًا
(1)
؛ لقوله عليه السلام: «فإذا بلغَتْ سِتًّا وسبعين إلى تسعينَ ففيها بنتا لبونٍ»
(2)
.
(وَفِي إِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ) إِجْمَاعًا
(3)
؛ لقوله عليه السلام: «فإذا بلغَتْ إحدى
(4)
وتسعين إلى عشرين ومائة؛ ففيها حِقَّتان طَروقتا الفحلِ»
(5)
.
(فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً)؛ أي: على العشرين والمائة؛ (فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ) في المشهورِ والمختار للعامَّة، لظاهر
(6)
خبر الصِّدِّيق: «فإذا زادت على عشرين
(7)
ومائة؛ ففي كلِّ أربعين بنتُ لبون، وفي كلِّ خمسين حِقَّةٌ»
(8)
، وبالواحدة حصلت الزِّيادة، فقيل: الواحدة عَفْوٌ وإن تغيَّر بها الفرض
(9)
، وقيل: يتعلَّق بها الوجوب.
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 36، الإقناع في مسائل الإجماع 204.
(2)
أخرجه البخاريُّ (1454) من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 36، الإقناع في مسائل الإجماع 204.
(4)
في (ب) و (و): ستًا.
(5)
أخرجه البخاريُّ (1454) من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.
(6)
في (أ): فظاهر.
(7)
في (أ): العشرين.
(8)
أخرجه البخاريُّ (1454) من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.
(9)
في (د): للفرض.
(ثُمَّ) تستقرُّ الفريضة، (فَفِي
(1)
كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ)، هذا المذهب؛ لخبر الصِّدِّيق، رواه البخاريُّ
(2)
.
وعنه: لا يتغيَّرُ الفرضُ إلاَّ إلى مائةٍ وثلاثين فتستقِرُّ الفريضة، ففي مائةٍ وثلاثين حِقَّةٌ وبنتا لَبونٍ، اختاره أبو بكر والآجُرِّيُّ؛ لخبرِ عمرو بن حَزمٍ، وفيه ضعفٌ
(3)
، فإن صحَّ عُورِض بروايته الأخرى، وبما هو أكثرُ منه وأصحُّ.
(فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ؛ اتَّفَقَ الْفَرْضَانِ، فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ، وَإِنْ شَاءَ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ)، هذا المذهب، واختاره الأكثرُ، ونصَّ أحمدُ على مِثلِه في البقر
(4)
، ذكره المجْدُ، وجزم به في «الوجيز» ؛ للأخبار، زاد بعضهم: ما لم يكن المال ليتيم أو مجنونٍ، فحينئذ يتعيَّنُ إخراج الأَدْونِ المُجْزِئ، فلو جمع بين النَّوعين في الإخراج، كأرْبَع حِقاقٍ وخمسِ بنات لَبون عن أربعمائةٍ؛ جاز، جزم به الأئمَّةُ، فإطلاق وجْهَينِ سَهْوٌ.
أمَّا مع الكسر فلا، كحقَّتَين وبنتيْ لَبون ونصفٍ عن مائتين، وفيه تخريجٌ،
(1)
في (ب) و (ز) و (و): في.
(2)
أخرجه البخاريُّ (1454) من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.
(3)
يشير المصنِّف رحمه الله تعالى إلى ما أخرجه أبو داود في المراسيل (106)، والطحاوي في شرح المعاني (7372)، والبيهقي (7268)، من طريق حماد بن سلمة، قلت لقيس بن سعد: خُذ لي كتابَ محمد بن عمرو بن حزم، فأعطَاني كتابًا أخبر أنه أخذه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كتب لجدِّه، فقرأتُه فكان فيه ذكر ما يخرج من فرائض الإبل، فقصَّ الحديثَ إلى: «أن يبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك فعُد في كلِّ خمسين حقة، وما فضَل فإنه يُعاد إلى أول فريضة من الإبل، وما كان أقلّ من خمس وعشرين، ففيه الغنم في كل خمس ذود شاة
…
» الحديث. وهو مرسل منقطع، وقد ضعفه البيهقي وابن عبد الهادي والزيلعي، ونُقل عن الإمام أحمد أنه قال:(كتاب عمرو بن حزم في الصَّدقات صحيحٌ)، وللحافظ ابن حجر توجيه عزيز بديع لكلام الإمام أحمد رحمهما الله تعالى. ينظر: نصب الراية 2/ 343، التحقيق لابن الجوزي 2/ 26، تنقيح التحقيق 3/ 11، تهذيب التهذيب 4/ 190.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1075.
وهو ضعيفٌ.
فَرعٌ: إذا وُجِد أحد الفرضين كامِلاً، والآخَر ناقِصًا لا بُدَّ له من جبران؛ تعين
(1)
الكامل؛ لأنَّ الجبران بَدَلٌ.
(وَالمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يُخْرِجُ الْحِقَاقَ)
(2)
؛ أي: يجبُ إخراجُها، وقاله القاضي في «الشَّرح» ؛ نظرًا لحظ الفقراء؛ إذ هي أنفعُ لهم؛ لكثرة
(3)
دَرِّها ونَسلِها، وأَوَّلَ في «المغني» و «الشَّرح» النَّصَّ على صفة التخيير
(4)
.
وقدَّم في «الأحكام السُّلطانية» : أنَّ السَّاعِيَ يأخُذ أفضلَها.
وقال القاضِي وابن عَقيلٍ: يأخذ ما وُجِد عنده منهما، ومرادهم: ليس للسَّاعي تكليفُ المالكِ سواه
(5)
؛ لأنَّ الزَّكاةَ سببُها النِّصاب، فاعتبِرتْ به.
(وَلَيْسَ فِيمَا بَيْنَ
(6)
الفَرِيضَتَيْن شَيْءٌ)، وتسمى
(7)
الأَوْقاص؛ لعفوِ الشارعِ عنها، وقد تقدَّم.
(وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ فَعَدِمَهَا)؛ لم يُكلَّفْ تحصيلَها، ويُخَيَّرُ المالِكُ، فإن شاء (أَخْرَجَ سِنًّا أَسْفَلَ مِنْهَا، وَمَعَهَا شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ أَعْلَى مِنْهَا، وَأَخَذَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ السَّاعِي)، هذا هو المذهب؛ لما في كتاب أنَسٍ:«ومن بلغَتْ عندَه صدقةُ الحِقَّةِ، وليْست عنده، وعنده الجذَعة؛ فإنَّها تُقبَل منه الجذَعةُ، ويُعطيه المصَدِّق شاتَينِ أوْ عشرين درهمًا» متَّفَقٌّ عليه
(8)
.
(1)
في (و): بعض.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 227.
(3)
في (أ): للكثرة.
(4)
في (د): التحرر، وفي (و): التحرير.
(5)
في (و): سواء.
(6)
في (د) و (و): دون.
(7)
في (د) و (و): ويسمى.
(8)
عزا المؤلِّف الحديث إلى الصَّحيحين، ولم نقف عليه في صحيح مسلمٍ، وقد أخرجه البخاريُّ باللفظ المذكور (1453).
وهذا التَّخييرُ ثابِتٌ في كون ما عَدَل إليه في ملكه، فإن عَدِمهما حَصَل الأصلُ.
وظاهرُه
(1)
: أنَّه لا يجوز أن يُخرِجَ أدنى مِنْ بنت مخاضٍ؛ لأنَّها أقل ما يجبُ في زكاتها، ولا يُخرِجُ أعلى من الجَذَعة إلاَّ أن يَرضى ربُّ المال بغير جُبران، ذكره في «الشرح» .
واقتضى: إن وجبت عليه الجذعة وليست عنده، وأخرج الثَّنيَّة، أن يأخذ الجبران من السَّاعي، وليس كذلك؛ لعدم وروده.
وأنَّه لا يَجبُر بشاةٍ وعشَرة دراهِمَ في وجه؛ حذارًا من تخييرٍ ثالثٍ، ويجوزُ في آخر، وقاله القاضي؛ لأنَّ الشَّارعَ جَعَل العشرةَ في مقابلةِ الشَّاة.
(فَإِنْ عَدِمَ السِّنَّ التِي تَلِيهَا؛ انْتَقَلَ إِلَى الْأُخْرَى، وَجَبَرَهَا بِأَرْبَعِ شِيَاهٍ، أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا)، أومأَ إليه أحمدُ
(2)
، واختاره القاضي، وأورده الشَّيخان مَذهبًا؛ لأنَّ الشارع جوَّز له الانتقال إلى الذي يليه مع الجُبران، وجوَّز العدولَ عنها إذا عدم الجبران إذا كان هو الفرض، وههنا لو كان موجودًا، فإذا عدم؛ جاز العدولُ إلى ما يليه مع الجُبران، ولا شكَّ في التَّعدية إذا عُقِل معنى النَّص.
ومحلُّه: ما إذا كان بصفة الصِّحَّةِ، أو لجائزِ الأمر
(3)
، فأمَّا إذا كان النصاب مَعِيبًا، وعدمت
(4)
الفريضة؛ فله دَفْع السِّنِّ السُّفلَى مع الجبران، وليس له دفع ما فَوقَها مع الجُبران؛ لأن الجُبران قدَّره الشَّارع وفق
(5)
ما بين
(1)
في (د): فظاهره.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1069.
(3)
فسره الزركشي في شرحه 4/ 28 بقوله: (وهو المكلف، الرشيد، المختار).
(4)
في (أ): أو عدمت.
(5)
في (ز): وقر.
الصَّحيحين، وما بين المعيبين أقل، فإذا دفعه المالكُ جاز؛ كتطوعه
(1)
بالزائد، بخلاف
(2)
الساعي وولِيِّ اليتيم، فإنَّه لا يجوز لهما إلا إخراج الأدون، وهو أقلُّ الواجب، كما لا يتبرَّع.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) وابنُ عَقِيلٍ، وذَكَره صاحبُ «النهاية» ظاهرَ المذهب:(لَا يَنْتَقِلُ إلاَّ إِلَى سِنٍّ تَلِي الْوَاجِبَ)، إذ النَّصُّ
(3)
لم يَرِدْ به، والزَّكاةُ فيها [شائبة]
(4)
التَّعبُّدِ.
(وَلَا مَدْخَلَ لِلْجُبْرَانِ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ)؛ لأنَّ النصَّ إنَّمَا ورد فيها، فيُقتَصرُ عليه، وليس غيرُها في معناها؛ لكثرة قيمتِها؛ لأنَّ الغنمَ لا تَختلِفُ فريضتُها باختلاف سِنِّها، وما بين الفريضتين في البقرِ يُخالِفُ ما بين الفرضين في الإبل، فامتنع القياس.
فلو جَبَر صفةَ الواجب بشيء من جنسه
(5)
، وأخرج الرَّديء عن الجيِّد، وزاد قَدْرَ ما بينهما من الفضل
(6)
؛ لم يُجزِئ؛ لأنَّ القصدَ مِنْ غير الأثمان النَّفعُ بعينها، فيفوت بعضُ المقصود، ومِن
(7)
الأثمان القيمةُ.
وقال المجْدُ: قياس المذهب جوازه في الماشية وغيرها.
(1)
في (د) و (و): لتطوعه.
(2)
في (د): خلاف.
(3)
زاد في (أ) و (د) و (و): إنما.
(4)
رسمت في الأصل و (أ): شيابة، والمثبت من (ز)، وهو الموافق لما في شرح الزركشي 2/ 390.
(5)
قوله: (بشيء من جنسه) هو في (أ): من فريضته.
(6)
في (د): للفضل.
(7)
في (أ): وفي.
(فَصْلٌ)
(النَّوْعُ الثَّانِي: البَقَرُ)، وهو اسم جنس، والبقرة تقع على الأنثى والذَّكَر، ودخلت الهاء على أنَّها واحدةٌ من جنس، والبَقَرات: الجَمْعُ، والباقِرُ: جماعة البقر مع رُعاتها، وهي مشتقَّة من بَقَرْتُ الشَّيءَ، إذا شقَقْتَه؛ لأنَّها تَبْقُرُ الأرضَ بالحراثة
(1)
.
والأصلُ في وجوبها أحاديثُ، منها: ما رَوَى معاذٌ: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعثه إلى اليمن، وأَمَره أن يأخذَ من كلِّ ثلاثين من البقر تَبِيعًا أوْ تَبِيعةً، ومن
(2)
كلِّ أربعين مُسِنَّةٌ، ومن
(3)
كلِّ حَالِمٍ دينارًا، أوْ عِدلَه معافر» رواه أحمدُ، ولفظه له، وأبو داود وغيرهما وصحَّحه بعضهم، وقال: على شرط الشَّيخَينِ
(4)
.
وإنَّما لم يُذكَر في
(5)
خبر الصَّدقة؛ لقِلَّتها في الحجاز؛ إذ يندر ملكُ نصابٍ منها، بل لا يوجد، فلمَّا أرسل معاذًا إلَى اليمن ذَكَر له حكمَها لوجودها، ولا خلاف في وجوبها
(6)
.
(وَلَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ)، وهي أقلُّ نِصابِها، (فَيَجِبُ فِيهَا تَبِيعٌ)، سُمِّيَ به؛ لأنَّه يَتْبَعُ أُمَّه، وهو جَذَع البقر الذي استوى قَرْناه، وحاذى قرنه أذنه غالبًا، (أَوْ تَبِيعَةٌ، وَهِيَ التِي لَهَا سَنَةٌ)، وعبارة «الفروع»: (لكلٍّ منهما سنةٌ،
(1)
قوله: (الأرض بالحراثة) في (و): الحراسة.
(2)
في (أ): وفي.
(3)
في (أ): وفي.
(4)
تقدَّم تخريجه 3/ 225 حاشية (2)، وأخرجه الحاكم (1448)، وقال:(حديثٌ صحيحٌ على شرط الشَّيخين).
(5)
في (أ) و (ب): من.
(6)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 45، مراتب الإجماع ص 36.
وذكره الأكثر، وفي «الأحكام السُّلطانية»: نصفُ سنَةٍ، وقال ابن أبي موسى: سنتان).
(وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ)؛ لأنها ألقت سِنًّا غالبًا، وهي الثَّنيَّة، (وَهِيَ التِي لَهَا سَنَتَانِ)، وفي «الأحكام السُّلطانيَّة»: سنَةٌ، وقيل: ثلاثٌ، وقيل: أربَعٌ.
ولا يُجزِئُ عنها مُسِنٌّ، بل عن الأوَّليْن، وقيل: يُجزِئ عنها تبيعان.
(وَفِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ)، وقاله الأكثرُ؛ لما رَوَى أحمدُ بإسناده عن يحيى بن الحَكَم عن معاذٍ قال: «بعثني النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأمرني أن آخذ من كلِّ ثلاثين تبيعًا، ومن كلِّ أربعين مُسنَّةً، ومن السِّتِّين تَبِيعَين، ومن السَّبعين مسنَّةً وتبيعًا، ومن الثَّمانين مسنَّتَين، ومن التِّسعين ثلاثةَ أتْباعٍ، ومن المائة مُسنَّةً وتبيعين، ومن العشرة ومائة مُسنتين وتبيعًا، ومن العشرين ومائة ثلاثَ مسنات أو أربعةَ أتباع، وأمرني أن لا آخذ فيما
(1)
بين ذلك شيئًا، إلاَّ أن يبلغ مسنَّةً أو جذَعًا»
(2)
.
وظاهره: أنَّها إذا بلغت مائةً وعشرين اتَّفق فيها الفرضان كالإبل، ونصَّ أحمدُ هنا على التَّخيير
(3)
.
(1)
في (أ): مما.
(2)
أخرجه أحمد (22048)، وابن زنجويه في الأموال (1456)، والطبراني في الكبير (20/ 124)، وغيرهم من طريق سلمة بن أسامة، عن يحيى بن الحكم، عن معاذ رضي الله عنه. وسنده ضعيفٌ؛ لانقطاعه، فإنَّ يحيى بن الحكم بن أبي العاص الأمويَّ لم يدرك معاذًا رضي الله عنه، قاله ابن حجر. وقال ابن عبد الهادي:(حديث يحيى بن الحكم عن معاذٍ فيه إرسالٌ، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكتب السِّتَّة، وسلمة بن أسامة ويحيى: غيرُ مشهورين)، والظَّاهر: أنَّهما مجهولا الحال، قال الألبانيُّ:(ثم هو غيرُ معروف الحال، وكذا الراوي عنه: سلمة، فإنه لم يوثِّقهما أحدٌ، وقول الحافظ: "إنهما معروفان" كأنه يعني أنَّهما غير مجهولي العين؛ لأنَّه لم يوثقهما، ولا حكى ذلك عن أحدٍ من الأئمَّة). ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 14، نصب الراية 2/ 349، تعجيل المنفعة 2/ 353، الإرواء 3/ 268.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1075.
(وَلَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ فِي الزَّكَاةِ) إذا كانت ذكورًا وإناثًا
(1)
؛ لأنَّ الأنثى أفضل؛ لما فيها من الدَّرِّ والنَّسْل، وقد نصَّ الشَّارع على اعتبارها في الإبل وفي الأربعين من البقر، (فِي غَيْرِ هَذَا)، إذِ التَّبيعُ مكانُ التَّبيعةِ؛ للنَّصِّ السَّابق، ولأنَّه أكثرُ لحمًا، فيعادل
(2)
الأنوثة
(3)
.
(إِلاَّ ابْنُ لَبُونٍ مَكَانَ بِنْتِ مَخَاضٍ إِذَا عَدِمَهَا)؛ لأنَّه يَمتنِع من صِغار السِّباع، ويرعَى الشَّجرَ بنفسه ويَرِدُ الماءَ، لكن ليس بأصلٍ؛ لكونه لا يُجزئ مع وجودها، بخلاف التَّبيع فيجزئ في الثَّلاثين، وما تكرَّر منها كالسِّتِّين، وأمَّا الأربعون وما تكرَّر منها كالثَّمانين، فلا يجزئ في فرضها إلا الإناث؛ لنصِّ الشَّارع عليها، إلاَّ أن يُخرِجَ عن المسنَّة تبيعَين فيجزئ، ذكره في «الشَّرح» .
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ كُلُّهُ ذُكُورًا؛ فَيُجْزِئُ الذَّكَرُ فِي الْغَنَمِ وَجْهًا وَاحِدًا)؛ لأنَّ الزَّكاة وَجَبت مواساةً، فلا يُكلَّفُها من غير الجنس. وقيل: لا، فيُخرِج أنثى بقيمة الذَّكَر.
(وَ) يُجزِئ (فِي
(4)
الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا المذهب، جزم به في «الوجيز» ؛ لما سبق.
الثَّانِي: لا يجزئ فيهما
(5)
؛ لأنَّ الشَّارع نَصَّ علَى الأنثى؛ وهي أفضل، ففي العدول عنها عدول عن المنصوص.
(1)
في (أ): أو إناثًا.
(2)
في (د): فتعادلت، وفي (ز): فنعادل.
(3)
في (أ): الأنوثية.
(4)
في (أ): من.
(5)
في (أ): منهما.
وصحَّح في «الكافي» و «الشرح» : الإجزاء في البقر؛ لأنَّه قد جوَّزنا الذَكر في الغنم مع أنَّه لا مدخل له في زكاتها مع وجود الإناث، فالبقر التي فيها مدخَلٌ أَوْلَى.
وفي الإبل وجهان:
أحدهما: يُجزئ؛ لما ذُكِر
(1)
من المواساة.
والثَّانِي: لا يُجزئ؛ لإفضائه إلى إخراجِ ابنِ لبون عن خمسٍ وعشرين، وسِتٍّ وثلاثين، وفيه تسويةٌ بين النِّصابَينِ.
فعلى هذا: يُخرِج أنثى ناقصةً بقدر قيمة الذَّكر، وعلى الأول؛ يُخرج ابنَ لبون عن النِّصابَين، ويكون التعديل
(2)
بالقيمة، والفرق: أنَّ الشَّارعَ أطلق الشَّاةَ الواجبةَ، ونَصَّ على الأنثى في الإبل والبقر.
(وَيُؤْخَذُ مِنَ الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ)، نَصَّ عليه
(3)
؛ لقول أبي بكر: «والله لو منعوني عناقًا
…
» الخبرَ
(4)
، ويُتصوَّر أخذُها، ب: إذا
(5)
أبدل
(6)
الكبارَ بالصِّغار، أو تموتُ الأماتُ وتبقى الصِّغارُ، وهذا على المشهور: أنَّ الحولَ يَنعقِدُ عليها مُفردةً
(7)
، وإلا انقطع.
وهذا في
(8)
الغنم دون الإبل والبقر، فلا يجزئ إخراجُ فُصلان
(1)
في (أ): ذكرنا.
(2)
في (أ): بالتعديل.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 225.
(4)
أخرجه البخاري (1400)، ومسلم (20)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
قوله: (بإذا) هو في (د) و (و): إذا.
(6)
في (أ): إبدال.
(7)
في (أ): بمفرده.
(8)
قوله: (وإلا انقطع) ذكرها في الأصل تصحيحًا، وهي مثبتة في الفروع (4/ 28)، ولم تثبت في بقية النسخ.
وعَجاجيل، فيقوَّمُ
(1)
النِّصابُ من
(2)
الكبار، ويُقوَّم فرضُه، ثم يقوَّم
(3)
الصِّغار، ويؤخذ عنها
(4)
كبيرةٌ بالقسط.
وقيل: يُجزِئ، فيؤخذ من خمسٍ وعشرين إلى إحدى وستِّين واحدةٌ، والتَّعديلُ بالقيمة مكانَ زيادةِ السِّنِّ.
(وَمِنَ المِرَاضِ مَرِيضَةٌ)؛ لأنَّها وجبت مواساةً، وليس منها أن يُكلَّفَ غيرُ الذي في ماله، ولا اعتبارَ بقلَّة العيب وكثرته؛ لأنَّ القيمةَ تأتي على ذلك؛ لكون أنَّ المخرَج وسطٌ في القيمة.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُؤْخَذُ) فيهما (إِلاَّ كَبِيرَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى قَدْرِ المَالِ)؛ لقوله في رواية أحمدَ بنِ سعيدٍ: (لا تَأخذْ إلاَّ ما يجوزُ في الأضاحي)
(5)
.
قال القاضي: وأَومَأَ إليه في رواية ابن منصور
(6)
، وذكره الحُلْواني ظاهِرَ الخِرَقِيِّ؛ لقول مُصَدَق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«أمَرَني أن لا آخذ من راضِعٍ شيئًا، إنَّما حقُّنا في الثَّنيَّة والجَذَعة»
(7)
، ولقول عمرَ:«اعتدَّ عليهم بالسَّخْلَة، ولا تأخذها منهم»
(8)
، وكشاة الإبل، فعلى هذا: يُكلَّفُ شراءَ كبيرةٍ أوْ صحيحةٍ بقدر قيمة الفرض؛ لتَحصُلَ المواساةُ.
والأوَّلُ أشهرُ، وما ذكرناه محمولٌ على ما إذا اشتمل على النَّوعينِ، وشاة الإبل ليست من جنس المال، فلا يرتفق المالك، وهنا من جنسه، فهو كالحبوب.
(1)
في (أ) و (ب): لتقوم.
(2)
في (د): في.
(3)
في (د) و (و): يقوم.
(4)
في (أ): عليها.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 225.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2403.
(7)
تقدم تخريجه 3/ 249 حاشية (4).
(8)
تقدم تخريجه 3/ 247 حاشية (3).
(فَإِنِ
(1)
اجْتَمَعَ) في النِّصاب (صِغَارٌ وَكِبَارٌ، وَصِحَاحٌ وَمِرَاضٌ، وَذُكُورٌ وَإِنَاثٌ؛ لَمْ يُؤْخَذْ إِلاَّ أُنْثَى صَحِيحَةٌ كَبِيرَةٌ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ المَالَيْنِ)؛ للنَّهي عن أخذ الصَّغير والمعِيب والكريمة؛ لقوله: «ولَكِنْ من وسط أموالكم»
(2)
، ولتحصل
(3)
المواساة.
فإذا كان قيمةَ المالِ المخرجِ -إذا كان
(4)
المزكَّى كلُّه كِبارًا صحاحًا
(5)
- عشرون، وقيمتَه بالعكس عشرةٌ؛ وجب
(6)
كبيرةٌ صحيحة قيمتُها خمسةَ عشر.
هذا
(7)
مع تساوي العددين، فلو كان الثُّلث أعلى، والثُّلثان أدنى؛ فشاةٌ قيمتها ثلاثةَ عشر وثُلُث
(8)
، وبالعكس
(9)
: قيمتُها ستةَ عشر وثلثان.
(وَإِنْ كَانَ نَوْعَينِ كَالْبَخَاتِيِّ)، الواحد: بختي، والأنثى: بختية، قال عياض:(هي إبل غلاظٌ ذوات سَنامَينِ)
(10)
، (وَالْعِرَابِ) هي: جُرْدٌ مُلْسٌ حسان الألوان كريمة، (وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ)، واحدها: جاموس، قال موهوب
(11)
: هو أعجمي تكلَّمت به العرب، (وَالضَّأْنِ وَالمَعْزِ، أَوْ كَانَ فِيهِ
(1)
في (د) و (و): وإن.
(2)
سيأتي تخريجه 3/ 283 حاشية (6).
(3)
في (و): وليحصل.
(4)
قوله: (قيمة المال المخرج إذا) سقط من (أ) و (ب).
(5)
زيد في (د): إذا كان.
(6)
في (د) و (و): وجبت.
(7)
في (و): وهذا.
(8)
في (ز) و (و): ثلث.
(9)
في (و): فالبعكس.
(10)
ينظر: مشارق الأنوار 1/ 79.
(11)
ينظر: المطلع ص 159.
وموهوب هو ابن أحمد بن محمد الجواليقي، أبو منصور، اللغوي النحوي، قرأ الأدب على التبريزي، ودرس العربية بالنظامية، وكان المقتفي يقرأ عليه شيئًا من الكتب، مات سنة 540 هـ، من مصنفاته: شرح أدب الكاتب، التكملة في لحن العامة. ينظر: وفيات الأعيان 5/ 342، سير أعلام النبلاء 20/ 89.
كِرَامٌ)، واحدها: كريم
(1)
، وذكر عياضٌ في قوله:«واتَّقِ كرائمَ أموالهم» : أنَّها جمع كريمة
(2)
، وهي الجامعة للكمال الممكن في حقِّها من
(3)
غَزارة لبنٍ، أو جمال صورةٍ، أو كثرة
(4)
لحمٍ أو صوفٍ، وقيل: هي التي يختصها
(5)
مالكها لنفسه ويؤثرها، (وِلِئَامٌ) واحدها: لئيمةٌ، وهي ضِدُّ الكريمة، (وَسِمَانٌ وَمَهَازِيلُ؛ أُخِذَتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ المَالَيْنِ)؛ لأنَّها مع اتِّحاد الجنس هي المقصودة، وذكره
(6)
أبو بكر في هزيلةٍ بقيمة سمينةٍ.
وظاهره: أنَّه مخيَّر من
(7)
أي الأنواع أحبَّ، سواء دعت إليه الحاجة
(8)
أو لا، لكن من
(9)
كرامٍ وسمانٍ.
وضدهما يخرج وسطًا، نَصَّ عليه
(10)
، قدمه في «الفروع» ، وجزم به في «المحرر» .
وقيل: يُخير السَّاعي، ونقل حنبلٌ في ضأن ومعزٍ: يُخيَّر السَّاعي
(11)
؛ لاتِّحاد الواجب.
(1)
في (أ): كريمة.
(2)
ينظر: مشارق الأنوار 1/ 79.
(3)
زاد في (أ): غير.
(4)
قوله: (أو كثرة) في (د): ولكثرة.
(5)
في (د): تختصها.
(6)
في (د): وذكر.
(7)
في (د): مخيرة في، وفي (و): مخير في.
(8)
في (ب) و (ز): الحاجة إليه.
(9)
في (د) و (و): في.
(10)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 226.
(11)
ينظر: الفروع 4/ 31.
ولم يعتبِرْ أبو بكر القيمةَ في النَّوعين، قال المجْدُ: وهو ظاهر نقل حنبل، ولا يلزمه من أكثرهما عددًا.
وقد تضمَّن كلامُه ضمَّ أنواع الجنس بعضِها إلى بعض في إيجاب الزَّكاة، وصرَّح به الخِرَقيُّ في الضأن والمعز، وحكاه ابن المنذر إجماعًا
(1)
.
مسألةُ: إذا أخرج عن النِّصاب من غير نوعه ما
(2)
ليس في ماله منه؛ جاز إن لم تنقص قيمة المخرج عن النوع الواجب، وعلى قول أبي بكر ولو نقصت.
وقيل: لا تجزئ
(3)
هنا مطلقًا؛ كغير الجنس.
(1)
ينظر: الإشراف 3/ 12.
(2)
في (و): مما.
(3)
في (و): لا يجزئ.
(فَصْلٌ)
(النَّوْعُ الثَّالِثُ: الْغَنَمُ، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ)، وهي أقلُّ نصابها إجماعًا
(1)
، (فَيَجِبُ
(2)
فِيهَا شَاةٌ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً؛ فَفِيهَا شَاتَانِ، إِلَى مِائَتَيْنِ) إجْماعًا
(3)
، (فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً؛ فِفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ) وِفاقًا
(4)
، (ثُمَّ) تستقرُّ الفريضة، فيجب (فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ)، وسنَده ما روى أنسٌ في كتاب الصَّدقات
(5)
أنه قال: «في صدقة الغنم في سائمتها؛ إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة: شاةٌ، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين
(6)
: ففيها شاتان، فإذا زادت على
(7)
مائتين إلى ثلاثمائة: ففيها ثلاثُ شِياهٍ، فإذا زادت على ثلاثمائة: ففي كلِّ مائةِ شاةٍ شاةٌ، وإذا كانت سائمةُ الرَّجل ناقصةً من أربعين شاةً شاةً واحدةً؛ فليس فيها صدقة إلاَّ أن يشاء ربُّها»، مختصر، رواه البخاري
(8)
.
وعنه: في ثلاثِمائةٍ وواحدةٍ أربعُ شِياهٍ، ثم لا شَيءَ في زيادتها حتَّى تبلغ خمسمائة، فتكون
(9)
خمسُ شِياهٍ.
وعنه: أنَّ المائةَ زائدةٌ، ففي أربعمائة وواحدة خمسُ شياهٍ، وفي خمسمائة
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 45، مراتب الإجماع ص 36.
(2)
في (و): فَتَجِبُ.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 45، مراتب الإجماع ص 36.
(4)
ينظر: المبسوط 2/ 182، بداية المجتهد 2/ 24، البيان 3/ 191، المغني 2/ 447.
(5)
كتب على هامش الأصل: (الذي كتبه له أبو بكر).
(6)
قوله: (إلى مائتين) سقط من (أ) و (ب).
(7)
في (ز): إلى.
(8)
أخرجه البخاريُّ (1454).
(9)
في (و): فيكون.
وواحدةٍ سِتٌّ، وعلى هذا أبدًا.
واختلف اختيار أبي بكر، والمذهب الأوَّل، نَصَّ عليه
(1)
، وعلى هذا لا يتغيَّر بعد مائتين وواحدة حتى تبلغ أربعمائة، فيجب في كل مائة شاةٍ شاةٌ، والوَقص ما بين مائتين وواحدة
(2)
إلى أربعمائة، وهو مائة وتسعة وتسعون.
(وَيُؤْخَذُ مِنَ المَعْزِ: الثَّنِيُّ، وَمِنَ الضَّأْنِ: الْجَذَعُ)؛ لما رَوَى سُوَيد بن غفلة قال: أتانا مصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:«أمرنا أن نأخذ الجذعةَ من الضَّأن، والثَّنيَّةَ من المعز»
(3)
، ولأنَّهما يجزئان في الأضحية، فكذا هنا.
والجَذَع
(4)
من الضَّأن: ما له ستَّة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، لا سنة، والثَّنيُّ من المعز: ما له سنةٌ، لا سنتان.
(وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلَا تَيْسٌ، وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ
(5)
؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البَقَرَة: 267]، وفي كتاب أبي بكرٍ:«ولا يخرج في الصَّدقة هرِمةٌ، ولا ذات عَوارٍ، ولا تَيسٌ، إلاَّ ما شاء المُصَّدّق» رواه البخاريُّ
(6)
، وكان أبو عبيد يرويه بفتح الدال من المصدق؛ يعني: المالك، فيكون الاستثناء راجعًا إلى التَّيس فقط، وخالفه عامة الرُّواة فقالوا: بكسرها؛ يعني: السَّاعي، ذكره الخطَّابِيُّ، وقال:(التَّيس لا يؤخذ؛ لنقصه وفساد لحمه)
(7)
، فيكون كتَيسٍ لا يضرب
(8)
، لكن قدم في «الفروع»:
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 173، زاد المسافر 2/ 367.
(2)
قوله: (حتى تبلغ أربع مائة
…
إلخ) سقط من (و).
(3)
حديث سويد بن غفلة تقدَّم تخريجه 3/ 249 حاشية (4).
(4)
في (أ) و (د): فالجذع.
(5)
في (و): عور.
(6)
أخرجه البخاريُّ (1455).
(7)
ينظر: معالم السنن 2/ 26.
(8)
في (د): لا يقرب.
أنَّ فحل الضِّراب لا يؤخذ لخَيره، فلو بذله المالك؛ لزِم قَبولُه حيث يُقبَل الذَّكَر.
والهرِمة: هي الكبيرة الطَّاعنة في السِّنِّ. والعَوَارُ: بفتح العين على الأفصح
(1)
.
(وَهِيَ المَعِيبَةُ) التي لا يُضحَّى بها، قاله الأكثر، وفي «نهاية الأَزَجِيِّ» ، وأومأ إليه المؤلِّف: إذا ردت في البيع، ونقل حنبلٌ: لا تؤخذ عوراء، ولا عرجاء، ولا ناقصة الخَلْق
(2)
.
واختار المجد: جوازه إن رآه السَّاعي أنفعَ للفقراء لزيادة
(3)
صفةٍ فيه، وأنَّه أقيس بالمذهب؛ لأنَّ من أصلنا إخراج المكسرة عن الصِّحاح إذا زاد قدر ما بينهما من الفضل
(4)
، فيكون الاستثناء راجعًا إلى الثَّلاثة، وقاله بعض العلماء.
(وَلَا الرُّبَّى
(5)
التِي تُرَبِّي وَلَدَهَا)، قاله أحمدُ
(6)
، وقيل: هي التي تُربَّى في البيت لأجل اللَّبن.
(وَلَا الحامِلُ)؛ لقول عمر: «لا تُؤخذ الرُّبَّى، ولا الماخض، ولا الأكولة»
(7)
، ومرادُه السَّمينة، مع أنَّه يجب إخراج الفريضة على صفته
(8)
مع
(9)
الاكتفاء بالسِّنِّ المنصوص عليه.
(1)
في (أ): الأصح.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 28.
(3)
في (و): للفقير الزيادة.
(4)
في (أ): العقل.
(5)
زيد في (ب) و (ز): وهي.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 121.
(7)
تقدم تخريجه 3/ 247 حاشية (2).
(8)
قوله: (على صفته) في (د) و (و): على صفة.
(9)
قوله: (مع) سقط من (د) و (و).
وكذا لا تؤخذ طَروقةُ الفحل؛ لأنَّها تَحبَل غالبًا.
(وَلَا كَرَائِمُ المَالِ)، وهي النَّفيسةُ، فهذه لا تُؤخَذُ لشَرَفها، ولحقِّ المالك، (إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهُ)؛ لأنَّه خير المال، فلم يَجُز أخذُه بغير رضا مالكه، والحقُّ في الوسَط، قال الزُّهري: (إذا جاء المصَدِّق قسَّم الشَّاءَ أثلاثًا: ثُلث
(1)
خِيارٌ، وثُلث
(2)
وسَطٌ، وثُلث شرار
(3)
، وأخذ من الوسط)
(4)
، ورُوي عن عمر
(5)
، يؤيِّده قوله عليه السلام:«ولكِنْ من وسَط أموالكم، فإنَّ الله لم يسألكم خيرَه، ولم يأمركم بشرِّه» رواه أبو داود
(6)
.
(1)
في (د) و (و): ثلاث.
(2)
في (و): وثلاث.
(3)
في (ب): وثلث شرار وثلث وسط.
(4)
ينظر: سنن الترمذي 3/ 8، وأخرجه ابن أبي شيبة (9991)، مسندًا عن الزهري.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (6813)، وابن أبي شيبة (9988)، ومحمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 483)، وأبو عبيد في الأموال (1915)، وابن زنجويه في الأموال (1540)، عن شهاب بن عبد الله، عن سعد الأعرج أن عمر قال له:«إذا مررتم بصاحب المال؛ فلا تنسوا الحسنة، ولا تنسوها صاحبها، وفرِّقوا المالَ ثلاث فرق، فخيروا صاحب المال ثُلثًا، ثم اختاروا من أحد الثُّلثين، ثم ضعوها في كذا وفي كذا» ، وسعد الأعرج مجهول، لم يرو عنه سوى شهاب، وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وشهاب الخولاني سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وقال ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار ص 199:(من أثبات أهل اليمن ومتقنيهم).
وأخرج عبد الرزاق (6812)، عن عمر أنه قال في صدقة الغنم:«يعتامها صاحبها؛ شاة شاة، حتى يعتزل ثُلُثها، ثم يصدع الغنم صدعين، فيختار المصدِّق من أحدهما» ، وهو من رواية القاسم بن محمد عن عمر كما بيَّن ابن قتيبة في غريب الحديث (2/ 40)، ولم يدرك عمر كما في إتحاف المهرة (12/ 351)، والأثر ثابت بمجموع الطريقين.
(6)
أخرجه أبو داود (1582)، من طريق يحيى بن جابر، عن جبير بن نفير، عن عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعًا، وفيه:«ولا يعطي الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره» ، ويحيى بن جابر لم يدرك جبير بن نفير، قال أبو الحجاج المزيُّ:(روَى عن جبير بن نفير، والصَّحيح أنَّ بينهما عبد الرَّحمن بن جبير بن نفير).
والحديث وصله البخاري في التاريخ الكبير (5/ 31)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1062)، والطبراني في مسند الشاميين (1870)، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عبد الله بن معاوية الغاضري به. وهو من رواية إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، عن عمرو بن الحارث، قال النسائي:(ليس بثقةٍ عن عمرو بن الحارث)، وقال ابن حجر:(صدوقٌ يهم كثيرًا)، وشيخه عمرو بن الحارث الزُّبيديُّ، ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال:(مستقيم الحديث)، وقال الذهبي:(غير معروف العدالة)، وعليه فالرواية الموصولة ضعيفة الإسناد، وخاصةً أنها من روايته عن عمرو بن الحارث كما قاله النسائي رحمه الله تعالى، والحديث صححه الألباني. ينظر: تاريخ دمشق 8/ 109، تاريخ الإسلام للذهبي 5/ 788، ميزان الاعتدال 3/ 251، السلسلة الصحيحة (1046).
(وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ) في ظاهر المذهب؛ لقوله عليه السلام لمُعاذٍ: «خُذِ الحَبَّ من الحبِّ، والإبلَ من الإبلِ، والبقرَ من البقرِ، والغنمَ من الغنمِ» رواه أبو داود وابن ماجه
(1)
، ومقتضاه: عدمُ الأخذ من غيره؛ لأنَّ الأمرَ بالشيء نَهيٌ عن ضدِّه، ولا فرق بين الماشية وغيرها، قال أبو داود: قيل
(2)
لأحمد: أُعْطِي دراهم في صدقة الفطر؟ فقال: (أخاف ألا تُجزِئَ، خلافُ سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(وَعَنْهُ: يَجُوزُ)؛ لقول مُعاذٍ: «ائتوني بخميسٍ أوْ لَبِيسٍ آخذه منكم من
(1)
أخرجه أبو داود (1599)، وابن ماجه (1814)، والدارقطني (1929)، والحاكم (1433)، من حديث عطاء بن يسار، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، والحديث منقطع؛ عطاء لم يدرك معاذًا رضي الله عنه، قاله الترمذي والبزار وابن الملقن وابن حجر.
وضعَّف الحديث الإشبيلي وابن عبد الهادي وابن الملقن وغيرهم، وصححه الجوزجاني، وحسَّنه عبد الغني المقدسيُّ. ينظر: سنن الترمذي 4/ 256، الأباطيل والمناكير 2/ 97، عمدة الأحكام الكبرى 1/ 193، تنقيح التحقيق 3/ 36، البدر المنير 5/ 534، التلخيص الحبير 2/ 329.
(2)
في (و): وقيل.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 123.
الصَّدقة مكان الذُّرة والشَّعير، فإنَّه أيسر عليكم، وأنفع للمهاجرين
(1)
بالمدينة»
(2)
، ولأنَّ المقصودَ دفعُ حاجة الفقراء، ولا يختلف ذلك باختلاف صُوَر الأموال إذا حصلت القيمة.
قال في «الشرح» : (هذا فيما عدا صدقة الفطر)، فتكون
(3)
ثالثةً.
وعنه: يُجزئ للحاجة إن تعذَّر الفرض.
والأول أولى؛ للنُّصوص، وقول معاذ محمولٌ على الجزية، فإنَّه يُطلق عليها صدقة مجازًا، وقوله:«مكان الذُّرة والشَّعير» يجوز أن يكون صالَحهم عن أراضيهم بذلك، قاله ابن المنجى
(4)
، ولأنَّها وجبت لدفع حاجة الفقراء وشكرًا لنعمة المال، فيتنوَّع الواجب ليصل إلى الفقير
(5)
من كلِّ نَوعٍ ما تندفع
(6)
به حاجته، ويحصل شكر النِّعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه، مع أن في تجويز
(7)
إخراج غيرها عدولاً
(8)
عن المفروض.
(وَإِنْ أَخْرَجَ سِنًّا
(9)
أَعْلَى مِنَ الْفَرْضِ مِنْ جِنْسِهِ)، كبنت لبونٍ عن بنت
(1)
في (أ): للفقراء.
(2)
أخرجه يحيى بن آدم في الخراج (526)، والدارقطني (1930)، والبيهقي في الكبرى (7372)، وابن حجر في تغليق التعليق (3/ 13)، عن طاوس، عن معاذ رضي الله عنه، قال الدارقطني:(هذا مرسل؛ طاوس لم يدرك معاذًا)، وأخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (2/ 116)، قال الحافظ:(هو إلى طاوس إسناد صحيح، لكنه لم يسمع من معاذ؛ فهو منقطع).
(3)
في (د) و (و): فيكون.
(4)
في (د) و (و): منجى.
(5)
في (أ) و (ب): الفقراء.
(6)
في (ز) و (و): يندفع.
(7)
في (و): تجوز.
(8)
في (د): عدل.
(9)
في (و): شيئًا.
مخاضٍ؛ (جَازَ) قاله الأئمَّةُ؛ لما روى أُبَيُّ بن كعبٍ: أنَّ رجلاً قدِم على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! أتانِي رسولُك ليأخذَ منِّي صدقة مالِي، فزعم أنَّ ما عليَّ فيه بنت مخاضٍ، فعرضت عليه ناقةً فتية سمينةً، فقال صلى الله عليه وسلم:«ذاك الذي وَجَب عليك، فإن تطوَّعْتَ بخيرٍ آجرك الله فيه، وقبلناه منك» ، فقال: ها هي ذه، فأمر بقبضها، ودعا له بالبركة، رواه أحمد وأبو داود
(1)
، ولأنَّه زاد على الواجب من جنسه ما يجزئ عن غيره فأجزأ، كما لو زاد في العدد.
وذَكَر ابنُ عَقيلٍ وجهًا: لا يجزئ.
وظاهره: أنَّه لا يجزئ من غير الجنس؛ لأنَّه عدولٌ عن المنصوص عليه.
(1)
أخرجه أحمد (21279)، وأبو داود (1583)، وابن خزيمة (2277)، وابن حبان (3269)، والحاكم (1452)، وإسناده حسنٌ، فيه محمَّد بن إسحاق، وهو حسن الحديث، وقد صرَّح بالتَّحديث عند أبي داود وغيره، وصححه ابن حبان وابن خزيمة والحاكم، وقال النووي:(إسناد صحيح أو حسن)، وحسَّنه الألباني. ينظر: المجموع 5/ 427، صحيح موارد الظمآن 1/ 354.
(فَصْلٌ فِي الخُلْطَةِ)
بضمِّ الخاء: الشركة، وهي جائزةٌ في الجملة؛ لما روى التِّرمذيُّ عن سالمٍ، عن أبيه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في كتاب الصَّدقة: «لا يُجمَع بين متفرِّقٍ، ولا يُفرَّق بين مجتمِعٍ خشْيةَ الصَّدقة، وما كان من خليطين فإنَّهما يتراجعان بينهما بالسَّويَّة» ، ورواه البخاريُّ من حديث أنسٍ
(1)
.
(وَإِذَا اخْتَلَطَ نَفْسَانِ)؛ لأنَّ أقلَّ من ذلك الواحد، ولا خلطةَ معه، (أَوْ أَكْثَرُ، مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ)، فلو كان أحدُهما مكاتَبًا أوْ ذِمِّيًّا فلا أثَرَ لها
(2)
؛ لأنَّه لا زكاةَ في ماله، فلم يَكمُل النصابُ به
(3)
، (فِي نِصَابٍ
(4)
؛ فلوْ كان المجموعُ أقلَّ من نصابٍ؛ فلا عِبرةَ بذلك، سواءٌ كان له مالٌ غيرُه أوْ لا، وظاهِرُه: الجوازُ فيما زاد عليه من باب أَوْلَى، (مِنَ المَاشِيَةِ)، فلا تُؤثِّرُ في غيرها، وسيأتِي، (حَوْلاً لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا حُكْمُ الاِنْفِرَادِ فِي بَعْضِهِ)؛ لأنَّ الخُلطة معنًى يَتعلَّق به إيجابُ الزَّكاة، فاعتُبِرتْ في جميع الحول، كالنِّصاب؛ (فَحُكْمُهُمَا
(5)
فِي الزَّكَاةِ حُكْمُ الْوَاحِدِ)؛ لأنَّه لو لم يكن كذلك لما نهى الشَّارِع عن جمع المتفرق وعكسِه خشْيَةَ الصَّدقة.
وسواءٌ أثَّرت في إيجاب الزَّكاة أو إسقاطها، أو في تغيير الفرض، فلو كان لأربعين من أهل الزَّكاة أربعون شاةً، أو لواحد شاةٌ وللآخَر تسعةٌ
(1)
أخرجه البخاريُّ في مواضع (6955، 1451، 1450)، من حديث أنس رضي الله عنه، وأخرجه الترمذيُّ (621)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه، وسبق تخريجه مطولاً 3/ 248 حاشية (7).
(2)
في (أ): لهما.
(3)
قوله: (به) سقط من (أ).
(4)
قوله: (في نصاب) سقط من (و).
(5)
في (د) و (و): فحكمها.
وثلاثون؛ لزمهم
(1)
شاةٌ، نَصَّ عليهما
(2)
، ومع الانفراد لا يلزمهم شَيءٌ، ولو كان لثلاثةٍ مائةٌ وعشرون شاةً؛ لزِمهم شاةٌ، ومع الانفراد
(3)
ثلاثُ شِياهٍ.
(سَوَاءٌ كَانَتْ خُلْطَةَ أَعْيَانٍ)؛ لأنَّ أعيانها مشترَكةٌ؛ (بِأَنْ يَكُونَ مُشَاعًا بَيْنَهُمَا)؛ بأن مَلَكاه بإِرْثٍ أوْ شراءٍ أوْ غيرها، (أَوْ خُلْطَةَ أَوْصَافٍ؛ بِأَنْ يَكُونَ مَالُ كَلِّ وَاحِدٍ) منهما (مُتَمَيِّزًا) عن الآخَر بصِفةٍ أو صفاتٍ، (وَاشْتَرَكَا
(4)
في الأوصاف الآتي
(5)
ذِكرُها، ويُعتَبَرُ فيها ألا يتميزا
(6)
:
(فِي المُرَاحِ)، بضمِّ الميم: المكان
(7)
الذي تُرَوَّح إليه الماشية عند رجوعها فتبيت
(8)
فيه.
(وَالمَسْرَحِ): موضِعِ الرَّعْيِ، وفسَّره صاحبُ «التَّلخيص» وغيرُه: بمَوضِع جمعها عند خروجها للرَّعْي.
(وَالمَشْرَبِ) بفتح الميم والرَّاء: المكان الذي تَشرَب منه، وكذا ذكره أبو الخَطَّاب وصاحب «التلخيص» و «الوجيز» ، ولم يَذكرْه الأكثر.
(وَالمَحْلَبِ) بفتح الميم واللاَّم: الموضع الذي تُحلَب فيه، وبكسر الميم: الإناء، والمرادُ الأوَّلُ؛ لأنَّه ليس المقصود خَلْطَ اللَّبن في إناءٍ واحدٍ؛ لأنَّه ليس بمَرْفَقٍ، بل مشقَّةٌ؛ لما فيه من الحاجة إلى قَسْم اللَّبَن، وربُّما أفضى إلى الربا.
(1)
في (د) و (و): لزمتهم.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 174، مسائل صالح 3/ 228، زاد المسافر 2/ 372.
(3)
قوله: (ومع الانفراد) سقط من (و).
(4)
في (ز): فاشتركا.
(5)
في (و): التي.
(6)
في (د) و (ز): أن لا تتميزا.
(7)
في (و): للمكان.
(8)
في (د): فتثبت.
وقيل: يَلزَم خَلْط اللبن. وقيل: يشترط اتحاد الآنية، جزم به في «الوجيز» .
(وَالرَّاعِي)، كذا قاله أبو الخَطَّاب وصاحب «الوجيز» و «المستوعب» ، وأسقط المحلب.
(وَالْفَحْلِ)، جزم به مُعظَم الأصحاب، والمراد به: المُعَدُّ للضِّراب، وليس المعتبَرُ اتِّحادَه، ولا أن يكون مشترَكًا، بل ألاَّ يتميَّز فحولُ أحدِ المالين عن الآخَر عند الضِّراب.
وجمع في «المحرَّر» و «الوجيز» بين المسرح والمرعى، كالخِرَقِيِّ، قال: ويحتمل أنَّ الخِرَقِيَّ أراد بالمرعى: الرعي
(1)
، الذي هو المصدر لا المكان، وأنَّه أراد بالمسرح: المصدر الذي هو السروح
(2)
لا المكان، فإذا كان كذلك؛ زال التَّكرار، وحصل به اتحاد الرَّاعي والمشرب.
وقال ابنُ حامِدٍ: المرعى والمسرح شرطٌ واحدٌ، وإنَّما ذكر أحمد المسرح؛ ليكون فيه راعٍ واحدٌ.
وقال في «الواضح» : الفحل والرَّاعي والمحلب، وذكر الآمِديُّ المُراح والمسرَح والفحل والمرعى، وذكر القاضي: أنَّه الرَّاعي فقط، وذكر رواية: أنَّه يُعتبَر الرَّاعي والمبيت فقط، وفيه طرق
(3)
أخرى.
واحتجَّ الأصحاب لاعتبار ذلك بحديث سعد بن أبي وقَّاصٍ قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «الخَليطان ما اجتمعا على الحوض والفحل والرَّاعي» رواه الخَلاَّلُ والدَّارَقُطْنيُّ، ورواه
(4)
أبو عُبَيدٍ، وجعَلَ بدَل الرَّاعِي المرعى، وضعَّفه
(1)
في (ب) و (د): الراعي.
(2)
في (د): المسروح.
(3)
في (د): طريق.
(4)
في (ب) و (ز): رواه.
أحمدُ، فإنَّه من رواية ابنِ لَهِيعة
(1)
، فيتوجَّه العملُ بالعرف في ذلك.
ويحتمل أنَّ خُلطةَ الأوصاف لا أثر لها، كما يُروَى عن طاوس وعطاءٍ؛ لعدَم الدَّليل، والأصلُ اعتبارُ المال بنفسه، ذكره في «الفروع» .
وظاهره: أنَّه لا يُشترَط للخُلطة نيَّته، وهو
(2)
في خلطة الأعيان إجماعٌ
(3)
، وكذا في خلطة الأوصاف في الأصح، واحتجَّ المؤلِّف: بِنيَّة السَّوم في السَّائمة، وكنيَّة السَّقي في المعشَّرات.
واختار في «المجرد» : أنَّها تعتبر فيها؛ لأنَّها معنًى يتغيَّر به الفرض، فافتقر إلى النِّيَّة كالسَّوم.
وفائدة الخلاف: في خلطٍ وقع اتِّفاقًا، أوْ فَعَلَه راعٍ وتأخَّرت النِّيَّة عن الملك، وقيل: لا يَضُرُّ تأخيرها
(4)
بزمنٍ يسيرٍ؛ كتقديمها على الملك بزمنٍ يسيرٍ.
(فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا)؛ بَطل حكمُها؛ لفوات شرطها، وصار وجودها
(1)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (1060، 1067)، والدارقطني (1943)، وابن عدي (5/ 245)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج (31)، من طرق عن ابن لهيعة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن السَّائب بن يزيد، عن سعد رضي الله عنه. ابن لهيعة، ضعيف الحديث، خاصَّة إذا انفرد -كما هو الحال هنا-؛ فإنه صاحب مناكيرٍ، قال البيهقيُّ:(أجمع أصحاب الحديث على ضعف ابن لهيعة، وترك الاحتجاج بما ينفرد به)، وقال ابن عدي عن الحديث:(لا أعلم يرويه عن يحيى بن سعيد غير ابن لهيعة)، والحديث حكم عليه الأئمَّة بالبطلان مرفوعًا بهذا السِّياق والزيادة المذكورة، فقال ابن معين:(هذا باطلٌ، إنما هذا من قول يحيى بن سعيد: «لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق»، كذا حدث به ليث بن سعد وغيره)، وقال أبو حاتم:(هذا حديثٌ باطلٌ عندي، ولا أعلم أحدًا رواه غير ابن لهيعة، ويُروى هذا من كلام سعد فقط). ينظر: العلل لابن أبي حاتم 2/ 608 - 609، معرفة السنن والآثار 9/ 43، البدر المنير 5/ 447 - 450.
(2)
في (أ): وهي.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 42.
(4)
في (د) و (و): تأخرها.
كالعدم، فيزكِّي كلُّ واحِدٍ مالَه إن بلغ نِصابًا، وإلاَّ فلا.
(أَوْ ثَبَتَ لَهُمَا حُكْمُ الاِنْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ)؛ كرجلين لكلِّ واحدٍ منهما نِصابٌ مَلَكَه في أوَّل المحرَّم ثُمَّ اختلطا
(1)
بعد ذلك؛ (زَكَّيَا زَكَاةَ المُنْفَرِدَينِ فِيهِ)؛ يعني: على كلِّ واحدٍ منهما عند تمام حوله شاةٌ، وفيما بعد ذلك من السِّنين يُزكِّيان زكاةَ الخُلطة.
فإن اتَّفق حولاهما؛ أخرجا شاةً عند تمام الحول نصفَينِ، وإن اختلف؛ فعلى الأوَّل عند تمام حوله نصفُ شاةٍ، وإذا تمَّ حول الثَّانِي؛ فإن كان الأوَّل أخرجها من غير المال، فعلى الثَّانِي نصفُ شاةٍ أيضًا، وإن أخرجها من المال؛ فقد تمَّ حول الثَّانِي على تسعة وسبعين شاةً ونصفِ شاةٍ، له منها أربعون شاةً، فيَلزَمه أربعون جزءًا من تسعةٍ وسبعين جزءًا ونصف جزءٍ من شاةٍ، فيضعِّفها فيكون ثمانين جزءًا من مائةٍ وتسعةٍ وخمسين جزءًا من شاةٍ، كلَّما تمَّ حولُ أحدهما؛ لزِمه من زكاة الجميع بقدر ما له فيه.
(وَإِنْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الاِنْفِرَادِ وَحْدَهُ)؛ بأن يملِك رجلان نصابَين، ثم يخلطاهما، ثمَّ يَبِيع أحدُهما نصيبَه أجنبيًّا، فقد ملك المشتري أربعين لم يَثبُت لها حكمُ الانفراد، فإذا تمَّ الحولُ؛ (فَعَلَيْهِ زَكَاةُ المُنْفَرِدِ) وهو شاةٌ؛ لثبوت حكم الانفراد في حقِّه، (وَعَلَى الثَّانِي) إذا تمَّ حولُه؛ (زَكَاةُ الْخُلْطَةِ)، وهو نصف شاةٍ؛ لكونه لم يزل مخالِطًا في جميع الحول إن كان الأوَّلُ أخرجها من غير المال، وإن كان أخرج
(2)
منه؛ لزمه أربعون جزءًا من تسعةٍ وسبعين جزءًا من شاةٍ، (ثُمَّ يُزَكِّيَانِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ الحَوْلِ
(3)
زَكَاةَ الْخُلْطَةِ)؛ لأنَّها موجودةٌ في جميع الحول بشروطها، (كُلَّمَا تمَّ حَوْلُ أَحَدِهِمَا؛ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مَالِهِ مِنْهَا)؛ أي:
(1)
في (ب) و (ز): اختلط.
(2)
في (أ): أخرجه.
(3)
في (و): الحول ذلك.
يُزكِّي بقدر ملكه فيه.
وفيه تنبيه
(1)
على أمرين:
أحدهما: أنَّ من ثبت له حكمُ الانفراد في الحول الأول؛ يُزكِّي ما عليه عند تمام حوله الثَّاني، ولا يَنتظِر حول
(2)
المشتري؛ لأنَّ الزَّكاة بعد حَوَلانِ الحَولِ لا يجوز تأخيرُها، وأنَّ المشتريَ لا يجب عليه تقديم زكاته إلى رأس حول شريكه؛ لأنَّ تقديمها قبل حَوَلانِ الحَولِ لا يجب.
وثانيهما: أنَّه إذا كان لكلِّ واحدٍ نِصابٌ؛ فعلى كلٍّ منهما نصفُ شاةٍ، وإن كان للأوَّل أربعون، وللثاني
(3)
ثمانون؛ فعلى الأول ثُلث شاة، وعلى الثَّاني ثُلثاها، ذكره ابن المنجَّى.
تنبيهٌ: يثبت
(4)
حكمُ الانفراد أيضًا فيما إذا كان لأحدهما نصابٌ، وللآخَر دونه، ثُمَّ يَختلِطان في أثناء الحَول.
وكذا إذا أبدل نِصابًا منفرِدًا بنِصابٍ مُختلِطٍ من جنسه، وقلنا: لا يَنقطِع الحولُ به؛ زكَّيا زكاةَ انفرادٍ، كمالٍ واحدٍ حصل الانفراد في أحد
(5)
طرفَيْ حوله.
وكذا لو اشترى أحدُ الخَليطَين بأربعين مختلِطةٍ أربعين منفردةً، وخلطها في الحال؛ لوجود الانفراد في بعض الحول.
وقيل: يُزكِّي زكاةَ خُلْطةٍ؛ لأنَّه يبني على حول خُلْطةٍ، وزمنُ الانفراد يسيرٌ.
(وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا، ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهُ مُشَاعًا، أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بَعْضِهِ)؛ أي:
(1)
في (أ): تنبه.
(2)
في (أ): حَوْلَه.
(3)
في (د): والثاني.
(4)
في (أ) و (ب): ثبت.
(5)
قوله: (أحد) سقط من (أ).
عيَّنه (وَبَاعَهُ مُخْتَلِطًا؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيَسْتَأْنِفَانِهِ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ)، هذا
(1)
هو المذهب، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه قد انقطع في النِّصف المبيع، فصار كأنَّه لم يَجْرِ
(2)
في حول الزَّكاة أصلاً، فلزِم انقطاعُ الحول في الثَّانِي.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْبَائِعِ) فيما لم يَبِع؛ لأنَّه لم يَزَلْ مُخالِطًا لمالٍ جارٍ في حول الزَّكاة، (وَعَلَيْهِ إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ زَكَاةُ حِصَّتِهِ)، فيَلزمه نصفُ شاةٍ؛ لكونه
(3)
ما خلا حولُه من ملك نصف نصابٍ، فهو كالخليط إذا تمَّ مالُه بمال شريكه.
(فَإِنْ كَانَ) البائعُ (أَخْرَجَهَا مِنَ المَالِ؛ انْقَطَعَ حَوْلُ المُشْتَرِي) ذَكَره المجدُ إجْماعًا، فعلى هذا: لا زكاةَ عليه؛ (لِنُقْصَانِ النِّصَابِ) في بعض الحول، إلاَّ أنْ يستديمَ الفقير الخُلطة بنصفه
(4)
، فلا ينقص النِّصاب إذًا، ويُخرِج الثَّانِي نصفَ شاةٍ. وقيل: إن زكَّى البائعُ منه إلى فقيرٍ؛ زكَّى المشتري.
(وَإِنْ أَخْرَجَهَا) البائعُ (مِنْ غَيْرِهِ، وَقُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ؛ فَكَذَلِكَ)، وكذا ذكره المؤلِّف في بقيَّة كتبه وصحَّحه، وعزاه
(5)
إلى أبِي الخَطَّاب؛ لأنَّ تعلقها بالعين ينقص النِّصابَ، فمَنَع وجوبَها على المشتري.
وجزَم الأكثرُ منهم القاضِي وأبو الخَطَّاب وابنُ عَقِيلٍ، وقاله في «المستوعب» و «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الفروع»: أنَّه يجب على المشتري نصفُ شاةٍ إذا تم حوله؛ لأنَّ التعلق بالعين لا يَمنَع انعقاد الحَول الثَّانِي بالاتفاق،
(1)
في (د) و (و): وهذا.
(2)
في (و): لم يجز.
(3)
في (د) و (و): لأنه.
(4)
في (ب) و (ز): بنصيبه.
(5)
في (أ): عزاه.
والفقير لا يملك جزءًا من النِّصاب، وإنَّما يتعلَّق حقه به كتعلق أَرَش الجناية بالجاني، فلم يَمنَع وجوبها.
وضعَّف المجْدُ الأوَّلَ عن أبي الخطاب، وقال: هذا مخالِفٌ لما ذَكَره في كتابه، ولا يُعرَف له موضِعٌ يُخالِفه، مع أنَّ في كلامه نَظَرًا من
(1)
حَيثِيَّة أنَّه بعد إخراجها كيف يُتصوَّر التَّعلُّق؟ لأنَّ بعد الأداء لا يجوز تعلُّقها، كما لا يَتعلَّق الدين بالرَّهن بعد أدائه، وأَرْش الجناية بالجانِي بعد فدائه.
(وَإِنْ قُلْنَا: فِي الذِّمَّةِ؛ فَعَلَيْهِ) أي: المشتري (عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ حِصَّتِهِ)؛ لعدَم نقصان النصاب في حقِّه مطلقًا، وعكسُها صورة: لو كان لرجلين نصابُ خُلطةٍ، فباع أحدُهما خليطَه في بعض الحَول؛ لأنَّه في الأوَّل خليط نفسه، ثم صار خليطَ أجنبيٍّ، وههنا كان خليطَ أجنبيٍّ، ثمَّ صار خليط نفسه، ذكره في «الشَّرح» .
فإن كان البائع استدان
(2)
ما أخرجه، ولا مال له يجعل في مقابلة دَينه إلاَّ مال الخُلطة، أو لم يُخرِج البائعُ الزَّكاةَ حتى تمَّ حول المشتري؛ فإن قُلْنا: الدَّين لا يَمنَع وجوبَ الزَّكاة، أو قلنا: يمنع، لكن للبائع مالٌ يُجعَل في مقابلة دَين الزَّكاة؛ زكَّى المشتري حصته
(3)
زكاةَ الخُلطة نصفَ شاةٍ، وإلاَّ فلا.
(وَإِنْ أَفْرَدَ بَعْضَهُ وَبَاعَهُ ثُمَّ اخْتَلَطَا؛ انْقَطَعَ الْحَوْلُ) في قول الأكثر؛ لوجود الانفراد في البعض، ولحدوث
(4)
بعض مَبيعٍ بعدَ ساعةٍ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ إِذَا كَانَ زَمَنًا يَسِيرًا)؛ لأن اليسيرَ مَعفُوٌّ عنه، يوجب
(5)
ألا ينقطِعَ؛ كما لو باعه مُشاعًا.
(وَإِنْ مَلَكَ نِصَابَيْنِ شَهْرًا، ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا مُشَاعًا؛ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي
(1)
في (د) و (و): في.
(2)
في (د): المستدان.
(3)
في (و): حصة.
(4)
في (د) و (و): وكحدوث.
(5)
في (أ): فوجب.
بَكْرٍ: يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حُكْمُ الاِنْفِرَادِ)؛ لأنَّه اختار أنَّ البيع يَقطَع الحَولَ، فيصير البائعُ كأنَّه مَلَك نِصابًا منفَرِدًا، (وَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ زَكَاةُ المُنْفَرِدِ)؛ لثبوت حكم الانفراد له.
(وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ: عَلَيْهِ
(1)
زَكَاةُ خَلِيطٍ)؛ لاختياره عدم الانقطاع بالبيع، فوجب عليه زكاةُ خُلطةٍ؛ لكونه لم يَزَلْ مُخالِطًا في جميع الحَول، (فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ المُشْتَرِي فَعَلَيْهِ زَكَاةُ خَلِيطٍ وَجْهًا وَاحِدًا)؛ لأنَّ الأربعين التي له
(2)
لم تَزَل مختلِطةً في جميع الحول.
(وَإِذَا مَلَكَ نِصَابًا شَهْرًا، ثُمَّ مَلَكَ آخَرَ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ، مِثْلُ أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي المُحَرَّمِ، وَأَرْبَعِينَ فِي صَفَرٍ؛ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ)، وهي شاةٌ؛ لانفرادها في بعض الحول، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي) إذا تم حولُه (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ الجميع ملكٌ واحدٌ، فلم يَزِد فرضُه على شاةٍ؛ كما لو اتَّفقت أحوالُه، وللعموم في الأوقاص؛ كمملوك دفعة.
(وَفِي الآْخَرِ: عَلَيْهِ لِلثَّانِي زَكَاةُ خَلِيطٍ)، وهو نصف شاةٍ؛ لاختلاطها بالأربعين الأُولَى؛ (كَالأَجْنَبِيِّ
(3)
فِي) المسألة (التِي قَبْلَهَا).
وقيل: تجب شاةٌ؛ كالأولى، وكمالٍ منفرد.
وعلى الثَّاني فيما بعد الحَول الأول: يزكيهما
(4)
زكاةَ خُلطةٍ، كلَّما تمَّ حولُ إحداهما أخرج قِسْطَها نصفَ شاةٍ.
فلو مَلَك أربعين أخرى في ربيع؛ فعلى الأوَّل: لا شيءَ سوى الشَّاة
(1)
قوله: (عليه) سقط من (و).
(2)
قوله: (له) سقطت من (أ).
(3)
في (د): كالأخير.
(4)
في (د): يزكهما.
للأولى
(1)
، وعلى الثَّاني: زكاة خُلطةٍ ثُلثُ شاةٍ؛ لأنَّها ثُلُث الجميع، وفيما بعد الحول الأوَّل في كلٍّ ثُلثُ شاةٍ؛ لتمام حولها، وعلى الثَّالث: شاةٌ.
(وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ؛ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِائَةَ شَاةٍ؛ فَعَلَيْهِ زَكَاتُه إِذَا تَمَّ حَوْلُهُ وَجْهًا وَاحِدًا)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ كما لو انقضت أحوالُه؛ لأنَّه إمَّا أن يُجعَلا كالمال الواحد لمالكٍ، أوْ كمالَينِ لمالِكَينِ، وعلى التَّقديرين: تجب شاةٌ أخرى، بخلاف التي قبلها.
وهذا على الأوَّل؛ لأنَّه يُنظر هنا إلى
(2)
زكاة الجميع، فيَسقُط منها ما وجب في الأوَّل، ويجب الباقي في الثَّانِي.
وكذا على الثالث؛ لأنَّه
(3)
هناك يُعتبَرُ مُستقِلًّا بنفسه، فكذا هنا.
وعلى الثَّاني: تجب
(4)
زكاةُ خُلطةٍ، وهي شاة وثلاثةُ أسباعِ شاةٍ؛ لأنَّ في الكلِّ شاتَينِ، حِصَّةُ المائة منها خمسةُ أسباعِ الكلِّ، فحصتُها من فَرضه خمسةُ أسباع
(5)
.
فلو مَلَك مائةً أخرى في ربيعٍ؛ فعلَى الأوَّل والثَّالث: شاةٌ، وعلى الثَّانِي: شاةٌ ورُبُعٌ؛ لأنَّ في الكلِّ ثُلُثَ شاة
(6)
، والمائة رُبعُ الكل وسُدسُه، فحِصَّتها من فرضه رُبعُه وسُدُسُه، وفي إحدى وثمانين شاةً بعد أربعين شاةً شاةٌ، وقيل: شاةٌ وأحدٌ وأربعون جزءًا من مائة وأحَد وعشرين جزءًا من شاة؛ كخَليطٍ.
(وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ وَلَا يَبْلُغُ نِصَابًا، مِثْلُ أَنْ يَمْلِكَ
(7)
ثَلَاثِينَ
(1)
في (د) و (و): الأولى.
(2)
قوله: (هنا إلى) هو في (أ): هناك.
(3)
في (و): لأن.
(4)
في (د): يجب.
(5)
في (د) و (ز) و (و): أسباعه.
(6)
في (د) و (ز) و (و): ثلث شياه.
(7)
في (د): ملك.
مِنَ الْبَقَرِ فِي المُحَرَّمِ، وَعَشْرًا فِي صَفَرٍ)؛ فيَجِبُ في الثَّلاثين إذا تمَّ حولُها: تبيع
(1)
، وأمَّا المستفاد؛ (فَعَلَيْهِ فِي الْعَشْرِ إِذَا تَمَّ حَوْلُهَا: رُبُعُ مُسِنَّةٍ)، ذَكَره في «المحرَّر» وجهًا واحدًا؛ لأنَّ الفريضة الموجِبة للمسنَّة قد كمُلت، وقد أخرج زكاة الثَّلاثين، فوجب في العشر بقِسطها من المسنَّة، وهو رُبعها، وعلى الثالث: لا يجب شيء؛ كما لو ملكها منفردةً.
(وَإِنْ مَلَكَ مَا لَا يُغَيِّرُ الْفَرْضَ كَخَمْسٍ؛ فَلَا شَيْءَ فِيهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قدَّمه في «الفروع» ، وجَزَم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه وَقصٌ، وكما لو ملكها
(2)
دفعةً واحدةً، وكذا على الثَّالِثِ.
(وَفِي الثَّانِي عَلَيْهِ سُبُعُ تَبِيعٍ إِذَا تَمَّ حَوْلُهَا)؛ لأنَّه مخالِطٌ بخَمْسٍ لثلاثين؛ كالأجنبيِّ.
(وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً، كُلُّ عِشْرِينَ مِنْهَا مُخْتَلِطَةٌ بِعِشْرِينَ لآخَرَ؛ فَعَلَى الْجَمِيعِ شَاةٌ)؛ لأنَّهم يَملِكون شَيئًا يجب فيه شاةٌ على الانفراد، فكذا في الاختلاط، (نِصْفُهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ، وَنِصْفُهَا عَلَى خُلَطَائِهِ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُ شَاةٍ)؛ ضَمًّا لمَالِ كلِّ خليطٍ إلَى مال الكُلِّ، فيصير كمالٍ واحد، قاله الأصحاب.
ومحلُّه: إذا لم يكن بينهما مسافة قصرٍ، أو كان على روايةٍ.
وقيل: يَلزَمهم شاتان ورُبُعٌ، على صاحب السِّتِّين ثلاثةُ أرباع شاةٍ؛ لأنَّه مُخالِطٌ
(3)
لعشرين خُلطةَ وصفٍ، ولأربعين
(4)
بجهة
(5)
الملك، وحِصَّة العشرين
(1)
في (ز): بيع.
(2)
في (د) و (و): ملكهما.
(3)
في (أ) و (ب): مخالطة.
(4)
في (ز) و (و): والأربعين.
(5)
في (و): لجهة.
من زكاة الثَّمانين رُبُع شاةٍ، وعلى كلِّ خليطٍ نصفُ شاةٍ؛ لأنَّه مخالِطٌ لعشرين.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: يجب في الجميع ثلاثُ شياه، على ربِّ السِّتِّين شاة ونصف؛ جعلاً للخُلطة قاطِعةً بعضَ ملْكِه عن بعض، وعلى كلِّ خليطٍ نصف شاةٍ؛ لأنَّه لم يخالط
(1)
سوى عشرين.
(وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ عَشْرٍ
(2)
مِنْهَا مُخْتَلِطَةً بِعَشْرٍ لآِخَرَ؛ فَعَلَيْهِ شَاةٌ)؛ لأنَّ من شَرْطِ صِحَّتِها أن يكون المجموعُ نِصابًا، وقد فات هنا، فوجب على مالك السِّتِّين شاة، (وَلَا شَيْءَ عَلَى خُلَطَائِهِ)، وأبرز المؤلِّف علَّته
(3)
فقال: (لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِطُوا
(4)
فِي نِصَابٍ) بخلاف الأُولَى.
(وَإِذَا كَانَتْ مَاشِيَةُ الرَّجُلِ مُتَفَرِّقَةً فِي بَلَدَيْنِ لَا تُقْصَرُ بَيْنَهُمَا
(5)
الصَّلَاةُ؛ فَهِيَ كَالمُجْتَمِعَةِ)، يُضَمُّ بعضُها إلَى بعضٍ، ويُزكِّيها كالمختلِطة، لا نعلم
(6)
فيه خِلافًا
(7)
.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ؛ فَكَذَلِكَ) في روايةٍ هيَ (قَوْلُ) أكثر العلماء، واختيار (أَبِي الخَطَّابِ)، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح»؛ لقوله:«فِي أربعينَ شاةً شاةٌ»
(8)
، ولأنَّه ملكٌ واحِدٌ، أشْبهَ ما لو كان دون مسافة القصر، وكغير السَّائمة إجْماعًا
(9)
، وعليها يُخرِج الفرضَ في أحد البلدين؛
(1)
في (أ) و (ب): لم تخالط.
(2)
في (أ): عشرين.
(3)
في (أ): عليه.
(4)
في (د): لم يختلفوا.
(5)
في (د) و (و): منهما.
(6)
في (و): لا يعلم.
(7)
ينظر: المغني 2/ 461.
(8)
تقدم تخريجه 3/ 248 حاشية (7).
(9)
ينظر: الفروع 4/ 56.
لأنَّه موضع حاجةٍ، وقيل: بالقسط.
(وَالمَنْصُوصُ) عن أحمدَ كما نقله الأثْرمُ
(1)
وغيره: (أَنَّ لِكُلِّ مَالٍ حُكْمَ نَفْسِهِ)، فإن كان نِصابًا وجبت الزَّكاةُ، وإلاَّ فلا، فجعل التفرقةَ في البلدين كالتفرقة في المِلْكين، فقال:(كَمَا لَوْ كَانَا لِرَجُلَيْنِ)، احتج أحمدُ
(2)
بقوله عليه السلام: «لا يُجمَعُ بين مُتفرِّقٍ
…
» الخَبَرَ
(3)
، وعندنا أنَّ من جَمَع أوْ فرَّق خشْيةَ الصَّدقةِ؛ لم يُؤثِّرْ ذلك، ولأنَّ كلَّ مالٍ ينبغي تفرقته
(4)
ببلده، فتعلَّق الوجوب به، لكن قال ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمدَ
(5)
، وحَمَل المؤلف
(6)
النَّصَّ على المجتمِعة، وكلامَ أحمد على أنَّ السَّاعيَ لا يأخذها، فأمَّا ربُّ المال فيُخرِج إذا بلغ ماله نصابًا.
وظاهِرُه: أنَّ غير الماشية لا تكون
(7)
كذلك، لكن جعل أبو بَكْرٍ في سائر الأموال روايتين كالماشية، قاله ابنُ تَميمٍ.
(وَلَا تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ)، نَصَّ عليه
(8)
، ولقوله:«لا يُجمَع الخليطان»
(9)
؛ ولأن
(10)
السَّائمة تَقِلُّ تارةً وتكثر أخرى، وسائر المال يجب فيما زاد على النِّصاب بحسابه، فلا أثَرَ لجمعها، والخُلطةُ في الماشية تُؤثِّر في
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 371، الفروع 4/ 56.
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 371، الفروع 4/ 56.
(3)
أخرجه البخاري (1450) من حديث أنس رضي الله عنه في كتاب الصدقة.
(4)
قوله: (تفرقته) هو في (أ): تفرقة زكاته.
(5)
ينظر: الإشراف 3/ 17.
(6)
في (أ): المصنف.
(7)
في (و): لا يكون.
(8)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 231، الفروع 4/ 60.
(9)
مراده -كما في الممتع شرح المقنع 1/ 705 - ما تقدم تخريجه 3/ 248 حاشية (7)، و 3/ 287 حاشية (1). من حديث: «لا يجتمع بين متفرق
…
»، وحديث: «الخليطان ما اجتمعا في الحوض
…
».
(10)
في (أ): ولا.
النَّفع والضَّرَر، فلو اعتبرناها في غيرها؛ لأثَّرتْ ضررًا مَحْضًا بربِّ المال.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُؤَثِّرُ)؛ لأنَّ الارتفاق المعتبَر فيها موجودٌ في غيرها، وظاهِرُه: مطلَقًا، وخَصَّها الأكثر: بخُلطة الأعيان، وهي
(1)
قول إسحاقَ والأَوْزاعيِّ، قال في «الشَّرح»:(فأمَّا خلطةُ الأوصاف فلا مَدخَل لها في غير السَّائمة بحالٍ؛ لأنَّ الاختلاط لا يَحصُل).
وقيل: لها مدخَلٌ، نقل حنبلٌ
(2)
: تُضمُّ كالمواشي، فقال:(إذا كانا رجلين لهما من المال ما فيه الزَّكاة من النَّقدين، فعليهما بالحِصَصِ)، فيعتبر على هذا الوجه اتحادُ
(3)
المُؤَن ومرافِقِ الملك، وما يتعلقُ بإصلاح الشركة، وخصَّها القاضِي في «شرحه الصَّغير»: بالنَّقدَين.
(وَيَجُوزُ لِلسَّاعِي أَخْذُ الفَرْضِ
(4)
مِنْ مَالِ أَيِّ الْخَلِيطَيْنِ شَاءَ)؛ لأنَّ الجميع كالمال الواحد، (مَعَ الْحَاجَةِ)؛ بأن تكون
(5)
الفريضة عينًا واحدةً لا يمكن أَخْذُها إلاَّ من أحد المالَين، أو يكونَ أحدُهما صِغارًا والآخر
(6)
كِبارًا، ونحوه، (وَعَدَمِهَا)؛ بأن
(7)
يجد فرضَ كلٍّ من المالين فيه، نَصَّ أحمدُ على ذلك
(8)
، وظاهره: ولو بعد قِسمةٍ في خُلطة أعْيانٍ مع بقاء النَّصِيبَينِ وقد وجبت الزَّكاة، خلافًا ل «المجرَّد» .
فأمَّا من لا زَكاةَ عليه، كذِمِّيٍّ ومكاتَبٍ؛ فلا أثَر لخلطته في جواز الأخذ؛
(1)
في (أ) و (ب): وهو.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 231، الفروع 4/ 60.
(3)
قوله: (اتحاد) سقط من (أ) و (ب).
(4)
في (د) و (و): العرض.
(5)
في (و): يكون.
(6)
في (د) و (ز) و (و): والأخرى.
(7)
في (د) و (و): بأنه.
(8)
ينظر: الفروع 4/ 60.
لأنَّ الخبر في خليطَينِ يُمكِن رجوعُ كلٍّ منهما على الآخَر.
(وَيَرْجِعُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى خَلِيطِهِ)؛ لقولِه عليه السلام: «وما كان من خليطَينِ فإنَّهما يتراجعان بينهما بالسَّويَّة»
(1)
؛ أي: إذا أُخذ من أحدهما، (بِحِصَّتِهِ مِنَ الْقِيمَةِ) يوم أُخذت؛ لزوال ملكه إذن، ولأنَّها ليست من ذوات الأمثال، فيرجع بالقسط الذي قابل مالَه من المخرَج، فإذا كان لأحدهما ثُلُث المال، وأُخِذ الفرض منه؛ رجع بقيمة
(2)
ثُلثي المخرَج على شريكه، وإن أخذه من الآخَر؛ رجع بقيمة الثُّلُث، فيرجع ربُّ عشرةٍ من الإبل أُخذت منه بنت مخاضٍ على رب عشرين بقيمة ثُلثيها، وبالعكس بقيمة ثُلثها.
(فَإِنِ
(3)
اخْتَلَفَا فِي الْقِيمَةِ)؛ بأن قال المأخوذُ منه: قِيمتُها عِشْرون، وقال الآخَر: بل قِيمتُها عَشَرَةٌ؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ المَرْجُوعِ عَلَيْهِ) مع يمينه (إِذَا عُدِمَتِ الْبَيِّنَةُ) واحْتمَل صدقه؛ لأنَّه مُنكِرٌ غارِمٌ، وكالغاصب.
وظاهره: أنَّه لا يُقبَل قوله مع وجود البيِّنة؛ لأنَّ العمل يجب بما يقوله، لأنَّها تَرْفَع النِّزاعَ.
(وَإِذَا أَخَذَ السَّاعِي أَكْثَرَ مِنَ الْفَرْضِ ظُلْمًا)؛ أي: بلا تأويلٍ، كأخْذِه عن أربعين مختلِطةً شاتَينِ من مال أحدهما؛ (لَمْ يَرْجِعْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى خَلِيطِهِ)؛ لأنَّها ظُلْمٌ، فلا يجوز رجوعه على غير ظالمه وِفاقًا
(4)
، وحِينئِذٍ يَرجِع على خليطه بنصف شاةٍ فقطْ، وذَكَر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فيها قولَينِ للعلماء أظْهرُهما: يرجع
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (1451).
(2)
في (د) ز (و): بقيمته.
(3)
في (و): وإن.
(4)
ينظر: تبيين الحقائق 1/ 264، المعونة 1/ 405، الحاوي للماوردي 3/ 136، الفروع 4/ 62.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 342.
وقال في المظالِم المشترَكة تطلُب من الشُّركاء، يطلبها الولاة من البلدان أو التُّجار أو الحجيج أو غيرهم، والكُلَف السُّلْطانيَّة على الأنفس أو الأموال أو الدَّواب: (يلزمهم التزام العدل في ذلك، كما يَلزَم فيما يؤخَذُ منهم بحقٍّ، ولا يجوز لأحد
(1)
أن يمتنع من أداء قسطه من ذلك
(2)
، بحيث يُؤخَذُ قِسطُه من الشُّركاء؛ لأنَّه لم يَدفَع الظُّلم عنه إلاَّ بظلم شركائه)
(3)
.
(وَإِنْ أَخَذَهُ بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ)؛ كأخذه صحيحةً
(4)
عن مِراضٍ، أوْ كبيرةً عن صغارٍ، أو قيمة الواجب؛ (رَجَعَ عَلَيْهِ)؛ لأنَّ السَّاعيَ نائبُ الإمام، فِعْله كفعله، ولهذا
(5)
لا يُنقَض لكونه مختَلفًا فيه كما في الحاكم.
قال في «المغني» و «الشَّرح» : ما أدَّاه اجتهادُه إليه وجب دَفْعُه، وصار بمنزلة الواجب، وقال غيره: لأنَّ فعلَه في محلِّ الاجتهاد سائِغٌ نافِذٌ، فترتَّب عليه الرُّجوع لسَوَغانه.
وقال أبو المعالي: إن أخذ القيمة وجاز أخذها؛ رجع
(6)
بنصفها إن قلنا: القيمة أصلٌ، وإن قلنا: بدَلٌ فبنصف قيمة الشَّاة، وإن لم تَجُزْ القيمة فلا رجوعَ، ولم يَرتَضِه في «الفروع» ، وإطلاق الأصحاب يقتضي الإجزاءَ ولو
(7)
اعتقد المأخوذ منه عدمه.
وعُلم منه: أنَّه إذا أخرج أحدَ الخليطَين فوق الواجب؛ لم يرجع بالزِّيادة،
(1)
في (أ): أحد.
(2)
في (أ): من نفر، وفي (ب) و (ز): في ذلك.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 342، الفروع 4/ 62.
(4)
في (أ): صحيح.
(5)
في (و): وهذا.
(6)
في (و): وجمع.
(7)
في (و): ولم.
قال صاحب «المحرَّر» : عَقْدُ
(1)
الخلطة: جعلُ كل واحد منهما كالإذن لخليطه في الإخراج عنه، وكذا قاله ابن حامد، غاب الآخر أو حضر.
واختار ابن حمدان: لا يُجزئ.
تنبيهٌ: إذا أخَذَ السَّاعي فرضًا مجمَعًا عليه، لكنه
(2)
مختلَفٌ فيه: هل هو عن الخليطَين، أو عن أحدهما؟ عمل كلٌّ في التَّراجع بمذهبه؛ لأنَّه لا نقض فيه لفعل الساعي، فعشرون خلطة بستين؛ فيها رُبع شاة، فإذا أخذ
(3)
الشَّاة من السِّتِّين؛ رجع ربُّها برُبُع الشَّاة، وإن أخذها من العشرين؛ رجع ربُّها بثلاثة أرباعها، لا بقيمتها كلِّها.
ولا تسقط
(4)
زيادةٌ مختلَفٌ فيها بأخذ السَّاعي مُجمَعًا عليه، كمائة وعشرين خلطةً بينهما، تَلِف ستُّون عقب الحول، فأخذ نصف شاةٍ، بناءً على تعلُّق الزَّكاة بالنِّصاب والعفو، وجعلٍ للخلطة والتَّلف تأثيرًا، لزمهما
(5)
إخراج نصف شاة، ذكرهما
(6)
في «منتهى الغاية» .
(1)
في (أ) و (ب): عند.
(2)
في (أ) و (ب): لكن.
(3)
في (أ): أخذت.
(4)
في (و): ولا يسقط.
(5)
في (و): لهما.
(6)
في (ب) و (د) و (و): ذكرها.
(بَابُ زَكَاةِ الخَارِجِ مِنَ الْأَرْضِ)
والأصلُ في وجوبها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البَقَرَة: 267]، والزكاة
(1)
تُسمَّى: نفقةً؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التّوبَة: 34]، وقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعَام: 141]، قال ابنُ عبَّاس:«حقُّه الزَّكاة، مرَّةً العُشُرُ ومرَّةً نصفُ العُشُر»
(2)
، والسنة مستفيضةٌ بذلك، وأجمعوا على وجوبها في الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب، حكاه ابن المنذر
(3)
.
(تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الحُبُوبِ كُلِّهَا)، سواء كان قوتًا؛ كالحنطة والشَّعير والأرز والدُّخن، أو من
(4)
القِطنِيَّات؛ كالباقِلاَّء والعدَس والحِمَّص، أو من الأبازير؛ كالكسفرة والكَمُّون، وكبِزِر الكَتان والقِثاء والخيار، وحبِّ البقول؛ كحَبِّ الرَّشاد، والفُجْل، والقِرطِم؛ لعموم النَّصِّ السَّابق، ولقوله عليه السلام: «فيما
(1)
في (د): وللزكاة.
(2)
أخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 68)، وسعيد بن منصور في التفسير (928)، وابن أبي شيبة (10472، 10487)، والطبري في التفسير (9/ 595 - 599)، ويحيى بن آدم في الخراج (398)، وابن أبي حاتم في التفسير (7952)، وابن زنجويه في الأموال (1375)، والبيهقي في الكبرى (7501)، والنحاس في الناسخ والمنسوخ (ص 420)، وابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه (2/ 423)، ومداره على الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف الحديث، وقد اضطرب فيه، فتارة يقول: عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس، وتارة عن الحكم عن ابن عباس، وتارة عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس، وتارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس.
(3)
ينظر: الإشراف 3/ 28.
(4)
في (د): في.
سَقَتِ السَّمَاء والعيون العُشْرُ» رواه البخاريُّ
(1)
.
(وَفِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ)، نقلَه أبو طالِبٍ
(2)
؛ لقوله عليه السلام: «لَيس فيما دُونَ خمسةِ أَوْسُقٍ صدقةٌ» متَّفقٌ عليه
(3)
، فدلَّ على أنَّ ما لا يدخله التَّوسيق ليس مرادًا من عموم الآية والخبر، وإلاَّ لكان ذكر الأوسق لَغْوًا، ولأنَّ غير المدخر لا تَكمُل فيه النِّعمة؛ لعدم النَّفع فيه مآلاً؛ (كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَاللَّوْزِ)، نَصَّ عليه، وعلَّله: بأنَّه مكيل
(4)
، (وَالْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ) والسماق، نقل صالح وعبد الله
(5)
: (ما كان يُكال ويُدَّخَر، ويقع فيه القفيز؛ ففيه العشر)، وما كان مثلَ البصل، والرَّياحين، والرمان؛ فليس فيه زكاةٌ، إلاَّ أن يُباع ويَحُول على ثمنه حولٌ، اختاره جماعةٌ، وجزم به آخرون.
(وَلَا تَجِبُ فِي سَائِرِ الثَّمَرِ)؛ كالجوز، نَصَّ عليه
(6)
، وعُلِّل بأنَّه معدودٌ، والخوخ، والإجَّاص، والكمثرى
(7)
، والمشمش، والتِّين، والتُّوت، ونحوه؛ لأنَّها
(8)
ليست مكيلةً، وقد رُوِيَ: أنَّ عاملَ عمر كتب إليه في كُروم فيها من
(9)
الفرسك والرُّمَّان ما هو أكثر غلةً من الكروم أضعافًا، فكتب إليه عمر:«ليس فيها عُشْرٌ، هي من العِضاه» رواه الأثرم
(10)
.
(1)
أخرجه البخاريُّ (1483)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
ينظر: الأحكام السلطانية ص 122.
(3)
أخرجه البخاريُّ (1484، 1447)، ومسلمٌ -واللَّفظ له- (979)، عن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه.
(4)
ينظر: الأحكام السلطانية ص 120، الفروع 4/ 70.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 165، مسائل صالح 1/ 278.
(6)
ينظر: الأحكام السلطانية ص 122.
(7)
في (د): وللكمثرى.
(8)
في (أ) و (ب): لأنه.
(9)
قوله: (من) سقط من (أ) و (ب) و (د).
(10)
أخرجه يحيى بن آدم في الخراج (548)، ومن طريقه البلاذري في فتوح البلدان (ص 65)، والبيهقي في الكبرى (7454)، من طريق جعفر بن نجيح المدني، عن بشر بن عاصم وعثمان بن عبد الله بن أوس: أن سفيان بن عبد الله الثقفي كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذكره. إسناده جيد، جعفر بن نجيح قال فيه أحمد في سؤالات أبي داود ص 212:(قد رُوي عنه، ليس به بأس)، وبشر بن عاصم بن سفيان الثقفي ولا تُعرف روايته عن جده سفيان، وتابعه عثمان بن عبد الله، روى عنه جماعة، وقال الذهبي:(محله الصدق)، فهي متابعة جيدة لرواية بشر.
وكذا العُنَّاب، وجزم في «الأحكام السلطانية» و «المستوعب» و «الكافي» بالزَّكاة فيه، قال في «الفروع»: وهذا أظهر، فالتين
(1)
والمشمش والتُّوت مثلُه، واختاره شَيخُنا في التِّين
(2)
؛ لأنَّه يدَّخَرُ كالتَّمْر.
(وَلَا فِي الْخُضَرِ)؛ كالقِثَّاء والباذِنْجان واللِّفْت؛ لما رَوَى الدَّارَقُطْنيُّ بإسنادِه عن عليٍّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْس في الخضْراوات صدقةٌ» ، وعن عائشةَ نحوُه
(3)
، (وَالْبُقُولِ وَالزَّهْرِ)؛ لأنَّه غير مَكِيل مدَّخَرٍ، ونحوهما: الوَرَق
(1)
في (د) و (و): والتين.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 71، الاختيارات ص 149.
(3)
حديث علي رضي الله عنه: أخرجه الدارقطني (1907)، وفي المؤتلف والمختلف له (3/ 1183)، ومن طريقه ابن الجوزي (822)، وفيه الصَّقر بن حبيب، ويقال له: الصَّعق بن حبيب السَّلولي، قال ابن حبَّان:(شيخٌ من أهل البصرة يخالف الثِّقات في الروايات، ويأتي بالمقلوبات عن الأثبات)، ثم ذكر له هذا الحديثَ، فقال:(ليس هذا من كلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنَّما يُعرف هذا بإسنادٍ منقطعٍ، فقلب هذا الشَّيخُ على أبي رجاءٍ عن ابن عبَّاسٍ عن عليٍّ)، وضعَّفه ابن الجوزي وابن عبد الهادي والزيلعي وابن حجر، وقال:(وفيه الصَّقر بن حبيب، وهو ضعيفٌ جدًّا).
وحديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه الدارقطني (1908)، وفيه صالح بن موسى الطَّلحي الكوفي، ضعَّفه الأئمة جدًّا، والحديث ضعفه ابن الجوزي وابن عبد الهادي والزيلعي ابن حجر.
وفي الباب أحاديثُ مرفوعةٌ عن معاذٍ وأنسٍ ومحمد بن عبد الله بن جحشٍ وطلحة بن موسى، وكلُّها ضعيفةٌ واهيةٌ، قال الترمذي:(ليس يصحُّ في هذا البابِ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ، وإنَّما يُروى هذا عن موسى بن طلحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، والعمل على هذا عند أهل العلم: أنه ليس في الخضراوات صدقة). ينظر: المجروحين لابن حبان 1/ 375، العلل المتناهية 2/ 7، تنقيح التحقيق 3/ 50، نصب الراية 2/ 386، التلخيص الحبير 2/ 321، الدراية 1/ 263.
وطلع الفُحَّال، والسَّعَف والخُوص، والحطب، والخشب، وأغصان الخِلَاف، والحشيش والقَصَب مطلقًا، ولبن الماشية
(1)
وصوفها، وكذا الحريرُ ودودُ القِزِّ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ)، اختاره القاضي والمجْدُ؛ لقوله تعالى:{وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} الآية [الأنعَام: 99]؛ ولأنَّه حبٌّ مَكِيلٌ يُنتفَع بدهنه الخارج منه، أشبه السِّمسم والكتان، فيزكَّى إذا بلغ خمسة أوسق كَيلاً، نَصَّ عليه
(2)
، ويُخرَج منه، وإن صفَّاه وأخرج عُشر زيته؛ فهو أفضلُ؛ لأنَّه المقصودُ منه.
والثَّانية، واختارها الخِرَقِيُّ وأبو بكر والمؤلِّف: عدم الوجوب؛ لأنَّ الادِّخار شرطٌ، ولم تَجْرِ العادةُ به، فلم تجب، والآية مكِّيَّةٌ نزلت قبل وجوب الزَّكاة، فلا تكون مرادة، بدليل أنَّها لا تجب في الرُّمَّان.
(وَالْقُطْنِ وَالزَّعْفَرَانِ)، لأنَّ ذلك موزونٌ مدَّخَرٌ تامُّ المنفعة والوزن، أُقِيم مقام الكَيل؛ لاتِّفاقهما في عموم المنفعة، (إِذَا بَلَغَا بِالْوَزْنِ نِصَابًا)، وهو ألْفٌ وسِتُّمائة رطلٍ عراقيَّةٍ؛ لأنَّه لما تعذَّر
(3)
اعتباره بالكَيل؛ رُجع فيه إلى الوزن، ذكره القاضي في «المجرد» .
وعنه: أنَّ نصاب ذلك ما تبلغ
(4)
قيمتُه قيمةَ نِصابٍ من أدنى المعشَّرات.
والثَّانية: لا يَجِب فيهما؛ وهو اختيارُ الأكثر؛ لعدم الكَيل فيهما، وقيام الوزن مقامَ الكَيل لم يَرِد به نَصٌّ، ولا يَصِحُّ قياسُه على الكَيل؛ لأنَّ العلةَ غيرُ معْقولةٍ فيه.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: لم نَجِدْ فيهما نصًّا عن أحمدَ، غير أنَّ القاضيَ حكى عنه روايتَين.
(1)
في (أ) و (ب): الشاة.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4903.
(3)
في (أ): يقدر.
(4)
في (د): يبلغ.
فإذا لم يجب
(1)
في القطن؛ وجب في حبِّه، جزم به جماعةٌ. وقدَّم ابنُ تميمٍ عدم الوجوب.
والكَتَّانُ مثلُه، ذكره القاضي، وكذا القُنَّب
(2)
.
واختار المجد: أنَّه لا يَجِب في الزَّعفران.
ويخرَّج عليه: العصفر
(3)
والوَرس والنيل، قال الحُلْوانيُّ: والفُوَّةُ
(4)
. وفي الحناء الخلاف.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا زَكَاةَ فِي حَبِّ الْبُقُولِ؛ كَحَبِّ الرَّشَادِ، وَالْأَبَازِيرِ؛ كَالكُسْفَرَةِ وَالْكَمُّونِ، وَبِزْرِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، وَنَحْوِهِ
(5)
؛ كبزْر الرَّياحين؛ لأنَّها لَيْستْ بقُوتٍ ولا أُدُم.
ويدخل في هذا بزْرُ اليقطين، وذكره في «المستوعب» من المقتات.
ويُخرَّج الصعْتر، والأشْنان على الخلاف، وجزم أبو الخطَّاب والمجْد بالوجوب؛ لأنَّه نباتٌ مَكيلٌ مدَّخَرٌ، وما له ورقٌ مقصودٌ؛ كوَرَق السدر والخَطْمِيِّ والآس على الخلاف، والأشهر: الوجوب.
وحكى ابنُ المنذِر عن أحمدَ: لا زكاةَ إلاَّ في التَّمر والزَّبيب والبُرِّ والشَّعير
(6)
، قدَّمه
(7)
ابن رَزينٍ في «مختصره» ، يروى
(8)
عن ابن عمر
(9)
وأبي
(1)
في (د) و (و): لم تجب.
(2)
في (أ): (العنب). والقنب: مثل سكر، نوع من الكتان، وهو الغليظ الذي تتخذ منه الحبال وما أشبهها. ينظر: تاج العروس 4/ 81.
(3)
في (د): المعصفر.
(4)
في (ز): (والقوة). والفوة: عروق يصبغ بها. ينظر: الصحاح 6/ 2458.
(5)
في (د): وثمره.
(6)
ينظر: الإشراف 3/ 30.
(7)
في (د) و (و): وقدمه.
(8)
في (و): ويروى.
(9)
أخرجه عبد الرزاق (7239)، وابن أبي شيبة (10084)، ويحيى بن آدم في الخراج (536)، وأبو عبيد في الأموال (1378)، وابن زنجويه في الأموال (1899)، والبيهقي في الكبرى (7487)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان يقول:«صدقة الثمار والزرع، ما كان من نخل أو كرم أو زرع، من حنطة أو شعير أو سلت» ، وإسناده صحيح.
موسى
(1)
، وقاله جمع
(2)
من التابعين.
(وَيُعْتَبَرُ لِوُجُوبِهَا شَرْطَانِ):
(أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبْلُغَ نِصَابًا، قَدْرُهُ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ، وَالْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ: خَمْسَةُ أَوْسُقٍ)، فلا تجب في أقلَّ من ذلك؛ لقوله عليه السلام:«لَيسَ فيما دونَ خمسةِ أوسق من تمر ولا حب صدقةٌ» رواه أحمدُ ومسلمٌ
(3)
، فتقديرُه بالكَيل يَدُلُّ على إناطة الحكم به.
ولا يُعتبَرُ له الحَولُ؛ لتكامل النَّماء عند الوجوب، بخلاف غيرِه.
ويُشترَط كون النِّصاب بعد التَّصفية في الحبوب؛ لأنَّه حالُ الكمال والادِّخار، والجَفاف في
(4)
الثِّمار؛ لأنَّ التَّوسيق لا يكون إلاَّ بعد التَّجفيف، فوجب اعتبارُه عنده، فلو كان عشرةَ أوسُقٍ عِنبًا لا يَجيءُ منهُ خمسةُ أوْسُقٍ زَبِيبًا؛ لم يَجِب شَيءٌ.
(وَالْوسْقُ) بفتح الواو وكسرها؛ (سِتُّونَ صَاعًا)؛ لقوله عليه السلام: «الوسقُ سِتُّون صاعًا» رواه الأثْرم بإسناده من حديث سَلَمة
(5)
بن صَخْرٍ،
(1)
قوله: (موسى) سقط من (أ) و (ب)، وفي (و): وابن أبي موسى.
أخرجه ابن أبي شيبة (10023)، ويحيى بن آدم في الخراج (538)، والبيهقي في الكبرى (7453)، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري:«أنه لما أتى اليمن لم يأخذها إلا من الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب» ، إسناده حسن، فيه طلحة بن يحيى التيمي، وهو حسن الحديث، قال في التقريب:(صدوق يخطئ).
(2)
في (و): جماعة.
(3)
أخرجه أحمد (11931)، ومسلم (979)، من حديث أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه.
(4)
في (د): من.
(5)
في (أ): مسلمة.
وعن أبي سعيد وجابر نحوه
(1)
رواه ابن ماجَه
(2)
، وهذا أشهر في اللُّغة، وتَوارَد عليه علماءُ الشَّريعة، فتكون
(3)
ثلاثَمِائة صاعٍ.
(وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ)، وهو رطل وسُبُع دمشقي، فزد على الثلاثمائة سُبُعها، تكن ثلاثمائة واثنين وأربعين رطلاً، وستة أسباع رطل بالدمشقي
(4)
، على ما حكاه في «المغني الجديد»: أنَّ الرّطل العراقيَّ مائةٌ وثمانيةٌ وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهمٍ، وبالقدسِيِّ وما وافقه: مائتان وسبعةٌ وخمسون رطلاً وسُبُع رطل، وبالحلبيِّ وما وافقه: مائتان وخمسةٌ وثمانون رطلاً وخمسة أسباع رطلٍ، وبالمصريِّ وما وافقه: ألْفٌ وأربعمائةٍ وثمانيةٌ وعشرون رطلاً وأربعة أسباع رطلٍ، (فَيَكُونُ ذَلِكَ) أيْ: بالعراقيِّ: (أَلْفًا وَسِتَّمِائَةِ رطْلٍ)، وعلى ما ذكره أبو عُبَيدٍ أنَّه بلا كسْرٍ: ثلاثُمائةِ رطلٍ وأحَدٌ وأربعون رطلاً وثلث رَطْلٍ.
(1)
في (و): مثله.
(2)
حديث سلمة بن صخر رضي الله عنه: لم نقف عليه.
وحديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: أخرجه أبو داود (1559)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (7427)، وابن ماجه (1832)، من طريق أبي البَخْتَري الطَّائي، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا. وأبو البختري هو سعيد بن فيروز، ثقة ثبت، كثير الإرسال، وفي سماعه من أبي سعيدٍ خلافٌ، فنفاه جماعة، منهم أبو داود وأبو حاتم وابن خزيمة، وأثبته أبو نعيم الأصبهاني، والحديث بهذه الزِّيادة ضعَّفه النَّووي وابن الملقن وابن حجر والألبانيُّ. ينظر: صحيح ابن خزيمة 4/ 38، المراسيل لابن أبي حاتم (271)، حلية الأولياء 4/ 381، المجموع 5/ 457، البدر المنير 5/ 525، التلخيص الحبير 2/ 327، الإرواء 3/ 280.
وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أخرجه ابن ماجه (1833)، وفيه محمَّد بن عبيد الله العَرزميُّ، وهو متروكُ الحديث، والحديث ضعَّفه ابن الملقِّن والضِّياء المقدسي وابن حجر والألباني وغيرهم. ينظر: السنن والأحكام للضياء 3/ 239، البدر المنير 5/ 525، التلخيص الحبير 2/ 327، الإرواء 3/ 280.
(3)
في (د) و (و): فيكون.
(4)
وقوله: (فزد على الثلاث مائة سبعها) إلى هنا سقط من (أ).
والوَسقُ والصَّاع كيلان، لا صنجتان، وإنَّما نُقل إلى الوزن ليُحفظ ويُنقل؛ إذ المكيل يختلف في الوزن، فمنه ثقيلٌ كالأرز والتَّمر، ومتوسِّط كالحنطة والعدس، وخفيفٌ كالشَّعير والذُّرة، والاعتبار في ذلك بالمتوسِّط، نَصَّ عليه
(1)
، فيجب في الخفيف إذا قارب هذا الوزن وإن لم يبلغه؛ لأنه في الكيل كالرَّزين، قال في «الفروع»: وأكثر الثمر أخف
(2)
من
(3)
الحنطة على الوجه الذي يُكالُ شرعًا؛ لأنَّ ذلك على هَيئةٍ غير مكبوس.
وعنه: أنَّ الصَّاع خمسةُ أرطالٍ وثُلثٌ بالعراقي بالحنطة، أي: بالرزين؛ لأنَّه الذي يساوي العدَس في وزنه.
وحكى القاضِي عن ابن حامدٍ: أنَّه يُعتبَر أبعد الأمرَين؛ الكَيلُ أو الوزنُ.
تنبيهٌ: نصاب الزَّرع والثَّمرة تحديدٌ في الأشهر؛ لتحديد الشَّارع بالأَوْسُق. وعنه: تقريبٌ، فيؤثِّر نحو رطلين ومُدَّينِ على الأوَّل لا الثَّاني، وجعله في «الرِّعاية» فائدة الخلاف، وقدَّم الثَّانية.
ولا اعتبار بنقص ذلك في الأصحِّ، جزم به الأئمَّة. وقال صاحب «التَّلخيص»: إذا نقص ما لو وُزِّع
(4)
على الخمسة أوسق ظهر فيها
(5)
؛ فلا زكاةَ، وإلاَّ وجبت.
فرعٌ: إذا شكَّ في بلوغ قدر النِّصاب؛ احتاط وأخرج، ولم يَجِب؛ لأنَّه الأصلُ، قاله في «المغني» و «الشَّرح» و «منتهى الغاية» .
ومن اتَّخذ وِعاءً يسع
(6)
خمسةَ أرطالٍ وثُلُثًا من البُرِّ الرَّزين، ثمَّ كال به ما
(1)
ينظر: المغني 3/ 11.
(2)
من قوله: (هذا في الخفيف) إلى هنا سقط من (أ).
(3)
في (أ): في، وفي (ز): بمن.
(4)
في (أ): بالزرع.
(5)
في (ز): فيهما.
(6)
في (ز): تسع.
شاء، عرف ما بلغ حدَّ الوجوب من غيره، نَصَّ عليه
(1)
.
(إِلاَّ الأَرُزَّ والعَلَسَ -فَرْعٌ مِنَ الْحِنْطَةِ) وهو منقولٌ عن أئمَّة اللُّغة والفقه-، (يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ) عادةً لحفظه، (فَإِنَّ نِصَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ قِشْرِهِ: عَشَرَةُ أَوْسُقٍ)؛ لأنَّ أهلَه زعموا أنَّه يَخْرُجُ على النِّصف، وأنَّه إذا خرج من قشره لا يبقى كغيره، فيجب العشر إذا بلغا ذلك؛ لأنَّ فيه خمسةَ أوْسُقٍ حَبًّا، وإن صُفِّيا فخمسة أوسق، ويختلف ذلك كثقل وخفة، فيرجع إلى أهل الخبرة، ويؤخذ بقدره.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ نِصَابُ ثَمَرَةِ
(2)
النَّخْلِ وَالْكَرْمِ رَطْبًا، ثُمَّ يُؤْخَذُ عُشْرُهُ يَابِسًا)؛ لما روى أبو داود والترمذي بإسنادهما عن عتَّاب
(3)
بن أَسِيدٍ: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُخرَص العِنبُ كما يُخرَص النَّخلُ، فتُؤخَذ زَكاتُه زَبيبًا، كما تُؤخَذ
(4)
صدقة النَّخل تمرًا
(5)
»
(6)
، وما وجب خَرْصُه؛ اعتُبِر بحال رطوبته، كما لو كانت الثمرة لا تُجفَّف.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 78.
(2)
قوله: (ثمر) سقط من (د) و (و).
(3)
في (أ): غياث.
(4)
في (أ): يؤخذ.
(5)
في (د) و (و): ثمرًا.
(6)
أخرجه أبو داود (1603)، والترمذي (644)، وابن الجارود (351)، وابن حبان (3279)، والحاكم (6525)، وغيرهم من طرقٍ عن الزهري، عن سعيد بن المسيِّب، عن عتَّاب بن أَسِيدٍ. وفي سنده انقطاع، قال أبو داود:(سعيد لم يسمَع من عتَّابٍ شيئًا)، وقال المنذري:(وانقطاعه ظاهرٌ جدًّا؛ لأنَّ عتَّاب بن أَسِيد مات في اليوم الذي مات فيه الصدِّيق، ومولد سعيد بن المسيِّب في خلافة عمر)، وضعَّفه بالانقطاع: الإشبيلي وابن الملقن وابن حجر والألباني.
والحديث مع انقطاعه اختُلف في وصله وإرساله، ورجَّح أبو زرعة وأبو حاتم إرساله. ينظر: علل ابن ابي حاتم 2/ 588، الأحكام الكبرى للإشبيلي 2/ 586، المجموع للنووي 5/ 451، البدر المنير 5/ 537، التلخيص الحبير 2/ 331، الإرواء 3/ 282.
وعنه: يُعتبَر نِصابُهما رطْبًا وعِنَبًا، اختاره الخلاَّل وصاحبه، والقاضي وأصحابه، ويؤخذ عُشر ما يجيء منه، وحملها في «المغني»: على أنَّه أراد أن يؤخذ عُشر ما يَجيءُ منه من التمر
(1)
إذا بلغ رَطبُها خمسةَ أوْسُقٍ؛ لأنَّ إيجاب قدر عُشر الرَّطب من التَّمر إيجاب لأكثر من العشر، وذلك مخالِفٌ النصَّ والإجماع.
وردَّه الزَّركشِيُّ: بأنَّ أحمد قال في رواية الأثرم
(2)
: (قال الشَّافعيُّ: يُخرَص ما يَؤول إليه، وإنَّما هو على ظاهر الحديث، قيل له: فإن خُرِص عليه مائةُ وسْقٍ رطْبًا، يعطي عشرة أوسق تمرًا
(3)
؟ قال: نعم، هو على ظاهر الحديث)، فهذا نَصٌّ صريحٌ في مخالفة التَّأويل.
(وَتُضَمُّ ثَمَرَةُ العَامِ الوَاحِدِ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ)؛ لعموم الخبر، وكما لو بدا صلاح إحداهما قبل الأخرى، وهو محمولٌ على اختلاف الأنواع؛ كالبَرْنِيِّ والمَعْقِلِيِّ، وسواءٌ اتفق وقت إطْلاعِها وإدراكها أو اختلف
(4)
، أو تعدَّد البلد أو لا، نَصَّ عليه
(5)
، فيأخُذ عامل البلد حصَّتَه من الواجب في محلِّ ولايته.
وعنه: لا يجوز؛ لنقص ما في ولايته عن نصابٍ، فيُخرِج المالك فيما بينه وبين الله تعالَى.
وليس المراد بالعام هنا: اثْنيْ عشر شهرًا، بل وقت استغلال المُغَلِّ من العام عرفًا، وأكثره عادةً: ستَّةُ أشْهُرٍ بقدر فصلين.
(1)
في (د) و (و): الثمر.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 237.
(3)
في (و): ثمرًا.
(4)
في (و): أو اختلفا.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 240.
وعُلِم منه: أنه لا يَضُمُّ ثمرة عامٍ أو زرعه إلى آخَرَ.
(فَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ حَمْلَيْنِ؛ ضَمَّ أَحَدَهُمَا إِلَى الآْخَرِ)؛ كزرع العام الواحد، وكالذُّرة التي
(1)
تنبت
(2)
مرَّتَينِ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُضَمُّ)؛ لندرته مع تنافي أصله، فهو كثمرة عامٍ آخَرَ، بخلاف الزَّرع، فعليه لو كان له نَخلٌ يحمل بعضه في السنة حَمْلاً، وبعضُه حملَينِ؛ ضَمَّ ما يحمل حملاً إلى أيِّهما بلغ معه، وإن كان بينهما؛ فإلى أقربهما إليه.
(وَلَا يُضَمُّ جِنْسٌ إِلَى آخَرَ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ)، اختاره المؤلِّف وغيرُه، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ كأجناس الثِّمار والماشية.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الْحُبُوبَ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ)؛ نقلَها جماعةٌ
(3)
، وصحَّحها القاضي وغيرُه، وقدَّمها في «المحرَّر» ، واختارها أبو بكرٍ؛ لاتِّفاقهما في قدر النِّصاب والمخرَج؛ كضمِّ أنواع الجنس.
(وَعَنْهُ: تُضَمُّ
(4)
الْحِنْطَةُ إِلَى الشَّعِيرِ، وَالْقِطْنِيَّاتُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ)، اختاره
(5)
الخِرَقِيُّ وأبو بَكرٍ وجماعة، وجزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأنَّ ذلك تتقارب منفعتُه أشبه نوعي الجنس، وعليها يضم
(6)
الأبازيرَ بعضَها إلى بعضٍ، وكذا حبُّ البقول؛ لتقارب المقصود، والذُّرة إلى الدُّخن، وكلُّ ما تقارب
(7)
من الحبوب ضُمَّ، ومع الشَّكِّ لا ضَمَّ؛ لأن الأصلَ عدم الوجوب.
(1)
في (أ): إلى.
(2)
في (أ) و (ز): نبتت.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1014، الروايتين والوجهين 1/ 240.
(4)
في (و): يضم.
(5)
في (أ): اختارها.
(6)
في (د) و (و): بضم.
(7)
في (د) و (و): يتقارب.
(الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَمْلُوكًا لَهُ وَقْتَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ)، وهو بُدُوُّ الصَّلاح، (وَلَا يَجِبُ
(1)
فِيمَا يَكْتَسِبُهُ اللَّقَّاطُ) من السُّنْبُل، (أَوْ يَأْخُذُهُ) أُجرةً (بِحِصَادِهِ)، وكذا ما ملكه
(2)
بعد بُدُوِّ الصَّلاح بشِراءٍ أوْ إرثٍ أو غيره، بخلاف العسل؛ للأثَر
(3)
، (وَلَا فِيمَا يَجْتَنِيهِ مِنَ المُبَاحِ؛ كَالْبُطْمِ، وَالزَّعْبَلِ) بوزن جعفرٍ، وهو شعيرُ الجبل، (وَبِزْرِ قُطُونَا وَنَحْوِهِ)؛ كحبِّ النَّمَّام، وبزر البَقْلة، وهذا هو المشهور؛ لأنَّ وقت الوجوب لم يملكه، فلم تجب، كما لو اتَّهبَه.
(وَقَالَ الْقَاضِي) وأبو الخطَّاب: (فِيهِ الزَّكَاةُ)؛ لكونه حبًّا مكيلاً مدَّخَرًا (إِذَا نَبَتَ فِي أَرْضِهِ)، وهو مبنيٌّ على أنَّ المباح إذا نبت في أرضه هل يُملَك بملك الأرض، أو بأخذه؟ والأصحُّ: أنَّه لا يملكه بملكها، بل بأخذه
(4)
.
فإن نبت
(5)
بنفسه ما يزرعه الآدميُّ؛ كمن سقط له حبُّ حِنطةٍ في أرضه أو أرضٍ مباحةٍ؛ ففيه الزَّكاة؛ لأنه
(6)
ملكه وقت الوجوب.
(1)
في (د): ولا تجب.
(2)
في (أ): يملكه.
(3)
أي الأثر الوارد في وجوب الزكاة في العسل، وسيأتي تخريجه 3/ 330 حاشية (6).
(4)
في (و): يأخذه.
(5)
في (و): ثبت.
(6)
في (أ): لا، وفي (د): لا له.
(فَصْلٌ)
(وَيَجِبُ الْعُشْرُ)، واحِدٌ من عشرةٍ، إجْماعًا
(1)
، (فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ كُلْفَةٍ؛ كَالْغَيْثِ والسُّيُوحِ) جمع سَيح، وهو الماء الجاري على وجه الأرض، والمرادُ: الأنهارُ والسَّواقِي، (وَمَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ) كالبعل.
(وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِكُلْفَةٍ؛ كَالدَّوَالِي) واحدتها داليةٌ، وهي الدُّولاب تديره البقرُ، والنَّاعورة يديرها الماء، (وَالنَّوَاضِحِ) جمع ناضِحٍ وناضحةٍ، وهما البعير والنَّاقة يُستقَى عليها.
والأصل فيه: ما روى ابنُ عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سَقَت السَّماءُ والعُيونُ، أو كان عثريًا
(2)
العُشْرُ، وما سُقِيَ بالنَّضح نصف العُشْرِ» رواه البخاريُّ
(3)
، سُمِّيَ عثريًا
(4)
؛ لأنَّهم يجعلون في مجرى الماء عاثُورًا، فإذا صدمه الماء ترادَّ فدخل تلك المجاري فتسقيه، ولأنَّ للكلفة تأثيرًا في إسقاط الزَّكاة في المعلوفة، ففي تخفيفها أَولَى.
ولا تؤثر
(5)
مُؤْنةُ حفر الأنهار والسَّواقي؛ لأنَّه من جملة إحياء الأرض، ولا تتكرر
(6)
كلَّ عامٍ، وكذا من يُحوِّل الماء في السَّواقي؛ لأنَّه كحرث الأرض وتسحيتِها، فلو اشترى ماءَ بِرْكةٍ أو حفيرةٍ، وسقى سَيحًا؛ فالعُشر في ظاهر كلامهم؛ لندرة هذه المؤنة. وفيه وجهٌ: نصفه.
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 35.
(2)
في (و): عشريًا.
(3)
أخرجه البخاري (1483).
(4)
في (أ): عرسًا، وفي (و): عشريًا.
(5)
في (د) و (و): ولا يؤثر.
(6)
في (د) و (و): ولا يتكرر.
وكذا إن جمعه، ثم سُقِي به؛ فيجب العشر.
فإن كان يجري من النَّهر في ساقية إلى الأرض، ويستقرُّ في مكانٍ قريبٍ من وجهها إلا أنه يحتاج في ترقية الماء إلى الأرض إلى آلةٍ من غَرْف أو دُولابٍ، فهو من الكلفة المسقطة لنصف العشر.
فَرعٌ: إذا سُقِيت أرضُ العُشْر بماء الخراج؛ لم يؤخذ منها، وعكسه؛ لم يسقط خراجها، ولا يُمنَع من سقي كل واحدةٍ بماء الأخرى، نَصَّ على ذلك
(1)
.
(فَإِنْ
(2)
سُقِيَ نِصْفَ السَّنَةِ بِهَذَا، وَنِصْفَها بِهَذَا؛ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ العُشْرِ) بغير خلافٍ نعلمه
(3)
؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما لو وُجد في جميع السَّنة لأوجب مقتضاه، فإذا وُجد في نصفه أوجب نصفه.
(فَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنَ الآخَرِ؛ اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ)؛ لأنَّ مقدار عدد السَّقي ومرَّاته وقدر ما يُسقى به في كلِّ مرَّةٍ يشق، فاعتبر الأكثر كالسَّوم.
وقال القاضي: بعدد السَّقَيات، وقيل: باعتبار المدَّة.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ)؛ لوجوبه عند التَّماثل، فكذا عند التَّفاضل؛ كفطرة العبد المشترَك.
فلو اختلف المالك والسَّاعي فيما سُقِيَ به أكثرَ؛ صُدِّق المالك بغير يمينٍ؛ لأنَّ النَّاس لا يُستحلَفون على صَدَقاتهم، وقيل: يُحلَّف، لكنْ إنْ نَكَل؛ لزِمه ما اعترف به فقطْ.
(فَإِنْ جُهِلَ المِقْدَارُ؛ وَجَبَ العُشْرُ)، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّ الأصلَ وجوبه
(1)
ينظر: الفروع 4/ 88.
(2)
في (و): وإن.
(3)
ينظر: المغني 3/ 10.
(4)
ينظر: المغني 3/ 10.
كاملاً، ولأنَّه خروجٌ عن عُهدة الواجب بيقينٍ.
وعلى قولِ ابن حامدٍ: يُجعَل منه بكلفة المتيقَّن، والباقي سيحًا، ويؤخذ بالقسط، وهو معنى القول بلزوم الأنفع للفقير.
مسألةٌ: إذا كان له حائطان، أحدُهما يُسقَى بمُؤْنةٍ، والآخَر بغيرها؛ ضُمَّا في النِّصاب، ولكلٍّ منهما حكمُ نفسه في سقيه بمؤنة أو غيرها.
(وَإِذَا اشْتَدَّ الحَبُّ، وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرِ
(1)
؛ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ)؛ لأنَّه يُقصَد للأكل والاقتِيات كاليابِس، ولأنَّه وقتُ خَرْصِ الثَّمرة لحفظ الزَّكاة ومعرفة قدرها، بدليل أنَّه لو أتلفه لزِمه زكاتُه، ولو باعه أو وَهبه قبل الخَرْص وبعده؛ فزكاتُه عليه دون المشتري والموهوب له، ولو مات وله ورثةٌ لم تبلغ حصةُ
(2)
واحدٍ منهم نصابًا؛ لم يؤثِّر ذلك.
وقال ابن أبي موسى: تجب زكاة الحَبِّ يوم حصاده؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعَام: 141].
وفائدة الخلاف: في التَّصرُّف.
(فَإِنْ قَطَعَهَا قَبْلَهُ؛ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا)، كما لو أكل السَّائمة أو باعها قبل الحَول، (إِلاَّ أَنْ يَقْطَعَهَا فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ؛ فَتَلْزَمُهُ
(3)
؛ لتفويته الواجب بعد انعقاد سببه، أشبه القاتل
(4)
، والمطلِّق ثلاثًا في مرض موته.
(وَلَا يَسْتَقِرُّ الوُجُوبُ إلاَّ
(5)
بِجَعْلِهَا فِي الجَرِينِ) وبِجَعْل الزَّرع في البَيدَر؛ لأنَّه قبل ذلك في حكم ما لم تثبت اليدُ عليه، بدليل ما لو كانت مبيعة فتلفت
(1)
في (د): صلا الثمر.
(2)
في (ب) و (د): حصته.
(3)
في (و): فلزمه.
(4)
في (أ): العامل، وفي (ب) و (ز): القابل.
(5)
في (د) و (و): لا.
بجائحةٍ؛ رجع المشتري على البائع، وهذا ظاهِرٌ على قول من لم يَجعَل التَّمكُّنَ من الأداء شَرْطًا.
(فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بِغَيرِ تَعَدٍّ مِنْهُ؛ سَقَطَتْ)؛ لأنَّها لم تستقِرَّ، أشبه ما لو لم تتعلق
(1)
به.
فإن تَلِف بعض الثَّمرة فقال القاضي: إن كان الباقي نصابًا ففيه الزَّكاة، وإلاَّ فلا.
والمذهبُ: إن كان التَّلَف قبل الوجوب؛ فهو كما قال القاضي، وإن كان بعده؛ وجب في الباقي بقدره مطلقًا.
وظاهِرُه: أنَّه إذا أتلفها أو تلفت بتفريطه؛ أنَّه يَضمَن نصيب الفقراء، صرَّح به في «الكافي» و «الشَّرح» ؛ لأنَّه مُفرِّطٌ.
(سَوَاءٌ كَانَتْ قَدْ خُرِصَتْ أَوْ لَمْ تُخْرَصْ)؛ لأنَّ الخَرصَ لا يُوجِب، وإنَّما فُعِل ذلك للتَّمكُّن من التَّصرُّف، فوجب سقوط الزَّكاة مع وجوده كعدَمِه.
(وَإِذَا ادَّعَى تَلَفَهَا) بغير تفريطٍ؛ (قُبِلَ قَوْلُهُ)، ولو اتُّهم، (بِغَيْرِ يَمِينٍ) نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّه خالِصُ حقِّ الله، فلا يُستحلَف فيه كالصَّلاة.
(وَيَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الحَبِّ مُصَفًّى، وَالثَّمَرِ يَابِسًا)؛ لحديث عَتَّاب بنِ أَسِيدٍ
(3)
، ولا يُسمَّى زبيبًا وتمرًا حقيقةً إلاَّ اليابس، وإذا ثبت ذلك فيهما؛ فالكلُّ كذلك؛ لأنَّ حالة اليَبَاسِ حالة الكمال.
وفي «الرِّعاية» : وقيل: يُجزِئُ رَطْبُه. وقيل: فيما لا يُتَمَّر ولا يُزَبَّب، فهذا وأمثاله لا عبرةَ به، قاله في «الفروع» .
وأطلق ابنُ تميمٍ عن ابن بَطَّة: له أن يُخرِج رطبًا وعِنَبًا.
(1)
في (و): لم يتعلق.
(2)
ينظر: المغني 3/ 13.
(3)
تقدم تخريجه 3/ 312 حاشية (6).
فعلَى الأوَّل: لو أخرج سُنبُلاً ورطبًا وعِنبًا؛ لم يُجزِئْه ووقع نفلاً، وإن كان السَّاعي أخذه فجفَّفه وصفَّاه، وكان قدرَ الواجب؛ أجزأه، وإن كان دونه؛ أخذ الباقي، وإن كان زائدًا؛ ردَّ الفضل، وإن كان رطْبًا بحاله؛ ردَّه، وإن تَلِف؛ ردَّ مثلَه، قاله الأصحابُ.
(فَإِنِ احْتِيجَ إلَى قَطْعِهِ قَبْلَ كَمَالِهِ لِضَعْفِ الْأَصْلِ وَنَحْوِهِ)؛ كخَوفِ عَطَشٍ، قال في
(1)
«الفروع» : أو لتحسين بقيَّته، (أَوْ كَانَ رَطْبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ) كالحسنوي
(2)
، (أَوْ عِنَبًا لَا يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ) كالخَمْريِّ؛ (أَخْرَجَ مِنْهُ عِنَبًا وَرَطْبًا) إن كان قدرَ نصابٍ يابِسًا، اختاره القاضي والشَّيخان وصاحب «الفروع» ؛ لأنَّها وجبت مواساة، ولا [مواساة]
(3)
في إلزامه ما ليس في ملكه.
وقد تضمَّن ذلك: جوازَ القطع؛ لأنَّه لا يتمكَّن من الإخراج إلاَّ به، ولأن عليه ضررًا في إبقائه.
لكنْ قال المؤلِّف: إنْ كفَى التخفيف لم يَجُزْ قطعُ الكلِّ، وفي كلام بعضهم إطلاقٌ.
وإنَّما قيل: جاز؛ لأنَّه مُستثْنًى من عدم الجواز، ومراده يجب؛ لإضاعة المال.
ولا يجوز القطع إلاَّ بإذْن السَّاعي إن كان.
(وَقَالَ الْقَاضِي) وجماعةٌ: (يُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ قِسْمَتِهِ مَعَ رَبِّ المَالِ قَبْلَ الْجَذَاذِ) بالخَرْص، ويأخذ نصيبَهم شجرات مفردة
(4)
يأخذ ثمرتَها، (أَوْ بَعْدَهُ)؛ بأنْ جذَّها وقاسمه إيَّاها بالكَيل، ويَقسِم الثَّمرةَ في الفقراء، (وَبَيْنَ
(1)
قوله: (في) سقط من (د).
(2)
في (و): كالحشوي.
(3)
كذا في (أ)، وفي الأصل وبقية النسخ: مساواة.
(4)
في (د) و (و): منفردة.
بَيْعِهَا
(1)
مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) ويَقسِم ثمنَها، ولأنَّ ربَّ المال يَبذُل فيها عِوَضَ مثلِها، أشبه الأجنبيَّ.
(وَالمَنْصُوصُ
(2)
: أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ إِلاَّ يَابِسًا) مصفًّى
(3)
، اختاره أبو بكرٍ، وجزم به في «الوجيز»؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«يُخرَص العِنَبُ فتُؤخَذُ زكاتُه زبيبًا»
(4)
، ولأنَّه حالة الكمال فاعتُبِر.
فإنْ أتْلف ربُّ المال هذه الثَّمرة؛ ضَمِن الواجب في ذمته تمرًا أو زبيبًا كغيرها، فإن لم يَجِدْه؛ فهل يُخرِج قيمتَه، أو يبقى في ذمته يخرجه إذا
(5)
قدر؟ فيه روايتان.
(وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ شِرَاءُ زَكَاتِهِ)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر في شِراء الفَرسِ: «لا تَشتَرِهِ، ولا تَعُدْ في صدقتِك، ولو أعطاكَه بدِرهمٍ»
(6)
، وقيَّده في «الوجيز»: لغير ضرورةٍ، وهو مرادٌ.
(وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ الإِمَامُ سَاعِيًا إِذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ، فَيَخْرُصُهُ
(7)
عَلَيْهِمْ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ)؛ لقول عائشةَ: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَبعَث عبدَ الله بن رَواحةَ إلى يهودِ خَيبرَ فيَخرُص عليهم النَّخل حين يطيب
(8)
قبل أن يُؤْكَل منه» رواه أبو داود
(9)
،
(1)
في (ب) و (ز): بيعه.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 95.
(3)
في (أ): مصفاة.
(4)
تقدم تخريجه 3/ 312 حاشية (6).
(5)
قوله: (إذا) في (و): إلى أن.
(6)
أخرجه البخاري (1489)، ومسلم (1621، 1620)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(7)
في (د) و (و): فيخرص.
(8)
في (ز): تطيب.
(9)
أخرجه أبو داود (1606)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (7440)، وابن خزيمة (2315)، من طريق ابن جريج، قال: أُخْبرتُ عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، وسنده ضعيفٌ للانقطاع بين ابن جريجٍ وابن شهابٍ، لكنْ له شاهدٌ أخرجه أحمد (14953)، والبيهقي في الكبرى (7439)، من حديث أبي الزُّبير، عن جابر رضي الله عنه، وفيه:«فبعث عبد الله بن رواحة، فخرَصها عليهم» ، وسنده صحيحٌ على شرط مسلمٍ، وقد صرَّح أبو الزبير بالتَّحديث عند أحمد (14161)، وصحَّحه الألباني، وفي الباب أحاديث أخرى. ينظر: العلل للدارقطني 7/ 289، الإرواء 3/ 280، غاية المرام ص 264.
ولحديث عتَّاب وغيرِه
(1)
، ولأنَّه اجتهادٌ في معرفة الحقِّ بالظَّنِّ للحاجة كغيره.
وذكر ابن المنجى
(2)
أنَّ نخل البصرةِ لا يُخرَص، وأنَّه أجمع عليه الصَّحابة
(3)
وفقهاء الأمصار للمشقَّة.
ويكفي خارِصٌ واحِدٌ؛ لأنَّه يَفعَل ما يؤدي إليه اجتهاده؛ كحاكمٍ وقائفٍ.
وَيُعتبَر كونُه مسلمًا، أمينًا لا يُتَّهم، خبيرًا، وقيل: حُرًّا، وأُجرتُه على بيت المال.
فإن لم يُبعث؛ فعلَى ربِّ المال من الخَرْص ما يَفعَله السَّاعي؛ ليَعرِف قدْرَ الواجب قبل تصرفه، ويُخيِّرُهُ بين أن يتصرف بما شاء ويضمن قدرها، وبين حفظها إلى وقت
(4)
الجفاف
(5)
.
فإن لم يَضمن
(6)
الزَّكاةَ وتصرَّف؛ صحَّ تصرفُه. وحكى ابنُ تميمٍ عن القاضي: أنَّه لا يُباحُ التَّصرُّف، كتصرُّفه قبل الخَرْص.
(فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا؛ خَرَصَ كُلَّ نَوْعٍ
(7)
وَحْدَهُ
(8)
؛ لأنَّه أقربُ إلى العدل
(1)
تقدم تخريجه 3/ 312 حاشية (6).
(2)
في (أ): منجا.
(3)
قال الماوردي في الحاوي 3/ 224: (فأما ثمار البصرة فقد أجمعت الصحابة رضي الله عنهم وعلماء الأمصار على أن خرصها غير جائز، لكثرتها وما يلحق من المشقة). ولم نقف على تلك الآثار.
(4)
قوله: (وقت) سقط من (و).
(5)
قوله: (ويخير بين أن يتصرف بما شاء) إلى هنا سقط من (أ) و (ب) و (ز).
(6)
في (و): لم تضمن.
(7)
زاد في (أ)، و (و): على.
(8)
في (د) و (و): حدة. وفي (أ): حدته.
وعدم الجَور؛ لأنَّ الأنواع تختلف؛ فمنها ما يكثر رطبه ويقل تمره
(1)
، وبالعكس.
(وَإِنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا؛ فَلَهُ خَرْصُ كُلِّ شَجَرَةٍ وَحْدَهَا)، فَيُطيف
(2)
بها.
(وَلَهُ خَرْصُ الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً)؛ لأنَّ النَّوع الواحد لا يَختلِف غالِبًا، ولما فيه من المشقَّة بِخَرْص كلِّ شَجرةٍ على حدةٍ.
والخرص خاصٌّ بالنَّخل والكَرْم فقطْ؛ للنَّصِّ، وللحاجة إلى أكلهما رَطْبَينِ، وخَرْصُهما ممكنٌ؛ لظهور ثمرتهما
(3)
، واجتماعهما في عناقيدهما، بخلاف الزَّيتون؛ لتفرُّق
(4)
حبِّه، واستِتاره بوَرَقه.
وقيل: يخرص.
فرعٌ
(5)
: إذا ادَّعى المالك غلط الخارص وكان ممكنًا
(6)
؛ فإن فحُش؛ فقيل: يُرَدُّ قوله. وقيل: ضمانًا كانت أو أمانة
(7)
يُردُّ في الفاحش، وظاهر كلامهم: لو ادَّعى كَذِبه عمدًا؛ لم يُقبَلْ.
ولو قال: ما حصل بيدي إلاَّ هذا؛ قُبِل، ويُكلَّف بيِّنةً في دعواه جائحةً ظاهِرةً، ثُمَّ يُصدَّق في التَّلَف، وإن ادَّعى ما يُخالِف العادةَ؛ لم يُقبَلْ.
(وَيَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ فِي
(8)
الْخَرْصِ لِرَبِّ المَالِ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ)، بحسَب اجتهاد السَّاعي؛ لما رَوَى سَهْلُ بن أبِي حَثْمَةَ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا
(1)
في (د) و (و): حدة. وفي (أ): حدته.
(2)
قوله: (فمنها ما يكثر رطبه ويقل تمره) إلى هنا سقط من (أ).
(3)
في (ب) و (ز): تمرتهما، وفي (د) و (و): ثمرتها.
(4)
في (ب) و (ز): لتفرقة.
(5)
قوله: (فرع) سقط من (أ).
(6)
قوله: (وكان ممكنًا) سقط من (أ) و (ب).
(7)
في (د): وأمانة.
(8)
في (أ): من.
خَرَصتمْ فجُذُّوا، ودَعُوا الثُّلُثَ، فإنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فدَعُوا الرُّبُعَ» رواه الخمسةُ إلاَّ ابن ماجَه، ورواه ابن حِبَّان والحاكِمُ، وقال:(هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد)
(1)
، وهذا تَوسعةٌ على ربِّ المال؛ لأنَّه يَحتاجُ إلى الأكل هو وأضيافُه وجيرانُه وأهلُه، ويأكل منها المارَّة، ومنها السَّاقطة، فلو اسْتَوفَى الكل أضَرَّ بهم.
وذكر جماعةٌ: أنَّه يَترُك قدْرَ أكلهم وهديَّتهم بالمعروف، بلا تحديدٍ؛ للأخبار، وقاله
(2)
أكثرُ العلماء.
وقال ابن حامد: إنما يَترك في الخرص إذا زادت الثَّمرة على النِّصاب، فإن كانت نصابًا فلا.
وهذا القدْرُ المتروكُ لا يُكمَّل به
(3)
النِّصاب، نَصَّ عليه
(4)
، فدل أنَّ ربَّ المال لو لم يأكل شيئًا لم يزكِّه، وهو ظاهر كلام جماعة. وفي «الوجيز»: يُزكِّي الكلَّ. وفي «المحرر» : ويُوضَع ثُلث الثمرة أو رُبعها، فلا يُحْتَسَب له
(1)
أخرجه أبو داود (1605)، والتِّرمذيُّ (643)، والنَّسائي (2491)، والبزار (2305)، وابن حبَّان (3280)، والحاكم (1465)، من طريق خُبَيب بن عبد الرَّحمن، قال: سمعتُ عبد الرَّحمن بن مسعود بن نِيَار، عن سهل بن أبي حثمة، وعبد الرحمن بن مسعود بن نِيَار الأنصاري، ذكره ابن حبَّان في الثِّقات، وقال ابن القطَّان:(لا تعرف له حال)، وقال الذَّهبي:(لا يُعرف، وقد وثَّقه ابن حبَّان على قاعدته، تفرَّد عنه خُبَيب بن عبد الرَّحمن)، وذكر هذا الحديث، وقال البزَّار:(ولا نَعلم يروي هذا الحديث عن سهل إلاَّ عبد الرحمن بن نِيار، وهو معروفٌ»، وتعقبه ابن القطان بجهالة ابن نيار، وكونه معروفًا لا يكفي في عدالته، وصحَّح الحاكم إسناده، وتعقَّبه ابن دقيق العيد، وقال النَّووي: (وإسناده صحيحٌ إلا عبد الرَّحمن فلم يتكلَّمُوا فيه بجرحٍ ولا تعديلٍ، ولا هو مشهورٌ، ولم يضعفه أبو داود)، وضعفه الألباني. ينظر: مسند البزار 6/ 279، بيان الوهم 4/ 215، ميزان الاعتدال 2/ 589، المجموع 5/ 479، الضعيفة (2556).
(2)
في (د) و (و): قاله.
(3)
قوله: (به) سقط من (و).
(4)
ينظر: الفروع 4/ 104.
زكاةٌ، ويُزكِّي الباقي إن بلغ نصابًا.
(فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؛ فَلِرَبِّ المَالِ الْأَكْلُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُحْسَبُ
(1)
عَلَيْهِ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّه حقٌّ له، فإن ترك السَّاعي شيئًا من الواجب؛ أخرجه المالك نصًّا.
تذنيبٌ: ظاهر ما سبق أنَّ الحبوب لا تُخرَص، وللمالك الأكل منها هو وعياله بحسب العادة؛ كالفريك وما يحتاجه، ولا يُحتَسَب عليه، ولا يُهدِي، نَصَّ على ذلك
(3)
، قال في «الخلاف»: أسقط أحمد عن أرباب الزَّرع الزَّكاةَ في مقدار ما يأكلون، كما أسقط في الثِّمار.
وفي «المجرد»
(4)
و «الفصول» : يُحتَسب عليه، ولا يترك له منه شيءٌ، وذكره الآمِديُّ ظاهِرَ كلامه؛ كالمشترك من
(5)
الزَّرع، نَصَّ عليه
(6)
؛ لأنَّه القياس، والحبُّ ليس في معنى الثَّمرة.
(وَيُؤْخَذُ العُشْرُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ)؛ لأنَّ الفقراء بمنزلة الشُّركاء، فينبغي أن يتساوَوْا في كلِّ نَوعٍ، ولا مشقَّة فيه، بخلاف السَّائمة، فإن أخرج زكاة كلِّ نوعٍ أفضى إلى التَّشقيص، وفيه مشقَّة.
ولا يجوز الرَّديءُ عن الجيِّد، وبالعكس لا يجب؛ لما فيه من الإضرار بالمالك.
(فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ؛ أُخِذَ مِنَ الوَسَطِ)؛ لانتفاء الحرَج والمشقَّة شرعًا،
(1)
في (أ): ولا يحتسب.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 105.
(3)
ينظر: المغني 3/ 17.
(4)
في (أ) و (د) و (و): «المحرر» . والمثبت موافق لما في الفروع والإنصاف.
(5)
في (د) و (و): بين.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 106.
وكالسائمة
(1)
، فلو كان المالُ نوعًا واحدًا؛ أُخِذ منه مطلقًا بغير خلافٍ
(2)
؛ لأنَّها وجبت على طريق المواساة، فهم بمنزلة الشُّركاء.
(وَيَجِبُ العُشْرُ عَلَى المُسْتَأْجِرِ دُونَ المَالِكِ) في قول الأكثر؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعَام: 141]، ولأنَّه مالِكٌ للزرع كالمستعير، وكتاجرٍ استأجر حانوتًا، وفي إيجابه على المالك إجحافٌ ينافي المواساة، وهو من
(3)
حقوق الزَّرع، بدليل أنَّها لا تجب إذا لم يَزرع، وتتقيد
(4)
بقدره، بخلاف الخَرَاج، فإنَّه من حقوق الأرض.
والغاصب إذا حصد زرعه؛ يزكِّيه لاستقرار ملكه، فإن ملكه ربُّ الأرض قبل اشتداد حبِّه؛ زكَّاه، وكذا قيل
(5)
بعد اشتداد الحبِّ؛ لأنَّه استند إلى أوَّل زرعه، فكأنَّه أخذه إذن. وقيل: يزكِّيه الغاصب؛ لأنَّه يملكه
(6)
وقت الوجوب.
(وَيَجْتَمِعُ العُشْرُ وَالخَرَاجُ فِي كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً
(7)
، وكلِّ أرضٍ خَراجِيَّةٍ، نَصَّ عليه
(8)
؛ للعموم، فالخَراج في رقبتها، والعُشْر في غَلَّتها، ولأنَّ سبب الخَراج التَّمكين من النَّفع لوجوبه وإن لم يزرع، وسببُ العُشْر الزَّرعُ؛ كأجرة المتَّجِر مع زكاة التجارة
(9)
، ولأنهما بسببين مختلِفَين لمستحقَّينِ، فجاز
(1)
في (د) و (و): أو كالسائمة.
(2)
ينظر: المغني 3/ 19.
(3)
قوله: (من) سقط من (أ).
(4)
في (أ): وينعقد.
(5)
قوله: (قيل) سقط من (أ) و (د).
(6)
في (و): تملكه.
(7)
في (د) و (و): فيجب غيره.
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 116.
(9)
في (أ): التجار.
اجتماعهما؛ كالجزاء والقيمة في الصَّيد المملوك، والحديثُ المرويُّ:«لا يَجتمِع العُشْر والخَراج في أرض مسلمٍ» ؛ ضعيفٌ جِدًّا، قال ابن حِبَّان:(ليس هذا الحديث من كلام النُّبوَّة)
(1)
، ثم يُحمَل على الخراج الذي هو الجزية، ولو كان عقوبة؛ لما وجب على مسلم كالجزية.
وشرطه: أن يكون لمسلمٍ، قال أحمد:(ليس في أرض أهل الذِّمَّة صدقةٌ)
(2)
.
وظاهره: أنَّهما لا يَجتمِعان في أرض الصُّلح.
تذنيبٌ: الأرضُ الخراجيَّة: ما فُتح عَنوةً ولم تُقسَم، وما جلا عنها أهلُها خوفًا منَّا، وما صُولِحوا عليها على أنَّها لنا ونُقِرُّها معهم بالخراج، والعشريَّة عند أحمد وأصحابه: ما أسلم أهلها عليها، نقله حربٌ
(3)
؛ كالمدينة ونحوها، وما اختطَّه المسلمون كالبصرة، وما صُولِح أهلُه على أنَّه لهم بخراجٍ يُضرَب عليهم كأرض اليمن، وما فُتح عنوة وقسم كنصف خيبر
(4)
، وما أقطعه الخلفاء الرَّاشدون من السَّواد إقطاع تمليكٍ.
فَرعٌ: لا زكاة في قدر الخراج إذا لم يكن له مالٌ آخَرُ؛ لأنَّه من مؤنة الأرض؛ كنفقة زرعه
(5)
، ومتى لم يكن له سوى غلَّة الأرض، وفيها ما لا
(1)
أخرجه ابن عدي في الكامل (9/ 128)، وابن حبَّان في المجروحين (3/ 124)، فيه يحيى بن عَنْبسة البصري، وهو منكر الحديث، وقال ابن حبان:(شيخ دجال)، وقال الدارقطني:(كذاب)، وحكم غيرُ واحدٍ منَ الأئمَّة عليه بالوضع، منهم ابن القَيسرانيِّ وابن الجوزي وابن عبد الهادي والسُّيوطي والشَّوكاني. ينظر: معرفة التذكرة (994)، الموضوعات لابن الجوزي 2/ 151، تنقيح التحقيق 3/ 57، اللآلئ المصنوعة 2/ 59، الفوائد المجموعة ص 60.
(2)
ينظر: أحكام أهل الملل ص 80.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 114.
(4)
في (ز): خبير.
(5)
في (و): ذرعه.
زكاة فيه كالخضراوات؛ جعل ما لا زكاة فيه في
(1)
مقابلة الخراج؛ لأنَّه أحوطُ للفقراء، ولا يَنقُص النِّصاب بمُؤْنة حصادٍ ودِياسٍ وغيرهما منه؛ لسبق
(2)
الوجوب.
(وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ شِرَاءُ الأَرْضِ العُشْرِيَّةِ) في روايةٍ، وقالها الأكثر؛ لأنها
(3)
مال مسلمٍ يجب الحقُّ فيها للفقراء، فلم يمنع من بيعها لذمِّي؛ كالسَّائمة، واقتصر جمعٌ كالمؤلِّف على الجواز، ومنهم من قال: يُكرَه، نَصَّ عليه
(4)
.
وعنه: يُمنعون من شرائها، اختارها الخلاَّلُ وصاحبُه، فعليها: يصح
(5)
، جزم به الأصحابُ.
وحكى أحمد عن الحسن وعمر بن عبد العزيز: يمنعون من الشِّراء
(6)
، فإن اشتروا لم يَصِحَّ.
فعلَى عدَم المنْعِ: (وَلَا
(7)
عُشْرَ عَلَيْهِمْ)؛ لأنَّه زكاةٌ، فلا تجب على ذِمِّيٍّ؛ كالسَّائمة.
وذكر القاضي في «شرحه الصَّغير» : أنه
(8)
يجب على الذِّمِّيِّ غير التَّغلبيِّ نصفُ العشر في إحدى الرِّوايتين، سواءٌ اتَّجَر بذلك أم لم يَتَّجِر به، من ماله وثمرته وماشيته.
(1)
في (د) و (و): من.
(2)
في (و): ليشق.
(3)
في (د) و (و): لأنه.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 110.
(5)
في (ز): تصح.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 111.
(7)
في (أ) و (ب): لا.
(8)
قوله: (أنه) سقط من (و).
وعلى المنع: (وَعَنْهُ: عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ)؛ لأنَّ فيه تصحيحَ كلام المتعاقدَينِ، ودفع الضَّرر المؤبَّد عن الفقراء بوجوب الحقِّ فيه، وكان ضِعف ما على المسلم، كما يجب في الأموال التي يَمُرُّون بها على العاشر نصف العشر؛ ضِعف الزَّكاة.
(يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْإِسْلَامِ)، وكذا لو باعها مسلمًا، فإنَّه يسقط عُشر، ويبقى عُشر الزَّكاة للمستقبل؛ لعموم الأخبار.
وقدَّم في «الفروع» : أنَّهما يسقطان بالإسلام؛ لسقوط جزية الرُّؤوس وجزية الأرض، وهو خراجها بالإسلام، ولم يكن وقتَ الوجوب من أهل الزَّكاة.
وعنه: لا شيءَ عليهم، قدَّمه بعضهم.
وعنه: عليهم عُشْرٌ واحدٌ، ذكرها في «الخلاف» كما كان لتعلُّقه بالأرض؛ كبقاء الخراج.
وظاهر ما سبق: أنَّه يجوز إجارتُها منه، لكن يكره؛ لإفضائه إلى إسقاط عُشْر الخارج منها، وهذه الأرض لا تصير خراجيَّة بما ذكرنا؛ لأنَّها أرضُ عُشْرٍ، كما لو كان مشتريها مسلمًا، ولا يجوز بقاء أرضٍ بلا عُشْرٍ ولا خراجٍ بالاتفاق.
(فَصْلٌ)
(وَفِي العَسَلِ العُشْرُ)؛ لما روى سليمان بن موسى، عن أبي سيَّارة المُتَعي
(1)
قال: قلت يا رسول الله: إنِّ لِي نحلاً
(2)
، قال:«فأدِّ العُشورَ» ، قال: قلت يا رسول الله، احمِ لِي جَبَلها، قال
(3)
: فحمَى لي
(4)
جبَلَها. رواه أحمد وابن ماجه، ورواته ثقاتٌ إلاَّ سليمان الأشدق
(5)
، قال البخاريُّ:(عنده مناكيرُ)، وقد وثَّقه ابنُ مَعينٍ، قال التِّرمذيُّ:(هو ثقةٌ عند المحدِّثين، غير أنَّه لم يدرك أبا سيارة)
(6)
، واحتجَّ أحمد بقول عمر
(7)
، قيل لأحمد: إنَّهم
(1)
جاء في هامش الأصل: (المُتَعي: بضم الميم وفتح التاء، صحابي، قيل اسمه عميرة بن الأعزل، وقيل: عمر، وقيل: عمير، وقيل: الحارث بن مسلم).
(2)
في (ب) و (و): نخلاً.
(3)
قوله: (قال) سقط من (أ).
(4)
قوله: (لي) سقط من (أ)، وفي (د) و (و): له.
(5)
في (و): الأشرف.
(6)
أخرجه أحمد (18069)، وابن ماجه (1823)، وأبو داود الطيالسي (1310)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (7458)، وفيه سليمان بن موسى القرشيُّ الأشدق، وهو مختلف فيه من قبلِ حفظه، ولم يَسمعْ من أحدٍ من الصَّحابة، قال البخاري عن هذا الحديثِ:(مرسل، سليمان لم يُدرك أحدًا من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس في زكاة العسل شيءٌ يصحُّ)، وبنحوه قال البيهقي وابن حزم، وقال الترمذي:(ولا يصحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبيرُ شيءٍ). ينظر: التاريخ الكبير 4/ 38، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 4/ 141، سنن الترمذي 2/ 18، علل الترمذي الكبير (175)، الإشراف على مذاهب العلماء 3/ 34، المحلى بالآثار 4/ 38، تنقيح التحقيق 3/ 58، البدر المنير 5/ 520.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (6970)، وابن أبي شيبة (10052)، وابن زنجويه في الأموال (2018)، عن عطاء الخراساني: أن عمر أتاه ناسٌ من أهل اليمن، فسألوه واديًا، فأعطاهم إياه، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن فيه نحلاً كثيرًا، قال:«فإن عليكم في كل عشرة أفراق فرقًا» ، إسناده ضعيف؛ عطاء الخراساني لم يدرك عمر.
وأخرج ابن أبي شيبة (10053)، وأحمد (16728)، والبخاري في التاريخ الكبير (2432)، وأبو عبيد في الأموال (1487)، وابن زنجويه في الأموال (2017)، وابن عدي في الكامل (5/ 373)، والطبراني في الكبير (5458)، والبيهقي في الكبرى (7464)، من طرق عن منير بن عبد الله، عن أبيه، عن سعد بن أبي ذباب، أنه قدم على قومه فقال لهم: في العسل زكاة، فإنه لا خير في مال لا يزكى، قالوا: فكم ترى؟ قلت: العُشْر، فأخذ منهم العُشْر، فقدم به على عمر، وأخبره بما فيه، قال: فأخذه عمر وجعله في صدقات المسلمين. ومنير ووالده مجهولان، قال علي بن المديني في هذا الحديث:(منير هذا لا نعرفه إلا في هذا الحديث).
وأخرج أبو عبيد في الأموال (1490)، عن هلال بن مرة، أن عمر بن الخطاب قال في عشور العسل:«ما كان منه في السهل ففيه العشر، وما كان منه في الجبل ففيه نصف العشر» ، قال الذهبي عن هلال بن مرة في الميزان:(تفرد عنه عمرو بن شعيب بحديثٍ في زكاة العسل، ليس بحجة).
قال البخاري كما في علل الترمذي (175): (ليس في زكاة العسل شيء يصح)، وضعفه ابن حزم في المحلى (4/ 38)، واحتج الإمام أحمد بفعل عمر في رواية الأثرم كما في المغني (3/ 20)، وصححه العقيلي في الضعفاء (3/ 348).
تطوَّعوا به، قال: لا، بل أخذ منهم
(1)
.
وعنه: لا زكاة فيه، بناءً على قول الصَّحابِيِّ؛ لأنَّه مائع خارجٌ من حيَوان، أشبه اللَّبن، قال ابن المنذر: (ليس في وجوب الصَّدقة في العسل
(2)
حديثٌ يثبت ولا إجماع)
(3)
.
وعنه: ما يَدُلُّ على أنَّه لا زكاة فيه من المباح، واعترف
(4)
المجْدُ أنَّه القياس لولا الأثَرُ.
(سَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنْ مَوَاتٍ، أَوْ مِنْ مِلْكِهِ)، قال في «الرِّعاية» وغيرها: أو
(5)
(1)
ينظر: المغني 3/ 20.
(2)
قوله: (في العسل) سقط من (أ).
(3)
ينظر: الإشراف 3/ 34.
(4)
في (د) و (و): وأعرف.
(5)
زيد في (د) و (و): من.
ملكِ غيره، ونقل صالِحٌ: لا فرْق بين أرض الخراج والعُشْر
(1)
.
تنبيهٌ: ما يَنزِل من السَّماء على الشَّجر؛ كالمَنِّ والترنجبين
(2)
والشِّيرخشك
(3)
وشبهها، ومنه اللاَّذَن؛ وهو طَلٌّ ينزِل على نبتٍ تأكلُه المعزى، فيه العُشر؛ كالعسل في ظاهر كلام
(4)
أحمد
(5)
.
وقيل: لا؛ لعدم النَّصِّ، وجزم به جماعةٌ منهم في «المغني» و «المحرَّر» فيما يخرج من البحر.
(وَنِصَابُهُ: عَشَرَةُ أَفْرَاقٍ
(6)
، نَصَّ عليه
(7)
، لقول عمر:«في كلِّ عشرة أفراقٍ فرَق» رواه الجُوزَجانِيُّ
(8)
.
وتقدَّم قولٌ في نصاب الزَّيت: خمسة أفراقٍ، فيتوجَّه منه تخريجٌ؛ لأنَّه أعلى ما يُقدَّر فيه
(9)
، فاعتبر خمسة أمثاله؛ كالوسق.
وحينئذٍ؛ فلا زكاةَ في قليله، بل يُعتبَر نصابه بالأَفْراق، وهو جمع فرق، قيل: بسكون الراء، وقيل: بفتحها، قال عياضُ: وهو الأشهر
(10)
.
(كُلُّ فَرَقٍ: سِتُّونَ رَطْلاً) عراقيَّةً في قول ابن حامدٍ والقاضي في
(1)
في (و): أو العشر. وينظر: الفروع 4/ 120.
(2)
في (ب) و (د): الترنجبيل. والترنجبيل: طلٌّ يقع من السماء، وهو نديٌّ شبيه بالعسل جامد متحبب. ينظر: المعتمد في الأدوية المفردة. ص 50.
(3)
الشيرخشك: أفضل أصناف المنِّ، طلٌّ يقع من السماء على الشجر، حلو إلى الاعتدال. ينظر: المعتمد في الأدوية المفردة. ص 279.
(4)
قوله: (كلام) سقط من (و).
(5)
ينظر: الفروع 4/ 124.
(6)
في (و): أواق.
(7)
ينظر: مسائل أبي داود ص 115.
(8)
سبق تخريجه 3/ 330 حاشية (7).
(9)
في (و): عليه.
(10)
ينظر: مشارق الأنوار 2/ 153.
«المجرد»
(1)
ورُوِيَ عن الخليل بن أحمد
(2)
، فيكون نصابُه سِتَّمائة رَطلٍ، وزنها بالدمشقي: مائة وعشرون رطلاً وثُلث رطل، وفي «الخلاف»: ستَّةٌ وثلاثون رطلاً عراقيَّةً، والأشهر أنه ستة عشر رطلاً عراقيةً، وهو مكيال معروفٌ بالمدينة، ذكره الجوهري
(3)
وغيره؛ لخبر كعب في الفدية، وحَمْلُ كلام عمر على المتعارف ببلده وهي الحجاز أَوْلَى، وهذا ظاهر «الأحكام السُّلطانيَّة» ، واختاره صاحب «المحرَّر» و «الوجيز» .
وقيل: نصابُه: ألف رَطْلٍ عراقيةٍ، قدَّمه في «الكافي» ، نقل أبو داود: من عشر قِرَبٍ قِرْبةٌ
(4)
.
وأما
(5)
الفرْق بسكون الرَّاء: فمكيال
(6)
ضخمٌ من مكاييل أهل العراق، قاله الخليلُ
(7)
، قال ابن قُتَيبة
(8)
وغيرُه: يسع مائة وعشرين رطلاً، قال المجد: ولا قائل به هنا.
مسألةٌ: من زكَّى ما ذكرنا من المعشَّرات مرَّةً؛ فلا زكاة فيه بعد ذلك، خلافًا للحسن؛ لأنَّه غير مُرصَدٍ للنَّماء، فهو كالقُنْية، بل أَولَى؛ لنقصه بأكلٍ ونحوِه.
(1)
في (و): «المحرر» .
(2)
أي: أن الفرق مكيال لأهل العراق، لا أنه ستون رطلاً عراقية، كذا في المغني 3/ 21، والفروع 4/ 126، وقال الخليل في العين 5/ 148:(الفرق: مكيال ضخم لأهل العراق)، ولم نجد عن الخليل: أنها ستون رطلاً.
(3)
ينظر: الصحاح 4/ 1540.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 115.
(5)
في (و): فأما.
(6)
في (د) و (و): المكيال.
(7)
ينظر: العين 5/ 148.
(8)
ينظر: الأشربة لابن قتيبة ص 245.
فرعٌ: تضمين
(1)
أموال العُشْر والخراج باطِلٌ، نَصَّ عليه
(2)
، وعلَّله في «الأحكام السُّلطانيَّة»: بأنَّ ضمانها بقدْرٍ معلومٍ يقتضي الاقتصار عليه في تملُّك ما زاد، وغرم ما نقص، وهذا منافٍ لموضوع العمالة وحكم
(3)
الأمانة.
(1)
في (د) و (و): يضمن.
(2)
ينظر: الأحكام السلطانية ص 186.
(3)
قوله: (حكم) سقط من (أ).
(فَصْلٌ فِي المَعْدِنِ)
بكسر الدَّال، سُمِّي به؛ لعُدُون ما أثبته
(1)
الله فيه لإقامته، يقال: عدَن بالمكان، يعدن عُدُونًا
(2)
، والمعدِن: المكان الذي عدَن فيه الجوهرُ.
(وَمَنِ اسْتَخْرَجَ) إذا كان من أهل الزَّكاة، وترك التنبيه
(3)
عليه لدلالة ما سبق، (مِنْ مَعْدِنٍ)، سواءٌ كان في أرض مملوكةٍ أو مباحةٍ، ولو من داره، نَصَّ عليه
(4)
، أو في موات خرِب.
وإن
(5)
أخرجه من أرض غيره؛ فإن كان جاريًا فكأرضِه إن قلنا: هو على الإباحة، وأنه يملكه
(6)
، وإن قلنا: لا يملكه أو أنه
(7)
يُملَك بملك الأرض، أو كان جامدًا؛ فهو لربِّ الأرض، لكن لا يلزمه زكاتُه حتَّى يَصِلَ إلى يده
(8)
كالمغصوب.
(نِصَابًا مِنَ الأَثْمَانِ)؛ فلعموم الأدلَّة، (أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ) من غير النَّقد بقيمة
(9)
أحدهما؛ لأنَّهما قِيَم الأشياء.
وعنه: يجب فيما دون نصاب الأثمان.
(1)
في (أ) و (د): ما أنبته.
(2)
في (ب) و (د): عدوانًا، وفي (و): عدنًا.
(3)
في (ز): التنبه.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 166.
(5)
في (أ) و (د): فإن.
(6)
في (أ) و (ب): يملك.
(7)
في (أ): وأنه هناك. مكان قوله: (أو أنه).
(8)
في (أ): بلده.
(9)
في (و): فقيمة.
ثُمَّ مثَّله بقوله: (مِنَ الجَوْهَرِ، والصُّفْرِ
(1)
، وَالزِّئْبَقِ، وَالقَارِ، وَالنّفْطِ، وَالكُحْلِ، وَالزِّرْنِيخِ، وَسَائِرِ مَا يُسَمَّى مَعْدِنًا)؛ كالبِلَّوْر، والعقيق، والحديد، والكِبْريت، والمُغْرة
(2)
، ونحوها، (فَفِيهِ الزَّكَاةُ)؛ لقوله تعالى:{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البَقَرَة: 267]، ولما روى
(3)
ربيعةُ بن عبد الرحمن عن غير واحدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المعادِن القِبْليَّة، قال:«فتلك لا يُؤخَذُ منها إلاَّ الزَّكاةُ إلى اليوم» رواه مالكٌ وأبو داودَ
(4)
، ولأنَّه حقٌّ يَحرُم على أغنياء ذوي القربى، ففيه الزَّكاة لا الخُمُس؛ كسائر الزكوات، وظاهره: وإن لم يَنطبِعْ من غير جنس الأرض.
وقد رُوِيَ مرفوعًا: «لا زكاةَ في حَجَرٍ»
(5)
، إن صحَّ؛ فمحمولٌ على
(1)
في (و): والصدف.
(2)
قال في تاج العروس 14/ 142: (طين أحمر يصبغ به).
(3)
قوله: (روى) سقط من (أ).
(4)
أخرجه مالك (1/ 248)، ومن طريقه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم (864)، وابن زنجويه (1264)، وأبو داود (3063)، والبيهقي (11841)، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن غير واحدٍ مرسلاً.
ورواه عبد العزيز الدراورديُّ، عن ربيعةَ موصولاً: أخرجه الحاكم (1467)، والبيهقي (11824)، عن الحارث بن بلال بن الحارث، عن أبيه. والحارث بن بلال المزنيُّ، لا يُعرف حالُه، كما قاله أحمد، وقال ابن حجر:(مقبول)، يعني عند المتابعة، وإلا فليِّن الحديث، وهنا تفرَّد به، ولا متابعَ له على الوصل.
وأخرج أحمد (2785)، والبزَّار (3395)، من طرقٍ عن كثير بن عبد الله المزنيِّ، عن أبيه، عن جدِّه نحوه، وكثيرٌ ضعفه الأَئمَّة، قال الشافعيُّ:(ركنٌ من أركان الكذبِ)، وقال أحمد:(منكرُ الحديث).
والحديث ضعَّفه غيرُ واحدٍ من أهل العلم، منهم الشافعي وأبو عبيد. ينظر: الأمُّ للشَّافعي 2/ 46، الأموال لأبي عبيد ص 426، تهذيب الكمال 24/ 137، البدر المنير 5/ 598، تقريب التهذيب (1020)، الإرواء 3/ 312.
(5)
أخرجه ابن عدي (6/ 46)، والبيهقي (7590)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفيه عمر بن أبي عمر الكلاعي، قال ابن عدي:(ليس بالمعروف، حدَّث عنه بقية، منكر الحديث عن الثقات)، وقال ابن حجر:(وتابعه عثمان الوقاصي، ومحمد بن عبيد الله العرزمي كلاهما عن عمرو بن شعيب، وهما متروكان)، وضعف الحديث البيهقي وابن الملقن وغيرهما. ينظر: البدر المنير 5/ 605، التلخيص الحبير 2/ 394، السلسلة الضعيفة (4801).
الأحجار التي لا يُرغَب فيها عادةً، فدل
(1)
أنَّ الرُّخام معدِنٌ، وجزم به جماعةٌ.
قال الأصحاب: الطِّين والماء غير مرغوبٍ فيه، فلا حقَّ فيه، ولأنَّ الطِّين ترابٌ، ونقل مهنَّى:(لم أسمع في معدِن القار والنّفطِ والكُحْلِ والزِّرْنيخِ شيئًا)
(2)
.
قال بعضهم
(3)
: وظاهره التَّوقُّف عن غير المنطبِع.
(فِي الحَالِ) لأهلها؛ لأنَّه مال مستفادٌ من الأرض، فلم يُعتبَر له حَولٌ كالزَّرع؛ (رُبُعُ العُشْرِ) من عين أثمانٍ، أو (مِنْ قِيمَتِهِ) من غيرها.
وظاهره: أنَّه يَجِب بظهوره، جزم به في «الكافي» و «منتهى الغاية» وغيرهما، كالثمرة بصلاحها.
وفي «الإفصاح» لابن هُبَيرةَ: في المعدِن الخمسُ، يُصرَف مصرف الفيء
(4)
.
(سَوَاءٌ اسْتَخْرَجَهُ فِي دَفْعَةٍ، أَوْ دَفَعَاتٍ لَمْ يَتْرُكِ العَمَلَ بَيْنَهُمَا تَرْكَ إِهْمَالٍ)؛ لأنَّه لو اعتُبِر دفعةً واحدةً؛ لأدَّى إلى عدم الوجوب فيه؛ لأنَّه يَبعُد استخراجُ نصابٍ دفعةً واحدة.
فإن أَخرَج دون نصابٍ، ثمَّ تَرَك العملَ مهمِلاً له، ثمَّ أخرج دون نصابٍ؛
(1)
زيد في (د) و (و): على.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 167.
(3)
قوله: (بعضهم) سقط من (و).
(4)
قوله: (في «الإفصاح» لابن هبيرة
…
إلخ) ذكر في (د) و (و) بعد قوله: ربع العشر من عين.
فلا شَيءَ فيهما وإن بلغا نصابًا.
فعلى هذا: لا أثر لتركه لمرضٍ وسفرٍ وصلاح آلة
(1)
ونحوه مما جرت العادة به، كالاستراحة ليلاً أو نهارًا، أو لاشتغاله بنقل ترابٍ خرج بين النيلين
(2)
، أو هرب عبيده؛ لأنَّ كل عُرف
(3)
يعتبر بنفسه.
وحدَّ ابنُ المنجى
(4)
الإهمالَ: بترك العمل ثلاثة أيَّامٍ إن لم يكن عذرٌ، وإن
(5)
كان؛ فبزواله.
مسألة: لا يُضمُّ جنسٌ إلى آخَرَ في تكميل النِّصاب غير نقدٍ. وقيل: بلى. وقيل: مع تقاربهما كقارٍ ونفطٍ.
ومن أخرج نصابًا من جنسٍ من معادِنَ؛ ضُمَّ؛ كالزَّرع في مكانَينِ.
(وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا
(6)
إِذَا كَانَتْ أَثْمَانًا إِلاَّ بَعْدَ السَّبْكِ وَالتَّصْفِيَةِ)؛ لأنَّه قبل ذلك لا يُتحقَّق إخراج الواجب، فلم يَجُزْ كالحبوب، فلو أخرج رُبُعَ عُشْرِ ترابِه قبل تصفيته؛ رده إن كان باقيًا، أو قيمته إن كان تالفًا، ويُقبَل قولُ الآخِذ في قدره؛ لأنَّه غارِمٌ.
فإن صفَّاه الآخِذُ فكان الواجب؛ أجزأ، وإن زاد؛ ردَّ الفاضل إلاَّ أنْ يتركه المخرج، وإن نقص كمَّله.
ولا يحتسب بمؤنتهما في الأصحِّ؛ كمؤنة استخراجه، فإن كان دينًا عليه
(7)
احتَسب به على الصَّحيح، كما يَحتَسِب بما أنفق على الزَّرع.
(1)
في (د) و (و): آلته.
(2)
في (د): المسلين، وفي (و): المسلمين.
(3)
في (د) و (و): عرق.
(4)
في (أ): منجا.
(5)
في (ز): فإن.
(6)
زيد في (ب) و (ز): من عينها.
(7)
قوله: (عليه) سقط من (أ).
وأطلق في «الكافي» : لا يحتسب به؛ كمؤن
(1)
الحصاد والزِّراعة.
وظاهره: أنَّه يجزئ إخراج القيمة عن غيرها قبل السَّبْك والتَّصفية، وهو غير ظاهِرٍ.
مسألةٌ: يجوز بَيعُ تراب معدِنٍ وصاغة بغير جنسه، نَصَّ عليه
(2)
، كعرض
(3)
؛ لأنَّه مستورٌ بما هو من
(4)
أصل الخلقة؛ كالباقِلاَّء في قشريه.
وعنه
(5)
: لا؛ كجنسه
(6)
، ونقل مهنى
(7)
: (لا في تراب صاغةٍ، وإن غيره أهون)، وزكاته على البائع؛ لوجوبها عليه؛ كبيع حبٍّ بعد صلاحه.
(وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ البَحْرِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَالمَرْجَانِ) هو نَباتٌ حجَريٌّ يتوسَّط في خلقه بين النبات والمعدِن، ومن خواصِّه: أنَّ النَّظَر إليه يشرح الصَّدر ويُفرِح القلبَ، (وَالعَنْبَرِ وَنَحْوِهِ)، نَصَّ عليه
(8)
؛ وهو المذهب، وقاله عمر بن عبد العزيز والأكثر؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «ليس في العنبر شَيءٌ، إنَّما هو شَيءٌ دسره
(9)
البحرُ»، وعن جابِرٍ نحوه، رواهما أبو عُبَيدٍ
(10)
، ولم يأت
(1)
في (د) و (و): يكون.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 172.
(3)
في (أ): كغرض.
(4)
قوله: (من) سقط من (أ) و (ب).
(5)
في (د) و (و): وعلة.
(6)
في (أ): لا بجنسه.
(7)
ينظر: الفروع 4/ 172.
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 115، مسائل ابن منصور 3/ 1136، زاد المسافر 2/ 395.
(9)
في (ز): دشره.
(10)
أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أبو عبيد في الأموال (885)، ومن طريق أخرى أخرجه عبد الرزاق (6977)، والشافعي في الأم (2/ 45)، وابن أبي شيبة (10058)، وابن زنجويه في الأموال (1288)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 115)، والبيهقي في الكبرى (7593)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم 2/ 129، وصححه في التلخيص 2/ 388، واحتج به أحمد في مسائل أبي داود ص 116.
وروي عنه خلاف ذلك: أخرجه عبد الرزاق (6976)، وابن أبي شيبة (10065)، والشافعي في الأم (2/ 45)، والبيهقي في الكبرى (7595)، عن ابن عباس قال:«إن كان في العنبر شيء ففيه الخمس» ، وإسناده صحيح، وصححه ابن حزم في المحلى. قال في الفتح 3/ 363:(ويجمع بين القولين: بأنه كان يشك فيه، ثم تبين له أن لا زكاة فيه فجزم بذلك).
وأثر جابر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (10060)، وأبو عبيد في الأموال (884)، وابن زنجويه (1289)، بلفظ:«ليس العنبر بغنيمة، وهو لمن أخذه» ، وإسناده ضعيف، مداره على إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع وهو ضعيف الحديث، واحتج أبو عبيد في كتابه الأموال بهذا الأثر.
فيه
(1)
سنَّةٌ صحيحةٌ، ولأنَّ الأصل عدم الوجوب؛ لأنَّ الغالب فيه وجوده من غير مشقَّةٍ، فهو كالمباحات الموجودة في البَرِّ.
(وَعَنْهُ: فِيهِ الزَّكَاةُ)، نصره القاضي وأصحابُه، وقدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأنَّه مستخرَج، فوجب فيه الزَّكاة كالمعدِن.
وقيل: غير حيوانٍ، جزم به بعضهم؛ كصيد البَرِّ، ونَصُّ أحمد التَّسويةُ
(2)
.
ومثَّل في «الهداية» و «المستوعب» و «المحرر» : بالمسك والسمك، فيكون المسك بحريًّا، وفي «الشَّرح»: أنَّه لا شَيءَ في السَّمك في قول أهل العلم كافَّةً.
ونَصَّ في رواية الميمونِيِّ بأن قال: (كان الحسن يقول في المسك إذا أصابه صاحبه: فيه الزَّكاة)
(3)
، شبهه بالسمك
(4)
إذا صاده
(5)
وصار في يده منه مائتا درهم، وما أشبهه به.
وظاهر كلامهم: أنَّه لا زكاة فيه، قال في «الفروع»: وهو أَولَى.
(1)
في (د): منه.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 172.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 173.
(4)
في (و): شبهه بالمسك.
(5)
في (أ): أصابه، وفي (ب) و (د) و (و): صابه.
(فَصْلٌ)
(وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ)؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «وفي الرِّكاز الخُمُس» متَّفقٌ عليه
(1)
، قال ابن المنذر: (لا نعلم
(2)
أحدًا خالف هذا الحديثَ إلاَّ الحسن فإنَّه قال: في أرض الحرب الخمس، وفي أرض العرب الزَّكاة)
(3)
.
(أَيَّ نَوْعِ كَانَ مِنَ المَالِ)؛ كالنَّقدين، والحديد، والرَّصاص، ونحوها؛ لأنَّه مالٌ مظهور عليه
(4)
من مال الكفَّار، فوجب فيه الخُمُس؛ كالغنيمة، (قَلَّ) ذلك الموجود (أَوْ كَثُرَ)، بخلاف المعدِن والزَّرع؛ لكونهما يحتاجان إلى كُلفةٍ، فاعتبر لهما النِّصاب تحقيقًا.
واختلفت الرِّواية في مَصرِفه، فروى عنه محمد بن عبد الحَكَم
(5)
: أنَّه (لِأَهْلِ الْفَيْءِ)
(6)
، اختارها ابن أبي موسى، والقاضي في «تعليقه» ، وابن عقيلٍ، وصحَّحها في «المغني» ؛ لفعل
(7)
عمر، رواه سعيدٌ عن هُشَيمٍ عن مجاهِدٍ
(8)
(1)
أخرجه البخاري (2355، 1499)، ومسلم (1710).
(2)
في (و): لا تعلم.
(3)
ينظر: الإشراف 3/ 47.
(4)
قوله: (عليه) سقط من (أ) و (ب) و (ز).
(5)
كذا في النسخ، والصواب: محمد بن الحكم. ينظر: المغني 3/ 51، الشرح الكبير 6/ 589.
وقد ذكره المصنف باسم (محمد بن عبد الحكم) في أربعة مواطن من كتابه، وهو خطأ ولم يتابعه أحد من الأصحاب، واسمه الصحيح (محمد بن الحكم)، وينقل عنه الأصحاب كثيرًا، وهو أبو بكر الأحول كما في طبقات الحنابلة 1/ 295.
(6)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 245، المغني 3/ 51.
(7)
في (و): كفعل.
(8)
كذا في النسخ الخطية، وتابع فيه المغني 3/ 51، والصواب (مجالد) كما في الأموال لأبي عبيد.
عن الشَّعبِيِّ
(1)
، ولأنَّه مالٌ مخموسٌ كخُمُس الغنيمة، ولا يختص بمصرف الغنيمة، بل الفيء المطلق للمصالح كلِّها.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ زَكَاةٌ)، نقلها حنبلٌ
(2)
، واختارها الخِرَقِيُّ، وقدَّمها في «المحرَّر» ؛ لأنَّ عليًّا أمر صاحب الكنز أن يتصدَّق بالخُمُس على المساكين
(3)
، ولأنَّه حقٌّ يجب في الخارج من الأرض كالمعدِن، فيُصرَف مَصرِف الزَّكاة.
ويجب على كلِّ واجدٍ إذا قلنا بأنَّه فَيْءٌ، إلا
(4)
إذا كان عبدًا؛ فيكون لسيِّده؛ لأنَّه كسب ماله؛ كالاحتشاش.
وإذا قلنا: بأنَّه زكاةٌ لم يجب على من ليس من أهلها.
ويملكه صبِيٌّ ومجنونٌ، ويُخرِجه عنهما وليُّهما
(5)
.
وصحَّح بعضُهم وجوبه على كلِّ واجدٍ مطلقًا.
(1)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (875)، ومن طريقه ابن زنجويه في الأموال (1279)، حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي: أن رجلاً وَجد ألف دينار مدفونة خارجًا من المدينة، فأتى بها عمر بن الخطاب، فأخذ منها الخُمُس، مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر يَقسم المائتين بين من حضره من المسلمين، إلى أن أَفْضلَ منها فَضلةً، فقال عمر:«أين صاحب الدنانير؟» ، فقام إليه، فقال له عمر:«خُذ هذه الدنانير فهي لك» . فيه ضعف، مجالد بن سعيد ضعيف الحديث، والشعبي لم يسمع من عمر رضي الله عنه.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 245، المغني 3/ 51.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور كما ذكر البيهقي في الكبرى (7655)، وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2256)، والبيهقي في الكبرى (7656)، عن عبد الله بن بشر الخثعمي، عن رجل من قومه -وسماه البخاري: جبلة بن حممة-: أن رجلاً سقطت عليه جَرَّة من دِيرٍ بالكوفة، فأتى بها عليًّا رضي الله عنه، فقال:«اقسمها أخماسًا» ، ثم قال:«خُذ منها أربعة أخماس ودع واحدًا» ، ثم قال:«في حَيِّك فقراء ومساكين؟» ، قال: نعم، قال:«خُذها فاقسمها فيهم» ، وجبلة سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، ولم يرو عنه سوى ابن بشر، وذكره ابن حبان في الثقات على عادته في المجاهيل، وباقي رجاله ثقات.
(4)
في (و): الأداء.
(5)
في (و): بوليهما.
ويجوز لواجده تَفرِقتُه بنفسه، كما لو قلنا: إنَّه زكاة، نَصَّ عليه
(1)
، واحتجَّ بقول عليٍّ، وجزم به في «الكافي» ؛ لأنَّه أدَّى الحقَّ إلى مستحقِّه.
وعنه: لا يجوز، قدَّمه في «منتهى الغاية» ؛ كخُمُس الغنيمة والفيء، فعلى هذا هل يضمن؟
ولا يجوز لواجده والمعدن إمساك
(2)
الحقِّ لنفسه لحاجة.
(وَبَاقِيهِ لِوَاجِدِهِ)؛ لفعل عمر وعلي: أنَّهما دفعا باقِيَ الرِّكاز لواجده
(3)
، ولأنَّه مالُ كافِرٍ مظهورٍ عليه، فكان لواجده بعد الخُمُس كالغنيمة، وظاهرُه: أنَّه له ولو كان مستأمنًا بدارنا، ومحلُّه ما لم يكن أجيرًا لطلبه، فإنَّه لا شَيءَ له سوى الأجرة.
(إِنْ
(4)
وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ)؛ لأنَّه مباحٌ لا حقَّ لأحدٍ فيه؛ كالصَّيد منها، (أَوْ أَرْضٍ لَا يُعْلَمُ مَالِكُهَا)، كالأرض التي يوجد فيها آثار الملك من الأبنية القديمة، وجُدران الجاهلية وقبورهم، ولو كان على وجهها، قاله في «الشَّرح» ، أو قرية خرابٍ أو طريقٍ غير مسلوكٍ؛ لما روى عمرو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا قال: «وما لم يكن في طريقٍ مأتيٍّ
(5)
، ولا في قريةٍ عامرةٍ ففيه وفي الرِّكاز الخُمُس» رواه النَّسائيُّ، وفي لفظٍ:«فإن وجده في خربةِ جاهليَّة أو قريةٍ غير مسكونةٍ؛ ففيه وفي الرِّكاز الخمس»
(6)
.
(1)
ينظر: المغني 3/ 52.
(2)
في (د) و (و): أمثال.
(3)
تقدم تخريجه 3/ 342 حاشية (1)، (3).
(4)
في (د) و (و): وإن.
(5)
في (أ): ماد.
(6)
قوله: (رواه النسائي، وفي لفظ
…
) إلى هنا سقط من (و).
أخرجه أبو داود (1712، 1714)، والنسائي (2494)، وأحمد (6683)، والحميدي (608)، والشافعي (730)، والحاكم (2374)، من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده رضي الله عنه، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة؟ فقال: «ما كان في طريق مأتيٍّ، أو في قرية عامرة فعرِّفها سنةً، فإن جاء صاحبها وإلاَّ فلَك، وما لم يكن في طريق مأتيٍّ، ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس» ، وسنده حسنٌ، وقال الألباني: «إسناده حسن، وحسنه الترمذي، وصححه ابن الجارود والحاكم والذهبي). ينظر: صحيح سنن أبي داود الأم 5/ 395.
(وَإِنْ عَلِمَ مَالِكَهَا
(1)
؛ كمن دخل دار غيره، أو استأجرها أو استعارها، (أَوْ كَانَتْ مُنْتَقِلَةً إِلَيْهِ
(2)
ببَيعٍ أو هبةٍ؛ (فَهُوَ لَهُ أَيْضًا) في الأشهر؛ لأنَّه ليس من أجزاء الأرض، بل هو مودَع
(3)
فيها، فهو كالصَّيد والكَلَأ، يَملِكه مَنْ ظَفِر به كالمباحات كلِّها.
وعليها: لا فَرْقَ بين أن يَدَّعيه المالِكُ أو لا.
ونقل محمَّد بن يحيى الكحَّال عن أحمدَ فيمن استأجر حفَّارًا ليَحفِرَ له في داره، فأصاب كنزًا؛ فهو للأجير
(4)
، وصحَّحه القاضي.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِمَالِكِهَا)، قَطَع به في «الهداية» و «التَّلخيص» ؛ لأنَّ يدَه عليها، فكان ما فيها له؛ كالقماش، (أَوْ لِمَنِ انْتَقَلَتْ عَنْهُ)؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّه له، (إِنِ اعْتَرَفَ بِهِ) كلٌّ من المالك والمنتقل
(5)
عنه، فإن
(6)
انتقلت إليه ميراثًا؛ حكم بأنَّه ميراثٌ، فإن أنكر الورثةُ أنَّه لمُوَرِّثهم؛ فلأوَّل مالِكٍ، وإن اختلفوا أُعطي كلٌّ
(7)
حكمَه، (وَإِلاَّ)؛ فإن لم يَعتَرِف به ولم يَدَّعِهِ؛ (فَهُوَ لِأَوَّلِ مَالِكٍ
(8)
؛
(1)
في (أ): مالكهما، وقوله:(وإن علم مالكها) في (و): أو كانت منتقلة إليه.
(2)
قوله: (أو كانت منتقلة إليه) في (و): فهو له أيضًا.
(3)
في (ب) و (ز): مودوع.
(4)
ينظر: المغني 3/ 49.
(5)
في (و): المنقل.
(6)
في (و): وإن.
(7)
في (د) و (و): لكل.
(8)
في (د): مالكه.
لأنَّه في ملكه، فكان له كحيطانه.
وظاهره: أنَّه له، وإن لم يعترف به، كما لو ادَّعاه بصفة.
وفي «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه يكون كالمال الضَّائع حيث لم يعترف به، وإذا لم يعترف به فادَّعاه واجده فهو له، جزم به بعضهم، وظاهر كلام جماعةٍ خلافُه.
وعلى الأُولى؛ إن ادَّعاه المالكُ قبله بلا بيِّنةٍ ولا وصفٍ؛ فهو له مع يمينه
(1)
؛ لأنَّه ادعى
(2)
ممكنًا، وكانت يدُه عليه، فالظَّاهر صدقُه.
وعنه: لا تقبل
(3)
دعواه -كسائر الدَّعاوى- بلا بيِّنةٍ، ولا ما يقوم مقامها، فعليها: يكون لواجده.
ومتى دُفع إلى مدعيه
(4)
بعد إخراج خُمُسِه؛ غرِم واجدُه بدله إن كان أُخرج باختياره، فإن كان الإمام أخذه منه قهرًا؛ غرمه، لكن هل هو من ماله، أو من بيت المال؟ فيه الخلاف.
وعنه ثالثة: يكون للمالك قبله إن اعترف به، فإن لم يعترف به، أو لم يعرفه الأوَّل؛ فلواجده.
وقيل: لبيت المال.
(وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِ حَرْبِيٍّ؛ مَلَكَهُ)، نَصَّ عليه
(5)
، إذا قدَر عليه بنفسه؛ لأنَّ المالك لا حرمةَ له، كما لو وجده في مَوَاتٍ.
وقيل: غنيمةٌ، خرَّجه في «منتهى الغاية» ؛ كما لو قدَر عليه بمَنَعَة.
(1)
في (أ): بينته.
(2)
في (أ) و (ب): ادعاه.
(3)
في (و): لا يقبل.
(4)
في (و): لمدعيه.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 185.
(إِلاَّ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ إِلاَّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ غَنِيمَةً)؛ لأنَّ قُوَّتَهم أوصلته إليه، فكان
(1)
غنيمةً؛ كالمأخوذ بالحرب.
(وَالرِّكَازُ) اشتقاقه من: رَكَز يَركِز، كغَرَز يَغرِز: إذا خفِيَ، ومنه غَرَزْتُ الرَّمحَ، إذا أخفيت أسفله، فهو في اللُّغة: المال المدفون في الأرض، وفي الاصطلاح:(مَا وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ)؛ لأنَّ دِفْنهم تقادم عهدُه وخفِيَ مكانُه، (عَلَيْهِ عَلَامَتُهُمْ)؛ كأسمائهم وأسماء ملوكهم، وهو معنى كلامهم: هو المالُ الجاهلِيُّ المدفونُ.
وحكم من تقدَّم من الكفَّار في دار الإسلام؛ كحكم الجاهليَّة.
فإن كان على بعضه علامتهم؛ فذكر في «الشَّرح» : (أنه ينبغي أن يكون رِكازًا)، نَصَّ عليه
(2)
، وهو قول أكثر العلماء؛ عملاً بالظَّاهر.
(فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ) أو على بعضه (عَلَامَةُ المُسْلِمِينَ)؛ كاسم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو أحدٍ من خلفاء المسلمين، أو آيةٍ من القرآن العظيم، (أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ
(3)
عَلَامَةٌ)؛ كالحُلِيِّ والسَّبائك والآنية؛ (فَهُوَ لُقَطَةٌ)؛ أيْ: لا يُملَك إلاَّ بعد التَّعريف؛ لأنَّه مالُ مسلمٍ لم يُعلَم زواله عنه، وتغليبًا لحكم دار الإسلام.
إلاَّ أن يجده في ملك انتقل إليه
(4)
، فيدَّعيه المالك قبله بلا بينة
(5)
ولا صفةٍ؛ فهل يُدفَع إليه؟ على روايتَينِ حكاهما في «المحرَّر» ، ونقله في «الشَّرح» عنه: إحداهما: لا يُدفع إليه
(6)
؛ كاللُّقطة. والثَّانية: بلَى؛ لأنَّه تَبَعٌ للملك.
(1)
في (ز): فكائن.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 185.
(3)
قوله: (عليه) سقط من (أ).
(4)
قوله: (إليه) سقط من (أ).
(5)
في (و): بلا نية.
(6)
قوله: (إليه) سقط من (أ).
(بَابُ زَكَاةِ الْأَثْمَانِ)
(وَهِيَ الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ)، فدلَّ أن الفلوس الرَّائجة لا تُسمَّى به، ونضَّ
(1)
: لهما خاصَّةً.
والأصلُ في وجوبها: الإجماعُ، وسنَدُه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ
…
} الآيةَ [التّوبَة: 34]، والسُّنَّةُ مستفيضةٌ بذلك.
(وَلَا زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالاً، فَيَجِبُ فِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ)؛ لما رَوَى ابن عمر وعائشةَ مرفوعًا: «أنَّه كان يأخذ من كلِّ عشرين مثقالاً: نصفَ مثقالٍ
(2)
» رواه ابنُ ماجَهْ
(3)
، وعن عليٍّ نحوُه
(4)
. فالمِثقالُ: دِرهمٌ وثلاثةُ أسباع درهمٍ، وهو ثنتان وسبعون حبَّة شعيرٍ متوسِّطةً، وهو لم يتغيَّر في جاهلية ولا إسلامٍ.
(وَلَا فِي الفِضَّةِ
(5)
حَتَّى تَبْلُغَ) وزن (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ)؛ لما في «الصَّحيحَين»
(1)
نضَّ كما قال الأصمعي: اسم الدراهم والدنانير عند أهل الحجاز. ينظر: تهذيب اللغة 11/ 322.
(2)
قوله: (لما روى ابن عمر وعائشة
…
) إلى هنا سقط من (ب) و (و).
(3)
أخرجه ابن ماجه (1791)، والدارقطني (1896)، من طريق إبراهيم بن إسماعيل، عن عبد الله بن واقد، عن ابن عمرَ وعائشةَ رضي الله عنهما. وإسناده ضعيفٌ، إبراهيم بن إسماعيل بن مُجمِّع الأنصاريُّ ضعيفٌ يُكتب حديثه، والحديث ضعفه البوصيريُّ وغيره. ينظر: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 2/ 87، تهذيب الكمال 2/ 46.
(4)
أخرجه أبو داود (1573)، من طريق أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، والحارث الأعور، عن عليٍّ رضي الله عنه مرفوعًا، وقد روي موقوفًا وقد تقدَّم تخريجه 3/ 231 حاشية (8)، وصحَّح ابن القطَّان إسناد المرفوع، وحسَّنه البغويُّ، وقال ابن حجر:(إسناده حسنٌ)، وقوَّى الألباني رواية الوقف. ينظر: العلل للدارقطني 3/ 158، شرح السنة 6/ 47، تهذيب الكمال 26/ 43، تنقيح التحقيق 3/ 45، فتح الباري 3/ 327، صحيح أبي داود 5/ 293.
(5)
في (أ): الدراهم.
من حديث أبِي سعيدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليسَ فِيما دُون خَمْس أواقٍ صدقةٌ»
(1)
، فيجب فيها خمسة دراهم؛ لما روَى أنسٌ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال
(2)
: «وفي الرِّقَة ربعُ العشر» متَّفقٌ عليه
(3)
، وعن علِيٍّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانت مائتيْ درهمٍ؛ ففيها خمسةُ دراهمَ»
(4)
.
والاِعتبارُ بالدِّرهم الإسلاميِّ الذي وزنه ستَّة دوانيق
(5)
، والعشرةُ سبعةُ مثاقيلَ؛ لأنَّها كانت في صدر الإسلام سَوداء، وزن الدِّرهم منها: ثمانية دوانيق
(6)
وطبرية، الدرهم منها
(7)
: أربعة دوانيق، فجمعتْها بنو أُميَّة، وقسمتها على اثنين، فصار الدِّرهم منها ستة دوانيق
(8)
، وذَكَره النَّوويُّ إجماعَ العصر الأوَّلِ
(9)
.
وقد سُئِل في رواية المرُّوذِيِّ عن دراهمَ صغار فقال: (تُرَدُّ إلى المثاقيل)
(10)
، فالدِّرهمُ نصفُ مِثقالٍ، وخُمُسُه، وهو خمسون
(11)
حبَّةً وخُمُسا حبَّةٍ.
فنصاب الذَّهب: ثمانيةٌ وعشرون درهمًا وأربعةُ أسباع درهمٍ، وقَدْرُه:
(1)
أخرجه البخاريُّ، واللَّفظ له، (1447، 1405)، ومسلمٌ (979).
(2)
قوله: («ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقةٌ») إلى هنا سقط من (أ).
(3)
عزاه المصنِّف إلى الصَّحيحين، ولم نقف عليه في مسلمٍ، وأخرجه البخاريُّ (1454)، في حديث طويل.
(4)
حديث عليٍّ رضي الله عنه تقدَّم تخريجه 3/ 347 حاشية (4).
(5)
في (أ) و (ب): دوانق.
(6)
في (أ) و (ب): دوانق.
(7)
في (أ): فمنها.
(8)
في (أ): دوانق.
(9)
ينظر: شرح مسلم 7/ 52.
(10)
ينظر: زاد المسافر 2/ 380.
(11)
في (ز): وهو عشرون.
خمسةٌ وعشرون دينارًا وسُبُعا دينارٍ، وتُسُعُه على التَّحديد الذي زنته درهمٌ وثُمُن درهمٍ.
لكن قال الأثرم: قد اصطلح النَّاسُ على دراهمنا، فيزكي المائتي درهمٍ من دراهمنا هذه، فيُعطِي منها خمسة دراهمَ.
والأوَّل المذهب.
قال القاضي عِياضٌ: (لا يصح أن تكون
(1)
الأوقيَّة والدَّراهم مجهولةً زمن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو يوجب الزَّكاة في أعداد منها، وتقع
(2)
بها البياعات
(3)
والأنكحة كما في الأخبار الصَّحيحة، وهو يبين أن قول من
(4)
يزعم أنَّ الدراهم لم تكن معلومةً إلى زمن عبد الملك، وأنَّه جمعها برأي العلماء، وجعل وزن الدِّرهم منها ستة دوانيق
(5)
؛ قولٌ باطلٌ، وإنما معنى ما نقل من ذلك: أنَّه لم يكن منها
(6)
شَيءٌ من ضرب الإسلام، وعلى صفة لا تختلف
(7)
، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه، فجمعوا أكبرها وأصغرها، وضربوه على وزنهم)
(8)
.
(وَلَا زَكَاةَ فِي مَغْشُوشِهِمَا
(9)
حَتَّى يَبْلُغَ
(10)
قَدْرُ مَا فِيهِ) من النَّقد الخالِصِ (نِصَابًا)؛ للنُّصوص الدَّالَّة علَى اعتبار النِّصاب.
(1)
في (و): يكون.
(2)
في (أ): ونفع.
(3)
في (أ): البيائعات.
(4)
في (و): ممن.
(5)
في (أ): دوانق.
(6)
في (د) و (و): معها.
(7)
في (و): لا يختلف.
(8)
ينظر: إكمال المعلم 3/ 464.
(9)
في (أ) و (ب): مغشوشها.
(10)
في (أ) و (و): تبلغ.
وذكَر ابن حامِدٍ وجهًا: إنْ بلَغَ مضروبُه نصابًا؛ زكَّاه، وظاهره: ولو كان الغِشُّ أكثرَ.
وقال أبو الفرج: يُقوَّم مضروبه
(1)
كالعُروض.
(فَإِنْ شَكَّ فِيهِ)؛ أي: في بلوغ قدرِ ما في المغشوش من النقد نصابًا؛ (خُيِّرَ بَيْنَ سَبْكِهِ)؛ ليَعلَم قدْرَ ما فيه، (وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ)؛ أي: يستظهر ويخرج؛ ليسقط الفرض بيقينٍ.
فعلَى هذا: إذا سَبَكه فظهَر نِصابًا فأكثرَ؛ أخرج رُبُعَ عُشُرِه؛ لأنَّه الواجب، وإن كان دونه فلا.
وإن استظهر؛ فيخرج ما يُجزِئه بيقينٍ. وقيل: لا زكاةَ.
وإن وجبت الزَّكاةُ، وشكَّ في زيادةٍ؛ استظهر، فألفٌ ذهبٌ وفضَّةٌ؛ ستُّمائةٍ من أحدهما: يُزكِّي ستمائة ذهبًا، وأربعمائة فضَّةً، وإن لم يجزئ ذهبٌ عن فضَّةٍ؛ زكَّى ستمائة ذهبًا، وستمائةٍ فضةً.
وظاهره: أنَّه إذا عَلِم قدر الغشِّ؛ بأن يكون في كلِّ دينارٍ سُدسُه؛ جاز أن يخرج منها؛ لأنَّه يكون مخرِجًا لرُبُع العشر.
وإن اختلَف قدْرُ الغِشِّ، أو لم يعلم؛ لم يجزئه إلا أن يستظهر، فيخرج قدر الزَّكاة بيقينٍ، وإن أخرج عنها ما لا غِشَّ فيه؛ فهو أفضلُ.
وذكر الأصحاب: إن زادت قيمة المغشوش بصنعة الغِشِّ؛ أخرج ربع عشره، كحُليِّ الكِراء إذا زادت قيمته بصناعته.
فائدةٌ: يُعرَف قدْرُ غشِّه
(2)
بوضع ذهبٍ خالِصٍ زنة مغشوشٍ في ماءٍ، ثمَّ فضَّةٍ كذلك، وهي أضخمُ، ثمَّ مغشوش، ويُعلِمُ علوَّ الماء، ويَمسَح بين كلِّ
(1)
في (أ): بمضروبه.
(2)
في (ز): الغش.
علامتَين، فمع استواء الممسوحين نصفه ذهبٌ، ونصفه فضَّةٌ، ومع زيادةٍ ونقصٍ بحسابه.
تذنيبٌ: يُكرَه ضرب نقدٍ مغشوشٍ واتخاذه، نَصَّ عليه. وعنه: يَحرُمُ، قال في رواية محمَّد بن عبيد الله المنادِي: ليس لأهل الإسلام أن يضربوا إلاَّ جيِّدًا
(1)
.
ويُكرَه الضَّرب لغير السلطان، قاله ابن تميم، وقال في رواية جعفر بن محمد
(2)
: لا يصلح ضرب الدراهم إلا في دار الضرب بإذن السلطان
(3)
؛ لأنَّ النَّاس إن رُخِّص لهم ركبوا العظائم.
(وَيُخْرِجُ عَنِ الجَيِّدِ الصَّحِيحِ مِنْ جِنْسِهِ)؛ لأِنَّ إخراج غير ذلك خبيثٌ، فلم يَجُزْ، وكالماشية، ويُخرِج عن الرَّديء من جنسه؛ لأنَّها مواساةٌ.
فإن كان المالُ أنواعًا متساويةَ القيمة؛ جاز إخراجها من أحدها، وإن اختلفت القيمة؛ أخذ من كلِّ نَوعٍ بحِصَّته.
وجزم المؤلف في «المغني» و «الشَّرح» : إن شقَّ لكثرة الأنواع فمن الوسط؛ كالماشية.
وإن أخرج بقدر الواجب من الأعلى؛ كان أفضلَ، وإن أخرج عن الأعلى من الأدنى أو الوسط، وزاد قدْرَ القيمة جاز، نَصَّ عليه
(4)
، وإن أخرج من الأعلى بقدر القيمة دون الموزون
(5)
؛ لم يَجُزْ.
(فَإِنْ أَخْرَجَ) أي: عن الصِّحاح (مُكَسَّرًا، أَوْ) أخرج عن الجِياد (بَهْرَجًا)
(1)
ينظر: الأحكام السلطانية ص 181.
(2)
ينظر: الأحكام السلطانية ص 181.
(3)
قوله: (قاله ابن تميم، وقال في رواية جعفر بن محمد) إلى هنا سقط من (أ).
(4)
ينظر: الفروع 4/ 134.
(5)
في (د) و (ز) و (و): الوزن.
أي: رديئًا؛ وهو المغشوش، أو أخرج سودًا عن بيض
(1)
؛ (زَاَد قَدْرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الفَضْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ
(2)
، وجزم به أكثرُهم؛ لأنه أدَّى الواجب عليه قِيمةً وقَدْرًا، وكما لو أخرج من عينه.
وظاهره: أنَّه لا يُجزِئُ مطلقًا.
وقيل: يجب المثل، اختاره أبو الخطَّاب والقاضي في «المجرد» في غير مكسَّرٍ عن صحيحٍ؛ لأنَّ سبب الوجوب جيِّدٌ صحيحٌ، فلم يُجزِئْ ضده
(3)
، كالمريضة عن الصِّحاح، فإذا تساوى الواجب والمُخرَج في القيمة والوزن؛ جاز، بخلاف سائر الأموال، فالقصد
(4)
منها الانتفاعُ بعينها.
(وَهَلْ يُضَمُّ الذَّهَبُ إِلَى الفِضَّةِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، أَوْ يُخْرَجُ أَحَدُهُمَا عَنِ الآْخَرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما
(5)
: يُكمَّل نِصابُ أحدهما بالآخَرِ، اختارها
(6)
الخَلاَّلُ والخرَقِيُّ والقاضي وأصحابه، وصاحب «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأنَّ مقاصدهما
(7)
وزكاتهما متَّفقةٌ، فهما كنوعي الجنس الواحد، فعليها: لا فرق بين الحاضر والدَّين إذا كان فيه الزَّكاةُ.
والثَّانيةُ: لا ضَمَّ، قال المجْدُ: يُروى أنَّ أحمد رجع إليها أخيرًا
(8)
، اختارها أبو بَكرٍ، وقدَّمها في «الكافي» و «الرِّعاية» وابنُ تميمٍ؛ لقوله: «ليس
(1)
في (أ): نقص.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 134.
(3)
في (و): جيده.
(4)
في (أ): والقصد.
(5)
في (و): أحدهما.
(6)
في (و): اختاره.
(7)
في (ب) و (د) و (و): مقاصدها.
(8)
ينظر: زاد المسافر 2/ 382، الفروع 4/ 136.
فيما دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صدقةٌ»
(1)
، ولأنَّهما مالان يختلف نصابهما، فلم يَجُز الضَّمُّ كأجناس الماشية، قال ابن المنجَّى: وهذه أصحُّ؛ لأنَّها أقوى دليلاً وأصحُّ تعليلاً.
وأجيب: بأنَّ الخبرَ مخصوصٌ بعَرْض التِّجارة، فيَصِحُّ القياس.
ونَقَل الأثرمُ عنه: الوقْفَ
(2)
، فيكون قولاً ثالثًا.
وأمَّا إخراجُ أحدهما عن الآخَر؛ فيجوز، صحَّحها في «المغني» وغيره؛ لأنَّ المقصود من أحدهما يحصل بإخراج الآخر، فهو كأنواع الجنس.
والثَّانية: لا يجوز، اختارها أبو بكرٍ؛ لأنَّهما جنسان، فيمتنع؛ كسائر الأجناس.
وعلى الأولى: لا يجوز الإبدالُ في موضع يَلحَقُ الفقيرَ ضَرَرٌ.
فإن اختار المالك الدَّفع من جنس الواجب، وأراد الفقير من غيره ولو لضَررٍ يَلحَقُه؛ لم يَلْزَم المالكَ إجابتُه؛ لأنَّه أدَّى ما فُرِض عليه، فلم يُكلَّفْ سواه.
وقيل: اختلاف الرِّوايتَين مبنيٌّ على الضَّمِّ، فإن قيل بجوازه جاز، وإلاَّ فلا.
(وَ) على القول بجواز الضَّمِّ؛ (يَكُونُ الضَّمُّ بِالأَجْزَاءِ) على المنصوص
(3)
، وجزم به الأكثر؛ لأنَّه لو انفرد لاعتبر بنفسه، فكذا إذا ضُمَّ إلَى غيره كالمواشي، ولأنَّ الضَّمَّ بالأجزاء مُتيَقَّنٌ، بخلاف القيمة، فإنَّه ظَنٌّ وتَخمينٌ، كما لو كان ملكُه عشرةَ دنانيرَ ومائةَ درهمٍ، فكلٌّ منهما نصفُ نِصابٍ، فمجموعهما نصاب، وكذا لو كان الثُّلُث أو بقية الأجزاء من أحدهما،
(1)
أخرجه البخاري (1405)، ومسلم (979)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 382، الأحكام السلطانية ص 125.
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 382، الأحكام السلطانية ص 125.
والباقي من الآخَر.
(وَقِيلَ: بِالقِيمَةِ)، قاله أبو الخَطَّاب، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ
(1)
؛ لأنَّ كلَّ نصابٍ ضُمَّ، فإنَّه بالقيمة؛ كنصاب السَّرقة.
(فِيمَا فِيهِ الحَظُّ لِلمَسَاكِينِ)؛ لأنَّ أصل الضَّمِّ إنَّما شُرِع لأجل
(2)
الحظِّ، فإذا كان له تسعة دنانيرَ قيمتها مائة درهمٍ، وله مائةٌ أخرى؛ ضُمَّا.
وعلى الأجزاء: لا.
وظاهره: أنَّ الأحظَّ مفرَّعٌ على القول بالقيمة فقط؛ لانقطاعه عمَّا قبله، وليس كذلك، بل هو راجِعٌ إليهما، فلهذا
(3)
في «الفروع» : (وعنه: يُكمَّل أحدُهما بالآخَرِ بالأحظِّ للفقراء من الأجزاء أو القيمة، ذكرها القاضي وغيره).
وعنه: بالقيمة إلى وزن الآخَر، فيقوم الأعلى بالأدنى.
وعنه: يُضَمُّ الأقلُّ إلى الأكثر، ذكرها في «منتهى الغاية» .
فرعٌ: يُضمُّ جيِّدُ كلِّ جنسٍ إلى رديئه، ومضروبه إلى تبره
(4)
.
(وَتُضَمُّ
(5)
قِيمَةُ العُرُوضِ)؛ أي: عروض التِّجارة (إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)، بغير خلافٍ نعلمه
(6)
، كمن له عشرةُ دنانيرَ، ومتاعٌ قِيمتُه عشرةٌ أخرى، أو له مائة درهمٍ ومتاعٌ قيمتُه مثلُها؛ لأنَّ الزَّكاة إنِّما تجب في قيمة العروض، وهي تُقوَّم بكلٍّ منهما، فكانا مع القيمة جنسًا واحدًا، فلو كان ذهبٌ وفضَّةٌ وعروضٌ؛ ففي «المغني» و «الشَّرح»: أنَّه يُضَمُّ الجميعُ في تكميل النِّصاب.
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 382.
(2)
في (أ): لأصل.
(3)
زيد في (د) و (و): قال.
(4)
في (أ): نثره.
(5)
في (و): ويضم.
(6)
ينظر: المغني 3/ 36.
(فَصْلٌ)
(وَلَا زَكَاةَ فِي الحُلِيِّ المُبَاحِ المُعَدِّ للاِسْتِعْمَالِ فِي ظَاهِرِ المَذْهَبِ)؛ لما رَوى جابِرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ فِي الحُلِيِّ زَكاةٌ» رواه الطبري
(1)
، وهو قولُ ابنِ عمرَ وعائشةَ وأسماءَ بِنتَيْ أبِي بكرٍ وجماعةٍ من التَّابعين
(2)
، ولأنَّه
(1)
في (ب) و (و): الطبراني.
أخرجه أبو الطيب الطبري ومن طريقه ابن الجوزي في التحقيق (981)، من طريق إبراهيم بن أيوب، حدثنا عافية بن أيوب، عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابرٍ مرفوعًا. وإبراهيم بن أيوب، الظاهر أنه الحوراني الدمشقي، وفيه ضعف، وعافية بن أيوب جهَّله البيهقي، ومع ذلك فقد تفرَّد برفعه، وقد صحَّ عن جابر موقوفًا، أخرجه عبد الرزاق (7048)، وابن أبي شيبة (10275)، وأبو عبيد في الأموال (1275) بأسانيد صحاح، ورجَّح وقفه ابن عبد الهادي وابن الملقن والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 67، البدر المنير 5/ 569، الإرواء 3/ 296، التلخيص الحبير 2/ 386.
(2)
أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (7047)، وابن أبي شيبة (10173)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (185)، والدارقطني (1967)، والبيهقي في الكبرى (7537)، عن نافع، عن ابن عمر قال:«ليس في الحلي زكاة» ، وأخرجه مالك (1/ 250)، والشافعي في الأم (2/ 44)، وابن زنجويه في الأموال (1781)، والبيهقي في المعرفة (8278)، عن نافع بلفظ: أنه كان يُحلِّي بناته وجواريه بالذهب، ثم لا يخرج من حُلِيِّهن الزكاة. وأسانيدها صحاح.
أثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه مالك (1/ 250)، والشافعي في الأم (2/ 44)، وعبد الرزاق (7052)، وابن أبي شيبة (10175)، والإمام أحمد في مسائل عبد الله (ص 164)، وابن زنجويه في الأموال (1782)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (186)، والبيهقي في الكبرى (7535)، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها:«أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حِجْرها، لهن الحلي، ولا تخرج منه الزكاة» ، وإسناده صحيح.
أثر أسماء رضي الله عنها: أخرجه ابن أبي شيبة (10178)، والإمام أحمد في مسائل عبد الله (ص 164)، وابن زنجويه في الأموال (1788)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (188)، والدارقطني (1969)، والبيهقي في الكبرى (7542)، عن فاطمة بنت المنذر:«أن أسماء كانت تُحلِّي بناتها بالذهب، قيمته خمسون ألفًا، كانت لا تزكيه» ، وإسناده صحيح.
مُرصَدٌ للاستعمال
(1)
المباح، فلم يجب؛ كالعواملِ وثيابِ القُنية، قال جماعةٌ: معتاد، ولم يذكره آخرون، لرجلٍ أو امرأةٍ، إن أُعِدَّ للُبْس مباحٍ أو إعارة، ولو من يَحرُم عليه؛ كرجلٍ يتَّخذ حلي النساء لإعارتهن، أو امرأةٍ تتَّخذ حلِيَّ الرِّجال لإعارتهم، ذكره جماعةٌ.
والثَّانية: تجب إذا لم يُعَرْ ولم يُلبَس، قاله في «الأحكام السُّلطانيَّة» ، نقل ابنُ هانئ:(زكاته عاريَّتهُ)
(2)
، وقال:(هو قول خمسةٍ من الصَّحابة)
(3)
.
وعنه: مطلقًا؛ لما روى أبو داود عن عمرو بن شُعَيبٍ عن أبيه عن جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لامرأةٍ في يدها سواران من ذهب: «هل تُعطِينَ زكاةَ هذا؟» ، قالت: لا، قال:«أَيَسُرُّكِ أن يُسوِّركِ الله بسِوارَين من نارٍ» .
وجوابُه: بأنَّه ضعيفٌ، قاله أبو عُبَيدٍ والتِّرمذيُّ
(4)
.
(1)
في (د) و (و): لاستعمال.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 113.
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 396، طبقات الحنابلة 2/ 17، من رواية الفضل بن زياد عنه.
وهذه الآثار هي:
أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي في الكبرى (7551)، من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال:«زكاة الحلي عاريته» ، وفيه ضعف، حبيب مدلس وقد عنعنه.
وأثر جابر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (10177)، وابن زنجويه في الأموال (1794)، وابن الأعرابي في معجمه (1949)، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:«لا زكاة في الحلي» ، قلت: إنه فيه ألف دينار، قال:«يعار ويلبس» ، وإسناده صحيح.
وروى سحنون في المدونة (1/ 306)، عن ربيعة: أن عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك كانا يقولان: «ليس في الحلي زكاةٌ إذا كان يعار وينتفع به» ، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيف.
وأثر أنس رضي الله عنه: أخرجه ابن زنجويه في الأموال (1796)، والبيهقي في الكبرى (7540)، عن أنس بن مالك قال:«إذا كان حلي يعار ويلبس؛ زُكِّي مرة واحدة» ، وإسناده صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة (10161)، ويحيى بن معين كما في فوائده برواية المروزي (105)، بلفظ:«الحلي يزكى مرة واحدة» .
(4)
في (د): قاله.
والحديث أخرجه أبو عبيد في الأموال (1260)، عن محمد بن أبي عدي، وأبو داود (1565)، والنسائي (2479)، من طرقٍ عن خالد بن الحارث، والدارقطني (1982)، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، ثلاثتهم عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه هكذا موصولاً. وصحَّحه ابن القطَّان وابن الملقِّن، وقوَّاه ابن حجر، وحسنه الألباني.
وخالفهم معتمر بن سليمان، فرواه عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب مرسلاً، أخرجه النسائي (2480)، والمعتمر بن سليمان التَّيمي وإن كان ثقةً؛ لكن خالفَه خالد بن الحارث الهُجَيمي، قال النسائي:(خالد أثبت من المعتمر)، وتابعه على الوصل ثقتان، فرواية الجماعة أولى من رواية ابن المعتمر.
والحديث أعلَّه ابن الجوزي بحسين المعلم فقال: (قال يحيى بن معين: فيه اضطراب، وقال العقيلي: هو ضعيف)، وتعقَّبه الذَّهبي فقال:(الرَّجلُ ثقة، وقد احتجَّ به صاحبا الصَّحيحين)، ووثَّقه أبو حاتم وأبو زرعة والنَّسائي وغيرهم. ينظر: الأموال لأبي عبيد 543، سنن الترمذي 3/ 20، الجرح والتعديل 3/ 233، التحقيق لابن الجوزي 2/ 45، سير أعلام النبلاء 6/ 346، خلاصة البدر المنير 1/ 306، بلوغ المرام (620)، الإرواء 3/ 293.
ولما صحَّ من قوله: «وفي الرِّقة ربع العشر»
(1)
.
وجوابه: بأنَّها هي الدَّراهم المضروبة، قال
(2)
أبو عبيد: (لا نعلم هذا الاسم في الكلام المعقول عند العرب إلاَّ على الدَّراهم المضروبة ذات السكة السَّائرة بين النَّاس)
(3)
، وعلى التَّقدير: الشمول
(4)
يكون مخصوصًا بما ذكرنا.
ويُستثْنَى منه: إذا كان الحلِيُّ ليتيمٍ لا يلبسه؛ فلوليِّه إعارته، فإن فعل؛ فلا زكاةَ، وإن لم يُعِرْه؛ وجبت، نَصَّ على ذلك
(5)
، ذكره جماعةٌ.
(فَأَمَّا الحُلِيُّ المُحَرَّمُ)؛ لأنَّه فِعلٌ مُحرَّمٌ، فلم يخرج به
(6)
عن أصله، وكذا
(1)
أخرجه البخاري (1454)، في حديث طويل.
(2)
في (د): قاله.
(3)
ينظر: الأموال ص 541.
(4)
في (أ) و (د): المشمول.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 141.
(6)
قوله: (به) سقط من (أ) و (ب).
قال أحمدُ: (ما كان على سَرْجٍ ولجام)
(1)
، ويُلحَق به: الآنيةُ من النَّقدَين؛ لأنَّ الصِّناعةَ لمَّا كانت لمحرَّم جعلت كالعدم، ولا يلزم من جواز الاتِّخاذ جواز الصَّنعة، كتحريم تصوير ما يُداس مع جواز اتِّخاذه.
(وَمَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ)، بكسر الكاف والمدِّ فقط، فنَصَّ على وجوبها
(2)
، سواءٌ حلَّ له لُبسه أوْ لا؛ لأنَّ الأصل في جنسه الزَّكاة، وكما لو أعد لتجارةٍ؛ كحلِيِّ الصَّيارف.
(أَوِ النَّفَقَةِ؛ فَفِيهِ الزَّكَاةُ)؛ لأنَّه إنَّما سقطت مما أُعِدَّ للاستعمال بصرفه عن جهة النَّماء، فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل، وقيَّدها في «المحرَّر» و «الشَّرح»: بالاحتياج إليه.
قال
(3)
في «الفروع» : أو لم يقصد ربه
(4)
شيئًا.
(إِذَا بَلَغَ) كلُّ واحدٍ (نِصَابًا، وَالاِعْتِبَارُ) في نصاب الكلِّ (بِوَزْنِهِ)، هذا المذهب؛ لعموم:«ليس فيما دُونَ خَمْس أواقٍ صدقةٌ»
(5)
، ولو زادت قيمتُه؛ لأنَّها حصلت بواسطة صَنعةٍ محرَّمةٍ يجب إتلافها شرعًا، فلم يعتبر.
وحكى أبو الخطَّاب وجهًا: باعتبار قيمته إذا كانت صناعتُها مباحةً، كمن عنده حُلِيٌّ للكراء وزنُه مائةٌ وخمسون درهمًا، قيمتُه مائتان.
وقيل: تعتبر
(6)
القيمة مطلقًا، وحُكِيَ روايةً، بِناءً على أنَّ المحرَّم لا يحرم
(7)
اتِّخاذه، ويضمن صنعتَه بالكسر.
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 396.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 141.
(3)
في (د) و (و): قاله.
(4)
في (أ): أنه.
(5)
أخرجه البخاري (1405)، ومسلم (979)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(6)
في (و): يعتبر.
(7)
قوله: (لا يحرم) سقط من (أ).
(إِلاَّ مَا كَانَ مُبَاحَ الصِّنَاعَةِ)؛ كحُلِيِّ التِّجارة، (فَإِنَّ الاِعْتِبَارَ فِي النِّصَابِ بِوَزْنِهِ، وَفِي الإِخْرَاجِ بِقِيمَتِهِ)، هذا قولٌ؛ لأنَّه لو أخرج رُبُع عُشْرِه لوقعت القيمة المقوَّمة شرعًا لا حظَّ فيها للفقراء، وهو ممتَنِعٌ.
فعلَى هذا: إذا كان وزنه مائتين وقيمته ثلاثمائةٍ؛ فعليه قدْرُ ربع عُشْره
(1)
وزنًا وقيمةً؛ لأنَّها بغير محرَّمٍ، أشبه زيادة قيمته لنفاسة
(2)
جوهره.
وإن أخرج رُبُعَ عُشُره مُشاعًا، أو مثله وزنًا مِمَّا يُقابِل جودتَه زيادة الصَّنعة؛ جاز، وإن
(3)
جبر
(4)
زيادة الصَّنعة بزيادةٍ في المُخرَج، فكمكسَّرة عن صحاحٍ، فإن أراد كسره
(5)
مُنِع؛ لنقص قيمته.
وقال ابنُ تميمٍ: (إن أخرج من غيره بقدره جاز، ولو من غير جنسه، وإن لم تعتبر القيمة لم يُمنَع من الكسر، ولم يخرج من غير الجنس).
لكنْ ذكر أبو الخطَّاب: أنَّ ظاهر كلام أحمد أنَّه تعتبر القيمة في الإخراج إن اعتبرت في النِّصاب، وإن لم تعتبر
(6)
في النِّصاب لم تعتبر
(7)
في الإخراجِ؛ لما فيه من سوء المشاركة، أو تكليفه أجود ليقابل الصنعة.
فإن كان مُعَدًّا للتِّجارة؛ فتجب
(8)
الزَّكاة في قيمته؛ كالعروض.
(وَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْفِضَّةِ الخَاتَمُ)؛ لأنَّه «عليه السلام اتَّخذ خاتَمًا من وَرِقٍ» متَّفقٌ عليه
(9)
.
(1)
قوله: (المقومة شرعًا لا حظ فيها
…
) إلى هنا سقط من (و).
(2)
في (د) و (و): كنفاسة.
(3)
قوله: (وإن) سقط من (و).
(4)
زيد في (و): زيادة قيمته.
(5)
في (أ): كسر.
(6)
في (و): لم يعتبر.
(7)
في (و): لم يعتبر.
(8)
في (و): فيجب.
(9)
أخرجه البخاري (5873)، ومسلم (2091)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
قال أحمد في خاتم الفضة للرجل: (ليس به بأس)
(1)
، واحتج: بأن «ابن عمر كان له خاتم» رواه أبو داود
(2)
.
وظاهر ما نُقل عن أحمد
(3)
: أنَّه لا فضلَ فيه
(4)
، وجزم به في «التَّلخيص» وغيره. وقيل: يُستحَبُّ، قدَّمه في «الرِّعاية». وقيل: يُكرَه لقصد الزِّينة، جزم به ابنُ تميمٍ.
والأفضلُ جعل فَصِّه
(5)
مما يَلِي كفَّه، وله جعل فصِّه منه ومن
(6)
غيره.
والمنقول: أنَّه يجعله في يساره
(7)
؛ لأنَّه أثْبتُ، وضعَّف في رواية الأثرم التَّختُّم في اليمين
(8)
.
(1)
ذكره في الآداب الشرعية 3/ 531، من رواية صالح وأبي داود وعلي بن سعيد، والذي في مسائل أبي داود ص 352:(سئل عن لبس الخاتم، فلم ير به بأسًا). وليس فيه ذكر الفضة.
(2)
أخرجه أبو داود (4228)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (5947)، عن نافع:«أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى» ، وإسناده صحيح.
(3)
قوله: (في خاتم الفضة للرجل: ليس به بأس) إلى هنا سقط من (أ).
(4)
ينظر: الفروع 4/ 150.
(5)
في (و): فضة.
(6)
في (أ): وفي.
(7)
ينظر: مسائل صالح 2/ 208.
(8)
في (د) و (و): باليمين. وينظر: الفروع 4/ 151.
التختم باليسار: أخرجه مسلم (2095)، من حديث أنس رضي الله عنه، قال:«كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى» ، والتختم باليمين: أخرجه مسلم (2094)، من حديث أنس رضي الله عنه:«أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتَم فضةٍ في يمينه، فيه فصٌّ حبشيّ كان يجعل فصَّه مما يلي كفّه» ، وقد سُئل الإمام أحمدُ في مسائل أبي داود (1893)، عن حديث أنس رضي الله عنه في التختم باليمين، فقال:(لا أعرفه)، ثم قال:(عند عبَّاد -يعني ابن العوَّام- عن سعيد- يعني ابن أبي عروبة- غيرُ حديثٍ خطأ، ولا أدري سمعه منه بأَخرَة أم لا؟)، وحمل الألباني تضعيفَ الإمام أحمد على أنه أراد حديثًا معينًا لخصوص علَّة فيه، وإلا فإن تضعيف ذلك مع وروده في خمسة أحاديث صحيحة من طرق مختلفة مما يُستبعد صدورُه عن الإمام أحمد رضي الله عنه. ينظر: الفتح 10/ 326، إرواء الغليل 3/ 304.
وقيل: اليمينُ أفضلُ؛ لأنَّها أحقُّ بالإكرام.
ويُكرَه في السَّبابة والوسطى؛ للنَّهي عنه
(1)
، قال أبو المعالي: والإبهام مثلهما، فالبِنْصر مثله ولا فرْق.
فائِدةٌ: يُسنُّ أن يكون دون
(2)
مثقالٍ، قاله في «الرِّعاية» ، وظاهر كلام أحمد والمؤلِّف: لا بأس بأكثر من ذلك؛ لضعف خبر بريدة
(3)
، والمراد: ما لم يخرج عن العادة، وإلاَّ حَرُم؛ لأنَّه الأصلُ.
ويُكرَه أن يُكتَب عليها ذكرُ الله تعالَى، قرآنٌ أو غيرُه، وفي «الرِّعاية»: أو رسوله، وفي «الفروع»: يتوجَّه احتمال لا يُكرَه، وقاله أكثر العلماء؛ للنَّصِّ الصَّريح
(4)
.
فَرعٌ: لو
(5)
اتَّخذ لنفسه عدَّة خواتيم؛ لم تسقط الزَّكاة فيما خرج عن العادة، إلاَّ أن يتَّخذ ذلك لولده أو عبده. وظاهر كلامِ جماعةٍ: لا زكاةَ.
(1)
أخرجه مسلم (2095)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه، قال:«نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتختَّم في إصبعي هذه أو هذه» ، قال:«فأَومأ إلى الوُسطى والتي تليها» . وفي لفظٍ عند أبي عوانة (8649): «نهَى أن يُجعل الخاتم في إحدى السبابتين» .
(2)
في (د) و (و): وزن.
(3)
في (أ): يؤيده.
وخبر بريدة رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (4223)، والترمذي (1785)، والنسائي في المجتبى (5195)، وفي الكبرى (9442)، من حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الخاتم: من أيِّ شيء أتَّخذه؟ قال: «اتَّخذْه من وَرِقٍ، ولا تُتمَّهُ مِثقالاً» ، وفي سنده أبو طَيْبة عبد الله بن مسلم المروزي، قال أبو حاتم الرازي:(يكتب حديثه، ولا يحتج به) وقال ابن حبان: (يخطئ ويخالف)، والحديث ضعفه الترمذي والنسائي والإشبيلي والألباني، بل قال النسائي:(هذا حديث منكر). ينظر: مختصر سنن أبي داود 3/ 83، آداب الزفاف ص/ 222.
(4)
أخرجه البخاري (5873)، ومسلم (2091)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، في خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:«أن نقشه: محمد رسول الله» .
(5)
في (و): أو.
(وَقَبِيعَةُ السَّيْفِ)؛ لقول أنَسٍ: «كانت قبيعةُ سيفِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فضَّةً» رواه الأثرم
(1)
، والقبيعة: ما يُجعَل على طرف القَبضة، وعبارة الخِرَقِيِّ أعمُّ
(2)
، وهي
(3)
مقتضى كلام أحمد، وعليه اعتمد الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في «شرحه»
(4)
، قال هشام:(كان سيفُ الزُّبير محلًّى بالفضَّة) رواه الأثرم
(5)
، ولأنَّها حِلْيةٌ معتادةٌ للرجل، أشبهت الخاتَمَ.
(1)
أخرجه أبو داود (2585)، والترمذي (1691)، والدارمي (2501) والطحاوي (1400)، والبيهقي في الكبرى (7570)، من طرقٍ عن جرير بن حازم، حدثنا قتادة، عن أنس رضي الله عنه. ورواية جرير عن قتادة ضعيفة كما قال أحمد وابن معين، وتابعه همَّام بن يحيى، أخرجه النسائي (5374) -مقرونًا بجريرٍ- والطحاوي في المشكل (1399)، وهمَّام ثقةٌ من رجال الشَّيخين.
وأخرجه أبو داود (2586)، والترمذي (1691)، والنسائي (5375)، وغيرهم من طرق عن هشام، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن مرسلاً، قال:«كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضَّةٍ» ، وهشام الدَّستوائي أثبت النَّاس في قتادة كما قال الأئمة، ولذا رجَّح أكثر الأئمَّة الرِّواية المرسلة، فقال الدَّارمي عن رواية هشام:«وزعم الناس أنه هو المحفوظ» ، ورجحه أحمد وأبو حاتم وأبو داود والبزار والنسائي والدارقطني والبيهقي وغيرهم.
ورجَّح الترمذيّ الرواية الموصولة، وقوَّاها ابن القيِّم، وصحَّحها الألباني، وللحديثِ شاهدٌ: أخرجه النَّسائي (5373)، عن عثمان بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه، وسنده صحيح كما قاله ابن حجر والألباني. ينظر: العلل ومعرفة الرجال (ت/ 3912)، الجرح والتعديل 9/ 457، العلل للدارقطني 12/ 150، البدر المنير 1/ 635، تهذيب السنن 3/ 404، التلخيص الحبير 1/ 85، الإرواء 3/ 305.
(2)
حيث قال: (وليس في حلية سيف الرجل)، قال الزركشي 2/ 502:(قول الخرقي يشمل التحلية بالذهب والفضة، وينبغي أن يحمل كلامه على الفضة؛ لأن الذهب لا يباح منه إلا حلية السيف، على المشهور من الروايتين).
(3)
في (د) و (و): وهو.
(4)
ينظر: شرح العمدة 2/ 312.
(5)
أخرجه البخاري (3974)، عن هشام، عن أبيه، قال:«كان سيف الزبير بن العوام محلًّى بفضة» ، قال هشام: وكان سيف عروة محلًّى بفضة.
(وَفِي حِلْيَةِ المِنْطَقَةِ)، وهي ما شدَدْتَ به وسَطَك، قاله الخليل
(1)
، وتسمِّيها العامَّة: الحياصة؛ (رِوَايَتَانِ):
أصحُّهما: أنَّه يُباحُ؛ لأنَّ الصَّحابة اتَّخذوا المناطِقَ محلاَّةً بالفضَّة
(2)
، وهي كالخاتم.
والثَّانية: لا؛ لما فيه من الفخر والخُيَلاء، ولأنَّها تُشعِرُ بالتَّخنُّث والاِنْحِلال، أشبه الطَّوق والدُّمْلُج.
(وَعَلَى قِيَاسِهَا): حِلْيَة (الجَوْشَنِ) وهو الدِّرْع، (وَالخُوذَةِ) وهي البَيضة، (وَالخُفِّ والرَّانِ
(3)
وهو شَيءٌ يُلبَسُ تحت الخُفِّ معروفٌ، (وَالحَمَائِلِ)، واحدتها حِمالةٌ، قاله الخليل
(4)
، وذلك كلُّه يساوي المِنطَقة معنًى، فوجب أن يساويَها حُكمًا، قاله الأصحابُ، وعلَّله المجْدُ: بأنَّه يسير
(5)
فضَّة في لباسه، وجزم في «الكافي» بإباحة الكلِّ.
ونَصُّ أحمدَ في الحمائل بالتَّحريم
(6)
.
(1)
ينظر: العين 5/ 104.
(2)
قال الحافظ في الدراية 2/ 222 عن الآثار في حلية المنطقة وغيرها: (وأما المنطقة فلم أره، لكن نقل ابن سيد الناس في السيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له منطقة من أديم منشور ثلاث حلقها وإبزيمها وطرفها فضة، وروى الواقدي في المغازي: أن عاصم بن ثابت جاء يوم أحد بمنطقة فيها خمسين دينارًا وجدها في العسكر، فشدها على حقويه من تحت ثيابه، فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك)، ونحوه ذكر الزيلعي في نصب الراية 4/ 234.
وقد أخرج ابن أبي شيبة (10547)، عن حجاج بن أرطاة، قال: سألت عطاء وحمادًا وإبراهيم، عن القدح المفضض، والسيف المحلى، والمنطقة المحلاة، وإذا جمعته فكان فيه مائتا درهم، أزكيه؟ قالوا:«لا» . وفيه ما يدل على اتخاذهم المناطق المحلاة.
(3)
في (و): والبران.
(4)
ينظر: العين 3/ 241.
(5)
في (أ): يصير.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 156.
وظاهر كلام بعضهم: أنَّ الخلاف أيضًا في المِغْفَر والنَّعل ورأس الرُّمح وشعيرة السِّكِّين، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(1)
: وتِركاش النَّشَّاب والكلاليب؛ لأنه يسيرٌ تابِعٌ.
ولا يُباح غير ذلك؛ كتحلية المراكبِ ولباس الخيلِ؛ كاللُّجم، وتحلية الدَّواة، والمِقلمة، والمرآة، والكمران، والمشط، والمكحلة، والمِيل، والقنديل.
(وَ) يُباح للرجل (مِنَ الذَّهَبِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ)؛ لأنَّ «عمرَ كان له سيفٌ فيه سبائك
(2)
من ذهبٍ»، و «عثمان بن حُنيف كان في سيفه مِسْمارٌ من ذهَبٍ» ، ذكرهما
(3)
أحمد
(4)
، وقيَّدها باليسير، مع أنَّه ذكر أنَّ قبيعة سيف النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان وزنُها ثمانيةَ مثاقِيلَ
(5)
، فيَحتَمِل أنَّها كانت ذهبًا وفضَّةً، وقد رواه التِّرمذيُّ كذلك
(6)
.
(1)
ينظر: جامع المسائل المجموعة السابعة ص 123، الفتاوى الكبرى 5/ 353.
(2)
قوله: (فيه سبائك) هو في (أ): وسبائك.
(3)
في (د) و (و): ذكرها.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 159.
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في فضائل الصحابة (325)، عن نافع، عن ابن عمر قال:«كان سيف عمر بن الخطاب الذي شهد بدرًا فيه سبائك من ذهب» ، وفيه سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك، ضعفوه. ينظر: تهذيب الكمال 11/ 63.
وأثر عثمان بن حُنيف -هكذا ذُكر في كتب الحنابلة-، والذي وقفنا عليه: عن أخيه سهل بن حُنيف رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي شيبة (25181)، عن عثمان بن حكيم، قال:«رأيت في قائم سيف سهل بن حنيف مسمار ذهب» ، وإسناده صحيح.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 159، ولم نقف عليه في الأحاديث والآثار.
(6)
أخرجه الترمذي (1690)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1691)، والطبراني في الكبير (813)، من طريق طالب بن حُجير، عن هود بن عبد الله بن سعد، عن جده مزِيدة العصري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهبٌ وفضَّةٌ. قال طالبٌ: فسألته عن الفضَّة؟ فقال: كانت قبيعة السَّيف فضَّةً. وهُود مجهول الحال، فالحديثُ ضعيفٌ للجهالة في هود، وقد أنكره وضعَّفه غيرُ واحدٍ من الأئمة، قال الترمذي:(حديث غريب)، وضعَّفه ابن عبد البر وابن القطَّان، وقال الذهبي:(وهذا منكرٌ، فما عَلِمنا في حِلية سيفه صلى الله عليه وسلم ذهَبًا). ينظر: الاستيعاب 4/ 1470، بيان الوهم والإيهام 3/ 482، ميزان الاعتدال 4/ 310.
وعنه: يَحرُم، قال الأثرم: سألتُ أبا عبد الله: يَخاف عليه أن يسقُط يجعل فيه مسمارًا من ذهبٍ؟ قال: (إنَّما رُخِّص في الأسنان)
(1)
.
(وَمَا دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ؛ كَالْأَنْفِ)، وإن أمكن اتخاذه من فضَّةٍ؛ لأنَّ «عرفجة بن أسعد قُطِع أنفُه يوم الكُلاب، فاتَّخذ أنفًا من فضَّة، فأنْتَن عليه، فأمره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فاتخذ أنفًا من ذَهَبٍ» رواه أبو داود وغيرُه، وصحَّحه الحاكم
(2)
، والحكمةُ في الذَّهب: لا يصدأ، بخلاف الفضَّة.
(وَمَا رَبَطَ بِهِ أَسْنَانَهُ) لِمَا رَوى الأثْرمُ عن موسى بنِ طلحةَ، وأبي جمرة الضُّبَعي، وأبي رافِعٍ، وثابِتٍ البُنَانِيِّ، وإسماعيل بن زيد بن ثابتٍ، والمغيرة بن عبد الله:(أنَّهم شَدُّوا أسنانَهم بالذَّهب)؛ وهي ضرورةٌ، فأبيح
(3)
؛ كالقبيعة، بل أَولَى.
(1)
ينظر: المغني 3/ 46.
(2)
أخرجه أحمد (20270)، وأبو داود (4233، 4232)، والترمذي (1770)، والنَّسائي (5162)، من طرق عن عبد الرحمن بن طَرَفة: أنَّ جدَّه عَرْفجة بن أَسْعد، قُطع أنفُه يومَ الكُلابِ، وذكره. وعبد الرحمن بن طرفة العَطارِدي روى عنه اثنان، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه العجليُّ:(ثقةٌ)، وقد حسَّنه الترمذي والبغوي والنَّووي لذلك، ولم نقف على تصحيح الحاكم له، وإنما أخرجه ابن حبان وصححه (5462).
وضعَّفه ابن القطَّان والألباني، وقال:(ليس للحديث علَّةٌ عندي إلا جهالة حال عبد الرحمن هذا، وإن وثَّقه العجلي وابن حبَّان، فإنَّهما معروفان بالتَّساهل في التَّوثيق، ومع ذلك فإن بعض الحفَّاظ يُحسِّنون حديث مثل هذا التَّابعي، ولو كان مستورًا غير معروف العدالة؛ كالحافظ ابن كثير وابن رجب وغيرهما). ينظر: الثقات للعجلي (1049)، الثقات لابن حبان 5/ 91، شرح السنة للبغوي 12/ 115، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 331، بيان الوهم والإيهام 4/ 609، الإرواء 3/ 309.
(3)
في (ز): فأتيح.
ويتوجَّه جوازه في الأَنمُلة كالسِّن.
وظاهره: يحرم عليه
(1)
يسيرُ ذلك منفرِدًا؛ كالأصبع والخاتم إجماعًا
(2)
. وعن بعض العلماء كراهته. وعن بعضهم إباحته.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُبَاحُ يَسِيرُ
(3)
الذَّهَبِ) مطلقًا؛ لقوله: «نُهِيَ عن لُبْس الذَّهب إلاَّ مقطَّعًا»
(4)
.
وقيل: يُباح في سلاحٍ، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(5)
.
وقيل: كلُّ ما أبيح تحليته بفضَّةٍ أبيح بذهبٍ، وكذا تحلية خاتم الفضَّة به.
والصَّحيح التَّحريم كالكثير؛ للعموم، ولما
(6)
روى أحمدُ من رواية شهر بن حَوشبٍ -وهو مختلَفٌ فيه- عن أسماءَ بنتِ يزيدَ قالت
(7)
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَصلُح من الذَّهب شَيءٌ، ولا خَرْبَصِيصَةٌ» انتهى
(8)
، وهي القِطعة من
(1)
قوله: (عليه) سقط من (أ) و (ب).
(2)
ينظر: التمهيد 8/ 303، شرح مسلم 14/ 32.
(3)
في (و): سير.
(4)
أخرجه الطَّيالسي (1055)، وأحمد (16864، 16833)، من طرق عن قتادة، عن أبي شيخ الهُنَائي-وهو ثقة-، قال: كنت في ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند معاوية رضي الله عنه، وذكر الحديث. وأخرجه النسائي (5155، 5156، 5157)، من رواية يحيى بن أبي كثير، عن أبي شيخ الهنائي، واضطرب فيه، ورجح النسائي والدارقطني حديث قتادة، وصححه الألباني بهذا اللفظ مختصرًا، وفي الحديث زيادة في ألفاظه استنكرها ابن القيم والألباني. ينظر: علل الدارقطني 7/ 73، زاد المعاد 2/ 130، صحيح أبي داود 6/ 46.
(5)
ينظر: الاختيارات ص 116، الفروع 4/ 160.
(6)
في (و): لما.
(7)
في (أ) و (ب): قال.
(8)
قوله: (انتهى) سقط من (و).
والحديث مداره على شهر بن حَوشب، واضطربَ فيه، فمرةً جعله من حديث أسماء بنت يزيد بن السَّكن: أخرجه أحمد (27602، 27564)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 76)، وابن عساكر في التاريخ (69/ 36)، من طرق عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد. ومرةً جعله من حديث عبد الرَّحمن بن غَنْمٍ: أخرجه أحمد (17997)، من طريق قتادة، عن شَهرٍ، عن عبد الرَّحمن بن غنمٍ. فالحديث ضعيف فإن شَهرًا ضعيفٌ لسوءِ حفظه وكثرة أوهامهِ وإرساله. ينظر: الجرح والتعديل 4/ 383، الكامل 5/ 59، ميزان الاعتدال 2/ 283، سير أعلام النبلاء 4/ 374، مجمع الزَّوائد 5/ 147.
الحُلِيِّ بقدر عين الجرادة؛ ولأنَّ فيه سرَفًا
(1)
.
(وَيُبَاحُ للنِّسَاءِ
(2)
كُلُّ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ)؛ كالطَّوق في الحلق، والخلخال، والسِّوار، والقُرْط في الأذن، وظاهره: من ذهبٍ وفضَّةٍ، قال الأصحاب: وما في المخانِق والمقالِد من حرائز وتعاويذ
(3)
، قال جماعة: والتَّاج وما أشبه ذلك؛ لقوله عليه السلام: «أُحِلَّ الذَّهبُ والحريرُ للإناثِ مِنْ أمَّتِي، وحُرِّم على ذكورِها»
(4)
، وهي محتاجةٌ إلى التَّجمُّل والتَّزيُّن لزوجها.
(1)
في (ز) و (و): شرفًا.
(2)
زيد في (ب): من الذهب، وزيد في (د) و (ز) و (و): من الذهب والفضة.
(3)
في (ب) و (د) و (و): ومعاويذ.
(4)
أخرجه أحمد (19645)، والترمذي (1720)، والنسائي (5265)، والبزار (3078)، والروياني (540)، والطحاوي في مشكل الآثار (4823)، من طرقٍ عن عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا. وهذا إسنادٌ ظاهره الصحة. وقد خالف عبيد الله أخوه عبد الله فيما أخرجه أحمد (19507)، عنه، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن رجل من أهل البصرة، عن أبي موسى. وعبد الله العمري ضعيف.
ورواه أيوب السختياني عن نافعٍ، واختلف عليه: فأخرجه النَّسائي (5148)، من طريق ابن أبي عروبة، عن أيوب، عن نافعٍ، عن سعيد بن أبي هند، عن أبي موسى الأشعري، وخالفه معمر بن راشد: فيما أخرجه أحمد (19503)، فرواه عن أيوب، عن نافع، عن سعيد بن أبي هند، عن رجل، عن أبي موسى الأشعري.
وقد اختلف العلماء في الحكم على هذا الحديثِ، فصحَّحه الترمذي والبغوي، وقال ابن حبَّان:(معلولٌ لا يصحُّ)، ورجَّح أبو حاتم والدارقطني الروايةَ التي فيها سعيد عن رجل، وأن سعيد بن أبي هند لم يلق أبا موسى، وللحديث شواهدُ تقويه، وصحَّحه الألباني بشواهده. ينظر: سنن الترمذي 3/ 269، المراسيل لابن أبي حاتم (264)، صحيح ابن حبان 12/ 249، العلل الواردة في الأحاديث النبوية 7/ 241، البدر المنير 1/ 640، الإرواء 1/ 305.
وظاهره: أنَّ ما لم تَجرِ العادةُ بلُبسه، كالثياب المنسوجة بالذهب، والنِّعال الذهب؛ لا يُباح لهنَّ؛ لانتفاء التَّجمُّل، فلو اتَّخذته حرُم
(1)
، وفيه الزَّكاة.
(قَلَّ أَوْ كَثُرَ)؛ لأنَّ الشَّارع أباح لهنَّ التَّحلِّي مطلقًا، فلا يجوز تقييده بالرَّأي والتَّحكُّم.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ؛ حَرُمَ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ)؛ لما روى أبو عُبَيدٍ عن جابِرٍ
(2)
، ورواه الشَّافعي عنه أيضًا
(3)
، ولأنَّه سَرَفٌ وخُيَلاء، ولا حاجة إليه في الاستعمال، قال في «التَّلخيص»: إن بلغ ألفًا فهو كثيرٌ، فيَحرُم للسَّرف، ولعلَّ مراده عن الذَّهب، كما صرَّح به بعضُهم.
وأباح القاضي ألفَ مِثقالٍ فما دون، ويعتبر
(4)
مجموعُه لا مفرداتُه.
وقال ابنُ عَقيلٍ: يُباح المعتاد، فإن بلغ الخَلْخال ونحوه خمسمائة دينارٍ؛ فقد خرج عن العادة، وتُحقِّق السَّرف، فلم يُبحْ.
والأصح الأوَّلُ، وحديثُ جابِرٍ ليس بصريحٍ، بل يَدُلُّ على
(5)
التَّوقُّف، ونقل الجوزجاني عنه
(6)
أنَّه قال: «ليس في الحُلِيِّ زكاةٌ، وإن بلغ ألف مِثْقالٍ؛
(1)
في (و): جزم.
(2)
جاء في هامش الأصل: (قال: سُئل جابرٌ عن الحَلي هل فيه زكاة؟ قال: "لا"، فقيل له: ألف دينار! قال: "كثير").
(3)
أخرجه الشافعي في الأم (2/ 44)، وأبو عبيد في الأموال (1275)، وعبد الرزاق (7046)، وابن زنجويه في الأموال (1778)، والبيهقي في الكبرى (7539)، من طرقٍ عن عمرو بن دينار قال: سألتُ جابر بن عبد الله عن الحلي، هل فيه زكاة؟ قال:«لا» ، قلت: إن كان ألف دينار؟ قال: «الألف كثير» ، وإسناده صحيحٌ.
(4)
في (د) و (و): وبعته.
(5)
في (د) و (و): عليه.
(6)
قوله: (عنه) سقط من (أ)، والأثر تقدم تخريجه 3/ 356 حاشية (3).
لأنَّه يُعارُ ويُلْبَسُ».
فَرعٌ: يجوز للمرأة التحلية بدراهمَ أو دنانيرَ معراة، أو في مرسلة
(1)
في وجه، وعليها؛ تسقط
(2)
الزَّكاة.
مسألةٌ: يجوز للمرأة والرَّجل التَّحلِّي بالجوهر، ولا زكاةَ فيه؛ لأنَّه مُعدٌّ للاستعمال كثياب البِذلة، إلا أن يكون لتجارة، فيُقوَّمُ جميعُه تَبَعًا.
وذكر أبو المعالي: يكره للرَّجل، قال في «الفروع»:(ولعلَّ مرادَه غير تختُّمه بذلك)، وهو ظاهِرٌ.
فأمَّا تشبه الرَّجل بالمرأة، وعكسه فيَحرُم، واحتجَّ أحمدُ بلعن المتشبهات
(3)
من النِّساء بالرجال
(4)
، وجزم جماعةٌ بالكراهة مع جزمهم بتحريم
(5)
اتِّخاذ أحدهما حلي الآخر ليلبسه
(6)
.
وحكى ابن حزم
(7)
الاتِّفاق على إباحة تحلِّي النِّساء بالجواهر والياقوت، واختلفوا في ذلك للرِّجال إلاَّ في الخاتم، فإنَّهم اتَّفقوا على أنَّ التَّختُّمَ لهم بجميع الأحجار مباحٌ
(8)
.
ويُستحَبُّ بالعقيق؛ لقوله: «تختَّموا بالعقيق؛ فإنَّه مبارَكٌ» ، وضعَّفه
(1)
(معراة) أي: ذات عرى، جمع عروة، وقوله:(في مرسلة) أي: قلادة طويلة تقع على الصدر. ينظر: كشاف القناع 5/ 35.
(2)
في (أ): تقسط، وفي (و): يسقط.
(3)
في (أ): المشبهات، وفي (د) و (و): المشتبهات.
(4)
في (د) و (و): بالنساء من الرجال. ينظر: الورع ص 182.
والحديث الذي يشير إليه المصنِّف: هو ما أخرجه البخاري (5885)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبِّهين من الرّجال بالنِّساء، والمتشبِّهات من النِّساء بالرّجال» .
(5)
في (د) و (و): تحريم.
(6)
في (ب) و (ز) و (د) و (و): كتلبسه.
(7)
في (و): جزم.
(8)
ينظر: مراتب الإجماع ص 150.
العُقَيلِيُّ، وفي دَعْوى ابنِ الجوزيِّ أنَّه من الموضوعات؛ نظر
(1)
.
ويُكرَه لهما خاتَمُ حديدٍ، وصُفر، ونحاسٍ، ورصاصٍ، نَصَّ عليه، نقل مُهَنَّى: أكرَهُ خاتم الحديد؛ لأنَّه حِلْيةُ أهلِ النَّار
(2)
.
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): فينظر.
والحديث أخرجه المحامليُّ في أماليه (111)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 448)، وابن عدي (8/ 471)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 249)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 57)، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. وفيه يعقوب بن الوليد، أبو يوسف المديني، كذَّابٌ يضعُ الحديثَ كما قال الإمام أحمد، وحكَم عليه بالوضع، وضعفه غيرُ واحدٍ من أهل العلم؛ كالعقيلي وابن الجوزي وابن كثير والسُّيوطي والألباني. ينظر: المجروحين 3/ 137، التكميل في الجرح والتَّعديل 2/ 400، اللآلئ المصنوعة 2/ 230، المقاصد الحسنة (321)، الإرواء 3/ 309.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4889، مجموع رسائل ابن رجب 2/ 667.
(بَابُ زَكَاةِ العُرُوضِ)
هي
(1)
جمع عَرْضٍ، بإسكان الرَّاء، وهو ما عدا الأثمان والحيوان والنبات، وبفتحها فهو
(2)
كثرة المال والمتاع، وسُمِّي عرْضًا؛ لأنَّه يَعرِض ثمَّ يزول ويَفنَى، وقيل: لأنَّه يُعرَض ليُباعَ ويُشتَرَى، تسميةً للمفعول باسم المصدر، كتسمية المعلوم علمًا.
وفي اصطلاح المتكلِّمين: هو الذي لا يبقى
(3)
زمانَين.
وبوَّب عليه في «المحرَّر» و «الفروع» ، تَبَعًا للخِرَقِيِّ: بزكاة التِّجارة، وهي أشمل؛ لدخول الأثمان
(4)
في النَّقدين، وعدل المؤلِّف عنه؛ لأنَّه ترجم في أوَّل كتاب الزَّكاة بالعُروض.
(تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ)؛ لقوله تعالى: {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعَارج: 24]، و {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التّوبَة: 103]، ومال التجارة أعمُّ الأموال، فكانت أَولَى بالدُّخول، واحتجَّ الأصحابُ بما روى جعفرُ بن سعد بن سَمُرة بن جُندَبٍ، حدَّثني خُبَيب بن سليمان بن سَمُرة، عن أبيه قال: «أمَّا بَعدُ؛ فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأْمُرنا أن نُخرجَ الصَّدقةَ ممَّا نُعدُّه للبيعِ
(5)
» رواه أبو داود، قال ابن حزمٍ:(جعفرٌ وخُبَيبٌ مجهولان)، وقال الحافظ عبد الغني:(إسنادُه مقارَبٌ)
(6)
، وعن أبِي ذرٍّ مرفوعًا:«وفي البَزِّ صدقةٌ» رواه
(1)
في (ب) و (د) و (و): وهي.
(2)
في (د) و (و): هو.
(3)
زيد في (ب) و (ز): عليه.
(4)
في (أ): الأثمار.
(5)
في (أ): للسعي.
(6)
أخرجه أبو داود (1557)، -ومن طريقه البيهقي (7597) -، والطبراني (7029)، والدارقطني (2027)، وجعفر بن سعد قال فيه ابن عبد البر:(ليس بالقويِّ)، وقال الإشبيلي وابن القطان:(ليس ممن يُعتمد عليه)، وشيخه خُبَيب قال فيه الذهبي:(لا يُعرف، وقد ضُعِّف)، وقال ابن حجر:(مجهولٌ)، وأبوه مجهول أيضًا، فالحديث مسلسلٌ بالمجاهيل، قال الذَّهبي:(إسنادٌ مظلمٌ، لا ينهَضُ بحكمٍ)، وضعفه ابن حزمٍ والهيثميُّ والألبانيُّ وغيرهم.
وجوَّد إسناده ابن الملقِّن، وحسَّنه ابن عبد البر كما نقل عنه الزيلعي، وابن عبد الهادي، قال النَّووي:(فيه رجالٌ لا أعرفُ حالهم، ولكن لم يضعِّفه أبو داود فهو حسنٌ أو صحيحٌ على قاعدته). ينظر: المحلى 4/ 40، بيان الوهم 5/ 138، عمدة الأحكام الكبرى (335)، المجموع للنووي 6/ 48، تنقيح التحقيق 3/ 81، البدر المنير 5/ 591، مجمع الزوائد 3/ 69، ميزان الاعتدال 1/ 408، نصب الراية 2/ 376، الإرواء 3/ 310.
أحمدُ، ورواه الحاكم من طريقين، وصحَّح إسنادَهما، وقال:(إنَّه على شرط الشَّيخَين)
(1)
، واحتجَّ أحمدُ بقول عمر:«قَوِّمْها ثمَّ أدِّ زكاتَها»
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد (21557)، من طريق ابن جريج، عن عمران بن أبي أنس، بَلَغَه عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري، عن أبي ذرٍّ مرفوعًا، وأخرجه الدَّارقطني (1934)، والحاكم (1432)، من طرقٍ عن ابن جريجٍ، عن عمران بن أبي أنس به نحوه. فلم يسمع ابن جريج هذا الحديثَ من عمران كما هو بيِّنٌ في رواية أحمد، وصرح بذلك البخاري فقال:(ابنُ جريجٍ لم يسمع من عمران بن أبي أنس، يقول: حدِّثتُ عن عمران بن أبي أنس)، وقد روي الحديث من طريق موسى بن عُبيدة عن عمران بن أبي أنس نحوه، أخرجه ابن أبي شيبة (10700)، وابن أبي عاصم في الجهاد (85)، والبزَّار (3895)، والدَّارقطني (1932)، والحاكم (1431)، والبيهقيُّ في الكبرى (7602)، وغيرهم من طرقٍ عن موسى بن عُبيدة بن نَشِيط، عن عمران بن أبي أنس، عن مالك بن أوسٍ، عن أبي ذرٍّ مرفوعًا. قال ابن عبد الهادي:(ويحتمل أن يكون ابن جريجٍ سمعه من موسى بن عبيدة)، وقال ابن حجر:(كأنَّه دلَّسه عن موسى بن عُبيدة، فالحديث حديثه ومداره عليه).
وموسى بن عُبيدة بن نَشيط ضعيف، بل شدَّد في أمره بعض أهل العلم، قال أحمد:(حديثُه منكرٌ)، وقال البخاري وأبو حاتم:(منكر الحديث)، وعليه فالحديث ضعيف منكر، وضعَّف الحديثَ البخاريُّ وابن القطَّان وابن عبد الهادي وابن حجر والألباني. ينظر: التاريخ الكبير 7/ 291، العلل الكبير للترمذي (171)، الجرح والتعديل 8/ 152، بيان الوهم والإيهام 5/ 56، تنقيح التحقيق 3/ 82، إتحاف المهرة 14/ 181، السلسلة الضعيفة (1178).
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 389.
والأثر: أخرجه عبد الرزاق (7099)، وابن أبي شيبة (10456)، والشافعي في الأم (2/ 49)، وأبو عبيد في الأموال (1179)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 163)، ومسدد كما في المطالب العالية (918)، وابن زنجويه في الأموال (1687)، والدارقطني (2018)، والبيهقي في الكبرى (7603)، من طريق أبي عمرو بن حِماس عن أبيه، وضعفه ابن حزم في المحلى 4/ 41؛ بجهالتهما، وتبعه غير واحد، وتعقبه أحمد شاكر في تعليقه على المحلى بقوله:(كلا بل هما معروفان ثقتان)، أما أبو عمرو بن حماس؛ فقد قال فيه أبو حاتم والذهبي كما في الميزان:(مجهول)، وقال ابن سعد في متمم التابعين من الطبقات ص 149:(قليل الحديث، وكان متعبدًا مجتهدًا)، وقال الدارقطني كما في التهذيب:(معروف)، وقال الحافظ في الإصابة 7/ 257:(تابعي معروف). وهذا مما يرفع جهالته، إلا أننا لم نقف على من صرَّح بتوثيقه، وقد حسَّن الحافظ إسنادًا من طريقه في تغليق التعليق (2/ 436).
وأما أبوه حِماس بن عمرو الليثي؛ فقد قال البخاري كما ذكر النووي في تهذيب الأسماء 1/ 186: (هو أبو عمر حماس بن عمرو الليثي المدني التابعي، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال ابن سعد 5/ 62: (وكان شيخًا قليل الحديث)، وقال الحافظ في تعجيل المنفعة ص 466:(مخضرم، كان رجلاً كبيرًا في عهد عمر وذكره ابن حبان في الثقات).
وقال المجْدُ: (هو إجماعٌ متقدِّمٌ)، وذكَر الشَّافعيُّ في القديم: أنَّ النَّاس اختلفوا في ذلك؛ فقال بعضهم: لا زكاة، وقال بعضهم: تجب، قال:(وهو أحبُّ إلينا)، ومن أصحابه من أثبت له قولاً في القديم: لا تجب
(1)
، وحكاه أحمدُ عن مالكٍ
(2)
، واحتجَّ بقوله عليه السلام: «عفوتُ
(3)
لكم عن صدقة الخيل والرَّقيق»
(4)
، ولأنَّ الأصلَ عدمُ الوجوب.
(1)
في (و): لا يجب. ينظر: بحر المذهب للروياني 3/ 145، البيان للعمراني 3/ 145.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 192.
(3)
في (أ): غفرت.
(4)
أخرجه أبو داود (1574)، والترمذي (620)، والنسائي (2477، 2478)، وأحمد (711)، وابن خزيمة (2284)، وعبد الرزاق (6881)، وابن أبي شيبة (36384)، وغيرهم من طرق عن أبي إسحاق، عن عاصم، عن علي رضي الله عنه، بلفظ:«قد عفوتُ عن صدقة الخيل والرقيق» ، واختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي رفعًا ووقفًا، وقد صحح غير واحد من الأئمة كلا الوجهين عن أبي إسحاق، منهم البخاري والترمذي والدارقطني والبيهقي، وأبو إسحاق السبيعي: ثقة مكثر، تغير حفظه، لكن روى عنه هذا الحديثَ الثوري والأعمش وأبو عوانة، وقد سمعوا منه قبل التغير، وعاصم هو ابن ضمرة السلولي الكوفي، متكلّم فيه، وهو صدوق حسن الحديث، وحسَّن الحديث مرفوعًا: الزيلعي والبغوي والنووي وابن حجر، وصححه الألباني وقوَّاه. ينظر: العلل للدارقطني 3/ 158، السنن الكبرى 4/ 118، شرح السنة 6/ 47، نصب الراية 2/ 328، تنقيح التحقيق 3/ 45، المختلطين للعلائي ت/ 35، شرح علل الترمذي 2/ 710، فتح الباري 3/ 327، صحيح أبي داود 5/ 293.
والأول قولُ الجماهير، وادَّعاه ابنُ المنذر إجماعَ أهل العلم
(1)
، ولأنَّه مالٌ نامٍ، فوجبت فيه الزَّكاة كالسَّائمة، وخبَرهم المرادُ به زكاةُ العين لا القيمة، على أنَّ خبرنا خاصٌّ، وهو مقدَّمٌ على خبرهم العامِّ.
(إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا) وحال عليها الحَول؛ لأنَّه مالٌ نامٍ، فاعتُبِر له ما ذكرنا كالماشية، فعلى هذا: لو نقصت قيمة النِّصاب في بعض الحول، ثمَّ زادت القيمة فبلغته؛ ابتدأ حينئذٍ؛ كسائر أموال الزكاة.
(وَيُؤْخَذُ مِنْهَا)؛ أي: من القيمة؛ لأنَّها محلُّ الوجوب كالدَّين؛ رُبُع العُشر، وما زاد فبحسابه؛ لتعلُّقها بالقيمة، (لَا مِنَ العُرُوضِ)، إلاَّ أنْ نقولَ بإخراج القيمة، فيجوز بقدرها وقت الإخراج، وتتكرَّرُ الزَّكاة لكلِّ حَولٍ، نَصَّ عليه
(2)
.
(وَلَا تَصِيرُ) العُروض (لِلتِّجَارَةِ) إلاَّ بشرطَين:
أحدُهما: (أَنْ يَمْلِكَهَا بِفِعْلِهِ)، سواءٌ كان بعِوَضٍ كالبيع والنِّكاح، أو لا
(3)
كالهِبة والغنيمة، هذا هو الأشهر، وأنَّه لا تعتبر المعاوَضةُ؛ لظاهر خبرِ سَمُرةَ، ولأنَّه ملكها بفعله.
واختار في «المجرد» : أنَّه يعتبر
(4)
المعاوضة، تمحَّضت كبيعٍ وإجارةٍ، أوْ
(1)
ينظر: الإشراف 3/ 81.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 194.
(3)
قوله: (لا) سقط من (ز) و (و).
(4)
في (د): تعتبر.
لَا كنكاحٍ وخُلْعٍ وصُلْحٍ عن دمِ عمد، قال المجدُ
(1)
: وهو نَصُّه في رواية ابنِ منصورٍ؛ لأنَّ الغنيمة والهبة
(2)
ليس في جِهات التِّجارة كالموروث.
وعنه: يُعتبَرُ كَونُ العوض نقدًا، ذكره أبو المعالي؛ لاعتبار النِّصاب بهما، فيُعتبَر أصل وجودهما.
الثَّاني: ونبَّه عليه بقوله: (بِنِيَّةِ
(3)
التِّجَارَةِ بِهَا) عند التَّملُّك؛ لأنَّ الأعمال بالنِّيَّة، والتِّجارةُ عملُه، فوجب اقتران النِّيَّة به كسائر الأعمال، ولأنَّها مخلوقةٌ في الأصل للاستعمال، فلا تصِيرُ للتِّجارة إلاَّ بنيَّتها، كعكسه.
وتُعتبَر النِّيَّةُ في كلِّ الحَول؛ لأنَّه شرطٌ أمكن اعتبارُه في جميعه، فوجب كالنِّصاب.
(فَإِنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ) ولو نواها، (أَوْ مَلَكَهَا بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى التِّجَارَةَ؛ لَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ)، اختاره الخِرَقِيُّ والقاضي وأكثرُ الأصحاب؛ لأنَّ ما لا تتعلَّق به الزَّكاة من أصله لا يصير
(4)
محلًّا بمجرَّد النِّيَّة؛ كالمعلوفة إذا نوى فيها إسامتها؛ ولأنَّ مجرَّد النِّيَّة لا ينقل عن الأصل؛ إذ الأصلُ فيها القُنيةُ.
(وَإِنْ
(5)
كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِلتِّجَارَةِ فَنَوَاهُ لِلْقُنْيَةِ، ثُمَّ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ؛ لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ)، هذا ظاهر المذهب، وفي «الشَّرح»: أنَّه لا يَختلِف المذهبُ فيه؛ لأنَّ القنية
(6)
هي الأصل، فيَكفِي في الرَّدِّ إليه مُجرَّد النِّيَّة، كما لو نوى بالحُلِيِّ التِّجارةَ، والمسافِرُ الإقامةَ، ولأنَّ نيَّة التِّجارة شرطٌ للوجوب فيها، فإذا
(7)
(1)
ينظر: الفروع 4/ 194.
(2)
في (أ): والهيئة.
(3)
في (د): ينبه.
(4)
في (د): لا يعتبر.
(5)
في (د): فإن.
(6)
في (أ): القيمة، وفي (ب): لأنه للقنية.
(7)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وإذا.
نوى القُنْيةَ زالت نيَّة التِّجارة، ففات شرطُ الوجوب، بخلاف السَّائمة إذا نوى عَلَفَها، فإنَّ الشَّرطَ الإسامةُ دُونَ نيَّتها.
(وَعَنْهُ: أَنَّ العَرْضَ يَصِيرُ
(1)
لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ)، نقلها صالِحٌ وغيرُه
(2)
، واختارها أبو بكر وابنُ عَقيلٍ، وجزم بها في «التَّبصرة» و «الرَّوضة» ؛ لعموم حديث سَمُرةَ
(3)
؛ ولأنَّ نية القنية
(4)
كافيةٌ بمجرَّدها، فكذا نيَّة التِّجارة، بل أولَى؛ إذ الإيجاب يَغلِب علَى الإسقاط احتياطًا.
والفَرْقُ ظاهِرٌ، فعلَى الأوَّل لا شَيءَ فيها حتَّى تُباع، ويستقبل بثمنها حَولاً.
فَرعٌ: إذا كان عنده ماشيةٌ للتِّجارة نصفَ حَولٍ، فنوى بها الإسامة، وقطع نيَّةَ التِّجارة؛ انقطع حولُها، واستأنَف حول السَّائمة؛ لأنَّ حول التِّجارة انقطع بنيَّة الاقتِناء، وحَولُ السَّائمة لا يَنْبنِي على حَول التِّجارة.
قال المؤلف
(5)
: والأَشْبه بالدَّليل أنَّها متى كانتْ سائمةً في أوَّل الحَول؛ وجبت الزَّكاةُ فيها عند تمامه، وروي عن إسحاقَ.
(وَتُقَوَّمُ
(6)
العُرُوضُ عِنْدَ
(7)
تمام (الحَوْلِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ)؛ لأنَّ تقويمه لحظِّ الفقراء، فيُقَوَّمُ بالأحظِّ لهم، كما لو اشتراه بعَرْض قُنيةٍ وفي البلد نقدان تساويا في الغلبة يبلغ بأحدهما نصابًا، بخلاف المتلفات.
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): العُروض تصير.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 194.
(3)
تقدَّم تخريجه 3/ 371 حاشية (6).
(4)
قوله: (نية القنية) هو في (أ): النية.
(5)
في (د) و (و): المصنف.
(6)
في (و): ويقوم.
(7)
في (أ): عن.
وذكر الحلواني: يُقوَّم بنقد البلد
(1)
فإن تعدَّد؛ فبالأحظِّ.
فإن كان اشتراه بنقدٍ؛ قُوِّمَ بجنس ما اشتراه به؛ لأنَّه الذي وجبت الزَّكاة بحوله، فوجب جنسه كالماشية؛ ولأنَّ أصله أقربُ إليه.
وعنه: لا يُقوَّم نقدٌ بآخَرَ.
وعلَى الأوَّل: إذا تساوت قيمة
(2)
العُروض بكل
(3)
منهما؛ خُيِّر؛ لقيام كلٍّ منها مقامَ الآخَر في حصول الغرض.
وذكر القاضِي والمؤلِّف، وصحَّحه المجْدُ: يُقوَّم بالأنفع للفقراء؛ كأصل الوجوب.
(وَلَا يُعْتَبَرُ مَا اشْتُرِيَتْ بِهِ) من عَينٍ أو وَرِقٍ قدْرًا ولا جِنْسًا، روي
(4)
عن عمرَ
(5)
؛ لأنَّ في تقويمها بما اشتُرِيتْ به إبْطالاً للتَّقويم بالأنفع، فعلى هذا: إذا بلغت قيمتُها نِصابًا بالدَّراهم؛ قُوِّمتْ به، وإن كان اشتراها بالذَّهب، وكذا عكسه.
فَرعٌ: تُقوَّمُ المغنِّيةُ ساذَجةً، والخَصِيُّ بصفته
(6)
، ولا عِبْرةَ بقيمة آنية ذَهَبٍ وفضَّةٍ، ويُضم بعض العُروض إلى بعضٍ، وإن اختلفت قيمةً ومُشتَرًى.
(وَإِنِ
(7)
اشْتَرَى) أوْ باع (عَرْضًا) للتِّجارة (بِنِصَابٍ مِنَ الأَثْمَانِ أَوْ مِنَ العُرُوضِ؛ بَنَى عَلَى حَوْلِهِ) أي: حول الأوَّل وِفاقًا
(8)
؛ لأنَّ الزَّكاة في
(1)
قوله: (تساويا في الغلبة يبلغ بأحدهما نصابًا، بخلاف المتلفات، وذكر الحلواني: يقوم بنقد البلد) سقط من (أ).
(2)
في (د): قيمته.
(3)
في (أ): فكل.
(4)
في (و): وروي.
(5)
تقدم تخريجه 3/ 372 حاشية (3).
(6)
في (أ): بصفة.
(7)
في (د) و (ز) و (و): فإن.
(8)
ينظر: البحر الرائق 2/ 247، حاشية العدوي 1/ 484، البيان للعمراني 3/ 314، الفروع 4/ 196.
الموضِعَين تتعلَّق بالقيمة وهي الأثمان، والأثمان يُبنى
(1)
حولُ بعضها على بعض، فلو
(2)
قطع نيَّة التِّجارة في العُروض؛ بنَى حَولَ النَّقد على حولها؛ لأنَّ وضع التِّجارة للتقلب والاستبدال بثمنٍ وعرض
(3)
، فلو لم يَبْنِ؛ بطلت زكاةُ التِّجارة.
وإن لم يكن النَّقدُ نصابًا؛ فحولُه منذ كمُلت قيمتُه نصابًا، لا من شرائه
(4)
.
(وَإِنِ اشْتَرَاهُ) أوْ باعَه (بِنِصَابٍ مِنَ السَّائِمَةِ؛ لَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِهِ)؛ لاختلافهما في النِّصاب والواجب، إلاَّ أنْ يَشتَرِيَ نصاب سائمةٍ للتِّجارة بمثله للقُنْيةِ في الأصحِّ؛ لأنَّ السَّوم سببٌ للزَّكاة، قُدِّم عليه زكاة التِّجارة لقوَّته
(5)
، فبزوال المعارض ثبت حكم السَّوم؛ لظهوره.
(وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنَ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ؛ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ)؛ لأن وضعها
(6)
على التقلب، فهي تزيل
(7)
سبب زكاة السَّوم، وهو الاقتِناء لطلب النَّماء معه، واقتصر في «المغني» و «الشَّرح» على التَّعليل بالأحظِّ، فلذلك وجبت، (دُونَ) زكاة (السَّوْمِ).
وقيل: تَجِب زكاة السَّوم؛ لأنَّها أقوى؛ للإجماع، وتعلُّقها بالعَينِ.
وقيل: يُعتبَرُ الأحظُّ منهما للفقراء، اختاره المجْدُ، ففي أربعين أو خمسين؛ حِقَّةٌ أوْ جَذَعةٌ أو ثنية
(8)
، أو إحدى وستِّين؛ جذَعةٌ أو ثَنيَّةٌ، أو مائةٍ
(1)
في (د) و (و): تنبي.
(2)
في (د) و (و): ولو.
(3)
في (ز): وعروض.
(4)
في (د) و (و): سواه.
(5)
في (أ): لتفوته.
(6)
في (ب) و (د) و (و): وصفها.
(7)
في (و): يرتل.
(8)
في (ز) و (و): أو ثنيته.
من الغنم؛ زكاةُ التِّجارة أحظُّ؛ لزيادتها بزيادة القيمة من غير وَقصٍ.
وفي ستٍّ وثلاثين؛ بنتُ مخاضٍ أوْ بنتُ لَبونٍ زكاة السَّوم، وفي إحدى وستِّين؛ دون الجذَعة، أو خمسين؛ بنتُ مخاضٍ أو بنتُ لبون، أو خمسٍ وعشرين؛ حقَّةٌ، أو خمسٍ من الإبل يجب الأحظُّ من زكاة التِّجارة أو السَّوم.
وفي «الرَّوضة» : يُزكِّي النِّصاب للعَين، والوَقص للقيمة.
وهذا كلُّه سواء
(1)
اتفق
(2)
حولاهما أو لا في وجهٍ، وهو ظاهر كلام أحمد
(3)
، وجزم به المؤلِّف.
وقيل: يقدم السَّابق، اختاره المجْدُ، لأنَّه وجد سبب زكاته بلا معارِضٍ.
(وَإِنْ
(4)
لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ) كمن ملك أربعين شاةً، قيمتها دون مائتي درهم
(5)
؛ (فَعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ) بغير خلافٍ
(6)
؛ لوجود سبب الزَّكاة فيه بلا معارِضٍ.
وقيل: يُغلِّب ما يَغلِب إذا اجتمع النِّصابان ولو سقطت، ذكره المجْدُ.
وجزم جماعةٌ: بأنَّه إن نقص نصاب السوم؛ كمن ملك أربعًا من الإبل قيمتها مائتا درهم
(7)
؛ وجبت زكاة التِّجارة، فأما
(8)
إن سبق حول السَّوم؛ بأن
(9)
كانت قيمتُه دون نصابٍ في بعض الحَول؛ فلا زكاة حتَّى يتمَّ الحَولُ من
(1)
قوله: (سواء) زيادة من الأصل.
(2)
في (أ): أبين.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 200.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): فإن.
(5)
في (أ): كمن ملك ثلاثين شاة قيمتها مائة درهم، أو أربعين قيمتها دونهما.
(6)
ينظر: المغني 3/ 62.
(7)
قوله: (كمن ملك أربعًا من الإبل قيمتها مائتا درهم) سقط من (أ) و (ب) و (د).
(8)
في (أ): عام.
(9)
في (أ): فإن.
بلوغ النِّصاب في ظاهر كلام أحمدَ
(1)
.
قال القاضي: يتأخَّر وجوبُ الزكاة حتى يَتِمَّ حولُ التِّجارة؛ لأنَّه أنفع للفقراء.
وفيه وجْهٌ: تجب زكاة السَّوم عند تمام حولها؛ لوجود مقتضيها؛ إذ لا يمكن إيجاب زكاتَينِ بكمالهما؛ لأنَّه يُفْضي إلى إيجاب زكاتَينِ في حَولٍ واحِدٍ بسبب واحِدٍ، فلم يجز، بخلاف زكاة التجارة والفطر
(2)
في العبد الذي للتِّجارة؛ لأنَّهما يَجتمِعان بسبَبَينِ مختلِفَينِ.
(وَإِنِ
(3)
اشْتَرَى أَرْضًا أَوْ نَخْلاً لِلتِّجَارَةِ، فَأَثْمَرَتِ النَّخْلُ، وَزُرِعَتِ الْأَرْضُ؛ فَعَلَيْه فِيهِمَا العُشْرُ)؛ أي: في الثَّمر والزَّرع بشرطه (وَيُزَكِّي الأَصْلَ)؛ أي: الأرض والنَّخل (لِلتِّجَارَةِ)، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّهما عَينان يجب في أحدهما زكاة العين، وهو أحظُّ للفقراء؛ إذ العُشر أحظُّ من رُبُعه.
وفي الأخرى: زكاة القيمة حال الانفراد، فكذا عند الاجتماع، وحينئِذٍ فمراده إذا اتَّفق حولاهما، قاله في «الشَّرح» .
(وَقَالَ الْقَاضِي) وأصحابُه: (يُزَكِّي الجَمِيعَ زَكَاةَ القِيمَةِ) إذا تمَّ الحَولُ، نَصَّ عليه
(4)
، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وهو المذهبُ؛ لأنَّه مالُ تجارةٍ، فوجبت زكاتها كالسَّائمة، ولا شكَّ أنَّ الثمر والزرع جزءُ الخارج منه، فوجب أن يُقوَّم مع الأصل؛ كالسِّخال، والربح المتجدد إذا كانت الأصول
(5)
للتجارة.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 201.
(2)
قوله: (والفطر) سقط من (أ) و (ب) و (ز).
(3)
في (أ): فإن.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1077.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): الأصل.
(وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ)؛ لأنَّه لو وجب لاجتمع في مال واحدٍ زكاتان، وفيه ضرَرٌ بالمالِك؛ وهو منفِيٌّ شَرْعًا، (إِلاَّ أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ العُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ؛ فَيُخْرِجُهُ)؛ أيْ: فيُخرِج العُشْرَ؛ لوجود سببه من غير معارِضٍ، وهو أحظُّ للفقراء.
وكان الأنسب
(1)
للمؤلِّف أنْ يُقدِّمَ ذلك على قول القاضِي، ولعلَّه أراد أن يَحكِيَ الخلافَ فيها، ثمَّ يَذكُر المستثْنَى؛ لأنَّه من المعلوم أنَّ مَنْ أوجب في الجميع زكاةَ القِيمة؛ لم يُوجِب العُشْرَ، ولم يَعتبر سَبْقَ أحدهما.
واعتراض ابن
(2)
المنجَّى عليه: بأنَّه قدَّم غيرَ المذهب؛ اعتبارًا بما ذكره في «المغني» من إِيماءِ أحمدَ إليه؛ ليس بجيِّدٍ؛ إذ التَّقديمُ بحسب ما ظهر له من الدَّليل، ويَعضُده أنه
(3)
قَولُ أكثرِ العلماء.
وقيل: بِزكاة العُشْريِّ هنا؛ لكثرة الواجب؛ لعدم الوَقص، والخُلْف في اعتبار النصاب.
تنبيهٌ: يُستأنَف حول التِّجارة علَى زرعٍ وثَمَرٍ من
(4)
حصاد وجَذاذٍ؛ لأنَّ
(5)
به ينتهي وجوبُ العُشْر الذي لولاه لجريا
(6)
في حول التِّجارة.
وقيل: لا يَستأْنِفه إلاَّ بثمنهما إنْ بِيعا؛ كمال القُنية.
وإن اختلف وقت الوجوب، أوْ وُجِد نصابُ أحدهما؛ فكمسألة سائمة التِّجارة.
(1)
قوله: (الأنسب) سقط من (و).
(2)
قوله: (ابن) سقط من (ز).
(3)
في (د) و (و): بأنه.
(4)
قوله: (من) سقط من (أ).
(5)
في (ز): لأنه.
(6)
في (د): لجرياه، وفي (و): لجريناه.
وإنْ زرع بَذْر تجارةٍ في أرض قُنيةٍ؛ فهل يُزكِّي الزَّرع زكاةَ عُشْرٍ، أوْ قِيمةٍ؟ فيه خلاف.
وفي بذر قنيةٍ العشرُ، وفي أرضه للتِّجارة؛ القيمة.
وإن كان الثَّمر والزرع لا زكاة فيه؛ ضمَّ قيمة الثمرة
(1)
والأجرة إلى قيمة الأصل من الحَول؛ كربح ونتاج
(2)
وقيل: لا.
مسألةٌ: إذا اشترى ما يُصبَغ به ويبقَى، كزَعْفرانٍ ونيل ونحوه؛ فهو عرض
(3)
تجارةٍ يُقوِّمه عند حوله؛ لاعتياضِه عن صبغٍ قائمٍ بالثوب، ففيه معنى التِّجارة، وكذا تجب فيما يشتريه دبَّاغٌ ليَدبَغ به؛ كعَفْص
(4)
، وما يدهنه به، كسَمْنٍ ومِلْحٍ.
وقيل: لا؛ لأنَّه لا يبقى له أثَرٌ، كما يشتريه قَصَّارٌ من قَلْيٍ وصابونٍ ونحوهما.
ولا شَيءَ في آلات الصَّبَّاغ، وأمتعة التجار، وقوارير العطَّار، إلاَّ أنْ يريدَ بيعَها مع ما فيها.
ولا زكاةَ في غير ما تقدَّم، ولا فِي قيمة ما أُعِدَّ للكِراء من عَقارٍ وحيَوانٍ، لكنْ مَنْ أكثرَ من شِراء عَقارٍ فارًّا من الزَّكاة؛ فقيل: يُزكِّي قيمتَه، وظاهِرُ كلامِ الأكثرِ: لا
(5)
.
(1)
في (د): التمرة.
(2)
في (أ): وبخارج، وقوله: (وقيل: لا يستأنفه إلا بثمنهما
…
) إلى هنا سقط من (و).
(3)
في (ز): خرص، وفي (و): تحرض.
(4)
قال في تاج العروس 18/ 35: (العفص: شجرة من البلوط، تحمل سنة بلوطًا وسنة عفصًا).
(5)
من قوله: (مسألة: إذا اشترى ما يصبغ به) إلى هنا، مذكورة في باقي النسخ بعد قوله في آخر الفصل:(وله الصدقة قبل إخراج زكاته)، وقد كتب في هامش الأصل عندها تصحيحًا: (هذا قبل: "وإذا أذن
…
" إلخ).
(وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي إِخْرَاجِ زَكَاتِه، فَأَخْرَجَاهَا مَعًا؛ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ)؛ لأنَّه انعزَل من طريق الحكم بإخراج المالك زكاةَ نفسه، وكما لو عَلِم ثمَّ نَسِيَ، والعزلُ حكمًا؛ العِلْم وعدمُه سواءٌ، بدليل ما لو وكَّله في بيع عبدٍ، فباعه
(1)
الموكَّل أوْ أعتقه.
(وَإِنْ
(2)
أَخْرَجَهَا أَحَدُهُمَا
(3)
قَبْلَ الآخَرِ؛ ضَمِنَ الثَّانِي نَصِيبَ الأَوَّلِ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ)؛ لأنَّ العزْلَ الحكمي
(4)
لا يَختلِف بذلك، كما لو مات المالك.
(وَيَتَخَرَّجُ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ) بإخراج صاحبه، بناءً علَى أنَّ الوكيلَ لا يَنعزِلُ قَبْل العلم.
وقيل: لا يَضمَنُ وإن قلنا: يَنعزِلُ، اختاره المؤلِّف؛ لأنَّه غرَّه، وكما لو وكَّله في قضاء دينه فقضاه المالك، ثمَّ الوكيلُ.
والفرْقُ ظاهِرٌ؛ لأنَّه يُمْكِنُه الرُّجوع على المالك، بخلاف الفقير؛ لأنَّها تَنقلِب تطوُّعًا، كمن دفع زكاةً يعتقِدها عليه، فلم تكن
(5)
.
فأمَّا إنْ كان القابِضُ منهما السَّاعِي، ثمَّ علم الحال؛ فلا ضمان؛ لإمكان الرُّجوع عليه، والمرادُ مع بقائها بيد السَّاعي.
فَرعٌ: إذا وكَّله في إخراج زكاته، فأخرجها الموكِّل ثمَّ الوكيل؛ فالخلافُ، ويُقبَل قوله إنَّه أخرجها قبل
(6)
وكيله، وله الصَّدقةُ قبل إخراج زكاته.
(1)
في (و): وباعه.
(2)
في (د) و (و): وإذا.
(3)
قوله: (أحدهما) سقط من (أ) و (و).
(4)
في (د) و (ز) و (و): الحكم.
(5)
في (و): فلم يكن.
(6)
في (د): قيل.
(بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ)
هو اسم مصدر من قولك: أفطر الصَّائم إفطارًا، وأضيفت إلى الفطر؛ لأنهَّا تَجِبُ به، فهو من إضافة الشَّيء إلى سببه.
والفِطرة: الخِلْقة؛ لقوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الرُّوم: 30]، وهذه يُرادُ بها الصَّدقةُ عن البدَن والنَّفس، وبضم الفاء
(1)
كلمةٌ مولدة
(2)
، وقد زعم بعضُهم
(3)
: أنَّه مِمَّا يلحن
(4)
فيها العامَّةُ، وليست كذلك؛ لاستعمال الفقهاء لها.
(وِهِيَ وَاجِبَةٌ)، قال إسحاقُ:(هو كالإجماع)
(5)
؛ لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} [الأعلى: 14 - 15]، قال سعيد بن المسيِّب وعمر بن عبد العزيز: إنَّها زكاة الفطر
(6)
.
ورُدَّ بقول ابن عبَّاسٍ: إنَّ المراد: «أنَّها تُطهِّر من الشِّرْك»
(7)
، والسُّورةُ مكِّيَّةٌ، ولم يكن بها زكاةٌ ولا عِيدٌ.
والمعتمَد عليه ما رَوَى ابنُ عمرَ قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفِطْر صاعًا مِنْ تَمْرٍ وصاعًا مِنْ شعيرٍ، علَى العبد والحرِّ، والذَّكر والأنثى، والصَّغير والكبير من المسلمين، وأمَر بها أنْ تُؤَدَّى قبل خروج النَّاس إلَى الصَّلاة» متَّفَقٌ
(1)
قوله: (بضم الفاء) هي في (أ) و (ب) و (ز): وهي.
(2)
في (أ): مؤكدة.
(3)
هو عبد اللطيف بن محمد بن يوسف البغدادي. ينظر: ذيل الفصيح ص 13.
(4)
في (و): تلحن.
(5)
ينظر: الإشراف 3/ 61.
(6)
ينظر: سنن البيهقي 4/ 268، الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن أبي طالب 12/ 8214.
(7)
أخرجه الطبري في التفسير (24/ 319)، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن المنذر كما في الدر المنثور (8/ 484).
عليه، ولفظه للبخاري
(1)
.
ودَعْوَى أنَّ «فَرَض» بمعنى: «قدَّر» ؛ مردودٌ بأنَّ كلام الرَّاوي لا يُحمَل إلاَّ علَى الموضوع الشَّرعيِّ، بدليل الأمر بها في الصَّحيح أيضًا من حديثه.
وتسمى فرضًا على الأصحِّ؛ لقول جمهور الصَّحابة
(2)
. وعنه: لَا، وفيه روايتا المضمضة
(3)
.
وذهب الأصمُّ وابنُ عُليَّةَ وجماعةٌ: أنَّها سنَّةٌ مؤكَّدةٌ؛ لما رَوَى أحمدُ عن قَيس بن سعدٍ قال: «أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تَنزِل الزَّكاة، فلمَّا نزلت الزَّكاة؛ فلم
(4)
يأمرنا ولم يَنْهَنا، ونحن نفعله»، إسنادُه جيِّدٌ
(5)
.
ولا حجَّةَ لهم فيه؛ لأنَّه يَجِبُ استصحاب الأمر السَّابق مع عدم المانِع والمعارِض، وقد فرضها الشَّارع وأمر بها.
والظَّاهِرُ أنَّ فرضَها مع رمضان في السَّنة الثَّانية من الهجرة.
(عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)، وهو شامِلٌ للكبير والصغير، والذَّكر والأُنثى، والحُرِّ والعبد؛ لأنَّ لفظة «كلّ» إذا أضيفت إلى نكرةٍ فتقتضي
(6)
عموم الأفراد، فعلى
(1)
أخرجه البخاري (1506)، ومسلم (984).
(2)
من ذلك: ما تقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر» الحديث. وما أخرجه أبو داود (1609)، والترمذي (675)، وابن ماجه (1827)، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث» الحديث. وما أخرجه أحمد (11182)، وأبو داود (1616)، والترمذي (673)، والنسائي (2511)، وابن ماجه (1829)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من شعير» الحديث، واللفظ للنسائي.
(3)
قوله: (وفيه روايتا المضمضمة) سقط من (و).
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): لم.
(5)
أخرجه أحمد (23830)، والنسائي (2507)، وابن ماجه (1828)، والبزار (3746)، وابن خزيمة (2394)، والحاكم (1491)، وإسناده صحيحٌ، ورجاله ثقاتٌ، وقد صحَّحه ابن خزيمة والحاكم.
(6)
في (أ): تقتضي.
هذا تَجِبُ في مال اليتيم، نَصَّ عليه
(1)
، فخرج الكافِرُ مطلقًا؛ لأنَّ من شرطها النِّيَّةَ، ولا تصِحُّ منه.
لكنْ يُستثْنَى منه: ما إذا هلَّ
(2)
شوَّال على عبدٍ مسلمٍ لكافِرٍ، فالأظهرُ وجوبها على الكافِر. وقيل: لا تَجِب على غير مخاطَبٍ بالصَّوم. وعنه روايةٌ مخرَّجةٌ: تجب على مرتدٍّ.
ولا فرْق بين أهل البوادي وغيرهم.
(تَلْزَمُهُ
(3)
مَؤُونَةُ نَفْسِهِ)؛ لقوله عليه السلام: «أدُّوا
(4)
الفطرةَ عمَّنْ تَمُونُون»
(5)
، وهو دالٌّ على عدم وجوبها على من لا يمون نفسَه؛ لأنَّه خاطب بالوجوب غيره، ولو وجب
(6)
عليه لخاطبه به كسائر من تَجِب عليه.
(إِذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ: صَاعٌ)؛ لأنَّ ذلك أهمُّ، فيجب تقديمه؛ لقوله عليه السلام: «ابدأْ بنفسِك، ثمَّ بمن
(7)
تَعُولُ»
(8)
.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 125، مسائل ابن منصور 3/ 1270.
(2)
في (و): أهل.
(3)
في (و): يلزمه.
(4)
في (أ): أد.
(5)
أخرجه الدارقطني (2078)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (7685)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال:«أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفِطر عن الصَّغير والكبير والحرِّ والعبد ممَّن تمونون» ، فيه القاسم بن عبد الله بن عامر، والأبيض بن الأغرِّ بن الصَّباح، قال الدارقطني في كلٍّ منهما:(ليس بالقويِّ)، وعمير بن عمَّار الهمداني قال عنه ابن عبد الهادي:(ليس مشهورًا بجرحٍ ولا بعدالةٍ).
وأخرجه الدارقطني (2079)، من طريق حفص بن غياث، عن الضحاك، وسنده صحيحٌ موقوفًا، ورجح وقفه الدارقطني والبيهقي وابن عبد الهادي وابن الملقن والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 91، البدر المنير 5/ 621، الإرواء 3/ 320.
(6)
قوله: (ولو وجب) في (د) و (و): ولوجب.
(7)
في (و): من.
(8)
مشهورٌ عند الفقهاء بهذا اللَّفظ، وهو مركب من حديثين، فقد أخرج مسلمٌ (997)، من حديث جابر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: «ابدأ بنفسك فتصدَّقْ عليها، فإن فَضل شيءٌ فلأَهلِكَ، فإنْ فضل عن أَهلكَ شيءٌ فلذِي قَرابتَك، فإنْ فضل عن ذِي قرابتكَ شيءٌ فهكذا وهكذا» . وأخرج البخاري (1426)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«خير الصَّدقة ما كان عن ظهر غنىً، وابدأ بمن تعول» ، قال ابن الملقن:(هذا الحديث يتكرَّر على ألسنة جماعاتٍ من أصاحبنا، ولم أره كذلك في حديثٍ واحد). ينظر: البدر المنير 5/ 626.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُعتبَر لوجوبها ملك نصاب
(1)
، وقاله الأكثرُ.
(فَإنْ
(2)
كَانَ مُكَاتَبًا)؛ فتجب
(3)
عليه؛ لدخوله في عموم النَّصِّ؛ ولأنه
(4)
مسلِمٌ تَلزَمه نفقتُه، فلزِمه فِطْرته كالحرِّ، لا على سيده
(5)
.
(وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُ صَاعٍ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ) عن نفسه؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وكذا أطلقهما في «الفروع» ، وقال:(التَّرجيحُ مختلِفٌ):
إحداهما: يجب، قدَّمه في «المحرَّر»؛ لقوله عليه السلام:«إذا أَمرتُكم بأمْرٍ فأتُوا منه ما استَطعتُم»
(6)
، ولأنها طُهرةٌ، فهي كالطَّهارة بالماء.
والثَّانية: لا تلزمه
(7)
، اختارها ابنُ عَقِيلٍ، وهي ظاهر الخِرَقِيِّ و «الوجيز» ؛ كالكفَّارة، والفرْق: أنَّ الكفَّارة لها بَدَلٌ.
ويُعتبَر كون ذلك كلِّه بعدما يحتاجه لنفسه أو لمن تَلزَمه مؤْنتُه من مسكنٍ وعبدٍ ودابَّةٍ وثيابِ بذلة. وقال ابن حمدانَ: المذهب أنَّه لا
(8)
يُعتبَر.
وجزم المؤلِّف: أو له كُتُبٌ يحتاجها للنَّظَر والحفظ، أو للمرأة
(9)
حلِيٌّ
(1)
في (أ) و (ب): النصاب.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وإن.
(3)
في (د): فيجب.
(4)
في (أ): لأنه.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): السيد.
(6)
أخرجه البخاريُّ (7288)، ومسلم (1337)، من حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
في (و): لا يلزمه.
(8)
قوله: (لا) سقط من (ب) و (ز).
(9)
في (أ): وللمرأة.
للُّبْس أو الكراء
(1)
وهي تحتاجه.
(وَ) حيث لزمته
(2)
فطرة نفسه؛ فإنَّه (تَلْزَمُهُ
(3)
فِطْرَةُ مَنْ يَمُونُهُ)، فدخل فيه الزَّوجات والإماء والأقارب، (مِنَ الْمُسْلِمِينَ)؛ للنَّصِّ، فدلَّ أنَّها لا تلزمه فطرة مَنْ يَمونُه من الكفَّار؛ لأنَّها طُهرةٌ للمُخرَج عنه؛ وهو لا يَقبَلُها؛ لأنَّه لا يُطهِّره إلاَّ الإسلام، ولو كان عبدًا، نص عليه
(4)
.
وشَمِل ما إذا كان لزوجته خادِمٌ؛ فإنَّه يُخرِج عنه إن لزِمَتْه نفقةٌ.
وكذا عبدُ عبدِه، وهو ظاهر كلام المؤلِّف، وصحَّحه في «الشَّرح». والأشهرُ فيه: أنَّه إن لم يملِك بالتَّمليك أدَّى عنه، وإن ملك فلا فطرةَ له؛ لعدم ملك السَّيِّد الأعلى ونقص
(5)
ملك العبد؛ لأنَّه لا يلزمه عن نفسه، فغيره أَوْلَى.
فأمَّا زوجة عبده؛ فذكر أصحابُنا المتأخِّرون: أنَّ فطرتها عليها إن كانت حرَّةً، وعلى سيِّدها إن كانت أمَةً.
وقيل: تجب على سيِّد العبد، وهو ظاهر كلامه؛ كالنَّفقة، وكما لو زوَّج عبدَه بأمته.
وكذا لو زوَّج قريبه، ولزمته نفقة امرأته فعليه فطرتها، لكن لا يلزمه فطرة أجيرٍ وظِئْرٍ استأجرهما بطعامهما، نَصَّ عليه
(6)
.
ولا من وجبت نفقته في بيت المال، وفي الضَّيف؛ نقل عبد الله: تَجِب
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): للكراء.
(2)
في (أ): لزمه.
(3)
في (د) و (ز): يلزمه.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 125، مسائل ابن منصور 3/ 1135.
(5)
في (أ): ومقتضى.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 217.
على مَنْ تَجِب عليه نفقته
(1)
.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُؤَدِّي عَنْ جَمِيعِهِمْ؛ بَدَأَ بِنَفْسِهِ)، وهي تَنْبنِي على النَّفقة، ونفقة نفسه مقدَّمةٌ، فكذا فطرته.
(ثُمَّ بِامْرَأَتِهِ)؛ لوجوب نفقتها مطلقًا، بخلاف الأقارب، وقُدِّمت على غيرها لآكديَّتها، ولأنَّها معاوَضةٌ.
وقيل: لا يلزمه فطرة زوجته الأمَة، فإن تسلَّمها ليلاً ففطرتها على سيِّدها؛ لقوَّة ملك اليمين في تحمُّلها؛ للإجماع عليه. وقيل: بينهما كالنَّفقة.
(ثُمَّ بِرَقِيقِهِ)؛ لوجوب نفقتهم مع الإعسار، وظاهره: ولو كان مرهونًا، ولا فرْق بين
(2)
أن يكون للتِّجارة أو لا.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: ويَحتمِل تقديمهم على الزَّوجة؛ لئلاَّ يسقط بالكُليَّة.
(ثُمَّ بِوَلَدِهِ)؛ لوجوب نفقته في الجملة، وقيل: مع صغره، وجزم به ابن شهابٍ، وحمل ابن المنجَّى كلامَ المؤلِّف عليه، وليس بجيِّد.
وقيل: يُقدَّم الولدُ على الزَّوجة، وقيل: الصَّغير يقدم عليها وعلى عبدٍ.
(ثُمَّ بِأُمِّهِ)؛ لتقديمها على الأب في البِرِّ، (ثُمَّ بِأَبِيهِ)؛ للخبر
(3)
. وقيل: يقدَّم عليها، وحكاه ابن أبي موسى روايةً؛ لقوله عليه السلام:«أنتَ ومالُك لأبيكَ»
(4)
، وقيل بتساويهما.
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 169.
(2)
قوله: (بين) سقط من (و).
(3)
وهو ما أخرجه البخاري (5971)، ومسلم (2548)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال:«أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك» .
(4)
ورد من حديث جماعةٍ من الصَّحابة رضي الله عنهم، منهم: عبد الله بن عمرو، وجابر بن عبد الله.
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (6902، 6678)، وابن ماجه (2292)، والطحاوي في معاني الآثار (6151)، من طرقٍ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا، وسنده حسنٌ للخلاف المعروف في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وحديث جابر رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه (2291)، والطحاوي في معاني الآثار (6150)، والطبراني في الأوسط (3534) من طريق محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعًا، وصححه البزار والإشبيلي وابن القطَّان وابن الملقن والألباني.
وأخرجه الشافعي في مسنده (ص 202)، وعبد الرزاق (16628)، وابن أبي شيبة (22694)، من مرسل محمَّد بن المنكدر، قال الشَّافعي:(لا يَثبتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومحمد بن المنكدر غاية في الثقة والفضل في الدِّين والورع، ولكنَّا لا ندري عمن قَبِل هذا الحديث)، ورجح أبو حاتم والدرقطني والبيهقي إرساله. ينظر: العلل لابن أبي حاتم 4/ 249، الأحكام الوسطى 3/ 349، بيان الوهم والإيهام 5/ 102، التلخيص الحبير 3/ 383، الإرواء 3/ 323.
وقدَّمهما في «الفروع» على الولد، وليس بظاهرٍ، والذي ذكره المؤلِّف؛ جزم به جماعةٌ، وقدَّمه آخرون، وذكره في «منتهى الغاية» ظاهِرَ المذهب.
(ثُمَّ بِالأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فِي الْمِيرَاثِ)؛ لأنَّ الأقربَ أَوْلَى من غيره، فقُدِّم كالميراث.
فَرعٌ: إذا استوى
(1)
اثنان فأكثر
(2)
، ولم يَفضُل غيرُ صاعٍ؛ أَقْرَعَ بينهم. وقيل: يوزَّع. وقيل: يُخيَّر.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ عَنِ الْجَنِينِ) في ظاهر المذهب؛ لأنَّ ظاهر الخبر أنَّ الصَّاع مُجزِئٌ مطلقًا، (وَلَا يَجِبُ)، ذَكَرَه ابنُ المنذِر قَولَ من يَحفَظ عنه من علماء الأمصار
(3)
؛ لأنَّها لو تعلَّقت به قبل ظهوره؛ لتعلَّقت الزَّكاة بأجنَّة السَّوائم.
وعنه: يَجب، اختارها أبو بكرٍ؛ لفعل عثمان
(4)
، قال أحمد: (ما
(1)
في (أ): اشترى.
(2)
في (د): وأكثر.
(3)
ينظر: الإشراف 3/ 72.
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسائل عبد الله (644)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (4/ 253)، من طريق حميد، عن بكر بن عبد الله المزني وقتادة:«أن عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل» ، وهذه مراسيل صحاح يقوي أحدها الآخر، وقد احتج به أحمد في مسائل أبي داود (ص 124). وأخرجه ابن أبي شيبة (10737)، عن حميد نحوه مرسلاً. وينظر: تنبيه القارئ لعبد الله الدويش ص 179.
أحسنه
(1)
صار ولدًا)
(2)
، ولأنه آدَمِيٌّ تصح الوصية له، وبه، ويَرِثُ، فيدخل
(3)
في عموم الأخبار.
قال في «المغني» : والأوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّه لا يثبت له أحكامُ الدُّنيا إلاَّ في الإرث والوصيَّة، بشرط خروجه حيًّا.
وأمَّا أمُّه
(4)
فإن كانت بائنًا؛ فيَلزَمه فطرتُها إن قلنا: النَّفقةُ لها، وإن قلنا: للحمل؛ لم تجب
(5)
على الأصحِّ، بناءً على وجوبها على الجنين.
(وَمَنْ تَكَفَّلَ)؛ أيْ: تبرَّع (بِمُؤْنَةِ شَخْصٍ فِي شَهْرِ
(6)
رَمَضَانَ؛ لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ)، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح» ، وحَمَلا كلامَ أحمدَ على الاستحباب؛ لعدم الدَّليل، ولأن سبب الوجوب وجوبُ النَّفقة، وهي غير واجبةٍ هنا، فكذا فطرته، فعلَى هذا: فطرته على نفسه، كما لو لم يَمُنْهُ؛ إذ
(7)
الحديث محمولٌ على مَنْ تَلزَمه مؤنتُه لا حقيقةُ المؤنة، بدليل وجوبها على الآبق
(8)
.
(1)
في (ب) و (ز) و (و): ما أحسبه.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 124.
(3)
في (أ): فدخل.
(4)
في (أ): وأما أمته.
(5)
في (و): لم يجب.
(6)
قوله: (شهر) زيادة من الأصل.
(7)
في (ب) و (د) و (ز): أو، وفي (و): والحديث.
(8)
في (أ): الابن.
(وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهَا تَلْزَمُهُ)
(1)
وهو قولُ أكثر أصحابنا، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»؛ لقوله عليه السلام: «عمَّن
(2)
تَمُونُونَ» رواه أبو بكرٍ في «الشَّافي» من حديث أبي هريرة، والدَّارَقُطْنيُّ من حديث ابنِ عمر، وإسنادُهما ضعيفٌ
(3)
، ولأنَّه شخصٌ مُنفَقٌ عليه، فلزمته فطرته كعبده.
والمعتبَر جميع الشَّهر؛ تقويةً
(4)
لنفقة التَّبرُّع.
وقال ابن عقيل: قياس المذهب: يلزمه إذا مانَه آخِرَ ليلةٍ من الشَّهر؛ كمَن مَلَك عبدًا أوْ زوجةً قبل الغروب.
فإنْ مَانَه جماعةٌ كلَّ الشَّهر أو إنسان بعضه؛ فقال في «المغني» -في الأُولَى-: لا أعلم فيها للأصحاب قولاً، وفي «الشَّرح» و «الفروع»: فيه احتمالان، أحدُهما: لا تَجِب على أحدٍ؛ لأنَّ سبب الوجوب المؤنة في جميع الشهر، ولم يوجد. والثَّاني: أنَّها تجب بالحِصَص، كعبدٍ مشتَرَكٍ.
(وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شُرَكَاءَ؛ فَعَلَيْهِمْ صَاعٌ)، اختاره الأكثرُ، وهو المذهب، وآخر قولَيْ أحمدَ
(5)
؛ لأنَّ الشَّارع إنَّما أوجب عن الواحد صاعًا، فأجزأه؛ لظاهر الخبر، وكالنفقة
(6)
وماء طهارته.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1112.
(2)
في (د) و (و): من.
(3)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه لم نقف عليه مرفوعًا، وأخرجه موقوفًا عبد الرزاق (5813)، عن أبي هريرة قال:«كنا نخرج زكاة الفطر على كل نفس نعولها، وإن كان نصرانيًّا» ، وفي إسناده راو مبهم. وأخرج الطحاوي في مشكل الآثار (2257) نحوه، وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف، وهو من رواية ابن المبارك عنه، قال الزيلعي:(وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة، سيما من رواية ابن المبارك عنه). ينظر: نصب الراية 2/ 414.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما تقدم تخريجه 3/ 386 حاشية (5).
(4)
في (ز) و (و): بقوته.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1146، مسائل عبد الله ص 136.
(6)
في (د) و (و): كالنفقة.
(وَعَنْهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ)، قدَّمه الخِرَقِيُّ، واختاره أبو بكرٍ وجَمْعٌ؛ لأنَّها طُهرةٌ؛ ككفَّارة القتل.
وكذا إذا ورثَه اثنان فأكثرُ.
(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ)؛ لأنَّه
(1)
يُساوِي العبدَ المشترك معنًى، فوجب أنْ يُساويه حكمًا.
واختار أبو بكرٍ: يلزم
(2)
السَّيِّدَ بقدْر ملكه فيه، ولا شَيءَ على العبد.
تنبيهٌ: لا تَدخل الفِطرة في المهايأة، ذكره القاضي وجماعة؛ لأنَّها حقٌّ لله كالصَّلاة، والمهايأة: معاوَضةُ كسْبٍ بكسب
(3)
.
ومن عجز عمَّا عليه؛ لم يَلزَم الآخر قِسطُه، كشريكٍ ذمِّيٍّ لا يلزم المسلمَ قِسطُه.
فإن كان يوم العيد نوبة
(4)
العبد المعتق نصفه
(5)
؛ اعتبر أن يفضل عن قوته نصف صاع، وإن كان نوبة سيِّده؛ لزم العبدَ نصفُ صاعٍ ولو لم يَملِك غيرَه؛ لأنَّ مُؤنتَه على غيره.
وقيل: تدخل في
(6)
المهايأة بناءً على دخول كسْبٍ نادِرٍ فيها كالنَّفقة، فلو كان يوم العيد نوبة العبد، وعجز عنها؛ لم يلزم السَّيِّدَ شَيءٌ؛ لأنَّه لا يلزمه
(7)
نفقته، كمكاتبٍ عجز عنها.
فَرعٌ: إذا ألحقت القافةُ ولدًا باثنين أو أكثر، فالحكم في فطرته
(1)
في (د) و (و): لأنهما.
(2)
في (د): تلزم.
(3)
في (د): تكسب.
(4)
في (أ): مؤنة.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): بعضه.
(6)
قوله: (في) زيادة من الأصل.
(7)
في (ب) و (و): لا تلزمه.
كالعبد المشترك، جزم به الأصحاب. وقال ابنُ تميمٍ وابن حمدان: يلزم كلَّ واحدٍ صاعٌ وجهًا واحدًا.
(وَإِنْ عَجَزَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ عَنْ فِطْرَتِهَا؛ فَعَلَيْهَا) إنْ كانت حرَّةً، (أَوْ عَلَى سَيِّدِهَا إِنْ كَانَتْ أَمَةً فِطْرَتُهَا)؛ لأنَّه كالمعدوم.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا تَجِبَ) عليهما شَيءٌ؛ لأنَّها لم تَجِب على من وجد سبب الوجوب في حقِّه لعسرته، فلم تجب على غيره كفطرة نفسه، بخلاف النفقة لوجوبها مطلقًا.
فعلى هذا: هل تبقى في ذِمَّته كالنَّفقة، أم لا كفطرة نفسه؟ يتوجه احتمالان.
وعلى الأول: هل ترجع الحرة والسيد على الزوج كالنفقة، أم لا كفطرة القريب؟
(1)
فيه وجهان.
(وَمَنْ كَانَ لَهُ غَائِبٌ، أَوْ آبِقٌ)، أوْ مغصوبٌ، أوْ ضالٌّ؛ (فَعَلَيْهِ فِطْرَتُهُ)؛ للعموم، ولوجوب نفقته، بدليل رجوع من ردَّ الآبِقَ بنفقته على سيِّده، بخلاف
(2)
زكاة المال، وعليه: لا فرْق بين أن يرجُوَ رجعته أو يَيْأس منها، وسواءٌ كان مطلقًا أو محبوسًا أوْ لا، قاله في «الشَّرح» .
وعنه روايةٌ مخرَّجةٌ من زكاة المال: لا تجب ولو ارتجى عودَ الآبِق.
وعلى الأوَّل: لا يَلزَمه إخراجُها حتَّى يعودَ إليه، زاد بعضهم: أو يَعلَم مكانَ الآبِق.
(إِلاَّ أَنْ يَشُكَّ فِي حَيَاتِهِ؛ فَتَسْقُطُ
(3)
، نَصَّ عليه في رواية صالِحٍ
(4)
؛ لأنَّه
(1)
قوله: (كفطرة نفسه، يتوجه احتمالان) إلى هنا سقط من (أ).
(2)
في (و): خلاف.
(3)
في (و): فيسقط.
(4)
ينظر: المغني 3/ 92.
لا يُعْلم بقاؤه، والأصلُ براءةُ الذِّمَّة، والظَّاهر موتُه، وكالنَّفقة، ولأنَّه لو أعتقه عن كفارته لم يُجزِئْه.
وذَكَر ابنُ شهابٍ: تلزمه؛ لئلاَّ يَسقُط بالشَّكِّ، والكفارة ثابتةٌ بيقينٍ، فلا تسقط
(1)
مع الشَّكِّ في حياته.
(وَ) على الأول: (إِنْ عَلِمَ حَيَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ أَخْرَجَ لِمَا مَضَى)؛ لأنَّه بان له وجود سبب الوجوب في الماضي، فوجب الإخراج؛ كمال غائبٍ بانت سلامتُه. وقيل: لا. وقيل: عن القريب كالنَّفقة.
(وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ النَّاشِزِ) في الصَّحيح من المذهب؛ لعدم وجوب نفقتها، ففطرتها حينئذ
(2)
عليها أو علَى سيِّدها، والمرادُ: إذا كان نشوزُها في وقتِ وجوب الفطرة.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تَلْزَمُهُ
(3)
؛ لأنَّ الزَّوجيَّة ثابتة عليها، فلزِمَتْه فطرتها كالمريضة.
وأجيب: بأنَّ المريضة لا تَحتاج نفقة
(4)
، لا
(5)
لخلل في المقتَضِي لها.
وحكم كلِّ امرأةٍ لا نفقةَ لها، كغير المدخول بها إذا لم تُسلَّم إليه، والصَّغيرة التي لا يمكن الاستِمْتاع بها؛ يَجِبُ على الثَّاني لا الأوَّل.
(وَمَنْ لَزِمَ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ فَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ)؛ أي: بغير إذن مَنْ تَلزَمه، زاد في «الانتصار»: ونيَّته؛ (فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
ظاهر المذهب: الإجزاء؛ لأنَّه أخرج عن نفسه، فأجزأه؛ كمن وجبت عليه.
(1)
في (و): فلا يسقط.
(2)
قوله: (حينئذ) سقط من (أ).
(3)
في (ب) و (و): يلزمه.
(4)
قوله: (نفقة) سقط من (ب) و (ز) و (و).
(5)
في (أ): إلا.
والثَّانِي: لا؛ لأنَّه أدَّى الواجِبَ عن غيره بغير إذنه، فلم يَصِحَّ، كما لو أدَّى عن غيره.
وهما مبنيان: هل يكون متحمِّلاً عن الغير لكونها طُهرةً له، أو أصيلاً؛ لأنَّه المخاطب بها؟ وفيه وجهان.
فلو لم يُخرِج مع قدرته؛ لم يلزم الغيرَ شَيءٌ، وله مطالبته بالإخراج، جزم به الأصحاب؛ كنفقته، لكن لو أخرج العبد بلا إذن سيِّده؛ لم يُجزِئْه. وقيل: إن ملَّكه سيِّده مالاً، وقلنا: يملكه؛ ففطرته عليه ممَّا في يده، فعلى هذا: يخرج العبد عن عبده منه.
وظاهر ما سبق: أنَّه إذا أخرج بإذنه أنَّه يجزئه، فلو أخرج عمَّن لا تلزمه فطرته بإذنه؛ أجزأ، وإلاَّ فلا، قال الآجُرِّيُّ: هذا قول فقهاء المسلمين.
مسألةٌ: من لزِمه فطرةُ حرٍّ أوْ عبدٍ؛ أخرجها مكانَهما، كمالٍ مزكًّى في غير بلدِ مالكِه، ونَصَّ: على أنَّه يخرجها مكانَه
(1)
؛ كفطرة نفسه.
فَرعٌ: مَنْ أُنفِق عليه من بيت المال؛ لم تلزم
(2)
فطرتُه؛ لأنَّ ذلك ليس بإنفاق، وإنَّما هو إيصال المال في حقِّه، قاله القاضي، أو لأنَّه لا مالكَ له معيَّن، كعبيد
(3)
الغنيمة قبل القسمة والفَيْء ونحو ذلك.
(وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ)؛ لتأكُّدها، بدليل وجوبها على الفقير، وشمولها لكلِّ مسلمٍ قَدَرَ على إخراجها، فجرى مَجرَى النَّفقة، بخلاف زكاة المال، فإنَّها تَجِب بالملك، والدَّين يُؤثِّر فيه، والفطرة تَجِب على البدن، وهو غير مؤثِّر فيه.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 226.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): لم يلزمه.
(3)
في (ز): كعبد.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِهِ) فيَمنَع في ظاهر المذهب، نَصَّ عليه
(1)
، واختاره الأكثر؛ لوجوب أدائه عند المطالبة، وتأكده بكونه حق آدمي لا يسقط بالإعسار، أشبه من لا فضل عنده.
وعنه
(2)
: يمنع مطلقًا، وقاله أبو الخطَّاب، كزكاة المال.
وقال ابن عقيل: عكسه؛ لتأكُّدها؛ كالنَّفقة والخراج.
(وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ)؛ لقول ابنِ عبَّاسٍ: «فَرَضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صدقةَ الفِطْر طُهْرةً للصَّائم من اللَّغْو والرَّفَث، وطُعْمةٌ للمَساكِينِ» رواه أبو داود، والحاكِمُ، وقال:(على شرطِ البخاريِّ)
(3)
، فأضاف الصَّدقة إلى الفطر، فكانت واجبةً به؛ لأنَّ الإضافة تقتضي الاختصاص والسببيَّة، وأول فطر
(4)
يقع في جميع رمضان بمغيب الشَّمس من ليلة الفطر.
(فَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ)؛ أيْ: بعد الغروب، (أَوْ مَلَكَ عَبْدًا، أَوْ زَوْجَةً، أَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ؛ لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ)، نقله الجماعةُ
(5)
؛ لعدم وجود سبب الوجوب.
وعنه: يَمتدُّ وقتُ الوجوب إلى طلوع الفجر الثَّانِي من يوم الفطر.
وعنه: تجب بطلوع الفجر منه.
وعنه: ويَمتدُّ
(6)
إلى أنْ يُصلِّيَ العِيدَ.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 214.
(2)
قوله: (لوجوب أدائه عند المطالبة) إلى هنا سقط من (أ).
(3)
أخرجه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والدارقطني (2067)، والحاكم (1488)، وسنده حسنٌ، من أجل سيَّار بن عبد الرَّحمن الصدفي، وهو صدوقٌ، وحسَّنه النَّووي وعبد الغني المقدسي وابن قدامة والألباني، وصحَّحه الحاكم وابن الملقن. ينظر: عمدة الأحكام الكبرى (631)، المغني 4/ 284، المجموع للنووي 6/ 126، البدر المنير 5/ 618، الإرواء 3/ 332.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): فطرة.
(5)
ينظر: أحكام أهل الملل ص 58، مسائل ابن منصور 3/ 1114.
(6)
في (أ): يمتد.
(وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ وَجَبَتْ)؛ لوجود السَّبب، فالاِعتبارُ بحال الوجوب، فلو كان مُعسِرًا وقتَ الوُجوب ثمَّ أيْسَر؛ فلا فطرة على الأصحِّ، وعكسُه: لا يَسقُط، وكذا لو مات قبل الغروب؛ فلا فطرة، ولو كان بعده؛ لم تسقط، وذكره المجْدُ إجماعًا في عتق عبدٍ.
والفطرة في عبدٍ مَوْهوبٍ ومُوصًى به؛ على المالك وقتَ الوجوب، وكذا المبيع في مدَّة الخِيَار.
وفي ملك عبد
(1)
دون نفعه أَوْجُهٌ، ثالثُها: أنَّها في كسبه؛ كالنَّفقة.
(وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ لقول ابنِ عمرَ: «كانوا يُعطُون قبل الفطر بيومٍ أو يومين» رواه البخاريُّ
(3)
، والظَّاهر: بقاؤها أو بقاءُ بعضها إليه، وإنما لم يجز
(4)
بأكثر؛ لفوات
(5)
الإغناء المأمور به في قوله: «أغْنُوهم عن الطَّلب هذا اليوم» رواه الدَّارَقُطْنيُّ من رواية أبِي مَعْشَرٍ-وفيه كلامٌ- من حديث ابن عمر
(6)
، بخلاف زكاة المال، ولأنَّ الفطر سببها، أو
(1)
في (د) و (و): عبده.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 123، مسائل صالح 2/ 138، مسائل عبد الله ص 171.
(3)
أخرجه البخاري (1511).
صريح كلام المؤلف: أن هذا من قول ابن عمر رضي الله عنهما، وتبع في ذلك ما في الفروع (4/ 228)، والصواب أنه من قول نافع، كما هو مبين في الروايات الأخرى، فقد أخرج ابن خزيمة (2421)، وابن حبان (3299)، والدارقطني (2132)، والبيهقي في الكبرى (7738)، من طريق الضحاك بن عثمان، عن نافع: أن عبد الله كان يؤديها قبل ذلك بيوم أو يومين. وإسناده صحيح.
وأخرج أبو داود (1610)، من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، وفيه: فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين. وإسناده صحيح.
(4)
في (د): لم تجز.
(5)
في (أ): لفواته.
(6)
أخرجه ابن عدي في الكامل (8/ 319)، والدارقطني (2133)، والبيهقي في الكبرى (7739)، من طرقٍ عن أبي مَعشرٍ عن نافعٍ عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا، وسنده ضعيفٌ، فإنَّ أبا مَعشَر نَجِيح بن عبد الرحمن السِّندي ضعيفٌ، وضعف الحديثَ البيهقيُّ والنَّوويُّ وابن حجر والألباني، وابن الملقِّن وقال:(هو واهٍ).
وللحديث طرقٌ أخرى واهيةٌ جدًّا من حديث عائشة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، أخرجها ابن سعد في الطبقات (1/ 191). ينظر: المجموع 6/ 126، البدر المنير 5/ 620، بلوغ المرام (628)، الإرواء 3/ 332.
أقوى جزأي سببها؛ كمنعِ
(1)
التَّقديم على النِّصاب.
قال في «الفروع» : والأَوْلَى الاقتصارُ على الأمر بالإخراج في الوقت الخاصِّ، خرج منه التَّقديم باليومين؛ لفعلهم، وإلاَّ فالمعروفُ منعُ التَّقديم على السَّبب الواحد، وجوازه على أحد السَّبَبَينِ.
وعنه: يجوز تقديمها بثلاثة، جزم به في «المستوعب» بأيام.
وقيل: بخمسة عشر؛ جعلاً للأكثر كالكل.
وقيل: بشهر لا أكثر؛ لأنَّ سببها الصوم، والفطر منه
(2)
كزكاة المال.
(وَالْأَفْضَلُ إِخْراجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) أوْ قدرِها؛ لأنَّه عليه السلام: «أَمَر بها أن تؤدَّى قبل خروج النَّاس إلَى الصَّلاة» من حديث ابن عمر
(3)
.
وقال جَمْعٌ: الأفضلُ أنْ يُخرِجها إذا خرج إلى المصلَّى.
وفي الكراهة بعده وجهان.
وقيل: تَحرُم بعد الصَّلاة، فعليه يكون قضاءً، جزم به ابنُ الجَوزيِّ، واستدَلَّ الأصحابُ بحديث ابن عبَّاس السَّابق، وتمامُه: «فمَنْ أدَّاها قبلَ الصَّلاة فهي
(4)
زكاةٌ مقبولةٌ، ومَنْ أدَّاها بعدَ الصَّلاة؛ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقات»
(5)
.
(1)
في (د): ليمتنع. والمثبت موافق للفروع 4/ 228.
(2)
قوله: (جزم به في «المستوعب» بأيام) إلى هنا سقط من (أ).
(3)
أخرجه البخاري (1506)، ومسلم (984).
(4)
في (أ): فهو.
(5)
تقدَّم تخريجه 3/ 397 حاشية (4).
(وَيَجُوزُ فِي سَائِرِ الْيَوْمِ)؛ لحصول الإغْناء بها فيه، إلاَّ أنَّه تَرَك الأفضلَ، (فَإِنْ أَخَّرَها عَنْهُ أَثِمَ)؛ لتأخيره
(1)
الواجب عن وقته، ولمخالفة الأمر
(2)
.
(وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لأنَّها عبادةٌ، فلم تَسقُط بخروج الوقت كالصَّلاة، وعنه: لا يأثَمُ، نقل الأثرم: أرجو أنْ لا بأْسَ. وقيل له في رواية الكحَّال: فإنْ أخرها؟ قال: إذا أَعدَّها لقومٍ.
(1)
في (أ): لتأخره.
(2)
في (أ) و (ز): الأثر.
(فَصْلٌ)
(وَالوَاجِبُ فِي الْفِطْرَةِ: صَاعٌ) بصاعِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو أربع حفنات بكفَّيْ رجلٍ معتَدِلِ القامة، وحِكمتُه: كفاية الصَّاع للفقير في أيَّام العِيد، (مِنَ البُرِّ وَالشَّعِيرِ) إِجْماعًا
(1)
، (ودَقِيقِهِمَا، وَسَوِيقِهِمَا، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ) إجْماعًا
(2)
، (وَمِنَ الْأَقِطِ)، وهو شَيءٌ يُعمَلُ من اللَّبَن المَخِيض، وقيل: من الإبل فقطْ، (فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا المذهب، جزم به أكثرُ الأصحاب؛ لما رَوَى أبو سعيدٍ الخُدْريُّ قال:«كُنَّا نُخرِج زكاةَ الفطر إذ كان فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أوْ صاعًا من شعيرٍ، أوْ صاعًا من تَمْرٍ، أوْ صاعًا من زبيبٍ، أوْ صاعًا من أَقِطٍ» متَّفقٌ عليه
(3)
.
وصريحُه: إجزاء الدَّقيق، وهو الطَّحين والسَّويق، وهو قمحٌ أوْ شَعِيرٌ يُقْلَى ثمَّ يُطحَن، نَصَّ عليه
(4)
، واحتجَّ
(5)
بزيادةٍ انفرد بها ابنُ عُيَيْنَةَ من حديث أبِي سعيدٍ: «أوْ صاعًا من دقيقٍ» ، قيل لابنِ عُيَيْنةَ: إنَّ أحدًا لا يَذكُره فيه، قال: بل هو فيه، رواه الدَّارَقُطنيُّ
(6)
.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 48.
(2)
ينظر: إكمال المعلم 3/ 481.
(3)
أخرجه البخاري (1506)، ومسلم (985).
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 170.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 233.
(6)
هذه الزيادة أخرجها أبو داود (1618)، والنسائي في الكبرى (2305)، والدارقطني (2099)، وحكم الأئمة بشذوذها، قال أبو داود:(زاد سفيان: «أوْ صاعًا من دقيقٍ»، قال حامد: فأنكروا عليه، فتركه سفيان، قال أبو داود: فهذه الزيادة وهمٌ من ابن عيينة)، وأنكر ابنُ المديني على سفيان، وحكم بشذوذها النسائي والبيهقي والألباني. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 4/ 288، الإرواء 3/ 338.
قال المجد: بل
(1)
أَولَى بالإجزاء؛ لأنَّه كُفِيَ مُؤنتَه، كتَمْرٍ نُزِع حبُّه.
ويُعتبَر صاعُه بوزن حبِّه، نَصَّ عليه
(2)
؛ لتفرُّق الأجزاء بالطَّحْن.
وظاهره: يُجزئُ بلا نَخْلٍ، وفيه وجْهٌ، كما لا يُكَمَّلُ تمرٌ بنواه المنزوع.
وعنه: لا يُجزِئُ فيهما، اختاره صاحبُ «الإرشاد» و «المحرَّر» في السَّوِيق؛ لأنَّ الزِّيادة أُنكِرتْ على سفيانَ فتركها.
وفي كلام المؤلِّف نَظَرٌ؛ لأنَّه لو قدَّم ذكر التَّمر والزَّبيب، ثمَّ ذكر البُرَّ والشَّعيرَ والأَقِط؛ لرجع الخلافُ إلى ذلك.
والثَّانية: لا يُجزِئُ الأَقِط، اختاره أبو بكر؛ لأنه جنس لا تجب فيه الزكاة، فلا يجزئ إخراجه كاللحم.
وعنه: لا يجزئ إلا لمن هو قوته، اختاره الخرقي
(3)
، فظاهِرُه: يُجزِئُ وإنْ وُجِد غيرُه، وخصَّصه الخِرَقِيُّ بأهل البادية؛ نظرًا إلى الغالب.
فعلَى الأوَّل: هو أصلٌ بنفسه، وهو طريقة الأكثر.
وفي اللَّبَن غيرِ المخِيض والجُبْن أوْجُهٌ، ثالثُها: يُجزِئُ اللَّبَنُ فقط، ورابِعُها: يُجزِئان مع عدم الأَقِط، ويحتمل أنَّه
(4)
يجزئ الجبن، لا
(5)
اللبن
(6)
وحدَه؛ لأنَّه بلغ حالة الادِّخار. وظاهِرُه: أنَّه لا يُجزِئُ نصفُ صاعٍ من بُرٍّ، نَصَّ عليه
(7)
، لحديث أبِي
(1)
زيد في (ب) و (ز): هي.
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 170.
(3)
قوله: (لأنَّه جنس لا تجب فيه الزكاة) إلى هنا سقط من (أ).
(4)
في (أ): أن.
(5)
قوله: (الجبن لا) زيادة من الأصل.
(6)
في (د): الجبن واللبن.
(7)
ينظر: المغني 3/ 82.
هريرة: «أوْ صاعٌ مِنْ قَمحٍ» ، وهو من رواية سُفيانَ بن حُسَين عن الزهري، وليس بالقويِّ
(1)
.
واختار
(2)
الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(3)
: الإجزاء
(4)
، وأنَّه قياس المذهب في الكفَّارة، ويقتضيه ما نقله الأثرمُ، وفيه شَيءٌ؛ لأنَّ في رواية الأثرم:(صاعٌ من كلِّ شَيءٍ)
(5)
، ولأحمدَ وغيره من حديث الحسَنِ عن ابن عبَّاس:«نِصفُ صاعٍ من برٍّ» ، وفيه مقالٌ؛ لأنَّ الحسنَ لم يَسمَع منه، قاله ابن المديني وابنُ مَعينٍ
(6)
.
(وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ)؛ أيْ: غيرُ الأصناف المذكورة مع قدرته على تحصيلها؛ كالدبس والمصل
(7)
.
وقيل: يجزئ كلُّ مَكيلٍ مطعومٍ.
(1)
أخرجه الدارقطني (2090)، والحاكم (1493)، قال ابن عبد الهادي:(سفيان بن حسين؛ الأكثر على تضعيفه في روايته عن الزهري)، ووقع في إسناده اختلاف أشار إليه الدارقطني، وضعف رواية سفيان بن حسين. ينظر: علل الدارقطني 9/ 105، تنقيح التحقيق 3/ 106.
(2)
في (د) و (ز): واختاره.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 231، الاختيارات ص 152.
(4)
في (د): بالإجزاء.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 122.
(6)
أخرجه الدارقطني (2131)، والبيهقي في الخلافيات (3418)، وسنده منقطع، فقد نفَى ابن معين وابن المديني وأحمد وأبو حاتم وغيرهم سماعَ الحسن من ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
وأخرجه الدارقطني (2119)، من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعًا، وسنده ضعيف جدًّا، فيه سلاَّم بن سليم التَّميمي، وهو متروك الحديث، وفي الباب أحاديث أُخر كلها واهية استوفاها البيهقي في الخلافيات. ينظر: التاريخ لابن معين برواية الدوري (4099، 4095)، العلل لابن المديني (ص 51)، المراسيل لابن أبي حاتم (98، 100)، تهذيب التهذيب 2/ 269.
(7)
قال في المحكم المحيط 8/ 336: (المصل والمصالة: ما سال من الأقط إذا طبخ ثم عصر).
واختار الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
: يُجزِئُ قوتُ بلده، مثل الأرز ونحوه، وأنَّه قولُ أكثر العلماء؛ لقوله تعالى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المَائدة: 89]، وجزَم به ابنُ رَزِينٍ.
(إِلاَّ أَنْ يَعْدِمَهُ فَيُخْرِجُ ممَّا يُقْتَاتُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ)؛ كلحم ولَبَنٍ. وقيل: لا يعدل عنهما؛ لأنَّ المقصود من المنصوص عليها
(2)
: الاِقْتِياتُ، وحصول الغِنَى عن
(3)
الطَّلَب، وهو حاصِلٌ بذلك.
(وَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ)، وهو أشْبهُ بكلام أحمدَ، وظاهر الخِرَقِيِّ، وقدَّمه الشَّيخانِ في «الكافي» و «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز»:(يُخْرَجُ) صاعٌ (مِمَّا يَقُومُ مَقَامَ الْمَنْصُوصِ) من كلِّ حبٍّ؛ كذرة ودُخْنٍ، أوْ ثَمَرٍ يُقتاتُ؛ كتِينٍ يابِسٍ ونحوه؛ لكونها
(4)
أشْبَهَ بالمنصوص عليها، فكانت أَوْلَى، زاد بعضهم: بالبلد غالِبًا.
وقيل: يُجزِئُ ما يَقومُ مقامها
(5)
وإن لم يكن مَكِيلاً.
(وَلَا يُخْرِجُ حَبًّا مَعِيبًا)؛ كمُسوِّسٍ ومبْلولٍ؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البَقَرَة: 267]، ولأنَّ السُّوس يأكُلُ جوفَه، والبَلَلَ يَنفُخُه، فالمخرِج
(6)
لصاعٍ منه ليس هو الواجبَ شَرْعًا.
فإن خالَطَ الجيِّدَ ما لا يُجزِئ؛ فإن كثر لم يُجزِئْه، وإن قلَّ زاد بقدر ما يكون المصفَّى صاعًا؛ لأنَّه ليس عَيبًا؛ لقِلَّة مشقَّة تنقِيَته، قال: أحبُّ تنقية
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 326، الاختيارات ص 151.
(2)
في (ب): عليهما.
(3)
قوله: (الغنى عن) في (ب): القناعة.
(4)
في (د): وللأنها، وفي (ز): ولكونها.
(5)
في (أ): مقامهما.
(6)
في (د) و (ز): والمخرج.
الطَّعام، وحكاه عن ابنِ سِيرِين
(1)
؛ ليكونَ أكملَ.
(وَلَا خُبْزًا)؛ لأنَّه خرج عن الكَيل والاِدِّخار، وفيه شَبَهٌ بإخراج القيمة. وقال ابنُ عَقيلٍ: يُجزِئُ.
(وَيُجْزِئُ إِخْرَاجُ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّ كلًّا منها يجوز منفرِدًا، فكذا مع غيره؛ لتفاوُت مقصودها أوِ اتِّحادِه، وقاسه في «المغني» و «الشَّرح» على فطرة عبدٍ مشتَرَكٍ إذا أخرج كلُّ واحدٍ من جنسٍ.
وفي «الفروع» : يتوجَّه تخريجٌ من
(3)
الكفَّارة: لا تُجزِئُ؛ لظاهر الأخبار، إلاَّ أنْ نقولَ بالقيمة.
(وَأَفْضَلُ المُخْرَجِ التَّمْرُ) مطلقًا، نَصَّ عليه
(4)
؛ لفِعْلِ ابنِ عمرَ، رواه البُخاريُّ
(5)
، وقال له
(6)
أبو مِجْلَزٍ: إنَّ الله قد أوسعَ، والبُرُّ أفضلُ، فقال:«إنَّ أصحابِي سلكوا طريقًا، فأنا أُحِبُّ أنْ أسلكَه» رواه أحمدُ واحتجَّ به
(7)
، ولأنَّه قوتٌ وحلاوةٌ، وأقربُ تناولاً، وأقلُّ كُلْفَةً، ولا عبرةَ بوزنه، بل يُحتاطُ في الثَّقيل؛ ليَسقُط الفرضُ.
(ثُمَّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ بَعْدَهُ)، إذِ القصدُ الاِقْتِياتُ، وحصولُ الإغناء به عن الطَّلَب.
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 17.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 237.
(3)
في (أ): في.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 123، مسائل صالح 3/ 17.
(5)
أخرجه البخاري (1511).
(6)
قوله: (له) سقط من (أ).
(7)
أخرجه ابن بطة في الإبانة (99)، من طريق الإمام أحمد، وأخرجه ابن زنجويه في الأموال (2390)، وابن حزم في المحلى (4/ 249)، من طريق عمران بن حُدير، عن أبي مجلز به، وإسناده صحيح.
لكنْ جزم في «المغني» و «الشَّرح» و «الوجيز» : أنَّ الأفضلَ بعدَ التَّمْرِ البُرُّ، فيَحتَمِل أن يكون مرادًا هنا
(1)
؛ لأنَّ الاِعتماد في تفضيل التمر
(2)
اتِّباعُ الصَّحابة وسلوك طريقتهم
(3)
، ولهذا قال أبو مِجْلَزٍ:«والبُرُّ أفضلُ» ، وأقرَّه عليه؛ لأنه
(4)
أنْفَعُ في الاِقتياتِ، وأبلغُ في دَفْع حاجة الفقير.
وقيل: الزبيب
(5)
، جزم به أبو الخطَّاب، وعزاه ابن المنجَّى للأصحاب؛ لمشاركته له
(6)
في القُوت والحَلاوة.
وفي «المحرَّر» : أفضلُها التَّمرُ، ثمَّ الزَّبيبُ، ثمَّ البُرُّ، ثمَّ الشَّعيرُ، ثمَّ الأَقِطُ.
وعنه: الْأَقِطُ أفضلُ لأهل البادية إنْ كان قوتَهم.
وقيل: أفضلُها ما كان أغْلَى قِيمةً، وأكثرَ نفعًا.
(وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَمَاعَةَ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(7)
، إذا أعطى من كلِّ صنفٍ ثلاثةً؛ لأنَّه دَفَع الصَّدقة إلَى مُستحقِّها.
(وَالْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ الْجَماعَةَ)، نَصَّ عليه
(8)
؛ لأنَّها
(9)
صدقةٌ لغَير معيَّنٍ، فجاز صرفها إلى واحد؛ كالزَّكاة.
والأفضلُ أنْ لا يَنقُصَ الواحدَ عن مدِّ بُرٍّ أوْ نصفِ صاعٍ من غَيرِه.
(1)
في (أ): هما.
(2)
في (أ): البر.
(3)
في (ز): طريقهم.
(4)
قوله: (دون نفعه أوجه ثالثها
…
) إلى قوله: (وأقره عليه لأنه) سقط من (و).
(5)
في (د): الترتيب.
(6)
قوله: (له) سقط من (أ).
(7)
ينظر: المغني 3/ 99.
(8)
ينظر: الفروع 4/ 239.
(9)
في (د): لأنه.
وعنه: الأفضلُ تَفرِقةُ الصَّاع، جزَم به جماعةٌ؛ للخروج من الخلاف.
وعنه: الأفضلُ أن لا يَنقُصَ الواحدَ عن صاعٍ للمشقَّة.
ويصرف في أصناف الزَّكاة، لا في غيرهم.
وفي «الفنون» عن بعض أصحابنا: تدفع إلَى مَنْ لا يَجِدُ ما يَلزَمه.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
: لا تدفع إلاَّ لمَنْ يَستحِقُّ الكفَّارةَ، وهو من يأخذ لحاجته، لا
(2)
في المؤلَّفة والرِّقاب، وغير ذلك.
فَرعٌ: إذا دفعها إلى مستحقِّها فردَّها إليه عن نفسه، أو جُمِعتْ عند الإمام فقسَمها على أهل السُّهمان، فعاد إلى إنسانٍ ذلك؛ جاز، أشْبَهَ ما لو عادت إليه بميراثٍ.
وقال أبو بكرٍ: مذهبُ أحمدَ: أنَّه لا يحل له أخْذُها؛ لأِنَّها طُهرةٌ، فلم يَجُز له أخذها؛ كشِرائها؛ لحديث عمرَ رضي الله عنه
(3)
.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 73، الاختيارات ص 151.
(2)
في (د) و (ز) و (و): إلا.
(3)
أخرجه البخاري (1489)، ومسلم (1621)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر تصدق بفرس في سبيل الله، فوجده يُباع، فأراد أن يشتريه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأمره، فقال:«لا تعُد في صدقتك» .
(بَابُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ)
(لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا مَعَ إِمْكَانِهِ)؛ أي: مع القدرة، نَصَّ عليه
(1)
؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعَام: 141]، والمرادُ الزَّكاةُ، والأمْرُ المطلَقُ للفور
(2)
، بدليل: أنَّ المؤخِّر
(3)
يستحِقُّ العقاب، ولو جاز التأخير
(4)
لكان إمَّا إلى غايةٍ، وهو منافٍ للوجوب، وإمَّا إلَى غيرها، ولا دليلَ عليه، بل ربُّمَا يُفْضِي إلى سقوطها إمَّا بموته أو تلف
(5)
المال فيتضرر
(6)
الفقير، فيختَلُّ المقصود من شَرعها، ولأِنَّها للفور بطلَب السَّاعي، فكذا بطلب الله تعالى؛ كعَينٍ مغصوبةٍ، وفي «المغني» و «الشَّرح»: لو لم يكن الأمرُ للفور لَقُلْنا به هنا، ولأنَّها عبادةٌ تُكَرَّر
(7)
، فلم يَجُزْ تأخيرها
(8)
إلى دخول وقت مثلها؛ كالصَّلاة.
وقيل: لا يلزمه على الفورِ؛ لإطلاق الأمْر؛ كالمكان.
وعلَى الأوَّل: يَضمَنُ إذا تَلِف المالُ أو بعضُه لتعدِّيه.
وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يمكنه الإخراجُ، كمن مُنِع من التَّصرُّف في ماله، أو لم يَجِدِ المستحِقَّ، أو كان مالُه غائبًا ونحوه؛ فيجوز له التَّأخيرُ.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 116، مسائل صالح 1/ 125.
(2)
في (و): للفورية.
(3)
في (أ): المؤجر.
(4)
في (د): التأخر.
(5)
في (أ): بتلف.
(6)
في (ب) و (ز): ليتضرر، وفي (د) و (و): لتضرر.
(7)
في (د): مكررة، وفي (و): تتكرر.
(8)
في (د): تأخرها.
وكلامُه مُشعِرٌ بجواز تأخيرها عن غير وقت وجوبها، وهو كذلك بلا نِزاعٍ.
(إِلاَّ لِضَرَرٍ)، فيجوز له
(1)
تأخيرها، نَصَّ عليه
(2)
، (مِثْلُ أَنْ يَخْشَى رُجُوعَ السَّاعِي عَلَيْهِ) إذا أخرجَها هو بنفسه، (وَنَحْوُ ذَلِكَ)؛ كما إذا خاف على نفسه أو ماله؛ لما في ذلك من الضَّرَرِ، وإذا جاز تأخير دَين الآدَمِيِّ؛ فهي أَوْلَى.
ويجوز تأخيرها لحاجة المالك إليها، نَصَّ عليه
(3)
، ولمَن حاجتُه أشدُّ، نقله يعقوبُ
(4)
. وقيَّده جماعةٌ: بزمَنٍ يسيرٍ للحاجة، وإلاَّ لم يَجُزْ تَرْكُ واجبٍ لمندوبٍ، وظاهر كلام جماعةٍ: المنْعُ.
وكذا يجوز تأخيرها لقريبٍ في الأشهَر، وجارٍ
(5)
، ولم يذكره الأكثرُ.
وعنه: له أن يُعطِيَ قريبَه كلَّ شهرٍ شَيئًا، وحَمَلَها أبو بكرٍ على تعجيلها. قال المجْدُ: هو خلاف الظَّاهِر.
وينبغِي أن يُقيَّد الكلُّ: بما لم يَشْتدَّ ضَررُ الحاضِرِ.
فَرعٌ: يجوز للإمام والسَّاعي تأخيرُها عند ربِّها؛ لعُذْر قحط
(6)
ونحوِه، احتجَّ أحمدُ
(7)
بفِعْل عمرَ
(8)
.
(1)
قوله: (له) سقط من (أ).
(2)
ينظر: المغني 2/ 510.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 244.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 244.
(5)
زيد في (ب) و (ز) و (و): مثله.
(6)
في (و): وقحط.
(7)
ينظر: الفروع 4/ 242.
(8)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (ص 464)، وابن زنجويه في الأموال (1435، 2232)، وابن شبه في تاريخ المدينة (2/ 745)، والبيهقي في المعرفة (8060)، عن الحارث بن أبي ذباب الدوسي، قال: لما كان عام الرمادة، أخَّر عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصدقة عام الرمادة، حتى إذا أحيا الناس في العام المقبل وأسمن الناس، بعث إليهم مصدقين، وبعثني فيهم، فقال:«خُذْ منهم العقالين؛ العقال الذي أخَّرنا عنهم، والعقال الذي حلَّ عليهم، ثم اقسم عليهم أحد العقالين وأحدر الآخر» ، قال: ففعلت. لا بأس برجال الإسناد، وقد احتج به أحمد كما ذكر المصنف، إلا أن مدار الأثر على محمد بن إسحاق، وقد عنعنه، قال الشافعي في القديم:(وليس بالثابت)، وعلَّق البيهقي على ذلك بقوله:(ابن أبي ذباب هذا هو الحارث بن سعد بن أبي ذباب، وهذا إسناده موصول، وكأن الشافعي اتقى حديث محمد بن إسحاق حين لم يذكر في هذا الإسناد سماعه). ينظر: معرفة السنن للبيهقي 6/ 78.
(فَإِنْ جَحَدَ وُجُوبَها جَهْلاً) به
(1)
ومثلُه يَجهَلُه؛ كقريب
(2)
العهد بالإسلام، والنَّاشِئِ بباديةٍ بعيدةٍ تَخْفَى عليه؛ (عُرِّفَ ذَلِكَ)؛ أيْ: عُرِّفَ وجوبَها ليَرْجِعَ عن الخطأ، ولم يُحكَم بكُفْره؛ لأنه معذور.
(فَإِنْ أَصَرَّ)، أوْ كان عالِمًا به؛ (كَفَرَ) إجْماعًا
(3)
؛ لأنَّه مُكذِّبٌ لله ولرسوله، وظاهِرُه: ولوْ أخْرَجها، (وَأُخِذَتْ مِنْهُ)؛ لوجوبها قبلَ كفره، فلم تَسقُط به؛ كالدَّين، قال في «الفروع»: إنْ كان وجبت ولا يُحتاجُ إليه؛ لأنَّها مفروضةٌ فيه.
(وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثًا)؛ كالمرتَدِّ، (فَإِنْ لَمْ يَتُبْ؛ قُتِلَ)؛ لقوله عليه السلام:«أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ الناسَ حتَّى يَقولوا: لَا إلهَ إلاَّ اللهُ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكاةَ» ، وقال أبو بكرٍ رضي الله عنه:«لَأُقاتِلنَّ مَنْ فرَّق بَينَ الصَّلاةَ والزَّكاةَ» . متَّفَقٌ عليهما
(4)
.
(وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلاً بِهَا
(5)
أوْ تهاوُنًا؛ (أُخِذَتْ مِنْهُ)؛ قَهْرًا كدَين الآدَمِيِّ، وكما يُؤخَذُ منه العُشْرُ، ولأنَّ للإمام طلَبَه به، فهو كالخراج، بخلاف الاستِنابة
(1)
في (و): بها.
(2)
في (د) و (و): كقرب.
(3)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 193.
(4)
الأوَّل: أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والثاني: أخرجه البخاريُّ (1400، 1399) ومسلمٌ (20)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
قوله: (بها) سقط من (أ).
في الحجِّ، والتَّكفير بالمال.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُحبَس حتى يُؤدِّيَ؛ لعدم النِّيَّة في العبادة من الممتَنِع.
(وَعُزِّرَ)؛ لتَرْكِه الواجبَ عليه، ولأنَّها معصيةٌ لا حدَّ فيها ولا كفَّارةَ.
والمرادُ: إذا كان عالِمًا بتحريم ذلك. وقيل: إن كان مالُه باطنًا
(1)
عزَّره إمامٌ أو محتسِب.
وذَكَر القاضِي وابنُ عَقِيلٍ: إنْ فَعَلَه لفِسْقِ الإمام؛ لكونه لا يضعها مواضعها
(2)
لم يُعزِّرْه، وجزم به جماعةٌ.
(فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ، أَوْ كَتَمَهُ)؛ أيْ: غلَّه، (أَوْ قَاتَلَ دُونَهَا، وَأَمْكَنَ أَخْذُهَا)، فإنْ كان في قبضة الإمام؛ (أُخِذَتْ) الزَّكاة (مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ) عليها، وهو قول أكثر العلماء
(3)
؛ لأنَّ الصِّدِّيق مع الصَّحابة لَمَّا مَنَعَتْهُ العربُ الزَّكاةَ؛ لم يُنقَلْ أنَّه أخذ منهم زيادةً عليها، ولأنَّه لا يُزادُ على أخذ الحقوق من الظَّالِم، وكسائر الحقوق.
وعنه: تؤخذ منه ومثلها، ذَكَرها ابنُ عَقِيلٍ، وقاله في «زاد المسافر» ؛ تغليظًا عليه.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَأْخُذُهَا وَشَطْرَ مَالِهِ)؛ أيْ: مع شطْرِ ماله الزَّكَوِيِّ، وهذا روايةٌ، وقدمها
(4)
الحُلْوانِيُّ؛ لما رَوَى بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ عن أبِيه عن جدِّه مرفوعًا: «فِي كلِّ إبِلٍ سائمةٍ في كلِّ أربعين ابنةُ لَبونٍ، لا يفرق إبل
(5)
عن حسابها، مَنْ أعطاها مؤتَجِرًا؛ فله أجرها، ومن مَنَعها؛ فإنَّا آخِذوها وشطرَ
(1)
في (و): غائبًا.
(2)
قوله: (لا يضعها مواضعها) هو في (أ) و (ب): (يضعها)، وفي (د) و (ز) و (و): مواضعها.
(3)
في (د) و (و): أهل العلم.
(4)
في (د): وقدمه.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): الإبل.
إبله، عَزْمةً مِنْ عَزمات ربِّنا، لا يَحِلُّ لآِل محمَّدٍ منها شَيءٌ»، رواه أحمدُ والنَّسائيُّ وأبو داودَ، وقال:«شطر ماله» ، وهو ثابِتٌ إلَى بَهْزٍ، وقد وثَّقه الأكثرُ
(1)
.
وجوابُه: بأنَّه
(2)
كان في بَدْءِ الإسلام، حيث كانت العقوبات في المال، ثمَّ نسخ؛ لأنَّ الظاهر
(3)
إيجاب بنت لَبون في كلِّ أربعين مطلقًا، والمستقَرُّ عليه في النُّصب
(4)
والأسنان حديث الصِّدِّيق، وفيه:«ومَن سُئِل فَوقَ ذلك؛ فلا يعطه»
(5)
.
قال في «الشَّرح» : (وانعقد الإجماع على ترْك العمل به في المانِعِ غَيرِ الغَالِّ)، وليس كذلك.
(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا) بالتَّغيِيب أوْ غيرِه؛ (اسْتُتِيبَ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّها من مبانِي الإسلام، فيُسْتَتابُ تاركُها؛ كالصَّلاة، (فَإِنْ تَابَ
(6)
وَإِلاَّ قُتِلَ) إذا لم يَتُبْ؛
(1)
أخرجه أحمد (20016)، وأبو داود (1575)، والنَّسائي (2444)، وابن خزيمة (2266)، والحاكم (1448)، واختلف الحفَّاظُ في الاحتجاجِ بحديثِ بهز بن حكيمٍ، والجمهورُ على توثيقه، وثَّقه ابن معين وأحمد وإسحاق وابن المديني وغيرُهم، والحديث صحَّحه أحمد والحاكم والنَّوويُّ وابن الملقِّن وابن القيم وابن عبد الهادي، وحسنه الألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 141، المحرَّر في الحديث (568)، تهذيب السنن 2/ 193، المجموع للنَّوويِّ 5/ 332، البدر المنير 5/ 481، تهذيب التهذيب 1/ 498، التلخيص الحبير 2/ 313، الإرواء 3/ 263.
(2)
في (د) و (و): أنه.
(3)
في (أ): ظاهر.
(4)
في (أ): العيب، وفي (د): المنصب.
(5)
أخرجه أحمد (72)، وأبو داود (1567)، والنسائي (2447)، من حديث أنس رضي الله عنه في كتاب أبي بكر في الصدقة، وصححه الدارقطني والبيهقي والألباني، وأصله في البخاري من دون هذه اللفظة. ينظر: الإرواء 3/ 264.
(6)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وأخرج.
لاِتِّفاق الصَّحابة على قتال مانِعِها، (وَأُخِذَتْ مِنْ
(1)
تَرِكَتِهِ) من غير زيادةٍ؛ لأنَّ القتْلَ لَا يُسقِطُ دَينَ الآدَمِيِّ، فكذا الزَّكاة.
وإذا قُتل؛ فيكون
(2)
حدًّا على الأصحِّ؛ لظاهر الكتاب والسُّنَّة، وأنَّه لا تسبى لهم ذرية؛ لأنَّ الجناية من غيرهم.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُكَفَّرُ بمقاتلة الإمام له في ظاهر المذهب؛ لأنَّ الصَّحابةَ لَم يَعتقِدُوا كفرهم حين امتَنَعُوا.
(وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا كَفَرَ)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا} الآيةَ [التّوبَة: 5]، ولأنَّ أبا بكرٍ لَمَّا قاتلهم قالوا: نؤدِّيها، قال:«لا أقْبلُها حتَّى تشهَدوا أنَّ قتلانا في الجنَّة، وقتلاكم في النَّار»
(3)
، ولم
(4)
ينقل عن أحدٍ من الصَّحابة إنكارُه، فدلَّ على كفرهم، قال ابنُ مسعودٍ:«ومَا تارِكُ الزَّكاة بمسلِمٍ»
(5)
.
وجوابه: بأنَّه يَحتَمِل أنَّهم جحدوا وجوبَها، ويَحتمِلُ غيرَ ذلك، فلا يجوز الحكم به في محلِّ النِّزاع، ولا يلزم من الحكم بالنَّار؛ الحكمُ بالكفر، بدليل العُصَاة من
(6)
هذه الأمَّة.
(1)
قوله: (من) سقط من (أ)
(2)
في (ز): فتكون.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (32731)، وسعيد بن منصور (2934)، وأحمد في فضائل الصحابة (1698)، وأبو عبيد في الأموال (510)، وابن زنجويه في الأموال (742)، والبَلاذُري في فتوح البلدان (ص 100)، والخلال في السنة (475)، والطبراني في المعجم الأوسط (1953)، والبيهقي في الكبرى (17632)، وإسناده صحيح.
(4)
في (د) و (و): فلم.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (9828)، وعبد الله بن أحمد في السنة (812)، والخلال في السنة (1500)، وابن بطة في الإبانة (891)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1575)، وإسناده صحيح إن سلم من تدليس أبي إسحاق السبيعي.
(6)
في (أ): في.
وقال القاضِي: الصَّحيحُ من المذهب: أنَّه لا يَكفُر بترك شَيءٍ من العبادات سوى الصَّلاة؛ لتعذُّر النِّيابة فيها، والمقصود الأعظمُ من الزَّكاة دَفْعُ حاجة الفقير، وهو حاصِلٌ بأدائها مع القتال.
(وَإِنْ) طُولِبَ بالزَّكاة، فادَّعَى أداءَها، أو (ادَّعَى مَا يَمْنَعُ الوُجُوبَ
(1)
مِنْ نُقْصَانِ الْحَوْلِ أَوِ النِّصَابِ، أَوِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ)؛ بأنْ قال: بِعْتُه ثمَّ اشتريْتُه؛ (قُبِلَ قَوْلُهُ)؛ لأنَّ الأصلَ براءةُ ذِمَّته، (بِغَيْرِ يَمِينٍ، نَصَّ عَلَيْهِ
(2)
، وظاهِرُه: لا يُشْرَعُ، نَقَل حَنبَلٌ: لا يَسأَلُ المتصدِّقُ عن شَيءٍ ولا يَبحَثُ، إنَّمَا يأخذ ما أصابَه مجتمِعًا
(3)
، ولأنَّها عِبادةٌ مُؤْتَمَنٌ عليها، فلا يُستحلَف؛ كالصَّلاة والكفَّارة، بخلاف الوصيَّة للفقراء بمالٍ.
وقال ابنُ حامِدٍ: يُستحلَف في ذلك كلِّه.
وفي «الفروع» : يتوجَّه احتمالٌ إنِ اتُّهِمَ.
وفي «الأحكام السُّلطانيَّة» : إن رأى العامِلُ أن
(4)
يَستحلِفَه؛ فَعَل.
وإنْ نَكَل لم يُقْضَ عليه بنُكولِه. وقيل: بلَى.
وكذا الحكمُ إنْ مَرَّ بعاشِرٍ، وادَّعى أنَّه عَشَرَهُ آخَرُ.
فَرعٌ: إذا أقرَّ بقدْر زكاته، ولم يَذكُر قدْرَ ماله؛ صُدِّق، ويَجْرِي الخلافُ السَّابقُ فِي اليمين.
(وَالصَّبِيُّ وَالمَجْنُونُ) تَجِبُ الزَّكاةُ في مالِ كلٍّ منهما إذا كان حُرًّا مسلمًا تامَّ الملك، وقد مر؛ لِما رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مرفوعًا: «من ولِيَ مالَ يَتيمٍ؛ فلْيَتَّجِرْ
(1)
في (ب) و (ز): وجوب الزكاة، وفي (د) و (و): الزكاة.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 116.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 248.
(4)
في (ز): أو.
به، ولا يَترُكه حتَّى تأكلَه الصَّدقةُ»
(1)
، ورُوي موقوفًا
(2)
على عمرَ
(3)
، فدلَّ على وجوبها؛ لأنَّ الولي
(4)
ليس له أن يَتَبرَّع بمال اليتيم، ولأن من وجَبَ العُشْرُ في زَرْعه؛ وجب رُبُعُ العُشْرِ في ورِقِه
(5)
، كالبالِغ العاقِلِ، والصَّلاةُ والصَّومُ مُختصَّةٌ بالبَدَن، فإنَّ نيَّةَ الصَّبِيِّ ضعيفةٌ، والمجنون لا يتحقَّق منه نيتها، بخلاف الزَّكاة فإنَّها تتعلَّق بالمال؛ كنفقة الزَّوجات والأقارِب وأرْش الجنايات.
فعلَى هذا: (يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا) من مالهما؛ لأنَّه حقٌّ واجِبٌ عليهما، فوجب على الولِيِّ أداؤُه عنهما، كنفقة قريبه، وتعتبر
(6)
النِّيَّة منه في الإخراج؛ كربِّ المال.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ) إن كان أمينًا، وهو أفضلُ مِنْ دَفْعها إلَى الإمام، نَصَّ عليه
(7)
؛ لقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ (271)} الآيةَ [البَقَرَة: 271]، وكالدَّين، ولأنَّ القابِضَ رشيدٌ، قَبَض ما يَستحقُّه، وليكون على ثِقةٍ من إيصالها إلى مستحقِّها.
وظاهره: لا فرق بين الأموال الظَّاهرة والباطنة. وقيل: يَجِب دَفْع زكاة
(1)
أخرجه الترمذي (641)، والدارقطني (1970)، وفيه المثنَّى بن الصَّباح، ضعيفٌ اختلطَ بأَخَرةٍ، وقال أحمد:(لا يسوى حديثُه شيئًا، مضطَّرِب الحديث)، وضعف الحديث أحمد والترمذيُّ والنَّوويُّ وابن عبد الهادي وغيرهم، وفي الباب أحاديث أخرى إما واهيةٌ، أو ضعيفة. ينظر: العلل ومعرفة الرجال (2324)، خلاصة الأحكام 2/ 1079، تنقيح التحقيق 3/ 30، البدر المنير 5/ 565، التلخيص الحبير 2/ 307.
(2)
في (أ) و (و) و (ز): مرفوعًا.
(3)
سبق تخريجه 3/ 226 حاشية (5).
(4)
في (أ): المولى.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): رزقه.
(6)
في (و): ويعتبر.
(7)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1147، مسائل عبد الله ص 148.
المال الظاهر إلى الإمام.
(وَلَهُ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِي)؛ لما رَوَى سُهَيلُ بن أبِي صالِحٍ عن أبيه قال: أتَيتُ سعدَ بنَ أبِي وقَّاصٍ فقلت: لي مالٌ، وأريد إخراجَ زكاته، فما تأمُرُنِي؟ فقال:«ادفعها إليهم» ، فأتَيتُ ابنَ عمرَ وأبا هريرةَ وأبا سعيدٍ فقالوا مثل ذلك، رواه سعيدٌ
(1)
، ولأنَّه نائِبٌ عن مستحقِّها؛ فجاز الدَّفع إليه؛ كولِيِّ اليتيم.
وظهر: أنَّ له دفْعَها إلى الإمام، ولو كان فاسِقًا، قال أحمدُ:(الصَّحابة يأمرون بدَفْعها، وقد علِموا فيما ينفقونها)
(2)
.
وفي «الأحكام السُّلطانيَّة» : يَحرُم إن وضعها في غير أهلها، ويجب كتمها إذِنْ.
وبالجملة فتجزئ مطلقًا؛ لما رَوَى أحمدُ عن أنَسٍ مرفوعًا: «إذا أدَّيتها إلى رسولِي فقَد بَرِئْتَ منها إلَى الله ورسولِه، فلَكَ أجرُها، وإثْمُها علَى مَنْ بدَّلَها»
(3)
.
وللإمام طلَبُها من الأموال مطلقًا إذا وضعها في أهلها. وقيل: يجب
(1)
أخرجه عبد الرزاق (6922)، وابن أبي شيبة (10189)، وأبو عبيد في الأموال (1791)، وابن زنجويه في الأموال (2132)، وسحنون في المدونة (1/ 368)، والبيهقي في الكبرى (7385)، من طرق عن سهيل، وإسناده حسن.
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 397، الفروع 4/ 259.
(3)
أخرجه أحمد (12394)، والحارث في مسنده (288)، والطبراني في الأوسط (8802)، والحاكم (3374)، وظاهر إسناده الصِّحة، وصححه الحاكم، لكن أُعل بالانقطاع، فإنَّ سعيد بن أبي هلال المصريّ، وإن كان صدوقًا؛ إلاَّ أنه لم يسمع من أنس بن مالك رضي الله عنه كما ذكر المزيُّ، وقال الحافظ ابن حجر:(روى عن جابرٍ وأنسٍ مرسلاً).
ويؤيِّد الإرسال: أن عبد الله بن وهب أخرجه في جامعه (196) من طريق خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عمَّن حدثه عن أنس، وضعف الحديث الإشبيلي والألباني. ينظر: الأحكام الوسطى 2/ 184، تهذيب الكمال 11/ 95، تهذيب التهذيب 4/ 94، تخريج أحاديث مشكلة الفقر (71)، تمام المنة ص 358.
دفْعها إذِنْ، وقيل: لا يجب دَفْع الباطنة، ذَكَره بعضُهم وجهًا واحدًا.
وعلى الأوَّل: ولو من بلدٍ غَلَبَ عليه الخوارجُ، فلم يؤدِّ أهلُه الزَّكاة، ثمَّ غَلَبَ عليهم الإمامُ؛ لأنَّهم وقت الوجوب ليسوا تحتَ حمايته.
(وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهُ العُشْرَ)؛ لاختلافهم
(1)
فيه، فذهب قومٌ إلَى أنَّه مَؤونةُ
(2)
الأرض، يتولاَّه الإمامُ أوْ نائبه.
وعنه: يدفع إلَى السُّلطان صدقة الفطر. وعنه: دفع الظَّاهِر أفْضَلُ.
(وَيَتَوَلَّى) المالكُ (تَفْرِيقَ الباقي)؛ كالمواشِي ونحوها، فيضعها مَوضِعَها.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: دَفْعُهَا إِلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ)، واختاره ابنُ أبي موسى؛ للخروج من الخلاف، وزوالِ التُّهمة.
تنبيهٌ: للإمام طَلَبُ نذْرٍ وكفَّارةٍ في وجْهٍ، نَصَّ عليه في كفَّارة الظِّهار
(3)
.
وما أخذه البغاة والخوارِجُ من الزَّكاة؛ فإنَّها تُجزِئُ عن مالكها، وحمَلَه القاضي على أنَّهم خرجوا بتأويلٍ، وفي موضِعٍ آخَرَ: أنَّهم إذا نصبوا إمامًا، وفي «الأحكام السُّلطانيَّة»: لا يُجزِئُ الدَّفْعُ إليهم اختيارًا. وعنه: الوقْفُ فيما أخذه الخوارج من الزكاة.
(وَلَا يَجُوزُ)؛ أي: لا يُجزِئُ (إِخْرَاجُهَا إِلاَّ بِنِيَّةٍ)؛ لقوله: «إنَّمَا الأعمالُ بالنِّيَّة»
(4)
، ولأنَّها عبادةٌ، فافْتقَرَتْ إليها كالصَّلاة، ومصرِفُ المال إلى الفقير له جِهاتٌ، فلا يتعيَّن إلا بتعيينٍ، فينوي الزَّكاة، أو الصدقة الواجبةَ، أوْ صدقةَ المالِ، أو الفطر، فلو نوى صدقة مطلقة؛ لم تُجزئْه، ولو تصدَّق بجميع ماله كصدقته بغير النِّصاب من جنسه.
(1)
في (أ): لا خلافهم.
(2)
في (أ): مؤنة.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 262.
(4)
أخرجه البخاري (6689)، ومسلم (1907).
ولا يُعتبَرُ نية الفرض، ولا المالُ المزكَّى عنه.
وفي تعليق القاضِي وجْهٌ: يُعتبر نيَّة التَّعيين إذا اختلف المالُ، كشاةٍ عن خمسٍ من
(1)
الإبل، وأخرى عن أربعين من
(2)
الغنم.
فعلَى الأول
(3)
: إن نوى زكاةَ ماله الغائبِ، فإن كان تالِفًا فعن الحاضر، أجْزَأَ عنه إن كان الغائبُ تالِفًا، بخلاف الصَّلاة؛ لاعتبار التعيين
(4)
فيها.
وإنْ أدَّى قَدْرَ زكاة أحدهما؛ جَعَلَه لأيِّهما شاء؛ كتعيينه ابتداءً
(5)
، وإن لم يُعيِّنْه أَجْزَأَ عن أحدهما.
ولو نَوَى عن الغائب فبان تالِفًا؛ لم يكن له
(6)
صرفُه إلى غيره؛ كعِتْقٍ في كفَّارةٍ مُعيَّنةٍ فلم يكن.
وإنْ نَوَى عن الغائب إنْ كان سالِمًا، أوْ نَوَى وإلاَّ فنفْلٌ؛ أَجْزَأَ؛ لأنَّه حكم الإطلاق، فلم يَضُرَّ التَّقييدُ. وقال أبو بكرٍ: لا يُجزِئُه؛ لأنَّه لم يُخلِص النِّيَّةَ للفرض.
والأَوْلَى مقارنتها للدَّفْع، وله تقديمُها بزمَنٍ يسيرٍ؛ كالصَّلاة. وفي «الرَّوضة»: تعتبر
(7)
عند الدَّفع، ولو عزَلَها لم تكف
(8)
النِّيَّةُ.
(إِلاَّ أَنْ يَأْخُذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا)، قاله الخِرَقِيُّ، وجزم به في «الوجيز» ؛ فإنَّها تُجْزِئُ بغير نيَّة ربِّ المال في الظَّاهر بلا تَردُّدٍ، بمعنى: أنَّه لا يُؤمَر
(1)
في (و): في.
(2)
في (و): في.
(3)
في (د): الأولى.
(4)
في (ز): التعين.
(5)
كتب على هامش الأصل: (لأن النية لم تتناوله).
(6)
قوله: (له) سقط من (أ) و (ب).
(7)
في (و): يعتبر.
(8)
في (و): لم يكف.
بأدائها ثانِيًا.
وظاهره: أنَّها تجزئ في الباطن، وهو أحدُ الوجوه؛ لأنَّ له ولايةً علَى المُمْتَنِع، فقامتْ نيَّتُه مقامَ نيَّة المالك، كولِيِّ الصَّبِيِّ ونحوه.
والثاني، وقاله القاضي: إنَّها تجزئ إذا أخذها طَوعًا أوْ كَرْهًا؛ لأنَّ أخذَه كالقسمة بين الشُّركاء.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ)، وابن عَقِيلٍ، وهو ظاهر «المحرَّر» ، واختاره حفيدُه
(1)
: (لَا تُجْزِئُهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ)؛ لأنَّ الإمام إمَّا وكيلُه، أو وكيلُ الفقراء، أو وكيلُهما، فتُعتبَر نيَّةُ ربِّ المال، وكالصَّلاة.
فعلَى هذا: يَقَعُ نفلاً من الطَّائع ويطالب بها، وتجزئ للمكرَه ظاهرًا لا باطِنًا؛ كالمصلِّي مكرَهًا.
وأجيب: بأنَّه والٍ على المال، ولا يَصِحُّ إلحاقُ الزَّكاة بالقسمة؛ لأنَّها ليست عبادة، ولا تعتبر لها نية، بخلاف الزكاة.
وقال القاضي في موضع: لا يحتاج الإمام إلى نية منه، ولا من رب المال
(2)
.
فَرْعٌ: لَوْ غاب المالكُ أوْ تعذَّر إذنه لحبس ونحوه، فأخذ السَّاعي من ماله؛ أجزأ مطلقًا؛ لأنَّ
(3)
له وِلايةَ أَخْذها إذن، ونيَّة المالك متعذِّرة بما تعذَّر عليه، كصرف الولِيِّ زكاة موليه.
(فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى وَكِيلِهِ) المسلمِ الثِّقةِ، نَصَّ عليه
(4)
، وقال القاضِي: يجوز
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 20.
(2)
قوله: (ولا تعتبر لها نية بخلاف الزكاة) إلى هنا سقط من (أ).
(3)
في (أ) و (ب): لأنه.
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 148.
أن يكون كافرًا على خلاف فيه، كما لو
(1)
استناب ذمِّيًّا في ذبح أضحيَّته، وجزم في «منتهى الغاية» بجوازه كالمسلم.
وفي مميِّزٍ وجهان، ومقتضاه صحَّة التَّوكيل في إخراجها اتِّفاقًا
(2)
.
(اعْتُبِرَتِ النِّيَّةُ فِي المُوَكِّلِ)؛ لأنَّها واجبةٌ عليه، فاعْتُبِرتْ من جهته، وظاهره
(3)
الإجزاء ولو تطاوَل زمنُ الإخراج، اختاره أبو الخطَّاب، (بِدُونِ نِيَّةِ الوَكِيلِ
(4)
، كما لو تقارَب الدَّفْعُ.
وقيَّده القاضِي وابن عَقِيلٍ وصاحب «الشَّرح» و «الوجيز» : بالزَّمَن اليَسيرِ.
فعلَى هذا: لو تطاوَل فلا بُدَّ من نيَّة الوكيل أيْضًا؛ لئلاَّ يَخْلُوَ الأداء إلى المستحقِّ عن نيَّة مقارِنَةٍ أوْ مُقارِبَةٍ.
ويُستثْنَى منه: ما لو دَفَعَها إلى الإمام ناويًا، ولم يَنْوِ الإمامُ حالَ الدَّفْع؛ جاز وإن طالَ الزَّمن؛ لأنَّه وكيل الفقراء.
وظاهِرُه: أنَّه إذا نوى الوكيلُ وحده؛ أنَّه لا يُجزِئُ؛ لأنَّ نيَّتَه لم يؤذن له
(5)
فيها، فتقع نفلاً، ولو أجازها.
وكذا مَنْ أخرج من ماله زكاةً عن حيٍّ بلا إذنه؛ لم يُجزِئْه ولو أجازها؛ لأنَّها ملك المتصدِّق، فوقعتْ عنه.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دَفْعِهَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا، وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا)؛ لخبر أبِي هُريرةَ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أَعطَيتُم الزَّكاةَ؛ فلا تَنسَوا ثوابَها أن تقولوا: اللَّهُمَّ اجْعَلَها مغنَمًا، ولا تَجْعلْها مَغْرَمًا» رواه ابن ماجه من رواية
(1)
قوله: (لو) سقط من (أ).
(2)
ينظر: الجوهرة النيرة 1/ 115، بداية المجتهد 4/ 85، البيان 3/ 369، المغني 5/ 66.
(3)
في (د): وظاهر.
(4)
في (أ): الموكَّل.
(5)
قوله: (له) سقط من (أ) و (ب) و (و).
البَختَرِيٍّ بن عبيد، وهو ضعيفٌ
(1)
، ومعناه: الدُّعاء، كأنَّه قال: اللهم اجعلها مثمرة لا مُنقصةً له؛ لأنَّ التَّثمير كالغنيمة، والتَّنقيص كالغرامة، ويَحمَدُ الله على توفيقه لأدائها.
(وَيَقُولُ الآْخِذُ: آجَرَكَ اللهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طُهُورًا)؛ لأنَّه مأمورٌ به في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التّوبَة: 103]؛ أي: ادْعُ لهم، قال عبدُ الله بن أبِي أَوْفَى: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومٌ بصدقتهم
(2)
قال: اللَّهُمَّ صَلِّ على آل فلانٍ، فأتاه أبِي بصَدَقته، فقال: اللَّهُمَّ صَلِّ على آل أَبِي أَوْفَى» متَّفقٌ عليه
(3)
، وهو محمولٌ على النَّدْب، ولهذا لم يَأمُر سُعاتَه بالدُّعاء.
وذهبت الظَّاهريَّة إلَى وجوبه
(4)
؛ لأنَّ «علَى» للإيجاب.
ويُستحَبُّ إظهارُها في الأصحِّ، وقيل: إن منعها أهلُ بلدةٍ اسْتُحِبَّ، وإلاَّ فلا.
فإنْ عَلِمه أهلاً لها؛ كُرِه إعلامه بها
(5)
، نَصَّ عليه
(6)
. وفي «الرَّوضة» : لا بُدَّ من إعلامه.
(1)
أخرجه ابن ماجه (1797)، والبيهقي في الدعوات (553)، وابن عساكر في التاريخ (22/ 10)، وفي سنده البَخْتَريُّ بن عُبيد الطَّابخي، متروكٌ كذَّاب، قال ابن حبَّان:(يروي عن أبيه عن أبي هريرة نسخةً فيها عجائب، لا يحلُّ الاحتجاج به إذا انفرد؛ لمخالفته الأثبات في الرِّوايات مع عدم عدالته)، وقال الحاكم في المدخل الكبير:(يَروي عن أبيه عن أبي هريرة أحاديثَ موضوعةً). ينظر: المجروحين لابن حبان 1/ 202، تهذيب الكمال 4/ 24، الإرواء 3/ 343.
(2)
في (د): بصدقهم.
(3)
أخرجه البخاري (4166، 1497)، ومسلمٌ (1078).
(4)
ينظر: شرح مسلم للنووي 7/ 185.
(5)
قوله: (بها) سقط من (أ).
(6)
ينظر: المغني 2/ 482.
وإنْ عَلِمَه أهلاً، ويعلَم من عادته لا يأخذ زكاةً فأعطاه
(1)
ولم يُعْلِمْهُ
(2)
؛ لم يُجزِئْه في قياس المذهب.
(وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إِلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ فِيهِ
(3)
الصَّلَاةُ)، نَصَّ عليه
(4)
، وجَزَم به الأكثرُ؛ لقوله عليه السلام لمُعاذٍ حين بعثَه إلَى اليمن:«أخْبِرْهم أنَّ عَلَيهِم صَدَقَةً تُؤخَذُ من أغنيائهم فتُرَدُّ في فقرائِهم» متَّفَقٌ عليه
(5)
، وقال سعيدٌ: ثنا سُفْيانُ، عن مَعْمَرٍ، عن ابن طَاوس، عن أبيه قال:«كان في كتاب مُعاذٍ: من أخرج من مِخْلافٍ إلَى مِخْلافٍ؛ فإنَّ صدقتَه وعُشْرَه ترد إلى مِخْلافه»
(6)
.
وذَكَر القاضي في تعليقه وابن البَنَّاء: يُكرَه.
وعنه: يَجُوز نقلها إلى الثغر.
وعنه: وغَيرِه.
والأول
(7)
: المذهب، وعليه: لا فَرْقَ بين أن يكون لرحِمٍ وشِدَّة حاجة أوْ لَا، والسَّاعي وغيرُه سَواءٌ، نَصَّ على ذلك
(8)
.
(1)
في (أ): وأعطاه.
(2)
في (أ): يعلم.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): إليه.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 114، مسائل عبد الله ص 150.
(5)
أخرجه البخاريُّ (4347، 1496)، ومسلمٌ (19)، من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما.
(6)
خرجه عبد الرزاق (19413)، والشافعي في الأم (2/ 77)، وابن زنجويه في الأموال (2244)، والبيهقي في الكبرى (13141)، من طريق معمر الذي ذكره المصنف، قال ابن حجر:(بإسناد متصل صحيح إلى طاوس)، وضعفه ابن الملقن والألباني بالانقطاع بين طاوس ومعاذ، إلا أن طاوسًا ذكر أنه في كتاب معاذ، والوجادة مقبولة، وقد احتج أحمد بالأثر في مسائل عبد الله ص 150. ينظر: البدر المنير 7/ 401، التلخيص 3/ 246، تمام المنة ص 385.
(7)
في (أ) و (ب): فالأول.
(8)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 114، مسائل عبد الله ص 150.
وعُلِم منه: أنَّه يجوز نقْلُ الكفَّارة والنَّذْر والوصيَّة المطْلَقة في الأصحِّ، ونقلها إلَى دون مسافة قصر
(1)
، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّه في حكم بلدٍ واحدٍ، بدليل أحكام رُخَص السَّفَر.
(فَإِنْ فَعَلَ فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا يُجزِئُ، اختاره الخِرَقِيُّ وابنُ حامِدٍ والقاضِي وجماعةٌ؛ كصَرْفها في غَيرِ الأصناف.
والثَّانيةُ، واختارها أبو الخطَّاب والمؤلِّف وصاحبُ «الوجيز»: الإجزاءُ؛ للعُموماتِ، ولأنَّه دَفَعَ الحقَّ إلَى مستحقِّه، فبَرِئَ كالدَّين.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا فُقَرَاءَ فِيهِ) بالكُلِّيَّة، أوْ كانوا وفَضَلَ عنهم؛ لأنَّ مُعاذًا بعث إلَى عُمَرَ صدقةً من اليمن، فأنكر عمر ذلك، وقال:«لم أبعثْك جابِيًا، ولكن بعثتك لتأخُذَ من أغنياء النَّاس فتَرُدَّها في فقرائهم» ، فقال مُعاذٌ: «ما بعثْتُ إليك بشيء وأنا أَجِدُ من
(3)
يأخذه مني
(4)
» رواه أبو عُبَيدٍ
(5)
، فينقُلُها، نَصَّ عليه
(6)
، ومُؤْنةُ نقْلها على المالك؛ كالكَيل ونحوِه.
(فَيُفَرِّقُهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ)؛ لأنَّهم أَولَى، وحُكْمُ أهل البادية كذلك، ولو عبر «بموضع» ؛ لكان أشمل.
ويُستثْنَى من الأول: ما لو كان نصابٌ من السَّائمة متفرِّقًا في بلدَينِ، فإنَّه
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): القصر.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 114.
(3)
في (أ): أحدًا.
(4)
قوله: (مني) سقط من (و).
(5)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (1912)، من طريق عمرو بن شعيب، أن معاذًا، وذكر القصة، وعمرو لم يدرك معاذًا رضي الله عنه، وفيه خلاد بن عطاء، وهو مجهول. ينظر: الإرواء 3/ 345.
(6)
ينظر: بدائع الفوائد 4/ 67.
يجوز أن يُخرِج في أحدهما؛ لئلاَّ يُفْضِي إلَى التَّشْقيص في ظاهر كلام أحمدَ
(1)
.
والثَّانِي: يَلزَمه في كلِّ بلدٍ بقدْر ما فيه من المال؛ لئلا ينقلها
(2)
.
(وَإذا
(3)
كَانَ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي آخَر؛ أَخْرَجَ زَكَاةَ المَالِ فِي بَلَدِهِ)؛ أي: بلدِ المال، نَصَّ عليه
(4)
؛ لئلاَّ تُنقَلَ الصَّدقةُ عنه، ولأنَّ المال سببُ الزَّكاة، فوجب إخراجُها حيث وُجِد السَّببُ، وإن كان متفرِّقًا زكَّى كلَّ مالٍ حيثُ هو.
فَرعٌ: السَّفَّار بالمال يُزكِّي في مَوضِعِ أكثرِ إقامة المال
(5)
فيه، نقله الأكثرُ
(6)
؛ لتعلُّق الأطماع به غالِبًا، ونقل
(7)
محمد بن الحَكَم: يُفرِّقه في البلدان الذي كان بها في الحول
(8)
.
وقال القاضِي: يُفرِّق زكاتَه حيثُ حال حولُه؛ لئلاَّ يُفْضِي إلى تأخيرها.
(وَ) أخرج (فِطْرَتَهُ فِي الْبَلَدِ الذِي هُوَ فِيهِ)؛ لأنَّه سببُها، فوجب إخراجُها حيث وُجِدَ السَّبب.
(وَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَاشِيَةٌ؛ اسْتُحِبَّ لَهُ وَسْمُ الْإِبِلِ) والبقر (فِي أَفْخَاذِهَا، وَالْغَنَمِ في آذَانِهَا)؛ لما رَوَى أنَسٌ قال: «غدوتُ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بعبد الله بنِ أبِي طَلْحَةَ لِيُحنِّكَه، فوافَيتُه في يدهِ المِيسَمُ يَسِمُ إبِلَ الصَّدقة» متَّفقٌ عليه
(9)
، ولأِحمدَ وابنِ ماجَهْ:«وهو يَسِمُ غَنَمًا في آذانها» ، وإسنادُه
(1)
ينظر: الطبقات 1/ 119.
(2)
في (أ): يبعها.
(3)
في (د) و (ز) و (و): فإن.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 114، مسائل عبد الله ص 150.
(5)
في (أ): إقامته للمال.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 114، مسائل عبد الله ص 150، مسائل صالح 2/ 5.
(7)
في (ب) و (و): ونقله.
(8)
ينظر: الفروع 4/ 264.
(9)
أخرجه البخاريُّ (1502)، ومسلمٌ (2119).
صحيحٌ
(1)
، ولأنَّ الحاجة تدعو إليه ليَتميَّزَ عن الضَّوالِّ، ولتُرَدَّ إلَى مواضعها إذا شردت
(2)
.
وخُصَّ الموضعان؛ لخِفَّة الشعر فيهما
(3)
، ولقِلَّة ألَم الوَسْم، ويتوجَّه: يَحرُم في الوجه.
(فَإِنْ كَانَتْ زَكَاةً كَتَبَ: للهِ، أوْ زَكَاةٌ، وَإِنْ كَانَتْ جِزْيَةً كَتَبَ: صَغَارًا، أَوْ جِزْيَةً)؛ لأنه أقل ما تتميز
(4)
به، وذكر أبو المعالي: أنَّ الوسم بحِنَّاء أوْ قَيْرٍ أفضلُ، وفيه شَيءٌ.
تنبيهٌ: إذا أخرج زكاتَه فتَلِفَتْ قبل أن يَقبِضها الفقيرُ؛ لزمه
(5)
عِوَضُها كما قبل العزل؛ لعدم تعيِينها؛ لأنَّه يجوز العَودُ فيها إلى غيرها ولم يَمْلِكها المستحِقُّ، كمالٍ معزولٍ لوفاء رب الدين
(6)
، بخلاف الأمانة.
والتَّالِف إن كان من مال الزَّكاة؛ سقط قدْرُ زكاته إن قلنا بالسُّقوط بالتَّلَف، وفي سقوطها عن الباقي إن نقص عن نصاب الخلافُ.
ويُشتَرَط لملك
(7)
الفقير لها وإجزائها؛ قبضُه، ولا يَصِحُّ تصرفه قبلَه،
(1)
أخرجها ابن ماجه (3565)، من طريق موسى بن الفضل، عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسمُ غنمًا في آذانها، ورأيتُه متَّزرًا بكساءٍ» ، وموسى بن الفضل مقبول، وتابعه محمد بن جعفر عند أحمد (12750)، ومسلم (2119)، ويحيى القطان عند مسلم (2119)، وبهز بن أسد عند ابن حبان (5629)، جميعهم عن شعبة إلا أنه قال: وأكثر علمي أنه قال: «في آذانها» .
(2)
في (أ): سرت، وفي (د) و (و): سرقت.
(3)
في (د) و (و): منها.
(4)
في (و): يتميز.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): لزم.
(6)
قوله: (لوفاء رب الدين) سقط من (د) و (و)، وقوله:(الدين) سقط من (ب) و (ز).
(7)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): تملك.
نَصَّ عليه
(1)
.
ولو قال الفقير: اشتر لي بها ثوبًا، ولم يقبضه؛ لم يجز، ولو اشتراه كان له، ولو تلِف فمن ضمانه.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 274.
(فَصْلٌ)
(وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَنِ الْحَوْلِ إِذَا كَمُلَ النِّصَابُ)، جزَم به الأصحابُ؛ لما رَوَى علِيُّ بن أبِي طالِبٍ: «أنَّ العبَّاس سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في
(1)
تعجيل صدقتِه قبل أن تحلَّ
(2)
، فرخَّص له في ذلك» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، وقد تُكلِّم في إسناده، وذكر أبو داود: أنَّه رُوِيَ عن الحسن بن مسلمٍ مرسَلاً، وأنَّه أصحُّ
(3)
، ولأنه
(4)
حقُّ مالٍ أُجِّل للرِّفق، فجاز تعجيلُه قبل أجله كالدَّين، ونقل جماعةٌ:(لا بأْسَ به)
(5)
، قال الأثرم: هو مِثْلُ الكفَّارة قبل الحِنْث، فيصير من تقديم الحكم بعد وجود سببه وقبل
(6)
وجود شرطه
(7)
.
وفي كلام القاضِي والمجْدِ: أنَّهما سببان، فقُدِّم
(8)
على أحدهما.
وفي كلام المؤلِّف شرطان.
وظاهر كلامهم: أن ترك التَّعجيل أفضلُ. وفي «الفروع» : يتوجه
(1)
قوله: (في) سقط من (أ).
(2)
في (و): أن يحل.
(3)
أخرجه أحمد (822)، وأبو داود (1624)، والترمذيُّ (678)، وابن ماجه (1795)، والحاكم (5431)، والبيهقي في الكبرى (7365)، من طريق حُجيَّة بن عدي، عن عليٍّ رضي الله عنه. وحُجيَّة بن عدي الكندي صدوقٌ، كما قاله الذهبيُّ، وصححه الحاكم. وروي مرسلاً، أخرجه البيهقي في المعرفة (8075)، عن الحسن بن مسلم بن يناق، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورجح إرساله أبو داود والدارقطني والبيهقي. ينظر: العلل للدارقطني 3/ 187، و 4/ 207، ميزان الاعتدال 1/ 466، تهذيب الكمال 5/ 485، البدر المنير 5/ 495.
(4)
في (أ): ولا.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1132، مسائل صالح 1/ 122، مسائل عبد الله ص 152.
(6)
في (و): وقيل.
(7)
في (أ): سقطه.
(8)
في (أ) و (ب): يقدم.
احتمال
(1)
: تعتبر
(2)
المصلحةُ.
ولا خلاف عندنا أنَّه يجوز تقديمها بعامٍ واحدٍ.
ويُستثنَى منه: ولِيُّ ربِّ المال
(3)
، فإنَّه ليس
(4)
له تعجيلها في وجْهٍ.
(وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ ذَلِكَ)؛ أيْ: قبل كمال النِّصاب بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه، قاله في «المغني» ؛ لأنَّه سبَبُها، فلم يَجُزْ تقديمها عليه، كالتَّكفير قبل الحلف.
(وَفِي تَعْجِيلِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلٍ رِوَايَتَانِ)، أطلقَهُما تَبَعًا لأبِي الخطَّاب:
إحداهما: لا يجوز، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ النَّصَّ لم يَرِد بتعجيلها لأكثرَ من حَولٍ، فاقْتُصر عليه.
والثَّانيةُ: يجوز، قدَّمه في «الفروع»؛ لأنَّ في حديث عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أمَّا العبَّاسُ فهي عليَّ، ومثلُها معها» متَّفقٌ عليه
(5)
، وكتقديم الكفَّارة قبل الحِنْث بأعوامٍ.
لكنْ قيَّدها ابنُ الزَّاغونِيِّ والمجْد: بعامَينِ، ونَصُّ أحمد وَرَد عليه
(6)
.
فعلى
(7)
الأولى: لا يجوز لثلاثة أعوامٍ فأكثر، قال ابنُ عَقيلٍ: لا تختلف الرِّواية فيه؛ اقتصارًا على ما ورد.
وعنه: يجوز؛ لما سَبَقَ.
وإذا قلنا: يعجل
(8)
لعامَينِ، فعجَّل عن أربعين شاةً شاتَينِ من غيرها؛
(1)
قوله: (احتمال) سقط من (أ) و (ب) و (ز).
(2)
في (د) و (و): لغير، وفي (ز): بغير.
(3)
في (أ): ولي رب الدين.
(4)
قوله: (ليس) سقط من (ب) و (ز).
(5)
أخرجه البخاري (1468)، ومسلم (983).
(6)
في (أ): فيرد، وفي (د) و (و): يرد. قال القاضي في الروايتين 1/ 233: (نقل أبو الحارث: يجوز تعجيل صدقته لسنتين).
(7)
في (د) و (و): فعل.
(8)
في (ب) و (ز): تعجل.
جاز، [ومنها]
(1)
لا يجوز عنهما
(2)
وينقطع الحَولُ.
وإن عجَّل واحدةً منها وأخرى من غيرها؛ جاز، جزم به في «منتهى الغاية» .
وقال المؤلِّف: تُجزِئُ واحدةٌ عن الحول الأوَّل.
(وَإِنْ) مَلَك نصابًا، ثمَّ (عَجَّلَهَا
(3)
عَنِ النِّصَابِ وَمَا يَسْتَفِيدُهُ، أَجْزَأَ عَنِ النِّصَابِ)؛ لما تقدَّم، (دُونَ الزِّيَادَةِ) نَصَّ عليه
(4)
؛ لأنَّه عجَّل
(5)
زكاة ما
(6)
ليس في ملْكه، فلم يُوجَد السَّبَبُ كما في النِّصاب الأوَّل.
وعنه: تُجزِئُ عنها
(7)
؛ لوجود سبب الزَّكاة في الجملة.
وفي «الفروع» : يتوجه منها
(8)
احتِمال تخريج
(9)
: بضمه
(10)
إلى الأصل في
(11)
حول الوجوب، فكذا في التَّعجيل.
واختار في «الانتصار» : يُجزِئُ عن المستفاد
(12)
من النِّصاب فقطْ.
وقيل به إن لم يَبلُغ المستفادُ نصابًا؛ لأنَّه يَتْبعُه في الوجوب والحَول
(1)
في الأصل و (أ) و (ب): ومنهما. والمثبت موافق لما في الفروع 4/ 277، والإنصاف 7/ 184.
(2)
في (ب): عنها.
(3)
قوله: (عجلها) سقط من (ز).
(4)
ينظر: الفروع 4/ 278.
(5)
في (ب): تعجيل.
(6)
في (ب): مال.
(7)
في (ب): عنهما.
(8)
قوله: (منها) سقط من (أ).
(9)
في (و): تخرج.
(10)
في (ب): يضمه.
(11)
في (د) و (ز) و (و): من.
(12)
في (و): الاستفاد.
كموجودٍ، وإذا بلَغَه استقلَّ بالوجوب
(1)
في الجملة لو لم يُوجَد الأصل.
ولو عجَّل عن خمسَ عشرةَ وعن نِتاجها بنتَ مَخاضٍ؛ فنُتِجَتْ مثلَها؛ فالأشهر: لا تُجزِئه ويَلزَمه بنتُ مُخاضٍ، وهل له أن يَرتَجِع المعجلة؟ على وجْهَينِ.
فإن جاز، فأخذَها
(2)
ثمَّ دَفَعَها إلى الفقير؛ جاز، وإنِ اعْتدَّ بها قبل أخْذِها؛ فلا؛ لأنَّها على ملك الفقير.
ولو عجَّل مُسِنَّةً عن ثلاثينَ بقرةً ونتاجها
(3)
؛ فالأشهرُ: لا تجزئه عن الجميع، بل عن ثلاثين، وليس له ارتِجاعُها، ويُخرِج للعشر رُبُعَ مُسنَّةٍ. وعلى قول ابنِ حامِدٍ: يُخيَّرُ بين ذلك وبين ارْتِجاع المُسنَّة، ويُخرِجها أو غيرها عن الجميع.
ولو عجَّل عن أربعين شاةً شاةً، ثُمَّ أبدلها بمثلها، أو نُتِجت أربعين سَخْلةً ثمَّ ماتت الأمات
(4)
؛ أجزأ المعجَّل عن البدل وعن السِّخال؛ لأنَّها تُجزِئُ مع بقاء الأمات
(5)
عن الكلِّ، فعن أحدهما أَوْلَى.
وذكر أبو الفرَج وجهًا
(6)
: لا يُجزِئُ؛ لأنَّ التَّعجيل كان لغيرها.
(وَإِنْ
(7)
عَجَّلَ عُشْرَ الثَّمْرَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الطَّلْعِ وَالْحِصْرِمِ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ)؛ لأِنَّه تقديمٌ لها قبل وجود سببها، وظاهره: أنَّه إذا عجَّلها بعْد الطُّلوع أنَّها تُجزِئُ،
(1)
في (ب): بالوجود.
(2)
في (و): فيأخذها.
(3)
في (ز): ونتاجهما.
(4)
في (أ): الإناث.
(5)
في (أ): الإناث.
(6)
زيد في (و): واحدًا.
(7)
في (د) و (و): فإن.
واختاره أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّ وجود ذلك كالنِّصاب، والإدراك كالحَول.
وحُكمُ الزَّرع كذلك.
وقيل: يَجوزُ بعد ملك الشَّجَر، ووضْع البذْر في الأرض؛ لأنَّه لم يَبْقَ للوجوب إلاَّ مُضِيُّ الوقت عادةً، كالنِّصاب الحَولِيِّ.
واختار في «الانتصار» و «منتهى الغاية» : أنَّه لا
(1)
يَجوزُ حتَّى يَشْتَدَّ الحَبُّ ويَبْدُوَ صلاحُ الثَّمَرة؛ لأنَّه السبب.
(وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ النِّصَابِ، فَتَمَّ الْحَوْلُ وَهُوَ نَاقِصٌ قَدْرَ مَا عَجَّلَهُ
(2)
؛ جَازَ)؛ لأِنَّ ما عجَّله حكمُه حكمُ الموجود في ملْكِه حقيقةً أوْ تقديرًا، ولهذا يَتِمُّ به النِّصاب، ويُجزِئُه عن ماله.
وقال أبو حَكيمٍ
(3)
: لا يُجزِئُه، ويكون نفْلاً، ويكون كتالِفٍ.
فعلَى الأوَّل: لو مَلَك مائةً وعشرين شاةً، ثمَّ نُتِجت قبل الحول واحدةٌ؛ لزِمه شاةٌ أخرى، وعلى الثَّانِي: لا.
وظاهره
(4)
: أنَّه إذا نقص أكثر مِمَّا عجَّله؛ أنَّه يَخرُج بذلك عن كونه سببًا للزَّكاة، فإذا زاد بعد ذلك إمَّا بِنِتاج أو شراء ما يتمُّ به النِّصاب؛ استُؤنِف
(5)
الحولُ من حين كَمل النِّصابُ، ولم يُجزِئْه ما عجَّله، ذكره في «الشَّرح» .
(وَإِنْ
(6)
عَجَّلَ زَكَاةَ المِائَتَيْنِ فَنُتِجَتْ عِنْدَ الْحَوْلِ سَخْلَةٌ؛ لَزِمَهُ شَاةٌ ثَالِثَةٌ)؛
(1)
قوله: (لا) سقط من (أ).
(2)
في (د) و (و): ما عجل.
(3)
هو إبراهيم بن دينار بن أحمد النهرواني الرزاز، تلميذ أبي الخطاب، وشيخ ابن الجوزي، صنف في المذهب والفرائض، وشرح الهداية في تسع مجلدات، ومات ولم يكمله، توفي سنة 556 هـ. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 82، المقصد الأرشد 1/ 222.
(4)
في (أ): وظاهر.
(5)
في (و): استأنف.
(6)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وإذا.
لما ذكر من أنَّ المعجَّلَ حكمُه كالموجود، فيكون ملْكُه مِائتَينِ وواحدةً، وفرضُ ذلك ثلاثُ شِياهٍ، فإذا أدَّى اثنتين
(1)
بَقِي عليه واحدةٌ.
فلو نُتج المال ما يُغيِّر
(2)
الفرض؛ كتبيعٍ عن ثلاثين بقرةً، فنُتِجتْ عشرًا؛ فقيل: لا يُجزِئُه المعجَّل لشَيءٍ؛ لتبيُّن أنَّ الواجبَ غيرُه، وهل له ارْتِجاعه؟ فيه وجهان. وقيل: يجزئه عمَّا جعله عنه، ويلزمه للنِّتاج رُبُع مسنَّة؛ لئلاَّ يَمتَنِع المالكُ من التعجيل غالِبًا.
(وَإِنْ عَجَّلَهَا فَدَفَعَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا فَمَاتَ) قابِضُها، (أَوِ ارْتَدَّ، أَوِ اسْتَغْنَى) من غيرها قبل الحَول؛ (أَجْزَأَتْ عَنْهُ) في الأصحِّ؛ كما لو استغنى منها
(3)
، أوْ عُدِمتْ عند الحَول؛ لأنَّه يُعتبَرُ وقت القَبض، ولئلاَّ يَمْتَنِع التَّعجيل.
وفُهِم منه: أنَّه إذا بَقِيَ على صفة الاِسْتحقاق عند تمام الحَول؛ الإجزاء من
(4)
باب أَولَى.
(وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى غَنِيٍّ فَافْتَقَرَ عِنْدَ الْوُجُوبِ؛ لَمْ تُجْزِئْهُ)؛ لأِنه لَم يَدفَعْها إلَى مستحقِّها، أشْبَهَ ما لو لم يَفتقِرْ.
(وَإِنْ عَجَّلَهَا، ثُمَّ هَلَكَ المَالُ)؛ أي: النِّصابُ أوْ بعضُه، أو مات المالك أو ارتَدَّ (قَبْلَ الْحَوْلِ)؛ فقد بان أنَّ الْمُخرَجَ ليس بزكاةٍ؛ لانقطاع الوجوب بذلك، فإذا أراد الوارِثُ الاحتِسابَ بها عن زكاةِ حوله؛ لم يَجُزْ.
وذكر القاضِي وجهًا: يجوز؛ بِناءً على ما لو عجَّل عن عامَينِ.
والفَرْق: أنَّ التَّعجيل وُجِد من نفسه مع حول ملكه، وهنا أخرجها غيره عن نفسه بلا ولايةٍ ولا نيابةٍ؛ فلم يَجُزْ.
(1)
في (و): اثنين.
(2)
في (و): تغير.
(3)
في (أ) و (ب): عنها.
(4)
في (أ): فمن.
(وَلَمْ
(1)
يَرْجِعْ عَلَى المِسْكِينِ) في روايةٍ ذكرها أبو الحُسَين، واختارها أبو بكرٍ وغيرُه، قال القاضي: وهي المذهبُ، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّها دفعت إلَى مستحقِّها، فلم يَملِك اسْترجاعَها؛ لوقوعها نفلاً، بدليل ملك الفقير لها.
وظاهره: لا فرْقَ بين إعلامِ الآخِذِ أنَّها معجَّلةٌ أو لا.
والثَّانيةُ: يَملِك الرُّجوع فيه، اختارها ابنُ حامِدٍ وابنُ شِهابٍ وأبو الخطَّاب، كما لو عجَّل الأجرةَ ثمَّ تَلِف المأجورُ، وكعِتْقه عن كفَّارةٍ لَم تَجِبْ، فلم تجب
(2)
كما لو كانت بيد السَّاعي عند التَّلف.
وبنى جماعةٌ عليها: إن كان الدَّافعُ ولِيَّ ربِّ المال رجع مطلقًا، وإن كان ربُّ المال ودفع إلى السَّاعي مطلقًا رجع فيها
(3)
ما لَم يَدْفَعْها إلى الفقير، وإن كان دفَعَها إليه؛ فهو كما لو دَفَعَها إليه ربُّ المال.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ الدَّافِعُ السَّاعِي)؛ رجع
(4)
مطلقًا؛ لقوله: (أَوْ أَعْلَمَهُ أَنَّها زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ؛ رَجَعَ عَلَيْهِ)؛ لأنَّه دَفَعَها عمَّا يَستحقُّه القابِضُ في الحال
(5)
الثَّانِي، وإذا طرأ ما يَمنَع الاِسْتِحْقاقَ؛ وجَبَ ردُّه، كما لو كفَّر عن القتل بعد الجُرح فاندمل
(6)
، ولم يَمُت المجروحُ.
فيحتمل أنَّ الضَّمير عائدٌ إلَى ربِّ المال، وهو الذي في «الشَّرح» ، فيصير
(7)
التَّقدير: أو أَعْلم ربُّ المال السَّاعِيَ بالتَّعجيل
(1)
في (ب) و (ز) و (و): لم.
(2)
قوله: (فلم تجب) سقط من (ب) و (و).
(3)
في (و): ورجع، وقوله:(فيها) سقط من (أ).
(4)
زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): عليه.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): من المال.
(6)
في (و): واندمل.
(7)
في (د): فيعتبر، وفي (و): فيحتمل.
ودفع
(1)
إلى الفقير؛ رجع عليه، أعلمه
(2)
السَّاعي أو لا، وجزم به جماعةٌ عن ابن حامِدٍ.
ويَحتَمِل أن يعود الضَّمير إلى الدَّافع، فعلى هذا تقديره: إذا أعلَم الدَّافِعُ الفقيرَ بأنَّها مُعجَّلةٌ؛ رجع
(3)
عليه، وإلا فلا، وهذا
(4)
قولٌ في المذهب.
ومتى كان ربُّ المال صادِقًا؛ فله الرُّجوع باطنًا، أعْلَمه بالتَّعجيل أو لا
(5)
، لا ظاهرًا مع الإطلاق؛ لأنَّه خلافُ الظَّاهر.
وعلَى القول بالرُّجوع: إن كانت العينُ باقيةً؛ أخذَها بزيادتها المتَّصلةِ فقطْ. وقيل: يَرجِع بالمنفصلة؛ كرجوع بائِعِ المُفلِس المستَرِدِّ عَينَ ماله بها.
وإن كانت ناقصةً؛ ضَمِن نَقصَها في الأصحِّ؛ كجملتها، وإن تَلِف؛ ضَمِن مثلَها أو قيمتها يوم التعجيل
(6)
، والمراد ما قاله المجْدُ: يوم التَّلَف على صفتها يوم التَّعجيل.
فَرعٌ: إذا اختلفا في ذكر التَّعجيل؛ صُدِّق الآخِذُ؛ عَمَلاً بالأصل، ويَحلِف في الأصحِّ، ولو مات وادعى عِلْمَ
(7)
وارثِه؛ ففي يمينه على نفي العلمِ الخلافُ.
(1)
في (د) و (و): أو دفع.
(2)
في (أ): أعلمه.
(3)
في (أ): يرجع.
(4)
في (أ): هذا.
(5)
قوله: (لا) سقط من (و).
(6)
في (و): التعليق.
(7)
في (أ): علمَه.
(بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الزَّكَاة)
وأهلُها هم الذين جَعَلَهُم الشَّرع مَحلًّا لدَفْعها إليهم.
(وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ) الذين سمَّاهم الله تعالى في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (60)} الآيةَ [التّوبَة: 60]، قال أحمدُ:(إنَّمَا هي لِمَنْ سمَّى الله تعالَى)
(1)
، قال الأصحابُ: إنَّما تفيد الحَصْر؛ أي
(2)
: تُثْبِتُ المذكورَ وتنفي
(3)
ما عداه؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النِّسَاء: 171]، قال في «منتهى الغاية»: وكذلك تعريف الصَّدَقات بالألف واللاَّم، فلو جاز صَرْف شَيءٍ منها إلى غير الثَّمانية؛ لكان لهم بعضُها لا كلُّها، وهذا إجماعٌ
(4)
.
(الْفُقَرَاءُ)، بدأ بهم؛ اتِّباعًا للنَّصِّ، ولشدَّة حاجتهم، وهم غير المساكين؛ لأنَّهم
(5)
إذا اجتمعا
(6)
افترقا وبالعكس، (وَهُمُ الذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِمْ)، فالفقير الذي لا يَجِد شيئًا
(7)
أصلاً، أو لا يَجِدُ نصفَ كِفايتِه، كدِرهمَينِ من عشرةٍ، ومثَّله الخِرَقِيُّ وتَبِعه في «الشَّرح»: بالزَّمِن والأعمى؛ لأنَّهما غالبًا لا قُدرةَ لهما على اكتساب ما يَقَع مَوْقِعًا من كفايتهم، أوْ لا قُدْرةَ لهما على شَيءٍ بالكُلِّيَّة؛ لقوله تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (273)} الآية [البَقَرَة: 273].
(1)
ينظر: الفروع 4/ 297.
(2)
في (د): أن.
(3)
في (د) و (ز): وينفى.
(4)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 222.
(5)
في (و): لأنهما.
(6)
في (أ) و (ب): اجتمعوا.
(7)
زيد في (ب): من كفايته.
(الثَّانِي: المَسَاكِينُ، وَهُمُ الذِينَ
(1)
يَجِدُونَ مُعْظَمَ الْكِفَايَةِ) أوْ نِصفَها؛ لقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79]، فسمَّاهم مساكِينَ ولهم سفينةٌ، وقد سأَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسكنة
(2)
، واستعاذَ من الفَقْر فقال:«اللَّهُمَّ أحْيِنِي مِسْكِينًا، وأَمِتْنِي مسكينًا، واحْشُرْنِي في زُمْرَة المساكِينِ» رواه التِّرمذيُّ
(3)
، ولا يجوز أنْ يَسألَ شدَّة الحاجة، ويَستعِيذ من حالةٍ أصلحَ منها، فدلَّ علَى أنَّ المسكين أحسنُ حالاً من الفقير؛ لكونه يَجِد ما ذكرنا.
وعنه: أنَّه فقير
(4)
والأوَّلُ مِسْكِينٌ، وأنَّ المسكينَ أشدُّ حاجة
(5)
من الفقير، وقاله الفَرَّاء وابنُ قُتَيبةَ وثَعْلبٌ
(6)
من أصحابنا؛ لقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} [البَلَد: 16]، وهو المطروح على التُّراب لشدَّة حاجته.
(1)
زاد في (أ): لا.
(2)
في (ز): المسلمة.
(3)
أخرجه الترمذيُّ (2352)، والبيهقيُّ (13152)، من حديث أنس رضي الله عنه، وسنده ضعيفٌ، فإنَّ الحارث بن النعمان اللَّيثي، قال عنه البخاريُّ:(منكر الحديث)، وضعَّفه الترمذي وابن حجر، وقال ابن كثير:(في إسناده ضعفٌ، وفي متنه نكارةٌ). وله شاهدٌ من حديث أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجه (4126)، والطبراني في الدعاء (1426)، وفيه يزيد بن سنان الرَّهاوي، وهو ضعيف جدًّا، وأخرجه الحاكم (7911)، من طريق أخرى، وفيه خالد بن يزيد الدِّمشقي، وهو ضعيفٌ، ويروِي أحاديثَ مناكيرَ. ولا تخلو طرق الحديث كلُّها من علة قادحة، ونص ابن تيمية على ضعفه وصحَّحه الشَّيخ الألباني بشواهده. ينظر: الضعفاء الصغير للبخاري (62)، مجموع الفتاوى 18/ 382، تهذيب الكمال 32/ 156، البداية والنهاية 8/ 499، البدر المنير 7/ 367، الإرواء 3/ 362.
(4)
قوله: (فقير) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(5)
في (د): حالة.
(6)
ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 191، تهذيب اللغة 10/ 40، معاني القرآن للفراء 1/ 443.
وأُجِيب: بأنَّه يجوز التعبير عن الفقير بالمسكين مطلقًا، وأنَّ هذا النعتَ لا يَستحقُّه بإطلاق اسم المَسْكَنَة.
(وَمَنْ مَلَكَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ مَالاً يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ؛ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ، وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ)؛ لقوله عليه السلام فِي حديث قَبِيصةَ: «فحلَّتْ له المسألةُ حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِنْ عَيشٍ، أوْ سَدادًا مِنْ عَيشٍ» رواه مسلمٌ
(1)
، والسّدادُ: الكفاية.
ولا فَرْق في ذلك بين ما لا تَجِبُ الزَّكاة فيه كالعَقَار ونحوه، قال أحمدُ في رواية محمَّد بن الحَكَم: (إذا كان له عَقارٌ يَستغِلُّه أوْ ضَيعةٌ يَستغِلُّها عشرة آلاف أو أكثر لا تُقيمُه
(2)
-يعني: لا تَكفيه-؛ يأخذ من الزَّكاة)
(3)
، وبين ما تجب فيه؛ كالمواشي والحبوب، نقل الميمونِيُّ عن أحمدَ: فقلت: الرَّجلُ يكون عنده الإبلُ والغنمُ تجب فيها الزَّكاة، وهو فقيرٌ يُعطَى من الصدقة
(4)
؟ قال: (نعم)
(5)
، ولأنَّه يَملِك ما لَا يُغنِيه، ولا يَقدِر على كسْب ما يَكفِيه، فجاز له الأخْذُ منها كغيره.
ويأخذ تَمام كِفايته سنةً.
وعنه: يأخذ تمامها دائمًا بمَتْجَرٍ وآلة صنعة
(6)
، ولا يأخذ ما يصير به غنيًّا.
وظاهره
(7)
: أنَّه إذا كان يقوم بكفايته؛ كمن
(8)
له مَكسَبٌ أوْ أُجْرة عَقارٍ أو
(1)
أخرجه مسلمٌ (1044) من حديث قَبِيصة بن مَخارِق الهلالي رضي الله عنه.
(2)
قوله: (لا تقيمه) سقط من (و).
(3)
ينظر: المغني 2/ 495.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): الزكاة.
(5)
ينظر: المغني 2/ 495.
(6)
في (أ): صنعته.
(7)
في (و): فظاهره.
(8)
في (د): لمن.
غيره، فإنَّه غَنِيٌّ، ويُمنَع من أَخْذها.
(وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَثْمَانِ)، وهو لا يقوم بكفايته، قال في «الوجيز»: وكفاية عياله؛ (فَكَذَلِكَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، نقله مُهنَّى
(1)
، وهو المذهب؛ لأنَّه عليه السلام جَعَل عدم الكفاية غاية
(2)
حِلِّ المسألة، ولم توجد
(3)
.
(وَالْأُخْرَى: إِذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتَهَا مِنَ الذَّهَبِ؛ فَهُوَ غَنِيٌّ) نقلَها واختارها الأكثرُ
(4)
؛ لما رَوَى عبدُ الله بن مسعودٍ مرفوعًا: «مَنْ سأل وله ما يُغنِيه؛ جاءت مسألتُه يومَ القيامة خُدوشًا، أوْ كُدُوشًا في وجهه» ، قالوا: يا رسول الله، وما غِناهُ؟ قال:«خمسون درهمًا، أوْ حسابها من الذَّهب» رواهُ الخمسةُ
(5)
.
وأُجِيب: بضعف الخبر، فإنَّه يَرويه حكِيم بن جُبَيرٍ، عن محمَّد بن عبد الرَّحمن، عن أبيه عنه، وشُعبةُ لا يَروِي عن حكيمٍ، مع أنه قد ضعَّفه جماعةٌ، ولو سُلِّم فهو محمول
(6)
على المسألة، فتَحرُم المسألةُ، ولا يَحرُم الأخْذُ، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .
(1)
ينظر: الفروع 4/ 302.
(2)
قوله: (غاية) سقط من (أ).
(3)
في (و): ولم يوجد.
(4)
ينظر: مسائل صالح 1/ 285، مسائل عبد الله ص 153، مسائل ابن منصور 3/ 1043.
(5)
أخرجه أحمد (3675)، وأبو داود (1626)، والترمذي (650)، والنسائي (2592)، وابن ماجه (1840)، والبزار (5/ 294)، والحاكم (1479)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وفيه حكيم بن جبير الكوفي، ضعيفٌ، وروي مرسلاً ذكره البزار 5/ 294، ورجح إرساله الدارقطني، وضعَّفه مرفوعًا النسائيُّ والبيهقيُّ وابن عبد الهادي، وحسَّنه البغوي، وصححه الألباني. ينظر: سنن النسائي الكبرى 3/ 77، العلل للدارقطني 5/ 215، سؤالات المروذي (122)، العلل لأحمد (798)، شرح السنة 6/ 83، المعرفة للبيهقي 9/ 329، تنقيح التحقيق 3/ 157، الصَّحيحة (499).
(6)
قوله: (فهو محمول) في (ب) و (د) و (ز) و (و): فمحمول.
وحمله المجْدُ: على أنَّه عليه السلام قاله في وقتٍ كانت الكِفايةُ الغالِبةُ فيه بخمسين، ولذلك جاء التَّقدير عنه بأربعين، وبخمس
(1)
أواق، وهي مائتان، ويُعتبَرُ الذَّهب بقيمة الوقت؛ لأنَّ الشرع لم يَحُدَّه.
وظاهِرُه: أنَّه لَيس المانِعُ من أخْذِها ملْكَه نصابًا أوْ قِيمتَه فاضِلاً عمَّا يَحتاجُه فقطْ، أوْ ملكه كفايته.
فَرعٌ: عِيالُه مثلُه، فيَأخُذُ لكلِّ واحدٍ منهم خمسين خمسين، أوْ قدر كفايته على الخلاف.
(الثَّالِثُ: الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا)؛ لِلنَّصِّ، (وَهُمُ: الجُبَاةُ لَهَا وَالحَافِظُونَ
(2)
؛ كالكاتب والقاسِم ونحوِهما؛ لدخولهم في مسمَّى العامِلِ.
(وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعَامِلِ): مكلَّفًا، (أَمِينًا)، وِفاقًا
(3)
. وفي «الفروع» : ومرادهم بها العدالةُ، وفيه نَظَرٌ.
(مُسْلِمًا) في روايةٍ، وهي المذهب؛ لقوله تعالى:{لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عِمرَان: 118]، ولأنَّها وِلايةٌ، ولاِشتراط الأمانة أشْبَهَ الشَّهادة، وهي تَفتقِر إلَى العلم بالنصب، ومقادير الزَّكاة، وقبول قولهم
(4)
في المأخوذ منه، والكافر ليس أهلاً لذلك، قال عمرُ:«لا تأمنوهم، وقد خَوَّنهم الله»
(5)
.
(1)
في (أ): وبخمسين.
(2)
زيد في (ب) و (ز): لها.
(3)
ينظر: الدر المختار 2/ 309، القوانين الفقهية 1/ 75، المجموع 6/ 168، الفروع 4/ 320.
(4)
في (أ): قول لهم.
(5)
أخرجه أحمد كما في أحكام أهل الذمة (1/ 454)، والخلال في أحكام أهل الملل (328)، وابن أبي حاتم في التفسير (6510)، والبيهقي في الكبرى (10/ 216)، عن عياض الأشعري، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت لعمر رضي الله عنه: «إن لي كاتبًا نصرانيًّا» ، قال:«ما لك قاتلك الله! أما سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، ألا اتخذت حنيفًا» ، قال: قلت: «يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه» ، قال:«لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله» ، إسناده حسن.
ويجوز أنْ يكونَ حاملُها وراعيها ونحوهما
(1)
كافِرًا.
(مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى)، هذا وجْهٌ، وفي ابن المنجَّى: أنَّه المذهب، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ الفضلَ بنَ عبَّاسٍ، والمطلب بن ربيعة سألا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم العمالةَ على الصدقات، فقال:«إنَّ الصَّدقة لا تَحِلُّ لِمحمَّدٍ، ولا لآِل محمَّدٍ»
(2)
، وهو نَصٌّ فِي التَّحريم، فلا تجوز مخالفتُه، إلاَّ أنْ تُدفَع إليه أجرتُه من غَير الزَّكاة، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .
(وَلَا تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ)؛ لأِنَّه يَحصُل منه المقصود كالحرِّ. وفيه وجْهٌ: تُشترَط؛ لكماله. وقيل: تشترط
(3)
في عمالة تفويضٍ لا تنفيذٍ.
(وَفَقْرُهُ
(4)
؛ إجْماعًا
(5)
؛ لأِنَّه عليه السلام أرسل عمرَ عامِلاً وكان غنِيًّا
(6)
، ولأن ما يأخذه أجرة.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُشْتَرَطُ
(7)
إِسْلَامُهُ) في روايةٍ، واختارها
(8)
الأكثرُ؛ لأنَّه يأخذه بحقِّ جبايته
(9)
، ولهذا قال ابنُ عَقِيلٍ وأبو يَعْلَى الصَّغيرُ: يَصِحُّ أنْ يُوكِّله الوصِيُّ في مال اليتيم بَيعًا وابْتِياعًا، وليس بظاهِرٍ.
(1)
في (أ): ونحوها.
(2)
أخرجه مسلمٌ (1072) في حديث طويلٍ، وفيه قصَّةٌ.
(3)
في (و): يشترط.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وَلَا فَقْرُه.
(5)
ينظر: التمهيد 5/ 97.
(6)
أخرجه البخاري (7163)، ومسلم (1045)، من حديث عمر رضي الله عنه.
(7)
في (و): لا يشرط.
(8)
في (د) و (و): واختاره.
(9)
في (د): جنايته.
وفي «الأحكام السُّلطانيَّة» : يجوز أن يكونَ كافِرًا في زكاة خاصَّة عُرِف قدرُها.
(وَلَا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى) في أشْهر الوجهينِ، قال المجْدُ: هو ظاهر المذهب؛ كقرابة ربِّ المال من والدٍ وولدٍ، وكجباية الخراج، والحديث محمولٌ على التَّنزيه، قاله ابن المنجَّى، وفيه نظر.
وقيل: بلَى إنْ مُنِعُوا الخُمُسَ.
وظاهِرُه: أنَّه لا تشترط
(1)
ذكوريته، قال في «الفروع»: (وهذا متوجه
(2)
، وفيه نَظَرٌ من جهة أنَّه لم يَرِدْ ما يَدُلُّ عليه، ومن تعليلهم بالولاية.
ولا فِقهُهُ.
واشترط في «الأحكام السُّلطانيَّة» : إن كان من عمَّال التَّفويض، وإن كان منفِّذًا فلا؛ لأِنَّ الإمامَ عيَّنَ له ما يأخذه.
وأطلَق جماعةٌ: أنَّه لا يُشتَرَط إذا كَتَب له ما يأخذه، كسُعاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(وَإِنْ تَلِفَتِ
(3)
الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ)؛ فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه أَمينٌ، (أُعْطِيَ أُجْرَتَهُ مِنْ بَيْتِ المَالِ)؛ لأنَّه من مصالح المسلمين، وهذا مِنْها.
وقيل: لا يُعطَى شَيئًا، قال ابنُ تميمٍ: واختاره صاحب «المحرَّر» .
وظاهِرُه: أنَّها إذا لم تَتْلَفْ؛ أُعْطِيَ أُجرتَه منها وإن جاوز الثُّمُن؛ لأن ما يأخذه العاملُ أُجرةٌ في المنصوص
(4)
.
وعنه: له الثُّمُن مِمَّا يَجْبِيهِ، قال المجد: فعليها
(5)
إنْ جاوَزتْ أُجرتُه
(1)
في (و): لا يشترط.
(2)
في (أ): متجه.
(3)
في (د) و (و): بلغت.
(4)
ينظر: الأحكام السلطانية ص 116، مختصر ابن تميم 3/ 377.
(5)
قوله: (فعليها) سقط من (أ).
الثُّمُنَ؛ أُعطيَه من المصالح.
ويُقدَّم بأجرته على غيره، وله الأخذ وإن تطوَّع بعمله؛ للخبر
(1)
.
والأصحُّ: أنَّه إذا جُعِل له جُعْلٌ على عمله
(2)
؛ لم يَستحِقَّ شيئًا قبل تكميله
(3)
، وإن عَقَدَ له إجارة
(4)
وعيَّنَ له أجرةً مما يأخذه؛ فلا شَيءَ له عند تَلَف ما أخذه، وإن لم يُعيَّنْ، أو بعثه الإمامُ ولم يسم له شَيئًا؛ أُعْطِيَ من بيت المال.
تنبيهٌ: إذا ادَّعى المالِكُ دَفْعَها إلَى العامل فأنكر؛ صُدِّقَ المالك بلا يمينٍ، وحلَف العامل وبَرِئَ.
ويُقبَل قولُ العامل في الدَّفع إلى الفقير، وكذا إقراره بقبضها، ولو عُزِل.
ولا يَلزَمه رفع
(5)
حساب ما تولاَّه إذا طُلِب منه، جزم به ابن تميمٍ. وقيل: بلى
(6)
. وقيل: مع تهمة
(7)
.
وتُقبَل شهادة أرباب الأموال عليه في وضعها غيرَ مَوضِعها، لا في أخذها منهم.
وإن شهد به بعضهم لبعض
(8)
قبل التَّخاصم؛ قُبِل، وغَرم العامِلُ، وإلاَّ فلا.
(1)
وهو ما أخرجه البخاري (7163)، ومسلم (1045)، أنه عليه السلام أمر لعمر رضي الله عنه بعمالة، فقال: إنما عملت لله. فقال: «إذا أعطيت شيئًا من غير أن تسأل؛ فكل وتصدق» .
(2)
في (أ): عمل.
(3)
في (د) و (ز) و (و): تكملته.
(4)
في (ب) و (د): أجرة.
(5)
في (ب): دفع.
(6)
قوله: (وقيل: بلى) سقط من (ب).
(7)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): تهمته.
(8)
في (د): كبعض.
وإن شهِد أهلُ السُّهمان عليه، أوْ له؛ لَم يُقبَل.
وإنْ عمِل إمامٌ أو نائبُه عليها؛ لَم يستحقَّ منها شيئًا.
(الرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ)؛ لِلنَّصِّ، والمذهبُ: بقاءُ حكمهم؛ لأنَّه عليه السلام أعطى المؤلفةَ من المسلمين والمشركينَ
(1)
.
(وَهُمُ السَّادَةُ)؛ أي: الرُّؤساء (المُطَاعُونَ فِي عَشَائِرِهِمْ)، ولا يُقبَل قولُه: إنَّه مُطاعٌ، إلاَّ بِبَيِّنةٍ.
وهم ضربان
(2)
: كُفَّارٌ ومُسلِمون، والكُفَّارُ علَى ضَرْبَيْنِ:
أحدهما: (مِمَّنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ)، فيُعطَى منها لتَقْوَى نيته
(3)
في الإسلام، وتَمِيلَ نفسُه إليه فيُسلِمَ؛ لأنَّه عليه السلام أعطَى صَفْوانَ بنَ أُمَيَّةَ يومَ فَتْح مكَّة الأَمان، واستصبره أربعةَ أشهر ليَنظُر في أمره، وخرج معه إلى حُنَيْنٍ، فلمَّا أعطى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم العطايا قال صفوانُ: ما لِي؟ فأشار إلى وادٍ فيه إبِلٌ مُحمَّلةٌ، فقال: «هذا
(4)
لك»، فقال صفوان: هذا عطاءُ من لا يَخشَى الفقرَ
(5)
.
وأُجِيبَ: بأنَّه كان من مال الفَيء، لا الزَّكاة.
الثَّانِي: مَنْ يُرجَى بعَطيَّته كفُّ شَرِّه وشَرِّ غيرِه، فقال:(أَوْ يُخْشَى شَرُّهُ)؛
(1)
سيأتي تخريجه قريبًا.
(2)
في (ز) و (و): حزبان.
(3)
في (د) و (و): بينة.
(4)
في (د) و (ز) و (و): هو.
(5)
لم نقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرج نحوه مسلم (2312)، عن أنسٍ رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنمًا بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال:«أي قوم أسلموا، فوالله إن محمدًا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر» . وأخرجه أيضًا مسلم (2313)، عن ابن شهاب، قال:«غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح، فتح مكة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة» .
لما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: «أنَّ قومًا كانوا يأتون النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنْ أعطاهم مَدَحوا الإسلامَ، وإنْ مَنَعَهم ذَمُّوا وعابوا»
(1)
.
والمسلمون علَى أربعة أَضْرُبٍ:
(1)
(أَوْ
(2)
يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ قُوَّةُ إِيمَانِهِ) ومناصَحته فِي الجهاد؛ لأِنَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا بعث إليه علِيٌّ بِذُهَيْبةٍ في تُرْبتها فقسمها
(3)
بين أربعة نفر
(4)
: الأقرعِ بنِ حابِسٍ، وعُيَيْنةَ بنِ بدْرٍ، وعَلْقمةَ بنِ عُلاثَةَ ثُمَّ أحدِ بنِي كِلابٍ، وزيدِ الخَيرِ الطَّائِيِّ ثُمَّ أحدِ بَنِي نَبْهانَ، قال: فغَضِبتْ قُريشٌ، وقالوا: يُعطِي صناديدَ نَجْدٍ ويَدَعُنا، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا فعلتُ ذلك لأتألَّفهم
(5)
» متَّفَقٌ عليه من حديث أبِي سعيدٍ
(6)
.
ويُقبَل قولُه في ضعف إسلامه بلا بيِّنةٍ.
(2)
(أَوْ إِسْلَامُ
(7)
نَظِيرِهِ)؛ أي: أنَّهم ساداتٌ من المسلمين لهم نُظَراءُ من المشركين إذا أعطوا
(8)
المسلمين رَغِب نظراؤهم في الإسلام؛ لأنَّ أبا بكرٍ أعطى عَدِيَّ بن
(9)
حاتِمٍ والزِّبْرِقانَ بنَ بدْرٍ مع إسلامهما، وحُسْن نِيَّاتِهمَا
(10)
.
(1)
أخرجه ابن جرير في التفسير (11/ 519)، وابن مردويه كما في الدر المنثور (4/ 223)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف؛ لأنه من رواية محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد العَوْفي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، وهي نسخة مشهورة مسلسلة بالضعفاء.
(2)
قوله: (أو) سقط من (أ).
(3)
في (أ): قَسَمَها.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): أنفس.
(5)
في (و): لتألفهم.
(6)
أخرجه البخاريُّ (7432)، ومسلم (1064).
(7)
في (و): ثم السلام.
(8)
في (أ): أعطى.
(9)
قوله: (ابن) سقط من (ز).
(10)
أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (383)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 294)، وابن عساكر في تاريخه (9/ 196)، بإسناد صحيح عن نافع مرسلاً، إلا أنه جعل القصة للزبرقان والأقرع بن حابس.
وأخرجه ابن أبي شيبة (33035)، وعلي بن المديني في العلل كما في مسند الفاروق (242)، والبخاري في التاريخ الصغير (209)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 293)، وابن أبي حاتم في التفسير (10377)، والحاكم (4473)، والبيهقي في الكبرى (13189)، بإسناد صحيح عن عَبيدة السلماني قال: جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر، وذكر نحوه.
وصحح ابن حجر إسناده إلى عَبيدة في الإصابة (1/ 254)، وأعله ابن المديني في العلل بقوله:(هذا منقطع؛ لأن عَبيدة لم يدرك القصة، ولا روى عن عمر أنه سمعه منه، قال: ولا يروى عن عمر بأحسن من هذا الإسناد، وقد رواه طاوس مرسلاً)، وعلى القول بأنه مرسل، فيقويه مرسل نافع وطاوس.
(3)
(أَوْ جِبَايَةُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهَا) إلاَّ أن يخاف.
(4)
(أَوِ الدَّفْعُ عَنِ المُسْلِمِينَ)؛ كمَنْ هو فِي طَرَف بلاد الإسلام، إذا أُعْطُوا دفعوا
(1)
عمن يليهم من المسلمين
(2)
.
فهؤلاء يُعطَونَ من الزَّكاة؛ لدخولهم في مسمَّى المؤلَّفة.
(وَعَنْهُ: أَنَّ حُكْمَهُمُ انْقَطَعَ)؛ نَقَلَها حنْبَلٌ عنه
(3)
؛ لأنَّ الصَّحابة لم يُعطُوا شيئًا من ذلك، ولأنَّ
(4)
الله تعالى قد أظهر الإسلام وأعلى كلمة الإيمان، فلم يُحتَجْ إليهم، والحكمُ يَزولُ بزوال علته.
وعنه: يَنقَطِع مع كفرهم؛ لقول عمرَ وقد جاءه مُشرِكٌ يَلتَمِس منه مالاً فلم يُعطِهِ، وقال:«من شاء فليؤمِنْ، ومن شاء فلْيَكفُرْ»
(5)
؛ أي: يَستَمِرُّ على كفره.
(1)
في (و): رفعوا.
(2)
قوله: (من المسلمين) سقط من (أ).
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 43.
(4)
في (د): لأن.
(5)
تبع المصنف ما في المغني 6/ 475، قال ابن حجر في التلخيص 3/ 246:(وهذا الأثر لا يُعرف)، ثم ذكر ما أخرجه ابن جرير الطبري (11/ 522)، عن حبان بن أبي جبلة، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأتاه عيينة بن حصن:{الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} أي: ليس اليوم مؤلفة. وإسناده صحيح إلى حبان، وهو ثقة وقد أدرك عمر، قال ابن يونس كما في تهذيب الكمال 5/ 333:(بعثه عمر مع جماعة من أهل مصر ليفقهوا أهلها).
وعليهما: يُرَدُّ سهمُهم على بقيَّة الأصناف، أوْ يُصرَفُ في مصالح المسلمين، نَصَّ عليه
(1)
، وظاهر كلامِ جماعةٍ: يُرَدُّ على بقيَّة الأصناف فقط.
(الْخَامِسُ: الرِّقَابُ)؛ لِلنَّصِّ، (وَهُمُ المُكَاتَبُونَ)، واحده: مكاتَبٌ، ولا يَختلِف المذهب أنَّهم من الرِّقاب، بدليل قوله: أعْتقْتُ رِقابِي، فإنَّه يَشمَلُهم، وفي قوله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ} الآية [النُّور: 33]، إشعار به، ولأنَّه يَملِك المالَ على سيِّده، ويصرف إليه أرش جنايته، فكان
(2)
له الأخذ منها إن لم يجد وفاءً كالغريم.
فإن عَتَقَ بأداءٍ أو إبراء؛ فما فضل معه فهل هو
(3)
له
(4)
كما لو فَضَل معه شَيءٌ من صدقة التَّطوُّع، أوْ للمُعطِي؟ فيه وجهان.
ويُعطَى قبل حلولها؛ لئلاَّ يُؤدِّي إلى فسخها، ولو مع القوة
(5)
والكَسْب، نَصَّ عليه
(6)
، وقيل: إذا حَلَّ نجمٌ. قال
(7)
جماعةٌ: وكذا من علَّق عتقَه بمجيء المال.
ويُسْتَثْنَى منه: المُكاتَبُ كِتابةً فاسِدةً، والكافِرُ؛ لأنَّه ليس من مَصْرِف الزَّكاة.
(1)
ينظر: مختصر ابن تميم 3/ 381.
(2)
في (أ): وكان.
(3)
قوله: (فهل هو) هو (أ) و (د): فهو.
(4)
في (ز): فهل لقوله.
(5)
في (ب) و (د) و (ز): القدرة.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 330.
(7)
في (د) و (و): قاله.
فَرعٌ: لا يُدْفَع إلَى المُكاتَب بحكم الفقر شَيء؛ لأنَّه عبْدٌ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَ بها أَسِيرًا مُسْلِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ
(1)
، اختاره جماعةٌ؛ لأنَّه
(2)
فكُّ رقبةٍ من الأَسْر أشْبَهَ المكاتَبَ، والحاجةُ داعيةٌ إليه؛ لأنَّه يُخافُ عليه القَتلُ أو الرِّدَّة لحَبْسه في أيْدِي العَدُوِّ، فهو أشدُّ من حبس القِنِّ فِي الرِّقِّ.
وعنه: لا، قدَّمه غيرُ واحدٍ؛ وهو قولُ أكثر العلماء.
وقال أبو المعالِي: وكذا لو دُفِع إلى فقيرٍ مسلمٍ غرَّمه السُّلطانُ مالاً؛ ليَدفَع جَورَه.
(وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهَا رَقَبَةً يُعْتِقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إِحْدَاهُمَا: يَجوزُ، جزم به في «الوجيز» وغيره؛ لظاهِرِ الآية، فإنَّ الرَّقبةَ إذا أطلقت تَنصَرِف إليه، فجاز صَرْفُها فيه كالمكاتَب، وشرطُها: أن يكون مِمَّنْ لا يَعتِقُ عليه بالملْك، وكلامُه مُشْعِرٌ بذلك.
والثَّانية: لا يجوز، قال في رواية أبِي طالبٍ:(كنتُ أقولُ: يُعتِقُ من زكاة ماله، ولكن أَهابُه؛ لأنَّه يَجُرُّ الولاء)
(3)
، ولأنَّ ظاهر الآية يَقتَضِي الدَّفع إلَى الرِّقاب؛ كقوله:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التّوبَة: 60] المرادُ بها: الدَّفْعُ إلَى الغُزاة، والدَّفْعُ إلَى العبد لا يَلزَم منه فك الرَّقَبة.
وبالَغَ ابنُ عَقِيلٍ فادَّعى أنَّ أحمدَ رجَعَ عن الأُولَى لظاهر هذه الرواية
(4)
، وليس هو كذلك، بل علَى سبيل الوَرَع؛ لأنَّ ما رَجَع من الولاء رُدَّ في مثله، فلا يَنتفِع إذًا بإعتاقه من
(5)
الزَّكاة.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 116.
(2)
زيد في (د): ليس.
(3)
ينظر: المغني 6/ 478.
(4)
في (د) و (و): الآية.
(5)
في (أ): في.
وعنه: الرِّقابُ عَبِيدٌ يُشتَرَوْن من الزَّكاة، ويُعتَقُون خاصَّةً.
وعنه: لا يُعتِقُ منها رقبةً كاملةً، بل يُعِين
(1)
في ثمنها.
فإنْ جاز؛ فأعتق عبده
(2)
أو مكاتبه عن زكاته؛ ففي الجواز وجهانِ.
ولو علق العِتْقَ بشَرطٍ ثُمَّ نواه من الزَّكاة عند الشَّرط؛ لم يُجزِئْه.
فَرعٌ: يجوز الدَّفْعُ إلَى سيِّد المكاتَب بلا إِذْنِه، قال الأصحاب: وهو الأَوْلَى، كما يجوز ذلك للإمام، فإن
(3)
رَقَّ لعجزه؛ أُخِذتْ من سيِّده، ولو تَلِفت الزَّكاة بيد المكاتَب؛ أجزأَتْ، ولم يَغْرَمْها، عَتَق أوْ رَدَّ رقيقًا.
(السَّادِسُ: الغَارِمُونَ)؛ لِلنَّصِّ، (وَهُمُ الْمَدِينُونَ)، كذا فسَّره الجَوهَرِيُّ
(4)
، (وَهُوَ
(5)
ضَرْبَانِ):
(ضَرْبٌ: غَرِمَ لإصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ)؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفَال: 1]؛ أيْ: وصلكم، والبَين: الوصل، والمعنى: كونوا مجتمِعين على أمر الله تعالى، والمرادُ: أنْ يَقَع بينهم عداوةٌ وضغائِنُ يتلف بها نفسٌ أو مالٌ، فيتحمَّل إنسانٌ حَمالةً -بفتح الحاء- لإطْفاء الفتنة وسكون النار التي كانت بينهم، ثمَّ يَخرُج في القبائل فيَسألُ حتَّى يُؤدِّيَها، فورد الشَّرع بإباحة المسألة فيها، وجعل لهم نصيبًا من الصَّدقة، وحديث قَبيصةَ شاهِدٌ بذلك
(6)
.
وظاهره: أنَّ الغارِمَ يأخذ وإن لم يَحُلَّ دَينُه، وإن كانوا كُفَّارًا. وفِي «العُمْدة» و «ابنِ تميمٍ» و «الرِّعاية الكبرى»: من المسلمين.
(1)
في (د): يعتق.
(2)
في (د): عبد.
(3)
زيد في (د): عجز.
(4)
ينظر: الصحاح 5/ 1996.
(5)
في (ب): وهم.
(6)
أخرجه مسلم (1044).
(وَضَرْبٌ: غَرِمَ لِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ)؛ كمَن اسْتدان في نفقة نفسه وعياله أو كسوتهم، وقيَّده بالمباح؛ ليَخرُج ما استدان وصرفَه في معصيةٍ؛ كشِرب الخمر والزِّنى.
ودَخَل فيه: ما إذا اشترى نفسَه من الكُفَّار؛ فيُعطَى قدْره مع فقره.
وظاهره: ولو كان من ذَوِي القُرْبَى، وذكَر المؤلِّف احتمالاً بالمنْع، وكما لا يُدفَع إلَى الغارِم الكافِر، ذَكَره في «الشَّرح» .
وكذا لا يُقضى منها
(1)
دَين ميتٍ غَرِمَه لمصلحة نفسه أو غيره؛ لعدم
(2)
أهليَّته لقَبولها، كما لو كفَّنه منها.
وحكى الشَّيخ تقيُّ الدِّين رواية
(3)
بالجَواز؛ لأنَّ الغارِم لا يُشتَرَط تمليكُه؛ لأنَّه
(4)
تعالى قال: {وَالْغَارِمِينَ} [التّوبَة: 60]، ولم يقل: للغارمين
(5)
، وفيه نَظَرٌ.
ومن تَحمَّل بسبَبِ إتْلاف مالٍ أوْ نَهْبٍ؛ أَخَذَ من الزَّكاة، وكذا إن ضَمِن عن غيره مالاً، وهما معسِرانِ؛ جاز الدَّفع إلَى كلٍّ منهما.
مسائِلُ:
منها: إذا اجتمع الغُرْمُ والفقرُ؛ أُعْطِيَ بهما، فإنْ أُعطِيَ للفقر؛ فله صَرْفُه فِي الدَّيْن، وإنْ أُعْطِيَ للغُرْم؛ لم يَصْرفْه في غيره، قاله بعضُهم.
ومنها: إذا دَفَع المالكُ إلى الغريم بلا إِذْن الفقير؛ فعنه: يَصِحُّ؛ كدَفْعها للفقير
(6)
. وعنه: لا؛ لأنَّ الدَّين علَى الغارِم، فلا يصح قضاؤه إلاَّ بتوكيله،
(1)
في (أ): لا يعطى.
(2)
قوله: (لعدم) سقط من (أ).
(3)
في (ز): رواة.
(4)
في (أ): لأن.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 80.
(6)
في (أ): للفقر.
ذَكَره في «المغني» و «الشَّرح» ، وهذا خلافُ المذهب.
وإن كان الإمامُ دافِعَها؛ لم يَفتقِر إلَى وكالةٍ؛ لولايته عليه في إيفائه، ولهذا يجبره عليه إذا امتَنَع.
ومنها: إذا أبرأ ربُّ المال
(1)
غريمَه من دَينه بنيَّة الزَّكاة؛ لم تسقط، نَصَّ عليه
(2)
، سواءٌ كان المخرَج عَينًا أوْ دَينًا.
ويتوجَّه تخريجٌ لقول الحَسَنِ وعَطاءٍ: في أنَّها تسقُط؛ بناءً على أنَّه هل هو تمليكٌ أمْ لَا؟
وقيل: يُجزِئُه من زكاة دَينه؛ لأنَّها مُواساةٌ، ولا تَكفِي الحَوالة بها، جزم به ابن تميمٍ، بناءً هل الحَوالة وفاءٌ؟ وذَكَر المؤلِّف أنَّها بمنزلة القَبْض، وإلاَّ كان بَيعَ دَينٍ بدَينٍ.
(السَّابِعُ: فِي سَبِيلِ اللهِ)؛ لِلنَّصِّ، (وَهُمُ الْغُزَاةُ)؛ لأنَّ السبيل عند الإطلاق هو الغَزْو؛ لقوله تعالى:{قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عِمرَان: 167]، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصَّف: 4] إلى غير ذلك من النُّصوص، ولا خلافَ في استحقاقهم وبقاء حكمهم
(3)
، بشَرْط أن يكونوا متطوِّعةً، وهذا مرادُه بقوله:(الذِينَ لَا دِيوَانَ لَهُمْ)؛ أيْ: لا حقَّ لهم في الدِّيوان؛ لأنَّ من له رِزْقٌ راتِبٌ يَكفِيه؛ فهو مُستغْنٍ به
(4)
، فيُدفع إليهم كفايةُ غزوهم وعَودهم.
ولا يجوز أنْ يَشتَرِيَ من الزَّكاة فرَسًا يصير حبيسًا
(5)
في الجهاد، ولا دارًا وضَيْعةً للرِّباط، أو يقفها على الغُزاة، ولا غَزْوه على فرسٍ أخرجه من زكاته،
(1)
في (ب): الدين.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 342.
(3)
ينظر: المغني 6/ 482.
(4)
في (و): فيه.
(5)
في (أ): جنيبًا.
نَصَّ عليه
(1)
، لا
(2)
إذا اشتَرَى الإمامُ بزكاة رَجُلٍ فرَسًا؛ فله دَفْعُها إليه يغزو
(3)
عليها، كما له أن يَرُدَّ عليه زكاته لفقره.
(وَلَا يُعْطَى مِنْهَا فِي الْحَجِّ)
(4)
في روايةٍ اختارها في «المغني» ، وصحَّحها في «الشَّرح» ، وقاله أكثرُ العلماء؛ لأنَّ سبيل الله حَيثُ أُطلِق ينصَرِف إلَى الجهاد غالبًا، والزَّكاة لا تُصرَف إلاَّ لِمُحتاجٍ إليها كالفقير، أو مَنْ يحتاجه المسلمون كالعامِلِ، والحجُّ لا نفع فيه للمسلمين، ولا حاجةَ بهم إليه، والفقير لا فرض في ذمَّته فيُسقِطه، وإن أراد به التَّطوُّع فتوفيرُ هذا القدر على ذوي الحاجة أو صَرْفها في مصالح المسلمين أَوْلَى.
(وَعَنْهُ: يُعْطَى الْفَقِيرُ)، فهو من السَّبيل، نَصَّ عليه
(5)
، وهو المذهب، رُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ
(6)
وابنِ عمَرَ
(7)
، لما رَوَى أبو داود: أنَّ رجلاً جعل ناقته
(1)
ينظر: الفروع 4/ 346.
(2)
في (أ): إلا.
(3)
في (و): بغزو.
(4)
زاد في (أ): أي.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 151، زاد المسافر 2/ 492.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (10424)، وأبو عبيد في الأموال (1966)، وابن حجر في التغليق (3/ 24)، من طرقٍ عن الأعمش، عن حسان أبي الأشرس، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أنه كان لا يرى بأسًا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج، وأن يعتق منها الرقبة» ، رجاله ثقات، وجوَّد الألباني إسناده.
وأخرجه أحمد في مسائل عبد الله (ص 148)، وأبو عبيد في الأموال (1967)، وابن زنجويه في الأموال (2201)، وابن حجر في التغليق (3/ 24)، من طريق أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس مختصرًا. رجاله ثقات وصحح إسناده الحافظ. وعلقه البخاري بصيغة التمريض (2/ 122)، ونقل الخلال أن أحمد قال:(مضطرب)، قال ابن حجر في الفتح 3/ 332:(وإنما وصفه بالاضطراب؛ للاختلاف في إسناده على الأعمش كما ترى، ولهذا لم يجزم به البخاري).
(7)
أخرجه أبو إسحاق الفزاري في السير (91)، وابن الجعد (1151)، وابن أبي شيبة (30837)، وأحمد (5096)، وأبو عبيد في الأموال (1977)، والبيهقي في الكبرى (12605)، عن أنس بن سيرين، قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: امرأة أوصت بثلاثين درهمًا في سبيل الله، فنعطيها في الحج؟ فقال:«أما إنه من سبيل الله» ، إسناده صحيح، واحتج به أحمد في مسائل عبد الله ص 151.
في سبيل الله، فأرادت امرأتُه الحجَّ؛ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«اركَبِيها، فإنَّ الحجَّ في سبيل الله»
(1)
.
ويُشترُط له
(2)
: الفقرُ، ومعناه: أن يكون ليس له بالحجِّ به
(3)
سواها.
وقيل: لا، وهو ظاهر «الوجيز» ، فتجوز للغَنيِّ؛ كوصيَّته بثُلثه في السَّبيل، ذَكَره أبو المعالِي.
(قَدْرَ
(4)
مَا يَحُجُّ بِهِ الْفَرْضَ، أَوْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِيهِ)، جزم به غيرُ واحِدٍ؛ لأنَّه يحتاج
(5)
إلى إسقاط الفرض، والتَّطوُّعُ له عنه مَنْدوحةٌ.
ولكنْ ذَكَر القاضِي: جوازَه في النَّفل كالفرض، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ
(6)
والخِرَقِيِّ، وصحَّحه بعضُهم؛ لأنَّ كُلًّا من سبيل الله، والفقيرُ لا فَرْض عليه، فهو منه كالتَّطوُّع.
فعلَى هذا: يُدْفَعُ إليه
(7)
ما يَحُجُّ به حجَّةً كاملةً، وما
(8)
يعينه
(9)
في حجِّه.
(1)
أخرجه أبو داود (1990)، وإسناده حسن، فيه عامر بن عبد الواحد الأحول، وهو صدوق يخطئ، وله شاهدٌ يتقوَّى به أخرجه البزار كما في كشف الأستار (1151)، وفيه محمد بن فضَيل بن غزوان، والمختار بن فلفل القرشي، وكلاهما صدوقان، وصحَّحه الألباني. ينظر: تهذيب الكمال 14/ 66، الإرواء 6/ 32.
(2)
في (أ): لها.
(3)
قوله: (به) سقط من (د).
(4)
قوله: (قدر) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(5)
في (د) و (و): محتاج.
(6)
ينظر: مسائل عبد الله ص 151، زاد المسافر 2/ 492.
(7)
قوله: (إليه) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(8)
قوله: (وما) في (ب): أو، وفي (د) و (ز) و (و): أو ما.
(9)
في (أ): يغنيه.
وعُلِم منه: أنَّه لا يجوز أنْ يَحُجَّ من زكاة نفسه، كما لا يجوز أن يغزوَ بها.
فَرعٌ: العمرةُ في ذلك كالحجِّ، نقل جعفَرٌ: العُمْرةُ فِي سبيل الله
(1)
.
(الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ)؛ لِلنَّصِّ، والسَّبيلُ: الطَّريقُ، وسُمِّيَ المسافِرُ ابنًا له؛ لمُلازَمته، كما يقال: ولد الليل، إذا كان يُكثِرُ الخروجَ فيه.
(وَهُوَ المُسَافِرُ) سفَرًا مُباحًا، وفي سَفَر النُّزْهة خِلافٌ، وعلَّله جماعةٌ: بأنَّه ليس بمعصية، فدلَّ علَى أنَّه يُعطَى في سفَرٍ مكروهٍ، قال في «الفروع»: هو نظيرُ إباحة الرُّخَص فيه، لا سفَرَ معصيةٍ.
وقيل: يُشترَط أن يكون سَفَر طاعةٍ، جزَم به في «الرِّعاية الصُّغرى» ، وهو بعيدٌ.
(المُنْقَطِعُ بِهِ)؛ أي: لَيْس له ما يَرجِع به إلى بلده، (دُونَ المُنْشِئِ للسَّفَرِ مِنْ بَلَدِهِ)؛ لأنَّ الاِسمَ لا يتناوَلُه حقيقةً، وإنَّما يصير ابنَ سبيلٍ في ثانِي الحال، فلا يكون مرادًا.
وعنه: بلَى؛ لأنَّه يريد السَّفر لغير معصيةٍ، أشْبَه الأوَّلَ.
ويُصدَّق في إرادة السَّفر بلا يمينٍ.
(فَيُعْطَى) -هذا تفريعٌ على ما ذَكَره- (قَدْرَ مَا يَصِلُ بِهِ إِلَى بَلَدِهِ)؛ لأنَّ المجوِّز لِأًخْذها هو التَّوصُّل إلَى بلده، فلم يَجُزْ أن يُدفَع إليه أكثر من ذلك؛ كالفقير، وظاهِرُه: أنَّه يُعطَى، ولو كان ذا يَسارٍ في بلده.
فإن كان يريد غيرَ بلده؛ فظاهِرُه: أنَّه لا
(2)
يُعطَى، وذَكَره المجْدُ ظاهِرَ رواية صالِحٍ وغيرِه، وظاهر كلامِ أبِي الخَطَّاب؛ لأنَّ الشَّرع جوَّز الدَّفع إليه
(1)
ينظر: زاد المسافر 2/ 492.
(2)
قوله: (لا) سقط من (ب).
للرُّجوع إلَى بلده؛ لأنَّه أمْرٌ مهم لا غناء له
(1)
عنه، فلا يَجوز إلحاقُ غيرِه به.
وعنه، واختاره الأصحابُ: يُدفَع إليه ما يَكفيه لمنتهى قصده وعَوده إلَى بلده؛ لأنَّ فيه إعانةً على بلوغ الغَرَض الصَّحيح.
وظاهِرُ كلامِ الْأَصحابِ: أنَّه يُعطَى ولو وَجَد من يُقرِضُه، ذَكَره صاحِبُ «الشَّرحِ» ، خلافًا للمَجْدِ.
(وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالمِسْكِينُ مَا يُغْنِيهِ)؛ أي: يُغْنِي كلَّ واحِدٍ منهما؛ لأنَّ الدَّفع للحاجة، فيُقدَّر بقدْرها، وهو مَبنِيٌّ علَى ما سبق.
وشَرَطَ الخِرَقِيُّ: أن يكون المدفوعُ لا يُخرِج المدفوعَ إليه إلَى الغِنَى؛ لأنَّ الغِنَى لو سَبَق الدَّفْع لم يَجُزْ، فكذا إذا قارَن؛ كالجمع بين الأخْتَينِ.
(وَالْعَامِلُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ)؛ لأنَّ الذي يَأخُذُه بسبب العمل، فوجب أن يكون بمقداره.
(وَالمُؤَلَّفُ:
(2)
مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّأْلِيفُ)؛ لأِنَّه المقصودُ.
(وَالْغَارِمُ وَالمُكَاتَبُ: مَا يَقْضِيَانِ بِهِ دَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّ حاجَتَهما إنَّما تندفع
(3)
بذلك.
(وَالغَازِي
(4)
: مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لغَزْوِهِ)؛ من سلاحٍ وفرسٍ إن كان فارِسًا، وحُمولته
(5)
، وجميعِ ما يَحتاجُه له ولعَوده، (وَإِنْ كَثُرَ)؛ لأنَّه إنَّما يَحصُل بذلك، ونبَّه عليه المؤلَّف؛ لئلاَّ يُتوهَّم أنه
(6)
لا يجوز أن يكون قدْرَ نِصابٍ؛ لأنَّ سببَ الدَّفع الحاجة.
(1)
قوله: (له) زيادة من الأصل.
(2)
زاد في (أ): قدر.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): تدفع.
(4)
في (ب) و (د): وللغازي.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وحركته.
(6)
في (د) و (ز) و (و): أن.
(وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ)؛ لأِنَّ الدَّفْع للحاجة، فيَتقيَّدُ بها.
(وَمَنْ كَانَ ذَا عِيَالٍ؛ أَخَذَ مَا يَكْفِيهِمْ)؛ لأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلَى ذلك؛ كالأخْذ لنفسه.
(وَلَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ الْغِنَى)؛ لقوله عليه السلام: «لا تحلُّ الصَّدقةُ لغَنِيٍّ، ولا ذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» رواه أبو داود، والترمذي من حديث عَمْرو بن العاصِ
(1)
.
فائِدةٌ: المِرَّةُ: القُوَّة والشِّدَّة، والسَّوِيُّ: المستَوِي الخَلْق التَّامُّ الأعضاءِ.
(إِلاَّ أَرْبَعَةً: الْعَامِلُ) بغير خلافٍ نعلمه
(2)
، (وَالمُؤَلَّفُ)؛ لأِنَّ إعطاءَهم لمَعنًى يَعُمُّ نفعُه؛ كالغازي، (والغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ)، ما لم يكن دَفَعَها من ماله، (وَالْغَازِي)؛ لما رَوَى أبو سعيدٍ مرفوعًا: «لَا تَحِلُّ الصَّدقةُ لِغَنِيٍّ، إلاَّ لغاز في سبيل الله، أو لعاملٍ
(3)
عليها، أو لغارمٍ
(4)
» رواه أبو داودَ
(5)
،
(1)
أخرجه أحمد (6530)، وأبو داود (1634)، والترمذي (652)، والحاكم (1478)، وسنده حسنٌ، فيه ريحان بن يزيد العامري، وثَّقه ابن معين وابن حبَّان، وقال أبو حاتم:(شيخ مجهول)، وحسن الحديث الترمذي والبغوي، وللحديث شاهدٌ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه أحمد (9061)، وابن ماجه (1839)، بلفظ:«لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ، ولا لذِي مرَّةٍ سَويٍّ» ، وفي سنده انقطاعٌ، فإن سالم بن أبي الجعد لم يسمعْ من أبي هريرة رضي الله عنه، وصحَّحه بمجموعِ هذه الطُّرق الألباني. ينظر: شرح معاني الآثار 2/ 14، شرح السُّنة 6/ 82، تهذيب الكمال 9/ 262، نصب الراية 2/ 399، البدر المنير 7/ 362، الإرواء 3/ 381.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 2/ 704.
(3)
في (أ): أو العامل.
(4)
في (أ): أو الغارم
(5)
أخرجه أحمد (11538)، وأبو داود (1636)، وابن ماجه (1841)، وابن خزيمة (2374)، والحاكم (1480)، كلهم من طريق معمرٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به.
وأخرجه مالك (29)، ومن طريقه أبو داود (1635)، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار مرسلاً، وتابع مالكًا على إرساله: سفيان بن عيينة وإسماعيل بن أميَّة، أخرجهما ابن عبد البرِّ في التَّمهيد (5/ 95 - 96)، ورجَّح إرساله أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود والدَّارقطني وابن عبد الهادي، وصححه موصولاً: البزار والحاكم وابن الجوزي وابن الملقن والألباني. ينظر: العلل للدارقطني 11/ 270، علل ابن أبي حاتم 2/ 616، المحرر في الحديث (585)، البدر المنير 7/ 382، الإرواء 3/ 377.
ولأنَّه تعالى
(1)
جعل الفقراء والمساكين صِنْفَينِ، وعَدَّ بعْدَهما بقيَّة الأصناف، ولم يشرط
(2)
فيهم الفقرَ، فدلَّ على جواز الأخْذ مع الغِنَى، وخالَف ابنُ عَقِيلٍ فِي الغارِم، والمذهبُ ما ذكره المؤلِّفُ.
وظاهِرُه: أنَّ الباقين يُشتَرَط فيهم الحاجةُ، وابنُ السَّبيل وإن كان له مالٌ في بلده؛ فهو الآن كالمعدوم.
(وَإِنْ فَضَلَ مَعَ الْغَارِمِ وَالمُكَاتَبِ)، حتَّى ولو سقط ما عليهما ببراءةٍ أو غيرها، (وَالغَازِي وَابْنِ السَّبِيلِ شَيْءٌ بَعْدَ حَاجَتِهِمْ؛ لَزِمَهُمْ رَدُّهُ)؛ لأِنَّ السَّببَ زال، فيَجِب ردُّ الفاضِلِ؛ لزوال الحاجة، فهؤلاء أخْذُهم مُراعًى.
وعُلِم منه: أنَّهم إذا لم يَصرِفوه في حاجتهم أنَّه يُستَرجَع منهم بكلِّيَّته؛ لبُطْلان وجود الاِسْتحْقاق، وإن تَلِف في أيديهم بغير تفريطٍ؛ فلا رجوعَ عليهم.
وعنه: لا تُستَرَدُّ منهم، وتبقى لهم كسائر أموالهم؛ لاستِحْقاقهم وقتَ الأخْذ، فمَلَكوها كالبواقي، قال في «المحرر»: (إلاَّ في
(3)
عَجْز المكاتَب، فإنَّها تكون لسيِّده) انتهى، وسيأتي.
(وَالْبَاقُونَ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، فَلَا يَرُدُّونَ شَيْئًا)؛ لأِنَّهم مَلَكوها ملكًا مستقِرًا.
والفرق: أنَّ هؤلاء حصل المقصود بأخْذهم، وهو غِنَى الفقير والمسكين -مثلاً- بخِلاف ما سَبَقَ.
(1)
في (أ): يقال.
(2)
في (ب) و (و): ولم يشترط.
(3)
في (و): إن.
(وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِي المُكَاتَبِ
(1)
: أَنَّهُ يَأْخُذُ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا)؛ أيْ: فلا يَرُدُّ ما فضَلَ؛ لأِنَّه إذا عجَز ورُدَّ فِي الرِّق؛ فما فِي يده لسيِّده، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّه مُستحِقٌّ عند أخْذِها، فلم يَجِب ردُّها؛ كما لو استغْنَى الفقيرُ.
وعنه: يَرُدُّه في المكاتَبِين. وقيل: للمُعْطِي.
قال أبو بكرٍ والقاضِي: ولو كان دَفَعَها إلَى سيِّده اسْتَرْجَعَه المعطِي. وقيل: لا، كما لو قَبَضها منه ثُمَّ أعْتقَه.
(وَإِنِ ادَّعَى الفَقْرَ مَنْ عُرِفَ بِالْغِنَى)؛ لَم يُقْبَل إلاَّ ببَيِّنةٍ؛ لقوله عليه السلام في خبر قَبِيصةَ قال: «لا تَحِلُّ المسألةُ إلاَّ لِأَحَد ثلاثةٍ: رجلٍ أصابتْه فاقةٌ حتَّى يَشهَدَ له ثلاثةٌ من ذَوِي الحِجى من قومه: لقد أصابتْ فلانًا فاقةٌ؛ فحلَّت له المسألةُ حتَّى يُصيبَ قِوامًا من عَيشٍ، أوْ سَدادًا مِنْ عَيشٍ» رواه مسلِمٌ
(3)
، ولأِنَّ الأصلَ بقاءُ الغِنَى.
ونَصَّ أحمدُ أنَّه لا يُقبَل فيه إلاَّ ثلاثةٌ
(4)
، وجزم به في «الوجيز» .
وقال جماعةٌ: يُقبَل اثنان؛ كدَين الآدَمِيِّ.
وأجاب المؤلِّف وغيرُه عن خبر قَبِيصةَ: أنَّه في حِلِّ المسألة؛ فيُقتصَر عليه.
(أَوِ ادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ، أَوْ غَارِمٌ
(5)
، أَوِ ابْنُ سَبِيلٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ)؛ لأِنَّ الأصلَ عدَمُ ما يدَّعيه وبراءة الذِّمَّة.
وفي قوله: إنَّه ابن
(6)
سبيل
(7)
، وجْهٌ: يُقبَل قوله.
(1)
زيد في (ب) و (و): أيضًا.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4446.
(3)
أخرجه مسلم (1044).
(4)
ينظر: الفروع 4/ 304.
(5)
في (و): أو خادم.
(6)
في (ب) و (ز) و (و): أو ابن، وفي (د): وابن.
(7)
في (د) و (و): السبيل
(وَإِنْ صَدَّقَ المُكَاتَبَ سَيِّدُهُ، أَوِ الغارِمَ غَرِيمُهُ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أصحُّهما: يُقبَل؛ لأِنَّ الحقَّ في العبد للسيِّد، فإذا أقرَّ بانتقال حقِّه عنه؛ قُبِل، والغريم في معناه.
والثَّانِي: لا يُقبَل إلاَّ ببيِّنةٍ؛ لجواز تواطُئِهما على أخْذ المال.
وقدَّم في «الفروع» فِي المكاتَب: أنَّه لا يُقبَل إلاَّ ببيِّنةٍ، وهو غريبٌ.
(وَإنِ ادَّعَى الْفَقْرَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْغِنَى؛ قُبِلَ قَوْلُهُ)؛ لأِنَّ الأصلَ اسْتِصْحابُ الحال السَّابقة، والظَّاهِرُ صِدْقُه ولو كان متجمِّلاً، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، ويُخبِرُه بأنَّها
(1)
زكاةٌ.
(وَإِنْ رَآهُ جَلْدًا)؛ أيْ: شديدًا قويًّا، (وَذَكَرَ أَنَّه لَا كَسْبَ لَهُ؛ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ) وِفاقًا
(2)
؛ لأنَّه عليه السلام لم يُحلِّفْ على ذلك، (بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ) على سبيل الإيجاب
(3)
: (أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ)؛ لما رَوَى عُبيد الله بن عَدِيِّ بن الخِيار: أنَّ رجلَينِ أتَيَا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فسألاه شَيئًا، فصَعَّدَ فيهما
(4)
النَّظَرَ فرآهما جَلْدَين، فقال:«إنْ شِئْتُما أعْطَيتُكما، ولا حظَّ فيها لِغَنِيٍّ، ولا لِقَوِيٍّ مُكتَسِبٍ» رواه أبو داودَ
(5)
.
لكنْ إذا تفرَّغ للعلم وتعذَّر الجمْعُ، لا
(6)
إن تفرَّغ للعبادة.
(1)
في (د) و (و): أنها.
(2)
ينظر: المجموع للنووي 6/ 189، الفروع 4/ 305.
(3)
كتب على هامش الأصل: (ذكره في الفروع توجيهًا).
(4)
في (د) و (و): منهما.
(5)
أخرجه أحمد (23063)، وأبو داود (1633)، والنسائي (2598)، والدارقطني (1994)، وإسناده صحيحٌ، قال أحمد:(ما أجوده من حديث)، وصحَّحه النَّوويُّ وابن عبد الهادي وابن الملقِّن والألباني. ينظر: المجموع 6/ 228، تنقيح التَّحقيق 3/ 169، نصب الراية 2/ 401، البدر المنير 7/ 361، الإرواء 3/ 381.
(6)
في (ز): إلا.
فإنْ رآه ظاهِرَ المسكنة؛ أعطاه منها ولم يبين له
(1)
، قاله أحمدُ
(2)
.
فَرْعٌ: إذا سأله مَنْ ظاهِرُه الفقرُ أنْ يُعطيَه شيئًا، فأعطاه؛ فقيل: يُقبَل قولُ الدَّافِع في كونها قرضًا؛ كسؤاله مقدَّرًا؛ كعشرة دراهم. وقيل: لا يُقبَل؛ كقوله: شيئًا؛ إني فقيرٌ، قاله أبو المعالِي.
(وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عِيَالاً؛ قُلِّدَ وَأُعْطِيَ)، قاله الأكثرُ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُه، ويشق إقامةُ البيِّنة، لا سيَّما على الغريب
(3)
، وكما يُقلَّد في حاجة نفسه.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يُقْبَلَ
(4)
إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ)، وقاله ابنُ عَقِيلٍ؛ لأِنَّ الأصلَ عدَمُ العِيال، بخلاف ما إذا ادَّعى أنَّه لا كَسْبَ له؛ لموافقته الأصلَ.
(وَمَنْ غَرِمَ)؛ أيْ: في معصيةٍ؛ كشراء خمرٍ ونحوه، (أَوْ سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ)؛ كقطْع طريقٍ؛ (لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ)؛ أي: قبل التَّوبة؛ لأنَّه إعانة علَى المعصية.
(فَإِنْ تَابَ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أصحهما: أنه
(5)
يُدفَع إليه؛ لأنَّ تفريغ الذِّمَّة من الدَّين واجب، والإعانةُ عليه قُرْبَةٌ، أشْبَهَ ما لو تلف ماله
(6)
في المعصية حتَّى افْتقَرَ، فإنَّه يُصرَف إليه مِنْ
(7)
سَهْم الفقراء بشَرطه، وعَود ابنِ السَّبيل إلى بلده ليس بمعصيةٍ، بل ربَّما كان إقلاعًا عنها، كالعاقِّ يريد الرُّجوع إلَى أبَوَيهِ.
والثَّانِي: لا؛ لكونه استدامةً للمعصية، فلم يُدفَع إليه، كما لو لم يَتُبْ،
(1)
قوله: (له) سقط من (أ).
(2)
ينظر: المغني 6/ 472.
(3)
في (أ) و (ب): القريب.
(4)
زيد في (د) و (و): ذلك.
(5)
قوله: (أنه) سقط من (أ).
(6)
قوله: (ماله) سقط من (أ).
(7)
في (أ): في.
ولأِنَّه متَّهَمٌ في إظهار التَّوبة لأجل قضاء دينه
(1)
، ثمَّ يعود.
وكذا لو سافر في مكروهٍ أوْ نُزْهةٍ.
(وَيُسْتَحَبُّ صَرْفُهَا فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا)؛ أي: الثَّمانية، لكلِّ صِنفٍ ثُمُنُها إنْ وُجِد، حيث وجب الإخراجُ، أوْ فيمن أمْكَن منهم؛ لأنَّ في ذلك خُروجًا من الخلاف، وتحصيلاً للإجزاء يَقِينًا.
(وَإِنِ
(2)
اقْتَصَرَ عَلَى إِنْسَانٍ وَاحِدٍ) من الأصناف؛ (أَجْزَأهُ) في قول جماهير العلماء، ونَصَّ عليه
(3)
، واختاره الأصحابُ؛ لقوله تعالى:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ (271)} الآية [البَقَرَة: 271]، ولحديث مُعاذٍ
(4)
، وقوله لقَبيصةَ:«أقِمْ حتَّى تأتيَنا الصَّدقةُ فنَأْمُرَ لك بها»
(5)
، وأمر بَنِي زُرَيق
(6)
بدَفْع صدقتهم إلى سَلَمة بن صخْرٍ
(7)
، ولو وجب الاسْتِيعابُ؛ لم يَجُزْ صَرْفُها إلَى واحِدٍ، ولأنَّه لا يَجِبُ إذا فرَّقها السَّاعِي، فكذا المالكُ، ولما فيه من العسر
(8)
، وهو منفِيٌّ شَرْعًا، والآيةُ إنَّما سِيقَتْ لبيان من تصرف إليه، لا
(1)
قوله: (قضاء دينه) في (أ) و (ب): معاودته.
(2)
في (أ): فإن.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1143، زاد المسافر 2/ 493.
(4)
أخرجه البخاري (1395)، ومسلم (19)، وفيه:«تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» .
(5)
أخرجه مسلم (1044).
(6)
في (أ) و (ب): سلمة.
(7)
أخرجه أحمد (16421)، وأبو داود (2213)، والترمذي (3299)، وابن خزيمة (2378)، من طريق سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر رضي الله عنه، وأعله البخاري بالانقطاع، فقال:(حديث مرسل، لم يدرك سليمان بن يسار سلمة بن صخر)، وقال في التاريخ الكبير:(ولم يصح حديثه)، وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة والحاكم، وقال ابن كثير:(إسناده جيد)، وحسن إسناده ابن حجر، وصححه الألباني، وله طرق أخرى وشواهد تقويه. ينظر: التاريخ الكبير 4/ 72، العلل الكبير للترمذي ص 175، تحفة الطالب ص 244، الإرواء 7/ 176.
(8)
في (أ): الكسر.
لتعميمهم، وكالوصيَّة لجماعةٍ لا يُمكِن حصرُهم.
وشرطه: إذا لم يُوصِلْه إلى الغِنَى، ذَكَره الخِرَقِيُّ، فظاهره
(1)
: لا بُدَّ أن يُنقَصَ منه، ونَصَّ أحمدُ
(2)
وأكثر الأصحاب على خلافه، لكن لا يزيد عليه.
ونَصُّ المؤلِّف على جواز الدَّفع إلى واحِدٍ؛ دليلٌ علَى جوازه إلى الصنف
(3)
من باب أَوْلَى.
(وَعَنْهُ): يَجِب الاِسْتِيعابُ، اختاره أبو بكرٍ وأبو الخَطَّاب؛ لأنَّ الله تعالَى أضافها إليهم بلام التَّمليك، وشرَّك بَيْنهم، فلم يَجُزِ الاِقْتصارُ على بعضهم إلاَّ لضرورةٍ؛ كأهل الخُمُس.
وعليها: لا تَجِبُ التَّسويةُ بين الأصناف؛ كالصِّنف الواحدِ، وكالوصيَّة للفقراء
(4)
.
فعلى هذه: (لَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ
(5)
ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ)؛ لأِنَّهم أقلُّ الجمع، فعلَى هذا: إنْ دَفَعَ إلى اثْنَينِ؛ ضَمِن نصيب الثَّالثِ.
وهل يَضمَنه بالثُّلث؛ لأِنَّه القَدْر المستحَبُّ، أوْ بأقلِّ جزءٍ منه؛ لأنَّه المجزِئُ؟ فيه وجهان، كالأضحية إذا أَكَلَها.
وعنه: يُجزِئُ واحِدٌ، اختاره في «الانتصار» وصاحب «المحرَّر» ؛ لأنَّه لمَّا تعذَّر الاِسْتِغراقُ؛ حُمِل علَى الجنس، كقوله: لا تزوَّجْتُ النِّساء.
(إِلاَّ الْعَامِلَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا) وِفاقًا
(6)
، مع أنَّه ذُكِر بلفظ
(1)
زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): أنه.
(2)
ينظر: مسائل صالح 1/ 285، مسائل عبد الله ص 153، مسائل ابن منصور 3/ 1043.
(3)
قوله: (الصنف) سقط من (أ).
(4)
كتب في هامش الأصل: (بخلاف المعين).
(5)
قوله: (أقل من) في (ب) و (د) و (ز) و (و): إلا.
(6)
ينظر: المبسوط 3/ 9، المدونة 1/ 343، المجموع 6/ 187، الكافي 1/ 423.
الجَمْع؛ لأِنَّ ما يأخذه أُجْرةً، ويَسقُط سهمه
(1)
إن فرَّقها ربُّ المال بنفسه، فتبقى سبعة.
فَرعٌ: مَنْ كان فيه سببان؛ أخَذَ بهما على الرِّوايتين؛ كالميراث، ولا يَجُوزُ أنْ يُعطَى بأحدهما لا بعَينِه؛ لاخْتِلاف أحكامِهما في الاِسْتِقرار، وإنْ أُعْطِيَ بهما وعُيِّنَ لكل سببٍ قَدْرٌ، وإلاَّ كان بينهما نِصفَيْن، وتظهر
(2)
فائدتُه: لو وُجِد ما يوجب
(3)
الرَّدَّ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِلْمالِك (صَرْفُهَا إِلَى أَقَارِبِهِ الذِينَ لَا تَلْزَمُه
(4)
مُؤْنَتُهُمْ)؛ لِقَولِه عليه السلام: «صدقتُك علَى ذِي القَرابةِ؛ صَدقةٌ وصِلَةٌ» رواهُ التِّرْمذِيُّ والنَّسائيُّ
(5)
، ولا يرثه بفرضٍ أو تعصيب
(6)
، ولا تلزمه
(7)
نفقتُه
(8)
.
(1)
في (أ): سهم.
(2)
في (د) و (و): ويظهر.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): يجب.
(4)
في (و): لا يلزمه.
(5)
أخرجه أحمد (16226)، والترمذي (658)، والنسائي (2582)، وابن خزيمة (2067، 2385) من طريق أمِّ الرَّائح الرَّبَاب بنت صُليع، عن عمها سلمان رضي الله عنه به مرفوعًا، والرَّباب بنت صُليع لم يروِ عنها غيرُ حفصة بنت سيرين، ولم يوثقها غير ابن حبان، واستشهد بها البخاريُّ، وروى لها الباقون سوى مسلمٍ، وقال ابن حجر:(مقبولة)، وحسَّن حديثها هذا: الترمذي والبغوي وابن قدامة والألبانيُّ، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبَّان والحاكم وابن الملقن وغيرهم، ويشهد له: ما أخرجه البخاري (1466)، ومسلم (1000)، من حديث زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنه، في قصة الصدقة على زوجها وأبنائها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نعم، لها أجران: أجر القَرابة، وأجر الصَّدقة» . ينظر: الثقات لابن حبان 4/ 244، المغني لابن قدامة 4/ 319، البدر المنير 7/ 411، الإرواء 3/ 388.
(6)
قوله: (ولا يرثه بفرض أو تعصيب)، هو (أ): ولأنه لا يمونه. وفي (ب) و (د) و (ز) و (و): ولأنه لا يرثه. وقوله في باقي النسخ: (لأنه) ممسوحة من الأصل قصدًا.
(7)
في (و): ولا يلزمه.
(8)
زاد في (أ) و (ب): (بقدر حاجته) وقد ضرب عليها في الأصل.
وإذا أحضرَ ربُّ المال إلى العامِل مِنْ أهله من لا يَلزَمه نفقتُه ليدفع إليهم زكاتَه؛ دفعَها قبل خلطها بغيرها، وبعدَه؛ هو كغَيرهم، ولا يُخرجُهم منها؛ لأنَّ فيها ما هم به أخصُّ، ذَكَره القاضِي.
(وَتَفْرِيقُهَا فِيهِمْ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ)؛ لأنَّها مراعاةٌ، ويُقدِّم الأقربَ والأحوجَ، فإنْ كان الأجنبيٌّ أحوجَ
(1)
؛ أعْطَى الكلَّ، ولم يُحابِ بها قريبَه.
والجارُ أَولَى من غيره، والقريبُ أَولَى منه، نَصَّ عليه
(2)
، والعالِمُ والدَّيِّنُ يُقدَّمان على ضدِّهما.
(وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إِلَى مُكَاتَبِهِ)؛ نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّه معه كالأجنبيِّ في
(4)
جَرَيان الرِّبا بَيْنَهما، ولأنَّ الدَّفعَ تمليكٌ، وهو من أهله، فإذا ردَّه إلى سيِّده بحكم الوفاء جاز؛ كوفاء الغريم، وقيَّده في «الوجيز» وغيره: بأن لا يكون حيلةً.
ونَقَل حَنْبلٌ عن أحمدَ أنَّه قال: قال سفيانُ: لا تُعْطِ مكاتبًا لك من الزَّكاة، وأنا أرى مثلَه
(5)
، واختاره القاضِي، قال المَجْدُ: وهو أقْيَسُ؛ لأنَّ تعلُّق حقِّه بماله أشدُّ من تعلُّق حقِّ الوالد بمال الولد.
(وَإِلَى غَرِيمِهِ)؛ لأنَّه من جملة الغارِمين، وسواءٌ دَفَعها إليه ابتداءً، أوِ اسْتَوْفَى حقَّه ثُمَّ دَفَع إليه لِيَقضِيَ به دَين المقرِض، نصَّ على ذلك، وقال: إن كان حيلةً فلا يُعجِبُنِي، ونقل عنه
(6)
ابنُ القاسِمِ: إنْ أراد الحيلةَ لم يصلح ولا
(1)
زاد في (أ) و (ب) و (د) و (و): (قدم و)، وقد ضرب عليه في الأصل، والمثبت موافق لما في الفروع 4/ 353، والكشاف 5/ 163.
(2)
زاد المسافر 2/ 493.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 331.
(4)
في (أ) و (ز): من.
(5)
ينظر: المغني 6/ 478.
(6)
قوله: (عنه) سقط من (أ) و (ب).
يجوز
(1)
، وبه جزم في «الوجيز» .
وذَكَر القاضِي وغيرُه: أنَّ المرادَ بالحيلة: أن يُعطِيَه بشرْط أن يردها عليه من دَينه، فلا يُجزِئُه؛ لأنَّ من شرطها تمليكًا صحيحًا، وهو مُنتفٍ مع الشَّرْط.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّه حصل من كلام أحمد إذا قَصَد بالدَّفْع إحْياء ماله واسْتِيفاء دَينه لم يَجُزْ؛ لأنَّ الزَّكاة حقُّ الله، فلا يَجوز صَرْفُها إلَى نفعه.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 343.
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى كَافِرٍ) إجْماعًا
(1)
، وحديثُ معاذٍ نَصٌّ فيه
(2)
، ولأِنَّها مواساةٌ تَجِبُ على المسلم، فلم تَجِبْ للكافِرِ؛ كالنَّفقة.
ويُستثْنَى منه: إذا كان مؤلَّفًا، أوْ عامِلاً على روايةٍ، زاد في «المستوعب»: أوْ غارِمًا لذات البَين، أوْ غازِيًا.
(وَلَا عَبْدٍ)؛ أيْ: كامِل الرِّقِّ؛ لأنَّ نَفَقَتَه واجبةٌ على سيِّده، فهو غنِيٌّ بغِناه، وما يُدفَع إليه لا يَملِكه، وإنما يملكه
(3)
سيِّده، فكأنَّه دَفْعٌ إليه.
ويُستثْنَى منه: ما إذا كان عامِلاً.
وظاهِرُه: لا يُدفَع إليه وإن كان سيِّدُه فقيرًا، وذكر القاضِي في «تعليقه» في العبد بين اثْنَين فكاتَبَه أحدُهما: يجوز، وما قبضه من الصَّدقات فنصفُه يُلاقِي نصفَه المكاتَب، وما يُلاقِي نصفَ السيِّد الآخَرِ إن كان فقيرًا؛ جاز في حصَّته، وإن كان غنِيًّا؛ لم يَجُز.
قال المجْدُ: ومثلُه إذا كاتَبَ بعضَ عبده.
وكلامه شامِلٌ للمدبَّر، وأمِّ الولد، والمعلَّقِ عتقُه بصفةٍ، فإن كان بعضُه حُرًّا؛ أَخَذ بقدره بنسبته من خمسين أو من
(4)
كفايته على الخلاف.
(وَلَا فَقِيرَةٍ لَهَا زَوْجٌ غَنِيٌّ)؛ لغِناها بدَينها عليه، وكولدٍ صغيرٍ فقيرٍ أبوه مُوسِرٌ، بل أَوْلَى؛ للمُعاوَضة وثبوتِها في الذمة.
(1)
ينظر: الإشراف 3/ 99، المغني 2/ 487.
(2)
مراده ما أخرجه البخاري (1395)، ومسلم (19)، وفيه:«تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» .
(3)
في (د): ملكه.
(4)
قوله: (من) سقط من (أ).
وكما لا يجوز دَفْعُها إلَى غنيٍّ بنفقةٍ لازِمةٍ، اختاره الأكثر، وأطلَق في «التَّرغيب» وجهَينِ، وجوَّزه فِي «الكافي» ؛ لأنَّ استحقاقَه للنفقة مشروطٌ بفقره، فيَلزَم من وجوبها له وجودُ الفقر، بخلاف الزَّوجةِ.
ويُستثْنَى منه: ما
(1)
إذا تعذَّرت النَّفقة منه لغَيبةٍ أو امْتِناعٍ، فإنه يجوز لها الأخْذُ، نصَّ عليه
(2)
، كمن غُصِب ماله، أو تَعطَّلتْ منفعةُ عَقاره.
(وَلَا إِلَى الوَالِد وَإِنْ عَلَا، وَلَا إِلَى الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ)؛ لاتِّصال منافِع الملك بينهما عادةً، فيكون صارِفًا لنفسه، بدليل عدم قَبول شهادة أحدهما للآخَر.
وظاهره: لا فَرْق بين الوارث وغيره، حتَّى وَلَدِ البنت، نَصَّ عليه
(3)
.
وعلَّل في «الشَّرح» بما يقتضي اقتصارَه بوجوب النَّفقة، وأطْلَق في «الواضح» في جَدٍّ وابنِ ابنٍ مَحْجُوبَينِ وجهَينِ.
وظاهره: أنَّه لا يُعطِي عَمودَيْ نسبه لغُرْمٍ لنفسه أوْ كِتابةٍ، نصَّ عليه
(4)
.
وقيل: يجوز، اختاره الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين
(5)
، وذَكَر جَدُّه في ابن سبيل
(6)
كذلك، وسبق كونُه عامِلاً.
(وَلَا إِلَى الزَّوْجَةِ) إجْماعًا
(7)
؛ لأنَّها مُسْتغْنِيةٌ بنفقتها عليه فلم يَجُزْ، كما لو دَفَعها إليها على سبيل الإنْفاق عليها، وظاهرُه: ولو كانت ناشِزةً، ذكره في «الانتصار» و «الرِّعاية» .
(1)
قوله: (ما) سقط من (أ).
(2)
ينظر: مسائل عبد الله ص 153.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 119، زاد المسافر 2/ 494.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 354.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 90.
(6)
في (د) و (و): السبيل.
(7)
ينظر: الإشراف 3/ 104، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 224.
وقيل: بلى
(1)
مطلقًا.
(وَلَا لِبَنِي
(2)
هَاشِمٍ)، نَصَّ عليه
(3)
، كالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لقوله:«إنَّا لا تَحِلُّ لنا الصَّدقةُ» رواه أحمدُ ومسلِمٌ
(4)
، وله أيضًا مرفوعًا:«إنَّ الصَّدقةَ لا تَنْبغِي لآِلِ محمَّدٍ، إنَّما هِيَ أوْساخُ النَّاس»
(5)
.
وسواءٌ أُعْطُوا من خُمُس الخُمُس أو لا؛ لعموم النُّصوص، ولأِنَّ مَنْعَهم لشرفِهم
(6)
، وهو باقٍ.
وقيل: يَجوز إنْ مُنِعُوا الخُمُسَ، اختاره القاضِي يعقوبُ والآجُرِّيُّ والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(7)
؛ لأِنَّه محلُّ حاجةٍ وضرورةٍ.
ويُستثْنى منه: ما لم يكونوا غُزاةً، أوْ مؤلَّفةً، أو غارِمِين لذات البَيْنِ، وسبقَ كونه عامِلاً.
أصلٌ: بَنُو هاشِمٍ من كان من سُلالته، ذَكَره القاضِي وأصحابُه، وجزم في «الرعاية» بقول بعضهم: هم آلُ عبَّاسٍ، وآلُ علِيٍّ، وآلُ جعفَرٍ، وآلُ عَقيلٍ، وآلُ الحارِثِ بن عبد المطَّلِب.
(وَلَا مَوَالِيهِمْ)، جَمعُ مَوْلًى، وهو مَنْ أَعْتقَه هاشِمِيٌّ، نَصَّ عليه
(8)
؛ لحديث أبِي رافِعٍ مرفوعًا: «إنَّ الصَّدقةَ لا تَحِلُّ لنا، وإنَّ مولَى القَوْمِ منْ أنْفُسِهم» رواه أحمدُ وأبو داودَ والتِّرمذِيِّ وصحَّحه
(9)
، ولأِنَّه بمنزلة النَّسب في
(1)
في (ب) و (د) و (و): بل.
(2)
في (ب) و (و): بني.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 381، زاد المسافر 2/ 494.
(4)
أخرجه أحمد (9728، 10173)، ومسلمٌ (1069)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
أخرجه مسلمٌ (1072) بهذا اللَّفظ في حديث طويل.
(6)
في (د): من شرفهم.
(7)
ينظر: الفروع 4/ 367، الاختيارات ص 154.
(8)
ينظر: مسائل عبد الله ص 381، زاد المسافر 2/ 494.
(9)
أخرجه أحمد (23872)، وأبو داود (1650)، والترمذيُّ (657)، والنَّسائي في الكبرى (2405)، وابن حبان (3293)، والحاكم (1468)، والبيهقي في الكبرى (13242)، وهو حديثٌ صحيحٌ، قال الترمذي:(حسنٌ صحيحٌ)، وصحَّحه ابن حبان والحاكم وابن الملقن وابن حجر. ينظر: البدر المنير 7/ 388، موافقة الخبر الخبر 2/ 50.
الإِرْث والعَقْل والنَّفقة، فغُلِّب الحَظْرُ.
وأومأ أحمدُ في رواية يعقوبَ إلى الجَواز
(1)
، وحكاه في «الشَّرح» عن أكثر العلماء؛ لأنَّهم ليسوا
(2)
من آلِ محمَّدٍ، وكمَوالِي موالِيهِمْ.
فَرعٌ: لا تَحرُمُ الزَّكاةُ على أزواجه عليه السلام فِي ظاهر كلامِ أحمدَ
(3)
والأصحاب، كمواليهن؛ للأخبار
(4)
.
وفي «المُغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّ خالِدَ بن سعيد بن العاص أرسل إلَى عائشةَ بسُفْرةٍ من الصَّدقة فردَّتها، وقالت:«إنَّا آلَ محمَّدٍ لا تَحِلُّ لنا الصَّدقةُ» رواه الخلاَّل
(5)
، فهذا يَدلُّ على تحريمها عليهِنَّ، ولم يَذكُرا ما يُخالِفه، مع أنَّهم لم يَذكُروا هذا
(6)
فِي الوصيَّة والوقْف، وهذا يَدُلُّ على أنهن
(7)
من أهل بيته في تحريم الزَّكاة.
وذكر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه يَحرُم عليهن
(8)
الصَّدقةُ، وأنَّهن من أهل بيته في أصحِّ الرِّوايتَينِ
(9)
، وردَّه الجَدُّ رحمه الله تعالى.
(وَيَجُوزُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْأَخْذُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ)؛ نَصَّ عليه
(10)
، وجَزَم به
(1)
ينظر: الفروع 4/ 369.
(2)
في (ب) و (ز): ليس.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 369.
(4)
أي: لدخولهم في عموم الآية والأخبار، وعدم المخصص. ينظر: كشاف القناع 5/ 172.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (36528)، عن ابن أبي مليكة، وإسناده صحيح.
(6)
في (و): وهذا.
(7)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): أنهم.
(8)
في (د) و (ز) و (و): عليهم.
(9)
ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 460، الفروع 4/ 370.
(10)
ينظر: زاد المسافر 2/ 495.
الأكثرُ؛ لقوله عليه السلام: «كُلُّ معْروفٍ صدَقَةٌ»
(1)
، ولأِنَّ محمَّدَ بنَ علِيٍّ كان يَشْرَبُ مِنْ سِقَاياتٍ بَيْنَ مكَّةَ والمدينةِ، ويَقولُ:«إنَّمَا حُرِّمتْ علينا الصَّدقةُ المفروضةُ»
(2)
.
ولا خِلافَ في جواز اصْطِناع المعروف إليهم
(3)
، والمرادُ به: الاِستحبابُ إجْماعًا، فلا وَجْه لقول ابنِ حمدان: قلت: يُستحَبُّ، وإنَّمَا عَبَّرُوا بالجَواز؛ لأنَّه أصلٌ لما اختُلِف في تحريمه.
ونقل المَيمونِيُّ عنه: لا
(4)
، لِعمومِ ما سَبَقَ.
وأجيبَ: بأنَّ المراد به الصَّدقةُ المفروضةُ؛ لأنَّ الطَّلَب كان لها، فاللام فيه للعهْدِ.
(وَوَصَايَا الْفُقَرَاءِ)، نَصَّ عليه
(5)
، (وَالنَّذْرِ)؛ لأنَّه لا يَقَعُ عليهما
(6)
اسمُ الزَّكاة والطُّهرة والوجوب من الآدَمِيِّ، أشْبَهَ الهِبَة.
ويُؤخَذُ من نَقْل المَيمونِيِّ: المنْعُ.
وجزم في «الرَّوضة» : بتحريم النَّفل على بني هاشِمٍ ومواليهم.
(وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ)، المذهبُ: أنَّه لا يَجوزُ؛ لوجوبها بالشَّرع كالزَّكاة.
والثَّانِي: بلَى؛ لأنَّها لَيستْ أوْساخَ النَّاس، أشْبهتْ صدقةَ التَّطوُّع.
تنبيهٌ: كلُّ مَنْ حَرُم دفعُ الزَّكاة إليه؛ جاز دَفْعُ التَّطوُّع له، وله أخْذُها، حتَّى
(1)
أخرجه مسلم (1005)، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه الشافعي في الأم (2/ 88)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (12039)، عن إبراهيم بن محمد الأسلمي، وهو متروك الحديث.
(3)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 224، الفروع 4/ 372.
(4)
ينظر: المغني 2/ 493.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 381، مسائل ابن هانئ 2/ 52.
(6)
في (و): عليها.
كافِرٌ وغنِيٌّ، نَصَّ عليه
(1)
.
فأمَّا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فيَحرُم عليه، وإن لم يَحرُم التَّطوُّعُ علَى بَنِي هاشِمٍ، وإن حَرُم عليهم فهو أَوْلَى؛ لأنَّ اجْتِنابَها كان من دلائل النُّبوَّة، فلم يَكُنْ ليخلَّ به.
ونَقَلَ جماعةٌ
(2)
: لا تحرم
(3)
عليه، واختاره القاضي؛ كاصْطِناع أنواع المعروف إليه عليه السلام.
(وَهَلْ يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى سَائِرِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، أَوْ إلى الزَّوْجِ، أَوْ بَنِي المُطَّلِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وفِيهِ مَسائِلُ:
الأُولَى: ظاهِرُ المذهب، وقدَّمه في «الفروع»: أنَّه يجوز دفْعُها إلى غير عَمودَيْ نسبه ممَّن يَرِثه بفرضٍ أوْ تعْصيبٍ، كالأُخْت أو الأخ؛ لقوله عليه السلام:«وَالصَّدقةُ علَى ذِي الرَّحِم صدقةٌ وصِلةٌ»
(4)
، فلم يُفرِّق بين الوارِث وغيرِه، ولأِنَّه مقْبولُ الشَّهادة له كالأجنبيِّ، وكما لو تعذَّرت النَّفقة، وحُكْمُ الإرث بالولاء كذلك.
وإذا قبل زكاةً دَفَعها إليه قريبه فلا نفقةَ، وإن لم يَقبَلْ، وطالَبَ بنفقته الواجبة؛ أُجبِر، ولا يُجزئُه في هذه الحال جَعْلُها زكاةً.
والثَّانيةُ: المنعُ، اختارها الخِرَقِيُّ وصاحب «التَّلخيص» والقاضِي، وذَكَر أنَّها الأشهرُ؛ لغِناه بوجوب النَّفقة، ولأنَّ نَفعَها يعود إلى الدَّافع؛ لكونه يُسقِط النَّفقةَ عنه كعبده.
وظاهره: أنَّ القريب إذا لم تَلْزَمْه؛ أنَّه يجوز دَفْعُها إليه بلا رَيبٍ؛ لأنَّه لا ميراثَ بينهما، أشْبَهَ الأجنبيَّ، فلو وَرِث أحدُهما الآخَرَ، كعمَّةٍ وابن أخيها،
(1)
ينظر: الفروع 4/ 385.
(2)
ينظر: المغني 2/ 493.
(3)
في (و): لا يحرم.
(4)
تقدَّم تخريجه 3/ 462 حاشية (5).
وعتيقٍ ومعتِقِه، وأخوَين لأحدهما ابن؛ فالوارِث منهما تَلزَمُه النَّفقةُ على الأصحِّ، وفي دَفْع الزَّكاة إليه الخلافُ، وعكسه الآخر.
فأمَّا ذوو الأرحام؛ فالأصحُّ أنَّه يُدفَع إليهم وإن ورثوا؛ لضعف قرابتهم، وفي الإرث بالرَّدِّ الخلاف.
وعلى المنْع؛ يعطى قريبه لعمالة، وتأليفٍ، وغَزْوٍ، وغُرْمٍ لذات البين.
وظاهر ما سبق: لو تبرَّع بنفقة قريبٍ أو يتيمٍ، وضمَّه إلى عياله؛ جاز الدَّفْع إليه، واختاره الأكثرُ؛ لوجود المقتضِي.
ونقل جماعةٌ
(1)
، واختاره في «التنبيه» و «الإرشاد»
(2)
: لا
(3)
، رُوِي عن ابن عبَّاسٍ
(4)
، ولأنَّه يُذَمُّ على تَرْكه، فيكون قد وقى بها ماله وعرضه، ولهذا لو دَفَع إليه شيئًا في غير مُؤْنته التي عوَّده إيَّاها تبرعًا
(5)
جاز، نص عليه
(6)
.
الثَّانِيَةُ: يجوز دَفْع الزَّكاة إلى الزَّوج في رواية، اختارها القاضي وأصحابه والمؤلف
(7)
، وجزم بها في «الوجيز»؛ لحديث زَيْنبَ امرأةِ ابنِ مسْعودٍ لمَّا سألتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُجزِئُ عنِّي أنْ أُنْفِق علَى زَوْجِي وأيْتامٍ في حِجْري؟ فقال:
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1000، مسائل أبي داود ص 120، مسائل ابن هانئ 1/ 112.
(2)
قوله: (و «الإرشاد») هو في (أ): واختاره في «الإرشاد»
(3)
في (أ): لما، وفي (ب): لأنه.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (7163)، وابن أبي شيبة (10531)، وأبو عبيد في الأموال (1855)، وابن زنجويه في الأموال (2150)، عن عطاء قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: «لا بأس بأن تضع زكاتك في موضعها، إذا لم تعط منها أحدًا تعوله أنت، فلا بأس به» ، وإسناده صحيح.
(5)
قوله: (تبرعًا) زيادة من الأصل.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 361.
(7)
قوله: (والمؤلف) سقط من (أ).
«لَها أجْرانِ» رواه البخاريُّ
(1)
.
والثَّانية، واختارها الخِرَقِيُّ وأبو بكرٍ والمجْدُ، وحكاه عن أبي الخطَّاب: لا يجوز؛ قياسًا لأحَدِ الزَّوجين على الآخَر، ولأنَّ النَّفْع يعود إليها؛ لتمكُّنها من أخذ نفقة المُوسِرين منه، أو من أصل النَّفقة مع العَجْز الكلي
(2)
، وحديث زَينبَ تأوَّله أحمدُ في
(3)
رواية ابن مشيش على غير الزَّكاة
(4)
.
وجوابه: بأنَّ الاعتبار بعموم اللَّفظ، ولم يَسْتَثْنِ جماعةٌ شيئًا.
وقيل: يجوز في الزَّوجَينِ لغرمٍ لنفسه وكتابةٍ؛ لأنَّه لا يَدفَع عنه نفقةً واجبةً؛ كعمودَيْ نسبه.
الثَّالِثَةُ: يَجوزُ دَفْعُها إلى بني
(5)
المُطَّلب في روايةٍ اختارها الخِرَقِيُّ والشَّيخان وغيرُهم؛ لعموم آية الصَّدَقات، خرج منه بنو هاشِمٍ بالنَّصِّ، فيَبْقَى ما عداهم على الأصل، ولأنَّ بني المطَّلب في درجة بَنِي أُميَّةَ، وهو
(6)
لا تحرم الزَّكاة عليهم، فكذا هم، وأقْرَبُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إليه
(7)
بنُو هاشِمٍ، ومشاركة
(8)
بني المطَّلِب لهم
(9)
في خُمس الخُمُس ما استحقُّوه بمجرَّد القرابة، بل بالنُّصرة، أو بهما جميعًا، بدليل منْع بني عبد شمسٍ ونَوفلٍ من خمس الخُمُس مع مساواتهم لهم في القرابة.
(1)
أخرجه البخاريُّ (1466).
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): الكل.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): من.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 433.
(5)
قوله: (بني) سقط من (أ).
(6)
كذا في النسخ الخطية، وصوابها:(وهم) كما في كشاف القناع 5/ 174.
(7)
قوله: (إليه) سقط من (ب) و (د).
(8)
قوله: (في درجة بني أمية
…
إلخ) سقط من (و).
(9)
قوله: (لهم) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
والثَّانيةُ: نقلها عبدُ الله
(1)
، واختارها القاضِي وأصحابُه، وجزم بها في «الوجيز» ، وصحَّحها ابن المنجَّى: المنْعُ؛ لما رَوى جُبَيرُ بنُ مُطْعِمٍ مرفوعًا قال: «بَنُو المُطَّلب وبَنُو هاشِمٍ شيءٌ وَاحِدٌ» رواه البخاريُّ
(2)
، ولأنهم
(3)
يَسْتحِقُّون من خُمُس الخُمُس، فمُنِعُوا؛ كبَنِي هاشِمٍ.
وظاهره: ولو مُنِعوا من الخُمُس، ولا يَبعُد أن يتأتَّى الخلاف هنا، بل هو أَولَى بالجواز.
ولم يتعرَّض المؤلِّفُ لموالِيهم، قال القاضِي: لا نعرف فيه روايةً، ولا يَمْتَنِع أنَّ حكمهم
(4)
كموالِي بني هاشمٍ، وهو ظاهر الخبر والقياس، وجزم في «الوجيز» بالمنْع، وسُئل في رواية الميموني عن مولى قريشٍ: يأخذ الصَّدقةَ؛ قال: ما يعجبني، قيل له: فإن كان مَولَى مَولًى؟ قال: هذا أبعد
(5)
، فيحتمل التَّحريم.
(وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا)؛ كبني هاشِمٍ والعبيد، (وَهُوَ لَا يَعْلَمُ)؛ أيْ: جاهِلاً بحاله، (ثُمَّ عَلِمَ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ) روايةً واحدةً، قاله في «الشَّرح» ، وفي «الفروع»: في الأشهر؛ لأنَّه ليس بمُسْتَحِقٍّ، ولا يَخفَى حالُه غالبًا، فلم يُعذَر بجَهالته؛ كدَين الآدَمِيِّ، وجزم به بعضُهم في الكُفْر؛ لتقصيره؛ لظُهوره غالِبًا، فعلَى ذلك: يُسْتَرَدُّ بزِيادته مطلقًا، ذَكَرَه أبو المعالِي.
وشَمِل ما لو كان المدفوعُ إليه قريبًا، قاله أصحابُنا، وأطلَق فيها في «الرِّعاية» ، وفي مسألة الغِنَى روايتَينِ، ونَصُّ أحمدَ:
(1)
لم نجده في مسائل عبد الله المطبوعة، وينظر: المغني 2/ 490.
(2)
أخرجه البخاريُّ (3140).
(3)
في (د) و (و): لأنهم.
(4)
زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): يمتنع.
(5)
ينظر: الفروع 4/ 371.
يُجزِئُه
(1)
، اختاره المجْدُ؛ لخروجها عن ملكه، بخلاف ما إذا صَرَفَها وكيلُ المالك إليه وهو فقيرٌ فلم يَعلَمَا؛ لا تُجزئُ؛ لعدم خروجها عن ملكه.
(إِلاَّ الغَنِيَّ إِذَا ظَنَّهُ فَقِيرًا)، فإنَّه يُجزِئُه (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، اختاره أكثرُ الأصحاب، وجزم به في «الوجيز» للمشقَّة؛ لخَفاء ذلك عادةً، فلا يَملِكُها الآخِذُ؛ لتحريم الأَخْذِ.
والثَّانية، واختارها الآجُريُّ والمجْدُ وغيرُهما: لا يُجْزئُه كما لو بان
(2)
كافِرًا، ولحقِّ الآدَمِيِّ، فيرجع
(3)
على الغَنِيِّ بها أو بقيمتها إن تَلِفَت يوم تَلَفِها إذا عَلِم أنَّها زكاةٌ، روايةً واحدةً، ومن مَلَك الرُّجوع فمات؛ قام وارثُه مقامَه.
وظاهِرُ ما سبق: أنَّه إذا دَفَع صدقةَ التَّطوُّع إلى فقيرٍ فبان غَنِيًّا؛ أنَّه يُجزِئُه، قاله ابن شهابٍ؛ لأنَّ المقصود في الزَّكاة إبراء الذِّمَّة، ولم يحصل فملك الرُّجوع، وفِي التَّطوُّع الثَّوابُ، ولم يفت
(4)
.
فَرعٌ: إذا دَفَع الإمامُ أو السَّاعي الزَّكاةَ إلَى مَنْ ظَنَّه أهلاً فبان غيرَه؛ فرواياتٌ، ثالثُها: لا يَضْمَن إذا بان غنِيًّا، ويضمن غيرَه، قال في «الفروع»: وهو أشْهرُ.
وجزم المجْدُ: لا يضمن مع الغِنَى، وفي غيره روايتان.
تنبيهٌ: يُشتَرَط تمليكُ المعطَى، لكن للإمام قضاءُ دَين مديونٍ حيٍّ، والذَّكَر والأنثى فيها سواءٌ، والصَّغير كالكبير.
وعنه: إن أكل الطَّعام وإلاَّ لم يجز.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 293.
(2)
في (أ): كان.
(3)
في (د) و (و): فرجع.
(4)
في (د) و (و): لم يجب.
فعلى المذهب: يصرف ذلك في أجرة رضاعه وكسوته وما
(1)
لا بُدَّ منه، ويَقبَلُ ويقبض
(2)
له من يلِي مالَه، وكذا الهبة والكفَّارة، قال ابن
(3)
منصورٍ: قلت لأحمدَ: قال سُفْيانُ: لا يَقبِض للصَّبيِّ إلاَّ الأبُ أو وصِيٌّ أو قاضٍ، قال أحمد: جيِّدٌ
(4)
.
وذكر المؤلِّف احتمالاً: أنَّه
(5)
يصح
(6)
قبض من يليه
(7)
من أمٍّ أو قريب وغيرهما عند عدم الولِيِّ؛ لأنَّ حفظَه عن الضَّياع والهلاك أولَى من مراعاة الولاية، وقد نَصَّ عليه في رواية جماعةٍ
(8)
.
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): ما.
(2)
في (و): ويقضي.
(3)
في (ب) و (ز): أبو.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4355.
(5)
زيد في (ب): لا.
(6)
في (و): يؤلف.
(7)
في (د) و (و): يلد.
(8)
ينظر: الفروع 4/ 373.
(فَصْلٌ)
(وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ مُسْتَحَبَّةٌ) في كلِّ وقتٍ إجْماعًا
(1)
؛ لأِنَّه تعالَى أَمَرَ بها، وحثَّ عليها، ورغَّب فيها فقال:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البَقَرَة: 245]، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تصدَّق بعِدْل تمرة
(2)
من كسْبٍ طيِّبٍ، ولا يَصعَد إليه إلاَّ طيِّبٌ
(3)
؛ فإنَّ الله يَقبَلها بِيَمينِه، ثمَّ يربِّيها لصاحبها حتَّى تكون
(4)
مِثْلَ الجبلِ» متَّفقٌ عليه من حديث أبِي هُرَيرةَ
(5)
.
وأفضلُها أن تكون
(6)
سِرًّا، بطِيبِ نَفْسٍ، في الصِّحَّة؛ للأخبار
(7)
.
(وَهِيَ أَفْضَلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ)؛ لحديثِ أنَسٍ مرْفوعًا: أيُّ الصَّدقة
(1)
ينظر: الفروع 4/ 379.
(2)
في (أ): ثمرة.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): الطيب.
(4)
في (و): يكون.
(5)
أخرجه البخاريُّ (7430، 1410)، ومسلمٌ (1014).
(6)
في (د) و (و): يكون.
(7)
أما إخراجها سرًّا: فقد أخرج البخاري (660)، ومسلم (1031)، من حديث أبي هريرة مرفوعًا:«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلاَّ ظله» ، وذكر منهم:«رجلاً تصدق بصدقة فأَخفاها حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه» .
وأما إخراجها بطِيب نفس: فأخرجه أبو داود (429) عن أبي الدرداء مرفوعًا: «خمس من جاء بهنَّ مع إيمان دخل الجنة
…
وذكر فيه: «وأَعطى الزكاة طيِّبة بها نفسه، وأدَّى الأمانة» ، قال المنذري والهيثمي:(إسناده جيد)، وحسنه الألباني.
وأما إخراجها في حال الصحة: فأخرجه البخاري (1419)، ومسلم (1032)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وفيه:«أن تصدَّق وأنتَ صحيح شحيح تخشى الفقرَ» . ينظر: مجمع الزوائد 1/ 47، موافقة الخبر 1/ 347، صحيح أبي داود 2/ 313، السلسلة الصحيحة (1046)، (3233).
أفضلُ؟ قال: «صَدقةُ رمَضانَ» رواه التِّرمذيُّ وغرَّبه
(1)
، ولِمُضاعَفة الحسنات، وفيه إعانةٌ على أداء الصَّوم المفروض، وكذا كلُّ زمانٍ أو مكانٍ فاضِلٍ؛ كالعَشْر والحَرَمَينِ.
(وَأَوْقَاتِ الحَاجَةِ
(2)
؛ لقوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)} الآية [البَلَد: 14]، ورَوَى أبو سعيدٍ مرفوعًا قال: «مَنْ أطْعَمَ مؤمنًا جائعًا؛ أطْعَمَه الله من ثِمَار الجنَّة، ومن سَقَى مؤمِنًا على ظَمَأ؛ سقاه الله
(3)
من الرَّحيق المختوم يوم القيامة»
(4)
.
ويبدأ
(5)
بمن هو أشدُّ حاجةً.
(وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ)؛ لقوله عليه السلام: «الصَّدقةُ على المسكين
(6)
صدقةٌ، وعلى ذي الرَّحم صدقةٌ وصِلةٌ» رواه أحمدُ والتِّرمذيُّ وحسَّنه من حديث سَلْمَانَ
(7)
، لا سِيَّما مع عداوته؛ لقوله:«أفضلُ الصَّدقةِ الصَّدقةُ على ذي الرِّحم الكاشِحِ» رواه أحمدُ
(8)
، والجارُ مثلُه.
(1)
أخرجه الترمذي (663)، وأبو طاهر في المخلِّصيات (3159)، والبيهقي في الكبرى (8517)، وفي سنده صدقَة بن موسى السُّلمي، وهو ضعيف الحديث، وقال الترمذي:(حديث غريب، وصدَقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوي)، وضعَّفه ابن الملقن والألباني. ينظر: تحفة المحتاج 2/ 98، الإرواء 3/ 397.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): الحاجات.
(3)
قوله: (الله) ليس في (ب) و (ز).
(4)
أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (372) وفي سنده زياد بن المنذر الهمداني وهو متروكٌ منكر الحديث.
وأخرجه ابن أبي شيبة (34355)، عن سعد الطائي مرسلاً، وهو مرسل صحيح. ينظر: تهذيب الكمال 10/ 318، تاريخ الإسلام للذهبي 3/ 420.
(5)
في (و): وسواء.
(6)
في (أ): المسلمين.
(7)
تقدم تخريجه 3/ 462 حاشية (5).
(8)
أخرجه أحمد (15320)، من حديث حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه، وفي سنده ضعفٌ؛ لحالِ سفيان بن حسين، فهو ثقةٌ في غيرِ الزُّهري، لكن له شاهدٌ يتقوَّى به: أخرجه الحميديُّ (330)، والدَّارمي (1721)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3173)، وابن خزيمةَ (2386)، والحاكم (1475)، عن حميد بن عبد الرَّحمن، عن أُمِّه أمِّ كلثومٍ رضي الله عنها مرفوعًا، وصحَّحه ابن خزيمة وابن طاهرٍ والحاكم، وحسنه المنذري. ينظر: التَّرغيب والتَّرهيب للمنذريِّ 2/ 18، نصب الراية 4/ 406، الإرواء 3/ 405.
وهي عليهم أفضلُ من العتق، نقله حربٌ
(1)
، والعتقُ أفضلُ من الصَّدقة على الأجانب إلاَّ زَمَنَ الغَلاء والحاجة، نقله بكرُ بن محمَّدٍ
(2)
.
واختُلِف هل حجُّ التَّطوُّع أفضلُ من الصَّدقة مع الحاجة، أمْ مَعَها علَى القريب، أمْ علَى القريب مطلقًا؟ فيه رواياتٌ أربَعٌ، وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أنَّ الحجَّ أفضلُ، وأنَّه مذْهَبُ أحمدَ
(3)
.
(وَيُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ)؛ لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البَقَرَة: 219]، قال المفسِّرون: هو الفاضل عن حاجته وحاجة عِيَاله
(4)
، ولأِنَّ النَّفس تَطِيبُ به، ولقوله عليه السلام:«خَيرُ الصَّدقة ما كان عن ظَهْرِ غِنًى، وابْدأْ بمن تَعُولُ» رواه البُخاريُّ من حديث أبِي هُرَيرةَ
(5)
.
وأطلَقَ المؤلِّف الكفايةَ تبعًا لغَيره، والمرادُ: دائِمًا، كما ذكره في «الشَّرْح» وغيرِه، بمَتْجَرٍ أو غلَّة ملْكٍ أو وقفٍ أو صنعةٍ، وذَكَر بعضُهم: أنَّه لا يَكْفِي فِي الأخِيرَينِ.
(وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يَنْقُصُ [مُؤْنَةَ]
(6)
مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ؛ أَثِمَ)؛ لقوله عليه السلام:
(1)
ينظر: الفروع 4/ 385.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 385.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 386، الاختيارات ص 172.
(4)
ورد نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وغيرهما. ينظر: تفسير الطبري 3/ 686.
(5)
أخرجه البخاريُّ (5356، 1426).
(6)
قوله: (مُؤنة) سقط من نسخة المؤلف و (أ).
«كَفَى بالمرْء إثْمًا أن يُضيِّع مَنْ يَعُول» رواه أحمد وأبو داود
(1)
، ولمسلمٍ معناه من حديث عبد الله بن عمرو
(2)
، وإثْمُه؛ لتركه الواجِبَ.
قال الأصحاب: وكذا إنْ أضَرَّ بنفسه أو بغريمه أو بكَفالته.
وظاهِرُ كلام جماعةٍ: إن لم يَضُرَّ فالأصلُ الاِستحبابُ.
وجزم في «الرِّعاية» وغيرها: أنَّه يُكرَه التَّصدُّق قبل الوفاء والإنفاق الواجب.
(وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ) وكان مُنْفَرِدًا، (وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ)، وهو عبارةٌ عن الثِّقة بما عِنْدَ الله، واليَأْسِ عمَّا في أيْدِي النَّاس، (وَالصَّبْرَ عَنِ
(3)
الْمَسْأَلَةِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ)، وحكاه عِياضٌ عن جمهور العلماء
(4)
وأئمَّة الأمصار؛ لقوله تعالى
(5)
: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحَشر: 9]، وجاء أبو بكْرٍ بجميع ما عِندَه، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«ما أبْقَيتَ لأهلك» ، فقال: اللهَ ورسولَه
(6)
، فكان هذا فضيلةً في حقِّ الصِّدِّيق؛ لقوَّة
(1)
أخرجه أحمد (6495)، وأبو داود (1692)، والنسائي في الكبرى (9131)، وابن حبان (4240) والحاكم (1515)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفي سنده وهَب بن جابرٍ الخَيواني، وهو مجهولٌ كما قاله ابن المديني والنَّسائي، وقال الذهبي:«لا يكاد يُعرف، تفرَّد عنه أبو إسحاق» ، وتابعه خيثمة بن عبد الرَّحمن: أخرجه مسلمٌ (996)، بلفظ:«كفَى بالمرءِ إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته» ، فحديثُ وهب صحيح بهذه المتابعة، وصححه ابن حبان والبغوي. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 350، تهذيب الكمال 31/ 120، شرح السنة للبغوي 9/ 342، الإرواء 3/ 406.
(2)
أخرجه مسلم (996).
(3)
في (د) و (و): على.
(4)
في (أ): الأصحاب. وينظر: إكمال المعلم 3/ 567.
(5)
قوله: (لقوله تعالى) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(6)
أخرجه أبو داود (1678)، والترمذي (3675)، والبزار (270)، وهو حديث حسن، في سنده هشام بن سعد المدني، وهو صدوق له أوهام، وقوى حديثه هذا جماعة، قال الترمذي:(هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)، وقال البزار:(ولم نر أحدًا توقَّف عن حديثِه، ولا اعتلَّ عليه بعلةٍ تُوجِب التَّوقف عن حديثه)، وصححه الحاكم، وحسَّنه الضِّياء المقدسيُّ والألباني. ينظر: الأحاديث المختارة 1/ 173، صحيح سنن أبي داود 5/ 366.
يقينه
(1)
وكمالِ إيمانه، وهذا يقتَضِي الاسْتِحبابَ.
وعن عمرَ: ردُّ جميعِ صدقته
(2)
. ومذهبُ أهل الشَّام: يَنفُذ في الثُّلث. وعن مَكْحُولٍ: في النِّصف.
(وَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ)، ذَكَره أبو الخطَّاب، وجزم به في «الوجيز»؛ لما رَوَى جابرٌ مرفوعًا قال:«خَيرُ الصَّدقة ما كان عن ظَهْرِ غِنًى» رواه أبو داودَ
(3)
، فيُمنَعُ من ذلك ويُحجَرُ عليه.
وفي «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه يُكرَه.
فإنَّ كان له عائلةٌ، ولهم كفايةٌ، أو يكفيهم
(4)
بمكسبه؛ جاز؛ لِقِصَّة الصِّدِّيق
(5)
.
(1)
في (أ): ثقته.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (12216)، وأحمد (4631)، وأبو يعلى (5437)، وابن حبان (4156)، وابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 767)، والبزار (113)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: طَلَّق غيلان بن سلمة الثقفي نساءه وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال:«طلقت نساءك، وقسمت مالك بين بنيك؟» قال: نعم. قال: «والله إني لأرى الشيطان فيما يسرق من السمع سمع بموتك، فألقاه في نفسك، فلعلك ألاَّ تمكث إلا قليلاً، وايم الله لئن لم تراجع نساءك، وترجع في مالك، لأورِّثهنَّ منك إذا مت، ثم لآمرن بقبرك فليرجمن كما رُجم قبر أبي رغال» ، قال الزهري: فراجعَ نساءَه وراجعَ مالَه. إسناده صحيحٌ، وصححه البخاري فيما نقله الترمذي في الجامع عند حديث (1128).
(3)
أخرجه أبو داود (1673)، والدارمي (1700)، وابن حبان (3372)، والحاكم (1507)، والبيهقي (7643)، وسنده حسن، لولا عنعنة ابن إسحاق كما قاله ابن الملقِّن، وصحَّحه ابن حبان والحاكم، وضعفه الألباني؛ لعنعنة ابن اسحاق وهو مدلِّسٌ، وللجملة الأخيرة منه شواهد منها: ما أخرجه البخاريُّ (5356، 1426)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«خير الصدقة ما كانَ عن ظهر غنًى، وابدأْ بمَن تعول» . ينظر: البدر المنير 7/ 4156، الإرواء 3/ 415.
(4)
في (أ) و (ب): ويكفيهم.
(5)
تقدم تخريجه 3/ 479 حاشية (6).
(وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ)، ولا عادةَ له به، (أَنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنِ
(1)
الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّ التقتير والتَّضييق مع القدرة؛ شُحٌّ وبخل نهى الله عنه، وتعوَّذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم منه
(3)
، وفيه سوء الظن بالله تعالَى.
وظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ: أنَّ الفقيرَ لا يَقترِض ويتصدق
(4)
، لكن نَصَّ أحمدُ في فقيرٍ لقريبه وليمةٌ: يستقرض
(5)
ويُهدِي له
(6)
، وهو محمولٌ إذا ظنَّ وفاءً.
مسألةٌ: يَحرُم المنُّ بالصَّدقة وغيرِها، وهو كبيرةٌ علَى نصِّ أحمدَ فيها
(7)
، ويَبْطُلُ الثَّوابُ بذلك، وللأصحاب فيه خلافٌ، وفي بُطْلان طاعةٍ بمعصيةٍ، واختار الشيخ تقي الدين
(8)
: الإحباط
(9)
بمعْنَى الموازَنةِ، وأنَّه قولُ أكْثَرِ السَّلَف
(10)
.
وإذا أخْرَج شَيئًا يَتَصدَّقُ به، أو وكَّل في ذلك، ثمَّ بدا له؛ استُحِبَّ أنْ يمضيه، ولا يجب
(11)
.
(1)
في (د) و (و): غير.
(2)
ينظر: الفروع 4/ 382.
(3)
يشير المؤلِّف رحمه الله تعالى: إلى ما أخرجه البخاري (4707)، ومسلم (2706)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو:«أُعوذ بك منَ البخل والكَسل وأَرذل العُمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات» .
(4)
في (ب) و (ز): ولا يتصدق، وفي (د) و (و): ولا يصدق. وقد ضرب في الأصل على (لا)، والمثبت موافق لما في الفروع 4/ 382.
(5)
في (د): لستقرض.
(6)
ينظر: الفروع 4/ 382.
(7)
ينظر: الفروع 4/ 382.
(8)
قوله: (تقي الدين) سقط من (أ).
(9)
في (أ): الاحتياط.
(10)
ينظر: الفروع 4/ 382.
(11)
قوله: (ولا يجب) سقط من (أ).
وعنه: أنَّه حَبيسٌ، وقد صحَّ عن عَمْرِو بنِ العَاصِ:«أنَّه كان إذا أخْرَج طعامًا لسائلٍ فلم يَجِدْه؛ عزَله حتَّى يَجِيءَ آخَرُ»
(1)
، وقاله الحَسَنُ.
ومَنْ سَأَل فأُعطي، فسخِطَه؛ لم يُعطَ لغيرِه في ظاهر كلام العلماء.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (10288)، عن ابن سيرين، قال: كان ابن العاص يقول إذا خرج إليه بالكسرة فلم يوجد: «احبسها حتى يجيء غيره» ، ولا يُعرف أن ابن سيرين يروي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(كِتَابُ الصِّيَامِ)
هو والصَّوم مَصْدَرَا صام، وفي
(1)
اللُّغة: عبارة عن الإمساك، ومنه:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا} [مَريَم: 26].
وقولُ الشَّاعر
(2)
:
خيلٌ صِيامٌ وخَيلٌ غَيرُ صائمةٍ
…
تحْتَ العَجَاجِ وأخْرَى تَعلُك اللُّجُما
لإمْساكها عن الصَّهيل في مَوضِعه.
ويقال: صامت الرِّيحُ: إذا أمْسَكَتْ عن الهُبُوبِ.
وفي الشَّرع: إمساكُ جميعِ النَّهار عن المُفطرات من إنسانٍ مخصوصٍ مع النِّيَّةِ.
(يَجِبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ)؛ لقوله تعالى: {كتب عليكم الصيام
…
} إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 183 - 185]، وقولِه عليه السلام: «بُنِيَ الإسلامُ على خَمْسٍ
…
»، فذَكَر منها:«صَوم رمضانَ»
(3)
، والإِجْماعُ منعقد علَى وجوبه.
وفُرِض في السَّنة الثَّانية من الهجرة، فصام عليه السلام تِسْعًا.
والمستحَبُّ قَولُ: شهرِ رَمَضانَ، كما صرَّح به؛ تبَعًا لِلنَّصِّ
(4)
، ولا يُكرَه بإسقاط (شهر) في قول أكثر العلماء. وذَكَر المؤلِّف: أنَّه يُكرَه إلاَّ مع قرينة
(1)
في (د): في.
(2)
هو النابغة الذبياني. ينظر: الكامل في اللغة والأدب 3/ 67.
(3)
أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(4)
وهو قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} . كما في المغني 3/ 105، والفروع 4/ 403.
الشَّهر، وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين وجْهًا: يُكرَه
(1)
. وفي «المنتخب» : لا يجوز؛ لخبرٍ، وقد ضُعِّف، وقال ابن الجوزي: هو موضوع
(2)
.
وسُمِّي رَمَضَانَ؛ لحرِّ جَوفِ الصَّائم فيه ورَمْضِه، والرَّمْضاء: شدَّة الحَرِّ. وقيل: لمَّا نَقَلُوا أسْمَاءَ الشُّهور عن اللُّغة القديمة، فوافَقَ شدَّة الحَرِّ. وقيل: لأنَّه
(3)
يُحرِق الذُّنوبَ. وقيل: موضوعٌ لغير معنًى كبقية الشُّهور. وقيل فيها معانٍ أيضًا.
(بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ)؛ لقوله عليه السلام: «صُومُوا لِرُؤْيته»
(4)
.
(فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ؛ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامُوا)، بغير خلافٍ
(5)
وصَلَّوا التراويح كما لو رَأَوْهُ.
ويُستحَبُّ تَرَاءِي الهلالِ احتياطًا للصَّوم، وحِذارًا من الاِخْتِلاف، وقد روت عائشةُ قالت:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يتحفَّظ من شعبانَ ما لا يتحفَّظ من غيره، ثمَّ يصوم لرؤية رمضان» رواه الدَّارَقُطْنيُّ بإسنادٍ صحيح
(6)
.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 403.
(2)
أخرجه ابن عدي (8/ 313)، والبيهقي في الكبرى (7904)، من حديث أبي معشر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة مرفوعًا:«لا تقولوا "رمضان"؛ فإن رمضان اسم من أسماء الله، ولكن قولوا: شهر رمضان» ، وأبو معشر نجيح المدني ضعيف، وقال أبو حاتم:(هذا خطأ؛ إنما هو قول أبي هريرة)، وضعف الحديث البيهقي وابن حجر، وقال الألباني:(باطل). ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 111، الموضوعات لابن الجوزي 2/ 187، الفتح 4/ 113، السلسلة الضعيفة (6768)
(3)
قوله: (لأنه) سقط من (و).
(4)
أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
نقل الإجماع ابن المنذر، كما نقله الحافظ عنه. ينظر: فتح الباري 4/ 123.
(6)
أخرجه أحمد (25161)، وأبو داود (2325)، وابن الجارود (377)، وابن خزيمة (1910)، وابن حبان (3444)، والدارقطني (2149)، وهو حديث صحيح، قال الألباني:(إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن الجارود وابن حبان والدارقطني والحاكم والذهبي). ينظر: صحيح أبي داود 7/ 92.
(وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ)؛ أيْ: مَطلَعِه (غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ لَيْلةَ الثَّلَاثِينَ؛ وَجَبَ صِيَامُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فِي ظَاهِرِ المَذْهَبِ)، اختاره الخِرَقِيُّ وأكثَرُ شيوخ أصحابنا، ونصوص أحمدَ عليه
(1)
، وهو مذهب عُمَرَ
(2)
، وابْنِه
(3)
، وعمْرِو بن العاص
(4)
، وأبِي هُرَيرةَ
(5)
، وأنَسٍ
(6)
،
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 202، مسائل أبي داود ص 127، مسائل عبد الله ص 194.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (9507)، وأحمد في مسائل الفضل بن زياد كما في شرح العمدة لشيخ الإسلام (1/ 95)، عن أبي عثمان قال: قال عمر: «ليتق أحدكم أن يصوم يومًا من شعبان، أو يفطر يومًا من رمضان» ، قال:«وأن يتقدم قبل الناس، فليفطر إذا أفطر الناس» ، وإسناده صحيح.
وأخرجه أبو حفص العُكبري كما في درء اللوم لابن الجوزي (ص 52)، بإسناده عن مكحول: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يصوم إذا كانت السماء في تلك الليلة مغيمة، ويقول:«ليس هذا بالتقدُّم، ولكنه التحري» ، قال أبو زرعة:(مكحول عن عمر مرسل)، ويقويه ما قبله. ينظر: المراسيل لابن أبي حاتم ص 213.
(3)
أخرجه أحمد (4488)، وأبو داود (2320)، وأبو عوانة (2935)، وأبو نعيم في مستخرجه (2415)، والدارقطني (2168)، والبيهقي في الكبرى (7923)، عن نافع بلفظٍ سيذكره المؤلف قريبًا، وإسناده صحيح.
وأخرجه الشافعي في اختلاف الحديث مع الأم (8/ 657)، وأبو يعلى الموصلي (5448)، وابن ماجه (1654)، والبيهقي في معرفة السنن (8561)، عن سالم بن عبد الله قال:«وكان ابن عمر يصوم قبل الهلال بيوم» ، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسائل الفضل بن زياد كما في زاد المعاد (2/ 42)، وابن الجوزي في درء اللوم (ص 55)، من طريق ابن لهيعة، عن عبد الله بن هُبيرة، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه:«أنه كان يصوم اليوم الذي يُشك فيه من رمضان» ، ابن لهيعة ضعيف، وابن هُبيرة لم يدرك عمرو بن العاص.
(5)
أخرجه الإمام أحمد في مسائل الفضل بن زياد كما في درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم لابن الجوزي (ص 55)، وفي زاد المعاد (2/ 42)، والبيهقي في الكبرى (7972)، عن أبي مريم قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: «لأن أتعجل في صوم رمضان بيومٍ أحب إليَّ من أن أتأخر؛ لأني إذا تعجلت لم يفتني، وإذا تأخرت فاتني» ، إسناده صحيح.
(6)
أخرجه الإمام أحمد في مسائل الفضل بن زياد كما في زاد المعاد (2/ 42)، ومن طريقه ابن الجوزي في درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم (ص 54)، عن يحيى بن أبي إسحاق قال: رأيت الهلال إما الظهر وإما قريبًا منه، فأفطر ناس من الناس، فأتينا أنس بن مالك فأخبرناه برؤية الهلال وبإفطار من أفطر، فقال: قال أنس رضي الله عنه: «هذا اليوم يكمل لي أحد وثلاثون يومًا، وذلك لأن الحكم بن أيوب أرسل إليَّ قبل صيام الناس إني صائم غدًا، فكرهت الخلاف عليه فصمت، وأنا مُتمٌّ يومي هذا إلى الليل» ، إسناده صحيح.
ومُعاويةَ
(1)
، وعائشةَ
(2)
وأسْمَاءَ بِنْتَيْ أبِي بكرٍ
(3)
، وقاله جَمعٌ من التَّابعين؛ لما رَوَى ابنُ عُمَرَ مرفوعًا قال: «إذا رأَيْتُموه فصُومُوا، وإذا رأَيْتُموه فأَفْطِروا، فإنْ غُمَّ عليكم فاقدُروا له
(4)
» متَّفقٌ عليه
(5)
.
ومعنى «فاقدُروا له» : أيْ ضَيِّقوا؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطّلَاق: 7]؛ أي: ضُيِّق، وهو أن يُجعَل شعبان تسعةً وعشرين يومًا.
(1)
أخرجه الإمام أحمد في مسائل الفضل بن زياد كما في درء اللوم (ص 55)، وفي زاد المعاد (2/ 42)، عن مكحول ويونس بن ميسرة، أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان يقول:«لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان» ، إسناده صحيح، واحتج به أحمد في مسائل صالح 3/ 203.
وأخرج أبو داود (2329)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (7970)، والطبراني في الكبير (901)، عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة، قال: قال معاوية: «أيها الناس، إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا، وأنا متقدِّمٌ، فمن أحب أن يفعله فليفعله» ، الحديث. والمغيرة بن فروة فيه جهالة.
(2)
أخرجه أحمد (24945)، وسعيد بن منصور كما في درء اللوم (ص 55)، والبيهقي في الكبرى (7971)، عن عبد الله بن أبي موسى مولًى لبني نصر أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن اليوم الذي يشك فيه الناس، فقالت:«لأن أصوم يومًا من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان» ، وصححه الألباني في الإرواء 4/ 11.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور وأحمد في مسائل الفضل بن زياد كما في درء اللوم (ص 55)، وفي زاد المعاد (2/ 42)، والبيهقي في الكبرى (7972)، عن فاطمة بنت المنذر قالت:«ما غُمَّ هلال رمضان إلا كانت أسماء تتقدمه وتأمرنا بتقديمه» ، وإسناده صحيح.
(4)
قوله: (له) سقط من (أ).
(5)
أخرجه البخاري (1900)، ومسلم (1080).
ويجوز أن يكون معناه: اقدُروا زمانًا يَطلُع في مثله الهلالُ، وهذا الزمان يصحُّ وجودُه فيه.
أو يكون معناه: فاعْلَمُوا من طريق الحُكم أنَّه تَحْتَ الغَيم؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النَّمل: 57]؛ أي: علمناها.
مع أن بعض المحقِّقين قالوا: إنَّ الشهر
(1)
أصلُه تِسْعٌ وعشرون
(2)
.
يُؤيِّده ما رواهُ أحمدُ، عن إسماعيلَ، عن أيُّوب، عن نافعٍ قال:«كان عبد الله إذا مضى من شعبان تسعةٌ وعشرون يومًا؛ بعث من يَنْظُرُ له، فإن رآه فذاك، وإن لم يَرَهُ ولم يحل دون مَنظَرِه سَحابٌ ولا قتر؛ أصبح مُفْطِرًا، وإن حال دون منظره سحابٌ أو قترٌ؛ أصبح صائمًا»
(3)
، ولا شك أنَّه راوي الخبرِ، وأعلَمُ بمعناه، فيتعيَّن المصير إليه، كما رُجِع إليه في تفسير خيار المتبايعين
(4)
.
يؤكده
(5)
: قولُ عليٍّ وأبي هُرَيرةَ وعائشةَ: «لَأنْ أصوم يومًا مِنْ شَعبانَ أحبُّ إلي من أن
(6)
أُفْطِرَ يومًا من رَمَضانَ»
(7)
، ولأِنَّه يُحتاطُ له، ويَجِبُ بخبَرِ الواحِدِ.
(1)
زيد في (و): كله.
(2)
زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): يومًا.
(3)
تقدم تخريجه 3/ 485 حاشية (3).
(4)
أخرجه البخاري (2107)، ومسلم (1531)، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:«إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا، أو يكون البيع خيارًا» ، قال نافع: وكان ابن عمر إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه.
(5)
في (أ): يؤيده.
(6)
قوله: (من أن) سقط من (أ) و (ز).
(7)
أثر أبي هريرة رضي الله عنه تقدم تخريجه 3/ 485 حاشية (5)، وعائشة رضي الله عنها تقدم تخريجه 3/ 486 حاشية (2).
وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في الأم (2/ 103)، ومن طريقه الدارقطني (2205)، والبيهقي في الكبرى (7981)، وابن الجوزي في درء اللوم (ص 53)، عن فاطمة بنت الحسين: أن رجلاً شهد عند عليٍّ رضي الله عنه على رؤية هلال رمضان فصام، - وأحسبه قال: وأمر الناس أن يصوموا-، وقال:«أصوم يومًا من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان» ، قال الحافظ في التلخيص 2/ 457:(وفيه انقطاع)، فاطمة لم تدرك جدَّها رضي الله عنه.
فعلَى هذا: يَصومُه حُكْمًا ظَنِّيًّا بوجوبه احتياطًا، ويجزئه إذا بان منه، قيل للقاضِي: لا يَصِحُّ إلاَّ بنية
(1)
، ومع الشَّكِّ فيها لا يُجزَمُ بها، فقال: لا يَمنَعُ التَّردُّدُ فيها للحاجة؛ كالأسير، وصلاةٍ من خمس.
وفي «الانتصار» : يُجزِئُه إن لَم تُعتَبَر نيَّةُ التَّعيين، وإلاَّ فلا.
وظاهِرُه: أنَّها لا تُصلَّى التَّراويحُ ليلتئذٍ، واختارَهُ التميميون
(2)
؛ اقتصارًا علَى النَّصِّ، واختار جماعةٌ عكْسَه، قال المجْدُ: هو أشْبَهُ بكلام أحمدَ: (القِيامُ قَبْل الصيام).
وعنه: ينويه حكمًا جازمًا بوجوبه، وقاله بعضُ أصحابنا، وجزم به في «الوجيز» ، فعليه: تُصلَّى التَّراويحُ إذِنْ.
ولا تَثْبُت بقيَّة الأحكام من حلول الآجال، ووقوع المعلَّقات، وانقضاء العدة، وغير ذلك.
وذكر القاضِي احتِمَالاً: يَثبُت كما يَثبُت الصَّوم وتوابِعُه؛ من النِّيَّة، وتَبْيِيتِها، ووجوبِ الكفَّارة بالوَطْء فيه، ونحو ذلك.
(وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ) صومُه قبل رؤية هلاله أو إكمال
(3)
شعبان، اختاره فِي «التَّبصِرَة» والشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وقال:(هو مذهبُ أحمدَ المنصوصُ الصَّريحُ عنه، وقاله أكْثَرُ العلماءِ)
(4)
؛ لما روى أبو هُرَيرةَ مرفوعًا: «صُومُوا لِرُؤْيتِه،
(1)
في (ز) و (و): ببينة.
(2)
في (ب) و (د): الميموني.
(3)
في (و): كمال.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 99، واختلف النقل عن شيخ الإسلام بعد قوله بعدم وجوب الصوم، قال في الإنصاف (3/ 270):(فعلى هذه الرواية: يباح صومه. قال في الفائق: اختاره الشيخ تقي الدين، وقيل: بل يستحب. قال الزركشي: اختاره أبو العباس. انتهى، قال في الاختيارات: وحُكي عن أبي العباس أنه كان يميل أخيرًا إلى أنه لا يستحب صومه).
وأفْطِرُوا لِرُؤْيته، فإنْ غُمَّ عليكم فأكْمِلُوا عدَّة شَعبانَ ثَلاثِينَ يومًا» متَّفقٌ عليه، ولفظه لِلْبُخاريِّ
(1)
، ولأِنَّه يومُ شكٍّ، وهو منهيٌّ عن صومه، والأصْلُ بقاءُ الشَّهر، فلا يُنتقَل عنه بالشَّكِّ.
وأُجِيبَ: بأنَّ خبرَ أبِي هُرَيرةَ يَرْويه محمَّدُ بنُ زيادٍ، وقد خالَفَه سعيدُ بن المسيِّب فرواه عن أبِي هُرَيرة:«فَإِنْ غُمَّ عليكم؛ فصُومُوا ثلاثِينَ»
(2)
، وروايته
(3)
أَوْلَى؛ لِإمامته واشتهار
(4)
ثقته وعدالته
(5)
، وموافقته لرأْيِ أبِي هُرَيرة، وقال الإسْمَاعيلِيُّ: (ذِكْرُ شَعبانَ فيه من
(6)
تفسير ابن أبِي إِيَاسٍ)
(7)
،
(1)
أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081).
(2)
أخرجه مسلم (1081)، من طريق ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا باللفظ الذي ذكره المصنف.
ولفظ محمد بن زياد الذي ذكره المصنف: أخرجه البخاري (1909)، حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، بلفظ:«فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» ، وأخرجه مسلم (1081)، من طريق معاذ العنبري، عن شعبة، عن محمد بن زياد، به مرفوعًا بلفظ:«فإن غمي عليكم الشهر فعدُّوا ثلاثين» ، ومن طريق أبي الزناد، عن الأعرج مثله، ومن طريق الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، بلفظ:«فإن غمي عليكم فأكملوا العدد» ، ورجَّح ابن حجر تبعًا للإسماعيلي أن قوله:«شعبان ثلاثين» مدرج من تفسير آدم بن أبي إياس شيخ البخاري، وجاءت مفسرة عند البيهقي في الكبرى (7932)، من طريق آدم، وفي آخره: يعني: عُدُّوا شعبان ثلاثين. ينظر: الفتح 4/ 121.
(3)
في (أ): ورواته.
(4)
في (د): وإشهار.
(5)
في (و): لإمامته وإظهار عدالته.
(6)
في (ز): عن.
(7)
ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 88.
والإسماعيلي: هو الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الشافعي، من مصنفاته: المستخرج على البخاري، والمعجم، ومسند عمر، توفي سنة 371 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 16/ 292، طبقات الشافعية للسبكي 3/ 7.
وليس هو بيوم شكٍّ كمَا يأتِي.
(وَعَنْهُ: النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ صَامَ صَامُوا)، وإنْ أَفْطَر أفْطَرُوا وُجوبًا، وهو قول الحسَنِ وابن سِيرينَ؛ لقوله عليه السلام:«الصَّومُ يومَ تَصُومُون، والفِطْرُ يومَ تُفْطِرونَ» رواه التِّرمذيُّ، وقال: حسنٌ غريبٌ من حديث أبِي هُرَيرةَ
(1)
.
فمَعْناهُ: أنَّ الصَّومَ والفِطْرَ مع الجماعة وعُظْمِ النَّاس واجبٌ، وقال أحمدُ:(السُّلطانُ في هذا أحوطُ، وأنْظَرُ للمسلمين، وأشدُّ تفَقُّدًا، ويدُ الله على الجماعة)
(2)
، فيتحرَّى في كثرة كمال الشُّهور قبلَه ونقْصِها، وإخبارِه بمَنْ لا يُكتفى
(3)
به، وغيْر ذلك من القرائن.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: يُعمَل بعادةٍ غالبةٍ؛ كمُضيِّ شهرَينِ كامِلَينِ فالثَّالث ناقصٌ، وهو معْنَى التَّقدير.
(1)
أخرجه الترمذي (697)، والدارقطني (2180)، والبيهقي في الكبرى (8208)، من طريق المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وإسناده جيد.
وأخرجه من وجه آخر: عبد الرزاق (7304)، - ومن طريقه إسحاق بن راهويه في مسنده (496) -، وأبو داود (2324)، والدارقطني (2177)، من طريق ابن المنكدر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة، قاله ابن معين وأبو زرعة وغيرهما.
وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه الترمذي (802)، والدارقطني (2447)، وغيرهما من طريق محمد بن المنكدر، عن عائشة مرفوعًا:«الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس» ، قال الترمذي:(هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه)، واختلف في هذا الإسناد لأجل الاختلاف في سماع ابن المنكدر من عائشة، فأثبت سماعه البخاري، ونفاه البزار وابن حجر، ونقل ابن حجر أن الدارقطني رجَّح وقفه على عائشة، والحديث حسنه النووي، وصححه الألباني بمجموع طرقه. ينظر: الخلاصة 2/ 839، التلخيص الحبير 2/ 552، الإرواء 4/ 11.
(2)
ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 52.
(3)
في (أ): لا يكفي.
وعنه: صومُه منهيٌّ عنه، اختاره أبو القاسم بن مَنْدَه
(1)
، وأبو الخطَّاب وابنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّه يومُ شكٍّ، وفيه نَظَرٌ. فقيل: يكره. وقيل: يحرم.
وإذا لم يَجِبْ صومُه؛ وجب أداء الشَّهادة بالرُّؤية وإن لم يُسأَلْ عنها.
فَرعٌ: إذا نواه احتياطًا بلا مستنَدٍ شرعِيٍّ فبان منه؛ لم يُجزِئْه في روايةٍ. وعنه: بلى. وعنه: يجزئه ولو اعتُبِرت نيَّةُ التَّعْيِين.
ولا يُحكَم بطلوع الهلال بنجومٍ أو حسابٍ، ولو كَثُرَتْ إصابتهما.
(وَإِذَا رَأَى الهِلَالَ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ؛ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ المُقْبِلَةِ)، هذا هو المشهور، وقاله أكثر العلماء؛ لما رَوَى أبو وائلٍ قال:«جاءنا كتابُ عمرَ: أنَّ الأهلَّة بعضُها أكْبر مِنْ بعضٍ، فإذا رأيتم الهلالَ نهارًا فلا تُفطِروا حتى تُمْسُوا، أو يَشهَدَ رجلان مُسْلِمَان أنَّهما رأياه بالأمس عَشِيَّةً» رواه الدَّارَقُطْنيُّ
(2)
فعلَى هذا: لا يَجِبُ به صومٌ، ولا يُباحُ به فِطْرٌ.
ورُؤْيتُه نهارًا مُمْكِنَةٌ لعارِضٍ يَعْرِضُ في الجوِّ يَقِلُّ به ضَوءُ الشَّمس أو يكون
(3)
قَوِيَّ النَّظَرِ.
وعنه: بَعْدَ الزَّوال للمقبلة، وقبلَه للماضية، اختاره أبو بكرٍ والقاضِي، وقدَّمه في «المحرَّر» ؛ للقُرْب من كلِّ واحدةٍ منهما.
وعنه: بعد الزوال آخِرَ الشَّهر للمقبلة احتياطًا.
وعنه: آخر الشَّهر للمقبلة مطلقًا.
(1)
هو: عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق ابن منده الأصبهاني، أبو القاسم، صاحب المصنفات، كان شديدًا على أهل البدع، توفي سنة 470 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 242، سير أعلام النبلاء 18/ 349.
(2)
أخرجه الدارقطني (2196)، وأخرجه عبد الرزاق (7331)، وابن أبي شيبة (9460)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 177)، وسعيد بن منصور (2599)، والبيهقي في الكبرى (8191)، وغيرهم، قال البيهقي في الكبرى: (صحيح عن عمر رضي الله عنه.
(3)
في (أ): ويكون.
فائدة: يُقال من الصباح إلى الزَّوال: رأيت اللَّيلة، وبعده يقال: رأيت البارحة، قاله ثعلبٌ
(1)
، هذا باعتبار الحقيقة، ومَنْعُ ذلك مطلقًا لا وجه له.
(وَإِنْ
(2)
رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ؛ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمُ الصَّوْمُ)؛ للعموم، ولأنَّ الشَّهر فِي الحقيقة ما بين الهلالَينِ، وقد ثَبَت أنَّ هذا اليومَ منه في جميع الأحكام، فكذا الصَّوم.
وظاهِرُه: لا فَرْق بين قرب المكان أو بُعده، وأنَّه يَجِبُ ولو اخْتَلفت المطالع، نَصَّ عليه
(3)
.
وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أنَّها تختلف باتِّفاق أهل المعرفة
(4)
، لكن قال أحمد:(الزَّوال في الدُّنيا واحدٌ)
(5)
.
واخْتارَ في «الرِّعاية» : البُعد
(6)
مسافة قَصْرٍ، ولا يَلزَمه الصَّومُ.
وعن كُرَيبٍ قال: قَدِمْتُ الشَّامَ واسْتَهَلَّ علَيَّ هلالُ رمضان وأنا بالشَّام، فرأيْناه ليلةَ الجمعة، ثمُّ قَدِمْتُ المدينةَ في آخِر الشَّهْر، فسألني ابنُ عبَّاسٍ، فأخبرْتُه فقال:«لكِنَّا رَأَيْناه ليلةَ السَّبت، فلا نَزالُ نصومُ حتَّى نُكمِل ثلاثين أوْ نَراه» ، فقلت: ألَا تَكتفِي بِرُؤْية مُعاويةَ وصيامِه؟ فقال: «لا، هكذا أَمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم» رَواهُ مسلمٌ
(7)
، فدلَّ على أنَّهم لا يُفطِرون بقول كُرَيبٍ وحدَه، ونحن نقول به، وإنَّما مَحلُّ الخلاف وجوبُ قضاء اليوم الأوَّل، وليس هو في الحديث، والفطر إنَّما هو إذا صِيم بشهادته ليكون فِطرُهم مَبْنِيًّا على صومهم
(1)
ينظر: الفائق في غريب الحديث 3/ 163.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و) وإذا.
(3)
ينظر: الفروع 4/ 413.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 414، الاختيارات ص 158.
(5)
ينظر: مسائل حرب: الطهارة والصلاة ص 591.
(6)
في (أ): البعيد.
(7)
أخرجه مسلم (1087).
بشهادته، وهنا ليس كذلك.
فعلَى المذهب، واختياره في «الرِّعاية»: لوْ سافَر من بلدِ الرُّؤية ليلةَ الجمعة إلَى بلدِ الرُّؤية ليلة السَّبت، فبَعُدَ وتمَّ شهره ولم يَرَوُا الهلالَ؛ صام معهم، وعلَى المذهب: يُفْطِر خُفْيةً، قاله المجْدُ. وإن شهد به وقُبِل قولُه؛ أفْطَروا معه على المذهب. وإن سافر إلى بلد الرُّؤية ليلةَ الجمعة من بلد الرُّؤية ليلة السَّبت، وبَعُدَ؛ أفطر معهم، وقضَى يومًا على المذهب ولم يفطر على الثَّانِي.
(وَيُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ)، نَصَّ عليه
(1)
، وحكاه التِّرمذيُّ عن أكثر العلماء
(2)
، لأنَّه «عليه السلام صَوَّمَ النَّاسَ بقول ابن
(3)
عمر» رواه أبو داودَ والحاكِمُ، وقال:(على شَرْط مُسِلِمٍ)
(4)
، ولقَبولِه خبرَ الأعرابِيِّ به، رواه أبو داود والتِّرْمذِيُّ من حديث ابنِ عبَّاسٍ
(5)
، ولأِنَّه خبرٌ دِينِيٌّ، وهو
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1217، مسائل عبد الله ص 177.
(2)
ينظر: سنن الترمذي 3/ 65.
(3)
قوله: (ابن) سقط من (أ) و (ب).
(4)
أخرجه أبو داود (2342)، والدارمي (1733)، وابن حبان (3447)، والحاكم (1541)، وصححه ابن حزم وابن الملقن والألباني، وقال المنذري:(رجال إسناده احتج بهم مسلم). ينظر: البدر المنير 5/ 647، الإرواء 4/ 16.
(5)
أخرجه أبو داود (2340)، والترمذي (691)، والنسائي (2113)، وابن حبان (3446)، والدارقطني (2157)، من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيت الهلال - يعني: هلال رمضان - فقال: «أتشهد أن لا إله إلا الله؟» ، قال: نعم، قال:«أتشهد أن محمدًا رسول الله؟» ، قال: نعم، قال:«يا بلال، أذِّن في الناس فليصوموا غدًا» ، وقد اضطرب سماك بن حرب في وصل الحديث وإرساله، وأكثر أصحابه رووه بالإرسال، وأشار إليه الترمذي وأبو داود، قال الترمذي:(حديث ابن عباس فيه اختلاف، وروى سفيان الثوري وغيره عن سماك، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وأكثر أصحاب سماك رووه عن سماك، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً)، وأخرجه مرسلاً أبو داود (2341)، والدارقطني (2159)، ورجح النسائي إرساله. ينظر: ضعيف سنن أبي داود 2/ 262.
أحْوطُ، ولا تُهَمةَ فيه، بخلاف آخِرِ الشَّهر، ولاختلاف حال الرَّائي والمَرْئِيِّ، ولهذا لو حكم حاكمٌ بشهادة واحدٍ؛ وجب العمل بها.
وظاهره: لا فَرْق بين الغَيم والصَّحْو، ولا بين المصر وخارجه.
وقال أبو بكرٍ: إن جاء من
(1)
خارج المصر، أوْ رآه فيه، لا فِي جماعةٍ؛ قُبل واحد
(2)
.
وشَذَّ في «الرِّعاية» فقال: وقيل: يُقبَل قولُ واحدٍ حتَّى مع غَيمٍ أو قَتَرٍ.
وعنه: يُعتبَر عَدْلان كبقيَّة الشهور.
فعلَى المذهب: هو خبرٌ، فتُقبَل المرأةُ والعبد
(3)
، ولا يختص بحاكِمٍ، فيَلزَم الصَّومُ مَنْ سَمِعَه من عَدْلٍ، زاد بعضهم: ولو ردَّ الحاكمُ قولَه.
ولا يُعتبَرُ لفظُ الشَّهادة. وقيل: بلَى، فتَنْعكِس الأحكام.
وفي المستور والمميِّز الخلاف، وفِي «المستوعب»: لا يُقبَل صبيٌّ.
وإذا ثَبَتَ بقول الواحد؛ ثبتت
(4)
بقيَّةُ الأحْكامِ.
(وَلَا يُقْبَلُ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ إِلاَّ عَدْلَانِ)، حكاه التِّرمذيُّ إجْماعًا
(5)
؛ أي: رجلان؛ لقول ابنِ عمرَ وابن عبَّاسٍ: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُجيزُ علَى شهادة الإفطار إلاَّ شهادةَ رجلَين»
(6)
، ولأنَّه ليس بِمَالٍ، ولا يُقصَد به المالُ، ولا
(1)
قوله: (جاء من) في (ب) و (د) و (ز) و (و): خاف.
(2)
قوله: (قبل واحد) زيادة من الأصل.
(3)
في (ز): والبعد.
(4)
في (و): ثبت.
(5)
قال ابن قدامة: (في قول الفقهاء جميعهم إلا أبا ثور، فإنه قال: يقبل قول واحد). ينظر: سنن الترمذي 3/ 65، والمغني 3/ 165.
(6)
أخرجه البيهقي في الكبرى (7979)، وهو حديث موضوع، في سنده حفص بن عمر الأبلي، اتهمه غير واحد بالكذب، منهم أبو حاتم، والساجي، قال العقيلي:(وحفص بن عمر هذا يحدث عن شعبة، ومسعر، ومالك بن مغول، والأئمة بالبواطيل). ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 561، السلسلة الضعيفة (4238).
احتياط فيه، أشبه
(1)
الحدودَ.
وعنه: يُقبَل فيه واحدٌ كأبِي ثَور
(2)
، وكأوَّلِه
(3)
، وقيَّدها في «الرِّعاية»: بمَوضِعٍ ليس فيه غيرُه.
وظاهِرُه: لا يقبل رجلٌ وامرأتان، ولا
(4)
النِّساءُ المفرَداتُ؛ لأِنَّه مِمَّا يطَّلِع عليه الرِّجالُ.
ولا يُعتبَر التَّواتُر في العِيدَين مع الغَيم.
(وَإِنْ
(5)
صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَمْ يَرَوُا الهِلَالَ؛ أَفْطَرُوا) وجْهًا واحدًا، قاله في «الشَّرح»؛ لحديث عبد الرَّحمن بن زَيد بن الخطَّاب: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وإنْ شَهِد شاهدان؛ فصُوموا وأفطروا» رواه النَّسائي
(6)
.
وقيل: لا مع صَحْوٍ، اختاره أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ لأنَّ عدمَ الهلال يقينٌ، فيُقدَّم على الظَّنِّ وهي الشَّهادة.
(وَإِنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، وقيل: هما روايتان:
أحدهما
(7)
: لا يُفْطِرون، قدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأنَّه فِطْرٌ
(8)
لم يَجُز أن
(1)
في (أ): فأشبه.
(2)
أي: كقول أبي ثور. ينظر: المغني 3/ 165.
(3)
في (ب) و (د): كأوله، وقوله:(وكأوله) سقط من (و).
(4)
في (ز): وإلا.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وإذا.
(6)
أخرجه أحمد (18895)، والنسائي (2116)، وهو حديث صحيح، وقال الألباني:(سند صحيح رجاله ثقات كلهم وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله طريق أخرى عند الدارقطني (2191)، عن أبي مالك الأشجعي، عن الحسين بن الحارث الجدلي، عن الحارث بن حاطب، قال الدارقطني:(هذا إسناد متصل صحيح). ينظر: الإرواء 4/ 17.
(7)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): إحداهما.
(8)
قوله: (فطر) سقط من (أ).
يَسْتَنِدَ إلَى واحدٍ، كما لَوْ شَهِد بشوال.
والثَّانِي، وجزم به في «الوجيز»: أنَّهم يُفطِرون؛ لثبوته تَبَعًا، كالنَّسَب لا يَثْبُت بشهادة النِّساء، وتَثْبُتُ بها الولادة.
وقيل: لا فِطْر مع الغَيم.
(وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ الغَيْمِ لَمْ يُفْطِرُوا
(1)
وجهًا واحدًا، قاله في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الصَّوم إنَّمَا كان احْتِياطًا، فمع موافقته للأصل -وهو بقاءُ رمضان- أَوْلَى.
وقيل: بلى، قال في «الرِّعاية»: إن صاموا جَزْمًا مع الغَيم أفْطَروا، وإلاَّ فلا.
فعلَى الأوَّل: إن غُمَّ هلالُ شعبانَ ورمضانَ فقد يصوم اثْنَينِ وثلاثينَ يومًا حَيْثُ نَقَصْنا رجبًا وشعبانَ وكانا كاملَينِ، وكذا الزِّيادةُ إن غُمَّ هلالُ رمضانَ وشوَّال وأكْمَلْنا شعبانَ ورمضان وكانا ناقصَينِ، ونَقَلَ النَّوَوِيُّ عن العلماء: أنَّه لا يَقَعُ النَّقصُ متواليًا في أكثر من أربعة أشْهُرٍ
(2)
.
فَرعٌ: إذا صاموا ثمانيةً وعشرين يومًا ثمَّ رأوْا هلالَ شوَّال؛ قضَوْا يومًا فقطْ، نَقَلَه حنبلٌ، واحتجَّ بقول علِيٍّ
(3)
، ولبُعْد الغَلَط بيومين. قال في «الفروع»: ويتوجَّه تخريجٌ.
(1)
قوله: (وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا) في (و): وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يومًا فلم يروا الهلال أفطروا.
(2)
ينظر: شرح مسلم 7/ 191.
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 321.
أخرجه عبد الرزاق (7308)، وابن أبي شيبة (9613)، وابن سعد في الطبقات (6/ 234)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 355)، وأحمد في مسائل حنبل كما في مجموع الفتاوى (25/ 154)، والبيهقي في الكبرى (8204)، عن الوليد بن عتبة الليثي، قال:«صمنا رمضان في عهد عليٍّ على غير رؤية، ثمانية وعشرين يومًا، فلما كان يوم الفطر أمرنا أن نقضي يومًا» ، والوليد بن عتبة سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وأورده ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في المهذب 4/ 1628:(مجهول)، واحتج الإمام أحمد بالأثر في رواية حنبل، وقال:(العمل على هذا)، ذكره في شرح العمدة 3/ 117 ومجموع الفتاوى 25/ 155.
(وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ) لِمَانِعٍ؛ (لَزِمَهُ الصَّوْمُ) وحكمُه؛ للعموم، وكعِلْمِ فاسقٍ بنجاسة ماءٍ، أو دَين علَى موروثه، ولأنَّه يَتَيَقَّنُ أنَّه من رمضان، فلزم
(1)
صومُه كما تلزم
(2)
الأحكامُ التي هي من خصائص الرَّمَضانيَّة، بخلاف غيرِه من الناس.
ونقل حنبلٌ: لا يلزمه
(3)
الصَّومُ
(4)
، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(5)
، ورُوِيَ عن الحسَنِ وابنِ سِيرينَ؛ لأِنَّه محكومٌ أنَّه من شَعبانَ، أشْبَهَ التَّاسِع والعِشْرين، وكذا قال: لا يَلزَمُه شَيءٌ من أحكامه.
وعلى الأوَّل: هل يُفطِر يوم الثَّلاثينَ من صيام النَّاس؟ فيه وجْهانِ، ويَتَوَجَّه عليهما وقوعُ طلاقه، وحلُّ دَينه المُعَلَّقَينِ به.
(وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ؛ لَمْ يُفْطِرْ)، نَقَلَه الجماعةُ
(6)
؛ للخبر السَّابق
(7)
، وقاله عمرُ وعائشةُ
(8)
، ولاِحْتِمَال خَطَئِه وتُهَمته، فَوَجَب
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): فلزمه.
(2)
في (د) و (و): يلزم.
(3)
في (أ): لا يلزم.
(4)
ينظر: زاد المسافر 2/ 321.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 115.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1203، مسائل ابن هانئ 1/ 129.
(7)
وهو حديث: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون» ، وقد سبق تخريجه 3/ 490 حاشية (1).
(8)
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (7338)، والطبري في تهذيب الآثار -مسند ابن عباس- (1126)، عن أبي قلابة، أن رجلين رأيا الهلال وهما في سفر، فتعجلَا حتى قدما المدينة ضحًى، فأخبرا عمر بن الخطاب بذلك، فقال عمر لأحدهما:«أصائم أنت؟» ، قال: نعم، قال:«لم؟» قال: لأني كرهت أن يكون الناس صيامًا وأنا مفطر، فكرهت الخلاف عليهم، فقال للآخر:«فأنت؟» ، قال: أصبحت مفطرًا، قال:«لم؟» قال: لأني رأيت الهلال فكرهت أن أصوم، فقال للذي أفطر:«لولا هذا -يعني الذي صام- لردَدْنا شهادتك ولأوجعنا رأسك» ، ثم أمر الناس فأفطروا وخرج. أبو قلابة عن عمر مرسل، قرره العلائي في جامع التحصيل ص 211، قال ابن كثير في مسند الفاروق 1/ 406:(منقطع).
وأخرج عبد الرزاق (7349)، عن ابن جريج قال: أُخبرت عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي، أن رجلاً جاء عمر بن الخطاب فقال: رأيت هلال شهر رمضان، فقال:«هل رآه معك آخر؟» ، قال: لا، قال:«فكيف صنعت؟» ، قال: صمت بصيام الناس، فقال عمر:«يا لك فقيهًا» ، قال ابن كثير في مسند الفاروق 1/ 406:(والغرض من هذا أنه رضي الله عنه كان يرى أن من انفرد برؤية الهلال فإنه لا يصوم ولا يفطر حتى يراه الناس)، وقال عن الأثر:(فيه انقطاع)، ومعاذ لم يسمع من عمر كما صحح البخاري في تاريخه 7/ 363، وأبو حاتم في الجرح والتعديل 8/ 247، وأحد الطريقين يقوي الآخر.
أثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه عبد الرزاق (7310)، عن مسروق، عن عائشة قالت:«إنما النحر إذا نحر الإمام وعُظْم الناس، والفطر إذا أفطر الإمام وعُظْم الناس» ، وأخرجه أحمد في مسائل عبد الله كما في رسالة رؤية الهلال لابن رجب ضمن مجموع رسائله (2/ 601)، ولفظه:«الأضحى يوم يضحي الناس، والفطر يوم يفطر الناس» ، قال ابن رجب:(صحيح عن عائشة رضي الله عنها، إسناده في غاية الصحة).
وأخرجه أبو يوسف في الآثار (818)، والبيهقي في الكبرى (8209)، من طريق أخرى عن مسروق، وإسناده صحيح.
الاِحْتِياطُ، وكما لا يُعَرِّف ولا يُضحِّي وحدَه، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين، قال:(والنِّزاعُ مَبْنِيٌّ على أصل وهو: أنَّ الهلالَ هل هو اسمٌ لما يَطلُع فِي السَّمَاء وإن لم يَشْتَهِر ولم يظهر، أو أنَّه لا يُسمَّى هلالاً إلاَّ بالظُّهور والاشتهار؟ فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد)
(1)
.
وقال أبو حكيمٍ: يتخرَّج أن يفطر
(2)
، اختاره أبو بكرٍ، قال ابنُ عَقِيلٍ: يجب أن يفطر
(3)
سرًّا؛ لأِنَّه يتيقنه
(4)
يومَ العيد.
تنبيهٌ: إذا رآه عدْلانِ ولَم يَشهَدا عند الحاكم، أو شَهِدا فَرَدَّهما لجهله
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 116.
(2)
في (د) و (ز) و (و): يفطروا.
(3)
في (د): يفطروا.
(4)
في (د) و (و): تيقنه.
بحالهما؛ لم يَجُز لأحدهما ولا لمن عرف عدالتهما الفطر بقولهما في قياس المذهب؛ لأنَّ ردَّهما ليس بحكمٍ، وإنَّما هو توقُّفٌ لعَدَم علمِه.
وفي «المغني» و «الشرح» : الجوازُ؛ لقوله: «فإنْ شَهِدَ شاهدان؛ فصُومُوا وأفْطِرُوا» رواه النَّسائي
(1)
.
(وَإِذَا اشْتَبَهَتِ الأَشْهُرُ عَلَى الأَسِيرِ)، والمَطْمُور
(2)
، ومن بمَفازةٍ ونحوِهم؛ (تَحَرَّى)، وهو أن يَجْتَهِدَ في معرفة شهر رمضان؛ لأنَّه أمْكَنه تأديةُ فرضه بالاجتهاد، فلزمه؛ كاستقبال القبلة، (وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ مَا
(3)
بَعْدَهُ؛ أَجْزَأَهُ) كالصَّلاة، وكما لو
(4)
لم يَنكَشِفْ له الحالُ؛ لتأدية فرضه بالاِجْتِهاد، ولا يَضُرُّ التَّردُّد في النِّيَّة؛ لِمكَان الضَّرورة.
فلو وافَقَ رمَضانَ السَّنةَ القابِلةَ؛ فقال المجْدُ: قياسُ المذهب: لا يُجزِئُه عن واحدٍ منهما إنِ اعْتبرْنا نيَّة التَّعيين، وإلاَّ وقع عن الثَّاني، وقَضَى الأوَّلَ.
ويُعتبَر أن يكونَ ما صامه بعدد أيام
(5)
شهره الذي فاته، سواءٌ وافَق ما بين الهلالَينِ أوْ لَا، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» .
وظاهِرُ الخِرَقِيِّ: أنَّه متَى وافق شهرًا بعده؛ أجزأه وإن كان ناقصًا ورمضانُ تامًّا، قاله القاضِي وصاحبُ «التَّلخيص» ، وأورده المجْدُ مذهبًا كالنَّذر.
وفرَّق في «الشَّرح» : بأنَّ النَّذر مطلَقٌ، فيُحمَل على ما تناوَلَه الاِسْمُ، والقضاء يَجِبُ أن يكون بعدد
(6)
المتروك.
(1)
سبق تخريجه 3/ 495 حاشية (6).
(2)
قال الخليل في العين 7/ 424: (المطمورة: حفرة، أو مكان تحت الأرض قد هُيئ خفيًّا).
(3)
قوله: (ما) زيادة من الأصل.
(4)
قوله: (وكما لو) في (ب) و (و): ولو.
(5)
في (أ): أيامه.
(6)
في (أ) و (ب): بعد.
(وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ)؛ نَصَّ عليه
(1)
؛ لأنَّه أتى بالعبادة قبل وقتها، فلم تُجْزِئْه كالصَّلاة، فلو وافق بعضُه رمضانَ؛ فما وافَقَه أو بعدَه أجْزَأَه، دون ما قبله.
ولو صامَ شعبان ثلاثَ سِنينَ متواليةً، ثمَّ عَلِمَ؛ صام ثلاثةَ أشهرٍ، شهرًا بعد شهرٍ كالصلاة إذا فاتته، نقله مُهنَّى
(2)
.
وإن ظنَّ أنَّ الشَّهرَ لم يَدخُل فصام؛ لم يُجْزِئْه.
(وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلاَّ عَلَى المُسْلِمِ، البَالِغِ، العَاقِلِ، القَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ) إجْماعًا
(3)
.
(وَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ) مطلقًا؛ لأِنَّه عبادةٌ مَحْضةٌ تَفتقِر إلَى النِّيَّة، فكان من شرطها الإسلامُ كالصَّلاة.
(وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا صَبِيٍّ)؛ لعدَم تكليفهما، ورَفْع القلم عنهما، (لَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا أَطَاقَهُ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ؛ لِيَعْتَادَهُ)، كذا قاله الأكثرُ؛ أي: يجب على الولي ذلك
(4)
، ذَكَرَه جماعةٌ.
وعنه: يَجِب عليه إذا أطاقه، اختاره أبو بكرٍ وابنُ أبِي موسى، وقاله عطاءٌ والأوزاعيُّ، والمرادُ به المميِّزُ، وحدَّ
(5)
ابن أبي موسى طاقته: بصيام ثلاثة أيَّامٍ متواليةٍ من غير ضَرَرٍ؛ لقوله عليه السلام: «إذا أطاق الغلامُ صيامَ ثلاثةِ أيَّامٍ؛ وجب عليه صيامُ رمضانَ» رواه ابنُ جريج عن محمَّد بن عبد الرَّحمن
(6)
،
(1)
من رواية مهنى. ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 126.
(2)
ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 126.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 39.
(4)
قوله: (ذلك) سقط من (أ).
(5)
في (أ): وحده.
(6)
أخرجه ابن حبان في المجروحين 3/ 116، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5936)، من طريق يحيى بن العلاء، عن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام وجب عليه صيام رمضان» ، وفيه يحيى بن العلاء متهم بالوضع، قال الألباني عن الحديث:(منكر)، وأخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 341)، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ:«تجب الصلاة على الغلام إذا عقل، والصوم إذا أطاق، وتجري عليه الشهادة والحدود إذا احتلم» ، وجويبر ضعيف جدًّا، ولا يصح سماع الضحاك من ابن عباس، ولم نقف عليه من رواية ابن جريج. ينظر: بيان الوهم والإيهام 3/ 79، السلسلة الضعيفة (6354).
ولأنَّها عبادةٌ بَدَنِيَّةٌ أشبهت الصَّلاةَ.
وعنه: يَلزَم من بَلَغ عشْر سنين وأطاقه، قال الخِرَقِيُّ: يُؤخَذ به إذنْ.
والمذهب الأوَّل، قال القاضِي: هو عندي روايةٌ واحدةٌ، وحَمَلَ ما رُوِيَ عن أحمدَ علَى الاِسْتحباب، وكالحجِّ، وحديثُهم مرسَل، ويُحمَل على النَّدب، وسماه
(1)
واجبًا تأكيدًا، وفيه جمعٌ بين الأدلة.
وأمَّا كَونُ القدرة من شروطه؛ فلأنَّ العاجِز عن الشَّيء لا يُكلَّفُ به؛ للنَّصِّ.
(وَإِذَا قَامَتِ البَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ
(2)
؛ لَزِمَهُمُ الإِمْسَاكُ)؛ لتعذُّر إمساك الجميع، فوجب أن يأتوا بما يقدِرون عليه، وكما لو تعمَّدوا الأكلَ في يومٍ آخَر منه، (وَالقَضَاءُ)؛ فلثبوته من رمضانَ، ولم يأتوا فيه بصومٍ صحيحٍ؛ فلَزِمَهم قَضاؤه لِلنَّصِّ.
وذكر أبو الخطَّاب روايةً: لا يَلزَم الإمساكُ كالمسافِر إذا قَدِم، وغلَّط المؤلِّفُ ناقلَها.
وخرَّج في «المغْنِي» على قَول عَطاءٍ: من ظنَّ أنَّ الفجر لم يَطلُع وقد طَلَع.
وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: يُمسِك ولا يَقْضِي
(3)
، وكما لو لم يَعلَمْ بالرؤية
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وسمي.
(2)
في (و): الشهر.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 109.
إلاَّ بعد الغروب.
(وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنونٌ، أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ؛ فَكَذَلِكَ)، أي: إذا صار في أثْناء يومٍ منه أهلاً للوجوب؛ لزِمَه إمساكُ ذلك اليوم وقضاؤه في ظاهر المذهب، وجزم به فِي «الوجيز» ؛ لأِمْره عليه السلام بإمساك يوم عاشوراء
(1)
، ولحرمة الوقت، ولقيام البيِّنة فيه بالرؤية، ولإدراكه جزءًا من
(2)
وقته كالصَّلاة.
(وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ)، أي: لا إمساكَ؛ لقول ابنِ مسعودٍ: «من أكل أوَّل النَّهار فلْيَأْكُل آخِرَه»
(3)
؛ ولأنَّه أُبِيحَ لهم فِطْرُ أوَّله ظاهرًا وباطنًا، فكان لهم الاستدامة، كما لو دام العُذْر، ولا قَضاءَ؛ لعدَم إدراكهم من الوقت ما يسع
(4)
العبادة، أشْبَهَ ما لو زال عُذْرُهم بعد خروج الوقت.
وإن قلنا: يَجِب على الصَّبيِّ؛ عَصَى بالفطر، وأمسك، وقَضَى كالبالغ.
وعُلم: أنَّهم يستقبلون من الشَّهر ما عدا اليوم، وأنَّه لا يَلزَمُهم قضاءُ ما مَضَى.
(وَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ) بالسِّنِّ أو الاحْتِلامِ (صَائِمًا)، بأنْ نواه من اللَّيل؛ (أَتَمَّ) صَومَه بغيرِ خلافٍ، (وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي)؛ لأِنَّه نواه من اللَّيل فأجْزَأَه
(1)
أخرجه البخاري (2007)، ومسلم (1135)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): في.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور في التفسير من سننه (279)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (8007)، عن ابن سيرين، عن يحيى بن الجزار، قال: سئل ابن مسعود عن رجل تسحر وهو يرى أن عليه ليلاً، وقد طلع الفجر، قال:«من أكل من أول النهار فليأكل آخره» ، وفيه ضعف؛ يحيى بن الجزار لا يُعرف له سماع من ابن مسعود، وقد اختُلف في سماعه من علي بن أبي طالب، وابن مسعود مات قبل عليٍّ بثمان سنين تقريبًا. ينظر: جامع التحصيل ص 297.
وأخرجه ابن أبي شيبة (9044)، عن ابن سيرين عن ابن مسعود. وابن سيرين إنما سمعه من يحيى كما سبق.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): ما يمنع.
كالبالِغ، ولا يَمْتَنِع أن يكون أوَّلُه نفلاً وباقيه فرْضًا، كنذْره إتْمام النَّفل.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ)، وهو ظاهر «الوجيز»:(عَلَيْهِ الْقَضَاءُ)؛ أيْ: قضاءُ ذلك اليوم؛ كقيام البيِّنة يوم الثَّلاثينَ، وهو
(1)
في نفلٍ معتادٍ، وكبلوغه في صلاةٍ أوْ حجٍّ، ولأِنَّ ما مضى منه نفلٌ، فلم يُجْزِ عن الفرض، كما لو نَذَر صَومَ يومَ يَقدَم زيدٌ فَقَدِم والنَّاذِرُ صائمٌ، فإنَّه يلزمه
(2)
القَضاءُ.
والخلافُ مبنيٌّ على وجوب القضاء عليه إذا بلغ مفطِرًا، وأمَّا إذا لم يَجِب فلا قضاءَ هنا وجهًا واحدًا.
(وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ، أَوْ قَدِمَ المُسَافِرُ)، أوْ أقام (مُفْطِرًا؛ فَعَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ) إجْماعًا
(3)
، وكمريضٍ إذا صحَّ في أثْناء النَّهار مُفْطِرًا، (وَفِي الإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ)، كذا أطْلقهما جماعة، الأصح لزومه، وكمقيمٍ تعمد الفطر، سافَرَ أو حاضت المرأةُ أو لا، نقله ابن القاسم وحَنْبَلٌ
(4)
، ويُعايا بها.
والثَّانية: لا إمساك
(5)
عليهم؛ لقول ابنِ مسعودٍ
(6)
؛ لأِنَّ كلَّ من
(7)
ذُكِر يُباحُ له الأكلُ أوَّلَ النَّهار ظاهِرًا وباطنًا.
ويَتوجَّه: لَا إمساك
(8)
مع حَيضٍ، ومع السَّفر الخلافُ.
وإذا لم يَجِب الإمساكُ، فقدِم مسافِرٌ مُفْطِرًا، فوجَد امرأتَه طَهُرت من حَيضِها؛ له أن يَطَأَها.
(1)
في (أ): وهي.
(2)
في (و): يلزم.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 40.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 431.
(5)
قوله: (لا إمساك): هو في (أ): الإمساك.
(6)
تقدم تخريجه 3/ 502 حاشية (3).
(7)
في (ب) و (د) و (و): ما.
(8)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): الإمساك.
ولو علِم مسافِرٌ أنَّه يَقدَم غدًا؛ لزِمَه الصَّوم، كمن نذر صَومَ يومِ يَقدَم فلان
(1)
، وعلم قدومه في
(2)
غدٍ، بخلاف الصَّبيِّ يَعلَم أنَّه يبلُغ في غدٍ؛ لأنَّه غير مكلَّفٍ.
مسألةٌ: إذا برِئَ مريضٌ، أو قدِم مسافِرٌ أو أقام صائمًا؛ لزِمه الإتمامُ وأجْزَأ، كمُقيمٍ صائِمٍ مرِض
(3)
ثمَّ لَم يُفطِر حتَّى عُوفِيَ، ولو وطئا فيه كَفَّرَا، نَصَّ عليه
(4)
؛ كمُقيمٍ وطِئَ ثمَّ سافَر، ذَكَرَه في «الفروع» .
(وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ) وهو الْهِمُّ والهِمة
(5)
، (أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ أَفْطَرَ)، أي: له ذلك إجْماعًا
(6)
، (وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ
(7)
يَوْمٍ مِسْكِينًا)؛ لقَولِ ابنِ عبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البَقَرَة: 184]: «لَيستْ بمنسوخة
(8)
، هي للشيخ
(9)
الكبير والمرأة الكبيرة لا يَستطيعان الصَّوم، فيُطْعِمَانِ مكان كلِّ يومٍ مِسْكِينًا» رواه البُخاريُّ
(10)
، ومعناه عن ابن أبِي ليلَى عن معاذ، ولم يُدْرِكْه، رواه أحمدُ
(11)
.
(1)
قوله: (فلان) سقط من (ز).
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): من.
(3)
في (ب) و (د) و (و): مريض.
(4)
ينظر: الفروع 4/ 431.
(5)
في (ب): الهرم والهرمة. والهِم والهمة بالكسر: الشيخ الفاني. ينظر: تاج العروس 34/ 120.
(6)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 50.
(7)
قوله: (كل) سقط من (و).
(8)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): منسوخة.
(9)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): الشيخ.
(10)
أخرجه البخاري (4505).
(11)
أخرجه أحمد (22124)، وأبو داود (507)، والطبري في التفسير (3/ 161)، والحاكم (3085)، والطبراني في الكبير (270)، والبيهقي في الكبرى (1976)، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم إن الله جل وعز فرض شهر رمضان؛ فأنزل الله تعالى ذكره:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} ، حتى بلغ:{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 183 - 184]، فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا، ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم؛ فأنزل الله عز وجل:{فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر} . وهذا مرسل، ابن أبي ليلى لم يدرك معاذًا كما قال ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما، وذكر البيهقي الاختلاف في إسناده، وأعله به مع الإرسال.
وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (1646)، والبيهقي في الكبرى (1975)، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي:(هكذا رواه جماعة)، وعلقه البخاري من طريق ابن نمير هكذا، عن ابن أبي ليلى، حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في الفتح 4/ 188:(واختلف في إسناده اختلافًا كثيرًا، وطريق ابن نمير هذه أرجحها).
والمرادُ بالإطعام: ما يُجزئ في الكفَّارة، فلو كان الكبيرُ مسافِرًا أوْ مريضًا فأَفْطَر، فلا فدية عليه، ذكره في «الخلاف» ، ولا قضاء؛ للعجز عنه، ويُعايا بها.
وإنْ أطْعَم، ثمَّ قَدَر علَى القضاء؛ فكمعضوب
(1)
(2)
حُجَّ عنه
(3)
ثمَّ عُوفِيَ، ذَكَره المجْدُ.
وظاهِرُه: أنَّه لا يَجِبُ القَضاءُ، بل يَتعيَّنُ الإطعامُ.
(وَالمَرِيضُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ، وَالمُسَافِرُ)، وهو من له القصر
(4)
؛ (اسْتُحِبَّ لَهُمَا الْفِطْرَ)؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَة: 184]؛ أي: فأفطر، وقد رَوَى التِّرمذيُّ مرفوعًا: «إنَّ اللهَ وضَعَ
(1)
كتب على هامش الأصل: (المعضوب: هو الضعيف، قاله الجوهري، قال: والمرض السقم).
(2)
في (ب) و (و): كمغصوب.
(3)
قوله: (عنه) سقط من (أ).
(4)
في (أ): الفطر.
عن المسافِر الصَّومَ»، وقال: حديثٌ حسَنٌ
(1)
، ولأِنَّ فيه قَبولَ الرُّخصة مع التَّلبُّس بالأخفِّ؛ لقوله عليه السلام:«ما خُيِّرتُ بين أمْرَينِ إلاَّ اخْتَرْتُ أيْسرَهُما»
(2)
.
ويُشترَط له
(3)
أن يَخافَ زيادةَ المرض، أو بُطْءَ برئه
(4)
، فإن لم يتضرَّر به لم يُفطِر، وجزم به في «الرِّعاية» في وَجَع رأس وحُمَّى، ثُمَّ قال: إلاَّ أن ينضر، قيل لأِحمدَ: متى يُفْطِر المريض
(5)
؟ قال: إذا لم يستطع، قيل: مثل الحُمَّى؟ قال: وأيُّ مَرَضٍ أشدُّ من الحمَّى!
(6)
.
فلو
(7)
خاف تلَفًا بصومه؛ كُرِه، وجزم جماعةٌ: بأنَّه يَحرُم، ولم يَذْكُروا خِلافًا في الإجزاء.
(وَإِنْ
(8)
صَامَا أَجْزَأَهُمَا) نقله الجماعةُ.
ونقل حنبلٌ في المسافِر: لا يُعجِبُني
(9)
، واحتجَّ بقوله عليه السلام: «ليس من
(1)
أخرجه أحمد (19047)، وأبو داود (2408)، والترمذي (715)، والنسائي (2274)، وابن ماجه (1667)، وابن خزيمة (2042)، من حديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه، قال الترمذي:(حديث أنس بن مالك الكعبي حديث حسن)، ووقع اختلاف في سند هذا الحديث ومتنه، وفي صحابيه، وأعله ابن التركماني بالاضطراب، وصححه ابن خزيمة، والألباني، وله شاهد أخرجه النسائي (2272)، من حديث أبي أمية الضمري رضي الله عنه، ينظر: الجوهر النقي 3/ 154، صحيح أبي داود 7/ 169.
(2)
أخرجه البخاري (3560)، ومسلم (2327)، من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: «ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا
…
» الحديث، ولم نقف عليه باللفظ الذي ذكره المصنف.
(3)
قوله: (له) سقط من (ب) و (د) و (و).
(4)
كتب على هامش الأصل: (بقول مسلم ثقة نصًّا).
(5)
قوله: (المريض) سقط من (ب) و (د).
(6)
ينظر: مسائل صالح 3/ 14.
(7)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): ولو.
(8)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): فإن.
(9)
ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 165.
البِرِّ الصوم في السَّفَرِ»
(1)
، وعمر وأبو هريرة يأمرانه
(2)
بالإعادة
(3)
.
والسُّنَّة الصَّحيحة تَرُدُّ هذا القولَ، وحَمْلُها على رواية الجماعة أَوْلَى من عدم الإجزاء.
وظاهره: أنَّه يُجزئ من غير كراهةٍ، وقد سأله إسحاقُ بن إبراهيم عن الصَّوم فيه لمن قوي
(4)
، فقال: لا يصوم
(5)
، وحكاه المجْدُ عن الأصحاب، قال: وعندي لا يُكرَه لمن قَوِيَ، واختاره الآجُرِّيُّ، وليس الصَّومُ فيه أفضلَ، وفرَّق بينه وبين رُخْصة القَصْر: أنَّها مُجمَعٌ عليها تبرأ بها
(6)
الذِّمَّة. ورُدَّ: بصوم المريض.
(1)
أخرجه البخاري (1946) ومسلم (1115).
(2)
في (ز): يأمرناه.
(3)
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (4483)، والطحاوي في معاني الآثار (3215)، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر: أن عمر بن الخطاب أمر رجلاً صام شهر رمضان في السفر أن يقضيه. وإسناده ضعيف، لضعف عاصم، قال البخاري وغيره:(منكر الحديث).
وأخرجه عبد الرزاق (4484)، والطبري في التفسير (3/ 206)، عن عمرو بن دينار، عن كلثوم بن جبر، عن رجل، عن عمر مثله. وأخرجه ابن أبي شيبة (8998)، والفريابي في الصيام (139)، والطبري في التفسير (3/ 206)، عن عمرو بن دينار، عن رجل، عن أبيه مثله. ولعل المبهم كلثوم بن جبر كما تقدم. فالإسناد ضعيف للرجل المبهم، ولا يتقوى برواية عاصم بن عبيد الله المتقدمة، لكونه يروي المناكير خاصة عن عبد الله بن عامر.
وأثر أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (8996)، والفريابي في الصيام (141)، والطبري في التفسير (3/ 206)، والطحاوي في معاني الآثار (3216)، عن المحرر بن أبي هريرة، قال:«صمت رمضان في السفر، فأمرني أبو هريرة أن أعيد الصيام في أهلي» ، وإسناده ضعيف، المحرر مقبول كما في التقريب ص 521.
(4)
في (أ): نوى.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 131.
(6)
في (أ): تبرئتها.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ)، من قضاءٍ ونذْرٍ وغيرهما؛ لأِنَّ الفِطْرَ أُبِيح تخفيفًا ورُخصةً، فإذا لم يُرِدْه؛ لَزِمَه الإتْيانُ بالأصل؛ كالجمعة، وكالمقيم الصَّحيح، ولأنه لو قَبِل صومًا من المعذور لقَبِله من غيره كسائر الزَّمان المتضيِّق للعبادة.
فلو نوى صومًا غير رمضان؛ فهل يَقَعُ باطلاً، أم يَقَعُ ما نواه
(1)
؟ هي مسألة تعيين النِّيَّة.
تنبيه: إذا خاف مَنْ به شَبَقٌ تشقُّق
(2)
أُنْثيَيْه، أو به مرضٌ يَنتفِع فيه بوطءٍ؛ ساغ له الوَطْءُ، وقضى بلا كفَّارة، نقله الشَّالَنْجِيُّ
(3)
، إن لم تندفع شهوتُه بغيره، وإلا لم يَجُز، وكذا إن أمكنه ألاَّ يُفسد صومَ زوجته لم يَجُز، وإلا جاز للضَّرورة، فوطء صائمةٍ أَوْلَى من حائضٍ. وقيل: يتخيَّر، وإن
(4)
تعذَّر قضاؤه لدوام شبقه؛ فككبيرٍ عَجَز عنه.
(وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ؛ فَلَهُ الفِطْرُ)؛ لفطره عليه السلام كما رُوِي في الأخبار الصَّحيحة
(5)
.
وظاهِرُه: ولو بالجِمَاع، لأنَّ مَنْ لَه الأكْلُ له الجِماعُ؛ كمن لم يَنوِ، وذكر جماعةٌ: أنَّه يُفطِر بنيَّة الفطر، فيقع الجِماع بعدَه.
وعنه: لا يجوز بالجماع؛ لأنَّه لا يُقوِّي على السَّفر، فعليها: إنْ جامَعَ كفَّر، والمذهب: لا، قال في «الفروع»: وهو أظهر
(6)
.
(1)
في (أ): نراه.
(2)
في (ز): تشق.
(3)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 104.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): فإن.
(5)
منها ما أخرجه مسلم (1113)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر» .
(6)
في (أ): الأظهر.
(وَإِنْ نَوَى الحَاضِرُ صَوْمَ يَوْمٍ، ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ؛ فَلَهُ الفِطْرُ)؛ لظاهِرِ الآية والأَخْبار الصَّريحة، منها ما رَوى
(1)
عُبَيد بن جُبَيرٍ قال: ركِبْتُ مع أبِي بَصْرَةَ الغِفاريِّ من الفُسْطاط في شهر رمضان، ثمَّ قرَّب غداءَه، فقال:«اقْترِب» ، قلت: ألستَ ترى البيوتَ؟ قال: «أتَرْغَب عن سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأكل» رواه أبو داود
(2)
، ولأِنَّ السَّفَر مبيحٌ للفِطْر، فأباحه فِي أثْناء النَّهار كالمرض
(3)
الطَّارِئ، ولو بِفِعْله، والصَّلاة لا يَشُقُّ إتمامُها، وهي آكَدُ؛ لأِنَّها متى وجب إتْمَامُها لم تُقصَر
(4)
بحالٍ.
وترك
(5)
الفطر أفضلُ، سواءً سافَرَ طَوْعًا أوْ كَرْهًا، ذَكَرَه جماعةٌ، فيُعايا بها.
وليس له الفطر قبل خروجه، لأنَّه لَيس بِمُسافِرٍ.
(وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ)، وقالَه أكثرُ العلماء؛ لأِنَّ الصَّومَ عبادةٌ تَختَلِفُ بالسَّفَر والحَضَر، فإذا اجْتَمَعا؛ غُلِّب حكمُ الحضَر كالصَّلاة.
وعنه: لا يجوز بجِماعٍ؛ لآكديَّته
(6)
، فعلَى المنْع: يُكفِّر من وَطِئ، وجَعَلَها بعضُهم كمَنْ نَوَى الصَّوم في سفره ثمَّ جامَع.
(1)
في (أ): روي عن.
(2)
أخرجه أحمد (27232)، وأبو داود (2412)، والدارمي (1754)، وابن خزيمة (2040)، وفي سنده كليب بن ذهل الحضرمي وهو مقبول، ورواه عن عبيد بن جبير، ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو عنه غير كليب، قال ابن خزيمة:(لست أعرف كليب بن ذهل، ولا عبيد بن جبير، ولا أقبل دين من لا أعرفه بعدالة)، ولكن للحديث شواهد تقويه، قال الألباني:(الحديث صحيح لغيره؛ فإن له شاهدًا من حديث أنس بسند صحيح، وآخر من حديث دحية الكلبي). ينظر: صحيح أبي داود 7/ 173.
(3)
في (و): وكالمرض.
(4)
في (أ): يفطر.
(5)
في (أ): وكذا.
(6)
في (د) و (و): لا لدينه.
(وَالحَامِلُ وَالمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا) الضَّرَرَ (عَلَى أَنْفُسِهِمَا)؛ كُرِه لهما الصَّومُ، ويُجزِئُ، فإن (أَفْطَرَتَا؛ وقَضَتَا
(1)
بغير خلافٍ نعلمه
(2)
، كالمريض إذا خاف على نفسه، ولقدرتهما عليه بخلاف الكبير، قال أحمدُ: أقولُ بقَول أبِي هُرَيرةَ، لا بقول ابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ في مَنْع القضاء
(3)
.
وظاهره: أنَّه لا إطْعام معه؛ لأنَّه فِطْرٌ أبيح لعُذْرٍ، فلم تجب
(4)
به كفَّارةٌ؛ كالمريض، وذَكَر بعضُهم رواية.
(وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيهِمَا
(5)
؛ أَفْطَرَتَا)؛ لأِنَّ خوفَهما خوفٌ علَى آدَمِيٍّ، أشْبَهَ خوفَهما علَى أنفسهما، (وَقَضَتَا)؛ لعموم قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَة: 185]، وكسائر المرضى
(6)
، (وَأَطْعَمَتَا لِكُلِّ
(7)
يَوْمٍ مِسْكِينًا)، ما
(1)
كذا في الأصل وبقية النسخ، وكذا في متن المقنع بذكر الواو.
(2)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 230.
(3)
ينظر: مسائل صالح 3/ 15، زاد المسافر 2/ 340.
ولفظه كما في زاد المسافر وشرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 188: (المرضعة والحامل تخاف على نفسها؛ تفطر وتقضي وتطعم، أذهب إلى حديث أبي هريرة، وأما ابن عباس وابن عمر يقولان: تطعم ولا تصوم)، ولم نعرف المراد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطبري في التفسير (3/ 170)، والطحاوي في أحكام القرآن (914)، والدارقطني (2382)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان، قال:«يفطران، ويطعمان مكان كل يوم مسكينًا، ولا يقضيان صومًا» ، قال الدارقطني:(إسناد صحيح).
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (7561)، واللفظ له، والطبري في التفسير (3/ 171)، وابن أبي حاتم في التفسير (1636)، والطحاوي في أحكام القرآن (915)، والدارقطني (2388)، عن نافع، عن ابن عمر قال:«الحامل إذا خشيت على نفسها في رمضان تفطر، وتطعم، ولا قضاء عليها» ، وأسانيده صحاح.
(4)
في (و): فلم يجب.
(5)
في (أ): ولدهما.
(6)
في (أ): كسائر المرض.
(7)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): عن كل.
يجزئ في الكفَّارة؛ لظاهِرِ قوله تعالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} الآية [البَقَرَة: 184]، وهو قول ابن عمر وأبِي هُرَيرة وابن عبَّاسٍ
(1)
، ولا يعرف لهم مُخالِفٌ، ولأِنَّه إفطار بسبب نفسٍ عاجزةٍ عن الصَّوم من طريق الخِلْقة؛ كالشَّيخ الهِمِّ
(2)
.
ويَلحَق بهذا: الظِّئْرُ التي تُرضِع وَلَدَ غيرِها، ذَكَرَه الأصحابُ؛ لأِنَّ السَّبب المبيحَ مستوٍ
(3)
فيه، كالسَّفر لحاجته وحاجة غيره.
وفي «الرِّعاية» قولٌ: لا تفطر
(4)
الظِّئْرُ إذا خافت على رضيعها.
والإطعامُ علَى الأمِّ، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه تَبَعٌ لها، ولهذا وجب كفَّارةٌ واحدةٌ. ويَحتَمِل أنَّه بينها وبين من تَلزَمه نفقتُه من قريبٍ أو من ماله؛ لأنَّ الإرْفاق لهما. والمذهب: أنَّ الإطعامَ علَى مَنْ يَمُونُه.
ويُصرَف إلى مسكينٍ واحدٍ جملةً واحدة
(5)
.
وظاهره: أنَّه علَى الفور؛ لوجوبه
(6)
، وهو أقْيَسُ. وذَكَرَ المجْدُ: أنَّه إنْ أتى به مع القضاء جاز؛ لأنَّه كالتَّكملة له.
تنبيهٌ: لا يَسقُط الإطعامُ بالعَجْز، ذَكَرَه في «المستوعب» ، وهو ظاهر كلام أحمدَ
(7)
، اختاره المجْدُ؛ كالدَّين.
وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ والمؤلِّف: أنَّه يَسقُطُ.
وذَكَرَ القاضِي وجماعةٌ: أنَّها تَسقُط فِي الحامل والمرضِع؛ ككفَّارة
(1)
تقدم تخريج الآثار 3/ 510 حاشية (3).
(2)
في (ب): الهرم.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): يُسَوَّى.
(4)
في (و): لا يفطر.
(5)
قوله: (ويحتمل أنه بينها وبين من تلزمه
…
) إلى هنا سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(6)
قوله: (لوجوبه) سقط من (أ).
(7)
ينظر: الفروع 4/ 448.
الوطْءِ، بل أَوْلَى؛ للعُذْر هنا، ولا تسقط عن الكبير والمأْيوس؛ لأِنَّها بدَلٌ عن نفس الصَّوم الواجب الذي لا يَسقُط بالعجز، فكذا بدَلُه، وكذا إطْعامُ مَنْ أخَّر قضاءَ رمضان وغيرِه غير كفَّارة الجماع.
(وَمَنْ نَوَى قَبْلَ الفَجْرِ، ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ؛ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ)؛ لأِنَّ الصَّومَ عبارةٌ عن الإمساك مع النِّيَّة، فلم يُوجَد الإمساكُ المضاف إليه، دلَّ عليه قولُه:«إنَّه تَرَكَ طعامَه وشرابَه من أجلِي»
(1)
، فلم تعتبر
(2)
النِّيَّة مُنفَرِدةً عنه.
(وَإِنْ أَفَاقَ)؛ أي: المُغْمَى عليه (جُزْءًا مِنْهُ؛ صَحَّ صَوْمُهُ)؛ كقَصْده الإمساكَ فِي جُزْءٍ من النَّهار، فأجزأ؛ كما لو نام بقيَّة يومه.
وظاهِرُه: أنَّه لا يتعيَّن جزء للإدراك، ولا يُفسِد قليلُ الإغماء الصَّومَ،
والجنونُ كالإغماء، وقيل: يَفسُد الصَّومُ بقليله كالحيض، بل أَولَى؛ لعدم تكليفه.
وأجيب: بأنَّه زوال عقلٍ في بعض اليوم، فلم يَمنَع صِحَّتَه كالإغماء، ويُفارِق الحيضَ، فإنَّه لا يَمنَع الوجوبَ، وإنَّما يَمنَع صحَّتَه، ويُحرِّم فِعْلَه.
(وَإِنْ نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ؛ صَحَّ صَوْمُهُ)؛ لأِنَّه معتادٌ، ولا يُزيل الإحساسَ بالكُلِّيَّة، وخالف فيه الإصْطَخْريُّ
(3)
، وهو شاذٌّ.
(وَيَلْزَمُ المُغْمَى عَلَيْهِ) إذا لم يصحَّ صومُه؛ (القَضَاءُ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه مرضٌ، وهو مغطٍّ علَى العقل غير رافِعٍ للتَّكليف، ولا تَطُول مدَّتُه، ولا تَثْبُتُ
(1)
أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في (و): فلم يعتبر.
(3)
هو: الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري الشافعي أبو سعيد، قاضي قم، من أصحاب الوجوه عند الشافعية، توفي سنة 328 هـ، من مصنفاته: كتاب الأقضية. ينظر: وفيات الأعيان 2/ 74، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 230.
الولاية علَى صاحبه، ويدخل على الأنبياء عليهم السلام.
وعنه: لا يقضي
(1)
كالجُنون.
(دُونَ المَجْنُونِ)، فلا يَلزَمه قضاءٌ؛ لعدم تكليفه، سواءٌ فات بالجنون الشَّهْرُ أو بعضه.
وعنه: يَقضِي؛ لأنَّه معنًى يُزيل العقلَ، فلم يَمنَع وجوبَ الصَّوم كالإغماء.
وعنه: إن أفاق فِي الشَّهر قضى ما مضى، وإن أفاق بعده فلا، كما لو جُنَّ فِي أثنائه، وكما لو أفاق في جزءٍ من اليوم
(2)
، لكن إذا جُنَّ في صوم قضاءٍ وكفَّارةٍ، فإنَّه يقضيه بالوجوب السَّابق.
(1)
قوله: (لا يقضي) سقط من (و).
(2)
في (أ): الليل.
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَصِحُّ صَوْمٌ) إلاَّ بنيَّةٍ، ذَكَرَه بعضُهم إجْماعًا
(1)
؛ كالصَّلاة والحجِّ، (وَاجِبٌ إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَهُ مِنَ اللَّيْلِ)؛ لما رَوَى ابنُ عمر عن حفصةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يُجمِع الصِّيامَ قَبْلَ الفَجْر؛ فلا صِيامَ له» رواه الخمسةُ، قال التِّرمذيُّ والخطَّابِيُّ: رفَعَه عبدُ الله بن أبِي بكرِ بن عمرو بن حزْمٍ، عن الزُّهريِّ، عن سالم، عن أبيه، وعمرٌو من الثِّقات
(2)
، ووافقه على رَفْعِه ابنُ جُرَيجٍ عن الزُّهْريِّ، رواه النَّسائيُّ، ولم يُثْبِتْ أحمدُ رَفْعَه، وصحَّح التِّرمذيُّ أنَّه مَوقوفٌ علَى ابن عُمَرَ
(3)
، وعن عائشةَ مرفوعًا:«مَنْ لم يُبيِّت الصِّيامَ قبل طلوع الفَجْر؛ فلا صيامَ له» رواه الدَّارَقُطْنيُّ، وفي لفظٍ للزهري
(4)
: «من لم يُبيِّت الصِّيامَ من اللَّيل فلا صيامَ له»
(5)
.
(1)
ينظر: المغني 3/ 109.
(2)
كذا في النسخ الخطية، ولعله سبق قلم، وصوابه: عبد الله بن أبي بكر بن عمرو.
(3)
أخرجه أحمد (26457)، وأبو داود (2454)، والترمذي (730)، والنسائي (2333)، وابن ماجه (1700)، وابن خزيمة (1933)، من طريق عبد الله بن أبي بكر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة به مرفوعًا، وأخرجه ابن أبي شيبة (9112)، والدارقطني (2217)، من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن حفصة به موقوفًا، ورواه موقوفًا عن الزهري جماعة من أصحابه، ورجح أحمد والبخاري وأبو داود وأبو حاتم والترمذي والنسائي وجمع من الأئمة وقفه، وصحح الرفع آخرون، منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والألباني، وقال الخطابي:(أسنده عبد الله بن أبي بكر، وزيادة الثقة مقبولة)، وقال الدارقطني:(رفعه عبد الله بن أبي بكر عن الزهري، وهو من الثقات الرفعاء)، ورواية النسائي التي أشار إليها المصنف أخرجها النسائي (2334) لكنه قال عنها:(حديث ابن جريج عن الزهري غير محفوظ)، ينظر: البدر المنير 5/ 650، الفتح 4/ 142، التلخيص الحبير 2/ 408، الإرواء 4/ 25.
(4)
في (د) و (و): الزهري.
(5)
حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الدارقطني (2213)، وقال:(تفرد به عبد الله بن عباد، عن المفضل بهذا الإسناد، وكلهم ثقات)، وقال ابن عبد الهادي:(وفي قوله نظر، فإن عبد الله بن عباد: غير مشهور، ويحيى بن أيوب: ليس بالقوي، وقد اختلف عليه فيه)، وعبد الله بن عباد قال ابن حبان عنه:(يقلب الأخبار، روى عن المفضل بن فضالة، عن يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة)، فذكر الحديث ثم قال:(وهذا مقلوب؛ إنما هو عند يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر الصديق، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن حفصة، صحيح من غير هذا الوجه فيما يشبه هذا). ينظر: المجروحين 2/ 46، تنقيح التحقيق 3/ 178.
لا يُقال: قد ورد في صوم عاشوراء بنيَّةٍ من النَّهار؛ لأنَّ وجوبَه كان نَهارًا؛ كمَن صام تطوُّعًا ثمُّ نذره، على أنَّ جماعةً ذكروا أنَّه ليس بواجبٍ، ولأنَّ النِّيَّة عند ابتداء العبادة كالصَّلاة.
وظاهره: أنَّه في أيِّ وقتٍ من اللَّيل نَوَى أجزأه؛ لإطْلاق الخبرِ، وسواءٌ وُجِد بعدَها ما يُبطل الصَّوم؛ كالجماع والأكل، أو لا، نَصَّ عليه
(1)
، فلو بَطَلَتْ فات محلُّها.
وقال ابن حامدٍ: تبطل إذا أتى بالمنافي، كما لو فَسَخَ النِّيَّةَ، أوْ نسيَها، أو أُغمِيَ عليه حتَّى طَلَع الفجرُ.
وإن نَوَتِ الحائضُ صومَ الغَدِ، وقد عَرَفت الطُّهر ليلاً؛ فوجهان.
وظاهره
(2)
: أنَّه لا يَصِحُّ في نهار يومٍ لصوم غدٍ، وكنِيَّته من اللَّيل صومَ بعْدِ غدٍ.
وعنه: يصح ما لم يَفسَخْها، وحملها القاضِي: على أنَّه استصحبها إلَى اللَّيل، وهو ظاهر.
ويعتبر لكلِّ يومٍ نية مفرَدةٌ؛ لأنَّها عباداتٌ، بدليلِ: أنَّه لا يَفسُدُ يومٌ بفسادِ آخَرَ، وكالقضاء
(3)
.
(1)
ينظر: الفروع 4/ 452.
(2)
في (أ): فظاهره.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وكقضاء.
وعنه: يجزئ من أوَّل رمضان نيةٌ واحدةٌ لكلِّه، نَصَرها أبو يَعْلَى الصَّغيرُ، وعلى قياسه النَّذْرُ المعيَّنُ ونحوُه.
فلو أفطر يومًا بعُذْرٍ أو غيرِه؛ لم يَصِحَّ صيامُ الباقي بتلك النِّيَّة، جزم به في «المستوعب» وغيره. وقيل: يَصِحُّ مع بقاء التَّتابُع، قدَّمه في «الرِّعاية» .
(مُعَيَّنًا)؛ أي: لا بُدَّ أن يَعتَقِد أنَّه يصومُ من رمضان، أو مِنْ قضائه، أو نَذْره، أو كفَّارته، نَصَّ عليه
(1)
، واختاره الأصحابُ؛ لقوله: «إنَّمَا الأَعمالُ بالنية
(2)
، وإنَّمَا لامرئ ما نَوَى»
(3)
، وكالقضاء والكفَّارة، ولأنَّ التَّعيينَ مقصودٌ في نفسه، فلو خَطَرَ بقلبه ليلاً أنَّه صائمٌ غدًا؛ فقد نَوَى، قال بعض أصحابنا: الأكلُ والشُّرب بنيَّة الصَّوم عندنا نيَّةٌ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: هو حين يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى
(4)
عَشاءَ مَنْ يريد الصَّومَ، بدليل ليلة العيد من غيرها
(5)
.
(وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ)؛ لأِنَّ التَّعيينَ يُرادُ للتَّمييز، وهذا الزَّمان متعين
(6)
، وكالحجِّ، فعليها: يصح بنية
(7)
مطلَقةٍ، ونيَّةِ نَفْلٍ، ونيَّة فَرْضٍ تردد فيها.
واختار المجْدُ: صحَّته بنية
(8)
مطلقةٍ؛ لتعذُّر صَرْفه إلى غير رمضان.
واختار حفيدُه: يصِحُّ مطلقًا مع الجهل
(9)
، فإن كان عالمًا فلا؛ كمَنْ دَفَع
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 188.
(2)
في (أ) و (ب): بالنيات.
(3)
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).
(4)
قوله: (يَتَعَشَّى) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(5)
ينظر: الاختيارات ص 158.
(6)
في (أ) و (ب): معين.
(7)
في (و): نيته.
(8)
في (أ): صحة بنيته.
(9)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 109.
وديعةَ رجُلٍ إليه على طريق
(1)
التَّبرُّع، ثمَّ تبيَّن أنَّه كان حقَّه، فإنَّه لا يَحتاج إلَى إعطاءٍ ثانٍ.
(وَلَا يَحْتَاجُ) مع التَّعيين (إِلَى نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ)؛ لأنَّ الواجِبَ لا يكون إلاَّ فرْضًا؛ فأجزأ التَّعيينُ عنه.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ ذَلِكَ)؛ كالصَّلاة.
(وَلَوْ نَوَى إِنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي)؛ أي
(2)
: الذي فرضه الله علَيَّ، (وَإِلاَّ فَهُوَ نَفْلٌ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ) علَى المشهور من المذهب؛ لأنَّه لم يُعيِّن
(3)
الصَّوم من رمضان جَزْمًا. وعلَى الثَّانية: يُجزِئُه.
ونَقَل صالِحٌ
(4)
: أنَّه يصح
(5)
بالنِّيَّة المتردِّدة والمطْلَقة مع الغَيم دون الصَّحو؛ لوجوب صَومه، فلو نَوَى إن كان غدًا من رمضان فصَومي عنه، وإلاَّ فهو عن واجِبٍ عيَّنه بنيَّته؛ لم يُجزِئْه عن ذلك الواجب، وفي إجزائه عن رمضان الروايتان إذا بان منه، وإن قال: وإلاَّ فأنا مُفطِرٌ؛ لم يصِحَّ.
وإِنْ نَوَى الرَّمَضانيَّة بلا مستَنَدٍ شَرعِيٍّ؛ فعلَى الخلاف إذا بان منه، وإن كان عن
(6)
مستَنَدٍ شَرْعِيٍّ؛ أجزأه كالمجْتَهِد في الوقت.
فَرعٌ: إذا قال: أنا صائِمٌ غدًا إن شاء الله؛ فإنْ قَصَد بالمشيئة الشَّكَّ والتَّردُّد فِي العزْم والقَصْد؛ فسَدتْ نيَّتُه، وإلاَّ لَم تَفسُد، ذَكَره في «التَّعليق» و «الفنون» ؛ لأِنَّه إنَّما قصد أنَّ فِعْلَه للصَّوم بمشيئة الله وتوفيقه وتَيْسيرِه، كما لا يَفسُد الإيمانُ به غير متردِّدٍ في الحال، وطَرَده القاضي في سائر العبادات:
(1)
في (أ): سبيل.
(2)
قوله: (أي) سقط من (د) و (و).
(3)
في (و): يتعين.
(4)
ينظر: مسائل صالح 1/ 195.
(5)
قوله: (ونقل صالح أنه يصح) سقط من (ب).
(6)
في (د) و (ز) و (و): غير.
بأنَّها لا تَفْسُد بذِكْر المشيئة في نيَّتها.
(وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ)، نَصَّ عليه
(1)
، وفي «الشَّرح»: هو ظاهِرُ المذهب؛ لأِنَّه عبادةٌ مِنْ شَرْطه النِّيَّة، ففسد
(2)
بنيَّة الخروج كالصَّلاة، ولأنَّ الأصْلَ اعْتِبارُ النِّيَّة في جميع أجزاء العبادة، لكنْ لما شقَّ اعْتِبارُ حقيقتها؛ اعتُبِر بقاءُ حكمها، وهو ألاَّ يَنْوِيَ قطعَها، فإذا نواه؛ زالتْ حقيقةً وحكْمًا.
وقال ابنُ حامِدٍ: لا تبطل
(3)
؛ كالحجِّ، مع بُطْلان الصَّلاة عندَه.
وأُجِيبَ: بأنَّ الحجَّ يصحُّ بنيَّةٍ مطلَقةٍ ومبهَمةٍ.
وقوله: (أفْطَرَ)؛ أي: صار كَمَنْ لم يَنْوِ، لا كمن أَكَلَ، فلو كان في نَفْلٍ فقَطَعَه ثمَّ نواه؛ جاز، نَصَّ عليه
(4)
.
وكذا لو كان في نذْرٍ أو كفَّارةٍ أو قضاءٍ، فقطع نيته
(5)
، ثمَّ نَوَى نَفْلاً؛ جاز، ولو قَلَبَ نيَّةَ نذرٍ وقضاءٍ إلَى النفل؛ فكَمَن انتقل من فرضِ صلاةٍ إلَى نفلها.
وعلَى المذهب: لو تردَّد في الفطر، أوْ نَوَى أنَّه سيُفْطِر ساعةً أخرى، أوْ إن وَجَدتُ طعامًا أكَلْتُ وإلاَّ أتممت؛ فكالخلاف في الصَّلاة.
(وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ)، نَصَّ عليه
(6)
، واختاره أكثرُ الأصحاب، منهم القاضِي في أكثر تصانيفه؛ لما رَوَتْ عائشةُ قالت: دَخَل علَيَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فقال: «هَلْ عِندَكم شَيءٌ؟» قُلْنا: لا،
(1)
ينظر: الفروع 4/ 459.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): تفسد.
(3)
في (و): لا يبطل.
(4)
ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 151.
(5)
في (أ) و (ب): بنيته.
(6)
ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 144.
قال: «فإنِّي إذًا صَائِمٌ» رواه مسلمٌ
(1)
، ويدُلُّ عليه حديثُ عاشوراءَ
(2)
، ولأِنَّ الصَّلاة خُفِّف نفلُها عن فَرْضِها، فكذا الصَّومُ، ولما فيه من تكثيره؛ لكونه
(3)
يَعِنُّ له من النَّهار، فعُفِيَ عنه.
(وَقَالَ القَاضِي) في «المجرد» ، وتَبِعَه ابنُ عَقِيلٍ:(لَا يُجْزِئُ بَعْدَ الزَّوَالِ)؛ لأِنَّ فِعْلَه عليه السلام إنَّما هو في الغَداء، وهو قبل الزَّوال، ولأِنَّ النِّيَّة لم تَصْحَب العبادةَ في مُعظَمِها، أشْبَهَ ما لو نَوَى مع الغروب.
وأُجيب: بأنَّه نَوَى في جزءٍ منه فصحَّ
(4)
كأوَّله، وجميعُ اللَّيل وقْتٌ لنيَّة الفرض، فكذا النَّهارُ.
وشرطُه: ألاَّ يكون فَعَل ما يُفطِره قبل النِّيَّة، فإن فَعَلَ؛ فلا يُجزِئُه الصَّومُ بغَيرِ خلافٍ نعلمه، قاله في «الشَّرح»
(5)
، وخالف فيه
(6)
أبو زَيدٍ الشَّافِعِيُّ
(7)
.
ويُحكَم بالصَّوم الشرعي المُثَاب عليه من
(8)
وقت النِّيَّة في الأظْهَر.
وفِي «المجرد» و «الهداية» : من أوَّل النَّهار، وقاله حمَّادٌ وإسحاقُ إن نواه قبل الزَّوال.
(1)
أخرجه مسلم (1154).
(2)
أخرجه البخاري (1960)، ومسلم (1136)، من حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها، بلفظ:«من كان أصبح صائمًا، فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا، فليتم بقية يومه» ، وأخرجه البخاري (1924)، ومسلم (1135) من حديث سلمة بن الأكوع نحوه.
(3)
في (أ): المؤنة.
(4)
في (أ): يصح، وفي (ز): فيصح.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 7/ 407.
(6)
في (أ) و (ب): وخالفه.
(7)
هو: محمد بن أحمد بن عبد الله المروزي الشافعي، من رواة صحيح البخاري عن الفربري، كان مشهورًا بالزهد، حافظًا للمذهب، وله فيه وجوه غريبة، توفي سنة 371 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 208، طبقات الشافعية 3/ 71.
(8)
في (أ): في.
فعلَى الأوَّل: تطوَّعُ
(1)
حائضٍ طَهُرت، وكافرٍ أسلم في يَومٍ ولم يأكُلا بصوم بقيَّة اليوم.
وعلى الثَّانِي: لا؛ لاِمْتِناع تبعيض صَومِ اليوم.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه: يَحتَمِل ألاَّ يَصِحَّ عليهما؛ لأنَّه لا يَصِحُّ منهما صومٌ.
(1)
أي: يصح تطوع حائضٍ. ينظر: الفروع 4/ 457.
(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ)
المُفْسِدُ للصَّوم: كلُّ ما يُنافِيه من أكلٍ أو شرب ونحوِهما، (وَيُوجِبُ الكَفَّارَةَ)
(وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ) فقد أفْطَرَ؛ لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية [البَقَرَة: 187]، فأباحهما إلى غايةٍ، وهي تبيُّن الفجر، ثمَّ أمر بالإمساك عنهما إلَى اللَّيل؛ لأِنَّ حُكْمَ ما بعد الغاية يُخالِف ما قبلها، وقولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«كلُّ عملِ ابنِ آدَمَ له إلاَّ الصَّوم، فإنَّه لِي وأنا أجْزي به، إنَّه تَرَكَ طعامَه وشرابَه من أجْلِي» متَّفقٌ عليه
(1)
.
وظاهِرُه: لا فرْق بين مغذٍّ وغيرِه، ولا بَيْنَ القليل والكثير.
(أَوِ اسْتَعَطَ) في أنْفِه بدُهْنٍ أو غيرِه، فوصل
(2)
إلى حَلْقه أو دِماغِه، قال فِي «الكافي»:(أو خَياشِيمه)؛ لنهْيِه صلى الله عليه وسلم الصَّائمَ عن المبالَغة فِي الاِسْتِنشاق
(3)
.
(أَوِ احْتَقَنَ) في دُبُره؛ لأنه
(4)
يَصِلُ إلَى الجوف، ولأنَّ غير المعتاد كالمعتاد فِي الواصِلِ، ولأِنَّه أبْلغ وأَوْلَى من الاِسْتِعاط.
(أَوْ دَاوَى الْجَائِفَةَ بِمَا يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ)؛ لأِنَّه أوصل
(5)
إلى جَوفه شَيئًا باخْتِياره، أشْبَه ما لو أَكَلَ.
(أَوِ اكْتَحَلَ) بكُحْلٍ، أو صَبِرٍ، أو ذَرُورٍ، أوْ إِثْمِدٍ مُطيَّبٍ، (بِمَا يَصِلُ إِلَى
(1)
أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في (أ): فدخل.
(3)
تقدم تخريجه 1/ 151 حاشية (2).
(4)
في (أ): فإنه.
(5)
في (أ): أدخل، وفي (ب): وصل.
حَلْقِهِ)، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأِنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإِثْمِد المُرَوَّح عند النَّوم، وقال:«لِيَتَّقِه الصَّائمُ» رواه أبو داود والبخاري في «تاريخه» من حديث عبد الرَّحمن بن النُّعمان بن معبد بن هوذة
(2)
عن أبيه عن جدِّه، قال ابنُ مَعِينٍ: حديثٌ منكَرٌ، وعبد الرَّحمن ضعيفٌ، وقال أبو حاتِمٍ: صدوقٌ، ووثَّقه ابنُ حِبَّان
(3)
.
واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: لا يُفطِر
(4)
؛ لأنَّها ليْستْ منفَذًا، فلم يُفطِر به، كما لَوْ دَهَنَ رأسَه.
وأجيب: بأنَّ العين منفَذٌ، لكنَّه ليس بمعتادٍ، وكالواصِل من الأنف.
(أَوْ دَاوَى المَأْمُومَةَ، أَوْ قَطَرَ فِي أُذُنِهِ مَا
(5)
يَصِلُ دِمَاغَهُ)؛ لأِنَّ الدِّماغ أحدُ الجَوفَين، فالواصِلُ إليه يغذِّيه، فأفسد الصَّومَ كالآخَر.
(أَوْ أَدْخَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْئًا مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ)، وهو من عَطْفِ العامِّ علَى الخاصِّ، وهو شامِلٌ إذا طَعَن نفسَه، أوْ طَعَنَه غَيرُه بإِذْنِه بشَيءٍ في جَوفِه، فغاب هو أو بعضُه فيه، أو ابْتَلَع خَيطًا، ويُعتبَر العلمُ بالواصل، وجزم في «منتهى الغاية»: بأنَّه يكفي الظَّنُّ.
واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: لا يُفطِر بمداواة جائفةٍ ومأمومة، ولا بحقنة
(6)
.
(أَوِ اسْتَقَاءَ)؛ أي: اسْتدْعَى القَيءَ فَقَاء؛ لخبَر أبِي هُرَيرةَ المرفوعِ: «مَنْ
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 129، مسائل عبد الله ص 187.
(2)
في (أ): سعيد بن هوزة. والمثبت موافق لما في الأصول الحديثية.
(3)
أخرجه أحمد (16072)، والبخاري في التاريخ الكبير (7/ 398)، وأبو داود (2377)، والطبراني في الكبير (802)، وليس عند أحمد قوله:«وليتقه الصائم» ، وهو حديث منكر كما نقل المصنف عن ابن معين، وقال ابن عبد الهادي:(معبد وابنه النعمان كالمجهولين، فإنه لا يعرف لهما إلا هذا الحديث). ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 245.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 242.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): بما.
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 234.
ذَرَعه القَيءُ فليس عليه قضاءٌ، ومن استَقاء عَمْدًا فلْيَقْضِ» رواه الخمسةُ، وقال التِّرمذيُّ:(حسَنٌ غريبٌ)، ورواه الدَّارَقُطْنيُّ، وقال:(إسنادُه كلُّهم ثِقاتٌ)
(1)
.
وظاهرُه: لا فَرْق بين القليل والكثير، قال المؤلِّف: هو ظاهر المذهب، وذكر المجْدُ أنَّه أصحُّ الرِّوايات؛ كسائِر المُفَطِّرات.
وعنه: يُفْطِرُ بِمِلْءِ الفَمِ، اختاره ابنُ عَقِيلٍ، ويُقدَّر بما لا يمكنه الكلامُ معه.
وعنه: أو نصفه؛ كنقض الوضوء.
وعنه: إن فَحُشَ، وقاله القاضِي، وذكر ابن هُبَيرةَ: أنَّه الأشهر.
وبالغ ابنُ عَقِيلٍ فقال: إذا قاء بنظره إلى ما يُغْثِيه
(2)
فإنَّه يُفطِر، كالنَّظر والفِكْر.
وفيه احتمالٌ: لا يُفْطِرُ مطلقًا، وذَكَرَه البخاريُّ عن أبِي هُرَيرةَ
(3)
، ويُروَى عن ابن مسعودٍ وابن عبَّاسٍ
(4)
، وخَبَرُ أبِي هريرة السَّابقُ ضعَّفه أحمدُ والبُخاريُّ.
(1)
أخرجه أحمد (10463)، وأبو داود (2380)، والترمذي (720)، والنسائي في الكبرى (3117)، وابن ماجه (1676)، والدارقطني (2273)، وابن حبان (3518)، والحاكم (1557)، من طريق هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة به مرفوعًا، وأعلَّه أحمد والبخاري وجماعة من الحفاظ، قال أحمد:(ليس من ذا شيء)، ونقل الترمذي عن البخاري قوله:(لا أراه محفوظًا)، وقال الترمذي: (وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إسناده
…
والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة)، وصححه ابن حبان والحاكم، وحسنه المنذري وابن الملقن، وصححه الألباني. ينظر: البدر المنير 5/ 659، التلخيص الحبير 2/ 410، الإرواء 4/ 51.
(2)
في (أ): يغنيه. وفي (ب) و (ز): يغيبه، وفي (د): يغشيه.
(3)
أخرجه البخاري (3/ 33)، قال لي يحيى بن صالح، وذكر إسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:«إذا قاء فلا يفطر، إنما يخرج ولا يولج» ، قال الحافظ في الفتح 4/ 174 عن قوله:"وقال لي يحيى بن صالح": (عادة البخاري الإتيان بهذه الصيغة في الموقوفات إذا أسندها).
(4)
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (658)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (9237)، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود قال:«إنما الوضوء مما خرج، والصوم مما دخل، وليس مما خرج» ، رجاله ثقات، قال الحافظ في الفتح 4/ 175:(وإبراهيم لم يلق ابن مسعود، وإنما أخذ عن كبار أصحابه).
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (9319)، والبيهقي في الكبرى (567)، عن ابن عباس، في الحجامة للصائم، قال:«الفطر مما دخل وليس مما يخرج» ، إسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 33).
(أَوِ اسْتَمْنَى)؛ أي: اسْتدْعَى خروجَ المنِيِّ؛ لأِنَّه إذا فَسَد بالقُبْلة المقترِنةِ بالإنْزال؛ فلَأنْ يَفسُدَ به بطريق أولى، لكن لو اسْتَمْنَى بيده ولم يُنزِل؛ فقد أَتَى مُحرَّمًا، ولا يَفسُد به.
فأمَّا إن أنزل بغير
(1)
شهوةٍ فلا؛ كالبَول.
(أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ؛ فَأَمْنَى)؛ لما روى أبو داود عن عمر أنَّه قال: هَشِشْت فقبَّلت وأنا صائمٌ، فقلت: يا رسول الله إنِّي فعلت أمرًا عظيمًا، قبَّلْتُ وأنا صائمٌ، قال:«أرأيتَ لو تمضْمَضْتَ من إناءٍ وأنت صائمٌ» ، قلت: لا بأس به
(2)
، قال:«فَمَهْ؟!»
(3)
، فشبَّه القُبلةَ بالمضمضة من حيثُ إنَّها من مقدِّمات
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): لغير.
(2)
في (و): منه.
(3)
أخرجه أحمد (138)، وأبو داود (2385)، والنسائي في الكبرى (3036)، وابن خزيمة (1999)، وابن حبان (3544)، والحاكم (1572)، من طريق بكير بن عبد الله، عن عبد الملك بن سعيد، عن جابر بن عبد الله، عن عمر، وضعف هذا الحديث أحمد والنسائي، قال أحمد:(هذا ريح، ليس من هذا شيء)، وقال النسائي:(حديث منكر، وبُكير مأمون، وعبد الملك بن سعيد رواه عنه غير واحد، ولا ندري ممن هذا)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي، وحسنه ابن حجر، وقال ابن عبد الهادي:(وإنما ضعف الإمام أحمد هذا الحديث وأنكره النسائي مع أن رواته صادقون؛ لأن الثابت عن عمر خلافه)، ثم ذكر أن عمر بن الخطاب:«كان ينهى عن القبلة للصائم» ، وقال الألباني:(إسناده جيد على شرط مسلم). ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 236، موافقة الخبر 2/ 359، صحيح أبي داود 7/ 147.
الفِطْر، فإنَّ
(1)
المضمضة إذا كان معها نزولٌ أفْطَرَ، وإلاَّ فلا، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» ، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ غايته أنَّها قد تكون وسيلةً وذريعةً إلى الجماع.
وفيه احتمالٌ: لا يُفطِر، وقاله داودُ، وضعَّف الخبرَ السابق
(2)
، وقال: هو ريح
(3)
.
(أَوْ أَمْذَى)، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأِنَّه إنزال بمباشَرةٍ أشْبَهَ المنِيَّ.
واختار الآجُرِّيُّ وأبو محمَّدٍ الجَوزيُّ والشَّيخ تقيُّ الدِّين
(5)
: لا يُفطِر، قال فِي «الفروع»:(وهو أظْهَرُ؛ عَمَلاً بالأَصْل، وقياسُه على المنِيِّ لا يَصِحُّ؛ لظهور الفَرْق).
وقيل: يَبطُل بالمباشَرة دون الفرْج فقطْ.
وإن اسْتَمْنى فأمْنَى أو مذى
(6)
فكذلك على الخلاف.
وقوله: (فأمنى أو أمذى) راجِعٌ إلى الاِسْتِمْناء وما بعدَه.
وعُلِم منه: أنَّه لا فطر
(7)
بدون الإنزال؛ لقَول عائشةَ: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُقبِّل وهو صائمٌ، وكان أملككم لإربه» رواه البخاريُّ
(8)
، رُوِيَ بتحريك الرَّاء وسكونها، ومعناه: حاجة النَّفْس ووطرُها، وقيل: بالتَّسْكينِ: العُضْوُ، وبالتَّحْريك: الحاجةُ.
(1)
في (د) و (ز) و (و): لأنه.
(2)
أي: الإمام أحمد كما في المغني 3/ 127.
(3)
في (أ): تخريج.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 132، زاد المسافر 2/ 335.
(5)
ينظر: الاختيارات ص 160.
(6)
في (ب) و (د): فأمنى أو أمذى، وفي (و): فأمذى أو أمنى.
(7)
في (أ) و (ب): لا يفطر.
(8)
أخرجه البخاري (1927)، ومسلم (1106).
(أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ)؛ أي: منيًّا؛ لأنَّه إنزالٌ بفِعْلٍ يُلْتذُّ به، ويُمكِن التَّحرُّز منه، أشبه الإنزال باللَّمس. وقال الآجُرِّيُّ: لا يُفطِر؛ كالإنزال بالفكر.
فلو أنزل مَذْيًا؛ لم يُفطِر على المذهب؛ لأنَّه لا نَصَّ فيه، والقياس لا يصِحُّ.
وقيل: يُفطِر به، قال في «الفروع»:(وهو أقْيَسُ على المذهب؛ كاللَّمس)، وكلامُ المؤلِّف يَحتَمِله كالخِرَقِيِّ؛ لأنَّه خارِجٌ بسبب الشَّهوة كالمنِيِّ، ولأِنَّ الضَّعيف إذا تكرَّر قَوِيَ، كتَكْرار الضَّرْب بصغيرٍ في القود
(1)
.
لكن في «الكافِي» : وسواءٌ في هذا كلِّه إنزال المنِيِّ أو المذْي، إلاَّ في تَكْرار النَّظَر، فلا يُفطِر إلاَّ بإنزال المنِيِّ.
وظاهره: لا فطر
(2)
بعدم الإنزال بغير خلافٍ، ولا إذا لم يكرِّر النَّظَر؛ لعدم إمكان التَّحرُّز منه. وقيل: يُفْطِرُ. ونَصَّ أحمدُ: أنَّه يُفْطِرُ بالمنِيِّ لا المذْيِ
(3)
، ويُلْحَق به ما ذَكَرَه في «الإرشاد» احْتِمَالاً فيمن هاجَتْ شهوتُه فأمْنَى أو مذَّى
(4)
؛ أنَّه يُفْطِر.
فَرعٌ: يفطر بالموت، فيطعم من تركته في نذْرٍ وكفَّارةٍ. وبالرِّدَّة؛ لأنَّ الصَّومَ عبادةٌ مَحْضةٌ، فنافاها الكفر كالصَّلاة.
(أَوْ حَجَمَ أَوِ احْتَجَمَ) نَصَّ عليه
(5)
، وقاله الأصحابُ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أفطر الحاجِمُ والمحجومُ» رواه أحمدُ والتِّرمذيُّ من حديث رافعِ بنِ خَديجٍ، ورواه أحمدُ أيضًا من حديث ثَوبانَ، وشدَّاد بن أَوْسٍ، وعائشةَ،
(1)
في (أ): القول.
(2)
في (أ): لا يفطر.
(3)
ينظر: الفروع 5/ 11.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): أمذى.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 130، مسائل ابن منصور 3/ 1242، مسائل عبد الله ص 181.
وأسامةَ بن زَيْدٍ، وأبِي هريرة، ومعقِل بن سِنانٍ، وهو لأبِي داودَ من حديث ثوبان، ولابن ماجه من حديث شدَّادٍ وأبِي هُرَيرةَ، وهذا يزيدُ على رتبة المستفيض، قال ابن خزيمة:(تَثبُت الأخبار عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بذلك)، وقال أحمد:(فيه غير حديثٍ ثابتٍ، وأصحُّها حديث رافعٍ)، وقال ابن المَدِينِيِّ:(أصحُّ شَيءٍ في هذا الباب حديثُ ثوبانَ وشدَّادٍ)، وصحَّحهما أحمدُ والبخاريُّ
(1)
.
(1)
حديث: «أفطر الحاجِمُ والمحجومُ» له طرق كثيرة عن الصحابة، ذكر المصنف منها سبعة:
حديث رافع بن خديج رضي الله عنه: أخرجه أحمد (15828)، والترمذي (774)، وابن خزيمة (1964)، قال الترمذي:(حسن صحيح، وذُكر عن أحمد بن حنبل أنه قال: أصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج)، وبعض الأئمة خالفَ أحمد في هذا الحكم، منهم: ابنُ معين والبخاريُّ وأبو حاتم وإسحاق بن منصور، قال ابن حجر:(لكن عارض أحمد يحيى بن معين في هذا فقال: حديث رافع أضعفها، وقال البخاري: هو غير محفوظ، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: هو عندي باطل، وقال الترمذي: سألت إسحاق بن منصور عنه: فأبى أن يحدثني به عن عبد الرزاق وقال: هو غلط). ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 250، الفتح 4/ 177.
حديث ثوبان رضي الله عنه: أخرجه أحمد (22371)، وأبو داود (2367)، وابن ماجه (1680)، وابن خزيمة (1962، 1963)، وصححه ابن المديني والبخاري، وقال إسحاق بن راهويه:(إن إسناده صحيح تقوم به الحجة)، وصححه أيضًا الدارمي وابن خزيمة وابن حبان وجماعة. ينظر: البدر المنير 5/ 671، التلخيص الحبير 2/ 416.
حديث شداد بن أوس رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (2369)، وابن ماجه (1681)، وصححه ابن المديني والبخاري، وقال العقيلي:(حديث شداد بن أوس صحيح في هذا الباب). ينظر: الضعفاء للعقيلي 4/ 356.
حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه أحمد (25242)، والنسائي (3178)، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وقال البخاري في التاريخ 2/ 179:(لا يصح)، ووقع اختلاف في سنده حكاه النسائي في الكبرى 3/ 333، والدارقطني في العلل 15/ 115.
حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه: أخرجه أحمد (21826)، والنسائي في الكبرى (3153)، والبيهقي في الكبرى (8277)، من طريق أشعث، عن الحسن، عن أسامة بن زيد، قال النسائي:(ولم يتابعه أحد علمناه على روايته).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه أحمد (8768)، والنسائي في الكبرى (3162)، وابن ماجه (1679)، من طرق عن أبي هريرة، ووقع اختلاف في سنده، وأعل أبو حاتم والدارقطني بعض طرقه بالوقف، قال العقيلي في الضعفاء 2/ 139:(حديث أبي هريرة في هذا الباب معلول، فيه اختلاف). ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 115، علل الدارقطني 10/ 171.
حديث معقل بن سنان رضي الله عنه: أخرجه أحمد (15901)، والنسائي في الكبرى (3155)، والطحاوي في معاني الآثار (3418)، من طريق عطاء بن السائب، عن الحسن، عن معقل بن سنان، وعلقه البخاري 3/ 33، قال:(يُروى عن الحسن عن غير واحد مرفوعًا: «أفطر الحاجم والمحجوم»)، ووقع في بعض طرقه عن معقل بن يسار، ورجَّح البخاري أنه معقل بن يسار، ولم يسمع الحسن من معقل بن يسار، قاله أبو حاتم. ينظر: الفتح 4/ 176، الدراية 1/ 286.
وهذه الأحاديث الثلاثة رويت من طريق الحسن عنهم، ووقع فيها اختلاف، قال ابن المديني في العلل (ص 56): (وروى الحسن عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم» ، ورواه يونس عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه قتادة عن الحسن عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عطاء بن السائب عن الحسن عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر أوجهًا أخرى، وذكر الاختلاف أيضًا الدارقطني في العلل 3/ 193.
وعنه: إن عَلِما النَّهيَ.
وقد كان جماعةٌ من الصَّحابة يَحْتَجِمون لَيْلاً
(1)
.
(1)
قال أحمد في مسائل أبي داود ص 131: (رُوي عن أنس أنه احتجم في السِّراج، وابن عمر احتجم بالليل، وأبو موسى -يعني الأشعري-، احتج بهذا في ترك الحجامة)، ولم نقف على أثر أنس رضي الله عنه.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه مالك (1/ 298)، ومن طريقه الشافعي في الأم (2/ 106)، عن نافع، عن عبد الله بن عمر:«أنه كان يحتجم وهو صائم» ، قال:«ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر» .
وأخرجه عبد الرزاق (7532)، وابن أبي شيبة (9320)، والبيهقي في الكبرى (8304)، عن نافع قال:«كان ابن عمر يحتجم وهو صائم، ثم تركه بعدُ، فكان يصنع المحاجم، فإذا غابت الشمس أمره أن يشرط» ، قال: فلا أدري أكرهه أم شيء بلغه. إسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 33).
وأثر أبي موسى رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (9307)، والنسائي في الكبرى (3201)، من طريق حميد، عن بكر المزني، عن أبي العالية، قال: دخلت على أبي موسى وهو أمير البصرة ممسيًا، فوجدته يأكل تمرًا وكامخًا وقد احتجم، فقلت له: ألا تحتجم بنهار؟ فقال: «أتأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم» ، وأخرجه النسائي في الكبرى (3200، 3196)، من طريق قتادة ومطر الوراق، كلاهما عن بكر المزني، عن أبي رافع مكان أبي العالية، وذكره مثله. وإسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 33).
ورخَّص فيها أبو سعيدٍ الخدريُّ وابنُ مسعودٍ
(1)
، وقاله أكثرُ العلماء؛ لما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وهو صائمٌ» رواه البخاري
(2)
، ولأنَّه دمٌ خارجٌ من البَدَن أشْبَه الفَصْد.
وجوابُه: أنَّ أحْمدَ ضَعَّف روايةَ ابْنِ عباسٍ في روايةِ الأثْرَم؛ لأِنَّ الأنصاريَّ ذَهَبت كُتُبُه في فتنةٍ
(3)
، فكان يُحدِّثُ من كُتُبِ غلامه أبِي حَكِيمٍ.
ثمَّ لو صحَّ فيجوز أن يكون صَومُه تطوُّعًا، ويَحتَمِل أن يكون لعذْرٍ، ويَعضُدُه ما رَوَى أبو بَكْرٍ بإسناده عن ابْن عبَّاسٍ قال: «احتجم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من
(4)
(1)
أثر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (9322)، والنسائي في الكبرى (3225)، والطحاوي في معاني الآثار (3429)، وابن خزيمة (1980)، والبيهقي في الكبرى (8267)، من طرق عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«لا بأس بالحجامة للصائم» ، وإسناده صحيح، وقد اختلف على أبي المتوكل في رفعه ووقفه، ذكر الدارقطني الاختلاف عليه في العلل، ومال إلى تصويب الرفع والوقف، ورجَّح أبو حاتم والترمذي وابن القيم الموقوف. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 38، علل الترمذي ص 125، علل الدارقطني 11/ 346، تهذيب السنن 3/ 252.
وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (9317)، من طريق مسلم بن سعيد، قال: سئل ابن مسعود عن الحجامة للصائم، فقال:«لا بأس بها» ، ومسلم بن سعيد مجهول الحال، وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه عند عبد الرزاق (658)، والطبراني في الكبير (9237)، أنه قال:«إنما الوضوء مما خرج، والصوم مما دخل وليس مما خرج» .
(2)
أخرجه البخاري (1938). وينظر: التنقيح التحقيق 3/ 272، زاد المعاد 2/ 58، الفتح لابن حجر 4/ 177، الإرواء 4/ 75.
(3)
في (ب) و (ز): قبته. وينظر: الضعفاء للعقيلي 4/ 90.
(4)
في (أ): في.
شَيءٍ كان وَجَدَه»
(1)
، فهذه تُسقِطُ الاِسْتِدلال.
ولو سُلِّم التَّساوِي؛ فأحاديثنا أكثرُ، واعتضدت
(2)
بعَمَل الصَّحابة، ولو سُلِّم فحديثُهم فِعْلٌ، وتلك قولٌ، وهو مقدَّم؛ لعدَم عموم الفعل، واحْتِمَالِ أنَّه خاصٌّ به.
ونسْخُ حديثِهم أَولَى؛ لأنَّه موافِقٌ لحكم الأصْل، فنسخُه يَلزَم منه مخالَفة الأصل مرَّةً واحدةً، بخلاف نسخ حديثنا؛ لأِنَّه يلزم مخالَفة الأصل مرَّتَين.
وذكر الخِرَقيُّ: (احْتَجَم)، ولم يذكر:(حجم)، والمذهب: التَّسويةُ؛ للخبَر، ولعلَّ مرادَه: أنه يُفطِر الحاجِمُ إن مَصَّ القارُورةَ.
والحَجْم في السَّاق كالحجم في القَفا، نَصَّ عليه
(3)
.
وظاهِرُ كلامِ أحمدَ ومُعْظَمِ الأصْحابِ: لا فِطْرَ إن لم يَظْهَر دمٌ.
واختار ابنُ عَقِيلٍ وجمْعٌ: أنه يُفطِر.
ولو جَرَح نفسَه لا للتَّداوِي بَدَل الحِجامة؛ لم يُفطِرْ.
وظاهره: لا يُفطِر بالفصْد؛ لأنَّ القياسَ لا يقتضيه. والثَّانِي: بلَى، وصحَّحه الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(4)
، فعلَى هذا: في الشَّرط احْتِمَالان.
ولا فِطْرَ بغير ذلك، واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أنَّه يُفطِر إذا أخرج دمَه برُعافٍ وغيرِه
(5)
، وقاله الأَوْزاعِيُّ في الرُّعاف.
([عَامِدًا]
(6)
؛ أي: قاصِدًا للفِعْل؛ لأِنَّ مَنْ لم يَقْصِدْ فهو غافل غيرُ
(1)
أخرجه البخاري (5700)، بلفظ:«احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم، مِنْ وجع كان به، بماء يقال له: لحي جمل» .
(2)
في (د) و (و): فاعتضدت.
(3)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 579.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 256.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 257.
(6)
كذا في (ب) و (د) و (ز) و (و)، وفي النسخة التي بخط المؤلف و (أ):(عالمًا). والمثبت هو الموافق لما في المقنع وشروحه الأخرى.
مكلَّفٍ، وإلا يَلْزَم تكليفُ ما لا يطاق، (ذَاكِرًا)؛ أيْ: غيرَ ناسٍ (لِصَوْمِهِ؛ فَسَدَ صَوْمُهُ) في الصور
(1)
السَّابقة كلِّها، ويجب القضاء إن كان واجبًا.
(وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا
(2)
؛ لَمْ يَفْسُدْ) صَومُه، وأجزأه؛ لقوله عليه السلام: «عُفِيَ لِأُمَّتي عن
(3)
الخَطَأ والنِّسيان وما اسْتُكرِهوا عَلَيهِ»
(4)
، ولحديث أبِي هُريرةَ مرفوعًا:«مَنْ نَسِيَ وهو صائِمٌ فأَكَلَ أو شَرِب؛ فليُتمَّ صومَه، فإنَّما أطْعَمَه الله وسقاه» متَّفقٌ عليه
(5)
، وللدَّارَقُطْنيِّ معناه وزاد:«ولا قضاءَ»
(6)
، وللحاكِمِ، وقال علَى شَرْط مُسْلِمٍ:«مَنْ أَكَل في رَمَضان ناسيًا؛ فَلَا قَضاءَ عليه ولا كفَّارةَ»
(7)
.
وظاهِرُه: أنَّه لا فرق بين الوعيد والإلجاء، نَصَّ عليه
(8)
، كالناسي بل أَولَى، بدليل الإتْلاف، ويدخُل فيه النَّائم إذا فُعِل به شَيءٌ، بل هو كالنَّاسي؛ لعدَم قَصْدِه.
(1)
في (ز): الصورة.
(2)
في (د) و (ز) و (و): وإن فعله ناسيًا أو مكرهًا.
(3)
في (د) و (ز) و (و): عفي عن أمتي.
(4)
روي هذا الحديث من طرق عدة، سبق تخريجها 2/ 46 حاشية (5).
(5)
أخرجه البخاري (1933)، ومسلم (1155).
(6)
أخرجه الدارقطني في السنن (2244).
(7)
أخرجه الدارقطني (2243)، وابن خزيمة (1990)، والحاكم (1569)، والبيهقي في الكبرى (8074)، من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال البيهقي:(وهو مما تفرد به الأنصاري عن محمد بن عمرو، وكلهم ثقات)، وقال ابن عبد الهادي:(ومحمد بن عمرو: صدوق لكن تكلم فيه من قبل حفظه، والمشهور في هذا الحديث هذا اللفظ المخرج في الصحيح، وهذا مروي بالمعنى)، وصححه ابن حجر، وحسن إسناده الألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 232، بلوغ المرام (670)، الإرواء 4/ 87.
(8)
ينظر: الفروع 5/ 42.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحتَمِل عِنْدِي أنَّه يُفطِر بالوعيد؛ لأنَّه فعل دفْعًا للضَّرَر عن نفسه فيه كالمريض.
ولو أوجِر المغمَى عليه معالَجةً؛ لم يُفطِر. وقيل: بلَى؛ لرضاه به ظاهرًا، فكأنَّه قَصَدَه، وكالجاهِلِ بالتَّحريم، نَصَّ عليه في الحِجامة
(1)
، وكالجَهْل بالوقت، والنِّسيان يَكْثُر.
وفي «الهداية» و «التبصرة» : لا فِطْرَ؛ لِعدَم تعمده المفسِدَ كالنَّاسِي، وجَمَعَ بينهما في «الكافي»: بعدم التأثيم.
فَرعٌ: من أراد الفِطْرَ فيه
(2)
بأكل
(3)
أو شرب وهو ناسٍ أو جاهلٌ، فهل يجب إعلامُه؟ فيه وجهان، قال في «الفروع»:(ويتوجَّه ثالثٌ: إعلامُ جاهِلٍ لا ناسٍ)، وفيه شَيءٌ.
(وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ)؛ لم يُفطِر، خلافًا للحَسَن بن صالِحٍ، (أَوْ غُبَارٌ) من طريقٍ أو دقيقٍ أو دخانٍ؛ فكالنَّائم. وقيل: في حقِّ الماشِي. وقيل: في حق النَّخَّال والوقَّاد.
(أَوْ قَطَّرَ فِي إِحْلِيلِهِ) دُهْنًا، نَصَّ عليه
(4)
؛ لعدم المنفَذ، وإنَّمَا يَخرُج البَولُ
(5)
رشحًا
(6)
؛ كمداواة جرحٍ عميقٍ لم يَنفُذ إلى الجوف.
وقيل: بينهما منفذ؛ كمن وَضَع فِي فيه ماءً لم يُتحقَّق نزولُه في حَلْقه.
وقيل: يُفطِرُ إن وصل مثانته
(7)
، وهي العضو الذي يجتمع فيه البَوْل.
(1)
ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 372، الفروع 5/ 13.
(2)
قوله: (فيه) سقط من (ب) و (ز).
(3)
في (أ): فأكل.
(4)
من رواية أحمد بن الحسين. ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 318.
(5)
زاد في (أ): منه.
(6)
في (أ): سحًا.
(7)
في (أ) و (ب): مثانة.
(أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ)؛ لقوله عليه السلام: «عُفِيَ لأمتي
(1)
ما حدَّثت به أنفُسَها ما لم تَعْمَل أو تتكلم به»
(2)
، ولأِنَّه لا نَصَّ فيه ولا إجماعَ، وقياسه على تكرار النَّظَر لا يصِحُّ؛ لأِنَّه دونه فِي اسْتِدْعاء الشَّهوة، وإفضائه إلى الإنزال، وسواءٌ أنزل مَنِيًّا أو مَذْيًا.
واختار أبُو حَفْصٍ العُكْبَريُّ وابنُ عَقِيلٍ: أنَّه يَفسُد؛ لأنَّ الفِكْرةَ تُستَحْضَر، فتَدخُل تحت الاِخْتِيار، أمَّا لو خَطَر بقَلْبه صورةٌ
(3)
.
فِي مباشرته نهارًا لم يُفْطِر.
وظاهره: ولو وَطِئَ قُرْبَ الفجر، ويشبهه من اكْتَحَل إِذَنْ.
(أَوْ ذَرَعَهُ القَيْءُ)؛ للخَبَر
(4)
، ولخروجه بغير اخْتِيارٍ، أشْبَه المكرَه، ولو عاد إلَى جوفه بغير اخْتِياره.
ولو أعاده عمْدًا ولم يَمْلَأ الفمَ، أو قاءَ ما لا يُفْطِر به ثمَّ أعاده عمْدًا؛ أفْطَر، كبَلْعه بعد انْفِصاله عن الفَمِ.
(أَوْ أَصْبَحَ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ)؛ أي: رَمَاهُ؛ لعدَم إمْكان التَّحرُّز منه، ولا يَخْلو منه صائِمٌ غالبًا، فإنْ شَقَّ رمْيُه، فبلعِه مع ريقه بغَير قصْدٍ، أو جَرَى ريقُه ببقيَّة طعامٍ تعذَّر رميُه، أوْ بَلِع ريقَه عادةً؛ لم يُفطِر.
وإنْ أمْكَنَه لَفْظُه؛ بأن تَمَيَّزَ عن ريقِه فبَلعَه عَمْدًا؛ أفْطَر ولو دُون الحِمِّصَة.
(أَوِ اغْتَسَلَ)؛ لأنَّه عليه السلام «كان يُدْرِكه الفجْرُ وهو جُنُبٌ مِنْ أهْلِه، ثمَّ يَغتَسِل ويَصومُ» متَّفقٌ عليه من حديث عائِشةَ وأمِّ سَلَمةَ
(5)
، ولأِنَّ الله أباح الجِماعَ
(1)
في (ب) و (ز): عن أمتي.
(2)
أخرجه البخاري (5269)، ومسلم (127)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفيه سقط ظاهر، وتقديره:(خطر بقلبه صورةُ ذلك الفعل فأنزل؛ لم يفسد صومه كالإحتلام). ثم ذكر مسألة أخرى: (وإن احتلم أو أمنى من وطء ليلٍ، أو أمنى ليلاً من مباشرته نهارًا
…
). ينظر: الشرح الكبير 7/ 428، الفروع 5/ 15.
(4)
سبق تخريجه 3/ 523 حاشية (1).
(5)
أخرجه البخاري (1926)، ومسلم (1109).
وغيرَه إلى طلوع الفجر، فيَلزَم جَوازُ الإصباحِ جُنُبًا، احتجَّ به ربيعةُ والشَّافعيُّ
(1)
، ولكن يسن له أنْ يَغتَسل قَبْلَ الفجر، وعليه يحمل نَهْيُه عليه السلام
(2)
، أوْ أنَّه منسوخٌ، ولِهَذا لمَّا أُخبِر بقول عائشةَ وأمِّ سَلَمَةَ فقال
(3)
: «هما أعلمُ بذلك، إنَّما حدَّثَنِيهِ الفضلُ بن عبَّاسٍ» متَّفقٌ عليه
(4)
، قال سعيدُ بن المُسَيِّب: رَجَعَ أبو هُرَيرةَ عن فُتْياه.
فإن أخَّره يومًا صحَّ وأثِمَ.
والحائضُ كالجُنُب إذا انقطع دمُها ليلاً ونَوَتْه، ونقل صالِحٌ في الحائض: تؤخِّره بعد الفجر، قال: تقضي
(5)
، وهو قريبٌ من قول عُرْوةَ وطاوُس في الجُنُبِ.
فائدةٌ: لا يُكرَه للصَّائم أن يَغتسِل، قال المجْدُ: لأنَّ فيه إزالةَ الضَّجَر من العبادة، كالجلوس في الظِّلِّ البارد، وغوصه
(6)
في الماء؛ كصبِّه عليه، ونقل حنبلٌ: لا بأْسَ به إذا لم يَخَفْ أنْ يَدخُل الماء حَلْقَه أوْ مَسامِعَه
(7)
.
(أَوْ تَمَضْمَضَ، أَوِ اسْتَنْشَقَ) في الوضوء، (فَدَخَلَ المَاءُ حَلْقَهُ)؛ لأِنَّه واصِلٌ بغَير قصْدٍ، أشْبَه الذُّبابَ، فإن كان
(8)
لنجاسة؛ فكالوضوء، (لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ)؛ لما ذَكَرْنا.
(1)
ينظر: التمهيد 17/ 425.
(2)
أخرجه مسلم (1109)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«من أدركه الفجر جنبًا؛ فلا يصم» .
(3)
أي: أبو هريرة رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري (1926)، ومسلم (1109)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
كذا في الفروع 5/ 18، ولم نجدها في مسائل صالح، وفي زاد المسافر 2/ 337، عن صالح: قال الأوزاعي في امرأة طهرت من حيضها في شهر رمضان بسحر، فأخرت الغسل حتى طلع الفجر: تمسك عن الطعام يومها ذلك وتقضيه: (بئسما قال، ليس عليها قضاء).
(6)
في (أ): وعرصه.
(7)
ينظر: الفروع 5/ 20.
(8)
قوله: (كان) سقط من (ز).
(وَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ) فِي أحدهما، (أَوْ بَالَغَ فِيهِمَا) فدخَل الماءُ حلقَه؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «الكافي» و «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدُهما: لا يُفطِر، جَزَم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه واصِلٌ بغير اخْتِياره.
والثَّانِي: بلَى؛ لأِنَّه فَعَل مكروهًا تَعرَّض به إلى إِيصال الماء إلَى حلقه، أشْبَه الإنزال بالمباشَرة.
واخْتار المجْدُ: تبطُل بالمبالَغة؛ للنَّهي الخاص
(1)
، وعدم نُدْرة الوصول
(2)
فيها، بخِلاف المُجَاوَزَة، وأنَّه ظاهِرُ كلام أحمد
(3)
في المجاوزة: يُعجِبُني أن يُعِيدَ
(4)
.
فإنْ تَمَضْمَضَ أو اسْتَنشَق عبَثًا، أو لِحَرٍّ أو عَطَشٍ؛ كُرِه، نَصَّ عليه
(5)
، وفي الفطر به الخلافُ في الزَّائد على الثلاث.
وكذا إنْ غاص في الماء من
(6)
غَير غسْلٍ مشْروعٍ، أو أسْرف، أو كان عابِثًا؛ حكمُه حكمُ الدَّاخِل في الحَلْق من المبالَغة والمجاوَزَة.
وقال المجْدُ: إنْ فَعَلَه لغَرَضٍ صحيحٍ؛ فكالمضْمَضة المشروعةِ، وإنْ كان عبَثًا؛ فكمُجاوَزةٍ.
(وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الفَجْرِ)، ولم يتبيَّنْ له الحالُ؛ (فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ)؛ لِظاهِر الآية، ولأِنَّ الأصلَ بقاءُ اللَّيل، فيكون زمان الشَّكِّ منه، وله الأَكْلُ حتَّى يَتَيقَّنَ طلوعَ الفجر، نَصَّ عليه
(7)
.
(1)
وهو حديث لقيط بن صبرة: تقدم تخريجه 1/ 151 حاشية (2).
(2)
في (أ): الدخول.
(3)
قوله: (أحمد) سقط من (ز).
(4)
ينظر: الفروع 5/ 18.
(5)
ينظر: الفروع 5/ 19.
(6)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): في.
(7)
ينظر: المغني 3/ 147.
فلو أَكَل يَظُنُّ طلوعَ الفجر، فبان ليلاً، ولم يجدد نية صومه
(1)
الواجب؛ قضى
(2)
، جزم به بعضُهم.
(وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ)، ودامَ شكُّه، أوْ أَكَل يظن
(3)
بقاءَ النَّهار؛ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ)؛ لأِنَّ الأصلَ بقاءُ النَّهار، فإن بان ليلاً لم يَقْضِ.
وكذا إنْ أكَلَ يَظُنُّ الغروبَ، ثمَّ شكَّ بعد الأَكْل ولم يَتَبَيَّنْ؛ لأِنَّه لم يُوجَدْ يقين
(4)
أزال
(5)
الظَّنَّ الذي بنى عليه؛ كالصَّلاة.
(وَإِنْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا) أوْ ظانًّا (أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَارًا) في أوَّله أو آخره، كمَنْ يَعتقِد أنَّ الشَّمسَ غابَتْ ولم تَغِب، أوْ أنَّ الفجر لم يَطلُع وقد طَلَع؛ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ)، وفاقًا
(6)
؛ لأنَّ الله تعالَى أمر
(7)
بإتمام الصوم
(8)
، ولم يُتِمَّه، وقالَتْ أسْماءُ:«أفْطَرْنا علَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومِ غَيمٍ، ثمَّ طَلَعت الشَّمس» ، قيل لهشامِ بنِ عُرْوةَ -وهو راوِي الحديث-: أُمروا بالقضاء؟ قال: لا بُدَّ من قضاء، رواه أحمدُ والبخاريُّ
(9)
، ولأِنَّه جَهِل وقتَ الصَّوم؛ كالجهل بأوَّل رمضانَ.
وعنه: لا قَضاءَ علَى مَنْ جامَع جاهِلاً بالوقت، واختاره
(10)
الشَّيخُ تقيُّ
(1)
في (ب) و (و): صوم.
(2)
في (و): قضاء.
(3)
في (ز): فظن، وفي (و): ويظن.
(4)
في (و): تبين.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): إزالة.
(6)
في (أ): وقلنا.
ينظر: المبسوط 3/ 78، المعونة 1/ 472، المجموع 6/ 309، المغني 3/ 147.
(7)
في (أ): أمرنا.
(8)
في (د) و (و): الصيام.
(9)
أخرجه أحمد (26927)، والبخاري (1959).
(10)
في (أ) و (ب): واختار.
الدِّين، وقال: هو قياسُ أُصولِ أحمدَ وغَيرِه
(1)
، فيتوجَّه هنا مثلُه.
فَرعٌ: إذا أكل ناسيًا، وظنَّ أنَّه قد أفْطَرَ، فأَكَل عمْدًا؛ فيتوجَّه أنَّها مسألةُ الجاهِل بالحكم، فيه الخلاف السَّابق، فلو جامع بعده نِسْيانًا، واعتقد الفِطْرَ به؛ فكالناسي
(2)
والمخْطِئِ، إلاَّ أنْ يَعتَقِدَ وُجوبَ الإمساك، فيُكفِّر في الأشهر.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 263.
(2)
في (أ): وكالناسي.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا
(1)
جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي الفَرْجِ، قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُرًا
(2)
؛ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا)، وفِيهِ أُمُورٌ:
الأُولَى: أنَّ الجِماعَ فِي نهار رمضانَ بلا عُذْرٍ مُفْسِدٌ له؛ لقوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ
…
} [البَقَرَة: 187] الآية، فدَّلت أنَّ الصِّيامَ المأْمورَ بإتْمَامِه: تَرْكُ الوطْء والأَكْل، فإذا وُجِد فيه الجِمَاعُ لم يَتِمَّ، فيَكونُ باطِلاً.
والمكرَه كالمختار في ظاهِرِ المذْهَب.
وشَرْطُه: أنْ يكونَ بذَكَرٍ أصْلِيٍّ، في فرْجٍ أصلِيٍّ، قُبُلاً كان أوْ دُبُرًا، مِنْ ذَكَرٍ أوْ أنثى، حيٍّ أو ميِّتٍ، أَنزَل أو لا؛ لأِنَّه في مَظِنَّة الإِنزال، أوْ لأِنَّه باطِنٌ كالدُّبُر.
فلو أَوْلَج خُنْثَى مُشكِلٌ ذَكرَه في قُبُل خُنْثَى مُشْكِلٍ، أوْ قُبُلِ امْرأَةٍ، أوْ أَوْلَجَ رجلٌ ذكرَه في قُبُل خُنْثَى مشكل؛ لم يَفسُد صومُ واحِدٍ منهما إلاَّ أنْ يُنزِلَ؛ كالغُسْل.
وكذا إذا أنْزَلَ مَجْبوبٌ أوِ امْرَأَتانِ بِمُساحَقَةٍ.
الثَّانيةُ: أنَّه يَجِب عليه القضاءُ عن كلِّ يومٍ مثلُه في قول أكثر العلماء؛ لقوله عليه السلام للمُجامِع: «وصُمْ يومًا مكانَه» رواه أبُو داودَ والأثرم
(3)
، وكما لَوْ
(1)
في (أ): وإن.
(2)
قوله: (أو دبرًا) سقط من (أ).
(3)
أخرجه أبو داود (2393)، والطحاوي في مشكل الآثار (1516)، والدارقطني (2402)، من طريق هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وذكر ابن عبد البر أن هشام بن سعد خالف الحفاظ في هذه اللفظة، وقال:(وهشام بن سعد لا يحتج به في حديث ابن شهاب).
وأخرجه ابن ماجه (1671)، من طريق عبد الجبار بن عمر، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن ابن المسيب، وعبد الجبار ضعيف. وأخرجه البيهقي في الكبرى (8062)، من مرسل سعيد بن المسيب بذكر هذه اللفظة.
وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال ابن القيم:(قد طعن فيها غير واحد من الحفاظ)، ثم ذكر أن أصحاب الزهري الأثبات لم يذكروها، وأما المتابعات فقال عنها:(وهذا لا يفيد صحة هذه اللفظة، فإن هؤلاء إنما هم أربعة، وقد خالفهم من هو أوثق منهم، وأكثر عددًا، وهم أربعون نفسًا لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة، ولا ريب أن التعليل بدون هذا مؤثر في صحتها)، وقوَّى هذه الزيادة ابن حجر بمجموع طرقها، وقال:(وبمجموع هذه الطرق تَعرف أن لهذه الزيادة أصلاً). ينظر: التمهيد 7/ 168، تهذيب السنن لابن القيم 7/ 19، فتح الباري 4/ 172.
أفْسَدَه بالأكْلِ.
الثَّالِثةُ: عليه الكفارة؛ لحديث الأَعْرابِيِّ
(1)
.
وقال النَّخَعيُّ وغيرُه: لا كفَّارة عليه؛ لأِنَّها عبادةٌ لا تَجِبُ الكفارة بإفساد قضائها، فلم تَجِبْ بإفساد أدائها كالصَّلاة.
وجوابُه: بأنَّ الأداء يتعلَّق بزمَنٍ مخصوصٍ يتعيَّن به، والقضاء محلُّه
(2)
الذِّمَّةُ، والصَّلاة لا يَدخُل في جُبْرانها المالُ، بخلافه
(3)
هنا.
الرَّابعة: السَّاهِي كالعامِد في وجوب ذلك، نقله الجماعةُ
(4)
، وهو اخْتِيارُ أكْثرِ الأصحاب؛ لأنَّه عليه السلام لم يَسْتَفْصِل الأعرابِيَّ بَينَ أنْ يَكُونَ ساهِيًا أوْ
(1)
أخرجه البخاري (1936)، ومسلم (1111)، ولفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت، يا رسول الله، قال:«وما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال:«هل تجد ما تعتق رقبة؟» قال: لا، قال:«فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال: لا، قال:«فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا؟» قال: لا، قال: ثم جلس، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال:«تصدق بهذا» قال: على أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:«اذهب فأطعمه أهلك» .
(2)
في (أ): محل.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): بخلاف.
(4)
ينظر: مسائل صالح 2/ 290، مسائل أبي داود ص 132، زاد المسافر 2/ 334.
عامدًا، ولو اخْتَلَف الحكمُ لَاسْتفْصله، وبذلك استدلَّ أحمدُ، ولأِنَّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يَجُوزُ، والسُّؤالُ معادٌ في الجواب، كأنَّه قال: إذا واقعتَ
(1)
في صوم رمضانَ فكَفِّرْ، ولأِنَّه عبادةٌ يَحرُم الوطْء فيه، فاستوى عمدُه وسهوُه كالحجِّ.
(وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ)، اخْتاره ابنُ بَطَّة؛ للخبَر فِي العَفْو عن ذلك
(2)
، ولأِنَّ الكفَّارةَ لرَفْع الإثْم، وهِيَ مُنحطَّةٌ عَنْهُمَا.
وعنه: ولا يقضي، اختاره الآجُرِّيُّ، وأبو محمَّدٍ الجَوزيُّ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(3)
، وحكاه فِي شَرْح مسلمٍ قولَ جمهور العلماء
(4)
؛ كالأكْل.
تنبيهٌ: إذا جامَع يَعتقِدُه لَيلاً فبان نهارًا؛ فجزم
(5)
الأكْثَرُ بوجوب القضاء.
وعنه: عكْسُه، اختارها الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(6)
، وتأتي
(7)
روايةُ ابنِ القاسِم.
واختار الأصحاب: أنَّه يُكَفِّر، قال المجْدُ: وإنَّه قياسُ مَنْ أوْجَبَها علَى النَّاسِي وأَولَى.
والثَّانية: لا يُكَفِّر، وقالَها أكثرُ العلماء، وعليها: إنْ عَلِم فِي الجِمَاع أنَّه نهارٌ، ودام
(8)
عالِمًا بالتَّحريم؛ لزِمَتْه الكفَّارة، فلو جامع ليلاً، وطلع عليه الفجرُ وهو مجامِعٌ واستدام؛ فعليه القضاءُ والكفَّارةُ، وإن نَزَعَ في الحال مع
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وقعت.
(2)
لعل مراده حديث: «عُفِيَ لأُمتي عن الخطأ والنِّسيان وما استكرهوا عليه» ، وقد سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 226.
(4)
ينظر: شرح مسلم للنووي 7/ 225.
(5)
في (أ): فوجب.
(6)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 263.
(7)
زيد في (و): في.
(8)
قوله: (ودام) سقط من (و).
أوَّل طُلُوعه، فكذلك، اخْتارَهُ ابْنُ حامِدٍ والقاضِي؛ لأِنَّ النَّزْعَ جِماعٌ يُلتَذُّ به كالجِماع.
واخْتار أبو حَفْصٍ: عكسَه.
وقال ابْنُ أبِي موسى: يقضِي قولاً واحدًا، وفِي الكفَّارة خلافٌ.
(وَلَا يَلْزَمُ المَرْأَةَ كَفَّارَةٌ مَعَ الْعُذْرِ)؛ كالإكراه والنِّسيان؛ لأِنَّها مَعْذورةٌ، ولعموم ما سَبَقَ.
وذَكَر القاضِي وغيرُه: أنَّها إذا جَامَعَتْ ناسيةً؛ أنَّ حكمَها حكمُ الرَّجُل.
وعنه: أنَّها تكفِّر، وخرَّجها القاضِي من الحجِّ.
وعنه: ترجع بها علَى الزَّوْج؛ لأِنَّه المُلْجِئُ لَهَا إلَى ذلك.
وعُلِم منه: أنَّه يَفسد صومُها، ويجب عليها القضاءُ، قال في «الشَّرح»:(بغير خلافٍ نَعْلَمُه في المذهب؛ لأِنَّه نوعٌ من المُفْطِرات، فاسْتَوَى فيه الرَّجل والمرأةُ، كالأكْل)، نَصٌّ عنه
(1)
في المكرَهة
(2)
.
وعنه: لا.
وقيل: يَفسُد إنْ فَعَلَتْ، لا
(3)
المقهورةُ والنَّائمةُ.
وأفْسَدَ ابْنُ أبِي موسى صَومَ غيرِ النَّائمة؛ لحصول مقصود الوطْء لها.
قال في «الفروع» : ويَتخرَّج ألاَّ يَفسُد صومُها مع النِّسْيان وإن فَسَدَ صومُه، وكذا الجاهِلَةُ ونحوُها.
(وَهَلْ يَلْزَمُهَا مَعَ عَدَمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:
إحْداهُما: تلزمها الكفَّارةُ، اختارها أبو بكْرٍ، وقدَّمها في «الفروع» ، وهي أصح؛ لأِنَّها هَتَكَتْ صوم رمضانَ بالجِماع، فلَزِمَتْها الكفَّارةُ كالرَّجُل.
(1)
في (أ) و (د) و (و): عليه.
(2)
في (د): الكراهة. وينظر: زاد المسافر 2/ 335
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): إلا.
والثَّانية: لا، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الشَّارع لم يأمرها بها، وكفِطْرها بتغييب
(1)
بعض الحَشَفَة فقد
(2)
سبق جِماعَها المعتبَر.
وأجيب: بأنَّ في لفظ الدَّارَقُطْنيِّ: «هَلَكْتُ وأهْلَكْتُ»
(3)
، فيدلُّ علَى أنَّها كانتْ مكرَهةً، وبأنَّ ذلك البَعْضَ ليس له حُكْمُ الباطِن والجَوف.
وعنه: كفَّارةٌ واحدةٌ، خرَّجها أبو الخطَّاب من الحجِّ.
وضعَّفه جماعةٌ: بأنَّ الأَصْلَ عَدَمُ التَّداخُل، فلو كانت من أهل العتق وهو من أهل الإطعام، وقلنا بالتَّحمُّل؛ خُيِّر بينهما.
وقيل: يُطعِم عن نفسه، ويَبْقَى العِتْقُ في ذِمَّته حتَّى يَقْدِرَ عليه فيُعْتِقُ عنها.
فَرعٌ: إذا أكْرَهَها على الوطْء فيه؛ دَفَعَتْه بالأَسْهل فالأَسْهل، ولو أفْضَى إلَى نفسه؛ كالمارِّ بَينَ يَدَيِ المُصَلِّي، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ.
(وَعَنْهُ: كُلُّ أَمْرٍ غُلِبَ عَلَيْهِ الصَّائِمُ)؛ كما لو غَصَبَها نفسَها فجامَعَها، أو انْتَشَر ذَكَرُه وهو نائمٌ فاستدخلته؛ (فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ
(4)
، نقلها ابن
(5)
القاسم عنه
(6)
؛ لأنَّه لم يُوجَدْ منه فِعْلٌ، فلم يجبا
(7)
، كما لو صُبَّ فِي حَلْقه ماء، أوْ طار إلى حلقه ذبابٌ.
(وَ) قال المؤلِّف والأصحاب: (هَذَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ مَعَ
(1)
في (و): بتغيب.
(2)
في (أ): بعد، وفي (د) و (و): وقد.
(3)
أخرجه الدارقطني (2398)، والبيهقي في الكبرى (8063)، ونقل عن الحاكم أنه ضعفها، وقال البيهقي:(وقوله: «أهلكت»، ليس بمحفوظ)، قال ابن حجر:(وهي زيادة فيها مقال). ينظر: معرفة السنن 6/ 265، الفتح 4/ 170.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): ولا غيره.
(5)
في (د) و (و): أبو.
(6)
ينظر: الفروع 5/ 42.
(7)
في (ب) و (و): فلم يجب.
الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ)، قال ابنُ عَقِيلٍ في «مفرداته»: الصَّحيحُ فِي الأَكْل والوَطْء إذا غُلِبَ عليهما؛ لا يُفْسِدان، فأنا أُخَرِّج في الوَطْء روايةً من الأَكْل، وعكسه.
وقيل: يَقْضِي مَنْ فَعل، لا مَنْ فُعِل
(1)
به من نائِمٍ وغيرِه.
وقيل: لا قَضَاءَ مع النَّوم فقطْ؛ لعدَم حصول مقصوده.
(وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الْفَرْجِ)؛ كمَنْ وَطِئَ امرأتَه في فَخِذِها أو صُرَّتِها
(2)
عامدًا، وقيل: أوْ ناسيًا، اخْتَارَهُ الأكْثَرُ، (فَأَنْزَلَ)، وفي «الفروع»: فأمْنَى، وهِيَ أَوْلَى؛ فَسَدَ صَومُه؛ لأِنَّه إذا فَسَدَ باللَّمْس مع الإِنْزال، ففي المُجَامَعَةِ مَعَهُ بطريق الأَولَى.
وظاهره: أنَّه إذا لم يُنزِلْ لا يَفسُد؛ كاللَّمْس.
(أَوْ وَطِئَ بَهِيمَةً فِي الْفَرْجِ؛ أَفْطَرَ)؛ لأِنَّه وَطْءٌ في فرْجٍ، أشْبَهَ وطْءَ الآدَميَّة فِي فَرْجِها، ولم يُقيِّدْه بالإِنْزال؛ لإقامة المظِنَّة مَقامَ الحقيقة.
(وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ)، ذكرهما أبو الخطَّاب في وَطْء البهيمة، بناءً على الحَدِّ، وقال ابنُ شهابٍ: لا يَجِب بمجرَّد الإيلاج فيه غسلٌ، ولا فطرٌ، ولا كفَّارةٌ:
أحدهما: تجب، اخْتارَهُ الخِرَقِيُّ وأبو بكْرٍ والأكثرُ؛ كالوَطْء في الفرج. والفَرْقُ واضحٌ.
والنَّاسِي كالعامد، صرَّح به جماعةٌ، وفي «المغني» ، و «الشَّرح» ، و «الرَّوضة»: عامِدًا.
(1)
قوله: (لا من فُعل) سقط من في (أ).
(2)
هكذا في الأصل وفي بقية النسخ، ولم نقف على هذه العبارة في كتب الأصحاب وغيرهم، والذي في الممتع شرح المقنع لابن المنجى 2/ 31:(كمن وطئ امرأته في فخذها أو يدها أو نحو ذلك).
وظاهره: لا فرْق بين الميتة والحيَّة في الأشهر.
والثَّانِي: لا كفَّارة عليه، اخْتارَهُ صاحِبُ «النَّصيحة» ، و «المغْنِي» ، و «الشَّرح» ، و «الفروع» ؛ لأنَّه فِطْرٌ بغير جِماعٍ تامٍّ، أشْبَه القُبلةَ.
(وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ رَأَى الْهِلَالَ فِي لَيْلَتِهِ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ؛ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ)؛ لأِنَّه أفْطَرَ يومًا من رمضان بجِماعٍ، فلزِمَتْه، كما لو قُبِلتْ شهادتُه.
(وَإِنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ وَلَمْ يُكَفِّرْ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أَوْ كَفَّارَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: تُجزِئُه واحدةٌ، وهو ظاهر «الخِرَقِيِّ» ، واخْتارَهُ أبو بكْرٍ وابنُ أبِي موسى، كما لو كانا في يومٍ واحدٍ، وكالحُدود.
والثَّانِي: تُعَدَّدُ الكفَّارة بتعدُّد الأيَّام، اخْتارَهُ الأكْثَرُ، وهو المذهبُ، وحكاه ابن عبد البر عن أحمدَ
(1)
؛ لأنَّ كلَّ يومٍ عبادةٌ، وكَيَوْمَينِ مِنْ رمضانين
(2)
وكالحجَّتَين.
وظاهره
(3)
: أنَّه إذا كفَّر عن الأوَّل؛ كفَّر عن الثَّانِي، وذكره
(4)
ابنُ عبد البَرِّ إجْماعًا
(5)
.
قال المجْدُ: فعلى قولنا بالتَّداخُل؛ لَوْ كفَّر بالعتق في اليوم الأوَّل عنه، ثمَّ فِي اليوم
(6)
الثَّاني عنه، ثُمَّ استُحِقَّت الرَّقبةُ الأُولَى؛ يَلزَمْه بدَلُها، وأجْزَأَتْه الثَّانيةُ عنهما، ولو استُحِقَّت الثَّانيةُ وحدَها؛ لزمه بدلها، ولو استُحِقَّتا جميعًا؛ أجْزَأَهُ بدَلَهما رقبةٌ واحدةٌ؛ لأِنَّ محلَّ التَّداخُل وجود السَّبب الثَّانِي قَبْل أداء
(1)
ينظر: الاستذكار 3/ 318.
(2)
في (أ) و (ب): رمضان.
(3)
في (أ): وظاهر.
(4)
في (أ): ذكره.
(5)
ينظر: الاستذكار 3/ 318.
(6)
قوله: (اليوم) سقط من (د) و (و).
موجَب الأوَّل، ونيَّة التَّعيين لا تُعتبَر، فتلغو
(1)
وتصير
(2)
كنيَّةٍ مطلقةٍ، هذا قياس مذهبنا.
(وَإِنْ
(3)
جَامَعَ ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ جَامَعَ) في يَومه؛ (فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ ثَانِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ) فِي رواية حَنْبلٍ والميمونِيِّ
(4)
؛ لأنَّه وطءٌ محرَّمٌ، وقد تكرَّر، فتتكرر
(5)
هي كالحجِّ، بخلاف الوطْء ليلاً فإنَّه مباح.
لا يقال: الوَطْءُ الأوَّلُ تضمَّن هَتْكَ الصَّوم، وهو مؤثِّرٌ في
(6)
الإيجاب فلا يصحُّ القياسُ؛ لأنَّه ملغًى بمن
(7)
طَلَع عليه الفجرُ وهو مجامِعٌ، فاستدام؛ فإنَّها تَلزَمُه مع عدَمِ الهَتْك له.
وذكر الحُلْوانِيُّ روايةً: لا كفَّارةَ، وخرَّجه ابنُ عَقِيلٍ: من أنَّ الشَّهر عبادةٌ واحدةٌ.
وعُلِم منه: أنَّه إذا لم يُكفِّرْ عن الأوَّل؛ فإنَّه يَكْفيهِ واحدةٌ بغيرِ خلافٍ، قاله في «المغني» و «الشَّرح»
(8)
، وفي «الفروع»: علَى الأصحِّ.
فعلَى الأوَّل: تَعدَّد الواجبُ وتداخل مُوجَبهُ، ذكره صاحب «الفصول» وغيره، وعلى الثَّانِي: لم يجب
(9)
بغَير الوَطْء الأوَّل شَيءٌ.
(وَكَذَلِك كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ إِذَا جَامَعَ)؛ أي: كذا حكم كلَّ مُفطِرٍ يَلْزَمُهُ
(1)
في (أ): فيكفرا.
(2)
في (و): ويصير.
(3)
في (و): فإن.
(4)
ينظر: زاد المسافر 2/ 337.
(5)
في (و): فيتكرر.
(6)
في (أ): من.
(7)
في (أ): يُلْغِي من.
(8)
ينظر: المغني 3/ 144، الشرح الكبير 7/ 460.
(9)
في (أ): لا يجب.
الإمساكُ؛ كمَنْ لم يَعلَمْ برؤية الهلال إلاَّ بعد طلوع الفجر، أوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، أوْ أَكَل عامِدًا ثمَّ جامَع، فتجب
(1)
عليه الكفَّارة؛ لهتكه
(2)
حُرْمة الزَّمن به، ولأِنَّها تَجِبُ علَى المستديم للوطْء، ولا صَوم هناك، وكذا
(3)
هنا، فمراده بالتَّشْبيه: وجوب الكفَّارة، لا التَّكرار.
لكنْ نَصَّ أحمدُ في مسافِرٍ قدِم مُفْطِرًا، ثمَّ جامَعَ: لا كفَّارةَ عليه
(4)
، وحمله القاضِي وأبو الخطَّاب على رواية: لا يلزمه الإمساكُ، وحَمَلَه المجْدُ على ظاهره، وهو وجْهٌ؛ لضعف هذا الإمساك؛ لأِنَّه سنَّةٌ عِنْدَ أكثرِ العلماء.
وفي «تعليق القاضِي» وجْهٌ فيمن تَرَكَ النِّيَّةَ وجامَعَ: لا كفَّارةَ عليه،
وإن أكل ناسيًا
(5)
، واعْتَقَد الفِطْرَ به، ثمَّ جامَع؛ فكالنَّاسِي والمُخْطِئِ، إلاَّ أنْ يَعْتَقِدَ وجوبَ الإمساكِ؛ فيُكفِّرُ فِي الأَشْهَر.
(وَلَوْ جَامَعَ وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ مَرِضَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ سَافَرَ؛ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ)، نَصَّ عليه فيما إذا مَرِض
(6)
؛ لأِمْره عليه السلام الأعرابِيَّ بالكفَّارة، ولم يَسْأَلْه
(7)
ولأِنَّه أفْسَدَ صَومًا واجبًا من رمضان بجماعٍ تامٍّ، فاستقرَّت عليه الكفارة، كما لو لم يَطْرَأ العُذْرُ.
لا يُقال: تَبَيَّنَّا أنَّ الصَّومَ غَيرُ مُسْتَحَقٍّ عند الجماع؛ لأِنَّ الصَّادِقَ لو أخْبَرَه أنَّه سَيَمْرَضُ أوْ يَموتُ؛ لم يَجُزِ الفَطْرُ، والصَّومُ لا تَتَجَزَّأُ صِحَّتُه، بل لزومه،
(1)
في (و): فيجب.
(2)
في (أ): لهتك.
(3)
في (و): فكذا.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 46، والذي في مسائل ابن منصور 3/ 1220: عليه الكفارة، وأما عدمها فمن قول إسحاق لا أحمد.
(5)
قوله: (ناسيًا) سقط من (أ).
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1325.
(7)
سبق تخريجه 3/ 539 حاشية (1).
كصائمٍ صحَّ أو أقامَ.
وحكم المرأة كذلك إذا حاضت أو نُفِست. وفي «الانتصار» وجْهٌ: يَسقُطُ بهما؛ لِمَنْعِهِمَا الصِّحَّةَ.
ومثلُهما: موت، وكذا جُنونٌ إنْ مَنَعَ طَرَيَانُه الصِّحَّةَ.
(وَإِنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ
(1)
؛ فله
(2)
الفِطرُ بما شاء؛ لفِطره عليه السلام في الأخبار الصَّحيحة
(3)
، ولأِنَّ من له الأكلُ له الجماعُ؛ كمن لم يَنْوِ، (ثُمَّ إِذَا
(4)
جَامَعَ؛ لَا
(5)
كَفَّارَةَ عَلَيْهِ)، اختاره القاضِي، وأكثرُ أصحابه، والمؤلف؛ لأنَّه صَومٌ لا يَلزَمُ المُضِيُّ فيه، فلم يَجِبْ كالتطوع
(6)
، لكنْ ذَكَر المؤلِّف وغيرُه: أنَّه يُفْطِر بنيَّته الفطرَ، فيقع الجِماعُ بَعدَه.
(وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ)، جَزَم بها بعضُهم؛ لأِنَّه أفطر بجماعٍ، فلزمه؛ كالحاضِر.
وعنه: لا يَجوز له الفِطْرُ بالجماع؛ لأِنَّه لَا يَقوى على السَّفَر، وفِي الكَفَّارة روايتانِ، لكنْ له الجماعُ بعد فِطْره بغيره؛ لفطره
(7)
بسببٍ مباحٍ، ونقل مهنى
(8)
فِي المريض: يُفطِر بأكلٍ، فقلت: يجامع
(9)
؟ قال: لا أَدْرِي
(10)
.
(1)
في (ز): مسفره.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): له.
(3)
ومنها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه، حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، أخرجه البخاري (1944)، مسلم (1114).
(4)
قوله: (إذا) سقط من (ب) و (د) و (ز).
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): فَلَا.
(6)
في (أ): كالمتطوع.
(7)
في (و): كفطره.
(8)
قوله: (مهنى) سقط من (أ).
(9)
في (د) و (ز) و (و): بجماع.
(10)
ينظر: الفروع 4/ 443.
(وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ)؛ لأِنَّه لم يَرِدْ به نَصٌّ، وغيرُه لا يُساوِيه.
وحكَى في «الرِّعاية» قولاً في قضائه إذا أفْسَده؛ لأِنَّها عبادةٌ تَجِبُ الكفَّارةُ في أدائها، فوجب في قضائها كالحجِّ.
وجوابُه: بأنَّه جامَع في غَيرِ رمضان، فلم يَلزَمْهُ؛ كالكفارة، والقضاءُ يُفارِقُ الأداء؛ لأنَّه متعيِّنٌ بزمانٍ محترَمٍ، فالجماع فيه هتْكٌ له.
وقيل: تَجِب الكفَّارةُ على مَنْ أَكَلَ أوْ شَرِب عمْدًا؛ كالجماع.
وعنه: في المحْتَجِم إذا كان عالِمًا بالنَّهي؛ عليه الكفَّارة.
وهل هي كفَّارة وطءٍ أو مرضع
(1)
؟ فيه روايتان.
وفي القُبْلة وتَكْرار النَّظَر إذا أنْزَل روايةٌ: أنَّها تَجِبُ الكفَّارة، واختارها القاضِي في «تعليقه» .
وحُكْمُ الاِسْتمْناء كالقُبلة، قاله في «التَّلخيص» ، واللَّمس كالوَطْء دُونَ الفَرْج.
(والكَفَّارَةُ: عِتْقُ رَقَبَةٍ)، ويَأْتِي سلامتُها، وكونُها مُؤمنةً، (فَإِنْ
(2)
لَمْ يَجِدْ: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ: فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)، هذا هو المذهبُ؛ لمَا رَوَى أبُو هُرَيرةَ قال: جاءَ رجلٌ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: هَلَكْتُ يا رسول الله، قال:«ما أَهْلَكَكَ» ، قال: وقعتُ علَى امْرَأَتِي فِي رَمَضانَ، قال:«هل تَجِدُ ما تُعْتِقُ رقبة؟» قال: لَا، قال:«فهل تستطيعُ أنْ تَصومَ شهرَينِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قال: لَا، قال:«فَهَلْ تَجِدُ ما تُطعِم ستِّينَ مَسْكِينًا؟» قال: لَا، ثمَّ جلس، فأُتِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فيه تَمْرٌ، فقال:«تَصدَّقْ بهذا» ، فقال: على أفقرَ
(1)
في (و): موضع.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): فمن
منَّا؟، فَمَا بَينَ لابَتَيها أهلُ بَيتٍ أحوجُ إليه منَّا، فضَحِكَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حتَّى بَدَتْ أنيابُه، فقال:«اذْهَبْ فأطعمه أَهْلَك» متَّفقٌ عليه، ولفظه لمُسلمٍ
(1)
.
وهو ظاهرٌ في التَّرتيب، ولم يَأْمُرْه بالاِنتقال إِلاَّ عند العجز، وككفَّارة الظِّهار، لكِنْ لا يَحرُم هنا الوطْءُ قبل التَّكْفير، ولا فِي ليالِي صومِ الكَفَّارة، ذَكَرَه فِي «الرِّعاية» و «التلخيص» ؛ ككفَّارة القتل، وحرَّمه ابنُ الحَنْبَلِيِّ عقوبةً.
وإنْ قَدَر على العتق وهو في الصِّيام؛ لم يلزَمْه الانتقالُ عنه، نَصَّ عليه
(2)
.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) شَيئًا؛ (سَقَطَتْ) الكَفَّارة (عَنْهُ)، نَصَّ عليه
(3)
، وقالَهُ الأوْزاعِيُّ؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَأْمُر الأعرابِيَّ بها أخيرًا، ولم يَذكُرْ له بقاءَها فِي ذِمَّته كصدقة الفِطْر، زاد بعضُهم: بالمال، وقيل: والصوم.
(وَعَنْهُ: لَا تَسْقُطُ)، وهو قَولُ الثوري
(4)
والزُّهريِّ؛ لأِنَّه عليه السلام أَمَرَ بها الأعرابِيَّ لمَّا جاءه العَرَق بعد ما أخبره بعُسْرَته، ولأِنَّها واجبةٌ، فلم تسقط
(5)
بالعجز عنها؛ كسائر الكَفَّارات، قال في «الفروع»: ولعلَّ هذه الرِّوايةَ أظْهَرُ.
قال بعضُهم: فلو كفَّر عنه غيرُه بإِذْنه، وقيل: أَوْ دُونَها؛ فله أخْذُها علَى الأصحِّ.
وأطْلَق ابن أبِي مُوسَى: هل يجوز
(6)
له أكْلُها، أم كان خاصًّا بالأْعْرابِيِّ؟ على روايتَينِ، ويتوجَّه: أنَّه عليه السلام رَخَّص للأْعْرابِيِّ لحاجته، ولم تكُنْ كفارةً.
(1)
أخرجه البخاري (1936)، ومسلم (1111).
(2)
ينظر: الفروع 5/ 56.
(3)
ينظر: شرح العمدة 3/ 222.
(4)
في (ز): النووي.
(5)
في (و): فلم يسقط.
(6)
في (د): جوز.
وظاهِرُه: أنَّ كفَّارةَ الظِّهار، واليمين، وكفَّاراتِ الحجِّ؛ لا تسقط
(1)
بالعجز عنها، نَصَّ عليه
(2)
؛ لعموم الأدِلَّة، ولأنَّه القِياسُ، خُولِف في رمضان؛ للأخْبار.
وعنه: تَسْقُطُ؛ كرَمَضانَ.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّخْيِيرِ) بَينَ العتق والصِّيام والإِطْعامِ، (فَبِأَيِّهَا كَفَّرَ أَجْزَأَهُ)؛ لما في «الصَّحيحَين» من رواية مالكٍ، عن الزُّهريِّ، عن حُمَيد بن عبد الرَّحمن، عن أبِي هُرَيرةَ:«أنَّ رَجُلاً أفْطَر يومًا مِنْ رَمَضانَ، فأَمَرَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُكفِّر بعتق رقبةٍ، أوْ يَصومَ شهرَينِ، أوْ يُطْعِم ستِّين مِسْكِينًا» ، وفيهما من حديث ابن جُرَيجٍ، عن الزُّهريِّ نحوه
(3)
، وتابعهما أكْثَرُ من عَشَرةٍ، وفِطْرُه كان بجماعٍ، ولأِنَّها تَجِبُ بالمخالَفة، فكانتْ على التَّخْيير؛ ككفَّارة اليمين.
والأُولَى أَصَحُّ، فرواه مَعْمَرٌ ويونُسُ والأوزاعيُّ والليث وموسى بْنُ عُقبةَ وغيرُهم قريبٌ من ثلاثينَ رجُلاً
(4)
، رووه
(5)
عن الزُّهْريِّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «هَلْ تَجِد رقبةً تُعتِقُها؟» قال: لا، قال:«فهل تَستطيعُ أنْ تَصومَ شَهْرَينِ مُتَتَابِعَينِ؟» قال: لَا، قال:«فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ ستِّينَ مسكينًا؟» قال: لَا، وذكر
(6)
سائِرَه، وهذا لفظ الترتيب
(7)
، فالأخذ به أَوْلَى؛ لأِنَّها زيادةٌ،
(1)
في (و): لا يسقط.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 59.
(3)
أخرجه البخاري (1936)، ومسلم (1111)، واللفظ له، وذكر الدارقطني وابن القيم تبعًا له أن الرواة الذين ذكروا عدم التخيير في الكفارة، وأن الفطر كان بالجماع أكثر، وروايتهم أرجح. ينظر: سنن الدارقطني 3/ 202، حاشية ابن القيم على مختصر المنذري 7/ 17.
(4)
ذكر ذلك الدارقطني في السنن 3/ 202.
(5)
في (ب) و (د) و (و): فرووه.
(6)
في (أ): وذلك.
(7)
في (ب) و (د) و (و): للترتيب.
واحْتِمَالُ الغَلَطِ منهما أكْثرُ من احتماله من سائر أصحابه، مع أنَّ حديثَنا لفظُه عليه السلام، وحديثُهم لفظُ الرَّاوِي، فلعلَّه تَوَهَّمَ أنْ لا فرق بين اللَّفْظَينِ فرَوَاهُ بِ «أو» .
(بَابُ مَا يُكْرَهُ) لِلصَّائم فِعْلُه، (وَمَا يُسْتَحَبُّ، وَحُكْمِ القَضَاءِ)
(يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْتَلِعَهُ
(1)
؛ لأِنَّه اختُلف في الفِطْر به، وأقلُّ أحواله أن يكونَ مكروهًا.
وظاهِرُه: ولَوْ قَصْدًا، وبأنَّه إذا ابتلعه من غَيرِ جَمْعٍ: أنَّه لا يُكرَه بغير خلافٍ
(2)
؛ لأنَّه لا يُمكِن التَّحرُّز منه كغُبارِ الطَّريق.
(وَ) يُكرَه (أَنْ يَبْلَعَ
(3)
النُّخَامَةَ) إذا حصلتْ في فِيهِ؛ للاِخْتِلاف في الفطر بها.
(وَهَلْ
(4)
يُفْطِرُ بِهِمَا؟)؛ أي: بكلٍّ من الرِّيق المجْموعِ والنُّخامة؛ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أحدهما: لا يُفطِر بذلك، جزم به في «الوجيز» ، وهو الأصحُّ في الرِّيق؛ لأنَّه غيرُ واصِلٍ منْ خارِجٍ، أشْبَه إذا لم يَجْمَعْه.
والثَّانِي: يُفطِرُ؛ لأِنَّه يُمكِن التَّحرُّز منه؛ كغبار الدقيق
(5)
، فعليها: يَحرُم فِعلُه، كما لَوْ خَرَج إلى بين
(6)
أصابعه أو شفتيه
(7)
، وفي «منتهى الغاية»: ظاهِرِ شَفَتَيه، ثمَّ عاد فابْتَلَعَه، فإنه يُفطِر؛ كبَلْع رِيق غيرِه.
لا يقال: رَوَى أبُو داودَ عن عائشة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُقبِّلُها وهو صائِمٌ،
(1)
في (أ): فيبلعه.
(2)
ينظر: المجموع للنووي 6/ 318.
(3)
في (ب) و (و): يَبْتَلِعَ.
(4)
في (و): وقيل.
(5)
في (ب) و (و): الطريق.
(6)
قوله: (بين) سقط من (و).
(7)
في (د) و (و): شفته.
ويَمَصُّ [لسانها]
(1)
»؛ لضعْف إسناده، بل قال أبو داودَ:(ليس بصحيحٍ)
(2)
، ويجوز أن يكون مَصَّه فِي غَيرِ حالة الصَّوم، ولو سُلِّم؛ فيُحمَل علَى عدم ابتلاع ما عليه.
فلو أخْرج مِنْ فِيهِ حصاةً أوْ درهمًا أوْ خَيطًا، ثمَّ أعاده، فإن كَثُرَ ما عليه؛ أفْطَرَ، وإلاَّ فلا فِي الأصحِّ؛ لعدَمِ تحقُّق انفصاله ودخوله إلى حلقه؛ كالمضمضة، ولو أخْرَج لسانَه ثمَّ أعادَهُ؛ لم يُفطِر؛ لأِنَّ الرِّيق لم يَنفصِلْ عن محلِّه، واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ خلافَه.
(وَأَمَّا النُّخَامَةُ)؛ فكثيرٌ من أصحابنا أطْلَق الخلافَ، والمذهبُ: أنَّه يُفطِر بها سواءٌ كانت من جَوفه، أو صدْره، أو دماغه، إذا وَصَلَتْ إلَى فِيهِ، وصرَّح فِي «الفروع»: بالفِطْر بالتي من جَوفه؛ لأِنَّها مِنْ غَيرِ الفَمِ؛ كالقَيْءِ.
والثَّانية: لا يُفطِر، نقلها المَرُّوذِيُّ
(3)
؛ لاِعتيادها في الفم كالرِّيق.
وعليهما
(4)
ينبني التَّحريمُ.
فَرْعٌ: إذا تَنَجَّس فمُه بدَمٍ أوْ قَيْءٍ ونحوِه، فبَلِعَه؛ أفْطَر، نَصَّ عليه
(5)
، وإن
(1)
كذا في (ب)، وفي الأصل وبقية النسخ:(لسانه). والمثبت هو الموافق لما في المصادر الحديثية.
(2)
أخرجه أحمد (25966)، وأبو داود (2386)، وابن خزيمة (2003)، وفي سنده محمد بن دينار، وهو صدوق سيئ الحفظ، وشيخه سعد بن أوس صدوق له أغاليط، والحديث ضعفه أبو داود والزيلعي، وقال:(قال ابن عدي: «ويمص لسانها»، لا يقوله إلا محمد بن دينار، وقد ضعفه يحيى بن معين، وسعد بن أوس، قال ابن معين فيه أيضًا: بصري ضعيف، وقال عبد الحق في أحكامه: هذا حديث لا يصح)، وضعفه ابن حجر وغيره، وفي الصحيح وغيره عن عائشة:«أنه كان يقبل وهو صائم» وليس في شيء منها: «ويمص لسانها» . ينظر: نصب الراية 4/ 253، الفتح 4/ 153، ضعيف سنن أبي داود 2/ 270.
(3)
ينظر: زاد المسافر 2/ 332.
(4)
في (د) و (و): وعليها.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 130.
قلَّ؛ لإمكان التَّحرُّز منه، ولأِنَّ الفمَ فِي حُكمِ الظَّاهِر يقتضي
(1)
حصولَ الفِطْر بكلِّ واصِلٍ إليه، لكن عُفِيَ عن الرِّيق للمَشقَّة.
وإن بَصَقَه، وبقي فمُه نجسًا، فابْتَلَعَ ريقَه؛ فإن كان معه جُزْءٌ من النَّجَس؛ أفطر به
(2)
، وإلاَّ فلا.
(وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ)؛ لأِنَّه لا يَأمَنُ أن يَصِل إلَى حَلْقه فيفطره
(3)
.
وظاهِرُه: لا فرْقَ بَينَ أنْ يكونَ لحاجةٍ أوْ غيرِها، قال أحمدُ:(أُحِبُّ أنْ يَجتنِب ذَوقَ الطَّعام، فإنْ فَعلَ فلا بَأْسَ)، والمنصوصُ عنه: أنَّه لا بَأْسَ به لحاجةٍ ومصلحةٍ، وحَكَاهُ هو والبُخاريُّ عن ابْنِ عباس
(4)
.
(وَإِنْ
(5)
وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ؛ أَفْطَرَ)؛ لأِنَّ وجودَ طَعْمِه فِي حَلْقِه دليلٌ علَى وصول شَيءٍ من أجزائه، وعلَى المنصوص: عليه أن يَستقْصِيَ بالبَصْق
(6)
، ثمَّ إنْ وجَدَ طعمَه في حَلْقه؛ لم يُفْطِر؛ كالمضْمَضَةِ، وإلاَّ فيُفْطِرُ؛ لتَفْريطه.
(وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ) القَوِيِّ الذي كلَّما مضغه
(7)
صَلُب وقوي، (الذِي لَا
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): بمقتضى.
(2)
قوله: (به) سقط من (أ).
(3)
في (أ): فيفطر.
(4)
تنظر نصوص أحمد: زاد المسافر 2/ 328، شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 390.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (9278)، وابن الجعد (2406)، والبيهقي في الكبرى (8254)، عن ابن عباس قال:«لا بأس أن يتطاعم الصائم عن القدر» ، وفيه شريك النخعي وهو متكلم فيه، قال الألباني في الإرواء 4/ 86:(سند حسن في مثل هذا المتن)، وقد علقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 30)، وأخرجه ابن أبي شيبة (9277)، من طريق أخرى، وفيه جابر الجعفي، وهو متروك.
(5)
في (د) و (و): فإن.
(6)
ينظر: الفروع 5/ 21.
(7)
في (أ) و (ب): مضغته.
يَتَحَلَّلَ مِنْهُ أَجْزَاءٌ)، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأنه
(2)
يحلب الفَمَ
(3)
، ويَجْمَعُ الرِّيقَ، ويُورِث العَطشَ.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه احتِمالٌ؛ لأِنَّه رُوِي عن عائشةَ
(4)
، وعطاءٍ، وكوَضْع الحصاة فِي فِيهِ)، وهو أظْهَرُ، قال أحمد:(مَنْ وَضَعَ فِي فِيهِ دِرْهَمًا أوْ دِينارًا؛ لا بأْسَ به ما لم يَجِد طعمَه في حَلْقه، وإلاَّ فلا يُعجِبُنِي)
(5)
، وقال عبدُ الله: سألتُ أبِي عن الصَّائم يَفْتِلُ الخَيطَ
(6)
: يُعْجِبُنِي أنْ يَبْزُقَ
(7)
.
(وَلَا يَجُوزُ مَضْغُ مَا يَتَحَلَّلُ بِهِ أَجْزَاءٌ) مُطْلَقًا؛ إجْماعًا؛ لأِنَّه يكون قاصدًا
(8)
لإيصال شيء
(9)
من خارج إلى
(10)
جَوفه مع الصَّوم، وهو حَرَامٌ.
(إِلاَّ أَنْ لَا يَبْلَعَ
(11)
رِيقَهُ)، ذكره في «المغْنِي» و «الشّرح» ، وهو ظاهِرُ
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1224.
(2)
في (و): لا.
(3)
هذه عبارة الشافعي كما في مختصر المزني الملحق بالأم (8/ 154)، قال النووي في المجموع 6/ 353 نقلاً عن الحاوي بتصرف يسير:(رويت هذه اللفظة بالجيم وبالحاء، فمن قال بالجيم: فمعناه يجمع الريق فربما ابتلعه، وقد قيل معناه: يطيب الفم ويزيل الخلوف، ومن قاله بالحاء: فمعناه يمتص الريق ويجهد الصائم فيورث العطش).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (9181)، من طريق ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، قال:«كانت عائشة لا ترى بأسًا في مضغ العلك للصائم إلا القار، وكانت ترخص في القار وحده» ، وليث ضعيف الحديث، واختلف في سماع مجاهد من عائشة. ينظر: جامع التحصيل ص 273.
(5)
ينظر: المغني 3/ 125.
(6)
زاد في (أ) و (د) و (و): قال.
(7)
ينظر: الفروع 5/ 24.
(8)
في (أ): مأخذًا.
(9)
قوله: (شيء) سقط من (أ).
(10)
قوله: (إلى) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(11)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): لَا يَبْتَلِع.
«الوجيز» ؛ لأِنَّ المحرَّم إدخالُ ذلك إلى جَوفه، ولم يُوجَدْ.
(وَمَتَى وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ)؛ لأِنَّه أَوْصَلَه إلَى جَوفه، أشْبَه ما لَوْ تعمَّدَ أكلَه، وهذا وجْهٌ.
والثَّانِي: لا يُفطِر؛ لأِنَّه لم يَنزِل منه شيءٌ، ومجرَّد الطَّعم لا يُفطر؛ كمَنْ لَطَّخَ باطِنَ قدَمِه بحَنظَلٍ، بخلاف الكُحْلِ، فإنَّ أجزاءه تصِلُ إلَى الحَلْقِ.
وقيل في تحريم مَا لَا يَتَحَلَّلُ غالبًا، وفِطْرُه بوصوله أوْ طَعْمِه إلَى حَلْقه؛ وجْهان، وقيل: يُكرَه بلا حاجةٍ.
(وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ) لمَن تُحرِّكُ شَهْوتَه فقطْ؛ لقول عائشةَ: «كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُ وهو صائِمٌ، ويُباشِرُ وهو صائِمٌ، وكان أمْلَكَكُم لِإِرْبه» متَّفقٌ عليه، ولَفْظُه لمسلمٍ
(1)
، وإذا مُنِع الوطْءَ مُنِع دَوَاعِيَهُ؛ كالإحْرام.
وعنه: تَحرُمُ، جزَم به في «المستوعب» وغيره؛ كَمَا لو ظنَّ الإِنزالَ معها لِفَرْط شَهْوتِه، ذَكَرَهُ المجْدُ بغيرِ خلافٍ، واقْتَصَرَ عليه في «الشَّرح» أيضًا.
فإنْ خَرَج منه شَيءٌ؛ فقد سبق، وإنْ لَم يَخرُجْ منْهُ شَيءٌ؛ لَم يَفسُد صومُه إجْماعًا
(2)
.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَمَّنْ
(3)
لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ)؛ كالشَّيخ الكبيرِ؛ فإنَّه لا يُكرَه (عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)؛ لأنها
(4)
مباشَرَةٌ لغير
(5)
شَهْوةٍ، أشبهت لمسَ اليَدِ لِحَاجةٍ.
والثَّانِيَةُ: تُكرَه؛ لاِحْتِمَال حُدُوثِ الشَّهْوةِ، وكالإحرام.
(1)
أخرجه البخاري (1927)، ومسلم (1106).
(2)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 237.
(3)
في (و): مما.
(4)
في (و): لأنه.
(5)
في (ب) و (ز): كغير.
وألْحَقَ فِي «الكافِي» بالقُبلة: اللَّمْسَ وتَكْرارَ النَّظَر؛ لأِنَّهمَا فِي معناها.
وظاهِرُه: أنَّ لَمْسها لغَير شَهوةٍ لا يُكرَه؛ وِفاقًا
(1)
، كمَا إذا لَمَس يدَها ليَعرِف مَرَضَها ونحوِه، وكحالة
(2)
الإحرام؛ أشْبَه لَمْس ثوبِها.
فَرْعٌ: يُكرَه أن يَدَعَ بقيَّة طعامٍ بَينَ أسْنانِه، وشَمُّ ما لا يَأْمَن أن يَجذِبه نفَسُه إلَى حَلْقه؛ كسَحِيقِ مِسْكٍ وكافُورٍ ودُهْنٍ ونحوِه، قاله فِي «المستوعب» وغيره.
(وَيَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ الْكَذِبِ)، وهو الْإِخبارُ بمَا لا يُطابِقُ المخبَر عنه، بخلاف الصِّدْقِ، (وَالْغِيبَةِ)، وهو ذِكْر الإنسانِ بما يَكرَه، بهذا فسَّره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حديث أبِي هُرَيرةَ، رواهُ مسلمٌ
(3)
، (وَالشَّتْمِ)، وهو السَّبُّ وما فِي معنى ذلك من النَّميمة والفُحْش؛ إجْماعًا، وفِي رَمَضانَ ومَكانٍ فاضِلٍ آكَدُ؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ لَم يَدَعْ قولَ الزُّور والعَمَلَ به؛ فَلَيسَ لله حاجةٌ في
(4)
أنْ يَدَعَ طعامَه وشَرابَه» رواه البخاريُّ مِنْ حديث أبِي هُرَيرةَ
(5)
، ومعناه
(6)
: الزَّجْر والتَّحذير.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُفطِر بذلك، قال أحمدُ: لو كانت الغِيبةُ تُفْطرُ ما كان لنا صومٌ
(7)
، وذكره المؤلِّف إجْماعًا
(8)
.
وذَكَر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وجْهًا: يُفطِرُ بغِيبةٍ ونَمِيمةٍ ونحوِهما
(9)
، قال فِي «الفروع»:(فيَتوجَّه منه احتِمَالٌ: يُفطِر بكلِّ مُحرَّمٍ)، وقال أنسٌ: «إذا اغْتابَ
(1)
ينظر: المبسوط للسرخسي 3/ 58، المعونة 1/ 476، المجموع 6/ 355، المغني 3/ 128.
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): كحالة.
(3)
أخرجه مسلم (2589).
(4)
قوله: (في) سقط من (ب) و (ز) و (و).
(5)
أخرجه البخاري (1903).
(6)
في (أ): ومعنى.
(7)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 132.
(8)
ينظر: المغني 3/ 121.
(9)
ينظر: الفروع 5/ 28، الاختيارات ص 160.
الصَّائمُ أفْطَرَ»
(1)
، وعن إبْراهيمَ قال:(كانوا يقولون: الكَذِبُ يُفطِرُ الصَّائمَ)
(2)
، وعن الأَوْزاعِيِّ:(أنَّ مَنْ شاتَمَ؛ فَسَد صَومُه)
(3)
؛ لظاهِرِ النَّهْي.
وذَكَرَ بعضُ أصحابنا روايةً: يُفطِرُ بسماع الغِيبة.
وأسْقَطَ أبُو الفرَج ثوابَه بالغِيبة.
ومرادُ المؤلِّف بالاِجْتِناب: عمَّا يَحرُم من ذلك، فإنَّهم نَصُّوا على إباحة الكَذِبِ لغَرَضٍ صحيحٍ شرعيٍّ فِي مواضِعَ، وعلَى إباحة الغيبة
(4)
؛ كالتظلم، والاِسْتِفْتاء، والاستعانة
(5)
على تَغْيير مُنكَرٍ، والتَّحْذيرِ، والتَّعريف، والجَرْح.
وبالجملة: فيَنْبَغِي للصَّائم أنْ يتعاهَدَ صومَه مِنْ لسانه، ولا يُمَاريَ به؛ لأِنَّهم كانوا إذا صامُوا جَلَسُوا فِي المساجد، وقالوا: نحفَظُ صومَنا، ولا نَغْتابُ أحَدًا، ولا يعمل
(6)
عَمَلاً يَجرَح به صومَه، قاله
(7)
أحمدُ
(8)
.
ويسن له تِلاوَةُ القرآن، وكان مالكٌ يَتْرُكُ أصحابَ
(9)
الحديث فِي شهر رَمَضانَ، ويُقْبِلُ علَى تِلاوَة القُرْآن
(10)
، وكان الشَّافعي يَقرأُ سِتِّين خَتْمةً
(11)
.
(1)
أخرجه هناد في الزهد (2/ 573)، وفيه حماد البكاء، لم يروِ عنه سوى وكيع، قال ابن أبي حاتم لأبيه في العلل 3/ 154:(ما حاله؟ قال: شيخ)، ولعله يريد هنا أنه مُقلٌّ الحديث، ولم نقف على أحد ذكره غيره.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (8888).
(3)
ينظر: حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء 3/ 173.
(4)
قوله: (الغيبة) ضرب عليه في (ز).
(5)
في (ب) و (ز): والاستغاثة.
(6)
في (ب) و (و): ولا نعمل.
(7)
في (ب) و (د) و (و): قال.
(8)
ينظر: شرح عمدة الفقه لشيخ الإسلام 3/ 447.
(9)
قوله: (أصحاب) سقط من (أ).
(10)
ينظر: لطائف المعارف ص 171.
(11)
ينظر: حلية الأولياء 9/ 134.
والذِّكرُ، قال إبْراهيمُ:(تَسْبِيحةٌ فِي رمضانَ خيرٌ من ألْف تسبيحة فِيمَا سِواهُ)
(1)
.
والصَّدقةُ؛ للأخبار الواردة
(2)
فيها
(3)
.
(فَإِنْ شُتِمَ؛ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي صَائِمٌ)؛ لما في «الصحيح»
(4)
: «إذَا كان يَومُ صَومِ أحدِكم؛ فَلَا يَرفُثْ ولا يَصْخَبْ؛ فإنْ سابَّه أحدٌ أوْ قاتَلَه، فلْيَقُل: إنِّي صائمٍ» متَّفقٌ عليه مِنْ حديث أبِي هُرَيرةَ
(5)
.
وظاهِرُه: أنَّه يَجْهَر بذلك، واخْتارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(6)
؛ لأِنَّ القَولَ المطلَقَ باللِّسان.
وفِي «الرعاية» : يَقُولُه مع نفسه، ولا يُطْلِعُ النَّاسَ عليه؛ للرِّياء، واخْتارَهُ المجْدُ إن كان في غير
(7)
رمضانَ، وإلاَّ جَهَر به؛ للأمن من الرِّياء، وفيه زَجْرٌ عن مشاتمته
(8)
لأِجْل حُرْمة الوَقْت.
(1)
ينظر: الترغيب والترهيب لقوام السنة 2/ 365.
(2)
في (د) و (و): الوارد.
(3)
منها ما أخرجه البخاري (6)، ومسلم (2308)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان» ، وهذا لفظ مسلم.
(4)
زيد في (د) و (و): أنه.
(5)
أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151).
(6)
ينظر: الفروع 5/ 29.
(7)
قوله: (غير) سقط من (د) و (و).
(8)
في (أ) و (ب): مشاتمة.
(فَصْلٌ)
(وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ)؛ لما رَوَى سهلُ بن سَعْدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَزالُ النَّاسُ بخَيرٍ مَا عجَّلوا الفطر» متَّفقٌ عليه
(1)
، والمرادُ: إذا تُحُقِّق غروبُ الشَّمس إجْماعًا
(2)
.
والمذهبُ: أنَّ لَه الفِطْرَ بغَلَبة الظَّنِّ؛ لأِنَّهم أفطَروا فِي عَهْده عليه السلام ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمسُ
(3)
، ولأِنَّ ما عليه أمارة يدخله الاِجْتهادُ، ويُقبَل فيه
(4)
قولُ واحِدٍ كالقِبْلة، خِلافًا لصاحب «التلخيص» فلم يُجوِّزْه إلاَّ باليقين، بخلاف أوَّله.
وإذا غاب حاجب الشَّمْس الأَعْلَى أفْطَرَ حُكمًا، وإن لم يَطْعَم، وفِي الخبر ما يدُلُّ على أنَّه يُفطِر شَرعًا، فلا يُثابُ علَى الوِصال. ويَحتَمِل أنَّه يجوز له الفِطْرُ.
وهو قبل الصَّلاة أفضَلُ؛ لِفِعْله عليه السلام
(5)
.
(وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ)، ما لَم يَخشَ طُلوعَ الفجر الثَّانِي، قاله الأصْحابُ؛
(1)
أخرجه البخاري (1957)، ومسلم (1098).
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 200، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 230.
(3)
سبق تخريجه 3/ 635 حاشية (9).
(4)
في (أ): منه.
(5)
أخرجه أحمد (12676)، وأبو داود (2356)، والترمذي (696)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ولفظه:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات، فعلى تمرات، فإن لم تكن حَسَا حسوات من ماء» ، قال الترمذي:(حسن غريب)، وفي سنده جعفر بن سليمان الضبعي وهو صدوق، وقال ابن عدي:(تفرد به جعفر عن ثابت)، وصححه الدارقطني والحاكم والذهبي، وقال الألباني:(إسناده حسن صحيح). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 435، صحيح أبي داود 7/ 123.
لِأَخْبارٍ منها: ما رَوَى زيدُ بنُ ثابِتٍ قال: «تسحَّرْنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُمْنا إلَى الصَّلاة» ، قلت: كمْ كان بَيْنَهما؟ قال: «قدْرُ خَمْسِينَ آيةً» متَّفقٌ عليه
(1)
، ولأِنَّه أقْوَى علَى الصَّوم، وللتَّحفُّظِ مِنَ الخَطَأ، والخروج من الخلاف.
وظاهِرُه: أنَّه يستحب
(2)
ولو شكَّ في الفجر، ونقله أبو داود عن الإمام: أنَّه يَأكُل حتى يَستَيْقِنَ طلوعَه
(3)
، وجزم به ابن الجَوزيِّ، يؤيِّده ما قال الآجُرِّيُّ: لو قال لعالِمَيْن: ارقُبا الفَجْرَ، فقال أحدُهما: طلَع، وقال الآخر
(4)
: لا؛ أَكَل حتَّى يتَّفِقَا، وقاله جَمْعٌ من الصَّحابة وغيرهم
(5)
.
وتَحصُلُ الفضيلةُ بأكْلٍ أوْ شربٍ؛ لحديث أبِي سَعِيدٍ: «ولو أن يَجرَع
(1)
أخرجه البخاري (1921)، ومسلم (1097).
(2)
في (د) و (و): مستحب.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 134.
(4)
في (د) و (و): آخر.
(5)
ذكر في الفروع 5/ 30 أثر أبي بكر وابن عباس رضي الله عنهم ثم قال: (ولا يعرف لهما مخالف).
أثر أبي بكر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (9058)، عن عون بن عبد الله، قال: دخل رجلان على أبي بكر وهو يتسحر، فقال أحدهما: قد طلع الفجر، وقال الآخر: لم يطلع بعد، قال أبو بكر:«كُلْ، قد اختلفا» . مرسلٌ ورجاله ثقات، عون بن عبد الله هو ابن عتبة بن مسعود، قال المزي في التهذيب 22/ 454:(يقال: إن روايته عن الصحابة مرسلة).
وأخرج عبد الرزاق (7618)، عن أبي قلابة، أن أبا بكر كان يقول:«أجيفوا الباب لا يفجؤنا الصبح» ، وهو مرسل ورجاله ثقات أيضًا، وأحدهما يتقوى بالآخر.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (7367)، عن عطاء قال: قال ابن عباس: «أحل الله لك الشراب ما شككت حتى لا تشك» ، وإسناده صحيح.
وأخرج عبد الرزاق (7368)، وابن أبي شيبة (9057، 9067)، والبيهقي في الكبرى (8038)، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح قال: قال رجل لابن عباس: أرأيت إذا شككت في الفجر، وأنا أريد الصيام؟ قال:«كُلْ ما شككت حتى لا تشك» ، وإسناده صحيح.
وروي عن عمر وابنه رضي الله عنهما: أخرج ابن أبي شيبة (9066)، عن عمر رضي الله عنه معناه بإسناد ضعيف، وأخرج أيضًا (9060)، عن ابن عمر رضي الله عنهما معناه، بإسناد لا بأس به.
أحدُكم جُرْعةً من ماءٍ» رواه أحمدُ، وفيه ضعفٌ
(1)
.
وكَمَالُ فَضيلتِه بالأكل؛ لقوله عليه السلام: «بَيْننا وبَيْنَهم: أَكْلةُ السحر
(2)
» رواه مسلمٌ من حديث عَمْرِو بن العاص
(3)
.
وظاهر
(4)
ما سبق: أنَّه لا يَجِبُ إمساكُ جُزْءٍ من اللَّيل في أوله وآخِره، وهو ظاهِر كلامِ جماعةٍ، وذَكَر ابنُ الجَوزيِّ: أنَّه أصحُّ الوَجْهَينِ. وقطع آخرون بوجوبه؛ لأِنَّه ممَّا لا يَتِمُّ الواجِبُ إلاَّ به.
ولا يُستحبُّ تأخيرُ الجِمَاع وِفاقًا؛ لأِنَّه لا يتقوَّى به، بل يُكرَه مع الشَّكِّ، بخلاف الأكْل والشُّرْب، نَصَّ علَى ذلك
(5)
.
فائدةٌ: السّحور بفتح السِّين: ما يُؤْكَلُ في السحر
(6)
، وبالضم
(7)
: اسْمُ الفِعْل علَى الأشهر، وقيل: بالفتح. والمرادُ من
(8)
كلامه: الفعل، فيكون بالضم
(9)
على الأَصَحِّ.
(1)
أخرجه أحمد (11086)، من طريق أبي رفاعة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال المنذري:(إسناده قوي)، ورجاله ثقات عدا أبي رفاعة، ترجم له البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وقال الحافظ في التقريب:(مقبول)، وتابعه عطاء بن يسار، أخرجه أحمد (11396)، من طريق عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف، وله شاهد عند ابن حبان (3476)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بلفظ:«تسحروا ولو بجرعة من ماء» .
(2)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): السحور.
(3)
أخرجه مسلم (1096).
(4)
في (د) و (ز) و (و): وظاهره.
(5)
ينظر: الفروع 5/ 31.
(6)
في (و): السحور.
(7)
في (و): بالضم.
(8)
في (أ): في.
(9)
في (د) و (و): للضم.
(وَ) يُستحَبُّ (أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ
(1)
، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ فَعَلَى المَاءِ)؛ لمَا رَوَى سَلْمَانُ بنُ عامِرٍ مرفوعًا:«إِذَا أفْطَر أحدُكم؛ فلْيُفْطِرْ علَى تَمْرٍ؛ فإنْ لَم يَجِدْ؛ فعلَى ماءٍ، فإنَّه طَهورٌ» رواه أبو داودَ والترمذي
(2)
.
والمذهبُ: أنَّه يُقدَّم عليهِمَا الرُّطَبُ؛ لحديث أنَسٍ المرفوعِ، رواه الترمذي
(3)
، وقال: حسَنٌ غريبٌ
(4)
.
واعتَذَر عنه ابنُ المُنَجَّى، فقال: إنَّ الرُّطَبَ لا يُوجَدُ في بلاد الشَّام.
وفِي «الوجيز» : أنَّه مُخَيَّرٌ بينها
(5)
من غير تقديمٍ لبعضها
(6)
علَى بعضٍ.
(وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، اقْتَصَرَ عليه جماعةٌ، رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حديث أنَسٍ وابنِ عبَّاسٍ، وفِيهِمَا:«تَقَبَّلْ منَّا»
(7)
، وذَكَرَه أبو الخطَّاب، وهو أَوْلَى.
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): التمر.
(2)
أخرجه أحمد (16225)، وأبو داود (2355)، والترمذي (695)، وابن ماجه (1699)، وابن خزيمة (2067)، وابن حبان (3515)، من طريق حفصة بنت سيرين، عن الرباب، عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه به، قال الترمذي:(حسن صحيح)، والرباب هي بنت صليع، أم الرائح الضبية البصرية، لم يرو عنها إلا حفصة، وقال المزي:(استشهد بها البخاري)، وذكرها ابن حبان في الثقات، قال ابن حجر:(مقبولة)، وفي توجيه تصحيح الترمذي قال ابن الملقن:(ولعله علم حال الرباب بنت صليع فإنها مستورة، وقد ذكرها ابن حبان في ثقاته)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وضعفه الألباني. ينظر: البدر المنير 5/ 697، تهذيب الكمال 35/ 131، ضعيف سنن أبي داود 2/ 263.
(3)
قوله: (والمذهب أنه يقدم عليهما الرطب؛ لحديث أنس المرفوع، رواه الترمذي) سقط من (ب) و (ز).
(4)
سبق تخريجه 3/ 560 حاشية (5).
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): بينهما.
(6)
في (أ): لبعض.
(7)
حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في الأوسط (7549)، وفيه داود بن الزبرقان، وهو متروك. ولم نقف عليه في كتب الدارقطني.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الكبير (12720)، والدارقطني:(2280)، بلفظ:«اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، فتقبل منا إنك أنت السميع العليم» ، وفي إسناده عبد الملك بن هارون بن عنترة يرويه عن أبيه، وهو وأبوه ضعيفان، قاله الدارقطني وغيره.
وأخرج أبو داود (2358)، من طريق هشيم، عن حصين، عن معاذ بن زهرة أنه بلغه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت» ، قال ابن الملقن:(وهذا إسناد حسن لكنه مرسل؛ معاذ بن زهرة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الألباني: (معاذ هذا تابعي مجهول، وبالإرسال أعله الحافظ المنذري). ينظر: البدر المنير 5/ 710، ضعيف سنن أبي داود 2/ 264.
وذَكَر بعضُهم قولَ ابن عُمَرَ: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول إذا أَفْطَرَ: «ذَهَب الظَّمَأُ، وابْتلَّتِ العُروقُ، وثبت الأجْرُ إنْ شاء الله تعالَى» رواهُ أبو داودَ والدَّارَقُطْنِيُّ، وحسَّنَ إسنادَه، والحاكِمُ وقال:(على شرط البخاريِّ)
(1)
، والعمَلُ بهذا الخبر أَوْلَى.
ويَدْعو بِمَا أَحَبَّ لما رَوَى أبُو هُرَيرةَ: «ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دَعْوتُهم: الإمامُ العادِلُ، والصَّائِمُ حتى
(2)
يُفْطِرَ، ودَعْوةُ المظلومِ» رواه التِّرمذيُّ وحسَّنه، وابنُ ماجَهْ
(3)
، وله مِنْ حديث عبدِ الله بنِ عمرو: «وللصائم عِنْدَ فِطْرِهِ دعوة ما
(4)
تُرَدُّ»
(5)
.
(1)
أخرجه أبو داود (2357)، والنسائي في الكبرى (3315)، والدارقطني (2279)، والحاكم (1536)، وصححه على شرط الشيخين، وقال الدارقطني:(وإسناده حسن)، وحسنه الألباني أيضًا. ينظر: الإرواء 4/ 39.
(2)
في (د) و (ز): حين.
(3)
أخرجه أحمد (9743)، والترمذي (3598)، وابن ماجه (1752)، وابن حبان (7387)، قال الترمذي:(حديث حسن)، وفي سنده أبو مدلة مولى عائشة، قال ابن المديني:(لا يعرف اسمه، مجهول، لم يرو عنه غير أبي مجاهد)، قال الذهبي:(لا يكاد يعرف)، وقال ابن حجر:(مقبول)، وصححه ابن حبان وابن الملقن. ينظر: البدر المنير 5/ 152، ميزان الاعتدال 4/ 571، تهذيب التهذيب 12/ 227.
(4)
في (أ): لا.
(5)
أخرجه ابن ماجه (1753)، والبيهقي في الشعب (3621)، وفي سنده إسحاق بن عبيد الله المدني، قال ابن حجر في التهذيب 1/ 102:(عندي أن الذي أخرج له ابن ماجه هو إسحاق بن عبيد الله بن أبي المهاجر، وهو مقبول)، ونقل ابن علاَّن عن ابن حجر تحسينه، وضعفه الألباني. ينظر: الفتوحات الربانية 4/ 342، الإرواء 4/ 41.
(وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ)، وفاقًا
(1)
؛ لأِنَّ القَضاءَ يَحْكِي الأداءَ، وفيه خروجٌ من الخِلاف، وأنجز لِبَراءَةِ الذِّمَّة.
وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ أن يكون أفْطَرَ بسببٍ مُحرَّمٍ أوْ لَا.
ويَجِب العَزْمُ علَى الفعل في قول الجُمهور. وفِي «الفروع» : يتوجه الخلافُ كالصَّلاة.
(وَلَا يَجِبُ) في قول الأكْثَرِ، قال البخاري: قال ابنُ عبَّاسٍ: «لا بأس أنْ يُفرِّق؛ لقول الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}» [البَقَرَة: 184]
(2)
، وعن ابن عُمَرَ مرفوعًا: «قضاءُ
(3)
رمضان إِنْ شاء فرَّق، وإن شاء تَابَع»، رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، وقال: (لم يُسْنِدْهُ غير
(4)
سُفيانَ بن
(5)
بِشْرٍ)، قال المجْدُ: لا نَعلَمُ أحدًا طَعَنَ فيه، والزِّيادةُ من الثِّقة مَقْبولةٌ
(6)
، ولأِنَّه لا يَتعلَّق بزمانٍ معيَّنٍ، فلم يَجِبْ فيه التَّتَابُعُ؛ كالنَّذْر المطْلَق.
(1)
في (أ): مطلقًا. وينظر: بدائع الصنائع 2/ 76، إرشاد السالك 1/ 40، الحاوي 3/ 453، الكافي 1/ 162.
(2)
علقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 35)، ووصله عبد الرزاق (7665)، وابن أبي شيبة (9132)، والدارقطني (2320)، والبيهقي في الكبرى (8239)، وابن حجر في التغليق (3/ 186)، وإسناده صحيح.
(3)
في (ز): قضى.
(4)
قوله: (غير) سقط من (د) و (و).
(5)
في (د) و (و): عن.
(6)
أخرجه الدارقطني (2329)، وفيه سفيان بن بشر، قال ابن القطان:(والرجل غير معروف الحال)، قال ابن عبد الهادي:(ولم أر أحدًا ذكره بجرح ولا عدالة)، وضعف الحديث البيهقي والألباني. ينظر: التحقيق لابن الجوزي 2/ 92، بيان الوهم والإيهام 3/ 214، تنقيح التحقيق 3/ 305، الإرواء 4/ 94.
ويُسْتثْنَى منه: ما إذا لم يَبْقَ مِنْ شَعبانَ إلاَّ بقدره، فيَتَعَيَّنُ. ويقضي مَنْ فاته رمضانُ تامًّا أوْ ناقصًا، لعُذْرٍ أوْ غَيرِه عدَدَ أيَّامِه مطلقًا فِي اختيار الأكثر؛ كأعْداد الصَّلَواتِ.
وقال القاضِي: إنْ قَضَى شهْرًا هِلالِيًّا؛ أجزأه مطلقًا، وإلاَّ تمَّم ثلاثينَ يومًا، وهو ظاهر كلام أحمدَ
(1)
.
وردَّه فِي «المغني» : بأنَّ القَضاء يجب أن يكون بعدَّة ما فاته؛ كالمريض والمسافِر.
فعلَى الأوَّل: مَنْ صامَ مِنْ أوَّل شهر
(2)
كامِلٍ، أوْ من أثْناء شهْرٍ تسعةً وعِشْرين يومًا، وكان رمضانُ الفائِتُ ناقصًا؛ أجزأه، اعتبارًا بعدَد الأيَّام، وعلَى الثَّانِي: يَقْضِي يومًا؛ تكميلاً للشَّهر بالهلال، أو العدَد ثلاثينَ.
(1)
ينظر: الفروع 5/ 64.
(2)
زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): رمضان.
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانٍ آخَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ)؛ نَصَّ عليه
(1)
، واحْتجَّ بقَولِ عائِشةَ: «كان يكونُ علَيَّ الصَّومُ من رَمَضانَ، فَما
(2)
أَسْتطيعُ أنْ أقضيه
(3)
إلاَّ فِي شعبانَ لِمَكانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم» متَّفَقٌ عليه
(4)
، وكما لا تُؤَخَّرُ الصَّلاةُ الأولَى إلَى الثَّانية،
فلا يَجُوز التَّطوُّعُ قبلَه، ولا يصح
(5)
. وعنه: بلَى إنِ اتَّسَعَ الوقْتُ.
(فَإِنْ فَعَلَ)؛ أيْ: أخَّرَه بلا عُذْرٍ؛ حَرُم عليه؛ لأِنَّ مُقْتضاه وُجوبُ القَضاء علَى الفور؛ كالصَّلاة، خُولِف في المعذور
(6)
، فيبقَى ما عَداهُ علَى الأصل.
وحِينَئِذٍ: (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ) ما يُجْزِئُ فِي الكفَّارة، (لِكُلِّ يَوْمٍ)، رَواهُ سَعيدٌ بإسنادٍ جَيِّدٍ عن ابْنِ عبَّاسٍ
(7)
، والدَّارَقُطْنِيُّ بإِسْنادٍ صحيحٍ
(1)
ينظر: الفروع 5/ 64.
(2)
في (أ): فلا.
(3)
قوله: (كان يكون علي الصوم من رمضان فلا أستطيع أن أقضيه) في (ب) و (د) و (ز): ما كنت أقضي ما علي من رمضان، وهو سقط من (و).
(4)
قوله: (متفق عليه) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و). والحديث أخرجه البخاري (1950)، ومسلم (1146).
(5)
في (ز): ولا تصح.
(6)
في (و): العذر.
(7)
أخرجه ابن الجعد (235)، والبيهقي في الكبرى (8211)، عن ميمون بن مهران قال: سئل ابن عباس عن رجل دخل في رمضان، وعليه رمضان آخر لم يصمه، قال:«يصوم هذا الذي أدركه، ويصوم الذي عليه، ويطعم» ، زاد ابن الجعد:«لكل يوم مسكينًا نصف صاع» ، وإسناده صحيح. وأخرج عبد الرزاق (7628)، عن ميمون، عن ابن عباس نحوه، وإسناده صحيح.
عَنْ أبِي هُرَيرةَ، ورَواهُ مرفوعًا بإسنادٍ ضعيفٍ
(1)
.
قال فِي «الفروع» : ويتوجَّه احتِمَالٌ: لا يَلزَمه إطعامٌ؛ لِظاهِر قَولِه تعالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَة: 185]، وكَتأْخِير أداء رَمَضانَ عَنْ وَقْته عمْدًا.
وذَكَر الطَّحاوِيُّ عن ابن عمَرَ بإسناد فيه ضعف
(2)
: «أنَّه يُطعِمُ بِلَا قَضاءٍ»
(3)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (7620)، والدارقطني (2344)، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال:«من أدركه رمضان وهو مريض، ثم صح، فلم يقضه حتى أدركه رمضان آخر؛ صام الذي أدرك، ثم صام الأول، وأطعم عن كل يوم نصف صاع من قمح» ، قال الدارقطني:(إسناد صحيح موقوف).
وأخرجه عبد الرزاق (7621)، والدارقطني (2343)، والبيهقي في الخلافيات (3556)، عن عطاء، عن أبي هريرة نحوه، قال الدارقطني:(إسناد صحيح موقوف)، وأقره البيهقي. وأخرجه الدارقطني (2346)، والبيهقي في الكبرى (8213)، بإسناد آخر عن عطاء، وصححه الدارقطني.
وأخرجه الدارقطني مرفوعًا (2345)، وفي سنده إبراهيم بن نافع، وعمر بن موسى بن وجيه، قال الدارقطني:(إبراهيم بن نافع، وابن وجيه ضعيفان).
(2)
قوله: (فيه ضعف) هو في (أ): ضعيف.
(3)
أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (894)، وفي اختلاف العلماء (2/ 22)، من طريق عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر في رجل فرَّط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر، قال:«يصوم الذي أدركه، ويُطعم عن الأول كل يوم مُدًّا من بُرٍّ، ولا قضاء عليه» ، وعبد الله العُمري ضعيف، قال الطحاوي:(ولم نجد عن أحد سقوط قضاء الأول بالإطعام غير ابن عمر، وإنما تفرد به عبد الله بن عمر بهذه اللفظة عنه، أعني: أنه لا قضاء عليه، ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فقال فيه: «يصوم عن هذا ويطعم عن هذا لكل يوم مسكينًا»، ولم يذكر أنه لا قضاء عليه)، وأخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (895)، عن عبيد الله، عن نافع. وإسناده جيد.
ولم يتفرد العُمري بذلك كما يقول الطحاوي، فقد أخرج الدارقطني (2341)، بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول:«من أدركه رمضان ولم يكن صام رمضان الخالي؛ فليطعم مكان كل يوم مسكينًا؛ مدًّا من حنطة، ثم ليس عليه قضاء» ، إسناده صحيح. وصحح ابن حزم في المحلى 4/ 408 المروي عن ابن عمر في عدم القضاء.
وعلَى الأوَّل: يَجوزُ قَبْل القضاء، ومعَه، وبعدَه؛ لقَولِ ابْنِ عبَّاسٍ
(1)
، وقال المَجْدُ: الأفْضلُ عِنْدَنا: تَقْديمُه؛ مسارعةً إلَى الخَير، وتَخلُّصًا من آفات التَّأخير.
وإذا تكرَّر رَمَضانُ؛ لا يَلزَمه أكثرُ من فِدْيةٍ واحدةٍ؛ لأِنَّ كثرةَ التَّأخير لا يُزادُ بها الواجِبُ، كَمَا لو أخَّر الحجَّ الواجِبَ سنين، لم يَكُنْ عليه أكْثَرُ من فِعْلِه.
(وَإِنْ أَخَّرَهُ)؛ أي: القضاء (لِعُذْرٍ)، من مَرَضٍ أوْ سَفَرٍ أوْ عَجَزَ عنه؛ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، نَصَّ عليه
(2)
، وهو قَولُ أكْثَرِ العلَمَاء؛ لأِنَّه حَقٌّ لله تعالَى وجَبَ بالشَّرْع، فيسقط بموتِ مَنْ يَجِبُ عليه قبل إمْكانِ فِعْلِه إلَى غَيرِ بَدَلٍ؛ كالحَجِّ.
وفِي «التَّلْخيص» روايةٌ: يُطعَم عنه؛ كالشَّيخ الكبِير، وقالَهُ طاوُس وقَتادةُ، والفرْق: أنَّه يَجُوز ابْتِداء الوجوب عليه، بخلاف الميت.
وقال في «الانتصار» : يَحتَمِل أن يَجِبَ الصَّومُ عنه أو التكفير؛ كَمَنْ نَذَر صَومًا.
(وَإِنْ مَاتَ)؛ أي: إذا
(3)
أخَّر القضاءَ لعُذْرٍ، ثمَّ مات؛ كَمَنْ أخَّرَ القَضاءَ لِعُذْرٍ، وهو حيٌّ: أنَّه لا يَجِبُ عليه شَيءٌ، لكِنَّ الميتَ يَسقُطُ عنه القضاءُ والكفَّارةُ، والحيٌّ تسقط
(4)
عنه الكفَّارة دُونَ القضاء؛ لِإِمْكانه، فلو دام عُذْرُه بين الرَّمَضانَينِ، فلم يَقْضِ، ثم زال؛ صام الشَّهرَ الذي أدْرَكَه، ثُمَّ قَضَى ما فاته مِنْ غَيرِ إطْعَامٍ، نَصَّ عليه
(5)
.
(1)
تقدم تخريجه 3/ 567 حاشية (7)، ولفظه عند البيهقي في الكبرى (8211):«يصوم هذا، ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينًا، ويقضيه» .
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 129.
(3)
قوله: (إذا) سقط من (ب) و (ز).
(4)
في (و): يسقط.
(5)
ينظر: الفروع 5/ 65.
(وَإِنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانٌ آخَرُ؛ أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ)، قالَهُ أكْثَرُهُمْ، رواه التِّرمذيُّ عن ابْنِ عُمَرَ مرفوعًا بإسناد ضعيفٍ، والصَّحيحُ وقْفُه علَيهِ
(1)
، وسئلت عائشةُ عن القضاء فقالتْ:«لَا، بَلْ يُطعَم» ، رواه سعيدٌ بإسنادٍ جيِّدٍ
(2)
، ولأِنَّه لا تدخله
(3)
النِّيابةُ في الحياة، فكذا بعد المَوْت؛ كالصَّلاة.
(وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانٌ آخَرُ) فأكثر
(4)
؛ (فَهَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ، أَوِ اثْنَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما، وهو المذهبُ، نَصَّ عليه في روايةِ أبِي داودَ
(5)
، وجَزَم به في «الوجيز»: أنَّه يُطعَمُ عنه لكلِّ يومٍ مسكينٌ؛ لأنَّه بإخراج كفَّارةٍ واحدةٍ زال تَفْريطُه بالتَّأخير، أشْبَه ما لَوْ مات من غَيرِ تَفْريطٍ.
والثَّانِي، وهو لأِبِي الخَطَّاب: يُطْعَمُ عنه لكلِّ يومٍ فَقِيرانِ؛ لاِجْتِمَاع التَّأخير والموت بعد التَّفريط.
تنبيهٌ: الإطعامُ مِنْ رَأْس المال، أَوْصَى به أوْ لَا، وفِي القضاء عن كلِّ يومٍ يوم.
(1)
أخرجه الترمذي (718)، والبيهقي في الكبرى (8217) مرفوعًا، وأخرجه موقوفًا البيهقي (8216)، ورجح الأئمة وقفه، قال الترمذي:(حديث ابن عمر لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، والصحيح عن ابن عمر موقوف قوله)، وقال البيهقي:(الصحيح موقوف على ابن عمر)، وصححه موقوفًا ابن حجر أيضًا. ينظر: الفتح 4/ 190.
(2)
أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (935)، وفي مشكل الآثار (6/ 178، 179)، عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت لها: إن أمي توفيت وعليها رمضان، أيصلح أن أقضي عنها؟ فقالت:«لا، ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين، خير من صيامك عنها» ، وإسناده صحيح كما قال ابن التركماني في الجوهر النقي 4/ 257.
(3)
في (و): لا يدخله.
(4)
قوله: (فأكثر) سقط من (و).
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 34.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
: لا يَقْضِي مُتَعَمِّدٌ بِلَا عُذْرٍ صَومًا ولا صلاةً، وليس فِي الأدِلَّة ما يُخالِفُه. وفيه نَظَرٌ.
وإذا مَاتَ وعليه صَومُ شهرٍ كفَّارةً؛ أُطعِمَ عنه، وكذا لَوْ مات وعليه صَومُ المُتْعَةِ، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأنَّ هذا الصَّومَ وَجَبَ بِأصْل الشَّرع؛ كقضاء رَمَضانَ، فلو صام عن كفَّارةِ ميتٍ؛ لَم يُجزِئْه وإنْ أوْصَى به، نَصَّ عليه
(3)
.
وإن كان موتُه بَعْدَ قُدْرَتِه عليه، وقُلْنا: الاعتبار بحالة الوجوب؛ أُطعِم عنه ثلاثةُ مساكينَ، لكلِّ يومٍ مسكينٌ، ذَكَره القاضِي.
(وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، أَوْ حَجٌّ، أَوِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ)، هو راجِعٌ إلَى الكلِّ، ولو قال: بنذْرٍ ك «الوجيز» لكان أظْهَرَ؛ (فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ)، وفيه أمور:
الأُولَى: صَومُ النَّذْر عن الميت هو كقضاء رَمَضانَ؛ لما في «الصَّحيحينِ» : أنَّ امرأةً جاءت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إنَّ أمِّي ماتَتْ، وعليها صوم
(4)
نذْرٍ؛ أَفَأَصومُ عنها؟ قال: «نَعَمْ»
(5)
، ولأِنَّ النِّيابةَ تدخُل في العبادة بحسب خِفَّتها، وهو أخف حُكْمًا من الواجب بأصْل الشَّرع لِإِيجابِه من نفسه.
ويَفْعَلُه الولِيُّ، نَصَّ عليه
(6)
، وعليه الأصحاب، فإنْ صام غَيرُه؛ جاز مُطْلَقًا، جزم
(7)
به الأكْثَرُ؛ لأنَّه تبرُّعٌ، وقد شبَّهه عليه السلام بالدَّينِ.
وظاهر
(8)
نَصِّه في روايةِ حرْبٍ
(9)
: أنه لا يَصِحُّ إلاَّ بِإِذْنِه؛ لأِنَّه خِلافُ
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 225، الفروع 5/ 71.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 72.
(3)
ينظر: الفروع 5/ 71.
(4)
في (د) و (و): وعليه لصوم.
(5)
أخرجه البخاري (1953)، ومسلم (1148) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6)
ينظر: مسائل صالح 2/ 189، مسائل عبد الله ص 186.
(7)
في (أ): وجزم.
(8)
في (د) و (ز): فظاهر.
(9)
ينظر: الفروع 5/ 73.
القياس، فيُقْتَصَرُ علَى النَّصِّ.
وإنْ صامَ عنه جماعةٌ فِي يَومٍ؛ فَنَقَلَ أبُو طالِبٍ: يصوم
(1)
واحِدٌ
(2)
، فَمَنَعَ مِنْ الاِشْتِراك؛ كالحجَّة المنذورةِ.
وعن الحسن وطاوُسٍ: جوازُه، وهو أظْهَرُ، وكما لَوْ أوْصَى بثلاثِ حِجَجٍ؛ جاز صَرْفُها إلَى ثلاثةٍ فِي عام يَحُجُّون عنه، وجَزَمَ ابنُ عَقِيلٍ بِمَنْعِه؛ لأِنَّ نائبَه مثلُه.
وظاهِرُ كلامهم: أنَّه يُستحَبُّ للولِيِّ فِعْلُه لتفريغ ذِمَّته، وليس بواجبٍ؛ كالدَّين لا يَلْزَمُه إذا لم يُخلِّفْ تَرِكَةً، ويَفْعَلُه أقْرَبُ النَّاس إليه كابْنِه، فإن خلَّف تَرِكةً؛ فإنْ شاء صامَ، وإنْ شاء دَفَع إلَى مَنْ يصومُ عنه عن كلِّ يومٍ مسكينًا.
وذَكَرَ المؤلِّف: أنَّ صومَ النَّذْر لا إطْعامَ فيه بعْدَ الموت، بخلاف رَمَضانَ، ولا كفَّارةَ مع الصَّوم عنه أو الإطعام.
وهذا كُلُّه فِيمَنْ أمْكَنَه صومُ ما نذره فلم يَصُمْه، فلوْ أمْكَنَه صومُ بعضِه؛ قُضِي عنه ما أمْكَنَهُ صومُه فقطْ، ذكره
(3)
القاضِي وغيرُه؛ لأنَّ
(4)
رَمَضانَ يُعْتَبَرُ فيه إمكان
(5)
الأداء، والنَّذرُ يُحْمَلُ علَى أصْلِه فِي الفَرْض.
الثَّانية: إذا مات وعليه حجٌّ منذورٌ؛ فُعِل
(6)
عنه، نَصَّ عليه
(7)
؛ لما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ امرأة جاءت إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إنَّ أمِّي نذرت أن
(8)
تحجَّ،
(1)
في (و): بصوم.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 73.
(3)
في (و): وذكره.
(4)
في (و): لأنه.
(5)
في (و): لإمكان.
(6)
في (أ): فعله.
(7)
ينظر: مسائل عبد الله ص 123.
(8)
قوله: (أن) سقط من (أ).
فلم
(1)
تحُجَّ حتَّى ماتَتْ، أَفَأَحُجُّ عنها؟ قال:«نَعَم حُجِّي عنها» رواهُ البخاريُّ
(2)
، ولأِنَّه منذورٌ، فكان للولِيِّ فِعْلُه كالصوم
(3)
.
وعليه: لا يُعْتَبَر تَمَكُّنُه منه قَبْلَ موته؛ لظاهِر الخَبَرِ، وكنَذْر الصَّدقة والعتق. وقيل: يُعتبَر؛ كحجَّة الإسلام.
وهل لغيره فِعْلُه بإذنه أوْ مطلقًا؟ علَى الخِلافِ.
فَرعٌ: العمرة في ذلك كالحجِّ.
الثَّالثة: إذا مات وعليه اعتكافٌ منذورٌ؛ فُعِل
(4)
عنه، نَقَلَه الجماعةُ
(5)
؛ لقول سَعْد بن عبادةَ: إنَّ أمِّي ماتَتْ وعليها نذْرٌ لم تَقْضِه، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اقْضِه عَنْها» ، رواهُ أبو داودَ وغيرُه بإسنادٍ صحيحٍ من حديث ابنِ عبَّاسٍ، ومعناه متَّفقٌ عليه
(6)
، ورُوِيَ عنْ عائشةَ، وابن عمرَ، وابنِ عبَّاسٍ
(7)
، ولَم يُعرَفْ لهم مخالِفٌ فِي الصَّحابة، وكالصَّوم.
(1)
في (و): ولم.
(2)
أخرجه البخاري (1852).
(3)
في (و): للصوم.
(4)
في (ب) و (ز): فعله.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 138.
(6)
أخرجه أبو داود (3307)، وأخرج معناه البخاري (2761)، ومسلم (1638).
(7)
أثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن أبي شيبة (9695)، وسعيد بن منصور (424)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (6/ 277)، عن إبراهيم بن المهاجر، عن عامر بن مصعب:«أن عائشة اعتكفت عن أخيها بعد ما مات» ، فيه ضعف، إبراهيم بن مهاجر متكلم فيه، ضعفه ابن معين، وقال الدارقطني:(ضعفوه، تكلم فيه يحيى بن سعيد وغيره)، وعامر بن مصعب قال فيه الدارقطني:(ليس بالقوي)، وقال الذهبي في الكاشف:(أرسل عن عائشة)، ولم يرتضِ ذلك مغلطاي في إكمال التهذيب. ينظر: تهذيب التهذيب 1/ 167، الكاشف ص 526، إكمال تهذيب الكمال 7/ 151.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: علقه البخاري بصيغة الجزم (8/ 142)، فقال: أمر ابنُ عمر امرأةً جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء، فقال:«صلِّي عنها» ، ولم نقف على من وصله، وقد بيَّض له الحافظ في التغليق ولم يخرجه 5/ 203، وسكت عن تخريجه في الفتح 11/ 584، ولم نقف على قولٍ له في الاعتكاف المنذور.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (8032)، وسعيد بن منصور (423)، عن عبيد الله بن عبد الله، أنه سأل ابن عباس عن نذرٍ كان على أمه مِنْ اعتكافٍ وماتت، قال:«صُمْ عنها واعتكف عنها» ، فيه عبد الكريم بن أبي مخارق، ضعفه أحمد وابن معين وآخرون. وأخرجه ابن أبي شيبة (9694)، من طريق حماد بن سلمة، عن حجاج، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أن أمه نذرت أن تعتكف عشرة أيام، فماتت ولم تعتكف، فقال ابن عباس:«اعتكف عن أمك» ، كذا في نسخ المصنف:(حجاج عن عبيد الله)، وفي المحلى 6/ 277:(حماد بن سلمة عن عبيد الله)، بإسقاط حجاج، وفي الفتح لابن حجر 11/ 584 وتغليق التعليق 5/ 204:(حماد بن سلمة عن عون بن عبد الله)، وحجاج هو ابن أرطاة، ضعيف الحديث، مكثر من الإرسال والتدليس، ولا يُعرف له سماع من عبيد الله أو عون، وإن كان الصواب إسقاطه، فإن حماد بن سلمة لم يدركهما أيضًا.
وقد أخرج ابن أبي شيبة (12598)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:«إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه» ، وأخرج أيضًا (12597)، عن ميمون، عن ابن عباس رضي الله عنهما، سئل عن رجل مات وعليه نذر، فقال:«يُصام عنه النذر» ، وإسنادهما صحيح كما قال الحافظ في الفتح 11/ 584.
وقيل: لا تَصِحُّ فِيهِمَا، ذَكَرَه في «الرِّعاية» ، فيُخرج عنه: كفَّارةُ يمينٍ.
ويَحتَمِل أن يُطْعَمَ عنه لكلِّ يومٍ مسكينٌ، ولوْ لَم يُوصِ به، ولا يكون مِنْ ثُلُثِه.
وعلَى الأوَّل: إن لَم يُمْكِنْه فِعْلُه حتَّى مات؛ فالخِلافُ، كالصوم
(1)
، قيل
(2)
: يَقْضِي، وقيل: لَا.
(وَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ
(3)
صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا فِي «المحرَّر» و «المستوعب»:
(1)
قوله: (كالصوم) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(2)
في (أ): وقيل.
(3)
في (ب) و (ز): وإن كانت عليه.
إحداهما، ونقلها الجماعةُ
(1)
، وصحَّحها ابنُ المُنَجَّى، وقدَّمها فِي «الفروع»: أنَّها لا تُفْعَلُ عنه؛ لأِنَّها عبادةٌ بَدَنِيَّةٌ محضة، لا يخلفها
(2)
مالٌ، ولا يَجِبُ بإفساده.
والثَّانية، نَقَلَها حرْبٌ
(3)
، واخْتارَها الأكْثَرُ، وصحَّحها القاضِي، وجَزَمَ بها في «الوجيز»: أنَّها تُفْعَلُ عنه كالصَّوم، وعلَى هذا: تَصِحُّ وصيَّتُه بها.
وحَيثُ جاز فِعْلُ الصَّوم؛ فلا كفَّارةَ مع فِعْله؛ لظاهِر النُّصوص، وإلاَّ أخرج عنه كفَّارة يمينٍ؛ لِتَرْك النَّذْر.
قال المجْدُ: إن كان قد فرَّط، وإلاَّ ففيها الرِّوايتان فيمن نَذَر صَومَ شهرٍ بعَينه فلم يَصُمْه؛ لأنَّ فوات أيَّام الحياة فيمَا إذا أطْلَق؛ كفوات الوقت المعيَّن إذا عُيِّن.
فلو نَذَر الطَّواف؛ فقال في «الفروع» : ظاهِرُ كلامهم: أنَّه كالصَّلاة.
وظاهِرُه: أنَّ صلاة الفرض لا تُفْعَلُ، وذكره القاضِي عِياضٌ إجْماعًا: أنَّه لا يُصلَّى عنه فائتةٌ
(4)
.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2449.
(2)
في (د) و (و): لا يلحقها.
(3)
ينظر: الوقوف والترجل ص 84.
(4)
ينظر: إكمال المعلم 4/ 104.
(بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ)
وفيه فضْلٌ عظيمٌ، وفِي الحديث الصَّحيح:«كلُّ عملِ ابنِ آدَمَ له، الحسنةُ بعشْرِ أمثالِها إلَى سبعِمائةِ ضِعْفٍ، فيقول الله تعالَى: إلاَّ الصَّومَ، فإنَّه لِي، وأنا أجْزِي به»
(1)
، وهذه الإضافةُ للتَّشريف والتَّعظيم.
وأفضلُه صيامُ داودَ عليه السلام، كان يَصومُ يومًا ويُفْطِر يومًا، لأِمْره عليه السلام عبدَ الله بنَ عمْرٍو قال:«هو أفضلُ الصِّيام» ، قال: فإنِّي أُطِيقُ أفضل من ذلك، فقال:«لا أفضل مِنْ ذلِكَ» متَّفقٌ عليه
(2)
.
وشَرْطُه: أن لا يُضعِف البَدَنَ حتَّى يَعجِز عمَّا هو أفْضلُ؛ من القيام بحقوق الله تعالَى وحقوق عباده اللاَّزمة، فإنْ أضعف عَنْ شَيءٍ مِنْ ذلكَ؛ كان تركُه أفضلَ، ولهذا أشار الصَّادق فِي حقِّ داودَ عليهما السلام:«ولَا يَفِرُّ إذا لَاقَى»
(3)
، فمن حقِّ النَّفس: اللُّطْفُ بها حتَّى تُوصِل صاحبها إلَى المنزل.
(وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ) ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ، بغير خلافٍ نعلمه
(4)
، والأفْضلُ أنْ يَجْعَلَها (أَيَّامَ الْبِيضِ)، نَصَّ عليه
(5)
؛ لما رَوَى أبُو ذرٍّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له
(6)
: «إذا صُمْتَ من الشَّهْر ثلاثةَ أيَّامٍ؛ فصُمْ: ثَلاثَ عَشْرةَ، وأرْبَعَ عشْرةَ، وخَمْسَ عشْرةَ» رواه التِّرمذيُّ وحسَّنه
(7)
، سُمِّيت بِيضًا؛ لاِبْيِضاض لَيلِها كلِّه
(1)
أخرجه مسلم (1151)، بهذا اللفظ، ونحوه عند البخاري (5927).
(2)
أخرجه البخاري (1976)، ومسلم (1159).
(3)
كما في الرواية السابقة عند البخاري (1976)، ومسلم (1159).
(4)
ينظر: الشرح الكبير 7/ 516.
(5)
ينظر: زاد المسافر 2/ 347.
(6)
قوله: (له) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(7)
أخرجه أحمد (21437)، والترمذي (761)، والنسائي (2424)، وابن خزيمة (2128)، قال الترمذي:(حديث حسن)، وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه ابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 5/ 753، الإرواء 4/ 102.
بالقَمَر، وقيل: لأِنَّ الله تاب علَى آدم، وبيَّض فيها صحيفتَه
(1)
.
وحكَى الماوردي: الثَّانِيَ عشَرَ بدل الخامِسَ عشَر
(2)
.
وقيل: هي أوَّلُ الشَّهر، وعاشِرُه، وعِشْرُونَه.
ولم يتعرض
(3)
أصحابُنا باسْتِحْباب صيام السود، وهي: الثَّامِنُ والعِشْرون وتالياه، وصرح
(4)
المَاوَرْدِيُّ باسْتِحْبابه
(5)
.
(وَصَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ)، نَصَّ عليه
(6)
؛ لما رَوَى أُسامةُ بنُ زَيدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «هُمَا يَومانِ تُعْرَضُ الأعْمَالُ فيهما علَى رَبِّ العالَمينَ، وأُحِبُّ أنْ يُعرَضَ عَمَلِي وأنا صائِمٌ» رواه أحمدُ والنَّسائِيُّ
(7)
، وسُمِّيا به؛ لأنَّ الأوَّلَ: ثانِي الأسْبوع، والآخَرَ: خامِسُه.
(وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ)، كذا في النُّسخ بغيرِ تاءٍ، والمراد: الأيَّامُ؛ لأنَّ العرب تُغلِّبُ في التَّاريخ اللَّيالِيَ على الأيَّام؛ (كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ
(8)
كذا خرَّجَهُ مسلمٌ منْ حديث أبِي أيُّوبَ الأنصاريِّ مرفوعًا، من رواية سَعْدِ بن سعيدٍ، ضعَّفه أحمدُ، وقوَّاه آخَرُون، وقال ابنُ عُيَيْنةَ، -
(1)
قوله: (صحيفته) سقط من (و).
(2)
ينظر: الحاوي 3/ 396.
(3)
زيد في (و): صحيفته.
(4)
في (و): وصحح.
(5)
ينظر: أسنى المطالب 1/ 431.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 133، زاد المسافر 2/ 349.
(7)
أخرجه أحمد (21753)، والنسائي (2358)، وفي سنده ثابت بن قيس أبو الغص، قال أحمد:(ثقة)، وقال النسائي:(ليس به بأس)، وقال أبو داود:(ليس حديثه بذاك)، وقال ابن حجر:(صدوق يهم)، وحسن الحديث المنذري والألباني. ينظر: الإرواء 4/ 103.
(8)
في (د) و (ز) و (و): فكأنما صام الدهر كله.
وإليه مال أحمدُ-: إنَّه موقوفٌ، ورواه
(1)
أحمدُ من حديث جابِرٍ مرفوعًا، وكذا من حديث ثوبانَ، وفيه:«ستَّةُ أيَّامٍ بعْدَ الفِطْر»
(2)
، ولا شكَّ أنَّ الفَصْلَ حصل به، بخلاف يوم الشَّكِّ.
لا يقال: لا دلالة في الخَبَر على فضيلتها؛ لكونه شبَّه صِيامَها بصيام الدَّهر، وهو مكروهٌ؛ لأِنَّه إنَّمَا كُرِه صومُه لما فيه من الضَّعف والتَّشبُّه بالتبتل
(3)
، ولولا ذلك لكان من أعظم الطَّاعات؛ لاِسْتِغْراقِه الزَّمن بالعبادة، والمرادُ بالخبر: التَّشبيه في حصول العبادة به
(4)
على وجْهٍ لا مشقَّة فيه، كمَا في أيَّام البِيض.
(1)
في (د) و (و): رواه.
(2)
حديث أبي أيوب أخرجه أحمد (23533)، ومسلم (1164)، والترمذي (759)، من طريق سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب به، وسعد بن سعيد الأنصاري، ضعفه أحمد، وقال الترمذي:(تكلموا فيه من قبل حفظه)، وقال النسائي:(ليس بالقوي)، وقال ابن حجر:(صدوق سيئ الحفظ)، لكن تابعه صفون بن سليم -وهو ثقة- كما عند أبي داود (2433)، والدارمي (1795)، قال الترمذي:(حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح)، وصححه جماعة من الحفاظ، قال الجوزجاني:(هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم في الصحيح عن علي بن حجر)، وصححه ابن خزيمة وابن القيم والألباني وجماعة، وفي الجواب عن إخراج مسلم لسعد بن سعيد قال ابن القيم:(لكنَّ مسلمًا إنما احتج بحديثه؛ لأنه ظَهَرَ له أنه لم يخطئ فيه بقرائن ومتابعات، ولشواهد دَلَّتْهُ على ذلك)، وأجاب بتوسع عن أدلة من ضعفه. ينظر: الأباطيل والمناكير 2/ 115، تهذيب السنن 7/ 65، صحيح أبي داود 7/ 191، الإرواء 4/ 106.
وحديث جابر رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (14302)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2350)، والبيهقي في الكبرى (8432)، ومداره على عمرو بن جابر الحضرمي وهو ضعيف.
وحديث ثوبان رضي الله عنه: أخرجه أحمد (22412)، والنسائي في الكبرى (2873)، وابن ماجه (1715)، والبزار (4178)، وابن حبان (3635)، والبيهقي في الكبرى (8433)، وإسناده صحيح.
(3)
في (د) و (و): والتشبيه بالتبتيل.
(4)
قوله: (به) سقط من (أ).
وتحصُل فضيلتُها بالتَّتابُع والتفرق عند أحمدَ
(1)
، وظاهِرُ «الخِرَقِيِّ» وغَيرِه: استحباب تَتابُعِها، وبعضُهم استحبَّها عقِب العيد، واستحبهما
(2)
جماعةٌ، وهو أظهرُ، قاله في «الفروع» ، ولعلَّه مرادُ أحمدَ والأَصْحابِ؛ لما فيه من المسارَعة إلى الخَيرِ، ورَوَى الطَّبَرانِيُّ مِنْ حديث أبِي هُرَيرةَ مرفوعًا: «مَنْ صام ستَّةَ أيام
(3)
بعْدَ الفِطْر متتابعة؛ فكأنَّمَا صام السَّنةَ»
(4)
.
وفي «الفروع» احتمالٌ: أنَّ الفضيلةَ تَحصُل بصومها في غير
(5)
شوَّال، وذَكَرَهُ القرطبيُّ
(6)
، قال: لأنَّ فضيلتها كونُ الحسنة بعَشْر أمثالها، ويكون تقييدُه بشوَّال؛ لسهولة الصَّوم فيه لاِعْتِياده. وفيه نَظَرٌ.
وظاهره: أنه
(7)
لا يُستحَبُّ صيامُها إلاَّ لمَنْ صامَ رَمَضانَ، وقاله أحمدُ والأصحابُ، لكِنْ ذكر في «الفروع»:(أنَّ فضيلتها تَحصُل لِمنْ صامها وقَضَى رَمَضانَ وقد أفْطَرَه لعُذْرٍ، ولعلَّه مرادُ الأصحاب)، وفيه شَيءٌ.
(وِصِيَامُ يَوْمِ
(8)
عَاشُورَاءَ)؛ بالمدِّ في الأَشْهَر، وهو اسمٌ إسْلامِيٌّ لا يُعرَف فِي الجاهِليَّة، قالَهُ ابنُ دُرَيدٍ
(9)
، وهو اليوم العاشِر من المحرَّم فِي قَولِ أكْثَر
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 193.
(2)
في (د) و (ز) و (و): واستحبها.
(3)
قوله: (أيام) سقط من (د) و (و).
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط (7607)، قال الهيثمي في المجمع:(وفيه من لم أعرفه)، وقال الألباني:(منكر بهذا اللفظ). ينظر: مجمع الزوائد 3/ 184، السلسلة الضعيفة (5189).
(5)
في (أ): عشر.
(6)
ينظر: المفهم 3/ 238.
(7)
قوله: (أنه) سقط من (و).
(8)
قله: (يوم) سقط من (أ).
(9)
ينظر: جمهرة أهل اللغة 2/ 727.
العلمَاء، ورواه
(1)
الترمذي
(2)
مرفوعًا وصحَّحه
(3)
، وقال ابنُ عبَّاسٍ:«هو التَّاسِع»
(4)
، (كَفَّارَةُ سَنَةٍ) ماضيةٍ؛ للخبر
(5)
.
ويُستحَبُّ معه صومُ التَّاسع؛ لما رَوَى الخلال
(6)
بإسنادٍ جيِّدٍ عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «لَئِنْ بَقِيتُ إلى قابِلٍ لَأَصُومنَّ التَّاسِعَ والعاشِرَ» ، واحتجَّ به أحمدُ
(7)
، وقال: إنِ اشْتَبَه عليه أوَّلُ الشَّهْر صام ثلاثةَ أيَّامٍ؛ ليَتَيَقَّنَ صومَهمَا
(8)
.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُكرَه إفرادُ العاشِر بالصَّوم، وهو المذهبُ، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: مقتضى كلامِ أحمد: الكراهةُ
(9)
، وهِيَ قَولُ ابنِ عبَّاسٍ
(10)
.
(1)
في (د) و (و): رواه.
(2)
في (و): الزهري.
(3)
أخرجه الترمذي (755)، من طريق الحسن، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم عاشر» ، قال الترمذي:(حسن صحيح)، إلا أن الحسن لم يسمع من ابن عباس كما قال ذلك جمع من الأئمة، وأخرجه ابن أبي شيبة (9386) مرسلاً عن الحسن، وأخرجه عبد الرزاق (7841) موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما، وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه البزار (121)، وقال ابن حجر:(إسناده صحح). ينظر: السلسلة الضعيفة للألباني 8/ 311.
(4)
رواه مسلم (1133)، عن الحكم بن الأعرج، قال: انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء، فقال:«إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائمًا» ، قلت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قال: «نعم» .
(5)
وهو ما أخرجه مسلم (1162)، من حديث أبي قتادة مرفوعًا:«صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» .
(6)
في (و): الجلال.
(7)
لم نقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج مسلم (1134):«لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» ، وورد عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفًا:«خالفوا اليهود، وصوموا يوم التاسع والعاشر» ، وسيأتي تخريجه قريبًا.
(8)
ينظر: زاد المسافر 2/ 348.
(9)
ينظر: الاختيارات ص 164، الفروع 5/ 91.
(10)
أخرجه عبد الرزاق (7839)، والطبري في تهذيب الآثار -مسند عمر- (664)، والطحاوي في معاني الآثار (3302)، والبيهقي في الكبرى (8404)، عن عطاء، أنه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء:«خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر» ، وإسناده صحيح.
وأخرجه الشافعي في السنن المأثورة (337)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (8966)، عن عبيد الله بن أبي يزيد: سمعت ابن عباس، يقول:«صوموا التاسع والعاشر، ولا تتشبهوا باليهود» ، وإسناده صحيح.
ولم يَجِب صَومُه في قَول أصحابِنا. وعنه: وَجَبَ ثمَّ نُسِخ، اخْتارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
، ومالَ إليه المؤلِّف، وقاله الأُصولِيُّون.
فائِدةٌ: يَنْبَغِي فيه التَّوسِعةُ على العيال، سَأَلَ ابنُ منصورٍ أحمدَ عنه؛ قال: (نَعَمْ، رواهُ سُفْيانُ بنُ عُيَيْنةَ، عن جَعْفَرٍ الأحمرِ، عن إبراهيمَ بنِ محمَّدٍ بن المنتَشِر-وكان من أفضل أهل زمانه- أنَّه بَلَغَه:«أنَّ من وسَّع علَى عياله يومَ عاشُوراءَ؛ وسَّع الله عليه سائِر سنتِه»
(2)
، قال ابنُ عُيَيْنةَ: قد جرَّبنا منذُ خَمْسِينَ سنةً أوْ سِتِّين، فمَا رَأَيْنا إلاَّ خَيرًا)
(3)
.
(1)
ينظر: الاختيارات ص 164، الفروع 5/ 91.
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (10007)، والبيهقي في الكبرى (3513)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«من وسع على عياله يوم عاشوراء؛ لم يزل في سعة سائر سنته» ، ومال البيهقي إلى تقويته بما له من الطرق والشواهد فقال:(هذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة، فهي إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض أخذت قوة)، وأغلب الأئمة على ضعفه وعدم ثبوته، قال أحمد (لا يصح هذا الحديث)، قال العقيلي:(ولا يثبت في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء إلا شيء يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر مرسلاً به)، وقال ابن تيمية عن أثر ابن المنتشر:(وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله، والأشبه أن هذا وُضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة، فإن هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتمًا، فوَضع أولئك فيه آثارًا تقتضي التوسع فيه واتخاذه عيدًا، وكلاهما باطل)، وضعفه ابن الجوزي والألباني وغيرهم. ينظر: الضعفاء للعقيلي 3/ 252، اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 132، منهاج السنة 7/ 39، المنار المنيف ص 112، السلسلة الضعيفة (6824).
(3)
لم نجده في مسائل ابن منصور المطبوعة، وانظر: مسائل ابن هانئ 1/ 136، مسائل صالح 1/ 418.
(وَيَوْمِ عَرَفَةَ)، وهو التَّاسِعُ من ذي الحِجَّة، سُمِّيَ به؛ للوُقوف بعَرَفةَ، وتعارُفهم فيها، وقيل: لأِنَّ جبريل عرَّف إبراهيمَ الحجَّ، وقيل: للرؤيا التي رآها، وقيل: لتعارف آدَمَ وحَوَّاءَ بها، (كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ)؛ لما رَوَى أبو قَتادةَ مرفوعًا قال: «صيام
(1)
عَرفَةَ أَحْتَسِبُ علَى الله أنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ التِي قَبلَه والسَّنةَ التِي بَعدَه»، وقال فِي صيام عاشُوراء:«إنِّي أَحْتَسِبُ علَى الله أنْ يُكَفِّرَ السَّنةَ التِي قَبلَه» رواه مسلمٌ
(2)
.
ولعلَّ مضاعفتَه التَّكفيرَ علَى عاشُوراء؛ لأِنَّ نبيَّنا عليه السلام أُعْطِيَه، والمرادُ به: تكفيرُ الصَّغائِر، حكاه فِي «شَرح مسلمٍ» عن العلمَاء
(3)
، فإنْ لَم يَكُنْ له صغائر؛ رُجي
(4)
التَّخفيف من
(5)
الكبائر، فإن لم يكن
(6)
؛ رُفِعتْ له درجاتٌ
(7)
.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ) صومُه (لمَنْ كَانَ بِعَرَفَةَ)؛ لما رَوَتْ أمُّ الفضل: «أنَّها أَرْسَلَتْ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بقدَح لَبَنٍ وهو واقِفٌ علَى بعِيره، فشَرِبَه» متَّفَقٌ عليه
(8)
، وأخْبَرَ ابنُ عُمرَ:«أنَّه حجَّ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ أبِي بكرٍ، ثمَّ عمرَ، ثمَّ عُثْمان؛ فلم يَصُمْه أحدٌ منهم»
(9)
،
(1)
زيد في (د) و (و): يوم.
(2)
أخرجه مسلم (1162).
(3)
ينظر: شرح مسلم للنووي 8/ 51.
(4)
في (و): يرجى.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): في.
(6)
زيد في (د) و (و): له.
(7)
كتب على هامش الأصل: (وفيه دلالة على أن السيئة اللاحقة يجوز أن تكفر بالحسنة السابقة، وذلك كله من فضل الله تعالى ولطفه بعباده).
(8)
أخرجه البخاري (1661)، ومسلم (1123).
(9)
أخرجه أحمد (5080)، والترمذي (751)، والنسائي في الكبرى (2838)، وابن حبان (3604)، قال الترمذي:(حديث حسن)، وصححه ابن حبان والألباني، ووقع في إسناده اختلاف أشار إليه الدارقطني في العلل. ينظر: علل الدارقطني 12/ 313، التعليقات الحسان 5/ 379.
ولأِنَّه يُضْعِف عن الدُّعاء، فكان
(1)
تركُه أفضلَ، وقيل: لأِنَّهم أضْيافُ الله وزُوَّارُه.
وكَرِهَه جماعةٌ؛ للنَّهْي عنه في
(2)
حديث أبِي هُرَيرةَ، رواه أحمدُ وابنُ ماجَهْ
(3)
.
واخْتارَ الآجُرِّيُّ: أنَّه يُستحَبُّ، إلاَّ أن يُضْعِفَه عن الدُّعاء، وحكاه الخَطَّابِيُّ عن إمامنا نحوه
(4)
، قاله المجْدُ.
وهذا في غير المتمتِّع والقارِن إذا عَدِما الهديَ، وسيأتِي.
(وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ)؛ لمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا قال: «ما مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصالح فِيهِنَّ أحبُّ إلَى الله من هذِهِ» -أيام
(5)
العَشْرِ-، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال:«ولا الجِهادُ فِي سبيل الله، إلاَّ رجلاً خَرَج بنفْسه وماله، فلم يَرجِعْ مِنْ ذلك بشَيءٍ» رواه البخاريُّ
(6)
.
(1)
في (ب) و (د) و (و): وكان.
(2)
في (أ): من
(3)
أخرجه أحمد (8031)، وأبو داود (2440)، والنسائي في الكبرى (2843)، وابن ماجه (1732)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة» ، وفي إسناده مهدي بن حرب وهو مقبول، ولم يتابع، قال العقيلي:(لا يتابع عليه، وقد روي عن النبي عليه السلام بأسانيد جياد: أنه لم يصم يوم عرفة، ولا يصح عنه أنه نهى عن صومه)، قال ابن القيم:(وفي إسناده نظر، فإن مهدي بن حرب العبدي ليس بمعروف، ومداره عليه)، وله شاهد من حديث عائشة عند الطبراني في الأوسط (2349)، ولكن في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي وهو متروك. ينظر: الضعفاء للعقيلي 1/ 298، زاد المعاد 1/ 61، السلسلة الضعيفة (404).
(4)
ينظر: معالم السنن 2/ 131.
(5)
في (أ) و (د) و (و) و (ز): الأيام.
(6)
أخرجه البخاري (969).
والمرادُ به: تِسْعةٌ، وإطلاقُ العشْرِ عليها تغليبًا، وآكَدُه التَّاسِع، ثُمَّ الثَّامِن، وَوَهِم بعضُهم فعكس، وظاهر «المحرَّر»: أنَّهما
(1)
سواءٌ.
(وَأفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ
(2)
رَمَضانَ؛ شَهْرُ اللهُ المُحَرَّمُ)، رواه مسلمٌ من حديث أبِي هُرَيرةَ
(3)
، وأضافه
(4)
إلَى الله تَفْخِيمًا وتَعْظِيمًا؛ كناقة الله، ولم يُكثِرْ عليه السلام الصَّومَ فيه؛ إما
(5)
لعُذْرٍ، أو لَم يَعلَم فضلَه إلاَّ أخيرًا.
والمرادُ: أفضلُ شَهْرٍ تُطُوِّع به كاملاً بعْدَ رَمَضانَ؛ شهْرُ الله المحرَّمُ؛ لأِنَّ بعضَ التَّطوُّع قد يكون أفضلَ من أيامه؛ كعَرَفَةَ وعشْرِ ذي الحجَّة، فالتَّطوُّعُ المطلَقُ أفضلُه: المحرَّمُ، كما أنَّ أفضلَ الصَّلاة بعد المكتوبة: قيامُ اللَّيل.
وآكَدُه عاشوراءُ، ثُمَّ تاسُوعاءُ، ثمَّ العشْرُ الأُوَلُ.
وهو أفْضَلُ الأَشْهُر قاله الحسَنُ، ورجَّحه بعضُ العلماء.
(وَيُكْرَهُ إِفْرَادُ رَجَبٍ بِالصَّوْمِ)؛ لما رَوَى ابنُ ماجَهْ عنِ ابْنِ عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صيامِه» ، وفيه داودُ بنُ عَطاءٍ، وقد ضعَّفه أحمدُ وغيرُه
(6)
، ولأِنَّ فيه إحياءً لشِعار الجاهليَّة بتَعْظيمه، ولهذا صحَّ عن عمرَ: أنَّه كان يَضرِب فيه، ويقول
(7)
: «كُلوا
(8)
،
(1)
في (د) و (و): أنهم.
(2)
زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): شهر.
(3)
أخرجه مسلم (1163).
(4)
في (أ) وإضافته.
(5)
في (و): إلا.
(6)
أخرجه ابن ماجه (1743)، والطبراني في الكبير (10681)، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وفيه داود بن عطاء، قال البخاري وأبو زرعة عنه:(منكر الحديث)، قال ابن الجوزي:(وهذا لا يصح، قال أحمد بن حنبل: لا يحدث عن داود بن عطاء، ليس بشيء). ينظر: التحقيق لابن الجوزي 2/ 107، تهذيب التهذيب 3/ 193.
(7)
في (د) و (و): ويقولوا.
(8)
قوله: (كلوا) سقط من (و).
فإنما
(1)
هو شهْرٌ كانت تعظِّمه الجاهليَّةُ»
(2)
.
فلو أفْطَرَ منه
(3)
، أوْ صام معه غيرَه؛ زالَتِ الكَراهةُ.
وظاهره: أنه لا يُكرَه إفرادُ شهْرٍ غيرِه اتِّفاقًا
(4)
؛ لأِنَّه عليه السلام كان يصوم شعبانَ ورمَضانَ
(5)
، والمرادُ أحيانًا، ولم يُداوِمْ كامِلاً على غَير رَمَضانَ، فدلَّ أنَّه لا يُستحَبُّ صَومُ رجَبٍ وشعبانَ فِي قَول الأَكْثَرِ، واسْتَحَبَّه فِي «الإِرْشاد» .
(وَإِفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)، نَصَّ عليه
(6)
؛ لحديث أبِي هُرَيرةَ: «لا تَصُومُوا يَومَ الجُمُعَة، إلاَّ وقَبلَه يَومٌ وبعدَه يَومٌ» متَّفقٌ عليه
(7)
(8)
.
قال الداودي
(9)
: (لم يَبلُغْ م الحديث)، ويُحمل ما رُوِيَ من صومه،
(1)
في (أ) و (د): إنما.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (9758)، وسعيد بن منصور كما في مسند الفاروق (1/ 435)، والطبراني في الأوسط (7636)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (2/ 354)، وابن الجوزي في التحقيق (1174)، وصححه ابن تيمية في مجموع الفتاوى 25/ 291، وجوَّد ابن كثير إسناده، واعتمد عليه أحمد فيما ذكر شيخ الإسلام في شرح العمدة 3/ 457.
(3)
في (و): فيه.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 99.
(5)
أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (1156)، من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:«لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله» .
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1238، مسائل ابن هانئ 1/ 133، زاد المسافر 2/ 344.
(7)
أخرجه البخاري (1985)، ومسلم (1144).
(8)
أخرجه مسلم (1144).
(9)
في (أ): الواقدي. وينظر: إكمال المعلم 2/ 60.
والداودي: هو أحمد بن نصر الداودي الأسدي، أبو جعفر، من أئمة المالكية بالمغرب، كان فقيهًا فاضلاً متقنًا، من مصنفاته: النامي في شرح الموطأ، والواعي في الفقه، والنصيحة في شرح البخاري. ينظر: الديباج المذهب 1/ 165.
والتَّرغيبِ فيه: على صومه
(1)
مع غيرِه، فلا تَعارُضَ.
(وَيَوْمِ السَّبْتِ)، ذَكَرَه أصحابُنا؛ لحديثِ عبدِ الله بنِ بُسْرٍ عن أخْتِه الصَّمَّاءِ: «لَا تَصُوموا يَومَ السَّبت إلاَّ فِيمَا افترض
(2)
عَلَيْكُم» رواه أحمدُ، ثنا أبو عاصِمٍ، ثنا ثَورٌ، عن خالِدِ بنِ مَعْدانَ، عن عبد الله، فذكره، وإسنادُه جيِّدٌ، والحاكِمُ وقال:(علَى شَرْط البخاريِّ)
(3)
، ولأِنَّه يَومٌ تُعظِّمه اليهودُ، فَفِي إفْراده تَشَبُّهٌ بهم.
واختار الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
، وهو ظاهِرُ كلامِ الآجُرِّيِّ: أنَّه لا يُكرَه، وهو قَولُ أكثرِ العلماء، وحَمَلوا الحديثَ علَى الشُّذوذ، أو أنَّه
(5)
منسوخٌ.
(وَيَوْمِ الشَّكِّ)
(6)
؛ لقول عمَّارٍ: «مَنْ صَام اليومَ الذي يُشَكُّ فيه؛ فقد عصَى
(1)
في (أ): صوم.
(2)
في (أ): فرض.
(3)
أخرجه أحمد (27075)، وأبو داود (2421)، والترمذي (744)، والنسائي في الكبرى (2773)، وابن ماجه (1726)، وابن خزيمة (2163)، وابن حبان (3615)، والحاكم (1592)، وهذا الحديث اختلف فيه، فقواه جماعة من الأئمة، قال الترمذي:(حديث حسن)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال الحاكم (صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وله معارض بإسناد صحيح)، ثم ذكر حديث جويرية رضي الله عنها، قال أبو داود:(وهذا حديث منسوخ)، وضعفه جماعة من الأئمة، طعن فيه: مالك والزهري والأوزاعي، وأعله النسائي بالاضطراب، قال مالك:(هذا الحديث كذب)، وقال أحمد:(وكان يحيى بن سعيد يتقيه وأبى أن يحدثني به)، قال ابن تيمية:(فهذا تضعيف للحديث)، ونقل عن الأثرم:(وحجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت: أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر)، وصححه الألباني وأجاب عما أُعلَّ به الحديث. ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 73، البدر المنير 5/ 673، الإرواء 4/ 118.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 164.
(5)
في (أ): وأنه.
(6)
كتب على هامش الأصل: (قال ابن الجوزي في «التحقيق»: فإن قيل: فما يوم الشك؟ قلنا: قد فسره الإمام أحمد فقال: يوم الشك: أن يتقاعد الناس عن طلب الهلال، أو يشهد به من يرد الحاكم شهادته، انتهى).
أبا القاسِمِ صلى الله عليه وسلم» رواه أبو داودَ، والترمذي
(1)
وصحَّحه، وهو للبخاري تعليقًا
(2)
.
وهو يوم الثَّلاثينَ من شَعبانَ، إذا لم يكن في السَّماء عِلَّةٌ، ولم يَتَراءَ النَّاسُ الهلالَ.
وقال القاضي
(3)
والأكثر: أوْ شَهِد به من رُدَّتْ شهادتُه، قال: أوْ كان فِي السَّماء عِلَّةٌ، وقلنا: لا يَجِبُ صومُه.
وقيل: يَحرُم صَومُه ولا يَصِحُّ، اخْتارَهُ ابنُ البنَّاء وأبو الخَطَّاب والمجْدُ وغيرُهم؛ للنَّهْي.
وحكَى الخَطَّابِيُّ عن أحمدَ: لا يُكرَه
(4)
؛ حَمْلاً لِلنَّهْيِ علَى صَومِه مِنْ رَمَضانَ.
ولا يكره مع عادةٍ، أوْ صِلَته بِمَا قَبْلَ النَّصف، وِفاقًا
(5)
؛ وبعده الخِلاف السَّابق، ولا عن واجبٍ؛ لجواز النفل
(6)
المعتادِ فيه كغيره.
وعنه: يُكرَه صومُه قضاءً، جزم به جماعةٌ، فيتوجَّه طَرْدُه في كلِّ واجبٍ؛ للشَّكِّ فِي براءة الذِّمَّة.
(1)
في (و): والزهري.
(2)
أخرجه البخاري تعليقًا (1906)، وأبو داود (2334)، والترمذي (686)، والنسائي (2188)، وابن ماجه (1645)، وابن خزيمة (1914)، وابن حبان (3585)، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني. ينظر: البدر المنير 5/ 691.
(3)
في (د): وقاله قاضي.
(4)
ينظر: معالم السنن 2/ 99.
(5)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 79، مواهب الجليل 2/ 393، الحاوي 3/ 409، الكافي 1/ 451.
(6)
في (د) و (و): التنفل.
(وَيُكْرَهُ يَوْمُ
(1)
النَّيْرُوزِ، وَالمِهْرَجَانِ)، هما عيدان للكفار، وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: (النَّيرُوزُ اليومُ الرَّابعُ من شهر الرَّبيع، والمهرجان: اليوم التَّاسِعَ
(2)
عشَرَ من الخريف)
(3)
؛ لما فيه من مُوافَقَة الكُفَّار في
(4)
تعظيمهمَا.
واخْتارَ المجْدُ: عدمها
(5)
؛ لأِنَّهم لا يُعظِّمونَه بالصوم كالأحد.
وعلَى الأوَّل: يُكرَه صومُ كلِّ عِيدٍ للكُفَّار، أوْ يومٍ يُفرِدونه بالتعظيم، ذَكَرَه الشَّيخانِ.
(إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً)، هو راجِعٌ إلَى صَوم يوم الجمعة وما بعدَه؛ لأِنَّ العادة لَها أثَرٌ فِي ذلك؛ لقوله عليه السلام: «لا تَقَدَّموا رَمَضانَ بصَومِ يوم أوْ يَومَينِ، إلاَّ رجلاً كان يصوم صومًا
(6)
فلْيَصُمْه» متَّفقٌ عليه
(7)
.
مسألةٌ: يُكرَه الوِصالُ، وهو أنْ لا يُفْطِرَ بين
(8)
اليومَينِ أو الأيَّام، فِي قَول أكْثَرِ العلمَاء، إلاَّ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فمباح
(9)
له، ولا يُكرَه إلَى السَّحَر، نَصَّ عليه
(10)
، وتَرْكُه أَوْلَى.
(وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ)، إجْماعًا
(11)
؛ للنَّهْي المتَّفَقِ عليه مِنْ
(1)
قوله: (ويكره يوم) في (ب) و (د) و (ز) و (و): ويوم.
(2)
في المطلع ص 192: السابع.
(3)
لم نجده في كتبه المطبوعة، وعزاه في المطلع ص 192 للزمخشري في مقدمة الأدب.
(4)
في (أ): من.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): عدمهما.
(6)
في (د) و (ز) و (و): يومًا.
(7)
أخرجه البخاري (1914)، ومسلم (1082).
(8)
في (و): بعد.
(9)
في (د) و (و): فيباح.
(10)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1211.
(11)
ينظر: المغني 3/ 169.
حديث عُمَرَ وأبِي هُرَيرة
(1)
، (عَنْ فَرْضٍ، وَلَا تَطَوُّعٍ
(2)
؛ لما ذَكَرنا؛ لأنَّه ظاهِرٌ فِي التَّحريم.
وعنه: يَصِحُّ مع التَّحريم؛ لأِنَّه إنَّمَا نُهِيَ عنه؛ لأِنَّهم أضْيافُ الله، وقد دعاهم، فالصَّومُ تركُ إجابَةِ الدَّاعِي، ومثلُه لا يَمنَعُ الصِّحَّةَ، بخلاف النَّفل؛ لأِنَّ الغَرَض به الثَّوابُ، فنافَتْه المعصيةُ، ولهذا لم يَصِحَّ النَّفْلُ فِي غَصْبٍ.
وفي «الواضح» روايةٌ
(3)
: يَصِحُّ عن نَذْره المعيَّنِ.
والأوَّل أصحُّ؛ لما رَوَى مسلمٌ من حديث أبِي سَعيدٍ: «لا يصلح
(4)
الصِّيامُ فِي يومَين»
(5)
.
(وَإِنْ قَصَدَ صِيَامَهُمَا؛ كَانَ عَاصِيًا)؛ لأِنَّه تَعمَّد فِعْلَ الحرام، وظاهِرُه: أنَّه لا يَعصِي حَيثُ فُقِدَ القَصْد؛ لأنَّه لم يتعمد المخالَفة، فلم يُوصَفْ به.
(وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضٍ)؛ لأِنَّ النَّهْيَ يَقْتضِي الفسادَ، وهو لا يُجامِع الإجْزاءَ، وحُكْمُ التَّطوُّع كذلك.
(وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَطَوُّعًا)؛ لما روى
(6)
مسلم عن
(7)
نبيشة
(8)
الهُذَلِيِّ مرفوعًا: «أيَّام التَّشْريق أيَّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ وذِكْرِ اللهِ»
(9)
، ولأِحمدَ النَّهْيُ
(1)
حديث عمر رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1990)، ومسلم (1137)، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1993)، ومسلم (1138).
(2)
قوله: (ولا تطوع) سقط من (أ).
(3)
في (و): رد أنه.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): لا يصح. والمثبت موافق لرواية مسلم.
(5)
أخرجه مسلم (827).
(6)
قوله: (روى) سقط من (أ).
(7)
قوله: (عن) سقط من (ز).
(8)
قوله: (نبيشة) سقط من (و).
(9)
أخرجه مسلم (1141).
عن صومها
(1)
من حديث أبِي هُرَيرةَ وسعدٍ، بإسنادَينِ ضعيفَينِ
(2)
، ومَنْ صامَها، أوْ رَخَّص فيه
(3)
؛ فلم يَبْلُغْه النَّهْيُ، قال المَجْدُ: أوْ تأوَّلَه علَى إفْرادها؛ كيوم الشَّكِّ.
(وَفِي صَوْمِهَا عَنِ الْفَرْضِ رِوَايَتَانِ):
إحداهما: لا يصح، اخْتارَهَا الخِرَقِيُّ وابنُ أبِي مُوسَى والقاضِي، وجَزَم بها في «الوجيز» ؛ للعموم.
والثَّانية: يصح، قدَّمها في «المحرَّر»؛ لقول ابنِ عُمَرَ وعائشةَ:«لَم يُرخَّصْ فِي أيَّام التَّشْريق أنْ يصمن، إلاَّ لمنْ لم يَجِدِ الهدْيَ» رواه البخاريُّ
(4)
، والباقي
(5)
في معناه، فيلحق
(6)
به.
وأجاب القاضِي: بأنَّه خاصٌّ مختلَفٌ فيه، والأوَّلُ عامٌّ متَّفقٌ عليه، فيُقَدَّم علَى المختلَف فيه.
وعنه: يَجوز صَومُها عن دم المتعة خاصَّةً، ذَكَرَها التِّرمذيُّ
(7)
، وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ عَقيلٍ و «العمدة» ، واخْتارَه المجْدُ.
(1)
في (د) و (و): صومهما.
(2)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه أحمد (10664)، والنسائي في الكبرى (2896) وفي سنده صالح بن أبي الأخضر، يرويه عن الزهري، قال النسائي:(كثير الخطأ، ضعيف الحديث في الزهري).
وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أخرجه أحمد (1456)، والطحاوي في معاني الآثار (4095)، وفي سنده محمد بن أبي حميد المدني، وهو ضعيف.
(3)
في (أ): فيهما، وفي (ز): منه.
(4)
أخرجه البخاري (1997).
(5)
في (و): والثاني.
(6)
في (د) و (ز) و (و): ملحق.
(7)
ينظر: سنن الترمذي 2/ 135.
تنبيهٌ: لا يَجوزُ ولا يَصِحُّ نَفْلُ الصَّوم ممن
(1)
عليه فرضُه؛ لما رَوَى أحمدُ من رواية ابن
(2)
لَهِيعةَ، من حديث أبِي هُرَيرةَ: «مَنْ صَام تطوُّعًا وعَلَيهِ مِنْ رَمَضانَ شَيءٌ لم يَقضه
(3)
؛ لم يُتقبَّلْ منه حتَّى يَصومَه»
(4)
، ولأِنَّه عبادةٌ جاز تأخيرُها تخفيفًا
(5)
، فإذا لَم يؤدِّه؛ لزِمه الأصلُ، وكالحج.
وعنه: يجوز؛ للعموم.
وكذا يخرَّج في التَّطوُّع بالصلاة مِمَّنْ عليه القضاءُ، اختار جماعةٌ منهم الشَّيخان: أنَّه لا يَصِحُّ؛ لوجوبها علَى الفَور.
والمذهبُ: أنَّه يَبْدَأُ بفَرْض الصَّوم قَبْلَ نذْرٍ لا يَخافُ فَوتَه.
وعنه: بالنَّذْر، ويحمل على أنَّه كان مُعيَّنًا بوقت يَخافُ فَوته.
فعلَى الأوَّل: لا يُكرَه قضاءُ رَمَضانَ في عشر الحجَّة، بل يُسْتحَبُّ إذا لم يكنْ قضاه قبلَه، وعلَى الجواز: يُكره فِي روايةٍ، رُوِي عن علِيٍّ ولا يصحُّ
(6)
؛
(1)
في (أ): فمن.
(2)
قوله: (ابن) ضرب عليها في (و).
(3)
في (أ): لم يصمه.
(4)
أخرجه أحمد (8621)، وفي سنده عبدالله بن لهيعة، وهو ضعيف، قال الألباني:(وهو سيئ الحفظ، وقد اضطرب في إسناده ومتنه)، ينظر: السلسلة الضعيفة (838).
(5)
في (أ) و (ب): تحقيقًا.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (7712)، وابن أبي شيبة (9516)، عن الحارث، عن علي، بلفظ:«من كان عليه صوم من رمضان فلا يقضيه في ذي الحجة، فإنه شهر نسك» ، إسناده ضعيف؛ لضعف الحارث الأعور، قال الحافظ في الفتح 4/ 189:(وروى ابن المنذر عن عليٍّ: أنه نهى عن قضاء رمضان في عشر ذي الحجة، وإسناده ضعيف).
وأخرجه البيهقي في الكبرى (8396)، من طريق يعلى بن عبيد، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق قال: قال عليٍّ رضي الله عنه نحوه. قال ابن التركماني في الجوهر النقي 4/ 285: (ليس هو بصحيح؛ فإن يعلى بن عبيد وإن كان ثقة إلا أنه في سفيان ضعيف، كذا قال ابن معين، وأيضًا فأبو اسحاق السبيعي لم يسمع عليًّا)، وهو كما قال.
لينال فضيلتها، ولا يُكرَه فِي أخرى، رُوِي عن عمر
(1)
؛ للآية، وكعَشْر المحرَّم.
(وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ، أَوْ صَلَاةٍ تَطَوُّعًا؛ اسْتُحِبَّ لَهُ إِتْمَامُهُ)؛ لأنَّ
(2)
به تَكمُل العبادةُ، وذلك مطلوبٌ، (وَلَمْ يَجِبْ)؛ لقول عائشةَ: يا رسول الله أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ، فقال:«أَرِنِيهِ، فلقَدْ أصْبحْتُ صائِمًا» ، فأَكَل. رواه مسلمٌ والخَمْسةُ
(3)
، وزاد النَّسائِيُّ بإسْنادٍ جيِّدٍ:«إنَّمَا مَثَلُ صَومِ التَّطوُّع مَثَلُ الرَّجل يُخرِجُ من مالِه الصَّدقةَ، فإنْ شاء أمْضاها، وإنْ شاء حَبَسَها»
(4)
، ولقوله عليه السلام: «الصَّائِمُ المتطوع
(5)
أميرُ نَفْسِه، إنْ شاء صامَ، وإنْ شاء أفْطَرَ» رواه أحمدُ وصحَّحه، مِنْ حديث أمِّ هانِئٍ، وضعَّفه البخاريُّ
(6)
، وغَيرُه من التَّطوُّعاتِ؛
(1)
أخرجه عبد الرزاق (7714)، وابن أبي شيبة (9515)، وأبو عبيد في غريب الحديث (4/ 288)، ومسدد كما في المطالب العالية (1030)، والبيهقي في الكبرى (8395)، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن أبيه، عن عمر:«أنه كان يستحب قضاء رمضان في عشر ذي الحجة» ، وقال:«ما من أيام أقضي فيهن رمضان أحب إليَّ منها» ، إسناده صحيح إلى قيس العبدي وهو ثقة، ولا نعرف له سماعًا من عمر، وصحح الحافظ إسناده في الفتح (4/ 189).
(2)
في (ب) و (ز): لأنه.
(3)
أخرجه أحمد (25731)، ومسلم (1154)، وأبو داود (2455)، والترمذي (734)، والنسائي (2322)، وابن ماجه (1701).
(4)
هذه الزيادة عند النسائي (2322)، وقال الألباني:(وإسناده صحيح على شرط مسلم)، ينظر: الإرواء 4/ 136.
(5)
زيد في (و): مثل الرجل يخرج من ماله.
(6)
أخرجه أحمد (26893)، والدارقطني (2222)، والبيهقي في الكبرى (8349)، وأخرجه الترمذي (732)، والحاكم (1600)، بنحو هذا السياق، وفيه جعدة المخزومي، وهو من ولد أم هانئ، ولا يُعرف إلا بهذا الحديث، وضعَّف حديثه البخاري، وقال:(لا يعرف إلا بحديثٍ فيه نظر)، وقال الترمذي:(في إسناده مقال)، وقال الذهبي:(روى عنه شعبة، لا يُدرى من هو، لكن شيوخ شعبة عامتهم جياد)، وقال ابن حجر:(ولم يسمع منها، بل سمعه من أبي صالح مولى أم هانئ وأهله عن أم هانئ)، ولم نقف على تصحيح أحمد له. ينظر: التاريخ الكبير 2/ 239، ميزان الاعتدال 1/ 399، تهذيب التهذيب 2/ 82.
كهُوَ، وكالوضوء.
فإنْ أفْسَدَه؛ فلا قضاءَ عليه؛ لأِنَّ القضاءَ يَتْبَعُ المَقْضِيَّ عنه
(1)
، فإذا لم يكُنْ واجِبًا؛ لم يكن القضاءُ واجبًا، بل يُستحبُّ.
وقوله: (تطوُّعًا)، يَحترِز به عَمَّا إذا دَخَل فِي واجبٍ؛ كقضاء رَمَضانَ، والمكتوبة فِي أوَّل وقْتها، وكنَذْر معيَّنٍ أوْ مُطلَقٍ أوْ كفَّارةٍ، إن قلنا: يَجوزُ تأخيرهما، فإنه يَحرُم خروجُه منه بلا عُذْرٍ؛ لأنَّ الخروجَ من عُهْدَة الواجب يَتَعَيَّنُ، ودخلت التَّوسعةُ فِي وقْته رِفْقًا ومظِنَّةً للحاجة، فإذا شَرع؛ تعيَّنت المصلحةُ فِي إتْمَامها.
وعنه: يَجِبُ إتْمَام الصوم، فإنْ أفْسَده وجَبَ القضاءُ، ذَكَره ابن البنَّاء، والمؤلِّف في «الكافِي»؛ لقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محَمَّد: 33]، ولقوله عليه السلام لعائشةَ وحفصةَ وقد أفْطَرتا: «لَا عَلَيكُمَا، صُومَا يومًا مكانه
(2)
»، رواه أبو داود
(3)
، وكالحجِّ.
(1)
في (و): عليه.
(2)
قوله: (مكانه) سقط من (أ).
(3)
أخرجه أبو داود (2457)، من طريق زُميْل -مولى عروة- عن عروة بن الزبير، عن عائشة، وهو ضعيف لجهالة زميل، وضعفه الألباني.
وأخرجه أحمد (25094)، والنسائي في الكبرى (3279)، من طريق سفيان بن حسين، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: أهديت لحفصة شاة ونحن صائمتان، ففطرتني، فكانت ابنة أبيها، فلما دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرنا ذلك له، فقال:«أبدلا يومًا مكانه» ، وأعله بالإرسال جماعة، منهم ابن المديني وأحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والبخاري وغيرهم، قال ابن حجر:(ورواه مالك ومعمر وزياد بن سعد وابن عيينة وغيرهم من الحفاظ، عن الزهري، عن عائشة مرسلاً، وهو أصح)، ونقل عن الخلال قوله:(اتفق الثقات على إرساله، وشذ من وصله، وتوارد الحفاظ على الحكم بضعف حديث عائشة هذا). ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 171، السنن الكبرى للبيهقي 4/ 464، زاد المعاد 2/ 80، الفتح 4/ 212، ضعيف سنن أبي داود 2/ 291، السلسلة الضعيفة (5202).
وأجيب: بأنَّهم ضعَّفوه، ثمَّ هو للاِسْتِحْباب؛ لقوله:«لَا عَلَيكُمَا» ، وبأنَّ نفل
(1)
الحجِّ كفَرْضه فِي الكفَّارة، وتقريرُ المهر بالخلْوة معه، بخلاف الصَّوم.
ونَقَلَ حنبلٌ: إنْ أوْجَبَه علَى نفسه، فأفْطَر بلا عُذْرٍ؛ أعادَ
(2)
، قال القاضِي: أي: نذره، وخالفه ابنُ عَقِيلٍ.
وعلَى المذهب: لا يُكرَه خروجُه منه لعذْرٍ، وإلاَّ كُرِه فِي الأَصَحِّ.
وهل يفطر
(3)
لضيفه؟ يتوجَّه: كصائم
(4)
دُعِيَ.
وعنه: يلزم الصَّلاة، بخلاف الصَّوم، ومالَ إليه أبُو إسْحاقَ الجوزجاني
(5)
؛ لأِنَّها ذات إحْرامٍ وإحْلالٍ؛ كالحجِّ.
وإذا شَرَع فيها قائمًا؛ لم يَلْزَمْه إتْمَامُها قائمًا، بغَيرِ خلاف
(6)
فِي المذهب
(7)
.
واقْتَصَرَ المؤلِّف على
(8)
ذِكْرهما كأكْثَرِ الأصْحابِ.
وقيل: الاِعْتكافُ كالصَّوم علَى الخلاف؛ يعني: إذا دخل فيه وقد نواه مدَّةً؛ لزمته
(9)
، ويقضيها، وذَكَرَه ابن عبد البَرِّ إجْماعًا، لا بالنية، وإن لم يدخل
(10)
، خِلافًا لبعض العلماء.
(1)
في (د) و (ز) و (و): فعل.
(2)
ينظر: زاد المسافر 2/ 352.
(3)
في (و): يكره.
(4)
في (و): كصيام.
(5)
في (و): الجرجاني.
(6)
في (أ): خلافه.
(7)
ينظر: الفروع 5/ 119.
(8)
زيد في (و): ما.
(9)
قوله: (لزمته) سقط من (د) و (و).
(10)
ينظر: الاستذكار 3/ 398، التمهيد 11/ 194.
وفي «الكافِي» : سائِرُ التَّطوُّعات؛ من الصَّلاة والاعتكاف وغيرهما؛ كالصَّوم، وذكر القاضي: أنَّ الطَّواف كالصَّلاة، إلاَّ ما خصَّه الدَّليلُ.
قال عبد الرزاق: (رَأيْتُ سُفْيانَ إذا كَثُرَ عليه أصْحابُ الحديث تَرَكَهُم، ودخل الطَّواف، فطاف شوطًا أوْ شَوطَينِ، ثُمَّ يَخرُجُ ويَدَعُهم).
وعُلِم منه: أنَّه لَا يَلْزَمُ الصدقة والقراءة والأذكار؛ بالشُّروع، وِفاقًا
(1)
.
وأمَّا الحجُّ والعُمرةُ؛ فيلزم إتْمَامُهمَا؛ لاِنْعِقاد الإحرام لازِمًا، فإن أفسدهما، أو فسدا؛ لزمه القضاءُ.
وعنه: لا يَلزَمُ القضاءُ، حكاها في «الهداية» و «الانتصار». قال المجْدُ: لا، أحسبها سهوًا
(2)
.
فَرعٌ: إذا قطع الصَّوم ونحوه؛ فهل انْعَقَد الجزءُ المؤدَّى، وحصل به قربةٌ، أم لا؟
وعلى الأوَّل: هل بطل
(3)
حكمًا أو لا يبطل؟ اختلف كلام أبي الخطَّاب، وقطع جماعةٌ ببطلانه وعدم الصِّحَّة.
وفي كلام الشَّيخ تقيِّ الدِّين: أنَّ الإبطال في الآية: هو بطلان الثَّواب، قال: ولا نسلم
(4)
بطلان جميعه، بل قد يثاب على ما فعله، فلا يكون مبطلاً لعمله
(5)
.
(وَتُطْلَبُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ)؛ لشرَفها وعِظَمها وبركتها، وسُورتها مكِّيَّةٌ، نقله الماوَرْديٌّ عن الأكثرين، وقيل: مدنيَّةٌ، نقله الثَّعْلَبِيُّ عن الأكْثَرين، وذَكَرَ
(1)
ينظر: الفروع 5/ 119.
(2)
في الفروع 5/ 119، والإنصاف 8/ 338: لا أحسبها إلا سهوًا.
(3)
في (أ): يبطل.
(4)
في (أ): ولا يسلم، وفي (د) و (و): ولا نعلم.
(5)
ينظر: الفروع 5/ 122، الاختيارات ص 165.
الواقِدِيُّ: أنَّها أوَّلُ سورةٍ نزلت بالمدينة
(1)
.
قال المفسِّرون في قوله تعالى: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القَدر: 3]؛ أيْ: قِيامُها، والعمل فيها خَيرٌ من
(2)
العمل فِي ألْفِ شَهْرٍ خاليةٍ منها.
وفي «الصَّحيحين» من حديث أبِي هُرَيرةَ مرفوعًا: «مَنْ قام لَيلةَ القَدْر إيمَانًا واحْتِسابًا؛ غُفِر له ما تقدَّم
(3)
»
(4)
، زاد
(5)
أحمد: «ومَا تَأَخَّرَ»
(6)
.
وسُمِّيت به
(7)
؛ لأنَّه يُقَدَّرُ فيها ما يكون في تلك السَّنة؛ لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} [الدّخان: 4].
وما رُوِي عن عكرمةَ: أنَّها ليلة النِّصف من شعبان
(8)
؛ ضعيفٌ،
(1)
ينظر: تفسير الماوردي 6/ 311، تفسير الثعلبي 10/ 247.
(2)
قوله: (خير من) في (د) و (و): ضرب.
(3)
زاد في (أ) و (ب): من ذنبه.
(4)
أخرجه البخاري (1901)، ومسلم (759).
(5)
في (و): رواه.
(6)
وقعت هذه الزيادة عند أحمد (22713، 22741)، والشاشي في مسنده (1289)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعًا، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو صدوق في حديثه لين، ولكن له متابع، فقد أخرجه أحمد (22765)، من طريق بقية، حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ليلة القدر في العشر البواقي من قامهن ابتغاء حسبتهن، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر» ، وخالد بن معدان لم يسمع من عبادة قاله أبو حاتم، وحسن إسناده ابن حجر.
وأما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ فوقعت هذه الزيادة عند النسائي في الكبرى (2523) قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا، قال النسائي: في حديث قتيبة «وما تأخر» ، واستنكرها ابن عبد البر والألباني، وقوَّى الزيادة ابن حجر.
ينظر: التمهيد 7/ 105، الفتح 4/ 116، السلسلة الضعيفة (5083).
(7)
قوله: (به) سقط من (و).
(8)
ينظر: تفسير الطبري 21/ 9.
وقال ابن عبَّاسٍ: «يقضي الله الأقضية ليلة النِّصف من شعبان، ويسلِّمها إلَى أرْبابِها ليلةَ القدْر»
(1)
.
وقيل: سُمِّيت به؛ لعِظَم قَدْرها عند الله. وقيل: لضِيق الأرض عن الملائكة التي تَنزِل فيها. وقيل: لأِنَّ للطاعات
(2)
فيها قدْرًا عظيمًا.
وهي أفضل اللَّيالِي، ذكره الخطابي
(3)
إجْماعًا
(4)
.
وذَكَر ابنُ عَقِيلٍ روايةً: أنَّ ليلةَ الجمعة أفضل
(5)
؛ لأنَّها تَكَرَّر، وبأنَّها تابعةٌ لما هو أفْضلُ، واخْتارَهُ جماعةٌ.
وقال أبو الحَسَن التَّمِيميُّ: ليلة القدر التي أُنزل فيها القرآن أفضلُ من ليلة الجمعة، فأمَّا أمثالها من ليالي القدر؛ فليلة
(6)
الجُمُعة أفْضَلُ.
وظاهره: أنَّها باقيةٌ، وأنَّها لَم تُرفَع؛ للأخبار فِي طَلَبها وقيامها، خلافًا لبعضهم في رَفْعِها.
(فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ)، عند أحمدَ وأكثر العلماء؛ لقوله عليه السلام:«تَحرَّوْا ليلةَ القَدْر فِي العَشْر الأواخِرِ مِنْ رمضان» متَّفقٌ عليه من حديث عائشةَ
(7)
.
وفي «المغني» و «الكافِي» : تُطلَبُ في جميع رمضان، وقال ابنُ مسعودٍ:
(1)
لم نقف عليه مسندًا، وأورده الثعلبي في تفسيره (10/ 248)، والبغوي في تفسيره (4/ 174)، عن أبي الضحى، عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
في (د) و (و): الطاعات.
(3)
في (و): الليالي.
(4)
ذكر ذلك في أعلام الحديث 2/ 876 دون حكاية الإجماع. وينظر: الفروع 5/ 128.
(5)
في (د) و (و): فضل.
(6)
في (و): وليلة.
(7)
أخرجه البخاري (2017)، ومسلم (1169).
«هي
(1)
فِي كلِّ السَّنة»
(2)
.
(وَلَيَالِي الْوَتْرِ آكَدُهَا)؛ لقوله عليه السلام: «اطْلُبوها فِي العشْر الأواخر، فِي ثلاثٍ بقِينَ، أوْ سبْعٍ بَقِينَ، أوْ تِسْعٍ بقين
(3)
»
(4)
، ورَوَى سالم
(5)
عن أبيه مرفوعًا: «أرى رُؤْياكم قد تَواطَأَتْ علَى أنَّها فِي العَشْر الأواخِر؛ فالتمسوها فِي العَشْر الأواخر، فِي الوتْر منها» متَّفقٌ عليه
(6)
.
واخْتار المجْدُ: كلُّ العَشْر سواءٌ.
وللعلمَاء فيها أقوالٌ كثيرةٌ، والمذهبُ: أنَّها لا تَخْتَصُّ، بل ليالِي الوتر أبلغ مِنْ ليالِي الشَّفْع.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: الوَتْر يكون باعتبار الماضِي، فتُطلَبُ ليلةُ القدر ليلةَ إحدى
(7)
، وثلاثٍ، إلَى آخِره، ويكون باعْتِبار الباقِي، فإذا كان تامًّا؛ كان ذلك ليالِيَ الأَشْفاعِ، فليلة الثَّانية تاسعة تَبقَى، وليلة أرْبَعٍ وعِشْرين سابعة تبقى، وإنْ كان ناقصًا كان التَّاريخُ بالباقي
(8)
كالتَّاريخ بالماضِي
(9)
.
(وَأَرْجَاهَا: لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ)، نَصَّ عليه
(10)
، وهو قول أُبَيِّ بن كعبٍ،
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وهي.
(2)
أخرجه مسلم (762).
(3)
قوله: (أو تسع بقين) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(4)
أخرجه أحمد (20404)، والترمذي (794)، وابن خزيمة (2175)، وابن حبان (3686)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وأخرجه البخاري (2022)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه.
(5)
في (و): مسلم.
(6)
أخرجه البخاري (6991)، ومسلم (1165).
(7)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): أحد.
(8)
رسمت في الأصل: باليالي، وفي (د) و (و): فالباقي.
(9)
ينظر: الاختيارات ص 165.
(10)
ينظر: الفروع 5/ 124.
وكان يَحْلِفُ علَى ذلك ولا يَسْتَثْنِي
(1)
، وابْنِ عبَّاسٍ
(2)
، وزِرِّ بْنِ حبيش، قال أبيُّ بْنُ كَعْبٍ:«والله لقَدْ عَلِمَ ابنُ مسعودٍ أنَّها فِي رَمَضانَ، وأنَّها ليلةُ سبْعٍ وعِشْرين، ولكِنْ كَرِهَ أنْ يُخبِرَكم فتَتَّكلوا» رواهُ التِّرْمذِيُّ وصحَّحه
(3)
، وعن مُعاوِيةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليلةُ القدْر؛ ليلةُ سبْعٍ وعِشْرينَ» رواهُ أبو داودَ
(4)
، ويُرشِّحُه قولُ ابنِ عبَّاسٍ:«سورة القدر ثلاثون كلمة، السَّابعةُ والعِشْرون منها هي»
(5)
.
وقَد اسْتَنْبَط بعضُ المتأخِّرين: بأنَّ
(6)
الله تعالَى كرر ليلة القدر فِي سورتها
(1)
أخرجه مسلم (762).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (7679)، والطبراني في الكبير (10618)، والبيهقي في الكبرى (8558)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 211)، عن عكرمة قال: قال ابن عباس: دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسألهم عن ليلة القدر؟ فأجمعوا أنها في العشر الأواخر، قال ابن عباس: فقلت لعمر: إني لأعلم -أو إني لأظن- أي ليلة هي؟، قال عمر: وأي ليلة هي؟ فقلت: سابعة تمضي، أو سابعة تبقى من العشر الأواخر.
وأخرجه ابن خزيمة (2172)، والحاكم (1597)، والبيهقي في الشعب (3412)، من طريق أخرى عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأسانيده صحيحة، وقد صححه ابن خزيمة والحاكم وقال الذهبي 4/ 1692:(غريب جدًّا).
(3)
أخرجه الترمذي (793)، وأخرجه مسلم أيضًا (762).
(4)
أخرجه أبو داود (1386)، والطحاوي في معاني الآثار (4648)، وأخرجه أبو داود الطيالسي (1054)، والبيهقي في الكبرى من طريقه (8555)، موقوفًا، ورجح أحمد والدارقطني وابن حجر وقفه على معاوية رضي الله عنه. ينظر: علل الدارقطني 7/ 56، لطائف المعارف لابن رجب ص 353، بلوغ المرام (705).
(5)
لم نقف عليه مسندًا، وأورده الماوردي في تفسيره 6/ 312، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ونسبه ابن عطية في تفسيره (1/ 61) لطائفةٍ من المتأخرين، وقال:(وهذه من مُلح التفسير، وليست من متين العلم)، وقال ابن رجب في لطائف المعارف ص 202:(وهو كما قال)، وقال ابن حجر في الفتح 4/ 265:(نقله ابن حزم عن بعض المالكية وبالغ في إنكاره). وينظر: المحلى 4/ 459.
(6)
في (ب) و (د) و (و): أن.
ثلاثَ مرات، وحروفها تسعٌ، والناشئ
(1)
مِنْ ضَرْب أحدهما فِي الآخَر: سبْعٌ وعِشْرون.
وحُكِيَ عن مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمد
(2)
: أنها تَنْتَقِلُ فِي العَشْر الأخير
(3)
.
وظاهِرُ ما نقله حنبَلٌ: أنَّها ليلةٌ مُتَعَيِّنَةٌ
(4)
، فعلَى هذا: لو قال لها: أنتِ طالِقٌ ليلةَ القَدْر قبل مُضِيِّ ليلة العشر؛ وقع فِي اللَّيلةِ الأخِيرة، ومَعَ مُضِيِّ ليلةٍ منه يَقَعُ فِي السَّنة الثَّانية ليلةَ قولِه فيها.
وحُكْمُ العِتْق واليمين؛ كالطَّلاق، ذكره المجْدُ تَخْريجًا.
ومَنْ نَذَر قيامَ ليلةِ القدر؛ قام العَشْر، ونَذْرُه في أثنائه؛ كطلاقٍ، ذَكَرَه القاضِي.
فائدةٌ: الحكمةُ فِي إخْفائها: ليَجْتَهِدوا فِي طَلَبِها، ويَجِدُّوا فِي العبادة؛ طمَعًا فِي إدراكها، كمَا أخْفَى ساعةَ الإجابة يومَ الجمعة، واسمَه الأَعْظَمَ من
(5)
أسمائه، ورضاه فِي الحسنات، إلَى غير ذلك.
(وَيَدْعُو فِيهَا)، فإنَّ الدُّعاءَ مُسْتَجابٌ فيها، قاله في «المستوعب» وغيره، (بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ وَافَقْتُهَا
(6)
بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» )، رواه أحمدُ وابن ماجَهْ، وللتِّرمذيِّ معناه وصحَّحه
(7)
.
(1)
في (د) و (و): والناس.
(2)
قوله: (وأحمد) سقط من (ب) و (ز).
(3)
في (د) و (ز) و (و): الأواخر.
ينظر: التمهيد لابن عبد البر 3/ 414، المقدمات والمهمات 1/ 267، المجموع للنووي 6/ 450، الفروع 5/ 125.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 125.
(5)
في (أ): في.
(6)
في (أ): واقعتها.
(7)
أخرجه أحمد (25384)، والترمذي (3513)، وابن ماجه (3850)، من طريق كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة، عن عائشة رضي الله عنه، قال الترمذي (حسن صحيح)، وصححه الحاكم، وأُعلَّ بالانقطاع بين ابن بريد وعائشة، قال الدارقطني:(لم يسمع من عائشة). ينظر: تهذيب التهذيب 5/ 185، أحاديث معلة ظاهرها الصحة ص 460.
ومعنى العَفْوِ: التَّركُ، ويكون بمعنى السّتْر والتَّغطية، فمعنى «اللَّهُمَّ إنَّك عفُوٌّ تحبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَنِّي»: أي: اترك مُؤاخَذَتِي بجُرْمِي، واستُر علَيَّ ذنْبِي، وأذهب عنِّي عذابَك، واصْرِف عنِّي عقابَك.
وللنَّسائِيِّ من حديث أبِي هُرَيرةَ مرفوعًا: «سَلُوا اللهَ العَفْوَ والعافيةَ والمُعَافَاةَ، فَمَا أُوتِيَ أحدٌ بَعْدَ يقين
(1)
خيرًا
(2)
من مُعافاةٍ»
(3)
، فالشَّرُّ الماضِي يزولُ بالعفو، والحاضِرُ بالعافية، والمستقبَلُ بالمعافاة؛ لتضمُّنها دوام العافية.
(1)
في (أ): معين.
(2)
في (و): جزءًا.
(3)
أخرجه النسائي في الكبرى (10651)، والبزار (75)، والطبراني في مسند الشاميين (579)، والحاكم (1938)، من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني سليم بن عامر، قال: سمعت أوسط البجلي على منبر حمص يقول: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فذكره، والحديث صححه الحاكم، وقال البزار:(وهذا الإسناد من الأسانيد الحسان التي عن أبي بكر).
(كِتَابُ الاِعْتِكَافِ)
(هُوَ
(1)
لغة: لزومُ الشَّيء، وحبْس النَّفس عليه، خيرًا كان أو شَرًّا، ومنه قوله تعالى:{يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعرَاف: 138]، يُقالُ: عَكَفَ يَعْكُفُ؛ بضمِّ الكاف وكَسْرها، وقُرِئَ بِهمَا
(2)
.
وشَرْعًا: (لُزُومُ المَسْجِدِ لِطَاعَةِ الله تَعَالَى)، علَى صفةٍ مخصوصةٍ، من مسلمٍ عاقِلٍ، ولو مُمَيِّزًا، طاهِرٍ مِمَّا يُوجِبُ غسلاً، ولو ساعةً، فلا يصح
(3)
من كافِرٍ، ومجنونٍ، وطِفْلٍ؛ كالصَّلاة، بغير خلافٍ نَعلَمُه
(4)
.
ولا يبطل بالإغْمَاء، جزم به في «الرِّعاية» .
ولا شكَّ أنَّه قُربةٌ وطاعةٌ؛ لقوله تعالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ}
(5)
[البَقَرَة: 125]، ولما رَوَى ابن عبَّاسٍ مرفوعًا أنَّه قال في المعتَكِف: «وهو يَعكُف الذُّنوبَ، ويجري
(6)
له من الحسنات كعامل الحسنات كلِّها» رواه ابن ماجه، وفيه فَرقَدٌ السَّبَخي
(7)
، قال أبو داودَ: سألتُ
(1)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وهو.
(2)
قرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف، وقرأ الباقون بضمها. ينظر: معاني القراءات للأزهري ص 40، الأحرف السبعة للداني 1/ 40.
(3)
في (ب) و (ز): فلا تصح.
(4)
ذكره المجد. ينظر: الفروع 5/ 133.
(5)
كتبت الآية في الأصل وباقي النسخ: (وطهر بيتي للطائفين والعاكفين).
(6)
في (د): وجرى.
(7)
في (د) و (ز): الشبخي.
والأثر: أخرجه ابن ماجه (1781)، وفيه عبيدة بن بلال العمي، وهو مجهول الحال، وفرقد بن يعقوب السبخي الراوي عنه، قال ابن حجر عنه:(صدوق عابد، لكنه لين الحديث كثير الخطأ)، قال البوصيري:(فيه فرقد بن يعقوب السبخي وهو ضعيف). ينظر: مصباح الزجاجة 2/ 85.
أحمدَ: تَعْرِف فِي فَضْل الاِعتكاف شَيئًا؟ قال: لا، إلاَّ إن
(1)
شيئًا ضعيفًا
(2)
.
(وَهُوَ سُنَّةٌ) كلَّ وقتٍ، إجماعًا
(3)
؛ لمُداوَمته عليه السلام فِعْلَه، وإنَّمَا لم يَجِبْ؛ لأِنَّه لم يأْمُر به أصحابَه، بل فِي «الصَّحيحين»:«من أحبَّ أن يَعتكِفَ فلْيَعْتكِف»
(4)
.
وآكَدُه فِي رَمَضانَ، والعَشْر الأخير آكَد؛ لطَلَب ليلة القَدْر.
(إِلاَّ أَنْ يَنْذُرَهُ، فَيَجِبُ) الوفاءُ به إجْماعًا؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ نَذَر أن يُطِيعَ الله فليُطِعْه» ، رواه البخاريُّ
(5)
، ولمسلم من حديث ابن عمر: أنَّ عمر سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إنِّي نذَرْتُ في الجاهليَّة أنْ أعْتَكِف ليلةً في المسجد الحرام، قال:«فأَوْفِ بِنذْركَ» ، وللبخاريِّ:«فاعْتَكِف ليلةً»
(6)
، وظاهر الأمر للوجوب.
فإنْ علَّقه بشَرطٍ؛ فله شَرْطه، نحو: لله علَيَّ أنْ أعْتَكِفَ شهر رمضان إنْ كنتُ مقيمًا، أوْ معافًى، فصادَفَه مريضًا أوْ مسافِرًا؛ فلا شَيءَ عليه.
وهل يَلزَمُ بالشُّروع، أوْ بالنِّيَّة؟ وقاله
(7)
م
(8)
مع الدُّخول فيه، فإنْ قَطَعَه؛ فعليه قضاؤه؛ قال ابن عبد البَرِّ: لا يَختَلِف فِي ذلك الفقهاءُ
(9)
.
وردَّه فِي «المغني» و «الشَّرح» : بأنَّه لا يُعرَف هذا القولُ عن أحدٍ سواه، ولم يَقَع الإجماع علَى لزوم نافلةٍ بالشُّروع فيها، سوى الحجِّ والعُمْرة.
(1)
قوله: (إن) سقط من (و).
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 137.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 50.
(4)
أخرجه البخاري (2027)، ومسلم (1167).
(5)
أخرجه البخاري (6696).
(6)
أخرجه البخاري (2042)، ومسلم (1656).
(7)
في (د) و (و): وقال.
(8)
ينظر: الاستذكار 3/ 398.
(9)
قوله: (بالنية) هو في (أ): لا فالنية. وينظر: الاستذكار 3/ 398.
ولا يَصِحُّ إلاَّ بالنِّيَّة، ويَجِبُ تَعْيينُ المنذور بالنِّيَّة لِيَتَمَيَّزَ.
فإنْ نَوَى الخروجَ منه؛ فقيل: يَبطُل؛ لأِنَّه يخرج منه بالفساد. وقيل: لا؛ لتعلُّقه بمكان كالحج
(1)
.
(وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ) في ظاهر المذهب؛ لحديث عمر
(2)
، ولأِنَّه عبادةٌ تصِحُّ فِي اللَّيل، فلم يُشْتَرَط له الصَّوم؛ كالصَّلاة.
فعلَى هذا: أقله ما يُسمَّى به معتكِفًا لابِثًا، فظاهِرُه: ولو لحظةً. وجَزَم جماعةٌ: بأنَّ أقلَّه ساعةٌ، ولا يَكفِي عُبورُه.
ويَصِحُّ الاِعْتكافُ فِي أيَّام النَّهْي التي لا يَصِحُّ صَومُها، ولو صام ثُمَّ أفْطَر عمدًا؛ لم يَبطُل اعتكافُه.
(وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) بغير صَومٍ، فِي قَولِ ابن عمر وابن عبَّاسٍ
(3)
؛ لحديث عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا اعْتكافَ إلاَّ بصَومٍ»
(4)
، ولأِنَّه لُبْثٌ فِي مسجدٍ، فلم يكن بمجرَّده قربةً؛ كالوقوف بعرفةَ.
(1)
في (أ): مكان الحج.
(2)
سبق تخريجه 3/ 604 حاشية (6).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (8033)، والطحاوي في مشكل الآثار (10/ 346)، والبيهقي في الكبرى (8585)، عن عطاء، عن ابن عمر وابن عباس، قالا:«لا جِوار إلا بصيام» ، وصحح الحافظ إسناده في الفتح 4/ 275.
وأخرج عبد الرزاق (8034)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 810)، والطحاوي في مشكل الآثار (10/ 349)، والبيهقي في الكبرى (8582)، عن أبي فاختة، قال: سمعت ابن عباس يقول: «يصوم المجاور» ، يعني المعتكف. وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه البيهقي في الكبرى (8580)، من طريق سويد بن عبد العزيز، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قال البيهقي:(وهذا وهم من سفيان بن حسين أو من سويد بن عبد العزيز، وسويد بن عبد العزيز الدمشقي ضعيف بمرة لا يقبل منه ما تفرد به)، وسويد بن عبد العزيز الواسطي ضعيف، وسفيان بن حسين ثقة في غير الزهري، ورجح الدارقطني وقفه. ينظر: الدراية 1/ 287.
وأُجيب عنه: بأنَّه موقوفٌ عليها، ومن رفعه فقد وَهِم، ثمَّ لو صحَّ؛ فيُحمَل علَى نفي الكمال؛ جَمْعًا بَينَ الأدلَّة، ولأِنَّ إيجاب الصوم حكمٌ لا يَثْبُتُ إلاَّ بالشرع، ولم يصحَّ فيه نَصٌّ ولا إجماعٌ، وقِياسُهم يُرَدُّ عليهم؛ بأنَّه لُبثٌ فِي مكانٍ مخصوصٍ، فلم يُشترَط له الصَّومُ كالوقوف.
(فَعَلَى هَذَا: لَا يَصِحُّ فِي لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلَا بَعْضِ يَوْمٍ)؛ لعدم وجود الصَّوم المشترَط.
وظاهِرُه: لا فَرْق بين أن يصوم اليوم الذي اعْتَكَفَ بعضَه أمْ لا، وقطع المجْدُ وغيرُه بصِحَّته؛ لوجود اللُّبث بشَرطه، وأطْلَقَ فِي «منتهى الغاية» و «الفروع» الخِلافَ، والمذهبُ: البطلانُ؛ نَظَرًا إلَى أنَّ الصَّوم لم يُقصَد له.
ولا يَصِحُّ فِي أيَّام النَّهْي التي لا يَصِحُّ صَومُها، واعتكافُها نَذْرًا ونفلاً؛ كصومها نذْرًا ونفلاً
(1)
.
فإذا كان الاِعْتِكافُ مُتَتابِعًا، فأتى
(2)
فِي أثنائه يوم عيد؛ فإن قلنا بجواز اعتكافه، فالأَوْلَى أن يثبت مكانَه، ويجوز خروجه إلَى العِيد، ولا يَفْسُد اعتكافُه.
وإن قلنا: لا يَجوزُ؛ خرج
(3)
إلَى المصلَّى إن شاء وإلَى أهله، وعليه حرمةُ العكوف، ثمَّ يعود قبل غروب الشَّمس من
(4)
يومه؛ لتمام أيَّامه، قاله المجْدُ.
تنبيهٌ: لا يُشتَرَط أنْ يصومَ للاعتكاف ما لَم ينذر له الصَّوم؛ لظاهر الآية والخبر
(5)
، وكما يصحُّ أن يعتكف في رمضان تطوُّعًا أو ينذر عنه به.
(1)
في (ب) و (و): أو نفلاً.
(2)
زيد في (د): به.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): خروج.
(4)
في (أ): في.
(5)
أي حديث عمر رضي الله عنه وقد سبق تخريجه 3/ 604 حاشية (6).
وإذا قال: لله علَيَّ أن أعتكف صائِمًا، أو بصوم؛ لزماه معًا، فلو فرَّقهما، أو اعتكف وصام فرض رمضان ونحوه؛ لم يُجزِئْه؛ لأنَّ الصَّوم صفةٌ مقصودةٌ فيه؛ كالتَّتابُع.
وقيل: يلزمه الجميع، لا الجَمْعُ، فله فِعْل كلٍّ منهما منفردًا.
وإن
(1)
نذر أن يصوم معتكفًا؛ فالخلاف، كما لو نذر أن يعتكف مصليًا، ولا يلزمه أن يصلِّيَ جميع الزَّمان، وإن نذر أن يصلِّيَ صلاةً، ويقرأ فيها سورة بعينها؛ لزمه الجمع، فلو قرأها خارج الصَّلاة؛ لم يجزئه، ذكره في «الانتصار» .
(وَلَا يَجُوزُ الاِعْتِكَافُ مِنَ المَرْأَةِ
(2)
بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا)، وِفاقًا
(3)
، (وَلَا مِنَ العَبْدِ
(4)
بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ)؛ لتفويت منافعهما المملوكة لغيرهما، (فَإِنْ
(5)
شَرَعَا فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ)، -وإن كان فرضًا، قاله في «الشَّرح» وغيره-؛ (فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا)؛ لحديث أبِي هُرَيرة:«لا تصومُ المرأةُ وزوجُها شاهدٌ يومًا من غير رمضان إلاَّ بإذنه» رواه الخمسةُ، وحسَّنه التِّرمذيُّ
(6)
، ولأِنَّه شروعٌ غير جائِزٍ، متضمِّنٌ لفوات حقهما، فملكا تحليلَهما منه؛ ليعود حقُّهما إلَى ما كان.
(1)
في (أ): وإذا.
(2)
قوله: (من المرأة) في (د) و (ز) و (و): للمرأة.
(3)
ينظر: المبسوط 3/ 125، التاج والإكليل 3/ 400، البيان للعمراني 3/ 572، الكافي 1/ 454.
(4)
قوله: (من العبد) في (د) و (ز) و (و): للعبد.
(5)
في (د) و (ز) و (و): وإن.
(6)
أخرجه أحمد (9734)، وأبو داود (2458)، والترمذي (782)، والنسائي في الكبرى (2932)، وابن ماجه (1761)، وابن خزيمة (2168)، قال الترمذي:(حديث حسن)، وصححه ابن خزيمة والحاكم والبغوي، وقال الألباني:(إسناد صحيح على شرط مسلم، جميع رواته ثقات من رجاله). ينظر: شرح السنة للبغوي (1771)، السلسلة الصحيحة (395).
وخرَّج
(1)
في «منتهى الغاية» : لا يُمنَعانِ من المنذور؛ كروايةٍ في المرأة في صومٍ وحجٍّ مَنذُورَين.
وفي ثالثٍ: مَنْعُهما وتحليلُهما من نذرٍ مطلقٍ فقط؛ لأنَّه علَى التَّرَاخِي؛ كوجْهٍ لأصحابنا في صومٍ وحجٍّ مَنذُورَينِ.
وفي رابعٍ: مَنْعُهما وتحليلُهما إلاَّ من مَنذُورٍ معيَّنٍ قبل النكاح والملك
(2)
؛ كوجْهٍ لأصحابنا في سقوط نفقتها.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه إنْ لَزِم بالشُّروع فيه؛ فكالمنذور.
فعلى الأوَّل: إن لم [يحلِّلاهما]
(3)
؛ صحَّ وأجزأ، وجزم في «المستوعب» ، واختاره ابن البنَّاء: يَقَعُ باطلاً؛ كصلاةٍ في مغصوبٍ، ونَصَّ عليه في العبد
(4)
.
(وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ؛ فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا)؛ لأنَّه عليه السلام أذِن لعائشة وحفصة وزينب، ثمَّ مَنَعَهُنَّ بعد أنْ دَخَلْن فيه
(5)
، ولأِنَّ حقَّهما واجبٌ، والتَّطوُّع لا يلزم بالشُّروع، ولهما المنعُ ابتداءً، فكذا دوامًا؛ كالعارية، بخلاف الحجِّ.
(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي: إذا كان منذورًا؛ لم يكن لهما تحليلُهما منه؛ لأِنَّه يتعين
(6)
بالشُّروع فيه، ويجب إتمامه كالحجِّ.
وظاهِرُه: لا فَرْقَ بين أن يكون متعيِّنًا أو مطلَقًا.
(1)
في (د): وصرحا، وفي (ز) و (و): وصرح. والمثبت موافق لما في الفروع 5/ 134، والإنصاف 6/ 571.
(2)
قوله: (والملك) سقط من (أ) و (ب).
(3)
كذا في (و)، وهو الموافق لما في الفروع (5/ 135)، وفي الأصل وبقية النسخ:(لم يحلَّلاها).
(4)
في (ز): العيد. وينظر: الفروع 5/ 135.
(5)
أخرجه البخاري (2033)، ومسلم (1172).
(6)
في (أ): متعين.
واختار المجْدُ في النذر المطلَقِ الذي يجوز تفريقه، كنذر
(1)
عشرة أيَّامٍ متفرِّقةٍ أو متتابِعةٍ إذا اخْتارَا فِعْلَه متتابِعًا، وأذن لهما فِي ذلك: يجوز تحليلُهما منه عند منتهى كلِّ يومٍ؛ لجواز الخروج منه كالتَّطوُّع، وظاهرُ كلامهم المنعُ كغيره.
فَرعٌ: الإذْنُ في عَقْد النَّذْر إِذْنٌ في فعله إن نذرا زمَنًا معينًا
(2)
بالإذن، وإلاَّ فلا؛ لأنَّ زمن الشُّروع لم يقتضه الإذْنُ السَّابق.
وقدَّم المؤلِّف: مَنْعَ تحليلهما أيضًا؛ كالإذْنِ في الشُّروع.
(وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ)، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّ السَّيِّد لا يَستحقُّ منافعَه، ولا يَملِك إجبارَه على الكسب، فهو مالِكٌ لمنافعه؛ كحُرٍّ مَدِينٍ، بخلاف أمِّ الولد والمدبَّر.
وظاهره: لا فرق فيه بين الواجب وغيره، وسواءٌ حل نَجْمٌ أو لَا، وقال جماعةٌ: ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ.
ونقل الميمونِيُّ
(4)
: له الحجُّ من المال الذي جمعه ما لم يأت نجمه
(5)
، وحمله القاضي وغيره على إذنه له، ومقتضاه: أنَّه يجوز بإذنه، نَصَّ عليه
(6)
، والمراد: ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ، وعنه: المنعُ مطلَقًا.
(ومَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ)، وهي أن يتَّفق هو ومالك بعضه أن يكون له مدَّةٌ، ولمالك بعضه أخرى؛ (فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ فِي نَوْبَتِهِ)؛ لأِنَّ منافعه غير مملوكةٍ لسيِّده، بل هي له؛ كالحرِّ.
(1)
في (و): كنذره.
(2)
في (د) و (و): متعينًا.
(3)
ينظر: الفروع 5/ 136.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 136.
(5)
في (و): بنجمه.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 145.
(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي: لسيِّده مَنْعُه إذا لم يكن بينهما مهايأة؛ لأنَّ له ملكًا في منافعه في جميع الأوقات، فتجويزه يتضمَّن إبطالَ حقِّ غيره، وليس بجائزٍ.
(وَلَا يَصِحُّ الاِعْتِكَافُ إِلاَّ فِي مَسْجِدٍ)، لا نعلم فيه خلافًا
(1)
؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البَقَرَة: 187]، فلو صحَّ في غيرها؛ لم يختص بتحريم المباشرة؛ إذ هي محرَّمة في الاعتكاف مطلقًا، ولِأَنَّه «كان عليه السلام يُدخِل رأسه إلى عائشةَ، وهو معتكِفٌ فترجِّلُه» متَّفقٌ عليه
(2)
، وكان لا يَدخُل البيتَ إلاَّ لحاجةٍ.
(يُجْمَعُ فِيهِ)؛ أي: تقام فيه صلاةُ الجماعة، ولو من معتكفِين؛ حذارًا إمَّا من تَرْك الجماعة الواجبة، أو تكرُّر الخروج المُنَافِي له مع إمكان التَّحرُّز منه، فإذا قيل: بأنَّها سنَّةٌ؛ فلا.
ويُستثنَى منه: المعذورُ، والصَّبيُّ، ومَنْ هو فِي قريةٍ لا يصلي فيها غيرُه، ومن اعتكافه فِي مدَّةٍ غيرِ وقتٍ للصلاة.
ويَحتَمِلُ أن لا يسقط عن المعذور؛ لأِنَّه من أهل الجماعة، وقد التزمه
(3)
.
(إِلاَّ المَرْأَةَ، لَهَا الاِعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ)؛ للآية، والجماعة لا تلزمها
(4)
.
وفِي «الانتصار» : في مسجدٍ تُقامُ فيه الجماعةُ، وهِي ظاهِرُ رواية ابن منصورٍ
(5)
والخِرَقِيِّ؛ لما روى حَرْبٌ بإسنادٍ جيِّدٍ عن ابن عبَّاسٍ: أنَّه
(1)
ينظر: المغني 3/ 189، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 242.
(2)
أخرجه البخاري (2028)، ومسلم (297).
(3)
في (أ): التزمته.
(4)
في (و): لا يلزمها.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1255.
سُئِل عن امرأة جَعَلَتْ عليها أن تَعتَكِفَ فِي مسجد بيتها؛ فقال: «بدعةٌ، وأبْغَضُ الأعْمَال إلَى الله البِدَعُ، فلا اعْتِكافَ إلاَّ فِي مسجدٍ تقام فيه الصَّلاةُ»
(1)
.
(إِلاَّ مَسْجِدَ بَيْتِهَا)، وهو ما اتخذته لِصَلاتها، ولو جاز لفَعَلَتْه أُمَّهات المؤمنين ولو مرَّة، تبيينًا للجواز، وهذا ليس بمسجد
(2)
حقيقةً ولا حُكمًا.
وظاهر «المحرَّر» : صحّتُه فيه، قال: وإنَّما كُرِه في مسجد الجماعة حيث لم تتحفظ بخباءٍ، نقل أبو داود: يعتكِفْنَ فِي المساجِدِ، ويَضربْنَ
(3)
لَهُنَّ فيها الخِيَم
(4)
.
قلت: ولا بأْسَ أن يستَتِرَ الرَّجل كَهِيَ، ذَكَرَه فِي «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه أخْفَى لعمله، ونقل ابن إبراهيمَ: لا، إلاَّ لبَردٍ شديدٍ
(5)
.
مسألةٌ: رَحْبة المسجد ليست منه فِي روايةٍ، وهِيَ ظاهِرُ الخِرَقِيِّ. وعنه: بلَى، جَزَمَ به جماعةٌ منهم القاضِي؛ كظَهْرِه، وجَمَعَ بَيْنَهما فِي موضع فقال: إنْ كان عليها
(6)
حائِطٌ وبابٌ؛ فهِيَ منه، وإلاَّ فلا.
ومَنارتُه إن كانت فيه، أو بابُها فيه؛ فهي منه، بدليل مَنْع الجنب، وإن كانت خارجةً عنه، قال بعضهم: وهي قريبةٌ، فخرج للأذان؛ بَطَل اعْتكافُه، واخْتارَ ابْنُ البنَّاء والمجْد خلافَه.
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (8573)، وابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (1998)، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف الحديث، وذكر في الفروع 5/ 141 أن حربًا الكرماني خرَّجه أيضًا، وقال ابن مفلح:(بإسناد جيد).
(2)
في (أ): مسجد.
(3)
في (و): ويُضرب.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 138.
(5)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 138.
(6)
في (ب) و (د) و (ز): عليهما.
(وَالْأَفْضَلُ الاِعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ تَتَخَلَّلُهُ)؛ لئلاَّ يَحتاجَ إلى الخروج إليها فيَتْرُك الاعتكافَ، مع إمكان التَّحرُّز منه، ولا يلزم ذلك، وقاله أكثر العلماء، ولأِنَّه خرج لما لا بُدَّ منه، فكأنَّه اسْتَثْنَى الجُمُعةَ بلفظه، ولا يتكرَّر بخلاف الجماعة.
وفي «الانتصار» وجْهٌ: يَلزَم، فإن اعتكف فِي غيره؛ بَطَلَ بخروجه إليها؛ لأنَّه أمكنه التَّحرُّز منه.
لكن إن عيَّن بنذره المسجد الجامع؛ تعيَّن موضع الجمعة، فلو
(1)
اعتكف فيما تقام فيه الجمعة فقط؛ لم يصحَّ إن وجبت الجماعة.
وظاهره: أنَّ الجمعة إذا لم تتخلَّل اعتكافه؛ لم يكن الجامعُ أفضلَ من غيره؛ لأنَّه لا يحتاج إلى الخروج.
ولو اعتكف من لا تلزمه
(2)
الجمعة في مسجدٍ لا تصلى فيه؛ بطل بخروجه إليها، إلاَّ أن يشترطه؛ كعيادة المريض.
(وَمَنْ نَذَرَ الاِعْتِكَافَ أَوِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ؛ فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ)؛ لأِنَّ الله تعالَى لم يُعيِّن لعبادته موضِعًا، فلم يَتعيَّن بالنَّذر، ويبطل ببقاع الحجِّ، وفيه نَظَرٌ، ولو تعيَّن؛ احتاج إلى شدِّ رَحْلٍ، ذكره الأصحاب.
ولعلَّ مرادَهم: إلا
(3)
مسجدَ قُباء؛ «لأِنَّه عليه السلام كان يأتيه كلَّ سبتٍ راكبًا أو ماشيًا، ويُصلِّي فيه ركعتَين» ، وكان ابن عمر يفعله، متَّفقٌ عليه
(4)
.
فإن لم يَحتَجْ إلَى شدِّ رحْلٍ؛ فظاهِرُ «الانتصار» و «المغني» و «الشَّرح» : يلزم.
(1)
في (أ): فإن.
(2)
في (و): لا يلزمه.
(3)
زيد في (و): في.
(4)
أخرجه البخاري (1191)، ومسلم (1399).
وذكر أبو الحسين احتِمالاً فِي تعيين المسجد العتيق للصَّلاة؛ لأنَّه أفضلُ.
قال المجْدُ: ونذر الاعتكاف مثلُه.
فعلَى المذهب: يعتكف في غير المسجد الذي عيَّنه.
وظاهره: لا كفَّارةَ، وجزم به في «الشرح» ، وظاهر كلام جماعة: يصلِّي فِي غير مسجدٍ.
وإن أراد الذَّهاب إلَى ما عيَّنه، واحْتاجَ إلَى شدِّ رحْلٍ؛ فجزم بعضهم بإباحته، واختاره المؤلِّف فِي القصر، ومَنَعَ منه ابنُ عَقِيلٍ والشَّيخ تقيُّ الدِّين
(1)
، وخيَّره القاضِي وغيرُه.
وأمَّا ما لَم يَحتَجْ إلَى شدِّ رحْلٍ؛ فالمذهب: يُخيَّرُ، وفِي «الواضح»: الأفضلُ الوفاء، قال في «الفروع»: وهذا أظْهَرُ.
(إِلاَّ المَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ)، فإنَّها تتعيَّن لفضل العبادة فيها علَى غيرها؛ لما رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاَّ إلَى ثلاثة مَساجِدَ: المسجدِ الحرام، والمسجدِ الأقصى، ومسجدِي هذا» متَّفقٌ عليه، ولمسلمٍ في روايةٍ: «إنَّمَا يُسافَر إلاَّ
(2)
إلَى ثلاثةِ مساجدَ»
(3)
.
(وَأَفْضَلُهَا: المَسْجِدُ الْحَرَامُ)؛ لما رَوى أنَسٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةٌ فِي المسجد الحرام أفضلُ مِنْ مِائةِ ألْفِ صلاةٍ فِيمَا سِواهُ» رواه ابْنُ ماجَهْ من رواية أبِي الخطَّاب الدِّمَشقيِّ، وهو مَجهولٌ
(4)
، وفي روايةٍ لأِحمدَ: «وصلاةٌ
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 27/ 186، الفروع 5/ 155.
(2)
هكذا في النسخ الخطية، والذي في صحيح مسلم بدونها.
(3)
أخرجه البخاري (1189)، ومسلم (1397).
(4)
أخرجه ابن ماجه (1413)، والطبراني في الأوسط (7008) من طريق أبي الخطاب الدمشقي، حدثنا رزيق أبو عبد الله الألهاني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه مطولاً، وأبو الخطاب الدمشقي واسمه حماد، مجهول، وشيخه رزيق صدوق له أوهام، وقال ابن الجوزي:(هذا حديث لا يصح). ينظر: العلل المتناهية 2/ 86.
فِي المسجد الحرام أفضلُ من صلاةٍ فِي مسجِدِي بمائة صلاةٍ»
(1)
.
(ثُمَّ مَسْجِدُ المَدِينَةِ)؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةٌ فِي مسجدي هذا خَيرٌ من ألف صلاة فِيمَا سِواه، إلاَّ المسجدَ الحرامَ» متَّفقٌ عليه
(2)
.
وقال عمرُ بنُ الخطَّاب وجَمْعٌ: المدينةُ أفضلُ
(3)
، فدلَّ أنَّ مسجدها أفضلُ.
وقال في رواية ابنِ أشْهَبَ
(4)
: إنَّ معنَى الحديثِ: أنَّ الصَّلاة فِي مسجد الرَّسول صلى الله عليه وسلم أفضلُ من سائر المساجد بألْفِ صلاةٍ إلاَّ المسجدَ الحرامَ، فإنَّ الصَّلاة فِي مسجد الرَّسول صلى الله عليه وسلم أفضلُ من الصَّلاة فيه بدون الألْف.
(1)
أخرجه أحمد (16117)، والطحاوي في مشكل الآثار (597)، والبيهقي في الشعب (3846)، من حديث ابن الزبير رضي الله عنهما، قال ابن عبد الهادي:(إسناده على شرط الصحيحين). ينظر: المحرر في الحديث (721).
(2)
أخرجه البخاري (1190)، ومسلم (1394).
(3)
أخرجه مالك (2/ 894)، والفاكهي في أخبار مكة (1480)، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، أنه زار عبد الله بن عياش المخزومي فرأى عنده نبيذًا، وهو بطريق مكة، فقال له أسلم: إن هذا الشراب يحبه عمر بن الخطاب، فحمل عبد الله بن عياش قدحًا عظيمًا، فجاء به إلى عمر بن الخطاب فوضعه في يديه، فقرَّبه عمر إلى فيه، ثم رفع رأسه فقال عمر:«إن هذا لشراب طيب» ، فشرب منه، ثم ناوله رجلاً عن يمينه، فلما أدبر عبد الله ناداه عمر بن الخطاب، فقال:«أأنت القائل: لمكة خير من المدينة؟» ، فقال عبد الله، فقلت: هي حرم الله وأمنه وفيها بيته، فقال عمر:«لا أقول في بيت الله ولا في حرمه شيئًا» ، ثم انصرف عبد الله. وإسناده صحيح.
(4)
أي: قال الإمام مالك في رواية أشهب. ينظر: المنتقى للباجي 1/ 342.
وذكر ابن عبد البر في التمهيد (6/ 17) أنه من قول عبد الله بن نافع الزبيري صاحب مالك، ثم قال:(رواه بعضهم عن مالك).
وأشهب: هو أبو عمرو، أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسي، صاحب الإمام مالك، مات بمصر سنة 204 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 9/ 500، وفيات الأعيان 1/ 138.
وجوابُه: روايةُ أحمدَ السَّابقةُ.
ويُستثنَى منه موضِعُ قَبرِه عليه السلام، فإنَّه أفضلُ بِقاع الأرض
(1)
.
(ثُمَّ الْأَقْصَى)؛ لما روى أبو الدَّرداء مرفوعًا قال: «صلاةٌ فِي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاةٍ»
(2)
، وفِي حديث أبِي المهاجِر نحوُه
(3)
.
(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى 27/ 260: (وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحب البقاع إلى الله المساجد»، فليس في البقاع أفضل منها، وليست مساكن الأنبياء لا أحياءً ولا أمواتًا بأفضل من المساجد، هذا هو الثابت بنص الرسول صلى الله عليه وسلم واتفاق علماء أمته، وما ذكره بعضهم من أن قبور الأنبياء والصالحين أفضل من المساجد، وأن الدعاء عندها أفضل من الدعاء في المساجد حتى في المسجد الحرام والمسجد النبوي، فقول يعلم بطلانه بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعلم إجماع علماء الأمة على بطلانه إجماعًا ضروريًّا؛ كإجماعهم على أن الاعتكاف في المساجد أفضل منه عند القبور)، وقال:(ولا يلزم من كون أبدانهم أفضل أن تكون مساكنهم أحياء وأمواتًا أفضل؛ بل قد علم بالاضطرار من دينهم أن مساجدهم أفضل من مساكنهم).
(2)
أخرجه البزار (4142)، وابن عدي في الكامل (4/ 453)، والبيهقي في الشعب (3845)، وابن عبد البر في التمهيد (6/ 30)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا، وفي إسناده: سعيد بن بشير الأزدي، قوَّاه شعبة وابن عيينة ودحيم، والأكثر على تضعيفه، قال البزار:(وإسناده حسن)، وقال ابن الملقن:(وسنده محتمل)، وضعفه الألباني، وله شاهد من حديث جابر عند ابن عدي (9/ 52)، وضعَّف إسناده ابن حجر.
وأخرج ابن ماجه (1407)، والطبراني في الكبير (54)، من حديث ميمونة بنت سعد رضي الله عنها مرفوعًا:«ائتوه -أي مسجد بيت المقدس- فصلوا فيه، فإن الصلاة فيه كألف صلاة» ، وقال العراقي:(إسناده جيد)، وضعفه غيره، فقال الذهبي:(هذا حديث منكر جدًّا)، وأطال في الكلام على علته، وقال ابن حجر في الإصابة في ترجمة ميمونة بنت سعد عن حديثها هذا:(فيه نظر)، ووقع في مقدار المضاعفة في المسجد خلاف، والأحاديث الواردة لا تخلو من مقال، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:(وأما في المسجد الأقصى فقد روي: «أنها بخمسين صلاة»، وقيل: «بخمسمائة صلاة» وهو أشبه).
ينظر: مجموع الفتاوى 27/ 8، ميزان الاعتدال 2/ 90، البدر المنير 9/ 516، المغني عن حمل الأسفار ص 288، التلخيص الحبير 4/ 437، تهذيب التهذيب 4/ 10، الإصابة 8/ 325، الضعيفة (5355).
(3)
ذكره ابن الجوزي في تاريخ بيت المقدس ص 45، فقال:(وفي حديث آخر عن أبي المهاجر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى في بيت المقدس غفرت ذنوبه كلها»)، ولم نقف على إسناده.
(فَإِذَا نَذَرَهُ فِي الْأَفْضَلِ)؛ كالمسجد الحرام؛ (لَمْ يُجْزِئْهُ) فِي (غَيْرِهِ)؛ لأِنَّه أفضلُها، احتجَّ به الإمامُ والأصحابُ.
(وَإِنْ نَذَرَهُ فِي غَيْرِهِ؛ فَلَهُ فِعْلُهُ فِيهِ)؛ أيْ: إذا نَذَرَه فِي مسجدِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم أو الأقْصَى؛ فله فعلُه فِي المسجد الحرام؛ لِأَفْضليَّته، وإنْ نَذَره فِي مسجد الرَّسول؛ لم يجزئه
(1)
غيرُه إلاَّ المسجدَ الحرامَ، وإذا عيَّن الأقْصَى؛ أجزأه المسجدان فقطْ، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأفضليتهما عليه.
ويُستثْنَى منه: ما إذا نَذَرَ الاعتكافَ فِي هذه المساجد، فدخل فيه ثمَّ انْهدَم مُعتَكَفُه -والعياذ بالله- ولم يُمْكِنْه المقام
(3)
فيه؛ أتَمَّه فِي غيره لُزومًا، ولَم يَبطُل اعتكافُه، ذَكَرَه فِي «الشَّرْح» .
(وَإِنْ
(4)
نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ)؛ تعيَّن عليه
(5)
، و (لَزِمَهُ
(6)
الشُّرُوعُ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ)؛ أي: قبل غروب الشَّمس، نَصَّ عليه
(7)
؛ إذ الشَّهر يدخل بدخول اللَّيلة، بدليل ترتُّب الأحكام المعلَّقة به، من حلول الدَّين، ووقوع الطَّلاق والعتاق المعلَّقَين به، وما لا يَتِمُّ الواجِبُ إلاَّ به واجبٌ.
وعنه: يدخل قبل فجرها الثَّانِي؛ رُوِي عن اللَّيث، واسْتُدِلَّ له بقول عائشةَ رضي الله عنها:«كان إذا أراد أن يعتكف؛ صلَّى الفجرَ، ثُمَّ دخل معتكَفَه» متَّفقٌ
(1)
زيد في (د) و (و): في.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1259، الفروع 5/ 125.
(3)
في (ب) و (ز): القيام.
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): ومن.
(5)
قوله: (تعين عليه) سقط من (د).
(6)
في (و): لزمه.
(7)
ينظر: زاد المسافر 2/ 356.
عليه
(1)
، ولأِنَّ الصَّوم شرطٌ فيه، فلم يَجِب ابتداؤه قبل شرطه.
وليس بظاهِرٍ؛ لأنَّه عليه السلام لم يدخل إلاَّ بعد الصُّبح، وهم يُوجِبون الدُّخول قبل ذلك، مع أن اعتكافه كان تطوُّعًا، والتَّطوُّع متى شاء شرع، علَى أنَّ ابن عبد البَرِّ قال:(لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بهذا الحديث)
(2)
، وفيه نظرٌ؛ لأِنَّه قول الأوزاعيِّ، واللَّيث، وإسحاق، وروايةٌ عن أحمد فيما إذا أراد أن يعتكف العشر الأخير تطوعًا، فإنَّه يدخل بعد صلاة الفجر أوَّل يومٍ منه، وحمل على الجواز.
وقال القاضي: يحتمل أنَّه كان يفعل يوم العشرين ليستظهر ببياض يوم زيادة، والمنصوص
(3)
: أنَّه يدخل قبل ليلته الأولَى
(4)
.
(إِلَى انْقِضَائِهِ)؛ لدخوله في مسمَّى نذره.
وفيه إشارةٌ: أنَّه لا يلزمه سوى الشَّهر، وإن كان ناقصًا؛ لأنَّ ذلك مقتضى نذره، لكن إذا اعتكف رمضان، أو العشر الأخير؛ استُحِبَّ أن يبيت
(5)
ليلة العيد فِي معتكفه، ويخرج منه إلى المصلى، نَصَّ عليه
(6)
؛ ليصل طاعةً بطاعةٍ.
(1)
أخرجه البخاري (2033)، ومسلم (1172)، وليس عند البخاري ذكر وقت دخول المعتكف.
(2)
تابع المصنف في نقله عن ابن عبد البر: ابن قدامة في المغني 3/ 207، والزركشي في شرحه 3/ 21، ثم استدرك على ابن عبد البر بأنه قول الأوزاعي والليث وإسحاق ورواية عن أحمد، إلا أن ابن عبد البر ذكر خلاف من خالف، فقال في الاستذكار 3/ 400: (لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بهذا الحديث، مع ثبوته وصحته، في وقت دخول المعتكف موضع اعتكافه، إلا الأوزاعي والليث بن سعد، وقد قال به طائفة من التابعين
…
)، ثم ذكره عن أحمد من رواية الأثرم. ومثله في التمهيد 11/ 196.
(3)
في (د): فالمنصوص.
(4)
ينظر: زاد المسافر 2/ 356، التمهيد 11/ 196.
(5)
في (ب) و (د): يثبت.
(6)
ينظر: زاد المسافر 2/ 356.
(وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا؛ لَزِمَهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ)، نَصَّ عليه
(1)
، وذكره القاضي وجهًا واحدًا؛ لأنَّه معنًى يصح
(2)
ليلاً ونهارًا، فإذا أطلقه؛ لزمه التَّتابُع، وكقوله: لا كلَّمتُ زيدًا شهرًا، وكمدَّة العدَّة والإيلاء، وصرَّح به في الكفَّارة تأكيدًا.
وعنه: لا، اختارها الآجُرِّيُّ، وصحَّحها ابنُ شهاب وغيرُه؛ لصحَّة إطلاقه علَى ذلك، ولهذا يصِحُّ تقييده بالتَّتابُع، بخلاف اليمين.
ويدخل معتكَفَه قبل الغروب من أوَّل ليلةٍ منه على الأصحِّ، ولا يخرج إلاَّ بعد غروب شمس آخر أيامه.
ويكفيه
(3)
شهرٌ هلالِيٌّ ناقصٌ بلياليه، أو ثلاثين يومًا بلياليها، ثلاثين ليلةً؛ فإن ابتدأه في أثناء النَّهار، تَمَّمه إلى مثل تلك السَّاعة في اليوم الحادي والثَّلاثين، وكذا إن ابتدأه في أثناء اللَّيل؛ تَمَّمه إلى ما ذكرنا إن لم يعتبر الصَّوم، وإن اعتُبِر
(4)
؛ فثلاثين ليلةً صحاحًا بأيَّامها الكاملة.
(وَمَنْ
(5)
نَذَرَ أَيَّامًا مَعْدُودَةً)؛ كقوله: لله عليَّ أن أعتكف عشرين يومًا؛ (فَلَهُ تَفْرِيقُهَا)، ولم يلزمه التَّتابع، إلاَّ أن ينويَه؛ لأنَّ الأيَّام المطلَقَةَ توجد بدون التَّتابع، فلم يلزمه؛ كنذر صومها، واحتجاج ابن عباس في قضاء رمضان بالآية يدلُّ عليه
(6)
.
(إِلاَّ عِنْدَ الْقَاضِي)، فيَلزَمه التَّتابع؛ كلفظ الشَّهر.
فعلَى هذا: يلزمه اللَّيالِي الدَّاخلة في الأيَّام المنذورة، وعلى الأوَّل: لا،
(1)
ينظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام 3/ 644.
(2)
في (ز): تصح.
(3)
في (د) و (و): فيكفيه.
(4)
في (أ): اعتبرها.
(5)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): وإن.
(6)
سبق تخريجه 3/ 565 حاشية (2).
إلاَّ أن ينوي التَّتابُع أو يشرطه، وقيل: يلزمه إلاَّ في ثلاثين يومًا؛ للقرينة؛ لأنَّ العادة فيه لفظ الشَّهر، وهو ظاهِرٌ.
(وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا أَوْ لَيَالِيَ مُتَتَابِعَةً) بشرطه أو نيته؛ (لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلٍ) إذا نذر الأيَّام، (أَوْ نَهَارٍ) إذا نذر اللَّيالي، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأنَّ اليوم اسمٌ لبياض النَّهار، واللَّيلةَ اسمٌ لسواد اللَّيل، والتَّثنية والجمع تكرار الواحد، وإنَّمَا يدخل ما تخلله
(2)
للزوم التَّتابُع ضمنًا.
وخرَّج ابنُ عَقيلٍ: لا يلزمه، واختاره أبو حكيم
(3)
؛ لعدم تناول اللَّفظ له.
وفي ثالث: لا يلزمه اللَّيل.
فإن نذر اعتكاف يومين؛ لزمه يومان وليلةٌ بينهما.
تنبيه: إذا نذر اعتكاف يوم معيَّنًا أو مطْلَقًا؛ دخل معتكفه قبل فجره الثَّانِي، وخرج بعد غروب شمسه؛ لأنَّه اسم لليوم
(4)
، ولا يلزمه اللَّيلة التي قبله؛ لأنَّها ليست من اليوم.
وإذا نذر ليلة؛ لزمته فقط، فيدخل قبل الغروب، ويخرج بعد
(5)
فجرها الثَّانِي، وإن اعتبرنا الصَّوم؛ لم يلزمه شيءٌ.
وإذا نذر اعتكاف يوم؛ لم يجز تفريقُه بساعات من أيام؛ لأنَّه يفهم منه التَّتابع، أشبه ما لو قيَّده به.
وإذا
(6)
قال في وسط النَّهار: لله عليَّ أن أعتكف يومًا من وقتي؛ تعيَّن منه إلى مثله، وفي دخول اللَّيل الخلاف.
(1)
ينظر: الفروع 5/ 156.
(2)
في (أ): يتخلله.
(3)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): ابن حكيم.
(4)
قوله: (لليوم) سقط من (د).
(5)
في (د) و (و): قبل.
(6)
في (و): وإن.
وإذا نذر شهرًا متفرِّقًا؛ فله تتابعه، قال المجد: لأنَّه أفضل؛ كاعتكافه في المسجد الحرام إذا نذر غيره.
وإذا نذر اعتكاف يوم يقدَم زيد، فقدِم ليلاً؛ لم يلزمه شَيْءٌ، وإن قدِم في بعض النَّهار؛ لزمه اعتكاف الباقي، ولم يلزمه قضاء
(1)
ما مضى منه
(2)
.
(1)
زاد في (أ) و (ب): قضى.
(2)
قوله: (منه) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ) فيما إذا عين مدَّةً، أو شرط التَّتابُعَ في عددٍ، (إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ)؛ لما روت عائشةُ أنَّها قالت:«السُّنَّة للمعتكف: ألا يخرج إلاَّ لما لا بُدَّ منه» رواه أبو داود
(1)
؛ (كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ)؛ كالبول والغائط؛ إجماعًا
(2)
، وسندُه قولُ عائشة:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يدخل البيت إلاَّ لحاجة الإنسان» متَّفقٌ عليه
(3)
، ولو بطل بالخروج إليهما؛ لم يصحَّ لأحدٍ اعتكافٌ، وكنَّى بها عنهما؛ لأنَّ كلَّ إنسانٍ يحتاج إلى فعلهما.
ويَلحَق بهما: قيءٌ بَغَتَهُ، وغسل متنجِّسٍ يحتاجه
(4)
.
وله المشي على
(5)
عادته، وقصد منزله إن لم يجد مكانًا يليق به، من غير ضررٍ عليه فيه ولا مِنَّة؛ كسقاية لا يحتشم مثله منها، ولا نقص عليه، قالوا: ولا مخالفة لعادته، وفيه نظرٌ، قاله في «الفروع» .
ويلزمه قصد أقرب منزليه
(6)
لدفع حاجته، وإن بذل له صديقه أو غيره
(1)
أخرجه أبو داود (2473)، والبيهقي في الكبرى (8571)، وأخرجه البيهقي كذلك موقوفًا (8594)، والراجح عند جمع من الأئمة أنه من قول عائشة رضي الله عنها، وليس فيه:«من السنة» ، قال أبو داود:(غير عبد الرحمن لا يقول فيه: «قالت: السنة»، جعله قول عائشة)، وقال البيهقي:(قد ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام مِنْ قول مَنْ دون عائشة، وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه)، وكذا رجح وقفه الدارقطني وابن حجر وغيرهم. ينظر: علل الدارقطني 15/ 167، تنقيح التحقيق 3/ 371، بلوغ المرام (702).
(2)
ينظر: الإشراف 3/ 163.
(3)
أخرجه البخاري (2029)، ومسلم (297).
(4)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): بحاجة.
(5)
في (و): إلى.
(6)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): منزله.
منزلَه القريب لقضاء حاجته؛ لم يلزمه؛ للمشقَّة بترك المروءة والاحتشام، فلو بال في المسجد؛ حرم
(1)
؛ لقوله عليه السلام: «إنَّ المساجد لم تُبْنَ لهذا»
(2)
.
وفيه احتِمَالٌ؛ لفعل أبي وائلٍ
(3)
، ويحتمل أنَّه يجوز لكِبَرٍ ومرَضٍ.
وكذا يخرج لفصْدٍ وحجامةٍ، وفيهما احتمالٌ: يجوز في إناء؛ كالمستحاضة، والفرق: أنه لا يمكنها التَّحرُّز إلاَّ بترك الاعتكاف. وقيل: الجواز لضرورة.
فإن بال خارجًا وجسدُه فيه لا ذَكَره؛ كُره، وعنه: يحرم.
تنبيهٌ: الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به؛ في معنى ما سبق، نص عليه
(4)
، ولا يجوز خروجه لهما في بيته، في ظاهر كلامه، واختاره الشَّيخان؛ لعدم الحاجة لإباحته، ولا نقص
(5)
فيه، وذكر القاضي: أنه يتوجه الجواز، واختاره أبو
(6)
حكيم؛ لما فيه من ترك المروءة، ويستحيي أن يأكل وحده، ويريد أن يُخفي جنس قُوتِه، وجوَّز ابن حامد اليسير، كلقمة ولقمتين
(7)
، لا كل
(8)
أكله.
(1)
قوله: (في المسجد حرم) هي في (أ): في حرم المسجد. وسقطت من (د) و (و). وفي (ب) و (ز): بالمسجد حرم.
(2)
أخرجه مسلم (568).
(3)
هو: أبو وائل، شقيق بن سلمة الأسدي، الكوفي، مخضرم، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وما رآه، مات سنة 82 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 4/ 161.
والأثر أخرجه ابن أبي شيبة (1847)، عن سعيد بن أبي بردة، قال:«رأيت أبا وائل، جالسًا في مسجد البيت، ثم دعا بطست، فبال فيها» .
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1350، مسائل أبي داود ص 138.
(5)
في (د) و (و): يقض.
(6)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): ابن.
(7)
قوله: (ترك المروءة، ويستحيي أن يأكل وحده) إلى هنا سقط من (أ).
(8)
قوله: (لا كل) هو في (أ): في أكل.
وله غسل يده
(1)
في إناءٍ من وسخ وزَفرٍ ونحوِهما.
(وَالطَّهَارَةِ)؛ كغسل جنابة
(2)
ووضوء لحدث، نَصَّ عليه
(3)
، وقُدِّما على الاعتكاف؛ لأنَّ الجنب يحرم عليه اللُّبث فيه، والمحدث لا تصح
(4)
صلاته بدون وضوءٍ، فإن قلنا: لا يكره وضوءُه فيه؛ فعله بلا ضررٍ، وكذا غسل جمعةٍ إن وجب، وإلاَّ لم يجز كتجديد الوضوء.
(وَالْجُمُعَةِ)؛ لأنَّه خروج لواجِبٍ، فلم يبطل اعتكافه؛ كالمعتدَّة، وله التَّبكير إليها، نَصَّ عليه
(5)
، وفي «منتهى الغاية
(6)
» احتمالٌ: هو أفضل، وهو ظاهر كلام أبي الخطَّاب.
وله إطالة المقام بعدها، ولا يكره؛ لصلاحية الموضع له، ويستحَبُّ عكسه في ظاهر كلام أحمد.
ونقل أبو داود: التبكير
(7)
أرجو
(8)
، وأنَّه
(9)
يركع بعدها عادته.
ولا يلزمه سلوك الطريق الأقرب
(10)
، وظاهر
(11)
ما سبق: لقضاء الحاجة، قال بعض أصحابنا: الأفضل خروجه لذلك وعوده في أقصر طريقٍ،
(1)
في (د) و (ز) و (و): يديه.
(2)
في (و): جناية.
(3)
ينظر: الفروع 5/ 165.
(4)
في (و): لا يصح.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 138.
(6)
قوله: (الغاية) سقط من (و).
(7)
في الفروع 5/ 166: نقل أبو داود في التبكير.
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 138.
(9)
في (و): أنه.
(10)
في (و): الأول.
(11)
في (ب) و (د): فظاهر.
لا سيَّما في النُّذور، والأفضل سلوك الأبعد إن خرج لجمعةٍ وعبادةٍ غيرها
(1)
.
(والنَّفِيرِ المُتَعَيِّنِ)؛ لأنَّه واجبٌ كالجمعة، وكذا إن تعيَّن خروجه لإطفاء حريقٍ، أو إنقاذ غريقٍ، ونحوه.
(وَالشَّهَادَةِ الْوَاجِبَةِ)؛ لظاهر الآيات، وظاهره: ولو لم يتعيَّن عليه التَّحمُّل.
واختار ابن حمدان: إن
(2)
تعيَّن عليه حَمْلُها وأداؤها؛ خرج لها، وإلاَّ فلا، وإذا لم يتعيَّن عليه أداؤها؛ لم يَجُز الخروج.
(وَالْخَوْفِ) على نفسه، أو حرمته، أو ماله، (مِنْ فِتْنَةٍ)؛ لأنَّه عذر في ترك الواجب بأصل الشَّرع كالجمعة، فههنا أوْلَى.
(أَوْ مَرَضٍ) يتعذَّر معه المقام فيه؛ كالقيام المتدارِك، إذ لا يمكنه إلاَّ بمشقَّةٍ شديدةٍ، بأن يحتاج إلى خدمةٍ وفراشٍ، وإن كان خفيفًا؛ كالصُّداع ووجع الضِّرْس؛ لم يَجُز إلاَّ أن يباح به الفطر، فيفطر، فإنه يخرج إن قيل باشتراط الصَّوم، وإلاَّ فلا.
(وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ)؛ لأنَّ اللبث معهما في المسجد حرامٌ، فإن لم يكن له رحبة
(3)
؛ رجعت إلى بيتها، فإذا طهرت عادت إلى المسجد، وإن كان له رحبةٌ يمكنها ضرب
(4)
خباء فيها بلا ضَررٍ؛ فعلت ذلك استحبابًا في قول الأكثر، فيشترط
(5)
الأمن على نفسها
(6)
، ولهذا قيل: مع سلامة الزَّمان، فإذا طهرت دخلته فأتت بما بقي منه.
(1)
في (و): وغيرها.
(2)
وفي (د) و (و): أنه.
(3)
في (أ): رحبته.
(4)
في (و): ضرر.
(5)
في (و): ويشترط.
(6)
في (و): نفسه.
واختار ابن حمدان: يُسَنُّ جلوسها في الرَّحبة غير المحوطة.
وإن خافت تلويثه
(1)
؛ فأين شاءت.
(وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ) في منزلها؛ لوجوبها شرعًا كالجمعة، وهو حقٌّ لله ولآدميٍّ لا يستدرك إذا ترك، بخلاف الاعتكاف، ولا يبطل
(2)
به.
(وَنَحْوِهِ)؛ كما إذا تعينت عليه صلاةُ جنازةٍ خارجةٍ، ودَفْنُ ميتٍ، ونحوه، وكذا لو
(3)
أكرهه سلطانٌ أو غيره على الخروج؛ فهو باقٍ على اعتكافه، كمن خاف من سلطانٍ أن يأخذه ظلمًا.
وإن أخرجه لاستيفاء حقٍّ عليه، فإن أمكنه الخروج منه بلا عذرٍ؛ بطل، وإلاَّ فلا؛ لأنَّه خروجٌ لواجب
(4)
.
وإن خرج ناسيًا؛ لم يبطل، كالصَّوم. وفي «الخلاف» و «الفصول»: يبطل؛ لمنافاته
(5)
الاعتكاف؛ كالجماع.
فَرعٌ: إذا زال العذر؛ رجع وقت إمكانه، فإن أخره؛ بطل ما مضى.
ولا يبطل بخروجه تحت سقف، خلافًا لقوم.
(وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدُ جَنَازَةً)، نَصَّ عليه
(6)
، واختاره الأصحابُ؛ لقول عائشة:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يُعَرِّجُ للسؤال عن المريض» رواه أبو داود
(7)
،
(1)
في (د): لوثه.
(2)
في (د) و (ز) و (و): ولا بطل.
(3)
في (ب) و (د) و (ز): أو.
(4)
في (د): الواجب.
(5)
في (و): لمنافاة.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1256، مسائل أبي داود ص 138.
(7)
أخرجه أبو داود (2472)، ولفظه:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر كما هو، ولا يعرج يسأل عنه» ، وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وأخرجه مسلم (297) موقوفًا على عائشة رضي الله عنها، قالت:«إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارَّة» .
وفي معناهما: كلُّ قُربةٍ لا تتعيَّن؛ كتحمُّل الشَّهادة وأدائها، ولأنَّه خروجٌ منه بُدٌّ، فلم يَجُز ترك فريضةٍ لفضيلةٍ.
(إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ)، فيجوز، نَصَّ عليه
(1)
، وهو قول جماعةٍ من الصَّحابة ومن بعدهم
(2)
، ولأنَّ الاشتراط يصيِّره كالمستثنى.
وذكر التِّرمذيُّ وابن المنذر عن أحمد
(3)
: المنعَ؛ لما سبق.
ولا فرق في الاشتراط بين ما كان قربة؛ كزيارة أهله وعالِمٍ، وبين ما كان مباحًا ويحتاجه؛ كالعشاء في بيته والمبيت فيه، جزم به في «المغني» و «الشرح» ، وهو رواية؛ لأنه يجب بعَقدِه كالوقف، ولتأكد الحاجة إليهما، وامتناع النيابة فيهما.
وعنه: المنعُ، جزم به القاضي وابن عقيلٍ، واختاره المجد؛ لمنافاته الاعتكاف، كشرط ترك الإقامة في المسجد، والنزهة، والفرجة؛ لأنه لا يلائم الاعتكاف، بخلاف القربة.
فإن شرط الخروج للبيع والشراء والتَّكسُّب بالصنعة
(4)
؛ لم يجز، فلو قال: متى مرضت، أو عرض لي عارضٌ خرجت، فله شرطه؛ كالإحرام،
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1256.
(2)
قال في الفروع 5/ 176: (ذكره الترمذي وغيره عن بعض الصحابة)، قال الترمذي في الجامع 3/ 159:(رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن يعود المريض ويشيع الجنازة ويشهد الجمعة؛ إذا اشترط ذلك)، ولم نقف على شيء من ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة (9635)، وسعيد بن منصور ومن طريقه ابن حزم في المحلى (3/ 424)، عن إبراهيم النخعي، قال:«كانوا يستحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال - وهن له وإن لم يشترط -: عيادة المريض، ولا يدخل سقفًا، ويأتي الجمعة، ويشهد الجنازة، ويخرج إلى الحاجة» ، وإسناده صحيح.
(3)
ينظر: سنن الترمذي 3/ 159، الإشراف 3/ 163.
(4)
في (أ): بالصفة.
وجعل المجْدُ فائدة الشَّرط هنا: سقوط القضاء في المدَّة المعيَّنة.
(وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ)، نقلها عنه الأثرمُ ومحمَّد بن الحكم
(1)
؛ لما روى أحمد عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة، عن علِيٍّ قال:«المعتكف يعود المريض، ويشهد الجنازة والجمعة، وليأت أهله، وليأمرهم بالحاجة وهو قائم»
(2)
.
وقَولُ ابنِ المنجَّى: (إنَّه ليس بثابت
(3)
فيه نَظَرٌ، فإنَّ إسنادَه صحيحٌ، قال أحمد:(عاصِمٌ عندي حجَّةٌ)، وهو محمولٌ على التَّطوُّع؛ جمعًا بينهما.
وهذا الخلاف فيه إذا كان واجبًا، فأمَّا إن كان تطوعًا؛ فله تركه رأسًا، لكن الأفضل مقامه على اعتكافه؛ لفعله عليه السلام.
(وَلَهُ السُّؤَالُ عَنِ المَرِيضِ فِي طَرِيقِهِ مَا لَمْ يُعَرِّجْ)؛ لقول عائشة قالت: «كنت أدخل البيت للحاجة والمريض فيه، فما أسأل عنه إلاَّ وأنا مارَّة» متَّفقٌ عليه
(4)
، وليس له الوقوفُ؛ لأنَّ فيه تَرْكًا للاعتكاف.
(وَ) له (الدُّخُولُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ
(5)
يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ)؛ لأنَّه محلٌّ للاعتكاف، والمكان لا يتعيَّن بالنَّذر والتَّعيين، فمع عدمه أوْلَى.
ومحلُّه إذا كان أقرب إلى مكان حاجته من الأوَّل، فإن كان أبعدَ، أو خرج إليه ابتداءً بلا عُذْرٍ؛ بطل؛ لتركه لُبثًا مستحقًّا.
(فَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ خُرُوجًا مُعْتَادًا؛ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَالطَّهَارَةِ) عن
(1)
ينظر: المغني 3/ 194.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (8049)، وابن أبي شيبة (9631)، وأحمد كما في تعليقة القاضي (1/ 27)، والدارقطني (2358)، قال ابن مفلح في الفروع 5/ 175:(إسناد صحيح).
(3)
في (ب) و (د) و (ز): يثاب.
(4)
أخرجه البخاري (2029)، ومسلم (297)، واللفظ له.
(5)
قوله: (آخر) سقط من (ب) و (ز).
حدَثٍ، والطَّعام والشَّراب، والجمعة، وكذا للحيض
(1)
والنِّفاس؛ (فَلَا شَيْءَ فِيهِ)؛ أي: لا قضاء؛ لأنَّ الخروج له كالمستثنى؛ لكونه معتادًا، ولا كفَّارة؛ إذ لو وجب فيه شيءٌ؛ لامتَنَع مُعظَم النَّاس منه، بل هو باقٍ على اعتكافه، ولم تنقص به مدته.
(وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ المُعْتَادِ)؛ كالنَّفير المتعيِّنِ، والشَّهادة الواجبة، ونحوهما؛ فله أحوالٌ:
أحدها: الخروج (فِي
(2)
الاعتكافِ المنذور (المُتَتَابِعِ) غير المعيَّن؛ كعشرة أيَّامٍ متتابِعةٍ، (وَتَطَاوَلَ)؛ أي: زمنه؛ (خُيِّرَ) إذا زال عُذْرُه (بَيْنَ اسْتِئْنَافِهِ) ولا كفَّارة عليه؛ لأنَّه أتى بالمنذور على وجهه، فلم يلزمْه؛ كما لو نذر صوم شهر غير معيَّنٍ، فشرع ثمَّ أفطر لعذر، (وَإِتْمَامِهِ)؛ أي: يَبني ويقضي، (مَعَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ)؛ لأنَّها تجبر ما حصل من فوات التَّتابع، وقد نبَّه الخِرَقيُّ على هذا في النَّذر.
وذكر أبو الخطَّاب روايةً: أنَّه إذ ترك الصِّيام المنذور لعذر؛ أنَّه لا كفَّارة، كما لو أفطر في رمضان لعذرٍ.
واختار في «المجرد» : أنَّ كلَّ خروجٍ لواجب؛ كشهادةٍ وجهادٍ متعيِّنين
(3)
؛ لا كفارة فيه، فمقتضاه: أنَّ ما كان مباحًا؛ كخوفٍ من فتنةٍ ونحوه؛ أنَّها تجب؛ لأنَّه خرج لحاجة نفسه خروجًا غير معتاد.
وفي «المغني» : تجب الكفَّارة، إلاَّ لعذر حيض أو نفاس؛ لأنَّه معتاد؛ كحاجة الإنسان.
(1)
في (د) و (ز) و (و): الحيض.
(2)
في (أ): و.
(3)
في (أ): معيَّنين.
وضعَّفهما المجدُ؛ بأنا سوينا في نذر الصَّوم بين الأعذار، وبأن زمن الحيض يجب قضاؤه، لا زمن
(1)
حاجة الإنسان. وفيه نظَرٌ.
وظاهر «المغني» : لا يقضي
(2)
، وهو أظهر.
وظاهره: أنَّه إذا لم يتطاول؛ أنَّه باقٍ على اعتكافه، وأنَّه لا يقضي، صرح به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ كحاجة الإنسان.
وظاهر الخِرَقيِّ وغيره: أنَّه يقضي، واختاره المجْدُ، كما لو طالت، والفرق ظاهِرٌ.
وقد أشار إلى الحال الثَّانِي بقوله: (وَإِنْ فَعَلَهُ فِي
(3)
مُتَعَيِّنٍ)؛ كشهر رمضان ونحوه؛ (قَضَى) ما ترك؛ ليأتي بالواجب، (وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ):
أحدهما: يكفِّر، ونص عليها
(4)
أحمد في الخروج لفتنة
(5)
، وذكره الخِرَقيُّ فيها، والخروج لنفيرٍ وعدة؛ لتركه
(6)
المنذور في وقته، إذ النذر كاليمين.
والثَّانِي: لا كفَّارة عليه، وهو رواية، وظاهر «الوجيز» ؛ لأنَّه خروج لا يُبطل الاعتكافَ، أشبَهَ الخروجَ لحاجة الإنسان، وكرمضانَ.
والفرق: أنَّ فطره لا كفَّارة فيه لعذرٍ أو غيره.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: إذا نذر أيَّامًا مطلَقةً، فإن قلنا: يجب التَّتابع على قول القاضي؛ فكالأولى، وإن قلنا: لا يجب -وهو المذهب-؛ تَمَّم ما بقي منها، ولا شيء عليه؛ لإتيانه بالمنذور على وجهه؛ لكنه يبتدئ اليوم الذي
(1)
قوله: (لا زمن) هو في (د) و (و): لأنه من.
(2)
في (د) و (و): لا يفتي.
(3)
زيد في (و): فعل.
(4)
في (ب) و (ز): عليهما.
(5)
ينظر: الفروع 5/ 173.
(6)
في (د) و (و): في ترك.
خرج فيه من أوله؛ ليكون متتابعًا
(1)
.
وقال المجد
(2)
: قياس المذهب: يخير بين ذلك وبين البناء على بعض اليوم، ويكفِّر
(3)
، وهو ظاهر.
(وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ
(4)
فِي المُتَتَابِعِ) المنذور؛ (لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ)؛ لأنَّه لا يمكنه فعل المنذور على وجهه إلاَّ به، أشبه حالة الابتداء.
وظاهره: أنَّه يبطل بالخروج وإن قلَّ؛ كالجماع، فإن كان مختارًا عامدًا؛ فلا إشكال، وإن كان مكرَهًا أو ناسيًا؛ فقد سبق.
فلو أخرج بعض جسده؛ لم يبطل، وإن كان عمدًا في المنصوص
(5)
؛ لحديث عائشة المتَّفق عليه
(6)
.
فرعٌ: إذا خرج في متتابِعٍ متعيِّنٍ؛ كنذره شعبان متتابِعًا؛ استأنف، كالقسم قبله، ويكفِّر.
(وَإِنْ فَعَلَهُ فِي مُتَعَيِّنٍ)، ولم يقيِّده بالتَّتابُع؛ كنذره اعتكاف رجب؛ لزِمتْه الكفَّارة روايةً واحدةً؛ لتركه المنذور في وقته المعيَّن بلا عذرٍ.
(وَفِي الاِسْتِئْنَافِ وَجْهَانِ):
أحدهما: يلزمه، ذكرَ
(7)
المجد: أنَّه أصحُّ في المذهب، وأنَّه قياس قول الخِرَقيِّ؛ لتضمُّن نذره التتابع
(8)
، ولأنَّه أوْلَى من المدَّة المطلقة.
(1)
في (د) و (ز) و (و): متابعًا.
(2)
في (د): المحمد.
(3)
قوله: (ويكفر) سقط من (أ).
(4)
في (و): لما لا بد منه.
(5)
ينظر: الفروع 5/ 181.
(6)
أخرجه البخاري (301)، ومسلم (297)، ولفظه:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخرج إليَّ رأسه من المسجد، وهو مجاور، فأغسله وأنا حائض» .
(7)
في (ب) و (د) و (ز) و (و): ذكره.
(8)
في (أ): المتتابع.
والثَّانِي: يبني؛ لأنَّ التتابع هنا حصل ضرورة التعيين، فسقط بفواته؛ كقضاء رمضان.
وأصلهما: مَنْ نَذَر صوم شهرٍ بعينه فأفطر في
(1)
بعضه.
فرعٌ: إذا نذر اعتكاف أيَّامٍ متتابِعةٍ بصوم، فأفطر يومًا؛ أفسد تتابعه، ولزمه الاستئناف؛ لتركه
(2)
الإتيان بما نذره على صفته، ذكره في «الشرح» .
(وَإِنْ وَطِئَ المُعْتَكِفُ فِي الْفَرْجِ)؛ فهو حرامٌ؛ للنَّصِّ؛ (فَسَدَ اعْتِكَافُهُ)؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «إذا جامع المعتكف؛ بطل اعتكافه» رواه حرب بإسنادٍ صحيحٍ
(3)
، وكالحجِّ والصَّوم.
وإطلاق المؤلف يشمل العمد وغيره، وهو صحيحٌ؛ لأنَّ ما حرم استوى عمده وسهوه، وكالحج.
وخرَّج المجد من الصوم: عدم البطلان مع عذر النسيان، وقال: الصَّحيح عندي أنَّه يبني.
(وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لأجل الوطء في ظاهر المذهب؛ إذ الوجوب من الشَّرع، ولم يرد، وكالصَّلاة.
والثَّانية، واختارها القاضي والشَّريف وأبو الخطَّاب في «خلافيهما»: وجوب الكفارة؛ كرمضان وكالحجِّ. والفرق ظاهرٌ.
(إِلاَّ لِتَرْكِ نَذْرِهِ)، كذا خصَّ القاضي وجماعةٌ الوجوب، وفي «الفصول»: يجب في التَّطوُّع في أصحِّ الرِّوايتين، وبعَّدها المجْدُ.
واختلفوا في موجبها: (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ)، والشَّريف أبو جعفرٍ: (عَلَيْهِ كَفَّارَةُ
(1)
قوله: (في) سقط من (و).
(2)
في (أ): لترك.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (8081)، وابن أبي شيبة (9680)، وقال الألباني في الإرواء 4/ 148:(على شرط الشيخين).
يَمِينٍ)؛ لأنَّها كفَّارة نذرٍ، وهي كفَّارة يمينٍ، ولكونه أفسد المنذور بالوطء، قاله الشَّيخان وغيرهما.
(وَقَالَ الْقَاضِي) في «الخلاف» ، وهو ظاهر كلام أحمد:(عَلَيْهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ)؛ لأنَّها كفَّارة وطء
(1)
، أشبه المظاهر.
وذكر بعضهم: أنَّ هذا الخلاف في نذر، وقيل: معين، فلهذا تجب فيه الكفَّارتان؛ كما لو نذر أن يحج
(2)
في عام بعينه، فأحرم ثمَّ أفسد حجَّه بالوطء؛ تلزمه
(3)
كفَّارةٌ للوطء، وكفارةُ يمين للنذر.
(وَإِنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ؛ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) على المذهب المجزوم به عند الأكثر، وفيه احتمالٌ لابن عبدوسٍ، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ كالصَّوم.
فإذا فسد؛ خُرِّج في الكفَّارة الخلاف، ذكره ابن عقيل، وقال المجد: يتخرج وجه ثالث: تجب بالإنزال عن وطء
(4)
، لا عن لمس وقُبلة.
والنَّاسي كالعامد في إطلاق أصحابنا. واختار المجد: لا يبطل كالصَّوم.
ولا تحرم
(5)
المباشرة في غير الفرج بلا شهوةٍ؛ كتغسيل
(6)
رأسه. وذكر القاضي احتمالاً: تحرم كشهوةٍ في المنصوص
(7)
.
مسألةٌ: يُسنُّ أن يصان المسجد عن الجماع فيه، أو فوقه، ذكره في «الرعاية» .
(1)
في (و): وهي.
(2)
قوله: (أن يحج) هو في (أ): الحج.
(3)
في (و): يلزمه.
(4)
في (أ): عند الوطء.
(5)
في (و): ولا يحرم.
(6)
في (و): كغسل.
(7)
ينظر: الفروع 5/ 186.
وقال ابن تميم: يكره الجماع فوقه، والتَّمسح بحائطه، والبول عليه، نَصَّ عليه
(1)
.
وفي «الفروع» ، وجزم به في «عيون المسائل»: أنَّه يحرم، وهو ظاهرٌ.
فرعٌ: إذا سكِر في اعتكافه؛ فسَد، ولو سكر ليلاً؛ لخروجه عن كونه من أهل المسجد، كالحيض، ولا يبني؛ لأنه غير معذورٍ.
وإن ارتدَّ فيه؛ فسد كالصَّوم.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشَاغُلُ بِفِعْلِ الْقُرَبِ)؛ كالصَّلاة، وتلاوة القرآن، وذكر الله تعالى، (وَاجْتِنَابِ مَا لَا يَعْنِيهِ) من الجدال والمراء، وكثرة الكلام، والسِّباب، والفحش؛ لقوله عليه السلام:«مِنْ حُسْن إسْلامِ المرء تركُه ما لا يَعنِيهِ»
(2)
، ولأِنَّه مكروهٌ في غير الاعتكاف، ففيه أوْلَى.
وليس الصَّمت من شريعة الإسلام، وظاهر الأخبار تحريمه
(3)
، جزم به
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 70.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 903)، ومن طريقه الترمذي (2318)، من طريق الزهري، عن علي بن حسين، واختلف في وصله وإرساله، ورجح الأئمة إرساله، قال الترمذي:(وهكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري عن الزهري، عن علي بن حسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مالك مرسلاً، وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، وعلي بن حسين لم يدرك علي بن أبي طالب)، ورجحه كذلك: الدارقطني، ورواية الوصل عند أحمد (1737)، من حديث علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، وفي سنده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف.
وأخرجه الترمذي (2317)، وابن حبان (229)، من طريق قرة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي:(غريب)، ونقل ابن رجب عن أكثر الأئمة أنهم قالوا: (ليس هو محفوظًا بهذا الإسناد وإنَّما هو محفوظٌ عن الزهري، عن عليّ بن حسين، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً
…
وقد خلط الضعفاءُ في إسناده عن الزهري تخليطًا فاحشًا، والصحيح فيه المرسل). ينظر: علل الدارقطني 3/ 108، جامع العلوم والحكم 1/ 308.
(3)
أخرجه البخاري (3834)، عن قيس بن أبي حازم، قال: دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب، فرآها لا تكلم، فقال:«ما لها لا تكلم؟» قالوا: حجت مصمتة، قال لها:«تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية» ، فتكلمت.
في «الكافي» ، وقال ابنُ عقيلٍ: يكره الصَّمت إلى اللَّيل، فإن نذره لم يفِ به.
ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام، ذكره الأكثر؛ لأنَّه استعمالٌ له في غير ما هو له؛ كتوسُّد المصحف، وجزم في «التلخيص» و «الرعاية»: بالكراهة.
وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين: إن قال عند ما أهمه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يُوسُف: 86]؛ فحسَنٌ
(1)
.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ وَالمُنَاظَرَةِ فِيهِ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ لفعله عليه السلام، فإنَّه كان محتجبًا
(3)
فيه، واعتكف في قبة
(4)
، وكالطَّواف، قال أبو بكرٍ: لا يقرأ ولا يكتب الحديث، ولا يجالس العلماء.
(إِلاَّ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ)، واختاره المجْدُ؛ فإنَّه يُسْتحَبُّ (إِذَا قَصَدَ بِهِ الطَّاعَةَ)، لا المباهاة
(5)
؛ لظاهر الأدلَّة، وكالصَّلاة والذِّكر، ولأنَّ الطَّواف لا يتَّسع لمقصود الإقراء، بخلاف الاعتكاف.
فعلى الأول: فِعْلُ
(6)
ذلك أفضل من الاعتكاف، جزم
(7)
به في «الوجيز» و «الفروع» ؛ لتعدِّي نفعه.
(1)
ينظر: الاختيارات ص 176، الفروع 5/ 189.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 191.
(3)
في (أ): يحتجب.
(4)
قوله: (واعتكف في قبة) سقط من (أ).
والحديث: أخرجه مسلم (1172)، من حديث عائشة وفيه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه، وإنه أمر بخبائه فضرب
…
» الحديث.
(5)
في (و): لأن المهايأة.
(6)
قوله: (فعل) سقط من (أ).
(7)
في (و): وجزم.
قال المجد: ويتخرَّج في كراهة القضاء وجهان، بناء على الإقراء، فإنَّه في معناه.
مسائل:
الأولى: لا بأسَ أن تزوره زوجته في المسجد، وتتحدَّث معه، وتصلح شأنه، ما لم يلتذَّ بشيءٍ منها، ويتحدَّث مع من يأتيه
(1)
ما لم يكثر، ولا بأس أن يأمر بما يريد، خفيفًا لا يَشغَله، نَصَّ عليه
(2)
.
الثَّانية: لا بأس أن يتزوَّج، ويشهَد النِّكاح، لنفسه ولغيره، ويصلح بين القوم، ويعود المريض، ويصلِّي على الجنازة، ويهنِّئ، ويعزِّي، ويؤذِّن، ويقيم، كلَّ ذلك في المسجد.
ويُستحبُّ له ترك
(3)
لبس رفيع الثِّياب، وأن لا ينام إلاَّ عن غَلَبَة ولو مع قرب الماء، وأن ينام متربِّعًا مستندًا، ولا يكره شيء من ذلك، خلافًا لابن الجوزي في رفيع الثياب، ولا بأس
(4)
بأخذ شعره وأظفاره في قياس المذهب، وترجيل شعره، وكره ابن عقيل ذلك في المسجد؛ صيانةً له، وذكر غيره: يُسَنُّ، ويكره له أن يتطيَّب، ونقل ابن تميم عكسه؛ كالتَّنظيف، قال في «الفروع»: وهو أظهر.
الثَّالثة: ينبغي لمن قصد المسجد للصَّلاة وغيرها أن ينويَ الاعتكاف مدَّةَ مقامه فيه، لا سيَّما إذا كان صائمًا، ذكره ابن الجوزيِّ في «المنهاج» ومعناه في «الغنية» ، خلافًا للشَّيخ تقيِّ الدِّين
(5)
.
(1)
قوله: (من يأتيه) هو في (أ): قربانه.
(2)
ينظر: الفروع 5/ 188.
(3)
قوله: (ترك) سقط من (و).
(4)
قوله: (بأس) سقطت من (أ).
(5)
ينظر: الاختيارات ص 169، الفروع 5/ 197.
تنبيهٌ: لا يجوز البيع والشِّراء في المسجد، للمعتكف وغيره، نَصَّ عليه في رواية حنبلٍ
(1)
، وجزم به الأكثر. وفي «الفصول» و «المستوعب»: يكره.
فإن حرُم
(2)
؛ ففي صحَّته وجهان.
ويكره إحضار السِّلعة فيه على القول بالثَّاني.
ويكره للمعتكف فيه اليسير؛ كالكثير، لكن نقل حنبلٌ
(3)
: أنَّه يجوز له بيعُ وشراءُ ما لا بدَّ له منه، طعام وغيره، فأمَّا التِّجارة والأخذ والعطاء؛ فلا.
ولا يجوز أن يتكسَّب بالصَّنعة فيه؛ كالخياطة ونحوها، والقليل والكثير، والمحتاج وغيره سواء، قاله القاضي وغيره.
ونقل حرب: التَّوقُّف في اشتراطه؛ فقيل له: يشترط أن يخيط؟ قال: لا أدري
(4)
.
وفي «الرَّوضة» : لا يجوز له فعل غير ما هو فيه من العبادة.
فإن احتاج للبسه خياطة لا للتَّكسب، فقال ابن البنَّاء: لا يجوز. واختار في «المغني» و «منتهى الغاية» : يجوز، وهو ظاهر الخِرقيِّ، كلفِّ عمامته والتنظيف.
ولا يعمل الصَّنعة للتَّكسب، ولا بالبيع؛ لأنَّه إنَّما ينافي حرمة المسجد، بدليل إباحته في ممرِّه.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 4، الفروع 5/ 194.
(2)
في (و): جزم.
(3)
ينظر: الفروع 5/ 195.
(4)
ينظر: الفروع 5/ 196.