المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(كِتَابُ المَنَاسِكِ) واحدُها: منسكٌ، بفتح السِّين وكسرها، فبالفتح: مصدَرٌ، وبالكسر: اسم (1) - المبدع شرح المقنع - ط ركائز - جـ ٤

[برهان الدين ابن مفلح الحفيد]

فهرس الكتاب

(كِتَابُ المَنَاسِكِ)

واحدُها: منسكٌ، بفتح السِّين وكسرها، فبالفتح: مصدَرٌ، وبالكسر: اسم

(1)

لموضع العبادة.

وهي في الأصل من النَّسيكة، وهي الذَّبيحة المتقرَّب بها، ثمَّ اتُّسِع فيه فصار اسمًا للعبادة والطَّاعة، ومنه قيل للعابد: ناسكٌ، وقد غلب إطلاقها على أفعال الحجِّ؛ لكثرة أنواعها.

وأخَّر الحجَّ عن الصَّلاة والزَّكاة والصَّوم؛ لأنَّ الصَّلاة عماد الدِّين؛ لشدَّة الحاجة إليها، لتكرُّرها كل يوم خمس مرار، ثمَّ الزَّكاة؛ لكونها قرينة لها في أكثر

(2)

المواضع، ولشمولها المكلَّف وغيره، ثم الصَّوم؛ لتكرُّره كلَّ سنةٍ، لكن البخاري قدم رواية الحجِّ على الصَّوم

(3)

؛ للتَّغليظات الواردة فيه، نحو:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عِمرَان: 97]، ونحو:«فليَمُت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا»

(4)

، ولعدم سقوطه بالبدل، بل يجب الإتيان به، إما بنفسه وإما بغيره، بخلاف الصوم.

(يَجِبُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ)، الحجُّ: بفتح الحاء، لا بكسرها في الأشهر، وعكسه شهر الحِجَّة، وهو لغة: القصد إلى من تعظِّمه

(5)

، وشرعًا: قصْدُ مكَّة للنُّسك.

(1)

قوله: (اسم) سقط من (و).

(2)

قوله: (أكثر) سقط من (أ).

(3)

مراده ما أخرجه البخاري (8)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:«بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» ، قال ابن حجر في الفتح 1/ 50:(وقع هنا تقديم الحج على الصوم، وعليه بنى البخاري ترتيبه).

(4)

سيأتي تخريجه 4/ 25 حاشية (2).

(5)

في (ب) و (و): يعظمه.

ص: 5

والعمرة لغة: الزِّيارة، يقال: اعتمره، إذا زاره، وشرعًا: زيارة البيت على وجه مخصوصٍ.

والإجماع على وجوبه، وسنده:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عِمرَان: 97]، والسُّنَّة مستفيضةٌ بذلك، وما ذكره من

(1)

وجوب العمرة هو نَصُّ أحمد

(2)

، وقول جمهور الأصحاب، واحتجَّ أحمد وغيره بقوله:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البَقَرَة: 196].

وظاهره: لا فرق بين المكِّيِّ وغيره؛ لقول عائشة: يا رسول الله! هل على النِّساء من جهادٍ؟ قال: «نعم، عليهنَّ جهادٌ لا قتال فيه، الحجُّ والعمرة» رواه أحمد وابن ماجه، ورواته

(3)

ثقات

(4)

، وعن أبي رَزين العُقيلي: أنَّه أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ ولا العمرة ولا الظَّعَن، قال:«حُجَّ عن أبيك واعتَمِرْ» رواه الخمسة، وصحَّحه التِّرمذيُّ

(5)

، ولأنَّها تشتمل على إحرامٍ وطوافٍ وسعيٍ، فكانت واجبةً كالحجِّ.

(1)

في (أ): في.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2074، زاد المسافر 2/ 531.

(3)

في (و): ورواية.

(4)

أخرجه أحمد (25322)، وابن ماجه (2901)، وابن خزيمة (3074)، وهو حديث صحيح، قال النووي:(إسناد ابن ماجه على شرط الشيخين)، وصححه ابن الملقن وابن حجر والألباني. وأخرجه البخاري (1520) بلفظ: قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال:«لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور» ، وفي لفظ له (2875): أنَّها قالت: استأذنتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال:«جِهادكن الحج» . ينظر: البدر المنير 9/ 37، بلوغ المرام (709)، الإرواء 4/ 151.

(5)

أخرجه أحمد (16184)، وأبو داود (1810)، والترمذي (930)، والنسائي (2637)، وابن ماجه (2906)، وابن خزيمة (3040)، وابن حبان (3991)، والحاكم (1768)، قال أحمد:(لا أعلم في وجوب العمرة حديثًا أجود من هذا ولا أصح)، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وقال الدارقطني عن رواته:(كلهم ثقات)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم. ينظر: شرح الزركشي 3/ 28، صحيح أبي داود 6/ 75.

ص: 6

وعنه: هي سنَّةٌ، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(1)

؛ لأنَّ رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: زعم رسولك أنَّ علينا الصَّلاةَ والزَّكاةَ والصَّومَ والحجَّ، فقال:«صدق» رواه مسلمٌ

(2)

، فلم يذكر العمرة.

وأجيب: بأن اسم الحج يتناولها.

وفي ثالثةٍ: تجب على غير المكي، وهي المنصورة في «المغني» ، إذ ركن العمرة ومعظمُها هو الطَّواف، قال أحمد

(3)

: كان ابن عبَّاسٍ يرى العمرة واجبةً، ويقول:«يا أهل مكة ليس عليكم عمرة، إنَّما عمرتكم الطَّواف بالبيت» ، وهو من رواية إسماعيل بن مسلم المكِّيِّ، وهو ضعيفٌ

(4)

.

(فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً)؛ لما روى أبو هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيُّها النَّاسُ! إنَّ الله قد فرض عليكم الحجَّ فحُجُّوا» ، فقال رجل: أكلَّ عام؟ فسكت، حتَّى قالها ثلاثًا، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لو قلتُ: نعَمْ لوجَبَتْ، ولمَا اسْتطعْتُم» رواه مسلمٌ

(5)

، ولأنَّها عبادةٌ مؤقَّتةٌ بالعمر، أشبه الصَّلاة في

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 5/ 26.

(2)

أخرجه مسلم (12).

(3)

ينظر: زاد المسافر 2/ 531.

(4)

أخرجه الحاكم (1729)، بلفظ:«الحج والعمرة فريضتان على الناس كلهم إلا أهل مكة، فإن عمرتهم طوافهم» ، قال الحافظ في الدراية 2/ 47:(وفيه إسماعيل بن مسلم -المكي- وهو ضعيف)، بل قال أحمد:(منكر الحديث). وأخرجه ابن أبي شيبة (15693)، والفاكهي في أخبار مكة (1821)، وعبد الرزاق كما في التمهيد (6/ 165)، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول:«ليس على أهل مكة عمرة» ، وإسناده صحيح.

وأخرج ابن أبي شيبة (15688)، والفاكهي في أخبار مكة (1820)، عن طاوس بن كيسان قال: سمعت ابن عباس يقول: «لا يضركم يا أهل مكة ألاَّ تعتمروا، فإن أبيتم فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن الوادي» ، وإسناده صحيح.

(5)

أخرجه مسلم (1337).

ص: 7

وقتها، وهو فرض كفايةٍ كلَّ عام.

(بِخَمْسةِ شُرُوطٍ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ)، هما شرطان للصِّحَّة والوجوب، (فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ) أصلي؛ لأنَّه ممنوعٌ من دخول الحرم، وهو منافٍ له، (وَلَا مَجْنُونٍ)؛ للخبر

(1)

، ولعدم صحَّته، وقصد الفعل شرطٌ.

(وَلَا يَصِحُّ

(2)

مِنْهُمَا)؛ لأنَّ كلًّا من الحجِّ والعمرة عبادة من شرطها النِّيَّة، وهي لا تصحُّ منهما، لكن الكافر يعاقب عليه وعلى سائر فروع الإسلام؛ كالتَّوحيد إجماعًا.

وعنه: لا، وهو الأشهر للحنفية

(3)

.

وعنه: يعاقب على النواهي فقط.

والمرتدُّ مثله، وهل يلزمه الحج باستطاعته في ردته إذا أسلم، بناء على أنه التزم حكم الإسلام، أو لَا يلزمه كالأصلي؟ فيه روايتان، فلو حجَّ، ثمَّ ارتدَّ، ثمَّ أسلم وهو مستطيعٌ، فهل يلزمه حجٌّ ثانٍ؟ فيه روايتان.

ويبطل إحرامه، ويخرُجُ منه برِدَّته فيه كالصوم، ولا تبطل

(4)

الاِستطاعة بالجنون.

ولا فرق بين أن يعقده بنفسه، أو يعقدَه له وَلِيُّه، وقيل: يصح في الثانية، اختاره أبو بكر.

ويبطل الإحرام بالجنون؛ لأنَّه لم يبق من أهل العبادة. وقيل: لا، كالموت، فيصير كالمغمَى عليه، والمعروف: لا يبطل به كالسكر

(5)

.

(1)

مراده والله أعلم حديث: «رفع القلم عن ثلاث» وقد سبق تخريجه 1/ 448 حاشية (1).

(2)

في (ب) و (د) و (ز): ولا تصح.

(3)

ينظر: التقرير والتحبير 2/ 87، روضة الناظر 1/ 160.

(4)

في (ز): ولا يبطل.

(5)

في (أ): كالمسكر.

ص: 8

(وَالْبُلُوغُ والحُرِّيَّةُ)، هما شرطان للوجوب والإجزاء.

(فَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ)؛ للخبر

(1)

، ولأنه غير مكلَّفٍ، (وَلَا عَبْدٍ)؛ لأن مدتهما تطول، فلم يجبا عليه؛ لما فيه من إبطال حق السيد كالجهاد. وفيه نظر؛ لأنَّ القصد منه الشهادة.

(وَيَصِحُّ مِنْهُمَا)؛ لما روى ابن عبَّاسٍ: أن امرأةً رفعت إليه صبيًّا، فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجْرٌ» رواه مسلمٌ

(2)

، والعبد من أهل العبادة؛ فصحَّا منه كالحرِّ.

(وَلَا يُجْزِئُهُمَا) عن حجَّة الإسلام بعد زوال المانع، وعليهما الحجُّ والعمرة بعد البلوغ والعتق؛ لما روى ابن عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما صبيٍّ حجَّ ثمَّ بلغ؛ فعليه حجَّة أخرى، وأيُّما عبدٍ حجَّ ثمَّ عَتَق؛ فعليه حجَّة أخرى» رواه الشافعي والبيهقي، قال بعض الحفَّاظ: لم يرفعه إلاَّ يزيد بن زُريع عن شعبة، وهو ثقةٌ

(3)

، ولأنَّهما فعلا ذلك قبل الوجوب عليهما، فلم يجزئهما إذا صارا من أهله؛ كالصَّبيِّ يصلِّي ثمَّ يبلغ في الوقت، وهذا قول عامَّة العلماء إلاَّ شذوذًا، بل حكاه ابن عبد البر إجماعًا

(4)

.

تنبيهٌ: المكاتَب، والمدبَّر، وأمُّ الولد، والمعتَق بعضه؛ كالقِنِّ.

(إِلاَّ أَنْ يَبْلُغَ) الصَّبيُّ، (وَيَعْتِقَ) العبدُ، (فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ، وَفِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا؛ فَيُجْزِئُهُمَا)؛ لأنَّهما أتيا بالنُّسك حال الكمال،

(1)

في (د) و (و): الخبر. ومراده والله أعلم حديث: «رفع القلم عن ثلاث» وقد سبق تخريجه 1/ 448 حاشية (1).

(2)

أخرجه مسلم (1336).

(3)

أخرجه الشافعي (ص 107)، والبيهقي في الكبرى (9849)، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح البيهقي وابن عبد الهادي وابن حجر وقفه، وصحح الحاكم وابن الملقن رفعه، وقال الألباني:(صحيح الإسناد مرفوعًا وموقوفًا، وللمرفوع شواهد ومتابعات يتقوى بها). ينظر: المحرر (663)، البدر المنير 6/ 16، الإرواء 4/ 155.

(4)

ينظر: التمهيد 1/ 106.

ص: 9

فأجزأهما، كما لو وجد قبل الإحرام، واستدلَّ أحمد

(1)

: بأنَّ ابن عبَّاسٍ قال: «إذا أُعتق

(2)

العبدُ بعرفة؛ أجزأت عنه حجَّتُه، وإن أُعتق

(3)

بجَمْعٍ

(4)

؛ لم تجزئ عنه»

(5)

.

لكن لو زال المانع بعد الخروج من عرفة، والوقت باق، ولو أقلَّ جزء؛ عاد فوقف بها أجزأه، نَصَّ عليه

(6)

، وكما لو أحرم إذن، قال المؤلف وغيره: إنما يُعْتَدُّ بإحرام ووقوف موجودين إذن، وما قبله تطوع لا ينقلب فرضًا.

وقال المجد وآخرون: ينعقد إحرامه موقوفًا، فإذا تغير حاله؛ تَبيَّنتْ

(7)

فرضيته؛ كزكاة معجلة.

وعنه: لا يجزئه، وقاله ابن المنذر

(8)

.

وظاهر كلامه: لا فرق في وجود ذلك قبل

(9)

السعي أو بعده، وقلنا بعدم ركنيته، أو سعى

(10)

وقلنا بركنيته ثم زال العذر، وهو أحد الوجهين؛ لحصول

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 214، زاد المسافر 2/ 513.

(2)

في (أ): عتق.

(3)

في (ب): عَتَقَ.

(4)

في (و): تجمع.

(5)

أخرجه أحمد في مسائل عبد الله (ص 214)، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف الحديث، وقد يُقبل في الموقوفات، لا سيما في المناسك، فقد ذكر الآجري عن الفضيل بن عياض أنه قال:(كان ليثٌ أعلم أهل الكوفة بالمناسك)، وقد احتج أحمد بالأثر، ويؤيده أن قتادة وعطاء كانا يفتيان بذلك، فقد روى ابن أبي عروبة في المناسك (12)، عن قتادة، وعن عطاء أنهما قالا:«إذا أعتق المملوك، أو احتلم الغلام عشية عرفة، فشهدا الموقف؛ أجزأ عنهما» .

(6)

ينظر: الفروع 5/ 223.

(7)

في (ز): تتبين. وفي (أ): تبين.

(8)

ينظر: الإقناع لابن المنذر 1/ 240.

(9)

زيد في (و): وجود.

(10)

في (أ): يسعى.

ص: 10

الركن الأعظم، وهو الوقوف، وتبعية

(1)

غيره له.

والثَّاني: لا يجزئه، اختاره ابن عقيل والمجد، وفي «المجرد»

(2)

: هو قياس المذهب؛ لوقوع الرُّكن في غير وقت الوجوب، أشبه ما لو كبر للإحرام ثمَّ بلغ.

فعلى هذا: لا يجزئه وإن أعاد السَّعي، ذكره المجد؛ لأنه لا يشرع مجاوزة عدده، ولا تكراره، واستدامة الوقوف مشروع، ولا قدر له محدودٌ.

وما ذكرناه هو جارٍ

(3)

في طواف العمرة.

وظاهره: أنَّه إذا زال المانع في أثناء طوافها؛ لا يجزئه، ولا أثر لإعادته

(4)

.

وحيث قيل بالإجزاء؛ فلا دم لنقصهما في ابتداء الإحرام، كاستمراره.

تنبيه: إذا زال المانع قبل الوقوف، أو في وقته وأمكن الإتيان؛ لزمه الحج على الفور، ولا يجوز تأخيره مع الإمكان؛ كالبالغ الحرِّ.

(وَيُحْرِمُ الصَّبِيُّ المُمَيِّزُ) بنفسه (بِإِذْنِ وَلِيِّهِ)، فلو أحرم بغير إذنه؛ لم يصحَّ؛ لأنَّه يؤدِّي إلى لزوم مالٍ، فلم ينعقد بنفسه كالبيع.

وقيل: يصحُّ، اختاره المجد؛ كصومٍ وصلاةٍ، فعلى هذا: يحلِّله منه إن رآه ضررًا، في الأصحِّ؛ كعبدٍ.

والوليُّ: من يلي ماله، وظاهر رواية حنبل: يصحُّ من الأم أيضًا

(5)

، اختاره جماعة.

(1)

في (أ): تبعية.

(2)

في (أ) و (ب): «المحرر» . والمثبت موافق لما في الإنصاف 8/ 16.

(3)

في (ب): جاز.

(4)

في (أ): لعيادته.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 145، زاد المسافر 2/ 515.

ص: 11

وفي عصبته؛ كالعم وابنه؛ وجهان.

وظاهره: أنَّ الولي لا يحرم عن المميز؛ لعدم الدَّليل.

(وَغَيْرُ المُمَيِّزِ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ)؛ أي: يعقد له الإحرام، ويقع لازمًا، وحكمه كالمكلَّف، نَصَّ عليه

(1)

؛ لما روى جابر قال: «حَجَجْنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصِّبيان، فأحرمنا عن الصِّبيان» رواه سعيد

(2)

، ولأنَّه يصحُّ وضوءُه كالبالغ، بخلاف المجنون، فصح عقده له؛ كالنِّكاح.

(وَيَفْعَلُ عَنْهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ عَمَلِهِ)؛ لما روى جابر قال: «لبَّيْنَا عن الصبيان ورَمَيْنَا عنهم» رواه أحمد وابن ماجه

(3)

، وروي عن ابن عمر في الرمي، وعن أبي بكر:«أنه طاف بابن الزبير في خِرقة» رواهما الأثرم

(4)

،

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 515.

(2)

لم نقف عليه بهذا اللفظ في المطبوع من سننه، وأخرج الطبراني في الكبير (6564)، والبيهقي في الكبرى (9713)، بلفظ:«خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهللنا بالحج من ذي الحليفة، وأهللنا عن الولدان» الحديث، وفيه أشعث بن سوار وهو ضعيف، وسيأتي نحوه.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (13841)، وأحمد (14370)، وابن ماجه (3038)، بلفظ:«حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان، ورمينا عنهم» . وأخرجه الترمذي (927)، والطبراني في الأوسط (892)، بلفظ:«فكنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان» ، وفي إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف، قال الترمذي:(غريب)، وقال ابن القطان:(ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب، فإن المرأة لا يلبي عنها غيرها، أجمع على ذلك أهل العلم)، وأعله بالاضطراب في المتن، وله علة أخرى. ينظر: بيان الوهم والإيهام 3/ 469، البدر المنير 6/ 317.

(4)

أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (13843)، وأحمد في مسائل أبي داود (ص 163)، وابن معين في جزئه (17)، عن نافع، عن ابن عمر:«أنه كان يحج بصبيانه؛ فمن استطاع منهم أن يرمي رمى، ومن لم يستطع رمى عنه» ، وإسناده صحيح.

وأثر أبي بكر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (9026)، والفاكهي في أخبار مكة (624)، وابن أبي شيبة (14882)، وابن عساكر في تاريخه (28/ 157)، عن أبي إسحاق:«أن أبا بكر طاف بابن الزبير في خرقة» .

وأخرجه ابن الجعد (1980)، وابن أبي شيبة (35782)، وابن أبي عاصم في الآحاد

والمثاني (572)، وابن أبي الدنيا في النفقة على العيال (645)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (1/ 199)، عن أبي إسحاق، عمن حدثه عن أبي بكر بنحوه وفيه:«وهو أول مولود ولد في الإسلام» ، وإسناده ضعيف، مداره على رجل مبهم، وذكر الحافظ في الإصابة 4/ 80: أن الواقدي أنكره، وقال:(هذا غلط بيِّن، فلا اختلاف بين المسلمين أنه أول مولود ولد بعد الهجرة، ومكة يومئذ حرب لم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ولا أحد من المسلمين)، قال الحافظ:(الذي قاله الواقدي متَّجه، ولم يدخل أبو بكر مكة من حين هاجر إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضيَّة، ولم يكن ابن الزبير معه).

ص: 12

فدلَّ أن ما أمكن الصبيَّ فعلُه من وقوفٍ ومبيتٍ؛ لزمه؛ لأنَّ النيابة إنما تجوز مع العجز، وذلك منتفٍ.

لكن لا يجوز أن يرميَ عنه إلا من رمى عن نفسه؛ كالنيابة في الحج، فإن قلنا بالإجزاء هناك؛ فكذا هنا، وإلا وقع الرمي عن نفسه إن كان محرمًا بفرضِه، وإن كان حلالاً لم يعتد به، وإن قلنا يقع الإحرام باطلاً هناك؛ فكذا الرمي هنا.

وإن أمكن الصبيَّ أن يناول النائب الحصى؛ ناوَلَه

(1)

، وإلا استُحِب أن توضع الحَصَاة

(2)

في كفِّه، ثم تؤخذ منه ويُرمى عنه، فلو جعل كف الصبي كالآلة، ورمى بها عنه؛ فحسن.

ثم إن عجز عن الطواف؛ طِيف به محمولاً أو راكبًا، وتعتبر

(3)

النية من

(4)

الطائف به، وكونه ممن يصح أن يُعقد له الإحرام، فإن نواه عن نفسه وعن الصبي؛ وقع عن الصبي، كالكبير يطاف به محمولاً لعذر، ولا فرق في

(5)

حامله أن يكون حلالاً أو حرامًا، أسقَط فرضَ نفسه

(6)

أو لَا؛ لوجود الطواف

(1)

في (ز): بأوله.

(2)

في (أ): يضع الحَصَا.

(3)

في (و): ويعتبر.

(4)

في (أ): في.

(5)

في (أ): بين.

(6)

في (أ): فرضَه عن نفسه.

ص: 13

من الصبي، فهو كمحمول

(1)

مريض.

تنبيهٌ: يجتنب في حجِّه ما يجتنبه

(2)

الكبير من المحظورات، والوجوب متعلِّق بالولِيِّ؛ لأنَّ الصَّغير لا يُخاطَب بخطاب تكليفيٍّ، وعن عائشة:«أنَّها كانت تُجرِّد الصِّبيان إذا دَنَوْا من الحرم»

(3)

، وقال عطاء:«يُفعل به كما يَفعَل الكبير، ويشهد المناسك كلَّها، إلاَّ أنه لا يصلَّى عنه»

(4)

.

فإنْ وطِئ فيه؛ فسدَ حجُّه، ولزمه المضِيُّ فيه، وعليه قضاؤه، ولا يَصِحُّ إلاَّ بعد البلوغ، نَصَّ عليه

(5)

، كالمجنون إذا احتلم.

وقيل: يَصِحُّ قبل بلوغه؛ كالبالغ.

وقيل: لا قضاء عليه؛ لاستلزامه وجوب عبادةٍ بدنيَّةٍ على غير المكلَّف.

وعلى الأوَّل: إذا قضى بدأ بحجَّة الإسلام، فإن أحرم به

(6)

قبلها؛ انصرف إليها، وهل يجزئه عن القضاء؟ ينظر، فإن كان أدرك في الفاسدة جزءًا من الوقوف بعد بلوغه؛ أجزأ عنهما جميعًا، وإلاَّ فلا.

(وَنَفَقَةُ الْحَجِّ وَكَفَّارَاتُه فِي

(7)

مَالِ الوَلِيِّ

(8)

، هذا هو المذهب عند الجمهور؛ لأنَّه السَّبب فيه، وكما لو أتلف مال غيره بأمره، قاله ابن عقيل.

(وَعَنْهُ: فِي مَالِ الصَّبِيِّ)، اختاره جماعةٌ؛ لأنَّه من مصلحته؛ ليألَف الحجَّ

(1)

في (د) و (ز) و (و): كمجهول.

(2)

في (د) و (ز) و (و): يجتنب.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (14883)، وفي إسناده عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف الحديث.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (14881).

(5)

ينظر: الفروع 5/ 222.

(6)

قوله: (به) سقط من (أ).

(7)

في (أ): من.

(8)

في (ب): وليه.

ص: 14

ويتمرَّن عليه، وكأجرة الطبيب، وحاملِه لشهود الجمعة وغيرها.

ومحلُّ الخلاف يختص بما زاد على نفقة الحضر في قول الأكثر، خلافًا للقاضي، فإنَّه أوجبها على الصَّغير مطلقًا، واختار في موضع آخر الأوَّلَ، زاد المجد: وماله كثيرٌ يحتمل ذلك.

فأمَّا سفره معه لخدمة، أو تجارة، أو إلى مكة لغرض صحيح؛ فهي على الصبي رواية واحدة.

وقدَّم في «الفروع» : أنَّ النَّفقة على الولِيِّ، وفي الكفَّارة روايتان، والمؤلِّف سوَّى بينهما كغيره.

ويختص الخلاف بما فعله الصَّبيُّ، ويلزم البالغَ كفارتُه مع خطأ ونسيان، قال المجد: أو فعَلَه الولي لمصلحته؛ كتغطية رأسه لبردٍ، أو تَطييبه

(1)

لمرض، وإن فعله به الولِيُّ لا لعذر؛ فالفدية عليه.

وما لا يلزم البالغَ كفارتُه مع خطأ ونسيانٍ؛ لا يلزم الصَّبيَّ؛ لأنَّ عمده خطأ، فإذا وجبت على الولِيِّ ودخل فيها الصَّوم؛ كصومها عن نفسه

(2)

.

(وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْإِحْرَامُ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ)؛ لما فيه من تفويت حقِّه الواجب عليه.

(وَلَا لِلْمَرْأَةِ

(3)

الْإِحْرَامُ نَفْلاً إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا)؛ لتفويت حقِّه، وقيَّده بالنَّفل منها دون العبد؛ لأنَّه لا يجب عليه حجٌّ بحالٍ، بخلافها، قاله ابن المنجى.

وفيه نظرٌ، فإنَّهم صرَّحوا بأن العبد لو نذره لزمه بغير خلافٍ نعلمه

(4)

؛

(1)

في (أ): تطبيبه. والمثبت موافق لما في الفروع وغيره.

(2)

هكذا بخط المصنف والنسخ الخطية، ونقل الخلوتي في حاشية المنتهى 2/ 274 عبارة صاحب المبدع فقال:(فإذا وجبت على الولي ودخل فيها الصوم، فصومها عن نفسه).

(3)

في (ب) و (د) و (ز): المرأة.

(4)

ينظر: الفروع 5/ 209.

ص: 15

لأنَّه مكلَّف، فصحَّ نذْرُه كالحرِّ، لكن لسيده منعه منه إذا لم يكن نذره بإذنه في رواية، وفي أخرى: لا؛ لوجوبه عليه كالصلاة، وقيل: إن كان على الفور لم يمنعه.

(فَإِنْ فَعَلَا)؛ انعقد إحرامُهما؛ لأنَّه عبادةٌ بدنيَّةٌ، فصحَّت بغير إذنٍ كالصَّوم.

وقال ابن عقيلٍ: يتخرَّج بطلان إحرامه لغَصْبِه

(1)

نفسَه، فيكون قد حج في بدن غصب، فهو آكد من الحج بمال غصب، قال في «الفروع»

(2)

: وهذا متوجِّهٌ، ليس بينهما فرْقٌ مؤثِّر، فيكون هو المذهب، وصرَّح به جماعةٌ في الاعتكاف.

(فَلَهُمَا

(3)

تَحْلِيلُهُمَا) في ظاهر المذهب؛ لأنَّ حقَّهما لازم، فملكا إخراجهما منه كالاعتكاف، وفي «المغني» و «الشرح» في

(4)

العبد: كالصوم المُضِرِّ بِبَدَنِه، ولا يفوت به حقٌّ.

والثَّانية، ونقلها واختارها الأكثر: أنَّه ليس لهما

(5)

تحليلهما.

وعلى الأوَّل: لو حللها فلم تَقْبَل؛ أثِمتْ، وله مباشرتها.

(وَيَكُونَانِ كَالمُحْصَرِ)؛ لأنَّهما في معناه.

(وَإِنْ أَحْرَمَا بِإِذْنٍ؛ لَمْ يَجُزْ تَحْلِيلُهُمَا)؛ لأنَّه قد لزم بالشُّروع، وكنكاحٍ، وإعارة لرهن

(6)

.

وعنه: له تحليل العبد؛ لأنَّه ملَّكَه منافع نفسه، فملك الرجوع فيها؛

(1)

في (د) و (و): كغصبه.

(2)

قوله: (قال في «الفروع») سقط من (ب) و (ز).

(3)

في (ب) و (و): فله.

(4)

قوله: (في) سقط من (ب) و (ز).

(5)

في (د) و (و): له.

(6)

في (و): ورهن.

ص: 16

كالمعير، وله الرجوع قبل إحرام

(1)

.

وكذا لو أحرما بنذر أذن فيه لهما، أو لم

(2)

يأذن فيه للمرأة.

وإن علم العبد برجوع سيده عن إذنه؛ فكما لو لم يأذن، وإلا فالخلاف في عزل الوكيل قبل عِلمِه، وإن

(3)

باعَه فمشتريه كبائعه في تحليله، وله الفسخ إن لم يعلم، إلا أن يملك بائعُه تحليلَه فيحلِّله

(4)

.

تنبيهٌ: إذا أفسد العبد حجَّه بالوطء؛ لزمه المُضِيُّ فيه كالحرِّ، وعليه القضاء، ويصحُّ في رِقِّه

(5)

؛ للزومه له كالنذر، بخلاف حجة الإسلام.

وليس لسيده منعه منه إن كان شروعه فيما أفسده بإذنه؛ لأنَّ

(6)

إذنه فيه إذن في موجَبه، ومن موجَبه قضاء ما أفسده على الفور، وإن لم يكن بإذنه؛ ففي منعه من القضاء وجهان كالنَّذر.

وفي لزومه القضاء لفوات أو إحصار؛ الخلاف كالحر.

وإن عتَقَ قبل أن يأتي بما لزمه من ذلك؛ لزمه أن يبدأ بحجَّة الإسلام، فإن خالف فكالحر.

فإن عتَق في الحجَّة الفاسدة في حال يدرك به حجَّة الفرض؛ مضى فيها، وأجزأه عن الفرض والقضاء، خلافًا لابن عقيلٍ.

ويلزمه حكم جنايته

(7)

كحرٍّ معسِرٍ.

وإن تحلل بحصر، أو حلَّله سيِّدُه؛ لم يتحلَّل قبل الصَّوم، وليس لسيده

(1)

في (أ): الإحرام.

(2)

في (أ) و (ب): ولم.

(3)

زاد في (أ): كان.

(4)

في (أ): فيملكه.

(5)

في (ب) و (د) و (و): رقبته، وفي (ز): رقيقه.

(6)

في (و): ولأن.

(7)

في (أ): حياته.

ص: 17

منعه منه

(1)

، نص عليه

(2)

.

وإن مات العبد ولم يصم؛ فلسيِّده أن يُطعِمَ عنه، ذكره في «الفصول» .

وحكم الصبي في القضاء لفوات أو إحصار، وصحته منه وهو في القضاء بعد بلوغه، وإجزاؤه

(3)

عنه، وعن حجة الإسلام؛ كالعبد.

(وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ) إذا كملت الشُّروط، (وَلَا تَحْلِيلُهَا إِنْ أَحْرَمَتْ بِهِ)؛ لأنَّه واجبٌ بأصل الشَّرع، أشْبَه الصَّوم والصَّلاة أوَّل الوقت، وظاهره: ولو أحرمت قبل الميقات.

ونفقتها عليه قدر نفقة الحضر.

ويستحبُّ لها أن تستأذنه، نَصَّ عليه

(4)

، فإن كان غائبًا كتبت إليه، فإن أذن

(5)

، وإلاَّ حجَّت بمَحرمٍ.

وعنه: له تحليلها. فيتوجه منه: منعها.

وظاهره: أن له منعَها من الخروج إلى حجَّة الإسلام والإحرام إن لم تكمل الشُّروط، وصرَّح به الأصحاب، لكن لو أحرمت إذن بلا إذنه؛ لم يملك تحليلها في الأصحِّ؛ كالمريض.

مسألةٌ: إذا أحرمت بواجب، فحلف زوجها بالطلاق الثَّلاث لا تحج العامَ؛ فليس لها أن تحل؛ لأنَّ الطلاقَ مباح، فليس لها ترك الفريضة لأجله، ونقل مهنى: أنه سئل عن هذه المسألة، فقال عطاء

(6)

: الطلاق هلاك، هي بمنزلة المحصر

(7)

.

(1)

قوله: (منه) سقط من (و).

(2)

ينظر: المغني 3/ 240.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): وإحرامه.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2410.

(5)

في (أ): أذن لها.

(6)

في (و): قال. في المغني 3/ 459: (فقال: قال عطاء).

(7)

في (ب): الحضر. وينظر: المغني 3/ 459.

ص: 18

(فَصْلٌ)

لا يجوز لوالد منع ولده من حجٍّ واجبٍ، ولا تحليله إن أحرم به، وليس للولد طاعته في تركه، فإن كان تطوُّعًا؛ فله منعه كالجهاد، فإن أحرم بغير إذنه؛ لم يملك تحليله؛ لوجوبه بشروعه فيه، فصار كالواجب ابتداءً.

وكذا ليس لولي سفيه

(1)

منعه من حجِّ الفرض، ولا تحليله منه، ويدفع

(2)

نفقته إلى ثقة ينفق عليه في طريقه، فإن أحرم بنفل، وزادت نفقته على نفقة الحضر، ولم يكتسبها؛ فالأصح: له منعه وتحليله بصوم، وإلا فلا، فإن منعه وأحرم؛ فهو كمن ضاعت نفقته.

فرعٌ: حكم العمرة الواجبة؛ كالحجِّ المفروض في قول الأكثر.

وهل يلحق المنذور به، فلا يملك منعها، أو لا كالتطوع؟ فيه روايتان، حكاهما أبو الحسين. وقيل: يفرق بين المُعَيَّن وغيره.

(1)

قوله: (سفيه) سقط من (أ).

(2)

في (أ): وتدفع.

ص: 19

(فَصْلٌ)

(الشَّرْطُ الْخَامِسُ: الاِسْتِطَاعَةُ)؛ لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عِمرَان: 97]، ولأنَّ الخطاب إنَّما هو للمستطيع؛ لأنَّ {مَنْ} بدل من {النَّاسِ} ، فتقديره: ولله على المستطيع؛ لانتفاء تكليف ما لا يُطاق شرعًا وعقلاً.

(وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً)، نَصَّ عليه

(1)

؛ لمَا روى ابن عمر قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يُوجِب الحجَّ؟ قال: «الزَّادُ والرَّاحلة» رواه الترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم

(2)

، وعن أنسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل عن السَّبيل، فقال:«الزَّادُ والرَّاحلةُ» ، وكذا رواه جابِرٌ، وابن عمر، وعبد الله بن عمرٍو، وعائشة عنه

(3)

، رواه الدَّار قطنيُّ

(4)

، ولأنَّها عبادةٌ تتعلق بقطع مسافة بعيدة، فكان ذلك شرطًا كالجهاد.

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 170، مسائل عبد الله ص 197، مسائل ابن منصور 5/ 2076.

(2)

أخرجه الترمذي (813)، وابن ماجه (2896)، والدارقطني (2421)، قال الترمذي:(حديث حسن)، وفي سنده إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي وهو متروك.

(3)

قوله: (عنه) سقط من (و).

(4)

حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه الدار قطني (2418،)، والحاكم (1613)، من طريق قتادة، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا، واختلف في وصله وإرساله، ورجح البيهقي وابن عبد الهادي وابن حجر إرساله، قال ابن عبد الهادي:(فرواية هذا الحديث عن قتادة عن أنس مرفوعًا وهم، والصواب: عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً)، وأخرجه مرسلاً ابن أبي شيبة (15707)، وأبو داود في المراسيل (133).

وحديث جابر رضي الله عنه: أخرجه الدار قطني (2413)، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه: محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، ضعفه ابن معين، وقال البخاري:(منكر الحديث)، وقال النسائي:(متروك)، ومع هذا اختلف عليه في إسناده، قال ابن الملقن:(وقد اختلف عليه فيه، ومعه في الإسناد عبد الملك بن زياد النصيبي، قال الأزدي: منكر الحديث).

وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه الدارقطني (2414، 2415)، من طريقين عن ابن لهيعة والعرزمي، كلاهما عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به، وإسناده ضعيف جدًّا، قال الزيلعي:(وابن لهيعة والعرزمي ضعيفان)، والعرزمي متروك الحديث.

وحديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 332)، والبيهقي في الكبرى (8640)، من طريق عتاب بن أعين، عن سفيان الثوري، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أمه، عن عائشة، وفي سنده: عتاب بن أعين، قال العقيلي:(عتاب بن أعين عن الثوري، في حديثه وهم)، وقال البيهقي:(ليس بمحفوظ)، وقال الذهبي:(روى عنه هشام بن عبيد الله حديثًا خولف في سنده)، والمراد هذا الحديث قاله ابن حجر في اللسان.

ونقل ابن حجر في الفتح، عن ابن المنذر قوله:(لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة)، وقال الألباني بعد أن خرَّج طرقه:(وخلاصة القول: أن طرق هذا الحديث كلها واهية، وبعضها أوهى من بعض، وأحسنها طريق الحسن البصري المرسل). ينظر: معرفة السنن والآثار 7/ 19، تنقيح التحقيق 3/ 381، البدر المنير 6/ 26، ميزان الاعتدال 3/ 590، 3/ 27، لسان الميزان 5/ 367، بلوغ المرام (712)، الفتح 3/ 379، الإرواء 4/ 160.

ص: 20

وليس هو شرطًا في الصِّحَّة والإجزاء، فإنَّ خلْقًا من الصَّحابة حجُّوا ولا شَيءَ لهم، ولم يؤمر أحد منهم بالإعادة، ولأنَّ الاستطاعة إنما شرطت للوصول، فإذا وصل وفعل؛ أجزأه كالمريض.

وظاهره: أنَّه إذا لم يستطع، وأمكنه المشيُ والتَّكسُّب بالصَّنعة، أنَّه لا يلزمه.

واعتبر ابن الجوزي الزَّاد والرَّاحلة لمن يحتاجهما.

وفي «الرعاية» : وقيل: من قدر أن يمشي عن مكة مسافة القصر؛ لزمه الحجُّ والعمرة؛ لأنَّه مستطيعٌ، فإن كان عادته السُّؤال، والعادة إعطاؤه؛ فللمالكيَّة قولان، وعندنا يكره لمن حرفته

(1)

السؤال.

قال أحمد فيمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة: لا أحبُّ له ذلك، يتوكَّل على أزواد النَّاس

(2)

.

(1)

في (أ): حرمته.

(2)

ينظر: الحث على التجارة ص 142.

ص: 21

ويعتبر الزاد مطلقًا إن احتاج إليه، وكونه ملكه

(1)

، فلو وجده في المنازل؛ لم يلزمه حمله، وإلا لزمه، سواء وجده بثمن مثله أو بزيادة؛ كماء الوضوء، والقدرة على وعاء الزاد؛ لأنَّه لا بدَّ منه.

وأمَّا الرَّاحلة؛ فلا تشترط إلا مع البعد، وهو من بينه وبين مكة مسافة القصر فقط، إلا مع

(2)

عجز؛ كشيخ كبير لا يمكنه المشي.

(صَالِحَةً لِمِثْلِهِ، بِآلَتِهَا الصَّالِحةِ لِمِثْلِهِ) عادة؛ لأنَّه يتعلَّق به أمرٌ شرعيٌّ، فاعتبر فيه الصَّلاحيَة؛ كالنَّفقة والسُّكنى في حق الزوجة، فيعتبر في الزاد: أن يكون من الخاص إن كان من أولاد التُّجار والأمراء، أو من الخاصة

(3)

إن لم يكن كذلك.

وفي الرَّاحلة وآلتها: أن يكون الجمل جيِّدًا بمحارة إن كان كالأوَّل، وإلا فلا تشترط المحارة إذا أمكنه الركوب على القتب، ولا كون الجمل جيِّدًا، قاله ابن المنجى، وفيه شيء، فإن ظاهر كلامهم في الزاد: يلزمه مطلقًا؛ لظاهر الدليل، ولئلا

(4)

يفضي إلى ترك الحجِّ، بخلاف الرَّاحلة.

فإن لم يقدر على خدمة نفسه؛ اعتبر من يخدمه؛ لأنَّه من سبيله، ذكره في «المغني» و «الشرح» ، فظاهره

(5)

: لو أمكنه لزمه؛ عملاً بالظاهر، وكلام غيرهما يقتضي أنه كالراحلة؛ لعدم الفرق.

(أَوْ) يملك (مَا يَقْدِرُ

(6)

عَلَى تَحْصِيل ذَلِكَ)؛ أي: الزَّاد والرَّاحلة؛ لأنَّ

(1)

في (ب) و (ز): يمكنه، وفي (د) و (و): يملكه.

(2)

في (أ): من.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وهو الموافق للممتع لابن المنجى.

(4)

في (ب) و (ز): وألاَّ.

(5)

في (و): وظاهره.

(6)

زاد في (ب): به.

ص: 22

ملك الثَّمن كملك المثمن، بدليل أن القدرة على ما تحصل به الرَّقبة في الكفَّارة كملكها، ويعتبر الزَّاد والرَّاحلة لذهابه وعَوده.

(فَاضِلاً عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ)؛ لأنَّهما من الحوائج الأصليَّة؛ لأنَّ المفلِس يقدَّم بهما على غرمائه، فهنا أولى، ويشتريهما بنقد بيده، فإن فضل منه

(1)

ما يحج به؛ لزمه، فإن كان المسكن واسعًا يفضل عن حاجته، وأمكنه

(2)

بيعه وشراء ما يكفيه ويفضل ما يحجُّ به؛ لزمه.

قال في «الفروع» : ويتوجه مثله في الخادم والكتب التي يحتاجها كهما، فإن استغنى بإحدى نسختي كتاب؛ باع الأخرى.

(وَقَضَاءِ دَيْنِهِ)؛ لأنَّ ذمَّته مشغولةٌ به، وهو محتاجٌ إلى براءتها، وظاهره

(3)

: لا فرق بين أن يكون حالًّا أو مؤجَّلاً، لله تعالى أو لآدَمِيٍّ.

(وَمُؤْنَتِهِ)؛ لقوله: «ابدأ بنفسك»

(4)

، (وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ) الذين يلزمه

(5)

مُؤنتُهم؛ لأنَّ ذلك مقدَّم على الدَّين، فلأن يقدم على الحج بطريق الأَولى، ولتأكد حقِّهم، بدليل قوله عليه السلام: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يقوت

(6)

» رواه أبو داود

(7)

، (عَلَى الدَّوَامِ)، وهو معنى ما في «المحرر»: وكفاية دائمة له

(1)

في (ب): منهما.

(2)

في (و): وأمكن.

(3)

في (أ) و (ب): فظاهره.

(4)

أخرجه مسلم (997)، من حديث جابر رضي الله عنه، بلفظ:«ابدأ بنفسك فتصدق عليها» .

(5)

في (ب): الذي تلزمه.

(6)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): يعول.

(7)

أخرجه أحمد (6495)، وأبو داود (1692)، والنسائي في الكبرى (9132)، وابن حبان (4240)، والحاكم (1515)، من طريق أبي إسحاق، عن وهب بن جابر الخيواني، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفي سنده وهب بن جابر، وثَّقهُ ابنُ معين والعجليُّ، وقال ابنُ المديني والنسائيُّ:(مجهول)، وقال الذهبي:(لا يكاد يعرف، تفرد عنه أبو إسحاق)، قال ابن حجر في التقريب:(مقبول)، وله متابعٌ عند مسلم (996)، من طريق

خيثمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، بلفظ:«كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته» . ينظر: تهذيب الكمال 31/ 119، ميزان الاعتدال 4/ 350.

ص: 23

ولأهله، فظاهره

(1)

: أنَّه قصد النفقة عليه وعلى عياله إلى أن يعود، ويبقى له إذا رجع ما يقوم بكفايته وكفاية عائلته على الدوام؛ من عقار، أو بضاعة، أو صناعة، جزم به في «الهداية» و «منتهى الغاية» ، وقدمه في «الفروع» ؛ لتضرره بذلك، وكالمفلس

(2)

.

وفي «الكافي» و «الرَّوضة» : إلى أن يعود، وقدَّمه في «الرعاية» ، فيتوجه: أن المفلس مثله وأولى، ولم يتعرض في «الشرح» إلى هذا، وهو غريب منه.

فَرعٌ: إذا خاف العَنَت؛ قدَّم النِّكاح عليه؛ لوجوبه إذن، ولحاجته إليه.

وقيل: يقدِّم الحجَّ كما لو لم يَخَفْه، ولأنه أهم الواجبين، ويمكن تحصيل مصالحه بعد إحراز الحج.

(وَلَا يَصِيرُ مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ بِحَالٍ)؛ لما سبق

(3)

في الاستطاعة، وكالبذل في الزَّكاة، ولا يلزمه قبول ما بُذِلَ له، سواء كان الزَّاد والرَّاحلة، أو المال؛ لما فيه من المنَّة؛ كبذل الرقبة في الكفارة، قال في «الفروع»: لا يملك ولا يجب، بخلاف الحجِّ

(4)

.

ولا فرق في الباذل أن يكون أجنبيًّا أو قريبًا، حتَّى الابن.

(فَمَنْ كَمُلَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ؛ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ)، ولم يَجُز له تأخيره، ويأتي به

(5)

(عَلَى الْفَوْرِ)، نَصَّ عليه

(6)

؛ لحديث ابن عباس: «تعجلوا إلى

(1)

في (ب) و (د) و (و): وظاهره.

(2)

في (د) و (و): كالمفلس.

(3)

في (و): مرَّ.

(4)

كذا في الأصل وفي باقي النسخ، وعبارة الفروع 5/ 259:(وفيه نظر؛ لأنه تَملُّكٌ، ولا يجب، بخلاف الحج).

(5)

قوله: (ويأتي به) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

(6)

ينظر: الفروع 5/ 251.

ص: 24

الحجِّ»؛ يعني: الفريضة، وحديث الفضل:«من أراد الحجَّ فليتعجَّل» رواهما أحمد

(1)

، وعن علِيٍّ مرفوعًا:«من مَلَك زادًا وراحلةً تُوصِلُه إلى بيت الله ولم يَحُجَّ؛ فلا عليه أن يموتَ يهوديًّا أو نصرانيًّا» رواه الترمذي، وقال:(لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقالٌ)

(2)

، ولأنَّه أحد أركان الإسلام، فكان واجبًا على الفور كالصِّيام؛ إذ لو مات مات عاصيًا، وهو الأصحُّ للشَّافعيَّة

(3)

.

وقيل: لا. وقيل: لا في الشَّابِّ.

وكذا الخلاف لهم في صحيحٍ لم يحجَّ حتَّى زَمِن.

وذكر ابن أبي موسى وجهًا، وذكره ابن حامد رواية: أنَّه يجب موسعًا، وله تأخيره، زاد المجد

(4)

: مع العزم على فعله في الجملة، لأنَّه عليه السلام أمَّر أبا بكر على الحجِّ

(5)

، وتخلَّف بالمدينة غير محارِب ولا مشغولٍ بشَيءٍ، وتخلَّف

(1)

حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (2867)، وحديث الفضل رضي الله عنه: أخرجه أحمد (1834)، من طريق فضيل بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن الفضل، أو أحدهما عن الآخر، ومدار الإسنادين على إسماعيل بن خليفة العبسي، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق سياء الحفظ)، وله متابعٌ عند أبي داود (1732)، وفي سنده مهران أبو صفوان، وهو مجهول، وصحح الحديث الحاكم، وحسنه الألباني. ينظر: صحيح أبي داود 5/ 413.

(2)

أخرجه الترمذي (812)، والبيهقي في الشعب (3692)، وقال الترمذي:(هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد الله مجهول، والحارث يضعف في الحديث)، وقال ابن عدي عن هلال:(هو معروف بهذا الحديث، وليس الحديث بمحفوظ)، والحارث هو الحارث بن عبد الله الأعور في حديثه ضعف، وقال ابن الجوزي:(هذا حديث لا يصح)، وضعفه غيرهم. ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 404، البدر المنير 6/ 43.

(3)

أي: أن من أخره فمات؛ مات عاصيًا؛ لا أن الحج على الفور عندهم، بل مذهب الشافعي أنه على التراخي. ينظر: نهاية المطلب 4/ 161، البيان 4/ 48.

(4)

في (د): المحمد.

(5)

أخرجه البخاري (1622)، ومسلم (1347).

ص: 25

أكثر المسلمين مع قدرتهم عليه، ولأنه لو أخَّره لم يسم قضاء.

والأوَّل هو المنصور؛ لأنَّ وجوبه بصفة الموسَّع يخرجه عن رتبة الواجبات؛ لتأخيره

(1)

إلى غير غاية، ويسمى

(2)

قضاء فيه وفي الزَّكاة، وذكره في «الرعاية» وجهًا، ثم يبطل بما إذا غلب على ظنِّه أنَّه لا يعيش إلى سنة أخرى لا يجوز له تأخيره، وإذًا

(3)

لا يسمى قضاءً.

وقيل: إنه عليه السلام لم يؤخره؛ لأنَّه فُرض سنة عشرٍ، والأشهر: سنة تسع، فقيل: أخَّره؛ لعدم الاستطاعة، وفيه نظرٌ. وقيل: لرؤية المشركين حول البيت عراة. وقيل: بأمر الله تعالى؛ لتكون حجَّته حجَّة الوداع في السَّنة التي استدار الزَّمان فيها كهيئته، وتتعلم منه أمته المناسك التي استقر أمره عليها، ويصادف وقفة الجمعة، ويكمل الله دينه، ويقال: اجتمع يومئذ أعيادُ أهل كل دينٍ، ولم يجتمع قبله ولا بعده.

(فَإِنْ عَجَزَ عَنِ السَّعْيِ إِلَيْهِ)؛ أي: إلى الحجِّ؛ (لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ)؛ كزَمانةٍ ونحوها؛ (لَزِمَهُ) على الفور (أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ)؛ لقول ابن عبَّاسٍ: إنَّ امرأةً من خثعم قالت: يا رسول الله! إنَّ أبِي أدركته فريضة الله في الحجِّ شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الرَّاحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال:«حُجِّي عنه» متَّفقٌ عليه

(4)

.

زاد في «المغني» و «الشرح» : لو كان نضو الخلق، لا يقدر على الثُّبوت على الرَّاحلة إلاَّ بمشقَّةٍ غير محتملةٍ، يؤيِّده قول أحمد في المرأة إذا كانت ثقيلةً، لا يقدر مثلها يركب إلا بمشقَّةٍ شديدةٍ.

(1)

في (أ): لتأخير.

(2)

في (د): وتسمى.

(3)

في (أ): فزاد.

(4)

أخرجه البخاري (1513)، ومسلم (1334).

ص: 26

وأطلق أبو الخطَّاب وجماعةٌ: عدم القدرة، ويسمى: المعضوب؛ لأنَّه عبادة تجب الكفارة بإفسادها، فجاز أن يقوم غيره فيه كالصوم، وشرطه الاستطاعة، وسواء وجب عليه حال العجز أو قبله.

وظاهره: أنَّه لا يشترط اتِّحاد النَّوع، بل تنوب امرأة عن رجل، وعكسه، ولا كراهة في نيابتها عنه.

وفيه احتمال؛ لفوات رمَل، وحلق، ورفع صوته بالتَّلبية.

وأضعف منه قول النَّخَعيِّ وابن أبي ذئب: لا يحج أحدٌ عن أحد

(1)

. (مِنْ بَلَدِهِ)، أو من الموضع الذي أيس

(2)

فيه، كالاستنابة عن الميت

(3)

؛ لأنَّه وجب على المستنيب كذلك، فكذا [النائب]

(4)

كقضاء الصوم.

ويعتبر أن يجد مالاً فاضلاً عن حاجته المعتبرة، وافيًا بنفقة راكبٍ، فإن وجد نفقة راجل؛ لم يلزمه في الأصحِّ.

وإن وجد مالاً، ولم يجد نائبًا؛ فعلى الخلاف في إمكان المسير

(5)

، هل هو شرط للوجوب أو للزوم الأداء؟ فقياس المذهب: أنَّه يسقط، وعلى الثَّاني: يثبت الحجُّ في ذمَّته.

فإن لم يجد مالاً يستنيب به؛ فلا حجَّ عليه بغير خلافٍ

(6)

.

(1)

ينظر: إكمال المعلم 4/ 435، المجموع للنووي 7/ 116.

(2)

في (أ) و (ب): أيسر.

(3)

في (أ): الموت.

(4)

في الأصل و (أ) و (د): النائم. والمثبت من (و)، وهو الموافق لما في الممتع لابن المنجى 2/ 74، وعبارته:(لأن الحج يجب على المنوب من ذلك، فكذلك النائب؛ لأن القضاء على وفق الأداء؛ كقضاء الصلاة والصيام).

(5)

في (و): السير.

(6)

ينظر: المغني 3/ 222.

ص: 27

(وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ)؛ أي: عن المعضوب

(1)

(وَإِنْ عُوفِيَ) نَصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّه أتى بما أمر به، فخرج عن العهدة، كما لو لم يبرأ.

وسواء

(3)

عوفي بعد فراغ النائب أو قبل فراغه في الأصح فيه؛ كالمتمتع إذا شرع في الصوم، ثم قدر على الهدي.

والثَّاني: لا يجزئه، وهو الأظهر عند الشَّيخ تقيِّ الدِّين؛ كالمتيمم إذا وجد الماء في الصَّلاة.

أمَّا إذا حصل البرء قبل إحرام النائب؛ فإنَّه لا يجزئه اتفاقًا

(4)

؛ للقدرة على المبدل قبل الشُّروع في البدل كالمتيمم.

وظاهره: أن المريض المرجُوَّ برؤه ليس له أن يستنيب؛ كالمحبوس.

(وَمَنْ

(5)

أَمْكَنَهُ السَّعْيُ إِلَيْهِ

(6)

؛ أي: إلى الواجب من الحجِّ والعمرة؛ (لَزِمَهُ ذَلِكَ)؛ لأنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به واجب، كالسَّعي إلى الجمعة، (إِذَا كَانَ فِي وَقْتِ المَسِيرِ)؛ أي: يكون الوقت متَّسعًا للخروج إليه، بحيث يمكنه المسير بما جرت به العادة، فلو أمكنه أن يسير سيرًا يجاوز العادة؛ لم يلزمه.

(وَوَجَدَ طَرِيقًا آمِنًا)؛ لأنَّ في اللزوم بدونه ضررًا، وهو منفي

(7)

شرعًا، وسواء كان قريبًا أو بعيدًا

(8)

، ولو غير الطريق المعتاد، برًّا كان أو بحرًا غالبه السَّلامة؛ لحديث عبد الله بن عمرو: «لا يركب البحر إلا حاجٌّ، أو معتمِرٌ،

(1)

في (ز): المغصوب.

(2)

ينظر: الفروع 5/ 257.

(3)

في (و): سواء.

(4)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 213، مواهب الجليل 2/ 494، الفروع 5/ 251.

(5)

في (و): وإن.

(6)

قوله: (إليه) سقط من (ب) و (ز) و (و).

(7)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): منتفي.

(8)

في (د) و (و): بعيدًا أو قريبًا.

ص: 28

أو غازٍ في سبيل الله» رواه أبو داود، وفيه مقالٌ

(1)

، ولأنَّه يجوز سلوكه بأموال اليتامى أشبه البَرَّ، فإن لم يكن له غالب؛ فخلاف، وخرَّجه في «منتهى الغاية» على الخلاف فيما إذا استوى الحرير والكتَّان.

أما إذا غلب الهلاك؛ لم يلزمه سلوكه، وذكره المجد إجماعًا في البحر

(2)

.

(لَا خَفَارَةَ فِيهِ)، وظاهره: ولو كانت يسيرةً، ذكره الجمهور؛ لأنَّها رشوةٌ، فلم يلزم بذلها في العبادة، (وَيُوجَدُ

(3)

فِيهِ)؛ أي: في الطريق (المَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى المُعْتَادِ)؛ أي: يجد ذلك في المنازل التي ينزلها

(4)

؛ لأنه لو كلِّف حمل مائه، وعلف بهائمه من موضعه إلى مكَّة؛ لأدَّى إلى مشقَّةٍ عظيمةٍ، ولأنَّه متعذِّر الإمكان، بخلاف زاد نفسه، فإنه يمكنه حمله.

فعلَى هذا: يجب حمل الماء من منهَلٍ إلى منهَلٍ، وحمل الكلأ من موضع إلى موضع.

(وَعَنْهُ: أَنَّ إِمْكَانَ المَسِيرِ

(5)

وَتَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ) من عدو (مِنْ شَرَائِطِ الوُجُوبِ)، وقاله جماعةٌ؛ لأنَّه غير مستطيعٍ، ولتعذر فعل الحج معه

(6)

، كعدم الزَّاد والرَّاحلة.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2393)، ومن طريقه أبو داود (2489)، والبيهقي في الكبرى (11079)، وفي سنده مجهولان، واتفق الحفاظ على ضعفه، قال الخطيب:(قال أحمد: حديث غريب)، وقال الخطابي:(وقد ضعفوا إسناد هذا الحديث)، وقال الألباني:(منكر). ينظر: التاريخ الكبير للبخاري 2/ 104، تحفة الأشراف 6/ 282، السلسلة الضعيفة (478).

(2)

ينظر: الفروع 5/ 239.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): يوجد.

(4)

في (أ): نزلها.

(5)

في (ب) و (د): السير، وفي (و): اليسير.

(6)

قوله: (معه) سقط من (أ).

ص: 29

وظهر أنَّ المذهب: أنَّ أمْن الطَّريق وسعة الوقت من شرائط لزوم الأداء، اختاره أكثر أصحابنا؛ لأنَّه عليه السلام فسَّر السَّبيل:«بالزَّاد والرَّاحلة»

(1)

، ولأنَّ إمكان الأداء ليس شرطًا في وجوب العبادة، بدليل ما لو زال المانع، ولم يبق من وقت الصلاة ما يمكن الأداء فيه، ولأنَّه يتعذر الأداء دون القضاء، كالمرض المرجو برؤه، وعدم الزاد والراحلة يتعذر معه

(2)

الجميع.

فعلى هذا: هل يأثَمُ إن لم يعزم على الفعل؟ يتوجَّه الخلاف في الصَّلاة.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَتِ الْخَفَارَةُ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ؛ لَزِمَهُ بَذْلُهَا)؛ لأِنَّها غرامةٌ يقِفُ إمكان الحجِّ علَى بذلها، فلم يمنع الوجوب مع إمكان بذلها؛ كثمن الماء، وقيده في «المحرَّر» عنه: باليسيرة

(3)

، وجوَّزها الشَّيخ تقيُّ الدِّين عند الحاجة إليها في الدَّفع عن المُخفر

(4)

، ولا يجوز مع عدمها؛ كما يأخذه السُّلطان من الرَّعايا.

(وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ)؛ وجب قضاؤه، و (أُخْرِجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ)، وإن لم يُوصِ به؛ لِما روى ابن عبَّاسٍ: أن امرأةً قالت: يا رسول الله! إن أمِّي نذرت أن تحجَّ، فلم تحجَّ حتَّى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال:«نعم حُجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمُّك دَين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحقُّ بالوفاء» رواه البخاريُّ

(5)

، ولأنَّه حقٌّ استقرَّ عليه، فلم يسقط بموته كالدَّين، ويكون من جميع ماله؛ لأنَّه عليه السلام شبَّهه بالدَّين، فوجب مساواته له، وسواء

(6)

فرط بالتأخير أو لا.

(1)

تقدم تخريجه 4/ 20 حاشية (2)، (3).

(2)

في (و): منه.

(3)

في (ب) و (ز): باليسير.

(4)

ينظر: الفروع 5/ 239، الاختيارات ص 171.

(5)

أخرجه البخاري (1852).

(6)

في (و): سواء.

ص: 30

وظاهره: لا فرق بين الواجب بأصل

(1)

الشَّرع أو بإيجاب نفسه، ويُخرَج عنه من حيث وجب، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّ القضاء بصفة الأداء كالصَّلاة، ويستناب مِنْ أقرب وَطنَيْه؛ لتخَيُّر

(3)

المنوب

(4)

عنه، فإن لزمه بخراسان، فمات ببغداد، أو بالعكس؛ فقال أحمدُ: يُحجُّ عنه من حيث وجب عليه، لا من حيث موته

(5)

، ويحتمل أن يحج عنه من أقرب المكانين.

ويجزئ دون الواجب إذا كان دون مسافة القصر؛ لأنَّه كحاضر، وإلا لم يجزئه؛ لأنَّه لم يكمل الواجب.

وقيل: يجزئه؛ كمن أحرم دون ميقات.

وقيل: يجزئ بحج عنه من ميقاته، لا من حيث وجب.

وعلى كلِّ حالٍ؛ يقع الحجُّ عن المحجوج عنه.

فإن مات هو أو نائبه في الطَّريق؛ حُجَّ عنه من حيث مات فيما بقي، نَصَّ عليه

(6)

، مسافة وفعلاً وقولاً، وإن صُدَّ فعل ما بقي؛ لأنه أسقط بعض الواجب.

(فَإِنْ ضَاقَ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ)، بأن لم يخلِّف ما يكفي الحجَّ من بلده، (أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) وتزاحموا؛ (أُخِذَ لِلْحَجِّ بِحِصَّتِهِ)، كما لو خلَّف مائةً وعليه مثلها، والحجُّ يكفيه مائةٌ، فيطلع له خمسون.

(وَحُجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ)، نَصَّ عليه

(7)

؛ لقدرته على بعض المأمور به.

(1)

في (أ): أصل.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2370، زاد المسافر 2/ 508.

(3)

في (د) و (ز): ليخير، وفي (و): البحر. والمثبت موافق لما في الكشاف.

(4)

في (د) و (و): الموت.

(5)

ينظر: مسائل صالح 1/ 438، مسائل أبي داود ص 186.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 186.

(7)

ينظر: مسائل صالح 1/ 438، مسائل أبي داود ص 186.

ص: 31

وعنه: يسقط الحجُّ، عيَّن فاعله أم لا.

وعنه: يقدم الدَّين؛ لتأكُّده.

مسألةٌ: إذا أوصى بحجِّ نفلٍ، أو أطلق؛ جاز من الميقات، نَصَّ عليه

(1)

، ما لم تمنع منه

(2)

قرينة. وقيل: من محلِّ وصيته؛ كحجٍّ واجبٍ.

فإن لم يف ثُلُثه بالحج من بلده؛ حج

(3)

من حيث يبلغ، أو يعان به في الحج، نص عليه

(4)

، وقال: التطوع ما

(5)

يبالي من أين

(6)

كان

(7)

.

أصْلٌ: يلزم الأعمى أن يحجَّ بنفسه بالشُّروط السَّابقة؛ لقدرته عليه كالبصير، بخلاف الجهاد، ويعتبر له قائد؛ كبصير يجهل الطَّريق، وهو كالمَحْرَم.

وفي «الواضح» : يشترط للأداء قائدٌ يلائمه

(8)

، أي: يوافقه، ويلزمه أجرة مثله. وقيل: وزيادة يسيرة، فلو تبرَّع لم يلزمه قبوله؛ للمنَّة.

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 508.

(2)

في (أ): لما لم تمنع.

(3)

زاد في (أ): به.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 150.

(5)

في (ب) و (ز) و (و): لا.

(6)

في (و): أي.

(7)

ينظر: المغني 3/ 235.

(8)

قوله: (يلائمه) سقط من (و).

ص: 32

(فَصْلٌ)

(وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الحَجِّ عَلَى المَرْأَةِ: وُجُودُ مَحْرَمِهَا)، نقله الجماعةُ

(1)

، وهو المذهب؛ لما روى ابن عبَّاسٍ مرفوعًا:«لا تسافر امرأة إلاَّ مع ذي محرَمٍ، ولا يدخل عليها رجلٌ إلاَّ ومعها محرَمٌ» ، فقال رجل: يا رسول الله! إني أريد أن أخرج في جيش كذا

(2)

، وامرأتي تريد الحجَّ، فقال:«اخرج معها» رواه أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ

(3)

، وعن أبي هريرة مرفوعًا:«لا يَحِلُّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومٍ وليلةٍ ليس معها حرمةٌ» رواه البخاريُّ، ولمسلمٍ:«ذو محرَمٍ منها» ، وله أيضًا:«ثلاثًا»

(4)

، وهذا مع ظاهر الآية؛ بينهما عمومٌ وخصوصٌ، وخبر ابن عبَّاس خاصٌّ، ولأنَّها أنشأت سفرًا في دار الإسلام، فلم يجز بغير محرم؛ كحجِّ التَّطوُّع والزيارة والتِّجارة.

وظاهره: لا فرق بين العجوز والشَّابَّة، لكن شرطه: أن يكون لعورتها حكم، وهي بنت سبع.

ونقل أحمد بن إبراهيم: لا يحلُّ سفرها إلاَّ بمحرم، قال: إذا صار لها سبع سنين أو تسع

(5)

، قلت: هو الظاهر؛ لقول عائشة: «إذا بلغت الجارية تسعًا فهي امرأةٌ»

(6)

.

وعنه: لا يشترط في الحجِّ الواجب؛ كسفر الهجرة، ولأنَّها تخرج مع كل

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2078، زاد المسافر 2/ 500.

(2)

زيد في (د) و (ز) و (و): وكذا.

(3)

أخرجه أحمد (3231)، وهو في البخاري (1862).

(4)

أخرجه البخاري (1088)، ومسلم (1339).

(5)

ينظر: الفروع 5/ 246.

(6)

تقدم تخريجه 1/ 395 حاشية (6).

ص: 33

من أَمِنته.

وعنه: لا يشترط في القواعد من النِّساء التي لا يُخشى منهن ولا عليهن فتنةٌ.

وعنه: لا يعتبر إلاَّ في مسافة القصر، كما لا يعتبر في أطراف البلد مع عدم الخوف.

واختار الشَّيخ تقيِّ الدَّين: تحج

(1)

كل امرأةٍ آمنةٍ مع عدم المحرم، وقال: هذا متوجِّه في كل سفر طاعة

(2)

، والظَّاهر أنَّ اختلاف الرِّوايات لاختلاف السَّائلين وسؤالهم، فخرجت جوابًا.

وظاهر كلامهم: اعتبار المحرم لإماء المرأة وعتقائها، لكن قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(3)

: إماء المرأة يسافرْنَ

(4)

معها، ولا يفتقرْنَ إلى محرَم؛ لأنَّه لا محرَم لهن في العادة الغالبة.

وأما عتقاؤها؛ فيَحتمِل أنهن كالإماء إن لم يكن لهن مَحْرَم، ويحتمل عكسه؛ لانقطاع التبعية وملكْنَ

(5)

أنفسهن بالعتق.

(وَهُوَ زَوْجُهَا، أَوْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ)؛ لما روى أبو سعيدٍ مرفوعًا: «لا يَحِلُّ لاِمرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر

(6)

تسافر سفرًا يكون ثلاثة

(1)

قوله: (تحج) سقط من (ب) و (د).

(2)

ينظر: الفروع 5/ 245. وفي مجموع الفتاوى 26/ 13: (وسئل: هل يجوز أن تحج المرأة بلا محرم؟ فأجاب: إن كانت من القواعد اللاتي لم يحضن، وقد يئست من النكاح ولا محرم لها، فإنه يجوز في أحد قولي العلماء أن تحج مع من تأمنه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب مالك والشافعي).

(3)

ينظر: الفروع 5/ 245، الاختيارات ص 171.

(4)

في (ب) و (و): يسافرون.

(5)

في (و): ويملكن.

(6)

زيد في (و): أن.

ص: 34

أيَّامٍ فصاعدًا، إلاَّ ومعها أبوها، أو ابنُها، أو زوجُها، أو ذو محرَمٍ منها» رواه مسلمٌ

(1)

، وأطلق على الزَّوج محرَمًا؛ لأن المقصود من سفر المحرم معها؛ صيانتها، وحفظها مع الخلوة والنَّظر، وهو موجودٌ فيه.

(بِنَسَبٍ، أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ)؛ كرضاعٍ، ومصاهَرةٍ، ووطْءٍ مباحٍ، بنكاحٍ أو غيره، ودخل فيه رابُّها، وهو زوج أمها، وربيبها، وهو ابن زوجها، نص عليهما

(2)

.

وخرج منه: الزَّانِي، والواطئ بشبهة، فليس بمحرَمٍ لأمِّ الموطوءة وابنتها؛ لأنَّ السَّبب غير مباحٍ، قال في «المغني» و «الشَّرح»: كالتَّحريم باللِّعان، وفي «الفروع»: المحرميَّة نعمة

(3)

، فاعتبر إباحة سببها كسائر الرُّخص.

وعنه: بلى، واختاره في «الفصول» في وطء الشبهة، لا الزنى.

ومرادهم بالشبهة: الوطء الحرام مع الشبهة، كالجارية المشتركة، ذكره جماعة

(4)

.

وظاهر كلامهم: أن وطء الشبهة لا يوصف بالتَّحريم، فيَرِد على إطلاقه: الملاعنة، فيزاد فيه: سبب مباح؛ لحرمتها، وذكره صاحب «الوجيز» والأدمي، فإنَّ تحريمها عليه عقوبة وتغليظًا، لا لحرمتها.

وأزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أمُّهات المؤمنين في التَّحريم دون المحرمية، ولا يحتاج إلى استثنائهن؛ لانقطاع حكمهنَّ.

وظهر أن زوج الأخت ليس بمحرَمٍ لأختها؛ لأنَّ تحريمها ليس على التَّأبيد.

(1)

أخرجه مسلم (1340).

(2)

ينظر: زاد المسافر 2/ 501، الفروع 5/ 245.

(3)

في (ب) و (د) و (ز): تعمه.

(4)

في (د) و (ز) و (و): ذكره جماعة كالجارية المشتركة.

ص: 35

والعبد ليس بمحرَمٍ لسيِّدته؛ لأنَّها لا تحرم أبدًا، ولا يُؤمَن عليها كالأجنبي، ولا يلزم من النَّظر المحرميَّةُ.

وعنه: هو محرَمٌ، وذكر في «شرح المُذهب»: أنه المذهب؛ لأنَّه يباح له النَّظر إليها، كذا محرمها، وهو منقوضٌ بالقواعد من النِّساء، وبغير أُولِي الإِرْبة.

(إِذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلاً)؛ لأنَّ الصَّبيَّ والمجنون لا يَقُومان بأنفسهما، فكيف يخرجان مع غيرهما؟! ولأنَّ المقصود بالمحرم حفظ المرأة، ولا يحصل ذلك منهما، ولا وجه لقوله في «الفروع»: ذكرًا.

ويشترط إسلامه، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأنَّ الكافر لا يؤمن عليها؛ كالحضانة، وكالمجوس؛ لاعتقاده حلَّها.

قال في «الفروع» : (ويتوجه أنَّ

(2)

مثله: مسلم لا يؤمن، وأنه لا يعتبر إسلامه إن أُمِن عليها).

وكونه باذلاً للخروج معها، ولو عبدًا ونفقته عليها، نَصَّ عليه

(3)

، فيعتبر أن تملك زادًا وراحلة لهما، ولو بذلت النَّفقة لم يلزمه السفر معها، وكانت كمن لا محرم لها، إلا العبد إذا قلنا: بأنَّه محرم؛ فيلزمه السفر معها.

وعنه: يلزمه لأمره عليه السلام الزَّوجَ بالسَّفر معها.

وأجيب: بأنَّه أمْرٌ بعد حظرٍ، أو أمرُ تخيير

(4)

.

فإن أراد أجرة؛ فظاهر كلامهم: لا يلزمها، ويتوجَّه: كنفقته؛ كما ذكروه في التَّغريب، فدلَّ على أنَّه لو تبرَّع لم يلزمها؛ للمنَّة.

(1)

ينظر: الفروع 5/ 248.

(2)

قوله: (أن) سقط من (أ).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2420، زاد المسافر 2/ 501.

(4)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): بتخيير.

ص: 36

(وَعَنْهُ: أَنَّ المَحْرَمَ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْأَدَاءِ)؛ كإمكان المسير، وتخلية الطَّريق، ولوجود السَّبب، فهو كسلامتها من مرضٍ، فعلى هذا: يحجُّ عنها لموت، أو مرضٍ لا يرجى برؤه، ويلزمها أن توصي به.

وظاهر الخِرَقِيِّ: أنَّ المَحرم شرطٌ للوجوب، دون أمن الطَّريق وسعة الوقت، وقدَّمه المؤلِّف وغيره، وشَرَطهما في «الهداية» للوجوب.

قال المجْدُ: والتَّفرقة على كلا الطَّريقين مشكِلةٌ، والصَّحيح التَّسوية بين هذه الشُّروط، إمَّا نفيًا وإمَّا إثباتًا.

فرعٌ: إذا حجَّت بغير محرم؛ حرم وأجزأ؛ كما لو ترك حقًّا يلزمه من دَينٍ أو غيره؛ لتعلُّقه بذمَّته، ويصحُّ من معضوب، وأجير خدمة، بأجرة أو لا، وتاجر، ولا إثم، نص على ذلك

(1)

.

(وَإِنْ مَاتَ المَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ؛ مَضَتْ فِي حَجِّهَا)؛ لأنَّها لا تستفيد بالرُّجوع؛ لكونه بغير محرمٍ، ومحلُّه: إذا تباعدت، فإن كان تطوُّعًا، وأمكنها الإقامة ببلد؛ فهو

(2)

أولى من السَّفر بغير محرم، وإن مات وهي قريبة؛ رجعت؛ لتقضي العدَّة في منزلها؛ لأنَّها في حكم المقيم، ذكره في «الشَّرح» ، (وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةً)؛ لأنها لا

(3)

تستفيد بالتَّحلل زوال ما بها؛ كالمريض.

(وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ)، في الصَّحيح؛ لحديث عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عَروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سمِعَ رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال:«حججت عن نفسك؟» قال: لا، قال: «حج عن نفسك، ثم

(1)

ينظر: الفروع 5/ 249.

(2)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فهي.

(3)

قوله: (لا) سقط من (أ).

ص: 37

حج عن شبرمة»، احتج به أحمد في رواية صالح

(1)

، وإسناده جيِّدٌ، وصحَّحه البيهقيُّ

(2)

، ولأنَّه حجَّ عن غيره قبل حجِّه عن نفسه، فلم يجز؛ كما لو كان صبيًّا.

(وَلَا نَذْرُهُ، وَلَا نَافِلَةٌ

(3)

؛ أي: لا يجوز أن يحرم بنذرٍ ولا نافلةٍ من عليه حجَّة الإسلام.

(فَإِنْ فَعَلَ؛ انْصَرَفَ إِلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) في الصُّوَر كلِّها، في اختيار الأكثر؛ لما روى الدار قطني بإسنادٍ ضعيفٍ:«هذه عنك، وحُجَّ عن شُبْرمةَ»

(4)

، وقوله أولاً:«حج عن نفسك» ؛ أي: استدمه، كقولك

(5)

للمؤمن: آمن، ولأنَّ نيَّة التَّعيين ملغاةٌ، فيصير كما لو أحرم مطلقًا.

وقال أبو حفص العُكبري: ينعقد عن المحجوج عنه، ثم يقلبه الحاجُّ عن نفسه؛ لقوله عليه السلام:«اجْعَلْ هذه عن نفسك» رواه ابن ماجه

(6)

.

وأجاب القاضي: بأنَّه أراد التَّلبية؛ لقوله: «هذه عنك» ، ولم يَجُزْ فسخُ حجٍّ إلى حجٍّ.

(1)

ينظر: مسائل صالح 2/ 139.

(2)

أخرجه أبو داود (1811)، وابن ماجه (3903)، وابن خزيمة (3039)، والدارقطني (2662)، والبيهقي في الكبرى (8675)، قال البيهقي:(هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه)، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح أحمد وابن المنذر والطحاوي وقفه، ورجح البيهقي وابن القطان وابن الملقن رفعه، وأعله الدارقطني بالإرسال، ومال إلى تصحيحه ابن حجر، وقواه بالمرسل، وصححه الألباني. ينظر: البدر المنير 6/ 45، التلخيص الحبير 2/ 488، صحيح أبي داود 6/ 76.

(3)

في (و): ولا نافلته.

(4)

أخرجه الدار قطني (2643)، والبيهقي في الكبرى (8675)، وقد سبق في حاشية (2) بيان حكمه والخلاف فيه.

(5)

في (د): كقوله.

(6)

سبق تخريجه حاشية (2).

ص: 38

وعنه: يقع باطلاً، اختاره أبو بكر في «الخلاف» ؛ لأنَّه لم يَنْوِ نفسَه، فلا يحصل له، وغيره ممنوع من الإحرام عنه، فلا يصح؛ لارتكابه النهي.

(وَعَنْهُ): يجوز عن غيره، و (يَقَعُ مَا نَوَاهُ)، قال القاضي: هو ظاهر نقل محمد بن ماهان فيمَنْ عليه دَين لا مال له، أيحجُّ عن غيره حتى يقضي دينه؟ قال: نعم

(1)

؛ لأنَّ الحجَّ تدخله النِّيابة، فجاز أن يؤدِّيَه من لم يسقط فرض نفسه، كالزَّكاة.

وفي «الانتصار» رواية: يقع عمَّا نواه، بشرط عجزه عن حجِّه لنفسه.

فعلى المذهب: لا ينوب من لم يسقط فرض نفسه.

قال في «الفروع» : (ويتوجه ما قيل: ينوب في

(2)

نفلٍ عبدٌ وصبيٌّ، ويجزئه

(3)

، وجزم به في «الرِّعاية» . ومتى وقع الحجُّ للحاجِّ؛ لم يأخذ شيئًا، وفي «الفصول» احتمالٌ).

فرعٌ: إذا استناب عن المعضوب

(4)

أو عن الميت، واحدًا في فرضه، وآخر في نذره في سنة؛ جاز، وزعم ابن عقيل: أنَّه أفضل من التَّأخير؛ لوجوبه على الفور، لكن يُحرم بحجَّة الإسلام أوَّلاً، وأيُّهما أحرم أولاً فعن حجة

(5)

الإسلام، ثمَّ الأخرى عن النذر، ولو لم يَنوِ في ظاهر كلامهم.

(وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الحَجِّ بِنَفْسِهِ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: يجوز، جزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأنها

(6)

(1)

ينظر: الفروع 5/ 288.

(2)

في (أ): عن.

(3)

في (ز): ويحرم، وفي (و): ونحوه.

(4)

في (د): المغصوب.

(5)

في (أ): بحجة.

(6)

في (أ): لا.

ص: 39

حجَّة لا تلزمه بنفسه، فجاز أن يستنيب فيها؛ كالمعضوب.

والثَّانية: لا؛ لأنَّه قادرٌ علَى الحجِّ بنفسه، فلم تجز له الاستنابة؛ كالفرض.

ومحلهما: إذا أدَّى حجة الإسلام، وهو قادر على الاستنابة

(1)

عليها بنفسه، أمَّا لو كان قادرًا، ولم يؤدِّ الفرض؛ لم يَصِحَّ أن يستنيب في التَّطوع؛ لأنَّه ممنوعٌ بنفسه، فنائبه أَوْلَى.

وإذا أدَّى فرضَه ثمَّ عجز؛ جازت

(2)

الاستنابة فيه؛ لأنَّه إذا جاز في الفرض؛ فالنفل أولى

(3)

، ذكره في «المغني» و «الشرح» .

ويكفي النَّائبَ أن ينويَ المستنيب، ولا يشترط تسميته لفظًا، نَصَّ عليه

(4)

.

وإن جهل اسمه أو نسبه؛ لبى عمن

(5)

سلَّم

(6)

إليه المال ليحجَّ به عنه.

(1)

قوله: (كالفرض، ومحلهما إذا أدَّى حجة الإسلام، وهو قادر على الاستنابة) سقط من (أ).

(2)

في (أ) و (ب): صارت.

(3)

قوله: (وإذا أدى فرضه ثم عجز

) إلى هنا سقط من (ب) و (ز).

(4)

ينظر: الفروع 5/ 295.

(5)

في (و): على من.

(6)

في (ب) و (ز) و (و): أسلم.

ص: 40

‌فَصْلٌ في مُخالَفةِ النَّائبِ

إذا أمره بحجٍّ، فاعتمر لنفسه، ثمَّ حجَّ، فقال القاضي: لا يقع عن الآمِر، ويَردُّ كل النَّفقة؛ لأنَّه لم يؤمَر به.

ونَصُّ أحمدَ

(1)

، واختاره المؤلِّف وغيره: إن أحرم من ميقات فلا، ومن مكَّة يرد من النَّفقة ما بينهما، ويلزمه دم لترك ميقاته.

ومن أُمِر بإفراد فَقَرن؛ لم يضمن؛ لأنه زاد؛ كبيع بأكثر مما سُمِّي. وقيل: هدر

(2)

.

وكذا إن تمتَّع، إلا أن يكون على العين، وقد أمره بتأخير العمرة فيرد حصتها.

ومن أمر بتمتع فقرن؛ لم يضمن، وقال القاضي: يرد نصف النَّفقة؛ لفوات فضيلة التَّمتُّع.

وعمرة مفردة كإفراده ولو اعتمر؛ لأنَّه أخل

(3)

بها من الميقات.

ومن أُمِر بقرانٍ فتمتَّع، أو أفرد؛ فللآمر، ويرد نفقة قدر ما تركه من إحرام النُّسك المتروك من الميقات، ذكره في «المغني» و «الشرح» .

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 176، مسائل عبد الله ص 223.

(2)

رسمت في الأصل هكذا: (هذر)، والمثبت من (ب) و (و). وهو موافق لما في الفروع 5/ 276، الإنصاف 8/ 100.

وعبارة الفروع 5/ 276: (ومن أُمِر بإفراد فقرن؛ لم يضمن، "هـ"، ووافقنا صاحباه؛ لأنه زاد لوقوع العمرة عنه كتمتعه، كبيع وكيل بأكثر مما سمى. وفي الرعاية: وقيل: هدر. كذا قال).

(3)

في (و): أهل.

ص: 41

وفي «الفصول» وغيرها: يرد نصف النَّفقة، وأن من تمتَّع لا يضمن؛ لأنه زاده خيرًا.

وإن استنابه

(1)

رجل في حجٍّ، وآخر في عمرة، وأذنا له في القِران؛ جاز؛ لأنَّه نسكٌ مشروعٌ، وإن لم يأذنا؛ صحَّا

(2)

له، وضمن الجميع؛ كمن أُمر بحج فاعتمر، أو عكسه، ذكره القاضي وغيره.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : يقع عنهما.

فإن أذن

(3)

أحدهما؛ رد على غير الآمر نصف نفقته وحده؛ لأنَّ المخالفة في صفته.

وإن أُمِر بحجٍّ فحجَّ، ثمَّ اعتمر لنفسه، أو بالعكس؛ صحَّ ولم يضمن شيئًا؛ لأنَّه أتى بما أُمر به، وعليه نفقة نفسه مدة مُقامه لنفسه، فإن أرادوا إقامة تمنع القصر؛ فظاهره يخالف

(4)

ما سبق.

وإن أُمِر بالإحرام من ميقات؛ فأحرم قبله، أو من غيره، أو بلده فأحرم من ميقات، أو في عام أو شهر؛ فخالف؛ جاز، ذكره في «المغني» و «الشَّرح»؛ لإذنه فيه في الجملة. وقال ابن عقيلٍ: أساء لمخالفته.

وفي «الانتصار» : لو نواه بخلاف ما

(5)

أمره به؛ وجب رد ما أخذه.

مسألةٌ: يُستحَبُّ أن يحجَّ عن أبوَيه، قيَّده بعضهم: إن لم يَحُجَّا. وقيل: وغيرهما، ويقدِّم أمَّه؛ لأنَّها أحقُّ بالإكرام، ويقدِّم واجبَ أبيه على نفلها، نَصَّ

(1)

في (ب) و (ز) و (و): واستنابه.

(2)

في (أ) و (ب): صحتا.

(3)

في (أ) و (د) و (و) و (ز): أدى. والمثبت موافق لما في المغني 3/ 228 وغيره.

(4)

في (أ): فظاهر بخلاف، هكذا في النسخ الخطية، وعبارة الفروع 5/ 279:(فإن أرادوا إقامة تمنع القصر فواضح، وإلا فظاهره يخالف ما سبق).

(5)

زيد في (و): لو.

ص: 42

عليهما

(1)

، نقل أبو طالِب: يقدِّم دين أبيه على نفله لنفسه

(2)

، فأمُّه

(3)

أولى.

ولكلٍّ منهما منع ولده من نفل، لا تحليله؛ للزومه بالشروع، ويلزمه طاعتهما في غير معصية، ويحرم فيها.

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 504.

(2)

ينظر: زاد المسافر 2/ 504.

(3)

في (أ): فإنه.

ص: 43

(بَابُ المَوَاقِيتِ)

هي جمْعُ ميقاتٍ، ومعناه لغة: الحدُّ، والمراد به ههنا: زمن العبادة، ومكانها.

(وَمِيقَاتُ أَهْلِ المَدِينَةِ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ)، بضمِّ الحاء وفتح اللاَّم، بينها وبين المدينة: ستَّة أميال أو سبعة، مسيرة عشرة أيَّامٍ.

(وَأَهْلِ الشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالمَغْرِبِ: مِنَ

(1)

الْجُحْفَةِ)، بضمِّ الجيم، وسكون الحاء المهملة، وهي قريةٌ جامِعةٌ على طريق المدينة، وكان اسمها: مهيعة، فجَحَف السَّيل بأهلها، وهي على ستَّة أميالٍ من البحر، وثمانِ مراحل من المدينة، وثلاثٍ من مكَّة.

(وَأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ)، وهو جبلٌ من جبال تهامة، على ليلتين من مكَّة، والياء بدل من الهمزة؛ لأن أصله: ألملم

(2)

، وليست بمزيدة

(3)

.

(وَأَهْلِ نَجْدٍ)، هو بفتح النُّون، وسكون الجيم، قال صاحب «المطالع»: (هو ما بين جرش

(4)

إلى سواد الكوفة، وكلُّها من عمل اليمامة)

(5)

، وقال الجوهريُّ:(هو خلاف الغور، والغور: هو تهامة كلُّها، وكلُّ ما ارتفع من أرض العراق فنجْدٌ)

(6)

انتهى، فنجد اليمن، ونجد الحجاز والطَّائف، (قَرْنٌ

(7)

، بسكون الرَّاء فقط، ويقال له: قرن المنازل، وقرن الثعالب، وهو

(1)

قوله: (من) سقط من (ب) و (ز).

(2)

في (د) و (ز) و (و): ألمملم.

(3)

في (أ): مزيدة.

(4)

في (و): خرس.

(5)

ينظر: مطالع الأنوار 4/ 244.

(6)

ينظر: الصحاح 2/ 542.

(7)

قوله: (قرن) سقط من (و).

ص: 44

تلقاء مكَّة، على يوم وليلة منها.

(وَأَهْلِ المَشْرِقِ: ذَاتُ عِرْقٍ)، هو منزلٌ معروفٌ، سمِّي به؛ لأنَّ فيه عرقًا، وهو الجبل الصَّغير، وقيل: العرق: الأرض السَّبخة تنبت الطَّرفاء.

وأصله ما روى ابن عبَّاس قال: «وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحُلَيفة، ولأهل الشَّام الجحفة، ولأهل نجد قرنًا، ولأهل اليمن يلملم، هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ، ممن

(1)

يريد الحج والعمرة، ومن كان دونهن؛ فَمُهَلُّه من أهله، وكذلك أهل مكة يُهِلُّون منها»

(2)

، وعن ابن عمر نحوه

(3)

، وعن عائشة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عِرْقٍ» رواه أبو داود والنسائي

(4)

، وعن جابر مرفوعًا نحوه، رواه مسلمٌ

(5)

، فدلَّ أن هذه

(1)

في (و): لمن.

(2)

أخرجه البخاري (1526)، ومسلم (1181).

(3)

أخرجه البخاري (1525)، ومسلم (1182).

(4)

أخرجه أبو داود (1739)، والنسائي (2656)، من طريق هشام بن بهرام، حدثنا المعافى، عن أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة به، وأنكر أحمد لفظة:«وقَّت لأهل العراق ذات عِرْقٍ» ، ونقل ابن عدي قال:(قال ابن صاعد: كان أحمد بن حنبل ينكر هذا الحديث مع غيره على أفلح بن حميد)، قال ابن عدي:(وإنكار أحمد على أفلح في هذا الحديث قوله: «ولأهل العراق ذات عرق»، ولم ينكر الباقي من إسناده ومتنه شيئًا)، وكذا أعلها مسلم فقال:(فأما رواية المعافي بن عمران، عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة فليس بمستفيض عن المعافى، إنما روى هشام بن بهرام، وهو شيخ من الشيوخ ولا يقر الحديث بمثله إذا تفرد)، ورجح ابن خزيمة وابن المنذر: أنه لا يثبت في تحديد ميقات العراق شيء، وقوَّى هذا الحديث غيرهم، قال ابن تيمية:(وهذا إسناد جيد)، وقال الذهبي:(هو حديث صحيح غريب)، وصححه ابن الملقن والعراقي والألباني، وقال ابن حجر:(الحديث بمجموع الطرق يقوى). ينظر: التمييز لمسلم ص 215، الكامل لابن عدي 2/ 122، صحيح ابن خزيمة (2592)، شرح العمدة 1/ 306، البدر المنير 6/ 84، الفتح 3/ 390، طرح التثريب 5/ 13، الإرواء 4/ 176.

(5)

أخرجه مسلم (1183)، من طريق ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يسأل عن المهل فقال: سمعت -أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فذكره، قال النووي في المجموع 7/ 194:(هذا إسناد صحيح، لكنه لم يجزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يثبت رفعه)، وورد الجزم برفعه في رواية أحمد (14572)، بسند صحيح، وعند ابن ماجه (2915)، لكن إسناده ضعيف.

ص: 45

المواقيت ثبتت

(1)

بالنَّصِّ.

وقال بعض العلماء؛ منهم الشَّافعي في «الأم»

(2)

: إن ذات عرق باجتهاد عمر؛ ففي البخاري عن ابن عمر قال: «لما فُتِح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب، فحدَّ لهم ذات عرقٍ»

(3)

.

والظَّاهر: أنه خفِيَ النَّصُّ، فوافقه برأيه، فإنَّه موفَّق للصَّواب.

وليس الأفضل للعراقي أن يحرم من العقيق، وهو واد قبل ذات عرق بمرحلة أو مرحلتين يلي الشرق، وما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عبَّاس:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المشرق العقيق» ؛ تفرد به يزيد بن أبي زياد، هو

(4)

شيعي مختلَفٌ فيه، وقال ابن معين وأبو زرعة: لا يُحتجَّ به

(5)

، وقال ابن عبد البر: ذات عرق ميقاتهم بإجماعٍ

(6)

.

(1)

في (ب) و (و): تثبت.

(2)

ينظر: الأم 2/ 150.

(3)

أخرجه البخاري (1531).

(4)

في (ب): وهو.

(5)

أخرجه أحمد (3205)، وأبو داود (1740)، والترمذي (832)، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس به، ويزيد بن أبي زياد القرشي ضعيف، وله علة أخرى وهي الانقطاع، قاله مسلم وابن القطان، قال مسلم في الكنى:(لا يعلم له سماع من جده) يعني محمد بن علي، وحسنه الترمذي، وقال ابن حجر:(تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف). ينظر: التمييز لمسلم ص 165، بيان الوهم والإيهام 2/ 557، البدر المنير 6/ 86، الفتح 3/ 390، التلخيص الحبير 2/ 501.

(6)

ينظر: التمهيد 15/ 143.

ص: 46

(وَهَذِهِ المَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا)، كما سلف، (وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ

(1)

؛ كالشَّامي يمر

(2)

بذي الحُلَيفة فإنَّه يحرم منها، نَصَّ عليه

(3)

، قيل له: يُهِلُّ من ميقاته من الجحفة؟ قال: سبحان الله، واحتجَّ بالخبر

(4)

، وحكاه النوويُّ إجماعًا

(5)

، وفيه نَظَرٌ، فإنَّ المالكيَّة وعطاءً وأبا ثور قالوا: يُحرِم من الجُحفة

(6)

، ويتوجَّه لنا مثله، قاله

(7)

في «الفروع» .

(وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ المِيقَاتِ؛ فَمِيقَاتُهُ مِنْ مَوْضِعِهِ)؛ للخبر السَّابق، ولو كان في قريةٍ يسكنها؛ جاز له الإحرام من أي جوانبها شاء، والأَوْلى الأَبْعد.

(وَأَهْلُ مَكَّةَ إِذَا أَرَادُوا الْعُمْرَةَ؛ فَمِنَ الْحِلِّ)؛ لأنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر عبدَ الرَّحمن بن أبي بكرٍ أن يُعمِرَ عائشة من التَّنعيم» متَّفقٌ عليه

(8)

، ولأنَّ أفعال العمرة كلَّها في الحرم، فلم يكن بدٌّ من الحِلِّ؛ ليجمع في إحرامه بين الحلِّ والحرم، بخلاف الحجِّ، فإنَّه يخرج إلى عرفة، فيحصل الجمع.

وظاهره: من أيِّ الحلِّ أحرم؛ جاز، لكن قال أحمد: كلما تباعد فهو أعظم للأجر

(9)

.

قيل: التَّنعيم أفضله

(10)

؛ لأنَّه أقرب الحِلِّ إلى مكَّة، وفي «التلخيص»

(1)

في (د) و (ز) و (و): غير أهلها.

(2)

في (د) و (ز) و (و): هو.

(3)

ينظر: زاد المسافر 2/ 51.

(4)

ينظر: المغني 3/ 249.

(5)

ينظر: شرح مسلم 8/ 83.

(6)

ينظر: المدونة 1/ 405، المغني 3/ 249.

(7)

في (و): قال.

(8)

أخرجه البخاري (316)، ومسلم (1211).

(9)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 145.

(10)

في (أ): أفضل.

ص: 47

و «المستوعب» : الجعرانة؛ لاعتماره عليه السلام منها

(1)

، ثمَّ منه، ثم من الحديبية.

وذكر ابن أبي موسى: أن من

(2)

بمكة

(3)

من غير أهلها إذا أراد عمرة واجبة؛ فمن الميقات، وإلا لزمه دم؛ كمن جاوز الميقات وأحرم دونه، وإن أراد نفلاً؛ فمن أدنى الحل.

فلو خالف فأحرم بها من مكة؛ صحَّ، ولزمه دم لمخالفة

(4)

الميقات، ويجزئه إن خرج إلى الحلِّ قبل طوافها، وكذا بعده، كإحرامه دون ميقات الحجِّ.

وقيل: لا؛ لأنَّه نُسُكٌ، فاعتبر فيه الجمع بينهما كالحجِّ، فعليه: لا يعتدُّ بأفعاله، وهو باق على إحرامه حتى يخرج إلى الحل

(5)

، ثم يأتي بها، وإن أتى محظورًا فدى

(6)

، وبالوطء يلزمه المضيُّ في فاسده، وقضاها بعمرة من الحل، ويجزئه عنها، ولا يسقط دم المجاوزة.

فرعٌ: حكم من كان بالحرم؛ حكم من بمكَّة فيما ذكرنا.

(وَإِذَا

(7)

أَرَادُوا الحَجَّ فَمِنْ مَكَّةَ

(8)

؛ لقول جابر: «أمرنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا حللنا أن نحرم من الأبطح» رواه مسلمٌ

(9)

.

(1)

أخرجه البخاري (3066)، ومسلم (1253)، عن أنس رضي الله عنه قال:«اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين» ، واللفظ للبخاري.

(2)

زيد في (ب): كان.

(3)

في (د) و (ز) و (و): مكة.

(4)

في (أ) و (ب): لمخالفته.

(5)

في (أ): الجبل.

(6)

في (و): أتى.

(7)

في (أ): ولو، وفي (د) و (و): فإن.

(8)

قوله: (فمن مكة) سقط من (أ).

(9)

أخرجه مسلم (1214)، ولفظه:«أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما أحللنا، أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، قال: فأهللنا من الأبطح» .

ص: 48

وظاهره: لا ترجيح لموضع على آخر

(1)

، ونقل حرب عنه: من

(2)

المسجد

(3)

، ولم أجد عنه خلافه، ولم يذكره الأصحاب إلاَّ في «الإيضاح» ، قال: يحرم به من الميزاب.

وعنه: فيمن اعتمر في أشهر الحج، -زاد غير واحد: من أهل مكة-: يهل

(4)

بالحج مِنْ الميقات، فإن لم يفعل فعليه دم، وهي ضعيفة عند الأصحاب، وأوَّلَها بعضهم: بسقوط دم المتعة عن الآفاقي بخروجه إلى الميقات.

وعنه: إذا أحرم من الميقات عن غيره، ودخل مكَّة فقضى نسكه، ثمَّ أراد أن يحرم عن نفسه واجبًا أو نفلاً، أو أحرم عن نفسه ثم أراد

(5)

عن غيره، أو عن إنسانٍ، ثم عن آخر: يَخرج يُحرِم من الميقات، وإلا لزمه دمٌ، اختاره جماعةٌ، وفي «الترغيب»: لا خلاف فيه.

وفيه نظرٌ، والأشهر: أنَّه لا يلزمه الخروج إليه، كما ذكره المؤلِّف، وهو ظاهر الخِرَقيِّ؛ عملاً بإطلاق الحديث.

والمذهب: أنَّه يجوز من الحِلِّ والحرم، ونصره القاضي وأصحابه، كما لو خرج إلى الميقات الشَّرعيِّ، وكالعمرة، ومنعوا وجوب إحرامه من الحرم ومكة.

(وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُهُ عَلَى مِيقَاتٍ)؛ كعَيْذَاب

(6)

فإنها في طرف

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): الآخر.

(2)

في (أ): في.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 802، مسائل صالح 3/ 79.

(4)

في (د) و (و): هلَّ.

(5)

قوله: (عن نفسه واجبًا أو نفلاً، أو أحرم عن نفسه ثم أراد) سقط من (أ).

(6)

في (د) و (و): كعيدان.

وعيذاب: مدينة على ضِفَّة البحر الغربي - البحر الأحمر -، وهي مرفأ الحُجَّاج ومن سلك إلى اليمن وغيرها. ينظر: المسالك والممالك 2/ 619، معجم البلدان 4/ 171.

ص: 49

المغرب

(1)

، (فَإِذَا حَاذَى أَقْرَبَ المَوَاقِيتِ إِلَيْهِ أَحْرَمَ)؛ لقول عمر:«انظروا حذوها من قُدَيد» رواه البخاريُّ

(2)

، ولأنه يعرف بالاجتهاد والتَّقدير، فإذا اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة.

وهذا فيمن علم، فإن لم يَعلم حذو الميقات؛ أحرم مِنْ بُعد؛ إذ الإحرام قبله جائزٌ، وتأخيره عنه حرامٌ.

فإن تساوى ميقاتان في القُرب إليه؛ أحرم من أبعدهما عن مكَّة.

فإن لم يحاذ

(3)

ميقاتًا؛ ففي «الرِّعاية» : أحرم عن مكَّةَ بقدر مرحلتين، وهو متَّجهٌ إن تعذر

(4)

معرفة المحاذاة.

(وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ تَجَاوُزُ المِيقَاتِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ)، نَصَّ عليه

(5)

؛ لأنَّه عليه السلام وقَّت المواقيت، ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه أنَّهم تجاوزوه

(6)

بغير إحرامٍ، إلاَّ فيما نذكره

(7)

، وعن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا:«لا يَدخُل أحدٌ مكَّة إلاَّ بإحرامٍ» ، فيه ضعفٌ، فإنَّه من رواية حجَّاج ومحمد بن خالد الواسطي

(8)

.

(1)

في (د) و (و): العرب.

(2)

أخرجه البخاري (1531)، بلفظ:«حذوها من طريقكم» ، ولم نقف على لفظ:«من قُديد» ، وهو موضع بين مكة والمدينة.

(3)

في (ب) و (د) و (و): لم يجاوز.

(4)

في (و): يعذر.

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 198، مسائل ابن منصور 5/ 2108، مسائل ابن هانئ 1/ 153، مسائل صالح 3/ 77.

(6)

في (ز): جاوزوه، وفي (د): يجاوزه، وفي (و): يجاوزون.

(7)

في (و): يذكره.

(8)

أخرجه ابن عدي (7/ 528)، عن ابن عباس مرفوعًا، وفيه محمد بن خالد الواسطي وهو ضعيف، والحجاج بن أرطاة وهو ضعيف أيضًا. وأخرجه ابن أبي شيبة (13517)، موقوفًا بسند فيه ضعف، وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4170، 4172)، والبيهقي في الكبرى (9839)، وقال ابن حجر:(إسناده جيد). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 528.

ص: 50

وعنه: لا يلزمه، إلاَّ أن يريد نسكًا، ذكرها جماعةٌ، وصحَّحها ابن عقيلٍ، قال في «الفروع»:(وهي ظاهرةٌ، وينبني على عموم المفهوم، والأصل عدم الوجوب).

وحكم من أراد دخول الحرم؛ كمكَّة، فإن لم يرد دخوله؛ لم يلزمه بغير خلاف

(1)

؛ لأنَّه عليه السلام وأصحابه أتوا بدرًا مرَّتين

(2)

، وكانوا يسافرون للجهاد، فيمرون بذي الحليفة بغير إحرامٍ.

وظاهر كلامه: أنَّه إذا أرادها لتجارة، أو زيارةٍ، أنه يلزمه، نَصَّ عليه

(3)

، واختاره الأكثر؛ لأنَّه من أهل فرض الحجِّ، ولعدم تكرر حاجته.

والثَّانية، وهي ظاهر الخِرَقِيِّ: لا يلزمه، وحكاه أحمد عن ابن عمر

(4)

.

فعلى الأولى: إذا دخل طاف وسعى، وحلق وحلَّ

(5)

، نَصَّ عليه

(6)

، وليس المراد به كل داخل، وإنما هو الحرُّ المسلم المكلف، فلو كان ممن لا

(1)

ينظر: المغني 3/ 253.

(2)

وهو مشهور في المغازي، ومنه ما أخرجه مسلم (1901). ينظر: سيرة ابن هشام 1/ 613، سيرة ابن كثير 2/ 380.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 198، مسائل ابن منصور 5/ 2108، مسائل ابن هانئ 1/ 153، مسائل صالح 3/ 77.

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 153.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه مالك (1/ 423)، وابن أبي شيبة (13526)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4166)، وفي أحكام القرآن (1658)، والبيهقي في الكبرى (9844)، وفي المعرفة (10424)، من طرق عن نافع:«أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة، حتى إذا كان بقُديد جاءه خبر من المدينة، فرجع فدخل مكة بغير إحرام» ، وأسانيده صحاح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 17).

(5)

في (أ): حلَّ.

(6)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 153، مسائل صالح 3/ 77.

ص: 51

يجب عليه، كالعبد والصَّبيِّ والكافر؛ لم يلزمهم الإحرام منه.

فلو زال المانع بعد مجاوزته؛ فميقاتهم من موضعهم، ولا دم عليه.

وعنه: بلى، كمن وجبت عليه.

وعنه: يلزم من أسلم، نصره القاضي وأصحابه؛ لأنَّه حرُّ بالغٌ عاقلٌ؛ كالمسلم، وهو متمكِّنٌ من زوال المانع.

(إِلاَّ لِقِتَالٍ

(1)

مُبَاحٍ)؛ «لدخوله

(2)

عليه السلام يوم فتح مكَّة وعلى رأسه المغفر»

(3)

، ولم ينقل أنه هو ولا أحد من أصحابه أحرم، وحكم الخوف كذلك.

(أَوْ حَاجَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ

(4)

؛ كَالْحَطَّابِ وَنَحْوِهِ)؛ كالحشَّاش؛ لما روى حربٌ عن ابن عبَّاسٍ: «لا يدخلنَّ

(5)

إنسانٌ مكَّةَ إلاَّ مُحرِمًا، إلاَّ الحمَّالين

(6)

، والحطَّابين، وأصحاب منافعها»، احتجَّ به أحمدُ

(7)

.

وحكم المكِّيِّ إذا تردَّد إلى قريةٍ

(8)

بالحل كذلك؛ إذ لو وجب لأدى إلى

(1)

في (و): القتال.

(2)

في (و): لقوله.

(3)

أخرجه البخاري (1846)، ومسلم (1357).

(4)

في الأصل و (أ): مكررة.

(5)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): لا يدخل.

(6)

في (ز) و (و): الجمالين.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة (13517)، والفاكهي في أخبار مكة (892)، وفيه طلحة بن عمرو الحضرمي، وهو متروك الحديث كما قال أحمد، وتوبع عليه، فقد أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (4170)، والبيهقي في الكبرى (9839)، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، أنه كان يقول:«لا يدخل مكة تاجر ولا طالب حاجة، إلا وهو محرم» ، قال الحافظ في التلخيص 2/ 528:(إسناده جيد).

وأخرج الشافعي في الأم (2/ 151)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (9432)، عن أبي الشعثاء: أنه رأى ابن عباس يَرُدُّ من جاوز الميقات غير محرم. إسناده صحيح.

(8)

في (ز): قريته.

ص: 52

ضرر ومشقَّة، وهو منفيٌّ شرعًا.

قال ابن عقيلٍ: وكتحيَّة المسجد في حقِّ قَيِّمه؛ للمشقَّة.

(ثُمَّ إِنْ بَدَا لَهُ)؛ أي: من لا يلزمه، أو لم يُرِد الحرم

(1)

، (النُّسُكُ؛ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ)؛ لأنَّه حصل دون الميقات على وجهٍ مباحٍ، فكان له الإحرام منه؛ كأَهْلَةِ

(2)

ذلك المكان، ولأنَّ من منزله دون الميقات لو خرج إليه ثم عاد؛ لم يلزمه.

وعنه: يلزمه؛ كمن جاوزه مريدًا للنسك.

(وَمَنْ جَاوَزَهُ مُرِيدًا للنُّسُكِ؛ رَجَعَ) إلى الميقات (فَأَحْرَمَ مِنْهُ)؛ لأنَّ الإحرام من الميقات واجبٌ، ومن قدر على الواجب لزمه فعله، سواء تجاوزه عالِمًا أو جاهلاً، علِم تحريم ذلك أو جهِله، وشَرْط الرُّجوع: ما لم يخَف فوت الحجِّ أو غيره، وأطلق في «الرعاية» وجهين.

(فَإِنْ

(3)

أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ)؛ صحَّ إحرامُه، (وَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لما روى ابن عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك نُسُكًا فعليه دمٌ»

(4)

، ولتركِه

(5)

الواجبَ.

(1)

في (ز): الحج.

(2)

في (أ) و (ب): كأهل. وفي الصحاح 4/ 1628: (الأهل: أهل الرجال، وأهل الدار، وكذلك الأَهْلَةُ).

(3)

في (و): وإن.

(4)

أخرجه مرفوعًا ابن حزم كما ذكر ابن حجر بقوله: (وأما المرفوع؛ فرواه ابن حزم من طريق علي بن الجعد، عن ابن عيينة، عن أيوب به، وأعلَّه بالراوي عن علي بن الجعد: أحمد بن علي بن سهل المروزي، فقال: "إنه مجهول"، وكذا الراوي عنه: علي بن أحمد المقدسي، قال: "هما مجهولان")، ولم نقف عليه في كتب ابن حزم، وأخرجه موقوفًا مالك في الموطأ (1/ 419)، والدار قطني (2534)، ولفظه:«من نسي من نسكه شيئًا، أو تركه فليهرق دمًا» ، وإسناد الموقوف صحيح، صححه ابن عبد البر والألباني. ينظر: الاستذكار 4/ 212، التلخيص الحبير 2/ 502، الإرواء 4/ 299.

(5)

في (ب): وكتركه.

ص: 53

(وَإِنْ رَجَعَ إِلَى المِيقَاتِ) بعد إحرامه؛ لم يسقط الدَّم عنه، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأنه وجب لترك إحرامه من ميقاته، فلم يسقط، كما لو لم يرجع.

وعنه: يسقط؛ لإتيانه بالواجب.

فرع: إذا أفسد نسُكَه هذا؛ لم يسقط دم المجاوزة، نَصَّ عليه

(2)

، وعليه الأصحاب؛ كدم محظور، ولأنه الأصل.

ونقل مُهَنَّى: يسقط

(3)

؛ لأن القضاء واجب.

(وَالاِخْتِيَارُ)؛ أي: الأفضل: (أَنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ) المكانِيِّ؛ لفعله عليه السلام

(4)

، ولا يَعدِل عن الأفضل، والجواز حصل بقوله، ونقل صالح: إن قوي على ذلك فلا بأس

(5)

.

واحتجَّ المجيز

(6)

: بما روت أمُّ سلمة: أنَّها سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهلَّ بحجَّةٍ أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام؛ غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، أو وجبت

(7)

له الجنَّة»، شك عبد الله بن عبد الرَّحمن أيتهما قال، رواه أبو داود

(8)

، قال بعضهم: وإسنادُه جيِّدٌ.

وجوابه: بأنه يرويه ابن أبي فُديك، قال ابن سعد:(ليس بحُجَّةٍ)، وفيه نظرٌ، فإنه ثقة محتج به في الكتب الستة، وقوله في «الشرح»:(وفيه ابن إسحاق)؛ مردود.

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 512.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2347.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 299.

(4)

أخرج البخاري (1514)، ومسلم (1184)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حتى تستوي به قائمة» .

(5)

لم نجده في مسائل صالح، وينظر: التعليقة 1/ 161.

(6)

في (و): المجد.

(7)

في (ب) و (ز) و (و): ووجبت.

(8)

أخرجه أحمد (26558)، وأبو داود (1741)، وابن ماجه (3001)، وابن حبان (3701)،

والطبراني في الأوسط (6515)، من طرق عن أم حكيم، عن أم سلمة به، ومداره على أم حكيم، واسمها: حكيمة بنت أمية بن الأخنس، ذكرها ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر:(مقبولة)، ولم تتابَع على هذا الحديث، ولذا ضعفه غير واحد من الحفاظ، وقال النووي:(إسناده ليس بالقوي)، وأعله المنذري وابن القيم بالاضطراب في سنده ومتنه، وقال الألباني:(إسناده ضعيف؛ حكيمة هذه لا تُعْرف). ينظر: المجموع 7/ 200، زاد المعاد 3/ 300، ضعيف سنن أبي داود 2/ 144.

ص: 54

وجوابه: بأن معنى «أهلَّ» ؛ أي: قصد من المسجد الأقصى، ويكون إحرامه من الميقات، قاله القاضي.

وأجاب في «المغني» و «الشرح» : بأنه يحتمل أن يكون خاصًّا ببيت المقدس؛ ليجمع بين الصَّلاتين في المسجدَين في إحرامٍ واحد، بدليل أنَّ ابن عمر أحرم منه

(1)

، ولم يكن يحرم من غيره إلا من الميقات.

(وَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ)؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «من السُّنَّة ألاَّ يحرم بالحجِّ إلاَّ في أشهر الحجِّ» رواه البخاريُّ

(2)

، ولأنه أحرم بالعبادة قبل وقتها، فلم يكن مختارًا؛ كميقات المكان.

(فَإِنْ فَعَلَ)؛ أي: أحرم قبل ميقات المكاني والزماني

(3)

؛ (فَهُوَ مُحْرِمٌ)،

(1)

أخرجه ابن أبي عروبة في المناسك (126)، وإسماعيل القاضي كما في التمهيد (15/ 142)، وابن أبي شيبة (12674)، والشافعي في اختلاف مالك الملحق بالأم (7/ 268)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (9444)، والبيهقي في الكبرى (8927)، والضياء المقدسي في فضائل بيت المقدس (60)، من طرق عن نافع:«أن ابن عمر أحرم من أرض بيت المقدس» . وأخرجه عبد الرزاق كما في الأمالي (197)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (5/ 59)، عن سالم، عن ابن عمر. وأسانيده صحاح.

(2)

علقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 141)، ووصله ابن أبي شيبة (14617)، وأحمد بن منيع كما في المطالب العالية (1160)، وابن خزيمة (2596)، والحاكم (1642)، والدارقطني (2486)، والبيهقي في الكبرى (8721)، وإسناده حسن، مداره على مقسم بن بجرة، وهو صدوق.

(3)

في (أ): المكان والزمان.

ص: 55

حكى ابن المنذر الصِّحَّة في تقدُّمه على ميقات المكان إجماعًا

(1)

؛ لأنه فعل جماعةٍ من الصَّحابة والتَّابعين

(2)

، ولم يقل أحد قبل

(3)

داود إنه لا يصِحُّ.

ولكنه

(4)

مكروه، وجزم به المعظم؛ لأنَّه عليه السلام لم يحرم من دويرة

(5)

أهله، وكذا عامَّة أصحابه، وأنكره عمر على عمران بن حصين حين

(6)

أحرم من مصر

(7)

، وعثمان على عبد الله بن عامر حين أحرم من خراسان، رواهما سعيد

(8)

،

(1)

ينظر: الإجماع ص 51.

(2)

ذكره ابن حزم في المحلى 5/ 58 عن عمر وعلي وعائشة وعثمان وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص وعمران وابن عمر وأبي مسعود وابن عباس وأنس ومعاذ رضي الله عنهم، ومن التابعين: مسلم بن يسار وأصحاب ابن مسعود والنخعي وسعيد بن جبير وطاوس وعطاء. وسيأتي تخريج بعضها، وتقدم إهلال ابن عمر رضي الله عنهما من بيت المقدس 4/ 55 حاشية (1).

(3)

قوله: (قبل) مكانه بياض في (د) و (ز)، وهو سقط من (و).

(4)

في (أ): ولكن.

(5)

في (أ): ووترة.

(6)

قوله: (حين) سقط من (و).

(7)

أخرجه ابن أبي عروبة كما في المناسك (125)، ومن طريقه ابن أبي شيبة (12697)، وسعيد بن منصور كما في المحلى (5/ 61)، وأخرجه مسدد كما في المطالب العالية (1159)، والطبراني في الكبير (204)، والبيهقي في الكبرى (8932)، من طرق عن الحسن: أن عمران بن الحصين، أحرم من البصرة، فقدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأغلظ له ونهاه عن ذلك، وقال:«يتحدث الناس أن رجلاً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحرم من مصر من الأمصار» ، قال ابن كثير في مسند الفاروق 1/ 470:(هذا منقطع، اللهم إلا أن يكون الحسن قد سمعه من عمران بن حصين)، وأنكر يحيى القطان وأحمد وابن معين وغيرهم سماعه منه كما في جامع التحصيل ص 164، وصحح البوصيري إسناده في إتحاف الخيرة 3/ 159.

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة (12693)، وسعيد بن منصور كما في فتح الباري (3/ 420)، عن الحسن:«أن ابن عامر أحرم من خراسان، فعاب ذلك عليه عثمان بن عفان وغيره، وكرهه» ، وهذا مرسل، الحسن لم يدرك القصة. أخرجه ابن أبي شيبة (12693)، وسعيد بن منصور كما في فتح الباري (3/ 420)، عن الحسن:«أن ابن عامر أحرم من خراسان، فعاب ذلك عليه عثمان بن عفان وغيره، وكرهه» ، وهذا مرسل، الحسن لم يدرك القصة. وأخرجه عبد الرزاق كما في المحلى (5/ 61)، وتغليق التعليق (3/ 62)، عن ابن سيرين مرسلاً. والطبري في تاريخه (4/ 314)، والبيهقي في الكبرى (8933)، عن داود بن أبي هند مرسلاً. والبيهقي في الكبرى (8934)، وابن عساكر في تاريخه (29/ 257، 263)، عن محمد بن إسحاق، مرسلاً.

قال الحافظ في الفتح: (وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضًا)، وقال عن مرسل الحسن:(إسنادٌ قوي، فقد ثبت أن الحسن شهد الدار وهو غلام، وسبق في خبر ابن إسحاق أن قصة ابن عامر كانت في سنة قتل عثمان، فلا يبعد أن يكون الحسن حفظ القصة)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 141)، قال البيهقي 5/ 45:(هو عن عثمان مشهور وإن كان الإسناد منقطعًا).

ص: 56

قال البخاري: (كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان

(1)

(2)

، ولأنَّه أحرم قبل الميقات

(3)

، فكره

(4)

؛ كالإحرام بالحج قبل أشهره، ولعدم أَمْنِه من محظور، وفيه مشقة عظيمة، كالوصال، وكيف يتصوَّر الأمن مع احتمال ما لا يمكن دفعه

(5)

.

والمذهب المنصور: صحَّة الحج قبل أشهره، كما ذكره المؤلف؛ كالأول، نقل [أبو]

(6)

طالب وسندي: يلزمه الحجُّ، إلا أن يريد فسخه بعمرة، فله ذلك بناء على أصله.

وعنه: ينعقد عمرة، اختاره الآجُرِّيُّ وابن حامد.

ونقل ابن منصور: يكره

(7)

.

وذكر ابن شهاب العُكبري رواية: لا يجوز.

(1)

في (ز): لزمان.

(2)

علقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 141).

(3)

في (و): الإحرام.

(4)

في (د) و (و): وكره.

(5)

في (ز) و (و): رفعه.

(6)

قوله: (أبو) سقط من الأصل و (أ) و (ب) و (و). والمثبت من (ز)، وهو الموافق لما في التعليقة 1/ 147، وشرح العمدة 4/ 245، والإنصاف 8/ 131.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2094.

ص: 57

وجه الأول: قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البَقَرَة: 189]، وكلها مواقيت للناس، فكذا للحجِّ، وقوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البَقَرَة: 197]؛ أي: معظمه في أشهر؛ كقوله: «الحج عرفة»

(1)

، أو أراد حج المتمتع

(2)

، وإن أضمر الإحرام؛ أضمرنا الفضيلة، والخصم يضمر الجواز، والمضمر لا يعم، وقول ابن عباس محمول على الاستحباب

(3)

.

(وَأَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ)، رواه ابن عمر مرفوعًا

(4)

، وقاله جمعٌ من الصَّحابة

(5)

، ويوم النَّحر منه، وهو يوم الحجِّ

(1)

أخرجه أحمد (18773)، والترمذي (889)، والنسائي (3016)، وابن ماجه (3015)، وابن خزيمة (2822)، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم والألباني. ينظر: الإرواء 4/ 256.

(2)

في (د) و (و): التمتع.

(3)

في (ب) و (ز): الجواز.

(4)

مراده كما في المغني 3/ 276، والفروع 5/ 318: ما أخرجه أبو داود (1945)، وابن ماجه (3058)، وأبو عوانة (3555)، والحاكم (3276)، والبيهقي في الكبرى (9613)، وعلقه البخاري (1742) بصيغة الجزم، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج، فقال:«أي يوم هذا؟» قالوا: يوم النحر، قال:«هذا يوم الحج الأكبر» . قال في المغني: (فكيف يجوز أن يكون يوم الحج الأكبر ليس من أشهره). والحديث صححه أبو عوانة والحاكم والبغوي والألباني. ينظر: شرح السنة 14/ 36، صحيح أبي داود 6/ 191.

(5)

قال القاضي في التعليقة 1/ 139: (رُوي ذلك عن ابن عباس، وابن مسعود، وابن الزبير، وإحدى الروايتين عن ابن عمر مثل ذلك).

أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه سفيان الثوري كما في التفسير المروي عنه (ص 62)، ومن طريقه الطبري في التفسير (3/ 444)، والطحاوي في أحكام القرآن (1108)، والدارقطني (2457)، والبيهقي في الكبرى (8713)، والطبراني في الأوسط (5043)، عن ابن عباس في قوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، قال:«شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة» ، فيه خُصيف الجزري وهو ضعيف الحديث، وتابعه داود بن الحصين، أخرجه الطبري في التفسير (3/ 444)، وفيه داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة وهو يرويه عنه، وإبراهيم بن إسماعيل وهو ضعيف.

وأخرجه ابن أبي شيبة (13639)، والطبري في التفسير (3/ 445)، والدارقطني (2453)، من وجه آخر، ومداره على شريك النخعي وهو ضعيف. وأخرجه الطبري في التفسير (3/ 444)، من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهي صحيفة في التفسير جيدة، فهذه طرق يشد بعضها بعضًا، منها ما هو حسن، فالأثر صحيح.

وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (328)، وابن أبي شيبة (13636)، والطبري في التفسير (3/ 444)، وابن أبي حاتم في التفسير (1817)، والدارقطني (2452)، والبيهقي في الكبرى (8712)، عن ابن مسعود، وفي إسناده شريك النخعي وهو ضعيف الحديث، يرويه عن أبي إسحاق السبيعي وهو مدلس وقد عنعنه.

وأثر ابن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه الدارقطني (2454)، والبيهقي في الكبرى (8714)، عن ابن الزبير، قال:«أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة» ، فيه سعيد بن المرزُبان، وهو ضعيف الحديث.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الطبري في التفسير (3/ 446)، والدارقطني (2456)، من طريق ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، في قوله:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} ، قال:«شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة» ، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 141)، وصحح إسناده الحافظ.

وورقاء خالفه مالك (1/ 344)، ومن طريقه ابن وهب في موطئه (134)، والبيهقي في الكبرى (8892)، عن عبد الله بن دينار، بلفظ: «من اعتمر في أشهر الحج، في شوال أو ذي القعدة أو في ذي الحجة

»، قال الحافظ في الفتح 3/ 420 عن رواية مالك:(فلعله تجوز في إطلاق ذي الحجة؛ جمعًا بين الروايتين).

ص: 58

الأكبر، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأن العشر بإطلاقه للأيَّام كالعدَّة، وقال القاضي والمؤلف: العرب تغلب التَّأنيث في العدد خاصَّة؛ لسبق اللَّيالي، فتقول: سرنا عشرًا، وإنَّما فات الحج بفجر

(2)

يوم النَّحر؛ لخروج وقت الوقوف فقط، والجمع يطلق على اثنين، وعلى اثنين وبعض آخر؛ كعدة ذات القروء

(3)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 145، مسائل عبد الله ص 224.

(2)

في (أ): بعشر.

(3)

في (ز): القرء، وفي (د) و (و): القرر.

ص: 59

وعلم منه: أنَّ العمرة لا تقييد فيها بوقت، بل تفعل في كل السنة، وهي في رمضان أفضل؛ لما في «الصحيحين» عن ابن عباس مرفوعًا:«عمرة في رمضان تقضي حجَّةً» ، أو قال:«حجَّة معي»

(1)

، ونقل عنه ابن إبراهيم: هي

(2)

في رمضان أفضل، وفي غير أشهر الحج أفضل

(3)

.

ولا يكره الإحرام بها يوم عرفة، والنحر، والتشريق؛ كالطواف المجرد؛ إذ الأصل عدم الكراهة، ولا دليل.

وعنه: يكره، رواه النجاد عن عائشة

(4)

، وخصَّها بعضهم بأيَّام التَّشريق.

(1)

أخرجه البخاري (1782، 1863)، ومسلم (1256).

(2)

قوله: (هي) سقط من (د) و (ز) و (و).

(3)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 146.

(4)

أخرجه ابن أبي عروبة كما في المناسك (57)، ومن طريقه ابن وهب في الموطأ (144)، والطحاوي في أحكام القرآن (1621)، عن قتادة، عن معاذة العدوية، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«تمت عمرة الدهر كله، إلا ثلاثة أيام: يوم النحر، ويومين من أيام التشريق» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (12723)، ثنا علي بن مسهر، عن قتادة. ورجاله ثقات، وقتادة مدلس وقد عنعنه، وقد توبع.

أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (1622)، والبيهقي في الكبرى (8741)، عن يزيد الرشك، عن معاذة، عن عائشة، بلفظ:«تمت العمرة في السنة كلها إلا أربعة أيام: يوم عرفة، ويوم النحر، ويومين من أيام التشريق» .

وأخرجه أبو الشيخ في الأقران (279)، من طريق يزيد الرشك، بلفظ:«العمرة السنة كلها إلا أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام التشريق» ، وإسناد يزيد صحيح.

وأخرجه أبو يوسف في الآثار (532، 534)، بلفظ:«لا بأس بالعمرة في أي أشهر السنة شئت، ما خلا خمسة أيام أو أربعة من السنة: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق» ، وفيه أبو خالد الدالاني وهو صدوق يخطئ كثيرًا.

ص: 60

(بَابُ الْإِحْرَامِ)

قال ابن فارس

(1)

: هو نية الدُّخول في التَّحريم، كأنَّه يحرم على نفسه النِّكاح، والطِّيب، وأشياء من اللِّباس، كما يقال: أشتى إذا دخل في الشِّتاء، وأربع: إذا دخل في الرَّبيع.

وشرعًا: هو نيَّة النُّسك، لا نيته ليحج أو يعتمر

(2)

.

(يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ: أَنْ يَغْتَسِلَ)، ولو حائضًا ونفساء، ويتيمَّم لعدم، ولا يضر حدثه بعد غسله قبل إحرامه.

(وَيَتَنَظَّفُ) بأخذ شعره وظفره، وقطع رائحة؛ لقول إبراهيم:«كانوا يستحبُّون ذلك، ثمَّ يلبسون أحسن ثيابهم» رواه سعيد

(3)

، ولأن الإحرام عبادة، فسن

(4)

فيه ذلك كالجمعة، ولأنَّ مدته تطول.

(وَيَتَطَيَّبُ)؛ لقول عائشة: «كنت أطيِّب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم» رواه البخاريُّ

(5)

، ومراده: في بدنه، وهو الذي ذكره أكثر المشايخ، وأورده ابن حمدان مذهبًا.

والمذهب: يكره تطييب ثوبه

(6)

، وحرَّمه الآجُرِّي فيه.

(1)

ينظر: مجمل اللغة 1/ 228.

(2)

قوله: (لا نيته ليحج أو يعتمر) في (أ): لا لحج ومعتمر.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور كما في تغليق التعليق (3/ 53)، عن إبراهيم بلفظ:«كان أصحابنا إذا أتوا بئر ميمون اغتسلوا ولبسوا أحسن ثيابهم فدخلوا فيها مكة» ، وإسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 137)، وأخرجه ابن أبي شيبة (15610)، بلفظ:«كان علقمة والأسود وأصحابنا إذا انتهوا إلى بئر ميمون؛ اغتسلوا منها ولبسوا من ثيابهم» .

(4)

في (أ): يسن.

(5)

أخرجه البخاري (1539)، ومسلم (1189).

(6)

في (أ): بدنه.

ص: 61

وعلى المذهب: لا فرق فيه

(1)

بين أن تبقى

(2)

عينه كالمسك، أو أثره كالبخور.

فإن استدامه؛ فلا كفَّارة؛ لخبر يعلى بن أمية

(3)

.

وأجيب: بأنَّه عام حُنين سنة ثمان، وما سبق في حجَّة الوداع.

وامرأة كرجل.

فإن نقله من بدنه من مكان إلى آخر، أو نقله عنه ثم رده، أو نزعه ثم لبسه؛ فدى، بخلاف ما لو سال بعرق أو شمس.

(وَيَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ، أَبْيَضَيْنِ، نَظِيفَيْنِ؛ إِزَارًا وَرِدَاءً) ونعلين؛ لما روى أحمد عن ابن عمر مرفوعًا: «ليُحرِمْ أحدكم في إزار، ورداء، ونعلين»

(4)

، قال ابن المنذر:(ثبت ذلك)

(5)

، ولا فرق فيه

(6)

بين الجديد وغيره.

وفي «تبصرة الحلواني» : إخراج كتفه الأيمن من الرداء أولى.

وظاهره: أنَّه يجوز إحرامه في ثوب واحد، وفي «التبصرة»: بعضه على عاتقه.

(وَيَتَجَرَّدُ) الرَّجل (عَنِ المَخِيطِ)، وهو كلُّ ما يخاط؛ كالقميص والسَّراويل؛ لأنه «عليه السلام تجرَّد لإهلاله» رواه التِّرمذيُّ

(7)

.

(1)

قوله: (فيه) سقط من (ب) و (ز) و (و).

(2)

في (أ): يبقى.

(3)

أخرجه البخاري (1536)، ومسلم (1180)، وفيه:«اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة» .

(4)

أخرجه أحمد (4899)، وابن الجارود (416)، وابن خزيمة (2601)، وسنده صحيح على شرط الصحيحين، صححه ابن حجر والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 517، الإرواء 4/ 293.

(5)

ينظر: الإشراف 3/ 184.

(6)

قوله: (فيه) سقط من (و).

(7)

أخرجه الترمذي (830)، وابن خزيمة (2595)، والبيهقي في الكبرى (8944)، من طريق عبد الله بن يعقوب المدني، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، قال الترمذي:(حسن غريب)، قال ابن القطان:(فيه عبد الله بن يعقوب، ولا يُعرف)، قال ابن حجر عنه في التقريب:(مجهول الحال)، وله متابعات وشواهد لا تخلو من ضعف، وحسنه الألباني. ينظر: البدر المنير 6/ 129، الإرواء 1/ 178.

ص: 62

وكان ينبغي تقديمه على اللُّبس، لكن الواو لا تقتضي

(1)

التَّرتيب.

(وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُحْرِمُ عُقَيْبَهُمَا)؛ لحديث ابن عبَّاسٍ قال: «إنِّي لأعلم النَّاس بذلك، خرج حاجًّا، فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين؛ أهلَّ بالحج حين فرغ منهما» رواه أحمد وأبو داود

(2)

.

وما ذكره من استحباب الرَّكعتين قبله؛ هو قول أكثر العلماء، ولا يركعهما وقت نهيٍ، ولا من عَدِم الماء والتُّراب.

والمذهب: أنه يحرم عقَيب صلاة، فرضًا كانت أو نفلاً، نَصَّ عليه

(3)

، وحكاه ابن بطَّال عن جمهور العلماء

(4)

؛ لأنَّه «عليه السلام أهل في دُبُر صلاةٍ» رواه النسائي

(5)

.

(1)

في (و): لا يقتضي.

(2)

أخرجه أحمد (2358)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (8979)، وأبو داود (1770)، والحاكم (1657)، وفيه خصيف بن عبد الرحمن الجزري، وهو صدوق سياء الحفظ، خلط بأخرة، قال البيهقي:(خصيف الجزري غير قوي، وقد رواه الواقدي بإسناد له عن ابن عباس إلا أنه لا تنفع متابعة الواقدي، والأحاديث التي وردت في ذلك عن ابن عمر وغيره أسانيدها قوية ثابتة)، وحديث ابن عمر وجابر رضي الله عنها في الصحيحين. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 512.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 141، مسائل عبد الله ص 198.

(4)

ينظر: شرح البخاري لابن بطال 4/ 220.

(5)

أخرجه النسائي (2754)، والترمذي (819)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال الترمذي:(حسن غريب لا نعرف أحدًا رواه غير عبد السلام بن حرب)، وعبد السلام بن حرب ثقة حافظ له مناكير، وشيخه فيه خُصيف الجزري قد سبق قريبًا، وقال ابن حجر:(وفيه خُصيف وهو لين الحديث)، وهذا الحديث رواية مختصرة من الحديث السابق. ينظر: البدر المنير 6/ 147، الدراية 2/ 9.

ص: 63

وعنه: عقبها.

وظاهره: أنَّه إذا ركب وإذا سار سواء.

واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: عقب فرض إن كان وقته، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصُّه

(1)

.

وقال في «الفروع» : (ويتوجه: إن كان بالميقات مسجد؛ استُحِبَّ صلاة الرَّكعتين فيه).

ويستحب استقبال القبلة عند إحرامه؛ صح عن ابن عمر

(2)

.

(وَيَنْوِي الْإِحْرَامَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ)؛ لفعله عليه السلام

(3)

، وفِعْلِ من معه في حجَّة الوداع، ولأنَّ أحكام ذلك تختلف، فاستحب تعيينه ليترتب عليه مقتضاه.

وفي عبارته تسامح؛ لأن الإحرام هو نية النسك، فكيف ينوي النِّية، وحمله ابن المنجَّى: على أن معناه: ينوي بنيته نسكًا معيَّنًا، ثمَّ قال: والأشبه أنَّه شرطٌ؛ كما ذهب إليه بعض أصحابنا؛ لأنه كنيَّة الوضوء.

(وَلَا يَنْعَقِدُ

(4)

إِلاَّ بِالنِّيَّةِ)؛ لقوله: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات»

(5)

، ولأنه

(6)

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 108.

(2)

أخرجه البخاري (1553)، عن نافع، قال:«كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا صلى بالغداة بذي الحليفة أمر براحلته فرُحِلت، ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائمًا، ثم يلبي حتى يبلغ الحرم، ثم يمسك حتى إذا جاء ذا طوى بات به حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل» ، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.

(3)

أخرج البخاري (1562)، ومسلم (1211)، من حديث عائشة رضي الله عنها:«وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج» .

(4)

كتب في الأصل: (النسك)، وكتب فوقها حاشية.

(5)

أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).

(6)

في (ب) و (ز): ولا.

ص: 64

عملٌ وعبادةٌ محضةٌ، فافتقر إليها كالصَّلاة، ونيَّة النُّسك كافية، نَصَّ عليه

(1)

.

وفي «الانتصار» روايةٌ: مع تلبية أو سوق هديٍ، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

.

وجه الأوَّل: أنه عبادة بدنيَّة، ليس في آخرها نطق واجب، فكذا أولها؛ كالصَّوم، بخلاف الصلاة، وأمَّا الهدي: فإيجاب مالٍ كالنذر، ورفع الصَّوت بها لا يجب، فكذا تابعه، ولو سلم فهو للنَّدب.

وفي «الفروع» : يتوجه احتمال: تجب التَّلبية.

فرع: إذا نطق بغير ما نواه؛ فالعبرة بالمنوي، لا بما سبق لسانه، حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ

(3)

عنه

(4)

.

(وَ) يُستحَبُّ أن (يَشْتَرِطَ)؛ لقوله عليه السلام لضُباعة بنت الزُّبَير حين قالت له: إنِّي أريد الحجَّ، وأجدني وجعة، فقال:«حُجِّي واشترطي، وقولي: اللَّهم مَحِلِّي حيث حبستني» متَّفقٌ عليه

(5)

.

واستحبَّه الشَّيخ تقيُّ الدِّين للخائف خاصَّةً؛ جمعًا بين الأدلَّة

(6)

.

(فَيَقُولُ)، هذا راجع إلى تعيين النُّسك، وعبارة «المحرر» أَوْلى

(7)

: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ، فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي)، ولم يذكروا مثل هذا في الصَّلاة؛ لقصر مدَّتها، وتيَسُّرِها عادةً، (وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ؛ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي)؛ لقول عائشةَ لعروة: «قل: اللَّهم إني أريد الحجَّ، فإن تيسَّر وإلاَّ

(1)

ينظر: مسائل صالح 1/ 395، مسائل عبد الله ص 202.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 108.

(3)

في (د) و (و): يحفظه.

(4)

ينظر: الإجماع ص 51.

(5)

أخرجه البخاري (5089)، ومسلم (1207).

(6)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 106.

(7)

عبارة المحرر 1/ 236: (فينوي بقلبه قائلاً بلسانه).

ص: 65

فعمرة»

(1)

، ويستفيد به: أنه متى

(2)

حُبس بمرضٍ، أو عدُوٍّ، أو خطأ في طريق

(3)

، وغيره؛ حَلَّ ولا شيء عليه، نص عليه

(4)

.

لكن قال في «المستوعب»

(5)

وغيره: إلا أن يكون معه هدي، فيلزمه نحره.

فلو قال: فلي أن أحل؛ خُيِّر.

ولو شرط أن يحل متى شاء، أو إن أفسده لم يقضه؛ لم يصح

(6)

، ذكره

(7)

القاضي وغيره؛ لأنه لا عذر له في ذلك.

وقيل: يصح اشتراطه بقلبه؛ لأنه تابع للإحرام، وينعقد بالنية، فكذا هو.

فرع: يبطل إحرامه ويخرج منه بردَّته، لا بجنون، وإغماء، وسكر؛ كموت، ولا ينعقد مع وجود أحدها

(8)

.

(وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّمَتُّعِ، وَالْإِفْرَادِ، وَالْقِرَانِ)، ذكره جماعةٌ إجماعًا

(9)

؛ لقول عائشة: «خرجنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: «من أراد منكم أن يُهلَّ بحجٍّ وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يُهلَّ بحجٍّ فليهل

(10)

، ومن أراد أن يهل بعمرة

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (14730)، والشافعي في الأم (2/ 172)، والطحاوي في مشكل الآثار (15/ 156)، والبيهقي في الكبرى (10121)، عن هشام، عن أبيه. وإسناده صحيح.

(2)

قوله: (ويستفيد به أنه متى) في (و): ومتى.

(3)

في (ز): والطريق.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2083، مسائل أبي داود ص 171، مسائل عبد الله ص 203، مسائل صالح 1/ 137.

(5)

في (و): «المبسوط» و «المستوعب» .

(6)

قوله: (لم يصح) في (ب) و (ز): في الأصح.

(7)

قوله: (يكون معه هدي

) إلى هنا سقط من (و).

(8)

في (ب) و (ز): أحدهما.

(9)

ينظر: التمهيد 8/ 214، المغني 3/ 260.

(10)

قوله: (ومن أراد أم يهل بحج فليهل) سقط من (و).

ص: 66

فليهل

(1)

»، قالت: وأهلَّ بالحجِّ، وأهلَّ به ناسٌ معه، وأهلَّ

(2)

معه ناسٌ بالعمرة والحجِّ، وأهلَّ ناس بالعمرة، وكنت فيمن

(3)

أهلَّ بعمرة» متَّفق عليه

(4)

.

وذهب طائفة من السلف والخلف: أنه لا يجوز إلا التمتع، وقاله ابن عباس

(5)

.

وعند طائفة من بني أمية ومن تبعهم: النهي عن التمتع، وعاقبوا من تمتع.

وكره التمتع: عمر

(6)

، وعثمان، ومعاوية، وابن الزبير

(7)

، وبعضهم:

(1)

قوله: (ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل) سقط من (ب) و (ز).

(2)

في (و): وأهلت.

(3)

في (و): فمن.

(4)

أخرجه البخاري (1562)، ومسلم (1211).

(5)

أخرجه البخاري (4396)، ومسلم (1245)، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس:«إذا طاف بالبيت فقد حل» ، فقلت -أي: ابن جريج-: من أين؟ قال: مِنْ قول الله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} ، ومِن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع. قلت: إنما كان ذلك بعد المعرَّف قال: كان ابن عباس يراه قبل وبعد.

وأخرج مسلم (1244)، عن أبي حسان الأعرج، قال: قال رجل من بني الهجيم لابن عباس: ما هذا الفتيا التي قد تَشغَّفَت أو تشغَّبت بالناس، أن من طاف بالبيت فقد حل؟ فقال:«سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وإن رغمتم» .

(6)

قوله: (التمتع عمر) سقط من (ز).

(7)

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1559، 1724)، ومسلم (1221)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه، وفيه: فقدم عمر رضي الله عنه فقال: «إن نأخذ بكتاب الله، فإنه يأمرنا بالتمام، قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ}، وإن نأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لم يحل حتى نحر الهدي» .

وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1563)، عن مروان بن الحكم، قال: شهدت عثمان وعليًّا رضي الله عنهما، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، وذكر الأثر. وأخرج البخاري (1569)، عن سعيد بن المسيب نحوه. وأخرج مسلم (1223)، عن عبد الله بن شقيق نحوه.

وأثر ابن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (15786)، وإسحاق في مسنده (2243)، والطبراني في الكبير (244)، وابن حزم في حجة الوداع (359)، عن مجاهد قال: قال ابن الزبير: «أفردوا الحج، ودعوا قول أعماكم هذا» ، يعني ابن عباس رضي الله عنهما. وإسناده ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد الهاشمي وهو ضعيف الحديث.

وأخرج الطبري في التفسير (3/ 412)، وابن حزم في المحلى (5/ 162)، عن عطاء، قال: كان ابن الزبير، يقول:«المتعة لمن أحصر» ، قال -يعني عطاء-: وقال ابن عباس: «هي لمن أحصر ومن خليت سبيله» ، وإسناده صحيح.

ونقل ابن منصور في مسائله (1398) عن الإمام أحمد قال: (قول ابن الزبير رضي الله عنهما، يعني: بعدوٍّ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بعدو وغيره).

ص: 67

والقران، وروى الشافعي عن ابن مسعود: أنَّه كان يكرهه

(1)

.

(وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ) في قول ابن

(2)

عمر، وابن عبَّاسٍ، وعائشة، وجمعٍ

(3)

،

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (14311)، والشافعي في الجزء الملحق بالأم (7/ 201)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (8820)، عن الأسود، عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه أمر بإفراد الحج، قال:«نسكان أحب أن يكون لكل واحد منهما شعث وسفر» ، قال الشافعي بعده:(يزعمون أن القران أفضل، وعبد الله كان يكره القران)، إسناده ضعيف، قال الذهبي في المهذب 4/ 1744:(أبو حمزة لين).

وأخرج البيهقي في الكبرى (8819)، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال ابن مسعود: «جَرِّدوا الحج» ، والقاسم روايته عن عبد الله مرسلة، قال الذهبي 4/ 1744:(سنده منقطع).

وأخرج الطبري في التفسير (3/ 449)، والطبراني في الكبير (9703)، والبيهقي في الكبرى (8886)، عن طارق بن شهاب قال: أتيت عبد الله فقلت: إن امرأة منا أرادت أن تضم مع حجها عمرة، فقال عبد الله:«قال الله عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}، فلا أرى هذه إلا أشهر الحج» ، وإسناده صحيح، و رجاله رجال الصحيحين.

(2)

قوله: (ابن) ضرب عليه في (و).

(3)

قال في المغني 3/ 260: (وممن روي عنه اختيار التمتع: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد، والقاسم وسالم وعكرمة).

أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن الجعد (1277)، عن غيلان بن جرير قال:«سمعت ابن عمر يأمر بها، وكان الحجاج ينهى عنها» ، يعني متعة الحج. وإسناده صحيح.

وأخرج مالك (1/ 344)، والشافعي في الجزء الملحق بالأم (7/ 226)، وابن أبي شيبة (13044)، والطبري في التفسير (3/ 450)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3697)، والبيهقي في الكبرى (8737)، عن صدقة بن يسار، عن عبد الله بن عمر أنه قال:«والله لأن أعتمر قبل الحج وأهدي، أحب إليَّ من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة» ، وإسناده صحيح.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1567، 1688)، ومسلم (1242)، عن أبي جمرة قال: تمتعت، فنهاني ناس، فسألت ابن عباس رضي الله عنهما، فأمرني، فرأيت في المنام كأن رجلاً يقول لي: حج مبرور، وعمرة متقبلة، فأخبرت ابن عباس فقال:«الله أكبر، سنة النبي صلى الله عليه وسلم» .

وأثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (1783)، ومسلم (1211)، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة، فقال لنا:«من أحب منكم أن يهل بالحج فليهل، ومن أحب أن يهل بعمرة، فليهل بعمرة، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة» ، قالت: فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، وكنت ممن أهل بعمرة. الحديث.

ص: 68

ونَصَّ عليه في رواية صالحٍ وعبد الله

(1)

، وقال: لأنَّه

(2)

آخر ما أمر به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

(3)

، وهو يعمل لكلِّ واحد منهما على حِدة.

قال إسحاق بن إبراهيم

(4)

: كان اختيار أبي عبد الله الدُّخولَ بعمرة؛ لقوله عليه السلام: «لو استقبلْتُ من أمري ما استدبرت ما سُقْتُ الهدْيَ، ولأحْلَلْتُ معكم»

(5)

.

(1)

ينظر: مسائل صالح 2/ 144، مسائل عبد الله ص 201.

(2)

في (أ): إنه.

(3)

أخرجه البخاري (1561)، ومسلم (1211)، من حديث عائشة وفيه:«فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، فحلَّ من لم يكن ساق الهدي» ، ونحوه من حديث جابر رضي الله عنه عند البخاري (1568)، ومسلم (1216).

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 152.

(5)

أخرجه البخاري (1651)، ومسلم (1211).

ص: 69

وفي «الصَّحيحين» : «أنَّه عليه السلام أمر أصحابه لمَّا طافوا وسَعَوْا؛ أن يجعلوها عمرة، إلا من ساق هدْيًا، وثبت على إحرامه لسوقه الهدْيَ، وتأسَّف»

(1)

، ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل، ولا يتأسف إلا عليه.

لا يقال: أَمْرُهم بالفسخ ليس لفضل التمتع، وإنما هو لاعتقادهم عدم جواز العمرة في أشهر الحج؛ لأنَّهم لم يعتقدوه، ثم لو كان؛ لم يخص به من لم يسق الهدي؛ لأنهم سواء في الاعتقاد، ثمَّ لو كان؛ لم يتأسَّف؛ لاعتقاده جوازها فيها وجعل العلَّة فيه سوق الهدي.

ولأنَّ التَّمتُّع منصوصٌ عليه في كتاب الله، ولإتيانه بأفعالهما كاملةً على وجه اليسر والسُّهولة مع زيادة نسكٍ، وهو الدَّم، قال في رواية أبي طالبٍ: إذا دخل بعمرة يكون قد جمع الله له عمرةً وحجَّةً ودمًا

(2)

.

لا يقال: لو كان دم نسك لم يدخله

(3)

؛ كالهدي والأضحية، ولا يستوي فيه جميع المناسك؛ لأنَّ دخول الصوم لا يخرجه عن كونه نسكًا؛ لأنَّه بدلٌ، والقُرَبُ يدخلها الإبدال، كالقِران

(4)

، وإنما اختص به لوجود سببه، وهو الترفُّه

(5)

بأحد

(6)

السفرين.

فإن اعْتُرضَ: بأن النسك الذي لا دم فيه أفضل؛ كإفراد لا دم فيه.

رُدَّ: تمتع

(7)

المكِّي وغيره سواء عندك، وإنما كان إفراد لا دم فيه أفضل؛

(1)

سبق تخريجه 4/ 69 حاشية (3) من حديث عائشة وجابر في الصحيحين.

(2)

ينظر: التعليقة 1/ 227.

(3)

في (و): لم يدخل. كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 5/ 333:(لو كان دم نسك لم يدخله الصوم).

(4)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 5/ 333:(واختصاصه لا يمنع كونه نسكًا؛ كالقران؛ نسك ويقتصر على طواف وسعي).

(5)

قوله: (الترفه) سقط من (و).

(6)

في (ب) و (ز): بإحدى.

(7)

في (و): يتمتع.

ص: 70

لأن ما يجب فيه دمٌ

(1)

دمُ جنايةٍ، وإفرادٌ

(2)

فيه دمُ تطوع أفضل.

(ثُمَّ الْإِفْرَادُ)؛ لما في «الصَّحيحين» عن ابن عبَّاسٍ

(3)

، وجابر: «أن

(4)

النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أهلُّوا بالحجِّ»

(5)

، وفي «مسلم» عن عائشةَ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أفرد الحجَّ»

(6)

، وقال عمر وعثمان وجابر: «هو أفضل

(7)

الأنساك»

(8)

لما ذكرنا، ولإتيانه بالحجِّ تامًّا من غير احتياجٍ إلى جبر

(9)

؛ فكان أَوْلَى.

وشرط أفضليته عند ش

(10)

أن يعتمر تلك السَّنة، فلو أخَّرها عن سَنَتِه؛ فالتَّمتُّع والقِران أفضل منه؛ لكراهة تأخير العمرة عن سنَة الحجِّ.

(1)

قوله: (دم) مكانه بياض في (ز).

(2)

في (و): كإفراد.

(3)

أخرجه البخاري (1564)، ومسلم (1240).

(4)

في (ب) و (ز): عن.

(5)

أخرجه البخاري (1568)، ومسلم (1216).

(6)

أخرجه البخاري (1562)، ومسلم (1211).

(7)

في (و): الأفضل.

(8)

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1217)، قال:«افصلوا حجكم من عمرتكم، فإنه أتم لحجكم، وأتم لعمرتكم» ، وأخرج ابن أبي شيبة (14310)، عن ابن عمر:«عن عمر أنه حج خلافته كلها يفرد الحج» ، وإسناده صحيح.

وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (3834)، وابن أبي شيبة (14305)، والدارقطني (2511)، والبيهقي في الكبرى (8816)، عن الأسود، قال:«حججت مع أبي بكر وعمر وعثمان؛ فجرَّدوا الحج» ، وإسناده صحيح.

وأثر جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1249)، عن أبي نضرة، قال: كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آت فقال: إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر:«فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما» .

وأخرجه أحمد (14479)، بلفظ:«متعتان كانتا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فنهانا عنهما عمر، فانتهينا» .

(9)

في (و): آخر.

(10)

ينظر: الحاوي 4/ 45، البيان للعمراني 4/ 68.

ص: 71

وأجاب أصحابنا عن الخبر: أنه أفرد عمل الحجِّ عن عمل العمرة، أو أهل

(1)

بالحج فيما بعد، مع أن أكثر الروايات عن جابر ذكر

(2)

أصحابه فقط.

وأجاب أحمد في رواية أبي طالبٍ

(3)

: بأن هذا كان في أوَّل الأمر بالمدينة

(4)

، أحرم بالحجِّ، فلما دخل مكَّة فسخ

(5)

على أصحابه، وتأسَّف على التَّمتُّع لأجل سَوق الهدي، فكان المتأخر أولى

(6)

.

(وَعَنْهُ: إِنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالقِرَانُ أَفْضَلُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ)؛ لما في «الصحيحين» عن عائشة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من كان معه هدي فليهلل

(7)

بالحجِّ مع العمرة، ثمَّ لا يحل حتى يحل منهما جميعًا»

(8)

، وعن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَّ بهما جميعًا: «لبَّيك عمرةً وحجًّا»

(9)

، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(10)

، ولأنَّ فيه مسارعةً إلى فعل العبادتين مع زيادة نسك، وهو الدَّم، فكان أَولى.

وأجيب: بأنَّه يحتمل أن

(11)

أنسًا سمعه يُلقِّن قارنًا تلبيته

(12)

، فظنَّ أنَّه يلبِّي بهما عن نفسه، أو سمعه في وقتين، أو وقت واحد لما أدخل الحج على

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): وأهل. والمثبت موافق لما في الفروع 5/ 338.

(2)

في (أ): وذكر.

(3)

ينظر: زاد المسافر 2/ 538.

(4)

قوله: (بالمدينة) سقط من (ب) و (ز).

(5)

في (و): نسخ.

(6)

زيد في (و): ثم القران.

(7)

في (ب) و (ز): فليهل.

(8)

أخرجه البخاري (1556)، ومسلم (1211).

(9)

أخرجه مسلم (1232).

(10)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 89.

(11)

في (د) و (و): بأن.

(12)

في (ز): تلبية، وفي (د) و (و): بتلبيته.

ص: 72

العمرة، أو قرن بينهما؛ أي

(1)

: فعل الحج بعدها، ويسمى قرانًا

(2)

لغة.

وحاصله: أنَّ التَّمتُّعَ أفضلُ؛ لكثرة الأخبار به، وصحتها وصراحتها مع أنه قوله، وهو مقدم على فعله؛ لاحتمال اختصاصه به

(3)

.

وقد رُوي عنه عليه السلام أنَّه كان متمتِّعًا، فروى سالم عن أبيه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتَّع في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وتمتَّع الناس معه»

(4)

، وعن عروة عن عائشة مثله

(5)

، وأمر ابن عباس بها، وقال:«سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم» متفق عليهن

(6)

، لكن قال أحمد: لا أشك

(7)

أنَّه كان قارِنًا، والمتعة

(8)

أحب إليَّ

(9)

، وفيه أحاديث، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين:(وعليه متقدِّمو أصحابه، وهو باتِّفاق علماء الحديث)

(10)

، وفيه نظر.

(وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ)، كذا أطلقه جماعةٌ منهم في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وجزم آخرون: من الميقات؛ أي: ميقات بلده.

(فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ)، نَصَّ عليه

(11)

؛ لأنَّ العمرة عنده في الشَّهر الذي يهلُّ بها فيه، ورُوي معناه بإسنادٍ جيِّدٍ عن جابِرٍ

(12)

، لا الشَّهر الذي يُحِلُّ منها فيه،

(1)

في (ب) و (ز): إلى.

(2)

في (ب) و (و): قارنًا.

(3)

قوله: (وصحتها وصراحتها

) إلى هنا سقط من (ب) و (ز).

(4)

أخرج البخاري (1691)، ومسلم (1227).

(5)

أخرج البخاري (1692)، ومسلم (1228).

(6)

أخرجه البخاري (1688)، ومسلم (1242).

(7)

في (أ): لا شك.

(8)

في (ز): وللمتعة.

(9)

ينظر: مسائل صالح 2/ 144، الفروع 5/ 335.

(10)

ينظر: الفروع 5/ 335، الاختيارات ص 171.

(11)

ينظر: مسائل عبد الله ص 223، مسائل ابن هانئ 1/ 141.

(12)

أخرجه أحمد في مسائل عبد الله (ص 218)، ومسائل ابن هانئ (773)، والبيهقي في الكبرى (20145)، عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله سئل عن المرأة تجعل على نفسها عمرة في شهر مسمَّى ثم يخلو إلا ليلة واحدة، ثم تحيض، قال:«لتخرج، ثم لتهل بعمرة، ثم لتنتظر حتى تطهر، ثم لتطف بالكعبة ولتصل» ، وإسناده صحيح.

ص: 73

ولأنَّه لو لم يحرم بها في أشهر الحجِّ لم يَجمع بين النُّسكين فيه، ولم يكن متمتِّعًا كالمفرِد.

(وَيَفْرَغُ مِنْهَا)، قاله معظم الأصحاب، ومعناه: يتحلل منها، قاله في «المستوعب» ؛ لأنَّه لو أحرم بالحجِّ قبل التَّحلُّل من العمرة؛ لكان قارِنًا، واجتماع النُّسكين ممتنِعٌ، وفيه نظرٌ.

ولم يذكر الفراغ منها في «المحرَّر» و «المغني» ، وذكر أنَّ صفتها: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثمَّ يحجَّ من عامه؛ لقوله:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البَقَرَة: 196]؛ أي: تمتع بالعمرة موصلاً بها إلى الحجِّ.

فعلى قوله هنا: المراد به التَّمتُّع الموجب للدَّم، ومن هنا قلنا: إنَّ تمتُّع حاضري المسجد الحرام صحيحٌ على المذهب.

وقال ابن أبي موسى: لا متعة لهم، وحُكي رواية، ومعناه: ليس عليهم دم متعة؛ لأن المتعة له لا عليه.

قال الزركشي: وقد يقال: إن هذا من الإمام بناءً على أنَّ العمرة لا تجب عليهم، فلا متعة عليهم؛ أي: الحج كافيهم.

(ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، أَوْ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهَا)، نقله حربٌ وأبو داود

(1)

؛ لما روي عن عمر أنَّه قال: «إذا اعتمر في أشهر الحجِّ، ثمَّ أقام فهو متمتِّع، وإن خرج ورجع فليس بمتمتِّع»

(2)

، وعن ابن عمر نحوه

(3)

.

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 179، زاد المسافر 2/ 540.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (13006)، عن عمر قال:«إذا اعتمر في أشهر الحج، ثم أقام، فهو متمتع، فإن رجع فليس بمتمتع» ، فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف الحديث.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (13461 طبعة الشثري)، عن نافع، عن ابن عمر قال:«من اعتمر في أشهر الحج ثم رجع فليس بمتمتع، ذاك من أقام ولم يرجع» ، وإسناده صحيح.

ص: 74

(فِي عَامِهِ)، اتِّفاقًا

(1)

؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ

} [البَقَرَة: 196]، فظاهره

(2)

يقتضي الموالاة بينهما، ولأنَّه لو أحرم بالعمرة في غير

(3)

أشهر الحج، ثمَّ حج من عامه، لا يكون متمتِّعًا، فلأن لا يكون متمتعًا

(4)

إذا لم يحجَّ من عامه [بطريق]

(5)

الأولى.

وظاهره

(6)

: أنَّه لا يشترط لها غير ذلك، وشرط القاضي وأبو الخطَّاب: أن ينوي التمتُّع

(7)

في ابتداء العمرة أو

(8)

أثنائها؛ لأنه جمع بين العبادتين، فافتقر إلى النية؛ كالصلاة، وظاهر الآية يشهد للأول؛ لأن التمتع هو الترفُّه بأحد السفرين، وهو موجود بدونها.

(وَالْإِفْرَادِ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا)، ثمَّ يعتمر، ذكره جماعةٌ.

قال جماعة: يحرم به من الميقات، ثم يحرم بها من أدنى الحِلِّ، زاد بعضهم: وعنه: بل

(9)

، من الميقات.

وفي «المحرر» : ألاَّ يأتي في أشهر الحجِّ بغيره، قال الزَّركشي:(وهو أجود)، وفيه نظرٌ.

(1)

ينظر: الأصل للشيباني 2/ 399، الرسالة للقيرواني ص 77، البيان 4/ 78، المغني 3/ 413.

(2)

في (د) و (و): وظاهره.

(3)

قوله: (غير) سقط من (أ) و (ب).

(4)

قوله: (فلأن لا يكون متمتعًا) سقط من (ب) و (ز).

(5)

قوله: (بطريق) سقط من الأصل و (أ) و (ز) و (و)، ومثبتة في (ب)، وهي موافقة لما في الممتع لابن المنجى 2/ 88.

(6)

في (ب) و (ز) و (و): فظاهره.

(7)

في (أ): المتمتع.

(8)

زيد في (ب) و (ز): في.

(9)

في (أ) و (و) و (ز): بلى.

ص: 75

(وَالْقِرَانِ: أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا)؛ لفعله عليه السلام

(1)

، قال جماعةٌ: من الميقات، (أَوْ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ)، من مكَّة أو قربها، قاله

(2)

جماعةٌ؛ لما روت عائشة قالت: «أهللنا بالعمرة، ثم أدخلنا عليها الحج»

(3)

، وفي «الصحيحين»: أن ابن عمر فعله، وقال:«هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم»

(4)

، وفي الصحيح:«أنَّه أمر عائشة بذلك»

(5)

.

وشرطه: ألاَّ يكون شرع في طوافها، فإن شرع فيه لم يصح الإدخال، كما لو سعى، إلا لمن معه هدي، فيصح، ويصير قارنًا؛ بناء على المذهب: أنَّه لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهدي محله.

ولا يعتبر لصحة إدخاله؛ الإحرامُ به في أشهره على المذهب.

(وَإنْ

(6)

أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ؛ لَمْ يَصِحَّ إِحْرَامُهُ بِهَا)؛ لأنَّه لم يرِد به

(7)

أثرٌ، ولم يستفد به فائدة، بخلاف ما سبق، فعلى هذا: لا يصير قارنًا، بناء على أنه لا يلزمه

(8)

بالإحرام الثاني شيءٌ، وفيه خلاف.

والمذهب: أنَّ عمل القارن كالمفرد في الإجزاء، نقله الجماعة

(9)

، ويسقط ترتيب العمرة ويصير الترتيب للحج، كما يتأخر الحِلاق

(10)

إلى يوم

(1)

لحديث جابر رضي الله عنه في البخاري (1568)، ومسلم (1216)، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه في مسلم (1247).

(2)

في (أ) و (ب): قال.

(3)

أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1211).

(4)

أخرجه البخاري (1639)، مسلم (1230).

(5)

أخرجه البخاري (319)، ومسلم (1211).

(6)

في (ب) و (ز): ولو.

(7)

في (و): فيه.

(8)

في (و): لا يلزم.

(9)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 284، المغني 3/ 413.

(10)

في (و): الخلاف.

ص: 76

النَّحر، فوطؤه قبل طوافه لا يفسد عمرته؛ لقول عائشة:«وأمَّا الذين جمعوا الحجَّ والعمرة؛ فإنَّما طافوا طوافًا واحدًا» متَّفقٌ عليه

(1)

، وعن ابن عمر نحوه، رواه أحمد

(2)

، وكعمرة المتمتع

(3)

.

وعنه: على القارِن طوافان وسعيان، رواه سعيد والأثرم عن عليٍّ

(4)

، وفي صحَّته نظَرٌ، مع أنَّه لا يرى إدخال العمرة على الحجِّ، فعليها: يقدِّم القارِنُ

(1)

أخرجه البخاري (1556)، ومسلم (1211).

(2)

أخرجه أحمد (5350)، والترمذي (948)، وابن ماجه (2975)، وابن خزيمة (2745)، والطحاوي في معاني الآثار (3910)، وابن حبان (3916)، من طريق الدراوردي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرن بين حجه وعمرته؛ أجزأه لهما طواف واحد» ، وعبد العزيز الدراوردي صدوق، كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، وحديثه عن عبيد الله منكر، وهذه منها، قال الترمذي:(حسن غريب، تفرد به الدراوردي على ذلك اللفظ، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر ولم يرفعوه وهو أصح)، وأعله بالوقف أيضًا الطحاوي، وأن الدراوردي أخطأ فيه، وصحح رفعه ابن خزيمة وابن حبان، وقال ابن حجر:(وهو تعليل مردود، فالدراوردي صدوق وليس ما رواه مخالفًا لما رواه غيره، فلا مانع من أن يكون الحديث عند نافع على الوجهين)، وقوَاه ابن عبد البر بما في صحيح مسلم (1230)، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما خرج إلى مكة معتمرًا مخافة حصر قال:«ما شأنهما إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجبت إلى عمرتي حجة» ، ثم تقدم فطاف لهما طوافًا واحدًا، وقال:«هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم» . ينظر: التمهيد 8/ 231، فتح الباري 3/ 494.

(3)

في (د) و (و): التمتع.

(4)

أخرجه أبو يوسف في الآثار (482)، ومحمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (2/ 3)، وابن أبي شيبة (15129)، وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (317)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 349)، والطحاوي في معاني الآثار (3934)، والدارقطني (2634)، والبيهقي في الكبرى (9427)، عن أبي نصر السلمي، أن عليًّا قال له:«لبِّ بهما جميعًا، فإذا قدمت مكة فطف لهما طوافًا لعمرتك، وطوافًا لحجتك، ولا تحلن منك حرامًا دون يوم النحر» ، في بعض طرقه:«ثم تطوف لهما طوافين وتسعى لهما سعيين» ، قال منصور في بعضه طرقه: فذكرت ذلك لمجاهد، قال: ما كنا نفتي إلا بطواف واحد، فأما الآن فلا نفعل.

وأبو نصر السلمي، قال فيه ابن حبان في المجروحين 2/ 59:(مجهول لا يُدرى من هو)، وقال ابن المنذر:(رجل مجهول)، وقال البيهقي عنه:(غير معروف)، ولذا ضعفه الشافعي وابن المنذر فيما نقله البيهقي في المعرفة 7/ 277، والبخاري في تاريخه 5/ 358، وابن حبان في المجروحين 2/ 59، وقال البيهقي في المعرفة عن ذكر السعيين:(ويشبه أن يكون ذكر السعي فيه غير محفوظ)، ذلك أن أغلب الرواة لم يذكروه.

وتابع أبا نصر عبدُ الرحمن بن أُذينة: أخرجه الطحاوي في معاني الآثار (3937)، والنسائي في جزء فيه مجلسان (23)، وابن المقرئ في معجمه (515)، وابن عبد البر في التمهيد (15/ 226)، عن عبد الرحمن بن أذينة، عن علي رضي الله عنه قال:«إذا جمع الحج والعمرة طاف لهما طوافين» ، وهذا إسناد جيد كما قال ابن التركماني في الجوهر النقي 5/ 108، وجزم الطحاوي بأن أبا نصر هو عبد الرحمن بن أُذينة، إلا أن الأئمة كالبخاري وابن حبان وغيرهما فرقوا بينهما.

وأخرج ابن أبي شيبة (14313)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 372)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 77)، والطحاوي في معاني الآثار (3941)، عن زياد بن مالك، أن عليًّا وابن مسعود قالا في القارن:«يطوف طوافين» ، وفي بعض ألفاظه:«ويسعى سعيين» ، وزياد سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وقال البخاري:(ولا يُعرف لزياد سماع من عليٍّ وعبد الله، ولا للحكم منه)، فالأثر ورد من وجوه متعددة، يشبه أن يكون ثابتًا، وقد احتج به أحمد في رواية الأثرم كما في تعليقة القاضي 2/ 214، واحتج به منصور ومجاهد كما تقدم، على أن النووي في المجموع 8/ 62 قال:(ضعيف باتفاق الحفاظ).

ص: 77

فعلَ العمرة على فعل الحجِّ، كالمتمتِّع إذا ساق هدْيًا.

فلو وقف بعرفة قبل طوافه وسعيه لها؛ فقيل: تنتقض

(1)

عمرته ويصير مفرِدًا بالحجِّ، يتمُّه ثمَّ يعتمر. وقيل: لا تنتقض، فإذا رمى الجمرة

(2)

طاف لها، ثمَّ سعى، ثمَّ طاف، ثم سعى.

وعنه: على القارن عمرةٌ مفردةٌ، اختاره أبو بكرٍ وأبو حفصٍ؛ لعدم طوافها، ولاعتمار عائشة.

(وَيَجِب عَلَى المُتَمَتِّعِ وَالقَارِنِ دَمُ نُسُكٍ)، أمَّا دم التمتع

(3)

فلازمه

(1)

في (د) و (و): ينقض.

(2)

زيد في (ب) و (ز) و (و): ثم.

(3)

في (أ): المتمتع. وفي (ز): المتعة.

ص: 78

إجماعًا

(1)

، وقد سبق في أفضليته، وأما دم القران فلازِمٌ، نَصَّ عليه

(2)

، واحتجَّ له جماعةٌ بالآية، ولأنَّه ترفُّهٌ بسقوط أحد السَّفرَين كالمتمتِّع.

ونقل بكر: عليه هدي، وليس كالمتمتِّع

(3)

؛ لأنَّ الله أوجب على المتمتع هديًا في كتابه، والقارن إنَّما يُروى عن سعيدٍ، عن أبي مَعْشَرٍ، عن إبراهيم، عن عمر، وهو منقطِعٌ

(4)

.

وعنه

(5)

: لا يلزمه، كقول داود.

وتبع المؤلِّفُ أكثرَ الأصحاب في كونه

(6)

دمَ نُسُكٍ. وفي «المبهج» و «عيون المسائل» : أنَّه دم جبران

(7)

.

وظاهره: وجوبه ولو أفسد النُّسك، نَصَّ عليه

(8)

؛ لأنَّ ما وجب الإتيان به

(1)

ينظر: المغني 3/ 412.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4800.

(3)

ينظر: الفروع 5/ 353.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (13856)، وعلي بن المديني كما في مسند الفاروق لابن كثير (1/ 474)، من طريق سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم:«أن عمر بن الخطاب أمر الصُّبي بن معبد حين قرن أن يذبح كبشًا» ، وهذا مرسل صحيح، سعيد هو ابن أبي عروبة، وأبو معشر هو زياد بن كليب، وهما ثقتان، إلا أن إبراهيم لم يدرك عمر، وعلقه أحمد في مسائل ابن منصور بصيغة التمريض (3501).

ويقويه أثر الصُّبي بن معبد عن عمر رضي الله عنه، أخرجه أحمد (83)، وأبو داود (1799)، والنسائي في الكبرى (3685)، وفي المجتبى (2719)، وابن ماجه (2970)، وفي بعض ألفاظه: أنه أتى إلى عمر رضي الله عنه فقال: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فأتيت هُديم بن عبد الله فقلت: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فقال: اجمعهما، ثم اذبح ما استيسر من الهدي، فأهللت بهما، فقال عمر:«هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم» ، صححه ابن المديني والدارقطني وابن كثير. ينظر: مسند الفاروق 1/ 474.

(5)

في (ب): عليه.

(6)

في (و): قوله.

(7)

قوله: (جبران) سقط من (و).

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2384.

ص: 79

في الصَّحيح؛ وجب في الفاسد كالطواف.

وعنه: يسقط؛ لعدم ترفهه بسقوط أحد السفرين.

والأصح: أنَّه لا يسقط دمهما بفواته، فلو قضى القارن قارِنًا؛ لزمه دمان؛ لقِرانه الأول والثَّانِي، وقال المؤلِّف: دمٌ لقرانه ودم لفواته.

ولو قضى مفردًا؛ لم يلزمه شَيءٌ؛ لأنَّه أفضل. وجزم جماعةٌ: أنه يلزمه دم لقِرانه الأوَّل؛ لأنَّ القضاء كالأداء.

ولم يتعرَّض المؤلِّف لوقت لزومه، والمذهب: أنَّه يلزم بطلوع فجر يوم النَّحر؛ لظاهِر قوله تعالى: الآية {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ

} [البَقَرَة: 196].

وعنه: بإحرام الحجِّ؛ لأنَّه غاية، فكفى أوَّله؛ كأمره بإتمام الصَّوم إلى اللَّيل.

وعنه: بوقوفه بعرفة، اختاره القاضي.

وعنه: بإحرام العمرة؛ لنيَّته التَّمتُّع إذن.

وينبني على الخلاف: إذا مات بعد سبب الوجوب؛ يخرج عنه من تركته.

وقال بعض أصحابنا: فائدته، إذا تعذَّر الدَّم، وأراد

(1)

الانتقال إلى الصَّوم، فمتى ثبت التَّعذُّر؟ فيه الرِّوايات.

ولا يجوز ذبحه

(2)

قبل وقت وجوبه، جزم به الأكثر، فدلَّ أنَّه يجوز إذا وجب.

وإنَّما يجب بشروطٍ، نبه

(3)

المؤلِّف على بعضها، فقال:(إِذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي المَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ)؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البَقَرَة: 196]، ثبت ذلك في التَّمتُّع، والقِرانُ مثلُه؛

(1)

في (أ): دار.

(2)

في (و): دفعه.

(3)

في (و): نية.

ص: 80

لترفُّهِه

(1)

بأحد السَّفرَين، (وَمَنْ كَانَ مِنْهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ)، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّ حاضر الشَّيء من حلَّ فيه أو قرب منه وجاوره، بدليل رخص السَّفر.

وعنه: أنَّهم أهل الحرم، ومن كان منه دون مسافة قصرٍ، جزم

(3)

به في «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الفروع» .

وهذا الشَّرط لوجوب الدَّم عليه، ليس لكونه متمتِّعًا، فإن متعةَ المكِّيِّ صحيحةٌ، والخلافُ فيه سبق، فلو دخل الآفاقي مكَّة متمتِّعًا ناويًا للإقامة بعد فراغ نسكه؛ فعليه دمٌ، وفيه وجهٌ.

وإن استوطن أُفقي مكَّةَ؛ فحاضِرٌ، وإن استوطن مكِّيٌّ الشَّامَ، ثمَّ عاد مقيمًا متمتِّعًا؛ فعليه الدم

(4)

، وفي «المجرد» و «الفصول» خلافُه.

فرعٌ: إذا كان له منزلان قريبٌ وبعيدٌ؛ فلا

(5)

دم عليه؛ لأنَّ بعض أهله من حاضري المسجد الحرام، فلم يوجد الشَّرط، وله أن يحرم من القريب، واعتبر في «المجرد» و «الفصول» إقامته أكثر بنفسه، ثمَّ بماله، ثمَّ بنيته

(6)

، ثم بالذي أحرم منه.

الثَّاني: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحجِّ، وسبق كلام أحمد، ولأن

(7)

الإحرام نسك يعتبر للعمرة، أو من أعمالها، فاعتبر في أشهر الحجِّ كالطَّواف.

الثَّالث: أن يحجَّ من عامه؛ لما سبق.

(1)

في (ز) و (و): لرفهه.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2111.

(3)

في (ب) و (د) و (و): وجزم، وفي (ز): فجزم.

(4)

في (د) و (و): دم.

(5)

في (و): لا.

(6)

في (د) و (و): ببنيه.

(7)

في (د) و (و): لأن.

ص: 81

الرَّابعُ: ألاَّ يسافر بين الحجِّ والعمرة، فإن سافر مسافة قصرٍ فأكثر؛ فإن فعل فأحرم؛ فلا دم عليه، نَصَّ عليه

(1)

، وتقدَّم قول عمر

(2)

، ولأنَّه مسافِرٌ لم

(3)

يترفه بترك أحد السَّفرين؛ كمحلِّ الوفاق.

الخامس: أن يحلَّ من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحجِّ، تحلل أو لا، فإن أحرم به قبل حِلِّه؛ صار قارنًا.

السَّادس: أن يحرم بالعمرة من الميقات، ذكره جماعة. وذكر القاضي وابن عقيل، وجزم به في «المستوعب» و «الرعاية»: إن بقي بينه وبين مكة دون مسافة قصر فأحرم منه؛ فلا دم عليه؛ لأنَّه من حاضري المسجد الحرام، بل دم المجاوزة. واختار المؤلِّف وغيره: إذا أحرم منه؛ لزمه الدَّمان؛ لأنه لم يُقِم، ولم ينوها به، وليس بساكن.

السَّابع: نية التَّمتُّع في ابتداء العمرة أو أثنائها، ذكره القاضي والأكثر، وجزم المؤلِّف بخلافه.

ولا يعتبر وقوع النُّسكَين عن واحدٍ.

وهذه الشروط تعتبر لكونه متمتِّعًا، وجزم به في «الرِّعاية» ، إلاَّ الشَّرط السَّادس، فإنَّ المتعة للمكِّيِّ كغيره

(4)

، نقله الجماعة

(5)

، وقدم في «الفروع»: أنَّها لا تعتبر.

وظاهره: أنَّ المفرِد لا دمَ عليه؛ لأنَّ عمرته في غير أشهره.

وذكر جماعة: إن أحرم به من الميقات؛ فلا دم عليه، نَصَّ عليه

(6)

،

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 179، مسائل عبد الله ص 219، مسائل ابن هانئ 1/ 151.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 74 حاشية (2).

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فلم.

(4)

في (ز) و (و): لغيره.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 145.

(6)

ينظر: الفروع 5/ 348.

ص: 82

وحمله القاضي

(1)

على أن بينه وبين مكة مسافةَ قصرٍ.

وفي «الترغيب» : إن سافر إليه فأحرم منه؛ فوجهان.

(وَمَنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا؛ أَحْبَبْنَا لَهُ)، وكذا

(2)

جزم

(3)

في «المستوعب» و «الرعاية» بالاستحباب، وعبر القاضي وأصحابه والمجد: بالجواز، وقال الأكثر: لا يجوز؛ لأنَّ الحج أحد النسكين، فلم يجز فسخه كالعمرة، (أَنْ يَفْسَخَ

(4)

إِذَا طَافَ وَسَعَى، وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً؛ لِأَمْرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ)؛ لأنه صحَّ:«أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين أفردوا الحجَّ وقرنوا؛ أن يَحِلُّوا كلُّهم، ويجعلوها عمرةً، إلاَّ من كان معه هديٌ» متَّفقٌ عليه

(5)

، وقال سلمة بن شَبيبٍ

(6)

لأحمد: كل شيءٍ منك حسن جميلٌ إلاَّ خَلةٌ واحدةٌ، فقال: وما هي؟ قال: تقول بفسخ الحجِّ، قال: كنت أرى أن لك عقلاً! عندي ثمانيةَ عشَرَ حديثًا صحاحًا جيادًا، كلُّها في فسخ الحجِّ، أتركها لقولك؟!

(7)

، ولأنَّه قَلْبٌ للحج إلى العمرة، فاستُحبَّ لمن لحقه الفوات.

وفي «الانتصار» و «عيون المسائل» : لو ادَّعى مدَّعٍ وجوب الفسخ لم يبعد، مع أنه قول ابن عبَّاسٍ وجماعةٍ

(8)

، واختاره ابن حزم

(9)

.

(1)

في (ب): جماعة.

(2)

قوله: (وكذا) سقط من (و).

(3)

زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): به.

(4)

في (د) و (ز) و (و): يفسخها.

(5)

أخرجه البخاري (1560)، ومسلم (1211)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(6)

هو: سلمة بن شبيب النيسابوري، قال أبو بكر الخلال: رفيع القدر حدث عنه شيوخنا الأجلة، وكان قريبًا من مهنى وإسحاق بن منصور، توفي سنة 244 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 168، المقصد الأرشد 1/ 416.

(7)

ينظر: التعليقة 1/ 246.

(8)

أثر ابن عباس رضي الله عنهما تقدم تخريجه 4/ 67 حاشية (5).

(9)

ينظر: المحلى 5/ 87.

ص: 83

وجوابه: أنَّه عليه السلام لما قدم لأربع مَضْين من ذي الحجَّة، فصلَّى الصُّبح بالبطحاء، ثمَّ قال:«من شاء منكم أن يجعلها عمرةً فليجعلها»

(1)

.

واحتج المخالف بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محَمَّد: 33].

رُدَّ: بأن الفسخ نقله إلى غيره، لا إبطاله من أصله، ولو سُلِّم فهو محمولٌ على غير مسألتنا، قاله القاضي.

ومحله

(2)

إذا اعتقد فعلَ الحجِّ من عامه، نقل ابن منصورٍ

(3)

: لا بد أن يُهِلَّ بالحجِّ من عامه ليستفيد فضيلة التَّمتُّع، ولأنَّه على الفور، فلا يؤخره لو لم يحرم، فكيف وقد أحرم؟!

وشرطه كما ذكره المؤلِّف وصاحب «الوجيز» : إذا طافا وسعيا، ونقله

(4)

أبو طالب: يجعلها عمرة إذا طاف وسعى، ولا يجعلها وهو في الطريق

(5)

؛ لما في «الصَّحيحين» : أنَّه قال لأبي موسى: «طف بالبيت وبالصَّفا والمروة، ثمَّ حلَّ»

(6)

.

فعلى هذا: ينويان بإحرامها

(7)

ذلك عمرةً مفرَدةً، فإذا فرغاها وحلاَّ منها؛ أحرما بالحجِّ ليصيرا متمتِّعَين، ولأنَّه لو فسخ قبله واستأنف عمرة؛ لعري

(8)

الإحرام الأوَّل عن نسك، قاله القاضي.

وظاهر

(9)

كلامهم: يجوز، فينوي إحرامه بالحجِّ عمرة، وخبر أبي موسى

(1)

أخرجه البخاري (1564)، ومسلم (1240)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

قوله: (محله) سقط من (و).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2387.

(4)

في (ب) و (ز): ونقلها.

(5)

ينظر: التعليقة 1/ 251.

(6)

أخرجه البخاري (1795)، ومسلم (1221).

(7)

في (ب): بإحرامهما.

(8)

في (و): تعرى.

(9)

في (ز): فظاهر.

ص: 84

أراد أنَّ الحلَّ يترتب

(1)

عليهما، وليس فيه المنع من قلب النِّيَّة، وكلام ابن المنجَّى يوافقه؛ لأن «إذا» ظرف

(2)

، فيكون المراد: أحببنا

(3)

أن يفسخ وقت طوافه؛ أي: وقت جوازه، وصريح كلام ابن عقيلٍ يعضده.

وهذا ما لم يقف بعرفة، فإنَّ من وقف بها أتى بمعظم

(4)

العبادة وأمن فوتها، بخلاف غيره، وتركه المؤلف لوضوحه.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَاقَ مَعَهُ

(5)

هَدْيًا، فَيَكُونُ عَلَى إِحْرَامِهِ)؛ للنَّصِّ وللأخبار

(6)

، وكامتناعه في زمنه عليه السلام

(7)

.

(وَلَوْ سَاقَ المُتَمَتِّعُ هَدْيًا؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ)؛ لقول ابن عمر: تمتع

(8)

النَّاس مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحجِّ فقال: «من كان معه هديٌ؛ فإنَّه لا يحل من شيءٍ حرُم عليه حتَّى يقضيَ حجَّه»

(9)

، فعلى هذا: يُحرِم بالحجِّ إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحلُّله بالحلق، فإذا ذبحه يوم النَّحر حلَّ منهما جميعًا، نَصَّ عليه

(10)

، ولأنَّه عليه السلام دخل في العشر، ولم يحلَّ

(11)

.

ونقل أبو طالبٍ فيمن يعتمر قارنًا أو متمتعًا ومعه هدي: له أن يُقصِّر من

(1)

في (و): مترتب.

(2)

في (و): طاف.

(3)

في (و): أجنبيًا.

(4)

في (أ): معظم.

(5)

قوله: (معه) سقط من (أ).

(6)

في (د) و (و): والأخبار.

(7)

سبق تخريجه 4/ 69 حاشية (3) من حديث عائشة وجابر رضي الله عنهما.

(8)

في (و): ممتع.

(9)

أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227).

(10)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 306.

(11)

أخرجه البخاري (1638)، ومسلم (1211).

ص: 85

شعر رأسه خاصَّة

(1)

؛ لقول معاوية: «قصرت من شعر رأس

(2)

النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص

(3)

» متَّفقٌ عليه

(4)

.

وفي «المغني» و «الشرح» عن م

(5)

: له التَّحلُّلُ، وينحر هديه عند المروة، ويحتمله كلام الخِرَقيِّ.

والأوَّل أصحُّ؛ لأنَّ التمتع

(6)

أحد نوعي الجمع بين الإحرامين؛ كالقِران.

فائدةٌ: حيث صحَّ الفسخ؛ لزمه

(7)

دمٌ، نَصَّ عليه

(8)

. وذكر المؤلِّف عن القاضي: لا؛ لعدم النِّيَّة في ابتدائها أو أثنائها

(9)

. ورُدَّ: بأنَّه دعوى لا دليل عليها.

(وَالمَرْأَةُ إِذَا دَخَلَتْ مُتَمَتِّعَةً [فَحَاضَتْ]

(10)

قبل طواف العمرة

(11)

، (فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ)، أو خافه

(12)

غيرها؛ (أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ وَصَارَتْ قَارِنَةً)، نَصَّ عليه

(13)

؛ لما روى مسلمٌ: أنَّ عائشة كانت متمتِّعة فحاضت، فقال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أهِلِّي بالحجِّ»

(14)

، ولأنَّ إدخال الحجِّ على العمرة يجوز

(1)

ينظر: مسائل صالح 1/ 327، الروايتين والوجهين 1/ 306.

(2)

قوله: (رأس) سقط من (و).

(3)

في (أ): بمقص.

(4)

أخرجه البخاري (1730)، ومسلم (1246).

(5)

قوله: (م) سقط من (و). وينظر: المدونة 1/ 409.

(6)

في (و): المتمتع.

(7)

في (د) و (و): لزم.

(8)

ينظر: الفروع 5/ 375.

(9)

في (و): وأثنائها.

(10)

قوله: (فحاضت) سقط من الأصل و (أ) و (ز)، وهي مثبتة في النسخ الخطية للمقنع.

(11)

زيد في (ب): فحاضت.

(12)

في (و): يخافه.

(13)

ينظر: مسائل عبد الله ص 221.

(14)

أخرجه مسلم (1213)، من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 86

من غير خشية الفوات، فمعها أَولَى؛ لكونها ممنوعةً من دخول المسجد.

فعلى هذا: لا تقضي طواف القدوم، لكن روى عروة

(1)

عن عائشة: أنَّها أهلَّتْ بعمرةٍ وحاضت، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«انقضي رأسك وامتشطي، وأهِلِّي بالحجِّ، ودعِي العمرةَ»

(2)

.

وجوابه

(3)

: أنَّ الأئمَّةَ الأثْباتَ روَوْه عنها بغيرها

(4)

، وهو مخالِفٌ للأصول؛ لأنَّه لا يجوز رفض نسكٍ يمكن بقاؤه، ويحتمل: دعِي العمرةَ، وأهِلِّي معها بالحجِّ، أو: دعي أفعالَها.

(وَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا)؛ بأن

(5)

نوى نفس الإحرام، ولم يعيِّنْ نُسُكًا؛ (صَحَّ)، نَصَّ عليه

(6)

، كإحرامه بمثل إحرام فلانٍ، وحيث صحَّ مع الإبهام؛ صحَّ مع الإطلاق.

(وَلَهُ صَرْفُهُ إِلَى مَا شَاءَ)، نَصَّ عليه

(7)

، بالنِّيَّة لا باللَّفظ؛ لأن له أن يبتدئ الإحرام بأيِّها شاء، فكان له صرف المطلق إلى ذلك، فعلى [هذا]

(8)

: عليه

(9)

تعيينه قبل الطواف، فإن طاف قبله لم يجزئه؛ لوجوده لا في حجٍّ ولا

(10)

عمرة.

(1)

قوله: (عروة) سقط من (ب)، وفي (و): عمرة.

(2)

أخرجه البخاري (316)، ومسلم (1211).

(3)

في (و): وظاهره.

(4)

في (و): كغيرها.

(5)

في (أ): بل.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2353، الفروع 5/ 379.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2353.

(8)

قوله: (هذا) سقط من الأصل، وهي مثبتة في (أ).

(9)

قوله: (عليه) سقط من (ب) و (ز).

(10)

زاد في (أ) و (ب) و (د): في.

ص: 87

والأَوْلَى أن يصرفه إلى العمرة؛ لأنه إن كان في غير أشهر الحجِّ فهو مكروهٌ أو ممتنع

(1)

، وإن كان فيها فالعمرة أَوْلَى؛ لأنَّ التَّمتُّعَ أفضلُ، وقال أحمد: يجعلها عمرةً

(2)

؛ كإحرامه بمثل إحرام فلانٍ.

(وَإِنْ أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ؛ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ بِمِثْلِهِ)؛ لمَا روى جابِرٌ: أنَّ عليًّا قدم من اليمن، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«بِمَ أهْلَلْتَ؟» قال

(3)

: بما أهلَّ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، قال:«فاهْدِ، وامكُثْ حرامًا» ، وعن أبي

(4)

موسى نحوه، متَّفقٌ عليهما

(5)

.

فإن عَلم؛ انعقد بمثله؛ لأنه جعل نفسه تبعًا، وإن كان مطلقًا؛ فحكمه سبق.

وظاهره

(6)

: لا يلزمه صرفه إلى ما يصرف إليه، ولا

(7)

إلى ما كان صرفه إليه، وأطلق بعض أصحابنا احتمالين.

وظاهر كلامهم: يعمل بقوله، لا بما وقع في نفسه.

وإن جهله؛ فكالمنسيِّ.

وإن شكَّ هل أحرم أم لا والأشهر: كما لو لم يحرم؛ فيكون إحرامه مطلقًا.

ويستثنى من ذلك: ما إذا كان إحرامه فاسدًا، فيتوجَّه لنا خلافٌ فيما

(8)

إذا

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): متمتع.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2353.

(3)

في (د) و (ز) و (و): فقال.

(4)

قوله: (وعن أبي) في (ب) و (ز): وأبو.

(5)

حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1557)، ومسلم (1216)، وحديث أبي موسى رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1559)، ومسلم (1221).

(6)

في (و): فظاهره.

(7)

قوله: (إلى ما يصرف إليه ولا) سقط من (أ).

(8)

في (و): ما.

ص: 88

نذر عبادةً فاسدةً هل تنعقد بصحيحةٍ؟

فرعٌ: لو قال: إن أحرم زيدٌ فأنا محرِمٌ، قال في «الفروع»: (فيتوجه ألاَّ يصحَّ.

ولو قال: أحرمتُ يومًا، أو بنصف نسكٍ ونحوهما؛ فيتوجه

(1)

خلافٌ).

(وَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، أَوْ عُمْرَتَيْنِ؛ انْعَقَدَ بِأَحَدِهِمَا

(2)

؛ لأنَّ الزَّمان يصلح لأداء واحدةٍ، فيصحُّ به؛ كتفريق الصَّفقة، فدلَّ علَى خلاف هنا؛ كأصله، وأنَّه لا ينعقد بهما كبقيَّة أفعالهما، وكنذرهما في عامٍ واحدٍ، يجب إحداهما دون الأخرى؛ لأنَّ الوقت لا يصلح لهما، وكنيَّة صومين في يوم.

ولو أفسد حجَّه أو عمرته؛ لم يلزمه إلاَّ قضاؤها

(3)

.

(وَإِنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ

(4)

وَنَسِيَهُ؛ جَعَلَهُ عَمْرَةً)، نقله أبو داود

(5)

؛ لأنَّها اليقين، وله صرف الحجِّ والقِران إليها مع العلم، فمع

(6)

الإبهام أَوْلَى، والمراد: أنَّ

(7)

له جعله عمرةً، لا أنها تتعيَّن.

(وَقَالَ الْقَاضِي)، وقطع به جماعةٌ: (لَهُ صَرْفُه

(8)

إِلَى مَا

(9)

شَاءَ)؛ لأنَّه إنْ صادف ما أحرم به فقد أصاب، وإن صرفه إلى عمرةٍ، وكان إحرامُه بغيرها؛ جاز؛ لجواز الفسخ إليها، ويَلْزَمه دمُ المتعة.

(1)

زيد في (ب): لنا.

(2)

في (ب) و (ز): بإحداهما.

(3)

في (ب): قضاؤهما.

(4)

في الأصل: بنسيك.

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 172.

(6)

في (و): فمنع.

(7)

قوله: (أن) سقط من (ب) و (و).

(8)

قوله: (له صرفه) في (ب) و (د) و (ز) و (و): يصرفه.

(9)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): أيها.

ص: 89

وإن صرفه إلى قرانٍ، وكان المنسيُّ عمرةً؛ فقد أدخل الحجَّ على العمرة، وهو جائزٌ، وإن كان مفرِدًا؛ فقد أدخل العمرة على الحجِّ، وهو لغوٌ لا يقدَح في صحَّة حجِّه.

وإن صرفه إلى الإفراد، وكان متمتِّعًا؛ فقد أدخل الحجَّ على العمرة، وصار قارنًا، ولا تبطل العمرة بترك نيَّتها؛ إذ الشَّرط وجودها ابتداءً لا دوامًا، وإن كان قارنًا فكذلك.

هذا إذا كان قبل الطَّواف، فإن كان شكه

(1)

بعده؛ تعيَّن جعْلُه عمرةً؛ لامتناع إدخال الحجِّ إذن؛ كمن لا هدي معه، فإذا سعى وحلَق فمع بقاء وقت الوقوف؛ يُحرِم بالحجِّ ويتمُّه، ويجزئه، ويلزَمه دمٌ للحلق في غير وقته إن كان حاجًّا، وإلاَّ فدم المتعة.

وإن جعله حجًّا، أو قِرانًا؛ تحلَّل بفعل الحجِّ، ولم يجزئه واحدٌ منهما؛ للشك؛ لأنَّه يحتمل أن المنسي عمرةٌ، فلا يصحُّ إدخاله عليها بعد

(2)

طوافها، ويحتمل أنه حجٌّ، فلا يصحُّ إدخالها عليه، ولا دم ولا قضاء؛ للشك في سببهما.

(وَإِنْ أَحْرَمَ عَنِ اثْنَيْنِ؛ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ)؛ لأنَّه لا يُمكِن عنهما؛ لأنَّ العبادة الواحدة لا تُجزئ عن اثنين كالصَّلاة، ولا أولوية، وكإحرامه عن زيد ونفسه، وسَبَق إحرامه بحجِّهٌ عن أبويه.

(وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ؛ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ)؛ لما تقدَّم.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ) والقاضي: (لَهُ صَرْفُهُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ)؛ لصحَّته بمجهولٍ، فصحَّ عنه.

وقال الحنفية

(3)

: هو الاستحسان؛ لأنَّ الإحرامَ وسيلةٌ إلى مقصود،

(1)

في (ب) و (و): نسكه.

(2)

في (د): بعمد.

(3)

ينظر: الأصل للشيباني 2/ 510، بدائع الصنائع 2/ 214.

ص: 90

والمبهم يصحُّ وسيلةً بواسطة التعيين، فاكتفي به شرطًا.

فعلى هذا: لو لم يفعل حتَّى طاف شوطًا، أو سعى، أو وقف بعرفة قبل جعله؛ تعيَّن عن نفسه؛ لأنه لا يلحقه فسخٌ، ولا يقع عن غير معيَّن.

وعنه: يبطل إحرامه، حكاها في «الرعاية» ، وهو غريبٌ.

تنبيهٌ: إذا استنابه اثنان في نسك في عامٍ، فأحرم عن واحد معيَّنٍ ثمَّ نسيه، وتعذَّر معرفته؛ فإن فرَّط؛ أعاد الحجَّ عنهما، وإن فرط الموصَى إليه بذلك؛ غرِم، وإلاَّ فمن تركة الموصِيَيْنِ إن كان النَّائب غير مستأجَرٍ لذلك، وإلاَّ لزِماه، وإن لم يَنْسه؛ صح، فلو أحرم للآخر بعده لم يصحَّ، نصَّ عليه

(1)

، قال: ويضمن، ويؤدَّب من أخذ من اثنين حجتين ليحج

(2)

عنهما في عام

(3)

؛ لأنَّه فَعَل محرَّمًا.

(وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ؛ لَبَّى)؛ لحديث ابن عمر، وهو في «الصَّحيحين» ، ولفظ البخاريِّ عن جابرٍ وأنسٍ:«أهلَّ»

(4)

؛ أي: رفع صوته بالتَّلبية، من قولهم: استهَلَّ الصَّبِيُّ، إذا صاح.

وقدَّم في «المحرَّر» و «الفروع» : أنها

(5)

تستحب

(6)

عقب إحرامه، ونقل حرْبٌ

(7)

: يلبِّي متى شاء، ساعة يُسلِّم، وإن شاء بَعْدُ.

(1)

ينظر: الفروع 5/ 386.

(2)

في (و): فيحج.

(3)

زيد في (ب): واحد.

(4)

حديث ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه: البخاري (1514)، ومسلم (1184)، وحديث جابر رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1651)، ومسلم (1216)، وحديث أنس رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1546).

(5)

في (د) و (و): أنه.

(6)

في (و): يستحب.

(7)

ينظر: التعليقة 1/ 170.

ص: 91

(تَلْبِيَةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، رواه ابن عمر، متَّفقٌ عليه

(1)

، (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ)، قال الطَّحاويُّ والقرطبيُّ

(2)

: أجمع العلماء على هذه التَّلبية، وهي مأخوذةٌ من لبَّ بالمكان إذا لزمه، فكأنه قال: أنا مقيمٌ على طاعتك، وكرره؛ لأنَّهم أرادوا إقامةً بعد إقامة، ولم يريدوا حقيقة التثنية، وإنما هو التكثير

(3)

؛ كحنانيك، والحنان: الرَّحمة.

وقيل معناه: إجابة دعوة إبراهيم حين نادى بالحجِّ. وقيل: محمد، والأشهر: أنه الله تعالى.

وكَسْرِ

(4)

همزة «إنَّ» أَوْلَى عند الجماهير، وحُكي الفتحُ عن آخرين، قال ثعلب

(5)

: من كسر فقد عمَّ؛ يعني: حمد الله على كلِّ حالٍ، ومن فتح فقد خصَّ؛ أي: لأنَّ الحمدَ لك.

وظاهره: أنَّه لا يُستحَبُّ الزِّيادة عليها، ولا يكره، نَصَّ عليه

(6)

؛ لقول ابن عمر: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يزيد على ذلك»

(7)

. وفي «الإفصاح» : تكره الزِّيادة. وقيل: له الزِّيادة بعدها، لا فيها.

فإن كان أخرس، أو مريضًا؛ استُحِبَّ أن يلبَّى عنهما، نقله ابن إبراهيم

(8)

.

قال جماعة: ويُلبى

(9)

عن مجنون، ومغمى عليه، زاد بعضهم: ونائم،

(1)

أخرجه البخاري (1549)، ومسلم (1184).

(2)

ينظر: شرح معاني الآثار 2/ 124، المفهم 3/ 266.

(3)

في (أ): التكبير.

(4)

في (أ): وكسرة.

(5)

ينظر: معالم السنن 2/ 173.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 172.

(7)

أخرجه البخاري (5915)، ومسلم (1184).

(8)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 161.

(9)

في (أ): يلبي.

ص: 92

وليس بظاهرٍ.

(وَالتَّلْبِيَةُ سُنَّةٌ)؛ لفعله

(1)

عليه السلام

(2)

، ولأنَّها ذكْرٌ فيه، فلم تَجِب؛ كسائر الأذكار.

(وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا)؛ لخبر السَّائب بن خلاَّدٍ مرفوعًا: «أتاني جبريلُ يأمُرنِي أنْ آمُرَ أصْحابِي أن يرفَعوا أصواتهم بالإهلال والتَّلبية» رواه الخمسةُ، وصحَّحه التِّرمذيُّ

(3)

، وعن أبي بكرٍ الصِّدِّيق: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل: أيُّ الحجِّ أفضلُ، قال:«العَجُّ والثَّجُّ» ، فيه عبد الرحمن بن يربوعٍ، وهو مختلَفٌ فيه

(4)

، فالعَجُّ: رفع الصَّوت بالتَّلبية، والثَّجُّ: إسالة الدِّماء بالنَّحر.

ويستثنى منه: مساجد الحلِّ وأمصاره، وطواف القدوم، والسَّعي بعده، فلا يُستحَبُّ إظهارُه.

والمنقول عن أحمد: إذا أحرم في مصره لا يعجبني أن يلبِّيَ حتَّى يبرُز؛ لقول ابن عبَّاس

(5)

، واحتجَّ القاضي وأصحابه: أنَّ إخفاء التَّطوُّع أَوْلَى؛ خوف

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): لقوله.

(2)

سبق تخريجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

أخرجه أحمد (16557)، وأبو داود (1814)، والترمذي (829)، والنسائي (2753)، وابن ماجه (2922)، قال الترمذي:(حديث خلاد عن أبيه حديث حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن الملقن. ينظر: البدر المنير 6/ 152، صحيح أبي داود 6/ 79.

(4)

أخرجه الترمذي (827)، وابن ماجه (2924)، وابن خزيمة (2631)، والحاكم (1655)، من طريق ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الرحمن بن يربوع، عن أبي بكر الصديق به، ووقع اختلاف في سنده، أشار إليه الترمذي والدارقطني في العلل، قال الترمذي:(حديث أبي بكر حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان، ومحمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع)، قال الألباني:(وهذا الإسناد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أنه منقطع؛ لأن ابن المنكدر لم يسمع من ابن يربوع كما تقدم في كلام الترمذي)، ثم ذكر له شاهدًا وحسَّنه. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 521، السلسلة الصحيحة (1500).

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 142، زاد المسافر 2/ 527.

أخرجه أحمد في مسائل أبي داود (684)، وابن الجعد (2271)، عن عطاء: أن ابن عباس سمع رجلاً يلبي بالمدينة، فقال:«إن هذا لمجنون، ليست التلبية في البيوت، إنما التلبية إذا برزت» ، فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف الحديث، وقد يُقبل مثله في الموقوفات، لا سيما في المناسك، قال الفضيل بن عياض كما في التهذيب 8/ 467:(كان ليثٌ أعلم أهل الكوفة بالمناسك)، ولذا احتج أحمد بالأثر فيما ذكر شيخ الإسلام في شرح العمدة 4/ 435.

ص: 93

الرِّياء على من لا يشاركه في تلك العبادة، بخلاف البراري وعرفات ومكَّة والحرم.

(وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا)؛ لخبر سهلِ بن سعدٍ: «مَا من مسلمٍ يلبِّي إلاَّ لبَّى عن يمينه وعن شماله؛ من حجرٍ أو شجرٍ أو مدرٍ، حتَّى تنقطع الأرض من ههنا وهنا» رواه ابن ماجه، وفيه إسماعيل بن عياش عن المدنيين، وهو ضعيف عندهم، وهو للتِّرمذي بإسنادٍ جيِّدٍ

(1)

.

ويُسَنُّ ذكرُ نسكه فيها، وذكر العمرة قبل الحجِّ للقارن، نَصَّ عليه

(2)

، وفيه وجه

(3)

: لا يسن.

وعلى الأول: لا يسن تكرارها في حالةٍ واحدةٍ، قاله أحمد

(4)

، واستحبه في «الخلاف» ؛ لتلبُّسه بالعبادة، وقال المؤلف: حسن، فإن الله وتر يحب الوتر.

(وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا)؛ لما روى خُزيمة بن ثابت مرفوعًا: «أنه كان يسأل الله

(1)

أخرجه الترمذي (828)، وابن ماجه (2921)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن عمارة بن غزية، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد به، ورواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين ضعيفة، وعمارة مدني، ولكن تابعه عبيدة بن حميد وهو صدوق ربما أخطأ، أخرجه الترمذي (828)، وابن خزيمة (2634)، والحاكم (1656)، والبيهقي في الكبرى (9019)، وصححه ابن خزيمة والحاكم.

(2)

ينظر: شرح العمدة 4/ 260.

(3)

قوله: (وجه) سقط من (أ) و (ب).

(4)

ينظر: زاد المسافر 2/ 526.

ص: 94

رضوانه والجنَّةَ، ويستعيذ برحمته من النَّار» رواه الشَّافعيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ

(1)

؛ ولأنَّه مظنَّة إجابة الدُّعاء.

ويصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بعدها؛ لقول القاسم بن محمَّدٍ: «كان يستحب ذلك» ، فيه صالح بن محمد بن

(2)

زائدة، قوَّاه أحمد، وضعَّفه غيره

(3)

، ولأنه يشرع فيه ذكر الله؛ كصلاةٍ وأذانٍ.

(وَيُلَبِّي)؛ أي: يتأكَّد في مواضع: (إِذَا عَلَا نَشَزًا)، وهو المكان المرتفع، بفتح الشِّين وسكونها، (أَوْ هَبَطَ وَادِيًا، وَفِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ

(4)

؛ أي: عند الفراغ منها، (وَإِقبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ)؛ أي: بأوَّلهما، (وَإِذَا الْتَقَتِ الرِّفَاقُ)؛ لقول جابرٍ:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبِّي كذلك»

(5)

، وقال النَخَعيُّ:(كانوا يستحبُّون التَّلبية دُبر الصلوات المكتوبة، وإذا هبط واديًا، أو علا نَشَزًا، أو لَقِيَ راكبًا، أو استوت به راحلته)

(6)

.

ويُستحَبُّ إذا أتى محظورًا ناسيًا، أو ركب، زاد في «الرِّعاية»: أو نزل، وفي «المستوعب»: يستحبُّ عند تنقُّل الأحوال به، وزاد: وإذا رأى البَيتَ.

(1)

أخرجه الشافعي (ص 123)، والدارقطني (2507)، والبيهقي في الكبرى (9038)، وفيه صالح بن محمد بن زائدة وهو ضعيف، قال ابن الملقن:(وضعفه يحيى والدارقطني والنسائي وابن حبان، وقال البخاري: منكر الحديث). ينظر: البدر المنير 6/ 167.

(2)

قوله: (ابن) سقط من (و).

(3)

أخرجه الدارقطني (2507)، وهو الحديث المتقدم تخريجه قريبًا.

(4)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): المكتوبة.

(5)

لم نقف عليه، وقال ابن حجر:(ذكره الشيخ في «المهذب»، وبيض له النووي والمنذري، وقد رواه ابن عساكر في تخريجه لأحاديث «المهذب»، من طريق عبد الله بن محمد بن ناجية في فوائده بإسناد له إلى جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي إذا لقي ركبًا، فذكره، وفي إسناده من لا يُعرف). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 520.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (12748)، بإسناد صحيح.

ص: 95

(وَلَا تَرْفَعُ المَرْأَةُ صَوْتَهَا بِهَا

(1)

إِلاَّ بِقَدْرِ مَا تُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا

(2)

، وقاله في «المحرَّر» و «الوجيز» وغيرهما؛ لأنَّ صوتها عورةٌ، فلم يشرع لها الرفع

(3)

إلاَّ بما ذكر، والمراد به: المزاملة لها، لكنَّ السُّنَّة أنَّها لا ترفع صوتها بها

(4)

، وحكاه ابن عبد البَرِّ إجماعًا

(5)

.

ويكره جهرُها أكثر من قدر سماع رفيقتها؛ خوف الفتنة، وظاهر كلام بعض أصحابنا

(6)

: تقتصر

(7)

على إسماع نفسها، قال في «الفروع»: وهو متَّجهٌ.

فائدةٌ: لا تشرع

(8)

التَّلبية إلاَّ بالعربيَّة إن قدَر؛ كأذان، ولم يُجوِّز أبو المعالي الأذانَ بغير العربيَّة إلاَّ لنفسه مع العجز.

(1)

قوله: (بها) سقط من (د) و (و)

(2)

في (أ) و (د) و (ز): رَفِيقَها.

(3)

في (د) و (و): للرفع.

(4)

في (و): لها.

(5)

ينظر: الاستذكار 4/ 57.

(6)

في (د) و (و): الأصحاب.

(7)

في (أ): تقضي.

(8)

في (و): لا يشرع.

ص: 96

(بَابُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ)

أي: الممنوع فعلُهنَّ في الإحرام.

(وَهِيَ تِسْعَةٌ: حَلْقُ الشَّعَرِ

(1)

إجماعًا

(2)

؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البَقَرَة: 196]، نَصَّ على حلْق الرَّأس، وعُدِّيَ إلى سائر شعر البدن؛ لأنه في معناه؛ إذ حلقُه يُؤذِن بالرفاهية، وهو ينافي الإحرام لكون أنَّ المحرم أشعثُ أغبرُ.

وليس الحكم خاصًّا بالحلق، بل قطعه ونتفه كذلك، وعبَّر في «الفروع» بقوله: إزالة الشَّعر، وهو أَوْلَى، لكنَّ المؤلِّف تَبِع النَّصَّ، ولكونه هو الأغلب.

(وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ)؛ لأنَّه يحصل به الرفاهيَةُ، أشبهَ الحلْقَ.

(فَمَنْ حَلَقَ، أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةً؛ فَعَلَيْهِ دَمٌ)، أمَّا في حلْق شعر الرَّأس؛ فلقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ

} [البَقَرَة: 196]، ولحديث كعب قال: حُمِلتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقمْلُ يتناثَر على وجهي، قال:«ما كنتُ أُرى الجهدَ بلغ بك ما أرى، تجِدُ شاةً؟» قال: لا، قال:«صُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ، أو أطعم ستَّةَ مساكينَ؛ لكلّ مسكينٍ نصف صاعٍ» متَّفقٌ عليه

(3)

.

والمذهب: أنَّها تجب في إزالة ثلاث شعراتٍ فما فوقها، قاله القاضي وأصحابه؛ لأنَّ الثّلاثَ جمْعٌ، واعتبرت في مواضع؛ كمحل الوفاق، بخلاف

(1)

في (ب) و (ز): الرَّأس.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 52.

(3)

أخرجه البخاري (1816)، ومسلم (1201).

ص: 97

ربع الرأس، وما يماط به الأذى.

وظاهره يقتضي وجوب الدَّم عينًا، وليس كذلك، بل هو مخير فيها كما يأتي، ولعله وَكَل التَّفصيل إلى بابه.

وحكم الأظفار كالشّعر؛ لأنَّ المنعَ للترفه.

وظاهره: لا فرق في ذلك بين المعذور وغيره في ظاهر المذهب؛ لأنَّ النَّصَّ دلَّ على وجوبها على المعذور، فغيره من باب أولى، وإنَّمَا الفرق بينهما في جواز الإقدام وعدمه.

(وَعَنْهُ: لَا يَجِبُ إِلاَّ فِي أَرْبَعٍ فَصَاعِدًا)، نقلها جماعةٌ

(1)

، واختارها الخِرَقِيُّ؛ لأِنَّ الأربعَ كثيرٌ، ولأنَّ الثَّالثَ آخِرُ أجزاء القلة

(2)

، وآخر الشَّيء منه، فلم يجب به كالشَّعرتين.

وذكر ابن أبي موسى روايةً: في خمسٍ، اختارها أبو بكر في «التَّنبيه» ، قال في «الشّرح» و «الفروع»: ولا وجه لها، ولعلَّه

(3)

قيَّد الحكم بأطراف اليد كاملة.

(وَفِيمَا دُونَ ذَلِكَ)؛ أي: العددِ المعتبَرِ على الخلاف، (فِي كُلِّ وَاحِدٍ: مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ)؛ أي: إطعام مسكينٍ، نَصَّ عليه

(4)

، وهو المذهب؛ لأنَّه أقلُّ ما وجب شرعًا فديةً.

(وَعَنْهُ: قَبْضَةٌ)، وقاله عطاءٌ؛ لأنَّه لا تقدير فيه، ولأنها اليقينُ.

(وَعَنْهُ: دِرْهَمٌ)؛ لأنَّه قال: في الشَّعرتَين درهمانِ، ولأنَّه لما امتنع إيجابُ

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 279.

(2)

في (أ): العلة.

(3)

في (و): وكأنه.

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 154، الفروع 5/ 400.

ص: 98

جزءٍ من الحيوان، وجب المصير إلى القيمة، وهو أقلُّ ما يطلق عليه في الوحدة.

وعنه: درهم أو نصفه، ذكرها جماعة، وخرَّجها القاضي من ليالي منى.

فَرعٌ: إزالةُ بعض الشَّعرة كهي، وكذا في الظُّفر؛ لأنه غير مقدَّر بمساحة، وهو يجب فيهما

(1)

سواء طالا أو قصرا، بل كالموضِحة، يجب في كبيرها وصغيرها.

وخرَّج ابن عقيل وجهًا: يجب بحساب المتلَف؛ كالأصبع في أنملتها ثُلُث ديتها.

(وَإِنْ حُلِقَ رَأْسُهُ بِإِذْنِهِ؛ فَالْفِدْيَةُ عَلَيْهِ)؛ أي: على المحلوق رأسُه؛ لأن ذلك بإذنه، أشبه ما لو باشره، ولأنَّه تعالى أوجب الفدية عليه مع علمه أنَّ غيره يحلقه.

وظاهره: أنه لا شيء على الحالق، سواء كان مُحرِمًا أو حلالاً.

وفي «الفصول» احتمال: أنه يجب عليه، كشعر الصَّيد، وفيه بُعْدٌ.

فإن سكت ولم ينْهَهُ؛ فقيل: على الحالق؛ كإتلافه ماله وهو ساكتٌ. وقيل: على المحلوق رأسُه؛ لأنَّه أمانةٌ عنده كوديعةٍ.

(وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا؛ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ)؛ نَصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّه أزال ما مُنِع من إزالته، كحلق محرِمٍ رأسَ نفسه. وقيل: على المحلوق رأسُه. وفي «الإرشاد» وجهٌ: القرار على الحالق.

قال في «الفروع» : ويتوجَّه احتمال لا فدية على أحد؛ لأنَّه لا دليل. وفيه شَيءٌ.

(وَإِنْ حَلَقَ مُحْرِمٌ

(3)

رَأْسَ حَلَالٍ؛ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ)، أي: هَدَرٌ، نَصَّ

(1)

في (أ) و (ب): فيها.

(2)

ينظر: التعليقة 1/ 429.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): المحرم.

ص: 99

عليه

(1)

؛ لأنَّه شعرٌ مباحُ الإتْلاف، فلم يجب بإتلافه جَزَاءٌ؛ كبهيمة الأنعام.

وفي «الفصول» احتمالٌ؛ لأنَّ الإحرام للآدميِّ كالحرَم للصَّيد.

(وَقَطْعُ الشَّعْرِ وَنَتْفُهُ كَحَلْقِهِ)، وكذا الظُّفر، بغير خلافٍ نعلمه

(2)

؛ لاشتراك الكلِّ في حصول الرَّفاهيَة.

(وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ وَاحِدٌ) على المذهب؛ لأنَّه جنس واحدٌ، لم يختلف إلاَّ موضعه، وكلبسه سراويل وقميصًا.

(وَعَنْهُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمٌ مُفْرَدٌ)؛ لأنَّهما كجنسَين؛ لتعلُّق النُّسك بحلق الرَّأس فقط، فهو كحلْقٍ ولُبسٍ.

وذكر جماعةٌ: إن تطيب أو لبس في رأسه وبدنه؛ فالرِّوايتان، ونصُّ أحمدَ: فديةٌ واحدةٌ

(3)

، وجزم به القاضِي وابن عَقيل وأبو الخطاب؛ لأنَّ الحلقَ إتلافٌ، فهو آكدُ، والنُّسك يختصُّ بالرَّأس.

فعلى الأوَّل: لو قطع من بدنه شعْرتين، ومن رأسه واحدةٌ؛ وجبت الفدية، وعلى الثَّانية: يجب في كل واحدة ما تقدم.

(وَإِنْ خَرَجَ فِي عَيْنَيْهِ

(4)

شَعْرٌ فَقَلَعَهُ، أَوْ نَزَلَ شَعْرُه فَغَطَّى عَيْنَيْهِ فَقَصَّهُ)؛ فلا شَيءَ عليه؛ لأنَّ الشعر آذاه، فكان له إزالته من غير فديةٍ؛ كقتل

(5)

الصَّيد الصَّائل، بخلاف ما إذا حلق شعره لقمْلٍ أو صُداعٍ وشدة حرٍّ، فإنَّها تجب الفدية؛ لأنَّ الأذى من غير الشَّعر.

(أَوِ انْكَسَرَ ظُفُرُهُ فَقَصَّهُ)؛ فكذلك؛ لأنَّه يؤذيه بقاؤه، وكذا إن وقع بظفره

(1)

ينظر: التعليقة 1/ 429.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 52.

(3)

ينظر: الفروع 5/ 402.

(4)

في (أ): عينه.

(5)

في (أ): كقتيل.

ص: 100

مرض فأزاله له، أو قلع أصبعًا بظفر؛ فهدرٌ.

ومعنى قوله: (فقَصَّه)؛ أي: قصَّ ما احتاجه فقط.

وقال الآجُرِّيُّ: إن انكسر فآذاه؛ قطعه وفدى.

وإن لم تمكن

(1)

مداواة قَرحةٍ إلا بقصه؛ قصَّه وفدى.

(أَوْ قَلَعَ

(2)

جِلْدًا عَلَيْهِ شَعْرٌ؛ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ)؛ لأنَّ الشَّعر زال تابعًا لغيره، والتَّابع لا يُضمن؛ كما لو قلع أشفار عين، فإنه لا يضمن الهدب.

وفي «المبهج» : إذا زال شعر الأنف؛ أنَّه لا يلزمه دم؛ لعدم الترفه

(3)

. وفيه نظر إذ لا فرق.

فوائدُ: للمحرم تخليل

(4)

لحيته، ولا فدية بقطعه بلا تعمد، والمذهب: إن تيقَّن أنَّه انفصل منه بمشط أو تخليل؛ فدَى، قال أحمد: إن خلَّلها فسقط؛ إن كان شعرًا ميتًا فلا شيء عليه

(5)

، وجزم به في «الشرح» ؛ لأنَّ الأصل نفي الضَّمان، لكن يُستحبُّ.

وله حكُّ رأسه وبدنه برفق، نَصَّ عليه

(6)

، ما لم يقطعه، وقيل: غير الجنب.

وله غسله في حمَّام وغيره، بلا تسريح، فإن غسله بسدر أو نحوه؛ جاز، قاله القاضي وجمع، وجزم آخرون بالكراهة؛ لتعرُّضه لقطع الشَّعر.

وعنه: يحرُم ويفدي.

(1)

في (و): لم يمكن.

(2)

في (د) و (و): أو قطع.

(3)

في (د) و (ز) و (و): الرفه.

(4)

في (أ): يُخلِّل.

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 175.

(6)

ينظر: مسائل عبد الله ص 205.

ص: 101

وله أن يحتجم، ذكره الخِرقِيُّ؛ للخبر

(1)

، زاد في «المحرر» وغيره: ما لم يقطع شعرًا، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين فيمن احتاج وقطعه لحجامة أو غسل: لم يَضُرَّ

(2)

.

(1)

وهو ما أخرجه البخاري (1835) ومسلم (1202)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم» .

(2)

ينظر: الفروع 5/ 407، الاختيارات ص 174.

ص: 102

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ)، إجْماعًا

(1)

؛ لأنَّه عليه السلام نهى عن لُبس العمائم، وقوله في المحرم الذي وَقَصَته راحلته:«وَلَا تُخَمِّرُوا رأسَه، فإنَّه يبعث يوم القيامة ملبِّيًا» متَّفقٌ عليهما

(2)

، وكان ابن عمر يقول:«إحرام الرَّجل في رأسه» ، وذكره القاضي مرفوعًا

(3)

.

والأذنان منه في قول الجماهير. وعنه: عضوان مستقلاَّن، ذكرها ابن عقيلٍ.

وعلى الأوَّل: يدخل فيه البياض الذي فوقهما دون الشَّعر، بدليل الموضحة، وهي لا تكون إلاَّ في رأسٍ ووجْهٍ، وليس في الوجه، فتعين

(4)

الأوَّل.

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 43، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 261.

(2)

الحديث الأول: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه البخاري (1543)، ومسلم (1177)، والثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه البخاري (1268)، ومسلم (1206).

(3)

أخرجه الدارقطني (2761)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9048) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه» ، وإسناده صحيح، وقد جاء في مطبوع سنن الدارقطني بعد ابن عمر: (عن النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أنه مرفوع، وهو خطأ من الطباعة أو من بعض النساخ، توضحه رواية البيهقي، وذكره الدارقطني في العلل بهذا الطريق موقوفًا.

وأخرجه الدارقطني (2760)، والبيهقي (9049)، مرفوعًا، ولا يصح، وقال الحافظ في الدراية 2/ 32:(قال الدارقطني: تفرد برفعه أيوب بن محمد عن عبيد الله بن عمر، ووقفه غيره وهو الصواب، وكذا قال ابن عدي والعقيلي).

وأخرج مالك (1/ 327)، ومن طريقه الطحاوي في مشكل الآثار (8/ 411)، والبيهقي في الكبرى (9090)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول:«ما فوق الذقن من الرأس فلا يُخمِّره المحرم» ، وإسناده صحيح.

(4)

في (أ): بتعين.

ص: 103

وقيل: ليس منه، وذكره بعضهم إجماعًا.

ويدخل فيه: النَّزَعَتان، والشعر الذي بينهما، وفي الصُّدْغ والتحذيف خلاف.

(فَمَتَى غَطَّاهُ بِعِمَامَةٍ، أَوْ خِرْقَةٍ، أَوْ قِرْطَاسٍ فِيهِ دَوَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ عَصَبَهُ، أَوْ طَيَّنَهُ بِطِينٍ أَوْ حِنَّاءٍ أَوْ غَيْرِهِ)، جمع في ذكرها بين تغطيته بمعتادٍ أو غيره، قال أحمد:(وشدِّ سَيْرٍ فيه)

(1)

، (فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ)؛ لأنَّه فعل محرَّمًا في الإحرام يقصد به الترفه، أشبه حلق الرَّأس.

وظاهره: لا فرق بين أن يكون لعذرٍ أو غيره.

(وَإِنِ

(2)

اسْتَظَلَّ بِالمحْملِ)، ضبطه الجَوهريُّ كالمجلس

(3)

، وعكس ابن مالك

(4)

؛ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ):

أشهرهما: أنَّه يحرم، ويلزمه الفداء؛ لأنَّ «ابن عمر رأى على رجلٍ مُحرمٍ عودًا يستره من الشَّمس؛ فنهاه عن ذلك» رواه الأثرم، واحتجَّ به أحمد

(5)

، ولأنَّه قصده بما يقصد به الترفه؛ كتغطيته.

وعنه: لا فدية إن طال زمنه

(6)

.

(1)

ينظر: الفروع 5/ 414.

(2)

في (د) و (ز) و (و): فإن.

(3)

ينظر: الصحاح 4/ 1678.

(4)

ينظر: إكمال الأعلام بتثليث الكلام 2/ 597.

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 205، زاد المسافر 2/ 528.

والأثر: أخرجه البيهقي في الكبرى (9193)، بإسناد جيد.

وأخرج ابن أبي شيبة (14253)، وأبو عبيد في غريب الحديث (5/ 271)، والبيهقي في الكبرى (9192)، عن ابن عمر، أنه رأى رجلاً محرمًا قد استظل، فقال:«اضحَ لمن أحرمت له» ، وإسناده صحيح.

(6)

كذا في النسخ الخطية، وفيها سقط ظاهر، والذي في الفروع 5/ 415:(وعنه: لا فدية، وعنه: بلى إن طال). وينظر: الإنصاف 8/ 239.

ص: 104

وعنه: يكره، قال المؤلف: وهي الظَّاهرة

(1)

عنه.

وعلى الأول: لو استظل بثوب راكبًا ونازلاً؛ لزمته الفدية. والثَّانية: يجوز بلا فداءٍ، جزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّ غاية

(2)

ما سبق أنَّه قول ابن عمر، وهو لا يرى ذلك حرامًا، ولأنَّه يجوز بثوبٍ كما سيأتي.

(وَإِنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْئًا)؛ [فكستره]

(3)

بيديه، ولا أثر للقصد وعدمه فيما فيه فدية.

وقال ابن عقيل: إن قصد به السَّتر؛ فدى؛ كجلوسه عند عطَّار لقصد شمِّ الطِّيب.

فلو لبَّده بعسلٍ

(4)

أو صمْغٍ ونحوه؛ لئلا يدخله غبارٌ ولا دبيبٌ؛ جاز للخبر

(5)

.

(أَوْ نَصَبَ حِيَالَهُ

(6)

ثَوْبًا)؛ لما روت أم الحصين قالت: «حجَجْت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حجَّة الوداع، فرأيت بلالاً وأسامة، وأحدهما

(7)

آخذٌ بخطام ناقته، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرِّ حتى رمى جمرة العقبةِ» رواه مسلمٌ

(8)

.

وأجاب أحمد

(9)

، وعليه اعتمد القاضي وغيره: بأنَّه يسير لا يراد

(1)

في (أ): الظاهر.

(2)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): غايته.

(3)

في الأصل و (أ): وكستره. والمثبت من (ب) و (د) و (و).

(4)

في (ب) و (ز) و (و): بغِسْل. والتلبيد يكون بالعسل والصمغ والغسول والخطمي وشبهه. ينظر: مشارق الأنوار 1/ 354.

(5)

وهو ما أخرجه البخاري (1566)، ومسلم (1229)، من حديث حفصة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إني لبدت رأسي، وقلدت هديي» ، الحديث.

(6)

في (ز): حباله، وفي (و): حاله.

(7)

في (د): أو أحدهما.

(8)

أخرجه مسلم (1298).

(9)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2183، مسائل صالح 2/ 157، زاد المسافر 2/ 528.

ص: 105

للاستدامة، بخلاف الاستظلال بالمحمل، زاد ابن عَقيلٍ: أو كان بعد رمي جمرة العقبة، أو به عذر وفدى، أو لم يعلم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم به.

(أَوِ اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ، أَوْ شَجَرَةٍ، أَوْ بَيْتٍ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لما رَوَى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ضُرِبت له قبَّةٌ بنمرة فنزلها» رواه مسلمٌ

(1)

، لأنَّه لا يقصد به الرَّفه

(2)

في البدن عادةً، بل جمع الرَّحل وحفظه، وفيه شيءٌ.

(وَفِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ رِوَايَتَانِ):

إحداهما: يجوز، واختارها الأكثر، روي عن عثمان، وزيد بن ثابتٍ، وابن عبَّاسٍ، وابن الزُّبير

(3)

، وغيرهم، ولأنَّه لا يقصد به سنة التقصير من

(1)

وهو جزء من حديث جابر الطويل في الحج، أخرجه مسلم (1218).

(2)

في (أ): الترفه.

(3)

أخرج ابن أبي شيبة (14252)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (5/ 78)، عن القاسم بن محمد، عن الفرافصة، قال:«رأيت عثمان وزيدًا وابن الزبير، يغطون وجوههم وهم محرمون إلى قصاص الشعر» ، وإسناده جيد، وأخرجه أحمد في مسائل أبي داود (735)، عن القاسم أنه قال: بلغني، وذكره. وأخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (1200)، عن القاسم بن محمد: أن عثمان، وزيد بن ثابت، وابن الزبير، وذكره، ولم يذكر الفرافصة.

وأخرجه الشافعي في اختلاف مالك الملحق بالأم (7/ 255)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9088)، من طريق أخرى عن القاسم، وجعل مكان ابن الزبير: مروان بن الحكم.

وأخرج مالك (1/ 357)، ومن طريقه الشافعي في اختلاف مالك الملحق بالأم (7/ 255)، والطحاوي في مشكل الآثار (8/ 409)، وفي أحكام القرآن (1197)، والدارقطني في العلل (3/ 14)، والبيهقي في الكبرى (9924)، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه بالعرج في يوم صائف وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان. وإسناده صحيح.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن حزم في المحلى (5/ 79)، معلقًا عن ابن عباس أنه قال:«المحرم يغطي ما دون الحاجب، والمرأة تسدل ثوبها من قبل قفاها على هامتها» ، ورجاله ثقات.

ص: 106

الرجل، فلم يتعلق به حرمة التخمير

(1)

كسائر بدنه.

والثانية، ونقلها الأكثر: لا يجوز؛ لقوله عليه السلام: «ولا تُخمِّروا وجهَه» ، رواه مسلمٌ

(2)

، فيكون كالرأس.

(1)

في (أ): التجهير.

(2)

أخرجه مسلم (1206)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ:«اغسلوه بماء وسدرٍ وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه» ، وهو في البخاري (1268)، لكن بدون ذكر الوجه، وأعل بعض الحفاظ ذكر الوجه، وصححه غيرهم. ينظر: الفتح 4/ 54، الإرواء 4/ 199.

ص: 107

(فَصْلٌ)

(الرَّابِعُ: لُبسُ المَخِيطِ)، في بدنه أو بعضه، بما عُمل على قدره، إجماعًا

(1)

، (وَالْخُفَّيْنِ)؛ لما روى ابنُ عمر: أنَّ رجلاً سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثِّياب؟ فقال: «لا يَلبَس القميص، ولا العِمامة، ولا البُرنُس، ولا السَّراويل، ولا ثَوبًا مسَّه زَعْفرانٌ أو وَرْسٌ، ولا الخفَّين، إلاَّ أنْ لا يَجِد نعلَين، فليقطعهما أسفلَ من الكعْبَين» متَّفق عليه

(2)

.

فتنصيصه على القميص؛ يلحق به ما في معناه من الجبَّة والدَّرَّاعة، والعمامة يَلحَق بها كلُّ ساتر ملاصِقٍ، أو ساتر معتادٍ، والسَّراويل يُلحق به التُّبَّان، وما في معناه، وسواءٌ كان مخيطًا أو دِرْعًا منسوجًا، أو لبدًا معقودًا.

وظاهره: لا فرق بين قليل اللبس وكثيره؛ لظاهر الخبر، ولأنه استمتاع، فاعتبر فيه مجرد الفعل؛ كالوطء في الفرج، لكن من به شيء لا يحب أن يُطَّلع عليه، فإنَّه يلبس ويفدي، نصَّ عليه

(3)

.

(إِلاَّ أَنْ لَا يَجِدَ إِزَارًا، فَيَلْبَسُ سَرَاوِيلَ، أَوْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ

(4)

خُفَّيْنِ

(5)

؛ لقول ابن عبَّاسٍ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول: «السَّراويل لمن لا يجد الإزار، والخُفَّان لمن لم يجد النَّعلين» متَّفقٌ عليه، ورواه الأثبات وليس فيه «بعرفاتٍ» ، وقال مسلمٌ:(انفرد بها شعبةُ)، وقال

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 43، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 261.

(2)

أخرجه البخاري (1543)، ومسلم (1177).

(3)

ينظر: زاد المسافر 2/ 527.

(4)

في (أ): يبلس، وفي (ب) و (و): فيلبس.

(5)

في (ب) و (ز) و (و): الخفين.

ص: 108

البخاريُّ: (تابعه ابنُ عيينة عن عمرو)

(1)

، ولأنَّه جعله بدلاً، وهو يقوم مقام المُبدل، لكن متى وجد الإزار خَلَع السَّراويل.

وفي «الانتصار» : احتمال يلبس سراويل للعورة فقط.

(وَلَا يَقْطَعُهُمَا)؛ أي: لا يلزمه قطع خفيه

(2)

في المنصوص

(3)

والمختار؛ عملاً بإطلاق حديثي ابن عبَّاس وجابرٍ

(4)

، فإنَّه لم يأمر فيهما بقطع، ولو وجب لبيَّنه، يؤيِّده: أنَّ جماعةً من الصَّحابة عملوا على ذلك

(5)

، وقال

(1)

أخرجه البخاري (1841)، ومسلم (1178)، من طريق شعبة عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنه به، ووقع اختلاف في الترجيح بين هذا الحديث وحديث ابن عمر، وأعل بعض الأئمة ذكر عرفات في حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال مسلم:(ولم يذكر أحد منهم: "يخطب بعرفات" غير شعبة وحده)، وكذا قال البزار، لكن تابع شعبة عليه سعيد بن زيد كما عند الدارقطني (2465)، وأما متابعة ابن عيينة التي ذكرها البخاري فهي لأصل الحديث دون ذكر الخطبة بعرفات.

ويشهد لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: ما أخرجه أحمد (2015)، من طريق أبي الشعثاء، عن ابن عباس: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، وهو يقول:«من لم يجد إزارًا ووجد سراويل فليلبسها، ومن لم يجد نعلين، ووجد خفين فليلبسهما» قلت: لم يقل ليقطعهما؟ قال: لا.

وكذلك ما أخرجه أحمد (14465)، ومسلم (1179)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا:«من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل» .

وقال ابن تيمية: (وأما حديث ابن عمر: فحديث صحيح، وزيادته صحيحة محفوظة)، وذكر ابن حجر في الفتح أوجه ترجيح حديث ابن عمر على حديث ابن عباس. ينظر: مسند البزار 11/ 409، شرح العمدة لابن تيمية 2/ 22، الفتح لابن حجر 3/ 403، 3/ 575.

(2)

في (أ): خفه.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 172، مسائل ابن منصور 5/ 2179، مسائل ابن هانئ 1/ 159.

(4)

سبق تخريجهما حاشية رقم (1).

(5)

قال القاضي في التعليقة 1/ 351: (عملت عليه الأئمة: عمر، وعلي، وابن عباس، وعائشة، وسعد بن أبي وقاص).

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (15778)، عن يونس بن سيف، عن عمرو بن الأسود، قال: سألت عمر قلت: ما تقول في الخفين للمحرم؟ فقال: «هما نعلا من لا نعل له» ، إسناده جيد، يونس بن سيف هو العنسي، وثقه الدارقطني والذهبي.

وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (15779)، عن أبي إسحاق:«عن عليٍّ في المحرم إذا لم يجد نعلين؛ لبس خفين، وإذا لم يجد إزارًا؛ لبس سراويل» ، وإسناده ضعيف، فيه حجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، وأبو إسحاق السبيعي لم يسمع من علي. وقال الإمام أحمد في رواية أبي طالب كما في شرح العمدة 4/ 477:(ويُروى عن علي بن أبي طالب: «قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما»)، وذكره في المغني عن علي 3/ 282، ولم نقف عليه.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (15780)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:«إذا لم يجد المحرم إزارًا فليلبس سراويل، وإذا لم يجد نعلين فليلبس خفين» ، وإسناده صحيح.

وأثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه النجاد بإسناده كما في التعليقة (1/ 351)، عن مولى الحسن بن علي قال: رأيت على المسور بن مخرمة خفين وهو محرم، فقيل له: ما هذا؟ فقال: «أمرتنا به عائشة» ، ولم نقف على إسناده.

ص: 109

أحمد: قطعهما

(1)

فسادٌ

(2)

، واحتجَّ المؤلِّفُ وغيره بالنهي عن إضاعة المال، ولأنَّه ملبوس أبيح لعدم غيره، أشبه السراويل، ولأن قطعه لا يخرجه عن حالة الحظر، فإن لبس المقطوع مع القدرة على النعلين، كلبس الصحيح.

وعنه: إن لم يقطعهما دون كَعْبَيه فدَى، وهي قول أكثر الفقهاء؛ لخبر ابن عمر

(3)

، قال في «المغني» و «الشرح»: وهي الأَوْلَى؛ عملاً بالحديث الصَّحيح، وخروجًا من الاختلاف، وأخْذًا بالاحتياط.

وأجيب: بأن زيادة القطع لم يَذكرْها جماعةٌ، وروي أنَّها من قول ابن عمر، ولو سُلِّم صحَّةُ رفعها؛ فهي بالمدينة، وخبر ابن عبَّاسٍ بعرفات، فلو كان القطع واجبًا؛ لبيَّنه للجمع العظيم الذي لم يحضر كثير منهم كلامه في المسجد في موضع البيان ووقت

(4)

الحاجة، فلزم

(5)

أن يكون الإطلاق ناسخًا

(1)

في (أ): يقطعهما.

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 172.

(3)

تقدم تخريجه 1/ 108 حاشية (2).

(4)

في (أ): وقت.

(5)

في (أ): فيلزم.

ص: 110

للتقييد؛ دفعًا لمحذور تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وحكى في «المغني» عن الخطَّابي أنه قال: (العجب من أحمد في هذا)؛ أي: في قوله

(1)

بعدم القطع، قال

(2)

: (فإنَّه لا يخالف سنَّةً تبلُغه، وقلَّ سنةٌ لم تبلغه

(3)

(4)

، وفيه شيءٌ، فإن أحمد لم يخالف السُّنَّةَ، ولم تخفَ

(5)

عليه.

قال المَرُّوذيُّ: احتجيت

(6)

على أبي عبد الله بحديث ابن عمر، وقلت

(7)

: هو زيادة في الخبر، فقال: هذا حديثٌ، وذاك حديث)

(8)

، فقد اطَّلَع رضي الله عنه على السُّنَّة، وإنَّما نظر نظر المتبحرين

(9)

الذين أمدَّهم

(10)

الله بمعونته، مع أنَّ خبرنا فيه زيادةُ حكمٍ، وهو جواز اللُّبس بلا قَطْعٍ؛ لأنَّ هذا الحكم لم

(11)

يشرع بالمدينة، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(12)

، وهو أحسن من ادعاء النَّسخ.

(وَلَا

(13)

فِدْيَةَ عَلَيْهِ)؛ لظاهر ما تقدَّم، ولو وجبت لبيَّنها؛ لأنَّ تأخير البيان عن وقت

(14)

الحاجة لا يجوز.

(1)

قوله: (في قوله) في (ب) و (د) و (ز) و (و): وقوله.

(2)

قوله: (قال) سقط من (د) و (ز) و (و).

(3)

قوله: (وقل: سنة لم تبلغه) سقط من (و).

(4)

ينظر: معالم السنن 2/ 176.

(5)

في (و): ولم يخف.

(6)

في (أ) و (ب): احتججت.

(7)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): ابن عباس وقلت.

(8)

ينظر: التعليقة 1/ 352.

(9)

في (د) و (ز): المتبحر من.

(10)

في (د) و (و): أيدهم.

(11)

قوله: (لم) سقط من (د).

(12)

ينظر: الفروع 5/ 425.

(13)

في (أ): فلا.

(14)

قوله: (وقت) سقط من (د) و (و).

ص: 111

فرعٌ: الخنثى المشكل إن

(1)

لَبِس المخيط، أو غطَّى وجهه وجسده من غير لُبْس؛ فلا فديةَ عليه؛ لأنَّ الأصل عدم الوجوب، وإن غطَّى وجهه ورأسه، أو غطى وجهه ولَبِس المخيط؛ فدَى.

وذكر أبو بكر: يغطي رأسَه ويفدي، وذكره أحمد عن ابن المبارك، ولم يخالفه

(2)

، وجزم به في «الرعاية» .

(وَلَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ مِنْطَقَةً، وَلَا رِدَاءً، وَلَا غَيْرَهُ)؛ لقول ابن عمر لِمُحْرِمٍ: «ولا يعقد عليه شيئًا» رواه الشَّافِعيُّ

(3)

، وروى هو ومالك:«أنَّه كان يَكرَه لبس المِنطقة للمحرم»

(4)

، ولأنَّه يترفه بذلك أشبه اللِّباس.

وظاهره: لا فرق في ذلك بين ربطه بالعقد، أو بشوكة، أو إبرة، أو غير ذلك.

فإن فعل؛ أثِم -من غير حاجةٍ- وفدى، وكذا إن كان معها؛ كوجع ظهر ونحوه، نص عليه

(5)

، لكن إن كان فيها نفقة؛ فحكمها كالهِميان.

وعنه: أنها كهميان، واختاره الآجُرِّيُّ وابن أبي موسى وغيرهما.

وذكر المؤلِّف أنَّ الفرق بينهما: النَّفقة وعدمها، وإلاَّ فهما سواءٌ.

فَرعٌ: لا بأسَ أن يتَّشِح بالقميص، ويرتدي به، وبرداء، ولا يعقده؛ لأنَّ المنهيَّ عنه المخيط على قدر العضو.

(1)

في (و): إذا.

(2)

ينظر: الفروع 5/ 535.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 163)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9071)، وأخرجه ابن أبي شيبة (15438)، من طريقين عن مسلم بن جندب قال: سمعت ابن عمر يقول: وذكره. وإسناده صحيح.

(4)

أخرجه مالك (1/ 326)، ومن طريقه الشافعي كما في المسند (ص 229)، والبيهقي في المعرفة (9768)، وإسناده صحيح.

(5)

ينظر: الكافي 1/ 488.

ص: 112

(إِلاَّ إِزَارَهُ)، فيجوز له عقده؛ لأنَّه يحتاجه لستر عورته، فأبيح؛ كاللِّباس للمرأة، فدلَّ أنَّه لو شدَّ وسطه بمنديل ونحوه؛ جاز، ما لم يعقده.

قال أحمد في مُحرِم حَزَم عمامةً على وسطه: لا يعقدها، ويدخل بعضها في بعض

(1)

، قال طاوس: فعله ابن عمر

(2)

.

وقيل: لا بأس بشد وسطه بحبل ونحوه لحاجة.

ولا يسن شق أسفل إزاره نصفين بعقد كل نصف على ساق؛ لأنه يشبه السراويل.

(وَهِمْيَانَهُ الذِي فِيهِ نَفَقَتُهُ)، فيباح، قال ابن عبد البَرِّ: اختاره فقهاء الأمصار

(3)

، (إِذَا لَمْ يَثْبُتْ إِلاَّ بِالْعَقْدِ)؛ لقول عائشة:«أوْثِقْ عليك نفقتَك»

(4)

، ورُوِي عن ابن عبَّاسٍ وابن عمر معناه، بل رفعه بعضهم

(5)

، ولأن الحاجة

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 174.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (15447)، والشافعي في الأم (2/ 163)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9070)، عن طاوس قال:«رأيت ابن عمر يسعى بالبيت وقد حزم على بطنه بثوب» ، وإسناده حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة (15437)، عن عطاء وطاوس قالا:«رأينا ابن عمر وهو محرم وقد شد حقويه بعمامة» ، وأخرجه أحمد في مسائل أبي داود (ص 151)، عن طاوس بنحوه.

(3)

ينظر: التمهيد 15/ 118.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (15448)، وسعيد بن منصور كما في المحلى (5/ 296)، والبيهقي في الكبرى (9186)، وإسناده صحيح.

(5)

أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (15457)، وابن حزم في المحلى (5/ 296)، عن عطاء عن ابن عباس قال في الهميان للمحرم:«لا بأس به» ، وإسناده صحيح. وقد روي مرفوعًا عند الطبراني في الكبير (10806)، من طريق يوسف بن خالد السمتي، وعند ابن عدي في الكامل (1/ 273)، من طريق أحمد بن ميسرة، كلاهما عن زياد بن سعد، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس مرفوعًا. وهو منكر، يوسف السمتي متروك بل كذبه ابن معين، وأحمد بن ميسرة لا يُعرف إلا بهذا الحديث، وليس بالمعروف، قاله ابن عدي، ونقل عن أبي طالب، قال: سألت أحمد بن حنبل عن أحمد بن ميسرة الذي يروي عنه سريج،

وروى عن زياد بن سعد، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهميان للمحرم؟ فقال: (لا أعرفه)، وضعفه الحافظ في التلخيص 2/ 594.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: تقدم معناه قريبًا.

ص: 113

تدعو إلى عقده، فجاز؛ كعقد الإزار، قال

(1)

ابن تميم: كانوا يرخِّصون في عقده، لا في عقد غيره.

وظاهره: أنه إذا ثبت بغير العقد، كما لو أدخل السُّيور بعضَها في بعض؛ لم يجز عقده؛ لعدم الحاجة، وكما لو لم يكن فيه نفقةٌ، وفي «الروضة»: لا يعقد سيوره، وقيل: لا بأس؛ احتياطًا للنفقه.

مسألةٌ: له حمل جرابه

(2)

وقربة الماء، ولا يدخله في صدره، نَصَّ عليهما

(3)

.

(وَإِنْ طَرَحَ عَلَى كَتِفَيْهِ

(4)

قَبَاءً؛ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) مُطلقًا، نَصَّ عليه

(5)

، اختاره الأكثرُ؛ لما روى ابن المنذر مرفوعًا:«أنَّه نهى عن لبس الأقبية للمحرم»

(6)

، ورواه النَّجَّاد عن عليٍّ

(7)

،

(1)

في (و): وقال.

(2)

في (د): وجرابه.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 174.

(4)

في (أ) و (ب): كتفه.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 159.

(6)

قال ابن المنذر في الإشراف (3/ 220): (وروينا عنه أنه نهى عن لبس الأقبية)، وأسنده ابن خزيمة (2598)، والبيهقي (9063)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القميص والأقبية» ، وهذا لفظ البيهقي، ونحوه لابن خزيمة، وكذا أخرجه البيهقي (9062)، من وجه آخر عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال:(ورواه سفيان الثوري عن أيوب فزاد فيه: القباء، وهو صحيح محفوظ من حديث سفيان الثوري عن أيوب)، وقال العراقي:(إسناده صحيح). ينظر: طرح التثريب 5/ 44.

(7)

أخرجه النجاد كما في التعليقة (1/ 355)، وأخرجه ابن أبي شيبة (15870)، كلاهما من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال علي: «من اضطر إلى ثوب وهو محرم، ولم يكن له إلا قباء فلينكسه، يجعل أعلاه أسفله ثم ليلبسه» ، وهو منقطع، محمد بن علي بن الحسين لم يسمع من جده.

ص: 114

ولأنه مخيطٌ، وهو عادة

(1)

لُبْسه؛ كالقميص.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ)، هذا رواية، واختارها في «الترغيب» ، ورجَّحها في «المغني» وغيره؛ لأنَّه إذا لم يدخل يديه فيهما لم تشتمل

(2)

على جميع بدنه، فهو كالقميص إذا ارتدى به.

وظاهره: أنه إذا أدخل إحدى يديه لا فدية عليه. وفي «الواضح» : بلَى.

(وَيَتَقَلَّدُ بِالسَّيْفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ)؛ لما روى البَرَاء بن عازِبٍ قال: «لمَّا صالَح رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية صالحهم ألاَّ يدخلها

(3)

إلاَّ بجلبان السلاح؛ القراب بما فيه» متَّفقٌ عليه

(4)

، وهذا ظاهر في إباحته عند الحاجة؛ لأنهم لم يكونوا يأمنون أهل مكة أن ينقضوا العهد.

وظاهره: أنه لا يجوز عند عدمها؛ لقول ابن عمر: «لا يحمل المحرم السِّلاح في الحرم»

(5)

، قال المؤلف: والقياس يقتضي إباحته؛ لأنَّه ليس في معنى اللبس، كما لو حمل قربةً في عنقه.

وعنه: يجوز أن يتقلَّد بالسَّيف بلا حاجةٍ، اختاره ابن الزَّاغوني، قال في

(1)

في (د) و (ز) و (و): عار.

(2)

في (و): لم يشتمل.

(3)

في (أ): ألا يدخل.

(4)

أخرجه البخاري (2698)، ومسلم (1783).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (14387)، عن قيس بن سعد قال: قال ابن عمر: «المُحرِم لا يحمل السلاح» ، وهو منقطع، قيس بن سعد المكي ذكره ابن المديني فيمن لم يلق أحدًا من الصحابة. ينظر: جامع التحصيل ص 258.

وبمعناه في البخاري (966)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال للحجاج:«حملتَ السلاح في يوم لم يكن يُحمل فيه، وأدخلتَ السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم» .

ص: 115

«الفروع» : (ويتوجه: أنَّ المراد غير مكة)؛ لأنَّ حمل السلاح بها لا يجوز إلاَّ لحاجةٍ.

نقل الأثرم: لا يتقلَّد بمكَّة إلاَّ لخوف

(1)

، روى مسلم عن جابر مرفوعًا:«لا يَحِلُّ أن يُحمَل السِّلاح بمكَّةَ»

(2)

، وإنَّما منع أحمد من تقليد السَّيف؛ لأنَّه في معنى اللُّبس.

(1)

ينظر: الفروع 5/ 428.

(2)

أخرجه مسلم (1356).

ص: 116

(فَصْلٌ)

(الْخَامِسُ: الطِّيبُ

(1)

، فيحرُم إجْماعًا

(2)

؛ لأمره عليه السلام يعلى بن أميَّة بغسله

(3)

، وقال في المحرم الذي وقصته راحلته:«ولا تُحنِّطوه» متَّفقٌ عليهما، ولمسلمٍ:«ولا تَمَسُّوه بطِيبٍ»

(4)

، وإذا مُنِعَ المحرم الميت من الطِّيب مع استحبابه له؛ فالمحرم الحيُّ أولَى.

(فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَطْيِيبُ بَدَنِهِ) أوْ شَيءٍ منه، نَصَّ عليه

(5)

، (وَثِيَابِهِ)؛ لحديث ابن عمر

(6)

، ولأنه يعدُّ مطيَّبًا بكلِّ واحدٍ منهما

(7)

.

(وَشَمُّ الْأَدْهَانِ المُطَيَّبَةِ)؛ كدهن الورد والبنفسج

(8)

ونحوهما.

(وَالاِدِّهَانُ بِهَا)؛ لأنَّها تقصد رائحتها، وتُتَّخذ للطِّيب، أشبه ماء الورد.

(وَشَمُّ المِسْكِ، وَالْكَافُورِ، وَالْعَنْبَرِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْوَرْسِ)؛ لأنَّها هكذا تستعمل

(9)

، وكذا التَّبخُّر بالعود والنَّدِّ

(10)

؛ لأنَّه استعمله على وجه التطيب

(11)

.

(1)

في (ز): التطيب.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 52.

(3)

في (و): يغسله. والحديث أخرجه البخاري (1536)، ومسلم (1180).

(4)

أخرجه البخاري (1268)، ومسلم (1206)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 205.

(6)

أخرجه البخاري (1543)، ومسلم (1177).

(7)

في (د) و (ز): منها.

(8)

في (أ): البنفسج والورد.

(9)

في (و): يستعمل.

(10)

الند: ضرب من الطيب يدخن به. ينظر لسان العرب 3/ 421.

(11)

في (د) و (و): التطييب.

ص: 117

(وَأَكْلُ مَا فِيهِ طِيبٌ)؛ كمسك

(1)

ونحوه، (يَظْهَرُ طَعْمُهُ

(2)

؛ لأنَّ الطَّعم مستلزم الرَّائحة.

وقيل: لا فدية؛ كبقاء لونه، ولو لم

(3)

تمسه

(4)

النَّار، (أَوْ رِيحُهُ)؛ لأنَّها المقصود منه.

وظاهره: ولو طبخ

(5)

أو مسَّه نارٌ؛ لبقاء المقصود منه، وليس هذا خاصًّا بالمأكول، بل المشروب كذلك؛ لأنَّه يحرم تناول الطِّيب؛ كالاكتحال ونحوه؛ لأنه استعمال للطِّيب، أشبه شمَّه.

ومتى فعل شيئًا من ذلك؛ لزمته الفدية؛ لأنه فَعَل ما حرَّمه الإحرام كاللباس.

مسألةٌ: للمشتري حمله وتقليبه إن لم يمسه، ذكره جماعةٌ، ولو ظهر ريحُه؛ لأنَّه لم يقصد للتطيب

(6)

، ولا يمكن

(7)

الاحتراز منه. قال في «الفروع» : (ويتوجَّه: ولو علق بيده؛ لعدم القصد، ولحاجة التِّجارة، وقال ابن عقيل: إن حمله مع ظهور ريحه لم يجز، وإلاَّ جاز).

(وَإِنْ مَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا لَا يَعْلَقُ بِيَدِهِ)؛ كالمسك غير المسحوق، وقطع الكافور، والعنبر، (فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ

(8)

؛ لأنَّه غير مستعمِلٍ للطِّيب، وشمه سَبَق.

وظاهره: أنه إذا علق بيده؛ كالغالية والمسك المسحوق؛ عليه الفدية؛

(1)

في (د) و (و): لمسك.

(2)

في (و): طمعه.

(3)

قوله: (ولو لم) في (د) و (ز) و (و): ولم.

(4)

في (د): تمسسه.

(5)

في (أ): طبخه.

(6)

في (د) و (و): التطييب.

(7)

في (و): ولا تمكن.

(8)

في (أ) و (ب): عليه.

ص: 118

لأنَّه مستعمِلٌ للطِّيب.

(وَلَهُ شَمُّ العُودِ

(1)

؛ لأن المقصودَ منه التبخر، (وَالْفَوَاكِهِ) كلِّها؛ كالأترجِّ، والتُّفَّاح، والسَّفَرْجَل، ونحوه، (وَالشِّيحِ، والخُزَامَى) من نبات الصَّحراء.

وكذا ما يُنبِتُه آدمي

(2)

لغير قصد الطِّيب؛ كحِنَّاء وعصفر؛ لأنَّه ليس بطِيبٍ، ولا يُتَّخَذُ منه طِيبٌ، ولا يسمى متطيِّبًا عادةً، وكذا له شمُّ قرنفل ودارصيني

(3)

ونحوهما.

(وَفِي شَمِّ الرَّيْحَانِ)، هذا شروعٌ في بيان

(4)

حكم ما يُنبِته الآدمِيُّ لقصد شمِّه، ولا يُتَّخَذ منه طِيبٌ؛ كريحان فارسِيٍّ، ومحل الخلاف فيه، وهو معروف بالشَّام ومكَّة والعراق

(5)

، وأمَّا عند العرب

(6)

فالريحان

(7)

هو الآس، ولا فدية في شمه قطعًا، (وَالنَّرْجِسِ)، وهو أعجمي معرَّبٌ، (وَالْبَنَفْسَجِ)، وهو معرَّبٌ أيضًا، (وَالْوَرْدِ، والبَرَم

(8)

بفتح الباء والراء، هو

(9)

العضاه، الواحد: برمة، (وَنَحْوِهَا)؛ كنمام، ومرزجوش

(10)

، وفي ذلك روايتان:

(1)

زيد في (و): والفواكه.

(2)

في (أ) و (د) و (ب): الآدمي.

(3)

الدارصيني: هو ما يعرف باسم القرفة، نسبة إلى بلاد الصين. ينظر: تاج العروس 24/ 249، معجم متن اللغة 2/ 402.

(4)

قوله: (بيان) سقط من (و).

(5)

زيد في (ب): وغيرها.

(6)

في (أ): المغرب.

(7)

في (و): والريحان.

(8)

في (د) و (و): والمرم.

(9)

في (د) و (و): وهو.

(10)

ويسمى: المرقدوش، والمرزنجوش، فارسي معرب: نبت طيب الريح. ينظر: المحكم 7/ 601، القاموس المحيط ص 605.

ص: 119

إحداهما: يباح، اختاره أكثر الأصحاب، وهو قول عثمان وابن عبَّاس

(1)

؛ لأنَّه إذا يبس ذهبت رائحته، أشبه نبت البرِّيَّة، فعليها لا فدية فيه

(2)

؛ لإباحته.

والثَّانية: يحرُم؛ لقول جابر: «لا يشمه» ، رواه الشَّافعي

(3)

، وكرهه ابن عمر، قاله أحمد

(4)

؛ لأنه يُتخذ للطيب

(5)

؛ كالورد، فحينئذ تجب الفدية.

ولكن ما ينبته الآدمي؛ تارة يتخذ منه طيب؛ كالورد والبنفسج والياسمين، وهو الذي يتخذ منه الزئبق، فالأشهر

(6)

: يحرم ويفدي، اختاره القاضي والمؤلف وغيرهما، كماء الورد، وتارة لا يُتخذ منه طيب؛ كالريحان، فاختار

(1)

أثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه ابن المقرئ في معجمه (1108)، والطبراني في المعجم الصغير كما في كنز العمال (5/ 266)، وابن عساكر في تاريخه (45/ 302)، وابن عبد الهادي في التنقيح (3/ 471)، من طرق عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن حمران بن أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفان، في المحرم يدخل البستان؟ قال:«نعم، ويشم الريحان» ، وهذا الحديث المسلسل بالنون، فإن آخر حرف في الرواة حرف نون، قال ابن عبد الهادي:(هذا حديث موضوع، وإسناد مصنوع عند أدنى من له بصيرة في هذا الشأن، وضعه بعض المجاهيل بلا ريب).

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (14601)، وسعيد بن منصور كما في الفتح (3/ 396)، والدارقطني (2480)، والبيهقي في الكبرى (9104)، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:«لا بأس أن يشم المحرم الريحان» ، إسناده صحيح، وقد علقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 136).

(2)

في (أ): عليه.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 165)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (9669)، وأخرجه ابن أبي شيبة (14608)، وابن الجعد (2623)، والبيهقي في الكبرى (9105)، من طرق عن أبي الزبير قال: أيشم المحرم الريحان والدهن والطيب؟ فقال: «لا» ، إسناده صحيح.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (14607)، والبيهقي في الكبرى (9106)، عن نافع، عن ابن عمر:«كان يكره شم الريحان للمحرم» ، إسناده صحيح، واحتج به أحمد في رواية أبي طالب والأثرم وابن منصور. ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2346، شرح العمدة 4/ 530.

(5)

في (و): الطيب.

(6)

في (د) و (و): والأشهر.

ص: 120

الأكثر إباحته، وماء الريحان كهو، وفي «الفصول» احتمال بالمنع

(1)

كماء ورد، وقيل عكسه.

(وَالاِدِّهَانُ بِدُهْنٍ غَيْرِ مُطَيَّبٍ)؛ كزيت وشيرج، (فِي رَأْسِهِ رِوَايَتَانِ):

أنصهما

(2)

: له فعله، قدَّمه في «المحرر» و «الفروع» ؛ لأنَّه عليه السلام فعَلَه، رواه أحمد والترمذي وغيرهما من حديث ابن عمر، من رواية فَرقد السبخي، وهو ضعيف عندهم

(3)

، وذكره البخاري عن ابن عباس

(4)

، ولعدم الدَّليل.

والثَّانية: المنع، ويفدي، ذكر القاضي أنها اختيار الخِرَقِيِّ، كالمطيَّب، ولأنَّهما

(5)

أصل الأدْهان، ولم يكتسب الدُّهن إلاَّ الرائحة، ولا أثَرَ لها منفردة

(6)

، ومنع القاضي ذلك، وهو واضح، ولأنه يزيل الشعث، ويسكن

(7)

الشعر.

(1)

في (و): المنع.

(2)

في (ب): أصحهما.

(3)

أخرجه أحمد (4783)، والترمذي (962)، وابن خزيمة (2652)، وفي إسناده فرقد بن يعقوب السبخي وهو لين الحديث كثير الخطأ، قال الترمذي:(هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي، عن سعيد بن جبير)، وقال ابن طاهر المقدسي:(وأنكر عليه هذا الحديث جماعة من الحفاظ)، وأشار ابن خزيمة إلى وقفه، فقال:(أنا خائف أن يكون فرقد السبخي واهمًا في رفعه هذا الخبر؛ فإن الثوري روى عن منصور عن سعيد بن جبير قال: كان ابن عمر يدهن بالزيت حين يريد أن يحرم)، ورجح وقفه ابن حجر. ينظر: تذكر الحفاظ (ص 94)، الفتح 3/ 397.

(4)

علقه البخاري بصيغة الجزم (2/ 136)، بلفظ:«ويتداوى -أي المحرم- بما يأكل الزيت والسمن» ، ووصله ابن أبي شيبة (12921)، عن الضحاك عن ابن عباس قال:«إذا تشققت يدَا المُحرِم أو رجلاه؛ فليدهنهما بالزيت أو بالسمن» ، والضحاك بن مزاحم لم يلقَ ولم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما، كما في جامع التحصيل ص 199.

وأخرج ابن أبي شيبة (12922)، عن ابن عباس قال:«يتداوى المحرم بما يأكل» ، وفيه أشعث بن سوَّار الكندي، وهو ضعيف الحديث، إلا أنه ممن يُكتب حديثه كما قال ابن عدي.

(5)

في (و): ولأنها.

(6)

في (د) و (و): مفردة.

(7)

في (د) و (و): ويسلس.

ص: 121

وظاهره: أنه لا يمنع من

(1)

الادِّهان به في بقيَّة بدنه، صرَّح به في «المغني» ، وقال في «الشَّرح»: لا نعلم عن أحمدَ فيه منعًا، وحكى

(2)

ابن المنذر: (أن [عوام]

(3)

أهل العلم أجمعوا على أنَّ للمحرِم أن يدهن بدنه بشحمٍ وزيتٍ وسمن)

(4)

، وإنما خصَّ الرَّأس؛ لأنه محل الشعر، فالوجه كذلك، فلهذا قال بعض أصحابنا: هما في دهن شعره.

وذكر القاضي في «تعليقه» ، وأبو الخطَّاب، وصاحب «التَّلخيص» و «الكافي» فيه: أنَّ الخلاف جارٍ في دهن بدنه كرأسه؛ لأنَّه مثله.

تنبيهٌ: يقدَّم غسل طيب على نجاسةٍ يُتَيمَّمُ لها، ولا يحرم دلالة على طيب ولباس، ذكره القاضي وابن شهاب؛ لعدم ضمانه بالسَّبب، ولا يتعلَّق بهما حكم مختص، بخلاف الدلالة على الصيد، فإنه يتعلق به حكم مختص

(5)

، وهو تحريم الأكل والإثم.

(وَإِنْ جَلَسَ عِنْدَ الْعَطَّارِ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ)؛ كقصد الكعبة حال تجميرها، أو حمل معه عقدةً

(6)

فيها مسك ليجد ريحها؛ (لِشَمِّ

(7)

الطِّيبِ، فَشَمَّهُ؛ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ)، نَصَّ عليه

(8)

؛ لأنَّه شمَّه قاصدًا، فحرم، كما لو باشره. وقال ابن حامِدٍ: يباح، والأوَّلُ أشهرُ.

(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي: لا شَيءَ عليه إذا جلس عند العطَّار لحاجته، أو دخل الكعبة للتَّبرُّك بها، وإذا اشتراه كما سبق؛ لأنَّه لا يمكن الاحتراز منه.

(1)

قوله: (من) سقط من (ب) و (ز).

(2)

في (و): وزعم.

(3)

في الأصل و (أ): أعوام. المثبت من (ب) و (د) و (و).

(4)

ينظر: الإشراف 3/ 261.

(5)

قوله: (بخلاف الدلالة على الصيد، فإنه يتعلق به حكم مختص) سقط من (أ).

(6)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): عقد.

(7)

في (أ): كشمِّ.

(8)

ينظر: المغني 3/ 299.

ص: 122

(فَصْلٌ)

(السَّادِسُ: قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ)، إجْماعًا

(1)

، وسنده قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المَائدة: 95]، (وَاصْطِيَادُهُ)؛ لقوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المَائدة: 96]، (وَهُوَ) أي: الصَّيد المُحرَّم على المُحرِم ما جمع ثلاثةَ أشْياءَ:

(مَا كَانَ وَحْشِيًّا)؛ لأنَّ ما ليس بوحشيٍّ لا يحرم؛ كبهيمة الأنعام، والخيل، والدَّجاج؛ إجماعًا

(2)

، والاعتبار في ذلك بالأصل، فلو استأنس الوحشِيُّ؛ وجب فيه الجزاء، وعكسه لو

(3)

توحَّش الأهلِيُّ لم يجب، ونص عليه في بقرة صارت وحشية

(4)

؛ لأن الأصل فيها الإنسية

(5)

، وحمامٍ وبَطٍّ وحشِيٍّ.

(مَأْكُولاً)؛ لأنَّه ما ليس بمأكول

(6)

؛ كسباع البهائم، والمستخبث من الحشرات والطير؛ يباح قتله؛ لقوله عليه السلام:«خمسُ فواسِقَ يُقتَلْن في الحلِّ والحرم: الحِدَأة، والغُراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العَقور» متَّفقٌ عليه

(7)

، ويقاس عليه ما لم يقم دليل على تحريم قتله.

فأمَّا ما اختُلِف فيه؛ كالثَّعلب، والسِّنَّوْر الوحشيِّ والأهليِّ، والهدهد، والصُّرَد

(8)

؛ ففيه روايتان، والأشهر: أنه يجب في الثعلب.

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 52.

(2)

ينظر: مراتب الإجماع ص 43.

(3)

في (ب) و (ز): أو.

(4)

ينظر: زاد المسافر 2/ 567.

(5)

زيد في (و): وحلال.

(6)

في (ب) و (ز): مأكول.

(7)

أخرجه البخاري (1828)، ومسلم (1198).

(8)

في (د) و (و): والقرد.

ص: 123

واختار القاضي: أنَّه لا شَيء في السِّنَّور الوحشيِّ؛ لأنَّه سبُعٌ، والصَّحيح: أنَّه لا شَيءَ في الأهليِّ؛ لأنه ليس بوحشيٍّ ولا مأكولٍ.

وقال بعض أصحابنا: تُفدَى أم حُبَين

(1)

بجَدْي، وهي دابة منتفخة البطن، وهذا خلاف القياس؛ لأنها مستخبثة عند العرب لا تؤكل، حُكي أن رجلاً قال: نأكل ما دبَّ ودرج، إلا أمَّ حبين.

(أَوْ مُتَوَلِّدًا مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ)؛ كالمتولِّد من الوحشيِّ والأهليِّ، والمتولِّد من المأكول

(2)

وغيره؛ كالسِّمع، ففيه الجزاء في قول أكثر العلماء؛ تغليبًا لتحريم قتله، كما غلبوا التَّحريم في أكله.

وقيل: لا يجب فيما تولَّد من مأكول وغيره، قدمه في «الرعاية» ؛ لأنَّ الله إنما حرم صيد البر، وهذا يحرم أكله.

(فَمَنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، أَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْهُ؛ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ)، فيه

(3)

مسائل:

الأولى: إذا أتلفه، فعليه جزاؤه إجماعًا

(4)

، وسنده قوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المَائدة: 95].

الثَّانية: إذا تلف في يده؛ فعليه جزاؤه؛ لأنه تَلِف تحت يدٍ عاديةٍ، أشبه ما لو أتلفه؛ إذ الواجب إمَّا إرساله، أو ردُّه على مالكه.

الثَّالثة: إذا أتلف جزءًا منه؛ ضمِنَه؛ لأنَّ جملتَه مضمونةٌ، فتُضمَن أبعاضُه، كالآدمي والمال.

(1)

أم حبين: دويبة على خلقة الحرباء، عريضة البطن جدًّا. ينظر: العين 3/ 250، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 283.

(2)

في (د) و (ز) و (و): مأكول.

(3)

في (د) و (و): وفيه.

(4)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 53.

ص: 124

ويأتي حكم الخطأ والعمد، لكن لو نصب شبكةً ثمَّ أحرم، أو أحرم ثمَّ حفر بئرًا بحقٍّ؛ فتلف به صيدٌ؛ لم يضمنه، وإلاَّ ضمن كالآدمي فيهما، والمراد: إذا لم يتحيَّل.

(وَيَضْمَنُ) مع التَّحريم (مَا دَلَّ عَلَيْهِ)، نقله ابن منصورٍ وأبو الحارث

(1)

، سواء كان المدلول عليه ظاهرًا أو خفيًّا لا يعلمه إلاَّ بدلالته عليه.

وقال أبو الفرج في «المبهج» : إن كانت الدَّلالة ملجئة؛ لزم المحرم الجزاء، كقوله: دخل في هذه المغارة، وإلا لم يلزمه، كقوله: ذهب في هذه البرِّيَّة؛ لأنَّه لا يضمن بالسَّبب مع المباشرة إذا لم يكن ملجئًا؛ لوجوب الضَّمان على القاتل، والدَّافع دون الممسِك والحافر.

وأجاب القاضي: بأنَّ الممسكَ غير ملجئٍ، ويضمن الصَّيدَ، والدَّلالةَ سبب غير ملجئٍ، ويضمن بها المودَع.

ويستثنى منه: ما لو دلَّه فكذبه، فلا ضمان عليه.

فلو دل حلال حلالاً على صيد في الحرم؛ فكدلالة محرم محرمًا عليه.

(أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ)، نقله عبد الله

(2)

، لكن لو رأى الصَّيد قبل الدَّلالة والإشارة؛ فلا شيء على دالٍّ ومشير؛ لأنها ليست سببًا في تلفه، كما لو وجد من المحرم عند رؤية الصَّيد ضحك، أو استشراف يُفطِّن له غيرَه فصاده.

(أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَبْحِهِ)، نقله أبو طالبٍ

(3)

، بمناولة سلاحه أو سوطه، أو أمره باصطياده، وقال القاضي وغيره: أو بدفعه إليه فرسًا

(4)

لا

(5)

يقدر عليه إلا به.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2324، مسائل ابن هانئ 1/ 163، زاد المسافر 2/ 565.

(2)

ينظر: مسائل عبد الله ص 208.

(3)

ينظر: زاد المسافر 2/ 565.

(4)

قوله: (فرسًا) سقط من (ب) و (ز) و (و).

(5)

قوله: (لا) سقط من (و).

ص: 125

(أَوْ كَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي ذَبْحِهِ، مِثْلَ أَنْ يُعِيرَهُ سِكِّينًا)، أو نحوها

(1)

ليقتله به، وسواء كان معه ما يقتله به أو لا؛ لما روى أبو قتادة: أنه لما صاد الحمار الوحشِيَّ وأصحابه محرمون، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«هل أشار إليه إنسانٌ منكم، أو أمره بشيءٍ؟» قالوا: لا، وفيه أبصَروا حمارًا وحشيًّا، فلم يؤذنوني، وأحبُّوا لو أنِّي أبصرتُه، فالتفتُّ فأبصرته، ثمَّ ركِبت، ونسيت السَّوط أو الرُّمح، فقلت لهم: ناولوني، فقالوا

(2)

: والله لا نعينُك عليه بشيءٍ؛ إنَّا محرِمون، فتناولتُه فأخذته، ثمَّ أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرتُه، فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم: كلوا، وقال بعضهم: لا تأكلوا

(3)

، فأتيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فسألته، فقال:«كُلُوه، هو حلالٌ» متَّفقٌ عليه، ولفظه للبخاري

(4)

، ولأنَّه وسيلةٌ إلى الحرام، فكان حرامًا؛ كسائر الوسائل.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا، فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ بَيْنَهُمَا)، هذا هو المجزوم به عند الأكثر؛ لأنَّهما اشتركا في التَّحريم، فكذا في الجزاء، ولأنه

(5)

جزاء عن مقتولٍ يختلف باختلافه، ويحتمل التَّبعيض، فكان واحدًا

(6)

؛ كقِيَم

(7)

الصَّيد.

وعنه: على كلِّ واحدٍ جزاء، اختاره أبو بكر؛ ككفَّارة قتل الآدمي.

وعنه: جزاء واحد، إلا أن يكون صومًا؛ فعلى كلِّ واحدٍ صومٌ تامٌّ، ومن أهدى فبحصَّته، وعلى الآخر صومٌ تامٌّ، نقله الجماعة

(8)

؛ لأنَّ الجزاء بدل لا

(1)

في (ز): نحو لها.

(2)

زيد في (د) و (و): لا.

(3)

قوله: (لا تأكلوا) سقط من (أ).

(4)

أخرجه البخاري (1821)، ومسلم (1196).

(5)

في (د) و (و): لأنه.

(6)

في (د) و (و): واجدًا.

(7)

في (د) و (ز) و (و): لقيم.

(8)

ينظر: الفروع 5/ 475.

ص: 126

كفَّارة؛ لأنَّ الله عطف عليه الكفَّارة، والصَّوم كفَّارة، فيكمله

(1)

؛ ككفَّارة قتل الآدمي.

وقيل: لا جزاء على محرم

(2)

ممسكٍ مع محرمٍ قاتلٍ، فلا يلزم متسببًا مع مباشرٍ.

وقيل: القرار عليه؛ لأنه

(3)

هو الذي جعل فعل الممسك علة

(4)

.

وظاهره: أنَّه إذا كان القاتل حلالاً؛ لا شيءَ عليه؛ كحلِّه

(5)

له، ما لم يكن الاشتراك في الحرم، فيشتركان فيه كالأوَّل، فلو كان الدَّال والشَّريك لا ضمان عليه؛ كالمحلِّ في الحلِّ؛ فالجزاء جميعه على المحرِم في الأشهر.

وأطلق أحمد القول، فيَحتمِل ما قلنا، ويَحتمِل يلزمه بحصَّتِه؛ لأنه اجتمع موجِب ومسقِط؛ فغُلِّب الإيجابُ؛ كمتولِّد بين مأكولٍ وغيره.

وكذا الخلافُ إن كان الشريكُ سَبُعًا، فإن سبق حلال وسبُع بجَرحه

(6)

؛ فعلى المحرِم جزاؤه مجروحًا، وإن سبق هو؛ فعليه أرشُ جَرحِه، فلو كانا محرمين؛ ضمن الجارحُ نقصَه، والقاتلُ تتمةَ الجزاء.

(وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) أي: على الدال

(7)

والمشير (الْأَكْلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ)؛ لما روى أبو قَتادةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم [قال]

(8)

: «هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه، أو أشار إليه؟» قالوا: لا، قال:«كلوا ما بقي من لحمها» متَّفقٌ عليه

(9)

.

(1)

في (د) و (و): فيملكه.

(2)

قوله: (محرم) سقط من (ب) و (ز).

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فإنه.

(4)

في (أ): عليه.

(5)

في (ب) و (ز): كمحله.

(6)

في (ب) و (ز): فجرحه.

(7)

في (أ): القاتل. وقوله: (أي: على الدال والمشير) سقط من (ب) و (د) و (و) و (ز).

(8)

قوله: (قال) سقط من الأصل و (د) و (و) و (ز)، والمثبت من (أ) و (ب).

(9)

أخرجه البخاري (1821)، ومسلم (1196).

ص: 127

(وَأَكْلُ) ما ذبحه، و (مَا صِيدَ لِأَجْلِهِ)، نقله الجماعة

(1)

؛ لما في «الصَّحيحين» من حديث الصَّعب بن جثَّامة: أنَّه أهدى للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًّا، فردَّه عليه، فلما رأى ما في وجهه قال:«إنا لم نرُدُّه عليك إلاَّ أنَّا حُرُم»

(2)

، وروى الشَّافعيُّ وأحمد من حديث جابر مرفوعًا: «لحم الصَّيد لكم حلال، ما لم تصيدوه

(3)

أو يصد لكم»، فيه المطَّلب بن حنطب، قال الترمذي:(لا يعرف له سماع من جابرٍ)

(4)

.

وعن عثمان: أنَّه أُتي بلحمٍ صيدٍ، فقال لأصحابه:«كُلوا» ، فقالوا: ألا تأكل أنت، فقال:«إني لست كهيئتكم، إنَّما صيد لأجلي» رواه مالك والشَّافعي

(5)

.

وفي «الانتصار» : احتمال بجوازه.

وظاهره: أنَّ ما حرم على المحرم لكونه دلَّ عليه، أو أشار إليه، أو صِيدَ من أجله؛ لا يحرم على الحلال أكلُه، صرح به غير واحد؛ لحديث الصعب،

(1)

ينظر: مسائل صالح 1/ 204، مسائل عبد الله ص 207.

(2)

أخرجه البخاري (1825)، ومسلم (1193).

(3)

في (ز): ما لم تصيدوا.

(4)

أخرجه الشافعي في مسنده (ص 186)، وأحمد (14894)، وأبو داود (1851)، والترمذي (846)، والنسائي (2827)، من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، بلفظ:«صيد البر لكم حلال، ما لم تصيدوه أو يصد لكم» ، قال ابن عبد الهادي:(وعمرو بن أبي عمرو تكلم فيه غير واحد من الأئمة، ووثقه غير واحد منهم، وأخرج له البخاري ومسلم في صحيحيهما، والمطلب بن عبد الله بن حنطب: ثقة، إلا أنه لم يسمع من جابر فيما قيل، قال ابن أبي حاتم في المراسيل: سمعت أبي يقول: المطلب بن عبد الله بن حنطب عامة أحاديثه مراسيل)، وضعفه الألباني، وأشار إلى إعلاله بالتدليس. ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 488، ضعيف سنن أبي داود 2/ 160.

(5)

أخرجه مالك (1/ 357)، ومن طريقه الشافعي في اختلاف مالك الملحق بالأم (7/ 255)، والبيهقي في الكبرى (9924)، وإسناده صحيح.

ص: 128

ولا يحرم على محرم آخر في الأشهر.

(وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ

(1)

الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ)، نَصَّ عليه؛ لحديث أبي قتادة:«كُلُوهُ، هو حلالٌ»

(2)

، وأفتى به أبو هريرة، وقال عمر له:«لو أفتَيْتَهم بغيره لأوجعتُك» رواه مالك

(3)

.

وعن عليٍّ وابن عبَّاس: يحرم

(4)

؛ لخبر الصَّعب

(5)

، وكما لو دلَّ عليه.

والفرقُ ظاهرٌ، وما سبق أخص، والجمع أولى؛ لأنَّه عليه السلام إنما ترك الأكل في حديث الصعب؛ لعلمه أو ظنه أنه صيد من أجله.

(وَإِنْ أَتْلَفَ بَيْضَ صَيْدٍ، أَوْ نَقَلَهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَفَسَدَ؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ)؛ لما رَوَى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «في بَيض النَّعام ثَمنُه» رواه ابن ماجه

(6)

،

(1)

قوله: (عليه) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

(2)

أخرجه البخاري (1821)، ومسلم (1196).

(3)

أخرجه مالك (1/ 352)، وعبد الرزاق (8342)، وابن أبي شيبة (14466)، والطحاوي في معاني الآثار (3817)، والبيهقي في الكبرى (9914)، عن سالم بن عبد الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه مالك (1/ 351)، والطبري في التفسير (8/ 744)، والطحاوي (3816)، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه عبد الرزاق (8344)، والبخاري في التاريخ (2/ 185)، والطبري في التفسير (8/ 726)، وابن الأعرابي في معجمه (3)، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وهذه أسانيد صحاح.

(4)

أثر علي رضي الله عنه: أخرجه الطبري في التفسير (8/ 740)، عن سعيد بن المسيب:«أن عليًّا كره لحم الصيد للمحرم على كل حال» ، وإسناده صحيح.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (837)، وعبد الرزاق (8329)، وابن أبي شيبة (14478)، من طرق عن طاوس، عن ابن عباس قال:«لا يحل لكم الصيد وأنت محرم» ، وقرأ:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} . وهذا لفظ سعيد. وأسانيده صحاح، وأخرجه الطبري في التفسير (8/ 470)، من طريق عكرمة، عن ابن عباس بلفظ:«كان يكرهه على كل حال ما كان محرمًا» ، وإسناده صحيح أيضًا.

(5)

حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه تقدم تخريجه 4/ 128 حاشية (2).

(6)

أخرجه ابن ماجه (3086)، والطبراني في الأوسط (6277)، والدارقطني (2562)، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه أبو المهزم التميمي البصري يزيد بن سفيان، وهو متروك.

ص: 129

ولأنَّه تسبَّب إلى إتلافه بالنَّقل، فوجب ضمانه كالمباشرة.

وظاهره: أنَّه إذا صحَّ وفرَّخ؛ لا ضمان فيه، لكن لو باض على فراشه، فنقله برفق، ففسد؛ فوجهان، بناء على الجراد إذا انفرش في طريقه، وظاهره: وجوب الضَّمان.

(بِقِيمَتِهِ)، نَصَّ عليه

(1)

، مكانه؛ لقول ابن عبَّاسٍ:«في بيض النَّعام قيمتُه»

(2)

، ولأنَّه إذا وجب في بيض النعام قيمته مع أنَّه من ذوات الأمثال، فغيره أَوْلَى؛ لأنَّ البيض لا مثلَ له، فتجب فيه القيمة؛ كصغار الطير، وإطلاق الثَّمن في الخبر يدل على ذلك؛ إذ غالب الأشياء يعدل ثمنُها قيمتَها، وهذا إذا كان له قيمة، فإن كان مذِرًا

(3)

؛ فلا شَيءَ فيه.

قال الأصحاب: إلاَّ بيض النَّعام، فإن لقِشرِه قيمة، وصحح في «المغني» و «الشرح»: أنه لا شَيءَ فيه إذا لم يكن فيه حيوان، حالاً أو مآلاً؛ لأنه بمنزلة سائر الأحجار.

ويستثنى منه: ما لو كسرها بعد أن ثبتت

(4)

، وخرج منها دمٌ، أو خرج منها فرخٌ حيٌّ، فلا شيء عليه

(5)

.

وقال ابن عقيل: يحتمل أن يضمنه، إلا أن يحفظه إلى أن ينهض ويطير، ويحتمل عدمه؛ لأنه لم يجعله غير ممتنع، كما لو أمسك طائرًا أعرج، ثمَّ تركه.

(1)

ينظر: شرح العمدة 5/ 36.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (8294)، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ:«في بيض النعام يصيبه المحرم ثمنه» ، وإسناده صحيح كما قال الحافظ في الدراية 2/ 43.

(3)

مذرت البيضة: فسدت. ينظر: الصحاح 2/ 813.

(4)

في (و): نبتت.

(5)

قوله: (عليه) سقط من (أ).

ص: 130

وإن مات بعد خروجه؛ ففيه ما في صغار أولاد المُتلَف بيضُه.

(وَلَا يُمْلَكُ الصَّيْدُ) ابتداءً (بِغَيْرِ الْإِرْثٍ)، وفاقًا

(1)

؛ لخبر الصَّعْب السَّابق

(2)

، فليس محلًّا للتَّمليك؛ لأنَّ الله حرَّمه عليه كالخمر، فلو قبضه مشترٍ، ثم تلف؛ فعليه جزاؤه وقيمته لمالكه.

وفي «الرعاية» : لا شيء لواهب.

وإن قبضه رهنًا؛ فعليه جزاؤه فقط، وعليه رده، وإن أرسله؛ ضمنه لمالكه، ولا جزاء ويرد

(3)

المبيعَ.

وقيل: يرسله؛ لئلاَّ تثبت يده

(4)

المشاهدة عليه، ومثله متَّهِبُه.

وصريحه: أنَّه يملكه بالإرث، وهو المذهب؛ لأنَّه أقوى من غيره، ولا فعل منه، بدليل أنَّه يدخل في ملك الصَّبيِّ والمجنون، ويملك به الكافر، فجرى مجرى الاستدامة.

(وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُه بِهِ أَيْضًا)؛ لما قلناه، فهو كغيره، فعلى هذا هو أحقُّ به، فيملكه إذا حل.

وفي «الرعاية» : يملكه بِشِراء واتِّهاب

(5)

.

(وَإِنْ أَمْسَكَ صَيْدًا حَتَّى تَحَلَّلَ، ثُمَّ تَلِفَ أَوْ ذَبَحَهُ؛ ضَمِنَهُ)؛ لأنَّه تلف بسببٍ كان في إحرامه، فضمنه؛ كما لو جرحه، فمات بعد حلِّه، ولم يتكرَّر الضَّمان بأكله إذا ذبحه، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأنَّه وجب لقتله لا لأكله؛ لكونه

(1)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 206، الكافي في فقه أهل المدينة 1/ 390، البيان للعمراني 4/ 182، الفروع 5/ 487.

(2)

أخرجه البخاري (1825)، ومسلم (1193).

(3)

في (أ): ورد.

(4)

في (د): يد.

(5)

في (أ) و (ب): أو اتهاب.

(6)

ينظر: الفروع 5/ 490.

ص: 131

مضمونًا بالجزاء، فلا يتكرَّر؛ كإتلافه بغير أكله، ولهذا لا يضمنه محرِمٌ آخرُ، (وَكَانَ مَيْتَةً)، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأنَّه صيدٌ يلزمه ضمانُه، فلم يُبَح بذبحِه؛ كحالة الإحرام.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَابِ: لَهُ أَكْلُهُ)، وعليه ضمانه؛ لأنَّه ذَبَحَه وهو من أهله، أشبه ما لو صاده بعد حله، فأبيح له كغيره، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ هذا يلزمه ضمانه، بخلاف المقيس عليه.

(وَإِنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ)؛ أي: ملكه (صَيْدٌ، أَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ؛ لَزِمَهُ إِزَالَةُ يَدِهِ المُشَاهَدَةِ عَنْهُ)؛ كما لو كان في رحله أو خيمته أو قفصه، ويلزمه إرساله؛ لأنَّ في عدم إزالة يده المشاهدة إمساكًا للصَّيد، فلم يجز، كحالة الابتداء، بدليل اليمين، وملكه باقٍ عليه، فيرده

(2)

من أخذه، ويضمنه من قتله، ولا يصحُّ نقل الملك فيه، (دُونَ الْحُكْمِيَّةِ)، كما لو كان في بيته، أو في يد نائبٍ له في غير مكانه؛ لأنَّه لا يلزم إمساك الصيد، فلم يلزم بإزالتها، كما لو لم يكن محرمًا.

فعلى هذا: لا يضمنه، وله نقل الملك فيه بكل نوعٍ، ومَن غصَبَه؛ لزِمه ردُّه.

(فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ)؛ أي: لم تزل يده المشاهدة، (فَتَلِفَ؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُه

(3)

؛ لأنَّه تلِف تحت يده العادية، فلزمه الضَّمان؛ كمال الآدمي.

وجزم المؤلف، وقدمه في «الفصول»: إن أمكنه، وإلاَّ فلا؛ لعدم تفريطه.

(وَإِنْ أَرْسَلَهُ إِنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى المُرْسِلِ)، ذكره الأصحاب؛ لأنَّه فَعَل ما يتعيَّن على المحرم فعله في هذه العين خاصَّة؛

(1)

ينظر: الفروع 5/ 488.

(2)

في (ب) و (د) و (و): ويرده.

(3)

قوله: (فعليه ضمانه) في (ب) و (د) و (ز) و (و): ضمنه.

ص: 132

كالمغصوب، ولأن اليد قد زال حكمها وحرمتها، فلو أمسكه حتى تحلَّل؛ فملكه باقٍ عليه.

واعتبره في «المغني» و «الشرح» : بعصير تخمَّر ثمَّ تخلَّل قبل إراقته.

وفي «الكافي» ، وجزم به في «الرعاية»: يرسله بعد حله؛ كما لو صاده.

تنبيهٌ: إذا ملك صيدًا في الحِلِّ، وأدخله الحرم؛ لزِمه رفع يده وإرساله، فإن

(1)

أتلفه أو تلف في يده؛ ضمنه؛ كصيد الحل في حق المحرم، ذكره الأصحاب.

قال في «الفروع» : (ويتوجَّه: لا يلزمه إرساله، وله ذبحه، ونقل الملك فيه؛ لأنَّ الشَّارع إنَّما نهى عن تنفير صيد مكَّةَ، ولم يبين مثل هذا الحكم الخفي مع كثرة وقوعه، والصحابة مختلفون، وقياسه على الإحرام فيه نظر؛ لأنَّه آكد).

وكذا إن أمسك صيد حرم، وخرج به إلى الحل؛ فإنه يلزمه إرساله، ولو تلف ضمِنه، كالمحرم إذا أمسكه حتى تحلَّل.

(وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا صَائِلاً عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ)؛ لم يضمنه في ظاهر كلام أحمدَ، وقاله الأصحاب؛ لأنه قتله لدفع شَرِّهِ، فلم يضمنه؛ كآدميٍّ، وكجملٍ صائل

(2)

، مع أنَّ الشَّارع أذن في قتل الفواسق لدفع أذى متوهَّم، فالمتحقَّقُ أَوْلَى، وسواء خشِي منه تلفًا أو مضرَّة أو على بعض ماله.

(أَوْ بِتَخْلِيصِهِ

(3)

مِنْ سَبُعٍ، أَوْ شَبَكَةٍ)، أو أخذه ليُخلِّص من رجله خيطًا ونحوه، (لِيُطْلِقَهُ)، فتلف قبل إرساله؛ (لَمْ يَضْمَنْهُ) على الأشهر؛ لأنَّه فعلٌ أبيح لحاجة الحيوان، فلم يضمنه؛ كمداواة الولي

(4)

مَوْلِيَّه.

(1)

في (و): وإن.

(2)

في (ب) و (ز): ضائع.

(3)

في (و): تخليصه.

(4)

في (و): المولى.

ص: 133

(وِقِيلَ: يَضْمَنُهُ فِيهِمَا)، أمَّا أولاً فهو قول أبي بكر؛ لأنه قتله لحاجة نفسه، فهو كقتله لحاجة أكله في الأصحِّ، خلافًا للأوزاعيِّ، والفرق ظاهرٌ، وأما ثانيًا فلعموم الآية، وغايته أنَّه عُدم فيه القصدُ؛ أشبه قتل الخطأ.

مسألةٌ: إذا أخذه ليداويه؛ فوديعةٌ، فلو تآكلت يده؛ فله إزالتها، وإن أزمنَه؛ فجزاؤه؛ لأنَّه كتالفٍ، وكجرح تيقن به موته، وقيل: ما نقص.

(وَلَا تَأْثِيرَ لِلْحَرَمِ وَلَا لِلْإِحْرَامِ

(1)

فِي تَحْرِيمِ حَيَوَانٍ إِنْسِيٍّ)؛ أي: أهلي مباح، إجماعًا

(2)

؛ كبهيمة الأنعام؛ لأنه ليس بصيد، والمحرَّم إنَّما هو الصَّيد، بدليل أنَّه عليه السلام كان يتقرَّب إلى الله تعالى بذبح ذلك في إحرامه

(3)

، ولهذا قال:«أفضلُ الحجِّ: العجُّ والثَّجُّ»

(4)

.

(وَلَا مُحَرَّمِ الْأَكْلِ)، إلاَّ المتولِّد؛ كالخمس الفواسق التي أباح الشَّارع قتلها مطلقًا

(5)

، وصرح

(6)

في «المستوعب» وغيره: بأنه يستحبُّ قتل كلِّ مؤذٍ من حيوانٍ وطيرٍ، وهو مراد من أباحه.

والمراد بالغراب: غراب البَيْن؛ لأنَّه محرم الأكل، ويعدو على أموال الناس.

وظاهر «المستوعب» : لا، فإنه مثَّل بالغراب

(7)

الأبقع فقط؛ للخبر

(1)

في (د) و (و): للمحرم والإحرام.

(2)

ينظر: مراتب الإجماع ص 43.

(3)

كما في حديث أنس رضي الله عنه: «ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قيامًا» ، أخرجه البخاري (1712)، وفي حديث جابر الطويل في صفة حجه صلى الله عليه وسلم:«ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بيده» ، أخرجه مسلم (1218).

(4)

سبق تخريجه 4/ 93 حاشية (4).

(5)

أخرجه البخاري (1828)، ومسلم (1198).

(6)

زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): به.

(7)

في (د) و (و): الغراب.

ص: 134

الخاص فيه

(1)

.

ورُدَّ: بأنَّ غيره أكثر وأصحُّ.

ويدخل في الإباحة: البازي، والصَّقر، والذُّباب، والبعوض، والبقُّ، ذكره جماعةٌ.

فأمَّا ما لا يُؤذِي بطبعه؛ كالرَّخَم، فكذلك، ولا جزاء فيه، ويجوز قتله.

وقيل: يكره، وجزم به في «المحرر» وغيره.

وقيل: يحرم.

ولأصحابنا في النمل

(2)

وجهان، نقل حنبلٌ: لا بأس بقتل الذَّرِّ، ونقل مهنَّى: بقتل النَّملة إذا عضَّته

(3)

، قال ابن عقيل: فيها لقمةٌ أو تمرةٌ إذا لم تؤذه.

قال في «الشرح» : ويتخرَّج في النحلة كذلك.

ولا شيء في ضفدع، وجعل فيه ابن أبي موسى: حكومة.

ولكن يستثنى منه: ما أباحه الشَّارع

(4)

، فإنه يحرم قتله، كما أن الأسود البهيم يباح قتله، ذكره الأصحاب.

(إِلاَّ الْقَمْلَ) على المحرم (فِي رِوَايَةٍ)، فإنه يحرُم قتله، وهو ظاهر الخِرقِيِّ؛ لأنَّه يترفه بإزالته، فحرم كقطع الشَّعْر، (وَأَيُّ شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ خَيْرًا مِنْهُ)؛ لأنَّه لم يرد به أثر.

وعنه: لا شيءَ فيه؛ لخبر كعبٍ

(5)

، ولأنه لا قيمة له كسائر المحرَّم المؤذِي.

(1)

مراده الرواية التي أخرجها مسلم (1198)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وفيها:«والغراب الأبقع» .

(2)

في (ب): القمل.

(3)

ينظر: شرح العمدة 4/ 587.

(4)

أي: من كلب الصيد ونحوه. ينظر: الفروع 5/ 516.

(5)

أخرجه البخاري (1816)، ومسلم (1201).

ص: 135

والثَّانية: لا يحرم قتله؛ لأنه

(1)

يحرم أكله، ويؤذي، أشبه البراغيث.

وظهر منه: أنَّه يباح في الحرم لغير المحرم قتله، وهو بغير خلاف

(2)

؛ لأنَّه إنَّما حرم في حق المحرم؛ لما فيه من الترفُّه

(3)

؛ فأبيح فيه كغيره.

تكملة: الصئبان

(4)

كالقمل؛ لأنَّه بيضُه.

ولا فرق بين قتله ورميه؛ لحصول الترفه به.

وقال القاضي وابن عَقيلٍ: الرِّوايتان فيما أزاله من شعره وبدنه وباطن ثوبه، ويجوز من ظاهره.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : أنَّهما فيما أزاله من شعره.

وذكر جماعةٌ: أنَّ البراغيث كالقمل.

وله قتل القُراد عن بعيره، روي

(5)

عن ابن عمر وابن عبَّاسٍ

(6)

؛ كسائر المؤذِي.

(1)

زيد في (ب): لا.

(2)

المغني 3/ 317.

(3)

في (ز) و (و): الرفه.

(4)

قوله: (الصئبان) سقط من (أ).

(5)

في (ب) و (د) و (و): وروي.

(6)

أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (15276)، وابن حزم في المحلى (5/ 275)، عن العلاء بن المسيب قال: قال رجل لعطاء: أقرُد بعيري وأنا محرم؟ قال: «نعم، قد فعل ذلك ابن عمر» ، إسناده صحيح.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (8404)، وسعيد بن منصور كما في المحلى (5/ 275)، وابن أبي شيبة (15279)، وأبو عبيد في الغريب (5/ 244)، عن عكرمة قال: كنت جزارًا، فقال ابن عباس، وقد أحرمت:«قُم فقرِّد هذا البعير» ، فقلت: إني محرم، فلما أتى السقيا، قال:«قُم فانحر هذه الجزور» ، فنحرتها، قال:«لا أمَّ لك، كم تراك قتلت من قراد وحلمة» ، وإسناده صحيح.

وسعيد بن منصور كما في المحلى (5/ 275)، وابن أبي شيبة (15279)، وأبو عبيد في الغريب (5/ 244)،

ص: 136

(وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُ الْبَحْرِ عَلَى المُحْرِمِ)، إجْماعًا

(1)

؛ لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المَائدة: 96]، والبحر الملح والعذب والأنهار والعيون سواء، وصيده ما يعيش فيه كالسمك، فإن كان يعيش فيهما؛ كسلحفاة وسرطان فكذلك، نقل عبد الله فيه

(2)

الجزاء.

قال في «الفروع» : ولعلَّ المراد ما يعيش في البَرِّ له حكمه، وما يعيش في البحر له حكمه؛ كالبقر أهلِيٍّ ووحشِيٍّ، فأمَّا طير الماء فبَرِّيٌّ؛ لأنَّه يُفرِّخ ويبيض فيه.

(وَفِي إِبَاحَتِهِ فِي الْحَرَمِ)؛ كصيده من آبار الحرم (رِوَايَتَانِ):

إحداهما: المنعُ، صحَّحه في «الشَّرح» وغيره؛ لأنَّه حرَمِيٌّ أشبه صيد الحرم، ولأنَّ حرمة الصيد للمكان فلا فرْقَ.

والثَّانية، وهي ظاهر «الوجيز» ، وقدَّمها في «المحرَّر»: يحل؛ لإطلاق حله في الآية، ولأن الإحرام لا يحرمه؛ كحيوانٍ أهلِيٍّ وسَبُعٍ.

(وَيُضْمَنُ الْجَرَادُ) في قول أكثر العلماء؛ لأنَّه طيرٌ في البَرِّ يتلفه الماء كالعصافير، (بِقِيمَتِهِ)؛ لأنَّه متلَفٌ غير مثلِيٍّ.

وعنه: يتصدَّق بتمرةٍ عن جرادةٍ؛ روي

(3)

عن ابن عمرَ

(4)

.

(فَإِنِ انْفَرَشَ فِي طَرِيقِهِ فَقَتَلَهُ)، أو أتلف بَيض طيرٍ (بِالمَشْيِ عَلَيْهِ؛ فَفِي

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 44، المغني 3/ 317.

(2)

قوله: (فيه) سقط من (د) و (و).

(3)

في (أ): وروي.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (15629)، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن:«أن محرمًا أصاب جرادة، فحكم عليه عبد الله بن عمر ورجل آخر، فحكم عليه أحدهما تمرة، والآخر جرادة» ، وإسناده صحيح.

وأخرج ابن أبي شيبة (15627)، عن علي بن عبد الله البارقي، قال: كان عبد الله بن عمر يقول في الجرادة: «قبضة من طعام» ، وإسناده صحيح أيضًا.

ص: 137

الْجَزَاءِ وَجْهَانِ):

أحدهما: فيه الجزاءُ، وهو ظاهر «الوجيز» ؛ لأنَّه أتلفه لمنفعته، أشبه ما لو اضطرَّ إلى أكله.

والثَّانِي: لا؛ لأنَّه اضطرَّه إلى إتلافه كصائلٍ.

(وَعَنْهُ: لَا ضَمَانَ فِي الْجَرَادِ)، روي عن أبي سعيدٍ

(1)

؛ لأنَّ كعبًا أفتى بأخذه وأكله، فقال له عمر:«ما حملك أن تفتيَهم به؟» قال: «هو من صيد البحر» ، قال:«وما يدريك؟» قال: «والذي نفسي بيده؛ إن هو إلاَّ نثرة حوتٍ ينثر

(2)

في كلِّ عام مرَّتَينِ» رواه مالكٌ

(3)

، وقال ابنُ المنذر:(قال ابن عبَّاس: «هو من صيد البحر»)

(4)

، ورواه أبو داود من رواية أبي هريرة مرفوعًا، ومن

(1)

لعل المراد: ما أخرجه مسدد كما في المطالب العالية (1277)، والساجي كما في الاستذكار (4/ 132)، وأبو الشيخ في العظمة (5/ 1792)، من طريق سالم بن هلال، حدثني أبو الصديق، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه حج وكعبٌ، فجاء جراد، فجعل كعب يضرب بسوط، فقلت:«يا أبا إسحاق! ألست محرمًا؟» ، قال:«بلى، إنه من صيد البحر، وإنما خرج أوله من منخر حوت» ، وأبو إسحاق هو كعب الأحبار، وسالم بن هلال قال عنه أبو حاتم:(مجهول)، فإنه لم يرو عنه غير يحيى بن سعيد القطان، إلا أن يحيى ممن لا يروي إلا عن ثقة، ولذا قال الحافظ في اللسان 3/ 6:(تكفيه روايته عنه في توثيقه).

(2)

في (ب) و (و): نثرة حوت نثره. وفي (أ): نترة حوت ينتره. ونثر الحوت: أي: عطسته. ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 2/ 361.

(3)

أخرجه مالك (1/ 352)، ومن طريقه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (2/ 169)، وعبد الرزاق (8350)، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن كعب الأحبار أقبل من الشام في ركب، ثم ذكر القصة، وإسناده صحيح إلى كعب، وكعب الأحبار تابعي مخضرم، يروي أخبار بني إسرائيل بكثرة.

(4)

أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (6831)، عن ميمون الكردي، أن ابن عباس كان راكبًا، فمرَّ عليه جراد فضربه، فقيل له: قتلت صيدًا وأنت محرم؟ فقال: «إنما هو من صيد البحر» ، لا بأس برجاله، ولا ندري إن كان ميمون أدرك ابن عباس رضي الله عنهما وسمع منه أو لا، فإنه لم يُذكر ممن روى عنه، على أن الأثر مخالف لما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما.

أخرج عبد الرزاق (8244)، والشافعي في الأم (2/ 215)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10012)، عن القاسم بن محمد قال: كنت عند ابن عباس فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم، قال:«فيها قبضة من قمح، وإنك لآخذ قبضة جرادات» ، وإسناده صحيح.

ص: 138

طريق أخرى، وقال: الحديثان وهَمٌ

(1)

.

(وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى أَكْلِ الصَّيْدِ)، أبيح له بغير خلافٍ نعلمه

(2)

، وسنده قوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البَقَرَة: 195]، فإذا ذبحه كان ميتةً، ذكره القاضي، واحتجَّ بقول أحمد: كل ما

(3)

صاده المحرم أو قتله، فإنَّما هو قتل قتله

(4)

.

قال في «الفروع» : ويتوجَّه حلُّه؛ لحل فعله.

(أَوِ احْتَاجَ إِلَى

(5)

شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ المَحْظُورَاتِ؛ فَلَهُ فِعْلُهُ، وَعَلَيْهِ الفِدْيَةُ)؛

(1)

أخرجه أحمد (8060)، وأبو داود (1854)، والترمذي (850)، وابن ماجه (3222)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أصبنا صرمًا من جراد فكان رجل منا يضرب بسوطه وهو محرم، فقيل له: هذا لا يصلح، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«إنما هو من صيد البحر» ، وفي سنده: أبو المهزم يزيد بن سفيان، وهو متروك، وأخرجه أبو داود (1853)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10015)، مختصرًا بلفظ:«الجراد من صيد البحر» ، وفيه: ميمون بن جابان البصري، اختلف فيه: وثقه العجلي والذهبي، وقال البيهقي:(غير معروف)، وقال الأزدي والمنذري:(لا يحتح بحديثه)، وقال ابن حجر:(مقبول)، قال أبو داود بعد أن أخرجهما:(أبو المهزم ضعيف، والحديثان جميعًا وهم)، وبين ابن القطان والمزي أن الوهم في الرواية الثانية بسبب علة الوقف، فقد روي موقوفًا كما ذكره أبو داود بعده على كعب رضي الله عنه، ورجح الدارقطني وقفه على أبي هريرة رضي الله عنه. ينظر: علل الدارقطني 11/ 204، بيان الوهم والإيهام 5/ 382، الكاشف 2/ 311، تهذيب الكمال 29/ 204، تهذيب التهذيب 10/ 388، ضعيف سنن أبي داود 2/ 161.

(2)

ينظر: المغني 3/ 438.

(3)

في (أ): كما.

(4)

ينظر: التعليقة 2/ 355.

(5)

زيد في (ب) و (ز): فعل.

ص: 139

لأنَّ كعبًا لمّا احتاج إلى الحلْق؛ أباحه الشَّارع له

(1)

، وأوجب عليه الفدية، والباقي في معناه، ولأنَّ أكل الصَّيد إتلافٌ، فوجب ضمانه، كما لو اضطر إلى طعام غيره.

(1)

أخرجه البخاري (1816)، ومسلم (1201).

ص: 140

(فَصْلٌ)

(السَّابِعُ: عَقْدُ النِّكَاحِ)، فإنَّه محظورٌ إلاَّ في حقِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، (لَا يَصِحُّ مِنْهُ)؛ لما روى مسلمٌ عن عثمانَ مرفوعًا:«لا يَنكح المحرِمُ، ولا يُنكح، ولا يَخطُب»

(1)

، وعن ابن عمر أنَّه كان يقول:«لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب على نفسه، ولا على غيره» رواه الشافعي، ورفعه الدارقطني

(2)

.

وظاهره: لا فرق بين أن يتزوَّج، أو يُزوِّج محرِمةً، أو يكون وكيلاً، أو وليًّا، نقله الجماعة

(3)

، وسواء تعمد أو لا.

(1)

أخرجه مسلم (1409).

(2)

أخرجه مالك (1/ 349)، ومن طريقه الشافعي في الأم (5/ 190)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 151)، والطحاوي في معاني الآثار (4200)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (514)، والبيهقي في الكبرى (14215)، وفي المعرفة (14133)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول:«لا ينكح المحرم ولا يخطب على نفسه، ولا على غيره» ، وأخرجه ابن الجعد (2792)، وابن أبي شيبة (12974)، والمحاملي في الأمالي (114)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 151)، من طرق عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، وأسانيدها صحاح.

وأخرجه عبد الرزاق كما في التمهيد (3/ 154)، عن سالم، عن ابن عمر نحوه، وإسناده صحيح.

وروي مرفوعًا: أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 151)، والدارقطني (3650)، من طريق مسلم بن خالد الزنجي، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا. وهذا منكر، مسلم بن خالد كثير الأوهام، قال العقيلي:(هذا حديث منكر)، ثم ساق العقيلي رواية من وقَّفه وقال:(وهذه الأحاديث أولى من حديث النفيلي عن مسلم بن خالد)، وأخرجه الدارقطني (3651)، من طريق الضحاك بن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر بالشك مرفوعًا، والضحاك تُكلم فيه، وقد خالف رواية جمهور أصحاب نافع الذين وقفوه، وصوب البيهقي رواية الوقف كما في الكبرى 7/ 342.

(3)

ينظر: مسائل صالح 3/ 141، مسائل ابن منصور 5/ 2193، مسائل عبد الله ص 235، زاد المسافر 2/ 581.

ص: 141

وأجازه ابن عباس

(1)

؛ لروايته: «أنَّه عليه السلام تزوَّج ميمونةَ وهو محرِمٌ» متَّفق عليه، ولأحمدَ والنسائي:«وهما محرِمان»

(2)

، ولأنَّه عقد يملك به الاستمتاع، فلم يُحرِّمه

(3)

الإحرام؛ كشِراء الإماء

(4)

.

وجوابُه: ما روى يزيد بن الأصم، عن ميمونة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوَّجها حلالاً، وبنى بها حلالاً، وماتت بسَرِف» ، إسنادُه جيِّدٌ، رواه أحمد، وقال الترمذي:(غريب)، ولمسلمٍ عن يزيد بن الأصمِّ، عن ميمونة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلالٌ» ، وكانت خالتي، وخالة ابن عبَّاسٍ

(5)

، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافعٍ: «أنَّ النَّبيَّ

(1)

أخرجه الطحاوي في معاني الآثار (4222)، وفي مشكل الآثار (14/ 520)، عن عطاء:«أن ابن عباس كان لا يرى بأسًا أن يتزوج المحرمان» ، وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة (12964)، عن عكرمة، عن ابن عباس، بإسناد صحيح أيضًا.

(2)

أخرجه البخاري (1837)، ومسلم (1410)، واللفظ الآخر عند أحمد (2200)، والنسائي (2839).

(3)

في (أ): فلم يجزئه. والمثبت موافق لما في المغني 3/ 306.

(4)

في (أ): الإناء.

(5)

أخرجه مسلم (1411)، وأحمد (26828)، والترمذي (845)، وابن ماجه (1964)، وابن حبان (4134)، والحاكم (6797)، من طريق جرير بن حازم، حدثنا أبو فزارة، عن يزيد بن الأصم، حدثتني ميمونة بنت الحارث به، واختلف في وصله وإرساله، قال الترمذي:(حديث غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن يزيد بن الأصم مرسلاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال)، وقال في العلل الكبير:(وسألت محمدًا عن حديث يزيد بن الأصم فقال: إنما رُوي هذا عن يزيد بن الأصم: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، ولا أعلم أحدًا قال: عن يزيد بن الأصم عن ميمونة غير جرير بن حازم، قال: قلت له: فكيف جرير بن حازم؟ قال: هو صحيح الكتاب إلا أنه ربما وهم في الشيء)، ورجح الدراقطني إرساله أيضًا، وأخرج الرواية المرسلة إسحاق بن راهويه في مسنده (2031)، والدارقطني (3655)، وصححه الحاكم وابن حبان، وقال ابن تيمية:(قد روي مسندًا من وجوه مرضية مخرجة في الصحاح والحسان). ينظر: العلل الكبير للترمذي (130)، علل الدارقطني 15/ 262، شرح العمدة 2/ 204.

ص: 142

صلى الله عليه وسلم تزوَّج ميمونة

(1)

حلالاً، وبنى بها حلالاً، وكنت الرَّسول بينهما»، إسنادُه جيِّدٌ، رواه أحمد والترمذي وحسَّنه، وقال ابن المسيب:(وهِل ابن عباس)، وفي رواية:(وهم) رواهما الشافعي

(2)

.

وبالجملة: فقصَّة ميمونة مختلفةٌ، ورواية الحِلِّ أكثر، وفيها صاحب القصة والسَّفير فيها، ولا مطعن

(3)

مع موافقتها لما تقدَّم، وفيها زيادة، مع صغر ابن عبَّاسٍ إذًا، ويمكن حمل

(4)

قوله: «وهو محرم» ؛ أي: في الشهر الحرام، أو البلد الحرام، كقولهم:(قتل عثمان مُحْرِمًا)، أو تزوجها حلالاً، وظهر تزويجها وهو محرمٌ.

ثمَّ لو وقع التَّعارض؛ فحديثُنا أَوْلَى؛ لأنَّه قوله، وذلك فعله، ويحتمل أن يكون خاصًّا به، وعليه عمل الخلفاء

(5)

.

(1)

في (و): بميمونة.

(2)

أخرجه أحمد (27197)، والترمذي (841)، والنسائي في الكبرى (5381)، وابن حبان (4130)، والدارقطني (3658)، من طريق مطر الوراق، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع به، وفي إسناده: مطر بن طهمان الوراق، وهو صدوق كثير الخطأ، قال الترمذي:(حديث حسن)، وخالفه مالك فأرسله عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث» ، وأُعل أيضًا بالانقطاع بين سليمان بن يسار وأبي رافع وأنه لم يسمع، ودفع هذه العلة ابن حجر وأثبت سماعه منه، وصحح ابن القطان وابن القيم اتصاله، ورجح الألباني إرساله مع تصحيحه للواقعة من وجه آخر. وأثر سعيد بن المسيب أخرجه الشافعي في الأم (5/ 84). ينظر: التلخيص الحبير 3/ 123، تهذيب السنن مع عون المعبود 5/ 207، الإرواء 5/ 283.

(3)

في (د) و (ز): نطعن.

(4)

في (أ): على.

(5)

روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما: أما أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه مالك (1/ 349)، ومن طريقه الشافعي في الأم (5/ 84)، والبيهقي في الكبرى (9162)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (506)، والدارقطني (3646)، عن أبي غطفان بن طريف المري:«أن أباه طريفًا تزوج امرأة وهو محرم، فردَّ عمر بن الخطاب نكاحه» ، إسناده صحيح، وصححه ابن كثير في مسند الفاروق 2/ 118.

وأثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه مسدد كما في المطالب العالية (1197)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 219)، وابن عدي في الكامل (8/ 133، 160)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (507، 508)، والبيهقي في الكبرى (9163، 14216)، من طرق عن الحسن، عن عليٍّ رضي الله عنه قال:«أيما رجل تزوج وهو محرم انتزعنا منه امرأته ولم نُجِزْ نكاحه» ، وهو مرسل، فإن رواية الحسن عن عليٍّ مرسلة كما في جامع التحصيل ص 162.

وأخرج ابن أبي شيبة (12972)، والبيهقي في الكبرى (9164)، عن جعفر، عن أبيه، أن عليًّا رضي الله عنه قال:«لا ينكح المُحرِم، فإن نكح رُدَّ نكاحُهُ» ، وهذا مرسل أيضًا، محمد بن علي بن الحسين لم يسمع من جده علي.

ص: 143

وعقد النِّكاح يخالف شراء الأمة؛ لأنه يحرم بالعدة والرِّدَّة واختلاف الدِّين، وكون

(1)

المنكوحة أختًا له من الرَّضاع، والنِّكاح يراد به

(2)

الوطء غالبًا، بخلاف شراء الأمَة، فافترقا.

وعنه: إن زوَّج المحرمُ غيرَه؛ صحَّ؛ لأنه سبب لإباحة محظورٍ؛ كحلال، فلم يمنعه الإحرام؛ كحلقه رأس حلال.

ورُوِيَ عنه أنَّه قال: (لم أفسخه)

(3)

؛ محمولٌ على أنه مختلَفٌ فيه.

وعلى المذهب: الاعتبار بحالة العقد، فلو وَكَّل محرِمٌ حلالاً فيه، فعقده بعد حلِّه؛ صحَّ في الأشهر، وعكسُه بعكسه.

ولو وكَّل، ثمَّ أحرم؛ لم ينعزل وكيله في الأصح، وله عقده إذا حل، فلو وكَّل حلالاً مثله، فعقده، وأحرم الموكل، واختلفا، فقالت: عُقِد بعد الإحرام، وقال هو: قبله؛ قُبِلَ قوله، وكذا في عكسه؛ لأنه يملك فسخ العقد، فملك الإقرار به، لكن

(4)

يلزمه نصف الصَّداق، ويصح مع جهلهما

(1)

في (د) و (ز) و (و): وكذا.

(2)

في (أ): منه.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 281.

(4)

زيد في (ب): لا.

ص: 144

وقوعه؛ لأنَّ الظَّاهِرَ صِحَّتُه.

تَتِمَّةٌ: دخل في كلامه: ما لو أحرم الإمام الأعظم، فإنَّه يمنع من التَّزويج لنفسه وسائر أقاربه، وهل يمنع أن يزوِّج بالولاية العامَّة؟ فيه احتمالان، ذكرهما ابن عقيل، واختار الجواز؛ لحلِّه حال ولايته، والاستدامة أقوى؛ لأن الإمامة لا تبطل بفسق طرأ.

وفي «التَّعليق» : لم يجز أن يزوِّج، ويزوِّجُ خلفاؤه، وصرَّح به في «الوجيز» ؛ لأنَّه يجوز بولاية الحكم ما لا يجوز بولاية النَّسب، بدليل تزويج الكافرة.

وإن أحرم نائبه فكهو، قاله بعض أصحابنا.

(وَفِي الرَّجْعَةِ رِوَايَتَانِ)، كذا في «الفروع»:

المنعُ، نقله الجماعة

(1)

، ونصره القاضي وأصحابه؛ لأنَّه عَقْدٌ وُضِع لإباحة البُضْع، أشبه النِّكاح.

والثَّانيةُ: الإباحة، اختارها الخِرَقِيُّ، وجزم بها في «الوجيز» ، وصحَّحها في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّها إمساكٌ، ولأنَّها مباحةٌ قبل الرَّجعة فلا إحلالَ، ولو قلنا بأنَّها محرَّمةٌ؛ لم يكن ذلك مانِعًا من رجعتها، كالتَّكفير للمُظاهر، وتعقَّبه القاضي.

(وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا)؛ لأنَّه عقْدٌ فسد لأجل الإحرام، فلم يجب به فدية؛ كشراء الصَّيد.

ولا فرق فيه بين الإحرام الصَّحيح والفاسد قاله في «الشرح» .

مسألة: يكرَه للمحرم الخِطبة، كخُطبة العقد وشهوده، وحرَّمها ابنُ عَقيلٍ، كتحريم دواعي الجماع.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1683، زاد المسافر 2/ 582.

ص: 145

وتكره شهادته فيه، وحرَّمها ابن عقيل، وقدَّمها القاضي، واحتجَّ بنقل حنبل:(لا يخطب)، قال:(معناه: لا يشهد النِّكاح)

(1)

، وما روي فيه:«وَلَا يَشهَد» ؛ فلا يصحُّ

(2)

(1)

ينظر: التعليقة 2/ 483.

(2)

قال ابن قدامة: (وهذه اللفظة غير معروفة، فلم يثبت بها حكم)، وقال ابن الملقن:(قال الرافعي: وروي في بعض الروايات: «ولا يشهد»، قلت: هذه رواية غريبة، وفي الكفاية لابن الرفعة أنها غير ثابتة، وعلَّق في المطلب الحجة على ثبوتها، وفي شرح المهذب عن الأصحاب أنهم قالوا: إنها ليست ثابتة)، قال ابن حجر:(والظاهر أن الذي زادها من الفقهاء أخذها استنباطًا من فعل أبان بن عثمان لما امتنع من حضور العقد فليتأمل)، وفعل أبان بن عثمان أخرجه مسلم (1409). ينظر: المغني 3/ 308، البدر المنير 7/ 580، التلخيص الحبير 3/ 353.

ص: 146

(فَصْلٌ)

(الثَّامِنُ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ)؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ} [البَقَرَة: 197]، قال ابن عبَّاس:«هو الجماع»

(1)

، بدليل قوله تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البَقَرَة: 187]؛ يعني: الجماعَ، وقد حكاه ابن المنذر إجماع العلماء أنَّه يفسد النُّسك به

(2)

، وفي «الموطأ»: بلغني أنَّ عمرَ، وعليًّا، وأبا هريرة: سئلوا عن رجل أصاب أهلَه وهو محرِمٌ، فقالوا:«ينفذان لوجههما حتَّى يقضيا حجَّهما، ثمَّ عليهما حجٌّ من قابل والهدي»

(3)

، ولم يعرف لهم مخالفٌ.

(1)

أخرجه سفيان الثوري في التفسير (ص 63)، ومن طريقه عبد الرزاق (10826)، وابن أبي شيبة (13230)، والطبري في التفسير (3/ 229)، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عباس، قال:«الرفث: الجماع، ولكن الله كنى» ، إسناده صحيح. وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (7)، عن عكرمة، عن ابن عباس. والطبري في التفسير (3/ 465)، عن الضحاك، عن ابن عباس. والطبري في التفسير (3/ 466)، والطحاوي في أحكام القرآن (1170)، عن أبي الضحى، عن ابن عباس. وابن أبي حاتم في التفسير (1674)، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس، بأسانيد صحاح.

(2)

ينظر: الإجماع ص 52.

(3)

أخرجه مالك (1/ 381)، ومن طرسقه البيهقي في الكبرى (9779)، بلاغا.

وورد عن عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (13081)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9781)، وسعيد بن منصور كما في تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (3/ 477)، عن يزيد بن يزيد بن جابر قال: سألت مجاهدًا، عن المحرم يواقع امرأته، فقال: كان ذلك على عهد عمر بن الخطاب، فقال:«يقضيان حجهما، والله أعلم بحجهما، ثم يرجعان حلالاً كل واحد منهما لصاحبه، فإذا كان من قابل حجَّا وأهديَا وتفرَّقا من المكان الذي أصابهما» ، وهذا مرسل، مجاهد لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأخرج البيهقي في الكبرى (9780)، نحوه عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عطاء، وهو مرسل ضعيف، الوليد بن مسلم يرسل عن الأوزاعي عن شيوخه، قاله الدارقطني في الضعفاء ص 139.

وروي عن علي رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (13083)، عن الحكم، عن علي قال:«على كل واحد منهما بدنة، فإذا حجا من قابل تفرقا من المكان الذي أصابهما» ، وإسناده ضعيف، فيه أشعث بن سوار الكندي وهو ضعيف، والحكم بن عتيبة لم يدرك عليًّا.

ص: 147

والمراد به: إذا كان أصليًّا، وصرَّح به في «الوجيز» .

(قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُرًا، مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ)؛ لوجوب الحدِّ والغسل.

وخرَّج

(1)

بعضهم: لا يفسد بوطء بهيمةٍ؛ مِنْ عَدَم الحدِّ، أشبه الوطء دون الفرج.

وأطلق الحلواني وجهين، أحدُهما: لا يفسد، وعليه شاةٌ.

(فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ؛ فَسَدَ نُسُكُهُ)؛ لِما قلنا، وظاهره: ولو بعد الوقوف بعرفةَ، ونقله الجماعة

(2)

، ولأنَّه قول من سمَّينا من الصَّحابة، وهو مطلق، ولأنَّه جماعٌ صادف إحرامًا تامًّا؛ كقبل الوقوف.

وقوله: «الحَجُّ عَرفة»

(3)

؛ أي: مُعظمه، ولا يلزم من أمن الفوات أمن الفساد، بدليل العمرة، وإدراك ركعة من الجمعة.

(عَامِدًا كَانَ أَوْ سَاهِيًا)، نقله الجماعةُ

(4)

؛ لأنَّ بعض الصَّحابة قضوْا بفساد الحجِّ

(5)

، ولم يستفصلوا، ولو اختلف الحال لوجب البيان، ولأنَّه سبب يتعلَّق به وجوب القضاء، فاستويا كالفوات، وفيه نظرٌ؛ لأنَّه تَرْك ركنٍ فأفسد

(6)

، والوطء فعلٌ منهيٌّ عنه.

(1)

في (أ): صرح.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2339، مسائل صالح 2/ 85، مسائل ابن هانئ 1/ 174.

(3)

أخرجه أحمد (18773)، والترمذي (889)، والنسائي (3016)، وابن ماجه (3015)، وابن خزيمة (2822)، وهو حديث صحيح، صححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم والألباني. ينظر: الإرواء 4/ 256.

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 163.

(5)

تقدم تخريجه 4/ 147 حاشية (3).

(6)

في (أ) و (ب) و (د) و (و) و (ز): فاسد. والمراد: أن الفوات إنما هو ترك ركن فاستوى فيه العمد والنسيان في الإفساد، وأما الوطء فهو فعل منهي عنه فافترقا. ينظر: التعليقة 2/ 241.

ص: 148

والجاهل بالتحريم

(1)

والمكرَه؛ كالنَّاسي.

وفي «الفصول» روايةٌ: لا يفسد، اختاره

(2)

الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(3)

، وأنَّه لا شيء عليه، وهو متَّجِهٌ، قاله في «الفروع» .

والمذهب: أنَّ المرأةَ المطاوِعةَ كالرَّجل؛ لوجود الجماع منهما، بدليل الحدِّ.

وعنه: يجزئهما هديٌ واحدٌ؛ لأنَّه جماعٌ واحد.

وعنه: لا فدية عليها؛ لأنَّه لا وطء منها، ذكره

(4)

جماعةٌ؛ كالصَّوم.

والأشهر: أنَّه لا فدية على مكرَهة، نَصَّ عليه

(5)

، كالصَّوم.

(وَعَلَيْهِمَا المُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ)، ولا يخرج منه، رُوي عن عمر، وعلِيٍّ، وأبي هريرة، وابن عبَّاسٍ

(6)

، وحكمه كإحرامٍ صحيحٍ،

(1)

في (أ): بالعزيمة.

(2)

في (د) و (و): اختارها.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 573.

(4)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): وذكر. والمثبت موافق لما في الفروع.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2338، مسائل ابن هانئ 1/ 173.

(6)

تقدم المروي عن عمر وعلي وأبي هريرة رضي الله عنهم 4/ 147 حاشية (3).

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه سعيد بن منصور كما في التحقيق لابن الجوزي (1275)، والبيهقي في الكبرى (9784)، عن أبي بشر، قال: سمعت رجلاً من بني عبد الدار قال: أتى رجل عبد الله بن عمرو فسأله عن مُحرِم وقع بامرأته، فلم يقل شيئًا، قال: فأتى ابن عباس فذكر ذلك له، فقال عبد الله بن عمرو:«إن يكن أحد يخبره فيها بشيء؛ فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، قال: فقال ابن عباس: «يقضيان ما بقي من نسكهما، فإذا كان قابل حجَّا، فإذا أتيا المكان الذي أصابا فيه ما أصابا تفرقا، وعلى كل واحد منهما هدي» ، قال أبو بشر: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: هكذا كان ابن عباس يقول. وإسناده صحيح.

وأخرجه علي بن حجر في أحاديث إسماعيل بن جعفر (114)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9782)، والبغوي في شرح السنة (1996)، عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه. وأخرجه البيهقي في الكبرى (9785)، من طريق أخرى عن ابن عباس بإسناد صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة (13082)، من طريق أخرى عن ابن عباس فيها ضعف. والأثر صحيح.

ص: 149

نقله الجمهور

(1)

، وذكره القاضي وغيره عن جماعة الفقهاء؛ لقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البَقَرَة: 196]، وقد رُوِي مرفوعًا أنَّه أمر المجامع

(2)

بذلك

(3)

، ولأنَّه معنًى يجب به القضاء، فلم يخرج به منه؛ كالفوات.

ونقل ابن إبراهيم عن أحمدَ: أنَّه يعتمر من التَّنعيم

(4)

، ومقتضاه: أنَّه يجعل الحجَّ عمرةً.

(وَ) يلزمهما (الْقَضَاءُ)، بغير خلافٍ نعلمُه

(5)

؛ لما رَوَى ابنُ وهبٍ بإسناده، عن سعيد بن المسيِّب: أنَّ رجلاً جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجلُ

(6)

النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال لهما: «أتِمَّا حجَّكما، ثمَّ ارجعا، وعليكما حجَّةٌ أخرى قابلاً

(7)

، حتَّى إذا كنتما في المكان الذي أصبتها؛ فأحرما وتفرَّقا، ولا يؤاكلْ واحدٌ منكما صاحبه، ثمَّ أتمَّا مناسككما وأهْدِيَا»، وروايته

(8)

عن

(1)

ينظر: الفروع 5/ 446.

(2)

في (ز): الجامع.

(3)

أخرجه أبو داود في المراسيل (140)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9778)، من طريق يزيد بن نعيم أو زيد بن نعيم أن رجلاً من جذام جامع امرأته وهما محرمان، فسأل الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما:«اقضيا نسككما وأهديا هديًا، ثم ارجعا، حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما تفرقا، ولا يرى واحد منكما صاحبه، وعليكما حجة أخرى، فتقبلان حتى إذا كنتما بالمكان الذي أصبتما فيه ما أصبتما، فأحرما وأتما نسككما وأهديا» ، ويزيد بن نعيم الأسلمي من صغار التابعين وهو مقبول، قال البيهقي:(هذا منقطع)، قال ابن القطان:(لا يصح)، وسيأتي نحوه عن ابن المسيب. ينظر: بيان الوهم والإيهام 2/ 192.

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 174.

(5)

ينظر: الإجماع ص 52.

(6)

قوله: (الرجل) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

(7)

في (ب) و (د) و (و): من قابل. والمثبت موافق لما في الفروع.

(8)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): ولروايته.

ص: 150

ابن لهيعة صحيحة عند جماعةٍ

(1)

، وروى سعيدٌ والأثرم

(2)

عن عمر وابن عبَّاس معناه

(3)

.

ولا فرق في الذي أفسدها أن تكون فرضًا بأصل الشَّرع أو النذر أو قضاء، لكن إذا أفسده؛ فإنَّه يقضي الواجب لا القضاء؛ كالصَّوم والصَّلاة، ويلزمه قضاء النفل، نَصَّ عليه

(4)

، وإليه ذهب الأصحاب؛ لأنَّه لزم بالدُّخول فيه.

وعنه: لا قضاء فيه.

وعلى المذهب: هو على الفور؛ لتعيينه بالدُّخول فيه.

(مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَا أَوَّلاً)؛ أي: يلزم الإحرام بالقضاء من أبعد الموضعَين؛ الميقات أو إحرامه الأوَّل، نَصَّ عليه

(5)

؛ لأنَّه إن كان الميقاتُ أبعدَ؛ لم يجز له تجاوزه بغير إحرامٍ، وإن كان موضعُ إحرامه أبعدَ؛ لزمه منه؛ لأنَّ القضاء يحكي الأداء، وإلاَّ لزمهما من الميقات نَصًّا.

(وَنَفَقَةُ المَرْأَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهَا إِنْ طَاوَعَتْ)؛ لقول ابن عمر: «وأهديا هديًا»

(6)

، أضاف الفعل إليهما،

(1)

أخرجه ابن وهب في موطئه كما ذكره ابن القطان في بيان الوهم (2/ 192)، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف في الحديث على الراجح، وبعض أهل العلم يقوي رواية العبادلة عنه كعبد الله بن وهب، قال ابن القيم:(وحديثُ ابن لهيعة يُحْتَجُّ منه بما رواه عنه العبادلة: كعبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ). ينظر: إعلام الموقعين 2/ 293.

(2)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): عن الأثرم.

(3)

تقدم تخريجهما 4/ 147 حاشية (3).

(4)

ينظر: الفروع 5/ 450.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2297.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (13085)، والدارقطني (3000)، والحاكم (2375)، والبيهقي في الكبرى (9783)، وأخرجه الأثرم كما في المغني (3/ 322)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه في رجل وقع على امرأته وهما محرمان، وفيه: فقال له ابن عمر: «أفسدت حجك، انطلق أنت وأهلك مع الناس، فاقضوا ما يقضون، وحِلَّ إذا حلُّوا، فإذا كان في العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك، وأهديا هديًا، فإن لم تجدا، فصوما ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم» ، وكذلك قال ابن عباس وعبد الله بن عمرو. وهذا لفظ الأثرم، وإسناده صحيح كما قال البيهقي.

ص: 151

وقول ابن عبَّاسٍ: «أهدِ

(1)

ناقةً، ولتُهدِ ناقةً»

(2)

، ولأنَّها بمطاوعتها أفسدت نسكها، فكانت النَّفقة عليها كالرَّجل.

(وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً

(3)

؛ فَعَلَى الزَّوْجِ)؛ لأنَّه المفسد لنسكها، فكانت عليه نفقتها كنفقة نسكه.

(وَيَتَفَرَّقَانِ) في القضاء (مِنَ المَوْضِعِ الذِي أَصَابَهَا فِيهِ)، في ظاهر المذهب؛ لما سلف.

وعنه: من حيث يُحرِمان؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «ويتفرقان

(4)

من حيث يُحرِمان، ولا يجتمعان حتَّى يقضيا حجَّهما»

(5)

.

(1)

في (أ): وأهد.

(2)

أخرجه البيهقي في الكبرى (9785)، عن عكرمة، عن ابن عباس باللفظ المذكور، وإسناده صحيح، وصح عنه بلفظ:«وعلى كل واحد منهما هدي» ، وتقدم تخريجه 4/ 149 حاشية (6).

(3)

في (ب) و (ز): وإن أكرهت.

(4)

في (أ): ويفترقان.

(5)

أخرجه النجاد بإسناده كما في التعليقة (2/ 221)، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: سئل ابن عباس عن رجل أصاب امرأته وهو محرم، قال:«عليها الحج من قابل، ثم يفترقان من حيث يحرمان، ولا يجتمعان حتى يقضيا نسكهما، وعليهما الهدي» ، ولم نقف عليه عند غيره.

وأخرج علي بن حجر في أحاديث إسماعيل بن جعفر (114)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9782)، والبغوي في شرح السنة (1996)، حدثنا حميد الطويل، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، وفيه:«فاخرجا حاجين، فإذا أحرمتما فتفرقا» ، وإسناده صحيح، حميدٌ وإن كان الحافظ في التقريب وصفه بالتدليس، إلا أنه إنما كان يدلس أحيانًا في حديثه عن أنس خاصة كما في ترجمته، قال ابن سعد:(كان ثقة كثير الحديث إلا أنه ربما دلَّس عن أنس)، وبنحوه قال ابن عدي. ينظر: تهذيب التهذيب 3/ 40.

ص: 152

(إِلَى

(1)

أَنْ يَحِلاَّ)؛ لأنَّ التَّفريقَ خَوفَ المحظور، فجميع الإحرام سواءٌ.

ومراده بالتَّفريق: ألاَّ يركب معها في مَحْمِل، ولا ينزِل معها في فسطاط، نَصَّ عليه

(2)

، لكن ذكر المؤلف أنه يكون بقربها يراعي حالها؛ لأنه محرمها، فظاهره: أنه محرمها، وهو ظاهر كلامهم، ونقل ابن الحكم: يعتبر

(3)

أن يكون معها محرَمٌ غيرُه

(4)

.

(وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

المذهبُ: أنَّه مستحَبٌّ؛ لأنَّه ربَّما ذكر إذا بلغ الموضع، فتتوق نفسه فواقع المحذور، وهذا وَهَم لا يقتضِي الوجوب.

ولم يتفرَّقا في قضاء رمضان إذا أفسداه

(5)

؛ لأنَّ الحجَّ أبلغُ في منع الدَّاعي؛ لمنعه مقدِّمات الجماع والطِّيب، بخلاف الصَّوم.

والثاني: يجب؛ لأنَّ ابن عبَّاس ذكره حكمًا للمجامِع، فكان واجبًا كالقضاء.

تنبيهٌ: العمرةُ كالحجِّ؛ لأنَّها أحد النُّسُكَين كالآخر، فإن كان مكِّيًّا أو مجاوِرًا بها؛ أحرم للقضاء من الحلِّ؛ لأنَّه ميقاتُها، سواءٌ أحرم بها منه أو من الحرم.

وإن أفسد المتمتِّع عمرتَه، ومضى فيها فأتمَّها؛ قال أحمد

(6)

: يخرج من الميقات فيُحرِمُ منه بعمرةٍ، فإن خاف فوت الحجِّ أحرم به من مكَّةَ، وعليه دمٌ

(1)

في (أ): إلا.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2230، زاد المسافر 2/ 583.

(3)

في (أ): يعني.

(4)

ينظر: الفروع 5/ 453.

(5)

في (أ): أفسده.

(6)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 155.

ص: 153

لتركه الميقات، فإذا فرغ منه أحرم من الميقات بعمرة مكان التي أفسدها، وعليه دم إذا قدم مكَّة، لما أفسد من عمرته.

(وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ)؛ أي: بعد رمي جمرة العقبة؛ (لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ) في قول أكثر العلماء؛ لقوله عليه السلام: «الحجُّ عرفةُ»

(1)

، ولقول ابن عبَّاسٍ في رجلٍ أصاب أهلَه قبل أن يفيض يوم النَّحر:«ينحَران جزورًا بينهما، وليس عليه الحجُّ من قابلٍ» رواه مالكٌ

(2)

، ولا يُعرَف له في الصَّحابة مخالِفٌ، ولأنَّها عبادةٌ لها تحلُّلان، فوجود المفسد بعد أوَّلهما لا يفسدها، كما بعد التَّسليمة الأولى من الصَّلاة.

ويتوجَّه: أنَّه يفسد كالأول إن بقي إحرامه، وفسد بوطئه.

وقوله في «التَّنبيه» : من وطئ في الحجِّ قبل الطَّواف فسد حجُّه؛ محمولٌ على ما قبل التحلل.

فإن طاف للزِّيارة، ولم يَرْمِ؛ فذكر في «الشَّرح» وقدَّمه غيرُه: أنَّه لا شَيءَ عليه مطلقًا؛ لأن الحجَّ قد تمَّت أركانُه كلُّها، وظاهر كلام جماعةٍ خلافُه؛ لوجوده قبل ما يَتِمُّ به التَّحلُّلُ.

(وَيَمْضِي إِلَى التَّنْعِيمِ)، وهو من الحِلِّ بين مكَّةَ وسرِف، على فرسخين من مكَّة، وسُمِّي به؛ لأنَّ جبلاً عن يمينه اسمه نَعِيمٌ، وآخر عن شماله اسمه

(1)

تقدم تخريجه 4/ 148 حاشية (3).

(2)

إنما أخرجه مالك (1/ 384)، ومن طريقه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 258)، والبيهقي في الكبرى (9803)، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس بلفظ: سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض؟ «فأمره أن ينحر بدنة» ، وإسناده صحيح.

وأخرجه بلفظ قريب من لفظ المؤلف: الدارقطني (2672)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9801)، من طريق أخرى عن عطاء عن ابن عباس، أن رجلاً أصاب من أهله قبل أن يطوف بالبيت يوم النحر، فقال:«ينحران جزورًا بينهما وليس عليهما الحج من قابل» ، وإسناده صحيح أيضًا.

ص: 154

ناعِمٌ، والوادي نَعمان؛ بفتح النُّون، (فَيُحْرِمُ لِيَطُوفَ)؛ لأنَّ إحرامَه قد فسد بالوطء، فلزمه الإحرامُ من الحِلِّ؛ ليقع طواف الزِّيارة في إحرامٍ صحيحٍ، وليس الإحرام من التَّنعيم شرطًا فيه، وإنَّما المراد أن يُحرِم من الحِلِّ؛ ليجمع بين الحِلِّ والحرم، ولكن المؤلِّف تَبِع الخِرَقِيَّ، وهو للإمام؛ لأنَّه أقربُ الحلِّ إلى مكَّةَ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يلزمه غير الطَّواف إذا كان قد سعى، فإن لم يكن سعى؛ طاف للزِّيارة وسعى وتحلَّل؛ لأنَّ الإحرام إنَّما وجب ليأتي بما بقي من الحجِّ.

هذا ظاهر كلام جماعةٍ منهم الخِرَقِيُّ، فقول أحمد

(1)

ومن وافقه من الأئمة: إنَّه يعتمر، يحتمل أنهم أرادوا هذا وسمَّوهُ عمرةً؛ لأنَّ هذه أفعالها، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح» ، ويحتمل أنَّهم أرادوا عمرةً حقيقة

(2)

، فيلزمه سعي ويُقَصِّر

(3)

، وعلى هذا نصوص أحمدَ، وجزم به القاضِي وابن عَقِيلٍ وابن الجَوزيِّ؛ لما سبق عن ابن عبَّاس

(4)

، ولأنَّه إحرامٌ مستأنَفٌ، فكان فيه طواف وسعي وتقصير؛ كالعمرة المنفردة، والعمرة تجري مجرى الحجِّ، بدليل القِران بينهما.

(وَهُوَ مُحْرِمٌ)؛ أي: أنَّه بعد التَّحلُّل الأوَّل محرِمٌ، وذكره الخِرَقِيُّ والقاضي وغيرهما؛ لبقاء تحريم الوطء المنافي وجوده صحَّة الإحرام.

وفي «فنون ابن عقيل» : يبطل إحرامه على احتمالٍ.

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 177، مسائل ابن منصور 5/ 2232، زاد المسافر 2/ 585.

(2)

في (أ): حقيقية.

(3)

في (و): وتقصير.

(4)

أخرجه مالك (1/ 384)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9802)، عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس أنه قال: «الذي يصيب أهله قبل أن يفيض؛ يعتمر ويهدي» ، وإسناده صحيح.

ص: 155

وذكر المؤلِّف في مسألة ما يباح بالتحلل الأوَّل، فمنع أنَّه محرم، وإنَّما بقي عليه بعض الإحرام.

ونقل ابن منصور والميمونيُّ

(1)

: من وطئ بعد الرَّمي ينتقض إحرامه، ويعتمر من التنعيم، فيكون إحرام مكان إحرام، فهذا المذهب: أنه يفسد الإحرام بالوطء بعد رمي جمرة العقبة، والمراد به: فساد ما بقي منه لا ما مضَى؛ إذ لو فسد كله لوقع الوقوف في غير إحرامٍ.

(وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

إحداهما: يلزمه شاةٌ، وهي ظاهر الخِرَقيِّ، وقدَّمها في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لعدم إفساده للحج، كوطء دون الفرج بلا إنزالٍ، ولخفَّة الجناية فيه.

والثَّانية: يلزمه بدنةٌ، روي عن ابن عبَّاسٍ

(2)

، واختارها في «الوجيز» ؛ لأنَّه وطِئَ في الحجِّ، فأوجبها، كما قبل الرَّمي.

فرعٌ: القارن كالمفرد؛ لأن الترتيب للحج لا للعمرة، بدليل تأخير الحلق إلى يوم النحر.

تنبيه: العمرة كالحجِّ فيما تقدَّم، فإن وطئ قبل الفراغ من الطَّواف؛ فسدت، وكذا قبل سعيها إن قلنا هو ركنٌ أو واجبٌ.

وفي «التَّرغيب» : إن وطئ قبله خُرِّج على الرِّوايتين في كونه ركنًا أو غيره.

ولا تفسد قبل الحلق إن لم يجب، وكذا إن وجب، ويلزمه دم. وقدم في «الترغيب»: يفسد.

ويجب بإفسادها شاةٌ، نقله أبو طالبٍ

(3)

، وعليه الأصحاب؛ لنقصها عن الحجِّ. وفي «الموجز» للحلواني: الأشبه بدنةٌ كالحجِّ.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2232، زاد المسافر 2/ 585.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 154 حاشية (2).

(3)

ينظر: التعليقة 2/ 255.

ص: 156

(فَصْلٌ)

(التَّاسِعُ: المُبَاشَرَةُ)؛ أي: الوطْءُ (فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِشَهْوَةٍ

(1)

، وكذا إن قبَّل أو لَمَسَ بها، وإنما

(2)

كان ذلك من

(3)

محظوراته؛ لأنَّه وسيلة إلى الوطء، وهو محرِمٌ، فكان حرامًا.

(فَإِنْ فَعَلَ) فأنزل؛ (فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ)، نقله الجماعةُ

(4)

، وقاله الأصحابُ؛ لأنَّها مباشرة اقترن بها الإنزال فأوجبتها؛ كالجماع في الفرج.

وعنه: شاة، ذكرها القاضي إن لم يفسد

(5)

، وأطلقها الحلواني؛ كما لو لم ينزل.

وفي القياسين نظرٌ.

(وَهَلْ يَفْسُدُ نُسُكُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا أطلقهما في «المحرَّر» و «الفروع»:

إحداهما: يفسُد، نصرها القاضي وأصحابه، واختارها الخِرَقيُّ وأبو بكر في الوطء دونه وأنزل؛ لأنَّه عبادةٌ يفسدها الإنزال، فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصَّوم.

والثَّانية: لا يفسُد، صحَّحها في «المغني» و «الشَّرح» ، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لعدم الدَّليل، ولأنَّه استمتاع لم يجب بنوعه الحدُّ، فلم يفسده؛ كما لو لم يُنزل، وفيه شيءٌ.

(1)

في (ب): بشهوة.

(2)

في (و): وكذا.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): في.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2382، مسائل عبد الله ص 242.

(5)

في (أ) و (د): لم تفسد.

ص: 157

والأَوْلى أن الصوم يفسده

(1)

كل واحد من محظوراته، والحج بالجماع فقط، والرفث مختلف فيه، فلم نَقُلْ بجميعه، مع أنه يلزم القول به في الفسوق والجدال.

وعنه ثالثةٌ: إن أمنى بالمباشرة فسد، وإلاَّ فلا.

(وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ)، بغير خلافٍ نعلمه

(2)

؛ لأنَّها مباشرة عَرِيَت عن إنزالٍ، فلم يفسد به كاللَّمس.

وظاهر كلام الحلواني: أنَّ لنا فيه خلافًا، وما روي عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال لرجلٍ قبَّل زوجتَه:«أفسدت حجَّك»

(3)

، ونحوه عن سعيد بن جبير، محمولٌ على الإنزال.

وإن كرَّر النَّظر فأمنى؛ لم يفسد لعدم الدَّليل، وكالإنزال بالفكر، وعليه بدنة في المنصوص، وسيأتي.

(1)

في (أ): يفسد.

(2)

ينظر: المغني 3/ 310.

(3)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، وقد تبع المصنف ما في الشرح الكبير 8/ 353، والفروع 5/ 463.

ص: 158

(فَصْلٌ)

(وَالْمَرْأَةُ إِحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا)، فيحرُم عليها تغطيته ببرقعٍ أو نقابٍ أو غيره؛ لما روى ابن عمر مرفوعًا

(1)

: «لا تَنتقب المرأة، ولا تلبس القُفَّازَين» رواه البخاريُّ

(2)

، وقال ابن عمر:«إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرَّجل في رأسه» رواه الدَّارَقُطْنيٌّ بإسنادٍ جيِّدٍ

(3)

.

ويجب عليها تغطية رأسها كلِّه، ولا يمكنها إلاَّ بجزء من الوجه، ولا يمكنها كشف جميع الوجه إلا بجزء من الرأس

(4)

، والمحافظة على ستر الرأس أَوْلَى؛ لأنه آكد؛ لوجوب ستره مطلقًا.

وألحقَ أبو الفرج به: الكفين، وحكاه في «المبهج» رواية.

فإن

(5)

احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرِّجال قريبًا منها؛ جاز أن تسدل الثوب فوق رأسها على وجهها؛ لفعل عائشة، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما

(6)

.

(1)

قوله: (مرفوعًا) سقط من (د) و (و).

(2)

أخرجه البخاري (1838).

(3)

تقدم تخريجه 4/ 103 حاشية (3).

(4)

في (و): الوجه.

(5)

في (أ): وإن.

(6)

أخرجه أحمد (24021)، وأبو داود (1833)، وابن ماجه (2935)، وابن عدي في الكامل (8/ 455)، وابن خزيمة (2691)، وابن الجارود (418)، والدارقطني (2763)، والبيهقي في الكبرى (9051)، عن يزيد، عن مجاهد، عن عائشة، قالت:«كان الركبان يمرُّون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرِمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه» ، مداره على يزيد بن أبي زياد القرشي، وهو ضعيف الحديث.

ص: 159

وشرط القاضي في السَّاتر: ألا يصيب بشرتَها، فإن أصابها ثمَّ ارتفع بسرعةٍ؛ فلا شيءَ عليها، وإلاَّ فدت؛ لاستدامة السَّتر.

وردَّه المؤلِّف: بأنَّ هذا الشَّرط ليس عن أحمد، ولا هو في الخبر، بل الظاهر منه

(1)

خلافه، فإنَّه لا يكاد يسلم المسدول من إصابة البشرة، فلو كان شرطًا لبُيِّن

(2)

.

(وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ)؛ من قطع الشَّعر، وتقليم الأظفار، وقتل الصَّيد، ونحوها، (إِلاَّ فِي اللِّبَاسِ، وَتَظْلِيلِ المَحْمِلِ)؛ لحاجتها إلى الستر، وحكاه ابن المنذر إجماعًا

(3)

، وكعقْد الإزار للرَّجل، ولأبي داودَ بإسنادٍ جيِّدٍ عن

(4)

عائشة قالت: «كنَّا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضمد جباهنا بالمسك والطِّيب عند الإحرام، فإذا عَرِقَتْ إحدانا سال على وجهها، فيراها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فلا يُنكِره عليها»

(5)

، وإنما كره في الجمعة خوف الفتنة؛ لقربها من الرِّجال، ولهذا لا يلزمها بخلاف الحجِّ.

(وَلَا تَلْبَسُ)؛ أي: يحرم عليها لُبْس (الْقُفَّازَيْنِ)، نَصَّ عليه

(6)

؛ لخبر ابنِ عمرَ السَّابق، وكالرَّجل، وهما شيءٌ يُعمَل لليدين كما يُعمَل للبُزاة، وفي لُبسهما الفدية كالنِّقاب، ولا يلزم من تغطيتهما بكمِّها لمشقَّة التَّحرُّز؛ جوازه بهما، بدليل تغطية الرَّجل قدمه بإزاره لا بخفٍّ، وإنما جاز تغطية قدميها بكل

(1)

قوله: (منه) سقط من (أ).

(2)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): لتبين.

(3)

ينظر: الإجماع ص 53.

(4)

في (ز): على.

(5)

أخرجه إسحاق في مسنده (1772)، وأحمد (24502)، وأبو داود (1830)، والبيهقي في الكبرى (9052)، وصححه الألباني. تنبيه: عند أبي داود والبيهقي: (بالسك)، وعند إسحاق:(بالمسك). ينظر: صحيح أبي داود 6/ 93.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 4769، مسائل صالح 1/ 310.

ص: 160

شيء؛ لأنها عورة في الصلاة.

وقال

(1)

القاضي: ومثلهما إن لفَّت على يديها خرقةً أو خرقًا، وشدَّتها على حنَّاءٍ أو لا، كشدِّه على جسده شيئًا، وذكره في «الفصول» عن أحمد، فظاهر

(2)

كلام الأكثر لا يَحرُم، وإن لفَّتْها بلا شدٍّ فلا؛ لأنَّ المحرَّمَ اللُّبسُ لا التغطية؛ كبدن

(3)

الرَّجل.

(وَلَا الخَلْخَالَ وَنَحْوَهُ)، هذا رواية عن أحمدَ، وهو ظاهر الخِرَقِيِّ، وحملها في «المغني» و «الشَّرح» على الكراهة؛ لأنَّه من

(4)

الزِّينة كالكحل، ولا فدية فيه، بخلاف القفَّازَين.

وظاهر المذهب: أنَّ لها لبس

(5)

الحلي؛ كالسِّوار والدُّمْلُج، نقله الجماعة

(6)

، قال نافعٌ:«كنَّ نساء ابن عمر يلبسن الحلي والمعصفر، وهنَّ محرِمات» رواه الشَّافعي

(7)

، وفي خبر ابن عمر:«وتلبس بعد ذلك ما أحبت»

(8)

، ولا دليل للمنع، ولا يحرم لباس زينةٍ.

(1)

في (أ) و (د) و (و): قال.

(2)

في (ب) و (و): وظاهر.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): كيدي.

(4)

في (أ): في.

(5)

في (أ): اللبس.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 203، زاد المسافر 2/ 524.

(7)

لم نقف عليه في كتب الشافعي ولا من روى عنه، وأخرجه ابن أبي شيبة (12875، 14210)، وأحمد كما في مسائل أبي داود (ص 154)، عن نافع. وإسناده صحيح، واحتج به أحمد في مسائل حنبل كما في المغني 3/ 314.

(8)

أخرجه أبو داود (1827)، والحاكم (1788)، والبيهقي في الكبرى (9045)، بلفظ:«نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرًا أو خزًّا أو حليًّا أو سراويل أو قميصًا أو خفًّا» ، قال أبو داود:(روى هذا الحديث عن ابن إسحاق، عن نافع: عبدة بن سليمان ومحمد بن سلمة، إلى قوله: «وما مس الورس والزعفران من الثياب»، ولم يذكرا ما بعده)، وقال الذهبي عن الزيادة في آخره:(هذه زيادة منكرة)، وصححه الحاكم والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 2/ 28، صحيح أبي داود 6/ 90.

ص: 161

وفي «الرِّعاية» : يكره، قال أحمد

(1)

: المحرِمة والمتوفَّى عنها زوجها يتركان الطِّيب والزِّينة، ولهما سوى ذلك.

وفي «التَّبصرة» : يحرم. ويتوجَّه احتمال؛ كَحُلِيٍّ.

(وَلَا تَكْتَحِلُ بِالإِثْمِدِ

(2)

، نقل ابن منصور:(لا تكتحل بالأسود)

(3)

؛ لقول عائشةَ لامرأةٍ اشتكت عينَها وهي محرمةٌ: «اكتحلي بأي كُحْلٍ شئت، غير الإثمد والأسود»

(4)

، ولأنَّه يراد للزِّينة، وتجب الفدية به.

قال ابن الزَّاغوني: هو كاللِّباس والطِّيب.

والمذهب: أنه يجوز، إلاَّ لزينة فيكره، نَصَّ عليه

(5)

، ورواه الشافعي عن ابن عمر

(6)

، والأصل عدم الكراهة.

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 251.

(2)

في (و): ولا الخلخال ونحوه.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2191.

(4)

أخرجه البيهقي في الكبرى (9131)، من طريق شعبة، وبنحوه ابن أبي شيبة (13276)، من طريق هشام بن حسان، كلاهما عن شميسة الأزدية به. ولا بأس بإسناده، شميسة هي بنت عزيز العتكية، قال في التقريب:(مقبولة)، وهي من التابعيات اللاتي لم يُجرحن، وروى عنها شعبة، قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي ص 99:(الغالب على طريقة شعبة الرواية عن الثقات)، وبنحوه قال العلائي في جامع التحصيل.

وأخرج ابن أبي شيبة (14854)، من طريق حجاج بن أرطاة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين:«أنها كرهت للمحرمة أن تكتحل بالإثمد» ، وحجاج ضعيف الحديث، ويصلح في الشواهد والمتابعات.

وأخرج ابن أبي شيبة (14332)، والطحاوي في أحكام القرآن (1211)، عن أم شبيب العبدية، عن عائشة:«أنها كرهت النقاب للمحرمة والكحل، ورخصت في الخفين» ، وأم شبيب العبدية لم نقف لها على ترجمة.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2191.

(6)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 164)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9130)، وأخرجه ابن أبي شيبة (14853)، من طريق نافع، عن ابن عمر قال:«يكتحل المحرم بأيِّ كُحلٍ شاء، ما لم يكن فيه طيب» ، وإسناده صحيح.

ص: 162

ولا فرق فيه بين الرَّجل والمرأة، لكن إنَّما خُصَّت المرأة بالذِّكر؛ لأنَّها محلُّ الزِّينة، والكراهة في حقِّها أكثر.

وتقييدهم بالإثْمِد والأسود؛ لأنَّه هو الذي تحصل به الزِّينة، فدلَّ على أنَّ ما ليس بزينة لا يُمنع

(1)

منه، كالذي يتداوى به، ما لم يكن فيه طيبٌ، ولهذا كان إبراهيم لا يَرى بالذَّرُور الأحمر بأسًا.

(وَيَجُوزُ لُبْسُ المُعَصْفَرِ وَالْكُحْلِيِّ)؛ لقوله عليه السلام في حديث ابن عمر في حقِّ المحرمة: «ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من معصفرٍ، أو خزٍّ، أو كحليٍّ» رواه أبو داود

(2)

، وعن عائشة وأسماء:«أنَّهما كانا يحرمان في المعصفرات»

(3)

،

(1)

في (أ): لا منع.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 161 حاشية (8).

(3)

أما عائشة رضي الله عنها: فأخرجه سعيد بن منصور كما في تغليق التعليق (3/ 51)، وأحمد كما في مسائل أبي داود (ص 153)، وابن سعد في الطبقات (8/ 70)، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، قال:«كانت عائشة تلبس المعصفر وهي محرمة» ، علقه البخاري بصيغة الجزم 2/ 137، وصححه إسناده في الفتح 3/ 405.

وأما أسماء رضي الله عنها: فأخرجه مالك (1/ 326)، ومن طريقه الشافعي في الأم (2/ 160)، والطحاوي في معاني الآثار (6695)، والبيهقي في الكبرى (9112)، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر:«أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات المشبَّعات وهي محرمة، ليس فيها زعفران» ، إسناده صحيح، وقد قال البيهقي:(هكذا رواه مالك، وخالفه أبو أسامة وحاتم بن إسماعيل وابن نمير، فرووه عن هشام، عن فاطمة، عن أسماء، قاله مسلم بن الحجاج).

وأخرجه ابن أبي شيبة (12873، 24745)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (2254)، وأحمد كما في مسائل أبي داود (ص 153)، وابن سعد في الطبقات (8/ 253)، من خمسة طرق عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر به. وإسناده صحيح أيضًا، ولعل هشامًا أخذه منهما، فإن مالكًا إمام ثقة.

ص: 163

ولأنَّه ليس بطيبٍ، فلم يكرَه المصبوغ به كالسَّواد، فإن كان مصبوغًا بورْسٍ، أو زعفران، فلا؛ لأنَّه طِيبٌ.

وأمَّا المصبوغ بالرياحين، فهو مبنيٌّ عليها في

(1)

نفسها، لكن يكرَه للرَّجل لبس المعصفر لكراهته له في غير الإحرام.

(وَالْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ)؛ لما روى عِكرمة قال: «كانت عائشة وأزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يختضبن بالحِنَّاء وهُنَّ حُرُمٌ» رواه ابن المنذر

(2)

.

وهو مكروهٌ؛ لأنَّه من الزِّينة؛ كالكحل بالإثمد، فإذا اختضبت وشدَّت يديها بخرقة؛ فدَت، وإلاَّ فلا؛ لأنَّه يقصد لونه لا ريحه عادة؛ كخضابٍ بسوادٍ.

ولا بأس به للرَّجل فيما لا يتشبَّه فيه بالنِّساء، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّ الأصلَ الإباحةُ، ولا دليل للمنع، وظاهر ما نقله القاضي: أنَّه كالمرأة في الحِنَّاء.

وأطلق في «المستوعب» : له الخضاب بالحنَّاء، وقال في موضع آخر: كرهه أحمد؛ لأنه من الزينة.

وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: (هو

(3)

بلا حاجةٍ مختص

(4)

بالنِّساء)

(5)

، واحتج

(1)

قوله: (في) سقط من (أ) و (ب).

(2)

ذكره البيهقي في معرفة السنن (7/ 168) عن ابن المنذر معلقًا، وأخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 72)، عن ابن جريج، قال: أُخبِرتُ عن عكرمة قال: وذكره. وفيه رجل مبهم. وأخرجه الطبراني في الكبير (11186)، من طريق يعقوب بن عطاء، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: وذكره. وإسناده ضعيف، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح وهَّاه أحمد، وضعفه ابن معين وأبو زرعة.

(3)

قوله: (هو) سقط من (ب) و (ز).

(4)

في (و): مختصة.

(5)

ينظر: الفروع 5/ 532.

ص: 164

بلعن المتشبِّهين والمتشبِّهات

(1)

.

فأمَّا خضابها به عند الإحرام فمستحَبٌّ؛ لقول ابن عمر

(2)

، ولأنَّه من الزِّينة، فاستحب عند الإحرام كالطِّيب.

فائدةٌ: يستحبُّ للمزوَّجة أن تختضب بالحنَّاء لما فيه من الزِّينة، والتَّحبُّب للزَّوج؛ كالطِّيب، ويكره للأيِّم؛ لعدم الحاجة، مع خوف الفتنة، وفي «المستوعب»: لا يستحَبُّ لها، وقد روى أبو

(3)

موسى المدِيني، عن جابر مرفوعًا: «يا معاشر النِّساء اختضِبْنَ، فإنَّ المرأة تختضب لزوجها، وإنَّ الأيم تختضب تَعَرَّضُ للرزق

(4)

من الله عز وجل»

(5)

.

(وَالنَّظَرُ فِي المِرْآةِ لَهُمَا جَمِيعًا)، رُوِي عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز:«أنَّهما كانا ينظران في المرآة، وهما محرِمان»

(6)

، ولأنَّه لم يرد فيه ما يقتضي

(1)

أخرجه البخاري (5885)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» .

(2)

أخرجه الدارقطني (2669)، والبيهقي في الكبرى (9053)، من طريق موسى بن عبيدة، أخبرني عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أنه كان يقول:«من السنة تدلك المرأة من رأسها بشيء من حناء عشية الإحرام، وتغلف رأسها بغسلة ليس فيها طيب، ولا تحرم عطلاً» ، قال البيهقي:(ليس ذلك بمحفوظ)، وضعفه ابن مفلح في الفروع 5/ 531، والحافظ في التلخيص 2/ 516، بموسى بن عبيدة، فإنه واهي الحديث.

(3)

في (أ): ابن.

(4)

في (و): للذكر.

(5)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، ولكن أخرج عبد الرزاق (7931)، عن إسماعيل بن عياش، عن عطاء الخراساني قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه، فقال:«ما لك لا تختضبين؟ ألك زوج؟» قالت: نعم قال: «فاختضبي، فإن المرأة تختضب لأمرين إن كان لها زوج، فلتختضب لزوجها، وإن لم يكن لا زوج، فلتختضب لخطبتها» ، ثم قال:«لعن الله المذكرات من النساء، والمؤنثين من الرجال» ، وهو مرسل، وفيه إسماعيل بن عياش وروايته عن غير الشاميين ضعيفة.

(6)

أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 365)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9144)، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه نظر في المرآة وهو محرم.

وأخرجه عبد الرزاق كما في المحلى (5/ 280)، وابن أبي شيبة (12841)، من طرق أخرى عن نافع عن ابن عمر.

وأخرجه مالك (1/ 358)، عن أيوب بن موسى:«أن عبد الله بن عمر نظر في المرآة لشكو كان بعينيه، وهو محرم» ، وأيوب بن موسى القرشي لم يدرك ابن عمر، وإنما يروي عن نافع عن ابن عمر، قال ابن عبد البر في الاستذكار 4/ 161:(لم يرو مالك هذا الخبر عن نافع، وقد رواه عبيد الله وعبد الله العمريان عن نافع عن ابن عمر، ورواه أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر).

ص: 165

المنع منه.

ثمَّ إن كان القصدُ منه إزالةَ شعث، أو تسويةَ شعرٍ، أو شَيءٍ من الزِّينة؛ كره، ذكره

(1)

الخِرَقيُّ، وهو ظاهر ما نقل عن أحمد

(2)

، ولا فدية فيه؛ لأنَّ ذلك أدبٌ، وفي قول: يحرم.

وقوله: (لَهُمَا) يحتمل أنَّه متعلِّقٌ بالنَّظر لقربه، ويحتمل أنَّه متعلِّق ب (يجوز)

(3)

، وهو الظاهر.

مسألةٌ: يجوز للمحرم أن يتَّجِر ويصنع الصَّنائع، بغير خلافٍ نعلمه

(4)

، ما لم يشغله عن واجبٍ أو مستحبٍّ، وقال الآجُرِّي وابن الزَّاغوني: ويلبس الخاتم، لكن يكره إن كان لزينةٍ؛ كَحلي، ونظر في مرآة.

(1)

في (د) و (و): وذكره.

(2)

ينظر: الفروع 5/ 526.

(3)

في (د) و (و): بتجوز.

(4)

ينظر: المغني 3/ 313.

ص: 166

(بَابُ الفِدْيَةِ)

قال الجوهري: (فداه وأفداه

(1)

: إذا أعطى فداءه، وفداه بنفسه، وفدَّاه: إذا قال له: جُعِلت فداك)

(2)

انتهى.

وهي: ما تجب بسبب نسكٍ، أو حرَمٍ.

(وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ)، منها ما ورد النَّص بالتَّخيير فيه، ومنها ما ورد بالترتيب

(3)

، ومنها ما لم يَرِدْ فيه تخييرٌ ولا ترتيبٌ؛ كفدية الفوات.

(أَحَدُهَا: مَا هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَهُوُ نَوْعَانِ)؛ لأنَّه تارةً يكون فدية الأذى ونحوه، وتارةً جزاء صَيدٍ.

فأشار إلى الأوَّل بقوله: (أَحَدُهُمَا: يُخَيَّرُ بَيْنَ صِيَامِ

(4)

ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ)؛ لقوله تعالى: الآية {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا

} [البَقَرَة: 184]، ولحديث كعبٍ السَّابق، وفي لفظ:«احلِقْ رأْسَك، وصُمْ ثلاثة أيَّامٍ، أو أطعم ستَّة مساكين، أو انسك شاةً» متَّفقٌ عليه

(5)

، فقد دلاَّ على وجوب الفدية على صفة التَّخيير بين الصيام والصَّدقة والذَّبح في حلق الرَّأس؛ لأنَّ «أو» للتَّخيير، وليس في الآية ذكر الحلق؛ لأنه محذوف، تقديره: فحَلَقَ فَفِديةٌ

(6)

، كقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البَقَرَة: 184]؛ أي: فأفْطَرَ.

(1)

في الصحاح 6/ 2453: (فداه وفاداه).

(2)

ينظر: الصحاح 6/ 2453.

(3)

في (د) و (و): الترتيب.

(4)

في (و): صيامه.

(5)

أخرجه البخاري (1816)، ومسلم (1201).

(6)

في (ز): فدية.

ص: 167

(وَهِيَ: فِدْيَةُ حَلْقِ الرَّأْسِ) المنصوص عليه، وقسنا الباقي عليه، وهو (تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ، وَاللُّبْسُ، وَالطِّيبُ)؛ لاستواء الكلِّ في كونه حُرِّم في الإحرام لأجل الرَّفه.

فالصوم ثلاثة أيام عند أحمد وأصحابه.

واختار الآجري: يصوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع.

وما ذكره

(1)

من الإطعام ورد في بعض الألفاظ، وهو أشهر؛ لأنه أنفع من غيره؛ ككفارة اليمين.

وعنه: نصف صاع كغيره؛ لأنَّه ليس بمنصوصٍ عليه، فيعتبر بالتَّمر والزَّبيب المنصوص كالشَّعير.

وظاهره: أنَّ غير المعذور مثله في التَّخيير في ظاهر المذهب؛ لأنَّه تبعٌ للمعذور، والتَّبَعُ لا يخالف أصله؛ ولأنَّ كلَّ كفَّارةٍ ثبت التَّخيير فيها مع العذر، ثبت مع عدمه؛ كجزاء الصَّيد، والشَّرط لجواز الحلق لا للتخيير

(2)

.

(وَعَنْهُ: يَجِبُ الدَّمُ) عينًا، فإن عدمه أطعم، فإن

(3)

تعذَّر صام، (إِلاَّ أَنْ يَفْعَلَهُ لِعُذْرٍ؛ فَيُخَيَّرُ)، جزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف؛ لأنَّه دمٌ يتعلق بمحظورٍ يختصُّ الإحرام؛ كدم يجب بترك رميٍ ومجاوزة ميقاتٍ.

(الثَّانِي: جَزَاءُ الصَّيْدِ، يُخَيَّرُ فِيهِ)، نَصَّ عليه

(4)

، وقاله الأصحاب؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المَائدة: 95]، فعطف هذه الخصال بعضها على بعضٍ ب {أو} المقتضية للتَّخيير، كفدية

(5)

الأذى

(1)

في (ب) و (د) و (و): ذكر.

(2)

قوله: (لجواز الحلق لا للتخير) في (د) و (ز) و (و): لا لتخيير.

(3)

في (و): وإن.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2309.

(5)

في (أ): وكفدية.

ص: 168

واليمين، بخلاف كفَّارة القتل وهدي المتعة؛ لأنَّها كفَّارة إتلافٍ منع منه للإحرام، أو فيها أجناس كالحلق، ولأن

(1)

الله ذكر الطَّعام فيها للمساكين، فكان من خصالها

(2)

كغيرها.

فعلى هذا: يخيَّر فيه (بَيْنَ المِثْلِ)، وسيأتي، فإن اختاره ذبحه وتصدَّق به على المساكين، وله ذبحه متى شاء، ولا يتصدَّق به حيًّا.

(أَوْ تَقْوِيمِهِ

(3)

؛ أي: المثل (بِدَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا)؛ نَصَّ عليه

(4)

، وقاله الأصحاب؛ لأنَّ كلَّ متلَفٍ وجب مثله

(5)

إذا قُوِّم؛ وجب

(6)

قيمة

(7)

مثله؛ كالمثلِيِّ من مال الآدميِّ، فعلى هذا يقوَّم بالموضع الذي أتلفه فيه وبقُرْبِه

(8)

، جزم به القاضي وغيره.

وجزم آخرون: يقوَّم بالحرم؛ لأنَّه محلُّ ذبحه.

وعنه: يقوَّم مكان

(9)

إتلافه أو بقُرْبِه، لا المثل؛ كما لا مثل له، والفرقُ واضحٌ.

وعنه: يجوز له الصَّدقة بالدَّراهم، ولا يتعيَّن أن يشتري بها طعامًا، والقيمة ليست ممَّا خيَّر الله فيه.

والطَّعام المخرَج هو الذي يخرج في فدية الأذى والفطرة والكفَّارة.

(1)

في (د) و (و): لأن.

(2)

قوله: (من خصالها) في (د) و (و): مرخصًا لها.

(3)

في (و): يقومه.

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 208.

(5)

في (د) و (ز) و (و): بمثله.

(6)

قوله: (وجب) سقط من (و).

(7)

قوله: (قيمة) سقط من (ب) و (و).

(8)

في (أ): أو بقربه.

(9)

في (د) و (و): بمكان.

ص: 169

وقيل: يجزئ كل ما يسمَّى طعامًا، جزم به في «الخلاف» ، وذكره في «المغني» و «الشَّرح» احتمالاً؛ لإطلاق لفظه.

(فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا)؛ أي: من البُرِّ، ومن غيره مُدَّين، نَصَّ عليه

(1)

، والمؤلِّف أطلق العبارة كالخِرَقِيِّ.

(أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا)، ذكره الخرقي

(2)

، وحكاه في «المغني» روايةً؛ لأنَّها كفَّارةٌ دخلها

(3)

الصَّوم والإطعام، فكان اليوم في مقابلة المدِّ، ككفارة الظهار.

وعنه: يصوم عن كلِّ نصف صاع يومًا.

وحمل القاضي الأُولى على الحنطة، والثَّانية على التَّمر

(4)

والشَّعير؛ إذ الصِّيام يقابل الإطعام في كفَّارة الظِّهار وغيرها، فكذا هنا.

وبالجملة: فيعتبر كل مذهب على أصله، فعندنا من البُرِّ مد، ومن غيره مدَّانِ.

فرع: إذا بقي من الطَّعام ما لا يعدل يومًا؛ صام يومًا، نَصَّ عليه

(5)

؛ لأنَّه لا يتبعَّض، ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء، ويطعم عن بعضه، كبقية الكفَّارات.

(وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ؛ خُيِّرَ بَيْنَ الإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ)؛ لأنَّ النَّصَّ بالتَّخيير بين الثَّلاثة، فإذا عدم أحدها

(6)

؛ بقي

(7)

التَّخيير ثابتًا بين الباقيين، فإذا اختار

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 573، الروايتين والوجهين 1/ 293.

(2)

قوله: (أو يصوم عن كل مد يومًا ذكره الخرقي) سقط من (و).

(3)

في (د) و (و): وخللها.

(4)

زيد في (و): والزبيب.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2397.

(6)

في (و): أحدهما.

(7)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): ففي.

ص: 170

الإطعام قُوِّم الصَّيد؛ لأنَّه متلَفٌ غير مثليٍّ؛ فلزمته قيمته كمال الآدمي، فيشتري بها طعامًا ويطعمه المساكين، وإذا اختار الصيام، فعلى ما سبق.

وظاهره: أنَّه لا يجوز إخراج القيمة في ظاهر نقل حنبل

(1)

، وروي عن ابن عبَّاسٍ

(2)

؛ كالذي له مثل. وقيل: بلى، روي عن عمر وعطاءٍ

(3)

.

(وَعَنْهُ: أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ)، نقلها محمَّد بن عبد

(4)

الحكم

(5)

، وروي عن ابن عبَّاسٍ

(6)

وابن سيرين والثَّوري؛ كالمتعة، وهذا أوكد منها؛ لأنَّه يجب بفعل محظورٍ، (فَيَجِبُ المِثْلُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ؛ لَزِمَهُ الْإِطْعَامُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ؛ صَامَ)؛ لما ذكرنا.

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 572.

(2)

بيَّن في المغني 3/ 450 أن المراد بالأثر ما أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (832)، وابن أبي شيبة (13360)، والطبري في التفسير (8/ 682)، وابن أبي حاتم في التفسير (6799، 6811)، والطحاوي في أحكام القرآن (1732)، والبيهقي في الكبرى (9898)، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس، في قوله:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ، قال:«إذا أصاب المحرم الصيد يُحكم عليه جزاؤه، فإن كان عنده جزاؤه ذبحه وتصدق بلحمه، وإن لم يكن عنده جزاؤه قُوِّم جزاؤه دراهم، ثم قُوِّمت الدراهم طعامًا، فصام مكان كل نصف صاع يومًا، وإنما أريد بالطعام: الصيام، وإنه إذا وجد الطعام وجد جزاؤه» ، إسناده صحيح، الحكم بن عتيبة لم يسمع من مقسم إلا خمسة أحاديث، هذا منها، قاله يحيى القطان فيما نقل عنه شعبة، وجزم بذلك أحمد. ينظر: العلل لابنه عبد الله 1/ 536، جامع التحصيل ص 167.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 215)، والبيهقي في الكبرى (10011)، عن عبد الله بن أبي عمار: أن كعب الأحبار قتل جرادة خطأ، فذكر ذلك لعمر، فقال عمر:«ما جعلت في نفسك؟» ، قال: درهمين. فقال عمر: «بخٍ، درهمان خير من مائة جرادة، اجعل ما جعلت في نفسك» ، إسناده جيد، وسيأتي تخريجه بأطول من ذلك 4/ 212 حاشية (6).

وأثر عطاء: أخرجه عبد الرزاق (8283)، قال: عطاء: «في العصفور نصف درهم» .

(4)

قوله: (عبد) ضرب عليه في (و).

(5)

ينظر: الفروع 5/ 502.

(6)

تقدم تخريجه قريبًا حاشية (2).

ص: 171

والصَّحيحُ الأول؛ لأنَّ دليل التَّرتيب قياسٌ مع وجود النَّصِّ.

ونقل الأثرم

(1)

: لا إطعام فيها، وإنما ذكره في الآية ليعدل

(2)

به الصيام؛ لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح، وكذا قاله ابن عباس

(3)

.

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 572.

(2)

في (د): لتعدل.

(3)

وهو ما تقدم عنه قريبًا 4/ 171 حاشية (2).

ص: 172

(فَصْلٌ)

(الضَّرْبُ الثَّانِي: عَلَى التَّرْتِيبِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ):

(أَحَدُهَا: دَمُ المُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، فَيَجِبُ الهَدْيُ) في المتعة بقوله

(1)

تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البَقَرَة: 196]، وفي القِران؛ قياسًا عليه.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الهدي في موضعه، ولو وجده ببلده، أو وجد من يقرضه

(2)

، نص عليه

(3)

؛ لأن وجوبه مؤقت، فاعتبرت له القدرة في موضعه؛ كماء الوضوء، بخلاف رقبة الكفَّارة، (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ)؛ لما سبق، (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا يَوْمَ عَرَفَةَ)، هذا هو الأشهر عنه، وعليه أصحابنا؛ ليكون إتيانُها أو بعضُها بعد إحرامه بالحجِّ، واستُحِبَّ صوم عرفة لموضع الحاجة، وفيه نظرٌ.

وأجاب القاضي: بأنَّ عدم استحباب صومه يختصُّ بالنفل

(4)

، وعليه: يستحبُّ له تقديم الإحرام بالحجِّ قبل يوم التروية؛ ليصومها في الحج.

وعنه: الأفضل أن يكون آخرُها يومَ التروية، وفي «المجرد»: أنَّه المذهب، رُوي عن ابن عمر وعائشة

(5)

؛ لأنَّ صوم يوم عرفة غير مستحبٍّ له،

(1)

في (أ) و (ب): لقوله.

(2)

في (و): تعرضه.

(3)

ينظر: الفروع 5/ 358.

(4)

في (د): ما لنفل.

(5)

أخرجه مالك (1/ 426)، ومن طريقه البخاري (1999)، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول:«الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هديًا؛ ما بين أن يُهلَّ بالحج إلى يوم عرفة، فإن لم يصم، صام أيام منى» ، وعن ابن عمر أنه كان يقول في ذلك مثل قول عائشة رضي الله عنها. قال في المغني 3/ 500 بعد ذكر قولهما:(وظاهر هذا أنه يجعل آخرها يوم التروية).

ص: 173

ولعله أظهر من الأول؛ لأنه يلزم منه المخالفة من وجهين.

ووقت جوازها: إذا أحرم بالعمرة، نَصَّ عليه

(1)

، كالنِّصاب والحول.

وعنه: بالحل منها. وعنه: وقبل إحرامها، وأنكرها جماعة.

والمراد: في أشهر الحج، ونقله الأثرم

(2)

؛ لأنه أحد نسكي التَّمتُّع، فجاز تقديمها عليه كالحجِّ.

وأمَّا وقت وجوبها: فوقت

(3)

وجوب الهدي؛ لأنه بدل كسائر

(4)

الأبدال.

(وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ)؛ للآية، ولأنَّه ظاهر في الرُّجوع بالكليَّة، وهو الرُّجوع إلى الأهل، وحديث ابن عمر المرفوع:«فمن لم يجد؛ فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله» متَّفقٌ عليه

(5)

، شاهد بذلك، وللخروج من الخلاف.

(فَإِنْ صَامَهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ أَجْزَأَهُ)؛ لأنَّ كلَّ صومٍ واجبٍ جاز في وطن فاعلِه؛ جاز في غيره؛ كسائر الفروض.

فعلى هذا: يجوز بعد أيَّام التَّشريق، نَصَّ عليه

(6)

، ومحله إذا كان

(7)

طاف للزِّيارة، قاله القاضي، فيكون المراد من الآية: إذا رجعتم من عمل الحجِّ؛ لأنه المذكور، ويعتبر لجواز الصوم، وتأخيرها إنما كان رخصةً وتخفيفًا؛

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 281.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2211، شرح العمدة 5/ 68.

(3)

قوله: (جوازها إذا أحرم بالعمرة نص عليه

) إلى هنا سقط من (و).

(4)

في (أ): سائر.

(5)

أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227).

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2290.

(7)

قوله: (كان) سقط من (أ) و (ب).

ص: 174

كتأخير رمضان لسفر ومرض

(1)

، ولأنه وجد سببه.

(فَإِنْ لَمْ يَصُمْ) الثلاثة (قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ؛ صَامَ أَيَّامَ مِنًى، وَعَنْهُ: لَا يَصُومُهَا)، والتَّرجيح مختلف

(2)

، قاله في «الفروع» ، والسَّبعة لا يجوز صومها في أيَّام التَّشريق، نَصَّ عليه

(3)

، وعليه الأصحاب؛ لبقاء أعمالٍ من الحجِّ.

(وَيَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ)؛ لوجوب قضائها بفواته؛ كرمضان، وسواء قلنا بعدم جواز صومها أو بجوازه ولم يصمها، (وَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لأنَّه أخَّر الواجب عن وقته، فلزمه؛ كرمي الجمار، فعلى هذا: لا فرق بين المؤخِّر للعذر أو لغيره.

وعنه: لا يلزمه، وعلَّله في «الخلاف»: بأنه نسك أخَّره إلى وقت جواز فعله؛ كالوقوف إلى الليل، وفيه شيء.

(وَعَنْهُ: إِنْ تَرَكَ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلاَّ قَضَاؤُهُ)؛ لأنَّ الدَّم الذي هو المبدل لو أخَّره لعذر لم يكن عليه دم لتأخيره، فالبدل أَوْلَى، (وَإِنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ فَعَلَيْهِ مَعَ فِعْلِهِ دَمٌ)، فدلَّ أنَّه إن صام أيام التَّشريق على القول بجوازه؛ أنَّه لا دم عليه، جزم به جماعةٌ، قال في «الفروع»:(ولعلَّه مراد القاضي وأصحابه، و «المستوعب»: بتأخير الصَّوم عن أيَّام الحجِّ).

(وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ: إِنْ أَخَّرَ الهَدْيَ) الواجب لعذر، مثل إن ضاعت نفقته، (أَوِ الصَّوْمَ لِعُذْرٍ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ إِلاَّ قَضَاؤُهُ)؛ كسائر الهدايا الواجبة، (وَإِنْ أَخَّرَ الهَدْيَ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: لا يلزمه شيء زائد؛ كالهدايا الواجبة.

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): أو مرض.

(2)

في (د): بمختلف.

(3)

ينظر: الفروع 5/ 362.

ص: 175

والثَّانية: يلزمه دم، روي عن ابن عبَّاسٍ

(1)

، قال أحمد:(من تمتَّع فلم يُهْدِ إلى قابل يهدي هديين)

(2)

؛ لأنَّ الدَّم في المتعة نُسُكٌ مؤقَّتٌ، فلزم

(3)

الدَّم بتأخيره

(4)

عن وقته، كتأخير رمي الجمار عن أيَّام التَّشريق.

(قَالَ

(5)

: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَعَ الصَّوْمِ دَمٌ بِحَالٍ)، هذا روايةٌ عن أحمد؛ لأنَّه صومٌ واجبٌ يجب القضاء بفواته، فلم يجب بفواته دم؛ كصوم رمضان.

(وَلَا يَجِبُ التَّتَابُعُ)، ولا التَّفريق (فِي الصِّيَامِ)، لا في الثَّلاثة ولا

(6)

السَّبعة، نَصَّ عليه

(7)

، وفاقًا

(8)

؛ لإطلاق الأمر، وذلك لا يقتضِي جمْعًا ولا تفريقًا.

وشمل ما إذا قضاهما فإنه لا يجب التفريق؛ كسائر الصوم، وأوجبه بعض الشافعية

(9)

، ومنعه في «المغني» و «الشَّرح»: بأن وجوب التفريق في الأداء إذا صام أيام منى وأتبعها السَّبعة، ثمَّ إنما

(10)

كان

(11)

من حيث الوقت، فسقط

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (15470)، وابن الجعد في مسنده (2339)، وأحمد في مسائل ابن هانئ (736، 737)، من طرق عن علي بن بذيمة، عن مولىً لابن عباس قال: تمتعت فنسيت أن أذبح هديًا لمتعتي حتى مضت أيام الذبح، فذكرت ذلك لابن عباس، فقال:«عليك من قابلٍ هديان؛ هدي لمتعتك، وهدي لما أخرت» ، إسناده صحيح، والظاهر أن المولى هو عكرمة، فإن ابن بذيمة يروي عنه، وقد احتج أحمد بالأثر كما في التعليقة 1/ 289.

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 305.

(3)

قوله: (فلزم) هو في (د) و (ز) و (و): يلزم.

(4)

في (د) و (و): بتأخره.

(5)

في (و): وقال.

(6)

زيد في (د) و (و): في.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2374.

(8)

ينظر: المبسوط 3/ 82، الدر الثمين 1/ 533، الحاوي للماوردي 4/ 57، المغني 3/ 418.

(9)

ينظر: الحاوي للماوردي 4/ 57.

(10)

في (أ): إذا.

(11)

في (و): أكان.

ص: 176

بفواته؛ كالتَّفريق بين الصَّلاتَين؛ بخلاف أفعال الصَّلاة من ركوعٍ وسجودٍ، فإنَّه من حيث الفعل؛ فلم يسقط.

فرعٌ: إذا مات ولم يصم

(1)

؛ فكصوم رمضان، نَصَّ عليه

(2)

، تمكن منه

(3)

أم لا.

(وَمَتَى وَجَبَ عَلَيْهِ

(4)

الصَّوْمُ، فَشَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الهَدْيِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الاِنْتِقَالُ إِلَيْهِ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ

(5)

، وأجزأه الصَّوم، كما لو وجد الرقبة بعد الشُّروع في صوم الكفَّارة.

وظاهره: أن له الانتقالَ إلى الهدي؛ لأنَّه أكمل.

وفي «الفصول» تخريج

(6)

: يلزمه الانتقال؛ اعتبارًا بالأغلظ في الكفارة.

والفرق ظاهر؛ لأن المظاهر

(7)

ارتكب محرَّمًا، فناسبه المعاقبة، بخلاف الحاج، فإنَّه في طاعة، فناسبه التخفيف.

وقيل: إن قدر على الهدي قبل يوم النحر؛ انتقل إليه، وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر؛ أجزأه الصيام؛ لكونه قدر على المبدل في وقت وجوبه، فلم يجزئه البدل، كما لو لم يصم.

وعلى المذهب: يُفرَّق بينه وبين المتيمِّم يجد الماء في الصَّلاة إن قلنا تبطل؛ لأنَّ ظهور المبدل هناك

(8)

يبطل حكم البدل من أصله، ويبطل ما مضَى

(1)

قوله: (مات ولم يصم) في (و): صام.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2215.

(3)

قوله: (منه) سقط من (أ).

(4)

في (ب) و (ز): ومتى قدر على.

(5)

قوله: (إلا أن يشاء) سقط من (ب) و (ز) و (و). وهو في (د): الآن يشاء.

(6)

في (و): يخرج.

(7)

في (و): الظاهر.

(8)

في (و): هنا.

ص: 177

منها، وهنا صومه صحيحٌ يثاب

(1)

عليه

(2)

.

(وَإِنْ وَجَبَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهِ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الاِنْتِقَالُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: لا يلزمه، نقلها المروذي

(3)

؛ لأنَّ الصَّوم استقرَّ في ذمَّته حال وجود السَّبب المتَّصل بشرطه، وهو عدم الهدي.

والثَّانية: بلى، نقلها يعقوب

(4)

، وهي ظاهر «الوجيز» ؛ كالمتيمم يجد الماء.

(النَّوْعُ الثَّانِي: المُحْصَرُ، يَلْزَمُهُ الهَدْيُ)، إجماعًا

(5)

، وسنده قوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البَقَرَة: 196]، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ

(6)

؛ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ)؛ لأنَّه دمٌ واجبٌ، فكان

(7)

ذلك بدله؛ كدم المتعة، (ثُمَّ حَلَّ)؛ نقله الجماعةُ

(8)

.

وظاهرُه: أنَّه لا يَحِلُّ قبل ذلك، وفيه خلاف يذكر، وأنَّه لا إطعام فيه، وهو الأشهر.

وعنه: بلى، قال الآجُرِّي: إن عدم الهدي مكانه؛ قوَّمه طعامًا، وصام عن كلِّ مدٍّ يومًا وحلَّ.

(الثَّالِثُ: فِدْيَةُ الْوَطْءِ، يَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ)، نَصَّ عليه

(9)

؛ لقول الصَّحابة

(10)

،

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): مثاب.

(2)

زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): إلا أن يشاء.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 305.

(4)

ينظر: المغني 3/ 420.

(5)

ينظر: مراتب الإجماع ص 63.

(6)

في (د) و (ز) و (و): لم يجد.

(7)

في (أ): وكان.

(8)

ينظر: التعليقة 2/ 483.

(9)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 289، الفروع 5/ 577.

(10)

تقدم تخريجه عن عمر رضي الله عنه (4/ 147) حاشية (3)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما 4/ 152 حاشية (2).

ص: 178

وكسائر

(1)

المحظورات، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا؛ صَامَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ؛ كَدَمِ المُتْعَةِ؛ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ بِهِ)، وقد تقدَّم، ورَوَى الأثرمُ: أنَّ العبادِلة أفتَوْا به

(2)

.

(وَقَالَ

(3)

الْقَاضِي: إِنْ

(4)

لَمْ يَجِدِ الْبَدَنَةَ؛ أَخْرَجَ بَقَرَةً)؛ لأنَّها تشاركه في الهدي والأضاحي، وقد روى أبو الزُّبير عن جابِرٍ قال:«كنَّا ننحر البدنة عن سبعة» ، فقيل له: والبقرة، فقال:«وهل هي إلاَّ من البُدن»

(5)

، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ فَسَبْعًا مِنَ الْغَنَمِ)؛ لقيامها مقامها في الأضاحي، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَخْرَجَ بِقِيمَتِهَا)؛ أي: قيمة البدنة (طَعَامًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؛ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا)؛ كجزاء الصَّيد في أنَّه لا ينتقل

(6)

إلى الإطعام مع وجود المثل، ولا إلى الصِّيام مع القدرة على الإطعام.

وهذا رواية، والمذهب خلافها.

وما تقدَّم صريح في الترتيب، وأنه لا ينتقل إلى خصلةٍ إلا عند تعذُّر التي قبلها.

(وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ، فَبِأَيِّها كَفَّرَ أَجْزَأَهُ)؛ لأنَّها كفَّارة تجب بفعلِ محظورٍ، فكان مخيَّرًا فيها؛ كفدية الأذى.

وعلله ابن المنجى فقال: بعضها قريبٌ من بعض.

وذكر في «النهاية» : أنَّ منشأ الخلاف بين الخِرَقِيِّ والقاضي: أنَّ الوطء

(1)

في (و): وسائر.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 151 حاشية (6).

(3)

في (د): فقال.

(4)

في (ز): فإن.

(5)

أخرجه مسلم (1318).

(6)

في (د) و (و): لا ينقل.

ص: 179

هل هو من قبيل الاستمتاعات أو الاستهلاكات؟ فإن كان الأوَّل فهي على التَّخيير؛ كالطِّيب، وإن كان الثَّاني فهي على الترتيب؛ كقتل الصَّيد، فإنَّ

(1)

كفارته على الترتيب على الصَّحيح، وفيه شيءٌ، وقد عُورِض المؤلِّف فيما نقله عن الخِرَقيِّ؛ فإنَّه لم يصرِّح في «مختصره» إلاَّ بإجزاء سبعٍ من الغنم مع وجود البدنة.

واعتذر عنه في «الشَّرح» : بأن يكون بعض الأصحاب نقله عنه في غير كتابه، وفيه بحثٌ.

تنبيهٌ: ما ذكره المؤلِّف من الانتقال إلى الصَّوم إذا عدم البدَنة هو الصَّحيح من المذهب، واعترضه ابن المنجَّى، وقال: لم نجده قولاً لأحمدَ، ولا لأحدٍ من الأصحاب، وأَورد عليه ما ذكره في «المغني» في المُحرِم إذا جامع، فإنه يَفسد حجُّهما وعليه بدَنةٌ وعلى المجامَع أخرى، رُوِي عن ابن عبَّاسٍ

(2)

، فإن لم يجد فشاةٌ، وبأنَّ المرويَّ عن العبادلة إنَّما هو إذا عدم الهدي؛ لأنَّه لا يقال لمن عدم البدنة: عدم الهدي؛ لأنَّه قد يجد بقرةً أوْ شاةً.

وفيه نظرٌ؛ لأنَّه نَصَّ على البدنة تبعًا للمروي عن بعض الصَّحابة، وبأنَّ البقرة قائمة مقامها، والسَّبْعُ من الغنم كذلك.

(وَيَجِبُ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ: بَدَنةٌ إِنْ كَانَ فِي الْحَجِّ)؛ لقول ابن عبَّاسٍ

(3)

، (وَشَاةٌ إِنْ كَانَ فِي الْعُمْرَةِ)؛ لأنَّها أحد النُّسكين، فوجب أن يجب بالوطء فيها شيء كالآخَر، وإنَّما كان شاةً؛ لأنَّ حكمَ العمرة أخفُّ.

(وَيَجِبُ عَلَى المَرْأَةِ مِثْلُ ذَلِكَ)؛ أي: مثل ما على الرَّجل (إِنْ كَانَتْ

(1)

في (أ): وإن.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 152 حاشية (2).

(3)

تقدم تخريجه 4/ 152 حاشية (2).

ص: 180

مُطَاوِعَةً)، نقله الجماعة

(1)

، وروي عن ابن عبَّاسٍ وجمع

(2)

؛ لوجود الجماع منها

(3)

، بدليل الحدِّ، ولأنَّهما اشتركا في السَّبب الموجب؛ كما لو قتلا رجلاً، وكنفقة القضاء، ولأنَّه آكد من الصَّوم.

وعنه: يجزئهما هديٌ واحدٌ؛ لأنَّه جماعٌ واحد.

وعنه: لا فدية عليها، ذكرها وصححها جماعة؛ لأنه لا وطء منها، وكالصوم.

(وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً؛ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لقوله عليه السلام: «رُفِع عن أمَّتي الخطأُ، والنِّسيانُ، وما استكرهوا عليه»

(5)

، ولأنَّه

(6)

لا يضاف إليه الفعل، وكالصَّوم.

وعنه: يلزمها؛ كالمطاوِعة.

(وَقِيلَ)، هذا روايةٌ عن أحمدَ:(يَلْزَمُهَا كَفَّارَةٌ)؛ لحصول الوطْء، (يَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ عَنْهَا)؛ لأنَّ الإفساد منه، فوجب أن يلزَمه؛ كإفساد حجِّه، وكنفقة القضاء، نقل الأثرمُ

(7)

: على الزَّوج حملُها ولو طُلِّقت وتزوَّجت بغيره، ويجبر الزَّوج الثَّاني على أن يدعها.

وأغرب في «الروضة» فقال: المكرهة يفسد صومها، ولا يلزمها كفَّارةٌ، ولا يفسد حجُّها، وعليها بدنة.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2383، الروايتين والوجهين 1/ 290.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 152 حاشية (2).

(3)

في (أ) و (ب): منهما.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2383، الروايتين والوجهين 1/ 290.

(5)

تقدم تخريجه 2/ 46 حاشية (5).

(6)

كتب على هامش الأصل: (أي: المكره).

(7)

ينظر: الفروع 5/ 448.

ص: 181

(فَصْلٌ)

(الضَّرْبُ الثَّالِثُ: الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ لِلْفَوَاتِ)؛ أي: فوات الحجِّ، ويجب به بدنة في الأصحِّ، (أَوْ لِتَرْكِ وَاجِبٍ)؛ كالإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى اللَّيل ونحوهما، (أَوْ لِلْمُبَاشَرَةِ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ)، كما يأتي.

والحاصل أنَّ الهدْيَ الواجب بغير النَّذر ينقَسِم قِسمَينِ:

منصوص عليه: وهو فدية الأذى، وجزاء الصَّيد، ودم الإحصار، والمتعة، والبدنة الواجبة بالوطء في الفرج؛ لقضاء الصَّحابة

(1)

.

وما سوى ذلك مقيسٌ.

فأشار المؤلِّف إلى ذلك فقال: (فَمَا أَوْجَبَ مِنْهُ بَدَنَةً)؛ كالبدنة الواجبة بالمباشرة فيما دون الفرج؛ (فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ)؛ أي

(2)

: هي مقيسةٌ عليها؛ لأنَّها بدنةٌ وجبت بسبب في إحرامه، أشبهت البدنة الواجبة بالوطء، فعلى هذا تجب.

فإن لم يجدها؛ انتقل إلى صيام ثلاثة أيَّامٍ في الحجِّ وسبعةٍ إذا رجع، وعلى قول القاضي: تجب البدنة، ثمَّ بقرة

(3)

، ثمَّ سَبْعٌ من الغنم، ثمَّ قيمة البدنة طعامًا، ثمَّ يصوم عن كل مدٍّ يومًا، وعلى قول الخِرَقِيِّ: يخير فيها.

(وَمَا عَدَاهُ، فَقَالَ القَاضِي: مَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ)؛ كالمبيت بمنًى ومزدَلفةَ، وطواف الوداع؛ (مُلْحَقٌ بِدَمِ المُتْعَةِ)؛ لأنَّ دم المتعة وجب لترفُّهِه بأحد السَّفرَين، فيقاس عليه

(4)

كلُّ دمٍ واجبٍ لترك واجبٍ.

(1)

تقدم تخريجه 4/ 151 حاشية (4).

(2)

في (و): إذ.

(3)

في (أ) و (ب): البقرة.

(4)

في (و): على.

ص: 182

(وَمَا وَجَبَ لِلْمُبَاشَرَةِ)؛ كالقُبلة، واللَّمس، والوطء في العمرة وفي الحجِّ بعد رمي جمرة العقبة؛ (مُلْحَقٌ بِفِدْيَةِ

(1)

الْأَذَى)؛ لأنَّه في معناه، فيقاس عليه.

وأمَّا الشَّاة الواجبة؛ فيخيَّر فيها كما يخيَّر في فدية الأذى؛ للتَّرفُّه.

(وَمَتَى أَنْزَلَ بِالمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ؛ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ)، وقد تقدَّم، (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ؛ فَعَلَيْهِ شَاةٌ)، جزم به الخِرَقِيُّ و «الوجيز» ، واختاره جمْعٌ منهم المؤلِّف؛ لأنَّه هَتَكَ إحرامَه بالفعل المذكور؛ كالطيب.

(وَعَنْهُ: بَدَنَةٌ)، نصره القاضي وأصحابه؛ كالوطء.

والأوَّلُ أصحُّ، وسواء مذى

(2)

أو لم يُمْذِ.

واللَّمس لشهوة

(3)

كالقبلة فيما ذكرنا؛ لكونه

(4)

استمتاعًا يلتذُّ به.

(وَإِنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ)؛ أي: أمْنَى، (أَوِ اسْتَمْنَى؛ فَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لأنَّه هَتَكَ إحرامَه بذلك، أشبه ما لو أنزل بالمباشرة.

(وَهَلْ

(5)

هُوَ بَدَنَةٌ؟)، قدَّمه في «المحرَّر» ، ونَصَّ عليه فيما إذا أمْنى بتكرار النَّظر

(6)

، واختاره الخِرَقيُّ، ونصره القاضي وأصحابه؛ لأنَّه من دواعي الجماع

(7)

كالقبلة، (أَوْ شَاةٌ؟)، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنه

(8)

إنزال بفعل محظور، فوجبت؛ كالإنزال باللمس؛ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، هما قولان لابن عبَّاسٍ

(9)

.

(1)

في (د): لفدية.

(2)

في (ب): أمذَى.

(3)

في (ب): بشهوة.

(4)

في (أ): لأنه.

(5)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): هل.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2298، التعليقة 2/ 251.

(7)

قوله: (الجماع) سقط من (أ).

(8)

في (أ): لا.

(9)

رواه النجاد كما في التعليقة 2/ 251، بإسناده عن مجاهد، عن ابن عباس في محرم نظر إلى امرأته حتى أمنى قال:«عليه شاة» ، ورواه بلفظ آخر: قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: فعل الله بهذه، وفعل! إنها تطيَّبت وأتتني وكلمتني، وحدثتني حتى سبقتني الشهوة، فقال ابن عباس:«انحر بدنة، وتمَّ حجك» .

وأخرج أبو يوسف في الآثار (564)، وابن أبي شيبة (12734)، من طرق عن مجاهد قال: رأى ابن عباس رجلاً وهو يسب امرأته، فقال:«ما لك؟» ، قال: إني أمذيت، فقال ابن عباس:«لا تمسها وأهرق بذلك» ، وهو صحيح.

ص: 183

(وَإِنْ مَذَى بِذَلِكَ)؛ أي: بتكرار

(1)

النَّظر، أو

(2)

الاستمناء؛ (فَعَلَيْهِ شَاةٌ)؛ ذكره أبو الخطَّاب، وجزم به في «الشرح»

(3)

و «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّه جزءٌ من المني؛ لكونه

(4)

خارجًا بسبب الشَّهوة، ولأنَّه حصل به لذَّةٌ، فهو كاللَّمس.

وفي «الروضة» و «المستوعب» : أو مذى بنظرةٍ فكذلك، وظاهر كلام الأكثر خلافه.

وفي «الكافي» : لا فدية بمذي بتكرار نظر، وجزم به في «الوجيز» ، قال في «الفروع»: فيتوجه منه تخريج: ولا بمذي بغيره، وجزم به الأَدَمي إنْ مذى باستمناء.

وذكر القاضي رواية: يفدي بمجرَّد النظر، أنزل أو لا، ومراده: إن

(5)

كرره، وأخذها من نقلِ الأثرم فيمن جرَّد امرأتَه، ولم يكن منه غير التَّجريد: عليه شاةٌ

(6)

.

وحمله في «المغني» و «الشَّرح» : على أنَّه لمس، فإن التجريد لا يخلو عن

(1)

في (د) و (و): بتكرر.

(2)

قوله: (أو) سقط من (و).

(3)

في (و): الوجيز.

(4)

قوله: (لكونه) سقط من (أ).

(5)

في (و): وإن.

(6)

ينظر: التعليقة 2/ 251.

ص: 184

لمس ظاهر، أو أنه أمنى أو أمذى؛ إذ مجرَّده لا شيء فيه؛ لأنَّه عليه السلام كان ينظر إلى نسائه وهو محرم، وكذلك أصحابه.

(وَإِنْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ؛ فَلَا فِدْيَةَ

(1)

عَلَيْهِ)؛ لقوله عليه السلام: «إنَّ الله تجاوز لأمَّتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تكلم أو تعمَلْ به» متَّفقٌ عليه

(2)

، ولأنه يعرض

(3)

للمرء من غير إرادة ولا اختيار؛ لأنه دون النظر.

وقال أبو حفص البرمكي وابن عقيل: حكمه حكم تكرار النظر إذا اقترن به الإنزال؛ لقدرته

(4)

، وفيه شيءٌ.

تنبيهٌ: لم يتعرَّض المؤلِّف هنا لذكر النِّسيان، وذكره في مفسدات الصوم، والمذهب: لا فرق بين العامد والناسي.

وقيل: لا؛ لأن الوطء لا يتطرق إليه نسيان غالبًا، ويفسد العبادة؛ أي: الصوم بمجرده

(5)

.

والجاهل والمكره كالناسي.

والمرأة كالرجل مع شهوة

(6)

.

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فلا شيء.

(2)

أخرجه البخاري (6664)، ومسلم (127).

(3)

في (و): تعرض.

(4)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): لعذر به.

(5)

في (و): بمجرد.

(6)

في (و): مع شهوة كالرجل.

ص: 185

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ، مِثْلَ أَنْ حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ، أَوْ وَطِئَ ثُمَّ وَطِئَ، قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْأَوَّلِ؛ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ)، نَصَّ عليه

(1)

، وقاله الأصحاب، سواءٌ تابعه، أو فرَّقَه، أو وطئها، أو غيرَها.

فظاهره: لو قلَّم خمسة أظفار في خمسة أوقات؛ لزمه دم، قاله القاضي، وعلَّله: بأنَّه لما بُنيت

(2)

الجملة فيه على الجملة في تداخل الفدية، كذا الواحد على الواحد في تكميل الدَّم، ولأنَّ ما تداخل متتابِعًا تداخل متفرِّقًا؛ كالأحداث والحدود، ولأنَّه تعالى أوجب في حلق الرَّأس فدية، ولم يفرِّق.

(وَإِنْ كَفَّرَ عَنِ الْأَوَّلِ؛ لَزِمَهُ

(3)

لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ)؛ لأنَّه صادف إحرامًا، فوجبت كالأوَّل، وتعتبر

(4)

بالحدود والأيمان.

وعنه: لكل وطء كفارةٌ؛ لأنه سبب لها، كالأول، فيطرد في غيره.

وعنه: إن

(5)

تعدَّد سبب المحظور، فلبس

(6)

للحَرِّ ثمَّ للبرد؛ فكفَّارات، وإلاَّ فواحدةٌ.

وقال ابن أبي موسى: إذا لبس وغطَّى رأسه متفرِّقًا؛ فكفَّارتان، وإن كان في وقت واحد فروايتان.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2337، الروايتين والوجهين 1/ 276.

(2)

في (و): ثبت.

(3)

في (د) و (ز) و (و): لزمته.

(4)

في (و): ويعتبر.

(5)

قوله: (وعنه: إن) هو في (ب) و (د) و (ز) و (و): وإن.

(6)

في (د): فكلبس، وفي (و): كلبس.

ص: 186

(وَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ صَيْدٍ؛ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُمَا)، نقله الجماعة

(1)

، وهو المذهب؛ لأنَّ الآية تدل على أنَّ من قتل صيدًا لزمه

(2)

مثله، ومن قتل أكثر لزمه مثل ذلك، ولأنه لو قتل صيودًا معًا؛ تعدَّد الجزاء، فكذا متفرِّقًا، بل أَوْلَى، ولأنَّها كفَّارةُ قتلٍ كقتل الآدمي، أو بدلُ متلف؛ كبدل مال الآدمي.

(وَعَنْهُ: عَلَيْهِ

(3)

جَزَاءٌ وَاحِدٌ)؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المَائدة: 95]، ولم يوجب جزاء ثانيًا، ولأنه محظور أشبه غيره، ونقل حنبل: لا يتعدد إن لم يكفر عن الأوَّل، ونقل

(4)

أيضًا: إن تعمَّد قتْله ثانيًا فلا جزاء

(5)

، وقاله جمع من السَّلف

(6)

.

والصَّحيح الأول؛ لأن ذكر العقوبة في الثاني لا يمنع الوجوب، كقوله:{وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البَقَرَة: 275]، وللعائد ما سلف، وأمره إلى

(7)

الله تعالى، وقياسه على غيره لا يصح؛ لأنَّ جزاء الصيد مُقَدَّرٌ به، ويختلف

(8)

بكِبَرِه وصِغَرِه، بخلاف غيره.

(وَإِنْ فَعَلَ مَحْظُورًا مِنْ أَجْنَاسٍ)؛ كحلقٍ ولبسٍ وطيبٍ؛ (فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 294.

(2)

في (د) و (ز): لزمته.

(3)

قوله: (عليه) سقط من (أ).

(4)

زيد في (و): حنبل.

(5)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 294.

(6)

قال في المغني 3/ 549: (روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال شريح والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والنخعي وقتادة)، وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (8184)، وابن أبي شيبة (15767)، والطبري (8/ 718)، وابن أبي حاتم في التفسير (6819)، عن عكرمة، عن ابن عباس، فيمن أصاب صيدًا فحُكِم عليه ثم عاد، قال:«لا يحكم، ينتقم الله منه» ، إسناده صحيح ورجاله ثقات.

(7)

قوله: (إلى) سقط من (ز).

(8)

في (و): ومختلف.

ص: 187

فِدَاءٌ)، نصَّ عليه

(1)

، وهو المشهور؛ لأنَّها مختلفة، فلم تتداخل

(2)

كالحدود المختلفة، وسواء فعل ذلك مجتمعًا أو متفرِّقًا.

(وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لأنَّه فعلٌ محظورٌ، فلم يتعدَّد؛ كالجنس الواحد، وفيه نظرٌ.

وعنه: إن كانت في وقت واحد، وإلا فلكل واحد كفارة، وقاله إسحاق، واختاره أبو بكر، قال القاضي وابن عقيل: لأنَّها أفعالٌ مختلِفةٌ، وموجباتها مختلفة؛ كالحدود المختلفة.

وقيل: إن قرب الوقت لم يتعدد الفداء، وإلا تعدد.

ومحل الخلاف فيما إذا كانت المحظورات تتحد

(3)

كفارتها، فإن تعددت فلا تداخل.

(وَإِنْ حَلَقَ، أَوْ قَلَّمَ، أَوْ وَطِئَ، أَوْ قَتَلَ صَيْدًا، عَامِدًا أَوْ مُخْطِئًا؛ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ)، نَصَّ عليه

(4)

، وعليه الأصحاب؛ لأنَّه إتلاف، فاستوى عمدُه وسهوُه؛ كإتلاف مال الآدمي، ولأن الله أوجب الفدية على من حلق لأذًى به وهو معذورٌ، فدل على وجوبها على معذور بنوع آخر، وقال الزهري:«تجب الفدية على من قتل الصيد متعمدًا بالكتاب، ومخطئًا بالسنة»

(5)

، قال الشَّافعيُّ

(6)

: أنا سعيدٌ، عن ابن جريجٍ، قلت لعطاءٍ: فمن قتله خطأ أيغرم؟ قال: «نعم، فعظَّم بذلك حرمات الله، ومضت به السنن

(7)

»، وقال عمر:

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2273، مسائل ابن هانئ 1/ 157، مسائل عبد الله ص 206.

(2)

في (و): فلم يتداخل.

(3)

في (و): يتخذ.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2236، مسائل ابن هانئ 1/ 155.

(5)

ينظر: المصنف لابن أبي شيبة (8178)، تفسير الطبري 8/ 678.

(6)

ينظر: الأم للشافعي 2/ 200.

(7)

في (و): السنين.

ص: 188

«ليحكم عليه في الخطأ والعمد» رواه النجاد

(1)

.

(وَعَنْهُ فِي الصَّيْدِ: لَا كَفَّارَةَ إِلاَّ فِي الْعَمْدِ)، وهو قول ابن عبَّاسٍ

(2)

وسعيد بن جبيرٍ، واختاره أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ لظاهر الآية، ولأنَّ الأصل براءة الذمة، فلا يشغلها إلا بدليل.

وجوابه: أنَّه عليه السلام أوجب فيه الجزاء، وفي بيضه

(3)

، ولم يفرِّق.

وأجاب القاضي عن الآية: بأنَّها حُجَّةٌ لنا من وجهٍ؛ لأنها

(4)

تقتضِي أن من نسِي الإحرام فقتل الصيد متعمِّدًا؛ يلزمه

(5)

الجزاء، وعندهم لا يلزمه، وخص العمد بالذكر؛ لأجل الوعيد في آخرها، ولأن ما سبق أخص، والقياس يقتضيه.

وحُكي عن مجاهد والحسن: يجب الجزاء في الخطأ والنسيان دون العمد، وهو غريب.

(وَيَتَخَرَّجُ فِي الْحَلْقِ مِثْلُهُ)، هذا وجه، وهو روايةٌ مخرَّجةٌ من قتل الصَّيد؛ أي: لا تجب الكفَّارة إلاَّ في العمد؛ لعموم: «إنَّ الله تعالى تَجاوَز»

(6)

، ولأنَّه

(1)

أخرجه عبد الرزاق (8183)، وابن أبي شيبة (15291، 15292)، وابن أبي حاتم في التفسير (6795)، عن جابر عن الحكم:«أن عمر كتب أن يحكم عليه في الخطأ والعمد» ، مرسل ضعيف، جابر هو الجعفي وهو ضعيف الحديث، والحكم لم يدرك عمر بن الخطاب.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (15295)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (5/ 235)، عن أبي مَدِينة، عن ابن عباس قال:«ليس عليه في الخطأ شيء» ، وفيه ضعف، أبو مدينة هو عبد الله بن حصين السدوسي، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وقال ابن سعد:(قليل الحديث). ينظر: التاريخ الكبير 5/ 71، الجرح والتعديل 5/ 39، الطبقات 7/ 189.

(3)

تقدم تخريجه 4/ 129 حاشية (6).

(4)

في (و): لنا.

(5)

في (أ): لم يلزمه.

(6)

أخرجه البخاري (6664)، ومسلم (127).

ص: 189

محرم بسبب في إحرامه، أشبهَ الصيد.

وقَصَر المؤلف التخريج في الحلق وحده، وليس كذلك، بل الباقي مثله.

فرعٌ: المكرَه عندنا كمخطئ، وذكر المؤلِّف أنَّه: لا يلزمه، وإنَّما هي على المكرِه، وجزم به ابن الجوزيِّ.

(وَإِنْ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ، أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ، نَاسِيًا)، أو جاهِلاً، أو مكرَهًا؛ (فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ)، نقله الجماعةُ

(1)

، وهو ظاهر المذهب؛ لما روى ابن ماجه بإسنادٍ جيِّدٍ، عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «إنَّ الله وضع

(2)

عن أمَّتي الخطأ والنِّسيان، وما استُكرِهوا عليه»، قال عبد الحقِّ الإشبيلي: (رويته بالإسناد المتَّصل إلى ابن عبَّاسٍ

) وذكره

(3)

، وعن يعلى بن أميَّة: أن رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وعليه جُبَّة، وهو متضمِّخ بالخَلوق، فأمره بخلعها وغسله، ولم يأمره بفدية

(4)

، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

(وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ)، نصَرها القاضي وأصحابه؛ لأنَّه فعلٌ حرَّمه الإحرام، فاستوى عمده وسهوه؛ كقتل الصيد والحلق.

والفرق: بأن الحالق وما في معناه لا يمكن تلافي ما فعله، بخلاف اللابس والمتطيب

(5)

والمغطي رأسه، فإنه يمكنه ذلك بإزالته، وفيه نظر؛ لأن ما مضى

(6)

لا يمكن تلافيه.

وظاهره: أنَّ العمدَ محلُّ وِفاقٍ، لكن عمد الصبي ومن زال عقله

(7)

بعد

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2243.

(2)

في (أ) و (ب): رفع.

(3)

سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).

(4)

أخرجه البخاري (1789)، ومسلم (1180).

(5)

في (د) و (ز) و (و): والتطييب.

(6)

في (أ): وأمضى.

(7)

في (ز): عقده.

ص: 190

إحرامه خطأ، وأنه لا فرق بين القليل والكثير.

(وَمَنْ رَفَضَ إِحْرَامَهُ)؛ أي: قطع نية النسك، (ثُمَّ فَعَلَ مَحْظُورًا؛ فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ)؛ لأنَّ حكم الإحرام باقٍ؛ لأنه لا يفسد بالرَّفض وِفاقًا

(1)

؛ لكون أن الحج عبادة لا يخرج منه بالفساد، بخلاف سائر العبادات.

فعلى هذا: يجب عليه كفارة ما فعله

(2)

من المحظور؛ لأنه صادف الإحرام؛ كفعله على غير وجه الرفض.

وعنه: كفَّارةٌ واحدةٌ، ذكرها في «المستوعب» .

وظاهره

(3)

: أنَّه لا شيء عليه لرفضه، وقطع به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّه مجرد

(4)

نية لم يُفِدْ شيئًا.

وفي «الترغيب» ، وقدَّمه في «الفروع»: يلزمه دمٌ لرفضه.

وعلم منه: أنَّه لا يفسد الإحرام بالجنون

(5)

والإغماء، وذكر ابن عقيل وجهين، وفي «مفرداته»: مبناه على التوسعة وسرعة الحصول، فلهذا لو أحرم مجامعًا؛ انعقد، وحكمه كالصحيح.

(وَمَنْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ فِي بَدَنِهِ؛ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ

(6)

ذَلِكَ فِي إِحْرَامِهِ)؛ لحديث عائشة

(7)

، وظاهره: أنه إذا كان

(8)

في ثوبه؛ لم يكن له استدامته.

(1)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 201، جامع الأمهات ص 186، كفاية النبيه 7/ 153، المغني 3/ 332.

(2)

قوله: (ما فعله) في (د): به أفعله.

(3)

في (د): فظاهره.

(4)

في (أ): بمجرد.

(5)

في (د) و (و): الجنون.

(6)

في (و): ومن تطيب قبل آخر فله استقامة.

(7)

أخرجه البخاري (271)، ومسلم (1190)، عن عائشة رضي الله عنه قالت:«كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم» .

(8)

في (أ): أكان.

ص: 191

لكن في «المغني» و «الشرح» : إن طيب ثوبَه؛ له لبسه ما لم ينزعه؛ لأنَّ الإحرام يمنع من ابتداء

(1)

الطيب دون استدامته

(2)

، وفيه نظر؛ لأنه لم يرد في الشَّرع ما يقتضي جواز استدامة لبس المُطيَّب.

(وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُ ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ)؛ أي: بعد إحرامه؛ لقوله: «لا تَلْبَسوا شيئًا من الثِّياب مسَّه وَرْسٌ أو زعفران»

(3)

.

(وَإِنْ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ)، أو سراويل، أو جبَّة، ولو عبَّر بالمخيط لعَمَّ؛ (خَلَعَهُ وَلَمْ يَشُقُّهُ)؛ لحديث يَعْلَى

(4)

، ولو وجب شقُّها أو وجب عليه فدية؛ لأمره بها؛ لأنَّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولِما في الشَّقِّ من إضاعة المال المنهيِّ عنه شرعًا.

(فَإِنِ اسْتَدَامَ لُبْسَهُ؛ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ)؛ لأنَّ خلعَه واجِبٌ؛ للأمر به، فوجبت الفدية، كما لو حلق رأسَه، ولأنَّ استدامة اللُّبس تسمَّى لُبسًا؛ كقولهم: لبست شهرًا.

لا يقال: قد أمره بغسل الطيب؛ لأنه قد ورد ما يقتضي استدامة الطيب دون لبسه؛ لأنَّ حديث عائشة راجح على حديث صاحب الجبة من وجهين:

أحدهما: أن في بعض ألفاظه

(5)

: «عليه جُبَّةً بها

(6)

أثر الخلوق»

(7)

، وفي

(1)

في (د) و (و): استدامة.

(2)

قوله: (دون استدامته) سقط من (د) و (و): وقوله: (لكن في «المغني» و «الشرح»

) إلى هنا سقط من (ز).

(3)

أخرجه البخاري (1543)، ومسلم (1177)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه البخاري (1789)، ومسلم (1180).

(5)

في (و): أصحابه.

(6)

في (و): لها.

(7)

عند البخاري (1789)، ومسلم (1180).

ص: 192

بعضها: «وهو مُتضمِّخ بالخَلُوق»

(1)

، وفي بعضها: «عليه ردع

(2)

من زعفران»

(3)

، فيدل

(4)

على أن الطيب كان من زعفران، وهو منهي عنه في غير الإحرام، ففيه

(5)

أولى؛ لنهيه عليه السلام عنه

(6)

.

الثَّاني: أنَّه كان سنة ثمان عام الجعرانة، وحديث

(7)

عائشة سنة عشر، فهو متأخر، والحكم له.

(وَإِنْ لَبِسَ ثَوْبًا كَانَ مُطَيَّبًا، وَانْقَطَعَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ إِذَا رُشَّ فِيهِ ماءٌ

(8)

فَاحَ رِيحُ الطِّيبِ مِنْهُ

(9)

؛ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ)؛ لأنَّه مُطيَّب

(10)

، بدليل أنَّ رائحته تظهر عند رشِّ الماء، والماء لا رائحة له؛ أشبه ما لو ظهر بنفسه.

ومقتضاه: أنه لا فدية عليه إذا لم يظهر ريحه؛ لأنه ليس بمطيب الآن، أشبه الذي لم يتطيب أصلاً.

تنبيهٌ: القارن كغيره، نَصَّ عليه

(11)

، وقاله الأكثر؛ لظاهر الكتاب والسنة؛ لأنهما حرمتان كحرمة الحرم وحرمة الإحرام.

(1)

عند مسلم (1180).

(2)

في (أ): درع. والردع: لطخ وأثر. ينظر الصحاح 3/ 1218.

(3)

أخرجه أحمد (17964)، والنسائي في الكبرى (4224)، وابن خزيمة (2672)، والبيهقي في الكبرى (9100)، وإسناده صحيح.

(4)

في (د) و (و): فدل.

(5)

في (د) و (و): ففي الإحرام، وفي (ز): ففي.

(6)

لحديث أنس رضي الله عنه قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل» ، أخرجه البخاري (5846)، ومسلم (2101).

(7)

في (ز): فحديث.

(8)

في (د) و (ز) و (و): الماء.

(9)

قوله: (ريح الطيب منه) في (د) و (ز) و (و): ريحه.

(10)

في (د) و (و): تطييب، وفي (ز): تطيب.

(11)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2295.

ص: 193

واختار القاضي: أنَّه إحرامان، وهو ظاهر كلام أحمد؛ لأنه شبهه بحرمة الحرم وحرمة الإحرام؛ لأنه نية النسك، ونية الحج غير نية العمرة.

واختار جمع: أنه إحرام واحد؛ كبيع دار وعبد صفقة واحدة

(1)

.

وعنه: يلزمه بفعل

(2)

المحظور

(3)

جزاءان، ذكرها في «الواضح» .

وذكر القاضي تخريجًا: إن لزمه طوافان وسعيان.

وخصَّها ابنُ عَقيلٍ بالصَّيد؛ كما لو أفرد كل واحد بإحرام، والفرق ظاهر، وكما لو وطئ وهو محرم صائمٌ

(1)

قوله: (الحرم وحرمة الإحرام لأنه

) إلى هنا سقط من (و).

(2)

في (و): فعل.

(3)

في (د): للمحظور.

ص: 194

(فَصْلٌ)

(وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إِطْعَامٍ) متعلِّق بالحرم أو الإحرام؛ (فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ) إن قدر على إيصاله إليهم؛ لقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المَائدة: 95]، وقوله:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحَجّ: 33].

ويجب نحره بالحرم، ويجزئ جميعه، قال: أحمد: (مكة ومنى واحد)

(1)

، واحتج الأصحاب بما رواه أحمد وغيره، من رواية أسامة بن زيد الليثي، عن جابر مرفوعًا:«كلُّ فِجاج مكَّةَ طريقٌ ومنحَرٌ»

(2)

.

وفي «الفروع» توجيه

(3)

: لا ينحر في الحجِّ إلاَّ بمنًى، ولا في العمرة إلاَّ بمكَّةَ.

ويجب تفرقة لحمه بالحرم، أو إطلاقه لمساكينه؛ لأنَّه مقصودٌ كالذَّبح، والتَّوسعة عليهم مقصودة، فلو سلَّمه للفقراء سليمًا فذبحوه؛ أجزأ، وإلا استرده ونحره، فإن أبى أو عجز ضمنه، والطعام كالهدي؛ لقول ابن عباس: «الهدي والإطعام

(4)

بمكة»

(5)

، ولأنه نسك يتعدى نفعه إلى المساكين؛

(1)

ينظر: الفروع 5/ 545.

(2)

أخرجه أحمد (14498)، وأبو داود (1937)، وابن ماجه (3048)، وابن خزيمة (2787)، والحاكم (1691)، من طريق أسامة الليثي، عن عطاء، عن جابر رضي الله عنه به، وأسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، وصحح الحديث ابن خزيمة والحاكم، وقال ابن عبد الهادي:(إسناده حسن)، وصححه الألباني، وهو في مسلم (1218) من وجه آخر من حديث جابر، ولفظه:«نحرت ههنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت ههنا، وعرفة كلها موقف، ووقفت ههنا، وجمع كلها موقف» . ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 556، السلسلة الصحيحة (2464).

(3)

في (أ): موجبه.

(4)

في (و): الإطعام والهدي.

(5)

لم نقف عليه مسندًا، وذكره البيهقي في المعرفة 7/ 424 فقال:(وفي حكاية ابن المنذر عن ابن عباس أنه قال: «الدم والطعام بمكة، والصوم حيث شاء»)، ولم يسنده.

ص: 195

فاختص بهم كالهدي.

ومساكين الحرم: من له أخذ الزَّكاة، مقيمًا كان أو مجتازًا، من الحاجِّ وغيرهم، فإن بان بعد الدَّفع غناه؛ فكالزَّكاة.

وما جاز

(1)

تفريقه؛ لم يجز دفعه إلى فقراء الذِّمَّة

(2)

كالحربيِّ. وهل يجوز أن يُغدِّي

(3)

المساكين أو يعشِّيهم إن جاز في كفارة اليمين؟ فيه احتمالان.

فإن تعذَّر إيصاله إلى فقراء الحرم؛ فالأظهر: أنه يجوز ذبحه وتفرقته

(4)

في غيره؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البَقَرَة: 286].

(إِلاَّ فِدْيَةَ الْأَذَى، وَاللُّبْسِ، ونَحْوِهِمَا

(5)

؛ كالتَّقليم والطِّيب، (إِذَا وُجِدَ سَبَبُهَا فِي الْحِلِّ؛ فَيُفَرِّقُهَا حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهَا)؛ لأنَّه «عليه السلام أمر كعبًا بها بالحديبية، وهي من الحلِّ»

(6)

، «واشتكى الحسين بن عليٍّ رأسَه، فحلقه عليٌّ، ونحر عنه جزورًا بالسُّقيا» رواه مالكٌ

(7)

.

(1)

في (و): زاد.

(2)

في (د) و (ز) و (و): المدينة.

(3)

في (أ): يعدل.

(4)

في (د) و (ز) و (و): وتفريقه.

(5)

في (أ): ونَحْوها.

(6)

أخرجه البخاري (4190)، ومسلم (1201)، ولفظه عند مسلم:«أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة، وهو محرم، وهو يوقد تحت قدر، والقمل يتهافت على وجهه» ، ونحوه للبخاري.

(7)

أخرجه مالك (1/ 388)، والطبري في التفسير (3/ 403)، والطحاوي في معاني الآثار (4089)، والبيهقي في الكبرى (10088)، عن يعقوب بن خالد المخزومي، عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه أخبره:«أنه كان مع عبد الله بن جعفر، فخرج معه من المدينة، فمرُّوا على حسين بن علي وهو مريض بالسقيا، فأقام عليه عبد الله بن جعفر، حتى إذا خاف الفوات خرج، وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة، فقَدِما عليه، ثم إن حسينًا أشار إلى رأسه، فأمر عليٌّ برأسه فحلق، ثم نسك عنه بالسقيا، فنحر عنه بعيرًا» ، وفيه ضعف، يعقوب بن خالد هو ابن المسيب المخزومي، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، ووثَّقه ابن حبان، ومثله أبو أسماء.

ص: 196

وعن أحمد: في الحرم، وقاله الخِرَقيُّ في غير الحلق؛ لأنه الأصل، خولف فيه لما سبق.

واعتبر في «المجرد» و «الفصول» العذر في المحظور، وإلا فغير المعذور كسائر الهدي.

وعنه في جزاء الصيد: حيث قتله؛ كحلق الرأس، وهي ضعيفة؛ لمخالفة الكتاب.

فَرعٌ: وقت ذبحه حين فعلِه، وله الذَّبح قبله لعذر؛ ككفارة قتل الآدمي.

(وَدَمُ الْإِحْصَارِ يُخْرِجُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ)، من حلٍّ أو حرَمٍ، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأنَّه عليه السلام لمَّا أُحصِر هو وأصحابه بالحديبية، نحروا هديهم وحَلُّوا

(2)

، ولأنه موضع

(3)

تحلُّلِه، فكان موضعَ

(4)

ذبحِه كالحرم.

لكن إن كان قادرًا على أطراف الحرم؛ فوجهان.

وعنه: ليس للمحصر نحر هديه إلاَّ في الحرم، فيبعثه إلى الحرم، ويواطئ رجلاً على نحره في وقت تحلُّله، روي عن ابن مسعود

(5)

؛ لأنه أمكنه النحر

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2292.

(2)

أخرجه البخاري (1809)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:«قد أُحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر عامًا قابلاً» .

(3)

في (د) و (ز) و (و): موقع.

(4)

في (د) و (و): موقع.

(5)

أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (5/ 75)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10101)، وأخرجه الطبري في التفسير (3/ 365)، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، في الذي لُدغ وهو محرم بالعمرة فأحصر، فقال عبد الله:«ابعثوا بالهدي، واجعلوا بينكم وبينه يوم أمار، فإذا ذبح الهدي بمكة؛ حلَّ هذا» ، وإسناده صحيح، وصححه ابن حزم في المحلى 5/ 221. وأخرجه الطبري في التفسير (3/ 364)، والطحاوي في معاني الآثار (4135)، وفي أحكام القرآن (1670)، عن عبد الرحمن بن يزيد نحوه، ولفظه: «ليبعث بهدي، واجعلوا بينكم يوم أمارة، فإذا ذبح الهدي فليحل، وعليه قضاء عمرته»، وإسناده صحيح أيضًا.

ص: 197

في الحرَم، أشبه ما لو حصر فيه.

وحمله في «المغني» : على ما إذا كان حصره خاصًّا، وأمَّا الحصر العامُّ فلا، وقوله:{وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البَقَرَة: 196]، وقوله:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحَجّ: 33] في حق غير المحصر، ولا يمكن قياسه عليه؛ لأنَّ تحلل المحصر من

(1)

الحل، وتحلل غيره من الحرم، فكلٌّ ينحر في موضع تحلُّله.

(وَأَمَّا الصِّيَامُ)، والحلق، وهدي تطوع، ذكره القاضي وغيره، وما سمي نسكًا؛ (فَيُجْزِئُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ)، لا نعلم فيه خلافًا

(2)

؛ لقول ابن عبَّاس: «الصوم حيث شاء»

(3)

؛ لعدم تعدِّي نفعه، ولا معنى لتخصيصه بمكان، بخلاف الهدي.

(وَكُلُّ دَمٍ ذَكَرْنَاهُ

(4)

يُجْزِئُ فِيهِ: شَاةٌ، أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ)؛ لقوله تعالى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البَقَرَة: 196]، قال ابن عبَّاس:«شاةٌ أو شِرك في دم»

(5)

، وفسَّر عليه السلام النُّسك في خبر كعب:«بذبح شاة»

(6)

، والباقي

(7)

مقيس.

(1)

في (د) و (ز) و (و): في.

(2)

ينظر: المغني 3/ 471.

(3)

تقدم تخريجه 4/ 195 حاشية (5).

(4)

في (أ): ذكرنا، وفي (و): ذكره.

(5)

أخرجه البخاري (1688).

(6)

أخرجه البخاري (1816)، ومسلم (1201).

(7)

في (د) و (و): والثاني.

ص: 198

فإن اختار ذبح بدنة أو بقرة

(1)

؛ فهو أفضل؛ لأنَّه أوفر لحمًا، وأنفع للفقراء، ويلزمه كلُّها، اختاره ابن عقيلٍ، كما لو اختار الأعلى من خصال الكفَّارة.

وقيل: سُبُعُها، والباقي له أكله والتصرف فيه؛ كذبح سَبْعِ شياه.

وهو كالأضحية، نص عليه

(2)

، فلا يجزئ

(3)

ما لا يضحَّى به.

(وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ؛ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ)؛ لقول جابر: «كنا ننحر البدنة عن سبعة» ، فقيل له: والبقرة؟ فقال: «وهل هي إلاَّ من البُدْن» رواه مسلمٌ

(4)

، وكعكسها.

وظاهره: ولو كانت منذورة، ونصره جماعة.

وقال القاضي وأصحابه: يلزمه ما نواه، وإن أطلق فروايتان:

إحداهما: تجزئه بقرةٌ.

والثَّانية: تجزئه مع عدم البدنة؛ لأنَّها بدلٌ.

قال المؤلِّف: والأوَّل أَوْلَى.

فإن كانت جزاء صيد؛ أجزأت أيضًا. وقيل: لا؛ لأنَّها لا تشبه النَّعامة.

ويجزئ عنها سَبْعِ شياهٍ، ذكره الأصحاب؛ لأنَّها معدولةٌ بسُبُع بدنة، وهي دم كامل، وأطيب لحمًا.

وعنه: عند

(5)

عدمها؛ لأنَّها بدلٌ.

وعنه: لا يجزئ إلا عشر شياهٍ؛ لقول رافع: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل في

(1)

في (و): بقرة أو بدنة.

(2)

ينظر: الفروع 5/ 549.

(3)

في (د) و (ز): فلا تجيء، وفي (و): يجوز.

(4)

أخرجه مسلم (1318).

(5)

قوله: (عند) سقط من (و).

ص: 199

قسم الغَنَمِ: عشرًا من الشِّياه ببعير» رواه النسائي بإسنادٍ جيِّدٍ

(1)

.

قال الخلاَّل: والعمل على الأوَّل.

ومن لزمه سَبع شياه؛ أجزأه

(2)

بدنةٌ أو بقرةٌ، ذكره في «الكافي» ؛ لإجزائهما عن سبعة.

وذكر جماعة: إلاَّ في جزاء الصيد، وفي «المغني»: أنه الظَّاهر؛ لأنَّ الغنم أطيب.

والبقرة كالبدنة

(3)

في إجزاء سَبع شياه عنها

(4)

.

(1)

أخرجه النسائي (4391)، وهو في البخاري (2488)، ومسلم (1968)، بلفظ: «

فعدل عشرة من الغنم ببعير

».

(2)

في (أ): أجزأته.

(3)

في (و): والبدنة كالبقرة.

(4)

في (و): منها.

ص: 200

(بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ)

وهو واجب؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ

(1)

مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ

} الآية [المَائدة: 95]، «فجزاء»: مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ؛ أي: فعليه جزاء.

ومن نَوَّن

(2)

«جزاءٌ» ، وقُرئ به في السَّبعة، ف {مِثْلُ} صفة، و {من النعم} وصفة أخرى له، ويجوز أن يكون {مِثْلُ} بدلاً.

وقُرِئ شاذًّا بنصب {مِثْلَ} ؛ أي: يُخْرِج مثل؛ لأنَّ الجزاء يتعدى بحرف الجرِّ.

وقرئ بإضافة الجزاء إلى (مثل)، فيكون في حكم الزَّائد، كقولهم: مثلك لا يبخل.

ويجوز أن يتعلَّق {مِنَ النَّعَمِ} بقوله: {فَجَزَآءٌ} إن نصبت (مثلاً)؛ لعمله فيهما؛ لأنَّهما من صلته، لا إن رفعته؛ لأنَّ ما يتعلَّق به من صلته، ولا يفصل بين الصِّلة والموصول بصفة أو بدل.

ويجوز تعلُّقُه به إن أضفته، ويجوز جعْلُه حالاً من الضَّمير في {قَتَلَ} ؛ لأن المقتول يكون من النَّعم، و {يَحْكُمُ بِهِ} صفة ل {جَزَاءٌ} إذا نوَّنته، وإذا أضفته؛ ففي موضع حال، عاملها معنى الاستقرار المقدر في الخبر المحذوف.

(وَهُوَ ضَرْبَانِ):

(أَحَدُهُمَا: مَا لَهُ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ)، ليس المراد به حقيقة المماثلة، فإنَّها لا

(1)

كتب على هامش الأصل: (قوله تعالى: {مِنْكُمْ} جار ومجرور، وهو متعلق بمحذوف وقع حالاً من فاعل قتله، أي: كائنًا منكم متعمدًا، وقوله: {مُتَعَمِّدًا} حال منه أيضًا).

(2)

في (أ): قرأ.

ص: 201

تتحقَّق بين الأنعام والصَّيد، وإنما أريد بها من حيث الصُّورة، (فَيَجِبُ فَيهِ

(1)

مِثْلُهُ)، نَصَّ عليه، (وَهُوَ نَوْعَانِ):

(أَحَدُهُمَا: قَضَتْ

(2)

فِيهِ الصَّحَابَةُ)، ليس المرادُ به كلَّهم، (فَفِيهِ: مَا قَضَتْ)؛ لقوله عليه السلام: «أصحابي كالنُّجوم، بأيهم

(3)

اقتدَيتم اهتدَيتم»

(4)

، ولقوله:«علَيكم بسنَّتِي، وسنَّةِ الخلفاء الرَّاشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذ» رواه أحمدُ والتِّرمذيُّ وصحَّحه

(5)

، وعن حذيفةَ مرفوعًا:«اقتَدُوا باللَّذين من بعدي؛ أبو بكرٍ وعبمرَ» رواه التِّرمذيُّ وحسَّنه

(6)

، ولأِنَّهم أقرب إلى

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 209.

(2)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): ما قضت.

(3)

في (أ): فبأيهم.

(4)

أخرجه الدارقطني في المؤتلف (4/ 1778)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/ 925)، من حديث جابر رضي الله عنه بإسناد ضعيف، وذكر له ابن حجر طرقًا كلها واهية، وحكم عليه بالوضع جماعة من الأئمة. ينظر: المنتخب من العلل ص 143، إعلام الموقعين 2/ 171، التلخيص الحبير 4/ 462، الفوائد المجموعة ص 397، الضعيفة (59، 58).

(5)

أخرجه أحمد (17142)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (42)، وابن حبان (5)، والحاكم (329)، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن وغيرهم. ينظر: البدر المنير 9/ 582، الإرواء 8/ 107.

(6)

أخرجه أحمد (23245)، والترمذي (3662)، والحاكم (4451)، والبيهقي في الكبرى (16590)، من طرق عن عبد الملك بن عمير، عن رِبعي، عن حذيفة رضي الله عنه به، وهو حديث اختلف فيه، قال الترمذي:(حديث حسن)، وحسنه ابن الملقن، وقال ابن حجر:(واختلف فيه على عبد الملك، وأعلَّه ابن أبي حاتم عن أبيه، وقال العقيلي بعد أن أخرجه من حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر: لا أصل له من حديث مالك، وهو يروى عن حذيفة بأسانيد جياد تثبت. وقال البزار وابن حزم: لا يصح؛ لأنه عن عبد الملك، عن مولى ربعي؛ وهو مجهول عن ربعي)، وقال الصنعاني:(وله طرق فيها مقال إلا أنه يقوي بعضها بعضًا)، وصححه الألباني بمجوع طرقه وشواهده. ينظر: الضعفاء للعقيلي 4/ 94، البدر المنير 9/ 578، التلخيص الحبير 4/ 461، سبل السلام 1/ 345، السلسلة الصحيحة (1233).

ص: 202

الصَّواب، وأعرف بمواقع الخطاب، فكان حكمهم حجة

(1)

على غيرهم؛ كالعالم مع العامِّيِّ.

(فَفِي

(2)

النَّعَامَةِ: بَدَنَةٌ)، حكم به عمر، وعثمان، وعلي، وزيدٌ

(3)

، وأكثر العلماء؛ لأنها تشبه البعير في خَلقِه، فكان مثلاً لها

(4)

، فيدخل في عموم النَّصِّ، وجعلها الخِرَقيُّ من أقسام الطَّير؛ لأن لها جناحَين، فيُعايا بها، فيقال: طائرٌ تجب فيه بدنةٌ.

(وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ): بقرةٌ، قضى به عمر

(5)

، وقاله عروةُ ومجاهِد؛

(1)

قوله: (حجة) سقط من (أ).

(2)

في (و): وفي.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 209)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9868)، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني: أن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم قالوا في النعامة يقتلها المحرم: «بدنة من الإبل» ، وأخرجه عبد الرزاق (8203)، عن ابن جريج به، ولم يذكر معاوية، وأخرجه ابن أبي شيبة (14420)، عن ابن جريج به، ولم يذكر عليًّا. وهذا مرسل، قال الشافعي:(هذا غير ثابت عند أهل العلم بالحديث)، قال البيهقي:(وجه ضعفه كونه مرسلاً؛ فإن عطاء الخراساني ولد سنة خمسين ولم يدرك عمر ولا عثمان ولا عليًّا ولا زيدًا، وكان في زمن معاوية صبيًّا، ولم يثبت له سماع من ابن عباس، وإن كان يحتمل أن يكون سمع منه، فإن ابن عباس توفي سنة ثمان وستين، إلا أن عطاء الخراساني مع انقطاع حديثه عمن سمينا ممن تكلم فيه أهل العلم بالحديث).

وأخرج الدارقطني (2548)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9866)، عن ابن عباس، في حمام الحرم:«في الحمام شاة، وفي بيضتين درهم، وفي النعامة جزور، وفي البقرة بقرة، وفي الحمار بقرة» ، وإسناده ضعيف، فيه أبو مالك الجنبي وهو لين الحديث، وبه ضعف الألبانيُّ الأثرَ، ونقل ابن الملقن عن البيهقي تحسينه في المعرفة، وتابعه على ذلك.

وأخرج الطبري في التفسير (8/ 711)، وابن أبي حاتم في التفسير (6814)، والبيهقي في الكبرى (9865)، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:«وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه؛ فعليه بدنة من الإبل» ، وإسناده حسن، قال في التلخيص:(عن ابن عباس بسند حسن). ينظر: البدر المنير 6/ 394، التلخيص الحبير 2/ 597، الإرواء 4/ 241.

(4)

قوله: (لها) سقط من (أ).

(5)

قال في المغني 3/ 441: (وحَكَم عمر فيه ببقرة)، ولم نقف عليه، قال الألباني في الإرواء 4/ 241:(لم أقف عليه عن عمر).

ص: 203

لأنَّها شبيهٌ

(1)

به.

وعنه: بدنةٌ، وقاله أبو عبيدةَ وابنُ عبَّاسٍ

(2)

.

(وَبَقَرَتِهِ)؛ أي: في بقرة الوحش: بقرةٌ، قضى به ابن مسعود

(3)

، وقاله عطاء وقتادة.

وعنه: لا جزاء لبقرة وحش؛ كجاموسٍ.

(وَالإِيَّلِ)، بكسر الهمزة وفتح الياء

(4)

مشدَّدة: الذَّكر من الأوعال، فيه بقرةٌ؛ لقول ابن عبَّاسٍ

(5)

.

(وَالثَّيْتَلِ)، هو الوعل المسنُّ، (وَالْوَعَلِ)، هو تَيس الجبل وجمعه: وُعولٌ: (بَقَرَةٌ)، قال الأصحاب

(6)

: كالإيَّل

(7)

.

(1)

في (د): شبيهة، وفي (و): شبهه.

(2)

تقدم قريبًا 4/ 203 حاشية (3) تخريج أثر ابن عباس رضي الله عنهما.

وأثر أبي عبيدة: ذكره في المغني 3/ 539، وتبعه جماعة من الأصحاب، ولم نقف عليه من قول أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وإنما روي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، أخرجه عبد الرزاق (8213)، عن عبد الله بن محرر قال: سمعت قتادة يقول: كتب أبو مليح بن أسامة إلى أبي عبيدة بن عبد الله يسأله عن حمار الوحش يصيبه المحرم، فكتب إليه:«أن فيه بدنة» ، أو قال:«بقرة» ، وعبد الله بن محرر الجزري متروك.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (8209)، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن مسعود قال:«في البقرة الوحش: بقرة» ، وهذا منقطع، قال ابن حبان في الثقات 6/ 480 عن الضحاك: (لم يشافه أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

قوله: (الياء) سقط من (و).

(5)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 211)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9867)، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، أنه قال:«في بقرة الوحش بقرة، وفي الإيل بقرة» ، والضحاك لم يثبت له سماع من أحد من الصحابة كما قال ابن حبان. ينظر: الثقات 6/ 480.

(6)

زيد في (د) و (و): هو.

(7)

في (د) و (ز): كالإبل.

ص: 204

وعنه: في كلٍّ منها

(1)

بدنةٌ، ذكرها في «الواضح» .

وفي «صحاح الجوهري» : والوعَل هي: الأروى

(2)

، وعن ابن عمر:«فيها بقرةٌ»

(3)

، وهو من أولاد البقر ما بلغ أن يُقبَض على قرنه، ولم يبلغ أن يكون ثورًا

(4)

.

(وَفِي الضَّبُعِ: كَبْشٌ)؛ لما روى أبو داود بإسناده عن جابِرٍ قال: سألتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الضَّبُع، فقال:«هو صَيدٌ، وفيه كبشٌ إذا صاده المحرِم» ، وروى ابن ماجه والدَّارَقُطْنيُّ عن جابرٍ نحوه مرفوعًا

(5)

، وقضى به عمر وابن عبَّاسٍ

(6)

.

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): منهما.

(2)

ينظر: الصحاح 5/ 1843.

(3)

قال ابن قدامة في الكافي 1/ 501: (قال ابن عمر: «في الأروى بقرة»)، ولم نقف عليه.

(4)

في (أ): قدرًا.

(5)

أخرجه أحمد (14425)، وأبو داود (3801)، والترمذي (1791)، والنسائي (2836)، وابن ماجه (3236)، وابن خزيمة (2648)، وابن حبان (3964)، والدارقطني (2544)، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه البخاري وابن حبان والألباني. ينظر: الإرواء 4/ 242.

(6)

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن (503)، ورواية أبي مصعب الزهري (1244)، ورواية سويد الحدثاني (588)، ومن طريق مالكٍ: الشافعي في الأم (2/ 211، 227)، وعبد الرزاق (8224)، والطحاوي في مشكل الآثار (9/ 96)، والبيهقي في الكبرى (9878)، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله:«أن عمر قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة» ، وإسناده صحيح، وخالفهم يحيى بن يحيى فرواه عن مالك في الموطأ (1/ 414)، عن أبي الزبير، أن عمر بن الخطاب هكذا مرسلاً. وهو من أوهامه، وقد رواه عن أبي الزبير أيضًا جماعة، فأخرجه الشافعي في الأم (2/ 211)، والطحاوي في مشكل الآثار (9/ 96)، من طريق ابن عيينة، عن أبي الزبير به، وجعل مكان:«وفي الغزال بعنز» قوله: «وفي الظبي شاة» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (15618)، والطحاوي في مشكل الآثار (9/ 96)، من طريق ابن عون، عن أبي الزبير به، بمثل لفظ ابن عيينة، وأخرجه مسدد كما في المطالب العالية (1281)، والبيهقي في الكبرى (9887)، من طريق أيوب، عن أبي الزبير به، بمثل لفظ ابن عيينة. وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (8225)، ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط (920)، وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 211)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9882)، عن عطاء، أنه سمع ابن عباس يقول:«في الضبع كبش» ، وإسناده صحيح.

ص: 205

وقال الأوزاعيُّ: كان العلماء بالشَّام يعدونها من السِّباع، ويكرهون أكلها

(1)

، قال في «المغني» و «الشَّرح»: وهو القياس، إلاَّ أنَّ اتباع السُّنَّة والآثار أَوْلَى.

(وَفِي الغَزَالِ): عنْزٌ، قضى به عمر

(2)

، وابن عبَّاسٍ

(3)

، ورُوي عن علِيٍّ

(4)

، وقاله عطاءٌ، قال ابن المنذر:(ولا نحفظ عن غيرهم خلافَه)

(5)

؛

(1)

ينظر: المغني 3/ 442.

(2)

في (أ): ابن عمر. وأثر عمر تقدم تخريجه قريبًا 4/ 205 حاشية (6).

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 211)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (10516)، عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال:«في الظبي تيس أعفر، أو شاة مسنة» ، مرسل، كان شعبة ينكر أن يكون الضحاك لقي ابن عباس، وسئل أحمد بن حنبل: الضحاك لقي ابن عباس؟ قال: ما علمت. ينظر: جامع التحصيل ص 199.

وأخرج أبو يوسف في الآثار (516)، عن أبي حنيفة، عن قيس، عن أبي بكر بن أبي موسى، قال: بينا أنا جالس عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال: إني أصبت ظبيًا وأنا محرم. فقال: «فإني أحكم عليك أنا وأبو بكر بشاة» ، وقيسٌ لعله بن مسلم الجدلي، فإن أبا حنيفة يروي عنه، وهو ثقة، فالإسناد حينئذ صحيح. ويعكر عليه ما أخرجه عبد الرزاق (8821)، عن أبي حنيفة، عن قيس بن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه. ولم نجد في الرواة من اسمه قيس بن أبي بكر بن أبي موسى، فالله أعلم.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (8238)، والشافعي في الأم (2/ 212)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (10517)، من طريق سماك بن حرب، عن عكرمة أن رجلاً أصاب ظبيًا، وهو محرم فأتى عليًّا فسأله، فقال:«أَهدِ كبشًا من الغنم» ، وهو مرسل ضعيف، عكرمة لم يدرك عليًّا رضي الله عنه، ورواية سماك عن عكرمة مضطربة، والأثر ضعفه الشافعي، قال البيهقي:(لانقطاعه، فإن عكرمة لم يدرك عليًّا).

(5)

لم نقف عليه في كتب ابن المنذر، والذي في الإشراف 3/ 237:(باب الظبي يصيبه المحرم: ثبت عن عمر بن الخطاب أنه قال: فيه شاة، ورُوي ذلك عن علي، وقال عطاء وعروة بن الزبير والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي: فيه شاة. وكذلك نقول، ولا يحفظ فيه عن غيرهم خلاف)، ونقله بنحوه في المغني 3/ 442.

فقول ابن المنذر: (في الظبي شاة)، هو الموافق لنص أحمد في رواية عبد الله ص 277، وأبي داود ص 177، وأبي طالب كما في التعليقة 2/ 317.

وفي الفروع 5/ 497، وتبعه في الإقناع 1/ 373:(الظبي هو الغزال)، قال في الفروع: فيه شاة، وفي الإقناع: فيه عنز، وقال:(وهو الأنثى من المعز).

ص: 206

لأنَّ فيه شبهًا بالعنز؛ لأنَّه أجرد الشَّعر مُتقلِّص

(1)

الذَّنَب.

(وَالثَّعْلَبِ: عَنْزٌ)؛ لأنَّه كالغزال، وسبق أنَّ الأشهر: يجب فيه الجزاء، وإن حرَّمنا أكله؛ تغليبًا للتَّحريم، كما وجب الجزاء في المتولِّد من المأكول وغيره.

وعنه: فيه شاة؛ لأنَّه أعظم من الغزال إذا قلنا بإباحته، وإلاَّ فلا شَيءَ فيه على المذهب.

(وَفِي الْوَبْرِ)، بسكون الباء: دُوَيِّبةٌ أصغرُ من السِّنَّوْر، كحْلاء، ولا ذنَبَ لها، (وَالضَّبِّ)، حيَوانٌ صغيرٌ له ذنَبٌ شبيهٌ بالحرذون

(2)

: (جَدْيٌ)، قضَى به عمر وعبد الرَّحمن بن عوف في الضَّب

(3)

.

(1)

في (أ): مقتلص.

(2)

الحرذون: دويبة، بكسر الحاء. ويقال هو ذكر الضب. ينظر: الصحاح 5/ 2098.

(3)

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في الأم (2/ 212)، وعبد الرزاق (8221)، وابن أبي شيبة (15616)، وسعيد بن منصور كما في شرح العمدة (5/ 16)، والبيهقي في الكبرى (9864)، عن طارق بن شهاب قال: خرجنا حجاجًا، فأوطأ رجل منا يقال له: أربد ضبًّا ففزر ظهره، فقدمنا على عمر رضي الله عنه فسأله أربد، فقال عمر:«احكم يا أربد فيه» ، فقال:«أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم» ، فقال عمر رضي الله عنه:«إنما أمرتك أن تحكم فيه، ولم آمرك أن تزكيني» ، فقال أربد:«أرى فيه جديًا قد جمع الماء والشجر» ، فقال عمر رضي الله عنه:«فذلك فيه» ، وإسناده صحيح كما قال النووي وابن حجر. ينظر: المجموع 7/ 425، التلخيص الحبير 2/ 598.

وأثر عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: لم نقف عليه، ولم يتابعه أحد من الأصحاب في ذكره عن عبد الرحمن بن عوف، وإنما يذكرونه عن عمر وأربد رضي الله عنهم، ولعله وهم في ذكره، فقد رُوي عن عمر وعبد الرحمن بن عوف أنهما حكما في قصة مشابهة في ظبي بعنز، أخرجها مالك (1/ 414)، من طريق ابن سيرين.

ص: 207

وعنه: شاة

(1)

، وقاله

(2)

جابِرٌ وعطاء

(3)

.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ الجدْيَ أقرب إليه من الشَّاة.

وأمَّا الوبر فبالقياس على الضب، وفي «المغني»: فيه شاة، وحكاه عن مجاهد وعطاء

(4)

.

وقال القاضي: فيه جَفْرةٌ؛ لأنَّه ليس بأكبر منها.

(وَفِي الْيَرْبُوعِ)، قال أبو السَّعادات: هو الحيوان

(5)

المعروف، وقيل: هو نوع من الفأر

(6)

: (جَفْرَةٌ)، قضى به عمرُ، وابنُ مسعودٍ، وجابِرٌ

(7)

، وهي من

(1)

قوله: (لأنه أعظم من الغزال إذا قلنا بإباحته

) إلى هنا سقط من (و).

(2)

في (أ): وقال، وفي (د) و (و): قاله.

(3)

لم نقف على أثر جابر رضي الله عنه، وأثر عطاء أخرجه الشافعي في الأم (2/ 212)، بسند حسن.

(4)

أخرجهما عبد الرزاق (4/ 405).

(5)

في (و): الحسوان.

(6)

ينظر: النهاية 5/ 295.

(7)

تقدم تخريج أثر عمر رضي الله عنه 4/ 205 حاشية (6).

وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (8217)، والشافعي في الأم (2/ 227)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9858)، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود:«أن ابن مسعود قال في رجل طَرَح على يربوع جوالقًا فقتله وهو محرم، حكم فيه جفرًا» ، وهو مرسل صحيح، ورواية أبي عبيدة عن أبيه محمولة على الاتصال كما قال يعقوب بن سفيان وغيره.

وأخرجه الشافعي في الجزء الملحق بالأم (7/ 254)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9888)، عن مجاهد:«أن ابن مسعود حكم في اليربوع بجفرٍ أو جفرة» . وهو مرسل صحيح أيضًا، قال البيهقي:(وهاتان الروايتان عن ابن مسعود رضي الله عنه مرسلتان إحداهما تؤكد الأخرى).

وأثر جابر رضي الله عنه: لم نقف عليه، وإنما رُوي عنه عن عمر كما تقدم 4/ 205 حاشية (6)، ومرفوعًا كما سيأتي 4/ 209 حاشية (6).

ص: 208

أولاد المعْز، (لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ)، قال أبو

(1)

الزُّبَير: (هي التي فُطِمت ورَعتْ)

(2)

.

(وَفِي الْأَرْنَبِ: عَنَاقٌ)، قضى به عمر، ورواه مالكٌ بإسناده

(3)

عن جابر عنه

(4)

، وعن جابر

(5)

: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «فِي الأرنب عَناقٌ، وفي اليربوع جَفرةٌ» رواه الدَّارَقُطنيُّ

(6)

، والعَناق: الأنثى من ولد المعز، أصغر من الجفرة.

(وَفِي الْحَمَامِ، وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ: شَاةٌ)، حكم به عمر، وابنه، وعثمان، وابن عبَّاسٍ

(7)

، قال الأصحاب: هو إجماع الصَّحابة، وليس ذلك

(1)

في (و): ابن. والمثبت هو الصواب كما في الدارقطني، وهو محمد بن مسلم المكي الراوي عن جابر.

(2)

ينظر: سنن الدارقطني 3/ 275.

(3)

في (أ): بإسناد.

(4)

تقدم تخريجه 4/ 205 حاشية (6).

(5)

قوله: (عنه، وعن جابر) سقط من (أ) و (ب).

(6)

أخرجه الدارقطني (2546)، والبيهقي في الكبرى (9879)، من طريق الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر، ورجح الدارقطني والبيهقي وابن طاهر المقدسي وغيرهم وقفه، قال الدارقطني:(رواه أصحاب أبي الزبير، عن أبي الزبير، عن جابر، عن عمر، قوله غير مرفوع، منهم أيوب وابن عون وهشام بن حسان والأوزاعي وصخر بن جويرية وسفيان بن عيينة والليث بن سعد، والموقوف أصح من المسند). ينظر: علل الدارقطني 2/ 97، ذخيرة الحفاظ 2/ 1003، الإرواء 4/ 245.

(7)

أثر عمر وعثمان رضي الله عنهما: أخرجه الشافعي في الأم (2/ 214)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10002)، وأخرجه الفاكهي في أخبار مكة (2270)، عن طلحة بن أبي حفصة، عن نافع بن عبد الحارث قال: قدم عمر بن الخطاب مكة، فدخل دار الندوة في يوم الجمعة، وأراد أن يستقرب منها الرواح إلى المسجد، فألقى رداءه على واقف في البيت، فوقع عليه طير من هذا الحمام، فأطاره، فانتهزته حية فقتلته، فلما صلى الجمعة دخلت عليه أنا وعثمان بن عفان، فقال:«احكما عليَّ في شيء صنعته اليوم، إني دخلت هذه الدار وأردت أن أستقرب منها الرواح إلى المسجد، فألقيت ردائي على هذا الواقف، فوقع عليه طير من هذا الحمام، فخشيت أن يلطخه بسلحه فأطرته عنه، فوقع على هذا الواقف الآخر، فانتهزته حية فقتلته، فوجدت في نفسي أني أطرته من منزلة كان فيها آمنًا إلى موقعة كان فيها حتفه» ، فقلت لعثمان: كيف ترى في عنز ثنية عفراء نحكم بها على أمير المؤمنين؟ قال: «إني أرى ذلك» ، فأمر بها عمر. وهذا لفظ الشافعي، وسقط في رواية الفاكهي ذكر نافع بن عبد الحارث. وطلحة بن أبي حفصة، ويقال: ابن أبي خصفة، نقل الحافظ في تعجيل المنفعة ص 690 عن الحسيني أنه قال في تذكرته:(مجهول)، وقد حسن الحافظ إسناده في التلخيص 2/ 599، ولعله لما معه من شواهد.

وأخرج ابن أبي شيبة (13220)، والطبري في تهذيب الآثار - مسند ابن عباس - (27)، والفاكهي (2261)، عن الحكم، عن شيخ من أهل مكة:«أن حمامًا كان على البيت، فخري على يد عمر، فأشار بيده فطار، فوقع على بعض بيوت أهل مكة، فجاءت حية فأكلته، فحكم عمر على نفسه شاة» ، وإسناده صحيح إلى الرجل المبهم.

وأخرج عبد الرزاق (8267)، والشافعي في الأم (2/ 214)، والفاكهي (3/ 370)، والأزرقي (2/ 142)، عن مجاهد:«أن عمر مرَّ بحمامة، فطارت فوقعت على المروة، فأخذتها حية فقتلتها، فجعل عمر فيها شاة» ، وهو مرسل صحيح، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، فالأثر ثابت عن عمر رضي الله عنه.

وأخرج عبد الرزاق (8284)، عن عطاء:«أن عثمان بن عفان انطلق حاجًّا، فأغلق الباب على حمام، فوجدهن قد متن، فقضى في كل حمامة شاة» ، وهو مرسل، عطاء لم يسمع من عثمان.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (8273)، وابن أبي شيبة (13212)، والفاكهي في أخبار مكة (2266)، والبيهقي في الكبرى (10007)، عن عطاء ويوسف بن ماهك: أن رجلاً أغلق بابه على حمامة وفرخيها، ثم انطلق إلى عرفات ومنى، فرجع وقد مَوَّتَتْ، فأتى ابن عمر، فذكر ذلك له؛ فجعل عليه ثلاثًا من الغنم، وحكم معه رجل»، وإسناده صحيح.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (8264)، والشافعي في الأم (2/ 214)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10005)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 141)، والفاكهي (2269)، عن عطاء قال: جاء عبد الله بن عثمان بن حميد إلى ابن عباس فقال: إن ابني قتل حمامة بمكة، فقال ابن عباس:«ابتغ شاة فتصدق بها» ، زاد الشافعي: قال ابن جريج: فقلت لعطاء: أمن حمام مكة؟ قال: نعم. إسناده صحيح، وقد اختُلف في اسم عبد الله بن عثمان بن حميد.

ص: 209

على وجه القيمة؛ لما سبق، ولاِخْتِلاف القيمة بالزَّمان والمكان والسعر وصفة

ص: 210

المتلَف، ولم يوصف، ولم يسألوا عنه، مع أنَّ م

(1)

وافق في حمام الحرم دون الإحرام.

والقياس يقتضي القيمة في كل طير، تركناه في حمام الحرم؛ لما تقدَّم، فيبقى ما عداه على الأصل، قلنا: وقد رُوي عن ابن عبَّاسٍ: «أنَّه قضى في حمامة حال الإحرام بشاة»

(2)

؛ لأنَّها حمامة مضمونة لحق

(3)

الله، فضمنت بشاة؛ كحمامة الحرم.

وقوله: (كُلُّ مَا عَبَّ) بالعين المهملة؛ أي: وضع منقاره في الماء، فيَكرَع كما تكرع

(4)

الشَّاة، ولا يأخذ قطرةً قطرة كالدَّجاج والعصافير، (وَهَدَر) أي: صوَّت، وإنما أوجبوا فيه شاة؛ لشبهه في كرع الماء، ولا يشرب كبقية الطُّيور، ومن هنا قال أحمد في رواية ابن القاسم وسندي:(كل طير يعبُّ الماء كالحمام: فيه شاة)

(5)

فيدخل فيه: الفواخت، والقمري، والقطا، ونحوها؛ لأنَّ العرب تسميها حمامًا.

(1)

ينظر: المدونة 1/ 450.

(2)

في (د) و (ز) و (و): شاة. وأثر ابن عباس رضي الله عنهما لم نقف عليه، وقد ذكره في المغني 3/ 543 وتبعه في الشرح 9/ 14 والمؤلف وغيرهما، وقال الألباني في الإرواء 4/ 247:(لم أقف عليه بهذا اللفظ)، وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أثران في الحمام حال الإحرام:

الأول: ما أخرجه البيهقي في الكبرى (10004)، عن ابن عباس:«أنه جعل في حمام الحرم على المحرم والحلال في كل حمامة شاة» ، وصحح الألباني إسناده، وهو حسن، فجميع رجاله ثقات إلا الحسن بن علي بن عفان فصدوق.

والثاني: ما رواه البيهقي في الكبرى (10010)، عن عطاء، عن ابن عباس قال:«ما كان سوى حمام الحرم ففيه ثمنه إذا أصابه المحرم» ، وصحح الألباني إسناده وهو كما قال.

(3)

في (و): حق.

(4)

في (و): يكرع.

(5)

ينظر: التعليقة 2/ 325.

ص: 211

(وَقَالَ الْكِسَائِيُّ

(1)

: كُلُّ مُطَوَّقٍ حَمَامٌ)، فعلى هذا يكون الحَجَل من الحمام؛ لأنه مطوَّق.

(النَّوْعُ الثَّانِي: مَا لَمْ تَقْضِ

(2)

الصَّحَابَةُ لَهُ

(3)

بشَيءٍ، (فَيُرْجَعُ) فيه (إِلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ)؛ لقوله تعالى:{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المَائدة: 95]، وظاهره: لا يكفي واحدٌ، (مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ)؛ لأنَّه لا يتمكَّن من الحكم بالمثل إلاَّ بها، ولاعتبارها بكل ما يحكم به، فيَعتبران الشبه خلقة لا قيمة؛ كفعل الصَّحابة.

وظاهره: أنه لا يشترط فقهه؛ لأنَّه زيادةٌ على النص.

(وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَهُمَا)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لظاهر الآية، وروي

(5)

: «أن عمر أمر كعب الأحبار أن يحكم على نفسه في الجرادتين اللَّتَين صادهما وهو محرِمٌ»

(6)

، ولأنَّه حقٌّ يتعلَّق به حقٌّ آدمي؛ كتقويمه عرض التجارة لإخراجها.

(1)

ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 183، المطلع ص 218.

(2)

في (و): ما لم يقض.

(3)

قوله: (الصحابة له) في (ب) و (د) و (ز) و (و): فيه الصحابة، وهو الموافق للنسخ الخطية للمقنع.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2238.

(5)

في (د): روي.

(6)

أخرجه مالك (1/ 416)، عن يحيى بن سعيد: أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب، فسأله عن جرادات قتلها وهو محرم، فقال عمر لكعب:«تعال حتى نحكم» ، فقال كعب: درهم. فقال عمر لكعب: «إنك لتجد الدراهم، لتمرة خير من جرادة» ، وهذا مرسل.

وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 215)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10011)، وأخرجه مسدد كما في المطالب العالية (1276)، ومن طريقه إبراهيم الحربي في غريب الحديث (1/ 330)، عن ابن جريج، عن يوسف بن ماهك، أن عبد الله بن أبي عمار أخبره: أنه أقبل مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في أناس محرمين، وذكر القصة بطولها، فيها قول عمر:«بخٍ، درهمان خير من مائة جرادة، اجعل ما جعلت في نفسك» ، وإسناده جيد، إلا أن ابن جريج مدلس وقد عنعنه، وتابعه أبو بشر جعفر بن إياس، أخرجه سعيد بن منصور كما في المحلى (5/ 255)، من طريق أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، قال كعب: وذكر نحوه. فصح الأثر عن عمر رضي الله عنه، وأصل القصة أخرجها عبد الرزاق (8247)، وابن أبي شيبة (15626)، والطحاوي في أحكام القرآن (1718)، بإسناد صحيح.

ص: 212

وكذا يجوز أن يكونا القاتلين

(1)

.

وقيَّده ابن عقيل: بما إذا قتله خطأ؛ لأنَّ العمد ينافي العدالة، أو جاهلاً بتحريمه؛ لعدم فسقه، قال في «الشرح»: وعلى قياسه قتله لحاجة أكله.

(وَيَجِبُ

(2)

فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَبِيرِ والصَّغِيرِ، وَالصَّحِيحِ وَالمَعِيبِ)، والذَّكر والأنثى، والحائل؛ (مِثْلُهُ)؛ للآية، ولأنَّ ما ضمن باليد والجناية يختلف

(3)

ضمانه بذلك كالبهيمة.

وقياس قول أبي بكرٍ في الزَّكاة: يضمن معيبًا بصحيحٍ، ذكره الحلوانيُّ، وخرَّجه في «الفصول» احتمالاً من الرواية هناك، وفيها تعيين الكبير أيضًا، فمثله هنا.

وجوابه: أنَّ الهدي في الآية مقيَّدٌ بالمثل، وقد أجمع الصَّحابة على إيجاب ما لا يصلح هديًا؛ كالجفرة والعناق، ولا يجري

(4)

مجرى الضَّمان، بدليل أنَّها لا تتبعض في أبعاضه، لكن إن فدى المعيب بصحيحٍ؛ فهو أفضل بلا نزاعٍ.

(إِلاَّ المَاخِضَ)؛ أي: الحامل التي دنا وقتُها، وليس بمراد، بل العبرة بالحمل، (تُفْدَى

(5)

بِقِيمَةِ مِثْلِهَا)، قاله القاضي، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ قيمتها أكثر من قيمة لحمها.

(1)

في (د) و (ز) و (و): العاملين.

(2)

قوله: (ويجب) سقط من (و).

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): مختلف.

(4)

في (و): ولا يجزئ.

(5)

في (و): تقضى.

ص: 213

(وَقَالَ

(1)

أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ فِيهَا مِثْلُهَا)، هذا هو المذهب؛ للآية، ولأنَّ إيجاب القيمة عدولٌ عن المثل مع إمكانه، وذلك خلاف المنصوص.

وقيل: تُفدى بحائلٍ؛ لأنَّ هذه الصِّفة لا تزيد في لحمها؛ كلونها.

تنبيهٌ: إذا جنى على ماخض، فألقت جنينها ميتًا؛ ضمن نقص الأمِّ فقط، كما لو جرحها؛ لأنَّ الحمل في البهائم زيادةٌ.

وفي «المبهج» : إذا صاد حاملاً؛ فإن تلف حملها ضمنه.

وفي «الفصول» : يضمنه إن تهيأ لنفخ الرُّوح؛ لأنَّ الظاهر أنه يصير حيوانًا، كما يضمن جنين امرأةٍ بغرَّةٍ.

وإن خرج حيًّا، ثمَّ مات؛ وجب جزاؤه. قال في «الشرح»: ومثله يعيش.

وقيل: يضمنه ما لم يحفظه إلى أن يطير؛ لأنَّه مضمونٌ وليس بممتنعٍ.

(وَيَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ بِأَعْوَرَ مِنْ أُخْرَى)؛ لأنَّه اختلافٌ يسيرٌ، ونوع

(2)

العيب واحدٌ، وإنَّما اختلف محلُّه، ومثله أعرج

(3)

من قائمةٍ بأعرج من أخرى.

وظاهره: أنه لا يجوز فداء أعور بأعرج، وعكسه؛ لعدم المماثلة.

(وَفِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى)؛ لأنَّ لحمَها أطيبُ وأرطبُ، قال جماعةٌ: بل هو

(4)

أفضلُ.

(وَفِي فِدَائِهَا بِهِ وَجْهَانِ)، كذا في «الشَّرح» و «الفروع»: أحدهما: يجوز، وهو ظاهر «الوجيز» ؛ لأنَّ لحمَه أوفرُ، وهي أطيبُ، فيتساويان.

(1)

في (د): فقال.

(2)

في (د) و (و): اختلاف يسترد نوع.

(3)

في (و): الجرح.

(4)

في (أ): هي.

ص: 214

والثَّانِي: المنعُ؛ لأنَّ زيادته

(1)

ليست من جنس زيادتها

(2)

، أشبه فداء المعيب من

(3)

نوعٍ آخَرَ، وكالزَّكاة.

(1)

في (أ): زيادتها.

(2)

في (أ): زيادته.

(3)

في (ز): لمن.

ص: 215

(فَصْلٌ)

(الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا مِثْلَ

(1)

لَهُ، وَهُوَ سَائِرُ الطَّيْرِ) إذا كان دون الحمام، (فَفِيهِ

(2)

قِيمَتُهُ)؛ لما روى النجاد عن ابن عبَّاسٍ قال: «ما أصيب من الطَّير دون الحمام؛ ففيه الدية»

(3)

؛ أي: يضمنه بقيمته في موضعه الذي أتلفه فيه؛ كمال الآدَمِيِّ. (إِلاَّ مَا كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْحَمَامِ)؛ كالكركي والإوز والحُبارى، (فَهَلْ تَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ

(4)

، أَوْ شَاةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «الشَّرح» و «الفروع»:

أحدُهما: يضمنه بقيمته، وهو ظاهر «الوجيز» ؛ لأنَّه القياس، تركناه في الحمام؛ لقضاء الصَّحابة

(5)

.

ولا يجوز إخراج القيمة، بل طعامًا. وقيل: بلى.

والثَّاني: تجب شاةٌ، روي عن ابن عبَّاسٍ

(6)

وعَطاء، وكالحمام بطريق الأَوْلَى.

(1)

في (أ): لا مثيل.

(2)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): تجب فيه.

(3)

أخرجه النجاد كما في التعليقة (2/ 326)، من طريق عكرمة، عن ابن عباس بلفظ:«ما أُصيب من الطير دون الحمام؛ ففيه الفدية» ، وأخرجه البيهقي في الكبرى (10010)، عن عطاء، عن ابن عباس قال:«ما كان سوى حمام الحرم؛ ففيه ثمنه إذا أصابه المحرم» ، وإسناده صحيح.

(4)

في (و): قيمة.

(5)

تقدم تخريجه عنهم 4/ 209 حاشية (7).

(6)

أخرجه عبد الرزاق (8281)، والفاكهي في أخبار مكة (2259)، عن ابن عباس قال:«في الوحظي أو شبهه، والدبسي، والقطاة، والحبارى، والقماري، والحجل: شاة شاة» ، وفيه محمد بن أبي ليلى وهو ضعيف الحديث.

ص: 216

(وَإِنْ

(1)

أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ صَيْدٍ)، أو تلف في يده؛ (فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) إن لم يكن مِثْلِيًّا؛ لأنَّ ما ضُمِنتْ جملتُه؛ ضُمِنتْ أبعاضُه كالآدَمِيِّ، فيقوَّم الصَّيد سليمًا، ثمَّ مجنيًّا عليه، فيجب ما بينهما؛ بأن كانت قيمته أوَّلاً عشرة، وثانيًا ثمانيةً؛ فالواجب درهمان.

(أَوْ قِيمَةُ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا)، هذا هو المجزوم به عند الأكثر؛ لأنَّ الجزء يشق

(2)

إخراجه، فيمتنع إيجابه، ولهذا عدل الشَّارع في خمسٍ من الإبل إلى الشَّاة، فيقوَّم المثل سليمًا بعشرةٍ مَثلاً

(3)

، ومعيبًا بستَّةٍ، فيكون الواجب ستَّةً

(4)

.

وظهر بذلك الفرق بين التَّقويمين؛ لأنَّ المثل قد ينقص شيئًا لا ينقص الصَّيد بقدره.

وتحقيقه: أنَّه لو جَنَى على نعامةٍ قيمتُها صحيحةً: عشرون، ومقطوعةً يدُها: خمسةَ عَشَرَ، فالنُّقصانُ الرُّبع، وإذا نظرت إلى مثلها -وهي البدنة- فقيمتها مَثلاً سليمة مائة، ومقطوعة يدها خمسون، فالنقصان النصف، فلو اعتبر نفس الصيد كان الواجب خمسة، ولو اعتبر المثل كان الواجب خمسين.

والوجه الثَّاني: أنَّه يضمن بمثله؛ لأنَّ ما وجب ضمان جملته بالمثل وجب في بعض مثله كالمكيلات.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ المشقَّة هنا غير

(5)

ثابتةٍ؛ لوجود الخيرة

(6)

له في

(1)

في (د): لأن.

(2)

في (و): يشتق.

(3)

قوله: (مثلاً) سقط من (و).

(4)

كذا في جميع النسخ، والذي في الممتع شرح المقنع 2/ 154:(أربعة).

(5)

في (ز): فتخير.

(6)

في (د) و (ز) و (و): الحرة.

ص: 217

العدول عن المثل إلى عدله من الطَّعام أو الصِّيام، فينتفي المانع.

(وَإِنْ نَفَّرَ صَيْدًا فَتَلِفَ بِشَيْءٍ؛ ضَمِنَهُ)؛ لأنَّ «عمر دخل دار النَّدوة، فعلَّق رداءه، فوقع عليه حمام، فخرجت حيَّةٌ فقتلته، فسأل من معه، فحكم عليه عثمان بشاةٍ» رواه الشَّافعي

(1)

.

وكذا إن جرحه فتحامل فوقع في شيءٍ تلف به؛ لأنَّه تلف بسببه.

أمَّا إن نفره إلى مكان فأكنَّ

(2)

به، ثمَّ تلف؛ فلا ضمان في الأشهر.

(وَإِنْ

(3)

جَرَحَهُ فَغَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ خَبَرَه؛ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ) إذا كان الجرح غير موحٍ؛ لأنَّا لا نعلم حصول التَّلف بفعله، فنقوِّمه صحيحًا وجريحًا جراحة

(4)

غير مندملةٍ، فيجب ما بينهما.

فإن كان سُدسه، وهو مثليٌّ؛ فقيل: يجب سُدس مثله، وقيل: قيمة

(5)

سُدس مثله، وقيل: يضمن

(6)

كلَّه.

فلو كان موحيًا وغاب غير مندمِلٍ؛ فعليه جزاؤه؛ كقتله.

وذكر القاضي وأصحابه في كتب الخلاف: إذا جرحه وغاب، وجهل خبره؛ فعليه جزاؤه؛ لأنَّه سبب للموت.

(وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَهُ

(7)

مَيْتًا، وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ بِجِنَايَتِهِ)؛ لما ذكرنا، وقيل: يضمن

(8)

كله؛ إحالةً للحكم على السَّبب المعلوم، كما لو وقع في الماء

(1)

تقدم تخريجه 4/ 209 حاشية (7).

(2)

في (و): فأكر.

(3)

في (د) و (و): فإن.

(4)

في (و): بجراحة.

(5)

قوله: (وقيل: قيمة) في (و): وقيمة.

(6)

في (د) و (و): يضمنه.

(7)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): وجد.

(8)

قوله: (وقيل: يضمن) في (و): وفيمن.

ص: 218

نجاسةٌ فوجده متغيِّرًا بها، وهذا أقْيَسُ كنظائره.

(وَإِنِ انْدَمَلَ)؛ أَيْ صلح (غَيْرُ مُمْتَنِعٍ؛ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ)؛ لأنَّه عطَّله، فصار كتالِفٍ

(1)

وكجرح تيقن به موته.

وقيل: يضمن ما نقص؛ لئلاَّ يجب جَزَاءان لو قتله محرِمٌ آخَرُ.

فلو جرحه جرحًا غير موحٍ فوقع في ماءٍ، أو تردَّى فمات؛ ضمنه كلَّه؛ لتلفه بسببه.

وعلم منه: أنَّ الصَّيد يُضمن

(2)

بما يُضمن

(3)

به الآدميُّ من مباشَرةٍ أو سببٍ.

(وَإِنْ نَتَفَ رِيشَهُ)، أو شعره، أو وبره، (فَعَادَ)، بأن حفظه وأطعمه وسقاه؛ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لأنَّ النَّقص زال، أشبه ما لو اندمل الجرح.

(وَقِيلَ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الرِّيشِ)؛ لأنَّ الثَّانِيَ غيرُ الأوَّل، فإن صار غير ممتنعٍ بنتف الريش فهو كالجرح، وإن غاب ففيه ما نقص، لا كل الجزاء.

(وَكُلَّمَا قَتَلَ صَيْدًا؛ حُكِمَ عَلَيْهِ) بجزائه؛ لأنَّه إتلافٌ، فوجب أن يتعدَّد

(4)

عليه الحكم بالضمان بتعدُّد الإتلاف؛ كمال الآدميِّ.

والأَوْلَى حملُ كلامه

(5)

هنا على ما إذا تعدَّد قتل الصَّيد، وكان الجزاءُ فيه مختلِفًا؛ كالبدَنة والبقرة والكبش؛ لأنَّه لا

(6)

يمكن تداخله كالحدود، وصونًا له من التكرار، لأنَّه

(7)

سبق ذكر الخلاف فيه.

(1)

في (و): كالتالف.

(2)

في (و): مضمن.

(3)

في (أ) و (ب): ضمن.

(4)

في (و): يتعدى.

(5)

زيد في (و): عليه.

(6)

في (و): ما.

(7)

في (أ): ولأنه.

ص: 219

فرعٌ: يجوز إخراج جزاء الصَّيد بعد جرحه وقبل موته، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأنَّها كفَّارة قتْلٍ، فجاز تقديمها، ككفَّارة قتل الآدميِّ.

(وَإِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ؛ فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ)، هذا هو الصَّحيح؛ لأنَّه تعالى أوجب المثل بقتله، فلا يجب غيره، وهو ظاهر في الواحد والجماعة، والقتل هو الفعل المؤدِّي إلى خروج الرُّوح، وهو فعل الجماعة، لا كلِّ واحدٍ، كقوله: من جاء بعبدي فله درهمٌ، فجاء به جماعةٌ، ولأنَّه «عليه السلام جعل في الضَّبُع كبْشًا»

(2)

، ولم يفرِّق، وهذا قول عمر، وابنه، وابن عباس

(3)

، ولم يعرف لهم مخالف، ولأنَّه جزاءٌ عن مقتولٍ يختلف

(1)

ينظر: المغني 3/ 451.

(2)

سبق تخريجه 4/ 205 حاشية (5).

(3)

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه مالك (1/ 414)، ومن طريقه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 254)، والبيهقي في الكبرى (9995)، عن محمد بن سيرين: أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية، فأصبنا ظبيًا ونحن محرمان، فماذا ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه:«تعال حتى أحكم أنا وأنت» ، قال: فحكما عليه بعنز. قال ابن التركماني في الجوهر النقي 5/ 203: (منقطع؛ ابن سيرين لم يدرك عمر)، وأخرجه أبو بكر النجاد بإسناده كما في التعليقة (2/ 375)، عن سعيد بن المسيب بنحوه مرسلاً، فإن صح الإسناد إليه فهو شاهد قوي لمرسل ابن سيرين، إلا أن القصة وردت بأسانيد صحاح موصولة عن قبيصة بن جابر صاحب القصة، وفيها أن الذي أصاب الصيد رجل واحد، أخرجها عبد الرزاق (8239)، والطبري في التفسير (8/ 683)، والطبراني في الكبير (258)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (458)، والحاكم (5355)، والبيهقي في الكبرى (9862).

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه النيسابوري في الزيادات على المزني (217)، ومن طريقه الدارقطني (2564)، ومن طريقهما البيهقي في الكبرى (9997)، عن حماد بن سلمة، عن عمار مولى بني هاشم: أن موالي لابن الزبير أحرموا، إذ مرت بهم ضبع فحذفوها بعصيهم، فأصابوها، فوقع في أنفسهم، فأتوا إلى ابن عمر فذكروا ذلك له، فقال:«عليكم كبش» ، قالوا: على كل واحد منا كبش؟ قال: «إنكم لمعزز بكم عليكم كلكم كبش» ، وأخرجه عبد الرزاق (8357)، من طريق عثمان بن مطر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن عمار نحوه، وفيه أنه كان حاضرًا الحادثة. وعمار بن أبي عمار مولى بني هاشم صدوق، ورواية عبد الرزاق -إن صحت- تدل على أنه موصول، إلا أن عثمان بن مطر ضعيف الحديث، وطريق النيسابوري جيدة إن ثبت سماع عمار من ابن عمر، ولم يُذكر أنه ممن روى عنه، على أن عمار قد روى عن جماعة من الصحابة، وأشار البيهقي إلى أنه مرسل، فقد أخرج في بيان من أخطأ على الشافعي (ص 235)، من طريق ابن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن عمار، عن رباح: أن موالي لآل الزبير، وذكر نحوه.

وأخرج الشافعي في الأم (2/ 227)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (10655)، أخبرني الثقة، عن حماد بن سلمة، عن زياد مولى بني مخزوم، وذكر نحوه. والثقة عند الشافعي كما هو مقرر: إبراهيم الأسلمي، وهو متروك.

قال البيهقي عن رواية ابن مهدي: (وقال: "عن رباح"، وكذلك رواه سليمان بن حرب، عن حماد فقال: "عن رباح"، فيحتمل أن يكون حماد بن سلمة رواه مرة عن زياد، ومرة عن عمار، ثم أرسله مرة فلم يذكر فيه رباحًا، ووصله مرة فذكر فيه رباحًا).

وأخرج ابن أبي شيبة (15247)، عن ابن جريج، عمن حدثه عن ابن عمر، أنه سئل عن قوم من المشاة قتلوا صيدًا، قال:«عليهم جزاء واحد» ، وإسناده ضعيف، لأجل المبهم.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه النيسابوري في الزيادات على المزني (218)، ومن طريقه الدارقطني (2563)، والدولابي في الكنى (1131)، والبيهقي في الكبرى (9996)، من طريق سعيد بن عبد الرحمن الزبيدي، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوم أصابوا ضبعًا قال:«عليهم كبش يتخارجونه بينهم» ، وإسناده جيد، سعيد بن عبد الرحمن وثقه ابن معين وأبو داود.

ص: 220

باختلافه

(1)

، ويحتمل التَّبعيض، فكان واحدًا كقِيَم المتلفات، وكذا الدِّية، لا كفَّارة القتل على الأصحِّ فيهما، ومتى ثبت اتِّحاد الجزاء في الهدي ثبت في الصَّوم؛ للنَّصِّ.

(وَعَنْهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ)، اختاره أبو بكرٍ، أشبه كفارة قتل الآدميِّ.

(وَعَنْهُ: إِنْ كَفَّرُوا بِالمَالِ؛ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لأنَّ المال ليس بكفَّارةٍ، وإنَّما هو بدلُ مُتْلَفٍ، فلم يكمل؛ كالدية

(2)

.

(1)

في (أ): بإخلافه.

(2)

في (و): بالدية.

ص: 221

(وَإِنْ كَفَّرُوا بِالصِّيَامِ؛ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ)، نقلها الجماعةُ

(1)

، ونصَرها القاضي وأصحابه، وذكرها الحلوانيُّ عن الأكثر؛ لأنَّ الصَّومَ كفَّارةٌ، فوجب أن يكمل في حقِّ الفاعل، ككفَّارة قتل الآدميِّ، بدليل أنَّه تعالى

(2)

عطف على البدل الكفَّارة.

وقيل: لا جزاء على محرمٍ ممسكٍ مع محرِمٍ قاتلٍ، فيلزم منه عدم لزوم المتسبِّب مع المباشر

(3)

.

وقيل: القرار عليه؛ لأنَّه هو الذي جعل فعل الممسِك علة

(4)

، قال في «الفروع»: (وهذا متوجِّهٌ، وجزم به

(5)

ابن شهابٍ أنه على الممسك؛ لتأكده، وأن عكسه المال

(6)

، وفيه نظرٌ.

(1)

ينظر: الفروع 5/ 475.

(2)

في (أ): يقال.

(3)

في (أ) و (ب): المباشرة.

(4)

في (أ): علته.

(5)

قوله: (به) سقط من (أ).

(6)

في (ب) و (ز): الحال، وقوله:(المال) سقط من (و).

ص: 222

(بَابُ صَيْدِ الحَرَمِ وَنَبَاتِهِ)

(وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى

(1)

الْحَلَالِ وَالمُحْرِمِ)، إجماعًا

(2)

، وسنده ما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا أنه قال يوم فتح مكَّة: «إن هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السَّماوات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُختَلَى خلاها، ولا يُعضَد شوكها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط

(3)

لقطتها إلاَّ مَنْ عرَّفها»، فقال العبَّاس: إلاَّ الإذْخِر، فإنَّه لِقَيْنهم وبيوتهم، فقال:«إِلاَّ الإذخر» متَّفقٌ عليه

(4)

.

ويَحرُم على دالٍّ لا يتعلَّق به ضمانٌ.

وعلم منه: أنَّ مكة كانت حرمًا قبل إبراهيم، وعليه أكثر العلماء، وقيل: إنِّما حرِّمت بسؤال إبراهيم، وفي «الصَّحيحين» من غير وجْهٍ:«أنَّ إبراهيم حرَّمها»

(5)

؛ أي: أظهر تحريمها وبيَّنه.

(فَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ صَيْدِهِ شَيْئًا؛ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى المُحْرِمِ فِي مِثْلِهِ)، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأنَّه كصيد الإحرام، ولاستوائهما في التَّحريم، فوجب أن يستويا في الجزاء، فعلى هذا: إن كان الصيد مثليًّا؛ ضمنه بمثله، وإلاَّ بقيمته.

ودل

(7)

على أنَّ كلَّ ما يُضمَنُ في الإحرام؛ يُضمَن في الحرم، إلاَّ القمل،

(1)

قوله: (على) سقط من (و).

(2)

قوله: (إجماعًا) سقط من (و). وينظر: الإجماع لابن المنذر ص 60.

(3)

في (و): ولا يلتقط.

(4)

أخرجه البخاري (1834)، ومسلم (1353).

(5)

أخرجه البخاري (2129)، ومسلم (1360)، من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2240، زاد المسافر 2/ 560.

(7)

في (د) و (و): دل.

ص: 223

فإنَّه مباحٌ في الحرم بغير خلافٍ نعلمه

(1)

؛ لأنَّه حُرِّم في حقِّ المحرم لأجل الترفه

(2)

، وهو مباحٌ في الحرم كالطِّيب ونحوه.

ولا يجوز تملُّكه، نقله الأثرم

(3)

، ذكره القاضي.

ولا يلزم المحرم جزاءان، نَصَّ عليه

(4)

. وقيل: بلى.

فرع: إذا دلَّ مُحِلٌّ حلالاً على صيد في الحرم، فقتله؛ ضَمِنَاه بجزاء

(5)

واحدٍ، نقله الأثرم

(6)

.

(وَإِنْ رَمَى الْحَلَالُ مِنَ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ، أَوْ قَتَلَ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ، أَوْ أَمْسَكَ طَائِرًا فِي الْحَلِّ فَهَلَكَ فِرَاخُهُ فِي الْحَرَمِ؛ ضَمِنَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، وهو قول الأكثر؛ لعموم قوله:«لا يُنفَّر صيدُها»

(7)

، وقد أجمعوا على تحريم صيد الحرم، وهذا من صيده، ولأنَّه أتلف صيدًا حرميًّا فضمنه، كما لو كان في الحرم، ولأنَّ صيده معصومٌ بمحله

(8)

بحرمة الحرم، فلا يختصُّ بمن في الحرم، وحينئذ يضمن الفراخ دون أمِّها؛ لأنِّها من صيد الحِلِّ.

والثَّانية: لا ضمان في ذلك؛ لأن الأصل براءة الذِّمة؛ إذ القاتل حلال في الحِلِّ.

(وَإِنْ قَتَلَ مِنَ الحَرَمِ

(9)

صَيْدًا فِي الْحِلِّ بِسَهْمِهِ أَوْ كَلْبِهِ، أَوْ صَيْدًا عَلَى

(1)

ينظر: المغيني 3/ 317.

(2)

في (ب) و (ز) و (و): الرفه.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 6.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 6.

(5)

في (د) و (و): جزء.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 7.

(7)

أخرجه البخاري (1834)، ومسلم (1353).

(8)

في (أ): محله.

(9)

قوله: (من الحرم) سقط من (أ) و (ب).

ص: 224

غُصْنٍ فِي الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ أَمْسَكَ حَمَامَةً فِي الْحَرَمِ فَهَلَكَ فِرَاخُهَا فِي الْحَلِّ؛ لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)؛ للعموم، ولأنَّ الأصل الإباحة، وليس من صيد الحرم فليس بمعصوم.

والثَّانية: يضمنه

(1)

، اختارها أبو بكرٍ والقاضي وغيرهما؛ اعتبارًا بالقاتل، ولأنه

(2)

قريب من

(3)

الحرم، والغصن تابعٌ للأصل، فوجب الجزاء احتياطًا.

وقدَّم في «المستوعب» : يجب ضمان الفرخ؛ لأنه سبب تلفه.

وإن فرَّخ في مكان يحتاج إلى نقله عنه؛ فالخلاف.

تنبيهٌ: إذا وقف صيدٌ بعض قوائمه في الحلِّ، وبعضها في الحرم؛ حرم تغليبًا.

وعنه: لا؛ لأنَّ الأصل الإباحة، ولم يثبت أنَّه من صيد الحرم.

وإن كان رأسه فقط فيه؛ فخرَّجه القاضي على الرَّوايتَين.

(وَإِنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ مِنَ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الحِلِّ، فَقَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما: وهو المنصوص عن أحمد

(4)

: أنَّه لا يضمن؛ لأنه لم يرسله على صيد في الحرم، بل دخل باختياره، أشبه ما لو استرسل بنفسه.

والثَّاني، وهو قول أبي بكر: عليه الجزاء؛ لأنَّه قتل صيدًا حرميًّا بإرسال كلبه عليه، أشبه ما لو قتله بسهمٍ.

وحَكَى صالحٌ عن أحمدَ

(5)

: إن كان الصَّيدُ قريبًا من الحرم ضمنه

(1)

في (د) و (و): يضمن.

(2)

في (ب) و (و): ولا.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): في.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2322.

(5)

ينظر: مسائل صالح 3/ 105.

ص: 225

لتفريطه، اختاره ابن أبي موسى وابن عَقيلٍ، وجزم به في «الوجيز» .

فعلى هذا: لا يضمن صيدًا غيره؛ لأنَّه لم يرسله عليه؛ كاسترساله.

وعنه: بلى؛ لتفريطه.

(وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ؛ ضَمِنَهُ)؛ لأنَّه قتل صيدًا حرميًّا، أشبه ما لو رمى حجرًا فأصاب صيدًا؛ إذ العمد والخطأ واحدٌ في

(1)

وجوب الضَّمان، وهذا لا يخرج عن واحد منهما، وبه فارق الكلب؛ لأنَّ له اختيارًا وقصْدًا.

وفي «الفروع» : إن قتل السَّهمُ صيدًا غير الذي قصده؛ فكالكلب.

وقيل: يضمنه الرَّامي.

(1)

في (و): وفي.

ص: 226

(فَصْلٌ)

(وَيَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ) البَرِّيِّ؛ إجْماعًا

(1)

، وسنده:«ولا يُعضَدُ شجرُها»

(2)

، فدخل ما فيه مضرَّةٌ؛ كالشَّوك والعَوْسج، قاله المؤلِّف وغيره.

وقال أكثر أصحابنا: لا يحرم؛ لأنه مؤذٍ بطبعه كالسِّباع.

(وَحَشِيشِهِ)؛ لقوله: «لا يختلى خلاها»

(3)

، قال أحمد للفضل بن زياد

(4)

: لا يحتش

(5)

من حشيش الحرم، ويعُمُّ الأَراك والوَرَق.

(إِلاَّ اليَابِسَ)؛ لأنَّه بمنزلة الميت، وفيه احتمالٌ؛ لظاهر الخبر.

وكذا ما انكسر، ولم يَبِنْ؛ فإنه كظفر منكسر.

ولا بأس بالانتفاع بما زال بغير فعل آدميٍّ، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأن الخبر في القطع.

(وَالإِذْخِرَ)؛ لقوله عليه السلام للعبَّاس: «إلاَّ الإذخِر»

(7)

، ويلحق به الكمأة والثَّمرة.

(وَمَا زَرَعَهُ الآْدَمِيُّ)؛ لأنَّ في تحريمه ضررًا على من زرعه، وهو منفي

(8)

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 60.

(2)

أخرجه البخاري (112)، ومسلم (1355)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد سبق من حديث ابن عباس رضي الله عنهما 4/ 223 حاشية (4).

(3)

أخرجه البخاري (1834)، ومسلم (1353).

(4)

ينظر: الفروع 6/ 12.

(5)

في (و): لا تحتش.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 10.

(7)

أخرجه البخاري (1834)، ومسلم (1353).

(8)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): منتفي.

ص: 227

شرعًا، فيحتمل اختصاصه بالزَّرع، من البقل والرَّياحين والزَّرع.

قال

(1)

ابن المنجَّى: وهو ظاهر كلامه؛ لأنَّه المفهوم من إطلاق الزَّرع، وفيه شيءٌ؛ لأنه يلزم منه المنع فيما أنبته

(2)

الآدميُّ من الشَّجر، وهو خلاف الرَّاجح، وهذا إجماع على إباحته.

فعلى هذا: لا يباح ما أنبته الآدمي من الأشجار، وجزم ابن البناء في «خصاله» بالجزاء؛ للنهي عن قطع شجرها، وكما لو نبت بنفسه.

وقال القاضي: إن أنبته في الحرم أوَّلاً ففيه الجزاء، وإن أنبته في الحلِّ، ثمَّ غرسه في الحرم فلا.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : (أن ما أنبته من جنس شجرهم لا يحرم؛ كجوز ونخل؛ كالزرع

(3)

والأهلي من الحيوان، فإنا إنما أخرجنا من الصيد ما كان أصله إنسيًّا، دون ما تأنَّس من الوحش، كذا هنا)، وفيه نظرٌ.

ويحتمل العموم في كلِّ ما أنبته الآدميُّ، فيعُمُّ الأشجار، وهذا هو

(4)

الذي نقله المرُّوذيُّ وأبو طالبٍ وغيرهما

(5)

، وجزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف؛ لأنَّه أنبته آدمي، ولأنه مملوك

(6)

الأصل كالأنعام.

والجوابُ عن النَّهي: بأنَّ شجر الحرم هو ما أضيف إليه، ولا يملكه أحدٌ، وهذا مضاف إلى مالكه، فلا يعمه الخبر.

(وَفِي جَوَازِ الرَّعْيِ)؛ أي: رعي حشيشه؛ (وَجْهَانِ)، وذكر أبو الحسين وجماعةٌ: أنهما روايتان:

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): وقال.

(2)

في (و): أنبتته.

(3)

في (و): وكالزرع.

(4)

قوله: (هو) سقط من (أ).

(5)

ينظر: زاد المسافر 2/ 575، الفروع 6/ 10.

(6)

في (ز): مملوك.

ص: 228

المنْعُ، نصره القاضي وابنه، وجزم به أبو الخطَّاب وابن البنَّاء في كتب الخلاف؛ لأنَّ ما حرم إتلافه بنفسه؛ حرم أن يرسل عليه ما يتلفه كالصيد، وعكسه الإذخر.

والثَّانية: الجواز، اختاره أبو حفص العكبري؛ لأن الهدايا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه، فلم ينقل سدُّ أفواهها، وللحاجة إليه كالإذخر.

وفي تعليق القاضي: الخلاف إن أدخلها للرَّعي، فإن أدخلها لحاجته؛ فلا ضمان.

وفي «المستوعب» إن احتشَّه لها فكَرَعْيِه.

(وَمَنْ قَلَعَهُ)؛ أي: شجرَ الحرم وحشيشَه؛ (ضَمِنَ)، نقله الجماعةُ

(1)

، وقاله الأكثر، (الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ: بِبَقَرَةٍ)، جزم به جماعةٌ؛ لما روي عن ابن عبَّاسٍ:«في الدَّوحة: بقرةٌ، وفي الجَزْلَة: شاةٌ»

(2)

، وقاله عَطاءٌ

(3)

، والدَّوحة: الشَّجرة العظيمة، والجَزْلَة: الصَّغيرة؛ وكالمتوسطة.

وعنه: في الكبيرة بدنة.

(وَالْحَشِيشَ) والوَرَق؛ (بِقِيمَتِهِ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لأنَّ الأصلَ وجوبُ

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 154، مسائل عبد الله ص 446، زاد المسافر 2/ 575.

(2)

ذكره القاضي في التعليقة 2/ 433، والمغني 3/ 361 وغيرهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولم نقف عليه، وكذا لم يقف عليه ابن الملقن كما في البدر المنير 6/ 409، وابن حجر كما في التلخيص 2/ 601، والألباني كما في الإرواء 4/ 252.

وأخرج الفاكهي في أخبار مكة (2233)، من طريق حمزة بن عتبة، قال: حدثني غير واحد من مشيخة أهل مكة: «أن مما رخصوا في قطع شجر الحرم إذا اضطروا إلى قطعه في منازلهم، ويدونه، أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لما بنى دوره بقعيقعان قطع شجرًا كانت في دوره، ووداه كل دوحة ببقرة» ، وإسناده ضعيف، حمزة بن عتبة لا يُعرف، وحديثه منكر كما في الميزان 1/ 608، ويروي عن مبهمين.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (13949)، والفاكهي (2228)، وإسناده صحيح

(4)

ينظر: الفروع 6/ 13.

ص: 229

القيمة، تُرك فيما تقدَّم؛ لقضاء الصَّحابة، فيبقى ما عداه على مقتضَى الأصل.

(وَالْغُصْنَ بِمَا نَقَصَ)؛ كأعضاء الحيوان، ولأنَّه نقص بفعله، فوجب فيه ما نقصه، كما لو جنى على مال آدمي فنقص.

وعنه: في الغصن الكبير شاةٌ.

وعنه: يضمن الجميع بقيمته، جزم به في «المحرر» .

فعلى هذا: إذا لم يجد المثل قوَّمه، ثمَّ صام، نقله ابن القاسم

(1)

.

وفي «الوجيز» : يُخيَّر بينها وبين تقويمها، ويُفعل بثمنها

(2)

كجزاء صيد.

وفي «الفصول» : من لم يجد؛ قوَّم الجزاء طعامًا؛ كصيدٍ.

(فَإِنِ اسْتَخْلَفَ؛ سَقَطَ الضَّمَانُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هو المذهب، كما لو قطع شعر آدميٍّ، ثمَّ نبت.

والثَّاني: لا يسقط؛ لأنَّ الثَّاني غير الأوَّل، فهو كما لو حلق المحرم شعرًا ثمَّ عاد.

ولا يجوز الانتفاع بالمقطوع، نَصَّ عليه، كالصَّيد.

وقيل: ينتفع به غير قاطعه؛ لأنَّه لا فعل له فيه، فهو كقلع

(3)

الرِّيح له.

تنبيهٌ: إذا قلع شجرةً من الحرم فغرسها فيه، فنبتت؛ فلا ضمان؛ لأنَّه لم يتلفها، ولم تَزُل حرمتُها، فإن نقصت ضمن نقصَها، أو يبست ضمنها؛ لأنه أتلفها.

وإن غرسها في الحل فنبتت

(4)

ردَّها؛ لإزالة حرمتها

(5)

، فإن تعذَّر أو يبست؛ ضمنها.

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 575.

(2)

قوله: (ويفعل بثمنها) سقط من (أ).

(3)

في (د) و (و): كقطع.

(4)

قوله: (فنبتت) سقط من (و).

(5)

قوله: (فإن نقصت ضمن نقصها) إلى هنا سقط من (أ).

ص: 230

وإن قلعها غيرُه من الحل؛ فقال القاضي: يضمنه وحده؛ لأنه

(1)

أتلفها، بخلاف من نفَّر صيدًا، فخرج من الحرم؛ ضمنه المنَفِّر لا قاتله؛ لتفويته حرمته بإخراجه.

ويحتمل فيمن قلعه: أنه كذاك مع قاتل.

فظهر منه: أنه لو ردَّ إلى الحرم لم يضمنه، وأنه يلزمه رده، وإلا ضمنه.

(وَمَنْ قَطَعَ

(2)

غُصْنًا فِي

(3)

الْحِلِّ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ؛ ضَمِنَهُ)؛ لأنَّه تابعٌ لأصله، وكذا لو كان بعض الأصل في الحرم؛ تغليبًا للحُرمة، كالصَّيد.

(وَإِنْ قَطَعَهُ فِي الْحَرَمِ وَأَصْلُه فِي الْحِلِّ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ)، اختاره القاضي، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه تابعٌ لأصله.

والثَّاني: يضمنه، اختاره ابن أبي موسى؛ لأنَّه في الحرم.

وأطلقهما في «المحرَّر» و «الفروع» .

فائدةٌ: لم يذكر المؤلِّف حدَّ الحرم، وهو من طريق المدينة: ثلاثة أميالٍ عند بيوت السُّقيا، ومن اليمن: سبعة أميالٍ عند أَضاة لِبْن

(4)

، ومن العراق كذلك على ثنية زحل

(5)

،

(1)

في (ز): لأنها.

(2)

في (د) و (و): قلع.

(3)

في (د) و (و): من.

(4)

أضاة: بالضاد المعجمة، على وزن قناة، ولِبْن: بكسر اللام وسكون الموحدة، حدّ من حدود الحرم على طريق اليمن. ينظر: معجم البلدان 1/ 214، شرح المنتهى 1/ 567.

(5)

كذا بخط المؤلف وفي (أ) و (ز). وفي (د) و (و): وحل. والذي ذكره الجراعي والبهوتي: (ثنية خلٍّ)، قال الجراعي في تحفة الراكع ص 150:(فأما خل، فبخاء معجمة مفتوحة، والمُقطَّع: بضم الميم وفتح الطاء المشددة، على ما وُجِدَ بخط سليمان بن خليل فيهما، ووُجِد بخط المحب الطبري في القِرى، على الخاء من "خل" نقطة من فوق، وعلى اللاَّم شدة، وضبط "المَقْطع" بفتح الميم وإسكان القاف، وفي تاريخ الأزرقي: على الخاء أيضًا من خل، نقطة من فوقها، وذكر الأزرقي: أن سبب تسميته بذلك؛ أنهم قطعوا منه أحجار الكعبة في زمن ابن الزبير، وقيل غير ذلك).

وقال في الكشاف 6/ 228: (ثنية خل، بخاء معجمة مفتوحة، ولام مشددة، هكذا في ضبط المصنف بالقلم. وفي المنتهى والمبدع وغيرهما: رِجْل، أي: بكسر الراء وسكون الجيم).

ص: 231

جبل بالمنقطع

(1)

، ومن الطائف وعرفات وبطن نمرة كذلك، عند طرف عُرَنَة، ومن الجعرانة: تسعة

(2)

أميال، ومن جدة: عشرة أميال، عند منقطع الأعشاش، ومن بطن عُرَنَة: أحد عشر مِيلاً.

مسألةٌ: قال أحمدُ

(3)

: لا يخرج من تراب الحرم، ولا يدخل من الحل، كذلك قال ابن عمر وابن عبَّاسٍ

(4)

، ولا يخرج من حجارة مكَّة إلى الحلِّ، والخروج أشدُّ، واقتصر في «الشَّرح» على الكراهة.

وقال بعض أصحابنا: يكره إخراجه إلى الحل، وفي إدخاله في الحرم روايتان.

وفي «الفصول» : لا يجوز في تراب الحلِّ والحرم، نَصَّ عليه.

وفيها يكرَه أيضًا

(5)

في تراب المسجد

(6)

؛ كتراب الحرم.

وظاهر كلام جماعة: يحرم؛ لأن في تراب المسجد

(7)

انتفاعًا بالموقوف

(1)

كذا في الفروع أيضًا، وصوابه:(المقطع)، كما في أخبار مكة للأزرقي 2/ 282، وأخبار مكة للفاكهي 4/ 137.

(2)

في (د) و (و): بسبعة.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 187.

(4)

أخرجه الشافعي في الجزء الملحق بالأم (7/ 154)، وابن أبي شيبة (14346)، والفاكهي في أخبار مكة (2273)، والبيهقي في الكبرى (9985)، من طرق عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس وابن عمر:«أنهما كرها أن يخرج من تراب الحرم إلى الحل، أو يدخل من تراب الحل إلى الحرم» ، ومحمد بن أبي ليلى ضعيف الحديث.

(5)

في (د) و (ز) و (و): أيضًا يكره.

(6)

في (د): ثواب المسجد.

(7)

قوله: (كتراب الحرم. وظاهر كلام جماعة: يحرم؛ لأن في تراب المسجد) سقط من (أ) و (ب).

ص: 232

في غير جهته، ولهذا قال أحمد

(1)

: (فإن أراد أن يستشفي بطيب الكعبة لم يأخذ منه

(2)

شيئًا، ويلزق عليها طيبًا من عنده، ثم يأخذه)

(3)

.

فأمَّا ماء زمزم، فلا يكره إخراجه، قال أحمد:(أخرجه كعبٌ)

(4)

، ورُوِي عن عائشة:«أنَّها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله» رواه التِّرمذي، وقال:(حسَنٌ غريبٌ)

(5)

، ولأنه يُستخلَفُ كالثَّمرة.

(1)

ينظر: مسائل زاد المسافر 2/ 550.

(2)

في (أ): منها.

(3)

هذه الرواية نقلها حنبل كما في زاد المسافر 2/ 550، وهي رواية منكرة تفرَّد بها حنبل، وحنبل له غلطات معروفة كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 5/ 399، بل قال ابن رجب في فتح الباري 7/ 229:(وكان أبو بكر الخلال وصاحبه لا يثبتان بما تفرَّد به حنبل عن أحمد رواية)، وعلى القول بثبوتها، فيقول الشيخ عبد الله بن جاسر في مفيد الأنام ص 234:(فيه نظر، والأظهر عدم جوازه وإن خالف نص الإمام؛ لأن الاستشفاء به من قبيل التبرك به، وهو ممنوع؛ للأدلة الواردة في مثل ذلك)، ومن تقريرات الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه 5/ 241:(لا يجوز التبرُّك بما مسَّ الكعبة، لا الكسوة ولا الطيب، وهو شيء ما عرفه السلف الذين هم أعظم الناس تعظيمًا لشعائر الله).

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2307.

والأثر أخرجه ابن أبي شيبة (23722)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 52)، عن عطاء، في ماء زمزم يُخْرَجُ به من الحرم، فقال:«انتقل كعب بثنتي عشرة راوية إلى الشام يستقون بها» ، وهو كعب الأحبار كما في رواية الأزرقي، وقد أخرجه من طريق أخرى (2/ 52)، عن مكحول، عن كعب الأحبار، وهو تابعي مخضرم، والإسناد صحيح.

(5)

أخرجه الترمذي (963)، والحاكم (1783)، والبيهقي في الكبرى (9988)، من طريق خلاد بن يزيد، عن زهير بن معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها به مرفوعًا، قال البخاري:(ولا يتابع خلاد بن يزيد عليه)، وقال الذهبي:(انفرد بحديث حمل ماء زمزم والاستشفاء به)، قال ابن حجر:(وفي إسناده خلاد بن يزيد وهو ضعيف وقد تفرد به فيما يقال)، وله شاهد بإسناد جيد قواه به الألباني. ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 657، التلخيص الحبير 2/ 601، السلسلة الصحيحة (883).

ص: 233

(فَصْلٌ)

(وَيَحْرُمُ صَيْدُ المَدِينَةِ) نقله الجماعةُ

(1)

، (وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا)؛ لما رَوَى أنسٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «المدينةُ حَرَمٌ من كذا إلى كذا، لا يُقطَعُ شجرُها» متَّفقٌ عليه، ولمسلِمٍ:«لا يُختَلى خلاها، فمَن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين»

(2)

، وعن سعد

(3)

مرفوعًا: «إني أُحرِّم ما بين لابَتَي المدينة أن يُقطَع عِضاهُها، أو يُقتل صيدُها» رواه مسلم

(4)

.

وقال القاضي: تحريم

(5)

صيدها يدُلُّ على أنَّه لا يصحُّ ذكاته؛ وإن قلنا: يصح؛ فلعدم تأثير هذه الحرمة

(6)

في زوال ملك الصَّيد، نَصَّ عليه

(7)

، مع أنَّه ذكر في الصِّحة احتمالَين.

(إِلاَّ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ

(8)

مِنْ شَجَرِهَا للرَّحْلِ

(9)

؛ أي: رحلِ البعير، وهو أصغر من القَتَب، (وَالْعَارِضَةِ)؛ أي: ما يُسقَف به المَحْمِل، (وَالقَائِمَةِ)؛ إحدى

(10)

قائمتي الرَّحل اللَّتين في مقدَّمه ومؤخَّره؛ لقول جابرٍ: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لما حرَّم المدينة قالوا: يا رسول الله إنَّا أصحابُ عملٍ وأصحاب نضح، وإنا

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 558، الفروع 6/ 20.

(2)

أخرجه البخاري (1867)، ومسلم (1366).

(3)

في (أ): سعيد.

(4)

أخرجه مسلم (1363).

(5)

في (ب) و (و): يحرم.

(6)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): الجريمة. والمثبت موافق لما في التعليقة 2/ 356.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 22.

(8)

قوله: (إليه) سقط من (د) و (ز) و (و).

(9)

في (أ): كالرحل.

(10)

في (د) و (و): أي.

ص: 234

لا نستطيع أرضًا غير أرضنا، فرخِّص لنا، فقال: «القائمتان، والوسادة

(1)

، والعارضة، والمَسَد، فأمَّا غير ذلك فلا يُعضَد» رواه أحمدُ

(2)

، المَسَد: هو عُود البَكْرة، فاستثنى الشَّارع ذلك، وجعله مباحًا؛ كاستثناء الإذخر بمكَّة.

(وَمِنْ حَشِيشِهَا لِلْعَلَفِ)؛ لقوله عليه السلام: «لا يصلح فيها شجرةٌ، إلاَّ أن يعلف رجلٌ بعيره» رواه أحمد وأبو داود بإسنادٍ جيِّدٍ من حديث عليٍّ

(3)

، ولأنَّ ذلك بقُرْبها، فالمنع

(4)

منه ضررٌ، بخلاف مكَّة.

(وَمَنْ أَدْخَلَ إِلَيْهَا صَيْدًا؛ فَلَهُ إِمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ)، نَصَّ عليه

(5)

؛ لقول أنسٍ: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خُلُقًا، وكان لي أخٌ يقال له أبو عمير، قال: أحسبه فطيمًا، وكان إذا جاء قال:«يا أبا عمير ما فعل النُّغَير» ، نُغَر كان يَلعَب به، متَّفقٌ عليه

(6)

.

(1)

في (د) و (و): والوسادتان.

(2)

لم نقف عليه عند أحمد، وأخرجه ابن خزيمة كما في إتحاف المهرة (16023)، وابن عدي في الكامل (7/ 190)، والطبراني في الكبير (18)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 672)، من طريق كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أذن بقطع المسد والقائمتين والمِنْجَدة عصا الدابة» ، وكثير المزني متروك، والحديث ضعفه الهيثمي به، وعدّه ابن عدي من مناكيره، قال ابن حبان:(روَى عن أبيه عن جدِّه نسخة موضوعة لا يحلُّ ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلاّ على وجه التعجب).

(3)

أخرجه أحمد (959)، وأبو داود (2035)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9983)، من طريق قتادة، عن أبي حسان، عن علي رضي الله عنه، وأبو حسان هو مسلم بن عبد الله الأعرج، مشهور بكنيته وهو صدوق، وروايته عن علي مرسلة، قاله أبو زرعة وأبو حاتم، لكن روي من وجه آخر عن أبي حسان عن الأشتر أنه حدثه عن علي رضي الله عنه، كما عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار (3148)، وقال الألباني:(إسناده صحيح على شرط مسلم). ينظر: جامع التحصيل (ص 280)، صحيح أبي داود 6/ 274.

(4)

في (أ): فالنفع.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 23.

(6)

أخرجه البخاري (6203)، ومسلم (2150).

ص: 235

وفي «المستوعب» وغيره: حكم حرم المدينة حكم حرم مكة فيما سبق، إلاَّ في هاتين المسألتين.

(وَلَا جَزَاءَ فِي صَيْدِ المَدِينَةِ)، قال أحمدُ في رواية بكر بن محمَّدٍ:(لم يبلغنا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ولا أحدًا من أصحابه حكموا فيه بجزاءٍ)

(1)

، وهو قول أكثر العلماء، واختاره جمع؛ لأنه يجوز دخولها بغير إحرام، أو لا تصلح

(2)

لأداء النسك أو لذبح الهدايا، وكسائر المواضع وكصيد وجٍّ وشجره، ولا يلزم من الحرمة الضمان، ولا من عدمها عدمه.

(وَعَنْهُ جَزَاؤُهُ

(3)

: سَلَبُ الْقَاتِلِ لِمَنْ أَخَذَهُ)، نقلها الأثرم والميمونيُّ

(4)

، وهي المنصورة عند الأصحاب في كتب الخلاف؛ لما سبق في تحريمها؛ كمكَّة، وعن عامر بن سعد: أنَّ سعدًا ركب إلى قصْره بالعقيق، فوجد عبدًا يقطع شجرًا، أو يخبطه، فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهلُ العبد، فكلَّموه أن يرُدَّ على غلامهم، أو عليهم ما أخذ من غلامهم، فقال:«معاذَ الله أنْ أَرُدَّ شيئًا نفَّلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وأبى أن يرده عليهم، رواه مسلمٌ

(5)

، ولأنَّه يَحرُم لحرمة ذلك؛ كحرم مكَّة والإحرام.

وسَلَبه: ثيابه، قال جماعة: والسراويل، زاد جماعة: وزينة؛ كمنطقة، وسوار، وخاتم، وآلة اصطيادٍ؛ لأنَّها آلة لفعل

(6)

المحظور، وليست الدَّابة منه، بخلاف قاتل الكافر، فإنه يأخذها على الأشهر؛ لئلاَّ يستعين بها على الحرب.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 23.

(2)

في (د) و (و): أو لا يصلح.

(3)

قوله: (جزاؤه) سقط من (أ).

(4)

ينظر: زاد المسافر 2/ 558، الفروع 6/ 24.

(5)

أخرجه مسلم (1364).

(6)

في (ب) و (د) و (و): الفعل.

ص: 236

فعليها: إن لم يسلبه أحد؛ لزمه التَّوبة فقط.

(وَحَدُّ حَرَمِهَا): ما بين لابتَيها؛ لما روى أبو هريرةَ مرفوعًا: «ما بين لابتَيها حرامٌ» متَّفقٌ عليه

(1)

، اللابة: الحَرَّة، وهي أرض بها حجارةٌ سُودٌ، قال أحمد:(ما بين لابتيها حرامٌ، بريدٌ في بريدٍ)

(2)

، وكذا فسَّره مالك بن أنس

(3)

، وهذا حدُّها من جهتي المشرق

(4)

والمغرب، ومن روى:«اللهم إني أُحرِّم ما بين جبليها»

(5)

؛ فالمراد به من جهتي الجنوب والشَّمال.

والمؤلف نبَّه بقوله

(6)

: (مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إِلَى عَيْرٍ)؛ لما روى علي

(7)

أن

(8)

النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «حرم المدينة ما بين ثَور إلى عَير» متَّفقٌ عليه

(9)

، قال عياض: (أكثر رواة

(10)

البخاري ذكروا عَيرًا، فأما ثور فمنهم من كنَّى عنه بكذا، ومنهم من ترك مكانه بياضًا

(11)

؛ لأنَّهم اعتقدوا ذكر ثَور خطأ)

(12)

، قال أبو عبيد: (أصل الحديث: «من عَير إلى أُحُدٍ»

(13)

.

(1)

أخرجه البخاري (1873)، ومسلم (1372).

(2)

ينظر: زاد المسافر 2/ 558.

(3)

ينظر: الاستذكار 8/ 235.

(4)

في (د) و (ز): الشرق.

(5)

أخرجه البخاري (5425)، ومسلم (1365)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(6)

في (و): لقوله.

(7)

قوله: (علي) سقط من (ب) و (و).

(8)

في (و): عن.

(9)

أخرجه البخاري (6755)، ومسلم (1370).

(10)

في (و): رواية.

(11)

قوله: (بياضًا) سقط من (أ).

(12)

ينظر: مشارق الأنوار 1/ 136.

(13)

ينظر غريب الحديث 1/ 315. والحديث أخرجه أحمد (23780)، والطبراني في الكبير (408)، ولفظ أحمد: عن عبد الله بن سلام، قال: «ما بين كذا وأحد حرام، حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وعند الطبراني: «ما بين عير وأحد حرام»، وفي سنده: عبيد الله بن خنيس وهو مجهول، والراوي عنه فضيل بن سليمان، أكثر العلماء على تضعيفه، وأخرج البخاري (1867)، ومسلم (1366)، من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا: «المدينة حرم من كذا إلى كذا»، واختلف العلماء في إثبات جبلي عير وثور، فقال ابن حجر: (واتفقت روايات البخاري كلها على إبهام الثاني، ووقع عند مسلم إلى ثور فقيل: إن البخاري أبهمه عمدًا لما وقع عنده أنه وهم .... والأصل في هذا التوقف قول مصعب الزبيري: ليس بالمدينة عير ولا ثور، وأثبت غيره عيرًا ووافقه على إنكار ثور). ينظر: شرح النووي على مسلم 9/ 143، الفتح 4/ 82.

ص: 237

وذكر بعضهم: أنَّ الرِّوايةَ صحيحةٌ، وهي محمولةٌ على أنَّه أراد حرم المدينة قدر ما بين ثور وعير من مكة، وليس بظاهرٍ.

ومنع مصعب الزبيري

(1)

وجودهما بالمدينة

(2)

، وليس كذلك فإن عَيرًا جبل معروفٌ بها، وكذا ثور، وهو جبل خلف أُحُدٍ، كما أخبر به الثِّقات، يؤيِّده الخبر الصَّحيح.

(وَجَعَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ المَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً حِمًى

(3)

، رواه مسلمٌ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

(4)

.

تَذْنِيبٌ: مكَّةُ أفضلُ من المدينة، نصره القاضي وأصحابه؛ لما روى الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الله

(5)

بن عدي بن الحمراء

(6)

: أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول في سوق مكة: «وَالله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت» رواه أحمد والنسائي والترمذي وصحَّحه

(7)

، ولمضاعفة الصَّلاة.

(1)

قوله: (الزبيري) سقط من (و).

(2)

ينظر: مشارق الأنوار 1/ 136.

(3)

في (ب): حرم.

(4)

أخرجه مسلم (1372).

(5)

في (ب) و (ز): عن عبد الرحمن، وفي (د) و (و): ابن عبد الرحمن.

(6)

في (د) و (و): الجزاء.

(7)

أخرجه أحمد (18715)، والترمذي (3925)، وابن ماجه (3108)، وابن حبان (3708)، والحاكم (4270)، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح غريب)، وصححه ابن حبان والحاكم وابن حجر. ينظر: الفتح 3/ 67.

ص: 238

وعنه: المدينة أفضلُ، اختاره ابن حامدٍ وغيره، قال في رواية أبي داود: وسئل عن المقام بمكَّة أحبُّ إليك أم المدينة

(1)

؟ فقال: (بالمدينة لمن قَوِيَ عليه؛ لأنَّها مهاجَرُ المسلمين)

(2)

.

وعن رافع مرفوعًا: «المدينةُ خيرٌ من مكَّةَ»

(3)

. ورُدَّ: بأنَّه لا يُعرَف.

وحمله القاضي على وقتِ كونِ مكةَ دارَ حرب، أو على الوقت الذي كان فيها والشَّرع يؤخذ منه.

وكذا لا يُعرف: «اللهم إنهم

(4)

أخرجوني من أحب البقاع إليَّ، فأسكني في أحبِّ البقاع إليك»

(5)

. قال القاضي: بعد مكَّةَ.

وما روي فهو دالٌّ على فضيلتها

(6)

لا أفضليتها، وكونه عليه السلام خلِقَ منها، وهو خير البشر، فتربته خير التُّرب.

(1)

في (د) و (ز) و (و): بالمدينة.

(2)

ينظر: المسائل أبي داود ص 187.

(3)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 160)، وابن عدي في الكامل (7/ 403)، والطبراني في الكبير (4450)، وفي سنده حمد بن عبد الرحمن بن الردَّاد، قال أبو حاتم:(ليس بقوي)، وقال أبو زرعة:(لين)، وقال ابن عدي:(رواياته ليست محفوظة)، وقال الذهبي عن حديثه هذا:(ليس بصحيح، وقد صح في مكة خلافه)، قال الألباني:(باطل). ينظر: ميزان الاعتدال 3/ 623، السلسلة الضعيفة (1444).

(4)

قوله: (إنهم) سقط من (و).

(5)

أخرجه الحاكم (4261)، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري وهو متروك، وحكم غير واحد من الأئمة على الحديث بالوضع والبطلان، قال ابن تيمية:(باطل)، وقال الفتَّني:(لا يختلف أهل العلم في إنكار الحديث ووضعه)، ينظر: مجموع الفتاوى 18/ 378، تذكرة الموضوعات (ص 59).

(6)

في (أ) و (ب): تفضيلها.

ص: 239

وأجاب القاضي: بأن

(1)

فضل الخلقة لا يدلُّ على فضل التُّربة؛ لأنَّ أحد الخلفاء الأربعة أفضل من غيره، ولم يدل أن تربته أفضل.

قال ابن عقيل: الكعبة أفضل من الحجرة، فأما وهو فيها؛ فلا والله، ولا العرش وحملته والجنة؛ لأنَّ بالحجرة جسدًا لو وزن به لرجح

(2)

.

وجزم بعض أصحابنا: بأن

(3)

مكَّة أفضل، والمجاورة بالمدينة أفضلُ.

وتضاعف الحسنات والسيئات بمكان أو زمان فاضل، ذكره جماعة.

وذكر الآجُرِّيُّ أنَّ الحسناتِ تضاعف، ولم يذكر السَّيئات.

(1)

في (د) و (ز) و (و): أن.

(2)

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (هذا القول مردود عليه، وإنه لا يوافق عليه، وإن الحجرة هي الحجرة، ولكنها شرفت بمقام النبي صلى الله عليه وسلم فيها في حياته وبعد موته، وأما أن تكون إلى هذا الحد، ويقسم -رحمه الله تعالى- أنه لا تعادلها الكعبة، ولا العرش، ولا حملة العرش ولا الجنة فهذا وهم وخطأ لا شك فيه). ينظر: الشرح الممتع 7/ 227.

(3)

في (د) و (و): أن.

ص: 240

(بَابُ ذِكْرِ دُخُولِ مَكَّةَ)

وهي علَمٌ على جميع البلدة المعظَّمة المحجوجة، غير منصرفة.

وسُمِّيت به؛ لقلَّة مائها. وقيل: لأنها تمُكُّ من ظلَم فيها؛ أي: تهلكه.

ويزاد فيها بكة في قول الضَّحاك، وقيل: بالباء اسم لبقعة البيت، وبالميم: ما حوله، وقيل: اسم للمسجد والبيت، ومكَّة للحرم كله، ولها أسماء.

(يُسْتَحَبُّ) للمحرِم (أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا، مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ)؛ لما روى ابن عمر: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة من الثَّنية العُليا التي بالبطحاء، وخرج من الثَّنية السُّفلى» ، وعن عائشةَ نحوُه، متَّفقٌ عليهما

(1)

.

وظاهره: ليلاً أو نهارًا، واقتصر عليه في «الشَّرح» ؛ لأنَّه «عليه السلام دخلها ليلاً ونهارًا» أخرجه النسائي

(2)

.

وقدم في «الفروع» : نهارًا، وإنَّما كرهه من السُّرَّاقِ.

ولم يتعرَّض لخروجه منها، ويستحبُّ من الثَّنية السُّفلى كُدًى، بضم

(1)

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1575)، ومسلم (1257)، وحديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (1577)، ومسلم (1258).

(2)

دخوله نهارًا: أخرجه البخاري (1574)، ومسلم (1259)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:«بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة» .

ودخوله ليلاً: أخرجه الترمذي (935)، والنسائي (2863)، عن مُحَرِّشٍ الكعبي: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلاً معتمرًا، فدخل مكة ليلاً

» الحديث، وأخرجه أبو داود بنحوه (1996)، قال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وصححه ابن عبد البر، وبوَّب البخاري في الصحيح:(باب دخول مكة نهارًا أو ليلاً)، قال ابن حجر:(وأما الدخول ليلاً، فلم يقع منه صلى الله عليه وسلم إلا في عمرة الجعرانة)، وصححه الألباني. ينظر: التمهيد 24/ 408، الفتح 3/ 436، صحيح أبي داود 6/ 237.

ص: 241

الكاف، وتنوين الدال، والأول بفتح الكاف والدال

(1)

، ممدودٌ مهموزٌ، منصرِفٌ وغير منصرف.

والثَّنية في الأصل: الطَّريق بين الجبلين.

(ثُمَّ يَدْخُلُ المَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ)؛ لما روى جابر

(2)

: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل مكَّة ارتفاع الضُّحى، وأناخ راحلته عند باب بني شيبة، ثمَّ دخل» رواه مسلمٌ

(3)

.

ويقول حين دخوله

(4)

: «باسم الله، وبالله، ومن الله، وإلى الله، اللَّهم افتح لي أبوابَ فضلك» ، ذكره في «أسباب الهداية» .

(فَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ)، نَصَّ عليه

(5)

، وهو قول الأكثر؛ لما روى الشَّافعيُّ عن ابن جريج:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه»

(6)

، وما

(1)

في (ز): والدالة.

(2)

قوله: (لما روى جابر) في (ب): روى ابن عمر.

(3)

لم نقف عليه عند مسلم، وأخرجه الطبراني في الأوسط (491)، ولفظه:«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلنا معه من باب بني عبد مناف، وهو الذي يسميه الناس باب بني شيبة، وخرجنا معه إلى المدينة من باب الحزورة، وهو باب الخياطين» ، قال البيهقي:(وإسناده غير محفوظ)، وقال:(وروينا عن ابن جريج، عن عطاء قال: يدخل المحرم من حيث شاء. قال: ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا، وهذا مرسل جيد). ينظر: السنن الكبرى 5/ 116.

(4)

في (د) و (ز) و (و): دخله.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2121، مسائل عبد الله ص 213.

(6)

أخرجه الشافعي في مسنده (ص 125)، والبيهقي من طريقه في الكبرى (9213)، قال البيهقي:(هذا منقطع وله شاهد مرسل عن سفيان الثوري، عن أبي سعيد الشامي، عن مكحول قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، فحيِّنا ربنا بالسلام»، وقال النووي: (وهو مرسل معضل)، والشاهد المرسل فيه محمد بن سعيد المصلوب وهو كذاب.

وأخرج الشافعي في مسنده (ص 125)، وابن خزيمة (2703)، والطبراني في الكبير (12072)، من طريق ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس بلفظ: «ترفع الأيدي في سبعة مواطن

» وفيه: «وعند استقبال البيت» ، وفي سنده: ابن أبي ليلى وهو ضعيف، وقال شعبة:(لم يسمع الحكم هذا من مقسم). ينظر: المجموع 8/ 8، التلخيص الحبير 2/ 526، الدارية 1/ 148.

ص: 242

روي عن جابر لا يمنع منه.

(وَكَبَّرَ)، وذكره في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأنَّه رُوِيَ عنه عليه السلام أنَّه فعله

(1)

، ولم يذكره آخرون، وحكاه في «الفروع» قولاً؛ كالتهليل.

(وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ)؛ لأنَّ «عمرَ كان يقول ذلك» رواه الشَّافعيُّ

(2)

.

ومعنى السَّلام الأوَّل: اسم الله تعالى، والثَّاني: مَنْ أكرمته

(3)

بالسَّلام فقد

(1)

ورد في مرسل مكحول، وسبق تخريجه قريبًا 4/ 242 حاشية (1).

(2)

إنما أخرجه الشافعي في الأم (2/ 184)، والبيهقي في الكبرى (9288)، من طريق محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه من قوله لا من قول عمر رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة (15757)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 213)، والمحاملي في أماليه (308)، من طريق يحيى بن سعيد، عن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه، عن عمر قوله. وابن سعيد قال فيه الحافظ:(مقبول)، فمثله قد يقبل في الآثار، لا سيما أنه توبع. وقد أخرجه الأزرقي (1/ 278)، من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، عن عمر قوله، ولم يذكر فيه ابن سعيد بن المسيب، ويحيى سمع من ابن المسيب، إلا أنه من رواية مسلم بن خالد الزنجي وله أوهام.

وأخرجه أحمد في العلل (197)، وابن معين في التاريخ (978)، والبخاري في تاريخه (1/ 294)، وابن سعد في الطبقات (5/ 120)، وأبو داود في سؤالاته لأحمد (6)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 278)، والبيهقي في الكبرى (9216)، عن سعيد بن المسيب عن عمر قوله. وفيه إبراهيم بن طريف، قال عنه في التقريب:(مجهول، تفرد عنه الأوزاعي، وقد وُثِّق)، وثَّقه أحمد بن صالح وابن شاهين وابن حبان، فالأثر جيد بمجموع الطرق عن عمر وابن المسيب، ومراسيل ابن المسيب عن عمر مقبولة عند جماعة من الأئمة.

(3)

في (أ): أكرمه.

ص: 243

سلم، والثالث: سلِّمنا بتحيتك إيَّانا من جميع الآفات، ذكره الأزهريُّ

(1)

.

(اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَعْظِيمًا)؛ أي: تبجيلاً، (وَتَشْرِيفًا)؛ أي: رِفْعةً وإعلاء

(2)

، (وَتَكْرِيمًا)، أي: تفضيلاً، (وَمَهَابَةً)؛ أي: توقيرًا وإجْلالاً، (وَبِرًّا) بكسْر الباء، وهو اسمٌ جامِعٌ للخيرِ، (وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ

(3)

مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ

(4)

تَعْظِيمًا، وَتَشْرِيفًا، وَتَكْرِيمًا، وَمَهَابَةً، وَبِرًّا)، رواه الشَّافعيُّ بإسناده عن ابن جريجٍ

(5)

.

(الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كثيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعزِّ جَلَالِه، وَالْحَمْدُ للهِ الذِي بَلَّغَنِي بَيْتَهُ، وَرَآنِي لِذَلِكَ أَهْلاً، وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ دَعَوْتَ إِلَى حَجِّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ)؛ سُمِّيَ به؛ لأنَّ حرمته انتشَرت، وأريد بتحريم البيت: سائر الحرم، قاله العلماءُ، (وَقَدْ جِئْتُكَ لِذَلِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي، وَاعْفُ عَنِّي، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)، ذكره الأثرمُ وإبراهيم الحربيُّ.

وفي «المحرر» و «الوجيز» ك «المقنع» .

وفي «الفروع» : (ودعا)، قال: (ومنه:

)، ولم يذكر

(6)

الأخير، ومهما زاد من الدُّعاء فحسَنٌ.

(يَرْفُعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ)، جزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» وغيرهما؛ لأنَّه ذِكْرٌ

(1)

ينظر: الزاهر ص 120.

(2)

في (و): وعلا.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): عظمه وشرفه.

(4)

في (د) و (و): أو اعتمرَه.

(5)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 184)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9213)، عن ابن جريج مرسلاً. قال النووي وابن حجر:(مرسل معضل). ينظر: المجموع 8/ 8، التلخيص الحبير 2/ 526.

(6)

في (و): ولم يذكروا.

ص: 244

مشروعٌ، فاستُحِبَّ رفعُ الصَّوت به كالتَّلبية، وحكاه في «الفروع» قولاً.

(ثُمَّ يَبْتَدِئُ) بالطَّواف؛ لقول عائشةَ: «إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حين قدم مكَّة توضَّأ، ثمَّ طاف بالبيت» متَّفقٌ عليه

(1)

، ولحديث جابرٍ، رواه مسلمٌ

(2)

، وهو قول أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وغيرهم، ولأنه

(3)

تحيته، فاستحبَّ؛ كتحيَّة غيره بالرَّكعتين.

ومحله: ما لم يذكر صلاةَ فرضٍ أو فائتة، أو تقام المكتوبة، فإنَّه يقدِّمها عليه، وكذا إن خاف فوت ركعتي الفجر أو الوتر، أو حضرت جنازةٌ.

(بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ إِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا)؛ لأنَّ الذين أمرهم عليه السلام بفسخ نسكهم إليها أمرهم أن يطوفوا للعمرة

(4)

، بدليل أنَّه أمرهم بالحلِّ، ولم يحتج إلى طواف قدوم؛ لأنَّ المقصود التَّحيَّةُ، وقد حصلت بفعله.

(أَوْ طَوَافِ الْقُدُومِ)، ويسمَّى الورود، (إِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا)؛ لفعل الصَّحابة الذين كانوا كذلك.

لكن ذكر في «الفصول» و «التَّرغيب» و «المستوعب» : أنَّ ذلك بعد تحيَّة المسجد.

ص: 245

والمذهب ما ذكره

(1)

المؤلِّف، نقل حنبلٌ

(2)

: نرى لمن قدم مكة أن يطوف؛ لأنه صلاة، والطواف أفضل من الصلاة، وهي بعده، وقال ابن عبَّاسٍ وعَطاءٌ:«الطَّواف لأهل العراق، والصَّلاة لأهل مكَّةَ»

(3)

، وذكره القرافي اتِّفاقًا

(4)

.

بخلاف السَّلام على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لتقديم حقِّ الله على حقِّ الأنبياء، وهو ظاهر كلام أصحابنا.

(وَيَضْطَبِعُ

(5)

بِرِدَائِهِ) في جميع طوافه، نَصَّ عليه

(6)

؛ لما رَوَى يعلى بن أميَّة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم طاف مضْطَبِعًا» رواه أبو داود وابن ماجه

(7)

، وهو قول عمر

(8)

وكثيرٍ من العلماء.

(1)

في (ز) و (و): ذكر.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 33.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (15042)، ومن طريقه الفاكهي في أخبار مكة (448، 427)، عن أبي بكر بن أبي موسى قال: سئل ابن عباس، عن الطواف أفضل أو الصلاة؟ فقال:«أما أهل مكة فالصلاة، وأما أهل الأمصار فالطواف» ، في إسناده حجاج بن أرطاة، وهو ضعيف الحديث، وقد احتج أحمد بالأثر كما في رواية حنبل التي ذكرها المؤلف.

(4)

ينظر: الذخيرة 3/ 237.

(5)

في (ب) و (ز) و (و): ثم يضطبع.

(6)

ينظر: مسائل عبد الله ص 226، الفروع 6/ 33.

(7)

أخرجه أبو داود (1883)، والترمذي (859)، وابن ماجه (2954)، من طريق ابن جريج، عن ابن يعلى، عن يعلى، وعند الترمذي: عن ابن جريج، عن عبد الحميد، عن ابن يعلى، وفيه انقطاع، فإن ابن جريج لم يسمع من ابن يعلى، والواسطة بينهما عبد الحميد، وعبد الحميد هو ابن جبير بن شيبة بن عثمان وهو ثقة، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وحسنه الألباني. ينظر: صحيح أبي داود 6/ 133، أحاديث معلة ظاهرها الصحة لمقبل الوادعي (ص 393).

(8)

أخرجه أحمد (317)، وأبو داود (1887)، وابن خزيمة (2708)، والحاكم (1669)، والبيهقي في الكبرى (9258)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول:«فيم الرملان اليوم والكشف عن المناكب، وقد أطَّأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله؟! ومع ذلك لا ندع شيئًا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، قال الألباني في صحيح أبي داود 6/ 137:(إسناده حسن صحيح، وهو على شرط مسلم).

ص: 246

وفي «التَّرغيب» رواية: في رمله.

(فَيَجْعَلُ وَسَطَهُ تَحْتَ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ)؛ لما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجِعْرَانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرْدِيَتهم تحت آباطهم، ثمَّ قذفوها على عواتقهم اليسْرى» رواه أبو داود

(1)

.

فإذا فرغ منه؛ سوَّى رداءه؛ لأن الاضطباع غير مستحب في الصلاة، وقال الأثرم: يزيله إذا فرغ من الرمل.

(ثُمَّ يَبْتَدِئُ)؛ أي: بالطَّواف (مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ)؛ لأنَّه عليه السلام بدأ به

(2)

، (فَيُحَاذِيهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ)؛ ليستوعِب جميع البيت بالطَّواف، فظاهره

(3)

: أنَّه إذا حاذاه ببعضه أنه

(4)

لا يجزئه؛ لأنَّ ما لزم استقباله؛ لزمه

(5)

بجميع البدن

(6)

كالقبلة.

واختار جماعة: الإجزاء؛ لأنه حكم متعلق

(7)

بالبدن؛ فأجزأ بعضه كالحدِّ.

(1)

أخرجه أبو داود (1884)، والبيهقي في الكبرى (9256)، وصححه ابن الملقن، وقال الألباني:(إسناده جيد، ورجاله رجال مسلم، وقال المنذري: حديث حسن. وأخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة). ينظر: تحفة المحتاج 2/ 173، صحيح أبي داود 6/ 134.

(2)

أخرجه مسلم (1218) من حديث جابر رضي الله عنه.

(3)

في (ب) و (د) و (و): وظاهره.

(4)

قوله: (أنه) سقط من (ب) و (د) و (و).

(5)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): لزم.

(6)

في (د) و (ز) و (و): بدنه.

(7)

في (أ): معلق.

ص: 247

فعلى الأوَّل: لا يحتسب له بذلك الشوط، ويصير الثَّاني أوَّله.

(ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ)؛ أي: يمسحه بيده اليمنى؛ لأنَّ الاستلام افتعال من السَّلام، وهو التحيَّة، ولذلك

(1)

تسميه أهل اليمن: المحيا

(2)

؛ لأنَّ النَّاس يحيونه

(3)

.

(وَيُقَبِّلُهُ)؛ لما رَوَى عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر، ووضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، فقال: «يا عمر ههنا

(4)

تُسْكَبُ العبرات» رواه ابن ماجه

(5)

، وفي «الصَّحيحين»: أنَّ أسلم قال: رأيت عمر بن الخطاب قبَّل الحجر، وقال:«إني لأعلم أنَّك حجرٌ لا تضُرُّ ولا تنفع، ولولا أنِّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّلك ما قبَّلتك»

(6)

، نقل الأثرم: يسجد عليه

(7)

، وفعله

(8)

ابن عمر وابن عبَّاسٍ

(9)

.

(1)

في (و): ولأن ذلك.

(2)

في (ز): المحبا.

(3)

في (ز): يحبونه.

(4)

في (ب) و (ز) و (و): هنا.

(5)

أخرجه ابن ماجه (2945)، والبزار (5928)، وابن خزيمة (2712)، والحاكم (1670)، وصححاه، وفي سنده: محمد بن عون الخراساني وهو متروك، وقال ابن طاهر المقدسي:(وبعض هذا الحديث صحيح، قوله: «استقبل الحجر فاستلمه»، وما بعده من ذكر عمر هو مما انفرد به هذا الخراساني). ينظر: تذكرة الحفاظ (ص 56)،

(6)

أخرجه البخاري (1597)، ومسلم (1270).

(7)

ينظر: الفروع 6/ 33.

(8)

في (د) و (و): فعله.

(9)

تبع المؤلف ما في الفروع من نقله عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولعل صوابه: عمر، قال الألباني في الإرواء 4/ 309:(لم أقف على رواية فيها سجود ابن عمر على الحجر، وإنما ذلك عن أبيه).

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (8913)، وابن أبي شيبة (14752)، وإسحاق بن راهويه كما في المطالب العالية (1228)، من طرق عن حنظلة قال: سمعت طاوسًا يقول: «قبَّل عمر الركن، يعني الحجر، ثم سجد عليه» ، فقال حنظلة:«ورأيت طاوسًا يفعل ذلك» ، وفيه ضعف، طاوس لم يدرك عمر رضي الله عنه، وباقي رجاله ثقات.

وأخرج الطحاوي في أحكام القرآن (1350)، من طريق محمد بن كثير، عن سفيان، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس، عن عمر، أنه أتى الحجر فقبَّله، ثم سجد عليه، وقال:«لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله ما فعلته» ، رجاله موثَّقون، إلا أنه معلول، فقد رواه شعبة وحماد بن زيد ومعمر وابن عيينة وشريك وأبو معاوية وعبد الواحد بن زياد وغيرهم، عن عاصم بمثل الإسناد والمتن دون ذكر السجود، ولعل الخطأ من محمد بن كثير العبدي، فقد تُكُلِّم فيه، ضعفه ابن معين وغيره، وهو وإن كان ثقة على الصحيح كما قال الحافظ في التقريب، إلا أن مثله لا تُقبل منه هذه الزيادة.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (8912)، والشافعي في الأم (2/ 186)، وابن أبي شيبة (14749)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 329)، والفاكهي (85)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 183)، والبيهقي في الكبرى (9224)، عن أبي جعفر محمد بن عباد بن جعفر، قال:«رأيت ابن عباس رضي الله عنه جاء يوم التروية وعليه حُلَّة مُرجِّلاً رأسه، فقبَّل الركنَ الأسود وسجد عليه، ثم قبَّله وسجد عليه ثلاثًا» ، وإسناده صحيح، ونقل شيخ الإسلام في شرح العمدة 5/ 159 تحسين الإمام أحمد له.

ومن وجه آخر: أخرج أبو داود الطيالسي (28)، وأبو يعلى الموصلي (219)، والدارمي (1907)، وابن خزيمة (2714)، والفاكهي (76)، والحاكم (1672)، والبيهقي (9223)، وغيرهم من طرق عن جعفر بن عبد الله بن عثمان المخزومي قال:«رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه، ثم قال: رأيت خالك ابن عباس يقبِّله ويسجد عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب قبَّل وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت» ،

مداره على جعفر المخزومي وهو ثقة كما قال الإمام أحمد إلا أن في حديثه وهمًا واضطرابًا كما يقول العقيلي، وبه ضعف هذا المرفوع، وأعله بالموقوف، وصححه مرفوعًا ابن خزيمة والألباني.

ص: 248

(وَإِنْ شَاءَ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَ يَدَهُ)؛ لما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استلمه وقبَّل يده» رواه مسلم

(1)

.

ونقل ابن منصور: (لا بأس بتقبيل اليد)

(2)

، فظاهره: لا يستحب، قاله القاضي.

(1)

أخرجه مسلم (1268)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه:«رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله» ، ولم نقف عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2257.

ص: 249

وفي «الروضة» : هل له أن يقبل يده؟ فيه اختلاف بين أصحابنا.

(وَإِنْ شَاءَ أَشَارَ إِلَيْهِ)؛ لما روى ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

طاف على بعيره، فلما أتى الرُّكن أشار إليه وكبَّر» رواه البخاريُّ

(2)

.

والإشارة أعمُّ أن تكون

(3)

باليد أو غيرها.

وظاهره: استواء الأحوال الثلاثة، وليس كذلك، بل المستحبُّ أوَّلاً تقبيله

(4)

، فإن شقَّ استلمه بشَيءٍ وقبَّله، فإن لم يمكنه؛ أشار إليه.

وجزم به في «الوجيز» و «المغني» و «الشَّرح» ، وزاد: مع استقباله بوجهه، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين:(هو السُّنَّة)

(5)

.

ويكبِّر ويهلِّل، قطع به الأكثر، وقد روى أحمد: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «إنَّك رجلٌ قويٌّ، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضَّعيف، إن وجدت خلوةً فاستلمه، وإلاَّ فاستقبله وهلِّل وكبِّر»

(6)

.

وظاهره: أنه لا يستقبله بوجهه، وهو كذلك في وجهٍ.

فائدةٌ: قول الخِرَقِيِّ: (ثمَّ أتى الحجر الأسود إن كان)؛ لأنَّ في زمنه أخذته

(7)

القرامطة، واستمر بأيديهم مدَّة، ثمَّ فتح الله بعوده، فلو قُدِّر -

(1)

قوله: (استلمه وقبل يده، رواه مسلم) إلى هنا سقط من (أ).

(2)

أخرجه البخاري (1613).

(3)

في (و): يكون.

(4)

قوله: (أولاً تقبيله) في (ب) و (و): أن يقبله، وفي (د): أن تقبله، وفي (ز): ألاَّ يقبله.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 34، الاختيارات ص 175.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (8910)، وأحمد (190)، والطحاوي في معاني الآثار (3826)، والبيهقي في الكبرى (9262)، من طريق أبي يعفور العبدي، قال: سمعت شيخًا بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر رضي الله عنه به، وفي إسناده راو مبهم، وأخرجه البيهقي (9261)، من وجه آخر بإسناد ضعيف.

(7)

في (و): أخذه.

ص: 250

والعياذ بالله- عدمه في محلِّه؛ وقف مقابلاً لمكانه، واستلم الرُّكن، قال الأصحاب: لا ينتقل النُّسك معه، كآي القُرآن

(1)

.

(وَيَقُولُ: بِاسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، إِيمَانًا بِكَ، وتصديقًا بِكِتَابِكَ، وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ

(2)

، كُلَّمَا اسْتَلَمَهُ

(3)

؛ لحديث عبد الله بن السَّائب: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك عند استلامه»

(4)

.

(ثُمَّ يَأْخُذُ

(5)

عَلَى

(6)

يَمِينِهِ، ويَجْعَلُ

(7)

الْبَيْتَ عَلَى

(8)

يَسَارِهِ)؛ لأنَّه عليه السلام

(1)

في (أ): كما في القرآن. وفي الفروع 7/ 386: (ولا ينتقل النسك معه، كآي القرآن لا يجوز نقلها عن سورة هي فيها، لأنها لم توضع إلا بنص النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): محمد صلى الله عليه وسلم.

(3)

قوله: (كلما استلمه) سقط من (ب) و (و).

(4)

حديث عبد الله بن السائب لم نقف عليه، قال ابن حجر:(وخرّجه ابن عساكر من طريق ابن ناجية بسند له ضعيف).

وأخرج الواقدي في المغازي (3/ 1097)، من حديث عن ابن عمر:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المسجد بدأ بالطواف قبل الصلاة» ، وفيه:«وكان يأمر من يستلم الركن أن يقول: باسم الله، والله أكبر، إيمانًا بالله، وتصديقًا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم» ، والواقدي متروك، وشيخه محمد بن عبد الله الزهري وهو صدوق له أوهام.

وأخرجه الشافعي في الأم (2/ 186)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (9851)، عن ابن جريج قال: أخبرت أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال، وذكر نحوه. وهو من مرسل ابن جريج ومراسيله ضعيفة، وروي موقوفًا مِنْ أوجهٍ أخر، منها: ما أخرجه الطبراني في الأوسط (492)، والبيهقي في الكبرى (9251)، موقوفًا على علي رضي الله عنه نحوه، ولكن سنده ضعيف فيه الحارث الأعور، وأخرجه الطبراني في الأوسط (5486)، وفيه محمد بن مهاجر القرشي وهو ضعيف، وأخرجه عبد الرزاق (8898) موقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه، وفيه جويبر بن سعيد وهو ضعيف جدًّا. ينظر: شرح علل الترمذي 1/ 552، التلخيص الحبير 2/ 537، الضعيفة (1049).

(5)

في (و): يجعل.

(6)

في (أ): عن.

(7)

في (و): ويأخذ.

(8)

في (أ) و (ب): عن.

ص: 251

طاف كذلك، وقال:«خُذوا عنِّي مناسكَكم»

(1)

، ويُقرِّب جانبه الأيسر إليه، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: (لأنَّ الحركة الدَّورية تعتمد

(2)

فيها اليمنى على اليسرى، فلمَّا كان الإكرام في ذلك للخارج؛ جعل لليمنى)

(3)

، فأول

(4)

ركن يمر به يسمى: الشَّامي والعراقيَّ، وهو جهة الشَّام، ثمَّ يليه الرُّكن الغربيُّ والشَّاميُّ، وهو جهة المغرب

(5)

، ثمَّ اليمانيْ جهة اليمن، وهو آخر ما يمر

(6)

عليه من الأركان؛ لأنَّه يبتدئ بالركن

(7)

الذي فيه الحجر الأسود، وهو قبلة أهل خراسان.

(فَإِذَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيْ؛ اسْتَلَمَهُ)، نَصَّ عليه

(8)

؛ لما روى ابن عمر: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلاَّ الحجر والرُّكن اليمانيْ» ، قال ابن عمر:«ما تركت استلامهما منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما، في شدَّةٍ ولا رخاءٍ» رواه مسلمٌ

(9)

، ولأنَّه مبنيٌّ على قواعد إبراهيم، فسُنَّ استلامه؛ كالرُّكن الأسود.

(وَقَبَّلَ يَدَهُ)، ذكره في «المحرَّر» و «الفروع» قولاً؛ كما يفعل في الحجر الأسود.

وظاهره: أنَّه لا يقبِّله، وجزم

(10)

الخِرَقيُّ وصاحب «الإرشاد» بخلافه؛ لما روى مجاهدٌ عن ابن عبَّاسٍ قال: «رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا استلمه قبَّله،

(1)

أخرجه مسلم (1297)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

في (و): يعتمد.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 21/ 111، الفروع 6/ 36.

(4)

قوله: (لليمنى فأول) في (أ): للنهي بأول.

(5)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): الغرب.

(6)

في (و): هو.

(7)

في (د) و (و): الركن.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2126.

(9)

أخرجه مسلم (1268).

(10)

زاد في (أ): به.

ص: 252

ووضع خدَّه الأيمن عليه»

(1)

، قال ابن عبد البَرِّ:(هذا لا يُعرف، وإنَّما التَّقبيل في الحجر الأسود)

(2)

.

وظاهره: أنه لا [يستلم]

(3)

الركنين الآخرين

(4)

، نص عليه

(5)

، لأنَّهما لم يُتَمَّا على قواعد إبراهيم.

(وَيَطُوفُ سَبْعًا، يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَوَلِ مِنْهَا)، لا نعلم خلافًا في سنِّيَّته

(6)

؛ «لأنَّه عليه السلام طاف سبْعًا، رمل ثلاثة أشواطٍ، ومشى أربعًا» ، رواه جابر وابنا

(7)

عباس وعمر

(8)

، متَّفق عليها

(9)

، وهذا كان لسببٍ

(10)

زال، وبقي المسبَّب.

ويكون الرمَل من الحجر إلى الحجر في قول الأكثر.

(وَهُوَ إِسْرَاعُ المَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا، وَلَا يَثِبُ وَثْبًا)؛ لأنَّ ذلك ليس

(1)

أخرجه البخاري في التاريخ (1/ 289)، وابن عدي في الكامل (5/ 260)، والبيهقي في الكبرى (9236)، وفي سنده عبد الله بن مسلم بن هرمز، وهو ضعيف، قال ابن عدي:(مقدار ما يرويه، لا يتابع عليه)، وضعفه البيهقي والألباني. ينظر: السلسلة الضعيفة (4169).

(2)

ينظر: التمهيد 22/ 262.

(3)

كذا في (ب) و (د) و (ز) و (و). والذي في الأصل و (أ): يستلزم. والمثبت موافق لما في الفروع 6/ 35.

(4)

في (د) و (و): الأخيرين.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2328.

(6)

ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 282.

(7)

في (ب) و (و): ابن.

(8)

في (و): وابن عمر.

(9)

حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1263)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1602)، ومسلم (1264)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1603)، مسلم (1268).

(10)

في (و): بسبب.

ص: 253

بمشْيٍ، فإذا فعله لم [يكن]

(1)

آتيًا بالرَّمَل المشْروع، فإن تمكَّن منه في حاشية النَّاس للازدحام؛ كان أَوْلَى من الدُّنو من

(2)

البيت، وإن كان لا يتمكَّن منه أو يختلط بالنساء؛ فالدنو أولى من التأخير.

وفي «الفصول» : لا ينتظر للرَّمَل؛ كما لا يترك الصَّف الأوَّل؛ لتعذُّر التَّجافي في الصَّلاة.

وبالجملة: يطوف كيفما أمكنه، ما لم يخرج من المسجد، وسواءٌ حال بينه وبين البيت قبَّة أو غيرها.

فإن ترك الرَّمَل؛ لم يقضه، ولا بعضَه في غيرها، بل إن تركه في شوطٍ أتى به في الاثنين الباقيين، وفي اثنين أتى به في الثَّالث؛ لأنَّه هيئةٌ فات محلُّها، فسقط؛ كالجهر في الصَّلاة.

(وَيَمْشِي أَرْبَعًا)؛ لما سبق

(3)

، (وَكُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ)، ونَصَّ عليه في «المحرَّر» في رمله: كبَّر

(4)

، وذكر جماعةٌ: وهلل

(5)

، ونقل الأثرم: ورفع يديه، (وَالرُّكْنَ اليَمَانِيَ؛ اسْتَلَمَهُمَا)؛ لما روى ابن عمر قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يستلم الرُّكن اليمانيَ والحجر في كل طوفة

(6)

» رواه أبو داود، وقال نافعٌ: كان ابن عمر يفعله

(7)

.

(1)

في الأصل و (أ): أكن. والمثبت موافق لما في الممتع.

(2)

في (أ): في.

(3)

تقدم تخريجه قريبًا 4/ 253 حاشية (9).

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 188.

(5)

قوله: (وهلل) سقط من (و).

(6)

في (أ): طوافه.

(7)

أخرجه أبو داود (1876)، والنسائي (2947)، وصححه الحاكم، وحسنه الألباني، وأصله في البخاري (1606)، ومسلم (1267). ينظر: الإرواء 4/ 308.

ص: 254

(أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِمَا)؛ لقول ابن عبَّاسٍ المتقدِّم

(1)

، وظاهره: أنَّه يخيَّر

(2)

بينهما، والمذهب: أنَّه إذا شقَّ عليه استلامهما أشار إليهما، صرح به في «الشَّرح» وغيره.

(وَيَقُولُ كُلَّمَا حَاذَى الْحَجَرَ) الأسودَ: (لا إله إلا الله والله أكبر)؛ لحديث ابن عبَّاسٍ

(3)

، ولقوله في حديث عمر:«وإلا فاستقبِل وهلِّلْ وكبِّرْ»

(4)

.

(وَبَيْنَ الرُّكْنَيْنِ)؛ أي: اليمانيْ والأسود: ({رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البَقَرَة: 201])؛ لما رَوَى عبد الله بن السَّائب: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك» رواه أحمد

(5)

، وعن أبي هريرة مرفوعًا:«إنَّ الله وكَّل بالرُّكن اليمانيْ سبعين ألف ملكٍ، فمن قال: اللهم إنِّي أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؛ قالوا: آمين»

(6)

.

(وَفِي سَائِرِ الطَّوَافِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَذَنْبًا

(1)

سبق تخريجه 4/ 250 حاشية (2).

(2)

في (د) و (و): يتخير، وفي (ز): مخير.

(3)

أخرجه البخاري (1613)، ومسلم (1272)، ولفظه عند البخاري:«طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، كلما أتى الركن أشار إليه بشيء كان عنده وكبر» ، ومسلم نحوه.

(4)

سبق تخريجه 4/ 250 حاشية (6).

(5)

أخرجه أحمد (15399)، وأبو داود (1892)، وابن خزيمة (2721)، وابن حبان (3826)، والحاكم (1673)، من طريق ابن جريج، أخبرني يحيى بن عبيد مولى السائب، أن أباه أخبره، عن عبد الله بن السائب، ورجاله ثقات، إلا والد يحيى بن عبيد فلم يرو عنه إلا ابنه، وذكره ابن حبان في الثقات، قال ابن حجر:(مقبول)، وصحح حديثه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وحسنه الألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 7/ 80، صحيح أبي داود 6/ 141.

(6)

أخرجه ابن ماجه (2957)، والطبراني في الأوسط (8400)، وهو حديث ضعيف، فيه حميد بن أبي سويد قال ابن عدي عنه:(أحاديثه غير محفوظة)، وقال الذهبي:(له مناكير). ينظر: الكامل لابن عدي 3/ 79، الكاشف للذهبي 1/ 353.

ص: 255

مَغْفُورًا، رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ)؛ لأنَّه لائِقٌ بالمحلِّ، فاستُحب ذكره؛ كسائر الأدعية اللائقة بمحالِّها المنصوص

(1)

عليها.

وفي «الفروع»

(2)

: (ربِّ اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم، وذكر أحمد: أنَّه يقوله في سعيه).

وظاهره: أنَّه لا يرفع يديه، خلافًا «للمستوعب» وغيره.

وفيه: يقف في كل طوفة عند الميزاب، والملتزم، وكل ركنٍ.

(وَيَدْعُو بَمَا

(3)

أَحَبَّ) من الحوائج؛ لأنَّه موضعٌ يُستجاب فيه الدُّعاء، وعن عبد الرحمن بن عوف أنَّه كان يقول

(4)

: «ربِّ قِني شُحَّ نفسي»

(5)

.

وظاهره: أنَّه لا يقرأ، وهو رواية؛ كتغليطه

(6)

المصلِّين، والمذهب: له القراءة، فتستحب

(7)

، قاله الآجُرِّيُّ، وسوَّى بينهما في رواية

(8)

أبي داود

(9)

، واستحبها

(10)

الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(1)

في (د) و (و): والمنصوص.

(2)

قوله: (وفي «الفروع») سقط من (و).

(3)

في (د): ما.

(4)

قوله: (أنه كان يقول) سقط من (أ).

(5)

أخرجه الطبري في التفسير 22/ 530، والفاكهي في أخبار مكة (415)، عن أبي الهياج الأسدي، قال: كنت أطوف بالبيت، فرأيت رجلاً يقول:«اللهم قني شح نفسي» ، لا يزيد على ذلك، فقلت له، فقال:«إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل شيئًا» ، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف، إسناده جيد، فيه طارق بن عبد الرحمن البجلي، وهو صدوق، وباقي رجاله ثقات.

(6)

في (ب): لتغليطه.

(7)

في (و): فيستحب.

(8)

قوله: (في رواية) سقط من (أ).

(9)

ينظر: مسائل أبي داود ص 181.

(10)

في (أ): واستحبهما.

ص: 256

بلا جهرٍ

(1)

، قال القاضي وغيره: لأنَّه

(2)

صلاة، وفيها قراءة ودعاء، فيجب كونها مثلها.

(وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ، وَلَا

(3)

أَهْلِ مَكَّةَ)، ولا حاملِ معذورٍ، نَصَّ عليه

(4)

، (رَمَلٌ، وَلَا اضْطِبَاعٌ)؛ حكاه ابن المنذر إجماعًا في النساء

(5)

؛ لأنَّ ذلك شُرِعَ

(6)

لإظهار الجلد، وليس مطلوبًا منهن، بل إنما يقصد فيهنَّ السَّتر.

وكذا أهل مكة لا رمل عليهم في قول الأكثر؛ لأن إظهار الجلد

(7)

معدوم

(8)

في حقِّهم، وحكم من أحرم منها حكم أهلها، ولو كان متمتعًا، ولو عبر بقوله:(ولا محرم من مكة)؛ لعمَّ، ولأنَّ من لا يشرع له الرمل؛ لا يشرع له الاضطباع.

وكذا إن طاف راكبًا أو محمولاً لعذرٍ، فلا رمل فيه، وذكر الآجُرِّيُّ: يرمل بالمحمول.

(وَلَيْسَ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّوَافِ رَمَلٌ وَلَا اضْطِبَاعٌ)؛ لأنَّه عليه السلام وأصحابه إنما فعلوا ذلك في الطَّواف الأوَّل.

وذكر القاضي وصاحب «التلخيص» : إذا تركهما فيه، أو لم يسع عقب طواف القدوم؛ أتى بهما في طواف الزِّيارة أو غيره.

وذكر ابن الزَّاغوني: أنَّ الرَّمَل والاضطباع في طواف الزِّيارة، ونفاهما في

(1)

ينظر: الفروع 6/ 36، الاختيارات ص 175.

(2)

في (ب) و (د) و (و): لأنها.

(3)

زيد في (د) و (و): على.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2130، مسائل عبد الله ص 226.

(5)

ينظر: الإجماع ص 55.

(6)

في (د): مشرع.

(7)

قوله: (وليس مطلوبًا منهن

) إلى هنا سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

(8)

في (ب) و (ز): فمعدوم.

ص: 257

طواف الوداع.

(وَمَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولاً؛ أَجْزَأَهُ

(1)

، وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ إِلاَّ لِعُذْرٍ)، أمَّا مع العذر؛ فيجزئ بغير خلاف

(2)

؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «طاف النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على بعير [يستلم]

(3)

الرُكن بمِحجَنٍ»

(4)

وعن أمِّ سلمة قالت: شكوت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنِّي أشتكي، قال:«طوفي من وراء النَّاس وأنت راكبةٌ» متَّفقٌ عليه

(5)

.

وإن كان لغير عذرٍ؛ أجزأ في رواية قدَّمها المؤلف، وجزم بها ابن حامد وأبو بكر في الرَّاكب؛ لأنَّ الله تعالى أمر بالطواف مطلقًا، ولطوافه عليه السلام راكبًا، لكن شرط

(6)

صحَّته في المحمول نيَّتُه

(7)

.

وعُلِم منه: أنَّ الطَّواف راجلاً أفضل بغير خلاف

(8)

.

والثَّانية: عدم الإجزاء، وهي الأشهر، واختارها القاضي أخيرًا، والشَّريف؛ لأنَّه عليه السلام شبَّه الطَّواف بالصَّلاة، وهي لا تفعل كذلك إلاَّ لعذرٍ، فكذا هو.

وأجابوا عن فعله عليه السلام: بأنَّه كان لعذرٍ، كما هو مصرَّح به في رواية أبي داود

(9)

،

(1)

في (أ): أجزأ عنه.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 56، المغني 3/ 358.

(3)

في الأصل و (أ) و (د) و (ز) و (و): يستلزم. والمثبت من (ب)، وهو الموافق للحديث.

(4)

أخرجه البخاري (1607)، ومسلم (1272).

(5)

أخرجه البخاري (1619)، ومسلم (1276).

(6)

في (ب) و (د) و (و): شرطه.

(7)

في (أ) و (ب): بنية.

(8)

ينظر: المغني 3/ 358.

(9)

أخرجه أبو داود (1881)، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجن» ، ويزيد بن أبي زياد القرشي ضعيف، وأخرجه البخاري (1612)، من طريق خالد الحذاء عن عكرمة به، ومسلم (1272)، من طريق الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة به، وليس فيه: وهو يشتكي، وأخرج مسلم (1273) من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال:«طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه، لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه، فإن الناس غَشُوه» .

ص: 258

أو ليراه

(1)

الناس، قاله أحمد

(2)

، أو ليُشرِف ليسألوه، فإن الناس غَشُوهُ.

وأخذ جماعة: أنه لا بأس للإمام الأعظم؛ ليُرِيَ الجهَّال.

وعنه: يجبره بدم، حكاها المؤلف، قال الزركشي: ولم أرها لغيره.

(وَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْحَامِلِ)؛ لأنَّ الطَّواف عبادةٌ، أدَّى به فرض غيره، فلم يقع عن فرضه، كالصَّلاة، ولأنَّ الحامل آلة للمحمول، فكان كالراكب، بخلاف حمله بعرفة؛ لأنَّ المقصود الكون فيها، وهو حاصل لهما.

وله أحوال:

منها: أن ينويا جميعًا عن المحمول، أو ينوي هو دون الحامل، فيجزئ عن المحمول لا الحامل بغير خلاف

(3)

.

ومنها: أن ينويا جميعًا عن الحامل، أو ينوي هو فقط؛ فيصح له وحده.

ومنها: أن ينوي كل واحدٍ عن نفسه؛ فيصحُّ للمحمول دون حامله؛ جعْلاً له كالآلة.

وحسَّن المؤلِّف صحَّتَه لهما؛ لأنَّ كلًّا منهما طائفٌ بنيَّةٍ صحيحةٍ، كالحمل بعرفات.

وذكر ابن الزاغوني ذلك احتمالاً، وفي «الفروع» قولاً.

وقال

(4)

أبو حفص: لا يجزئ عن واحد منهما؛ لأنه لا أولوية، والفعل

(1)

في (أ): وليراه.

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 283.

(3)

ينظر: المغني 3/ 243.

(4)

في (أ): قال.

ص: 259

الواحد لا يقع عن اثنين.

ومنها: لم ينو واحدٌ منهما، أو نوى كل واحد صاحبه؛ فلا يصحُّ لواحدٍ منهما.

مسألةٌ: إذا سعى راكبًا أو محمولاً؛ أجزأه، جزم به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّ المعنى الذي منع الطواف غير موجودٍ.

وقال أحمد في رواية: لا بأس به على الدَّواب لضرورة

(1)

.

وظاهر كلام أحمد، واختاره الخِرَقيُّ، وصاحب «التَّلخيص»: حكمه كالطَّواف.

(وَإِنْ طَافَ مُنَكّسًا)، يجوز فيه كسر الكاف وفتحها، فعليه يكون

(2)

صفة لمصدر محذوف؛ أي: طاف طوافًا منكَّسًا، وعلى الأوَّل يكون حالاً من فاعل «طاف» ، والمراد به: جعل البيت على يمينه، (أَوْ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ)، وهو مكانٌ معروفٌ إلى جانب البيت، وهو بكسر الحاء وسكون الجيم لا غيرُ، (أَوْ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ)، هو

(3)

القدر الخارج عن عرض الجدار مرتفعًا عن الأرض قدر ثُلُثيْ ذراعٍ، (أَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الطَّوَافِ وَإِنْ قَلَّ، أَوْ لَمْ يَنْوِهِ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ).

أمَّا أوَّلاً؛ فلأنَّ فعله عليه السلام وقع بيانًا؛ لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحَجّ: 29]، ومثله يتعيَّن، ولقوله

(4)

: «خذوا عني مناسككم»

(5)

، ولأنَّه عبادةٌ تتعلَّق بالبيت، فكان واجبًا كالصَّلاة.

(1)

ينظر: التعليقة 2/ 30.

(2)

في (د) و (و): تكون.

(3)

في (ب) و (د) و (و): وهو.

(4)

في (و): لقوله.

(5)

أخرجه مسلم (1297).

ص: 260

وأمَّا ثانيًا؛ فلأنَّ ذلك من البيت؛ لقول عائشة: إنِّي نذرت أن أصليَ في البيت، قال:«صلِّي في الحجر، فإنَّ الحجر من البيت» رواه التِّرمذيُّ وصحَّحه

(1)

، فإذا لم يطُفْ به لم يطُف بكل البيت، والحال

(2)

أنَّ الطَّواف بجميعه واجبٌ لنص القرآن، وطاف عليه السلام بجميعه، وقال:«خذوا عني مناسككم»

(3)

. وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: الشَّاذروان ليس هو منه، وإنما جعل عمادًا للبيت

(4)

.

وأمَّا ثالثًا؛ فلأنه

(5)

لم يأت بالعدد المعتبر المستفاد من فعله عليه السلام.

وأمَّا رابعًا؛ فلقوله: «إنَّما الأعمال بالنيَّات»

(6)

، ولا عمل إلاَّ بنيَّةٍ، والطَّواف بالبيت صلاةٌ، ولأنَّه عبادةٌ محْضةٌ تتعلَّق بالبيت، فاشترط له النِّية كالصَّلاة.

وقوَّة كلامه: أنه إذا طاف في المسجد من وراء حائل؛ أنَّه يصحُّ، وصرح

(7)

بعضهم بخلافه.

(1)

أخرجه أحمد (24616)، وأبو داود (2028)، والترمذي (876)، من طريق علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة رضي الله عنها، ورجاله ثقات عدا أم علقمة واسمها مرجانة، وهي مقبولة، وللحديث طريق آخر قوي عند الطيالسي (1666)، رجاله رجال الصحيح، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وصححه البوصيري والألباني. ينظر: إتحاف الخيرة 3/ 193، صحيح أبي داود 6/ 268.

(2)

في (أ): فالحال.

(3)

أخرجه مسلم (1297).

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 121.

(5)

في (ب) و (د) و (ز): فإنه.

(6)

أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).

(7)

زيد في (د) و (و): به.

ص: 261

وإن طاف على سطحه؛ توجَّه الإجزاء؛ كصلاته إليها، وكذا إن قصد في طوافه غريمًا وقصد معه طوافًا بنيَّةٍ حقيقيةٍ

(1)

لا حكميَّة.

قال في «الفروع» : ويتوجَّه احتمال: كعاطس قصد بحمده قراءة، وفي الإجزاء عن فرض القراءة وجهان.

(وَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا، أَوْ نَجِسًا، أَوْ عُرْيَانًا؛ لَمْ يُجْزِئْهُ) في

(2)

ظاهر المذهب؛ لما تقدَّم، ولقوله عليه السلام لأبي بكرٍ حين بعثه في الحجَّة التي أَمَّره فيها:«ولا يطوف بالبيت عُريانٌ»

(3)

، ولأنَّها عبادةٌ تتعلَّق بالبيت، فكانت الطَّهارة والسُّترة شرطًا فيها كالصَّلاة، بخلاف الوقوف.

قال القاضي وغيره: الطواف

(4)

كالصلاة في جميع الأحكام

(5)

، إلا في إباحة النُّطق.

(وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ)؛ لأنَّ الطَّوافَ عبادةٌ لا يشترط فيها الاستقبال، فلم يشترط فيها ذلك كالسَّعي، (وَيَجْبُرُهُ بِدَمٍ)؛ لأنَّه إذا لم يكن شرطًا فهو واجبٌ، وتركه يوجبه

(6)

.

وظاهره: سواء أمكنه الطَّواف بعد طوافه على الصِّفة المتقدِّمة أم لا.

وعنه: إن لم يكن بمكَّة.

وعنه: يصحُّ من ناسٍ ومعذور فقط.

وعنه: ويجبره بدمٍ.

(1)

في (أ): حقيقة.

(2)

في (و): وفي.

(3)

أخرجه البخاري (1622)، ومسلم (1347).

(4)

في (ب) و (د) و (و): والطواف.

(5)

في (و): الأحوال.

(6)

في (أ): بموجبه.

ص: 262

وظاهره: صحته من حائض بدم، وهو ظاهر كلام جماعة

(1)

، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

، وأنَّه لا دم لعذر.

ويلزم الناس

(3)

في الأصحِّ انتظارها لأجله إن أمكن.

فرعٌ: إذا طاف فيما لا يجوز

(4)

لبسه؛ صحَّ وفدَى، ذكره الآجُرِّيُّ.

(وَإِنْ أَحْدَثَ فِي بَعْضِ طَوَافِهِ، أَوْ قَطَعَهُ بِفَصْلٍ طَوِيلٍ؛ ابْتَدَأَ

(5)

.

أمَّا أوَّلاً؛ فلأنَّ الطَّهارة شرطٌ، فأبطله الحدث كالصَّلاة، وهذا ظاهر في العمد، فإن سبقه الحدث؛ تطهَّر

(6)

وابتدأ في رواية، وجزم بها المؤلِّف وغيره، وفيه روايات الصلاة، ذكره ابن عقيل، ومحلُّه -كما صرَّح به الخِرَقيُّ وصاحب «الشَّرح» -: في طواف الفرض، فأمَّا النفل فلا تجب إعادته كالصَّلاة.

وأمَّا ثانيًا؛ فلأنَّه عليه السلام والى بين طوافه، وقال:«خذوا عني مناسككم»

(7)

، فعُلم أنَّ الموالاة شرطٌ فيه، فمتى قطعه بفصلٍ طويلٍ؛ ابتدأه، سواء كان عمدًا أوْ سهوًا، مثل أن يترك شوطًا منه يظن أنَّه قد أتم، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العرف؛ كالحرز والقبض.

(وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا)؛ بنى؛ لأنَّه يُتَسامَح بمثله؛ لما في الاتصال من المشقَّة، فعفي عنه.

(أَوْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، أَوْ حَضَرَتْ جَنَازَةٌ؛ صَلَّى) في قول أكثر العلماء؛

(1)

في (أ) و (ب): أحمد.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 200 - 209.

(3)

في (أ): الناسي.

(4)

زيد في (د) و (و): له.

(5)

في (د) و (ز) و (و): ابتدأه.

(6)

في (و): يطهر.

(7)

أخرجه مسلم (1297).

ص: 263

لعموم قوله: «إذا أقيمت الصَّلاة فلا صلاةَ إلاَّ المكتوبة»

(1)

، والطَّواف صلاة

(2)

، ورُوِيَ عن ابن عمر

(3)

وسالمٍ وعطاءٍ، ولم يُعرَف لهم مخالِفٌ في عصرهم، ولأنَّ الجنازةَ صلاةٌ تفوت بالتَّشاغُل بالطَّواف، وهي أولى من قطعه لها بالمكتوبة؛ لعدم فواتها به.

(وَبَنَى)، قال ابن المنذر:(لا نعلم أحدًا خالف فيه إلاَّ الحسن، فإنه قال: يستأنِف)

(4)

، والأوَّل أصحُّ؛ لأنَّ هذا فعلٌ مشروعٌ، فلم يقطعه كاليسير، فعلى هذا يكون ابتداؤه من الحَجَر، قاله أحمد

(5)

.

(وَيَتَخَرَّجُ: أَنَّ المُوَالَاةَ سُنَّةٌ)؛ لأنَّ الحسنَ غُشِيَ عليه، فلمَّا أفاق أتمَّه

(6)

.

وعن أحمد: ليس بشَرطٍ مع العذر، وهو ظاهرٌ.

(1)

أخرجه مسلم (710).

(2)

في (و): والصلاة طواف.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور كما في تغليق التعليق (3/ 75)، عن جميل بن زيد قال:«رأيت ابن عمر طاف بالبيت، فأقيمت الصلاة، فصلى مع القوم، ثم قام فبنى على ما مضى من طوافه» ، وأخرجه عبد الرزاق (8980)، وابن أبي شيبة (14970)، والفاكهي في أخبار مكة (589)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 191)، من طرق أخرى عن جميل بن زيد بلفظ:«أنه رأى ابن عمر طاف في يوم حار ثلاثة أطواف، ثم قعد في الحجر فاستراح، ثم قام فأتم على ما مضى» ، وعلقه البخاري بصيغة التمريض (2/ 154)، وإسناده ضعيف؛ جميل بن زيد الطائي ضعفه الأئمة، بل قال الدارقطني مرة:(متروك)، قال العلائي في جامع التحصيل ص 155:(والإنكار عليه إنما جاء من ادعاء سماع ما لم يسمع، فإنه قال في عدة أحاديث: "حدثنا ابن عمر"، ولم يكن سمع منه)، كذا نقل أحمد في العلل 1/ 484 عن أبي بكر بن عياش، وقال ابن حبان في المجروحين 1/ 217:(يروي عن ابن عمر ولم يره، دخل المدينة فجمع أحاديث ابن عمر بعد موت ابن عمر، ثم رجع إلى البصرة ورواها عنه).

(4)

ينظر: الإشراف 3/ 283.

(5)

ينظر: المغني 3/ 356.

(6)

أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (1400)، عن أبي عاصم، عن عبادة قال: رأيت الحسن يسعى بين الصفا والمروة فغشي عليه، فجاء من الغد فبنى من حيث قطع. إسناده صحيح، وهو الحسن البصري، فإن عبادة بن مسلم الفزاري يروي عن الحسن البصري، ويروي عنه أبو عاصم النبيل.

ص: 264

تنبيهٌ: إذا شكَّ في عدده

(1)

بنى على اليقين، نَصَّ عليه

(2)

، وذكر أبو بكر: يعمل بظنه، ويأخذ بقول عدلَين، نَصَّ عليه

(3)

، وينبغي تقييده بما

(4)

لم يتيقَّن صواب نفسه.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : يكفي ثقةٌ.

فإن شكَّ في الطَّهارة وهو فيه؛ بطل، لا بعد الفراغ منه.

فرعٌ: إذا فرغ المتمتِّع ثمَّ علم أنه كان

(5)

على غير طهارةٍ في أحد طوافيه، وجهله؛ لزمه الأشدُّ، وهو من الحجِّ، فيلزمه طوافه وسعيه ودمٌ، وإن كان وطئ بعد حلِّه من

(6)

عمرته؛ لم يصحَّا؛ لأنَّه أدخل حجًّا على عمرةٍ فاسدةٍ، وتحلَّل بطوافه الذي نواه لحجِّه من عمرته الفاسدة، وعليه دمٌ للحلق، ودمٌ للوطء في عمرته.

(ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) بعد فراغه من الطَّواف؛ لأنَّه عليه السلام ركعهما

(7)

، وفي «أسباب الهداية»: أنه يأتي الملتزَم قبلهما، (وَالأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ

(8)

خَلْفَ المَقَامِ)؛ لقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البَقَرَة: 125].

وظاهره: أنَّه لا يُشرَع تقبيلُ المقام ولا مسحه

(9)

إجماعًا

(10)

، فسائر

(1)

في (أ): عذره.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 41.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 41.

(4)

في (أ) و (ب): ما.

(5)

قوله: (كان) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

(6)

في (أ): في.

(7)

كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في البخاري (395)، ومسلم (1234)، وحديث جابر رضي الله عنه عند مسلم (1218).

(8)

في (د) و (و): يكونا.

(9)

في (أ): ولا مسه.

(10)

ينظر: مجموع الفتاوى 3/ 274.

ص: 265

المقامات أَوْلَى، ونقل الفضل عنه: كراهة مسه

(1)

.

وفي «منسك ابن الزَّاغوني» : فإذا بلغ مقام إبراهيم فليمس الصَّخرة بيده، وليمكِّن منها كفَّه، ويدعو.

(يَقْرَأُ فِيهِمَا) بعد الفاتحة: ({قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)} )؛ لحديث جابرٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبْعًا، وصلَّى خلف المقام ركعتين قرأ فيهما: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)}»

(2)

.

وظاهره: جواز فعلهما في غير ذلك الموضع، وبغير تلك القراءة؛ لأنَّ «عمر ركعهما بذي طُوًى» رواه البخاريُّ

(3)

، وقراءة غير الفاتحة لا تتعيَّن في الفرض، فالنفل

(4)

أَوْلَى، ولا شكَّ أنَّهما سنَّةٌ مؤكدة؛ للنُّصوص.

وعنه: وجوبهما، وهي أظهر، فلو صلَّى الفريضة بعده أجزأه عنهما؛ كركعتي الإحرام.

وعنه: أنَّه يصلِّيهما بعد المكتوبة، قال أبو بكر عبد العزيز: وهو أقْيس؛ كركعتي الفجر.

تنبيهٌ: له جمْعُ أسابيعَ، ثم يُصَلِّي لِكلِّ أُسْبوعٍ ركعتَين، نَصَّ عليه

(5)

؛ لفصله بين الفرض والسُّنَّة، بخلاف تكبير تشريقٍ عن فرضٍ وسجدة تلاوةٍ، فإنَّه

(1)

ينظر: الفروع 6/ 41.

(2)

أخرجه مسلم (1218).

(3)

علقه البخاري بصيغة الجزم في باب الطواف بعد الصبح والعصر (2/ 155)، ووصله مالك (1/ 368)، وعبد الرزاق (9008)، والحارث في مسنده (377)، والطحاوي في معاني الآثار (3864)، والبيهقي في الكبرى (4117)، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري:«أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح، فلما قضى عمر طوافه، نظر فلم ير الشمس طلعت، فركب حتى أناخ بذي طوى، فصلى ركعتين» ، وإسناده صحيح.

(4)

في (و): والنفل.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 167.

ص: 266

يكره؛ لئلاَّ يؤدِّي إلى إسقاطه، ذكره القاضي.

وعنه: يُكرَه قطعُه على شفعٍ، فيكره الجمع إذَنْ، ولأنَّه عليه السلام لَمْ يفعلْه، ويلزم

(1)

منه الإخْلالُ بالموالاة بينهما

(2)

. وفيه نظرٌ.

وله تأخير السَّعْي عن الطَّواف بطوافٍ وغيرِه، نَصَّ عليه

(3)

.

(ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الرُّكْنِ)، وهو الحَجَرُ الأسودُ، (فَيَسْتَلِمُهُ

(4)

، نَصَّ عليه

(5)

؛ لفعله

(6)

عليه السلام

(7)

، ولا نعلمُ فيه خِلافًا

(8)

.

(ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّفَا)، بالقَصْرِ، وهو في الأصل الحجارة الصُّلْبة، والآن ثَم

(9)

مكانٌ معروف

(10)

عند باب المسجد، (مِنْ بَابِهِ، وَيَسْعَى سَبْعًا

(11)

، يَبْدَأُ بِالصَّفَا فَيَرْقَى عَلَيْهِ)، وليس بواجِبٍ؛ لأنَّه لو تركه فلا شَيءَ عليه، (حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ)؛ أي

(12)

: يُشاهِدَه، (فَيَسْتَقْبِلُهُ، وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَيَقُولُ: الْحَمْدُ للهِ عَلَى مَا هَدَانَا، لَا إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ)،

(1)

في (و): ويلزمه.

(2)

قوله: (بينهما) سقط من (د) و (و).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2137، مسائل عبد الله ص 216.

(4)

في (د) و (و): فَيُقَبِّلُهُ.

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 199.

(6)

في (د) و (و): لقوله.

(7)

أخرجه مسلم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(8)

ينظر: المغني 3/ 349.

(9)

قوله: (ثم) سقط من (د) و (و).

(10)

في (د) و (و): يعرف.

(11)

في (ب) و (د) و (و): سعيًا.

(12)

في (و): أو.

ص: 267

اقْتَصَر عليه في «الفروع» ، وليس فيه:(يُحيِي ويُميت، وهو حيٌّ لا يموتُ، بيده الخيرُ)، وزاد: ويقول ذلك ثلاثًا؛ لفعله عليه السلام، فإنه رَقِيَ على الصَّفا وقرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 158] «نبدأ بما بدأ الله به

(1)

»، فبدأ بالصَّفا

(2)

.

والأحزاب: هم الذين تحزَّبوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وهم قريشٌ وغَطَفانُ واليهودُ.

(لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)؛ لأنَّ ابنَ عمرَ كان يزيده على ما سبق، رواه إسماعيل، عن أيُّوب، عن نافعٍ، عنه

(3)

.

(ثُمَّ يُلَبِّي)؛ لأنَّه «عليه السلام لم يَزَلْ يُلبِّي حتَّى رمَى جَمْرةَ العَقَبة»

(4)

.

وظاهِرُه: أنَّه لا يُلبِّي على الصَّفا؛ لعدم نقله

(5)

.

وما ذكره محمولٌ على غير المتمتِّع؛ لأنَّه يقطعها إذا استلم الحَجَر كما يأتي.

(وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ)؛ لما رَوَى أبو هريرةَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصَّفا، فَعَلَا عليه حتَّى نَظَرَ إلى البيت، ورفع يدَيْه، فجعل

(6)

يحمَد الله،

(1)

في (أ): به الله.

(2)

أخرجه مسلم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أحمد في مسائل أبي داود (ص 146)، وروي نحوه عن نافع من طرق أخرى: أخرجها مالك (1/ 372)، وابن أبي شيبة (14502)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 308)، والفاكهي في أخبار مكة (1411)، والبيهقي في الكبرى (9346)، وأسانيده عن نافع صحيحة.

(4)

أخرجه البخاري (1686)، ومسلم (1281)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

في (أ) و (ب): فعله.

(6)

زيد في (و): يدعو، وضرب عليه في (د).

ص: 268

ويدعو بما شاء أنْ يدعو» رواه مسلمٌ

(1)

، ولأنَّه مَوضِعٌ تُرجَى فيه الإجابةُ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَرفع يدَيه، والظَّاهر: بلَى؛ للخبر.

(ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ الصَّفَا، وَيَمْشِي حَتَّى يَأْتِيَ الْعَلَمَ)، وهو المِيل الأخضر في ركن

(2)

المسجد، قال في «الشَّرح» وغيره: إذا كان منه نحو ستَّة أذرُعٍ، قال في «الفروع»: وهو أظهرُ.

(فَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا إِلَى الْعَلَمِ)، وهو الميل الأخضر بفِناء المسجد، حِذاء دار العبَّاس.

وظاهره: أنَّه لا يرمُل بينهما، وقاله جماعةٌ كالمؤلِّف، وهو أظهرُ.

وقيل: بلَى؛ لوروده في الخبر

(3)

.

(ثُمَّ يَمْشِي

(4)

حَتَّى يَأْتِيَ المَرْوَةَ)، وهي

(5)

في الأصل: الحجارة البِيض البرَّاقة التي تُقدح

(6)

منها النَّارُ، والآن هو

(7)

المكانُ المعروفُ بطرَف السعي، (فَيَفْعَلُ عَلَيْهَا مِثْلَ مَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا)؛ من الاستقبال، والتَّكبير، والتَّهليل، والدُّعاء، (ثُمَّ يَنْزِلُ فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعًا، يَحْتَسِبُ بِالذَّهَابِ سَعْيَةً، وَبِالرُّجُوعِ سَعْيَةً)؛ لفعله عليه السلام لذلك، رواه مسلمٌ من حديث جابِرٍ

(8)

.

(1)

أخرجه مسلم (1780).

(2)

قوله: (ركن) هو في (أ): فناء.

(3)

أخرج مسلم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج:«ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى» ، ولفظه عند أبي داود (1905)، وابن ماجه (3074)، «حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي» .

(4)

في (و): يأتي.

(5)

في (د) و (و): وهو.

(6)

في (و): يقدح.

(7)

في (و): إلى.

(8)

مأخرجه مسلم (1218).

ص: 269

ويُكثِرُ الدُّعاءَ والذِّكر بين

(1)

ذلك، قال أحمدُ: كان ابنُ مسعودٍ إذا سَعَى بين الصَّفا والمروةِ، قال:«ربِّ اغفِرْ وارْحَمْ، واعْفُ عمَّا تعلمُ، وأنت الأعزُّ الأكرمُ»

(2)

، وقد رَوَى التِّرمذيُّ، وصحَّحه مرفوعًا:«إنَّما جُعِل السَّعْي بيْنهما؛ لِإِقامة ذِكْر الله تعالَى»

(3)

.

ويجب استِيعاب ما بينهما، فيلصق

(4)

عقِبَه بأصلهما، فلو ترك بينهما شيئًا -ولو ذِراعًا-؛ لم يُجزئْه حتى يأتي به، والأَوْلَى أن يَرْقَى كما مرَّ.

(يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا)؛ لقوله: «نبدأ بما بدأ الله به»

(5)

، وعن ابن عبَّاسٍ: أنَّه قرأ الآيةَ، وقال:«نبدأ بالصَّفا، اتبعوا القرآنَ، فما بدأ به القرآنُ فابدؤوا به»

(6)

.

(1)

في (أ): في.

(2)

أخرجه أحمد في مسائل أبي داود (ص 161)، وابن أبي شيبة (29647)، والأزرقي (2/ 118)، والفاكهي (1391)، والطحاوي في أحكام القرآن (1363)، والطبراني في الدعاء (870)، والبيهقي في الكبرى (9351)، عن ابن مسعود، أنه كان إذا سعى في الوادي، قال:«رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم» ، وإسناده صحيح.

(3)

أخرجه أحمد (24351)، وأبو داود (1888)، والترمذي (902)، وابن خزيمة (2738)، والحاكم (1685)، من طريق عبيد الله بن أبي زياد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة مرفوعًا بلفظ:«إنما جعل رمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله» ، وعبيد الله بن أبي زياد القداح قال فيه ابن حجر:(ليس بالقوي)، وتفرد برفعه، ورواه غيره موقوفًا، وصححه مرفوعًا: الترمذي وابن خزيمة والحاكم، وضعف رفعه الألباني. ينظر: ضعيف سنن أبي داود 2/ 170.

(4)

في (أ): فينص.

(5)

أخرجه بهذا اللفظ: أبو داود (1905)، والترمذي (862)، والنسائي (2961)، وهو في مسلم (1218) بلفظ:«أبدأ بما بدأ الله به» .

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (14697)، ومن طريقه الحاكم في المستدرك (3071)، والبيهقي في الكبرى (401)، من طريق ابن فضيل، عن عطاء، عن ابن جبير، عن ابن عباس، أن رجلاً أتاه، فقال: يا أبا عباس، أبدأ بالصفا قبل المروة، أو أبدأ بالمروة قبل الصفا، فقال ابن عباس:«خُذ ذلك من قِبَل القرآن، فإنه أجدر أن يحفظ، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، فالصفا قبل المروة» ، وفيه ضعف، عطاء بن السائب اختلط، وابن فضيل سمع منه بعد الاختلاط.

ص: 270

(وَيَخْتِمُ بِالمَرْوَةِ)؛ لقول جابِرٍ: فلمَّا كان آخِرُ طوافه قال: «لو اسْتقبلْتُ من أمري ما استدبرت؛ لم أسُقِ الهدي، ولجعلتها عمرةً»

(1)

، ولأنه

(2)

يلزم من البَداءة به الختمُ بها.

(فَإِنْ

(3)

بَدَأَ بِالمَرْوَةِ؛ لَمْ يَحْتَسِبْ بِذَلِكَ الشَّوْطِ)؛ لِمخالفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمرِه

(4)

، فعلَى هذا: إذا صار إلى الصَّفا؛ اعتد بما يأتي بعدَه.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى طَاهِرًا

(5)

من الحدث والنَّجاسة؛ كبقيَّة المناسِك، في قَول الأكثر، ولأنَّه عبادةٌ لا تتعلَّق بالبيت

(6)

؛ كالوقوف بعرفةَ.

(مُسْتَتِرًا)؛ لأنَّه إذا لَمْ تشترط

(7)

الطَّهارة مع آكديتها؛ فغَيرُها أَوْلَى.

(مُتَوَالِيًا)، في ظاهر كلامِ أحمدَ

(8)

، وهو الأصحُّ؛ لأنَّه لا تعلُّق له بالبيت، فلم يُشتَرَط له الموالاةُ؛ كالرَّمْيِ والحلْق.

(وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِهِ)، وقاله القاضِي في

(9)

الموالاة؛ لأنَّ السَّعْيَ أحدُ الطَّوافَين، فاشتُرِط فيه ذلك؛ كالطَّواف بالبيت. قال في «الشَّرح»: ولا عَمَلَ علَيه.

تنبيهٌ: ظاهِرُه أنَّ السَّعي بعد الطَّواف، فلو عَكَسَ؛ لم يُجزِئْه، نَصَّ

(1)

أخرجه مسلم (1218)، وهو عند البخاري (1785)، من وجه آخر عن جابر رضي الله عنه بنحوه.

(2)

في (د) و (و): ولا.

(3)

في (و): وإن.

(4)

أما فعله: فأخرجه مسلم من حديث جابر (1218)، وأما أمره: فأخرجه النسائي بإسناد صحيح (2962)، بلفظ:«إن الصفا والمروة من شعائر الله، فابدؤوا بما بدأ الله به» .

(5)

في (و): طاهرًا مستترًا.

(6)

زيد في (ب): فلم تشترط.

(7)

في (و): لم يشترط.

(8)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 169.

(9)

في (أ): من.

ص: 271

عليه

(1)

. وعنه: بلى سهوًا وجهْلاً. وعنه: مطلقًا. وعنه: مع دمٍ.

ومِن شَرْطِه النِّيَّةُ، قاله في «المذهب» ، و «المحرَّر» وزاد: وألاَّ يقدِّمه على أشهُر الحجِّ، وظاهر كلام الأكثرِ خلافهما، وصرَّح به أبو الخطَّاب في الأخيرة أنَّه لا يُعرَفُ منعُه عن أحمدَ.

(وَالمَرْأَةُ لَا تَرْقَى)؛ لئلاَّ تُزاحِم الرِّجالَ، ولأنَّه أسْتَرُ لها.

(وَلَا تَرْمُلُ)، حكاه ابن المنذر إجماعَ مَنْ يحفَظُ عنه

(2)

؛ لأنَّه يُقصَد لها السَّتْرُ، وفيما ذُكِر انكشافٌ لها، وكذا لا تَسْعَى سعيًا شديدًا بين العلَمين.

ولا يُسنُّ فيه اضْطِباعٌ، نَصَّ عليه

(3)

.

(وَإِذَا

(4)

فَرَغَ مِنَ السَّعْيِ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا؛ قَصَّرَ مِنْ شَعْرِهِ وَتَحَلَّلَ)؛ لأنَّه عليه السلام اعْتَمَرَ ثلاثَ عُمَرٍ سِوَى عُمْرتِه التي مع حجِّه

(5)

، وكان يَحِلُّ إذا سَعَى.

وظاهِرُه: أن التَّقْصير له أفضلُ من الحَلْق، نَصَّ عليه؛ للأمْر به في حديث جابِرٍ

(6)

، وليتوفَّرَ الحَلْقُ للحجِّ.

وفي «المستوعب» و «الترغيب» : حَلْقُه.

وفي كلامه إشعارٌ بالمبادَرة إلى ذلك، ولا شكَّ في استحبابه.

فلو أحرم بالحجِّ قبل التَّقصير، وقلنا: هو نُسُكٌ؛ صار قارِنًا، فإنْ

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 168، مسائل ابن منصور 5/ 2136، مسائل عبد الله ص 216.

(2)

ينظر: الإجماع ص 55.

(3)

الفروع 6/ 44.

(4)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فإذا.

(5)

أخرجه البخاري (1779)، ومسلم (1253)، من حديث أنس رضي الله عنه قال:«اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث ردُّوه، ومن القابل عمرة الحديبية، وعمرة في ذي القعدة، وعمرة مع حجته» .

(6)

أخرجه البخاري (1568)، ومسلم (1216)، ولفظه: «أحلوا من إحرامكم بطواف البيت، وبين الصفا والمروة، وقصروا، ثم أقيموا حلالاً، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج

» الحديث.

ص: 272

تركهما؛ فعليه دمٌ، إن قلنا هما

(1)

نُسُكٌ، فإن وطئ قبله؛ فعليه دمٌ، وعمرتُه صحيحةٌ.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ المُتَمَتِّعُ قَدْ سَاقَ هَدْيًا

(2)

؛ فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَحُجَّ)، بل يقيم على إحرامه، ويُدخِل عليها الحجَّ بعد طوافه وسعيه لها

(3)

، ثمَّ لا يَحِلُّ حتَّى يحل منهما جميعًا يوم النَّحر، نَصَّ عليه

(4)

؛ لحديث ابن عمر وعائشة، متَّفقٌ عليهما

(5)

.

وعنه: من لبَّد رأسَه أو ضفَره، جزم به في «الكافي» ، هو بمنزلة من ساق الهدْيَ؛ لحديث حفصةَ

(6)

.

وقيل: يَحِلُّ؛ كمن لم يُهْدِ، وهو ظاهِرُ ما نقله يوسفُ بن مُوسَى

(7)

.

وعنه: إن قدِم في العَشْرِ؛ لم ينحَر الهدي حتَّى ينحَره يوم النَّحْر، وإن قدِم قبل العشر؛ نحر الهدْيَ، فدلَّ على أن المتمتِّع إذا قدِم قبل العشر؛ حلَّ وإن

(1)

في (أ) و (ب): هو.

(2)

في (ب) و (د) و (و): الهدي.

(3)

قوله: (لها) سقط من (أ).

(4)

ينظر: الفروع 6/ 46.

(5)

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227)، وحديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (1561)، ومسلم (1211).

(6)

أخرجه البخاري (1697)، ومسلم (1229)، عن حفصة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت؟ قال:«إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أحل من الحج» .

(7)

الروايتين والوجهين 1/ 306.

ويوسف لعله: يوسف بن موسى بن راشد أبو يعقوب القطان الكوفي، نقل عن إمامنا أشياء، مات سنة 253 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 421.

ويحتمل أنه: يوسف بن موسى العطار الحربي، كان يهوديًّا، أسلم على يد الإمام أَحْمد، وهو حدث، فحسن إسلامه، ولزم العلم، وروى عن الإمام أَحْمد أشياء. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 420.

ص: 273

كان معه هدي، وإن كان فيه لم يَحِلَّ.

واستِثْنَاءُ المتمتِّع من المعتمِر؛ دليلُ عمومه.

(وَمَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إِذَا وَصَلَ الْبَيْتَ)، والمرادُ: إذا اسْتَلَم الحَجَر الأسودَ، نص عليه

(1)

؛ لما روى ابنُ عبَّاس: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُمسِكُ عن التَّلبية في العمرة إذا اسْتلَمَ الحجَر» رواه التِّرمذيُّ وصحَّحه

(2)

، أي: شَرَعَ في الطَّواف، ولأنَّ التَّلبيةَ إجابةٌ إلى العبادة، وشعارٌ للإقامة عليها، والأخْذ في التَّحلُّل ينافيها

(3)

، وهو يحصُل بالطَّواف والسَّعي، فإذا شرع في الطَّواف؛ فقد أخذ في التَّحلُّل، فيقطعها، كما يَقطَعُ الحاجُّ التَّلبيةَ إذا شَرَع في رَمْي جمرة العقبة؛ لحصول التَّحلُّل به.

وظاهِرُه: اخْتِصاصُ القطع بالمتمتِّع؛ ك «الخِرَقيِّ» و «الوجيز» ، وليس كذلك؛ لأنَّ الحكمَ يَسْتَوِي فيه المتمتِّعُ وغيرُه من المعتمِرين

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2152، مسائل أبي داود ص 180.

(2)

أخرجه أبو داود (1817)، والترمذي (919)، وابن الجارود (451)، والدارقطني (2730)، وفي سنده: ابن أبي ليلى، محمد بن عبد الرحمن، وهو صدوق سيئ الحفظ جدًّا، ورجح الشافعي والبيهقي وقفه، وأشار إلى وقفه أبو داود بقوله:(رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام، عن عطاء، عن ابن عباس موقوفًا)، وقال الترمذي:(حديث ابن عباس حسن صحيح)، وضعفه الألباني، وله شاهد في مسند أحمد (6685)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لكن إسناده ضعيف، فيه: حجاج بن أرطاة، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وقد عنعنه. ينظر: الإرواء 4/ 297.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): منافيها.

ص: 274

(بَابُ صِفَةِ الحَجِّ)

أصلُه حديثُ جابِرٍ، رواه مسلمٌ

(1)

.

(يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ الذِي حَلَّ) من عمرته (وَغَيْرِهِ مِنَ المُحِلِّينَ بِمَكَّةَ)، سواءٌ كان مقيمًا بها من أهلها، أو من غيرِهم؛ (الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ)، نَصَّ عليه

(2)

؛ لحديث جابِرٍ قال: «أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا حلَلْنا أن نُحرِم إذا توجَّهنا إلى مِنًى، فأهلَلْنا من الأبطح، حتى إذا كان يوم التَّروية جعلنا مكَّةَ بِظَهْرٍ أهْلَلْنا بالحجِّ» رواه مسلمٌ

(3)

.

وعنه: المَكِّيُّ يُهِلُّ إذا رأى الهلالَ؛ لقول عُمَرَ لأهل مكَّة: «إذا رأيتم الهلالَ فأهِلُّوا بالحجِّ»

(4)

.

فعلَى الأوَّل: لو جاوَز يوم التَّروية بغَير إحرامٍ؛ لزمه دم الإساءة

(5)

مع دم

(6)

التَّمتُّع علَى الأصحِّ، قاله في «الترغيب» .

(1)

أخرجه مسلم (1218) وهو حديث طويل، أعاد المصنف الاستدلال به في أكثر من موضع.

(2)

ينظر: مسائل عبد الله ص 202، مسائل ابن منصور 5/ 2350.

(3)

أخرجه مسلم (1214).

(4)

أخرجه مالك (1/ 339)، وابن أبي شيبة (15012)، والفاكهي في أخبار مكة (1613)، عن القاسم بن محمد، أن عمر بن الخطاب قال:«يا أهل مكة ما شأن الناس يأتون شعثًا وأنتم مدهنون؟! أهلوا إذا رأيتم الهلال» ، وهذا مرسل، القاسم لم يدرك عمر رضي الله عنه. وأخرجه أبو حنيفة كما في مسنده (369)، عن إبراهيم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهو مرسل أيضًا، وأعله ابن حزم في المحلى 5/ 119 بالانقطاع في الطريقين، ويمكن أن يتقوى أحدهما بالآخر، ولذا احتج به أحمد في مسائل عبد الله ص 221، ومسائل ابن منصور 5/ 2096.

وقال الحافظ في الفتح 3/ 506: (رواه مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل)، ولم نقف على إسناد ابن المنذر.

(5)

في (د): للإساءة.

(6)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): عدم.

ص: 275

وفي «الرِّعاية» : يُحرِم يوم ترويةٍ أوْ عرفةَ، فإن عَبَره؛ فدم.

ولا يَطوفُ بعدَه قبْلَ خروجه، نقله الأثْرمُ

(1)

، واختاره الأكثرُ.

ونقل ابنُ منصورٍ وغيره: لا يَخْرُجُ حتَّى يودِّعه، وطوافُه بعد رجوعه من منًى للحجِّ

(2)

، جزم به في «الواضح» و «الكافي» .

فعلى الأوَّل: لو أتَى به وسَعَى بعدَه؛ لم يجزئه

(3)

.

(وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ)، سُمِّيَ به؛ لأنَّ النَّاس كانوا يتَروَّوْن فيه الماءَ لما بعدَه، وقيل: لأنَّ إبراهيمَ أصبح يتروَّى في أمْر الرُّؤيا، وقيل غيرُ ذلك.

(مِنْ مَكَّةَ)؛ لقوله عليه السلام: «حتَّى أهْلُ مكَّةَ يُهِلُّون منها»

(4)

، وكان عَطاءٌ يَسْتَلِمُ الرُّكنَ، ثمَّ يَنطلِق مُهِلًّا بالحجِّ

(5)

، والأفضلُ فيه أن يكون من المسجد، وفي «المبهج» و «الإيضاح» من تحت المِيزاب.

ويُستحَبُّ له أن يفعل في إحرامه ما يفعله في إحرامه من الميقات؛ من غسلٍ وغيره، ويطوف سَبْعًا، ويصلِّي ركعتَينِ.

(وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ مِنَ الْحَرَمِ؛ جَازَ)؛ لحديث جابِرٍ

(6)

؛ لأنَّ الأبْطَح خارجٌ من البلد داخِلٌ في الحرم، ولأنَّ المقصودَ حاصِلٌ به؛ لجَمْعه في نُسُكه بين الحلِّ والحَرَم.

(ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى مِنًى) قَبْلَ الزَّوال، (فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ)، مع الإمام إن

(1)

ينظر: الفروع 6/ 47.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2101.

(3)

في (د): لم يجز به.

(4)

أخرجه البخاري (1524)، ومسلم (1181)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

أخرج ابن أبي شيبة (15080)، عن سعيد بن جبير وعطاء:«أنهما كان يصليان في المسجد الحرام، ويلبيان بالحج إذا خرجا من المسجد، ويؤخران الطواف» .

(6)

أخرجه مسلم (1218).

ص: 276

أمكنه، وبقيَّة الصَّلوات إلى الفجر، نَصَّ عليه

(1)

.

(وَيَبِيتُ بِهَا)؛ لقول جابِرٍ: «فلمَّا كان يوم التَّروية؛ توجَّهوا إلى مِنًى، فأهلُّوا بالحجِّ، فركب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فصلَّى بها الظُّهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاء والفجرَ»

(2)

.

وظاهِرُه: أنَّ المَبِيتَ بها ليس بواجبٍ؛ لأنَّه عطفه على المستحَبَّات، فلو صادف يوم التَّروية يوم الجمعة؛ وجب عليه فعلها، كمن تَجِب عليه، وأقام حتَّى زالت الشَّمس، وإلاَّ لم تَجِبْ.

(فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ؛ سَارَ إِلَى عَرَفَةَ)، هي اسْمٌ لموضع الوقوف، (وَأَقَامَ

(3)

بِنَمِرَةَ)، هي موضعٌ بعرفةَ، وظاهر «المحرَّر» وغيره: أنَّها لَيْسَتْ منه.

قال الأزْرَقِيُّ: (هو الجبل الذي عليه أنْصاب الحرم، عن يمينك إذا خرجْتَ عن مأْزِمَيْ عرفةَ)

(4)

.

(حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ)؛ لحديث جابِرٍ: «وأمَر بقُبَّةٍ من شَعَر، فضُرِبتْ له بنَمِرةَ، فسار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتَّى إذا

(5)

أتى على

(6)

عرفةَ، فوجد القُبَّة قد ضُرِبت له بنَمِرةَ، فنزل بها، حتَّى إذا زالت الشَّمس، أمَر بالقَصْواء فرُحِلت له»

(7)

.

(ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً)؛ لقول جابِرٍ: «ثمَّ أتى بطْن الوادي، فخَطَب

(1)

ينظر: زاد المسافر 3/ 20.

(2)

أخرجه مسلم (1218).

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فأقام.

(4)

ينظر: أخبار مكة 2/ 188.

(5)

قوله: (إذا) سقط من (د) و (و).

(6)

قوله: (على) سقط من (أ).

(7)

أخرجه مسلم (1218)

ص: 277

النَّاسَ»

(1)

، يفتتحها

(2)

بالتَّكبير، قاله في «المستوعِب» و «التَّرغيب» وغيرهما، ويسن تقصيرها، (يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا الوُقُوفَ وَوَقْتَهُ

(3)

، وَالدَّفْعَ مِنْهُ، وَالمَبِيتَ بِمُزْدَلِفَةَ)، فيذكُر العالِمُ، ويتعلَّم الجاهلُ.

وظاهره: أنَّه لا خُطْبةَ في اليوم السَّابع بعد صلاة الظُّهر بمكَّة.

واخْتارَ الآجُرِّيُّ: بلى، يعلِّمهم ما

(4)

يَفْعلونه يَوْمَ التَّروية.

(ثُمَّ يَنْزِلُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ)؛ لقول جابِرٍ: «ثمَّ أذَّن بلالٌ، ثمَّ أقام فصلَّى الظهر، ثمَّ أقام فصلَّى العَصْرَ، لَمْ يُصَلِّ بينهما شيئًا»

(5)

.

وقال أبو ثَورٍ: يؤذّن إذا صَعِد الإمامُ المنبرَ، فإذا فرغ؛ قام فخطب.

وقيل: يؤذّن في آخر خُطْبة الإمام.

قال في «الشَّرح» : (وكيفما فَعَلَ فحسَنٌ).

فإن لم يؤذّنْ؛ فلا بأْسَ، قاله أحمدُ

(6)

والخِرَقيُّ؛ لأنَّ كلًّا منهما رُوِي عنه عليه السلام

(7)

.

(1)

أخرجه مسلم (1218)

(2)

في (أ): ففتتحها.

(3)

في (أ): ووقْتَ.

(4)

في (د) و (و): بما.

(5)

أخرجه مسلم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه في الحج، إلا أنه ليس فيه ذكر بلال رضي الله عنه، وهي عند الدارمي (1892)، وابن خزيمة (2812).

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 149، مسائل ابن منصور 5/ 2143.

(7)

لم نقف على حديث فيه عدم الأذان في الجمع بين صلاة الظهر والعصر، ولعل المراد بذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:«جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع، صلى المغرب ثلاثًا والعشاء ركعتين، بإقامة واحدة» ، أخرجه مسلم (1288)، وفي لفظ لأبي داود (1928):«بإقامة واحدة لكل صلاة، ولم يناد في الأولى، ولم يسبح على إثر واحدة منهما» ، وفي رواية:«لم يناد في واحدة منهما» .

ص: 278

وظاهِرُه: يشمَل كلَّ واقفٍ بعرفةَ، من مكِّيٍّ وغيرِه؛ لأنَّه عليه السلام جَمَعَ بينهما، وكذلك كلُّ مَنْ صلَّى معه، ولم يأمُرْهم بترك الجَمْع كما أمرهم بتَرْك القَصْرِ، فقال:«أتِمُّوا فإنَّا سَفْرٌ»

(1)

، ولو حَرُم لَبَيَّنَهُ؛ لأنَّه لا يجوز تأخيرُ البيان عن وقت الحاجة، وبأنَّ عثمانَ كان تَمَّ

(2)

الصَّلاة؛ لأنَّه اتَّخذ بمكَّة أهلاً

(3)

، ولم يَتْرُك الجَمْعَ

(4)

، ولم يَبْلُغْنا عن أحدٍ من المتقدمين خلافُه.

وشرط القاضي وأصحابه: أنَّه يَختصُّ بمَنْ يجوز له الجَمْعُ؛ لأنَّ سببَه

(1)

أخرجه أحمد (19865)، وأبو داود (1229)، والترمذي (545)، وابن خزيمة (1643)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، ولفظه عند أبي داود: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، يقول:«يا أهل البلد، صلوا أربعًا، فإنا سفر» ، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وضعف الحديث ابن حجر، وثبت عن عمر بسند صحيح عند مالك (1/ 149)، وابن أبي شيبة (3861)، أنه كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم يقول:«يا أهل مكة أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفر» . ينظر: الفتح 3/ 563.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني:(يتم الصلاة).

(3)

أخرجه أحمد (443)، والحميدي في مسنده (36)، والطحاوي في مشكل الآثار (4221)، والبيهقي في الخلافيات (2652)، والضياء في المختارة (374)، من طرق عن عكرمة بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن أبيه: أن عثمان بن عفان صلى بمنى أربع ركعات، فأنكره الناس عليه، فقال: يا أيها الناس، إني تأهلت بمكة منذ قدمت، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«من تأهَّل في بلد فليصل صلاة المقيم» ، وهو ضعيف؛ لأجل عكرمة بن إبراهيم، وللانقطاع، فإن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذباب روى عن أبيه عن عثمان رضي الله عنه مرسلاً، وبذلك أعله البيهقي وابن حجر والألباني، وأعلَّه ابن القيم بأن المعروف عن عثمان أنه لم يكن له بها أهل ولا مال، وأن عثمان من المهاجرين الأولين، وليس لهم أن يقيموا بمكة بعد الهجرة. ينظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/ 94، حاشية ابن القيم مع عون المعبود 5/ 307، الفتح 2/ 570، السلسلة الضعيفة (2415).

(4)

لم نقف على كونه كان يجمع بين الصلاتين أو لا، ويوضحه ما في الممتع 2/ 185:(ولم يبلغنا أنه ترك الجمع، ولو تركه لنقل كما نقل الإتمام).

ص: 279

السَّفَرُ الطَّويل، فلا يجوز إلاَّ حيث وُجِد سببُه؛ لأنَّ الجمع كالقصْر، والقصْرُ مختص بمن ذكرنا، فكذا الجَمْعُ.

وقال القاسِمُ وسالِمٌ: يجوز لهم القَصْرُ؛ كالجَمْع.

وعلى الأوَّل: يسن أن يُعجِّل، فإن فاته الجمع مع الإمام؛ جمع في رحله، نَصَّ عليه

(1)

.

(ثُمَّ يَرُوحُ إِلَى المَوْقِفِ)؛ لقول جابِرٍ: «ثمَّ ركب النبي صلى الله عليه وسلم حتَّى أتى الموقِفَ»

(2)

، (وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلاَّ بَطْنَ عُرَنَةَ)؛ لقوله عليه السلام:«كُلُّ عَرَفةَ مَوْقِفٌ، وارْفَعوا عن بطن عُرَنَةَ» رواه ابن ماجَهْ

(3)

، ولأنَّه لَمْ يَقِفْ بعرفة

(4)

فلم يُجْزِئْه، كما لو وقَف بمزدَلِفة، وحكاه ابنُ المنذِر إجماعَ الفقهاء

(5)

.

(وَهِيَ)؛ أي: حدُّ عَرَفةَ: (مِنَ الْجَبَلِ المُشْرِفِ عَلَى عُرَنَةَ

(6)

إِلَى الْجِبَالِ

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 217، مسائل ابن منصور 5/ 2142، مسائل أبي داود ص 182.

(2)

أخرجه مسلم (1218).

(3)

أخرجه ابن ماجه (3012)، من حديث جابر رضي الله عنه، وفي إسناده القاسم بن عبد الله العمري وهو متروك.

ورواه مالك بلاغًا (1/ 388)، بلفظ:«عرفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن عرنة، والمزدلفة كلها موقف، وارتفعوا عن بطن محسر» .

وأخرجه ابن خزيمة (2816)، والطحاوي في مشكل الآثار (1194)، والطبراني في الكبير (11005)، والحاكم (1697)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الحاكم والألباني، وله شاهد من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه عند أحمد (16751)، وإسناده منقطع. ينظر: البدر المنير 6/ 234، التلخيص الحبير 2/ 550، السلسلة الصحيحة (1534).

(4)

في (ز): بعرنة.

(5)

لم نجده عن ابن المنذر، بل ذكر في الإشراف الخلاف فيه، والذي في المغني 3/ 367، والشرح: 9/ 160، حكاية الإجماع عن ابن عبد البر. وينظر: التمهيد 13/ 158.

(6)

في (ب): عرفة. والمثبت هو الموافق للمغني 3/ 367، قال النووي في المجموع 8/ 107 في حد عرفة:(قال الشافعي رحمه الله تعالى: هي ما جاوز وادي عرنة، بعين مضمومة ثم راء مفتوحة ثم نون، إلى الجبال القابلة مما يلي بساتين ابن عامر).

ص: 280

المُقَابِلَةِ لَهَا

(1)

، إِلَى مَا يَلِي حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٍ)؛ لقوله عليه السلام:«كُونُوا علَى مشاعِرِكم، فإنَّكم على إرثٍ من إرث أبيكم إبراهيمَ»

(2)

.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ)، واسمُه: إِلَالٌ، علَى وزن هلالٍ، (رَاكِبًا)، مستقبِلَ القبلة؛ لقول جابِرٍ:«إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جعل بطن ناقته القصواء إلى الصَّخرات، وجعل حبل المشاة بين يدَيْه، واستقبل القِبلةَ»

(3)

، ولأنَّ الركوب أعْوَنُ له على الدُّعاء.

ولا يُشرَع صُعودُه إجْماعًا، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(4)

.

(وَقِيلَ: الرَّاجِلُ أَفْضَلُ)، اختاره ابنُ عَقيلٍ وأبو يعلى الصَّغيرُ، وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ الجوزي، وحكاه بعضهم نصًّا

(5)

، روى

(6)

ابنُ ماجَهْ عن ابن عبَّاسٍ: «أنَّ الأنبياء عليهم السلام كانوا يدخلون الحرَمَ مَشاةً، ويطوفون بالبيت، ويَقْضُون المناسِكَ مُشاةً»

(7)

، ورُوِي:«أنَّ آدمَ حجَّ أربعين مرَّةً من الهند على رِجْلَيهِ» ، ذكره ابن الجَوزيِّ

(8)

، وعن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «مَنْ حجَّ من مكَّةَ ماشيًا حتَّى

(1)

في (د) و (ز) و (و): له.

(2)

أخرجه أحمد (17233)، وأبو داود (1919)، والترمذي (883)، والنسائي (3014)، وابن ماجه (3011)، وابن خزيمة (2819)، من حديث ابن مربع الأنصاري رضي الله عنه، وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة والحاكم والألباني. ينظر: صحيح أبي داود 6/ 167.

(3)

أخرجه مسلم (1218).

(4)

ينظر: الاختيارات ص 175.

(5)

قوله: (وحكاه بعضهم نصًّا) سقط من (أ). وينظر: شرح العمدة 5/ 232.

(6)

في (ب) و (د) و (و): وروى.

(7)

أخرجه ابن ماجه (2939)، وإسناده ضعيف، فيه مبارك بن حسان السلمي، وهو لين الحديث كما في التقريب، قال في مصباح الزجاجة 3/ 193:(إسناد فيه مقال، مبارك بن حسان وإن وثقه ابن معين، فقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ ويخالف. وقال الأزدي: متروك)، وبنحوه قال ابن الملقن في البدر المنير 6/ 177.

(8)

أخرجه ابن خزيمة (2792)، وابن بشران في الجزء الأول من أماليه (788)، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. وفيه القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو ضعيف الحديث، قال ابن خزيمة:(إن صح الخبر؛ فإن في القلب من القاسم بن عبد الرحمن هذا). وينظر: الضعيفة (286).

ص: 281

يَرجِع إلى مكَّة؛ كتب الله

(1)

له بكلِّ خطوةٍ سبعَمائةِ حسنةٍ من حسنات الحرَمِ»، قيل له: وما حسناتُ الحرم؟ قال: «بكلِّ حسنة مائةُ ألْفِ حسنةٍ»

(2)

، ولأنَّه أخفُّ على الرَّاحلة، وكسائر المناسِكِ والعبادات، وركوبه عليه السلام؛ ليعلِّمهم المناسِكَ ويَرَوْهُ، فإنَّها عبادةٌ.

وقيل: سواءٌ.

وقال الغزالِيُّ والشيخ

(3)

ابن تيمية

(4)

: يَختلِفُ ذلك بحسَب النَّاس.

(وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ)، رافِعًا يدَيه، نَصَّ عليه

(5)

؛ لأنَّه يومٌ ترجى فيه الإجابةُ.

(وَ) يُكثِرُ (مِنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؛ لما رَوَى عَلِيٌّ مرفوعًا: «أكْثرُ دعاء الأنبياء قبلِي، ودعائي عشيَّةَ عرفةَ: لا إله إلاَّ الله

»، وذكره إلا قوله:«بِيده الخَيْر» ، وعن عمْرو بن شُعَيبٍ عن أبيه، عن جدِّه قال: كان أكثرُ دعاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ عرفة: «لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، بيده الخير، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ»

(1)

قوله: (الله) ليس في (ب) و (د) و (ز) و (و).

(2)

أخرجه البزار (4745)، وابن خزيمة (2791)، والطبراني في الكبير (12606)، والحاكم (1692)، وهو حديث منكر، في إسناده: عيسى بن سوادة، قال البخاري:(منكر الحديث)، وقال أبو حاتم:(منكر الحديث ضعيف، روى عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زاذان، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديثا منكرًا). ينظر: الجرح والتعديل 6/ 277، السلسلة الضعيفة (495).

(3)

زيد في (ب) و (د) و (و): تقي الدين.

(4)

ينظر: إحياء علوم الدين 1/ 263، الفروع 6/ 49.

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 202، مسائل أبي داود ص 148.

ص: 282

رواه التِّرمذيُّ

(1)

، وسُئِل سفيانُ بن عُيَيْنةَ عن أفْضَل الدُّعاء يومَ عرفةَ، فقال: لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شَيْءٍ قدير، قيل له: هذا ثناءٌ، وليس بدعاءٍ، فقال: أما سمعْتَ قَولَ الشَّاعر:

أأذكر حاجَتِي أمْ قد كفانِي

حياؤك إنَّ شيمتَك الحياءُ

إذا أَثْنى عليك المرءُ يومًا

كفاه من تعرُّضه الثَّناءُ

(2)

(اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)، روي

(3)

ذلك عنه عليه السلام

(4)

، وفي «المحرَّر» ك «المقنع» .

وفي «الفروع» : الاِقْتصارُ على حديث عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ.

(1)

أما حديث علي رضي الله عنه: فأخرجه الطبراني في جزء فضل عشر ذي الحجة (51)، وفي إسناده قيس بن الربيع، قال ابن حجر في التقريب:(صدوق تغيَّر لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به)، وقال الألباني:(وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير قيس بن الربيع فهو سيئ الحفظ، فحديثه حسن بما له من الشواهد).

وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: فأخرجه أحمد (6961)، والترمذي (3585)، والبيهقي في الشعب (3489)، قال الترمذي:(هذا حديث غريب من هذا الوجه)، قال ابن حجر:(وفي إسناده حماد بن أبي حميد وهو ضعيف).

وأخرجه مالك في الموطأ (1/ 214)، والبيهقي من طريقه في الكبرى (9473)، من حديث طلحة بن عبد الله بن كَريز مرسلاً، وروي عن مالك موصولاً، قال البيهقي:(هذا مرسل، وقد روي عن مالك بإسناد آخر موصولاً، ووصله ضعيف).

وأخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 462)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفي إسناده فرج بن فضالة، قال العقيلي:(لا يتابع عليه). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 547، السلسلة الصحيحة (1503).

(2)

ينظر: ديوان أمية بن أبي الصلت ص 17.

(3)

في (د) و (و): وروي.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (15135)، والبيهقي في الكبرى (9475)، من طريق موسى بن عبيدة الربذي، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو حديث ضعيف، قال البيهقي: (تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف، ولم يدرك أخوه عليًّا رضي الله عنه.

ص: 283

وفي «الوجيز» : يَدْعُو بما ورد، فمِنْه: ما رُوي عنه عليه السلام أنَّه دعا فقال: «اللَّهم إنَّك تَرَى مكانِي، وتَسمَع كلامِي، وتَعْلَمُ سِرِّي وعلانِيَتِي، ولا يَخْفَى علَيكَ شَيءٌ من أمْرِي، أنَا البائِسُ الفقيرُ، المستغِيثُ المستجِيرُ، الوَجِلُ المشفِقُ، المقِرُّ المعترف بذَنْبه، أسألك مسألة

(1)

المسْكينِ، وأبْتَهِلُ إلَيْكَ ابْتِهالَ المذنِبِ الذَّليلِ، وأدْعوكَ دُعاءَ الخائِفِ الضَّريرِ، مَنْ خَشَعَتْ لك رقبتُه، وذلَّ لك جسدُه، وفاضَتْ لك عينه

(2)

، ورغِمَ لك أنفُه»

(3)

.

(وَوَقْتُ الْوُقُوفِ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ)؛ لما رَوَى عروةُ بنُ مضرس الطائي: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ شَهِد صلاتَنا هذه، ووَقَفَ مَعَنَا حتَّى ندفع، وقد وَقَف قَبْلَ ذلك بعرفةَ لَيلاً أوْ نهارًا؛ فقد تمَّ حجُّه، وقضى تفثه» رواه الخمسةُ، وصحَّحه التِّرمذيُّ، ولفظه له، ورواه الحاكِمُ، وقال:(هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط كافَّة أئمَّة الحديث)

(4)

، ولأنَّ ما قبل الزوال من يوم عرفةَ، فكان وقتًا للوقوف كما بَعْدَ الزَّوال، وتَرْكُ الوقوف فيه لا يَمنَعُ كونَه وقتًا؛ كما بعْدَ العِشاء، وإنَّما ذلك وقتُ الفضيلة.

وقال ابْنُ بَطَّةَ وأبو حفصٍ العُكْبريُّ، وهو روايةٌ: أوَّله من الزَّوال يومَ

(1)

في (أ): بمسألة.

(2)

في (ب) و (د) و (و): عيناه.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (11405)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 360)، وفي سنده إسماعيل بن أمية، قال ابن الجوزي:(هذا حديث لا يصح، قال الدارقطني: كان إسماعيل بن أمية يضع الحديث)، وفيه أيضًا: يحيى بن صالح الأبلي، وذكر العقيلي وابن عدي أنه روى مناكير عن إسماعيل بن أمية، وأحاديثه غير محفوظة. ينظر: الكامل لابن عدي 9/ 110، تهذيب التهذيب 11/ 231.

(4)

أخرجه أحمد (16208)، وأبو داود (1950)، والترمذي (891)، والنسائي (3039)، وابن ماجه (3016)، والحاكم (1701)، وصححه الترمذي والحاكم والدارقطني وابن الملقن وجماعة. ينظر: الفتح 3/ 529، صحيح أبي داود 6/ 196.

ص: 284

عَرَفَةَ، وحكاه ابنُ المنذِر والقُرْطُبِيُّ إجماعًا

(1)

، وفيه نَظَرٌ.

(فَمَنْ حَصَلَ بِعَرَفَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ)، ولو لحظةً، (وَهُوَ) مسلم

(2)

، (بَالِغٌ، عَاقِلٌ؛ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ)، سواءٌ كان جالسًا أوْ قائمًا، راكبًا أو راجِلاً، ولو نائمًا، صحَّحه صاحبُ «التَّلخيص» ، وجزم به المؤلِّف، أو مارًّا مجتازًا

(3)

ولم يعلَمْ أنَّها عرفةُ في الأصحِّ.

فلا يصحُّ من سكرانَ، ومُغْمًى عليه في المنصوص

(4)

، بخلاف إحرامٍ وطوافٍ، ويتوجَّه في سَعْيٍ مثلُه، ولا مجْنونٍ، بخلاف رَمْيِ جِمارٍ ومَبيتٍ.

(وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ؛ فَاتَهُ الْحَجُّ) بغَيْرِ خلافٍ نعلَمُه

(5)

، وسَنَدُه: قَولُه عليه السلام: «الحجُّ عرفةُ، فمَنْ جاء قَبْلَ صلاة الفجر ليلةَ جَمْعٍ؛ فقَدْ تمَّ حجُّه» رواه أبو داودَ

(6)

، ولأنَّه ركنٌ للعبادة، فلم يتمَّ بدونه؛ كسائر العبادات.

فرعٌ: إذا كان بينه وبين المَوقِف مقدارُ صلاةٍ؛ صلاَّها صلاةَ خائف في الأظهر، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(7)

. وقيل: يقدِّم الصَّلاة. وقيل: عكسُه.

(وَمَنْ وَقَفَ بِهَا

(8)

؛ أي: بعرفة نهارًا

(9)

، (وَدَفَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ فَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ أي: يجب عليه الوقوف بها إلى غروب الشَّمس؛ ليجمع بين اللَّيل والنَّهار في ذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وقف بها حتَّى غربت الشَّمس، رواه مسلمٌ من

(1)

ينظر: المفهم 3/ 337، ولم نجده في كتب ابن المنذر المطبوعة.

(2)

قوله: (مسلم) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

(3)

في (و): أو مجتازًا مارًا.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2400، مسائل صالح 1/ 396، مسائل ابن هانئ 1/ 165.

(5)

ينظر: المغني 3/ 372.

(6)

سبق تخريجه 4/ 58 حاشية (1).

(7)

ينظر: الاختيارات ص 113.

(8)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): نهارًا.

(9)

قوله: (نهارًا) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

ص: 285

حديث جابرٍ، وقال:«خُذُوا عنِّي مناسِكَكُم»

(1)

.

وظاهِرُه: صحَّة حجِّه في قول الجماهير، إلاَّ م، فإنَّه قال: لا حجَّ له، قال ابن عبد البَرِّ:(لا نعلم أحدًا من العلماء قال بقوله)

(2)

.

ومِمَّن أوجب الدَّم أكثرُ العلماء؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «من ترك نُسُكًا فعليه دمٌ»

(3)

، ويُجزِئُه شاةٌ، ومحلُّه إذا لم يَعُدْ قبل الغروب إليها. وفي «الإيضاح»: قبل الفجر. وقيل: إن عاد مطلقًا. وفي «الواضح» : ولا عُذْرَ. وعنه: لا يلزمه

(4)

دم لواقفٍ ليلاً. وعنه

(5)

: يلزم من دفع قبل الإمام؛ لفعل الصَّحابة

(6)

.

(وَإِنْ وَافَاهَا لَيْلاً، فَوَقَفَ بِهَا؛ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ)، وحجُّه تامٌّ، بغير خلافٍ نعلمه

(7)

؛ لقوله عليه السلام: «من أدرك عرفاتٍ بليلٍ؛ فقد أدرك الحجَّ»

(8)

، ولأنَّه لَمْ

(1)

أخرجه مسلم (1297).

(2)

ينظر: التمهيد 10/ 21.

(3)

أخرجه مالك (1/ 419)، وابن الجعد (1749)، وابن وهب في الجامع (113)، والدارقطني (2534)، والبيهقي في الكبرى (9688)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«من نسي من نسكه شيئًا، أو تركه؛ فليهرق دمًا» ، قال أيوب: لا أدري قال: ترك أو نسي. صححه ابن عبد البر والألباني. ينظر: الاستذكار 4/ 212، الإرواء 4/ 299.

(4)

في (د): لا يلزم.

(5)

قوله: (يلزمه دم لواقف ليلاً، وعنه) سقط من (و).

(6)

لعله يريد ما ذكره الزركشي في شرحه 3/ 334: (وأما وجوب الدم فيما إذا دفع قبل الإمام؛ فاقتداء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم لم يدفعوا إلا بعده).

(7)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 57.

(8)

أخرجه الدارقطني (2519)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ:«من أدرك عرفات فوقف بها والمزدلفة فقد تم حجه، ومن فاته عرفات فقد فاته الحج؛ فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل» ، وفيه: محمد بن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ، وفيه أيضًا: يحيى بن عيسى التميمي الفاخوري وفيه ضعف.

وأخرجه الدارقطني (2518)، بلفظ:«من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج» ، وضعفه الدارقطني، وللحديث شواهد أخرى منها: حديث عبد الرحمن بن عمرو الديلي رضي الله عنه، عند أحمد (18773)، والترمذي (889)، والنسائي (3016)، صححه الترمذي والحاكم والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 606، الإرواء 4/ 256.

ص: 286

يُدْرِكْ جُزْءًا من النَّهار، فلَمْ يَلْزَمْه شَيءٌ، كَمَنْ منزلُه دون الميقات وأحرم منه.

(ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ

(1)

غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ)، سُمِّيت به من الزَّلَف، وهو التَّقرُّب؛ لأنَّ الحاجَّ إذا أفاضوا من عرفاتٍ ازْدَلَفوا إليها؛ أيْ: تقربوا ومَضَوْا إلَيها، ويُسمَّى جَمْعًا؛ لاجْتماع النَّاس بها، (وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ)، قال أبو حَكِيمٍ

(2)

: مستغْفِرًا، وقال الخِرَقِيُّ: يكون في طريقه ملبيًا، ويَذكُرُ الله تعالَى؛ لقوله عليه السلام في حديث جابرٍ -وقد شنق

(3)

القَصْواء بالزِّمام- ويقول بيده اليُمْنَى: «أيُّها النَّاسُ السكينة السكينة

(4)

»، وفيه:«أردف الفضلَ، ولم يَزَلْ يُلَبِّي حتَّى رمَى جمرةَ العقبةِ»

(5)

.

(فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً أَسْرَعَ)؛ لقول أُسامةَ: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ العَنَقَ، فإذا وَجَدَ فجوةً نَصَّ» ؛ أي: أسرع، قال هشام: النَّصُّ فوق العَنَق، متَّفقٌ عليه

(6)

.

(فَإذَا وَصَلَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ؛ صَلَّى المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ)، قال ابن المنذِر:(لا اختلاف بين العلماء أنَّ السُّنَّة يَجمَع بَيْنَهما)

(7)

؛ لفعله عليه السلام، رواه جابِرٌ وابنُ عمرَ وأُسامةُ

(8)

.

(1)

في (ز): قبل.

(2)

هو إبراهيم بن دينار النهرواني. ينظر: كشاف القناع 6/ 290.

(3)

في (أ): سبق.

(4)

قوله: (السكينة) سقط من (أ).

(5)

أخرجه مسلم (1218).

(6)

أخرجه البخاري (1666)، ومسلم (1286).

(7)

ينظر: الإشراف 3/ 317.

(8)

حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1218)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1092)، ومسلم (703)، (1288)، وحديث أسامة رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1280).

ص: 287

وَظَاهِرُه: أنَّه بغَير أذانٍ، وإنَّما هو بإقامتَينِ فقط، فإن اقْتَصر على إقامةٍ للأُولَى

(1)

فلا بأْسَ؛ لحديث ابن عمر: «أنَّه عليه السلام جمع بينهما بإقامةٍ واحدةٍ» رواه مسلمٌ

(2)

.

وإن أذَّن للأولى وأقام للثانية

(3)

؛ فحسَنٌ، قاله في «المغني» و «الشَّرح» ، فإنَّه مرويٌّ عن جابِرٍ

(4)

، وهو متضمِّنٌ لزيادة، وكسائر

(5)

الفوائت والمجموعات.

قال في «الشَّرح» : (واختار الخِرَقيُّ الأوَّل)، وفيه شَيءٌ.

قال ابنُ المنذِر: وهو آخِرُ قولَيْ أحمد

(6)

؛ لأن

(7)

أسامةَ أعلمُ بحاله؛ لأنَّه كان رديفَه، وإنَّمَا لم يؤذِّن للأولى؛ لأنَّها في غير وقتها، بخلاف المجموعتَينِ بعرفةَ.

والسُّنَّةُ ألاَّ يتطوَّع بينهما بغَير خلافٍ

(8)

.

(فَإِنْ صَلَّى المَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ؛ تَرَكَ السُّنَّةَ) المأثورةَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، (وَأَجْزَأَهُ)؛ لأنَّ كلَّ صلاتَينِ جاز الجمْعُ بَينهما؛ جاز التَّفريقُ؛ كالظُّهر والعصر بعرفةَ.

(وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ بِمُزْدَلِفَةَ، أَوْ بِعَرَفَةَ؛ جَمَعَ وَحْدَهُ)؛ لفعل

(1)

في (أ): في الأولى.

(2)

أخرجه مسلم (1288).

(3)

قوله: (للثانية) سقط من (أ).

(4)

في حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج عند مسلم (1218).

(5)

في (د): وهو كسائر.

(6)

ينظر: الإشراف 3/ 318.

(7)

في (ب) و (د): أن.

(8)

ينظر: الإشراف 3/ 318.

ص: 288

ابن عمر

(1)

، وهو في الأُولَى إجماعٌ

(2)

؛ لأن الثَّانية منهما تصلَّى في وقتها، ولأنَّ كلَّ جمْعٍ جازَ مع الإمام؛ جاز منفردًا

(3)

؛ كالجمْع في السَّفر.

(ثُمَّ يَبِيتُ بِهَا)، وهو واجِبٌ؛ لأنَّه عليه السلام بات بها، وقال:«خُذوا عنِّي مناسِكَكُم»

(4)

، وسمَّاها مَوقِفًا.

(فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ؛ فَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لأنَّ مَبِيتَ كلِّ اللَّيل أو أكثرِه بها واجِبٌ، ولم يُوجَدْ واحِدٌ منهما، فيكون تارِكًا للواجِب، فيجب الدَّم إذا لم يَعُدْ لَيْلاً، نَصَّ عليه

(5)

.

وعنه: لا يَجِبُ؛ كرعاة وسُقاةٍ، قاله في «المستوعب» وغيره.

وعلى المذهب: لا فرْقَ بين العامِد والسَّاهِي، والعالِم والجاهِلِ؛ لتركه النُّسُكَ.

(وَإِنْ دَفَعَ

(6)

بَعْدَهُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لقول عائشة: «أرسل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأمِّ سلمةَ ليلة النَّحر، فرَمَت الجمرةَ قبل الفجر، ثمَّ مضَتْ فأفاضت» رواه أبو داودَ

(7)

، ولأنَّه فات مُعْظَمُ الليل، والمُعظَمُ كالكُلِّ، فلم يكن تارِكًا للواجِبِ.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (14037)، عن نافع، عن ابن عمر:«أنه كان إذا فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة جمع بين الظهر والعصر في رحله» ، وإسناده جيد.

(2)

ينظر: المغني 3/ 375.

(3)

في (و): متفرقًا.

(4)

أخرجه مسلم (1297).

(5)

ينظر: الفروع 6/ 50.

(6)

في (ز): وقع.

(7)

أخرجه أبو داود (1942)، والدارقطني (2689)، والحاكم (2689)، وفي سنده الضحاك بن عثمان الحزامي، وهو صدوق يهم، وصححه الحاكم والبيهقي وابن الملقن، وقال ابن حجر:(إسناده على شرط مسلم)، واستنكره أحمد، ورجَّح إرساله الدارقطني، وحكم عليه ابن التركماني بالاضطراب، قال ابن القيم:(حديث منكر، أنكره الإمام أحمد وغيره)، وضعفه الألباني. ينظر: علل الدارقطني 15/ 50، زاد المعاد 2/ 248، البدر المنير 6/ 250، التلخيص الحبير 2/ 554، بلوغ المرام (757)، الإرواء 4/ 277.

ص: 289

(وَإِنْ وَافَاهَا

(1)

بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لأنَّه لم يُدرِكْ جزْءًا من النِّصف الأوَّل، فلم يتعلَّقْ به حكمٌ، كَمَنْ أدْرَك عرفاتٍ لَيْلاً.

(وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الفَجْرِ)؛ أيْ: طلوعه؛ (فَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لِتَرْكه الواجبَ، وهو المبيت بها.

ولا بأْسَ بتقديم الضَّعَفَة والنِّساء؛ لقول ابنِ عبَّاسٍ: «كنتُ فيمَنْ قدَّم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في ضَعَفة أهلِه من مُزْدَلِفةَ إلى مِنًى» متَّفَقٌ عليه

(2)

؛ لما فيه من الرِّفْق بهم، ودفع المشقَّة عنهم.

(وَحَدُّ المُزَدَلِفَةِ: مَا بَيْنَ المَأْزِمَيْنِ)؛ أي: مأْزِمَيْ عرفةَ، وهما جبلانِ، (وَوَادِي مُحَسِّرٍ)، وما على يمين

(3)

ذلك وشماله من الشِّعاب.

ونبَّه المؤلِّف على ذلك؛ ليعلمك أنَّ أيَّ موضع وقف

(4)

منها أجزأه؛ لأنَّه عليه السلام وقف بجَمْعٍ، وقال:«ارْفَعُوا عن بطْن مُحَسِّرٍ»

(5)

.

(فَإِذَا أَصْبَحَ

(6)

صَلَّى الصُّبْحَ) بأذانٍ وإقامةٍ، (بِغَلَسٍ)؛ لقول جابِرٍ:«إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الصُّبح بها حين تبين له الصُّبح، بأذانٍ وإقامةٍ»

(7)

؛ وليتسع

(8)

وقتُ الوقوف عند المشعَر الحرام.

(1)

في (ز): وَافَاهما.

(2)

أخرجه البخاري (1678)، ومسلم (1293).

(3)

في (أ): بين.

(4)

في (أ): وقت.

(5)

أخرجه أحمد (1896)، وابن خزيمة (2816)، والطحاوي في مشكل الآثار (1194)، والطبراني في الكبير (12199)، والحاكم (1697)، وصححه الحاكم والألباني. ينظر: السلسلة الصحيحة (1534).

(6)

زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): بها. وهو الموافق لنسخ المقنع الخطية.

(7)

أخرجه مسلم (1218).

(8)

في (أ): ليتسع.

ص: 290

(ثُمَّ يَأْتِي المَشْعَرَ الْحَرَامَ)، سُمِّي به؛ لأنَّه من علامات الحجِّ، (فَيَرْقَى عَلَيْهِ) إنْ أمْكَنَه، (أَوْ يَقِفُ عِنْدَهُ، وَيَحْمَدُ اللهَ عز وجل وَيُكَبِّرُهُ

(1)

؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ

} الآية [البَقَرَة: 198]، وفي حديث جابِرٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أتى المشعَرَ الحرامَ، فَرَقِيَ عليه، فحمِد اللهَ وهلَّله وكبَّره»

(2)

.

(وَيَدْعُو فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ كَمَا وَقَّفْتَنَا فِيهِ، وَأَرَيْتَنَا إِيَّاهُ؛ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِكَ كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِكَ وَقَوْلُكُ الْحَقُّ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} [البَقَرَة: 198 - 199])، ويُكرِّر ذلك.

(إِلَى أَنْ يُسْفِرَ)؛ لحديث جابِرٍ: «فلم يزل واقِفًا حتَّى أسْفَرَ جِدًّا»

(3)

، (ثُمَّ يَدْفَعُ) من مزدَلِفةَ (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ)، ولا خلافَ في اسْتِحْبابه

(4)

؛ لفعله عليه السلام، وقال عمر: «كان أهلُ الجاهليَّة لا يُفيضون من جَمْعٍ حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ، ويقولون: أشْرِقْ ثَبِيرُ، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خالَفَهم، فأفاض

(5)

قبل طلوع الشَّمس» رواه البخاريُّ

(6)

.

(فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرًا)، وهو وادٍ بين مُزدَلِفةَ ومِنًى، سُمِّي به؛ لأنَّه يُحَسِّرُ سالِكَه، (أَسْرَعَ) إن كان راجلاً، أو حرَّك مركوبَه إن كان راكِبًا؛ لقول جابِرٍ:

(1)

في (د) و (و): ويكبر.

(2)

أخرجه مسلم (1218).

(3)

أخرجه مسلم (1218).

(4)

ينظر: المغني 3/ 377.

(5)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): وأفاض.

(6)

أخرجه البخاري (1684).

ص: 291

«فلمَّا أتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ حرَّك قليلاً»

(1)

، قال الشَّافعيُّ في «الإملاء»: لعله فعل ذلك لسَعة المَوضِع، وقيل: لأنه مأْوَى الشَّياطين

(2)

.

(قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ)، قال الأصحابُ: وعليه السَّكينة والوقار، ويُلبِّي مع ذلك.

(وَيَأْخُذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ طَرِيقِهِ، أَوْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ)؛ لِئلاَّ يَشتغِلَ عند قدومه إلى مِنًى بغير الرَّمْيِ، فإنَّه تحيَّةُ مِنًى، كما أنَّ الطَّوافَ تحيَّةُ البيت، وكان ابن عمرَ يأخذه من جَمْعٍ

(3)

، وفعله سعيدُ بن جبَيرٍ، ولأنَّه إذا أخذه من غير مِنًى؛ كان أبعدَ من أن يكون قد رُمي به.

(وَمِنْ حَيْثُ أَخَذَهُ؛ جَازَ) قاله أحمدُ

(4)

، ولا خلاف في الإجزاء

(5)

؛ لقوله عليه السلام لابن عبَّاسٍ غداةَ العقبة، وهو علَى ناقته:«القُطْ لِي حصًى» ، فلقطْتُ له سبع حصَيَاتٍ من حصى الخذف، فجعل يَنفُضهنَّ من كفه، ويقول: «مثل

(6)

هذا فارْمُوا» رواه ابن ماجَهْ

(7)

.

ويُكرَه من الحرم، وتكسيره، وكذا من الحشِّ، قاله في «الفصول» .

(1)

أخرجه مسلم (1218).

(2)

في (أ): الشياطين به.

(3)

أخرجه البيهقي في الكبرى (9544)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان يأخذ الحصى من جَمْعٍ؛ كراهية أن ينزل» ، وإسناده صحيح.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2153، مسائل عبد الله ص 218.

(5)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 58.

(6)

في (د) و (ز) و (و): بمثل.

(7)

أخرجه النسائي (3057)، وابن ماجه (3029)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال الألباني:(سنده صحيح)، وهو في مسلم (1282)، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس رضي الله عنهم، وكان رَديف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا:«عليكم بالسكينة» ، وهو كافٌّ ناقته، حتى دخل محسرًا -وهو من منى- قال:«عليكم بحصى الخذف الذي يُرمى به الجمرة» . ينظر: الفتح 13/ 278، السلسلة الصحيحة (2144).

ص: 292

(وَيَكُونُ أَكْبَرَ مِنَ الْحِمّصِ وَدُونَ الْبُنْدُقِ)؛ كحصى الخذف؛ لقول جابِرٍ: «كلُّ حصاةٍ منها مثلُ حصى الخذف»

(1)

.

(وَعَدَدُهُ سَبْعُونَ حَصَاةً)؛ لأنَّه يَرمِي جمرةَ العقبة يوم النَّحر بسبعٍ، وباقيها في أيَّام مِنًى كلُّ يومٍ بأحدٍ وعشرين، كلُّ جمرةٍ بسبعٍ، فيكون المجموع ما

(2)

ذكره.

(فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مِنًى)، سُمِّيت به؛ لأنَّه قُدِّر فيها موت الهدايا والضحايا، (وَحَدُّهَا: مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ إِلَى الْعَقَبَةِ)، فدلَّ على أنَّهما لَيْسا من مِنًى؛ لأنَّ الحد غير المحدود، ويُستحَبُّ سلوك الطَّريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى؛ لفعله عليه السلام

(3)

، (بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ)، هي آخِرُ الجمرات مِمَّا يَلِي مِنًى، وأوَّلها مِمَّا يَلِي مكَّةَ، وهي عند العقبة، وبها سُمِّيت؛ فصار علَمًا بالغَلَبة؛ لأنَّه عليه السلام بدأ بها

(4)

، ولأنها

(5)

تحيَّةٌ، فلم يتقدَّمْها شَيءٌ؛ كالطَّواف بالبيت

(6)

.

(فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ)، راكِبًا إن كان، والأكثر ماشِيًا، نَصَّ عليه

(7)

، (وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ)؛ لحديث جابِرٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رماها بسبْع حَصَياتٍ، يكبِّرُ مع كلِّ حصاةٍ» رواه مسلمٌ

(8)

.

ونقل حَرْبٌ: يَرمِي ثمَّ يُكبِّر

(9)

.

(1)

أخرجه مسلم (1218).

(2)

في (و): بما.

(3)

في حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج عند مسلم (1218).

(4)

في حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج عند مسلم (1218).

(5)

في (و): ولأنه.

(6)

في (د) و (و): في البيت.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2147.

(8)

أخرجه مسلم (1218).

(9)

ينظر: شرح العمدة 5/ 258.

ص: 293

ويقول: اللَّهمَّ اجعله حجًّا مبرورًا، وسعْيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا؛ لأنَّ ابنَ مسعودٍ وابن عمر كانا يقولان ذلك

(1)

.

وظاهِرُه: أنَّه إذا وضعها من غَير رَمْيٍ؛ لا يُجزِئُه؛ لعدم الرَّمي، بل لو طرحها؛ أجزأت.

وظاهر «الفصول» : لا؛ لأنَّه لم يَرمِ.

فلو رماها دفعةً واحدةً، لَمْ تُجْزِئْهُ عنها، ويؤدَّب، نقله الأثرم

(2)

، فيُجزئُه عن واحدةٍ، ويُكْمِل السَّبعَ.

وظاهِرُه: أنه لا يُستحَبُّ غسلُها، واستحبَّه الخِرَقيُّ في روايةٍ؛ لأنَّه يُروَى عن ابن عمر

(3)

.

(1)

أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (208)، وسعيد بن منصور كما في البدر المنير (6/ 212)، وأحمد (4061)، وأبو يعلى (5185)، والبيهقي في الكبرى (9549)، عن ليث، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، قال: أفضت مع عبد الله من جَمْعٍ، فما زال يُلبي حتى رمى جمرة العقبة، فاستبطن الوادي، ثم قال: يا ابن أخي، ناولني سبعة أحجار، فرماها بسبع حصيات، يلبي مع كل حصاة حتى إذا فرغ، قال:«اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا» ، ثم قال: هكذا رأيت الذي أنزلت عليه سورة البقرة صنع. وليث بن أبي سليم ضعيف الحديث، وقد روي عن ابن مسعود من طرق نحوه دون ذكر الدعاء، وهو مما يزيد من ضعفه، وضعف الحافظ إسناده في التلخيص 2/ 542.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الدعاء (881)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان إذا رمى الجمار كبَّر عند كل حصاة، وقال:«اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا» ، إسناده صحيح ورجاله ثقات.

وأخرجه ابن أبي شيبة (14017)، من طريق أخرى بإسناد لا بأس به. وأخرجه سعيد بن منصور كما في البدر المنير (6/ 212)، من طريق أخرى أيضًا، فالأثر صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

ينظر: زاد المسافر 3/ 32.

(3)

ذكره القاضي في الروايتين والوجهين 1/ 285، والموفق في المغني 3/ 454، ولم نقف عليه مسندًا.

وقد أسند ابن أبي شيبة في غسل حصى الجمار 3/ 396، عن القاسم بن محمد وسعيد بن جبير وطاوس، أنهم كانوا يغسلون حصى الجمار.

ونقل النووي في المجموع 8/ 153 عن ابن المنذر أنه قال: (لا يُعلم في شيء من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم غسلها وأمر بغسلها، ولا معنى لغسلها، وكان عطاء والثوري ومالك وكثير من أهل العلم لا يرون غسلها، ورُوِّينا عن طاوس أنه كان يغسلها)، ولم يذكر أنه مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما مع سعة اطلاعه في الآثار.

ص: 294

وفي حَجَرٍ نجَسٍ؛ وجهان.

ويَسْتَبْطِن الوادِيَ، ويَسْتقْبِلُ القِبلةَ، ويَرمِي على حاجِبه الأيمن؛ لفعل عبد الله، قال التِّرمذيُّ: حديثٌ صحيحٌ

(1)

.

وله الرَّمْيُ من فوقها؛ لفِعْل عمرَ

(2)

.

(1)

أخرجه أبو داود الطيالسي (318)، وابن أبي شيبة (15385)، وأحمد (4089)، والترمذي (901)، وابن ماجه (3030)، من طرق عن المسعودي، عن جامع بن شداد أبي صخرة، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي، واستقبل القبلة، وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن، ثم رمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم قال:«والله الذي لا إله إلا هو، من ههنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة» ، وإسناده صحيح إلا أن فيه ألفاظًا منكرة، عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي اختلط، إلا أن ممن روى عنه هذا الحديث يحيى القطان ووكيع، وكلاهما سمع منه قبل الاختلاط، ولذا قال الترمذي:(حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح).

ومع ذلك فقد خالفه النخعي، في قوله:«واستقبل القبلة، وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن» ، فرواه البخاري (1748)، ومسلم (1296)، من طريق إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله رضي الله عنه، أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى، جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، ورمى بسبع، وذكره. قال الحافظ في الفتح 3/ 582:(ووقع في رواية أبي صخرة عن عبد الرحمن بن يزيد: لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة. أخرجه الترمذي، والذي قبله -وهي رواية الصحيحين- هو الصحيح، وهذا شاذ؛ في إسناده المسعودي وقد اختلط)، وحكم الألباني في الضعيفة (4864) على هاتين الجملتين بالنكارة لذلك.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (13415)، والفاكهي في أخبار مكة (2623)، من طريق حجاج، عن وبرة، عن الأسود قال:«رأيت عمر بن الخطاب، يرمي جمرة العقبة من فوقها» ، حجاج هو ابن أرطاة، وهو ضعيف الحديث.

وروي عن عمر رضي الله عنه خلافه عند ابن أبي شيبة (13410)، قال الحافظ في الفتح 3/ 580:(روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن عمرو بن ميمون، عن عمر، أنه رمى جمرة العقبة في السنة التي أصيب فيها وفي غيرها من بطن الوادي، ومن طريق الأسود: رأيت عمر رمى جمرة العقبة من فوقها. وفي إسناد هذا الثاني حجاج بن أرطاة، وفيه ضعف).

ص: 295

والأوَّلُ أفضلُ.

(وَيَرْفَعُ يَدَهُ

(1)

، قال جماعةٌ: يُمْناه، (حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطِهِ)؛ لأنَّه أعْونُ على الرَّمْي وأمْكَنُ.

ويُشترَط عِلْمُ حصولها في المَرْمَى، فلو رماها فوقعت في غَيرِ المَرْمَى، فتدحرجت حصاةٌ بسببها، فوقعت فيه، أو التقطها طائِرٌ بعد رَمْيِها قبل وصولها؛ لَمْ يُجْزِئْه، فلو وقعت في مكانٍ صلْبٍ، ثمَّ تدحرجت إليه، أو وقعت على ثوب إنسانٍ فنفضها

(2)

مَنْ وقعت عليه؛ أجزأه، نَصَّ عليه

(3)

.

وقال ابنُ عقيل: لا يجزئه، قال في «الفروع»: وهو أظْهرُ؛ لأنَّ فعل الأوَّل انقطع.

فلو رماها، وشكَّ في وقوعها فيه؛ لم تسقط. وعنه: بلى، ذكره ابن البنَّاء. وقيل: يكفي الظَّنُّ بوقوعها فيه.

فَرعٌ: إذا عَجَز عن الرَّمْي؛ جاز أنْ يستنيب فيه، فإذا رَمَى، ثمَّ برأ؛ لَمْ يلزمه إعادتُه؛ لأنَّ الواجب سقط عنه.

(وَلَا) يُسنُّ أن (يَقِفَ عِنْدَهَا)؛ لما رَوَى ابْنُ عُمَرَ وابنُ عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رَمَى جمرة العقبة انصرف، ولم يَقِفْ» رواه ابنُ ماجَهْ، وروى البخاريُّ معناه من حديث ابن عمر

(4)

، ولضِيقِ المكان.

(1)

في (أ) و (ب): يديه.

(2)

في (أ): فينفضها.

(3)

ينظر: التعليقة 2/ 120.

(4)

أخرجه ابن ماجه (3032)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه البخاري (1751)، بلفظ: ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، فيقول:«هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله» .

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن ماجه (3033)، وإسناده ضعيف، فيه حجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، ورواه بالعنعنة، لكن يشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ينظر: السلسلة الصحيحة (2073).

ص: 296

(وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) في قول الجمهور؛ لما رَوَى الفَضْلُ بنُ عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ يلبِّي حتَّى رَمَى جمرةَ العقبة» أخرجاه في «الصَّحيحين»

(1)

، ولأنَّه كان رديفَه، فهو أعْلَمُ بحاله، وفي لفظٍ:«قطع عند أوَّل حصاةٍ» رواه حنبلٌ في المناسِك

(2)

، ولأنَّه يتحلَّل به، فشُرِع قطعها في ابتدائه، كالمعتمِر يقطعها بالشُّروع في الطَّواف.

(فَلَوْ

(3)

رَمَى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ)؛ لَمْ يُجْزئْه؛ لأنَّه عليه السلام لَمْ يَرْمِ إلاَّ بالحصى، وهو تعبُّديٌّ. وعنه: بلَى.

(1)

أخرجه البخاري (1685)، ومسلم (1281).

(2)

أخرجه ابن خزيمة (2886)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9603)، من طريق شريك، عن عامر، عن أبي وائل، عن عبد الله رضي الله عنه قال:«رمقت النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة» ، وفي سنده شريك بن عبد الله النخعي وهو سيئ الحفظ، وعامر بن شقيق وهو لين الحديث، قال ابن التركماني:(شريك ضعفه جماعة وعامر ضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي)، وأخرجه ابن أبي شيبة (14000)، من طريق ابن مهدي، عن الثوري، عن عامر به موقوفًا.

وأخرج أحمد (3961)، والطحاوي في معاني الآثار (4014)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:«خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة، إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل» ، وحسن إسناده الألباني.

وأخرج البيهقي (9604)، من حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما من وجه آخر، وفيه زيادة في آخره:«ثم قطع التلبية مع آخر حصاة» ، قال البيهقي:(وأما ما في رواية الفضل بن عباس من الزيادة؛ فإنها غريبة، أوردها محمد بن إسحاق بن خزيمة واختارها، وليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس). ينظر: الجوهر النقي 5/ 137، الإرواء 4/ 296.

(3)

في (ب) و (ز): فإن.

ص: 297

فإنْ رَمَى بخاتمٍ فصُّه حصاة

(1)

؛ فوجهان.

(أَوْ غَيْرِ الْحَصَى)، الظَّاهر أنَّه أراد به نحو الكحل والرخام

(2)

، وصرَّح به أبو الخطاب؛ لأنَّ شرطه الحجريَّة، وهذا ليس منه، ويلحق به: الجواهر المنطبعة، والزبردج

(3)

، والياقوت على المشهور.

وعنه: يُجْزِئُ مع الكراهة.

وعنه: يجزئ مع الجهل، لا القصد، لكن الرُّخام والكَدَّان

(4)

، صرح في «المغني» و «الشَّرح» بالإجزاء فيه، فدلَّ أنَّه ملحَقٌ بالأحجار.

وعلى الأوَّل: لا.

ويحتمل

(5)

أنَّه أراد الحجر

(6)

الكبير، وفيه روايتان، والمذهب: أنه لا يُجزِئُ، ونقل الزَّركشيُّ أنَّه يجزئ على المشهور؛ لوجود الحجريَّة، وكذا القولان في الصَّغير، قاله في «المغني» .

(أَوْ حَجَرٍ رَمَى بِهِ مَرَّةً؛ لَمْ يُجْزِئْهُ) في المنصوص؛ لأنَّه استُعمِل في عبادةٍ، فلم يُستعمَلْ ثانيًا؛ كماء الوضوء، ولأخْذِه عليه السلام إيَّاه من غير المَرْمَى، ولأنَّه لو جاز لما احْتِيج إلى أخذه من غَير مكانه.

(وَيَرْمِي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ)، هذا هو الأفضلُ، وحكاه ابن عبد البَرِّ إجْماعًا

(7)

؛ لقول جابِرٍ: «رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رمَى الجمرة ضُحَى يوم النَّحْر»

(1)

قوله: (فصه حصاة) في (و): فضة، وقوله:(حصاة) كتب على هامش (د).

(2)

في (د) و (و): أو الرخام.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): الزبرجد. وكلاهما صحيح. ينظر: المحكم لابن سيده 7/ 600.

(4)

قال في مقاييس اللغة 5/ 166: (الكدن: ما يبقى في أسفل الماء من الطين المتلجن).

أو بالذال المعجمة، قال في الصحاح 2/ 569:(الكذان بالفتح: حجارة رخوة كأنها مدر).

(5)

قوله: (لا ويحتمل) هو في (أ): ويحتمل.

(6)

في (أ): بالحجر.

(7)

ينظر: التمهيد 7/ 268.

ص: 298

رواه مسلمٌ

(1)

.

وذكر جماعةٌ: يُسَنُّ بعد الزَّوال.

(فَإِنْ رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ)؛ أي: ليلة الأضحى؛ (أَجْزَأَهُ)؛ لما رَوتْ عائشةُ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَر أمَّ سَلَمةَ ليلةَ النَّحْر، فرَمَتْ جمرة العقبة قبل الفجر، ثمَّ مضت فأفاضت» رواه أبو داودَ

(2)

.

وعنه: يُجزئُ بعد الفجر قبل طلوع الشَّمس.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: نَصُّه: للرِّعاء خاصَّةً الرمي ليلاً، نقله ابن منصور

(3)

.

والأول أولى؛ لأنه وقت للدفع من مزدلفة، فكان وقتًا للرمي

(4)

؛ كبعد طلوع الشَّمس، والأخبار محمولةٌ على الاستحباب.

فإنْ أخَّره إلى آخر النَّهار؛ جاز، فإن غربت قبله؛ فمن غد بعد الزَّوال.

(ثُمَّ يَنْحَرُ هَدْيًا)، واجبًا كان أو تطوُّعًا، (إِنْ كَانَ مَعَهُ)؛ لحديث جابِرٍ: «أنَّه عليه السلام رمى من بطن الوادي، ثمَّ انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثًا وستِّين بدَنةً بيده، ثمَّ أعطى علِيًّا فنحر ما غبَر-أي

(5)

: بقِيَ-، وأشْرَكَه في هديه»

(6)

.

فإن لم يكن معه هدْيٌ، وعليه هدي واجبٌ؛ اشتراه ونحره، وإلاَّ فإن أحبَّ الأُضحيَّة اشترى ما يُضحِّي به.

(1)

أخرجه مسلم (1299).

(2)

سبق تخريجه 4/ 289 حاشية (7).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2161.

(4)

قوله: (ليلاً، نقله ابن منصور، والأول أولى؛ لأنه وقت للدفع من مزدلفة، فكان وقتًا للرمي) سقط من (أ).

(5)

زيد في (د) و (و): ما.

(6)

أخرجه مسلم (1218).

ص: 299

قوله: (ثمَّ ينحر) هو مختص

(1)

بالإبل، وأما غيرُه فيذبح، وكأنَّه أشار أنَّ الأَوْلَى في الهدي أن يكون من الإبل؛ اقتِداءً به عليه السلام، ولا إشكال في مسنونيَّته، وسَوقه ووقوفه بعرفةَ؛ ليجْمَع فيه بين الحِلِّ والحرم، وسيأتِي.

(وَيَحْلِقُ) بعد النَّحر، فالواو بمعنى ثمَّ؛ لأنَّه «عليه السلام رَمَى جمرة العقبة يوم النَّحر، ثمَّ عاد إلى مِنًى فدعا بذِبْحٍ فذبح، ثمَّ دعا بالحَلاَّق؛ فأخذ شِقَّه الأيمنَ فحلقه، فجعل يقسمه بين مَنْ يليه، ثمَّ حلق شِقَّ رأسه الأيسر» رواه أبو داودَ

(2)

.

فمن ثَمَّ يُستحَبُّ البَداءة بأيمنه، ويُستحَبُّ أن يبلغ العظم الذي عند منقطع

(3)

الصُّدغ من الوجه، ويستقبل القِبلة، وذكر جماعةٌ: ويدعو.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : يكبِّر وقت الحلق؛ لأنَّه نُسُكٌ، قال أبو حكيمٍ: ولا يشارِطه على أجرةٍ، ثمَّ يصلِّي ركعتَين.

(أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعَرِهِ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لدعائه عليه السلام للمحلِّقين وللمقصرين

(5)

.

وظاهِرُه التَّخْيِيرُ بينهما في قول الجمهور؛ لأنَّ بعضهم حَلَق وبعضهم قصَّر، ولم ينكِرْه، ولكنَّ الحلقَ أفضلُ بلا تردُّدٍ؛ لأنَّه أبْلغُ في العبادة، وأدلُّ على صدق النِّيَّة.

ويكون التَّقصيرُ من جميع الشَّعر؛ لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ}

(1)

في (أ): يختص.

(2)

أخرجه البخاري (171)، ومسلم (1305)، وأبو داود (1981).

(3)

في (و): مقطع.

(4)

ينظر: زاد المسافر 3/ 29.

(5)

أخرجه البخاري (1727)، ومسلم (1301)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه البخاري (1728)، ومسلم (1302)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 300

[الفَتْح: 27]، ولأنه بَدَلٌ عن الحلق، فاقتضى التَّعميم؛ للأمر بالتَّأسِّي، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: لا مِنْ كلِّ شعرةٍ بعينها

(1)

، قال جماعةٌ: ويكون

(2)

مقدارَ الأَنْمُلة؛ لأنَّه من السُّنَّة.

(وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ بَعْضُهُ؛ كَالمَسْحِ)، قاله ابن حامِدٍ؛ لأنَّه في معناه، قال في «الفروع»: فيُجزِئُ ما نزل عن رأسه؛ لأنَّه من شعره، بخلاف المسح؛ لأنَّه ليس رأسًا، ذكره في «الفصول» و «الخلاف» ، قال: ولا يُجزِئُ شعرُ الأذن علَى أنَّه إنَّما لم يجزئ

(3)

؛ لأنَّه يجبُ تقصيرُ جميعِه.

فائدةٌ: ظاهِرُ كلام المؤلِّف والأكثر: أن

(4)

من لبَّد، أو ضفر، أو عَقَصَ؛ فكغَيره، ونقل ابنُ منصورٍ:(مَنْ فعل ذلك فليحلق)

(5)

؛ أي: وجب عليه، رواه مالكٌ عن عمر

(6)

.

قال في «الخلاف» : لا يمكنه التَّقصير من كلِّه؛ لاجتماعه.

فإن لم يكن على رأسه شعْرٌ؛ فظاهر كلامه في رواية المرُّوذِيِّ: (أنَّه يجب إمرارُ الموسَى على رأسه)

(7)

، وحمله القاضِي على النَّدب، وقدَّمه في «الفروع» ، وهو قول الأكثر.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 54، الاختيارات ص 175.

(2)

في (د) و (و): يكون.

(3)

في (د) و (و): لم يجز.

(4)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): أنه.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2166.

(6)

أخرجه مالك (1/ 398)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9586)، عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال:«من عَقَص رأسه أو ضَفَر أو لبَّد؛ فقد وجب عليه الحلاق» ، ومرسل ابن المسيب عن عمر صحيح.

وأخرج البخاري (5914)، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنه قال:«من ضفر فليحلق، ولا تشبهوا بالتلبيد» .

(7)

ينظر: التعليقة 1/ 483.

ص: 301

ويُستحَبُّ أن يأخذ من أظفاره وشارِبه؛ لأنَّه «عليه السلام قلَّم أظفارَه بعد حَلْق رأسه»

(1)

، وكان ابنُ عُمَرَ يأخذ من شاربه

(2)

، وقال ابن عَقيلٍ وغيره: ولِحْيته، فإنْ عَدِم ذلك؛ استُحِبَّ أن يُمِرَّ الموسَى، وقاله

(3)

أبو إسحاق في ختان

(4)

.

(وَالمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا قَدْرَ الْأَنْمُلَةِ)؛ لما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا: «لَيس على النِّساء حلْقٌ، إنَّما على النِّساء التَّقصيرُ» رواه أبو داودَ

(5)

، ولأنَّ الحلْقَ في حقِّهنَّ مُثْلةٌ، فعلَى هذا: تُقصِّر من كلِّ قرْنٍ قدْرَ الأنْمُلة، ونقل أبو داودَ:(تجمع شعْرَها إلى مقدَّم رأسها، ثمَّ تأخذ من أطرافه قدرها)

(6)

.

وفي مَنسَك ابن الزَّاغُونِيِّ: تَجِبُ أنْمُلةٌ، والأشْهَرُ: يُجْزِئُ أقلُّ منها.

لم يتعرَّض المؤلِّفُ لحكم العبد، وقد صرَّح في «الوجيز»: بأن حكمَه

(1)

أخرجه أحمد (16474)، وابن خزيمة (2931)، والحاكم (1744)، والبيهقي في الكبرى (92)، من حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه، وإسناده صحيح، صححه الحاكم وابن خزيمة، وقال الهيثمي:(رجاله رجال الصحيح). ينظر: مجمع الزوائد 4/ 19.

(2)

أخرجه مالك (1/ 396)، ومن طريقه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 268)، والبيهقي في الكبرى (9403)، عن نافع:«أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة، أخذ من لحيته وشاربه» ، قال البيهقي: ورواه ابن جريج، عن نافع، زاد فيه:«وأظفاره» ، وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار (4043)، من طريق ابن جريج وموسى، عن نافع، «عن ابن عمر أنه كان يأخذ من أظفاره وشاربه ولحيته، يعني قبل أن يزور» ، وهذه أسانيد صحاح.

(3)

في (د) و (ز) و (و): قاله.

(4)

قوله: (فإن عدم ذلك استحب

) إلى هنا سقط من (ز).

(5)

أخرجه أبو داود (1985)، والدارقطني (2666)، والبيهقي في الكبرى (9404)، من طريق ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان، عن ابن عباس به، قال ابن حجر:(وإسناده حسن، وقواه أبو حاتم في العلل، والبخاري في التاريخ، وأعله ابن القطان، وردَّ عليه ابن الموَّاق فأصاب)، وصححه الألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 244، التلخيص الحبير 2/ 559، صحيح أبي داود 6/ 225.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 187.

ص: 302

كالمرأة، وأنه يقصِّر، ولا يَحْلِقُ إلاَّ بإذن سيِّده؛ لأنَّه يَنْقُصُ قيمتَه

(1)

.

(ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ) بعد الرَّمْي والنحر

(2)

والحَلْقِ أو التقصير؛ (كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّسَاءَ)؛ لما روت عائشةُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رَمَى جمرةَ العقبة، وحلَق رأسَه؛ فقد حلَّ له كلُّ شَيءٍ إلاَّ النِّساءُ» رواه الأثرمُ

(3)

، ولأحمدَ عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا معناه

(4)

.

فعلَى هذا: لا يُباح له ما كان حرامًا عليه منهنَّ؛ من القُبلة، واللَّمس لشهوة

(5)

.

قال القاضِي وابنُه وابنُ الزَّاغُونِيِّ واقْتَصَرَ عليه في «المغني» و «الشَّرح» : وعَقْدُ النِّكاح، وظاهر كلام جماعةٍ حِلُّه، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وذكره عن أحمدَ

(6)

.

(1)

في (أ): حقه، وقوله: (لم يتعرض المؤلف لحكم

) إلى هنا سقط من (ز) و (و).

(2)

قوله: (والنحر) سقط من (و).

(3)

أخرجه أحمد (25103)، والدارقطني (2686)، والبيهقي في الكبرى (9597)، من طريق حجاج بن أرطاة، عن أبي بكر بن محمد، عن عمرة، عن عائشة، وإسناده ضعيف فيه حجاج بن أرطاة، وأخرجه أبو داود (1978)، من طريق عبد الواحد بن زياد، حدثنا الحجاج، عن الزهري، عن عمرة به، وضعفه فقال:(هذا حديث ضعيف، الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه)، وهذا الاضطراب من حجاج، كما قال البيهقي، قال ابن حجر:(ومداره على الحجاج وهو ضعيف ومدلس، وقال البيهقي: إنه من تخليطاته)، والصواب في الحديث الوقف، أخرجه إسحاق بن راهويه (1121) من طريق معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال:«إذا رمى وذبح وحلق فقد حل له كل شيء إلا النساء والطيب» ، قال سالم: وكانت عائشة تقول: «فقد حل له كل شيء إلا النساء» ، وتقول:«أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم» . ينظر: التلخيص الحبير 2/ 558.

(4)

أخرجه أحمد (2090)، والنسائي (3084)، وهو من رواية الحسن العرني عن ابن عباس، ولم يسمع منه، وصححه الألباني بشواهده. ينظر: صحيح أبي داود 6/ 218.

(5)

في (د) و (و): بشهوة.

(6)

ينظر: شرح العمدة 5/ 167، الاختيارات ص 175.

ص: 303

(وَعَنْهُ): يَحِلُّ له كلُّ شَيءٍ، (إِلاَّ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ)؛ لأنَّ تحريم المرأة ظاهِرٌ في وطئها، ولأنَّه أغلظُ المحرَّمات، ويُفْسِدُ النُّسُكَ، بخلاف غيرِه.

ونقل الميمونِيُّ

(1)

في المتمتِّع إذا دخل الحرم: حلَّ له بدخوله كلُّ شَيءٍ إلاَّ النِّساءَ والطِّيبَ قبل أن يَحلِق أو يقصر

(2)

، رواه مالكٌ عن

(3)

عمر

(4)

، ولأنَّه من دواعي الوطْء أشْبَهَ القُبلةَ.

(وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ) في الحجِّ والعمرة في ظاهر المذهب؛ لقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفَتْح: 27]، فوصفهم وامْتنَّ عليهم بذلك، فدلَّ أنَّه من العبادة، مع قوله:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحَجّ: 29]؛ قيل: المراد به الحلْقُ، وقيل: بقايا أفعال الحجِّ من الرَّمي ونحوه؛ ولأمره عليه السلام بقوله: «فليُقصِّرْ أو ليحلل

(5)

»

(6)

، ولو

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 288.

(2)

في (و): يقصر أو يحلق.

(3)

زيد في (و): ابن.

(4)

أخرجه مالك (1/ 410)، ومن طريقه ابن وهب (116)، والطحاوي في أحكام القرآن (1548)، والبيهقي في الكبرى (9998)، عن نافع وعبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب خطب الناس بعرفة، وعلَّمهم أمر الحج، وقال لهم فيما قال:«إذا جئتم منى، فمن رمى الجمرة، فقد حل له ما حرم على الحاج إلا النساء والطيب، لا يمس أحد نساء ولا طيبًا حتى يطوف بالبيت» ، وإسناده صحيح، وليس فيه ذكر الحلق مع رمي الجمار، وأخرجه البيهقي في الكبرى (9590)، من طريق شعيب، أخبرني نافع، بلفظ:«فمن رمى جمرة القصوى التي عند العقبة بسبع حصيات، ثم انصرف فنحر هديًا إن كان له، ثم حلق أو قصر؛ فقد حل له ما حرم عليه من شأن الحج إلا طيبًا أو نساء» ، فزاد فيه الحلق أو التقصير، وإسناده صحيح وله شاهد أخرجه ابن خزيمة (2939)، والبيهقي في الكبرى (9591)، وفي المعرفة (9478)، من طرق عن سالم، عن ابن عمر قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: «إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات، وذبحتم وحلقتم؛ فقد حل لكم كل شيء إلا النساء والطيب» ، وإسناده صحيح.

(5)

في (أ): ليحلق.

(6)

أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227)، من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

ص: 304

لم يكن نُسُكًا؛ لم يتوقَّف الحِلُّ عليه، ولأنه عليه السلام دعا للمحلِّقين وللمقصِّرين

(1)

، وفاضَلَ بينهم، فلولا أنَّه نُسُكٌ؛ لمَّا اسْتَحقُّوا لأجله الدُّعاءَ، ولما وقع التَّفاضُل فيه، إذ لا مفاضَلَةَ في المباح، فعلَى هذا: يُثابُ علَى فعله، ويُذَمُّ بتركه.

(إِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: لا دَمَ عليه، قدَّمه جماعةٌ، وجزم به في «الوجيز»؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البَقَرَة: 196]، فبيَّن أوَّل وقته ولم يبيِّنْ آخرَه، فمتى

(2)

أتى به؛ أجزأ كالطواف

(3)

.

والثَّانية: عليه دمٌ، قدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّه ترك النُّسك في وقته، أشبه تأخير الرَّمْيِ.

وظاهِرُه: أنَّ له تأخيرَه إلى آخر أيَّام النَّحر، وصرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّه إذا جاز تأخيرُ النَّحر المقدَّم عليه؛ فتأخيره أَوْلَى، ولكنَّ عبارةَ «الشَّرح» أخصُّ.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ)؛ لقوله عليه السلام لأبي موسى

(4)

حين قال: أهْلَلْتُ بإهلالٍ كإهلال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «طُفْ بالبيت، وبالصَّفا والمروة، ثمَّ حِلَّ» متَّفَقٌ عليه، وفي حديث جابرٍ معناه، رواه مسلمٌ

(5)

، فأمر بالحِلِّ من غير حلْقٍ ولا تقصيرٍ، ولو كان نُسُكًا لمَا أمر به إلاَّ بعده، فهو

(6)

كاللِّباس والطِّيب،

(1)

أخرجه البخاري (1727)، ومسلم (1301)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

في (و): حتى.

(3)

في (و): في الطواف.

(4)

قوله: (لأبي موسى) سقط من (ز).

(5)

حديث أبي موسى رضي الله عنه: أخرجه البخاري (1795)، ومسلم (1221)، وحديث جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1216).

(6)

قوله: (فهو) سقط من (ب) و (ز).

ص: 305

(لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ)، ويَحصُل التَّحلُّلُ بدونه، وهو مخيَّرٌ بين فعله في أيَّام مِنًى، وبين تأخيره وتركه، والأخذ من

(1)

بعضه دون بعضٍ؛ لأنَّه ليس بواجِبٍ كغيره.

(وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ وَحْدَهُ)، يحتمل أنَّ هذا تكْمِلةُ الرِّواية، فيكون معطوفًا على قوله:(لا شَيءَ في تَرْكِه)، ويَحتَمِل أنَّه مستأْنَفٌ، والأوَّلُ أظهرُ.

واختلفت الرِّواية فيما يحصل به التَّحلُّلُ؛ فالأكثر على أنَّه لا يَحصُل إلاَّ بالرَّمْي والحلق أو التَّقصير؛ «لأمره عليه السلام من لم يكن معه هدْيٌ؛ أنْ يطوفَ، ويقصِّرَ، ثمَّ يَحِلَّ»

(2)

.

وعنه: أنَّه يَحصُل بالرَّمي وحدَه، صحَّحها في «المغني»؛ لقوله:«إذا رَمَيتم الجمرةَ؛ حلَّ لكم كلُّ شَيءٍ إلاَّ النساء»

(3)

.

وتحقيقه أن يقال: هل الأنساك ثلاثة، أم

(4)

اثنان؟ فيه

(5)

روايتان:

إحداهما: أنه

(6)

ثلاثةٌ؛ رمْيٌ وحَلْقٌ وطوافٌ.

والثَّانية: هما نُسُكان؛ رمْيٌ وطوافٌ.

فعلى الأولى: يحصل التَّحلُّلُ الأَوَّلُ باثْنَيْنِ، اختاره الأكثرُ، ويحصل الثَّاني بفعل الثالث

(7)

.

وعلى الثانية: يحصل الأوَّل بواحد منهما، والثَّاني بالثَّاني.

فعليها: الحلق إطلاق من محظورٍ.

(1)

في (د) و (و): في.

(2)

أخرجه مسلم (1216)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(3)

سبق تخريجه 4/ 303 حاشية (4).

(4)

في (أ): أو.

(5)

في (ب) و (ز): ففيه.

(6)

في (د) و (و): أنها.

(7)

في (و): الأول.

ص: 306

وفي «التَّعليق» : نُسُكٌ؛ كالمبيت بمُزدَلِفة، ورمْيِ يوم الثَّاني والثَّالث.

واختار المؤلِّف: أنَّه نُسُكٌ، ويَحِلُّ قبله، وهو روايةٌ.

والسُّنَّةُ يوم النَّحر: أن يَرْمِيَ، ثمَّ ينحَرَ، ثمَّ يحلِقَ، ثمَّ يطوفَ، يرتِّبُها كذلك، رواه أبو داودَ من حديث أنسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَه

(1)

.

(وَإِنْ

(2)

قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ، أَوِ النَّحْرَ؛ جَاهِلاً، أَوْ نَاسِيًا؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، في قول الأكثر؛ لما رَوَى ابنُ عمر

(3)

: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله! حَلَقْتُ قبل أنْ أذبحَ؟ قال: «اذْبَحْ ولا حَرَجَ» ، وقال آخر: ذبحْتُ قبل أنْ أرْمِيَ؟ قال: «ارْمِ ولا حَرَجَ» ، وعن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا معناه، متَّفقٌ عليهما

(4)

، وإذا ثبت ذلك في الجاهل؛ فالناسي مثلُه.

وكذا إذا زار أو نحر قبل رَمْيِه؛ فلا دمَ عليه، نَصَّ عليه

(5)

.

(وَإِنْ فَعَلَهُ

(6)

عَالِمًا) عامِدًا، (فَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أظْهرُهما: أنَّه لا دَمَ عليه، رُوِيَ عن عَطاءٍ وإسحاقَ؛ لإطلاق ما تقدَّم.

والثَّانية -نقلها أبو طالبٍ وغيره-: يلزمه دمٌ

(7)

، واختارها أبو بكْرٍ؛

(1)

أخرجه مسلم (1305)، وأبو داود (1981)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: خذ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس» ، وأخرج مسلم (1218) في حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج نحوه بهذا الترتيب ولم يذكر الحلق، وذكر الطواف بعد ذلك.

(2)

في (ب) و (ز) و (و): فإن.

(3)

كذا في الأصل وباقي النسخ، وصوابه: ابن عمرو بن العاص، كما في المصادر الحديثية.

(4)

حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1737)، ومسلم (1306)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1735)، ومسلم (1307).

(5)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 286.

(6)

في (ز): كان، وفي (و): فعل.

(7)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 286.

ص: 307

لأنَّه عليه السلام رتَّبها وأمر باتباعه

(1)

.

ويُسْتَثْنَى منه: حالةُ الجهل والنسيان، بدليل قوله:«لَمْ أشْعُرْ» ، فيبقَى ما عداه على مُقْتَضَى الأصل.

وظاهر نقْلِ الميمونيِّ

(2)

: يلزمه صدقةٌ، قال في «الشَّرح»: لا نعلم خلافًا أنَّ الإخلالَ بالتَّرتيب لا يُخرِج هذه الأفعال عن الإجزاء، وإنَّما الخلاف في وجوب الدَّم.

(ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَةً

(3)

بها

(4)

يوم النَّحر، نَصَّ عليه

(5)

؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «خَطَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاس يوم النَّحر» رواه البخاريُّ

(6)

.

قال جماعةٌ: بعد صلاة الظُّهر، وفيه نَظَرٌ؛ لما رَوَى رافع بن عمرو

(7)

المزنيِّ قال: «رأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ النَّاسَ بمنى حين ارتفع الضُّحَى، على بَغْلةٍ شهْباءَ، وعلِيٌّ يُعبِّرُ عنه، والنَّاس بين قائمٍ وقاعدٍ»

(8)

.

ويفتتحها بالتَّكبير، قاله في «الرِّعاية» .

(يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ، وَالْإِفَاضَةَ، وَالرَّمْيَ)؛ لقول عبد الرحمن بن معاذٍ: «خطبَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِنًى، فطفِق يعلِّمهم مناسكَهم حتَّى بلغ الجمار» رواه

(1)

كما في حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا: «لتأخذوا مناسككم» ، أخرجه مسلم (1297).

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي التعليقة 1/ 413، والفروع 6/ 56: المروذي.

(3)

في (و): خطبته.

(4)

في (أ): في.

(5)

ينظر: مسائل صالح 1/ 323.

(6)

أخرجه البخاري (1739).

(7)

في (و): عمر.

(8)

أخرجه أحمد (15921)، وأبو دواد (1956)، والنسائي في الكبرى (4079)، والطبراني في الكبير (4458)، والبيهقي في الكبرى (9618)، وحسن إسناده ابن حجر، وصححه الألباني. ينظر: الفتح 10/ 305، صحيح أبي داود 6/ 201.

ص: 308

أبو داودَ

(1)

، ولأن

(2)

الحاجة تدعو إليه.

وعنه: لا يَخطُب يومئذٍ، نصره القاضِي وأصحابُه؛ لأنَّها تُسَنُّ في اليوم قبلَه، فلا تُسَنُّ فيه.

(ثُمُّ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ)؛ لقول عائشة: حَجَجْنا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأفَضْنا يوم النحر، فحاضت صفيَّةُ، فأراد النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم منها ما يُريدُ الرَّجل من أهله، فقلت: يا رسول الله إنَّها أفاضت يوم النَّحر! قال: «اخْرُجُوا» متَّفَقٌ عليه

(3)

.

(وَيَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ)، هكذا فعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

(4)

، سُمِّي به؛ لأنَّه يأتي من مِنًى فيزور البيت، ولا يقيم بمكَّة، بل يعود

(5)

إلى مِنًى، ويُسمَّى: طواف الإفاضة؛ لأنَّه يأتي به

(6)

عند إفاضته من مِنًى إلى مكَّة، ويُسمَّى: طواف الصَّدَر؛ لأنَّه يُصدَر إليه من مِنًى.

وقيل: طواف الصَّدَر هو طواف الوداع، قال المنذري

(7)

: وهو المشهور؛

(1)

أخرجه أحمد (16589)، وأبو داود (1957)، والنسائي (2996)، من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن بمنى

الحديث. وأخرجه أحمد (16588)، من وجه آخر من طريق معمر، عن حميد الأعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى

الحديث، وصحح البيهقي الوجه الأول، وقال:(عبد الرحمن بن معاذ له صحبة، وزعموا أن محمد بن إبراهيم التيمي لم يدركه، وأن روايته عنه مرسلة)، لكن أثبت أبو حاتم سماعَ محمد بن إبراهيم من عبد الرحمن بن معاذ، وصحح الحديث الألباني. ينظر: المراسيل لابن أبي حاتم ص 188، صحيح أبي داود 6/ 197.

(2)

في (د): لأن.

(3)

أخرجه البخاري (1733)، ومسلم (1211).

(4)

كما في أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري (1691)، مسلم (1227)،

(5)

في (و): يعوده.

(6)

قوله: (به) سقط (ز).

(7)

ينظر: شرح الزركشي 3/ 270.

ص: 309

إذ الصدَر

(1)

رجوع المسافر من مقصده.

(وَيُعَيِّنُهُ بِالنِّيَّةِ)؛ لخبر الأعمال

(2)

، ولأنَّ الطَّواف بالبيت صلاةٌ، وهي لا تصحُّ إلاَّ بنيَّةٍ معيَّنةٍ.

(وَهُوَ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ الذِي بِهِ تَمَامُ الْحَجِّ)، إجْماعًا، قاله ابن عبد البَرِّ

(3)

؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} [الحَجّ: 29]، وقوله:«أحابِستنا؟»

(4)

، فدلَّ أنَّ هذا الطَّواف لا بُدَّ منه، وأنه حابس لِمَنْ لَم يأتِ به.

ووصفُه بالتَّمام؛ لأنَّه لم يَبقَ من أركان الحجِّ سواه، فإذا أتى به؛ حصل تمام

(5)

الحجِّ.

لا يقال: النَّصُّ الوارد في عرفةَ لَمْ يذكر فيه الطَّواف، وإنَّ الحجَّ يتمُّ بالوقوف بها؛ لأنَّه مَنْ وَقَف بعرفةَ لم يَبقَ حجُّه متعرِّضًا للفوات، والطَّواف ركنٌ فيه ليس له وقتٌ معيَّنٌ يفوت بفواته، وليس فيه ما يمنع فرضيَّته.

وظاهره: أنَّ المتمتِّع لا يطوف للقدوم، والمنصوص

(6)

: أنَّ المتمتِّع يطوف للقدوم كعمرته، بلا رَمَل، ثمَّ للزِّيارة؛ لأنَّ طواف القُدوم كتحيَّة المسجد عند دخوله قبل شروعه في الصَّلاة.

وعنه: يجوز فعلهُ قبل

(7)

الرُّجوع، فيفعله عقب الإحرام.

ومنع في «المغني» مسنونيَّة هذا الطَّواف، وقال: لم أعلم أنَّ أحدًا وافق

(1)

قوله: (إذ الصدر) في (د): إذا أصدر.

(2)

أي: حديث: «إنما الأعمال بالنيات» ، أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).

(3)

ينظر: التمهيد 17/ 267.

(4)

أخرجه البخاري (1733)، ومسلم (1211).

(5)

في (و): إتمام.

(6)

ينظر: المغني 3/ 392.

(7)

في (أ): قبل فعله.

ص: 310

أبا عبد الله على هذا الطَّواف، بل المشروع طواف واحد للزِّيارة؛ كمَنْ دخل المسجد، وأقيمت

(1)

المكتوبة، فإنَّه يكتفي بها، مع أنَّه لم يُنقَل بالكلِّيَّة، وحديثُ عائشةَ دليلٌ عليه، فإنَّها قالت:«طافُوا طوافًا واحدًا»

(2)

، وهذا هو طواف الزِّيارة، ولو كان المذكورُ طوافَ القدوم لأخلَّت بذكر الفرض الذي هو ركنُ الحجِّ.

وحكم المكِّيِّ إذا أحرم منها، والمنفرد والقارن إذا لم يأتيا مكَّة قبل يوم النَّحر؛ كالمتمتِّع.

(وَأَوَّلُ وَقْتِهِ: بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ)؛ لأنَّ أمَّ سَلَمة رَمَتْ، ثم طافت، ثمَّ رجعت فوافت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة

(3)

، وبينها وبين مكَّة فَرْسَخَانِ.

وعنه: أوَّلُ وقته طلوع فجر يوم النَّحر.

وهما مبنيَّان على أول وقت الرَّمْي.

(وَالأَفْضَلُ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ)، بعد الرَّمي والنَّحر والحلْقِ؛ لقول جابِرٍ:«ثمَّ أفاض النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم النَّحر إلى البيت، فصلَّى بمكَّةَ الظُّهرَ» ، وقد سبق حديث عائشةَ وابنِ عمرَ

(4)

.

(فَإِنْ أَخَّرَهُ)؛ أي: طواف الزِّيارة (عَنْهُ)؛ أي: يوم النَّحر، (وَعَنْ أَيَّامِ مِنًى؛ جَازَ)؛ لأنَّه تعالى

(5)

أَمَر بالطَّواف مطلَقًا، فمتى أتى به، صحَّ بغير خلافٍ، ذكره في «الشَّرح» .

(1)

زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): صلاة.

(2)

أخرجه البخاري (1638)، ومسلم (1211).

(3)

سبق تخريجه 4/ 289 حاشية (7).

(4)

حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1218)، وحديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (1733)، ومسلم (1211)، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه مسلم (1308).

(5)

في (أ): يقال.

ص: 311

وظاهره: أنَّه لا دم عليه بتأخيره عن يوم النَّحر، واختار في «الواضح»: وجوبه بلا عُذْرٍ.

ولا عن أيَّام مِنًى؛ كالسَّعْيِ، وخرَّج

(1)

القاضي وغيره رواية من الحلق، قال في «الفروع»: ويتوجَّه مثلُه في سعي.

(ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ إِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا)؛ لأنَّ السَّعيَ أوَّلاً لعمرته، فشُرع أن يسعى للحجِّ.

(أَوْ لَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ)، وهو المفرِدُ والقارِنُ، فيَسعَى؛ لأنَّه إمَّا ركنٌ أو

(2)

واجِبٌ أو سنَّةٌ، ولَم يأتِ به؛ لأنَّه لا يكون إلاَّ بعد طوافٍ؛ لِفِعْله وأمْرِه عليه السلام بمُتابَعَته

(3)

.

(وَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى) مع طواف القدوم؛ (لَمْ يَسْعَ)؛ لقول جابِرٍ: «لم يَطُفِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصَّفا والمروة إلاَّ طوافًا واحدًا، طوافه الأوَّل»

(4)

، ولأنَّه لا يُستحَبُّ التَّطوُّعُ بالسَّعْيِ كسائر الأنساك بغير خلافٍ نعلمه

(5)

، بخلاف الطَّواف، فإنَّه صلاةٌ.

(ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ)؛ لقول عمرَ

(6)

: «لم يَحِلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من شَيءٍ حرُم منه حتَّى قَضَى حجَّه، ونحر هديَه يوم النَّحر، فأفاض بالبيت، ثمَّ حلَّ من كلِّ شَيءٍ حرُم منه» ، وعن عائشة نحوه، متَّفَقٌّ عليهما

(7)

.

(1)

في (أ): وصرح.

(2)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): وإما.

(3)

أما فعله: ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري (1616)، ومسلم (1233)، وحديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري (1762)، ومسلم (1211)، وأما أمره بمتابعته: ففي حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا: «لتأخذوا مناسككم» ، أخرجه مسلم (1297).

(4)

أخرجه مسلم (1215).

(5)

ينظر: الشرح الكبير 9/ 229.

(6)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه: ابن عمر.

(7)

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227)، وحديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (1562)، ومسلم (1211).

ص: 312

وظاهِرُه: أنَّ الحِلَّ متوقِّفٌ على السَّعي، نَصَّ عليه في رواية أبي طالبٍ

(1)

، وهو ظاهر على القول بِرُكْنِيَّتِه، وكذا إن قيل بوجوبه، واختاره القاضي في «المجرد» وصاحب «المغني» ، وحكاه في «التَّلخيص» روايةً.

وإن قلنا بسنيَّته؛ ففي حِلِّه قبله وجهان، وفي «المغني» احْتِمالان:

أحدهما: نعم، وهو ظاهِرُ كلام المجْدِ؛ لأنَّه لَم يَبْقَ عليه شَيءٌ من الواجبات.

والثَّانِي: لا، وقطع به في «التَّلخيص» ؛ لأنَّه من أفعال الحجِّ، فيأتِي به في إحرامه

(2)

بالحج

(3)

.

(ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ، فَيَشْرَبُ مِنْهَا

(4)

؛ لقول جابِرٍ: «ثمَّ أتَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بني عبد المطَّلِب وهم يَسقُون، فناولوه، فشَرِب منه»

(5)

.

وفي «التَّبصرة» : ويرش على بَدَنِه وثَوبِه.

(لِمَا أَحَبَّ)؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ماءُ زمزمَ لما شُرِب له» رواه ابن ماجَهْ

(6)

،

(1)

ينظر: التعليقة 2/ 61.

(2)

في (أ): إحرام.

(3)

في (أ) و (د): الحج.

(4)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): من مائها.

(5)

أخرجه مسلم (1218).

(6)

أخرجه أحمد (14849)، وابن ماجه (3062)، والبيهقي في الكبرى (9660)، من طريق عبد الله بن المؤمل أنه سمع أبا الزبير، يقول: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فذكره، وعبد الله بن المؤمل ضعيف، وقال العقيلي:(لا يتابع عليه)، لكن تابعه إبراهيم بن طهمان عند البيهقي في الكبرى (9987)، قال ابن حجر في التلخيص:(إنما سمعه إبراهيم من ابن المؤمل)، وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند الدارقطني (2739)، والحاكم (1739)، قال ابن حجر في الفتح:(رجاله موثقون إلا أنه اختلف في إرساله ووصله، وإرساله أصح)، وحسنه المنذري وابن القيم، ونقل السخاوي عن الحافظ ابن حجر أنه قال:(إنه باجتماع طرقه يصلح للاحتجاج به)، وصححه الألباني. ينظر: الضعفاء للعقيلي 2/ 302، زاد المعاد 4/ 360، الفتح 3/ 493، التلخيص الحبير 2/ 570، المقاصد الحسنة ص 568، الإرواء 4/ 320.

ص: 313

وقولِه عليه السلام لأبِي ذَرٍّ: «إنَّها طعامُ طُعْمٍ»

(1)

؛ أي: تشبع

(2)

شاربها

(3)

كالطَّعام.

(وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ)؛ لقول ابن عبَّاسٍ لرجلٍ: تضلَّعْ منها، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«آية ما بيننا وبين المنافقين: أنَّهم لا يتضلَّعون من زمزم» رواه ابن ماجَهْ

(4)

.

ويُستحَبُّ له استقبالُ الكعبة؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «إذا شرِبْتَ منها؛ فاستقبِلِ الكعبةَ، واذكُر اسمَ الله»

(5)

.

(وَيَقُولُ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَرِيًّا وَشِبَعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي

(6)

، وَامْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ

(7)

؛ لأنَّه لائق به، وهو شامِلٌ لخير الدنيا والآخرة، فيُرجى له حصولُه.

وقد ورد عن ابن عباس أنَّه كان إذا شَرِب منه يقول: «اللَّهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا، ورِزْقًا واسعًا، وشِفاءً من كلِّ داءٍ» ، قال الحاكم: صحيحُ

(1)

أخرجه مسلم (2473).

(2)

في (و): شبع.

(3)

في (د) و (ز) و (و): وشاربها.

(4)

أخرجه ابن ماجه (3061)، والدارقطني (2736)، والحاكم (1738)، وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر أبو الثورين المكي، وهو مقبول، ووقع في إسناده اضطراب، صححه الحاكم والبوصيري، وضعفه الألباني. ينظر: الإرواء 4/ 325.

(5)

وهو ما أخرجه ابن ماجه وغيره في الحاشية السابقة، ولاستقبال القبلة شاهد ضعيف، وهو ما أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (708)، عن عكرمة، وفيه: فاستق دلوًا فاشرب، واستقبل القبلة، الحديث. وهو منكر، فيه نعيم بن حماد وهو ضعيف، وإبراهيم بن الحكم بن أبان العدني وهو ضعيف، بل قال البخاري:(سكتوا عنه)، لشدة ضعفه.

(6)

قوله: (واغسل به قلبي) سقط من (ز).

(7)

في (ب): حكمتك وخشيتك.

ص: 314

الإسناد، إنْ سَلِمَ من الجارودي

(1)

.

(1)

أخرجه الحاكم (1739)، من طريق محمد بن حبيب الجارودي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:«ماء زمزم لما شُرب له، فإن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته مستعيذًا عاذك الله، وإن شربته ليقطع ظمأك قطعه» ، قال: وكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال: «اللهم أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاء من كل داء» ، قال الحاكم:(حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي)، ومحمد الجارودي صدوق كما قال الذهبي في الميزان 3/ 185، وقد ترجم له الخطيب في تاريخه 3/ 87، وقال:(كان صدوقًا)، وجزم أبو الحسن القطان بأنه المراد، وتبعه على ذلك ابن دقيق العيد والدمياطي كذا قال الحافظ في اللسان 5/ 115، ووافقهم في جزئه في ماء زمزم (ص 267)، إلا أن الجارودي أخطأ في رفعه كما قال الحافظ في اللسان:(أخطأ الجارودي في وصله، وإنما رواه ابن عيينة موقوفًا على مجاهد، كذلك حدَّث به عنه حُفَّاظ أصحابه: كالحميدي وابن أبي عمر وسعيد بن منصور وغيرهم)، وأفاض الحافظ في بيان وهم الجارودي في جزئه، ثم ذكر أن مثل هذا مما لا يقال بالرأي، فيكون مرسلاً، ووافقه الألباني في الإرواء 4/ 332.

وأخرجه الدارقطني (2738)، من طريق أخرى عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف، فيه حفص بن عمر العدني وهو ضعيف الحديث. وأخرجه عبد الرزاق (9112)، عن الثوري قال: سمعت من يذكر عن ابن عباس، وهذا ظاهر الانقطاع.

ص: 315

(فَصْلٌ)

(ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مِنًى)، فيصلِّي بها الظُّهرَ يوم النَّحر، نقله أبو طالِبٍ

(1)

؛ لقول ابن عمر: «أفاض النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم النَّحر، ثمَّ رجع فصلَّى الظُّهر بمِنًى» متَّفَقٌ عليه

(2)

.

(وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى)، بل يَبِيتُ بمِنًى ثلاثَ ليالٍ.

(وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ بِهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ)، نَصَّ عليه

(3)

، ويُسَنُّ قبل الصلاة.

وجوَّزه ابن الجَوزي قبل الزَّوال. وفي «الواضح» بطلوع الشَّمس، إلاَّ ثالثَ يومٍ.

(كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى، وَهِيَ

(4)

أَبْعَدُهُنَّ مِنْ مَكَّةَ، وَتَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَسَارِهِ، وَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ قَلِيلاً) إلى مكان لا يصيبه الحصَى، (فَيَقِفُ يَدْعُو اللهَ تَعَالَى، وَيُطِيلُ، ثُمَّ يَأْتِي الْوُسْطَى فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَرْمِيهَا بِسَبْعٍ

(5)

، وَيَقِفُ عِنْدَهَا فَيَدْعُو)، وقيَّدهما في «المحرَّر»: قدر سورة البقرة.

(ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعٍ، وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ، وَيَسْتَبْطِنُ الْوَادِيَ، وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا)؛ لقول عائشةَ: «أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخِر يومه حين صلَّى الظُّهْرَ، ثمَّ رجع إلى مِنًى فمكث بها

(1)

ينظر: زاد المسافر 3/ 31، شرح العمدة 5/ 275.

(2)

أخرجه البخاري موقوفًا (1732)، ثم قال:(ورفعه عبد الرزاق)، ووصله مسلم (1308).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2156، مسائل صالح 2/ 23.

(4)

في (ز): وهن.

(5)

زيد في (ب): حصيات.

ص: 316

ليالي أيَّام التَّشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشَّمس، كلُّ جمرةٍ بسبع حصَياتٍ، يكبِّر مع كلِّ حصاةٍ، ويَقِفُ عند الأولَى والثَّانيةِ، فيطيل المقام ويتضرَّعُ، ويرمِي الثالثة، ولا يقف عندها» رواه أبو داودَ

(1)

.

ورَوَى البخاريُّ عن ابن عمر: «أنَّه كان يرمي الجمرة الأولى بسبع حصياتٍ، يكبِّر على إثْر كلِّ حصاةٍ، ثمَّ يتقدَّم فيُسهِلُ، ويقوم قيامًا طويلاً، ويرفع

(2)

يديه، ثمَّ يَرمِي الوسطى، ثمَّ يأخُذُ ذاتَ الشِّمَال فيُسهِلُ، ويقوم ويستقبِل القبلةَ قيامًا طويلاً

(3)

، ثمَّ يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثمَّ يَنصرِف، ويقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله»

(4)

.

فلو ترك الوقوف عندها والدعاء؛ فقد ترك السُّنَّة، ولا شَيءَ عليه.

وقال الثوري

(5)

: يُطعِمُ شيئًا، وإن أراق دمًا كان أحبَّ إليَّ، ورُوِي عن أحمدَ معناه

(6)

.

(وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الرَّمْيِ)، يعني: يبدأ بالجمرة الأولَى، ثمَّ بالتي تليها، ثمَّ بالتي تليها؛ لأنَّه نُسُكٌ يتكرَّر، فكان التَّرتيب شرْطًا فيه كالسَّعْي، فلو نكَّس، فبدأ بجمرة العقبة، ثمَّ الثَّانية، ثمَّ الأولَى، أو بدأ بالوسطى؛ لَمْ تُجْزئْه

(1)

أخرجه أحمد (24592)، وأبو داود (1973)، وابن خزيمة (1973)، وابن حبان (3868)، والحاكم (1756)، وهو حديث صحيح، صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وفيه عنعنة ابن إسحاق لكنه صرح بالتحديث في رواية ابن حبان، وصححه الألباني. ينظر: صحيح سنن أبي داود 6/ 213.

(2)

في (و): ثم يرفع.

(3)

قوله: (ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى

) إلى هنا سقط من (ب) و (ز).

(4)

أخرجه البخاري (1751).

(5)

كذا في الأصل، والذي في باقي النسخ: النووي. وقد ذكره النووي عن الثوري كما في شرح مسلم 9/ 48، المجموع 8/ 283.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2345.

ص: 317

إلا الأولَى، وأعاد الوسطى والقصوى، نَصَّ عليه

(1)

.

(وَفِي عَدَدِ الحَصَى رِوَايَتَانِ):

(إِحْدَاهُمَا: سَبْعٌ)، وهي المذهب؛ لفعله عليه السلام في حديث ابن عمر، وابن مسعودٍ، وعائشةَ

(2)

، وفِعله خرج بيانًا لصفة الرَّمي المشروع.

(وَالأُخْرَى: يُجْزِئُهُ خَمْسٌ)، إذ الأكثرُ يُعْطَى حكمَ الكلِّ، وقد ثبت عن الصَّحابة التساهل في البعض.

وعنه: ستٌّ؛ لما رَوَى سعدٌ قال: «رجعْنا من الحجَّة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعضُنا يقول: رميت بستٍّ، وبعض يقول: رمَيتُ بسبعٍ، فلم يَعِبْ بعضُنا علَى بعضٍ» رواه الأثرم

(3)

، وعن ابن عمر معناه

(4)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2278، زاد المسافر 3/ 33.

(2)

سبق قريبًا حديث ابن عمر 4/ 317 حاشية (4) وعائشة رضي الله عنهم 4/ 317 حاشية (1)، وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: فأخرجه البخاري (1748)، ومسلم (1296).

(3)

أخرجه أحمد (1439)، والنسائي (3077)، والطحاوي في مشكل الآثار (3511)، وفي أحكام القرآن (1523)، والبيهقي في الكبرى (9669)، والضياء في المختارة (1051)، عن مجاهد قال: قال سعد: وذكره، قال الضياء:(إسناد منقطع)، فإن مجاهدًا لم يدرك سعدًا كما قال أبو حاتم في المراسيل ص 205، وبهذا أعله الطحاوي في أحكام القرآن وابن التركماني في الجوهر النقي 5/ 149، وقال الألباني في صحيح النسائي:(صحيح الإسناد).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (13440)، من طريق قتادة، عن ابن عمر، أنه قال:«ما أبالي رميت الجمار بست أو بسبع» ، وقتادة لم يسمع من ابن عمر رضي الله عنهما، كما قال ابن حجر عن هذا الأثر في الفتح 3/ 581. وأخرج عبد الرزاق كما في المحلى (5/ 131)، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 276)، والطحاوي في مشكل الآثار (9/ 129)، والطبراني في الكبير (820)، والحاكم (6660)، من طرق عن ابن جريج، أخبرني محمد بن يوسف مولى عمرو بن عثمان، قال: إن عبد الله بن عمرو بن عثمان أخبره، أنه سمع أبا حبة الأنصاري يفتي، بأن: لا بأس بما رمى به الإنسان الجمرة من الحصى، يقول: من عدده، فقال: فجاء عبد الله بن عمرو بن عثمان إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: إن أبا حبة الأنصاري يفتي الناس أن لا بأس بما رمى به الإنسان من حصى الجمرة، يقول من عدده، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: «صدق أبو حبة». زاد الفاكهي: (وأبو حبة رجل من أهل بدر)، وكذا قال الطبراني وابن حزم. وإسناده صحيح ورجاله ثقات.

ص: 318

(فَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ وَاجِبَةٍ مِنَ الْأُولَى؛ لَمْ يَصِحَّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ)؛ لإخلاله بالتَّرتيب المشترَط، فلو كانت غيرَ واجبةٍ؛ لم يؤثِّر.

(فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ الجَمَرَاتِ

(1)

تَرَكَهَا

(2)

؛ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ)؛ ليتيقَّن براءةَ ذمَّته، كما لو شكَّ هل صلَّى ثلاثًا أم أربعًا.

(وَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ)، ومن جملته: رَمْيُ يومِ النَّحْر، (فَرَمَاهُ فِي آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ أَجْزَأَهُ)؛ لأنَّه وقتُ الرَّمْيِ، فإذا أخَّره إلى آخر وقته؛ لَمْ يَلزَمْه شَيءٌ، كما لو أخَّر الوقوف بعرفةَ إلى آخر وقته، لكنَّه تركَ السُّنَّة.

ويكون أداءً؛ لأنَّه وقتٌ واحدٌ، وقِيل: قضاءً.

وحَمَله القاضِي على الفعل

(3)

؛ كقوله

(4)

تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحَجّ: 29].

فلو أخَّر رمْيَ يومٍ إلى الغد؛ رَمَى رميين

(5)

، نَصَّ عليه

(6)

.

(وَيُرَتِّبُهُ بِنِيَّتِهِ)، ومعناه: أن يَنْوِيَ الأوَّلَ فالأوَّلَ؛ لأنَّ الرَّمْيَ في أيَّام التَّشريق عبادات يجب التَّرتيب فيها مع فعلها في أيَّامها، فوجب ترتيبها؛ كالمجموعتَين والفوائت في الصلوات.

(وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)؛ فعليه دمٌ؛ لقول ابن عبَّاسٍ

(7)

، ولأنَّه ترك

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): الجمار.

(2)

قوله: (تركها) سقط من (و).

(3)

أي: إن سمي قضاءً؛ فالمراد به الفعل. ينظر: الشرح الكبير 9/ 245.

(4)

في (أ): لقوله.

(5)

في (ز): يوميين.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 60.

(7)

تقدم تخريجه 4/ 53 حاشية (4).

ص: 319

نُسُكًا واجبًا، كما لو أخَّر الإحرام عن الميقات، ولا يأتي به؛ كالبَيْتوتة بمِنًى.

(أَوْ تَرَكَ المَبِيتَ بِمِنًى فِي لَيَالِيهَا؛ فَعَلَيْهِ دَمٌ)، اختاره الأكثرُ؛ لوجوبه، ولقول ابن عبَّاسٍ: «لَمْ يُرخِّصِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأحدٍ يَبِيتُ بمكَّة إلاَّ العبَّاس؛ من أجل

(1)

سِقايَتِه» رواه ابن ماجَهْ

(2)

.

وعنه: لا يَجِبُ، اختاره أبُو بكْرٍ؛ لقول ابنِ عبَّاسٍ:«إذا رَمَيتَ الجمرة؛ فبِتْ حَيثُ شِئْتَ»

(3)

، ولأنَّه قد حلَّ من حجِّه، فلَمْ يَجِبْ عليه المَبِيتُ بمَوضِعٍ معيَّنٍ.

وعنه: يتصدَّق بشَيءٍ، نقله الجماعةُ

(4)

، قاله القاضِي.

(وَفِي تَرْكِ

(5)

حَصَاةٍ، أَوْ) مَبيتِ (لَيْلَةٍ؛ مَا فِي حَلْقِ شَعْرَةٍ)، على الخلاف.

أما أوَّلاً: فظاهِر نقل الأثرم: يتصدَّق بشَيءٍ، قاله القاضي

(6)

.

وعنه: عَمْدًا.

وعنه: عليه دمٌ، قطع به في «المحرَّر» ، وهو خلاف نقل الجماعة والأصحاب.

وعنه: في ثنتين؛ كثلاثٍ في المنصوص.

وعنه: واحدةٌ هدر. وعنه: وثِنْتانِ.

وأما

(7)

ثانيًا: فذكَر جماعةٌ: أنَّه يَلْزمُه دمٌ. وعنه: كشَعْرةٍ؛ لأنَّها لَيستْ

(1)

في (أ): لأجل.

(2)

أخرجه ابن ماجه (3066)، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، لكن صح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين أخرجه البخاري (1634)، ومسلم (1315).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (14379)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (5/ 195)، عن عكرمة عنه. وإسناده حسن.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2171، مسائل ابن هانئ 1/ 160، مسائل عبد الله ص 238.

(5)

قوله: (ترك) سقط من (ب) و (ز).

(6)

ينظر: الفروع 6/ 60.

(7)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فأما.

ص: 320

نُسُكًا بمفردها، بخلاف مُزْدَلِفةَ، قاله القاضِي. وعنه: لا يَجِبُ شَيءٌ.

(وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَالرِّعَاءِ مَبِيتٌ بِمِنًى)؛ لما رَوَى ابنُ عمرَ: «أنَّ العبَّاسَ اسْتأْذن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يبيتَ بمكَّةَ ليالِيَ مِنًى من أجل سقايته؛ فأذِنَ له» متَّفَقٌ عليه

(1)

، وروى

(2)

عاصمٌ عن أبيه قال: «رخَّص النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لرِعاء الإبل في البَيْتوتة في أن يَرْمُوا يوم النَّحر، ثمَّ يَجمَعوا رمْيَ يومَين بعد يوم النَّحر، يَرمُونه في أحدهما» رواه التِّرمذيُّ، وقال:(حسَنٌ صحيحٌ)

(3)

، ولأنهما

(4)

يَشْتَغِلون باسْتقاء الماء والرَّعي، فرخَّص لهم في ذلك.

فعلَى هذا: لهم الرَّمْيُ بليلٍ أوْ نهارٍ.

فائدةٌ: أهلُ السِّقاية: هم الذين يَسْقُون على زمزم، والرُّعاة

(5)

بضم الرَّاء، وهاءٍ في آخره، وبكسر الرَّاء ممدودًا

(6)

بلا هاءٍ، وهي لغة القرآن.

(فَإِنْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَهُمْ بِمِنًى؛ لَزِمَ الرِّعَاءَ المَبِيتُ

(7)

؛ لأنَّ ترك المبيت بها إنَّما كان للحاجة، فإذا غربت زالت حاجة الرِّعاء؛ لأنَّ وقتَه النَّهارُ، وصار كالمريض الذي سقط عنه حضور الجمعة لمرضه، فإذا حضرها تعيَّنتْ عليه.

(دُونَ أَهْلِ السِّقَايَةِ)؛ لأنَّهم يَسْقُون ليلاً ونهارًا.

فرعٌ: من له مالٌ يَخافُ ضَياعَه، أو موتَ مريضٍ، قال المؤلِّف: وكذا

(1)

أخرجه البخاري (1634)، ومسلم (1315).

(2)

زيد في (و): أبو البداح بن.

(3)

أخرجه أحمد (23775)، وأبو داود (1975)، والترمذي (955)، والنسائي (3069)، وابن ماجه (3037)، وهو حديث صحيح، صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم. ينظر: الإرواء 4/ 280.

(4)

في (د) و (و): لأنهم.

(5)

في (د) و (ز): والرعي.

(6)

في (د) و (و): ممدودة.

(7)

في (د) و (و): بالمبيت.

ص: 321

عُذْرُ خوفٍ أو مرضٍ؛ كالرِّعاء في ترك البيتوتة؛ للمعْنَى.

(وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةً)؛ لما رَوَى أبو داودَ: عن رَجُلَينِ من بني بكرٍ قالا: «رأينا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوْسَط أيَّام التَّشْريق، ونحن عندَ راحلته»

(1)

، (يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا حُكْمَ التَّعْجِيلِ، وَالتَّأْخِيرِ، وَتَوْدِيعِهِمْ)؛ لأنَّ الحاجةَ تدعو إلى ذلك؛ لِيذكِّر العالِمَ، ويعلِّم الجاهلَ، نقل الأثرم: من النَّاس مَنْ يقول: يَزُورُ البيت كلَّ يومٍ من أيَّام مِنًى، ومنهم مَنْ يختار الإقامةَ بمِنًى

(2)

، قال: واحتجَّ أحمدُ بحديث ابن عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُفيضُ كلَّ ليلةٍ»

(3)

.

(فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ)؛ أي: تعجل في اليوم الثَّانِي من أيَّام التَّشْريق، وهو النفر الأوَّل؛ (خَرَجَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ)؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البَقَرَة: 203]، والتَّخْيِيرُ هنا لجواز الأمْرَينِ، وإن كان التأخير أفضلَ.

(1)

أخرجه أحمد (23144)، وأبو داود (1952)، والبيهقي في الكبرى (9680)، من طريق إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن رجلين من بني بكر، ورجاله ثقات، قال الشوكاني:(سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص، ورجاله رجال الصحيح)، وصححه الألباني. ينظر: نيل الأوطار 5/ 99، صحيح أبي داود 6/ 198.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 61.

(3)

أخرجه البخاري معلقًا (2/ 174)، ووصله الطحاوي في مشكل الآثار (1567)، والطبراني في الكبير (12904)، والبيهقي في الكبرى (9651)، من طريق معاذ بن هشام قال: وجدت في كتاب أبي عن قتادة، عن أبي حسان، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى» ، وذكر الخطيب البغدادي أن أحمد أعلَّه بالانقطاع، وقال ابن المديني:(روى قتادة حديثًا غريبًا لا نحفظه عن أحد من أصحاب قتادة إلا من حديث هشام)، وأخرجه ابن أبي شيبة (14284)، وأبو داود في المراسيل (161)، عن ابن طاوس، عن أبيه مرسلاً. وصححه الألباني. ينظر: تاريخ بغداد 6/ 149، الفتح 3/ 567، السلسلة الصحيحة (804).

ص: 322

وظاهِرُه: يَشمَل مريدَ الإقامة بمكَّة وغيرِه، وهو قولُ أكثرِ العلماء.

وعنه: لا يُعْجِبُنِي لِمَنْ نفر الأوَّل أنْ يقيم بمكَّة؛ لقول عُمَرَ

(1)

، وحَمَله في «المغني» على الاِسْتِحْباب؛ محافظة على العموم، فلو عاد؛ فلا يضُرُّ رجوعُه؛ لحصول الرُّخصة.

وليس عليه رَمْيُ اليوم الثَّالث، قاله أحمدُ

(2)

.

ويَدفِنُ بقيَّة الحَصَى في الأشْهَرِ، زاد بعضُهم: في المرمَى.

وفي «منسَك ابن الزَّاغوني» : يَرْمِي بهنَّ؛ كفِعْله في اللَّواتِي قبله.

(فَإِنْ غَرَبَتْ وَهُوَ بِهَا؛ لَزِمَهُ المَبِيتُ والرَّمْيُ مِنَ الْغَدِ)؛ لأنَّ الشَّرع جوَّز التَّعجيل في اليوم، وهو اسمٌ لبياض النَّهار، فإذا غربت الشَّمس؛ خرج من أن يكون في اليوم، فهو مِمَّنْ تأخَّر، وعن نافعٍ، عن ابن عمر أنَّه كان يقول: «من غَرَبَتْ له الشمس من أوسط

(3)

أيَّام التَّشْريق وهو بمنى؛ فلا يَنفِر حتَّى يَرْمِي الجمار من الغد» رواه مالكٌ

(4)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (360)، وأبو عبيد في الغريب (4/ 288)، عن المعرور بن سويد، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من شاء أن ينفر في النفر الأول، فلينفر، إلا بني خزيمة» ، ولفظ أبو عبيد:«إلا بني أسد بن خزيمة» ، وأعلَّ أبو عبيد زيادة «أسد» ، وفي إسناده شريك النخعي وهو ضعيف الحديث، وأعل ابن عيينة الأثر بقوله:(هذا حديث جاء من العراق، ولا يَعرف هذا أهل مكة)، ذكره ابن أبي خيثمة في تاريخه -السفر الثالث (1/ 289).

وأخرجه ابن أبي شيبة (13338)، وأبو عبيد في الغريب (4/ 287)، من طريق أخرى عن المعرور بن سويد بلفظ:«يا آل خزيمة حصبوا ليلة النفر» ، قال أبو عبيد:«يا آل خزيمة! أصبحوا» ، وفي بعض الحديث:«حصبوا» ، وإسناده صحيح.

(2)

ينظر: مسائل صالح 2/ 484.

(3)

زيد في (د) و (ز) و (و): من.

(4)

أخرجه مالك (1/ 401)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9686)، وأخرجه ابن أبي شيبة (12807)، وابن أبي حاتم في التفسير (1900)، من طرق عن نافع. وإسناده صحيح.

ص: 323

ويكون الرمي بعد الزَّوال، نَصَّ عليه

(1)

، وقول الزَّرْكَشِيِّ: إنَّها روايةٌ مرجوحةٌ؛ فيه بُعْدٌ.

وعنه: أو قبله.

وهو النَّفْر الثَّانِي، لكن ليس للإمام المقِيمِ للمناسك

(2)

التَّعجيلُ لأَجْل مَنْ يتأخَّر، قاله الأصحابُ.

فائدةٌ: يُستحَبُّ لِمَنْ نفر أن يأتِيَ المحصَّب -وهو الأبطح وحدُّه: ما بين الجبلين إلَى المقبرة-، فيصلِّي به الظُّهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ، ويَهْجَع يسيرًا، ثمَّ يدخُل مكَّةَ، وكان ابنُ عمر يرى التَّحصيبَ سنَّةً، وقال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمرَ وعثمان ينزلون بالأَبْطَح» ، قال التِّرمذيُّ:(حسَنٌ غريبٌ)

(3)

، ولا خلافَ في عدم وجوبه

(4)

.

(فَإِذَا أَتَى مَكَّةَ؛ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ إِذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أُمُورِهِ)؛ لما روى ابنُ عبَّاسٍ قال: «أُمِرَ الناس أن يكون آخِرُ عَهْدهم بالبيت

(5)

، إلاَّ أنَّه خُفِّف عن المرأة الحائض» متَّفَقٌ عليه

(6)

.

قال القاضِي وأصحابه: إنَّما يستحق عليه

(7)

عند العزم علَى الخروج، وإنَّه لو أراد المقامَ بمكَّة لا وداعَ عليه، سواءٌ نوى الإقامةَ قبل النَّفر أو بعده.

ومن

(8)

منزله في الحرم؛ فهو كالمكِّيِّ.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2156، مسائل صالح 2/ 23.

(2)

في (د) و (و): المناسك.

(3)

أخرجه مسلم (1310)، والترمذي (921).

(4)

ينظر: المغني 3/ 403.

(5)

في (د): البيت.

(6)

أخرجه البخاري (1755)، ومسلم (1328).

(7)

قوله: (عليه) سقط من (أ) و (ب).

(8)

في (أ): من.

ص: 324

وذَكَر في «التَّعليق» ، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(1)

: أنَّ طواف الوداع ليس من الحجِّ، ولا يتعلَّق به فيمَن وطِئَ بعد التَّحلُّل.

ثمَّ يصلِّي ركعتَينِ، ويقبِّل الحَجَرَ، قال في «المستوعب»: كلَّما دَخَلَ.

(فَإِنْ وَدَّعَ، ثُمَّ اشْتَغَلَ فِي تِجَارَةٍ)، قال ابنُ عَقِيلٍ وابن الجَوزيِّ: أو شِراء حاجةٍ بطريقه، (أَوْ أَقَامَ) بعد الوداع لغير شدِّ رحْلٍ، نَصَّ عليه؛ (أَعَادَ الْوَدَاعَ)؛ للخبر السَّابق، قيل له في رواية أبِي داودَ: ودَّع، ثمَّ نَفر يشتري طعامًا يأكله؟ قال:(لا، يقولون حتَّى يجعل الرَّدم وراء ظَهْره)

(2)

.

ونصَّ في رواية أبي طالبٍ: (لا يَلتَفِتُ، فإن التفت؛ ودَّع)

(3)

، قدَّمه في «التَّعليق» وغيره، وحمَله جماعةٌ على النَّدب.

وذكر ابن الزَّاغونِيِّ وابُن عَقِيلٍ: لا يُوطِئُ

(4)

ظهرَه حتَّى يَغِيبَ، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: هذا بِدْعةٌ مكروهة

(5)

.

وَقَطَع في «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه إنْ قَضَى حاجته

(6)

في طريقه، أوِ اشترى زادًا أو شَيئًا لنفسه في طريقه؛ لم يُعِدْه؛ لأنَّ ذلك ليس بإقامةٍ.

(وَمَنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، فَطَافَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ؛ أَجْزَأَهُ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ) في ظاهر المذهب؛ لأنَّه أُمِر أن يكون آخِر عهده بالبيت، وقد فعله، ولأنَّ ما شُرِع كتحيَّة المسجد؛ يُجْزِئُ عنه الواجب من جنسه؛ كتحيَّة المسجد، وركعتي الطَّواف، والإحرام تجزئ

(7)

عنهما المفروضة.

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 6.

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 188، التعليقة 2/ 161.

(3)

ينظر: التعليقة 2/ 161.

(4)

كذا في جميع النسخ، والذي في الفروع 6/ 65، والإنصاف 9/ 267: يولِّي.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 65.

(6)

في (أ): حاجة.

(7)

في (و): يجزئ.

ص: 325

والثَّانية: لا؛ لاِختلافهما، كالصَّلاتين الواجبتين، وكما لو نوى بطوافه الوداع عن طواف الزِّيارة، ويصير حكمُه حكمَ من تركه؛ لأنَّه ركنٌ لا يتمُّ الحجُّ إلاَّ به، فإذا تركه ورجع إلى بلده؛ رجع حرامًا عن النِّساء إن كان قد رمى جمرة العقبة، وإلاَّ فحرامًا عن كلِّ شَيءٍ.

(فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الْوَدَاعِ؛ رَجَعَ إِلَيْهِ) مع إمكانه؛ لقُرب المسافة أو بُعْدها، وليس هناك خوفٌ على نفسٍ ولا مال، ولا فوات رُفقةٍ؛ لأنَّه أمْكَنَه الإتْيانُ بالواجب من غَيرِ مشقَّةٍ تلحَقُه.

فإن رجع القريبُ؛ لم يَلزَمْه إحرامٌ؛ لأنَّه رجع لإتمام نُسُكٍ مأمورٍ به، كرجوعه لطواف الزِّيارة.

والبعيد يُحرِم بعمرةٍ، ويأتِي بها، ثمَّ يطوف لوداعه، ولا يجاوِز الميقاتَ -إنْ كان- إلا محرِمًا؛ لأنَّه ليس من أهل الأعذار، وفي سقوط الدَّم عنه خلافٌ.

(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) الرُّجوعُ؛ (فَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لتركه الواجب في الحجِّ، وظاهره: أنه لا يلزمه الرُّجوع؛ لما فيه من المشقَّة، أشبه ما لو وصل إلى بلده.

(إِلاَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ؛ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا)، ولا فديةَ لذلك في قول عامَّة العلماء؛ للنَّصِّ السَّابق في الحائض، والنُّفساءُ مثلُها فيما يَجِبُ ويَسْقُط.

لكن يسن أن تقف عند باب المسجد، فتدعو، فإن طَهُرَتْ قبل مفارَقة البُنْيان؛ اغْتَسلتْ وودَّعت؛ لأنَّها فِي حكم الإقامة، فإن لَم يُمكِنْها الإقامةُ فمضت

(1)

، أو مضت لغَيرِ عُذْرٍ؛ فعليها دمٌ، وإن كان بعده؛ لَمْ يَلْزَمْها الرُّجوع؛ لخروجها عن حكم الحَضَرِ.

فَرعٌ: إذا ودَّع، ثمَّ أقام بمِنًى ولَمْ يدخل مكَّةَ؛ جاز.

وإن خرج غير حاجٍّ؛ فظاهر كلام الشَّيخ تقيِّ الدِّين: لا يُودِّع.

(1)

في (ب) و (د) و (ز): قضت.

ص: 326

(فَصْلٌ)

يُستحَبُّ دخول البيت، فيكبِّر في نواحيه، ويصلِّي فيه ركعتَين، ويدعو الله تعالى؛ لِفِعْله عليه السلام

(1)

، والحِجْرُ منه، متجرِّدًا من الخُفِّ والنَّعل والسِّلاح، نَصَّ على ذلك

(2)

، والنَّظرُ إليه عبادةٌ، وإذا نُزِعَتْ ثيابُها تُصدِّق بها، قاله أحمدُ

(3)

.

(وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْوَدَاعِ؛ وَقَفَ فِي المُلْتَزَمِ)، وذَرْعه أربعة أذرعٍ، (بَيْنَ الرُّكْنِ)، وهو الحَجَر الأسود، (وَالْبَابِ)؛ أي: باب الكعبة، فيَلْتَزِمه، ويُلصِق به صدْرَه ووجهَه وجميعَه؛ لما روى عمرو بن شُعَيبٍ عن أبيه قال: طُفْتُ مع عبد الله، فلما جاء دُبُر الكعبة قلت: ألا تتعوذ

(4)

؟ قال: «نعوذ بالله من النَّار» ، ثمَّ مَضَى حتَّى استلم الحَجَرَ، فقام بين الرُّكن والباب، فوضع صدْرَه وذراعيه وكفَّيه هكذا، وبسطهما بَسْطًا، وقال:«هكذا رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعلُ» رواه أبو داودَ

(5)

.

وذكر أحمد: أنَّه يأتِي الحَطِيم

(6)

، وهو تحت المِيزاب، فيَدْعو.

وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أنَّه يأتِي زمزمَ

(7)

، فيَشْرَبُ منها، ويستلم الحجَرَ الأسْودَ، وينصرفُ، رواه منصورٌ عن مجاهِدٍ

(8)

.

(1)

أخرجه البخاري (1601)، ومسلم (1330)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2264، الفروع 6/ 65.

(3)

أي: ثياب الكعبة. ينظر: الوقوف والترجل ص 83، المغني 3/ 477.

(4)

في (و): يتعوذ.

(5)

أخرجه أبو داود (1899)، وابن ماجه (2962)، وإسناده ضعيف، فيه المثنى بن الصباح اليماني وهو ضعيف. ينظر: ضعيف سنن أبي داود 2/ 172.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 65.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 65.

(8)

ذكره في المغني بطوله 3/ 407، ولم نقف عليه.

ص: 327

(فَقَالَ

(1)

في التزامه: (اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْتَ لِي مِنْ خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِكَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي) بنعمتك (إِلَى بَيْتِكَ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي؛ فَازْدَدْ عَنِّي

(2)

رِضًا وَإِلاَّ فَمُنَّ الآنَ)، الوجْهُ فيه: ضمُّ الميم، وتشديد النُّون على أنَّه صيغة أمْرٍ مِنْ: منَّ، يمنُّ، ويجوز فيه كسر الميم وفتح النُّون على أنَّها حرفُ جَرٍّ لابتداء الغاية، و (الآن): الوقتُ الحاضِرُ، وهو مبنيٌّ علَى الفتح، (قَبْلَ أَنْ تَنْأَى)، أي

(3)

: تبعد (عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إِنْ أَذِنْتَ لِي، غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلَا بِبَيْتِكَ، وَلَا رَاغِبٍ عَنْكَ، وَلَا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَكَ

(4)

مَا أَبْقَيْتَنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وهكذا في «المحرر» ، وحكاه في «الشَّرح» عن بعض الأصحاب؛ لأنَّه لائِقٌ بالمحلِّ.

(وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ)، وأيُّ شَيءٍ دعا به فحَسَنٌ؛ (وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الدُّعاء لا يُردُّ حَيثُ اقترن بها.

(إِلاَّ أَنَّ المَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؛ لَمْ تَدْخُلِ المَسْجِدَ)؛ لأنَّها ممنوعةٌ من دخوله، (وَوَقَفَتْ عَلَى بَابِهِ، وَدَعَتْ بِذَلِكَ

(5)

أوْ بغيره؛ إذ لا محذورَ في

(6)

ذلك، ولمساواتها الرجل فيه.

(1)

في (أ): وقال.

(2)

في (أ): عني

(3)

في (أ): أن.

(4)

زيد في (ب): أبدًا.

(5)

في (ب) و (ز) و (و): فدعت.

(6)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): من.

ص: 328

(وَإذا

(1)

فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ؛ اسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

(2)

؛ لما رَوَى ابنُ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ زار قبري؛ وَجَبتْ له شفاعَتِي» رواه الدَّارَقُطْنيُّ من طُرُقٍ

(3)

، ورُوِيَ أيضًا عن ابن عمر مرفوعًا: «مَنْ حجَّ فزار قبري بعد

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فإذا.

(2)

قال شيخ الإسلام في الرد على الإخنائي ص 148: (الذي اتفق عليه السلف والخلف، وجاءت به الأحاديث الصحيحة، هو السفر إلى مسجده والصلاة والسلام عليه في مسجده، وطلب الوسيلة له، وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله، فهذا السفر مشروع باتفاق المسلمين سلفهم وخلفهم، وهذا هو مراد العلماء الذين قالوا: إنه يستحبّ السفر إلى زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن مرادهم بالسفر إلى زيارته هو السفر إلى مسجده، وذكروا في مناسك الحج أنه يستحب زيارة قبره).

وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى 5/ 289: (ومن اعتقد في السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين أنه قربة وعبادة وطاعة، فقد خالف الإجماع)، وقال في مجموع الفتاوى 27/ 335:(فإذا حصل الاتفاق على أن السفر إلى القبور ليس بواجب ولا مستحب؛ كان مَنْ فعله على وجه التعبد مبتدعًا مخالفًا للإجماع، والتعبد بالبدعة ليس بمباح).

وقال شيخ الإسلام في الرد على الإخنائي، ص 23: (وأما السفر إلى مجرد زيارة القبور؛ فما رأيت أحدًا من علماء المسلمين قال إنه مستحب، وإنما تنازعوا هل هو منهي عنه أو مباح، وهذا الإجماع والنزاع لم يتناول المعنى الذي أراده العلماء بقولهم: يستحبّ زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد نص الأصحاب في كتاب الجنائز على عدم استحباب شد الرحال إلى القبور، دون استثناء قبر نبي أو غيره، فدل أن مراد الأصحاب هنا: هو السفر إلى مسجد المدينة، أو زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم وقبره معًا.

(3)

أخرجه الدارقطني (2695)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 170)، والبيهقي في الشعب (3862)، من طريق موسى بن هلال العبدي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، ووقع في طرقه اختلاف هل هو عن عبد الله بن عمر المكبر، أو عبيد الله المصغر، ورجح جمع أنه المكبر، قال العقيلي: (ولا يصح حديثه ولا يتابع عليه

والرواية في هذا الباب فيها لين)، وقال البيهقي:(وسواء قال عبيد الله أو عبد الله فهو منكر، عن نافع، عن ابن عمر لم يأت به غيره)، وقال ابن عبد الهادي:(حديث منكر عند أئمة هذا الشأن، ضعيف الإسناد عندهم، لا يقوم بمثله حجة، ولا يعتمد على مثله عند الاحتجاج إلا الضعفاء في هذا العلم)، وكذا قال غيره من أهل العلم. ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 27/ 29، الصارم المنكي ص 21، التلخيص الحبير 2/ 569، الإرواء 4/ 336.

ص: 329

وفاتي؛ كان كَمَنْ زارني في حياتي»، وفي رواية:«وصَحِبَنِي»

(1)

.

فظاهره

(2)

: أنَّه بعد الرُّجوع مطلقًا، لكن نقل أبو طالِبٍ

(3)

: إذا حجَّ الفرض

(4)

لَمْ يَمُرَّ بالمدينة؛ لأنَّه إنْ حَدَثَ به حدث الموت؛ كان في سبيل الحجِّ، وإن كان تطوُّعًا بدأ بالمدينة.

فيسلِّم عليه؛ لما روى أبو داود عن أبي هريرة مرفوعًا: «ما مِنْ أحدٍ يُسلِّم علَيَّ إلاَّ ردَّ الله علَيَّ روحي حتَّى أردَّ عليه السلام»

(5)

.

وظاهره: أنَّ هذه الفضيلة تَحصُل لكلِّ مسلِّمٍ قريبًا كان أو بعيدًا، لكن قال أحمد في رواية عبد الله

(6)

: عن يزيد بن قُسيط

(7)

، عن أبي هريرة مرفوعًا:

(1)

أخرجه الدارقطني (2693)، والطبراني في الأوسط (3376)، والبيهقي في الكبرى (10274)، من طريق حفص بن أبي داود، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعًا، وهو إسناد ضعيف جدًّا، قال البيهقي:(تفرد به حفص وهو ضعيف)، وحفص بن أبي داود هو حفص بن سليمان القارئ الغاضري متروك الحديث مع إمامته في القراءة، وليث بن أبي سليم ضعيف.

وأخرجه الدارقطني من وجه آخر (2694)، من طريق هارون أبي قزعة، عن رجل من آل حاطب، عن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي» ، وإسناده ضعيف لجهالة الرجل بين هارون وحاطب.

وأخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 457)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن حجر:(وفي إسناده فضالة بن سعيد المازني وهو ضعيف). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 568.

(2)

في (د) و (و): وظاهره.

(3)

ينظر: زاد المسافر 3/ 54.

(4)

في (ز): للفرض.

(5)

أخرجه أحمد (10815)، وأبو داود (2041)، من طريق أبي صخر حميد بن زياد، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، صححه ابن السكن، وقال العراقي:(إسناده جيد)، وقال ابن الملقن:(بإسناد على شرط الصحيح)، وحسنه الألباني. ينظر: تحفة المحتاج 2/ 190، صحيح أبي داود 6/ 281.

(6)

ينظر: زاد المسافر 3/ 55.

(7)

في (أ) و (د) و (ز): بسيط. والمثبت موافق لما في المصادر الحديثية، وهو يزيد بن عبد الله بن قسيط.

ص: 330

«ما مِنْ أحدٍ يُسلِّم عليَّ عند قبري

(1)

»

(2)

، فهذه الزيادة

(3)

مقتضاها التخصيص.

وروي عن العُتبي

(4)

قال: كنت جالسًا عند قبر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجاء أعرابِيٌّ فقال: السَّلام عليكَ يا رسول الله، سمعت الله يقول:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النِّسَاء: 64]، وقد جئتك مستغفِرًا من ذنبي

(5)

، مستشْفِعًا بك إلى ربِّي، ثمَّ أنشأ يقول:

يا خَيرَ مَنْ دُفِنتْ بالقاع أعْظُمُه

فطاب من طِيبهنَّ القاعُ والْأَكَمُ

نفْسي الفِداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه

فيه العَفافُ وفيه الجُودُ والكرَمُ

ثمَّ انصرف الأعرابِيُّ فغَلَبَتْنِي عيني، فنمت، فرأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«يا عُتْبِيُّ الْحَق الأعرابِيَّ، وبشِّرْه أنَّ الله قد غَفَرَ له»

(6)

.

(1)

في (و): إلا رد الله عليه روحي عند قبري.

(2)

هذه الرواية أخرجها البيهقي في الشعب (3859)، من طريق محمد بن موسى، حدثنا عبد الملك بن قريب، حدثنا محمد بن مروان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بلفظ:«ما من عبد يسلم عليَّ عند قبري إلا وكَّل الله بها ملكًا يبلغني» ، وهو حديث ضعيف جدًّا، فيه: محمد بن موسى البصري وهو ضعيف جدًّا واتُّهم بالوضع، وفي ذكر هذه الزيادة في رواية ابن قسيط قال ابن عبد الهادي:(هكذا رواه في هذا اللفظ ليس فيه «عند قبري»، وما أضيف إليه من هذه الزيادة فهو على سبيل التفسير منه لا أنه مذكور في روايته). ينظر: الصارم المنكي ص 189، تهذيب التهذيب 9/ 542.

(3)

في (ب) و (ز): الزيارة.

(4)

في (د) و (و): العبتي.

(5)

في (و): ذنوبي.

(6)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين الذين يفتي الناس بأقوالهم، ومن ذكرها لم يذكر عليها دليلاً شرعيًّا، ومعلوم أنه لو كان طلب دعائه وشفاعته واستغفاره عند قبره مشروعًا؛ لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان أعلم بذلك، وأسبق إليه من غيرهم، ولكان أئمة المسلمين يذكرون ذلك، وما أحسن ما قال مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها)، قال:(ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك)، فمثل هذا الإمام كيف يشرع دينًا لم ينقل عن أحد السلف، ويأمر الأمة أن يطلبوا الدعاء والشفاعة والاستغفار -بعد موت الأنبياء والصالحين- منهم عند قبورهم، وهو أمر لم يفعله أحد من سلف الأمة). ينظر: مجموع الفتاوى 1/ 240، الاقتضاء 2/ 289.

ص: 331

ويكون في سلامه مستقبِلاً له، لا للقبلة

(1)

، ثمَّ يستقبلها، ويجعل الحجرة عن يساره ويدعو، وفي «المستوعب» وغيره: أنه يستقبله ويدعو.

وظاهِرُه: قَرُب من الحجرة أو بَعُدَ منها.

ولا يُستحَبُّ تمسُّحه بحائط القبر، نقل أبو الحارث: يدنو منه، ولا يتمسَّح به، يقوم حَذاءه، فيسلِّم؛ لفِعْل ابنِ عمرَ

(2)

.

وعنه: بلَى.

ورخَّص في المنبر؛ لأنَّه كان يرتَقِي عليه

(3)

.

(1)

في (ز): القبلة.

(2)

ينظر: زاد المسافر 3/ 55.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (6724)، وابن أبي شيبة (11793)، وابن سعد في الطبقات (4/ 156)، والقاضي إسماعيل في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (100)، والبيهقي في الكبرى (10271)، عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قدم من سفر؛ أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه» ، وإسناده صحيح.

(3)

ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 244.

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 10/ 410: (وعن أحمد في التمسح بالمنبر روايتان: أشهرهما: أنه مكروه؛ كقول الجمهور، وأما مالك وغيره من العلماء فيكرهون هذه الأمور وإن فعلها ابن عمر؛ فإن أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم لم يفعلها). وقال في الاقتضاء 2/ 244: (وكره مالك التمسح بالمنبر كما كرهوا التمسح بالقبر، فأما اليوم فقد احترق المنبر، وما بقيت الرمانة، وإنما بقي من المنبر خشبة صغيرة، فقد زال ما رخص فيه، لأن الأثر، المنقول عن ابن عمر وغيره، إنما هو التمسح بمقعده).

ص: 332

(وَقَبْرِ

(1)

صَاحِبَيْهِ)؛ أبي بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهما بعد الفراغ من السَّلام على سيِّد البشر، يتقدَّم قليلاً، فيقول: السَّلام عليك يا أبا بكرٍ الصِّدِّيق، السَّلامُ عليك يا عمرُ الفاروق، السَّلام عليكما يا صاحِبَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضجيعَيه، ووزيرَيه، ورحمة الله وبركاته، اللَّهم اجْزِهما عن نبيِّهما، وعن الإسلام خَيْرًا، سلامٌ عليكم بما صبرتم فنِعْم عُقْبى الدَّار، اللَّهم لا تجعلْه آخِرَ العهد من قبر نبيك صلى الله عليه وسلم، ومن مسجدك يا أرحم الرَّاحمين.

أصْلٌ: لا تُرفَعُ الأصواتُ عند حُجْرته عليه السلام، كما لا تُرفَعُ فوق صوته؛ لأنَّه في التَّوقير والحرمة كحياته.

وظاهر كلامِ جماعةٍ: أنَّ هذا أَدَبٌ مستحَبٌّ، وليس بواجبٍ، خلافًا لبعض العلماء.

(1)

قوله: (وقبر) هو في (أ): وزيارة قبر. وكذا هي في الأصل لكن عليه إشارة نسخة.

ص: 333

(فَصْلٌ فِي صِفَةِ العُمْرَةِ)

(مَنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ؛ خَرَجَ إِلَى الْحِلِّ فَأَحْرَمَ مِنْهُ)، وكان ميقاتًا له، بغير خلافٍ نعلمه

(1)

، ولا فرق فيه بين المكِّيِّ وغيره.

وعن أحمدَ: أنَّ المكِّيَّ كلَّما تباعَد فيها؛ فهو أعْظَمُ للأجر.

(وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ التَّنْعِيمِ)؛ لأنَّه «عليه السلام أمَرَ عبدَ الرَّحمن أن يُعْمِرَ عائشةَ منه»

(2)

، قال ابنُ سِيرينَ: «بلغني أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّت لأهل مكة

(3)

التَّنعيم»

(4)

، وهو أدنى

(5)

الحل، ولأنَّه يَجِبُ الجَمْعُ في النُّسُك بين الحِلِّ والحَرَم، وأفعال العمرة كلُّها في الحرم، فلم يكن بُدٌّ من الجمع بينهما، بخلاف الحجِّ؛ لاِفْتِقاره إلى الوقوف بعرفةَ، وهي من الحلِّ.

ثمَّ الجِعرَانة، ثمَّ الحديبية

(6)

.

(فَإِنْ أَحْرَمَ) بها (مِنَ الْحَرَمِ؛ لَمْ يَجُزْ)؛ لمخالفة أمره عليه السلام

(7)

، (وَيَنْعَقِدُ) إحرامُه، كما لَوْ أحرم بعد أن جاوز الميقاتَ، (وَعَلَيْهِ دَمٌ)؛ لتركه الواجبَ،

(1)

ينظر: المغني 3/ 246.

(2)

أخرجه البخاري (1518)، ومسلم (1211).

(3)

قوله: (مكة) سقط من (د).

(4)

أخرجه أبو داود في المراسيل (135)، والفاكهي في أخبار مكة (2825)، عن ابن سيرين مرسلاً، قال أبو داود: قال سفيان: (هذا لا يكاد يعرف) يعني حديث التنعيم، ووصله العقيلي في الضعفاء (4/ 110)، من طريق محمد بن عمرو الأنصاري، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس قال:«وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة التنعيم» ، ومحمد بن عمرو الأنصاري ضعيف.

(5)

في (د) و (و): أنَّ.

(6)

قوله: (والأفضل أن يحرم من التنعيم

) إلى هنا سقط من (ب)(ز).

(7)

كما في حديث عائشة رضي الله عنه الذي سبق تخريجه في الحاشية (2).

ص: 334

فلو خرج إلى الحِلِّ قبل الطَّواف، ثمَّ عاد أجزأه؛ لأنَّه قد جمع بين الحِلِّ والحرَم، وعمرتُه صحيحةٌ وإن لم يَخرُجْ؛ لأنَّه قد أتى بأركانها، وإنَّما أخلَّ بالإحرام من ميقاتها، وقد جبَره.

(ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَقَدْ

(1)

حَلَّ)؛ لأنَّ العمرة أحدُ النُّسُكَين، فيَحِلُّ بفعل ما ذكر؛ كحلِّه من الحجِّ بأفعاله.

(وَهَلْ يَحِلُّ) منها بالطَّواف والسَّعي (قَبْلَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْن)، أصلهما: هل الحلاق أو التَّقصير نُسُكٌ في العمرة كالحجِّ أمْ لَا؟ فيه روايتان.

فإن قلنا: هو نُسُكٌ؛ لم يَحِلَّ قبله كالطَّواف، وإن قلنا: ليس بنسك، وإنَّما هو إطلاقٌ من محظورٍ؛ حلَّ قبله كالطِّيب.

(1)

في (ب) و (ز): ثم قد.

ص: 335

(فَصْلٌ)

لا يُكرَه الاِعْتِمَارُ في السنة أكْثَرَ من مرَّةٍ.

ويُكْرَهُ الإكْثارُ والموالاةُ بينها

(1)

باتفاق السَّلف

(2)

، قال أحمد: إن شاء كلَّ شهرٍ

(3)

، وقال: لا بُدَّ يَحلِقُ أو يقصِّر، وفي عشرةِ أيَّامٍ يمكن

(4)

(5)

، واستحبَّه جماعةٌ.

ويُستحَبُّ تكرارها في رمضانَ؛ لأنَّها تعدِلُ حجَّةً.

وكَرِهَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين الخروجَ من مكَّةَ لعمرة

(6)

تطوُّعٍ، وإنَّه بدعةٌ لم يَفعلْه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولا صَحَابِيٌّ علَى عهده، سِوَى عائشةَ، لا في رمضانَ ولا في غَيرِه اتِّفاقًا

(7)

، وفيه نَظَرٌ.

(وَتُجْزِئُ عُمْرَةُ الْقَارِنِ، وَالْعُمْرَةُ مِنَ التَّنْعِيمِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ).

أمَّا عمرة المتمتِّع؛ فتجزئ

(8)

عنها بغير خلافٍ نعلمُه

(9)

.

وأمَّا عمرة القارِن، وهو الذي جمع الحجَّ والعمرةَ، أو أحرم بالعمرة ثمَّ أدخل عليها الحجَّ: لا تجزئ عن عمرة الإسلام في روايةٍ اختارها أبو بكرٍ؛

(1)

في (ز): بينهما.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 270.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 180.

(4)

في (ب) و (ز): ممكن.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 147.

(6)

في (و): لعمرته.

(7)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 103 - 248.

(8)

في (و): فيجزئ.

(9)

ينظر: المغني 3/ 219.

ص: 336

لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البَقَرَة: 196]، وإتْمامُهما: الإتيانُ بأفعالهما على وجه الكمال، ولم يوجَدْ، ولأِمْره عليه السلام عائشةَ أن تعتمِر من التَّنعيم

(1)

، ولو كانت عمرتُها في قِرانها أجْزأَتْها؛ لما أعْمَرَها بعدَها، ولأِنَّها لَيْستْ كاملة؛ إذْ لا طوافَ فيها.

والثَّانيةُ، وهي الأصحُّ: أنَّها تُجزئُ عنها؛ لقوله عليه السلام لعائشةَ لَمَّا قَرَنَتْ وطافَتْ: «قد حَلَلْتِ من حجَّتكِ وعمرتكِ» رواه مسلمٌ

(2)

، ولأنَّ الواجبَ عمرةٌ واحدةٌ، وقد أتَى بها صحيحةً، فأجزأَتْ؛ كعمرة المتمتِّع، ولأن عمرةَ القارِن أحدُ النُّسُكَينِ للقارِنِ، فأجْزأَتْ كالحجِّ.

وأمَّا عُمرةُ عائشةَ من التَّنعيم؛ فإنما

(3)

كانت لتَطْيِيبِ قلبها، وإجابةِ مسألتها، ولو كانت واجبةً؛ لأمَرَها هو بها قبل سؤالها.

والأصحُّ: أنَّ العمرةَ المفردةَ من التنعيم تجزئ عن عمرة الإسلام؛ لحديث عائشةَ، ولأنَّ الحجَّ يُجزِئُ من مكَّة، فالعمرة

(4)

من أدْنَى الحِلِّ في حقِّ المفرِد أولى.

والثَّانية: لا؛ لأِنَّه «عليه السلام أحْرَم في عمرة القضاء من ذي الحُليفة» ، ورُوِيَ:«من الجِعِرَانَةِ»

(5)

، وصحَّحه صاحب «النِّهاية» في غير سنةِ القضاء.

وجوابه: أنَّه مرَّ بها، أو لأن القضاء يَحْكِي الأداءَ.

(1)

أخرجه البخاري (1518)، ومسلم (1211).

(2)

أخرجه مسلم (1211).

(3)

في (د) و (و): فإنها.

(4)

في (د) و (ز) و (و): بالعمرة.

(5)

أما حديث عمرة القضاء وإحرامه من ذي الحليفة: فأخرجه البخاري (1694)، وأما القول بأنه أحرم من الجعرانة فهو غلط، قال ابن حجر:(وهو غلط واضح؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في عمرة القضاء من الجعرانة)، وكذا قال غيره. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 504.

ص: 337

(فَصْلٌ)

(أَرْكَانُ الْحَجِّ):

(الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ)؛ لما رُوِيَ أنَّ رجلاً قال: أتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعرفةَ، فجاءه نفرٌ من أهل نَجْدٍ، فقالوا: يا رسولَ الله كَيفَ الحجُّ؟ قال: «الحجُّ عَرَفَةُ، فمَنْ جاء قبْلَ صلاة الفجر؛ فقد تمَّ حجُّه» رواه أبو داودَ وابن ماجَهْ، قال محمد بن يحيى: ما أرَى للثَّوريِّ حديثًا أشْرَفَ منه

(1)

.

(وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ)؛ لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحَجّ: 29]، ولما رَوَتْ عائشةُ في شأن صَفِيَّةَ

(2)

، وأنَّ الطَّوافَ حابِسٌ لمن

(3)

لَمْ يأْتِ به، ولو تركه رجع معتمِرًا، نقله الجماعةُ

(4)

.

(وَعَنْهُ: أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ):

(الْوُقُوفُ، وَالطَّوَافُ)، وقد تقدَّما.

(وَالْإِحْرَامُ)؛ لحديث الأعمال

(5)

، ولأنه

(6)

عبارةٌ عن نيَّة الدُّخول في الحجِّ، فلَمْ يَتِمَّ إلاَّ به، كنِيَّة الصَّلاة.

واختلفت الرواية فيه: هل هو رُكْنٌ، وجزم به في «الوجيز» و «المحرر»

(7)

، أو شَرْطٌ قال ابن المنجَّى: لا نَعرِفُ أحدًا من الأصحاب قال به.

(1)

سبق تخريجه 4/ 58 حاشية (1).

(2)

أخرجه البخاري (4401)، ومسلم (1211).

(3)

في (د) و (و): لو.

(4)

ينظر: التعليقة 2/ 158، الفروع 6/ 68.

(5)

أي: حديث: «إنما الأعمال بالنيات» ، أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).

(6)

في (أ): وأنه.

(7)

قوله: (والمحرر) سقط من (أ).

ص: 338

وفي كلام جماعةٍ ما ظاهره روايةٌ: بجواز تَرْكه، وفي «الإرشاد»: سُنَّةٌ، وفيه بُعْدٌ.

(وَالسَّعْيُ)، هذا هو المشهور؛ لقوله عليه السلام في حديث حبيبة

(1)

بنت أبي تجراة، أحد نساء بَنِي عبد الدَّار:«اسْعَوْا، فإنَّ الله كتب عليكم السَّعْيَ» رواه أحمدُ

(2)

، ولأنَّه نُسُكٌ في الحجِّ والعُمْرةِ، فكان رُكْنًا فيهمَا كالطَّواف.

(وَعَنْهُ: أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ، وَأَنَّ السَّعْيَ سُنَّةٌ)، رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ وابنِ الزُّبَير

(3)

؛ لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البَقَرَة: 158]، ونَفْيُ الحرج عن فاعله؛ دليلُ عدم وجوبه، وفي مُصحَف أُبَيٍّ وابنِ مسعودٍ:«فلا جناح عليه ألاَّ يطوف بهما»

(4)

، وهذا وإن لَمْ يكن قرآنًا، فلا يَنحَطُّ عن رتبة الخبر،

(1)

في (أ): حنيفة.

(2)

أخرجه أحمد (27367)، والدارقطني (2584)، وفي إسناده عبد الله بن المؤمل، وهو ضعيف، لكن له طريق أخرى عند ابن خزيمة (2764)، وعند الدارقطني (2582)، من وجه آخر صححه ابن عبد الهادي، وحسن الحديث بمجموع طرقه النووي، وقواه ابن حجر، وصححه الألباني. ينظر: المجموع 8/ 78، تنقيح التحقيق 3/ 513، الفتح 3/ 498، الإرواء 4/ 268.

(3)

أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (14206)، عن عطاء، عن ابن عباس قال:«إن شاء سعى بين الصفا والمروة، وإن شاء لم يسع» ، وإسناده صحيح.

وأثر ابن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه الطبري في التفسير (2/ 724)، وابن حزم في المحلى (5/ 86)، عن عطاء، عن عبد الله بن الزبير، قال «هما تطوع» ، وإسناده صحيح.

(4)

مصحف أُبي رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (ص 165)، عن حماد قال: وجدت في مصحف أُبَيٍّ: {فلا جناح عليه ألا يطوف بهما} ، وهذا منقطع، حماد بن سلمة لم يدرك أبي بن كعب رضي الله عنه.

وأخرج أبو يوسف في الآثار (552)، عن أبي حنيفة، عن عطاء بن أبي رباح وميمون بن مهران، فيمن طاف بين الصفا والمروة ولم يرمل، قال:«فأجمعا أن ليس عليه شيء» ، وقرأ على ميمون في قراءة أُبَي رضي الله عنه:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ، إلى قوله:{ألا يطوف بهما} »، وهو صحيح إلى ميمون، ويتقوى بما قبله.

ومصحف ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الطبري في التفسير (2/ 722)، عن ابن جريج، قال: قال عطاء: لو أن حاجًّا أفاض بعدما رمى جمرة العقبة، فطاف بالبيت ولم يسع، فأصابها - يعني امرأته - لم يكن عليه شيء، لا حج ولا عمرة؛ من أجل قول الله في مصحف ابن مسعود:(فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ألا يطوف بهما)، وإسناده صحيح.

ص: 339

ولأنَّه نُسُكٌ ذو عدد لا يتعلَّق بالبيت، فلم يكن رُكْنًا كالرَّمْي.

(وَاخْتَارَ الْقَاضِي: أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ)، هذا رواية، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّها من أفعال الحجِّ، فكان واجبًا كطواف الوداع، فعلَى هذا: إنْ تَرَكَه أجبره بدمٍ، وهو قول الحسَن والثَّوريِّ.

قال في «المغني» : قولُ القاضِي أقربُ إلَى الحقِّ إنْ شاء الله تعالَى، وفي «الشَّرح»: وهو أَوْلَى؛ لأنَّ دليلَ مَنْ أوجبه دلَّ على مُطْلَق الوجوب، لا علَى أنَّه لا يَتِمُّ الحجُّ إلاَّ به، وحديث حبيبة

(1)

يَرْوِيهِ عبدُ الله بن المؤمل، وفيه كلامٌ، ثمَّ هو يدُلُّ على أنَّه مكتوبٌ، والواجب كذلك، والآيةُ نزلت؛ لأنَّ ناسًا تحرجوا من السَّعْيِ لأجل صنَمَينِ كانا بين الصَّفا والمروة، كذلك قالتْه عائشةُ

(2)

.

(وَوَاجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ):

(الْإِحْرَامُ مِنَ المِيقَاتِ) المعتَبَر له؛ لأنَّه عليه السلام ذَكَرَ المواقِيتَ، وقال: «هن

(3)

لَهنَّ، ولِمَنْ مرَّ عليهنَّ»

(4)

.

(وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إِلَى اللَّيْلِ)؛ لأنه مَنْ أدركها نَهارًا يجب عليه أن يَجمَعَ بين جزءٍ من النَّهار وجزء من اللَّيل، ولو غلبه نوم بعرَفَةَ، نقله المرُّوذِيُّ

(5)

.

(وَالمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ) على الأصحِّ، (إِلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ)؛ لأنَّ مَنْ أدْرَكَ

(1)

في (أ): حنيفة.

(2)

أخرجه البخاري (1643)، ومسلم (1277).

(3)

في (و): هو.

(4)

أخرجه البخاري (1524)، ومسلم (1181).

(5)

ينظر: التعليقة 2/ 109، الفروع 6/ 69.

ص: 340

مزدَلِفةَ أوَّلَ اللَّيل يَجِبُ عليه المبِيتُ بها مُعظَم الليلة.

(وَالمَبِيتُ بِمِنًى)؛ لفِعْله وأمْرِه عليه السلام

(1)

، وفي «الواضح»: في مَبِيتٍ بمزدَلِفةَ ومِنًى ولا عُذْر؛ إلَى بعْدِ نِصْف اللَّيل.

(وَالرَّمْيُ وَالْحِلَاقُ)، على ما تقدَّم.

(وَطَوَافُ الْوَدَاعِ) في الأصحِّ، وهو الصَّدر؛ لقوله عليه السلام:«لا يَنفِرنَّ أحدُكم حتَّى يكونَ آخِرُ عَهْدِه بالبيت» رواه مسلمٌ

(2)

.

وظاهِرُه: ولو لم يكن بمكَّة، قال الآجُرِّيُّ: يطوفه

(3)

متى أراد الخروج من مكَّة أو مِنًى أو من نَفْر آخر

(4)

.

قال في «المستوعب» : لا يجب على غير الحاج

(5)

.

وكذا

(6)

التَّرتيب واجبٌ على الأصحِّ.

(وَمَا عَدَا هَذَا؛ سُنَنٌ)؛ كالاِغتسال، وطواف القدوم، والدفع

(7)

مع الإمام، وفيهما روايةٌ، والمبيت بمِنًى ليلة عرفةَ، قطع به الأكثر؛ لأنَّها

(1)

فعله مشهور، ومنه ما أخرجه أحمد (24592)، وأبو داود (1973)، وابن حبان (3868)، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:«أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة» ، صححه ابن حبان وابن الملقن والألباني.

وأما أمره: فمن رخصته للعباس كما أخرج البخاري (1634)، ومسلم (1315)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما:«أن العباس بن عبد المطلب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى، من أجل سقايته، فأذن له» . ينظر: البدر المنير 6/ 273، صحيح أبي داود 6/ 213.

(2)

أخرجه مسلم (1327)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

في (د) و (و): يطوف.

(4)

قوله: (أو من نفر آخر) سقط من (و).

(5)

قوله: (وظاهره ولو لم يكن بمكة

) إلى هنا سقط من (ز).

(6)

في (د): كذا.

(7)

في (و): الرفع.

ص: 341

استراحةٌ، وفي «الرِّعاية»: واجِبٌ.

وفي «عيون المسائل» : يَجِب الرَّمَل والاِضطباع. ونقل حنبلٌ: إذا نسِيَ الرَّمَل؛ فلا شَيءَ عليه

(1)

، وقاله الخِرَقِيُّ وغيرُه.

واسْتِلام الرُّكْنَينِ، وتقبيل الحجر، والأذكار والأدعية، والصُّعود على الصَّفا والمروةِ.

(وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ):

(الطَّوَافُ)؛ كالحجِّ.

(وَفِي الْإِحْرَامِ) بها، وإحرامها من ميقاتها، (وَالسَّعْيِ؛ رِوَايَتَانِ)، جزم في «المحرَّر» و «الوجيز»: بأنَّ الإحرام بها ركنٌ، وفي «الفصول»: السَّعْيُ فيها رُكْنٌ، بخلاف الحجِّ؛ لأنَّها أحَدُ النُّسكَينِ فلا يَتِمُّ إلاَّ بركنين كالحج

(2)

.

(وَواجِبُها

(3)

: الحِلاقُ فِي

(4)

إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، بناءً على الخلاف في الحجِّ.

وسُنَنُها: الغسلُ، والذِّكْرُ، والدُّعاءُ.

(فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا)، أو النِّيَّة؛ (لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ)؛ أيْ: لم يصِحَّ نسكه

(5)

.

(وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا) ولو سهْوًا؛ (فَعَلَيْهِ دَمٌ)، فإن عدمه؛ فكصوم المتعة والإطعام عنه.

وفي «الخلاف» وغيره: الحلاق والتَّقصير لا ينوب عنه، ولا يتحلَّل إلاَّ به علَى الأصحِّ.

(1)

ينظر: التعليقة 2/ 14، الفروع 6/ 71.

(2)

قوله: (كالحج) سقط من (أ).

(3)

في (ب) و (د) و (و): وواجباتها.

(4)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): على.

(5)

زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): إلا به.

ص: 342

(وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ أي: هدْرٌ؛ لأنَّها ليست واجبةً، فلم يجب جَبْرها؛ كسُنَن سائر العبادات، قاله في «الشَّرح» .

وذكر في «الفصول» وغيره: ولم يشرع الدَّم عنها؛ لأنَّ جبران الصَّلاة أدخل، فيتعدَّى إلى صلاته من صلاة غيره.

ص: 343

(فصلٌ)

يُعتبر في أمير الحاجِّ: كونه مطاعًا، ذا رأْيٍ وشجاعةٍ وهدايةٍ، وعليه جمعهم وترتيبهم، وحراستهم في المسير والنُّزول، والرفق بهم، والنُّصح لهم، ويلزمهم طاعته في ذلك.

ويُصلِح بين الخصْمَينِ، ولا يَحكُمُ إلاَّ أن يفوَّض إليه، فيُعتَبَرُ كونُه من أهله.

وقال الآجُرِّيُّ: يلزمه علم خُطَب الحجِّ، والعمل بها.

وقال الشيخ تقي الدين: (من جرد معهم، وجمع

(1)

له من المُقْطِعِينَ ما يُعِينُه على كُلْفة الطَّريق؛ أبيح له، ولا ينقُص أجرُه، وله أجْرُ الجهاد والحجِّ، وهذا كأخذ بعض الإقْطاع ليَصْرِفَه في المصالح، وليس في

(2)

هذا خلاف، ويَلزم المعطيَ بذلُ ما أُمِر به، وشَهْرُ السلاح عند تبوك بِدْعةٌ)

(3)

.

وليس من تمام الحجِّ ضَرْب الجمَّالين، خلافًا للأعمش، وحَمَلَه ابنُ حزْمٍ على الفسقة

(4)

.

(1)

في (و): وجعل.

(2)

قوله: (في) سقط من (و)

(3)

ينظر: الفروع 6/ 74، الاختيارات ص 177.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 74. قال في المقاصد الحسنة ص 676: (يعني إن ساغ له ذلك بنفسه، وإلا أعلم الأمير ونحوه، وعلى كل حال فهو من نوادر الأعمش)، ثم ذكره عن صاحب الفروع.

ص: 344

(بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ)

الفَوَاتُ: مَصْدرُ فات يَفُوت فوتًا، وفَواتًا، إذا سُبَقَ ولَمْ يدرك

(1)

.

والإحصارُ: مصدرُ أحْصَره، مرضًا كان أو عدوًّا، وحصره أيضًا، حكاهما جماعةٌ من أهل اللُّغة

(2)

.

وأصلُ الحصر: المنعُ، يقال: حصره، فهو محصورٌ، وأحْصَرَه المرضُ، فهو محصَرٌ، قال بعضهم: هو المشهور.

(وَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ)، لعذْر حصْرٍ أوْ غيرِه؛ (فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ)، لا خلافَ أنَّ آخِرَ وقت الوقوف آخِرُ ليلة النَّحر، وأنَّ الحجَّ يفوت بفواته

(3)

؛ لقَولِ جابِرٍ: «لا يفوت الحجُّ حتَّى

(4)

يَطْلُع الفجر من ليلة جَمْعٍ»، قال أبو الزُّبَير: فقلت له: أقال

(5)

رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: «نَعَمْ» ، رواه الأثرم

(6)

.

(وَيَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ)، صحَّحه في «الشرح» ، زاد

(7)

: وحَلْقٍ، وهو

(1)

في (ز): ولم يذكر.

(2)

ينظر: جمهرة اللغة 1/ 514، المطلع ص 241.

(3)

ينظر: المغني 3/ 454.

(4)

في (أ): إلا حتى.

(5)

في (أ): أفتاك.

(6)

أخرجه البيهقي في الكبرى (9817)، من طريق ابن وهب، أخبرني ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال ذلك، وأخرج البيهقي قبله (9816)، من طريق ابن وهب، أخبرني ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال:«لا يفوت الحج حتى ينفجر الفجر من ليلة جمع، قال: قلت لعطاء: أبلغك ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عطاء: نعم» ، قال الألباني:(وهذا سند صحيح إن كان ابن جريج سمعه من أبي الزبير، فإنه مدلس، ومثله أبو الزبير أيضًا، لكنه قد سمعه من جابر بدليل رواية الأثرم). ينظر: الإرواء 4/ 258.

(7)

في (ب) و (ز): وزاد.

ص: 345

قول جماعةٍ من الصَّحابة

(1)

، واختاره ابنُ حامِدٍ.

وظاهره: أنَّه ليس عمرةً؛ لأنَّ إحرامَه انعقد بأَحَدِ النُّسُكينِ، فلَمْ يَنقَلِب إلَى الآخَر، كما لو أحرم بالعمرة.

وحَكَى ابنُ أبِي موسى روايةً: أنَّه يَمْضِي في حجٍّ فاسدٍ، ويَقضِيه، فيَلزَمه جميعُ أفعال الحجِّ؛ لأنَّ سقوط ما فات وقتُه لا يَمنَع وجوبَ ما لم يَفُتْ.

(1)

قال في الشرح الكبير 9/ 300: (روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنه، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن الزبير رضي الله عنهم، أثر عمر رضي الله عنه سيأتي قريبًا 4/ 347 حاشية (1). وأثر زيد بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (13684)، عن الأسود بن يزيد، عن عمر وزيد قالا في الرجل يفوته الحج:«يحل بعمرة، وعليه الحج من قابل» ، وأخرجه البيهقي في الكبرى (9823)، عن الأسود مطولاً.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الشافعي في الأم (2/ 181)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (9820)، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه قال:«من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف بحيال عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج، فليأت البيت فليطف به سبعًا، وليطف بين الصفا والمروة سبعًا، ثم ليحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإن أدركه الحج قابلاً؛ فليحجج إن استطاع، وليهد في حجه، فإن لم يجد هديًا؛ فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله» ، وإسناده صحيح، وصححه الحافظ في الدراية 2/ 47.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه النجاد فيما ذكره في التعليقة (2/ 256)، بإسناده عن عطاء، عن ابن عباس فيمن فاته الحج قال:«يحل بعمرة، وليس عليه الحج» ، وعلقه ابن المنذر في الإشراف 3/ 388، ولم نقف عليه موقوفًا. وأخرجه الدارقطني (2519)، عن ابن عباس مرفوعًا، وإسناده ضعيف، فيه يحيى بن عيسى النهشلي ومحمد بن أبي ليلى وهما ضعيفان.

وأثر ابن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه مالك (1/ 362)، والشافعي في الأم (2/ 178)، وابن أبي شيبة (13077)، والبيهقي في الكبرى (10096)، عن سليمان بن يسار أن سعيد بن حزابة المخزومي صُرِع ببعض طريق مكة وهو محرم، فسأل من يلي الماء الذي كان عليه، فوجد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم، فذكر لهم الذي عرض له، فكلهم أمره أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدي، فإذا صح اعتمر، فحلَّ من إحرامه، ثم عليه حج قابل، ويهدي ما استيسر من الهد ي. وإسناده صحيح.

ص: 346

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَنْقَلِبُ إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ)، قدَّمه في «الفروع» ، واختاره الأكثرُ، وهو المذهب؛ لقول عمرَ لأبِي أيُّوب لمَّا فاته الحجُّ:«اصْنَعْ ما يَصنَع المعتمِرُ، ثمَّ قد حلَلْتَ فإنْ أدْركْتَ الحجَّ قابِلاً فحُجَّ، وأهْدِ ما اسْتَيْسَر من الهَدْي» رواه الشَّافعيُّ

(1)

، وروى النجاد بإسناده عن عَطاءٍ مرفوعًا نحوَه

(2)

، ولأنَّه يجوز فسخ الحجِّ إلى العمرة من غير فواتٍ، فمعه أَوْلَى.

وهذا إن لَمْ يختر البقاءَ على إحرامه ليَحُجَّ مِنْ قابِلٍ.

(1)

أخرجه مالك (1/ 383)، ومن طريقه الشافعي في الأم (2/ 181)، والبيهقي في الكبرى (9821)، عن سليمان بن يسار أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجًّا، وذكره. أعله البيهقي بالانقطاع، قال الحافظ في التلخيص 2/ 607:(إسناده ثقات لكن صورته منقطع؛ لأن سليمان وإن أدرك أبا أيوب، لكنه لم يدرك زمن القصة ولم ينقل أن أبا أيوب أخبره بها، لكنه على مذهب ابن عبد البر موصول)، وقال الألباني في الإرواء 4/ 344 عن إعلال البيهقي:(وفيه نظر، فإنه أدركه وكان عمره حين وفاة أبي أيوب نحو ست عشر سنة).

(2)

أخرجه الدارقطني (2519)، من طريق يحيى بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:«من أدرك عرفات فوقف بها والمزدلفة فقد تمَّ حجه، ومن فاته عرفات فقد فاته الحج؛ فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل» .

وأخرجه الدارقطني (2518)، من طريق رحمة بن مصعب، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء ونافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل» ، وهما حديثان ضعيفان، كلاهما مدارهما على ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ، وفي الأول: يحيى بن عيسى الرملي صدوق له أوهام، والثاني فيه: رحمة بن مصعب، قال ابن معين:(ليس بشيء)، وضعفه الدارقطني، وقال ابن عبد الهادي:(والأشبه في هذين الحديثين الوقف)، وضعفه مرفوعًا أيضًا ابن الجوزي وابن حجر.

وأخرجه ابن أبي شيبة (13685)، من طريق علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:«من لم يدرك فعليه دم ويجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل» ، وهو مرسل وفيه ابن أبي ليلى، وقد سبقت حاله، وقوَّاه ابن تيمية بغيره من أقوال الصحابة. ينظر: التحقيق 2/ 157، شرح العمدة 2/ 659، تنقيح التحقيق 3/ 552، التلخيص الحبير 2/ 606.

ص: 347

وظاهره: أنَّ القارِنَ وغيرَه سواءٌ؛ لأنَّ عمرته لا يلزمه أفعالُها، ولا تُجزِئُه عن عمرة الإسلام في المنصوص

(1)

؛ لوجوبها كمنذورةٍ.

وعنه: لا يَنقلِب، ويتحلَّلُ بعمرةٍ، جزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وذكر القاضِي: أنَّه اختيارُ ابنُ حامِدٍ.

فيُدخِلُ إحرامَ الحجِّ على الأَوَّلة فقط، وقال أبو الخطَّاب: وعلَى الثَّانية يُدخِل إحرامَ العمرة ويصيرُ قارِنًا.

(وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) إذا كان نفلاً؛ لأنَّ الأحاديثَ الواردة دالَّةٌ على أنَّ الحجَّ مرَّةً واحدةً، فلو وجب قضاء النَّافلة؛ كان الحجُّ أكثر من مرَّةٍ، ولأنَّها تطوُّعٌ، فلم يلزمه قضاؤها؛ كسائر التَّطوُّعات.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا)، فيجب قضاؤه بغير خلافٍ

(2)

؛ لأنَّه فرضٌ، ولم يأت به على وجهه، فلم يكن بدٌّ من الإتيان به؛ ليخرج عن عهدته، وتسميته قضاء باعتبار الظَّاهر.

(وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ)، اختاره الخِرَقِيُّ، وجزم به في «الوجيز» ، قال في «الفروع»: والمذهب لزوم قضاء النَّفل كالإفساد، وهو قول جماعةٍ من الصَّحابة

(3)

، ولأنَّه يَلزَم بالشُّروع، فيصير كالمنذور، بخلاف غيره من التَّطوُّعات، وأمَّا كون الحجِّ مرَّةً فذاك الواجبُ بأصل الشَّرع.

(وَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

(إِحْدَاهُمَا: عَلَيْهِ هَدْيٌ)، صحَّحها في «الشَّرح» ، وقدَّمها في «المحرَّر» ، وذكر ابن المنجَّى أنَّها المذهب؛ لحديث عَطاءٍ:«من فاته الحجُّ؛ فعليه دمٌ»

(4)

.

(1)

ينظر: زاد المسافر 2/ 532.

(2)

ينظر: مراتب الإجماع ص 46.

(3)

تقدم ذلك 4/ 346 حاشية (1) عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وابن الزبير رضي الله عنهم.

(4)

سبق تخريجه 4/ 347 حاشية (2).

ص: 348

قيل: مع القضاء، وقيل: يلزمه في عامه.

ولكن يلزمه أن (يَذْبَحَهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ إن

(1)

قُلْنَا: عَلَيْهِ قَضَاءٌ)؛ لما رَوَى الأثرم: أنَّ هبَّار بن الأسود حجَّ من الشَّام، فقدِم يوم النَّحر، فقال له عمر:«انطلق إلى البيت فطُفْ به سَبْعًا، وإن كان معك هدْيٌ فانْحَرْه، ثمَّ إذا كان عام قابلٍ فاحجج، فإن وجدت سَعةً فأَهد، فإن لم تَجِد فصُمْ ثلاثة أيَّامٍ في الحجِّ وسبعةٍ إذا رجعْتَ»

(2)

.

فعلى هذا: يذبحه بعد تحلُّله من القضاء؛ كدم التَّمتُّع.

ومحلُّه: ما لم يَشتَرِطْ أوَّلاً، فإن اشْتَرط فلا، جزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» .

(وَإِلاَّ ذَبَحَهُ فِي عَامِهِ) إن

(3)

لم يجب عليه قضاؤه؛ إذْ لا معنى لتأخيره.

وسواءٌ كان ساق هدْيًا أم لا، نَصَّ عليه

(4)

.

والهَدْيُ ما اسْتَيْسر؛ كهدْي المتعة، وفي «الموجز»: بدَنةٌ.

ويُسْتَثْنَى منه: العبدُ، فإنه عاجِزٌ عنه؛ لأنَّه لا مالَ له، فهو كالمعسِر، ويجب الصَّوم، فإن ملَّكه سيِّده هدْيًا، وأذِنَ له في ذَبحه؛ خُرِّج على الخلاف.

والثَّانية: لا هدْيَ عليه؛ لأنَّه لو لزمه ذلك؛ لزمه هدْيان؛ هديٌ للإحصار،

(1)

في (د): بأن.

(2)

أخرجه مالك (1/ 383)، ومن طريقه الشافعي في الأم (2/ 181)، وابن وهب في موطئه (132)، والبيهقي في الكبرى (9822)، عن نافع، عن سليمان بن يسار، أن هبار بن الأسود جاء يوم النحر، وذكره. إسناده صحيح، قال الحافظ في التلخيص 2/ 608:(وصورته منقطع؛ لكن رواه إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن هبار بن الأسود أنه حدثه، فذكره موصولاً)، ورواية ابن طهمان أخرجها البيهقي في المعرفة (10449)، وقال:(فصار حديث هبار موصولاً من جهة موسى بن عقبة، حيث ذكر فيه سماع سليمان بن يسار من هبار).

(3)

في (أ): إذا.

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 166، مسائل ابن منصور 5/ 2216.

ص: 349

وهديٌ للفوات.

وفيه شَيءٌ؛ لأنَّ المحصَر لو كان قارِنًا وحلَّ بما قلنا؛ كان عليه مثل

(1)

ما أهَلَّ به من قابِلٍ، نَصَّ عليه

(2)

.

وفيه وجْهٌ: يُجزئُه ما فعله عن عمرة الإسلام، فلا يلزمه إلاَّ قضاء الحجِّ فقط، ويلزمه هدْيان؛ لقرانه

(3)

وفَواته.

وقيل: يلزمه هدْيٌ ثالثٌ للقضاء، وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّ القضاء لا يَجِبُ له شَيءٌ، وإنَّمَا هو للفوات، بدليل أنَّ الصَّحابة لم يأمروه بأكثرَ من هدْيٍ واحدٍ.

(وَإِنْ أَخْطَأَ النَّاسُ، فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ)؛ كالثَّامن والعاشر؛ (أَجْزَأَهُمْ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لما روى الدَّارَقُطْنيُّ بإسناده عن عبد العزيز ابن عبد الله بن جابِرٍ

(5)

: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يومُ عرفَةَ الذي يُعَرِّف النَّاس فيه»

(6)

.

وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين خلافًا في مذهب أحمدَ، هل هو يوم عَرفَةَ باطنًا؛

(1)

في (أ): فعل.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2404.

(3)

في (د) و (و): أقرانه.

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 240.

(5)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المصادر الحديثية: خالد.

(6)

أخرجه أبو داود في المراسيل (149)، والدارقطني (2443)، والبيهقي في الكبرى (9828)، من طريق السفاح بن مطر، عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد مرفوعًا، والسفاح بن مطر قال ابن حجر عنه:(مقبول)، وقال البيهقي:(هذا مرسل جيد)، وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا:«عرفة يوم يُعرِّف الإمام» ، أخرجه البيهقي في الكبرى (9827)، وهو منقطع؛ لأنه من رواية ابن المنكدر عن عائشة ولم يسمع منها، وله شاهد آخر عند الترمذي (697)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون» ، قال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وحسنه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 2/ 552، السلسلة الصحيحة (224).

ص: 350

بناء على أنَّ الهلال اسمٌ لما يَطلُع في السَّمَاء، أو لما يراه النَّاس ويَعلَمونه؟ والثَّانِي: الصَّواب، ويدلُّ عليه لو أخطؤوا لِغلط في العدد، أو في الطَّريق ونحوه، فوقفوا العاشر؛ لم يجزئهم إجماعًا

(1)

.

وذكر: أنَّ الوقوف مرَّتَين بدعةٌ لم يفعله السَّلف، فلو رآه طائفةٌ قليلة؛ لم ينفردوا بالوقوف، بل الوقوف مع الجمهور.

واختار في «الفروع» : يقف مرَّتَينِ إن وقف بعضَهم، لا سيَّما مَنْ رآه.

(وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ؛ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ)، وفي «الانتصار»: عددٌ يسيرٌ، وفي «التَّعليق»: الواحد والاثنان، وفي «الكافي» و «المحرَّر»: نَفَرٌ، قال ابن قتيبة:(يقال: إنَّ النَّفر ما بين الثَّلاثة إلى العشرة)

(2)

؛ لقول عمرَ لِهَبَّارٍ: «ما حبَسك؟» قال: حَسِبْتُ أنَّ اليومَ يومُ عرفة

(3)

، فلم يَعذُرْه بذلك.

(وَمَنْ أَحْرَمَ، فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى الْحَجِّ؛ ذَبَحَ

(4)

هَدْيًا فِي مَوْضِعِهِ، وَحَلَّ)، بغير خلافٍ نعلمُه

(5)

، وسنده:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البَقَرَة: 196]، قال في «المغني» و «الشَّرح»:(قال الشَّافعيُّ: لا خلافَ بين أهل التَّفسير أنَّ هذه الآيةَ نزلت في حصر الحديبيَة)

(6)

، وعن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ ومَرْوانَ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال في صلح الحديبيَة؛ لمَّا فرغ من قضيَّة الكتاب لأصحابه: «قُومُوا فانْحَروا، ثمَّ احلِقُوا» رواه البخاريُّ

(7)

، ولأنَّ

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 211، 25/ 203، الفروع 6/ 79.

(2)

ينظر: غريب الحديث 1/ 467.

(3)

تقدم تخريجه 4/ 349 حاشية (2).

(4)

في (أ): نحر.

(5)

ينظر: المغني 3/ 326.

(6)

ينظر: الأم 2/ 173.

(7)

أخرجه البخاري (2731).

ص: 351

الحاجة داعيةٌ إلى الحلِّ؛ لما في تركه من المشقَّة العظيمة، وهي منتفيةٌ شرعًا.

ولا فَرْق في الإحصار بين الحجِّ والعمرة، أو بهما، صرَّح به جماعةٌ، منهم صاحب «الشَّرح» ؛ لأنَّ الصَّحابة حلُّوا في الحديبيَة، وكانت عمرةً.

وفي كلامه إشعارٌ: بأنَّه محمولٌ علَى غير العمرة، وصرَّح به في «الإرشاد» و «المبهج» و «الفصول» ؛ لأنَّها لا تفوتُ، وفي بعض النُّسخ:(ولم يكن له طريقٌ إلى الحِلِّ)؛ فلا إشكالَ.

وظاهِرُه: لا فرق بين الحجِّ الصَّحيح والفاسد، ولا قبْلَ الوقوف أو بعده، نَصَّ عليه

(1)

.

وذكر المؤلِّف: بل يكون قبل تحلُّله الأوَّل.

وقد نبَّه على ما يُشتَرَط للتحلل، فمنها: أنْ لا يَجِد طريقًا آخَرَ آمنًا، فإنْ وجده؛ لزِمه سلوكُه وإن بَعُد وخاف الفوات؛ لأنَّه أمْكنه الوصولُ، أشْبَهَ مَنْ لَم يحصره أحدٌ.

ومنها: أن يحصره ظلمًا

(2)

، فيشمل ما إذا أحَاط به العدوُّ من جميع الجوانب، قال في «التلخيص»: وعندي أنه ليس له التَّحلُّل؛ لأنَّه لا يتخلَّص منه، فهو كالمرض.

وشمل الحصرَ العامَّ والخاصَّ، كما لو حُصِر منفرِدًا؛ بأن أخذته اللُّصوص أو حُبِس وحدَه، فلو حبس بحقٍّ يلزمه ويمكنه أداؤه؛ لم يكن له التحلُّل.

وشمِل العدوُّ الكافرَ والمسلمَ.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 81.

(2)

في (د): ظالمًا.

ص: 352

والتَّحلُّل يباح لحاجته في الدَّفع إلى قتال، أو بذل مالٍ كثيرٍ، فإن كان يسيرًا، والعدوُّ مسلمٌ، ففي وجوب البذل وجهان، وقياس المذهب: وجوب بذله؛ كالزِّيادة في ثمن الماء للوضوء، ذكَره في «الشَّرح» .

ومع كفر العدوِّ يُستحَبُّ قتاله إن قَوِيَ المسلمون، وإلاَّ فتركه أَوْلَى.

ومنها: أن يَنحَر هدْيًا في موضعه إن أمكنه، أو ببدله إن عجز عنه، وهو الصِّيام؛ لأنه عليه السلام هكذا فعل، وأمر به أصحابه، فينحره بنيَّة التَّحلُّل به وجوبًا مكانه؛ كالحَلْق يجوز له فقط في الحِلِّ، قاله في «الانتصار» .

وذكر غيره: يجوز له، ولغيره في الحلِّ.

وعنه: ينحره في الحرم، فيواطئ رجلاً على نحره في وقت يتحلَّل فيه، روي

(1)

عن ابن مسعود

(2)

، وحمله في «المغني» على من حَصْرُه خاصٌّ، أمَّا في العامِّ فلا، لأنَّه يُفضي إلى تعذُّر الحلِّ بتعذُّر وصول الهدي إلى محلِّه.

وعنه: لا يجزئه الذَّبح إلاَّ يوم النَّحر؛ لأنَّ هذا وقت ذبحه.

وقيَّدها في «الكافي» : بما

(3)

إذا ساق هدْيًا، وفي «الفروع»: بالمفرِد والقارن.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَجِبُ الحلْقُ، وهو روايةٌ؛ لعدَم ذِكْره في الآية، ولأنَّه مباحٌ ليس بنسكٍ، خارج الحرم؛ لأنَّه من توابع الإحرام كالرَّمي.

وعنه: بلى، اختارها في «التَّعليق» .

وبناهما

(4)

في «الكافي» : على أنَّه نسكٌ أو إطلاقٌ من محظورٍ.

واشْتُرِطت النية هنا دون ما تقدَّم؛ لأنَّ من أتى بأفعال النُّسُك؛ فقد أتى

(1)

في (د) و (و): وروي.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 197 حاشية (5).

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): ما.

(4)

في (د): وبناها.

ص: 353

بما عليه، فيحِلُّ منها بإكمالها، فلم يَحتَجْ إلى نيَّةٍ، بخلاف المحصَر، فإنَّه يريد الخروج من العبادة قبل إتمامها، فافتقر إليها، فإنَّ الذَّبح قد يكون لغير التَّحلُّل، فلم يتخصَّص إلاَّ بقصده، بخلاف الرَّمي.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا)؛ أي

(1)

: لم يكن معه، ولا يقدر عليه؛ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) بالنِّيَّة كالهَدْي، ولأنَّه دمٌ واجِبٌ للإحرام، فكان له بدَلٌ يَنتَقِلُ إليه؛ كدم المتعة، (ثُمَّ حَلَّ)، نقله الجماعةُ

(2)

، فعُلِم أنَّه لا يَحِلُّ إلاَّ بعْدَ الصِّيام، كما لا يَحِلُّ إلاَّ بعد نحر الهدي.

وظاهره: أنَّه لا إطعامَ فيه، وهو المذهب.

وعنه: بلَى.

وقال الآجري: إن عدم الهَدْيَ مكانَه؛ قوَّمه طعامًا، وصام عن كلِّ مدٍّ يومًا.

(وَلَوْ نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ ذَلِكَ)؛ أي: قبل الذَّبح أو الصوم؛ (لَمْ يَحِلَّ)، وهو باقٍ على إحرامه حتَّى يفعل أحدَهما؛ لأنَّهما أُقيما مقام أفعالِ الحجِّ، فلم يَحِلَّ قبلهما؛ كما لا يتحلَّل القادِرُ عليها قبلها، ويلزمه دمٌ لتحلُّله.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : لا؛ لعدم تأثيره في العبادة، لكنْ إن فعل شيئًا من المحظورات؛ لزمه فديتُه.

(وَفِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ)؛ أي: قضاء النَّفل (عَلَى المُحْصَرِ

(3)

رِوَايَتَانِ):

نقل

(4)

الجماعةُ

(5)

: أنَّه

(6)

لا قضاءَ عليه، صحَّحه في «الشَّرح» ، وجزم به

(1)

قوله: (أي) سقط من (ب) و (ز) و (و).

(2)

ينظر: التعليقة 2/ 483.

(3)

في (د): بالمحصر.

(4)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): نقله.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2327.

(6)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): لأنه.

ص: 354

في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّ الذين صُدُّوا كانوا ألفًا وأربعَمائةٍ، والذين اعتمروا معه من قابِلٍ كانوا يسيرًا، ولم يُنقَل أنَّه أمر الباقين بالقضاء، ولأنَّه تطوُّع جاز التَّحلُّل منه مع صلاح الزَّمان له، فلَمْ يَجِبْ قضاؤه كالصَّوم.

والثانية

(1)

نقلها

(2)

أبو الحارث وأبو طالب

(3)

: يجب

(4)

؛ لأنَّه عليه السلام لمَّا تحلَّل زمن الحديبيَة؛ قضى من قابِلٍ، وسُمِّيت عمرةَ القضيَّة

(5)

، ولأنَّه حلَّ من إحرامه قبل إتمامه، فلَزِمه القَضاءُ، كما لو فاته الحجُّ.

والأوَّلُ أَوْلَى، وتسميتُها عمرةَ القضيَّة، إنَّمَا المرادُ بها القضية التي اصْطَلَحوا عليها، ولو أرادوا غير ذلك لقالوا: عمرة القضاء، وتفارق

(6)

الفوات؛ لأنَّه مفرِّط، بخلاف مسألتِنا.

فلو جُنَّ أو أُغْمِيَ عليه؛ فعلَى الخلاف، قاله في «الانتصار» ، وخرَّج منهما

(7)

في «الواضح» مثلَه في منذورةٍ.

وفي «كتاب الهَدْي»

(8)

: لا يلزم المحصَر هَدْيٌ ولا قضاءٌ؛ لعدَم أمْر الشَّارع بهما، وفيه نَظَرٌ.

(فَإِنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ دُونَ الْبَيْتِ؛ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ)؛ لأنَّ له فسخَ نيَّة الحجِّ إلى العمرة من غير حصْرٍ، فمعه أَوْلَى، ولأنه يمكنه أن يأتي بعمل العمرة، فعلى

(1)

قوله: (كالصوم والثانية) سقط من (ب) و (ز).

(2)

في (ب) و (د) و (ز): نقله.

(3)

ينظر: التعليقة 2/ 463.

(4)

في: (أ): يجب عليه.

(5)

أخرج البخاري (2731)، تحلُّله من عمرته من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه، وعمرة القضية أخرجها البخاري (1778)، ومسلم (1253)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(6)

في (ب) و (و): ويفارق.

(7)

في (أ): منها.

(8)

ذكره ابن القيم قولاً في زاد المعاد 3/ 334، ثم ذكر أن ظاهر القرآن: وجوب الهدي دون القضاء.

ص: 355

هذا: يتحلَّلُ بطوافٍ وسعْيٍ وحلْقٍ، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لأنَّه في معنى الفسخ.

وعنه: حكمه

(1)

كمن مُنع البيت.

وعنه: يبقى محرِمًا إلى أن يفوته الحجُّ، فيتحلَّل بعمرةٍ إذن.

(وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ) في ظاهر المذهب، وهو المختار للأصحاب؛ لقول ابن عبَّاسٍ:«لا حصر إلاَّ حصر العدوِّ» رواه الشَّافعيُّ

(2)

، وعن ابن عمر نحوه، رواه مالكٌ

(3)

، ولو كان المرض يبيح التَّحلُّلَ؛ لم يأمر عليه السلام ضُباعَة بالاشتراط

(4)

، ولأنَّه لا يستفيد به الانتقال من حاله، ولا التَّخلُّص من الأذى الذي به، بخلاف حصر العدوِّ، فعلى هذا: يبقى محرِمًا حتَّى يقدِر على البيت.

(وَإِنْ

(5)

فَاتَهُ الْحَجُّ؛ تَحَلَّل

(6)

بِعُمْرَةٍ)، نقله الجماعةُ

(7)

؛ لأنَّه في معناه، وكغير المريض، ثمَّ إن كان معه هدْيٌ؛ بعث به ليذبح بالحرم، نَصَّ على

(1)

زيد في (د) و (و): حكم.

(2)

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 240)، وابن أبي شيبة (13553)، والطبري في التفسير (3/ 345)، وابن أبي حاتم في التفسير (1768)، والبيهقي في الكبرى (10091)، من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما، وإسناده صحيح كما قال ابن الملقن وابن حجر، وقال النووي:(إسناد على شرط الشيخين). ينظر: البدر المنير 6/ 427، التلخيص الحبير 2/ 602.

(3)

أخرج مالك (1/ 361)، ومن طريقه الشافعي في الأم (2/ 178)، والطحاوي في معاني الآثار (4140)، والبيهقي في الكبرى (10092)، عن ابن عمر قال:«من حُبس دون البيت بمرض، فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة» ، إسناده صحيح، وأخرج ابن أبي شيبة (13555)، والطحاوي في معاني الآثار (4139)، من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ:«لا إحصار إلا من عدو» ، وإسناده صحيح أيضًا.

(4)

أخرجه البخاري (5089)، ومسلم (1207).

(5)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فإن.

(6)

في (و): أحرم.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2326.

ص: 356

التَّفرقة بينه وبين المحصَر

(1)

؛ لكونه يذبحه في موضعه.

(وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ التَّحَلُّلُ)، هذا روايةٌ، واختارها الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

، قال الزَّرْكَشي: ولعلها أظْهرُ؛ لظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البَقَرَة: 196]، ولما رَوَى الحجَّاجُ بن عمْرٍو الأنصاريُّ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول

(3)

: «مَنْ كُسِر أو عَرِج؛ فقد حلَّ، وعليه الحجُّ من قابِلٍ» ، قال عِكْرمةُ: فسمعته يقول ذلك، فسألت ابن عبَّاسٍ وأبا هريرةَ عمَّا قال، فصدَّقاه، رواه الخمسةُ، وحسَّنه التِّرمذيُّ

(4)

، ولفظُ الإحصار إنَّما هو للمرض، يقال: أحصره المرض إحصارًا، فهو محصور، وزعم الأزهَريُّ أنَّه كلامُ العرب

(5)

.

واستفيد حصر العدوِّ بطريق التَّنبيه، فيكون حكمُه (كَمَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ) على ما مضى، ينحر الهدْي، أو يصوم إن لم يجده، ثمَّ يَحِلُّ.

والأَوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ الحديث متروكُ الظَّاهر

(6)

؛ لأنَّه لا يَحِلُّ بمجرَّد ذلك.

وأجيب

(7)

: بأنه مجاز سائغ؛ لأنَّ مَنْ أبيح له التَّحلُّلُ فقد حلَّ.

ويقضي

(8)

عبدٌ كحُرٍّ، وصغيرٌ كبالغ.

مسألةٌ: مثله حائضٌ تعذَّر مقامها، وحرم طوافها، أو رجعت

(9)

ولم

(1)

ينظر: الفروع 6/ 83.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 186.

(3)

قوله: (يقول) سقط من (أ) و (ب).

(4)

أخرجه أحمد (15731)، وأبو داود (1862)، والترمذي (940)، والنسائي (2861)، وابن ماجه (3078)، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والألباني. ينظر: صحيح أبي داود 6/ 117.

(5)

ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 129.

(6)

يعني به حديث الحجاج بن عمرو: «مَنْ كُسِر أو عَرِج؛ فقد حلَّ» . وقد تقدم قريبًا.

(7)

في (د) و (ز) و (و): فأجيب.

(8)

في (أ): وبعض.

(9)

في (أ): ورجعت.

ص: 357

تَطُفْ؛ لجهلها بوجوب طواف الزِّيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرُّفقة.

وكذا من ضلَّ الطَّريق، ذكره في «المستوعب» ، وفي «التَّعليق»: لا يتحلَّل.

(وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي؛ فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ)؛ لحديث ضُباعةَ

(1)

، ولأنَّ للشرط تأثيرًا في العبادة، بدليل قوله: إنْ شَفَى الله مريضِي صُمْتُ شهرًا، فيَلزَم بوجوده، ويَعدَمُ بِعدَمه.

(وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، لا هدْيَ، ولا قضاءَ؛ لأنَّه صار بمنزلة مَنْ أكمل أفعال الحجِّ.

(1)

أخرجه البخاري (5089)، ومسلم (1207).

ص: 358

(فَصْلٌ)

إذا تحلَّل المحصَر من الحجِّ، ثمَّ أمكنه الحجُّ؛ لزمه إن كان واجبًا، أو قلنا: يجب القضاء على الفور.

فإن كان فاسدًا وتحلَّل منه؛ قضاه في عامه إن أمكنه، قال في «الشَّرح» وغيره: ولا يتصوَّر في غيرها.

وقيل للقاضي: لو صار طوافه في النِّصف الأخير؛ لصح إذن حجَّتَانِ في عامٍ، ولا يجوز إجماعًا؛ لأنَّه يرمِي ويطوف ويسعى فيه، ثمَّ يحرم بحَجَّة أخرى، ويقف بعرفةَ قبل الفجر، ويمضي فيها، ويلزمكم أن تقولوا

(1)

به إذا تحلَّل من إحرامه، ولا معنى لمنعه منه.

فقال القاضي: لا يجوز، ونَصَّ الشَّافعيُّ على أنَّ المقيم بمِنًى للرَّمي لا ينعقد إحرامه بعمرةٍ؛ لاشتغاله بالرَّمْي، فيُؤخَذُ منه امتِناعُ حَجَّتين في عامٍ واحدٍ.

(1)

في (و): يقولوا.

ص: 359

(بَابُ الهَدْيِ وَالْأَضَاحِي)

الهَدْيُ: ما أُهدي إلى الحرم من النَّعم

(1)

وغيرها، وقال ابن المنجَّى: هو ما يذبح بمِنًى، سُمِّي بذلك؛ لأنه يُهدَى إلى الله تعالى.

والْأَضاحِي: جمعُ أُضحيَّةٍ؛ بضمِّ الهمزة وكسرها، والضَّحايا: جمعُ ضَحيَّةٍ، والأضحى: جمع أضْحَاةٍ؛ كأرْطاةٍ.

وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها

(2)

، وسنده قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ (2)} [الكَوثَر: 2]، قال جماعةٌ من المفسرين: المرادُ به الأضحيَّة بعد صلاة العيد، وقد ثبت:«أنَّه عليه السلام ضحَّى بكَبشَين أمْلحَين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر، ووضع رِجْلَه على صِفاحهما» متَّفقٌ عليه

(3)

.

الأمْلَح: هو الأبيض النَّقِيُّ، قاله ابن الأعرابِيِّ، أو الذي فيه سوادٌ وبياضٌ، وبياضه أكثر، قاله الكِسائيُّ وأبو زَيدٍ

(4)

.

(وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا: الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ، ثُمَّ الْغَنَمُ)؛ لحديث أبي هرَيرةَ السَّابق في الرَّواح إلى الجمعة؛ لأنَّه عليه السلام رتَّبها على قدر الفضيلة

(5)

، ورُوِيَ أنَّ امرأةً سألَتِ ابنَ عبَّاسٍ: أيُّ النُّسُكِ أفْضلُ؟ قال: «إن شئتِ فناقةٌ، أو بقرةٌ» ، قالت: أيُّ ذلك أفضل؟ قال: «انحري ناقةً»

(6)

، ولأنَّ البدنةَ أكثرُ لحمًا وثَمَنًا، وأنْفعُ للفقراء، فكانت أفضلَ من غيرها.

(1)

في (أ): التنعيم.

(2)

ينظر: المغني 9/ 435.

(3)

أخرجه البخاري (5564)، ومسلم (1966)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(4)

ينظر: المغني 9/ 435.

(5)

أخرجه البخاري (881)، ومسلم (850).

(6)

أخرجه ابن الجعد (152)، والطحاوي في مشكل الآثار (10/ 442)، والبيهقي في الكبرى (9806)، من طرق عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأسانيده صحاح.

ص: 360

ثمَّ كذلك في البقر والغنم.

ولا شك أنَّها جائزةٌ بكلٍّ منها، وهو في الغنم إجماعًا

(1)

، والإبل والبقر وِفاقًا

(2)

، لا مِنْ غيره، فلو كان أحدُ أبَوَيهِ وحشِيًّا؛ لم يجز.

وظاهره: أنه لا يُجزِئُ بطائِرٍ، وهو وِفاقٌ

(3)

.

(وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ)؛ للعموم، ولأنَّ المقصود هنا اللَّحم، ولحم الذَّكر أوفرُ، ولحمُ الأنثى أرْطَبُ، فيتساويان، بخلاف الزَّكاة.

وقيل: هو أفْضلُ.

وقدَّم في «الفصول» : هِيَ.

والأسمَنُ، ثمَّ الأغْلى ثمنًا

(4)

، ثمَّ الأمْلحُ، ثمَّ الأصفر، ثمَّ الأسود.

قال

(5)

أحمد: (يُعجِبُني البياض)

(6)

، ونقل حنبلٌ:(أكره السوداء)

(7)

.

وذكر المؤلِّف: أنَّ الكبش من الأضحية أفضلُ الغنم، وجَذَع الضَّأن أفضلُ من ثنيِّ المعز؛ لأنَّه أطيب لحمًا، وذكر المؤلِّف احتمالاً عكسَه، وكلٌّ منهما أفضلُ من سُبُعِ بَدَنةٍ أو بقرةٍ، وسَبْع شِياهٍ أفضلُ من بدَنةٍ أو بقرةٍ.

(وَلَا يُجْزِئُ إِلاَّ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ)؛ لما رَوَتْ أمُّ بِلالٍ بنت هلال، عن أبيها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجزئ

(8)

الجَذَعُ من الضَّأن أضحيَّةً» رواه ابن ماجَهْ

(9)

، والهدْيُ مثلُه.

(1)

ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 289.

(2)

ينظر: بدائع الصنائع 5/ 69، بداية المجتهد 2/ 138، الحاوي 4/ 396، المغني 9/ 438.

(3)

ينظر: بدائع الصنائع 5/ 69، بداية المجتهد 2/ 138، الحاوي 4/ 396، المغني 9/ 440.

(4)

قوله: (ثمنًا) سقط من (ب) و (ز) و (و)، وكتب في (د) على الهامش.

(5)

في (و): وقال.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 85.

(7)

في (ب) و (و): السواد. وهو الموافق لما في زاد المسافر 4/ 32.

(8)

في (ز): تجزئ.

(9)

أخرجه أحمد (27072)، وابن ماجه (3139)، والبيهقي في الكبرى (19073)، من طريق محمد بن أبي يحيى، عن أمه، حدثتني أم بلال بنت هلال، عن أبيها به، وإسناده ضعيف؛ لجهالة أم محمد بن أبي يحيى، وضعفه ابن حزم والألباني. ينظر: السلسلة الضعيفة (65).

ص: 361

(وَهُوَ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ)، قاله

(1)

الجَوهريُّ

(2)

وغيرُه، قال الخِرَقيُّ: سمعتُ أبِي يقول: سألتُ بعضَ أهل البادية: كيف تعرفون الضَّأن إذا أجذع

(3)

؟ قالوا: لا تزال الصُّوفةُ قائمةً على ظهره ما دام

(4)

حملاً، فإذا نامت الصُّوفةُ على ظهره؛ عُلِمَ أنَّه قد أجذع.

وقيل: هو الذي له ثمانيةُ أشْهُرٍ، ذكره ابنُ أبي موسى.

(وَالثَّنِيُّ مِمَّا سِوَاهُ)؛ لأنَّه عليه السلام وأصحابه كانوا يذبحون لهما

(5)

.

(وَثَنِيُّ الْإِبِلِ: مَا كَمُلَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ)، ودخل في السَّادسة، قاله الأصمعيُّ والجَوهريُّ

(6)

وغيرُهما، سُمِّي بذلك؛ لأنَّه حينئذٍ يُلْقِي ثَنِيَّتَه.

وقال ابن أبي موسى: ما كمُل له ستٌّ

(7)

.

(وَمِنَ الْبَقَرِ: مَا لَهُ سَنَتَانِ)، قاله الجَوهريُّ

(8)

.

وقال ابن أبي موسى: ما كمُل له ثلاثُ سنين.

(وَمِنَ المَعْزِ: مَا لَهُ سَنَةٌ)، وقد سبق في الزَّكاة.

(1)

زيد في (ز): ستة، وضرب عليها في (د).

(2)

ينظر: الصحاح 3/ 1194.

(3)

في (و): جذع.

(4)

قوله: (ما دام) سقط من (و).

(5)

كما في حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن» ، أخرجه مسلم (1963)، وفي حديث البراء بن عازب في خبر أبي بردة بن نيار رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، ذبحت وعندي جذعة خير من مسنة، فقال:«اجعله مكانه، ولن توفي -أو تجزئ- عن أحد بعدك» ، أخرجه البخاري (965)، ومسلم (1961)، قال النووي في شرح مسلم 13/ 114:(المسنة هي الثنية).

(6)

ينظر: الصحاح 6/ 2295، فقه اللغة ص 80.

(7)

في (ب): ثلاث سنين.

(8)

ينظر: الصحاح 6/ 2295.

ص: 362

فلو كان أعلى سِنًّا؛ أجزأ بغير خلافٍ، ونقل أبو طالبٍ: يُجْزئُ جَذَعُ إبِلٍ وبقرٍ عن واحدٍ

(1)

، اختاره الخَلاَّلُ، وسأله حربٌ: أيجزئ

(2)

عن ثلاثةٍ؟ قال: يُرْوَى عن الحسن، وكأنَّه سَهَّل فيه

(3)

.

(وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ)؛ لحصول الوفاء به، والخروج عن عهدة الأمر المطلق، والمنصوص: وعن أهل بيته وعياله

(4)

؛ لقول أبي أيُّوبَ

(5)

.

(وَالْبَدَنَةُ وَالبَقَرَةُ: عَنْ سَبْعَةٍ)، في قول أكثر العلماء؛ لما رَوَى جابِرٌ قال:«نحرْنا بالحديبية مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم البَدنَة عن سبعةٍ، والبقرة عن سبعةٍ» ، وفي لفظٍ:«أمَرَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نَشْتَرِك في الإبل والبقر كلُّ سبعةٍ في واحدٍ منها» ، وفي لفظٍ: «فنذبح البقرةَ عن سبعةٍ، نشترك

(6)

فيها» رواه مسلمٌ

(7)

، وحينئِذٍ: يُعتبَر ذبحُها عنهم، نَصَّ عليه

(8)

.

(سَوَاءٌ أَرَادَ جَمِيعُهُمُ الْقُرْبَةَ، أَوْ بَعْضُهُمْ وَالْبَاقُونَ اللَّحْمَ)، نَصَّ عليه

(9)

؛ لأنَّ الجزءَ المجزِئَ لا ينقص بإرادة الشَّريك غيرَ القربة، فجاز كما لو اختلفت

(1)

ينظر: الفروع 6/ 86.

(2)

في (و): أتجزئ.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 86.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4014، مسائل ابن هانئ 2/ 130.

(5)

أخرجه مالك (2/ 486)، والترمذي (1505)، وابن ماجه (3147)، والطبراني في الكبير (3920)، والبيهقي في الكبرى (19053)، عن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون، حتى تباهى الناس، فصارت كما ترى» ، قال الترمذي:(حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم).

(6)

في (أ): فنشترك.

(7)

أخرجه مسلم (1318).

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4043.

(9)

ينظر: زاد المسافر 3/ 36.

ص: 363

جهات القُرَب، فأراد بعضهم المُتعة، والآخَر القِران، ولأنَّ القسمة أيضًا إفرازٌ، نَصَّ عليه

(1)

، وعلى الآخر: بَيْعٌ فيمتنع.

وعلى الأوَّل: يجوز، ولو كان بعضهم ذِمِّيًّا في قياس قوله، قاله القاضي.

فلو بانوا بعد الذَّبح ثمانيةً؛ ذبحوا شاةً، وأجزأهم، نقله ابنُ القاسم

(2)

، ونقل مهنَّى: يجزئ سبعة، ويُرْضُون الثامن ويضحِّي

(3)

.

فَرعٌ: زيادةُ العدد من جنسٍ أفضلُ؛ كالعتق. وقيل: المغالاة في الثَّمن. وقيل: سواءٌ. وسأله ابن منصورٍ: بدنتان سمينتان بتسعةٍ، وبدنة بعشرةٍ؟ قال: بدنتان أعجبُ إلَيَّ

(4)

.

(وَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا)؛ أي: في الهَدْيِ والأضاحي: (الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَهِيَ التِي انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا، وَلَا الْعَجْفَاءُ التِي لَا تُنْقِي، وَهِيَ الْهَزِيلَةُ التِي لَا مُخَّ فِيهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلَعُهَا، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى المَشْيِ مَعَ الْغَنَمِ، وَالمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا)؛ لما رَوَى البراء بنُ عازِبٍ قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العَوراء البيِّن عَوَرُها، والمريضةُ البيِّن مرضُها، والعرجاءُ البيِّن ضَلَعُها، والكسيرةُ

(5)

التي لا تُنقِي» رواه الخمسةُ، وصحَّحه التِّرمذيُّ

(6)

.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 86.

(2)

ينظر: زاد المسافر 3/ 37.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 86.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2294.

(5)

في (أ): الكبيرة. والمثبت موافق للحديث، قال ابن عبد البر في التمهيد 20/ 168:(الكسيرة: هي التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال).

(6)

أخرجه أحمد (18510)، وأبو داود (2802)، والترمذي (1497)، والنسائي (4369)، وابن ماجه (3144)، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه الحاكم وابن حبان وغيرهم. ينظر: الإرواء 4/ 360.

ص: 364

وما فَسَّر به العَوراءَ هو قَولُ الأصحاب؛ إذ العَيْنُ عضوٌ مستطابٌ، فدلَّ على أنَّها إذا كانت قائمةً، أو بها بياضٌ لا يَمنَعُ النَّظَرَ؛ تجزئ

(1)

، وكذا إنْ أَذْهبه علَى الأشْهَر.

والعَجْفاء التي لا تُنْقِي، وهي التي لا مُخَّ في عظامها؛ لِهُزالِها.

والعَرْجاء البيِّن ضلَعها، بفتح اللاَّم وسكونها؛ أي: بها عَرَجٌ فاحِشٌ يَمنَعُها ممَّا ذُكِر؛ لأنَّه يَنقُص لحمُها بسبب ذلك، فلو كان عَرَجُها لا يَمْنَعُها منه؛ أجْزأَتْ.

وقال أبو بكرٍ والقاضِي في «الجامع الصغير» : هي التي لا تُطيقُ أنْ تَبلغ المَنسك

(2)

.

وعُلِم منه: أنَّ الكسيرة لا تُجزِئُ، وذكره في «الرَّوضة» .

والمريضةُ البيِّنُ مرضُها؛ لأنَّ ذلك يُفسِدُ اللَّحم وينقصه

(3)

، فدلَّ على أنَّه إذا لم يكن بيِّنًا؛ أنَّها

(4)

تجزئ؛ لأنَّها قريبةٌ من الصَّحيحة.

وقال الخِرَقِيُّ: هي التي لا يُرجَى بُرؤُها؛ لأنَّ ذلك يَنقُص قيمتها ولحمها.

وقال القاضِي وأبو الخطَّاب وابن البنَّاء: هي الجرباء؛ لأنَّه يُفسِد اللَّحمَ.

والحقُّ في ذلك: أن يُناطَ الحكمُ بفساد اللَّحم؛ لأنَّه أضْبَطُ، ولعل القاضيَ ومن وافقه ذكروا ذلك على سبيل المثال لا الحصر.

وعُلِم منه: أنَّ العمياءَ لا تُجْزِئُ؛ لأنَّها أولى بالمنع من العَوراء؛ لمَنْعها

(1)

في (و): يجزئ.

(2)

قال في المصباح المنير 2/ 603: (المنسك: بفتح السين وكسرها، يكون زمانًا ومصدرًا، ويكون اسم المكان الذي تذبح فيه النسيكة).

(3)

في (د) و (و): وينقصها.

(4)

في (د) و (و): أنه لا.

ص: 365

من المَشْي مع جنسها، ومشاركتها لَهنَّ في المرعى.

وفي قائمة العَينَينِ روايتان، وكذا جافَّة الضَّرع، وعلَّله أحمدُ: بنقص

(1)

الخَلْق

(2)

.

(وَ) لا تُجْزئُ (الْعَضْبَاءُ)؛ لما روى

(3)

عليٌّ قال: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُضَحَّى بأعضب

(4)

الأذن والقرن»، قال قَتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسَيِّب فقال: العَضْب: النِّصف أو أكثر من ذلك، رواه الخمسة، وصحَّحه التِّرمذيُّ

(5)

.

وظاهره: التَّحريم والفساد، وبه يتخصَّص مفهوم ما سبق، إن سلم المفهوم، وأن له عمومًا.

(وَهِيَ التِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا، أَوْ قَرْنِها)، نقله حنبلٌ وغيره

(6)

؛ لأنَّ الأكثر يقوم مقام الكلِّ، بخلاف اليسير، فإنَّه في حكم المعدوم.

(1)

في (و): ينقص.

(2)

ينظر: زاد المسافر 3/ 34.

(3)

زيد في (ب) و (د) و (ز) و (و): عن.

(4)

في (د) و (ز): ما عضب.

(5)

أخرجه أحمد (633)، وأبو داود (2805)، والترمذي (1504)، والنسائي (4377)، وابن ماجه (3145)، وابن خزيمة (2913)، والحاكم (7530)، من طريق قتادة، عن جري بن كليب السدوسي، عن علي رضي الله عنه به، وجري بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة، قال ابن المديني:(مجهول)، وقال أبو حاتم:(شيخ لا يحتج بحديثه)، ووثقه العجلي، قال ابن حجر عنه:(مقبول)، وقال الترمذي عن حديثه:(حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة والحاكم، وضعف الحديث ابن عبد البر، والمنذري، وصححه الألباني، إلا أنه قال:(الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، وذكر "القرن" فيه منكر عندي؛ لتفرد جري به، مع مخالفته لما رواه حُجية عن علي أنه لا بأس به). ينظر: البدر المنير 9/ 293، تهذيب التهذيب 2/ 78، الإرواء 4/ 364.

(6)

ينظر: زاد المسافر 3/ 34.

ص: 366

ونقل أبو طالب: النِّصف فأكثر

(1)

، ذكر الخلاَّل: أنَّهم اتَّفقوا على ذلك؛ للخبر.

وعنه: المانِعُ الثُّلث فأكثر، اختارها أبو بكرٍ؛ لأنَّه كثيرٌ.

وقيل

(2)

: يختص بما فوق الثُّلث.

واختار في «الفروع» : الإجزاءَ مطلقًا؛ لأنَّ في صحَّة الخبر نظرًا، فإنَّه من رواية ابن كُلَيبٍ، وهو مجهولٌ، قال أبو حاتمٍ:(لا يُحتجُّ به)، ولأنَّ القرنَ لا يُؤكَل، والأُذن لا يقصد أكلُها غالِبًا، ثمَّ هِيَ كقطع الذَّنَب، وأَوْلَى بالإجْزاء.

(وَتُكْرَهُ المَعِيبَةُ

(3)

الْأُذُنِ بِخَرْقٍ، أَوْ شَقٍّ، أَوْ قَطْعٍ لِأَقَلَّ

(4)

مِنَ النِّصْفِ)؛ لقول عليٍّ: «أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن نَستشْرِفَ العَين والأُذُنَ، وألاَّ نضحيَ بمقابَلةٍ، ولا مدابَرةٍ، ولا خَرْقاءَ، ولا شرقاء» رواه أبو داودَ

(5)

، وحُمِل على الكراهة؛ لأنَّه لا ينقص لحمها، ولا يُوجَد سالِمٌ منها.

وفي «الإرشاد» : لا يُجْزِئُ.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ للمشقَّة.

والقَرْن كالأذن.

(1)

ينظر: زاد المسافر 3/ 34.

(2)

في (أ): وعنه.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): معيبة.

(4)

في (د) و (ز) و (و): الأقل.

(5)

أخرجه أحمد (851)، وأبو داود (2804)، والترمذي (1498)، والنسائي (4372)، وابن ماجه (3142)، من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن شريح بن النعمان، عن علي رضي الله عنه به، وشريح مجهول، والإسناد منقطع، قال الدارقطني:(ولم يسمع هذا الحديث أبو إسحاق من شريح)، ورجح البخاري والدارقطني وقفه، وصححه مرفوعًا ابن حبان والحاكم وابن الملقن. ينظر: التاريخ الكبير 4/ 230، علل الدارقطني 3/ 238، البدر المنير 9/ 291، ضعيف سنن أبي داود 2/ 377.

ص: 367

تنبيهٌ: يفهم منه: أن

(1)

ما عدا ذلك يُجْزِئُ، ويحتمل عدمه

(2)

، فمنها: الهَتْمَاء، وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها، قاله جماعة، وفي «التَّلخيص»: هو قياس المذهب.

وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: هي التي سقط بعْضُ أسنانها، تُجْزِئُ في أصحِّ الوَجْهَين

(3)

.

وكذا لا تُجْزِئُ عصماءُ، وهي التي انكسر غِلافُ قَرْنها، قاله في «المستوعب» و «التَّلخيص» .

ونقل جعفر في الذي يُقطَع من أَلْيَته دون الثُّلُث: لا بَأْسَ به

(4)

.

(وَتُجْزِئُ الجَمَّاءُ)، وهي التي لم يُخلَقْ لها قَرْنٌ؛ لعدَم النَّهي، ولأنَّه لا يُخِلُّ بالمقصود، بخلاف التي ذهب أكثرُ أُذنِها.

(وَالْبَتْرَاءُ) التي لا ذَنَب لها.

ونقل حَنْبَلٌ: لا يُضَحَّى بها

(5)

، وقطع به في «التَّلخيص» ، فلو كان وَقُطِع

(6)

؛ فوجهان.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : أنَّ الذي قُطع منها عُضْوٌ؛ كالأَلْيَة: لا تجزئ

(7)

.

(وَالخَصِيُّ) بلا جَبٍّ، ذكره في «الوجيز» و «الفروع» ؛ لأنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم

(1)

في (و): بأن.

(2)

في (د) و (و): عدمها.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 308.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 88.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 89.

(6)

في (و): قُطع.

(7)

في (و): لا يجزئ.

ص: 368

ضحَّى بكَبْشَينِ موجوءَين»، وعن عائشة نحوه، رواه أحمدُ

(1)

.

والموجوء: المرضوض الخِصْيَتَين، سواء قُطعتا أو سُلَّتا

(2)

، ولأنَّه إِذْهابُ عُضْوٍ غَيرِ مُسْتطابٍ، بل يَطِيبُ اللَّحمُ بزواله ويسْمنُ، بخلاف شحمة العَينِ.

وفسَّر ابنُ البَنَّاء الخَصِيَّ: بِمَنْ قُطِع ذكَرُه، ولم يُوافَقْ عليه، ونصُّه: لا يُجزِئُ خَصِيٌّ مَجْبُوبٌ

(3)

.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تُجْزِئُ الجَمَّاءُ)، كالتي ذهب أكثرُ قرنها، والفَرْق واضِحٌ.

(وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ)؛ للنَّصِّ، ولفعله عليه السلام

(4)

، (قَائِمَةً، مَعْقُولَةً يَدُهَا

(1)

روي الحديث عن جماعة من الصحابة، فمن ذلك: حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (2795)، عن أبي عياش، عن جابر به، وأبو عياش المعافري مقبول، وله طريق أخرى عن جابر، أخرجها الطحاوي في شرح المعاني (6227)، والبيهقي في الكبرى (19048)، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه مرفوعًا، وقد حصل لابن عقيل في هذا الحديث اضطراب فرواه على أوجه هذا أحدها، ومن تلك الأوجه: ما أخرجه أحمد (25046)، والحاكم (7547)، والبيهقي في الكبرى (19047)، عن ابن عقيل، عن أبي سلمة، عن عائشة أو أبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعًا مثله. وما أخرجه الطبراني في الكبير (920)، من طريق ابن عقيل، عن علي بن الحسين، عن أبي رافع رضي الله عنه، نحوه وليس فيه:«موجوءين» . قال أبو زرعة عن هذه الأوجه من ابن عقيل: (ما أدري، ما عندي في ذا شيء)، وقال أبو حاتم:(ابن عقيل لا يضبط حديثه)، وذكر الدارقطني هذه الأوجه قال:(والاضطراب فيه من ابن عقيل)، وعبد الله بن محمد بن عقيل مختلَفٌ فيه، قال ابن حجر:(صدوقٌ في حديثه لين)، وحسن الحديث ابن الملقن والألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 499، علل الدارقطني 9/ 319، البدر المنير 9/ 299، الإرواء 4/ 351.

(2)

في (أ): شلتا.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 88.

(4)

كما في حديث زياد بن جبير، قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما، أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها قال:«ابعثها قيامًا مقيدةً سنة محمد صلى الله عليه وسلم» أخرجه البخاري (1713)، ومسلم (1320)، وفي حديث أنس رضي الله عنه قال:«ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قيامًا» ، البخاري (1714).

ص: 369

الْيُسْرَى)، قاله الأصحابُ؛ لأنَّ ابن عمر مرَّ على رجلٍ قد أناخ بدَنةً لينحرها، فقال: «ابعثها قيامًا

(1)

مقيَّدةً، سنَّةُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» متَّفَقٌ عليه

(2)

، وقوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحَجّ: 36] دالٌّ عليه، مع ما حكاه بعض المفسِّرين في

(3)

قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ} [الحَجّ: 36]؛ أيْ: قيامًا، لكن قال أحمدُ:(إذا خَشِيَ عليها أناخها)

(4)

، ونقل حنبلٌ:(كيف شاء، بارِكةً وقائمةً)

(5)

.

(فَيَطْعُنُهَا بِالْحَرْبَةِ فِي الْوَهْدَةِ)، بسكون الهاء، وهو المطمئن، (التِي بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ)؛ لأنَّ عُنُقَ البعير طويلة، فلو طعن بالقُرْب من رأسه لحصل له تعذيب عند خروج روحه.

(وَيَذْبَحُ البَقَرَ)؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البَقَرَة: 67]، (وَالْغَنَمَ)، لأنَّه عليه السلام ذَبَحَ كَبْشَين

(6)

.

وظاهره: لو نحر ما يُذبَح، أو عَكَس؛ جاز لقوله عليه السلام:«ما أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِر اسْمُ الله عليه؛ فكُلْ»

(7)

.

وعنه: أنَّه توقَّف في أكل البعير إذا ذُبِح ولم يُنْحَرْ

(8)

.

(وَيَقُولُ) بعد توجيه الذَّبيحة إلى القبلة على جنبها الأيسَرِ، (عِنْدَ ذَلِكَ)، قال أحمدُ: حين يُحرِّك يدَه بالذَّبح

(9)

: (بِاسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ)، قال

(1)

في (ز) و (و): قائمة.

(2)

أخرجه البخاري (1713)، ومسلم (1320).

(3)

في (أ): من.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2199.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 90.

(6)

أخرجه البخاري (5564)، ومسلم (1966)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(7)

أخرجه البخاري (5498)، ومسلم (1968)، من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه.

(8)

ينظر: الشرح الكبير 9/ 357.

(9)

ينظر: زاد المسافر 3/ 39.

ص: 370

ابنُ المنذِر: (ثبت أنَّه عليه السلام كان يقول ذلك)

(1)

.

واخْتِير التَّكبير هنا؛ اقتداءً بأبينا إبراهيمَ حين أُتِيَ بفداء إسماعيل.

(اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ)؛ لما رَوَى ابنُ عُمَرَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ذَبَح يوم العيد كَبْشَينِ، ثمَّ قال حين وجَّههما:«باسم الله، والله أكبرُ، اللَّهمَّ هذا مِنْكَ ولكَ» رواه أبو داود

(2)

.

ولا بَأْس أن يقولَ: اللَّهم تقبَّل منِّي كما تقبَّلت من إبراهيم خليلك، أو من فلانٍ، نَصَّ عليه

(3)

، واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أنه يقرأ وقت الذَّبح: «وجهت وجهي

» إلى قوله: «وأنا من المسلمين»

(4)

.

قال الخِرَقِيُّ: وليس عليه أن يقول عند الذبح عمَّن؛ لأنَّ النية تُجزِئُ، قال في «الشَّرح»: بغير خلافٍ.

(وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْبَحَهَا إِلاَّ مُسْلِمٌ)؛ لأنَّها قُرْبةٌ وطاعةٌ، فلا يليها غير أهل القُرَب.

وظاهِرُه: أنَّه لو ذبحها غيره ممن

(5)

يباح ذبحُه؛ جاز في الأصحِّ؛ لأنَّه يجوز له ذبحُ غير الأضحيَّة، فكذا هي؛ كالمسلم، يؤيده

(6)

: أنَّ الكافِر يجوز

(1)

ينظر: الإشراف 3/ 412. ويأتي تخريجه في الحاشية التالية.

(2)

رواه أبو داود (2795) من حديث جابر لا من حديث ابن عمر رضي الله عنهم، وقد أخرجه أحمد (15022)، وابن خزيمة (2899)، والحاكم (1716)، والبيهقي في الكبرى (19184)، عن أبي عياش المعافري، عن جابر، وأبو عياش قال عنه ابن حجر:(مقبول)، وقال الذهبي:(شيخ)، وحديثه محتمل، والحديث صححه ابن خزيمة والحاكم، وحسن الألباني إسناده، وقد أطال السخاوي الكلام عليه. ينظر: الأجوبة المرضية 2/ 803، صحيح أبي داود 8/ 142.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 90.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 90. وهو الوارد في حديث جابر المتقدم في حاشية (2).

(5)

في (د) و (و): مما.

(6)

من هنا بدأ السقط من (و).

ص: 371

أنْ يتولَّى ما هو قربةٌ للمسلم؛ كبناء المساجد.

وعنه: المنعُ؛ لحديث ابْن عبَّاس المرفوع: «ولا يَذْبَح ضحاياكم إلاَّ طاهِرٌ»

(1)

، ولتحريم الشُّحوم علينا في روايةٍ؛ فكان بمنزلة إتْلافه.

وعنه: في الإبل خاصَّة، وجزم به الشِّيرازي وصاحب «الوجيز» .

قال الزَّركشي: ومحلُّ الخلاف على القول بحِلِّ الشُّحوم، وإن

(2)

قلنا بتحريمها؛ فلا يَلِي الكتابِيُّ بلا نزاعٍ.

وأجاب في «المغني» و «الشرح» : بأنَّا لا نسلِّم تحريم الشُّحوم علينا بذبحهم، وحديث المنع محمولٌ على كراهة التَّنزيه.

فعلَى المذهب: تُعتبَر نِيَّةُ المسلم إذَنْ، فإنْ كانت معيَّنةً؛ لم يشترط؛ نظرًا للتَّعيين، لا تسمية المضحَّى عنه.

(فَإِنْ

(3)

ذَبَحَهَا بِيَدِهِ؛ كَانَ أَفْضَلَ)؛ لأنَّه عليه السلام نحَر هدْيَه ثلاثًا وستِّين بدَنَةً

(4)

، وضحَّى بكبشَين ذبحهما بيده

(5)

، ولأنَّ فِعْلَ القُرَب أَوْلَى من الاِسْتِنابة فيها.

(فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؛ اسْتُحِبَّ أَنْ يَشْهَدَهَا)، نَصَّ عليهما

(6)

؛ لقوله عليه السلام لفاطمةَ: «احْضُري أُضحيَّتك، فإنَّه يُغفَر لكِ بأوَّل قطرةٍ من دَمِها» ، وعن ابن عبَّاسٍ نحوُه

(7)

.

(1)

لم نقف عليه.

(2)

في (ب) و (د) و (ز): فإن.

(3)

في (ب) و (ز): وإن.

(4)

كما في حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج عند مسلم (1218).

(5)

كما في حديث أنس رضي الله عنه أخرجه البخاري (5558)، ومسلم (1966).

(6)

في (د): عليه. وينظر: الفروع 6/ 91.

(7)

أخرجه الطبراني في الكبير (600)، والحاكم (7524)، والبيهقي في الكبرى (10225)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وفيه: أبو حمزة الثمالي وهو ضعيف جدًّا، وأخرجه الحاكم (7525)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه: عطية العوفي وهو ضعيف، قال أبو حاتم:(وهو حديث منكر)، وأخرجه البيهقي في الكبرى (19161)، من حديث علي رضي الله عنه، وفيه: عمرو بن خالد الواسطي، وهو متروك، ولم نقف عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 495، التلخيص الحبير 4/ 353، السلسلة الضعيفة (528)، (6828).

ص: 372

(وَ) أَوَّلُ (وَقْتِ الذَّبْحِ: يَوْمَ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ)؛ أي: صلاة العيد، (أَوْ قَدْرِهَا) في حقِّ من لم يصلِّ، وجزم به أكثرهم، فظاهره: أنَّه إذا مضى أحدُ الأمرين؛ دخل وقت الذَّبح إذا مضى قدر الصَّلاة التامة

(1)

.

وظاهره: ولو سُبقت صلاةُ الإمام.

ولا فَرْقَ فيه بين أهل الأمصار والقُرَى، مِمَّنْ يصلِّي العيد وغيرهم؛ لأنَّها عبادةٌ يتعلق

(2)

آخرها بالوقت، فتعلَّق أوَّلها به؛ كالصوم.

فعلى هذا: إذا ذبح بعد الصَّلاة قبل الخطبة، أو بعْدَ قَدْر الصَّلاة، وقيل: قدر الخطبة؛ أجزأه لعدم اشْتِراط مُضِيِّ الخُطبة أوْ قدرها؛ لأنَّها سنَّةٌ.

وظاهر كلام أحمد: أنَّ من كان في المصر لا يضحِّي حتَّى يصلِّيَ

(3)

، وقاله الأكثرُ، منهم القاضِي وعامَّة أصحابه؛ لما روى جُندَبُ بنُ عبد الله: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ ذَبَحَ قبل أن يصلِّيَ؛ فليذبح مكانها أخرى»

(4)

.

فظاهره

(5)

: اعتبار نَفْس الصَّلاة، خلافًا للشَّرح؛ لأنَّه عليه السلام علَّق المنعَ علَى فعل الصَّلاة.

وعنه: يُعتبَر معها الفراغُ من الخُطبة، وهي اختيارُه في «الكافي» ، وفي «المغني» و «الشَّرح»: إنَّها ظاهر كلامه؛ لأنَّها كالجزء من الصَّلاة.

(1)

في (د): الثانية.

(2)

في (د): تتعلق.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 25.

(4)

أخرجه البخاري (5500)، ومسلم (1960).

(5)

في (ب) و (د): وظاهره.

ص: 373

وعنه: يعتَبَرُ مع ذلك ذبح الإمام؛ ل «أمْرِه عليه السلام مَنْ كان نَحَرَ قبلَه: أن يعيد بنحرٍ آخَرَ» رواه أحمد من حديث جابِرٍ

(1)

.

واعتَبَر الخِرَقِيُّ: أنْ يَمْضِيَ منه مِقْدارُ صلاة العيد وخطبته، وحكاه بعضُهم روايةً؛ لأنَّ الصَّلاة تتقدَّم وتتأخَّر، وقد تُفْعَل وقد لا تُفعَلُ، فأُنِيطَ الحكمُ به.

وأمَّا المقيم بمَوْضعٍ لا يلزمه قدرُ ذلك؛ فعلى الخلاف، وفي «الترغيب»: هو كغيره في الأصحِّ.

واعتبر في «المغني» : أن يكون قدْرَ صلاةٍ وخُطبةٍ تامَّتَينِ.

وذكر الزَّرْكشيُّ احتِمالاً: أنَّه يُعتَبَر ذلك بمتوسِّطي النَّاس.

هذا كلُّه في اليوم الأوَّل، فأما الآخَران؛ فيجوز في أوَّلهما؛ لدخول الوقت.

وإذا

(2)

اعتبر بصلاة الإمام؛ فإذا صلَّى في المصلَّى، واستَخْلَف مَنْ صلَّى بهم في المسجد؛ فالعِبْرة بالأَسْبَق.

فإن فات العِيدُ بالزَّوال؛ ضَحَّى إِذنْ.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: يتبع

(3)

الصَّلاة قضاءً كما يتبعه أداءً، ما لم تؤخَّر عن أيام الذَّبح، فيتبع

(4)

الوقت ضرورة.

فَرْعٌ: إذا ذَبَح قبل وقته؛ صنع به ما شاء، وقيل: حكمه كأضحية.

(إِلَى آخِرِ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)، قال أحمدُ:(أيام النَّحر ثلاثةٌ، عن غير واحِدٍ من الصَّحابة)

(5)

؛ لأنَّه «عليه السلام نَهَى عن ادخار لحوم الأضاحِي فَوقَ

(1)

أخرجه أحمد (14130)، ومسلم (1964).

(2)

في (د): فإذا.

(3)

في (د): تتبع.

(4)

في (ز): فيتتبع.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4018، زاد المسافر 3/ 41. وقد صح عن ابن عمر عند مالك (2/ 487)، والبيهقي (9254)، وعن أبي هريرة عند ابن أبي شيبة كما في المحلى (6/ 40)، وعن أنس عند البيهقي (19255) وابن حزم (6/ 40)، وروي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم كما في المحلى.

ص: 374

ثلاث»

(1)

، ويَستحِيل أنْ يُباحَ ذبحُها في وقتٍ يحرُم أكلُها فيه، ونَسْخُ أحد الحُكْمَينِ لا يَلزَمُ منه رفع الآخَر.

وفي «الإيضاح» ، واختاره الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين: آخرُه آخِرُ أيَّام التشريق

(2)

؛ لقوله عليه السلام: «أيَّام مِنًى كُلُّها مَنحَرٌ»

(3)

.

وأفضلُه أوَّل يومٍ، ثمَّ ما يليهِ.

وخصَّها ابنُ سِيرينَ: بيوم النَّحر خاصَّة؛ لأنَّها وظيفة عِيدٍ.

وقاله سعيد بن المسيِّب وجابِر بن زَيد في أهل الأمصار.

وأغرب منه ما رُوِيَ عن أبِي سلَمةَ بن عبد الرَّحمن، وعَطاء بنِ يَسَار: أنَّها تَجُوزُ إلَى المُحرَّمِ.

(وَلَا يُجْزِئُ فِي لَيْلَتِهِمَا، فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ)، هو روايةٌ عن أحمدَ، اختارها الخلاَّلُ، وجزم بها في «الوجيز»؛ لقوله تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحَجّ: 28]، وقد رُوي عنه عليه السلام:

(1)

أخرجه مسلم (977)، من حديث بريدة بن الحصيب، ومن حديث ابن عمر (1970)، ومن حديث أبي سعيد (1973)، رضي الله عنهم.

(2)

ينظر: الاختيارات ص 178.

(3)

أخرجه أحمد (16751)، والبزار (3443)، من طريق سعيد بن عبد العزيز، حدثني سليمان بن موسى، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، ولفظه:«أيام التشريق كلها ذبح» ، وحكم عليه أحمد والبيهقي وابن القيم بالانقطاع، فإن سليمان بن موسى لم يدرك جبير بن مطعم، ووقع اختلاف في سنده حكاه البيهقي وغيره، وقال ابن القيم:(وروي من وجهين مختلفين يشدُّ أحدهما الآخر)، وله شواهد أخرى حسنه الألباني بها. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 5/ 392، المعرفة له 7/ 523، زاد المعاد 2/ 291، التلخيص الحبير 4/ 352، السلسلة الصحيحة (2476).

ص: 375

«أنَّه نهى عن الذَّبح لَيلاً» رواه أبو داود في «مراسيله» عن عَطاء بن يَسَار، لكنْ فيه مبشر بن عُبَيدٍ، وهو متروكٌ

(1)

.

(وَقَالَ غَيْرُهُ)، منهم أبو بكرٍ، والقاضِي وأصحابُه، وصاحِبُ «التلخيص»:(يُجْزِئُ)، نَصَّ عليه

(2)

، قال في «الشَّرح»: اختاره أصحابنا المتأخِّرون؛ لأنَّ اللَّيل يصحُّ فيه الرَّمْيُ، وداخِلٌ في مدَّة الذَّبح، فجاز فيه؛ كالأيام.

فعلَى الأوَّل: إنْ ذَبَحَ ليلاً؛ لمْ يُجْزِئْه، لكن في الواجب يَلزَمُه البدلُ، وفِي التَّطوُّع ما سبق.

وعلى الثَّانِي: يُجْزِئُ مع الكراهة؛ لأنَّ اللَّيل يتعذَّر فيه تَفْرِقَةُ اللَّحم، فتَذْهَبُ طَراوتُه، فيَفُوتُ بَعْضُ المقصود.

(فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ؛ ذَبَحَ الْوَاجِبَ قَضَاءً)، وصَنَعَ به ما يُصنَعُ بالمذبوح في وقته؛ لأنَّ حكم القضاء كالأداء، ولا

(3)

يَسقُط بفواته؛ لأنَّ الذبح أَحَدُ مَقْصُودَي الأُضحيَّة، فلا يَسقُط بفوات وقته؛ كما لو ذبحها ولمْ يفرِّقها حتَّى خرج الوقْتُ.

(وَسَقَطَ التَّطَوُّعُ)؛ لأنَّ المحصِّل للفضيلة الزَّمانُ، وقد فات، فلو ذَبَحَه وتصدَّق به؛ كان لحمًا تَصَدَّقَ به، لا أُضحيَّةً في الأصحِّ، قاله في «التَّبصرة» .

(وَيَتَعَيَّنُ الهَدْيُ بِقَوْلِهِ: هَذَا هَدْيٌ)؛ لأنَّه لفظٌ يَقْتَضِي الإِيجابَ، فوجب أنْ يترتَّبَ عليه مُقْتضاهُ، (أَوْ تَقْلِيدِهِ، أَوْ إشعَارِهِ

(4)

مَعَ النِّيَّةِ)، وبه قال الثَّوريُّ

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (11458)، وفيه: سليمان بن سلمة الخبائري، وهو متروك، وفيه راو آخر مجهول، وذكره عبد الحق من حديث عطاء بن يسار مرسلاً، وفيه مبشر بن عبيد؛ وهو متروك. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 352، السلسلة الضعيفة (4711).

(2)

ينظر: زاد المسافر 3/ 41.

(3)

في (أ): لا.

(4)

في (ب) و (ز): وإشعاره.

ص: 376

وإسحاقُ؛ لأنَّ الفِعْلَ مع النِّيَّةِ كاللَّفْظ إذا كان الفِعْلُ دالًّا علَى المقصود، كمن بَنَى مسجِدًا وأَذِن للنَّاس في الصَّلاة فيه.

ولَمْ يَذكُر في «الكافي» النِّيَّةَ، قال في «الفروع»: وهو أظْهَرُ.

وقدَّم في «المستوعب» و «الرعاية» : أنه

(1)

لا يتعين إلاَّ بالقول

(2)

.

(وَالْأُضْحِيَّةُ بِقَوْلِهِ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ)؛ كالهدْي وكالعتق.

وكذا يتعين بقوله: هذا لله -فيهما-؛ لأنَّه دالٌّ عليه.

(وَلَوْ نَوَى حَالَ الشِّرَاءِ؛ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِذَلِكَ)؛ لأنَّه إزالة مِلْكٍ على وجه القُرْبة، فلم تؤثر فيه النِّيَّةُ المقارنة للشِّراء؛ كالعتق والوقْف.

وقال المجْدُ: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّها تصير أُضحيَّة إذا اشتراها بنِيَّتها، كما يتعيَّن الهدْيُ بالإشعار.

فرعٌ: إذا قال: لله علَيَّ ذَبْحُ هذه الشَّاة، ثمَّ أتْلَفَها؛ ضَمِنَها؛ لبقاء المستحق لها.

وإن قال: لله علَيَّ أن أعتق هذا العبدَ، ثم

(3)

أتلفه؛ لَمْ يَضْمَنْه؛ لأنَّ القصدَ من العتق تكميلُ الأحكام، وهو حقٌّ للعبد، وقد هَلَكَ.

(وَإِذَا تَعَيَّنَتْ؛ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، وَلَا هِبَتُهَا)؛ لأنَّه «عليه السلام نَهَى أنْ يُعطَى الجازرُ شيئًا منها»

(4)

، فلَأَنْ يُمنَعَ من بَيْعِها من بابِ أَوْلَى، ولأنَّه جعل ذلك لله تعالَى، أشْبَهَ العِتقَ والوقْفَ.

والمذهبُ كما نقله الجماعةُ

(5)

: أنَّه يجوز نقْلُ الملك فيه، وشِراءُ خَيْرٍ

(1)

قوله: (أنه) سقط من (د).

(2)

في (ب) و (د) و (ز): بقول.

(3)

هنا انتهى السقط من (و)

(4)

أخرجه مسلم (1317)، من حديث علي رضي الله عنه.

(5)

ينظر: زاد المسافر 3/ 83.

ص: 377

منه، وذكر ابن الجوزيِّ أنَّه المذهب؛ لأنَّه عليه السلام أشْرَك علِيًّا في هَدْيِه

(1)

، وهو نوعٌ منهما، ولأنه يجوز الإبدال، فكذا البيع.

والمذهبُ عند جماعةٍ: ما ذكره المؤلِّف هنا، وأجابوا: بأنَّها تَعيَّنَ ذبحُها، فلم يَجُزْ بيعُها، كما لو نذر أنْ يَذْبَحَها بعَينِها، ولأنَّه يجوز إبدالُ المصحف دون بَيعه، وعن الحديث: بأنَّه يحتمل أنَّه أشركه فيه قبل إيجابه، ويحتمل أنَّه جاء بِبُدْنٍ فاشتركا في الجميع، أو أشركه في ثوابها.

(إِلاَّ أَنْ يُبْدِلَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا)، نَصَّ عليه

(2)

، اختاره الخِرَقيُّ والمؤلِّف وصاحب «المنتخب» ؛ نظَرًا لمصلحة الفقراء، ولأنَّه عَدَل عن المعيَّن إلى خيرٍ منه من جنسه، فجاز؛ كما لو أخرج حِقَّةً عن بنت لَبُونٍ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يجوز بدونها بلا رَيبٍ؛ لما فيه من تفويت حُرمتها.

ولا بمثلها، واختاره الخِرَقِيُّ وغيره؛ لعدم الفائدة.

والثَّاني: يجوز؛ لأنَّ الواجب لَمْ يَنقُصْ.

وحيث جاز بيعها؛ فهل ذلك لِمَنْ يُضَحِّي؛ كما قاله الشِّيرازيُّ وصاحِبُ «التَّلخيص» ، أوْ مُطْلَقًا؛ كما هو ظاهِرُ كلام القاضِي؟ فيه قَوْلانِ.

وعليهما: يَشْتَرِي خَيرًا منها، قاله أبو بكرٍ، وحَكَى المؤلِّفُ عن القاضِي: أنَّه يَجُوزُ شِراءُ مثلها.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَجُوزُ أَيْضًا)؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عمرَ قال: أَهْدَى عُمَرَ نجيبًا، فأتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي أهديت نجيبًا، فأبيعها وأشْتَرِي بثمنها بُدُنًا؟ قال:«لا، انْحَرْها» رواه أحمدُ والبخاريُّ في «تاريخه»

(3)

، ولأنَّه نوع

(1)

أخرجه مسلم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4028، مسائل ابن هانئ 2/ 129، زاد المسافر 3/ 38.

(3)

أخرجه أحمد (6325)، والبخاري في التاريخ (2/ 230)، وأبو داود (1756)، وابن خزيمة (2911)، من طريق جهم بن الجارود، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: أهدى عمر بن الخطاب نجيبًا، فذكره، وإسناده ضعيف؛ لأن جهم بن الجارود فيه جهالة، وقال البخاري:(ولا يُعرف لجهمٍ سماعٌ من سالم)، وأعله المنذري وابن القيم، وضعفه الألباني. ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 426، ضعيف سنن أبي داود 2/ 146.

ص: 378

تصرُّفٍ، فلَمْ يَجُزْ كالبيع.

والخلاف مبنيٌّ على أصلٍ، وهو أنَّه إذا أوجب أضحيَّةً؛ لمْ يَزُلْ ملكُه عنها، نَصَّ عليه

(1)

، وهو قَولُ الأكثر، وقال أبو الخطَّاب: يَزول.

فعلَى هذا: لو عيَّنه، ثمَّ عَلِم عيبه؛ لم يَمْلِك الرَّدَّ، ويملكه على الأوَّل.

وعليهما: إن أخذ أَرْشه؛ فهل هو له، أو كزائدٍ

(2)

علَى القِيمة؟ فيه وجهان

(3)

.

ولو بان مستحَقًّا بعد تعيينه؛ لزِمه بدله، نقله علِيُّ بنُ سعيدٍ

(4)

، قال في «الفروع»: ويتوجَّه فيه كأرشٍ.

فرعٌ: إذا عيَّنها، ثمَّ مات وعليه دَيْنٌ؛ لم يَجُزْ بيعُها فيه مطلقًا، خلافًا للأوزاعيِّ.

(وَلَهُ رُكُوبُهَا)؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يَسُوقُ بدَنةً، فقال:«ارْكَبْها» ، قال: إنَّها بدَنةٌ، فقال:«ارْكَبْها» في الثَّانية أو الثَّالثة، متَّفَقٌ عليه

(5)

، (عِنْدَ الْحَاجَةِ) إلى ظهرها؛ لأنَّ في بعض الرِّوايات:«ارْكَبْها بالمعروف إذا أُلْجِئْتَ إليها حتَّى تجد ظَهْرًا» رواه مسلمٌ

(6)

، وقال أحمد: لا يَركَبُها إلاَّ عند الضَّرورة

(7)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4044، مسائل صالح 3/ 32.

(2)

في (أ): لزائد.

(3)

زيد في (و): لو عينه ثم علم عيبه لم يملك الرد. وتقدمت العبارة قريبًا.

(4)

ينظر: زاد المسافر 3/ 32.

(5)

أخرجه البخاري (1689)، ومسلم (1322).

(6)

أخرجه مسلم (1324)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(7)

ينظر: المغني 3/ 464.

ص: 379

وعنه: يجوز مطلقًا؛ قطع به في «المستوعب» وغيره.

(مَا لَمْ يَضُرَّ بِهَا

(1)

؛ لما في ذلك من ضَرَر الفقراء، وهو غَيرُ جائزٍ، فإن نقصها الرُّكوب؛ ضَمِنَ النقص.

وظاهِرُ كلام جماعةٍ: إنْ رَكِبها بعد الضَّرورة ونقص؛ ضَمِنَ.

(وَإِنْ وَلَدَتْ) المعيَّنةُ؛ (ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا)؛ سواءٌ عيَّنها حامِلاً أوْ حَدَث بعدَه؛ لما رُوِي عن علِيٍّ أنَّ رجلاً سأله فقال: يا أمير المؤمنين، إنِّي اشْتَرَيتُ هذه البقرةَ لأضحِّيَ بها، وإنَّها وضعت هذا العجلَ، فقال:«لا تَحلُبْها إلاَّ ما فَضَلَ عن ولدها، فإذا كان يومُ الأَضْحَى؛ فاذْبَحْها وَوَلَدَها عن سبعةٍ» رواهُ سعيدٌ والأثْرمُ

(2)

، ولأنَّه صار أُضْحيَّةً علَى وجْه التَّبَع لأِمِّه، فلَمْ يَتقدَّم به ولم يتأخَّر كأمِّه.

وعُلِم منه: أنَّ الحملَ لا يَمنَعُ الإجْزاءَ.

مسألةٌ: إذا كان هدْيًا، وتعذَّر حملُه وسَوْقُه؛ فكهَدْيٍ عَطِبَ.

(وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إِلاَّ مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا)؛ لما ذكرنا، ولأنَّ شُرْبَ الفاضل لا يضُرُّ بِها ولا بولدها، فكان كالرُّكوب، بخلاف شُرْب غير الفاضِل فإنَّه يَحرُم؛ للضَّرَر، ويتصدَّق به، فإنْ شَرِبَه؛ ضَمِنَه؛ لتعدِّيه بأخْذه.

(وَيَجُزُّ صُوفَهَا

(3)

وَوَبَرَهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ، إِنْ كَانَ أَنْفَعَ لَهَا)، مثل كونه في زمن الرَّبيع، فإنَّه تَخِفُّ بجزِّه

(4)

وتَسمُنُ؛ لأنَّه لمصلحتها

(5)

، ويتصدق به

(6)

(1)

في (و): عند الحاجة.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور كما في المغني (10/ 106)، وابن أبي حاتم (4/ 530)، وابن سعد في الطبقات (6/ 231)، والبيهقي في الكبرى (19192)، من طرق عن المغيرة بن حذف، عن علي رضي الله عنه. وإسناده صحيح، وصححه أبو زرعة.

(3)

قوله: (ويجز صوفها) في (و): وصوفها.

(4)

في (د): نحره، (و): نحوه.

(5)

قوله: (وتسمن لأنه لمصلحتها) في (و): ويسمى لمصلحها.

(6)

قوله: (به) سقط من (و).

ص: 380

كما بعد الذَّبْح، زاد في «المستوعب»: نَدْبًا، وفي «الروضة»: يتصدق

(1)

به إن كانت

(2)

نَذْرًا.

وظاهِرُه: أنَّه إذا كان بقاؤه أنْفَعَ لها لكونه

(3)

يَقِيهَا البَرْدَ أو الحر، أو كان

(4)

لا يَضُرُّ بها

(5)

لقرب مدة الذَّبح؛ لم يجز؛ كأخْذِ بعض أعضائها.

(وَلَا يُعْطَى الجَازِرُ بِأُجْرَتِهِ

(6)

شَيْئًا مِنْهَا)، قاله الأصحاب؛ لقول علِيٍّ: أَمَرنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أقومَ علَى بُدْنِهِ، وأنْ أتصدَّقَ بلحومها وجلودها وأجلَّتها

(7)

، ولا أعطي الجازر

(8)

شَيئًا منها، وقال:«نَحْنُ نُعطيه مِنْ عندنا» متَّفق عليه

(9)

، ولأنَّ ذلك بمنزلة المعاوَضة، وهي غَيرُ جائزةٍ فيها.

وظاهِرُه: أنَّه إذا دفع إليه

(10)

منها لا علَى سبيل الأجرة؛ كالهديَّة؛ جاز؛ لأنَّه ساوى غيرَه، وزَادَ عَلَيهِ بِمُباشَرتِه لَها، وتَتُوقُ نفْسُه إلَيها.

قال الزَّرْكَشِيُّ: وبهذا المعنى يتخصَّص عموم الحديث، ولو قيل بعمومه سدًّا للذَّريعة كان حَسَنًا، وفيه شَيءٌ.

(وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهَا) بغير خلافٍ

(11)

؛ لأنَّه جزءٌ من الأضحيَّة كلحمها،

(1)

في (د): تصدق.

(2)

في (أ): كان.

(3)

في (د) و (و): لكونها.

(4)

في (و): وكان.

(5)

في (د): بهما.

(6)

قوله: (بأجرته) سقط من (و).

(7)

قوله: (وأجلتها) سقط من (أ).

(8)

في (ب) و (و): الجزار.

(9)

أخرجه البخاري (1716)، ومسلم (1317).

(10)

زيد في (و): شيئًا.

(11)

ينظر: المغني 9/ 451.

ص: 381

وقد رُوِيَ عن علقمةَ ومسروقٍ: (أنَّهما كانا يدبغان جِلْدَ أضحيَّتهما، ويصلِّيان عليه)

(1)

.

(وَجُلِّهَا)؛ لأنَّه إذا جاز الانتفاع بالجلد؛ فهو أَوْلَى، أو يتصدَّق بهما؛ لقوله:(وَلَا يَبِيعُهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهَا)، هذا هو المعروفُ في

(2)

المذهب؛ لقوله عليه السلام في حديث قَتادةَ بن النُّعمان: «ولا تَبِيعوا لُحومَ الأضاحِي والهدْي، وتصدَّقوا، واستمْتِعوا بجلودها»

(3)

، قال أحمدُ:(سبحان الله! كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى؟!)

(4)

.

وسواءٌ كانت واجبةً أو تطوُّعًا؛ لأنَّها تعيَّنت بالذَّبح.

وعنه: يجوز بيع الجلد، والتصدق بثَمَنه، روي

(5)

عن ابن عمرَ

(6)

.

وعن أحمدَ: ويَشتَرِي أُضحيَّة.

وعنه: يُكْرَه.

وعنه: يجوز

(7)

، ويَشْتَري به آلةَ البيت؛ كالغِربال ونحوه، لا مأكولاً.

(1)

ينظر: مصنف ابن أبي شيبة 1/ 355.

(2)

في (أ): من.

(3)

أخرجه أحمد (16211)، من طريق ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى: أخبرني زبيد، أن أبا سعيد الخدري، أتى أهله فوجد قصعة من قديد الأضحى، فأبى أن يأكله، فأتى قتادة بن النعمان فأخبره: أن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، وهو منقطع؛ لأن زبيد بن الحارث اليامي، لم يدرك أحدًا من الصحابة، قال الهيثمي:(وهو مرسل صحيح الإسناد). ينظر: مجمع الزوائد 4/ 26.

(4)

ينظر: المغني 9/ 450.

(5)

في (ب) و (د) و (و): وروي.

(6)

أخرجه مسدد كما في المطالب العالية (2294)، وابن حزم في المحلى (6/ 51)، عن عقبة بن صهبان، قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما، عن رجل أهدى بقرة، أيبيع جلدها ويتصدق بثمنه؟ قال:«لا بأس به» . إسناده صحيح، وصححه الحافظ في المطالب، واحتج به أحمد في مسائل ابن منصور 8/ 4048.

(7)

قوله: (ويشتري أضحية وعنه: يكره، وعنه: يجوز) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

ص: 382

وعنه: يَحرُم بَيعُ جلد شاةٍ فقط، اختاره الخلاَّل، ولعلَّه اعْتمَد علَى أثَرٍ

(1)

.

ونقل جماعةٌ: لا يُنتفَع بما كان واجبًا، قال في «الفروع»: ويتوجَّه: أنَّه المذهب، فيتصدق، ونَقَلَ الأثْرمُ وحنْبلٌ: بثَمَنه

(2)

.

واسْتَثْنَى جَماعةٌ: الجُلَّ.

(وَإِنْ ذَبَحَهَا فَسُرِقَتْ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ما لم يُفرِّط، نَصَّ عليه

(3)

؛ لأنَّها أمانةٌ في يده، فلم تُضمَن بالسَّرِقة؛ كالوديعة، وإن فرَّط؛ ضمن القيمة يوم التَّلف، يُصرف في مثله كما يأتي.

(وَإِنْ ذَبَحَهَا ذَابِحٌ فِي وَقْتِهَا بِغَيْرِ إِذنٍ؛ أَجْزَأَتْ)؛ لأِنَّ الذَّبح لا يَفْتقِر إلَى نِيَّةٍ، فإذا فَعَلَه الأجْنَبِيُّ أجزأ؛ كغسل النَّجاسة، وسواءٌ نَوَى عن النَّاذِر أو أطلق.

وإنْ نواها عن نفسه مع علمه أنَّها أُضْحِيَّة الغير؛ لَمْ تجزئه

(4)

، وإلاَّ أجْزأتْ إن لَم يُفَرِّقِ الذَّابِحُ لَحْمَها.

(وَلَا ضَمَانَ عَلَى ذَابِحَهَا)؛ لأنَّها وقعتْ موقِعَها، كما لو أذِن صاحبُها،

(1)

بين الإمام أحمد وجه ذلك في رواية جعفر بن محمد، وقد سئل عن جلد البقرة في الأضحية؟ فقال:(قد رُوي عن ابن عمر أنه قال: «يبيعه ويتصدق به»، وهو مخالف لجلد الشاة، يُتَّخذ منه مُصلًّى، وهذا لا يَنتفع به في البيت)، قال:(إن جلد البقرة يبلغ كذا)، قال في رواية عبد الملك بن عبد الحميد عن الأثر:(وهذا لا يباع؛ لأن البعير والبقرة لا ينتفع به أحد، يتخذه في البيت يجلس عليه، ولا يصلح ههنا لشيء، إنما يُباع ويُتصدق بثمنه، وجلد الشاة يتخذ لضروب)، وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله، وذكر قول ابن عمر أنه كان يقول في جلد البقرة:«يباع ويتصدق به» ، وكأنه يذهب إلى أن ثمنه كثير. ينظر: تحفة المودود ص 132.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 103.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 99.

(4)

في (و): لم يجزئه.

ص: 383

ولإذنه

(1)

عُرفًا، أو إذن الشَّرع، وإلا فروايتان

(2)

في الإجزاء وعدمه.

فإن

(3)

لم يَجْزِ؛ ضمن الذَّابح ما بين كونها حيَّةً إلى مذبوحةٍ، ذكره في «عيون المسائل» ، بخلاف من نذر في ذِمَّته، فذبح عنه من غنمه؛ لا يجزئ، وعلى عدم الإجزاء: يعود ملكًا.

وقيل: يعتبر على رواية الإجزاء: أن يلي ربُّها تفرقتها، وإلاَّ ضمن الأجنبيُّ قيمة لحمٍ.

(وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا

(4)

؛ لأنَّها من المتقوِّمات، وتعتبر

(5)

القيمة يوم التَّلف.

(وَإِنْ

(6)

أَتْلَفَهَا صَاحِبُهَا؛ ضَمِنَهَا بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ

(7)

قِيمَتِهَا أَوْ مِثْلِهَا

(8)

، هذا قَولُ أبِي الخطَّاب، وأكْثرِ أصحاب القاضِي؛ لأنه حقٌّ تعلَّق به حقُّ الله في ذبحها، فوجب عليه أكثر القِيمتَينِ من الإيجاب إلَى التَّلَف.

فلو كانت قيمتُها يوم التَّلف خمسةً، فَغَلَت الغنم، فلم يُحصِّل مثلها إلاَّ بأكثر من ذلك؛ لزمه مثلها، ولو كانت قيمتُها عشرةً، فرَخُصت بحيث تُحَصَّل بدونه؛ لزمته العشرة.

والوجه إسقاط همزة «أو» ، فإن صحَّ ثبوتها كانت بمعنى الواو.

وفي «التبصرة» : يلزمه أكثر القيمتين من الإيجاب إلى النَّحر.

(1)

قوله: (ولإذنه) سقط من (و).

(2)

قوله: (وإلا فروايتان) هو في (أ): والأمر والضمان.

(3)

في (د) و (و): وإن.

(4)

زيد في (و): من.

(5)

في (و): ويعتبر.

(6)

في (ب) و (د): فإن.

(7)

قوله: (من) سقط من (و).

(8)

في (د) و (و): مثلها أو قيمتها.

ص: 384

وقيل: من التَّلف إلى وجوب النَّحر، جزم به الحُلْوانِيُّ.

والمذهبُ: أنَّه يَلزَمه القيمة يومَ التَّلف، يصرف في مثله؛ كالأجنبيِّ، وكسائر المضمونات.

فعلَى ما ذكره المؤلِّف: (فَإِنْ ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا، وَأَخْرَجَ فَضْلَ الْقِيمَةِ؛ جَازَ، وَيَشْتَرِي بِهِ شَاةً) إنْ أمكن، (أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ)؛ لأنَّ الذَّبحَ مقصودٌ في الأُضحِيَّة، فإذا أمكنه الإتيانُ به؛ لَزِمَه.

(فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ؛ اشْتَرَى بِهِ لَحْمًا، وَتَصَدَّقَ

(1)

بِهِ)، هذا وجْهٌ؛ لأنَّ الذَّبحَ وتَفْرِقةَ اللَّحم مقصودان، فإذا تعذَّر أحدُهما تعيَّن الآخَرُ.

(أَوْ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ)، قدَّمه في «الفروع» ، وهو أرجحُ؛ لأنَّه إذا لم يَحصُلْ له التَّقرُّب بالإراقة؛ كان

(2)

اللَّحمُ وثَمَنُه سواءً.

وظاهِرُ كلام المؤلِّف: أنَّه مخيَّرٌ بين الأمْرَين؛ لأنَّ كلًّا منهما محصِّلٌ للمقصود.

(فَإِنْ

(3)

تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ لَمْ يَضْمَنْهَا) صاحبُها؛ لما تقدَّم من كونها أمانةً في يده؛ كالوديعة.

فرعٌ: اثنان ضحَّى كلٌّ منهما عن نفسه بأضحيَّة الآخَر غلطًا؛ أجزأتهما، ولا ضمان استحسانًا، والقياس ضدُّهما، ذكره القاضي وغيره.

(وَإِنْ عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ)، قال جماعةٌ: أو خاف عَطَبَه؛ لزِمه (نَحْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَ) يُستحَبُّ (صَبْغُ نَعْلِهِ فِي دَمِهِ، وَضَرَبَ

(4)

بِهَا صَفْحَتَهُ)؛ أي:

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): فتصدق.

(2)

في (د): فإن، وفي (و): لأن.

(3)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): وإن.

(4)

في (أ): يضرب.

ص: 385

صفحة سنامها؛ (لِيَعْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ فَيَأْخُذُوهُ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ

(1)

، وَلَا أَحَدٌ مِنْ رُفْقَتِهِ)؛ لِما روى ابن عبَّاسٍ: أنَّ أبا قَبيصةَ حدَّثه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبُدْن ثمَّ يقول: «إنْ عَطِبَ منها شَيءٌ؛ فخَشِيتَ عليه مَوْتًا؛ فانْحَرْها، ثمَّ اغْمِسْ نَعْلَها فِي دَمِهَا، ثمَّ اضْرِبْ به صفحته

(2)

، ولا تَطْعَمْها أنت، ولا أحدٌ من أهْل رفقتك» رواه مسلمٌ

(3)

، وإنَّما مُنِع السَّائقُ ورِفْقتُه من أكلها؛ لئلاَّ يقصِّر في حفظها، فيُعطِبها ليتناوَل هو ورِفْقَتَه منها، زاد في «الروضة»: ولا يدلُّ عليه.

وظاهره: ولو مع

(4)

فقره.

وأباحه له جماعةٌ، وهو ظاهِرٌ.

وأباحه م

(5)

لرفيقه

(6)

ولسائر النَّاس؛ لحديث ناجِيةَ بنِ كَعْبٍ صاحبِ بُدْن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر بمثل حديث ابنِ عبَّاسٍ، وفيه:«ثمَّ خلِّ بينه وبين النَّاس»

(7)

، فدلَّ على تسوية الرُّفقة بالأجانب، قال ابن عبد البَرِّ:(هذا أصحُّ من حديث ابن عبَّاسٍ، وعليه العملُ عند الفقهاء)

(8)

.

وفيه نظرٌ؛ لأنَّ حديث ابن عبَّاس في «صحيح مسلمٍ» ، وهو متضمِّنٌ لمَعْنًى

(1)

في (أ): هو منه.

(2)

في (ب): صفحتها.

(3)

أخرجه مسلم (1326).

(4)

في (د): منع.

(5)

ينظر: المدونة 1/ 415، الكافي في فقه أهل المدينة 1/ 403.

(6)

في (أ): لرفقته.

(7)

أخرجه أحمد (18943)، وأبو داود (1762)، والترمذي (910)، والنسائي في الكبرى (4123)، وابن ماجه (3106)، وابن خزيمة (2578)، وابن حبان (4123)، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه ابن حبان والحاكم، وقال الألباني:(إسناده صحيح على شرط الشيخين). ينظر: صحيح أبي داود 6/ 11.

(8)

ينظر: التمهيد 22/ 267.

ص: 386

خاصٍّ يَجِبُ تقديمُه علَى عموم ما يُخالِفُه، والتَّسوية غير معتبَرةٍ؛ لأنَّ الإنسان يشفق

(1)

على رفقته

(2)

، ويحب التَّوسعة عليهم، حتَّى يوسِّع عليهم من مؤنته، والشَّافعيُّ وأحمدُ قد خالفا فِي ذلك

(3)

.

وعلى الأوَّل: لو أكل منها، أو أطْعَم غنِيًّا، أو رفقته؛ ضمنه بمثله لحمًا، بخلاف ما لو أمره بالأكل منها، أو أطعم منها فقيرًا.

فرعٌ: هدْيُ التطوع

(4)

دون محلِّه: إن دامت نيته فيه

(5)

قبل ذبحه؛ فكذلك، وإن فسخها قبل ذبحه؛ صنع به ما شاء؛ كبقيَّة ماله.

(وَإِنْ) أوجب أضحيَّةً سليمةً، ثمَّ (تَعَيَّبَتْ) عندَه؛ (ذَبَحَهَا، وَأَجْزَأَتْهُ)، نَصَّ عليه

(6)

فيمَنْ جَرَّ بقرةً إلى المنحر بقرنها؛ فانقلع؛ كتعيينه مَعِيبًا فبَرَأَ؛ لما رَوَى أبو سعيدٍ قال: «ابْتَعْنا كبْشًا نُضَحِّي به، فأصاب الذِّئْب مِنْ أَلْيَته، فسألْنا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأمرَنا أن نُضَحِّيَ به» رواه ابن ماجَهْ

(7)

، ولأنَّه عَيبٌ حَدَثَ بها، فلَمْ يَمنَع الإجزاء؛ كالعَيب الحادِثِ بمعالجة الذبح.

فلو تعيبت

(8)

بفعله؛ لَزِمه بدلُها.

(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ

(9)

وَاجِبَةً فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ التَّعْيِينِ؛ كَالْفِدْيَةِ) من الدِّماء

(1)

في (د) و (و): ينفق.

(2)

في (د) و (و): رفيقه.

(3)

ينظر: الحاوي الكبير 4/ 381، مسائل أبي داود ص 180، مسائل ابن منصور 5/ 2208.

(4)

في (أ): المتطوع.

(5)

قوله: (فيه) سقط من (أ) و (ب).

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4020، الفروع 6/ 99.

(7)

أخرجه أحمد (11274)، وابن ماجه (3146)، والطحاوي في معاني الآثار (6192)، وفي سنده جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف، وفيه محمد بن قرظة الأنصاري وهو مجهول.

(8)

في (و): تعينت.

(9)

في (و): يكون.

ص: 387

الواجبة

(1)

في النُّسُك؛ بترك واجبٍ أو فعل محظورٍ، (وَالمنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ)، فشمِل قسمَيْن: ما وجب بغيره، وما وجب بالنَّذر؛ (فَإِنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهَا)؛ لأنَّ عليه دمًا سليمًا، ولم يوجد ذلك، فلم يجزئْه، وكما لو كان لرجل عليه دينٌ، فاشترى منه مَكِيلاً، فتلف قبل قبضه؛ انفسخ

(2)

البيع، وعاد الدَّين إلى ذِمَّته، ويلزمه أفضلُ مِمَّا في الذِّمَّة إن كان تلفه بتفريطه.

فلو وَلَدَت؛ فهل يتبعها الولد كما تبعها ابتداءً، فيبطل التَّعيين فيه، أو لا؛ لأنَّ البطلانَ في الأمِّ لمعنى

(3)

اختصَّ بها؟ فيه وجهان.

(وَهَلْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ هَذَا الْعَاطِبِ وَالمَعِيبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:

أصحُّهما: ليس له اسْتِرجاعُ ذلك إلى ملكه؛ لأنَّه تعلَّق به حقُّ الفقراء بتعيينه، فلزمه ذبحه، كما لو عيَّنه بنذره ابتداءً.

والثَّانية: له اسْتِرْجاعُه إلَى ملكه

(4)

، فيصنع به ما شاء، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه إنَّما عيَّنه عمَّا في ذمَّته، فإذا لَمْ يَقَعْ عنه

(5)

؛ عاد إلَى صاحبه، كمن أخْرَج زكاةً فبان أنَّها غيرُ واجبةٍ.

(وَكَذَلِكَ إِنْ ضَلَّتْ، فَذَبَحَ بَدَلَهَا، ثُمَّ وَجَدَهَا)؛ أي: فيها الخلاف السَّابق؛ للمساواة، والمذهب: ذَبَحه مع ذبح الواجب، رُوِي عن عُمَرَ، وابنِه، وابنِ عبَّاسٍ

(6)

؛ لأنَّ عائشةَ أهْدَتْ هَدْيَيْنِ وأضلَّتهما، فبعث إليها ابنُ

(1)

في (و): الواجب.

(2)

في (د) و (و): لنفسخ.

(3)

في (ز) و (و): بمعنى.

(4)

قوله: (لأنه تعلق به حق الفقراء

) إلى هنا سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

(5)

في (د) و (و): منه.

(6)

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (14442)، عن ماعز بن مالك أو مالك بن ماعز الثقفي قال: ساق أبي هديينِ عن نفسه وامرأته وبنته، فأضلهما بذي المجاز، فلما كان يوم النحر ذكر ذلك لعمر، فقال:«تربص اليوم وغدًا وبعد، فإنما النحر في هذه الثلاثة أيام، فإن وجدت هدييك فانحرهما جميعًا، فإن لم تجدهما، فاشترْ هديين في اليوم الثالث فانحرهما، ولا يحل منك حرامًا حتى تنحرهما أو هديين آخرين، فإن نحرت الهديين اللذين اشتريت ووجدت الهديين الضالين بعد فانحرهما» ، ورجاله ثقات إلا ماعز بن مالك، ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (14443)، عن أبي الخصيب القيسي، أنه أهدى عن أمه بدنة، فأضلها، فاشترى مكانه أخرى، فقلدها، ثم وجد الأولى، فسأل ابن عمر فقال:«انحرهما جميعًا» ، أبو الخصيب القيسي قال فيه ابن حجر:(مقبول). وأخرجه ابن أبي عروبة في المناسك (114)، عن قتادة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو مرسل، والأثر يتقوى بمجموع الطريقين.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (14444)، عن أبي طالب الحجام، عن ابن عباس قال:«ينحرهما جميعًا» ، إسناده صحيح.

ص: 388

الزُّبَير هَدْيَينِ؛ فَنَحَرتْهما، ثمَّ عاد الضَّالان

(1)

فنحرتهما، وقالت:«هذه سُنَّةُ الهدْيِ» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

.

تنبيهٌ: إذا ذبحه عمَّا

(3)

في ذمَّته، فسُرِق؛ سقط الواجب، نقله ابنُ منصورٍ

(4)

؛ لأنَّ التَّفرقة لا تلزمه، بدليل تخليته بينه وبين الفقراء.

وإذا غصب شاةً فذبحها عمَّا في ذمَّته؛ لَمْ يُجزِئْه وإن رضِي مالكُها، سواءٌ عوَّضه عنها أو

(5)

لَمْ يعوِّضْه.

(1)

في (ب) و (ز): المتضالان.

(2)

أخرجه الدارقطني (2526)، وابن خزيمة (2925)، من طريق القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها. وأخرجه ابن أبي شيبة (14445)، وابن وهب في الجامع (180)، وإسحاق في مسنده (695)، وابن خزيمة (2925)، والبيهقي في الكبرى (10262)، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عنها. وأسانيده صحاح.

(3)

في (أ): عنها.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2376.

(5)

في (د) و (و): أم.

ص: 389

مسألةٌ: لا يَبرأ في الهدي إلاَّ بذبحه أو نحره، فإن لم يفعل؛ وكَّل، فإن ذبحه إنسان

(1)

بغير إذنه؛ ففيه خلافٌ سبق.

فلو دفعه إلى الفقراء سليمًا، فذبحوه؛ جاز؛ لحصول المقصود، فإن لَمْ يَنحَروه؛ استردَّه منهم ونحره، فإن تعذَّر؛ ضَمِنَه؛ لأنَّه فوَّته بتفريطه.

فإن ذبحه ولَمْ يدفعه للفقراء؛ جاز لهم الأخذ منه؛ إمَّا بالإذن نطقًا

(2)

؛ كقوله: مَنْ اقتطع، أو بدلالة الحال؛ كالتَّخلية بينهم وبينه.

(1)

في (و): لنسيان، ورسمت في (د): لنسان.

(2)

في (د) و (و): مطلقًا.

ص: 390

(فَصْلٌ)

(سَوْقُ الْهَدْيِ مَسْنُونٌ)؛ لِما روى ابن عمر قال: «تمتَّع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحجِّ، فساق الهدْيَ من ذي الحُلَيفة» متَّفَقٌ عليه

(1)

.

(لَا يَجِبُ إِلاَّ بِالنَّذْرِ)؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ نَذَرَ أنْ يُطيعَ اللهَ فليُطِعْهُ»

(2)

، ولأنَّه سنَّةٌ وطاعةٌ، فوجب به؛ كسائر نذر الطَّاعات، ويصير للحرم

(3)

، وكذا إن نذر سَوق أضحيَّةٍ إلى مكَّة، أو: لله علَيَّ أنْ أذبحَ بها.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ، وَيَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ)؛ لفعله عليه السلام

(4)

، (وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ)؛ لأنَّ المقصودَ الإراقةُ، وهو حاصِلٌ بدون ذلك، و «كان ابن عمر لا يرى الهدْي إلاَّ ما عُرِّف به»

(5)

، ونحوه عن سعيد بن جُبَيرٍ.

(وَيُسَنُّ إِشْعَارُ البَدَنَةِ

(6)

، فَيَشُقُّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ، وَيُقَلِّدُهَا)، هذا قولُ أكثرِ العلماء؛ لما رَوَتْ عائشةُ قالت:«فَتَلْتُ قلائدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ أشْعَرَها وقلَّدها» متَّفَقٌ عليه

(7)

، والبقرُ من البُدْن، ولأنَّه لغرَضٍ صحيحٍ،

(1)

أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227).

(2)

أخرجه البخاري (6696).

(3)

في (و): للمحرم.

(4)

كما في حديث جابر في الحج أخرجه مسلم (1218).

(5)

أخرجه مالك (1/ 379)، ومن طريقه ابن وهب في الجامع (174)، والبيهقي في الكبرى (10174)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول:«الهدي ما قُلِّد وأُشعر ووُقِف به بعرفة» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (13207)، وسعيد بن منصور كما في المحلى (5/ 172)، من طرق أخرى عن نافع، عن ابن عمر بلفظ:«لا هدي إلا ما قُلِّد، وسيق، ووقف بعرفة» ، وأخرجه سعيد بن منصور كما في المحلى أيضًا (5/ 172)، بلفظ:«كل هدي لم يشعر ويقلد ويُفَض به من عرفة فليس بهدي، إنما هي ضحايا» ، وهذه أسانيد صحاح.

(6)

في (د) و (و): البدن.

(7)

أخرجه البخاري (1696)، ومسلم (1321).

ص: 391

فهو كالكَي

(1)

، وفائدته: أنَّها تُعرَف عند الاختلاط، ويتوقَّاها اللِّصُّ، بخلاف التَّقليد، فإنه بنعلٍ أو عروة، فينحل

(2)

ويذهب

(3)

.

والمراد بصفحة السَّنام: اليمنى على المذهب، أو محلُّه إن لم يكن. وعنه: اليسرى، روي

(4)

عن ابن عمر

(5)

. وعنه: يخيَّر. والأول أولى؛ لحديث ابن عبَّاسٍ

(6)

.

وظاهِرُه: أنه لا يُشْعَر غيرُ السَّنام، وفي «الفصول» عن أحمدَ خلافُه،

(1)

في (أ) و (ب): كالمكي.

(2)

في (د) و (و): ينحل.

(3)

في (و): وتذهب.

(4)

في (ب) و (د) و (و): وروي.

(5)

أخرجه ابن وهب في الجامع (167)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10172)، عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان يُشعِر بُدنه من الشق الأيسر، إلا أن تكون صعابًا تنفر به، فإذا لم يستطع أن يدخل بينها، أشعر من الشق الأيمن. إسناده صحيح، وبنحوه في موطأ مالك (1/ 379)، ومصنف ابن أبي شيبة (13847).

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما خلافه: روى عبد الرزاق كما في المحلى (5/ 102)، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه:«أنه كان يشعر في الشق الأيمن حين يريد أن يحرم» ، إسناده صحيح، وجاء ما يوضح ذلك: فقد أخرج مسلم في التمييز (16)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/ 646)، والخطيب في الجامع (127)، وابن عساكر في تاريخه (61/ 429)، عن أسامة بن زيد، أن أبا بكر بن حفص بن سعد بن أبي وقاص حدثه: أنه سأل سالم بن عبد الله: من أين كان ابن عمر يشعر البدن؟ قال: من الشق الأيمن. قال: ثم سألت نافعًا فقال: من الشق الأيسر. فقلت لنافع: إن سالمًا أخبرني أنه كان يشعر من الشق اليمن. فقال: وهل سالم، إنما رأى ابن عمر يومًا وأُتي ببدنتين مقرونتين صعبتين، فلم يستطع أن يقوم بينهما، فأشعر هذه من الشق الأيمن وهذه من الشق الأيسر. قال: فرجعت إلى سالم، فأخبرته. فقال: صدق نافع هو كما قال. قال: وقال: سلوه فإنه أعلمنا بحديث ابن عمر. وإسناده صحيح.

(6)

أخرجه مسلم (1243)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن» .

ص: 392

ونقل حنبَلٌ: لا ينبغي أنْ يسوقه حتَّى يُشعِرَه، ويجلِّله

(1)

بثوبٍ أبيضَ

(2)

.

(وَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ النَّعْلَ، وَآذَانَ الْقِرَبِ، وَالْعُرَى)؛ لقول عائشة، رواه البخاريُّ

(3)

، ولأنَّها هديٌ يسنُّ تقليدُها كالإبل، بل أَوْلَى؛ إذ ليس لها ما تعرف

(4)

به.

وظاهِرُه: أنَّها لا تُشعَر؛ لعدم نقله، ولأنَّها ضعيفةٌ، والشَّعر يستر مَوضِعه، قال أحمد: البُدْنُ تُشْعَرُ، والغنمُ تُقلَّدُ

(5)

.

(وَإِنْ

(6)

نَذَر هَدْيًا مُطْلَقًا)؛ كقوله: لله علَيَّ هدْيٌ؛ (فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ شَاةٌ، أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ)؛ لأنَّ المطلقَ في النَّذر يجب حمله على المعهود الشَّرعيِّ، والهدْيُ الواجِبُ في الشَّرع من النَّعم ما ذكره؛ لقوله تعالى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البَقَرَة: 196].

(وَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً؛ أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ)؛ لإجزاء كلٍّ منهما عن سبعةٍ، ولموافقتها لها اشْتِقاقًا ونقْلاً.

(فَإِنْ عَيَّنَ

(7)

بِنَذْرِهِ)؛ بأن قال: هذا لله علَيَّ؛ (أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ، صَغِيرًا كَانَ

(8)

أَوْ كَبِيرًا)، سليمًا كان أو مريضًا؛ لأنَّ لفظه لم يتناول غيره، فيبرأ بصرفه إلَى مستحقِّه.

(1)

في (د) و (و): أو مجلله.

(2)

ينظر: التعليقة 2/ 532.

(3)

أخرجه البخاري (1696)، ومسلم (1321)، عن عائشة رضي الله عنها قالت:«فتلت قلائد بُدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرم عليه شيء كان أحل له» .

(4)

في (أ): بالعرف.

(5)

ينظر: التعليقة 2/ 534.

(6)

في (د) و (ز) و (و): وإذا.

(7)

زيد في (ب) و (ز): الهدي.

(8)

قوله: (كان) سقط من (ب) و (د) و (ز) و (و).

ص: 393

(مِنَ الْحَيَوَانِ) سواءٌ كان من بهيمة الأنعام أو من غيرها، فلو نذر جَذَعةً، وأخرج ثنيَّةً؛ فقد أحسن، (وَغَيْرِهِ

(1)

سواء كان منقولاً أو غيره؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ راح في السَّاعة الرَّابعة فكأنَّما قرَّب دجاجةً، ومَن رَاح في السَّاعة الخامسة؛ فكأنَّمَا قرَّب بيضةً»

(2)

.

(وَعَلَيْهِ إِيصَالُهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ)؛ لأنَّه سمَّاه هَدْيًا، فيُحمل على المشروع؛ لقوله تعالى:{ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحَجّ: 33].

ولا فرق بين المعيَّن والمطلَق، وهو ظاهرٌ في المنقول، نقل المرُّوذي فِيمَنْ جَعَلَ دراهمَ هدْيًا: فللحَرَم

(3)

، وفي «التَّعليق» و «المفردات» ، وهو ظاهر «الرِّعاية»: له [أن]

(4)

يبعثَ ثَمَنَ المنقول.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: أو يقوِّمه ويبعث القيمة.

وأمَّا غير المنقول؛ كالعقار ونحوه: باعه وبعث بثمنه إليهم؛ لتعذُّر إهدائه بعينه، فانصرف إلى بدله، يؤيِّده ما رُويَ عن ابن عمر: أن رجلاً سأله عن امرأةٍ نذرت أنْ تُهْديَ دارًا، فقال:«تبيعها، وتصَّدَّق بثمنها على فقراء الحرم»

(5)

.

(إِلاَّ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِمَوْضِعٍ سِوَاهُ) إذا لم

(6)

يكن معصيةً؛ لما روى أبو داود: أنَّ رجلاً سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي نذرت أن أذبح بالأبواء، قال

(7)

: «بِها صَنَمٌ؟»

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): أو غيره.

(2)

أخرجه البخاري (881)، ومسلم (850)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 93، مسائل ابن هانئ 1/ 149.

(4)

قوله: (أن) سقط من الأصل و (أ) و (د) و (ز) و (و). وفي (ب): أنه. والمثبت موافق لما في الفروع والإنصاف.

(5)

ذكره في المغني 11/ 353، ولم نقف عليه مسندًا.

(6)

قوله: (إذا لم) في (و): إلا أن.

(7)

في (د) و (و): فقال.

ص: 394

قال: لا، قال:«أَوْفِ بنذرك»

(1)

، ولأنَّه قصد نفْعَ أهله، فكان عليه إيصاله إليهم كأهل مكَّة، فعلَى هذا: يتعيَّن به ذبحًا، ويفرِّقه لفقرائه.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِهِ) التَّطوُّع؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحَجّ: 36]، ولأنَّه عليه السلام أكَلَ من بُدْنِه

(2)

.

وفي «المغني» و «الشرح» : لا فرق في الهدي بين ما أوجبه بالتَّعيين من غير أن يكون واجبًا في ذمَّته، وبين ما ذبحه تطوُّعًا؛ لاشتراك الكلِّ في أصل التَّطوُّع.

فإن أكلها كلها؛ ضمن المشروع للصَّدقة، كالأضحيَّة.

وذكر ابن عقيل: أنَّ في الأكل والتَّفرقة، كالأضحيَّة، وإن لم يأكل منها فحسَنٌ.

وأوجب بعض العلماء الأكل منه؛ لظاهر الأمر.

(وَلَا يَأْكُلُ مِنْ وَاجِبٍ)؛ لأنَّه وجب بفعلِ محظورٍ، أشْبَهَ جزاء الصَّيد، لكن اختار أبو بكرٍ والقاضي والمؤلِّف: الأكل من أضحية النَّذر؛ كالأضحية

(3)

علَى رواية وجوبها في الأصحِّ.

(إِلاَّ مِنْ دَمِ المُتْعَةِ وَالْقِرَانِ)؛ نَصَّ عليه

(4)

، واختاره الأكثرُ؛ لما صحَّ: «أنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تمتَّعْنَ معه في حجة الوداع، وأدخلت عائشةُ الحجَّ على العمرة حين حاضت، فصارت قارنةً، ثمَّ ذبح عنهنَّ البقر، فأكلْنَ من

(1)

أخرجه أبو داود (3313)، والطبراني في الكبير (1341)، والبيهقي في الكبرى (20139)، قال ابن عبد الهادي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن الملقن وابن حجر. ينظر: الصارم المنكي ص 309، البدر المنير 9/ 518، بلوغ المرام (1378).

(2)

كما في حديث جابر في الحج أخرجه مسلم (1218).

(3)

زيد في (و): وذكر ابن عقيل.

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 141.

ص: 395

لحمها»

(1)

، وقد ثبت: «أنَّه عليه السلام أمر مِنْ كلِّ بَدَنة ببَضْعة

(2)

، فجُعلت في قِدْرٍ، فأكل هو وعليٌّ من لحمها، وشربا من مَرَقِها» رواه مسلمٌ

(3)

، ولأنهما

(4)

دمُ نُسُك أشْبَها التَّطوع.

وظاهر الخرقي: لا يأكل من قِرانٍ، واعتذر عنه الزَّرْكَشِيُّ: بأنَّه اسْتَغْنَى بذكر التَّمتُّع عنه، وليس بظاهِرٍ.

وقال الآجري: ولا من دم متعةٍ، وقدَّمه فِي «الرَّوضة» .

وعنه: يأكل إلا من نذرٍ أو جزاء صَيدٍ؛ لأنَّه جعله لله، وجزاءُ الصَّيد بَدَلُ مُتْلَفٍ، وزاد ابنُ أبِي موسى: وكَفَّارَةٍ.

فَرعٌ: ما ملك أكْلَه؛ فله هديته

(5)

، وإلا

(6)

ضمنه بمثله؛ كبيعه وإتلافه، ويضمنه أجنبيٌّ بقيمته.

وإن

(7)

منع الفقراءَ منه حتَّى أنتن؛ ففي «الفصول» : عليه قيمتُه كإتلافه، وفي «الفروع»: يتوجه: يضمن نقصَه.

فائدةٌ: ذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين: (أنَّ كلَّ ما ذُبِح بمكَّة: يُسمَّى هدْيًا، وما ذُبِح بمِنًى، وقد سِيق من الحلِّ إلى الحرم

(8)

: هديٌ وأضحيَّةٌ، وما اشْتَراه بعرفات، وساقه إلَى مِنًى: فهو هدْيٌ باتِّفاق العلماء، وكذا ما اشتراه من الحرم، وذهب به إلى التَّنعيم، وإنِ اشتراه بمنًى وذبحه بها؛ فعن ابن عمر:

(1)

أخرجه البخاري (1709)، ومسلم (1211).

(2)

قوله: (ببضعة) سقط من (أ).

(3)

أخرجه مسلم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(4)

في (ز): ولأنها.

(5)

في (أ): هديه.

(6)

في (أ): ولا.

(7)

في (د): فإن.

(8)

قوله: (إلى الحرم) في (و): والحرم.

ص: 396

«ليس بهَدْيٍ»

(1)

، وعن عائشة:«هديٌ»

(2)

، وما ذبح يوم النَّحر بالحِلِّ: أضحيَّةٌ لا هدْيٌ)

(3)

.

(1)

تقدم تخريجه 4/ 391 حاشية (5).

(2)

أخرجه سعيد بن منصور كما في المحلى (5/ 172)، والبيهقي في الكبرى (10178)، من طرق عن إبراهيم قال: دعا الأسود مولى له، فأمره أن يخبرني بما قالت له عائشة، فقال: نعم، سألت عائشة أم المؤمنين، فقلت: أُعرِّف بالهدي؟ فقالت: «لا عليك ألاَّ تعرف به» ، وإسناده صحيح.

وأخرج ابن أبي شيبة (14977)، عن عبد الرحمن بن الأسود، قال:«حججت مع الأسود ومعه هدي كثير، فدخل على عائشة فسألها، فرأيته خَلَّفه بمنى لم يُعرِّفه» ، وإسناده صحيح.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 26/ 137.

ص: 397

(فَصْلٌ)

(وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) في قول أكثر العلماء؛ لأنَّه عليه السلام فَعَلَها، وحثَّ عليها

(1)

، وعن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «ثلاثٌ كُتِبْنَ علَيَّ، وهنَّ لكم تطوُّعٌ: الوتْر، والنَّحر، وركعتا

(2)

الفجر» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ

(3)

، ولقوله عليه السلام:«مَنْ أراد أنْ يُضَحِّيَ»

(4)

، فعلَّقه علَى الإرادة، والواجب لا يعلَّق عليها، وفيه شَيءٌ؛ لقوله:«من أراد الجمعة فليغتسل»

(5)

، ولَم يدلَّ على عدم الوجوب، ولأنَّها ذبيحةٌ لم يجب تفريقُ لحمها؛ فلَمْ تكن واجبةً؛ كالعقيقة.

وعنه: واجبةٌ، اختارها أبو بكر؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ كان له سعة فلم

(6)

(1)

أما فعله: فأخرجه البخاري (5558)، ومسلم (1966)، عن أنس رضي الله عنه قال:«ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين» الحديث. وأما حثُّه، فمنه: حديث مخنف بن سليم رضي الله عنه مرفوعًا: «يا أيها الناس! إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة» ، أخرجه أبو داود (2788)، والترمذي (1518)، والنسائي في الكبرى (4536)، وابن ماجه (3125)، من طريق أبي رملة عن مخنف، وأبو رملة اسمه عامر، وهو مجهول، وضعفه الخطابي بذلك، وكذا ضعفه الإشبيلي وابن القطان، لكن تابعه عبد الكريم بن أبي المخارق عند أحمد (20730) وهو ضعيف، قال الترمذي:(حسن غريب)، وقال ابن حجر:(سنده قوي)، ويدل لحثه أيضًا حديث:«مَنْ كان له سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا» ، وسيأتي تخريجه 4/ 399. ينظر: معالم السنن 2/ 226، بيان الوهم والإيهام 3/ 577، الفتح 10/ 4.

(2)

في (أ): وركنا.

(3)

أخرجه أحمد (2050)، والدارقطني (1631)، والحاكم (1119)، وفي سنده: يحيى بن أبي حية، أبو جناب الكلبي وهو ضعيف، قال ابن الملقن:(رواه البيهقي، وضعفه، وقال: لم يثبت في هذا إسناد)، وله طرق أخرى ضعيفة. ينظر: خلاصة البدر 2/ 170، التلخيص الحبير 2/ 45.

(4)

أخرجه مسلم (844)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

أخرجه البخاري (877، 894)، ومسلم (844) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(6)

في (أ): ولم.

ص: 398

يُضَحِّ؛ فلا يَقْربَنَّ مُصلاَّنا»

(1)

.

وعنه: تَجِبُ على حاضِرٍ.

وعنه في اليتيم: يُضَحِّي عنه وَلِيُّه إذا

(2)

كان موسِرًا، فأخذ منها أبو الخطَّاب: الوجوبَ، وليس كذلك؛ لأنَّ هذا علَى سبيل التَّوسعة، لا الإيجاب

(3)

.

أصْلٌ: المضحِّي مسلم تامٌّ مِلكُه، ولو

(4)

مكاتبًا بإذْنِ سيِّده، وفيه وَجْهٌ بمنعه؛ لأنَّه تَبَرُّعٌ، وهو ممنوعٌ منه.

ومَنْ نِصفُه حُرٌّ، إنْ مَلَكَها بجزئه الحُرِّ؛ فله أنْ يُضَحِّيَ مُطْلَقًا.

إلاَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكانتْ واجبةً عليه.

(وَلَا تَجِبُ إِلاَّ بِالنَّذْرِ)؛ كالهدْي.

وله الأكلُ منها، جزم به جماعةٌ، وظاهِرُ كلام أحمدَ: منعُه منه

(5)

؛ كالهدي المنذور، والفَرْقُ واضِحٌ.

(وَذَبْحُهَا) هي والعقيقة

(6)

(أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا)؛ لأنَّه عليه السلام والخلفاء بعده واظَبُوا عليها، وعَدَلُوا عن الصَّدقة بثمنها

(7)

، وهم لا يواظِبُون إلاَّ علَى الأفضل.

(1)

أخرجه أحمد (8273)، وابن ماجه (3123)، والدارقطني (4762)، والحاكم (7565)، من طريق عبد الله بن عياش، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه به مرفوعًا، وعبد الله بن عياش ضعفه أبو داود والنسائي، وقال أبو حاتم:(صدوق ليس بالمتين)، قال الذهبي:(حديثه في عِداد الحسن)، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح وقفه الترمذي والطحاوي وابن عبد الهادي وابن حجر. ينظر: تنقيح التحقيق 3/ 564، المحرر (741)، السير 7/ 344، الفتح 10/ 3.

(2)

في (ب) و (د) و (و): إن.

(3)

قوله: (لا الإيجاب) سقط من (ب) و (و).

(4)

زيد في (ب) و (و): كان.

(5)

في (ب) و (و): له.

(6)

قوله: (هي والعقيقة) سقط من (ز).

(7)

قوله: (بثمنها) سقط من (ب) و (و).

ص: 399

وهي عن ميتٍ أفضلُ، ويعمل بها كأضحيَّة الحيِّ.

(وَالسُّنَّةُ

(1)

أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَهَا، وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا، وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا)، نَصَّ عليه

(2)

؛ لقول ابن عمر: «الهدايا والضَّحايا: ثُلثٌ لك، وثُلثٌ لأهلك، وثُلثٌ للمساكين»

(3)

، وهو قول ابن مسعودٍ

(4)

، ولم يُعرَف لهما مخالِفٌ من

(5)

الصحابة؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحَجّ: 36]، فالقانع: السَّائل، والمعترُّ: الذي يعتريك؛ أي: يتعرَّض لك لتُطْعِمَه ولا يسأل، وقال إبراهيم وقتادة: (القانع: الجالس

(6)

في بيته، المتعفِّف، يَقنَع بما يعطى ولا يسأل، والمعتر: السَّائل)

(7)

.

وحينئذ فيُقسَم أثلاثًا، وأوجبه أبو بكرٍ، والمشروع أن يأكل الثُّلُث، ولو قيل بوجوبها، وأن يُهدِيَ الثُّلُث، ولو لكافِرٍ إن كانت تطوُّعًا، وأنْ يتصدَّق بثُلُثها ما لم يكن ليتيمٍ ومكاتَبٍ.

(فَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ؛ جَازَ)؛ حتَّى لو لم يَبْق منها إلاَّ أُوقِيَّةٌ؛ لأنَّ الأمْرَ بالأكْلِ والإطعامِ مُطْلَقٌ، فيَخرُج عن العُهْدة بصدقة الأقلِّ.

(1)

في (أ): وله.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2202، مسائل عبد الله ص 262.

(3)

علَّقه ابن حزم في المحلى (5/ 313)، من طريق وكيع، عن ابن أبي روَّاد، عن نافع عنه. ولا بأس بإسناده، عبد العزيز بن أبي روَّاد متكلم فيه، وحديثه في الجملة حسن.

(4)

أخرجه ابن أبي عروبة في المناسك (110)، وأبو يوسف في الآثار (582)، وابن أبي شيبة (13190)، والطبراني في الكبير (9702)، والبيهقي في الكبرى (10238)، من طرق عن إبراهيم، عن علقمة، قال: بعث معي عبد الله بهديه، وأمرني إن نحرته؛ أن أتصدق بثُلثه، وآكل ثُلثًا، وأبعث إلى أهل أخيه بثُلث. وإسناده صحيح.

(5)

في (أ): في.

(6)

هنا انتهت النسخة (د).

(7)

ينظر: تفسير الطبري 16/ 564.

ص: 400

(وَإِنْ أَكَلَهَا كُلَّهَا؛ ضَمِنَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي

(1)

الصَّدَقَةِ مِنْهَا)؛ للأمر بالإطعام منها، فعلى هذا: يضمنه بمثله لحمًا، وهو الأوقية، وقيل: العادة، وقيل: الثُّلُث، وحكاه أبو الخطَّاب منصوصَ أحمدَ، ويتوجَّه: لا يَكْفِي التَّصدُّقُ بالجلد والقرن.

فرعٌ: يُعتبَر تمليكُ الفقير، فلا يكفي إطعامُه.

ويجوز ادِّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثٍ في قول الأكثر، وتحريمه منسوخٌ، نَصَّ عليه

(2)

.

وفي «الفروع» ويتوجَّه احتِمالٌ: لا في مجاعة؛ لأنَّه سبب تحريم الاِدِّخار.

(وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ)، أو يُضحَّى عنه، (فَدَخَلَ العَشْرُ؛ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ، وَبَشَرَتِهِ)، وظفره (شَيْئًا)؛ لما روت أمُّ سلمةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أراد أنْ يُضَحِّيَ فدخل العشْرُ، فلا يأخُذْ من شعره وبَشَرَته شيئًا حتَّى يُضحِّيَ» ، وفي لفظٍ:«ولا مِنْ أظفاره» رواهما مسلِمٌ

(3)

.

(وَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما: يحرم، وهو ظاهر ما نقله الأثرم

(4)

، وقدَّمه في «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ، وقاله سعيد بن المسيب وإسحاق؛ لأنَّ ظاهر النَّهي التَّحريم، وللتشبه

(5)

بالمُحرِم، وفيه نظرٌ؛ لأنَّه لا يعتزل النِّساء، ولا يترك الطِّيِّب واللِّباس، والأولَى فيه: أن يبقى كاملَ الأجزاء؛ ليعتق من النار

(6)

.

(1)

في (أ): من.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2201، زاد المسافر 4/ 42.

(3)

أخرجه مسلم (1977).

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2226، مسائل صالح 1/ 450، مسائل عبد الله ص 262.

(5)

في (ب) و (و): وللتشبيه.

(6)

قوله: (وللتشبه بالمحرم، وفيه نظر؛ لأنه

) إلى هنا سقط من (ز).

ص: 401

والثَّاني: يُكرَه، وهو قول القاضي وغيره، وقدَّمه في «المحرر»؛ لقول عائشة: «كنت أفتِلُ

» الخبر

(1)

، وكما لو لَم يرد أن يضحِّيَ.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ إذ لا حكم للقياس معه، وحديثنا خاصٌّ فيقدَّم، ولعلها إنما أرادت: ما يتكرر؛ كاللباس، وهو قول فيُقدَّم على الفعل؛ لاحتمال أن يكون خاصًّا به.

فعلى المذهب: إن فعل؛ استغفر الله تعالى، ولا فدية عليه مطلقًا.

ويستحب الحلق بعد الذبح، وظاهره: ولو كان له ذبائح، قال أحمد: (على ما فعل

(2)

ابن عمر

(3)

؛ تعظيمًا لذلك اليوم)

(4)

، ولأنه كان ممنوعًا قبله، فاستُحِبَّ له ذلك كالمُحْرم.

وعنه: لا، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(5)

.

(1)

أخرجه البخاري (1702)، ومسلم (1321)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(2)

في (ب) و (و): فعله.

(3)

أخرجه مالك (2/ 483)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (19190)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر ضحى مرة بالمدينة، قال نافع:«فأمرني أن أشتري له كبشًا فَحيلاً أقرن، ثم أذبحه يوم الأضحى في مصلى الناس، ففعلت، ثم حمل إلى عبد الله بن عمر؛ فحلق رأسه حين ذبح الكبش، وكان مريضًا لم يشهد العيد مع الناس» ، قال نافع: وكان عبد الله بن عمر يقول: «ليس حلاق الرأس بواجب على من ضحى» ، وقد فعله ابن عمر. وإسناده صحيح.

(4)

ينظر: زاد المسافر 4/ 38، الفروع 6/ 103.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 103، الاختيارات ص 178.

ص: 402

(فَصْلٌ)

(وَالْعَقِيقَةُ) في الأصل: شعر كل مولود من الناس والبهائم الذي يولد وهو عليه، قاله الجوهري

(1)

.

ونقل الأزهري

(2)

عن أبي عبيد: أنَّ الأصمعي قال: هي الشَّعر الذي يكون على رأس الصَّبيِّ حين يولد، وسمِّيت الشَّاة المذبوحة عقيقةً: على عادتهم من تسمية الشَّيء باسم سببه، ثمَّ اشتهر ذلك، فلا

(3)

يفهم منها عند الإطلاق غيرها.

وأنكر أحمد هذا التفسير، قاله ابن عبد البر

(4)

، وفسرها إمامنا: بأنها الذبح نفسه

(5)

؛ لأن أصل

(6)

العق: القطع، ومنه: عقَّ والديه؛ أي: قطعهما، والذبح: قطع الحلقوم والمريء.

وهي

(7)

(سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) في قول الجمهور، قال

(8)

أحمد

(9)

: (العقيقة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عقَّ عن الحسن والحسين

(10)

، وفعله

(11)

(1)

ينظر: الصحاح 4/ 1527.

(2)

ينظر: تهذيب اللغة 1/ 74.

(3)

في (ز) و (و): ولا.

(4)

ينظر: التمهيد 4/ 310.

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 342.

(6)

في (و): الأصل.

(7)

في (ب) و (و): وهو.

(8)

في (و): قاله.

(9)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 130.

(10)

سيأتي تخريجه 4/ 405 حاشية (5).

(11)

في (أ): ونقله.

ص: 403

أصحابه

(1)

؛ لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال: «لا أحبُّ العقوق» ، فكأنه كره الاسم، وقال:«مَنْ وُلِد له مولودٌ فأحبَّ أنْ يَنسك عنه فليَفْعل» رواه مالكٌ

(2)

.

وعنه: واجبة، اختاره أبو بكر وأبو إسحاق البرمكي وأبو الوفاء، وقاله الحسن وداود

(3)

؛ لما روى الحسن عن سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ غُلامٍ مُرتَهَنٌ بعقيقتِه، تُذبَحُ عنهُ يومَ سابعِه، ويُسمَّى، ويُحلَق رأسُه» رواه الخمسة، وصحَّحه التِّرمذيُّ، وقال أحمد والنسائي: لم يسمع الحسن منه

(4)

.

والجواب: بأنه

(5)

يحمل على تأكد الاستحباب، بدليل الأمر بالتسمية والحلق.

(1)

من ذلك: ما أخرجه مالك (2/ 501)، وعبد الرزاق (7964)، وابن أبي شيبة (24248)، والبيهقي في الكبرى (19284)، عن نافع:«أن عبد الله بن عمر لم يكن يسأله أحد من أهله عقيقة، إلا أعطاه إياها، وكان يعق عن ولده بشاة شاة عن الذكور والإناث» ، وإسناده صحيح.

(2)

أخرجه مالك (2/ 500)، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بني ضمرة، عن أبيه أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة؟ فقال: «لا أحب العقوق» ، فذكره، وأخرجه أحمد (6713)، وأبو داود (2842)، والنسائي (4212)، والحاكم (7592)، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وصححه الحاكم، وقال ابن حجر:(ويقوى أحد الحديثين بالآخر)، وحسنه الألباني. ينظر: الفتح 9/ 588، السلسلة الصحيحة (1655).

(3)

ينظر: المحلى 6/ 234.

(4)

أخرجه أحمد (20188)، وأبو داود (2838)، والترمذي (1522)، والنسائي (4220)، وابن ماجه (3165)، من حديث قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه مرفوعًا، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصحح ابن المديني والبخاري سماع الحسن من سمرة، قال النسائي:(الحسن عن سمرة كتاب، ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة)، وصحح الحديث الحاكم وابن الملقن، وقال ابن حجر:(وأعلَّ بعضهم الحديث بأنه من رواية الحسن عن سمرة وهو مدلس، لكن روى البخاري في صحيحه من طريق الحسن أنه سمع حديث العقيقة من سمرة). ينظر: التلخيص الحبير 4/ 362، النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/ 40، الإرواء 4/ 385.

(5)

في (أ): أنه.

ص: 404

وهي سنة على الأب؛ غنيًّا كان الولد

(1)

أو فقيرًا.

(وَالمَشْرُوعُ أَنْ يَذْبَحَ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ)؛ لما روت أمُّ كُرْز قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «عن الغلام شاتان متكافئتان

(2)

، وعن الجارية شاة» رواه أبو داود

(3)

، متقاربتان في السن والشبه، نَصَّ عليه

(4)

، فإن عدم فواحدة، وعليه يُحمل ما روي:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين شاةً شاةً» رواه أبو داود

(5)

، أو ليبين الجواز.

(وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ)؛ لحديث أمِّ كرز، ولأنَّها على النِّصف من أحكام الذَّكر.

فإن عدم؛ اقترض، قال الشَّيخ تقي الدين: إذا كان له وفاءٌ

(6)

.

(1)

يوضحه ما في نيل المآرب 1/ 316: (ولو كان الأب معسرًا، غنيًّا كان الولد أو فقيرًا).

(2)

في (و): متكافئان.

(3)

أخرجه أحمد (27142)، وأبو داود (2834)، والترمذي (1516)، والنسائي (4216)، وابن حبان (5313)، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وابن القيم وابن الملقن، ينظر: تحفة المودود ص 66، البدر المنير 9/ 277.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 342.

(5)

أخرجه أحمد (23001)، وأبو داود (2843)، والنسائي (4213)، من طريق حسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعًا، وحسين بن واقد ثقة له أوهام، وقال ابن حجر:(سنده صحيح)، وقال الألباني:(على شرط مسلم)، وله شاهد من حديث عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن، والحسين كبشًا كبشًا» ، أخرجه أبو داود (2841)، والنسائي (4219)، والبيهقي في الكبرى (19267)، صححه ابن الجارود وابن حزم والإشبيلي وابن دقيق العيد، ورجح أبو حاتم إرساله، وفي لفظ النسائي:«كبشين كبشين» . وأخرج الترمذي (1519)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه:«عقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة» ، قال الترمذي:(إسناده ليس بمتصل)، وصحح الحديث من جميع طرقه ابن الملقن، والألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 543، البدر المنير 9/ 340، التلخيص الحبير 4/ 363، الإرواء 4/ 379.

(6)

ينظر: الاختيارات ص 178.

ص: 405

(يَوْمَ سَابِعِهِ)، قال في «الرَّوضة»: من ميلاد الولد، وفي «المستوعب» وغيره: ضحوة، وينويها عقيقةً.

وظاهره: أن جميع العقيقة تذبح يوم السابع.

وقال ابن البناء: تذبح إحدى الشَّاتين يوم ولادته، والأخرى يوم السابع

(1)

.

والأول هو المعروف.

ويسمَّى فيه، وفي «الشرح»: وإن سمَّاه قبله؛ فحسَنٌ.

وذكر ابن حزمٍ: (أنَّ المولود إذا مضت له سبعُ ليالٍ؛ فقد استحقَّ التَّسمية؛ فقومٌ

(2)

قالوا: حينئِذٍ، وقومٌ قالوا: حال ولادته)

(3)

.

(وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ)؛ أي: رأس الغلام، قال في «النهاية»: ورأسَها. والظَّاهر: أنَّه مختصٌّ بالذَّكر.

ويكره لطخه بدم، ونقل حنبل: سنَّةٌ

(4)

؛ لأنَّ في حديث سمرة: «تذبح عنه يوم السَّابع، ويُدمى»

(5)

.

(1)

في (ب) و (ز): سابعه.

(2)

في (و): فيقوم.

(3)

ينظر: مراتب الإجماع ص 154.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 111.

(5)

لفظة: «ويدمى» ، أخرجها أحمد (20083)، وأبو داود (2837)، والبيهقي في الكبرى (19290)، وغيرهم، وتفرد بها همام عن قتادة، قال أبو داود:(خولف همام في هذا الكلام، وهو وهم من همام، وإنما قالوا: «يسمى»، فقال همام: «يدمى»)، قال أبو داود:(وليس يؤخذ بهذا)، وكذا قال ابن عبد البر والألباني وغيرهم، وانتصر لها ابن حزم وابن حجر، وذلك لأن همامًا ثبتٌ، وفي الرواية أنهم سألوا قتادة عن صفة التدمية المذكورة فوصفها لهم. ينظر: الاستذكار 5/ 320، المحلى 6/ 236، زاد المعاد 2/ 298، التلخيص الحبير 4/ 362، الإرواء 4/ 387.

ص: 406

والأوَّل أَوْلَى، قال أحمد

(1)

: (قال

(2)

ابن أبي عروبة: يسمى، وقال همَّامٌ: يُدمى، ما أراه إلا خطأ)، وقيل: هو

(3)

تصحيفٌ

(4)

من الراوي، يعضده: أن مهنى ذكر لأحمد حديث يزيد المزني، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُعَقُّ عن الغلام، ولا يُمسُّ رأسه بدمٍ»

(5)

، قال:(ما أظرفه)

(6)

، ولأنَّه يتنجس

(7)

، فلا يُستحَبُّ؛ كلطخه بغيره من النَّجاسات.

(وَيَتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ وَرِقًا

(8)

؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة

(9)

لمَّا ولَدَتِ الحسن: «احْلِقِي رأسَه، وتصدَّقِي بوزن شَعْره فِضَّةً على المساكين» رواه أحمد

(10)

.

قال في «الروضة» : ليس في حلق رأسه ووزن شعره سنةٌ وَكِيدةٌ، وإن

(1)

ينظر: المغني 9/ 462.

(2)

في (و): وقال.

(3)

قوله: (هو) سقط من (ب) و (و).

(4)

قوله: (وقيل: هو تصحيف) سقط من (ز).

(5)

أخرجه ابن ماجه (3166)، من طريق أيوب بن موسى، أنه حدثه أن يزيد بن عبد المزني حدثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، قال أبو حاتم:(مرسل)، قال ابن حجر:(فإن يزيد لا صحبة له)، وأخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (1052)، والطبراني في الأوسط (333)، عن أيوب بن موسى، أن يزيد بن عبد الله المزني، حدثه عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر:(ولم تثبت صحبة أبيه أيضًا)، وصححه الألباني بشواهده. ينظر: المراسيل لابن أبي حاتم ص 135، الفتح 9/ 594، الإصابة 5/ 563، السلسلة الصحيحة (2452).

(6)

ينظر: المغني 9/ 462.

(7)

في (ب) و (و): ينجس.

(8)

كتبت في الأصل و (أ): (فضة). وكتب على هامشها: ورقًا.

(9)

قوله: (لفاطمة) سقط من (أ) و (و).

(10)

أخرجه أحمد (27183)، والطبراني في الكبير (917)، من طريق شريك بن عبد الله، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن حسين، عن أبي رافع به مرفوعًا، وشريك هو النخعي سيئ الحفظ، لكن تابعه عبيد الله بن عمرو الرقي - وهو ثقة - عند أحمد (27196)، وحسنه الألباني، وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند الترمذي (1519)، وإسناده منقطع. ينظر: الإرواء 4/ 403.

ص: 407

فعل

(1)

فحسن، والعقيقة هي السُّنَّة.

فرعٌ: يؤذَّن في أُذنه حين يولد

(2)

؛ لأنه «عليه السلام أذَّن في أُذُن الحسين

(3)

حين ولد بالصَّلاة» صححه أبو داود

(4)

، وفي «الرعاية»: ويقيم في اليسرى، ويحنِّكه بتمر، وهو: أن يَمضَغَه ويَدلُك به

(5)

حَنَكه؛ للخبر

(6)

، فإن لَم يكن تَمْرٌ؛ فبِشَيءٍ حُلْوٍ.

(1)

في (و): فعله.

(2)

في (ب) و (ز) و (و): ولادته.

(3)

في (ب): (الحسن)، وهو الصواب.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وفي نسخة مودعة في دارة الملك عبد العزيز (524)، ولم تعتمد في التحقيق:(الترمذي). وهو الصواب.

والحديث أخرجه أحمد (23869)، وأبو داود (5105)، والترمذي (1514)، والحاكم (4827)، وفي سنده عاصم بن عبيد الله العمري، وهو ضعيف، وصحح الحديث الترمذي والحاكم، وحسنه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 367، الإرواء 4/ 400.

(5)

قوله: (به) سقط من (أ).

(6)

أخرجه البخاري (1502)، ومسلم (2144)، من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 408

(فصْلٌ)

«أحبُّ الأسماء إلَى الله: عبد الله وعبد الرحمن» ، قاله النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، رواه مسلمٌ

(1)

.

ويستحب

(2)

أن يحسِّن اسمه؛ لقوله عليه السلام: «إنَّكم تُدْعَوْن يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحْسِنُوا أسماءَكم» رواه أبو داود

(3)

.

قال

(4)

ابن عبد البَرِّ: (قال ابن القاسم: سَمِعْتُ مالكًا يقول: سمعتُ أهلَ مكَّة يقولون: ما من أهْلِ بيتٍ فيهم اسمُ محمَّدٍ؛ إلاَّ رُزِقوا ورُزِق خيرًا

(5)

(6)

.

ولا يُكْرَه بأسماء الأنبياء، وعن سعيد بن المسيِّب:(أنَّه أحبُّ الأسماء إلَى الله تعالَى)

(7)

.

ولا يُكرَه بجبريل

(8)

، وياسين.

ويكره حرْبٌ، ومُرَّة، وبَرَّة، ونافعٌ، ويَسَارٌ، وأفلح، ونَجيح، وبركة، ويعلى، ومُقبل، ورافع، ورَباح.

(1)

أخرجه مسلم (2132)، ولفظه:«إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن» .

(2)

في (ز): أو يستحب.

(3)

أخرجه أحمد (21693)، وأبو داود (4948)، وابن حبان (5818)، من طريق عبد الله بن أبي زكريا، عن أبي الدرداء، وهو منقطع، قال أبو داود:(ابن أبي زكريا لم يدرك أبا الدرداء)، وقال البيهقي:(هذا مرسل)، وقال النووي:(إسناده جيد)، وصححه ابن حبان، وحسن إسناده ابن القيم. ينظر: تحفة المودود ص 111، تخريج الإحياء ص 494.

(4)

في (ب) و (و): وقال.

(5)

في (ب) و (ز) و (و): جيرانهم.

(6)

ينظر: بهجة المجالس ص 27.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة (25910).

(8)

في (و): لجبريل.

ص: 409

قال

(1)

القاضِي: وكل

(2)

اسمٍ فيه تفخيمٌ وتعظيمٌ؛ كالملك، بخلاف حاكم الحكَّام، وقاضِي القضاة؛ لعدم التَّوقيف، وبخلاف الأوحد، فإنَّه يكون في الخير والشَّرِ، ولأنَّ الملِك هو المستحِقُّ للملك، وحقيقتُه: إمَّا التَّصرُّف التَّامُّ، أو التصرف الدَّائم، ولا يَصِحَّان إلاَّ لله تعالى، ولأحمدَ:«اشتدَّ غضب الله تعالَى علَى رَجُلٍ يُسَمَّى بملك الأملاك، لا ملك إلا الله»

(3)

.

وأفْتَى أبو عبد الله الصيمري

(4)

الحَنَفِيُّ

(5)

، وأبو الطَّيِّب الطَّبَريُّ الشَّافِعِيُّ، وأبو الحسن

(6)

التَّميميُّ الحنبلِيُّ: بالجواز، والماوَرْدِيُّ بعدَمه

(7)

، وجزم به في «شرح مسلمٍ»

(8)

.

ويَحْرُم عبد العُزَّى، وعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشْبَهُه، حكاه ابنُ حزمٍ اتِّفاقًا

(9)

.

(1)

في (ب) و (و): وقال.

(2)

في (ب) و (و): كل.

(3)

أخرجه أحمد (10384)، وإسحاق بن راهويه (501)، والحاكم (7724)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وهو من رواية خلاس بن عمرو الهجري عن أبي هريرة، قال أحمد:(لم يسمع من أبي هريرة شيئًا)، وأصله في البخاري (6206)، ومسلم (2143) بلفظ:«أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك» . ينظر: جامع التحصيل ص 172.

(4)

في (و): الضيمري. وفي (أ): الضميري.

(5)

هو: الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الصيمري، قاض فقيه، شيخ الحنفية ببغداد، أصله من صيمر من بلاد خوزستان، من مصنفاته: مناقب الإمام أبي حنيفة، ومسائل الخلاف في أصول الفرق، توفي سنة 436 هـ. ينظر: الجواهر المضية 1/ 214، سير أعلام النبلاء 17/ 615.

(6)

في (أ): الحسين.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 105.

(8)

ينظر: شرح مسلم 14/ 121.

(9)

ينظر: مراتب الإجماع ص 154.

ص: 410

وصحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم غيَّر الاسم إلَى آخَرَ؛ فسمَّى حَرْبًا سِلْمًا، والمضْطجِع المنبَعِث، وشهابًا هشامًا

(1)

.

وأمَّا اللَّقب بكمال

(2)

الدِّين، وشَرَف الدِّين؛ فله تأويلٌ صحيحٌ: أنَّ الدِّين أكمله وشرَّفه لا العَكْسُ، قاله ابنُ هُبَيرةَ

(3)

.

وبالجملة: مَنْ لُقِّب بما يصدِّقُه فِعْلُه؛ جاز، ويحرم ما لَمْ يَقَعْ علَى مخرج صحيحٍ.

ويجوز التَّكَنِّي، وأنْ يُكنَّى الإنسانُ بأكْبَرِ أولاده.

ويُكْرَه بأبِي عيسى، احتجَّ به أحمدُ

(4)

، وفي «المستوعب» وغيره: وبأبِي يحيى.

وهل يُكْرَه بأبِي القاسم أمْ لا؟ أمْ يُكْرَه لمن اسْمُه محمَّدٌ فقطْ؟ فيه رواياتٌ، ولا يَحْرُمُ.

(1)

أما تغيير حرب إلى سلم: فلم نقف عليه، وذكرها جميعًا أبو داود في سننه (4956).

وأما تغيير المضطجع إلى المنبعث: فأخرجه ابن أبي شيبة (25898) عن هشام بن عروة، عن أبيه:«كان اسم رجل المضطجع فسماه المنبعث» ، وهو مرسل.

وأما تغيير شهاب إلى هشام: فأخرجه أحمد (24465) والبخاري في الأدب (825)، والحاكم (7732)، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول لرجل: ما اسمك؟ قال: شهاب، فقال:«أنت هشام» ، وصححه الحاكم، وحسنه الألباني كما في الصحيحة (215).

(2)

في (أ): فكمال.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 114.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4872. قلت: يكره أن يكنى بأبي عيسى؟ قال: (عمر رضي الله عنه كره أبا عيسى).

والأثر الذي احتج به أحمد: أخرجه ابن شبَّة في تاريخ المدينة (2/ 752)، عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: جاءت أم ولد لعبد الرحمن، فقالت: إن أبا عيسى لا ينفق عليَّ ولا يكسوني. قال: «ويحك، من أبو عيسى؟» ، قالت: ابنك عبد الرحمن، فقال:«وهل لعيسى من أب؟!» ، وذكر القصة. وإسنادها صحيح.

ص: 411

ونقل حنبَلٌ: لا يُكَنَّى به، واحتجَّ بالنَّهي

(1)

، فظاهره

(2)

: يَحْرُم.

ويجوز تلقيبه: أبا فلانٍ، وأبا فلانةَ، وتلقيبها: أمَّ فُلَانٍ وأمَّ فُلانةَ، وتكنية الصَّغير، وذكره بعضُهم إجماعًا

(3)

.

ولَمْ يذكُرُوا المرخَّم والمصغَّر، وهو في الأخبار؛ كقوله عليه السلام:«يا عائشُ»

(4)

، «يا فاطِمُ»

(5)

، وكقول أم سُلَيمٍ: يا رسول الله: «خُوَيدِمُك أُنَيْسٌ ادْعُ الله له

(6)

»

(7)

، قال في «الفروع»: (فيتوجه الجواز

(8)

، لكن مع عدم

(9)

الأذى).

والغلام، والجارية، والفتى، والفتاة؛ تطلق على الحرِّ والمملوك، ولا يقل: عبدي وأَمَتي، كلكم عبيد الله، وإماء الله، ولا يقل العبد لسيِّده: ربِّي، وفي «مسلم»:«ولا مَولايَ؛ فإنَّ مَوْلاكم اللهُ»

(10)

، وظاهِرُه: التَّحريم،

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 573.

والنهي أخرجه البخاري (110)، ومسلم (2134)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي» ، ومن حديث جابر رضي الله عنه عند البخاري (3115)، ومسلم (2133)، نحوه.

(2)

في (ب) و (و): وظاهره.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 114.

(4)

أخرجه البخاري (3768)، ومسلم (2447).

(5)

أخرجه مسلم (204)، قال النووي:(قوله صلى الله عليه وسلم: «يا فاطمة أنقذي نفسك»، هكذا وقع في بعض الأصول: «فاطمة»، وفي بعضها أو أكثرها: «يا فاطم» بحذف الهاء على الترخيم). ينظر: شرح صحيح مسلم 3/ 80.

(6)

قوله: (له) سقط من (أ).

(7)

أخرجه مسلم (2481).

(8)

قوله: (فيتوجه الجواز) سقط من (أ).

(9)

قوله: (عدم) سقط من (أ).

(10)

أخرجه البخاري (2552)، ومسلم (2249).

ص: 412

وجزم

(1)

جماعةٌ: بأنه

(2)

يُكْرَه.

(فَإِنْ فَاتَ)؛ أي: الذَّبْحُ في السَّابع؛ (فَفِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِنْ فَاتَ؛ فَفِي إحْدَى وَعِشْرِينَ)، نقله صالحٌ

(3)

، وهو قَوْلُ إسحاقَ، ورُوِيَ عن عائشةَ

(4)

، والظَّاهِرُ أنها

(5)

لا تقوله

(6)

إلاَّ عن تَوقِيفٍ.

فلو ذبح قبل ذلك أو بعده؛ أجزأ؛ لحصول المقصود، لكن ما ذكره هو السُّنَّة.

فإن تجاوز إحدى وعشرين؛ فوجهان:

أحدهما: يُستحَبُّ في كلِّ سابِعٍ، فيذبح في ثمانٍ وعشرين، ثمَّ في خمسٍ وثلاثين، ثمَّ كذلك.

(1)

زيد في (ب) و (و): به.

(2)

في (ب) و (و): أنه.

(3)

ينظر: مسائل صالح 2/ 210.

(4)

أخرجه الحاكم (7595)، من طريق عطاء، عن أم كرز وأبي كرز، قالا: نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبي بكر إن ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزورًا، فقالت عائشة رضي الله عنها:«لا، بل السنة أفضل؛ عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة، تقطع جدولاً ولا يُكسر لها عظم، فيأكل ويطعم ويتصدق، وليكن ذاك يوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشر، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين» ، ولا بأس برجاله، وصحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي، وأعله الألباني بالانقطاع بين عطاء بن أبي رباح وأم كرز، فإنه لم يسمع منها كما قال ابن المديني، إلا أنه قد روي بذكر الواسطة بينهما: أخرجه إسحاق في مسنده (1292)، عن عطاء، عن أبي كرز، عن أم كرز، ولم نعرف حال أبي كرز، ولا إن كان عطاء قد سمع منه.

وأخرجه ابن أبي شيبة (24263)، وإسحاق (1293)، عن عطاء، عن عائشة، وهو مرسل، قال أحمد:(رواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلا يقول: سمعت)، والأثر احتج به أحمد في مسائل الميموني كما في تحفة المودود ص 62، وأعل الألباني قوله:«تقطع جدولاً» إلى آخر الأثر، بالشذوذ والإدراج. ينظر: جامع التحصيل ص 237، الإرواء 4/ 396.

(5)

في (ز) و (و): أنه.

(6)

في (و): لا يقوله.

ص: 413

والثَّاني، وهو الأشهر: أنَّه لا تُعتَبَرُ الأسابيعُ بعد الثَّلاث، بل يُفعَل في كلِّ وقتٍ؛ لأنَّ هذا قضاءٌ، فلم يتوقَّف؛ كالأضحيَّة. وعنه: يَختَصُّ بالصغر

(1)

، فإن لم يُعَقَّ عنه أصلاً حتَّى بلغ وكسب؛ فقال أحمد: ذلك على الوالد

(2)

؛ يعني: لا يَعُقُّ عن نفسه؛ لأنَّ السُّنَّة في حقِّ غيره.

وذكر في «المستوعب» و «الرعاية» و «الروضة»

(3)

: أنَّه يَعُقُّ عن نفسه، كما يُشرَع له فَكاكُ نفسه.

(وَيَنْزِعُهَا أَعْضَاءً)؛ أي: يقطع

(4)

كلَّ عضوٍ من مَفْصِلِه؛ تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود.

(وَلَا يَكْسِرُ عَظْمَهَا)؛ لما روى أبو داود في «مراسيله» : عن جعفر، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة عن الحَسَن والحُسَينِ:«ابْعَثُوا إلَى أهل بيت القابِلَة برِجْلٍ، وكُلُوا وأطْعِمُوا، ولا تَكْسِروا منها عَظْمًا»

(5)

.

وفي «التنبيه» : تعطى القابلةُ منها فخِذًا.

وطبخها أفضلُ، نَصَّ عليه

(6)

، فيدعو إليها

(7)

إخوانه فيأكلوا.

وفي «المستوعب» : ومنه طَبِيخٌ حُلْوٌ؛ تفاؤلاً.

(1)

في (ب) و (د) و (ز) و (و): بالصغير.

(2)

ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 206.

(3)

في (ب) و (و): و «الروضة» و «الرعاية» .

(4)

قوله: (أي: يقطع) سقط من (أ).

(5)

أخرجه أبو داود في المراسيل (379)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (19286)، وروي موصولاً عند الحاكم (4828)، وفي سنده الحسين بن زيد العلوي وهو صدوق ربما أخطأ، وصححه الحاكم، وضعفه الألباني. ينظر: السلسلة الضعيفة (3890).

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 342.

(7)

في (أ): لها.

ص: 414

(وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ)، فِي سِنِّها، وما يُجْزِئُ منها، وما لا يُجْزِئُ، وما يُستحَبُّ فيها

(1)

من الصِّفة، وما

(2)

يُكْرَه، وفي الأكل والهديَّة والصَّدقة؛ لأنَّها نسيكةٌ مشروعةٌ غيرُ واجبةٍ، أشْبَهَت الأضحيَّة.

والمذهب: أنه لا يجزئ فيها شرك في

(3)

دمٍ، ولا يُجْزِئُ إلاَّ بدنة

(4)

، أو بقرة كاملةً، نَصَّ عليه

(5)

.

قال في «النِّهاية» : أفضلُه شاةٌ، وفي «الفروع»: يتوجَّه مثله

(6)

أُضحيَّةً، وفي إجزاء الأضحية عنها.

وظاهره: أنَّه لا يُباع منها شَيءٌ، ونص

(7)

أحمدُ علَى بيع الجِلْد والرَّأس والسَّواقط، والصَّدقةِ بثمنه، خلافَ نَصِّه في الأُضحيَّة

(8)

، قال في «الشرح»: وهو أقْيَسُ بمذهبه؛ لأنَّ الأضحية أدخل منها في التعبد.

وقال أبو الخطَّاب: يَحتَمِل نقلُ حكم كلِّ واحدةٍ إلى الأخرى، فيكون في كل منهما روايتان

(9)

.

قال في «الشرح» وغيره: والفرق بينهما: أنَّ الأضحيَّة ذبيحةٌ شُرِعت يوم النَّحر، أشْبَهَت الهدي، والعقيقةَ شُرِعَتْ لأجل سرورٍ حادثٍ، وتجدُّد نعمةٍ، أشبه

(10)

الذَّبح في الوليمة، ولأنها لم تخرج عن ملكه، فكان له البَيعُ منها

(1)

في (أ): منها.

(2)

في (و): وبما.

(3)

في (أ): من.

(4)

زيد في (ب): كاملة.

(5)

ينظر: تحفة المودود ص 82.

(6)

قوله: (مثله) سقط من (ز).

(7)

في (ب) و (و): نص.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2203، تحفة المودود ص 89.

(9)

قوله: (روايتان) سقط من (ب) و (و).

(10)

في (ز): أشبهت.

ص: 415

والصَّدقة بثمنه؛ إذ الفضيلة حاصلَةٌ بكلٍّ منهما.

(وَلَا تُسَنُّ

(1)

الفَرَعَةُ

(2)

، هو بفتح الفاء والراء، (وَهِيَ ذَبْحُ

(3)

أَوَّلِ وَلَدِ النَّاقَةِ)، كانوا يذبحونه لآلهتهم، وقيل: كان الرَّجل في الجاهليَّة إذا تمَّت إبِلُه مائةً؛ قدَّم بكْرًا فذبحه لصنمه.

(وَلَا الْعَتِيرَةُ، وَهِيَ ذَبِيحَةُ رَجَبٍ)، وقال أبو السَّعادات وأبو عبيد

(4)

: (كان أهلُ الجاهليَّة إذا طلب أحدُهم أمرًا؛ نذر أن يذبح من غنمه شاةً)

(5)

.

والصَّحيح ما ذكره المؤلِّف؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا فَرع ولا عتِيرةَ» متَّفقٌ عليه

(6)

.

وفي «الرعاية» : يُكْرَه.

ونقل حنبلٌ عن أحمد

(7)

: تستحب

(8)

العتيرة، وحكاه أحمد عن أهل البصرة

(9)

، وروي عن ابن سيرين؛ لما تقدَّم من قوله عليه السلام: «على

(10)

كلِّ أهل بيْتٍ أضحاةٌ وعَتِيرةٌ»

(11)

،

(1)

في (ب) و (و): ولا يسن.

(2)

قوله: (الفرعة) سقط من (ز).

(3)

في (ز): ذبيحة. وقوله: (ولد) سقط من (أ).

(4)

قوله: (وأبو عبيد) سقط من (ز).

(5)

ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 1/ 196، النهاية 3/ 178.

(6)

أخرجه البخاري (5473)، ومسلم (1976).

(7)

في (ز): أحمد عن حنبل.

(8)

في (و): يستحب.

(9)

ينظر: الفروع 6/ 117.

(10)

في (ز): عن.

(11)

أخرجه أحمد (17889)، وأبو داود (2788)، والترمذي (1518)، وابن ماجه (3125)، وفي إسناده: عامر أبو رملة وهو مجهول، قال الترمذي:(حسن غريب)، وضعفه ابن القطان والبغوي، وقال ابن حجر:(سنده قوي). ينظر: شرح السنة 4/ 350، بيان الوهم 3/ 577، الفتح 10/ 4.

ص: 416

وقالت عائشة: «أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالفَرَعة

(1)

من خمسين واحدة»، قال ابن المنذر: هذا حديثٌ ثابتٌ

(2)

.

والجوابُ: أنَّه منسوخٌ بِما سَبَقَ لأِمْرَينِ:

أحدهما: أنَّ راويَهُ

(3)

أبو هريرة، وهو متأخِّر الإسلام، قاله

(4)

في «الشرح» .

والثَّاني: أنَّ فعلهما كان متقدِّمًا على الإسلام، فالظاهر

(5)

بقاؤه إلى حين النَّسخ، فلو لم يكن منْسوخًا؛ لزِم النَّسخ مرَّتَينِ، وهو خلاف الظَّاهر، بخلاف تأخر

(6)

النهي.

ولا يلزم من نفي سُنِّيَّتها تحريمُ فعلها ولا كراهته

(7)

، فلو ذبح في رجب أو أول ولد الناقة لحاجته إلى ذلك، أو الصَّدقة به، أو إطعامه؛ لم يكن ذلك مكروهًا

(8)

، والله سبحانه وتعالى أعلم

(9)

.

(1)

في (ب) و (و): الفرعة.

(2)

أخرجه أحمد (25250)، وأبو داود (2833)، والطبراني في الأوسط (1536)، ولفظه عند أبي داود:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل خمسين شاة شاة» ، ووقع في إسناده خلاف في وقفه ورفعه حكاه الدارقطني، ووكذا وقع في متنه اختلاف، وصححه ابن الملقن، قال ابن حجر:(سنده صحيح). ينظر: علل الدارقطني 15/ 405، البدر المنير 9/ 333، الفتح 9/ 598.

(3)

في (أ): رواية.

(4)

في (ز): قال.

(5)

في (ب) و (ز) و (و): والظاهر.

(6)

في (ز): تأخير.

(7)

في (ب) و (ز): كراهيته، وفي (و): كراهية.

(8)

هنا انتهت النسخة (ز).

(9)

هنا انتهت النسخة (و). وفي هامش (أ): (كتب آخر الجزء الأول من أربعة أجزاء من خطِّ المصنف فسح الله في مدته).

وفي هامش الأصل: (تم المجلد الأول من المبدع شرح المقنع، تأليف كاتبه وأحوجهم إلى مغفرة ربه، بهاء بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرح المقدسي الحنبلي عفا الله تعالى عنه وعنهم وعن جميع المسلمين آمين، ويتلوه إن شاء الله تعالى من كتاب الجهاد، والمسؤول من كرم الله تعالى وفضله إتمامه وإكماله بخير وعافية، وأن ينفع به إنه على ما يشاء قدير، وكان ذلك في مدرسة دار الحديث الأشرفية بصالحية دمشق المحروسة، رحم الله تعالى واقفها ونوَّر ضريحه، في مدةٍ آخرها يوم الأحد خامس شهر الحجة الحرام سنة ثمانين أحسن الله ختامها بخير وعافية وسلامة إنه أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أستغفر الله تعالى وأتوب إليه، إنه جواد كريم).

ص: 417

(كِتَابُ الجِهَادِ)

(1)

هو مَصْدَر جاهَدَ جِهادًا ومجاهدة، ومجاهِدٌ اسم فاعِلٍ من جهد

(2)

: إذا بالغ

(3)

في قَتْل عَدُوِّه.

وعلَى كلِّ تصاريفه لغةً: بذل

(4)

الطَّاقة والوُسْع.

وشرعًا: عبارة

(5)

عن قتال الكُفَّار خاصَّةً.

والأصْلُ فيه قَبْلَ الإجماع؛ قولُه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البَقَرَة: 216]{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البَقَرَة: 190]، {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التّوبَة: 41].

والسُّنَّةُ قَولُه عليه السلام: «مَنْ ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ نفسَه بالغَزْو؛ مات علَى شُعْبةٍ من النِّفاق» رواه مسلمٌ

(6)

، وغيرُه من الأحاديث الصَّحيحة.

(وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) في قول جمهور العلماء؛ لقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي

(1)

هنا بدأت النسخة (ح)، وكتب في أولها: الجزء الثاني من الشرح الموسوم ب «المبدع شرح المقنع» ، تأليف الشيخ الأجل، العالم العلامة، الحبر الفهامة، شيخ الإسلام، قدوة الأنام، وحيد دهره، وفريد عصره، المحقق المدقق، المتقن المتفنن، ذي القدم الراسخ، والمجد الباذخ، الذي اتصف بالمعاني، برهان الدين، رحلة الطالبين، صدر المدرسين، لسان المتكلمين، الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن عبد الله، برهان الدين، أبو إسحاق، بن الشيخ كمال الدين بن عبد الله بن الشرف بن محمد، ابن العلامة صاحب «الفروع» في المذهب، المقدسي، الراميني الأصل، ملكه من فضل ربه عثمان بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن سليم سنة 1300. بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين.

(2)

في (ب) و (ح): أجهد.

(3)

في (أ): بلغ.

(4)

قوله: (وعلى كل تصاريفه لغة بذل) هو في (ح): حسب.

(5)

في (أ): عبادة.

(6)

أخرجه مسلم (1910)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 419

الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ

} [النِّسَاء: 95]، فدلَّ على أن

(1)

القاعِد بلا ضَرَرٍ غير آثِمٍ مع جهاد غيره، ولقوله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التّوبَة: 122]، ومعْناهُ: أنَّه إذا قام به مَنْ يَكْفِي سَقَطَ عن الكلِّ، فيُجْعَل فِعْلَ البعض كافيًا في السُّقوط، وإن لَم يَقُم به مَنْ يَكْفِي أثم الكلُّ؛ كفرض الأعيان، فيَشتَرِكان في كونه مخاطَبًا بهما

(2)

، ويَفتَرِقان فيما ذَكَرْنا.

وقال سعيدُ بن المسيِّب: فَرْضُ عَينٍ؛ لعموم الآيات، والقاعدون كانوا حُراسًا للمدينة، وهو نَوعُ جِهادٍ.

وجوابُه: ما قُلْناه، مع أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يَبعَثُ السرايا إلَى النَّواحي، ويُقِيمُ هو وأصحابُه، وعليه تُحمل الأوامر المطلَقة.

والفرض في ذلك موقوفٌ علَى غلبة الظَّنِّ، فإذا غلب علَى الظَّنِّ أنَّ الغَيرَ يقومُ به، كجنْدٍ لهم دِيوانٌ، وفيهم كفايةٌ، أو قَومٌ أعَدُّوا أنفسَهم لذلك وفيهم مَنَعَةٌ؛ سَقَط عن الباقِين.

فَرعٌ: إذا قام بفرض الكفاية طائفةٌ بعد أخرى؛ فهل تُوصَف الثَّانية بالفرضيَّة؟ فيه وجْهانِ، وكلامُ ابن عَقِيلٍ يقتضي أنَّ فرضيَّته محلُّ وفاقٍ، وكلامُ أحمدَ محتَمِلٌ.

(وَلَا يَجِبُ إِلاَّ عَلَى ذَكَرٍ)؛ لما روت عائشةُ قالت: قلتُ: يا رسول الله، هَلْ على النِّساء جِهادٌ؟ فقال:«جِهادٌ لَا قتالَ فيه؛ الحجُّ والعُمْرةُ» رواه البخاريُّ

(3)

، ولأن المرأة ليست من أهل القتال؛ لضَعْفها وخَوفها، ولذلك لا يُسْهَمُ لها.

(1)

قوله: (أن) سقط من (أ).

(2)

قوله: (بهما) سقط من (ب) و (ح).

(3)

لم يخرجه البخاري بهذا اللفظ، وإنما أخرجه ابن ماجه (2901)، وابن خزيمة (3074)، بإسنادٍ صحيحٍ من حديث عائشة رضي الله عنها. وأخرج البخاريُّ (2875) عنها أنَّها قالت: استأذنتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال:«جِهادكن الحج» .

ص: 420

والخُنْثَى المشكِلُ كهي؛ لأِنَّه لا يُعلَمُ حالُه، فلا يَجِبُ مع الشَّكِّ في شَرطه.

(حُرٍّ)؛ لأِنَّه «صلى الله عليه وسلم كان يُبايِعُ الحُرَّ علَى الإسلام والجهاد، والعَبْدَ على الإسلام دون الجهاد»

(1)

، ولأنَّه عبادةٌ تتعلَّق بقطع مسافةٍ، فلم تَجِبْ علَى العَبْد، وفرض الكفاية لا يَلزَم رقيقًا.

وظاهِرُه: ولو مبعضًا

(2)

، ومكاتَبًا؛ رعايةً لحقِّ السَّيِّد، وسواء أذن

(3)

سيِّدُه أمْ لَا.

(مُكَلَّفٍ)؛ لأنَّ الصَّبِيَّ والمجنونَ لا يتأتَّى منهما

(4)

، والكافِرُ غَيرُ مأمونٍ علَى الجهاد

(5)

.

(مُسْتَطِيعٍ) بنفسه؛ لأنَّ غير المسْتَطِيع عاجِزٌ، والعجز

(6)

يَنفِي الوُجوبَ.

ثُمَّ فسَّره بقوله: (وَهُوَ الصَّحِيحُ) في

(7)

بدنه من المرض والعمى والعَرَج؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النُّور: 61]، ولأنَّ هذه الأعذارَ تمنعه من الجهاد.

(1)

يشير المصنف رحمه الله تعالى إلى: ما أخرجه مسلم (1602)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: جاء عبدٌ فبايعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشْعُر أنه عبد، فجاء سيّده يريده، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم:«بِعنيه» ، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعدُ حتى يسألَه:«أعبدٌ هو؟» .

(2)

في (ب) و (ح): متبعضًا.

(3)

في (ح): أذن له.

(4)

قوله: (منهما) سقط من (أ).

(5)

قول المصنف: (مكلف) أدخل فيه الشارح: البالغ والعاقل والمسلم، كما في الكافي 4/ 116، والممتع 2/ 263، وقد ذكر المصنف شرط الإسلام في أواخر قسمة الغنائم.

(6)

في (أ): والعاجز.

(7)

في (ح): من.

ص: 421

ففي العَمَى ظاهِرٌ، وأمَّا العَرَجُ؛ فالمانِعُ منه هو الفاحِشُ الذي يَمْنَعُ المَشْيَ الجَيِّدَ والرُّكوبَ، فإنْ كان يَسِيرًا لا يَمنَعُه المَشْيَ؛ فصرَّح في «الشَّرح»: بأنَّه لا يَمْنَعُ الوُجوبَ، وذكره في «المُذهب» قَوْلاً، وفي «البلغة»: يَلْزَم أعْرَج يسيرًا.

وكذا حكم المرض، لكن إن كان خفيفًا كوجع الضِّرس والصُّداع؛ فلا، كالعَوَر.

وعنه: يلزم عاجزًا ببدنه

(1)

في ماله، اختاره الآجُرِّيُّ والشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

؛ كحجٍّ على

(3)

معضوب وأَوْلَى.

(الْوَاجِدُ لِزَادِهِ)؛ أي: القادِر على النَّفقة؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التّوبَة: 91]، ولأنَّه لا يُمْكِنُ إلاَّ بآلةٍ، فاعتُبِرت القدرةُ عليها، وسواءٌ وَجَد ذلك مِلْكًا، أو بِبَذْلٍ من الإمام، قاله المجْدُ.

(وَمَا يَحْمِلُهُ مَعَهُ إِذَا كَانَ بَعيدًا)؛ أي: يعتبَر مع البعد، وهو مسافة القصر: مركوبًا؛ لقوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ

} [التّوبَة: 92]، فدلَّ أنَّه لا يُعتبَر ذلك مع قرب المسافة، وإنَّمَا المشتَرَط أنْ يَجِدَ الزَّادَ ونفقةَ عياله في مدَّة غيبته، وسلاحٌ يقاتِلُ به، فاضِلاً عن قضاء دَينه، وأجرة مسكنه، علَى ما مرَّ في الحجِّ.

(1)

قوله: (ببدنه) سقط من (أ).

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 87، الفروع 10/ 225.

(3)

قوله: (على) سقط من (ب) و (ح).

ص: 422

(وَأَقَلُّ مَا يُفْعَلُ: مَرَّةً فِي كُلِّ عَامٍ)؛ لأنَّ الجزيةَ تجب على أهل الذمة مرَّة في العام، وهي بدل النُّصْرة، فكذا مبدلها

(1)

، فإن مست الحاجة إلَى أكثرَ من مرَّةٍ؛ وجب، قاله الأصحابُ.

(إِلاَّ أَنْ تَدْعُوَ الحَاجَةُ

(2)

إِلَى تَأْخِيرِهِ)؛ كضَعْف المسلمين من عَدَدٍ أو عُدَّة، أو ينتظر الإمام مددًا

(3)

يستعين بهم، أو يكون في الطَّريق مانِعٌ، أو رَجَاء إسلامهم، فيجوز تأخيرُه في روايةٍ؛ لأنَّه عليه السلام صالَحَ قُريشًا عشْرَ سنين، وأخَّر قتالَهم حتَّى نقضوا العَهْدَ

(4)

، وأخَّر قتالَ قبائل العرب بغَير هُدْنَةٍ.

وظاهِرُه: بهدنة وبغيرها.

والمذهب: أنَّه لا يُؤخَّر مع القُوَّة والاستظهار لمصلحة رجاء إسلام العدوِّ، وهذا رواية ذَكَرَها في «المحرَّر» و «الفروع» .

ولا يُعْتَبَرُ أمْنُ الطَّريق، فإنَّ وَضْعَه علَى الخوف.

(وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ

(5)

الْجِهَادِ، أَوْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ؛ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ)، وكذا في «الكافي» و «البلغة» ، والحاصِلُ أنَّه يصير فرضَ عَينٍ في هذَين المَوضِعَينِ:

أحدهما: إذا الْتَقَى الزَّحْفان، وتقابَل الصَّفَّانِ؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا

(1)

في (ح): بدلها.

(2)

في (ح): حاجة.

(3)

في (ب) و (ح): عددًا.

(4)

أخرجه أحمد (18910) - واللَّفظ له-، وأبو داود (2766)، والبيهقي (18809) من طريق محمَّد بن إسحاق، عن الزهريِّ، عن عروة بن الزُّبير، عن المسور بن مَخرمة ومروان بن الحَكم، وفيه:«هذا ما اصطلحَ عليه محمَّد بن عبد الله، وسهيل بن عمرو على وضعِ الحرب عشرَ سنين، يأمن فيها النُّاس، ويكفُّ بعضُهم عن بعضٍ» ، وسنده حسنٌ، وقد صرحَ ابن إسحاق بالسَّماع عند أحمد والبيهقي، وقد حسنه الألباني. ينظر: صحيح سنن أبي داود 8/ 114.

(5)

قوله: (فرض) سقط من (أ).

ص: 423

الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفَال: 45].

الثَّانِي: إذا نزل الكفَّار ببلد

(1)

، تعيَّن على أهله قتالهم ودَفْعُهم، كحاضري الصَّفِّ، ولعموم قوله تعالى: {انْفِرُوا

} [التّوبَة: 38].

زاد في «الوجيز» و «الفروع» ثالِثًا، وهو: إذا استنفره من له استنفاره، تعيَّن عليه

(2)

؛ لقوله تعالى: الآيات {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التّوبَة: 38]

(3)

، وعن عائشةَ وابنِ عبَّاس مرفوعًا:«إذا اسْتُنفِرْتُم فانفِرُوا» متَّفَقٌ عليه

(4)

، ولو كان عبدًا.

واستَثْنى في «البُلغة» من الموضعَين السَّابقين: إلاَّ لأحد رجلين: مَنْ تدعو الحاجة إلى تخلُّفه؛ لحفظ الأهل والمال والمكان، والآخر: من يمنعه الإمام من الخروج.

ومحلُّ ما ذكره المؤلِّف: ما لم يَعرض

(5)

له مرضٌ أو عمًى ونحوهما، فإنَّه يجوز له الانصرافُ؛ لأنَّه لا يمكنه القتال، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» .

فرعٌ: إذا نودي بالصَّلاة والنَّفير؛ صلَّى ثمَّ نَفَر مع البعد، ومع قرب العدو؛ ينفر ويصلي راكبًا أفضلُ، ولا يَنفِر في خطبة الجمعة، ولا بعد الإقامة، نَصَّ علَى ذلك

(6)

.

(وَأَفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ: الْجِهَادُ)، قال أحمدُ: (لا أعْلَمُ شَيئًا من العمل

(7)

(1)

في (ح): ببلدة.

(2)

قوله: (عليه) سقط من (ح).

(3)

قوله: (الآيات) سقط من (أ).

(4)

حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه البخاري (4312)، ومسلم (1864)، واللفظ له.

وحديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (2783)، ومسلم (1353).

(5)

في (ح): يحدث.

(6)

ينظر: زاد المسافر 3/ 64 - 65.

(7)

قوله: (من العمل) سقط من (ب) و (ح).

ص: 424

بعد الفرائض أفضلُ من الجهاد)

(1)

، والأحاديث متضافرة في ذلك؛ فمنها: حديث ابن مسعودٍ

(2)

، وحديث أبي هريرة

(3)

، وروى أبو سعيد قال: قيل: يا رسول الله، أيُّ النَّاسِ أفضلُ؟ قال:«مؤمن مُجاهِدٌ فِي سبيل الله بنفْسِه وماله» متَّفقٌ عليه

(4)

.

(وَغَزْوُ الْبَحْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَزْوِ الْبَرِّ)؛ لحديث أمِّ حَرامٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نام عندها، ثمَّ اسْتَيقظ وهو يَضحَكُ، فقلت: ما يُضحِكُك يا رسول الله؟ قال: «نَاسٌ من أُمَّتِي عُرِضوا علَيَّ غزاةً في سبيل الله، يركبون ثَبَج هذا البَحْرِ، مُلُوكًا علَى الأَسِرَّة، أو مثل الملوك على الأسِرَّة» متَّفقٌ عليه من حديث أنس

(5)

، وعن أبي أمامة الباهلي

(6)

مرفوعًا: «شهيدُ البحر مثل شهيدي البرِّ، والمائد في البحر كالمتشحِّط في دمه في البَرِّ، وإنَّ الله تعالَى وكَّل ملكَ الموت بقبض الأرواح، إلاَّ شهيد

(7)

البحر، فإنَّ الله تعالَى يتولَّى قبضَ أرواحهم، وشهيدُ البَرِّ يُغفَرُ له كلُّ شَيءٍ إلاَّ الدَّين، وشهيد البحر يُغفَرُ له كلُّ شَيءٍ والدَّين» رواه

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 246، مسائل ابن هانئ 1/ 108 - 109.

(2)

أخرجه البخاري (2782) بلفظ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله، أي العملِ أفضل؟ قال:«الصلاة على ميقاتها» ، قلتُ: ثمَّ أيٌّ؟، قال:«ثمَّ برُّ الوالدين» ، قلت: ثمَّ أيٌّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» .

(3)

أخرجه البخاريُّ (36)، ومسلمٌ (1876)، بلفظ:«انتدب الله لمنْ خرجَ في سبيله، لا يُخرجه إلاَّ إيمانٌ بي وتصديق برسلي، أن ارجعه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ، أو أُدخِله الجنَّة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولودِدتُ أني أُقتل في سبيل الله ثم أُحيا، ثم أُقتل ثم أُحيا، ثم أقتل» .

(4)

أخرجه البخاريُّ (2786)، ومسلمٌ (1888)، وأخرجه أحمد باللَّفظ الذي ذكره المصنف (11125).

(5)

أخرجه البخاري (2788)، ومسلم (1912).

(6)

قوله: (الباهلي) سقط من (أ).

(7)

في (ح): شهداء.

ص: 425

ابن ماجَهْ بإسنادٍ ضعيفٍ

(1)

، ولأنَّه أعْظَمُ خطرًا ومشقَّة؛ لكونه بين خطَر العدوِّ والغَرَق، ولا يتمكَّن من الفرار

(2)

إلاَّ مع أصحابه، فكان أفضلَ من غيرِه.

تنبيهٌ: تُكَفِّرُ الشَّهادةُ غَيرَ الدَّين، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين: وغَيْرَ مَظالِم العباد

(3)

.

وقال الآجُرِّي بعد أن ذكر خبر أبِي أمامة: هذا في حقِّ مَنْ تَهاوَنَ بقضائه، أمَّا إذا لَمْ يُمْكِنْه قضاؤه، وكان أنفقه فِي وجهه؛ فإنَّ الله تعالَى يقضيه عنه، مات أو قُتِل.

وتُكَفِّرُ الأعمَالُ الصغائرَ

(4)

فقَطْ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين: وكذا حجٌّ؛ لأنَّ الصلاة ورمضان أعظمُ منه

(5)

.

ونَقَل المروذِيُّ: بِرُّ الوالدين يُكفِّر الكبائر

(6)

.

(وَيَغْزُو مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ)؛ لما رَوَى أبو هُرَيرةَ مرفوعًا

(7)

: «الجِهادُ

(1)

أخرجه ابن ماجه (2778)، والطبراني في الكبير (7716)، من طريق قيس بن محمد الكِنديِّ، حدثنا عُفير بن مَعدان، عن سُلَيم بن عامر، عن أبي أمامة رضي الله عنه. وقيس بن مُحَمَّد، قال عنه ابن حبَّان:(يُعتَبر حَدِيثُه من غير رِوايته عَنْ عُفير بن مَعدان)، وعُفير، ضعَّفه أحمد وابن معين وغيرهما، ونصَّ البخاريُّ: بأنَّه منكرٌ واهي الحديثِ، والحديث ضعَّفه البوصيريُّ وابن تيمية، وحكم عليه الألباني بأنَّه:(موضوعٌ بهذا التَّمام). ينظر: العلل لابن أبي حاتم 5/ 318، الثقات لابن حبان 9/ 15، سؤالات البرذعي ص/ 372، مصباح الزجاجة 3/ 159، منهاج السنة 6/ 215، الضعيفة (817).

(2)

قوله: (ولا يتمكن من الفرار) سقط من (ب) و (ح).

(3)

ينظر: الفروع 10/ 233.

(4)

في (ح): وكذا الأعمال الصغار.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 233، الاختيارات ص 99.

(6)

في (ح): الصغائر، والمثبت هو ما في الفروع 10/ 233 وغيره. وقوله:(ونقل المروذي: بر الوالدين يكفر الكبائر) سقط من (أ).

(7)

قوله: (مرفوعًا) سقط من (ح).

ص: 426

واجِبٌ عَلَيكُم، مع كلِّ أميرٍ؛ برًّا كان أوْ فاجِرًا» رواه أبو داودَ

(1)

، ولأن ترْكَه مع الفاجر

(2)

يُفضِي إلى قطعه وظهور الكفَّار على المسلمين واستِئْصالهم وإعلاء كلمة الكفر.

وشرطه: أن يحفظ المسلمين، لا مخذِّلٌ ونحوه، وفي «الصَّحيح» مرفوعًا:«إنَّ الله يؤيِّد هذا الدِّينَ بالرَّجلِ الفاجِرِ»

(3)

، ويقدَّم القويُّ منهما، نَصَّ عليه

(4)

.

(وَيُقَاتِلُ

(5)

كُلُّ قَوْمٍ مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْعَدُوِّ)؛ أي: يتعيَّن جهادُ المجاوِرِ، نَصَّ عليه

(6)

؛ لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ

} الآيةَ [التّوبَة: 123]، ولأنَّ الأقربَ أعظمُ ضَرَرًا، إلاَّ لحاجةٍ، مثلِ كَونِ الأبْعَدِ أخْوفَ، أو الأقْرَبُ مُصالِحٌ.

ومع التَّساوي؛ فجهاد أهل الكتاب أفضلُ؛ لأنهم يقاتلون على دين، قاله

(1)

أخرجه أبو داود (2533)، والطبراني في مسند الشاميين (1512)، والبيهقيُّ في الكبرى (5300)، واللالكائي في شرح الاعتقاد (2299)، عن مكحولٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وسنده ضعيفٌ منقطعٌ، فإنَّ مكحول الشَّامي لم يَسمعْ من أبي هريرة، كما قاله ابن المديني وغيره، وأنكره أحمد والحاكم، وفي الباب أحاديث أخرى كلُّها ضعيفةٌ واهيةٌ، قال العقيليُّ:(ليس في هذا المتن إسنادٌ يَثبتُ)، وقال البيهقيُّ:(قد رُويَ في الصَّلاة على كلِّ برٍّ وفاجرٍ، والصَّلاة على من قال: لا إله إلا الله أحاديثُ كلُّها ضعيفةٌ غاية الضَّعف، وأصحُّ ما رُويَ في هذا البابِ حديثُ مكحولٍ عن أبي هريرة). ينظر: الضعفاء الكبير 3/ 90، المعرفة 4/ 214، جامع التحصيل ص 285، نصب الراية 2/ 27، البدر المنير 4/ 455، التلخيص الحبير 2/ 75، الإرواء 2/ 304.

(2)

في (أ): العاجز.

(3)

أخرجه البخاريُّ (3062)، ومسلمٌ (111) في حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 227.

(5)

في (ب) و (ح): يقاتل.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 229.

ص: 427

ابنُ المبارَك، واستَبْعده أحمدُ

(1)

، وحُمِل على أنَّه كان متبرِّعًا بالجهاد، والكفايةُ حاصلةٌ بغيره

(2)

.

(وَتَمَامُ الرِّبَاطِ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا)، قاله أحمدُ

(3)

، ورُوِي عن ابن عمر وأبي هريرة

(4)

؛ لِما رَوَى أبو الشَّيخ الأصْبَهانِيُّ مرفوعًا: «تمامُ الرِّباط أربعون يومًا»

(5)

، وعن أبي هريرة مرفوعًا: «مَنْ رابَط أربعين يومًا؛ فقد اسْتَكْمَل

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 97.

(2)

توضيحه كما في المغني 9/ 202: (قيل لأحمد رحمه الله تعالى: يحكون عن ابن المبارك أنه قيل له: تركت قتال العدو عندك، وجئت إلى ههنا؟ قال: هؤلاء أهل كتاب. فقال أبو عبد الله: سبحان الله، ما أدري ما هذا القول! يترك العدو عنده، ويجيء إلى ههنا، أفيكون هذا؟ أو يستقيم هذا؟ وقد قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}، ولو أن أهل خراسان كلهم عملوا على هذا، لم يجاهد الترك أحد. وهذا والله أعلم، إنما فعله ابن المبارك لكونه متبرعًا بالجهاد، والكفاية حاصلة بغيره).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 2873، زاد المسافر 3/ 69.

(4)

أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (19458)، عن عمر بن عبد الله مولى غُفْرة قال: حدثنا رجل من ولد عبد الله بن عمر، أن ابنًا لابن عمر رابط ثلاثين ليلة ثم رجع، فقال له ابن عمر:«أعزم عليك لترجعنَّ فلترابطن عشرًا حتى تتم الأربعين» ، لا بأس بإسناده، عمر المدني، مولى غفرة بنت رباح، متكلم فيه، قال فيه أحمد:(ليس به بأس)، ووثقه ابن سعد، وضعفه ابن معين وغيره.

وأثر أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (9614)، وابن أبي شيبة (19456)، عن عمرو بن عبد الرحمن العسقلاني، عن أبي هريرة، قال:«تمام الرباط أربعون يومًا» ، وهذا لفظ ابن أبي شيبة، وإسناده ضعيف؛ لجهالة العسقلاني، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/ 245:(روى عن عطاء الخراساني عن أبي هريرة في الرباط)، ثم نقل عن أبيه أنه قال:(مجهول) والظاهر أنه أخذه عن عطاء الخراساني، فقد أخرجه سعيد بن منصور (2410)، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، حدثني عطاء الخراساني، عن أبي هريرة، وهذا ضعيف مرسل، عبد الرحمن ضعيف الحديث، وعطاء صدوق، ولم يسمع من أبي هريرة، قاله أبو موسى المديني.

(5)

أخرجه الطبراني في مسند الشَّاميين (3440)، من طريق أَيوب بن مُدرِك، عن مكحولٍ، عن أبي أمامةَ رضي الله عنه مرفوعًا. وأيُّوب بن مُدرِك الحنفيُّ: متروك الحديث كما قال جمع من النقاد، وروَى عن مكحولٍ نسخةً موضوعةً ولم يره، وروايتُه عنه مرسلة، قال الهيثميُّ:(وفيه أيوب بن مُدرك، وهو متروك). ينظر: التاريخ الكبير 1/ 423، الجرح والتعديل 2/ 258، المجروحين 1/ 168، الضعفاء للدارقطني (108)، مجمع الزوائد 5/ 290، الإرواء 5/ 23.

ص: 428

الرِّباطَ» رواه سعيدٌ

(1)

، وإن زاد فله أجره.

وأمَّا أقله؛ فقال المجْدُ والآجُرِّيُّ: أقله ساعة، ونَصَّ أحمدُ على استحبابه، وقال أيضًا: يومٌ رِباطٌ، وليلةٌ رباط

(2)

.

وهو أفضل من المقام بمكَّة، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين إجْماعًا

(3)

، والصَّلاةُ بها أفضلُ، نَصَّ عليه

(4)

، وقال: إذا اختُلف في شَيءٍ؛ فانظروا ما عليه مَنْ بالثغر

(5)

، فإنَّ الحقَّ معهم

(6)

.

وهل الجهادُ أفضلُ من الرِّباط أم لا؟ فيه وجْهانِ.

(وَهُوَ لُزُومُ الثَّغْرِ)، وكلِّ مكانٍ يخاف أهلُه من العدوِّ، مأخوذٌ من رباط الخيل، (لِلْجِهَادِ)، وأفضلُه أشده خوفًا؛ لأنَّهم أحوجُ، ومقامُهم به أنْفَعُ.

(وَلَا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أَهْلِهِ)؛ أي: النِّساء والذُّرِّية، (إِلَيْهِ)؛ لأنَّ الثَّغرَ مَخُوفٌ، ولا يُؤْمَنُ ظفَر

(7)

العدوِّ بمَنْ فيه، واستيلاؤهم على الأهل، فيحصل به مفسدةٌ عظيمةٌ.

(وَقَالَ

(8)

رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا

(1)

لم نقف عليه مرفوعًا، وقد تقدم تخريجه موقوفًا على أبي هريرة رضي الله عنه بهذا اللفظ عند سعيد بن منصور 4/ 428 حاشية (4).

(2)

ينظر: زاد المسافر 3/ 69.

(3)

ينظر: الاختيارات ص 449.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 310، زاد المسافر 3/ 67.

(5)

في (أ): ما عليه الثغر.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 235.

(7)

في (ح): من ظهور.

(8)

في (أ): قال.

ص: 429

سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ»)، رواه أحمدُ وأبو داود والنَّسائي، من حديث عُثْمانَ رضي الله عنه

(1)

، ولَأحمدَ عنه مرفوعًا: «جزءٌ من ليلةٍ

(2)

في سبيل الله أفضلُ من ألف ليلةٍ يقام ليلُها، ويُصَامُ نهارها»

(3)

.

تنبيهٌ: تقدَّم أنَّ أفضلَ الرِّباط المقامُ بأشدِّ الثُّغور خوفًا، قيل للإمام أحمد: أين

(4)

أحبُّ إليك أن يَنزِل الرَّجل بأهله؟ قال: كلُّ مدينةٍ تكون معقِلاً للمسلمين؛ كأنطاكيَّة والرَّمْلة ودِمَشْقَ

(5)

. وقال: أرضُ الشَّام أرض

(6)

المحشر، ودِمَشْقُ مَوضِعٌ يجتمع إليه النَّاسُ إذا غلبت الروم، قلت له

(7)

:

(1)

أخرجه أحمد (470)، والترمذي (1667)، والنَّسائي (3169)، والبزَّار (406)، والحاكم (2636)، والبيهقي (17888)، والضِّياء المقدسيُّ (325)، عن أبي صالحٍ مولى عثمان عنه. ورجاله ثقاتٌ غيرَ أبي صالح مولى عثمان، ذكره ابن حبان في الثِّقات، ووثَّقه العجليُّ، ومثله يُحسَّن حديثُه، وصحَّح الحديث الحاكمُ والضّياء، والترمذيُّ وقال:(حديثٌ حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه)، وقد عزاه المصنِّف إلى أبي داود، ولم نجده فيه، ولم يذكره المزيُّ فيمنْ أخرجَ الحديثَ من الأئمَّة. ينظر: الثقات للعجلي 2/ 408، الثقات لابن حبان 4/ 84، الأحاديث المختارة 1/ 451، تحفة الأشراف 7/ 329.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي المصادر الحديثية وكتب المذهب: حرس ليلة.

(3)

أخرجه أحمد (433)، وابن أبي عاصم في الجهاد (150)، والبزار (350)، والحاكم (2426) والبيهقيُّ في الشُّعب (3929)، والضِّياء المقدسيُّ (362)، عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزُّبير، واختلف عليه وَصْلاً وإرسالاً. ومداره على مصعب، وهو متكلَّمٌ فيه من قِبل حِفظه، لكثرةِ غلطهِ مع قلَّةِ حديثه، ولم يُدرك جدَّه، ولا عثمانَ بن عفَّان. بل قال ابن حبَّان:(منكر الحديث، ممَّن ينفردُ بالمناكير عن المشاهير، فلمَّا كثُر ذلك منه استحقَّ مجانبةَ حديثهِ)، والحديث صحَّحه الحاكمُ، وضعَّفه الضِّياء والألباني، ورجَّح الدَّارقطنيُّ الإرسالَ. ينظر: المجروحين 3/ 29، العلل للدارقطني 3/ 36، الأحاديث المختارة 1/ 451، تهذيب الكمال 28/ 20، الضَّعيفة 3/ 314.

(4)

في (أ): أيٌّ.

(5)

ينظر: زاد المسافر 3/ 73.

(6)

قوله: (أرض) سقط من (ب) و (ح).

(7)

قوله: (له) سقط من (ح).

ص: 430

فالأحاديث أنَّ الله تعالى تكفَّل لي بالشَّام

(1)

، فقال: ما أكثرَ ما جاء فيه، قيل له: إنَّ هذا في الثُّغور، فأنكره، وقال: لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحقِّ، هم أهلُ الشَّام

(2)

.

ويُسمَّى الشَّام مغرِبًا؛ باعتبار العراق، كما يُسمَّى العراقُ مشرقًا، وفيه حديث مالك بن يُخَامِرَ

(3)

عن معاذ، رواه البخاري

(4)

، وعن

(5)

أبي الدرداء مرفوعًا قال: «إن

(6)

فُسْطاطَ المسلمين يَومَ الملْحَمة بالغوطة

(7)

، إلى جانب مدينة

(8)

يقال لها: دِمَشْقُ، من خَير مدائِن الشَّام» رواه أبو داودَ

(9)

.

(1)

الأحاديث الواردة في فضائل الشَّام كثيرةٌ، جمَعها بعضُ أهلِ العلم في مؤلَّفاتٍ خاصة، منها: ما أخرجه ابن حبَّان (7306)، والطبراني في مسند الشاميين (292)، والحاكم (8556)، والربعي في فضائل الشَّام (5)، عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه مرفوعًا في خبرٍ عن آخر الزمان:«عليك بالشَّام، فمن أَبَى فليلحَقْ بيمنِه وليسق من غدره، فإنَّ الله تكفَّل لي بالشَّام وأهلِه» ، وسنده صحيح، وقد صحَّحه ابن حبان والحاكم والألباني، وقال أبو حاتمٍ:(صحيحٌ حسنٌ غريبٌ).

ومنها حديث أبي الدَّرداء رضي الله عنه، أخرجه البزار (4144)، وحسنه. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 450، الضَّعيفة 14/ 618.

(2)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 150، مسائل أبي داود ص 308، زاد المسافر 3/ 67.

(3)

في (ح): عامر.

(4)

أخرجه البخاري (3641)، عن معاوية رضي الله عنه مرفوعًا:«لا يزالُ من أمتي أمَّةٌ قائمةٌ بأمرِ الله، لا يضرُّهم من خذَلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» ، فقال مالك بن يَخامر: قال معاذٌ: «وهم بالشام» .

(5)

في (ب) و (ح): عن.

(6)

قوله: (إن) سقط من (ب) و (ح).

(7)

قوله: (بالغوطة) سقط من (ح).

(8)

في (أ): دمنة.

(9)

أخرجه أبو داود (4298)، وأحمد (21725)، والطَّبراني في الأوسط (3205)، والحاكم (8496)، وصحَّحه الحاكم والمنذري والألباني. ينظر: تخريج أحاديث فضائل الشَّام ص/ 38.

ص: 431

(وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ)، وهي ما يَغلِب فيها حكمُ الكفر؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ

} الآياتِ [النِّسَاء: 97]، ولقوله عليه السلام:«أَنا بَريءٌ من مسلِمٍ بين مشركين لا تراءى ناراهما» رواه أبو داودَ والتِّرمذيُّ

(1)

، ومعناهُ: لا يكون بمَوضِعٍ يَرَى نارَهم ويَرَوْن نارَه إذا أُوقِدَتْ، ولأنَّ القيامَ بأمر الدِّين واجِبٌ على القادر، والهجرةُ من ضرورة الواجب وتَتِمَّته، وما لا يَتِمُّ الواجِبُ إلاَّ به واجِبٌ.

وشرطُه: أن يُطيق ذلك، صرَّح به في «المغني» و «الفروع»؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ

} الآيةَ [النِّسَاء: 98].

وألْحَق بعضُهم بدار الحرب: دار البُغاةَ أو البدعة

(2)

؛ كرَفْضٍ واعتزالٍ.

ولا فرق بين الرجال والنِّساء، ولو في العدَّة، بلا راحلةٍ ولا مَحرَمٍ.

وفي «عيون المسائل» : إنْ أمِنَت على نفسها من الفتنة في دينها لم تُهاجِر إلاَّ بمحرَمٍ؛ كالحجِّ، ومعناه في «منتهى الغاية» وزاد: إن أمْكَنَها إظهارُ دينها.

وفي كلام المؤلِّف إشعارٌ ببقاء

(3)

حكم الهجرة، وهو قولُ الجماهير، إذْ

(1)

أخرجه أبو داود (2654)، والتِّرمذي (1604)، والبيهقيُّ (16571)، من طرقٍ عن أبي معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه موصولاً.

وأخرجه الترمذي (1605)، عن عبدة بن سليمان، وأخرجه سعيد بن منصور (2663)، عن معتمر بن سليمان، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم مرسلاً. ورجَّح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله، قال أبو داود:«رواه هشيم ومعمر وخالد الواسطي وجماعةٌ؛ لم يذكروا جريرًا» . ينظر: العلل لابن أبي حاتم 3/ 370، العلل للدارقطني 13/ 464، المحرر (779)، البدر المنير 9/ 162، التلخيص الحبير 4/ 218.

(2)

في (ب): والبدعة.

(3)

في (ح): يبقي.

ص: 432

حُكمُها مُستَمِرٌّ إلى يوم القيامة؛ للأحاديث

(1)

الواردة فيه

(2)

.

وأمَّا قوله: «لا هجرة بعد الفتح»

(3)

، وقد انقطعت الهجرة؛ أي: لا هجرةَ من مكَّةَ بعْدَ فتحها، أو لا هجرة من بلد بعد فتحه

(4)

؛ لأن الهجرة إليه لا منه.

(وَتُسْتَحَبُّ

(5)

لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ)؛ أي: على إظهار دينه؛ ليتمكن من جهادهم، ويكثِّر المسلمين، ويعينهم ويتخلَّص من تكثير عددهم

(6)

، والاختلاط بهم، وقضيَّة نُعيم شاهدةٌ بذلك

(7)

.

(1)

في (ح): والأحاديث.

(2)

الأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرةٌ، منها: ما أخرجه أحمد (1671)، والنَّسائي (4173)، وابن حبَّان (4866) من حديث عبد الله بن وقدان السَّعدي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إنِّي تركتُ مَنْ خلفي، وَهُمْ يَزعمون أنَّ الهجرة قد انقطعتْ، قال:«لا تنقطعُ الهجرةُ ما قُوتِلَ الكفَّار» ، وفي لفظٍ:«ما دام العدو يقاتل» ، وفي سنده اختلافٌ، وصحَّحه أبو زرعة وابن حبَّان، وحسَّن سنده الألباني.

ومنها: ما أخرجه سعيد بن منصور (2354)، والطَّحاوي في المشكل (2630)، من حديث جنادة بن أبي أميَّة رضي الله عنه مرفوعًا:«لا تنقطعُ الهجرةُ ما كان الجهاد» ، وصحَّحه ابن حجر والألباني. ينظر: الإصابة 1/ 608، الإرواء 5/ 33.

(3)

أخرجه البخاري (2783)، ومسلم (1353)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

قوله: (لا هجرة من بلد بعد فتحه) سقط من (ح).

(5)

في (ح): ويستحب.

(6)

في (ح): عدوهم.

(7)

يشير المصنف رحمه الله تعالى إلى ما ذكره-بغير إسناد- الحافظان ابن عبد البرّ، وابن حجر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لنعيم بن عبد الله النحَّام حين قدم عليه: «يا نعيم، إنّ قومك كانوا خيرًا لك من قومي» . قال: بل قومك خير يا رسول الله. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ قومي أخرجوني، وإنّ قومك أقرُّوك» . فقال نعيم: يا رسول الله، إنّ قومك أخرجوك إلى الهجرة، وإنّ قومي حبسوني عنها». قال ابن عبد البر: كان نعيم النحّام قديم الإسلام، يقال: إنه أسلم بعد عشرة أنفس قبل إسلام عمر بن الخطاب، وكان يكتم إسلامه، ومنعه قومه لشرفه فيهم من الهجرة؛ لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم. وكانت هجرة نعيم عام خيبر، وقيل: بل هاجر في أيام الحديبية. ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب 4/ 1507، الإصابة في تمييز الصحابة 6/ 361، المغني لابن قدامة 9/ 295.

ص: 433

وذكر أبو الفرج: تجب، وأطلق.

وفي «المستوعب» : لا يُسَنُّ لاِمرأةٍ بلا رُفقةٍ.

ولا يعيد ما

(1)

صلَّى من لزمته

(2)

الهجرة.

وأمَّا

(3)

العاجز عنها باستحباب

(4)

، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .

فرعٌ: لا تجب الهجرة من بين أهل المعاصي، لكنْ رُوِيَ عن سعيد بن جُبَيرٍ، عن ابن عبَّاس في قوله تعالى:{إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العَنكبوت: 56]: «أنَّ المعنى إذا عُمِل بالمعاصي في أرضٍ فاخرُجوا منها»

(5)

، وقاله

(6)

عطاء.

ويردُّه ظاهر

(7)

قوله عليه السلام: «مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده

» الحديث

(8)

.

(وَلَا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) لآدَمِيٍّ (لَا وَفَاءَ لَهُ)، وظاهره: لا فرق بين

(1)

قوله: (ولا يعيد ما) هو في (ح): من.

(2)

في (ب) و (ح): لا رفقة من صلى لزمته. والمثبت موافق للفروع 10/ 238.

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 10/ 238:(ولا يوصف)، وينظر: المغني 9/ 295.

(4)

في (ح): فاستحباب.

(5)

تبع المؤلف صاحب الفروع 10/ 238، ولم نقف عليه من كلام ابن عباس رضي الله عنهما، وهو مشهور عن سعيد بن جبير وعطاء، خرَّجهما الطبري في التفسير (18/ 433)، وابن أبي حاتم في التفسير (9/ 3079)، وغيرهما، وأوردهما في الدر المنثور 6/ 474، ولم يذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(6)

في (ب) و (ح): قاله.

(7)

قوله: (ظاهر) سقط من (أ).

(8)

قوله: (بيده

الحديث) هو في (أ): الخبر. والحديث أخرجه مسلم (49)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

ص: 434

الدين

(1)

الحالِّ والمؤجَّل؛ لأنَّ الجهادَ يُقصَد منه الشَّهادة، وبها تفوت النَّفس، فيفوت الحقُّ بفواتها.

وفي «الرِّعاية» وجْهٌ: لا يَستأذِن مع تأجيله؛ لأنَّه لا يتوجَّه إليه الطَّلَبُ به

(2)

إلاَّ بعد حلوله.

وظاهِرُه: أنَّه إذا كان له وفاءٌ؛ فله أن يجاهِدَ بغير إذْنٍ، نَصَّ عليه

(3)

؛ لأنَّ عبدَ الله بنَ حَرامٍ والدَ جابِرٍ خرج إلى أُحُدٍ، وعليه دُيونٌ كثيرة

(4)

فاستُشْهِد، وقضى عنه ابنُه

(5)

، مع علمه عليه السلام من غير نكيرٍ، وفي معناه: إقامةُ الكفيل أو توثُّقُه برَهْنٍ؛ لعدم

(6)

ضياع حقِّ الغريم بتقدير قَتْلِه.

(وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لِمَا رَوَى عبدُ الله بن عَمْرو بن العاص قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أُجاهِدُ؟ فقال: «ألك

(7)

أبَوانِ؟» قال: نعم، قال:«ففيهما فجاهِدْ»

(8)

، وروى البخاريُّ معناه من حديث ابنِ عُمَرَ

(9)

، وروى أبو داودَ عن أبي سعيدٍ: أنَّ

(1)

قوله: (الدين) سقط من (ح).

(2)

قوله: (به) سقط من (ح).

(3)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 96.

(4)

في (ح): كثير.

(5)

قصّة قضاء جابرٍ دينَ والده عبد الله رضي الله عنهما: أخرجها البخاري (2396، 2781).

(6)

في (ح): لعموم.

(7)

في (أ): لك.

(8)

أخرجه البخاري (5972)، ومسلمٌ (2549).

(9)

لم نجد في صحيح البخاري حديثًا لابن عمر رضي الله عنهما بمعنى هذا الحديث. وحديث: «ففيهما فجاهِدْ» ، أخرجه الشيخان-كما تقدّم- وأحمد والثلاثة، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهو مشهور بذلك، لكن جعله بعض الرواة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، إلاّ أنّ الأئمة حكموا على روايتهم بالخطأ والغلط، فأخرجه الطبراني في الأوسط (2310) من طريق رباح بن زيد، عن معمر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر رضي الله عنهما به قال أبو نعيم الأصبهاني:(كلّهم عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو) به مرفوعًا، ثمَّ قال:(ورواه معمر، عن حبيب، فخالف الجماعة) أي في جعله من حديث عبد الله بن عمر. وبنحوه قال الطبراني. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13837)، وعنه الضياء في المختارة (257)، من طريق عمرو بن محمَّد العَنْقَزي، حدثنا سُفْيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر به. قال الضّياء مشيرًا بخطأ العَنْقَزي:(رُويَ في الصّحيحين من رواية سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن السائب بن فروخ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص). ورواه الحسن بن قتيبة الخزاعي عن معمر واضطرب فيه، وخالف أصحابَ مسعر: فأخرجه أبو نعيم في الحلية (5/ 66)، عنه عن مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمر به. ورواه مرة أخرى كما في الحلية (5/ 63)، عن مسعر، عن محمد بن جحادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه به نحوه. والحسن بن قتيبة: متروك، وأعله أبو نعيم.

ص: 435

رجلاً هاجَرَ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ألك

(1)

أبوان؟» قال: نَعَمْ، قال:«ارْجِعْ فاسْتأْذِنْهما، فإنْ أَذِنا لك فجاهِدْ، وإلاَّ فبَرَّهُما»

(2)

، ولأِنَّ بِرَّهما فرضُ عَينٍ، والجِهادُ فَرْضُ كِفايةٍ، وَالْأَوَّلُ مقدَّم.

وظاهِرُه: لا تشترط

(3)

حُرِّيَّةُ الآذِن، وهو وَجْهٌ، وظاهر

(4)

الخِرَقِيِّ، والمذهبُ: اشْتِراطُه.

ولا فَرْقَ بين الأب والأمِّ، قال أحمدُ فيمن له أمٌّ: انظر

(5)

سرورَها؛ فإن

(6)

أذِنَتْ من غير أن يكون في قلبها، وإلاَّ فلا تغزُ

(7)

.

(1)

في (أ): لك.

(2)

أخرجه أحمد (11721)، وأبو داود (2530)، وابن الجارود (1035)، وابن حبان (422)، والحاكم (2501) وفيه درَّاج بن سَمعان المصريُّ، وقد اختلف فيه، والأقوى تضعيفُه، والحديث ضعفه المنذري، وصحَّحه ابن الجارود وابن حبَّان والحاكم، وتعقَّبه الذَّهبيُّ فقال:(درَّاج واهٍ)، قال الألبانيُّ:(فأَصابَ - يعني الذهبيُّ -، لكنَّ الحديثَ بمجموع طُرقه صحيحٌ). ينظر: مختصر سنن أبي داود 2/ 155، الإرواء 5/ 21، صحيح سنن أبي داود 7/ 287.

(3)

في (أ): أنه لا يشترط.

(4)

قوله: (وظاهر) في (أ): وهو ظاهر.

(5)

في (ب) و (ح): أتظن.

(6)

في (ب) و (ح): فإذا.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 317.

ص: 436

وعُلِم منه: أنَّهما إذا كانا كافِرَينِ أنَّه لا اعْتِبارَ بإذنهما كالمجنونَينِ، ولأِنَّ أبا بكرٍ وغيره كانوا يجاهِدون بغير إذن آبائهم.

ويَخرُج منه الجَدُّ والجَدَّةُ، قاله الأصْحابُ، وليس فيه نَصٌّ صريحٌ إلاَّ في التَّبعيَّة، وفي «الفروع»: توجيهُ احتمالٍ في الجَدِّ؛ أبي الأب.

فلو أذِنا له فيه، وشرطا عليه عدم القتال وحضره؛ تعيَّن عليه القتالُ، وسقط حكمُ الشَّرْط.

(إِلاَّ بِإِذْنِ غَرِيمِهِ)؛ كرضاه بإسقاط

(1)

حقِّه، ويتوجَّه: لو استناب مَنْ يقضِي دَينَه من مالٍ حاضِرٍ، (وَأَبِيهِ)؛ خصَّ الأب وحدَه؛ فيَحتمِل أنَّه لم يَذكُر الأمَّ اكْتِفاءً بذكر الأب، ويحتمل اختصاصه به، وهو كلام الأكثر.

(إِلاَّ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ)، فإنَّه يصير فرضَ عَينٍ وتركُه معصيةٌ، لكِنْ يُستحَبُّ للمدين ألاَّ يتعرض لمظانِّ القتل من المبارزة، والوقوف في أول المقاتِلة؛ لأِنَّ فيه تغريرًا بتفويت الحقِّ، قاله في «الشَّرح» .

(فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ فَرِيضَةٍ)؛ لأِنَّ الجهادَ عبادةٌ متعينة، فلم يُعتبَر إِذْنُ أحَدٍ، كفروض الأعيان.

وأمَّا السَّفر لطَلَب العلم؛ فقال أحمد: (يجب عليه أن يطلب من العلم ما يقوم به دِينُه، قيل له: فكلُّ العلم يقوم

(2)

به دِينُه، قال: الفرض الذي يجب عليه في نفسه صلاتُه وصيامُه، ونحو ذلك)

(3)

، وهذا خاصَّة يطلبه بلا إذْنٍ، وفي «الرعاية»: مَنْ لزِمه التَّعلُّم، وقيل: أو كان فرض كفاية، وقيل: أو نفلاً، ولا يحصل ببلده، فله السَّفر لطلبه بلا إذْنِ أبوَيه.

(وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ) ولو ظَنُّوا التَّلَفَ (الْفِرَارُ)؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا

(1)

في (ب) و (ح): بإسقاطه.

(2)

في (أ): يقيم.

(3)

ينظر: الفروع 2/ 342.

ص: 437

الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ (15)} [الأنفَال: 15]

(1)

، ولأِنَّه عليه السلام عدَّ الفِرارَ من الكبائر

(2)

.

وشرطُه: ألاَّ يزيد عددُ الكفَّار على مِثْلَي المسلمين، وهو المراد بقوله:(مِنْ ضِعْفِهِمْ)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ} [الأنفَال: 66]، قال ابن عبَّاسٍ:«من فَرَّ من اثْنَينِ فقد فرَّ، ومَن فرَّ من ثلاثةٍ فما فرَّ»

(3)

.

وفي «المنتخب» : لا يلزم ثباتُ واحدٍ لاثْنَينِ، وكلامُ الأكثر يخالفه

(4)

، ونقله الأثرمُ وأبو طالبٍ

(5)

.

(إِلاَّ مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ

(6)

، أوْ مْتَحَيِّزِينَ إِلَى فِئَةٍ)؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يُوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفَال: 16].

ومعنى التَّحرُّف للقتال: أن ينحاز إلى مَوضِعٍ يكون القتال فيه أمكن؛ كمن كان

(7)

في وجهه الشَّمس أو الريح، أو في مكانٍ منكشف

(8)

، فينحرف إلى

(1)

زيد في (ح): الآية.

(2)

أخرجه البخاري (2766)، ومسلمٌ (98)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا:«اجتنبوا السبع الموبقات» ، وذكر منها:«والتولي يوم الزحف» .

(3)

أخرجه ابن المبارك في الجهاد (235)، وابن أبي شيبة (33690)، وسعيد بن منصور (2538)، وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (360)، وأحمد بن منيع كما في إتحاف الخيرة (6/ 214)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 47)، والبيهقي في الكبرى (18081)، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وإسناده صحيح.

(4)

في (ب) و (ح): بخلافه.

(5)

ينظر: الفروع: 10/ 243.

(6)

في (ب) و (ح): إلى قتال.

(7)

قوله: (كان) سقط من (أ).

(8)

في (ب) و (ح): ينكشف.

ص: 438

ضده

(1)

، ونحو ذلك ممَّا جَرَتْ به عادةُ أهلِ الحرب، قال عُمَرُ:«يا ساريةُ الجبلَ» ، فانحازوا إليه وانتصروا على عدوِّهم

(2)

.

ومعنى التَّحيُّز إلى فِئةٍ: هو أن يصير إلى قَومٍ من المسلمين ليكونَ معهم، فيَقْوَى بهم على العدُوِّ.

وظاهِرُه: ولو بَعُدت المسافة، كخُراسان والحجاز؛ لحديث ابن عمَرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنِّي فِئةٌ لكم» ، وكانوا بمكانٍ بعيدٍ منه، وقال عمر:«أنا فِئةٌ لكلِّ مسلمٍ» ، وكان بالمدينة، وجيوشُه بالشَّام والعراق وخراسان. رواهما سعيدٌ

(3)

.

(1)

قوله: (إلى ضده) في (ب) و (ح): واحدة.

(2)

أخرجه عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (355)، وأبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين في التصوف (ص 3)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (526)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 370)، وفي الاعتقاد (314)، وابن عساكر في تاريخه (20/ 24)، والضياء المقدسي في مسموعاته بمرو (118)، من طريق ابن عجلان، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وحسن إسناده ابن كثير وابن حجر والألباني. ينظر: البداية والنهاية 10/ 17، الإصابة 3/ 5، الصحيحة (1110).

(3)

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (5384)، وأبو داود (2647)، والترمذي (1716)، وسعيد بن منصور (2539)، ووفيه يزيد بن أبي زياد القرشي، وهو ضعيفٌ، وقال الترمذي:(حديثٌ حسنٌ)، وضعَّفه ابن القطَّان والألباني. ينظر: البدر المنير 9/ 14، الإرواء 5/ 27.

وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن المبارك في الجهاد (262)، وعبد الرزاق (9524)، وسعيد بن منصور (2540)، وابن أبي شيبة (33688)، والشافعي في الأم (4/ 180)، والطبري في التفسير (11/ 81)، والبيهقي في الكبرى (18084)، وهو مرسل جيد، مجاهد لم يسمع من عمر، وبهذا ضعفه الألباني، وصححه ابن الملقن، ولعله لشواهده.

فأخرج البيهقي في الكبرى (18085)، عن سويد بن قيس، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لما هزم أبو عبيدة:«لو أتوني كنت فئتهم» ، وإسناده صحيح. وأخرج ابن المبارك في الجهاد (ص 172)، ومن طريقه الطبري في التفسير (11/ 80)، عن أبي عثمان النهدي قال: لما قتل أبو عبيد جاء الخبر إلى عمر، فقال:«يا أيها الناس، أنا فئتكم» ، وإسناده صحيح متصل، وقد جاء من طرق كثيرة مرسلة عند عبد الرزاق (9522)، وابن أبي شيبة (33687)، والطبري في التفسير (11/ 80). ينظر: البدر المنير 9/ 142، الإرواء 5/ 28.

ص: 439

(وَإِنْ زَادَ الْكُفَّارُ) على مثليهم

(1)

؛ (فَلَهُمُ الْفِرَارُ)، قال ابنُ عبَّاسٍ: «لَمَّا نزلت {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ} [الأنفَال: 65] شقَّ ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألاَّ يَفِرَّ واحدٌ من عشرةٍ، ثمَّ جاء التَّخفيف فقال: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا

(66)} الآية [الأنفَال: 66]، فلمَّا خفَّف الله عنهم من العدد

(2)

نقص من الصَّبر بقدر ما خفف من القدر» رواه أبو داودَ

(3)

.

وظاهِرُه: أنَّه يجوز لهم الفرارُ مع أدْنى زيادة، وهو أَوْلى مع ظن التَّلَف بتركه، وأطلق ابنُ عَقِيلٍ استحبابَ الثَّبات للزَّائد؛ لِمَا في ذلك من المصلحة.

(إِلاَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِم)؛ أي: ظنِّ المسلمين (الظَّفَرُ، فَيَلْزَمُهُمُ الْمَقَامُ)، ولا يَحِلُّ لهم الفِرارُ؛ لِينالوا درجة الشُّهداء المقبِلين على القتال محتسبين

(4)

، فيكونوا أفضلَ من الموَلِّينَ.

وما ذكره المؤلِّف هو

(5)

قَولٌ في المذهب، والأشْهرُ: أنَّ ذلك هو الأَوْلى، وليس بواجبٍ، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» .

وحمل ابنُ المنجَّى كلامَه هنا على الأَوْلى؛ جمعًا بين نقليه

(6)

وموافقة للأصحاب، وكأنَّه لم يَقِف على الخلاف فيه.

وظاهِرُه: أنَّه إذا غلب على ظنِّهم الهلاكُ؛ فالأَوْلى الثَّباتُ والقتالُ.

وعنه: لزومًا، قال أحمد:(ما يعجبني أن يستأْسِر)

(7)

، وقال: (فليقاتل

(1)

قوله: (على مثليهم) سقط من (ح).

(2)

في (ب): العدو. والذي في البخاري: العدة.

(3)

أخرجه أبو داود (2646)، وأخرجه البخاري (4653)، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما به.

(4)

في (ح): المحتسبين.

(5)

في (ب) و (ح): وهو.

(6)

في (ح): نقله.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 243.

ص: 440

أحب إلي

(1)

، الأسر شديدٌ)

(2)

، وقال عمار:«من استأسر برئَتْ منه الذِّمَّةُ»

(3)

، فلهذا قال الآجُرِّيُّ: يأثم، وأنه

(4)

قول أحمد.

وإن استأسروا جاز، قاله في «البلغة» وغيرها

(5)

.

تنبيهٌ: إذا نزل العدوُّ ببلدٍ؛ فلأهله التَّحصُّن منهم، وإن كانوا أكثر من نصفهم؛ ليلحقهم مدد أو قوة

(6)

، ولا يكون ذلك

(7)

تولِّيًا ولا فِرارًا.

(وَإِنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِمْ نَارٌ)، واشتعل

(8)

بهم؛ (فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ السَّلَامَةَ فِيهِ)؛ لأِنَّ حفظَ الرُّوح واجِبٌ، وغلبةُ الظَّنِّ كاليقين في أكثر الأحكام، فهنا كذلك.

(وَإِنْ شَكُّوا

(9)

فَعَلُوا مَا شَاؤُوا مِنَ الْمَقَامِ، أَوْ إِلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ فِي الْمَاءِ)، هذا هو المذهبُ؛ لأِنَّهم ابْتُلُوا بأمْرَينِ، ولا مَزِيَّةَ لأِحدهما على الآخر، وكظنِّ السَّلامة في المقام والوقوع في الماء ظنًّا متساويًا، لكنْ قال أحمدُ: كيف

(10)

يصنع. قال الأوزاعيُّ: (هما موتتان فاخْتَرْ أيْسَرَهما)

(11)

.

(1)

زيد في (ب) و (ح): إلا.

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 331.

(3)

ذكره في الفروع 10/ 243، ولم نقف عليه، وأخرج ابن عدي في الكامل (7/ 350)، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:«ليس منا من استأسر للمشركين من غير جراحة» ، ومداره على محمد بن عبد الملك المديني، قال عنه الإمام أحمد كما في العلل 3/ 212:(كان يضع الحديث ويكذب).

(4)

في (ب) و (ح): ولأنه.

(5)

في (ب) و (ح): وغيره.

(6)

في (ب) و (ح): وقوة.

(7)

قوله: (ذلك) سقط من (ب)(ح).

(8)

في (ح): واشتعلهم.

(9)

في (أ): شاؤوا.

(10)

هكذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 9/ 320، والشرح الكبير 10/ 54: كيف شاء.

(11)

ينظر: المغني 9/ 320.

ص: 441

(وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمُ الْمَقَامُ)، نصرها القاضِي وأصحابه؛ لأِنَّهم إذا أَلْقَوْا أنفسهم في الماء كان موتُهم بفعلهم، وإن أقاموا فموتُهم بفعل غيرهم.

وعنه: يَحرُم، ذكرها ابنُ عَقِيلٍ وصحَّحها، وصحَّح في «النِّهاية»: الأُولَى، وقال: لأنهم

(1)

مُلْجَؤُون إلى الإلْقاء، فلا ينسب إليهم الفعل بوجه، ولعلَّ الله يُخلِّصهم.

(1)

في (أ): أنهم.

ص: 442

(فَصْلٌ)

(وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ)؛ لِمَا رَوَى الصَّعْب بنُ جَثَّامةَ، قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل عن ديار المشركين يُبَيَّتون فيصاب

(1)

من نسائهم وذراريِّهم؛ فقال: «هم منهم»

(2)

متَّفقٌ عليه

(3)

، ومعنى تبييتهم: كَبْسُهم ليلاً وقتلهم، وهم غارُّون، وظاهِرُه: ولو قتل من لا يجوز قَتْلُه، إذا لم يقصده.

(وَرَمْيُهُمْ بِالْمِنْجَنِيقِ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ «لأنَّه عليه السلام نَصَبَ المِنجنيق على أهل الطَّائف» رواه التِّرمذيُّ مرسَلاً

(5)

، و «نَصَبُه عمْرُو بن العاص على الإسكندرية»

(6)

، ولأنَّ الرَّمْيَ به معتادٌ؛ كالسِّهام.

وظاهِرُه: مع الحاجة وعدمِها، وفي «المغني»: هو ظاهِرُ كلامِ الإمام.

(وَقَطْعُ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ)، وكذا السَّابلةُ، (وَهَدْمُ حُصُونِهِمْ)، وفي «المحرر» و «الوجيز» و «الفروع»: هَدْمُ عامرهم، وهو أعمُّ؛ لأنَّ القصدَ إضعافُهم

(1)

في (ح): فيصيبون.

(2)

قوله: (فقال: هم منهم) سقط من (ب) و (ح).

(3)

أخرجه البخاريُّ (3012)، ومسلمٌ (1745).

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 318.

(5)

أخرجه الترمذيُّ (2762)، من حديث ثور بن يزيد الكلاعي مرسلاً، وسنده ضعيفٌ جدًّا، فيه عمر بن هارون البلخيُّ، هو واهٍ متروكٌ. وأخرج أبو داود في المراسيل (335)، عن ثورٍ، عن مكحولٍ، مرسلاً نحوه.

وأخرج العقيلي (2/ 243) عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعًا، وفيه عَبد الله بن خراشٍ الكوفيُّ، وهو ضعيفٌ منكرُ الحديث، وعدَّ العقيليُّ الحديثَ من مناكيره. ينظر: ميزان الاعتدال 3/ 228، نصب الراية 3/ 382، البدر المنير 9/ 96، بلوغ المرام (1282).

(6)

أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (666)، والشافعي في القديم كما في الكبرى للبيهقي (9/ 144)، عن علي بن رباح قال:«لما صدَّ عمرَو بن العاص أهلُ الإسكندرية نَصَب عليهم المنجنيق» ، وإسناده صحيح.

ص: 443

وإرهابُهم؛ ليُجِيبُوا داعِيَ الله.

وقيل: فيه روايتانِ، قال أحمدُ:(لا يُعجِبُني يُلْقَى في نهرهم سمٌّ؛ لعلَّه يَشرَبُ منه مسلِمٌ)

(1)

.

(وَلَا يَجُوزُ إِحْرَاقُ نَحْلٍ) بالمهملة، (وَلَا تَغْرِيقُهُ)، في قول عامَّة العلماء؛ لِمَا رَوَى مكحولٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى أبا هُرَيرةَ بأشياءَ، قال:«إذا غَزَوتَ فلا تُحرِقْ نحلاً، ولا تُغْرقْه»

(2)

، ورَوَى مالكٌ: أنَّ أبا بكرٍ قال ليزيد

(3)

بن أبي سُفيانَ نحوَه

(4)

، ولأنَّ قَتْلَه فسادٌ، فيَدخُل في

(5)

عموم قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} الآية [البَقَرَة: 205]، ولأِنَّه

(1)

ينظر: الفروع 10/ 254.

(2)

أخرجه أبو داودَ في المراسيل (315، 542)، عن مكحولٍ مرسلاً. وأخرجه الطَّبراني في مسند الشَّاميين (3471)، من طريق عبيد الله بن ضرار، عن أبيه، عن مكحولٍ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وعُبيد الله بن ضِرَار، قال الذَّهبيُّ عنه:(لا يحتجُّ به ولا كَرامة، قاله الأزديُّ)، وهو وأبوه ضعيفان، قاله الدَّارقطني. ومَكحولٌ لم يُدركْ أبا هريرة. قاله أبو زرعة الرَّازي.

وأخرج أبو داود في المراسيل (542)، عن القاسم مولى عبد الرحمن نحوه مرسلاً، والقاسم ثقةٌ في حديثه عن الثقات مناكير. ينظر: المراسيل، لابن أبي حاتم ص 122، الضُّعفاء والمتروكون (302)، ميزان الاعتدال 3/ 10.

(3)

في (أ) و (ب): لزيد.

(4)

أخرجه مالك (2/ 477)، وعبد الرزاق (9375)، والبيهقي في الكبرى (18148)، وابن عساكر في تاريخه (2/ 77)، عن يحيى بن سعيد: أن أبا بكر الصديق بعث جيوشًا إلى الشام، وفيه قول أبي بكر ليزيد بن أبي زياد أمير الجند:«وإني موصيك بعشر: لا تقتلنَّ امرأة ولا صبيًّا ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعنَّ شجرًا مثمرًا، ولا تخربنَّ عامرًا، ولا تعقرنَّ شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقنَّ نحلاً ولا تغرقنه، ولا تغلل ولا تجبن» ، وأخرجه البيهقي في الكبرى (18150)، وابن عساكر في تاريخه (2/ 77)، من مرسل صالح بن كيسان، وأخرجه سعيد بن منصور (2383)، من مرسل عبد الله بن عبيدة، وأخرجه البيهقي في الكبرى (18152)، من مرسل أبي عمران الجوني، فالأثر صحيح بمجموع هذه المراسيل.

(5)

قوله: (في) سقط من (ب) و (ح).

ص: 444

حَيَوانٌ ذو رُوحٍ، فلم

(1)

يجز إهلاكُه لغَيظهم؛ كنِسائهم.

ومُقْتَضاهُ: أنَّه يجوز أخْذُ العسل؛ لأِنَّه مباحٌ، وفي أخذ كلِّ شَهْدِه بحيث لا يُتْرَك للنَّحْل شَيءٌ؛ روايتانِ.

(وَلَا عَقْرُ دَابَّةٍ وَلَا شَاةٍ، إِلاَّ لِأَكْلٍ

(2)

يُحْتَاجُ إِلَيْهِ)، أمَّا عَقْرُ دوابِّهم لغير الأكل؛ فلا يخلو: إمَّا أن يكون في الحرب أو في غيرها، فإن كان الأوَّلُ؛ فلا خلاف في جوازه

(3)

؛ لأنَّ الحاجةَ تدعو إلى ذلك؛ إذ قتل بهائمهم ممَّا يُتوصَّل به إلى قَتْلهم وهزيمتهم، وهو المطلوب.

وإن كان الثَّاني؛ لم يَجُزْ؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان صبْرًا

(4)

.

واختار في «المغني» : جوازَ ذلك ممَّا يستعين به على الكفَّار في القتال كالخيل، وذكره في «المستوعب» بشرط عجز المسلمين عن سياقه وأخْذِه؛ لأِنَّه يَحرُم إيصالُه إلى الكفَّار بالبيع

(5)

، فتَرْكُه لهم

(6)

بلا عِوَضٍ أولى

(7)

بالتَّحريم، وعكسُه أشْهَرُ.

وفي «البلغة» : يجوز قتْلُ ما قاتلوا عليه في تلك الحال.

وأمَّا عقرها

(8)

للأكل؛ فإن لم يكن بدٌّ من ذلك، فيباح بغير خلافٍ

(9)

؛

(1)

في (ب) و (ح): فلا.

(2)

في (ح): أكل ما.

(3)

ينظر: المغني 9/ 290.

(4)

أخرجه البخاري (5513)، ومسلم (1956)، من حديث أنس رضي الله عنه:«نهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم» ، وأخرج مسلمٌ (1959) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:«نهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل شيء من الدَّواب صبرًا» .

(5)

زيد في (ب) و (ح): فترد له. والمثبت موافق للمغني 9/ 291.

(6)

قوله: (لهم) سقط من (ح).

(7)

في (ح): بأولى.

(8)

في (أ): غيرها.

(9)

ينظر: المغني 9/ 290.

ص: 445

لأنَّ الحاجة تبيح مالَ المعصوم، فغيرُه أَوْلَى.

وإن لم تكن الحاجةُ داعيةً إلى ذلك؛ فإن كان الحيَوانُ لا يُرادُ إلاَّ للأكل؛ كالدَّجاج وسائر الطير؛ فحكمه كالطَّعام في قول الجميع.

وإن كان مما يحتاج إليه في القتال، كالخيل

(1)

؛ لم يبح ذبحه للأكل في قول الجميع

(2)

.

لكن

(3)

المؤلِّف اختار عَقْرَها لغير الأكل بشرطه.

وإن كان غير ذلك؛ كالبقر والغنم؛ لم يُبَحْ في قول جماعة

(4)

.

وقال القاضي: ظاهر كلام أحمد إباحته من غير حاجةٍ كالطَّعام.

واستَثْنَى في «المغني» من قول الخِرَقِيِّ: إذا أذِن الإمامُ في ذلك، وصرَّح به في «الشَّرح» .

فرعٌ: إذا تعذَّر حمْلُ متاعٍ، فتُرِك ولم

(5)

يشترَ؛ فللإمام

(6)

أخذه لنفسه وإحراقه، نَصَّ عليهما

(7)

، وإلاَّ حرم؛ إذ

(8)

ما جاز اغتنامُه حرُم إتْلافُه، وإلا جاز إتلاف غير الحيوان

(9)

.

وإذا قال الأمير عند العجز عن نقله: من أخذ شيئًا فهو له

(10)

؛ فهو

(1)

زاد في (ب): بشرط عجز.

(2)

قوله: (وإن كان مما يحتاج إليه في القتال؛ كالخيل؛ لم يبح ذبحه للأكل في قول الجميع) سقط من (أ).

(3)

زيد في (ب) و (ح): قال.

(4)

في (ب) و (ح): الجماعة.

(5)

في (ح): فتركه فلم.

(6)

في (ح): فلإمام.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 253.

(8)

في (ح): إذا. والمثبت موافق لما في الفروع 10/ 253، والإنصاف 10/ 60.

(9)

في (أ): حيوان.

(10)

قوله: (فهو له) سقط من (ب) و (ح).

ص: 446

لآخذه، وكذا إن لم يَقُلْ في أكثر الرِّوايات.

ويجب إتلاف كتبهم المبدَّلة، ذكره في «البلغة» .

(وَفِي حَرْقِ

(1)

شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ، وَقَطْعِهِ، رِوَايَتَانِ):

(إِحْدَاهُمَا: يَجُوزُ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ، قال الزَّرْكشيُّ:(وهي أظهرُ)؛ لقوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ

(5)} الآية [الحَشر: 5]، ولما رَوَى ابن عمرَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حرَّق نخلَ بني النَّضير وقطع

(2)

، وهي

(3)

البُوَيرةَ، فأنزل الله الآية»، ولها

(4)

يقول حسَّانُ:

وهانَ على سَراة بني لُؤَيٍّ

حريقٌ بالبُوَيرة مستطيرُ

متفق عليه

(5)

.

(إِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالمُسْلِمِينَ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع» وزاد:(ولا نَفَع)، فدلَّ على أنَّ ما يتضرَّر المسلمون بقطعه لكونه لعلوفتهم، أو يستظِلُّون به، أو يأكلون من ثمره؛ لم يَجُزْ؛ لِمَا فيه من الإضرار بالمسلمين، وهو منفيٌّ شرعًا.

(وَالْأُخْرَى: لَا يَجُوزُ)؛ لحديث أبي بكرٍ وغيرِه

(6)

، ولأِنَّ فيه إتْلافًا محْضًا، فلم يَجُزْ؛ كعقر الحيَوان، (إِلاَّ أَنْ لَا يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ بِهِ)؛ كالذي يَقرُب من حصونهم، ويمنع من قتالهم، ويستترون به من المسلمين.

زاد في «المغني» و «الشَّرح» : أو يُحتاج إلى قطعه لتَوْسعة الطَّريق، أو تَمكُّنٍ من قتال

(7)

، أو سد

(8)

شق، أو ستارة مِنْجَنيقٍ.

(1)

في (ب) و (ح): إحراق.

(2)

في (ح): وقطعه.

(3)

في (ب) و (ح): وهو.

(4)

في (أ): ولهذا.

(5)

أخرجه البخاريُّ (2326)، ومسلمٌ (1746)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(6)

تقدم تخريجه 4/ 444 حاشية (4).

(7)

في (ب) و (ح): ضال.

(8)

في (ح): شد.

ص: 447

(أَوْ يَكُونُوا

(1)

يَفْعَلُونَهُ بِنَا)، فنفعله بهم، قال أحمد:(لأنَّهم يكافَؤُون على فعلهم)

(2)

، وهذا ممَّا لا خلافَ فيه

(3)

، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» .

(وَكَذَلِكَ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ، وَفَتْحُ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ)؛ أي: فيه روايتان:

إحداهما: يجوز، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ القصدَ مكافأتُهم، وإقامةُ كلمة الحقِّ، فإذا كان ذلك وسيلةً إليه؛ جاز؛ كالقتل، لكن إنْ قدَر عليهم بغيره؛ لم يَجُزْ تحريقُهم بالنَّار بغير خلاف

(4)

، وعند العجز: يجوز في قول أكثر العلماء، وكذا القول في فتح البثوق ليغرقهم.

والثَّانيةُ: المنْعُ، أمَّا النَّارُ؛ فلا يُعذِّب بها إلاَّ الله تعالى، وأما الماء؛ فلأن الإتْلافَ به يعم النساء والذُّرِّيَّة، مع أنَّ عنه مندوحة

(5)

، لكن لو لم يُقدَر عليهم إلاَّ به، أو كانوا يفعلونه بنا؛ جاز.

(وَإِذَا ظُفِرَ بِهِمْ لَمْ يُقْتَلْ صَبِيٌّ) لم يبلُغْ، بغير خلافٍ

(6)

؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن قَتْل النِّساء والصِّبيان» متَّفقٌ عليه

(7)

، ولأِنَّه يصير رقيقًا بنفس السَّبْي؛ ففي قَتْله إتلافُ المال.

فإن شكَّ في بلوغه؛ عُوِّل على شَعْر العانة، قاله في «البلغة» .

(وَلَا امْرَأَةٌ)؛ لِمَا ذكرنا، والخنثى كهي.

(وَلَا رَاهِبٌ) في صَومَعَته، قال جماعةٌ: ولا يُخالِطُ النَّاس؛ لقول عمر: «ستمُرُّون على قومٍ في صوامعَ لهم، احتبسوا أنفسهم فيها، فدَعُوهم حتَّى

(1)

في (ح): كانوا.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 254.

(3)

ينظر: المغني 9/ 291.

(4)

ينظر: الشرح الكبير 10/ 65.

(5)

في (ب) و (ح): وجهًا.

(6)

ينظر: الشرح الكبير 10/ 67.

(7)

أخرجه البخاريُّ (3015)، ومسلمٌ (1744).

ص: 448

يُمِيتَهم الله على ضلالتهم»

(1)

.

(وَلَا شَيْخٌ فَانٍ)، رُوِي عن ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى:{وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190]: «يقول

(2)

: لا

(3)

تقتلوا النِّساء والصِّبيان

(4)

والشَّيخَ الكبيرَ»

(5)

.

وجوَّزه ابنُ المنذِر؛ لأِمْره عليه السلام به

(6)

، قال ابنُ المنذِر

(7)

: لا أعرِف حُجَّةً في تَرْك قَتْل الشُّيوخ يُستَثنى بها عمومُ قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التّوبَة: 5]،

(1)

لم نقف عليه من كلام عمر، والذي في الشرح الكبير 10/ 72، والممتع 2/ 277، أنه من قول أبي بكر رضي الله عنه، وقد تقدم تخريجه 4/ 444 حاشية (4).

(2)

قوله: (يقول) سقط من (ب) و (ح).

(3)

في (ح): ولا.

(4)

زاد في (أ): متفق عليه.

(5)

أخرجه الطبري في التفسير (3/ 291)، وابن أبي حاتم في التفسير (1721)، من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وإسناده جيد، وصحيفة علي بن أبي طلحة في التفسير مقبولة عند جماعة من المفسرين، واعتمد عليها البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما كما ذكر ابن حجر في العُجاب 1/ 207.

(6)

يشير المصنف رحمه الله تعالى إلى ما أخرجه سعيد بن منصور (2624)، وأحمد (20145)، وأبو داود (2670)، والروياني في مسنده (802)، والطبراني في الكبير (6900)، من طرق عن الحجاج-يعني ابن أرطاة-، والترمذي (1583)، والطبراني في الكبير (6902)، من طرق عن سعيد بن بشير، كلاهما عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتلوا شيوخ المشركين، واستبْقُوا شَرْخهم» . وفي لفظ: «واستَحْيُوا شرْخهم» . قال الترمذي: (والشّرخ: الغلمان الذين لم يُنْبِتُوا)، والحديث صحّحه الترمذيُّ، وقال:(حسن صحيح غريب)، وتعقّبه ابن الملقن، فقال:(وفيه نظر؛ فإن في إسناده سعيد بن بشير، والأكثرون على تضعيفه، وفي إسناد أبي داود وأحمد: حجاج بن أرطاة، وقد ضعفوه). والحديث ضعفه البيهقي والإشبيلي وابن القطان وابن التركماني والزيلعي والألباني، والحسن البصريّ مدلِّس وقد عنعنَ، وفي سماعه من سمرة خلاف معروف، قال البيهقي:(الحسن عن سمرة: منقطعٌ في غير حديث العقيقة فيما ذهب إليه بعض أهل العلم بالحديث). ينظر: معرفة السنن 13/ 254، الأحكام الوسطى 3/ 44، بيان الوهم 4/ 167، الجوهر النقي 9/ 92، نصب الراية 3/ 386، البدر المنير 9/ 84، ضعيف أبي داود الأم 2/ 335.

(7)

ينظر: الإشراف 4/ 24.

ص: 449

ولأِنَّه كافِرٌ لا نَفْعَ فيه، فقُتِل كالشَّابِّ.

وجوابُه: «أنَّه عليه السلام نهى عن قتله» رواه أبو داودَ

(1)

، ولأِنَّه ليس من أهل القتال، أشْبَه المرأةَ، ويُحْمَلُ ما رُوِي على قتل المقاتلة الذين

(2)

فيهم قوة، مع أنَّه عامٌّ، وخبرُنا خاصٌّ بالهرم

(3)

فيُقدَّم.

(وَلَا زَمِنٌ وَلَا أَعْمَى)؛ كالشَّيخ الفانِي؛ لاِشْتِراكهم في عدم النِّكاية، زاد في «المغني» و «الشَّرح»: وعبدٌ وفلاَّحٌ، وفي «الإرشاد»: وحَبْرٌ، لا رأْيَ لهم.

فمَنْ كان من هؤلاء ذا رأْيٍ -وخصه في «الشَّرح» بالرِّجال، وفيه شَيءٌ-؛ جاز قتلُه

(4)

؛ لأِنَّ دُرَيدَ بنَ الصِّمَّةِ قُتِل يومَ حُنَينٍ، وهو شَيخٌ لا قِتالَ فيه؛ لأجل استعانتهم برأْيه، فلم يُنكِر عليه السلام قَتْلَه

(5)

، ولأِنَّ الرَّأْيَ من أعظم المعونة على الحرب، وربَّما كان أبْلغَ في القتال، قال المتنبِّي

(6)

:

الرَّأْيُ قبْلَ شجاعة الشُّجْعانِ

هو أوَّلٌ، وهي المحلُّ الثَّانِي

فإذا هما

(7)

اجتمَعا لنفس مرَّة

بلغَتْ مِنْ العلياء كلَّ مكانِ

(1)

أخرجه أبو داود (2614)، -ومن طريقه البيهقي في الكبرى (18153) -، وابن أبي شيبة (33118)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وسنده ضعيفٌ؛ فيه خالد الفَزْر، قال ابن معين:(ليس بذاك)، وقال أبو حاتم:(شيخ)، وقال الإشبيلي:(ليس بقوي)، والحديث ضعَّفه الإشبيلي وابن القطَّان والمنذري، ورُويَ عن عليِّ بن أبي طالب نحوه مرفوعًا، وفي سنده ضعف وانقطاع، قال البيهقيُّ:(وهو بشواهده مع ما فيه من الآثار يَقوَى). ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 43، بيان الوهم 5/ 561، مختصر سنن أبي داود 2/ 180، نصب الراية 3/ 386.

(2)

في (أ): الذي.

(3)

في (أ): بالهم.

(4)

قوله: (قتله) سقط من (ح).

(5)

أخرج خبره البخاري (4323)، ومسلم (2498)، عن أبي موسى رضي الله عنه.

(6)

ينظر: ديوان المتنبي مع شرح المعري ص 1360.

(7)

قوله: (هما) سقط من (أ).

ص: 450

(إِلاَّ أَنْ يُقَاتِلُوا)، فيجوز قَتْلُهم بغير خلافٍ

(1)

؛ لأِنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قتل يوم قريظةَ امرأةً ألْقَت رحًى على محمود بن سلمة»

(2)

، ورَوَى ابن عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على امرأةٍ مقتولةٍ يوم الخندق فقال: «مَنْ قتل هذه؟» فقال رجل: أنا، نازعتْني قائم سيفي، فسكتَ

(3)

، ولأِنَّه لو لم يَجُزْ لأدَّى إلى تلف قاتله، زاد في «الفروع» وغيره: أو يحرِّضوا عليه.

وذكر في «المغني» و «الشَّرح» : أنَّ المرأة إذا انكشفت للمسلمين، وشتمتْهم رُمِيتْ قصدًا، وظاهر نصِّ الإمام والأصحاب خلافُه، ويتوجه: أنَّ حكم غيرها ممَّن منعْنا قتْلَه كهِيَ.

(فَإِنْ

(4)

تَتَرَّسُوا بِهِمْ)؛ أي: بمن لا يجوز قتلُه؛ (جَازَ رَمْيُهُمْ)؛ لأِنَّه صلى الله عليه وسلم رماهم بالْمِنْجنِيق، وفيهم النِّساء والصِّبيان

(5)

، ولأنَّ كفَّ المسلمين عنهم حينئِذٍ يُفضِي إلى تعطيل الجهاد، وسواءٌ كانت الحربُ قائمةً أو لا، (وَيَقْصِدُ الْمُقَاتِلَةَ)؛ لأِنَّه هو المقصود.

(وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِالمُسْلِمِينَ؛ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ)؛ لأِنَّ ذلك يَؤُولُ إلى قتل

(1)

ينظر: الشرح الكبير 10/ 72.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وهو محمود بن مسلمة بن سلمة الأنصاري كما في الإصابة 6/ 35.

ولم نقف على هذه القصة المذكورة، وقد ذكر البيهقي في الكبرى (9/ 140): أن محمود بن مسلمة قُتل بخيبر، ولم يُقتل يوم بني قريظة. وأخرج البيهقي (18109)، عن محمد بن إسحاق والواقدي: أنّ خلاَّد بن سويد بن ثعلبة الخزرجي دلت عليه فلانةُ -امرأةٌ من بني قريظة- رَحًا فشدخَت رأسه، فذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«له أجر شهيدين» ، فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذُكر. قال البيهقي:(منقطع).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (1282)، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيفٌ. وأخرجه أبو داود في المراسيل (333) عن عكرمة مولى ابن عباس، وسنده صحيح مرسلاً. ينظر: إتحاف الخيرة 5/ 170، التلخيص الحبير 4/ 193.

(4)

في (أ): وإن.

(5)

تقدَّم تخريجه 4/ 443 حاشية (5).

ص: 451

المسلمين مع أنَّ لهم مندوحة عنه، فعلى هذا؛ لو رماهم فأصاب مسلمًا؛ فعليه ضمانُه.

(إِلاَّ أَنْ يُخَافَ عَلَى المُسْلِمِينَ)

(1)

، مثل كون الحرب قائمةً، أو لم يُقْدَر عليهم إلاَّ بالرَّمْيِ، (فَيَرْمِيهِمْ)، نصَّ عليه

(2)

؛ للضَّرورة.

(وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ) بالرَّمْيِ؛ لأِنَّهم هم المقصودون

(3)

بالذَّات، فلو لم يُخَفْ على المسلمين، لكنْ لا يُقدَرُ عليهم إلاَّ بالرَّمْيِ؛ فظاهر كلامه هنا

(4)

: لا يجوز رمْيُهم، وقاله

(5)

الأوزاعيُّ واللَّيث؛ لقوله تعالى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ

} [الفَتْح: 25]، قال اللَّيثُ: تَرْكُ فتْح حِصْنٍ يقدر على فتحه؛ أفْضَلُ من قَتْلِ مسلِمٍ بغير حقٍّ

(6)

.

وجوَّزه القاضي حال قيام الحرْب؛ لأِنَّ ترْكَه يفضي إلى تعطيل الجهاد، فعلى هذا: لو قتل مسلمًا كَفَّرَ، وفي الدِّية على العاقلة روايتان.

وفي «عيون المسائل» : يجب

(7)

الرَّمْيُ، ويكفِّر، ولا ديةَ.

فرعٌ: إذا نازل المسلمون العدوَّ، فقالوا: ارحلوا عنَّا وإلا قتلنا

(8)

أسراكم، قال أحمد: فليرحلوا

(9)

عنهم

(10)

.

(1)

قوله: (لأن ذلك يؤول إلى قتل

) إلى هنا سقط من (ب) و (ح).

(2)

في (ح): عليهم. ينظر: الأحكام السلطانية ص 43.

(3)

في (ب) و (ح): المقصود.

(4)

في (ب) و (ح): هذا.

(5)

في (ب) و (ح): وقال.

(6)

ينظر: الإشراف 4/ 28.

(7)

في (ب): يستحب. والمثبت موافق لما في الفروع 3/ 295.

(8)

في (أ): قلنا.

(9)

في (ب) و (ح): فيرحلوا.

(10)

ينظر: الفروع 10/ 256.

ص: 452

(وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ) على الأصحِّ، (حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ)، فيَرَى فيه رأْيَه؛ لأِنَّ الخيَرة في أمر الأسير

(1)

إليه.

والثَّانيةُ: يجوز؛ كما لو قاتله.

(إِلاَّ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ المَسِيرِ

(2)

مَعَهُ)، فله إكراهُه بالضَّرْب وغيرِه، فإن لم يمكنه، وهو المراد بقوله:(وَلَا يُمْكِنُهُ إِكْرَاهُهُ)؛ فإنَّه حينئِذٍ له قَتْلُه، فإن امتنع من الانقياد معه لجُرح أو مرض؛ فله قتلُه.

وعنه: الوقف في المريض، وفيه وجهان: أصحُّهما الجوازُ؛ لأنَّ ترْكَه حيًّا ضرَرٌ على المسلمين.

ونقل أبو طالب: لا يُخلِّيه ولا يقتله

(3)

.

ويحرُم قتْلُ أسيرِ غيرِه

(4)

، ولا شيء عليه، نَصَّ عليه

(5)

.

واختار

(6)

الآجُرِّيُّ: لرجُلٍ قتْلُه لمصلحة؛ كقتل بلالٍ أميَّةَ بنَ خَلَفٍ أسيرَ عبدِ الرَّحمن بنِ عَوْفٍ، وأعانه عليه الأنصار

(7)

، وقال: من قتل أسيرًا

(8)

فلا شيء عليه

(9)

.

وإن

(10)

قتل امرأةً أو صبِيًّا؛ عاقَبه الأميرُ، وغرِم ثمنه غنيمةً؛ لأنَّه صار رقيقًا بنفس السَّبْي.

(1)

في (ح): اليسير.

(2)

في (أ): السير.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 256.

(4)

في (ب) و (ح): عنده. والمثبت موافق لما في الفروع 10/ 256.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 256.

(6)

في (ب) و (ح): واختاره. والمثبت موافق لما في الفروع 10/ 256.

(7)

أخرجه البخاري (2301)، من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

(8)

في (أ): قتيلاً.

(9)

قوله: (عليه) سقط من (ح).

(10)

في (ح): ومن.

ص: 453

(وَيُخَيَّرُ الأَمِيرُ فِي الْأَسْرَى: بَيْنَ الْقَتْلِ)؛ لعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التّوبَة: 5]، ولأِنَّه عليه السلام قَتَل رجالَ قُرَيظَةَ، وهم بين السِّتِّمائةٍ والسَّبْعمائةٍ

(1)

، وقتل يوم بدر عقبة بن أبي مُعَيطٍ

(2)

، والنضر

(3)

بن الحارث، وفيه تقول أخته

(4)

:

ما كان ضرك لو مننتَ، ورُبَّما

مَنَّ الفتى وهو المَغِيظُ

(5)

المُحْنَقُ

فقال صلى الله عليه وسلم: «لو سمِعْتُه ما قَتلْتُه»

(6)

.

(1)

في السنن الكبرى للنسائي (8626)، ومستخرج أبي عوانة (9699)، وسنن الدارمي (2527)، من حديث اللَّيث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّهم كانوا أربعمائة.

(2)

قصَّة قتْل ابن أبي مُعيط ورفقائه مشهورةٌ مُستفيضةٌ، وأخرج أبو داود في المراسيل (337) عن سعيد بن جبير: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قتلَ يومَ بدرٍ ثلاثةَ رهطٍ من قُريشٍ صبرًا: المطعم بن عدي، والنَّضر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعيط

إلخ، ووصله الطبراني في الأوسط بذكر ابن عبَّاسٍ فيه، وسنده ضعيفٌ. قال أبو داود:("المطعم" خطأ، إنما هو طُعَيمَة بن عدي).

وأخرج أبو داود (2686)، والحاكم (2572)، عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما أرادَ قتلَ عقبة بن أبِي معيط، قال: من للصبية؟ قال: «النّار» ، وسنده صحيح، صححه الحاكم والألباني. ينظر: مجمع الزوائد 6/ 89، الإرواء 5/ 40، صحيح سنن أبي داود 8/ 21.

(3)

في (ح): والنضير.

(4)

زيد في (ب): فتيلة.

والصَّواب أن قائلة الأبيات هي بنتُ النضر بن الحارث، وليست أختَه. كما قاله ابن حجر في موافقة الخبر (2/ 443)، ورجحه السهيلي في الروض الأنف (5/ 268).

(5)

في (ب) و (ح): المغاظ.

(6)

هذه القصَّة مشهورةٌ، ولم نقف عليها مُسندةً، وقد ذكرَها ابن هشام في السِّيرة (2/ 42)، وابن عبد البر (4/ 1905)، وابن كثير في البداية (5/ 189)، وابن حجر في الإصابة (8/ 285)، وقال ابن عبد البر:(في رواية الزبير بن بكار: فَرقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى دمعت عيناه، وقال لأبي بكر: «يا أبا بكر، لو سمعتُ شعرها لم أَقتل أَباها»، قال: وقال الزبير: سمعتُ بعض أهل العلم يَغمز هذه الأَبيات، ويقول: إنَّها مصنوعةٌ).

ص: 454

(وَالاِسْتِرْقَاقِ)؛ لقول أبي هريرة: لا أزال أحبُّ بني تميمٍ بعد ثلاثٍ سمعتُهنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «همْ أشدُّ أمَّتي على الدجال» ، وجاءت صدقاتهم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«هذه صدقات قومنا» ، قال

(1)

: وكانت

(2)

سبيَّةٌ عند عائشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَعْتِقِيها، فإنَّها مِنْ وَلَد إسماعيلَ» متفق عليه

(3)

، ولأِنَّه يجوز إقرارُهم على كفرهم بالجزية؛ فبالرِّق أَوْلَى؛ لأِنَّه أبلغ في صَغارهم.

فرعٌ: لا يُبطِلُ الاِسْتِرْقاقُ حقًّا لمسلم، قاله ابنُ عَقيلٍ، وفي «الانتصار»: لا يَسقُطُ حقُّ قَوَدٍ له أو عليه

(4)

، وفي سقوط دَينٍ مِنْ

(5)

ذمته لضعفها برقِّه، كذمَّة مريضٍ؛ احتِمالان.

وفي «البلغة» : يُتبَع به بعد عتقه، إلاَّ أن يغنَم بعد إرقاقه، فيُقضَى منه دَينُه، فيكون رقُّه كموته، وعليه يخرَّج حلوله برقِّه، وإن غنما معًا؛ فهما للغانم، ودَينه في ذمَّته.

(وَالْمَنِّ)؛ لقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محَمَّد: 4]، ولما

(6)

رَوَى أنسٌ: «أنَّ ثمانين رجلاً من أهل مكَّة هبطوا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه

(7)

من جبال التَّنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم، فأخذهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأعْتَقَهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ

(24)} الآية [الفَتْح: 24]» رواه مسلمٌ

(8)

،

(1)

قوله: (قال) سقط من (أ).

(2)

في (أ): وكان.

(3)

أخرجه البخاريُّ (253)، ومسلمٌ (2525).

(4)

في (ب) و (ح): وعليه.

(5)

في (ب) و (ح): في.

(6)

في (أ): لما.

(7)

قوله: (وأصحابه) سقط من (ب) و (ح).

(8)

أخرجه مسلمٌ (1808)، وعند الترمذي (3264):«فأَعتَقهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم» ، وعند أحمد (14090):«فعفَا عنهُم، ونزلَ القرآن» ، وسندهما صحيح.

ص: 455

وعن جُبَير بن مُطعِمٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدرٍ: «لو كان المطعمُ بنُ عدِيٍّ حيًّا، ثمَّ كلَّمني في هؤلاء النَّتْنَى؛ لتركْتُهم له» رواه البخاريُّ

(1)

، وقد صحَّ أنَّه عليه السلام مَنَّ على أبي عَزَّةَ

(2)

الشَّاعرِ يومَ بدر

(3)

، وعلى أبي العاص بن الرَّبيع

(4)

، وعلى ثُمامةَ بنِ أُثالٍ

(5)

.

والثَّانية: لا يجوز المنُّ بغير عِوَضٍ؛ لأِنَّه لا مصلحةَ فيه.

(وَالْفِدَاءِ)؛ للآية، ولِمَا رَوَى عِمْرانُ بن حُصَينٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فدَى رجلين من أصحابه برجلٍ من المشركين من بني عقيلٍ» رواه أحمدُ، والتِّرمذيُّ وصحَّحه

(6)

.

ثم هو

(7)

جائِزٌ (بِمُسْلِمٍ) بلا نزاعٍ؛ لحديث عمرانَ وغيرِه، (أو بِمَالٍ) في ظاهر المذهب؛ لأِنَّه صلى الله عليه وسلم فادَى أهل بدْرٍ بالمال بلا رَيبٍ

(8)

.

(1)

أخرجه البخاريُّ (3139)، من حديثِ جُبير بن مطعم رضي الله عنه.

(2)

في (ب) و (ح): عروة.

(3)

قوله: (يوم بدر) سقط من (ب) و (ح).

أخرجه الواقدي في المغازي (1/ 110)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (18029)، عن سعيد بن المسيب مرسلاً، قال الألباني:(إسناده واهٍ جدًّا، من أجل محمد بن عمر وهو الواقديُّ، وهو متروكٌ). ينظر: الإرواء 5/ 41.

(4)

أخرجه أحمد (26362)، وأبو داود (2692)، وابن الجارود (1090)، والحاكم (4306) من حديث عائشة رضي الله عنها. وحسَّنه ابن الملقن والألباني، وصحَّحه ابن الجارود والحاكم والذهبي. ينظر: البدر المنير 9/ 117، الإرواء 5/ 43.

(5)

أخرجه البخاريُّ (4372)، ومسلمٌ (1764)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

أخرجه الترمذيُّ (1568)، والنسائي في الكبرى (8538)، وأحمد (19827)، وابن أبي شيبة (33245)، وصحَّحه التِّرمذي والألبانيُّ. والحديث أخرجه مسلمٌ (1641) مطولاً. ينظر: البدر المنير 9/ 112، الإرواء 5/ 43.

(7)

قوله: (ثم هو) في (ح): وهو.

(8)

فيه أحاديث منها: ما أخرجه البخاري (3049)، عن أنس، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين فجاءه العباس فقال: يا رسول الله، أعطني فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً.

ص: 456

(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بِمَالٍ

(1)

، وحكاها أبو الخطَّاب في «الهداية» وجْهًا؛ لأِنَّ الله تعالى عاتب

(2)

نبيه على ذلك، ونزل: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى

}، إلى قوله {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67 - 68]، ولأنه لا يجوز بيعهم السَّلاح؛ لِمَا فيه من تقويتهم على المسلمين، فبيع أنفسهم أَوْلى.

وهذا التَّخيير إنَّما هو في المقاتِلة الأحرارِ، ذكره الأصحابُ، فإن كانوا أرِقَّاء؛ فيخيَّر الإمامُ بين قَتْلهم وتركهم غنيمة كالبهائم.

وأمَّا النِّساء والذُّرِّيَّةُ؛ فيصيرون أرِقَّاء بنفس السَّبي؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قَتْلِهم

(3)

، وكان يسترقُّهم إذا سباهم.

ومَنْ يَحرُم قتله؛ كالزَّمِن والشَّيخ الفاني والأعمى؛ ففي «المغني» و «الكافي»

(4)

و «الشَّرح» : أنَّه لا يجوز سَبْيُهم؛ لتحريم قتلهم، وعدم النَّفع في اقتنائهم.

لكن صرَّح في «المغني» : بجواز

(5)

اسْتِرْقاق الشَّيخ والزَّمِن، ونقله ابن المنجَّى عن بعض الأصحاب، فقال: كلُّ مَنْ لا يُقتل كالأعمى

(6)

وغيره؛ يُرَقُّ بنفس السَّبْي.

وتوسَّط المجدُ، فجعل مَنْ فيه نَفْعٌ مِنْ هؤلاء حكمُه حُكْمُ النِّساء والصِّبيان.

قال الزَّرْكشيُّ: وهو أعْدلُ الأقوال؛ إذ الزَّمِنُ يمكن أن يكون ناطورًا، والأعمى ينفُخُ في كِير الحدَّاد، إلاَّ أن يراد به النَّفع المطلَق.

(1)

في (ب) و (ح): بالمال.

(2)

قوله: (عاتب) سقط من (ب) و (ح).

(3)

تقدَّم تخريجه 4/ 448 حاشية (7).

(4)

قوله: (والكافي) سقط من (ح).

(5)

في (ب) و (ح): يجوز.

(6)

في (ب) و (ح): كأعمى.

ص: 457

تنبيهٌ: إذا أسلم الكافِرُ قبل أسره لخوف أو غيره؛ فلا تخيير؛ لأِنَّه لا يد عليه، وظاهر كلامهم: أنَّه كمسلمٍ أصليٍّ في قَوَدٍ وديةٍ، لكن لا قَوَدَ مع شبهة التَّأويل، وفي الدِّية

(1)

الخلافُ كباغٍ.

والتَّخْيِير السَّابِقُ ثابِتٌ في أهل

(2)

الكتاب، ومن يُقِرُّ بالجزية، فأمَّا غيره فقال فيه:(إِلاَّ غَيْرَ الْكِتَابِيِّ؛ فَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

إحداهما: يجوز، وإليها مَيل المؤلِّف، وهي ظاهر «الوجيز» ؛ كغيرهم.

والثَّانية: لا، اختارها الشَّريف وابن عقيلٍ، وصحَّحها في «البلغة» .

قال الخِرَقيُّ: لا يُقبَل منهم إلاَّ الإسلامُ أو السَّيف، وفي «الواضح»: يَدُلُّ هذا على عدم

(3)

مفاداةٍ عدم ومنٍّ؛ لأِنَّه كافِرٌ لا يُقَرُّ بالجزية، فلم يُسترقَّ كالمرتدِّ.

والمؤلِّف تبع أبا الخطاب في حكاية الخلاف في غير أهل الكتاب، والمجدُ جعل مناط الخلاف

(4)

فيمن لا يُقَرُّ بالجزية، فعلى قوله: نصارى بني تغلب يجري فيهم الخلاف؛ لعدم أخذها منهم.

وظاهر ما سبق: أنَّ الكافر إذا كان مولَى مسلمٍ؛ يجوز

(5)

استرقاقه، واختار أبو بكر خلافه؛ لما في استرقاقه

(6)

من تفويت ولاء المسلم المغصوب

(7)

بخلاف ولده الحربيِّ؛ لبقاء نسبه، والمذهبُ الأوَّلُ؛ كما لو

(1)

في (أ): الفدية.

(2)

في (أ): أول.

(3)

قوله: (عدم) سقط من (ب) و (ح).

(4)

في (ب) و (ح): الحكم.

(5)

في (ح): لا يجوز. والمثبت هو الموافق للمغني 9/ 223.

(6)

قوله: (واختار أبو بكر خلافه لما في استرقاقه) سقط من (ب) و (ح).

(7)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 9/ 223، والشرح 10/ 90: المعصوم.

ص: 458

كان عليه ولاءٌ لذمي؛ لأنه يجوز

(1)

قتله؛ فجاز استرقاقه كغيره.

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ إِلاَّ الْأَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ)؛ لأِنَّ هذا تخيير مصلحةٍ واجتهادٍ، لا تَشَهٍّ، فمتى رأى المصلحة

(2)

في خصلةٍ؛ لزمه فعلها، وفي «الروضة»: يندب، ولأِنَّه يَتصرَّف لهم على سبيل النَّظر لهم، فلم يجز ترك ما فيه الحظُّ؛ كوليِّ اليتيم، ولأِنَّ المصلحة تختلف باختلاف الأسرى؛ فالقويُّ قتله أصلحُ.

ولا يُمثَّلُ به. وعنه: بلى إن فعلوه.

والضَّعيف الذي له مال؛ فداؤه أصلحُ، ومن

(3)

له رأيٌ حسنٌ يُرجى إسلامُه؛ فالمنُّ عليه أصلحُ، ومن ينتفع بخدمته؛ فاسترقاقه أصلحُ.

وإن تردَّد نظره؛ فالقتل أَوْلى.

واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: للإمام عمل المصلحة في مالٍ وغيره

(4)

؛ لفِعْل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأهل مكَّةَ

(5)

.

فرعٌ: مَنْ اسْتُرِقَّ، أو فُودي بمالٍ؛ كان للغانِمين بغير خلافٍ نعلمه

(6)

.

(فَإِنْ أَسْلَمُوا؛ رَقُّوا فِي الْحَالِ)، نَصَّ عليه

(7)

، وحرُم قتْلُه؛ لقوله عليه السلام:«لا يَحِلُّ دمُ امْرئٍ مسلِمٍ إلاَّ بإحْدَى ثَلاثٍ»

(8)

، وهذا مسلِمٌ؛ ولأِنَّه أسيرٌ يَحرُم

(1)

في (ح): لا يجوز.

(2)

في (ب) و (ح): مصلحة.

(3)

في (ح): وبمن.

(4)

في (ب) و (ح): غيره. والمثبت موافق لما في الفروع 10/ 258.

(5)

لعل مراده ما أخرجه مسلمٌ (1780)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح:«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقَى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن» .

(6)

ينظر: المغني 9/ 224.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 260.

(8)

أخرجه البخاريُّ (6878)، ومسلمٌ (1676)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

ص: 459

قتله، فصار رقيقًا كالمرأة.

وقيل: يَحرُم قتْلُه، ويُخير

(1)

فيه بين الخصال الثَّلاثة، جزم به في «الكافي» ، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لأنَّه إذا جاز ذلك حال كفرهم؛ ففي حال إسلامهم أَوْلى.

وعلى الأوَّل: يزول حكم التَّخيير، ولا يجوز ردُّه إلى الكفَّار، زاد في «المغني» و «الشَّرح»: إلاَّ أن تَمنَعَه عشيرةٌ ونحوُها.

(وَمَنْ سُبِيَ مِنْ أَطْفَالِهِمْ) ولو مميِّزًا، (مُنْفَرِدًا)، فمسلم

(2)

؛ لأنَّ التَّبعيَّة انقطعت، فيصير تابِعًا لسابيه المسلم في دينه.

وعنه: كافِرٌ؛ كما لو سُبِيَ مع أبوَيْه.

(أَوْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ؛ فَهُوَ مُسْلِمٌ) على الأصحِّ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ مرفوعًا: «ما مِنْ مولودٍ إلاَّ يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه، ويمجسانه» متَّفقٌ عليه

(3)

، فجعل التَّبعيَّة لأبَوَيه، فإذا لم يكن كذلك؛ انقطعت التَّبعيَّةُ، ووجب بقاؤه على حكم الفطرة.

وعنه: يَتْبَعُ أباه، قاله أبو الخطَّاب؛ لأنَّه يَتْبَعُه في النَّسب، فكذا في الدِّين.

وعنه: يَتْبَع المَسْبِيِّ معه منهما، اختاره الآجُرِّيُّ.

(وَإِنْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ؛ فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا) على الأصحِّ؛ لأِنَّ التَّبعيَّةَ باقيةٌ.

وعنه: لا؛ لأِنَّه خرج من دارهما، وصار إلى دار الإسلام، فتَبِع سابيَه المسلِمَ.

(1)

في (ب) و (ح): ويتخير.

(2)

في (أ): فسلم.

(3)

أخرجه البخاري (1359)، ومسلم (2658).

ص: 460

فرعٌ: يَتْبَعُ الطِّفلُ سابِيًا ذمِّيًّا دينًا

(1)

كمسلِمٍ. وقيل: إنْ سُبِيَ منفرِدًا؛ فمسلِمٌ. ونقل عبد الله والفضل: يَتْبَعُ مالِكًا مسلِمًا

(2)

؛ كسَبْيٍ، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(3)

.

(وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ) وبسَبْيِهما

(4)

معًا؛ لأِنَّ الرِّقَّ معنىً لا يَمنَع ابتداء النكاح، فلا يقطع استدامته كالعتق.

وعنه: ينفسخ؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 24]، والمراد

(5)

بالمحصنات: المزوجات، {إلا ما ملكت أيمانكم} بالسبي، وهذا إذا تعدد سابيهما، قاله المؤلِّف.

وظاهِرُه: لا فَرْق بين أن يَسْبِيَهما رجلٌ أو رجلان، وهو ظاهر كلام الأصحاب.

(وَإِنْ سُبِيَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا)، بغير خلافٍ علمناه

(6)

، قاله في «الشَّرح» .

وعنه: لا يَنفَسِخ، قدَّمها في «التَّبصرة» ؛ كزوجةِ ذِمِّي

(7)

.

وعلى الأوَّل: (وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا)؛ للآية، ولما

(8)

روى أبو سعيدٍ الخدريُّ رضي الله عنه قال: أصَبْنا سبايا يوم أوْطاسٍ، ولهن أزواجٌ في قومهنَّ، فذُكِر ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ

} [النِّسَاء: 24]، رواه

(1)

قوله: (دينًا) سقط من (ب) و (ح).

(2)

ينظر: الفروع 10/ 213.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 601.

(4)

في (ح): وسبيهما.

(5)

زيد في (ب): هنا.

(6)

ينظر: المغني 9/ 268، الشرح الكبير 10/ 96.

(7)

في (أ): ذمية.

(8)

في (ح): لما.

ص: 461

التِّرمذيُّ وحسَّنه

(1)

.

وظاهِرُه: أنَّ الرجل

(2)

إذا سُبِيَ منفردًا

(3)

لا يَنفسِخ نكاحُه؛ لأِنَّه لا نَصَّ فيه، ولا يقتضيه القياس.

وقال أبو الخطَّاب: إذا سُبِي أحدُ الزَّوجين؛ انفسخ النِّكاح، ولم يفرّق.

(وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ مَنِ اسْتُرِقَّ مِنْهُمْ لِلْمُشْرِكِينَ؟ عَلَى رِوايَتَيْنِ):

أظهرهما: لا يَصِحُّ، قال أحمد:(ليس لأهل الذِّمَّة أن يشتروا ممَّا سَبَى المسلمون؛ لأِنَّه يُروَى أنَّ عمر كتب ينهى أمراء الأمصار عن ذلك)

(4)

، ولأنَّ

(1)

أخرجه مسلم (1456)، والترمذي (3017، 3016).

(2)

في (ب) و (ح): الزوج. والمثبت موافق لما في الإقناع.

(3)

زيد في (ب) و (ح): أنه.

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 248.

جاء ذلك في الشروط العمرية المشهورة، وقد أخرجها الخلال في أحكام أهل الملل (1000)، من طريق إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا غير واحد من أهل العلم، قالوا: كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم: وذكرها، ومنها:«أن لا يشتروا من سبايانا شيئًا» .

وأخرج هذه الشروط: ابن الأعرابي في معجمه (365)، وابن السماك في جزء فيه شروط عمر (ص 24)، وابن زبر في جزء شروط النصارى (10)، والبيهقي في الكبرى (18717)، وابن كثير في مسند الفاروق (2/ 288)، من طرق عن مسروق الأجدع، عن عبد الرحمن بن غنم، وفي إسناده يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، وهو منكر الحديث، كذَّبه ابن معين، وقد تابعه غيره: قال ابن زبر في جزئه (11): ووجدت هذا الحديث بالشام: رواه عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، عن محمد بن حمير، عن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، عن السري بن مصرف وسفيان الثوري والوليد بن نوح، عن طلحة بن مصرف، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالحه نصارى أهل الشام

فذكر مثله سواء بطوله. قال ابن زبر: (فعجبت من اتفاق ابن أبي غنية ويحيى بن عقبة على روايته عن هؤلاء الثلاثة بأعيانهم، حتى كأن أحدهم أخذ عن الآخر، فالله أعلم)، وهذا إسناد صحيح إلى عبد الملك بن حميد بن أبي غنية.

وأخرجه ابن زبر في جزء شروط النصارى (9)، من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم. وشهر كثير الإرسال.

قال ابن كثير بعد أن ساق طرقه في مسند الفاروق 2/ 491: (فهذه طرق يشد بعضها بعضًا، وقد ذكرنا شواهد هذه الشروط، وتكلمنا عليها مفردة، ولله الحمد)، وقال الشيخ تقي الدين في الاقتضاء 1/ 365:(وهذه الشروط أشهر شيء في كتب الفقه والعلم، وهي مجمع عليها في الجملة، بين العلماء من الأئمة المتبوعين، وأصحابهم، وسائر الأئمة، ولولا شهرتها عند الفقهاء لذكرنا ألفاظ كل طائفة فيها)، وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة 3/ 1164:(وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها).

ص: 462

فيه تفويتًا للإسلام، فلا يجوز ردُّهم إلى الكفر، كما لو أسلموا.

والثَّانية: يجوز؛ لأنَّه «صلى الله عليه وسلم باع سبْيَ بني قريظةَ لأهل الحرب»

(1)

، ولأنَّه لا يُمنع من إثبات يده عليه، فلا يُمنع من ابتدائه كالمسلم.

وعنه: يجوز في البُلَّغ دون الصِّغار.

وعنه: يجوز في غير النِّساء.

وكذا الخلاف بمفاداته بمالٍ.

(وَلَا يُفَرَّقُ فِي الْبَيْعِ) ولا في القسمة (بَيْنَ ذِي

(2)

رَحِمٍ مَحْرَمٍ)؛ أي: قبل البلوغ.

(1)

أخرجه البيهقي في الكبرى (18329)، من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق مرسلاً في قصة قريظة. ومما يدل على بيع السبي: ما أخرجه أحمد (11602)، والنسائي في الكبرى (7651)، عن أبي صرمة وأبي سعيد الخدري قالا: أصبنا سبايا في غزوة بني المصطلق، فكان منا من يريد أن يتخذ أهلاً، ومنا من يريد أن يستمتع ويبيع. الحديث، وإسناده صحيح، لكن أعل الدارقطني وابن حجر ذكر أبي صرمة فيه، وأن الصواب أن أبا صرمة سأل أبا سعيد، وهو في البخاري (6603)، ومسلم (1438)، ولفظ البخاري:«إنا نصيب سبيًا ونحب المال» . ينظر: العلل للدارقطني 11/ 281، الفتح 9/ 307.

(2)

في (ح): ذوي.

ص: 463

أمَّا في الوالدة وولدها؛ فبالإجماع

(1)

؛ لِمَا روى أبو

(2)

أيُّوبَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

(3)

: «من فرَّق بين والدةٍ وولدها؛ فرَّق الله بينه وبين أحبته

(4)

يوم القيامة» رواه التِّرمذيُّ، وقال: حسنٌ غريبٌ

(5)

.

وظاهره: ولو رَضِيت الأمُّ، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأِنَّها قد ترضى بما فيه ضَرَرُها، ثمَّ يَتغيَّر قلبُها فتندم.

وحُكْمُ الأب مع ولده، كالأمِّ، والجَدُّ والجدَّةُ كهُما؛ لقيامهما مقامَهما في اسْتِحْقاق الميراث والنَّفقة والحضانة، فقاما مقامَهما في تحريم التَّفريق.

وكذا

(7)

يَحرُم بين الإخوة؛ لحديث عليٍّ، رواه التِّرمذيُّ وحسَّنه

(8)

.

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 64.

(2)

قوله: (فبالإجماع لما روى أبو) في (ح): فعن أبي.

(3)

قوله: (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) سقط من (ح).

(4)

في (ب) و (ح): أحبابه.

(5)

أخرجه أحمد (23499)، والترمذيُّ (1283)، والطبراني في الكبير (4080)، والحاكم (2334)، وفي سنده: حييُّ بن عبد الله المعافري، وهو مختلفٌ فيه، قال أحمد:(أحاديثه مناكير)، وقال البخاري:(فيه نظر)، وقال ابن عدي:(لا بأسَ به إذا روَى عنه ثقةٌ)، وقد رَوى عنه هذا الحديث عبد الله بن وهب، وتابعَه العلاء بن كثير الإسكندراني، عن أبي أيوب، لكنْ فيه انقطاعٌ؛ فإنه لم يُدرك أبا أيوب، قال التِّرمذي عن الحديث:(حسن غريب)، وضعَّفه ابن القطَّان وابن عبد الهادي وابن حجر، وصححه الحاكم وحسنه الألباني. ينظر: بيان الوهم 3/ 521، المحرر في الحديث (857)، تنقيح التحقيق 4/ 100، البدر المنير 6/ 521، التلخيص الحبير 3/ 36، مشكاة المصابيح 2/ 1003.

(6)

ينظر: مسائل صالح 2/ 89.

(7)

في (ح): وكذلك.

(8)

أخرجه الترمذيُّ (1284)، والدارقطني (3041)، والبيهقيُّ (18320)، من طريق الحجاج، عن الحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن عليٍّ رضي الله عنه قال: وهبَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غلامَين أخَوين فبعتُ أحدَهما، فقالَ لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«يا عليُّ ما فعلَ غلامُك؟» ، فأَخبرته، فقال:«رُدَّه ردَّه» ، وحجَّاج بن أرطاة، ضعيفٌ، وميمون صدوقٌ كثير الإرسال، قال أبو داود:(ولم يدرك عليًّا)، وحسنه الترمذي.

وأخرجه الدارقطني (3040)، والحاكم (2331)، والبيهقيُّ (18316)، عن عليٍّ رضي الله عنه نحوه، وسنده صحيحٌ، وصححه الحاكم، وللحديث طرقٌ أخرى تقويه. ينظر: نصب الراية 4/ 26، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 4/ 96، البدر المنير 6/ 522.

ص: 464

وعمومُ كلامه يقتضِي تحريمَ التَّفريق بين كلِّ ذي رَحِمٍ مَحْرَمٍ؛ كالعمَّة مع ابن

(1)

أخيها، جزم به في «الوجيز» ، وقاله الأكثرُ.

قال في «الشَّرح» : والأَوْلى جواز التَّفريق؛ لأِنَّ الأصلَ حِلُّ البيع والتَّفريق، ولا يَصِحُّ إلحاقُهم بمَنْ سبق.

(إِلاَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى إِحْدَى

(2)

الرِّوَايَتَيْنِ)، هي ظاهر «الوجيز» وغيره؛ لِمَا رَوَى عبادةُ بنُ الصَّامِتِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُفرَّق بين الوالدة وولدها» قيل: إلى متى؟ قال: «حتَّى يَبلُغَ الغُلامُ، وتَحيضَ الجاريةُ»

(3)

، ولأِنَّ الأحرارَ يتفرَّقون بالتَّزويج بعد البلوغ، فالعبيد

(4)

أَوْلَى.

والثَّانيةُ: المنعُ؛ لعموم ما ذكرنا، وهو ظاهر الخِرَقِيِّ في الولد؛ لأنَّ الوالدة تتضرَّر بمفارقة ولدها الكبير

(5)

، ولهذا حرُم عليه الجهاد إلاَّ بإذنهما.

وعلى المنع: فيستثنى التَّفريق بالعتق، وافتداء الأسرى، وسيأتي في البيع إذا ملك أختَين.

(1)

قوله: (مع ابن) في (ب) و (ح): وبني.

(2)

في (ب) و (ح): في أحد.

(3)

أخرجه الدارقطني (3049)، والحاكم (2335)، وفي سنده: عبد الله بن عمرو بن حسان الواقعي، رماه ابن المديني بالكذب، وقال أبو زرعة:(ليس بشيء، ضعيف كان لا يصدق)، وضعفه الدارقطني، وصحح حديثه الحاكم، وتعقبه الذهبي، فقال:(موضوع، وابن حسان كذاب)، وفي البابِ أحاديثُ أخر كلُّها إمِّا واهيةٌ أو فيها مقالٌ، قال البيهقي:(ولا يثبتُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء). ينظر: السنن الصغير للبيهقي 3/ 410، نصب الراية 4/ 23، البدر المنير 6/ 520، لسان الميزان 4/ 533.

(4)

في (ح): فالعبد.

(5)

قوله: (الكبير) سقط من (ب) و (ح). والمثبت موافق لما في المغني 9/ 265.

ص: 465

(وَإِذَا حَصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا؛ لَزِمَ مُصَابَرَتُهُ) مهما أمكن، (إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهَا)؛ لأِنَّ عليه فِعْلَ ما فيه مصلحةٌ للمسلمين.

وظاهِرُه: أنَّه إذا رأى المصلحةَ في الانصراف؛ جاز، صرَّح به في «المغني» وغيره؛ لانصرافه عليه السلام عن حصن أهل الطَّائف قبل فتحه

(1)

، وبه يزول اللُّزوم، وبالإسلام وببذل المال على الموادَعة، سواءٌ أعْطَوهُ جملةً، أو جعلوه خراجًا يُؤخَذُ منهم كلَّ عامٍ، وبالفتح وبالنُّزول على الحكم الشَّرعيِّ، وبالهدنة

(2)

بشرطها، نقله المرُّوذِيُّ

(3)

.

(فَإِنْ أَسْلَمُوا)؛ أي

(4)

: أهل الحصن، (أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ)؛ فمسلِمٌ قبل القدرة عليه؛ (أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ)؛ لقوله عليه السلام: «أمِرْتُ أن أقاتل النَّاس

» الخبرَ

(5)

، والمرادُ بالمال حيث كان، ومنفعة إجارةٍ؛ لأِنَّها مالٌ.

(وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ)؛ لأِنَّهم تَبَعٌ له

(6)

في الإسلام، ولو كانوا في دار الحرب، وحَملَ امرأتِه مع كونه حرًّا مسلِمًا، والمجنون كصغيرٍ.

وظاهره: أنَّه لا يَعصِمُ أولادَه الكبار؛ لأِنَّهم لا يَتْبَعونه، وزوجته

(7)

كذلك.

(وَإِنْ سَأَلُوا

(8)

المُوَادَعَةَ)، وهي المصالحة والمسالَمة، (بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ؛

(1)

تقدم تخريجه 4/ 443 حاشية (5).

(2)

في (ب) و (ح): وبالهدية.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 267.

(4)

قوله: (أي) سقط من (ب) و (ح).

(5)

أخرجه البخاريُّ (25)، ومسلمٌ (22) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولفظه:«أُمرتُ أن أقاتلَ النَّاسَ حتَّى يَشهدوا أن لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله، ويقِيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزَّكاة، فإذا فعلوا، عَصموا منِّي دماءَهم، وأموالهم إلاَّ بحقِّها، وحسابهم على الله» .

(6)

في (ب) و (ح): لهم.

(7)

في (ب) و (ح): ولا زوجته.

(8)

في (ب) و (ح): سألوه.

ص: 466

جَازَ إِنْ كَانَتْ المَصْلَحَةُ فِيهِ)؛ لأِنَّ الغرضَ إعلاءُ كلمة الإسلام وصَغارُ الكَفَرَةِ؛ وهو حاصِلٌ بالموادَعة، فيجب؛ كالمنِّ عليهم.

وشرط بعض أصحابنا في عقدها بغير مالٍ: عجْز المسلمين، أو استضرارهم

(1)

بالمقام؛ ليكون ذلك عذرًا في الانصراف.

(وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ؛ جَازَ)؛ لأِنَّه «عليه السلام لَمَّا حاصر بني قُرَيظةَ نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأجابهم إلى ذلك» متَّفقٌ عليه من حديث أبي سعيد

(2)

.

وقد عُلِم: أنهم إذا نزلوا على حكم الله تعالى

(3)

؛ لزمه أن ينزلهم، وخيِّر كأسرى.

والكلام في مقامين:

الأول

(4)

: في صفة الحاكم

(5)

، فقال:(إِذَا كَانَ حُرًّا، مُسْلِمًا، بَالِغًا، عَاقِلاً، مِنْ أَهْلِ الاِجْتِهَادِ)؛ لأِنَّه حاكِمٌ، أشبه ولاية القضاء.

وظاهره: أنَّه لا يشترط فيه أن يكون بصيرًا، صرَّح به في «البلغة» و «الوجيز» ؛ بخلاف القضاء ليعرف المدَّعِي من المدَّعَى عليه، والشَّاهد من المشهود عليه، ولا مجتهدًا في جميع الأحكام الذي لا تعلُّق له في الجهاد، صرَّح

(6)

به في «المحرَّر» و «الفروع» وغيرهما، وترك قيد الذكورية والعدالة؛ لوضوحهما.

(1)

في (ب): واستضرارهم.

(2)

أخرجه البخاريُّ (3043)، ومسلمٌ (1768).

(3)

قوله: (على حكم الله تعالى) سقط من (ب) و (ح).

(4)

قوله: (الأول) سقط من (ب) و (ح).

(5)

في (ب) و (ح): الحكم.

(6)

في (ب) و (ح): وصرَّح.

ص: 467

تنبيهٌ: لو نزلوا على حكم رجلين فأكثر؛ جاز، والحكم ما اجتمعا

(1)

عليه؛ فلو جعلوا الحكم إلى

(2)

رجل يعيِّنه الإمامُ؛ صحَّ، فإن نزلوا على حكم رجلٍ منهم، أو جعلوا التَّعيين إليهم؛ لم يَجُزْ؛ لأِنَّهم ربَّما اختاروا غير الأصلح، ذكره في «الشَّرح» وغيره.

الثَّاني: في صفة الحكم، فقال: (وَلَا يَحْكُمُ إِلاَّ بِمَا فِيهِ الحَظُّ لِلْمُسْلِمِينَ

(3)

؛ لأِنَّه نائبٌ للإمام

(4)

، فقام مقامه في اختيار

(5)

الأحظِّ، كهو

(6)

في الأسرى، وحينئذٍ يلزمه ذلك، وحكمه لازِمٌ، (مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ)؛ لأِنَّ سعدًا حكم في بني قُرَيظةَ بقتلهم، وسَبْيِ ذراريِّهم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لقد حَكَمْتَ بحُكْم الله من فَوْقِ سَبْعِ أرْقِعةٍ»

(7)

، (وَالْفِدَاءِ)؛ لِمَا سبق في الإمام.

وظاهره: ولو حكم عليهم بإعطاء الجزية، لم يلزم حكمه؛ لأنَّ عقد الذِّمَّة عقْدَ معاوضة

(8)

، فاشترط فيه التَّراضي، وكذلك لا يملك الإمامُ إجبار الأسير على إعطاء الجزية.

(1)

في (ب) و (ح): ما اجتمعوا.

(2)

في (ب) و (ح): على.

(3)

في (ح): حظ المسلمين.

(4)

في (ح): الإمام.

(5)

في (ب) و (ح): الاختيار.

(6)

قوله: (كهو) بياض في (ب) و (ح).

(7)

أخرجه ابن اسحاق في السيرة (2/ 240)، ومن طريقه الطبري في التفسير (19/ 78)، عن علقمة بن وقَّاصٍ اللَّيثي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمت فيهم بحكمِ الله من فوقِ سبعة أرقعة» ، وعلقمة من كبار التَّابعين، فروايتُه هذه ضعيفةٌ مرسلة، وقد ضعَّفها ابن كثير وابن حجر، وفي إسناد الطبريِّ محمَّد بن حُميد الرازيُّ: وهو مع إمامتهِ منكرُ الحديث، صاحب عجائب، كما قاله الذهبي، وأصلُ الحديثِ في الصَّحيحين من غير هذه اللَّفظة كما تقدَّم آنفًا. ينظر: تحفة الطالب لابن كثير (350)، سير أعلام النبلاء 11/ 503، الفتح 7/ 412، موافقة الخُبْر الخَبَر 2/ 439.

(8)

في (أ): مفاوضة.

ص: 468

(فَإِنْ

(1)

حَكَمَ بِالْمَنِّ؛ لَزِمَ قَبُولُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قاله القاضي، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه نائبُ الإمام، فكان له المنُّ كهو، وظاهره: ولو أباه الإمامُ.

والثَّاني: المنْعُ، قاله أبو الخطَّاب؛ لأِنَّه لا حظَّ فيه، ومحلُّه إذا لم يره الإمام، قاله في «الكافي» و «المحرر» و «الخلاصة» .

وقيل: في المقاتِلة دون النِّساء والذُّرِّيَّة؛ لأِنَّهما غنيمةٌ، فليس للحاكم تركها مجَّانًا.

وفي «الكافي» و «البلغة» : لو حكم بأسْرٍ؛ لم يَجُزْ للإمام أن يَمُنَّ بإطلاقهم إلاَّ برضا الغانِمِينَ.

(وَإِنْ حَكَمَ بِقَتْلٍ أَوْ سَبْيٍ، فَأَسْلَمُوا) بعد الحكم؛ (عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ)؛ لأِنَّ قتل المسلم حرامٌ.

وظاهره: أنَّهم لا يَعصِمون أموالهم؛ لأنَّها صارت للمسلمين قبل إسلامهم، وكذا سبيهم

(2)

، قاله في «المحرَّر» .

(وَفِي اسْتِرْقَاقِهِمْ وَجْهَانِ)، كذا في «البلغة» ، وفي «الكافي» و «المحرَّر» وغيرِهما روايتان:

إحداهما: لا يجوز، قدَّمه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّهم أسلموا قبل استرقاقهم.

والثَّانية: يجوز، وذكره

(3)

أبو الخطَّاب احتِمالاً؛ لأِنَّهم أسلموا بعد القدرة عليهم ووجوب قتلهم، كالأسير إذا أسلم بعد اختيار الإمام قتله.

فعلى هذا: يكون المال على ما حُكم فيه، فإن حكم بأنَّه للمسلمين كان غنيمةً؛ لأِنَّهم أخذوه بالقهر.

(1)

في (أ): وإن.

(2)

في (أ): سبهم.

(3)

في (ب) و (ح): ذكره.

ص: 469

تنبيهٌ: ليس للإمام تغييرُ ما حكم به الحاكِمُ ممَّا ينفذ حكمُه فيه، فلا يَقتُل مَنْ حَكمَ بِرِقِّه؛ لأِنَّه أشدُّ من الرِّقِّ، وفيه إتْلافُ الغنيمة بغير رضا الغانِمينَ، ولا رِقُّ مَنْ حَكَم بقتله؛ لأنَّه قد يدخل الضَّرر على المسلمين ببقائهم، ولا رِقُّ ولا قتْلُ مَنْ حَكَم بفدائه؛ لأِنَّهما أشدُّ من الفداء؛ لأِنَّه نقْضٌ للحكم بعد لزومه.

وله المنُّ؛ لأِنَّه أخفُّ ممَّا حَكَم به الحاكِمُ، فإذا رآه الإمام جاز؛ لأنه أتمُّ نظرًا، وكالابتداء، وقبول الفداء ممَّن حكم بقتله أو رِقِّه؛ لأِنَّه نقْضٌ للحكم برضا المحكوم عليه، ولأِنَّه حقُّه، فإذا رضي

(1)

بتركه جاز، ذكره المجْدُ وغيرُه.

(1)

قوله: (رضي) سقط من (أ).

ص: 470

(بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالجَيْشَ)

يلزَمُ كلَّ أحد

(1)

إخلاصُ النِّيَّة لله تعالى في الطَّاعات، ويجتهد في ذلك، ويُستحَبُّ أن يدعُوَ سرًّا بحضور قلبٍ.

قال أبو داودَ: باب ما يُدْعَى عند اللِّقاء، ثمَّ رَوَى بإسنادٍ جيِّدٍ عن أنَسٍ قال: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: «اللَّهُمَّ أنت عَضُدِي ونَصِيري، بك أحولُ، وبك

(2)

أَصولُ، وبك أُقاتِلُ»

(3)

، وكان جماعةٌ منهم الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين يقولُه عند قصد مجلِسِ عِلْمٍ.

(يَلْزَمُ الْإِمَامَ)، وقيل: يُستحَبُّ، (عِنْدَ مَسِيرِ الْجَيْشِ: تَعَاهُدُ الْخَيْلِ وَالرِّجَالِ)؛ لأِنَّ ذلك من مصالح الجيش، فلزِمه فعلُه كبقيَّة المصالح، فيختار من الرِّجال ما فيه غنًى ومنفعةٌ للحرب، ومناصحةٌ، ومن الخيل ما فيه قوَّةٌ وصبرٌ على الحرب، ويُمكِن الانتفاعُ به في الرُّكوب وحمْلِ الأثْقال.

(فَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْحَرْبِ

(4)

؛ كالفرس إذا كان حطيمًا

(5)

، وهو الكسير

(6)

، أو قَحْمًا، وهو الكبير

(7)

، أوْ ضَرْبًا، وهو الصَّغير، أوْ هزيلاً، وكالرَّجُل إذا

(1)

في (ب) و (ح): واحد.

(2)

قوله: (أحول وبك) سقط من (ح).

(3)

أخرجه أبو داود (2632)، والترمذي (3584)، والنسائي في الكبرى (8576)، والبزَّار (7227)، وابن حبَّان (4761)، وصححه الضِّياء المقدسيُّ وابن حبان والألبانيُّ، وقال الترمذي:(حسن غريب). ينظر: الأحاديث المختارة 6/ 339، صحيح أبي داود 7/ 383.

(4)

قوله: (للحرب) سقط من (ب) و (ح).

(5)

في (أ): حطمًا.

(6)

في (أ): الكبير. قال في المصباح المنير 1/ 141: (حَطِمَ الشيءُ حَطَمًا من باب تعب، فهو حطم إذا تكسر).

(7)

في (أ): الكسير. قال في المصباح المنير 2/ 491: (شيخ قحم: وِزَان فَلْس، مسنٌ هرم).

ص: 471

كان زَمِنًا أو أَشَلَّ أو مريضًا، (يَمْنَعُهُ مِنَ الدُّخُولِ)؛ لِئلاَّ ينقطع في دار الحرب، ولأِنَّه يكون كَلًّا على الجيش، ومُضَيِّقًا عليهم، وربما كان سببًا للهزيمة.

(وَيَمْنَعُ الْمُخَذِّلَ)، وهو الذي يُفنِّد

(1)

النَّاس عن الغزو، ويزهدهم في الخروج إليه، (وَالْمُرجِفَ)، وهو الذي يحدِّث بقوة الكفَّار وضعْفنا؛ لقوله تعالى:{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ} الآيةَ [التّوبَة: 46 - 47].

وكذا يُمْنَعُ مكاتِبٌ بأخبارنا، ورامٍ بيننا بالفِتَن، ومعروفٌ بنفاقٍ وزندقةٍ؛ لأِنَّ هؤلاء مضرَّة على المسلمين، فلزِم الإمامَ منْعُهم؛ إزالةً للضَّرر.

وظاهر كلامهم: ولو دعت الضَّرورة إليهم في الأصحِّ.

وكذا يُمنَعُ صبِيٌّ، وعبارةُ «المغني» و «الكافي» و «البلغة»: طفل، وفي «الشَّرح»: يجوز أن يأذن لمن اشتدَّ من الصِّبيان؛ لأِنَّ فيهم منفعةً ومعونةً.

(وَالنِّسَاءَ)؛ للافتتان بهنَّ، مع أنَّهنَّ لسْنَ من أهل القتال؛ لاِسْتيلاء الخَوَر

(2)

والجبن عليهنَّ، ولأِنَّه لا يُؤمَنُ ظَفَرُ العدوِّ بهنَّ، فيستحِلُّون منهنَّ ما حرَّم الله تعالى.

واسْتَثْنى بعضُهم: امرأةً لأمير الجيش؛ لحاجته، كفِعْله عليه السلام

(3)

.

(إِلاَّ طَاعِنَةً فِي السِّنِّ)؛ أي: عجوزًا، (لِسَقْيِ الْمَاءِ، وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى)؛ أي: للمصلحة؛ لقول الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ: «كُنَّا نغزو مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، نسقي

ص: 472

الماءَ، ونخدُمهم، ونَرُدُّ الجرحى والقتلى إلى المدينة» رواه البخاريُّ

(1)

، وعن أنسٍ معناه، رواه مسلمٌ

(2)

، ولأن

(3)

الرِّجال يشتغلون بالحرب عن ذلك، فيكون معونةً للمسلمين، وتوفيرًا في المقاتلة

(4)

.

ونَهي النِّساء عن ذلك للتحريم، كما هو ظاهر «الخِرَقِيِّ» و «المحرَّر» ، وصرح في «المغني» و «الشَّرح» بالكراهة.

(وَلَا يَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ)؛ أي: يحرم

(5)

؛ لِمَا رَوَتْ عائشةُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدرٍ، فتَبِعَه رجلٌ من المشركين، فقال له:«تُؤمِن بالله ورسوله؟» قال: لا، قال:«فارْجِع، فلن أستعين بمشركٍ» متَّفقٌ عليه

(6)

، ولأنَّ الكافر لا يُؤمَنُ مَكْرُه وغائلته؛ لخُبْث طَوِيَّته، والحرب تقتضِي المناصَحة، والكافِرُ ليس من أهلها.

(إِلاَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ)، كذا ذَكَره جماعةٌ؛ لِمَا رَوَى الزُّهْريُّ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استعان بناسٍ من المشركين في حربه» رواه سعيدٌ

(7)

،

(1)

أخرجه البخاريُّ (2883).

(2)

أخرجه مسلمٌ (1810)، ولفظه:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزُو بأمِّ سليمٍ ونسوةٍ من الأنصارِ معَه إذا غَزا، فيَسقين الماءَ، ويداوينَ الجَرحى» .

(3)

في (ب) و (ح): لأن.

(4)

قوله: (في المقاتلة) في (ب) و (ح): للمقاتلة.

(5)

في (ح): ويحرم.

(6)

الحديث انفرد بإخراجه -كما قاله ابن عبد الهادي- مسلمٌ (1817)، وعزاه المزيُّ إلى مسلمٍ والأربعةِ فقط، ولعلَّ المصنِّف تبعَ ابنَ قدامةَ في ذلك. ينظر: المغني لابن قدامة 9/ 257، تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 12/ 12، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 4/ 583.

(7)

أخرجه سعيد بن منصور (2790)، وعنه أبو داود في المراسيل (281)، والبيهقي في الكبرى (17971)، عن الزهريِّ مرسلاً، قال البيهقيُّ:(هذا منقطع)، ومراسيل الزهريِّ ضعيفة كما ذكر جمع من أهل العلم.

وأخرجه الضياء في المختارة (2621)، من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن مالكٍ عن الزُّهريِّ عن أنسٍ رضي الله عنه، وابن أبي أويسٍ ضعيفٌ، وضعفه الضياء المقدسي.

وأخرج البيهقيُّ (17970)، عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما نحوه قال البيهقي:(تفرَّد بهذا الحسن بن عُمارة وهو متروكٌ، ولم يبلغنا في هذا حديثٌ صحيحٌ). ينظر: المعرفة للبيهقي 13/ 174، تنقيح التحقيق 4/ 583، التلخيص الحبير 4/ 269.

ص: 473

ورُوي

(1)

أيضًا: «أنَّ صَفْوان بن أُميَّة شهد حنينًا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم»

(2)

، وبهذا حصل التَّوفيق بين الأدلَّة.

وقدَّم في «المحرَّر» و «الفروع» : أنَّه لا يستعان بهم إلاَّ لضرورة، مثل كون الكفَّار أكثر عددًا ويخاف منهم.

وعنه: يجوز مع حسن رأيٍ في المسلمين، جزم به في «الشرح» ، وزاد آخرون: وقوَّته بهم بالعدو

(3)

.

وفي «الواضح» روايتان: الجوازُ، وعدمه بلا ضرورةٍ، وبناهما على الإسهام له.

وردَّه في «الفروع» ، واختار أنَّه يكره الاستعانة بهم إلاَّ لضرورة

(4)

.

وأطلق أبو الحسن وغيره: أنَّ الرِّواية لا تختلف أنَّه لا يستعان بهم، ولا يعاونون.

وأخذ القاضي من تحريم الاستعانة؛ تحريمها في العمالة والكتبة، قال

(1)

في (ب) و (ح): يروي.

(2)

أخرج مسلمٌ (2313) عن ابن شهابٍ في غزوة حنين، قال:«وأعطَى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أميَّة مائةً من النَّعم، ثمَّ مائةً ثمَّ مائةً» ، قال ابن شهابٍ: حدَّثني سعيد بن المسيِّب: أنَّ صفوانَ قال: «والله لقدْ أَعطِاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أَعطَاني، وإنَّه لأبغضُ النَّاس إلي، فما برحَ يُعطينِي حتى إنه لأَحب الناس إلي» ، وقد كان صفوانُ يومئذٍ كافرًا كما هو الظاهر، وقاله الرَّافعي وابن الأثير، وصوَّبه ابن الملقِّن. ينظر: البدر المنير 7/ 379.

(3)

كذا في النسخ الخطية. والذي في المحرر 2/ 171: (وعنه: إن قَوِيَ جيشه عليهم وعلى العدو لو كانوا معه، ولهم حسن رأي في الإسلام جاز، وإلا فلا).

(4)

في (ب) و (ح): للضرورة.

ص: 474

الشَّيخ تقيُّ الدين: من تولى منهم

(1)

ديوانًا للمسلمين انتقض عهدُه

(2)

.

وفي «الرِّعاية» : يُكرَه إلاَّ ضرورةً.

فرعٌ: تَحرُم الاستعانةُ بأهل الأهواء في شَيءٍ من أمور المسلمين؛ لأِنَّهم أعظمُ ضررًا؛ لكونهم دعاةً، بخلاف اليهود والنَّصارى، نصَّ على ذلك

(3)

.

(وَيَرْفُقُ بِهِمْ فِي السَّيْرِ)، فيسير بهم سير أضعفهم؛ لقوله عليه السلام:«أميرُ القوم أقطفهم»

(4)

؛ أي: أقلُّهم سَيرًا

(5)

، ولئلاَّ يَنقطِع منهم أحدٌ، أو يَشُقَّ عليهم

(6)

، فإن

(7)

دعت الحاجة إلى الجِدِّ فيه؛ جاز، نقل ابن منصور:(أكره السَّير الشَّديد إلاَّ لأمر يَحْدُث)

(8)

؛ لأِنَّه صلى الله عليه وسلم جَدَّ حين بلغه قول عبد الله بن أُبَيٍّ: {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنَافِقون: 8]؛ ليشتغل النَّاس عن الخوض فيه

(9)

.

(1)

قوله: (من تولى منهم) سقط من (أ).

(2)

ينظر: الفروع 10/ 248، الاختيارات ص 450.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 248.

(4)

أخرجه ابن عدي في الكامل (8/ 101)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنده المعلَّى بن هلال، وهو متروك الحديث كذَّاب، وعدَّ ابن عدي وغيره هذا الحديثَ من مناكيره.

وأخرجه ابن عساكر في التاريخ (73/ 126)، من رواية معاوية بن قُرّة مرسلاً، وفي سنده شَبيب بن شَيبة، ضعفه ابن معين وأبو داود والنَّسائي وغيرهم، والحديثُ لا يصح، وضعفه الألباني. ينظر: الجرح والتعديل 4/ 358، تهذيب الكمال 12/ 363، و 28/ 298، السِّلسلة الضَّعيفة (2994).

(5)

قال في النهاية 4/ 84: (القِطاف: تقارب الخطْوِ في سرعةٍ، من القطف: وهو القطع، ومنه الحديث: «أقطف القوم دابة أميرهم»، أي: أنهم يسيرون بسير دابته، فيتبعونه كما يتبع الأمير).

(6)

قوله: (عليهم) سقط من (ب) و (ح).

(7)

في (أ): وإن.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4875.

(9)

أخرجه عبد بن حميد كما في فتح الباري (8/ 644)، وابن أبي أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (8/ 127)، -واللفظ له- عن سعيد بن جبير، وإسناده صحيحٌ إلى سعيد بن جبير مرسلاً، قاله ابن كثير وابن حجر. وأصل القصَّة في الصَّحيحين دون ذكر الإسراع في السَّير، أخرجها البخاري (4095)، ومسلم (2584)، وذكرها بذكر الإسراع ابن هشامٍ في السِّيرة (2/ 292)، والبيهقيُّ في الدَّلائل (4/ 53).

ص: 475

(وَيُعِدُّ لَهُمُ الزَّادَ)؛ لأِنَّه لا بد لهم

(1)

منه، وبه قُوَاهُم، وربَّما طال سفرهم فيهلكون حيث لا زاد لهم.

(وَيُقَوِّي نُفُوسَهُمْ بِمَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ)، فيقول: أنتم أكثرُ عَددًا، أو عُددًا

(2)

، وأشدُّ أبدانًا، وأقْوَى قلوبًا، ونحو ذلك؛ لأِنَّه ممَّا تستعين به النُّفوس على المصابَرة، ويبعثها على القتال لطمعها في العدوِّ.

(وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمُ الْعُرَفَاءَ)؛ لأِنَّه «عليه السلام عرَّف عامَ خَيبَرَ على كلِّ عشرةٍ

(3)

عَرِيفًا»

(4)

، ولأِنَّه يَنْظُرُ في حالهم ويتفقَّدهم، وهو أقربُ أيضًا لجَمْعهم، وقد ورد:«العِرافةُ حَقٌّ»

(5)

؛ لأِنَّ فيها مصلحةَ النَّاس، وأمَّا قوله:«العِرافةُ في النَّار»

(6)

؛ فتحذيرٌ للتَّعرُّض للرِّئاسة؛ لِمَا في ذلك

(7)

من الفتنة، ولأِنَّه إذا لم يَقُم بحقِّها استحقَّ العقوبةَ.

(1)

قوله: (لهم) سقط من (أ).

(2)

قوله: (أو عُددًا) سقط من (ب) و (ح).

(3)

في (ب): عشيرة.

(4)

ذكره الشافعي في الأم (4/ 166)، والبيهقي في المعرفة (13204)، عن الزهري:«أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عرف عام حنين على كل عشرة عريفًا» وقال ابن الملقن: (غريب)، وأصله في البخاري (2307) في قصة سبي هوازن، ولم نقف على رواية فيها الإشارة أن ذلك عام خيبر. ينظر: خلاصة البدر 2/ 2153 التلخيص الحبير 3/ 222.

(5)

أخرجه أبو داود (2934)، ومن طريقه البيهقيُّ (13049)، من طريق غالب القطَّان، عن رجلٍ، عن أبيه، عن جده، وفيه قصة:«إن العرافة حق، ولا بد للناس من العرفاء، ولكن العرفاء في النَّار» ، وسنده ضعيف؛ قال المنذري:(في إسناده مجاهيلُ)، وضعَّفه ابن رجب والألباني. ينظر: فتح الباري 5/ 279، ضعيف سنن أبي داود 2/ 411.

(6)

تقدَّم تخريجه في الحاشية السابقة.

(7)

قوله: (في ذلك) في (ب) و (ح): فيه.

ص: 476

(وَيَعْقِدُ لَهُمُ الْأَلْوِيَةَ)، وهي المَطارد البِيضُ، وقال

(1)

صاحب «المطالع» : اللِّواء رايةٌ لا يحملها إلاَّ صاحبُ جَيش العرب، أو صاحب دعوة الجيش

(2)

.

(وَالرَّايَاتِ

(3)

، وهي أعلامٌ مرتفعةٌ

(4)

؛ لقوله عليه السلام للعباس

(5)

حين

(6)

أسلم أبو سفيان: «احْبِسْه على الوادي حتى تمُرَّ به جنود الله فيراها» ، قال: فحبَسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرَّت به القبائلُ على راياتها

(7)

، ولأِنَّ الملائكةَ إذا نزلت بالنَّصر نزلت مسوَّمةً بها، نقله حنبلٌ

(8)

.

وظاهِرُه: أنَّها تكون بأيِّ لَونٍ شاء، وصرَّح به في «المحرَّر» ؛ لاختلاف الرِّوايات.

وفي

(9)

«الفروع» : يُستحَبُّ ألويَةٌ بِيضٌ.

وفي «الشَّرح» ك «المحرَّر» ، وزاد: يُغايِر ألوانَها؛ ليَعرِف كلُّ قَومٍ رايتَهم.

(وَيَجْعَلُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ

(10)

شِعَارًا يَتَدَاعَوْنَ

(11)

بِهِ عِنْدَ الْحَرْبِ)؛ لما رَوَى سَلَمةُ بن الأكوع

(12)

قال: «غزونا مع أبي بكر زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شعارُنا: أَمِتْ أَمِتْ» رواه أحمد

(13)

،

(1)

في (ح): وقاله.

(2)

ينظر: مطالع الأنوار 3/ 464.

(3)

في (ح) و (ب): والجيش.

(4)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الإقناع والمنتهى والغاية: أعلام مربعة.

(5)

قوله: (للعباس) في (أ): لابن عباس.

(6)

في (أ): حيث.

(7)

أخرجه البخاريُّ (4280) في قصَّة إسلام أبي سفيانَ رضي الله عنه يوم الفتحِ.

(8)

ينظر: زاد المسافر 3/ 89.

(9)

في (ح): في.

(10)

في (أ): قوم.

(11)

في (أ): يدعون.

(12)

قوله: (ابن الأكوع) سقط من (ب) و (ح)

(13)

أخرجه أحمد (16498)، وأبو داود (2596)، وابن حبان (4744)، والحاكم (2516)، وصحَّحاه، وقال الألباني:(إسناده حسن صحيح). ينظر: صحيح أبي داود 7/ 346.

ص: 477

وقد ورد أيضًا: «حم

(1)

لا يُنصَرون»

(2)

، ولأِنَّ الإنسان ربَّما احتاج إلى نصرة صاحبه، وربَّما يهتدي بها إذا ضلَّ، قال في «الشَّرح»: ولئلاَّ يقع بعضُهم على بعضٍ.

(وَيَتَخَيَّرُ لَهُمُ الْمَنَازِلَ)؛ أي: أصلحها لهم كالخصبة؛ لأِنَّها أرفق بهم، وهو من مصلحتهم، (وَيَتَّبِعُ مَكَامِنَهَا)، وهي جمع: مَكْمَنٍ، وهو المكان الذي يختفي فيه العدوُّ، (فَيَحْفَظُهَا)؛ لِيأْمَنَ هجومَ العدوِّ عليهم.

(وَيَبْعَثُ الْعُيُونَ عَلَى الْعَدُوِّ)؛ لأِنَّه عليه السلام بعث الزُّبَير يوم الأحزاب

(3)

، وحذيفة بن اليمان في غزاة الخندق

(4)

، ودِحيةَ الكَلْبِيَّ في أخرى

(5)

، وقد أشار المؤلِّف إلى العِلَّة فقال:(حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ)، فيتحرَّز منهم، ويتمكَّن من

(6)

الفرصة.

(وَيَمْنَعُ جَيْشَهُ مِنَ الْفَسَادِ)؛ كتخريبٍ

(7)

وحَرْقٍ ونحوِه

(8)

، (وَالمَعَاصِي)؛

(1)

سقطت من (أ).

(2)

أخرجه أبو داود (2597)، والترمذيُّ (1682)، والنَّسائي في الكبرى (8810)، والحاكم (2512)، عن المُهلَّب بن أبي صُفرة، قال: أَخْبرني منْ سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنْ بُيِّتُّم فليكن شعاركم: حم لا ينصرون» ، وجهالة الصَّحابيِّ لا تضرُّ، وهو البراء بن عازب رضي الله عنه كما عند الحاكم وغيره، والحديث صحَّحه الحاكم وابن كثير والألباني. ينظر: تفسير ابن كثير 7/ 127، السِّلسلة الصَّحيحة (3097).

(3)

أخرجه البخاريُّ (4113)، ومسلمٌ (2415)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه مسلمٌ (1788)، من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.

(5)

لعلَّ مراده: ما أخرجه ابن سعد في الطَّبقات (4/ 240)، والبيهقيُّ في الكبرى (18199)، وابن عبد البر في التَّمهيد (20/ 7)، وابن عساكر في التَّاريخ (17/ 210)، عن مجاهدٍ، قال: بعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم دحيةَ الكلبيَّ رضي الله عنه سريةً وحده. قال ابن عساكر: (مرسل إلا أنَّ إسناده صحيحٌ).

(6)

قوله: (من) سقط من (ب) و (ح).

(7)

في (أ): كتخريبه.

(8)

في (ح): ونحر.

ص: 478

لأِنَّ فِعْلَها سببُ الخِذْلان، وتركَها داعٍ للنَّصر وسبب الظَّفَر.

وكذا يمنعهم من التِّجارة المانِعة لهم من القتال.

(وَيَعِدُ ذَا الصَّبْرِ بِالْأَجْرِ وَالنَّفَلِ)؛ لأِنَّ ذلك وسيلةٌ إلى بذل جهده، وزيادة صبره.

(وَيُشَاوِرُ ذَا الرَّأْيِ)؛ لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عِمرَان: 159]، وكان عليه السلام أكثرَ مشاورةً لأصحابه

(1)

، ولأِنَّ في ذلك تطييبًا لقلوبهم، ولأِنَّ فيها اجتماعَ الرَّأي في تحصيل المصلحة.

ويُخفِي من أمره

(2)

ما أمكن إخفاؤه؛ لئلاَّ يَعلَمَ به العدوُّ، فقد

(3)

«كان عليه السلام إذا أراد غزوةً ورَّى بغيرها»

(4)

.

(وَيَصُفُّ جَيْشَهُ)؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصَّف: 4]، قال الواقديُّ:«كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسوِّي الصُّفوف يومَ بدْرٍ»

(5)

، ولأِنَّ فيه رَبْطَ الجيش بعضِه ببعضٍ، وسَدًّا لثغورهم؛ فيصيرون كالشَّيء الواحد، ويتراصُّون؛ لقوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصَّف: 4].

(وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ

(6)

جَنَبَةٍ كُفُؤًا)؛ لِمَا روى أبو هُرَيرةَ قال: «كنتُ مع النَّبيِّ

(1)

وردتْ في ذلك أحاديثُ كثيرةٌ، قال البخاريُّ في باب قول الله تعالى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (9/ 112): (وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج

وشاور عليًّا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة).

(2)

في (أ): أمرهم.

(3)

في (ب) و (ح): وقد.

(4)

أخرجه البخاريُّ (2947)، ومسلمٌ (2769)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.

(5)

ذكره في المغازي (1/ 57)، وورَدتْ في معناه أحاديثُ، منها ما أخرجه البخاريُّ (2900)، من حديث أَبي أُسَيد رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ بدرٍ، حينَ صَفَفنَا لقريشٍ، وصفُّوا لنا:«إذا أَكْثَبوكُم فعَليْكُم بالنَّبل» .

(6)

في (أ): من كل. وقوله: (كل) سقط من (ح). والمثبت موافق لما في المقنع.

ص: 479

صلى الله عليه وسلم، فجعل خالدًا على إحدى الجَنَبَتَيْنِ

(1)

، والزُّبَير على الأخرى، وأبا عُبَيدةَ على السَّاقَة»

(2)

، ولأِنَّه أحوط للحرب، وأبلغ في إرهاب العدوِّ.

(وَلَا يَمِيلُ مَعَ قَرِيبِهِ وَذِي

(3)

مَذْهَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ)؛ لِئلاَّ ينكسِر قلبُ مَنْ يَميلُ عليه

(4)

، فيَخذُله عند الحاجة، ولأِنَّه يُفسِدُ القلوبَ، ويُشتِّتُ الكلمةَ.

فرعٌ: إذا وجد رجلٌ آخَرَ أُصِيبت

(5)

فرسُه، ومعه فضْلٌ؛ استُحِبَّ له حملُه، ولا يجب، نَصَّ عليه

(6)

، فإن خاف تلفه، فقال القاضي: يجب؛ كما يلزمه بذل فاضِلِ طعامه للمضطَرِّ إليه، وتخليصه من عدوه

(7)

، ذكره في «الشَّرح» .

(وَيَجُوزُ لَهُ

(8)

أي: للإمام أو نائبه، (أَنْ يَبْذُلَ جُعْلاً لِمَنْ يَدُلُّهُ عَلَى طَرِيقٍ، أَوْ قَلْعَةٍ) يَفتَحُها، (أَوْ مَاءٍ) في مفازةٍ، أو مالٍ يأخذه، أو ثغرةٍ يدخُل منها؛ لأِنَّه «عليه السلام وأبا بكر استأجرا في الهجرة من دلَّهم على الطَّريق»

(9)

، ولأِنَّه من المصالح، أشبه أجرةَ الوكيل.

ويَسْتحِقُّ الجُعلَ بفعل ما جُعِل له فيه

(10)

، سواء كان مسلمًا أو كافِرًا، من الجيش أو غيره، بشرط ألاَّ يجاوز ثُلث الغنيمة بعد الخُمس، نَصَّ عليه

(11)

،

(1)

في (ح): المجنبتين.

(2)

أخرجه مسلمٌ (1780).

(3)

في (أ): وذوي.

(4)

في (ح): عنه.

(5)

في (أ): أضيعت. والمثبت موافق لما في المغني والشرح.

(6)

ينظر: المغني 9/ 216.

(7)

في (ب) و (ح): عدو.

(8)

قوله: (له) سقط من (ب) و (ح).

(9)

أخرجه البخاري (2263)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(10)

قوله: (فيه) سقط من (ح)

(11)

ينظر: الفروع 10/ 282.

ص: 480

وله إعطاء ذلك

(1)

، ولو بغير شَرطٍ.

(وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) إذا كان من مال

(2)

المسلمين؛ لأِنَّه جُعْلٌ، فوجب أن يكون معلومًا، كالجُعْل في المسابقة وردِّ الضَّالَّة.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِ

(3)

الْكُفَّارِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولاً)؛ لأِنَّه «عليه السلام جَعَلَ للسَّرِيَّة الثُّلُثَ والرُّبُع ممَّا غنِمُوا»

(4)

، و «سَلَب المقتول»

(5)

، وهو مجهولٌ؛ لأِنَّ الغنيمة كلَّها مجهولةٌ، ولأِنَّه ممَّا تدعو الحاجةُ إليه.

(فَإِنْ جَعَلَ لَهُ جَارِيَةً مِنْهُمْ)، نحو

(6)

أن يشترط بنتَ فلانٍ من أهل القلعة؛ لم

(7)

يَستحِقَّ شيئًا حتَّى تُفتَح القلعةُ، فإن فتحت عَنْوةً؛ سُلِّمَتْ إليه.

(فَمَاتَتْ

(8)

قَبْلَ الْفَتْحِ)، أو بعده؛ (فَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لأنَّ حقَّه متعلِّق بمُعَيَّنٍ

(9)

، فيسقط بتَلَفِه من غير تفريطٍ؛ كالوديعة.

(وَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ) وهي حُرَّةٌ؛ (فَلَهُ قِيمَتُهَا)؛ لأِنَّها عَصَمَت نفْسَها بإسلامها، فتعذَّر دَفْعُها إليه، فاستحقَّ القيمة، كما لو أتْلَفَ مالَ غيره الَّذي لا مثل له

(10)

.

(1)

في (ب) و (ح): دال.

(2)

قوله: (مال) سقط من (ح).

(3)

قوله: (مال) سقط من (ح).

(4)

أخرجه أبو داود (2750)، وابن ماجه (2851)، وابن حبان (4835)، والحاكم (2598)، عن حبيب بن مسلمة رضي الله عنه مرفوعًا، وسنده صحيحٌ، وفيه اختلاف يسيرٌ، وتكلَّم فيه ابن القطَّان، وقد صححه ابن حبان والحاكم.

(5)

أخرجه البخاري (3142)، ومسلم (1751)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.

(6)

في (أ): يجوز.

(7)

في (أ): ولم.

(8)

قوله: (فماتت) في (أ): فإن مات.

(9)

في (ح): بمتعين.

(10)

قوله: (فاستحق القيمة، كما لو أتلف مال غيره الَّذي لا مثل له) سقط من (ح).

ص: 481

(وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ)؛ أي

(1)

: بعد الفتح، أو قبله وهي أَمَةٌ؛ (سُلِّمَتْ إِلَيْهِ) إذا كان مسلِمًا؛ لأِنَّه أمكن الوفاءُ بما شرط، فكان واجبًا، ولأنَّ

(2)

الإسلام بعد الأسر، فكانت رقيقةً.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) المشترِط (كَافِرًا؛ فَلَهُ قِيمَتُهَا)؛ لأِنَّ الكافِرَ لا يجوز أن يبتدِئَ الملك على مسلِمٍ، ثمَّ إن أسلم ففي أخْذِها احْتِمالانِ.

(وَإِنْ فُتِحَتْ صُلْحًا، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْجَارِيَةَ؛ فَلَهُ قِيمَتُهَا)؛ أي: إن رَضِيَ بها؛ لأِنَّ ردَّ عينِها متعذِّرٌ؛ لكونها دخلت تحت الصُّلح، وحينئذٍ تعيَّن ردُّ قيمتها؛ لأِنَّها بَدَلُها.

وظاهِرُه: أنَّه لو شُرِط في الصُّلح تسليم عينها؛ لزم؛ لِما فيه من الوفاء بالشَّرط.

(فَإِنْ أَبَى إِلاَّ الْجَارِيَةَ، وَامْتَنَعُوا مِنْ بَذْلِهَا؛ فُسِخَ الصُّلْحُ)؛ لأنَّه قد تعذَّر إمضاؤه؛ لأنَّ حقَّ صاحب الجُعْل سابِقٌ، ولا يمكن الجمْعُ بينهما، فعلى هذا: لصاحب القلعة أن يحصنها مثلَ ما كانت من غير زيادةٍ.

وظاهر

(3)

ما نقله ابن هانئ

(4)

: أنَّها له؛ لسَبْق حقِّه، ولِرَبِّ الحصن القيمةُ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلاَّ قِيمَتُهَا)، ويمضي الصُّلْحُ، حكاه في «المحرر» قولاً، وصحَّحه؛ لأنه تعذَّر تسليمُها مع بقائها، فبقيت القيمة، كما لو أسلمت قبل الفتح.

(1)

قوله: (بعده أي) سقط من (ح).

(2)

في (ح): لأن.

(3)

في (ح): فظاهر.

(4)

لم نقف عليه في مسائل ابن هانئ المطبوعة، وينظر: الفروع 10/ 277.

ص: 482

وإن بذلوها مجَّانًا، أو بالقيمة؛ لزم أخذها ودفعها إليه، قاله الأصحاب؛ لأنَّه أمكن إيصال

(1)

حقِّه إليه من غير ضرَرٍ.

قال

(2)

المجدُ: وعندي يختصُّ ذلك بالأَمَة، فأمَّا حرَّةُ الأصل؛ فلا يحل أخذها بحال

(3)

لأنَّ الأمة مال، فيأخذها كما لو شرط

(4)

دابَّةً أو متاعًا، فأمَّا حُرَّة الأصل، فهي غير مملوكةٍ؛ لأِنَّ الصُّلح جرى عليها، فلا تملك كالذِّمِّيَّة، ولم يَجُزْ تسليمها كالمسلمة.

وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّ الجارية لولا عقد الصلح

(5)

؛ لكانت أمَةً، وجاز تسليمها إليه

(6)

، فإذا رضي أهل الحصن بإخراجها من الصُّلح بتسليمها

(7)

إليه؛ فتكون غنيمةً للمسلمين، وتصير رقيقةً.

فرعٌ: حيث أوجبنا القيمةَ، ولم يحصل شيءٌ من الغنيمة؛ أُعطي من بيت المال؛ لأنَّه من المصالح.

(وَلَهُ أَنْ يُنَفِّلَ) -النَّفَل: الزيادة على السَّهم المستحَقِّ، ومنه: نفل الصَّلاة- (فِي الْبِدَايَةِ)؛ أي: ابتداء دخول دار الحرب: (الرُّبُعَ) فأقلَّ (بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ: الثُّلُثَ) فأقلَّ (بَعْدَهُ)؛ لِمَا روى حبيب بن مسلمة الفِهْريُّ قال: «شهدت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نفَّل الرُّبع في البداية، والثُّلُث في الرَّجعة»

(1)

في (أ): اتصال.

(2)

في (ح): وقال.

(3)

في (ب) و (ح): بجعل. والمثبت موافق لمطبوع المحرر 2/ 175.

(4)

في (ح): اشترط.

(5)

زيد في (ب) و (ح): (جرى عليها). والمثبت موافق لما نقله البهوتي في الكشاف عن المبدع.

(6)

قوله: (إليه) سقط من (ح).

(7)

في (ح): وتسليمها.

ص: 483

رواه أبو داود

(1)

، وعن عبادة بن الصَّامِت مرفوعًا نحوه، رواه التِّرمذيُّ

(2)

، وقال:(حسن غريب)

(3)

.

وإنما زيد

(4)

في الرَّجعة على البداية؛ لمشقَّة الرَّجعة؛ لأنَّ الجيش في البداءة رِدْءٌ للسَّريَّة

(5)

، بخلاف الرَّجعة، وقال

(6)

أحمد: لأنَّهم يشتاقون إلى أهليهم، فهذا أكثرُ

(7)

.

وظاهِرُه: أنَّ ذلك مفوَّضٌ إلى رأيه، فإن شاء نَفَّلَهُم

(8)

، وإن شاء تركه.

وأنَّه يجوز بلا شَرْطٍ، وهو ظاهر. وعنه: لا يجوز إلاَّ به، جزم به في «المغني» ، وقدَّمه في «الفروع» .

(وَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ الْجَيْشُ؛ بَعَثَ سَرِيَّةً تُغِيرُ، وَإِذَا رَجَعَ بَعَثَ أُخْرَى

(9)

، فَمَا أَتَتْ بِهِ أَخْرَجَ خُمُسَهُ)؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ

(41)} الآيةَ [الأنفَال: 41]، ولِمَا روى مَعْن بن زيد مرفوعًا:«لا نَفَلَ إلاَّ بعد الخُمُس» رواه أبو داودَ

(10)

،

(1)

تقدم تخريجه 4/ 481 حاشية (4).

(2)

أخرجه الترمذيُّ (1561)، وابن ماجه (2852)، ولفظه:«نفل في البدأة الرُبع، وفي الرَّجعةِ الثُّلثَ» ، وفي سنده: عبد الرَّحمن بن الحارث بن عبد الله المخزومي، وهو مختلفٌ فيه، قال ابن حجر:(صدوق له أوهام)، وحسَّنه الترمذي، وله شاهد يتقوى به من حديثِ حَبيب بن مسلمة رضي الله عنه، وتقدَّم.

(3)

في النسخ المطبوعة من سنن الترمذي، وفي تحفة الأشراف للمزيِّ (4/ 250): أن الترمذيَّ قال: (حسنٌ)، ولم نجدْ فيهما زيادة:(غريبٌ).

(4)

في (ب) و (ح): يزيد.

(5)

في (ب) و (ح): عن السرية.

(6)

في (ح): قال.

(7)

ينظر: المغني 9/ 228.

(8)

في (ح): فعله.

(9)

قوله: (تغير، وإذا رجع بعث أخرى) سقط من (ب) و (ح).

(10)

أخرجه أحمد (15862)، وأبو داود (2753)، وابن أبي عاصمٍ في الآحاد والمثاني (1373)، والطَّحاوي في شرح المعاني (5225)، والبيهقي (12809)، من طرقٍ عن عَاصم بن كُليبٍ، عن أبي الجويرية الجَرميِّ به، وفيه قصَّةٌ، وفي إسناده عاصم بن كُليب الجَرْمِيُّ، وهَو متكلَّمٌ فيه، وحَديثُه لا ينزلُ عن مرتبةِ الحسن، والحديثُ صحَّحه الطَّحاويُّ وابن عبد الهادي. ينظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري 3/ 226، المحرَّر في الحديث (816).

ص: 484

ولأنَّه مالٌ مُغْتَنَمٌ

(1)

، فيخمَّس كالجيش، (وَأَعْطَى السَّرِيَّةَ مَا جَعَلَ لَهَا).

ولا يجوز أن ينفِّل أكثرَ من الثُّلث بعد الخُمس، نَصَّ عليه

(2)

، (وَقَسَمَ الْبَاقِيَ فِي الْجَيْشِ وَالسَّرِيَّةِ

(3)

مَعًا)؛ لأِنَّ الجيش يُشارِك سراياه فيما غنِمَتْ، ونَصَّ أحمدُ في السَّريَّة إذا نُفِّلَت: أنَّها ترُدُّ على من معها

(4)

، وقاله الخِرَقِيُّ؛ إذ بقوَّتهم صار إليه.

(1)

قوله: (مرفوعًا: «لا نفل إلا بعد الخمس»

) إلى هنا سقط من (ب) و (ح).

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 319.

(3)

في (ب) و (ح): بين السرية والجيش.

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 256، مسائل ابن هانئ 2/ 113.

ص: 485

(فَصْلٌ)

(وَيَلْزَمُ الْجَيْشَ طَاعَةُ الْأَمِيرِ)؛ لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النِّسَاء: 59]، ولقوله عليه السلام: «مَنْ أطاعني فقد أطاع الله، ومَنْ أطاع أميري

(1)

فقد أطاعَنِي، ومَنْ عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري

(2)

فقد عصانِي» رواه النسائي

(3)

، فلو أمرهم بالصَّلاة جماعةً وقت

(4)

لقاء العدوِّ فأبوا؛ عَصَوْا، قال الآجُرِّيُّ: لا نعلم فيه خلافًا، قال أحمدُ: لو قال: مَنْ عنده من رقيق الرُّوم، فليأتِ به السَّبيَ: ينبغي أن

(5)

ينتهوا إلى ما أمرهم، قال ابن مسعودٍ:«الخلافُ شَرٌّ» ، ذكره ابن عبد البَرِّ

(6)

، وقال: كان يقال: لا خير مع الخلاف، ولا شرَّ مع الائتلاف

(7)

.

ونقل المرُّوذي: إذا خالفوه تشَعَّث

(8)

أمرُهم

(9)

، فلو قال: سيروا وقت كذا؛ دفعوا

(10)

معه، نَصَّ عليه

(11)

، وقال: الساقة يضاعف

(12)

لهم الأجر،

(1)

في (ح): أمري.

(2)

في (ح): أمري.

(3)

أخرجه البخاريُّ (7737)، ومسلمٌ (1835)، والنَّسائي (4193)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

في (أ): عند.

(5)

قوله: (أن) سقط من (أ) و (ب).

(6)

ينظر: التمهيد 16/ 307.

وأثر ابن مسعود أخرجه أبو داود (1960)، ومن طريقه أبو عوانة في مستخرجه (3512)، والبيهقي في الكبرى (5434)، وصحح الألباني إسناده في صحيح أبي داود 6/ 203.

(7)

ينظر: أدب المجالسة ص 111.

(8)

كذا في النسخ الخطية، والذي في زاد المسافر 3/ 87 والفروع 10/ 251: يتشعب.

(9)

ينظر: زاد المسافر 3/ 87.

(10)

في (ب) و (ح): رفعوا.

(11)

ينظر: الفروع 10/ 251.

(12)

في (ح): تضاف.

ص: 486

إنَّما يخرج فيهم أهل قوَّةٍ وثباتٍ

(1)

.

(وَالنُّصْحُ لَهُ)؛ لأنَّ نُصْحَه نصحُ المسلمين، ولأنَّه يدفع عنهم، فإذا نصحوه كثر دفعه، وفي الأثر: «إن الله يزع

(2)

بالسُّلطان ما لا يزع

(3)

بالقرآن»، ومعناه: يكف

(4)

.

(وَالصَّبْرُ مَعَهُ)؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عِمرَان: 200]، ولأنَّه من أقوى أسباب النَّصر والظَّفَر.

(وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّفَ)، وهو تحصيل العلف للدَّوابِّ، (وَلَا يَحْتَطِبَ)، وهو تحصيل الحطب، (وَلَا يُبَارِزَ) عِلْجًا

(5)

، (وَلَا يَخْرُجَ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَلَا يُحْدِثَ حَدَثًا إِلاَّ بِإِذْنِهِ)؛ لأِنَّ الأميرَ أعْرَفُ بحال النَّاس وحال العدوِّ، ومَكامِنهم وقوَّتهم.

فإذا خرج إنسانٌ، أو بارز بغير إذنه؛ لم يأْمَنْ أن يصادفه كَمِينٌ للعدوِّ فيأخذوه

(6)

، أو يرحل بالمسلمين

(7)

ويتركه فيهلِك، أو يكون ضعيفًا لا يقوى

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 250 - 251.

(2)

في (أ) و (ب): يَنزعُ.

(3)

في (أ) و (ب): ما لا يَنزعُ.

(4)

قوله: (ومعناه: يكف) سقط من (أ).

والأثر مروي عن عمر رضي الله عنه: أخرجه الخطيب في تاريخه (5/ 172)، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه الهيثم بن عدي المنبجي، كذبه يحيى والبخاري وأبو داود.

ومروي عن عثمان رضي الله عنه: أخرجه عمر بن شبة في تاريخه (3/ 988)، عن يحيى بن سعيد، عن عثمان، ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع، يحيى القطان لم يدرك عثمان رضي الله عنه. وأخرجه ابن عبد البر (1/ 118)، عن مالك، عن عثمان. وهو ظاهر الانقطاع. قال ابن باز في فتاويه 5/ 67:(ثبت عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويروى عن عمر رضي الله عنه أيضًا).

(5)

قال في الصحاح 1/ 330: (العلج: الرجل من كفار العجم).

(6)

في (ب) و (ح): فأخذوه.

(7)

في (ب) و (ح): المسلمون.

ص: 487

على المبارزة فيظفَر به العدوُّ، فتنكسِر قلوب المسلمين، بخلاف ما إذا أَذِن، فإنَّها لا تكون إلاَّ مع انتفاء المفاسد، وقد ورد في النَّصِّ ما يدلُّ عليه؛ فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النُّور: 62]، لكن نَصَّ أحمد

(1)

: إذا كان مَوْضِعًا مَخُوفًا لا ينبغي أن يأذن لهم

(2)

.

وظاهِرُه: أنَّ المبارزة

(3)

بغير إذنه حرامٌ، وفي «المغني» و «الشَّرح»: الكراهةُ، وحكاه الخطابيُّ عن أحمد وغيره

(4)

، ومحلُّه: ما لم يَفْجأْهم العدوُّ، قاله في «الوجيز» .

(فَإِنْ دَعَا كَافِرٌ)، وفي «البلغة»: مطلقًا، (إِلَى الْبِرَازِ)، بكسر الباء: عبارةٌ عن مخاصمة العدوِّ، وبفتحها: اسمٌ للفضاء الواسع؛ (اسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ)؛ لمبارزة الصَّحابة في زمن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن بعده، قال قَيسُ بن عباد: «سمعت أبا ذر يُقسِم قسمًا في قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحَجّ: 19]: أنَّها نزلت في الذين بارزوا يوم بدر: حمزةَ، وعليٍّ، وعُبَيدةَ بن الحارِث، وعُتبة وشَيبة ابني

(5)

ربيعة، والوليد بن عتبة» متَّفقٌ عليه

(6)

، قال عليٌّ:«نزلت هذه الآية في مبارزتنا يوم بدرٍ» رواه البخاريُّ

(7)

، وكان ذلك بإذنه عليه السلام، و «بارَز البَرَاء بن مالك

(1)

قوله: (أحمد) سقط من (ح).

(2)

ينظر: الفروع 10/ 251.

(3)

في (ح): المبادرة.

(4)

ينظر: معالم السنن 2/ 279.

(5)

في (ب) و (ح): ابن.

(6)

أخرجه البخاري (3968)، ومسلم (3033).

(7)

أخرجه البخاري (3967).

ص: 488

مرزبان

(1)

الزَّارة

(2)

فقتله، وأخذ سَلَبَه، فبلغ ثلاثين ألفًا»

(3)

، ولأنَّ في الإجابة إليها إظْهارًا لقوَّة المسلمين، وجَلَدهم على الحرب.

وظاهِرُه: أنه

(4)

إذا لم يَثِقْ من نفسه؛ فيُكرَه؛ لِمَا فيه من كسر قلوب المسلمين

(5)

بقتله ظاهِرًا.

ولو طلبها الشُّجاع ابتداءً؛ فاحْتِمالان في «الفصول» .

(فَإِنْ شَرَطَ الكَافِرُ

(6)

أَنْ لَا

(7)

يُقَاتِلَهُ غَيْرُ الْخَارِجِ إِلَيْهِ)، أو كان هو العادةَ؛ (فَلَهُ شَرْطُهُ)؛ لقوله عليه السلام:«المسلِمون على شروطهم»

(8)

،

(1)

قوله: (مرزبان) سقط من (أ).

(2)

في (ح) و (ب): الدارة. والصواب المثبت، كما في مصادر التخريج.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (9468)، وسعيد بن منصور (2708)، وابن زنجويه في الأموال (1158)، والطبراني في الكبير (1180)، من طرق عن ابن سيرين من قوله. وأسانيدها صحاح.

وأخرجه ابن أبي شيبة (33089)، وابن زنجويه في الأموال (1159)، وأبو عوانة في المستخرج (6659)، والطحاوي في معاني الآثار (5200)، وابن الأعرابي في معجمه (118)، والبيهقي في الكبرى (12787)، من طرق عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وأسانيدها صحاح أيضًا.

(4)

قوله: (أنه) سقط من (ب) و (ح).

(5)

في (أ): قلب المسلم.

(6)

في (ب) و (ح): الكفار.

(7)

قوله: (لا) سقط من (ح).

(8)

روي من حديث جمعٍ من الصَّحابة، منهم أبو هريرة وعمرو بن عوف رضي الله عنهم:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (3594)، وأحمد (8784)، وابن الجارود (637)، والدارقطني (2890)، والحاكم (2309)، من طريق كثير بن زيد المدني، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وكثير مختلف فيه، والأقرب أنه صدوق يخطئ كما قال ابن حجر، وحسَّن حديثه.

وحديث عمرو بن عوف: أخرجه الترمذي (1352)، وابن ماجه (2353)، والدارقطني (2892)، والحاكم (7059)، وفيه كثير بن عبد الله المزني، أكثر الأئمة على أنه ضعيف سيئ الحفظ، وفي الباب شواهد من حديث عائشة وأنس وابن عمر ورافع بن خديج، وكلها لا تخلو من مقال، والحديث ضعفه الذهبي وغيره، وصححه الترمذي والألباني. ينظر: نصب الراية 4/ 112، البدر المنير 6/ 552، تغليق التعليق 3/ 281، إرواء الغليل 5/ 142.

ص: 489

والعادةُ بمنزلة الشروط

(1)

.

ويجوز رميُه وقتله قبْلَ المبارَزة؛ لأِنَّه كافِرٌ لا عهدَ له ولا أمانَ، فأبيح قتله كغيره، إلاَّ أن تكون العادةُ جاريةً بينهم: أنَّ من خرج يطلُب المبارزة لا يُتعرَّض له

(2)

، فيُعمَل بها.

(فَإِنِ انْهَزَمَ المُسْلِمُ) تاركًا للقتال، (أَوْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ؛ جَازَ) لكل مسلمٍ (الدَّفْعُ عَنْهُ) وقتل

(3)

الكافر؛ لأنَّ المسلِمَ إذا صار إلى هذه الحال، فقد انقضى قتالُه، والأمان زال

(4)

بزوال القتال؛ لأِنَّ حمزةَ وعلِيًّا أعانا عبيدة على

(5)

قتل شيبة حين أُثْخِنَ عُبَيدةُ

(6)

.

وإن أعان الكفارُ صاحبهم؛ فعلى المسلمين أن يعينوا صاحبَهم، ويقاتلوا من أعان عليه، لا

(7)

المبارزة؛ لأنَّه

(8)

ليس بسببٍ من جهته.

(1)

في (ح): الشرط.

(2)

في (أ): إليه.

(3)

في (ب) و (ح): ويقتل.

(4)

في (أ): يزال.

(5)

في (ب) و (ح): في.

(6)

أخرجه أبو داود (2665)، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب، عن عليٍّ رضي الله عنه. وإسناده حسن أو صحيح كما قاله ابن الملقن، وصحّحه الألباني، وقال الحافظ ابن حجر: (وهذه أصحّ الروايات

، وقد روَى الطبراني-كما في المعجم الكبير (2955) - بإسناد حسنٍ عن عليٍّ، قال:«أعنتُ أنا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد بن عتبة، فلم يعبِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك علينا» ، وهذا موافق لرواية أبي داود). ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 9/ 221، تحفة المحتاج 2/ 508، فتح الباري 7/ 298، صحيح سنن أبي داود 7/ 417.

(7)

في (ب) و (ح): إلا.

(8)

زيد في (ب) و (ح): عليه.

ص: 490

فائدةٌ: كَرِه أحمد التَّلثُّم في القتال، وعلى الأنف

(1)

.

وله لُبْسُ علامةٍ كريش نَعامٍ، وعنه: يُستحَبُّ للشجاع

(2)

، ويُكرَه لغيره، جزم به في «الفصول» .

(وَإِنْ قَتَلَهُ المُسْلِمُ؛ فَلَهُ سَلَبُهُ)، بغير خلافٍ نعلمه

(3)

؛ لأِنَّ القاتل له سَلَبُ المقتول.

(وَكُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً؛ فَلَهُ سَلَبُهُ)؛ لِما رَوَى أنَسٌ وسَمُرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ قتيلاً فله سَلَبُه» فقَتَل أبو طلحةَ يومئذٍ عشرين رجلاً

(4)

، وأخذ أسْلابَهم، رواه أبو داود

(5)

.

وظاهِرُه: أنَّ السَّلَب لكلِّ قاتِلٍ، سواءٌ كان يَسْتحِقُّ سهْمًا أو رَضْخًا، كالصَّبيِّ والمرأة والمشرك، وهو وجْهٌ، وخصَّه في «الوجيز»: بالقاتِل المسلمِ.

والثَّاني: لا؛ لأنَّ السَّهمَ آكَدُ منه؛ للإجماع عليه، وهو لا يَستحِقُّه، فالسَّلَبُ أَوْلَى.

وفي «الإرشاد» : أنَّ مَنْ بارَز بغير إذْن الإمام؛ فلا يَستحِقُّ السَّلَبَ.

(1)

في (ب) و (ح): أنفه. وينظر: مسائل ابن منصور 2/ 629.

(2)

في (أ): للشجاعة.

(3)

ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 341.

(4)

في (أ): قتيلاً.

(5)

حديث أنس رضي الله عنه: أخرجه أحمد (12236)، وأبو داود (2718)، وابن حبان (4836)، والدارمي (2527)، والحاكم (2591)، وصحَّحه ابن حبَّان والحاكم والذهبيُّ والبيهقيُّ والألباني، وقال أبو داود:(هذا حديثٌ حسن). ينظر: السنن الكبرى 6/ 499، صحيح سنن أبي داود 8/ 55.

وحديث سمرة رضي الله عنه: عزاه المصنف إلى أبي داود، ولم نقف عليه، وأخرجه أحمد (20144)، وابن ماجه (2838)، والبيهقي (12935)، عن ابن سمرة، عن سمرة بن جندب، وسنده ضعيفٌ، للإبهام في ابن سمرة، فإن كان سليمان فهو مجهول الحال، وإن كان سعدًا فقد وثقه النَّسائي وابن حبَّان، ولكنه يتقوَّى بما قبله من حديث أنس وغيره رضي الله عنهم.

ص: 491

وقطع في «المغني» و «الشَّرح» : بأنَّ العبدَ إذا بارز بغير إذن سيده

(1)

لا يَستحِقُّ السَّلَبَ؛ لأنَّه عاصٍ.

وكذا كلُّ عاصٍ؛ كمَنْ دخل بغير إذن الأمير.

وعنه: فيمَنْ دخل بغير إذْنه: أنَّه يُؤخَذُ منه الخُمُس، وباقيه له، كالغنيمة.

ويخرَّج في العبد مثلُه، وفيه شَيءٌ، وأنَّه يفرَّق بينهما: بأنَّ تعلُّق الحقِّ بالغنيمة آكَدُ للإجماع، بخلاف السَّلَب، فإنَّ بعضَهم جعَلَه كالنَّفل لا يُستحَقُّ إلاَّ بالشرط.

أمَّا لو كان القاتل ممن لا حقَّ له في الغنيمة؛ كالمُرجِف؛ فلا حقَّ له في السَّلَب؛ لأنَّه ليس من أهل الجهاد.

(غَيْرَ مَخْمُوسٍ)؛ لما روى عوف بن مالك وخالد بن الوليد: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى في السَّلَب للقاتل، ولم يُخمِّس السَّلَبَ» رواه أبو داودَ

(2)

، ولم ينقل عنه أنه احتُسب من خُمُس الخُمُس، ولأنَّ سلبه

(3)

لا يفتقر إلى اجتهاد الإمام، فلم يكن من خُمس الخُمس كسهم الفارس.

(إِذَا قَتَلَهُ حَالَ الْحَرْبِ)، فلو قتله بعد انقضائها؛ فلا سَلَبَ له؛ لأنَّ «عبد الله بن مسعودٍ وقف

(4)

على أبي جهلٍ

(5)

، وقضى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بسَلَبه

(1)

في (ب) و (ح): السيد.

(2)

أخرجه أحمد (16822)، وأبو داود (2721)، وابن حبان (4844)، والطحاوي في معاني الآثار (5189)، من حديث عوف بن مالك وخالد بن الوليد رضي الله عنهما، وصحَّحه ابن حبَّان وابن عبد الهادي وابن الملقِّن والألباني، والحديث بدون زيادة قولهِ:«لم يُخمِّس السَّلب» : ثابتٌ في صحيح مسلمٍ (1753) في حديثٍ طويلٍ، فيه قصَّةٌ لعوف بن مالك مع خالد بن الوليد رضي الله عنهما. ينظر: المحرر في الحديث (801)، البدر المنير 7/ 345، الإرواء 5/ 55.

(3)

في (ح): سببه.

(4)

هكذا في النسخ الخطية، وفي المغني والكافي وغيرهما:(ذفف)، وذفف -بالدال والذال- على الجريح: أجهز عليه. ينظر: جمهرة اللغة 3/ 1282، تهذيب اللغة 14/ 295.

(5)

أخرجه البخاريُّ (3962).

ص: 492

لمعاذ بن عمرو بن الجموح؛ لأنَّه أثبته»

(1)

.

وإن

(2)

كانت الحربُ قائمةً، فانهزم أحدهم، فقتله إنسانٌ؛ فله سَلَبه؛ لأنَّها كرٌّ وفَرٌّ؛ لأن «سلمة بن الأكوع قتل طليعةً للكفار

(3)

، وهو منهزِمٌ، فقضى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بسَلَبه له أجمعَ» رواه أبو داود

(4)

. ولو أثخنه بالجراح؛ استحقَّ سَلَبه؛ لأنَّه في حكم المقتول.

(مُنْهَمِكًا عَلَى الْقِتَالِ) أي: مقبلاً على القتال، فإن كان منهزِمًا؛ فلا سَلَب له، نَصَّ عليه

(5)

؛ لأنَّه لم يغرر بنفسه في قتله، وفي «الترغيب» و «البلغة»: إلاَّ متحرِّفًا لقتالٍ، أو متحيِّزًا إلى فئةٍ، قال أحمد: إنَّما سمعنا له سلَبه في المبارزة، وإذا التقى الزَّحفان

(6)

.

وظاهره: ولو

(7)

كان المقتول صبيًّا أو امرأةً، وقطع

(8)

به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لجواز قتلهم إذًا.

وفي آخر

(9)

: لا يستحقُّ سلَبه؛ سدًّا للذريعة، وأطلقهما

(10)

في «المحرَّر» .

(1)

أخرجه مسلمٌ (1752)، من حديث عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله عنه.

(2)

في (ب) و (ح): فإن.

(3)

في (ب) و (ح): الكفار.

(4)

أخرجه البخاري (3051)، ومسلم (1754)، وأبو داود (2654)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 106، مسائل أبي داود ص 323.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 323.

(7)

في (ب) و (ح): لو.

(8)

في (أ): قطع.

(9)

في (ح): الأخير.

(10)

في (ب) و (ح): وأطلقها.

ص: 493

أمَّا إذا لم يكن المقتول

(1)

من المقاتِلة؛ كالشَّيخ الفاني والصَّبيِّ ونحوه، ممَّن نُهِيَ عن قتله؛ لم يستحقَّ قاتلُه سلَبَه بغير خلافٍ

(2)

.

(غَيْرَ مُثْخَنٍ بِالجِرَاحِ

(3)

أي: لا بُدَّ أن يكون المقتول فيه مَنَعةٌ، فلو كان مُثْخَنًا بالجراح وقَتَله آخَرُ؛ فلا يَستحِقُّ سَلَبه؛ لِما تقدَّم من حديث ابن مسعود

(4)

، ولعدم التَّغرير.

(وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ)؛ أيْ: بأن يقتُله حال المبارزة والحربُ قائمةٌ، فلو رماه بسَهْمٍ من جانب المسلمين فقَتَله؛ فلا سَلَب له؛ لعدم التَّغرير، وكذا لو حمل عليه جماعةٌ من المسلمين

(5)

، أو أغْرَى به كلْبًا عَقُورًا فقُتِل؛ فلا سلب، ويكون غنيمةً.

وظاهِرُه: أنَّ كلَّ واحدٍ منها

(6)

شرْطٌ، وقوَّى الزَّرْكَشِيُّ: أنَّ كلَّها تَرجِع إلى التَّغرير.

وأنَّ القاتِلَ يَستحِقُّ السَّلَب، قال ذلك الإمامُ أو لم يَقُلْه، وصرَّح به الخِرَقيُّ، وهو قولُ أكثر العلماء، ونَصَّ عليه

(7)

؛ لعموم الأدلَّة.

(وَعَنْهُ: لَا يَسْتَحِقُّهُ إِلاَّ مَنْ شُرِطَ لَهُ)، اختارها أبو بكرٍ، وفي «الانتصار» و «الطَّريق الأقْرب» ، وأخذها القاضي من قول أحمد: ليس له ذلك إلاَّ أن قتاله

(8)

بإذن الإمام.

(1)

قوله: (المقتول) سقط من (ب) و (ح).

(2)

ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 341.

(3)

قوله: (بالجراح) سقط من (ب) و (ح).

(4)

تقدم تخريجه قريبًا 4/ 492 حاشية (5).

(5)

قوله: (المسلمين فقتله فلا سلب له لعدم

) إلى هنا سقط من (ب) و (ح).

(6)

في (ب) و (ح): منهما.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3892.

(8)

كذا في (أ)، وفي (ب) و (ح): يناله. والصواب: (إلا أن يكون) كما في الروايتين والوجهين 2/ 35 من رواية حرب.

ص: 494

وفيه نَظَرٌ، فإن عوفًا قال لخالد: أمَا تعلمُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى بالسَّلَب للقاتِلِ؟ قال: «بلى» رواه مسلمٌ

(1)

، فدل على أنَّ هذا من قضايا النبي صلى الله عليه وسلم العامة

(2)

المشهورة، وأنَّه حُكمٌ مستمِرٌّ لكلِّ قاتِلٍ.

(وَإِنْ قَطَعَ أَرْبَعَتَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ؛ فَسَلَبُهُ لِلْقَاطِعِ) وحدَه؛ لأنَّه «صلى الله عليه وسلم أعطى معاذَ ابنَ عَمْرو بن الجَموح سَلَبَ أبي جهل، ولم يُعْطِه ابنَ مسعودٍ، مع أنَّه تمَّم

(3)

قَتْلَه»

(4)

؛ لأِنَّ القاطِعَ هو الذي كفى المسلمين شرَّه.

(وَإِنْ قَتَلَهُ اثْنَانِ؛ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) في ظاهر كلامه؛ لأِنَّه عليه السلام لم يُشرِّك بين اثنَينِ في سَلَبٍ، ولأِنَّه إنّما يُستحَقُّ بالتَّغرير في قَتْله، ولا يَحصُل بالاشتراك، فوجب كونُه غنيمةً، كما لو قَتَله جماعةٌ.

(وَقَالَ الْقَاضِي) والآجُرِّيُّ: (هُوَ لَهُمَا)؛ أي: يشترِكان في سَلَبِه؛ لعموم: «مَنْ قَتَلَ قتيلاً فله سَلَبُه»

(5)

، ولأِنَّهما اشتركا في السَّبب، فيشترِكان في السَّلَب، فلوِ اشْتَركا في ضَرْبه، وكان أحدُهما أبلغَ في قَتْلِه من الآخَرِ؛ فله سَلَبُه.

(وَإِنْ أَسَرَهُ، فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ) أو غيرُه؛ (فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ)؛ لأنَّ الذي أسَرَه لم يَقْتُله، والغير لم يغرِّرْ بنفسه في قَتْله.

وكذا لو استَحْياه الإمامُ؛ فرقبتُه

(6)

إنْ رُقَّ، وفداؤه إنْ فُدِيَ؛ غنيمةٌ؛ لأنه قد أسر المسلمون يوم بدر أسرى، فقتل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم منهم، واسْتَبْقى منهم، ولم يُنْقَل أنَّه أعطى أحدًا ممَّن أسَرَهم سَلَبًا ولا فِداءً.

(1)

أخرجه مسلمٌ (1753).

(2)

في (ح): لعامة.

(3)

في (ب) و (ح): تحتم.

(4)

أخرجه مسلم (1752).

(5)

تقدم تخريجه 4/ 491 حاشية (5).

(6)

في (ح): فرقَّته.

ص: 495

(وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ لِمَنْ أَسَرَهُ)؛ لأن

(1)

الأسر أصعبُ من القتل، فإذا استحقَّ السلَب به؛ كان تنبيهًا على استحقاقه بالأسر.

(وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَتَلَهُ آخَرُ؛ فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ) على المذهب؛ لأنَّه لم يَنفرِد أحدُهما بقَتْله، ولم يَستحقَّه القاتِلُ؛ لأِنَّه مُثْخَنٌ بالجراح.

(وَقِيلَ: هُوَ لِلْقَاتِلِ

(2)

؛ لعموم الخبر

(3)

.

وقيل: هو للقاطع؛ لأِنَّه عطَّله؛ كقتله

(4)

.

فلو قطع يدَيه أو رجليه

(5)

؛ فالحُكمُ على ما سبق، ذكره في «الشَّرح» وغيره.

فرعٌ: إذا قطع منه يدًا أوْ رِجْلاً، ثمَّ قَتَله آخَرُ؛ فسَلَبُه للقاتل، كما لو عانقه فقتله آخَرُ، أوْ كان الكافر

(6)

مقبلاً على مسلِمٍ، فقتله آخَرُ من ورائه.

وقيل: غنيمةٌ؛ لعدم الانفراد بقتله.

تنبيهٌ: لا تُقبَلُ دَعْوى القتل إلاَّ ببيِّنةٍ.

وقال الأوزاعيُّ: يُعطَى السَّلَبُ لمن قال: أنا قتلته، بغير بيِّنةٍ؛ لأنَّه عليه السلام قَبِل قول أبي قَتادةَ

(7)

،

(1)

في (أ): لا.

(2)

في (أ): للكفار.

(3)

وهو حديث: «من قتل قتيلاً فله سَلَبُه» ، و «قضَى بالسَّلَب للقاتِلِ» . وقد تقدم تخريجهما 4/ 491 - 492.

(4)

في (ح): القتلة.

(5)

في (ح): يده أو رجله.

(6)

في (ح): العاقر.

(7)

أخرجه البخاريُّ (3142)، ومسلم (1751)، من حديث أبي قتادةَ رضي الله عنه، في حديثٍ طويل، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه» ، فقمت فقلت: من يشهد لي، ثم جلست، - فعل ذلك ثلاثًا -، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما لك يا أبا قتادة؟» ، فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله، سلب ذلك القتيل عندي .... الحديث. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السلب بشهادة واحدٍ بلا يمين. ينظر: الاستذكار 5/ 64.

ص: 496

وجوابه: الخبر الآخر

(1)

، وبأن خصمه أقرَّ له، فاكتفى بقوله.

وقال جماعةٌ من أهل الحديث: يُقبَل شاهدٌ ويمينٌ، كغيره من الأموال.

وحكى في «الشَّرح» احتمالاً: يقبل فيه شاهِدٌ بغير يمينٍ؛ لأِنَّه عليه السلام قَبِل قول الذي شهد لأبي قَتادةَ من غير يمينٍ.

وجوابه: أنَّ الشَّارِع اعتَبَر البيِّنةَ، وإطلاقُها ينصرِف إلى شاهدين، وكقتل العمد.

(وَالسَّلَبُ: مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابٍ)، وعِمامةٍ، وقَلَنْسُوَةٍ، ودرع

(2)

، (وَحُلِيٍّ)؛ كسِوارٍ، ومِنْطَقةِ ذهبٍ، ورانٍ، وتاجٍ، (وَسِلَاحٍ)؛ كسَيفٍ، ورُمْحٍ، وقَوسٍ، ولُتٍّ

(3)

ونحوها؛ لأِنَّه يستعين به في حربه، فهو أَوْلى بالأخذ

(4)

من الثِّياب.

وعنه في السَّيف: لا أدري

(5)

.

(وَالدَّابَّةُ بِآلَتِهَا)؛ أي: من السَّلَب؛ لحديث عَوف بن مالِكٍ، رواه الأثرم، ولأِنَّ الدَّابَّةَ يُستعانَ بها في الحرب كالسلاح، وآلتها كلجام وسَرْجٍ، ولو كثرت قيمتُه؛ لأنَّه تابِعٌ لها.

(6)

(1)

وهو قوله في حديث أبي قتادة السابق: «من قتل قتيلاً له عليه بينة، فله سلبه» ، كما في الشرح الكبير 10/ 165.

(2)

في (ح): وعمامة وترس وأدرع.

(3)

قال في المطلع ص 434: (اللُّتُ: بضم اللام، نوع من آلة السلاح معروف في زماننا، وهو لفظ مولد، ليس من كلام العرب، ولم أره في شيء مما صنف في المُعرَّب، وأخبرني الشيخ أبو الحسن، علي بن أحمد بن عبد الواحد: أنه قرأة على المصنف بالضم، فينبغي أن يقرأ مضمومًا كما يقوله الناس).

(4)

قوله: (فهو أولى بالأخذ) مكانه بياض في (ح).

(5)

ينظر: الفروع 10/ 276.

(6)

تقدم تخريجه 4/ 492 حاشية (2).

ص: 497

وظاهِرُه: أنَّ ما كان محمولاً عليها من دراهِمَ ونحوه لا يَدخُلُ.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الدَّابَّةَ لَيْسَتْ مِنَ السَّلَبِ)، اختارها أبو بكرٍ؛ لأِنَّ السَّلَب ما كان على بدنه

(1)

، وهي ليست كذلك، وذكر أحمدُ

(2)

خبر عمرو بن معدي كرب: «فأخذ سوارَيْه ومِنطقتَه»

(3)

، ولم يذكر الدَّابَّة، فعلى هذا: هي وما عليها غنيمةٌ.

وعلى المذهب: شرطه أن يكون قاتَلَ عليها راكبًا، فلو صُدَّ عنها، ثمَّ قَتَله بعد نزوله عنها؛ فهي من السَّلَب، فإن كانت في منزله أو مع غيره؛ فلا، كسلاحه الذي ليس معه.

وإن كان ممْسِكًا بِعِنَانها؛ فالخلاف.

(وَنَفَقَتُهُ) على الأصحِّ، (وَخَيْمَتُهُ، وَرَحْلُهُ)، وجنِيبُه الذي في يده؛ (غَنِيمَةٌ)؛ لأِنَّ ذلك ليس من الملبوس، ولا ممَّا يستعان به في الحرب، أشبه بقيَّة أموال

(4)

الكفَّار.

لكن يُشكِل عليه الجنيب

(5)

، وجوابه: أنَّه لا يمكنه ركوبهما معًا.

وأَلْحَق في «التَّبصرة» حلية الدَّابَّة بذلك، وفيه شيءٌ.

(1)

في (أ): يديه.

(2)

ينظر: المغني 9/ 239.

(3)

أخرج القصة سعيد بن منصور (2691)، والطبراني في الكبير (98)، وابن أبي شيبة (33743)، والطبري في تاريخه (3/ 537)، ومحمد بن إسحاق كما في البداية والنهاية (9/ 634)، من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 332:(ورجاله رجال الصحيح).

(4)

في (ح): إلى.

(5)

في (ح): الخبيث.

ص: 498

(فَصْلٌ)

يجوز سَلْبُ القتلى وتركُهم عُراةً، وكَرِهه الثَّوريُّ وغيره؛ لما فيه من كشف عوراتهم.

ويكره نقل رؤوسهم من بلدٍ إلى آخَرَ، والمُثْلةُ بقتلاهم.

ويكره رميها

(1)

بمنجنيق، نَصَّ عليه

(2)

، وأوَّلُ من حُمِلت إليه الرؤوس

(3)

عبد الله بن الزُّبير

(4)

.

قال أحمد: ولا ينبغي أن يعذبوه

(5)

.

وعنه: إن مثلوا مُثِّلَ بهم، ذكره أبو بكر، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(6)

: المُثْلةُ حقٌّ لهم، فلهم فعلُها للاستيفاء وأخْذِ الثَّأر، ولهم تركُها، والصَّبرُ أفضلُ.

(وَلَا يَجُوزُ الْغَزْوُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ)؛ لأِنَّه أعرفُ بالحرب، وأمْرُه موكولٌ إليه، ولأِنَّه إذا لم تجز المبارزة إلاَّ بإذنه؛ فالغزوُ أَوْلى، (إِلاَّ أَنْ يَفْجَأَهُمْ)؛ أي: يَطلُع عليهم بَغْتةً، (عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلَبَهُ)، بفتح الكاف واللاَّم؛ أي: شرَّه وأذاه؛ لأِنَّ الحاجة تدعو إليه؛ لما في التَّأخير من الضَّرر، وحينئذٍ لا يجوز لأحَدٍ التَّخلُّف إلاَّ مَنْ يُحتاج إلى تخلُّفه لحفظ المكان والأهل والمال، ومن

(1)

أي: الرؤوس.

(2)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 117.

(3)

في (أ): حمل إليه الرأس.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور (2651)، وأبو داود في المراسيل (329)، والبيهقي في الكبرى (18353)، عن معمر، حدثني صاحب لي عن الزهري قال:«أول من حُملت إليه الرؤوس عبد الله بن الزبير» ، وأخرجه عبد الرزاق (9702)، عن معمر، عن الزهري، ولم يذكر: حدثني صاحب لي. ورجاله ثقات.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 265.

(6)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 314.

ص: 499

لا قوَّةَ له على الخروج، ومَن يمنَعُه الإمامُ.

(فَإِنْ دَخَلَ قَوْمٌ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ)، هو بفتح الأحرف الثَّلاثة، وقد تسكَّن النُّون، والمراد بها: القوَّة والدَّفْع، (دَارَ الْحَرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ)؛ أي: إذن المعتبَرِ إذْنُه، وهو إمام الحقِّ غير المتغلِّب، (فَغَنِمُوا؛ فَغَنِيمَتُهُمْ فَيْءٌ) على المذهب؛ لأنَّهم عصاةٌ بفِعْلهم، وافتياتهم على الإمام لطلب الغنيمة، فناسب حرمانُهم؛ كقَتْل الموروث.

(وَعَنْهُ: هِيَ لَهُمْ بَعْدَ الْخُمُسِ)، وهي قولُ أكثر العلماء، اختارها

(1)

القاضي وأصحابه، وفي «المغني» و «الشَّرح»: هي الأَوْلى؛ لعموم قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفَال: 41]، ولأِنَّها مالٌ أُخِذ بتأوُّلٍ وجِهادٍ، فكان كسائر الغنائم، ولا اعتبار بالعلَّة؛ لقوله تعالى

(2)

: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 249].

(وَعَنْهُ: هِيَ لَهُمْ لَا خُمُسَ فِيهَا

(3)

؛ لأِنَّه اكْتِسابٌ مباحٌ من غير جِهادٍ، أشْبَهَ الاحتطاب، أو يقال: أخذوه لا

(4)

بقوَّةٍ، أشبه ما لو سرقوه.

فرعٌ: حُكمُ الواحد -ولو عبدًا- إذا دخل دار الحرب وغنِم؛ الخلافُ، وكذا ما سرق منها أو اختلس

(5)

، ذكره في «البلغة» ، ومعناه في «الرَّوضة» .

(وَمَنْ أَخَذَ مِنْ دَارِ الحَرْبِ طَعَامًا أَوْ عَلَفًا)، لا غيرهما من ثيابٍ وخيوطٍ؛ (فَلَهُ أَكْلُهُ، وَعَلَفُ دَابَّتِهِ) أو دوابِّه، (بِغَيْرِ إِذْنٍ)، في قول جماعة العلماء؛ لما روى ابن عمر قال:«كنَّا نصيب في مغازينا العسل والعنب، فنأكُله ولا نرفعه»

(1)

في (ب) و (ح): واختارها.

(2)

قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ}

) إلى هنا سقط من (ب) و (ح).

(3)

في (ح): لها.

(4)

في (ح): بلا.

(5)

في (أ): واختلس.

ص: 500

رواه البخاريُّ

(1)

، وعنه:«أنَّ جيشًا غنموا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا وعسَلاً، فلم يَؤخُذْ منهم الخُمُسَ» رواه أبو داودَ

(2)

، ولأنَّ الحاجةَ تدعو إليه؛ إذ الحمل

(3)

فيه مشقَّة، فأبيح توسعةً على النَّاس.

وله إطعامُ سَبْيٍ

(4)

اشتراه، بخلاف فهد

(5)

وكلب صَيدٍ؛ لأنَّ هذا يراد للتَّفرُّج، ولا حاجةَ إليه في الغزو.

ومحلُّ ذلك كما ذكره الشَّيخانِ: ما لم يحرزه

(6)

الإمام ويوكِّل به من يحفظه، فلا يجوز إلاَّ لضرورةٍ، نصَّ عليه

(7)

؛ لأنَّها صارت غنيمةً للمسلمين، وتم ملكُهم عليها.

وأجازه

(8)

القاضي في «المجرد» ما داموا في أرض الحرب؛ لأِنَّ الغنيمة لا يتمُّ الملك عليها إلاَّ بإحرازها في دار الإسلام.

تنبيهاتٌ:

الأول: حُكم السُّكر والمعاجين ونحوها؛ كالطَّعام، وفي العقاقير

(9)

وجهان.

(1)

أخرجه البخاري (3154).

(2)

أخرجه أبو داود (2701)، والطَّبراني في الأوسط (5301)، وابن حبان (4825)، والبيهقيُّ في الكبرى (17995)، من طرق عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه البيهقي في الكبرى (17995)، عن عثمان بن الحكم الجُذَامِيّ، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع مرسلاً: أن جيشًا غنموا

فذكره، وصحَّحه موصولاً: أبو داود وابن حبَّان وابن الملقِّن والأَلباني، ورجَّح الدَّارقطنيُّ إرسَاله، وقال:(وهو أشبه). ينظر: علل الدارقطني 12/ 327، البدر المنير 9/ 135، التلخيص الحبير 4/ 208.

(3)

في (أ): إذا يحمل.

(4)

في (ح): شيء.

(5)

في (ح): فهذا.

(6)

في (ب) و (ح): ما لم يجوزه.

(7)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 115.

(8)

في (ح): واختاره. والمثبت موافق لما في المحرر 2/ 178.

(9)

في (ح): البقاقين.

ص: 501

الثَّاني: يَدخُل في كلامه الدُّهن؛ لأِنَّه طعامٌ كالبُرِّ، وله لحاجةٍ دهن بدنه ودابَّته، وشِرْب شراب، ونقل أبو داود: دهنه بزيتٍ للتَّزيُّن لا يعجبني

(1)

.

الثَّالث: ليس له غسل ثوبه بالصَّابون؛ لأِنَّه ليس بطعامٍ، فإن فعل؛ ردَّ قيمته في المغنم

(2)

.

(وَلَيْسَ لَه بَيْعُهُ)؛ لأنه لم يُنقل؛ لعدم الحاجة إليه، بخلاف المأكل.

(فَإِنْ بَاعَهُ؛ رَدَّ ثَمَنَهُ فِي المَغْنَمِ)؛ قاله أكثر الأصحاب؛ لما روى سعيدٌ: أنَّ صاحب جيش الشَّام كتب إليه عمر: «من باع منهم شيئًا بذهبٍ أو فضَّةٍ؛ ففيه خُمُس الله، وسهام المسلمين»

(3)

.

وظاهره: أنَّ البيع صحيحٌ؛ لأنَّ المنع منه إنَّما كان لأجل حق

(4)

الغانمين، وفي ردِّ الثَّمن تحصيل

(5)

لذلك، ولأنَّ له

(6)

فيه حقًّا، فصحَّ بيعُه، كما لو تحجَّر مواتًا.

وفرَّق القاضي والمؤلِّف في «الكافي» : إن باعه لغير غازٍ؛ فهو باطلٌ؛ كبيعه الغنيمة بغير إِذْنٍ، فيرد المبيع إن كان باقيًا، أو قيمته أو ثمنه إن كان

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 324.

(2)

في (ح): المقسم.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (33330)، وسعيد بن منصور (2750)، والبيهقي في الكبرى (18002)، وابن عساكر في تاريخه (60/ 140)، وفيه مقبل بن عبد الله الشامي، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وروى عنه ثلاثة كما في تاريخ ابن عساكر؛ فهو مجهول الحال.

وروي نحوه عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (9299)، وابن أبي شيبة (33332)، والبيهقي في الكبرى (18001)، عن ابن محيريز، عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال:«ما بِيع منه بذهب أو فضة، من طعام أو غيره؛ ففيه خمس الله وسهام المسلمين» ، وإسناده صحيح.

(4)

قوله: (حق) سقط من (ح).

(5)

في (ح): يحصل.

(6)

قوله: (له) سقط من (أ).

ص: 502

تالفًا، وإن باعه لغازٍ

(1)

؛ فلا يخلو: إمَّا أن يبيعه ممَّا يباح له الانتفاعُ به، أو بغيره.

فإن كان الأوَّلُ: فليس بَيعًا في الحقيقة، إنَّما دفع

(2)

إليه مباحًا، وأخذ مثله

(3)

، ويبقى أحقَّ به؛ لثبوت يده عليه، فعلى هذا: لو باع صاعًا بصاعين، وافترقا قبل القبض؛ جاز؛ إذ لا بيع، وإن أقرضه إياه؛ فهو أحقُّ به، فإن وفَّاه أو ردَّه إليه؛ عادت يده كما كانت.

وإن كان الثَّاني: فليس بصحيحٍ، ويصير المشتري أحقَّ به؛ لثبوت يده عليه

(4)

، ولا ثمن

(5)

عليه، ويتعين رده إليه.

وظاهر المتن: أنه لا يلزمه سوى رد الثمن فقط.

وعنه: يلزمه أيضًا قيمة أكله.

(وَإِنْ فَضَلَ مَعَهُ

(6)

مِنْهُ شَيْءٌ، فَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ)، ولم يقيده به الأكثر؛ (رَدَّهُ فِي الغَنِيمَةِ

(7)

؛ أي: إذا كان كثيرًا؛ لأِنَّه إنما أبيح له ما يحتاج إليه، فما بقي تبينَّا أنَّه أخذ أكثر ممَّا يحتاجه، فبقي على أصل التَّحريم.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا؛ فَلَهُ أَكْلُهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، نَصَّ عليها

(8)

في رواية أبي طالبٍ

(9)

في الطَّبخة والطَّبختَين من اللحم، والعليقة والعليقتين من

(1)

في (ح): الغازي.

(2)

في (ح): رفع.

(3)

في (ب) و (ح): بمثله.

(4)

قوله: (فعلى هذا لو باع صاعًا بصاعين

) إلى هنا سقط من (ب) و (ح).

(5)

في (ح): ولا بمن.

(6)

في (ح): بعده.

(7)

في (ح): القيمة.

(8)

في (ب) و (ح): عليه.

(9)

ينظر: زاد المسافر 3/ 121.

ص: 503

الشَّعير: لا بأس به؛ لأنَّ اليسير ممَّا تجري فيه المسامَحة، قال الأوزاعيُّ: (أدركت النَّاسَ بالقديد، فيهديه

(1)

بعضهم لبعضٍ، ولا ينكره أحَدٌ).

والثَّانية: يجب ردُّه، نَصَّ عليها في رواية ابن إبراهيم

(2)

، واختارها الخلاَّل وصاحبه والقاضي وأبو الخطَّاب في «خلافيهما» ، وقدَّمها في «المحرَّر» و «الفروع»؛ لقوله عليه السلام:«أدُّوا الخيط والمِخْيطَ»

(3)

، ولأِنَّه من الغنيمة ولم يقسم، فلم يُبَحْ في دار الإسلام كالكثير.

(وَمَنْ أَخَذَ سِلَاحًا) لهم؛ (فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ)؛ لقول ابن مسعودٍ: «انتهيت إلى أبي جهلٍ، فوقع سيفه من يده، فأخذته فضربته به حتى برَدَ» رواه الأثرم

(4)

، ولأِنَّ الحاجةَ إليه أعظمُ من الطَّعام، وضرر استعماله أقلُّ من ضرر أكل الطَّعام؛ لعدم زوال عينه بالاستعمال، (ثُمَّ يَرُدُّهُ) بعد الحرب؛ لزوال الحاجة.

(وَلَيْسَ لَهُ رُكُوبُ الْفَرَسِ) في الجهاد (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، جزم بها في

(1)

في (ح): فهذبه.

(2)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 115.

(3)

أخرجه النسائي (4138)، وسعيد بن منصور في التفسير (982)، وابن حبان (4855)، والحاكم (4370)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وسنده حسن، فإن سليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض لين، وصحَّحه الضياء المقدسي، وأخرجه أحمد (7029)، وأبو داود (2694)، وسعيد بن منصور (2754)، من طرقٍ عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا نحوه، وصححه الألباني بمجموع طرقه. ينظر: الأحاديث المختارة 8/ 294، الإرواء 5/ 73، صحيح سنن أبي داود 8/ 29.

(4)

أخرجه أحمد (3824)، وابن أبي شيبة (36697)، وأبو داود (2709)، وأبو يعلى الموصلي (5263)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 208)، والشاشي (932)، والحارث في مسنده (686)، والطبراني في الكبير (8471)، والبيهقي في الكبرى (18013)، من طرق عن أبي إسحاق، عن -وفي بعضها: حدثني- أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه. وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا، إلا أن روايته عند جماعة من الأئمة محمولة على الاتصال؛ لكونه أخذ عن كبار أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه. ينظر: شرح علل الترمذي 1/ 544.

ص: 504

«الوجيز» ، وصحَّحها ابن المنجَّى؛ لِما رَوَى رويفع بنُ ثابتٍ الأنصاريُّ مرفوعًا قال:«مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فلا يركب دابَّةً من فَيْء المسلمين حتَّى إذا أعْجَفها ردَّها، ومَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فلا يَلْبَسْ ثوبًا من فَيء المسلمين حتَّى إذا أخْلَقَه ردَّه» رواه سعيدٌ

(1)

، ولأِنَّها تتعرَّض للعطَب غالبًا، وقيمتُها كثيرة

(2)

، بخلاف السِّلاح.

والثَّانية: يجوز، قدَّمها في «المحرَّر» ؛ كالسِّلاح، ونقل المرُّوذِيُّ: لا بأس أن يركب الدَّابَّة من الفَيء، ولا يعجفه

(3)

.

وفي «الفروع» : وفي قتاله بفَرَسٍ وثوبٍ روايتان، ونقل إبراهيم بن الحارث

(4)

: لا يركبه إلاَّ لضرورةٍ أو خوفٍ على نفسه

(5)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور (2722) -وعنه أبو داود (2708) -، وأحمد (16990)، والطبراني (4485)، والبيهقي (18298)، صححه ابن الملقن، وحسَّنه ابن حجر. ينظر: البدر المنير 9/ 137، الإرواء 7/ 213.

(2)

في (ح): كبيرة.

(3)

في (ب): يعجفها. ينظر: زاد المسافر 3/ 118.

(4)

في (ح): الحرب.

(5)

ينظر: زاد المسافر 3/ 118.

ص: 505

(بَابُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ)

الغنائم: جمع غنيمةٍ، ويرادفها

(1)

المغنَم، يقال: غنِم فلان الغنيمة يغنمها

(2)

، واشتقاقها من الغُنم، وأصلها: الربح والفضل.

والأصل فيها: قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ

} [الأنفَال: 41]، وقوله:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّبًا} [الأنفَال: 69].

وقد اشتهر، وصحَّ أنَّه عليه السلام قسَّم الغنائم

(3)

، ولم تكن تَحِلُّ لِمَنْ مضى

(4)

، وكانت في أوَّل الإسلام خاصَّةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ

} [الأنفَال: 1]، ثمَّ صارت أربعةُ أخماسها للغانمين، وخُمسها لغيرهم.

(الغَنِيمَةُ: كُلُّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ المُشْرِكِينَ قَهْرًا بِالْقِتَالِ).

قوله: (كُلُّ مَالٍ)؛ يدخل فيه ما يُتموَّل؛ كالصَّليب، ويُكسَر، ويُقتَل الخنزير، قاله أحمد

(5)

، ونقل أبو داود: يُصَبُّ الخمر، ولا يُكسَر الإناءُ

(6)

.

وأمَّا الكلب؛ فلا يدخل في الغنيمة، ويَخُصُّ الإمامُ به مَنْ شاء.

قوله: (مِنَ المُشْرِكِينَ) أي: المحارِبين.

وقوله: (قَهْرًا بِالقِتَالِ)؛ هذا فصل يخرج به الفيء.

(1)

قوله: (ويرادفها) في (أ): ويراد منها.

(2)

في (أ): الغنيمة تغنمها.

(3)

ثبت ذلك في وقائع كثيرة، منها: ما أخرجه البخاري (4332)، من حديث أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم فتح مكة قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بين قريش، الحديث.

(4)

أخرج البخاري (438)، ومسلم (521)، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا: «أعطيتُ خمسًا لم يعطهن أحد قبلي:

وأحلت لي الغنائم، ولم تحلْ لأحدٍ قبلي» الحديث.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3908.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 329.

ص: 506

(وَإِنْ أُخِذَ مِنْهُمْ مَالُ مُسْلِمٍ)؛ بأن أخذ الكفَّارُ مالَ مسلِمٍ، ثمَّ أخذ المسلمون ذلك منهم قهرًا، (فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ)، وهو المسلم، (قَبْلَ قَسْمِهِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)، بغير شَيءٍ، في قول عامَّة العلماء؛ لما روى ابن عمر: «أنَّ غلامًا له

(1)

أبَق إلى العدوِّ، فظهر عليه المسلمون، فردَّه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إليه، وذهب فرسٌ له، فأخذه المسلمون، فردَّه عليه خالد بن الوليد بعد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم» رواه البخاريُّ

(2)

.

وقال الزُّهريُّ وعمرو بن دينارٍ: لا يُرد

(3)

إليه، وهو للجيش؛ لأنَّ الكفَّار مَلَكُوه باستيلائهم، فصار غنيمةً كسائر أموالهم.

وجوابُه: ما تقدَّم.

وكذا حُكمُ ما

(4)

إذا أُخذ مالُ معاهدٍ، وقلنا: يملكون أموالنا.

فإن كان أمَّ ولدٍ؛ لزم السيِّدَ أخْذُها، لكن بعد القسمة بالثَّمن، ويخيَّر في الباقي.

(وَإِنْ أَدْرَكَهُ) صاحبُه (مَقْسُومًا؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ

(5)

، جزم به في «الوجيز» وغيره؛ لما روى ابن عبَّاسٍ: أنَّ رجلاً وجد بعيرًا له، وكان المشركون أصابوه، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إن أصبته قبل القسمة؛ فهو لك، وإن أصبته بعد ما قُسِم؛ أخذته بالقيمة»

(6)

، وإنَّما امتنع أخذُه له بغير شيءٍ؛ لئلاَّ

(1)

قوله: (له) سقط من (أ).

(2)

أخرجه بنحوه البخاريُّ (3067، 3068).

(3)

في (ب): لا يرده، وفي (ح): لا ترد.

(4)

قوله: (ما) سقط من (أ) و (ح).

(5)

في (ح): ثمنه.

(6)

أخرجه ابن عدي (3/ 109)، والدارقطني (4201)، والبيهقي في الكبرى (18252)، وهو ضعيف جدًّا، قال البيهقي:(هذا الحديث يُعرف بالحسن بن عمارة، عن عبد الملك بن ميسرة، والحسن بن عمارة متروك لا يُحتج به. ورواه أيضًا مسلمة بن علي الخشني عن عبد الملك، وهو أيضًا ضعيف، ورُوي بإسناد آخر مجهول عن عبد الملك، ولا يصح شيءٌ من ذلك).

ص: 507

يُفْضِي إلى ضياع الثمن على المشتري

(1)

وحرمان أخذه من الغنيمة، ولو لم يأخذه؛ لأدَّى إلى ضياع حقِّه، فالرُّجوع بشرط وزن

(2)

القيمة جمْعٌ بين الحَقَّينِ.

(وَعَنْهُ: لَا حَقَّ لَه فِيهِ)، نَصَّ عليه في رواية أبي داودَ، وضعَّف الأوَّلَ، وقال: هو عن مجاهدٍ

(3)

؛ لما روى ابن عمر مرفوعًا: «وإن أدركه بعد ما قُسِم؛ فليس له فيه شَيءٌ»

(4)

، وكتب عمر إلى

(5)

السَّائب: «أيُّما رجلٍ أصاب رقيقه ومتاعه بعينه؛ فهو أحقُّ به، وإن أصابه في أيدي التُّجَّار بعدما قُسِم؛ فلا سبيل إليه» ، وعن سلمان بن ربيعة نحوه، رواهما سعيدٌ

(6)

.

(1)

قوله: (ضياع الثمن على المشتري) سقط من (أ).

(2)

في (ح): وإن.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 326.

(4)

أخرجه الطبراني في الأوسط (8444)، وابن عدي في الكامل (8/ 536)، والبيهقي في الخلافيات (5259)، من طريق سويد، عن ياسين، والدارقطني (4198)، والبيهقي في الخلافيات (5257)، من طريق إسحاق بن عبد الله، كلاهما عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ المصنف، وسويد بن عبد العزيز السلمي، متروك واهٍ، وشيخه ياسين الزَّيات: متروك منكر الحديث، وتابع سويدًا عن الزهري: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك مجمعٌ على ضَعفه. والحديث ضعفه بهذا اللّفظ: ابن عدي والدارقطني والبيهقي والإشبيلي والزيلعي والألباني. ينظر: التاريخ الأوسط (2531)، الكامل لابن عدي 4/ 490، الأحكام الوسطى 3/ 99، تاريخ الإسلام للذهبي 3/ 814، نصب الراية 3/ 435، السلسلة الضعيفة (538).

(5)

قوله: (عمر إلى) رسم في (ح): عالى.

(6)

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور (2803)، عن الشعبي مرسلاً. وأخرجه ابن أبي شيبة (33352)، والدارقطني (4199)، والبيهقي في الكبرى (18255)، عن قبيصة بن ذؤيب عن عمر، قال الدارقطني:(مرسل)، وقال البيهقي:(منقطع؛ قبيصة لم يدرك عمر)، واستدرك عليه ابن التركماني في الجوهر النقي 9/ 112، فقال:(سماعه ممكن)، قال الشافعي:(هذا عن عمر رضي الله عنه مرسل، إنما رُوي عن الشعبي عن عمر رضي الله عنه، وعن رجاء بن حيوة عن عمر، وكلاهما لم يدرك عمر رضي الله عنه ولا قارب ذلك)، وأعله ابن حزم في المحلى 5/ 355 بذلك، وقواه ابن التركماني في الجوهر النقي 9/ 112، بأنه مروي عن عمر من خمسة أوجه، يشد بعضها بعضًا.

وأثر سلمان بن ربيعة رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور (2800)، عن سلمان بن ربيعة قال:«إذا أصاب المشركون شيئًا لأحد من المسلمين، ثم ظهر عليهم، فهو لصاحبه ما لم يقسم، فإذا قُسم؛ فلا حق له فيه» ، وعلقه ابن حزم في المحلى 5/ 354، وضعفه بحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف الحديث.

ص: 508

وكما لو وجده بيد

(1)

المستولي عليه، وقد جاءنا بأمان أو أسلم، ولم يقل أحد

(2)

: إنَّه لصاحبه بعد القسمة بغير شيءٍ؛ لمخالفته الإجماعَ، فإنَّ أهل العصر إذا أجمعوا على قولَين في حكم؛ لم يَجُزْ إحداثُ ثالثٍ، قاله في «الشَّرح» .

وفيه شَيءٌ، فإنَّهم صرَّحوا بأن صاحبه إذا وجده فهو أحقُّ به، ولو بعد القسمة إذا قلنا: إنَّهم لا يملكونها.

(وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ بَعْضُ الرَّعِيَّةِ بِثَمَنٍ؛ فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ بِثَمَنِهِ)؛ كما لو أخذه

(3)

من المغنم بحقِّه، والثَّمن هنا

(4)

كالقيمة هناك.

(وَإِنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ)؛ كهِبَةٍ أو سَرِقةٍ ونحوها؛ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ)؛ لِما روى عمرانُ بن حُصَينٍ: أنَّ قومًا أغاروا على سَرْح النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخذوا ناقتَه وجاريةً من الأنصار، فأقامت عندهم أيَّامًا، ثمَّ خرجت فركبت النَّاقة، ونذرت إن نجَّاها الله عليها لتنحرنَّها، فلمَّا قَدِمت المدينةَ أخَذَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ناقتَه، فأخبرت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بنذرها، فقال: «سبحان الله! بِئْسما جزيتيها،

(1)

في (ب) و (ح): في أيدي.

(2)

في (ح): ولم نقل: أخذ.

(3)

زاد في (ح): وأخذ. والذي في الممتع: واحد.

(4)

في (ح): ههنا.

ص: 509

لا

(1)

وفاء لنذر في معصية الله تعالى، ولا فيما لا يملك العبدُ» رواه مسلمٌ

(2)

، ولأنه لم يحصل في يده بِعِوَضٍ، أشبه ما لو أدركه من الغنيمة قبل القسمة.

وقال القاضي: ما حصل في يده بهبةٍ أو شراءٍ؛ فهو كما لو وجده صاحبه بعد القسمة على الخلاف، وجزم به في «الكافي» ، فلو تصرَّف فيه آخِذه منهم؛ صحَّ تصرُّفه.

(وَيَمْلِكُ الْكُفَّارُ أَمْوَالَ المُسْلِمِينَ بِالْقَهْرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي)، وجزم

(3)

به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّ الاِسْتِيلاءَ سببٌ يَمْلِك به المسلمُ مالَ الكافر، فكذا عكسه؛ كالبيع، وكما

(4)

يملكه بعضهم من بعض، وسواء اعتقدوا تحريمه أو لا، ذكره في «الانتصار» .

ومحله: في غير حبس

(5)

ووقْفٍ، قاله في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لعدم تصور الملك فيهما، فلم يملكا بالاستيلاء؛ كالحرِّ.

وفي أمِّ الولد روايتان: الأصحُّ عند ابن عَقيلٍ: أنَّها كوقْفٍ.

وعنه: يملكونه إن حازوه

(6)

بدارهم

(7)

، نَصَّ عليه فيما بلغ به قبرس: يرد إلى أصحابه، ليس غنيمةً، ولا يؤكل

(8)

؛ لأنَّهم لم يحوزوه

(9)

إلى بلادهم، ولا إلى أرض هم أغلب عليها.

(1)

في (ح): إلا.

(2)

أخرجه مسلمٌ (1641).

(3)

في (أ) و (ب): جزم.

(4)

في (ح): وفيها.

(5)

في (ح): جنس.

(6)

في (ح): جاز وبه.

(7)

في (ح): بدراهم.

(8)

ينظر: مسائل أبي داود ص 325.

(9)

في (ب) و (ح): لم يجوزوه.

ص: 510

والأوَّلُ أَوْلى؛ لأنَّ ما كان سببًا للملك؛ أثبته حيث وُجد

(1)

؛ كالبيع ونحوه.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهَا)، حيث قال: إذا أدركه صاحبه قبل القسمة؛ فهو أحقُّ به

(2)

، واختاره الآجُرِّيُّ وأبو محمَّدٍ الجوزي، ونصره ابن شهابٍ وغيره؛ لقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النِّسَاء: 141]، ولأنَّهم لا يملكون رقيقًا برضانا بالبيع، فهذا أَوْلى، وكأخذ

(3)

مستأْمَنٍ له بدارنا بعَقدٍ فاسدٍ أو غصبٍ، واستدل له بحديث العضباء

(4)

، قال ابن المنجَّى: ولا دلالة فيه؛ لأنَّ غايته أنَّه صلى الله عليه وسلم أخذ ناقته، والمسلم له أخذ ذلك سواءٌ قيل: يملك الكفَّار أموال المسلمين أو لا، ولأنَّه وجدها غير مقسومةٍ، ولا مشتراة.

فعلى هذا: لصاحبه أخذه بغير شيء وإن كان مقسومًا، ومن

(5)

العدو إذا أسلم، ولو أحرزه بدارهم

(6)

، وإن جُهل ربُّه وُقِف؛ كاللقطة.

وفي «التبصرة» : أنَّه أحق بما لم يملكوه بعد القسمة بثمنه؛ لئلاَّ ينتقض

(7)

حكم القاسم.

تذنيب: لا يملك الكفَّارُ ذمِّيًّا؛ كالحرِّ المسلم، ويلزم فداؤه

(8)

، ويرجع المشتري في المنصوص بثمنه بنية الرُّجوع، وفي «المحرَّر»: ما لم ينو التَّبرُّع.

(1)

في (ب) و (ح): وجده.

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 326.

(3)

في (ح): وكمأخذ.

(4)

أخرجه مسلمٌ (1641)، عن عمران بن حصين رضي الله عنه.

(5)

في (ح): وفي.

(6)

في (ب) و (ح): بدراهم.

(7)

في (ح): ينقضي.

(8)

قوله: (فداؤه) سقط من (ح).

ص: 511

فإن اختلفا في قدر ثمنه؛ فوجهان.

واختار الآجُرِّيُّ: لا يرجع، إلاَّ أن يكون عادة الأسرى وأهل الثغر ذلك، فيشتريهم ليخلِّصهم، ويأخذ ما وزن لا زيادة

(1)

، فإنَّه يرجع.

فوائدُ:

منها: إذا اسْتوْلَوْا على مال مسلِمٍ، ثمَّ عاد بعد حوْلٍ أو أحوال؛ فعلى الأوَّل: لا زكاةَ لما مضى قولاً واحدًا، وعلى الثَّاني: فيه روايتان، بناءً على المال المغصوب ونحوه.

ومنها: إذا كان لمسلم أختان أمتان، وأَبَقَتْ إحداهما إلى دار الحرب، واستولوا عليها؛ فله وطء الثَّانية على الأول؛ لأنَّ ملكه قد زال عن أختها، وقياس قول أبي الخطَّاب: لا يجوز حتَّى تحرم الآبِقة بعِتْقٍ أو نحوه.

ومنها: إذا أعتق المسلم عبده الذي استولى عليه الكفار؛ لم يصح على الأولى، بخلاف الثَّانية.

ومنها: إذا سَبَى الكفَّارُ أمةً مزوَّجةً لمسلم، فإنْ قلنا: يملكونها؛ فالقياس: أنَّه ينفسخ النِّكاح؛ لأِنَّهم يملكون رقبتها ومنافعها، فيدخل فيه منفعة بُضْعِها؛ فينفَسِخ كما ينفسخ نكاح الكافرة المسبية، ومنَعَ أبو الخطَّاب من انفساخ النِّكاح بالسَّبْي مطلقًا.

فأما

(2)

الحرَّة؛ فلا ينفَسِخ نكاحُها بالسبي؛ لعدم ملكهم لها به، فلا يملكون بُضْعها.

ومنها: أنَّهم يملكون ما أبَق أو شرد إليهم، وعلى الثَّاني: لصاحبه أخْذُه مجَّانًا.

(1)

قوله: (لا زيادة) في (ح): بزيادة.

(2)

في (أ): وأما.

ص: 512

(وَمَا أُخِذَ مِنْ دَارِ الحَرْبِ مِنْ رِكَازٍ، أَوْ مُبَاحٍ لَهُ قِيمَةٌ؛ فَهُوَ غَنِيمَةٌ)؛ لأِنَّه مالٌ حصل الاِسْتِيلاءُ عليه قهرًا، فكان غنيمةً كسائر أموالهم.

ومحله: ما إذا قدر على الرِّكاز بجماعة المسلمين؛ لأنه حصل بقوَّتهم، بخلاف ما إذا قدر عليه بنفسه، فهو له بعد الخُمس، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» .

وقوله: (مباحٍ له قِيمةٌ) في أرض الحرب؛ كالصُّيود والخشب

(1)

.

وإن

(2)

احتاج إلى أكله والانتفاع به؛ فله ذلك كطعامهم، ولا يردُّه.

فإن كان المباحُ لا قيمة له في أرضهم؛ كالمِسَنِّ

(3)

والأقلام؛ فله أخذه، وهو أحق به، وإن صار له قيمة بعد ذلك.

فرعٌ: إذا وجد لُقطةً في دارهم، فإن كانت للمسلمين؛ فهو كما لو وجدها في دار الإسلام، وإن كانت للمشركين؛ فهي غنيمةٌ، وإن احتمل الأمرَين؛ عرَّفها حولاً في بلد المسلمين، ثمَّ جعلها في الغنيمة، نَصَّ عليه

(4)

.

(وَتُمْلَكُ الْغَنِيمَةُ بِالاِسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا فِي دَارِ الحَرْبِ)؛ لأِنَّها مالٌ مباحٌ، فملكت بالاستيلاء عليها كسائر المباحات، يؤيِّده: أنَّه لا ينفذ عتقهم في رقيقهم الَّذي حصلوا في الغنيمة، ولا يَصِحُّ تصرُّفهم فيه، وأنَّه

(5)

لو أسلم عبد الحربيِّ ولحِقَ بجيش المسلمين؛ صار حرًّا.

وفي «الانتصار» و «عيون المسائل» : باستيلاء تام، لا في فور الهزيمة؛ لِلَبْس الأمر، هل هو حيلةٌ أو ضعفٌ؟ وفي «البلغة» كذلك، وأنَّه ظاهر كلامه.

(1)

في (ح): والمحشب.

(2)

في (ب) و (ح): فإن.

(3)

قال في الصحاح 5/ 2140: (المسن: حجر يحدد به).

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 128.

(5)

في (ب) و (ح): ولأنه.

ص: 513

والمنصوصُ عن أحمد

(1)

، وعليه أكثر الأصحاب: أنَّ مجرَّد الاستيلاء وإزالة أيدي الكفَّار عنها كافٍ، وقال القاضي في

(2)

خلافه: لا يملك بدون اختيار التمليك، وترد

(3)

في الملك قبل القسمة هل هو باقٍ للكفَّار، أو أنَّه انقطع؟

وله فوائد:

منها: جريانه في حول الزَّكاة، فإن كانت الغنيمة أجناسًا

(4)

؛ لم ينعقد عليها حول بدون القسمة، وإن كانت جنسًا واحدًا؛ فوجهان.

ومنها: لو أعتق أحدُ الغانمين رقيقًا من المغنم بعد ثبوت رقِّه، أو كان فيهم من يعتق عليه بالملك؛ عتق إن كان بقدر حقِّه، وإن كان دونه؛ فكمن أعتق شِقْصًا في عبدٍ.

ومنها: لو أسقط الغانِمُ حقَّه منها قبل القسمة، فبعضهم بناه على الخلاف، فإن قلنا: تملَّكوها؛ لم يسقط، وإلاَّ سقط، وجزم جماعةٌ منهم صاحب «التَّرغيب» و «المحرَّر»: أنَّه يسقط

(5)

مطلقًا؛ لضعف الملك، زاد في «الفروع»: ولو مفلِسًا، وفي سفيهٍ وجهان، ويرد على من بقي، وإن أسقط الكلُّ حقَّهم؛ صارت فيئًا.

ومنها: لو شهد أحدُ الغانمين بشيء

(6)

من المغنم قبل القسمة، فإن قلنا: ملكوه؛ لم تقبل، وإلاَّ قُبِلت، ذكره القاضي.

(1)

ينظر: قواعد ابن رجب 3/ 365.

(2)

قوله: (في) سقط من (أ).

(3)

كذا في النسخ الخطية، والصواب:(وتردَّد) كما في قواعد ابن رجب 3/ 365، والإنصاف 10/ 214.

(4)

في (ح): أخماسًا.

(5)

في (ح): سقط.

(6)

في (أ): أن.

ص: 514

وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(1)

: في قبولها نظَرٌ وإن قلنا: لم يملكوا؛ لأِنَّها شهادةٌ تجرُّ نفعًا.

(وَيَجُوزُ قَسْمُهَا

(2)

فِيهَا) في المنصوص

(3)

، وهو قولُ أكثر العلماء؛ لما روى أبو إسحاقَ قال: قلت للأوزاعيِّ: (هل قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من الغنائم في المدينة؟ قال: لا أعلمه)، و «قسم عليه السلام غنائم بني المصطلق على مياههم»

(4)

، و «غنائم حنين بأوطاس»

(5)

، ولأنَّهم ملكوها

(6)

بالاستيلاء، فجاز قسمتها فيها، كما لو أُحرِزت بدار الإسلام، وأنَّه أنفعُ، والإمامُ مخيَّرٌ.

وفي «البلغة» روايةٌ: لا يَصحُّ قسمتها فيها

(7)

؛ لأنَّ الاستيلاءَ التَّامَّ هو إحرازها بدار الإسلام.

فرعٌ: إذا وكَّل الأمير في شراء شيءٍ منها لنفسه، فإن جهل وكيله؛ صحَّ، وإلاَّ حرُم، نَصَّ عليه

(8)

، واحتجَّ: بأنَّ عمر رد ما اشتراه ابن عمر في قصة

(9)

(1)

ينظر: قواعد ابن رجب 3/ 368.

(2)

في (أ) و (ب): قسمتها.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 271.

(4)

يشير المصنف إلى: ما أخرجه البخاري (2541) من حديث ابن عون، قال: كتبتُ إلى نافع، فكتبَ إلي:«إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارُّون، وأنعامهم تُسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبَى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية» ، حدثني به عبد الله بن عمر، وكان في ذلك الجيش. واستنبط منه الشافعي ذلك، فقال:(قسم النبي صلى الله عليه وسلم أموال بني المصطلق وسبْيهم في الموضع الذي غنمها فيه قبل أن يتحوَّل منه، وما حوله كلُّه بلاد شركٍ). ينظر: الأم 4/ 148، البدر المنير 7/ 346.

(5)

أخرجه البخاري (1780، 3066)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(6)

في (ح): تملكوها.

(7)

قوله: (كما لو أحرزت بدار الإسلام وأنه أنفع

) إلى هنا سقط من (ح).

(8)

ينظر: المغني 9/ 286.

(9)

في (ح): قصد.

ص: 515

جلولاء

(1)

؛ للمحاباة.

(وَهِيَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ)؛ لِما رَوَى الشَّافِعيُّ: ثنا الثِّقةُ، عن يحيى بن سعيدٍ القَطَّانِ، عن شُعبةَ، عن قيس بن مسلِمٍ، عن طارق بن شهابٍ: أنَّ عمر قال: «الغنيمةُ لِمَنْ شَهِد الوقْعةَ» ، قال الخطيبُ: قال عليُّ بن الحسين العُكْلِيُّ: الرَّجل الذي لم يسمِّه الشَّافعي؛ أحمدُ بنُ حنبل، ورواه سعيد بن منصور أيضًا

(2)

.

(مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ)، حتَّى مَنْ مُنع منه لدَيْنه

(3)

، أو منعه الأبُ، ومن بعثه

(4)

الأمير لمصلحة؛ كرسولٍ وجاسوسٍ، ومن خلَّفه الأمير في بلاد العدوِّ، ولو

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (33779)، وأبو عبيد في الأموال (638)، وابن زنجويه في الأموال (973)، عن جميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر، قال: شهدت جلولاء، فابتعت من المغنم بأربعين ألفًا، فلما قدمت على عمر قال لي: أرأيت لو عرضت على النار، فقيل لك، افتده، أكنت مفتدي؟ قلت: والله، ما من شيء يؤذيك، إلا كنت مفتديك منه، فقال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا، فقالوا: عبد الله بن عمر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، أنت كذلك، فكان أن يرخصوا عليك بمائة أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم، وإني قاسم مسؤول، وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهمًا، قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف فدفع إليَّ ثمانين ألفًا، وبعث بالبقية إلى سعد بن أبي وقاص، فقال:«اقسمه في الذين شهدوا الوقعة، ومن كان مات منهم فادفعه إلى ورثته» ، ولا بأس بإسناده، جميع بن عمير التيمي صدوق يخطئ، وباقي رجاله ثقات.

(2)

أخرجه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 363)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (17768)، والخطيب في السابق واللاحق (ص 53)، بالإسناد المذكور، وأخرجه ابن الجعد (588)، وسعيد بن منصور (2791)، وابن أبي شيبة (33225)، وابن سعد في الطبقات (3/ 254)، والطحاوي في معاني الآثار (5234)، والطبراني في الكبير (8203)، والبيهقي في الكبرى (17953)، من طرق عن شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب به. وصحح إسناده ابن كثير وابن حجر. ينظر: مسند الفاروق 2/ 473، فتح الباري 6/ 224.

(3)

في (أ): لريبة. والمراد: من مُنع لدين عليه. ينظر: الكشاف 7/ 140.

(4)

في (أ): منعه.

ص: 516

لمرضٍ، وغزا، ولم يمر بهم فرجعوا، نَصَّ عليه

(1)

.

(قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، مِنْ تُجَّارِ الْعَسْكَرِ)، ويدخل فيه: الخيَّاط، والخبَّاز، والبَيطار، ونحوهم، (وَأُجَرَائِهِمُ الذِينَ يَسْتَعِدُّونَ لِلْقِتَالِ) ومعهم السِّلاح، ولأنَّه ردء للمقاتل باستعداده

(2)

أشبه المقاتل.

وظاهره: أنَّهم إذا لم يكونوا مستعدِّين للقتال أنَّه

(3)

لا يسهم لهم؛ إذ لا نفع في حضورهم كالمخذِّل.

وعلم: أنَّه يسهم لأجير الخدمة على الأصحِّ، وقيَّده القاضي وغيره: إذا قصد الجهاد، وحمل المجْد إسهام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لسلمةَ، وكان أجيرًا

(4)

لطلحة، رواه مسلمٌ

(5)

، على أجيرٍ قصد مع الخدمة الجهادَ.

وفي «الموجز» : هل يسهم

(6)

لتجَّار عسكر، وأهل

(7)

سُوقه، ومستأجَرٍ مع جنديٍّ؛ كركابيٍّ وسائسٍ، أم

(8)

يرضخ؟ فيه روايتان.

(فَأَمَّا المَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنِ الْقِتَالِ)؛ أي: لا حقَّ له فيها؛ لأنه ليس من أهل الجهاد كالعبد، وظاهره: أنَّ المرض إذا لم يمنع من القتال كالحُمَّى والصُّداع؛ أنَّه لا يسقط سهمه

(9)

؛ لأنَّه من أهل الجهاد، ويُعين

(10)

برأيه

(1)

ينظر: المغني 9/ 263.

(2)

في (أ): استعداده.

(3)

قوله: (أنه) سقط من (ح).

(4)

في (ح): أميرًا.

(5)

أخرجه مسلمٌ (1807)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

(6)

في (ح): سهم.

(7)

في (ح): لأهل.

(8)

في (أ): أنه.

(9)

في (أ): سهم.

(10)

في (ح): وتعين.

ص: 517

وتكبيره

(1)

ودعائه.

(وَالمُخَذِّلُ وَالمُرْجِفُ)، ولو قاتلا؛ لأنَّ ضررهما أكثر من نفعهما، (وَالْفَرَسُ الضَّعِيفُ الْعَجِيفُ؛ فَلَا

(2)

حَقَّ لَهُ)؛ لأنَّه لا نفع فيه، وظاهره: ولو شهد عليه الوقعةَ، ولأنَّ الإمام يملك منعه، فلم يُسهَم له كالمخذِّل.

وفيه وجهٌ: يُسهَم له كالمريض، والفَرقُ واضِحٌ.

وحُكم الكافر والعبد إذا لم يؤذن لهما، ومنهيٌّ عن حضوره؛ كذلك، والأصحُّ: أو بلا إذنه، ولا يرضخ لهم؛ لأنَّهم عصاةٌ، وكذا من هرب من اثنين، ذكره في «الروضة» ، بخلاف غريم

(3)

.

(وَإِذَا لَحِقَ مَدَدٌ)، هو ما أمددت به قومًا في الحرب، (أَوْ هَرَبَ أَسِيرٌ)، أو أسلم كافِرٌ، أو بلغ صبِيٌّ، أو عتَق عبْدٌ، (فَأَدْرَكُوا الْحَرْبَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا؛ أُسْهِمَ لَهُمْ)؛ لقول عمر

(4)

، ولأنَّهم شاركوا الغانمين في السَّبب، فشاركوهم في الاِسْتِحْقاق، كما لو كان ذلك قبل الحرب، وكذا إذا صار رجلٌ فارِسًا، وعكسه.

وظاهره: أنَّه يُسهَم لهم وإن لم يقاتلوا.

(وَإِنْ جَاؤُوا بَعْدَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ)، قاله الخِرَقِيُّ؛ لأِنَّ به يحصل تمام الاستيلاء، وقال القاضي: يملك الغنيمة بانقضاء الحرب، وإن لم يحرز، جزم به في «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الفروع»؛ لِما روى أبو هريرة: أنَّ أبان بن سعيد بن العاص وأصحابه قدموا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها، فقال أَبَانُ: اقسم لنا يا رسول الله، فقال:«اجْلِسْ يا أَبَانُ» ، ولم

(1)

في (ح): وتكثير.

(2)

في (ح): للضعيف والعجيف ولا.

(3)

في (أ): غيرهم. والمثبت موافق للفروع 10/ 283.

(4)

تقدم تخريجه 4/ 516 حاشية (2).

ص: 518

يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود

(1)

، ولأنَّهم لم يشهدوا الوقعة، كما لو أدركوا بعد

(2)

القسمة، فلو لَحِقَهم عدوٌّ، وقاتل المدَدُ معهم حتى سلَّموا الغنيمة؛ فلا شَيءَ لهم فيها؛ لأنَّهم إنَّما قاتلوا عن أصحابها؛ لأنَّ الغنيمة في أيديهم وحوزهم

(3)

، نقله الميمونيُّ

(4)

.

(وَإِذَا أَرَادَ الْقِسْمَةَ؛ بَدَأَ بِالأَسْلَابِ فَدَفَعَهَا إِلَى أَهْلِهَا)؛ لأِنَّ القاتِلَ يَستحِقُّها غير مخموسةٍ، فإن كان فيها مالٌ لمسلم أو ذِمِّيٍّ؛ دُفِع إليه؛ لأنَّ صاحبه متعيِّنٌ.

(ثُمَّ أَخْرَجَ) من الباقي (أُجْرَةَ الذِينَ جَمَعُوا الغَنِيمَةَ وَحَمَلُوهَا وَحَفِظُوهَا)، قاله جماعةٌ؛ لأِنَّه من مصلحة الغنيمة، وإعطاء جُعْلِ مَنْ دلَّه على مصلحةٍ؛ كطريق ونحوه.

(ثُمَّ يُخَمِّسُ البَاقِيَ)؛ هذه طريقة الأكثر؛ لأنَّه اسْتُحِقَّ بحضور الوقعة، أشبه سهام الغانمين.

وقيل: يقدم الرَّضْخ عليه.

(فَيَقْسِمُ خُمُسَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ)، نَصَّ عليه

(5)

؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا

(1)

أخرجه أبو داود (2723)، وابن الجارود (1088)، والبيهقي في الكبرى (12920)، من طريق إسماعيل بن عيَّاشٍ، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري، أن عنبسة بن سعيد أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، فذكره، وإسناده حسن، من أجل إسماعيل بن عيَّاش، فهو صدوقٌ في روايته عن أهل بلده، وهذه منها، وعلقه البخاري (4238) بصيغة التَّمريض عن محمَّد بن الوليد الزبيديِّ به، وصححه ابن الجارود وابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 7/ 333، تغليق التعليق 4/ 134، التعليقات الحسان 7/ 175.

(2)

في (ب) و (ح): قبل.

(3)

في (ح): حوزها.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 287.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 119، مسائل عبد الله ص 247.

ص: 519

أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ

} الآيةَ [الأنفَال: 41]، ومقتضاها: أن يُقْسَم على ستة

(1)

أسهمٍ، وجوابه: أنَّ سهم الله تعالى ورسوله كالشَّيء الواحد؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التّوبَة: 62]، وأنَّ الجهة جهةُ مصلحةٍ.

(سَهْمٌ لله تَعَالَى)، وذكر اسمه للتبرك

(2)

؛ لأنَّ الدنيا والآخرة له، (وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ)؛ لقوله عليه السلام: «ليس لي من الفَيء إلاَّ الخُمُسَ، وهو مردود عليكم» رواه سعيدٌ

(3)

، ولا يكون مردودًا علينا إلاَّ إذا صُرِف في مصالحنا.

وفي «الانتصار» : هو لمن يلي الخلافة بعده، وقاله طائفةٌ من العلماء؛ لِما روى أبو الطُّفَيل قال: جاءت فاطمةُ إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: فقال أبو بكر: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الله إذا أطعم نبيًّا طُعْمةً؛ فهي للذي يقوم مِنْ بعده، وإنِّي رأيت أن أردَّه على المسلمين» رواه أبو داودَ

(4)

.

وعنه: يُصرَف في أهل الدِّيوان؛ لأنَّه عليه السلام استحقَّه لحصول النُّصرة، فيكون لمن يقوم مقامه فيها.

وعنه: يُصرَف في الخيل والسِّلاح؛ روي

(5)

عن أبي بكرٍ وعمرَ

(6)

.

(1)

في (أ): خمسة.

(2)

في (ح): المتبرك.

(3)

تقدَّم تخريجه 4/ 504 حاشية (3).

(4)

أخرجه أحمد (14)، وأبو داود (2973)، وأبو يعلى (37)، والضِّياء (43، 42)، صحَّح سنده الضِّياء المقدسي، وحسنه الألباني، وقال المنذري:(في إسناده الوليد بن جُميع، وقد أخرج له مسلم، وفيه مقالٌ). ينظر: مختصر سنن أبي داود 2/ 318، الإرواء 5/ 76.

(5)

في (أ) و (ب): وروي.

(6)

أخرجه البخاري (3094)، ومسلم (1757)، من حديث مالك بن أوس بن الحدثان رضي الله عنه مطولاً، وينظر: شرح الزركشي 4/ 598.

ص: 520

وعنه: سقط بموته عليه السلام، ويُردُّ على الأنْصِباء الباقية من الخُمس؛ لأنَّهم شركاؤه.

وقيل: يرد على الغانِمين؛ كالتَّرِكة إذا

(1)

أخرج منها وصيَّةٌ ثمَّ بطلت، فإنَّها تُرَدُّ إلى التَّرِكة.

والصَّحيح: أنَّه باقٍ يُصرَف في مصالح المسلمين، وكان صلى الله عليه وسلم يَصنَع بهذا السَّهم ما شاء، ذكره في «المغني» .

فائدة: كان له عليه السلام من المغنم الصَّفِيُّ، وهو شَيءٌ يختاره منها قبل القسمة؛ كجارية

(2)

وعبدٍ وثَوبٍ وسَيفٍ ونحوه، وانقطع ذلك بموته بغير خلافٍ نعلمه، إلاَّ أبا ثَورٍ، فإنَّه زعم أنَّه

(3)

باقٍ للأئمَّة بعده، ويجعله مجعل سهمه عليه السلام

(4)

.

(وَسَهْمٌ لِذَوِي القُرْبَى)؛ للآية، ولأِنَّه «عليه السلام جعل سهمهم في بني هاشِمٍ وبني المطَّلِب» رواه أبو داودَ بإسنادٍ صحيحٍ

(5)

، وهو ثابِتٌ بعد موته صلى الله عليه وسلم لم يَنقطِع؛ لأِنَّه لم يأتِ ناسخٌ ولا مُغيِّرٌ.

(وَهُمْ: بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمَطَّلِبِ) ابني عبدِ منافٍ؛ لِما روى جُبَير بن مُطْعِمٍ قال: قسم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى بين

(6)

بني هاشِمٍ وبني المطلب، وقال:«إنَّما بنو هاشِمٍ وبنو المطَّلب شَيءٌ واحدٌ» ، وفي رواية: «لم يفارقوا

(1)

قوله: (إذا) سقط من (أ).

(2)

في (ح): الجارية.

(3)

في (أ): بأنه.

(4)

ينظر: التمهيد 20/ 44.

(5)

أخرجه أبو داود (2980)، والنسائي (4137)، والبيهقيُّ في الكبرى (12953)، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، وصحَّحه الحاكم وابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 7/ 317، الإرواء 5/ 78.

(6)

قوله: (ذوي القربى بين) سقط من (ح).

ص: 521

في جاهليَّةٍ ولا إسلامٍ» رواه أحمدُ، والبخاريُّ بمعناه

(1)

، فرَعَى لهم نصرتهم وموافَقَتهم لبني هاشِمٍ.

ولا يَستحِقُّ من كانت أمُّه منهم

(2)

وأبوه من غيرهم؛ لأنَّه عليه السلام لم يدفع إلى أقارب أمِّه من بني زهرة، ولا إلى بني عماته كالزُّبَير.

ويُفرَّق عليهم (حَيْثُ كَانُوا)؛ لأِنَّه يستحق

(3)

بالقرابة، فوجب كونه لهم حَيثُ كانوا، حسب الإمكان كالتَّرِكة، (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، هذا روايةٌ عن أحمد، وهي اختيار الخِرَقِيِّ، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّه مالٌ استُحِقَّ بقرابة الأب، ففُضِّل فيه الذَّكَرُ على الأنثى كالميراث.

وعنه: يُساوى بينهما، وقاله

(4)

طائفةٌ من العلماء؛ لأِنَّهم أُعْطُوا باسم القرابة، فاسْتَوَوْا فيه، كما لو وقف على قرابة فلانٍ.

وأطلق في «المحرَّر» و «الفروع» الخلاف.

ويُسَوَّى بين الصَّغير والكبير بلا خلافٍ.

(غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ)؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَخُصَّ فقراء قرابته، بل أعطى الغنِيَّ كالعبَّاس وغيره

(5)

، مع أنَّ شرط الفقر ينافي ظاهر الآية، ولأِنَّه يؤخذ

(1)

أخرجه البخاريُّ (3502)، عن جبير بن مطعمٍ رضي الله عنه.

ورواية: «لم يفارقوا في جاهليَّةٍ ولا إسلامٍ» ، أخرجها أحمد (16741)، وأبو داود (2980)، والنسائي (4137)، والطبري في تفسيره (11/ 195)، والطبراني في الكبير (1591)، والبيهقي في الكبرى (12953)، وسنده حسن، فيه محمّد بن إسحاق، وهو مدلس وقد عنعن، إلاّ أنه صرح بالتحديث كما عند الطبري والبيهقي، قال ابن حجر -وقد ذكر الحديث مع الزيادة-:(هذا حديث صحيح). ينظر: موافقة الخُبْر الخَبَر 2/ 157.

(2)

في (ح): معهم.

(3)

في (ح): مستحق.

(4)

في (ب) و (ح): قاله.

(5)

لعلّ المصنف رحمه الله تعالى يشير إلى: ما أخرجه البخاري معلّقًا (421)، ووصله أبو نعيم في مستخرجه، والحاكم في مستدركه كما في الفتح (1/ 516)، عن أنس رضي الله عنه: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فقال:«انثروه في المسجد» ، فكان أكثر مال أُتيَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه العبَّاس، فقال: يا رسول الله، أعطني إني فاديتُ نفسي، وفاديت عقيلاً، قال:«خُذ» ، فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقِلُّه فلم يستطعْ، الحديث.

ص: 522

بالقرابة، فاستويا فيه كالميراث.

وقال أبو إسْحاقَ بنُ شَاقْلَا: يَختصُّ بفقرائهم؛ كبقيَّة السهام، قال في «الشَّرح»: ولعل

(1)

النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم منَعَ عثمانَ وجُبَيرًا لمَّا سألاه سهمهما بيسارهما وانتفاء

(2)

فقرهما.

فإن لم يأخذوه؛ صرف في الكُراع والسَّلاح؛ لفعل أبي بكر وعمر

(3)

. وظاهره: لا شَيءَ لمواليهم، وصرَّح به في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّهم ليسوا منهم.

(وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى

(4)

، وهو من لا

(5)

أب له، ولم يبلغ الحُلُمَ؛ لقوله:«لا يُتْمَ بعْدَ احْتِلامٍ»

(6)

، (الْفُقَرَاءِ)، هذا هو الأشهر؛ لأنَّ اسم اليتيم

(7)

في العُرْف

(1)

في (أ) و (ب): ولعله.

(2)

في (ح): وابتغاء.

(3)

تقدم تخريجه 4/ 520 حاشية (6).

(4)

في (ب) و (ح): اليتامى.

(5)

قوله: (لا) سقط من (ح).

(6)

أخرجه أبو داود (2873)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (11309)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعًا. وفي سنده جمع من الضعفاء، منهم خالد بن سعيد بن أبي مريم، قال العقيليُّ-وقد ذكر له هذا الحديث-:(لا يتابع على حديثه). وأخرجه عبد الرزاق (11450)، وابن ماجه (2049)، وابن عدي (2/ 340)، عن عليٍّ مرفوعًا. وفيه جويبر البلخيِّ، وهو متروك الحديث، ومدار الحديث عليه، وقد اختلف عنه، والحديث ضعفه العقيلي وعبد الحق الإشبيلي وابن القطان والمنذري وابن الملقن، وحسن النووي إسناده، ولبعض فقراته شواهدُ أخرى. ينظر: الضعفاء 4/ 428، الأحكام الوسطى 1/ 26، بيان الوهم 3/ 536، رياض الصالحين (1800)، البدر المنير 7/ 320.

(7)

في (أ): اليتم.

ص: 523

للرَّحمة، ومن أُعطي لذلك اعتبرت فيه الحاجةُ، بخلاف القرابة، مع أنَّ المؤلف قال: لا أعلم هذا نصًّا عن أحمد.

وقيل: والغنيِّ أيضًا؛ لعموم الآية.

(وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ)، وهم أهل الحاجة، ويدخل فيهم الفقراء؛ لأنَّهما صنفٌ واحدٌ في غير الزَّكاة.

(وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، مِنَ المُسْلِمِينَ) قَيْد في الكلِّ؛ لأنَّ الخُمُس عطيَّةٌ مِنَ اللهِ، فلم يكن لكافِرٍ فيها حقٌّ كالزَّكاة.

ويعطى هؤلاء ما تقدَّم في الزَّكاة. وفي «الواضح» : يُعطَى كلُّ واحدٍ خمسين درهمًا، أو خمسة دنانير.

وظاهره: أنَّه يعمُّ بسهام من ذُكر جميع البلاد، فيبعث الإمام عُمَّاله

(1)

في الأقاليم.

وصحَّح في «المغني» : أنَّه لا يجب التَّعميم؛ لأنَّه متعذر، فعلى هذا: يفرقه

(2)

كلُّ سلطانٍ فيما أمكن من بلاده.

وفي «الانتصار» : يكفي واحدٌ من الأصناف الثَّلاثة وذوي القربى إن لم يمكنه.

واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: إعطاء الإمام من شاء منهم للمصلحة؛ كزكاة، وأنَّ الخُمُس والفيء واحد يصرف في المصالح

(3)

.

(ثُمَّ يُعْطِي النَّفَلَ)، وهو الزيادة على السهم للمصلحة

(4)

؛ لأنَّه حقٌّ ينفرد به

(1)

في (ح): بحماله.

(2)

في (ح): يصرفه.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 281، الاختيارات ص 453.

(4)

قوله: (كزكاة، وأنَّ الخمس والفيء واحد يصرف في المصالح (ثم يعطى النفل) وهو الزيادة على السهم للمصلحة) سقط من (أ).

ص: 524

بعض الغانمين، فقدِّم

(1)

على القسمة كالأسلاب، (بَعْدَ ذَلِكَ)؛ أي: بعد الخُمُس؛ لِما روى مَعْن بن زائدةَ مرفوعًا: «لا نَفْلَ إلاَّ بعد الخُمس» رواه أبو داودَ

(2)

، ولأنَّه مالٌ استُحِقَّ بالتحريض

(3)

على القتال، فكان من أربعة أخماس الغنيمة.

(وَيُرْضَخُ لِمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ)؛ لأِنَّه استُحِقَّ بحضور الوقعة، فكان بعد الخمس؛ كسهام الغانمين.

وفيه وَجْهٌ: أنَّه من أصل الغنيمة؛ لأِنَّه استُحِقَّ للمعاوَنة في تحصيل الغنيمة، أشبه أجرة الحمل.

وقيل: من سهم المصالح.

(وَهُمُ الْعَبِيدُ)؛ لِما روى عُمَيرٌ مَوْلى آبي اللَّحْم قال: «شهدت خَيبرَ مع سادتي، فكلَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيَّ، فأُخبِر أنِّي مملوكٌ، فأمر لي بشيءٍ من المتاع» رواه أحمد، واحتجَّ به

(4)

، ولأنَّهم ليسوا من أهل وجوب القتال؛ كالصَّبيِّ.

فرع: المدبَّر والمكاتَب؛ كالقِنِّ، ومَن بعضُه حُرٌّ؛ فبحسابه.

(وَالنِّسَاءُ)؛ لما روى ابن عبَّاسٍ قال: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء

(5)

، فيداوين الجرحى، ولم يضرب لهنَّ بسهمٍ

(6)

» رواه مسلمٌ

(7)

.

(1)

في (أ): يقدم.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 484 حاشية (10).

(3)

في (أ): بالتعريض.

(4)

أخرجه أحمد (21940)، وأبو داود (2730)، والترمذيُّ (1557)، وابن ماجه (2855)، والنَّسائي في الكبرى (7493)، وابن أبي شيبة (33206)، والحاكم (1224)، والبيهقي في الكبرى (12914)، قال الترمذيُّ:(حسنٌ صحيحٌ)، وصححه ابن حبَّان والحاكمُ والبيهقي والألباني. ينظر: الإرواء 5/ 68.

(5)

في (أ): بنا.

(6)

في (ح): سهم.

(7)

أخرجه مسلمٌ (1812).

ص: 525

وما روي: «أنَّه أسهم للمرأة»

(1)

، فيحتمل أنَّ الراويَ سمَّى الرضخ: سهمًا، ويحتمل أنَّه أسهم لها في شيء خاصٍّ، لا مطلقًا.

والخنثى كامرأة، ويحتمل أن يقسم له نصف سهم ونصف رضخ، كالميراث، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .

(وَالصِّبْيَانُ)؛ لما روى سعيد بن المسيِّب قال: «كان الصِّبيان يُحذوْن من الغنيمة إذا حضروا الغزو»

(2)

، والمراد: إذا كان مميِّزًا، جزم به في «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الفروع» ، ولأنَّه ليس من أهل القتال كالعبد، وقيل: مراهِقًا.

(وَفِي الكَافِرِ رِوَايَتَانِ):

(إِحْدَاهُمَا: يُرْضَخُ لَهُ)؛ قدَّمها في «المحرَّر» ، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّه ليس من أهل الجهاد، فرُضِخ له كالعبد.

(وَالْأُخْرَى: يُسْهَمُ لَهُ)؛ كمسلمٍ، اختارها الخلاَّلُ والخِرَقِيُّ والقاضي،

(1)

أخرج ابن أبي شيبة (33216)، وأبو داود في المراسيل (279)، من طرقٍ عن مكحولِ الشاميِّ:«أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَسهَم لنساءٍ بخَيبَر سَهمًا سَهمًا» ، وفي رواية ابن أبي شيبة قال:«أَسْهم رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم للنِّساء والصِّبيانِ والخيلِ» ، ومكحول كثير الإرسال، من صغار التَّابعين، ومع ضعف الحديث وإرساله مخالفٌ لما أخرجه مسلم (1812)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنهنَّ كنَّ يُحذَيْنَ من الغَنيمةِ، ولا يُضربُ لهنَّ سَهمٌ من الغَنيمة، وقد تقدَّم تخريجه قبله.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (9452)، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو بكر، عمن أخبره عن ابن المسيب قال: عن ابن المسيب: كان يَحُدُّ العبد والمرأة من غنائم القوم، قال: وأقول قولَ ابن عباس في العبد والمرأة يحضران البأس: «ليس لهما سهم معلوم، إلا أن يُحذَيا من غنائم القوم» ، وإسناده ضعيف، لأجل المجهول.

وقول ابن عباس رضي الله عنهما المذكور، أخرجه مسلم (1812)، فيما أجاب به ابن عباس نجدة الحروري:«إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم، هل يقسم لهما شيء؟ وإنه ليس لهما شيء إلا أن يحذيا» .

ص: 526

وقدَّمها في «الفروع» ، ونَصَرَها في «المغني» و «الشَّرح» ، قال الجُوزَجانِيُّ: هذا مذهب أهل الثُّغور؛ لِما روى الزُّهْريُّ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استعان بناسٍ من اليهود في حربه، فأسهم لهم» رواه سعيدٌ

(1)

، ولأنَّ الكفرَ نقْصٌ في الدِّين، فلم يَمنَع اسْتِحْقاقَ السَّهم؛ كالفسق

(2)

، بخلاف العبد

(3)

، فإن نقصه في دنياه وأحكامه.

وهذا إذا غزا بإذن الإمام، فإن كان بغير إذنه؛ فلا سهم له؛ لأنَّه غير مأمونٍ؛ كالمرجف، ذكره في «الشَّرح» وغيره

(4)

.

(وَلَا يُبْلَغُ بِالرَّضْخِ لِلرَّاجِلِ سَهْمُ رَاجِلٍ، وَلَا لِلْفَارِسِ سَهْمُ فَارِسٍ)؛ لأِنَّ السَّهمَ أكْمَلُ من الرَّضْخ، فلم يُبلَغْ به إليه، كما لا يبلغ بالتَّعزير الحد، ولا بالحُكومة دية العضو.

ويَقْسِمُ الإمامُ الرَّضْخَ على ما يراه من المصلحة، من تفضيلٍ وتسويةٍ، ولا تجب التَّسوية فيه كأهل السهمان

(5)

؛ لأنَّ السَّهمَ منصوصٌ عليه، غير مَوكولٍ إلى اجتهاده، فلم يختلف؛ كالحدود، بخلاف الرضخ.

(فَإِنْ

(6)

تَغَيَّرَ حَالُهُمْ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبِ)؛ بأن بلغ الصَّبيُّ، أو عَتَق العبدُ، أو أسلم الكافر؛ (أُسْهِمَ لَهُمْ)؛ لقول عمرَ

(7)

، ولأِنَّهم شهدوا الوَقْعة وهم من أهل القتال، فأسهم لهم كغيرهم.

(وَإِنْ غَزَا الْعَبْدُ عَلَى فَرَسٍ لِسَيِّدِهِ؛ قُسِمَ لِلْفَرَسِ) سهمان؛ كفرس الحُرِّ؛

(1)

تقدَّم تخريجه 4/ 473 حاشية (7).

(2)

في (أ): كالعتيق.

(3)

في (أ): العهد.

(4)

قوله: (قال الجوزجاني

) إلى هنا سقط من (ح).

(5)

في (أ): السهام.

(6)

في (أ): وإن.

(7)

وهو قول عمر رضي الله عنه: «الغنيمةُ لمن شهد الوقعة» ، كما في الشرح الكبير 10/ 250، وتقدم تخريجه 4/ 516 حاشية (2).

ص: 527

لأِنَّه فرس حضر الوقعة، وقوتل عليه، فأسهم له، كما لو كان السَّيِّدُ راكِبَه، وهذا إن لم يكن مع سيِّده فرسان، (وَرُضِخَ لِلْعَبْدِ)، نَصَّ عليه

(1)

، وهما لمالكهما، ويُعَايَا

(2)

بها

(3)

، فيقال: يستحقُّ السَّهم والرضخ وإن لم يحضر القتال.

فظاهره

(4)

: أنَّ الصَّبي إذا غزا على فرسٍ، أو المرأة، أو الكافر، وقلنا: لا سهم

(5)

له؛ لم يسهم للفرس، بل يرضخ له ولفرسه ما لا يبلغ سهم الفارس، بخلاف المخذِّل والمرجف إذا غزا على فرسٍ؛ فلا شَيءَ له، ولا لفرسه.

(ثُمَّ يُقْسَمُ بَاقِي الْغَنِيمَةِ)؛ لأِنَّه تعالى

(6)

لمَّا جعل لنفسه الخُمس؛ فُهِمَ منه أنَّ أربعة الأخماس للغانمين؛ لأنَّه أضافها إليهم

(7)

، كقوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلْأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النِّسَاء: 11]، فُهِم منه: أنَّ الباقي للأب.

وينبغي أن يقدم

(8)

أربعة الأخماس على قسم الخُمس؛ لأنَّهم حاضِرُون، ولأِنَّ رجوع الغانمين إلى أوطانهم يقف على القسمة، وأهل الخُمس في أوطانهم.

(لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ)، بغير خلافٍ

(9)

، ولأِنَّه لا يحتاج إلى ما

(10)

يحتاج إليه

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3868، مسائل ابن هانئ 2/ 112.

(2)

في (ب): ويعيا.

(3)

في (أ): بهما.

(4)

في (أ): وظاهره.

(5)

قوله: (لا سهم) هو في (أ): أسهم.

(6)

في (أ) و (ح): يقال.

(7)

في (أ): إليه.

(8)

في (ح): تقدم.

(9)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 63.

(10)

في (أ) و (ح): ما لا.

ص: 528

الفارس من الكلفة.

(وِلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ)، في قول جماعةٍ من العلماء؛ لِما روى ابن عمر:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْهَم يوم خيبر للفارس ثلاثةَ أسْهُمٍ: سهمان لفرسه، وسهْمٌ له» متَّفقٌ عليه

(1)

، وقال خالِدٌ الحَذَّاء: «لا يُختَلَف فيه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه أسهم للفرس سهمين، ولصاحبه سهمًا، وللراجل

(2)

سهمًا»

(3)

.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ هَجِينًا)، وهو ما أبوه عربيٌّ وأمُّه غير عربيَّةٍ، وعكسه المُقْرِف

(4)

، (أَوْ بِرْذَوْنًا)، ويسمَّى العتيقَ، قاله في «الفروع» ، وهو ما أبواه نَبَطِيَّان، عكس العربيِّ؛ (فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ)، قال الخلاَّل: تواترت الرِّواية عن أبي عبد الله بذلك

(5)

، واختاره الأكثرُ؛ لِما روى مكحولٌ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أعطى الفرسَ العربيَّ سهمَين، وأعطى الهجين سهمًا» رواه سعيدٌ، وأبو داود في «المراسيل» ، وروي موصولاً عن مكحول، عن زياد بن جارية

(6)

، عن حبيب بن سَلَمة

(7)

مرفوعًا، قال عبد الحقِّ: والمرسل

(8)

أصحُّ

(9)

، ولأنَّ نفع

(1)

أخرجه البخاري (4228)، ومسلم (1762)، وليسَ عند مسلم: أنها كانت في خيبر.

(2)

في (ح): أو للراجل.

(3)

أخرجه الدَّارقطني (4185)، وهو مرسلٌ؛ فإنَّ خالد الحذَّاء من صغار التَّابعين.

(4)

في (ح): المترف.

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 321، مسائل ابن هانئ 2/ 110.

(6)

في (أ) و (ب): حارثة.

(7)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه: مسلمة، كما في مصادر التخريج.

(8)

في (ح): والرسل.

(9)

أخرجه أبو داود في المراسيل (287)، وابن عدي في الكامل (1/ 280)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (12882)، عن مكحول مرسلاً.

وأخرجه مرفوعًا ابن عدي في الكامل (1/ 280)، ومن طريقه البيهقيُّ (17961)، والجرجاني في تاريخه (10)، عن حبيب بن مسلمة مرفوعًا بنحوه. وفي سنده: أحمد بن محمد، الجرجانيُّ، قال ابن عدي:(أحاديثُه ليست بمستقيمةٍ، كأنَّه يَغلط فيها)، وضعفه البيهقي والإشبيليُّ والألباني. ينظر: الكامل لابن عدي 1/ 279، المعرفة للبيهقي 9/ 249، الأحكام الوسطى 3/ 82، الإرواء 5/ 65، السلسلة الضَّعيفة (3860).

ص: 529

العِراب وأثره

(1)

في الحرب أفضلُ، فيكون سهمُه أرجحَ؛ كتفاضُل من يُرضَخ له.

(وَعَنْهُ: لَهُ

(2)

سَهْمَانِ كَالْعَرَبِيِّ)، اختاره الخلاَّلُ؛ لأِنَّه «عليه السلام أسهم للفرس سهمَين، ولصاحبه سهمًا»

(3)

، وهو عامٌّ في كلِّ فرسٍ، ولأنَّه حيَوانٌ ذو سهم، فاستوى فيه العربيُّ وغيرُه؛ كالآدمي.

وعنه: إن أدركت إدراك العراب

(4)

أسهم لها كالعربيِّ، وإلاَّ فلا، اختاره الآجُرِّيُّ.

وعنه: لا يسهم لها، حكاها القاضي، وقاله مالك بن عبد الله الخثعمي

(5)

؛ لأنَّه لا عمَلَ لها عمل العِراب، أشبهت البغال.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّها وإن دخلت في مسمَّى الخيل؛ فهي تتفاضُل في أنفسها، فكذا في سُهمانها، وقوله:«أسهم للفرس سهمَين» ؛ قضية

(6)

عينٍ لا عموم لها، مع أنَّه يحتمل أنَّه كان ليس فيها برذون، وهو الظَّاهر؛ لقلَّتها عند العرب.

(1)

في (ح): وأبوه.

(2)

قوله: (له) سقط من (أ).

(3)

أخرجه بلفظٍ قريبٍ من هذا اللَّفظ البخاريُّ (2863).

(4)

في (ح): العرابي.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور (2777)، عن سليمان بن يسار: أن مالك بن عبد الله الخثعمي كلم في سهمان الهجن، فقال:«لا أسهم له، إنما السهم للفرس العربي» ، إسناده صحيح ورجاله ثقات، ومالك بن عبد الله بن سنان الخثعمي له صحبة كما قال البخاري وغيره. ينظر: الإصابة 5/ 541.

(6)

في (ح): قصة.

ص: 530

(وَلَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ)، نَصَّ عليه

(1)

؛ لِما روى الأوزاعيُّ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يسهم للخيل، وكان لا يسهم للرَّجل فوق

(2)

فرسَين، وإن كان معه عشرة أفْراسٍ»

(3)

، ولأنَّ به حاجة

(4)

إلى الثَّاني، بخلاف الثالث، فإنَّه مستغْنٍ عنه.

وفي «التَّبصرة» : يُسهَم لثلاثةٍ.

(وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ الخَيْلِ)، من البغال، والفِيل، ونحوها؛ لأنَّ غير الخيل لا تلحَق بها في التَّأثير في الحرب، ولا يصلح للكرِّ والفرِّ، فلم تَلْحَق بها في السهم.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَنْ غَزَا عَلَى بَعِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِهِ؛ قُسِمُ لَهُ وَلِبَعِيرِهِ سَهْمَانِ)، نقله الميمونيُّ

(5)

، واختاره ابن البنَّاء.

وظاهره: أنَّه لا يسهم للبعير مع إمكان الغزو على فرسٍ، ولكن نَصَّ في رواية مهنى: أنَّه يسهم للبعير مطلقًا

(6)

، واختاره القاضي وأكثر أصحابه؛ لقوله تعالى:{فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحَشر: 6]، ولأنه حيوانٌ يسابَق عليه بعِوَضٍ، فجاز أن يسهم له، كالخيل.

فعلى هذا: يسهم له سهمٌ واحدٌ، وهو قول الجمهور؛ لأنَّه لا يساوي

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3846، مسائل ابن هانئ 2/ 111، مسائل أبي داود ص 322.

(2)

قوله: (فوق) هو في (أ): أكثر من.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (2774)، حدثنا ابن عياش، عن الأوزاعي مرسلاً. وهو منقطع معضل، قاله ابن حجر، وقال ابن الملقن:(وهو مرسل كما تَرى؛ لكنَّه مرسل جيد، فإنَّه من رواية إسماعيل عن الشَّاميين). ينظر: البدر المنير 7/ 352، التلخيص الحبير 3/ 228، الإرواء 5/ 66.

(4)

في (ح): حاجته.

(5)

ينظر: المحرر 2/ 177.

(6)

ينظر: المحرر 2/ 177.

ص: 531

الخيل قطعًا، فاقتضى أن ينقص

(1)

عنها.

وظاهر كلام بعضهم: أنَّه

(2)

يسهم له كفرسٍ، وبه قطع في «الأحكام السُّلْطانيَّة» .

وشرطه

(3)

: أن يكون ممَّا يمكن القتال عليه، فإن كان ثقيلاً لا يصلح إلاَّ للحمل؛ لم يستحقَّ شيئًا.

وفي «الأحكام السُّلْطانيَّة» : للفِيل سهم الهَجين على اختلاف الرِّواية في قدره، وغلَّطه الزَّرْكَشيُّ.

والصَّحيحُ الأوَّلُ، وحكاه ابن المنذر إجماعًا

(4)

؛ لأنَّه لم يُنقَل أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أسهم لغير الخيل، مع أنَّه كان في غزوة بدرٍ سبعون بعيرًا

(5)

، ولم تَخْلُ غزوةٌ منها، ولو أسهم لها لنُقِل.

فرعٌ: إذا غزا على فرسٍ لهما، هذا عُقْبةٌ وهذا عُقْبةٌ، والسَّهم لهما فلا بأس، نَصَّ عليه

(6)

.

ولو غزا على فرسٍ حبيس؛ استحق سهمه.

(وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الحَرْبِ رَاجِلاً، ثُمَّ مَلَكَ فَرَسًا، أَوِ اسْتَعَارَهُ، أَوِ اسْتَأْجَرَهُ، وَشَهِدَ بِهِ الوَقْعَةَ؛ فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ)؛ لأِنَّ العِبْرةَ باسْتِحْقاق سهم الفرس أن يشهد به الوقْعةَ، لا حالة دخول دار الحرب، ولأِنَّ الفرسَ حيَوانٌ يسهم

(7)

(1)

في (ح): نقض.

(2)

في (ب) و (ح): أن.

(3)

في (أ): وشرط.

(4)

ينظر: الإجماع لابن النذر ص 63.

(5)

أخرجه الواقدي (1/ 25)، عن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه، والواقدي قال ابن حجر عنه في التقريب:(متروك مع سعة علمه)، ونقله ابن كثير عن ابن إسحاق مرسلاً. ينظر: الطبقات لابن سعد 2/ 11، البداية والنهاية 5/ 66.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 286.

(7)

في (ح): كسهم.

ص: 532

له، فاعتُبِر وجودُه حالةَ القتال؛ كالآدَمِيِّ، ولقول عمرَ

(1)

.

وظاهِرُه: أنَّه لا يُشتَرَط ملكُ الفرس، بل يكفي في ذلك ملكُ منفعتها؛ لأِنَّ السَّهمَ لنفع الفرس لا لِذَاتها، بدليل: أنه لا يُسهَم للضَّعيف والزَّمِن ونحوه.

وسهْمُ الفرس في الإجارة للمستأجِر، بغير خلافٍ نعلَمُه

(2)

؛ لأنَّه

(3)

مُستحِقٌّ لنفعه استِحْقاقًا لازِمًا، أشْبَهَ المالك، وكذا هو للمستعير.

وعنه: هو لمالكه؛ لأِنَّه من نمائه

(4)

، أشْبَهَ ولده.

فإن كان المستأْجِرُ والمستعيرُ ممَّن لا يُسهَمُ له؛ إمَّا لكونه لا شَيءَ له كالمخذِّل، أو ممن يرضخ له كالصَّبيِّ؛ فحكمُه حكمُ فرسه، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» .

(وَإِنْ دَخَلَ فَارِسًا، فَنَفَقَ فَرَسُهُ)؛ أي: مات، ولا يُقالُ ذلك لغَيرِها، (أَوْ شَرَدَ حَتَّى تَقَضِّي الْحَرْبِ؛ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ)؛ لِما ذكرْنا.

(وَمَنْ غَصَبَ فَرَسًا

(5)

فَقَاتَلَ عَلَيْهِ؛ فَسَهْمُ الفَرَسِ لمَالِكِهِ)، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأِنَّ استِحْقاقَ سهم الفرس مرتَّبٌ على نفعه، وهو لمالكه.

فإن كان الغاصِبُ ممن

(7)

لا سهم له، إمَّا مطلقًا كالمرجف، أو يرضخ

(8)

(1)

وهو قول عمر رضي الله عنه: «الغنيمةُ لمن شهد الوقعة» ، كما في الشرح الكبير 10/ 266، وتقدم تخريجه 4/ 516 حاشية (2).

(2)

ينظر: المغني 9/ 259.

(3)

في (ح): بأنه.

(4)

في (ح): عليه.

(5)

في (أ): فرسه.

(6)

ينظر: المغني 9/ 259.

(7)

في (أ): مما.

(8)

في (ح): ويرضخ.

ص: 533

له كالعبد؛ احْتَمَل أن يكون حُكمُ الفرس حكمَه؛ لأِنَّ الفرس يتبع

(1)

الفارِسَ في حكمه، فيَتْبَعُه إذا كان مغصوبًا.

واحْتَمَل أن يكون سهمُ الفرس لمالكه؛ لأِنَّ الجِنايةَ من راكبه، فيَختَصُّ المنْعُ به، ذَكَرَه في «الشَّرح» .

(وَإِذَا قَالَ الإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَ الغَانِمِينَ عَلَى بَعْضٍ؛ لَمْ يَجُزْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، جزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه ابنُ المنجَّى في الأولى؛ لأِنَّه عليه السلام والخلفاءَ من بَعْده كانوا يَقْسِمون الغنائمَ

(2)

، ولأِنَّ ذلك يُفْضِي إلى اشتغالهم بالنَّهب عن القتال، وظَفَرِ العدُوِّ بهم، ولأِنَّ الغُزاةَ اشْتَرَكوا في الغنيمة على سبيل التَّسوية، فيجب كسائر الشُّركاء، وحِينَئِذٍ لا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ أخذه.

(وَيَجُوزُ فِي الْأُخْرَى)؛ أمَّا أوَّلاً؛ فلِقَوله عليه السلام يوم بدرٍ: «مَنْ أخَذَ شَيْئًا فهو لَهُ»

(3)

.

ورُدَّ: بأنَّ قضيَّةَ بدْرٍ لمَّا اختلَفوا فيها نُسِختْ بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ

(1)

في (ح): تتبع.

(2)

ممَّا وردَ في ذلك أحاديثُ كثيرة، منها: ما أَخرَجه البخاريُّ (3134) عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثَ سريَّةً فيها عبد الله بن عمر قبلَ نجدٍ، فغَنمُوا إبلاً كثيرةً، فكانتْ سِهامهم اثني عشَر بعيرًا، أو أحد عشر بعيرًا، ونُفِّلوا بَعيرًا بَعيرًا».

وما أخرجه البخاريُّ (4236) من حديث زيد بن أسلَم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه، قال:«لولا آخرُ المسلمينَ ما فُتِحتْ عليهم قَريةٌ إلاَّ قَسَمتُها، كما قسَم النبيُّ صلى الله عليه وسلم خَيبرَ» .

(3)

يشير المصنِّف رحمه الله تعالى إلى: ما أخرجه ابن أبي شيبة (36651)، وأحمد (1539)، والطحاوي في شرح المشكل (4878)، والبيهقي في الكبرى (12819)، عن سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه قال: لما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ بعثنا في ركْب فذكره، وفيه قال:«وكان الفيء إذ ذاك: من أخذَ شيئًا فهو له» ، وسنده ضعيف، فيه مجالد بن سعيد وهو ضعيفٌ عند الجُمهور، والحديث ضعَّفه البيهقيُّ والبوصيري والهيثمي والألباني. ينظر: مجمع الزوائد 6/ 67، إتحاف الخيرة 5/ 189، السِّلسلة الضَّعيفة (2729).

ص: 534

الأَنْفَالِ

} الآيةَ [الأنفَال: 1].

وأمَّا ثانيًا، وهي الأصحُّ: إذا كان التَّفضيلُ لِمعْنًى فيه، فلأنَّه يجوز للإمام أن يُنفِّلَ ويعطي السَّلَب، فجاز له التَّفضيل؛ قياسًا عليهما.

(وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِلْجِهَادِ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ، مِنَ الْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ؛ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ الأُجْرَةُ)، وهو قول القاضي؛ لأنَّ غزوَه بِعِوَضٍ، فكأنه واقِعٌ من غيره، فلا يَستحِقُّ غير ما ذكر.

وظاهِرُه: صحَّةُ إجارتهم، وهو روايةٌ؛ لأِنَّه لا يتعيَّنُ عليهم بحضورهم؛ لأِنَّهم ليسوا من أهله، فصحَّت؛ كغيره من العمل.

والأشهرُ: أنَّها لا تصِحُّ كالصَّلاة.

ومقتضاه: أنَّ من يلزَمُه؛ كالرَّجل الحُرِّ؛ لا يصحُّ استِئْجارُه عليه؛ كالحجِّ.

ونَصَّ في روايةِ جماعةٍ

(1)

: على صِحَّتها مطلَقًا، وهو قول الخِرَقِيِّ؛ لِما روى جُبَيرُ بن نُفَيرٍ مرفوعًا قال: «مثل الذين يَغْزونَ من أُمَّتي ويأخذون الجُعْلَ يتقوَّون به على عدوِّهم؛ مثلُ أمِّ موسى تُرضِع ولدَها، وتأخذ

(2)

أجْرةً» رواه سعيدٌ

(3)

، ولأنَّه لا يَختَصُّ فاعلُه أن يكون من أهل القُربة، بدليل

(4)

صِحَّتِه من الكافر، فصحَّ الاستئجار عليه

(5)

، كبناء المسجد.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3882، مسائل أبي داود ص 323.

(2)

في (ح): ويأخذ.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (2361)، -وعنه أبو داود في المراسيل (332) -، وابن أبي شيبة (19532)، والبيهقي في الكبرى (17840)، من طريق مَعدان بن حُدير الحضرميِّ، عن عبد الرحمن بن جُبير بن نُفير، عن أبيه مرسلاً، ومعدان: لم يوثقه أحدٌ، ولم يروِ عنه غيرُ ابن عيَّاشٍ ومعاوية بن صالح بن حديرٍ، والحديثُ ضعَّفه أبو داود والألباني. ينظر: تهذيب الكمال 28/ 256، السلسلة الضعيفة (4500).

(4)

في (أ): فدل.

(5)

قوله: (عليه) سقط من (أ).

ص: 535

ومُقْتَضى اختيار الشَّيخَينِ: صِحَّةُ الاِسْتِئْجار وإن لَزِمه، إلاَّ أن يتعيَّن عليه فلا يصحُّ، وعليه حَمَلَ المؤلِّفُ كلامَ الخِرَقِيِّ.

فإنْ قُلْنا: لا يَصِحُّ؛ فهي كالمعدومة، فيَستحِقُّ الأجيرُ السَّهمَ، وإنْ قُلْنا بصحَّتها: فهل يُسْهَمُ له؟ وفيه روايتان:

إحداهما، وهي اختِيارُ الخِرَقِيِّ: لا سهم له؛ لقوله عليه السلام لأِجيرِ يَعْلَى بنِ أُميَّةَ: «ما أَجِد له في غزوته هذه في الدُّنيا والآخِرة إلاَّ دنانيره التي سمَّى» رواه أبو داودَ

(1)

.

والثَّانيةُ، وهي اختيار الخَلاَّل وصاحبِه: أنَّه يُسْهَم له؛ لأنَّه حضر الوقْعةَ، وهو من أهل القتال، فيُسهَمُ له كغيره.

تنبيهٌ: إذا اسْتُؤجِر بعد أن غنموا على حفظها؛ فله الأجرةُ مع سهمه، ولا يركب منها دابَّة إلاَّ بِشرطٍ، ومثلُه الغُزاةُ الذين يدفع

(2)

إليهم من الفيء؛ أي: لهم السَّهْمُ؛ لأِنَّ ذلك حقٌّ جعله الله لهم، لا أنَّه

(3)

عِوَضٌ عن الغزو، فكذا من يُعطَى له من صدقةٍ؛ لأِنَّه يعطاه مَعُونَةً، لا عِوَضًا، أو دفع إليه ما يعينه به؛ فله فيه

(4)

الثَّوابُ.

(وَمَنْ مَاتَ)، أو ذهب (بَعْدَ انْقِضَاءِ الحَرْبِ؛ فَسَهْمُهُ لِوَارِثِهِ) على المذهب؛ لأِنَّ الغنيمةَ مُلِكت بالاستيلاء عليها، فكان سهمُه لوارثه؛

(1)

أخرجه أبو داود (2527)، والحاكم (2530)، وعنه البيهقي (12906)، من طريق عبد الله بن الدَّيلمي، أن يعلى بن منية وهو ابن أميَّة رضي الله عنه، قال: وذكره في قصة. وجوَّده العراقي، وصححه الألباني، ورواه خالد بن دُرَيك، عن يعلى بن أميَّة رضي الله عنه عند أحمد (17957)، وفيه انقطاع. ينظر: إتحاف السَّادة المتقين للزَّبيديِّ 10/ 8، السِّلسلة الصَّحيحة 5/ 274.

(2)

في (أ): دفع.

(3)

قوله: (لا أنه) في (ب) و (ح): لأنه.

(4)

قوله: (فله فيه) في (ح): فلزمه.

ص: 536

لقوله عليه السلام: «مَنْ ترك حقًّا فلِوَرثَته»

(1)

. وتقدَّم قولٌ: إنَّها لا تملك إلاَّ بالحيازة، فلو مات قبلَها فلا شَيءَ له؛ لأنَّه مات قبل ثبوت ملك المسلمين عليها

(2)

.

وظاهر ما سبق: أنَّه إذا حصل التَّغيير

(3)

قبل تقضي

(4)

الحرب؛ أنَّه لا شَيءَ له، وهو كذلك بغير خلافٍ في المذهب.

(وَيُشَارِكُ الْجَيْشُ سَرَايَاهُ فِيمَا غَنِمَتْ، وَيُشَارِكُونَهُ فِيمَا غَنِمَ)؛ أيْ: أيُّهما غَنِم شارك الآخر، نَصَّ عليه

(5)

، وهو قول أكثر العلماء؛ لأِنَّه «عليه السلام لمَّا غزا هوازن بعث سريَّةً من الجيش قِبَلَ أوْطاسٍ، فغنِمت، فشارك بينها وبين الجيش»

(6)

، ولأنَّ الجميعَ جَيشٌ واحِدٌ، وكلُّ

(7)

منهما رِدْءٌ لصاحبه، فلم يَختَصَّ بعضُهم بالغنيمة؛ كأحدِ جانِبَي الجيش، وهذه الشَّرِكة بعد النَّفل.

فلو كان الأميرُ مقيمًا ببلد الإسلام، وبعث سريَّةً أو جيشًا؛ انفردت بغنيمتها؛ لانفرادها بالغَزْو، والمقيم ببلد الإسلام ليس بمجاهِدٍ.

(وَإِذَا قُسِمَتِ الْغَنِيمَةُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَتَبَايَعُوهَا، ثُمَّ غَلَبَ علَيْهَا العَدُوُّ؛ فَهِيَ مِنْ مَالِ المُشْتَرِي فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، نقله الجماعةُ

(8)

، و (اخْتَارَها

(9)

(1)

أخرجه البخاريُّ (6731)، ومسلمٌ (1619)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

قوله: (عليها) سقط من (ب) و (ح).

(3)

في (ح): النفير. وفي الشرح الكبير: (وإن أسر أو مات أو قتل قبل تقضي الحرب، فلا شيء له، بغير خلاف في المذهب).

(4)

في (ح): انقضاء.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 107، مسائل ابن منصور 8/ 3925، مسائل عبد الله ص 256.

(6)

أخرجه البخاري (4323)، ومسلم (2498)، من حديث أبي بردة، عن أبيه رضي الله عنه. وبه استدل الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم شارك بينهما. ينظر: سنن البيهقي الكبرى 9/ 87.

(7)

في (أ): وكل واحد.

(8)

ينظر: مسائل عبد الله ص 247، زاد المسافر 3/ 111، الروايتين والوجهين 2/ 386.

(9)

في (ح): واختاره.

ص: 537

الْخَلاَّلُ وَصَاحِبُهُ)، وجزم بها في «الوجيز» ، وهي الأصحُّ؛ لأِنَّه مالٌ مقبوضٌ، أُبِيح لمشتريه التَّصرف فيه، فكان من ضمانه، كما لو اشتراه وأحرزه بدار الإسلام.

(وَالْأُخْرَى: مِنْ مَالِ

(1)

البَائِعِ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ)، لأِنَّه لم يَكمُل قبْضُه؛ لكونه في خطر قهر العدُوِّ، كالثَّمرة المبيعة على رؤوس النَّخل إذا تلفت قبل الجَداد؛ فعليها: ينفسخ البيعُ، ويرد الثمن إلى المشتري من الغنيمة إن باعه الإمام، أو من مال البائع، وإن كان الثمن لم يؤخَذْ

(2)

من المشتري؛ سقط عنه.

ومحلُّه: إذا لم يُفرِّط المشتري، فإن كان لتفريطٍ حصل منه؛ كخروجه من العسكر ونحوه؛ فضمانه عليه، كما لو أتلفه.

وعُلِم منه: أنَّ لكلِّ واحد من الغانمِين بَيعَ ما حصل له بعد القسمة

(3)

، والتصرفَ

(4)

فيه كيف شاء؛ لأنَّ ملكه ثابِتٌ فيه على المنصوص.

وفي «البلغة» روايةٌ: لا تصح قسمتها فيها.

وأمَّا الأمير؛ فيجوز له البَيْعُ قبل القسمة، للغانمين ولغيرهم، إذا رأى المصلحة فيه

(5)

؛ لأِنَّ الولاية ثابتةٌ له عليها.

(وَمَنْ وَطِئَ جَارِيَةً مِنَ المَغْنَمِ، مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، أَوْ لِوَلَدِهِ؛ أُدِّبَ)؛ لأِنَّه وَطْءٌ حرام؛ لكونه

(6)

في ملكٍ مشترَكٍ، (وَلَمْ يُبْلَغْ بِهِ الحَدُّ)؛ لأنَّ له في الغنيمة مِلكًا، أو شبهةَ ملكٍ، فيُدرأ عنه الحدُّ؛ للشبهة، (وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا)؛ لأِنَّها

(1)

في (أ): ضمان.

(2)

في (أ): يوجد.

(3)

في (أ): القسم.

(4)

في (ح): والنظر.

(5)

قوله: (فيه) سقط من (أ).

(6)

قوله: (لكونه) سقط من (أ).

ص: 538

ليست مملوكةً له، أشبه وطْءَ أمَة الغير، وحِينَئِذٍ فيطرح في المقسم

(1)

.

وقال القاضي: يَسقُط عنه من المهر قدر

(2)

حصَّته؛ كالجارية المشترَكة.

ورُدَّ: بأنَّه لمَّا كان مقدارُ حقِّه يَعسُر العلم به، ولا ضَرَرَ عليه بوضع المهر في

(3)

الغنيمة، فيعود إليه حقُّه؛ لم يُعتَبَر الإسقاطُ.

(إِلاَّ أَنْ تَلِدَ مِنْهُ؛ فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا)؛ لأِنَّه فوَّتها على الغانمين؛ فلزمته

(4)

قيمتُها؛ كما لو أتلفها، وحينئِذٍ تطرح في الغنيمة، فإن كان معسِرًا كانت في ذمَّته.

وقال القاضي: يُحسَب قدر حصَّته من الغنيمة، وتصير أمَّ ولَدٍ، وباقيها رقيقٌ للغانمين؛ لأنَّه إنما ثبت

(5)

بالسِّراية إلى ملك غيره، فلم تَسْرِ في حق المعسر؛ كالإعتاق.

وردَّ: بأنَّه استيلادٌ صيَّر بعضها أمَّ ولَدٍ، فيجعل جميعُها كذلك، كاستيلاد جاريةِ ابنه، وهو أقْوَى من العتق؛ لكونه نفلاً، وينفذ

(6)

من المجنون.

وظاهِرُه: أنَّه لا يلزمه قيمةُ الولد؛ لأنَّه مَلَكها حين علقت؛ فلم يثبت للغانمين فيه ملك.

وعنه: يلزمه قيمته حين وَضْعه، تطرح في المغنم؛ لأنه فوَّت رِقَّه، أشبه ولد المغرور.

وقال القاضي: إذا صار نصفها أم ولد؛ يكون

(7)

الولد كلُّه حُرًّا، وعليه

(1)

في (أ): القسم.

(2)

في (أ): بقدر.

(3)

في (ب) و (ح): من.

(4)

في (ح): فلزمه.

(5)

في (ح): أثبت.

(6)

في (ح): ينفذ.

(7)

قوله: (حين وضعه، تطرح في المغنم

) إلى هنا سقط من (أ).

ص: 539

قيمةُ نصفه.

(وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) في الحال؛ لأنَّه وَطْءٌ يلحق به النَّسب؛ لشبهة الملك، كجارية ابنه، (وَالْوَلَدُ حُرٌّ)؛ لأنَّه مِنْ وطء في ملكٍ أو شبهةٍ، (ثَابِتُ النَّسَبِ)؛ لأِنَّه وَطْءٌ سقط فيه الحدُّ لشبهة الملك، فيَلْحَقُ فيه النَّسبُ.

وظاهِرُه: أنَّه لا مهْرَ عليه حينئِذٍ في رواية، وهو مبنِيٌّ على أنَّ المهرَ هل يجب بمجرَّد الإيلاج، أو بالنزع، وهو تمامُه؛ لأنَّه إنما تم وهي ملكٌ له؟ قاله الزَّرْكَشِيٌّ.

(وَمَنْ أَعْتَقَ

(1)

مِنْهُمْ عَبْدًا؛ عَتَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ

(2)

حِصَّتِهِ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ)، وجملتُه: أنَّ الغانم إذا أعتق رقيقًا من المغنم، أو كان فيهم من يَعتِقُ عليه؛ عَتَق كلُّه؛ لأنَّ ملكَه ثبت عليه في شَرِكَةِ الغانمين باستيلائهم عليه، أشبه المملوك بالإرث، فيَعْتِقُ جميعُه إن كان حقه منها لا ينقص، أو بقدر حقه إن نقص، ثمَّ الزَّائد على حقِّه إن كان موسِرًا؛ عتَق عليه وضمِنه، وإلاَّ بقِيَ رقيقًا بحاله على المنصوص

(3)

.

وقال القاضي وابن أبي موسى: لا يَعْتِقُ؛ لأنَّ ملكه لا يتعيَّنُ فيه؛ لجواز أن يحصل له بالقسمة غيرُه.

وفي «المحرَّر» : وعندي إن كانت جنسًا واحدًا، فكالمنصوص، وإن كانت أجناسًا؛ فكقول القاضي؛ لأنَّ المعتق

(4)

في الجنس الواحد يصير كالجزء المشاع، وفي الأجناس لم يتعيَّن حقُّه في شَيءٍ بعينه.

وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّها قبل القسمة حقُّ كلِّ واحدٍ من الغانمين مشاعٌ في كلِّ

(1)

في (أ): عتق.

(2)

في (ح): قدر.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 292.

(4)

في (ح): العتق.

ص: 540

جنسٍ، فالعِتْقُ يصادفه

(1)

، فيعتِقُ عليه، والباقي بالسِّراية. وفي «البلغة»: فيمن يعتق عليه رواياتٌ، الثَّالثة: موقوفٌ، إن تعيَّن سهمه في الرَّقيق عتَقَ، وإلاَّ فلا.

وظاهره: لا فرق في المُعتَق أن يكون رجلاً، أو امرأةً، أو صبِيًّا.

وصرَّح في «المغني» و «الشرح» : بأنَّ الغانم إذا أعتق رجلاً منها؛ لا يعتِقُ؛ لأِنَّه لا يصير رقيقًا بنفس السَّبيِ، وإنَّما يخيَّر فيه الإمامُ، فيحمل الكلامُ على من يصير رقيقًا بنفس

(2)

السبي

(3)

كالنِّساء والصِّبيان.

(وَالْغَالُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ)، وهو مَنْ كَتَم ما غنمه، أو بعضَه، فيجب أن (يُحْرَقَ رَحْلُهُ كُلُّهُ)، قاله

(4)

الحسنُ وجماعةٌ؛ لِمَا رَوَى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرَّقوا متاعَ الغالِّ» رواه أبو داودَ

(5)

، ولحديث عمر بن الخطَّاب:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بذلك» رواه سعيدٌ والأثْرَمُ

(6)

.

(1)

في (أ): فصادفه.

(2)

قوله: (السبي وإنما يخير فيه الإمام

) إلى هنا سقط من (ب) و (ح).

(3)

في (ح): الصبي.

(4)

في (ح): قال.

(5)

أخرجه أبو داود (2715)، وابن الجارود (1082)، والحاكم (2591)، والبيهقي (18211)، كلُّهم من طريق الوليد بن مسلم، حدَّثنا زهير بن محمَّد، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه.

وقد رويَ عن الوليد، عن زهيرٍ، عن عمرو بن شعيب من قوله مُرسلاً كما ذكره أبو داود، وسنده ضعيفٌ، فإنَّ زهير بن محمد العنبري: ثقةٌ يُغرِب ويَأتي بما يُنكر، وخاصَّةً روايةَ أهلِ الشَّام عنه فهي غيرُ مستقيمةٍ كما قال أحمدُ والبخاريُّ، وهذه منها، فالوليد بن مسلمٍ شاميٌّ يدلِّس تدليس التَّسوية، والحديث ضعَّفه البيهقيُّ والإشبيليُّ وابن حجر والألباني، وقال ابن حجر:(وزهير بن محمد ضعيف الحديث، والمحفوظُ عن عمرو بن شعيب قولَه). ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 81، معرفة السنن 13/ 270، الكاشف (1666)، تغليق التعليق 3/ 464، ضعيف سنن أبي داود 2/ 350.

(6)

أخرجه سعيد بن منصور (2729)، وأحمد (144)، وأبو داود (2713)، والترمذي (1461)، والحاكم (2584)، من حديث عمر بن الخطاب مرفوعًا:«من وجدتموه قد غلَّ فاضربوه، وحرقوا متَاعه» ، وفي سنده صالح بن محمد بن زائدة: ضعيفٌ منكر الحديث، وقد ضعَّف حديثَه هذا البخاريُّ وأبو داود والترمذيُّ والدَّارقطنيُّ والبيهقي وغيرُهم، قال البخاريُّ:(عامة أَصحابنا يحتجون بهذا في الغلول، وهذا باطلٌ ليسَ بشيءٍ، وصالح بن محمَّد منكرُ الحديث، تركه سُليمان بن حربٍ)، وقال الدارقطني: (وهذا خطأٌ، لم يتابَع عليه، ولا له أصلٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ينظر: التاريخ الكبير 4/ 291، علل الترمذيِّ الكبير ص 237، الكامل لابن عدي 5/ 90، العلل للدارقطني 2/ 52، السنن الكبرى للبيهقي 9/ 74، تهذيب الكمال 13/ 87، التلخيص الحبير 4/ 210، تغليق التعليق 3/ 464.

ص: 541

واختار جماعةٌ: أنَّ ذلك من باب التَّعزير، لا الحدِّ الواجِبِ، فيَجتهِد الإمامُ بحسب المصلحة، قال في «الفروع»: وهو أظْهرُ.

فعلى ما ذكره: يختصُّ التَّحريق بالمتاع الَّذي غُلَّ، وهو معه، فلو استحدث متاعًا، أو رجع إلى بلده وله فيه متاعٌ؛ لم يُحرَّق.

وكما لو انتقل عنه ببيع أو هبة في الأشهر.

وهذا إذا كان حيًّا، حرًّا، مكلَّفًا، ملتزِمًا، جزم به صاحب «الوجيز» والأدمي البغداديان، ولو أنثى أو ذِمِّيًّا.

وظاهره: أنَّه لا يُنْفَى، نَصَّ عليه

(1)

، بل يُضرَب؛ للخبر

(2)

.

وفي السَّارق: لا يُحرَق متاعُه. وقيل: بلى، جزم به في «التَّبصرة» .

(إِلاَّ السَّلَاحَ)، فإنَّه يحتاج إليه في القتال.

(وَالمُصْحَفَ)؛ لحرمته، وشمل الجِلدَ والكيس، وما هو تابِعٌ له.

وقيل: يباع ويُتَصدَّق بثمنه؛ لقول سالم: «بعه وتصدَّق بثمنه»

(3)

.

والأصحُّ: وكُتُبَ العلم؛ لأنَّه ليس القَصْدُ الإضرارَ به في دينه، بل في بعض دنياه.

(1)

ينظر: زاد المسافر 3/ 152.

(2)

وهو قوله: «إذا وجدتم الرجل قد غلَّ؛ فاحرقوا متاعه واضربوه» ، وتقدم تخريجه قريبًا.

(3)

قوله: (لقول سالم: بعه وتصدَّق بثمنه) سقط من (أ). والأثر تقدم تخريجه 4/ 541 حاشية (6).

ص: 542

(وَالْحَيَوَانَ)؛ «لنَهْيه عليه السلام أنْ يُعذِّبَ بالنَّار إلاَّ ربُّها»

(1)

، وعدم دخولهم

(2)

في مسمَّى المتاع المأمور بإحراقه، وكذا آلتها، نصَّ عليه

(3)

؛ لأنَّه يُحتاج إليها، وكذا نفقته؛ لأنَّه لا تحرق عادةً، وكسهمه وثيابه التي عليه، لئلاَّ يترك

(4)

عُرْيانًا، وقيل: ساتِرُ عورته، جزم به في «الوجيز» .

وظاهِرُه: أنَّه لا يُحرم سهمُه؛ لعدم ذكره في أكثر الرِّوايات.

وعنه: بلى، اختاره الآجُرِّيُّ، ولم يَسْتَثْنِ إلاَّ المصحفَ والدَّابَّة، وأنَّه قول أحمد.

فرعٌ: ما أبْقت النَّارُ من حديدٍ ونحوِه؛ فهو له.

فإذا تاب قبل القِسمة؛ ردَّ ما أخذه في الغنيمة، وبعدها؛ يُعطِي الإمامَ خُمسَه، ويتصدَّق بالباقي، وقال الشَّافِعِيُّ:(لا أعرف للصَّدقة وجهًا)

(5)

.

قال الآجُرِّيُّ: يأتي به الإمامُ فيَقْسِمه في مصالح المسلمين.

ومن ستر على الغالِّ

(6)

، أو أخذ ما أُهْديَ له منها، أو باعه إمامٌ وحاباه

(7)

؛ فهو غالٌّ.

(وَمَا أُخِذَ مِنَ الْفِدْيَةِ)؛ أي: من فدية الأسارى، فهو غنيمةٌ، بغير خلافٍ نعلمه

(8)

؛ لأنَّه «عليه السلام قسم فداء أُسارى بدْرٍ بين الغانمين»

(9)

،

(1)

من ذلك ما أخرجه البخاريُّ (3017)، عن عِكرمةَ: أنَّ عليًّا رضي الله عنه حرَّق قَوْمًا، فبلغَ ابن عبَّاسٍ، فقال: لوْ كُنْتُ أنا لمْ أُحرِقْهُم؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«لا تعذِّبوا بعذَابِ الله» .

(2)

في (ح): دخول.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3914، مسائل عبد الله ص 259، زاد المسافر 3/ 152.

(4)

في (ح): يتركه.

(5)

ينظر: المغني 9/ 308.

(6)

في (أ): غال.

(7)

في (ح): أو حاباه.

(8)

ينظر: الشرح الكبير 10/ 302.

(9)

لم نقف على شيءٍ يدل على ذلك، وقد قسَم بينهم ما غنموه من الكفار، فقد أخرج أحمد (22762)، وابن حبَّان (4855)، والحاكم (3259) عن عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه، قال: فينا يوم بدر نزلت -أي: الأنفال- كان الناس على ثلاث منازل، ثلث يقاتل العدو، وثلث يجمع المتاع، ويأخذ الأسارى، وثلث عند الخيمة، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جمع المتاع اختلفوا فيه»، وفيه:«فقسمه على السواء، لم يكن فيه يومئذ خمس» ، وصحَّحه ابن حبان والحاكم.

ص: 543

ولأِنَّه مال

(1)

حصل بقوَّة الجيش، أشْبَهَ السِّلاحَ.

(أَوْ أَهْدَاهُ الكُفَّارُ)، أوْ واحدٌ منهم (لِأَمِيرِ الْجَيْشِ، أَوْ بَعْضِ قُوَّادِهِ)، جمْعُ قائِدٍ؛ وهو نائبه؛ (فَهُوَ غَنِيمَةٌ)؛ أي: للجيش، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّه فَعَلَ ذلك خَوْفًا من الجيش، فيكون غنيمةً؛ كما لو أخذه بغيرها، وشرطه

(3)

: أن يكون ذلك في دار الحرب.

وعنه: هو للمُهْدَى إليه.

وقيل: فَيْءٌ؛ لأِنَّه مالٌ لم يُوجَفْ عليه بخيل ولا ركابٍ.

فلو كانت بدارنا؛ فهي لمن أُهْديتْ إليه؛ لأِنَّه عليه السلام قَبِلَ هديَّةَ المقوقس

(4)

، واختصَّ بها. وقيل: فَيْءٌ

(5)

.

واقْتَضى ذلك: أنَّ الهديَّة لأحَدِ الرَّعيَّة في دارهم؛ يَخْتَصُّ بها، كما لو أُهْدِيَ إليه إلى دار الإسلام.

وقال القاضي: هو غنيمةٌ، وفي «الشرح» احتِمَالٌ: إن كان بينهما مُهاداةٌ قبل ذلك؛ فهي له، وإلاَّ فهي للمسلمين؛ كهديَّة القاضي، والله أعلم.

(1)

في (ب) و (ح): ما.

(2)

ينظر: المحرر 2/ 177.

(3)

في (ح): وشرط.

(4)

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3123)، والبزَّار (4423)، والطَّحاويُّ في مشكل الآثار (2569)، من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وحسن إسناده ابن حجر، وقال:(وإهداء المقوقس إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وقبوله هديته مشهور عند أهل السِّير والفتوح). ينظر: الإصابة 8/ 311، 362.

(5)

قوله: (وقيل: فَيءٌ) سقط من (أ).

ص: 544

(بَابُ حُكْمِ الْأَرَضِينَ المَغْنُومَةِ)

(وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ):

(أَحَدُهَا: مَا فُتِحَ عَنْوَةً)؛ أي: قهْرًا وغلَبةً، وهو مِنْ عنا يعنو؛ إذا ذلَّ وخَضَعَ، وشَرْعًا:(هِيَ مَا أُجْلِيَ عَنْهَا أَهْلُهَا بِالسَّيْفِ)، وهو نَوْعانِ:

أحدهما: ما استَأْنَف المسلمون فتْحَه عَنْوةً؛ (فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَسْمِهَا) على الغانمين كالمنقول، (وَوَقْفِهَا لِلْمُسْلِمِينَ

(1)

؛ أي: على جميعهم؛ لأنَّ كلًّا

(2)

ورد فيه خبرٌ، فإنَّ «رسول الله صلى الله عليه وسلم قَسَم نصْفَ خَيبَر، وَوَقَفَ نصفَها لنوائبه» رواه أبو داودَ من حديث سهل بن أبِي حثمة

(3)

، «وَوَقَفَ عمرُ الشَّامَ ومصرَ والعراقَ وسائِرَ ما فتحه» ، وأقرَّه الصحابة ومَنْ بعدَهم على ذلك، وعن عمرَ قال: «أمَا والذي نفسي بيده، لولا أنْ أترك

(4)

آخِرَ الناس بَبَّانًا

(5)

-أي

(6)

: لا شيء لهم- ما فُتِحَت عليَّ قريةٌ إلاَّ قَسَمْتُها كما قَسَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خَيبرَ، ولكنِّي أتْرُكُها لهم خزانةً يقتسمونها

(7)

» رواه البخاريُّ

(8)

.

(1)

قوله: (للمسلمين) هو في (أ): على المسلمين.

(2)

في (أ): كُلّما.

(3)

أخرجه أبو داود (3010)، -ومن طريقه البيهقي (12823) -، والطحاوي في مشكل الآثار (5246)، وإسناده صحيح، قاله ابن حجر، وقال:(وروي بمَعناه من طرق أُخرى عن بشير بن يسارٍ مرسلاً، ليس فيه سهل). ينظر: السنن الكبرى 6/ 516، فتح الباري 6/ 203.

(4)

في (ح): أتركه.

(5)

قال أبو عبيد: لا أحسب الكلمة عربية، ولم أسمعها في غير هذا الحديث، وقال أبو سعيد الضرير:(لا نعرف ببانًا في كلام العرب؛ والصحيح عندنا: بيانًا واحدًا، وأصل هذه الكلمة: أن العرب تقول إذا ذكرت من لا يعرف: هذا هيان بن بيان، كما يقال: طامر بن طامر). ينظر: تهذيب اللغة 15/ 242، فتح الباري 7/ 490.

(6)

قوله: (أي) سقط من (ح).

(7)

في (ب) و (ح): يقسمونها.

(8)

أخرجه البخاري (4235).

ص: 545

فيَلزَم الإمامَ فِعْلُ الأصْلَح؛ كالتَّخيير في الأسارى.

فإنْ قَسَمها لم يَحْتَجْ إلى لفظ، ويضرب عليها خَراجًا؛ لأنَّها ملك أربابها، وتصير أرض عُشْرٍ.

وإن وقفَها اعتُبر تلفظه به.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : لا يَحتاج إلى النُّطق به، بل لو تركها للمسلمين جاز

(1)

؛ كالقسمة، وحينئذ:(يَضْرِبُ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا، يُؤْخَذُ) في كلِّ عامٍ؛ لفعل

(2)

عمرَ

(3)

، (مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ)؛ أي: من تقر

(4)

معه من

(5)

مسلِمٍ أو ذِمِّيٍّ؛ كالأجرة، ولا يسقط خراجُها بإسلام أربابها، ولا بانتقالها إلى مسلِمٍ؛ لأنَّه بمنزلة أجرتها.

وفي «المجرد» : أو يُملِّكها لأهلها أو غيرهم بخَراجٍ، فدلَّ كلامهم أنَّه لو ملَّكها بغير خراجٍ، كما فعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في مكة؛ لم يَجُزْ، وقاله أبو عُبَيدٍ؛ لأِنَّها مسجِدٌ لجماعة المسلمين، وهي مَناخُ مَنْ سبق، بخلاف بقيَّة البلدان.

(وَعَنْهُ: تَصِيرُ وَقْفًا

(6)

بِنَفْسِ الاِسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا

(7)

؛ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيدٍ في كتاب «الأمْوال» ، عن الماجشون: قال بِلالٌ لعُمرَ بن الخطَّاب في القرى التي افْتَتَحوها عنوة: «اقْسِمْها بَيْنَنا، وخُذ خُمُسَها» ، فقال عُمَرُ: «لا، ولكنِّي أحبسها

(8)

فيَجْرِي عليهم وعلى المسلمين»، فقال بلال وأصحابه:«اقْسِمْها» ،

(1)

في (ب) و (ح): صار.

(2)

في (ب) و (ح): لقول.

(3)

وهو الأثر الآتي 4/ 547 حاشية (1).

(4)

قوله: (من تقر) هي في (أ): ممن.

(5)

قوله: (من) سقط من (ح).

(6)

قوله: (وعنه: تصير وقفًا) هو في (أ): وتصير وقفًا.

(7)

قوله: (عليها) سقط من (ب) و (ح).

(8)

في (أ): أحبسه.

ص: 546

فقال عمر: «اللَّهُمَّ اكْفِني بِلالاً وذَوِيه» ، فما حالَ الحَولُ ومنهم عَينٌ تَطرُف

(1)

.

قال القاضي: ولم يُنقَلْ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا أحدٍ من الخلفاء أنَّه قَسَمَ أرْضًا أُخِذتْ عَنْوةً، إلاَّ خَيبَرَ، ولأِنَّه أنفعُ لِلْمسلِمين، وتكون أرضَ عُشرٍ.

(وَعَنْهُ: تُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ)؛ لأِنَّه عليه السلام فَعَلَهُ

(2)

، وفِعْلُه أَوْلَى من فِعْلِ غيره، يؤيِّده عمومُ قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ

} الآيةَ [الأنفَال: 41]، فأضاف الغنيمة إليهم من غير تعيينِ جنس المال؛ فدلَّ على التَّسوية بالمنقول.

تنبيهٌ: ما فعلَه الإمامُ من وقف، وقسمة؛ فليس لأحدٍ نقضُه، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» ، ويأتي حكمُ البيع.

(الثَّانِي: مَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا

(3)

خَوْفًا) وفَزَعًا مِنَّا، (فَتَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ عَلَيْهَا)؛ لأِنَّها لَيستْ غنيمةً فتُقْسَم، فيكون حكمُها حُكْمَ الفَيْءِ؛ أيْ: للمسلمين كلِّهم.

(وَعْنْهُ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَنْوَةِ)؛ لأِنَّه مالٌ ظهر عليه المسلمون بقوَّتهم، فلا

(1)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (147)، وابن زنجويه (224)، وابن عساكر في تاريخه (2/ 197)، وهو مرسل. وأخرجه أبو إسحاق الفزاري في كتاب السير كما في الاستخراج لابن رجب (ص 34)، وأحمد في فضائل الصحابة (378)، والبيهقي في الكبرى (18392)، وابن عساكر في تاريخه (2/ 195)، عن جرير بن حازم قال: سمعت نافعًا مولى عبد الله بن عمر يقول: وذكر نحوه. وهذا مرسل كما قال البيهقي. وأخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 36)، عن حبيب بن أبي ثابت نحوه، وهو مرسل أيضًا. وهذه مراسيل يقوي بعضها بعضًا، قال ابن كثير في مسند الفاروق 2/ 487:(هذا أثر مشهور وهو مرسل).

(2)

أخرجه البخاري (2334)، قال عمر رضي الله عنه:«لولا آخر المسلمين، ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها، كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر» .

(3)

قوله: (أهلها) سقط من (ب) و (ح).

ص: 547

يكون وقْفًا بنفس الاِسْتيلاء، كالمنقول، فعلى هذه: تجري فيها الرِّوايات السَّابقة، قاله ابنُ المنَجَّى.

لكن لا يصير وقْفًا إلاَّ بوقْف الإمام لها، صرَّح به الجماعةُ؛ لأِنَّ الوقْفَ لا يَثْبُتُ بنفسه.

فعلى هذا: حكمها قبل وقْف الإمام؛ كالمنقول، يجوز بَيعُها، والمعاوَضة بها، وعلى الأولى يَمْتَنِعُ.

(الثَّالِثُ: مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ):

(أَحَدُهُمَا: أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا، وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، فَهَذِهِ تَصِيرُ وَقْفًا أَيْضًا)؛ لأِنَّه «عليه السلام فَتَحَ خَيبرَ، وصالَح أهلَها أن يُعمِروا أرضها، ولهم نصفُ ثمرتها»

(1)

، فكانت للمسلمين دونَهم، قاله في «الشَّرح» ، وهو شبيهٌ بفِعْل عمر في أرض السَّواد

(2)

، فيكون حكم

(3)

هذه كالتي قبلها، هل تصير وقْفًا بنفس الصُّلْح، أم بِوَقْف الإمام مع الفوائد؟

وهما دار إسلام

(4)

، تجب الجزية ونحوها.

(الثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَهُمْ

(5)

عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ، وَلَنَا الخَرَاجُ عَنْهَا)، فهو صُلْحٌ صحيحٌ لا مُفسِد فيه، (فَهَذِهِ مِلْكٌ لَهُمْ)؛ أي: لأِربابها، وتصير دارَ عَهْدٍ، (خَرَاجُهَا كَالْجِزْيَةِ) التي تُؤخَذُ على رؤوسهم ما دامت بأيديهم.

(إِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ)؛ لأِنَّ الخراجَ الذي ضُرِب عليها إنَّما كان لأجْل كُفْرِهم، فيسقُط بالإسلام كالجزية، وتبقى الأرضُ ملْكًا لهم بغير خراجٍ،

(1)

أخرجه مسلمٌ (1551)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري (4235).

(3)

في (أ) و (ح): حكمة.

(4)

في (ح): دار الإسلام.

(5)

في (أ): نصالحهم.

ص: 548

يتصرفون فيها كيف شاؤوا

(1)

.

(وَإِنِ انْتَقَلَتْ إِلَى مُسْلِمٍ؛ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه قُصِد بوضْعه الصَّغار، فوجب سقوطُه بالإسلام، كالجزية.

فإن صارت لذِمِّيٍّ؛ فوجهان:

أحدُهما، وهو ظاهِرُ كلامِهم: لا يَسْقُط؛ لأِنَّه بالشِّراء رَضِيَ بدُخوله فيما دَخَل عليه البائِعُ، فكأنَّه الْتَزَمَه.

والثَّاني: يَسْقُط؛ لعدم الْتِزامه به.

وعنه: لا يَسقُط خراجها بالإسلام

(2)

ولا غيرِه؛ لأِنَّه حَقٌّ على رقبة الأرض، فهو كالخراج الذي ضَرَبَه عمرُ.

وكذا في «التَّرغيب» ، وذكر فيما صالحناهم على أنَّه لنا، ونُقِرُّه معهم بخراج: لا يسقط خراجه بإسلام، وعنه: بلى؛ كَجِزْيةٍ.

(وَيُقَرُّونَ فِيهَا)؛ أي: في الأرض التي صُولِحُوا على أنَّها لهم، (بِغَيْرِ جِزْيَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ التِي قَبْلَهَا)؛ أيْ: لا يُقَرُّون في الأرض التي صُولِحوا على أنَّها لنا إلاَّ بجِزْيةٍ؛ لأِنَّ الدَّارَ دارُ إسلام، فلا بُدَّ فيها من التِزام الجِزْيةِ.

(وَالمَرْجِعُ فِي الخَرَاجِ وَالجِزْيَةِ إِلَى اجْتِهَادِ الإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ)، قال الخَلاَّلُ: رواه الجماعةُ

(3)

، وعليه مشايِخُنا، لأِنَّه مَصْروفٌ في المصالح، فكان مفوَّضًا إلى اجْتِهاد الإمامِ، (عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ)، فيُضرَب على كلِّ أرض وإنسانٍ ما يُطيقه ويحتمِلُه؛ لأِنَّ ذلك يختلِف.

(1)

في (أ): شاء.

(2)

في (ح): بإسلام.

(3)

ينظر: مسائل صالح 3/ 220، أحكام أهل الملل ص 93.

ص: 549

(وَعَنْهُ: يُرْجَعُ إِلَى مَا ضَرَبَهُ عُمَرُ رضي الله عنه

(1)

، لَا يُزَادُ وَلَا يُنْقَصُ)؛ لأِنَّ اجْتهادَ عمرَ أَوْلَى من قولِ غيره كيف كان

(2)

، ولم يُنكِرْه أحدٌ من الصَّحابة مع شهرته؟! فكان كالإجماع.

(وَعَنْهُ: تَجُوزُ

(3)

الزِّيَادَةُ) في الخَراج (دُونَ النُّقْصَانِ

(4)

؛ لِمَا رَوَى عمرو بن مَيمونٍ: أنَّه سَمِعَ عمرَ يقول لِحُذَيفةَ وعُثمانَ بنِ حُنَيفٍ: «لعلَّكما حمَّلتما الأرضَ ما لا تُطيقُ؟» ، فقال عثمان: «واللهِ لو زِدتَّ عليهم

(1)

أما ما ضربه عمر في الخراج فسيأتي قريبًا 4/ 551.

وأما ما ضربه عمر في الجزية: فأخرجه ابن أبي شيبة (10722)، وأبو عبيد في الأموال (104)، وابن زنجويه (258)، والبلاذري في فتوح البلدان (ص 264)، والبيهقي في الكبرى (18685)، عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي، قال:«وضع عمر بن الخطاب على رؤوس الرجال؛ على الغني ثمانية وأربعين درهمًا، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهمًا، وعلى الفقير اثني عشر درهمًا» ، قال البيهقي:(مرسل)، وتبعه الزيلعي وابن حجر. ينظر: نصب الراية 3/ 447، التلخيص الحبير 4/ 320.

ووصله ابن زنجويه في الأموال (157)، عن أبي عون، عن المغيرة بن شعبة، عن عمر. تفرد بوصله مندل العنزي وهو ضعيف.

وأخرج يحيى بن آدم في الخراج (ص 40)، والحسن بن زياد اللؤلؤي في الخراج كما في الاستخراج لابن رجب (ص 17)، وأبو عبيد في الأموال (103، 151)، وابن المنذر في الأوسط (6422)، وابن زنجويه في الأموال (230)، والبلاذري في فتوح البلدان (ص 262)، من طريق أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن عمر نحوه. وفيه عنعنة أبي إسحاق السبيعي وهو مدلس.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 280)، من طريق أخرى، ورجال إسناده ثقات. وأخرجه أبو يوسف في الخراج من طرق متعددة لا تخلو من مقال، وهو أثر مشهور عن عمر، احتج به أحمد في مسائل ابن منصور 3/ 1019، وفي مسائل صالح والأثرم وأحمد بن القاسم كما في أحكام أهل الملل للخلال ص 91 - 93، وقال في المغني 9/ 335:(لا شك في صحته وشهرته بين الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ولم ينكره منكر).

(2)

قوله: (كان)، سقطت من (ب) و (ح).

(3)

في (ح): يجوز.

(4)

في (ح): النقص.

ص: 550

لأجهدتهم»

(1)

، فدلَّ على إباحة

(2)

الزِّيادة ما لم يُجهِدْهم، ولأِنَّه ناظرٌ في مصالح المسلمين كافَّةً، فجاز فيه دون النُّقصان.

وعنه: جوازُهما في الخَراج دون الجزية، اختارها الخِرَقِيُّ والقاضي، وقال: نقله الجماعةُ

(3)

، وصحَّحه في «المحرَّر» ؛ لأِنَّ الخَراج في معنى الأجرة، بخلاف الجِزْية، فإنَّ المقصودَ منها الإذْلالُ، فهي في معنى العقوبة، فلم تتغير

(4)

كالحدود.

وعنه: جوازُهما فيهما، إلاَّ جِزية أهل اليَمَن، لا تَخرُج عن الدِّينار فيها، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّه «عليه السلام قرَّرها عليهم كذلك»

(5)

.

(قَالَ أَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ) القاسِمُ بنَ سَلاَّمٍ

(6)

: (أَصَحُّ وَأَعْلَى

(7)

حَدِيثٍ فِي أَرْضِ السَّوَادِ حَدِيثُ عمرو بْنِ مَيْمُونٍ؛ يعني: أَنَّ عُمَرَ وَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ

(1)

أخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 48)، ويحيى بن آدم في الخراج (240)، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن ميمون، وإسناده صحيح. وأخرجه ابن الجعد (148)، وابن أبي شيبة (32719)، وأبو عبيد في الأموال (105، 181)، وابن زنجويه (159، 272)، والبيهقي في الكبرى (18684)، من طرق عن شعبة، أخبرني الحكم قال: سمعت عمرو بن ميمون وذكر نحوه. وإسناده صحيح، قال الألباني:(إسناده صحيح على شرطهما)، وقال أحمد وأبو عبيد:(أصح شيء في الخراج عن عمر رضي الله عنه: حديث عمرو بن ميمون هذا). ينظر: الاستخراج ص 81، الإرواء 5/ 102.

(2)

في (ح): أنأخذ.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 381.

(4)

في (ح): فلم يتغير.

(5)

يشير المصنف رحمه الله تعالى إلى حديث معاذ رضي الله عنه مرفوعًا: «خذ من كلِّ حالم دينارًا» ، وهو حديث حسن، أو صحيح، وقد تقدّم تخريجه في أوّل كتاب الزكاة 3/ 225 حاشية (2).

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1029، الأموال لأبي عبيد ص 88، الأحكام السلطانية ص 165.

(7)

في (أ): أعلى وأصح.

ص: 551

دِرْهَمًا وَقَفِيزًا)؛ أيْ: على جَرِيبِ الزَّرْعِ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا من طعامه

(1)

، وعلى جَرِيب النَّخل ثمانيةَ دَراهِمَ، وعلى جَرِيب الكَرْم عشرةَ دَراهِمَ، وعلى جَرِيب الرُّطبة سِتَّةَ دَراهِمَ، هذا هو الذي وَظَّفَه عُمَرُ في أصحِّ الرِّوايات عنه

(2)

.

ورَوَى عنه أبو عُبَيدٍ: «أنَّه بعث عُثْمانَ بن حُنَيفٍ لمساحة

(3)

أرض السَّواد، فضرب على جَرِيب الزَّيْتون اثْنَيْ عشر دِرْهمًا، وعلى جَرِيب الكَرْم عشرةَ دَراهِمَ، وعلى جَرِيب النَّخل ثمانيةَ دَراهِمَ، وعلى جريب الرطبة ستةَ دَراهِمَ، وعلى جَرِيب الحِنْطة أربعةَ دَراهِمَ، وعلى جَرِيب الشَّعير دِرْهَمَينِ»

(4)

.

والرِّواياتُ مختلِفةٌ في ذلك، فالأَخْذُ بالأعلى والأصحِّ أَوْلَى.

(وَقَدْرُ الْقَفِيزِ: ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْمَكِّيِّ)، نَصَّ عليه

(5)

، واختاره القاضِي؛ لأِنَّ الرِّطْلَ العِراقِيَّ لم يكن، وإنَّما كان المكِّيُّ، وهو رِطْلانِ، (فَيَكُونُ: سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلاً) بالعراقي.

وقال أبو بكرٍ: قد قيل: قدْرُه

(6)

ثلاثون رطْلاً.

(1)

وتقدم تخريج حديث عمرو بن ميمون 4/ 551 حاشية (1).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (32714)، من طريق سعيد، عن قتادة، عن أبي مجلز، قال: بعث عمر عثمان بن حنيف على مساحة الأرض قال: «فوضع عثمان على الجريب من الكرم عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم -يعني الرطبة- وعلى جريب البر أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين» ، وأخرجه أبو عبيد في الأموال (172)، ومن طريقه ابن زنجويه (256)، من طريق سعيد أيضًا بنحوه، لكنه قال:«وعلى جريب النخل خمسة دراهم» ، وهذا مرسل، قال أبو زرعة:(حديثه عن عمر مرسل). ينظر: المراسيل لابن أبي حاتم ص 233.

(3)

في (ح): لمساجد.

(4)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (173)، ومن طريقه ابن زنجويه (257)، من طريق مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي به. وهذا مرسل.

(5)

ينظر: الأحكام السلطانية ص 184.

(6)

في: (أ): إن قدره.

ص: 552

وقدَّم في «المحرَّر» : أنَّ القَفيزَ ثمانيةُ أرْطالٍ، صاعُ عمرَ قَفِيزُ الحَجَّاج، نَصَّ عليه

(1)

، وذلك ثمانيةُ أرْطالٍ بالعِراقِيِّ؛ لأِنَّه هو القَفيزُ الذي كان معروفًا بالعِراق، وهو المسمَّى بالقَفِيز الحَجَّاجِيِّ.

وينبَغِي أن يكون من جنس ما تُخرِجُه الأرضُ؛ حِنْطةً أو شعيرًا، ذَكَرَه في «الكافي» و «الشَّرح» .

(وَالْجَرِيبُ: عَشْرُ قَصَبَاتٍ فِي عَشْرِ قَصَبَاتٍ)؛ أي: مائةُ قصبَةٍ مكسَّرةٍ، ومعنى الكَسْر: ضرب

(2)

أحد العدَدَينِ في الآخر، فيَصيرُ أحدُهما كَسْرًا للآخر.

والقَصَبَةُ: هي المقدارُ المعلومُ الذي يمْسَح به المزارِعُ، كالذِّراع للبَزِّ

(3)

، واختير القَصَبُ على غيره؛ لأِنَّه لا يَطُولُ ولا يَقْصُرُ، وهو أخفُّ من الخشب.

(وَالْقَصَبَةُ: سِتَّةُ أَذْرُعٍ) بالذراع العُمَرِيَّة؛ أيْ: بذراع عمر

(4)

، وهو ذراع وَسَطٌ، والمعروف بالذِّراع الهاشِمِيَّة، سمَّاه المنصور به

(5)

.

(وَهُوَ ذِرَاعٌ وَسَطٌ)؛ أيْ: بيد الرجل

(6)

المتوسِّط الطُّول، (وَقَبْضَةٌ، وَإِبْهَامٌ قائمِةٌ)، وهو معروفٌ بين النَّاس.

(وَمَا لَا يَنَالُهُ المَاءُ)؛ أيْ: ماءُ السَّقْي (ممَّا

(7)

لَا يُمْكِنُ زَرْعُهُ؛ فَلَا

(8)

خَرَاجَ عَلَيهِ)؛ لأِنَّ الخَراجَ أُجْرةُ الأرض، وما لا منفعة فيه لا أجرة له.

(1)

ينظر: الأحكام السلطانية ص 184.

(2)

زيد في (ب) و (ح): بعض.

(3)

في (ب) و (ح): اللبن.

(4)

قوله: (عمر) سقط من (أ).

(5)

ينظر: الأحكام السلطانية ص 174.

(6)

قوله: (الرجل) سقط من (ح).

(7)

قوله: (ماء السقي مما) في (ح): ما أسقي ما.

(8)

في (أ): لا.

ص: 553

وعنه: يجب على ما أمكن زرعه بماء السَّماء؛ لأنَّ المطر يربِّي زرعَها في العادة.

قال ابن عَقِيلٍ: وكذا إن

(1)

أمكن سقيُها بالدَّواليب، وإن أمكن

(2)

إحياؤه فلم يفعل، -وقيل: أو زرع ما لا ماء له-؛ فروايتان، وفي «الواضح»: روايتان فيما لا ينتفع به مطلقًا.

والمذهب: أنَّ الخراج لا يجب إلاَّ على ماءٍ له يَسْقي

(3)

وإن لم يزرع.

(فَإِنْ أَمْكَنَ زَرْعُهُ عَامًا بَعْدَ عَامٍ؛ وَجَبَ نِصْفُ خَرَاجِهِ فِي كُلِّ عَامٍ)؛ لأِنَّ نَفْعَ الأرض على النِّصف، فكذا الخراج، لكونه

(4)

في مقابلة النَّفْع، وهو معنى كلامه في «المحرر»: ما زرع عامًا وأُرِيح آخر عادةً، وفي «الترغيب» ك «المحرَّر» ، وفيه: يُؤخَذ خراج

(5)

ما لم يزرع عن

(6)

أقلِّ ما يزرع، وإنَّ البياض بين النَّخل ليس فيه إلاَّ خَراجها.

فإن ظُلِمَ في خراجه؛ لم يَحتَسِبه من العشر؛ لأنَّه ظلمٌ. وعنه: بلى؛ لأِنَّ الآخِذَ لهما واحدٌ، اختاره أبو بكرٍ.

فرعٌ: إذا يَبِس الكرْم بجرادٍ أو غيره؛ سقط من الخراج حسبما

(7)

تعطَّل من النَّفع، وإذا لم يمكن النَّفع به ببيعٍ أو إجارة أو غيرهما

(8)

؛ لم تجز

(9)

(1)

في (ح): إذا.

(2)

قوله: (وإن أمكن) هو في (أ): وأمكن.

(3)

في (ح): إلا على ما سقي. وفي الفروع 10/ 298: إلا على ما له ماء يسقي.

(4)

قوله: (لكونه) سقط من (ب) و (ح).

(5)

في (أ): إخراج.

(6)

في (أ): على.

(7)

في (ح): حسبها.

(8)

في (أ) و (ح): غيرها.

(9)

في (ح): لم يجز.

ص: 554

المطالبَةُ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(1)

.

(وَالْخَرَاجُ) يجب (عَلَى المَالِكِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ)؛ لأِنَّه على الرَّقَبة، وهي للمالك، كفطرة العبد.

وعنه: على المستأجِر؛ كالعشر.

(وَهُوَ كَالدَّيْنِ)، قال أحمد: يؤدِّيه، ثمَّ يزكِّي ما بَقِيَ

(2)

، (يُحْبَسُ بِهِ الْمُوسِرُ)؛ لأِنَّه حقٌّ عليه، أشْبَهَ أجرةَ المساكنِ، (وَيُنْظَرُ بِهِ الْمُعْسِرُ)؛ لِلنَّصِّ

(3)

.

(وَمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَةِ أَرْضِهِ؛ أُجْبِرَ عَلَى إِجَارَتِهَا، أَوْ رَفْعِ يَدِهِ عَنْهَا)، فيَدْفَعُها إلى مَنْ يَعْمُرُها ويقوم بخَراجِها؛ لأِنَّ الأرضَ للمسلمين، فلا يجوز تعطيلُها عليهم، ولأنَّ كلَّ واحدٍ منهما محصِّلٌ للغرض، فلا معنى للتعيين.

وعُلِمَ منه: أنَّه إذا كانت في يده أرضٌ خَراجِيَّةٌ؛ فهو أحقُّ بها بالخراج، كالمستأجِر، وتنتقل

(4)

إلى وَارثِه كذلك، فلو آثَر بها أحدًا؛ صار الثَّاني أحقَّ بها.

وظاهِرُه: أنَّه لا خَراجَ على المسَاكن

(5)

، وجزم به أكثر

(6)

الأصحاب، وإنَّما يجب على المَزارع، وإنَّما كان أحمدُ يمسح دارَه ويخرِج عنها

(7)

؛ لأنَّ أرضَ بغدادَ حين فُتِحت كانت مزارع.

تنبيهٌ: إذا كان بأرض الخراج يومَ وقْفِها شجر؛ فثمرة المستقبل لمن تقر

(1)

ينظر: الفروع 10/ 298، الاختيارات ص 192.

(2)

ينظر: مسائل عبد الله ص 406.

(3)

وهو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} .

(4)

في (ح): وينتقل.

(5)

في (ح): الساكن.

(6)

قوله: (أكثر) سقط من (أ).

(7)

ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 12.

ص: 555

في يده، وفيه عُشْرُ الزَّكاة؛ كالمتجدِّد فيها.

وقيل: هو للمساكين بلا عُشرٍ، جزم به في «التَّرغيب» ، ولعلَّه مبنيٌّ على أنَّ الشَّجر لا يَتْبَعُ الأرضَ في البيع، فكذا هنا، فيبقى ملك المسلمين بلا عُشرٍ؛ لأِنَّه لا يجب على بيت المال.

(وَيَجُوزُ لَهُ)؛ أي: لصاحب الأرض (أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ، وَيُهْدِي لَهُ؛ لِيَرْفَعَ عَنْهُ الظُّلْمَ فِي خَرَاجِهِ)؛ لأِنَّه يَتوصَّل بذلك إلى كفِّ اليد العادية عنه.

فالرِّشْوة: ما أعطاه بعد طَلَبه، والهديَّةُ ابْتِداءً، قاله في «التَّرغيب» .

(وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِيَدَعَ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا)؛ لِمَا فيه من إبطال الحق؛ فحرم

(1)

على الآخِذ والمعطِي؛ كرِشْوة الحاكم.

(وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي إِسْقَاطِ الْخَرَاجِ عَنْ إِنْسَانٍ؛ جَازَ)؛ لأِنَّه متصرِّفٌ بالمصلحة، أشْبَهَ المنَّ على العدوِّ، وفي «المحرَّر» و «الفروع»: للإمام وضعه عمَّن له دفعه إليه.

وظاهِرُه: أنَّ غيرَ الإمام ليس له ذلك، قال

(2)

أحمدُ: لا يَدَعُ خَراجًا، ولو تركه أميرُ المؤمنين كان هذا، فأمَّا مَنْ دونَه فلا.

فرع: مصرف

(3)

الخراج؛ كفيء، وما تركه

(4)

من العشر، أو تركه الخارص؛ تصدَّق بقدره.

(1)

قوله: (فحرم) سقط من (أ).

(2)

في (ح): قاله.

(3)

في (أ): يصرف.

(4)

قوله: (كفيء وما تركه) في (أ): وتركه.

ص: 556

(بَابُ الْفَيْءِ)

أصْلُه: من الرُّجوع، يقال: فاء الظِّلُّ؛ إذا رجع نحو المشرق، وسُمِّيَ المالُ الحاصِلُ على ما يذكره فيئًا؛ لأنَّه رجع من المشركين إليهم.

والأصل فيه قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ

} الآيتين [الحَشر: 6 - 7].

(وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ

(1)

بِغَيْرِ قِتَالٍ)، يُحْتَرَزُ به عن الغنيمة؛ (كَالْجِزْيَةِ، وَالْخَرَاجِ، وَالْعُشُرِ، وَمَا تَرَكُوهُ فَزَعًا) من المسلمين، (وَخُمُسُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، وَمَالُ مَنْ مَاتَ وَلَا

(2)

وَارِثَ لَهُ) من أهل الذِّمَّة، ويَلْحَق به: المرتدُّ إذا هلك.

(فَيُصْرَفُ

(3)

فِي الْمَصَالِحِ)؛ أيْ: مصالحِ المسلمين؛ للآيتين، ولهذا لَمَّا قرأ عمرُ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ

} الآية [الحَشر: 8] قال: «هذه استوعبت

(4)

المسلمين»

(5)

، وقال أيضًا: «ما مِنْ أحدٍ من المسلمين إلاَّ له في هذا المالِ

(1)

في (ب) و (ح): المشركين.

(2)

في (ب) و (ح): لا.

(3)

في (أ): يصرف.

(4)

في (أ): استوعب.

(5)

أخرجه معمر كما في جامعه (20040)، وعبد الرزاق (9772)، وأبو عبيد في الأموال (41)، وابن زنجويه في الأموال (84)، وأبو داود (2966)، والنسائي (4148)، والطبري في التفسير (22/ 516)، والطحاوي في معاني الآثار (5435)، والبيهقي في الكبرى (13003)، من طرق عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر رضي الله عنه في قصة طويلة. بأسانيد صحاح، وحسن الألباني أحد أسانيده في الإرواء (1245)، والقصة نحوها في البخاري (3094)، ومسلم (1757)، من طريق أخرى عن مالك بن أوس، ليس فيها قوله:«هذه استوعبت المسلمين» .

ص: 557

نصيبٌ، إلاَّ العبيدَ»

(1)

، وذكر أحمدُ الفَيءَ، فقال:(فيه حقٌّ لكلِّ المسلمين، وهو بين الغَنيِّ والفقير)

(2)

، ولأِنَّ المصالحَ نفعُها عامٌّ، والحاجةُ داعيةٌ إلى فعلها تحصيلاً لها.

واختار أبو حكيم والشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(3)

: لا حقَّ فيه لرافضةٍ، وذَكَرَه في «الهدي» عن مالكٍ وأحمدَ

(4)

.

وقيل: يَختصُّ بالمقاتِلة؛ لأِنَّه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته؛ لحصول النُّصرة، فلمَّا مات صارت بالجند ومَنْ يَحتاج إليه المسلمون.

(وَيُبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالأَهَمِّ)، من المصالح العامة لأهل الدار الَّتي بها حِفْظُ المسلمين وأمْنُهم من العدوِّ، (مِنْ سَدِّ الثُّغُورِ) بأهل القُوَّة من الرِّجال والسِّلاح، (وَكِفَايَةِ

(5)

أَهْلِهَا)؛ أي: القيام بكفايتهم، (وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ) من غير أهل الثُّغور، (مِمَّنْ

(6)

يَدْفَعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ)؛ لأِنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، ودَفْع الكفار هو المقصود، فلذلك

(7)

قدِّم على غيره.

(ثُمَّ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ سَدِّ الْبُثُوقِ)، جَمْع بَثْقٍ، وهو المكان المنفتح في

(1)

أخرجه الشافعي في الأم (4/ 163)، وابن زنجويه في الأموال (86)، والبيهقي في الكبرى (12978)، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر رضي الله عنه. وإسناده صحيح، قال البيهقي: (هذا هو المعروف عن عمر رضي الله عنه.

وأخرجه عبد الرزاق (7287)، وأبو عبيد في الأموال (525)، وابن زنجويه (761)، ويحيى بن آدم في الخراج (105)، والطبراني في الأوسط (1290)، من طرق أخرى عن عمر رضي الله عنه.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4700، الأحكام السلطانية ص 138.

(3)

ينظر: منهاج السنة 2/ 18.

(4)

ينظر: زاد المعاد 5/ 78.

(5)

في (أ): وإعانة.

(6)

في (أ) و (ح): من.

(7)

في (ح): بذلك.

ص: 558

جانبي النَّهر، (وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ)، أيْ: تعزيلها، (وَعَمَلِ الْقَنَاطِرِ)، وهي الجُسور، (وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ) العلماءِ، (وَغَيْرِ ذَلِكَ)؛ كالفقهاء والأئمَّة والمؤذنين ونحوهم، ممَّا للمسلمين فيه نَفْعٌ، ولأِنَّ ذلك من المصالح العامَّة، أشبه الأوَّلَ.

(وَلَا يُخَمَّسُ) في ظاهر المذهب، وقاله الأكثرُ؛ لأِنَّ الله تعالى أضافه إلى أهل الخُمُس، كما أضاف خُمُس الغنيمة، فإيجاب الخُمُس فيه لأهله دون باقيه مَنْعٌ لِمَا جعله الله تعالى لهم بغير دليلٍ، ولو أُرِيد الخُمُسُ منه لذَكَرَه الله تعالى، كما ذَكَرَه في خُمُس الغنيمة، فلمَّا لم يَذكرْه ظهر إرادةُ الاِسْتِيعاب.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُخَمَّسُ)، هذا رواية

(1)

، واختاره أبو محمد يوسف الجَوْزيُّ؛ لقوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ

(7)} الآية [الحَشر: 7]؛ لأنَّها اقْتضت أن يكون جميعُه لهؤلاء الأصناف، ولا شكَّ أنَّهم أهلُ الخُمُس، والآيةُ السَّابقةُ، وما ورد عن عمر وغيره

(2)

يدلُّ

(3)

على اشتراك جميع المسلمين فيه، فوجب الجمع بينهما للتَّناقُض والتَّعارُض، وفي إيجاب الخُمُس فيه جَمْعٌ بين الأدلَّة، فإنَّ خُمُسَه لِمَنْ ذُكِر، وسائرُه لجميع المسلمين، ولأنَّه مالٌ مظهورٌ عليه، فوجب تخميسه كالغنيمة.

(فَيُصْرَفُ خُمُسُهُ إِلَى أَهْلِ الْخُمُسِ، وَبَاقِيهِ لِلْمَصَالِحِ)؛ لِمَا ذكرْنا، لكن قال القاضي: لم أجِدْ لما

(4)

قال الخرقي نَصًّا فأحكيه، وإنَّما نَصَّ على أنَّه غير مخموسٍ.

(1)

في (ح): رواه.

(2)

وهو ما تقدم تخريجه عن عمر رضي الله عنه 4/ 558 حاشية (1).

(3)

في (ح): تدل.

(4)

في (أ): مما.

ص: 559

قال ابنُ المنذِر: ولا يُحفَظ عن أحدٍ قبْلَ الشَّافِعيِّ

(1)

.

واختار

(2)

الآجري: أن النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

قَسَّمَه خمسةً وعشرين سهْمًا، فله أربعةُ أخْماسٍ، ثُمَّ خُمُس الخُمُس أحدٌ وعشرون سهمًا في المصالح، وبقية خُمُس الخُمُس لأهل الخُمس

(4)

، وذكر ابن الجَوزِيِّ في

(5)

«مسند عمر» : كان ما لم يُوجَفْ عليه ملكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصَّةً

(6)

، واختاره أبو بكرٍ.

(وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ؛ قُسِمَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ)؛ للآية، ولأنَّه

(7)

مالٌ فَضَلَ عن حاجتهم، فقسم بينهم لذلك.

وظاهِرُه: أنَّ الغني كالفقير على المذهب؛ لأنَّه مالٌ استَحَقُّوه بمعنًى

(1)

ينظر: الإشراف 4/ 169.

(2)

في (ح): واختاره.

(3)

قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سقط من (أ).

(4)

هذا -كما قاله ابن حجر في التلخيص (3/ 213) -: استنباط من آية الحشر، ومن حديث مالك الحدثاني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في أموال بني النضير، وقد أخرجه البخاري (2904)، ومسلم (1757).

وأخرج الطبري في التفسير (16095)، والطبراني في الكبير (12660)، عن ابن عباس قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمّس الغنيمةَ، فضربَ ذلك الخمس في خمسة، ثمّ قرأ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}، فجعل سهم الله وسهم الرسول واحدًا، {وَلِذِي الْقُرْبَى}، فجعل هذين السهمين قوةً في الخيل والسِّلاح، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطيه غيرهم، وجعل الأربعة الأسهم الباقية للفرس سهمين، ولراكبه سهم، وللراجل سهم» . وفيه نهشل بن سعيد القرشي، وهو متروك الحديث كذّاب. ينظر: البدر المنير 7/ 312.

(5)

في (أ): من.

(6)

أخرجه البخاري (2904)، ومسلم (1757)، من حديث عمر رضي الله عنه، قال:«كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يُوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، فكان يُنفق على أهله نفقة سنة، وما بقي يَجعله في الكُراع والسلاح، عُدَّةً في سبيل الله» .

(7)

في (أ): وأنه.

ص: 560

مشترَكٍ، فاستَوَوْا فيه كالميراث.

وعنه: يُقدَّم المحتاجُ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين:(هي أصحُّ عنه)

(1)

؛ لقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ} [الحَشر: 8]، ولأنَّ المصلحةَ في حقِّه أعظمُ منها في حقِّ غيره؛ لأنَّه لا يتمكَّنُ من حفظ نفسه من العدوِّ بالعُدَّة، ولا بالهرَب لفقره، بخلاف الغَنِيِّ.

ويُستَثْنَى منه العبيدُ، فإنَّه لا شَيءَ لهم منه، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأِنَّه، مالٌ فلا حظَّ لهم فيه كالبهائم

(3)

.

وأعْطَى الصدِّيقُ العَبِيدَ

(4)

، ذَكَرَه الخَطَّابِيُّ.

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 567.

(2)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 112.

(3)

في (ح): البهائم.

(4)

أخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 53)، وابن أبي شيبة (32868)، وابن سعد في الطبقات (2/ 317)، والبزار (286)، والطحاوي في معاني الآثار (5434)، والبيهقي في الكبرى (12997)، من طرق عن أبي معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن عمر بن عبد الله مولى غفرة، في قصة طويلة، جاء فيها: فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه، واستخلف عمر، فُتحت عليه الفتوح، وجاءهم مال أكثر من ذلك، فقال:«كان لأبي بكر رضي الله عنه في هذا المال رأي ولي رأي آخر، رأى أبو بكر أن يَقسم بالسوية، ورأيت أن أُفضِّل المهاجرين والأنصار، ولا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه، ففضل المهاجرين والأنصار» ، وهذا لفظ الطحاوي. وأخرجه البيهقي في الكبرى (12983)، عن أبي معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وفيه: فقسم بين الناس بالسوية، وفضلت عنده دُريهمات، فخطب الناس فقال:«أيها الناس، إنه فضل من هذا المال دُريهمات، ولكم خدم يعالجون لكم، ويعملون أعمالكم، فإن شئتم رضخنا لهم» ، فقالوا: افعل، فأعطاهم خمسة دراهم لكل إنسان. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 6:(فيه أبو معشر نجيح، ضعيف يعتبر بحديثه)، وهو كما قال، وقد توبع: فأخرج البيهقي في الكبرى (12988)، من طريق يونس بن بكير، عن هشام بن سعد القرشي، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة نحوه. إلا أن مولى غفرة ضعيف الحديث وكثير الإرسال، ولم يدرك زمن أبي بكر. وأخرج أحمد في الزهد (570)، عن إسماعيل بن محمد نحوه مرسلاً. وأخرج ابن سعد في الطبقات (3/ 212)، عن الواقدي، من طرق عن سهل بن أبي حثمة وصبيحة التيمي وجبير بن الحويرث، نحوه أيضًا، والواقدي متروك، والأثر ذكره ابن كثير في مسند الفاروق 2/ 482 ثم قال:(الحديث حسن؛ لأن له شواهد من أحاديث متعددة)، واحتج به الإمام أحمد في رواية المروذي وغيره كما في الأحكام السلطانية ص 240، والخبر مشهور في المغازي والسير.

ص: 561

فرعٌ: ليس لولاة الفَيء أن يستأثِرُوا منه فوق الحاجة كالإقْطاعِ يصرفوه فيما لا حاجةَ إليه، أو إلى من يَهْوَوْنَه، ذَكَرَه الشَّيخُّ تقيُّ الدِّين وغيره

(1)

.

(وَ) يُستحَبُّ أنْ (يَبْدَأَ بِالمُهَاجِرِينَ)، جمع مهاجِرٍ، اسم فاعلٍ من هاجر، بمعنى: هجر، ثمَّ غلب على الخروج من أرضٍ إلى أخرى، وتطلق الهجرة: بأن يترك الرَّجلُ أهلَه ومالَه، وينقطعَ بنفسه إلى مهاجَره، ولا يرجع من ذلك بشيء، وهِجْرةُ الأعراب: وهو أن يدَعَ البادية ويغزو مع المسلمين، وهي دونَ الأوَّل في الأجر، والمراد هنا: أولاد المهاجرين الَّذين هجروا أوطانَهم، وخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم جماعةٌ مخصوصون.

(ثُمَّ الأَنْصَارِ)، وهم الحَيَّان: الأوسُ والخَزْرجُ، وقُدِّموا على غيرهم؛ لسابِقَتِهم وآثارهم الجميلة.

(ثُمَّ سَائِرِ المُسْلِمِينَ)؛ ليَحصُلَ التَّعْميم بالدفع، وصرَّح في «الشَّرْح»: بأنَّ العرب تُقدَّم على العَجم والموالي.

(وَهَلْ يُفَاضَلُ بَيْنَهُمْ) بالسَّابِقة؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

إحداهما: يسوَّى بينهم، وجزم بها في «الوجيز» ، وهي مذهب أبي بكرٍ وعليٍّ رضي الله عنهما؛ لأِنَّ الغنائمَ تُقْسَم بين مَنْ حضر بالسَّويَّة، فكذا الفَيءُ، لكنْ أبو بكرٍ أعْطَى العَبِيدَ، ومَنَعَهُم علِيٌّ

(2)

.

(1)

قوله: (وغيره) سقط من (ب) و (ح). وينظر: الفروع 10/ 360، الاختيارات ص 462.

(2)

تقدم تخريج أثر أبي بكر رضي الله عنه 4/ 561 حاشية (5).

وأما أثر عليٍّ رضي الله عنه: فأخرجه عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة (913)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 300)، والبيهقي في الكبرى (12989)، وابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1113)، وابن عساكر في تاريخه (42/ 476)، عن عاصم بن كليب، عن أبيه: أن عليًّا قسم ما في بيت المال على سبعة أسباع، ثم وجد رغيفًا فكسره سبع كِسر، ثم دعا أمراء الأجناد فأقرع بينهم. وفي لفظ: ثم أقرع بين الناس أيهم يأخذ أول. وإسناده جيد، عاصم وأبوه صدوقان.

ص: 562

والثَّانية: يجوز التَّفاضُلُ بينهم، وهي مذهبُ عمرَ وعثمانَ رضي الله عنهما

(1)

، قال عمر: «لا أجعلُ

(2)

من قاتَل على الإسلام كمن قُوتِل عليه»

(3)

، ولأِنَّه عليه السلام قَسَم النَّفَل بين أهله متفاضِلاً على قدر غَنائِهم

(4)

، وهذا في معناه.

(1)

أثر عمر رضي الله عنه: تقدم تخريجه 4/ 561 حاشية (4)، ومن ذلك: ما أخرج البخاري (4022)، عن قيس: كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف، وقال عمر:«لأفضِّلنَّهم على من بعدهم» ، والأخبار عن عمر في ذلك مستفيضة.

وأما أثر عثمان رضي الله عنه: فلم نقف عليه.

(2)

في (ح): لا جعل.

(3)

تقدم تخريجه ضمن تخريج أثر أبي بكر رضي الله عنه المتقدم 4/ 561 حاشية (4).

(4)

أخرجه أحمد (22762)، وأبو عبيد في الأموال (802)، من حديث عبادة بن الصامت -في قصة قسمة غنائم بدر-:«فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على فُوَاق بين المسلمين» ، وقال:(قوله: «على فُوَاقٍ» هو من التَّفضيل، يقول: جعَل بعضَهم فيه أَفْوَقَ من بعضٍ)، لكن جاء في روايات حديث عبادة رضي الله عنه ما يدلُّ على خلاف ذلك، فقد أخرجه أحمد (22762)، وابن حبَّان (4855)، والحاكم (3259)، من طرقٍ عن أَبي أُمامة، عن عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه، قال: سألتُه عن الأنفالِ؟ قال: «فينا يومَ بدر نَزلتْ، كان النَّاس على ثَلاث منازلَ» ، وفيه:«فلما جُمِع المتَاع اختلفوا فيه .. ، فقسمه على السَّواء، لم يكنْ فيه يومئذ خُمس» ، وصححه ابن حبان والحاكم.

وأخرج أبو داود (2739)، والطحاوي في شرح المعاني (5208)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه:«فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسَّواء» ، وإسناده صحيح كما قاله الألباني.

قال ابن الأثير: («أنه قسم الغنائم يوم بدر عن فُوَاق» أي قسمها في قَدْر فُوَاق ناقة، وهو ما بين الحَلْبَتين من الراحة، وتُضمُّ فاؤُه وتُفتَح). ينظر: النهاية لابن الأثير 3/ 479، عون المعبود 7/ 294، صحيح سنن أبي داود 8/ 75.

ص: 563

وصحَّح في «المغني» و «الشَّرح» : أنَّ ذلك مفوَّضٌ إلى اجتهاد الإمام بحسب

(1)

المصلحة، وقد «فرض عمر لكلِّ واحدٍ من المهاجرين من أهل بدر: خمسةَ آلافٍ، ومن الأنصار: أربعةَ آلافٍ»

(2)

.

والعَطاءُ الواجِبُ لا يكون إلاَّ لبالغ، عاقلٍ، حُرٍّ، بصيرٍ، صحيحٍ، يُطيقُ القتال، فإن حدَث به مرضٌ غير مرجُوِّ الزوال؛ كزَمانةٍ ونحوها؛ فلا حقَّ له في الأصحِّ.

(وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ وَقْتِ الْعَطَاءِ؛ دُفِعَ إِلَى وَرَثَتِهِ حَقُّهُ)؛ لأنَّه مات بعد الاِسْتِحْقاقِ، وانتقل حقُّه إلى ورثتِه؛ كسائر الموْروثات.

(وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَجْنَادِ المُسْلِمِينَ؛ دُفِعَ إِلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ كِفَايَتُهُمْ)؛ لِمَا فيه من تطييب قلوب المجاهِدين، لأِنَّهم إذا عَلِموا أنَّ عيالَهم يُكْفَوْن المؤنة بعد موتهم توفَّروا على الجهاد، بخلاف عَكْسه.

فإن تزوَّجت المرأةُ، أو واحدةٌ من البنات؛ سَقَطَ فَرْضُها؛ لأِنَّها خرجت عن عيالِ الميت.

(فَإِذَا بَلَغَ ذُكُورُهُمْ) وكانوا أهْلاً للقتال، (فَاخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا فِي المُقَاتِلَةِ؛ فُرِضَ لَهُمْ)؛ لأِنَّهم أهلٌ لذلك، ففُرض لهم كآبائهم، وفي «الأحكام السُّلْطانيَّة»: مع الحاجة إليهم.

(وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوا؛ تُرِكُوا)؛ لأِنَّ البالِغَ لا يُجبَرُ على خلاف مراده إلاَّ الواجب عليه، ولا شكَّ أنَّ دخولَهم في دَيوان المقاتِلة ليس بواجبٍ.

(1)

في (أ): بحيث.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (32880)، وأبو عبيد في الأموال (571)، وابن زنجويه (835)، والبيهقي في الكبرى (1998)، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. رجاله ثقات، ومرسل سعيد عن عمر صحيح.

ص: 564

تنبيهٌ: بيتُ المال ملكٌ

(1)

للمسلمين، فيضمنه مُتْلِفُه، ويَحرُم التَّصرُّف فيه إلاَّ بإذن الإمام، ذَكَرَه في «عيون المسائل» و «الانتصار» .

وذكر القاضِي وابنُه: أنَّ المالِكَ غيرُ مُعيَّنٍ.

وفي «المغني» كالأول.

وللإمام تعيينُ مصارِفه وترتيبها، فافْتَقَر إلى إذنه.

(1)

في (أ): مال.

ص: 565

(بَابُ الْأَمَانِ)

الأَمانُ ضِدُّ الخَوف، وهو مصدر أمِن أمْنًا وأمانًا

(1)

.

والأصْلُ فيه: قوله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التّوبَة: 6]، وقوله عليه السلام:«ذِمَّةُ المسلمين واحدةٌ، يسعى بها أدناهم» متَّفقٌ عليه من حديث عليٍّ

(2)

.

وإذا أُعْطُوا الأَمانَ؛ حرم

(3)

قتلهم، وأخذ مالهم

(4)

، والتَّعرُّض إليهم

(5)

.

(يَصِحُّ أَمَانُ المُسْلِمِ

(6)

المُكَلَّفِ)؛ أي: البالِغ العاقِل، فلا يصِحُّ مِنْ كافِرٍ وإن كان ذِمِّيًّا؛ للخبر

(7)

، ولأِنَّه متَّهمٌ على الإسلام وأهلِه، فلم يَصِحَّ منه كالحربيِّ.

ولا من طفل ومجنون؛ لأنَّ كلامَه غيرُ معتبَرٍ، فلا يَثْبُت به حُكْمٌ.

ومَنْ زال عقلُه بنوم أو سكر

(8)

، أو إغماءٍ هو كالمجنون؛ لأنَّه لا يَعرِف المصلحةَ من غيرها.

(ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى)، نَصَّ عليه

(9)

؛ لقوله

(10)

عليه السلام: «قد أَجَرْنا مَنْ أجَرْتِ

(1)

في (ح): أو أمانًا.

(2)

أخرجه البخاري (317)، ومسلم (1370).

(3)

قوله: (حرم) سقط من (ح).

(4)

قوله: (وأخذ مالهم) سقط من (أ).

(5)

في (ب): لهم.

(6)

قوله: (المسلم) سقط من (ح).

(7)

يعني: حديث «ذِمَّةُ المسلمين واحدةٌ» ، سبق تخريجه حاشية (2).

(8)

قوله: (أو سكر) سقط من (أ).

(9)

ينظر: مسائل أبي داود ص 333، مسائل ابن منصور 8/ 3868.

(10)

في (أ) و (ح): ولقوله.

ص: 566

يا أمَّ هانِئٍ» رواه البخاريُّ

(1)

، و «أجارتْ زينبُ بنت رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أبا العاص ابنَ الرَّبيع، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم»

(2)

.

(حُرَّا)، اتِّفاقًا، (أَوْ عَبْدًا)، في قَول أكثر العلماء؛ لقول عمرَ:«العَبْدُ المسلِمُ رجلٌ من المسلمين يجوز أمانُه» رواه سعيدٌ

(3)

، ولقوله عليه السلام:«يَسْعى بها أدْناهُمْ»

(4)

، فإنْ كان كذلك؛ يصح

(5)

أمانُه بالحديث، وإن كان غيرُه أدْنَى منه؛ فيصحُّ منه

(6)

من باب أَوْلى، ولأنَّه مسلِمٌ مكلَّفٌ، فصح منه كالحُرِّ، (مُطْلَقًا)، سواءٌ كان مأْذونًا له في القتال أوْ لَا.

(1)

أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336)، من حديث أمِّ هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها.

(2)

أخرجه الحاكم (5038)، وعنه البيهقي في الكبرى (14061)، عن ابن إسحاق، في قصَّة خروج أبي العاص بن الربيع. وسنده حسن، فيه أحمد بن عبد الجبار العطاردي، وهو صدوق في باب الرواية، صحيح السماع للسيرة، أثنى عليه الخطيب وقوَّاه، وفيه يونس بن بكير الكوفي، وهو صدوق له أوهام.

وله شاهد من حديث أم سلمة رضي الله عنها: أخرجه الطبراني في الكبير (1047)، والحاكم (6843)، وعنه البيهقي (18177)، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّها الناس، إنِّي لم أعلم بهذا حتى سمعتموه، ألا وإنه يُجير على المسلمين أدناهم» ، وحسنه الهيثمي، فقال:(وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات)، وصححه بشواهده الألباني. ينظر: تاريخ الإسلام 6/ 485، سير أعلام النبلاء 13/ 57، مجمع الزوائد 5/ 330، السلسلة الصحيحة (2819).

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (2608)، وأخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 224)، وعبد الرزاق (9436)، وابن أبي شيبة (33393)، وأبو عبيد في الأموال (500)، والبلاذري في فتوح البلدان (ص 379)، وابن زنجويه في الأموال (725)، والبيهقي في الكبرى (16816)، من طرق متعددة عن عاصم الأحول، عن فضيل بن زيد الرقاشي قال: كتب إلينا عمر، وذكره، قال الحافظ في التلخيص 4/ 312:(بسند صحيح إلى فضيل).

(4)

أخرجه البخاري (317)، ومسلم (1370).

(5)

في (أ): فصح.

(6)

قوله: (منه) سقط من (ب) و (ح).

ص: 567

(أَوْ أَسِيرًا)، نَصَّ على ذلك

(1)

، وللعموم

(2)

. وبعضُهم شَرَطَ فيه: أن يكون مختارًا. ولا حاجَةَ إليه؛ لأِنَّ المسلمَ الحُرَّ المطلَقَ لو أُكْرِه على الأَمان؛ لم يصحَّ، فلا حاجةَ إلى

(3)

اختصاص الأسير به.

(وَفِي أَمَانِ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ رِوَايَتَانِ):

إحداهما: لا يَصِحُّ؛ لعدم تكليفه، كالمجنون.

والثَّانية: يَصِحُّ، وهي المذهبُ، قال أبو بكرٍ: رواية واحدةً، وحمل الأوَّل على غير المميِّز؛ لعموم الخبر

(4)

، ولأنَّه عاقِلٌ، فصَحَّ منه كالبالِغ، بخلاف المجنون.

وظاهِرُه: أنَّه يَصِحُّ منجَّزًا ومعلَّقًا بشرْطٍ.

ومِنْ شَرْطِ صِحَّته: أن يكون مختارًا، ولم يصرح به للعلم به، وعدم الضَّرَر علينا، وألاَّ تزيد

(5)

مدَّتُه على عشر سنين، قاله في «الترغيب» .

وفي جواز إقامتهم بدارنا هذه المدَّةَ بلا جِزيةٍ وجْهانِ.

وشرط

(6)

في «عيون المسائل» لصحَّته: معرفةُ المصلحة فيه، وذَكَرَ جماعةٌ الإجماعَ في المرأة بدون هذا الشَّرْطِ.

(وَيَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ)؛ لأِنَّ ولايته عامَّةٌ.

(وَأَمَانُ الْأَمِيرِ لِمَنْ جُعِلَ بِإِزَائِهِ)؛ أي: بحذائه؛ لأِنَّ له الولايةَ عليهم

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 333.

(2)

وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يَسْعى بها أدْناهُمْ» ، أخرجه البخاري (317)، ومسلم (1370).

(3)

قوله: (إلى) سقط من (ح).

(4)

وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يَسْعى بها أدْناهُمْ» .

(5)

في (ح): يزيد.

(6)

في (ح): وشرطه.

ص: 568

فقط، فدلَّ على

(1)

أنَّه كآحاد المسلمين في حقِّ غيرهم.

(وَأَمَانُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ) -قال الجَوهريُّ: الرَّعية: العامَّة

(2)

- (لِلْوَاحِدِ، وَالْعَشَرَةِ، وَالْقَافِلَةِ)، كذا ذكره معظمُهم؛ لعموم الخبر.

فقيل: لقافلة

(3)

صغيرة وحصنٍ صغيرٍ، وجزم به في «الشَّرح» ؛ لأِنًّ «عمر أجاز أمانَ العبد لأهل الحصن»

(4)

.

فعلى هذا: لا يَصِحُّ لأهل بلدةٍ كبيرةٍ، ولا رُسْتاقٍ وجمْعٍ كبيرٍ؛ لأِنَّه يُفْضِي إلى تعطيل الجهاد، والاِفْتِيات على الإمام.

وأطْلق في «الرَوضة» : كحِصْنٍ أو بلدٍ، وأنَّه يُستحَبُّ ألاَّ يُجار على الأمير إلاَّ بإذْنه.

وقيل: لمائةٍ.

فرعٌ: يَصِحُّ أمانُ غير الإمام للأسير بعد الاِسْتِيلاء عليه، فيعصمه من القتل، نَصَّ عليه

(5)

؛ لقصَّة زينبَ في أمانها زوجَها

(6)

.

وقال القاضي في «المجرد» : لا يَصِحُّ إلاَّ من الإمام؛ لأنَّ أمر الأسير إليه، فلا يجوز الافتيات عليه.

(وَمَنْ قَالَ لِكَافِرٍ: أَنْتَ آمِنٌ)؛ فقد آمنه؛ لقوله عليه السلام يوم فتْح مكة: «مَنْ دخل دار أبي سُفيانَ فهو آمِنٌ»

(7)

، كقوله: لا خوف عليك، ولا تَذهَل، وكما

(1)

قوله: (على) سقط من (أ).

(2)

ينظر: الصحاح 6/ 2359.

(3)

في (ح): القافلة.

(4)

تقدم تخريجه 4/ 567 حاشية (3).

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 333.

(6)

في (ح): لزوجها. وتقدم تخريج القصة 4/ 567 حاشية (2).

(7)

أخرجه مسلم (1780)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 569

لو أمَّن يدَه أو بعضَه، (أَوْ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ)؛ لأنَّ عمر لمَّا قال للهرمزان

(1)

: «لا بأس عليك» ، قالت له الصحابة: «قد

(2)

أمنته، لا سبيلَ لك عليه» رواه سعيد

(3)

، (أَوْ: أَجَرْتُكَ)؛ لقوله عليه السلام: «قد أجرْنا من أجرْتِ يا أمَّ هانئٍ»

(4)

، (أَوْ: قِفْ)؛ كقُمْ، (أَوْ: أَلْقِ سِلَاحَكَ)؛ لأِنَّ الكافرَ يعتقده أمانًا، أشبه ما لو سلَّم عليه، (أَوْ: مَتَرْس)، ومعناه: لا تَخَفْ، وهو بفتح الميم والتَّاء، وسكون الرَّاء، وآخره سينٌ مهمَلةٌ، ويجوز سكون التاء

(5)

وفتح الرَّاء، وهي كلمةٌ أعجميَّةٌ؛ (فَقَدْ أمَّنَهُ)؛ لقول ابنِ مسعودٍ:«إنَّ الله يعلم كلَّ لسانٍ، فمن كان منكم أعجميًّا فقال: مَتَرْس؛ فقد أمَّنه»

(6)

.

(1)

قوله: (للهرمزان) في (أ) و (ب): للهرم أن.

(2)

قوله: (قد) سقط من (أ).

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (2670)، وأخرجه الشافعي في الأم (4/ 265)، وخليفة بن خياط في تاريخه (ص 147)، وابن أبي شيبة (33402)، وأبو عبيد في الأموال (304، 305)، والبلاذري في فتوح البلدان (ص 370)، وابن زنجويه (468)، والبيهقي في الكبرى (18183)، وابن حجر في التغليق (3/ 483)، من طرق عن حميد، عن أنس رضي الله عنه. وعلقه البخاري بصيغة الجزم (4/ 101)، وصححه الحافظ في الفتح 6/ 275.

(4)

أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336).

(5)

قوله: (التاء) سقط من (أ).

(6)

لم نقف عليه من كلام ابن مسعود، وقال ابن الملقن في البدر 9/ 176: (وهذا الأثر لا أعلمه مرويًا من طريق ابن مسعود، وإنما هو عن عمر رضي الله عنه، وبنحوه قال الحافظ في التلخيص 4/ 311.

وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور (2599)، وعبد الرزاق (9429)، وابن أبي شيبة (33403)، وابن الجعد (2694) وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (881)، والبيهقي في الكبرى (18181)، وابن حجر في التغليق (3/ 483)، عن أبي وائل قال: أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين: «إذا قال الرجل للرجل: لا تدخل فقد أمَّنه، وإذا قال: لا تخف فقد أمَّنه، وإذا قال: مطرس -وبعض الألفاظ: مترس-؛ فقد أمَّنه» ، قال:«الله يعلم الألسنة» ، وإسناده صحيح كما قال الحافظ في التغليق، وقد علقه البخاري بصيغة الجزم (4/ 101).

ص: 570

والإشارةُ كالقول، قال عمر: «لو أنَّ أحدكم أشار بأصبعه إلى السَّماء إلى مشركٍ، فنزل إليه فقتله؛ لقتلته به

(1)

» رواه سعيدٌ

(2)

، وقال أحمد:(إذا أشير إليه بشيءٍ غير الأمان، فظنَّه أمانًا؛ فهو أمانٌ، وكلُّ شيءٍ يرى العلج أنَّه أمانٌ؛ فهو أمانٌ)

(3)

، وقال:(إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله؛ لأنَّه إذا اشتراه فقد أمنه)

(4)

.

فإن قلت: كيف صحَّ الأمانُ بالإشارة مع القدرة على النُّطق، بخلاف البيع والطَّلاق؟

قلت: تغليبًا لحقْن الدَّم، مع أنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى الإشارة؛ لأِنَّ الغالبَ فيهم عدمُ فهم كلام المسلمين؛ كالعكس.

وشرط انعقاد الأمان: ألاَّ يردَّه الكافرُ؛ لأِنَّه إيجاب حقٍّ، فلم يصِحَّ مع الرَّدِّ كالبيع.

وإن قبله

(5)

، ثمَّ ردَّه؛ انتقض؛ لأنَّه حقٌّ له، فسقط

(6)

بإسقاطه؛ كالرقِّ.

فرعٌ: يُقبَل قولُ عدْلٍ: إنِّي أمَّنْتُه، في الأصحِّ؛ كإخبارهما أنَّهما أمَّناه؛ لأنهما غير متَّهمَين؛ كالمرضعة على فعلها.

(1)

قوله: (به) سقط من (ب) و (ح).

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (2598)، وعبد الرزاق (9435)، وابن أبي شيبة (33405)، وإسناده ضعيف، فيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف، بل قال أحمد:(منكر الحديث)، وأخرجه سعيد بن منصور (2597)، واللالكائي في شرح أصول أهل السنة (658)، من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عمر. وهو مرسل، قال البخاري:(أبو سلمة عن عمر منقطع)، وأخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 224)، وابن أبي شيبة (33404)، عن مجاهد عن عمر. وهو مرسل أيضًا. فالأثر قوي بمجموع الطرق.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 333، مسائل ابن هانئ 2/ 122.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 306.

(5)

في (ح): قتله.

(6)

في (أ): يسقط.

ص: 571

وإذا أمَّنه؛ سرى إلى ما معه من أهلٍ ومالٍ، إلاَّ أن يقول: أمَّنتك نفسك فقط.

(وَمَنْ جَاءَ بِمُشْرِكٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ أَمَّنَهُ، فَأَنْكَرَهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ أي: قول المنكر المُسلِم، هذا هو المجزوم به؛ لأنَّ الأصلَ إباحةُ دم الحربيِّ، وعدَمُ الأمان.

(وَعَنْهُ: القَوْلُ

(1)

قَوْلُ الْأَسِيرِ)، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّ صدقَه محتَملٌ، فيكون

(2)

قوله شبهة

(3)

في حقْن دَمِه.

(وَعَنْهُ: قَوْلُ مَنْ يَدُلُّ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ)؛ لأِنَّ ظاهِرَ الحال قرينةٌ تدُلُّ على الصِّدق، فعلى هذا: إن كان الكافر ذا قوَّةٍ، ومَعَهُ سلَاحُه

(4)

؛ فالظَّاهرُ صدقُه، وإن كان ضعيفًا مسلوبًا سلاحَه؛ فالظَّاهر كَذِبُه؛ فلا

(5)

يُلتَفَتُ إليه؛ لأنَّه قد تنازع الحكمَ أصلان: أحدهما: مخالفةُ الأصل للدَّعوى الموجب، والثَّاني: احتِمالُ الصِّدق في الدَّعوى المانِع، فوجب التَّرجيحُ بالقرينة.

قال في «الفروع» : ويتوجَّه مثلُه: أعلاج استقبلوا سريَّة دخلت بلد الرُّوم، فقالوا: جئنا مستأمِنين، قال في رواية أبي داود: إن استدلَّ عليهم بشَيءٍ، قلت: وُقفوا

(6)

فلم يَبْرَحوا، ولم يُحَدَّدوا بسلاحٍ! فرأى لهم الأمانَ

(7)

.

فرعٌ: إذا طلب الكافِرُ الأمان ليسمع كلام الله ويَعرف شرائع

(8)

الإسلام؛

(1)

قوله: (القول) سقط من (ب) و (ح).

(2)

في (ح): فيقرب.

(3)

في (ح): أشبه.

(4)

في (ح): سلاح.

(5)

في (ح): ولا.

(6)

في (ب) و (ح): قفوا.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 334.

(8)

قوله: (ويعرف شرائع) هو في (أ): وشرائع.

ص: 572

لزم إجابته، ثمَّ يُرَدُّ إلى مأمَنه، بغير خلافٍ نعلمه

(1)

، للنَّصِّ، قال الأوزاعيُّ:(هي إلى يوم القيامة)

(2)

.

(وَمَنْ أُعْطِيَ أَمَانًا لِيَفْتَحَ حِصْنًا، فَفَتَحَهُ)، أو أسلم واحدٌ منهم (وَاشْتَبَهَ عَلَيْنَا؛ حَرُمَ قَتْلُهُمْ)؛ نَصَّ عليه

(3)

؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يَحتَمِلُ صِدْقُه، واشْتَبَهَ المباح

(4)

بالمحرَّم فيما لا ضرورة إليه، فوجب تغليبُ التَّحريم، كما لو اشْتَبه زانٍ مُحصَنٌ بمعصومِينَ، (وَاسْتِرْقَاقُهُمْ)؛ لأِنَّ استرقاق من لا يَحِلُّ استرقاقُه محرم

(5)

.

وعُلِم منه: أنَّ المسلمين إذا حاصروا حصنًا، فطلب واحِدٌ منهم الأمانَ ليفتَحه لهم؛ جاز أن يعطوه أمانًا؛ لقول الأشعث بن قيس

(6)

.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ)، وصاحب «التَّبصرة»:(يُخْرَجُ وَاحِدٌ بِالْقُرْعَةِ)؛ لأِنَّ الحقَّ لواحدٍ منهم غير معيَّنٍ، فيخرج صاحب الأمان بها، (وَيُسْتَرَقُّ الْبَاقُونَ)، كما لو أعتق عبدًا من عبيده، ثمَّ أشكل، بخلاف القتل، فإنَّه يُدرأ بالشُّبهة.

(1)

ينظر: المغني 9/ 224.

(2)

ينظر: المغني 9/ 224.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 334، مسائل ابن هانئ 2/ 121.

(4)

في (ح): المنهاج.

(5)

قوله: (محرم) سقط من (ح).

(6)

ورد ذلك في قصة أهل حضرموت وردَّتهم، وهي مشهورة في كتب التاريخ، وفيها: أن الأشعث بن قيس صالح زياد بن لبيد والمهاجر بن أبي أمية -وذلك في حروب الردَّة زمن أبي بكر رضي الله عنه على أن يُؤمِّن من أهل النجير سبعين رجلاً ويفتح لهم النجير، فأعطوه الأمان على ذلك، في قصة طويلة. أخرجها ابن سعد في الطبقات - المتمم للتابعين - (315)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (9/ 130)، من طريق عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن جده أبي معتب.

وأخرجها الواقدي في كتاب الردة كما في نصب الراية (3/ 450)، عن الزهري، وهي بطولها في كتاب الردة للواقدي ص 207. وأخرجها البلاذري في فتوح البلدان (ص 108)، عن إبراهيم النخعي. وأخرجها الطبري في تاريخه (3/ 337)، سعيد بن أبي بردة عن عامر.

ص: 573

قال في «الفروع» : (ويتوجَّه مثله لو نُسي، أو اشتبه من لزمه قود؛ فلا قَوَدَ، وفي الديَة بقرعةٍ الخلاف).

(وَيَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَانِ لِلرَّسُولِ، وَالمُسْتَأْمِنِ)؛ لأِنَّه عليه السلام كان يؤمِّن رسل المشركين، ولَمَّا جاءه رسل مُسَيْلِمةَ قال:«لولا أنَّ الرُّسُلَ لا تقتل لقَتَلْتُكم»

(1)

، ولأِنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، إذ لو

(2)

قتل لفاتت مصلحة المراسَلة. وظاهره: جوازُ عقْدِ الأمان لكلٍّ منهما، مطلقًا ومقيَّدًا، بمدة

(3)

قصيرةٍ وطويلةٍ، بخلاف الهدنة، فإنَّها لا تجوز إلاَّ مقيَّدةً؛ لأِنَّ في جوازها مطلقًا تَرْكًا للجهاد.

(وَيُقِيمُونَ مُدَّةَ الْهُدْنَةِ)؛ أي: الأمان (بِغَيْرِ جِزْيَةٍ)، نَصَّ عليه

(4)

، وقاله القاضي، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه كافِرٌ أبيح له الإقامةُ في دارنا من غير التِزامِ جِزْيةٍ، فلم تلزمه؛ كالنِّساء. (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُقِيمُونَ سَنَةً إِلاَّ بِجِزْيَةٍ)، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(5)

؛ لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التّوبَة: 29].

(1)

أخرجه أحمد (15989)، وأبو داود (2761)، والترمذي في العلل (715)، والطَّحاوي في شرح المشكل (2863)، والحاكم (2632)، عن نعيم بن مسعود الأشجعي، وسنده حسن، وله شاهدٌ من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الطيالسي (248)، وأحمد (3761)، وفي سنده عبد الرّحمن بن عبد الله المسعودي، صدوق اختلط قبل موته، لكنه هنا متابعٌ، وحسنه البخاري والهيثمي وأحمد شاكر، وصحّحه الحاكم والذهبي والألباني. ينظر: البدر المنير 9/ 91، مجمع الزوائد 5/ 314، الإصابة 7/ 208، صحيح أبي داود 8/ 103.

(2)

قوله: (إذ لو) هو في (أ): ولو.

(3)

في (أ): مدة.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 309.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 309.

ص: 574

وأجيب: بأنَّ معناه؛ أي: يلتَزِمونها، ولم يُرِدْ حقيقةَ الإعطاء، ولأنَّها تخصَّصت بما دون الحول اتِّفاقًا

(1)

، فيقاس على المحلِّ المخصوص.

(وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ، أَوْ تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ يَبِيعُهُ؛ قُبِلَ مِنْهُ)؛ لأِنَّ ما ادَّعاه ممكِنٌ، فيكون شبهةً في درء القتل، ولأنَّه تتعذر إقامة البيِّنة على ذلك.

وفيه دلالةٌ على أنَّه لا يُتعرَّض إليه، وصرَّح به الأصحاب، أمَّا الرَّسول فلِمَا سبق، وأمَا التاجر؛ فلأنَّه إذا جاء بماله ولا سلاح معه، دلَّ على قصده الأمانَ.

ولم يَشترِطْ المؤلِّفُ هنا: أن تكون العادةُ جاريةً به، والمذهبُ اشتراطُه؛ لأِنَّ العادةَ جاريةٌ مجرى الشَّرْط، فإذا انتفت، ودخل بغير أمانٍ؛ وجب بقاؤه على ما كان عليه من عدم العصمة.

وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يكن معه تجارةٌ؛ لا يُقبَل منه إذا قال: جئت مستأمِنًا؛ لأِنَّه غيرُ صادِقٍ.

(وَإِنْ كَانَ جَاسُوسًا)، وهو صاحب سرِّ الشَّرِّ، وعكسه الناموس

(2)

؛ (خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ)، وهو قولُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لأِنَّه كافِرٌ قَصَدَ نِكاية المسلمين، فخُيِّر الإمامُ فيه بعد القدرة عليه.

(وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ، أَوْ حمَلَتْهُ الرِّيحُ فِي مَرْكَبٍ إِلَيْنَا؛ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ) على المذهب؛ لأِنَّه مباحٌ، ظُهِر عليه بغير قتالٍ في دار الإسلام، فكان لآخِذه كالصَّيد، وكذا لو شرد إلينا دابَّةٌ من دوابِّهم، أو أَبَق رقيقٌ.

وظاهِرُه: أنَّه لآخذه غير مخموسٍ، وصرَّح به في «المحرَّر» .

(1)

ينظر: الهداية 2/ 396، الشرح الكبير للدردير 2/ 201، الحاوي 14/ 353، الفروع 10/ 309.

(2)

في (ب) و (ح): الناسوس.

ص: 575

(وَعَنْهُ: يَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ)؛ لأِنَّه مالُ مشرك ظهر عليه بغير قتالٍ، أشبه ما لو تركوه فزعًا.

وعنه: إن دخل قريةً وأخذوه؛ فهو لأهلها؛ لأنَّه إنما تَمكَّن بأخذه بقوَّتهم.

تنبيهٌ: يَحرُم دخوله إلينا بلا إذْنٍ.

وعنه: يجوز رسولاً وتاجرًا، اختاره أبو بكرٍ.

وفي «التَّرغيب» : دخوله لسفارةٍ، أو لسماع قرآنٍ؛ آمِنٌ بلا عقد، لا لتجارة على الأصحِّ فيها بلا عادة.

فإذا دخل إلينا بأمان منَّا، فخان؛ انتقض أمانه؛ لأنَّ ذلك غدر

(1)

، ولا يصلح في ديننا.

ولو دخل دار الحرب رسولٌ، أو تاجرٌ بأمانهم؛ فخيانتهم محرمة عليه، وإن لم يذكر؛ لأنَّ المعنى يدلُّ عليه

(2)

.

(وَإِذَا أَوْدَعَ الْمُسْتَأْمَنُ مَالَهُ مُسْلِمًا، أَوْ أَقْرَضَهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ) مُقيمًا، أو نقض ذمِّيٌّ عهدَه ولَحِق بدار الحرب، أو لم يلحق؛ (بَقِيَ الْأَمَانُ فِي مَالِهِ)، هذا هو المشهورُ؛ لأِنَّه لمَّا دخل دار الإسلام بأمانٍ ثبت لماله، فإذا بطل في نفسه بدخوله إليها؛ بقي في ماله الَّذي لم يدخل؛ لاختصاص

(3)

المبطل بنفسه.

لا يقال: إذا بطل في المتبوع فالتابع كذلك؛ لأنَّه لم يثبت فيه تبعًا، وإنَّما ثبت فيهما جميعًا، فإذا بطل في أحدهما بقي الآخر، ولو سُلِّم فيجوز بقاء

(1)

في (ح): عقد.

(2)

قوله: (عليه) سقط من (ح).

(3)

في (ح): الاختصاص.

ص: 576

حكم التَّبع وإن زال في المتبوع؛ لأنَّ أم

(1)

الولد يثبت

(2)

لولدها حكم الاستيلاد تبعًا لها، ويبقى حكمه له بعد موتها.

وقيل: ينتقِض فيه، ويصير فَيئًا، قدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأنَّه مال حربيٍّ قُدِر عليه بغير حربٍ، فيكون فيئًا، كمالِ من لا وارث له منهم.

وظاهر كلام أحمد: أنَّه ينتقض في مال الذِّمِّيِّ دون الحربيِّ، وصحَّحه في «المحرر» ؛ لأنَّ الأمان يثبت في مال الحربيِّ بدخوله معه، فالأمان ثابت فيه على وجه الأصالة، كما لو بعثه مع وكيل أو مضارب، بخلاف مال الذمي فإنه يثبت له تبعًا؛ لأنَّه مكتسب بعد عقد ذمة.

وقولنا: «مقيمًا» يخرج به ما لو خرج إليها لتجارةٍ أو رسالةٍ، فإنَّ أمانه باقٍ؛ لأنَّه لم يخرج به عن نية الإقامة بدار الإسلام.

وعلى الأوَّل: (يُبْعَثُ إِلَيْهِ إِنْ طَلَبَهُ)؛ لأِنَّه ملكه، فلو تصرف فيه صحَّ.

(فَإِنْ مَاتَ) بدار الحرب؛ (فَهُوَ لِوَارِثِهِ)؛ لأِنَّ الأمانَ لم يَبطُل فيه، وينتقل إليه على صفته من تأجيلٍ ورهنٍ، فكذا هنا.

(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ؛ فَهُوَ فَيْءٌ)؛ لأِنَّه مال كافرٍ لا مستحق

(3)

له، فصار فيئًا، كما لو مات في دارنا.

وذكر القاضي: أنَّه إذا كان له وارث في دار الإسلام لم يرثه؛ لاختلاف الدَّارين.

فلو لم يمت حتى أُسِر واستُرِقَّ، فقيل: يصير فيئًا، اختاره المجد.

والأشْهر: أنَّه يُوقَف، فإن عتق أخذه؛ لأنَّه مال لمالك لم يوجد

(4)

فيه

(1)

قوله: (أم) سقط من (أ).

(2)

في (ح): ثبت.

(3)

في (أ): لا يستحق.

(4)

في (ح): لم يؤخذ.

ص: 577

سبب الانتقال، فيوقف

(1)

حتى يَتحقَّق السَّبب.

وإن مات قِنًّا؛ ففَيءٌ؛ لأنَّ الرَّقيق لا يُورَث، وقيل: لوارثه؛ لأنَّ بموته على الرِّق تبيَّنَّا بطلانَ ملكه من

(2)

حين استرقاقه، فيكون لورثته.

(وَإِنْ أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا، فَأَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ مُدَّةً)، أو أبدًا، قاله في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ (لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ)، نَصَّ عليه

(3)

؛ لقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُّمْ} [النّحل: 91]، ولقوله عليه السلام:«المسلمون على شروطهم»

(4)

، فعليه: ليس له أن يهرب، وقيل: بلى.

(وَإِنْ) أطلقوه، و (لَمْ يَشْتَرِطُوا

(5)

شَيْئًا، أَوْ شَرَطُوا كَوْنَهُ رَقِيقًا) ولم يؤمِّنوه؛ (فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ وَيَسْرِقَ وَيَهْرُبَ)، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأِنَّه لم يَصدُر منه ما يَثبُت به الأمانُ؛ لأِنَّ الإطلاق من الوثاق لا يكون أمانًا، ومع الرِّق ينتفي الأمان، لكن قال أحمد:(إذا أطلقوه فقد أمَّنوه)

(7)

.

فلو أحلفوه مكرهًا؛ لم ينعقد.

وفي «الشرح» : احتمال لا تلزمه الإقامة

(8)

.

فإن أطلقوه وأمَّنوه

(9)

؛ فله الهرب، لا الخيانة، ويَرُدُّ ما أَخذ منهم؛ لأنَّهم صاروا بأمانه في أمانٍ منه، فإذا خالَف فهو غادِرٌ.

(1)

في (ح): فتوقف.

(2)

قوله: (من) سقط من (ح).

(3)

ينظر: المحرر 2/ 181.

(4)

تقدم تخريجه 4/ 489 حاشية (8).

(5)

في (ح): ولم يشرطوا.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 332، مسائل عبد الله ص 253.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 332.

(8)

عبارة الشرح 10/ 366: (يحتمل: أن تلزمه الإقامة إذا قلنا: يلزمه الرجوع إليهم).

(9)

قوله: (فلو أخلفوه مكرهًا لم ينعقد) إلى هنا سقط من (أ).

ص: 578

(وَإِنْ أَطْلَقُوهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَالاً) باختياره؛ لزمه إنفاذ المال إليهم إذا قدر عليه؛ لأِنَّه عاهدهم على أداء مالٍ، فلزمه الوفاءُ به كثمن البيع.

(وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ عَادَ إِلَيْهِمْ؛ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ) نَصَّ عليهما

(1)

، ولأِنَّ في الوفاء مصلحةً للأسارى، وفي الغدر مَفْسَدَةً في حقِّهم؛ لكونهم لا يأمنون بعده، والحاجةُ داعيةٌ إليه.

(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ؛ فَلَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ)؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [المُمتَحنَة: 10]، ولأِنَّ في رجوعها تسليطًا لهم على وطئها حرامًا.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ أَيْضًا)، وهو روايةٌ عن أحمدَ، وقاله الحسنُ والنَّخَعِيُّ والثَّوريُّ؛ لأِنَّ الرُّجوعَ إليهم والبقاءَ في أيديهم معصيةٌ، فلم يلزم بالشَّرط؛ كالمرأة، وكما

(2)

لو شرط قَتْل مسلِمٍ.

والأوَّلُ المذهبُ؛ لأِنَّه «عليه السلام لمَّا عاهد قريشًا على ردِّ مَنْ جاء مسلِمًا، فردَّ أبا جَنْدَلٍ إلى أبيه سُهَيلٍ»

(3)

، ولم يأت

(4)

أحدٌ من الرِّجال في تلك المدَّة إلاَّ ردَّه.

فإنْ تعارَضَ فِداءُ عالِمٍ وجاهِلٍ؛ بُدِئَ بالجاهل؛ للخَوف عليه، وقيل: بالعالِم لشَرَفه، وحاجتِنا إليه، وكثرة الضَّرر بفتنته.

ولو جاء العِلْجُ بأسيرٍ على أن يفادي بنفسه، فلم يجد، قال أحمد

(5)

: يفديه المسلمون إن لم يُفْدَ من بيت المال، ولا يُرَدُّ.

(1)

في (ح): عليها. وينظر: مسائل أبي داود ص 333.

(2)

في (ح): كما.

(3)

كما في صحيح البخاري (2731)، من حديث عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه ومروان بن الحكم، وأخرجه مسلم (1784)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(4)

قوله: (يأت) سقط من (أ).

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 333.

ص: 579

مسألةٌ: إذا اشتراه مسلمٌ بإذنه؛ لزمه ما اشتراه به

(1)

؛ لأِنَّه كنائبه

(2)

في شراء نفسه، وكذا إن كان بغير إذنه، والمراد: ما لم يَنْوِ التَّبرُّعَ، فلو اختلفا في قدر الثَّمن؛ قُدِّم قولُ الأسير بالأصل.

ويجب فداءُ أسارى المسلمين مع الإمكان؛ لقوله: «وفكُّ العاني»

(3)

.

وكذا شراء أسرى أهل الذمة، وقاله الخرقي؛ لأنَّا قد التزمنا حفظهم

(4)

بأخذ جزيتهم، فلزمنا الدَّفع من

(5)

ورائهم.

وقال القاضي: لا يجب إلاَّ إذا استعان بهم الإمامُ في قتالهم.

فيبدأ بفداء أسارى المسلمين قبلهم؛ لحرمتهم.

(1)

قوله: (به) سقط من (أ).

(2)

في (ح): في كتابة.

(3)

أخرجه البخاري (3046)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

(4)

قوله: (المسلمين مع الإمكان) إلى هنا سقط من (أ).

(5)

في (ح): منه.

ص: 580

(بَابُ الهُدْنَةِ)

وأصلُها السُّكون، وشرعًا: هي عَقْدُ إمامٍ أو نائبه على ترك القتال مدَّةً معلومةً لازِمةً.

وتُسمَّى مهادنةً، وموادَعةً، ومعاهدةً، ومسالَمةً.

والأصل فيها: قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التّوبَة: 1]، {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفَال: 61]، والسُّنَّة: ما رَوَى مروانُ بنُ الحَكَم، والمِسْوَر بن مخرمة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صالح قريشًا على وَضْع القتال عَشْرَ سِنِين»

(1)

، والمعنى؛ لأنَّه قد يكون بالمسلمين ضعفٌ، فيُهادِنُهم حتَّى يَقْوَوْا.

(وَلَا يَصِحُّ عَقْدُ الْهُدْنَةِ وَالذِّمَّةِ إِلاَّ مِنَ الْإِمَامِ)؛ لفعله عليه السلام

(2)

، (أَوْ نَائِبِهِ)؛ لأِنَّه نائب

(3)

عنه، ومنزَّلٌ

(4)

منزلتَه، وهو يتعلَّق بنظرٍ واجْتِهادٍ، وليس

(5)

غيرهما محَلًّا لذلك؛ لعدم ولايتهم، ولو جُوِّزَ ذلك للآحاد؛ لَزِم تعطيلُ الجهاد.

وفي «التَّرغيب» : لآحاد الولاة عقده مع أهل قرية.

فعلى الأوَّل: لو هادنهم غيرُ الإمام أو نائبه لم يَصِحَّ، فلو دخل بعضهم بهذا الصُّلْح دارَ الإسلام؛ كان آمِنًا لاِعتقاده، ولا يُقَرُّ في دار الإسلام، بل يُرَدُّ إلى دار الحرب، ولو مات الإمامُ أو نائبه بعد العقد أو عزل؛ لم ينتقض عهده.

(1)

تقدم تخريجه 4/ 579 حاشية (3).

(2)

كما في حديث صلح الحديبية، وعقد الذمة مع يهود خيبر.

(3)

في (أ): ثابت.

(4)

في (أ): وينزل.

(5)

في (ح): ليس.

ص: 581

وعلى الثَّاني: يلزمه إمضاؤه؛ لئلاَّ يُنقَضَ الاجتهادُ بالاجتهاد.

ويستمر ما لم يَنقضْه الكفَّارُ بقتالٍ أو غيره.

(فَمَتَى رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ)، إمَّا لضعف المسلمين عن القتال، وإمَّا بإعطاء مالٍ منَّا ضرورةً؛ لأِنَّه مصلحةٌ للمسلمين لِيَتَقَوَّوْا به على عدوِّهم؛ (جَازَ لَهُ عَقْدُهَا)؛ لأِنَّه «صلى الله عليه وسلم هادَنَ قُرَيشًا»

(1)

.

(مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَإِنْ طَالَتْ)؛ لأِنَّ ما وجب تقديرُه وجب أن يكون معلومًا، كخيار الشَّرْط.

وفيه وجْهٌ: كالخيار؛ إذ لا محذورَ فيه.

وظاهِرُه: أنَّها

(2)

تجوز في الطَّويلة كالقصيرة على المذهب؛ لأِنَّها تجوز في أقلَّ من عشْرٍ، فجازت في أكثرَ منها؛ كمدة

(3)

الإجارة، ولِأَنَّه إنَّما جاز عقدُها للمصلحة، فحيثُ وُجِدتْ جازت؛ تحصيلاً للمصلحة.

(وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ)، قال القاضي: هو ظاهِرُ كلام أحمدَ، واختاره أبو بكرٍ؛ لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ

} الآية [التّوبَة: 5]، خُصَّ منه العَشرُ؛ لفعله عليه السلام، فيبقَى ما عداه على مقتضى العموم، (فَإِنْ

(4)

زَادَ عَلَى عَشْرٍ

(5)

؛ بَطَلَ فِي الزِّيَادَةِ)؛ لأِنَّه ممنوعٌ منها، (وَفِي الْعَشْرِ رِوَايَتَانِ)، مبنيَّتانِ على تفريق الصَّفقة، والأصحُّ: عدَمُ البطلان.

وظاهِرُه: أنَّه إذا عقدها مجَّانًا مع قوَّة المسلمين واستظهارهم؛ لا يجوز؛ لعدم المصلحة، إلاَّ أن تكون المصلحةُ رجاءَ إسلامهم، فيجوز في روايةٍ؛

(1)

يعني في صلح الحديبية، وسبق تخريجه 4/ 579 حاشية (3).

(2)

في (ح): أنه.

(3)

في (ح): المدة.

(4)

في (أ): وإن.

(5)

في (ب): العشر.

ص: 582

لأِنَّه «عليه السلام صالح أهلَ الحُدَيْبية على غير مالٍ»

(1)

، بل لمصلحة ترك قتالهم في الحرم؛ تعظيمًا لشعائر الله.

والثَّانية: المنْعُ؛ لأِنَّه تركٌ للقتال

(2)

من غير حاجةٍ، ولا بدَل.

وفي «الإرشاد» و «المبهج» و «المحرَّر» : على المنْع نحو أربعة أشهر؛ لقوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التّوبَة: 2]، وفيما فوقها، ودون الحول وجهان.

فأمَّا الحول؛ فلا يجوز، قال بعضهم: وجهًا واحدًا.

تنبيهٌ: لا يجوز عقدُها بمال منَّا إلاَّ لضرورةٍ شديدةٍ، مثل أن يحاط بطائفة من المسلمين، وفي «الفنون»: لضعفنا مع المصلحة، وقال أبو يَعْلَى الصَّغيرُ: لحاجة، وكذا قاله أبو يَعْلَى في «الخلاف» في المؤلَّفة، واحتجَّ:«بِعَزْمه عليه السلام على بذل شطر نخل المدينة»

(3)

.

(1)

كما في البخاري (4180)، في حديث صلح الحديبية.

(2)

في (أ): القتال.

(3)

أخرجه البزار (8017)، والطبراني في الكبير (5409)، من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: جاء الحارث الغطفاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ناصفنا تمر المدينة، وإلا ملأناها عليك خيلاً ورجالاً، فقال:«حتى أستأمر السعود سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، يعني يشاورهما» ، وقال الهيثمي:(وفيه محمد بن عمرو، وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات)، والحديث أخرجه عبد الرزاق (9736)، عن معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب مرسلاً، وأخرجه أبو عبيد في الأموال (445)، من طريق عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، وفيه: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى عيينة بن حصن، وهو يومئذ رئيس الكفار من غطفان

، فأرسل إلى سعد بن معاذ، وهو سيد الأوس، وإلى سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، فقال:«إنّ عيينةَ قد سألني نصفَ ثمر نخلكم، على أن ينصرف بمن معه من غطفان، ويخذل الأحزاب، وإني أعطيته الثلث، فأبى إلاَّ النصف فما تريان؟» ، قالا:«يا رسول الله، إن كنتَ أمرتَ بشيء فافعله، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لو أمرتَ بشيء لم أستأمِركما فيه، ولكنْ هذا رأي أَعرضُه عليكما» ، قالا: فإنا لا نرى أن نعطيهم إلاّ السيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فنعم» . وأخرج البيهقي نحوه في الدلائل (3/ 430)، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وكلها مراسيل.

ص: 583

(وَإِنْ هَادَنَهُمْ مُطْلَقًا؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّ إطلاقَ ذلك يقْتَضِي التَّأبيد، وذلك يُفْضِي إلى تَرْك الجهاد بالكُلِّيَّة، وهو غيرُ جائِزٍ.

(وَإِنْ شَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا؛ كَنَقْضِهَا مَتَى شَاءَ)؛ لأِنَّه يُنافِي مُقْتَضَى العَقْد؛ إذْ هو عَقْدٌ مؤقَّتٌ، فكان تعليقه على المشيئة باطلاً؛ كالإجارة.

وكذا إن قال: هادنتكم ما شئنا، أو شاء فلانٌ؛ لم يَصِحَّ في الأصحِّ؛ لقوله:«نُقِرُّكم ما أقرَّكم الله تعالى»

(1)

.

واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: صحَّتَه

(2)

.

وهي جائزةٌ، ويُعمَلُ بالمصلحة.

وأخَذَ صاحِبُ «الهدي»

(3)

من قوله: «نُقِرُّكم ما أقرَّكم الله» : جوازَ إجْلاءِ أهلِ الذِّمَّة من دار الإسلام إذا استُغْنِيَ عنهم، وقد أجْلاهم عمرُ

(4)

، وهو قولُ ابنِ جَريرٍ.

(أَوْ رَدِّ النِّسَاءِ) المسلماتِ (إِلَيْهِمْ)؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [المُمتَحنَة: 10]، ولقوله عليه السلام:«إنَّ الله قد مَنَع الصُّلْحَ في النِّساء»

(5)

، ولأنَّه لا يُؤْمَنُ أنْ تفتن

(6)

في دينها، ولا يمكنها أن تغزو.

(1)

أخرجه بهذا اللفظ البخاري (2730)، ومسلم بنحوه (1551)، حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 102، الاختيارات ص 455.

(3)

ينظر: زاد المعاد 3/ 308.

(4)

أخرجه البخاري (2338)، ومسلم (1551)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

لم نقف عليه بهذا اللَّفظ، وأخرج البخاري (2711) في قصة صلح الحديبية: وجاءت المؤمنات مهاجرات، وكانت أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، وهي عاتقٌ، فجاء أهلها يسألون النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يَرجعها إليهم، فلم يَرجِعها إليهم، لما أنزلَ الله فيهنّ:{إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} ، إلى قوله:{وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} .

(6)

في (ب) و (ح): تفتتن.

ص: 584

كذا شرط ردِّ صبيٍّ مسلِمٍ عاقِلٍ؛ لأِنَّه بمنزلتها في ضعف العقل، والعجز عن التخلص والهرب، بخلاف الطِّفل الَّذي لا يَصِحُّ إسلامه، فيجوز

(1)

شرط ردِّه.

(أَوْ صَدَاقِهِنَّ) على الأصحِّ؛ لأِنَّ بُضْعَ المرأة لا يدخل في الأمان.

والثَّانية: يَصِحُّ؛ لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [المُمتَحنَة: 10]، ولأنَّه عليه السلام ردَّ المَهْرَ

(2)

.

وأُجِيب: بأنَّه شُرِط رد النِّساء، وكان شرْطًا صحيحًا، ثمَّ نسخ، فوجب ردُّ البدل

(3)

لصِحَّة الشَّرط، بخلاف حكم مَنْ بعدَه، فإنَّ ردَّ النِّساء نسخ، فلم يَبْقَ صحيحًا.

ونصر في «المبهج» الأولى

(4)

؛ كما لو لم يُشتَرط.

وفي لزوم مسلمٍ تزوَّجها ردُّ مهرها الَّذي كان دفعه إليها

(5)

زوجٌ كافرٌ إليه؛ روايتان، وقدَّم في «الانتصار»: ردَّ المهر مطلقًا إن جاء بعد العدَّة، وإلاَّ رُدَّتْ إليه، ثمَّ ادَّعى نسخَه، وأنَّ نَصَّ أحمدَ لا يَردُّه.

(1)

في (أ): يجوز.

(2)

لم نقف عليه مرفوعًا، ولكن جاءتْ في ذلك مراسيلُ عدة، منها: ما أخرجه عبد الرزاق (12707)، أخبرنا ابن جريج، قلتُ لعطاء: أرأيتَ لو أنّ امرأة اليومَ من أهل الشرك، جاءت إلى المسلمين وأَسلمتْ أَيعاضُ زوجُها منها لقول الله في الممتحنة:{فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} ؟ قال: «لا، إنَّما كان ذلك بين النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبين أهل العهد بينه وبينهم» ، ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق (12708)، وابن جرير (22/ 580)، عن معمر، عن الزهريِّ قال:«إنَّما كان هذا صُلحًا بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين قريشٍ يوم الحديبية، فقد انقطع ذلك يومَ الفتح، ولا يُعاضُ زوجُها منها بشيء» . ينظر: تفسير الطبري 22/ 579، معرفة السنن 13/ 414، تفسير ابن كثير 8/ 94، تغليق التعليق 4/ 464.

(3)

في (ح): البذل.

(4)

في (ح): الأول.

(5)

قوله: (إليها) سقط من (أ).

ص: 585

(أَوْ) ردِّ (سِلَاحِهِمْ)، وكذا إعطاؤهم شيئًا من سلاحنا، أو من آلات الحرب.

(أَوْ إِدْخَالِهِمُ الْحَرَمَ)؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التّوبَة: 28].

(بَطَلَ الشَّرْطُ) في الكُلِّ.

(وَفِي الْعَقْدِ وَجْهَانِ)، مبنيَّان على الشُّروط الفاسدة في البيع، لكنْ في «المغني» و «الشَّرح»: إذا شَرَط أنَّ لكلِّ واحِدٍ نقضها

(1)

متى شاء؛ فإنَّه يَنْبغِي ألاَّ يَصحَّ وجْهًا واحدًا؛ لأِنَّ طائفةَ الكفَّار يَبْنُون على هذا الشَّرْط، فلا يحصل إلاَّ من الجِهَتَين، فيفوت معنى الهُدْنة.

(وَإِنْ شَرَطَ) -هذا شروع في الشَّرط الصَّحيح، وقدَّم الفاسِدَ عليها؛ لأِنَّها أقربُ إلى العدم- (رَدَّ مَنْ جَاءَ مِنَ الرِّجَالِ مُسْلِمًا؛ جَازَ)؛ لأِنَّه عليه السلام فعل ذلك

(2)

.

وظاهِرُه: وإن

(3)

لم يكن له عشيرة تحميه.

ومحلُّه عند الحاجة، صرَّح به الجماعةُ، فأمَّا مع استظهار المسلمين وقوَّتهم فلا.

(وَلَا يَمْنَعُهُمْ أَخْذَهُ)؛ لأِنَّ أبا بَصِيرٍ جاء إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في صلح الحُدَيْبِية فجاؤوا في طلبه، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّا لا يَصلُح في ديننا الغَدْرُ، وقد عَلِمْتَ ما عاهَدْناهم عليه، ولعلَّ الله أن يجعلَ لك فَرَجًا ومخْرَجًا» ، فرجع مع الرَّجُلَين، فقتل أحدَهما، ورجَع فلم يلمه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(1)

في (ح): نقض.

(2)

أي: في صلح الحديبية، وتقدم تخريجه 4/ 579 حاشية (3).

(3)

في (أ): فإن.

(4)

ذكره ابن اسحاق بلفظ مقارب في السيرة (2/ 323)، وقد أخرجه أحمد (18910)، والبيهقي في الكبرى (18831)، وفي السنن الصغير (2953)، من طريق ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عروة، عن مروان والمسور بن مخرمة، في قصة الحديبية، وسنده حسن، وقد صرَّح ابن اسحاق بالتحديث فانتفى بذلك تدليسه، وقد صححه ابن الملقن في البدر المنير 9/ 232.

ص: 586

(وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ)؛ لأِنَّه عليه السلام لم يُجْبِرْ أبا بَصِيرٍ، ولأِنَّ في إجباره

(1)

على المضيِّ معهم إجبارًا

(2)

له على ما لا يجوز.

(وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ) سِرًّا (بِقِتَالِهِمْ، وَالْفِرَارِ مِنْهُمْ)؛ لأنَّه رجوعٌ إلى باطلٍ، فكان له الأمْرُ بعدمه، كالمرأة إذا سمعت طلاقها، وفي «التَّرغيب»: يُعرِّض له ألاَّ يرجع.

(وَعَلَى الْإِمَامِ حِمَايَةُ مَنْ هَادَنَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ) لأِنَّه أمَّنهم

(3)

ممَّن هو في قبضته وتحت يده.

وكذا يلزمه حمايةُ أهلِ الذِّمَّة من أهل الذِّمَّة، صرَّح به أكثرُ الأصحاب، وتركه المؤلف لظهوره؛ لأنَّه إذا وجبت حمايتهم من المسلمين؛ فلَأَنْ يَجِبَ من أهل الذِّمَّة بطريق الأَوْلَى.

فعلى هذا: لو أتلف من المسلمين

(4)

، أو أهل الذِّمَّة عليهم

(5)

شَيئًا؛ فعليه

(6)

ضمانُه.

(دُونَ غَيْرِهِمْ)؛ أي: ليس

(7)

عليه حمايتُهم من أهل الحرب، ولا حمايةُ بعضهم بعضًا؛ لأِنَّ الهدنةَ الْتِزامُ الكَفِّ عنهم فقط.

(1)

في (ح): إخباره.

(2)

في (ح): إخبارًا.

(3)

في (ح): أمنه.

(4)

في (أ): المسلم.

(5)

قوله: (عليهم) سقط من (ب) و (ح).

(6)

في (ح): فعليهم.

(7)

في (أ): أيسر.

ص: 587

(وَإِنْ سَبَاهُمْ كُفَّارٌ آخَرُونَ)؛ بأنْ أغاروا عليهم، أو سَبَى بعضُهم بعضًا؛ (لَمْ يَجُزْ لَنَا شِرَاؤُهُمْ) في الأصحِّ؛ لأنَّ الأمانَ يقتضي رفع الأذى عنهم، وفي استرقاقهم أذًى لهم بالإذْلال بالرِّقِّ؛ فلم يَجُزْ كَسَبْيِهمْ، والواحِدُ كالكُلِّ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَلزَم الإمامَ استنقاذُهم.

وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين روايةً منصوصةً: لنا شراؤهم من سابِيهِمْ

(1)

، وذَكَرَه في «الشَّرح» احتِمالاً؛ لأِنَّه لا يجب عليه الدَّفع عنهم، فلا يَحرُم اسْتِرْقاقُهم، بخلاف أهل الذِّمَّة.

وينبني عليهما: لو ظهر المسلمون على الذين أسروهم، وأخذوا مالَهم، واستنقذوا ذلك منهم؛ لم يلزمه ردٌّ على الثَّاني، لا الأوَّلِ.

ويجوز لنا شراءُ ولدهم وأهلهم منه إذا باعه؛ كحرب

(2)

.

وعنه: يحرم كذمَّةٍ، ولأِنَّهم في أمانٍ منَّا، وكما لو سَبَى بعضُهم بعضًا فباعه منَّا، بخلاف ما إذا سَبَى بعضُهم ولدَ بعضٍ، وباعه، فإنَّه يصِحُّ.

(وَإِنْ خَافَ نَقْضَ الْعَهْدِ مِنْهُمْ؛ نَبَذَ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ)، بخلاف أهل الذِّمَّة، فيقول لهم: قد نبذت عهدكم، وعُدْتم حربًا؛ لقوله تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفَال: 58]؛ يعني: أعْلِمْهم بنقض العهد حتَّى تصير أنت وهم سواءً في العلم، ويَجِب إعلامُهم قبل الإغارة.

وفي «الترغيب» : إن صدر منهم خيانة؛ فإن علموا أنَّها خيانةٌ؛ اغتلناهم؛ وإلاَّ فوجهان.

فلو نقضه وفي دارنا منهم أحدٌ؛ وجب ردُّه إلى مأمنه؛ لأنَّهم دخلوا بأمانٍ، وإن كان عليهم حقٌّ اسْتُوفِيَ.

(1)

ينظر: الفروع 10/ 316.

(2)

في (ح): الحرب.

ص: 588

وينتقض عهد نساءٍ وذريَّةٍ تبعًا لهم.

وفي جواز قتل رهائنهم بقتلهم رهائننا روايتان.

ص: 589

(بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ)

قال أبو عبيد

(1)

: الذِّمَّةُ الأَمَانُ؛ لقوله عليه السلام: «يسعى بذمَّتهم أدْناهم»

(2)

.

والذِّمَّةُ: الضمان والعهدُ، وهي فِعْلَةٌ من أَذَمَّ يُذِمُّ: إذا جعل له عهدًا.

ومعْنى عقْدِ الذِّمَّة: إقرارُ بعض الكفَّار على كفره، بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملَّة.

(لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا إِلاَّ) من الإمام أو نائبه في الأشهر، وحينئِذٍ: يَجِب عَقْدُها إذا اجتمعت شروطُها، ما لم يَخَفْ غائلةً منهم.

وصفة عقدها: أقررتكم بجزيةٍ، أو يبذلونها، فيقول: أقررتكم

(3)

على ذلك.

والجِزيةُ: مال يُؤخَذ منهم على وجه الصَّغار كلَّ عام، بدلاً عن قتلهم وإقامتهم بدارنا.

(لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمُ: الْيَهُودُ)، واحدهم يهوديٌّ، حذفوا ياء النسبة

(4)

في الجمع؛ كزنج وزِنْجِيٍّ، وفي تسميتهم بذلك أقوالٌ

(5)

؛ لأنَّهم هادوا عن عبادة العجل؛ أي: تابوا، أو لأِنَّهم مالوا عن دين الإسلام، أوْ لأنَّهم

(6)

يتهوَّدون عند قراءة التَّوراة؛ أي: يتحرَّكون، أوْ لِنِسبتهم إلى يهوذ بن يعقوب، بالمعجمة

(7)

، ثمَّ عرب

(8)

بالمهملة، (وَالنَّصَارَى)، واحدُهم نَصْرانِيٌّ، والأنثى

(1)

في: (أ): أبو عبد الله. وينظر: غريب الحديث 2/ 103.

(2)

أخرجه البخاري (317)، ومسلم (1370).

(3)

قوله: (بجزيةٍ، أو يبذلونها، فيقول: أقررتكم) سقط من (أ).

(4)

في (أ): النسبية.

(5)

قوله: (أقوال): سقط من (ب) و (ح).

(6)

في (ح): أنهم.

(7)

في (ب) و (ح): بالعجمية.

(8)

في (أ): عبرت، وفي (ح): عربت. والمثبت موافق لما في المطلع ص 263.

ص: 590

نصرانيَّة، نسبةٌ إلى قريةٍ بالشَّام، يُقالُ لها: نصرانُ، وناصِرةُ، (وَمَنْ يُوَافِقُهُمْ فِي التَّدَيُّنِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؛ كَالسَّامِرَةِ)، وهي قبيلة

(1)

من بني إسرائيل، نُسِب إليهم السَّامريُّ، ويقال لهم في زمننا: سَمَرَة، بوزن شجرة، وهم طائفةٌ من اليهود يتشدَّدون في دينهم، ويخالِفونهم في بعض الفروع، (وَالْفَرَنْجِ)، وهم الرُّوم، ويقال

(2)

لهم: بنو الأصفر، والأشْبه أنَّها مولَّدة، نسبة إلى فَرَنْجة، بفتح أوله وثانيه وسكون ثالثه، وهي جزيرة من جزائر البحر، والنِّسبة إليها فَرَنجيٌّ، ثمَّ حذفت.

والأصلُ فيه: قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله

} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، وقول المغيرة بن شعبة

(3)

لعامِلِ كِسْرى: «أمرَنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتَّى تعبدوا الله وحده، أو تُؤدُّوا الجِزيةَ» رواه أحمدُ والبخاريُّ

(4)

.

والإجْماعُ على قبول الجزية ممَّن بذلها من أهل الكتاب، ومن يَلحَق بهم، وإقرارهم بذلك في دار الإسلام.

(وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ؛ كَالْمَجُوسِ)؛ لأِنَّ عمرَ لم يأخذها

(5)

منهم حتى شهد عندَه عبدُ الرَّحمن بنُ عَوْفٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذَها من مجوس هَجَر» رواه البخاريُّ

(6)

، وفي رواية: أنَّه عليه السلام قال: «سُنُّوا بهم سُنَّةَ أهلِ الكتاب» رواه الشَّافِعيُّ

(7)

.

(1)

في (أ): وممن قبله.

(2)

في (ح): يقال.

(3)

قوله: (وقول المغيرة بن شعبة) في (ح): وقوله.

(4)

لم نقف عليه في مسند أحمد، وقد أخرجه البخاري (3159) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

(5)

في (ح): لم يأخذوا.

(6)

أخرجه البخاري (3156، 3157)، من حديث عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله عنه.

(7)

أخرجه عبد الرزاق (177)، والشافعي في مسنده (1773)، والبزار (1056)، من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟، فقال له عبد الرّحمن بن عوف: أشهدُ لسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«سُنُّوا بهم سنة أهلِ الكتاب» ، وسنده منقطع؛ لأن محمد بن علي لم يلق عمر ولا عبد الرحمن، قاله البزار والدارقطني، ورجح إرساله الدارقطني وابن عبد الهادي وابن الملقن وابن حجر والألباني وغيرهم. ينظر: علل الدارقطني 4/ 299، تنقيح التحقيق 4/ 618، موافقة الخبر 2/ 179، التلخيص الحبير 3/ 352، الإرواء 5/ 88.

ص: 591

وإنَّما قيل: لهم شبهة

(1)

كتابٍ؛ لأنَّه روي أنَّه كان لهم كتابٌ، فرُفِع

(2)

، فصار لهم بذلك شُبْهةٌ أوجبت حَقْنَ دمائهم وأخْذَ الجزية منهم، ولم يَنْتَهِضْ في إباحة نسائهم وحِلِّ ذبائحهم.

(وَعَنْهُ: يَجُوزُ عَقْدُهَا لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ، إِلاَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ)؛ لِمَا رَوَى الزُّهريُّ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صالَحَ عَبَدَة الأوثان على الجزية، إلاَّ مَنْ كان من العرب»

(3)

. وفي «الفنون» : لم أجِدْ أصحابَنا ذكروا أنَّ الوثَنِيَّ يُقَرُّ بجِزيةٍ.

ثمَّ ذكر: أنَّه وجد روايةً بخطِّ أبي سعد البرداني

(4)

: أنَّ عَبَدَةَ الأوثان

(1)

في (ح): شبه.

(2)

رويَ ذلك عن عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في المسند (ص 209)، ومن طريقه ابن زنجويه في الأموال (140)، والبيهقي في الكبرى (18650)، في قصة أخذ عليٍّ رضي الله عنه الجزية من المجوس، وفيها: قال عليٌّ: «أنا أعلم الناس بالمجوس، كان لهم علم يَعلَمونه، وكتاب يدرسونه» ، الأثر بطوله. قال الشّافعي:(حديث نصر بن عاصم عن عليٍّ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم متّصل، وبه نأخذ)، وفيه سعيد بن المَرزبان، ضعّفه الأئمة، قال عنه البخاري:(منكر الحديث). وأخرج ابن زنجويه في الأموال (139)، عن عليٍّ رضي الله عنه قال:«إنّ المجوس كانوا أهل كتاب، فأَجْرُوا فيهم ما تجرون في أهل الكتاب» . وسنده حسن فيما يظهر.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (19259)، أخبرنا معمر، عن الزهري، وهو مرسل صحيح الإسناد.

(4)

في (أ): أبي سعيد البرداني. وهو محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن البرداني، الفقيه الزاهد، أبو سعد، أحد الفقهاء من أصحاب القاضي أبي يعلى، توفي سنة 496 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 1/ 216، المقصد الأرشد 2/ 393.

ص: 592

يُقَرُّون بجزيةٍ، فيُعطِي هذا أنَّهم يقرون على عمل أصنام يعبدونها في بيوتهم، ولم يسمع بذلك في سيرةٍ من سِيَر السَّلَف وبعدها.

واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أخْذها من الكلِّ

(1)

.

ومقتضى ما ذكره: أنَّ عَبَدَة الأوثان من العرب لا تُقبَل منهم؛ لكونهم من رهط النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وشَرُفوا به، فلا يقرون على غير دينه، وغيرهم يُقَرُّ بالجزية؛ لأنَّه يرق

(2)

بالاسترقاق؛ كالمجوس.

(فَأَمَّا الصَّابِئُ؛ فَيُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنِ انْتَسَبَ إِلَى أحَدِ

(3)

الْكِتَابَيْنِ؛ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ)، وقاله جمع؛ لأنَّه قد صار مشارِكًا لأهله في ذلك الكتاب، وإن سُمُّوا باسمٍ آخَرَ؛ لأِنَّ الموافقةَ في الدِّين توجب الموافقة في الحكم.

والمذهب: أنَّهم جنسٌ من النَّصارى، ورُوِي عن أحمدَ أنَّه قال:(إنهم يُسْبِتون)

(4)

، وهو قول عمر

(5)

، وقال مجاهد:(هم بين اليهود والنَّصارى).

(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي: إن لم ينتسب إلى ذلك؛ فليس من أهل الكتاب؛ لأنَّه روي أنَّهم يقولون: إنَّ الفلكَ حيٌّ ناطِقٌ، وإن الكواكب السَّبعة آلهة

(6)

،

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 19/ 22.

(2)

في (ح): يبقى.

(3)

في (ح): إحدى.

(4)

نقل محمد بن موسى: أن أبا عبد الله سئل عن الصابئين، قال: بلغني أنهم يسبتون، فهؤلاء إذا أسبتوا يشبهون باليهود.

ونقل حنبل: قلت لأبي عبد الله: والصابئين؟ قال: هم جنس من النصارى إذا كان لهم كتاب أكل، يعني: من ذبائحهم. ينظر: أحكام أهل الملل ص 364.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (8576)، ومسدد كما في المطالب العالية (3594)، والبيهقي في الكبرى (13989)، عن غضيف بن الحارث قال: كتب عامل إلى عمر: أن قبلنا ناسًا يدعون السامرة يقرؤون التوارة، ويسبتون السبت، لا يؤمنون بالبعث، فما يرى أمير المؤمنين في ذبائحهم؟ فكتب إليه عمر:«هم طائفة من أهل الكتاب، ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب» ، إسناده صحيح، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة 2/ 390:(رجاله ثقات).

(6)

ينظر: أحكام أهل الذمة 1/ 232.

ص: 593

وحينئِذٍ فهم كعبدة الأوثان.

(وَمَنْ تَهَوَّدَ، أَوْ تَنَصَّرَ)، أو تمجَّس (بَعْدَ بَعْثِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ

(1)

صلى الله عليه وسلم؛ فالمذهبُ: أنَّه يُقَرُّ عليه، ويكون كالأصلي في قبول الجزية؛ لأنَّه عليه السلام كان يقبلها منهم من غير سؤالٍ، ولو اختلف الحكم بذلك

(2)

لسأل عنه، ولو وقع لنُقِل.

وعنه: لا يُقبَل منه إلا

(3)

الإسلامُ أو القتل؛ لأنَّه بتركه الدِّين الأوَّل هو مُقِرٌّ ببطلانه، فلا يُقَرُّ على دينٍ باطلٍ غيرِه.

وعنه: يُقَرُّ على غير المجوسيَّة؛ لأِنَّ التَّمَجُّسَ لم يَرِدْ به نَصٌّ، فيبقى على الأصل.

وعُلِم منه: أنَّ الانتقال

(4)

إليها قبل البعثة يكون من أهلها؛ لأنَّ الإسلام أتى وهو على أصل الدين.

وفي «المُذهب» و «التَّرغيب» و «المستوعِب» ، وذكره

(5)

أبو الخطَّاب: قبل البعثة بعد التَّبديل كبعد البعثة، وقدم في «التَّبصرة»: ولو قبل التَّبديل.

(أَوْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ لَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَحَدِهِمَا)؛ كولد الوثني من كتابيَّةٍ؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أصحُّهما: أنَّها تُقبَل منه الجزيةُ إذا اختار دِينَ الآخر؛ لعموم النَّصِّ فيهم، ولأنَّه اختار أفضل الدِّينَينِ، وأقلَّهما كفرًا.

والثَّاني: لا يُقبَل منه سوى الإسلام؛ لأنَّه تعارَض فيه القَبول وعدمه،

(1)

قوله: (محمد) سقط من (أ).

(2)

قوله: (بذلك) سقط من (ح).

(3)

قوله: (إلا) سقط من (ح).

(4)

في (ح): إلا انتقال.

(5)

في (ح): وذكرنا.

ص: 594

فيرجع

(1)

إلى الأصل

(2)

.

(وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ) بنِ وائِلٍ من العرب من ولد ربيعةَ بنِ نِزارٍ، فإنَّهم انتقلوا في الجاهليَّة إلى النَّصرانيَّة، فدعاهم عُمَر إلى بذل الجزية، فأبوا، وقالوا: نحن عربٌ خُذْ منَّا كما يأخذ بعضُكم من بعضٍ باسم الصَّدقة، فقال عمر

(3)

: «لا آخذ

(4)

من مشرِكٍ صدقةً»، فلَحِق بعضهم بالرُّوم، فقال النُّعمان بن زرعة

(5)

: يا أمير المؤمنين، إنَّ القومَ لهم بأْسٌ وشِدَّةٌ، وهم عرَبٌ يأنفون من الجزية، فلا تُعِنْ عليك عدوَّك بهم، وخُذْ منهم الجِزيةَ باسم الصَّدقة، فبعث عمر في طلبهم فردَّهم

(6)

.

(1)

في (ح): فرجع.

(2)

زاد في (ب): (ومحل ذلك إذا اختار من تقبل منه الجزية).

(3)

قوله: (عمر) سقط من (أ).

(4)

قوله: (لا آخذ) في (ح): لآخذ.

(5)

في (ح): ذرعة.

(6)

في (أ): وردهم.

والأثر: أخرجه أبو عبيد في الأموال (71)، والبخاري في التاريخ الكبير (4/ 212)، وابن زنجويه (113)، من طريق مغيرة، عن السفاح بن المثنى، عن زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة بنحوه.

وأخرجه يحيى بن آدم في الخراج (208)، وابن أبي شيبة (10581)، وأبو عبيد في الأموال (70)، وابن زنجويه (111)، والبلاذري في فتوح البلدان (ص 182)، والبيهقي في الكبرى (18795)، من طرق عن أبي إسحاق الشيباني، عن السفاح بن مطر الشيباني، عن داود بن كردوس، قال:«صالحت عمر بن الخطاب عن بني تغلب» ، وذكر نحوه، وفيه:«وعلى أن عليهم العشر مضاعفًا، من كل عشرين درهمًا درهم» .

وأخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 133)، ويحيى بن آدم (207)، والبيهقي في الكبرى (18796)، من طريق السفاح، عن داود بن كردوس، عن عبادة بن النعمان، أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: وذكر نحوه، وفيه:«وعلى أن يسقط الجزية عن رؤوسهم؛ فكل نصراني من بني تغلب له غنم سائمة؛ فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعين شاة؛ فإذا بلغت أربعين سائمة ففيها شاتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت شاة ففيها أربع من الغنم، وعلى هذا الحساب تؤخذ صدقاتهم، وكذلك البقر والإبل إذا وجب على المسلم شيء من ذلك؛ فعلى النصراني التغلبي مثله مرتين» ، ومدار الأثر على سفاح بن مطر الشيباني، وسُمي: السفاح بن المثنى، وظاهر صنيع البخاري أنه ابن مطر، فقد أورد أثرًا من طريق السفاح بن المثنى في ترجمة سفاح بن مطر، قال الحافظ في التقريب:(مقبول)، وبالغ ابن حزم في تضعيف الأثر، بجهالة راويه واضطرابه فيه.

وأخرجه الشافعي في الأم (4/ 300)، والبيهقي في المعرفة (18645)، من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن رجل: أن عمر رضي الله عنه صالح نصارى بني تغلب، وذكر نحوه. ولعل المبهم هو السفاح الشيباني كما تقدم.

ثم قال الشافعي: (وهكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق فقالوا: رامهم على الجزية فقالوا: نحن عرب ولا نؤدي ما تؤدي العجم، ولكن خُذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض - يعنون الصدقة -، فقال عمر رضي الله عنه: «لا، هذا فرض على المسلمين»، فقالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، ففعل، فتراضى هو وهم على أن ضعَّف عليهم الصدقة)، وقال الجصاص في أحكام القرآن (4/ 286) بعد ذكر رواية داود بن كردوس:(وهذا خبر مستفيض عند أهل الكوفة وقد وردت به الرواية والنقل الشائع عملاً)، وسئل أحمد عن نصارى بني تغلب: تُضعَّف عليهم على ما فعل عمر رضي الله عنه؟ قال: (نعم)، وقال في رواية علي بن سعيد:(أهل الكتاب ليس عليهم في مواشيهم صدقة، ولا في أموالهم، إنما تؤخذ منهم الجزية إلا أن يكونوا صولحوا على أن تؤخذ منهم، كما صنع عمر رضي الله عنه بنصارى بني تغلب، حين أضعف عليهم الصدقة في صلحه إياهم). ينظر: أحكام أهل الملل للخلال ص 68.

ص: 595

(وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِثْلَيْ مَا تُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)؛ لأنَّ تمامَ حديثِ عمرَ: «أنَّه ضعَّف عليهم من الإبل في كلِّ خمسٍ شاتان، وفي

(1)

كلِّ ثلاثين بقرةً تَبِيعان، وفي كلِّ عشرين دينارًا دينارٌ، وفي كلِّ

(2)

مائَتَيْ درهمٍ عشرةُ دراهمَ، وفيما سَقَت السَّماءُ الخُمُسُ، وفيما سقي بنضْحٍ أو دولاب العُشر»

(3)

، واستقرَّ ذلك من قوله، ولم يُنكَر؛ فكان كالإجماع.

وفي عبارته تسامُحٌ، والأَوْلى أن يقال: ويُؤخَذُ عِوَضُ الجزية منهم مِثْلَا

(1)

في (ح): في.

(2)

قوله: (كل) سقط من (ح).

(3)

تقدم تخريجه قريبًا 4/ 595 حاشية (6).

ص: 596

زكاة المسلمين.

(وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَصِبْيَانِهِمْ، ومَجَانِينِهِمْ)، وكذا مَكافِيفُهم، وشيوخُهم؛ لأنَّ اعتبارها بالأنفس سقط، وانتقل إلى الأموال بتقريرهم، فيُؤخَذَ من كلِّ مالٍ زكوي، سواءٌ كان صاحبُه من أهل الجزية أو لم يكن، ولأنَّ نساءهم وصبيانهم صِينوا عن السبي بهذا الصُّلح، ودخلوا في حكمه، فجاز أن يدخلوا في

(1)

الواجب به، كالرِّجال العقلاء.

فعلى هذا: من كان فقيرًا، أو له مالٌ غير زَكَوِيٍّ؛ فلا شَيءَ عليه، كما لا تجب على أهل الزَّكاة من المسلمين، وحينئِذ يتقيَّد بالنِّصاب.

(وَمَصْرِفُهُ

(2)

مَصْرِفُ الْجِزْيَةِ) في الأَشْهَر

(3)

؛ لأنَّه مأخوذٌ من مشركٍ، فكان جزيةً، وغايته: أنَّه جزيةٌ مسمَّاةٌ بالصَّدقة، ولذلك قال عمر:«هؤلاء حَمْقى، رَضُوا بالمعنى وأبَوا الاسم»

(4)

.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَصْرِفُ الزَّكَاةِ)، هذا رواية، واختارها جمْعٌ؛ لأنه مسمَّى بالصدقة، فكان مصرفُه مصرفَها.

والأوَّلُ أقْيَسُ؛ لأنَّ المعنى أخصُّ من الاسم، ولو كان صدقةً على الحقيقة؛ لجاز دفعها إلى فقراء من أخذت منهم؛ كصدقة المسلمين.

(1)

في (أ): إلى.

(2)

في (ح): ويصرفه.

(3)

في (أ): الأسهم.

(4)

أورده الموفق في المغني 9/ 344، وذكره ابن الملقن في البدر المنير 9/ 212، والحافظ في التلخيص 4/ 321، عن الرافعي في الشرح الكبير، ولم يعزوه لأحد، وتقدم معناه قريبًا من قول الشافعي:(وهكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق فقالوا: رامهم على الجزية فقالوا: نحن عرب ولا نؤدي ما تؤدي العجم، ولكن خُذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض -يعنون الصدقة-، فقال عمر رضي الله عنه: «لا، هذا فرض على المسلمين»، فقالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، ففعل، فتراضى هو وهم على أن ضعَّف عليهم الصدقة).

ص: 597

(وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِيٍّ غَيْرِهِمْ)، نَصَّ عليه

(1)

، لقوله تعالى:{مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التّوبَة: 29]، ولقوله عليه السلام لِمعاذٍ لمَّا بعثه إلى اليمن:«خُذ من كلِّ حالمٍ دينارًا»

(2)

.

وهم عربٌ، قال الزُّهريُّ:(أول من أعطى الجزية أهل نجران، وكانوا نصارى)

(3)

، وأخذها من أُكَيْدِر دومة وهو عربيٌّ

(4)

، وحكمُها ثابتٌ في كلِّ كتابي، عربيًّا كان أو غيره، إلاَّ ما خُصَّ به بنو تغلِبَ؛ لمصالحة عمر إيَّاهم، فيبقى ما عداهم على مقتضى العموم

(5)

، ولا يصحُّ قياس غيرهم عليهم؛ لأَوْجُهٍ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَيَهُودِهِمْ)؛ لأِنَّهم من العرب، أشبهوا بني تَغْلِبَ.

وذكر هو وأبو الخطَّاب: أنَّ من تنصَّر من تَنُوخَ، وتهوّد من كِنانةَ، وتمجَّس من تميمٍ؛ حكم بني تَغْلِبَ سواءً.

وقيل: لا، واختاره المؤلِّف، وحكاه نَصَّ أحمدَ

(6)

.

فرعٌ: للإمام مصالحة مثلهم من العرب إذا خشي ضرره بقوَّة شوكته، وأباها إلاَّ باسم الصدقة

(7)

، مضعَّفةً، نَصَّ عليه

(8)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1022، أحكام أهل الملل ص 68.

(2)

تقدم تخريجه 3/ 225 حاشية (2).

(3)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (67).

(4)

أخرجه البيهقي في الكبرى (18641) من طريق ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وعن عثمان بن أبي سليمان:«أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أَكيدر دومة فأخذوه فأتوا به، فحقَن له دمه وصالَحه على الجزية» ، وسنده حسن.

(5)

قوله: (على مقتضى العموم) في (ب) و (ج): للعموم.

(6)

ينظر: المغني 9/ 346، الفروع 10/ 332.

(7)

في (ح): المصدقة.

(8)

ينظر: المحرر 2/ 184.

ص: 598

(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ)؛ لأِنَّ قتْلهم ممتَنِعٌ؛ لأِنَّهم ليسوا من أهل القتال؛ لقوله تعالى: {قَاتِلُوا} [التّوبَة: 29]، والمقاتَلة إنَّما تكون من اثنين، وكتب عمر إلى أمراء الأجناد:«أنِ اضربوا الجِزْيةَ، ولا تضربوها على النِّساء والصِّبيان» رواه سعيدٌ

(1)

.

(وَلَا امْرَأَةٍ)؛ لِمَا ذكرْنا، فإن بذلتها أُخبرت بأنَّها لا تجب عليها، فإن تبرَّعت بها قُبلت، وتكون هِبَةً تلزم بالقبض، فإن شرطته على نفسها، ثمَّ رجعت؛ فلها ذلك، فإن

(2)

بذلتها لدخول دارنا؛ مُكِّنت بغير شَيءٍ، لكن يشترط أن تلتزم أحكام الإسلام، ويعقد لها الذِّمَّة.

وفي الخنثى المشكل وجهان، جزم في «الشرح»: بأنَّها لا

(3)

تجب؛ لأنَّه لا يعلم كونه رجلاً.

فإن بان رجلاً؛ فللمستقبل، ويتوجَّه: وللماضي.

(وَلَا مَجْنُونٍ)؛ لأنَّه في معنى الصَّبِيِّ.

(وَلَا زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى)، ولا شَيخٍ فانٍ، ولا من هو في معناهم؛ كمن به داءٌ لا يستطيع القتال معه، ولا يرجى زواله؛ لأن الجزية لِحَقْن

(4)

الدَّم، وهؤلاء دماؤهم محقونةٌ بدونها؛ كالنِّساء.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور (2632)، وأخرج عبد الرزاق (10090)، والشافعي في القديم كما في المعرفة للبيهقي (18552)، وأبو عبيد في الأموال (93)، وابن أبي شيبة (32636)، وابن زنجويه في الأموال (143)، ويحيى بن آدم في الخراج (231)، والطحاوي في معاني الآثار (5141)، والبيهقي في الكبرى (18700)، من طرق عن نافع، عن أسلم مولى عمر، وأسانيده صحيحة.

(2)

في (ح): كان.

(3)

قوله: (لا) سقط من (ب) و (ح). والمثبت موافق للشرح الكبير 10/ 414.

(4)

في (ح): أحقن.

ص: 599

(وَلَا عَبْدٍ)؛ لقوله عليه السلام: «لا جِزيةَ على عبدٍ»

(1)

، وعن ابن عمر مثلُه

(2)

، ولأِنَّه مالٌ، فلم تجب عليه كسائر الحيوانات.

ولا فرق بين أن يكون لمسلمٍ؛ لأنَّ إيجابها عليه يؤدِّي إلى إيجابها على المسلم

(3)

؛ لكونه يؤدِّي عنه، أو لكافر، نَصَّ عليه

(4)

، وهو قول أكثر العلماء.

وعنه: تلزمه

(5)

، وتسقط بإسلام أحدهما.

وظاهره: ولو كان مكاتَبًا، قال أحمد: المكاتَبُ عبدٌ

(6)

.

فرعٌ: إذا أُعْتِق العبدُ؛ لزِمتْه الجزيةُ لِمَا يستقبل، سواءٌ كان مُعتِقُه مسلِمًا أو كافرًا.

وعنه: يُقَرُّ بغير جزيةٍ، وضعَّفها الخلاَّلُ.

وعنه: لا جزيةَ عليه إن كان معتقُه مسلِمًا؛ لولايته عليه، كالرِّق.

فإن كان مُعْتَقًا بعضُه؛ فتلزمه بقدر حريته؛ كالإرث في قياس المذهب.

(وَلَا فَقِيرٍ)؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البَقَرَة: 286]،

(1)

لم نقف عليه، وقال ابن حجر:(رُويَ مرفوعًا، ورويَ موقوفًا على عمر، ليس له أصل). ينظر: البدر المنير 9/ 189، التلخيص الحبير 4/ 226.

(2)

ذكره في المغني 9/ 341 عن ابن عمر مثله، وتبعه جماعة من الأصحاب، وذكر ابن القيم في أحكام أهل الذمة (1/ 172)، حديث:«لا جزية على عبد» ، وقال:(وفي رفعه نظر، وهو ثابت عن ابن عمر)، ولم نقف عليه.

وقد روى أبو طالب كما في أحكام أهل الملل للخلال (285)، عن الإمام أحمد أنه قال عن الجزية على العبد: (ليس عليه صدقة، لنصراني كان أو لمسلم، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

في (ح): لمسلم.

(4)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 104.

(5)

في (ح): يلزمه.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4419.

ص: 600

ولأنَّها مالٌ يجب بحلول الحول، فلم يلزم

(1)

الفقير؛ كالزَّكاة، (يَعْجِزُ عَنْهَا)؛ لأِنَّ الجِزْيةَ خَراجُ الرُّؤوس، وإنَّما يؤخذ الخراج بقدر الغَلَّة، وإذا لم يكن له غلة؛ لم تجب؛ كالأرض التي لا تنبت شيئًا.

وظاهره: أنَّه لو كان لا يعجز عنها؛ وجبت؛ لأنَّه في حكم الأغنياء.

وفي الفقير العاجز عنها احتمالٌ بالوجوب؛ كالفقير المعتمِل على الأصحِّ.

تنبيهٌ: لا تلزم راهبًا بصَوْمَعةٍ، ولم يقيِّده في «المحرَّر» و «الوجيز» بها.

وفيه وجْهٌ: تجب؛ لأنَّ عمر بن عبد العزيز فرضها على الرُّهبان، على كلِّ راهِبٍ دِينارَين.

قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: ولا يبقى في يده من المال إلاَّ بُلْغَتُه، وفي اتجاره أو زراعته

(2)

، وهو مخالِطٌ لهم، فيلزمه

(3)

إجماعًا

(4)

.

(وَمَنْ بَلَغَ، أَوْ أَفَاقَ، أَوِ اسْتَغْنَى)، أو عتَق؛ (فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا)؛ أي: من أهل الجزية (بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ)، ولا يُحتاجُ إلى استِئْناف عقدٍ له؛ لأنَّه لم يُنقل تجديدُه لمن ذُكر؛ لكون أن العقد يقع مع سادتهم، فيدخل فيه سائرهم.

وقال القاضي: يخيَّر بين التزام العقد وبين أن يُرَدَّ إلى مأمنه فيجاب إلى ما يختار.

فعلى الأوَّل: (تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ)؛ لأِنَّ الجزية للسنة، (بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ)، فعليه: إن صار أهلاً من

(5)

أوَّل السَّنة؛ أُخِذت منه في آخره، وإن كان

(1)

في (أ): تلزم.

(2)

في (أ): وفي إعارة أو تجارة. والذي في الفروع والاختيارات: (ومن له تجارة أو زراعة وهو مخالط .... يلزمه).

(3)

في (أ): فتلزمه.

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 660.

(5)

في (أ): في.

ص: 601

في نصفه؛ فنصفها على هذا الحساب، ولا يترك حتَّى يُتِمَّ حولاً من حين وُجد سببُه؛ لأنه يُحتاج إلى إفراده بحولٍ، وضبط كلِّ إنسانٍ بحَولٍ يَشُقُّ ويتعذَّر.

(وَمَنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ؛ لُفِّقَتْ إِفَاقَتُهُ)؛ لأِنَّه أمكن من غير مشقَّةٍ، (فَإِذَا بَلَغَتْ) إفاقتُه (حَوْلاً؛ أُخِذَتْ مِنْهُ)؛ لأِنَّ حَولَه لا يَكمُل إلاَّ حينئِذٍ.

(وَيَحْتَمِلُ) -هذا قولٌ في المذهب-: (أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ

(1)

بِقَدْرِ إِفَاقَتِهِ مِنْهُ)؛ لأِنَّها تؤخذ في كلِّ حَولٍ، فوجب الأخذ بحسابه؛ كالمعتق بعضُه.

وقيل: يُعتَبَر الغالِبُ؛ لأِنَّ الأكثرَ له حكمُ الكلِّ.

وقيل: فيمن لا يَنضَبِط أمره خاصَّةً؛ لأِنَّ مراعاةَ ذلك غير ممكِنٍ.

(وَتُقْسَمُ الْجِزْيَةُ بَيْنَهُمْ)؛ أي: بين

(2)

أهل الكتاب ومَن في معناهم، (فَيُجْعَلُ عَلَى الغَنِيِّ: ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا)، وهي أربعةُ دنانيرَ، (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ: أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ)، وهي ديناران، (وَعَلَى الْفَقِيرِ: اثْنَا عَشَرَ)، وهي دينارٌ؛ لفعل عمر ذلك بمَحْضَر من الصَّحابة

(3)

، ولم يُنكَر، فكان كالإجماع.

ويُجاب عن قوله عليه السلام لمعاذٍ: «خُذْ من كلِّ حالمٍ دِينارًا»

(4)

: بأنَّ الفقير كان في أهل اليمن أغلب، ولذلك قيل لمجاهِدٍ: ما شأْنُ أهل الشَّام عليهم أربعة دنانيرَ، وأهل اليمن عليهم دينارٌ؟ قال:(جعل ذلك من أجل اليَسَار)

(5)

.

وبأنَّ الجزية يُرجَع فيها إلى اجتهاد الإمام، وليس التقدير واجبًا؛ لأِنَّها وجَبَتْ صَغارًا وعقوبةً، فاختلفت

(6)

باختلافهم، وليست عِوَضًا عن سكنى

(1)

قوله: (آخر كل حول) هو في (أ): آخر الحول.

(2)

في (أ): من.

(3)

تقدم تخريجه 4/ 550 حاشية (1).

(4)

تقدم تخريجه 3/ 225 حاشية (2).

(5)

علقه البخاري (4/ 96)، ووصله عبد الرزاق (10094)، وإسناده صحيح.

(6)

في (ح): واختلفت.

ص: 602

الدَّار، وإلاَّ لوجبت على النساء

(1)

ومَن في معناهنَّ.

فرع: يجوز أخْذُ القيمة، نَصَّ عليه

(2)

؛ لقوله عليه السلام: «أو عَدْلَه معافر

(3)

»

(4)

، ولتغليب حقِّ الآدَمِيِّ فيها.

ويجوز أخذ ثمن الخمر والخنزير منهم؛ لأنَّه من أموالهم التي نُقرهم على اقتنائها؛ كثيابهم.

(وَالْغَنِيُّ فِيهِمْ: مَنْ عَدَّهُ النَّاسُ غَنِيًّا، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)؛ لأِنَّ المقادير تَوْقِيفِيَّةٌ، ولا توقيف هنا، فوجب ردُّه إلى العُرف؛ كالقَبْض والحِرْز.

وقيل: من ملك نصابًا -وحُكِي روايةً- فهو غنيٌّ؛ كالمسلم.

وعنه: مَنْ مَلَك عشرةَ آلافِ دِينارٍ فهو غنِيٌّ.

(وَمَتَى بَذَلُوا الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ؛ لَزِمَ قَبُولُهُ)؛ لقوله عليه السلام لمعاذ: «ادْعُهم إلى أداء الجزية، فإن أجابوك؛ فاقْبَل منهم وكُفَّ عنهم»

(5)

، (وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ)؛ لأِنَّ الله تعالى جعل إعْطاءَ الجِزْية غايةً لقتالهم، ويَحرُم التَّعرُّض إليهم بأخذ المال.

(وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَوْلِ؛ سَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ)؛ لعموم قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفَال: 38]، وقولِه عليه السلام:«الإسلامُ يَجُبُّ ما قَبْلَه»

(6)

، وعن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «لَيْسَ على المسلم

(1)

في (أ): اليسار.

(2)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 91.

(3)

في (أ): مغافير.

(4)

تقدم تخريجه من حديث معاذ رضي الله عنه 3/ 225 حاشية (2).

(5)

لم نقف عليه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وقد أخرج نحوه مسلم (1731)، من حديث بريدة بن الحُصيب الأسلمي رضي الله عنه في حديث طويلٍ، وفيه:«فإنْ هم أَبوا فسلهم الجزيةَ، فإنْ هم أَجابوك فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم» ، وأخرجه أبو داود (2612)، وابن الجارود (1042)، بلفظ:«فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية» .

(6)

أخرجه أحمد (17827) بسند صحيح، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأخرجه مسلم (121)، بلفظ:«أما علمتَ أنَّ الإسلام يَهدم ما كان قبله، وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنّ الحجّ يهدم ما كان قبله» .

ص: 603

جِزْيةٌ» رواه أبو داودَ والتِّرْمذِيُّ

(1)

، ولأنَّها عقوبة سببها

(2)

الكفرُ، فسقطت بالإسلام.

وفي «الإيضاح» : لا تَسقُط به؛ كسائر الدُّيون.

وظاهِرُه: أنَّه إذا أسْلَم قبل الوجوب؛ لا تؤخذ

(3)

منه بطريق الأَوْلى.

وقيل: تجب بقسطه.

(وَإِنْ

(4)

مَاتَ؛ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) على المذهب؛ لأِنَّها دَينٌ، فلم تسقط به؛ كدَين الآدَمِيِّ، وكما لو طرأ مانِعٌ في الأصحِّ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْقُطُ)؛ لأِنَّها عقوبةٌ، فسقطت به كالحدِّ.

وجوابه: بأنَّه إنَّما سقط الحدُّ؛ لفوات محلِّه بالموت، وتعذر اسْتِيفائِه.

(وَإِنِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ؛ اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا)، ولم تتداخَل؛ كدَين الآدَمِيِّ، ولأِنَّها حَقُّ مالٍ يجب في آخر كلِّ حَوْلٍ، فلم

(5)

تتداخل كالدِّية.

(1)

أخرجه أحمد (1949)، وأبو داود (3053)، والترمذي (633)، وابن عدي (7/ 174)، والدارقطني (4310)، من طرق عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وسنده ضعيف، قابوس بن أبي ظبيان، وهو ضعيف، والحديث أخرجه الطبراني في الأوسط (6682)، من طريق يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش، عن أبي ظبيان ابن عباس به، لم يذكر قابوسًا فيه، لكن يحيى بن عيسى الرملي عامة رواياته مما لا يُتابَعُ عليه كما قاله ابن عدي، وخالفه الثوريُّ، فرواه عن قابوس، عن أبي ظَبيَان مرسلاً، أخرجه ابن زنجويه الأموال (182)، ورجَّحه أبو حاتم والترمذي، والحديث ضعفه الألباني. ينظر: الكامل 9/ 62، تاريخ الإسلام 3/ 951، تهذيب الكمال 23/ 328، ضعيف أبي داود 2/ 441، الإرواء 5/ 99.

(2)

في (أ): سلبها.

(3)

في (أ): لا تسقط.

(4)

في (أ): فإن.

(5)

قوله: (فلم) سقطت من (ح).

ص: 604

(وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ فِي آخِرِ الْحَوْلِ)؛ لأِنَّها مالٌ يتكرَّر بتكرر الحَول، فلم تؤخذ قَبْلَه كالزكاة.

ولا يَصِحُّ شرْطُ تعجيله، ولا يقتضيه الإطْلاقُ، قال الأصحاب: لأنَّا لا نأمن مِنْ

(1)

نقض أمانه، فيسقط حقُّه من العِوَض.

وعند أبي الخطَّاب: يصحُّ، ويقتضيه الإطْلاق.

(وَيُمْتَهَنُونَ عِنْدَ أَخْذِهَا) منهم، (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ، وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ)؛ لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التّوبَة: 29].

وظاهِرُه: أنَّ هذه الصفة مستحقَّةٌ، فلا يقبل

(2)

إرسالُها؛ لزوال الصَّغار، كما لا يجوز تَفْرِقَتُها بنفسه، ولا يَصِحُّ ضمانها.

وقيل: مستحبة

(3)

، فتنعَكِسُ الأحكامُ.

قال في «الشَّرح» : (وقيل: الصَّغار: الْتِزام الجزية وجَرَيَانُ أحكامنا عليهم).

وظاهره: أنهم لا يُعذَّبون في أخذها، ولا يُشْتَطُّ عليهم

(4)

، صرح

(5)

به في «الشَّرح» وغيره.

(وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ

(6)

عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)؛ لِمَا رُوِيَ: «أنَّه عليه السلام ضَرَبَ على نصارى أيْلة ثلاثمائةِ دِينارٍ، وكانوا ثلاثَمِائة نفْسٍ، وأن يضيفوا من مرَّ بهم من المسلمين»

(7)

، وعن عُمَرَ: «أنَّه قضى

(1)

قوله: (من) سقط من (ب) و (ح).

(2)

زيد في (ب): منهم.

(3)

في (ح): مستحقة.

(4)

اشتط الرجل فيما يطلب، أو فيما يحتكم: إذا لم يقتصد. ينظر: تهذيب اللغة 11/ 181.

(5)

في (ح): وصرح.

(6)

في (أ): يشرط.

(7)

أخرجه الشَّافعي في الأمِّ (4/ 189)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (18678)، عن إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن أبي الحويرث: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم

فذكره، مرسلاً، وزاد:«ولا يغشُّوا مسلمًا» ، وهو حديث منقطع كما قاله البيهقي وابن الملقن، والأسلمي متروك. ينظر: البدر المنير 9/ 197.

ص: 605

عليهم ضيافةَ ثلاثةِ أيَّامٍ، وعَلَفَ دوابِّهم، وما يُصلِحُهم»

(1)

، ولأِنَّ في هذا ضَرْبًا من المصلحة.

(وَيُبَيِّنُ أَيَّامَ الضِّيَافَةِ، وَقَدْرَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ، وَالْعَلَفِ، وَعَدَدَ مَنْ يُضَافُ)، كذا في «المحرَّر» ، وقاله القاضي، واقتصر في «الوجيز» على الأوَّلَينِ؛ لأنَّ

(2)

الضِّيافَةَ حَقٌّ وجب فعلُه، فوجب بيانُه كالجزية.

فلو شَرَط الضِّيافة، وأطلق؛ جاز، ذكره في «الكافي» و «الشَّرح» ؛ لأنَّ عمر لم يقدِّر ذلك، وقال:«أطعموهم ممَّا تأكلون»

(3)

.

وقال أبو بكرٍ: الواجِبُ يومٌ وليلةٌ كالمسلمين.

ولا يُكلَّفون إلاَّ من

(4)

طعامهم وإدامهم؛ لكن قال القاضي: لا يَلزَمُهم

(1)

أخرجه ابن عساكر في تاريخه (2/ 183)، وعلقه ابن المنذر في الإشراف (4/ 50)، وفيه راوٍ مبهم.

وأخرج مالك (1/ 279)، ومن طريقه الشافعي في الأم (4/ 190)، وأبو عبيد في الأموال (100)، وابن زنجويه (153)، والبيهقي في الكبرى (18686)، عن نافع، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب:«أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهمًا، مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام» ، إسناده صحيح كما قال ابن كثير في مسند الفاروق 2/ 493.

وأخرجه عبد الرزاق (10096)، من طريق أخرى عن نافع، عن أسلم بلفظ:«وعليهم ضيافة المسلمين ثلاثًا، يطعمونهم مما يأكلون مما يحل للمسلمين من طعامهم، فلما قدم عمر الشام شكوا إليه أنهم يكلفونا الدجاج، فقال عمر: لا تطعموهم إلا مما تأكلون مما يحل لهم من طعامكم» ، وإسناده صحيح.

(2)

في (ح): ولأن.

(3)

تقدم في حاشية (1).

(4)

في (أ): في.

ص: 606

الشَّعير مع الإطلاق، والظاهر: بلى

(1)

للخَيل؛ لأِنَّ العادةَ جاريةٌ به، فهو كالخبز للرَّجل.

مسألةٌ: تُقسَم الضِّيافة بينهم على قدر جزيتهم، فإنْ جَعَل الضِّيافة مكانَ الجزية جاز؛ ويُشتَرط أن يبلغ قدرها أقل الجزية إذا قلنا: هي مقدَّرةٌ؛ لئلاَّ يَنقُص خراجُه عن أقلِّها.

(وَلَا تَجِبُ) الضِّيافةُ (مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ)، ذَكَرَه القاضي؛ لأنَّها أداءُ مالٍ، فلا يلزمهم بغير رضاهم؛ كالجزية.

(وَقِيلَ: تَجِبُ) بغير شرطٍ؛ لوجوبها على المسلمين، فالكافر أَوْلَى، فعلى هذا: تجب ليوم

(2)

وليلةٍ، صرَّح به في «المحرَّر» .

وإن شرطها عليهم، فامتنعوا من قَبولها؛ لم تُعقَدْ لهم الذِّمَّةُ.

فلو قبلوا، وامتنع البعض من القيام بالواجب؛ أُجْبِر عليه، كما لو امتنع الجميعُ، فإن لم يمكن إلاَّ بالقتال؛ قُوتِلوا، فإن قاتلوا؛ انتقَض عهدُهم.

(وَإِذَا

(3)

تَوَلَّى إِمَامٌ، فَعَرَفَ قَدْرَ جِزْيَتِهِم وَمَا شُرِطَ عَلَيْهِمْ؛ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ الخلفاء أقرُّوهم على ذلك، ولم يجدِّدوا لِمَنْ كان في زمنهم عقْدًا، ولأنَّه عقدٌ لازمٌ كالإجارة، وعُقد

(4)

بالاجتهاد فلا ينقض.

قوله: (فعرف

(5)

إمَّا بمباشرته من قبلُ، أو قامت به بيِّنة، أو ظهَرَ، واعْتَبر في «المستوعب» ثبوتَه.

(فَإِنْ

(6)

لَمْ يَعْرِفْ) ذلك؛ (رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ) في وجهٍ؛ لأنَّه لا يمكن

(1)

قوله: (والظاهر: بلى) هو في (أ): والظالم بل.

(2)

في (أ): يوم.

(3)

في (ح): فإذا.

(4)

في (أ): أو عقد.

(5)

في (أ): بعرف.

(6)

في (أ): وإن.

ص: 607

معرفتُه إلاَّ من جهتهم، والظَّاهِرُ صدْقُهم، فإن اتَّهمهم؛ فله تحليفهم لزوال التُّهمة.

(فَإِنْ بَانَ)، أو ظهر (لَهُ كَذِبُهُمْ)، ببيِّنةٍ أو إقرارٍ؛ (رَجَعَ عَلَيْهِمْ) بالنَّقص؛ لوجوبه عليهم بالعَقْد الأوَّل، فكان للإمام المتجدِّد أخْذُه كالأوَّل.

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ مَعَهُمْ)؛ لأِنَّه لا سبيلَ إلى معرفته إلاَّ من جهتهم، وليسوا بمأمونين، ولا من جهة غيرهم؛ لعدم العلم به، فوجب استِئْناف العقد باجتهاده، كما لو لم يكن عقدٌ سابق.

وأطلق الخلاف في «المحرَّر» و «الفروع» .

(وَإذَا

(1)

عَقَدَ الذِّمَّةَ؛ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ، وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ)، فيقول: فلان بن فلانٍ، (وَحِلَاهُمْ)، جمع حِلْيةٍ، والمراد بها: الحِلية الَّتي لا تختلف من طولٍ وقِصَرٍ، وسُمْرةٍ وبياضٍ، أدْعَج العين، أقْنَى الأنف، مقرون الحاجبين ونحوها، (وَدِينَهُمْ) أي: يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مجوسِيًّا.

(وَجَعَلَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا)، وهو القيِّم بأمور القبيلة أو الجماعة، (يَكْشِفُ حَالَ مَنْ بَلَغَ)؛ لأِنَّ الجزية تتجدَّد به (أَوِ اسْتَغْنَى

(2)

، أَوْ أَسْلَمَ

(3)

؛ لأنَّهَا تسقط به، (أَوْ سَافَرَ

(4)

؛ لتعذُّر أخْذها مع السَّفر، (أَوْ نَقَضَ

(5)

العَهْدَ)؛ أي: الذِّمَّة المعقودة له، (أَوْ خَرَقَ

(6)

شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ)، ليفعل

(7)

فيه الإمامُ ما يَجِب فعله، والحاجةُ داعيةٌ إلى معرفة ذلك كلِّه.

(1)

في (ح): وإن له.

(2)

في (أ) و (ب): واستغنى.

(3)

في (أ): وأسلم

(4)

في (أ): وسافر.

(5)

في (أ): ونقض.

(6)

في (أ): وخرق.

(7)

في (أ): فيفعل.

ص: 608

خاتمةٌ: ليس للإمام تغييرُ عقْد الذِّمَّة؛ لأِنَّه عقدٌ مؤبَّدٌ، وقد

(1)

عَقَدَه عمرُ معهم كذلك

(2)

.

واختار ابن عَقيل جوازه؛ لاختلاف المصلحة باختلاف الأزمنة.

وجعله جماعةٌ: كتغيير خَراج وجزية، وكلام المؤلِّف يقتضي الفرق، وسبق ما يدلُّ عليه.

فائدة: مَنْ أُخِذت منه الجزيةُ؛ كُتبت له براءة؛ لتكون حجَّة له إذا احتاج إليها.

(1)

في (ب) و (ح): ووقف.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 550 حاشية (1).

ص: 609

(بَابُ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ)

وأحكامُهم: ما يجب عليهم، أو يجب لهم بعد عقْد الذمة مما يقتضيه عقدُها لهم.

(يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ)، فلو قَتَلَ، أو قطع طرَفًا؛ أُخِذ به كالمسلم، (وَالْمَالِ)، فلو أتلف مالاً لغيره؛ ضمِنه، (وَالعِرْضِ)، وسيأتي؛ لأنَّ الإسلامَ نسخ

(1)

كلَّ حكمٍ يُخالِفه.

(وَ) يَلزَمه (إِقَامَةُ الحُدُودِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ)؛ كالسَّرقة والقَذْف؛ لِمَا في «الصَّحيح» عن ابن عمر: «أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أُتِي برجلٍ وامرأةٍ من اليهود زَنَيَا، فرجمهما»

(2)

، ولأنَّه محرَّمٌ في دينهم، وقد التزَموا حكم الإسلام، فثبت في حقِّهم كالمسلم.

وعنه: إن شاء لم يُقِم حدَّ زنى بعضهم من بعضٍ، اختاره ابنُ حامِدٍ.

ومثلُه قَطْعُ سَرِقةِ بعضهم من بعضٍ.

(دُونَ مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ)؛ كشُرْب الخمر، وأكْل الخنزير، ونكاح ذوات المحارِم للمجوس؛ لأنَّهم يُقَرُّون عليه؛ لأنهَّ يُقال: أقرَّهم على ذلك بإعطاء

(3)

الجزية، ولأِنَّهم يُقَرُّون على كفرهم، وهو أعظم إثْمًا من ذلك، فلَأن يُقَرُّوا على ما ذكرنا بالطريق الأَوْلى، إلاَّ أنَّهم يُمنَعون من إظهاره بين المسلمين؛ لأنَّهم يَتأذَّوْن به.

(وَيَلْزَمُهم التَّمْييزُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ) في أمورٍ، منها:

(فِي شُعُورِهِمْ، بِحَذْفِ مَقَادِمِ رُؤُوسِهِمْ، وَتَرْكِ الْفَرْقِ)؛ أي: يَحلِقون

(1)

في (أ): فسخ.

(2)

أخرجه البخاريّ (3635)، ومسلم (1699).

(3)

في (أ): في عطاء.

ص: 610

مقادِمَ رُؤوسهم، ولا يَفْرُقون شعر الرَّأس فِرقَتين كما يفعله الأشرافُ.

(وَكُنَاهُمْ، فَلَا يتكنَّون

(1)

بِكُنَى

(2)

الْمُسْلِمِينَ؛ كَأَبِي الْقَاسِمِ)، فإنَّها كنية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، (وَأَبِي عَبْدِ اللهِ)، فإنَّها كُنْيةُ كثيرٍ من علماء المسلمين وأئمَّتهم، وكذا ما في معناهما؛ كأبي بكرٍ، وأبي الحسن، ممَّا هو في الغالِب في المسلمين.

ودلَّ على أنَّهم لا يُمنَعون من التَّكنِّي مطلقًا، قال أحمد لطبيبٍ نصرانيٍّ: يا أبا إسحاق

(3)

، واحتجَّ بفعل

(4)

النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وفعل عمرَ، ونقل أبو طالِبٍ: لا بأس به؛ لأنَّ

(5)

النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لِأُسْقُفِّ نَجْرانَ: «يا أبا الحارث أسْلِمْ تَسْلَمْ»

(6)

، وعمر قال:«يا أبا حسَّانَ»

(7)

.

(1)

في (أ): فلا يتكنوا.

(2)

في (ح): وكما هم يتكنوا الكنى.

(3)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 180، أحكام أهل الذمة ص 393.

(4)

في (ح): بفعول.

(5)

قوله: (لأن) سقط من (أ).

(6)

أخرجه ابن المقرئ في معجمه (975)، ومن طريقه الضياء في المختارة (2478)، من حديث أنس رضي الله عنه، وفي سنده إبراهيم بن زكريا، أبو إسحاق الضرير، قال ابن عدي:(حدَّث عن الثِّقات بالبواطيل، وأحاديثه كلُّها أو عامَّتها غير محفوظة)، وأخرجه ابن أبي شيبة (37020) عن قتادة مرسلاً، ولم يذكر فيه: أنسًا رضي الله عنه، ورجح الدارقطني إرساله. ينظر: علل الدارقطني 12/ 140، الكامل 1/ 412، ميزان الاعتدال 1/ 31.

(7)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 180، أحكام أهل الذمة ص 393.

وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (19411)، وأحمد في مسائل مهنى كما في أحكام أهل الملل (1120)، وفي مسائل ابن هانئ (1982)، والخلال في أحكام أهل الملل (1121)، عن يحيى بن أبي كثير: أن عمر بن الخطاب كنى الفرافصة الحنفي، وهو نصراني، فقال له:«أبا حسان» ، وهذا مرسل، واحتج به أحمد.

وأخرجه عبد الرزاق (10196)، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل من كلب يقال له: معروف بن أبي معروف، عن الفرافصة الحنفي، عن أبيه، عن عمر، ومعروف لعله الموصلي، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم.

ص: 611

وفي «الفروع» : يتوجَّه احتمال: يجوز للمصلحةِ، وقاله بعض العلماء، ويحمل ما رُوِي عليه.

فرعٌ: يُمنَعون من اللَّقب؛ كعزِّ الدِّين ونحوه، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(1)

.

(وَرُكُوبِهِمْ)، فلا يركبون الخَيلَ؛ لأنَّها عزٌّ، وهي من آلة الحرب، وأفضل المراكيب، ولهم ركوبُ غيرها، (بِتَرْكِ الرُّكُوبِ عَلَى السُّرُوجِ)، وظاهِرُه: ولو على حمارٍ، (وَرُكُوبِهِمْ عَرْضًا)، رجلاه إلى جانبٍ وظهرُه إلى آخر، (عَلَى الْأُكُفِ)، جمع إِكافٍ، وهي البَراذِع؛ لِمَا روى الخَلاَّل:«أنَّ عمر أمرهم بذلك»

(2)

، وظاهِرُه: قربت المسافة أو بعُدت.

(وِلِبَاسِهِمْ، فَيَلْبَسُونَ ثَوْبًا يُخَالِفُ) سائِر (ثِيَابِهِمْ؛ كَالْعَسَلِيِّ) لليهود

(3)

، (وَالأَدْكَنِ)، هو لباس يَضرِب لونُه إلى السَّواد، كالفاخِتيِّ للنَّصارى.

(وَشَدِّ الْخِرَقِ فِي قَلَانِسِهِمْ

(4)

وَعَمَائِمِهِمْ)، وتكون الخرقة مخالِفةً لهما؛ لتتميز

(5)

مع الثَّوب المخالِف.

(وَيُؤْمَرُ النَّصَارَى بِشَدِّ الزُّنَّارِ فَوْقَ ثِيَابِهِمْ)؛ لأنَّهم إذا شدُّوه من داخل لم يُرَ، فلم يكن له فائدةٌ، لكنَّ المرأةَ تَشُدُّه فوق ثيابها تحت الإزار؛ لأنَّه لو شدته

(6)

فوقه لم يثبت، وغيارها في الخفَّين باختلاف لونهما، فإن أبَوا الغيار لم يجبروا، ونغيِّره نحن.

(وَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمْ خَوَاتِيمُ الرَّصَاصِ، أَوْ جُلْجُلٌ)، وهو الجرس الصغير، (يَدْخُلُ مَعَهُمُ الْحَمَّامَ)؛ ليَحصُل الفرْقُ.

(1)

ينظر: الفروع 10/ 333، الاختيارات ص 459.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 462 حاشية (3).

(3)

في (ح): المهود.

(4)

في (ح): ملابسهم.

(5)

في (ح): ليتميز.

(6)

في (أ) و (ح): شد.

ص: 612

وظاهِرُه: جوازُ دخولها الحمَّام مع المسلمات، وسيأتي.

واقتضى

(1)

ذلك أنَّ لهم لُبسَ الطَّيالِسَة، وهو المذهب؛ لأنَّهم لا يمنعون من فاخر الثِّياب، والتَّمييز حصل بالغِيار والزُّنَّار.

وعنه: المنع، اختاره أبو الخطَّاب؛ لأنَّ المقصود لبس ما فيه الذِّلة والانكسار، لا ضدُّه.

أصل: يَلزَم تمييزُ قبورهم عن قبور المسلمين تمييزًا ظاهرًا؛ كالحياة وأَوْلى، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

.

(وَلَا يَجُوزُ تَصْدِيرُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ)؛ لأنَّ فيه تعظيمًا لهم، وفي معناه: القيامُ لهم.

(وَلَا بَدَاءَتُهُمْ بِالسَّلَامِ)؛ لِمَا روى أبو هُرَيرةَ مرفوعًا: «لا تبدؤوا اليهود ولا النَّصارى بالسَّلام، وإذا لَقِيتُموهم في طريقٍ فاضْطرُّوهم إلى أضْيَقها» متَّفقٌ عليه، وقد عزاه في «الشَّرْحَين» إلى التِّرمذيِّ فقط

(3)

.

وفي الحاجة احتِمالٌ.

ومثله: كيف أنت؟ وكيف أصبحت؟ أو كيف

(4)

حالك؟ نَصَّ عليه

(5)

، وجوَّزه الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(6)

، ويتوجَّه: بالنِّيَّة؛ كما قال له إبراهيم الحربِيُّ:

(1)

في (أ): واقتصر.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 333.

(3)

عزاه المصنِّف إلى الصَّحيحين، وقد أخرجه مسلم (2167)، والترمذي (1602)، ولم نقف عليه في البخاري، وذكر الحميدي:(أنه من أفراد مسلم)، وقال عبد الحق الإشبيلي:(ولم يُخرِّج البخاري هذا الحديثَ)، ولم يذكر المزيُّ البخاريَّ فيمن أخرج الحديث من أصحاب الكتب الستة. ينظر: الجمع بين الصَّحيحين للحميدي 3/ 292، الجمع بين الصحيحين للإشبيلي 3/ 346، تحفة الأشراف 9/ 411.

(4)

في (ح): وكيف.

(5)

ينظر: أحكام أهل الذمة ص 388.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 336، الاختيارات ص 460.

ص: 613

يقول له

(1)

: أكرمك الله؟ قال: نعم؛ يعني: بالإسلام

(2)

.

فإن سلَّم، ثمَّ عَلِم أنَّه ذَمِّيٌّ؛ اسْتُحِبَّ قوله له: رُدَّ عليَّ سَلامِي.

(فَإِنْ

(3)

سَلَّمَ

(4)

أَحَدُهُمْ؛ قِيلَ لَهُ: وَعَلَيْكُمْ)؛ لِمَا رَوَى أنسٌ مرفوعًا: «إذا سلَّم عليكم أهلُ الكتاب فقولوا: وعليكم» متَّفقٌ عليه

(5)

، ولأحمد: بغير واوٍ

(6)

، وهو مخيَّرٌ بين إثباتها وحذفها

(7)

.

واختلف الأصحابُ في الأَوْلى.

وعند الشَّيخ تقيِّ الدِّين: يرد

(8)

تحيَّته، وأنَّه يجوز: أهلاً وسهلاً

(9)

.

فإن عطس؛ لم يشمِّتْه.

وقال القاضي: يُكرَه، وهو ظاهر

(10)

كلام أحمد

(11)

وابن عَقيلٍ.

فإن شمَّته كافِرٌ أجابه.

(وَفِي) جواز (تَهْنِئَتِهِمْ، وَتَعْزِيَتِهِمْ، وَعِيَادَتِهِمْ؛ رِوَايَتَانِ)، كذا في «المحرَّر»:

والأشهر

(12)

، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع»: أنَّه يَحرُم؛

(1)

قوله: (له) سقط من (ب) و (ج). وفي (أ): تقول له.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 336.

(3)

في (ح): وإن.

(4)

زيد في (ح): على.

(5)

أخرجه البخاري (6926)، ومسلم (2163).

(6)

أخرجه أحمد (13211).

(7)

في (ح): ودفعها.

(8)

في (أ): ترك.

(9)

ينظر: الفروع 10/ 336، الاختيارات ص 460.

(10)

قوله: (وهو ظاهر) في (ح): وظاهر.

(11)

ينظر: أحكام أهل الذمة ص 394.

(12)

في (أ): الأشهر.

ص: 614

لأنَّ ذلك يُحصِّل الموالاةَ ويُثبت المودَّة، وهو منهيٌّ عنه للنَّصِّ

(1)

، ولِمَا فيه من التَّعظيم.

والثَّانية: الجواز؛ لِما رَوَى أنسٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عاد يهوديًّا، وعرض عليه الإسلام فأسلم، فخرج وهو يقول:«الحمد لله الذي أنقذه من النَّار» رواه البخاريُّ

(2)

، ولأِنَّه من مكارم

(3)

الأخلاق.

والثالثة

(4)

: يجوز لمصلحةٍ راجحةٍ؛ كرجاء إسلامه، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(5)

، ومعناه اختيار الآجُرِّيِّ، وأنَّه قول العلماء، يُعاد، ويُعرَض عليه الإسلام.

وعلى الجواز: يُدعى له بالبقاء، وكثرة المال والولد، زاد جماعة: قاصدًا كثرة الجزية؛ لأنَّه لا يجوز أن يَقصِد تكثيرَ أعداء المسلمين.

فائدةٌ: كَرِه أحمدُ الدُّعاء لكلِّ أحدٍ بالبقاء ونحوه؛ لأنَّه شَيءٌ فُرغ منه

(6)

، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(7)

.

ويَسْتعْمِله ابنُ عَقيلٍ وغيره، وذكره بعض أصحابنا هنا، وقد صحَّ:«أنَّه عليه السلام دعا لأنسٍ بطول العمر»

(8)

، وقد روى أحمد وغيره من حديث ثوبان:«لا يردُّ القدر إلاَّ الدُّعاء، ولا يَزِيد في العُمُر إلا البر» إسناده ثقاتٌ

(9)

.

(1)

وهو قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} ، كما في الممتع 2/ 356.

(2)

أخرجه البخاري (1356)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(3)

في (ح): بمكارم.

(4)

في (أ): والثانية.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 24/ 265، الاختيارات ص 460.

(6)

ينظر: مسائل عبد الله ص 448، مسائل ابن هانئ 2/ 184.

(7)

ينظر: الاختيارات ص 460.

(8)

أخرجه البخاري (6334، 6344)، ومسلم (2480)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(9)

أخرجه أحمد (22386)، وابن ماجه (90، 4022)، وابن حبان (872)، والحاكم (1814)، ولفظه:«إنَّ الرَّجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه، ولا يردُّ القدرَ إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر» ، وفي سنده: عبد الله بن أبي الجعد، ذكره ابن حبان في الثقات، وفيه جهالة كما قاله ابن القطان والذهبي، وقال ابن حجر:(مقبول)، والحديث صححه ابن حبان والحاكم، وحسَّنه العراقي كما نقله البوصيري، وله شاهد: أخرجه الترمذي (2139)، من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«لا يرد القضاء إلا الدّعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر» ، وفي سنده: فضَّة، أبو مودود البصريُّ، وفيه لين، قال الترمذي:(حسن غريب من حديث سلمان). ينظر: الثقات لابن حبان 5/ 54، ميزان الاعتدال 2/ 400، مصباح الزجاجة 1/ 15، تهذيب التهذيب 5/ 170.

ص: 615

(وَيُمْنَعُونَ تَعْلِيَةَ البُنْيَانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ)؛ لأنَّ الإسلام يَعْلُو ولا يُعلى عليه

(1)

، ولأنَّ فيه ترفُّعًا عليهم، فمُنِعوا منه؛ كالتَّصدير في المجالس، والمنْع منه إنَّما هو على المجاوِر له؛ لأنَّ الضَّرر يَلحَق به سواءٌ لاصقه أو لا.

وظاهره: ولو رضي الجار؛ لأنَّه حقُّ الله تعالى، زاد ابن الزَّاغونيِّ: يدوم على دوام الأوقات، ورضاه يُسقِط حقَّ مَنْ يأتي بعده.

قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: ولو كان البناء لمسلمٍ وذمِّيٍّ؛ لأنَّ ما لا يتمُّ اجتناب المحرَّم إلاَّ باجتنابه فمحرَّم

(2)

.

فلو كانت دارُه في طرف البلد، حيث لا جار، أو كان لهم محلَّةٌ مفرَدةٌ؛ فلا معنى للمطاولة

(3)

، ولا يُمنَع من التَّعلية، قاله في «البُلْغة» وغيرها.

(وَفِي مُسَاوَاتِهِمْ وَجْهَانِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

أحدهما: يجوز، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه لا يُفْضي إلى علوِّ الكفر، ولا إلى اطِّلاعهم على

(4)

عوراتنا.

والثَّاني: المنْع؛ لأنَّه لا يجوز مساواتهم للمسلمين في

(5)

اللِّباس، فكذا

(1)

قوله: (عليه) سقط من (أ).

(2)

في (ح): محرم. وينظر: مجموع الفتاوى 30/ 12، الاختيارات ص 458.

(3)

في (ح): للطاولة.

(4)

في (ب) و (ح): إلى.

(5)

في (ب) و (ح): من.

ص: 616

في البنيان.

(وَإِنْ مَلَكُوا دَارًا عَالِيَةً مِنْ مُسْلِمٍ) بشِراءٍ أو غيره؛ (لَمْ يَجِبْ نَقْضُهَا)؛ لأِنَّهم مَلَكوها بهذه الصِّفة، ولم تُعْلَ شَيئًا

(1)

، وفيه وَجْهٌ؛ لقوله: «ولا نَطَّلِع

(2)

عليهم في منازلهم»

(3)

.

وظاهِرُه: أنَّها إذا مُلِكت من كافرٍ أنَّه يَجِب نَقْضُها؛ لِما ذكرنا.

فلو كان للذِّمِّيِّ دارٌ عاليةٌ، فملك المسلم دارًا إلى جانبها، أو بنى المسلمُ إلى جنب داره دارًا دونها؛ لم يَلزَمْه هدمها في الأصحِّ.

فرعٌ: إذا انهدمت العاليةُ؛ لم تُعَدْ عاليةً، جزم به في «الوجيز» ، زاد في «المحرَّر» و «الفروع»: إلاَّ إذا

(4)

قلنا: تعاد البِيَعة؛ لأنَّه ليس بإحداثٍ، والمنهدم منها ظلمًا كهدمه بنفسه، ذكره القاضي.

وقيل: تعاد

(5)

، واختاره المجْدُ، قال في «الفروع»: (وهو أَوْلى، فلو سقط هذا البناءُ الَّذي تجب

(6)

إزالته على شيءٍ أتلفه، فيتوجَّه الضَّمان، وأنَّه مقتضَى ما ذكروه).

(وَيُمْنَعُونَ مِنْ إِحْدَاثِ الْكَنَائِسِ)، واحدُها كنيسةٌ، وهي مَعْبَدُ النَّصارى، (وَالْبِيَعِ)، قال الجَوهَريُّ: هي للنَّصارى

(7)

، فهما حينئِذٍ مترادفان

(8)

، وقيل: الكنائس لليهود، والبِيَع للنَّصارى، فهما متبايِنان، وهو الأصل؛ أي: يمنعون

(1)

في كشاف القناع 7/ 261: (ولم يعملوا شيئًا).

(2)

في (أ) و (ب): يطلع.

(3)

من كتاب عمر رضي الله عنه في حديث عبد الرحمن بن غنم، وتقدم تخريجه 4/ 462 حاشية (3).

(4)

في (ح): إذ.

(5)

في (ح): يعاد.

(6)

في (ح): يجب.

(7)

ينظر: الصحاح 3/ 1189.

(8)

في (ب) و (ح): يترادفان.

ص: 617

من إحداثهما في دار الإسلام إجماعًا

(1)

؛ لحديث عبد الرَّحمن بن غَنم

(2)

، ولقول ابن عبَّاسٍ: «إنَّما

(3)

مصر مصرته العربُ، فليس لهم أن يبنوا فيه بِيعةً» رواه أحمد، واحتجَّ به

(4)

.

زاد في «المحرَّر» و «الفروع» : إلاَّ فيما شرطوه فيما فُتِح صُلْحًا على أنَّه لنا، نصَّ عليه

(5)

؛ لأنَّه فعل استحقُّوه بالشَّرط، فجاز لهم فعله، كسائر الشروط

(6)

.

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 116.

(2)

وهو كتاب عمر رضي الله عنه، وتقدم تخريجه 4/ 462 حاشية (3).

(3)

كذا في النسخ الخطية، ولفظه كما في الأثر:«أيما» .

(4)

أخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 162)، وعبد الرزاق (10002)، وابن أبي شيبة (32982)، وأحمد كما في أحكام أهل الملل للخلال (967)، وأبو عبيد في الأموال (269)، وابن زنجويه (414)، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث (3/ 1203)، والبيهقي في الكبرى (18716)، وابن عساكر في تاريخه (2/ 182)، ومداره على حنش، حسين بن قيس، أبي علي الرحبي، وهو ضعيف الحديث جدًّا، بل منكر الحديث كما قال أحمد وغيره، قال الحافظ في التلخيص 4/ 323:(وفيه حنش وهو ضعيف)، إلا أن الإمام أحمد احتج بالأثر مرارًا فيما أورده الخلال في جامعه (ص 345)، ونقله عنه ابن القيم في أحكام أهل الذمة (3/ 1181)، ومن ذلك: ما أسنده عن عبد الله بن الإمام أحمد، قال: كان المتوكل إذا أحدث من أمر النصارى ما أحدث، كتب إلى القضاة ببغداد يسألهم، إلى أبي حسان الزنادي وغيره، فكتبوا إليه واختلفوا، فلما قرأه عليه عبد الله، قال: أبعث بما أجابوا فيه هؤلاء إلى أحمد بن حنبل؛ ليكتب إليَّ لما يرى في ذلك، قال عبد الله: ولم يكن في أولئك الذين كتبوا أحدٌ يحتج بالأحاديث إلا أبا حسان الزنادي، واحتج عن الواقدي، فلما قُرئ على أبي عرفه، وقال:(هذا جواب أبي حسان)، وقال:(هذه أحاديث ضعاف)، فأجابه أبي، واحتج بحديث ابن عباس مع مسائل أيضًا. ثم ساق أثر ابن عباس رضي الله عنهما بإسناده. فاحتجاج أحمد به مع تضعيف ما أورده القضاة من أحاديث الباب يدل على قوته عنده، ولعل هذا الحديث هو مراد عبد الله في العلل 2/ 486 فإنه لما ذكر حنشًا قال:(حسين بن قيس، يقال له حنش؛ متروك الحديث، له حديث واحد حسن، روى عنه التيمي في قصة البيع أو نحو ذلك الذي استحسنه أبي). وينظر: التكميل لصالح آل الشيخ ص 73.

(5)

ينظر: المحرر 2/ 185.

(6)

في (ح): المشروط.

ص: 618

وبالجملة فأمصار المسلمين ثلاثةٌ:

أحدها: ما مصَّره المسلمون، كالبصرة، وبغداد، وواسط، فلا يجوز إحداث شيءٍ من ذلك، ولو صُولِحوا عليه.

الثاني: ما فتحه المسلمون عنوة فكذلك؛ لأنَّها صارت للمسلمين، وفي وجوب هدم الموجود وجهان، والمجزوم به عند الأكثر: إقرارهم عليها -وهما في «الترغيب» - إن لم يقرَّ به أحدٌ بجزيةٍ، وإلاَّ لم يَلزَم.

الثَّالث: ما فتحوه صُلْحًا، وهو نوعان:

أحدهما: أن نصالحهم على أنَّ الأرض لهم، ولنا الخراج عنها؛ فلهم إحداثُ ما شاؤوا.

والثَّاني: أن نصالحهم على أنَّ الدار للمسلمين؛ فالحكم فيها على ما يَقَع عليه الصُّلْحُ.

(وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ

(1)

رَمِّ شَعَثِهَا)؛ لأنَّهم يُقَرُّون على بقائها، والمنع من

(2)

ذلك يُفْضِي إلى خرابها بالكُلِّيَّة؛ إذ البناء لا مقام له على الدَّوام بدون

(3)

مرمتها

(4)

، أشبه تَطْيين أسطحتها.

(وَفِي بِنَاءِ مَا اسْتَهْدَمَ مِنْهَا رِوَايَتَانِ):

إحداهما: المنْعُ؛ لأنَّه بناء كنيسة في دار الإسلام، فمنعوا منه؛ كابتداء بنائها.

والثَّانية: يجوز؛ لأنَّه كرمِّ الشَّعث.

وقدَّم في «المحرَّر» : جواز رمِّ شَعثها دون بنائها، وهو ظاهر «الوجيز» و «الفروع» .

(1)

قوله: (من) سقط من (ح).

(2)

في (ح): في.

(3)

في (ح): بدوم.

(4)

في (ح): موتها.

ص: 619

وعنه: منعُهما، اختاره الأكثر، قاله ابنُ هُبَيرة؛ كمَنْع الزِّيادة، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: ولو في الكَيفيَّة، لا أعلى ولا أوسع، اتِّفاقًا

(1)

.

وقيل: إن جاز بناؤها؛ جاز بناءُ بِيعةٍ منهدِمةٍ ببلدٍ فتحناه.

والمذهب: أنَّ الإمام إذا فتح بلدًا فيه بِيعةٌ خرابٌ؛ لم يَجُز بناؤها؛ لأنَّه إحداثٌ لها في حكم الإسلام.

(وَيُمْنَعُونَ) وجوبًا (إِظْهَارَ الْمُنْكَرِ)؛ كالخمر والخنزير؛ فإن فعلوا أتْلَفْناهما، وإلا فلا

(2)

، نَصَّ عليه

(3)

، وإظهارَ عِيدٍ، وصَلِيبٍ، ونكاح مَحرَمٍ، (وَضَرْبِ النَّاقُوسِ)، ونَصَّ أحمدُ: أنَّهم لا يَضرِبون بناقوس

(4)

، ومرادُه: إظْهارُه؛ لأِنَّ في الشُّروط: «ألاَّ نضرب

(5)

بنواقيسنا إلاَّ ضَرْبًا خفيًّا في جَوْف كنائسنا»

(6)

.

(وَالجَهْرِ

(7)

بِكِتَابِهِمْ)؛ أي: بالتوراة والإنجيل، وظاهره: ولو في الكنائس.

وكذا رَفْع أصواتهم على موتاهم.

قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: ومثلُه إظْهارُ أكْلٍ في رمضان؛ لِمَا فيه من المفاسِد

(8)

.

وظهر أنَّه

(9)

ليس لهم إظهار شَيءٍ من شعائر دينهم في دار الإسلام، لا وقت الاستسقاء، ولا لقاء الملوك، ولا غير ذلك، وقاله

(10)

الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(11)

.

(1)

ينظر: الفروع 10/ 340.

(2)

قوله: (وإلا فلا) سقط من (ب) و (ح).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4720، مسائل صالح 2/ 186.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4721، مسائل صالح 2/ 186.

(5)

في (ح): لا يضرب.

(6)

تقدم تخريجه 4/ 462 حاشية (3).

(7)

في (ح): والهجر.

(8)

ينظر: الاختيارات ص 458.

(9)

في (ح): وظهير أنهم.

(10)

في (ب) و (ح): وقال.

(11)

ينظر: الاختيارات ص 460.

ص: 620

(وَإِنْ صُولِحُوا فِي

(1)

بِلَادِهِمْ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ)، أو الخراج

(2)

؛ (لَمْ يُمْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ)؛ لأِنَّ بلدهم ليس ببلد إسلامٍ؛ لعدم ملك المسلمين، فلا يمنعون من إظهار دينهم فيه كمنازلهم، بخلاف أهل الذِّمَّة، فإنَّهم في دار الإسلام، فمُنِعوا منه.

(وَيُمْنَعُونَ دُخُولَ الْحَرَمِ)، نَصَّ عليه

(3)

؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التّوبَة: 28]، والمراد: حَرَم مكَّةَ

(4)

، {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التّوبَة: 28] يريد ضررًا بتأخير الجلب عن الحرم، دون المسجد، يؤيده

(5)

قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسرَاء: 1]؛ أي: من الحرم؛ لأنَّه أُسْرِيَ به من بيت أمِّ هانئٍ، لا من نفْس المسجد

(6)

.

وإنَّما مُنِع منه دون الحجاز؛ لأنَّه أفضلُ أماكن العبادات للمسلمين وأعظمها؛ لأنَّه محلُّ النُّسُك، فوجب أن يمتنع منه من لا

(7)

يؤمن به.

(1)

في (ح): على.

(2)

في (ب) و (ح): والخراج.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4692.

(4)

زاد في (أ): لقوله.

(5)

في (أ): يؤكده.

(6)

أخرجه الطبري في تفسيره (14/ 414)، من حديث أمّ هانئ بنت أبي طالب في مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، أنها كانت تقول: «ما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ وهو في بيتي نائمٌ عندي تلك اللّيلة، فصلّى العشاء الآخرة، ثمّ نام ونِمنا

»، وفيه محمد بن السّائب الكَلبي، وهو متروك بمرّة ساقط، قاله ابن كثير، وعدّ ابن حجر إسراءه من بيت أمّ هانئ من منكرات الكلبي، وأخرجه الطبراني في الكبير (1059)، وفيه: عبد الأعلى بن أبي المساور، وهو متروك منكر الحديث، وأخرج نحوه ابن سعد (1/ 213) عنها وعن ابن عباس رضي الله عنهم، وفيه الواقدي، وهو متَّهم. ينظر: تهذيب الكمال 16/ 368، تفسير ابن كثير 5/ 40، الإصابة 8/ 332.

(7)

قوله: (لا) سقط من (ح).

ص: 621

وظاهره: مطلقًا؛ أي: سواءٌ أُذِن له أو لا، لإقامة أو غيرها.

وقيل: يجوز لضرورةٍ.

وقيل: لهم دخوله، أومأ إليه في رواية الأثرم

(1)

؛ كحرم المدينة في الأشهر.

قال في «الفروع» : (ويتوجَّه احتِمالٌ: يُمنع من المسجد الحرام لا الحرم؛ لظاهر الآية).

وعلى الأوَّل: إذا أراد دخوله ليُسْلِم فيه، أو لتجارةٍ معه ليبيعها؛ مُنِع منه.

(فَإِنْ قَدِمَ رَسُولٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ لِقَاءِ الْإِمَامِ؛ خَرَجَ إِلَيْهِ)؛ لأنَّ الكافِرَ ممنوعٌ من دخول الحرم، فتعيَّن ذلك؛ لأجل الاجتماع، (وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ) في دخوله؛ لأنَّ الإمام ليس له أن يَأْذَن في الممنوع منه، وإن لم يكن بُدٌّ من لقائه؛ بعث إليه من يسمع كلامَه.

(فَإِنْ دَخَلَ؛ عُزِّرَ)؛ لفتكه الحرم بدخوله، ومحلُّه: ما إذا كان عالِمًا بالمنع، فإن كان جاهلاً؛ (وَهُدِّدَ)

(2)

وأخرج.

(فَإِنْ مَرِضَ بِالحَرَمِ

(3)

، أَوْ مَاتَ؛ أُخْرِجَ)؛ لأنَّه إذا

(4)

لم يَجُزْ إقْرارُه في حياته؛ ففي مرضه ومماته أَوْلى؛ لأِنَّ حرمةَ الحرَم أعظمُ منه.

(وَإِنْ دُفِنَ؛ نُبِشَ)؛ لأِنَّه وسيلةٌ إلى إخراج الميت الكافر من الحرم، أشبه ما لو لم يُدفَنْ، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ)؛ لأنَّه مع ذلك يتعذر نقلُه؛ لأنَّ جيفته حصلت بأرض الحرم

(5)

، فترك للمشقَّة، ولم يَسْتَثْنه في «التَّرغيب» .

فرعٌ: إذا صالَحهم الإمامُ بِعِوَضٍ على الدُّخول إليه؛ لم يَصِحَّ، فإن

(1)

ينظر: الفروع 10/ 343.

(2)

في (أ) و (ح): (هدد) بدون الواو، والمثبت موافق لمتن المقنع.

(3)

في (أ): في الحرم.

(4)

قوله: (إذا) سقط من (ب) و (ح).

(5)

في (ب) و (ح): الحجاز.

ص: 622

استوْفاه أو بعضه؛ ملكه.

وقيل: يَرُدُّه عليهم؛ لأنَّ ما استَوْفَوْه لا قيمة له، والعقد لم يوجب العوض؛ لبطلانه.

(وَيُمْنَعُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ بِالْحِجَازِ)، قيل: هو ما بين اليمامة والعَروض، وبين اليمن ونَجْدٍ، وسُمِّيَ به؛ لأنَّه حَجَزَ بين تِهامةَ ونَجْدٍ؛ (كَالْمَدِينَةِ)، وقيل: نصفها

(1)

تهامِيٌّ، ونصفها

(2)

حجازيٌّ، (وَالْيَمَامَةِ)، وتسمى: العَروض، وكان اسمُها حَجْرًا

(3)

، فسمِّيت اليمامةَ باسم امرأةٍ، وقال ابن الأثير:(اليمامة: الصُّقْع المعروف شرقيَّ الحجاز)

(4)

، وهذا يقتضي أن لا تكون من الحجاز، وفيه تكلُّف

(5)

، (وَخَيْبَرَ)، شرقيِّ المدينة؛ لِمَا رَوَى أبو عُبيدةَ بن الجرَّاح: أنَّ آخر ما تكلَّم به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «أخْرِجوا اليهودَ من الحجاز» رواه أحمد

(6)

، وقال عمر: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لَأُخْرِجَنَّ اليهودَ والنَّصارى من جزيرة العرب، فلا أتْرُك فيها إلاَّ مُسْلِمًا» رواه التِّرمذيُّ، وقال: حَسَنٌ صحيحٌ

(7)

، والمراد: الحجاز، بدليل: أنَّه ليس أحدٌ من الخلفاء أخرج أحدًا من اليمن وتيماء، قال أحمدُ:(جزيرةُ العرب: المدينةُ وما والاها)

(8)

.

وكذا اليَنْبُع وفَدَك، ومَخاليفُها معروفةٌ باليمن تسمى بها القرى المجتمعة؛ كالرُّستاق في غيرها.

(1)

في (ح): بعضها.

(2)

في (ح): وبعضها.

(3)

في (أ) و (ب): حرًّا. والمثبت موافق لما في معجم البلدان 2/ 221.

(4)

ينظر: النهاية 5/ 300.

(5)

في (ح): تعلق.

(6)

أخرجه أحمد (1691)، والدارمي (2540)، وأبو يعلى (872)، والطحاوي في المشكل (2759)، وسنده صحيح، قاله الألباني. ينظر: تحذير الساجد (9)، الصحيحة (1132).

(7)

أخرجه مسلم (1767)، والترمذي (1607).

(8)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 56.

ص: 623

وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: منه

(1)

تبوك ونحوها، وما دون المنحنَى، وهو عقبة الصَّوَّان من الشَّام كمَعان

(2)

.

ولهم دخوله، والأصحُّ: بإذن إمامٍ لتجارة.

(فَإِنْ دَخَلُوا لِتِجَارَةٍ؛ لَمْ يُقِيمُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)، قاله القاضي؛ لأنَّ الزائد على الأربعة حدٌّ يُتِمُّ به المسافر، فصار كالمقيم.

والمذهب: أنَّهم لا يقيمون

(3)

فوق ثلاثة أيَّامٍ؛ لأنَّ «عمر أذن لمن دخل تاجِرًا إقامة

(4)

ثلاثة أيَّامٍ»

(5)

، فدلَّ على المنْع في الزَّائد.

فإن كان له دَينٌ حالٌّ؛ أُجْبِر غريمُه على وفائه، فإن تعذَّر؛ جازت الإقامةُ لذلك، فإن كان مؤجَّلاً؛ لم يُمَكَّنْ ويوكِّلُ.

(1)

قوله: (منه) سقط من (ب) و (ح).

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 631.

(3)

في (أ) و (ح): لا يقيموا.

(4)

في (أ): بإقامة.

(5)

أخرجه مالك في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (1864)، والبيهقي في الكبرى (5454)، عن نافع، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، عن عمر رضي الله عنه. وهذا إسناد صحيح متصل.

وأخرجه محمد بن الحسن في الموطأ (873)، وأبو زرعة كما في علل ابن أبي حاتم (3/ 241)، عن مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، أن عمر رضي الله عنه، وذكره. فجعل مكان (أسلم): ابن عمر. وكذا أخرجه موسى بن عقبة كما في أحاديث منتخبة من مغازيه (14).

وأخرجه ابن أبي شيبة (32992)، وأبو عبيد في الأموال (272)، وابن زنجويه (417)، وأبو بكر النجاد في مسند عمر بن الخطاب (37)، من طرق متعددة عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر.

وأخرجه عبد الرزاق (9977)، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن عمر.

فالأثر مروي عن نافع واختلف عليه، فتارة يُروى عنه عن أسلم، وتارة عن ابن عمر، وتارة عن عمر، وصحح أبو زرعة والبيهقي وابن حجر الأول، وقال الحافظ:(وروي عن نافع عن ابن عمر، وهو وهم). ينظر: المعرفة للبيهقي 13/ 385، التلخيص 2/ 117.

ص: 624

(وَإِنْ

(1)

مَرِضَ؛ لَمْ يُخْرَجْ حَتَّى يَبْرَأَ)؛ لأِنَّ الاِنتقالَ يَشقُّ على المريض فهو مقيمٌ ضرورةً.

(وَإِنْ مَاتَ؛ دُفِنَ بِهِ)؛ لأِنَّه موضِعُ حاجةٍ. وفيه وجْهٌ: كالحرم.

(وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ تَيْمَاءَ، وَفَيْدٍ)، بفتح الفاء وياء مثناة بعدها دال

(2)

، وهي من بلاد طَيِّئٍ، (وَنَحْوِهِمَا)؛ لما مرَّ: أنَّ أحدًا من الخلفاء لم يُخرِجْ واحدًا من ذلك.

(وَهَلْ لَهُمْ دُخُولُ المَسَاجِدِ)؛ أي: مساجد الحلِّ

(3)

(بِإِذْنِ مُسْلِمٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما -وهي المذهب-: المنْعُ؛ لأِنَّ «علِيًّا بَصُر بمجوسِيٍّ، وهو على المنبر في المسجد، فنزل وضربه وأخرجه»

(4)

، وهو قول عمر

(5)

، ولأنَّ حدَث الجنابة والحيض يمنع، فالشرك أَوْلى.

والثَّانية: يجوز بإذن مسلِمٍ، صحَّحها في «الكافي» و «الشَّرح» ، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لما روى أحمد

(6)

بإسنادٍ جيِّدٍ، عن الحسن، عن

(1)

في (أ): فإن.

(2)

قوله: (دال) سقطت من (أ).

(3)

في (ح): الحي.

(4)

ذكره في الكافي 4/ 180، والشرح الكبير 10/ 473، وذكره الشيرازي الشافعي في المهذب 3/ 320، ولم نقف عليه. وذكر ابن رجب في الفتح 3/ 393، أنه قد خرَّجه الأثرم. وهو من رواية أم غراب عن علي، وأم غراب اسمها طلحة، وهي مجهولة، قال في التقريب:(لا يُعرف حالها)، وهي من صغار التابعيات ولا تُعرف لها رواية عن أحد من الصحابة.

(5)

تقدم تخريجه 3/ 439 حاشية (5)، وفيه: أن عمر قال لأبي موسى، وكان له كاتب نصراني:«إن لنا كتابًا في المسجد؛ فادعه فليقرأ» ، قال: أبو موسى: إنه لا يستطيع أن يدخل المسجد، فقال عمر رضي الله عنه:«أجنب هو؟» ، قال: لا، بل نصراني، قال: فانتهرني وضرب فخذي، وقال:«أخرجه، وقرأ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)}» ، وإسناده صحيح.

(6)

في (أ): عمر.

ص: 625

عثمانَ بن أبي العاص: «أنَّ وفد ثَقِيفٍ قَدِموا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأنزلهم المسجدَ قبل إسلامهم»

(1)

؛ ليكون أرقَّ لقلوبهم، وكاستئجاره لبنائه، ولا سيما لمصلحة.

وظاهر كلام القاضي: يجوز؛ ليسمعوا الذِّكر، فتَرِقَّ قلوبُهم، ويُرْجَى إسلامُهم.

وقال أبو المعالي: إن شُرط المنْع في عقد ذِمَّتهم مُنِعوا.

وإن كان جنبًا؛ فوجهان.

فلو قصدوها بأكل ونومٍ؛ مُنِعوا، ذكره في «الأحكام السلطانية» .

وقد روي ما يدلُّ على التَّفرقة بين الكتابيِّ وغيره.

تذنيبٌ: تجوز

(2)

عمارةُ كلِّ مسجدٍ، وكسوته، وإشعاله بمال كلِّ كافرٍ، وأن يبنيَه بيده، ذكره في «الرعاية» وغيرها، وهو ظاهر كلامهم في وقفه عليه ووصيته

(3)

له.

فيكون على هذا: العمارة في الآية: دخوله وجلوسه فيه، يدلُّ عليه خبر أبي سعيدٍ مرفوعًا: «إذا رأيتم الرَّجل يعتاد المسجد؛ فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ

} اللآية [التّوبَة: 18]» رواه أحمد وغيرُه

(4)

.

(1)

أخرجه أحمد (17913)، وأبو داود (3026)، والطيالسي (981)، وابن الجارود (373)، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، ورجاله ثقات، إلاَّ أنَّ في سماع الحسن من عثمان بن أبي العاص خلافًا، وقد أثبته ابن معين وابن المديني وأحمد والبزار، ونفاه الحاكم، والحسن مدلِّس كثير الإرسال، وقد عنعن، والحديث أخرجه أبو داود في المراسيل (17)، عن الحسن مرسلاً، وضعفه مرفوعًا الإشبيلي والألباني. ينظر: تخريج أحاديث الكشاف 4/ 139، ضعيف سنن أبي داود 3/ 436، التابعون الثقات للهاجري 1/ 278.

(2)

في (ح): يجوز.

(3)

في (ح): وصفته.

(4)

أخرجه أحمد (11651)، والترمذي (3093)، والدارمي (1259)، وابن خزيمة (1502)، وابن حبان (1721)، والحاكم (770)، من طريق درَّاج أبي السمح عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به، ودرَّاج بن سمعان، أبو السمح المصري، ضعّفه كثير من الأئمَّة، وأحاديثُه عن أبي الهيثم عَنْ أبي سَعِيد الخدريِّ خاصَّةً فيها ضعف كما قاله أحمد وأبو داود، والحديث حسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم، وتعقَّبه الذهبي، فقال:(درَّاج كثير المناكير)، وضعفه الألباني، وعدَّه ابن عدي من مناكير درَّاج، ومما لا يُتابع عليه. ينظر: الكامل لابن عدي 4/ 15، تهذيب الكمال 8/ 477، تمام المنة ص 291.

ص: 626

وفي «الفنون» : واردة على سبب، وهي عمارة المسجد الحرام، فظاهره: المنْع فيه فقط؛ لشرفه.

وذكر ابن الجَوزيِّ في «تفسيره» : أنه يمنع من بنائه وإصلاحه، ولم يَخُصَّ مسجدًا، بل أطلق، وقاله طائفةٌ من العلماء.

ص: 627

(فَصْلٌ)

(وَإِنِ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ) لِبَيعٍ أوْ شِراءٍ، (ثُمَّ عَادَ؛ فَعَلَيْهِ) في تجارته:(نِصْفُ الْعُشْرِ) على المذهب؛ لِمَا رَوَى أنسٌ قال: «أمرني عمر أنْ آخذ من المسلمين

(1)

رُبُعَ العُشْر، ومن أهل الذمة نصفَ العُشر» رواه أحمدُ

(2)

، وروى أبو عُبيدٍ:«أنَّ عمر بعث عثمان بن حُنَيف إلى الكوفة، فجعل على أهل الذِّمَّة في أموالهم الَّتي يختلفون فيها في كلِّ عشرين درهمًا درهمًا»

(3)

، وهذا كان بالعراق، واشتهر وعُمِل به، ولم يُنكَر، فكان كالإجماع.

وعنه: يلزمهم العُشر، جزم به في «الواضح» .

وظاهره: ولو كانت امرأةً، وهو أحد الوجهين، قدَّمه في «المحرر» ؛ لأنَّه حقٌّ واجبٌ، فاستويا فيه كالزَّكاة.

وقال القاضي: لا عُشر عليها؛ لأنَّها محقونة الدَّم، لها المقام في دار الإسلام بغير جزيةٍ، فلم تعشَّر تجارتها كالمسلم، إلاَّ أن تكون تجارتها بالحجاز، فتعشَّر كالرَّجل.

(1)

في (ب)(ح): المسلم.

(2)

أخرجه أحمد كما في أحكام أهل الملل للخلال (204)، وأخرجه أبو نعيم في مسند أبي حنيفة (ص 252)، وأبو يوسف في الآثار (442)، وعبد الرزاق (7072)، وأبو عبيد في الأموال (1657)، والطحاوي في معاني الآثار (3066)، والبيهقي في الكبرى (18764)، من طرق متعددة عن أنس بن سيرين، عن أنس رضي الله عنه. وأسانيده صحاح.

(3)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (172)، ومن طريقه ابن زنجويه (256)، وأخرجه عبد الرزاق (10128)، وابن أبي شيبة (10583)، والبيهقي في الكبرى (18382)، عن أبي مجلز: أن عمر بعث عثمان بن حُنيف، وذكره. قال أبو زرعة في أبي مجلز لاحق بن حميد:(حديثه عن عمر مرسل). ينظر: جامع التحصيل ص 296.

ص: 628

وردَّه المؤلف: بأنَّ هذا لا يُعرف عن أحمد، ولا يقتضيه مذهبه.

وعنه: يلزم التَّغلبي، جزم به في «الترغيب»

(1)

، ويؤخذ منه ضِعْفُ ما يؤخذ من أهل الذِّمَّة.

وقدَّم في «المحرَّر» : لا شَيءَ عليه؛ لأنَّ نصف العُشر وجب في أموالهم بالشَّرط، فلا يؤخذ مرَّةً أخرى؛ كسائر أهل الذِّمَّة.

وظاهره: أنَّه لا شَيءَ عليه في غير مال التِّجارة، فلو مرَّ بالعاشر منهم منتقل معه أمواله وسائمته؛ فلا شَيءَ عليه، نَصَّ عليه

(2)

، إلاَّ أن تكون الماشية للتِّجارة فيؤخَذ منها.

(وَإِنِ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إِلَيْنَا؛ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ)؛ لأِنَّ «عمرَ أخذ من أهل الحرب العُشْرَ»

(3)

، واشتهر، ولم يُنكَرْ، وعَمِل به الخلفاء بعده.

وقيل: نصفه.

وكذا حكم المستأمن إذا اتَّجر إلى بلد الإسلام.

(وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ)، نَصَّ عليه

(4)

، وهو اختيار المعظَم؛ لأنَّه مالٌ يجب فيه حقٌّ بالشرع، فاعتُبِر له النِّصاب؛ كزكاة الزَّرع.

ثمَّ بيَّن مقدارَه وهو عشَرةٌ؛ لأِنَّ ذلك مالٌ يبلغ واجبه نصف دينارٍ، فوجب كالعشرين

(5)

في حقِّ المسلم.

وعنه: نصابه عشرون دينارًا؛ لأِنَّ الزكاة لا تَجِبُ في أقلَّ منها، فلم يجب على الذِّمِّيِّ شَيءٌ كاليسير.

(1)

قوله: (جزم به في «الترغيب») سقط من (ب) و (ج).

(2)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 67.

(3)

تقدم تخريجه 4/ 628 حاشية (3) من حديث أبي مجلز عن عمر رضي الله عنه.

(4)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 63.

(5)

في (ب) و (ح): كالعشر.

ص: 629

وقيل: يؤخذ منه وإن قلَّ.

ونقل

(1)

صالح: العشرين للذِّمِّيِّ، والعشرة للحربِيِّ

(2)

؛ لأِنَّه أوَّلاً أقل مال له نصف عشرٍ صحيحٌ، وثانيًا أقلُّ مالٍ له عُشرٌ صحيحٌ، فوجب ألاَّ ينقص عنهما كالجزية.

وقال أبو الحسين: يعتبر للذِّمِّيِّ عشرة، وللحربِيِّ خمسةٌ.

فرْعٌ: يَمنَعُ الدَّين أخْذه؛ كالزكاة

(3)

، إن ثبت ببيِّنةٍ.

وفي تصديقه بجارية مرَّ بها

(4)

بأنَّها بنته، أو أهله؛ روايتان.

وفي «الرَّوضة» : لا عُشْر عن زوجته وسُرِّيَّته.

(وَيُؤْخَذُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً)؛ نَصَّ عليه

(5)

؛ لِما رُوِي: أنَّ نَصْرانيًّا جاء إلى عمر فقال: إنَّ عامِلَك عشَّرني

(6)

في السَّنة مرَّتَينِ، قال:«ومن أنت؟» قال: أنا الشَّيخ النَّصرانيُّ، فقال عمر:«وأنا الشَّيخ الحنيف» ، ثمَّ كتب إلى عامله:«ألاَّ تعشِّر في السَّنة إلاَّ مرَّةً» رواه أحمد

(7)

، ولأنَّ الجزيةَ والزَّكاةَ إنَّما تُؤخَذ في السنة

(8)

مرَّةً، فكذا هذا.

(1)

في (ح): وإن نقل.

(2)

ينظر: مسائل صالح 3/ 124.

(3)

في (ح): الزكاة.

(4)

في: (أ): سر بها معه.

(5)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 62.

(6)

في (أ) و (ب): عشر.

(7)

أخرجه أحمد كما في أحكام أهل الملل (200)، وابن أبي شيبة (10589)، عن إبراهيم النخعي، وذكر القصة. وهو مرسل، ومراسيل إبراهيم من أحسن المراسيل كما يقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 31/ 353.

وأخرجه أبو عبيد في الأموال (1685)، ويحيى بن آدم في الخراج (211)، والبيهقي في الكبرى (18774)، عن زياد بن حدير، قال: كنت أُعشِّر بني تغلب كلما أقبلوا وأدبروا، فانطلق شيخ منهم إلى عمر، وذكر القصة. وإسناده صحيح.

(8)

زيد في (ب) و (ح): إلا.

ص: 630

وذكر ابنُ هُبَيرةَ عنه: ما لم يشرط أكثر.

وفي «الواضح» : الخُمس.

وذكر المؤلِّف: للإمام تَرْكُه إذا رأى المصلحةَ فيه.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ) والآمِدِيُّ: (يُؤْخَذُ مِنَ الْحَرْبِيِّ كُلَّمَا

(1)

دَخَلَ إِلَيْنَا)؛ لأنَّ سببَه الدُّخولُ إلينا، والشيء يتكرَّر بتكرُّر سببه.

وقال القاضي: لا يُؤخَذ منه شَيءٌ من ميرة

(2)

محتاجٍ إليها؛ لأنَّ في دخولهم نفعًا للمسلمين.

تنبيهٌ: يستثنى من أموال التجارة: ثَمن الخمر والخنزير، فإنَّه لا يُؤخَذ عُشْرُه؛ لأنَّه ليس بمالٍ في حقِّنا.

ونقل الميمونيُّ: بلى

(3)

، جزم به في «الرَّوضة» و «الغُنْيَة» ، وأنَّه يؤخذ عُشْر ثمنه في قول

(4)

عمرَ، رواه أبو عُبَيدٍ، وجوَّد

(5)

أحمدُ إسنادَه

(6)

.

(1)

في (أ): إذا.

(2)

قوله: (من ميرة) في (أ): في مدة. والميرة: الطعام ونحوه، مما يجلب للبيع. ينظر: العين 8/ 295، النهاية 4/ 379.

(3)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 62، المحرر 2/ 187.

(4)

قوله: (قول) سقط من (ح).

(5)

في (أ): وجوز.

(6)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (129)، وأخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 139)، وابن أبي شيبة (10799)، عن إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة: أن بلالاً قال لعمر بن الخطاب: إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج، فقال:«لا تأخذوا منهم، ولكن ولوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن» .

وأخرجه عبد الرزاق (9886)، وأبو عبيد في الأموال (128)، وأحمد كما في أحكام أهل الملل للخلال (173)، وابن زنجويه (198)، عن الثوري، عن إبراهيم، عن سويد، نحوه، ولفظه:«لا تفعلوا، ولكن وَلُّوهم بيعها، فإن اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها، وأكلوا أثمانها» ، إسناده صحيح، إبراهيم بن عبد الأعلى وثقه أحمد وغيره، وقال الحافظ في التقريب:(ثقة)، وقد سئل أحمد عن إسناده كما في أحكام أهل الملل فقال:(إسناد جيد)، واحتج به مرارًا، فلا ندري لِمَ أشار الحافظ إلى تضعيفه في الدراية 2/ 163، بقوله:(وفي إسناده إبراهيم بن عبد الأعلى).

وضعف ابن حزم في المحلى 6/ 447 زيادة إسرائيل: «وخذوا أنتم من الثمن» ، وقال:(وإسرائيل ضعيف)، ولم يصب بل هو ثقة، وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وآخرون.

ص: 631

وقال ابن حامدٍ: ويتخرَّج تعشير ثمن الخمر دون الخنزير؛ لأنَّ الخمرة مباحةٌ في سائر الشَّرائع غير الإسلام.

وذكر القاضي في شرحه الصَّغير: (الذِّمِّيُّ غير التَّغلبي تؤخذ منه الجزية، وفي غيرها روايتان:

إحداهما: لا شيء عليهم غيرها، اختاره شيخنا.

والثَّانية: عليهم نصف العُشر في أموالهم، وعلى ذلك هل يختصُّ بالأموال الَّتي يتَّجِرون فيها إلى غير بلدنا؟ على روايتين:

إحداهما: يختصُّ بها.

والثَّانية: تجب في ذلك، وفيما لم يتَّجروا به في

(1)

أموالهم وثمارهم ومواشيهم).

قال: (وأهل الحرب إذا دخلوا إلينا بأمان تجَّارًا أُخذ منهم العُشر دفعةً واحدةً، سواءٌ عشَّروا أموالَ المسلمين إذا دخلت إليهم أم لا.

وعنه: إنْ فَعَلوا ذلك بالمسلمين؛ فُعِل بهم، وإلاَّ فلا).

(وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ، وَالْمَنْعُ مِنْ أَذَاهُمْ)؛ لأِنَّهم بذلوا الجِزية على ذلك، (وَاسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ)؛ لأِنَّه جرت عليهم أحكامُ الإسلام، وتأبَّد عهدهم، فلزمه ذلك كما يلزمه للمسلمين.

وظاهره

(2)

: ولو لم يكونوا في معونتنا.

وقال القاضي: إنَّما يجب فداؤهم إذا استعان بهم الإمام في قتالٍ فسُبُوا.

(1)

في (ح): من.

(2)

في (ح): فظاهره.

ص: 632

وبكلِّ حال: يبدأ بفداء المسلمين قبلهم؛ لأنَّ حرمة المسلم أعظم.

(وَإِنْ تَحَاكَمُوا إِلَى الْحَاكِمِ مَعَ مُسْلِمٍ؛ لَزِمَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ)؛ لِما فيه من إنصاف المسلم من غيره، أو رَدِّه عن ظلمه، وذلك واجبٌ، ولأنَّ في ترك الإجابة إليه تضْيِيعًا للحقِّ.

(وَإِنْ تَحَاكَمَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، أَوِ اسْتَعْدَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ خُيِّرَ بَيْنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ تَرْكِهِمْ) في الأشهر عنه؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المَائدة: 42]، ولأنَّهما كافِرانِ، فلم يَجِب الحُكمُ بينهما؛ كالمستأْمِنِين.

وعنه: يلزمه الحكمُ والإعداء، قدَّمه في «المحرَّر»؛ لقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المَائدة: 49]، ورفع الظُّلم عنهم واجبٌ، وطريقُه الحُكمُ.

وعنه: مع اختلاف ملَّتهما؛ لأنَّه لا يمكن إنصافُ أحدهما من الآخَر بدون الحكم.

وعنه: يُخيَّر إلاَّ أن يتظالمَا في حقوق الآدميِّين، قال في «المحرَّر»: وهو الأصحُّ عندي؛ لأنَّ عليه رفع

(1)

الظُّلم عنهم كالمسلمين.

ومتى خيرناه؛ جاز

(2)

أن يُعدِّيَ ويحكم بطلب أحدهما.

وعنه: لا يجوز إلاَّ باتَّفاقهما؛ كالمستأمِنين.

(وَلَا يَحْكُمُ إِلاَّ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ)؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المَائدة: 42]، فإذا حكم؛ لزمهم حكمُنا لا شريعتنا.

وظاهِرُه: أنَّهم إذا لم يتحاكَموا إلينا؛ فليس للحاكم أن يتَّبع شَيئًا من

(1)

في (أ) و (ب): دفع.

(2)

في (ح): خيرنا وجاز.

ص: 633

أمورهم، ولا يُدْعَوْن إلى حكمنا، نَصَّ على الكُلِّ

(1)

.

فرعٌ: لا يُحضِر يهوديًا يوم سبت، ذكره ابن عقيل؛ أي: لبقاء تحريمه عليه، وفيه وجهان، أو مطلقًا؛ لضرره بإفساد سبته.

وقال ابن عَقيلٍ: يحتمل أنَّ السَّبت مستثنًى من

(2)

عملٍ في إجارةٍ.

(وَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوعًا)، أو تعاقدوا

(3)

عقودًا (فَاسِدَةً)؛ كخمر ونحوه، (وَتَقَابَضُوا) من الطَّرَفين، ثمَّ أسلموا، أو أتونا

(4)

؛ (لَمْ يُنْقَضْ فِعْلُهُمْ)؛ لأنَّه قد تمَّ بالتَّقابُض، ولأنَّ فيه مشقَّةً وتنفيرًا

(5)

عن الإسلام بتقدير إرادته.

(وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا)، سواءٌ كان من الطَّرَفين أو أحدهما؛ (فَسَخَهُ)؛ لأنَّه لم يتمَّ، فنقض؛ لعدم صحَّته، (سَوَاءٌ كَانَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُهُمْ أَوْ لَا)؛ أي: لو ترافعوا إلى حاكمهم فألزمهم بالتقابض

(6)

؛ لا يلزم إمضاء حكمه؛ لأنَّه لَغْوٌ؛ لعدم شرطه وهو الإسلام.

وقيل: إن ارتفعوا بعد أن ألزمهم حاكمهم بالقبض؛ نفذ، وهذا لالتزامهم بحكمه؛ لا لزومه لهم.

وعنه: لا يُنقض

(7)

في الخمر خاصَّةً إذا قبضت دون ثمنها؛ لأنَّها

(8)

مالٌ بالنِّسبة إليهم، فيصحُّ بيعُها كالأمتعة، فيلزم المشتري دفعه إلى البائع أو وارثه، بخلاف خنزيرٍ؛ لحرمة عينه.

(1)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 122.

(2)

في (أ): في.

(3)

في (ح): تعاقد.

(4)

في (ح): تابوا.

(5)

في (ح): تنفيرًا.

(6)

في (أ): فالتقابض.

(7)

في (ح): لا ينتقض.

(8)

في (أ): لأنه.

ص: 634

فإن أسلم الوارث؛ فله الثَّمَن، قاله في «المستوعب» وغيره؛ لثبوته قبل إسلامه، ونقله أبو داودَ

(1)

.

مسألةٌ: إذا كان لذمي

(2)

على مثله خمرٌ بقرض أو غصب؛ فأيهما أسلم فلا شيءَ له بها، نَصَّ عليه

(3)

؛ لأنَّه إن كان ربُّها لم يكن له أخْذُها؛ لأنَّها محرَّمةٌ عليه، وإن كان الآخَر سقطت من ذمَّته؛ لعدم ماليتها بالنسبة إلى المسلم.

وقيل: إذا لم يُسْلِم ربُّها؛ فله قيمتُها؛ لأنَّها مالٌ كان ثابتًا في ذمته قبل الإسلام، فلا يسقط به كغيره من الدُّيون.

ولو كانت عليه من سَلَمٍ؛ لم يكن لربِّها إلاَّ رأس ماله.

أخرى: إذا تبايعوا بِرِبًا في أسواقنا؛ مُنِعوا منه؛ لأنَّه عائدٌ بفساد نقدنا.

وكذا إن أظهروا بيع مأكولٍ في نهار رمضان كشواء

(4)

، ذكره القاضي.

وأنَّه لا يجوز أن يتعلَّموا الرَّمي.

(وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ؛ لَمْ يُقَرَّ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إِلاَّ

(5)

الْإِسْلَامُ، أَوِ الدِّينُ الذِي كَانَ عَلَيْهِ)، هذا إحدى الرِّوايات، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ الإسلام دينٌ بحق، والدين الذي كان عليه دِينٌ صُولِح عليه، فلم يُقبَلْ منه غيرُهما؛ لاعترافه بأنَّ ما انتقل إليه دينٌ باطلٌ، فلم يقرَّ عليه، أشبه ما لو انتقل إلى المجوسيَّة.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إِلاَّ الْإِسْلَامُ)، هذا رواية؛ لأنَّ الدين الذي كان

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 264.

(2)

في (ب) و (ح): الذمي.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2778.

(4)

في (ح): كشراء. والمثبت موافق للفروع 10/ 352.

(5)

قوله: (إلا) سقط من (ح).

ص: 635

عليه قد اعترف ببطلانه، والدين الذي انتقل إليه كان معترفًا ببطلانه، فلم يبق غير الإسلام، فيجبر عليه.

(فَإِنْ أَبَى) من فعل الواجب عليه؛ (هُدِّدَ وَحُبِسَ)، ولم يقبل في ظاهر المذهب؛ لأنَّه لم يخرج عن دين أهل الكتاب، فلم يقبل؛ كالباقي على دينه.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُقْتَلَ)، هذا رواية

(1)

؛ لعموم قوله عليه السلام: «من بدَّل دِينَه فاقْتُلوه»

(2)

، ولأنَّه انتقل إلى دينٍ لا يقرُّ عليه، أشبه المسلم إذا ارتدَّ.

وفي استتابته وجهان.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقَرُّ)، هذا ظاهر الخِرَقِيِّ، واختاره الخلاَّل وصاحبُه؛ لأنَّه دين أهل الكتاب، فأُقِرَّ عليه كأهله.

فرعٌ: إذا كذَّب نصرانيٌّ بموسى؛ خرج من النَّصرانيَّة؛ لتكذيبه بعيسى

(3)

، ولم يُقَرَّ، لا يهوديٌّ بعيسى.

وإن تزندق الذِّمِّيُّ؛ لم يقتل

(4)

؛ لأجل الجزية، نقله ابن هانِئٍ

(5)

.

(وَإِنِ انْتَقَلَ) الكتابي

(6)

(إِلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوِ انْتَقَلَ الْمَجُوسِيُّ إِلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لَمْ يُقَرَّ)؛ لأنَّه انتقل إلى دينٍ لا يُقَرُّ عليه بالجزية؛ كعَبَدَة الأوثان، (وَأُمِرَ أَنْ يُسْلِم)؛ لأِنَّ كلَّ أحدٍ مأمورٌ بذلك، لا سيما مَنْ لا كتاب له، ولا شبهة كتاب.

والمنصوص

(7)

، واختاره الخَلاَّل وصاحبه: أنه لا يُقبَل منه إلاَّ

(1)

قوله: (لأنَّ الدين الذي كان عليه قد اعترف ببطلانه .. ) إلى هنا سقط من (أ).

(2)

أخرجه البخاري (6922)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

في (ب) و (ح): عيسى.

(4)

في (أ) و (ح): يقبل.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 123.

(6)

قوله: (الكتابي) سقط من (ح).

(7)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 271.

ص: 636

الإسلام

(1)

؛ لأنَّ غيرَه أديانٌ باطلةٌ، فلم يُقَرَّ عليها لإقراره ببطلانها؛ كالمرتدِّ.

(فَإِنْ أَبَى؛ قُتِلَ) لأِنَّه انتَقَل إلى أدْنَى من دينه.

وعنه: لا يُقبَل منه إلاَّ الإسلام أو الدِّين الذي كان عليه؛ لأنَّه أُقِرَّ عليه أوَّلاً، ولم يَنتَقِلْ إلى خَيرٍ منه، فنقرُّه إن رجع إليه.

وفي ثالثةٍ: أو دِين أهل كتاب؛ لأنَّه دِينٌ يُقَرُّ عليه كغيره

(2)

.

(وَإِنِ انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ) كالمجوسيِّ (إِلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ أُقِرَّ) على المذهب؛ لأِنَّه أعلى وأكمل من دينه؛ لكونه يُقَرُّ عليه أهله، وتُؤكَل ذبائُحهم، وتَحِلُّ مُناكَحَتُهم.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إِلاَّ الْإِسْلَامُ)، هذا روايةٌ؛ لأِنَّه أَقَرَّ ببطلان دينه بعد أن كان مُقِرًّا ببطلان ما سواه.

وفي ثالثةٍ: لا يُقبَل منه إلاَّ الإسلامُ، أو الدِّين الذي كان عليه؛ لِمَا تقدَّم.

(وَإِنْ تَمَجَّسَ الْوَثَنِيُّ فَهَلْ يُقَرُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: يُقَرُّ، وذكر في «الشَّرح» أنَّها الأَوْلى؛ لأِنَّه انتقَل إلى دِينٍ أفضلَ من دينه، أشْبَهَ الوثَنيَّ إذا تَهَوَّد.

والثَّانية: لا يُقَرُّ؛ لأِنَّه انتَقَل إلى دينٍ لا تحلُّ ذبائُحهم ولا تُنكَحُ نساؤهم، أشْبَهَ ما لو انتقل إلى عبادة الشَّمس، والفَرْقُ ظاهِرٌ.

تنبيه: مَنْ جُهِلَ حالُه وادَّعى أحدَ الكتابَينِ؛ أُخِذت منه الجِزيةُ في الأصحِّ.

وعنه: وتحل

(3)

مُناكَحَته وذبيحته، كمن أَقرَّ بتهوُّدٍ أو تنصُّرٍ متجدِّدٍ.

(1)

في (ب) و (ح): إسلام.

(2)

قوله: (أو دين أهل كتاب؛ لأنه دين يقر عليه كغيره) سقط من (ح).

(3)

في (ب): ولا تحل.

ص: 637

(فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ)

(وَإِذَا امْتَنَعَ الذِّمِّيُّ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ)، أو الصَّغار، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(1)

، (أَوِ التِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ؛ انْتَقَضَ عَهْدُهُ)؛ لأِنَّ الله تعالى أمر بقتالهم حتَّى يُعطُوا الجِزيةَ ويَلْتَزِموا أحكام الملَّة الإسلاميَّة؛ لأِنَّها نَسَخَت كلَّ حكمٍ يُخالِفُها، فلا يجوز بقاء العهد مع الاِمْتِناع.

زاد في «المغني» و «الشَّرح» : إذا حكم بها حاكِمٌ. ولم أرَه في غيرهما.

وسواء شُرِط عليهم ذلك أو لا.

وكذا إذا قاتلَنا، والأَشْهَر: أو لَحِق بدار الحرب مقيمًا؛ لأِنَّه صار حَرْبًا لنا؛ لدخوله في جُمْلة أهل الحرب.

(وَإِنْ تَعَدَّى عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلٍ)، وقيَّده أبو الخطَّاب في «خلافه الصَّغير»: بالعمد، (أَوْ قَذْفٍ، أَوْ زِنًى) بمسلمة، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: ولو لم يَثبُت ببيِّنةٍ، بل اشتهر بين المسلمين

(2)

، وفيه شَيءٌ، (أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ تَجَسُّسٍ، أَوْ إيواءِ جَاسُوسٍ، أَوْ ذَكَرَ اللهَ تَعَالَى، أَوْ كِتَابَهُ، أَوْ رَسَولَهُ

(3)

بِسُوءٍ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: يَنتقِض، اختاره القاضي والشَّريف، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرر» في غير القذْف؛ لِمَا رُوِي عن عمرَ: أنَّه رُفِع إليه ذِمِّيٌّ أراد استكراه مسلمةٍ على الزنى، فقال:«ما على هذا صالَحْناكم» ، وأمر به فصُلِب في بيت المقْدِس

(4)

، وقيل لابن عمر: إنَّ راهبًا يَشتُم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

(1)

ينظر: الفروع 10/ 352، الاختيارات ص 461.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 352، الاختيارات ص 426.

(3)

في (ح): ورسوله.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (28837)، وأبو عبيد في الأموال (486)، وابن زنجويه (708)، والحارث في مسنده (520)، وابن وهب كما في مسند الفاروق (2/ 496)، والخلال في أحكام أهل الملل (764)، والبيهقي في الكبرى (18712)، وابن عساكر في تاريخه (47/ 40)، من طرق عن مجالد، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة، وذكر القصة. ومجالد بن سعيد ضعيف، وقد تابعه ابن أشوع: أخرج أحمد كما في أحكام أهل الملل (763)، والطبراني في الكبير (64)، وابن عساكر في تاريخه (47/ 39)، عن ابن أشوع، عن الشعبي، عن عوف بن مالك. رجاله ثقات، قال ابن عساكر:(الشعبي لم يسمعه من عوف، إنما رواه عن سويد بن غفلة عن عوف)، وعلى هذا؛ فالأثر صحيح عن عمر رضي الله عنه، وقد احتج به أحمد مرارًا كما في أحكام أهل الملل.

ص: 638

«لو سمِعْتُه لقتلْتُه، إنَّا لم نُعْطِ الأمانَ على هذا»

(1)

، ولأنَّ

(2)

في ذلك ضرَرًا على المسلمين، أشْبَه الاِمْتِناع من الصَّغار.

والثَّانية: لا يَنتقِضُ؛ لأِنَّه لا يَجِب عليهم تَرْكُه، فلم يَنتقِض بفِعله، قاله ابن المنجَّى، وفيه نظرٌ.

فعلى هذا: يُقام عليه الحدُّ فيما يُوجِبُه، ويُقتَصُّ منه فيما يُوجِب القِصاصَ، ويُعزَّر فيما سوى ذلك؛ لأِنَّ ما يقتضيه العهدُ باقٍ.

ونَصُّه فِيمَنْ قذف مسلِمًا، أو آذاه بسحر في تصرُّفاته؛ كإبطال بعض أعضائه: أنَّه لا يَنتقِض

(3)

؛ لأِنَّ ضرَرَه لا يَعُمُّ المسلمين، أشبه ما لو لَطَمَه، بخلاف ما سبق، فإنَّ فيه غَضاضةً على المسلمين، خصوصًا سبَّ

(4)

الله ودِينه ورسوله.

(1)

أخرجه أحمد كما في أحكام أهل الملل (726)، ومسدد كما في المطالب العالية (2031)، وابن أبي شيبة (36280)، والحارث في مسنده (510)، وابن أبي عاصم في الديات (ص 73)، من طريق حصين، عن شيخ عن ابن عمر رضي الله عنهما. فيه رجل مبهم، وقد استدل به أحمد كما في أحكام أهل الملل.

(2)

في (ح): ولا.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 425، أحكام أهل الملل ص 258.

(4)

في (ح): بسبِّ.

ص: 639

والمذهَبُ: أنَّه إذا فتَنَ مسلِمًا عن دينه، أو أصاب المسلمةَ باسم نكاحٍ؛ أنَّه يَنتَقِض.

وذكر جماعةٌ الخلافَ السَّابِقَ مع الشَّرط.

(وَإِنْ أَظْهَرَ مُنكَرًا، أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ)، أو رَكِب الخَيلَ؛ (لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ)؛ لأِنَّ العَقْدَ لا يَقْتَضيهِ، ولا ضَرَر على المسلمين فيه، ولكن يُعزَّر؛ لاِرْتِكابه المحرَّم في نفسه.

(وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ)، وجزم به في «الوجيز»:(أَنَّهُ يَنْتَقِضُ إِنْ كَانَ مَشْرُوطًا عَلَيْهِمْ)؛ لحديث عبد الرَّحمن بن غنم

(1)

، ولأِنَّه عَقْدٌ بشرْطٍ، فزال بزواله، كما لو امْتَنَع من بَذْل الجِزْيةِ.

(وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ بِنَقْضِ عَهْدِهِ)، نَقَلَه عبد الله

(2)

، وجزم به جماعةٌ؛ لأِنَّ النَّقْضَ وُجِد منه دونَهم، فاختَصَّ حُكْمُه به.

وظاهِرُه: لحقوا بدار الحرب أو لا.

وفي «الأحكام السُّلْطانيَّة» : بلى؛ كحادث بعد

(3)

نقضه بدار حَرْبٍ، ولم يُقيِّده في «الفصول» و «المحرَّر» بها.

وفي «العمدة» : يَنتَقِضُ في ذرِّيَّته إن ألحقهم بدار حرب.

ولمن عَلِم منهم بنقضه ولم يُنكِرْ عليه؛ ففيه وجهان.

فلو حملت به أُمُّه، وولَدَتْه بعد النَّقض؛ فإنه يُسْتَرَقُّ ويُسبَى؛ لعدم ثبوت الأَمَان له.

ومن انتقض عهده في نفسه؛ انتقض عهده في مالِه، وسيأتي.

(1)

تقدم تخريجه 4/ 462 حاشية (3).

(2)

ينظر: مسائل عبد الله ص 256.

(3)

في (أ): بل.

ص: 640

(وَإِذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُ؛ خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ الحَرْبِيِّ

(1)

؛ لفِعْل عمر

(2)

، ولأِنَّه كافِرٌ لا أَمَانَ له، أشْبَه الأسيرَ، وكما لو

(3)

دخل متلصِّصًا.

وهذا ظاهِرٌ فيمن نَقَضَه بلحوقه بدار الحرب، ومن نَقَضَه بغيره؛ فنصُّه: يُقتَل

(4)

؛ لأِنَّه فَعَلَ ما يُوجِبه لو كان مسلِمًا.

وكذا إن كان ذِمِّيًّا؛ فقيل: يتعيَّنُ قتْلُه، قدَّمه في «المحرَّر» .

والأَشْهر: أنَّه يخيَّر فيه، وعلى ذلك تشرع

(5)

استتابته بالعَوْد إلى الذِّمَّة؛ لأِنَّ إقرارَه بها جائِزٌ بعد هذا، لكن لا تَجِبُ استِتابَتُه روايةً واحدةً، فمن أسلم حرُم قتْلُه، ذَكَرَه جماعةٌ، وفي «المستوعب»: ورِقُّه.

وإن رَقَّ ثمَّ أسلم؛ بَقِيَ رِقُّه.

وقيل: من نقض عهده بغير قتالنا؛ ألحق بمأْمَنه.

وقولنا: حرُم قتْلُه، هذا في غير السَّابِّ، فإنَّ ابن

(6)

أبي موسى، وابن البنَّاء، والسَّامَرِّيَّ، والشَّيخ تقيَّ الدِّين

(7)

قالوا: بأنَّ سابَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُقتَل ولو أسلم، ونصَّ عليه أحمد لأنَّه قذفٌ لميتٍ، فلا يَسقُط بالتَّوبة.

(وَمَالُهُ فَيْءٌ

(8)

عِنْدَ الْخِرَقِيِّ)، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، وجَزَم به في «الوجيز» ، واختاره المجْدُ؛ لأِنَّ المالَ لا حُرْمةَ له في نفسه، إنَّما هو تابِعٌ

(1)

هنا انتهت النسخة (ب).

(2)

قال في الشرح الكبير 10/ 511: (لأن عمر رضي الله عنه صلب الذي أراد استكراه امرأة)، وتقدم تخريجه 4/ 638 حاشية (4).

(3)

قوله: (لو) سقط من (ح).

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 425، أحكام أهل الملل ص 237.

(5)

في (أ): وعلل ذلك بشرع.

(6)

في (ح): بابن.

(7)

ينظر: الصارم المسلول 1/ 4.

3794 ينظر: مسائل عبد الله ص 372، مسائل ابن منصور 7/ 3395.

(8)

قوله: (فيء) سقط من (ح).

ص: 641

لمالكه حقيقةً، وقد انتَقَض عهدُ المالِك في نفسه، فكذا في ماله.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ)؛ لأِنَّ مالَه كان معصومًا، فلا تَزُول عِصْمتُه بنَقْضِه العَهْدَ؛ كذرِّيَّته.

فإن لم يكن له وارثٌ؛ فهو فَيْءٌ، واللهُ أعلم

(1)

.

(1)

قوله: (والله أعلم) سقط من (ح).

ص: 642