المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(كِتَابُ الْبَيْعِ) (1) والأصلُ فيه قَبْلَ الإجماع قولُه تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} - المبدع شرح المقنع - ط ركائز - جـ ٥

[برهان الدين ابن مفلح الحفيد]

فهرس الكتاب

(كِتَابُ الْبَيْعِ)

(1)

والأصلُ فيه قَبْلَ الإجماع قولُه تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البَقَرَة: 275]، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} ، [البَقَرَة: 282] {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البَقَرَة: 198]؛ أي: في مواسم الحجِّ، قاله ابنُ عبَّاسٍ

(2)

.

ومن السُّنَّة ما رواه رِفاعة: أنَّه خرج مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المصلَّى، فرأى النَّاسَ يتبايَعون، فقال:«يا معشَرَ التُّجَّار» ، فرفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال:«إنَّ التُّجَّار يبعثون يوم القيامة فُجَّارًا، إلاَّ من برَّ وصَدَق» ، قال التِّرمذيُّ:(حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)

(3)

، والمعنى يقتضيه؛ لأنَّ

(4)

حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، ولا يبذله بغير عوضٍ غالِبًا، ففي تجويز البيع طريقٌ إلى وصول كلِّ واحدٍ منهما إلى غَرَضه ودَفْع حاجته.

وهو مصدر: باع يبيع، بمعنى: ملك

(5)

، وبمعنى: اشترى، وكذا شرى يكون للمعْنَيَيْنِ، وقال الزَّجَّاجُ وغيرُه: باع وأباع بمعنىً

(6)

.

واشتقاقه من الباع في قول الأكثر، منهم صاحب «المغني» و «الشَّرح» ؛

(1)

من هنا بدأت النسخة (ظ)، وفي بدايتها:(بسم الله الرَّحمن الرَّحيم ربِّ يسِّرْ وأعن)، وكتب في بداية النسخة (ق): بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر ولا تعسر يا كريم.

(2)

أخرجه البخاري (1770).

(3)

أخرجه الترمذي (1210)، وابن ماجه (2146)، وابن حبان (4910)، والحاكم (2144)، من طريق إسماعيل بن عبيد بن رفاعة بن رافع، عن أبيه، عن جده، وإسماعيل قال عنه الذهبي في الميزان 1/ 238:(ما علمت روى عنه سوى عبد الله بن عثمان بن خثيم، ولكن صحح هذا الترمذي)، وقال ابن حجر:(مقبول)، وصححه ابن حبان والحاكم، والألباني بشواهده في الصحيحة (994).

(4)

في (ح): الآن.

(5)

في (ح): تملكه.

(6)

ينظر: فعلت وأفعلت ص 7.

ص: 5

لأنَّ كلَّ واحد يمدُّ باعه للأخذ والإعطاء.

ورُدَّ: بأنَّه مصدرٌ، وهي غير مشتقَّةٍ على الصَّحيح.

فإن أجيب: بالتزام مذهب الكوفيِّ؛ بأنَّه مشتَقٌّ من الفعل.

رُدَّ: بأنَّه الفعل الَّذي منه المصدر لا فعل مصدرٍ آخر، وبأنَّ الباع عينه واوٌ، بخلاف البيع، فإنَّ عينَه ياءٌ، وشرط الاشتقاق: موافقة الأصل والفرع.

ويجاب عنه: بأنَّ هذا من الاشتقاق الأكبر

(1)

الذي يُلحظ

(2)

فيه المعنى فقط، مع أنَّ بعض المحقِّقين لم يشترطه؛ لقوله تعالى:{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (168)} [الشُّعَرَاء: 168] من الاشتقاق الأكبر؛ لأنَّ «قال» من «القول» ، والقالين من «القِلَى» ، فالحروف لم تتَّفِقْ، والمعنى لم يتَّحدْ، ومن جهة المعنى بالبيع

(3)

في الذِّمَّة؛ لانتفاء مدِّ الباع فيه.

وهو في اللُّغة: أخذ شَيءٍ وإعطاء شيءٍ، قاله ابنُ هُبَيرةَ.

(وَهُوَ) في الشَّرع: (مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ لِغَرَضِ التَّمَلُّكِ)، فدخل فيه: المعاطاة والقرض؛ لأنَّه وإن قُصد فيه التَّملك؛ لكنَّ المقصودَ الأعظمَ فيه الإرفاق.

ويخرج منه الإجارة، وليس بمانعٍ لدخول الرِّبا.

وقال القاضي وابن الزاغونيِّ: هو عبارةٌ عن الإيجاب والقَبول إذا

(4)

تضمَّن عَينين للتَّملُّك، وأبدل السَّامَرِّيُّ عَينين بمالين؛ ليحترِز عمَّا ليس بمالٍ.

وليس بجامع

(5)

؛ لخروج بيع المعاطاة منه، ولا مانِعٍ؛ لدخول الرِّبا فيه.

(1)

في (ح): الأكثر.

(2)

في (ح): أحظ.

(3)

في (ق): فالبيع.

(4)

في (ح): إذ.

(5)

في (ح): بمجامع.

ص: 6

والأَولى فيه: تمليكُ عَينٍ ماليَّةٍ، أو منفعةٍ مباحةٍ، على التَّأبيد، بعِوَضٍ ماليٍّ، غير رِبًا، ولا قرضٍ.

ثمَّ لبيع العين أقسامٌ، ولصحَّته ثلاثة أركانٍ: العاقِدُ، وصيغة العقد، والمعقود عليه.

(وَلَهُ صُورَتَانِ)؛ أي: ينعقد بكلٍّ منهما:

(إِحْدَاهُمَا

(1)

: الِإْيجَابُ)، وهو الصَّادر من قِبَل البائع، (وَالْقَبُولِ)، بفتح القاف، وحكى في «اللُّباب»

(2)

: الضَّمَّ، وهو الصَّادر من قِبَل المشْتَرِي.

(فَيَقُولُ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ، أَوْ مَلَّكْتُكَ، وَنَحْوَهُمَا)؛ ك: وَلَّيتُكَه، أو أشركتك، أو أعطيتك، (وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: ابْتَعْتُ، أَوْ قَبِلْتُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا)؛ ك: أخذتُه، أو اشتريته، أو تملكته

(3)

؛ لأنَّ الإيجابَ والقَبولَ صريحان فيه، فانعقد بهما كسائر الصَّرائح.

وعنه: يتعيَّن: بعت واشتريت فقط؛ لصراحتهما كالنِّكاح.

وفُهِم منه: أنَّ القَبولَ يَعْقُب الإيجابَ.

(فَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الإِيجَابَ

(4)

؛ جَازَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ المعنى حاصلٌ به، فجاز كما لو تأخَّر، وهذا إذا وُجد ما يدلُّ على البيع، فلو قال: قبلت ابتداءً، ثمَّ قال: بعتك؛ لم ينعقد.

والثَّانية: لا يصِحُّ، اختاره الأكثرُ؛ لأنَّ رتبته التَّأخُّرُ، وكنكاحٍ، نَصَّ عليه

(5)

، وذكره في «المحرَّر» روايةً واحدةً، وذكر ابنُ عقيلٍ فيه روايةً.

(1)

في (ح): أحدهما.

(2)

ينظر: اللباب في علوم الكتاب لابن عادل 5/ 178.

(3)

في (ح): تمليكته.

(4)

في (ح): والإيجاب.

(5)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 315.

ص: 7

وعلى الأُولى: فيه تفصيلٌ ذكره في «المغني» و «الشَّرح» و «الفروع» ، إذا تقدَّم بلفظ الماضي؛ ك: ابتعتُ منك؛ فيصحُّ على الأصحِّ، أو

(1)

الطَّلب؛ ك: بِعني بكذا، فيقول: بعتك؛ فالأشهر الصِّحَّةُ.

وعنه: لا ينعقد؛ كما لو تقدَّم بلفظ الاستفهام وفاقًا

(2)

؛ لأنَّه ليس بقَبولٍ ولا استدعاءٍ، وهذه الصُّورة ليست بداخلةٍ في كلام المؤلِّف؛ لأنَّه لا يُسمَّى قَبولاً.

(وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنِ الِإْيجَابِ؛ صَحَّ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) عُرْفًا؛ لأنَّ حالة المجلس كحالة العقد؛ بدليل: أنَّه يُكتفى بالقبض فيه لما يُشترط قبضه، (وَإِلاَّ فَلَا) يصِحُّ فيما إذا تراخى عن الإيجاب حتَّى انقضى المجلسُ؛ لأنَّ العقد إنَّما يَتِمُّ بالقَبول، فلم يتمَّ مع تباعده عنه؛ كالاستثناء.

وكذا إذا تشاغلا بما يقطعه؛ لأنَّهما صارا مُعرِضَينِ عن البيع، أشبه ما لو صرَّح بالرَّدِّ

(3)

.

(وَالثَّانِيَةُ: الْمُعَاطَاةُ)، نَصَّ عليه

(4)

، وجزم به أكثر الأصحاب؛ لعموم الأدِلَّة، ولأنَّ البيع موجودٌ قبل الشَّرع، وإنما علَّق الشَّرع عليه أحكامًا، ولم يُعيِّنْ له لفظًا، فوجب ردُّه إلى العرف؛ كالقبض والحرْز، ولم

(5)

يزل

(1)

في (ق): إذ.

(2)

ينظر: البناية شرح الهداية 8/ 6، مواهب الجليل 4/ 230، المجموع 9/ 169، المغني 3/ 481.

(3)

كتب في هامش (ظ): (ولو كتب إلى غائب ببيع أو غيره؛ صح، ويشترط قبول المكتوب إليه عند وقوفه على الكتاب، ويمتد خيار مجلسه ما دام في مجلس القبول، ويمتد خيار الكاتب إلى انقطاع خيار المكتوب إليه، فلو كتب إلى حاضر؛ فوجهان، المختار منهما تبعًا للسبكي: الصحة).

(4)

ينظر: المغني 3/ 481.

(5)

في (ح): فلم.

ص: 8

المسلمون في أسواقهم وبِياعاتهم

(1)

على ذلك، ولم يُنقل عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابه استعمالُ إيجابٍ وقَبولٍ في بيعهم، ولو استُعمل لنُقِل نقْلاً شائعًا، ولبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعموم البلوى به، ولم يَخْفَ حكمُه.

(مِثْلَ

(2)

: أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّينَارِ خُبْزًا، فَيُعْطِيَهُ مَا يُرْضِيهِ، أَوْ يَقُولَ الْبَائِعُ: خُذْ

(3)

هَذَا بِدِرْهَمٍ، فَيَأْخُذَهُ)؛ لأنَّ الإيجابَ والقَبولَ إنَّما يُرادان للدَّلالة على التَّراضي

(4)

، فإذا وُجد ما يدلُّ عليه من المساومة والمعاطاة؛ قام مقامهما، وأجزأ عنهما؛ لعدم التَّعبُّد فيه.

والثَّانية: لا يصحُّ؛ لأنَّ الرضا أمرٌ خفِيٌّ، فأُنيط بالصِّيغة، وكالنِّكاح.

ولكن يُستثنى

(5)

منه: البيعُ الضَّمين، كما إذا قال: أعتق عبدك على كذا.

(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ هَذَا إِلاَّ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ)؛ أي: في المحقَّرات خاصَّة، وهو روايةٌ، واختارها ابن الجَوزيِّ؛ لأنَّ اعتبار ذلك في

(6)

اليسير يشقُّ، فسقط دفْعًا للمشقَّة.

وأصل ذلك: قوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النِّسَاء: 29]؛ هل المعتبر حقيقة الرِّضا، فلا بدَّ من صريح القول، أو ما يدلُّ عليه، فيُكتفى بما

(7)

يدلُّ على ذلك؟ فيه قولان للعلماء.

قال في «الفروع» : (ومثله: وضع ثمنه عادةً وأخذه)، وظاهره: ولو لم يكن المالكُ حاضِرًا.

(1)

في (ح): وتباعاتهم.

(2)

في (ح): وهو.

(3)

في (ق): بعتك.

(4)

في (ق): الرضى.

(5)

في (ح): استثني.

(6)

زيد في (ح): الشيء.

(7)

في (ح): ما.

ص: 9

أصْلٌ: حكمُ الهِبة والهديَّة والصَّدقة؛ كذلك، فتجهيز بنته بجهازٍ إلى زوج؛ تمليكٌ في الأصحِّ.

فائدةٌ: لا بأْسَ بذوقه حال الشِّراء، نَصَّ عليه

(1)

، وقاله إبراهيمُ النَّخَعيُّ، وقال سفيانُ:(العِفَّةُ أحبُّ)، نقل حرْبٌ: لا أدري إلاَّ أن يستأذنه

(2)

.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 123.

(2)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 6، الفروع 6/ 123.

ص: 10

(فَصْلٌ)

(وَلَا يَصِحُّ إِلَا بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ):

(أَحَدُهَا: التَّرَاضِي بِهِ)؛ للآية، ولقوله عليه السلام:«إنَّما البيعُ عن تراضٍ» رواه ابن حبَّانَ

(1)

، (وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَا بِهِ اخْتِيَارًا)؛ لأِنَّ حقَّ كلِّ واحدٍ منهما يتعلقُّ بماله، فلم يَجُزْ إزالةُ ملْكه عنه بغير رضاه؛ لقوله عليه السلام:«لا يَحِلُّ مالُ امْرئٍ مسلمٍ إلاَّ عن طِيب نفسه»

(2)

.

ويُستثنى منه: ما لم يكن بيعَ تَلْجِئةٍ وأمانةٍ، أو من هازِلٍ.

(فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكْرَهًا؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لفوات شَرْطه، (إِلاَّ أَنْ يُكْرَهَ بِحَقٍّ؛ كَالذِي يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ)؛ فيصِحُّ؛ لأنَّه قولٌ حُمِل عليه بحقٍّ، فصحَّ منه؛ كإسلام المرتدِّ.

والمشتري كالبائع.

فإن أكره على وزن مالٍ، فباع ملكه؛ كُرِهَ الشراء، وصَحَّ، نَصَّ عليه

(3)

؛ لعدم الإكراه فيه، وهو بيع المضطرِّ.

وعنه: لا يَصِحُّ؛ لقول عليٍّ: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطرِّ» رواه أبو داود، من رواية صالح بن عامرٍ، عن شيخٍ من تميمٍ، وهما لا يُعرَفان

(4)

،

(1)

أخرجه ابن ماجه (2185)، وابن حبان (4967)، والبيهقي في الكبرى (11075)، وفي سنده داود بن دينار التمار، سُئل عنه أحمد فقال:(لا أعلم بأسًا)، وقال ابن حجر:(صدوق)، وصحح الحديث ابن حبان والبوصيري والألباني. ينظر: الإرواء 5/ 125.

(2)

أخرجه أحمد (20695)، والبيهقي في الكبرى (11545)، في حديث طويل، وفي سنده: علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وأخرجه أحمد (23605)، من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه مرفوعًا:«لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير حقه» ، وله طرق أخرى، وصححه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 112، الإرواء 5/ 280.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2557.

(4)

أخرجه أحمد (937)، وأبو داود (3382)، والبيهقي في الكبرى (11076)، وفي سنده: صالح بن رستم أبو عامر الخزاز، وهو صدوق كثير الخطأ، وشيخه مبهم، وضعَّف الحديث البيهقي وابن القطان، ورُوي من حديث حذيفة رضي الله عنه، وضعفه ابن القطان، ومن حديث ابن عمر عند ابن عدي في الكامل 5/ 522، وهو ضعيف جدًّا. ينظر: بيان الوهم والإيهام 2/ 157، تهذيب التهذيب 4/ 395، الضعيفة (2076).

ص: 11

وفسَّره أحمد في روايةٍ: بأن يجيئك

(1)

محتاجٌ، فتبيعه

(2)

ما يساوي عشرةً بعشرين

(3)

.

(1)

في (ح): يحيل.

(2)

في (ظ): فيبيعه.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 123.

ص: 12

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي

(1)

: أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ)؛ لأنَّ البيع يُشترط له الرِّضا، فاشترط في عاقده جواز التَّصرُّف؛ كالإقرار.

(وَهُوَ: الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ)، والمراد به: البالغ العاقل الرَّشيد، فلا يصحُّ بيع طفلٍ، ولا مجنونٍ، ولا سكرانَ، ولا نائمٍ، ولا مُبَرْسَمٍ، ولا شراؤه؛ لعدم المقْتضِي لذلك، سواءٌ أَذِن له وليُّه أم لا.

(إِلاَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ، وَالسَّفِيهَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا هو الأصحُّ؛ لقوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النِّسَاء: 6]؛ أي: اخْتبِروهم، وإنَّما يُتحقَّقُ بتفويض البيع والشِّراء إليه، فصحَّ تصرُّفه بإذْن وليِّه، وإن كان محجورًا

(2)

عليه كالعبد، والسَّفيه مثلُه، ولأنَّه إذا صحَّ في الصَّبيِّ بما ذكرنا؛ فالسفيه

(3)

أَوْلى بالصِّحة، إلاَّ في عدم

(4)

وقفه

(5)

، وقد تضمَّن ذلك جواز الإذن له في التَّصرُّف لمصلحةٍ.

والثَّانية: لا يَصِحُّ منه حتَّى يبلغ؛ لأِنَّه غير مكلَّف، أشبه غير المميِّز، ولأنَّه ممَّا يخفى، فضَبَطه الشَّارع بحدٍّ، وهو البلوغُ، والسَّفيهُ محجورٌ عليه؛ لسوء تصرُّفه وتبذيره

(6)

، فإذا أَذن له وليُّه؛ فقد أذِن فيما لا مصلحة فيه.

(1)

قوله: (الثاني) سقط من (ح).

(2)

قوله: (وإن كان محجورًا) في (ح): والمحجور.

(3)

في (ح): ما ذكرناه فما لسفيه.

(4)

قوله: (عدم) سقط من (ح).

(5)

قال في الإنصاف 11/ 20: (يعني: أن لنا رواية في المميز بصحة تصرفه، ووقوفه على إجازة الولي، بخلاف السفيه).

(6)

في (ظ): وتدبيره.

ص: 13

(وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ)؛ لما

(1)

ذكرنا، (إِلاَّ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ)؛ لأنَّ الحكمة في الحَجْر عليهما

(2)

: خوف ضياع مالهما بتصرُّفهما، وذلك مفقود

(3)

في اليسير، يؤيِّده:«أنَّ أبا الدَّرداء اشترى من صبيٍّ عصفورًا وأطلقه» ، ذكره ابن أبي موسى

(4)

.

وفي طريقة بعض أصحابنا في صحة تصرفِ مميزٍ ونفوذه بلا إذن وليه، وإبرائه، وإعتاقه، وطلاقه

(5)

؛ روايتان.

وفي قبولهم هبةً ووصيةً

(6)

بلا إذنٍ أوجه، ثالثها: يجوز من عبد، نصَّ عليه

(7)

.

وعنه: صحة تصرف مميز، ويقف على إجازة وليه، نقل حنبل: إن تزوج الصغير، فبلغ أباه فأجازه؛ جاز

(8)

.

(1)

في (ح): كما.

(2)

في (ح): عليها.

(3)

في (ح): معقود.

(4)

أخرجه ابن سعد في الطبقات - طبعة الخانجي (4/ 354) -، وعنه ابن الجوزي في المنتظم (5/ 17)، أخبرنا يحيى بن عباد، حدثنا فرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي الدرداء:«أنه كان يشتري العصافير من الصبيان ويرسلهن، ويقول: اذهبن فعشن» ، وعلقه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 137)، والسمعاني في الأنساب (1/ 161)، من طريق فرج بن فضالة به. وهو مرسل جيد، رواية لقمان بن عامر عن أبي الدرداء مرسلة، ذكره أبو حاتم في الجرح والتعديل 7/ 182، وفرج بن فضالة التنوخي متكلم فيه، قال في التقريب:(ضعيف)، إلا أن أحمد وثَّقه غير مرة، وقال ابن معين مرة:(صالح)، واحتج ابن راهويه بالأثر في مسائل الكوسج (6/ 2856).

(5)

في (ح): وإطلاقه.

(6)

في (ح): وفي قبول الهبة والوصية.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 277.

(8)

ينظر: الفروع 6/ 125.

ص: 14

قال جماعة: ولو أجازه بعد

(1)

رُشده؛ لم يَجُز.

وعنه: لا يقف، ذكرها الفخر.

(1)

في (ح): ولو أجاز بيعه.

ص: 15

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالاً)؛ لأنَّه يقابل بالمال، إذ

(1)

هو مبادلة المال بالمال، (وَهُوَ: مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ).

أخرج بالأوَّل: ما لا نفع

(2)

فيه كالحشرات.

وبالثَّاني: ما فيه منفعةٌ محرَّمة؛ كالخمر.

وبالثَّالث: ما فيه منفعةٌ مباحةٌ للضَّرورة؛ كالكلب، ولو عبَّر

(3)

بغير حاجةٍ؛ ك «الوجيز» و «الفروع» ؛ لكان أَوْلى؛ لأنَّ اقْتِناء الكلب يُحتاج إليه، ولا يُضْطَرُّ إليه، قاله ابنُ المنجَّى.

وفي «الشَّرح» : (يحترز بقوله: (لغير ضرورةٍ) من الميتة، والمحرَّمات التي تباح في حال المخمَصة، والخمر يباح لدفع لُقمةٍ غصَّ بها).

(فَيَجُوزُ بَيْعُ) العقار، و (الْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ)؛ لأنَّ النَّاس يتبايعون ذلك في كلِّ عصر من غير نكيرٍ، فكان كالإجماع، قال في «الهداية»: لا إن نجسا

(4)

، والمذهب خلافه.

(وَدُودِ الْقَزِّ)؛ لأنَّه حيَوانٌ طاهِرٌ، يجوز اقتناؤه لغرض التَّملُّك لما يخرج منه، أشبه البهائم.

وحرَّمه في «الانتصار» ؛ كالحشرات. وفيه نظرٌ.

(1)

في (ق): أو.

(2)

في (ح): لا يقع.

(3)

في (ح): غير.

(4)

كذا في الفروع 6/ 127، والذي في الهداية ص 228:(ويجوز بيع البغل والحمار سواء قلنا: هما طاهران أو نجسان)، ولعل الصواب:(النهاية للأَزجي) بدل (الهداية)، كما في الإنصاف 11/ 24.

ص: 16

(وَبِزْرِهِ)؛ لأنَّه يُنتفع

(1)

به في المآل؛ أشبه ولد الفرس.

وفيه وجْهٌ، وجزم به في «عيون المسائل»: كبيض ما لا يُؤكَل.

وعلى الأوَّل: لا فرق في بيعه مفردًا أو مع الدُّود.

(وَالنَّحْلِ مُفْرَدًا

(2)

؛ لأنَّه حيَوانٌ طاهِرٌ، يخرج من بطونه شرابٌ فيه منافع للنَّاس، فجاز بيعه؛ كبهيمة الأنعام، (وَفِي كُوَارَاتِهِ

(3)

؛ لإمْكان مشاهدته بفتح رأسها

(4)

.

وقال القاضي: لا يجوز بيعها فيها؛ لأنَّ بعضها غير مرئِيٍّ، وهو أميرها، وأنَّها لا تخلو من عسل يكون مبيعًا

(5)

، وهو مجهول.

والأوَّلُ المذهبُ؛ لأنَّ خفاء البعض لا يمنع الصِّحَّة؛ كالصُّبْرة، وكما لو كان المبيع في وعاءٍ لا يُشاهد إلاَّ ظاهره، والعسل يدخل تبعًا؛ كأساسات الحيطان.

فإن لم يمكن

(6)

مشاهدة النَّحل؛ لكونه مستورًا بالأقراص ولم يُعرف؛ لم يَجُزْ بيعه؛ لجهالته، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» .

(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ، وَالْفِيلِ، وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ التِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ)؛ كالفهد، والصَّقر، ونحوهما، (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)؛ لِمَا في الصَّحيح:«أنَّ امرأةً دخلت النَّار في هِرَّةٍ لها حبستها»

(7)

، والأصلُ في اللاَّم: الملك، ولأنَّه

(1)

في (ظ): منتفع.

(2)

في (ح): منفردًا.

(3)

قال في المطلع ص 272: (الكُوارات: بضم الكاف، جمع كوارة، وهي: ما عسل فيه النحل، وهي الخلية أيضًا، وقيل: الكوارة من الطين، والخلية من الخشب، ولا فرق بينهما في جواز البيع).

(4)

في (ح): رايتها.

(5)

في (ح): بيعًا.

(6)

في (ظ): لم تمكن.

(7)

أخرجه البخاري (3318)، ومسلم (2242)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ومسلم (904)، من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 17

حيوانٌ يباح نفعه واقتناؤه مطلقًا، أشْبَهَ البغل

(1)

، والباقي بالقياس عليه، ولأنَّه لا وعيد في حبسه

(2)

، فجاز بيعُه.

وعلى هذا: في جواز بيعِ فَرْخه وبَيْضه وجْهان.

قوله: (تصلح للصَّيد) يحتمل حالاً؛ أي: تكون معلَّمة

(3)

، وبه صرَّح الخِرَقِيُّ، فظاهِرُه: لا يَصِحُّ بَيعُها قبل التَّعليم.

ويحتمل: مآلاً؛ أي: تَقبلُه

(4)

؛ كالجَحْش الصَّغير، فإن لم يَقبل الفيلُ التَّعليمَ؛ لم يَجُزْ؛ كأسدٍ وذِئْبٍ ودُبٍّ.

(إِلاَّ الْكَلْبَ)، لا يجوز بيعه روايةً واحدة، وكذا آلة لَهْوٍ وخمرٍ، ولو كانا ذِمِّيَّيْن، ذكره الأَزَجِيُّ عن الأصحاب، (اِخْتَارَهَا

(5)

الْخِرَقِيُّ) والمؤلِّف، وجزم بها في «الوجيز» .

(وَالْأُخْرَى: لَا يَجُوزُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ)، وابن أبي موسى.

أمَّا الهِرُّ؛ فلما روى

(6)

جابر أنَّه سئل عن ثمنه فقال: «زجر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عنه» رواه مسلِمٌ

(7)

، وعنه قال:«نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ثمن السِّنَّوْر» رواه أبو داود

(8)

.

(1)

في (ح): للبغل.

(2)

في (ظ): جنسه.

(3)

في (ح): يعلمه.

(4)

في (ح): بقتله. وفي (ق): يقبله.

(5)

في (ح): واختارها.

(6)

قوله: (روى) سقط من (ح).

(7)

أخرجه مسلم (1569).

(8)

أخرجه أبو داود (3479)، والترمذي (1279)، من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه، ووقع في هذا الإسناد اضطراب على الأعمش، لكن المتن صح من غير هذا الطريق، قال الترمذي:(في إسناده اضطراب). ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 6/ 18.

ص: 18

ويُمكن حملُه على غير

(1)

المملوك منها، أو على ما لا نفع فيه، أو على المتوحِّش، أو كان ذلك في الابتداء لَمَّا كان محكومًا بنجاستها

(2)

، ثمَّ لَمَّا حكم بطهارة سُؤْره حَلَّ ثمنه، قال الزَّركشيُّ: وكلُّها محامِلُ ودَعْوَى لا دليلَ عليها.

وأمَّا الفيل وسباع البهائم؛ فلأنَّها نجِسةٌ كالكلب.

وأجيب: بالفرق، فإنَّه

(3)

يجوز اقتناؤها مطلقًا، بخلاف الكلب، فإنَّ جوازه مختصٌّ بأحد أمور

(4)

ثلاثةٍ، مع أنَّ اقتناءه للحاجة، بخلاف ما ذكر، وأطلقهما في «الفروع» ك «المحرَّر» .

(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ)؛ لحصول النَّفع به إلى وقت قتله، وربما رجع إلى الإسلام، فيحصل كمال النَّفع، ولأنَّه يمكنه إزالة المانِع، بخلاف الجاني.

(وَالْمَرِيضِ)، بغير خلاف نعلمه، قاله في «الشَّرح» ، وقيل: غير مأيوسٍ، والمعتبَرُ الأوَّلُ؛ لأنَّ خشية الهلاك لا تمنع

(5)

الصِّحَّة كالمرتدِّ.

(وَفِي بَيْعِ الْجَانِي، وَالْقَاتِلِ فِي المُحَارَبَةِ

(6)

، وَلَبَنِ الآْدَمِيَّاتِ؛ وَجْهَانِ):

أصحُّهما، وهو المنصوص: يجوز بيع العبد الجاني؛ لأنَّه حقٌّ ثبت بغير رضا سيِّده، فلم يَمنَعْ بيعَه؛ كالدَّين.

والثَّانِي: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه تعلَّق برقبته حقُّ آدَمِيٍّ، فمنع

(7)

جواز بيعه كالرَّهن.

(1)

قوله: (غير) سقط من (ح).

(2)

في (ق): بنجاسته.

(3)

في (ح) و (ق): بأنه.

(4)

في (ح): بأخذ بأمور.

(5)

في (ح): لا يمنع.

(6)

قوله: (في المحاربة) في (ح): والمحاربة.

(7)

في (ق): يمنع.

ص: 19

والأوَّلُ أَوْلى؛ لأنَّه حقٌّ غير مستقِرٍّ في الجاني يَملِك أداءَه من غيره، فلم يَمنَع البيعَ كالزَّكاة، وفارق الرَّهْن من حيث إنَّه حقٌّ متعيِّنٌ فيه، لا يملك سيِّدُه إبدالَه، ثبت الحقُّ فيه برضاه وثيقة

(1)

للدَّين.

فعلى هذا: لا فرق بين أن تكون الجنايةُ عمْدًا أو خطأً، على النَّفس أو ما دونها.

وظاهره: أنَّ الخلاف جارٍ فيه، ولو اشتراه المجنيُّ عليه.

الثَّانية: القاتل في المحاربة، فإن تاب قبل القدرة عليه فهو كالجاني

(2)

، وإن لم يتب حتَّى قُدِر عليه، وهو المراد بقولهم: وفي المتحتِّم قتْلُه وجهان، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

أحدُهما: وهو قولُ أبي الخَطَّاب، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح» ، وجزم به في «الوجيز»: أنَّه يجوز بيعُه؛ لأنَّه يُنتفَعُ به إلى حين قَتْله، ويُعتِقه فيجُرُّ ولاء ولده، فجاز كالمريض.

والثَّاني، وهو قول القاضي: لا؛ لأنَّه لا نفع

(3)

فيه؛ لكونه متحتِّمَ القتل، أشبه الميْتات.

والفرقُ ظاهِرٌ؛ لأنَّه لا ينتفع بها أصلاً بخلافه؛ لأنَّه يمكن زوال ما ثبت من الرُّجوع عن الإقرار، أو الرُّجوع من الشُّهود.

الثالثة

(4)

: ظاهر الخِرَقيِّ، واختاره ابنُ حامِدٍ، وصحَّحه في «الشرح» وغيره

(5)

، وجزم به في «الوجيز»: أنَّه يَصِحُّ بيع لبنِ الآدميَّة المنفصل منها؛

(1)

في (ح): وببقية.

(2)

في (ظ) و (ق): كالحربي. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 11/ 36.

(3)

في (ح): لا يقع.

(4)

في (ح): والثالثة.

(5)

في (ح): وغير.

ص: 20

لأنَّه طاهر

(1)

منتفَعٌ

(2)

به؛ كلبن الشَّاة، ولأنَّه يجوز أخذ العِوَض عنه في إجارة الظِّئْر، أشبه المنافِعَ.

والثَّاني: لا يجوز، قدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأنَّه مائِعٌ خرَج من آدميةٍ كالعرق، أو لأنَّه من الآدَمِيِّ، فلم يجز بيعه كسائر أجزائه.

وجوابه: أنَّ العرق لا نفع فيه، بدليل أنَّه لا يُباع عرقُ الشَّاة ويباع لبنُها، وحرم بيع العضوِ المقطوع؛ لأنَّه لا نفع فيه.

وقيل: يجوز

(3)

من الأمة؛ لأنَّ بيعها جائز، فكذا لبنها؛ كسائر أجزائها، دون الحرَّة.

لكن قال أحمد: (أكره للمرأة بيع لبنها)

(4)

، واحتج ابن شهاب وغيره:«بأنَّ الصحابة قضوا فيمن غُرَّ بأمَةٍ بضمان الأولاد»

(5)

،

(1)

في (ح): ظاهر.

(2)

في (ق): ينتفع.

(3)

في (ح): لا يجوز.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 134.

(5)

ورد عن عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (21060)، وأبو عبيد في الغريب (4/ 238)، وسعيد بن منصور كما في المحلى (6/ 434)، عن سليمان بن يسار:«أن أمة أتت قومًا فغرَّتهم وزعمت أنها حرة، فتزوجها رجل، فولدت منه أولادًا فوجدوها أمة، فقضى عمرُ بقيمة أولادها، في كل مغرور غُرة» ، وفي لفظ:«قضى عمر في أولاد الغارة بالقيمة» ، سليمان بن يسار لم يسمع من عمر. وأخرج البيهقي في الكبرى (11547)، عن الحسن، عنه نحوه، وهذا مرسل أيضًا. وأخرج مالك (2/ 741)، ومن طريقه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 245)، والبيهقي في الكبرى (14254)، أنه بلغه:«أن عمر بن الخطاب أو عثمان بن عفان؛ قضى أحدهما في امرأة غرَّت رجلاً بنفسها، وذكرت أنها حرة فتزوجها، فولدت له أولادًا، فقضى أن يفدي ولده بمثلهم» ، وأخرج الدارقطني (4056)، والبيهقي في الكبرى (18071)، عن سعيد بن المسيب، قال:«أَبَقت أمةٌ لبعض العرب، فتزوجها رجل من بني عذرة، فنثرت له بطنها، ثم عثر عليها سيدها، فقضى عمر رضي الله عنه للعذري - يعني بولده - وقضى عليه بالغرة؛ لكل وصيف وصيف، ولكل وصيفة وصيفة» ، ورجاله ثقات، وأخرج القصة سحنون في المدونة (2/ 142)، عن ابن شهاب مرسلاً. ورجاله ثقات أيضًا.

وورد عن علي رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (14842)، وابن أبي شيبة (20277)، عن الحكم بن عتيبة: أن رجلاً ترك امرأته وابنًا له وجاريته، فباعت امرأته وابنه الجارية، فوطئها الذي ابتاعها فولدت، ثم جاء صاحب الجارية فتعلَّق بها، فخاصمه إلى عليٍّ، فقال عليٌّ:«خذ جاريتك وولدها» ، وقال للآخر:«خُذ المرأة والابن بالخلاص» ، فلما أخذ سلم الآخر البيع. وهذا مرسل، الحكم لم يدرك عليًّا.

وأخرجه ابن أبي شيبة (20540)، والبيهقي في الكبرى (11548)، عن الشعبي، عن عليٍّ في رجل اشترى جارية، فولدت منه أولادًا، ثم أقام الرجل البينة أنها له، قال:«تُرَد عليه ويُقوَّم عليه ولدها، فيغرم الذي باعه بما عز وهان» ، ولفظ البيهقي: فقال علي: «يأخذ صاحب الجارية جاريته، ويؤخذ البائع بالخلاص» ، قال البيهقي:(وقول علي: «ويؤخذ البائع بالخلاص»، يريد والله أعلم: بالثمن وقيمة الولد)، وإسناده صحيح.

ص: 21

ولو كان لِلَّبَن

(1)

قيمةٌ لذكروه.

فرعٌ: المنذور عتقه - قال ابن نصر الله: نذْر تَبرُّرٍ - الأشهر

(2)

: لا يصحُّ بيعه؛ لأنَّ عِتْقَه وجب بالنَّذر، فلا يجوز إبطالُه ببيعه؛ كالهديَّة المعيَّنة.

(وَفِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ، وَكَرَاهَةِ شِرَائِهِ، وَإِبْدَالِهِ؛ رِوَايَتَانِ):

أشهرُهما: أنَّه لا يجوز بيعُه، قال أحمد:(لا نعلم في بيع المصحف رخصةً)

(3)

، وجزم به في «الوجيز» ، قال ابن عمر:«ودِدْتُ أنَّ الأيديَ تقطع في بيعها»

(4)

، ولأنَّ تعظيمه واجبٌ، وفي بيعه ابْتِذالٌ له وتركٌ لتعظيمه، فلم يَجُزْ.

(1)

في (ح): اللبن.

(2)

في (ح): والأشهر.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2607، مسائل أبي داود ص 262.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (14525)، وابن أبي شيبة (20214)، وابن أبي داود في المصاحف (ص 369)، من طرق عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وإسناده صحيح، سالم هو ابن عجلان الأفطس، أبو محمد، وثقه أحمد وغيره، وصححه ابن حزم في المحلى 7/ 552.

وقد رواه ليث بن أبي سليم واضطرب فيه: فأخرجه سعيد بن منصور كما في التفسير (12)، والبيهقي في الكبرى (11068)، من طريقه عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر قوله. وأخرجه ابن أبي داود في المصاحف (ص 368)، من طريقه عن نافع، عن ابن عمر. وأخرجه ابن أبي داود (ص 368)، من طريقه عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قوله. وأخرجه ابن أبي شيبة (20209)، وابن أبي داود (ص 368)، من طريقه عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر.

ص: 22

والثانية: يجوز، رُوِي عن الحسن والحكَم؛ لأنَّه يُنتفع به، أشبه كتب العلم.

وفي ثالثةٍ: يكره

(1)

؛ لأنَّ ابن عمرَ وابنَ عبَّاسٍ وأبا موسى كرهوا بيعه

(2)

، ولم يُعرف

(3)

لهم مخالِفٌ في عصرهم، فكان كالإجماع.

وعلى الأولى: يُقطَع بسرقته، ولا يباع في دَينٍ، ولو وصَّى ببيعه نصَّ

(1)

في (ح): تكره.

(2)

أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (14522)، عن نافع عن ابن عمر قال في بيع المصاحف:«اشترها ولا تبعها» ، وفيه عبد القدوس بن حبيب، قال الفلاس كما في الميزان 2/ 643:(أجمعوا على ترك حديثه)، وتقدم نحوه 5/ 22 حاشية (4).

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (14521)، وابن أبي شيبة (20222)، وابن أبي داود في المصاحف (ص 394)، من طرق عن عطاء وسعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال في بيع المصاحف:«اشترها ولا تَبِعها» ، وهذه أسانيد صحاح، قال الألباني في الإرواء 5/ 137:(إسناده صحيح على شرطهما).

وأثر أبي موسى رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (33818)، وابن أبي خيثمة في تاريخه كما رواه ابن عساكر في تاريخه (58/ 343)، وابن حجر في الإصابة (6/ 236)، وابن أبي داود في المصاحف (ص 364)، وابن عساكر في التاريخ (58/ 341)، عن مطرف قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري، فأصبنا دانيال بالسوس، وأصبنا معه ريطتين من كتاب، وأصبنا معه ربعة فيها كتاب، وكان معنا أجير نصراني يسمى نعيمًا، فقال: تبيعوني هذه الربعة بما فيها؟ قالوا: إن لم يكن فيها ذهب أو فضة أو كتاب الله، قال: فإن الذي فيها كتاب الله، فكرهوا أن يبيعوه الكتاب، ووهبناه له، قال قتادة: فمن ثَمَّ حُرِّم بيع المصاحف؛ لأن الأشعري وأصحابه كرهوا بيع ذلك الكتاب. وإسناده صحيح، ومطرف بن مالك هو أبو الرباب القشيري، قال الذهبي في تاريخ الإسلام 2/ 739:(من كبار التابعين وثقاتهم).

(3)

في (ح): ولم نعرف.

ص: 23

عليه

(1)

، ويلزم بَذْلُه لحاجةٍ في الأشهر.

ويكره شراؤه وإبداله في روايةٍ؛ لأنَّه وسيلةٌ إلى البيع المتضمِّن إذلال

(2)

المصحف.

ولا يُكرَه في أخرى، قدَّمها في «المحرَّر» ، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّه استنقاذٌ له، كاستنقاذ الأسير المسلم، وفارق البيع؛ لأنَّه إخراج له عن ملكه.

وفي «النهاية» : لا يصحُّ بيع المصحف، ولا شراؤه، ولا إبداله؛ لأنَّ جميع ذلك إذلال، والمصحف محترَمٌ، فتنافيا، وفارق الشِّراء هنا شراء الأسير؛ لأنَّ شراءه تدعو الحاجة إليه، بخلاف المصحف.

وظهر منه: أنَّه لا يصحُّ بيعه لكافر؛ لأنَّه إذا نُهي عن المسافَرة به إلى أرضهم مخافة أن تناله أيديهم؛ فهذا أولى.

وحكم إجارته كبيعه؛ لأنَّها بيع منفعته.

ويجوز وقفه، وهبته، والوصيَّة به، ذكره القاضي واحتجَّ بنصوص أحمد

(3)

.

وظاهره: جواز بيع كتب العلم، ونقل أبو طالبٍ: لا تباع

(4)

.

مسائلُ:

الأولى: يجوز نسخه بأجرةٍ، واحتجَّ بقول ابن عباس

(5)

، ففيه لمحدث بلا

(1)

ينظر: الفروع 6/ 136.

(2)

في (ح): ذلال.

(3)

ينظر: مسائل صالح 1/ 276، مسائل عبد الله ص 389.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 140.

(5)

أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (ص 297)، من طريق الأعمش قال: حدثت عن سعيد بن جبير قال: سُئل ابن عباس عن كُتَّاب المصاحف، فقال:«إنما هو مُصوِّر» ، وهو منقطع بين الأعمش وابن جبير، وأورده ابن الأثير في جامع الأصول (8143)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ:«لا بأس، إنما هم مُصوِّرون، وإنَّهم إنما يأكلون من عمل أيديهم» ، وقال:(أخرجه رزين).

وأخرج سحنون في المدونة (3/ 430)، والبيهقي في الكبرى (11064)، عن زياد مولًى لسعد: أنه سأل عبد الله بن عباس ومروان بن الحكم عن بيع المصاحف والتجارة فيها، فقالا:«لا نرى أن تجعله متجرًا، ولكن ما عملت يداك فلا بأس به» ، وعلقه البخاري في خلق أفعال العباد (ص 66)، وزياد مولى سعد بن أبي وقاص، قيل: له رؤية، ذكر ذلك أبو نعيم، وذكره ابن حبان في التابعين، ولم نقف على من ذكره بشيء. ينظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم 3/ 1215، الإصابة 2/ 487.

ص: 24

حمل ولا مسٍّ روايتان.

وكذا كافر، قال أبو بكر:(لا يختلف قول أبي عبد الله أنَّ المصاحف تكتبها النَّصارى، على ما رُوي عن ابن عبَّاسٍ)

(1)

، ويأخذ الأجرة مَنْ كتبها من المسلمين

(2)

. وفي «النِّهاية» : يمنع، وهو ظاهِرٌ.

الثَّانية: يصِحُّ شراء كتب زندقةٍ ونحوها ليُتلِفها، لا خمر ليُريقها؛ لأنَّ في الكتب ماليةَ الورق.

قال ابن عقيلٍ: يبطل بآلة اللَّهو، سقط حكم ماليَّة الخشب.

الثَّالثة: يجوز بيع طيرٍ لقصد صوته في قول جماعةٍ، زاد الشَّيخ تقيُّ الدِّين: إن جاز حبسه

(3)

، وفيه احتمالان لابن عقيلٍ.

وفي «الموجز» : لا تصح

(4)

إجارةُ ما قُصِد صَوتُه؛ كديكٍ وقمري.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ)؛ لأِنَّه لا منفعةَ فيها، ويُستثْنَى منه: علقٌ لمصِّ دم، وديدان لصيد سمك، وما يصاد عليه؛ كبومة شَباشًا

(5)

في الأشهر.

(1)

لعل المقصود هو الأثر السابق.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 6/ 139:(ويأخذ الأجرة من كتبها من المسلمين والنصارى).

(3)

ينظر: الفروع 6/ 129، الاختيارات ص 179.

(4)

في (ح): لا يصح.

(5)

مفعول لفعل محذوف، أي: تُجعل شباشًا، أو مفعول لأجله، أي: خيالاً، والشباش: طائر تخاط عيناه ويربط لينزل عليه الطير فيصاد. ينظر: المغني 9/ 388، كشاف القناع 3/ 152.

ص: 25

(وَالْمَيْتَةِ)؛ لقول جابِرٍ: سمعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بمكَّة يقول: «إنَّ الله حرَّم بيع الميتة، والخمر، والأصنام» متَّفقٌ عليه

(1)

، ويُستثْنَى منها: الحُوتُ، والجرادُ.

(وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا

(2)

؛ لأنَّ ما لا يجوز بيع كلِّه؛ لا يجوز بيع بعضه كالخمر.

(وَلَا سِبَاعِ الْبَهَائِمِ التِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ)؛ كالأسد والذِّئْب؛ لأنَّه لا نفعَ فيها كالحشرات.

(وَلَا الْكَلْبِ)؛ لِمَا روى ابنُ مسعودٍ

(3)

: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب» متَّفَقٌ عليه

(4)

، وفي لفظ قال:«ثَمَنُ الكَلْبِ خَبِيثٌ» رواه مسلمٌ

(5)

، وقد روى البَيْهَقيُّ بإسنادٍ جيِّدٍ عن أبي هريرة مرفوعًا:«لا يَحِلُّ ثَمَنُ الكَلْب»

(6)

، ولأنَّه حيوانٌ نُهِيَ عن اقتنائه في غير حال الحاجة إليه، أو نَجِس العين كالخنزير.

(1)

أخرجه البخاري (2236)، ومسلم (1581).

(2)

في (ح): فيها.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في الممتع 2/ 384: أبو مسعود الأنصاري. وهو كذلك في المصادر الحديثية.

(4)

أخرجه البخاري (2237)، ومسلم (1567)، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

(5)

أخرجه مسلم (1568)، من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه.

(6)

أخرجه الترمذي (1281)، من طريق أبي المهزم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«نهى عن ثمن الكلب، إلا كلب الصيد» ، وضعفه الترمذي وغيره، في سنده: أبو المهزم التميمي، واسمه: يزيد بن سفيان، وهو متروك. وأخرجه الدارقطني (3064)، من طريق أخرى عن أبي هريرة بنحوه، وفيه الوليد بن عبيد الله وهو ضعيف، وضعفه الدارقطني، وأخرجه من وجه آخر (3066)، وفيه:«إلا كلبًا ضاريًا» ، وفي سنده: المثنى بن الصباح، وهو ضعيف. وأخرج نحوه البيهقي في الكبرى (11011)، لكنه من رواية حماد بن سلمة عن قيس بن سعد، وضعَّف روايته عن قيسٍ ابنُ القطان وأحمدُ وابنُ معين. وأشار الدارقطني في العلل إلى الاختلاف الذي وقع في طرق حديث أبي هريرة، ورجَّح وقفه.

وورد الاستثناء في حديث جابر رضي الله عنه، أخرجه أحمد (14411)، والنسائي (4668)، والبيهقي في الكبرى (11012)، لكن قال النسائي:(منكر)، وأعله جماعة من الحفاظ منهم الدارقطني والبيهقي والنووي وابن القيم وغيرهم. ينظر: علل الدارقطني 11/ 13، السنن الكبرى للبيهقي 6/ 10، المجموع 9/ 299، زاد المعاد 5/ 683.

ص: 26

وظاهِرُه: ولو كان مُعلَّمًا، صرَّح به الخِرَقِيُّ، وإنما نصَّ عليه ثانيًا؛ لأنَّ بعضَ العلماء أجاز بيعَه، ومال إليه بعضُ أصحابنا؛ لأنَّ في رواية أبي هريرة:«إلاَّ كلْبَ صَيدٍ» .

وأجيب: بضعفه، قاله البَيْهَقيُّ وغيرُه.

(وَلَا السِّرْجِينِ النَّجِسِ)؛ لأِنَّه مُجمَعٌ على نجاسته، فلم يَجُزْ بَيعُه كالميتة.

وفيه تخريجٌ من دُهْنٍ نَجِسٍ، قال مهنَّى: سألتُ أحمدَ عن السَّلف في البعر والسِّرجين قال: لا بأْسَ

(1)

.

وأطلق ابنُ رَزِينٍ في

(2)

بيع نجاسة قولين.

وظاهره: أنَّه يجوز بيع الطَّاهر منها.

(وَلَا الْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ

(3)

؛ أي: المتنجِّسة، في ظاهر كلام أحمدَ

(4)

؛ للأمر بإراقته، ولقوله عليه السلام:«إنَّ الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم ثَمَنَه»

(5)

، ولأنَّها نجِسةٌ، فلم يَجُز بيعُها؛ كشحم الميتة.

وعلى قول أبي الخطَّاب: يجوز بَيعُ ما يطهر منها بالغسل؛ كالثَّوب النَّجِس.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 128.

(2)

قوله: (في) سقط من (ح).

(3)

في (ح): المنجسة.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4039.

(5)

أخرجه أحمد (2221)، وأبو داود (3488)، وابن حبان (4938)، والدارقطني (2815)، وصححه ابن حبان وابن الملقن، والألباني. ينظر: تحفة المحتاج 2/ 204، غاية المرام (192).

ص: 27

وجوابُه: بأنَّ القصد من الدُّهن غالِبًا هو الأكل، وقد زال، وتَعْظُم المشقَّة بتطهيره، بخلاف الثَّوب النَّجِس، فإنَّه يجوز لبسه في غير الصَّلاة، ولا تعظُم المشقَّة بتطهيره، والأَوْلى أنَّ فيه نَهْيًا خاصًّا فهو غير مقدورٍ على تسليمه شرعًا.

(وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا)؛ لأنَّه يعتقد حِلَّ ذلك، ويستبيح أكلَه، قال ابن المنجَّى:(واشترط الكفر لأجل اعتقاد المجوِّز، والعلم بنجاستها المراد به: اعتقاد الطَّهارة؛ لأنَّ نفس العلم بالنَّجاسة ليس شرطًا في بيع الثَّوب النَّجِس، فكذا هنا)، وفيه شيءٌ.

وفي «المغني» : يجوز أن يُدفَع إلى كافِرٍ في فكاك مسلمٍ ويعلَمُ بنجاسته؛ لأنَّه ليس ببيعٍ في الحقيقة، وإنَّما هو استِنْقاذ المسلم به.

(وَفِي جَوَازِ الاِسْتِصْبَاحِ بِهَا رِوَايَتَانِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

إحداهما: لا

(1)

، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّه عليه السلام نهى عن قُرْبانه

(2)

، فيدخل فيه: الاِسْتِصباحُ وغيرُه، ولأنَّه دُهْنٌ نَجِسٌ، فلم يَجُزِ الاِسْتِصْباحُ به؛ كشحم الميتة.

والثَّانية: يُباح، روي عن ابن عمر

(3)

، واختاره الخِرَقيُّ؛ لأنَّه أمكن

(1)

قوله: (لا) سقط من (ح).

(2)

في حديث جابر رضي الله عنه عند البخاري (2236)، ومسلم (1581)، وفيه: أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال:«لا، هو حرام» .

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (24397)، عن نافع، عن صفية بنت أبي عبيد:«أن جرًّا لآل ابن عمر فيه عشرون فرقًا من سمن أو زيادة، وقعت فيه فأرة فماتت: فأمرهم ابن عمر أن يستصبحوا به» ، وأخرجه عبد الرزاق (286)، والطحاوي في مشكل الآثار (13/ 399)، وابن المنذر في الأوسط (878)، وابن حزم في المحلى (1/ 161)، والبيهقي في الكبرى (19627)، عن نافع، عن ابن عمر، بلفظ:«استسرجوا به وادهنوا به الأُدم» ، وصححه البيهقي، وقال ابن حجر في الفتح 9/ 670 عن إسناد البيهقي:(وهذا السند على شرط الشيخين).

ص: 28

الانتفاع به من غير ضررٍ، أشبه الانتفاع بالجلد اليابس.

فعلى هذا: يُنتفَع به على وجه لا يمسُّه بيده، ولعلَّ المراد في غير المساجد؛ لأنَّه يؤدِّي إلى تنجيسها، لا نجِس العين كالكلب والخنزير.

(وَيُخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ: جَوَازُ بَيْعِهَا)، كذا ذكره أبو الخَطَّاب؛ لأنَّه يصير منتفَعًا به؛ كالبغل والحمار.

فرعٌ: لا يجوز بيع سمٍّ قاتلٍ، سواءٌ كان من الأفاعي أو النَّبات، وقيل: يَقتُل به مسلِمًا

(1)

.

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 29

(فَصْلٌ)

(الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ)، حتَّى الأسير، ولا بُدَّ من تقييده: بالتَّام؛ ليَخرُج بَيعُ المبيع قبل قبضه، فإنَّه لا يَصِحُّ، وسيأتي.

(أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي بَيْعِهِ) وقت إيجابه وقَبوله؛ لقوله عليه السلام لحكيم بن حِزامٍ: «لا تَبِعْ ما ليس عِندَك» رواه ابنُ ماجَهْ والتِّرمذيُّ وصحَّحه

(1)

.

فهذا يدلُّ على اشتراط كون المبيع مملوكًا لبائعه، تُرِك

(2)

العمل به في المأذون؛ لقيامه مقام مالكه؛ لأنَّه نزَّله منزلةَ نفسه، والحاجة داعيةٌ إلى التَّوكيل؛ لكون الموكِّل غائبًا، أو محبوسًا يتعذَّر معه حضور المشتري معه، وما أشبهه، فلو لم يَقُم مقامَه؛ لأدَّى إلى الحرج والمشقَّة، وهما منتفيان

(3)

شرعًا.

لا يقال: «لا تَبِعْ

(4)

ما ليس عندك» ليس فيه ذكر الملك؛ لأنَّه ذكره جوابًا

(1)

أخرجه أحمد (15311)، وأبو داود (3503)، والترمذي (1232، 1235)، والنسائي (4613)، وابن ماجه (2187)، من طريق يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، وأُعل بالانقطاع، قال أحمد:(بينهما عبد الله بن عصمة الجشمي)، وقال البخاري:(عبد الله بن عصمة، سمع من حكيم بن حزام، سمع منه يوسف بن ماهك)، وابن عصمة ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر:(مقبول)، وأخرجه ابن حبان (4983)، من رواية يوسف بن ماهك، أن عبد الله بن عصمة حدثه، أن حكيم بن حزام حدثه به، والحديث حسنه الترمذي، وصححه ابن الملقن، وقال الألباني:(إسناده صحيح، وصححه ابن حزم). ينظر: التاريخ الكبير 5/ 158، البدر المنير 6/ 448، جامع التحصيل ص 305، الإرواء 5/ 132.

(2)

في (ح): بترك.

(3)

في (ق): منفيان.

(4)

في (ح): لا يبع.

ص: 30

حين سأله أن يبيع الشَّيء ويمضي ويشتريَه ويسلِّمَه.

(فَإِنْ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ)، أو طلَّق

(1)

زوجةَ غيرِه، أو نحوه من التَّصرُّفات؛ (لَمْ يَصِحَّ)، اختاره الأكثرُ؛ لعدم وجود شرطه، والشَّيء يفوت بفوات شرطه.

(وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ)؛ لِمَا روى عُرْوة بن الجَعْد: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا ليشتريَ به شاةً، فاشترى له شاتَينِ، فباع إحداهما بدينارٍ، ثمَّ جاءه بالدِّينار والشَّاة، فدعا له بالبركة في بَيْعِه» رواه أحمدُ والبخاريُّ

(2)

، ولأنَّه عَقْدٌ له مجيزٌ في حال وقوعه، فوقف على إجازته؛ كالوصيَّة لأجنبيٍّ بزيادة على الثُّلث، واشْتُرِطت إجازة المالِك؛ دفْعًا للضَّرَر اللاَّحق به، قال بعضهم: ولو لم يكن له مجيزٌ في الحال.

وعنه: صحَّة تصرُّف غاصبٍ.

والأوَّل المذهبُ؛ لأنَّ حديث عروةَ محمولٌ على أنَّه وكيلٌ مطلَقٌ، بدليل أنَّه سلَّم وتسلَّم، وليس ذلك لغير المالك والوكيل المطلق باتِّفاقٍ.

فرعٌ: إذا أُبِيعَ مِلْكُه وهو ساكِتٌ؛ فهو كما لو باعه بغير إذنه، خِلافًا لابن أبي ليلى؛ لأِنَّ سكوتَه إقرارٌ يدلُّ على الرِّضا، كالبكر في النِّكاح.

وأجيب: بالفرق، فإنَّ

(3)

سكوتها دليلٌ على الحياء المانع من الكلام في حقِّها، بخلافه هنا.

(وَإِنِ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ صَحَّ) على الأصحِّ؛ لأنَّه متصرف

(4)

(1)

في (ح): أطلق.

(2)

أخرجه أحمد (19356)، والبخاري (3642)، وأخرجه البخاري في سياق حديث:«الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة» . ينظر: الفتح 6/ 634.

(3)

في (ح): بأن.

(4)

في (ح): يتصرف.

ص: 31

في ذِمَّته وهي قابلةٌ للتَّصرُّف، وظاهِرُه: سواءٌ سمَّاه في العقد أو لا، والأشهر: أنَّه يصحُّ إذا لم يسمِّه.

(فَإِنْ أَجَازَهُ مَنِ اشْتُرِيَ لَهُ؛ مَلَكَهُ)؛ لأنَّه اشْتُرِيَ لأجله، ونزَّل المشتري نفسه منزلة الوكيل، فملكه من اشتُري له، كما لو أذن له.

والأصحُّ: أنَّه يملكه من حين العقد وقبل

(1)

الإجازة.

(وَإِلاَّ لَزِمَ مَنِ اشْتَرَاهُ)؛ أي: إذا لم يُجِزْه؛ لأنَّه لم يأذن فيه، فتعيَّن كونه للمشتري، كما لو لم يَنْوِ غيرَه.

وفي «الرِّعاية» : إن سمَّاه فأجازه؛ لزمه، وإلاَّ بطل، ويحتمل إذًا

(2)

: يلزم المشتري، وقدَّمه في «التلخيص» ؛ إلغاءً للإضافة.

وإن قال: بعته من زيد، فقال: اشتريته له؛ بطل.

ويحتمل: يلزمه إن أجازه.

وإن حكم بصحَّته بعد إجازته؛ صحَّ من

(3)

الحُكم، ذكره القاضي. ويتوجَّه كالإجازة، قاله في «الفروع» .

تنبيهٌ: لا يصحُّ شراؤه بعين ماله ما يملكه غيرُه، ذكره القاضي.

واختار

(4)

المؤلِّفُ: وقوفه على الإجازة.

ومثلُه: شراؤه لنفسه بمالِ غيره. وإن

(5)

باع ما يظنُّه لغيره، فبان وارثًا، أو وكيلاً؛ فروايتان، وفي «المحرَّر»: وجهان، وبناهما في شرحه: على عزل الوكيل قبل علمه.

(1)

في (ق): وقيل.

(2)

في (ق): أن.

(3)

في (ح): في.

(4)

في (ح): واختاره.

(5)

في (ح): أو.

ص: 32

(وَلَا يَجُوزُ)؛ أي: لا يصحُّ (بَيْعُ

(1)

معيَّنٍ (لَا

(2)

يَمْلِكُهُ لِيَمْضِيَ وَيَشْتَريَهُ وَيُسَلِّمَهُ)، بغير خلافٍ نعلمه

(3)

؛ لحديث حكيمٍ

(4)

، ولأنَّه غير قادِرٍ على تسليمه، أشبه الطَّير في الهواء، بل موصوف

(5)

غير معيَّن بشرط

(6)

قبضه أو قبض ثمنه في مجلس العقد؛ كسَلَمٍ.

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا فُتِحَ عَنْوَةً

(7)

وَلَمْ يُقْسَمْ؛ كَأَرْضِ الشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالعِرَاقِ

(8)

، وَنَحْوِهَا)، في ظاهر المذهب، وهو قول عمر

(9)

، وعليٍّ

(10)

، وابن عبَّاسٍ

(11)

،

(1)

في (ح): أن يبيع.

(2)

في (ح): ما لا.

(3)

ينظر: المغني 4/ 155.

(4)

سبق تخريجه 5/ 30 حاشية (1).

(5)

في (ح): بوصف.

(6)

في (ح): فشرط.

(7)

في (ح): غيره.

(8)

في (ح): العراق ومصر.

(9)

سيأتي قريبًا في كلام المؤلف.

(10)

أخرجه ابن أبي شيبة (20803)، ويحيى بن آدم في الخراج (178)، والبيهقي في الكبرى (18401)، عن قتادة، عن علي رضي الله عنه أنه كان يكره أن يشتري من أرض الخراج شيئًا، ويقول:«عليها خراج المسلمين» ، وهذا مرسل. وأخرج أبو عبيد في الأموال (197)، وابن زنجويه (304)، وابن المنذر في الأوسط (6431)، عن عنترة، قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: «إياي وهذا السواد» ، وإسناده جيد.

(11)

أخرجه ابن أبي شيبة (20804)، عن ابن عباس:«أنه كره شراء أرض السواد» ، وفيه شريك النخعي وهو ضعيف الحديث. وأخرج عبد الرزاق (10107)، وأبو عبيد في الأموال (198)، وابن زنجويه (315)، والبيهقي في الكبرى (18396)، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل من أهل العراق، فقال: يا ابن عم رسول الله، جعلني الله فداك، الأرض من أرض السواد تخرب ويعجز عنها أهلها، فنعمرها ونؤدي ما عليها؟ قال:«لا» ، ثم قرأ:{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} ، إلى قوله:{حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} ، فقال:«يعمد أحدكم إلى الصغار في عنق أحدهم، فيجعله في عنقه» ، وإسناده صحيح.

ص: 33

وعبد الله بن عمرَ

(1)

، قال الأوزاعيُّ: (لم تزل أئمَّة المسلمين يَنهَوْن عن شراء أرض

(2)

الجزيرة، ويكرهه علماؤهم)

(3)

، قال الشَّعْبِيُّ: اشترى عتبة بن فرقد أرضًا على شاطئ الفرات ليتَّخِذ فيها قصبًا، فقال له عمر:«ممَّن اشتريتها» ، قال

(4)

: من أربابها، فلمَّا اجتمع المهاجرون

(5)

والأنصار، فقال: هؤلاء أربابُها، قال:«ارْدُدْها على من اشتريتها منه، وخذ مالَك»

(6)

، فقاله بمحضر سادة الصَّحابة وأئمَّتهم، ولم يُنكَر، فكان كالإجماع، ولا سبيل إلى وجود إجماعٍ أقْوَى منه؛ لتعذُّره.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (20800)، عن ابن عمر، أن رجلاً سأل عن شراء أرض الخراج، أو شيء هذا معناه فقال:«يخرج الصغار من عنقه، فتجعله في عنقك» ، وإسناده حسن. وأخرج عبد الرزاق (10108)، عن كليب بن وائل قال: سألت ابن عمر قال: قلت: كيف ترى في شراء الأرض؟ قال: «حسن» ، قال: يأخذون مني من كل جريب قفيزًا ودرهمًا، قال:«لا تجعل في عنقك صغارًا» ، وإسناده صحيح.

(2)

قوله: (أرض) سقط من (ح).

(3)

ينظر: الأم 7/ 378.

(4)

في (ح): فقال.

(5)

قوله: (المهاجرون) في (ح): إليها آخرون.

(6)

أخرجه يحيى بن آدم في الخراج (169)، وأبو عبيد في الأموال (ص 99)، وابن زنجويه (303)، وابن المنذر في الأوسط (6430)، والبيهقي في الكبرى (18411)، عن الشعبي، عن عتبة بن فرقد. وإسناده جيد، وظاهره الاتصال فإن الشعبي روى عن عتبة، وهما كوفيان متعاصران.

ورواه يحيى بن آدم في الخراج (168)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (18410)، والخطيب في تاريخه (1/ 310)، عن عامر الشعبي، قال: اشترى عتبة بن فرقد أرضًا من أرض الخراج، وذكر نحوه. هكذا رواه مرسلاً، وقد ضبب عليه الذهبي في المهذب 7/ 3683 للانقطاع.

ص: 34

فإن قيل: قد خالفه ابنُ مسعودٍ، «فإنَّه اشترى من دهقان

(1)

أرضًا على أن يكفيَه جزيتها»

(2)

.

قلنا: لا نسلِّم المخالَفةَ، و «اشترى» بمعنى: اكترى، قاله أبو عُبَيدٍ

(3)

، بدليل:«على أن يكفيه جزيتها» ، ولا يكون مشتريًا لها وجِزْيَتُها على غيره.

(إِلاَّ الْمَسَاكِنَ)؛ لأِنَّ الصَّحابة اقتطعوا الخِطَط في الكوفة والبصرة في زمن عمر، وبَنَوها مساكن، وتبايعوها من غير نكيرٍ، فكان كالإجماع

(4)

.

وظاهره: ولو كانت آلتها من أرض العَنوة، ولو كانت موجودةً حال الفتح.

وقدَّم في «الفروع» : أنَّه يجوز بيع بناءٍ ليس منها، وغرسٍ محدَثٍ فيها.

ونقل المرُّوذيُّ، ويعقوبُ: المنْعَ

(5)

؛ لأنَّه تبع

(6)

، وهو ذريعةٌ.

(1)

في (ح): رهقًا.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (20792)، ويحيى بن آدم في الخراج (170)، والبيهقي في الكبرى (18404)، عن مجالد، عن الشعبي. ومجالد بن سعيد ضعيف الحديث.

وأخرجه ابن أبي شيبة (20793)، ويحيى بن آدم في الخراج (166)، وابن زنجويه (306)، والبيهقي في الكبرى (18403)، والخطيب في تاريخه (1/ 313)، وفيه حجاج بن أرطاة، وهو ضعيف ومدلس، والقاسم بن عبد الرحمن لم يسمع من ابن مسعود رضي الله عنه. والأثر يتقوى بمجموع الطريقين.

(3)

ينظر: الأموال لأبي عبيد ص 100.

(4)

قال أبو عبيد في الأموال ص 108: (فأما المساكن والدور بأرض السواد؛ فما علمنا أحدًا كره شراءها وحيازتها وسكناها، قد اقتسمت الكوفة خِططًا في زمن عمر بن الخطاب، وهو إذن في ذلك من أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .... ثم قدمها علي رضي الله عنه فيمن معه من أصحابه، فأقام بها خلافته كلها، ثم كان التابعون بعد بها، فما بلغنا أن أحدًا منهم ارتاب بها، ولا كان في نفسه منها شيء، بحمد الله ونعمته، وكذلك سائر السواد، والحديث في هذا أكثر من أن يحصى، وكذلك أرض مصر هي مثل السواد).

(5)

ينظر: الفروع 6/ 167.

(6)

في (ح): بيع. والمثبت موافق لما في الفروع 6/ 167.

ص: 35

وجوَّز ابن عَقِيلٍ بيع الغرس، وفي البناء روايتان.

(وَأَرْضًا مِنَ الْعِرَاقِ)، سُمِّيَ عِراقًا؛ لاِمْتِداد أرضه، وخُلُوِّها من جبالٍ مرتفعة وأوديةٍ منخفضةٍ، قاله السَّامَرِّيُّ، (فُتِحَتْ صُلْحًا، وَهِيَ الْحِيرَةُ)، مدينة بقرب الكوفة، بكسر الحاء، والنِّسبة إليها حِيريٌّ، وحارِيٌّ، على غير قياس، قاله الجَوْهريُّ

(1)

، (وأُلَّيْسُ)، بضمِّ الهمزة، وتشديد اللاَّم، بعدها ياءٌ ساكنةٌ، وبعدها

(2)

سينٌ مهمَلةٌ، مدينة

(3)

بالجزيرة، (وَبَانِقْيَا)، بزيادة ألف بين الباء

(4)

والنُّون، وهي مكسورةٌ، بعدها قافٌ ساكنةٌ، تليها

(5)

ياءٌ مثنَّاةٌ من تحت، ناحية بالنَّجَف دون الكوفة، قال ثعلبٌ

(6)

: سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ إبراهيم ولوطًا نزلاها، وكانت تزلزل، فلم تزلزل تلك اللَّيلة، فاشتراها بغنيمات يقال لها: نِقْيا، وكان شراؤها من أهل بانقيا، (وَأَرْضُ بَنِي صَلُوبَا)، بفتح الصَّاد المهملة، وضمِّ اللاَّم، بعدها واوٌ ساكنةٌ، تليها

(7)

باءٌ موحَّدةٌ، فهذه الأماكن فُتِحتْ صُلْحًا لا عَنْوةً؛ فجاز بيعُها.

ومثل ذلك: الأرض الَّتي أسلم أهلُها عليها؛ كأرض المدينة، فإنَّها ملك أربابها، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .

ثمَّ بيَّن علَّة المنع فقال: (لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه وَقَفَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ

(8)

؛ لتكون مادَّةً لهم لقتالهم في سبيل الله إلى يوم القيامة، وشهرةُ ذلك تُغْنِي عن نقله؛

(1)

ينظر: الصحاح 2/ 641.

(2)

في (ح): وأليس؛ بضم اللام وتشديد الياء المثنّاة بعدها.

(3)

في (ح): ومدينة.

(4)

في (ح): الياء.

(5)

في (ق): يليها.

(6)

ينظر: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع 1/ 222، المطلع ص 274.

(7)

في (ق): يليها.

(8)

أخرجه البخاري (4235).

ص: 36

ولأنَّها

(1)

لو قسمت لكانت للذين افتتحوها، ثمَّ لورثتهم، أو لمن انتقلت

(2)

إليه عنهم، ولم تكن مشترَكَة بين المسلمين، ولو جاز تخصيص أحدهما؛ لكان من افتتحها أحقَّ بها.

(وَأَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ) عن الأرض، (وَلَمْ

(3)

يُقَدِّرْ مُدَّتَهَا؛ لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا)، هذا جوابٌ عن سؤالٍ مقدَّر

(4)

، تقديره: أنَّ المأخوذَ منهم أجرةٌ، فيجب

(5)

تقدير مدَّتها كسائر الإجارات.

فأجاب: بالفرق من حيث إنَّ عموم المصلحة موجود

(6)

هنا، بخلاف ما إذا آجَرَ مِلْكَه لإنسانٍ.

أو يقال: إنَّها لا تَصِحُّ مجهولةً في أملاك المسلمين، فأمَّا في أملاك الكفَّار، أو في حكم أملاكهم؛ فجائِزٌ، ألا ترى أنَّ الأميرَ لو قال: من دلَّنا على القلعة الفلانيَّة؛ فله منها جاريةٌ، صحَّ وإن كانت بجُعْلٍ مجهولٍ.

فإن قيل: لو كانت أجرةً؛ لم تُؤْخَذْ

(7)

عن النَّخل والكَرْم؛ لعدم صحَّة إجارة ذلك.

فالجواب

(8)

: أنَّ المأخوذ هناك عن الأرض، إلاَّ أنَّ الأجرة اختلفت لاختلاف المنفعة، فالمنفعة بالأرض التي فيها النَّخل أكثر.

(1)

في (ظ): لأنها.

(2)

في (ظ) و (ح): انتقل.

(3)

في (ح): ولو.

(4)

في (ح): يقدر.

(5)

في (ح): فتجب.

(6)

في (ح): يوجد.

(7)

في (ق): لم يؤخذ.

(8)

في (ق): والجواب.

ص: 37

وإنَّما كره أحمد الدُّخول فيها؛ لِمَا شاهده في وقته؛ لأنَّ السُّلطان كان يأخذ زيادةً على ما وظَّفه عمر، ويضرب، ويحبس، ويصرفه إلى غير مستحقه.

وعنه: يصحُّ بيعها، ذكره الحُلوانيُّ، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وقال: جوَّز

(1)

أحمد إصداقها

(2)

، وقاله جدُّه، وتأوَّله القاضي على نفعها.

(وتَجُوزُ

(3)

إِجَارَتُهَا)؛ لأِنَّها مُؤجَرةٌ في أيدي أربابها، وإجارةُ المُؤْجَر جائزةٌ.

وعنه: لا، ذكرها القاضي وغيره؛ كالبيع.

(وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَهَا)؛ للاختلاف فيه، ونقل أبو داود: يبيع منه ويحج؟ قال: لا أدري

(4)

، فدلَّ على التَّوقُّف، (وَأَجَازَ شِرَاءَهَا)؛ لأِنَّه في

(5)

معنى الاسْتِنقَاذ.

وعنه: لحاجته وعياله.

ونقل حنبل

(6)

: أمْقُت السواد، والمقام فيه كالمضطر يأكل من الميتة ما لا بد منه.

وعلى الصِّحَّة: فإنَّها تكون في يد المشتري على ما كانت في يد البائع، يؤدِّي خراجها

(7)

، ويكون الشِّراء بمعنى نقل العين من يدٍ إلى أخرى بعِوَضٍ، إلاَّ ما كان قبل سنةِ مائةٍ، أو مِنْ إقطاع عمر رضي الله عنه.

(1)

في (ح): جواز.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 588، 29/ 206.

(3)

في (ح): ويجوز.

(4)

ونص الرواية في مسائل أبي داود ص 286: (سئل عن بيع أرض السواد ما ترى فيه؟ قال: دَعْه، فقال له الرجل: يبيع منه؟ فقال: لا أدري، أو قال: دَعْه). وينظر: الفروع 1/ 166.

(5)

قوله: (في) سقط من (ح).

(6)

ينظر: الفروع 1/ 166.

(7)

في (ح): إخراجها.

ص: 38

أصلٌ: إذا أَعْطَى إمامٌ

(1)

هذه الأرض، أوْ وَقَفَها؛ فقيل: يصِحُّ، وفي «النَّوادر»: لا، واحتجَّ بنقل حنبلٍ

(2)

: مَثَل السَّواد كمن وقف أرضًا على رجلٍ، أو على ولده؛ لا يَحِلُّ منها شيءٌ إلاَّ على ما وقَف.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : إن حَكَم بصحَّة البيع حاكِمٌ؛ صحَّ؛ لأنَّه مختلَفٌ فيه؛ كبقيَّة المختلفات، مع أنَّهما ذكرا أنَّ للإمام البيعَ لمصلحةٍ؛ لأنَّ فعلَه كحكم الحاكم.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رِبَاعِ مَكَّةَ)، بكسر الرَّاء، جمع رَبْعٍ، وهو المنزل ودار الإقامة؛ لقوله عليه السلام:«إنَّ الله حبس عن مكَّة الفيل، وسلَّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنَّما أُحِلَّتْ لي ساعةً من نهارٍ» متَّفقٌ عليه

(3)

، وفي الصَّحيح:«قد أجَرْنا مَنْ أجَرْتِ يا أمَّ هانِئٍ»

(4)

.

(وَلَا إِجَارَتُهَا)؛ لِمَا روى سعيد بن منصورٍ، عن مجاهِدٍ مرفوعًا:«مكَّةُ حرامٌ بَيعُها، حرامٌ إجارتُها»

(5)

، وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا أنَّه قال:«مكَّةُ لا تُباع رِباعها، ولا تُكْرَى بيوتُها» رواه الأثْرَمُ

(6)

،

(1)

في (ظ): الإمام.

(2)

ينظر: الفروع 1/ 166.

(3)

أخرجه البخاري (2434)، ومسلم (1355)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336).

(5)

أخرجه ابن الجوزي من طريق ابن منصور في التحقيق (2/ 187)، وأخرجه ابن أبي شيبة (14679)، والفاكهي في أخبار مكة (2053)، ولفظه عند ابن الجوزي:«إن مكة حرمٌ حرَّمها الله عز وجل، لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها» ، وهو مرسل.

(6)

أخرجه الدارقطني (3014)، والبيهقي في الكبرى (11184)، من طريق أبي حنيفة، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن أبي نجيح، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا، وعبيد الله هو القداح قال ابن حجر:(ليس بالقوي)، وتفرد برفعه عنه أبو حنيفة.

وأخرجه الدارقطني (3018)، والحاكم (2326)، والبيهقي في الكبرى (11183)، من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه، عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو به، وإسماعيل وأبوه ضعيفان، قاله الدارقطني والبيهقي وغيرهما، وعدَّ ابن عدي حديثه هذا من مناكيره، وقال العقيلي:(لا يتابع عليه)، ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه، وقال البيهقي:(لا يصح رفعه، وفي ثبوته عن عبد الله بن عمرو أيضًا نظر)، وأخرجه موقوفًا عبد الرزاق (9214). تنبيه: ولم نقف على رواية عمرو بن شعيب. ينظر: الكامل 1/ 466، الضعفاء 1/ 73، المعرفة للبيهقي 8/ 214.

ص: 39

ولأنَّها فُتحت عَنوةً، بدليل أنَّه عليه السلام أمر بقتل أربعةٍ، فقتل منهم: ابن خَطَلٍ ومِقْيَس بن ضُبابة

(1)

، ولو فُتِحت صلْحًا؛ لم يَجُزْ قَتْلُ أهلها، ولم تقسم بين الغانمين، فصارت وقْفًا على المسلمين، فيحرمان كبقاع المناسك.

(وَعَنْهُ: يَجُوزُ ذَلِكَ)، اختاره

(2)

المؤلِّفُ، بناءً على أنَّها فُتحت صلحًا؛ لقوله عليه السلام:«من دخل دار أبي سفيان فهو آمِنٌ، ومن ألقى السِّلاح فهو آمِنٌ»

(3)

، وإذا فتحت صلحًا كانت ملْكًا لأهلها، فجاز ذلك كسائر الأملاك، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين في البيع، واختاره صاحب «الهدي» فيه

(4)

؛ لأنَّ

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (36913)، وأبو داود (2683)، والنسائي (4067)، والبزار (1151)، من طريق أسباط بن نصر، قال: زعم السدي عن مصعب بن سعد، عن أبيه به، في حديث طويل، وفيه:«اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة» ، وصححه ابن القيم وابن الملقن. وأخرجه أبو داود (2684)، والطبراني في الكبير (5529)، والدارقطني (2793)، وفيه عمرو أو عمر - وهو الصواب - ابن عثمان بن عبد الرحمن، قال ابن حجر:(مقبول)، وضعف إسناده الألباني. ينظر: زاد المعاد 3/ 110، البدر المنير 9/ 153، ضعيف أبي داود 2/ 340.

تنبيه: قوله: (ضُبابة)، كذا في النسخ الخطية، وفي المصادر الحديثية:(صُبابة)، قال ابن حجر في الإصابة 6/ 422:(صبابة: بضمّ المهملة، وموحدتين، الأولى خفيفة)، وقال ابن الملقن في البدر 9/ 156:(قال المطرزي في «المُغرب»: مقيس بن صبابة بالصاد غير المعجمة، عن الجوهري وغيره. قال: والمحدثون يقولون: مقيس بالسين. وعن ابن دريد: مقيس بوزن مريم، وضبابة بالضاد معجمة).

(2)

في (ح): واختاره.

(3)

أخرجه مسلم (1780).

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 17/ 491، زاد المعاد 3/ 384.

ص: 40

«عمر اشترى من صفوان بن أمية دارًا بأربعة آلاف درهم»

(1)

، و «اشترى معاوية من حكيم بن حزام دارين بمكة، إحداهما بستِّين ألفًا، والأخرى بأربعين ألفًا»

(2)

.

وجوابه: أنَّ ذلك كان على سبيل الاستنقاذ، مع أنَّ عمر اشترى ذلك لمصلحة، وجعله سجْنًا، يؤيِّده فعله ذلك في أرض السَّواد.

وعلى المنع: إن سكن بأجرةٍ؛ فعنه:

(3)

لا يأثم بدفعها، جزم به في «المغني» .

وعنه: بلى، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: هي ساقطة، يحرم بذلها

(4)

، وروي: أنَّ سفيان سكن بعض رِباع مكة، وهرب، ولم يعطهم أجرةً، فأدركوه،

(1)

أخرجه عبد الرزاق (9213)، وابن أبي شيبة (23201)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 280)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 165)، والفاكهي في أخبار مكة (2076)، والبيهقي في الكبرى (11180)، عن عبد الرحمن بن فروخ عن نافع بن الحارث به. وعبد الرحمن بن فروخ مولى عمر رضي الله عنه، قال فيه الحافظ:(مقبول)، وقد توبع: أخرج الأثر بنحوه من طريق أخرى: عمر بن شبة في كتاب مكة كما في الفتح لابن حجر (5/ 76)، ولا بأس بإسناده، والأثر علقه البخاري بصيغة الجزم 3/ 123، وقال الأثرم لأحمد: تذهب إليه؟ قال: (أي شيء أقول! هذا عمر). ينظر: المغني 4/ 176.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (3072)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1880)، وابن عساكر في تاريخه (15/ 119)، عن هشام بن عروة، عن عروة، قال: باع حكيم بن حزام دارًا له بمكة من معاوية بن أبي سفيان، لا أعلمه إلا قال: بمائة ألف، فقيل له: أبعت دارك منه بمائة ألف؟ قال: «والله إن أخذتها في الجاهلية إلا بزق من خمر، واشهدوا أن ثمنها في سبيل الله» ، رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني في الكبير (3073)، وابن عساكر في تاريخه (15/ 118)، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن حكيم بن حزام نحوه. قال في مجمع الزوائد 9/ 384:(رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن).

(3)

في (ظ) و (ح): معيَّنةٍ. والمثبت هو الموافق للفروع 10/ 300.

(4)

ينظر: الفروع 1/ 166، الاختيارات ص 180.

ص: 41

فأخذوها منه، وذُكر ذلك لأحمدَ فتبسَّم

(1)

، فظاهِرُه أنَّه أعجبه.

مسألةٌ: الحرم كمكَّة، نصَّ عليه

(2)

، ولا خراج على مزارعها

(3)

؛ لأنَّه جزية الأرض.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَاءٍ عِدٍّ)، بكسر العين وتشديد الدَّال، وهو الذي له مادَّةٌ لا تنقطع

(4)

؛ (كَمِيَاهِ الْعُيُونِ، وَنَقْعِ الْبِئْرِ) على المذهب؛ لأنَّه «عليه السلام نهى أن يباع الماء» رواه الأثرم من حديث جابر

(5)

، ولأنَّ الماء لا يُملَك على الصَّحيح؛ لقوله عليه السلام:«المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكَلَأ والنَّار» رواه أبو داود وابن ماجه

(6)

، ولأنَّه لو كان مملوكًا؛ لم يَجُز للمستأجر إتلافه؛ إذ الإجارة لا يستحقُّ بها إتلاف الأعيان، بل

(7)

مشترٍ أحقُّ به من غيره؛ لكونه في ملكه.

(1)

ينظر: المغني 4/ 197.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 301.

(3)

في (ق): زارعها. والمثبت موافق للفروع 10/ 301.

(4)

في (ح): لا ينقطع.

(5)

أخرجه مسلم (1565)، عن جابر رضي الله عنه بلفظ:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل، وعن بيع الماء والأرض لتحرث» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (20942)، وأحمد (14842) بلفظ:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء» .

(6)

أخرجه أحمد (23082)، وأبو داود (3477)، من طريق حريز بن عثمان، حدثنا أبو خداش، عن رجل من المهاجرين، وأبو خداش هو حبان بن زيد، ذكره ابن حبان في الثقات، قال أبو داود:(شيوخ حريز كلهم ثقات)، ولذا اعتمد ابن حجر توثيقه في التقريب. وأخرجه ابن ماجه (2472)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: عبد الله بن خراش بن حوشب، وهو شديد الضعف. وأخرجه ابن ماجه (2473)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه ابن حجر والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 153، الإرواء 6/ 7.

(7)

في (ح): بلى.

ص: 42

وعنه: يملكه، ويجوز

(1)

، اختاره أبو بكرٍ؛ لأنَّه متولِّدٌ من

(2)

أرضه كالنِّتاج.

قوله: (ونقع البئر)؛ أي: الماء المستنقَع

(3)

فيها.

(وَلَا مَا فِي الْمَعَادِنِ الْجَارِيَةِ؛ كَالْمِلْحِ، وَالْقَارِ

(4)

، وَالنِّفْطِ)، على الأصحِّ؛ لأنَّ نفعه يعمُّ، فلم يَجُزْ بيعُه؛ كالماء.

(وَلَا مَا يَنْبُتُ

(5)

فِي أَرْضِهِ مِنَ الْكَلَأِ وَالشَّوْكِ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.

(وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا؛ مَلَكَهُ)، نصَّ عليه

(6)

؛ لأنَّه من المباح، فيملكه آخذه، كما لو أخذه من أرضٍ مباحةٍ.

واختار ابن عقيلٍ: عدَمه، وخرَّجه رواية من أنَّ النهي يمنع التَّملُّك

(7)

.

وجوابه: أنَّ تعدِّيَه لا يمنع تملُّكه

(8)

، كما لو عشَّش في أرضه طائرٌ، أو دخل فيها صيدٌ، أو نضب الماء عن سمك، فدخل إليه وأخذه.

(إِلاَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ)، جزم به في «الوجيز» وغيره؛ لأنَّه متصرفٌ

(9)

في ملك الغير بغير إذنه، كما لو دخل لغير ذلك.

ونقل ابن منصورٍ: له الدُّخول لرعي كلأٍ وأخذه، ونحوه - ما لم يَحُط عليها - بلا ضررٍ، قال: لأنَّه ليس لأحدٍ منعه

(10)

.

(1)

قوله: (ويجوز) سقط من (ق).

(2)

في (ق): في.

(3)

في (ظ): المنتقع.

(4)

في (ق): كالقار والملح.

(5)

في (ظ): ما نبت.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 265، مسائل صالح 3/ 11، مسائل ابن منصور 9/ 4818.

(7)

في (ظ) و (ق): التمليك.

(8)

في (ق): ملكه.

(9)

في (ح): يتصرف.

(10)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4705.

ص: 43

ونقل المرُّوذيُّ: له ذلك مطلقًا

(1)

.

وكرهه في «التَّعليق» و «الوسيلة» و «التَّبصرة» .

(وَعَنْهُ: يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ)؛ لأنَّه خارجٌ من ملكه، فجاز بيعه؛ كسائر الخارج منها.

وعلى الأوَّل: المنع منه

(2)

قبل حيازته، فأمَّا بعدها؛ فلا ريب أنَّه ملَكه

(3)

بذلك؛ لما رُوِي: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء، إلاَّ ما حمل منه» رواه أبو عُبَيدٍ في الأموال

(4)

، وعلى ذلك مضت العادة في الأمصار، ببيع الماء في الروايا

(5)

، والحطب والكلأ المحازين من غير نكيرٍ، وليس لأحدٍ أن يتصرَّف فيه إلاَّ بإذن مالكه.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 169.

(2)

في (ح): فيه.

(3)

في (ح): يملكه.

(4)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (755)، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن المشيخة:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه» ، وقال عنه:(فيه حديث مرفوع إلا أنه ليس له ذاك الإسناد)، أبو بكر بن أبي مريم الغساني ضعيف، والمشيخة الذين روى عنهم مجهولون.

(5)

الرَّوايا: جمع راوية، أعظمُ من المزادة. ينظر: العين 8/ 312.

ص: 44

(فَصْلٌ)

(الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ)؛ لأنَّ ما لا يُقدَر على تسليمه شبيه

(1)

بالمعدوم، والمعدوم لا يصحُّ بيعُه، فكذا ما أشبهه.

(فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الآْبِقِ، وَلَا الشَّارِدِ)؛ لِما روى مسلمٌ من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «أنَّه نهى عن بيع الغرر»

(2)

، وفسَّره القاضي وجماعةٌ: ما تردَّد بين أمْرَيْن ليس أحدُهما أظهرَ، والآبق كذلك؛ لأنَّه متردِّد بين الحصول وعدمه، مع أنَّ فيه نهيًا خاصًّا، رواه أحمد، عن أبي سعيدٍ:«أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبِقٌ»

(3)

.

وظاهره: لا فرق بين أن يُعلَم خبرُه أم لا.

(وَلَا الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ)؛ لأنَّه بيع غرر

(4)

، وظاهِرُه: ولو كان يألف الرُّجوع؛ لأنَّه غير مقدورٍ عليه، فلم يجز؛ لفوات

(5)

شرطه.

وقيل: يجوز، واختاره في «الفنون» ، وأنَّه قول الجماعة، وأنكره من لم يحقِّقْ.

فإن أمكن أخذه وبابه مغلقٌ؛ جاز، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» ؛ إناطةً

(1)

في (ح): أشبه.

(2)

أخرجه مسلم (1513).

(3)

أخرجه أحمد (11377)، وابن ماجه (2196)، والبيهقي في الكبرى (10848)، وفي سنده جهضم بن عبد الله اليمامي وثقه ابن معين وأبو حاتم، إلا أنهم تكلموا في روايته عن المجاهيل وأن فيها مناكير، وهذه منها، فإن شيخه فيه محمد بن إبراهيم وهو مجهول، وفي سنده أيضًا: شهر بن حوشب وهو ضعيف، وضعَّف الحديث البيهقي والإشبيلي وابن حجر. ينظر: نصب الراية 4/ 15، تهذيب التهذيب 2/ 120، بلوغ المرام (821).

(4)

في (ح): غرور.

(5)

في (ح): لفوت.

ص: 45

بالقدرة على التَّسليم.

وشرط القاضي مع ذلك: أخذه بسهولة، فإن لم يُمكن إلا بتعبٍ ومشقَّةٍ؛ لم يَجُز؛ لعجزه في الحال، والجهل بوقت

(1)

تسليمه.

ويَرِدُ عليه الغائب البعيد الذي لا يُمكن إحضاره إلاَّ بمشقَّة، فإنَّه يجوز.

ويُفرَّق بينهما: بأنَّ البعيدَ تُعلم الكُلفة الَّتي يَحتاج إليها في إحضاره بالعادة، وتأخير تسليمه

(2)

مدَّته معلومةً.

(وَلَا السَّمَكِ

(3)

فِي الْمَاءِ)؛ لِمَا رَوَى أحمدُ عن ابن مسعودٍ مرفوعًا: «لا تشتروا السَّمك في الماء، فإنَّه غَرَرٌ» ، قال البَيْهقيُّ:(فيه انقطاعٌ)

(4)

، والمراد به: إذا كان في الآجام

(5)

، فلو كان في بركةٍ معدًّا للصَّيد، وعرف برؤية لصفاء الماء فيها، وأمكن اصطياده؛ صحَّ بيعه؛ لأنَّه معلوم ممكنٌ

(6)

تسليمُه، أشبه الموضوع في طَسْت.

(1)

في (ح): مؤقت.

(2)

في (ق): تسلمه.

(3)

في (ح): والسمك.

(4)

أخرجه أحمد (3676)، والبيهقي في الكبرى (10859)، وفيه محمد بن صبيح السماك الواعظ، قال ابن نمير عنه:(صدوق)، وقال مرة:(ليس حديثه بشيء)، وقال الدارقطني:(لا بأس به)، وتفرد برفعه؛ فقد رواه ابن فضيل وهشيم وغيره عن يزيد بن أبي زياد موقوفًا، وهو منقطع، قال أحمد:(لم يسمع من عبد الله بن مسعود شيئًا)، ورُوي موقوفًا، أخرجه ابن أبي شيبة (22050)، ورجح وقفه الدارقطني والبيهقي وابن الجوزي. ينظر: علل الدارقطني 5/ 275، العلل المتناهية 2/ 105، جامع التحصيل ص 280، لسان الميزان 7/ 205.

(5)

قال في الدر النقي 2/ 470: (هي البِرَك من الماء)، وقال في المغرب ص 21:(الأَجَمَة: الشجر الملتف، والجمع أجم وآجام، وقولهم: "بيع السمك في الأجمة" يريدون البُطيْحة التي هي منبت القصب أو اليراع).

(6)

في (ق): يمكن.

ص: 46

نعم؛ إن كان في أخذه كلفةٌ ومشقَّةٌ؛ خرِّج فيه الخلاف السابق، مع أنَّه ذكر في «المغني» و «الشرح»: أنَّ البِرْكةَ إذا كانت كبيرةً، وتطاولت المدَّةُ في أخذه؛ أنَّه لا يجوز بيعه؛ للجهل بوقت إمكان التَّسليم.

(وَلَا الْمَغْصُوبِ)؛ لأنَّه لا يُقدَرُ على تسليمه، (إِلاَّ مِنْ غَاصِبِهِ)؛ لأنَّ المانع منه معدومٌ هنا، وعلى الأصحِّ: (أَوْ ممَّن

(1)

يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ)؛ لعدم الغرر، ولإمكان قبضه.

وعنه: يصحُّ بيع آبِقٍ لقادر على تحصيله، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» ، وحكاه القاضي في موضع، والأشهر المنعُ، فإن عجز عن استنقاذه؛ فله الفسخ؛ لأنَّه إنَّما صحَّ لظنِّ القدرة على التخليص

(2)

.

(1)

في (ح): من.

(2)

في (ح): التحصيل.

ص: 47

(فَصْلٌ)

(السَّادِسِ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا) عند المتعاقدين؛ لأنَّ جهالة المبيع غررٌ، فيكون منهيًّا عنه، فلا يصحُّ لذلك.

ومعرفة المبيع تحصل: (بِرُؤْيَةٍ) مقارِنَةٍ له، أو لبعضه إن دلَّت على بقيَّته، نَصَّ عليه

(1)

، فرؤية أحد وجهَيْ ثوبٍ خامٍ؛ تكفي

(2)

، لا منقوشٍ، ولأنَّ الرُّؤية متَّفقٌ عليها؛ لأنَّها تُحصِّل العلم بحقيقة المبيع.

ويُلحق بذلك: ما عُرف بلمسه، أو شمِّه، أو ذوقه، ذكره القاضي وغيره.

وعنه: وتُعرف صفةُ المبيع تقريبًا، فلا يصحُّ شراء غير جوهريٍّ جوهرةً.

(أَوْ صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَتُهُ)، على الأصحِّ؛ كالصِّفة التي تكفي في السَّلْم؛ لأنَّها تقوم مقام الرُّؤية، والمبيع

(3)

يتميَّز بما يصفه العاقد، والشَّرع قاضٍ بالاعتماد على قوله، بدليل قبول قوله: إنَّه ملكه، ولأنَّه مبيعٌ معلومٌ للمتعاقدين، مقدورٌ على تسليمه، فصحَّ كالحاضر.

وظاهِرُه: أنَّ البيعَ بالصِّفة مخصوصٌ بما يجوز السَّلم فيه لا غيره، صرَّح به في «المحرَّر» و «الشَّرح» و «الوجيز» ، فعلى هذا: يصحُّ بيع أعمى وشراؤه؛ كتوكيله.

فرع: لا

(4)

يصحُّ بيع الأُنموذج بأن يريَه صاعًا، ويبيعه الصُّبْرة على أنَّها من جنسه.

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 274.

(2)

في (ظ): يكفي.

(3)

في (ظ) و (ق): البيع.

(4)

قوله: (لا) سقط من (ح). والمثبت موافق للفروع 6/ 143.

ص: 48

وقيل: ضبط الأنموذج كذكر الصفات

(1)

، نقل جعفرٌ فيمن يفتح

(2)

جِرابًا، ويقول: الباقي بصفته

(3)

: إذا جاءه على صفته ليس له ردُّه

(4)

.

(فَإِنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ، وَلَمْ يُوصَفْ لَهُ، أَوْ رَآهُ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ، أَوْ ذُكِرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ؛ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ) في قول الجمهور؛ لعدم العلم بالمبيع.

(وَعَنْهُ: يَصِحُّ)، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(5)

؛ لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البَقَرَة: 275]، ولأنَّ «عثمان وطلحةَ تبايعا داريهما

(6)

بالكوفة والمدينة، فتحاكما إلى جُبَير، فجعل الخيار لطلحة»

(7)

، وهذا اتِّفاق منهم على صحَّة العقد، ولأنَّه عَقْدُ معاوَضةٍ، يصِحُّ بغير رؤية ولا صفةٍ كالنِّكاح.

وهذا إذا ذكر جنسه، وإلاَّ لم يصِحَّ رواية واحدةً، قاله القاضي وغيره.

(1)

في (ح): كذكره لصفات.

(2)

في (ح): مفتح.

(3)

في (ح): نصفيه.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 144.

(5)

قال في الفروع: (اختاره شيخنا - أي: الشيخ تقي الدين - في موضع، وضعفه أيضًا) أي في موضع آخر. ينظر: الفروع 6/ 169، الاختيارات ص 179، ومن المواضع التي اختار فيها شيخ الإسلام بطلان البيع: مجموع الفتاوى 20/ 345، 29/ 222.

(6)

في (ح): دارًا. وفي (ق): دارًا لهما.

(7)

أخرجه البيهقي في الكبرى (10424)، من طريق رباح بن أبي معروف، عن ابن أبي مليكة: وذكره. قال الذهبي في المهذب 4/ 2023: (فيه انقطاع)، ابن أبي مليكة لم يدرك عثمان وطلحة، وقد روي موصولاً: أخرجه الطحاوي في معاني الآثار (5507)، من طريق هلال بن يحيى بن مسلم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن رباح بن أبي معروف المكي، عن ابن أبي مليكة، عن علقمة بن وقاص الليثي. إلا أن هلال بن يحيى، قال عنه ابن حبان في المجروحين 3/ 87:(كان يخطئ كثيرًا على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد)، وقد انفرد بوصله، ثم إن مداره على رباح بن أبي معروف، وهو متكلم فيه، ضعفه ابن معين والنسائي، وقَبِل روايته آخرون، قال في التقريب:(صدوق له أوهام).

ص: 49

(وَ) عليها: (لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) على الأصحِّ؛ لأنَّه رُوِي: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ اشْترى ما لم يره؛ فهو بالخيار إذا رآه»

(1)

، والخِيار لا يكون إلاَّ في بيعٍ صحيحٍ.

وهو على الفور؛ للخبر. وقيل: يتقيَّد بالمجلس؛ كخياره.

وللمشتري فسخ العقد قبل الرُّؤية.

وقال ابن

(2)

الجوزي: لا، كما لو اختار إمضاء العقد.

والمذهب الأوَّلُ؛ لأنَّ الخبر من رواية عمر بن إبراهيمَ الكرديِّ، وهو متروك الحديث، ويحتمل أنَّه بالخيار بين العقد عليه وتركه، ويمكن حمله على ما إذا اشتراه بالصِّفة، ثمَّ وجده متغيِّرًا، ولأنَّه باع ما لم يره، ولم يُوصَف له، فلم يصحَّ؛ كبيع النَّوَى في التَّمر، والآيةُ مخصوصةٌ بما ذكرناه.

فرع: لا يَبطُل العقدُ بموتٍ أو جُنونٍ.

(وَإِنْ ذُكِرَ لَهُ مِنْ صِفَتِهِ مَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ)؛ صحَّ البيعُ في ظاهر المذهب؛ لِمَا قلنا.

والثَّانية: لا يصِحُّ إلاَّ بالرُّؤية؛ لأنَّ الصِّفة لا تُحصِّل العِلْمَ من كلِّ وجْهٍ، فلم يَصِحَّ البيعُ بها؛ كالذي

(3)

لا يَصِحُّ السَّلَم فيه.

(أَوْ رَآهُ، ثُمَّ عَقَدَا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَنٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ ظَاهِرًا؛ صَحَّ فِي أَصَحِّ

(1)

أخرجه الدارقطني (2805)، والبيهقي (10426)، وفي سنده: عمر بن إبراهيم الكردي، قال الدارقطني:(عمر بن إبراهيم يقال له: الكردي، يضع الأحاديث، وهذا باطل لا يصح، لم يروها غيره، وإنما يروى عن ابن سيرين موقوفًا من قوله)، وضعفه ابن الملقن وابن حجر، وورد من طريق أخرى مرسلة عن مكحول عند الدارقطني (2803)، لكن في سندها راوٍ ضعيف. ينظر: البدر المنير 6/ 460، التلخيص الحبير 3/ 14.

(2)

في (ح): أبو.

(3)

في (ح): كالدين.

ص: 50

الرِّوَايَتَيْنِ)، وهي قول الأكثر؛ لأنَّ المبيعَ

(1)

معلومٌ عندهما، أشبه ما لو شاهداه حال العقد؛ إذ الرُّؤية السَّابقة كالمقارِنة.

والثَّانية: لا يَصِحُّ حتَّى يراها حالة العقد، روي عن

(2)

الحكم وحمَّادٍ؛ لأنَّ ما

(3)

كان شرطًا؛ اعتبر وجوده حالة العقد؛ كالشَّهادة في النِّكاح.

وجوابه: أنَّها تراد ليحمل

(4)

العقد والاستيثاق عليه، بدليل ما لو وقفا في بيتٍ من الدَّار، أو طرف الأرض المبيعة؛ صحَّ بلا خلافٍ

(5)

مع عدم مشاهدة الكلِّ.

وظاهره: أنَّه إذا كان الزَّمن يتغيَّر فيه المبيعُ؛ أنَّه لا يصحُّ، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّه غير معلومٍ، فإن كان يحتملهما

(6)

، وليس الظَّاهر تغيُّره؛ صحَّ بيعه؛ لأنَّ الأصل السَّلامة.

(ثُمَّ إِنْ وَجَدَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ)، ولزمه البيع، وقاله ابن سيرين وإسحاق؛ لأنَّه تسلَّم المعقود عليه بصفاته، فلم يكن له خيار؛ كالسَّلم.

(وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا؛ فَلَهُ الْفَسْخُ)؛ لأنَّه بمنزلة العَيب، وهو على التَّراخي، إلاَّ بما

(7)

يدلُّ على الرِّضا من سَومٍ ونحوه، لا بركوبه الدَّابة في طريق الرَّدِّ.

وعنه: على الفور.

وإن أسقط حقَّه من الرَّدِّ؛ فلا أَرْش في الأصحِّ.

(وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ)؛ أي: في التَّغيُّر والصِّفة؛ (قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ)؛

(1)

في (ح): البيع.

(2)

في (ح): ابن.

(3)

زيد في (ح): لا.

(4)

في (ح): لتحمل.

(5)

ينظر: المغني 3/ 497.

(6)

في (ح): يحتملها.

(7)

في (ح): ما.

ص: 51

لأنَّ الأصلَ براءةُ الذمة

(1)

من الثَّمن، فلا يلزمه ما لم يثبت عليه، وفي «الرِّعاية»: وفيه نظَرٌ.

وقال المجد: قد ذكر القاضي، وابن عقيلٍ، وأبو الخطَّاب بعموم

(2)

كلامه: إذا اختلفا في صفة المبيع؛ هل يتحالفان

(3)

، أو قول البائع؟ فيه روايتان.

تنبيه: البيع بالصِّفة نوعان:

بيع عَينٍ معيَّنةٍ؛ كبعتك عبدي التُّركيَّ، ويَذكُر صفاتِه؛ فينفسخ العقد بردِّه على البائع وتلفه قبل قبضه؛ لكونه معيَّنًا.

وبيع موصوفٍ غير معيَّنٍ؛ كبعتك عبدًا تركيًّا، ويستقصي صفات السَّلم، فيصح البيع في وجه؛ اعتبارًا بلفظه.

وفي آخر: لا، وحكاه الشَّيخ تقيُّ الدِّين عن أحمد

(4)

؛ كالسَّلم الحالِّ.

وفي ثالثٍ: يصحُّ إن كان ملكه.

فعلى الأوَّل: حكمه حكم السَّلم، يعتبر قبضه أو ثمنه في المجلس في وجهٍ.

وقال القاضي: يجوز التَّفرُّق فيه قبل القبض؛ لأنَّه بيعٌ حالٌّ، أشبه بيع المعيَّن.

فظاهره: لا يعتبر تعيين ثمنه.

وظاهر «المستوعب» وغيره: يعتبر، وهو أَوْلى؛ ليخرج عن بيع دينٍ بدينٍ.

(1)

في (ح): الزمن.

(2)

في (ح): فعموم.

(3)

في (ح): يتخالفان.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 145.

ص: 52

وجوَّز الشَّيخ تقيُّ الدِّين بيع الصِّفة والسَّلم حالًّا إن كان في ملكه

(1)

.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ)؛ لِمَا روى سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرةَ مرفوعًا:«أنَّه نهى عن بيع المضامين والملاقيح»

(2)

، قال أبو عُبيدٍ: المضامين ما في أصلاب الفحول، والملاقيح ما في البطون وهي الأجنَّة

(3)

، ولأنَّه مجهولٌ لا تُعلم

(4)

صفته ولا حياته، فلم

(5)

يصحَّ كالمعدوم، وهو غير مقدورٍ على تسليمه بخلاف الغائب.

فإن أُبيع مع أمِّه؛ دخل تَبَعًا؛ كأُسِّ الحائط.

وعُلم منه: أنَّ بيع

(6)

حَبَل الحَبَلة غيرُ صحيحٍ من باب أَوْلى.

(وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ)؛ لِما روى ابن عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع لبنٌ في ضرعٍ» رواه ابن ماجه والدَّارَقُطْنِيُّ

(7)

، ولأنَّه مجهول الصِّفة والمقدار، أشبه

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 529، الفروع 6/ 146.

(2)

أخرجه البزار (7785)، وفي سنده: صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف، ورجح الدارقطني إرساله، وقال ابن حجر عن المرفوع:(في إسناده ضعف). وأخرجه البزار (4828)، والطبراني في الكبير (11581)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه عبد الرزاق (14138)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقواه ابن القيم وابن حجر، وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 653)، من مرسل سعيد بن المسيب، بإسناد صحيح. ينظر: علل الدارقطني 9/ 183، زاد المعاد 5/ 726، بلوغ المرام (824)، التلخيص الحبير 3/ 29.

(3)

ينظر: غريب الحديث 1/ 208.

(4)

قوله: (لا تعلم) سقط من (ح).

(5)

في (ح): فلا.

(6)

في (ح): تبع.

(7)

أخرجه الطبراني في الكبير (11935)، والدارقطني (2835)، والبيهقي في الكبرى (10857)، وفي سنده: عمرو بن فروخ البصري، وهو صدوق ربما وهم، وتفرد برفعه، ورجح البيهقي وقفه على ابن عباس، وأخرجه موقوفًا: أبو داود في المراسيل (182)، والبيهقي في الكبرى (10858)، وقواه ابن حجر، وأخرجه ابن أبي شيبة (21917)، وأبو داود في المراسيل (183)، مرسلاً عن عكرمة.

ولم نقف عليه عند ابن ماجه، وعنده (2196) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعما في ضروعها إلا بكيل» ، وسبق تخريجه 5/ 45 حاشية (3). ينظر: نصب الراية 4/ 11، بلوغ المرام (823)، التلخيص الحبير 3/ 14.

ص: 53

الحمل، ولأنَّه بيع عَينٍ لم تُخلَقْ، فلم يصح

(1)

، كبيع ما تحمل هذه النَّاقة، والعادة فيه تختلف.

وأمَّا لبن الظئر؛ فإنَّما جاز للحاجة.

وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: إن باعه لبنًا موصوفًا في الذِّمة، واشترط كونه من هذه الشَّاة أو البقرة؛ جاز، كما لو قال: أسلمت إليك في عشرةِ أَوْسُقٍ من تمر

(2)

هذا الحائط

(3)

.

(وَالْمِسْكِ فِي الْفَأْرِ)، وهو الوعاء الَّذي يكون فيه، ولأنَّه مجهولٌ، فلم يصحَّ بيعُه مستورًا؛ كالدُّر

(4)

في الصَّدف.

قال في «الفروع» : ويتوجَّه تخريجٌ: يجوز

(5)

؛ لأنَّه وعاءٌ له يصونه ويحفظه، واختاره في «الهدي»

(6)

.

وعلى الأوَّل: إن فتح وشاهد ما فيه؛ جاز بيعه، وإلاَّ لم يصحَّ؛ للجهالة.

(وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ)؛ لعدم العلم به، ومثله البيض في الدَّجاج، قال في «الشَّرح»: لا نعلم فيهما اختلافًا؛ للجهالة، وكالفجل قبل القلع، نصَّ عليه

(7)

.

(1)

في (ظ): فلم تصح.

(2)

في (ق): ثمر.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 148، الاختيارات ص 179.

(4)

في (ح): كالذي.

(5)

في (ح): بجواز.

(6)

ينظر: زاد المعاد 5/ 728.

(7)

ينظر: مسائل صالح 3/ 157، مسائل ابن منصور 6/ 2819.

ص: 54

(وَلَا الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ)؛ لحديث ابن عبَّاسٍ السَّابق: «نهى أن يباع صوفٌ على ظَهْرٍ»

(1)

، أوْ سَمْنٍ في لبنٍ، ولأنَّه متَّصل بالحيوان، فلم يجز إفراده بالعقد؛ كأعضائه.

(وَعَنْهُ: يَجُوزُ بِشَرْطِ

(2)

جَزِّهِ فِي الْحَالِ)؛ لأنَّه مشاهَدٌ يمكن تسليمه، أشبه الرَّطبة في الأرض، وفارق الأعضاء؛ لأنَّه لا يمكن تسليمها مع سلامة الحيوان، فعليها: لو اشتراه

(3)

بشرط الجزِّ، ثمَّ تركه حتَّى طال؛ فحكم الرَّطبة على ما يأتي.

مسألةٌ: لا يجوز بيع عسب الفحل؛ للنَّهي عنه من حديث ابن عمر، رواه البخاريُّ

(4)

، وهو: ضِرَابه.

وكذا إجارته

(5)

. ولابن عقيلٍ احتمال بجوازها؛ لأنَّها منفعةٌ مقصودةٌ، والغالب حصول النزو

(6)

، فيكون مقدورًا عليه.

ومنع أحمد أنْ يُعطَى شيئًا على سبيل الهديَّة، وحمله المؤلِّف على الورع

(7)

، وجوَّز

(8)

دفع الأجرة دون أخذها، وكذا

(9)

الدَّفع على سبيل الهديَّة.

(وَلَا يَجُوزُ)؛ أي: لا يصحُّ (بَيْعُ المُلَامَسَةِ)؛ لما روى أبو هريرة: «أنَّ

(1)

سبق تخريجه 5/ 53 حاشية (7).

(2)

في (ح): شرط.

(3)

في (ح): اشتراها.

(4)

أخرجه البخاري (2284).

(5)

في (ح): العارية.

(6)

في (ح): المزو.

(7)

في (ح): الذرع. وينظر: المغني 4/ 159.

(8)

أي: ابن قدامة. ينظر: المغني 4/ 159.

(9)

في (ق): وكون.

ص: 55

النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة» متَّفقٌ عليه

(1)

، (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ ثَوْبِي هَذَا عَلَى أَنَّكَ مَتَى لَمَسْتَهُ فَهُوَ عَلَيْكَ بِكَذَا، أَوْ يَقُولَ: أَيَّ ثَوْبٍ لَمَسْتَهُ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا)، كذا فسَّره المؤلِّفُ، وهو ظاهر كلام أحمد، ولأنَّ المبيع

(2)

مجهولٌ لا يُعلَم.

(وَلَا بَيْعُ المُنَابَذَةِ)؛ للخبر، (وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَيَّ ثَوْبٍ نَبَذْتَهُ)؛ أي: طرحته (إِلَيَّ فَهُوَ عَلَيَّ بِكَذَا)؛ لما في الصَّحيح عن أبي سعيدٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع» ، والملامسة: لمس الرَّجل ثوب الآخَر بيده، ولا يقلبه

(3)

، والمنابذة: أن ينبذ كلُّ رجلٍ منهما ثوبَه إلى الآخر، ويكون ذلك بيعهما من غير نظرٍ ولا تقليبٍ

(4)

، فتفسير أبي سعيد للمنابَذة نظرًا إلى اللَّفظ، ولذلك جعل النَّبذ من الطَّرَفين.

وفي روايةٍ أخرى: المنابَذة: طَرْح الرَّجل ثوبه بالبيع إلى الرَّجل قبل أن يقلِّبه أو ينظر إليه، والملامسة: لمس الثَّوب لا ينظر إليه، ولأنَّه مجهولٌ لا يعلم، وفي بعضها يجتمع مفسدان: الجهالة والتَّعليق على

(5)

شرط، فلو قال: بعتك ما تلمسه، أو ما أنبذه إليك؛ لم يصح؛ لأنَّه غير معين ولا موصوف.

(وَلَا بَيْعُ الْحَصَاةِ)؛ لما روى أبو هريرة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة» رواه مسلم

(6)

.

وهل هو في الأرض، أو الثياب

(7)

؟ وقد ذكرهما المؤلِّفُ: (وَهُوَ أَنْ

(1)

أخرجه البخاري (2146)، ومسلم (1511).

(2)

في (ح): البيع.

(3)

في (ح): تقبله.

(4)

أخرجه البخاري (2144)، ومسلم (1512).

(5)

قوله: (على) سقط من (ح).

(6)

قوله: (رواه مسلم) سقط من (ظ) و (ق). والحديث أخرجه مسلم (1513).

(7)

في (ح): النبات.

ص: 56

يَقُولَ: ارْمِ هَذِهِ الْحَصَاةَ، فَعَلَى أَيِّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ فَهُوَ لَكَ بِكَذَا، أَوْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ قَدْرَ

(1)

مَا تَبْلُغُ هَذِهِ الْحَصَاةُ إِذَا رَمَيْتُهَا بِكَذَا)، وكلاهما باطلٌ؛ لما فيه من الغرر

(2)

والجهالة.

فرعٌ: لا يجوز بيع المعدن وحجارته، والسَّلف فيه، نَصَّ عليه

(3)

.

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ)؛ لأنَّه غررٌ، فيدخل في عموم النَّهي، وللجهالة.

(وَلَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدٍ)؛ لما ذكرنا، ولأنَّه يختلف، فيفضي إلى التَّنازُع، وسواءٌ قَلُّوا أو كثروا.

وظاهر كلام الشَّريف، وأبي الخطَّاب: يصحُّ إن تساوت

(4)

القيمة.

وفي «مفردات أبي الوفاء» : يصحُّ عبدٌ من ثلاثةٍ بشرط الخيار.

(وَلَا شَاةً مِنْ قَطِيعٍ، وَلَا شَجَرَةً مِنْ بُسْتَانٍ)؛ للجهالة.

(وَلَا هَؤُلَاءِ الْعَبِيدَ إِلاَّ وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلَا هَذَا الْقَطِيعَ إِلاَّ شَاةً)، نَصَّ عليه

(5)

، وهو قول أكثر العلماء؛ لأنَّ ذلك غررٌ، ويفضي إلى التَّنازع، وكما لو قال: بعتك شاةً من القطيع تختارها

(6)

.

وضابطه: أنَّ كلَّ ما لا يصحُّ بيعه مفرَدًا؛ لا يصحُّ استثناؤه، ويستثنى منه بيع السَّواقط؛ للأثر

(7)

.

(1)

في (ح): بقدر.

(2)

في (ح): الغرور.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 149.

(4)

في (ح): ساوت.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2631، مسائل ابن هانئ 2/ 139، مسائل عبد الله ص 281.

(6)

في (ظ): يختارها.

(7)

هو الحديث الآتي 5/ 60 حاشية (8) من أنه صلى الله عليه وسلم لمَّا خرج من مكَّةَ إلى المدينة، ومعه أبو بكرٍ وعامر بن فُهَيرةَ، فمرُّوا براعي غنمٍ؛ اشتريا منه شاةً، وشرطا له سلبها.

ص: 57

(وَإِنِ اسْتَثْنَى

(1)

مُعَيَّنًا مِنْ ذَلِكَ)؛ كقوله: إلاَّ هذا العبد، أو إلاَّ فلانًا

(2)

، وهما يعرفانه؛ (جَازَ)؛ لأنَّه «عليه السلام نهى عن الثُّنْيا إلاَّ أن تُعلم» قال التِّرمذيُّ:(حديثٌ صحيحٌ)

(3)

، ولأنَّ المبيع معلومٌ بالمشاهدة؛ لكون المستثنى معلومًا، فينتفي المفسِدُ.

(وَإِنْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ؛ صَحَّ)، وكذا في «الفروع» ، وزاد: إن علما زيادتها عليه، وهو مرادٌ؛ لأنَّه مَبيعٌ مقدَّرٌ معلومٌ من جملةٍ، فصحَّ بيعها، أشبه ما لو باع منها جزءًا مشاعًا.

وشَرط في «المحرَّر» و «الوجيز» : إن كانت متساويةَ الأجزاء، يحترز به من صُبْرةِ بقَّال

(4)

القرية، فإنَّه لا يَصِحُّ؛ لكونها مختلفةً، وقيل: بلى.

فلو تلفت الصُّبْرةُ إلاَّ قفيزًا؛ فهو المبيع، ولو فرَّق القُفْزان، فباعه أحدهما مبهَمًا؛ فاحتمالان.

فائدة: قال الأزهريُّ: (الصُّبْرة: الكُومة المجموعة من الطَّعام، سُمِّيت صُبْرةً؛ لإفراغ بعضها على بعضٍ، ومنه قيل للسَّحاب فوق السَّحاب: صَبِيرٌ)

(5)

، ويقال: صَبَرْتُ المتاع، إذا جمعتَه وضمَمْتَ بعضَه على بعضٍ.

(1)

في (ظ): استثناه.

(2)

في (ح): فلا.

(3)

أخرجه أبو داود (3405)، والترمذي (1290)، والنسائي (4633)، من حديث جابر رضي الله عنه، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، من حديث يونس بن عبيد، عن عطاء، عن جابر)، ولعل مراده بالغرابة ما ذكره في العلل الكبير (ص 193) فإنه قال:(سألت محمدًا عن هذا الحديث، فلم يعرفه من حديث سفيان بن حسين، عن يونس بن عبيد، عن عطاء، وقال: لا أعرف ليونس بن عبيد سماعًا من عطاء بن أبي رباح)، وفي هذا الطريق زيادة:«إلا أن تعلم» ، وإلا فقد أخرجه مسلم (1536)، بلفظ:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمخابرة، وعن الثنيا، ورخص في العرايا» .

(4)

نقطت في (ح): يقال.

(5)

ينظر: الزاهر ص 140.

ص: 58

(فَإِنْ

(1)

بَاعَهُ الصُّبْرَةَ إِلاَّ قَفِيزًا، أَوْ ثَمَرَةَ الشَّجَرَةِ إِلاَّ صَاعًا)، أو ثمرة البستان

(2)

إلاَّ صاعًا؛ (لَمْ يَصِحَّ) في ظاهر المذهب؛ لأنَّ المبيعَ مجهولٌ؛ لأنَّ ما كان معلومًا بالمشاهدة يَخرُج عن كونه معلومًا بالاِستثناء، ودليله الخبر.

(وَعَنْهُ: يَصِحُّ)؛ لأِنَّه «عليه السلام نهى عن الثنيا إلاَّ أن تعلم»

(3)

، وهذه معلومةٌ، وذكره أبو الوفاء المذهبَ في رطل من

(4)

اللَّحم، وجزم به أبو محمَّد الجَوْزيُّ في آصُعٍ من بستانٍ؛ كاستثناء جزءٍ مُشاعٍ، ولو فوق ثُلثها، وكمبيع

(5)

صبرةٍ بألف

(6)

إلاَّ بقدر رُبعه، لا ما يساويه

(7)

؛ لجهالته.

فرعٌ: إذا استثنى من الحائط شجرةً معيَّنةً صحَّ في الأصحِّ؛ لأنَّه معلومٌ.

(وَإِنْ بَاعَهُ أَرْضًا إِلاَّ جَرِيبًا)، (أَوْ) باعه (جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ يَعْلَمَانِ جُرْبَانَهَا؛ صَحَّ) فيهما؛ لأنَّ الأرض إذا كانت عشرةَ أجْرِبةٍ؛ ففي صورة الاِسْتِثْناء: كأنَّه قال: بعتك تسعة أعْشار هذه الأرض، وهو معلومٌ بالمشاهدة، وفي الثَّانية: كأنَّه قال: بعتك عُشرها، (وَكَانَ مُشَاعًا فِيهَا)؛ لإشاعة الجزء المبتاع

(8)

.

(وَإِلاَّ) إذا لم يعلما جُرْبانَ الأرض؛ (لَمْ يَصِحَّ) في الأصحِّ؛ لأنَّ أجزاءَ الأرض تختلف، فإذا لم تتعيَّن

(9)

؛ لم يصِحَّ لجهالته، وذكره بعضهم: اتِّفاقَ

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ح): أو ثمر بالبستان.

(3)

سبق تخريجه 5/ 58 حاشية (3).

(4)

قوله: (من) سقط من (ح).

(5)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 6/ 154: كبيع.

(6)

في (ح): تالف.

(7)

في (ح): تساويه.

(8)

في (ح): المشاع.

(9)

في (ح): لم يتعين.

ص: 59

الأئمَّة

(1)

؛ لأنَّه لا معيَّنٌ ولا مُشاعٌ.

وفي بيع خشبةٍ من سقفٍ، وفصٍّ من خاتم؛ الخلافُ.

فرعٌ: حكم الثَّوب كالأرض فيما ذكرنا.

وقال القاضي: إن نقصه القطعُ فلا؛ لأنَّه غير قادرٍ على التَّسليم إلاَّ بضرَرٍ، كما لو باعه نصفًا معيَّنًا من الحيوان.

وجوابه: أنَّه قادرٌ على تسليمه مع الرِّضا، بخلاف ما سبق.

مسألة: إذا قال: بعتك من الأرض من هنا إلى هنا؛ جاز؛ لأنَّه معلومٌ.

فلو قال: بعتك عشرة أذرعٍ منها، وعيَّن الابتداء، ولم يعيِّن الانتهاء؛ لم يصحَّ، نصَّ عليه

(2)

.

ومثله

(3)

: بعتك نصف هذه الدَّار الذي

(4)

تليني، قاله المجْدُ.

وإن قال: بعتك نصيبي، أو سهمي من

(5)

هذه الدَّار، وهما يعلمانه؛ صحَّ، وإلاَّ فلا.

(وَإِنْ بَاعَهُ حَيَوَانًا مَأْكُولاً إِلاَّ رَأْسَهُ وَجِلْدَهُ وَأَطْرَافَهُ؛ صَحَّ) في المنصوص

(6)

؛ لأنَّه «عليه السلام لمَّا خرج من مكَّةَ إلى المدينة، ومعه أبو بكرٍ وعامر بن فُهَيرةَ، فمرُّوا براعي غنمٍ، فاشتريا منه شاةً، وشرطا له سلبها

(7)

» رواه أبو الخطَّاب

(8)

، ولأنَّ المستثنى والمستثنى منه معلومان، فصحَّ، كما لو

(1)

ينظر: بدائع الصنائع 5/ 175، التوضيح في شرح المختصر 5/ 226، المهذب 2/ 17، الفروع 6/ 149.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 153.

(3)

في (ح): ومثيله.

(4)

لعلها: التي. كما في الإنصاف 11/ 124، وفي الفروع 6/ 153: الذي.

(5)

في (ق): في.

(6)

ينظر: زاد المسافر 4/ 163.

(7)

سلب الذبيحة: إهابها ورأسها وأكارعها وبطنها. ينظر: تهذيب اللغة 12/ 301.

(8)

أخرجه أبو داود في المراسيل (179)، وسحنون في المدونة (3/ 317)، عن عروة بن الزبير مرسلاً، وفي سنده موسى بن شيبة الحضرمي، ذكره ابن حبان في الثقات ولم يرو عنه إلا ابن وهب، قال ابن القطان:(ولا يعرف لموسى بن شيبة هذا حال)، وقال ابن حجر:(مقبول)، وهو مع ذا مرسل. وأخرجه أبو داود (180)، من طريق ابن وهب، أخبرني الليث، عن يونس بن يزيد، عن عمارة بن غزية، عن النبي صلى الله عليه وسلم به، وهو إسناد أحسن من الأول لكنه معضل. ينظر: بيان الوهم والإيهام 3/ 65.

ص: 60

باع حائطًا واستثنى منه نخلةً معيَّنةً.

وكونه لا يجوز إفراده بالبيع

(1)

؛ لا يمنع صحَّة استثنائه؛ كالثَّمرة قبل تأبيرها.

فإن امتنع المشتري من ذبحها؛ لم يجبر، ويلزمه قيمته على التَّقريب، نصَّ عليه

(2)

، ومحلُّه إذا لم يشترط الذَّبح، فإن اشترطه؛ لزمه ودفع المستثنى؛ لأنَّه إنَّما دخل على ذلك، والتَّسليم عليه مستحقٌّ.

وللمشتري الفسْخُ بعيبٍ يختصُّ بهذا

(3)

المستثنى، ذكره في «الفنون» .

قال في «الفروع» : (ويتوجَّه: لا، وأنَّه إن لم يذبحه؛ للمشتري الفسخ، وإلاَّ فقيمته، كما رُوِيَ عن عليٍّ

(4)

، ولعلَّه مرادهم).

(وَإِنِ اسْتَثْنَى حَمْلَهُ)، سواء كان من أَمةٍ أو حيوانٍ، (أَوْ شَحْمَهُ؛ لَمْ

(1)

في (ح): البيع.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 153.

(3)

قوله: (يختص بهذا) في (ح): يحقق.

(4)

أخرجه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 185)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 281)، وابن أبي شيبة (22027)، والبيهقي في المعرفة (11426)، وابن حزم في المحلى (7/ 304)، عن عمرو بن راشد الأشجعي: أن رجلاً باع نجيبة - وعند أحمد: بُختية - واشترط ثنياها، فرغب فيها، فاختصما إلى عمر، فقال:«اذهبا إلى عليٍّ» ، فقال علي:«اذهبا به إلى السوق، فإذا بلغت أقصى ثمنها؛ فأعطوه حساب ثنياها من ثمنها» ، قال البيهقي:(وثنياها: قوائمها ورأسها)، وإسناده جيد، عمرو بن راشد الأشجعي، وثقه الذهبي في الكاشف (4154)، وقال أحمد:(معروف)، واحتج أحمد بالأثر وقال:(وأنا أذهب إلى هذا).

ص: 61

يَصِحَّ)؛ لأنَّ ذلك مجهولٌ، وقد «نُهِي عن الثُّنْيا إلاَّ أن تُعلم»

(1)

، ولأنَّه لا يصحُّ إفرادُه بالبيع، فلم يَصِحَّ استثناؤه؛ كَيَدِها.

ونقل ابن القاسم وسندي: صحته في الحمل

(2)

؛ لما روى نافعٌ عن ابن عمر: «أنَّه باع جاريةً، واستثنى ما في بطنها»

(3)

، ولأنَّه يصحُّ استثناؤه في العتق، فكذا هنا.

وجوابه: بأن الصَّحيح في

(4)

الرواية: أنَّه أعتق جاريةً واستثنى حملها، مع أنَّه لا يلزم من

(5)

الصِّحَّة في العتق الصِّحَّة في البيع؛ لأنَّ العتق لا تمنعه

(6)

الجهالة، ولا العجز عن التَّسليم.

فرعٌ: إذا باع أمةً حاملة بحرٍّ، فقال القاضي: لا يصِحُّ؛ لأنَّه يُدخِل في

(1)

سبق تخريجه 4/ 58 حاشية (3).

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 356.

(3)

أخرجه أحمد في مسائل صالح (2/ 107)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (7/ 302، 8/ 169)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه أعتق أمةً له واستثنى ما في بطنها» ، قال ابن حزم:(هذا إسناد كالشمس من أوله إلى آخره)، واحتج به أحمد في مسائل ابن منصور وصالح، وليس فيهما ذكر البيع، وإنما ذكر العتق، قال أحمد في مسائل ابن منصور 6/ 2968:(ابن عمر أعتقها واستثنى ما في بطنها، والبيع والعتق عندي قريب، والشرط جائز).

وأخرج ابن أبي شيبة (21568)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (8/ 169)، من طريق محمد بن فضاء، عن أبيه، عن ابن عمر، قال: سألته عن الرجل يعتق الأمة، ويستثني ما في بطنها، قال:«له ثنياه» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (20592)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (7/ 302)، بنفس الإسناد، إلا أنه قال (يبيع الأمة) مكان:(يعتق الأمة)، وإسناده ضعيف، فيه قرة بن سليمان ومحمد بن فضاء، وهما ضعيفان.

(4)

في (ح): من.

(5)

في (ق): في.

(6)

في (ظ): لا يمنعه.

ص: 62

البيع مستثنًى، والمذهب

(1)

: صحَّتُه؛ لأنَّ المبيعَ معلومٌ، وجهالة الحمل لا تضرُّ

(2)

؛ لأنَّه قد يستثنى بالشَّرع ما لا يصحُّ استثناؤه باللَّفظ، كما لو باع أمةً مزوَّجة، فإنَّه يصحُّ، ومنفعة البُضْعِ مستثناةٌ بالشَّرْع.

مسألةٌ: يصحُّ بيعُ حيوانٍ مذبوحٍ، أو لحمه، أو جلده.

وفي «التَّلخيص» : لا يصحُّ بيعُ لحمٍ في جلدٍ أو معه اكتفاءً برؤية الجلد، بل مع رؤوسٍ وسموط

(3)

.

قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين في حيوانٍ مذبوحٍ: يجوز بيعه مع جلده، كما قبل الذَّبح في قول جمهور العلماء، وجوَّز بيعَ كلٍّ منهما منفرِدًا

(4)

.

مسألةٌ: باع سمسمًا واستثنى الكُسْب

(5)

، أو الشيرج

(6)

؛ لم يصحَّ.

(وَيَصِحُّ بَيْعُ مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ)؛ كالرُّمان، والبَيض بغير خلافٍ نعلمه

(7)

؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى ذلك، ولكونه من مصلحته، ويَفسُد بإزالته.

(وَبَيْعُ الْبَاقِلَاءِ، وَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ)، والفُسْتق، (فِي قِشْرَيْهِ)؛ لأنَّه «عليه السلام نهى عن بيع الثِّمار حتَّى يبدُوَ صلاحُها»

(8)

، فدلَّ على الجواز بعد بُدُوِّ

(1)

في (ح): المذهب.

(2)

في (ظ): لا يضر.

(3)

في (ح): وسمرط. قال في الصحاح 3/ 1135: (سمطت الجدي، أسمطه وأسمطه سمطًا: إذا نظفته من الشعر بالماء الحار لتشويه).

(4)

ينظر: الفروع 6/ 155، الاختيارات ص 180.

(5)

الكُسب بالضم: عصارة الدهن. ينظر: الصحاح 1/ 213.

(6)

قال في المصباح المنير (1/ 308): (الشَيرج: معرب من شيره، وهو دهن السمسم، وربما قيل للدهن الأبيض وللعصير قبل أن يتغير: شيرج؛ تشبيهًا به لصفائه، وهو بفتح الشين، مثال: زينب).

(7)

ينظر: المغني 4/ 158.

(8)

أخرجه البخاري (1486)، ومسلم (1534)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه البخاري (1487)، ومسلم (1536)، من حديث جابر رضي الله عنه، وروي من حديث غيرهما.

ص: 63

الصَّلاح، سواء كانت مستورةً بغيرها أو لم تكن، ولأنَّه لم يَزَل يباع في أسواق المسلمين من غير نكيرٍ، فكان كالإجماع، ولأنَّه مستورٌ بحائلٍ من أصل الخِلْقة، أشبه الرُّمَّانَ.

(وَ) يصِحُّ بيعُ (الْحَبِّ الْمُشْتَدِّ فِي سُنْبُلِهِ)؛ لأنَّه عليه السلام جعل الاِشْتِدادَ علَّةً للبيع، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها، فوجب زوال المنع.

ص: 64

(فَصْلٌ)

(السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا)؛ لأِنَّه أحدُ العِوَضَين، فاشْتُرِط العلمُ به كالمبيع، وكرأس مال السَّلم، ولأنَّ المبيعَ يَحتمِلُ ردُّه بعيبٍ ونحوه، فلو لم يكن الثَّمنُ معلومًا؛ لتعذَّر الرُّجوع به.

(فَإِنْ بَاعَهُ السِّلْعَةَ

(1)

بِرَقْمِهَا)، هو بمعنى

(2)

المرقوم؛ أي: المكتوب عليها، وهما يجهلانه أو أحدهما؛ لم يصحَّ؛ للجهالة.

(أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً)؛ لأنَّ مقدار كلِّ واحدٍ من الألف مجهولٌ، أشبه ما لو قال: بمائةٍ بعضُها ذَهَبٌ، وبناه القاضي وغيره على إسلام

(3)

ثَمنٍ في جنسين.

وصحَّح ابن عقيل إقرارَه بذلك مناصفةً، قال في «الفروع»:(ويتوجَّه هنا مثلُه).

ويجاب عنه: بأنَّه لو أقرَّ بمائةٍ ذهبًا وفضَّةً؛ كان القولُ قولَه في قدر كلٍّ منهما.

(أَوْ بِمَا يَنْقَطِعُ بِهِ السِّعْرُ)؛ أي: بما يقف عليه من غير زيادةٍ، (أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ)، هو كنايةٌ عن اسم المحدَّث عنه، وهذا هو الأصحُّ فيهنَّ.

وقيل: يصِحُّ، وصحَّحه الشَّيخ تقيُّ الدِّين بثمن المِثْل؛ كنكاحٍ

(4)

.

(أَوْ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ، وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأنَّ الثَّمَن غير معلومٍ حال

(1)

في (ح): البلغة.

(2)

في (ق): معنى.

(3)

في (ح): الإسلام.

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 344، الاختيارات ص 180.

ص: 65

العقد، والعلم به شرطٌ.

وهذا إذا لم يكن فيه نقدٌ غالِبٌ، فإن كان؛ انصرف إليه، وصحَّ على الأصحِّ.

وعنه: يصحُّ مطلَقًا وله الوسط. وعنه: الأدنى.

(فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدٌ

(1)

وَاحِدٌ؛ انْصَرَفَ إِلَيْهِ)؛ لأنَّه تعيَّن بانفراده وعدم مشاركة غيره

(2)

؛ كالإقرار والوصيَّة.

فرعٌ: يصِحُّ بوزن

(3)

صَنْجة

(4)

لا يعلمان وزنها، وبصبرة

(5)

ثمنًا في الأصحِّ.

ومثله: ما يَسَعُ هذا الكيل، ونصُّه: يصحُّ بموضعٍ فيه كيلٌ معروفٌ

(6)

، وبنفقة عبده شهرًا، ذكره القاضي، فلو فسخ العقد؛ رجع بقيمة المبيع عند تعذُّر معرفة الثَّمن.

(وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ بِعَشَرَةٍ صِحَاحًا، أَوْ إِحْدَى عَشْرَةٍ مُكَسَّرَةً، أَوْ بِعَشَرَةٍ نَقْدًا، أَوْ عِشْرِينَ نَسِيئَةً؛ لَمْ يَصِحَّ) في المنصوص

(7)

؛ لما روى أبو هريرة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بَيعتَينِ في بَيعةٍ» رواه أحمد والنَّسائيُّ والتِّرمذيُّ وصحَّحه

(8)

، وما فسَّره المؤلِّف هو قول أكثر العلماء، وقد جاء مفسَّرًا في

(1)

في (ح): بعد.

(2)

في (ح): غير.

(3)

في (ح): يوزن.

(4)

قال في الصحاح 1/ 326: (صنجة: الميزان، معرب).

(5)

في (ح): ويصير.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 157.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 156.

(8)

أخرجه أحمد (9584)، وأبو داود (3461)، والترمذي (1231)، والنسائي (4632)، وابن حبان (4973)، والحاكم (2292)، ولفظ أبي داود والحاكم:«من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا» ، وفي سنده: محمد بن عمرو بن علقمة الليثي وهو صدوق له أوهام، وقال الترمذي (حسن صحيح)، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن، وحسنه الألباني، وله طرق أخرى كثيرة عن جماعة من الصحابة. ينظر: البدر المنير 6/ 469، الإرواء 5/ 149.

ص: 66

حديث ابن مسعودٍ

(1)

، ولأنَّ الثَّمن غير معلومٍ، فلم يصِحَّ، كما لو قال: بعتُكَ أحدَ هذَينِ، ومحلُّه: ما لم يفترقا على أحدهما، ذكره في «الوجيز» و «الفروع» .

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِحَّ)، هذا تخريجٌ لأبي الخَطَّاب من رواية: إن خِطْتَ هذا الثَّوبَ اليومَ فلك درهمٌ، وإن خِطْتَه غدًا فلك نصف درهمٍ، فيَلحَقُ به البَيْع، فيكون وجهًا في الصِّحَّة.

وتردَّد المؤلِّفُ فيه.

وفُرِّق: بأنَّ العقد ثَمَّ يمكن صحَّتُه؛ لكونه جُعْلاً له يحتمل فيها الجهالةُ، وأنَّ العمل الذي يستحقُّ به الأجرة لا بدَّ وأن يقع على إحدى الصِّفتَين؛ فتعيَّن الأجرة المسمَّاة عِوَضًا له، فلا يفضي إلى التَّنازع.

قال الزَّرْكَشِيُّ: (وفيهما

(2)

نَظَرٌ؛ لأنَّ العِلم بالعوض في الجعالة شرطٌ، كما في الإجارة والبيع، والقبول أيضًا في البيع إلاَّ على إحدى

(3)

الصِّفتَين،

(1)

مراده حديث: «لا يصلح صفقتان في صفقة» ، أخرجه أحمد (3725)، والبزار (2016)، وابن خزيمة (176)، وابن حبان (1053)، من طريق سماك بن حرب، سمعت عبد الرحمن بن عبد الله يحدث عن ابن مسعود رضي الله عنه به، وسماك روايته عن غير عكرمة لا بأس بها، ورواه عنه شعبة كما عند أحمد، والثوري كما عند البزار وابن خزيمة.

وأخرجه أحمد (3783)، والبزار (2017)، من طريق شريك، عن سماك به، بلفظ:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة» . وشريك هو النخعي وهو صدوق يخطئ كثيرًا، وأُعل الحديث بالوقف، فقد أخرجه ابن أبي شيبة (20454)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 288) موقوفًا، ورجح العقيلي وقفه، وصححه مرفوعًا ابن خزيمة وابن حبان والألباني. ينظر: الإرواء 5/ 148.

(2)

في (ح): وفيها.

(3)

في (ح): أحد.

ص: 67

فتعيَّن ما سُمِّيَ لها).

وفيه شيءٌ؛ إذ العلم به في الجَعالة ليس شرطًا مطلَقًا، بدليل ما لو قال: من دلَّني على قلعة كذا؛ فله منها جاريةٌ.

(وَإِنْ بَاعَهُ الصُّبْرَةَ كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، وَالْقَطِيعَ كُلُّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ، وَالثَّوْبَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ؛ صَحَّ) في الأصحِّ؛ لأنَّ

(1)

المبيع معلومٌ بالمشاهدة، والثَّمن معلومٌ لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهةٍ

(2)

لا تتعلَّق

(3)

بالمتعاقدين، وهو الكيل والعدد والذَّرع.

وظاهره: وإن لم يعلما قدر الصُّبرة والقطيع والثَّوب، كما لو باع ما

(4)

رأس ماله اثنان وسبعون مرابحة، لكلِّ ثلاثة عشر درهمٌ، فإنَّه لا يُعلم في الحال، وإنَّما يُعرف بالحساب.

والثَّاني: لا يصحُّ؛ للجهالة في الحال.

(وَإِنْ بَاعَهُ مِنَ الصُّبْرَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ)، وكذا معطوفاه؛ (لَمْ يَصِحَّ) في الأصحِّ؛ لأنَّ «من» للتَّبعيض و «كل» للعدد

(5)

، فيكون مجهولاً، بخلاف ما سبق؛ لأنَّ المبيعَ الكلُّ لا البعضُ، فانتفت الجهالةُ.

والثَّاني: يصحُّ، قال ابن عقيل: هو الأشبه، كما إذا أجَره كلَّ شهرٍ بدرهمٍ.

وفي «عيون المسائل» : إذا باعه من الصُّبرة كلَّ قفيزٍ بدرهمٍ صحَّ؛ لتساوي أجزائها، بخلاف: مِنْ الدَّار كل ذراعٍ بدرهم؛ لاختلاف أجزائها.

(1)

في (ح): أن.

(2)

في (ح): بجهته.

(3)

في (ح): يتعلق.

(4)

قوله: (ما) سقط من (ح).

(5)

في (ح): المعدود.

ص: 68

ثمَّ ذكر: أنَّه إذا باعه من هذه الصُّبرة كلَّ قفيزٍ بدرهمٍ، لم يصحَّ؛ لأنَّه لم يبعْهُ كلَّها، ولا قدرًا معلومًا، بخلاف آجرتك داري كلَّ شهرٍ بدرهم، يصحُّ في الشَّهر الأوَّل فقط؛ للعلم به، وبقسطه من الأجرة.

مسألةٌ: إذا قال: بعتك هذه الصُّبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزًا، أو أَنْقُصَكَه؛ لم يصحَّ، فإن قال: على أن أزيدك قفيزًا من هذه الصُّبرة، ووصفه بصفةٍ يُعلم بها

(1)

؛ صحَّ، كأنَّه قال: بعتك هذه الصُّبرة وقفيزًا من الأخرى بعشرة، فإن عَلما جملة الصُّبرة؛ صحَّ، فإن قال: بعتك هذه الصُّبرة على أن أَنْقُصَكَ منها قفيزًا؛ صحَّ.

وقال أبو بكر: يصحُّ في المسائل كلِّها على

(2)

قياس قول أحمد.

ويجوز بيع الصُّبرة جزافًا مع جهل المتبايعين بقدرها، نصَّ عليه

(3)

.

ولا يشترط معرفة رؤية باطنها، بخلاف الثَّوب.

وقال أبو بكر: يصحُّ بيعها إذا تساوى موضعها، فإن اختلفت

(4)

؛ لم يَجُزْ، إلاَّ أن يكون يسيرًا يُتغابَنُ بمثله.

والأكثرون لا يشترطون

(5)

ذلك، بل إن ظهر تحتها رَبْوةٌ، أو فيها حجر ممَّا لا يتغابَنُ بمثله في مثلها

(6)

، ولم يعلم به المشتري؛ فله الخيارُ، كما لو وجد باطنها رديئًا؛ نصَّ عليه

(7)

.

ولابن عقيلٍ احتمالٌ: يرجع بمثل ما فات إذا أمكن.

(1)

قوله: (يعلم بها) في (ق): يعلمانها.

(2)

قوله: (على) سقط من (ح).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2619.

(4)

في (ق): اختلف.

(5)

في (ح): لا يشترط.

(6)

في (ح): مثله.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2642.

ص: 69

فإن بان باطنُها خيرًا من ظاهرها؛ فلا خيار للمشتري، بخلاف البائع إذا لم يعلم.

وإذا علم البائع قدرها؛ لم يجز بيعها جزافًا على الأصحِّ.

فرعٌ: يصحُّ بيع دُهْنٍ ونحوه في ظرف معه موازنةً، كل رطل بكذا، مع علمهما بمبلغه، وإلاَّ فوجهان، وصحَّحه المجد

(1)

إن علما زِنَة الظَّرف.

وإن باعه كلَّ رطل بكذا، على أن يَزِن الظَّرف فيحسب بوزنه على المشتري، وليس مبيعًا؛ فيصِحُّ إن علما مبلغه، وإلاَّ فلا؛ لجهالة الثَّمن.

وإن باعه جزافًا بظرفه، أو دونه؛ صحَّ.

أو

(2)

باعه في ظرفه كلَّ رطل بكذا، على أن يطرح منه وزن الظَّرف؛ صحَّ بغير خلافٍ نعلمه

(3)

.

فرعٌ: اشترى سَمْنًا أو زَيتًا في ظرف، فوجد فيه رُبًّا

(4)

؛ صحَّ في الباقي بقسطه من الثَّمن، وله الخيار، ولم يلزمه بدل الرُّب، وألزمه شُريحٌ بقدره سَمْنًا.

(وَإِنْ بَاعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلاَّ دِينَارًا؛ لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي)، ومثلُه: بدينارٍ إلاَّ درهمًا، نقله أبو طالبٍ

(5)

؛ لأنَّ قيمة المستثنَى مجهولةٌ، ويلزم من الجهل بها الجهل بالثَّمن، والعلم به شرطٌ.

(وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) من

(6)

الإقرار إذا استثنى عينًا

(7)

من وَرِق، أو

(1)

في (ح): المنجد.

(2)

في (ق): وإن.

(3)

حكاه المجد. ينظر: الفروع 6/ 158.

(4)

رب السمن والزيت: ثفله الأسود. ينظر: جمهرة اللغة 1/ 67.

(5)

ينظر: زاد المسافر 4/ 163.

(6)

في (ق): في.

(7)

في (ح): عيبًا.

ص: 70

بالعكس: (أَنَّهُ يَصِحُّ) في البيع؛ كسائر الاستثناءات الصَّحيحة، فعلى هذا: يحذف قيمة المستثنى.

وصحَّحه ابن عقيلٍ بالمستثنى منه كله.

فلو قال: بعتك بمائة درهمٍ إلاَّ قفيز حِنطةٍ؛ لم يصحَّ وجهًا واحدًا؛ لأنَّه

(1)

استثناءٌ من غير الجنس.

واستشكل ابن المنجَّى: تخريج صحَّة البيع من الإقرار، قال: (لأنَّ الأصحاب اختلفوا في العلَّة، فقيل: باتحاد

(2)

النَّقدَين، وكونهما قِيَم الأشياء وأروش الجنايات، وقيل: لأنَّ قيمةَ الذَّهب يعلمها كثيرٌ من النَّاس، فإذا استثني أحدُهما من الآخر؛ لم يؤدِّ إلى الجهالة غالبًا، وعلى كليهما لا يجيء صحَّة البيع؛ لأنَّ المفسد له: الجهل في

(3)

حال العقد، ألا ترى أنَّه إذا باعه السِّلعة برقمها أنَّه لا يصحُّ للجهالة حال العقد، وإن علم بعده بالثَّمن، بخلاف الإقرار فإنَّه يصِحُّ بالمجهول). وفيه شيءٌ!

فرعٌ: إذا أسرَّا

(4)

ثمنًا بلا عقدٍ، ثمَّ عقداه بآخَر؛ فالأوَّل هو الثَّمن.

ولو عقداه سرًّا بثمن وعلانيةً بأكثر؛ فكنكاحٍ، ذكره جماعةٌ.

(1)

في (ح): لا أنه.

(2)

في (ح) بإيجاد.

(3)

قوله: (في) سقط من (ق).

(4)

في (ظ) و (ح): اشترى.

ص: 71

(فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفَقَةِ)

الصَّفقة: المرَّة من صَفَقَ له بالبيعة والبيع: ضَرَب بيده على يده.

وهي: عقد البيع؛ لأنَّ المتبايعين يفعلان ذلك.

ومعنى تفريقها؛ أي: تفريق ما اشتراه في عقدٍ واحدٍ.

(وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا

(1)

لَا يَجُوزُ، وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ):

(أَحَدُهَا: بَاعَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولاً) يتعذَّر علمه، (فَلَا يَصِحُّ) بغير خلاف نعلمه

(2)

؛ لأنَّ ما بعضه مجهولاً يكون كله كذلك؛ إذ

(3)

الثمن ينقسم على المبيع

(4)

بالقيمة، والمجهول لا يمكن تقويمه، فلا طريق إلى معرفة ثمن المعلوم.

فلو قال: كلٌّ منهما بكذا؛ فوجهان، بناءً على أنَّ علَّة المنع اتحاد

(5)

الصَّفقة، أو جهالة الثَّمن في الحال.

قلت: وكذا إذا باعه بمائةٍ ورطلِ خمرٍ؛ فسد؛ لأنَّ الخمر لا قيمة لها في حقِّنا اتِّفاقًا

(6)

، وما

(7)

لا قيمةَ له لا ينقسم عليه البدل، بل يبقى العقد بالمائة، ويبقى الرَّطل شرطًا فاسدًا.

وفي «الانتصار» : يتخرَّج صحَّة العقد فقط على روايةٍ.

(1)

في (ق): وبين ما.

(2)

ينظر: المغني 4/ 178.

(3)

في (ح): إذا.

(4)

في (ح): البيع.

(5)

في (ح): إيجاد.

(6)

ينظر: بدائع الصنائع 2/ 278، شرح التلقين 2/ 435، الحاوي 7/ 195، الفروع 6/ 159.

(7)

قوله: (وما) في (ظ): فإن ما.

ص: 72

(الثَّانِيَةُ: بَاعَ مُشَاعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ كَعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ مَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالأَجْزَاءِ؛ كَقَفِيزَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَهُمَا، فَيَصِحُّ فِي نَصِيبِهِ بِقِسْطِهِ) من الثَّمن؛ لأنَّه لا يلزم منه جهالةٌ في الثَّمن؛ لانقسامه هنا على الأجزاء، (فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ)، وهو قول الأكثر؛ لكون الثَّمن معلومًا، وبه يظهر الفرْقُ بينها وبين الصُّورة الأولى.

والثَّانية: لا يصح

(1)

؛ لأنَّ الصَّفْقة جمعت حرامًا وحلالاً؛ فغُلِّب الحرام، ولأنَّه إذا لم يمكن تصحيحُهما في جميع العقود

(2)

؛ بطلت في الكل

(3)

؛ كالجمع بين الأختين.

وجوابه: أنَّ كلَّ واحدٍ منهما له حكم عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع.

وفي «الشَّرح» : هما

(4)

وجهان بناءً على نصِّ أحمد فيمن تزوَّج حرَّةً وأمَةً في عقد؛ هل يفسد فيهما، أو يصحُّ في الحرَّة؟

(5)

وليس كذلك، بل هما منصوصتان عن أحمد هنا، كما نقله المعظَمُ.

(وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ) بين

(6)

الفسخ والإمساك (إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا)؛ لأنَّ الشَّركة عَيبٌ، ولهذا تثبت

(7)

الشُّفعة في المبيع خوَفًا من سوء المشاركة.

وفي «المغني» : له الأَرْش إن لم يكن عالمًا، وأمسك فيما ينقص بالتفريق

(8)

.

(1)

في (ظ): لا تصح.

(2)

في (ح): المعقود.

(3)

في (ح): لكل.

(4)

قوله: (هما) سقط من (ح).

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 1523، الفروع 8/ 257.

(6)

في (ح): من.

(7)

في (ح): ثبت.

(8)

في (ح): التفريق.

ص: 73

وظاهره: أنَّه إذا كان عالِمًا؛ لا خيار له؛ لأنَّ إقدامه

(1)

عليه مع العلم به دليل على الرِّضا.

ولا للبائع أيضًا مطلَقًا؛ لأنَّه رَضِيَ بزوال ملكه عمَّا يجوز بيعُه بقسطه.

(الثَّالِثَةُ: بَاعَ عَبْدَهُ وعَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ عَبْدًا وَحُرًّا، أَوْ خَلًّا وَخَمْرًا؛ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ)، وكذا في «الكافي»:

(أُولَاهُمَا: لَا يَصِحُّ

(2)

؛ جزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّ الصَّفقة جمعت حلالاً وحرامًا؛ فغلب، ولأنَّ الثمن مجهول؛ لكونه إنَّما يعلم بالتَّقسيط على القيمة، وهو مجهولٌ في الحال، فلم يصحَّ؛ كالرَّقم المجهول.

(وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ فِي عَبْدِهِ، وَفِي الْخَلِّ) في ظاهر المذهب؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما له حكمٌ مفرَدٌ، فإذا اجتمعا بَقِيَا على حكمهما، كما لو باع شِقْصًا وسيفًا، (بِقِسْطِهِ)؛ لأنَّ ذلك هو الذي يقابله، وقيل: يصحُّ بالثَّمن، والأَشْهر الأوَّل.

والخمر قيل: يقدر خلًّا؛ كالحرِّ عبدًا، وقيل: تعتبر قيمتها عند من لها قيمة عنده.

وعند صاحب «التَّرغيب» وغيره: إن علِما بالخمر؛ لم يصحَّ.

وعلى الأوَّل: لمشترٍ الخيار.

(وَإِنْ بَاعَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، بِثَمَنٍ وَاحِدٍ؛ فَهَلْ يَصحُّ؟ عَلَى

(3)

وَجْهَيْنِ):

أحدهما: لا يصحُّ، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مبيعٌ بقسطه من الثَّمن، وهو مجهولٌ، بخلاف ما إذا كانا لرجلٍ واحدٍ، فإنَّ جملةَ

(1)

قوله: (لأن إقدامه) في (ح): لإقدامه.

(2)

في (ظ): لا تصح.

(3)

قوله: (فهل يصح؟ على) هو في (ظ) و (ق): فعلى.

ص: 74

المبيع تقابل جملة الثَّمن من غير تقسيطٍ، والعبدُ المشترَكُ ينقسم

(1)

عليه الثَّمن بالأجزاء؛ فلا جهالة.

والثَّاني: يصحُّ، وهو المنصوص

(2)

، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأنَّ جملةَ الثَّمن معلومةٌ؛ فصحَّ، كما لو كانا لواحدٍ، فعليه: يُقسَّط على قدر القيمة.

ومثلُه: بيع عبدَيْه لاثْنَينِ بثمَنٍ واحدٍ، لكلٍّ منهما عبد، أو اشتراهما منهما، وفيها في «المنتخب» وجهٌ: على عددهما، فيتوجَّه في غيرها.

ومثلُها في الإجارة، ذكره في «الفروع» .

(وَإِنْ جَمَعَ) بِعِوَضٍ واحدٍ (بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ؛ صَحَّ فِيهِمَا)، نصَّ عليه

(3)

، وهو المذهب؛ لأنَّهما عينان يجوز أخذ

(4)

العوض عنهما منفردَين، فجاز أخذه عنهما مجتمعَين كالعبدين، واختلاف حكمهما لا يمنع الصحَّة، كما لو جمع بين ما فيه شفعةٌ، وما لا شفعة فيه.

(وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ عَلَيْهِمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لما ذكرنا.

والثَّاني: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ حكمَهما مختلِفٌ، وليس أحدُهما أَوْلى من الآخَر، فبطل

(5)

فيهما، فإنَّ البيعَ فيه خيارٌ، ولا يشترط فيه التَّقابُض في المجلس، ولا ينفسخ العقد بتلف المبيع

(6)

، والصَّرف بخلافه.

فلو جمع بين بيع وخلعٍ؛ صحَّ، نصَّ عليه

(7)

.

(1)

في (ق): يقسم.

(2)

ينظر: مسائل صالح 2/ 269.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2865، مسائل أبي داود ص 275.

(4)

في (ح): نحو واحد.

(5)

في (ظ): فيبطل.

(6)

في (ظ): البيع.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 162.

ص: 75

وكذا إذا جمع بين نكاحٍ وبيعٍ، فيصِحُّ النِّكاح في الأصحِّ؛ لأنَّه لا يفسد بفساد العِوَض، وفي البيع وجْهان.

(وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ كِتَابَةٍ وَبَيْعٍ، فَكَاتَبَ عَبْدَهُ وَبَاعَهُ شَيْئًا، صَفْقَةً وَاحِدَةً؛ بَطَلَ الْبَيْعُ) في الأصحِّ، وذكره في «الشَّرح» وجْهًا واحدًا؛ لأنَّه باع ماله لعبده القِنِّ، فلم يصِحَّ، كما لو باعه من غير كتابة

(1)

.

(وَفِي الْكِتَابَةِ وَجْهَانِ)، كذا في «المحرر» و «الفروع»:

أحدهما: يبطل، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه بطل في بعضه، فبطل في كلِّه، كما تقدم.

والثَّاني: يصِحُّ؛ لأنَّ البطلان وُجِد في البيع

(2)

فاختص به.

وقيل: نصُّه صحَّة البيع والكتابة

(3)

، ويُقسَّط

(4)

العوض على قيمتهما

(5)

.

(1)

في (ح): الكتابة.

(2)

في (ح): المبيع.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 162.

(4)

في (ح): ويسقط.

(5)

في (ح): قيمتها.

ص: 76

(فَصْلٌ)

(وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ

(1)

والشِّراء (مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ)، ولو كان أحدُ المتعاقِدَين، أو وجد القَبول (بَعْدَ نِدَائِهَا)؛ لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجُمُعَة: 9]، فنَهَى عن البيع بعد النِّداء، وهو ظاهِرٌ في التَّحريم؛ لأنَّه يَشغَل عن الصَّلاة، ويكون ذريعةً إلى فواتها، أو فوات بعضها، وكلاهما محرَّمٌ، وحينئِذٍ لم يَنعقِدْ؛ لأنَّه عَقْدٌ نُهي

(2)

عنه لأجل عبادةٍ، فكان غير صحيحٍ؛ كالنِّكاح المحرَّم.

والمراد به: الَّذي بين يدي المنبر؛ لأنَّه كان على عهده عليه السلام

(3)

، فتعلَّق الحكم به.

وعنه: بالأوَّل، وهو الَّذي زاده عثمان، وهو الأول.

وعنه: أو الوقت

(4)

، قدَّمه في «المنتخب» .

وفي «عيون المسائل» و «الترغيب» : بالوقت

(5)

.

وكلامُه شامِلٌ لكل

(6)

أنواعه، حتَّى الإقالة إن قيل: هي بيعٌ، وكذا

(1)

في (ح): المبيع.

(2)

في (ح): منهي.

(3)

أخرجه البخاري (912)، عن السائب بن يزيد، قال:«كان النداء يوم الجمعة أَوَّله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء» .

(4)

كذا في الفروع 6/ 170، وعبارة الإنصاف 11/ 165:(وعنه: المنع من دخول الوقت، قدمه في المنتخب).

(5)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع والإنصاف: بالزوال.

(6)

في (ح): الكل.

ص: 77

الإجارة، قاله ابنُ عَقِيلٍ، وأنَّه يَعُمُّ القليلَ، حتَّى شُرْب الماء.

ويُسْتَثْنَى منه: ما إذا كان لحاجة

(1)

؛ كمُضْطَرٍّ إلى طعامٍ أو شرابٍ، وعُرْيانٍ يجد سُتْرةً، وكَفَنِ ميتٍ وتجهيزه إذا خيف عليه الفساد، وشراء أبيه ليعتق

(2)

عليه بشرطه، ومركوبٍ

(3)

لعاجزٍ أو ضريرٍ لا يَجِد قائدًا، على احتمالٍ لابن عقيلٍ فيه.

وقوله: (ممن تلزمه) يحترز به عن المسافر والمقيم في قرية لا جمعة عليهم؛ لأنَّ غير المخاطَب بالسَّعْي لا يتناوله النَّهي.

وذكر ابن أبي موسى رواية: بلى

(4)

؛ لعموم النَّهي.

فظاهره: أنَّه يصِحُّ بعد نداء غيرها، وهو المذهب. وقيل: لا؛ كهي، وإن تَضيَّق

(5)

وقتُها فوجهان.

وقيل: يصحُّ في الكلِّ؛ لأنَّ النهي

(6)

لمعنًى في غيره لا فيه.

ويحرم ارتكابه كمساومة ومناداة بعد ندائها.

(وَيَصِحُّ النِّكَاحُ، وَسَائِرُ الْعُقُودِ)؛ كالإجارة، والصُّلح، واختيار إمضاء البيع، (فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأنَّ ذلك يَقِلُّ وقوعه، فلا تكون إباحتُه ذريعةً إلى ما ذكر في البيع.

والثَّاني: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه عقدُ معاوَضةٍ، أشبه البيع.

والأوَّلُ أولى؛ لأنَّ النهي مختصٌّ بالبيع، وغيره لا يساويه، فلم يَصِحَّ

(1)

في (ح): لحاجته.

(2)

في (ح): لمعتق.

(3)

في (ق): وركوب.

(4)

قوله: (بلى) سقط من (ح).

(5)

في (ح): يضيق.

(6)

في (ح): المنهي.

ص: 78

الإلحاق.

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا) قَطْعًا؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المَائدة: 2]، وهذا معونةٌ على الإثم، فيكون محرَّمًا، ولا يَصِحُّ؛ لأنَّه عَقْدٌ على عَينٍ يُقْصَد بها المعصية، أشْبَه إجارةَ الأَمَة للزِّنى أو للغِناء

(1)

.

والمذهب: إذا علم؛ أي: تُحُقِّق. وقيل: أو ظن، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

.

وعلم منه: أنَّ بيع الخمر وشراءَه باطِلٌ إجماعًا

(3)

، ولو من وكيل؛ لخبر ابنِ عبَّاس، رواه التِّرمذيُّ

(4)

.

(وَلَا بَيْعُ السِّلَاحِ فِي الْفِتْنَةِ)؛ أي: بين المسلمين؛ لأنَّه عليه السلام نهى عنه

(1)

في (ق): وللغناء.

(2)

ينظر: الاختيارات 180.

(3)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 95، المغني 4/ 192.

(4)

حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (2897)، وابن حبان (5356)، والحاكم (2234)، ولفظه:«إن الله عز وجل لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومستقيها» وفي سنده: مالك بن سعد التجيبي، قال أبو زرعة:(لا بأس به)، وصححه ابن حبان والحاكم والألباني، وله شواهد كثيرة منها: ما أخرجه الترمذي بنحوه (1295) من حديث أنس رضي الله عنه، وفي سنده: شبيب بن بشر، وهو صدوق يخطئ، وقال الترمذي:(حديث غريب من حديث أنس)، ومنها ما أخرجه أبو داود (3674)، وابن ماجه (3380)، وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ينظر: تعجيل المنفعة 2/ 225، الإرواء 5/ 365، الصحيحة (839).

ص: 79

(1)

، قاله أحمدُ، قال: وقد يُقْتَلُ به ولا يَقْتِل

(2)

به، وإنَّما هو ذريعةٌ له

(3)

، (أَوْ لِأَهْلِ الْحَرْبِ)، أو لقُطَّاع الطَّريق؛ لِما فيه من الإعانة على المعصية.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِحَّ) في الجميع (مَعَ التَّحْرِيمِ)؛ كما لو دلس العيب، وقاسه ابن المنجَّى على الصَّلاة في الدَّار المغصوبة إذا قيل بصحَّتها.

فرعٌ: لا

(4)

يصحُّ بيعُ مأكولٍ ومشمومٍ لمن يَشْرَب عليهما المسكر، وأقداحٍ لمن يشرب بها، وجوز وبَيضٍ لقمارٍ، وأمةٍ وأمْردَ لوطء دُبُر أو غناءٍ، قال أحمد في رجل مات وخلَّف جارية مُغنيةً وصغيرًا، وقد احتاج إلى بيعها، فقال: يبيعها على أنَّها

(5)

ساذجة

(6)

، ولا عبرة بنقص

(7)

قيمتها.

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ المُسْلِمِ

(8)

لِكَافِرٍ)، نصَّ عليه

(9)

؛ لأنَّه ممنوعٌ من استدامة ملكه عليه؛ لأنَّ فيه صَغارًا، فمُنع ابتداؤه كالنِّكاح والاسترقاق.

وعنه: يُؤمَر ببيعه أو كتابته.

فإن وكَّله مسلمٌ؛ فظاهره المنعُ، وهو وجهٌ، والآخر: يجوز؛ لأنَّه واسطةٌ، وفي ثالثٍ: إن سمى الموكِّل في العقد صحَّ، وفي الواضح: إن كفَّر بعتق؛ وكَّل من يشتريه له ويعتقه.

(1)

أخرجه البزار (3589)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 139)، والطبراني في الكبير (286)، والبيهقي في الكبرى (10781)، عن عمران بن حصين رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة» ، وفيه بحر بن كنيز، ضعيف جدًّا، قال النسائي والدارقطني:(متروك)، وشيخه عبد الله اللقيطي قال عنه البزار:(ليس بالمعروف)، وضعف الحديث ابن الجوزي وابن حجر. وأخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 13)، وابن عدي في الكامل (7/ 516)، والبيهقي الكبرى (10780)، من وجه آخر، وفيه محمد بن مصعب القرقساني، وهو صدوق كثير الغلط. وأخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 516)، والبيهقي في الكبرى (10779)، موقوفًا، ورجح البيهقي وابن حجر وقفه، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 63). ينظر: العلل المتناهية 2/ 89، الفتح 4/ 323، التلخيص الحبير 3/ 46.

(2)

في (ح): ولا قتل.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 170.

(4)

في (ظ): ولا.

(5)

في (ح): أنه.

(6)

ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 153، المغني 4/ 168.

(7)

في (ح): بنقض.

(8)

في (ح): عبد مسلم.

(9)

ينظر: الفروع 6/ 171.

ص: 80

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) بالشراء

(1)

، (فَيَصِحُّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، جزم به في «الوجيز» وغيره؛ لأنَّ ملكه لا يستقرُّ عليه، ولأنَّه وسيلة إلى تحصيل حرية

(2)

المسلم.

والأخرى: لا يصحُّ؛ لأنَّه ثبوت ملكٍ لكافرٍ على مسلمٍ، فلم يصحَّ؛ كما

(3)

لو لم يَعْتِقْ

(4)

عليه.

وأطلقهما في «المحرر» و «الفروع» .

وعبارته

(5)

شاملة لمن علق عتقه بشرائه، وفي شمولها لمن اشتراه بشرط العتق نظرٌ.

(وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّيِّ)، سواءٌ كان بيده أو بيد

(6)

مشتريه، فردَّه عليه بعيبٍ؛ (أُجْبِرَ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ) ببَيعٍ، أو هِبةٍ، أو عتق

(7)

؛ لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النِّسَاء: 141]، ولأنَّ في إبقائه في ملكه صَغارًا للمسلم.

(وَلَيْسَ لَهُ كِتَابَتُهُ) على المذهب؛ لأنَّ الكتابة لا تزيل ملك السَّيد عنه، بل يبقى إلى الأداء، وهو غير جائزٍ.

(وَقَالَ الْقَاضِي)، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الرِّعاية»:(لَهُ ذَلِكَ)؛ لأنَّه سبب لعتقه

(8)

، ولأنَّه يزيل يده عنه، أشبه إعتاقه له.

(1)

في (ح): في الشراء.

(2)

في (ظ) و (ح): حرمة.

(3)

في (ح): بها.

(4)

في (ح): لم يبق.

(5)

في (ح): وعبارة.

(6)

في (ح): يد.

(7)

في (ح): عتقه.

(8)

في (ح): عتقه.

ص: 81

تنبيهٌ: إذا قال لآخَر: اشترني من فلان فإنِّي عبده، فاشتراه، فبان حرًّا؛ لم تلزمه

(1)

العهدة، حضر البائع أو غاب، كقوله: اشتر منه عبده هذا، ويؤدَّب هو وبائعه، لكن ما أخذه المقِر غرمه؛ نصَّ عليهما

(2)

، وسأله ابن الحكم عن رجل يُقِرُّ بالعبودية حتَّى يباع قال: يؤخذ البائع والمقِرُّ بالثَّمن

(3)

، فإن مات أحدهما

(4)

أو غاب؛ أُخذ الآخَر بالثمن، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(5)

.

فإن كان الغارُّ أنثى؛ حُدَّت ولا مهر؛ نصَّ عليه

(6)

، ويلحقه الولد، قال في «الفروع»: فلو أقرَّ أنَّه

(7)

عبده فرهنه؛ فيتوجَّه

(8)

كبيعٍ.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ)؛ لِما روى ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يبع

(9)

الرَّجل على بيع أخيه، ولا يَخطُب على خِطبة أخيه، إلاَّ أن يأذن له» متَّفقٌ عليه

(10)

، ولِمَا فيه من الإضرار بالمسلم وإفساد بيعه، فحرم؛ كشَتْمه.

(وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ: أَنَا أُعْطِيكَ مِثْلَهَا بِتِسْعَةٍ)، هذا تفسير للبيع على بيع أخيه.

(وَلَا) يجوز (شِرَاؤُهُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ)؛ لأنَّه في معنى المنهيِّ عنه، وهو أيضًا في معنى الخاطب، والبيع يقع على الشِّراء، ويسمى البائع والمشتري بَيِّعَينِ.

(1)

في (ظ): لم يلزمه.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 177.

(3)

ينظر: الاختيارات ص 181، الفروع 6/ 178.

(4)

في (ح): أحد.

(5)

ينظر: الاختيارات ص 181.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 178.

(7)

في (ح): أن.

(8)

في (ح): فتوجَّه.

(9)

في (ح): لا يبيع.

(10)

أخرجه البخاري (5142)، ومسلم (1412).

ص: 82

(وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِتِسْعَةٍ: عِنْدِي فِيهَا عَشَرَةٌ)، هذا تفسيرٌ للشِّراء على شراء أخيه، (لِيَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَعْقِدَ مَعَهُ).

وظاهره: أنَّ ذلك قبل لزوم العقد؛ أي: في مدَّة الخِيارَين، فإذا انبرم

(1)

فلا.

(فَإِنْ فَعَلَ) ما نُهِي عنه؛ (فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ) الثَّاني؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» ، وفي «البلغة» روايتان:

إحداهما

(2)

: لا يصِحُّ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع»؛ لِمَا روى سَمُرةَ مرفوعًا قال:«أيُّما رجلٍ باع بَيعًا من رجلين؛ فهو للأوَّل منهما» رواه الخمسةُ

(3)

، وهو عامٌّ في مدَّة الخيار وبعدَه.

والآخَر: يصِحُّ؛ لأنَّ النَّهي لمعنًى في

(4)

غير البيع

(5)

، أشبه بيع النَّجش.

وإن ردَّه، أو بذل لمشترٍ بأكثرَ ممَّا اشتراها؛ فوجهان، وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: للمشتري الأوَّل مطالبةُ البائع بالسِّلعة، وأخْذُ الزِّيادة أو عِوَضها

(6)

.

(1)

في (ح): ابترم.

(2)

في (ح): أحدهما.

(3)

أخرجه أحمد (20085)، وأبو داود (2088)، والترمذي (1110)، والنسائي (4682)، وابن ماجه (2190)، عن الحسن، عن سمرة، ووقع شك في سنده عند ابن ماجه والنسائي في الكبرى (6235)، عن الحسن، عن عقبة بن عامر أو سمرة بن جندب، وأخرجه أحمد من مسند عقبة (17349)، قال الترمذي:(حديث حسن)، وقال ابن عبد الهادي:(سماع الحسن من سمرة مختلف فيه، ولم يسمع من عقبة بن عامر شيئًا)، وقال ابن حجر: (صححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم

وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة، فإن رجاله ثقات لكن قد اختلف فيه على الحسن)، وضعفه الألباني بعنعنة الحسن. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 341، التلخيص الحبير 3/ 357، ضعيف أبي داود 2/ 206.

(4)

قوله: (في) سقط من (ح).

(5)

في (ق): المبيع.

(6)

ينظر: الاختيارات ص 180.

ص: 83

فائدة: يَحرُم سَومه على سَوم أخيه؛ لخبر أبي هريرة

(1)

، مع الرِّضا صريحًا، وقيل: أو ظاهرًا، وقيل: أو تساوى الأمران، وقيل: لا يصحُّ، وفي

(2)

«عيون المسائل» : السَّوم كالخِطبة على خِطبة أخيه.

وكذا سَوم إجارةٍ، ذكره في «الانتصار» وغيره.

وأمَّا

(3)

استئجاره على إجارة أخيه؛ فكذلك، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(4)

.

(وَفِي بَيْعِ الْحَاضِرِ)، وهو المقيم في المدن والقُرى، (لِلْبَادِي) وهو المقيم في البادية، والمراد هنا من يدخل البلد من غير أهلها، سواء كان بدويًّا أو قَرَويًّا، قاله في «المغني» و «الشَّرح» ، (رِوَايَتَانِ)، كذا في «المحرَّر» و «البلغة» ، لا ريبَ أنَّه بيعٌ منهيٌّ عنه؛ لقوله عليه السلام:«لا يبع حاضِرٌ لبادٍ، دَعُوا النَّاس يرزق الله بعضَهم من بعضٍ» رواه مسلمٌ

(5)

، وعن أنَسٍ قال: «نُهِينا أن يبيع

(6)

حاضِرٌ لِبادٍ، وإن كان

(7)

أخاه لأبيه وأمِّه» متَّفقٌ عليه

(8)

، والمعنى فيه: أنَّه لو تُرِك القادمُ يبيع سلعتَه اشتراها الناس منه برخْصٍ، فإذا تولَّى الحاضرُ بيعَها؛ فلا يبيعها إلاَّ بغلاءٍ، فيحصل الضَّرر على أهل المدن.

(إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ)؛ لأنَّ النهي عنه كان

(9)

في أوَّل الإسلام، فوجب زواله بزواله، أو لأنَّ النَّهي لمعنًى في

(10)

غير المنهي عنه، فلم يَبطُلْ به.

(1)

أخرجه البخاري (2727)، ومسلم (1408)، مرفوعًا بلفظ:«لا يسوم على سوم أخيه» .

(2)

في (ح): في.

(3)

في (ح): فأما.

(4)

ينظر: الإنصاف 11/ 183.

(5)

أخرجه مسلم (1522)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(6)

في (ظ): بيع.

(7)

قوله: (كان) سقط من (ح).

(8)

أخرجه البخاري (2161)، ومسلم (1523).

(9)

في (ظ) و (ق): كان عنه.

(10)

قوله: (في) سقط من (ح).

ص: 84

(وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ

(1)

، جزم به في «الوجيز» ، وعليه الأصحابُ؛ لعموم النَّهي، ولأنَّ ما ثبت في حقِّ الصَّحابة ثبت في حقِّنا، ما لم يقم دليلٌ على اختصاصهم به.

وحينئِذٍ: فالخلاف مبنيٌّ على زوال النَّهي أو بقائه، وردَّه الزَّرْكشيُّ: بأنَّهما مستمرَّان على القول بالبقاء.

(أَنْ

(2)

يَحْضُرَ الْبَادِي)؛ لأنَّه متى لم يقدم إلى موضع آخَر لم يكن باديًا، (لِبَيْعِ سِلْعَتِهِ)؛ لأنَّه إذا حضر لخزنها فقصده

(3)

الحاضر، وحضَّه على بيعها؛ كان ذلك توسعةً لا تضييقًا.

(بِسِعْرِ يَوْمِهَا)؛ لأنَّه إذا قصد بيعها بسعرٍ معلومٍ كان المنْعُ من جهته لا من جهة الحاضر، زاد بعضهم: أي: يقصد بيعها بسعر

(4)

يومها حالًّا لا نسيئةً.

(جَاهِلاً بِسِعْرِهَا)؛ لأنَّه إذا عرفه لم يزده الحاضر على ما عنده.

(وَيَقْصِدَهُ الْحَاضِرُ)؛ لأنَّه إذا قصده البادي لم يكن للحاضر أثر في عدم التَّوسعة.

(وَيَكُونَ

(5)

بِالنَّاسِ)، وفي «ابن المنجَّى»: بالمسلمين، (حَاجَةٌ إِلَيْهَا)، لم يذكر أحمد هذا الشَّرط؛ لأنَّهم إذا لم يكونوا محتاجين لم يُوجَد المعنى الَّذي نهى الشرع

(6)

لأجله، وظاهره: أنَّه لا يصحُّ ولو رَضُوا به، وصرَّح به في «الفروع» في ظاهر المذهب.

(1)

قوله: (بخمسة شروط) هو في (ق): بشروط خمسةٍ.

(2)

في (ح): وأن.

(3)

في (ح): يقصده.

(4)

في (ح): بشر.

(5)

في (ح): وأن يكون.

(6)

زيد في (ح): عنه.

ص: 85

وأبطله الخِرَقيُّ بثلاثة شروطٍ: أن يكون الحاضر قصد الباديَ، وقد جلب السِّلعة للبيع، فيعرفه السِّعر.

وزاد القاضي الشَّرطين الأخيرين

(1)

، وتبعه جلُّ الأصحاب.

وحكى ابن أبي موسى رواية بالبطلان وإن عرف البادي السِّعر.

وعنه: أو جهل

(2)

الحاضر.

وعنه: إن قصده الحاضر، أو وَجَّهَ به إليه ليبيعه، ونقل المرُّوذيُّ: أخاف

(3)

أن يكون منهُ

(4)

، جزم بها الخلاَّل.

(فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ

(5)

؛ أي: من الخمسة؛ (صَحَّ الْبَيْعُ)، وزال النَّهي؛ لأنَّ الموقوف على شروط يزول بزوال أحدها.

فرعٌ: إذا أشار حاضِرٌ على بادٍ، ولم يتولَّ له بيعًا؛ لم يُكرَه، ويتوجَّه: إن استشاره وهو جاهِلٌ بالسِّعر؛ لزمه بيانه؛ لوجوب النُّصح.

وإن لم يَسْتَشِرْه؛ ففي وجوب إعلامه إن اعتقد جهله به نَظَرٌ، بناءً على أنَّه هل يتوقَّف وجوب النُّصح على استنصاحه؟ ويتوجَّه وجوبه، وكلام الأصحاب لا يخالفه، ذكره في «الفروع» .

(وَأَمَّا شِرَاؤُهُ لَهُ؛ فَيَصِحُّ رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لأنَّ النَّهي إنَّما ورد عن البيع لمعنًى

(6)

يختصُّ به، وهو الرِّفق بأهل الحضر، وهذا غير موجودٍ في الشِّراء للبادي؛ إذ الخلق في نظر الشَّارع سواءٌ.

(1)

في (ق): الآخرين.

(2)

في (ظ): جهله.

(3)

في (ح): إن خاف.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 177.

(5)

في (ح): منها.

(6)

في (ح): بمعنى.

ص: 86

ونقل ابن هانئ: لا يشتري له

(1)

؛ كالبيع، وكرهه طائفةٌ من السَّلف، منهم اللَّيث.

مسائلُ:

الأولى: يَحرُم التَّسعير على النَّاس، بل يبيعون أموالهم على ما يختارون؛ لحديث أنسٍ

(2)

، ويكرَه الشِّراء به، وإن هَدَّد مَنْ خالفه؛ حرُم، وبطل في الأصحِّ.

ويَحرُم: بِعْ

(3)

كالنَّاس، في الأَشْهَر.

وأوجب الشَّيخ تقيُّ الدِّين: إلزامهم المعاوَضَة بثمن المثل، وأنَّه لا نزاعَ فيه

(4)

.

الثَّانية: يحرُم الاحتكار، وهو شراءُ الطَّعام محتكِرًا له للتِّجارة مع حاجة النَّاس إليه، فيضيِّق عليهم، نصَّ عليه في قوت آدمِيٍّ

(5)

.

وعنه: وما يأكله النَّاس.

وعنه: أو يضرهم ادِّخاره بشرائه في

(6)

ضيق.

قال في «المغني» : من بلده، لا جالبًا.

والأوَّل نقله القاضي وغيره.

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 15.

(2)

أخرجه أحمد (14057)، وأبو داود (3451)، والترمذي (1314)، وابن ماجه (2200)، وابن حبان (4935)، ولفظه:«إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال» ، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه ابن حبان، وقال ابن حجر في التلخيص 3/ 36:(على شرط مسلم).

(3)

في (ق): بعه.

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 76.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3149، مسائل صالح 2/ 237، مسائل أبي داود ص 262.

(6)

في (ق): من.

ص: 87

ويصحُّ شراء محتكَرٍ. وفي «التَّرغيب» احتمالٌ.

ويجبر المحتَكِر على بيعه كما يبيع النَّاس، فإن أبى وخِيف التَّلف؛ فرَّقه الإمام ويردُّون مثله، وقيل: قيمته.

وكذا سلاحٌ لحاجة

(1)

، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

.

وقال

(3)

: ومن ضمن مكانًا ليبيع ويشتري وحدَه؛ كره الشِّراء منه بلا حاجةٍ، ويحرم عليه أخذ زيادة بلا حقٍّ

(4)

، قال أحمد: استغنِ عن النَّاس، لم أرَ مثلَه، الغِنَى من العافية

(5)

.

الثَّالثة: لا يُكرَه ادِّخارُ قوت أهله ودوابِّه، نصَّ عليه، ونقل جعفرٌ: سنةً أو سنتين، ولا

(6)

ينوي التِّجارة فأرجو أنْ لا يضيق

(7)

.

(وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ)، أو بثمن لم يقبضه، ذكره الأكثر؛ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا)، وهو قول جماعةٍ من الصَّحابة ومن بعدهم

(8)

؛

(1)

في (ح): لحاجته.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 180.

(3)

في (ح): قال.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 180، الاختيارات ص 181.

(5)

ينظر: الحث على التجارة للخلال ص 36 ونص الرواية: (يا أبا الحسن استغن عن الناس بجهدك، فلم أر مثل الغنى عن الناس

فإن الغنى من العافية).

(6)

في (ح): فلا.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 180.

(8)

قال في المغني: (روي ذلك عن ابن عباس وعائشة)، وأثر عائشة يأتي قريبًا.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (20157)، عن ابن عون، قال: ذكروا عند محمد العينة فقال: نبئت أن ابن عباس كان يقول: «دراهم بدراهم، وبينهما حريرة» ، وأخرجه سحنون في المدونة (3/ 161)، من طريق هشام بن عروة، عن ابن سيرين، عن ابن عباس مثله. وإسناده صحيح، قال خالد الحذاء:(كل شيء قال بن سيرين: "نُبئت عن ابن عباس" إنما سمعه من عكرمة لقيه أيام المختار بالكوفة). ينظر: تهذيب الكمال 25/ 349.

وأخرجه عبد الرزاق (14823)، وسحنون في المدونة (3/ 161)، عن حيان بن عمير، سمعت ابن عباس يقول:«إذا بعتم السرق من سرق الحرير بنسيئة؛ فلا تشتروه» ، وإسناده صحيح.

ص: 88

لِمَا روى غُندَرٌ، عن شعبةَ، عن أبي إسحاقَ السَّبِيعيِّ، عن امرأته العالية قالت: دخلت أنا وأمُّ ولد زيدِ بن أرقم على عائشةَ، فقالت أمُّ ولد زيد بن أرقم: إنِّي بعتُ غلامًا من زيد بثمانِمائة درهم إلى العطاء، ثمَّ اشتريتُه منه بستِّمائة درهم نقدًا، فقالت لها: «بئس ما اشتريتِ

(1)

وبئس ما شريت، أبلغي زيدًا أنَّ

(2)

جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل

(3)

، إلاَّ أن يتوب» رواه أحمدُ وسعيدٌ

(4)

، ولا تقول

(5)

مثل ذلك إلاَّ توقيفًا

(6)

، ولأنَّه ذريعةٌ إلى الرِّبا ليستبيح

(1)

في (ح): اشتريته.

(2)

في (ح): لأن.

(3)

قوله: (بطل) سقط من (ح).

(4)

أخرجه أحمد كما في التنقيح لابن عبد الهادي (4/ 69)، وابن القيم في إعلام الموقعين (5/ 80)، وأخرجه سعيد بن منصور ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10799)، وأخرجه ابن الجعد (451)، وعبد الرزاق (14812)، وابن أبي حاتم في التفسير (2897)، والدارقطني (3003)، من طرق عن أبي إسحاق، عن امرأته العالية به. وتابعه ابنه يونس: أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 487)، والدارقطني (3002)، وابن الجوزي في التحقيق (1454)، قال ابن عبد الهادي:(هذا إسناد جيد)، ومدار الأثر على امرأة أبي إسحاق، وهي العالية بنت أيفع، واختلف في جهالتها، فجهَّلها: الشافعي والدارقطني وابن عبد البر وابن حزم، وخالفهم ابن الجوزي وابن القيم وابن عبد الهادي وابن التركماني، ودلَّل ابن القيم في إعلام الموقعين 5/ 80 على قبول خبرها بكلام يطول، وأعلَّه ابن حزم أيضًا بتدليس أبي إسحاق، وأنه جاء في بعض الروايات ما يدل على عدم سماعه الحديث من امرأته ولم تسمعه امرأته من عائشة رضي الله عنها، ويردُّ ما ذكره: الروايات المصرِّحة بحضورها تلك الحادثة، وأن شعبة ممن روى الخبر عن أبي إسحاق، ولم يحمل عنه إلا ما صرح فيه بالسماع. ينظر أيضًا: الأم 3/ 38، الاستذكار 6/ 272، المحلى 7/ 550، الجوهر النقي 5/ 330.

(5)

في (ح): ولا يقال.

(6)

زيد في (ح): بطل.

ص: 89

بيع

(1)

ألفٍ بخمسمائةٍ إلى أجلٍ، والذَّرائع معتبرةٌ في الشَّرع، بدليل منع القاتل من الإرث، ولأنَّه تعالى عتب

(2)

على بني إسرائيل التَّحيُّل في ارتكاب ما نُهُوا عنه.

وظاهره: ولو بعد حلِّ أجله، نقله ابن القاسِم وسندي

(3)

.

وقيَّد الشِّراء بالنَّقد؛ تَبَعًا لأبي الخطَّاب، فدلَّ على أنَّه إذا اشتراها بعَرْض، أو كان بيعُها الأوَّلُ بعَرْض فاشتراها بنقدٍ؛ جاز بغير خلاف نعلمه

(4)

؛ لأنَّه لا ربا بين الأثمان والعروض.

وظاهره: أنَّه لا يجوز إذا اختلف النَّقد، صحَّحه المؤلِّف؛ لأنَّهما كالشَّيء الواحد في معنى الثَّمنية.

وقال الأصحاب: يجوز، وهو المذهب؛ لأنَّهما جنسان لا يحرم التَّفاضل بينهما.

وكذا لو اشتراها من غير مشتريه، وظاهره المنع؛ كوكيله

(5)

.

وسُمِّيت عِينةً؛ لأنَّ مشتريَ السِّلعة إلى أجلٍ يأخذ بدلها عَينًا؛ أي: نقدًا حاضِرًا من فوره

(6)

، ورُوي:«أنَّ التَّبايُع بها من أشراط السَّاعة»

(7)

.

(1)

زيد في (ح): إلا.

(2)

في (ح): ولأنه يقال عيب.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 315.

(4)

ينظر: المغني 4/ 132.

(5)

في (ح): كتوكيله.

(6)

في (ح): فورها.

(7)

مراده والله أعلم حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» ، أخرجه أبو داود (3462)، والبزار (5887)، وابن عدي في الكامل (7/ 71)، والبيهقي في الكبرى (10703)، وفيه: إسحاق بن أسيد الأنصاري، قال أبو حاتم:(شيخ ليس بالمشهور لا يشتغل به)، وقال ابن عدي:(مجهول)، وذكر الذهبي هذا الخبر من مناكيره، وضعَّف إسناده البيهقي وابن حجر. وأخرجه أحمد (4825)، والطبراني في الكبير (13583)، من طريق الأعمش، عن عطاء، عن ابن عمر، وصححه ابن القطان، ومال إلى تضعيفه ابن حجر، لتدليس الأعمش، وأن عطاء يحتمل أنه الخراساني فيرجع إلى الإسناد السابق، وقوَّاه ابن تيمية وابن عبد الهادي وابن القيم، وصححه الألباني بمجموع طرقه. ينظر: بيان الوهم 5/ 294، مجموع الفتاوى 29/ 30، المحرر (876)، ميزان الاعتدال 4/ 547، تهذيب السنن مع عون المعبود 9/ 245، التلخيص الحبير 3/ 48، الصحيحة (11).

ص: 90

(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا)؛ كعبدٍ مرِض، أو ثوبٍ انقطع؛ لأنَّ نقص الثمن

(1)

لنقص المبيع، لا للتَّوسُّل إلى الرِّبا.

وتوقَّف في رواية

(2)

مُثَنَّى

(3)

: فيما إذا نقص من نفسه

(4)

، وحمله

(5)

في «الخلاف» : على أنَّ نقصه أقل من النَّقص الَّذي اشتراه به، فتكون علَّةُ المنع باقيةً.

وكذا يجوز بعد قبض ثمنه، صرَّح به في «الوجيز» و «الفروع» .

(وَإِنِ اشْتَرَاهَا أَبُوهُ، أَوِ ابْنُهُ)، أو غلامه ونحوه؛ (جَازَ)؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم كالأجنبيِّ بالنِّسبة إلى الشِّراء، ما لم يكن حيلةً.

فَرْعٌ: إذا باع سلعةً بنقْدٍ، ثمَّ اشتراها بأكثر منه نسيئةً، فهي عكس العِينة، وهي مثلُها، نقله حرْبٌ

(6)

، إلاَّ أن تتغيَّر صفتها.

ونقل أبو داود: يجوز بلا حيلةٍ

(7)

.

فلو احتاج إلى نقْدٍ، فاشترى ما يساوي مائةً بثمانين؛ فلا بأسَ، نصَّ

(1)

زيد في (ح): من.

(2)

زيد في (ق): ابن.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 315.

(4)

قوله: (من نفسه) سقط من (ح).

(5)

في (ق): ومحله.

(6)

ينظر: المغني 4/ 133.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 263.

ص: 91

عليه

(1)

، وهي التَّوَرُّق.

وعنه: يُكرَه.

وحرَّمه

(2)

الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(3)

.

نقل أبو داود: إن كان لا يريد بيع المتاع الذي يشتري منك؛ هو أهون، فإن كان يريد بيعَه فهي العِينة

(4)

.

وإن باعه منه؛ لم يَجُزْ، وهي العِينة، نصَّ عليه

(5)

.

(وَإِنْ بَاعَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا نَسِيئَةً)؛ كالمكيل والموزون والمطعوم، (ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِثَمَنِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ جِنْسِهِ)؛ كما لو باعه غِرارةَ

(6)

قمحٍ بمائة درهمٍ، فلمَّا حلَّ، اشترى بها غِرارةَ قمحٍ، (أَوْ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ نَسِيئَةً)؛ كما لو اشترى بثمن القمح غِرارةَ شعيرٍ؛ (لَمْ يَجُزْ)، روي عن ابن عمر

(7)

، وسعيد بن المسيب، وطاوس؛ لأنَّ بيع ذلك ذريعةٌ إلى بيع الرِّبويِّ بالرِّبويِّ نسيئةً، ويكون الثَّمنُ المعوَّض عنه بينهما كالمعدوم؛ لأنَّه لا أثر له، وعلَّله

(1)

ينظر: الفروع 6/ 316.

(2)

في (ق): وجزم به.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 30 - 431.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 263.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 316.

(6)

الغرارة: الوعاء. ينظر: العين 4/ 346.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة (21015)، عن محمد بن زيد، عن ابن عمر:«في الرجل يقرض الرجل الدرهم ثم يأخذ بقيمتها طعامًا، أنه كرهه» ، ومحمد بن زيد هو ابن خليدة اليشكري، فيه جهالة.

وأخرج البيهقي في الكبرى (11120)، من طريق جعفر بن عون، عن كليب بن وائل قال: قلت لابن عمر: كانت لي على رجل دراهم، فأتيته أتقاضاه، فقال: ليس عندي، ولكن اكتبها على طعام إلى الحصاد، قال:«لا يصلح» ، وإسناده جيد، وقد احتج أحمد في مسائل ابن منصور 6/ 2557 بفعل ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 92

أحمدُ: بأنَّه بيع دَينٍ بدينٍ، وجوَّزه الشَّيخ تقيُّ الدِّين لحاجةٍ

(1)

.

قال في «المغني» : والذي يَقْوَى عندي جوازُه إذا لم يفعله حيلةً، ولا قصد ذلك في ابتداء العقد

(2)

؛ لقول

(3)

عليِّ بن الحسين

(4)

، وكما لو كان المبيع

(5)

الأول حيوانًا أو ثيابًا.

وظاهره

(6)

: أنَّه إذا اشترى من المشتري طعامًا بدراهم وسلَّمها إليه، ثمَّ أخذها منه وفاءً، أو لم يسلم إليه لكن قاصَّه؛ جاز، صرَّح

(7)

به في «المغني» و «الشَّرح» .

مسألةٌ: يُستحَبُّ الإشهاد في قول الجمهور؛ إذ الأمر فيه محمولٌ عليه.

وقال قومٌ وروي عن ابن عبَّاس

(8)

: هو واجبٌ؛ لظاهر الآية، وكالنِّكاح.

وجوابه: قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البَقَرَة: 283]، قال أبو سعيد:«صار إلى الأمانة»

(9)

،

(1)

ينظر: الفروع 6/ 316.

(2)

ينظر: المغني 4/ 134.

(3)

في (ق): كقول.

(4)

ذكره في المغني 4/ 134، ولم نقف عليه، ولفظه:(قال علي بن الحسين فيما يروي عنه عبد الله بن زيد، قال: قدمت على علي بن الحسين، فقلت له: إني أجذُّ نخلي، وأبيع ممن حضرني التمرَ إلى أجل، فَيَقْدَمون بالحنطة، وقد حلَّ ذلك الأجل، فيوقفونها بالسوق، فأبتاع منهم وأقاصهم. قال: لا بأس بذلك، إذا لم يكن منك على رأي).

(5)

في (ح): البيع.

(6)

في (ح): فظاهره.

(7)

في (ح): وصرح.

(8)

ذكره في المغني 4/ 206، ولم نقف عليه.

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة (20362)، والبخاري في التاريخ (1/ 232)، والطبري في التفسير (5/ 75)، وابن أبي حاتم في التفسير (3041)، وابن ماجه (2365)، وابن المنذر في تفسيره (128)، والطبراني في الأوسط (1558)، والبيهقي في الكبرى (20513)، ولا بأس بإسناده، فيه محمد بن مروان العقيلي ضعفه أحمد وقواه غيره، وقال في التقريب:(صدوق له أوهام)، وأعل الذهبي الأثر في المهذب 8/ 4147 بقوله:(محمد واهٍ).

ص: 93

وفعله عليه السلام يفسره

(1)

.

(1)

مراده كما في المغني 4/ 206: ما أخرجه أحمد (21883)، وأبو داود (3607)، والنسائي (4647)، والحاكم (2187)، في قصة الأعرابي الذي اشترى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا ولم يُشهد على ذلك، حتى جاء خزيمة بن ثابت رضي الله عنه وشهد له. صححه الحاكم وابن حجر والألباني. ينظر: موافقة الخبر 2/ 18، الإرواء 5/ 127.

ص: 94

(بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ)

وهي

(1)

جمع شَرْط، وفسَّره ابن المنجَّى هنا بما ليس في محلِّه، والأَوْلَى: هو إلزام

(2)

أحد المتعاقدين الآخَر بسبب العقد ما له فيه منفعةٌ.

(وَهِيَ

(3)

ضَرْبَانِ: صَحِيحٌ)، وهو ما يوافق مقتضى العقد، وفاسِدٌ، وهو ما ينافيه، وقدَّم الكلام على الشُّروط الصَّحيحة؛ لسلامة العقد، وإن كان ذاك أقرب إلى العدم.

(وَهُوَ)؛ أي: الصَّحيح (ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ):

(أَحَدُهَا: شَرْطُ مُقْتَضَى الْبَيْعِ)؛ أي: مطلوبه

(4)

؛ (كَالتَّقَابُضِ، وَحُلُولِ الثَّمَنِ)، فلا يؤثِّر فيه؛ لأنَّه بيانٌ وتأكيدٌ لمقتضى العقد، فوجوده كعدمه، (وَنَحْوِهِ)، مثل: أن يشترط

(5)

أن يتصرَّف، أو يسقي الثَّمرة إلى الجَذاذ، قاله في «البلغة» .

(الثَّانِي: شَرْطٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ؛ كَاشْتِرَاطِ صِفَةٍ فِي الثَّمَنِ؛ كَتَأْجِيلِهِ)، أو بعضه، قاله أحمدُ

(6)

، ولا بُدَّ أن يكون إلى مدَّةٍ معلومةٍ كالخِيار، (أَوِ الرَّهْنِ، أَوِ الضَّمِينِ بِهِ)، والمراد: إذا كانا معيَّنين، وليس له طلبهما بعد العقد لمصلحة، ويلزم بتسليم رهن المعيَّن إن قيل يلزم بالعقد.

(أَوْ صِفَةٍ فِي المَبِيعِ

(7)

مقصودةٍ،

(1)

في (ح): وهو.

(2)

في (ق): التزام.

(3)

في (ح) و (ق): وهو.

(4)

في (ح): مطلق به.

(5)

في (ظ): يشرط.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 182.

(7)

في (ح): البيع.

ص: 95

(نَحْوِ كَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا، أَوْ خَصِيًّا

(1)

، أَوْ صَانِعًا)، أو فَحْلاً، قاله في «الوجيز» و «الفروع» ، (أَوْ مُسْلِمًا، وَالْأَمَةِ بِكْرًا)، أو حائضًا، نصَّ عليه

(2)

، فإن لم تَحِضْ؛ فقال ابن شهابٍ: إن كانت صغيرةً فليس بعيبٍ؛ لأنَّه

(3)

يرجى زواله، بخلاف الكبيرة؛ لأنَّها إن لم تَحِضْ طَبْعًا؛ ففَقْدُه يمنَع النَّسل، وإن كان لكبر؛ فعَيبٌ؛ لأنَّه ينقص الثَّمن، (وَالدَّابَّةِ هِمْلَاجَةً)؛ أي: ماشيةً؛ إذ الهملجة

(4)

مِشْيةٌ معروفةٌ، وهو فارسيٌّ معرَّب، (وَالْفَهْدِ صَيُودًا)، والأرض خراجها كذا، ذكره القاضي، (فَيَصِحُّ) اشتراط ذلك؛ لأنَّ الرَّغبات تختلف باختلاف ذلك، فلو لم يصحَّ اشتراط ذلك؛ لفاتت

(5)

الحكمة التي شرع لأجلها البيع، يؤيِّده قوله عليه السلام:«المسلمون عند شروطهم»

(6)

.

فعلى هذا: يلزم؛ لقوله: (فَإِنْ وَفَى بِهِ؛ وَإِلاَّ فَلِصَاحِبِهِ) وهو المشتري (الْفَسْخُ)؛ لأنَّه شرط وصفًا مرغوبًا فيه، فصار مستحَقًّا، كما لو ظهر المبيعُ معيبًا، فإذًا يرجع بالثَّمن.

(1)

في (ح): حفيًا، وكتب على هامشها:(لعله خصيًّا) وعليها إشارة صح.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 182.

(3)

زيد في (ح): لا.

(4)

في (ح): الهملاجة.

(5)

في (ح): لغابت.

(6)

أخرجه أحمد (8784)، وأبو داود (2890)، والدارقطني (2890)، والحاكم (2309)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه كثير بن زيد الأسلمي، صدوق يخطئ، والوليد بن رباح وهو صدوق، وحسن إسناده ابن الملقن.

وأخرجه الترمذي (1352)، وابن ماجه (2353)، والبيهقي (11430)، من حديث كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده، وصححه الترمذي، لكن استُدرِك عليه؛ لأن كثير بن عبد الله ضعيف جدًّا، قال ابن حجر:(كثير بن عبد الله ضعيف عند الأكثر، لكن البخاري ومن تبعه كالترمذي وابن خزيمة يقوون أمره)، وصحح الألباني الحديث بمجموع طرقه. ينظر: خلاصة البدر 2/ 69، الفتح 4/ 451، التلخيص الحبير 3/ 63، الإرواء 5/ 142.

ص: 96

وظاهره: أنَّه لا أَرْش له مع الإمساك، وهو ظاهر الخِرَقيِّ والقاضي والأكثر؛ إلحاقًا له بالتَّدليس.

وذكر المجْدُ في «محرَّره» ، و «الفروع»: أنَّه إذا أمسك فله أرْش فَقْدِ الصِّفة؛ إلحاقًا له بالعيب.

وقيل: مع تعذُّر الرَّدِّ.

وفي «المنتخب» : هل يبطل بيع ببطلان رهن فيه؛ كجهالة الثَّمن، أم لا؛ كمهر في نكاحٍ؟ فيه احتمالان.

(وَإِنْ شَرَطَهَا ثَيِّبًا كَافِرَةً، فَبَانَتْ بِكْرًا مُسْلِمَةً؛ فَلَا فَسْخَ لَهُ)؛ لأنَّه زاده خيرًا، كما لو شرط الغلام كاتِبًا، فإذا هو أيضًا عالِمٌ، وليس المراد اجتماع الوصفين، بل متى شرط أحدهما فبان بخلافه؛ كفى.

(وَيَحْتَمِلُ) - هذا قول في المذهب -: (أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ قَصْدًا) صحيحًا؛ إذ المشتري قد لا يطيق وطء البكر، وطالب الكافرة أكثر لصلاحيتها للمسلمين وغيرهم، وليستريح من تكليفها بالعبادات.

وقال أبو بكر: إذا شرطه كافرًا، فلم يكن؛ فلا فسخ؛ كاشتراط الحمق ونحوه.

فلو كانت الصِّفة غير مقصودةٍ؛ كما لو شرط في الأمة سَبْطةً فبانت جعدةً، أو جاهلةً فبانت عالمةً؛ فلا خيار له؛ لأنَّه زاده

(1)

خيرًا، فدلَّ على أنَّه إذا شرطها جعْدةً فبانت سَبْطةً؛ أنَّ له الخيارَ، وقاله في «عيون المسائل» ؛ لأنَّه عَيبٌ.

تنبيهٌ: يصِحُّ شرط كون الشَّاة لَبونًا، أو غزيرة اللَّبن، لا أنَّها تُحلب

(2)

كلَّ

(1)

في (ح): زاد.

(2)

في (ح): لا أن يحلب.

ص: 97

يوم قدرًا معينًا؛ لأنَّه يختلف.

وكذا يصح شرطها حامِلاً؛ لأنَّه يمكن الوفاء به كالصِّناعة.

وقال القاضي: قياس المذهب لا يصحُّ.

فلو شرطها حائلاً فبانت بخلافه؛ فسَخ في الأمة؛ لأنَّه عَيبٌ، لا في غيرها؛ لأنَّه زيادةٌ.

وقيل: ويفسخ في غيرها؛ لأنَّه قد يريدها لسفر

(1)

، أو لحملِ

(2)

شيءٍ لا تتمكَّن

(3)

منه مع الحمل، فلو شرط أنَّها لا تحمل؛ فهو فاسِدٌ.

(وَإِنْ شَرَطَ الطَّائِرَ مُصَوِّتًا)، أو يَبِيض، أو الدِّيك يُوقِظُه للصَّلاة، (أَوْ أَنَّهُ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ) كمصر والشَّام؛ (صَحَّ)، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ في تصويته قصدًا صحيحًا، وهو عادةٌ فيه؛ كالهملاجة، وكذا مجيئه

(4)

لنقل الأخبار وحمل الكتب.

(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَصِحُّ)؛ لأنَّه غير معلومٍ، فصار كالأجل المجهول، ولأنَّه تعذيبٌ له، أشبه ما لو شرط الكبش مناطِحًا.

وأطلق الخلاف في «الفروع» .

وجزم

(5)

في «المحرر» : بعدم الصِّحة في الطَّائر إذا شرطه مصوِّتًا.

وفي «الشَّرح» : لا يصِحُّ اشتراط كون الدِّيك يُوقِظُه للصَّلاة؛ لأنَّه لا يمكن الوفاءُ به.

فرعٌ: لو أخبره البائعُ بالصِّفة، وصدقه بلا شرطٍ؛ فلا خيار له، ذكره

(1)

في (ح): يريده السفر.

(2)

في (ح): الحمل.

(3)

في (ق): لا يتمكن.

(4)

في (ق): سجنه.

(5)

في: (ظ): وجزم به.

ص: 98

أبو الخطَّاب في المصرَّاة، ويتوجَّه عكسه، قاله في «الفروع» .

(الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي الْمَبِيعِ) على الأصحِّ، ويستثنى منه: الوطْءُ، فإنَّه لا يصِحُّ اشتراطه بلا خلافٍ، ويأتي وَطْءُ المكاتَبَة؛ (كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا، وَحُمْلَانِ

(1)

الْبَعِيرِ إِلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ)؛ لِمَا روى جابِرٌ: أنَّه كان يسير على جملٍ قد أعيا، فضربه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فسار سيرًا لم يَسِرْ مثلَه، فقال:«بِعْنِيهِ» ، فبعته، واستثنَيْت حُمْلانه إلى أهلي، متَّفقٌ عليه

(2)

.

يؤيِّده: «أنَّه عليه السلام نهى عن الثُّنْيا إلاَّ أن تُعلَم»

(3)

، وهذه معلومةٌ، وأكثر

(4)

ما فيه: يتأخر

(5)

التَّسليم فيه مدَّةً معلومةً؛ فصحَّ، كما لو باعه أمَةً مزوَّجةً، أو دارًا مُؤْجَرةً ونحوهما.

وقيل: يلزم تسليمه، ثمَّ يردُّه لبائعه؛ ليستوفيَ المنفعة، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(6)

، واحتجَّ في «التَّعليق» و «الانتصار» وغيرهما: بشراء عثمانَ من صهيبٍ أرضًا، وشرط وقْفَها عليه وعلى عَقِبه

(7)

، وكحبسه على ثمنه.

والثَّانية: لا يصِحُّ؛ لأنَّه «صلى الله عليه وسلم نهى عن بَيعٍ وشَرْطٍ»

(8)

، ولأنَّه شَرْطٌ ينافي

(1)

في (ح): أو حملان.

(2)

أخرجه البخاري (2718)، ومسلم (715).

(3)

سبق تخريجه 5/ 58 حاشية (3).

(4)

في (ح): وكثر.

(5)

في (ح): بتأخير.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 187.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة (23011)، وابن حزم في المحلى (7/ 331)، عن مرة بن شراحيل، قال:«إن صهيبًا باع داره من عثمان، واشترط سكناها كذا وكذا» ، رجاله ثقات، وصححه في المحلى 7/ 536.

(8)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4361)، والحاكم في علوم الحديث (ص 128)، وابن حزم في المحلى (7/ 324)، وابن عبد البر في التمهيد (22/ 185)، في الإسناد إلى أبي حنيفة: عبد الله بن أيوب بن زاذان، قال الدارقطني:(متروك)، وقال ابن تيمية:(حديث باطل ليس في شيء من كتب المسلمين، وإنما يروى في حكاية منقطعة)، وقال:(وقد أنكره أحمد وغيره من العلماء، ذكروا أنه لا يعرف، وأن الأحاديث الصحيحة تعارضه)، وكذا ضعفه ابن القيم والألباني وغيرهما. ينظر: مجموع الفتاوى 18/ 63، 29/ 132، إعلام الموقعين 2/ 249، ميزان الاعتدال 2/ 394، الضعيفة (491).

ص: 99

مقتضَى العقد، وهو التَّسليم؛ فلم يصِحَّ، كما لو شرط ألاَّ يسلِّمه.

وجوابه: بأنَّ أحمدَ أنكر الخبرَ، وقال: لا نعرفه

(1)

مَرْوِيًّا في مُسنَدٍ.

فعلى الأولى: لا يَنتفع بها المشتري على الأشهر، وللبائع إجارةُ ما استثناه، وإعارتُه؛ كعَينٍ مُوْجَرةٍ.

ثمَّ إن تَلِفت العَينُ بفعل المشتري، أو تفريطه، كما اختاره في «المغني» و «الشَّرح» ؛ ضمنها

(2)

بأجرة مثله.

وقال القاضي: عليه ضمانُه مطلقًا، وأخَذَه من كلام أحمد إذا تلفت العَينُ: رجع البائع على المبتاع بأجرة المثل

(3)

.

ولو باعها المشتري؛ صحَّ كالمُؤْجَرة، ويثبت

(4)

الخيار للمشتري إذا لم يكن عالِمًا.

(أَوْ يَشْتَرِطَ

(5)

الْمُشْتَرِي نَفْعَ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ؛ كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ، وَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَتَفْصِيلِهِ)، بشرط أن يكون معلومًا؛ لأنَّ «محمَّد بن مسلمة

(6)

اشترى من نَبَطِيٍّ جَرْزَة حَطَبٍ، وشرط عليه حملَها»

(7)

، وغايته: أنَّه جمع بَيعًا

(1)

في (ح): لا يعرفه.

(2)

في (ح): صحتها.

(3)

ينظر: المغني 4/ 75.

(4)

في (ح): وثبت.

(5)

في (ظ): (يشرط)، وفي (ح): اشترط.

(6)

في (ح): سلمة.

(7)

أخرجه أحمد كما في مسائل صالح (2/ 174)، وإسحاق كما في إتحاف الخيرة (4239)، والمطالب العالية (2121)، عن عباية بن رفاعة بن رافع في قصة، وهي مروية من طرق متعددة عن عباية عن عمر رضي الله عنه: أخرجها ابن المبارك في الزهد (ص 179)، وأحمد في المسند (390)، والطبراني في الكبير (321)، والحاكم (7308)، وابن حزم في المحلى (8/ 440)، وغيرهم، وهو مرسل، قال في مجمع الزوائد (8/ 167):(عباية بن رفاعة لم يسمع من عمر)، وبنحوه قال البوصيري وابن حجر، ووصله أبو نعيم في الحلية (9/ 27)، واستغربه.

ص: 100

وإجارةً، وهو صحيحٌ.

والمراد: أحدُهما لا هما، وصرَّح به في «الوجيز» ، فتكون

(1)

(الواو) بمعنى أو.

فرعٌ: إذا تراضيا بعِوَض النَّفع جاز في الأشهر، وهو كأجير

(2)

مشتَركٍ، فإن مات، أو تلف، أو استحقَّ؛ فللمشتري عِوَض ذلك، نصَّ عليه

(3)

.

(وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ فِي جَزِّ الرَّطْبَةِ: إِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لَمْ يَصِحَّ) البيعُ، وأورده ابن أبي موسى مذهبًا؛ لأنَّه اشترط العمل في المبيع قبل ملكه، أشبه ما لو استأجره ليَخِيطَ له ثَوبَ زَيدٍ إذا ملكه، (فَيُخَرَّجُ هَهُنَا مِثْلُهُ)، كذا خرَّجه أبو الخَطَّاب وجماعةٌ؛ لأنَّ الشَّرط هنا مثلُه، فيعطَى حكمَه، وكذا قاله المجْدُ تَبَعًا لصاحب «التَّلخيص» ، وذكراه روايةً.

وقال القاضي: لم أجِدْ بما قال الخِرَقِيُّ روايةً في المذهب، وتردَّد في «المغني» في التَّخريج، فقال: يحتمل أن يقاس عليه ما أشبهه من اشتراط نفع البائع في المبيع، ويحتمل أن يختصَّ البطلانُ بما ذكره؛ لإفضائه إلى التَّنازع؛ لأنَّ البائع يريد قطعَها من أعلاها ليبقى

(4)

له منها بقيَّةٌ، والمشتري يريد استقصاءها ليزيد له ما يأخذه، وهو أَوْلى؛ لقوله

(5)

: (والبيع لا يبطله شرطٌ

(1)

في (ظ): فيكون.

(2)

في (ح): كالأجنبي.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 189.

(4)

في (ظ): لتبقى.

(5)

يعني: الخرقي كما في مختصره ص 68.

ص: 101

واحدٌ)، وليوافق المذهب.

(وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ شَرْطَيْنِ؛ لَمْ يَصِحَّ) على الأصحِّ؛ لِمَا روى عبد الله بن عمْرٍو: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبَيعٌ، ولا شَرْطانِ في بَيعٍ» رواه أبو داود والتِّرمذيُّ وصحَّحه

(1)

.

وظاهره كما قال القاضي في «المجرد» : سواء كانا صحيحَينِ أو فاسدَينِ، زاعمًا أنَّه ظاهر كلام أحمد، ومعتمِدًا على إطلاق الخبر.

وبَعَّدَ في «الشَّرح» كلامَه.

والأَشْهرُ عن أحمدَ

(2)

: أنَّه فسَّرهما بشرطَين صحيحَين، ليسا من مصلحة العقد، بأن يشتري حُزْمة حطَبٍ، وشرط

(3)

على البائع حملَها وتكسيرها، لا ما كان من مصلحته؛ كالرَّهن والضَّمين، فإنَّ اشتراط مثل ذلك لا يؤثِّر، ولا ما كان من مقتضاه، ولا الشَّرطَين الفاسدَين؛ إذ الواحد كافٍ في بطلانه، وهذا اختِيارُ الشَّيخَين، وصاحب «التَّلخيص» و «الشَّرح» ، تَبَعًا للقاضي في «شرحه» ، وفي «المغني» و «الشَّرح» و «الفروع»: أن ما

(4)

كان من مقتضى العقد؛ فلا يؤثِّر فيه بلا خلافٍ

(5)

.

(1)

أخرجه أحمد (6671)، وأبو داود (3504)، والترمذي (1234)، والنسائي (4611)، وابن ماجه (2188)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، بلفظ:«لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك» ، قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه جماعة، وقال ابن عبد البر:(هذا الحديث محفوظ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح). ينظر: التمهيد 24/ 384، الإرواء 5/ 146.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2939، الشرح الكبير 11/ 227.

(3)

في (ح): ويشرط.

(4)

قوله: (إن ما) هو في (ح): إن.

(5)

ينظر: المغني 4/ 170.

ص: 102

وعنه: أنَّه فسَّرهما بشَرْطين فاسِدَينِ، وقاله بعضُ الأصحاب، وضعَّفه صاحب «التَّلخيص» ، فإنَّ الواحد مؤثر

(1)

، فلا حاجة إلى التَّعدد.

وجوابُه: بأنَّه مختلَفٌ فيه، بخلاف الشَّرطَين.

(1)

في (ح): يؤثر.

ص: 103

(فَصْلٌ)

(الضَّرْبُ الثَّانِي: فَاسِدٌ) يَحرُم اشتراطُه، (وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ):

(أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ؛ كَسَلَفٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ

(1)

، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ صَرْفٍ لِلثَّمَنِ، أَوْ غَيْرِهِ، فَهَذَا) الشَّرط (يُبْطِلُ الْبَيْعَ) على المذهب؛ للنَّهي عنه، وهو يقتضي الفساد، قال أحمد: هذا بَيْعتانِ في بَيعةٍ

(2)

، وكما

(3)

لو شرط ألاَّ يسلِّم إليه المَبيعَ، نقل أبو داود: إذا اشتراه بكذا إلى شهرٍ كلُّ جمعةٍ درهمان، قال: هذا بَيعتان في بَيعةٍ

(4)

، ولأنَّه شَرَطَ عقْدًا في آخَرَ، فلم يَصِحَّ؛ كنكاح الشِّغار.

وحكمته

(5)

: إذا فسد الشَّرط وجب ردُّ ما في مقابلته من الثَّمن، وهو مجهولٌ، فيصير الثَّمن مجهولاً.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَبْطُلَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ)، هذا روايةٌ؛ لأنَّ عائشة أرادت أن تشتريَ بَرِيرةَ للعتق، فاشترط أهلُها ولاءَها، فذكرت ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:«اشْتَرِيها واشْتَرِطِي لهم الولاءَ، فإنَّما الولاءُ لِمَنْ أعْتَقَ» متَّفقٌ عليه

(6)

، فصحَّح

(1)

في (ح): أو قرض أو بيع.

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 275، مسائل ابن منصور 6/ 2948.

(3)

في (ح): كما.

(4)

كذا في الفروع 6/ 191، والإنصاف 11/ 232، والذي مسائل أبي داود ص 275 أنهما مسألتان، قال:(سمعت أحمد قال في شرطين في بيع: أن يقول: أبيعك إلى شهر بكذا وبنقد كذا. فقيل لأحمد وأنا أسمع: فقال: أشتري منك هذا الثوب بكذا وكذا إلى شهر على أن أعطيك كل جمعة درهمين؟ قال: هذا لا بأس به. سمعت أحمد سئل عن الرجل يبيع المتاع، ثم يقول: الدينار بكذا وكذا؟ قال أحمد: هذا بيعتان في بيع، وربما قال: بيعتان في بيعة).

(5)

في (ق): وحكمه.

(6)

أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504).

ص: 104

الشِّراء مع إبطال الشَّرط، وأطلق في «المحرَّر» الرِّوايتَينِ.

(الثَّانِي: شَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، نَحْوُ: أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا خَسَارَةَ عَلَيْهِ، أَوْ مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ وَإِلاَّ رَدَّهُ، أَوْ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَلَا يُعْتِقَ، أَوْ إِنْ

(1)

أَعْتَقَ فَالْوَلَاءُ لَهُ، أَوْ يَشْتَرِطَ

(2)

أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ فَهَذَا) شَرْطٌ (بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ

(3)

؛ لقوله عليه السلام: «مَنِ اشْتَرط شَرْطًا ليس في كتاب الله فهو باطِلٌ، وإن كان مائةَ شَرْطٍ» متَّفقٌ عليه

(4)

، ولأنَّ إطلاق البيع يقتضِي تصرُّف المشتري في المبيع على اختياره؛ لأنَّه إنَّما بذل الثَّمن في مقابَلَة الملك، والملك يقتضي إطلاق التَّصرُّف، فالمنْعُ منه يؤدِّي إلى تفويت الغرض

(5)

، فيكون الشَّرْط باطِلاً.

(وَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «البُلْغةِ»:

أنَصُّهما: لا يبطل

(6)

، وهو ظاهِرٌ، واختاره في «المغني» ، ونصره في «الشَّرح» ، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لحديث بَرِيرَةَ، قال ابن المنذر: (هو

(7)

ثابِتٌ، ولا نعلم شيئًا يعارِضه، فالقَولُ به يَجِبُ)

(8)

.

لا يقال: المرادُ بقوله: «اشْتَرِطِي لهم الوَلاءَ» ؛ أيْ: عليهم؛ لأنَّه ثابِتٌ لها بالإعتاق، فلا حاجةَ إلى اشْتِراطه، ولأنَّهم

(9)

امتَنَعُوا من البيع إلاَّ أن

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ظ): (يشرط)، وفي (ح): شرط.

(3)

في (ظ): بنفسه.

(4)

أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504).

(5)

في (ح): العوض.

(6)

في (ح): لا تبطل.

(7)

في (ح): وهو.

(8)

ينظر: الإشراف 6/ 119.

(9)

في (ح): ولا أنهم.

ص: 105

يُشرط

(1)

لهم الوَلاءَ، فكيف يأمرها بما عَلِم أنَّهم لا يَقْبَلونه منها، وصيغة الأمر هنا للتَّسوية نحو:{فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [الطُّور: 16]، ولِعَوْدِ الشَّرْط على غير العاقِدِ، نحو: بِعْتُكَه على ألاَّ ينتفع به فلان - يعني: غير المشتري - ذكره ابنُ عَقِيلٍ وغيره.

والثَّانية: يَبْطُل

(2)

، نصره القاضي وأصحابه؛ لِمَا تقدَّم، ولأنَّه شَرْطٌ فاسِدٌ، فأفْسَدَ العَقْدَ، كما لو شَرَطَ عقْدًا آخَرَ، وكجهالة الثَّمن، فلو أسقط الفاسدَ بعد العقد؛ لم يؤثِّر.

وعلى الصِّحَّة: للفائت غرضه. وقيل: للجاهل فساد الشَّرط؛ الفسخُ أو أَرْشُ نقص الثَّمن بإلغائه. وقيل: لا أرْش، وذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين ظاهِرَ المذهب

(3)

.

(إِلاَّ إِذَا شَرَطَ الْعِتْقَ، فَفِي صِحَّتِهِ)؛ أي: صحَّة الشَّرط (رِوَايَتَانِ)، كذا في «الفروع»:

(إِحْدَاهُمَا: يَصِحُّ)، صحَّحه في «البلغة» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وهي

(4)

المذهب؛ لحديث بَرِيرَةَ، (وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إِنْ أَبَاهُ)؛ لأنَّه عِتْقٌ مستَحَقٌّ لله تعالى؛ لكونه قُرْبَةً التزمه

(5)

المشتري، فأُجبر عليه كالنَّذْر.

وقيل: هو حقٌّ للبائع

(6)

، فيُفْسَخ، فإن أمضى؛ فلا أرْش في الأصحِّ.

وهل له المطالبةُ به وإسقاطه؟ فيه خلافٌ.

(1)

في (ح): يشترط.

(2)

في (ظ): تبطل.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 192.

(4)

في (ق): وهو.

(5)

في (ظ): ألزمه.

(6)

في (ح): البائع.

ص: 106

والوجْه الثَّاني: لا يُجْبَرُ؛ لأنَّ الشَّرط لا يُوجِب فِعْلَ المشروط، كما لو شرط الرَّهن أو الضَّمين، فعليه: يثبت للبائع خيار الفسخ؛ لأنَّه لم يفِ له بشَرْطِه.

والثَّانية: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه شَرْطٌ ينافي مُقْتضَى العقد، أشْبَهَ ما لو شرط ألاَّ يبيعه.

وقيل: شَرْط الوَقْف كالعتق.

(وَعَنْهُ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَةً، وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي إِنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَمَعْنَاهُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -: أَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ)، رَوَى الْمَرُّوذِيُّ عن أحمدَ أنَّه قال: هو معنى حديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا شَرْطَانِ في بَيْعٍ»

(1)

، يعني: أنَّه فاسِدٌ؛ لأنَّه شَرَط أن يبيعه إيَّاه، وشَرَط أن يبيعه بالثَّمن الأوَّل، فهما شَرْطانِ في بَيْعٍ، ولأنَّه ينافي مقتضَى العقد.

لكن نقل عليُّ بن سعيدٍ عنه: جواز البَيع والشَّرطَين

(2)

، وأطلق ابنُ عقِيل وغيره في صحَّة هذا الشَّرط ولزومه روايَتَينِ.

قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: (عنه نحو عشرين نَصًّا على صحَّة هذا الشَّرط، وأنَّه يحرم الوطء؛ لنقص الملك، وسأله أبو طالِبٍ عمَّن اشترى أمَةً بشرط أن يتسرَّى بها لا للخدمة، قال: لا بأس به)

(3)

.

وحمل القاضي قول أحمد: (لا يَقْرَبْها)

(4)

على الكراهة، قال ابن عقيلٍ: وعندي أنَّه إنَّما منع منه لمكان الخلاف في العقد.

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 351، مسائل ابن منصور 6/ 2558. والحديث سبق تخريجه 5/ 102 حاشية (1).

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 351.

(3)

ينظر: الاختيارات ص 183.

(4)

في (ق): لا تقربها.

ص: 107

(وَإِنْ شَرَطَ رَهْنًا فَاسِدًا)، كالخمر؛ فسد؛ لأنَّ الرَّهن وثيقة بالحقِّ ليُرجَع إليه عند الاستيفاء إذا لم يمكن من غيره، وهو ممنوعٌ من بيعه، فلا يمكن الاستيفاء منه، (وَنَحْوَهُ)؛ كخِيارٍ أو أجلٍ مجهولَين؛ (فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» ، والمنصوصُ صحَّتُه

(1)

؛ كما تقدَّمَ.

(الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ شَرْطًا يُعَلِّقُ الْبَيْعَ، نَحْوَ

(2)

: بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا، أَوْ إِنْ رَضِيَ فُلَانٌ)، فالمذهب: أنَّهما لا يصِحَّان؛ لأنَّ مقتضى البيع نقل الملك حال التَّبايُع، والشَّرط هنا يمنعه

(3)

.

وعنه: صحَّة عقده؛ لما تقدَّم.

وعنه: صحَّتُهما، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين في كلِّ العقود الَّتي لم تخالِف الشَّرع

(4)

؛ لأنَّ إطلاق الاسم يتناول المنجَّز والمعلَّق، والصَّريح والكناية

(5)

؛ كالنَّذر.

ويستثنى على الأوَّل: بعتُ، أو قَبِلْتُ إن شاء الله.

(أَوْ يَقُولُ لِلْمُرْتَهِنِ: إِنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ فِي مَحِلِّهِ وَإِلاَّ فَالرَّهْنُ لَكَ؛ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ)؛ لقوله عليه السلام: «لا يغلق الرَّهْنُ من صاحبه» رواه الأثرم

(6)

، وفسَّره أحمد

(1)

ينظر: الفروع 6/ 192.

(2)

في (ح): كقوله.

(3)

في (ح): بمنعه.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 190، الاختيارات ص 182.

(5)

ح): كالكتابة.

(6)

في (أخرجه ابن ماجه (2441)، والدارقطني (2920)، والحاكم (2315)، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا، قال الدارقطني:(إسناد حسن متصل)، وصححه موصولاً الحاكم وابن عبد البر والإشبيلي، ورجح بعض الأئمة إرساله، منهم أبو داود والدارقطني في العلل، وابن عبد الهادي والألباني وغيرهم، وأخرج المرسل: مالك (2/ 728)، وأبو داود في المراسيل (187)، والدارقطني (2926). ينظر: علل الدارقطني 9/ 164، المحرر (892)، التلخيص الحبير 3/ 94، الإرواء 5/ 239.

ص: 108

بذلك

(1)

، وحكاه ابن المنذر عن جماعةٍ من العلماء

(2)

، ولأنَّه علَّقه على شرْطٍ مستقبَلٍ كالأولى، وفيه الخلاف المتقدِّم.

(إِلاَّ بَيْعَ الْعُرْبُونِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا) بثمَنٍ معلومٍ، (وَيُعْطِيَ الْبَائِعَ دِرْهَمًا) أو أكثر، (وَيَقُولَ: إِنْ أَخَذْتُهُ) احْتَسِب به من الثَّمن، (وَإِلاَّ)؛ أي: وإن لم آخُذْه (فَالدِّرْهَمُ لَكَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: يَصِحُّ؛ لأِنَّ عُمَرَ فَعَلَهُ

(3)

؛ لِمَا رَوَى نافِعُ بن عبد الحارث: «أنَّه اشترى لعمر دار السِّجن من صَفْوان، فإن

(4)

رضِيَ عمر، وإلاَّ له كذا وكذا»

(5)

، فلو دفع إليه درهمًا قبل البيع، وقال: لا تَبِعْه لغيري، وإن لم أشترها منك فهو لك، ثمَّ عقد وحُسِب من الثَّمَن؛ جاز، وحمل في «الشَّرح» فعلَ عمر عليه؛ جمْعًا بين فعله والخبر

(6)

، وموافقة القياس.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2751.

(2)

ينظر: الإشراف 6/ 184.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 280.

(4)

في (ق): وإن.

(5)

تقدم تخريجه 5/ 41 حاشية (1).

(6)

مراده كما في الشرح الكبير 11/ 251: ما أخرجه مالك (2/ 609)، عن الثقة عنده، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نهى عن بيع العربان» ، ومن طريقه أخرجه أحمد (6723)، وأبو داود (3502)، وابن ماجه (2192)، وذكر ابن عدي أن الثقة ههنا: ابن لهيعة، والحديث مشهور عنه عن عمرٍو، وفي رواية لابن ماجه (2193)، أن الراوي هو: عبد الله بن عامر الأسلمي، وكلاهما ضعيف. ينظر: الكامل 5/ 252، التلخيص الحبير 3/ 44.

ص: 109

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَصِحُّ)؛ «لنَهْيه عليه السلام عن بَيْعه» رواه ابنُ ماجَهْ

(1)

، ولأنَّه شَرَط للبائع شيئًا بغير عِوَضٍ؛ فلم يَصِحَّ، كما لو شرطه لأجنبيٍّ، ولأنَّه بمنزلة الخيار المجهول، وفي «المغني» هذا هو القياس.

مسائل:

الأولى: حكم إجارته كالبيع، ذكره في «الوجيز» و «الفروع» .

الثَّانية: تعتبر

(2)

مقارنة الشَّرط، ذكره في «الانتصار» ، ويأتي في النِّكاح.

الثَّالثة: يصِحُّ تعليق فسخٍ بشرطٍ. واختار

(3)

أبو الخطَّاب والمؤلِّف: لا، قال في «الرِّعاية»: فيما إذا آجَرَه كلَّ شهرٍ بدرهمٍ: إذا مضى شهر فقد فسختها؛ أنَّه يصِحُّ؛ كتعليق الخلع، وهو فسخ على الأصحِّ.

الرَّابعة: إذا صحَّحْنا العقدَ دون الشَّرط؛ فلمن فات غَرَضُه منهما، وقيل: للجاهل فساد الشرط؛ الفسخ؛ لأنَّه لم يُسلَّم له ما عقد عليه، أو أرْش نقص الثَّمن بإلغائه؛ كالمعيب، وقيل: لا أرْش، وذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين ظاهر المذهب

(4)

.

(وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إِلَى ثَلَاثٍ)، زاد في «الشَّرح»: أو مدَّةٍ معلومةٍ، (وَإِلاَّ فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا؛ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، نَصَّ عَلَيْهِ

(5)

، وهو قول عمر

(6)

، واختاره جَمْعٌ، وخصَّه بالثَّلاث؛ لأنَّه علَّق رفع العقد بأمر يَحدُث في

(1)

وهو حديث: «نهى عن بيع العربان» .

(2)

في (ح): يعتبر.

(3)

في (ح): واختاره.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 192.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3025.

(6)

تبع المصنف ما في المغني 3/ 505، والشرح الكبير 11/ 254، ولم نقف على أثر عمر وإنما وقفنا على أثرٍ لابن عمر رضي الله عنهما، أخرجه عبد الرزاق كما في المحلى (7/ 265)، وابن أبي شيبة (23172)، عن سليمان مولى البرصاء قال: بعت من ابن عمر سلعة أو بيعًا، فقال:«إن جاءت نفقتنا إلى ثلاث فالسلعة لنا، وإن لم تأتنا نفقتنا إلى ثلاث فلا بيع بيننا وبينك، فسنستقبل فيها بيعًا مستقبلاً» ، وفيه ضعف، سليمان مولى البرصاء سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وقال ابن سعد في الطبقات:(قليل الحديث)، ولم يرو عنه سوى ابن جريج. ينظر: التاريخ الكبير 4/ 4، الجرح والتعديل 4/ 151، الطبقات 5/ 489.

ص: 110

مدَّة الخيار، فجاز، كما لو شرط الخيار، ولأنَّه نوع بيعٍ، فجاز أن يفسخ بتأخُّر

(1)

القبض كالصَّرف.

فإذا لم يَنقُدْ في المدَّة؛ انفسخ العقد، وقيل: يبطل بفواته.

(وَإِنْ بَاعَهُ، وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ)، أو من عيب كذا إن كان به؛ (لَمْ يَبْرَأْ) في ظاهر المذهب؛ لأنَّه خيار يثبت بعد العقد، فلا يسقط قبله كالشُّفعة، ذكره أبو الخطَّاب وجَمْعٌ، أو لأنَّه شَرْطٌ يَرْتَفِق به أحدُ المتعاقدين

(2)

، فلا يصِحُّ شرطه كالأجل المجهول.

(وَعَنْهُ: يَبْرَأُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْعَيْبَ فَكَتَمَهُ)، ومعناه: أنَّه يبرأ مع الجهل لا العلم به؛ لأنَّ عبد الله بن عمر باع عبدًا من زيد بن ثابت بثمانمائة درهم بشرط البراءة، فأصاب به زيدٌ عيبًا، فأراد ردَّه على ابن عمر، فلم يَقْبَلْه، فترافعا إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر:«أتحلف أنَّك لم تعلم بهذا العيب؟» فقال: «لا» ، فردَّه عليه، ثمَّ باعه ابن عمر بألف درهم، رواه أحمد

(3)

، وهذه قضيَّةٌ اشتهرت، ولم تُنكَر فكانت كالإجماع.

ونقل ابن هانِئ: إن عيَّنه صحَّ، ومعناه نقل ابن القاسم وغيره، إلاَّ أن يخبره بالعيوب كلِّها

(4)

؛ لأنَّه مرفق في البيع كالخيار.

(1)

في (ق): بتأخير.

(2)

في (ح): العاقدين.

(3)

أخرجه أحمد في مسائل صالح (2/ 39)، وأخرجه مالك (2/ 613)، وعبد الرزاق (14722)، وسحنون في المدونة (3/ 368)، وابن أبي شيبة (20808)، والبيهقي في الكبرى (10787)، عن سالم بن عبد الله به. وصححه البيهقي وابن الملقن في البدر المنير 6/ 558، واحتج به أحمد في مسائل عبد الله ص 276.

تنبيه: لم يأت ذكر زيد بن ثابت رضي الله عنه في المصادر، وإنما ذُكر مبهمًا، قال الحافظ في التلخيص 3/ 67:(وتعيين هذا المبهم ذكره في الحاوي للماوردي وفي الشامل لابن الصباغ بغير إسناد).

(4)

ينظر: الفروع 6/ 193.

ص: 111

وعنه: يبرأ مطلقًا، قال في «الانتصار»: وهو الأشبه بأصولنا؛ كبراءة من مجهولٍ.

وحيث قيل بفساد الشَّرط؛ فالعقدُ صحيحٌ على المذهب، وفيه رواية.

فإن سمَّى العيب وأبرأه منه؛ صحَّ.

ص: 112

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ بَاعَهُ دَارًا)، وفي «المحرَّر» و «الفروع»: أرضًا، وهو أحْسَنُ، أو ثوبًا، (عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ؛ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ)، جزم به ابنُ عَقِيلٍ؛ لأنَّه لا يمكن إجبار

(1)

البائع على تسليم الزِّيادة؛ لأنَّه إنَّما باعه عشرة أذْرُعٍ، ولا المشتري على أخذ البعض؛ لأنَّه إنما اشترى الكلَّ، وعليه ضرر

(2)

في الشَّرِكة.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ صَحِيحٌ)، قدَّمه في «المحرر» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ ذلك نقصٌ على المشتري، فلم يمنع صحَّة البيع؛ كالردِّ بالعيب.

وأطلقهما

(3)

في «الفروع» .

(وَالزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ)؛ لأنِّه لم يَبِعْها.

(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ)؛ دَفْعًا لضَرَرِ المشارَكة، ما لم يُعْطِه الزَّائدَ مجَّانًا، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» و «الفروع» ؛ لأنَّه زاده خَيرًا، وإن أبَى؛ ثَبَتَ للمشتري الخيار بين الفسخ والأخذ بجميع الثَّمن وقسط الزَّائد.

فإن رضي بالأخذ، والبائع شريك له

(4)

بالزائد؛ فهل للبائع خيار الفسخ؟ على وجهين:

أحدهما، وهو ظاهر المتن: أنَّ له الفسخَ؛ لأنَّ عليه ضررًا في المشارَكة.

والثَّاني: لا؛ لأنَّه رضي ببيع الجميع بهذا الثَّمن، فإذا وصل إليه مع بقاء

(1)

في (ح): إخبار.

(2)

في (ح): الضرر.

(3)

في (ح): وأطلقها.

(4)

قوله: (له) سقط من (ظ).

ص: 113

جزءٍ له فيه؛ كان زيادةً.

(وَإِنِ

(1)

اتَّفَقَا عَلَى إِمْضَائِهِ؛ جَازَ)؛ لأنَّ الحقَّ لهما لا يعدوهما؛ كحالة الابتداء.

(وَإِنْ بَانَتْ تِسْعَةً؛ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ).

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ صَحِيحٌ)، وقد ذكرناه

(2)

، (وَالنَّقْصُ عَلَى الْبَائِعِ)؛ لأنَّه التزمه بالبيع ولا خيار له؛ إذ لا ضرر عليه فيه، (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ)؛ لنقصه، (وَأَخْذِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ)؛ لأِنَّه يُقَسَّطُ على كلِّ جزءٍ من أجزاء المبيع، فإذا فات جزء استَحقَّ ما قابله من الثَّمن.

فإن أخذه بقسطه؛ فلبائع الخيار بين الرِّضا والفسخ.

فإن بذل المشتري كلَّ الثَّمن؛ لم يملك الفسخ، أشبه المبيع إذا كان معيبًا فرضيه بجميع الثَّمن.

(وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى تَعْوِيضِهِ

(3)

عَنْهُ؛ جَازَ)؛ لأنَّه لا يجبر

(4)

أحدُهما على المعاوَضة؛ إذ المعاوَضة يعتبر فيها التَّراضي منهما.

فرعٌ: إذا باعه صُبْرةً على أنَّها خمسةُ أقْفِزَةٍ، فبانت ستَّةً؛ ردَّ الزَّائد، ولا خيار للمشتري؛ إذ لا ضرر عليه في ردِّ الزَّائد.

وإن بانت أقلَّ؛ أخذها بقسطها من الثَّمن، ولا خيار له؛ لأنَّ نقصان القدر

(5)

ليس بعيبٍ في الباقي من المكيل.

وقيل: بلى

(6)

؛ لنقصانها، وكغيرها، والله أعلمُ.

(1)

في (ح): فإن.

(2)

في (ح): ذكرنا.

(3)

في (ح): تفويضه.

(4)

في (ح): لا يخير.

(5)

في (ح): المقدر.

(6)

في (ق): بل.

ص: 114

(بَابُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ)

الخِيَارُ: اسم مصدَرٍ من اختار يختار اختيارًا، وهو: طلب خَير الأمْرَين من إمضائه أو الفسخ.

(وَهُوَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ)، وستأتي

(1)

.

(أَحَدُهَا: خِيَاُر الْمَجْلِسِ)، وهو بكسر اللاَّم: موضع الجلوس، والمرادُ به: مكان التَّبايُع.

(وَيَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ) في قول أكثر العلماء؛ لِمَا روى ابنُ عمر: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تَبايَع الرَّجُلان؛ فكلُّ واحد منهما بالخيار ما لم يتفرَّقا وكانا جميعًا، أو يخيِّر أحدُهما الآخَرَ، فإن خيَّر أحدُهما الآخَرَ، فتبايَعا على ذلك؛ فقد وجب البَيعُ» متَّفقٌ عليه

(2)

، وعن عمرو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «المتبايِعان بالخِيَار ما لم يتفرَّقا» رواه أحمدُ وأبو داودَ والتِّرمذيُّ وحسَّنه

(3)

.

وقد أنكر كثيرٌ من العلماء على مالك مخالَفَتَه

(4)

للحديث مع روايته له عن نافِعٍ، عن ابن عمرَ

(5)

، قال الشَّافعي: (لا أدري هل مالِكٌ اتَّهم نفسَه، أو

(1)

في (ظ): وسيأتي.

(2)

أخرجه البخاري (2112)، ومسلم (1531).

(3)

أخرجه أحمد (6721)، وأبو داود (3456)، والترمذي (1291)، والنسائي (4483)، قال الترمذي:(حديث حسن)، وحسنه الألباني، ووقع عند الدارقطني (2998)، والبيهقي في الكبرى (10449)، لفظة:«حتى يتفرقا من مكانهما» ، وهي من طريق: مخرمة بن بكير، عن أبيه قال: سمعت عمرو بن شعيب، وذكره. ومخرمة صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه، وإنما روى من كتاب أبيه كما قال أحمد. ينظر: جامع التحصيل ص 275، الإرواء 5/ 155.

(4)

في (ق): لمخالفته.

(5)

أخرجه في الموطأ (2/ 761).

ص: 115

نافِعًا، وأُعْظِمُ أَنْ أقولَ عبدَ الله بنَ عمرَ)

(1)

انتهى.

واعْتِراضُ المالكيِّ بعمل أهل المدينة؛ مدفوعٌ بمخالفة

(2)

سعيد بن المسيِّب والزُّهريِّ وابن أبي ذِئْبٍ.

فإن قيل: هو خبرُ آحادٍ فيما تَعُمُّ به البلوى.

فالجواب: بأنَّه مستفيضٌ، فإنَّه روي أيضًا

(3)

من

(4)

حديث حَكِيم بن حِزامٍ

(5)

، وأبي هريرة

(6)

، وأبي برزة

(7)

الأسلميِّ

(8)

، وجابرٍ

(9)

.

فإن قيل: قد روي عن عمر أنَّه قال: «البيع صفقة

(10)

أو خيار»

(11)

، ولأنَّه

(12)

عقد معاوَضةٍ، فيلزم بمجرَّده كالنِّكاح، وبأنَّ المراد بالتَّفرُّق في

(1)

ينظر: معالم السنن للخطابي 3/ 120.

(2)

في (ح): مخالفة، وفي (ق): لمخالفته.

(3)

قوله: (أيضًا) سقط من (ظ) و (ح).

(4)

قوله: (من) سقط من (ظ).

(5)

أخرجه البخاري (2079)، ومسلم (1532).

(6)

أخرجه أحمد (10922)، وأبو داود (3458)، والترمذي (1292)، وقال:(حديث غريب)، وحسنه الألباني.

(7)

في (ح): بردة.

(8)

أخرجه أبو داود (3457)، وابن ماجه (2182)، إسناده صحيح، ورجاله ثقات.

(9)

أخرجه ابن ماجه (2184)، والطبراني في الأوسط (3552)، والدارقطني (2867)، والحاكم (2306)، قال الدارقطني:(رجاله ثقات)، وصححه الحاكم. ينظر: الإرواء 5/ 126.

(10)

في (ح): صفة.

(11)

أخرجه محمد بن الحسن في الأصل (3/ 550)، وعبد الرزاق (14274)، وابن أبي شيبة (22577)، فيه الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف، وفيه رجل مجهول. وأخرجه أبو يوسف كما في الأم للشافعي (3/ 9)، عن الشعبي، عن عمر مرسلاً. وأخرجه عبد الرزاق (14273)، عن الحجاج عن عمر. وهذا معضل. قال البيهقي في الكبرى:(ذهب كثير من أهل العلم إلى تضعيف الأثر عن عمر)، وضعفه الشافعي وابن حزم في المحلى 7/ 250.

(12)

في (ح): ولا أنه.

ص: 116

الخبر: التَّفرُّق بالأقوال؛ لقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البَيّنَة: 4]، ولقوله عليه السلام:«ستفترق أمَّتي» الخبرَ

(1)

.

فالجوابُ: بأنَّ معنى ما روي عن عمر: أنَّ البيع ينقسم إلى بيعٍ شُرِط فيه الخيارُ، وبيع لم يُشْرَط فيه، وسمَّاه صفقةً؛ لقصر مدَّة الخيار، مع أنَّ الجُوزَجانِيُّ روى عنه الأوَّلَ

(2)

، ولو سُلِّم فقد خالفه جمْعٌ من الصَّحابة

(3)

، مع

(1)

أخرجه أحمد (8396)، وأبو داود (4596)، والترمذي (2640)، وابن ماجه (3991)، وابن حبان (6247)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه ابن حبان، وله طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة، قال شيخ الإسلام:(صحيح مشهور). ينظر: مجموع الفتاوى 3/ 345، الصحيحة (203).

(2)

أخرجه أحمد في مسائل عبد الله كما نقل القاضي في التعليقة (3/ 50)، عن عامر، عن عمر قال:«البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» ، رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، الشعبي عن عمر مرسل كما قال أبو زرعة، وذكر البيهقي في المعرفة (8/ 21)، من رواية الزعفراني عن الشافعي:(أن عمر قال: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا»، وهذا هو الذي يليق بكلامه).

(3)

روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه البخاري (2107)، عن نافع: كان ابن عمر إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه. وأخرجه مسلم (1531)، بلفظ: كان إذا بايع رجلاً، فأراد ألاَّ يُقيله؛ قام فمشى هنية، ثم رجع إليه.

وعلقه البخاري بصيغة الجزم (2116)، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: بعت من أمير المؤمنين عثمان بن عفان مالاً بالوادي بمالٍ له بخيبر، فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته؛ خشية أن يُرَادَّنِي البيع، وكانت السنة:«أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا» ، ووصله الإسماعيلي ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10450)، والطحاوي في معاني الآثار (7327)، والدارقطني (2811)، وابن حجر في التغليق (3/ 231).

وروي عن أبي برزة رضي الله عنه: أخرجه الطيالسي (964)، وأبو داود (3457)، وابن الجارود (619)، والطحاوي في معاني الآثار (5532)، والدارقطني (2809)، عن أبي الوضيء قال: خرجنا في غزاة لنا فنزلنا منزلاً، فاشترى رجل عبدًا بفرس، فبقينا بقية يومنا وليلتنا، فلما كان عند الرحيل قام الرجل إلى فرسه ليسرجه، فأخذه الرجل بالبيع، فاختصما إلى أبي برزة الأسلمي، فقال:«أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أنه البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» ، قال أبو برزة قال:«ولا أراكما تفرقتما» ، وروي مختصرًا بدون ذكر القصة: أخرجه أحمد (19813)، وابن أبي شيبة (22566)، وابن ماجه (2182)، والبزار (3860)، والبيهقي في الكبرى (10439)، وأسانيده صحاح.

ص: 117

أنَّه

(1)

لا تأثير له مع وجود النَّصِّ.

والقياسُ مدفوعٌ، فإنَّ النِّكاح لا يَقَعُ إلاَّ بعد تروٍّ ونَظَرٍ، ولِمَا فيه من إذهاب حرمة المرأة وردّها وإلحاقها بالسِّلع المبيعة

(2)

، وليس بين المتبايِعين تفرُّقٌ بقولٍ ولا اعتقادٍ، ولأنَّه تبطل

(3)

فائدة الحديث، ولأنَّه جَعل لهما الخيارَ بعد تبايعهما.

وفسَّره ابن عمر: بأنَّه كان يمشي خطوات ليلزم البيع

(4)

، وهو شامِلٌ لجميع أنواعه، والهبة بعوض؛ إذ المغلَّب فيها حكم البيع على الأشهر، والقسمة إن قيل هي بيعٌ.

ويستثنى منه: الكتابة، وما تولاَّه واحدٌ؛ كالأب على الأصحِّ، ولا في شراء من يعتق عليه في الأشهر، كما لو باشر عتقه.

وفي طريقة بعض أصحابنا رواية: لا يَثْبُت خيارُ مجْلسٍ في بيعٍ وعَقْدِ معاوَضةٍ.

(وَالصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ)؛ أي: بمعنى البيع، كما إذا أقرَّ له بدَينٍ أو عَينٍ، ثمَّ صالحه عنه بعِوَضٍ؛ لأنَّه بيع فيدخل في العموم.

(وَالْإِجَارَةِ)؛ لأنَّها عقْدُ معاوَضةٍ، فيثْبُت فيها كالبيع. وقيل: لا تلي مدَّتُها العقْدَ.

(وَيَثْبُتُ فِي الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ) على الأصحِّ؛ لأنَّه يشترط لصحَّته القَبْضُ، وهو بَيعٌ في الحقيقة.

(1)

قوله: (أنه) سقط من (ح).

(2)

في (ح): المعينة.

(3)

في (ح): يبطل.

(4)

تقدم تخريجه قريبًا 5/ 117 حاشية (3).

ص: 118

(وَعَنْهُ: لَا يَثْبُتُ فِيهِمَا

(1)

؛ كخيار الشَّرط، ولأنَّه يفتقر

(2)

إلى القبض في الحال، وذلك يقتضي

(3)

عدم العُلقة بينهما، وهو ينافيه

(4)

.

(وَلَا يَثْبُتُ فِي سَائِرِ)؛ أي: باقي (الْعُقُودِ)، سواءٌ كان لازِمًا من الطَّرَفَينِ كالنِّكاح والخلع؛ لأنَّه يقصد منه الفرقة كالطَّلاق، وكذا القرض والوقْف والضَّمان والهبة الخالية عن عِوَضٍ؛ لأنَّ فاعلَ ذلك دخل فيه على أنَّ الحظَّ لغيره، أو من أحد الطَّرَفَينِ كالرَّهن؛ لأنَّه لو جاز فيه؛ لبقي الحقُّ بلا رَهْنٍ، فيضر بالمرتَهِن، أو جائزًا من الطَّرَفَينِ؛ كالوكالة والشَّركة والجعالة.

وأمَّا المتردِّد بين الجواز واللُّزوم؛ فقال: (إِلاَّ فِي

(5)

الْمُسَاقَاةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالسَّبْقِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، إذ المساقاةُ والسَّبقُ إجارةٌ في وجْهٍ، والحَوَالَةُ بَيْعٌ.

والمذهب: أنَّه لا يَثْبُت في ذلك؛ لأِنَّ المساقاة عقْدٌ جائِزٌ، والحوالة

(6)

إمَّا إسقاطٌ، أو عَقْدٌ مستقِلٌّ، والسَّبقُ جعالة.

وكذا الخلاف في المزارعة والأخذ بالشُّفعة.

(وِلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا) عُرْفًا، ولو طال المجلس بنومٍ، أو تساوقا

(7)

بالمشي، أو في سفينةٍ، ولهذا لو أقبضه في الصَّرف، وقال: امْشِ مَعِي

(8)

حتَّى أُعطِيَك، ولم يفترقا؛ جاز، نقله

(1)

في (ح): فيها.

(2)

قوله: (ولأنه يفتقر) في (ح): ولا.

(3)

قوله: (يقتضي) سقط من (ح).

(4)

قوله: (وهو ينافيه) سقط من (ح).

(5)

قوله: (في) سقط من (ح).

(6)

في (ح): والحمالة.

(7)

في (ح): يستاوقا. والمعنى: تتابعا في المشي. ينظر: تهذيب اللغة 9/ 185.

(8)

في (ظ): معك.

ص: 119

حربٌ

(1)

، وهو شامِلٌ إذا حصلت الفرقة بهرب؛ لفعل ابن عمر

(2)

.

والأصحُّ: أنَّه تحرم

(3)

الفرقة خشية الاستقالة؛ لظاهر خبر عمرو بن شعيبٍ

(4)

، قاله أحمد، أو من غير قصد أو جهل.

وكذا بإكراهٍ في وجه؛ إذ الرِّضا في الفرقة غير معتبرٍ، كما لا يعتبر الرِّضا في الفسخ.

واختار القاضي، وأورده صاحب «التلخيص» مذهبًا: أنه لا ينقطع خيار المكره، فيكون الخيار في المجلس الَّذي زال عنه الإكراه.

وقيل: إن كان يقدر

(5)

على كلام يقطع به خياره؛ انقطع، وإلاَّ فلا.

وخصَّ في «المغني» و «الشَّرح» الخلاف: بما إذا أُكره أحدهما، فلو أُكرها؛ زال خيارهما.

وقال ابن عقيل: يبقى خيارهما، وجعل منه: ما إذا رأيا سَبُعًا أو ظالمًا يؤذيهما، وهو ظاهِرٌ.

ويبطل خيارهما بموت أحدهما؛ لأنَّها أعظم الفُرقَتَينِ، لا الجنون، وهو على خياره إذا أفاق.

وفي «الشَّرح» : إن خرس ولم تفهم إشارته، أو جُنَّ، أو أُغْمِيَ عليه؛ قام وليُّه مقامه.

بيانٌ: المرجِعُ في التَّفرُّق إلى العُرْف؛ لعدم بيانه في الشَّرع، فإن كانا في فضاءٍ واسعٍ؛ مشى أحدهما مستدبِرًا لصاحبه خطوات، قطع به ابن عقيل،

(1)

الفروع 6/ 214.

(2)

في (ح): كفعل ابن عمر. وتقدم تخريجه 5/ 117 حاشية (3).

(3)

في (ظ): يحرم.

(4)

سبق تخريجه 5/ 115 حاشية (3).

(5)

في (ح): مقدر.

ص: 120

وقدَّمه في «المغني» و «الشَّرح» .

وقيل: يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه المعتاد، وجزم به في «الكافي» .

وإن كانا في دار واسعةٍ؛ فمن بيت إلى آخَرَ، أو مجلس، أو صُفَّة بحيث يُعَدُّ مفارِقًا، وفي صغيرةٍ يصعد أحدهما السَّطح، أو يخرج منها كسفينةٍ صغيرةٍ، وأمَّا الكبيرة؛ فيصعد أحدهما أعلاها وينزل الآخر أسفلها.

فائدةٌ: قال الأزهريُّ: سئل ثعلبٌ عن الفرق بين التَّفرُّق والافتراق، فقال: أخبرني ابن الأعرابيِّ عن المفضَّل قال: يقال فرقت بين الكلامَينِ مخفَّفًا فافترقا، وفرَّقت بين اثنين مشدَّدًا فتفرَّقا، فجعل الافتراق في الأقوال، والتَّفرُّق في الأبدان

(1)

.

(إِلاَّ أَنْ يَتَبَايَعَا عَلَى

(2)

أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُسْقِطَا

(3)

الخِيَارَ بَعْدَهُ)؛ أي: بعد البيع؛ (فَيَسْقُطُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، اختارها ابن أبي موسى، وجزم بها في «الوجيز» ، وقدَّمها في «المحرَّر» و «الفروع» ، وصحَّحها في «المغني» و «الشَّرح»؛ لقوله عليه السلام:«فإنْ خَيَّر أحدُهما صاحبَه، فتَبَايَعَا على ذلك؛ فَقَدْ وجَبَ الْبَيْعُ»

(4)

؛ أي: لَزِمَ، ولقوله عليه السلام:«المتبايِعان بالخيار ما لم يتفرَّقا إلاَّ أن يكون البيعُ عن خِيارٍ، فإن كان البيع عن خيارٍ فقد وجب البَيْعُ»

(5)

.

والثَّانيةُ: لا يَسقُط فيهما، وهي ظاهر الخِرَقِيِّ، واختيار القاضي في «تعليقه» ، وأبي الخَطَّاب في «خلافه الصَّغير» ، وابن عَقِيلٍ؛ لأنَّ أكثر

(1)

ينظر: الزاهر ص 131.

(2)

قوله: (يتبايعا على) في (ح): تبايعا.

(3)

في (ح): مسقطا.

(4)

أخرجه البخاري (2112)، ومسلم (1531).

(5)

هذا اللفظ أخرجه النسائي (4467)، ومن طريقه الطحاوي في مشكل الآثار (5245)، وأخرجه مسلم (1531)، بلفظ:«فإذا كان بيعهما عن خيار، فقد وجب» .

ص: 121

الأحاديث «البَيِّعانِ بالخِيار» من غير زيادةٍ، وقول الأكثر ذوي الضَّبط مقدَّم

(1)

على رواية المنفرد.

وجوابه: أنَّ الأخذ بما

(2)

تضمنته الزِّيادة أَوْلَى.

(وَإِنْ أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمَا؛ بَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ)؛ لأنَّه خيار في البيع، فلم يُبطِل حقَّ مَنْ لم يُسقِطُه؛ كخيار الشَّرط، والأصحُّ: أنَّه يبطل خيار القائل؛ لظاهر الخبر.

(1)

في (ح): مقدمة.

(2)

في (ظ): ما.

ص: 122

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي: خِيَارُ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَا فِي الْعَقْدِ)، وظاهره: لو اتَّفقا قبله؛ لم يلزم الوفاءُ به، وفي «المحرَّر»: وبعده في زمن الخِيارَينِ، (خِيَارَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَيَثْبُتُ

(1)

فِيهَا وَإِنْ طَالَتْ)، وقاله جَمْعٌ من العلماء؛ لقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المَائدة: 1]، ولقوله عليه السلام:«المسلمون على شروطهم»

(2)

، ولأنَّه حقٌّ مقدَّرٌ يعتمد

(3)

الشَّرط، فيرجع في تقديره إلى شرطه

(4)

كالأجل، أو مدَّةٍ ملحَقةٍ بالعقد، فجاز ما اتَّفقا عليه كالأجل.

وما روي عن محمَّد بن يحيى بن حَبَّان - بفتح الحاء، والباء الموحدة

(5)

-: أنَّ جدَّه كان يُغبن

(6)

في البيوع، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إذا بايَعْتَ فقل: لا خِلابةَ، ثمَّ أنت في كلِّ سلعةٍ ابتعتَها بالخيار ثلاث ليالٍ» رواه البخاريُّ في «تاريخه»

(7)

، وأصله في «الصَّحيحين» ، ولفظ البخاريِّ:«لا خِلابةَ» ، ومسلمٍ:«لا خيانةَ» ، قيل: هو تصحيفٌ

(8)

، وهو ينافي مقتضى العقد؛ لأنَّه يمنع

(1)

في (ق): يثبت.

(2)

سبق تخريجه 5/ 96 حاشية (6).

(3)

في (ق): معتمد.

(4)

في (ظ): مشترطه.

(5)

في (ح): الواحدة.

(6)

في (ح): مغبن.

(7)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 17)، وابن ماجه (2355)، والدارقطني (3011)، وإسناده حسن، فيه: محمد بن إسحاق وهو صدوق، وقد صرح بالسماع كما عند البخاري في التاريخ، وقال ابن عبد البر عن الحديث:(إنه محفوظ)، وحسنه الألباني. ينظر: التمهيد 17/ 7، الصحيحة (2875).

(8)

أخرجه البخاري (2117)، ومسلم (1533)، قال النووي في شرح مسلم 10/ 177:(وقوله: «وكان إذا بايع قال: لا خيابة» هو بياء مثناة تحت بدل اللام، هكذا هو في جميع النسخ، قال القاضي: ورواه بعضهم «لا خيانة» بالنون، قال: وهو تصحيف، قال: ووقع في بعض الروايات في غير مسلم: «خذابة» بالذال المعجمة، والصواب الأول).

ص: 123

الملك واللُّزوم، وإطلاق التَّصرُّف، فجاز في الثَّلاثة للحاجة، فإنَّه خاصٌّ بحَبَّانَ؛ لأنَّه كان أصابه آمَّة في رأسه فكسرت لسانه، وكان يُغبن ويردُّ السِّلع على

(1)

التُّجَّار، ويقول: الرَّسول جعل لي الخيارَ ثلاثًا، وعاش إلى زمن عثمانَ

(2)

.

وتقديرها بالحاجة لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لا يمكن ضبط الحكم بها؛ لخفائها.

وكلامه شاملٌ ما

(3)

لو كان المبيع لا يبقى إلى مضيِّها، كطعام رطْبٍ ونحوه، فإنَّه

(4)

يباع ويحفظ ثمنه إلى المدَّة، صرَّح به القاضي، وهو قياس ما ذكر في الرَّهن.

وهذا ما لم يكن حيلةً، فإن فعله حيلةً ليربح فيما أقرضه؛ لم يَجُزْ، نصَّ عليه

(5)

.

(وَلَا يَجُوزُ مَجْهُولاً)؛ كقدوم زيدٍ، أو مجيء المطر، أو الأبد، (فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)؛ لأنَّها مدَّة ملحَقةٌ بالعقد، فلم تَجُزْ مع الجهالة، مع أنَّ شرط الأبد يقتضي المنع من التَّصرُّف فيه، وهو منافٍ لمقتضَى العقد.

(وَعَنْهُ: يَجُوزُ)، وقاله ابن شُبْرُمةَ؛ للخبر

(6)

، فعلى هذه: (هُمَا

(7)

عَلَى

(1)

قوله: (على) سقط من (ح).

(2)

ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة 2/ 10.

(3)

قوله: (ما) سقط من (ظ) و (ح).

(4)

قوله: (ونحوه فإنه) في (ح): أنه.

(5)

ينظر: المغني 3/ 504.

(6)

مراده كما في الشرح الكبير 11/ 286 حديث: «المسلمون على شروطهم» ، وتقدم تخريجه 5/ 96 حاشية (6).

(7)

في النسخ الخطية للمقنع: (وهما).

ص: 124

خِيَارِهِمَا إِلَى أَنْ يَقْطَعَاهُ، أَوْ تَنْتَهِيَ

(1)

مُدَّتُهُ) إن كانت معلَّقةً بما تنتهي

(2)

به.

(وَلَا يَثْبُتُ إِلاَّ فِي الْبَيْعِ)؛ لما مرَّ، ويُستثنَى منه: ما يشترط فيه القبض لصحَّته؛ كالصَّرْف والسَّلَم، (وَالصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ)؛ لأنَّه بيع بلفظ الصُّلح، وقسمة، قاله في «الفروع» ، قال ابن عقيل: وإن

(3)

كان ردٌّ، وأنَّه يحتمل دخوله في سَلَمٍ روايةً واحدة؛ لعدم اعتبار قبضهما.

(وَالْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ)؛ كقوله: استأجرتك لتخيط لي هذا الثَّوب، ونحوه، فيثبت فيه خيار الشَّرط؛ لأنَّه استدراك للغبن، فوجب ثبوته؛ كخيار المجلس، (أَوْ عَلَى مُدَّةٍ لَا تَلِي الْعَقْدَ)؛ كما لو أَجَرَه سنةَ خمسٍ في سنةِ أربعٍ.

فدلَّ على أنَّها إذا كانت تلي العقد؛ لا يثبت فيها خيار الشَّرط على المذهب؛ لأنَّه يفضي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها، أو إلى استيفائها في مدَّة الخيار، وكلاهما غير جائزٍ.

وفيه وجْهٌ: أنَّه يصحُّ، ويتصرَّف المستأجر، فإن فسخ العقد؛ رجع بقيمة المنافع المستوفاة.

وظاهره: أنه لا يثبت في غير ما ذكر.

وقال ابن حامد: يثبت في ضمان وكفالة

(4)

.

وقال ابن الجوزي، ونصر بن عليٍّ صاحب «الرَّوضة»

(5)

: يثبت كخيار المجلس.

(1)

في (ح): ينتهي.

(2)

في (ح): ينتهي.

(3)

في (ق): إن.

(4)

في (ح): وكظله.

(5)

لم نقف على ترجمته، قال المرداوي في التحبير 1/ 17:(والروضة في الفقه، لا نعلم مصنفها، وقيل: إنها لأبي الفتح نصر بن علي الضرير الحراني).

ص: 125

وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: يجوز في كلِّ العقود

(1)

.

(وَإِنْ شَرَطَاهُ إِلَى الْغَدِ؛ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُدَّةِ)؛ لأنَّ «إلى» لانتهاء

(2)

الغاية، وما بعدها يخالف ما قبلها؛ كقوله

(3)

تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البَقَرَة: 187]، وكنظائره في الطَّلاق والإقرار.

(وَعَنْهُ: يَدْخُلُ

(4)

؛ لأنَّها قد تكون بمعنى «مع» ، فعليها: لا يسقط الخيار إلاَّ بآخِر الغد.

وجوابه: بأنَّ ما تقدَّم هو الأصل فيها، وحملها على المعيَّة إمَّا لدليلٍ، أو لتعذُّرِ حملها على موضوعها الأصليِّ.

وإلى الظهر: إلى الزَّوال؛ كالغد، والعشيِّ والعشيَّة: من الزَّوال، وذكرهما

(5)

الجوهريُّ: من الغروب إلى العتمة

(6)

؛ كالعشاء، وأنَّ قومًا زعموا: أنَّ العشاء من الزَّوال إلى طلوع الفجر.

والمساء، والغبوق: من الغروب.

والغدوة والغداة

(7)

: من الفجر إلى طلوع الشَّمس؛ كالصَّبوح.

والآصال: من العصر إلى الغروب.

فائدة: يقال من الفجر إلى الزَّوال: أصبح عندك فلان، ومن الزَّوال إلى آخر النَّهار: أمسى عندك، والصَّباح خلاف المساء، والإصباح نقيض

(8)

الإمساء.

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 349، الاختيارات ص 184.

(2)

في (ح): انتهاء.

(3)

في (ظ): لقوله.

(4)

في (ح): تدخل.

(5)

في (ق): وذكرها.

(6)

في (ح): القيمة. وينظر: الصحاح 6/ 2426.

(7)

في (ح): والغدو وهو الغداة.

(8)

في (ح): يقبض.

ص: 126

(وَإِنْ شَرَطَاهُ مُدَّةً؛ فَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ) على المذهب؛ لأنَّها مدَّةٌ ملحقَةٌ بالعقد، فكان ابتداؤها من حين العقد؛ كالأجل.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ)، وهو وجهٌ؛ لأنَّ الخيارَ ثابتٌ في المجلس حكمًا، فلا معنى لإثباته بالشَّرط، ولأنَّ حالة المجلس كحالة العقد؛ لأنَّ لهما فيه الزِّيادةَ والنُقصانَ.

وصحَّح في «المغني» و «الشَّرح» الأوَّلَ؛ لأنَّ الاشتراط سبب ثبوت الخيار، فوجب أن يتعقبه حكمه، كالملك في البيع، مع أنَّها لو جعلت

(1)

من التفرق؛ لأدى إلى جهالتها، وثبوت الحكم بشيئين

(2)

غير ممتنع؛ كالوطء يحرم بالصيام والإحرام.

فرعٌ: إذا شرطاه سنة في أثناء شهر؛ استُوفي شهر بالعدد، وباقيها بالأهلة.

وعنه: يستوفَى الكلُّ بالعدد، كما يأتي فيما إذا علق بالأشْهُر من إجارة وعدَّةٍ وصومِ كفارةٍ.

وإن شرطاه شهرًا، يومًا يثبت ويومًا لا؛ فثالثها لابن عقيل: يصحُّ في اليوم الأوَّل؛ لإمكانه، ويبطل فيما بعده؛ لأنَّه إذا لزم في اليوم الثَّاني لم يعد إلى الجواز.

(وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيْرِهِ) وله؛ (جَازَ، وَكَانَ تَوْكِيلاً لَهُ فِيهِ)؛ لأنَّ تصحيحَ الاشتراط ممكنٌ، فوجب حمله عليه؛ صيانة لكلام المكلَّف عن الإلغاء، وصار بمنزلة ما لو قال: أعتق عبدك عنِّي.

وإن شرطه لزيدٍ وأطلق؛ فوجهان، وإن قال: له دوني؛ لم يصحَّ؛ لأنَّ

(1)

في (ح): حولت.

(2)

في (ح): بسببين.

ص: 127

الخيار شُرِع لتحصيل الحظِّ لكلٍّ من المتعاقدين بنظره

(1)

، فلا يكون لمن لا حظَّ له.

وظاهره: أنَّه يصحُّ، واختاره في «المغني» و «الشَّرح» ، ويكون توكيلاً؛ لأنَّه أمكن تصحيحُه، فعليه: لأحدهما الفسخ، وقيل: للموكِّل إن شرطه لنفسه وجعله وكيلاً.

(وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا)؛ أي: أحد المتعاقدين، (دُونَ صَاحِبِهِ؛ جَازَ)؛ لأنَّه إذا جاز اشتراطه لهما؛ فلأن يجوز لأحدهما بطريق الأَوْلى، فدلَّ على أنَّه إذا شرط لأحدهما لا بعينه

(2)

أنَّه غير جائز؛ لجهالته، كما لو اشترى أحد عبديه، وكما لو جعل الخيار في إحدى السِّلعتين لا بعينها

(3)

، بخلاف ما لو اشترى شيئين، وشرط الخيار في أحدهما بعينه

(4)

دون الآخر؛ فإنه يصح، ويكون كلٌّ منهما مبيعًا

(5)

بقِسطه، ويظهر أثره عند الرَّدِّ.

(وَلِمَنْ لَهُ الخِيَارُ الْفَسْخُ)، في قول الأكثر، (مِنْ غَيْرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ، وَلَا رِضَاهُ)؛ لأنَّه عقدٌ جُعل إليه، فجاز مع غَيبة صاحبه وسخطه؛ كالطَّلاق.

ونقل أبو طالب: يردُّ الثَّمن، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(6)

؛ كالشَّفيع، ولعلَّه

(7)

مراد من أطلق؛ لإزالة الضَّرر.

وفي «الفروع» : يتخرَّج من عزل الوكيل: لا فسخ في غيبته حتَّى يبلغه في المدَّة.

(1)

في (ح): شطره.

(2)

في (ح): لا يعينه.

(3)

في (ح): لا يعنيها.

(4)

في (ح): يعينه.

(5)

في (ح): ببط.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 22، الاختيارات ص 185.

(7)

في (ح): وأجله.

ص: 128

(وَإِنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَفْسَخَا؛ بَطَلَ خِيَارُهُمَا)، ولزم العقد، هذا هو الأصحُّ؛ لأنَّها مدَّةٌ ملحقةٌ بالعقد، فبطلت بانقضائها؛ كالأجل.

وقال القاضي: لا يلزم؛ لأنَّه حقٌّ له لا عليه، فلم يلزم بمرور الزَّمان؛ كمضِيِّ الأجل في حقِّ المُولي.

وجوابه: أنَّ الحكم ببقائها يفضي إلى بقاء الخيار أكثر من مدَّته المشترطة، وهو لا يثبت إلاَّ بالشَّرط؛ إذ البيع سبب اللُّزوم، لكن تَخلَّف

(1)

موجَبُه بالشَّرط، فإذا زالت مدَّتُه؛ لزم العقد بموجِبِه؛ لخلوه عن المعارض.

قوله: (وَلَمْ يَفْسَخَا) ليس قيدًا فيه، بل لو لم يفسخ أحدهما؛ بطل الخيار، صرَّح

(2)

به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ إذ فسخ أحدهما لا يصدق عليه أنَّهما

(3)

فسخا، ولم يحترز عنه؛ لظهور المراد.

(وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ) مدَّة الخيارين (إِلَى الْمُشْتَرِي، بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ)، هي المذهب؛ لقوله عليه السلام:«من باع عبدًا وله مالٌ فماله للبائع إلاَّ أن يشترطه المبتاعُ»

(4)

، ووجهه: أنه جعل المال للمبتاع باشتراطه، وهو عام في كلِّ بيع، فيدخل فيه بيع الخيار.

والثَّانية: لا ينتقل الملك إلاَّ بانقضاء مدة الخيار؛ لأنَّه عقدٌ قاصرٌ لا يفيد التَّصرُّف، ولا يلزم، أشبه الهبة قبل القبض.

والأُولى أصحُّ؛ لأنَّه بيعٌ صحيحٌ، فنُقل الملك عقيبه، كما لو لم يشترطه، ولأنَّ البيع تمليكٌ بدليل أنَّه يصح بقوله: ملَّكتُك، فثبت الملك فيه؛ كالمطلق، ودعوى القصور فيه ممنوعةٌ، وجواز فسخه لا يوجب قصوره، ولا يمنع نقل

(1)

في (ح): تختلف.

(2)

في (ح): وصرح.

(3)

في (ح): لأنهما.

(4)

أخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543).

ص: 129

الملك فيه؛ كالمعيب، وامتناع التَّصرُّف لأجل حقِّ الغير لا يمنع ثبوت الملك؛ كالمرهون.

فعلى هذا: يَعتق عليه قريبُه، وينفسخ نكاحُه، ويُخرِج فطرتَه، قال أبو الخطاب وغيره: ويأخذ بالشُّفعة.

ولا فرق بين أن يكون الخيار لهما، أو لأحدهما، صرَّح به في «المغني» و «الشرح» .

(فَمَا حَصَلَ مِنْ كَسْبٍ، أَوْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ؛ فَهُوَ لَهُ، أَمْضَيَا الْعَقْدَ أَوْ فَسَخَاهُ)؛ لأنَّه نماء ملكه الدَّاخل في ضمانه بقوله: «الخراجُ بالضَّمان» ، قال التِّرمذيُّ: حديثٌ صحيحٌ

(1)

.

واحترز بالمنفصل عن النَّماء المتَّصل؛ كالسِّمن ونحوه؛ فإنه يتبع العين مع الفسخ؛ لتعذر انفصاله

(2)

.

قال ابن المنجَّى: (ولا بد أن يلحظ في كون النَّماء المنفصل للمشتري: أنَّه

(3)

مبني على القول: بأنَّ الملك ينتقل إليه بنفس العقد، لا على الرواية الثانية، فإنَّه للبائع)، وفيه نظرٌ، فإنَّه مفرَّع على الصَّحيح.

(1)

أخرجه أحمد (24224)، وأبو داود (3508)، والترمذي (1285)، والنسائي (4490)، وابن ماجه (2242)، وابن الجارود (627)، وابن حبان (4928)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي سنده: مخلد بن خفاف، وثقه ابن وضاح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري:(فيه نظر)، وقال أيضًا:(لا أعرف له غير هذا الحديث، وهذا حديث منكر)، وله طريق أخرى عن عائشة عند أبي داود (3510)، وابن ماجه (2243)، قال البخاري:(ولا يصح)، وقال أبو داود:(إسناده ليس بذاك)، وله طريق أخرى استغربها البخاري، واختلف الأئمة في هذا الحديث فضعفه من سبق ذكرهم وابن حزم، وصححه الترمذي وابن حبان وابن القطان، وحسنه الألباني. ينظر: التاريخ الكبير 1/ 243، العلل الكبير للترمذي ص 191، الضعفاء للعقيلي 4/ 230، التلخيص الحبير 3/ 54، الإرواء 5/ 158.

(2)

في (ح): انقضائه.

(3)

في (ظ): وأنه.

ص: 130

وعنه: إن فسخ أحدهما فالنَّماء المنفصل - وعنه: وكسبه - للبائع؛ كرواية الملك له.

فرعٌ: الحمل وقت العقد مبيعٌ. وعنه: نماء، فيردُّ الأمَّ بعيبٍ بالثَّمن كلِّه، ذكره في «الوسيلة». فعلى الأوَّل: هل هو كأحد عينين، أو تبعٌ

(1)

للأم لا حكم له؟ فيه روايتان.

(وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ

(2)

فِي الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ)؛ لأنَّه ليس بملكٍ للبائع فيتصرَّف فيه، ولا انقطعت عنه عُلَقه فيتصرَّف فيه المشتري.

وكذا يمنع من التَّصرُّف في العوض، صرَّح به في «الوجيز» و «الرِّعاية» ، و «الزَّرْكشي» ؛ حِذارًا من إبطال حقِّ الآخَر.

(إِلاَّ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ تَجْرِبَةُ الْمَبِيعِ)؛ كركوب الدَّابة لينظر سيرها، وحلب الشَّاة ليعلم قدر لبنها؛ لأنَّ ذلك المقصود من الخيار، وهو اختبار المبيع

(3)

.

(فَإِنْ تَصَرَّفَا)، أو أحدهما (بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، وَنَحْوِهِمَا) ممَّا ينقل الملك، أو يثبت النقل في العقود؛ كالإجارة والرَّهن؛ فهو حرامٌ، (وَلَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا)، كذا أطلقه جماعةٌ؛ لأنَّه تصرُّفٌ لم يصادف محلَّه؛ لأنَّ البائع لا يملكه، والمشتري يفضي

(4)

تصرفه إلى إسقاط حقِّ البائع من الخيار واسترجاع المبيع.

وقيل: ينفذ تصرُّف البائع إذا قلنا: الملك له والخيار له، وفي «المغني»: أو لهما.

(1)

في (ح): بيع.

(2)

في (ح): المتصرف.

(3)

في (ح): اختيار المقنع.

(4)

في (ظ): يقتضي.

ص: 131

وعنه: ينفذ تصرُّف المشتري، كما لو كان الخيار له على الأصحِّ.

وعنه: موقوفٌ.

(وَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا لِلْبَيْعِ

(1)

، وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي إِسْقَاطًا لِخِيَارِهِ)؛ أي: رضي به، (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ ذلك يحصل بالتَّصريح، فحصل بالدَّلالة عليه كالمعتَقة

(2)

، فإنَّ خيارها يسقط بتمكينها الزَّوج من وطئها.

والمذهب: أنَّ تصرُّف المشتري، وسومَه، ووطأه، ولمسه بشهوة؛ إمضاء، قال أحمد: وجب عليه حين عرضه

(3)

.

(وَفِي الآْخَرِ: الْبَيْعُ وَالْخِيَارُ بِحَالِهِمَا)؛ أي: ليس تصرُّف البائع فسخًا للبيع، نصَّ عليه

(4)

، واختاره ابن أبي موسى، وهو الأصحُّ؛ لأنَّ الملك انتقل عنه، فلم يكن تصرُّفه فسخًا واسترجاعًا، كما لو وجد ماله عند مفلس، وكما لو أنكر شرط الخيار، قاله في «التَّرغيب» وغيره.

وأمَّا المشتري: فلا ينفذ تصرُّفه إلاَّ بالعتق، وسيأتي، ولا يبطل خياره إلاَّ بالتَّصريح، فالتَّصرُّف غير صحيحٍ، فوجوده كعدمه.

وفي طريقة بعض أصحابنا: له التَّصرُّف، ويكون رضًى بلزومه، وإن سُلِّم، فلأنَّه منع نفسه منه.

قال: وإذا قلنا بالملك له؛ قلنا بانتقال الثَّمن إلى البائع، وقاله غيره.

فإن تصرَّف مع البائع؛ فروايتان، بناءً على دلالة التَّصرُّف على الرِّضا.

فرعٌ: إذا تصرَّف أحدهما بإذن الآخَر، أو تصرَّف وكيلهما؛ فهو نافذٌ في

(1)

في (ح): للمبيع.

(2)

في (ح): كالمصفة.

(3)

ينظر: المغني 3/ 490.

(4)

ينظر: المغني 3/ 490.

ص: 132

الأصحِّ فيهما، وانقطع الخيار

(1)

؛ لأنَّه يدلُّ على تراضيهما بإمضاء البيع، كما لو تخايرا

(2)

.

(وَإِنِ اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ؛ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ فِي أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ

(3)

؛ لأنَّ الخدمة لا تختصُّ الملك، فلم تبطل

(4)

به؛ كالنَّظر، وظاهره: مطلقًا، وقيَّده في «الوجيز»: بأنَّه إذا كان للاستعلام، وأومأ إليه في «الشَّرح» .

والثاني

(5)

: يبطل؛ لأنَّ الخدمة إحدى المنفعتين؛ فأبطلت الخيار كالوطء.

وهما روايتان

(6)

، أطلقهما

(7)

في «المحرر» و «الفروع» .

(وَكَذَلِكَ

(8)

إِنْ قَبَّلَتْهُ الْجَارِيَةُ) ولم يمنعها، نصَّ عليه

(9)

؛ لأنَّه لم يوجد منه ما يدلُّ على إبطاله

(10)

، ولأنَّ الخيارَ له لا لها، فلو ألزمناه بفعلها؛ لألزمناه بغير رضاه، بخلاف ما إذا قبَّلها، فإنَّه يدلُّ على الرِّضا.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَبْطُلَ إِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا)؛ لأِنَّ سكوتَه اسْتِمْتاعٌ بها ودليلٌ على رضاه، أشبه المعتَقة تحت عبد إذا وطئها وهي ساكتةٌ.

قال ابن المنجَّى: (ولا بدَّ أن يقيَّد الخلاف بالشَّهوة؛ لأنَّه إذا كان لغير

(1)

في (ح): بالخيار.

(2)

في (ظ): تخابرا.

(3)

في (ح): (الروايتين). قال في الإنصاف 11/ 319: (في أصح الروايتين. وفي نسخة: الوجهين. وعليها «شرح ابن منجى»).

(4)

في (ح): يبطل.

(5)

في (ح): والثانية.

(6)

قوله: (وهما روايتان) سقط من (ح).

(7)

في (ق): وأطلقهما.

(8)

في (ح): وكذا.

(9)

ينظر: الفروع 6/ 222.

(10)

في (ح): إبطال.

ص: 133

شهوةٍ؛ لا يبطل بغير خلاف؛ لأنَّ التَّقبيل لغير

(1)

شهوةٍ ليس باستمتاعٍ بوجهٍ)، وليس كذلك، بل ما ذكره هو قول في المذهب، وظاهر كلامهم خلافه.

(وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي؛ نَفَذَ عِتْقُهُ) على المذهب؛ لأنَّه عتقٌ من مالكٍ جائزِ التَّصرُّف، تامِّ الملك؛ فنفذ، كما لو كان بعد مدَّة الخيار، وقوله عليه السلام:«لا عِتْقَ فيما لا يملك ابنُ آدمَ»

(2)

دالٌّ على نفوذه في الملك، ومِلك البائع الفسخ لا يمنع صحَّته، كما لو وهب ابنه عبدًا فأعتقه، فإنَّه ينفذ مع ملك الأب استرجاعه.

وظاهره: أنَّ عتق

(3)

البائع لا ينفذ، وهو ظاهر المذهب.

(وَبَطَلَ خِيَارُهُمَا)؛ لأنَّ المشتريَ تصرَّف بما يقتضي اللُّزوم، وهو العتق.

(وَكَذَلِكَ إِنْ تَلَفَ الْمَبِيعُ)؛ أي: بعد قبضه، فهو من ضمان المشتري، ويبطل خياره، وهي

(4)

اختيار الخِرَقيِّ وأبي بكر؛ لأنَّ التَّالف لا يتأتَّى عليه الفسخ، ولأنَّه خيار فسخ، فبطل

(5)

بتلف المبيع، كالردِّ بالعيب إذا تلف المبيع، وحينئذ يلزمه الثَّمن للبائع.

(وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ)، أمَّا في العتق؛ فلأنه

(6)

لم يوجد منه ما يدل على الرِّضا، وتعذُّر الرُّجوع لا يمنع الفسخ؛ لأنَّه قد يكون فيه مصلحة؛

(1)

في (ح): بغير.

(2)

أخرجه أحمد (6780)، وأبو داود (2190)، والترمذي (1181)، وابن ماجه (2047)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وقال الترمذي في العلل الكبير ص 173:(سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقلت: أي حديث في هذا الباب أصح في الطلاق قبل النكاح؟ فقال: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده).

(3)

في (ح): أعتق.

(4)

في (ق): وهو.

(5)

في (ق): بطل.

(6)

في (ق): فإنه.

ص: 134

لكونه

(1)

باعه بأقلَّ من ثمن مثله، فإذا فسخ ملك الرُّجوع في قيمته.

وأمَّا في التَّلف؛ فقيل: هي أنصُّهما، واختارها الشَّريف وابن عَقيلٍ، وحكاه في موضع عن الأصحاب؛ لعموم:«البيِّعان بالخيار»

(2)

، ولأنَّه خيار فسخ، فلم يبطل بتلف المبيع، كما لو اشترى ثوبًا بآخَرَ، فتلف أحدهما، ووجد بالآخَر عيبًا، فإنَّه يردُّه ويرجع بقيمة ثوبه، فكذا هنا، قال الزَّرْكشي: وكان محلُّ التَّردُّد هل النَّظر إلى حال العقد، أو إلى الحالة الرَّاهنة؟

(وَ) عليها: (لَهُ الْفَسْخُ)؛ لأنَّ خياره لم يبطل، (وَالرُّجُوعُ

(3)

بِالْقِيمَةِ)؛ لأنَّها بدل ما لا مثل له، أو بمثله

(4)

إن كان مثليًّا.

(وَحُكْمُ الْوَقْفِ حُكْمُ الْبَيْعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وهو الأصحُّ، ومعناه: أنَّه لا ينفذ؛ لأنَّه يتضمن إبطال حقِّ غيره، أشبه وقف المرهون.

(وَفِي الآْخَرِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْعِتْقِ)؛ لأنّه تصرفٌ

(5)

يُبطل الشُّفعة، فنفذ كالعتق.

وأجاب في «المغني» و «الشَّرح» بالفرق: بأنَّ العتق مبنيٌّ على التَّغليب والسِّراية، ويصحُّ في الرهن، بخلاف الوقف، ولا نسلم أنَّ الوقف يُبطِل الشُّفعة.

(وَإِنْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ) زمن الخيارَينِ؛ فهو حرامٌ، سواءٌ كان الخيارُ لهما، أو للبائع؛ لتعلُّق حقِّ البائع بها كالمرهونة

(6)

، قال في

(1)

زيد في (ق): قد.

(2)

سبق تخريجه 5/ 121 حاشية (4).

(3)

في (ظ): بالرجوع.

(4)

في (ق): مثله.

(5)

في (ح): مصرف.

(6)

في (ح): كالمرهون.

ص: 135

«الشَّرح» : لا نعلم فيه خلافًا، ولا حدَّ عليه؛ لأنَّه يدرأ بشبهة

(1)

الملك فحقيقته

(2)

أَوْلى، ولا مهر لها؛ لأنَّها مملوكته.

فإن عَلِقت منه، وهو المراد بقوله: (فَأَحْبَلَهَا؛ صَارَتْ أَمَّ وَلَدٍ لَهُ

(3)

؛ لأنَّه صادف محلَّه، أشبه ما لو أحبلها بعد انقضاء مدَّة الخيار، (وَوَلَدُهُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ)؛ لأِنَّه من مملوكته.

وظاهره: أنَّه لا يلزمه قيمتُه؛ لأنَّه حدث في ملكه، فإن فسخ البائع رجع بقيمتها؛ لأنَّه تعذَّر الفسخ فيها.

وعلى الثَّانية: عليه المهْرُ وقِيمةُ الولد.

وإن كان عالِمًا بالتَّحريم، وأنَّ ملكَه غيرُ ثابتٍ؛ فولده رقيقٌ، قاله في «الشَّرح» .

(وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَقُلْنَا: يَنْفَسِخُ) بوَطْئِه؛ (فَكَذَلِكَ

(4)

؛ أي: فهو كالمشتري، (وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ؛ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ)؛ لأنَّه وطْءٌ في ملك الغير، (إِلاَّ إِذَا قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ) على روايةٍ، فلا يترتَّب ما ذكره، وحينئِذٍ ولدُه حرٌّ ثابِتُ النسب، ولا يلزمه قيمتُه

(5)

، ولا مهر، وتصير أمَّ ولدٍ له.

لكن قال أصحابنا: إن علِم التَّحريم؛ فولده رقيقٌ لا يلحقه نسبه، وإن لم يعلم؛ لحقه نسبه، وولده حرٌّ، وعليه قيمته يوم الولادة، وعليه المهر، ولا تصير أمَّ ولدٍ له؛ لأنَّه وطئها في غير ملكه، ذكره في «الشَّرح» .

(وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ)، اختاره ابنُ عَقِيلٍ، وصحَّحه في «المغني» ،

(1)

في (ق): لشبهة.

(2)

في (ق): فحقيقه.

(3)

قوله: (ولد له) في (ح): ولده.

(4)

قوله: (وقلنا: ينفسخ بوطئه؛ فكذلك) هي في (ح): (فكذلك إن قلنا: البيع ينفسخ بوطئه).

(5)

في (ق): قيمة.

ص: 136

ونصره في «الشَّرح» ؛ لأنَّ وطأه إمَّا أن يصادف ملكًا أو شبهةً، فإنَّ العلماء اختلفوا في ثبوت ملكه، وإباحة وطئه.

(وَقَالَ أَصْحَابُنَا)، وعزاه في «الشَّرح» إلى بعضهم:(عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا عَلِمَ زَوَالَ مِلْكِهِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِالْوَطْءِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ) عَنْ أَحْمَدَ

(1)

؛ لأنَّه لم يصادِفْ ملكًا، ولا شبهة ملكٍ.

(وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا؛ بَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَمْ يُورَثْ) على المذهب، قاله ابن المنجَّى؛ لأنَّه حقُّ فسخٍ لا يجوز الاِعْتِياضُ عنه، فلم يُورَث؛ كخيار الرُّجوع في الهبة.

وظاهره: مطلقًا، والمذهب: أنَّه يبطل إلاَّ أن يطالِب به الميت، نصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّ معنى الخيار: تخيره

(3)

بين فسخٍ وإمضاءٍ، وهو صفةٌ ذاتيةٌ كالاختيار، فلم يُورَث؛ كعلمه وقدرته.

(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ) لا يبطل، و (يُورَثَ؛ كَالْأَجَلِ)، حكاه في «الفروع» قولاً، وفي «عيون المسائل»: روايةً؛ لأنَّه حقُّ فسخٍ، فينتقل إلى الورثة؛ كالفسخ بالتحالف

(4)

وكخيار قَبول الوصيَّة له.

تنبيهٌ: إذا علَّق عِتْقَ عبده ببيعٍ فباعه ولو بشرط الخيار؛ عَتَقَ، نصَّ عليه

(5)

؛ كالتَّدبير، ولم ينقل الملك، وتردَّد فيه الشَّيخ تقيُّ الدِّين، قال: وعلى قياس المسألة: تعليق طلاق أو عتق لسبب؛ يزيل ملكه عن الزوجةِ والعبدِ

(6)

.

(1)

ينظر: المغني 3/ 493.

(2)

ينظر: الإرشاد ص 201.

(3)

في (ح): يخيره.

(4)

في (ح): بتحالف.

(5)

ينظر: المحرر 1/ 277.

(6)

قوله: (الزوجة والعبد) هو في (ظ) و (ح): الزوجية. وينظر: الفروع 6/ 226، الاختيارات ص 185.

ص: 137

وقيل: يعتق في موضع يُحكم له بالملك، وهو ظاهر.

وقيل: يعتق إلاَّ إذا نفيا الخيار في العقد، وصحَّحنا نفيه، فإنَّه لا يعتق.

ص: 138

(فَصْلٌ)

(1)

(الثَّالِثُ: خِيَارُ الْغَبْنِ)، وهو بسكون الباء، مصدر غبنه؛ بفتح الباء، يغبِنه؛ بكسرها إذا نقصه، ويقال: غبن رأيه؛ بكسرها؛ أي: ضعف، غَبَنًا؛ بالتَّحريك.

(وَيَثْبُتُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ):

(أَحَدُهَا: إِذَا تَلَقَّى الرُّكْبَانَ)، جمع راكِبٍ، وهو في الأصل: راكب البعير، ثمَّ اتُّسع فيه فأطلق على كلِّ راكِبٍ، والمراد هنا: القادمون من السَّفر، وإن كانوا مُشاةً، (فَاشْتَرَى مِنْهُمْ)، اقتصر عليه في «الخِرَقِيِّ» ، و «المحرَّر» ، فيحتمل قصر الحكم عليه، والمذهب عندنا: لا فرق، كما ذكره المؤلِّف، (وَبَاعَ لَهُمْ؛ فَلَهُمُ الْخِيَارُ إِذَا هَبَطُوا السُّوقَ، وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ

(2)

غُبِنُوا غَبْنًا يَخْرُجُ عَنِ الْعَادَةِ)، هذا بيعٌ مكروهٌ صحيحٌ في قول الجماهير؛ لِمَا روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَلَقَّوُا الجَلَبَ، فمَنْ تلقَّاه فاشترى منه؛ فإذا أتى السُّوق فهو بالخِيار» رواه مسلمٌ

(3)

، وثبوت الخيار لا يكون إلاَّ في صحيحٍ، والنَّهي لا يرجع لمعنىً في

(4)

البيع، وإنَّما يعود لضربٍ من الخديعة يمكن استدراكه بالخيار، أشبه المصرَّاة.

وقوَّة كلام كثيرٍ من الأصحاب يقتضي الحكم بقصد التَّلقِّي، فلو خرج بغير قصدٍ، فوافاهم واشترى منهم؛ لم يَحرُم ذلك، وهو احْتِمالٌ في «المغني» و «الشَّرح» .

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

(2)

(ح): أنهم قد.

(3)

في أخرجه مسلم (1519).

(4)

قوله: (في) سقط من (ظ).

ص: 139

وقال القاضي: لا فرق بين القصد وعدمه، وذكره في «الفروع»: المنصوص.

وذكر في «التَّلخيص» و «الفروع» : أنَّه لا فرق بين البائع والمشتري في ذلك، ولكنَّ النَّصَّ عن أحمدَ إنَّما هو في البائع

(1)

؛ لظاهر الأخبار.

فعليه: يَثبت الخيارُ مع الغَبْن؛ لأنَّه إنَّما ثبت لدفع الضَّرر عن البائع، ولا ضرر مع الغبن

(2)

.

وعنه: يَثبت لهم الخيار مع عَدَمه، وهو ظاهرُ الخبر.

وقدَّره بما يخرج عن العادة؛ لأنَّ

(3)

الشَّرع لم يَرِدْ بتحديده، فيرجع فيه إلى العرف؛ كالقبض.

وظاهر الخِرَقِيِّ: يثبت فيه وإن قلَّ، قاله في «الشَّرح» ، وفيه شيءٌ؛ لأنَّ مثلَ ذلك يُتسامَحُ به عادةً.

وقال أبو بكرٍ وابن أبي موسى: يُقدَّر بالثُّلث؛ لأنَّه كثيرٌ.

وقيل: بالسُّدُس؛ لأنَّ الخيار لو ثبت بأقلَّ من ذلك لأدَّى إلى بطلانِ كثيرٍ من العقود.

فائدةٌ: مقتضَى النَّهي عن تلقِّي الرُّكبان؛ إمَّا أن يكذب

(4)

في سعر البلد فيكون غارًّا غاشًّا، أو يسكت فيكون مدلِّسًا خادِعًا، فلو صدق في السِّعر؛ فهل يثبت للرُّكْبان الخيار لعموم النَّهي، أو لا؛ لانتفاء الخديعة؟ فيه احتمالان.

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 162.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وعبارة الكافي 2/ 15، والشرح الكبير 11/ 337، والممتع 2/ 439: مع عدم الغبن.

(3)

في (ظ): ولأن.

(4)

في (ظ): يكون. والمثبت هو الموافق لشرح الزركشي 3/ 654.

ص: 140

(وَالثَّانِيَةُ: فِي النَّجْشِ)، وهو بيعٌ منهيٌّ عنه، ثُمَّ فسَّره بقوله:(وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا؛ لِيَغُرَّ الْمُشْتَرِيَ)، قال ابن أبي أَوْفى:«هو خِداعٌ حرامٌ»

(1)

.

وظاهره: يقتضِي أنَّه لا بُدَّ من حِذْق الَّذي زاد فيها؛ لأنَّ تغرير المشتري لا يحصل إلاَّ بذلك، وأنَّ المشتريَ جاهِلٌ، فلو كان عارِفًا واغترَّ بذلك؛ فلا خيار له؛ لعجلته وعدم تأمُّله.

(فَلَهُ الْخِيَارُ) على المذهب؛ لأنَّ النَّهي يعود إلى

(2)

النَّاجِش، لا إلى العاقد، فلم يؤثِّر في البيع، ولأنَّ النَّهي لِحَقِّ آدَمِيٍّ معيَّنٍ يُمكن تداركه؛ كبيع المدلِّس وتلقِّي الرُّكْبان.

وظاهره: يَثْبُتُ سواء كان مواطأةً من البائع، أو لم يكن

(3)

.

وقيل: لا يثبت إلاَّ إذا كان مواطأةً من البائع.

وعنه: يقع لازِمًا، فلا فسخ من غير رضًا، ذكرها في «الانتصار» .

ولو أخْبَر بأكثر من الثَّمن؛ فصدَّقه المشتري، ثمَّ بان كاذبًا؛ ثبت الخيار، وفي «الإيضاح»: يبطل مع علمه.

(إِذَا غُبِنَ)؛ كالمسألة قبلها؛ إذ أصْلُ النَّجْش: الاِسْتِتَار والاستخراج، ومنه سمِّيَ الصَّائدُ: ناجشًا

(4)

؛ لاستخراجه الصَّيد من مكانه، فالزائد

(5)

فيها

(1)

أخرج البخاري (2675)، عن إبراهيم السكسكي، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال:«الناجش آكل ربًا خائن» ، وعلقه في الصحيح 3/ 69 بقوله:(وقال ابن أبي أوفى: «الناجش: آكل ربًا خائن»، وهو خداع باطل لا يحل)، قال الحافظ في الفتح 4/ 356:(قوله: «وهو خداع باطل لا يحل» هو من تفقُّه المصنف وليس من تتمة كلام ابن أبي أوفى).

(2)

في (ح): على.

(3)

في (ق): لم تكن.

(4)

في (ح): ناسجًا.

(5)

في (ح): والزائد.

ص: 141

اسْتَخْرَج من المُسْتام فِي

(1)

ثمن السِّلعة ما لا يريد أن يخرجه.

وقيل: أصله: مدْحُ الشَّيء وإطراؤه، فالنَّاجش يَغُرُّ المشتريَ بمدحه ليزيدَ في الثَّمن.

(الثَّالِثَةُ: الْمُسْتَرْسِلُ)، وهو اسم فاعل من استرسل، إذا اطمأنَّ واستأنس لغةً، وفسَّره الإمام أحمد: بأنَّه لا يحسن يماكس

(2)

، وذكر الشَّيخان والجَدُّ: هو الجاهل بقيمة المبيع، زاد في «المغني» و «الشَّرح»: ولا يحسن المبايعة.

(إِذَا غُبِنَ الْغَبْنَ الْمَذْكُورَ) على الأصحِّ؛ لأنَّه حصل لجهله بالمبيع، فثبت

(3)

له الخيار، كما سبق.

وقيل: يقع لازِمًا؛ لأنَّ النُّقصان لا يمنع لزوم العقد؛ كالغبن اليسير.

وظاهره: أنَّ غير

(4)

المسترسل لا خيار له؛ لأنَّه دخل على بصيرة بالغبن؛ كالعالم بالعيب، وكالمستعجل.

وفي «المُذهب» : يثبت إذا جهلها.

وعنه: ولمسترسل إلى

(5)

البائع لم يماكسه، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وذكره المذهبَ

(6)

، قال أحمد: اشْتَرِ وماكِسْ، قال: والمساومةُ أسهلُ من المرابحة؛ لأنَّه أمانةٌ، ولا يأمنُ الهوى

(7)

.

فرعٌ: حُكم الإجارةِ كالبيع، ذكره في «شرح الهداية» عن القاضي، فإن

(1)

في (ظ): من.

(2)

في المغني 3/ 498: (قال أحمد: المسترسل، الذي لا يحسن أن يماكس. وفي لفظ: الذي لا يماكس).

(3)

في (ح): بالبيع فيثبت.

(4)

في (ظ): غبن.

(5)

في (ح): مع.

(6)

ينظر: الاختيارات ص 185.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 232.

ص: 142

فَسخ في أثنائها؛ رَجع عليه بالقِسط من أُجرة المِثل، لا من المسمَّى.

وذكر الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أنَّه إذا دلَّس مستأجِرٌ على مُؤْجِرٍ وغَرَّه، حتَّى استأجره بدون القيمة؛ فله أَجْر المثل، قال: ويحرم تغريرُ مشترٍ بأن يسومَه كثيرًا؛ ليبذُلَ قريبه

(1)

.

مسألةٌ: خيارُ الغَبنُ فيه وجهان في الفوريَّة وعدمها، هما مبنيَّان على الرِّوايتين في خيار العيب.

وهل للإمام جَعْلُ علامةٍ تَنفي الغَبن عمَّن يُغبَن كثيرًا؟ فيه احتمالان.

ومن قال عند العقد: لا خِلابةَ؛ فله الخيار إذا خُلب

(2)

. وقال المؤلِّفُ: لا.

(وَعَنْهُ: أَنَّ النَّجْشَ وَتَلَقِّيَ الرُّكْبَانِ بَاطِلَانِ)، أمَّا الأوَّل: فلما روى ابن عمر: «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النَّجْش»

(3)

، وعن أبي هريرة مرفوعًا:«لا تَناجَشُوا» متَّفقٌ عليهما

(4)

، وهو خديعةٌ، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«الخديعةُ في النَّار»

(5)

، وإذا كان منهيًّا عنه؛ كان باطلاً؛ تغليبًا لحقِّ الله تعالى في النَّهي، وفي «المغني» و «الشَّرح»: أنَّه اختيار أبي بكرٍ، وصرَّح

(6)

في

(1)

ينظر: الفروع 6/ 233، الاختيارات ص 185.

(2)

بياض في (ح).

(3)

أخرجه البخاري (2142)، ومسلم (1516).

(4)

أخرجه البخاري (2140)، ومسلم (1515).

(5)

علَّقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 69)، ووصله ابن عدي في الكامل (2/ 409)، من حديث قيس بن سعد بن عبادة ولفظه:«المكر والخديعة في النار» ، قال ابن حجر:(إسناده لا بأس به)، وروي من حديث أبي هريرة عند البزار (9517)، وضعفه البزار وغيره، وله طرق أخرى عن بعض الصحابة، قال ابن حجر في الفتح 4/ 356:(مجموعهما يدل على أن للمتن أصلاً).

(6)

زيد في (ح): به.

ص: 143

«التَّنبيه» : بأنَّه

(1)

لا يجوز.

وقيل: إن نجش البائع، أو واطأ على ذلك؛ بطل، قدَّمه في «المحرَّر» ، وصحَّحه ابن حمدان، وخرَّجه صاحب «التَّلخيص» من قول أبي بكر في إبطال البيع

(2)

بتدليس العيب، ولأنَّ البائعَ أحدُ ركني العقد، فارتكابه النَّهي يفسد البيع، بخلاف الأجنبيِّ.

وأمَّا ثانيًا

(3)

؛ فاختاره أبو بكرٍ؛ لما روى ابن عبَّاس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقِّي الرُّكبان، ولا يَبِيعُ حاضِرٌ لبادٍ» متَّفقٌ عليه

(4)

؛ لأنَّ النهي يدلُّ على الفساد؛ كبيع الحاضر.

وجوابه: بأنَّ بيعَ الحاضر للبادي لا يُمكن استدراكُه؛ لأنَّ الضَّرَر ليس عليه، إنَّما هو على المسلمين، بخلاف التَّلقِّي، فإنَّ الضَّرر عليهم، فأمكن تَداركُه بثبوت الخيار لهم، فلا حاجة إلى الإبطال.

(1)

في (ح): أنه.

(2)

في (ق): المبيع.

(3)

في (ق): الثاني.

(4)

أخرجه البخاري (2158)، ومسلم (1521).

ص: 144

(فَصْلٌ)

(الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيسِ)، قال الجوهريُّ: هو كِتْمانُ العيب في السِّلعة عن المشتري

(1)

، والمراد هنا: (مَا يَزِيدُ بِهِ

(2)

الثَّمَنُ)، وإن لم يكن عَيبًا؛ (كَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ)، التَّصرية: مصدر صَرِيَ يَصْرَى، كعَلِيَ يَعْلَى، وصَرَى يَصْرِي، كرمَى يرمِي، وأصلها عند الفقهاء: أن يَجمَع اللَّبنَ في الضَّرع اليومين والثَّلاثة حتَّى يَعظُم، فيَظُنَّ المشتري أنَّ ذلك لكثرة اللَّبن، وإِذًا هي: المصرَّاة، والمحفَّلةُ.

قال البخاريُّ: أصل التَّصرية: حبس الماء، يقال: صَرَيْتُ الماءَ

(3)

.

واختلف في معناها لغةً، فقال

(4)

الشَّافعيُّ: هي أن يَرْبِط أخْلافَ النَّاقة أو الشَّاة اليومين والثَّلاثة، فيزيده المشتري في ثمنها

(5)

.

وقال أبو عُبَيدٍ: هي النَّاقة أو البقرة أو الشَّاة يُصَرَّى اللَّبن في ضرعها؛ أي: يجمع ويحبس، قال: ولو كانت من الرَّبط لقيل فيها: مصرورة، وإنَّما جاءت مصرَّاة

(6)

، قال الخطَّابِيُّ: هو حسنٌ، وقول الشَّافعيِّ صحيحٌ

(7)

.

(وَتَحْمِيرُ وَجْهِ الْجَارِيَةِ، وَتَسْوِيدُ شَعْرِهَا، وَتَجْعِيدُهُ)، يقال: شعر جعد؛ أي: بيِّن الجعودة، وهو ضدُّ السَّبط.

(1)

ينظر: الصحاح 3/ 930.

(2)

قوله: (به) سقط من (ح).

(3)

ينظر: صحيح البخاري 3/ 70.

(4)

في (ح): قال.

(5)

ينظر: مختصر المزني المطبوع مع الأم للشافعي 8/ 180.

(6)

ينظر: غريب الحديث 2/ 242.

(7)

ينظر: معالم السنن 3/ 112.

ص: 145

(وَجَمْعُ مَاءِ الرَّحَى وَإِرْسَالُهُ عِنْدَ عَرْضِهَا؛ فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ) أو الإمساك

(1)

، في قول أكثر العلماء؛ لِمَا روى أبو هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُصَرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النَّظرَينِ بعد أن يحلُبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردَّها وصاعًا من تمرٍ» متَّفقٌ عليه

(2)

، ولأنَّه تدليسٌ غَرَّ المشتري به، فكان له الخيار كالنَّجش، والأصحُّ: ولو حصل

(3)

بغير قصد.

وظاهره: إن دلَّسه بما لا يختلف به الثَّمن؛ كتبييض الشَّعر، وتسبيطه، وتسويد كفِّ عبدٍ، أو ثوبه، وعلف شاةٍ؛ لا خيار للمشتري؛ لأنَّه لا ضَرَر عليه.

وقيل: كالأوَّل.

وظاهره: أنَّه لا أرْش مع الإمساك، وهو المذهب؛ لأنَّ الشَّارع لم يجعل له فيها أرْشًا، بل خيَّره بين الإمساك والرَّدِّ مع صاع تمرٍ.

وفي «التَّنبيه» و «المبهج» و «التَّرغيب» ، ومال إليه صاحب «الرَّوضة»: له الإمساك مع الأَرْش، ونقله ابن هانئٍ وغيره

(4)

؛ كالعيب.

(وَيَرُدُّ مَعَ الْمُصَرَّاةِ عِوَضَ اللَّبَنِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) سليمٍ، ولو زادت قيمته، نصَّ عليه

(5)

، وقيل: أو قمح؛ لوروده في بعض الألفاظ

(6)

.

(1)

في (ح): والإمساك.

(2)

أخرجه البخاري (2148)، ومسلم (1524).

(3)

(ح): جعل.

(4)

في ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 9، مسائل ابن منصور 6/ 2585.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 228.

(6)

أخرجه أبو داود (3446)، وابن ماجه (2240)، والبيهقي في الكبرى (10723)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفي سنده جميع بن عمير، قال البخاري عنه:(فيه نظر)، قال الذهبي:(واهٍ)، وضعف الحديث الخطابي والبيهقي وابن الملقن. ينظر: التاريخ الكبير 2/ 242، معالم السنن 3/ 116، الكاشف 1/ 296، خلاصة البدر 2/ 68.

ص: 146

وهذا إن حلبها، فلو علم أنَّها مصرَّاةٌ قبل الحلب ببيِّنةٍ أو إقرارٍ؛ فلا؛ لأنَّه لا وجود للبدل مع وجود المبدل.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ؛ فَقِيمَتُهُ)؛ أي: التَّمر؛ لأنَّ من وجب عليه شيءٌ فعجز عنه؛ رَجع إلى بدلِه، وبدلُ

(1)

المِثل عند إعوازه هو القيمة (فِي مَوْضِعِهِ)؛ أي: موضع العقد؛ لأنَّه بمنزلة عينٍ أتلفها، فيجب

(2)

عليه قيمتُها، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .

(سَوَاءٌ كَانَتْ) المصرَّاةُ (نَاقَةً، أَوْ بَقَرَةً، أَوْ شَاةً)؛ لعموم قوله عليه السلام: «مَنِ اشْترَى مُصَرَّاةً فهو بالخِيار» رواه البخاريُّ

(3)

.

وقال داود: لا تثبت

(4)

في مصرَّاة البقر؛ لحديث أبي هريرة

(5)

.

وجوابُه: بأنَّ الحكمَ ثَبَت فيها بطريق التَّنبيه؛ لأنَّ لبنَها أغزَرُ وأكثرُ.

فرعٌ: لو اشترى مصرَّاتَينِ، أو أكثر في عقدٍ، فردَّهن؛ ردَّ مع كلِّ مصرَّاةٍ صاعًا من تمرٍ، وقاله الشَّافعيُّ

(6)

.

وقيل: لا يتعدَّد، بل في الجميع صاعٌ.

(فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ؛ رَدَّهُ، وَأَجْزَأَهُ)، اختاره القاضي، وجزم به

(1)

في (ظ): وبذل.

(2)

في (ظ): فتجب.

(3)

لفظ البخاري (2148)، كما تقدم:«لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعدُ» الحديث، ولفظ المصنف: أخرجه أحمد (10586)، والترمذي (1251)، والنسائي (4488) وغيرهم من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

في (ح): لا يثبت.

(5)

تقدم 5/ 146 حاشية (2).

(6)

جاء في النجم الوهاج للدميري 4/ 149: (إذا تعددت الشياه المصراة: لا نقل فيها عند أصحابنا، لكن نقل ابن قدامة الحنبلي عن نص الشافعي: تعدد الصاع بعددها). وينظر: تحرير الفتاوى للعراقي 1/ 775، مغني المحتاج 2/ 454.

ص: 147

في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّ التمر إنَّما وجب عِوَضًا عن اللَّبن، فإذا ردَّ الأصل؛ وجب أن يُجزِئَ؛ كسائر الأصول مع أبدالها، وكما لو ردَّها به قبل الحَلَب.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يُجْزِئَهُ إِلاَّ التَّمْرُ)، قدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأنَّ إطلاق الخبر يدلُّ عليه، ولأنَّ اللَّبنَ في الضَّرْع أحفظُ له.

أمَّا إذا تغيَّر؛ فلا يجزئه وجهًا واحدًا؛ لأنَّه نقص في يده بالحموضة، فهو كما لو أتلفه.

وقيل: يجزئه، وإن تغيَّر، ولا شيء عليه؛ نظرًا إلى أنَّ البدل إيجابه منوطٌ بعدم المبدل، والمبدل موجودٌ، وإن حصل نقص فبتدليسٍ

(1)

من البائع.

وصرَّح في «الكافي» : بأنَّ الخلاف مع التَّغيُّر.

فرعٌ: إذا رضي بها فأمسكها، ثمَّ اطَّلع على عيبٍ؛ ردَّها به؛ لأنَّ رضاه بعيبٍ لا يمنع الرَّدَّ بعَيبٍ آخَرَ.

(وَمَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ؛ فَلَهُ الرَّدُّ)، وقاله أبو الخطَّاب؛ لأنَّه عَلِم بسبب الرَّدِّ، فكان له حينئِذٍ، أشبه ما لو علم بالعيب.

(وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إِلاَّ بَعْدَ ثَلَاثٍ)؛ أيْ: ثلاثة أيَّامٍ، وهذا ظاهر كلام أحمدَ

(2)

، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ اللَّبن يختلف باختلاف المكان وتغيُّر العَلف، فإذا مضت الثَّلاثةُ؛ بانَتِ

(3)

التَّصرية، وثبت الخيار على الفور.

فعلى هذا: ليس له ردُّها قبل مُضِيِّها، ولا إمساكها بعدها.

وقيل: يُخيَّر مطلقًا ما لم يَرْضَ؛ كبقيَّة التَّدليس، وقدَّره ابن أبي موسى

(1)

في (ح): تدليس.

(2)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 9.

(3)

في (ح): ثابت.

ص: 148

والمجْدُ والجَدُّ: بثلاثة أيَّامٍ؛ لرواية

(1)

مسلمٍ: «مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً؛ فهو بالخيار ثلاثةَ أيَّامٍ»

(2)

، فعلى هذا: له الخيار في الثَّلاثة أيَّامٍ إلى انقضائها، عكس ما قاله القاضي.

وابتداء المدَّة: بتبيُّن التَّصرية، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى، وكلامه في «الكافي» يوهم

(3)

أنَّ ابتداءها على قول ابن

(4)

أبي موسى: من حين البيع، وليس كذلك بل على قول القاضي.

(وَإِنْ صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً)، أو زال العَيبُ؛ (لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ)؛ لأنَّ الخيار حصل لدَفْع الضَّرر بالعيب، وقد زال الحكم بزوال عِلَّته، (فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ)؛ أي: قول

(5)

الإمام: (إِذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ؛ لَمْ يَمْلِكِ) المشتري (الرَّدَّ)

(6)

؛ لما

(7)

ذكرناه، قال في «الفصول»: لا رجعيًّا، وأنَّ في طلاقٍ بائنٍ فيه عدَّةٌ؛ احتمالين.

(وَإِنْ كَانَتِ التَّصْرِيَةُ فِي غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)؛ كالأمَة والأَتَان؛ (فَلَا رَدَّ لَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأنَّ ذلك لا يُعتاض عنه في العادة، ولا يُقصد قَصْد لبنِ بهيمة الأنعام.

(وَالآخَرُ

(8)

: لَهُ الرَّدُّ)، اختاره ابنُ عَقِيلٍ، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لعموم ما سبق، ولأنَّ الثَّمن يَختلِف بذلك؛ لأنَّ لبنَ المرأة يراد

(1)

في (ق): كرواية.

(2)

أخرجه مسلم (1524).

(3)

في (ظ): موهم.

(4)

قوله: (قول ابن) في (ح): قولي.

(5)

قوله: (قول) سقط من (ق).

(6)

ينظر: الهداية ص 247.

(7)

في (ح): مما.

(8)

في (ح): وفي الآخر.

ص: 149

للارْتِضاع ويُرْغَبُ فيها ظئرًا، وكذلك لو اشترط كثرة لبنِها مَلَك الفسخَ إذا بانت بخلافه، ولبنُ الأتان يُراد لولدها.

(وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ اللَّبَنِ) على كلِّ حالٍ؛ لأنَّه لا يُباع، ولا يُعْتاض عنه عادةً.

(وَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ تَدْلِيسُ سِلْعَتِهِ، وَلَا كِتْمَانُ عَيْبِهَا)، ذكره التِّرمذيُّ عن العلماء

(1)

؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ غَشَّنا فليس مِنَّا»

(2)

، ونَهَى عن التَّصرية، وقوله عليه السلام: «المسلمُ أخو المسلم، لا يَحِلُّ لمسلمٍ باع من أخيه بَيعًا إلاَّ بيَّنَه

(3)

»

(4)

، وقال: «من باع عَيبًا لم يبيِّنه

(5)

؛ لم يَزَلْ في مَقْتٍ من الله، ولم تَزَلِ الملائكةُ تَلْعَنُه» رواهما ابن ماجَهْ

(6)

، وفي «الصَّحيح»: «فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما، وإنْ كَذَبا وكَتَما

(7)

مُحِقَتْ بركةُ بَيْعِهما»

(8)

.

وذكر أبو الخَطَّاب: يكره كِتْمانُ العيب، وحكاه في «التَّبصرة» نصًّا.

وعلى الأوَّل: (فَإِنْ فَعَلَ؛ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ) على المذهب؛ لحديث

(1)

ينظر: سنن الترمذي 3/ 560.

(2)

أخرجه مسلم (101)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

في (ح): ببينة.

(4)

أخرجه أحمد (17451)، وابن ماجه (2246)، والحاكم (2152)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وفي سنده: يحيى بن أيوب الغافقي، صدوق ربما أخطأ، قال ابن حجر:(وإسناده حسن)، وصححه الألباني، وعلَّقه البخاري (3/ 58) موقوفًا على عقبة رضي الله عنه.

(5)

قوله: (لم يبينه) سقط من (ح).

(6)

أخرجه ابن ماجه (2247)، والطبراني في الكبير (157)، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه مرفوعًا، قال أبو حاتم:(هذا حديث منكر، ومعاوية بن يحيى - أحد رواته - هو الصدفي)، وقال البوصيري:(هذا إسناد ضعيف؛ لتدليس بقية بن الوليد وضعف شيخه)، وهو معاوية. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 663، زوائد ابن ماجه 3/ 30، الإرواء 5/ 165.

(7)

في (ق): وإن كتما وكذبا.

(8)

أخرجه البخاري (2079)، ومسلم (1532)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.

ص: 150

المصرَّاة

(1)

، فإنَّه عليه السلام صحَّحه مع نهيه عنه.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ دَلَّسَ البَائِعُ

(2)

الْعَيْبَ؛ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ)، ونقله حنبل عن الإمام

(3)

؛ لأنَّه منهيٌّ عنه، والنَّهيُ يقتضي الفساد.

وكذا لو أعلمه به، ولم يعلَما قَدْر غِشِّه، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وأنَّه يجوز عقابه بإتلافه، والتَّصدُّق به، وقال: أفتى به طائفةٌ من أصحابنا

(4)

.

(قِيلَ لَهُ)؛ أي: لأبي بكرٍ: (مَا تَقُولُ فِي التَّصْرِيَةِ

(5)

؟ فَلْمْ يَذْكُرْ جَوَابًا)؛ لأنَّ التَّصرية إلزامٌ

(6)

صحيحٌ، ليس عنه جوابٌ، فدلَّ على رجوعه، قاله في «الشَّرح» .

فائدةٌ: لم يَقُل أبو حَنِيفةَ بحديث المصرَّاة، ورُوِي عن مالكٍ

(7)

؛ لأنَّه حديثٌ مخالِفٌ لقياس الأصول المعلومة؛ إذ الأصلُ أنَّ ضمان المِثْلِيَّات بالمِثل، والمتقوِّمات بالقيمة، والتَّمر ليس بمثلٍ، ولا قيمة لِلَّبن، وأن يكون المضمونُ مُقدَّرَ الضَّمانِ

(8)

بقيمة التَّالف، وذلك يختلف، وهنا قُدِّر بالصَّاع مطلقًا، ولأنَّ اللَّبن إن كان موجودًا عند العقد؛

(1)

أخرجه البخاري (2151)، ومسلم (1524)، وقد سبق.

(2)

قوله: (البائع) سقط من (ح).

(3)

ينظر: الفروع 6/ 228.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 229، الاختيارات ص 186.

(5)

في (ح): المصراة.

(6)

في (ظ): التزام.

(7)

ينظر: المبسوط 13/ 38، النوادر والزيادات 6/ 321.

(8)

في (ظ): يقدر الضمان.

ص: 151

فقد ذهب جزءُ المعقودِ عليه من أصل الخِلقة، وذلك مانِعٌ من

(1)

الردِّ، وإن حدث بعد الشِّراء فقد حدث على ملك المشتري، فلا يضمنه وإن كان مختلطًا، فما كان موجودًا عند العقد منع الرَّدَّ، وما كان حادثًا؛ لم يَجِبْ ضمانُه، ولأنَّه

(2)

يلزم من القول بظاهره

(3)

الجمع بين الثَّمن والمثمن للبائع إذا كانت قيمةُ الشَّاة صاعًا من تمرٍ.

وجواب الأوَّل: أنَّ الضَّمان لا ينحصر فيما ذكرتموه، فإنَّ الحرَّ يُضمن بالإبل، وليست بمثلٍ ولا قيمةٍ، والجَنينُ بالغُرَّة.

وعن الثَّاني: بأنَّ الضَّمان لا يتقدَّر بذلك؛ كالمُوضِحة، فإنَّ أَرْشها مُقدَّرٌ مع اختلافها بالكِبَر والصِّغر.

وعن الثَّالث: أنَّ النَّقص حصل لاستعلام العيب، فلا يمنع.

وعن الرابع: بأنَّه ورد على العادة، والعادة لا تُباع

(4)

شاةٌ بصاعٍ.

والأَوْلَى أن يقال

(5)

: التَّمر بدل اللَّبن لا الشَّاة، فلا يلزم الجمع بين العِوَض والمعوَّض.

(1)

ي (ح): في.

(2)

ففي (ح): ولا.

(3)

في (ظ): بظاهر.

(4)

في (ظ): لا يباع.

(5)

قوله: (يقال) سقط من (ظ) و (ح).

ص: 152

(فَصْلٌ)

(الْخَامِسُ: خِيَارُ الْعَيْبِ، وَهُوَ النَّقْصُ)؛ أي: ما نقص ذات المبيع أو قيمتَه عادةً، وفي «التَّرغيب» وغيره: نقيصةٌ يقتضي العرفُ سلامةَ المبيعِ عنها غالِبًا.

ثمَّ شرع في تَعْداد ما يَنْقُصُ الثَّمنَ، وليس من فعل العبد:(كَالْمَرَضِ) على جميع حالاته، (وَذَهَابِ جَارِحَةٍ أَوْ سِنٍّ، أَوْ زِيَادَتِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُيُوبِ الرَّقِيقِ مِنْ

(1)

فِعْلِهِ؛ كَالزِّنَى وَالسَّرِقِ، وَالإْبَاقِ، وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ إِذَا كَانَ مِنْ مُمَيِّزٍ)، وجزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأنَّ الزِّنى يَنْقُصُ قيمته ويُقلِّل

(2)

الرَّغبة فيه، وقولهم: (ويُعرِّضه

(3)

لإقامة الحدِّ) ليس بجيِّدٍ، وشرب الخمر ونحوه؛ كالزِّنى، نَصَّ عليه، والباقي عيوبٌ فيمن

(4)

جاوز العشر، فكذا ما دونها، وقدَّم في «الفروع»: أنَّ ذلك مختصٌّ بمن بلغ عشْرًا، نَصَّ عليه

(5)

.

وظاهره: سواءٌ تكرَّر منه أو لا.

وصرَّح جماعةٌ: لا يكون عَيبًا إلاَّ إذا تكرَّر.

وقيل: بول كبيرٍ إذا تكرَّر، وفي «الواضح»: بالغٍ.

وعلم منه: أنَّ ذلك ليس بعَيبٍ في الصَّغير؛ لأنَّ وجودها يدلُّ على نقصان عقله، وضَعفِ بِنْيَتِهِ

(6)

، بخلاف الكبير، فإنَّه يدلُّ على خُبْثِ طَوِيَّته، والبَولُ

(1)

في (ح): في.

(2)

في (ظ): وتقلل.

(3)

في (ظ): وتعرضه.

(4)

في (ح): فمن.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 235.

(6)

في (ح): ثنيته.

ص: 153

على داءٍ في بطنه.

أصلٌ: العيوبُ منها ما هو من أصل

(1)

الخِلْقة، ومنها ما هو من غيرها.

فالأوَّل: كالجنون، والجذام، والبرص، والعمى، والعَوَر، والعَرَج، والقَرَع، والصَّمَم، والطَّرَش، والخرَس، والبَخَر، والحَوَل، والتَّخنُّث، وكونه خُنْثَى، والخَصِي، والتَّزويج في الأمَة، وتحريمٍ عامٍّ كالمجوسيَّة، وكحمل

(2)

الأمة دون البهيمة، وعدم ختانٍ في كبيرٍ للخوف عليه، وفي «المغني» و «الشرح»: ليس من بلد الكفر؛ لأنَّ العادة أنَّهم لا يختَتِنون، وحُمْق، نَصَّ عليه

(3)

، وهو من الكبير: ارتكاب الجهل على بصيرةٍ، وفي «المغني» و «الشَّرح»: وحُمْقٌ شديدٌ، واستطالةٌ على النَّاس.

وليس عجمةُ اللِّسان، وفأفاءٌ، وتمتامٌ

(4)

، وقرابةُ وارثٍ، وألثغُ، وعدمُ حيض في المنصوص فيه عَيبًا

(5)

، ومثله: عقيم.

وفي الثيوبة، ومعرفة الغناء، والكفر؛ وجهان. وقيل: وفسقٍ باعتقادٍ أو فعلٍ، وتغفيل.

والثَّاني: كون الدَّار يَنزِلها الجندُ، قاله في «التَّرغيب» وغيره، وعبارة القاضي: قد نزلها الجند، قالا: أو اشترى قريةً وجد فيها سَبُعًا أو حيَّةً عظيمةً تَنْقُص الثَّمن، وظاهر كلامهم: وبَقٌّ غيرُ معتادٍ، وقرعٌ شديدٌ من كبيرٍ، وكونه أعسر، والمراد لا يعمل باليمين عملها

(6)

المعتاد، وإلاَّ فزيادة خيرٍ، وفي

(1)

قوله: (أصل) سقط من (ح) و (ق).

(2)

في (ظ): وحمل.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 235.

(4)

في (ح): وتمام.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 236.

(6)

في (ح): علمها.

ص: 154

«المغني» و «الشرح» : ليس بعيب؛ لعمله

(1)

بإحدى يديه، وكان شريحٌ يردُّ به، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: والجار السُّوء عيب

(2)

، وهو ظاهر.

(فَمَتَى

(3)

اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُ)، ثمَّ عَلِم؛ (فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ) وأخْذِ الثَّمن، (وَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ)، هذا هو المذهب

(4)

المشهور، مع أنَّه في «المغني» و «الشَّرح» لم

(5)

يذكرا خلافًا.

أمَّا الرَّدُّ؛ فلا نِزاعَ فيه؛ إذ مطلق العقد يقتضي السَّلامة، بدليل:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اشترى مملوكًا، فكتب: هذا ما اشترى محمَّدُ بن عبد الله من العَدَّاء بن خالدٍ، اشترى منه عبدًا أو أَمَةً لا داء به، ولا غائلة، بيعَ المسلمِ المسلمَ»

(6)

، وإذًا يثبت

(7)

له الخيار بظهور المبيع معيبًا؛ استدراكًا لما فاته، وإزالةً لما يلحقه من الضَّرر في بقائه في ملكه ناقصًا عن حقِّه.

وأمَّا الإمساك مع الأرْش؛ فلأنَّ المتبايِعَين تراضيا على أنَّ العِوَض في مقابلة المعوَّض، فكلُّ جزءٍ من العوض مُقابله

(8)

جزءٌ من المعوَّض، ومع العيب فات جزءٌ منه، فيَرجِع ببدله، وهو الأرْش.

(1)

في (ح): لعلمه، وفي (ق): كعلمه.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 237، الاختيارات ص 187.

(3)

في (ح): فمن.

(4)

قوله: (المذهب) سقط من (ح).

(5)

قوله: (لم) سقط من (ح).

(6)

علقه البخاري بصيغة التمريض (3/ 58)، ووصله الترمذي (1216)، وابن ماجه (2251)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 143)، وفي سنده: عباد بن ليث، قال العقيلي:(لا يتابع على حديثه)، قال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وحسن الحديث ابن حجر. ينظر: تغليق التعليق 3/ 219.

(7)

في (ح) و (ق): ثبت.

(8)

في (ح): يقابله.

ص: 155

وعنه: لا أرْش لممسكٍ له الرَّدُّ، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(1)

؛ حذارًا من أن يلزم البائع ما لم يرْضَ به، فإنَّه لم يَرْضَ بإخراج مِلكه إلاَّ بهذا العِوض، فإلزامه بالأرْش إلزامٌ له بشيءٍ لم يلزمه، يحقِّقه حديث المصرَّاة.

وجوابُه: أنَّ المصرَّاة ليس

(2)

فيها عيبٌ، قاله في «المغني» و «الشَّرح» ، وإنَّما مَلَك الخيار فيها بالتَّدليس، لا لفوات جزءٍ، فلذلك لا

(3)

يستحقُّ أرْشًا، بخلاف المعيب، فإنَّه يستحقُّه عند تعذُّر الرَّدِّ، فلم يصحَّ الإلحاق.

وهل يأخذ الأرْش من عين الثمن

(4)

، أو حيث شاء البائع؟ فيه احتمالان.

وظاهره: لا فرق بين العيب اليسير وغيره، وقاله في «الرَّوضة» وغيرها.

وفي «الانتصار» ، و «مفردات أبي يعلى الصَّغير»: لا فسخ بعيبٍ يسيرٍ؛ كصداعٍ وحُمَّى يسيرةٍ، وآياتٍ في المصحف؛ للعادة؛ كغبْنٍ يسيرٍ، ولو من وليٍّ، وكذا قاله أبو الوفاء، والقاضي في «جامعه» ، قال: لأنَّه لا يسلم عادةً من

(5)

ذلك؛ كيسير التُّراب والعقد في البُرِّ

(6)

.

ومحلُّ ذلك: ما لم يُفْضِ إلى الرِّبا؛ كشراء فضَّةٍ بزنتها دراهم ونحوها معيبة

(7)

، أو قفيزٍ ممَّا يجري فيه الرِّبا بمثله، فله الرَّدُّ أو الإمساك

(8)

مجَّانًا.

وظاهره: أنَّه إذا كان عالمًا به؛ لا خيار له بغير خلافٍ نعلمه

(9)

؛ لأنَّه

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 340، الاختيارات ص 186.

(2)

في (ح): ليست.

(3)

في (ح): ما.

(4)

في (ظ): المثمن.

(5)

في (ح) و (ق): في.

(6)

في (ح): أكثر.

(7)

في (ح): معينة.

(8)

في (ح): والإمساك.

(9)

ينظر: الشرح الكبير 11/ 375.

ص: 156

دخل على بصيرةٍ أشبه ما لو صرَّح به.

وفي «الانتصار» : إذا كان عالمًا به، ولم يَرْضَ؛ ثبت له الخيارُ.

(وَهُوَ)؛ أي: الأرْش: (قِسْطُ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصَّحِيحِ وَالمَعِيبِ

(1)

مِنَ الثَّمَنِ)، نَصَّ عليه

(2)

، وذكره عن الحسن البصريِّ، فقال: يرجع بقيمة العيب من الثَّمن يومَ اشتراه، قال أحمدُ: هذا أحسنُ ما سمعتُ

(3)

.

فعلى هذا: يقوَّم المبيعُ صحيحًا، ثمَّ معيبًا، فيؤخذ قسطُ ما بينهما من الثَّمن، كما إذا قُوِّم صحيحًا بعشرةٍ، ومعيبًا بثمانيةٍ، والثَّمن خمسةَ عشر - مثلاً -، فقد نقصه العيبُ: خُمسه، فيرجع بخُمُس الثَّمن، وهو ثلاثةٌ؛ لأنَّ المبيع مضمونٌ على المشتري بثمنه، ففوات جزءٍ منه يُسقِط عنه ضمانَ ما قابله من الثَّمن.

ولأنَّا لو ضمَّنَّاه نقص القيمة؛ لأفضى إلى اجتماع الثَّمن والمثمَن للمشتري في صورة ما إذا اشترى شيئًا بعشرةٍ وقيمتُه عشرون، فوجد به عيبًا ينقصه النَّصف، فأخذها، وهذا لا سبيل إليه.

(وَمَا كَسَبَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ)، وحاصله: أنَّه إذا أراد ردَّ المعيب فلا يخلو: إمَّا أن يكون بحاله، أو يزيد، أو ينقص.

فإن كان الأوَّلُ؛ فظاهرٌ: أنَّه يردُّه ويأخذ الثَّمن.

وإن كان الثَّاني؛ فهو قسمان:

أحدهما: أن تكون الزِّيادةُ متَّصلةً؛ كالسِّمَن، وتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، والحمل، والثَّمرة قبل ظهورها؛ فيردُّها بنمائها؛ لأنَّه يتبع في العقود والفسوخ، ولعدم

(1)

في (ح): والعيب.

(2)

ينظر: مسائل صالح 2/ 283، مسائل ابن هانئ 2/ 8، زاد المسافر 4/ 169.

(3)

ينظر: المغني 4/ 112.

ص: 157

تصور

(1)

ردِّها بدونه.

وظاهره: أنَّه لا يلزم البائع قيمتها في قول أكثر الأصحاب؛ لئلاَّ يلزمه معاوضةٌ لم يلتزمها.

وقال ابن عقيل: القياس: أنَّ للمشتري القيمةَ؛ لحدوثها في ملكه

(2)

، وكالصَّداق، وهو روايةٌ، وفي القياس نظرٌ.

الثَّاني: أن تكون منفصلةً، وهي نوعان:

أحدهما: أن يكون من

(3)

غير المبيع؛ كالكسب، والأجرة، وما يُوهَب له، أو يوصى له به، فهذا للمشتري في مقابلة ضمانه؛ لأنَّه لو هلك كان من مال المشتري، وحكاه في «المغني» و «الشَّرح» بغير خلافٍ نعلمه، وفيه روايةٌ، ذكرها في «الكافي» و «الفروع» .

الثَّاني: أن يكون من المبيع، كالولد، والثَّمرةِ المجدودة، واللَّبنِ المحلوب، فالمذهبُ المعمول به: أنَّه للمشتري أيضًا، ويردُّ الأصل بدونها؛ لقوله:«الخَراجُ بالضَّمان»

(4)

.

(وَعَنْهُ: لَا يَرُدُّهُ إِلاَّ مَعَ

(5)

نَمَائِهِ) المنفصل، حكاها القاضي والشَّيخان؛ جَعْلاً للنَّماء كالجزء من الأصل، أو نظرًا إلى أنَّ الفسخ رفعٌ للعقد من أصله حُكمًا.

ويَرِدُ عليه: الكسبُ ونحوه، وقد يفرَّق بينهما.

وناقش الشَّيخ تقيُّ الدِّين القاضيَ وغيرَه في هذه الرِّواية، فإنَّهم أخذوها

(1)

في (ظ): قصور.

(2)

في (ح): ماله.

(3)

في (ح): في.

(4)

تقدم تخريجه 5/ 130 حاشية (1).

(5)

قوله: (مع) سقط من (ح).

ص: 158

من رواية ابن منصورٍ

(1)

، وفي الأخذ نظرٌ، فلو حدث

(2)

العقد وهي حامِلٌ، فولدت عنده، ثمَّ ردَّها؛ ردَّ ولدها معها، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّه من جملة المبيع، والولادة هنا نَماءٌ متَّصِلٌ بالمبيع، وهذا ظاهر كلام أحمدَ، واختاره الشَّيخان؛ لأنَّه يحرم التَّفريق بينهما، فمرادهم بالولد هنا ولد البهيمة، لا الأمَة، فإن تَلِف الولدُ؛ فهو كتعيُّب المبيع عنده.

وقال القاضي، والشَّريف، وأبو الخطَّاب: له إمساكُ الولد ورَدُّ الأمِّ؛ لأنَّه مَوضِعُ حاجةٍ، كما لو ولدت حرًّا فباعها دونه.

وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الجمعَ ممكنٌ بأخْذ الأرْش، أو ردِّهما معًا.

وأمَّا النَّقص فسيأتي.

(وَوَطْءُ الثَّيِّبِ) إذا اطَّلع على عيبٍ بها (لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ) على الأصحِّ؛ لأنَّه لم يحصل نقصُ جزءٍ ولا صفةٍ، ولم يتضمَّن الرِّضا بالعيب، فلم يمنَعِ الرَّدَّ؛ كالاستخدام، وكما لو كانت مزوَّجةً فوطئها الزَّوج، فعلى هذا: يردُّها مجَّانًا، ولهذا له بيعها مرابحة بلا إخبارٍ

(3)

، قاله في «الانتصار» .

وعنه: يَرُدُّ معها مهرَ مثلها، وقاله ابن أبي موسى، روي عن عمر

(4)

؛ لأنه إذا فَسَخ صار واطئًا في ملك الغير، بناءً على أنَّ الفسخ رَفْعٌ للعقد من أصله.

(وَعَنْهُ: يَمْنَعُ)، روي عن عليٍّ وغيره

(5)

؛ لأنَّ الوَطْء كالجناية؛ لأنه لا

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2775.

(2)

في (ح) و (ق): صدر.

(3)

في (ظ): إجبار.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (20884)، وسحنون في المدونة (3/ 330)، والدارقطني (3834)، والبيهقي في الكبرى (10746)، من طريق جابر، عن عامر أن عمر بن الخطاب، قال:«إن كانت ثيبًا رد نصف العشر، وإن كانت بكرًا رد العشر» ، مرسل ضعيف، جابر هو الجعفي وهو ضعيف، وقال الدارقطني: (وهذا مرسل، عامر لم يدرك عمر رضي الله عنه، وضعفه الشافعي كما في الملحق من الأم 7/ 103.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (14685)، وابن أبي شيبة (20885)، والدارقطني (3833)، والبيهقي في الكبرى (10745)، وابن حجر في موافقة الخبر (ص 157)، عن علي بن حسين، عن علي رضي الله عنه، أنه كان يقول في الجارية يقع عليها المشتري، ثم يجد بها عيبًا قال:«هي من مال المشتري، ويرد البائع ما بين الصحة والداء» ، وهو مرسل كما قال الدارقطني والبيهقي، وقال:(علي بن الحسين لم يدرك جده عليًّا)، وضعفه الحافظ.

وأخرجه الدارقطني (3835)، وابن حجر في موافقة الخبر (ص 158)، من طريق جويبر، عن الضحاك، عن علي نحوه، قال الحافظ:(هذا موقوف ضعيف جدًّا، الضحاك لم يدرك عليًّا، وجويبر واهي الحديث).

ص: 159

يخلو في مِلْكِ الغير من عقوبةٍ أو مالٍ، فوجب أن يمنع الرَّدَّ؛ كالبكر.

(وَإِنْ وَطِئَ الْبِكْرَ، أَوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ)؛ كقطع الثَّوب؛ (فَلَهُ الْأَرْشُ)، اختاره أبو بكرٍ وأبو الخطَّاب وابن أبي موسى، وذكر أنَّه الصَّحيح عن أحمدَ، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ العقد اقتضى السَّلامة، فإذا فات منه شيءٌ؛ وجب الرُّجوعُ فيما قابَلَه من الثَّمن، فعلى هذا لا يَملك الرَّدَّ؛ لأنَّه شُرِع لإزالة الضَّرر، وفي الرَّدِّ ضررٌ على البائع، والضَّرر لا يُزالُ بالضَّرر؛ إذ ضرر المشتري ينجبِر بالأرْش فتعيَّن، ولأنَّ وطأها يعيبها عرفًا، وينقصها حسًّا؛ لكونه يذهب جزءًا منها.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ

(1)

بَيْنَ الْأَرْشِ وَبَيْنَ رَدِّهِ وَأَرْشِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ)، وهذا

(2)

اختيار الخِرَقِيِّ، والقاضي أبي الحسين، والمؤلِّف، قال في «التَّلخيص»: وهي المشهورةُ، وعليها الأصحاب؛ لحديث المصرَّاة

(3)

، فإنَّه جعل للمشتري الرَّدَّ مع ذهاب جزءٍ من المبيع، وهو اللَّبن، وجعل التَّمرَ بدلاً له.

وقد روى الخَلاَّل بإسناده عن ابن سيرين: أنَّ عثمان قال في رجلٍ اشترى ثوبًا ولَبِسه، ثمَّ اطَّلع على عيبٍ:«فرُدُّه وما نقص»

(4)

، فأجاز الرَّدَّ مع

(1)

في (ح): لمخير.

(2)

في (ح): هذا.

(3)

أخرجه البخاري (2151)، ومسلم (1524)، وقد سبق.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (21168)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 283)، وابن حزم في المحلى (7/ 592)، عن محمد بن سيرين:«أن عثمان كان يقضي في الثوب يشتريه الرجل فيجد به العيب؛ أن يرده وإن كان قد لبسه» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (21174)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 283)، بلفظ:«من اشترى ثوبًا فوجد به عيبًا، فهو بالخيار» ، وهذا مرسل جيد احتج به أحمد كما ذكر المصنف، وابن سيرين ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، ومراسيله جياد، قال أحمد:(مرسلات ابن سيرين صحاح حسنة المخرج)، وقال شيخ الإسلام:(مراسيله من أصح المراسيل). ينظر: العدة للقاضي 3/ 924، منهاج السنة 6/ 237.

ص: 160

النُّقصان، وعليه اعتمد أحمد

(1)

، ولأنَّه عَيبٌ حَدَث عند أحد المتعاقدَين، فلم يَمنع الخيارَ المذكور؛ كالعيبِ الحادثِ عند البائعِ قَبل القبضِ.

وظاهرُه: ولو أمكنَ عَوْدُه. وفيه روايةٌ: كزوالِه قَبل

(2)

ردِّه.

وإن زال بعدَه؛ ففي رجوعِ مشترٍ على بائعٍ بما دَفَعه إليه احتمالان.

فعليها: إن أمسكَ وأَخَذ أرْشَ العيبِ الموجود قبل البيع؛ فظاهرٌ، وإن ردَّه؛ ردَّ أرْش العيب الحادث عندَه؛ لأنَّ التَّلف حصل في يده، فكان ضمانُه عليه كالآخَر، فإذا كانت بكرًا قيمتُها مائةً، وثيِّبًا ثمانين؛ ردَّ معها عشرين؛ لأنَّه بفسخ العقد يصير مضمونًا عليه بقيمته، بخلاف أرش العيب الَّذي يأخذه المشتري.

وعنه: الواجب في وطء البكر: المهر مع أرش البكارة.

(قَالَ الْخِرَقِيُّ: إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ قَدْ

(3)

دَلَّسَ الْعَيْبَ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ كَامِلاً)؛ أي: إذا دلَّس البائعُ العيب؛ أي: كتمه وأخفاه، فإنَّ المشتريَيَرُدُّ بلا أَرْشٍ، ويلزم البائعَ ردُّ الثَّمن بكماله، وهذا هو المنصوص

(4)

، وبالَغَ ابنُ أبي موسى فقال: له الرَّدُّ قولاً واحدًا، ولا عقد عليه؛ لأنَّه قد ورَّط المشتريَ

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 283، التعليقة 3/ 492.

(2)

في (ق): بعد.

(3)

قوله: (قد) سقط من (ح).

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2850.

ص: 161

وغرَّه

(1)

، فصار كالغارِّ بحريَّة أمةٍ، الضَّمانُ عليه.

ولا فرق في العيبِ الحادث، سواء كان بفعلِ المشتري؛ كوطء البِكر، أو أجنبيٍّ، كما لو جَنَى عليه، أو بفعل العبد؛ كالإباق والسَّرقة، أو بفعل الله تعالى؛ كالمرض، وسواءٌ كان منقصًا

(2)

للمبيع، أو مُذهِبًا لجميعه.

ثمَّ أكَّد ذلك بقوله: (قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ الْعَيْبَ؛ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ)، وابن القاسم

(3)

، قال الإمام أحمد

(4)

في رجل اشترى عبدًا فأَبَقَ من يده، وأقام بيِّنةً أنَّ إباقَه كان موجودًا في يد البائع: يَرجع على البائع بجميع الثَّمن الَّذي أَخَذه منه؛ لأنَّه غرَّه ويتبعُ البائعُ عبدَه حيث كان، ويُحكى عن الحكَم ومالكٍ

(5)

.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَلْزَمَهُ عِوَضُ الْعَيْنِ إِذَا تَلِفَتْ، وَأَرْشُ البَكَارَةِ

(6)

إِذَا وَطِئَهَا)، حكاه المجْدُ روايةً، وذكر في «المغني»: أنَّه مذهب أكثر العلماء؛ (لِقَوْلِهِ عليه السلام: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ») رواه الخمسةُ، وحسَّنه الترمذي، وصحَّحه ابن القَطَّان من حديث عائشة، ورواه الشَّافعيُّ، والحاكم وقال:(صحيحُ الإسناد)، وفيه نظرٌ، فإنَّه من رواية مخْلَد بن خُفافٍ، ومسلم بن خالدٍ الزَّنْجيِّ، وقد اختُلِف فيهما

(7)

، (وَكَمَا يَجِبُ عِوَضُ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي) مع كونه قد نُهِي عنها، وإنَّما أوجب على المشتري عوضَ اللَّبن؛ لأنَّه مبيعٌ تعيَّب في يد المشتري بعد تمام مِلكه، فكان مِنْ ضمانِه، كما لو لم

(1)

في (ح): وغيره.

(2)

في (ح): ناقضًا. وفي (ظ): ناقصًا.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 244.

(4)

ينظر: المغني 4/ 115.

(5)

ينظر: المدونة 3/ 330.

(6)

(ح): البكر.

(7)

في تقدم تخريجه 5/ 130 حاشية (1).

ص: 162

يدلِّسه، ولأنَّ وجوبَ الضَّمانِ على البائع لا يَثبت إلاَّ بدليلٍ، قال في «المغني» و «الشَّرح»: ولا

(1)

نَعلم له أصلاً، ولا يُشبه التَّغرير بحريَّة أمةٍ؛ لأنَّه يَرجع على من غرَّه وإن لم يكن سيِّدَها، وههنا لو كان التَّدليس من

(2)

وكيل البائع؛ لم يَرجع عليه بشيءٍ.

تنبيهٌ: قد شمل ما ذكرنا: كلَّ مبيعٍ كان معيبًا لم يُعلم به، ثمَّ حَدث به آخَر؛ كزنى الأمة ولم يكن ذلك عُرِف منها، وفيه احتمالٌ: ونسيان

(3)

صَنْعةٍ وكتابةٍ.

وعنه: يردُّه، ولا شيء عليه، وعلَّله القاضي: بأنَّه ليس بنقصٍ في العين، ويُمكن عودُه بالتَّذكير، وكذا لو كان سمينًا فهزل.

والعيبُ بعد العقد قبلَ قبض المشتري؛ كالعيب قبلَه فيما ضمانه على البائع.

وقال جماعةٌ: لا أرْش إلاَّ أن يتلفَه آدميٌّ فيأخذه منه.

وإن كان من ضمان المشتري؛ غَرِمه؛ كالعيب الحادث عنده.

وعنه: عُهْدة الحيوان ثلاثة أيَّامٍ. وعنه: سَنةٌ، قال في «المبهج»:(وبعدها)، قال أحمد:(ليس فيه حديثٌ صحيحٌ)

(4)

، وقال ابن المنذر:(لا يثبت في العُهْدة حديثٌ)

(5)

، والحسن لم يلق

(6)

عُقبة

(7)

،

(1)

في (ح): لا.

(2)

قوله: (من) سقط من (ح).

(3)

في (ح): وسيأتي.

(4)

ينظر: الروايتين والوجهين 4/ 114.

(5)

ينظر: الإشراف 8/ 82.

(6)

في (ح) و (ق): لم يكن.

(7)

أخرجه أحمد (17292)، وأبو داود (3506)، وابن ماجه (2245)، والحاكم (2200)، والبيهقي في الكبرى (10755)، عن الحسن، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعًا:«لا عهدة بعد أربع» ، هذا لفظ أحمد، ولفظ أبي داود:«عهدة الرقيق ثلاثة أيام» ، وأعل الحديث بالانقطاع، فإن الحسن لم يسمع من عقبة، قاله ابن المديني وأبو حاتم، وبالاضطراب في سنده ومتنه، وضعفه أحمد وابن حزم، وأخرجه ابن ماجه (2244)، والطبراني في الكبير (6874)، من طريق الحسن، عن سمرة رضي الله عنه، بلفظ:«عهدة الرقيق ثلاثة أيام» ، وفي سماع الحسن منه خلاف، وأشار ابن عبد البر أن هذا من الاضطراب في سنده، وأنه مما يزيد ضعفه، قال البيهقي:(وقيل: عنه، عن سمرة، وليس بمحفوظ). ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 677، الاستذكار 6/ 280، معرفة السنن (11383)، التحقيق 2/ 182.

ص: 163

وإجماع المدينة

(1)

ليس بحجَّةٍ.

(وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ

(2)

، أَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ)، ثمَّ علم عَيبه؛ (رَجَعَ بِأَرْشِهِ)؛ أي: إذا ظهر المشتري على عيب في السِّلعة المبيعة بعد أن تَلِفتْ تَلَفًا معنويًّا؛ كالإعتاق ونحوه؛ كالوقْف والاستيلاد، أو حِسِّيًّا؛ كالموت وتلف الثَّوب؛ فله الأَرْش روايةً واحدةً؛ لأنَّه كان يملك ذلك، والأصل البقاء؛ إذ التَّخيير بين شَيئين يقتضي تعيين أحدهما عند تعذُّر الآخَر.

وخرَّج بعض أصحابنا من

(3)

خيار الشَّرط: أن يَفسخَ، ويَرجِعَ بالثَّمن، ويَغرمَ القيمة.

وفرَّق صاحب «التَّلخيص» : بأنَّ هذا يعتمد

(4)

الرَّدَّ ولا مردودَ، ثمَّ يعتمد الفسخ.

ومقتضاه: أنَّ الأرش له، ولا يَلزمه صرفُه في الرِّقاب، وهو الأصحُّ؛ إذ العتق إنَّما صادف الرَّقبةَ، لا الجزءَ الفائت.

والثَّانية: بلى؛ لأنَّه عيَّن

(5)

الرَّقبة لله تعالى ظانًّا سلامتها، فاقتضى خروجه

(1)

في (ح): أهل المدينة.

(2)

في هامش (ظ): (أو عتق عليه).

(3)

في (ق): في.

(4)

في (ح): معتمد.

(5)

قوله: (عين) هو في (ق): خرج عن.

ص: 164

عن هذا الجزء.

وحملها المؤلِّف على الاستحباب، والقاضي على ما إذا كان العِتقُ في واجب، فأمَّا التَّبرُّع؛ فالأرشُ

(1)

له قولاً واحدًا.

(وَكَذَلِكَ إِنْ بَاعَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِعَيْبِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ)، لأنَّ البائع لم يَعرف ما أوجب له العقد، ولم يوجد منه الرِّضا به ناقصًا، فكان له الرُّجوع، كما لو أعتقه.

(وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَهُ)، فله أرْشه، جزم به الأكثرُ؛ لأنَّه لم يَستدرك ظُلامته، أشبه الوقف.

وعنه: أنَّها كالبيع؛ لأنَّه لم ييأس من إمكان الرَّدِّ؛ لاحتمال رجوع الموهوب إليه.

وجوابه: بأنَّ إمكانَ الرَّدِّ ليس بمانعٍ من

(2)

أَخْذ الأرْش، كما قبل الهبة.

فرعٌ: إذا زال مِلكه عنه غير عالمٍ بعيبه، وقلنا: له الأرْش؛ قُبِل قوله في قيمته، ذكره في «المنتخب» .

(وَإِنْ فَعَلَهُ)، من

(3)

العتق ونحوه، (عَالِمًا بِعَيْبِهِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ) على الأشهر؛ لأنَّه قد رَضي بالمبيع ناقصًا، فسقط حقُّه من الأرْش؛ كالرَّدِّ بلا نزاعٍ.

وفي «المغني» : قياسُ المذهب: أنَّ له الأرْشَ بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ التَّصرُّف هنا بمنزلة الإمساكِ مع العلم؛ إذ الأرْشُ عِوَضُ الجزءِ الفائت.

(وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى فِيمَنْ بَاعَهُ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ)؛ أي: لا أرْش له مطلقًا، وهذا ظاهر الخِرَقِيِّ؛ لأنَّ امتناع الرَّدِّ كان بفعله، وقد استدرك

(1)

في (ح): فلا أرش.

(2)

في (ح): في.

(3)

في (ح): في.

ص: 165

ظلامته ببيعه، أشبه ما لو زال العيب.

(إِلاَّ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعَ، فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ أَوِ الْأَرْشُ)؛ لأنَّه إذا عاد ملكه ثبتتِ الخِيَرةُ، كما لو لم يَبِعْه.

فرعٌ: لو باعه مشترٍ لبائعه له؛ فله ردُّه على البائع الثَّاني، ثمَّ للثَّاني ردُّه عليه، وفائدته اختلاف الثَّمنَين.

(وَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ؛ فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِيِ) في ملكه بلا نزاع

(1)

؛ لأنَّه باقٍ في يده، فات منه جزءٌ اقتضى العقدُ سلامتَه، فكان له عِوضُه، ويكون بالحساب، فإذا باع النِّصْفَ؛ كان له نصفُ الأرْش، أو الرُّبعَ؛ فله ثلاثةُ أرباعه.

وليس هذا خاصًّا بالبيع، بل إذا زال ملكه عن بعضه؛ فكذلك، صرَّح به في «الرِّعاية» ، وإنَّما نصَّ على البيع

(2)

لكثرته.

(وَفِي أَرْشِ المَبِيعِ

(3)

الرِّوَايَتَانِ)، فيما إذا باع الجميع، ثمَّ عَلِم العيب

(4)

، ونَصُّ أحمدَ: أنَّه لا شيء للبائع مع تدليسه

(5)

.

وظاهره: أنَّه ليس له ردُّ الباقي، وهو الأصحُّ.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ)، وهو رواية عن أحمد:(لَهُ رَدُّ مِلْكِهِ مِنْهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ)؛ لأنَّه مبيع

(6)

ظهر على عيبه، وأمكنه الرَّدُّ فملكه، كما لو كان جميعه باقيًا، (أَوْ أَرْشُ

(7)

الْعَيْبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ)؛ لما ذكرناه.

قال القاضي: سواءٌ كان المبيعُ عَينًا واحدةً أو عَينينِ.

(1)

قوله: (بلا نزاع) في (ح): في الأشهر. والمثبت موافق لشرح الزركشي 3/ 585.

(2)

في (ح): المبيع.

(3)

في (ظ): البيع.

(4)

في (ح): بالعيب.

(5)

نظر: الفروع 6/ 246.

ينظر: الفروع 6/ 246.

(6)

في (ح): بيع.

(7)

في (ح): وأرش.

ص: 166

وخَصَّ في «المغني» و «الشرح» الخلاف بما إذا كان المبيع عينين، ولم يَنْقُصْهما التَّفريق؛ كالعبدين والثَّوبين، فإذا نقصهما التَّفريق؛ كَزَوْجَيْ خُفٍّ، أو كان عَينًا واحدةً؛ فيمتنع الرَّدُّ؛ دفْعًا لضرر البائع؛ لنقصهما بالتَّفريق.

وفيه نظرٌ؛ لأنَّ ضرَرَه يندفع بردِّ أرْشِ النَّقص.

وحملَا قولَ الخرقي على ما إذا دلَّس البائعُ العيبَ، فإنَّ للمشتري الردَّ مطلقًا؛ لأنَّ نقص المبيع عنده لا أثر له مع التَّدليس، كما مرَّ.

(وَإِنْ صَبَغَهُ، أَوْ نَسَجَهُ؛ فَلَهُ الْأَرْشُ)؛ لأنَّه أمكن استدراكُ ظُلامته من غير ضررٍ على البائع، فتعيَّن؛ لما فيه من الجمع بين الحَقَّين، وليس له الرَّدُّ على المذهب؛ لأنَّه شغل المبيع بملكه

(1)

، فلم يكن له ردُّه؛ لما فيه مِنْ سوءِ المشاركة، وكما لو فَصَّله.

(وَعَنْهُ: لَهُ الرَّدُّ، وَيَكُونُ) المشتري (شَرِيكًا بِصَبْغِهِ وَنَسْجِهِ)؛ أي: يكون

(2)

شريكًا بقيمة الزِّيادة كالغاصب، وبعَّده في «الشَّرح» .

ولا يُجبر البائع على بذلِ عِوَض ذلك على الأصحِّ، ولا المشتري على قبوله في الأصحِّ.

(وَإِنِ اشْتَرَى مَا مَأْكُولُه فِي جَوْفِهِ، فَكَسَرَهُ، فَوَجَدَهُ فَاسِدًا؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةٌ؛ كَبَيْضِ الدَّجَاجِ)، والجَوز، والرُّمَّان، والبطِّيخ؛ (رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ) في ظاهر المذهب؛ لأنَّا تبيَّنَّا فسادَ العقد من أصله؛ لكونه وقع على ما لا نفع

(3)

فيه؛ كبيع الحشرات.

فإن كان بعضه فاسدًا؛ رَجع بقِسطه من الثَّمن، قاله في «الرِّعاية» .

وليس عليه ردُّ المبيع إلى بائعه؛ لعدم الفائدة فيه.

(1)

في (ح): تملكه.

(2)

قوله: (يكون) سقط من (ح).

(3)

في (ح): ما لا يقع.

ص: 167

(وَإِنْ كَانَ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةٌ؛ كَبَيْضِ النَّعَامِ، وَجَوْزِ الْهِنْدِ)، والبطِّيخ الذي فيه نَفْعٌ؛ (فَلَهُ أَرْشُهُ) على المذهب، قاله ابن المنجَّى، وفيه نظرٌ، فإنَّه روايةٌ؛ لأنَّه تعذَّر ردُّه بكسره، فتعيَّن الأَرْش.

(وَعَنْهُ: يَتَخَيَّرُ

(1)

بَيْنَ أَرْشِهِ، وَبَيْنَ رَدِّهِ وَرَدِّ مَا نَقَصَهُ وَأَخْذِ الثَّمَنِ)، اختاره الخِرَقيُّ، ورجَّحه جماعةٌ؛ لحديث المصرَّاة

(2)

، فإنَّه جعل للمشتري الرَّدَّ مع ردِّ بدل المتلَف بيده من المبيع، وهو اللَّبن مع تدليس البائع وغرره، فهنا أولى.

وقال القاضي: إن كسره كسرًا لا يُمكن الاستعلامُ إلاَّ به؛ فله ردُّه؛ استدراكًا لظُلامته، ولا أرش عليه؛ لأنَّ الكسرَ حَصَل ضرورةَ الاستعلام، والبائعُ سلَّطه عليه، وإن كسره كسرًا يُمكن الاستعلام

(3)

بدونه؛ فينبني على الرِّوايتين فيما إذا تعيَّب في يده، هل يلزمه ردُّ أرش الكسر المستعلَم به، والرَّدُّ إن زاد على قدر الاستعلام؟ فيه وجهان.

(وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ رَدٌّ وَلَا أَرْشٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ)؛ لأنَّ البائع لم يوجَد منه تدليسٌ ولا تفريطٌ؛ لعدم معرفته بعَيبه، زاد في «المحرر» و «الفروع»: إلا مع شرط سلامته، فإنَّه يتعيَّن.

تنبيهٌ: تقدَّم أنَّه إذا اشترى ربويًّا

(4)

بجنسه، فبان معيبًا؛ فله الفسخ للضَّرورة دون الأرْش؛ لإفضائه إلى التَّفاضل.

وعنه: له الأرش؛ لأنَّه عِوض الفائت. قال بعضهم: من غير جنسه؛ قياسًا على مُدِّ عَجْوة.

(1)

في (ق): يخير.

(2)

أخرجه البخاري (2151)، ومسلم (1524).

(3)

في (ح): استعلام.

(4)

في (ح): ثوبًا.

ص: 168

فإن حَدَث به عيبٌ عند المشتري؛ فروايتان:

إحداهما: يردُّه ويردُّ أرش العيب الحادث عنده، كما لو

(1)

جَنى عليه في مِلك صاحبه.

والأخرى

(2)

: يَفسخ الحاكمُ البيعَ، ويرُدُّ البائعُ الثَّمنَ، ويطالِب بقيمة

(3)

الحلي - مثلاً -؛ لأنَّه لم يُمكن إهمالُ العيب، ولا أَخْذ الأرش.

(وَمَنْ عَلِمَ الْعَيْبَ، فَأَخَّرَ الرَّدَّ؛ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ

(4)

؛ لأنَّه خيارٌ لدفع ضررٍ متحقَّقٍ، فلم يبطل بالتَّأخير الخالي عن الرِّضا به؛ كخيار القصاص، (إِلاَّ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، مِنَ التَّصَرُّفِ وَنَحْوِهِ)؛ كالوطء والسَّوم والاستغلال، ذكره مُعظَمُهم؛ لأنَّ دليل الرِّضا منزَّل منزلة التَّصريح به، لكن لو احتلب المبيعَ ونحوَه؛ لم يَمنع الرَّدَّ؛ لأنَّه مِلكه؛ فله أخذه، فيستثنى، قال في «عيون المسائل»: أو ركبها ليسقيها، أو علفها.

وفي «المغني» و «الشرح» : إن استخدم لا للاختبار؛ بطل ردُّه بالكثير، وإلاَّ فلا.

ومقتضاه: أنَّه يبطل بما ذكرنا، وأنَّه

(5)

لا أرْش أيضًا، وهو المذهب.

وعنه: له الأرش، قال في «الفروع»: وهو أظهر؛ لأنَّه وإن دلَّ على الرضا؛ فمع الأرش كإمساكه، اختاره الشيخ، قال: وهو قياس المذهب، وقدَّمه في «المستوعب» .

قال في «التَّنبيه» : والاستخدام والرُّكوب لا يمنع أرش العيب إذا ظهر قبل

(1)

قوله: (لو) سقط من (ح).

(2)

في (ح): والآخر.

(3)

في (ح): بقيمته.

(4)

في هامش (ظ): (وخيار عيب متراخٍ نصًّا).

(5)

في (ح): وأن.

ص: 169

ذلك أو بعده، وأحمد في رواية حنبل: إنَّما نصَّ أنَّه يمنع الردَّ

(1)

، فدلَّ أنَّه لا يمنع الأرش.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ)؛ لأنَّه خيارٌ ثَبت بالشَّرع لدفع

(2)

الضَّرر عن المال، أشْبَهَ الشُّفعة، فعلى هذا متى عَلِم العيبَ وأخَّر الرَّدَّ مع إمكانه؛ بطل خيارُه؛ لأنَّه يدلُّ على الرِّضا؛ كالتَّصرُّف.

وجوابه: أنَّ الشُّفعة ثبتتْ لدفع

(3)

ضررٍ غير محقَّقٍ، بخلاف الرَّدِّ بالعيب.

(وَلَا يَفْتَقِرُ الرَّدُّ إِلَى رِضًا، وَلَا قَضَاءٍ، وَلَا حُضُورِ صَاحِبِهِ)؛ لأنَّه رَفْع عقْدٍ جُعِل إليه، فلم يعتبر فيه ذلك؛ كالطَّلاق.

وظاهره: سواءٌ كان قبلَ القبض أو بعدَه.

(وَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا، وَشَرَطَا الْخِيَارَ، أَوْ وَجَدَاهُ مَعِيبًا، فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا؛ فَلِلآخَرِ الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ) في المنصوص

(4)

؛ لأنَّ نصيبه جميع ما يملكه بالعقد، فجاز له ردُّه بالعيب تارةً وبالشَّرط أخرى، وكشراء واحدٍ من اثنين، وعلَّله في «المغني»: بأنَّ عقدَ الواحدِ مع الاثنين عقدان، فكأنَّه باع كلَّ واحد منهما نصيبه مفردًا، فردَّ عليه أحدهما جميع ما باعه إيَّاه، فاقتضى ذلك: أنَّها خرجت من ملك البائع مُشقَّصة.

(وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ)؛ لأنَّه خَرَج من مِلك البائع دفعةً واحدةً، فإذا ردَّ أحدُهما نصيبَه؛ ردَّه مشترَكًا مشقَّصًا، فلم يكن له ذلك، وكما

(5)

لو تعيَّب عنده، أو ورثاه.

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 169.

(2)

في (ح): لرفع.

(3)

في (ح): تثبت لرفع.

(4)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 337.

(5)

في (ق): كما.

ص: 170

وهذا ظاهر في المعيب، واقتصر في «المحرَّر» عليه، وأمَّا في خيار الشرط فلا، فعلى هذا: له الأرش.

وقياس الأوَّل: للحاضر منهما نَقْدُ نصف ثمنه وقبضُ نصفه.

وإن نَقَد كلَّه؛ قبض نصفه، وفي

(1)

رجوعه الروايتان، ذكره في «الوسيلة» وغيرها.

وعلى الأوَّل: لو قال: بعتُكُما، فقال أحدهما: قبلتُ؛ جاز.

(وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ مَعِيبَيْنِ

(2)

، أو طعامًا في وعاءين، ذكره في «التَّرغيب» وغيره، (صَفْقَةً

(3)

وَاحِدَةً؛ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكُهُمَا)، قاله القاضي، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ في ردِّ أحدهما تفريقًا للصَّفقة على البائع مع إمكان ألاَّ يفرقها

(4)

، أشبه ردَّ بعض المعيب الواحد، فعلى هذا: إذا أمسك فله الأرش.

وعنه: له ردُّ أحدهما بقِسطه من الثمن، كما لو كان أحدهما معيبًا.

وعنه: يتعيَّن.

(فَإِنْ

(5)

تَلِفَ أَحَدُهُمَا؛ فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ) مِنَ الثمن

(6)

لأنَّه ردٌّ للمعيب على وجهٍ لا ضرر فيه على البائع، فجاز، كما لو ردَّ الجميع.

وفي «المغني» : أنَّ الردَّ هنا مبنيٌّ في ردِّ أحدهما، فعلى هذا: إن قلنا: ليس له

(7)

ردُّ أحدهما؛ فليس له ردُّ الباقي إذا تلف أحدهما.

(1)

في (ظ): ففي.

(2)

في (ح): معينين.

(3)

في (ح): صفته.

(4)

في (ح): لا يفرقهما.

(5)

في (ح): وإن.

(6)

قوله: (من الثمن) سقط من (ح).

(7)

قوله: (له) سقط من (ح).

ص: 171

(وَالْقَوْلُ فِي قِيمَةِ

(1)

التَّالِفِ؛ قَوْلُهُ)؛ أي: قول المشتري، (مَعَ يَمِينِهِ)؛ لأنَّه منكِرٌ لما يدَّعيه البائع من زيادة قيمته، ولأنَّه بمنزلة الغارم.

وقيل: يُقبَل قول البائع.

(فَإِنْ

(2)

كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا)، وأبى أخْذَ الأَرْش؛ (فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ) مِنَ الثَّمَنِ

(3)

، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه ردٌّ للمبيع المعيب من غير ضررٍ على البائع، كما سبق.

(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ لَهُ إِلاَّ رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكُهُمَا)؛ لأنَّ في ردِّ المعيب وحدَه تبعيضًا للصَّفقة على البائع، فلم يكن له ذلك، كما لو كان المبيع

(4)

ممَّا ينقص بالتَّفريق، ولم يرجِّح في «الفروع» شيئًا.

(وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقُصُهُ التَّفْرِيقُ؛ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، أَوْ زَوْجَيْ

(5)

خُفٍّ، أَوْ مِمَّنْ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا؛ كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا؛ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا)، روايةً واحدةً، بل يتعيَّن إمَّا ردُّهما أو إمساكهما؛ لما فيه من الضَّرر على البائع بنقصِ القيمة وسوءِ المشاركة، وللنهي

(6)

الخاص عن

(7)

التَّفرقة بين الوالدة وولدِها، وكلُّ ذي رَحِمٍ محرَمٍ كذلك، قال في «الفروع»: ومثلُه بيعُ جانٍ له ولدٌ صغيرٌ، يباعان وقيمةُ الولد لمولاه.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْبِ هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي)، وكان محتملاً لقول كلٍّ منهما، كالخَرْق في الثَّوب ونحوه؛ (فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ

(1)

زيد في (ح): رد.

(2)

في (ح): وإن.

(3)

قوله: (من الثمن) سقط من (ح).

(4)

قوله: (المبيع) سقط من (ح).

(5)

في (ح): وزوجي.

(6)

في (ظ): والنهي.

(7)

في (ح): من.

ص: 172

قَوْلُهُ؟ فِيهِ

(1)

رِوَايَتَانِ)، وكذا في «الفروع»:

إحداهما: يُقبل قولُ المشتري مع يمينه، وهي اختيار الخِرَقيِّ، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ القبض في الجزء الفائت، فكان القولُ قولَ من ينفيه، كما لو اختلفا في قبض المبيع ويمينه على البتِّ، فيحلف أنَّه اشتراه وبه العيب، أو أنَّه ما حدث عنده.

والثَّانية: يُقبَل قولُ البائع مع

(2)

يمينه، وهي أنصُّهما، واختارها القاضي في الرِّوايتَين، وأبو الخطَّاب، وقدَّمها في «المحرَّر» ؛ لأنَّ الأصلَ سلامةُ المبيع وعدم استحقاق الفسخ.

ويمينه على حسب جوابه، فإن أجاب: أنَّ العيب لم يكن فيه؛ حلف على ذلك، وإن أجاب: أنَّه ما يستحقُّ على ما يدَّعيه من الرَّدِّ؛ حلف على ذلك.

والأشهر: أنَّه يحلف على البتِّ؛ لأنَّ الأيمان كلَّها على البتِّ، إلاَّ على النفي في فعل الغير.

وعنه: على نفي العلم.

وفي «الإيضاح» : يتحالفان.

(إِلاَّ أَنْ لاَّ يَحْتَمِلَ إِلاَّ قَوْلُ أَحَدِهِمَا)؛ كالأصبع الزَّائدة، والجرح المندمل عقيب العقد، والجرح الطِّريِّ الذي لا يحتمل أن يكون قديمًا؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ) من يدَّعيه، (بِغَيْرِ يَمِينٍ)؛ للعلم بصدقه، فلا حاجة إلى استحلافه.

وقيل: بلى؛ لأنَّه محتمَلٌ.

فرعٌ: إذا اشترى جاريةً على أنَّها بِكْرٌ، وأنكر المشتري بكارتها؛ أُرِيَتِ الثِّقاتِ، ويُقبَل فيه قولُ واحدةٍ.

(1)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(2)

قوله: (مع) سقط من (ح).

ص: 173

فإن وطئها وقال: ما وجدتها بكرًا؛ فوجهان

(1)

مبنيَّان على الاختلاف في العيب الحادث، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» .

تنبيهان:

الأوَّل: إذا وكَّل في البيع، فباع الوكيل، ثمَّ ظهر المشتري على عيبٍ بالمبيع؛ فله ردُّه على الموكِّل.

فإن كان العيب ممَّا يُمكن حدوثُه، فأقرَّ به الوكيلُ، وأنكر موكِّلُه، فقال أبو الخطاب: يُقبل إقراره على موكِّله بالعيب؛ لأنَّه أمرٌ يُستحَقُّ به الرَّدُّ، فقبل؛ كخيار الشَّرط.

وصحَّح المؤلف: أنَّه لا يقبل؛ لأنَّه إقرارٌ على الغير، فلم يُقبل؛ كالأجنبيِّ، فعليه لو ردَّه على الوكيل؛ لم يَملك ردَّه على الموكِّل؛ لأنَّ ردَّه بإقراره، وهو غير مقبولٍ على غيره.

فإن أنكره الوكيل، وتوجَّهت عليه اليمين، فنَكَل عنها، فردَّ عليه بنُكوله؛ فهل له ردُّه على الموكِّل؟ فيه وجهان.

الثَّاني: إذا ردَّ المشتري السِّلعة بعيبٍ، وأنكر البائع أنَّها سلعته؛ قُبل قوله، بخلاف ما إذا رُدَّت عليه بخيار شرطٍ، فإن القولَ قولُ المشتري، نصَّ عليهما

(2)

؛ لأنَّهما اتَّفقا على استحقاق فسخِ العقد، والرَّدُّ بالعيب بخلافه.

مسألةٌ: إذا خرج من يده إلى يد غيره؛ لم يَجُزْ له أن يردَّه، نقله مهنَّى

(3)

.

(وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا تَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ، يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لأنَّه رضي به معيبًا، أشبه سائر المعيبات.

(وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ فَلَهُ الرَّدُّ) وأخْذُ الثَّمن، أو الإمساك مع (الْأَرْشِ)؛

(1)

في هامش (ظ): (الصحيح قوله مع يمينه).

(2)

ينظر: الإشراف 6/ 93، الفروع 6/ 253.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 252.

ص: 174

لأنَّه عيبٌ، فملك به الخِيَرة؛ كبقيَّة العيوب.

(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ؛ فَلَهُ الْأَرْشُ)؛ لأنَّه تعيَّن

(1)

؛ لتعذُّر الرَّدِّ، وهو قِسْطُ ما بين كونه جانيًا وغير

(2)

جانٍ، فيقال: قيمته

(3)

غير جانٍ بمائةٍ، وجانٍ بخمسين، فما بينهما النِّصف، فالأرش إذنْ نصفُ الثَّمن.

فإن قُطِع فهل يُمنع من ردِّه؟ فيه روايتان.

(وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً

(4)

لِلْمَالِ)، أو القصاص فعُفِي عنه إلى مالٍ، (وَالسَّيِّدُ)؛ أي: البائع (مُعْسِرٌ؛ قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ)؛ لأنَّ حقَّ الجناية سابقٌ على حقِّ المشتري، فإذا تعذَّر إمضاؤهما؛ قدم

(5)

السَّابق.

(وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ) إذا لم يكُنْ عالِمًا

(6)

؛ لأنَّ تمكُّنَ المجني عليه من انتزاعه عيبٌ، فمَلَك به الخيارَ كغيره، فإن فَسَخ رَجع بالثَّمن، وإن لم يَفسخ وكانت الجنايةُ مستوعبةً لرقبة العبد، وأُخِذَ بها؛ رَجع المشتري بالثَّمن أيضًا؛ لأنَّ أرشَ مثلِ ذلك جميعُ الثَّمن، وإن لم تكن

(7)

مستوعبةً؛ رجع بقدر أرشه.

وظاهره: أنَّه إذا كان عالمًا بعَيبه؛ لا خيار له.

(وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا؛ تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِذِمَّتِهِ)؛ لأنَّ الخِيَرة له بين

(8)

تسليمه في الجناية وفدائه، فإذا باعه؛ تعيَّن عليه فداؤه؛ لإخراج العبد عن مِلكه، ولأنَّه أزال

(9)

ملكه عن عينٍ تعلَّق بها حق المجني عليه، فلزمه

(1)

في (ع): معين.

(2)

في (ح): أو غير.

(3)

في (ظ) و (ح): ثمنه.

(4)

في (ح): توجه.

(5)

زيد في (ح): حق.

(6)

قوله: (إذا لم يكن عالمًا) سقط من (ح).

(7)

في (ظ): لم يكن.

(8)

في (ح): من، وفي (ق): في.

(9)

في (ظ): زال.

ص: 175

الأرش، كما لو

(1)

قتله، (وَالْبَيْعُ لَازِمٌ)؛ لأنَّه لا ضرر على المشتري؛ لرجوع المجني عليه على البائع.

(1)

قوله: (لو) سقط من (ح).

ص: 176

(فَصْلٌ)

(السَّادِسُ: خِيَارٌ يَثْبُتُ

(1)

فِي التَّوْلِيَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُرَابَحَةِ، وَالْمُوَاضَعَةِ)، هذه أنواعٌ من البيع، واختصَّت

(2)

بهذه الأسماءِ كاختصاص السَّلَم، والمشتري قد يكون له غرضٌ في الشِّراء على الوجه الَّذي أوقعه؛ لكونه حالِفًا أو وصيًّا في الشِّراء على هذا الوجه.

(وَلَا بُدَّ فِي جَمِيعِهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُشْتَرِي رَأْسَ

(3)

الْمَالِ)؛ لأنَّ معرفة الثَّمن متوقِّفةٌ على العلم به، والعلم بالثَّمن شرطٌ، فمتى فات لم يصحَّ؛ لفوات شرطه، وخصَّ المشتري بها؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّه لا يَعرفه بخلاف البائع؛ إذ لا فرق بينهما، فمتى جهلاه، أو أحدهما؛ لم يصحَّ، فلو نسي البائعُ رأس ماله؛ لم يجُزْ بيعه مرابحةً بل مساوَمةً؛ لأنَّه متى لم يكن عالِمًا أو ظانًّا بذلك؛ كان كاذبًا.

(وَمَعْنَى التَّوْلِيَةِ) في الأصل: تقليد العمل، يقال: ولِيَ فلانٌ القضاءَ، والعملَ الفُلَانِيَّ، ثمَّ استُعْمِلت هنا: في (الْبَيْعِ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَيَقُولُ: وَلَّيْتُكَهُ، أَوْ بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ)، وفي ذلك إشارةٌ على أنَّ التَّولية لفظين: أحدهما: صريحُ لفظِها، والثَّاني: لفظُ البيعِ؛ لأنَّه صريحٌ في معناه.

فإذا قال: بعتُكَ (بِمَا اشْتَرَيْتُهُ، أَوْ بِرَقْمِهِ) المعلوم؛ صحَّ، أشبه ما لو عيَّن الثَّمن، قال أحمد:(لا بأس ببيع الرَّقم)

(4)

، وهو الثَّمنُ المكتوبُ عليه إذا

(1)

في (ح): ثبت.

(2)

في (ح): واختفت.

(3)

في (ح): برأس.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 266.

ص: 177

كان معلومًا لهما حال العقد، ويستثنى منه ما لو دفع ثيابًا إلى قصَّار، وأمره برَقْمِها، فَرَقَمَ ثَمَنَهَا عليه

(1)

؛ لم يَجز بيعُها مرابحةً حتَّى يرقمها بنفسه؛ لأنَّه لا يدري ما فعل القصَّارُ.

(وَالشَّرِكَةُ: بَيْعُ بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ من الثَّمَنِ، وَتَصِحُّ

(2)

بِقَوْلِهِ: أَشْرَكْتُكَ

(3)

فِي نِصْفِهِ، أَوْ ثُلُثِهِ)؛ لأنَّه لفظٌ موضوعٌ للشَّركة حقيقةً، فصحَّ به، فلو قال: بعتك نصفه بنصف رأس ماله، صحَّ؛ لإفادته المقصود.

تنبيهٌ: إذا اشترى شيئًا، فقال آخَرُ: أشركْني؛ انصرف إلى النِّصف؛ لأنَّها تقتضي التَّسوية بإطلاقها. وقيل: لا يصحُّ.

فعلى الأوَّل: إن قاله الآخَر عالِمًا بشركة الأوَّل، فله نصف نصيبه، وهو الرُّبع، وإن لم يعلم؛ فالأصحُّ يصحُّ فيأخذ نصيبه؛ لأنَّه طلب منه نصف المبيع، فأجابه إليه كالبيع.

وقيل: نصف نصيبه، وهو الرُّبع.

وقيل: ونصف نصيب شريكه إن أجيز على روايةٍ.

وعلى الأخيرين: لطالب الشَّركة الخِيارُ؛ لأنَّه إنَّما طلب النِّصف، ولم يحصل له إلاَّ أن نقول

(4)

بوقوفه على الإجازة.

وقيل: لا تصحُّ هذه الشَّركة، كما لو قال: بعني نصفَ هذا العبد، فقال: بعتُك رُبُعه.

ولو قال: أشركاني، فأشركاه معًا؛ ففي أَخْذِ نصفِه، أو ثُلُثه - صحَّحه في «الشرح» - احتمالان.

(1)

في هامش (ظ): (لعله: عليها).

(2)

في (ظ): ويصح.

(3)

في (ق): شركتك.

(4)

في (ظ): يقول.

ص: 178

وإن شَرِكَه كلُّ واحد منفردًا؛ كان له النِّصف، ولكلٍّ منهما الرُّبع.

وإن شَرِكه أحدُهما؛ فنصفُ نصيبِه أو ثُلُثه.

(وَالْمُرَابَحَةُ: أَنْ يَبِيعَ

(1)

بِرِبْحٍ، فَيَقُولَ: رَأْسُ مَالِي فِيهِ مِائَةٌ، بِعْتُكَهُ بِهَا وَرِبْحِ عَشَرَةٍ)، فهو جائزٌ بلا كراهةٍ، بغير خلافٍ نعلمه

(2)

؛ لأنَّ الثَّمن والرِّبح معلومان، (أَوْ عَلَى أَنْ أَرْبَحَ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا)، فيكره ويصحُّ، نصَّ عليه

(3)

، واحتجَّ بكراهة ابن عمر وابن عبَّاسٍ

(4)

.

وقال ابن المنجَّى: لا كراهة فيه. وفيه نظرٌ.

وقد نقل أبو النضر

(5)

: هو الرِّبا، واقتصر عليه في «زاد المسافر»

(6)

، ونقل أحمدُ بن هاشمٍ: كأنه دراهمُ بدراهمَ؛ لا يصحُّ

(7)

.

وفي «الرعاية» : إن جهل مشترٍ ثمنه عند عقد؛ لم يصحَّ.

وإن قال: ده يازده، أو ده دوازده

(8)

؛ صحَّ مع الكراهة، قاله أحمد

(9)

؛ لأنَّه بيع الأعاجم، ولأنَّ الثَّمن قد لا يعلم في الحال.

(1)

في (ح): يبيعه.

(2)

ينظر: المغني 4/ 136.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 266، مسائل ابن منصور 6/ 2567.

(4)

أثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (15010)، وابن حزم في المحلى (7/ 500)، عن ابن أبي نعم، عن ابن عمر قال:«بيع ده دوازده ربًا» ، إسناده حسن.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (15011)، وابن أبي شيبة (21581)، والبيهقي في الكبرى (10795)، عن عبيد الله بن أبي يزيد: سمعت ابن عباس يكره بيع ده يا زده، قال:«وذاك بيع الأعاجم» ، إسناده صحيح، ورجاله رجال الشيخين.

(5)

في (ح): النصر.

(6)

ينظر: زاد المسافر 4/ 170.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 259.

(8)

قال ابن حزم في المحلى 7/ 500: (معناه: أربحك للعشرة اثني عشر وهو بيع المرابحة).

(9)

ينظر: مسائل أبي داود ص 266، مسائل ابن منصور 6/ 2567، زاد المسافر 4/ 170.

ص: 179

وقد قال أحمد

(1)

: المساومة أسهل عندي من المرابَحة؛ لأنَّ بيع المرابَحة يحتاج فيه إلى الصِّدق واجتناب الرِّيبة.

مسائل:

إذا باعه السِّلعةَ مرابَحةً، فأخبره أنَّ ثمنها مائةٌ بربح عشرة، ثمَّ علم أنَّه تسعون؛ فالبيع صحيحٌ؛ لأنَّ زيادة الثَّمن لا يمنع صحَّته، وللمشتري الرُّجوع بالزِّيادة، وهو عشرةٌ، وحظُّها من الرِّبح، وهو درهم، فيلزمه تسعة وتسعون.

والمنصوص

(2)

: أنَّ المشتري مخيَّر بين أخذ المبيع برأس ماله وحصته من الربح وبين الرَّدِّ؛ لأنَّه لا يأمن الخيانةَ في هذا الثَّمن أيضًا، وربَّما كان حالِفًا أو وكيلاً.

وظاهر «الخرقي» ، واختاره صاحب «التَّلخيص»: أنَّه لا خيار له؛ لأنَّه زاده خيرًا؛ لأنَّ من رضي بمائة وعشرة يرضى بتسعة وتسعين.

فلو أخبر البائع أنَّ ثمنها أكثر، وأنَّه غلط؛ قُبِل قوله مع يمينه في قول الأكثر؛ لأنَّه لما دخل معه في المرابحة فقد ائتمنه، والقول قول الأمين، وله تحليف بائع أنَّه لم يعلم أنَّ وقت بيعها أكثر ممَّا أخبر به، فإن نكل أو أقرَّ قُضي عليه.

وعنه: لا يُسمع منه إلاَّ ببيِّنةٍ، اختاره المؤلِّف، وصحَّحه في «الشَّرح» .

وعنه: يقبل إن كان معروفًا بالصِّدق؛ لترجُّحه إذًا.

وعنه: لا يقبل وإن أقام بيِّنةً؛ لتكذيبه لها ظاهرًا، إلاَّ أن يصدِّقه المشتري.

ولا يحلف مشترٍ بدعوى بائع عليه علم الغلط، وصحَّح في «المغني» و «الشَّرح» خلافه.

(1)

زيد في (ح): في. وينظر: زاد المسافر 4/ 166.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2930، الروايتين والوجهين 1/ 345.

ص: 180

وبكلِّ حالٍ: إذا صدق المشتري البائع؛ أخذ به، ولا يمين عليه، فإن كذَّبه؛ حلَّفه كغيره من الأمناء، وإن باع بدون ثمنها عالمًا؛ لزمه.

(وَالْمُوَاضَعَةُ): المتاركة

(1)

في البيع، وسُمِّي بالمواضعة؛ لأنَّه يكون بدون رأس المال بخلاف المرابحة، ويكره فيها ما يكره فيها، وهي:(أَنْ يَقُولَ) البائع: (بِعْتُكَهُ بِهَا)؛ أي: برأس ماله (وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ)؛ لأنَّه لفظٌ محصِّلٌ لمقصود البيع بدون رأس المال، وهذه الصُّورة مكروهةٌ، بخلاف ما إذا قال: بعتُك هذا به، وأَضعُ لك عشرةً، (فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تِسْعُونَ دِرْهَمًا) إذا كان رأسُ المال مائةً؛ لأنَّها عَشر عشرات، فإذا سقط من كلِّ عشرةٍ درهمٌ؛ بقي تسعون.

وقيل: يلزمه تسعون وتسعةُ أعْشارِ درهمٍ، وحكاه الأَزَجيُّ روايةً.

وقيل: يلزمه كالثَّانية

(2)

، قال في «الشرح»:(وهو غلط؛ لأنَّه يكون حطًّا من كلِّ أحد عشر، وهو غير ما قاله).

(وَإِنْ قَالَ: وَوَضِيعَةِ

(3)

دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ؛ لَزِمَهُ تِسْعُونَ وَعَشَرَةُ أَجزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ)؛ لأنَّه اقتضى

(4)

أن يكون الحطُّ من غير العشرة، فيكون من كلِّ أحد عشر درهمًا درهمٌ، فيجب أن يُسقَط من تسعةٍ وتسعين تسعةٌ، ومن درهمٍ جزءٌ، فيبقى ما ذُكر، ك: عن كلٍّ.

وقال أبو ثور: الحطُّ هنا عشرة كالأولى.

(1)

في (ح): (المشاركة)، وهو الموافق لما في كشاف القناع 7/ 471، والمثبت هو الموافق لكتب اللغة. ينظر: الصحاح 3/ 1299، المطلع ص 284.

(2)

أي: كما يلزمه في المسألة التي بعدها، فيلزمه: تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءًا من درهم.

(3)

في (ظ) و (ق): وضيعة.

(4)

في (ح): اقتصر.

ص: 181

والفرق واضحٌ، ولا تَضُرُّ الجهالة الموجودة حينئذٍ؛ لأنَّها تزول بالحساب.

(وَمَتَى اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ حِيلَةً، أَوْ بَاعَ بَعْضَ الصَّفْقَةِ بِقِسْطِهَا مِنَ الثَّمَنِ

(1)

، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فِي تَخْبِيرِهِ بِالثَّمَنِ؛ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ

(2)

.

وفيه مسائلُ:

الأولى: إذا اشتراه بثمنٍ مؤجَّلٍ، ولم يبيِّنه للمشتري في تخبيره؛ فله الخيار؛ استدراكًا لظُلامته، ولأنَّ الأجل يأخذُ قسطًا من الثَّمن، فيخيَّر بين أخذه بالثَّمن الَّذي وقع عليه حالًّا أو يفسخ، وهذا ما

(3)

لم يكن من المتماثلات المتساوية

(4)

كَبُرٍّ ونحوه.

وعنه: إن كان المبيع قائمًا؛ خُيِّر بين الفسخ وأخذه بالثَّمن مؤجَّلاً؛ لأنَّه الثَّمن الَّذي اشترى به البائع، والتَّأجيل صفةٌ له، وإن كان تالِفًا؛ حبس الثَّمن بقدر الأجل، وقاله

(5)

شريح.

والمذهب كما قدَّمه في «المحرر» و «الفروع» : أنَّه إذا بان مؤجَّلاً؛ أخذ به مؤجَّلاً، ولا خيار فيه، نصَّ عليه

(6)

.

الثانية

(7)

: إذا اشتراه ممَّن لا تُقبَل شهادته له؛ كأحد أبويه، ولم يبيِّنه للمشتري؛ فله الخيار؛ لأنَّه متَّهَمٌ في حقِّهم؛ لكونه يحابيهم ويسمح لهم،

(1)

قوله: (من الثمن) سقط من (ق).

(2)

في (ح): الرد والإمساك.

(3)

في (ح): إذا.

(4)

في (ح) و (ق): المساوية.

(5)

في (ح): وقال.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2932.

(7)

في (ح): والثانية.

ص: 182

وكما لو اشتراه من مكاتبه.

الثالثة: إذا اشتراه بأكثر من ثمنه حيلةً، ولم يبيِّنه للمشتري في تخبيره؛ فله الخيار، فذلك تدليسٌ، وهو حرامٌ؛ كتدليس العيب.

وظاهره: أنَّه إذا لم يكن حيلةً أنَّه يجوز، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّه أجنبيٌّ أشبه غيره.

وقال القاضي: إذا باع غلامَ دكَّانِه سلعةً، ثمَّ اشتراها منه بأكثرَ من ذلك؛ لم يَجُزْ بيعُه مرابحةً حتَّى يبيِّن أمرَه؛ لأنَّه متَّهمٌ في حقِّه؛ كمن لا تُقبَل شهادته له.

الرَّابعة: إذا باع بعض الصَّفقة بقسطها من الثَّمن، ولم يبيِّن ذلك للمشتري في تخبيره؛ فله الخيار؛ لأنَّ قسمةَ الثَّمن على ذلك تخمينٌ، واحتمال الخطأ فيه كثيرٌ.

وعنه: يجوز بيع نصيبه ممَّا اشترياه واقتسماه مرابحةً مطلقًا؛ لأنَّ ذلك ثمنه، فهو صادقٌ.

وعنه: عكسه، بل مساومةً.

وهذا في المتقوِّمات

(1)

الَّتي لا ينقسم عليها الثَّمن بالأجزاء، فإن كانت من المتماثلات الَّتي يَنقسمُ عليها الثَّمن بالأجزاء؛ كأكثر المتساويين؛ جاز بيعُ بعضه مرابحةً بقِسطه من الثَّمن بغير خلافٍ نعلمه

(2)

.

(وَمَا يُزَادُ فِي الثَّمَنِ)، أو المثمن، (أَوْ يُحَطُّ مِنْهُ)؛ أي: ينقص (فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ)؛ يلحق بالعقد، ويخبر به في الثَّمن؛ لأنَّ ذلك من الثَّمن، فوجب إلحاقه برأس المال، والإخبار

(3)

به كأصله، ومثله خيارٌ وأجلٌ.

(1)

في (ح): المنقولات.

(2)

ينظر: المغني 4/ 139.

(3)

في (ح): ولا خيار.

ص: 183

وقيل: إن نقلنا

(1)

الملك في زمن الخيارَينِ إلى المشتري؛ فلا خيار، قاله ابنُ حَمْدانَ، وقال: لو حطَّ الكلَّ؛ هل يبطل البيع، أو يصحُّ، أو يكون هبةً؟ فيه أوجُهٌ.

فرعٌ: إذا وهب مشترٍ لوكيلٍ باعه؛ فهو كالزِّيادة، ومثلُه عكسُه.

فإن تغيَّر سعر السِّلعة وهي بحالها؛ فإن غَلَتْ؛ لم يلزمه الإخبارُ بذلك؛ لأنَّه زيادةٌ فيها، وكذا إن رخصتْ، نصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّه صادِقٌ بدون الإخبار، وفيه احتمالٌ.

فإن أخبره بدون ثمنها، ولم يبيِّن الحالَ؛ لم يَجُزْ؛ لأنَّه كذبٌ.

(أَوْ يُؤْخَذُ أَرْشًا لِعَيْبٍ، أَوْ جِنَايَةً عَلَيْهِ؛ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَيُخْبَرُ

(3)

بِهِ)، جزم به في «الوجيز» ، وقاله أبو الخَطَّاب في أرْش العيب.

فعلى هذا: يحطُّ أرْش العيب من الثَّمن، ويُخبر بالباقي.

وقال القاضي: يُخبر به على وجهه.

وكذا أرش الجناية؛ لأنَّه أخذ منهما في مقابَلة جزءٍ من المبيع

(4)

.

وأطلق الخلافَ في «الفروع» فيهما

(5)

.

وقيل: لا يُحَطُّ أرْش الجناية.

فرعٌ: إذا أخذ نَماءً، أو وطئ، أو استخدم؛ لم يلزمه بيانه. وعنه: بلى؛ لنقصه.

(وَإِنْ جَنَى، فَفَدَاهُ الْمُشْتَرِي)؛ لم يلحق بالثَّمن، ولا يخبر به في المرابَحة

(1)

قوله: (نقلنا) هو في (ظ): قلنا: ينتقل.

(2)

ينظر: المغني 4/ 137.

(3)

في (ح): أو يخبر.

(4)

في (ظ) و (ح): البيع.

(5)

في (ح): فيها.

ص: 184

بغير خلافٍ نعلمه

(1)

؛ لأنَّه لم يزد به المبيع

(2)

قِيمةً ولا ذاتًا، وإنَّما هو مُزيلٌ

(3)

لنقصه بالجناية، ويلحق به: الأدوية، والمؤْنة، والكسوة، وذكره في «الشَّرح» وجهًا واحدًا.

(أَوْ زِيدَ فِي الثَّمَنِ، أَوْ حُطَّ مِنْهُ بَعْدَ لُزُومِهِ)؛ أي: لزوم العقد؛ (لَمْ يُلْحَقْ بِهِ)؛ أي: برأس المال على الأصحِّ؛ كالأجل والخيار، ولأنَّ ذلك هبةٌ من أحدهما للآخَر، فلا يكون عِوَضًا.

(وَإِنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، وَقَصَرَهُ بِعَشَرَةٍ؛ أَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ)؛ لأنَّه لو ضمَّ ذلك إلى الثَّمن، ثمَّ أخبر به؛ كان كذِبًا وتغريرًا بالمشتري.

(وَإِنْ

(4)

قَالَ: تَحَصَّلَ عَلَيَّ بِعِشْرِينَ؛ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أصحُّهما: أنَّه لا يجوز؛ لأنَّ فيه تلبيسًا.

والثَّاني: يجوز؛ لأنَّه صادِقٌ.

ومثلُه: أُجْرةُ متاعه، وكَيْله، ووزنه، قاله في «الرِّعاية» و «الفروع» ، قال الأزَجِيُّ: وعَلَفُ الدَّابَّة، وخالفه المؤلِّفُ.

قال أحمد

(5)

: إذا بيَّن فلا بأس، ولا يقوِّمه، ثمَّ يبيعه مرابَحةً، وبيع المساومة أسهل منه؛ لأنَّ عليه أن يُبَيِّنَ.

(وَإِنْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ عَمَلاً يُسَاوِي عَشَرَةً؛ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَجْهًا وَاحِدًا)؛ لأنَّه كاذِبٌ؛ لأنَّ عملَه لم يَغرَمْ بسببه شيئًا، كما لو عمل غيره له بغير أُجْرةٍ.

وحاصله: أنَّ من أراد البيع مرابَحةً، والسِّلعة بحالها؛ أخْبَر بثمنها، وإن

(1)

ينظر: المغني 4/ 138.

(2)

في (ح): البيع.

(3)

في (ح): تزيل.

(4)

في (ح): فإن.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2704، الفروع 6/ 262.

ص: 185

تغيَّرت فعلى ضَرْبَينِ:

أحدهما: أن تتغيَّر بزيادةٍ، وهو نَوعانِ:

أحدهما: أن تزيد

(1)

لنماءٍ بها

(2)

كالسِّمَن وتَعلُّمِ صَنْعَةٍ، أو يَحدُثَ منها نَماءٌ منفصِلٌ؛ كالولد والثَّمرة، فإذا باعها مرابَحةً؛ أخْبر بالثَّمن من غير زيادةٍ؛ لأنَّه الَّذي ابتاعها به، ولو أخذ الزِّيادة المنفصلة، كما سبق.

الثاني

(3)

: أن يعمل فيها عملاً؛ كقَصْر الثَّوب ونحوه، سواءٌ قَصَره بنفسه، أو استأجر مَنْ عَمِلَه في ظاهر كلام أحمدَ، فإن قال: تَحصَّل عليَّ بكذا؛ فالخلاف.

الضَّرْبُ الثَّاني: أن تتغيَّر

(4)

بنقصٍ؛ كالمرض، والجناية عليه، أو تلف بعضه، أو استغلاله؛ كأخذ صوفه ولبنه؛ فإنَّه يخبر بالحال قولاً واحدًا.

(وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ؛ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ)؛ لأنَّه أقربُ إلى الحقِّ، وأبْلغُ في الصِّدق، (وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ؛ جَازَ)، صحَّحه في «المغني» ، ونصره في «الشَّرح» ؛ لأنَّه صادِقٌ فيما أخبر به، وليس فيه تُهمةٌ، أشْبَهَ ما لو لم يَربَحْ فيه.

(وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَحُطُّ الرِّبْحَ مِنَ الثَّمَنِ

(5)

الثَّانِي، وَيُخْبِرُ: أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ)، وهو قولُ ابن سِيرينَ، وأَعْجَب أحمدَ قولُه

(6)

؛ لأنَّ الرِّبحَ أحدُ نوعي النَّماء، فوجب أن يُخبر به في المرابَحة، كالنَّماء من نفس المبيع، كالثَّمرة

(1)

في (ظ): يزيد.

(2)

قوله: (لنماء بها) هو في (ظ): (أثمانها)، وفي (ق): لنمائها. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 11/ 456.

(3)

في (ح): والثاني.

(4)

في (ظ): أن يتغير.

(5)

في (ح): الربح.

(6)

ينظر: زاد المسافر 4/ 166، المغني 4/ 140.

ص: 186

ونحوها، وحينئِذٍ فيخبر أنَّه اشْتراه بخمسةٍ؛ لأنَّه حطَّ

(1)

الرِّبح من الثَّمن الثَّاني، لكِنْ قال في «الشَّرح»: (ينبغي أن يقول: تقوَّم عليَّ بخمسةٍ، ولا يقول: اشتريته، فإنَّه كذِبٌ، كما لو ضمَّ إليه أجرةَ القصَّار

(2)

.

وظاهر كلامهم: أنَّه إذا لم يَبقَ شيءٌ؛ أخبر بالحال؛ كمَن اشتراه بعشَرةٍ، ثمَّ باعه بعشرين، ثمَّ اشتراه بعشَرةٍ، وصرَّح به في «المحرَّر» و «الفروع» .

فإن اشتراه بخمسةَ عَشَرَ، ثمَّ باعه بعشَرةٍ، ثمَّ اشتراه بأيِّ ثمَنٍ كان؛ بيَّنه، ولم يَضُمَّ خسارةً إلى ثَمَنٍ ثانٍ.

فرعٌ: إذا اشتراه بثَمنٍ لرغبةٍ تخصُّه؛ لزمه أن يُخبِر بالحال، ويَصير كالشِّراء بثمنٍ غالٍ لأجل الموسم الَّذي كان حال الشِّراء، ذكره في «الفنون»

(3)

.

مسألةٌ: إذا اشترى نصفَ سلعةٍ بعشَرةٍ، واشترى آخَرُ باقيها بعشرين، ثمَّ باعاها مرابَحةً، زاد في «الشَّرح»: أو مواضعة، أو توليةً، بثمنٍ واحدٍ؛ فهو بينهما نصفان، نصَّ عليه

(4)

.

وعنه: على قدر رؤوس أموالهما، وصحَّحها السَّامَرِّيُّ وابنُ حمْدانَ.

وعنه: لكلِّ واحدٍ رأسُ ماله، والرِّبح نصفان.

فإن باعاها مساومةً بثمنٍ واحدٍ؛ فهو بينهما نصفان بغير خلافٍ نعلمه

(5)

.

(1)

قوله: (حط) هو في (ظ) و (ق): لاحظ. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 11/ 458.

(2)

في (ظ): القصارة.

(3)

قوله: (فرع: إذا اشتراه بثمن لرغبة تخصه

) إلى هنا ذكر في (ظ) بعد قوله: (بينهما نصفان بغير خلافٍ نعلمه).

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 300، المغني 4/ 143.

(5)

ينظر: المغني 4/ 143.

ص: 187

(فَصْلٌ)

(السَّابِعُ: خِيَارٌ يَثْبُتُ لاِخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ)، وهو صورٌ.

(فَمَتَى اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ)؛ بأن قال: بعتك بمائةٍ، وقال الآخَر: اشترَيتُ بثمانين، ولا بيِّنةَ بينهما؛ (تَحَالَفَا)، نقله الجماعةُ

(1)

؛ لِما روى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا قال: «لو يُعطَى النَّاسُ بدعواهم؛ لادَّعى ناسٌ دِماءَ قَوْمٍ وأموالهم، ولكن

(2)

اليمين على المدَّعى عليه» متَّفقٌ عليه، ولفظُه لمسلمٍ

(3)

، وللبَيْهَقِيِّ:«البيِّنةُ على المدَّعي، واليمينُ على مَنْ أنكر»

(4)

، ولأنَّ كلًّا منهما مُدَّعٍ ومنكِرٌ صورةً، وكذا حُكْمًا؛ لسماع بيِّنة كلٍّ منهما.

قال في «عيون المسائل» : لا تُسمع إلاَّ بيِّنة المدِّعِي باتِّفاقنا، ويُؤكِّدُ ذلك حديث ابنِ مسعودٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اختلف المتبايِعان والسِّلعةُ قائمةٌ، ولا بيِّنةَ لأحدهما؛ تحالفا»

(5)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2843، زاد المسافر 3/ 159.

(2)

في (ح): لكن.

(3)

أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711).

(4)

أخرجه البيهقي في الكبرى (21201)، وحسَّن هذه الزيادة النووي في الأربعين، وقال ابن رجب في شرحه 3/ 392:(وقد استدل الإمام أحمد وأبو عبيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البيِّنة على المدَّعي، واليمين على من أنكر»، وهذا يدل على أن اللفظ عندهما صحيح محتج به، وفي المعنى أحاديث كثيرة).

(5)

أخرجه أحمد (4444)، والترمذي (1270) والبيهقي في الكبرى (10806)، قال الترمذي:(حديث مرسل، عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود)، وأخرجه أبو داود (3511)، والدارقطني (2858)، من وجه آخر مرفوعًا، وفيه قصة، وأعله ابن القطان بجهالة عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث وأبيه وجده. وأخرجه أحمد (4445)، وابن ماجه (2186)، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن مسعود، بلفظ:«إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان» ، والقاسم لم يدرك جده. وورد من طرق عدة لا تخلو من مقال، ونقل البيهقي عن الشافعي قوله:(هذا حديث منقطع لا أعلم أحدًا يصله عن ابن مسعود، وقد جاء من غير وجه)، وقوَّاه ابن عبد البر فقال:(هذا الحديث وإن كان في إسناده مقال من جهة الانقطاع مرة، وضعف بعض نقلته أخرى، فإن شهرته عند العلماء بالحجاز والعراق يكفي ويغني)، وحسنه ابن عبد الهادي وقال:(بمجموع طرقه له أصل)، وصححه الألباني. ينظر: التمهيد 24/ 293، بيان الوهم 3/ 525، تنقيح التحقيق 4/ 75، الإرواء 5/ 166.

ص: 188

وعنه: يقبل قولُ بائعٍ مع يمينه، ذكره في «التَّرغيب» المنصوص

(1)

؛ لِمَا روى ابنُ مسعودٍ مرفوعًا قال: «إذا اختلف البائعان، وليس بينهما بيِّنةٌ؛ فالقولُ قولُ صاحب السِّلعة، أو يترادَّان» رواه أحمد

(2)

، وكاختلافهما

(3)

بعد قبضه وفسخ العقد بعَيبٍ، أو إقالة في المنصوص

(4)

.

وجوابُه: بأنَّه منقطِعٌ، قاله الشَّافعيُّ، لكن قد تعدَّدت طُرُقُه، قال ابن عبد البَرِّ: هو محفوظٌ مشهورٌ، قد

(5)

اشتهر بالحجاز والعراق شُهرةً يُستغنى عن الإسناد

(6)

.

وعنه: يُقبَل قولُ مشترٍ مع يمينه؛ لاتِّفاقهما على حصول الملك له، ثمَّ البائع يَدَّعِي عليه عِوَضًا، والمشتري يُنكِر بعضَه، والقولُ قولُ المنكر.

ونقل أبو داودَ: يُقبَل قول البائع، أو يترادَّان، قيل: فإن أقام كلٌّ منهما بيِّنةً؟ قال: كذلك

(7)

.

(فَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ)؛ لأنَّه أقوى جَنَبة من المشتري؛ لكون المبيع يُرَدُّ إليه،

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2574، مسائل أبي داود ص 281، مسائل عبد الله ص 276، مسائل ابن هانئ 2/ 36.

(2)

وهو الحديث الذي سبق تخريجه قريبًا.

(3)

في (ظ): كاختلافهما.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 267.

(5)

في (ظ): وقد.

(6)

ينظر: التمهيد 24/ 290.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 281.

ص: 189

وأكثر الرِّوايات: «فالقول ما قال البائع»

(1)

، (فَيَحْلِفُ: مَا بِعْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا بِعْتُهُ بِكَذَا، ثُمَّ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي: مَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا)، هذا هو الأشهر، يذكر كلٌّ منهما نفيًا وإثباتًا، الإثبات لدعواه، والنَّفيُ لِمَا ادُّعِيَ عليه، فيبدأ بالنَّفي؛ لأنَّ الأصل في اليمين أنَّها للنَّفي.

وعنه: يبدأ بالإثبات.

وظاهره: يكفي كلَّ واحدٍ يمينٌ واحدةٌ؛ لأنَّه أقربُ إلى فصل القضاء.

(فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا)، سواءٌ كان البائعَ أو المشترِيَ؛ (لَزِمَهُ مَا قَالَ صَاحِبُهُ)؛ لقضاء عُثمانَ على ابن عمر، رواه أحمد

(2)

، ولأنَّ النُّكول بمنزلة الإقرار، وظاهره: ولو أنَّه بذل أحد

(3)

شِقَّي اليمين، فإنَّه يُعَدُّ ناكِلاً، ولا بُدَّ أن يأتيَ فيها بالمجموع.

(وَإِنْ تَحَالَفَا، فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ صَاحِبِهِ؛ أُقِرَّ الْعَقْدُ)؛ لأنَّ الراضي

(4)

إن كان البائع؛ فلا خيار للمشتري؛ لأنَّه حصل له ما ادَّعاه، وكذا إن كان المشتري.

(وَإِلاَّ)؛ أي: إذا لم يرضَ أحدُهما بقول الآخَر؛ (فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ) في ظاهر كلام أحمدَ

(5)

، وهو المذهب؛ لأنَّه عَقْدٌ صحيحٌ، فلم ينفسخ باختلافهما وتعارضهما في الحجَّة، كما لو أقام كل منهما بيِّنةً.

وقيل: ينفسخ بنفس التَّحالف

(6)

، وزعم ابن الزَّاغُوني: أنَّه المنصوص؛

(1)

سبق تخريجها 5/ 188 حاشية (5).

(2)

تقدم تخريجه 5/ 111 حاشية (3).

(3)

قوله: (بذل أحد) هو في (ح): بدل.

(4)

في (ظ): التراضي.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2574، مسائل أبي داود ص 281، مسائل عبد الله ص 276.

(6)

في (ح): المتحالف.

ص: 190

لأنَّ القصدَ من التَّحالف رفعُ العقد، فاعتُمِد ذلك.

وقيل: إن امتنع من الأخذ بقول صاحبه؛ انفسخ، وهو ظاهر الخِرَقِيِّ.

وظاهره: أنَّه لا يَفْتَقِر إلى حُكْمِ حاكِمٍ.

وقيل: بلى، وقَطَع به ابنُ الزَّاغُونيِّ؛ لوقوع الخلاف فيه، كالمرأة إذا زوَّجها ولِيَّان.

وجوابه: أنَّه فسخٌ؛ لاستدراك الظُّلامة، أشبه ردَّ المعيب، ولا يشبه النِّكاح؛ لاستقلال كلٍّ منهما بالطلاق.

(وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ تَالِفَةً)؛ تحالفا؛ (وَرَجَعَا إِلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا)، اختاره الخِرَقِيُّ، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لعموم ما سبق، فيَغرَمُ المشتري القيمةَ؛ لتعذُّر ردِّ العَين، وظاهره ولو كانت مثليَّةً، وفيه شيءٌ.

ويُقبَل قول المشتري فيها، نقله محمَّد بن العبَّاس

(1)

.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : أنَّ قيمة السِّلعة إن كانت مساويةً

(2)

للثَّمن الَّذي ادَّعاه المشتري، فيُقبَل قولُه مع يمينه؛ لعدم الفائدة في يمين البائع وفسخ البيع.

وإن كانت أقلَّ؛ فاحتمالان، أحدُهما كما ذكرنا، والآخَرُ: يُشرع التَّحالفُ

(3)

؛ لحصول الفائدة للمشتري.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا في صِفَتِهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ)؛ لأِنَّه غارِمٌ، وسواءٌ كانت الصِّفةُ عَيبًا؛ كالبرص وخَرْق

(4)

الثَّوب، أو لا؛ كالسِّمَن والكتابة.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 268.

(2)

في (ح): مساومة.

(3)

في (ح): المتحالف.

(4)

في (ق): وحرق.

ص: 191

وقيل: يُقبَل قول بائعٍ في نفي العيب، قدَّمه في «المحرَّر» .

وغايته: تعارَضَ أصلان، فخُرِّج قولان، فإن كان البائع قَبَض الثَّمنَ وساوى

(1)

القيمةَ، وكانا من جنس واحدٍ؛ تعارضا وتساقطا، وإلاَّ سقط الأقلُّ، ومثلُه من الأكثر.

وظاهر كلام أبي الخَطَّاب: أنَّ القيمة إن زادت على الثَّمن أنَّ المشتريَ لا يلزمه الزِّيادةُ، وقرَّره ابن المنجَّى على وجْهٍ، وليس بظاهرٍ.

(وَعَنْهُ: لَا يَتَحَالَفَانِ إِذَا كَانَتْ تَالِفَةً)؛ لمفهوم

(2)

قوله عليه السلام: «والسِّلعةُ قائمةٌ»

(3)

، فدلَّ على أنَّه لا يُشرَع عند عدمها، (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ)؛ لأنَّهما اتَّفقا على نقل السِّلعة إلى المشتري، واختلفا في قدرٍ زائدٍ يدَّعيه البائعُ ويُنكِره المشتري، والقولُ قول المنكر.

والأوَّل أَوْلى، قال الإمامُ أحمدُ

(4)

: لم يَقُلْ فيه: «والمبيع قائِمٌ» إلاَّ يزيد

(5)

بن هارون، وقد أخطأ، رواه الخَلْقُ عن المسعوديِّ بغير هذه الزِّيادة

(6)

، ولم يرجح في «الفروع» شَيئًا.

(وَإِنْ مَاتَا؛ فَوَرَثَتُهُمَا بِمَنْزِلَتِهِمَا)؛ لأنَّهم يَقُومون مقامه في أخذ ماله وإِرْث حقوقه، فكذا فيما يلزمه، وكذا إن مات أحدهما.

(وَمَتَى فَسَخَ الْمَظْلُومُ مِنْهُمَا)، سواءٌ كان البائع أو المشتري؛ (انْفَسَخَ الْعَقْدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا)؛ لأنَّه معذورٌ، (وَإِنْ فَسَخَ الظَّالِمُ)؛ أي: الكاذب عالِمًا بكذبه؛

(1)

في (ظ): وشارك.

(2)

في (ق): لعموم.

(3)

سبق تخريجه 5/ 188 حاشية (5).

(4)

ينظر: المغني 4/ 146.

(5)

في (ظ): زيد.

(6)

لم نقف على من أخرج رواية يزيد بن هارون، وقد سبق ذكر الكلام على الرواية وتخريجها 5/ 188 حاشية (1).

ص: 192

(لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّهِ بَاطِنًا)؛ لأنَّه لا يَحِلُّ له الفسخُ، فلم يَثْبُت حكمه بالنِّسبة إليه؛ لكونه لا عُذْر له.

وظاهره: أنَّه يثبت بالنِّسبة إلى صاحبه، فيباح له التَّصرُّف فيما رجع إليه؛ لأنَّه عاد إليه بحُكمٍ من غير عدوانٍ منه.

(وَعَلَيْهِ)؛ أي: الظَّالِم (إِثْمُ الْغَاصِبِ)؛ لأنَّه غاصِبٌ.

قال ابنُ المنجَّى: (لم أجِدْ بما قال المؤلِّف نقلاً صريحًا يوافِقُه، ولا دليلاً يقتضيه)، وفيه شَيءٌ، فإنَّه قَوِيٌّ من جهة النَّظر، وهو اختياره هنا.

ونقل في «المغني» و «الكافي» تَبَعًا لأبي الخَطَّاب: إن كان البائع ظالِمًا؛ لم ينفسخ العقد باطِنًا؛ لأنَّه يُمكِنه إمضاءُ العقد واستيفاء حقِّه، فلا ينفسخ باطِنًا، ولا يباح له التَّصرُّف في المبيع؛ لأنَّه غاصِبٌ، وإن كان المشتري ظالمًا؛ انفسخ العقد مطلقًا.

والمذهب عند الجمهور: أنَّه ينفسخ العقد ظاهِرًا وباطنًا؛ لأنَّه فسخٌ لاستدراك ظُلامته، أشبه الرَّدَّ بالعيب.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ؛ تَحَالَفَا)؛ أي: إذا كان في البلد نقودٌ؛ لأنَّهما اختلفا في الثَّمن على وجْهٍ لا يترجَّح أحدهما، فوجب التَّحالف، كما لو اختلفا في قدره.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ مَعْلُومٌ؛ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِ)؛ نصَّ عليه

(1)

؛ لأنَّ الظَّاهر وقوع العقد به.

فإن كان ثَمَّ نقودٌ وأحدها غالِبٌ؛ أُخِذ به في ظاهر كلامه.

فإن تساوت فأوسطها. وعنه: الأقلُّ. وقال القاضي: يتحالفان.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ، أَوْ شَرْطٍ) صحيحٍ؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ)، جزم به

(1)

ينظر: المغني 4/ 148.

ص: 193

في «الوجيز» ؛ لأنَّ الأصل عدمه، وكما لو اختلفا في أصل العقد، ويحلف على ذلك؛ لأنَّ قولَ الآخَرِ محتمِلٌ.

(وَعَنْهُ: يَتَحَالَفَانِ)، قدَّمه في «المحرر» ؛ لأنَّهما اختلفا في صفة العقد، فوجب تحالفهما؛ كالاختلاف في الثَّمن.

وهذا الخلافُ جارٍ في الاختلاف في الرَّهن، والضَّمِين، وفي قدر ما وقعا به، وفي قدر الأجل.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فَاسِدًا)؛ كما لو قال أحدهما: وقع بخمرٍ، أو خيارٍ مجهولٍ؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ) مع يمينه؛ لأنَّ الظَّاهر مِنْ حال المسلِم أنَّه لا يتعاطَى إلاَّ عقْدًا صحيحًا.

وعُلِمَ منه: أنَّه يُقبَل قولُ مدَّعي الصِّحَّة دون فساده، فلو قال: بعتُك وأنا صبيٌّ، أو غير مأذونٍ لي في التِّجارة، وأنكره المشتري؛ قُدِّم قوله، نصَّ عليه

(1)

.

وفيه وجْهٌ: عكسُه؛ لأنَّه الأصل.

وفي «الانتصار» : لو اختلفا في صحَّته وفساده؛ قُبِل قول البائع مدِّعي فساده، انتهى.

فإن أقام كلٌّ منهما بيِّنةً؛ قُدِّمت بيِّنةُ المدَّعي. وقيل: يسقطان.

(وَإِنْ قَالَ: بِعْتَنِي

(2)

هَذَيْنِ) بمائةٍ، (قَالَ: بَلْ أَحَدَهُمَا) بخمسين، أو قال: بعتك هذا العبد بألفٍ، قال: بل هو والعبدَ الآخَرَ؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) مع يمينه، نصَّ عليه

(3)

؛ لأنَّ البائع ينكر القدر الزَّائد، فاختصَّت اليمينُ به، كما لو اختلفا في أصل العقد.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2830.

(2)

في (ح): بعني.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 273.

ص: 194

وعنه: يتحالفان، صحَّحها ابنُ عَقِيلٍ؛ كثمنه، وقدَّمها في «التَّبصرة» وغيرها، قال في «الشَّرح»: وهو

(1)

أقْيَسُ وأَوْلى.

(وَإِنْ قَالَ: بِعْتَنِي

(2)

هَذَا، قَالَ: بَلْ هَذَا؛ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَنْكَرَهُ)؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يدَّعي عقدًا على مبيعٍ يُنكِره الآخَرُ، فيحلف على ما أنكره، (وَلَمْ يَثْبُتْ بَيْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ الَّذي ادَّعاه المشتري أنكره البائع وحلف عليه، والقولُ قولُ المنكر مع يمينه، والَّذي أقرَّ به البائع لا يدَّعيه المشتري.

ونقل ابنُ منصورٍ: يؤخذ بقول البائع

(3)

، قدَّمه في «المحرَّر» .

ثمَّ ما ادَّعاه البائع مبيعًا؛ إن كان بيد المشتري؛ ففي «المنتخب» : لا يُرَدُّ إليه.

وفي «المغني» : يُرَدُّ، كما لم يدَّعه، قال: ولا يطلبه إن بذل ثمنه، وإلاَّ فسخ.

فإن كان أَمَةً، وأنكر المشتري بيعها؛ لم يطأْها البائع، هي ملك لذلك، نقله جعفر

(4)

، قال أبو بكر: لا يبطل البيع بجحوده.

فرعٌ: إذا أقام كلٌّ منهما بيِّنةً بدعواه؛ ثَبَت العقدان؛ لعدم تنافيهما.

وإن أقام أحدهما بيِّنةً؛ ثبت، ويحلف المنكِر للآخر، ويبطل حكمُه.

(وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَالثَّمَنُ عَيْنٌ)، وفي «الشَّرح»: أو عَرْضٌ، وفيه

(1)

في (ق): وهي.

(2)

في (ح): بعني.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 273.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 275.

ص: 195

شَيءٌ؛ (جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا، وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا

(1)

، الواو بمعنى «ثُمَّ» ، وكذا ذكره في «المحرَّر» وغيره؛ لأنَّهما استويا في تعلُّق حقِّهما بعين الثَّمن والمثمن، فإذا

(2)

كان كذلك؛ وجب نَصْب عَدْل يفعل ما ذكر؛ لأنَّ فيه تسويةً بين المتساويات، فيُسلِّم المبيع أوَّلاً، ثمَّ الثَّمن، قدَّمه في «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» .

وقيل: يسلِّمهما معًا، ونقله

(3)

ابن منصورٍ

(4)

، وهو ظاهر كلامه؛ لتساويهما.

قال ابن حمدان: ومن أمكنه منهما التَّسليم الواجب عليه، فأباه؛ ضمِن ما تَلِف به كغاصب.

وأيُّهما بدأ بالتَّسليم أُجْبِر الآخَرُ.

وأيُّهما يلزمه البَداءة به؟ يحتمل

(5)

وجهين.

وعنه: يجبر البائع على التَّسليم أوَّلاً.

(وَإِنْ كَانَ دَيْنًا)؛ أي: وقع الثَّمن بثمن

(6)

في الذِّمَّة (أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ)، نصَّ عليه

(7)

، وأنَّه لا يَملِك حبسَ المبيع على قبض ثمنه حالًّا أو مؤجَّلاً.

واختار المؤلِّف، وقاله في «الانتصار»: خلافَه؛ لأنَّ في تسليمه بدون ذلك ضررًا عليه.

(1)

قوله: (ويسلم إليهما) في (ح): ويسلمهما.

(2)

في (ظ): وإذا.

(3)

في (ح): ونقل.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2823.

(5)

في (ح): محتمل.

(6)

قوله: (الثمن بثمن) في (ح): عن ثمن.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2824.

ص: 196

(ثُمَّ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ)؛ لأنَّ حقَّ المشتري تعلَّق بعَين المبيع، وحقَّ البائع تعلَّق بالذِّمة

(1)

، فوجب تقديم ما تعلَّق بالعين؛ كتقديم المرتهن على سائر الغرماء.

فإن كان عَرْضًا بعرْضٍ؛ لم يجب تسليم البائع بلا خلافٍ في المذهب.

(وَإِنْ كَانَ) الثَّمنُ (غَائِبًا بَعِيدًا)؛ أي

(2)

: في مسافة القصر، (أَوِ الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا)، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: أو مماطِلاً

(3)

؛ (فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ)، ذَكَرَه الأكثرُ؛ لأنَّ عليه ضررًا في تأخير الثَّمن، فكان له الفسخ والرُّجوع في عين ماله؛ كمفلسٍ وكمبيعٍ.

نقل

(4)

الشَّالَنْجِيُّ: لا يكون مُفلِسًا إلاَّ أن يفلِّسه القاضي، أو يبيِّن أمرَه في النَّاس

(5)

.

وفي «الانتصار» : إن قارن الإفلاسُ العقدَ، ولم يعلم؛ لم يَصِحَّ، وإن قبضه، ثمَّ أفلس فله الفسخ، نَصَّ عليه

(6)

.

(وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ)، أو بيته

(7)

؛ (حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مَالِهِ كُلِّهِ)، ومن جملته المبيع، (حَتَّى يُسَلِّمَهُ

(8)

؛ لئلاَّ يتصرَّف في ماله تصرُّفًا يضرُّ بالبائع.

وإن كان مؤجَّلاً؛ بقي الحجرُ فيه إلى أجله، قاله في «الوجيز» .

وقال ابن حمدان: ويحتمل أن يباع المبيع. وقيل: وغيره من ماله في

(1)

في (ح): الذمة.

(2)

في (ح): أو.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 276.

(4)

في (ح): ونقل.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 276.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 276.

(7)

في (ح): بينه.

(8)

في (ح): سلمه.

ص: 197

وفاء ثمنه إذا تعذَّر لإعسار أو بُعْدٍ.

(وَإِنْ كَانَ) الثَّمنُ (غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ، قَرِيبًا)؛ أي: دون مسافة القصر؛ (احْتَمَلَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ)؛ لأنَّ في التَّأخير ضررًا عليه.

(وَاحْتَمَلَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي) حتَّى يسلِّمه؛ لأنَّه في حكم الحاضر.

وحكاهما في «المحرَّر» و «الفروع» وجهين من غير ترجيحٍ.

والفسخ لا

(1)

يفتقر إلى حُكم حاكمٍ؛ لأنَّه فسخٌ للبيع

(2)

لتعذُّر ثمنه، بخلاف الحجر عليه.

مسألة: إذا أحضر المشتري، أو وارثُه، أو وكيلُه نصفَ الثَّمن، فهل يأخذ نصف المبيع، أو كلَّه، أو لا يقبض

(3)

شيئًا حتَّى يَزِن الباقيَ، أو يفسخ البيع

(4)

ويَرُدُّ ما أخذه؟ فيه أوْجُهٌ.

وقيل: لا يَسْتحقُّ مطالبته بثمنٍ ومثمَنٍ مع خيار شرط، ومثله المُؤْجَر بالنَّقد في الحال، ذكره في «الوجيز» و «الفروع» .

(وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ)، وفيه صورتان:

أحدهما: يثبت الخيار، كما لو شرط كونه مسلِمًا أو بكرًا، فبان بخلافه.

الثَّانية: أن يشترِط الأدنى فيظهر الأعلى؛ كالكفر، والثُّيوبة ونحوهما.

فإذا بان بخلافه؛ فالأشهر: أنَّه لا خيار له؛ لأنَّه زاده خَيرًا.

(وَتَغَيُّرِ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ)؛ أي: إذا رأيا المبيع، ثمَّ عقدا عليه، ثمَّ وجده المشتري متغيِّرًا، (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ)؛ أي: الخُلْف في الصِّفة مذكورٌ في باب الشُّروط في البيع، وتَغيُّر الرُّؤية مذكورٌ في الفصل السَّادس من البيع بما يُغني عن إعادته.

(1)

قوله: (لا) سقط من (ح).

(2)

في (ح): للمبيع.

(3)

في (ح): لا ينقص.

(4)

في (ح): المبيع.

ص: 198

(فَصْلٌ)

(وَمَنِ اشْتَرَى مَكِيلاً، أَوْ مَوْزُونًا)، وظاهر المذهب: أو معدودًا، وقاله الخِرَقِيُّ، والأشهر: أو مذروعًا، جزم به في «المحرَّر»؛ أي: إذا اشتراه بما ذُكر؛ مَلَكه

(1)

بالعقد، وذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين إجْماعًا

(2)

.

وفي «الانتصار» روايةٌ: لا.

نقل ابن منصورٍ: ملْكُ البائع فيه قائمٌ حتَّى يُوفِّيَه المشتري

(3)

.

وفي «الرَّوضة» : يلزم البيع بِكَيْله أو وَزْنه، ولهذا نقول

(4)

: لكلٍّ منهما الفسخُ بغير اختيار الآخَر، ما لم

(5)

يَكِيلَا أو يَزِنَا.

ولم يَرْتَضِه في «الفروع» ، ثمَّ قال: فيتَّجِه إِذَنْ في نقل الملك: روايتا الخيار.

(لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ)، في ظاهر كلام أحمدَ

(6)

؛ لأنَّه «عليه السلام نهى عن بيع الطَّعام قبل قبضه» متَّفقٌ عليه

(7)

، وقال ابن عمر:«رأيت الَّذين يشترون الطَّعام مُجازَفةً يُضرَبون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يبيعوه حتَّى يُؤْوُوه إلى رحالهم» متَّفقٌ عليه

(8)

،

(1)

في (ح): يملكه.

(2)

ينظر: الاختيارات ص 187.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2807.

(4)

في (ظ): يقول.

(5)

قوله: (ما لم) سقط من (ح).

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2563.

(7)

أخرجه البخاري (2135)، ومسلم (1525)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(8)

أخرجه البخاري (2131)، ومسلم (1527).

ص: 199

وكان الطَّعام مستعملاً

(1)

يومئِذٍ غالِبًا فيما يُوكل

(2)

ويُوزَن.

والإجارةُ، والهِبةُ ولو بلا عِوَضٍ، والرَّهن ولو قُبِض ثمنُه، والحَوالة عليه؛ كالبيع، فلو تقابضاه جزافًا لعِلْمِهما قدْرَه؛ صحَّ مطلقًا.

ويصِحُّ عتقه

(3)

قولاً واحدًا.

قال أبو يعلى الصَّغير: والوصيَّةُ به، والخلع عليه.

(وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ)، وذلك على

(4)

ضربين:

أحدهما: أن يكون بأمْرٍ سماويٍّ، فهذا ينفسخ فيه العقدُ؛ لأنَّه «عليه السلام نهى عن ربح ما لم يُضمَنْ»

(5)

، والمرادُ به: رِبْحُ ما بِيع قبل القبض؛ لأنَّ ربح ما بيع بعده من ضمان المشتري وِفاقًا

(6)

.

الثاني

(7)

: أن يكون بغيره، وهو ظاهِرٌ.

(إِلاَّ أَنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ، فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ) والرُّجوع بالثَّمن، (وَبَيْنَ إِمْضَائِهِ وَمُطَالَبَةِ مُتْلِفِهِ بِبَدَلِهِ)؛ أي: بمثله إن كان مثليًّا، وإلاَّ بقيمته؛ لأنَّ الإتْلافَ كالعيب، وقد حصل في موضعٍ يَلزمُ البائعَ ضمانُه، فكان له الخيار؛ كالعيب في المبيع.

وقال المجْدُ وجماعةٌ: الواجبُ القيمةُ.

فقيل: مرادهم ما تقدَّم، وأرادوا بالقيمة: البدل الشَّرعيَّ.

(1)

في (ح): مسؤولاً.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في كتب الأصحاب: يُكال.

(3)

في (ح): عتقه.

(4)

قوله: (على) سقط من (ح).

(5)

سبق تخريجه 5/ 102 حاشية (1).

(6)

ينظر: بدائع الصنائع 5/ 239، بداية المجتهد 3/ 201، الحاوي الكبير 5/ 221، المغني 4/ 82.

(7)

في (ح): والثاني.

ص: 200

ونصر القاضي موفَّقُ الدِّين

(1)

: القيمةَ، على ظاهر كلام المجْد؛ إذ هو في كلامه أظهر منه في

(2)

كلام غيره، وعلَّله: بأنَّ الملكَ هنا استقرَّ على الماليَّة، فلذلك وجبت القيمة، والمثليَّة لم يستقرَّ

(3)

الملك عليها، فلذلك لم تجب

(4)

.

وشمل كلامه: إتلاف البائع.

وقيل: ينفسخ العقد، فيرجع المشتري بالثَّمن لا غير، كما لو تلف بفعل الله تعالى.

وفرَّق الأصحابُ بينهما؛ لأنَّ التَّلف بفعل الله تعالى لم يُوجَد فيه مقتضى

(5)

الضَّمان، بخلاف ما إذا أتلفه، فإن إتلافه يقتضي الضَّمان بالمِثل، وحكم العقد يقتضي الضَّمانَ بالثَّمن، فكانت الخِيَرة إلى المشتري في التَّضمين بأيِّهما شاء.

ويستثنى من ذلك: ما إذا أتلفه المشتري؛ لأنَّ ذلك كالقبض، ويستقرُّ عليه الثَّمنُ، فلو أتلف بعضه قبل قبضه؛ انفسخ في قدره، وخُيِّر المشتري في باقيه، جزم به في «المحرَّر» وغيره.

وفي «الفروع» : هل يُخيَّر المشتري في باقيه، أو ينفسخ؟ فيه روايتا تفريق الصَّفقة.

(1)

هو: القاضي موفق الدّين، أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الحجّاوي، الإمام العلاّمة، القاضي بالدّيار المصرية، قال الذهبي:(عالم ذكيّ خيّر، صاحب مروءة وديانة وأوصاف حميدة)، له شرح على مناسك المقنع، من تلاميذه: الزركشي الحنبلي شارح الخرقي، توفي القاضي موفق الدين سنة 769 هـ. ينظر: شذرات الذهب 8/ 369.

(2)

قوله: (منه في) هو في (ظ): من.

(3)

في (ح): تستقر.

(4)

في (ظ): لم يجب.

(5)

في (ح): يقتضي.

ص: 201

فرعٌ: إذا باع شاةً بشعير

(1)

، فأكلته قبل قبضه، فإن كانت في يد المشتري؛ فهو كما لو أتلفه، وكذا إن كانت في يد البائع أو غيره، وإن لم تكن في يد أحد؛ انفسخ؛ لأنَّ المبيع هلك قبل القبض بأمرٍ لا يُنسَب إلى آدَمِيٍّ، فهو كتَلَفِه بفعل الله تعالى

(2)

.

(وَعَنْهُ فِي الصُّبْرَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ؛ فَهِيَ

(3)

مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي)، نقلها أبو الحارث والجَوْزَجانيُّ

(4)

، واختارها القاضي وأصحابه، وفي «المحرَّر»: هي المشهورة؛ لقول ابن عمر: «مضت السُّنَّة أنَّ ما أدركتْه الصَّفقةُ حيًّا مجموعًا؛ فهو من مال المشتري»

(5)

، ولأنَّ التَّعيين كالقبض.

قال ابن حمدان: وعنه: أو مشاعًا؛ كنصفه أو ثلثه.

والمذهب: أنَّه يجوز التَّصرُّف فيه؛ كأخذه

(6)

بشفعةٍ، بخلاف ما إذا كان مبهَمًا يتعلَّق به حقُّ توفيةٍ؛ كقَفِيزٍ من صُبْرةٍ، ورطْلٍ من هذه الزبرة

(7)

، فإنَّه يفتقر إلى القبض على المعروف في المذهب.

(وَمَا عَدَا الْمَكِيلَ، وَالْمَوْزُونَ)، وكذا المعدود، والمذروع؛ (يَجُوزُ

(1)

في (ح): بعشير.

(2)

كتب في هامش (ظ): (وإن اشترى شاة بدينار فبلعته؛ إن قلنا يتعين الدينار بالتعيين، وينفسخ العقد بتلفه قبل قبضه؛ انفسخ هنا وإلا فلا، ذكره الموفق في الفتاوى).

(3)

في (ظ): فهو.

(4)

ينظر: الشرح الكبير 11/ 504.

(5)

أخرجه أحمد في مسائل صالح (3/ 191)، وسحنون في المدونة (3/ 326)، والطحاوي في معاني الآثار (5537)، والدارقطني (3006)، وعلقه البخاري 3/ 69، وصححه ابن حزم في المحلى 7/ 252، قال الحافظ في التغليق 3/ 242:(موقوف صحيح الإسناد)، واحتج به أحمد في مسائل ابن منصور 6/ 2954.

(6)

في (ح): كمأخذه.

(7)

في (ح): الربوة.

ص: 202

التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ كالعبد والدَّار على المذهب؛ لقول ابن عمر: كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدَّراهم فنأخذ عنها الدَّنانير، وبالعكس، فسألنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا بأسَ أن يأخذ بسعر يومها ما لم تتفرَّقا

(1)

وبينكما شيءٌ» رواه الخمسةُ، وهو من رواية عطاء بن السَّائب وسِماكٍ، وفيهما كلامٌ، قال التِّرمذيُّ: لا نعرفه مرفوعًا إلاَّ من حديث سِماكٍ، عن سَعِيد بن جُبَيرٍ، عن ابن عمر

(2)

.

فهذا تصرُّفٌ في الثَّمن قبل قبضه، وهو أحد العِوَضَينِ، ولأنَّه مبيعٌ

(3)

لا يتعلَّق به حقُّ تَوْفيةٍ، فصحَّ بيعه؛ كالمال في يد المودَع والمضارِب.

(وَإِنْ تَلِفَ؛ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي)؛ لقوله عليه السلام: «الخَراجُ بالضَّمان»

(4)

، وهذا المبيع للمشتري، فضمانه عليه.

وهذا إذا لم يَمنعه البائع، نصَّ عليه

(5)

، فإنْ مَنَعه منه حتَّى تَلِف؛ ضَمِنَه ضَمانَ غَصْبٍ لا عقد، وليس اللُّزوم من أحكام القبض على الأعرف.

وسواءٌ تمكَّن من قبضه أو لا، جزم به في «المستوعب» .

وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: إذا

(6)

تمكَّن من قبضه، وقال: ظاهر المذهب

(1)

في (ظ) و (ح): يتفرقا.

(2)

أخرجه أحمد (6239)، وأبو داود (3354)، والترمذي (1242)، والنسائي (4582)، وابن ماجه (2262)، وابن حبان (4920)، والحاكم (2285)، والبيهقي في الكبرى (10514)، قال البيهقي:(الحديث ينفرد برفعه سماك بن حرب)، ورواه غير سماك موقوفًا، ورجح وقفه ابن حجر والألباني، وصححه مرفوعًا ابن حبان والحاكم وابن الملقن. ينظر: تحفة المحتاج 2/ 233، الدراية 2/ 155، الإرواء 5/ 174.

(3)

في (ق): بيع.

(4)

سبق تخريجه 5/ 130 حاشية (1).

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2664.

(6)

في (ح): إذ.

ص: 203

الفرق بين ما تمكَّن من

(1)

قبضه وغيره، ليس هو الفرق بين المقبوض وغيره

(2)

.

وفي كلام الشَّيخَينِ ما يخالفه.

(وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي)«الانتصار» (رِوَايَةً أُخْرَى)، واختارها ابنُ عَقيلٍ:(أَنَّهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فِي ذَلِكَ)؛ أي: لا يجوز التَّصرُّف فيه قبل قبضه، وأخَذَها أبو الخَطَّاب من

(3)

قوله في رواية الأثرم

(4)

: إنَّ الصُّبَرَ لا تباع حتَّى تُنقَل، قال: وهي معيَّنة كالعبد والثَّوب، لكن رواية مهنَّى في الصَّداق أظهر من هذا، فإنَّه قال فيمن تزوَّج امرأةً على غلامٍ بعينه، ففُقِئتْ عَيْنَا

(5)

الغلام، ولم تقبضه

(6)

؛ فهو على الزَّوج

(7)

.

فعلى هذا: إذا تلفت

(8)

قبل قبضه؛ فهو من

(9)

مال البائع.

وعنه: أنَّ ما كان مطعومًا؛ لا يجوز بيعُه قبل قبضه، قال ابن عبد البرِّ: هذا هو الأصحُّ عن أحمدَ

(10)

، وفي «الكافي»: إنَّ ذلك مُقتضَى الدَّليل.

وعنه: إذا كان مكيلاً أو مَوْزونًا، وهو ظاهر كلام أبي بكرٍ في «التَّنبيه» .

تنبيهٌ: المبيعُ بصفةٍ أو رؤيةٍ سابقةٍ؛ حكم ما تعلَّق به حقُ توفيةٍ؛ أي: أنَّه

(1)

قوله: (من) سقط من (ح).

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 400، الفروع 6/ 282.

(3)

في (ق): في.

(4)

ينظر: شرح الزركشي 6/ 2664.

(5)

في (ح): عين.

(6)

في (ق): ولم يقبضه.

(7)

ينظر: التعليقة 3/ 411.

(8)

في (ق): تلف.

(9)

قوله: (من) سقط من (ح).

(10)

ينظر: التمهيد 13/ 330.

ص: 204

من ضمان بائعه حتَّى يقبِضه المبتاعُ، ولا يصحُّ تصرُّف مشترٍ فيه قبل قبضه مطلقًا.

وثمنٌ ليس في ذمَّةٍ كمُثْمَنٍ، وما في الذِّمة له أخذ

(1)

بدله لاستقراره.

وكلُّ عِوَضٍ يُملك بعقد، ينفسخ بهلاكه قبل القبض؛ لا

(2)

يجوز التَّصرُّف فيه قبله.

وجوَّز الشَّيخ تقيُّ الدِّين التَّصرُّف فيه؛ لعدم قصد الرِّبح

(3)

.

وما لا ينفسخ بهلاكه قبل القبض؛ يجوز التَّصرُّف فيه قبله، كنكاحٍ، وخُلْعٍ، وعِتْقٍ على مالٍ، وصلْحٍ عن دمِ عَمْدٍ؛ لأنَّ

(4)

المقتضي للتَّصرُّف الملك، وقد وجد.

وقيل: كبيع، فيجب بتلفه مثله أو قيمته، ولا فسخ.

واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: لهما فسخ النِّكاح؛ لفوت بعض المقصود؛ كعيب مَبيعٍ

(5)

.

ولو تعيَّن ملكه في موروثٍ، أو وصيَّةٍ، أو غنيمةٍ؛ لم يُعتبَر قبضُه بغير خلافٍ

(6)

؛ لعدم ضمانه بعقْد معاوَضةٍ، كمَبيعٍ مقبوضٍ وكوديعةٍ ونحوها، بخلاف ما قبْضُه شرطٌ لصحَّة عقده، كصَرْفٍ وسَلَمٍ.

(وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِيمَا بِيعَ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ بِكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ)؛ لِمَا روى عثمان مرفوعًا قال: «إذا بِعْتَ فكِلْ، وإذا ابْتَعْتَ فاكْتَلْ» رواه أحمدُ، وهو

(1)

في (ح): حد.

(2)

قوله: (لا) سقط من (ح).

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 401، الفروع 6/ 283.

(4)

في (ح): لا.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 406، الفروع 6/ 283.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 284، الاختيارات ص 188.

ص: 205

للبخاريِّ بغير إسْنادٍ

(1)

، وعن أبي هريرةَ مرفوعًا قال:«من اشترى طعامًا؛ فلا يَبِعْه حتَّى يَكْتالَه» رواه مسلمٌ

(2)

.

وقَبْض ما يُعَدُّ ويذرع

(3)

؛ بعدِّه وذَرْعِه؛ نظرًا للعُرْف.

وظاهِرُه: أنَّه لا يُشتَرط نقله على المذهب.

وشرطُه: حضورُ مستحِقٍّ أو نائبِه، فلو اشترى منه مكيلاً بعينه، ودفع إليه الوعاء، وقال: كِلْه؛ فإنَّه يصير مقبوضًا.

قال في «التَّلخيص» : وفيه نظرٌ.

وتصحُّ

(4)

استنابة من عليه الحقُّ للمستَحِقِّ. وقيل: لا.

ونصُّه: أنَّ ظرفه كيَدِه، بدليل تنازعهما فيه، وأنَّه يصحُّ قَبضُ وكيلٍ من نفسه لنفسه

(5)

.

وهل يُكْتَفى بعلم كَيْلِ ذلك قبل شرائه؟ على روايتين، وخصَّهما

(6)

في «التَّلخيص» بالمجلس.

فإن كان المبيعُ في المكيال، ففرَّغه منه وكاله

(7)

؛ فهو قَبْضٌ، وإلاَّ فلا، ذكره جماعةٌ.

(1)

أخرجه أحمد (444)، وابن ماجه (2230)، والبزار (379)، وعلَّقه البخاري بصيغة التمريض (3/ 67)، وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، وأخرجه ابن أبي شيبة (21318)، قال ابن حجر:(مرسل)، وأخرجه الدارقطني (2818)، وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وهو ضعيف، قال ابن حجر:(فالحديث حسنٌ؛ لما عضده من ذلك)، وصححه الألباني. ينظر: الفتح 1/ 19، 4/ 344، الإرواء 5/ 179.

(2)

أخرجه مسلم (1528).

(3)

في (ح): بذرع.

(4)

في (ق): ويصح.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 284، الإنصاف 11/ 514.

(6)

قوله: (وخصهما) هو في (ق): وخصه بما.

(7)

في (ح): وكحاله.

ص: 206

فإن أعلمه بكيله، ثمَّ باعه به؛ لم يَجُزْ، نقله الجماعةُ

(1)

، وكذا جزافًا، قاله المؤلِّف.

وإن قبضه جزافًا لعلمهما قدره؛ جاز، وفي المكيل روايتان.

تنبيه: إذا قبضه مشترٍ فوجده زائدًا ما لا يتغابن به؛ أعلمه، ونقل المرُّوذيُّ: يردُّه

(2)

.

وإن قبضه مصدِّقًا لبائعه في كَيله أو وزنه؛ بَرِئَ عن عهدته.

وإن

(3)

ادَّعى أنه أقلُّ من حقِّه؛ فوجهان، وإن لم يصدِّقه؛ قُبل قوله في قدره.

ومُؤْنة كَيَّالٍ، ووزَّانٍ، وعدَّادٍ، ونحوهم على باذله من بائعٍ ومشترٍ.

وفي «النِّهاية» : أُجرة نقلِه

(4)

بعد قبض البائع له عليه

(5)

.

ومؤْنة المتعيِّن على المشتري إن

(6)

قلنا كمقبوضٍ، وأطلقه في «المغني» و «الشرح» ؛ لأنَّه لا يتعلَّق به حقُّ توفيةٍ، نصَّ عليه

(7)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2841، المغني 4/ 96.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 285.

(3)

في (ظ): إن.

(4)

قال المرداوي في تصحيح الفروع 6/ 286: (قوله: "وفي «النهاية» أجرة نقله بعد قبض البائع له عليه"، قال ابن نصر الله: لعله: بعد بذل البائع له، وما قال ظاهر في أن نقله على المشتري إذا بذله البائع له، ولكن المنقول في «النهاية» و «تعليق القاضي»: أجرة نقده "بالدال" فاختلطت مع الهاء، فظن الناسخ أنها لام، والصواب: نقده، فإن عند القاضي وصاحب النهاية: أن أجرة النقد إن كان قبل قبض البائع؛ فهي على المشتري، وإن كان بعده؛ فهي على البائع، وقد صرح بذلك في التعليق وعلله، وبذلك يصح كلام المصنف وينتظم).

(5)

في (ظ): (وعليه). والمثبت موافق لما في الفروع 6/ 286.

(6)

في (ح): وإن.

(7)

ينظر: المغني 4/ 86.

ص: 207

ولا يَضمَن ناقِدٌ حاذِقٌ خطأً، نصَّ عليه.

وإتلاف مشترٍ ومتَّهِبٍ بإذنه؛ قبض، لا غصبُه.

وغصبُ بائعٍ ثمنًا، أو أخذُه بلا إذنه؛ ليس قبضًا إلاَّ مع المقاصَّة.

ويصحُّ قبضُه مشترٍ بغير رضا البائع.

(وَفِي الصُّبْرَةِ، وَفِيمَا

(1)

يُنْقَلُ)؛ كالثِّياب والحيوان؛ (بِالنَّقْلِ)؛ لحديث ابن عمر: «كنَّا نشتري الطَّعام من الرُّكبان جزافًا، فنهانا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نبيعَه حتَّى ننقلَه» رواه مسلمٌ

(2)

.

وعُلِم منه: أنَّ المرادَ بالمكيل والموزون؛ ما بِيعَ بهما لا

(3)

ما كان مكيلاً أو موزونًا في نفسه، فيُحمل المطْلَق على المقيَّد.

فإن

(4)

كان حيوانًا؛ فقبضه بمشْيِه من مكانه.

(وَمَا

(5)

يُتَنَاوَلُ)؛ كالجواهر

(6)

والأثمان؛ (بِالتَّنَاوُلِ)، إذ العُرْف فيه ذلك، (وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ)؛ كالعَقار والثَّمرة على الشَّجر؛ (بِالتَّخْلِيَةِ)، إذ القَبضُ مطلقٌ في الشَّرع، فيرجَعُ فيه إلى العُرْف؛ كالحرز والتَّفرُّق، قال الخِرَقيُّ: من غير حائلٍ، وكذا في «المغني» و «التَّرغيب» ، ومعناه: أن يفتح له باب الدَّار، أو يسلِّمه مفتاحَها، ونحوه، وإن كان فيها متاعٌ للبائع، قاله الزَّرْكَشِيُّ.

(وَعَنْهُ: أَنَّ قَبْضَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ التَّمْيِيزِ)، نصره القاضي وجماعةٌ؛ لأنَّه خلَّى بينه وبين المبيع مع عدم المانع، فكان قبضًا له كالعقار.

أصلٌ: يَحرُم تعاطيهما بَيْعًا فاسدًا، فلا يُملَك به؛ لأنَّه نعمةٌ، ولا ينفذ

(1)

في (ح): وما.

(2)

أخرجه مسلم (1527).

(3)

في (ظ): إلا.

(4)

في (ح): وإن.

(5)

في (ح): وفيما.

(6)

في (ح): كالجوهر.

ص: 208

تصرُّفه؛ لعدم الملك.

وخرَّج أبو الخَطَّاب فيه من طلاقٍ في نكاحٍ فاسدٍ.

وهو كمغصوب

(1)

، وقال ابن عقيل وغيره: كمقبوضٍ للسَّوم، ومنه خرَّج ابن الزاغوني: لا يضمنه.

ويضمنه بعقدٍ فاسدٍ؛ بقيمته، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: لأنَّهم تراضَوْا بالبدل الَّذي هو القيمة، كما تراضَوا في مهر المثل

(2)

.

وذكر أبو بكر: يضمنه بالمسمَّى، لا القيمة؛ كالنِّكاح والخلع.

وفي «الفصول» : يضمنه بالثَّمن.

والأصحُّ: بقيمته؛ كمغصوبٍ.

وفي «المغني» و «التَّرغيب» : أو مثله يوم تَلَفِه.

وفي ضمان زيادةٍ وجهان، بناءً على أنَّها أمانةٌ أو لا.

وفي «المغني» و «الترغيب» : إن سقط الجنين ميتًا؛ فهدَرٌ.

وقال أبو الوفاء: يضمنه، ويضمنه ضاربه، ومتى ضربه أجنبيٌّ؛ فللبائع من الغُرَّة قيمة الولد، والبقيَّة لورثته.

وسَوْمُ إجارةٍ؛ كبيعٍ، ذكره في «الانتصار» .

وولده كهو، لا ولد جانيةٍ وضامنةٍ.

(وَالْإِقَالَةُ) مستحبة

(3)

؛ لِمَا روى ابن ماجه عن أبي هريرةَ مرفوعًا قال: «من أقال مسلِمًا؛ أقاله الله عثرتَه يومَ القيامة» ورواه أبو داودَ

(4)

، وليس فيه ذِكْرُ يوم القيامة.

(1)

في (ح): كالمغصوب.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 289.

(3)

قوله: (مستحبة) سقط من (ح).

(4)

أخرجه أبو داود (3460)، وابن ماجه (2199)، وابن حبان (5030)، والحاكم (2291)، ولفظه عند أبي داود:«من أقال مسلمًا أقاله الله عثرته» ، وأصل الحديث هو حديث:«من نفس عن مؤمن كربة» ، أخرجه مسلم (2699)، وزاد بعض أصحاب الأعمش فيه هذه الزيادة، وهما حفص بن غياث، ومالك بن سعير، قال الدارقطني:(وهذا اللفظ كان يقال: إن يحيى بن معين تفرد بروايته عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، حتى وجد مالك بن سعير يرويه عن الأعمش)، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن والألباني. ينظر: علل الدارقطني 10/ 185، جامع العلوم والحكم 3/ 1002، البدر المنير 6/ 556، الإرواء 5/ 182.

ص: 209

وهي (فَسْخٌ) في الأصحِّ؛ إذ هي عبارةٌ عن الرَّفع والإزالة، يقال: أقالك الله عثرتَك؛ أي: أزالها، فكانت فسخًا للعقد، بدليل جوازها في السَّلَم مع إجماعهم على المنْع من بيعه قبل قبضه، مع أنَّه يأتي إذا قلنا: هي بَيْعٌ.

(تَجُوزُ

(1)

فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ أي

(2)

: فيما يُعتَبَر له القَبضُ؛ لأنَّه فسْخٌ، والفسخ لا يُعتَبَر فيه القَبْضُ؛ كالرَّدِّ بالعيب.

(وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهَا شُفْعَةً)؛ لأنَّ المقتضي لها هو البيع، ولم

(3)

يُوجَد.

(وَلَا تَجُوزُ

(4)

إِلاَّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ) الأوَّل، قدرًا ونوعًا

(5)

؛ لأنَّ العقدَ إذا ارتفع؛ رجع كلٌّ منهما ما كان له، ولا يحتاج إلى استبراء قبل القبض.

ويجوز بعد نداء الجمعة.

ولا يلزم إعادة كَيلٍ أو وَزْنٍ، وفي «المغني»: أنَّه لا بُدَّ من كَيلٍ ثانٍ؛ إقامةً للفسخ مقام البيع، وفيه نظرٌ، فإنَّه من تمام قول أبي بكرٍ.

(وَعَنْهُ: أَنَّهَا بَيْعٌ)، اختاره أبو بكرٍ في «التَّنبيه» ، مع أنَّه حكى في «المغني» و «الشَّرح» أنَّه اختار الأوَّل؛ لأنَّ المبيع عاد إلى بائعه على الجهة الَّتي خرج

(1)

في (ظ) و (ح): يجوز.

(2)

في (ح): أو.

(3)

في (ح): ولا.

(4)

في (ظ) و (ح): ولا يجوز.

(5)

في (ظ): أو نوعًا.

ص: 210

عليها، فكانت بَيعًا كالأوَّل.

(فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ)، أي: تنعكس الأحكام السَّابقة، (إِلاَّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا هو المذهب عند القاضي في «الخلاف» ، وصحَّحه السَّامَرِّيُّ؛ لأنَّ مقتضى الإقالة ردُّ الأمر

(1)

إلى ما كان عليه، واختصَّت بمثل الثَّمن كالتَّولية، كما اختصَّت المرابَحة بالرِّبح، ولا يمنع ذلك كونها بَيعًا.

والثَّاني: لا يُشترَط فيها ذلك؛ كسائر البياعات

(2)

.

وأطلقهما

(3)

في «المحرَّر» و «الفروع» ، وصحَّح في «الشَّرح»: أنَّها لا تجوز إلاَّ بمثل الثَّمن، بَيعًا كانت أو فسخًا.

فإن أقال

(4)

بأقلَّ أو أكثر منه؛ لم تصِحَّ الإقالةُ، وكان الملك للمشتري؛ لأنَّه شرط التَّفاضُل فيما يعتبر فيه التَّماثُل، فيبطل

(5)

؛ كبيع درهم بدرهمين.

فوائدُ:

منها: أنَّ الإقالة تصحُّ بلفظها وبلفظ المصالحة إن قيل: هي فسخٌ، وإن قلنا: بَيعٌ فلا، ذكره القاضي؛ لأنَّ ما يصلح للحلِّ لا يصلح للعقد، وما يصلح للعقد لا يصلح للحلِّ، وظاهر كلام جماعةٍ: انعقادها بذلك، وتكون معاطاةً.

ومنها: إذا

(6)

قلنا: هي فسخٌ لم يُشترَط لها شروطُ البيع، وإن قلنا: هي بَيعٌ، فلا، ذكره في «المغني» .

(1)

قوله: (رد الأمر) في (ح): والأمر.

(2)

في (ح): المباعات.

(3)

في (ح): وأطلقها.

(4)

في (ح) و (ق): قال.

(5)

في (ق): فبطل.

(6)

في (ظ): إن.

ص: 211

ومنها: لو قال: أقِلْنِي، ثمَّ دخل الدَّار فأقاله على الفور؛ صحَّ إن قيل: هي فسخٌ لا بيعٌ

(1)

، ذكره القاضي وأبو الخَطَّاب في «تعليقهما» ؛ لأنَّ البيع يُشترَط له حضور المتعاقدين في المجلس.

وظاهر ما قدَّمه في «الفروع» : لا تصحُّ

(2)

مطلقًا، وما نقله أبو الخَطَّاب عن أحمد في صحَّة قَبول الزَّوج للنِّكاح بعد المجلس؛ اخْتُلف في تأويله.

ومنها: النَّماء المنفصل؛ إن قيل: هي بيعٌ؛ لم يَتْبَع بغير خلافٍ، وإن قيل: هي فسخٌ؛ فقال القاضي: هو للمشتري، وفي «المستوعب» و «الرِّعاية»: للبائع، مع ذِكرهما أنَّ نماء المعيب للمشتري.

وفي «تعليق» القاضي و «المغني» : أنَّها فسخ للعقد من حِينه، وفي «الفروع»: هو أظهرُ.

ومنها: لا يَثبُت فيها خيار المجلس إن قيل: هي فسخٌ، وإن قيل: بيعٌ، فذكر في «التَّلخيص»: أنَّه يثبت فيها؛ كسائر البيوعات.

ومنها: لو حلف لا يبيع، فأقال؛ انبنى على الخلاف، وكذا لو علق عِتْقًا أو طلاقًا على البيع

(3)

.

ومنها: هل تصحُّ

(4)

مع تلف المبيع؛ ففيه طريقان:

إحداهما

(5)

: لا تصحُّ

(6)

عليهما.

والثَّاني: إن قلنا: هي فسخٌ؛ صحَّت، وإلاَّ فلا، قال القاضي: هو قياس المذهب.

(1)

قوله: (لا بيع) في (ق): للبيع.

(2)

في (ظ): لا يصح.

(3)

في (ح): المبيع.

(4)

في (ظ): يصح.

(5)

في (ح): أحدهما.

(6)

في (ظ): لا يصح.

ص: 212

وتصحُّ مع تَلَف الثَّمن مطلقًا.

ومنها: لو تقايَلا في بيعٍ فاسدٍ، ثمَّ حكم الحاكم بصحَّته ونفوذه؛ إن قلنا: هي بَيعٌ؛ فحكمه بصحَّة العقد صحيحٌ؛ لأنَّ العقدَ باقٍ، وقد تأكَّد بترتُّب عقدٍ آخَرَ عليه.

وإن قيل: هي فسخٌ؛ لم ينفُذ؛ لأنَّ العقد ارتفع بالإقالة، فصار كأنَّه لم يُوجَد.

ويحتمل أن ينفذ وتُلغى

(1)

الإقالةُ؛ لأنَّها تصرُّفٌ في بيعٍ فاسدٍ قبل الحكم بصحَّته، فلم ينفُذ، ولم يؤثِّرْ فيه شيئًا، ذكره ابن عقيلٍ.

ومنها: هل تصحُّ

(2)

بعد موت المتعاقدَين؟ ذكر

(3)

القاضي في مَوضِعٍ من «خلافه» : أنَّ خيار الإقالة يبطل

(4)

بالموت، فلا يصحُّ.

وبناه في موضِعٍ آخر على الخلاف؛ إن قيل: هي بيعٌ؛ صحَّت من الورثة، وإن قلنا

(5)

: فسخٌ؛ فوجهان.

ومنها: أنَّ المشتريَ لا يلزمه مُؤْنةُ الرَّدِّ، وهي في يده أمانةٌ كالوديعة، وفي «التعليق»: يضمنه، فيلزمه مؤنةُ الرَّدِّ

(6)

.

(1)

في (ق): وتكفي.

(2)

في (ظ): يصح.

(3)

في (ح): ذكره.

(4)

في (ح): تبطل.

(5)

في (ح): قيل.

(6)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 213

(بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ)

الرِّبا مقصورٌ، وهو لغةً: الزِّيادةُ؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحَجّ: 5]؛ أيْ: عَلَتْ وارْتَفَعتْ، ولقوله تعالى

(1)

: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النّحل: 92]؛ أيْ: أكثرُ عددًا.

وشرعًا: زيادةٌ في شيءٍ مخصوصٍ.

وقد انعقد الإجماعُ على تحريمه

(2)

، وسَنَدُه قوله تعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البَقَرَة: 275]، ولحديث أبي هريرة مرفوعًا:«اجْتَنِبُوا السَّبعَ الموبِقاتِ» ، وذَكَر منها:«أكْلَ الرِّبا» متَّفقٌ عليه

(3)

، ولحديث جابِرٍ:«أنَّه عليه السلام لَعَنَ آكِلَ الرِّبا، ومُوكِلَه، وكاتِبَه، وشاهدَيْه» رواه مسلمٌ

(4)

، وقول ابنِ المنجَّى: إنَّه متَّفقٌ عليهما ليس بجيِّدٍ.

والصَّرْف: بَيعُ أحدُ النَّقدَين بالآخَر، قيل: سمي به؛ لصريفهما

(5)

، وهو تصويتها في الميزان، وقيل: لانصرافهما عن مقتضَى البياعات

(6)

في عدم جواز التَّفرُّق قبل القَبْض ونحوه.

(1)

في (ظ): عليه السلام. وفي هامشها: (الصواب: لقوله تعالى "أن تكون

" الآية من سورة النحل، وأظن أنه من تصرف النساخ. تقرير شيخنا يوسف البرقاوي).

(2)

ينظر: المغني 4/ 3.

(3)

أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89).

(4)

أخرجه مسلم (1598)، من حديث جابر رضي الله عنه، وأخرجه أيضًا مسلم (1597)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ:«لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله» ، قال: قلت: وكاتبه، وشاهديه؟ قال:«إنما نحدث بما سمعنا» ، وكلاهما من أفراد مسلم. ينظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي 1/ 243، 2/ 410.

(5)

في (ح): لصرفهما. وفي (ق): لتصريفهما.

(6)

في (ح): المبتاعات.

ص: 214

(وَهُوَ نَوْعَانِ: رِبَا الْفَضْلِ، وَرِبَا النَّسِيئَةِ)، وكلاهما محرَّمٌ.

إن قيل: الآية لا إجْمالَ فيها؛ إذ الإجماعُ منعقِدٌ على تحريم رِبَا النَّسيئةِ، وعامَّتُهم كذلك في ربا الفضل، لكن وقع في الصَّدْر الأوَّل عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ، وزيدِ بن أرْقَم، وابنِ الزُّبير، وابنِ عبَّاسٍ، وعنه اشتهر

(1)

؛ لقوله عليه السلام: «لا رِبَا إلاَّ في النَّسيئة» رواه البخاريُّ

(2)

،

(1)

في (ح): أشهر.

أما الوارد عن أسامة بن زيد؛ فلعل مراده الآتي عن ابن عباس رضي الله عنهم.

وأما الوارد عن ابن الزبير رضي الله عنهما؛ فلم نقف عليه.

وأما الوارد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه: فأخرجه الحميدي (744)، والطحاوي في مشكل الآثار (6060)، والطبراني في الكبير (453)، من طريق سفيان بن عيينة، حدثنا عمرو بن دينار، أنه سمع أبا المنهال، يقول: باع شريك لي بالكوفة دراهم بدراهم بينهما فضل، فقلت: ما أرى هذا يصلح، فقال: لقد بعتها في السوق فما عاب ذلك علي أحد، فأتيت البراء بن عازب فسألته، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وتجارتنا هكذا، فقال:«ما كان يدًا بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فلا خير فيه» ، وأئتِ ابن أرقم، فإنه كان أعظم تجارة مني، فأتيته فذكرت ذلك له، فقال:«صدق البراء» ، وظاهر إسناده الصحة، إلا أن لفظه معلول، فقد أخرجه البخاري (3939)، عن ابن المديني، وأخرجه مسلم (1589)، عن ابن حاتم، وأخرجه النسائي (4575)، عن محمد بن منصور، ثلاثتهم عن ابن عيينة به، بلفظ:«باع شريكٌ لي دراهم في السوق نسيئة» ، وفي لفظ:«باع شريكٌ لي وَرِقًا بنسيئة» ، قال البيهقي في الكبرى 5/ 461:(عندي أن هذا خطأ - يعني لفظ الحميدي -، والصحيح ما رواه علي بن المديني ومحمد بن حاتم، فيكون الخبر واردًا في بيع الجنسين أحدهما بالآخر)، وأخرجه البخاري (2060)، من طريق عمرو بن دينار وعامر بن مصعب عن أبي المنهال بلفظ: سألت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم عن الصرف، وذكره. وأخرجه البخاري (2180)، ومسلم (1589)، من طريق شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، سمعت أبا المنهال نحوه.

وأما المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: فأخرجه البخاري (2178)، ومسلم (1596)، عن أبي صالح الزيات، أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، يقول:«الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم» ، فقلت له: فإن ابن عباس لا يقوله، فقال أبو سعيد: سألته فقلت: سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، أو وجدته في كتاب الله؟ قال: كل ذلك لا أقول، وأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولكن أخبرني أسامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«لا ربا إلا في النسيئة» .

(2)

في (ق): أورده. والحديث أخرجه البخاري (2178).

ص: 215

وفي روايةٍ: «إنما الرِّبَا

(1)

في النَّسيئة»

(2)

، وعُورِض القائل

(3)

به، ورجع إلى قول الجماعة، فصار إجْماعًا

(4)

، لكن اخْتُلِف في رجوع ابنِ عبَّاسٍ

(5)

، مع أنَّ حديثَ أُسامةَ لا يقاوم

(6)

ما ورد من الأدلَّة؛ لصراحتها؛ لأنَّها تدلُّ بالمنطوق، ويحمل

(7)

على أنَّه وقع جوابًا لسؤالٍ على الجنسين، أو مطلقًا، فقال:«لا ربا إلاَّ في النَّسيئة» ؛ أي: المسؤول عنه، وهو الجنسان، أو أنَّ المراد نفيُ الأغلظ الَّذي ورد النَّصُّ بتحريمه؛ لأنَّ العرب كانت تقول للغريم إذا حَلَّ

(1)

قوله: (إنما الربا) هي في (ظ): لا ربا إلا.

(2)

أخرجه مسلم (1596) بلفظ: «الربا في النسيئة» ، وله أيضًا:«إنما الربا في النسيئة» ، وهو من حديث ابن عباس، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم.

(3)

في (ح): المقايل.

(4)

لم نقف على ما يدل صراحة على رجوع أحد من المذكورين، بل لم نقف عنهم القول به صراحة كما تقدم غير ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي.

(5)

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رجع: أخرج عبد الرزاق (14548)، عن زياد - هو مولى ابن عباس - قال:«كنت مع ابن عباس بالطائف فرجع عن الصرف، قبل أن يموت، بسبعين يومًا» ، إسناده صحيح.

وأخرج أحمد (11447)، وابن ماجه (2258)، عن أبي الجوزاء قال: سمعت ابن عباس يفتي في الصرف، قال: فأفتيت به زمانًا، قال: ثم لقيته، فرجع عنه. قال: فقلت له: ولم؟ فقال: إنما هو رأي رأيته، حدثني أبو سعيد الخدري:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه» ، إسناده صحيح، ورجاله رجال الشيخين.

وأخرج مسلم (1594)، عن أبي نضرة، قال: حدثني أبو الصهباء، أنه سأل ابن عباس عنه بمكة؛ فكرهه.

وروي عنه ما يدل على عدم الرجوع: أخرج عبد الرزاق (14549)، عن فرات القزاز قال: دخلنا على سعيد بن جبير نعوده، فقال له عبد الملك الزراد:«كان ابن عباس نزل عن الصرف» ، فقال سعيد:«عهدي به قبل أن يموت بست وثلاثين ليلة وهو يقوله» ، وإسناده صحيح.

(6)

في (ح): معلوم.

(7)

في (ظ): وتحمل.

ص: 216

الدَّينُ: إمَّا أن تقضِيَ وإما أن

(1)

تُربِيَ الدَّينَ؛ أي: تزيد

(2)

، وهو الذي نسخه

(3)

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ عرفةَ، وقال:«ألا كلُّ رِبًا موضوعٌ، وإنَّ أوَّلَ رِبًا أضَعُه ربا عبَّاسٍ»

(4)

، وهذا كما يقال: إنَّما المال الإبل، وإنما الشُّجاع عليٌّ.

(فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ: فَيَحْرُمُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، مِنْ كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ

(5)

، وَحَبَّةٍ بِحَبَّتَيْنِ)؛ لِمَا روى عُبادةُ بنُ الصَّامِت: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال

(6)

: «الذَّهبُ بالذَّهب، والفِضَّةُ بالفِضَّة، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعير، والتَّمرُ بالتَّمر، والملح بالملح، مِثْلاً بمثلٍ، يدًا بيدٍ، فإذا اختلفت هذه الأصناف؛ فبيعوا كيف شِئْتُم، يَدًا بِيَدٍ» رواه أحمدُ ومسلِمٌ، وعن أبي سعيدٍ مرفوعًا نحوُه، متَّفقٌ عليه

(7)

.

وأجْمعوا على جَرَيان الرِّبا في الأعيان السِّتَّة

(8)

، ثمَّ اختلفوا: هل هو لمعنًى فيها، أو لأعيانها؟ وهل عُرِف ذلك المعنى أم لا؟

فعن

(9)

ابنِ عَقِيلٍ: أنَّه تردَّد في المعنى، ولم يُعَدِّها إلى غير السِّتَّة؛ لتعارُض الأدلة عنده في المعنى.

وذهب جمهور العلماء: إلى معرفة العِلَّة، وتعدِّيها إلى غير السِّتَّة، ثمَّ اختلفوا، والأشْهَرُ عن إمامنا، ومختار عامَّة الأصحاب: أنَّ علَّة الرِّبا في

(1)

قوله: (أن) سقط من (ق).

(2)

في (ح): يزيد.

(3)

في (ح) و (ق): فسخه.

(4)

أخرجه مسلم (1218)، من حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج.

(5)

في (ح): كثمرة بثمرتين.

(6)

قوله: (قال) سقط من (ح).

(7)

أما حديث عبادة رضي الله عنه؛ فأخرجه أحمد (22683)، ومسلم (1587). وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه؛ فأخرجه البخاري (2176)، ومسلم (1584).

(8)

ينظر: مراتب الإجماع ص 85.

(9)

في (ظ): يعني.

ص: 217

النَّقدين: كونه موزون جِنْسٍ، وفي الأعيان الباقية: كونه مَكِيل جِنْسٍ.

فعليه: يجري الرِّبا في كلِّ مكيلٍ أو موزونٍ بجنسه، مطعومًا كان أو غيره؛ كالحبوب، والأشْنان، والقُطْن، والكَتَّان، والحديد، والنُّحاس؛ لأنَّ الكَيل والوَزن يُسَوِّي بينهما صورةً، والجنس يسوِّي بينهما معنًى؛ فكانا علَّةً.

ولا يجري في مطعوم لا يُكال ولا يُوزَن؛ كالمعدودات.

فعلى هذا: تباع بيضةٌ وخيارةٌ وبطِّيخةٌ ورُمَّانةٌ بمثليها

(1)

، نصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّه ليس مكيلاً، ولا موزونًا، لكن نقل مهنَّى: أنَّه كَره بَيْعَ بيضةٍ ببيضَتَينِ، وقال: لا يصلح إلاَّ وزْنًا بوزنٍ

(3)

؛ لأنَّه طعامٌ.

وعلى المذهب: يجوز إسلام أحد النَّقدَين في الموزون، وبه أُبطلت العلَّةُ؛ لأنَّ كلَّ شَيئينِ شمِلهما إحدى علَّتيْ ربا الفضل؛ يَحْرُم النَّساء فيهما، ولهذا جزم بعض أصحابنا: أنَّه لا يصحُّ، ولو سُلِّم فللحاجة.

وأجاب القاضي: بأنَّ القياسَ المنْعُ، وإنَّما جاز للمشقَّة، ولها تأثيرٌ، ولاختلاف معانيها؛ لأنَّ أحدَهما ثمنٌ، والآخَرَ مثمَنٌ، وللتَّسامح بهذا دون ذاك، فحصلا في حكم الجنسين.

قولُه: (مِنْ

(4)

كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ)؛ أي: ما كان جنسه مكيلاً، أو موزونًا، وإن لم يتأتَّ

(5)

فيه ذلك؛ كالحَبَّة بالحبَّتَين، والحَفْنة بالحَفْنتين، أو لكثرته؛ كالزُّبرة العظيمة.

وهل يَعُمُّ المعمول

(6)

من الموزون بأصله، أو بحاله بعد العمل؟ فنصَّ

(1)

في (ظ) و (ح): بمثلها.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 178، الروايتين والوجهين 1/ 317.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 294.

(4)

في (ق): في.

(5)

في (ح): لم يتلف.

(6)

في (ح): لمعمول.

ص: 218

أحمد: أنَّه لا يباع فَلْس بفَلْسين، ولا سكِّينٌ بسكِّينين، ولا إبْرة بإبْرتَين، معلِّلاً: بأنَّ أصل ذلك الوزن

(1)

.

ونصَّ في رواية جماعةٍ: أنَّه يُباع ثَوبٌ بثَوبين، وكِساءٌ بكساءَين

(2)

، فنقل في «المجرَّد» حكم كلٍّ إلى الأخرى، فجعل

(3)

فيهما جميعًا روايتين.

اختار ابنُ عَقيلٍ وغيره: المنْعَ؛ اعتبارًا بأصله، واختار في «المغني» وغيره: الجوازَ؛ نظرًا للحال، وظاهر «التَّعليق» و «الجامع»: حمل النَّصِّ على اختلاف حالَين.

(وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ إِلاَّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَكُلِّ مَطْعُومٍ) للآدَمِيِّ، نقلها جماعةٌ

(4)

؛ لِمَا روى معمر

(5)

بن عبد الله: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطَّعام بالطَّعام، إلاَّ مِثْلاً بمثلٍ» رواه مسلمٌ

(6)

.

فعليها

(7)

، وعلى الثَّالثة: العِلَّةُ في النَّقدَين: الثَّمنيَّةُ، وفي غيرهما: كونه مطعومَ جنسٍ، فيختصُّ بالمطعومات؛ لأنَّ

(8)

الطُّعْمَ وصْفُ شَرَفٍ؛ إذ به قِوَام الأبدان، والثَّمنيَّة وصفُ شَرَفٍ؛ إذ به قِوَام الأموال، فاقتضى التَّعليل

(9)

ذلك؛ إذ لو كانت العِلَّةُ الوزْنَ؛ لَمَا جاز إسلامُها في الموزونات.

فعليها: يجري في كلِّ مطعومٍ، قوتًا كان، أو أُدْمًا، أو فاكهةً، أو دواءً،

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2889، زاد المسافر 4/ 180.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2889، مسائل ابن هانئ 2/ 17.

(3)

في (ح): فيجعل.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2650، الروايتين والوجهين 1/ 316.

(5)

في (ح): يعلى.

(6)

أخرجه مسلم (1592)، بنحوه.

(7)

في (ح): فعلمها.

(8)

في (ح): ولأن.

(9)

في (ق): التعدي.

ص: 219

ويُسْتَثْنَى منه: الماءُ على ما قطع به الأكثر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البَقَرَة: 249].

وجوابُه: بأنَّه لا يجري فيه؛ لإباحته في الأصل، وبأنَّه لا يتموَّل عادة، وفيه نظرٌ؛ إذ العِلَّة عندنا ليست هي الماليَّةَ.

(وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ

(1)

إِلاَّ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا)، اختارها

(2)

المؤلِّف والشَّيخ تقيُّ الدِّين

(3)

؛ لِمَا روى سعيدُ بن المسيِّب مرفوعًا: «لا رِبَا إلاَّ فيما كِيلَ أو وُزِنَ، ممَّا يُؤْكَلُ ويُشْرَبُ» رواه الدَّارَقُطْنيُّ، وقال: الصَّحيحُ أنَّه من قَول سعيدٍ، ومن رَفَعَه فقد وَهِم

(4)

، ولأنَّ فيه جمْعًا بين الأدلَّة، فنهيُه عن بيع الطَّعام بالطَّعام إلاَّ مِثْلاً بمثلٍ؛ محمولٌ على ما فيه مِعْيارٌ شرعِيٌّ، وهو الكيل أو الوزن

(5)

؛ إذ الطُّعْم بمجرَّده لا تتحقَّق

(6)

المماثلةُ به، ونهيُه عن بيع الصَّاع بالصَّاعَين؛ محمولٌ على المطعوم.

لكن يترجَّح الأوَّلُ؛ بأنَّ الطَّعام بعضُ أفراد الصَّاع، ويجاب بمخالفته

(7)

له في المفهوم، وهو مبنيٌّ على اعتبار مفهوم اللَّقَب، وهو

(8)

معتبَرٌ عندنا.

(1)

في (ظ): لا يجري.

(2)

في (ق): اختاره.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 470.

(4)

أخرجه الدارقطني (2834)، من طريق المبارك بن مجاهد، عن مالك، عن أبي الزناد، عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الدارقطني:(هذا مرسل، ووَهِم المبارك على مالك برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول سعيد بن المسيب مرسل)، والمبارك بن مجاهد المروزي ضعَّفه جماعة كقتيبة بن سعيد والحاكم وابن القطان وغيرهم، وأخرجه عبد الرزاق (14139)، ويحيى بن يحيى الليثي في موطئه (2/ 635)، والشيباني في موطئه (820)، جميعهم عن مالك مرسلاً. ينظر: لسان الميزان 6/ 455، الإرواء 5/ 193.

(5)

في (ح): والوزن.

(6)

في (ظ): يتحقق.

(7)

في (ح) و (ق): مخالفته.

(8)

في (ح): وهنا.

ص: 220

وما تقدَّم من أنَّ العلَّة هي الثَّمنيَّة فيهما؛ علَّةٌ قاصرةٌ لا يصحُّ التَّعليل بها في اختيار الأكثر، ونُقِضتْ طردًا بالفلوس؛ لأنَّها أثْمانٌ، وعكسًا بالحليِّ.

وأجيب: لعدم النَّقْديَّة

(1)

الغالِبة.

قال في «الانتصار» : يجب أن يقولوا إذا أنفقت

(2)

حتَّى لا يُتعامَل إلاَّ بها: أنَّ فيها الرِّبا؛ لكونها ثمنًا غالبًا.

فعليها: لا يجري في مطعومٍ لا يُكالُ ولا يُوزَن؛ كالرُّمَّان، والسَّفَرْجَل، والأُتْرُجِّ، ولا في غير مطعومٍ؛ كالأشنان، والحديد، ويجري في النَّقدين، تِبْرِهما ومضروبِهما، وجيِّدهما ورديئهما في قول الأكثر، كيفما كانا.

وعنه: لا تباع

(3)

صِحاحٌ بمكسَّرةٍ؛ لزيادته بالصِّناعة، ولا عمل عليها؛ لظواهر الأخبار.

(وَلَا يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا، وَلَا مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيْلاً)؛ لِمَا روى أبو هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الذَّهبُ بالذَّهب، وزْنًا بوزْنٍ، مِثْلاً بمثلٍ، فمن زاد أو اسْتزاد؛ فهو رِبًا» رواه مسلمٌ

(4)

، وروى أبو داودَ من حديث عُبادةَ مرفوعًا: «البُرُّ بالبُرِّ مُدَّينِ بمُدَّينِ، والمِلْحُ بالمِلْح

(5)

مُدَّينِ بمُدَّينِ، والشَّعيرُ بالشَّعير، مُدَّينِ بمُدَّينِ، والتَّمرُ بالتَّمر مُدَّينِ بمُدَّينِ؛ فمن زاد أو ازداد فقد أَرْبَى»

(6)

، فاعتبر الشَّارع المساواة في الموزونات وفي المكيلات

(1)

في (ح): التعدية.

(2)

في (ق): ابتعت.

(3)

في (ح): لا يباع.

(4)

أخرجه مسلم (1588).

(5)

قوله: (بالملح) سقط من (ق).

(6)

أخرجه أبو داود (3349)، والبيهقي في الكبرى (10542)، وأخرجه النسائي (4563)، من وجه آخر، وإسناده صحيح.

ص: 221

بالكَيل، فمن خالف ذلك؛ خرج عن المشروع المأمور به؛ إذ المساواة المعتبَرة فيما يحرم فيه التَّفاضُل هي المساواة في معياره الشَّرعيِّ، ولأنَّه متى باع رطْلاً من المكيل برَطْلٍ؛ حصل في الرَّطل الخفيف أكثر ممَّا يحصل من الثَّقيل، فيختلفان في الكيل، وإن لم يُتحقَّق التَّفاضل؛ إذ الجهل بالتَّساوي كالعلم بالتَّفاضُل، وكما لو باع بعضه ببعض جزافًا، إلاَّ إذا علم مساواته في معياره الشَّرعيِّ حالةَ العقد.

فرع: إذا باع صُبْرةً بأخرى من جنسها، وقد عَلِما كَيْلَهما، أو تساويهما؛ صحَّ؛ لوجود التَّماثل المشترَط، فلو قال: بِعتُك هذه بهذه، مِثلاً بمثلٍ، فكِيلَتا، فكانتا سواءً؛ صحَّ، فإن زادت إحداهما، فرضي صاحب النَّاقصة بها، أو رضي صاحب الزَّائدة بردِّ الفضل؛ جاز، فإن امتنعا فُسِخ البَيعُ بينهما، ذكره القاضي.

(فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ؛ جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، كَيْلاً، وَوَزْنًا، وَجزَافًا)؛ نَصَّ عليه

(1)

، وهو قول أكثر العلماء؛ لقوله عليه السلام:«فإذا اختلفت هذه الأصنافُ؛ فبِيعُوا كيف شِئْتُم، يدًا بيدٍ»

(2)

، ولأنَّه يجوز التَّفاضل فيه، فجاز جزافًا؛ كالمكيل بالموزون

(3)

.

ونصُّه: لا

(4)

، اختاره جماعةٌ، واحتجَّ القاضي وأصحابه: بنهيه عليه السلام في خبر جابِرٍ عن «بَيع الصُّبَر بالصبر

(5)

من الطَّعام لا يُدرى ما كيلُ هذا، وما كيل هذا»

(6)

؛ أي: مجازَفةً، وقياسًا على الجنس الواحد.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2646 - 2692، مسائل أبي داود ص 268.

(2)

أخرجه مسلم (1587)، من حديث عبادة رضي الله عنه.

(3)

في (ق): والموزون.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2645.

(5)

في (ح): الصبرة بالصبرة.

(6)

أخرجه مسلم (1530).

ص: 222

والأوَّلُ أصحُّ، ويحمل الخبر على الجنس الواحد؛ جمعًا بين الأدلَّة، ثمَّ

(1)

هو مخصوصٌ بالمكيل والموزون، فيُقاس عليه محلُّ النِّزاع، وقياسُهم على الجنسِ الواحد فاسِدٌ؛ لاشتراط التَّماثُل فيه بخلاف الجنسَين.

(وَالْجِنْسُ: مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا)، فالجنسُ هو الشَّامل لأشياءَ مختلفةٍ بأنواعها، والنَّوعُ: هو الشَّامل لأشياءَ مختلفةٍ بأشخاصها، وقد يكون النَّوعُ جنسًا، وبالعكس، والمراد هنا: الجنس الأخصُّ، والنَّوعُ الأخصُّ، فكلُّ نوعين اجتمعا في اسمٍ خاصٍّ؛ فهو جنسٌ.

ثمَّ مثَّله فقال: (كَالذَّهَبِ)، وأنواعُه: المصريُّ والأشرفيُّ، (وَالْفِضَّةِ)، أنواعها: الكاملُ والظَّاهريُّ، (وَالْبُرِّ)، وأنواعُه: الحَورانيُّ والبِقاعِيُّ، (والشَّعِيرِ)، وأنواعه: العربيُّ والرُّوميُّ.

وظاهر المذهب: أنَّهما جنسان؛ للنُّصوص.

وعنه: جنسٌ واحدٌ؛ لحديث مَعْمَر بن عبد الله

(2)

، ولا حجَّةَ فيه، مع أنَّه ينتقض عليهم بالذَّهب والفضَّة.

(وَالتَّمْرِ)، وأنواعُه: البَرْنِيُّ والمعْقلِيُّ، (وَالْمِلْحِ)، وأنواعه: البَيْروتِيُّ والحَورانِيُّ، قال

(3)

في «الطَّريق الأقرب» : والأبازيرُ جنسٌ.

(وَفُرُوعُ الْأَجْنَاسِ أَجْنَاسٌ؛ كَالْأَدِقَّةِ، وَالْأَخْبَازِ، وَالْأَدْهَانِ)؛ لأنَّ الفرع يَتْبَع الأصلَ، فلمَّا كانت أصولُ هذه أجناسًا؛ وجب أن يكون هذه أجناسًا؛ إلْحاقًا للفروع بأصولها.

فعلى هذا: دقيق الحنطة جنس، ودقيق الذُّرَة جنسٌ؛ لأنَّهما من جنسَين مختلفَين، وكذا البواقي.

(1)

قوله: (ثم) سقط من (ح).

(2)

أخرجه مسلم (1592).

(3)

في (ظ): قاله.

ص: 223

وذكر في «النِّهاية» تخريجًا: أنَّ الأدهانَ المائعةَ جنسٌ، وأنَّ الفاكهةَ

(1)

؛ كتُفَّاحٍ وسَفَرْجَلٍ؛ جنسٌ.

وحكم الخُلول كالأدهان.

وعنه: أنَّ خَلَّ التَّمر وخَلَّ العنب؛ جنسٌ.

والأدهان إن اختلفت مقاصدهما؛ كدهن

(2)

الورد، والبَنَفْسج، والزنبق

(3)

، والياسمين؛ واحدٌ؛ ولأنَّها شيرج، وإنَّما طُيِّبت بهذه الرَّياحين فنُسبت إليها.

(وَاللَّحْمُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ)، اختاره الأكثرُ، وهو المذهب؛ لأنَّها فروعُ أصولٍ هي أجناسٌ، فكانت أجناسًا؛ كالأخباز، فعلى هذا: الضَّأنُ والمعْزُ جنسٌ واحدٌ، وفي «المغني» احتمالٌ: أنَّهما

(4)

جنسان.

(وَعَنْهُ: جِنْسٌ وَاحِدٌ)، اختاره الخِرَقيُّ؛ لأنَّه يشمله اسمٌ واحدٌ، فكان جنسًا كالطَّلْع، ويرجِّحه «نهيُه عليه السلام عن بيع الطَّعام بالطَّعام إلاَّ مِثْلاً بمِثْلٍ»

(5)

، وهي كلُّها طعامٌ.

ويَنْتقض بعسل النَّحل والقَصَب، والحديثُ محمولٌ على ما إذا اتَّفق الجنس، مع أنَّ القاضيَ أنكر هذه الرِّوايةَ عن أحمدَ.

(وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ)، والأصحُّ: أنَّه يَختلف باختلاف أصوله.

وقال ابن عقيل: لبنُ البقر الأهليَّة والوحشيَّة جنسٌ واحدٌ على الرِّوايات كلِّها؛ لأنَّ اسم البقر شملهما

(6)

.

(1)

قوله: (الفاكهة) مكانه بياض في (ق).

(2)

قوله: (كدهن) مكانه بياض في (ق).

(3)

في (ح) و (ق): الزئبق. والزنبق: دهن الياسمين.

(4)

في (ق): أنها.

(5)

أخرجه مسلم (1592)، من حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه.

(6)

في (ح): يشملهما.

ص: 224

وفيه نظرٌ؛ لأنَّ لحمَهما جنسان، فكذا

(1)

لبنهما.

(وَعَنْهُ فِي اللَّحْمِ: أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ: لَحْمُ الْأَنْعَامِ، وَلَحْمُ الْوَحْشِ، وَلَحْمُ الطَّيْرِ، وَلَحْمُ دَوَابِّ الْمَاءِ)، اختارها القاضي في روايتَيه، وحمل كلام الخِرَقِيِّ عليه، وفيه بُعْدٌ، واحتجَّ بأنَّ لحم هذه الحيوانات تَختلف المنفعةُ بها، والقصدُ إلى أكلها، فكانت أجناسًا.

وضعَّفه في «المغني» ؛ لأنَّ كونها أجناسًا لا يُوجِبُ حصْرَها في أربعة أجْناسٍ، ولا نظير له.

وظاهِرُه: أنَّها لا تجري في اللَّبن.

وزاد في «الفروع» رابعةً: بأنَّها ثلاثة أجناسٍ: لحمُ أنعامٍ وطيرٍ

(2)

ودوابِّ الماء، لكن في «الكافي»: أنَّ الرِّوايات الثَّلاث ك «المقنع» .

ثمَّ قال: وفي الألبان من القولِ مثلُ ما في اللَّحم؛ لأنَّها من الحيوانات يتَّفق اسمها، أشبهت اللَّحم، وظاهر هذا: أنَّ الألبان يَجري فيها خلاف اللَّحم.

قال ابن المنجَّى: وهو أظهر؛ لاتِّحادها في المعنى. وفيه شيءٌ لامتناعه في بعضها.

تنبيهٌ: الدُّهنُ واللَّبنُ مكيلانِ، وقيل: اللَّبن موزونٌ، وفي جواز بيعه باللِّبَأ وجهان، وخصَّهما

(3)

القاضي: بما إذا مسَّت النَّارُ أحدَهما.

وذكر المؤلِّف والسَّامَرِّي: أنَّهما جِنسٌ واحدٌ، فيجوز بيع أحدهما بالآخَر متماثِلاً، لا متفاضِلاً، ولا بَعْد

(4)

أن تَمَسَّ

(5)

النَّارُ أحدَهما.

(1)

في (ق): وكذا.

(2)

في (ظ): طير وأنعام.

(3)

في (ح): وخصه.

(4)

في (ح): ولا بد.

(5)

في (ظ): يمس.

ص: 225

(وَاللَّحْمُ، وَالشَّحْمُ، وَالْكَبِدُ)، والقَلْب، والأَلْية:(أَجْنَاسٌ)؛ لأنَّها مختلفةٌ في الاسم والخِلْقة، فكانت أجناسًا؛ كبهيمة الأنعام، فعلى هذا: يجوز بيعُ جنسٍ بآخَر متفاضِلاً.

وقال القاضي: لا يجوزُ بيعُ اللَّحم بالشَّحم مطلقًا، إلاَّ

(1)

أن يتماثَلا.

والمذهبُ: الجوازُ؛ لأنَّهما جنسان كالنَّقدَين، فإن مُنع منه لكون اللَّحم لا يخلو من شحمٍ؛ لم يصحَّ؛ لكونه لا يظهر، وإن كان فيه شيءٌ؛ فهو غير مقصودٍ.

وقيل: الشَّحم والأَلْية جنسٌ

(2)

.

وأطلق في «الفروع» الخلاف فيهما.

مسألةٌ: اللَّحم الأبيض؛ كسمين

(3)

الظَّهر، واللَّحم الأحمر؛ جنسٌ واحدٌ على الأشهر، قاله القاضي وابن البنَّاء، وهو ظاهر كلام المؤلِّف.

وفي «المغني» : أنَّ ظاهر كلام الخِرَقيِّ: أنَّهما جنسان؛ لقوله: (اللَّحم لا يخلو من شحْمٍ)، قال: ولو لم يكن هذا شحمًا؛ لم يختلط لحمٌ بشحمٍ.

وفرَّع هو وصاحب «الشَّرح» على قوله: كلُّ أبيضَ من الحيوان يذوب بالإذابة ويصير دُهنًا جنسٌ واحدٌ، وصحَّحه في «المغني»؛ لقوله تعالى:{حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعَام: 146]، فاستثنى ما حملت الظُّهور من الشَّحم؛ لأنَّه يُشبِهُه في لونه وذَوْبه ومقصده؛ فكان شحمًا؛ كالذي في البطن.

وهل لحم رأسٍ جنسٌ برأسه كالطِّحال، أو نوعٌ من لحمِ جِنسه؟ فيه وجهان.

(1)

في (ح): لا.

(2)

في هامش (ظ): (والصحيح: أنهما جنسان).

(3)

في (ح): كمسين، وفي (ق): كمتن.

ص: 226

(وَلَا يَجُوزُ)؛ أي: لا يصِحُّ (بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ)، لا يختلف المذهب في ذلك، وهو قول الفقهاء السَّبعةِ؛ لِمَا روى مالكٌ، عن زيد بن أسْلمَ، عن سعيد بن المسيِّب:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللَّحم بالحيوان» ، قال ابن عبد البَرِّ: هذا أحسنُ أسانيده

(1)

، وقد رُوِيَ مسنَدًا من حديث ثابت بن زُهَيرٍ عن نافع عن ابن عمرَ، لكن قال أبو حاتم الرَّازي: ثابِتٌ منكَر الحديث

(2)

، وعن سعيد:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيِّ بالميت» ، ذكره أحمدُ واحتجَّ به

(3)

، ولأنَّه مال ربويٌّ بِيع بما فيه من جنسه مع

(1)

ينظر: التمهيد 4/ 322.

(2)

أما المرسل؛ فأخرجه أبو داود في المراسيل (178)، والدارقطني (3057)، والحاكم (2252)، والبيهقي (10570)، ورفعه يزيد بن مروان عن سهل بن سعد رضي الله عنه، كما عند الدارقطني (3056)، ويزيد ضعيف جدًّا، واتهمه ابن معين بالكذب، وقال ابن عبد البر عن رفعه:(وهذا حديث إسناده موضوع).

وأما الموصول الذي ذكره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: فأخرجه البزار (5888)، بلفظ:«نهى عن بيع اللحم بالحيوان» ، وفي سنده: ثابت بن زهير البصري، منكر الحديث كما قال البخاري وأبو حاتم والدارقطني، ورجح الدارقطني والبيهقي وابن الملقن وغيرهم إرساله، وله شاهد قوَّاه البيهقي وابن حجر، أخرجه البيهقي في الكبرى (10569)، من طريق الحسن عن سمرة مرفوعًا، قال البيهقي: (إسناد صحيح، ومن أثبت سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب عدَّه موصولاً، ومن لم يثبته فهو مرسل جيد يضم إلى مرسل سعيد بن المسيب، والقاسم بن أبي بزة، وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ينظر: الجرح والتعديل 2/ 452، التمهيد 4/ 323، البدر المنير 6/ 468، التلخيص الحبير 3/ 25.

(3)

أخرجه الشافعي في المسند (ص 250)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10572)، عن القاسم بن أبي بزة، قال: قال لي رجل من أهل المدينة، وذكره. وفي سنده: مسلم بن خالد الزنجي وهو صدوقٌ كثير الأوهام، وفي تعيين الرجل قال البيهقي:(والظاهر أنه غير ابن المسيب؛ لأن ابن المسيب أشهر من ألاَّ يعرفه القاسم بن أبي بزة المكي حتى يُسأل عنه)، قال العلائي:(ولو كان ابن المسيب ولم يكن يعرفه لسمي له باسمه ولم يقتصر على الثناء عليه)، وأخرج عبد الرزاق (14163) عن الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب:«أنه كَره أن يباع حي بميت» ، ورجاله ثقات. ينظر: جامع التحصيل ص 91، الإرواء 5/ 197.

ص: 227

جهالة المقدار؛ كالسِّمْسِم بالشَّيرج، وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: إذا كان مقصوده بالحيوان اللَّحم

(1)

.

(وَفِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ؛ وَجْهَانِ)، كذا في «المحرَّر» ، و «الفروع»:

أحدهما: لا يجوز، وهو ظاهر كلام أحمد والأكثر؛ لظاهر ما سبق، وعن ابن عبَّاسٍ:«أنَّ جزورًا نُحِرَت، فجاء رجل بعَناق، فقال: أعطوني جزءًا بهذا العَناق، فقال أبو بكر: لا يصلح هذا» رواه الشَّافعي

(2)

، وقال: لا أعلم مخالِفًا لأبي بكر في ذلك

(3)

.

والثَّاني: الجوازُ، اختاره القاضي؛ لأنَّه مالٌ ربويٌّ بِيع بغير أصله ولا جنسه؛ فجاز، كما لو باعه بنقْدٍ.

وبناهما في «الشَّرح» : على الخلاف في اللَّحم؛ هل

(4)

هو جنسٌ أو أجناسٌ؟

وعلى الجواز: يَحرُم بيعُه نسيئةً عند جمهور الفقهاء، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(5)

.

وهذا إنَّما هو في مأكولِ اللَّحم؛ كلحم بقرٍ بإبلٍ، فأمَّا غيره؛ فقال أبو الخَطَّاب: لا رواية فيه، وفيه وجهان: أظهرهما الجوازُ، صرَّح به القاضي وأبو الخَطَّاب.

والمنْعُ أورده ابن عَقِيلٍ في «التَّذكرة» مذهبًا، وهو احتمالٌ في «الفصول» ،

(1)

ينظر: جامع المسائل - المجموعة الثامنة ص 296.

(2)

أخرجه الشافعي في الأم 3/ 82، وعبد الرزاق (14165)، والبيهقي في الكبرى (10573)، قال الذهبي في المهذب 4/ 2061:(فيه واهيان)، وهما: الأسلمي وصالح مولى التوأمة.

(3)

ينظر: مختصر المزني المطبوع مع الأم للشافعي 8/ 16.

(4)

قوله: (هل) سقط من (ح).

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 35/ 420، الفروع 6/ 300.

ص: 228

والصَّحيحُ عنده: كقول الأكثر.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ، وَلَا بِسَوِيقِهِ

(1)

، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما مكيلٌ، ويشترط في بيع المكيل بجنسه التَّساوي، وهو متعذِّرٌ هنا؛ لأنَّ أجزاء الحَبِّ تنتشر بالطَّحْن، والنَّار قد

(2)

أَخَذت من السَّويق.

والثَّانية: الجواز؛ لأنَّ الدَّقيق نفس الحَبِّ، وإنَّما تكسَّرت أجزاؤه، فجاز بيع بعضها ببعضٍ؛ كالحَبِّ المكسَّر بالصِّحاح، فعليه: تعتبر

(3)

المساواة وزنًا؛ إذ التَّساوي لا يحصل بالكيل، وعلَّل أحمد المنْعَ: فإنَّ أصله كَيلٌ

(4)

.

قال في «الفروع» : (فيتوجَّه منه: بَيعُ مَكِيلٍ وزنًا وموزونٍ كَيلاً، اختاره شيخنا)

(5)

.

وعلى المنع: ما إذا أُبيع

(6)

بجنسه، فإن كان بغيره؛ جاز؛ لعدم اشتراط المماثلة بينهما.

وقال ابن أبي موسى: لا يجوز بيع سويق

(7)

الشَّعير بالبُرِّ في روايةٍ، ولعلَّه مبنيٌّ على أنَّهما جنسٌ واحدٌ.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ نِيئِهِ بِمَطْبُوخِهِ)؛ كالحِنطة بالهَرِيسة

(8)

، أو الخبز أو النشاء

(9)

ونحوها؛ لأنَّ النَّار تَعْقِد أجزاء المطبوخ وتَنفُخها

(10)

، فلا يحصل التَّساوي.

(1)

في (ق): سويقه.

(2)

في (ح): وقد.

(3)

في (ح): يعتبر.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4808.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 300.

(6)

في (ق): بيع.

(7)

في (ح): السويق.

(8)

في (ح): بالهرسة.

(9)

في (ح): والنشاء.

(10)

في (ظ): وتنفخهما.

ص: 229

فرعٌ: فرع الحنطة إذا جمع غيره؛ كالهريسة، والحريرة، والفالوذج، والسنبوسك؛ لا يجوز بيع بعضه ببعضٍ، ولا نوع بنوعٍ آخَرَ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منها

(1)

يشتمل

(2)

على ما ليس من جنسه، وهو مقصود؛ كاللَّحم في

(3)

الهريسة

(4)

، والعسل في

(5)

الفالُوْذَج، والماء والدُّهن في الحريرة، فلا تتحقَّق المماثلة.

فأمَّا بَيعُ الحِنطة، وما صُنِع منها بغيرها من الحبوب؛ فجائِزٌ؛ لعدم اشْتِراط المماثَلة فيهما.

(وَلَا أَصْلِهِ بِعَصِيرِهِ)؛ كزَيتون بزَيتٍ - وفيه نقل

(6)

مهنَّى: يكره

(7)

-، وسِمسمٍ بشيرج، وسائر الأدهان بأصولها، والعصير بأصله؛ كعصير العنب والرُّمَّان به؛ لأنَّه مال ربًا بيع بأصله الذي فيه منه، فلم يَجُزْ؛ كبيع اللَّحم بالحيوان.

(وَلَا خَالِصِهِ

(8)

بِمَشُوبِهِ)؛ كحنطةٍ فيها شعيرٌ بخالصة، أو لبنٍ مَشُوبٍ بخالصٍ؛ لانتفاء التَّساوي المشترَط، إلاَّ أن يكون الخلط يسيرًا؛ كحبَّات ويسير التُّراب، فإنَّه لا يمنع؛ لأنَّه لا يُخِل بالتَّماثُل.

وكذا بَيعُ اللَّبن بالكَشْك، ويتخرَّج: الجواز إذا كان اللَّبن أكثر من الذي في الكشك؛ بناءً على مُدِّ عَجْوةٍ.

(1)

في (ق): منهما.

(2)

في (ح): شمل.

(3)

في (ق): من.

(4)

قوله: (في الهريسة) في (ح): والهريسة.

(5)

في (ق): من.

(6)

قوله: (وفيه نقل) هو في (ق): ونقل.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 303.

(8)

قوله: (ولا خالصه) في (ح): وخالصه.

ص: 230

ولا يجوز بيع المشُوب بالمشُوب؛ كمسألةِ مُدِّ عَجْوةٍ.

(وَلَا رَطْبِهِ بِيَابِسِهِ)؛ كبيع الرُّطب بالتَّمر، والعنب بالزَّبيب؛ لِما روى سعد

(1)

بن أبي وقَّاصٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِل عن بَيْع الرُّطب بالتَّمر، قال:«أيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذا يَبِس؟» قالوا: نعم، فنَهَى عن ذلك، رواه مالِكٌ وأبو داودَ، وفي رواية الأَثْرَم قال:«فلا إذَنْ»

(2)

، نَهَى وعلَّل بالنُّقصان إذا يَبِس، وهو موجودٌ في كلِّ رطْبٍ بِيعَ بيابسه، ولأنَّه جنسٌ فيه الرِّبا، بِيع بعضه ببعضٍ على وجْهٍ ينفرِد أحدُهما بالنُّقصان، فلم يَجُز؛ كبيع المقليَّة بالنِّيئة، ولا يَلزَمُ بَيعُ الجديد بالعتيق؛ لأنَّ التَّفاوت يسيرٌ.

لكِنْ قال الخَطَّابِيُّ: (تكلَّم بعض النَّاس في إسْنادِ حديثِ سعدٍ، فإنَّ فيه أبا عيَّاشٍ، وهو ضعيفٌ، وفيه نَظَرٌ، فإنَّ مالكًا ذَكَرَه في «موطَّئِه»، وهو لا يَرْوِي عن مَتْروكِ الحديثِ)

(3)

.

(وَيَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِهِ بِدَقِيقِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النُّعُومَةِ)؛ لتساويهما في الحال على وجْهٍ لا ينفرِد أحدُهما بالنُّقصان في ثانيه، أشْبَهَ بَيعَ التَّمْر بالتَّمْر.

وقدَّم في «التَّبْصِرة» خِلافَه؛ لأنَّه يُعتَبَر تساويهما حالة الكمال، وقد فات ذلك بالطَّحْن.

(1)

في (ح): سعيد.

(2)

أخرجه مالك (2/ 624)، وأحمد (1544) وأبو داود (3359)، والترمذي (1225)، والنسائي (4545)، وابن ماجه (2264)، وابن حبان (5003)، ولفظة:«فلا إذن» عند أحمد، قال ابن حجر:(وقد أعله جماعة، منهم الطحاوي والطبري وأبو محمد بن حزم وعبد الحق، كلهم أعله بجهالة حال زيد أبي عياش، والجواب أن الدارقطني قال: إنه ثقة ثبت)، وقال المنذري:(اعتمده مالك مع شدة نقده)، وصحح حديثه جماعة من الأئمة، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه ابن المديني وابن حبان والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 24، بلوغ المرام (848)، الإرواء 5/ 199.

(3)

ينظر: معالم السنن 3/ 78.

ص: 231

وعلى الأوَّل: يباع بعضُه ببعضٍ كَيلاً؛ لأنَّ الحنطةَ مكيلةٌ.

وذكر القاضِي وزْنًا؛ لأنَّه أضْبطُ.

ورُدَّ: بأنَّه سلَّمه في السَّويق، والدَّقيقُ مثلُه، وشَرْطُه التَّساوي في النُّعومة؛ لأنَّهما إذا تفاوتا فيها في الحال؛ تفاوتا في ثانيه، فيصير كبيع الحَبِّ بالدَّقيق.

(وَمَطْبُوخِهِ بِمَطْبُوخِهِ)؛ كاللِّبَأ، والجُبْن، والأَقِطِ، والسَّمْن، بمثله متساوِيًا.

وقيل: إنِ اسْتويا في عمل النَّار.

فأمَّا الأَقِطُ بالأَقِطِ؛ فيعتبر تساويهما بالكيل، والجُبنُ ونحوُه بمثله؛ لأنَّه لا يمكن كيله أشبه الخبز.

وفيه احتِمالٌ: يباع السَّمْنُ بالكيل كالشيرج.

(وَخُبْزِهِ بِخُبْزِهِ إِذَا اسْتَوَيَا فِي النَّشَافِ)؛ لأنَّه إذا كان أحدُهما أكثرَ رطوبةً من الآخَر؛ لا يحصل التَّساوي المشترط، والاستواء في النَّشَاف راجِعٌ إلى المطبوخ والخبز إذا بِيعَ بمثله، وقد صرَّح به في «الشَّرحين» .

فعلى هذا: يعتبر التَّساوي في الخبز وزنًا؛ كالنَّشاء؛ لأنَّه يقدَّر به عادةً، ولا يمكن كيله، لكن إن يبس ودُقَّ وصار فتيتًا؛ بيع بمثله كيلاً؛ لأنَّه أمكن كيله، فرُدَّ إلى أصله.

وقال ابنُ عَقيلٍ: فيه وجْهٌ: يباع بالوزن؛ لأنَّه انتقل إليه.

(وَعَصِيرِهِ بِعَصِيرِهِ)؛ لأنَّهما متساويان في الحال على وجْهٍ لا يَنفرِد أحدُهما بالنَّقص، ويعتبر تساويهما في الكيل؛ لأنَّه يقدَّر به عادةً، فلو بيع بغير جنسه؛ جاز مطلقًا؛ لأنَّهما جنسان.

فلو باع عصيرَ شَيءٍ من ذلك بثُفْلِه؛ فإن كان فيه بقيَّةٌ من المستخرج

(1)

،

(1)

رسمت في (ح): كالمسترج.

ص: 232

كشيرج بكُسب

(1)

ونحوه؛ لم يَجُزْ إلاَّ على مسألة مُدِّ عَجْوةٍ، وإن لم يبقَ فيه شَيءٌ؛ جاز مطلَقًا.

(وَرَطْبِهِ بِرَطْبِهِ)؛ كالرطب والعنب بمثله، نصَّ عليه

(2)

، وهو المذهب.

وعنه: المنع، حكاها ابن الزاغوني، واختارها ابن شهاب وأبو حفص، وحمل عليه كلام الخرقي؛ لنصِّه عليه في اللحم؛ لأنَّه عليه السلام علَّل في بيع الرطب باليابس بالنقص

(3)

، وهو موجود في الرطبين؛ لأنَّهما ينقصان؛ إذ الجهل بالتساوي هنا كالعلم بالتفاضل.

والأول أصحُّ؛ «لنهيه عليه السلام عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل»

(4)

، والرطبان قد استويا في المثلية، فدخلا في عموم المستثنى، ولأنَّهما استويا في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقص، أشبه اللبن بمثله، وخرج منه بيع الرطب بالتمر.

وظاهره: أنَّ المعتبر: التساوي في الحال، ولا يضر الجهل به في ثاني الحال.

وعلى الثانية: يشترط حالاً ومآلاً.

ويُسْتَثْنى عليها: بَيع رُطَبٍ لا يجيء منه تمرٌ، أو عِنَبٍ لا يجيء منه زَبِيبٌ، فإنَّه يجوز بيعُه بمثله قبل جفافه؛ نظرًا إلى أنَّ كمال ذلك في حال رطوبته، وفساده في حال جفافه، قاله في «التَّلخيص» .

تنبيهٌ: ظاهر كلامه: أنَّه يجوز

(5)

بيع اللَّحم باللَّحم رطْبًا، ونصَّ عليه

(6)

.

(1)

قال في الصحاح 1/ 213: (الكُسب بالضم: عصارة الدهن).

(2)

ينظر: التعليقة 3/ 264.

(3)

سبق تخريجه 5/ 231 حاشية (2).

(4)

أخرجه مسلم (1592).

(5)

في (ق): لا يجوز.

(6)

ينظر: التعليقة 3/ 251.

ص: 233

ومَنَع منه الخِرَقِيُّ رطْبًا، اختاره أبو حَفْصٍ.

ويعتبر

(1)

نزع عظمه في قول الأكثر، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لتتحقَّق

(2)

المساواةُ، وكتصفية العسل.

واختار المؤلِّفُ خلافَه، وقال: هو ظاهر كلام أحمدَ في رواية حنبل؛ لأنَّ العظم تابِعٌ للَّحم من أصل الخِلْقة، أَشْبَهَ النَّوى في التَّمر، بخلاف الشَّمْع في العسل؛ لأنَّه من فعل النَّحل، لا من أصل الخِلْقة، وعلَّل في «الفروع» بأن قال: الشَّمْعُ مقصودٌ، وإلاَّ فمُدُّ عَجْوةٍ، والنَّوى في التَّمر غيرُ مقصودٍ، فهو كخُبزٍ بخُبزٍ، وخَلٍّ بخَلٍّ، وإن كان في كلٍّ منهما مِلْحٌ وماءٌ.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ)؛ لقول أنسٍ: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن المحاقَلة» رواه البخاريُّ

(3)

، والنَّهيُ يقتَضِي التَّحريمَ والفسادَ.

(وَهِيَ: بَيْعُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ بِجِنْسِهِ)؛ لأنَّ الحبَّ إذا بِيعَ بجنسه لا يُعلَم مِقْدارُه بالكَيل، والجهل بالتَّساوي كالعِلْم بالتَّفاضُل، وقَيَّد في «الفروع» وغيره الحَبَّ بالمشْتَدِّ

(4)

، ولم يقيِّده به آخَرون، ويوافِقُه قول أئمة اللُّغة: المحاقَلة: المفاعَلة من الحَقْل، وهو الزَّرع إذا تشعَّب قبل أن يغلظ سُوقُه

(5)

.

(وَفِي بَيْعِهِ بِ) مَكِيلٍ

(6)

(غَيْرِ

(7)

جِنْسِهِ وَجْهَانِ)، كذا في «الفروع»:

أحدُهما، وهو ظاهر «الوجيز»: لا يجوز؛ لعموم الخبر، ولأنَّ بيع زرع

(1)

في (ح): يعتبر.

(2)

في (ظ): ليتحقق، وفي (ق): لنتحقق.

(3)

أخرجه البخاري (2207)، وأخرجه البخاري (2186)، من حديث أبي سعيد، وأخرج مسلم النهي عن المحاقلة من حديث جابر (1536)، وأبي هريرة (1545) رضي الله عنهم.

(4)

زاد في (ظ): في سنبله. أشار إلى أنها حاشية.

(5)

ينظر: النهاية في غريب الحديث 1/ 416، المطلع ص 287.

(6)

في (ق): مكيل.

(7)

في (ح): بغير.

ص: 234

الحنطة بها إنَّما سُمِّي

(1)

محاقَلةً؛ لكونه في الحقل، وهذا المعنى موجود

(2)

في غيره ممَّا ذكر، يؤيِّده قول الأزهريِّ: الحقل: القَرَاح المزروع

(3)

.

والثَّاني: يجوز

(4)

؛ لأنَّ النَّهي لخوف التَّفاضُل المحرَّم، وهو مُنْتَفٍ في الجنسين.

(وَلَا) يجوز بَيعُ (الْمُزَابَنَةِ)؛ لقول ابن عمر: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن المزابَنة» متَّفَقٌ عليه

(5)

، وهي مفاعَلَةٌ من الزَّبْن، وهو الدَّفْع، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَزْبن صاحبَه عن حقِّه بما يزداد منه.

(وَهِيَ

(6)

بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُؤُوسِ

(7)

النَّخْلِ)، وقاله

(8)

ابن الأثير

(9)

، وفي «صحيح مسلمٍ» عن ابن عمر مرفوعًا:«أنَّه نهى عن المزابَنة» ، والمزابَنةُ: بيع ثمر

(10)

النَّخل بالتَّمر كَيلاً

(11)

.

وقال صاحب «المطالع» : هي والزَّبْن: بيعُ معلومٍ بمجهولٍ من جنسه، أو بيع مجهولٍ بمجهولٍ من جنسه

(12)

؛ إذ الزَّبن في اللُّغة: الدَّفْع الشَّديد، ومنه وُصفت

(13)

الحرب بالزَّبون؛ لشدَّة الدَّفع فيها، ومنه سُمِّي الشُّرَطيُّ: زبينًا؛

(1)

في (ق): يسمى.

(2)

في (ح): يوجد.

(3)

ينظر: الزاهر ص 137.

(4)

في هامش (ظ): (وهو المذهب مطلقًا).

(5)

أخرجه البخاري (2171)، ومسلم (1542).

(6)

في (ح): وهو.

(7)

قوله: (في رؤوس) في (ح): من رأس.

(8)

في (ح): قاله.

(9)

ينظر: النهاية في غريب الحديث 2/ 394.

(10)

في (ح): تمر.

(11)

أخرجه البخاري (2171)، ومسلم (1542).

(12)

ينظر: مطالع الأنوار 3/ 222.

(13)

في (ح): صفت.

ص: 235

لأنَّه يدفع النَّاس بشدَّةٍ وعُنْفٍ.

(إِلاَّ فِي الْعَرَايَا)، فإنَّها جائزةٌ في قول أكثر العلماء؛ لما روى أبو هريرة:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في العرايا» ، وكذا رواه زيد بن ثابتٍ، وسهل

(1)

بن أبي حَثْمةَ، متَّفقٌ عليهنَّ

(2)

، والقياس لا يَعمَل مع وجود النَّصِّ، والرُّخْصةُ استباحة المحظور مع قيام السَّبب الحاظر.

واختُلِف في معناها لغةً:

فقيل: هي نوعٌ من العطيَّة خُصَّت باسمٍ، لا بَيع.

وقال الجوهريُّ: العَريَّة: النَّخلة يعريها

(3)

رجلاً محتاجًا

(4)

فيجعل ثمرها له عامًا، فَعِيلةٌ بمعنى مفعولةٍ

(5)

.

وقال أبو عبيد: هي اسم لكلِّ ما أُفرد عن جملةٍ

(6)

، سواءٌ كان للهِبة، أو للبيع، أو للأكل.

وقيل: سُمِّيتْ به؛ لأنها معريَّة

(7)

من البيع

(8)

المحرَّم؛ أي: مخرَجةٌ

(9)

منه.

(1)

في (ح): شهل.

(2)

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري (2190)، ومسلم (1541)، وحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه البخاري (2192)، ومسلم (1539)، وحديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: أخرجه البخاري (2191)، ومسلم (1540).

(3)

في (ح): تعريها.

(4)

في (ح): مختلط.

(5)

ينظر: الصحاح 6/ 2424.

(6)

لم نجده في كتب أبي عبيد. وينظر: المطلع ص 288.

(7)

في (ق): تعريه في.

(8)

في (ح): المبيع.

(9)

في (ق): تخرجه.

ص: 236

(وَهِيَ

(1)

بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ)، فلو كان على وجْه الأرض؛ لم يَجُز؛ للنَّهي عنه، والرُّخصة وردت في بيعه على أصوله بحكم الأخذ شيئًا فشيئًا؛ لحاجة التَّفَكُّه، وقد رُوِي عن محمود بن لَبِيدٍ قال: قلت لزيد: ما عراياكم هذه؟ فسمَّى رجالاً محتاجين من الأنصار شَكَوْا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الرُّطب يأتي

(2)

ولا نَقْد بأيديهم يبتاعون به رُطَبًا، وعندهم فضول من التَّمر؛ فرخَّص لهم أن يبتاعوا العرايا بخَرْصها من التَّمر الَّذي في أيديهم يأكلونه رطبًا. متَّفقٌ عليه

(3)

.

(خَرْصًا)، لا أقلَّ ولا أكثرَ؛ لأنَّ الشارع

(4)

أقام الخَرْص مقام الكَيْل، فلا يُعْدَل عنه، كما لا يُعْدَل عن الكيل فيما يُشترَط فيه الكيل

(5)

.

(بِمِثْلِهِ مِنَ التَّمْرِ)، فلا يجوز بيعُها بخَرْصها رُطَبًا، ويُشترَط كون التَّمر مثل ما حصل به الخرص، من غير زيادةٍ ولا نُقْصانٍ؛ لِمَا رَوَى التِّرمذيُّ من حديث زَيدٍ: «أنَّه أذِنَ لأهل

(6)

العرايا أن يبيعوها بمثل خَرْصها»

(7)

.

(1)

في (ح): وهو.

(2)

في (ظ): تأتي.

(3)

لم يخرِّجاه، وتبع المصنفُ في ذلك ابنَ قدامة في الكافي 2/ 38، وإنما ذكره الشافعي معلقًا في الأم (3/ 54)، وعنه البيهقي في المعرفة (11273)، قال ابن عبد البر:(وروي عن محمود بن لبيد بإسناد منقطع) ثم ذكره، قال ابن عبد الهادي:(وهو وهم، فإن هذا الحديث لم يخرج في الصحيحين، بل ولا في السنن، وليس لمحمود بن لبيد رواية عن زيد في شيء من الكتب الستة، وليس هذا الحديث في مسند الإمام أحمد، ولا السنن الكبير للبيهقي، وقد فتشت عليه في كتب كثيرة فلم أر له سندًا)، وكذا ذكر ابن حجر أيضًا. ينظر: التمهيد 2/ 330، تنقيح التحقيق 4/ 51، التلخيص الحبير 3/ 81.

(4)

في (ح): المشارع.

(5)

في (ح): المكيل.

(6)

في (ق): لأجل.

(7)

أخرجه أحمد (21657)، والترمذي (1300)، وإسناده حسن، فيه: ابن إسحاق وهو صدوق، ووقع فيه وهم لابن إسحاق حيث جعل الحديث كله لزيد بن ثابت، والصواب أن النهي عن المحاقلة والمزابنة من حديث ابن عمر، والإذن في العرايا لزيد، قال ابن حجر:(ولم يفصل حديث بن عمر من حديث زيد بن ثابت، وأشار الترمذي إلى أنه وهم فيه، والصواب التفصيل)، وأما المتن فتابعه عليه أيضًا بمثل هذا اللفظ يحيى بن سعيد عن نافع، كما عند أبي عوانة (5472)، بسند صحيح. ينظر: الفتح 4/ 385.

ص: 237

(كَيْلاً)؛ أي: يكون التَّمرُ المشترَى به كَيلاً لا جزافًا؛ لقوله عليه السلام: «إنَّه رُخِّص في العرايا أن تباع بخَرصها كَيلاً»

(1)

، ولأنَّ الأصل اعتبار الكيل

(2)

من الجانبين، سقط في أحدهما، وأُقيم الخَرْصُ مقامَه؛ للحاجة، فيبقى الآخَرُ على مقتضى الأصل.

(فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ)؛ لِمَا روى أبو هريرة: «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص في العرايا أن تُباع بخَرْصها فيما دون خمسة أوْسُقٍ - أو خمسة أَوْسُقٍ -» متَّفقٌ عليه

(3)

، شكَّ داود بن الحصين أحد رواته، وهذا يَخُصُّ ما سبق من الأخبار.

فعلى هذا: لا يجوز في الخمسة في ظاهر المذهب؛ لوقوع الشَّكِّ فيها.

وعنه: بلى؛ نظرًا لعموم أحاديث الرُّخصة.

وأمَّا ما زاد عليها: فالمعروفُ المجزوم به: أنَّه لا يجوز، وحكاه بعضهم روايةً واحدةً.

(لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ)؛ لأنَّ ما أبيح للحاجة؛ لم يُبَح مع

(4)

عدمها؛ كالزَّكاة للمساكين، والرُّخَص في السفر

(5)

، (وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ)؛ أي: مع المشتري؛ لقوله: «ولا نقْدَ بأيديهم»

(6)

.

(1)

أخرجه البخاري (2192)، ومسلم (1539)، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.

(2)

في (ح): المكيل.

(3)

أخرجه البخاري (2190)، ومسلم (1541).

(4)

في (ح): ما.

(5)

في (ح): المسفر.

(6)

في حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه وسبق الكلام عليه 5/ 237 حاشية (3).

ص: 238

وظاهره: أنَّه لا يعتبر حاجة البائع، فإن احتاج إلى أكل التَّمر، ولا ثمن معه إلاَّ الرُّطب؛ فقال أبو بكرٍ والمجْدُ بجوازه، وهو بطريق التَّنبيه؛ لأنَّه إذا جاز مخالفة الأصل لحاجة التَّفكُّه؛ فلحاجة الاِقْتيات أَوْلَى؛ إذ القياس على الرُّخصة جائزٌ إذا فُهِمت العِلَّةُ.

وقال ابن عَقِيلٍ: من صُوَر الحاجة ما قاله ابن الزَّاغوني في «الوجيز» : إنَّه لا يُشترَط الأَوْسُقُ إذا كان المشتري هو الواهبَ بأن

(1)

شقَّ عليه دخول الموهوب له وخروجه في بُستانه، أو كره الموهوب له دخول البستان غيره، وهذا غريبٌ.

ونقل المؤلِّف عن القاضي وأبي بكرٍ: اشتراط الحاجة من البائع والمشتري، والذي قاله في «التَّنبيه»: أنَّه يُكتَفَى بالحاجة من أحد الجانبين، والقول باشتراطها من الجانبين قول ابن عقيلٍ.

وينبني على ذلك: أنَّه لو باع عَرِيَّتين من رجلين فيهما أكثرُ من خمسة أوْسُقٍ، فإن شرطنا الحاجة من الجانبين؛ لم يَجُز، ومن اكتفى بها من أحد الجانبين؛ ألغى جانب البائع، ولم يَعتَبِر إلاَّ المشتري، فيجوز للبائع أن يبيع خمسين وسْقًا في عقود متعدِّدةٍ بشرطه

(2)

.

ولا يجوز للمشتري أن يشتريَ أكثرَ من خمسة أوْسُقٍ، ولو في صفقتَينِ.

(وَيُعْطِيهِ مِنَ التَّمْرِ

(3)

مِثْلَ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ مَا فِي النَّخْلِ عِنْدَ الْجَفَافِ)، هذا في معنى الخَرْص، ومعناه: أن ينظر كم يجيء منه تمر، فيبيعها بمثله؛ لأنَّه يخرص في الزَّكاة كذلك، وهذا اختيار الأكثر؛ ارتكابًا لأخفِّ المفسدتين - وهو الجهل بالتَّساوي - دون أعظمهما، وهو العلم بالتَّفاضل.

(1)

في (ظ): فإن.

(2)

في (ح): بشرط.

(3)

في (ظ): الثمر.

ص: 239

(وَعَنْهُ: يُعْطِيهِ مِثْلَ رُطَبِهِ)؛ لظاهر الأحاديث

(1)

؛ لأنَّ الأصل اعتبار المماثَلة في الحال بالكيل، فإذا امتنع في أحدهما؛ تعيَّن في

(2)

الآخَر.

ويشترَط مع ذلك: الحلول والقبض في مجلس العقد، نَصَّ عليه

(3)

، قال في «الشَّرح»: ولا نعلم فيه خلافًا؛ لأنَّه بَيع تمرٍ بتمرٍ، فاعتبر فيه جميع شروطه، إلاَّ ما استثناه الشَّارع، ويختلف القبض فيهما، فما على النَّخلة بالتَّخلية، وفي التَّمر باكتياله.

فإن سلَّم أحدهما، ثمَّ مشيا وتسلَّم الآخَر؛ جاز.

وظاهره: أنَّه لا يشترط فيها

(4)

أن تكون موهوبةً لبائعها في قول الأكثر.

واختار الخِرَقيُّ وصاحب «التَّلخيص» : تخصيصها بالهبة، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية سِنديٍّ: العريَّة أن يَهَب الرَّجل للجار أو ابن العمِّ النَّخلةَ والنَّخلتَين ما لا تجب فيه الزَّكاة، فللموهوب له أن يبيعها بخرصها تمرًا

(5)

؛ للرِّفق.

(وَلَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، واختاره الأكثرُ؛ اقْتِصارًا على مَورِد النَّصِّ، وغيرها لا يساويها في الحاجة، وفي «التِّرمذيِّ» من حديث رافعٍ وسَهْلٍ مرفوعًا:«أنَّه نهى عن المزابَنة، التَّمر بالتَّمر إلاَّ أصحاب العَرايا، فإنَّه قد أَذِن لهم، وعن بيع العنب بالزَّبيب»

(6)

.

(1)

سبق تخريجها من حديث زيد بن ثابت وأبي هريرة وسهل بن أبي حثمة رضي الله عنهم في الصحيحين.

(2)

قوله: (في) سقط من (ظ) و (ح).

(3)

ينظر: الفروع 6/ 308، شرح الزركشي 3/ 482.

(4)

في (ح): فيهما.

(5)

ينظر: التعليقة 3/ 373.

(6)

أخرجه البخاري (2383)، ومسلم (1540)، والترمذي (1303).

ص: 240

والثَّاني: يجوز في سائر الثِّمار، وقاله القاضي؛ لأنَّ حاجة النَّاس إلى رَطْبِ هذه الثِّمار كحاجتهم إلى الرُّطب، فجاز كالنَّخل.

وأطلقهما

(1)

في «الفروع» .

قال ابن المنجَّى: والأوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّ الرُّخصة وردت في ثمر

(2)

النَّخل، وغيره لا يساويه في كثرة الاِقْتِيات به، وسهولة خرصه

(3)

، فيختصُّ الحكمُ به.

وقيل: يجوز في العنب؛ لقوَّة شَبَهه بالرُّطب، والاقتيات، والتَّفكُّه، وغيرهما متفرِّقة مستورة بالورق، فلا يتأتَّى خَرْصها، بخلاف الرُّطب والعنب، قال في «الفروع»: وجوَّزها شيخنا في الزَّرع

(4)

.

قال الزَّرْكشيُّ: وخرَّج أبو العبَّاس على ذلك: بيع الخبز باليابس في بَرِّيَّة الحجاز ونحوها، وكذلك بيع الفضَّة الخالصة بالمغشوشة؛ نظرًا للحاجة

(5)

.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جِنْسٍ فِيهِ الرِّبَا بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَمعَ

(6)

أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا؛ كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ)، هذا ظاهر المذهب، ونَصَّ عليه أحمدُ في مواضِعَ

(7)

، وتُسمَّى مسألة مدِّ عَجْوةٍ؛ لِمَا روى فَضالةُ بن عُبيدٍ قال: أُتِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقِلادةٍ فيها خَرَزٌ وذَهَبٌ ابْتاعَها رجلٌ بتسعة دنانيرَ أو بسبعةٍ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا، حتَّى تُميِّز

(8)

ما بينهما» قال: فردَّه، رواه أبو داودَ، وفي لفظٍ لمسلمٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بالذَّهب الَّذي

(1)

في (ح): وأطلقها.

(2)

في (ح): تمر.

(3)

في (ح): خرص، وفي (ق): خروجه.

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 351، الفروع 6/ 304.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 450، الاختيارات ص 188.

(6)

في (ح): وبيع.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2869، مسائل أبي داود ص 268.

(8)

في (ظ): يميز.

ص: 241

في القِلادة فنُزِع وحدَه، ثمَّ قال لهم:«الذَّهبُ بالذَّهب وَزْنًا بوَزْنٍ»

(1)

، ولأنَّ الصَّفقة إذا جمعت شَيئَين مختلفَيِ القيمةِ؛ انقسم الثَّمن على قدر قيمتهما، كما لو اشترى شِقْصًا وسيفًا، فإنَّ الشَّفيع يأخذ الشِّقص

(2)

بقسطه منه، وهذا يؤدِّي هنا إمَّا إلى العلم بالتَّفاضُل، أو إلى الجهل بالتَّساوي، وكلاهما مبطِلٌ للعقد، فإنَّه إذا باع درهمًا ومُدًّا يساوي درهمين، بمدَّين يساويان ثلاثة دراهمَ؛ كان الدَّرهم في مقابَلة ثلثَيْ مدٍّ، ويبقى مدٌّ في مقابَلةِ مدٍّ وثُلُثٍ، وذلك رِبًا.

فلو فُرِض التَّساوي؛ كمدٍّ يساوي درهمًا، ودرهم بمدٍّ يساوي درهمًا ودرهم؛ لم يَجُز، فإنَّ التَّقويم ظنٌّ وتخمينٌ، فلا نتحقَّقُ

(3)

معه المساواةَ، والجهلُ بالتَّساوي كالعلم بالتَّفاضُل.

فلو كانا من شجرةٍ واحدةٍ، أو زرعٍ واحدٍ ونقدٍ واحدٍ؛ فوجهان:

أحدهما: الجوازُ؛ لتحقُّق المساواة.

والثَّاني: المنعُ؛ لجواز أن يتغير

(4)

أحدهما قبل العقد، فتنقص

(5)

قيمتُه وحدَه، وصحَّح أبو الخطَّاب في «انتصاره» هذا الوجه، وعلَّله: بأنَّا لا نُقابِل مُدًّا بمدٍّ ودرهمًا بدرهمٍ، بل نُقابِل مُدًّا بنصف مدٍّ ونصف درهم، بدليل لو خرج مستحَقًّا؛ لاستردَّ ذلك، فالجهل

(6)

بالتَّساوي موجودٌ، وهذه هي طريقة القاضي وأصحابه.

وضعَّفها الشَّيخ زين الدِّين ابن رجبٍ، فقال: لأنَّ المنقسِمَ هو قيمة الثَّمن على قيمة المثمَن، لا أجزاء أحدهما على قيمة الآخَر.

(1)

أخرجه مسلم (1591)، وأبو داود (3351).

(2)

في (ح): بالشقص.

(3)

في (ظ): يتحقق.

(4)

في (ح): يتعين.

(5)

في (ق): بشقص.

(6)

في (ظ): والجهل.

ص: 242

وذهب جماعةٌ من أصحابنا: إلى المنع؛ سدًّا لذريعة الرِّبا، فإنَّ اتِّخاذ ذلك حيلةٌ على الرِّبا الصَّريح، كبيع مائة درهمٍ في كيس بمائتين؛ جعْلاً للمائة في مقابلة الكيس، وقد لا يساوي درهمًا.

(وَعَنْهُ: يَجُوزُ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنَ الذِي مَعَهُ غَيْرُهُ)؛ كمُدَّينِ بمُدٍّ ودرهمٍ، (أَوْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ)؛ كمُدٍّ ودرهمٍ بمدٍّ ودرهمٍ؛ جعْلاً لغير الجنس في مقابلة الجنس، أو في مقابَلة الزِّيادة.

وشرط السَّامَرِّيُّ وغيره فيها: التَّساوي؛ جعْلاً لكلِّ جنسٍ في مقابَلة جنسه، وهذا أَوْلى من جعل الجنس في مقابَلة غيره، لا سيَّما مع اختلافهما في القيمة، وهذا إذا لم يكن حيلةً على الرِّبا.

وللأصحاب طريقةٌ ثانيةٌ، وهو: أنَّه لا يجوز بيع المحلَّى بجنسِ حِلْيته قولاً واحدًا، وفي بيعه بنقدٍ آخَرَ روايتان، ويجوز بيعه بعرْضٍ روايةً واحدةً.

فأمَّا ما لا يُقصد عادةً، ولا يباع مفرَدًا؛ كتزويق الدَّار؛ فلا يمنع من البيع

(1)

بجنسه اتِّفاقًا

(2)

.

(وَإِنْ بَاعَ نَوْعَيْ جِنْسٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ؛ كَدِينَارٍ قُرَاضَةً

(3)

؛ أي: قطع الذَّهب، (وَصَحِيحٍ بِصَحِيحَيْنِ؛ جَازَ، أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ

(4)

، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ)، اختاره في «المغني» ، و «التَّرغيب» ، و «الوجيز» ؛ لأنَّ الشَّارعَ اعْتَبَر المثليَّةَ في ذلك، فدلَّ على الإباحة عندها، وهي في الموزون وزنًا، وفي المكيل كَيلاً، والجَودةُ ساقطةٌ هنا، أشبه ما لو اتَّفق النَّوعُ.

(1)

في (ح): المبيع.

(2)

ينظر: المبسوط 12/ 181، شرح التلقين 2/ 252، نهاية المطلب 5/ 88، المغني 4/ 30.

(3)

قال في المطلع ص 289: (القراضة: بضم القاف: قطع الذهب والفضة، يجوز نصبه على التمييز، وجره بالإضافة، أو على الصفة، والدينار منون على الأول والثالث).

(4)

ينظر: المغني 4/ 30.

ص: 243

(وَعِنْدَ الْقَاضِي)، وقدَّمه في «المحرَّر»:(هِيَ كَالتِي قَبْلَهَا)؛ أي: كمسألةِ مُدِّ عَجوةٍ؛ لأنَّ الثَّمن ينقسم على عِوَضه على حسب اختلافه في قيمته.

والأوَّلُ أصحُّ؛ إذ الثَّمن إنَّما ينقسم على المعوَّض فيما يشتمل على جنسين، أو في غير الرِّبويَّات، بدليل ما لو باع بنوعٍ مشتمِلٍ على جيِّدٍ ورديءٍ.

ولم يرجِّح في «الفروع» شيئًا.

وعنه: يُمنَع في النَّقد ويجوز في الثَّمن، نقله أحمدُ بن القاسم

(1)

؛ لأنَّ الأنواع في غير الأثمان، يكثر اختلاطُها

(2)

ويشُقُّ تمييزُها، فعُفِي عنها، بخلاف الأثمان.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمَا نَوَاهُ فِيهِ)؛ لاِشْتِمال أحدهما على ما ليس من جنسه، وكذا لو نَزَع النَّوى، ثمَّ باع النَّوى والتَّمرَ بنوًى وتمرٍ؛ لأنَّ التبعية

(3)

قد زالت، فصار كمُدِّ عَجوةٍ، فلو كانا منزوعَي النَّوى؛ جاز، كما لو كان في كلِّ واحدٍ منهما نواةٌ.

(وَفِي

(4)

بَيْعِ النَّوَى بِتَمْرٍ فِيهِ النَّوَى، وَاللَّبَنِ بِشَاةٍ ذَاتِ لَبَنٍ، وَالصُّوفِ بِنَعْجَةٍ عَلَيْهَا صُوفٌ؛ رِوَايَتَانِ):

إحداهما: يجوز، نقلها ابنُ منصورٍ

(5)

، وقدَّمها في «المحرَّر» ، وجزم بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّ النَّوى في التَّمر غيرُ مقصودٍ، أشْبَهَ ما لو باع دارًا مموَّهٌ سقْفُها بذهبٍ؛ بذهبٍ.

(1)

ينظر: المغني 4/ 30.

(2)

في (ق): اختلافها.

(3)

في (ح): لتبعية.

(4)

في (ظ): وإن.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2859.

ص: 244

والثَّانيةُ: المنْعُ، نقلها ابنُ القاسم ومهنَّى

(1)

؛ لأنَّ النَّوى مَكِيلٌ، فيصير كمدِّ

(2)

عَجْوةٍ، والصُّوفُ واللَّبنُ كذلك.

ولم يرجِّح في «الفروع» شيئًا، وزاد: إذا باعه درهمًا فيه نُحَاسٌ؛ بنُحاسٍ، أو بمثله.

وذَكَر في «الشَّرح» : الجوازَ في الصُّوف واللَّبن عن ابن حامِدٍ، وسواءٌ كانت الشَّاةُ حيَّةً أو مُذَكَّاةً، ثمَّ علَّل المنْعَ: بأنَّه باع مال الرِّبا بأصله فيه منه

(3)

، أشْبه بيع اللَّحم بالحيوان.

والأوَّلُ أَوْلى، والفرق: أنَّ اللَّحم في الحيوان مقصودٌ، بخلاف اللَّبن والصُّوف.

فإن كان اللَّبنُ من غير جنس لبن الشَّاة؛ جاز.

ويحتمل عدمه إذا قلنا: هو جنسٌ واحدٌ.

فلو كانت الشَّاةُ محلوبةَ اللَّبن؛ جاز بَيعُها بمثلها وباللَّبن وجْهًا واحدًا؛ لأِنَّ اللَّبن لا أثرَ له، ولا يقابله

(4)

شيءٌ من الثَّمن، أشْبَهَ الملح في الشيرج، وحبَّات الشَّعير في الحنطة.

لكن لو باع بُرًّا بشعيرٍ فيه من جنسه يقصد تحصيله؛ مُنِع على الأصحِّ.

فرعٌ: إذا باع نخلةً عليها تمرٌ بتمرٍ، أو بنخلةٍ عليها تمرٌ؛ لم يَجُز عند القاضي، واختار أبو بكرٍ خلافَه.

(وَالْمَرْجِعُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ: إِلَى عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِمَا روى عبدُ الملك بن عُمَيرٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «المكيالُ مكيالُ المدينة،

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 324.

(2)

في (ح): مد.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وعبارة المغني 4/ 31، والشرح 12/ 86: بأصله الذي فيه منه.

(4)

في (ح): ولا مقابلة.

ص: 245

والميزانُ ميزانُ مكَّةَ»

(1)

، وقوله يُحمَل على تبين

(2)

الأحكام، فما كان مكيلاً في زمنه انصرف التَّحريم بتفاضُل الكيل إليه، فلا يجوز تغييرُه، وكذا الموزون.

(وَمَا لَا عُرْفَ لَهُ بِهِ)؛ أي: بالحجاز؛ (فَفِيهِ وَجْهَانِ):

(أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ)، جزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّ ما لم يكن له عرفٌ في الشَّرع؛ فيرجع فيه إلى العرف؛ كالقَبض والحِرْز، فإن اختلفت البلاد؛ اعتُبِر الغالب، فإن لم يكن؛ تعيَّن الوجْهُ الآخَرُ.

(وَالآخَرُ: يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالْحِجَازِ)؛ لأنَّ الحوادِثَ تُرَدُّ إلى الأشبه بالمنصوص

(3)

عليه، قال في «المغني» و «الشَّرح»: هو القياس.

فائدةٌ: لو اقتسم الشُّركاءُ ما أصله الوزن كَيلاً، وبالعكس؛ جاز إن قلنا: هي إفرازُ حقٍّ، وإلاَّ بطل.

ويجوز التَّعامُل بكَيلٍ لم يُعهَد، قاله في «النِّهاية» و «التَّرغيب» .

(1)

أخرجه أبو داود (3340)، والنسائي (2520)، والبيهقي في الكبرى (7717)، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة» ، واختلف في صحابيه، فقيل ابن عمر، وقيل ابن عباس، ورجح أبو داود والدارقطني أنه من حديث ابن عمر، وصحح الحديث النووي وابن دقيق العيد وابن الملقن والألباني، ولم نقف على روايةِ عبد الملك بن عمير لهذا الحديث كما ذكر المصنف. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 595، العلل للدارقطني 13/ 126، البدر المنير 5/ 562، التلخيص الحبير 2/ 383، الإرواء 5/ 191.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي الممتع 2/ 496: تبيين، وفي الشرح الكبير 12/ 91: بيان.

(3)

في (ح): النصوص.

ص: 246

(فَصْلٌ)

(وَأَمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ)، يقال: النَّساء بالمدِّ هو التَّأخير، يقال: نسأْتُ الشَّيءَ وأنسأته: أخَّرْتُه.

ثمَّ أشار إلى معناه الخاصِّ هنا، فقال:(فَكُلُّ شَيْئَيْنِ)؛ أيْ: جِنسَينِ، (لَيْسَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا)، يحترِز به عمَّا إذا كان أحدُ العِوَضَين من الأثمان والآخَر من غيرهما؛ فإنَّه يجوز النَّساء بينهما بغير خلافٍ

(1)

؛ لأنَّ الشَّارع أرخص في السَّلَم، والأصلُ في رأس ماله النَّقدان، فلو حُرِّم النَّساء فيه؛ لَانسدَّ بابُ السَّلم في

(2)

الموزونات غالِبًا.

إلاَّ صرف فلوسٍ نافقةٍ بنقدٍ، فيُشترَط فيه الحلولُ والقَبضُ.

ونقل ابنُ منصورٍ: لا

(3)

، اختاره ابنُ عَقيلٍ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(4)

.

قال في «الرِّعاية» : في جواز السَّلم فيها بنقدٍ مقبوضٍ وجهانِ.

(عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ؛ كَالْمَكِيلِ بِالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ)، هذا على الصَّحيح من المذهب، ومن جعل العِلَّةَ الثَّمنيَّةَ والطُّعمَ، فيُمثِّل بالطُّعْم، ولم يَحْتَجْ إلى قوله: ليس أحدُهما ثمنًا؛ لأنَّ الثَّمنيَّةَ لا تتعدَّى إلى

(5)

غير النَّقدَين، ومن جعلها الوزنَ والطُّعمَ، أو هو والكيل؛ فيمثِّل بالتمر ونحوه.

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 85، الإجماع لابن المنذر ص 93.

(2)

في (ق): من.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2890.

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 468، الاختيارات ص 189.

(5)

في (ق): في.

ص: 247

(لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا)، بغير خلافٍ نعلمه، قاله في «الشَّرح»؛ لقوله عليه السلام في حديث أبي سعيدٍ:«ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز»

(1)

، ولقوله

(2)

عليه السلام: «البُرُّ بالبُرِّ ربًا

(3)

إلاَّ هاءَ وهاءَ» إلى آخره

(4)

، ومعناها على اختلاف لغاتها: خُذْ وهاتِ في الحال؛ ك «يدًا بيدٍ»

(5)

.

(وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ

(6)

؛ بَطَلَ الْعَقْدُ)، نَصَّ عليه

(7)

؛ لقوله عليه السلام: «إذا اختلفت هذه الأصناف

(8)

؛ فبيعوا كيف شئتم يدًا بيدٍ»

(9)

، والمرادُ به القَبضُ، ولأنَّهما مالانِ من أموال الرِّبا، عِلَّتُهما متَّفِقةٌ، فحرم التَّفرق قبل القبض؛ كالصَّرف.

(وَإِنْ بَاعَ مَكِيلاً) كالبُرِّ (بِمَوْزُونٍ) كاللّحم؛ (جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ)، روايةً واحدةً، قاله أبو الخَطَّاب؛ لأنَّ عِلَّتَهما مختلفةٌ، فلم يشترط القبض قبل التَّفرُّق؛ كالثَّمن بالمثمن.

وظاهر كلام الخرقي: وجوب

(10)

التَّقابُض، وصرَّح به ابن عبدوسٍ على رواية منع النَّساء، وهو ظاهر حديث عُبادةَ.

(وَفِي النَّسَاءِ رِوَايَتَانِ)، وكذا

(11)

في «الفروع» :

(1)

أخرجه البخاري (2177)، ومسلم (1584).

(2)

في (ح): وكقوله.

(3)

قوله: (ربًا) سقط من (ح) و (ق).

(4)

أخرجه البخاري (2176)، ومسلم (1584).

(5)

كما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أخرجه مسلم (1587).

(6)

في (ح): القبض.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2861، الروايتين والوجهين 1/ 333.

(8)

في (ق): الأشياء.

(9)

أخرجه مسلم (1587)، من حديث عبادة رضي الله عنه.

(10)

في (ح): في وجوب.

(11)

في (ح): كذا.

ص: 248

إحداهما: لا يجوز، اختاره الخِرَقِيُّ وصاحب «الوجيز» ؛ لأنَّهما من أموال الرِّبا، ليس أحدهما نقدًا، فحرم النَّساء فيهما؛ كالمكيل بمثله.

والثَّانية: يجوز

(1)

، قدَّمه في «المحرر» ؛ لأنَّهما لم يجتمعا في أحد وصفي علَّة ربا الفضل، أشبه الثِّياب بالحيوان.

وذكرهما

(2)

جماعةٌ فيما إذا اختلفا في العلَّة، أو كان

(3)

أحدهما غير ربويٍّ.

قال في «الشَّرح» : وعند من يعلِّل بالطُّعم لا يجيزه هنا وجهًا واحدًا.

(وَمَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ؛ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ، يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا) على المذهب؛ «لأِمْر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عَمْرٍو أن يأخذ على قلائص الصَّدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصَّدقة» رواه أحمدُ، والدَّارَقُطْنيُّ وصحَّحه

(4)

، وإذا جاز في الجنس الواحد؛ ففي الجنسين أَوْلَى.

قال في «الانتصار» : فإن قيل: لعلَّه ابتاع على بيت المال لا في ذمَّته؛ لأنَّه قضاه من الصَّدقة. قلنا: إنَّما

(5)

ابتاع في ذمَّته وللإمام ذلك للمصلحة،

(1)

في هامش (ظ): (وهو المذهب).

(2)

في (ق): وذكرها.

(3)

في (ق): وكان.

(4)

أخرجه أحمد (6593)، وأبو داود (3357)، والدارقطني (3054)، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا، وفي سنده: مسلم بن جبير وهو مجهول، ووقع في إسناده اضطراب، وقال ابن معين:(هذا حديث مشهور)، وقال ابن عبد الهادي:(وهذا الحديث قد اختلف في إسناده، وبعض رواته ليس بذاك المعروف)، وقوَّى سنده ابن حجر، وحسنه الألباني.

وأخرجه الدارقطني (3052)، والبيهقي في الكبرى (10529)، من طريق أخرى، وصححه البيهقي، وقال ابن عبد الهادي:(إسناد جيد). ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 22، الفتح 4/ 419، الإرواء 5/ 205.

(5)

في (ق): إما.

ص: 249

ويقضيه

(1)

من بيت المال.

وكذا أجاب ابن عَقِيلٍ: أنَّ الدَّين لا يَثْبُت إلاَّ في الذِّمَم، ومتى أطلقت الأعواض تعلَّقت بها، ولو عُيِّنت الدُّيون في أعيان الأموال؛ لم يصحَّ، فكيف إذا أطلقت.

فعلى هذا: قال بعض أصحابنا: الجنس شرطٌ محْضٌ، فلم يؤثِّر؛ قياسًا على كلِّ شرطٍ؛ كالإحصان مع الزِّنى.

(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ)، اختاره ابن أبي موسى وأبو بكرٍ؛ لِمَا روى الحسنُ عن سَمُرةَ مرفوعًا قال:«نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً» رواه الخمسة، وصحَّحه التِّرمذيُّ

(2)

، ولم يفرِّق بين الجنس والجنسين، ولأنَّه بَيعُ عرْضٍ بعرْضٍ، فحَرُم النَّساء فيهما؛ كالجنسين من أموال الرِّبا.

فعلى هذا: تكون علَّة النَّساء الماليَّةَ.

(1)

في (ظ): ويقضه، وفي (ق): ونقصه.

(2)

أخرجه أحمد (20143)، وأبو داود (3356)، والترمذي (1237)، والنسائي (4620)، وابن ماجه (2270)، والبيهقي في الكبرى (10532)، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه مرفوعًا، ورواية الحسن عن سمرة اختلف فيها على ثلاثة أقوال، ورجح ابن المديني، والبخاري أنه سمع منه مطلقًا، قال الترمذي:(حديث سمرة حديث حسن صحيح، وسماع الحسن من سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني، وغيره)، وضعف الحديث الشافعي والبيهقي، وقال ابن حجر:(هو حديث صالح للحجة)، وله شواهد لا تخلو من ضعف، منها: ما أخرجه ابن حبان (5028)، والدارقطني (3058)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن حجر:(ورجال إسناده ثقات إلا أن الحفاظ رجحوا إرساله)، وما أخرجه عبد الله بن أحمد (20942)، والطبراني في الكبير (2057)، من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه، وفيه حفص بن سليمان الأسدي وهو متروك الحديث مع إمامته في القراءة، وفي إسناد الطبراني: محمد بن الفضل بن عطية قال ابن حجر: (كذبوه). وما أخرجه الطبراني في الكبير (13998) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفي سنده: محمد بن دينار الطاحي وهو صدوق سيئ الحفظ. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 634، السنن الكبرى للبيهقي 5/ 472، تنقيح التحقيق 4/ 26، نصب الراية 4/ 47، الفتح 5/ 57.

ص: 250

وضعَّف في «المغني» ، وأقرَّه في «الشرح» هذه الرِّواية؛ لأنَّه إثبات حكمٍ يخالف الأصل بغير دليلٍ، مع أنَّ أحمدَ لا يصحِّح سماع الحسن من سَمُرَةَ، قاله الأثرمُ.

(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ كَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ، وَيَجُوزُ فِي الْجِنْسَيْنِ كَالثِّيَابِ بِالْحَيَوَانِ)؛ لحديث سَمُرةَ

(1)

، فإنَّه يدلُّ على المنع في الجنس الواحد بمنطوقه، وعلى الجواز في الجنسين بمفهومه، ولأنَّ الجنسَ أحدُ وَصْفَيْ عِلَّة

(2)

ربا الفضل، فمنع النَّساء كالكيل والوزن.

وليس بشيءٍ؛ لأنَّ الجنس شرطٌ لجرَيان ربا الفَضْل، أو محلٌّ في ذلك لا وصفٌ في العِلَّة.

وفيه رابعةٌ: أنَّه لا يحرم إلاَّ فيما بِيع بجنسه متفاضِلاً، اختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(3)

؛ لِمَا روى جابرٌ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَصلُح الحيوانُ بالحيوان اثنان بواحدٍ نسيئةً، ولا بأس به يدًا بيدٍ» رواه التِّرمذيُّ وحسَّنه

(4)

، ومفهومُه: جواز الواحد بالواحد، لكنَّه من رواية الحجَّاج بن أرطاةَ.

والأُولى

(5)

أصحُّ؛ لموافقتها

(6)

الأصل، والأحاديث المخالِفة لها لا يعتمد عليها، قاله أحمد

(7)

.

(1)

سبق تخريجه 5/ 250 حاشية (2).

(2)

في (ح): علته.

(3)

ينظر: الاختيارات ص 190.

(4)

أخرجه أحمد (14331)، والترمذي (1238)، وابن ماجه (2271)، وفي سنده: حجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وحسن الترمذي الحديث، وللحديث شواهد سبق تخريجها في حديث سمرة بن جندب السابق.

(5)

في (ظ): والأول.

(6)

في (ح): لموافقها.

(7)

ينظر: المغني 4/ 12.

ص: 251

فائدةٌ: حيث حرُم؛ فإن كان مع أحد العَرْضَينِ نقْدٌ، فإن كان وحده مؤجَّلاً؛ جاز؛ إذ لا نَساء بين الثَّمن والمثمن، ولو كان النَّقد حالًّا والعرضان أو

(1)

أحدهما نسيئة؛ لم يَجُزْ، نَصَّ عليه

(2)

؛ حذارًا من النَّسيئة في العروض.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ)، بالهمز فيهما، وبعض الرُّواة يتركه تخفيفًا، (وَهُوَ بَيْعُ الدَّينِ بِالدَّيْنِ)، وحكاه ابن المنذر إجماعًا

(3)

؛ لقوله: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالِئ بالكالئ» رواه أبو عبيد في «الغريب»

(4)

، وهو بيع ما في الذِّمَّة بثمنٍ مؤجَّلٍ لمن هو عليه.

(1)

قوله: (أو) سقط من (ح).

(2)

ينظر: الفروع 6/ 310.

(3)

ينظر: الإشراف 6/ 44.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (22127)، والطحاوي في شرح المعاني (5554)، والدارقطني (3060)، والحاكم (2342)، والبيهقي في الكبرى (10536)، في سنده: موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف، وما رواه عن عبد الله بن دينار أشد ضعفًا ونكارة، وهذا الحديث منها، وعده أحمد حديثًا منكرًا، ووقع في بعض طرقه: موسى بن عقبة وهو خطأ نبه عليه الدارقطني والبيهقي، وأخرجه الطبراني في الكبير (4375)، من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه نحوه، وفيه موسى بن عبيدة أيضًا، قال الشافعي:(أهل الحديث يوهنون هذا الحديث)، وقال أحمد:(ليس في هذا حديث يصح، لكن إجماع الناس أنه لا يجوز بيع دين بدين)، والحديث ذكره أبو عبيد في الغريب بدون إسناد. ينظر: غريب الحديث 1/ 20، علل الدارقطني 13/ 193، تهذيب الكمال 29/ 109، التلخيص الحبير 3/ 70.

ص: 252

(فَصْلٌ)

(وَمَتَى افْتَرَقَ الْمُتَصَارِفَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ، أَوِ افْتَرَقَا عَنْ مَجْلِسِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ مَالِهِ؛ بَطَلَ الْعَقْدُ)، تقدَّم أنَّ الصَّرف بيع الأثمان بعضها ببعضٍ، والقبض شرطٌ لصحَّة العقد؛ نَصَّ عليه

(1)

، ذكره الجماعة، وحكاه ابن المنذر إجماع مَنْ يحفظ عنه من أهل العلم

(2)

، ولقوله عليه السلام:«وبِيعُوا الذَّهب بالفضَّة كيف شئْتُم، يدًا بيدٍ»

(3)

.

والمجلِسُ هنا كمجلس الخيار في البيع، فلا يضرُّ طولُه مع تلازمهما، فلو مشيا إلى منزل أحدهما مصطحبَينِ؛ صحَّ.

وقبض الوكيل كقَبض موكِّلِه، بشرط قبضه قبل مفارقة موكِّله المجلس؛ لتعلُّقِه

(4)

بعينه، فلو فارَق المجلس؛ فسد الصَّرف وإن قبض الوكيل في المجلس، فلو مات أحدهما قبل القبض فسد؛ لعدم تمام العقد.

وقول المؤلِّف: (بَطَلَ العَقْدُ) يُوهِم وجود عقد ثُمَّ بطلانَه، وليس كذلك، بل القبض فيه بمنزلة القَبول لا يتِمُّ العقد إلاَّ به، ولهذا قال الخِرَقِيُّ: فلا بَيع بينهما.

وأمَّا قبض رأس مال السَّلم؛ فسيأتي في محلِّه.

(وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ) في المجلس، (ثُمَّ افْتَرَقَا؛ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ فِي أَحَدِ

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2861، الروايتين والوجهين 1/ 333.

(2)

ينظر: الإجماع ص 97.

(3)

أخرجه مسلم (1587)، من حديث عبادة رضي الله عنه بنحوه، وأخرجه الترمذي (1240)، بلفظ المصنف، ونحوه لأحمد (22729)، وأبي داود (3349).

(4)

في (ح): كتعلقه.

ص: 253

الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الآخَرِ

(1)

: يَبْطُلُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ

(2)

، لا صرف بينهما فيما لم يقبض؛ لفوات شرطه، وما قبض؛ ففيه وجهان، مبنيَّان على تفريق الصَّفقة، والمذهب هنا: البطلان، صرَّح به في «الوجيز» .

فلو صارف رجلاً دينارًا بعشرة دراهِمَ، وليس معه إلاَّ خمسةٌ؛ لم يَجُزْ تفرقهما قبل قبض العشرة، فإن قبض الخمسة، ثمَّ افترقا؛ فعلى ما سبق، فإن أراد صحَّة العقد؛ فسخا الصَّرف في النِّصف الَّذي ليس معه عِوَضُه، أو يفسخان العقد كلَّه ثمَّ يشتري منه نصف الدِّينار بخمسةٍ ويدفعها إليه، ثمَّ يأخذ الدِّينار كله، فيكون نصفه له، والباقي أمانةً في يده، ثمَّ يفترقان

(3)

.

فرعٌ: إذا تخايرا قبل القبض في المجلس؛ لم يبطل العقد؛ لأنَّهما لم يفترقا قبل القبض.

ويحتمل: أن يبطل إن قيل بلزوم العقد؛ لأنَّ العقد لم يَبقَ فيه خيارٌ قبل القبض كالفرقة.

وجوابه: أنَّ الشَّرطَ التَّقابُضُ في المجلس، وقد وُجِد.

(وَإِنْ تَقَابَضَا ثُمَّ افْتَرَقَا، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا مَا قَبَضَهُ رَدِيئًا فَرَدَّهُ؛ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي

(1)

قوله: (وفي الآخر) في (ح): والآخر.

(2)

في هامش (ظ): (وهو المذهب).

(3)

في هامش (ظ): (ولو صارفه فضة بدينار ونصف فأعطاه أكثر ليأخذ قدر حقه منه؛ فأخذه ولو بعد التفرق صح، والزائد أمانة نصًّا.

ولو صارفه خمسة دراهم بنصف دينار، فأعطاه دينارًا صح، وله مصارفته بعد ذلك بالباقي، ولو اقترض الخمسة وصارفه بها عن الباقي، أو صارفه دينارًا بعشرة فأعطاه خمسة، ثم اقترضها منه ودفع عن الباقي؛ صح بلا حيلة.

ومن عليه دينار فقضاه دراهم متفرقة، كل نقدة بحسابها من الدينار؛ صح وإلا فلا نصًّا.

ويتميز ثمن عن مثمن بباء البدلية مطلقًا، وقيل: إن كان أحدهما نقدًا فهو الثمن، وإلا تميز بالباء، وهو أظهر. ذكر ذلك شيخنا في التنقيح، وقد نقله من المغني).

ص: 254

إِحْدَى

(1)

الرِّوَايَتَيْنِ)، اختاره الخِرَقِيُّ وجمْعٌ؛ لأِنَّ قبضَ مال الصَّرف في المجلس شَرْطٌ، ولم يُوجَدْ؛ لتفرُّقهما قبل قبض المعقود

(2)

عليه.

وظاهر المتن

(3)

: أنَّه يشمل ما إذا كان العيب من جنس المعقود عليه؛ كالسَّواد في الفضَّة، والوضوح في الذَّهب، وما إذا كان من غير جنسه؛ كالرَّصاص في الفضة

(4)

ونحوه، والمذهب فيه: البُطْلان، وحمله في «الشَّرح» على الأخير.

وشَرَط في «المغني» كونَ العيبِ من الجنس.

قال ابن المنجَّى: يجب حمل لفظه هنا على ذلك إذا قلنا: قبض البدل يقوم مقام قبضه في مجلس الرَّدِّ، وإن قلنا: لا يقوم؛ فلا حاجة إلى التَّفصيل؛ لأنَّ البطلان مشترَكٌ بين المعنَيَيْنِ.

(وَالْأُخْرَى: إِنْ قَبَضَ عِوَضَهُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ؛ لَمْ يَبْطُلْ)؛ لأنَّ قبضَ عِوَضِه في مجلس الرَّدِّ يقوم مقام قبضه في مجلس العقد.

(وَإِنْ رَدَّ بَعْضَهُ، وَقُلْنَا: يَبْطُلُ فِي الْمَرْدُودِ؛ فَهَلْ يَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، بِنَاءً على تفريق الصَّفقة.

ثمَّ اعْلَم أنَّ الصَّرف يقع على ضَرْبَينِ:

أحدُهما: أن يبيع عَينًا بعَينٍ، ولو بوزنٍ متقدِّم، أو خبر صاحبه.

الثَّاني: أن يقع على موصوف في الذِّمَّة، كقوله: بعتك دينارًا مصريًّا بعشرة دراهم ناصرية، وقد يكون أحد العوضين معيَّنًا دون الآخَر.

وكلُّ ذلك جائزٌ، أمَّا الأوَّل: إذا تقابضا، ثمَّ وجد أحدهما عَيبًا فيما

(1)

في (ح): أحد.

(2)

في (ح): العقود.

(3)

في (ق): المغني.

(4)

قوله: (في الفضة) في (ح): والفضة.

ص: 255

قبضه؛ فينقسم إلى قسمين:

أحدهما: أن يكون العيب من غير

(1)

الجنس؛ فالصَّرف فيه باطلٌ، بناءً على أنَّ المعقود يتعيَّن

(2)

بالتَّعيين، وهذا هو المجزوم به عند الأصحاب؛ لأنَّ البدل متعذر

(3)

؛ لتعلُّق البيع

(4)

بالعين، قال في «المغني»: كقوله: بِعتُك هذا البغل، فإذا هو حمارٌ.

وعنه: يصحُّ، وله ردُّه وأخذ البدل.

وعنه: يقع لازِمًا، فلا ردَّ ولا بدل؛ تغليبًا للإشارة.

وعلى المذهب: إن ظهر البعضُ معيبًا؛ بَطَل العقد فيه، وهل يبطل في غيره؟ فيه قَوْلَا تفريقِ الصَّفقة.

الثَّاني: أن يكون من جنسه، فنقل ابن الحكم وجعفر

(5)

: بطلان العقد

(6)

، وجزم به في «الواضح» .

والأشهر: أنَّه يَثبت له الخيارُ بين الرَّدِّ والإمساك، قال الزَّرْكشي: بغير خلافٍ نعلمه، وفيه شيءٌ.

فإن اختار الرَّدَّ؛ بطل العقدُ، ولم يكن له أَخْذ البدل، كما لو كان المبيع عرْضًا؛ لأنَّ المبيع تعلَّق بعينه، فيفوت بفواته.

وإن اختار الإمساك؛ فله ذلك، وله أخذ الأرْش، كما نقله الشَّيخان، وصاحب «التَّلخيص»؛ لأنَّ قاعدة المذهب: أنَّه يجوز أَخذ الأرشِ مع القدرة على الرَّدِّ.

(1)

في (ح): عين.

(2)

في (ق): العقود تتعين.

(3)

في (ح): يتعذر.

(4)

في (ق): المبيع.

(5)

في (ق): وابن جعفر.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 310.

ص: 256

ومنع أبو الخَطَّاب من أخذ الأرش مطلقًا؛ لأنَّه زيادةٌ على ما وقع عليه العقد، سنده: امتناع أخذ الأرْش مع القدرة على الرَّدِّ على روايةٍ.

فعلى هذا: المذهب: أنَّه لا يجوز أخذ الأرْش من الجنس الواحد مطلقًا؛ لفوات المماثلة المشترَطة.

وخرَّج القاضي وجهًا: بالجواز في المجلس؛ نظرًا إلى أنَّ الزِّيادة طرأت بعد العقد.

وأبو الخَطَّاب صرَّح

(1)

بالجواز مطلقًا، فيدخل فيه الجنس والجنسان، وفي المجلس وبعده، وحكاه ابن عقيل قولاً في صورة تلف أحد العِوَضين.

ويجوز في الجنسين مطلقًا؛ أعني: في المجلس وبعده على ظاهر إطلاق الأكثر؛ لأنَّ الأرشَ عوضٌ عن الجزءِ الفائتِ في الثَّمن.

وفي «المغني» و «الفروع» : له أخذُ أرشِ العيب في المجلس وكذا بعده إن جَعَلا أرشه من غير جنس الثمن؛ لأنَّه لا يُعتبر قبضه فيه؛ كبيع بُرٍّ بشعيرٍ، فيجد أحدهما عيبًا؛ فيأخذ أرشه درهمًا بعد التَّفرُّق.

ونقل جماعةٌ: له ردُّه وبدلُه

(2)

، ولم يفرِّق في العيب.

الثَّاني: أن يكون على غير عينه، وهو الصَّرف في الذِّمَّة بصحيح

(3)

؛ لأنَّ المجلسَ كحالة العقد، فإذا وَجد أحدُهما بما قبضه عَيبًا؛ فله بدله، وله الإمساك؛ إذ قُصاراه الرِّضا بدون حقِّه، وله أخذُ الأرشِ في الجنسين، لا الجنسِ

(4)

على المذهب.

فإن تفرَّقا، والعيبُ من جنسه، وذكر جماعةٌ: أو غيره:

(1)

في (ق): خرج.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 310.

(3)

في (ح): تصحيح.

(4)

في (ح): لجنس.

ص: 257

فعنه: له بدلُه، وأخذ الأرشِ بعد التَّفرُّق.

وعنه: ليس له بدله، فيَفسخ أو يُمسك الجميع، ولا أرش بعد الفرقة.

ويُعتبر قبضُ البدل في مجلس الرَّدِّ، وذكر بعضهم: إن وُجد بعد التَّفرُّق، واختار الرَّدَّ؛ فهل يبطل العقد بردِّه؟ اختاره أبو بكرٍ؛ لوجود التَّفرُّق قبل القبض، أو لا يبطل، وله البدل في مجلس الرَّدِّ، وإن تفرَّقا قبله بطل العقد

(1)

في اختيار الخِرَقِيِّ، والخَلاَّل، والقاضي وأصحابه؛ لأنَّ القبض وقع صحيحًا؛ إذ بدله يقوم مقامه؟ فيه روايتان.

وفيه ثالثة: أنَّ البيع يقع لازمًا، وهو بعيد؛ لأنَّه يلزم منه إلزام العاقد بما لم يلتزمه.

فعلى الأولى: إن وجد البعض رديئًا فردَّه؛ بطل فيه، وفي الباقي

(2)

قولَا تفريق الصَّفقة.

وعلى الثَّانية: له بدلُ المردودِ في مجلس الرَّدِّ، وله الإمساك.

لكنْ إن طَلَب معه أخذَ الأرشِ؛ ففي «المغني» ، و «الشرح»: له ذلك على الثَّانية لا الأولى، وأمَّا على المحقَّق: فله ذلك في

(3)

الجنسين على الرِّوايتين.

(وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا هو المعمولُ به عند الأصحاب؛ لأنَّ ذلك عِوَضٌ مشارٌ إليه في العقد، فوجب أن يتعيَّن كسائر الأعواض، ولأنَّه أحد العوضين، فتعيَّن بالتَّعيين كالآخَر، ولأنَّ ما تعيَّن في الغصب والوديعة تعيَّن بالعقد كالعرْض.

ومعنى تعيينه

(4)

في الغصب: أنَّه إذا طُولِب به لزمه تسليمُه، ولا يجوز

(1)

في (ق): الرد.

(2)

في (ق): الثاني.

(3)

في (ق): من.

(4)

في (ق): تعينه.

ص: 258

العدول عنه.

وفي بعض روايات حديث عبادة: «عَينًا بعَينٍ»

(1)

، فيُستَدَلُّ به؛ إذ لو كان الذَّهب والفضَّة في الذِّمَّة؛ لم يكن عَينًا بعينٍ؛ لأنَّه إنَّما يكون بهذا الوصف إذا مُلِكت عينُ كلِّ واحدٍ منهما.

وفيه شيءٌ؛ إذ يلزم منه: ألاَّ يُباع الذَّهبُ بمثله إلاَّ عَينًا بعينٍ، وقد حُكِي الإجماعُ على خلافه

(2)

.

(فَلَا يَجُوزُ إِبْدَالُهَا)؛ لأنَّ العقدَ واقِعٌ على عينها.

(وَإِنْ وَجَدَهَا مَعِيبَةً؛ خُيِّرَ بَيْنَ الْإِمْسَاكِ وَالْفَسْخِ)؛ كالعِوَض الآخَر، وظاهره: أنَّه لا أرْش مع الإمساك، وهو كذلك.

(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يُمْسِكَ وَيُطَالِبَ بِالْأَرْشِ)؛ لأنَّه مَبِيعٌ

(3)

أشبه سائر المبيعات.

هذا إذا كان العَيبُ من جنس النُّقود، فإن كان من غير جنسها؛ بطل العقد إذا كان في جميعها

(4)

، وإن كان في بعضها؛ بطل فيه، وفي الباقي قَوْلَا تفريقِ الصَّفقة، ذكره في «الشَّرح» وغيره.

وفي «المغني» : لا أرشَ له مع الإمساك إذا وقع العقدُ على مثله؛ كالدَّراهم بمثلها؛ لأنَّ أخذَ الأرشِ يُفضي إلى التَّفاضُل المحرَّم.

وخرَّج القاضي وجهًا بجوازه في المجلس؛ لأنَّها زيادةٌ طَرَأت بعد العقد، وردَّه المؤلِّف.

(1)

هي عند مسلم (1587).

(2)

ينظر: شرح الزركشي 3/ 469.

(3)

في (ق): بيع.

(4)

في هامش (ظ): (والمذهب: الصحة في الجيد).

ص: 259

وإن وقع على غير مثله؛ كالدَّراهم والدَّنانير؛ فله أخذُ الأرشِ في المجلس، ولم يَحْكِ فيه خلافًا

(1)

، وعلَّله: بأن أكثر ما فيه حصول زيادة من أحد الطَّرَفَينِ، ولا يمنع ذلك في الجنسين، وإن كان بعد التَّفرُّق لم يَجُز لحصول الفرقة قبل القبض المعتبَر.

قال ابن المنجَّى: (فيجب حمل كلامه هنا على ما قاله في «المغني» ليطابِق)، وفيه شيءٌ.

(وَإِنْ خَرَجَتْ مَغْصُوبَةً؛ بَطَلَ الْعَقْدُ)؛ كالمبيع إذا ظهر مستحَقًّا.

وإذا تلف قبل القبض تلف من مال البائع، بناءً على المذهب من

(2)

أنَّ المتعيِّنَ لا يفتقر إلى قبضٍ.

(وَالْأُخْرَى: لَا تَتَعَيَّنُ

(3)

، وهي ظاهر نقل أبي داودَ

(4)

، وتأوَّلها القاضي، وأبى ذلك الجمهور؛ لأنَّه يجوز إطلاقها في العقد، ولا غرض

(5)

في أعيانها، وإنَّما الغرض

(6)

في مقدارها، فلم يتعيَّن

(7)

به؛ كالمكيال والميزان، وكما لو استأجر أرضًا ليزرعها حنطةً؛ فله زرع ما هو مثلُها، يؤكِّده قولُ الفراء

(8)

في قوله تعالى: الآية {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ

(20)} [يُوسُف: 20]: أنَّ الثَّمن ما يَثبُت في الذِّمَّة، ومن قال بالتَّعيين، لم يجعلها تثبُت في الذِّمَّة، وهي ثمنٌ قطْعًا.

(1)

أي: صاحب المغني 4/ 34.

(2)

في (ح): في.

(3)

في (ظ): (يتعين)، وفي (ح): لا يتبين.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 267.

(5)

في (ح): عرض.

(6)

في (ح): العرض.

(7)

في (ظ): يتعين.

(8)

في (ظ): القراء. وينظر: معاني القرآن للفراء 1/ 30.

ص: 260

(فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ)؛ أي: فله إبدالها مع عَيبٍ وغصبٍ، وإن تَلِفت قبل قبضها؛ فهي من مال المشتري.

مسائل:

منها: إذا نذر صدقةً بدرهم بعينه؛ لم يتعيَّنْ، ذكره القاضي وحفيده. وفي «الانتصار»: يتعيَّن، فلو تصدَّق به بلا أمره؛ لم يضمنه، ويضمنه على الأوَّل.

ومنها: يجوز اقتضاء أحد النَّقدين من الآخَر على الأصحِّ إن حضر أحدهما والآخر

(1)

في الذِّمَّة مستقِرٌّ، بسعر يومه، نصَّ عليه

(2)

؛ لخبر ابن عمر في بيع الإبل بالبقيع

(3)

، ويكون صرْفًا بعينٍ وذمَّةٍ، ومنع منه ابن عبَّاسٍ وجمْعٌ

(4)

.

وهل يشترط حُلولُه؟ فيها وجهان.

وإن كانا في ذمَّتَيهما فاصطرفا؛ فنصُّه

(5)

: لا يصحُّ، واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين جوازَه

(6)

.

ومنها: إذا كان له على آخَر دنانيرُ، فقضاه دراهمَ شيئًا فشيئًا؛ فإن كان يُعطيه كلَّ درهمٍ بحسابه من الدِّينار؛ صح، نصَّ عليه

(7)

.

وإن لم يفعل ذلك، ثمَّ تحاسبا بعد تصارفه بها وقت المحاسبة؛ لم يَجُزْ،

(1)

في (ظ): والأخرى.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2643.

(3)

سبق تخريجه 5/ 203 حاشية (2).

(4)

أخرجه ابن أبي شبية (21218)، وسعيد بن منصور كما في المحلى (7/ 453)، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أنه كره اقتضاء الذهب من الوَرِق، والوَرِق من الذهب» ، إسناده صحيح، وصححه ابن حزم.

(5)

في (ح): قبضه. وينظر الفروع 6/ 312.

(6)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 504، الفروع 6/ 312.

(7)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 16.

ص: 261

نصَّ عليه

(1)

؛ لأنَّه يصير

(2)

بيع دَينٍ بدينٍ.

وإن قبض أحدُهما من الآخَر ما له عليه، ثمَّ صارفه بعَينٍ وذمة

(3)

؛ صحَّ.

فلو أعطاه الدَّراهم شيئًا بعد شيء

(4)

، ولم يقضِه إيَّاها وقت دفعها إليه، ثمَّ أحضرها وقوَّماها؛ فإنَّه يُحْتَسَبُ بقيمتها

(5)

يوم القضاء لا يوم دفعها إليه؛ لأنَّها وديعةٌ في يده، فإن تلِفتْ، أو نقصت كان من ضمان مالكها على المشهور.

ومنها: لو كان له عند صَيرَفِيٍّ دنانيرُ، فأخذ منه دراهم إدرارًا ليكون هذه بهذه؛ لم يَجُزْ، فإن أرادا

(6)

المصارَفة أحضر أحدهما، واصطرفا بعَينٍ وذِمَّةٍ.

ومنها: المقبوض

(7)

بعقدٍ فاسدٍ؛ كالمقبوض في عقدٍ صحيحٍ فيما يرجع إلى الضَّمان وعدمه.

(وَيَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا يَحْرُمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ)؛ لقوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البَقَرَة: 275]، ولقوله عليه السلام:«من زاد أو ازداد؛ فقد أرْبَى»

(8)

، وهو عامٌّ، ولأنَّ ما كان محرَّمًا في دار الإسلام؛ كان محرَّمًا في دار الحرب، وكدار البغْيِ؛ لأنَّه لا يَدَ للإمام عليهما.

(1)

ينظر: مسائل صالح 3/ 234، المغني 4/ 37.

(2)

قوله: (يصير) سقط من (ق).

(3)

في (ح): وداة.

(4)

قوله: (شيء) سقط من (ح) و (ق).

(5)

في (ح): ذلك منها.

(6)

في (ح): أراد.

(7)

في (ح): القبوض.

(8)

أخرجه مسلم (1587)، من حديث عبادة رضي الله عنه، ومن حديث أبي سعيد رضي الله عنه (1584)، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1588).

ص: 262

وفي «عيون المسائل» : الباغي مع العادل

(1)

؛ كالمسلم مع الحربيِّ؛ لأنَّ كلًّا منهما لا يضمن مال صاحبه بالإتلاف، فهي كدار حربٍ، وردَّه في «الفروع» .

ونقل الميمونيُّ: أنَّه محرَّم إلاَّ بين

(2)

مسلمٍ وحربيٍّ لا أمان بينهما

(3)

، جزم به في «المستوعب» و «المحرَّر» ، وهو ظاهر «الوجيز» .

وعنه: لا يحرم في دار الحرب، ذكرها في «الموجز» ، وأقرَّها الشَّيخ تقيُّ الدِّين على ظاهرها

(4)

؛ لِما روى مكحولٌ مرفوعًا: «لا ربا بين المسلم وأهل الحرب في دار الحرب»

(5)

، ولأنَّ أموالَهم مباحةٌ، وإنَّما

(6)

حظرها الأمان في دار الإسلام، فما لم يكن كذلك كان مباحًا.

ورُدَّ: بأنَّه منتقِضٌ بالحربيِّ إذا دخل دار الإسلام، وبأنه خبرٌ مجهولٌ، لا يجوز أن يُترك به تحريم ما دلَّ عليه القرآن والسُّنَّة، وهو محرَّمٌ بين المسلمين ما لم يكن بينه وبين رقيقه، ولو مدبَّرًا، أو أمَّ ولدٍ مطلقًا، أو مكاتَبًا في مال الكتابة

(7)

.

(1)

في (ق): العاقل.

(2)

في (ح): من.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 292.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 292.

(5)

ذكره البيهقي في المعرفة (18169)، عن الشافعي، أن أبا يوسف احتج به لأبي حنيفة قال: لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول به، قال الشافعي:(ما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت، فلا حجة فيه)، وقال الزيلعي:(غريب)، وقال الألباني:(منكر). ينظر: نصب الراية 4/ 44، الضعيفة (6533).

(6)

في (ق): وأما.

(7)

في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 263

(بَابُ بَيْع الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ)

الأصول: جمع أصْلٍ، وهو ما يتفرع عنه غيره، والمراد به هنا: الأرَضون، والأشجار، والثِّمار: جمع ثَمَرٍ؛ كجبلٍ وجبالٍ، وواحد الثَّمَر: ثَمَرةٌ، وجمع الثِّمار: ثُمُرٌ؛ ككتابٍ وكُتُبٍ، وجمع ثُمُرٍ: أثْمارٌ؛ كعُنُقٍ وأعْناقٍ، فهو رابِعُ جْمعٍ.

(وَمَنْ بَاعَ دَارًا؛ تَنَاوَلَ الْبَيْعُ أَرْضَهَا)؛ أي: إذا كانت الأرض يصحُّ بيعُها، فإن لم يَجُز كسواد العراق؛ فلا، (وَبِنَاءَهَا)؛ لأنَّهما داخِلان في مسمَّى الدَّار، ولم يتعرَّض الأصحاب لذكر حريمها

(1)

، (وَ) تناوَل (مَا يَتَّصِلُ بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا؛ كَالسَّلَالِيمِ)، واحدُها: سُلَّمٌ، بضم السِّين وفتح اللاَّم المشدَّدة، وهو المِرقاةُ والدَّرَجة، ولفظه مأخوذ من السَّلامة، (وَالرُّفُوفِ المُسَمَّرَةِ

(2)

، وهو شرطٌ في السُّلَّم، وحُذِف منه؛ لدلالة الثَّاني عليه، (وَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ)، وحِلَقها، (وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةِ، وَالرَّحَى الْمَنْصُوبَةِ)؛ لأنَّه متَّصل بها لمصلحتها، أشبه الحِيطان.

وظاهره: أنَّ الخوابيَ إذا لم تكن مدفونةً، وحجر

(3)

الرَّحى إذا لم يكن منصوبًا؛ أنَّه لا يدخل فيها؛ لأنَّه منفصِلٌ عنها أشْبه الطَّعام.

وكذا يدخل فيها: المعدن الجامد. وعنه: والجاري؛ لأنَّه من أجزائها

(4)

، فهو كأحجارها، لكن لا يباع مَعدِنُ ذهبٍ بذهبٍ، ويباع بغير جنسه، فإن لم يَعلم به البائع؛ فله الخيار؛ لأنَّها زيادة لم يُعلم بها، هذا إذا

(1)

في (ق): حرمها.

(2)

في (ح): الوقوف المستمرة.

(3)

في (ق): ومجر.

(4)

في (ح): جزائها.

ص: 264

ملك الأرض بإحياءٍ أو إقطاعٍ، وإن كان ببيعٍ فوجهان.

(وَلَا يَدْخُلُ مَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا مِنَ الْكَنْزِ)، وهو المالُ المدفونُ، (وَالْأَحْجَارِ الْمَدْفُونَةِ)؛ لأنَّ ذلك مودَع فيها كالفُرُش والسُّتور

(1)

، (وَلَا المُنْفَصِلِ مِنْهَا

(2)

؛ كَالْحَبْلِ، وَالدَّلْوِ، وَالْبَكْرَةِ، وَالْقُفْلِ، وَالْفُرُشِ)؛ لأنَّ اللَّفظ لا يشمله، ولا هو من مصلحتها، أشْبَه المودَع فيها، وكذا حكم الرَّف الموضوع

(3)

على الوتد من غير سَمْرٍ ولا غَرْزٍ في الحائط.

(فَأَمَّا

(4)

مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِهَا)، وهو منفصِلٌ عنها؛ (كَالْمِفْتَاحِ، وَحَجَرِ الرَّحَى الْفَوْقَانِيِّ) إذا كان السُّفْلانِيُّ منصوبًا؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما، وهو الأَشْهَرُ: أنه لا يدخل؛ لأنَّ لفظ الدَّار لا يتناوَله، ولا هو متَّصل لمصلحتها، أشْبه القُفْل.

والثَّاني: بلى؛ لأنَّه لمصلحتها، أشْبَهَ المنصوب فيها.

وفي الشَّجر والنَّخل المغروس

(5)

فيها؛ احتِمالان.

فرعٌ: إذا كان فيها بئْرٌ، أو عَينٌ مستنبَطةٌ؛ فنفس البئر وأرض العين مملوكةٌ لصاحب الأرض، والماءُ غيرُ مملوكٍ على الأصحِّ.

(وَإِنْ بَاعَ أَرْضًا بِحُقُوقِهَا؛ دَخَلَ غِرَاسُهَا، وَبِنَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ)؛ لأنَّهما من حقوق الأرض، ويتبعان الأرض

(6)

من كلِّ وجْهٍ؛ لأنَّه يتَّخذ

(7)

للبقاء فيها، وليس لانتهائه مدَّةٌ معلومةٌ، والرَّهْن كالبيع.

(1)

في (ح): والمستور.

(2)

في (ق): عنها.

(3)

في (ح): والموضوع.

(4)

في (ح): إلا.

(5)

في (ح): والمغروس.

(6)

قوله: (ويتبعان الأرض) في (ح): وتبعا والأرض.

(7)

في (ق): متخذ.

ص: 265

(وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: بِحُقِوقِهَا؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أظهرُهما: يدخُلان

(1)

؛ لأنَّهما من حقوقها، وما كان كذلك فيدخل فيها بالإطلاق؛ كطُرُقِها ومنافعها.

والثَّاني: لا؛ لأنَّهما ليسا من الأرض، فلم يدخُلا كالثَّمرة، والفرق: أنَّها تُراد للنَّقل، وليست من حقوقها، بخلاف الشَّجر والبناء، وعلى هذا: للبائع تبقِيتُه.

وفي «التَّرغيب» : هل يتبعها في الرَّهن كالبيع إذا قلنا يدخل؟ فيه الوجهان؛ لضعفه، وكذا الوصيَّة والوقف ونحوهما.

فرعٌ: إذا باعه قريةً؛ لم تدخُل

(2)

مزارعُها إلاَّ بذكرها، وفي «المغني» و «الشَّرح»: أو قرينة، قال في «الفروع»: وهو أَوْلى؛ كالمساوَمة على أرضها.

ولا يدخُل زرعٌ ولا بذْرٌ، وحكم الغرس بين بنيانها

(3)

؛ حكم الغرس في الأرض على ما تقدَّم.

مسألة: إذا باعه بستانًا؛ دخل فيه الشَّجر؛ لأنَّه اسمٌ للأرض والشَّجر والحائط، بدليل أنَّ الأرض المكشوفة لا تُسمَّى به، ويدخل

(4)

فيه البناء كالشَّجَر، ذكره ابنُ عَقِيلٍ.

وقيل: لا؛ لعدم الاِفتقار إليه.

فإن باعه شَجَرًا؛ لم تدخل

(5)

الأرض، ذكره أبو إسحاق بن شاقلا؛ لأنَّ الاِسْمَ لا يتناوَلُها، ولا هي تَبَعٌ للمبيع

(6)

، فإن باعه شجرةً فله تبقيتها في

(1)

كتب في هامش (ظ): (وهو المذهب).

(2)

في (ظ): يدخل.

(3)

في (ح): في بنائها.

(4)

في (ح): ويدخله.

(5)

في (ظ): يدخل.

(6)

في (ق): للبيع.

ص: 266

أرض البائع، كالثَّمَر على الشَّجر، وفي «الرِّعاية»: تبقى

(1)

بالأجرة؛ إذ مغرسها

(2)

للبائع، قال أبو الخَطَّاب وغيره: ويثبت حقُّ الاختيار، وله الدُّخول لمصالحها

(3)

.

(وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ يُجَزُّ

(4)

مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى؛ كَالرَّطْبَةِ)، وهي الفِصَّة

(5)

، فإذا يبست فيقال لها: قَتٌّ، قاله أبو حَنيفةَ الدِّينَورِيُّ

(6)

، (وَالْبُقُولِ)، وهو ما يأكله النَّاس، (أَوْ تَتَكَرَّرُ

(7)

ثَمَرَتُهُ؛ كَالْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ؛ فَالْأُصُولُ لِلْمُشْتَرِي)؛ لأنَّ ذلك يُراد للبقاء، أشْبَه الشَّجَر، (وَالْجَزَّةُ الظَّاهِرَةُ، وَاللَّقْطَةُ الظَّاهِرَةُ مِنَ الْقِثَّاءِ وَالْبَاذِنْجَانِ لِلْبَائِعِ)؛ لأنَّه تُؤخَذ ثَمْرتُه مع بقاء أصله، أشبه ثمرة الشَّجرة المؤبَّرة، وسواءٌ كان ممَّا يبقى سنةً كهِنْدَباء، أو أكثر كرَطْبةٍ، لكن على البائع قطع ما

(8)

يَستحِقُّه منه في الحال، فإنَّه ليس له حدٌّ ينتهي إليه، فيطول زمنُه، فيخرج غير ما

(9)

كان ظاهِرًا.

(إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ)؛ لأنَّه لو اشترى شجرًا عليه ثَمَرٌ أُبِّر، واشترطه؛ كان له، فكذا هنا.

(1)

في (ظ): يبقى.

(2)

في (ح): يغرسها.

(3)

في (ح): لصالحها.

(4)

في (ق): يثمر.

(5)

قال في المطلع ص 278: (الرطبة، بفتح الراء وسكون الطاء: نبت معروف يقيم في الأرض سنين، كلما جز نبت، وهي القضب أيضًا، وهي الفِصْفِصة، بفاءين مكسورتين وصادين مهملتين، وتسمى عندنا في زمننا: الفِصَّة).

(6)

ينظر: المخصص 2/ 175.

(7)

في (ظ): تكررت.

(8)

قوله: (ما) سقط من (ظ) و (ق).

(9)

قوله: (غير ما) هو في (ق): غيره.

ص: 267

فإن كان ممَّا يؤخَذ زهرُه وتبقى عروقُه في الأرض؛ كالبَنَفْسَج ونحوه؛ فهو كالرَّطبة، وكذلك ورقه وأغصانه.

فأمَّا زهرته؛ فإن تفتَّحت؛ فهي للبائع، وإلاَّ فهي للمشتري.

واختار ابنُ عَقِيلٍ في هذا كلِّه: أنَّ البائع إن قال: بعتك هذه الأرضَ بحقوقها دخل فيها، وإلاَّ فوجهان كالشَّجر.

(وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لَا يُحْصَدُ إِلاَّ مَرَّةً؛ كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ)، والجَزَر، والفُجْل، والفُوم، وأشباه ذلك؛ (فَهُوَ لِلْبَائِعِ)؛ لأنَّه مودَعٌ في الأرض، فهو كالكنز والقماش، ولا نعلم فيه خلافًا

(1)

، (مُبْقًى إِلَى الْحَصَادِ)؛ لأنَّ ذلك هو العرف في نقله

(2)

، فحُمِل عليه؛ كالثَّمرة تباع بعد بُدُوِّ صلاحها.

وظاهره: أنَّه يبقى بغير أجرة؛ لأنَّ المنفعة حصلت مستثناةً، وعليه حصاده في أوَّل وقت أخذه حسب العادة، زاد في «المغني» و «الشَّرح»: ولو كان بقاؤه أنفعَ له، وقيل: عادتُه.

(إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ)؛ لأنَّه بمنزلة الثَّمرة الَّتي قد أُبِّرت، فعلى هذا: هو له، قصيلاً كان أو حبًّا، مستَتِرًا أو ظاهِرًا، معلومًا أو مجهولاً؛ لكونه دخل في البيع تَبَعًا للأرض، فلم يَضُرَّ جَهْلُه وعدم كماله.

تنبيه: حكم القصب الفارسيِّ كذلك؛ لأنَّ له وقتًا يُقطَع فيه، إلاَّ أنَّ العروق للمشتري؛ لأنَّها تُتْرَك في الأرض للبقاء فيها، والقصب كالثمرة

(3)

، فإن لم يكن ظهر منه شيءٌ؛ فهو للمشتري.

وقصب السُّكَّر كالزَّرع، وقيل: كالفارسيِّ، فإن حصده قبل أوان حصاده لينتفع بالأرض في غيره؛ لم يملك ذلك؛ لأنَّ منفعتها حصلت مستثناةً.

(1)

ينظر: المغني 4/ 57.

(2)

في (ظ): المعروف في قوله. والمثبت هو الموافق للممتع 2/ 507.

(3)

في (ح): كالثمر.

ص: 268

وعلى البائع تسوية الحُفَر؛ لأنَّه استصلاحٌ لملكه، فهو كما لو باع دارًا فيها دابَّةٌ كبيرةٌ لا تَخرُج إلاَّ بهدم الباب فهدمه، كان عليه الضَّمانُ. أصل: ما لم يدخُل في البيع من زرعٍ وحجَرٍ

(1)

ونحوه؛ فلربِّه

(2)

نقله، وعليه تسوية الحُفَر، وإن أبى النَّقل؛ فللمشتري إجباره على تفريغ ملكه وتسويته إن أضرَّ

(3)

عرقه بالأرض كقطن، وكذا إن لم يَضُرَّ، ويَنقُله بحسب العادة، فلا يلزَمه ليلاً، ولا جمْع الحمَّالين له.

فإن طالت مدَّةُ نقله - فذكر جماعةٌ فوق ثلاثة أيَّامٍ -؛ فعيبٌ يثبت له الخيار بين الفسخ والإمساك مع الأرْش، ولا أجرة مدَّة نقله. وقيل: مع العلم، وقيل: بلى.

وإن لم يَنضَرَّ مشترٍ ببقائه؛ ففي إجباره وجهان

(4)

.

مسألةٌ: إذا باع بَيتًا من دارٍ، وقال: بحقوقه؛ لم يصحَّ، وإن سَمَّى الطَّريقَ وعيَّنه؛ صحَّ، وإلاَّ فلا.

(1)

في (ق): ومجر.

(2)

في (ح): يلزمه.

(3)

في (ح): إذا ضر.

(4)

كتب في هامش (ظ): (أحدهما: له إجباره، قلت: وهو الصواب، والوجه الثاني: ليس له إجباره).

ص: 269

وقيل: إن أطلق الطَّريق، ولم يعيِّنه؛ صحَّ.

وقيل: إن كان المشتري في البيت؛ صحَّ، وإلاَّ فلا.

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ بَاعَ نَخْلاً مُؤَبَّرًا، وَهُوَ مَا تَشَّقَقَ طَلْعُهُ؛ فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ مَتْرُوكًا فِي رُؤُوسِ النَّخْلِ إِلَى الْجَدَادِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ)، كذا ذَكَرَه أكثرُ الأصحاب؛ لِمَا روى ابنُ عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من باع نخْلاً مؤبَّرًا؛ فثَمَرَتُها للبائع، إلاَّ أن يشترطها المبتاعُ» متَّفقٌ عليه

(1)

، وأصْلُ التَّأبير: التَّلقيح، وهو وضع الذَّكر في الأنثى، وليس بمرادٍ، ولهذا فسَّره بالتَّشقُّق؛ إذ الحكم منوطٌ به، وإن لم يُلقَّح؛ لصيرورته

(2)

في حكم عينٍ أخرى

(3)

، وإنَّما نَصَّ على التَّأبير؛ لملازمته التَّشقُّق غالبًا.

فعلى هذا: إذا وقع البيع على نخلٍ مثمِرٍ، ولم يشترط الثَّمَرة، وكانت مؤبَّرة؛ فهي للبائع، وإن كانت غير مؤبَّرةٍ؛ فهي للمشتري.

وعنه: الحُكْمُ مَنُوطٌ بالتَّأبير لا بالتَّشقيق

(4)

، وهو ظاهر الخبر، فبَعده للبائع، وقبله للمشتري، ذكره ابن أبي موسى، ونصره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(5)

، وهو المختارُ.

وعلى القول بأنَّها للبائع؛ لا يلزمه قطعُها في الحال؛ إذ التَّفريغ جارٍ على العُرْف، فيترك إلى تناهي حلاوته، إلاَّ أن تجريَ العادةُ بأخذه بسرًا، أو يكون بسره خيرًا من رُطَبه، فإنَّه يَجُدُّه حين استحكام حلاوة بسره، ولو كان بقاؤه

(1)

أخرجه البخاري (2204)، ومسلم (1543).

(2)

في (ح): ليصير وزنه.

(3)

في (ح): آخر.

(4)

في (ح): بالتشقق.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 86.

ص: 270

خيرًا له، كما سلف

(1)

.

وقيل: يلزمه قطْعُ الثَّمَرة؛ لتضرُّر

(2)

الأصل.

وهذا إذا لم يشرطه المبتاع، فإن شرطه؛ دخل، بخلاف وقْفٍ ووصيَّةٍ، فإنَّ الثَّمَرة تدخُل فيهما، نَصَّ عليه

(3)

، كفسخ لعيب

(4)

، ومقايَلةٍ في بَيعٍ، ورجوع أبٍ في هبةٍ، قاله في «المغني» .

ولم يتعرَّض المؤلِّف لبيان تأبير البعض، والنَّخلةُ الواحدة إذا أُبِّر بعضُها؛ فإنَّ الجميع للبائع اتِّفاقًا

(5)

.

فرعٌ: كلُّ عَقْدِ مُعاوَضةٍ يجري مجرى البيع: أنَّ الثمرة المؤبَّرةَ تكون لمن انتقل عنه الأصل، وغير المؤبَّرة لمن انتقل إليه.

وإن انتقل بغير عِوَضٍ فإنَّه في الفسخ يَتبع الأصلَ، سواءٌ أُبِّر أو لا، وفي الهبة والرَّهن يتبع قبل التَّأبير دون ما بعده.

فائدتان:

الأولى: طَلْع الفحَّال يراد للتَّلقيح كالإناث، وقيل: للبائع سواءٌ تشقَّق طَلْعُه أم لا.

الثَّانيةُ: يَصِحُّ شرط بائعٍ ما لمشترٍ، ولو قَبْل تأبير، ولبعضه، خلافًا لابن القاسم المالكيِّ

(6)

.

(وَكَذَلِكَ الشَّجَرُ إِذَا كَانَ فِيهِ ثَمَرٌ بَادٍ)؛ أي: ظاهِرٌ؛ (كَالْعِنَبِ، وَالتِّينِ،

(1)

في (ح): كما لو تلف.

(2)

في (ق): كتضرر.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 442، الإنصاف 12/ 159.

(4)

في (ح): بعيب، وفي (ق): عيب.

(5)

ينظر: بدائع الصنائع 5/ 164، الذخيرة 5/ 158، الحاوي 5/ 164، المغني 4/ 53.

(6)

ينظر: النوادر والزيادات 6/ 196.

ص: 271

وَالتُّوتِ، وَالرُّمَّانِ، وَالْجَوْزِ)؛ لأنَّ بُدُوَّ ذلك من شجره بمنزلة ظهور الرُّطَب من طَلْعه.

فإن اختلفا؛ قُدِّم قول بائع أنَّه بدا وظهر.

وفي «الفروع» : ويتوجَّه وجْهٌ من واهبٍ ادَّعى شرط ثوابٍ.

وقال القاضي: فيما يظهر من قشرين؛ كالجوز واللَّوز؛ إن تشقَّق الأعلى فهو للبائع، وإلاَّ فهو للمشتري.

(وَمَا ظَهَرَ مِنْ نَوْرِهِ)؛ أي: زَهْره على أيِّ لونٍ كان؛ (كَالمِشْمِشِ)، بكسر الميم الأولى، (وَالتُّفَّاحِ، وَالسَّفَرْجَلِ، وَاللَّوْزِ)، والإجَّاص، والخوخ؛ للبائع، وما لم يَظهَرْ فهو للمشتري.

وقال القاضي: ما يتناثَر نَوره؛ كتُفَّاح، - وفي «المغني»: وعِنَبٍ -؛ يمتنع دخوله بتناثُر نَوره، أي

(1)

: للبائع بظهور نَوره؛ لأنَّ الطَّلْع إذا تشقَّق كان كنَور الشَّجر.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأنَّ ما في الطَّلع هو عين الثَّمَر، بخلاف النَّور، فإنَّه يتساقط، والثَّمرُ غيرُه.

(وَمَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ)، واحدُه: كِمٌّ، وهو الغلاف، وأكثر ما يُستعمل في وعاء الطَّلْع؛ (كَالْوَرْدِ، وَالْقُطْنِ)، والبَنَفْسَج، والياسمين؛ أي: هو للبائع؛ لأنَّ خروجَه من أكمامه بمنزلة ظهور الثَّمَرة من الطَّلع.

(وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي)؛ لأنَّ ذلك يتبع الأصل، فوجب أن يكون للمشتري كالأصل.

(وَالْوَرَقُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ)؛ كالأغصان.

(وَيَحْتَمِلُ فِي وَرَقِ التُّوتِ

(2)

، وهو الفِرْصاد، قاله الأصْمَعيُّ، وقيل:

(1)

قوله: (كتفاح وفي «المغني»: وعنب يمنع دخوله بتناثر نوره؛ أي) سقط من (ح).

(2)

كتب في هامش (ظ): (والتوت بتاءين من فوق، وفي لغة: توث، بمثلثة في آخره، حكاها ابن فارس، لكن قال الجوهري: "ولا تقل توث"، ويقال له: مرقاد وفرصاد وفرصيد بالكسر فيهما وقيل: الاسمان لشجره، وقيل: لحمله، وقيل: للأسود منه الشامي، وباليونانية: مورا من أفضل الأشجار وأكثرها نفعًا؛ لأن دود القز يأكل ورقه فيصير في جوفه إبريسم).

ص: 272

الفِرْصاد اسمٌ للثَّمَرة، والتُّوت اسمٌ للشجرة

(1)

(الْمَقْصُودِ أَخْذُهُ: أَنَّهُ

(2)

إِنْ تَفَتَّحَ فَهُوَ لِلْبَائِعِ)؛ كالثَّمَرة؛ لأنَّه يُقصَد لتربية القزِّ، (وَإِنْ كَانَ حَبًّا)؛ أي: لم يتفتَّح

(3)

؛ (فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي).

هذا في المواضع التي عادتهم أخذ الورق، فإن لم يكن لهم عادةٌ؛ كان للمشتري؛ كسائر الورق.

(وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الثَّمَرَةِ)، أو تشقَّق طَلْع بعض النَّخل؛ (فَهُوَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لأنَّ الخبر دلَّ بمنطوقه على أنَّ المؤبَّر للبائع، وبمفهومه

(5)

: على أنَّ ما لم يُؤبَّرْ للمشتري.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْكُلُّ لِلْبَائِعِ)، وحكاه في «الانتصار» روايةً؛ لأنَّه لو لم يجعل له لأدَّى

(6)

إلى الإضرار بسوء المشارَكة؛ إذ الباطن يتبع الظَّاهر؛ كأساسات الحِيطان وكشجرةٍ.

وهذا الخلاف في النَّوع الواحد؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّه يتقارب

(7)

.

ولم يفرِّقْ أبو الخَطَّاب بين النَّوع والجنس، فلو أبَّر الكُلَّ إلاَّ نخلةً فأفردها

(1)

في (ح): (للشجر). ينظر: تهذيب اللغة 12/ 189، تحرير ألفاظ التنبيه ص 182.

(2)

قوله: (أنه) سقط من (ق).

(3)

قوله: (أي: لم يتفتح) هو في (ق): أو لم ينفتح.

(4)

ينظر: المغني 4/ 53.

(5)

في (ق): ومفهومه.

(6)

في (ظ): أدى.

(7)

في (ظ) و (ق): يتفاوت. والمثبت موافق للمغني 4/ 53، والشرح الكبير 12/ 159.

ص: 273

بالبيع؛ ففي أيِّهما له؛ وجهان

(1)

.

وفي «الواضح» : ما لم يَبْدُ من ثمره شجرةٌ لمشترٍ، وذكره أبو الخَطَّاب ظاهر كلامِ أبي بكرٍ؛ كحدوث طلعٍ بعد تأبيرها، أو بعضها، ذكره في «المغني» ؛ لأنَّه لا اشتباه لبُعْد ما بينهما، وظاهر كلام غيره: لا فَرْقَ.

فرعٌ: باع حائطَينِ، أبَّر أحدَهما؛ لم يتبعه الآخَر؛ لأنَّ لكلٍّ حكمَ نفسه.

(وَإِنِ احْتَاجَ الزَّرْعُ) المبقَى، (أَوِ الثَّمَرَةُ) المبقاة (إِلَى سَقْيٍ؛ لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِيَ)؛ لأنَّه لا يَلزَمه تسليم ذلك إليه؛ لكون أنَّ البائع لم يملكها من جهته، بخلاف ما لو كانت الثَّمرة للمشتري على أصل البائع، فإنَّه يلزمه السَّقيُ؛ لأنَّه يلزمه تسليمها إليه.

(وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَ الْبَائِعِ مِنْهُ)؛ لأنَّ ذلك ممَّا يبقى، فلزمه تمكينُه منه؛ كتركه على الأصول.

وظاهره: وإن أضرَّ بصاحبه، صرَّح به جماعةٌ؛ لأنَّه دخل في العقد على ذلك.

وظاهره: أنَّه إذا أراد سقيَها لغير حاجةٍ؛ فللمشتري منعه منه؛ لأنَّ سقيَه يتضمَّن التَّصرُّف في ملك غيره، والأصلُ المنعُ.

والمذهب: أنَّ لكلِّ واحدٍ السَّقْيَ من ماله لمصلحةٍ، فإن اختلفا في ذلك؛ رُجِع إلى قول أهل الخبرة.

(1)

كتب في هامش (ظ): (أحدهما: يكون ثمر هذه النخلة للمشتري، وهو الصحيح من المذهب، والوجه الثاني: لا يدخل في البيع، ويكون للبائع. انتهى والله أعلم).

ص: 274

(فَصْلٌ)

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا)؛ أي: بشرط التَّبقية، إجْماعًا

(1)

؛ لحديث ابن عمر، قال: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بيع الثِّمار قبل بُدُوِّ صلاحها، نهى البائع

(2)

والمبتاع» متَّفقٌ عليه

(3)

، والنَّهيُ يقتضِي الفسادَ.

(وَلَا الزَّرْعِ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لِما روى مسلمٌ عن ابن عمر: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنبل

(5)

حتَّى يبيضَّ ويأمَن العاهَةَ»

(6)

، وعن أنَسٍ مرفوعًا:«أنَّه نهى عن بيع الحبِّ حتَّى يشْتَدَّ» رواه أحمد والحاكم، وقال: على شرط مسلمٍ

(7)

.

(إِلاَّ بِشَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْحَالِ)، فيَصِحُّ إجْماعًا

(8)

؛ لزوال معنى النَّهي، وشرطه: أن يكون منتفَعًا به، ويُستَثْنى منه: الكُمَّثْرَى. وعنه: يجوز مع العزم على القطع.

فرعٌ: إذا اشترى نصف ثمرةٍ قبل بُدُوِّ صلاحها، أو نصف زرع

(9)

قبل

(1)

ينظر: الإشراف 6/ 24.

(2)

في (ح): للبائع.

(3)

أخرجه البخاري (2194)، ومسلم (1534).

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 274، مسائل ابن منصور 6/ 2625 - 9/ 4667.

(5)

رسمت في (ح): السفيل.

(6)

أخرجه مسلم (1535).

(7)

أخرجه أحمد (13613)، والترمذي (1228)، وأبو داود (3371)، وابن ماجه (2217)، وابن حبان (4993)، والحاكم (2192)، وقال الترمذي:(حسن غريب)، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن، وأصله في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه بغير هذا اللفظ. ينظر: البدر المنير 6/ 530.

(8)

ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 219.

(9)

في (ح): زراع.

ص: 275

اشتداده مشاعًا؛ لم يَجُزْ، سواءً اشتراه من واحدٍ أو أكثر، شرط القطع أو لا؛ لأنَّه لا يمكنه قطعه إلاَّ بقطع ملك غيره، فلم يَصِحَّ اشتراطُه.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّطْبَةِ)، وهي نبتٌ معروفٌ يقيم في الأرض سنين، وهي القَضْب أيضًا

(1)

، وتُسمَّى

(2)

الفِصْفِصة، بفاءَينِ مكسورتين

(3)

، وصادَينِ مهملتَينِ، (وَالْبُقُولِ)؛ كالنَّعناع والهِنْدَباء؛ لأنَّ ما في الأرض مستورٌ مغيَّب

(4)

، وما يحدث منه معدومٌ، فلم يَجُز بيعُه؛ كالذي يحدث من الثَّمَرة، (إِلاَّ بِشَرْطِ جَزِّهِ)؛ أي: بشرط القطع في الحال؛ لأنَّ الظَّاهر منه مبيعٌ معلومٌ لا جهالة فيه ولا غرر، أشبه ما جاز بيعُه من غيره.

(وَلَا الْقِثَّاءِ وَنَحْوِهِ)؛ كالخيار والباذِنْجان، (إِلاَّ لَقْطَةً لَقْطَةً)؛ لأنَّ الزَّائد على اللَّقطة ثمرٌ لم يخلَق

(5)

، فلم يَجُزْ بيعه

(6)

، كما لو باعه قبل ظهوره، (إِلاَّ أَنْ يَبِيعَ أَصْلَهُ)؛ لأنَّه إذنْ تَبَعٌ للأصل، أشبه الحملَ مع أمِّه، وأسَّ الحائط معه.

والأَوْلى ردُّ الاستثناء إلى الكلِّ؛ لأنَّه

(7)

إذا تعقَّب جُمَلاً يعود إلى كلِّها، خصوصًا مع اتِّحاد الحكم ومطابقته، فعليه: يجوز بيع الثَّمرة قبل بُدُوِّ صلاحها إذا أبيعت مع الشَّجر، والزَّرع قبل اشتداد حبِّه إذا أبيع مع الأرض، وكذا ما بعده.

ولا فرق بين كون الأصل صغارًا أو كبارًا، مثمِرًا أو غير مثمِرٍ؛ لأنَّه أصلٌ

(1)

في (ح): النضب أبيضًا.

(2)

في (ظ): ويسمى.

(3)

قوله: (مكسورتين) سقط من (ح).

(4)

في (ح): يغيب.

(5)

قوله: (ثمر لم يخلق) في (ح): هو لم يكن. وفي (ق): ثمر لم يمكن.

(6)

قوله: (بيعه) سقط من (ح).

(7)

قوله: (لأنه) سقط من (ح).

ص: 276

يتكرَّر فيه الثَّمرة، أشبه الشَّجر.

وقيل: لا يصحُّ، كما لو باعها لمالك الأصل في أحد الوجهين؛ لعموم الخبر؛ لأنَّه لا متبوع، فلا تابع

(1)

، فلو شرط القطع؛ صحَّ.

قال في «المغني» و «الشَّرح» : ولا يلزم الوفاء بالشَّرط؛ لأنَّ الأصل له، وهذا يقتضي أنَّ اشتراط القطع حقٌّ للآدَميِّ، وفيه نظَرٌ، بل هو حقٌّ لله تعالى.

والثَّاني: يصحُّ، وهو اختيار السَّامَرِّيِّ، وصاحب «التَّلخيص» فيه؛ لأنَّه اجتمع الأصل والثَّمرة للمشتري، أشبه ما لو اشتراهما معًا.

تنبيه: القُطْن ضَرْبانِ:

أحدهما: ما له أصلٌ يبقى في الأرض أعوامًا، فحكمه كالشَّجر.

الثَّاني: ما يتكرَّر زرعه كلَّ عامٍ، فحكمه كالزَّرع، فإن كان جَوْزه ضعيفًا رَطْبًا؛ لم يصحَّ بيعُه إلاَّ بشرط القطع كالزَّرع، وإن قَوِيَ واشْتَدَّ؛ جاز بيعُه بشرط التَّبقية، وإن بِيعَت الأرض؛ لم يدخل فيها إلاَّ أن يشترطه المبتاع.

(وَالْحَصَادُ، وَاللِّقَاطُ)، والجداد؛ (عَلَى الْمُشْتَرِي)؛ لأنَّ ذلك من مُؤْنة نقلها؛ كنقل الطَّعام المبيع، بخلاف أجرة الكيَّال والوزَّان، فإنَّها على البائع؛ لأنَّها من مؤنة تسليم المبيع إلى المشتري على البائع، وهنا حصل التَّسليم بالتَّخلية بدون القطع، بدليل جواز التَّصرُّف فيه، بغير خلافٍ علمناه

(2)

.

فإن شرطه على البائع؛ صحَّ، خلافًا للخِرَقِيِّ، قال في «الروضة»: ليس لقوله وجهٌ.

وفي الإرشاد: في صحَّته روايتان، فإن بطل؛ ففي العقد روايتان.

(فَإِنْ بَاعَهُ مُطْلَقًا)؛ أي: لم يَشترِط تبقيةً ولا قَطْعًا، وقيل: إطلاقه كشرطه،

(1)

كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 3/ 496:(ولا تابع).

(2)

ينظر: المغني 4/ 72.

ص: 277

قدَّمه في «التَّبصرة» ؛ لأنَّ إطلاق العقد يقتضي القطع، فحمل عليه، (أَوْ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ؛ لَمْ يَصِحَّ) إجْماعًا في الثَّانية

(1)

؛ لما سبق من الأدلة على اشتراط بُدوِّ الصَّلاح في الثَّمر، واشتداد الحبِّ في شرط جَزِّ المبيع لقطةً لقطةً

(2)

.

(فَإِنِ

(3)

اشْتَرَطَ الْقَطْعَ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرَةِ)؛ بطل العقد، نصَّ عليه في رواية حنبل وأبي طالبٍ

(4)

، واختاره الأكثر؛ لأنَّه عليه السلام نهى عن بيع الثَّمرة قبل بُدُوِّ صلاحها

(5)

، واستَثْنى منه: ما إذا اشتراه بشرط القطع وقطع، فيبقى ما عداه على أصل التَّحريم، ولأنَّ التَّبقية معنًى حرَّم الشَّرع اشتراطه لحقِّ الله تعالى، فأبطل العقد وجوده؛ كتأخير قبض رأس مال السَّلم والصَّرف، ولأنَّ صحة ذلك يُجعل

(6)

ذريعةً إلى الحرام، ووسائل الحرام حرامٌ؛ كبيع العِينة، وقد عاقب الله أصحاب السَّبت بصنيعهم.

(أَوْ طَالَتِ

(7)

الْجَزَّةُ)؛ أي: إذا اشترى رَطْبة بشرط القطع، ثمَّ تركه حتَّى طالت الجَزَّة، أو زرعًا اخضرَّ ثمَّ اشتدَّ؛ لأنَّه في معنى الثَّمرة.

قال في «الشَّرح» : وهذا لم يقصد وقت الشِّراء تأخيره، ولم يجعل شراءه بشرط القطع حيلة، فإن قصده؛ فالبيعُ باطِلٌ من أصله؛ لأنَّه حيلةٌ محرَّمةٌ.

(أَوْ حَدَثَتْ

(8)

ثَمَرَةٌ أُخْرَى فَلَمْ تَتَمَيَّزْ

(9)

، وظاهره: أنَّها إذا تميَّزت أنَّه لا

(1)

ينظر: المغني 4/ 63.

(2)

لحديث ابن عمر رضي الله عنه في الصحيحين وحديث أنس رضي الله عنه وقد سبق تخريجها 5/ 275 حاشية (3)(6)، (7).

(3)

في (ح): وإن.

(4)

ينظر: المغني 4/ 65.

(5)

أخرجه البخاري (2194)، ومسلم (1534).

(6)

في (ظ): تجعل.

(7)

في (ح): وطالت.

(8)

في (ح): حدث.

(9)

في (ظ): يتميز، وفي (ق): يتميزا.

ص: 278

يبطل، فعلى هذا: لكلِّ واحدٍ ثمرتُه، (أَوِ اشْتَرَى عَرِيَّةً لِيَأْكُلَهَا رُطَبًا

(1)

فَأَتْمَرَتْ

(2)

؛ بَطَلَ الْبَيْعُ)؛ لقوله عليه السلام: «يأكلها أهلها رطبًا»

(3)

، ولأنَّ شراءها إنَّما جاز للحاجة إلى أكل الرُّطَب، فإذا أتمر

(4)

؛ تبيَّنَّا عدم الحاجة.

ولا فرق بين تركه لغِناه عنها أو لا، لعذرٍ أو غيره، فلو أخذ بعضًا رُطَبًا، وترك باقيَها حتَّى أتمر؛ فهل يبطل فيما أتمر؟ على وجهين.

ويُخرَّج من ذلك: ما لو أخذها رطبًا، فتركها عنده حتى أَتمرتْ، أو شمَّسها حتى صارت تمرًا؛ أنَّه يجوز؛ لأنَّه قد أخذها.

وعنه: يفسد العقد فيه إن أخَّره عمدًا بلا عُذْرٍ.

وعنه: يفسد لقصد حيلةٍ.

ومتى حكمنا بفساد البيع؛ فالثَّمرة مع الزِّيادة للبائع على المشهور.

(وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ)، في

(5)

قول أكثر الفقهاء؛ لأنَّه اختلط المبيع

(6)

بغيره، وذلك لا يقتضي البطلان، أشبه ما لو اشترى حنطةً فانهالت عليها أخرى، وفي «الشَّرح» و «الفروع» فيما إذا حدثت ثمرةٌ أخرى، فلم يتميَّزا: أنَّه لا يبطل العقد في ظاهر المذهب.

(وَيَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ)؛ لأنَّها حصلت في ملكهما، فإنَّ الثَّمرة ملك المشتري، والأصل ملك البائع

(7)

، وهما سبب الزِّيادة، فتقوَّم الثَّمرة وقت العقد ويوم الأخذ، فالزِّيادة ما بين القيمتين.

(1)

قوله: (رطبًا) سقط من (ح).

(2)

في (ح): فأثمرت.

(3)

أخرجه البخاري (2191)، ومسلم (1540)، من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه.

(4)

في (ح): أثمرت.

(5)

في (ظ): هي.

(6)

في (ظ) و (ح): البيع.

(7)

في (ح): الزيادة.

ص: 279

وقال القاضي: هي للمشتري؛ كالعبد إذا سَمِن، وحمل كلام أحمد بالاشتراك فيها على الاستحباب

(1)

.

(وَعَنْهُ: يَتَصَدَّقَانِ بِهَا) على الرِّوايتين؛ لاشتباه الأمر فيها، وجوبًا، وفي «المغني»: يشبه

(2)

أن يكون استحبابًا، فإن أَبَيا الصَّدقة بها؛ اشتركا فيها.

تنبيه: إذا بطل البيع؛ زكَّاه البائع، وحيث صحَّ؛ فإن اتَّفقا على التبقية؛ جاز، وزكاه المشتري، وإن

(3)

قلنا: الزِّيادة بينهما؛ فعليهما إن بلغ نصيب كلٍّ منهما نصابًا، وإلاَّ انبنى على الخلطة في غير الماشية.

وإن اتَّفقا على القطع، أو طلبه البائع؛ فسخنا البيعَ؛ لأنَّ إلزام البائع بالتَّبقية يَضُرّ بنخله، وتمكُّن المشتري من القطع يضُرّ بالفقراء، ويعود ملكًا للبائع ويزكِّيه.

وفي إلزام المشتري بالتبقية إن بذلها البائع؛ وجهان.

وهذا إذا قلنا: الواجبُ فيما يُقطع قبلَ كماله لحاجةٍ عُشُرُه رطبًا، فإن قلنا: يُخرَج يابسًا؛ فلا يُفسخ في المسألتين، ذكره في «منتهى الغاية» .

فرعٌ: إذا اشترى خشبًا بشرط القطع، فتركه حتَّى زاد؛ فالبيعُ لازِمٌ، ويشتركان في الزِّيادة، نَصَّ عليهما

(4)

. وقيل: هي للبائع. وقيل: الكُلِّ. وقيل: للمشتري، وعليه الأجرةُ.

(وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الثَّمَرِ

(5)

؛ أي: طاب أكْلُه وظهر نُضجُه، وفي «التَّرغيب»: بظهور مبادئ الحلاوة؛ (جَازَ بَيْعُهُ مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 335.

(2)

في (ح): أشبه.

(3)

في (ح): فإن.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 205.

(5)

في (ح): وإذا بدا الصلاح في الثمرة واشتد الحب.

ص: 280

التَّبْقِيَةِ)؛ لأِنَّ النَّهي عن بيع الثَّمَرة قبل بُدُوِّ صلاحها، وعن بيع الحبِّ حتَّى يشتدَّ؛ يَدُلُّ بمفهومه على جواز البيع بعد بُدُوِّ الصَّلاح والاِشْتِداد؛ لأنَّه عليه السلام علَّل الأجل

(1)

خوف التَّلَف، وهذا المعنى مفقودٌ هنا.

(وَلِلْمُشْتَرِي تَبْقِيَتُهُ إِلَى الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ)؛ لأنَّ العُرْفَ يقتضيه، وعُلِم منه: أنَّ له تعجيلَ قَطْعِه، صرَّح به في «الفروع» وغيره.

(وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ سَقْيُهُ إِنِ احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ)؛ لأِنَّه يجب عليه تسليم ذلك كامِلاً، ولا يحصل إلاَّ به، بخلاف ما إذا باع الأصل وعليه ثمرةٌ للبائع، فإنَّه لا يلزم المشتريَ سَقْيُها؛ لأنَّ البائع لم يملكها من جهته، وإنَّما بقي ملكُه عليها، (وَإِنْ تَضَرَّرَ الْأَصْلُ) لأنَّه يُجْبَر عليه؛ لكونه دخل على ذلك، وإنَّما نَصَّ عليه؛ لئلاَّ يُتوهَّم سقوطُه عند ذلك.

(وَإِنْ تَلِفَتْ

(2)

بِجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ؛ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ)، الجائحةُ: كلُّ آفَةٍ سماويَّةٍ لا صُنْعَ للآدَمِيِّ فيها؛ كالرِّيح والحَرِّ والبرد والعطش، فكلُّ ما تُهلِكه من الثمر

(3)

على أصوله قبل أوان جَدِّه؛ فهو من ضمان البائع؛ لِمَا روى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر بِوَضْع الجوائح»

(4)

، وعنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنْ بِعْتَ من أخيك ثَمَرًا فأصابته جائحةٌ؛ فلا يَحِلّ لك أن تأخذ منه شيئًا، بِمَ تأخذ مالَ أخيك بغير حقٍّ؟!» رواهما مسلمٌ

(5)

.

قال الشَّافعيُّ: (لم يَثْبُت عندي، ولو ثبت لم أَعْدُه، ولو كنت قائلاً

(1)

في (ح): الأصل، وفي (ظ): الأكل. وعبارة الممتع 2/ 516: (لأجل خوف التلف)، وعبارة الكشاف 8/ 77:(علل بخوف التلف).

(2)

في (ح): تلف.

(3)

في (ح): الثمرة.

(4)

أخرجه مسلم (1554).

(5)

أخرجه مسلم (1554).

ص: 281

بوضعها لوضعتها في القليل والكثير)

(1)

، قلنا: الحديثُ ثابِتٌ، رواه أحمدُ ومسلمٌ، ولأبي داود معناه

(2)

.

ولأنَّ التَّخلية في الشَّجر ليس بقَبْضٍ تامٍّ

(3)

، فوجب كونه من ضمان البائع، كما لو لم يقبض، ولأِنَّ الثَّمرة على الشَّجر كالمنافع في الإجارة تؤخذ

(4)

شيئًا فشيئًا، ثمَّ لو تلفت المنافع قبل استيفائها كانت من ضمان الآجر، كذا هنا.

ومحلُّه: ما لم يعبر وقت أخذها، فلو بلغت جَدَّها فلم يَجُدَّها حتَّى تلفت، فقال القاضي، وجزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع»: لا يُوضَع عنه؛ لأنَّه مفرِّطٌ.

ويُستَثْنى من ذلك: ما لم يشتره مع أصله من شجرٍ أو أرضٍ، قاله ابن حمدان و «الفروع» ، أو اشتراها بشرط القطع قبل بُدُوِّ صلاحها فتَلِفت؛ فهي من ضمان المشتري، بخلاف ما إذا تَلِفت قبل إمكانِ قَطعِها.

ونقل حنبلٌ ما يَقتضي اختصاصَها بالنَّخل، فقال: إنَّما الجوائح في النَّخل بأمْرٍ سماويٍّ

(5)

.

وفي نَهبِ عسكرٍ، وإحراق لصٍّ، ونحوه وجهٌ

(6)

.

(1)

ينظر: المغني 4/ 80. وانظر كلام الشافعي في تضعيف الحديث: مسند الشافعي 1/ 145، الأم 3/ 57.

(2)

أخرجه أحمد (14320)، وأبو داود (3374)، والنسائي (4529)، وابن حبان (5031)، ووقع خلافٌ في ذكر وضع الجوائح من طريق سفيان، لكن أحمد وابن معين وعلي بن حرب ذكروه من روايته، وهو حديث صحيح. ينظر: التمهيد 2/ 194، إعلام الموقعين 4/ 179.

(3)

في (ق): بأمر.

(4)

في (ظ): يؤخذ.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 208.

(6)

كتب في هامش (ظ): (أي: حكمه حكم الجائحة على هذا الوجه).

ص: 282

وظاهره: لا فرقَ بين قليل الجائحة وكثيرِها، إلاَّ أنَّ اليسير الَّذي لا يَنضبط لا يلتفت إليه.

(وَعَنْهُ: إِنْ أَتْلَفَتِ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا؛ ضَمِنَهُ البَائِعُ

(1)

، وَإِلاَّ فَلَا)، جزم به في «الرَّوضة» ؛ لأنَّه يأكل الطَّير منها وينثر الرِّيح، فلم يكن بدٌّ من ضابط

(2)

، والثُّلث قد اعتبره الشَّارع في الوصيَّة ونحوها، قال الأثرم: قال أحمد: إنَّهم يستعملون الثُّلث في سبعَ عشرةَ مسألةً

(3)

، ولأنَّ الثُّلث في حدِّ الكثرة، وما دونه في حدِّ القِلَّة، يدلُّ عليه النَّصُّ، فعليها: يعتبر ثلث الثَّمرة، قدَّمه في «الشَّرح» .

وقيل: ثُلُث القيمة، وقيل: ثُلُث الثَّمن.

فإن تلف الثُّلث فما زاد؛ رجع بقسطه، وإن كان دونه؛ لم يرجع بشيءٍ.

وعلى الأولى: إن تلف شيءٌ

(4)

خارجٌ عن العادة؛ وُضع من الثَّمن بقدر الذَّاهب

(5)

، وإن تلف الكلُّ بها؛ بطل العقد، ورجع المشتري بجميع الثَّمن، وإن تعيَّب؛ خيِّر بين إمضاءٍ مع الأرش، وبين ردٍّ وأخْذ الثَّمن كامِلاً.

وما له أصلٌ

(6)

يتكرَّر حمله؛ كقِثَّاءٍ ونحوه؛ فكشجَرٍ، وثمره كثمره فيما ذكرنا، لكن لا يؤخِّر البائعُ اللَّقطةَ الظَّاهرة، ذكره في «التَّرغيب» وغيره.

وقيل: لا تباع

(7)

إلا لقطةً لقطةً، كثمرٍ لم يَبْد صلاحه، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وجوَّزه مطلقًا؛ تَبَعًا لما بدا؛ كثمر.

(1)

قوله: (البائع) سقط من (ح).

(2)

في (ح): ضابطه.

(3)

ينظر: المغني 4/ 81.

(4)

في (ظ) و (ح): بشيء.

(5)

في (ح): الواهب.

(6)

في (ق): أجل.

(7)

في (ق): لا يباع.

ص: 283

لواحق: ظاهره أنَّه لا يثبت في الزَّرع إذا تلف، وفي «الكافي» و «المحرَّر»: بلى كالثَّمرة، وهو ظاهرٌ، مع أنَّه لا يُباع إلاَّ بعد تتمَّة صلاحه، قال ابن عقيل: فإذا تركه فرَّط، يضمنه في أحد الاحتمالين، وفيه نظرٌ.

وفي «الرَّوضة» وغيرها: إن اشتراه بعد بُدُوِّ صلاحه، وهو اشتداد حبِّه؛ فله تركه إلى حين حصاده.

وفي «عيون المسائل» : إذا تلف الباقِلَاء والحنطة؛ فوجهان؛ الأقوى: يرجع بذلك على البائع.

فلو استأجر الأرض وزرعها

(1)

، فتلف، فلا جائحة بغير خلاف نعلمه

(2)

؛ لأنَّ المُؤْجِر لم يبعه إيَّاه، ولأنَّ منافع الأرض باقية.

واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين: ثبوتها

(3)

في زرعِ مستأجِرٍ وحانوتٍ نَقَص نفعُه عن العادة

(4)

، وحكم به القاضي تقيُّ الدِّين سليمان بن حمزة

(5)

في حمَّامٍ.

(وَإِنْ أَتْلَفَهُ آدَمِيٌّ؛ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ العَقْدِ

(6)

ومطالبة البائع بالثَّمن، (وَالْإِمْضَاءِ)؛ أي: البقاء عليه، (وَمُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ) بالقيمة؛ كالمكيل إذا أتلفه آدَمِيٌّ قبل القبض؛ لأنَّه أمكنه الرُّجوع ببدله، بخلاف التَّالف بالجائحة.

(1)

في (ح): فزرعها.

(2)

ينظر: المغني 4/ 82.

(3)

قوله: (ثبوتها) سقط من (ح)، وفي (ق): سوقها.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 209، وقال في الاختيارات ص 192:(وبعض الناس يظن أن هذا خلاف ما في المغني من الإجماع، وهو غلط، فإن الذي في المغني: أن نفس الزرع إذا تلف يكون من ضمان المستأجر صاحب الزرع، لا يكون كالثمرة المشتراة، فهذا ما فيه خلاف، وإنما الخلاف في نفس أجرة الأرض ونقص قيمتها، فتكون كما لو انقطع الماء عن الرحى).

(5)

هو: سليمان بن حمزة بن أحمد بن قدامة المقدسي، تقي الدين، أبو الفضل، لازم الشيخ شمس الدين بن أبي عمر، وأخذ عنه الفقه والفرائض، وغير ذلك، تولى القضاء سنة خمس وتسعين وستمائة. توفي سنة 715 هـ. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 4/ 398.

(6)

قوله: (فسخ العقد) في (ح): الفسخ.

ص: 284

قال في «الشَّرح» : إلاَّ أنَّ في إحراق

(1)

اللُّصوص ونهب العساكر والحراميَّة وجهين، وجزم في «الرَّوضة»: بأنَّه هنا من مال المشتري؛ لأنَّه يمكنه أن يتبع الآدمِيَّ بالغرم.

قال ابن عقيل: المسألة أخذت شبهًا من المتميِّز وغيره، فعملنا بها، فضَمِنها البائع بالجائحة، والمشتري إذا أتلفها آدمِيٌّ.

(وَصَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ؛ صَلَاحٌ لِجَمِيعِهَا)، بغير خلافٍ

(2)

، فتُباع

(3)

جميعُها؛ إذ لو لم يَجُز لأدَّى بيعُ ما بدا صلاحُه إلى الضَّرر والمشقَّة، وسوء المشارَكة.

(وَهَلْ يَكُونُ صَلَاحًا لِسَائِرِ النَّوْعِ الذِي فِي الْبُسْتَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أظهرُهما، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع»: أنَّه يكون صلاحًا؛ لأِنَّ اعتبار الصَّلاح في الجميع يشُقُّ، وكالشَّجرة الواحدة.

وعنه: وكذا ما قارَبه.

والثَّانية: لا يكون صلاحًا؛ كالَّذي في

(4)

البستان الآخَر.

وأطلق في «الرَّوضة» في البستانَين روايتَين.

واختلف القائلون بالأولى؛ أي: في النَّوع؛ كالبَرْنِيِّ، هل يكون صلاحًا لسائر الجنس الذي في القَراح؟

فقال القاضي والأكثرُ: لا يكون صلاحًا.

وقال أبو الخَطَّاب: نعم؛ لأنَّ الجنس يُضَمُّ بعضُه إلى بعضٍ في إكمال النِّصاب، فيتبعه في جواز البيع كالنَّوع الواحد.

(1)

في (ح): إحراص.

(2)

ينظر: المغني 4/ 67.

(3)

في (ظ): فيباع.

(4)

في (ق): من.

ص: 285

والأوَّل أَوْلى؛ لأنَّ النَّوعَينِ قد يتباعَد إدراكهما، وكالجنسين.

ونقل حنبل في بستانٍ بعضُه بالِغٌ وبعضُه غيرُ بالِغٍ: يُباع إذا كان الأغلب عليه البلوغ

(1)

، فقضى القاضي وأبو حكيمٍ والمجد الحكمَ على الغلبة بهذا النَّصِّ، وأبو الخَطَّاب وابن أبي موسى وغيرهما سوَّوا بين القليل والكثير.

(وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ: أَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ)؛ لأنَّه «عليه السلام نهى عن بيع الثَّمرة حتَّى تزهُوَ» ، قيل لأنسٍ: وما زهوُها؟ قال: «تحمارُّ وتصفار»

(2)

، وفي حديث جابِرٍ:«نهى أن تباع حتَّى تُشْقِح» رواه البخاريُّ

(3)

، ولأنَّها تصلح للأكل.

(وَفِي الْعِنَبِ: أَنْ يَتَمَوَّهَ)؛ لقول أنسٍ: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتَّى يسوَدَّ» رواه أحمد ورواته ثقاتٌ

(4)

، ومعنى يتموَّه: أن يبدوَ فيه الماء الحلوُ، ويلين، ويصفرَّ لونه.

(وَفِي سَائِرِ الثِّمَارِ)؛ كالتُّفَّاح والبطِّيخ: (أَنْ يَبْدُوَ فِيهِ النُّضْجُ، وَيَطِيبَ أَكْلُهُ)، واعتبره المجْدُ في جميع الثِّمار؛ لأِنَّه «عليه السلام نهى عن بيع الثَّمرة حتَّى تطيب» متَّفقٌ عليه

(5)

.

(1)

ينظر: التعليقة 3/ 340.

(2)

أخرجه البخاري (1488)، ومسلم (1555).

(3)

أخرجه البخاري (2196)، ومسلم (1536).

(4)

أخرجه أحمد (13613)، وأبو داود (3371)، والترمذي (1228)، وابن ماجه (2217)، وابن حبان (4993)، والحاكم (2192)، والبيهقي في الكبرى (10613)، قال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن، وأشار الترمذي والبيهقي إلى تفرد حماد بهذا اللفظ، لكن ذكر له الألباني متابعة عند أحمد (12638)، من طريق سفيان قال: حدثنا شيخ لنا، عن أنس رضي الله عنه. وإسناده ضعيف فيه راو مبهم، وذكر الألباني أنه يحتمل أن المراد بالمبهم هو حميد الطويل فيكون شاهدًا لا بأس به. ينظر: البدر المنير 6/ 530، الإرواء 5/ 210.

(5)

أخرجه البخاري (2189)، ومسلم (1536)، من حديث جابر رضي الله عنه.

ص: 286

وفي «الوجيز» ك «المقنع» ، تَبَعًا للخِرَقِي.

واختلف فيما يؤكل كِبارًا وصغارًا؛ كالقِثَّاء ونحوه، فالمذهب: أكله عادةً.

وقال القاضي وابن عقيل: صلاحه تناهي عِظَمِه.

وقال صاحب «التَّلخيص» : صلاحُه الْتِقاطُه عُرْفًا، وإن طاب أكلُه قبل ذلك، وصلاح الحبِّ أن يشتدّ أو يَبْيَضَّ.

ص: 287

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مَالٌ؛ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ)؛ لِمَا روى ابنُ عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من باع عبْدًا وله مالٌ؛ فمالُه للبائع، إلاَّ أنْ يَشْترِطه المبْتاعُ» رواه مسلِمٌ

(1)

؛ لأنَّ العبدَ ومالَه للبائع، فإذا باع العبدَ؛ اختصَّ به، كما لو كان له عبدان فباع أحدَهما.

وظاهره: لا فَرْق، سواءٌ قلنا: العبدُ يملك بالتَّمليك، أو لا، وهذه طريقة الأكثر.

(فَإِنْ كَانَ قَصْدُه الْمَالَ؛ اشْتُرِطَ عِلْمُهُ)؛ أيْ: العلْمُ بالمال، (وَسَائِرُ شُرُوطِ المَبِيعِ

(2)

؛ لأِنَّه مَبِيعٌ مقصودٌ، أشْبه ما لو ضَمَّ إليه عَينًا أخرى.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ

(3)

الْمَالَ؛ لَمْ يُشْتَرَطْ)؛ أيْ: لم يُشْترَطْ علمُه به، ويَصِحُّ شرطُه وإن كان مجهولاً، نَصَّ عليه

(4)

؛ لأنَّ المالَ دَخَل تَبَعًا، أشْبَهَ أساسات الحيطان، والتمويه

(5)

بالذَّهب في السقوف

(6)

.

وسواءٌ كان مثل الثَّمَن، أوْ دُونَه، أوْ فَوقَه، وحكاه في «المنتخَب» عن الأصحاب، فعُلم أنَّهم أنَاطُوا الحُكمَ بالقصد وعدمه.

قال صاحب «التَّلخيص» : وهذا على القول بأنَّ العبدَ يَملِك، فإنْ قُلْنا: لا يَملِك؛ فإنَّه يَسقُط حكمُ التَّبعية، ويصير كمن باع عبدًا ومالاً.

(1)

أخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543).

(2)

في (ظ): البيع.

(3)

في (ح): قصد.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2659، الشرح الكبير 3/ 340.

(5)

في (ظ): والتموه.

(6)

في (ح): المسقوف.

ص: 288

وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّ كلامَهم مُطلَقٌ.

وقال القاضي في «المجرد» ، وأبو الخَطَّاب في «الانتصار»: إن قلنا: لا يَملِك فاشترطه المشتري؛ صار ماله مَبيعًا معه، ويُشتَرط له

(1)

ما يُشترَط لسائر المبيعات، وإن قلنا: يَملِك؛ احْتُمِلتْ فيه الجَهالةُ وغيرُها، فيدخل تَبَعًا؛ كطَيِّ البئر.

وقطع به في «المحرَّر» ، وزاد: إلاَّ إذا كان قصدُه العبدَ لا المالَ، فلا يُشترَط.

وقيل: إنَّ المالَ ليس بمبيع

(2)

هنا، وإنَّما استَبْقاه المشتري على ملك العبد، لا يزول عنه إلى البائع، قال في «الشَّرح»: وهو قريبٌ من الأوَّل. وفيه نَظَرٌ.

فرع: لو شَرَط مالَ العبد، ثمَّ ردَّه بإقالةٍ أو غيرها؛ ردَّ ماله؛ لأنَّه عين مالٍ أَخَذه المشتري به، فيردُّه بالفسخ؛ كالعبد.

لكن لو تَلِف مالُه، فأراد ردَّه؛ فهو بمنزلة العيب الحادث؛ هل يَمنَع الرَّدَّ؟ وفيه روايتان، فإن قلنا به؛ فعليه قِيمةُ ما تَلِف عنده، وله الفسخُ بعيب ماله؛ كهو في الأشهر.

(وَإِنْ كَانَ

(3)

عَلَيْهِ ثِيَابٌ؛ فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ لِلْجَمَالِ فَهُوَ لِلْبَائِعِ

(4)

؛ لأنَّها زيادةٌ على العادة، ولا تتعلق

(5)

بها حاجةُ العبد، وإنَّما يُلْبِسُه إيَّاها؛ لِيُنَفِّقَه بها، فهي

(6)

حاجة السَّيِّد، ولم تَجْرِ العادةُ بالمسامَحة بها، فَجَرَتْ

(1)

قوله: (له) سقط من (ح).

(2)

في (ح): مبيع، وفي (ق): يمتنع.

(3)

في (ح): كانت.

(4)

ينظر: المغني 4/ 131.

(5)

في (ح): ولا يتعلق.

(6)

في (ح): فهو.

ص: 289

مَجْرَى السُّتور في الدَّار، إلاَّ أن يَشْترِطها المبْتاعُ.

(وَمَا كَانَ لِلُّبْسِ

(1)

الْمُعْتَادِ؛ فَهُوَ لِلْمُشْتَري)؛ لأِنَّ ثياب البِذْلة جَرَت العادةُ ببَيْعِها

(2)

معه، وتتعلَّق بها مصلحتُه وحاجتُه؛ إذْ لَا غِنَى له عنها، فَجَرَت مَجْرَى مفاتيحِ الدَّار.

واخْتار في «المغني» : أنَّه إذا اشترى أَمَةً مِنْ غَنِيمةٍ؛ يَتْبَعُها ما عليها مع عِلْمِها به، ونقل الجماعةُ خِلافَه

(3)

.

فرعٌ: يَدخُل مِقْوَدُ دابَّةٍ، ونَعْلُها، ونحوُهما في مطلق البيع؛ كثياب العبد، قال في «التَّرغيب»: وأَوْلى.

(1)

في (ح): اللبس.

(2)

في (ظ): يبيعها، وفي (ح): بيعها.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 210.

ص: 290

(بَابُ السَّلَمِ)

قال الأزهريُّ: السَّلَمُ والسَّلَفُ واحِدٌ في قول أهل اللُّغة، إلاَّ أن

(1)

السَّلَف يكون قرْضًا

(2)

، لكنَّ السَّلَمَ لغةُ أهلِ الحجاز، والسَّلَفَ لغةُ أهل العراق، قاله الماوَرْدي

(3)

.

وسُمِّي سَلَمًا؛ لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا؛ لتقديمه.

وفي الشَّرع: هو أن يُسلِم عَينًا حاضِرةً في عِوَضٍ موصوفٍ في الذِّمَّة إلى أجلٍ.

وفي «الوجيز» : هو بَيعُ معدومٍ خاصٍّ ليس نَفْعًا، إلى أجلٍ بثَمَنٍ مقبوضٍ في مجلس العقد.

واعْتُرِض عليهما: بأنَّ قَبْضَ الثَّمن شرْطٌ من شروطه لا أنَّه

(4)

داخِلٌ في حقيقته.

والأَوْلى: أنَّه بيعُ موصوفٍ في الذِّمَّة إلى أجلٍ.

والإجْماعُ على جوازه، ذكره ابنُ المنذر

(5)

، وسنَدُه الكتابُ، وهو آية الدَّين، قال ابنُ عبَّاسٍ:«أشهد أنَّ السَّلفَ المضمونَ إلى أجَلٍ مسمًّى قد أحلَّه الله تعالى في كتابه وأذِنَ فيه» ، ثمَّ قرأ الآيةَ، رواه سعيدٌ

(6)

.

(1)

قوله: (إلا أن) في (ح): لأن.

(2)

ينظر: الزاهر ص 145.

(3)

ينظر: الحاوي الكبير 5/ 351.

(4)

قوله: (لا أنه) في (ح): لأنه.

(5)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 98.

(6)

أخرجه الشافعي في الأم (3/ 93)، وعبد الرزاق (14064)، وابن أبي شيبة (22319)، والطبري في التفسير (5/ 71)، وابن أبي حاتم في التفسير (2948)، وابن المنذر في التفسير (66)، والطبراني في الكبير (12903)، والحاكم (3130)، والبيهقي في الكبرى (11087)، وإسناده صحيح.

ص: 291

والسُّنَّةُ، فروى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يُسلِفون في الثِّمار السَّنَةَ والسَّنَتَينِ، فقال:«من أسْلَف في شَيءٍ؛ فلْيُسلِف في كيلٍ معلومٍ، ووَزْنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ» متَّفقٌ عليه

(1)

.

والمعنى شاهِدٌ بذلك؛ لأنَّ بالنَّاس حاجةً إليه؛ لأنَّ أرباب الزُّروع والثِّمار يحتاجون إلى النَّفقة عليها؛ لتكمُل، فجُوِّز لهم السَّلَمُ ليَرْتَفِقُوا، ويَرْتَفِق المسْلِم بالاسْتِرْخاص.

(وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَيْعِ)؛ لأِنَّه بَيعٌ إلى أجلٍ فشمله النَّصُّ، (يَصِحُّ بِأَلْفَاظِهِ)؛ أيْ: بألفاظ البيع؛ لأِنَّه بَيعٌ حقيقةً، (وَبِلَفْظِ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ)؛ لأنَّهما حقيقةٌ فيه؛ إذْ هما للبيع الَّذي عُجِّل ثمنُه وأُجِّل مُثْمَنُه.

(وَلَا يَصِحُّ إِلاَّ بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ)، وجعلها في «المحرَّر» أربعةً زائدًا على شروط البيع، فتكون

(2)

أربعة عشر شرطًا، لكن ذكر الحُلْوانيُّ من شرط صحَّة السَّلَم: أن يوجد الإيجابُ والقَبولُ.

(أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ)؛ أي: الَّتي يَختلِف الثَّمن باختلافها اخْتِلافًا كثيرًا ظاهرًا؛ لأِنَّ ما لا يُمكِن ضبطُ صفاته يختلف كثيرًا، فيُفْضِي إلى المنازَعة والمشاقَّة المطلوبِ عَدَمُها؛ (كَالْمَكِيلِ) من

(3)

الحبوب وغيرها، وهو إجماعٌ في الطَّعام، ذكره ابنُ المنذِر

(4)

، (وَالْمَوْزُونِ)؛ كالقُطْن، والإبْريسم، والصُّوف، والنُّحاس، والطِّيب، والعِنَب، والأدهان، والخُلول، (وَالْمَذْرُوعِ) على المذهب؛ كالثِّياب؛ لأنَّ بعضَ ذلك منصوصٌ عليه، والباقي بالقياس.

(1)

أخرجه البخاري (2240)، ومسلم (1604).

(2)

في (ظ): فيكون.

(3)

في (ظ): في.

(4)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 98.

ص: 292

وفي «المستوعب» : أنَّ أبا بكْرٍ حكى في «التَّنبيه» : أنَّ لأِحمدَ قولاً

(1)

أنَّه لا يجوز السَّلَم إلاَّ في المكيل والموزون، وهو ظاهر «الوجيز» ، والمذهبُ خِلافُه؛ لتأتِّي الصِّفة عليه.

وعُلِم منه: أنَّه لا سَلَم في أرضٍ، وشَجَرٍ، ونخيلٍ، صرَّح به في «الرِّعاية» ؛ لعدم تأتِّي الصِّفة فيه.

(فَأَمَّا المَعْدُودُ

(2)

الْمُخْتَلِفُ؛ كَالْحَيَوَانِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْبُقُولِ، وَالْجُلُودِ، والرُّؤُوسِ

(3)

، وَنَحْوِهَا)؛ كالبَيض؛ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ)، كذا

(4)

في «المحرَّر» :

المشهور في المذهب، ونَصَّ عليه في رواية الأثرَم: أنَّه يجوز في الحيوان

(5)

، وصحَّحه في «الفروع» وغيره، آدَمِيًّا كان أو غيره، وهو قول جماعةٍ من الصَّحابة وتابعيهم

(6)

؛ لحديث أبي رافعٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استسلف

(1)

قوله: (قولاً) سقط من (ح).

(2)

في (ح): المعدوم.

(3)

قوله: (والرؤوس) سقط من (ح).

(4)

في (ظ) و (ح): وكذا.

(5)

ينظر: المغني 4/ 209.

(6)

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي في الكبرى (11103)، من طريق سعيد بن منصور، عن هشيم، حدثنا عبيدة، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس:«أنه كان لا يرى بأسًا بالسلف في الحيوان» ، وقد جاء في بعض نسخ السنن الكبرى عند قوله:(ثنا عبيدة): يعني ابن حميد. وجاء في هامشها: (كذا في أصل المؤلف، وضُرب على قوله: يعني ابن حميد)، وجاءت في المهذب للذهبي بدونها، قال ابن عبد الهادي في التنقيح 4/ 112 عن رواية البيهقي:(كذا فيه: - يعني: ابن حميد - وهو وَهَم، والصواب: عبيدة بن مُعتِّب الضبي، وهو ضعيف، وابن حميد يروي عن ابن معتب)، وهو كما قال، فإن سعيد بن منصور يروي بكثرة عن هشيم عن عبيدة عن إبراهيم، والذي يروي عنه هشيم وهو يروي عن إبراهيم إنما هو عبيدة بن معتب وهو ضعيف، وأما عبيدة بن حميد فيروي عنه سعيد بدون واسطة، ولا يُعرف بالرواية عن إبراهيم.

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (14154)، ومن طريقه أحمد في مسائل عبد الله (ص 287)، حدثنا معمر، عن أيوب، عن نافع:«أن ابن عمر كان لا يرى بأسًا أن يُسلِف الرجل في الحيوان إلى أجل معلوم» ، وإسناده صحيح، وقد سقط من مطبوعة المصنف قوله: عن نافع. وأخرج ابن أبي شيبة (21699)، والبخاري في تاريخه (7/ 355)، والطحاوي في معاني الآثار (5748)، عن أبي نضرة قال: سألت ابن عمر عن السلف في الحيوان، قال:«لا بأس» ، قلت: إن أمراءنا ينهون عنه، قال:«أطيعوا أمراءكم» . وإسناده صحيح.

ص: 293

من رجلٍ بكرًا» رواه مسلِمٌ

(1)

، ولأِنَّه يَثبُت في الذِّمَّة صَداقًا، فيثبت

(2)

في السَّلَم كالثِّياب.

والثَّانية: لا يَصِحُّ السَّلَم فيه، وجزم به في «الوجيز» ، رُوِي عن عمرَ أنَّه قال:«إنَّ من الرِّبا أبوابًا لا تخفى، وإنَّ منها السَّلَمَ في السِّنِّ»

(3)

؛ ولأنَّه يختلف اختلافًا متبايِنًا

(4)

، ولا يُمكِن ضبطُه ولو استقصى صفاته؛ لتعذُّر تسليمِهِ؛ لنُدْرة وجوده عليها.

ورُدَّ: بأنَّه لم يَثبُت، ولو سُلِّم؛ فهو محمولٌ على أنَّهم يَشرِطون من

(5)

ضِراب فحل بني فلانٍ، وهو معارَضٌ بقول عليٍّ

(6)

.

وعُلِم منه: جوازُه في شحْمٍ ولحْمٍ نِيْءٍ، ولو مع عظمه، إنْ عُيِّن موضِعُ

(1)

أخرجه مسلم (1600).

(2)

في (ق): فثبت.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (14161)، وابن أبي شيبة (21693)، والبيهقي في الكبرى (6/ 37)، من طريق المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عمر رضي الله عنه. قال البيهقي:(وهذا منقطع)، وهو كما قال، فإن القاسم بن عبد الرحمن لم يدرك عمر رضي الله عنه.

(4)

في (ظ) و (ح): مباينًا.

(5)

في (ق): في.

(6)

أخرجه مالك (2/ 652)، ومن طريقه عبد الرزاق (14142)، وابن وهب كما في المدونة (3/ 55)، والشافعي في الأم (3/ 37)، والبيهقي في الكبرى (11099)، من طريق الحسن بن محمد بن علي:«أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه باع جملاً له، يقال له: عصيفير، بعشرين بعيرًا إلى أجل» ، وهو منقطع، الحسن لم يسمع من جده.

ص: 294

القطع منه.

وأطلق في «الكافي» و «الفروع» الخلاف في البواقي، الأشهر وبه جزم في «الوجيز»: أنَّه لا يجوز، نقل عنه إسحاق بن إبراهيم أنَّه قال: لا أرى السَّلَم إلاَّ فيما يُكال، أو يُوزَن، أو يُوقَف عليه

(1)

.

قال أبو الخطَّاب: معناه يُوقَف عليه بحدٍّ معلومٍ لا يختلف؛ كالزَّرع، فأمَّا الرُّمَّانُ والبَيْضُ فلا أرى السَّلم فيه، ولأنَّ الفواكهَ تختلف بالصِّغَر والكِبَر، والبقولَ تختلفُ، ولا يُمكن تقديرُها بالحُزَم، فتكون كالجواهر.

والثَّانية نقلها ابنُ منصورٍ: جواز السَّلَم فيها

(2)

؛ لأنَّ التَّفاوُت في ذلك يسير، ويمكن ضبطُه بالصِّغَر والكِبَر، وبعضُه بالوزن؛ كالبُقول.

وأمَّا الجُلود؛ فلا يصحُّ السَّلَم فيها في الأَشْهَر؛ لأنَّه مختَلِفٌ، فالورِكُ

(3)

قَوِيٌّ، والصَّدْرُ ثَخِينٌ رخْوٌ، والبطنُ رقيقٌ ضعيفٌ، والظَّهر أقْوَى، فيحتاج إلى وصْفِ كلِّ مَوضِعٍ منه، ولا يمكن ذَرْعُه؛ لاخْتِلاف أطرافه.

والثَّانية: يجوز، نصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأنَّ التَّفاوُت في ذلك معلومٌ، فلم يمنَع الصِّحَّة؛ كالحيوان.

وفي الأطراف الخلاف؛ كالرُّؤوس

(4)

:

إحداهما

(5)

: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ اللَّحمَ فيه قليلٌ، وليس بموزونٍ، عكس اللَّحم.

والثَّانية: يجوز؛ لأنَّه لحمٌ فيه عظْمٌ يجوز شراؤه، فجاز السَّلَم فيه؛ كبقيَّة

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 19.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 2763.

(3)

في (ق): فالدرك.

(4)

كتب في هامش (ظ): (وأكارع).

(5)

في (ح): أحدهما.

ص: 295

اللَّحم، وعليه لا فرق بين كونه مطبوخًا أو مشوِيًّا أو غيره.

(وَفِي الْأَوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ الرُّؤُوسِ وَالْأَوْسَاطِ؛ كَالْقَمَاقِمِ)، واحده

(1)

: قُمْقُمٌ؛ بضَمِّ القَافَينِ يكون ضيِّقَ الرَّأس، وهو ما يُسخَّنُ فيه من نحاسٍ، (وَالْأَسْطَالِ)، واحدُها: سَطْلٌ، وهو على هَيئة التَّور، له عُرْوةٌ، (الضَّيِّقَةِ الرُّؤُوسِ) فيهما، (وَمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطًا)، واحدُها: خِلْطٌ؛ بكسر الخاء، (مُتَمَيِّزَةً؛ كَالثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ؛ وَجْهَانِ)، وكذا في «الفروع»:

أحدهما

(2)

: لا يَصِحُّ في الأوَّلين، قدَّمه في «الشَّرح» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الصِّفة لا تأتي عليها.

والثَّاني: بلى؛ لأنَّ التَّفاوُت في ذلك يسيرٌ، ويُمكن ضبطُها بارتفاع حائطها ودَور أسفلها وسَعَة رأسها

(3)

.

وعلى الأولى: يصحُّ فيما لا يختلف؛ كالهاوَن

(4)

، والسَّطل المربَّع؛ لإمكان ضبطه.

والأصحُّ جواز السَّلَم في الثِّياب المنسوجة من نوعَين؛ كالكُتَّان والقُطْن ونحوهما؛ لأنَّ ضبطها ممكِنٌ، وفي معناه النُّشاب والنَّبل المريَّشَين، وخِفافٍ، ورماحٍ.

وقال القاضي: لا يصِحُّ كالمعاجين. والفَرْقُ واضِحٌ.

(وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ؛ كَالْجَوَاهِرِ كُلِّهَا)؛ كاللُّؤْلؤ، والياقوت، والزَّبَرْجَد، والبِلَّوْر؛ لأِنَّه يختلِف اخْتِلافًا متبايِنًا بالكِبَر والصِّغَر، وحُسْن

(1)

في (ح): واحد.

(2)

في (ظ): إحداهما.

(3)

في (ح): واسعها.

(4)

في (ح): كالمهاون.

ص: 296

التَّدوير، وزيادة ضَوئها، ولا يمكن تقديرُها بشيء

(1)

معيَّنٍ؛ لأنَّه يختلف

(2)

، وفي العقيق

(3)

وجْهانِ.

(وَالْحَوَامِلِ مِنَ الْحَيَوَانِ)؛ لأِنَّ الصِّفة لا تأتي على ذلك، والولد مجهولٌ غيرُ محقَّقٍ.

وفيه وجْهٌ؛ لأنَّ الحملَ لا حُكم له مع الأمِّ، بدليل البيع.

ولا يصحُّ في أَمَةٍ وولدها؛ لنُدْرة جمعهما الصِّفَةَ.

(وَالْمَغْشُوشِ مِنَ الْأَثْمَانِ)؛ لأنَّ غِشَّه يمنعُ العلمَ بالقدر المقصود منه، فلم يصحَّ، ولِمَا فيه من الغَرَر.

وظاهره: يصحُّ فيها حيث لم تكن مغشوشةً، ويكون رأسُ المال غيرَها.

(وَغَيْرِهَا)؛ كاللَّبن المَشُوب بالماء، والحنطة المختلِطة

(4)

بالزِّوان

(5)

؛ لأنَّه مجهولٌ لا ينضبط بالصِّفة.

(وَمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطًا غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ؛ كَالْغَالِيَةِ، وَالنَّدِّ

(6)

، وَالْمَعَاجِينِ)؛ لعدم ضبطِها بالصِّفة، وفي معناه: القِسِيُّ المشتمِل على الخشب، والقرن، والعقب، والغراء، والتوز؛ للعجز عن ضبط مقادير ذلك وتمييزه.

وفيه وجه: يصحُّ كالثِّياب.

وفي شهد، وكتان، وقنب بقضبانه

(7)

؛ وجهان.

(1)

في (ظ) و (ح): (بثمن). والمثبت هو الموافق للمغني 4/ 208.

(2)

قوله: (لأنه يختلف) سقط من (ح).

(3)

في (ق): العتيق.

(4)

في (ح): المختلفة.

(5)

قال في الصحاح 5/ 2132: (الزوان: حب يخالط البر).

(6)

قال في المطلع ص 294: (بفتح النون، فهو الطيب المعروف، قيل: مخلوط من مسك وكافور).

(7)

في (ظ) و (ح): يقضيانه.

ص: 297

(وَيَصِحُّ فِيمَا يُتْرَكُ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِمَصْلَحَتِهِ؛ كَالْجُبْنِ)، فإنَّ فيه إِنْفَحةً، (وَالعَجِينِ)، فإنَّ فيه مِلْحًا، (وَخَلِّ التَّمْرِ)، فإنَّ فيه ماءً، (والسَّكَنْجَبِينِ

(1)

، فإنَّ فيه خَلًّا، (وَغَيْرِهَا)؛ كالخبز، ولبنٍ فيه ماءٌ يسيرٌ، ودُهنِ وَرْدٍ، وبنفْسَجٍ، ولأنَّ ذلك يسيرٌ غيرُ مقصودٍ لمصلحته، فلم يؤثِّر.

فرعٌ: يصحُّ السلم في اللِّبَأ والخبز، وما أمكن ضبطه ممَّا مسَّتْه النَّار.

ومنَع الشَّافِعِيُّ السَّلَم في كلِّ معمولٍ بالنَّار، واستَثْنى النَّوَوِيُّ أربعةً: السُّكَّرَ، والفانيد

(2)

، واللِّبَأَ، والدِّبْسَ

(3)

.

والأَشْهَرُ جوازُه في اللَّحم المشويِّ والمطبوخ.

وقال القاضي: لا يصحُّ؛ لأنَّه يتفاوَت كثيرًا.

(1)

قال في المطلع ص 293: (السَّكَنْجَبينُ: فليس من كلام العرب، وهو معروف، مركب من السكر والخل ونحوه).

(2)

في (ح): الاانيد. والفانيد: ضرب من الحلواء، فارسي معرب. ينظر: لسان العرب 3/ 503.

(3)

ينظر: المجموع 13/ 122.

ص: 298

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي

(1)

: أَنْ يَصِفَهُ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ ظَاهِرًا)؛ لأنَّ السَّلَمَ عِوَضٌ يثبُت في الذِّمَّة، فاشتُرط العلم به كالمُثْمَن

(2)

، وطريقُه الرُّؤية أو الصِّفة، والأوَّلُ ممتَنِعٌ، فتعيَّن الوصف.

فعلى هذا: (يَذْكرُ جِنْسَهُ، وَنَوْعَهُ، وَقَدْرَهُ، وَبَلَدَهُ، وَحَدَاثَتَهُ، وَقِدَمَهُ، وَجَوْدَتَهُ، وَرَدَاءَتَهُ)، بغير خلافٍ نعلمه

(3)

، ومختَلَفٌ فيه، كغير هذه الصِّفات، فيكون ذكرُها شرطًا كالأوَّل، ذكره في «الشَّرح» ، ولا يجب استقصاء كلِّ الصِّفات؛ لأنَّه يتعذَّر.

وشرطُه: أن يكونَ الوصفُ بلغةٍ يَفهمُها عدْلانِ

(4)

؛ ليرجع إليهما عند التَّنازع

(5)

.

(وَمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ؛ لَا يُحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ)؛ لعدم الاِحْتِياج إليه.

فعلى الأوَّل: يَصف التمرَ بالنَّوع؛ كبَرْنيٍّ أو معقلي

(6)

، وبالجَودة

(7)

أو عكسها، وبالقدر؛ نحو: كبار أو صغار، وبالبلد؛ نحو: بغداديٍّ؛ لأنَّه أحلى وأقلُّ بقاءً لعذوبة

(8)

مائه، أو بصري، وهو بخلافه،

(1)

في (ح): الشرط الثاني.

(2)

في (ح): كالثمن.

(3)

ينظر: المغني 4/ 211.

(4)

زيد في (ق): صح.

(5)

قوله: (ليرجع إليهما عند التنازع) سقطت من (ح) و (ق).

(6)

في (ح): ومعقلي.

(7)

في (ق): والجودة.

(8)

في (ح): العذوبة.

ص: 299

وبالحداثة أو عكسها

(1)

، فإن أطلق العتيق

(2)

؛ أجزأ ما لم يكن مَعيبًا، وإن شَرَط عتيقَ عامٍ، أو عامين؛ فله شرطه.

وأمَّا اللَّون؛ فإن كان يختلف؛ ذَكَرَه، وإلاَّ فلا.

والرُّطَب كالتَّمر فيما ذكرنا، إلاَّ الحداثة وضدّها، وليس له من الرُّطَب إلاَّ ما أرطب كلُّه.

ويصف الحِنْطة بالنَّوع؛ كسلمونيٍّ، وبالبلد؛ كحَورانيٍّ، وبالقدر؛ كصغار الحَبِّ أو كباره، وبالحداثة وضدِّها، واللَّون، كما ذكرنا، والشَّعير كالبُرِّ.

ويَصفُ العسل

(3)

بالبلد؛ كفيجيٍّ

(4)

، ويجزِئُ ذلك عن ذكر النَّوع، وبالزَّمان كخريفيٍّ، وباللَّون كأبْيضَ.

ويصِفُ السَّمْن بالنَّوع؛ كسَمْن ضَأْنٍ، وباللَّون كأبْيضَ، قال القاضي: ويَذكر المرعى، ولا يحتاج إلى ذكر الحداثة وضدِّها؛ لأنَّ إطلاقَه يقتضِي الحديث، ولا يصِحُّ السَّلَم في عَتيقه؛ لأنَّه عَيبٌ، ولا يَنْتهي إلى حدٍّ ينضَبِط به، والزُّبْد كالسَّمْن، ويزيد: زُبْدَ يومه أو أمْسِه.

ويصِفُ اللَّبنَ بالنَّوع والمرعى، ولا يحتاج إلى اللَّون، ولا حَلَبِ يومه؛ لأنَّ إطلاقه يقتَضِي ذلك.

ويَصِفُ الجُبْن بالنَّوع والمرعى، ورطْبٍ أو يابِسٍ.

واللِّبَأُ كاللَّبن، ويزيدُ اللَّونَ، والطَّبخ أو عدمَه.

ويصِفُ الحيوان بالسنِّ والنَّوع

(5)

، والذُّكورة وضدِّها، فإن كان رقيقًا؛ ذَكر

(1)

في (ح): وعكسها.

(2)

في (ق): العين.

(3)

في (ح): والعسل.

(4)

في (ح): كفجِّي، وفي (ق): كنيجي. والمثبت موافق للمغني 4/ 212 والممتع 2/ 527.

(5)

في (ظ): بالنوع والسن.

ص: 300

نوعَه؛ كتركيٍّ، وسِنَّه، ويرجع في سنِّ الغلام إليه إن كان بالغًا، وإلاَّ فالقولُ قَولُ سيِّده، وإن لم يعلم؛ رجع إلى أهل الخِبرة، والطُّول بالشِّبر معتبَرٌ فيه.

قال أحمد: يقول خُماسيٌّ أو سُداسيٌّ، أسود أو أبيض، أعجميٌّ أو فصيحٌ

(1)

.

وفي «التَّرغيب» : فإن كان رجلاً ذَكَر: طويلاً، أو رَبْعًا، أو قصيرًا، وفي ذِكر الكَحَلِ، والدَّعَج، والبَكارة، والثُّيوبة ونحوها؛ وجْهانِ.

وقال ابن حمدانَ: وفي اشتراط ثِقَل الأرداف، ووضاءة الوجه، وكون الحاجِبَين مقرونَينِ، وكون

(2)

الشَّعر سَبْطًا، أو جعْدًا، أو أشقر، أو أسود، والعين زرقاء، والأنف أقْنى؛ وجهان.

ويصِفُ الإبل بالنِّتاج، فيقول: من نِتاج بني فلانٍ، مكان النَّوع إن اختُلِف نِتاجها، وباللَّون كأبيض، والخيل كالإبل.

فأمَّا البِغال؛ فلا نتاج لها، والحمير؛ فلا يُقصد نِتاجها، فيُجعل مكانَ ذلك نسبتها إلى بلدها؛ كروميٍّ

(3)

في البغال، ومصريٍّ في الحمير.

والبقر والغنم إن عُرِف لها نتاج؛ فكالإبل، وإلا فكالحمير.

ويصِفُ اللحم بالسِّنِّ، والذُّكورة، والعلف، وضدِّها

(4)

، وبالنَّوع، وموضع اللَّحم في الحيوان، ويزيد في الذَّكر: فحلاً أو خَصِيًّا، وإن كان لحم صيدٍ؛ لم يَحْتَج إلى ذكر العلف، والخِصاء، لكن يذكر

(5)

الآلة أُحْبولةً، أو كلْبًا، أو فهْدًا؛ لأنَّ ذلك يختلف.

(1)

ينظر: المغني 4/ 213.

(2)

في (ظ): وكذا.

(3)

في (ق): بلد كالرومي.

(4)

في (ق): أو ضدها.

(5)

في (ق): يزيد.

ص: 301

واختار في «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه لا يشترط؛ لأنَّ التَّفاوت فيه يسيرٌ، وإذا لم يعتبَر في الرَّقيق ذِكْرُ سِمَنٍ وهُزالٍ ونحوهما مما يتباين به الثَّمن؛ فهذا أَوْلى.

ويلزمه قَبول اللَّحم بعظامه؛ أي: حيث أطلق؛ لأنَّه يقطع كذلك؛ فهو كالنَّوى في التَّمر.

ولا يحتاج في لحم الطَّير إلى ذِكر الأنوثة والذُّكورة، إلاَّ أن يختلف

(1)

بذلك؛ كلحم الدَّجاج، ولا إلى موضع اللَّحم منه، إلاَّ أن يكون كبيرًا

(2)

يأخذ منه بعضه، ولا يلزمه قبول الرَّأس والسَّاقين؛ لأنَّه لا لحم عليهما.

وفي «عيون المسائل» : يُعتَبَر ذكر الوزن في الطَّير؛ كالكركيِّ والبَطِّ؛ لأنَّ القصدَ لحمُه.

ويَصِفُ السَّمك بالنَّوع؛ كبردي، والكِبَر والسِّمَن، وضدِّهما، والطَّرِيِّ، أو المِلْح، ولا يقبل الرَّأس والذَّنَب بل

(3)

ما بينهما.

وَيَصِفُ الثِّياب بالنَّوع؛ ككتَّان، وبالبلد كبغدادي

(4)

، وبالطُّول، أو الغِلَظ، أو النُّعومة، أو ضدها

(5)

.

والغزل كذلك

(6)

، ويذكر مكانَ الطُّول أو العَرْض؛ اللَّونَ نحو أبْيضَ أو أصفرَ.

ويَصِفُ الإبْريسم باللَّون، والبلد، والغِلَظ، والرِّقَّة

(7)

.

(1)

في (ح): تختلف.

(2)

في (ظ): كثيرًا.

(3)

في (ح): بلى.

(4)

في (ح): البغدادي.

(5)

في (ح): ضدهما.

(6)

في (ح): وكذلك.

(7)

في (ق): أو الرقة.

ص: 302

وَيَصِفُ الصُّوف بالبلد، واللَّون، والطُّول أو القصر، والذُّكورة أو الأنوثة، وبالزَّمان؛ كخريفيٍّ أو ربيعيٍّ؛ لأنَّ صوف الخريف أنْظَفُ، وصوف الإناث أنْعَم.

وفي «الشَّرح» احتِمال: أنَّه لا يحتاج إلى ذِكر الأنوثة والذُّكورة؛ لأنَّ التَّفاوُت فيه يسيرٌ.

والشَّعر والوبر كالصُّوف.

ويَصِفُ الكاغَدَ بالطُّول، والعَرْض، والدِّقَّة أو الغِلَظ واسْتِواء الصَّنْعة، وما يَختلِف به الثَّمن.

ويَصِفُ الرَّصاص، والنُّحاس، والحديد بالنَّوع؛ كقَلْعِيٍّ، وبالنُّعومة أو ضدِّها، وباللَّون إن كان يختلف به، ويزيد في الحديد: ذكرًا أو أنثى، فإن الذَّكَرَ أَحَدُّ وأمْضَى.

ويَصِفُ القِصَاع من الخشب بالنَّوع؛ كجَوز، والصِّغر والكبر

(1)

، والعُمْق والضِّيق، والثَّخانة والدِّقَّة.

ويَصِفُ السَّيف بالنَّوع، كفُولاذٍ، وطوله وعَرْضه، ورِقَّته

(2)

وغِلَظه، وبلده، وقدمه أو ضدِّه، ماضٍ أو غيره، ويصف قَبِيعَته.

ويَصِفُ خشب البِناء بالنَّوع، والرُّطوبة أو ضدِّها، وبالطُّول، والدَّور، أو سُمْكه وعَرْضه، ويلزمه أن يَدفع إليه من طَرَفه إلى طَرَفه بذلك الوصف، فإن كان أحدُ طرفَيه

(3)

أغْلَظَ ممَّا وَصَف؛ فقد زاده خيرًا، وإن كان أدقَّ؛ لم يَلْزَمْه قَبوله، وإن ذَكَر الوَزْنَ؛ جاز.

(1)

في (ح): والصغير والكبير.

(2)

في (ق): ورقه.

(3)

في (ق): طرفه.

ص: 303

ويَصِفُ حجارةَ الأرْحِية

(1)

بالدَّور، والثَّخانة، والبلد، والنَّوع، ويضبط ما هو للبناء بذكر اللَّون، والقدر، والنَّوع، والوزن.

وَيَصِفُ الآجُرَّ واللَّبِن بمَوْضِع التُّرْبة، والدَّور، والثَّخانة.

ويَصِفُ الجِصَّ والنُّورة باللَّون، والوزن، ولا يَقبَل ما أصابه الماءُ فجفَّ، ولا قديمًا يُؤثِّر فيه.

وَيَصِفُ العَنْبَر باللَّون، والوزن، وإن شَرَط قِطعة أو قطعتين

(2)

جاز.

ويَضْبِطُ

(3)

العُودَ الهِنديَّ ببلده، وما يُعرَف به.

والمسك ونحوه بما يَختلِف به الثَّمن.

(فَإِنْ شَرَطَ الْأَجْوَدَ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لتعذُّر الوصول إليه إلاَّ نادرًا؛ إذ ما من جيِّدٍ إلاَّ ويَحتمِل أن يوجَد أجودُ منه.

(وَإِنْ شَرَطَ الْأَرْدَأَ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

أصحُّهما: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لا يَنحَصِرُ.

والثَّاني: يَصِحُّ؛ لأنَّ ما يدفعه إليه إن كان الموصوفَ؛ فهو المسلَمُ فيه، وإن لم يكن؛ فهو خَيرٌ منه، فيَلْزَم المسلِمَ قَبولُه، بخلاف الأجْود، ويكفي جيِّدٌ وَردِيءٌ، ويُجْزِئُ بأقلِّها؛ أيْ: ويُنَزَّلُ

(4)

الوصف على أقلِّ درجةٍ.

(وَإِنْ

(5)

جَاءَهُ بِدُونِ مَا وَصَفَ لَهُ، أَوْ نَوْعٍ آخَرَ) من جنسه؛ (فَلَهُ أَخْذُهُ)؛ لأنَّ الحقَّ له، وقد رضي بدونه، ومع اتِّحادهما في الجنس؛ يجعلهما كالشَّيء الواحد، بدليل: حُرمة التَّفاضُل، (وَلَا يَلْزَمُهُ)؛ لأِنَّ الإنسانَ لا يُجْبَر على

(1)

هي جمع: الرحى. ينظر: تهذيب اللغة 5/ 138.

(2)

في (ح): نطعتين. مكان: (قطعة أو قطعتين).

(3)

في (ق): ويصف.

(4)

في (ظ) و (ح): يترك.

(5)

في (ح): وإذا.

ص: 304

إسقاط حقِّه.

وقال القاضي وغيرُه: يَلزَمُه قَبولُه حَيْثُ لم يكن أدنى؛ لأنَّه مِنْ جِنسه، أشبه الزَّائد في الصِّفة.

ورُدَّ: بأنَّه لم يأتِ بالمشروط، فلم يَلزَمْه قَبولُه كالأدنى.

وعنه: يَحرُم قبوله؛ كغير جنسه، نقله جماعةٌ

(1)

.

(وَإِنْ جَاءَهُ بِجِنْسٍ آخَرَ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ)؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ أسْلَم في شيءٍ؛ فلا يصرفْه إلى غيره» رواه أبو داودَ وابن ماجَهْ، من رواية عطيَّة العَوْفيِّ، وضعَّفه جماعةٌ من حديث أبي سعيدٍ

(2)

.

ونقل جماعةٌ عن الإمام: يأخذ أدنى

(3)

؛ كشعيرٍ عن بُرٍّ بقدر كَيله، ولا يربح مرَّتَين، واحتجَّ بابن عبَّاسٍ

(4)

، وبأنَّه أقلُّ من حقِّه، وحُمِل على أنَّهما جنسٌ واحدٌ.

(وَإِنْ جَاءَهُ بِأَجْوَدَ مِنْهُ مِنْ نَوْعِهِ؛ لَزِمَهُ قَبُولُهُ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه أتى بما تناوله

(5)

العقْدُ وزيادةِ منفعةٍ، وكشرطه، وظاهره: ولو تضرَّر.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 324.

(2)

أخرجه أبو داود (3468)، والترمذي في العلل الكبير (346)، وابن ماجه (2283)، والدارقطني (2977)، فيه عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف، قال ابن حجر:(وأعله أبو حاتم والبيهقي وعبد الحق وابن القطان بالضعف والاضطراب)، وفي العلل أن أبا حاتم أعله بالوقف، وحسنه الترمذي، وضعفه ابن الملقن والألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 645، خلاصة البدر 2/ 71، التلخيص الحبير 3/ 69، الإرواء 5/ 215.

(3)

ينظر: مسائل صالح 1/ 208، مسائل ابن هانئ 2/ 20، مسائل عبد الله ص 288.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (14120)، وسعيد بن منصور كما في المحلى (7/ 485)، من طريق عمرو بن دينار، عن طاوس عن ابن عباس قال:«إذا أسلفت في طعام فحل الأجل، فلم تجد طعامًا، فخُذْ منه عرضًا بأنقص، ولا تربح عليه مرتين» ، إسناده صحيح ورجاله رجال الشيخين.

(5)

في (ح): يتناوله.

ص: 305

والثَّاني: لا، لأنَّه غير ما أسْلَم فيه.

وعنه: يَحرُم قَبولُه، نقل صالِحٌ وعبد الله

(1)

، لا يأخذ فَوق صفته

(2)

، بل دونَها.

(فَإِنْ) جاءَه بالأجْودِ، و (قَالَ: خُذْهُ وَزِدْنِي دِرْهَمًا؛ لَمْ يَجُزْ)؛ لأِنَّ الجَودةَ صفةٌ، فلا يجوز إفرادُها بالعقد، كما لو كان مكيلاً أو مَوْزونًا.

(وَإِنْ جَاءَهُ بِزِيَادَةٍ فِي الْقَدْرِ، فَقَالَ ذَلِكَ؛ صَحَّ)؛ لأنَّ الزِّيادة هنا يجوز إفرادها بالبيع.

مسألةٌ: إذا قَبَض المسلَم فيه، فوجد به عَيبًا؛ فله ردُّه وإمساكُه مع الأرْش.

(1)

ينظر: مسائل صالح 1/ 208، مسائل عبد الله ص 288.

(2)

في (ق): صفة.

ص: 306

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: أَنْ يَذْكُرَ قَدْرَهُ

(1)

بِالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ)؛ لِمَا روى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أسْلَف في تَمْرٍ

(2)

؛ فلْيُسْلِف في كَيلٍ معلومٍ، ووَزْنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ» متَّفقٌ عليه، ولفظه لمسلِمٍ

(3)

، (والذَّرْعِ فِي الَمذْرُوعِ)؛ أي: يُشترط معرفةُ قدرِ المسلَم فيه بالذَّرع إن كان مذروعًا، وكذا المعدود؛ لأنَّه

(4)

عِوَضُ غائِبٍ يَثْبُت في الذِّمَّة، فاشْتُرِط معرفةُ قدرِه كالثَّمن.

(فَإِنْ أَسْلَمَ فِي الْمَكِيلِ وَزْنًا، وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلاً؛ لَمْ يَصِحَّ)، نصَّ عليه في رواية الأثرم

(5)

في المكيل لا يُسلَم فيه وَزْنًا؛ لأنَّه مَبيعٌ يشترط معرفة قدره، فلم يَجُزْ بَيعُه بغير ما هو مقدَّرٌ به في الأصل؛ كبيع الرِّبَوِيَّات، ولأنَّه قدَّره بغير ما هو مقدَّرٌ به، فلم يَجُزْ، كما لو أسلم في المذروع وزنًا وبالعكس، فإنَّه لا يَصِحُّ اتِّفاقًا

(6)

.

(وَعَنْهُ: يَصِحُّ)، نقلها المرُّوذِيُّ

(7)

، وجزم بها في «الوجيز» ، وصحَّحها في «المغني» و «الشَّرح» ، ويحتمله كلامُ الخِرَقِي؛ لأِنَّ الغرضَ معرفةُ قدره وإمكانُ

(1)

قوله: (قدره) سقط من (ح).

(2)

في (ظ) و (ح): ثمر.

(3)

أخرجه البخاري (2240)، ومسلم (1604).

(4)

في (ح): ولأنه.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2949، المغني 4/ 217.

(6)

ينظر: الهداية شرح البداية 3/ 70، جواهر الدرر في حل ألفاظ المختصر 5/ 284، المجموع 13/ 133، المغني 4/ 217.

(7)

ينظر: المغني 4/ 217.

ص: 307

تسليمه من غير تنازُعٍ

(1)

، فبأيِّ قَدْرٍ قدَّره جاز، بخلاف الرِّبَوِيَّات، فإنَّ التماثل

(2)

فيها شَرْطٌ.

وأطلقهما

(3)

في «المحرَّر» و «الفروع» .

(وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِكْيَالُ مَعْلُومًا) عند العامَّة؛ لأِنَّه إذا كان مجهولاً؛ تعذَّر الاِسْتِيفاءُ به عند التَّلَف، وذلك مُخِلٌّ بالحكمة الَّتي اشْتُرِط معرفةُ الكَيل من أجلها، وكذا الصَّنْجَةُ والذِّراعُ.

(فَإِنْ شَرَطَ مِكْيَالاً بِعَيْنِهِ)؛ أي: غير معلومٍ، (أَوْ صَنْجَةً بِعَيْنِهَا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه قد يَهلِك فيتعذَّر

(4)

معرفةُ المسلَم فيه، وهو غرَرٌ، وحكاه ابن المنذر إجماعَ مَنْ يحفظ عنه

(5)

.

وظاهره: أنَّه إن كان معلومًا؛ لم يَصِحَّ التَّعيينُ في الأصحِّ، وفي فسادِ العقدِ وجهان؛ أظهرُهما صِحَّتُه.

(وَفِي الْمَعْدُودِ الْمُخْتَلِفِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ)؛ كفُلُوسٍ مَثَلاً، ويكون رأسُ مالها عرْضًا لا يجري فيهما رِبًا (رِوَايَتَانِ):

(إِحْدَاهُمَا: يُسْلِمُ فِيهِ عَدَدًا)، قدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّ التَّفاوُت في ذلك يسيرٌ، ويذهب باشتراطِهِ

(6)

الكِبَرُ والصغر

(7)

أو الوسط، وإن بَقِيَ شَيءٌ يسيرٌ عُفِيَ عنه.

(1)

في (ق): منازع.

(2)

في (ح): المماثل.

(3)

في (ح): وأطلقها.

(4)

في (ق): فتتعذر.

(5)

ينظر: الإجماع ص 98.

(6)

في (ح): باشتراط.

(7)

في (ح): أو الصغير.

ص: 308

(وَالْأُخْرَى: وَزْنًا)؛ لأنَّه يتبايَنُ، والوزنُ يَضْبِطُه.

(وَقِيلَ: يُسْلِمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا)، قدَّمه في «الفروع» ، وذكر في «الشَّرح»: أنَّه الأظهرُ؛ لأِنَّ التَّفاوُتَ في المتقارِب يسيرٌ، ولهذا لا تكاد القيمة تتفاوَت بين البَيضتَينِ والجَوزَتَينِ، بخلاف البطِّيخ، فإنَّه يتبايَن كثيرًا.

(وَفِي الفَوَاكِهِ)؛ كالرمَّان والسفرجل

(1)

، (وَالْبُقُولِ؛ وَزْنًا)؛ لأِنَّه يَختلِف كثيرًا، ويتبايَن جِدًّا، فلا يَنضَبِط إلا

(2)

بالوزن.

فائدةٌ: إذا كان المسلَم فيه ممَّا لا يُمكِنُ وَزْنُه بميزانٍ، كالأرحية

(3)

والأحجار الكِبار؛ وُزِنَت بالسَّفينة، فتُترَك في

(4)

الماء، ثمَّ يُنزَل فيها ذلك، فينظر إلى أيِّ مَوضِعٍ يغوص

(5)

فيُعْلِمه، ثمَّ يرفع ويُنزَل مكانَه رَمْلٌ ونحوه إلى أن يبلغ الماءُ الموْضِعَ المعلَمَ، ثمَّ يُوزَن بميزانٍ.

(1)

قوله: (كالرمان والسفرجل) سقط من (ظ).

(2)

في (ح): لا.

(3)

هي جمع: الرحى. ينظر: تهذيب اللغة 5/ 138.

(4)

في (ق): من.

(5)

في (ق): يعرض.

ص: 309

(فَصْلٌ)

(الرَّابِعُ: أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلاً مَعْلُومًا)، نقله الجماعةُ

(1)

؛ لأِمْره عليه السلام بالأجل

(2)

؛ كالكيل والوزن، ولأنَّه

(3)

أمر بها تبيينًا لشروط السَّلَم، ومنْعًا منه بدونها، بدليل: أنَّه لا يصحُّ إذا انتفى الكَيلُ أو الوزنُ، ولأِنَّه إنَّما جاز رُخْصةً للمرفق، ولا يَحصل إلاَّ بالأجل؛ إذ الحلول يُخرِجه عن اسمه ومعناه.

(لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ) عادةً، قاله الأصحابُ؛ (كَالشَّهْرِ)، كذا قدَّره

(4)

غيرُه به، ونقله في «الواضح» عن أصحابنا، وليس هذا في كلام أحمدَ، واحتجَّ أصحابُنا: بأنَّ الأصلَ

(5)

أنَّه لا يجوز السَّلَم؛ لأنَّه باع مجهولاً لا يَملِكُه يتعذَّر تسليمُه، فرخَّص فيه لحاجة المُفلِس، ولا حاجةَ مع القدرة.

قال في «الفروع» : وهذا إنَّما يدُلُّ على اعتبار

(6)

الأجل في الجملة، مع أنَّه قال في «عيون المسائل»: هو معتمَدُ المسألة وسِرُّها.

والأَولى أن يقال: إنَّ الأجل إنَّما اعتُبِر ليتحقَّق المرفق الَّذي شرع من أجله السَّلَم، فلا يحصل ذلك بالمدة

(7)

الَّتي لا وقع لها في الثَّمن.

(وَنَحْوِهِ)، وفي «الكافي»: كنصفه، وفي «الشَّرح»: وما قارب الشَّهر.

(فَإِنْ أَسْلَمَ حَالًّا) لم يَصِحَّ؛ لحديث ابنِ عبَّاسٍ

(8)

.

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 270، مسائل ابن هانئ 2/ 19.

(2)

في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري (2240)، ومسلم (1604).

(3)

في (ح): ولا.

(4)

في (ح): قدمه.

(5)

في (ق): الأجل.

(6)

في (ظ): اعتباره.

(7)

في (ح): في المدة.

(8)

وقد سبق قريبًا.

ص: 310

وعنه: يَصِحُّ حالًّا، ذكرها القاضي وأبو الخَطَّاب، وأومأ إليه في رواية أبي طالبٍ: أهل المدينة يقولون: لا يحتاج إلى مدَّةٍ، وهو قياسٌ، ولكن إلى أجلٍ أحبُّ إليَّ

(1)

.

وهي مع بقية النُّصوص تدلُّ على الأجل القريب، لكن إن وقع بلفظ البيع؛ صحَّ حالًّا.

قال القاضي: ويجوز التَّفرُّقُ قبل قبض

(2)

رأس المال؛ لأنَّه بيعٌ، ويحتمل: أن

(3)

لا يصحَّ؛ لأنَّه بَيعُ دَينٍ بدَينٍ، ذكره في «الكافي» .

(أَوْ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ؛ كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لفوات شرطه، وهو أن مِثلَ ذلك لا وَقْع له في الثَّمن.

وعنه: أنَّ الأجلَ شرطٌ، ولو كان يومًا، ذكرها القاضي.

وقيل: لا يصحُّ إلى شهرٍ.

(إِلاَّ أَنْ يُسْلِمَ فِي شَيْءٍ يَأْخُذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ أَجْزَاءً مَعْلُومَةً، فَيَصِحُّ)، نَصَّ عليه في رواية الأثرم

(4)

؛ إذ الحاجة داعيةٌ إلى ذلك.

وظاهرُه: التَّعميمُ في كلِّ ما يصحُّ السَّلَمُ فيه.

وقال أبو الخَطَّاب: فإن أسلم في لحمٍ أو خبزٍ يأخذ منه كلَّ يومٍ أرطالاً معلومةً؛ جاز، نَصَّ عليه؛ فظاهرُه اختصاصُ الجوازِ بهما، ونصره ابن المنجَّى.

فعلى ما ذكرنا: إذا قَبَض البعضَ وتعذَّر قَبْضُ الباقي؛ رجع بقسطه من الثَّمن، ولا يجعل الباقي فضلاً على المقبوض؛ لتماثُل أجزائه، فيُقسَّط الثَّمن

(1)

ينظر: الفروع 6/ 326.

(2)

قوله: (قبض) سقط من (ح).

(3)

في (ح): أنه.

(4)

ينظر: المغني 4/ 230.

ص: 311

بالسَّوية، كما إذا بيَّن أجله.

وقيل: يصحُّ إن بيَّن قِسط كل أجلٍ وثمنه.

(وَإِنْ أَسْلَمَ فِي جِنْسٍ إِلَى أَجَلَيْنِ)؛ صحَّ؛ لأنَّ كلَّ بيعٍ جاز إلى أجلٍ؛ جاز إلى أجلين وآجالٍ؛ كبيوع الأعيان.

(أَوْ فِي جِنْسَيْنِ إِلَى أَجَلٍ؛ صَحَّ) كالبيع.

(وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ)، فعلى هذا: يُسْلِم إلى وقتٍ يُعلَم بالأهلَّة، نحو أوَّل الشَّهر، وأوسطه، وآخره، وآخر يوم منه معيَّنٍ؛ لقوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البَقَرَة: 189]، ولا خلاف في صحَّة التَّأجيل بذلك

(1)

، فلو جعله إلى شهر رمضان؛ تعلَّق بأوَّله.

وكذا إن قال

(2)

: محلُّه شهرُ كذا؛ يصحُّ، وقيل: لا.

ولو قال: إلى ثلاثة أشهُرٍ؛ كان إلى انقضائها، فإن كانت مبهَمةً؛ كان ابتداؤها حين تلفُّظه بها.

وإن قال: إلى شهر كذا؛ انصرف إلى الهلاليِّ، ما لم يكن في أثنائه، فإنَّه يعمل بالعدد.

فإن علَّقه باسمٍ يتناوَل شيئينِ؛ كربيعٍ وجُمادَى والعيد؛ انصرف إلى أوَّلهما، قطع به في «المغني» و «الشرح» .

وقيل: لا يصحُّ، وهو الَّذي أورده في «التَّلخيص» مذهبًا.

ويدخل في كلامه: ما إذا عيَّن الوقت؛ كعيد الفطر أو يوم عرفة؛ للعلم به.

فإن كان معلومًا بغير الأهلَّة، وكان ممَّا يعرفه المسلمون؛ كشُباط، أو عيدًا لا يختلف فيه؛ كالنَّيروز والمِهرجان

(3)

؛ صحَّ، ذكره في «المغني»

(1)

ينظر: المغني 4/ 220.

(2)

في (ظ) و (ق): قاله.

(3)

من أعياد الكفار، النيروز: الشهر الثالث من شهور الربيع، والمهرجان: اليوم السابع عشر من الخريف. ينظر: المطلع ص 192.

ص: 312

و «الشَّرح» ؛ لأنَّه معلومٌ، أشبه عيد المسلمين.

وظاهر الخِرَقيِّ، وابن أبي موسى، وابن عبدوس: لا، كما لو أسلم إلى الشَّعانين

(1)

وعيد الفطير

(2)

، مما يجهله المسلمون غالبًا، ولا يجوز تقليد أهل الذِّمَّة فيه.

وظاهره: أنَّ الأجل إذا لم يكن معلومًا عند المتعاقدَين، أو أحدهما؛ لا يصِحُّ؛ للجهالة.

(فَإِنْ أَسْلَمَ إِلَى الْحَصَادِ، أَوْ الْجَدَادِ، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ إِلَيْهِ

(3)

؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):

المذهب: أنَّه لا يصحُّ أن يؤجَّل إلى الحصاد والجداد؛ لقول ابن عبَّاسٍ: «لا تتبايعوا

(4)

إلى الحصاد والدِّياس، ولا تتبايعوا إلاَّ إلى شهرٍ معلومٍ»

(5)

، ولأنَّه يختلف، فلم يَجُزْ أن يكون أجلاً؛ كقدوم زيدٍ.

(1)

في (ح): المشعانين. وفي (ق): الشعابين.

والشعانين: عيد نصراني يقع يوم الأحد السابق لعيد الفصح، يحتفل فيه بذكرى دخول المسيح بيت المقدس. ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 537، المعجم الوسيط 1/ 485.

(2)

في (ظ) و (ح): الفطر. والمثبت موافق لما في المغني 4/ 221 والشرح 12/ 264، قال في المصباح المنير 2/ 376:(عيد الفطير: عيد لليهود، يكون في خامس عشر نيسان، وليس المراد نيسان الرومي، بل شهر من شهورهم يقع في آذار الرومي، وحسابه صعب، فإن السنين عندهم شمسية والشهور قمرية، وتقريب القول فيه: أنه يقع بعد نزول الشمس الحمل بأيام تزيد وتنقص).

(3)

قوله: (إليه) سقط من (ح).

(4)

قوله: (لا تتبايعوا) سقط من (ح).

(5)

أخرجه الشافعي في الأم (7/ 108)، وسعدان بن نصر في جزئه كما في مجموع مصنفات البختري (79)، والبيهقي في الكبرى (2004)، وابن حجر في التغليق (3/ 277)، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما. وإسناده صحيح، ورجاله ثقات رجال البخاري.

ص: 313

لا يقال: قد روي عن عائشة: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهوديٍّ: أن ابعث إليَّ ثَوبينِ إلى الميسرة» ؛ لأنَّه رواه حرميُّ بن عمارة، قال أحمد: فيه غفلةٌ، وهو صدوقٌ، وقال ابن المنذر: أخاف أن يكون من غفلاته، حيث لم يُتابَعْ عليه

(1)

، ثمَّ لا خلاف أنَّه لا يصلح للأجل

(2)

.

والثَّانية: يجوز، روي عن ابن عمر:«أنَّه كان يبتاع إلى العطاء»

(3)

، وهو محمولٌ على وقت العطاء، لا فعله

(4)

، فإن نفس العطاء يتقدَّم ويتأخَّر، فهو مجهولٌ.

قال في «الشَّرح» : ويحتمل أنَّه أراد نفس العطاء؛ لكونه يتقارَب، أشبه الحصاد، ولأنَّه اختلافٌ يسيرٌ، فلم يؤثِّر؛ كرأس السَّنة.

وعُلِم منه وجه الرِّوايتين فيما إذا كان الخيار في البيع إليهما.

فرعٌ: يُقبَل قولُ المُسلَم إليه مع يمينه في الأشهر في اشتراط الأجل، وقدره، وبقائه، وفراغه.

(وَإِذَا جَاءَهُ بِالسَّلَمِ)؛ أي: المسلَم فيه؛ إذ المصدر يُطلَق ويُراد به

(1)

أخرجه أحمد (25141)، والترمذي (1213)، والنسائي (4628)، والحاكم (2207)، وصححه الترمذي والحاكم، وقال ابن حجر في التلخيص 3/ 87:(أعلَّ ابنُ المنذر فيما نقله ابن الصباغ في الشامل حديث عائشة بحرمي بن عمارة، وقال: إنه رواه عن شعبة، وقد قال فيه أحمد بن حنبل: إنه صدوق إلا أن فيه غفلة، قال ابن المنذر: وهذا لم يُتابع عليه، فأخاف أن يكون من غفلاته. انتهى. وهذا في الحقيقة من غفلات المعلِّل، ولم ينفرد به حرمي، بل لم نره من روايته، إنما رواه شعبة، عن والده عمارة، عن عكرمة، وكان حرمي حاضرًا في المجلس، بيَّنه الترمذي والبيهقي).

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 4/ 219، والشرح 12/ 268:(ثم إنه لا خلاف في أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة لم يصح).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (20258)، وابن حزم في المحلى (7/ 369)، وضعَّفه بحجاج بن أرطاة.

(4)

في (ح): فعلاه.

ص: 314

المفعول، وكما

(1)

يُعبَّر عن السرقة

(2)

بالمسروق، وبالرَّهن عن المرهون، (قَبْلَ مَحِلِّهِ) - بكسر الحاء -، (وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ؛ لَزِمَهُ قَبْضُهُ)؛ لأِنَّ غَرَضَه حاصِلٌ مع زيادة تعجيل المنفعة، فجرى

(3)

مجرى زيادة الصِّفة، وهذا فيما لا يتغيَّر؛ كالحديد والنُّحاس، ولا يَختلِف قديمُه وحديثُه؛ كالزَّيت والعسل.

(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي: إذا أحضره قبل الأجل، وفي قبضِه ضررٌ؛ لا يلزمه قبضُه، وهو صادق بِصُوَرٍ؛ إمَّا لكونه ممَّا يتغيَّر؛ كالفاكهة والأطعمة، أو كان قديمُه دون حديثه؛ كالحبوب؛ لأنَّ له غرَضًا في تأخيره، بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه في ذلك الوقت، وإن كان حيوانًا لم يأمن تلفه، ويحتاج إلى نفقة، وكذا ما يُحتاج في حفظِه إلى مؤنةٍ؛ كالقُطْن، أو كان الوقت مَخُوفًا، فهو كنقصِ صفةٍ فيه.

وفي «الرَّوضة» : إن كان ممَّا يَتْلَف، أو يتغيَّر قديمُه وحديثُه؛ لزِمه قبضُه، وإلاَّ فلا، وهذا خلافُ ما جزم به الأكثرُ.

وعُلِم منه: أنَّه إذا أحضره في محلِّه؛ لزمه قبضه مطلقًا؛ كالمبيع المعين، فإن امتنع من قبضه قيل له: إمَّا أن تَقْبِض، أو تُبرِئ، فإن أصرَّ؛ برئ، ذكره في «المغني» في المكفول به.

والأَشْهَر: يَرفعُه إلى الحاكم فينوبُ عنه في قبضه، لا إبرائه؛ لأنَّ قَبْضَ الحاكم كقبضِ المالِك، وهذا فيما

(4)

إذا أتاه بالمسلَم فيه على صفته.

فرعٌ: حكمُ كلِّ دَينٍ لم يَحِلَّ إذا أتى به؛ كذلك، ونقل بكرٌ وحنبلٌ في دَين

(1)

في (ظ): كما.

(2)

في (ح): بالسرقة.

(3)

في (ح): تجري.

(4)

قوله: (فيما) سقط من (ح).

ص: 315

الكتابة: لا يلزمه

(1)

، ذكرها جماعةٌ؛ لأنَّه قد يَعجِز فَيَرِقُّ، ولأنَّ بقاءه في ملكه حقٌّ له لم يَرْضَ بزواله.

ومن أراد قضاء دَينٍ عن غيره، فلم يَرْضَ ربُّ الدَّين، أو أعسر بنفقة زوجته فبذلها أجنبيٌّ؛ لم يُجْبَر ربُّ الدَّين والزَّوجة.

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 125.

ص: 316

(فَصْلٌ)

(الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَامَّ الْوُجُودِ فِي مَحِلِّهِ) غالِبًا، بغير خلافٍ نعلمه

(1)

؛ لوجوب تسليمه إِذَنْ، (فَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ فِيهِ)؛ لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لا يمكن تسليمُه غالِبًا عند وجوبه، أشْبَهَ بَيعَ الآبِق، بل أَوْلَى.

(أَوْ لَا يُوجَدُ إِلاَّ نَادِرًا؛ كَالسَّلَمِ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ إِلَى غَيْرِ وَقْتِهِ)، كما لو أسلم فيهما إلى شُباطَ أو آذارَ؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ لاِنْتِفاء شرطه، ولأنَّه لا يُؤمَن انقطاعُه، فلا يَغْلبُ على الظَّنِّ القدرةُ على تسليمه عند وجوده، كما لو أسلم في جاريةٍ وولدها.

وظاهره: أنَّه لا يُشترَط وجوده حال العقد، وكذا لا يُشترَط عدمه في الأصح، حكاهما ابنُ عَبْدُوسٍ.

(وَإِنْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرَةِ بُسْتَانٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ)، أو في نتاجٍ من فحل بني فلانٍ، أو غنمه، أو في مثل هذا الثَّوب؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه لا يُؤمَن تَلَفُه وانقطاعه

(2)

، أشْبَهَ ما لو أسلم في شيءٍ قدَّره بمِكيالٍ معلومٍ، أو صَنْجةٍ بعَينها.

دليلُ الأصل: ما رُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه أسلف إليه يهوديٌّ من

(3)

تمر حائط بني فلانٍ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أمَّا من حائِطِ بَنِي فُلانٍ فلا» رواه ابنُ ماجَهْ، ورواه الجوزَجانِيُّ في «المترجم»

(4)

، وقال: أجمع العلماء على كراهة

(1)

ينظر: المغني 4/ 221.

(2)

في (ح): انقطاعه.

(3)

في (ح): في.

(4)

أخرجه ابن ماجه (2281)، وابن حبان (288)، والطبراني في الكبير (5147)، والحاكم (6547)، وإسناده ضعيف، فيه حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، ولم يروه عنه غير ابنه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: في التقريب: (مقبول)، وليس له متابع، وهو منقطع فإن حمزة لم يسمع من جده عبد الله بن سلام، وصححه ابن حبان والحاكم، وقال الذهبي:(غريب، من الأفراد)، وقال الهيثمي:(إسناده منقطع، ورجاله ثقات)، وضعفه البوصيري والألباني. ينظر: السيرة للذهبي المطبوع مع السير 2/ 260، مجمع الزوائد 9/ 326، زوائد ابن ماجه 3/ 36، الإرواء 5/ 218.

ص: 317

هذا البيع، وقال ابن المنذِر: المنعُ منه كالإجماع

(1)

؛ لاحْتِمال الجائحة.

ونقل أبو طالِبٍ وغيره: يَصِحُّ إذا بدا صلاحُه، أو استحصد، واحتجَّ بابن عمر

(2)

.

وقال أبو بكر: إذا كان قد بلغ وأُمِنَتْ عليه الجائحةُ. ويُعارِضُه ما سبق.

(وَإِنْ أَسْلَمَ إِلَى مَحِلٍّ يُوجَدُ فِيهِ عَامًّا فَانْقَطَعَ)؛ بأن

(3)

لم تَحمِل الثِّمارُ تلك السَّنةَ مثلاً؛ (خُيِّرَ) المسلِمُ (بَيْنَ الصَّبْرِ) إلى أن يوجَد فيُطالِب به، (وَالفَسْخِ

(4)

كغيره (وَالرُّجُوعِ بِرَأْسِ مَالِهِ)؛ أي: مع وجوده؛ لأنَّ العقد إذا زال؛ وجب ردُّ الثَّمن، ويَجِب ردُّ عَينه إن كان باقيًا؛ لأنَّه عَينُ حقِّه، (أَوْ عِوَضِهِ إِنْ كَانَ مَعْدُومًا)؛ لتعذُّر ردِّه، ثمَّ إن كان

(5)

مِثْلِيًّا اسْتَحقَّ مِثْلَه، وإلاَّ قيمته كالمتلَف، (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وهو متعلِّق بقوله: خُيِّر.

(1)

ينظر: الإشراف 6/ 105.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 328.

والحديث أخرجه الطيالسي (2052)، وأحمد (5129)، وأبو داود (3467)، من طريق أبي إسحاق، عن رجل نجراني، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً أسلف رجلاً في نخل، فلم تخرج تلك السنة شيئًا، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«بم تستحل ماله، ارددْ عليه ماله» ، ثم قال:«لا تُسلِفوا في النخل حتى يبدو صلاحه» ، وفي إسناده راو مبهم، وضعفه ابن عدي والإشبيلي وابن حجر. ينظر: الكامل 9/ 208، الأحكام الوسطى 3/ 277، الفتح 4/ 433.

(3)

في (ظ) و (ق): فإن.

(4)

في (ح): وبين الفسخ.

(5)

زيد في (ح): الثمن.

ص: 318

(وَفِي الآْخَرِ: يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ)؛ لكون المسلَمِ فيه من ثمرة العام، بدليل وجوب التَّسليم منها، أشْبَهَ ما لو باعه قفيزًا من صُبْرةٍ فهلكت، فيرجع برأس ماله على ما ذكرنا.

والأوَّلُ هو الأَشْهَرُ والأصحُّ، فإنَّ العَقْدَ صحيحٌ، وإنَّما تعذَّر التَّسليمُ، فهو كمَن اشترى عبدًا فأَبَقَ قبل القبض، ولأنَّهما لو تراضيا على دَفْع المسلَم فيه من غير ثمرة العام؛ جاز، وإنَّما أُجْبِر على الدَّفع منه؛ لكونه بصفة حقِّه.

تنبيه: إذا أخَّر القبض في أوانه مع إمكانه؛ فهل يلزمه الصَّبرُ إلى أوانه بعد، أو يتخيَّر بينه وبين الفسخ؟ فيه وجهان، وقيل: إن تعذَّر بعضه؛ فُسِخ الكلُّ أو صَبَرَ.

فرعٌ: إذا أسلم ذِمِّيٌّ إلى ذِمِّيٍّ في خمرٍ، فأسلم أحدُهما؛ فقال ابن المنذر: أجمع كلُّ مَنْ نحفظ عنه أنَّ المسلِمَ يأخذ دراهمه

(1)

؛ لأنَّ الأوَّلَ تعذَّر عليه اسْتِيفاءُ المعقودِ عليه، والآخَر تعذَّر عليه الإيفاءُ.

(1)

ينظر: الإشراف 6/ 115.

ص: 319

(فَصْلٌ)

(السَّادِسُ: أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ)؛ أي: قبل التَّفرُّق، نَصَّ عليه

(1)

، استنبطه

(2)

الشَّافِعِيُّ من قوله عليه السلام: «مَنْ أسلف فليُسْلِف»

(3)

؛ أي: فلْيُعْطِ، قال:(لأنَّه لا يقع اسم السَّلَف فيه حتَّى يُعطيَه ما سلفه قبل أن يفارق من أسلفه)

(4)

انتهى، وحذارًا أن يصير بَيعَ دَينٍ بدَينٍ، فيدخل تحت النَّهي، ولا يجوز شرط تأخير العِوَضِ فيه، فلم يَجُزِ التَّفرُّق قبل القبض كالصَّرف.

ويُشترَط قبضُ جميعه، فلو قَبَض البعضَ، ثمَّ افترقا؛ بطل فيما لم يُقبض، والأشهر: أنَّه يصحُّ في المقبوض.

فلو جعل دَينًا سَلَمًا؛ لم يصحَّ، لكن لو كان عنده أمانةٌ، أو عَينٌ مغصوبة صحَّ؛ لأنَّه في معنى القبض.

أصلٌ: المجلِسُ هنا كمجلسِ الصَّرف، وهما كمجلس

(5)

الخيارِ في ظاهر كلام الأصحاب.

وفي «الجامع الصَّغير» : أنَّه إذا تأخَّر قبضُ

(6)

رأسِ مالِ السَّلَم اليومين والثَّلاثة؛ لم يَصِحَّ.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2558.

(2)

في (ظ): واستنبطه.

(3)

أخرجه البخاري (2240)، ومسلم (1604)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

ينظر: الأم 3/ 95.

(5)

قوله: (وهما كمجلس) في (ق): وكالمجلس.

(6)

قوله: (قبض) سقط من (ح).

ص: 320

(وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْلُومَ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ

(1)

كَالْمُسْلَمِ فِيهِ)، أم

(2)

تكفي مشاهدتُه؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

أحدهما: يُشترَط ذلك، قاله القاضي وأبو الخَطَّاب وصاحب «التَّلخيص» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه عَقْدٌ يتأخَّر بتسليم المعقود عليه، فوجب معرفة رأس ماله؛ ليَرُدَّ بدلَه؛ كالقرض والشّرِكة.

فعلى هذا: لا يجوز أن يكون رأسُ المال جوهرةً؛ لعدم تأتِّي الصِّفة عليه، فإن فَعَلَا؛ بطل العقد، ويرُدُّه إن كان موجودًا، وإلا

(3)

قيمتَه، فإن اختلفا فيها قُبِل قول المسلَم إليه؛ لأنَّه غارِمٌ.

وفي «الانتصار» : يقع العقدُ بقيمة مثلِيٍّ؛ لأنَّه قد يَضمنه بأقلَّ وأكثر

(4)

، وهو ربًا، وظاهر كلام غيره: بمثله، وكذا الأجرة.

والثَّاني: لا يُشترَط، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، ومَالَ إليه في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّه عِوَضٌ مشاهَدٌ

(5)

، فلم يَحْتَج إلى معرفته

(6)

؛ كبيوع الأعيان.

تنبيهٌ: كلُّ مالَين حَرُم النَّساءُ فيهما؛ لا يجوز إسلام أحدهما في الآخَر؛ لأنَّ السَّلَم من شَرْطه التَّأجيل، وما ذكره الخِرَقِيُّ: أنَّه لا يجوز النَّساء في العروض هو إحدى

(7)

الرِّوايات، فعلى هذا: لا يجوز إسلامُ بعضها في بعضٍ.

(1)

في (ظ): القدر والصفة.

(2)

في (ح): أو.

(3)

في (ح): أو إلا.

(4)

في (ق): أو أكثر.

(5)

في (ق): شاهد.

(6)

في (ق): معرفة.

(7)

في (ح): أحد.

ص: 321

وقال ابن أبي موسى، وذكره القاضي هو ظاهر كلام أحمدَ: أنَّه يُشترَط أن يكون رأسُ المال

(1)

أحدَ النَّقدَين، فعلى هذا: لا يجوز أن يكون المسلَم فيه ثمنًا.

والأصحُّ: أنَّه يَصِحُّ إسلام عَرْضٍ في عَرْضٍ، وفي ثَمَنٍ.

(وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَنًا وَاحِدًا فِي جِنْسَيْنِ

(2)

؛ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ

(3)

ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ)، نقله الجماعةُ

(4)

؛ لأِنَّ ما يقابِلُ كلًّا من الجنسين مجهولٌ، فلم يَجُزْ، كما لو عقد عليه مفرَدًا بثمنٍ مجهولٍ، ولِما فيه من الغَرَرِ.

والثَّانية: يجوز قبل البيان؛ لأنَّه إذا جاز أن يُسلِم في شَيءٍ واحدٍ إلى أجلين من غير بيانٍ؛ فكذا هنا، فعلى هذا: لو تعذَّر أحدُهما؛ رَجَع بقِسْطه من رأس المال.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : الجوازُ تخريجًا؛ لعدم اطِّلاعهما عليها

(5)

.

وظاهره: ولو كان الثَّمَن مختلِفًا.

وقال ابن أبي موسى: لا يجوز إسْلامُ خمسة دنانيرَ وخمسين درهمًا في كُرِّ حِنطةٍ، إلاَّ أن يُبَيِّنَ حصَّةَ كلِّ واحدٍ من الثَّمن.

وفيه نظرٌ؛ إذ الرُّجوع ممكِنٌ بقدر الحِصَّة.

(1)

قوله: (مال) في (ظ): مال السلم.

(2)

كتب في هامش (ظ): (قال في التنقيح: أو ثمنين في جنس؛ لم يصح حتى يبين ثمن كل جنس وقدر كل ثمن، نص عليهما).

(3)

في (ح): يتبين.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2786.

(5)

في (ح): عليهما.

ص: 322

(فَصْلٌ)

(السَّابِعُ: أَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فِي عَيْنٍ)؛ كدارٍ وشجرةٍ ثابِتةٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه ربَّما تَلِفَ قبل أَوَانِ تسليمه، فلم يصِحَّ، كما لو شرط مِكْيَالاً بعينه غير معلومٍ؛ لأِنَّ المعيَّنَ يمكن بيعُه في الحال، فلا حاجة إلى السَّلَم فيه.

(وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ)، ذكره القاضي، وحكاه ابن المنذِر عن أحمدَ وجماعةٍ

(1)

؛ لأِنَّه عليه السلام لم يذكره، ولأنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، أشْبَهَ بيوع الأعيان.

وقيل: إن كان لحمله مؤونة؛ وجب شَرْطُه، وإلاَّ فلا.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ فِيهِ؛ كَالْبَرِّيَّةِ) والبحر

(2)

؛ (فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ)؛ لتعذُّر الوفاءِ في موضعِ العقد، وليس البعضُ أَوْلَى من البعض، فاشتُرط تعيينه بالقول كالكيل

(3)

.

وقال القاضي: لا يُشترط، ويُوفي بأقرب الأماكن إليه.

(وَ) يجب أن (يَكُونَ الْوَفَاءُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ)، نَصَّ عليه

(4)

مع المشاحَحَة؛ لأنَّ العقدَ يَقتضي التَّسليم في مكانه

(5)

، فاكتُفي بذلك عن ذِكره.

وله أخذُه في غيره إن رضيا، فلو قال: خُذْه، وأجرةُ حملِ مثله إلى موضع الوفاء؛ لم يصِحَّ، قال القاضي: كأخذ بدل السَّلَم.

(فَإِنْ شَرَطَ الْوَفَاءَ فِيهِ)؛ أي: في موضع العقد؛ صحَّ، (وَكَانَ تَأْكِيدًا)؛

(1)

ينظر: الإشراف 6/ 102.

(2)

في هامش (ظ): (ودار حرب).

(3)

في (ح): كالمكيل، وفي (ق): كالليل.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2836، مسائل صالح 3/ 84.

(5)

في (ح): مكان.

ص: 323

لأِنَّه شَرط ما يَقتضيه العقد، أشبه شرط الحلول في الثَّمن.

(وَإِنْ شَرَطَهُ فِي غَيْرِهِ؛ صَحَّ) على الأصحِّ؛ لأنَّه بَيعٌ، فصحَّ شرْطُ الإيفاء في غير مكانه؛ كبيوع الأعيان.

(وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ)، قطع بها أبو بكرٍ في «التَّنبيه» ؛ لأِنَّه شَرَطَ خلافَ مقتضَى العقد، فلم يصِحَّ، كما لو شرط ألاَّ يسلمه، والفرْقُ واضِحٌ.

فرعٌ: يُقبل قولُ المسلَم إليه في تعيينه مع يمينه، فلو قال: هذا الذي أَقْبضتني، وهو معيبٌ، فأنكر؛ قُدِّم قولُ القابِض.

(وَلَا يَجُوزُ

(1)

بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) بغير خلافٍ نعلمه

(2)

؛ «لنهيه عليه السلام عن بيع الطَّعام قبل قبضه»

(3)

، ولأنَّه مبيعٌ

(4)

لم يَدخل في ضمانه، فلم يَجُزْ بَيعُه قبل قبضه كالطَّعام.

وهو شامِلٌ للشَّرِكة والتَّوْلية؛ لأنَّهما بَيعٌ في الحقيقة.

وظاهره: ولو لمن هو في ذِمَّته.

(وَلَا هِبَتُهُ)؛ لأنَّها نَقْلٌ للملك قبل قَبْضه، فلم يصحَّ كالبيع.

(وَلَا أَخْذُ غَيْرِهِ مَكَانَهُ)؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ أسلف في شيءٍ؛ فلا يَصْرِفْه إلى غيره»

(5)

، ولأِنَّ أخْذَ العِوَض عنه بيعٌ له، فلم يَجُزْ؛ كبيعه لغيره.

وظاهِرُه: سواءٌ كان المسلَمُ فيه موجودًا أوْ معدومًا، وسواءٌ كان العِوَضُ مثلَه في القيمة، أو أقلَّ، أو أكثر.

(1)

في (ح): ولا يصحُّ.

(2)

ينظر: المغني 4/ 227.

(3)

أخرجه البخاري (2135)، ومسلم (1525)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ومن حديث ابن عمر أيضا عند البخاري (2133)، ومسلم (1526).

(4)

في (ح): بيع.

(5)

سبق تخريجه 5/ 305 حاشية (2).

ص: 324

(وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ)؛ لأِنَّها لا تَصِحُّ إلاَّ على دَينٍ مستقِرٍّ، والسَّلَم بِعرَضِيَّة الفسخ، ولأنَّه نَقْلٌ للملك على غير وجْه الفسخ، فلم يصِحَّ كالبيع.

وذلك: بأن يُحِيلَ المسلَمُ إليه بما عليه للمسلِم على مَنْ له مثله من قَرْضٍ، أو بَدَل مُتْلَفٍ ونحوه.

ولا عليه، كما إذا أحال المسلِم بما له على المسلَم بما عليه من قرْضٍ، أوْ بدَل متْلَفٍ، ولو برأس مال سَلَمٍ بعد فَسخِه، وفيه

(1)

وجْهٌ.

(وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ)؛ كقَرْضٍ، ومَهْرٍ بعد دخول، وأجرةٍ اسْتَوْفَى نفْعَها، أو

(2)

فَرَغت مُدَّتُها، وقيمة متْلَفٍ ونحوه، (لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ)؛ لخبر ابن عمر: كُنَّا نَبيع

(3)

الأبْعِرةَ بالبقيع بالدَّنانير ونأخذ عنها الدَّراهم، وبالدَّراهم ونأخذ عنها الدَّنانير، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا بأس أنْ تَأخذها

(4)

بسعر يومها، ما لم تَتَفرقا

(5)

وبينكما شيءٌ» رواه أبو داود وابن ماجَهْ

(6)

، فدلَّ على جواز بيع ما في الذِّمَّة من أحد النَّقْدَينِ بالآخَر، وغيره يُقاس

(7)

عليه.

وفي بَيع دَين الكتابة مع أنَّه غير مستقِرٍّ؛ وجهان.

لا رأسِ مالِ سلَمٍ بعد فَسْخه في المنصوص

(8)

.

(بِشَرْطِ أَنْ يَقْبِضَ عِوَضَهُ فِي الْمَجْلِسِ)؛ للخبر، ولأنَّه إذا لم يُقبَض صار

(1)

في (ح): فيه.

(2)

في (ح): إن.

(3)

في (ق): ببيع.

(4)

في (ظ): يأخذها، وفي (ق): أخذها.

(5)

في (ح): لم يتفرقا.

(6)

سبق تخريجه 5/ 203 حاشية (2).

(7)

في (ح): مقاس.

(8)

ينظر: الفروع 6/ 332.

ص: 325

بيعَ دَينٍ بدَينٍ، وهذا إن باعه بما لا يُباع به نسيئةً، أو بموصوفٍ في الذِّمَّة، وإلاَّ فلا يُشتَرَط. وقيل: بلى.

(وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ)؛ أي: لغير من هو في ذِمَّته؛ لأنَّه غيرُ قادِرٍ على تسليمه، أشْبَهَ بيع الآبِق.

وعنه: يَصِحُّ منهما، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: نَصَّ عليه في مواضِعَ

(1)

.

وعنه: لا يَصِحُّ منهما، اختاره الخَلاَّل، وذكره في «عيون المسائل» عن صاحبه؛ كدَين السَّلم.

وفي «المبهج» وغيره روايةٌ: يصِحُّ فيه، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

، وهو قول ابن عبَّاسٍ

(3)

، لكن بقدر القيمة فقط؛ لئلاَّ يربَح فيما لم يضمَن.

فرعٌ: لا تصحُّ

(4)

هِبَةُ دَينٍ لغير غريمٍ، ونقل حربٌ صحَّتَه، وأطلق الشَّيخ تقيُّ الدِّين روايتين فيه

(5)

وفي بيعه من غيره

(6)

.

(وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي) دَين (السَّلَمِ)، حكاه ابن المنذر إجماعَ مَنْ يحفَظ عنه من أهل العلم

(7)

؛ لأنَّها فسْخٌ للعقد ورَفْعٌ له من أصله، وليست بَيعًا على الأصحِّ.

وحكى ابن الزَّاغونيِّ في جوازها فيه: روايتَينِ؛ بِناءً على أنَّها بَيْعٌ.

قال ابن حمدانَ: ولا تصِحُّ

(8)

الإقالةُ فيه

(9)

إن جُعلت بَيعًا، وإلاَّ صحَّت

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 510.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 510.

(3)

تقدم تخريجه 5/ 305 حاشية (4).

(4)

في (ح): لا يصح.

(5)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(6)

ينظر: الفروع 6/ 332.

(7)

ينظر: الإشراف 6/ 109.

(8)

في (ح): يصح.

(9)

في (ظ) و (ح): منه.

ص: 326

الإقالةُ في كلِّه.

وقيل: تصِحُّ في كلِّه

(1)

وإن جُعلت بيعًا.

(وَتَجُوزُ فِي بَعْضِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، جزم به في «الوجيز» وغيره؛ لأنَّ الإقالةَ مندوبٌ إليها، وكلُّ مندوبٍ إليه جاز في الجميع؛ جاز في البعض؛ كالإبراء والإنظار.

والثَّانية: لا تجوز، وقد رُوِيَت كراهتُها عن ابن عمر

(2)

، وابن المسيِّب؛ لأنَّ السَّلَم يَقِلُّ فيه الثَّمن من أجل التَّأجيل، فإذا فسخ في البعض؛ بَقِي البعضُ بالباقي

(3)

من الثَّمن وبمنفعة

(4)

الجزء الَّذي فسخ فيه، فلم يجز

(5)

، كما لو شرط ذلك في ابتداء العقد.

(إِذَا قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ) إن كان موجودًا، (أَوْ عِوَضَهُ) إن كان معدومًا، (فِي مَجْلِسِ الْإِقَالَةِ)؛ لأنَّه إذا لم يَقبَض أحدَ الأمرين؛ يَصير ذلك دَيْنًا على المسلَم إليه، وعليه بقدر السَّلَم فيصير ذلك بمعنى البيع والسَّلَف، وهو منهيٌّ عنه، قاله ابن المنجَّى، وهذا قول أبي الخَطَّاب، واختاره ابن حمدانَ، والأشْهَرُ: أنَّه لا يُشْتَرَط ذلك.

(وَإِنِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عَنِ الثَّمَنِ عِوَضًا مِنْ

(1)

قوله: (وقيل: تصح في كله) سقط من (ح).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (20006)، عن زيد بن جبير، سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول:«خُذْ رأس سلمك، أو رأس مالك» ، إسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (14106)، عن قتادة، عن ابن عمر بلفظ:«إذا سلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك أو الذي سلفت فيه» ، قال الحافظ في الدراية 2/ 160:(أخرجه عبد الرزاق بإسناد منقطع، وأخرجه ابن أبي شيبة بإسناد جيد).

(3)

في (ح) و (ق): الباقي.

(4)

في (ظ): وبمنفعته.

(5)

قوله: (فلم يجز) سقط من (ح).

ص: 327

غَيْرِ جِنْسِهِ)، قاله الشَّريف أبو جعفرٍ؛ لقوله عليه السلام:«مَنْ أسلم في شيءٍ؛ فلا يصرفه إلى غيره»

(1)

، وفي الاستدلال به نظرٌ، ولأنَّه مضمونٌ على المسلَم إليه بعقد السَّلَم، فلم يَجُز أخْذ عِوَضه؛ كالمسلَم فيه.

وقال القاضي: يجوز أخْذ العِوَض عنه؛ لأنَّه عِوَضٌ مستقِرٌّ في الذِّمَّة، فجاز أخْذُ العِوَض عنه كالقرض؛ ولأنَّه مالٌ عاد إليه بفسخ العقد؛ فجاز أخْذُ العِوَض عنه كثمنِ المبيع.

والفرقُ: أنَّ المسلَم فيه مضمونٌ بالعقد، والثَّمنَ مضمونٌ

(2)

بعد فَسْخِه، ولا يجوز أن يُجعلَ ثمنًا

(3)

في شَيءٍ آخَرَ؛ لأنَّه بيعُ دَينٍ بدَينٍ

(4)

.

وظاهره: أنَّ له أخْذَ العِوَض من جنسه؛ لأنَّه إذا جاز أخْذُ النَّوع عن النَّوع في السَّلَم بشرط اتِّحاد الجنس؛ فَلَأنْ يجوز أخْذُ النَّوع عن نَوعٍ آخَرَ برأس مال السَّلم

(5)

بطريق الأَوْلَى.

(وَإِذَا

(6)

كَانَ لِرَجُلٍ سَلَمٌ، وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جِنْسِهِ، فَقَالَ لِغَرِيمِهِ: اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِكِ، فَفَعَلَ؛ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ)؛ لأِنَّ قبْضَه لنفسه حَوالةٌ به، والحَوالةُ بالسَّلَم غيرُ صحيحةٍ.

(وَهَلْ يَقَعُ قَبْضُهُ لِلآْمِرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، هما روايتان حكاهما في «الشَّرح» و «الفروع»:

أحدهما: يصحُّ؛ لأنَّه أذِن له في القبض، أشبه قَبْضَ وكيلِه، وكما لو نوى المأمورُ القبضَ للآمِر.

(1)

سبق تخريجه 5/ 305 حاشية (2).

(2)

في (ق): مقبوض.

(3)

في (ق): هنا.

(4)

في (ق): بعين.

(5)

في (ح): المسلم.

(6)

في (ح): وإن.

ص: 328

والثَّاني - وهو الأصحُّ -: أنَّه لا يصِحُّ؛ لأنَّه لم يجعله نائبًا له في القبض، فلم يقع له، بخلاف الوكيل، فعليه: يَبقى على ملك المسلَم إليه.

ولو قال: احضر كَيلَه لأقبضه لك، ففعل؛ لم يصحَّ قبضُه للثَّاني، وهل يكون قابضًا لنفسه؟ فيه وجهان، أَوْلاهما: نعم؛ لأنَّ القَبض قد وُجِد من مستحِقِّه، أشبه ما لو نوى القبض لنفسه، فعلى هذا: إذا قبضه للآخَر؛ صحَّ.

(فَإِنْ

(1)

قَالَ: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ؛ صَحَّ) على الأصحِّ؛ لأنَّه اسْتِنابةٌ في قبضه له، فإذا قبضه لموكِّله؛ جاز أن يَقبضه

(2)

لنفسه، كما لو كان له وديعةٌ عند من له عليه دَينٌ.

والأخرى: لا يَصِحُّ.

فلو قال الآمر: احْضُرْنا حتَّى أكتاله لنفسي، ثمَّ تكتاله أنت، وفَعَلَا؛ صحَّ.

(وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَقْبِضُهُ لِنَفْسِي، وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الذِي تُشَاهِدُهُ؛ فَهَلْ يَجُوزُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أشْهُرُهما: الجوازُ، وبه جزم في «الوجيز» ؛ لأنَّه عَلِمَه وشاهد كَيله، فلا مَعْنَى لاعْتِبار كَيله مرَّةً أخرى.

والثانية: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه «عليه السلام نهى عن بيع الطَّعام حتى

(3)

يجري فيه الصَّاعان»

(4)

، أشبه ما لو قبضه جزافًا.

(1)

في (ظ): وإن.

(2)

في (ح): يقبض.

(3)

قوله: (حتى) سقط من (ح).

(4)

أخرجه ابن ماجه (2228)، والدارقطني (2819)، والبيهقي في الكبرى (10700)، من حديث جابر رضي الله عنه، وفي سنده محمد بن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ، وضعفه الزيلعي وابن الملقن، والبوصيري، وأخرجه البزار (10078)، والطحاوي في المشكل (5902)، والبيهقي في الكبرى (10701)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسن إسناده ابن حجر، وله شواهد أخرى. ينظر: الخلاصة 2/ 72، زوائد ابن ماجه 3/ 24، الفتح 4/ 351، التلخيص الحبير 3/ 72.

ص: 329

(وَإِنِ اكْتَالَهُ، ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْمِكْيَالِ وَسَلَّمَهُ إِلَى غَرِيمِهِ فَقَبَضَهُ؛ صَحَّ الْقَبْضُ لَهُمَا)؛ لِأَنَّ الأوَّلَ قد اكتاله حقيقةً، والثَّاني حصل له استمرارُ الكيل، واستدامته كابتدائه، كما أنَّ استدامةَ الرُّكوب ركوبٌ، مع أنَّه لا تحصل

(1)

زيادةُ علمٍ بابتدائه، فلا معنى له.

(وَإِنْ قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ)، وكذا كلُّ دَينٍ، (جِزَافًا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ أي: قول القابِض مع يمينه، (فِي قَدْرِهِ)؛ لأِنَّه أعلم بكَيله، وهو منكِرٌ للزَّائد، والأصلُ عدَمُه.

وهل له أن يتصرَّف في قَدْرِ حقِّه قبل اعتباره

(2)

؟ فيه وجهان.

ويدُه على الباقي؛ قيل

(3)

: يد أمانة، وقيل: يضمنه لمالكه؛ لأنَّه قَبَضه على أنَّه عوض عما له.

وفي طريقة بعض أصحابنا في ضمان الرَّهن لو دفع إليه عينًا، وقال: خُذ حقَّك منها؛ تعلَّق حقُّه بها، ولا يضمنها بتلفها.

(وَإِنْ قَبَضَهُ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا، ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الغلط.

والآخَر: يُقبل؛ لأنَّه أعلم بِكيل ما قبضه، ولأنَّ الأصل أنه لم يَقبض غيرَ ما ثبت بإقراره.

وأطلقهما

(4)

في «الفروع» كغيره، وقيَّده: إذا ادعى ما يغلط بمثله، وهو ظاهر.

(1)

في (ظ): لا يحصل.

(2)

في (ق): إعساره.

(3)

في (ح): وقيل.

(4)

في (ح): وأطلقها.

ص: 330

فلو وَجد زيادةً على ذلك؛ فهي مضمونةٌ في يده، قاله جماعةٌ.

فرعٌ: من قبض دَينه، ثمَّ بان لا دَين له؛ ضمنه، ولو أقرَّ بأخذ مالِ غيرِه؛ لم يُبادِر إلى إيجاب ضمانه حتَّى يُفسِّر أنَّه عدوانٌ.

ومن أَذِن لغريمه في الصَّدقة بدَينِه عنه، أو صرفه، أو المضاربة به؛ لم يصحَّ، ولا يبرأ، وعنه: يصحُّ، وبناه القاضي على شرائه من نفسه، وفي «النِّهاية»: على قبضه من نفسه لموكِّلهِ، وفيه

(1)

روايتان، وكذا إن عزله وضارب به.

(وَهَلْ يَجُوزُ الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما، ونقلها المرُّوذِي وغيره

(2)

: بأنَّه لا يصحُّ، وهو اختيار الخِرَقيِّ، وأبي بكرٍ، وابن عبدوس، وقدمه في «الفروع» ، ورويت كراهته عن عليٍّ

(3)

، وابن عبَّاسٍ

(4)

، وابن عمرَ

(5)

؛ إذ وضع الرَّهن الاستيفاء من ثمنه عند تعذُّر الاستيفاء من الغريم، ولا يُمكن استيفاءُ المسلَم فيه من ثمن الرَّهن، ولا من ذمَّة الضَّامن؛ حذارًا من أن يَصرفه إلى غيره.

(1)

في (ح): وفيها.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2560، الروايتين والوجهين 1/ 258.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (14082)، وابن أبي شيبة (20034)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه كره الرهن والكفيل في السلف. وفي إسناده عبد الله بن أبي يزيد؛ لم نقف على ترجمته.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (20036)، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أنه كان يكره الرهن في السلم» ، ولا بأس بإسناده، واحتج به أحمد في مسائل ابن هانئ (1256).

(5)

أخرجه عبد الرزاق (14083)، وابن أبي شيبة (20035)، عن محمد بن قيس، قال: سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الرجل يسلم السلم، ويأخذ الرهن، فكرهه، وقال:«ذلك السلف المضمون» ، يعني الربح. لا بأس بإسناده، محمد بن قيس الهمداني الكوفي متكلم فيه، وقد وثَّقه ابن معين وأحمد في رواية صالح، وقال أبو حاتم:(لا بأس به).

وأخرج سعيد بن منصور كما في المحلى (8/ 42)، عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر عن الرهن في السلف؟ فقال: «ذلك الربا المضمون» ، وإسناده صحيح.

ص: 331

وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الضمير

(1)

في «لا يصرفه»

(2)

راجِعٌ إلى المسلَم فيه، ولكن يشتري ذلك من ثمن الرهن، ويُسلِّمه، ويشتريه الضامن ويُسلِّمه؛ لئلاَّ يصرفه إلى غيره.

والثَّانية - نقلها حنبل -: يجوز

(3)

، اختارها المؤلِّف وصاحب «الوجيز»؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين

} إلى قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 382]، قال ابن عبَّاسٍ وابن عمر:«السَّلَمُ مُرادٌ منها وداخل فيها»

(4)

، فهي كالنَّص فيه، والكفيل كالرَّهن بجامع التَّوثقة

(5)

، ولأنَّه أحدُ نوعي البيع؛ فجاز التَّوثقة بما في الذِّمَّة؛ كبيوع الأعيان.

وحكايتُه عنهما في «المغني» الكراهةَ يَحتمل: أنَّه روايةٌ أخرى عنهما، فعليها: لصاحب الحقِّ مطالبةُ من شاء منهما، وأيُّهما قضاه برئت ذمَّتُهما منه.

وإن زال العقد؛ بطل الرَّهن والضَّمان، وعلى المسلَم إليه ردُّ مال السلَّم

(6)

في الحال.

ولا يُشترَط قبضُه في المجلس؛ لأنَّه ليس بعِوَضٍ، ويكون كبقية الرُّهون تلزم

(7)

بالقبض، أو بمجرَّد

(8)

العقد إن لم يكن مُعيَّنًا

(9)

على رواية، وإذا لم

(1)

في (ح): الضمين.

(2)

سبق تخريجه 5/ 305 حاشية (2).

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 258.

(4)

تقدم تخريجه عن ابن عباس رضي الله عنهما 5/ 291 حاشية (6)، ولم نجد تفسير ابن عمر رضي الله عنهما، وقد أخرج البيهقي في الكبرى (11089)، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بالرهن والحميل مع السلف بأسًا. وإسناده صحيح.

(5)

في (ظ): الوثيقة.

(6)

في (ح): المسلم.

(7)

في (ق): يلزم.

(8)

في (ق): مجرد.

(9)

في (ح): عينًا.

ص: 332

يلزم ولم يقبض؛ فللمسلِم الفسخ.

والخلافُ في المسلَم فيه جارٍ في رأس مال السَّلم والله أعلم

(1)

.

(1)

قوله: (والله أعلم) سقط من (ظ) و (ح).

ص: 333

(بَابُ الْقَرْضِ)

(1)

القرض: مصدر قَرَض الشَّيء، يقرِضه، بكسر الرَّاء؛ إذا قطعه، والقرض اسم مصدر بمعنى الاقتراض، وهو بفتح القاف، وحُكي كسرها، وهو في اللغة: القطعُ، ومنه سمي: المقراض.

وهو: دفعُ المال إلى الغير لينتفع به ويرُدَّ بدله، نوع من المعاملات مستثنىً

(2)

عن قياس المعاوضات؛ لمصلحة لاحظها الشَّارع؛ رفْقًا بالمحاويج.

والأصل فيه: قوله عليه السلام في حديث ابن

(3)

مسعود: «ما مِنْ مسلم يُقرِض مسلِمًا قرضًا مرَّتين إلاَّ كان كصدقةٍ مرَّةً»

(4)

، وروى أبو رافع:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم استَسْلَف من رجلٍ بَكْرًا»

(5)

، وعن أنسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «رأَيتُ ليلةَ أُسْرِيَ بي على باب الجنَّة مكتوبًا: الصَّدقةُ بعَشْر أمثالها، والقَرْضُ بثمانيةَ عَشَرَ، فقلت: يا جبريلُ، ما بال القَرْض أفْضلُ من الصَّدقة؟! قال: لأِنَّ السَّائل يسأل

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

(2)

في (ح): تستثنى.

(3)

في (ح): أبي.

(4)

أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه (2430)، والبيهقي في الشعب (3282)، وسنده ضعيف، فيه سُليم بن أُذُنَان وهو مجهول، لم يوثقه إلا ابن حبان، وله طريق آخر بنحوه أخرجه أبو يعلى كما في المطالب العالية (1452)، وابن حبان (5040)، وفيه أبو حريز، قال أحمد:(أبو حريز اسمه عبد الله بن حسين، حديثُه حديث منكر)، واختلف في هذا الحديث رفعًا ووقفًا، ورجح وقفه الدارقطني والبيهقي، وأخرجه موقوفًا البخاري في التاريخ (2/ 189)، وحسنه مرفوعًا ابن القطان والألباني. ينظر: العلل للدارقطني 5/ 185، السنن الكبرى للبيهقي 5/ 353، بيان الوهم 5/ 775، الإرواء 5/ 225.

(5)

أخرجه مسلم (1600).

ص: 334

وعندَه، والمستقْرِضُ لا يَسْتَقْرِضُ إلاَّ من حاجةٍ»، رواه ابنُ ماجَهْ

(1)

والأول.

وأجمع المسلمون على جوازه

(2)

.

(وَهُوَ مِنَ الْمَرَافِقِ)، واحدُه: مَرفِق؛ بفتح الميم مع كسر الفاء وفتحها، وهو ما ارتفقت به وانتفعت، (المَنْدُوبِ

(3)

إِلَيْهَا) في حقِّ المقرِض؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ كشف عن مؤمنٍ كُربةً من كرب الدُّنيا؛ فرَّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة»

(4)

، قال أبو الدَّرْداء:«لَأَنْ أُقْرِض دِينارَينِ، ثمَّ يُردَّان، ثمَّ أقرضهما؛ أحبُّ إليَّ مِنْ أن أتصدَّق بهما»

(5)

، ولأِنَّ فيه تفريجًا عن غيره، وقضاءً لحاجته، فكان

(6)

مندوبًا إليه كالصَّدقة.

وليس بواجِبٍ، قال أحمد:(لا إثْمَ على مَنْ سُئِل فلم يُعْطِ)

(7)

؛ لأنَّه من المعروف.

(1)

أخرجه ابن ماجه (2431)، والطبراني في الأوسط (6719)، والبيهقي في الشعب (3288)، وفي سنده خالد بن يزيد بن أبي مالك وهو ضعيف، وضعفه ابن الجوزي والبوصيري، وقال الألباني:(ضعيف جدًّا)، وله شاهد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، أخرجه البيهقي في الشعب (3286)، وحسنه الألباني، وله طريقان آخران عن أبي أمامة، عند الطيالسي (1237)، وابن الجوزي في العلل (2/ 112)، وفيهما متروكان. ينظر: العلل المتناهية 2/ 113، زوائد ابن ماجه 3/ 69، الضعيفة (3637)، الصحيحة (3407).

(2)

ينظر: الإجماع ص 99.

(3)

في (ح): والمندوب.

(4)

أخرجه البخاري (2442)، ومسلم (2580)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (22243)، والبيهقي في الكبرى (10951)، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء رضي الله عنه. وإسناده منقطع، كما أشار الذهبي في المهذب (4/ 2123)، وقال البزار في موضع من مسنده (10/ 30):(وسالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي الدرداء فيما نعلم شيئًا).

(6)

في (ح): وكان.

(7)

ينظر: المغني 4/ 236.

ص: 335

وهو مباحٌ للمقترِض، وليس مكروهًا، قال أحمد:(ليس القَرْضُ من المسألة)

(1)

؛ أي: لا يُكرَه؛ لِفِعْله عليه السلام

(2)

، ولو كان مكروهًا كان أبْعَدَ النَّاس منه.

ومن أراد أن يَستقرِض؛ فلْيُعلِم المقرِضَ بحاله، ولا يَغُرُّه من نفسه، إلاَّ الشَّيْءَ اليسيرَ الذي لا يتعذَّر ردُّ مِثْلِه.

وقال أحمد: إذا اقْتَرَض لغيره، ولم يُعْلِمْه بحاله؛ لم يُعْجِبْني، قال: وما أحبُّ أن يَقْترِض بجاهِه لإخوانه

(3)

.

تنبيهٌ: يُشترَط معرفةُ قدره ووصفه

(4)

، وأن يكون المقرِض ممَّن يصحُّ تبرُّعه كالبيع.

وحكمُه في الإيجاب والقَبول كما سبق، ويصِحُّ بلفظه، وبلفظ السَّلَف؛ لورود الشَّرع بهما

(5)

، وبكلِّ لفْظٍ يؤدِّي معناهما، نحو: ملَّكتك هذا على أن تَرُدَّ بَدَلَه، أو تُوجَد قرينةٌ تَدُلُّ عليه، وإلاَّ فهو هِبةٌ.

فإن اختلفَا فيه؛ قُبِلَ قول الموهوب له؛ لأنَّ الظَّاهرَ معه.

(وَيَصِحُّ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا)، مكِيلاً كان أو موزونًا أو غيرهما؛ لأنَّه «عليه السلام اسْتَسْلَف بَكْرًا»

(6)

، ولأِنَّ ما ثبت سَلَمًا يُملَك بالبيع، ويُضْبَطُ بالوصف، فجاز قَرْضُه كالمكيل، ولأنَّ المقصود يَحصل به لكونه يُنتفَع به ويُتمكَّنُ من بيعه، فدلَّ على أنَّ ما لا يثبت في الذِّمَّة سَلَمًا؛ كالحِنْطة المختَلِطة بالشَّعير؛

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 311.

(2)

كما سبق في حديث أبي رافع رضي الله عنه أخرجه مسلم (1600).

(3)

ينظر: المغني 4/ 236.

(4)

في (ح): وصفته.

(5)

كما في حديث أبي رافع رضي الله عنه.

(6)

أخرجه مسلم (1600).

ص: 336

لا يجوز، وكقرض المنافع.

(إِلاَّ بَنِي آدَمَ وَالْجَوَاهِرَ وَنَحْوَهَما مِمَّا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا)؛ أيْ: لا يصح

(1)

فيهما، أمَّا بنو آدَمَ؛ فقال أحمدُ:(أكره قرضهم)

(2)

، فيحتمل التَّحريم، فلا يَصِحُّ قَرْضُهم، اختاره القاضي، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه لم يُنقَلْ، ولا هو من المرافِق، ولأنَّه يُفضي إلى أن يقترض جاريةً يطؤُها، ثمَّ يردُّها.

ويحتمل كراهة التَّنزيه، فيصِحُّ قَرْضُهم، وهو قول ابنُ جُرَيْجٍ والمُزَنِيِّ؛ لأنَّه مالٌ يَثْبُت في الذِّمَّة سَلَمًا، فصحَّ قرضُه كسائر البهائم.

وقيل: قرضُ العبدِ لا الأمةِ، إلاَّ أن يُقرضَهنَّ من محارمهنَّ؛ لأنَّ الملك بالقرض ضعيفٌ؛ لكونه لا يَمنعها من ردِّها على المقرِض

(3)

، فلا يُستباح به الوطء؛ كالملك في مدَّة الخيار.

ورُدَّ: بأنه عَقْدٌ ناقِلٌ، فاستوى فيه

(4)

العبد والأمة، ولا نسلِّم ضعف الملك فيه، فإنه مطلَقٌ كسائر التَّصرُّفات، بخلاف الملك زمن الخيار.

وأمَّا الجواهرُ ونحوُها؛ فلا يَصِحُّ قَرْضُها في وجْهٍ؛ لأِنَّه لا يَنضَبِط

(5)

بالصِّفة، فلا يمكن ردُّ المِثْل، ومقتضى القرضِ ردُّ المِثْل.

والثَّاني: بلى، وهو اختيار القاضي، وظاهر «الوجيز» ؛ لأنَّ الجواهرَ وما لا مِثْل له تجب

(6)

فيه القيمة.

(1)

زيد في (ظ): (السلم) وكتب فوقها: ح.

(2)

ينظر: المغني 4/ 238.

(3)

في (ح): القرض.

(4)

قوله: (فيه) سقط من (ح) و (ق).

(5)

في (ح): تنضبط.

(6)

في (ق): يجب.

ص: 337

وأطلقهما

(1)

في «المحرَّر» و «الفروع» ك «المقنع» .

فرعٌ: سأله أبو الصَّقْر: عَيْنٌ بين أقوامٍ لهم نُوَبٌ في أيَّامٍ، يقترض الماء من نَوبة صاحب الخميس ليَسقي به، ليردَّ عليه يوم السَّبت، قال: إذا كان محدودًا يُعرف كم يخرج منه؛ فلا بأس، وإلاَّ أكرهه

(2)

.

(وَيَثْبُتُ المِلْكُ) فيه (بِالْقَبْضِ)؛ لأِنَّه عَقْدٌ يقف التَّصرُّف فيه على القبض، فوقف الملك عليه كالهبة، ويَتِمُّ بالقَبول.

وله الشِّراء به من مُقْرِضه، نقله مهنَّى

(3)

.

وفي «الفروع» : ويلزم مكيلٌ وموزونٌ بقبضه، وفي غيره روايتان.

(فَلَا يَمْلِكُ الْمُقْرِضُ اسْتِرْجَاعَهُ

(4)

؛ لأنَّه قد لزم من جهته، فلم يملك الرُّجوع فيه كالمبيع؛ لكونه أزال مِلكَه عنه بعقدٍ لازِمٍ من غير خِيارٍ.

(وَلَهُ طَلَبُ بَدَلِهِ)؛ أي: في الحال؛ لأنَّ القَرْضَ

(5)

يَثْبُت في الذِّمَّة حالًّا، فكان له طلبه كسائر الدُّيون الحالَّة، ولأنَّه سببٌ يُوجِب ردَّ المثل أو القيمة، فكان حالًّا كالإتلاف، فعلى هذا: لو أقرضه تفاريق

(6)

، ثمَّ طالبه بها جملةً؛ كان له ذلك؛ لأنَّ الجميع حالٌّ، وكالبيع.

(وَإِنْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ عَلَيْهِ) بعَينه؛ (لَزِمَهُ قَبُولُهُ)؛ لأنَّه ردَّه على صفة حقِّه، فلزمه قَبوله كالسَّلَم، وسواءٌ تغيَّر

(7)

سِعْرُه أو لا.

وظاهره: لا فرق بين أن يكونَ ما اقترضه بدلُه من جنسه أو لا، وهو قولٌ

(1)

في (ح): وأطلقها.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 347.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 348.

(4)

كتب في هامش (ظ): (ما لم يفلس المستقرض ويحجر عليه).

(5)

في (ق): العوض.

(6)

رسمت في (ح): تفايق.

(7)

في (ح): بغير.

ص: 338

في المذهب.

والمعروف فيه: أنه يلزمه قَبول المِثْلِيِّ

(1)

وذلك بشرطين:

أحدهما: (مَا لَمْ يَتَعَيَّبْ

(2)

؛ كحنطةٍ ابتلَّت أو عفَّنت؛ لأنَّ عليه في قَبوله ضررًا؛ لأنَّه دون حقِّه.

الثَّاني: ما لم يتغيَّر، ونبَّه

(3)

عليه بقوله: (أَوْ تَكُنْ

(4)

فُلُوسًا، أَوْ مُكَسَّرَةٌ فَيُحَرِّمُهَا السُّلْطَانُ)؛ أي: يترك المعامَلة بها؛ لأِنَّه كالعَيب، فلا يلزمه قَبولها؛ (فَتَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ) من غير جنسه إن جرى فيه ربا الفضل

(5)

، (وَقْتَ الْقَرْضِ)، سواءٌ كانت باقيةً أو استهلكها، نصَّ عليه في الدَّراهم المكسَّرة، فقال

(6)

: يقوِّمها كم تساوي يوم أخذها، ثمَّ يعطيه

(7)

، وسواءٌ نقصت قيمتها قليلاً أو كثيرًا.

وقيل: له القيمة يوم الخصومة، وهو ظاهر كلامِه في رواية حنبلٍ.

وذكر أبو بكرٍ في «التَّنبيه» ، وقدَّمه في «الرِّعاية»: أنَّ

(8)

له قيمتَها يوم فَسَدَتْ وتُرِكت المعامَلةُ بها؛ لأنَّه كان يلزمه ردُّ مثلها ما دامت باقية

(9)

، فلمَّا فسدت انتقل إلى قيمتِها، كما لو عَدِمَ المثلَ.

(1)

كتب في هامش (ظ): (وهو المكيل والموزون).

(2)

في (ظ): لم يتغيب.

(3)

في (ح): فرتبه.

(4)

في (ظ): يكن.

(5)

كتب في هامش (ظ): (كما لو أقرضه دراهم مكسرة، فحرمها السلطان؛ أعطى قيمتها ذهبًا، وعكسه بعكسه).

(6)

في (ق): فيقال.

(7)

ينظر: المغني 4/ 244.

(8)

في (ح): أنه.

(9)

في (ظ): نافقة.

ص: 339

وقال القاضي: إن نَفَقت في بعض المواضع؛ لزمه أخذُها، وإن تَرَك النَّاسُ المعاملةَ بها؛ فله قيمتها.

وقيل: إن رخصتْ فله القيمةُ، ونصُّه

(1)

وجزم به في «الوجيز» : أنَّه يرُدُّ مِثْلَها إذا رخصت.

تنبيهٌ: المغشوشةُ، إذا حرَّمها السلطانُ؛ حكمها كذلك.

والخلافُ جارٍ فيما إذا كان

(2)

ثمنًا، وظاهر «الفروع» فيه قولان: له القيمةُ وقتَ العقد، كما هو المنصوص، أو يوم فسدت.

وإن شَرَط ردَّه بعينه، أو باع درهمًا بدرهمٍ هو دفعه إليه؛ لم يصحَّ.

(وَيَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ)، إجْماعًا

(3)

؛ لأنَّه يُضمَن في الغصب والإتْلافِ بمثله، فكذا هنا، مع أنَّ المِثْل أقرب شبهًا بالقرض من القيمة.

فإن أَعْوز المثلُ؛ لزمه قيمتُه يومَ الإعواز؛ لأنَّها حينئذٍ تَثبت في الذِّمَّة.

(وَالْقِيمَةُ فِي الْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا)، إذا قيل بجواز قَرضِها؛ لأنَّها مِنْ ذوات القِيم، ولا مِثْل لها لكونها

(4)

لا تَنضبط بالصِّفة، وتكون القيمةُ يوم قبضهما.

(وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَجْهَانِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

أحدهما: يَرُدُّ القيمةَ، وهو ظاهر «الوجيز» ؛ لأنَّ ما أوجب المِثل في المثْليات؛ أوجب القيمة فيما لا مِثلَ له؛ كالإتلاف، وتكونُ القيمةُ يومَ القرض.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 350.

(2)

في (ظ): كانت.

(3)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 99.

(4)

في (ح): بكونها.

ص: 340

الثَّاني: يجب ردُّ مِثْلِه؛ لفِعْله عليه السلام

(1)

، ولأنَّ ما ثبت في السَّلَم؛ ثبت في القرض كالمثليِّ، بخلاف الإتلاف؛ لأنَّ القيمةَ فيه أخصرُ، ولا مسامَحة فيه.

ويُعتبر في مِثل صفاته تقريبًا، فإن تعذَّر المثلُ؛ فعليه قيمتُه يومَ تعذُّرِه.

لكن لو اقترض

(2)

خبزًا أو خميرًا، عددًا، وردَّ عددًا بلا قصدِ زيادةٍ؛ جازَ، نصَّ عليه

(3)

.

وعنه: لا، كما لو أقرضه صغيرًا يَقصد

(4)

أن يعطيَه كبيرًا.

(وَيَثْبُتُ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ)؛ لأنَّه بَدَلُ مقْبوضٍ، أشبه عِوَضَ ثمن المبيع إذا كان مستحَقًّا، (حَالًّا، وَإِنْ أجَّلَهُ)؛ لأنَّه عَقْدٌ مُنِع فيه من التَّفاضل، فمُنِع الأجلُ

(5)

فيه كالصَّرف؛ إذ الحالُّ لا يتأجَّل بالتَّأجيل، وهو عِدَةٌ وتبرُّعٌ لا يلزم الوفاءُ به، قال أحمد: القرضُ حالٌّ، وينبغي أن يفيَ بوعده

(6)

.

وخالف الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنه لا يحرُم تأجيلُه، وذَكَرَه وجْهًا

(7)

؛ لقوله عليه السلام: «المسلمون عند شروطهم»

(8)

.

وكلُّ دَينٍ حالٍّ كالقرض.

(وَيَجُوزُ شَرْطُ الرَّهْنِ، وَالضَّمِينِ فِيهِ)؛ لأِنَّه «عليه السلام اسْتَقْرَض من يهوديٍّ شعيرًا، ورهنه درعَه» متَّفق عليه

(9)

، ولأنَّ ما جاز فِعْلُه جاز شَرْطُه، ولأنَّه يُراد

(1)

كما في حديث أبي رافع رضي الله عنه أخرجه مسلم (1600).

(2)

في (ح): أقرض.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 226.

(4)

في (ح): بقصد.

(5)

في (ح): الأصل.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 349.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 349، الاختيارات ص 194.

(8)

سبق تخريجه 5/ 96 حاشية (6).

(9)

أخرجه البخاري (2096)، ومسلم (1603)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 341

للتَّوثُّق بالحقِّ، وليس ذلك بزيادةٍ، والضَّمينُ كالرَّهن.

فلو عيَّنهما وجاء بغيرهما

(1)

؛ لم يلزم البائعَ

(2)

قَبولُه وإن كان ما

(3)

أتى به خيرًا من المشروط، وحينئِذٍ يُخيَّرُ بين فسخِ العقد وبين إمضائِه بلا

(4)

رهنٍ ولا كفيلٍ.

وهل له الأرشُ إلحاقًا له بالعيوب، وذكر المجْدُ: أنَّه المذهب، أو لا أرشَ

(5)

إلحاقًا له بالتَّدليس، وهو ظاهر كلام الأكثر؟ على قولين.

(وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ مَا يَجُرُّ نَفْعًا، نَحْوُ أَنْ يُسْكِنَهُ دَارَهُ، أَوْ يَقْضِيَهُ خَيْرًا مِنْهُ)، كلُّ قرضٍ شُرِط فيه زيادةٌ؛ فهو حرامٌ إجْماعًا

(6)

؛ لأنَّه عَقْدُ إرْفاقٍ وقُربةٍ، فإذا شُرِط فيه الزِّيادة؛ أخرجه عن موضوعه.

ولا فَرق بين الزِّيادة في القَدْر أو الصِّفة، مثل: أن يُقرِضه مكسَّرةً فيُعطيه صِحاحًا، أو نقدًا ليُعطيه خيرًا منه.

وفي «الفروع» : إذا قضاه صحاحًا عن مكسَّرةٍ أقلَّ لعلَّة ربا

(7)

الفضل؛ لم يَجُزْ، وإلاَّ جاز، نَصَّ عليه

(8)

.

فإذا شَرَط أن يوفيَه أَنقص منه؛ لم يَجُزْ إن كان ممَّا يجري فيه الرِّبا؛ لإفضائه إلى فوات المماثَلة، وكذا إن كان في غيره على الأشهر، وفي فسادِ القرض روايتان.

(1)

في (ح): بغيره، وفي (ق): تغيرهما.

(2)

قوله: (البائع) مكانه بياض في (ح).

(3)

في (ح): مما.

(4)

في (ح): فلا

(5)

قوله: (لا أرش) في (ح): الأرش.

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 99.

(7)

قوله: (ربا) سقط من (ح) و (ق).

(8)

ينظر: مسائل أبي داود ص 226.

ص: 342

وكذا إذا شَرَط القضاءَ (فِي بَلَدٍ آخَرَ)؛ لأنَّ فيه نفعًا في الجملة، ذكر القاضي: أنَّ للوصيِّ

(1)

قَرْضَ مال اليتيم في بلد ليوفيَه في بلدٍ آخَرَ؛ ليربح

(2)

خَطَر الطَّريقِ، وفي «المغني» و «الشَّرح»: إن لم يكن لحمله مؤونة، وإلاَّ حَرُم.

(وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ هَذَا الشَّرْطِ)، حكاه ابن المنذر عن أحمد

(3)

، وصحَّحه في «المغني» ، ورُوِي عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ

(4)

؛ لأنَّه ليس بزيادةٍ في قدرٍ ولا صفةٍ، بل فيه مصلحةٌ لهما، فجاز كشرط الرَّهن.

وعنه: لا بأس به على وجه المعروف.

(وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ) ولا مواطَأةٍ، نَصَّ عليه

(5)

، (أَوْ قَضَى

(6)

خَيْرًا مِنْهُ، أَوْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً بَعْدَ الْوَفَاءِ؛ جَازَ) على الأصحِّ؛ (لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ

(1)

في (ق): الموصي.

(2)

في (ح) و (ق): لربح.

(3)

ينظر: الإشراف 6/ 144.

(4)

أثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (21021، 21022)، من طريق حفص بن المعتمر، عن أبيه، أن عليًّا قال:«لا بأس أن يعطي المال بالمدينة ويأخذ بإفريقية» ، ضعيف مرسل، حفص بن المعتمر - وقيل: ابن أبي المعتمر - هو وأبوه ذكرهما البخاري وابن أبي حاتم وسكتا عنهما، ورواية أبي المعتمر عن علي مرسلة كما صرح أبو زرعة.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (21023)، والبيهقي في الكبرى (10947)، عن عطاء بن أبي رباح: أن عبد الله بن الزبير كان يأخذ من قوم بمكة دراهم، ثم يكتب بها إلى مصعب بن الزبير بالعراق فيأخذونها منه، فسئل ابن عباس عن ذلك؛ فلم ير به بأسًا، فقيل له: إن أخذوا أفضل من دراهمهم، قال:«لا بأس إذا أخذوا بوزن دراهمهم» ، فيه حجاج بن أرطاة، وبه ضعفه الألباني في الإرواء 5/ 238، وقد تابعه ابن جريج: أخرجه عبد الرزاق (14642)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (6/ 349)، عن ابن جريج، عن عطاء به نحوه. وهذا إسناد صحيح، ورجاله رجال الشيخين.

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 262، مسائل ابن منصور 6/ 2676.

(6)

في (ح): قضاه.

ص: 343

بَكْرًا، فردَّ

(1)

خَيْرًا مِنْهُ، وَقَالَ:«خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» ) متَّفقٌ عليه من حديث أبي رافِعٍ

(2)

، ولأنَّه لم يَجعَلْ تلك الزِّيادةَ عِوَضًا في القَرْض، ولا وسيلةً إليه، ولا إلى اسْتِيفاء دَينه، أشْبَهَ ما لم يكن قرض.

والثَّانيةُ: المنْعُ، روي عن أُبيِّ بن كعبٍ وابنِ عبَّاسٍ:«أنه يَأخذُ مثلَ قرضِه، ولا يأخذ فضلاً»

(3)

؛ لئلاَّ يكونَ قرضًا جرَّ منفعة.

وحرَّم

(4)

الحُلوانيُّ أخْذَ أجْودَ مع العادة.

والأظهر: أنَّ الظَّرفَ متعلِّقٌ بفعله، لا «بأهدى» ؛ لأنَّه يلزم من تعلُّقه ب «أهدى» أنَّ المستقرِض لو أسكن المقرِضَ داره بغير عِوضٍ؛ جاز إذا كان بغير شرط، سواءٌ كان ذلك قبلَ الوفاء أو بعده.

(وَإِنْ فَعَلَهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ؛ لَمْ يَجُزْ) على الأصحِّ؛ لِما رَوَى أنسٌ مرفوعًا قال: «إذا أقْرَض أحدُكم قَرْضًا فأَهدَى إليه، أو حَمَله على الدَّابَّة فلا يَركبْها، ولا يَقْبَلْه، إلاَّ أنْ يكون جرى بَيْنه وبَيْنه قبل ذلك» رواه ابن ماجَهْ من رواية إسماعيل بن عَيَّاشٍ، عن عُتْبةَ بن حميد - وفيهما كلامٌ -، عن

(1)

في (ح): ورد.

(2)

أخرجه البخاري (2305)، ومسلم (1601)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأما حديث أبي رافع رضي الله عنه فانفرد بإخراجه مسلم (1600). ينظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي 3/ 358، تنقيح التحقيق 4/ 105.

(3)

ذكره عنهم الموفق في المغني 4/ 242، تبعًا لابن المنذر في الإشراف 6/ 142، ولم نقف على تلك الآثار، وقد ذكر ابن حزم المسألة في المحلى 6/ 348، وأورد آثارًا بالجواز عن الحسن بن علي وابن عمر رضي الله عنهم، ثم قال:(ولا يُعرف لهذين مخالف من الصحابة رضي الله عنهم إلا رواية عن ابن مسعود أنه كره ذلك).

أخرجه ابن أبي شيبة (22762)، عن أبي عثمان:«أن ابن مسعود كان يكره إذا أقرض الدراهم أن يأخذ خيرًا منها» ، وإسناده صحيح.

(4)

في (ح): وجزم.

ص: 344

يحيى بن إسحاقَ، وفيه جهالةٌ

(1)

.

والثَّانية: الجوازُ ما لم يَشرِطْه، وظاهرُ ما نقله حنبل: أنَّ المقرِض لا يُمنَع من جواز هديَّة المقتَرِض.

(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ

(2)

الْعَادَةُ جَارِيَةً بَيْنَهُمَا بِهِ

(3)

قَبْلَ الْقَرْضِ)؛ لِما ذكرناه، فإن لم تكن عادةٌ حرُم، إلاَّ أن يَنْوِيَ احْتِسابَه من دَينه أو مكافأته، نَصَّ عليه

(4)

.

ولو استَضافَه؛ حَسَب له ما أَكَله، نَصَّ عليه

(5)

، ويتوجَّه: لا.

وظاهر كلامهم: أنه في الدَّعوات كغيره.

وقيل: عِلْمُه أنَّ المقتَرِض يزيده شيئًا؛ كشرطه.

وقيل: لا، ذكره في «الفروع» .

فلو وُجد ما سبق حالةَ الوفاء، فإن

(6)

كان النَّفعُ صفةً في الوفاء؛ بأن قضاه خيرًا منه؛ فيجوز، وإن كان زيادةً في القضاء بأن يُقرِضه درهمًا فيُعطِيَه أكثرَ منه؛ لم يَجُزْ؛ لأنَّه ربًا.

وصرَّح في «المغني» و «الكافي» بأنَّ الزِّيادةَ في القَدْر والصِّفة جائزٌ؛ للخبر

(7)

.

(1)

أخرجه ابن ماجه (2432)، والبيهقي في الكبرى (10934)، وإسناده ضعيف، فيه: عتبة بن حميد الضبي، وهو صدوق له أوهام، وشيخه مجهول، وفيه أيضًا: إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف في روايته عن غير الشاميين، وشيخه هنا بصري، قال ابن عبد الهادي:(وإسناد هذا الحديث غير قوي على كل حال، فإن ابن عياش متكلم فيه، وعتبة: سُئل أحمد عن حديثه، فقال: ضعيف، وليس بالقوي)، وضعفه الألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 108، الإرواء 5/ 236.

(2)

في (ظ): يكون.

(3)

قوله: (به) سقط من (ح).

(4)

ينظر: الفروع 6/ 353.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 353.

(6)

في (ق): بأن.

(7)

في حديث أبي هريرة وأبي رافع رضي الله عنهما وسبق تخريجهما 5/ 344 حاشية (2).

ص: 345

وحكى أبو الخَطَّاب في الزِّيادة من غير تقييدٍ روايتَينِ.

(وَإِذَا أَقْرَضَهُ أَثْمَانًا، فَطَالَبَهُ بِهَا بِبَلَدٍ آخَرَ؛ لَزِمَتْهُ)؛ لأِنَّه أمكنه قضاءُ الحقِّ من غير ضررٍ، فلزمه، كما لو طالبه ببلدِ القرضِ؛ ولأنَّ القيمةَ لا تَختلِف، فانتفى الضَّرر.

(وَإِنْ أَقْرَضَهُ غَيْرَهَا)؛ كالحِنطة والفلوس؛ (لَمْ تَلْزَمْهُ

(1)

؛ لأنَّه لا يَلزمه حملُه إليه، وظاهره: ولو لم يكن لحملِه مؤونةٌ، فإن طالبه بالقيمة؛ لزمه أداؤها؛ لأنَّه إذا تعذَّر ردُّ المِثْل؛ تعيَّنت القيمة.

والاعتبار بقيمة البلد الذي أقرضه فيه؛ لأنَّه المكانُ الذي يجب التَّسليم فيه، وظاهره ولو نَقَصت القيمةُ ببلدِ القبض؛ فليس له إلاَّ النَّاقصة.

والمذهبُ: أنَّه إذا اقْتَرَض ببلدٍ فطلب منه في غيرِه بَدَلَه

(2)

، إلاَّ ما كان لحمله مؤنةٌ، وقيمتُه في بلدِ القرضِ أنقصُ؛ فتلزمه

(3)

قيمتُه إذن فيه فقط.

وفي «المغني» : إذا كان لحمله مؤنة لا يلزمه؛ لأنَّه لا يلزمه حمله إليه، ولا يُجبر ربُّ الدَّين على أخذِ قرضه هناك إذا بُذِل له، إلاَّ فيما لا مؤنة لحملِه، فإنه يلزمه مع أمن البلد والطَّريق.

وبدلُ

(4)

المغصوبِ التَّالفِ كذلك.

مسائل

الأولى: إذا أقْرض غريمَه المعسِرَ أو المفلسَ ألْفًا ليوفِّيه

(5)

منه ومن دَينه

(1)

في (ظ): لم يلزمه.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 6/ 357 زيادة:(لزمه)، وعبارته:(ولو اقْتَرَض ببلدٍ فطلب منه في غيرِه بَدَلَه؛ لزمه).

(3)

في (ق): فيلزمه.

(4)

في (ح): وبذل.

(5)

في (ظ): ليوفه.

ص: 346

الأوَّل كلَّ وقتٍ شيئًا؛ جاز، نقله مهنَّى، ونقل حنبلٌ: يُكرَه

(1)

.

الثَّانية: إذا أَقْرض أكَّارَه ما يَشتري به بقرًا يَعمل بها في أرضه وبذْرًا يَبذرُه

(2)

فيها، وقال: أقرضني ألْفًا وادْفَع إليَّ أرضَك أَزرعُها بالثُّلث بلا شرطٍ؛ حرُم، وجوَّزه في «المغني» و «الشَّرح» ، وكرهه في «التَّرغيب» .

ولو أمره بِبَذْره، وأنه في ذِمَّته كالمعتاد؛ ففاسدٌ، له قيمةُ المثل، ولو تلف لم يَضمنْه؛ لأنَّه أمانةٌ، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(3)

.

الثَّالثة: إذا أقرض مَنْ عليه برٌّ ما يَشتريه به يُوفِّيه إيَّاه؛ فكرهه سفيان، وجزم به في «المستوعب». وفي «المغني»: يجوز.

الرَّابعة: إذا قال: اقْتَرض لي مائةً ولك عشرةٌ؛ صحَّ؛ لأنَّه في مقابَلة ما بذله من جاهه، فلو قال: اضمنها عنِّي ولك

(4)

عشرةٌ؛ لم يَجُزْ، نَصَّ عليهما

(5)

؛ لأِنَّه ضامِنٌ، فيكون قَرْضًا جرَّ منفعةً. ومَنَعَ الْأَزَجِيُّ

(6)

.

الخامسة: إذا اقْتَرض منه دراهمَ، ثمَّ اشترى منه بها شيئًا، فخرجت زُيوفًا؛ فالبَيعُ صحيحٌ، ولا يَرجِع البائعُ على المشتري ببدل الثَّمن؛ لأنَّها دراهمُه، فعَيْبُها عليه، وإنَّما له على المشتري بدل ما أقرضه إيَّاه بصفته زُيوفًا، قاله أحمدُ

(7)

، وحمَله في «الشرح»: على أنَّه أباعها وهو يَعلم عيبَها.

أما إذا باعه بثمنٍ في ذِمَّته، ثمَّ قَبض هذه بدلاً عنها؛ فينبغي أن يجبَ له

(1)

ينظر: الفروع 6/ 356.

(2)

في (ح): وبذر ابتذره.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 357.

(4)

قوله: (عني ولك) هو في (ق): علي ذلك.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3055.

(6)

كتب في هامش (ظ): (فيهما، أي: منع الصحة في المسلفات).

(7)

ينظر: المغني 4/ 243.

ص: 347

دراهمُ خاليةٌ من العيب، ويردُّ هذه عليه، وللمشتري ردُّهما

(1)

على البائع وفاءً عن القرض، ويبقى الثَّمن في ذِمَّته.

السَّادسة: لو أقْرَض ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا خَمْرًا، ثمَّ أسلمَا، أو أحدُهما؛ بطل القرضُ، ولم يَجِبْ على المقترِض شيءٌ، واللهُ أعلمُ.

(1)

في (ح): درهمًا.

ص: 348

(بَابُ الرَّهْنِ)

(1)

هو في اللُّغة: الثُّبوت والدَّوام، يقال: ماءٌ راهِنٌ؛ أيْ: راكِدٌ، ونِعْمةٌ راهِنةٌ؛ أيْ: دائمةٌ.

وقيل: هو الحَبْسُ

(2)

؛ لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} [المدَّثِّر: 38]؛ أيْ: محبوسةٌ، وهو قريبٌ من الأوَّل؛ لأنَّ المحبوسَ ثابِتٌ في مكانٍ لا يُزايِله.

قال الشَّاعِرُ:

وَفَارقَتْكَ بِرَهْنٍ لا فِكَاكَ له

يَومَ الوَدَاعِ فأَضْحَى الرَّهْنُ قَدْ غَلِقَا

(3)

شبَّه

(4)

لُزوم قلبه لها واحْتِباسَه عندها لِوَجْدِه بها؛ بالرَّهن الَّذي يَلْزَمُه المرتَهِن فيَحْبِسُه عنده، ولا يفارِقه، وغَلقُ الرَّهْنِ: اسْتِحْقاقُ المرتَهِن إيَّاه لِعَجْز الرَّاهن عن فِكاكِه.

(وَهُوَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ)؛ لأِنَّ الحقَّ يُستوفَى منه عند تعذُّر الوفاء من المدِين.

فعلى هذا: هو في الشَّرع: جَعْلُ عَينٍ ماليَّةٍ وثيقةً بِدَينٍ، يُسْتَوْفَى منها عند تعذُّر اسْتِيفائِه ممَّن هو عليه.

وفي «الزَّرْكَشِيِّ» : توثقةُ دَينٍ بعَينٍ، أو بدَينٍ على قَولٍ، يُمكِنُ أخْذه منه إن تعذَّر الوفاء من غيره.

وهو جائِزٌ بالإجْماع، وسَنَدُه قوله تعالى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البَقَرَة: 283]، والسُّنَّةُ مُسْتفِيضَةٌ بذلك.

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

(2)

في (ح): الجنس.

(3)

ينظر: ديوان زهير بن أبي سلمى ص 72، وفيه:(فأمسى) بدل (فأضحى).

(4)

في (ح): أشبه.

ص: 349

ويجوز في الحَضَر كالسَّفَر، خِلافًا لمجاهِدٍ، ورُدَّ: بفعله عليه السلام

(1)

، وذِكْرُ السَّفَر في الآية خَرَجَ مَخْرَجَ الغالب؛ لكون الكاتِب يُعدَم في السَّفر غالِبًا، وهو لا يُشْتَرط مع ذِكْره فيها، وليس بواجبٍ إجْماعًا

(2)

؛ لأِنَّه وثيقةٌ بالدَّين، فلم يَجِبْ كالضَّمان.

تنبيهٌ: يُشْتَرَط أن يكون الرَّاهِنُ مُطْلَقَ التَّصرُّف كالبيع، وفي «التَّرغيب»: ويَصِحُّ تبرُّعه؛ لأنَّه تبرُّعٌ، وفي «المستوعب» وغيره: لوليٍّ رهنُه عند أمين لمصلحة؛ كحل دَينٍ عليه.

ولا يَصِحُّ بدون إيجابٍ وقَبولٍ، أو ما يدُلُّ عليهما.

ولا بدَّ من معرفة قَدْره، وصفته، وجِنسه، وملكه، ولو منافعه بإجارةٍ أو إعارةٍ، بإذن مُؤْجِرٍ ومُعيرٍ.

(لَازِمٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ)؛ أي: بعد قَبْضه؛ لأنَّ الحظَّ فيه لغيره، فلزِم من جهته؛ كالضَّمان في حقِّ الضَّامِن، (جَائِزٌ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ)؛ لأنَّ الحظَّ فيه له وحده

(3)

، فكان له فسخُه

(4)

؛ كالمضمون له.

(يَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَ الْحَقِّ)، بأن يقول: بِعْتُك هذا بعشرةٍ إلى شهرٍ تَرهَنُني بها عبدك، فيقول: اشتريتُ منك ورهنتُك عبدي؛ لأنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى جوازه إِذِنْ.

(وَبَعْدَهُ) بالإجماع

(5)

؛ لأنَّه دَينٌ ثابِتٌ تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به

(1)

وهو ما أخرجه البخاري (2096)، ومسلم (1603)، من حديث عائشة رضي الله عنها:«اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعامًا بنسيئة، ورهنه درعه» ، وهذا لفظ البخاري، ولمسلم نحوه.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 101، المغني 4/ 245.

(3)

في (ح): وضده.

(4)

في (ق): قتله.

(5)

ينظر: مراتب الإجماع ص 60.

ص: 350

كالضَّمان، ولأِنَّه تعالى

(1)

جعل الرَّهن بدَلاً عن الكتابة، فيكون في محلِّها، ومحلُّها بعد وجوب الحقِّ، وتأكَّد ذلك بأن ذكره بعد المدايَنة بفاء التعقيب

(2)

.

(وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ)، نَصَّ عليه في رواية ابن منصورٍ

(3)

؛ لأنَّه وثيقةٌ بحقٍّ، فلم يَجُزْ قبل ثبوته كالشَّهادة، ولأنَّ الرَّهْن أيضًا تابِعٌ للحقِّ، فلا يَسبِقُه؛ كالثَّمن لا يتقدَّم المبيعَ.

(إِلاَّ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ)، فإنَّه يجوز، ويَحتمِلُه كلامُ أحمدَ، قاله في «الانتصار» ؛ لأنه

(4)

وثيقةٌ بالحقِّ، فجاز قبله كالضَّمان، أو فجاز على حقٍّ يَحدُث في المستقبل؛ كضمان الدَّرك.

ورُدَّ: بالمنْع، ولو سُلِّم؛ فالفَرْقُ: أنَّ الضَّمانَ إلزامُ مالٍ تبرُّعًا بالقول، فجاز من غير حقٍّ ثابِتٍ كالنَّذر

(5)

.

وصورته: أن يقول: رهَنْتُك هذا بعشرةٍ تُقْرِضنِيها، فسلَّمه إليه، ثمَّ أقرضه إيَّاها، فهي جائزةٌ على قوله، وظاهر المذهب: بطلانها؛ كتعليقه

(6)

بشرطٍ.

تنبيهٌ: يَصِحُّ بكلِّ دَينٍ واجِبٍ، أو مآله إليه، حتَّى على عين

(7)

مضمونةٍ، ومقبوضٍ بعَقْدٍ فاسِدٍ، ونفع إجارةٍ في الذِّمَّة، لا على ديةٍ

(8)

على عاقلةٍ قبل الحَول، لا ما بعده.

(1)

في (ق) يقال.

(2)

في (ح): التعقب.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3029.

(4)

في (ظ): ولأنه.

(5)

في (ق): كالقدر.

(6)

في (ح): لتعليقه.

(7)

قوله: (على عين) في (ح): عينه.

(8)

في (ق): دينه.

ص: 351

وقيل: وجُعْلٌ قبل العمل وجهان؛ كدين كتابةٍ.

ولا يصِحُّ بعُهْدة مبيعٍ، وعِوَضٍ غيرِ ثابِتٍ في الذِّمَّة؛ كثمنٍ معيَّنٍ، وأجرةٍ معيَّنةٍ في إجارةٍ، وإجارة منافع معيَّنةٍ؛ كدارٍ ونحوها.

(وَيَصِحُّ فِي

(1)

كُلِّ عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا)؛ لأِنَّ المقصودَ منه الاِسْتِيثاقُ بالدَّين لِيُتَوَصَّل إلى استيفائه من ثمن الرَّهن عند تعذُّر اسْتِيفائه من الرَّاهن، وهذا يتحقَّق في كلِّ عَينٍ يجوز بيعُها، ويشمل

(2)

ذلك صُوَرًا، ويُسْتَثْنى منه: رهْنُ المنافِع.

(إِلاَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا قُلْنَا: اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ شَرْطٌ؛ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ)، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّ اسْتِدامةَ القبض غيرُ ممْكِنةٍ في حقِّه؛ لمنافاتها مُقْتَضَى الكِتابة.

وقال القاضي: قياسُ المذهب: صحَّةُ رهنه، وهو ظاهر «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأنَّه يجوز بيعُه وإيفاء الدَّين من ثَمَنِه، فعلى هذا: لا يصِحُّ شرط منعه من التَّصرُّف، ويُمكَّن من الكسب، وما يؤدِّيه من النُّجوم رهْنًا معه، وإن عجز ثبت الرَّهن فيه وفي أَكسابه، وإن عتق بقي ما أدَّاه رهْنًا؛ كمن مات بعد كسبه.

فرعٌ: المعلَّق عِتْقُه بصفةٍ؛ إن كانت توجَد بعد حلِّ الدَّين

(3)

؛ لم يصحَّ، وإن كان يَحُلُّ قبلها؛ صحَّ؛ لإمكان بيعه، وإن احتمل الأمران؛ كقدوم زيدٍ؛ فقياسُ المذهب صحَّتُه؛ كالمريض والمدبَّر

(4)

.

(وَيَجُوزُ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ)؛ كالعنب والرُّطَب؛ لأنَّه يجوز بَيعُه،

(1)

في (ح): رهن.

(2)

في (ق): وشمل.

(3)

كتب في هامش (ظ): (لعله قبل حلول).

(4)

في (ق): والمدين.

ص: 352

فيَحصُل المقصودُ، (بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ)، ليس قَيدًا فيه، إذ يَصِحُّ بالحال، وإنَّما ذكره تنبيهًا على أنَّ التَّأجيلَ لا أثَرَ له في مَنْع صحَّة ذلك؛ لأِنَّه ربما تُوُهِّم أنَّ عَقْد الرَّهن يقتضي بقاءَ المرهون إلى الاِسْتِحْقاق، (وَيُبَاعُ) على الأصحِّ، (وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا)؛ لأِنَّ الثَّمنَ بدلُ العَين، وبَدَلُ الشَّيء يقوم مقامه.

وهذا إذا لم يَحُلَّ الدَّين، فإن كان قد حلَّ؛ فإنَّه يقضي الدَّين من ثمنه، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» .

ونقل أبو طالِبٍ فيمن رَهَن وغاب، وخاف المرتَهِنُ فسادَه أو ذهابَه: فلْيأتِ السُّلطانَ حتَّى يبيعه

(1)

، كما أرسل ابنُ سِيرينَ إلى إيَّاس بن معاويةَ يأذن له في بيعه، فإذا باعه حفظه حتَّى يجيء صاحبه، فيدفعه إليه بأمره حتَّى يكون صاحبه يقضيه

(2)

.

وظاهر المتن: لا فرق بين ما يُمكِن تَجفيفه أو لا.

وفي «المغني» و «الشرح» : إن أمكن تجفيفه

(3)

فعلى الرَّاهن تجفيفه؛ لأنَّه من مؤنة حفظه وتبقيته، أشبه نفقة الحيوان.

قال ابن المنجَّى: فيُحمل كلامه هنا عليه. وفيه نظرٌ.

فعلى هذا: إن شرط المرتَهِن بيعَه، أو أذن له فيه بعد العقد، أو اتَّفقا على أنَّ الراهن يبيعه أو غيره؛ باعه، وإلاَّ باعه الحاكم، فإن أطلقا؛ فالخلاف.

(وَيَصِحُّ

(4)

رَهْنُ الْمُشَاعِ) في قول الجماهير؛ لأنَّه يجوز بَيعُه في محلِّ الحقِّ، أشبه المُفرَز.

واقتضى ذلك: صحَّة رهن بعض نصيبه من المشاع، لكن في رهن حصَّته

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 193، الروايتين والوجهين 1/ 370.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (15076)، وابن أبي شيبة (22075)، وسنده صحيح.

(3)

في (ح): تحقيقه.

(4)

في (ح): ويجوز.

ص: 353

من معيَّنٍ يُمكِن قسمتُه فيه؛ وجهان كبيعه.

وفي «الانتصار» : لا يصحُّ بيعه، نصَّ عليه

(1)

، وعلَّل القاضي المنعَ: باحتمال أن يَقتسِم الشَّريكان، فيحصُل

(2)

الرهنُ في

(3)

حصَّة شريكه.

(ثُمَّ إِنْ رَضِيَ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ غَيْرِهِمَا

(4)

؛ جَازَ)؛ لأِنَّ الحقَّ لهما لا يتجاوزهما، (فَإِنِ

(5)

اخْتَلَفَا؛ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي يَدِ أَمِينٍ)، وقيل: من جاز توكيلُه جاز جعل الرَّهْن عنده مطلقًا، وفيه نَظَرٌ، (أَمَانَةً، أَوْ بِأُجْرَةٍ)؛ لأنَّ قَبْضَ المرتَهِن واجبٌ، ولا يُمكِن ذلك منفردًا؛ لكونه مُشاعًا، فتعيَّن ما ذكرنا؛ لكونه وسيلةً إلى القبض الواجب.

وفي إيجار

(6)

الحاكمِ عليهما وجهان.

ويُعتبر فيمن هو عنده: منعُ الخلوة المحرَّمة، وكونُه مسلِمًا إذا كان المرهونُ مسلِمًا؛ كالمُصحَف.

(وَيَجُوزُ رَهْنُ الْمَبِيعِ غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ

(7)

قَبْلَ قَبْضِهِ)؛ أيْ: على غير ثمنه؛ لأنَّه يجوز بيعُه قبل قبضه؛ فصحَّ رهنه، كما بعد القبض، وسواءٌ رَهَنَه عند بائعه أو غيره، (إِلاَّ عَلَى ثَمَنِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ فإنَّه لا يجوز؛ لأنَّ المبيعَ محبوسٌ بالثَّمن، فلا فائدةَ في صَيرورته رهْنًا؛ لأِنَّ بين الرَّهن والبيع تَنافِيًا؛ لأنَّ حُكْمَ الرَّهن أن يُباع في الدَّين عند التعذُّر، وحكم البيع

(8)

إيفاء

(1)

ينظر: الفروع 6/ 365.

(2)

في (ح): (فيجعل). والمثبت موافق لما في المغني 4/ 205.

(3)

في (ح): من.

(4)

في (ق): غيره.

(5)

في (ح): وإن.

(6)

في (ح): إيجاز.

(7)

كتب في هامش (ظ): (والمعدود والمذروع).

(8)

في (ح): المبيع.

ص: 354

الثَّمن من غيره.

والثَّاني: يَصِحُّ، وهو المنصوص

(1)

؛ لأنَّ الثَّمن صار دَينًا في الذِّمَّة، والمبيع صار ملكًا للمشتري، فجاز رهنه بالثَّمن كغيره من الدُّيون.

ومقتضاه: أنَّ المكيل والموزون

(2)

لا يصِحُّ رهْنُه قبل قبضه؛ كالبيع.

(وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ)؛ لأِنَّ القصدَ من الرَّهن اسْتِيفاءُ الدَّين من ثمنه عند التَّعذُّر، وما لا يجوز بيعُه لا يمكن فيه ذلك، وهو شامِلٌ لصُوَر أمِّ الولد، والوقف، والعين المرهونة.

فإن

(3)

قال للمرتَهِن: زدني مالاً يكون الذي عندك رهنًا به وبالدَّين الأوَّل؛ لم يَجُزْ.

وكذا رهنُ المصحف، نقل الجماعةُ عنه أنَّه قال:(لا أرخِّص في رهن المصحف)

(4)

، والمجهولِ، وما لا يُقدَر على تسليمه، والأرضِ الموقوفة على المسلمين؛ كسَواد العراق، وحكم بنائها كحكمها، فإن كان من غير تُرابها أو الشَّجر المجدَّد

(5)

فيها؛ فالمذهب صحَّتُه، وقد تقدَّم ذلك، والمبيع في مدَّة الخيار إلاَّ أن يرهنه المشتري والخيار

(6)

له وحده، فيصِحُّ ويبطل خياره، ذكره أبو بكرٍ، ومال غيرِه، وخرَّج: بلى إن أجازه ربُّه، وإن بان أنَّه أذِن فيه، أو أنَّه له؛ فوجهان.

(إِلاَّ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا)، والزَّرع الأخضر، (مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ

(1)

ينظر: المغني 4/ 28، الفروع 6/ 189.

(2)

في هامش (ظ): (والمعدود والمذروع).

(3)

في (ح): بأن.

(4)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 50، الروايتين والوجهين 1/ 371.

(5)

في (ح): المحدد.

(6)

في (ظ) و (ق): فالخيار.

ص: 355

فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، اختاره القاضي، وجزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأنَّ النَّهيَ عن البيع إنَّما كان لعدم الأمن من العاهةِ، ولهذا «أمر بوضع الجوائح»

(1)

، وذلك مفقودٌ هنا، وبتقدير

(2)

تَلَفِها لا يفوت حقُّ المرتَهِن من الدَّين؛ لتعلُّقه بذمَّة الرَّاهن، فمتى حلَّ الحقُّ؛ بِيعَ، وإن اختار المرتَهِن تأخيرَ بَيعِه؛ فله ذلك.

والثَّاني: لا يصِحُّ كالبيع، فعليه: إن رهنها مع الأصل؛ فقولَا تفريقِ الصَّفقة.

ملحَقٌ: تُستثنى

(3)

الجاريةُ دون ولدها، وبالعكس، ويباعان، فلو رُهِنت الأمُّ بمفردها؛ قُوِّمت دونه، ثمَّ معه، فما زاد على قيمتها؛ فهو قيمتُه.

وقيل: تُقَوَّم ذات

(4)

ولدٍ، ويُقَوَّم هو معها إذا علم به المرتَهِن.

فإن كانت حامِلاً به وقت الرَّهن، أو حملت به بعده؛ فهو رَهْن.

ولو رهن الوارثُ تركةَ الميت، أو باعها، وعلى الميت دَينٌ؛ صحَّ على الأشهَرِ.

وإن رهن ثمرةً إلى محلٍّ يحدث

(5)

فيه أخرى لا تتميَّز

(6)

؛ فهو باطلٌ؛ لأنَّه مجهولٌ حين حلول الحقِّ.

وإن رهنها بدينٍ حالٍّ، أو شَرَط قطعَها عند خوف اختلاطها؛ جاز؛ لأنَّه لا غَرَر فيه، فإن لم يَقطعها حتَّى اختلطت؛ لم يَبطل الرَّهنُ؛ لأنَّه وقع صحيحًا، لكن إن سمح الرَّاهن ببيع الجميع، أو اتَّفقا على قدر ثمنه؛ جاز،

(1)

أخرجه مسلم (1554)، عن جابر رضي الله عنه.

(2)

في (ح): بتقدير.

(3)

في (ح): يستثنى.

(4)

رسمت في (ح) و (ق): اذات.

(5)

في (ح): حدث.

(6)

في (ح): يتميز.

ص: 356

وإن اختلفا وتشاحَّا؛ قُدِّمَ قول الرَّاهن مع يمينه؛ لأنَّه منكِرٌ.

(وَلَا يَصِحُّ

(1)

رَهْنُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ) مطلَقًا؛ لأنَّ مقتَضَى الرَّهن أن يكون في يد المرتَهِن، وهو ليس بأهلٍ لذلك

(2)

، ولو شرطاه

(3)

في يد مسلمٍ؛ لأنَّ الكافر لا يدَ له على مسلمٍ، بدليل أنه يُؤمر ببيعِ عبدِه إذا أسلم.

(إِلاَّ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ إِذَا شَرَطَا كَوْنَهُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ) عَدْلٍ؛ لأنَّه مالٌ، فجاز رهنه كسائر الأموال، ويبيعه الحاكم إذا امتنع مالكه، قال في «الشَّرح»: وهذا أَوْلى؛ لأنَّ مقصودَ الرَّهن يحصل من غير ضررٍ.

وأطلق في «الفروع» الخلاف، وهما في رهن المصحف لكافرٍ إذا شرطا كونه في يد مسلمٍ، وألحقت به كتب الحديث.

فرعٌ: لا يَقرأ فيه أحدٌ بلا إذن ربه، وقيل: بلى إن لم يَضُرَّ

(4)

ماليَّته. وإن طلب أحدٌ ليقرأ فيه لم يَجِب بذْلُه، وقيل: بلى، وقيل: عند الحاجة إليه.

(وَلَا يَلْزَمُ الرَّهْنُ) في حقِّ الرَّاهِن (إِلاَّ بِالْقَبْضِ)، هذا هو المذهب لقوله تعالى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البَقَرَة: 283]، ولأنَّه عَقْدُ إرْفاقٍ يفتقر إلى القبول

(5)

، فافتقر إلى القبض؛ كالقرض، وسواءٌ قبضه المرتَهِن أو من اتَّفقا عليه.

وظاهره: لا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» .

وقال بعض أصحابنا: يلزم في المكيل والموزون بالقبض، وفيما عداهما روايتان؛ كالبيع.

(1)

في (ح): ولا يجوز.

(2)

في (ح): أهل كذلك.

(3)

قوله: (شرطاه) في (ظ): شرط أنه.

(4)

في (ق): لم تضر.

(5)

في (ح) و (ق): القول. والمثبت موافق للمغني 4/ 247.

ص: 357

وفي القياس نظرٌ؛ لأنه يُوهِم أن البيع في غيرهما لا يلزم في روايةٍ، وليس كذلك؛ إذ لا خلاف في لزومه.

وفُهِم منه: أنَّه قبل القبض صحيحٌ، وليس بلازمٍ؛ لأنَّه يجوز للرَّاهن فسخُه والتَّصرُّف فيه بكلِّ نَوعٍ، فإن كان ببيعٍ أو عتق أو نحوهما؛ بطل حكم الرَّهن؛ لتعذُّر الاِسْتِيفاء من ثمنه، وإن كان بتدبيرٍ أو إجارةٍ أو تزويجٍ؛ فلا؛ لأنَّه لا يَمنَع من البيع

(1)

، فلا يَمنَع صحَّةَ الرَّهن.

وظاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وابنِ أبي موسى، وابنِ عَقيلٍ في «التَّذكرة» تَبَعًا لشيخه القاضي أبي يَعْلَى في «الجامع الصَّغير»: أنَّ القَبْضَ شرطٌ في صحَّة الرَّهْن، وصفة قبضه كمبيعٍ، فلو رهنه دارًا وخلَّى بينه وبينها، وللرَّاهِن فيها قُماشٌ؛ لم يَمنَعْ من صحَّة التَّسليم؛ لأنَّ اتِّصالها بملك الرَّاهن لا يَمنَع صحَّة التَّسليم؛ كالثَّمَرة في الشَّجرة.

ويُعتبَر في القبض إذْنُ وليِّ الأمر في الأشهَر، ويبطل

(2)

إذنه بنحو إغماءٍ وخَرَسٍ، فلو رهنه ما في يده ولو غصبًا؛ فكهبته إيَّاه، ويزول ضمانه.

(وَاسْتِدَامَتُهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ)، وهو قول أكثرهم؛ للآية الكريمة، ولأنَّها إحدى

(3)

حالتي الرَّهن، فكان القَبْضُ فيه شرْطًا كالابتداء، بخلاف الهِبَة، فإنَّ القَبْضَ في ابْتِدائها يُثْبِتُ الملْكَ، فإذا ثبت استُغْنِيَ عن القبض، والرَّهن يُراد للوثيقة ليَتَمكَّن من

(4)

بيعه واستيفاء دَينه، فإذا

(5)

لم يكن في يده؛ زال ذلك.

وهذا على القول بأنَّ ابْتِداء القبض شرْطٌ في اللُّزوم، وإن قلنا: ليس

(1)

في (ح): المبيع.

(2)

في (ظ): تبطل.

(3)

في (ق): أحد.

(4)

في (ح): في.

(5)

قوله: (فإذا) هو في (ظ): منه إذا.

ص: 358

بشرطٍ فيه؛ ففي الاِسْتِدامة كذلك، قاله في «الشَّرح» .

لكن لو أجَره، أو أعاره لمرتَهِنٍ أو غيره بإذنه؛ فلزومه باقٍ على المذهب.

وعنه: يزول، نصره القاضي وغيره، فعليها: يعود بمُضِيِّ إجارةٍ وإعارةٍ من

(1)

مرتَهِنٍ.

(فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الرَّاهِنِ؛ زَالَ لُزُومُهُ)؛ لأِنَّ اسْتِدامةَ القَبْض شرْطٌ في اللُّزوم، وقد زالتْ؛ إذ المشروطُ يَنْتَفِي بانْتِفاء شرْطه، وظاهره: ولو كان نيابةً عنه، صرَّح به في «الفروع» ، وبقي العَقْدُ كأنَّه لم يُوجَدْ فيه قَبْضٌ، سواءٌ أخرجه بإجارةٍ أو إعارةٍ أو إيداعٍ ونحوه.

وقوله: (باختياره) يُحْتَرَزُ به عمَّا لو أخرجه لا باختياره؛ كالغصب ونحوه؛ لأنَّ ذلك لا يُزيل اللزوم

(2)

، لأنَّ يَدَ المرتَهِن ثابتةٌ عليه حُكْمًا.

(فَإِنْ رَدَّهُ إِلَيْهِ)؛ أيْ: إلى المرتَهِن؛ (عَادَ اللُّزُومُ)، نَصَّ عليه

(3)

؛ لأنَّه أقبضه باختياره، فلزم به كالأوَّل، ولا يحتاج إلى تجديدِ عَقْدٍ؛ لأِنَّ العَقْدَ السَّابِقَ لم يطْرَأ عليه ما يبطله، أشبه

(4)

ما لو تراخى القبض عن العقد

(5)

.

(وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ؛ زَالَ لُزُومُهُ)؛ لأِنَّ تخميره بمنزلة إخراجه من يده؛ لأنه

(6)

لا يَدَ لمسلمٍ على خمرٍ؛ لأِنَّ صَيرورته خمرًا يمنع مِنْ صحَّة العقد؛ فلأنْ يُخرِجه عن اللُّزوم بطريق الأَوْلى، وتجب

(7)

إراقتُه حينئِذٍ، فإن

(1)

في (ق): في.

(2)

زيد في (ح): به.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3036.

(4)

في (ح): مشبه.

(5)

في (ق): العقد عن القبض.

(6)

في (ح): ولأنه.

(7)

في (ق): ويجب.

ص: 359

أُريق؛ بَطَل العقد فيه، ولا خيار للمرتَهِن؛ لأِنَّ التَّلَف حَصَل في يده، وهذا بالنِّسبة إلى المسلمين.

(فَإِنْ تَخَلَّلَ؛ عَادَ لُزُومُهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ السَّابِقِ)؛ كما لو زالت يَدُ المرتَهِن عنه، ثمَّ عادت إليه، فلو استحال خمرًا قبل قبض المرتَهِن؛ بطل العقد فيه، ولم يَعُدْ بِعَوده خَلًّا؛ لأِنَّه عَقْدٌ ضعيفٌ لعدم القبض، أشْبَه إسلامَ أحد الزَّوجين قبل الدُّخول.

وذكر القاضي: أنَّه إذا اسْتَحال خمرًا بعد القبض أنَّه يَبطُل الرَّهْنُ فيه، ثمَّ إذا عاد خَلًّا عاد ملكًا لصاحبه مرهونًا بالعقد السَّابق؛ لأنَّه يعود ملكًا بحُكْم الملك الأوَّلِ، فيعود حكم الرَّهن.

ورُدَّ: بأن اليد لم تَزُلْ عنه حُكْمًا، بدليلِ ما لو غصبه منه غاصبٌ، فتخلَّل في يده كان ملكًا للمغصوب منه.

قال في «المغني» : ولم تظهر

(1)

لي فائدةُ الخلاف بعد اتِّفاقهم على عَوده رهْنًا باستحالته خَلًّا، وأرى القَولَ ببقائه رهْنًا أقربَ إلى الصِّحَّة؛ لأِنَّ العقدَ لو بطل

(2)

لما

(3)

عاد صحيحًا من غير ابْتِداءِ عَقْدٍ.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الْقَبْضَ وَاسْتِدَامَتَهُ فِي الْمُتَعَيِّنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ)، حكاه في «التَّعليق» عن أصحابنا، وهو المذهب عند ابن عَقيلٍ، فيلزم بمجرَّد العقد كالبيع.

(فَمَتَى) - هذا تفريعٌ على هذه

(4)

الرِّواية - (امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ تَقْبِيضِهِ؛ أُجْبِرَ عَلَيْهِ)؛ كالبيع، فإن ردَّه المرتَهِنُ على الرَّاهِن بعاريةٍ أو غيرها، ثمَّ طَلَبَه؛ أُجْبِرَ الرَّاهِنُ على ردِّه؛ لأِنَّ الرَّهْن صحيحٌ، والقَبضَ واجِبٌ له، فيُجْبَر عليه كبيعه.

(1)

في (ح): ولم يظهر.

(2)

في (ق): يبطل.

(3)

قوله: (لما) سقط من (ظ). والمثبت موافق للمغني 4/ 257.

(4)

قوله: (هذه) سقط من (ح).

ص: 360

تنبيه: إذا اسْتَعار شيئًا ليَرهنه؛ جاز إجماعًا

(1)

، وسواءٌ بيَّن الدَّين أو لا.

لكن لو عيَّن المرتَهَن أو القدر الذي يرهنه عليه، فخالَفَ؛ لم يصحَّ؛ لأنَّه لم يُؤذَن له

(2)

فيه، وله الرُّجوع فيه قبل إقْباضه؛ كقبل العقد.

وقدَّم في «التَّلخيص» : لا؛ كبعده، خلافًا ل «الانتصار» فيه.

وله مطالبةُ الرَّاهنِ بفِكَاكه، حالًّا كان أو مؤجَّلاً، في محلِّ الحق

(3)

وقبله؛ لأنَّ العارية لا تلزم.

فمتى حلَّ الحقُّ ولم يَقْضِه؛ فللمرتَهِن بَيعُه واسْتِيفاءُ دَينه منه، ويرجع المعيرُ بقيمته أو بمثله، لا بما بِيعَ، نَصَّ عليه

(4)

.

وقطع في «المحرَّر» ، واختاره في «التَّرغيب»: بأكثرهما.

فإن تَلِفَ؛ ضمنه الرَّاهن - وهو المستعير - بقيمته، سواء تلفَ بتفريطٍ أو لا، نصَّ عليه

(5)

؛ لأنَّ العارية مضمونة.

وفي «الفروع» : ويتوجَّه في مستأجر

(6)

من مستعيرٍ.

وإن فكَّ المعيرُ الرَّهن بإذن الرَّاهن؛ رجع، وإن كان متبرِّعًا فلا.

وإن قضاه بغير إذنه محتسِبًا بالرُّجوع؛ فروايتان.

(وَتَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الرَّهْنِ) اللاَّزِم بالبيع والإجارة والوقْف ونحوه؛ (لَا يَصِحُّ)؛ لأِنَّه تصرُّفٌ يُبطِل حقَّ المرتَهِن من الوثيقة، وليس بمبنيٍّ

(7)

على السِّراية والتَّغليب، فلم يصحَّ بغير إذن المرتَهِن؛ كفسخ الرَّهن.

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 102.

(2)

قوله: (له) سقط من (ح).

(3)

في (ح): العقد.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3035.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2775.

(6)

قوله: (في مستأجر) سقط من (ح).

(7)

في (ح): وليس مبني.

ص: 361

فأمَّا انتفاعه به؛ كاستخدامٍ ونحوه بغير إذن المرتَهِن؛ فلا؛ لأنَّها عَينٌ محبوسةٌ، فلم يكن للمالك الانتفاع بها

(1)

؛ كالمبيع المحبوس عند البائع على قبض ثمنه، لكن لا يمنع من سقْيِ شجرٍ، وتلقيحٍ، وإنْزاء فحلٍ على إناثٍ مرهونةٍ، ومداواة، وفَصْدٍ، بل

(2)

من قطع سلعةٍ فيها خطرٌ.

وحينئِذٍ: إن لم يتَّفقا على المنافع؛ لم يَجُز الاِنتفاع، وكانت معطَّلةً، وإن اتَّفقا على الإجارة أو الإعارة؛ جاز في ظاهر قول الخِرَقِيِّ، والأجرةُ رهنٌ.

وذكر أبو بكر في «الخلاف» : أنَّها تُعطَّل مطلقًا.

ورُدَّ: بأنَّه تضييعٌ

(3)

للمال، وهو منهيٌّ عنه شرعًا.

وقال ابن حمدان: للرَّاهن الانتفاع بما لا تَنقُص

(4)

قيمتَه ولا يضرُّه

(5)

؛ كركوبٍ وسكنى.

فإن أراد غرس الأرض، والدَّينُ حالٌّ؛ مُنِع، وإن كان مؤجَّلاً؛ فاحتمالان.

(إِلاَّ الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ) يَحرُم على الأصحِّ؛ لِما فيه من إبطال حقِّ المرتَهِن من الوثيقة، و (يَنْفُذُ)، نَصَّ عليه

(6)

، وهو قول شَرِيكٍ والحسن بن صالح، لأنَّه إعتاقٌ من مالكٍ تامِّ الملكِ، فنَفَذَ؛ كعتق المستأجر، ولأنَّ الرَّهنَ عَينٌ محبوسةٌ لاِسْتِيفاء الحقِّ، فنَفَذَ فيها عتق المالك؛ كالمبيع في يد بائعه، والعِتقُ مبنيٌّ على السِّراية والتَّغليب، بدليل: أنَّه يَنفُذ في ملك الغير، ففي ملكه بطريق الأَولى.

(1)

قوله: (بها) سقط من (ح) و (ق).

(2)

في (ق): بلى.

(3)

في (ق): مضيع.

(4)

في (ح): لا ينقص.

(5)

في (ق): ولا تغيره.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 280، مسائل ابن منصور 6/ 3041.

ص: 362

فعلى هذا: إن كان موسِرًا؛ (يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ)؛ لأِنَّه أبطل حقَّ المرتَهِن من الوثيقة، أشْبه ما لو أتلفه، ويُعتبر حالُ الإعتاق؛ لأنه وقت الإتلاف، فجُعِلت (رَهْنًا مَكَانَهُ)؛ لأنها

(1)

نائبةٌ عن العَين، أو بدلٌ عنها.

وكذا حُكم ما لو قَتَله بقصاصٍ استحقَّه عليه، أو أَحبل الأمَة بلا إذن المرتَهِن، أو أقرَّ بالعتق وكذَّبه.

فعليه: القيمة تكون رهنًا، وإن كان معسِرًا فهي في ذمَّته، فإن أَيْسر قبل حلول الحقِّ؛ أُخِذت منه فجعلت رهنًا، إلاَّ أن يختارَ تعجيل الحقِّ فيقضيه، وإن أَيْسر بعد

(2)

حلول الحقِّ؛ طُولِب بالدَّين خاصَّةً؛ لأنَّ ذمَّته تبرأ به

(3)

من الحقَّينِ معًا.

(وَعَنْهُ: لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْمُعْسِرِ)، اختاره أبو محمَّد الجَوزيُّ، وذكرها أبو الخَطَّاب في «الهداية» احْتِمالاً، وفي «المحرَّر» تخريجًا؛ لأِنَّ نفوذ عِتْقه يُسْقِط الوثيقةَ وبَدَلَها، فلم يَنفُذ؛ لِما فيه من الإضرار بالمرتَهِن، وكما لو أعتق شركًا له في عبدٍ وهو معسِرٌ.

وفي طريقة بعض أصحابنا: إن كان معسِرًا؛ يُستسعى العبد بقدر قيمته، تُجعل رهنًا.

وفيه نظرٌ؛ لأنَّ فيه إيجابَ الكسب على العبد، ولا صنع ولا جناية منه، فكان إلزام الغرم للمتلِف أَوْلى.

وقيل: ولا ينفذ عتق غيره، وذكره في «المبهج» روايةً.

وإذا لم نقل بالنُّفوذ؛ فظاهر كلامهم: أنه لا يَنفُذ بعد زوال الرَّهن، وفيه احْتِمالٌ.

(1)

في (ح): لأنه.

(2)

في (ظ): (قبل). والمثبت موافق لما في المغني 4/ 271.

(3)

قوله: (تبرأ به) في (ح): ببراءة.

ص: 363

وهذا إذا لم يأذن المرتَهِن، فإن أذن؛ صحَّ العتق، وسقط حقُّه من الوثيقة، ولا قيمة له.

وإن رَجَع بعد الإذن، وعَلم الرَّاهن به؛ بطل، وإلاَّ فوجهان.

وكذا يصحُّ رجوعُه في كلِّ تصرُّفٍ أذن فيه قبل وقوعه، فإن اختلفا؛ قُدِّم قولُ المرتَهِن ووارثه في نفي الإذن؛ لأنَّه الأصلُ، إلاَّ أن الوارثَ يمينه على نفي العلم، ومن نَكل قُضي عليه.

وألحق بعض أصحابنا الوقف بالعتق؛ لأنَّ فيه حقَّ الله تعالى.

(وَقَالَ الْقَاضِي)، وجماعةٌ من أصحابنا، وذَكَرَه أبو بكرٍ روايةً:(لَهُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ) المرهونة؛ لأِنَّ محلَّ عَقْدِ

(1)

النِّكاح غير محلِّ عقد الرَّهْن، بدليل صحَّة رَهْن الأَمَة المزوَّجة؛ لأَنَّ الرَّهنَ لا يُزِيل الملك، فلم يَمنَع التَّزْويجَ كالإجارة، (وَيَمْنَعُ) المرتَهِنُ (الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا)، وهو مرادُ مَنْ عبَّر بقوله: دون تسليمها؛ لئلاَّ تَحبَلَ فتنقص

(2)

قيمتُها، وتَقِلَّ الرَّغبة فيها، وربما تَلِفت بسبب الحمل، (وَمَهْرُهَا رَهْنٌ مَعَهَا)؛ لأِنَّه من نماء الرَّهن، فكان رهْنًا.

(وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ)، وهو قول الأكثر؛ لأنَّ التَّزويج يُذهِب رغَبات المشترين فيها، فيُوجِب نقصانَ قيمتها، فلم يَمْلكْه الرَّاهن؛ كفسخ العقد، ولا نسلِّم تغاير المحلَّين، بل محلهما

(3)

واحدٌ، وتَتناول

(4)

الجملة، وإنَّما صحَّ رهن المزوَّجة؛ لبقاء مُعظم المنفعة فيها، وبقائها محلًّا للبيع، كما يصحُّ رهن المستأجر، والرَّهن يُفارِق الإجارةَ من حيث إنَّ التَّزويج لا يؤثِّر في مقصود الإجارة، ولا يمنع المستأجِر من استيفاء المنفعة المستحقَّة له، ويؤثِّر في

(1)

في (ق): عقدة.

(2)

في (ح): فينقص.

(3)

في (ح): محلها.

(4)

في (ح): ويتناول.

ص: 364

مقصود الرَّهن، وهو استيفاء الدَّين من ثمنها؛ لأنَّ تزويجها إنَّما يمنع البيعَ، أو ينقص الثَّمن، فيتعذَّر استيفاء الدَّين كامِلاً.

(وَإِنْ

(1)

وَطِئَ) الرَّاهِنُ (الْجَارِيَةَ) المرهونةَ؛ فقد رَكِب محرَّمًا في قول الأكثر، وحكاه ابن المنذِر إجْماعًا

(2)

؛ لأِنَّ مَنْ يحرُم وطؤها لا فرق فيه بين الآيِسة والصَّغيرة؛ كالمعتدَّة، ولأنَّ الوقت الذي تحبَل فيه يَختلف، فمنع منه جملةً، لكن لا حدَّ عليه؛ لأنَّها ملكه، ولا مهرَ عليه إن كانت ثيِّبًا؛ كالاستخدام.

فإن تَلِف جزءٌ منها، أو نقصها

(3)

؛ فعليه قيمةُ ما تلف؛ كالجناية، تجعل

(4)

رهنًا معها، وإلاَّ قضاه من الحقِّ إن كان قد حلَّ

(5)

.

وجزم في «الفروع» ، وقاله في «عيون المسائل» ، والشِّيرازي في «المنتخَب»: أنَّه يحرُم وطؤها على راهنٍ إلاَّ بشرطٍ.

وإن لم تحبَل؛ فأرْش البكارة فقط كجنايةٍ

(6)

.

(فَأَوْلَدَهَا؛ خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ)؛ لأِنَّها صارت أمَّ ولد

(7)

له.

وعبارةُ الأكثر كالمؤلِّف، وأنَّ الحكمَ يترتَّب على الولادة، وليس بمرادٍ، بل الحُكْمُ مَنُوطٌ بالإحبال.

(وَأُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا) حين إحْبالِها؛ لأِنَّه فوَّتها على المرتَهِن، فوجب أن يُؤخذ منه بدلُها، كما لو أتلفها، (فَجُعِلَتْ رَهْنًا)؛ لأنَّها بدلٌ، والبدل يُعطَى

(1)

في (ق): فإن.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 101.

(3)

في (ح): بعضها.

(4)

في (ق): يجعل.

(5)

في (ق): قيمته حال.

(6)

في (ق): كجنايته.

(7)

في (ظ) و (ح): ولده.

ص: 365

حكم مبدَله، فإن كان معسرًا كان في ذِمَّته، وهذا إذا صدَّقه المرتَهِن أنَّها ولدتْه من وطئه، وإلاَّ فالرَّهن بحاله، قاله في «التَّلخيص» .

فإن كان الوطء بإذن المرتَهِن؛ خَرَجت من الرَّهن، ولا شَيءَ للمرتَهِن؛ لأنَّه أذِنَ في سببٍ يُنافي حقَّه، لا يقال: إنما أَذِن في الوطء ولم يأذن في الإحبال؛ لإفضائه إليه، ولا يقف على اختياره، فالإذن في سببه إذنٌ فيه.

مسألةٌ: إذا أقرَّ بالوطْء حالَ العَقْد أو قَبل لزومه؛ فحكمُهما واحدٌ، ويصِحُّ الرَّهنُ؛ لأِنَّ الأصلَ عدَمُ الحمل.

أمَّا إذا أقرَّ به بعد لزومه؛ فيُقبَل في حقِّه فقط؛ لأِنَّ إقْرارَ الإنسان على غيره لا يُقبَل.

ويَحتَمِل قَبولُه في حقِّ المرتَهِن أيْضًا؛ لأِنَّه أقرَّ في ملكه بما

(1)

لا تُهَمة فيه.

(فَإِنْ أَذِنَ لَهُ المُرْتَهِنُ

(2)

فِي بَيْعِ الرَّهْنِ، أَوْ هِبَتِهِ، أَوْ نَحْوِ

(3)

ذَلِكَ) كوقفه، ففعل

(4)

؛ (صَحَّ)؛ لأِنَّ المنْعَ كان لحقِّه، فإذا أَذِن زال، (وَبَطَلَ الرَّهْنُ)؛ لأِنَّ هذا تصرُّفٌ يُنافي الرَّهْنَ، فلا يجتمع مع

(5)

ما يُنافيه.

(إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بِشَرْطِ: أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ)، أو (يُعَجِّلَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ)، فإنَّه يَصِحُّ البَيعُ والشَّرطُ، ويَلزَم ذلك؛ لأنَّه لو شرط ذلك بعد حلول الحقِّ؛ جاز، فكذا قَبْلَه.

وحاصلُه: إن كان الدَّينُ حالًّا؛ أخَذَه من الثَّمَن، وإلاَّ بَقِيَ رهْنًا، وإن

(1)

في (ق): ما.

(2)

في (ح): وإن أذن المرتهن له.

(3)

في (ح): ونحو.

(4)

قوله: (ففعل) سقط من (ظ) و (ق).

(5)

قوله: (مع) سقط من (ظ) و (ح).

ص: 366

شَرَط تعجيلَ الدَّين من ثمنه؛ صحَّ البيعُ ولغا الشَّرطُ، ويكون الثَّمنُ رهْنًا.

وفي «المحرَّر» : وإن باعه بإذْنٍ شَرَطَ فيه أن يُعجِّلَ له دَينَه المؤجَّل من ثمنه؛ لم يصحَّ البيعُ، وهو رهْنٌ بحاله، وقيل: يصِحُّ.

وفي كون الثمن

(1)

رهْنًا وجهان، ويلغو شرطُ التَّعجيل قولاً واحدًا.

فرعٌ: إذا اختلفا في الإذْن؛ قُبِل قَولُ المرتَهِن؛ لأِنَّه منكِرٌ، فلو اتَّفقا عليه واختلفا في الشَّرط؛ قُبِل قَولُ الرَّاهن في الأصحِّ؛ لأِنَّ الأصلَ عدمُه.

(وَنَمَاءُ الرَّهْنِ، وَكَسْبُهُ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ؛ مِنَ الرَّهْنِ

(2)

؛ أي: يكون في يده كالأصل، بمعنى

(3)

: أنَّه إذا احْتِيج إلى بيعه في وفاء الدَّين بِيعَ مع الأصل؛ لأِنَّ الرَّهنَ عَقْدٌ على العين، فيدخل فيه ما ذُكر؛ كالبيع

(4)

والهِبة، وفي الجناية عليه؛ لأِنَّها بدَلُ جزءٍ، فكانت من الرَّهن؛ كقيمته إذا أتْلفه إنسانٌ.

ولا فرْقَ في النَّماء بين المتَّصِل؛ كالسِّمَن وتعلُّم صَنْعةٍ، والمنفصل؛ كالكسب، والأجرة، والولد، والثمرة

(5)

، والصُّوف.

(وَمُؤْنَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ)؛ لِمَا رَوَى سعيدُ بن المسيِّب، عن أبي هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَغْلَق الرَّهن مِنْ صاحبه الذي رَهَنَه، له غُنْمُه وعليه غُرْمُه» رواه الشَّافِعيُّ، والدَّارَقُطْنِيُّ وقال: إسْنادٌ حسَنٌ متَّصِلٌ

(6)

، ولأِنَّه ملكٌ للرَّاهِن،

(1)

في (ح): المثمن.

(2)

قوله: (عليه من الرهن) مكانه بياض في (ح).

(3)

في (ق): يعني.

(4)

في (ح): كالمبيع.

(5)

في (ح): والتمرة.

(6)

أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 148)، من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري، وأخرجه ابن حبان (5934)، والدارقطني (2920)، والحاكم (2315)، من طريق زياد بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وهو حديث اختُلِف فيه وصلاً وإرسالاً، فصححه موصولاً الدارقطني في السنن والحاكم وابن عبد البر والإشبيلي، ورجَّح إرساله أبو داود والدارقطني في العلل والبيهقي وابن عبد الهادي وابن حجر، وقال:(وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة)، أي: طرق مرفوعة. ووقع خلافٌ في قوله في الحديث: «له غُنمه وعليه غُرمه» ، قال ابن حجر:(وقوله: «له غنمه وعليه غرمه»، قيل: إنها مدرجة من قول ابن المسيب)، ثم نقل عن ابن عبد البر اختلاف الرواة فيها، والرواية المرسلة أخرجها مالك في الموطأ (2/ 728)، وعبد الرزاق (15034)، وأبو داود في المراسيل (187). ينظر: علل الدارقطني 9/ 168، التمهيد 6/ 430، المحرر (892)، التلخيص الحبير 3/ 95، بلوغ المرام (859).

ص: 367

فكان عليه الإنفاق

(1)

كالطَّعام.

وهو شامِلٌ لِما إذا احْتاج إلى مداواةٍ لمرَضٍ أو جُرْحٍ، وأجرةِ من يَرُدُّه إذا أَبَقَ، ومُؤْنَةِ جِنايةٍ، وأجرة تسويةٍ، وجَدادٍ، وتجفيفٍ، ونحوه.

فإن كان ماشيةً تحتاج إلى إطراق فحلٍ؛ لم يُجبَر الرَّاهن عليه؛ لأنَّه ليس عليه ما يتضمَّن زيادةً في الرَّهن، وليس ذلك ممَّا يُحتاج إليه لبقائها، ولا يمنع منه؛ لكونه زيادةً فيها من غير ضررٍ على المرتَهِن.

(وَكَفَنُهُ إِنْ مَاتَ)؛ كبقيَّة مُؤْنة تجهيزه؛ لأنَّ ذلك تابِعٌ لمؤنته، وهو من جملة غُرمه، (وَأُجْرَةُ مَخْزَنِهِ إِنْ كَانَ مَخْزُونًا)؛ كأجرة حافظه.

(وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ)؛ للخبر

(2)

، ولأِنَّه لو ضُمِن؛ لَامْتَنَع النَّاس مِنْ فِعْله خوفًا من الضَّمان، وذلك وسيلةٌ إلى تعطيل المُدايَنات والقروض، وفيه ضرَرٌ عظيمٌ، وهو منفيٌّ شرعًا، ولأِنَّه وثيقةٌ بالدَّين، فلا يضمن؛ كالزِّيادة على قدْر الدَّين.

وظاهره: ولو قبَلْ عقد

(3)

الرَّهن، نقله ابنُ منصورٍ

(4)

، كبَعْد الوفاء.

(1)

في (ح): الاتفاق.

(2)

أي: للخبر السابق كما في الممتع 2/ 564، ففيه:«له غنمه وعليه غرمه» .

(3)

في (ح): العقد.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 382.

ص: 368

(إِنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ

(1)

؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، قاله عليٌّ رضي الله عنه

(2)

؛ لأِنَّه أمانةٌ في يده، فلم يكن في تَلَفِه شيءٌ كالوديعة.

وعنه: يَضمنه المرتَهِن، كما لو أَعاره، أو مَلَكه، أو استعمله، نصَّ عليه

(3)

، وتأوَّلها القاضي على المتعدِّي، وامتنع من ذلك ابن عقيلٍ فأجراها على ظاهرها؛ لما روى عطاءٌ: أنَّ رجلاً رَهَن فرسًا فنَفَق عند المرتَهِن، فجاء إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال:«ذَهَبَ حَقُّكَ»

(4)

، ولأنها عينٌ مَقبوضة

(1)

قوله: (منه) سقط من (ح).

(2)

قال ابن حزم في المحلى 6/ 378: (وأما عليٌّ؛ فمختلف عنه في ذلك، وأصح الروايات عنه: إسقاط التضمين فيما أصابته جائحة)، أخرج الطحاوي في معاني الآثار (5899)، والبيهقي في الكبرى (11229)، وابن حزم في المحلى (6/ 376)، من طرق عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، أن عليًّا رضي الله عنه قال في الرهن:«يترادَّان الفضل، فإن أصابته جائحة برئ» ، وهذا لفظ ابن حزم، وقال:(فصحَّ أن علي بن أبي طالب لم يَرَ ترادَّ الفضل إلا فيما تلف بجناية المرتهن، لا فيما أصابته جائحة، بل رأى البراءة له مما أصابته جائحة)، وأعله البيهقي بأن رواية خِلاس عن علي مرسلة، وقد تابع خلاسًا الحسنُ البصري عند الطحاوي في معاني الآثار (5900)، وروايته عن عليٍّ مرسلة أيضًا، وقد يتقوى أحد الطريقين بالأخرى.

وروي عن علي رضي الله عنه غير ذلك: فأخرج عبد الرزاق (15039)، وابن أبي شيبة (22794)، والبيهقي في الكبرى (11230)، عن الحكم، عن علي، قال:«يترادَّان الفضل في الرهن» ، قال البيهقي:(هذا منقطع، الحكم بن عتيبة لم يدرك عليًّا)، وأخرج ابن أبي شيبة (22795)، والبيهقي في الكبرى (11234)، أنه قال:«إذا كان الرهن أقل؛ رَدَّ الفضل، وإن كان أكثر؛ فهو بما فيه» ، وضعفه الشافعي بعبد الأعلى الثعلبي.

(3)

ينظر: الفروع 6/ 384.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (22785)، وأبو داود في المراسيل (188)، وهو من رواية مصعب بن ثابت، عن عطاء، ومصعب ضعيف، وهو مع ذا مرسل، وأسند البيهقي عن الشافعي قوله:(وأخبرنيه غير واحد عن مصعب، عن عطاء، عن الحسن) أي أنه من مرسل الحسن البصري، ومراسيله ضعيفة، ثم قال الشافعي:(ومما يدلك على وهن هذا عند عطاء إن كان رواه، أن عطاء يفتي بخلافه، ويقول فيه بخلاف هذا كله).

وأخرج الدارقطني (2918)، عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا:«الرهن بما فيه» ، وفيه إسماعيل بن أبي أمية، قال الدارقطني:(إسماعيل هذا يضع الحديث)، وأخرجه الدارقطني (2916) من طريق آخر عن أنس، وضعفه أيضًا. وأخرجه أبو داود في المراسيل (189)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (11226)، من مرسل طاوس، وفي سنده: زمعة بن صالح، وهو ضعيف. ينظر: السنن الكبرى 6/ 68، السنن الصغير 2/ 290، نصب الراية 4/ 321.

ص: 369

للاستيفاء، فيَضمنُها

(1)

مَنْ قَبَضها لذلك.

وجوابُه: بأنَّها مقبوضةٌ بعقدٍ بعضه أمانةٌ، فكان جميعُه أمانةً؛ كالوديعة، وحديث عَطاءٍ كان يُفْتي بخلافه، مع أنَّ الدَّارَقُطْنيَّ قال: يرويه إسماعيلُ بن أميَّةَ

(2)

، وكان كذَّابًا، وقيل: مُصعَب بن ثابِتٍ، وهو ضعيفٌ، ولو سلِّمَ؛ فهو محمول على أنَّه ذهب حقُّك من الوثيقة، بدليل: أنه لم يَسأل عن قدر الدَّين أو قيمته.

وظاهره: أنَّه إذا تعدَّى أو فرَّط؛ أنَّه يَضمَن كالوديعة.

وفي بقاء الرَّهنية - لأِنَّه يجمع أمانةً واسْتِيثاقًا، فبقِيَ أحدُهما -؛ وجهانِ.

(وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ)، نَصَّ عليه

(3)

؛ لأِنَّه كان ثابِتًا في ذِمَّة الرَّاهن قبل التَّلَف، ولم يُوجَد ما يُسقِطه، فبقِيَ بحاله، وكما لو دفع إليه عَبْدًا يبيعُه ويأخذ حقَّه من ثمنه، وكحبس

(4)

عَينٍ مؤجرةٍ بعد الفسخ على الأجرة، بخلاف حبس البائعِ المتميزَ

(5)

على ثمنه، فإنَّه يسقط في روايةٍ بتلفه؛ لأنَّه عِوَضُه، والرَّهْنُ ليس بعِوَض الدَّين؛ لأِنَّ الدَّين لا يَسقُط بتفاسُخهما، ذكره في «الانتصار» و «عيون المسائل» .

(1)

في (ح): فضمنها.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه:(أبي أمية) كما في المصادر.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2738.

(4)

في (ح): وكمحبس.

(5)

في (ح): المشترَى. والمثبت موافق لما في الفروع 6/ 383، والمعنى: بخلاف لو حَبَس البائعُ المبيعَ المتميز على ثمنه.

ص: 370

(وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ؛ فَبَاقِيهِ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ)؛ لأِنَّ الدَّين كله

(1)

يتعلَّق بجميع أجزاء الرهن

(2)

.

فرعٌ: إذا قبض الرَّهن فوجده مستحَقًّا؛ لَزِمه ردُّه على مالكه، والرَّهْنُ باطلٌ من أصله.

فإن أمسكه مع علمه حتَّى تَلِف؛ استقرَّ الضَّمان عليه، وللمالك تضمينُ أيِّهما شاء، فإن ضمن الرَّاهن؛ لم يَرجِع على أحدٍ، وإن ضمن المرتَهِن؛ رجع عليه.

وإن لم يعلم بالغصب حتَّى تَلِف؛ فالحكم على ما ذكرنا.

وإن تلف بغير تفريطه؛ فثالثها

(3)

: للمالك تضمين أيِّهما شاء، ويستقرُّ الضَّمان على الغاصب.

(وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنَ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْضِيَ

(4)

جَمِيعَ الدَّيْنِ)، حكاه ابنُ المنذر إجْماعَ من

(5)

يحفظُ عنه

(6)

؛ لأِنَّ حقَّ الوثيقة يتعلَّق بجميع الرَّهن، فيصير محبوسًا بكلِّ الحقِّ، وبكلِّ جزءٍ منه، لا ينفكُّ منه شيءٌ حتَّى يقضيَ جميعَه، سواءٌ كان ممَّا يُمكِن قسمته أو لا، وكالضَّمان والشَّهادة.

تنبيهٌ: يُقبَل قول المرتَهِن في التَّلَف، وقيل: والرَّدِّ، قال أحمدُ في مرتَهِنٍ ادَّعى ضياعَه: إن اتَّهمه أحلفه، وإلاَّ لم يُحلِفه

(7)

.

(1)

في (ح): كان.

(2)

في (ح) و (ق): الدين.

(3)

في (ح): مثالها.

(4)

في (ح): يقبض.

(5)

في (ح): لمن.

(6)

ينظر: الإجماع ص 102.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 193.

ص: 371

وكذا إن ادَّعاه بحادثٍ ظاهرٍ، وشهدت بيِّنةٌ بالحادث؛ قُبِلَ قولُه فيه.

وكذا وكيلٌ، وسيأتي.

(وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ رَجُلَينِ، فَوَفَّى أَحَدُهُمَا؛ انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ)؛ لأِن عَقْد الواحد مع الاِثْنين بمنزلة عَقْدَينِ، فكأنَّه رَهَنَ كلَّ واحدٍ منهما النَّصف منفرِدًا.

وقال أبو الخَطَّاب: يكون رهْنًا عند الآخَر حتَّى يُوفِّيَه، نَظَرًا إلى أنَّ العقدَ واحدٌ.

وحمله في «المغني» و «الشَّرح» : على أنَّه ليس للرَّاهن مُقاسَمة المرتَهِن؛ لِمَا عليه فيه من الضَّرر، فصار جميعُه رهْنًا.

وعلى الأوَّل: لو طَلَب المقاسَمة؛ فإن كان ممَّا لا تنقصه

(1)

القسمة؛ كالمكيل والموزون؛ أجيب إليها، وإلاَّ فلا؛ لِمَا فيه من الضَّرَر على المرتَهِن، ويبقى في يده بعضُه رهْنٌ، وبعضُه وديعةٌ.

(وَإِنْ رَهَنَهُ رَجُلَانِ شَيْئًا، فَوَفَّاهُ أَحَدُهُمَا؛ انْفَكَّ فِي نَصِيبِهِ)؛ لأِنَّ الرَّاهِنَ مُتعدِّدٌ

(2)

، فتعلَّق ما

(3)

على كلٍّ منهما بنصيبه؛ لأنَّ الرَّهْنَ لا يتعلَّق بملك الغير إلاَّ إذا كان مأذونًا فيه، ولم يُوجَدْ، ونقل

(4)

مهنَّى خلافَه

(5)

.

فلو رهن اثنان عبدًا لهما

(6)

عند اثنين بألفٍ فهذه أربعةُ عُقودٍ، ويصير كلُّ رُبُعٍ منه رهنًا بمائتين وخمسين، فمتى قضى في شيءٍ؛ انفكَّ من الرَّهن بقدر ذلك، ذكره القاضي.

(1)

في (ح): لا ينقصه.

(2)

في (ق): متعذر.

(3)

في (ح): بما.

(4)

في (ح): نقل.

(5)

ينظر: زاد المسافر 4/ 191.

(6)

قوله: (عبدًا لهما) في (ح): عبداهما.

ص: 372

فرعٌ: إذا قضى بعضَ دَينه، أو أُبْرِئَ منه وببعضه رهْنٌ، أو كفيلٌ؛ فعمَّا نواه، فإن أطلق ولم ينوِ؛ فله صرفه إلى أيِّهما شاء.

وقيل: يُوَزَّع بينهما بالحِصَصِ.

(وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ

(1)

؛ لزِم الرَّاهِنَ الإيفاءُ؛ لأِنَّه دَينٌ حالٌّ، فلزِم إيفاؤه؛ كالَّذي لا رهن به، (وَامْتَنَعَ مِنْ وَفَائِهِ؛ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَذِنَ لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لِعَدْلٍ

(2)

فِي بَيْعِهِ؛ بَاعَهُ)، نَصَّ عليه

(3)

؛ لأِنَّه مأذونٌ له فيه، وفي بيعه بقيمته وجهان، بإذن مرتَهِنٍ؛ لأنَّ البَيعَ لحقِّه، فلم يَجُز حتَّى يَأْذَن فيه.

ولا يحتاج إلى تجديد إذْنٍ من الرَّاهن في ظاهر كلامِ أحمدَ، وقيل: بلى، حكاه القاضي، لأنَّه قد يكون له غَرَضٌ في قضاءِ الحقِّ من غيره.

(وَوَفَّى الدَّيْنَ)؛ لأِنَّه هو المقصودُ بالبيع، وما فَضَل من ثمنه لمالكه، وإن بقيَ من الدَّين شَيءٌ؛ فعلى الرَّاهن.

(وَإِلاَّ)؛ أي: إذا لم يأذن في البيع، ولم يوفِّ؛ (رَفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ، فَيُجْبِرُهُ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعِ الرَّهْنِ)؛ لأِنَّ هذا شأنُ الحاكم، فإن امتنع؛ حَبَسَه أو عزَّره حتَّى يَفعلَ ما يأمره به.

(فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ)؛ أي: أصرَّ

(4)

على المنْع، أو كان غائبًا، أو تغيَّب، قاله في «الرِّعاية الكبرى» ؛ (بَاعَهُ الْحَاكِمُ) عليه، نصَّ عليه

(5)

؛ لأنَّه تعيَّنَ طريقًا إلى أداء الواجب أداؤه، (وَقَضَى دَيْنَهُ)؛ لأِنَّه حقٌّ تعيَّن عليه، فإذا امتنع من أدائه؛ قام الحاكم مَقامَه فيه؛ كالإيفاء من جنس الدَّين.

(1)

قوله: (الدين) سقط من (ح).

(2)

في (ح): للعدل.

(3)

ينظر: مسائل صالح 1/ 187، مسائل عبد الله ص 293.

(4)

في (ق): أجبر.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2741.

ص: 373

وظاهِرُه: أنَّه ليس للمرتَهِن بَيعُه بغير إذْن ربِّه أو إذْن حاكم

(1)

. وقيل: بلى.

فإن لم يأْذَن المرتَهِن في بَيعه؛ قال له الحاكم: ائذن فيه، وخُذ دَينك من ثمنِه، أو أبرِئه منه.

فرعٌ: إذا جَهِل ربَّ الرَّهْن، وأيِسَ من معرفته؛ فللمرتَهِن بَيعُه والصَّدقةُ به بشرط ضمانه، نَصَّ عليه

(2)

.

وفي إذن

(3)

حاكمٍ في بيعه مع القدرة، وأخذ حقِّه من ثمنه مع عدمه؛ روايتان؛ كشراءِ وكيلٍ.

(1)

في (ح): الحاكم.

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 370.

(3)

في (ح): إذ.

ص: 374

(فَصْلٌ)

(وَإِذَا شَرَطَ فِي الرَّهْنِ جَعْلَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه قَبْضٌ في عَقْدٍ، فجاز التَّوكيل فيه؛ كقَبْض الموهوب، (وَقَامَ قَبْضُهُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ) في قول أكثر العلماء.

وخالفَ فيه الحَكَمُ وغيرُه؛ لأِنَّ القَبضَ من تمام العقد، فتعلَّق بالمتعاقِدَين؛ كالإيجاب والقَبول.

وجوابُه: ما سبق، وبأنَّه وكيلٌ، وقَبْضُه كقبض الموكِّل، مع أنَّه لو وُكِّل في الإيجاب والقَبول؛ صحَّ، وما ذكروه يَنتقض

(1)

بالقبض في البيع فيما يُعتبَر فيه القَبْضُ.

وظاهرُه: يَقتضي جوازَ جعْل الرَّهن على يد مَنْ يجوز تَوْكِيلُه، وهو الجائزُ التَّصرُّف، فلا يجوز أن يكون صبيًّا، ولا عبدًا بغير إذْن سيِّده؛ لأِنَّ منافِعَه لسيِّده، فلا يجوز تَضْيِيعُها في الحفظِ بغير إذنه، ولا مكاتَبًا بغير جعْلٍ؛ لأنَّه ليس له التَّبرُّعُ بمنافعه.

(وَإِنْ شَرَطَ جَعْلَهُ فِي يَدِ اثْنَيْنِ؛ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا الاِنْفِرَادُ بِحِفْظِهِ)؛ لأِنَّ المتراهِنَينِ لم يَرْضَيَا إلاَّ بحفظهما معًا، فلا يجوز لأحدهما الانفرادُ؛ كالوصيَّيْنِ، فعلى هذا: يُجعل في مخزَنٍ عليه لكلِّ واحدٍ منهما قُفْلٌ.

وإن سلَّمه أحدُهما إلى الآخَر؛ فعليه ضمان النِّصف؛ لأنَّه القدر الذي تعدَّى فيه.

(وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا وَلَا لِلْحَاكِمِ نَقْلُهُ عَنْ يَدِ الْعَدْلِ)؛

(1)

في (ح): ينقص.

ص: 375

لأِنَّ العَدْلَ ما دامَ بحاله لم يتغيَّر عن الأمانة، قال في «الشَّرح» وغيره: ولا حدَثَ

(1)

بينه وبين أحدهما عداوةٌ فليس لأحدهم نَقْلُه عن يده؛ لأنَّهما رضِيَا به في الابتداء، ولأنَّهما إذا لم يملكاه فالحاكم أَوْلى.

وظاهره: أنَّهما إذا اتَّفقا على نَقْله؛ جاز، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّ الحقَّ لهما لا يَعْدُوهما.

(إِلاَّ أَنْ يَتَغَيَّرَ حَالُه) بفسقٍ، أو ضَعْفه

(2)

عن الحفظ، أو عداوةٍ؛ فلكلٍّ منهم نقلُه عن يده؛ لأنَّ في مقامه في يده ضررًا على الطَّالب، فإذا اتَّفقَا على شخصٍ بصفاته؛ جازَ، فإنِ اختلفَا؛ وَضَعَه الحاكِمُ عند عدلٍ، فلو اختلفا في تغيُّر حاله؛ بحث الحاكمُ وعَمِل بما ظهر له، وكذا لو كان عند المرتَهِن فتغيَّر حالُه؛ فللرَّاهن رَفْعُ الأمر إلى الحاكم ليضعَه عند عدْلٍ، فإن مات هو أو العدل؛ لم يكن لورثتهما إمساكه إلاَّ برضاهما.

(وَلَهُ)؛ أيْ: للعدل (رَدُّهُ إِلَيْهِمَا

(3)

، وعليهما قبولُه؛ لأِنَّه أمينٌ مُتطوِّع

(4)

بالحفظ، فلم يلزمه المقام عليه كسائرِ الأمانات.

فإن امتنعا؛ أجبرهما الحاكم، وينصب أمينًا يَقْبِضُه لهما إذا تغيَّبا؛ لأنَّ له ولايةً على الممتنِع من الحقِّ.

فدلَّ على أنَّه إذا دفَعَه إلى أمينٍ من غير امتناعهما؛ أنَّه يَضمن، صرَّح به جماعةٌ، وكذا لو تركَه العدلُ عند آخرَ مع وجودِهما.

فإن امتنعَا، ولم يجد حاكمًا، فتركه عند عدلٍ؛ لم يضمَنْ.

فإن امْتَنع أحدُهما؛ لم يكن له دفعه إلى الآخر، فإن فعل؛ ضمِن.

(1)

في (ظ): ولا حدثت.

(2)

في (ق): ضعف.

(3)

في (ق): عليهما.

(4)

في (ظ) و (ق): مقطوع.

ص: 376

والفرق: أنَّ العدلَ يُمسِكه لهما، وأحدهما يمسكه لنفسه.

هذا إذا كانا حاضرين، فإن كانا غائبين نَظَرْت؛ فإن كان للعدل عذرٌ؛ رفعه إلى الحاكم يقبضه

(1)

منه، أو نصب

(2)

عدلاً يقبضه لهما، فإن لم يجد حاكمًا؛ أَوْدعه ثقةً.

وإن لم يكن عذرٌ، والغَيبةُ بعيدةٌ؛ قبضه الحاكم، فإن لم يجده؛ فثقةٌ، وإن كانت قريبةً؛ فكالحاضرين، وإن كان أحدهما حاضرًا؛ فكالغائبين.

(وَلَا يَمْلِكُ رَدَّهُ إِلَى أَحَدِهِمَا)؛ لأِنَّ للآخَر حظًّا في إمساكه في يده، وفي ردِّه إلى أحدهما تضييعٌ، وظاهره: ولو كان أحدهما حاضرًا والآخَر مسافرًا، صرَّح به في «الشَّرح» وغيره.

(فَإِنْ فَعَلَ؛ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى يَدِهِ)؛ أيْ: إلى يدِ نفسِه؛ لأِنَّ في ذلك عَودًا للحقِّ إلى مستحِقِّه، (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؛ ضَمِنَ حَقَّ الآْخَرِ)؛ لأِنَّه فوَّت عليه ما استحقَّه بعقد الرَّهن، أشْبَه ما لو أتلفه.

(فَإِنْ

(3)

أَذِنَا لَهُ)؛ أي: للعدل (فِي الْبَيْعِ؛ لَمْ يَبِعْ إِلاَّ بِنَقْدِ الْبَلَدِ)؛ لأِنَّ الحظَّ في ذلك للرَّواج فيه، (فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقُودٌ؛ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ)؛ لأِنَّه أقربُ إلى وفاء الحقِّ، (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جِنْسُ الدَّيْنِ؛ بَاعَ بِمَا يَرَى أَنَّهُ أَصْلَحُ)؛ لأِنَّ عليه الاِحْتِياط فيما هو متولِّيه كالحاكم.

والمذهب: أنَّه يبيعُ بأغلب نقوده إذا تعدَّدت، فإن تساوَت؛ فبجنس

(4)

الدَّين، فإن عدم فبما

(5)

ظنَّه أصلح، فإن تساوتْ عيَّن حاكمٌ

(6)

، قاله في «المغني»

(1)

في (ح): اىقضه.

(2)

قوله: (أو نصب) سقط من (ح).

(3)

في (ح): فإذا.

(4)

في (ح): بجنس.

(5)

في (ظ): فيما.

(6)

في (ح): حاكمٌ.

ص: 377

و «الشرح» ، ورجَّحه ابن المنجَّى؛ لأنَّه أعرف بالأحظِّ، وأبعد من التُّهمة.

فإن عيَّنا نقدًا؛ تعيَّن، ولم تجُز

(1)

مخالفتهما؛ لأنَّ الحقَّ لهما.

فإن اختلفا؛ لم يُقبَل قولُ واحدٍ منهما، فعلى هذا: يُرْفع

(2)

إلى الحاكم ويأمر ببيعه بنقد البلد، سواءٌ كان من جِنس الحقِّ أو لم يكن، وافق قولَ أحدِهما أو لم يوافِق؛ لأنَّ الحظَّ في ذلك.

قال المؤلِّف: والأَوْلى أن يبيعه بما فيه الحظُّ.

(وَإِنْ) باع بإذْنهما، ثمَّ (قَبَضَ الثَّمَنَ، فَتَلِفَ فِي يَدِهِ) من غير تفريطٍ؛ (فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ)؛ لأِنَّ الثَّمنَ في يد العدْل أمانةٌ، فهو كالوكيل.

فإن اختلفا في قبضه من المشتري؛ فوجهان:

أحدهما: لا يُقبل؛ لأنَّه إبْراءٌ للمشتري من الثَّمن، كما لو أبرأه من غيره.

والثَّاني: بلى؛ لأِنَّه أمينٌ.

(وَإِنِ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ؛ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الرَّاهِنِ)؛ لأِنَّ المبيعَ له، فالعُهدة

(3)

عليه، كما لو باع بنفسه، وحينئِذٍ لا رجوعَ له على العدل

(4)

، ومحلُّه: إذا علم المشتري أنَّه وكيلٌ، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .

لا يقال: يَرجِع

(5)

المشتري على العدل؛ لكونه قبض الثَّمن بغير حقٍّ؛ لأنَّه سلَّمه

(6)

إليه على أنَّه أمينٌ في قبضه

(7)

يسلِّمه

(8)

إلى المرتَهِن، فإن كان

(1)

في (ق): ولم يجز.

(2)

في (ح): يرجع.

(3)

في (ح): فالعهد.

(4)

في (ح): العدم.

(5)

في (ق): رجع.

(6)

في (ح) و (ق): سلم.

(7)

قوله: (في قبضه) في (ق): بقبضه.

(8)

في (ح): سلمه.

ص: 378

الرَّاهن مفلِسًا أو ميتًا؛ فالمرتَهِن والمشتري أسوةُ الغرماء؛ لأنَّهم تساوَوْا في ثبوت حقوقهم في الذِّمَّة.

ويُسْتَثْنى من ذلك: لو بان مستحقًّا بعد دفع

(1)

الثَّمن إلى المرتَهِن؛ رَجَع المشتري على المرتَهِن؛ لأنَّه صار إليه بغير حقٍّ، فكان رجوعُه عليه، كما لو قبضه منه، فلو ردَّه المشتري بعيبٍ؛ رجع على الرَّاهن أو الوكيل إن لم يَعلم أنَّه وكيلٌ.

(وَإِنِ ادَّعَى)؛ أي: العدلُ (دَفْعَ الثَّمَنِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ، فَأَنْكَرَ، وَلَمْ يَكُنْ قَضَاهُ بِبَيِّنَةٍ؛ ضَمِنَ. وَعَنْهُ: لَا يَضْمَنُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أُمِرَ بِالْإِشْهَادِ، فَلَمْ يَفْعَلْ).

وجملته: أنَّ العدْلَ إذا ادَّعى دَفْع الثَّمن إلى المرتَهِن، وأنكر، ولا بيِّنة للعدل؛ فعلى ضَرْبَينِ:

أحدهما: أن يكونَ أُمِرَ بالإشهاد، ولم يُشهِد؛ فيَضمن؛ لتفريطه ومخالفة أمر موكِّله، إلاَّ أن يقضيَه بحضرةِ الموكل.

الثَّاني: يُطلَق

(2)

، وفيه روايتان:

إحداهما، وهي المذهب: أنَّه يضمن؛ لأنَّه فرَّط حيث لم يُشهِد، ولأنَّه إنَّما أذن له في قضاء مبرئ

(3)

، ولم يحصل، وحينئِذٍ فيرجعُ المرتَهِن على راهنه، ثمَّ هو على العدل، ومحلُّه: ما إذا كان القضاء بغير بيِّنةٍ، فإن كان

(4)

بها؛ لم يضمن؛ لعدم تفريطه، سواءٌ كانت البيِّنةُ قائمةً أو معدومةً.

وشرطه: عدالتُهم، وألاَّ يكون بحضرة الموكِّل، صرَّح به جماعةٌ؛ لأنَّه لا

(1)

في (ح): رفع.

(2)

في (ح): مطلق.

(3)

في (ح): مقر.

(4)

قوله: (كان) سقط من (ح).

ص: 379

يُعدُّ مفرِّطًا.

والثانية

(1)

: لا يَضمن، اختاره ابن عَقيلٍ، لأنَّه أمينٌ.

وفي «الشرح» وغيره: إذا ادَّعى دَفْع الثَّمنِ إلى المرتَهِن؛ وجهان:

أحدهما: يُقبل على الرَّاهن لا المرتَهِن، ذكره القاضي؛ لأنَّه وكيل الرَّاهن في دفع الثَّمن، ووكيل المرتَهِن في الحفظ

(2)

، فلم يُقبَل قوله في حقِّه.

والثَّاني: يُقبَل قوله على المرتَهِن في إسقاط الضَّمان عن نفسه، ولا يُقبل في

(3)

نفي الضَّمان عن غيره، ذكره الشَّريف أبو جعفرٍ، لأنَّه أمينٌ، فعليه: إذا حَلَف العدلُ؛ سقط الضَّمان عنه، ولم يَثبت على المرتَهِن أنَّه قبضه.

(وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَكِيلِ) فيما ذكرنا؛ لأنَّه في معناه.

(وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوِ الْعَدْلُ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ كُلًّا منهما أهلٌ للوكالة، فصحَّ كالأجنبيِّ، ويصحُّ بَيعُه؛ لأِنَّه شَرْطٌ فيه مصلحةٌ للمرتَهِن، لا يُنافِي مُقتضَى الرَّهْن، فصحَّ؛ كما لو شَرَط صِفَةً فيه.

(فَإِنْ

(4)

عَزَلَهُمَا؛ صَحَّ عَزْلُهُ) في المنصوص

(5)

؛ كسائر الوكالات، وحينئِذٍ لا يَمْلِكُ البَيعَ.

وقال ابن أبي موسى: يتوجَّه لنا أنَّه لا يَنعزِل، فإنَّ أحمد مَنَع الحيلةَ، وهذا يَفتح بابَ الحيلة للرَّاهن، فإنَّه يَشرِط ذلك للمرتَهِن، فيجيبه إليه، ثمَّ يَعزِله، ولأِنَّ وكالته صارت من حقوق الرَّهن، فلم يكن للرَّاهن إسقاطُه كسائر حقوقه.

ورُدَّ: بأنه لا يَمنَع جوازَه، كما لو شرط الرَّهن في البيع، فإنَّه لا يصير

(1)

في (ح): والثاني.

(2)

قوله: (المرتهن في الحفظ) سقط من (ح).

(3)

في (ق): من.

(4)

في (ظ): وإن.

(5)

ينظر: المغني 4/ 265.

ص: 380

لازِمًا.

(وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ)؛ أي: حلول الحقِّ؛ فهو شرْطٌ فاسِدٌ؛ لأِنَّه يُنافِي مُقتضَى العقد.

ومثلُه: إذا شَرَط ألاَّ يَستوفِيَ الدَّين من ثمنه، أو لا يُباع ما خِيف تَلَفُه، أو يَبيع

(1)

الرَّهنَ بأيِّ ثَمَنٍ

(2)

كان، أو لا يبيعه إلاَّ بما

(3)

يُرضيه، أو شَرَط الخيارَ للرَّاهن، أو أن لا يكون العقد لازِمًا في حقِّه، أو يوقَّت

(4)

الرَّهْن.

(أَوْ إِنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ، وَإِلاَّ فَالرَّهْنُ لَهُ)؛ أيْ: بالدَّين، أو: فهو مَبِيعٌ بالدَّين الذي عليك؛ (لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ)، بغير خِلافٍ نَعلَمُه

(5)

؛ لِما روى عبد الله بن جعفرٍ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَغلَق الرَّهْنُ» ، رواه الأثرم

(6)

، قلت لأحمدَ ما معنى:«لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» ؟ قال: لا يَدفع رهنًا إلى رجلٍ، ويقول: إن جئْتُك بالدَّراهم إلى كذا، وإلاَّ فالرَّهن لك

(7)

؛ ولأنَّه علَّق البيع

(8)

على شرطٍ؛ لأنَّه جعله مبيعًا

(9)

بشرط أن لا يوفيَه الحقَّ في محلِّه، والبيع

(1)

قوله: (أو يبيع) في (ق): إن ببيع.

(2)

قوله: (بأي ثمن) في (ق): يأتي بمن.

(3)

في (ق): ما.

(4)

في (ظ) بوقت.

(5)

ينظر: المغني 4/ 287.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (22800)، والبيهقي في الكبرى (11238)، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر به أن رجلاً رهن دارًا إلى أجل، فلما حلَّ الرهن، قال المرتهن: داري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يغلق الرهن» ، وهو مرسل صحيح الإسناد، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر وثَّقه العجلي، وذكره ابن حبان، وقال الذهبي في الكاشف 2/ 276:(ثقة)، وبقية رواته ثقات.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 280، مسائل ابن منصور 6/ 2745، المغني 4/ 287.

(8)

في (ح): المبيع.

(9)

في (ق): بيعًا.

ص: 381

المعلَّق بشرطٍ لا يصحُّ.

(وَفِي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوَايَتَانِ)، مبنيَّتان على الرِّوايَتَين في البيع، قاله في «الفروع» وغيره:

إحداهما: لا يصحُّ، جزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الشَّرح» ونصره؛ لأنَّه رَهَن بشرطٍ فاسدٍ فأفسده، كما لو شرط توقيتَه

(1)

.

والثَّانية: لا، نصرها أبو الخَطَّاب في «رؤوس المسائل» ، واستدلَّ بالخبرِ؛ فنفى غَلق الرَّهن دون أصله، فدلَّ على صحَّته؛ لأنَّ فيه شرْطًا فاسدًا، ولم يَحكُم بفساده.

وقيل: ما ينقص بفساده حقُّ المرتَهِن؛ يَبطله وجهًا واحدًا، وما لا فوجهان.

وقيل: إن شَرَط رهْنًا موقَّتًا، أو شرطه يومًا ويومًا لا؛ فسد الرَّهنُ، وهل يَفسد بسائرها؟ على وجهين، بناءً على الشُّروط الفاسدة في البيع.

وحكى في «المغني» عن القاضي أنَّه قال: يحتمل فسادُ الرَّهن بالشَّرط الفاسد بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ العاقِدَ إنَّما بَذَل مِلْكه بهذا الشَّرط، فإذا لم يُسلَّم له؛ أفضى

(2)

إلى أخذِ ماله بغير رضاه، والقياسُ يقتضي ذلك في البيعِ، لكن تُرك فيه للأثر.

ثمَّ إذا بطل وكان في بيعٍ؛ ففي بطلانه لأخذه حظًّا من الثَّمن أم لانفراده عنه؛ كمَهْرٍ في نكاحٍ؛ احتمالان.

فرعٌ: إذا تبايَعا بشرطِ أن يكون المبيعُ رهْنًا على ثمنه؛ لم يصحَّ، قاله ابنُ حامِدٍ؛ لأنَّ المبيعَ

(3)

حين شُرِط رهْنُه لم يكن ملكًا له، وسواءٌ شرط أنَّه يقبضه

(1)

في (ظ) و (ح): توفيته.

(2)

في (ق): أنضر.

(3)

في (ق): البيع.

ص: 382

ثمَّ يرهنه، أو شرط رهنه قبل قبضه.

وعنه: إذا حَبَسَ المبِيعَ ببقيَّة الثَّمن فهو غاصبٌ، ولا يكون رهْنًا، إلاَّ أن يكون شرطًا

(1)

عليه في نفس البَيع، وهذا يدلُّ على صحَّة الشَّرط.

وحملها القاضي: على أنَّه شرَطَ عليه في البيع رهْنًا غير المبيع، فيكون له حَبْسُ المبِيعِ حتَّى يَقبِض

(2)

الرَّهن، فإن لم يَفِ له، وإلاَّ فُسِخ البيع.

(1)

في (ح): شرط.

(2)

في (ح): يقتضي.

ص: 383

(فَصْلٌ)

(إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ)؛ بأن قال المرتَهِنُ

(1)

: لي عليك ألْفٌ رَهنتني عليها عبدَك فلانًا، فقال الرَّاهن: بل هي مائةٌ، (أَوِ الرَّهْنِ)؛ بأن قال المرتَهِن: هذا العبدُ والأمةُ، فقال الرَّاهن: بل أحدهما؛ قُدِّم قولُه؛ لأنَّه منكِرٌ، والقولُ قولُه في أصل العقد، فكذا في صِفته.

(أَوْ رَدِّهِ)؛ بأن قال المرتَهِن: ردَدْتُه إليك، وقال الرَّاهن: لم أَقبضه؛ قُبِل قولُه؛ لأِنَّ الأصل معه، والمرتَهِن قَبَض العَين لمنفعته، فلم يُقبَل قولُه في الرَّدِّ؛ كالمستأجِر.

وقيل: يُقبَل قولُ المرتَهِن؛ لأِنَّه أمينٌ.

وفي «التذكرة» : أنَّ من قُبِل قوله من الأمناء في الرَّدِّ؛ لم يُحلَّف.

فلو طُلب منه الرَّدُّ، وقُبِل قولُه؛ فهل له تأخيره لِيَشهد؟ فيه وجهان إن حلف، وإلاَّ فلا.

(أَوْ قَالَ: أَقْبَضْتُكَ عَصِيرًا، قَالَ) المرتَهِن: (بَلْ خَمْرًا)، في عقدٍ مشروطٍ فيه الرَّهن؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ)، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّهما اختلفا فيما يَفسُد به العقد، فقُبِل قَولُ مَنْ يَنفيه، أو

(3)

لأنَّ المرتَهِن مُعتَرِفٌ بعقْدٍ وقَبْضٍ، ويَدَّعي فسادَه، والأصلُ السَّلامةُ.

فرعٌ: إذا قال: أرسلتَ وكيلَك فرَهَنَني عبدَك هذا على عشرين قَبَضها، قال: ما أمرته إلاَّ بعشرةٍ وصارت إليَّ؛ سئل الرَّسول؛ فإن صدَّق الرَّاهن؛

(1)

في (ظ): للمرتهن.

(2)

ينظر: المغني 4/ 284.

(3)

في (ظ): أولاً.

ص: 384

فعليه اليمين دون الرَّاهن؛ لأِنَّ الدَّعوى على غيره، فإذا حَلَف الوكيل؛ برئا معًا، وإن نكل؛ فعليه العشرة المختلَف فيها، ولا يرجع بها على أحدٍ، وإن صدَّق المرتّهِنَ، وادَّعى أنَّه سلَّم العشرين إلى الرَّاهن؛ قُبِل قولُ الرَّاهن مع يمينه، وإن نكل قُضي عليه بالعشرة، وتُدفع.

(1)

إلى المرتَهِن، وإن حلف برئ، وعلى الوكيل غرامةُ العشرة للمرتَهِن.

(وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ رَهْنِهِ؛ عَتَقَ)؛ لأِنَّ السَّيِّدَ غيرُ مُتَّهَمٍ في الإقرار بعتقه؛ لأِنَّه لو أنشأ ذلك عَتقُ، فكذا إذا أخبر؛ لأنَّ كلَّ مَنْ صحَّ منه إنشاءُ عقدٍ؛ صحَّ منه الإقرارُ به.

وقيل: لا يُقبَل منه، كما لو أقرَّ به بعد بَيعِه.

(وَ) على الأوَّل: (أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ، فَجُعِلَتْ رَهْنًا مَكَانَهُ)؛ لأِنَّه فوَّت عليه الوثيقة بالعتق، فلزمته القيمةُ، تُجعَل رهنًا؛ جَبْرًا لِما فاته من الوثيقة.

هذا إذا كان موسِرًا، فإن كان معسِرًا؛ فعلى ما سبق.

وشرطه: أن يُكذِّبه المرتَهِن في ذلك.

(وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ جَنَى عَلَيْهِ، أَوْ

(2)

أَنَّهُ بَاعَهُ، أَوْ غَصَبَهُ؛ قُبِلَ عَلَى نَفْسِهِ)؛ لأِنَّه مُقِرٌّ على نفسه فقُبِل، كما لو أقرَّ له بدَينٍ، (وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ)؛ أي: مع تكذيبه إيَّاه؛ لأنَّه متَّهَمٌ في حقِّه، وقَولُ الغير على غيره غيرُ مقبولٍ.

فعلى هذا: إذا كذَّبه المرتَهِنُ وولِيُّ الجناية؛ لم يُسمَع قولُه، وإن صدَّقه وليُّ الجناية؛ لزمه أرْشُها إن كان موسِرًا؛ لأنَّه حال بين المجنيِّ عليه وبين رقبة الجاني بفعله، أشبه ما لو قتله.

وإن كان معسِرًا؛ تعلَّق حقُّ المجنيِّ عليه برقبته إذا انفكَّ الرَّهن، وحينئِذٍ

(1)

في (ظ): ويدفع.

(2)

قوله: (عليه أو) في (ح): إلى.

ص: 385

فيَستحِقُّ المشتري والمغصوب منه الرَّهن إذا انفكَّ منه؛ لأنَّ اعترافَه مقتضٍ لذلك

(1)

حالاً ومآلاً، خُولِف في الحال؛ لأجل حقِّ المرتَهِن، فمتى زال؛ عَمِلَ المقتضي عملَه.

وفي «الشرح» : تَلزمه

(2)

قيمته للمغصوب منه؛ لأنَّه حال بينه وبينه بِرَهْنه.

وفيه شيءٌ، لكنْ على المرتَهِن اليمينُ أنَّه لا يَعلم ذلك.

(إِلاَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ)، فإنَّه يبطل الرَّهن؛ لوجود المقتضي السَّالم عن المعارض

(3)

.

وقيل: إن أقرَّ ببيعه، أو غصبه، أو جنايته، وهو موسر، كإقراره بنسب مطلقًا؛ صحَّ ولزمته قيمته رهنًا؛ كالعتق.

وقيل: يُبطل إقراره مجَّانًا، ويَحلف على البتِّ.

(1)

في (ق): يقتضي ذلك.

(2)

في (ظ): يلزمه.

(3)

في (ح): العارض.

ص: 386

(فَصْلٌ)

(وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مَرْكُوبًا أَوْ مَحْلُوبًا؛ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَحْلُبَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ)، وجملته: أنَّ الرَّهن ينقسم إلى حيوانٍ وغيره.

والأوَّل نوعان:

أحدهما: إذا كان مركوبًا أو محلوبًا، فنَصَّ أحمدُ في رواية محمد بن الحكم وأحمد بن القاسم: أنَّ للمرتَهِن أن يركب ويحلب بقدر نفقته

(1)

، (مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ)، هذا هو المشهور؛ لما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الظَّهر يُركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبنُ الدَّرِّ يُشرب

(2)

بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النَّفقة» رواه البخاريُّ

(3)

، ولأنَّ الحيوان نفقته واجبةٌ، وللمرتَهِن فيه حقٌّ، وقد أمكنه اسْتِيفاءُ حقِّه من منافعه مع بقاء عينه؛ فجاز، كما يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند عدم الإنفاق عليها.

لا يُقال: المرادُ به: أنَّ الرَّاهن ينفق وينتفع؛ لأنَّه مَدْفُوع بما روي: «إذا كانت الدابَّةُ مرهونةً، فعلى المرتَهِن عَلَفُها»

(4)

، فجعل المرتَهِن هو المنفق،

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2745، مسائل ابن هانئ 2/ 34، الروايتين والوجهين 1/ 368.

(2)

قوله: (يشرب) سقط من (ح).

(3)

أخرجه البخاري (2512).

(4)

أخرجه أحمد (7125)، والطحاوي في شرح المشكل (6153)، والدارقطني (2929)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وإسناده صحيح، لكن أَعل البيهقي لفظة:«المرتهن» فقال: (ورواه هشيم وسفيان بن حبيب، عن زكريا، وزادا في متنه: «المرتهن»، وليس بمحفوظ). ينظر: السنن الكبرى 6/ 64.

ص: 387

فيكون هو المنتفع.

وقوله: «بِنَفَقَتِه

(1)

»؛ أي: بسببها؛ إذ الانتفاع عوض النفقة، وذلك إنما يَتأتى مِنْ

(2)

المرتهن، أمَّا الرَّاهن فإنفاقه وانتفاعه ليسا بسبب الرُّكوب، ولو تُرِكت لذَهَبتْ

(3)

مجَّانًا.

وكذا اللَّبن لو تُرِك لفسد، وبيعه

(4)

أوَّلاً فأوَّلاً متعذِّر

(5)

، والحيوان لا بدَّ له من نفقة، فقد يتعذَّر من المالك، وبيع بعض الرَّهن فيها

(6)

قد يُفوِّت الحقَّ بالكُلِّيَّة.

وهذا فيما إذا أنفق محتسِبًا بالرُّجوع، فإن كان متبرِّعًا؛ لم يَنتفع روايةً واحدةً.

ثمَّ إن فَضَل من اللَّبن شيءٌ، ولم يُمكن

(7)

بقاؤه إلى حلول الدَّين؛ فله بيعُه بإذن مالكه، وإلاَّ باعه الحاكم.

وعنه: لا يحتسب له بما أنفق، ولا ينتفع من الرَّهن بشيءٍ، وهو قول أكثر العلماء؛ لقوله عليه السلام:«لا يَغلَق الرَّهن مِنْ راهنه، له غُنمُه وعليه غرمه» رواه الشَّافعيُّ والدَّارقطنيُّ، وحسَّن إسنادَه من حديث أبي هريرةَ

(8)

، ولأنَّه مِلْك غيرِه، لم يأذن له في ذلك، فلم يكن له؛ كغير الرَّهن.

والأُولى أصحُّ.

(1)

زيد في (ح): عنه.

(2)

في (ظ): في.

(3)

في (ق): لرهنت.

(4)

في (ح): ربيعه.

(5)

في (ق): يتعذر.

(6)

في (ق): منها.

(7)

في (ظ): ولم يكن.

(8)

سبق تخريجه 5/ 367 حاشية (6).

ص: 388

ويَدخل في المحلوب: ما إذا كانت أمةً مرضعةً

(1)

، فله أن يَسترضعها بقدر نفقتِها، ذَكَره أبو بكر، ونصَّ عليه ابن حمدان.

وعلى ما ذكره المؤلف: لا فرق بين أن يُنفِق مع تَعذر النفقة من الراهن لغيبة أو امتناع، أو مع القدرة على أخذها منه أو استئذانه

(2)

، صرَّح به في «المغني» و «الشرح» ، وذكر

(3)

جماعة: مع غيبة ربه، زاد ابن حمدان: أو امتناعه.

النوع الثاني: الحيوان غير المركوب والمحلوب؛ كالعبد

(4)

والأَمَة، فليس للمرتَهِن أن يُنفق عليه ويستخدمه بقدرها في ظاهر المذهب؛ قصرًا للنص على مَوْرده.

والثانية

(5)

: بلى؛ لفهم العلَّة، وهو ذهاب المنفعة.

ونقل حنبل: يَستخدم العبدَ

(6)

، وفي «الكافي»: أنه قد خالف الجماعة.

وهذا كله إذا كان الدينُ غيرَ قرض، فإن كان قرضًا؛ لم يَجز، نصَّ عليه؛ حذارًا من قرضِ منفعة

(7)

.

القسمُ الثَّانِي: غيرُ ذلك، وهو ممَّا لا يحتاج إلى مؤنة؛ كالدَّار والمتاع، فلا يجوز للمرتهن الانتفاع بشيء منه بغير خلاف نعلمه

(8)

؛ لأن نماء الرَّهن يسلك به مسلكه.

(1)

في (ق): مسترضعة.

(2)

في (ق): استدانته.

(3)

في (ح): وذكره.

(4)

في (ق): والعبد.

(5)

في (ح): والثاني.

(6)

ينظر: الكافي 2/ 84، الفروع 6/ 378.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2739.

(8)

ينظر: المغني 4/ 289.

ص: 389

نعم؛ إن أذن له الراهنُ في الانتفاع، ولم يَكن الدينُ عن قرضٍ؛ جاز؛ لوجود طيبِ النفس.

(وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى الرَّهْنِ)؛ أي: الحيوان (بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ مَعَ إِمْكَانِهِ؛ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ)؛ أي: لا يرجع بشيءٍ، صرَّح به أبو الخَطَّاب وغيره؛ لأنَّه تصدَّق به، فلم يرجع بعوضه؛ كالصدقة على مسكين، أو لأنَّه مُفرِّط حيث لم يَستأذن المالكَ؛ إذ الرجوع فيه معنى المعاوضة، فافتقر إلى الإذن والرضا كسائر المعاوضات.

وظاهره: ولو نوى الرجوع، وصرَّح به في «الفروع» .

واقتضى: أنَّه إذا أنفق بإذن المالك؛ أنه يَرجع؛ لأنه ناب عنه في الإنفاق، أشبه ما لو وكله فيه.

(وَإِنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِهِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنِ الْحَاكِمَ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: يَرجع، وجزم

(1)

بها في «الوجيز» ؛ لأنَّه أنفق عليه عند العجز عن استئذانه، وهو محتاجٌ إليه لحراسة حقِّه، أشبه ما لو عَجَز عن استئذان الحاكم.

والثانية: لا يَرجع بشيءٍ؛ لأنَّ النَّفقة معاوَضةٌ، فافتقرت إلى رضا المالك أو من يقوم مقامه؛ كسائر المعاوضات.

ومقتضاه: أنَّه إذا عجز عن استئذانه واستأذن الحاكم؛ أنه يرجع؛ لأنَّه يقوم مقام المالك.

وفي «الفروع» : إذا تعذَّر؛ رجع إن أشهد بالأقلِّ ممَّا أنفق أو نفقة مثله، وإلاَّ فروايتان.

(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْوَدِيعَةِ، وَفِي نَفَقَةِ الْجِمَالِ إِذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ وَتَرَكَهَا

(1)

في (ح): جزم.

ص: 390

فِي يَدِ الْمُكْتَرِي)؛ لأِنَّها أمانةٌ أشبهت الرَّهن، وذكر الجِمال على سبيل ضرب المثال؛ لأنَّ حكم كلِّ حيوانٍ مؤجَرٍ كذلك.

(وَإِنِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ فَعَمَرَهَا الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ؛ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ عمارتها ليست بواجبةٍ على الرَّاهن، فلم يكن لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه، بخلاف نفقة الحيوان؛ لحُرمته في نفسه، وحينئِذٍ ليس له الانتفاع بها بقدر عمارتها، وله الرُّجوع بآلته فقط على المذهب.

وقيل: وبما يحفظ به ماليَّة الدَّار.

وأطلق في «النَّوادر» : أنه يرجع، وقاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين فيمن عَمَر وقفًا بالمعروف؛ ليأخذَ عِوضَه؛ أَخَذه من مَغلِّه

(1)

.

(1)

ينظر: الاختيارات ص 262.

ص: 391

(فَصْلٌ)

(وَإِذَا جَنَى الرَّهْنُ)؛ كالعبد، (جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ)، سواءٌ كانت على إنسانٍ أو ماله؛ (تَعَلَّقَ أَرْشُهَا

(1)

بِرَقَبَتِهِ)؛ أيْ: برقبة الجاني، وقُدِّمت على حقِّ المرتَهِن، بغير خلافٍ نعلمه

(2)

؛ لأنَّها مقدَّمةٌ على حقِّ المالك، والملكُ أقوى من الرَّهن، فأَوْلى أن يقدَّم على الرَّهن.

لا يقال: حقُّ المرتَهِن يُقدَّم أيضًا على حقِّ المالك؛ لأنَّ حقَّ المرتَهِن ثبت من جهة المالك بعَقْدِه، بخلاف حقِّ الجناية، فإنه ثبت بغير اختياره مقدَّمًا على حقِّه، فيُقدم

(3)

على ما ثبت بعقده؛ لأنَّ حقَّ الجناية يختصُّ

(4)

بالعين، فسقط

(5)

بفواتها، وحقُّ المرتَهِن لا يَسقط بفوات العين ولا يَختصُّ بها، فكان تعلُّقُه بها أخفَّ وأدنى.

(وَلِسَيِّدِهِ فِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ) على الأصحِّ؛ لأنَّه إن كان الأرْشُ أقلَّ؛ فالمجنِيُّ عليه لا يَستحقُّ أكثرَ من أرش جنايته، وإن كانت القيمةُ أقلَّ؛ فلا يلزم السَّيِّدَ أكثرُ منها؛ لأنَّ ما يَدفعه عِوَضٌ عن العبد، فلا يَلزمه أكثرُ من قيمته؛ كما لو أتلفه، (أَوْ يَبِيعُهُ

(6)

فِي الْجِنَايَةِ، أَوْ يُسَلِّمُهُ إِلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ)؛ لأِنَّ حقَّ المجنِيِّ عليه في قيمته لا في عينه، فيثبت

(7)

(1)

في (ظ): أرشه.

(2)

ينظر: المغني 4/ 276.

(3)

في (ح): فتقدم.

(4)

في (ق): مختص.

(5)

في (ظ): سقط.

(6)

في (ظ) و (ق): بيعه.

(7)

في (ق): فبقيت.

ص: 392

الخِيَر في هذه الأمور.

(وَعَنْهُ: إِنِ اخْتَارَ فِدَاءَهُ؛ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْأَرْشِ)، بالِغًا ما بَلَغَ؛ لأنَّه ربَّما رَغِب فيه راغِبٌ، فيشتريه بأكثر من قيمته.

(فَإِنْ فَدَاهُ؛ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ)؛ لأِنَّ حقَّ المرتَهِن قائِمٌ؛ لوجود سببه، فلم يبطل الرَّهن، وإنَّما قدِّم حقُّ المجنِيِّ عليه؛ لقوَّته، فإذا زال؛ ظهر حقُّ المرتَهِن.

(وَإِنْ سَلَّمَهُ) في الجناية، أو باعه؛ (بَطَلَ الرَّهْنُ)؛ لأِنَّ الجناية تعلَّقت بالعبد؛ وبالتَّسليم استقرَّ كونُه عِوَضًا عنها، فبطل كَونُه محَلًّا للرَّهن، أشْبَهَ ما لو تلف أو ظهر مستحَقًّا لغيره.

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقِ الْأَرْشُ قِيمَتَهُ)؛ أيْ: قيمة العبد؛ (بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ) على المذهب؛ لأِنَّ بَيعَه إنَّما جاز ضرورةً، فيتقيَّد بقدر الحقِّ، (وَبَاقِيهِ رَهْنٌ)؛ لزوال المعارِض.

لكِنْ إن تعذَّر بَيعُ بعضه؛ بِيعَ كلُّه؛ للضَّرورة المقتضية لبيعه، ويكون باقي ثمنِه رهْنًا، وصرَّح به في «الكافي» .

(وَقِيلَ: يُبَاعُ جَمِيعُهُ)، قدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأِنَّ بَيعَ البعض تَشقِيصٌ له، وهو عَيبٌ يَنقُص به الثَّمَنُ، وفيه

(1)

ضَرَرٌ بالمالِك

(2)

والمرتَهِن، وهو مدفوعٌ؛ لقوله عليه السلام:«لَا ضَرَرَ ولا إضْرارَ»

(3)

، (وَ) حينئِذٍ:(يَكُونُ بَاقِي ثَمَنِهِ) بعد دَفْع

(1)

في (ح): وهو.

(2)

في (ق): المالك.

(3)

حديث مشهور له طرق كثيرة، منها: ما أخرجه الدارقطني (3079)، والحاكم (2345)، والبيهقي في الكبرى (11384)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، واختلف في وصله وإرساله، ورواه مرسلاً مالك في الموطأ (2/ 745)، ورجَّح ابن عبد البر إرساله. ومنها ما أخرجه أحمد (2865)، وابن ماجه (2341) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنده: جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف. ومنها ما أخرجه الطبراني في الأوسط (1033)، والدارقطني (4539)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي إسناد الطبراني أبو بكر بن أبي سبرة وهو ضعيف جدًّا، وفي إسناد الدارقطني: الواقدي وهو متروك. ومنها ما أخرجه الطبراني في الأوسط (5193)، من حديث جابر رضي الله عنه، قال ابن رجب: (إسناده مقارب

وروي مرسلاً وهو أصح)، وقال النووي:(وله طُرق يُقوي بعضها بعضًا)، وكذا قال ابن الصلاح وابن رجب، وقال العلائي:(للحديث شواهد، ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به)، وصححه الألباني بمجموع طرقه. ينظر: جامع العلوم والحكم 3/ 905، الإرواء 3/ 408.

ص: 393

أرْش الجناية؛ (رَهْنًا)؛ لأِنَّه بَدَلٌ عن الرَّهْن، وعِوَضٌ عنه، فتعلَّق به ما كان متعلِّقًا بمُبدَله.

وأطلق في «البلغة» و «الفروع» الوجهين؛ كأبي الخَطَّاب.

فإن امتنع السَّيِّدُ من ذلك؛ فالمرتَهِن مخيَّرٌ بين فدائه وتسليمه.

(فَإِنِ

(1)

اخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ فِدَاءَهُ) فبِكَم يَفديه؟

(2)

(فَفَدَاهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ؛ رَجَعَ بِهِ)؛ لأِنَّه أدَّى بإِذْن مالكه، فوجب أن يَستحِقَّ

(3)

الرُّجوع به عليه كقضاء دَينه بإذنه.

(وَإِنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، بِناءً على ما لو قضى دَينه بغير إذنه.

ومحلُّ الرُّجوع: ما إذا كان يعتقده، وتركه المؤلِّف لظهوره؛ لأِنَّ المتبرِّع لا رجوعَ له، لكن لو زاد في الفداء على الواجب؛ لم يَرجِع به وجْهًا واحدًا.

(1)

في (ح): وإن.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في شرح الزركشي 4/ 43:(واختار المرتهن فداءه فله ذلك، ثم بكم يفديه؟ فيه الروايتان المتقدمتان)، وفي الإنصاف:(وتحرير ذلك: أن المرتهِن إذا اختار فداءه ففداه، فلا يخلو: إما أن يكون بإذن الراهن أو لا، فإن فداه بإذن الراهن؛ رجع، بلا نزاع، لكن هل يفديه بالأقل من قيمته؟ أو أرش جنايته؟ أو يفديه بجميع الأرش؟ فيه الروايتان المتقدمتان).

(3)

في (ظ): يَستحِقَّ به.

ص: 394

فلو بذل المرتَهِن الفداءَ؛ لتكون العَينُ رهنًا عليه وعلى الدَّين الأوَّل؛ فقال القاضي: يجوز؛ لأنَّ المجْنِيَّ عليه يملك بَيعَ الرَّهن وإبطالَه، فصار بمنزلة الرَّهن الجائز قبل قبضه، والزِّيادة فيه قبل لزومه جائزةٌ.

وفيه وجْهٌ: بالمنع؛ لأنَّ العبد رهن

(1)

بدَينٍ، فلم يَجُزْ رهْنُه بدَينٍ آخَرَ؛ كغيره.

(وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْقَصَاصِ)؛ فالخصمُ في ذلك سيِّده؛ لأنَّه

(2)

المالِكَ، والأَرْش الواجب بالجناية مِلكه

(3)

، وإنَّما للمرتَهِن فيه حقُّ الوثيقة، أشْبَه العبدَ المستأجَرَ.

وقال أبو الخَطَّاب: ليس له القصاص بغير رضا المرتَهِن؛ لِما فيه من إسقاط حقِّه من الوثيقة.

وجوابُه: بإيجاب القيمة تُجعل

(4)

رهنًا، فلم يسقط حقُّه من الوثيقة.

وعلى المذهب: لو ترك السَّيِّدُ المطالبة، أو أخَّرها لغَيبة، أو له عُذْرٌ يمنعه منها؛ فللمرتَهِن المطالَبة بها؛ لأنَّ حقَّه متعلِّقٌ بمُوجِبِها، كما لو كان الجاني سيِّدَه.

(فَإِنِ اقْتَصَّ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا

(5)

قِيمَةً، تُجْعَلُ مَكَانَهُ)، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأنَّه أتلف مالاً استُحِقَّ بسبب إتْلاف الرَّهن، فغرم قيمته، كما لو كانت الجناية موجبةً للمال، وإنَّما وجب أقلُّ

(7)

(1)

في (ح): يرهن.

(2)

في (ظ): لأن.

(3)

في (ح): يملكه.

(4)

في (ظ): يجعل.

(5)

في (ق): أقلها.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3030.

(7)

زيد في (ق): الأمرين.

ص: 395

القِيمَتين

(1)

؛ لأنَّ

(2)

حقَّ المرتَهِن متعلِّق بالمالية، والواجب من المال هو أقلُّ القيمتين.

فعلى هذا: لو كان الرَّهن يساوي عشرةً، والجاني خمسةً، أو بالعكس؛ لم يكن عليه إلاَّ الخمسة؛ لأنَّه في الأُولى لم يفوِّت على المرتَهِن إلاَّ ذلك القدر، وفي الثَّانية: لم يكن حقُّ المرتَهِن متعلِّقًا إلاَّ بذلك القدر.

وفي «المغني» : إن اقتصَّ منه؛ أُخِذت قيمتُه فجُعِلتْ رهنًا.

وظاهره: أنَّه يَجِبُ على الرَّاهن جميع قيمة الجاني، قال ابن المنجَّى: وهو متَّجِهٌ؛ لأنَّه بدلٌ عن الرهن

(3)

، فكان كلُّه رهنًا.

وفيه شَيءٌ، فإنَّه صرَّح بخلافه.

وقيل: لا يجب شَيءٌ، قال في «المحرر»: وهو أصحُّ عندي؛ لأنَّه لم يجب بالجناية

(4)

مالٌ، ولا استُحِقَّ بحالٍ

(5)

، وليس على الرَّاهن أن يَسعى للمرتهن

(6)

في اكتساب مالٍ

(7)

، وعلى الأوَّل فيما إذا كان القصاص قَتْلاً.

فإن كان جُرحًا، أو قَلْعَ سِنٍّ ونحوه؛ فالواجب بالعفو

(8)

أقلُّ الأَمْرَينِ من أرْش الجراح

(9)

أو قيمة الجاني، وإن عفا مطلَقًا؛ انبنى على مُوجِب العمد.

(وَكَذَلِكَ إِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ مِنْهُ هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ)؛ لأِنَّه في الحكم

(1)

في هامش (ظ) إشارة إلى نسخة: الأمرين.

(2)

في (ق): فإن.

(3)

في (ح): المرتهن.

(4)

في (ح): بجناية.

(5)

في (ق): بمال.

(6)

قوله: (يسعى للمرتهن) في (ح): يتسع على المرتهن.

(7)

في (ق): قال.

(8)

في (ح): العفو.

(9)

في (ح): المزاح.

ص: 396

كما إذا جنى عليه أجنبِيٌّ فاقتَصَّ الرَّاهن منه؛ لأنَّهما يستويان معنىً

(1)

، فوجب تساويهما حكمًا.

(وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ)؛ فإنَّه يتعلَّق به حقُّ الرَّاهن والمرتَهِن، ويجب

(2)

مِنْ غَالب نَقدِ البلد؛ كقِيَم المتلَفات، فلو أراد الرَّاهن أن يصالِح

(3)

عنها، أو يأخذ عنها عرضًا

(4)

؛ لم يَجُز إلاَّ بإذن المرتَهِن، فإن أذن جاز؛ لأنَّ الحقَّ لهما، (فَمَا قَبَضَ مِنْهُ جُعِلَ رَهْنًا

(5)

؛ لأنَّه بدَلٌ عنه، فيُعطى حكمَه.

(وَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَنِ الْمَالِ؛ صَحَّ فِي حَقِّهِ)، فيَسقُط حقُّه، قاله القاضي، (وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ)؛ لأِنَّ عفوَه صادَف حقًّا له وحقًّا لغيره، فصحَّ في حقِّه؛ لأنَّه لا مانِعَ منه، بخلاف المرتَهِن؛ لِما فيه من إبطال حقِّه، فتؤخَذ القيمةُ من الجاني تكون

(6)

رهنًا.

(فَإِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ؛ رُدَّ إِلَى الْجَانِي)؛ لزوال المانع، وكما لو أقر أنَّ الرَّهن مغصوبٌ أو جانٍ، فإن استوفى الدَّين من الأرش؛ ففي «الشَّرح» احتمالان:

أحدهما: يرجع الجاني على العافي؛ لأن مالَه ذَهَب في قضاء دينه، فلزمته غرامتُه

(7)

، كما لو استعاره فرهنه.

والثَّاني: لا رجوعَ له؛ لأنَّه لم يُوجَد في حقِّ الجاني ما يقتضي وجوبَ الضَّمان، فإنَّما استوفى بسبب منه حال ملكه، أشبه ما لو جنى إنسانٌ على

(1)

قوله: (معنى) سقط من (ح).

(2)

في (ق): وتجب.

(3)

في (ح): يصالحوا.

(4)

رسمت في (ح): عواضًا.

(5)

في (ح): مكانه.

(6)

في (ح): يكون.

(7)

في (ح): غرمته.

ص: 397

عبده، ثمَّ رهنه لغيره، فتلف بالجناية السَّابقة.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ) الْعَفْوُ مطلَقًا؛ لأنَّه أسقط دَينَه عن غريمه، فصحَّ كسائر ديونه، (وَ) تجب

(1)

(عَلَيْهِ قِيمَتُهُ) تكون رهنًا؛ ليَنجَبِر به حقُّ المرتَهِن.

وقال بعض أصحابنا: لا يصحُّ مطلقًا، قال في «المغني»: وهو أصحُّ في النَّظر؛ لأنَّ حقَّ المرتَهِن متعلِّقٌ به، فلم يَصِحَّ عَفْوُه عنه؛ كالرَّهن نفسِه.

فإن قال المرتَهِن: أسْقَطْتُ حَقِّي من ذلك؛ سَقَطَ؛ لأِنَّه يَنْفَعُ الرَّاهِنَ ولا يضرُّه.

وإن قال: أسقطتُ الأرشَ، أو أبرأتُ منه؛ لم يَسقط؛ لأنَّه مِلك الرَّاهن، وهل يسقط حقُّه؟ فيه وجهان.

فرعٌ: لو أقرَّ أحدٌ بالجناية على الرَّهن وكذَّباه

(2)

؛ فلا شَيءَ لهما، وإن كذَّبه المرتَهِن؛ فلا شَيءَ له وللرَّاهن الأرش، وإن صدَّقه المرتَهِن وحدَه؛ تعلَّق حقُّه بالأرش، وله قبضه، فإذا قضى الرَّاهِنُ الحقَّ، أو أبرأ منه رجع الأرشُ إلى الجاني، فإن استوفى حقَّه من الأرش؛ لم يملك الجاني مطالبةَ الرَّاهن بشيءٍ؛ لأنَّه مُقِرٌّ له باستحقاقه.

(وَإِنْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْجَارِيَةَ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ)؛ فهو

(3)

حرامٌ، إجماعًا

(4)

، (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ)؛ أي: إذا كان عالِمًا بالتَّحريم؛ لأنَّه لا شُبهة له فيه، فإن الرَّهن وثيقةٌ بالدَّين، ولا يدخل ذلك في إباحة الوطء، مع أن وطء المستأجَرة يُوجِب

(1)

في (ظ): ويجب.

(2)

في (ح): وكذبناه.

(3)

في (ق): مهر.

(4)

في (ح): فهو حرام إجماعًا من غير شبهة. وينظر: الإجماع لابن المنذر ص 101، المغني 4/ 275.

ص: 398

الحدَّ مع مِلكه لمنافعها، فهذا أَوْلى.

وعنه: لا حَدَّ. والمذهَبُ خِلافُها.

(وَالمَهْرُ)؛ لأنَّه استوفى المنفعةَ المملوكةَ لسيِّدها بغير إذْنِه، فكان عليه عِوَضُها؛ كأَرْش بَكارتها.

وظاهره: يجب عليه، سواءٌ أكرهها أو طاوعته، اعتقد الحِلَّ

(1)

أو لا، أو ادَّعى شبهةً أو لم يَدَّعِها؛ لأِنَّ المهْرَ حقُّ آدَمِيٍّ، فلا يَسقُط بالشُّبهات.

(وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ)؛ لأنَّه لا ملك

(2)

له فيها، ولا شبهة ملْكٍ، أشبه الأجنبيَّ.

(وَإِنْ وَطِئَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، وَادَّعَى الْجَهَالَةَ) بالتَّحريم، (وَكَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ ذَلِكَ)؛ كالنَّاشِئِ بباديةٍ، أو حديث عهدٍ بالإسلام؛ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ ذلك شبهةٌ، والحدُّ يُدْرَأُ بِها، (وَلَا مَهْرَ)؛ لأنَّه يجب للسَّيِّد بسبب الوطء، وقد أذِنَ فيه، أشبه ما لو أتلفها بإذنه، ولأنَّ المالك أَذِن في اسْتِيفاء المنفعة، فلم يَجِبْ عِوَضُها؛ كالحُرَّة المطاوِعة، (وَوَلَدُهُ حُرٌّ)؛ لأِنَّه وَطِئَها مُعتَقِدًا إباحةَ وطْئِها، فهو كما لو وَطِئَها يَظُنُّها أمته

(3)

، (لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ)، بخلاف المغرور

(4)

؛ لأنه حدَثَ عن وَطْءٍ مأذون

(5)

فيه، فلم تلزمه قيمةُ الولد؛ كالمهر.

وقال ابن عَقيلٍ: لا تسقط قيمةُ الولدِ؛ لأنَّه أحال بين الولد وبين مالكه باعتقاده، فلزمته قيمته كالمغرور، وفرَّق بين المهر والولد: من حيث إنَّ الإذن صريحٌ في الوطء الموجب للمهر، فأسقطه، بخلاف الولد فإنَّ الإذن في الوطء ليس

(6)

بصريحٍ في الإحبال، فلم يسقطه.

(1)

في (ق): الحكم.

(2)

في (ح): لا مال.

(3)

في (ق) و (ظ): أمة.

(4)

في (ح): الغرور.

(5)

في (ح): ما أذن.

(6)

في (ح): ليست.

ص: 399

قال في «النِّهاية» : والأوَّل أصحُّ؛ لأِنَّ الإذن في الوطء إذْنٌ فيما يترتَّب عليه، فلم تلزمه

(1)

قيمته كالمهر.

وهذان الوجهان مع الإذن.

وظاهره: أنَّه إذا كان مثله لا يجهل ذلك، كالنَّاشِئِ ببلاد الإسلام؛ فدعواه الجهلَ غيرُ مقبولةٍ، ويكون ولدُه رقيقًا.

مسألةٌ: له بَيع ما جَهل ربَّه إن أيِس من معرفته، والصَّدقةُ به بشرط الضَّمان، نَصَّ عليه

(2)

، فإن عَرَفهم خيَّرهم بين الأجر ويَغرَمُ لهم.

وفي إذن حاكمٍ في بيعه مع القدرة، وأخذ حقِّه من ثمنه مع عدمه؛ روايتان، كشراء وكيلٍ.

(1)

في (ظ): يلزمه.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 389.

ص: 400

(بَابُ الضَّمَانِ)

(1)

وهو ثابِتٌ بالإجماع

(2)

، وسَنَدُه قوله تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يُوسُف: 72]، والزَّعيم: الكفيلُ، قاله ابن عبَّاسٍ

(3)

.

ويقال فيه أيضًا: ضَمينٌ، وكَفيلٌ، وقَبيلٌ، وحَميلٌ، وصبير

(4)

، وهي بمعنىً

(5)

، وقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«الزَّعيمُ غارِمٌ» رواه أبو داود، والتِّرمذيُّ وحسَّنه

(6)

.

(وَهُوَ: ضَمُّ ذِمَّةِ الضَّامِنِ إِلَى ذِمَّة الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي الْتِزَامِ الْحَقِّ)، فعلى هذا: الضَّمان مشتَقٌّ من الضَّمِّ.

ورُدَّ: بأنَّ لامَ الكلمة في الضَّمِّ مِيمٌ، وفي الضَّمان نونٌ، وشَرْطُ صحة الاشتقاق توافق

(7)

الأصل والفرع في الحروف.

وأجيب: بأنَّه من الاشتقاق الأكبر، وهو المشارَكة في أكثر الأصول مع

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 103، مراتب الإجماع ص 62.

(3)

أخرجه الطبري في التفسير (13/ 253)، وإسناده جيد.

(4)

في (ح): حبير.

(5)

في (ح): معنى.

(6)

أخرجه أحمد (22294)، وأبو داود (3565)، والترمذي (1265)، وابن ماجه (2405)، من طريق ابن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، قال: سمعت أبا أمامة فذكره، وإسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن الشاميين، وشرحبيل بن مسلم شامي، قال أحمد عنه:(من ثقات الشاميين)، ووثقه العجلي، وضعفه ابن معين، ولم يتفرد به، فقد أخرجه النسائي في الكبرى (5749، 5750)، من طريقين عن أبي عامر - وهو لقمان بن عامر وهو صدوق -، وعن حاتم بن حريث الطائي، كلاهما عن أبي أمامة، وابن حريث قال أبو حاتم:(شيخ)، ووثقه عثمان الدارمي، وقال ابن عدي:(لا بأس به)، وحسن الحديث الترمذي، وصححه ابن حبان والألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 2/ 129، التلخيص الحبير 3/ 116، الإرواء 5/ 245.

(7)

في (ح): موافقة.

ص: 401

ملاحظة المعنى.

وقال القاضي: هو مشتَقٌّ من التَّضمُّن؛ لأنَّ ذمَّة الضَّامن تتضمَّن الحقّ.

وقال ابن عَقيلٍ: هو مأخوذٌ من الضمن

(1)

، فذمَّة الضَّامِن في ضمن

(2)

ذِمَّة المضمون عنه.

وهذا بالنِّسبة إلى الاشتقاق.

وعرَّفه المجْدُ: بأنَّه الْتِزامُ الإنسان في ذِمَّته دَيْنَ المدْيون مع بقائه عليه.

وليس بمانعٍ؛ لدخول كلِّ من لم يَصِحَّ تبرُّعُه فيه، ولا جامع؛ لخروج ضمان ما لم يجب، والأعيان المضمونة، ودين الميت إن برئ بمجرد الضَّمان على رواية.

وفي «الوجيز» : الْتِزامُ الرَّشيد مضمونًا في يد غيره أو ذمَّته، حالاً أو مآلاً، على وجهٍ يؤول

(3)

إلى اللُّزوم. وهو أشمل من الذي قبله.

وفي «الفروع» : وهو التزام

(4)

من يصِحُّ تبرُّعُه ما وجب على غيره مع بقائه، وقد لا يبقى، وهو دَين الميت، وما قد يجب.

تنبيهٌ: لا بُدَّ في الضَّمان من ضامِنٍ، ومضمونٍ عنه، وله.

ويصِحُّ بالألفاظ السَّابقة، لا بقوله: أؤدي إليك، أو أحضر.

قال في «الفروع» : بل بالتزامه

(5)

، وهو ظاهر كلام جماعةٍ.

قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: قياسُ المذهب: يصحُّ بكلِّ لفظٍ فُهِم منه الضَّمانُ عُرْفًا

(6)

.

(1)

في (ح): المضمن.

(2)

قوله: (ضمن) سقط من (ح).

(3)

في (ظ): يؤدي.

(4)

في (ظ): وهو إلزام.

(5)

في (ظ): بلى بإلزامه. وفي (ح): بلى بالتزامه. والمثبت موافق لما في الفروع 6/ 392.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 392، الاختيارات ص 195.

ص: 402

(وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ)؛ أيْ: لا يَبرأ المضمون عنه بنفس الضَّمان كما يبرأ المحيل، بل يثبت الحقُّ في ذمَّتهما؛ لمنعه الزَّكاة عليهما، وصحَّة هبته لهما، ولأنَّ الكفيل لو قال: التزمت

(1)

وتكفَّلت بالمطالبة دون أصل الدَّين؛ لم يصحَّ وِفاقًا

(2)

.

وفي «الانتصار» : لا ذمَّة ضامِنٍ؛ لأنَّ شيئًا واحدًا لا يشغل محلَّينِ.

ورُدَّ: بأنَّ تعلُّقه بمحلَّين على سبيل الاستيثاق؛ كتعلُّق دَين الرَّهن به وبذمَّة الرَّاهن، كذا هنا.

فعلى هذا: لربِّه

(3)

مطالبتهما معًا، وأحدهما، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدَّين وغيره المذهب

(4)

، حياةً ومَوتًا؛ لقوله عليه السلام:«نَفْسُ المؤمن معلَّقةٌ بدَينه حتَّى يُقضَى عنه»

(5)

، ولحديث أبي قَتادةَ: «الآن قد برد

(6)

عليه جلده»

(7)

، قال أحمد: يأخذ من شاء بحقِّه

(8)

.

(1)

في (ق): ألزمت.

(2)

ينظر: المبسوط 19/ 161، المقدمات الممهدات 2/ 379، روضة الطالبين 4/ 264، الفروع 6/ 393.

(3)

قوله: (لربه) مكانه بياض في (ح).

(4)

ينظر: الفروع 6/ 393.

(5)

أخرجه أحمد (10599)، والترمذي (1078)، وحسنه، وتقدم تخريجه 3/ 81 حاشية (3).

(6)

في (ح): قدرت. وفي (ظ): برت.

(7)

أخرجه أبو داود الطيالسي (1778)، وأحمد (14536)، والدارقطني (3084)، والحاكم (2346)، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر رضي الله عنه، وابن عقيل مختلف فيه، والأكثر على أنه لين الحديث، لكن له متابعة أخرى بإسناده صحيح أخرجه عبد الرزاق (15257)، ومن طريقه أحمد (14159)، والنسائي (1962)، وأصله في البخاري من حديث سلمة بن الأكوع بمعناه (2289)، وحسن إسناده النووي، وصححه الحاكم والألباني. ينظر: الخلاصة 2/ 931، الإرواء 5/ 248.

(8)

ينظر: مسائل أبي داود ص 284، الفروع 6/ 393.

ص: 403

(فَإِنْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ) بإبْراءٍ، أو قضاءٍ، أو حوالةٍ؛ (بَرِئَ الضَّامِنُ)، بغير خلافٍ نعلمه

(1)

؛ لأنَّه تَبَعٌ له، والضَّمانُ وثيقةٌ، فإذا بَرِئَ الأصلُ

(2)

؛ زالت الوثيقةُ كالرَّهن.

(وَإِنْ بَرِئَ الضَّامِنُ، أَوْ أَقَرَّ بِبَرَاءَتِهِ؛ لَمْ يَبْرَأِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ)؛ لأنَّه أصلٌ، فلا يبرأُ ببراءة التَّبَع، وهذا إذا انفرد الضَّامِنُ، فلو تعدَّد صحَّ، سواءٌ ضمن كلُّ واحدٍ منهم جميعَ الدَّين أو جزءًا منه، ولم يبرأ أحدهم

(3)

بإبراء الآخَر، لكن لو ضمن كلُّ واحدٍ منهم الجميعَ؛ بَرِئَ الكُلُّ بأداء أحدهم، وبرئوا بإبراء المضمون عنه.

وإن ضمن أحدُ الضَّامِنِينَ الآخَرَ؛ لم يصحَّ؛ لأنَّ الحقَّ ثبت في ذمَّته بضمانه الأصل، فهو أصلٌ، فلا يجوز أن يصير فرعًا، بخلاف الكفالة؛ لأنَّها ببدنه لا بما في ذمَّته، فلو سلَّمه أحدهما؛ برئ، وبرئ كفيلُه به، لا من إحضار مكفولٍ به.

(وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ

(4)

عَنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، فَأَسْلَمَ الْمَضْمُونُ لَهُ، أَوِ الْمَضْمُونُ عَنْهُ؛ بَرِئَ هُوَ وَالضَّامِنُ مَعًا)، إذا أسلم المضمونُ له؛ برئ المضمون عنه؛ لأنَّ ماليَّة الخمر بطلت في حقِّه، فلم يملك مطالبته، والضَّامن؛ لأنَّه تَبَع للأصل، ويَبرآن بإسلام المضمونِ عنه؛ لأنَّه صار مسلِمًا، ولا يجوز وجوبُ خمر على مسلمٍ، والضَّامِنُ فرعُه.

وذكر أبو الخَطَّاب وجهًا: أنَّهما لا يَبرآن؛ لأنَّ المضمونَ له يَملِك الخمرَ، فلا يسقط، كما لو أعاره عبدًا، فرهنه على خمرٍ، ثمَّ أسلم المستعير؛

(1)

ينظر: المغني 4/ 409.

(2)

في (ق): الأصيل.

(3)

في (ح): أحد منهم.

(4)

قوله: (لذمي) سقط من (ح).

ص: 404

فإنَّه يلزمه فكُّ الرَّهن، وحينئِذٍ له قيمتها.

وقيل: أو يُوكِّل ذمِّيًّا يشتريها.

ولم يتعرَّض المؤلِّف لإسلام الضَّامن، ولا شكَّ أنَّه يبرأ وحده.

(وَلَا يَصِحُّ إِلاَّ مِنْ

(1)

جَائِزِ التَّصَرُّفِ)؛ أيْ: ممَّن يصِحُّ تصرُّفه في ماله؛ لأنَّه إيجاب مالٍ بعقْدٍ، فلم يصحَّ من غير جائز التَّصرُّف؛ كالبيع

(2)

، رجلاً كان أو امرأةً، فإن كان مريضًا مَخُوفًا فمِنْ ثُلُثه، وإلاَّ فهو كالصَّحيح، والأخرس إن فُهِمت إشارتُه، صحَّ ضمانُه.

(وَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ) غيرِ مميِّزٍ، بلا خلافٍ

(3)

.

وكذا المميِّز. وعنه: يصِحُّ، قال في «الشَّرح»: وخرَّج أصحابُنا صحَّته على الرِّوايتَين في صحَّة إقراره وتصرُّفه بإذن وليِّه.

(وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا سَفِيهٍ)؛ لعدم صحَّة تصرُّفهما.

وقيل: يصِحُّ من سفيهٍ، ويُتبَع بعد فكِّ حَجْره؛ لأنَّ إقرارَه صحيحٌ ويُتبَع به بعد فكِّ حَجْره، كذا ضمانُه.

وظاهِرُه: أنَّ المحجورَ عليه لِفَلَسٍ يصِحُّ ضمانُه، وصرَّح به المؤلِّف في الحَجْر؛ لأنَّه مِنْ أهل التَّصرُّف، ويُتبَع

(4)

به بعده من ماله.

وعنه: لا يصِحُّ، ذكرها في «التَّبصرة» ، قال في «الفروع»: فيتوجَّه عليها: عدم تصرُّفه في ذمَّته.

فرعٌ: لو قال: ضمنتُ وأنا صبيٌّ، وأنكره

(5)

المضمونُ له؛ قُدِّم قولُه،

(1)

قوله: (من) سقطت من (ح).

(2)

في (ح): كالمبيع.

(3)

ينظر: المغني 4/ 405.

(4)

في (ح): يتبع.

(5)

في (ق): فأنكره.

ص: 405

وذكره القاضي قياس قول أحمدَ؛ لأنَّ معه سلامةَ العقد، أشبه ما لو اختلفا في شرطٍ فاسدٍ.

وقيل: يُقدَّم قولُ الضَّامن؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ البلوغ، وعدمُ وجوب الحقِّ.

والحُكمُ فيمن عُرف له حالُ جنونٍ كذلك، وإن لم يُعرف له حال جنونٍ؛ فالقولُ قولُ المضمون له؛ لأنَّ الأصلَ عدمُه.

(وَلَا مِنْ

(1)

عَبْدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ)؛ لأنَّه عقدٌ تضمَّن إيجاب مالٍ، فلم يصحَّ بغير إذن السَّيِّد؛ كالنِّكاح

(2)

، وسواءٌ كان مأذونًا له في التِّجارة أوْ لَا، صرَّح به في «الشَّرح» .

وظاهره: ولو مكاتَبًا؛ لأنَّه تبرُّعٌ بالْتِزام مالٍ، أشبه نذر الصَّدقة بمالٍ معيَّنٍ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِحَّ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ)، هذا روايةٌ عن أحمدَ؛ لأنَّه لا ضَرَر على السَّيِّد فيه، فصحَّ منه، ولزمه بعد العتق؛ كالإقرار بالإتلاف.

(وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ صَحَّ)؛ لأنَّه لو أذِن له في التَّصرُّف لصحَّ، فكذا هنا، لكن في المكاتَب وجْهٌ بالمنع؛ لأنَّه ربُّما أدَّى إلى تفويت الحريَّة.

(وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا ذكره أبو الخَطَّاب؛ كاستدانته بإذنه

(3)

، قال القاضي: قياس المذهب: تعلُّق المال برقبته؛ لأنَّه دَينٌ لزمه بفعله، فتعلَّق برقبته كأرش جنايته.

وقال ابن عَقيلٍ: ظاهر المذهب: أنَّه يتعلَّق بذمَّة السَّيِّد، فإن أذن له سيِّده في الضَّمان، ليكونَ القضاءُ من المال الذي في يده؛ صحَّ، ويكون ما في ذمَّته

(1)

قوله: (من) سقط من (ظ).

(2)

قوله: (كالنكاح) سقط من (ق).

(3)

في (ح): بالذمة.

ص: 406

متعلِّقًا بالمال الَّذي في يد العبد كتعلُّق حقِّ الجناية برقبة الجاني، كما لو قال لحرٍّ: ضمنتُ لك هذا الدَّين

(1)

على أن تأخُذَ من مالي هذا؛ صحَّ.

(وَلَا يَصِحُّ إِلاَّ بِرِضَا الضَّامِنِ)؛ لأنَّه التزام

(2)

حقٍّ، فاعتُبِر رضاه؛ كسائر العقود الَّتي يلزم العاقِدَ فيها

(3)

حقٌّ.

وظاهره: أنَّه لا يصحُّ ضمانُ المكرَه، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأنَّه التزام مالٍ، فلم يصحَّ بغير رضا الملتَزِم؛ كالنَّذر.

(وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْمَضْمُونِ لَهُ)؛ لأِنَّ أبا قَتادةَ ضمن من غير رضا المضمون له، وأقرَّه الشَّارع عليه السلام

(4)

، ولأنَّه وثيقةٌ لا يُعتَبَر فيها قبضٌ كالشَّهادة، ولأنَّه ضَمانُ دَينٍ، أشبه ضمانَ بعضِ الورثة دَينَ الميت.

(وَلَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ)، بغير خلافٍ نعلمه

(5)

؛ لحديث أبي قَتادةَ، ولأنَّه لو قضى الدَّين عنه بغير إذنه ورضاه؛ صحَّ، فكذا إذا ضمن عنه.

(وَلَا مَعْرِفَةُ

(6)

الضَّامِنِ لَهُمَا)؛ لأنَّه لا يُعتَبَر رضاهما، فكذا معرفتهما.

وقال القاضي: يُعتبَر

(7)

معرفتهما؛ ليَعلم هل

(8)

المضمونُ عنه أهلٌ لاِصْطِناع المعروف إليه أم لا، ولأنَّه تبرُّعٌ، فلا بُدَّ من معرفة من تبرَّع عنه، والمضمون له فيؤدِّي إليه.

وذكر وجهًا آخَرَ: أنَّه يُعتَبَر معرفة المضمون له فقط. وجوابه: الخبر.

(1)

في (ق): العين.

(2)

في (ظ): إلزام.

(3)

في (ظ) و (ح): منها.

(4)

سبق تخريجه 5/ 403 حاشية (7).

(5)

ينظر: المغني 4/ 400.

(6)

في (ح): ولا يعرفه.

(7)

في (ظ): تعتبر.

(8)

في (ح): أهل.

ص: 407

(وَلَا) يُعتَبَر (كَوْنُ الْحَقِّ مَعْلُومًا)؛ لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يُوسُف: 72]، وهو غَيرُ معلومٍ؛ لأنَّه يختلف، مع أنَّه الْتِزامُ حقٍّ في الذِّمَّة من غير معاوَضةٍ، فصحَّ في

(1)

المجهول كالإقرار، ولأنَّه يصحُّ تعليقه بغرَرٍ وخطرٍ، وهو ضمان العهدة، وإذا قال: ألْقِ متاعَك في البحر وعليَّ ضمانُه، فصح

(2)

في المجهول كالعتاق والطَّلاق.

وفي ضمان بعض الدَّين وجهان؛ أصحُّهما: لا يصِحُّ، وقدمها في «الفروع» ، وصححها أبو الخطاب ويفسره

(3)

، وكذا قال في «عيون المسائل»: لا تُعرف الرواية فيه عن إمامنا؛ فيمنع، وقد سلَّمه بعض أصحابنا لجهالته حالاً ومآلاً

(4)

.

(وَلَا وَاجِبًا إِذَا كَانَ مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ)، بل يصِحُّ ضمانُ ما لم يجب؛ إذ الآية الكريمة دلَّت على ضمان حملِ بعيرٍ مع أنَّه لم يكن وجب.

لا يقال: الضَّمانُ ضمُّ ذمَّةٍ إلى ذمَّةٍ، فإذا لم يكن على المضمون عنه شَيءٌ؛ فلا ضمَّ؛ لأنَّه قد ضمَّ ذمَّته

(5)

إلى ذمَّة المضمون عنه في أنَّه يلزمه ما يلزمه ويثبت

(6)

في ذمَّته ما يثبت فيها، وهذا كافٍ.

(1)

في (ق): من.

(2)

في (ح): وصح.

(3)

المعنى: لا يصح ضمان بعض الدين مبهمًا، وصححه أبو الخطاب ويفسر الإبهام. ينظر: الإنصاف 13/ 23.

(4)

قوله: (وقدمها في «الفروع»، وصححها أبو الخطاب، ويفسره، وكذا قال في «عيون المسائل»: لا تعرف الرواية فيه عن إمامنا، فيمنع، وقد سلمه بعض أصحابنا لجهالته حالاً ومآلاً) سقط من (ح) و (ق). وهي مثبته في هامش (ظ) وعليها علامة تصحيح دون بيان لموضعها، أثبتناها هنا ليوافق ما في الفروع 6/ 398، وينظر: الإنصاف 13/ 23.

(5)

في (ح): ذمة.

(6)

زيد في (ق): له.

ص: 408

وله إبطاله قبل وجوبه في الأصحِّ.

وظاهره: أنَّه إذا لم يكن واجبًا، ولا مآله إلى الوجوب؛ لا يوجد فيه ضمُّ ذمَّةٍ إلى ذمَّةٍ مطلَقًا.

(وَلَوْ

(1)

قَالَ: ضَمِنْتُ لَكَ مَا عَلَى فُلَانٍ)، مثال المجهول، ومثله ما نقله في «المغني» و «الشرح»: أنا ضامِنٌ لك ما تقوم به البيِّنةُ، أو ما يُقِرُّ لك به

(2)

، أو ما يُقضَى به عليه، (أَوْ مَا تُدَايِنُهُ بِهِ؛ صَحَّ)؛ أي: ما يعطيه

(3)

في المستقبل.

وإن قال: أنا ورُكْبانُ السَّفينة ضامِنون، وأطلق؛ ضمن وحدَه بالحِصَّة

(4)

، وفي «الترغيب»: وجهان؛ بها، أو الجميع، وإن رضوا لزمهم، ويتوجَّه الوجهان، وإن قالوا: ضمنَّاه لك؛ فبالحصَّة، وإن قال: كل واحدٍ منَّا ضامنه لك؛ فالجميع.

تنبيهٌ: يصحُّ ضمان السُّوق، وهو: أن يَضمن ما يلزم التَّاجر من دَينٍ، وما يقبضه من عَينٍ مضمونةٍ، وتجوز كتابته، والشَّهادة به لمن لم

(5)

يَرَ جوازه؛ لأنه محلُّ اجْتِهادٍ، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين، قال: ويصِحُّ ضمان حارِسٍ ونحوه، وتُجَّار حرْبٍ ما يذهب من البلد أو البحر، وهو شبيهٌ بضمان

(6)

ما لم يجب

(7)

.

(1)

في (ق): فلو.

(2)

في (ق): يقر به لك. وفي (ح): به هلك.

(3)

زيد في (ق): به.

(4)

في (ظ): وبالحصة، وفي (ق): ما يخصه

(5)

قوله: (لم) سقط من (ظ).

(6)

في (ظ): فضمان.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 398، الاختيارات ص 195.

ص: 409

(وَيَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الضَّامِنِ)، نحو أن يضمن الضَّامنَ ضامِنٌ آخَرَ؛ لأنَّه دَينٌ لازِمٌ في ذمَّته، فصحَّ ضمانه كسائر الدُّيون، فعلى هذا: يثبت الحقُّ في ذمَّة الثَّلاثة، أيُّهم قضاه برئت ذِمَمُهم كلُّها؛ لأنَّه حقٌّ واحدٌ، فإذا سقط لم يجب مرَّةً أخرى، فيبرأ الثَّاني بإبراء الأوَّل، ولا عكس، وإن قضى الدَّينَ الضَّامنُ الأول؛ رجع على المضمون عنه، وإن قضاه الثَّاني؛ رجع على الأوَّل، ثمَّ رجع

(1)

الأوَّل على المضمون عنه إذا كان واحدٌ أذِنَ، وإلاَّ ففي الرُّجوع له روايتان.

فلو ضمن المضمونُ عنه الضامنَ؛ لم يصح؛ لأنَّ الضمان يَقتضي التزامَه الحقَّ في ذمته، والحقُّ لازِمٌ له، فلا يُتصوَّر الْتِزامُه

(2)

ثانيًا، ولأنَّه أصلٌ، فلا يصير فرعًا، لكن لو ضمنه في غير الدَّين؛ جاز.

وعُلِم منه: أنَّ كلَّ دَينٍ يصحُّ أخذ رهن به؛ أنَّه يصحُّ ضَمانُه.

(وَ) يصِحُّ ضمان (دَيْنِ الْمَيْتِ الْمُفْلِسِ وَغَيْرِهِ

(3)

، يصح

(4)

الضَّمان عن كلِّ غريمٍ وجب عليه حقٌّ، حيًّا كان أو ميتًا، مليئًا أو مفلسًا، وهو قول أكثر العلماء؛ لأنَّ «أبا قتادة ضمن دَين الميت»

(5)

، وقيَّد الميت بالمفلس؛ تنبيهًا على من منع

(6)

صحة ذلك.

(وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ)؛ أي: ذمَّة الميت (قَبْلَ الْقَضَاءِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، جزم به في «الوجيز» وغيره؛ لقوله عليه السلام: «نَفْسُ المؤمن معلَّقةٌ بدَينه حتَّى

(1)

في (ق): يرجع.

(2)

في (ح) و (ظ): إلزامه.

(3)

في (ح): وغير.

(4)

في (ح): فصح.

(5)

أخرجه البخاري (2289).

(6)

في (ح): يمنع

ص: 410

يُقضَى عنه»

(1)

، ولَمَّا أخبر أبو قتادة النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بوفاء الدِّينارَين فقالَ:«الآنَ بردَتْ جِلْدَتُه» رواه أحمد

(2)

، ولأنَّه وثيقةٌ بدَينٍ، فلم يسقط قبل القضاء؛ كالرَّهن.

والثَّانية، ونَصَّ عليها في رواية يوسف بن موسى

(3)

: أنَّه يبرأ بمجرَّد الضَّمان؛ لما روى أبو سعيد الخدري قال: كنَّا مع النبيَّ صلى الله عليه وسلم في جنازةٍ، فلمَّا وُضعت قال:«هل على صاحبكم من دَين؟» ، قالوا: درهمان، فقال:«صلُّوا على صاحِبكم» ، فقال عليٌّ: هما عليَّ

(4)

يا رسول الله، وأنا لهما ضامِنٌ، فقام فصلَّى عليه، ثمَّ أقبل على عليٍّ فقال:«جزاكَ اللهُ عن الإسلام خيرًا، وفَكَّ رهانَك كما فَكَكْتَ رهان أخيك» رواه الدَّارَقُطْنيُّ

(5)

.

(وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمَبِيعِ عَنِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي)؛ وهو أن يَضمن شخصٌ عن البائع الثَّمنَ إذا خَرَج المبيعُ مستحَقًّا أو رُدَّ بعيبٍ، (وَعَنِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ)؛ وهو أن يَضمن الثَّمنَ الواجبَ بالبيع

(6)

قبل تسليمه، أو إن

(7)

ظهر به عيبٌ، أو استُحقَّ؛ فضمان العهدة في الموضعين ضمان الثَّمن أو بعضه عن

(8)

(1)

سبق تخريجه 5/ 403 حاشية (5).

(2)

سبق تخريجه 5/ 403 حاشية (7).

(3)

ينظر: المغني 4/ 409.

(4)

في (ق): بها.

(5)

أخرجه الدارقطني (3082)، والبيهقي في الكبرى (11398)، وفيه: عبيد الله بن الوليد الوصافي، وهو ضعيف جدًّا، وفيه أيضا: عطية العوفي وهو ضعيف، وضعف الحديث البيهقي، وقال:(وقد روي من وجه آخر عن علي بن أبي طالب بإسناد ضعيف)، وقال:(والروايات في تحمل أبي قتادة دين الميت أصح)، وضعفه ابن الملقن، وابن حجر. ينظر: البدر المنير 6/ 711، التلخيص الحبير 3/ 117.

(6)

في (ظ): بالمبيع.

(7)

في (ح): وإن.

(8)

قوله: (أو بعضه عن) في (ق): أن يعطيه عشر.

ص: 411

أحدهما للآخر، وهو صحيحٌ عند الجماهير؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى الوثيقة

(1)

، وهي ثلاثةٌ: الشَّهادة، والرَّهن، والضَّمان، فالأُولى لا يستوفَى منها الحقُّ، والثَّانية يبقى مرهونًا إلى أن يؤدِّيَ، فلم يبقَ غير الضَّمان، ولأنَّه لو لم يصحَّ لامْتَنَعت المعاملات مع من لم يَعرف ذلك، وفيه ضررٌ عظيمٌ رافعٌ لأصل الحكمة الَّتي شُرع البيع من أَجلِها، ومثلُ ذلك لا يَرِد به الشَّرعُ.

وظاهره: صحَّة ضمان العهدة عن البائع للمشتري قبلَ قبضِ الثمن وبعدَه.

وقال القاضي: يصحُّ بعده؛ لأنَّه لو خرج قبل القبض مستحَقًّا؛ لم يجب على البائع شيءٌ، وهو مبنيٌّ على ضمانِ ما لم يجب إذا كان مفضيًا إلى الوجوب؛ كالجعالة.

وألفاظه: ضمنتُ عهدتَه، أو ثمنَه، أو دَرَكَه، ويقول المشتري

(2)

: ضمنتُ خلاصَك منه، أو ثمنِه.

فلو ضَمِن له خَلاص المبيع؛ فقال أحمد: لا يَحِلُّ

(3)

، واختاره أبو بكرٍ؛ لأنَّه إذا خرج حُرًّا، أو مستحَقًّا؛ لم يَستَطِع خَلاصَه.

وفي دخول نقض

(4)

بناءِ المشتري في ضمانها، ورجوعِه بالدَّرك مع اعترافه بصحَّة البيع وقيام بيِّنةٍ ببطلانه؛ وجهان.

وإن باعه بشرط ضمان دَرَكه إلاَّ من زَيدٍ، ثمَّ ضمِن دَرَكه منه أيضًا؛ لم يَعُدْ صحيحًا، ذَكَرَه في «الانتصار» .

مسألةٌ: يصِحُّ ضمانُ نقصِ صَنْجة، ويَرجِع بقوله مع يمينه.

(وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْكِتَابَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، وقاله أكثرُ العلماء؛

(1)

في (ق): الوسيلة.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 4/ 404، الشرح الكبير 13/ 31: للمشتري.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2661.

(4)

في (ق): نقص.

ص: 412

لأنَّه ليس بلازِمٍ، ولا مآله إلى اللُّزوم؛ لأنَّ المكاتَب له تعجيزُ نفسه، والامتناعُ من الأداء، فإذا لم يَلزم الأصلُ فالفرعُ أولى.

والثَّانية: يصِحُّ؛ لأنَّه دَينٌ على المكاتَب، فصحَّ

(1)

ضمانه كبقية الدُّيون. والفرقُ ظاهرٌ.

وعلى الأولى: لا فرق بين أن يَضمنه حرٌّ أو عبدٌ، وخصَّها القاضي بالحرِّ؛ لِسَعَة تصرُّفه.

(وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْأَمَانَاتِ؛ كَالْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا)؛ كالعين المُؤْجَرة والشَّرِكة؛ لأنَّها غير مضمونةٍ على صاحب اليد

(2)

، فكذا على ضامنه، وفي «عيون المسائل»: لأنَّه لا يلزمه إحضارُها، وإنَّما على المالك أن يَقصِد الموضعَ فيقبضها.

(إِلاَّ أَنْ يَضْمَنَ التَّعَدِّيَ فِيهَا)، فيصحُّ ضمانُها في ظاهر كلام أحمد

(3)

؛ لأنها مضمونةٌ على من هي في يده، أشبهت الغُصوب

(4)

.

وعنه: صحَّة ضمانها مطلَقًا، وحملها الأصحابُ على تعدِّيه؛ كتصريحه به.

(وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ؛ كَالْغُصُوبِ، وَالْعَوَارِيِّ، وَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ) من بَيعٍ وإجارةٍ؛ (فَيَصِحُّ ضَمَانُهَا)، جزم به الأصحاب؛ لأنَّها مضمونةٌ على من هي في يده؛ كالحقوق الثابتة

(5)

في الذِّمة.

وعنه: لا؛ لأنَّ الأعيان غيرُ ثابتةٍ في الذِّمَّة، والضَّمان لمَّا يَثبُت فيها،

(1)

في (ق): يصح.

(2)

قوله: (اليد) سقط من (ح).

(3)

ينظر: الكافي 2/ 131.

(4)

في (ق): الغصب.

(5)

في (ح): والثانية.

ص: 413

وغايته: أنَّه يلزمه قيمتُها عند التَّلف وهي مجهولةٌ.

وجوابُه: أنَّ الضَّمان في الحقيقة إنما هو ضمانُ استنقاذها

(1)

وردِّها، أو قيمتها عند تلفها، فهي كعهدة المبيع، فالمقبوض

(2)

على وجه السَّوم: بأن ساوَمه وقَطَع ثمنه، أو ساوَمه فقط لِيُريه أهلَه إن رضوه، وإلا ردَّه

(3)

.

فُروعٌ: يصِحُّ ضمان الجُعل في الجعالة، والمسابقة، والمفاضلة، وأرش الجناية نقدًا؛ كقِيَم المتْلَفات، أو حيوانًا كالدِّيات، ونفقة الزَّوج، سواءٌ كانت يومَها أو مستقبَلةً؛ لأِنَّ نفقة اليوم واجبةٌ، والمستقبَلة مآلها إلى اللُّزوم، ويَلزَمه ما يلزم الزَّوجَ في قياس المذهب.

وقال القاضي: إذا ضَمِن النَّفقةَ المستقبلة؛ لزمه نفقةُ المعسِر؛ لأنَّ الزِّيادة على ذلك تَسقط بالإعسار.

فأمَّا الماضية؛ فإن كانت واجبةً، صحَّ ضمانُها، وإلاَّ فلا.

مسألةٌ: للضَّامن مطالبةُ المضمون عنه بتخليصه في الأصحِّ إذا طُولِب، وقيل: أَوْ لا، إذا ضمنه بإذنه في الأصحِّ.

(وَإِنْ قَضَى الضَّامِنُ الدَّيْنَ)، أو أحال به، (مُتَبَرِّعًا؛ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ)؛ لأِنَّه مُتطوِّعٌ بذلك، أشْبَهَ الصَّدقة، وسواءٌ ضَمِن بإذنه، أو لا.

(وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ)، وقيل: أو أطلق، وهو ظاهر نقل ابن منصورٍ

(4)

، (وَكَانَ الضَّمَانُ وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَهَلْ يَرْجِعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

(1)

في (ح): استقراها.

(2)

في (ق): والمقبوض.

(3)

كتب في هامش (ظ): (فإن قبضه بإذن ربه ليُرِيَه أهله، فإن رضوه أخذه وإلا ردَّه من غير مساومة ولا قطع ثمن؛ فلا يضمنه إذا تلف بغير تفريط، ولا يصح ضمانه).

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2978.

ص: 414

إحداهما

(1)

، وهي المذهب: يَرجِعُ به

(2)

، لأنَّه قضاءٌ مُبْرِئٌ مِنْ دَينٍ واجب عليه

(3)

، فكان مِنْ ضَمان مَنْ هو عليه؛ كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه.

الثانية

(4)

: لا رجوع؛ لأنَّه بغير إذْنٍ، ولو استَحَقَّ الرُّجوعَ لاستحقَّه أبو قَتادةَ، ولو استحقَّه صار دَينًا له على الميت، ولو كان كذلك لَامْتَنَع من الصَّلاة، وكما لو عَلَفَ دابَّتَه بغير إذْنٍ.

وأجاب في «المغني» و «الشَّرح» : بأنَّه تبرَّعَ بالضَّمان والقضاء قصدًا لتبرئة

(5)

ذمَّته؛ ليُصلِّيَ عليه السلام عليه، مع علمه بأنَّه لم يترك وفاءً.

وعُلِمَ منه: أنَّه إذا ضَمِن بأمره، وقضى بأمره: أنه يرجع، قال في «المغني» و «الشرح»: سواءٌ قال: اضْمَنْ عنِّي، و: أدِّ عَنِّي، أو أطلق؛ لأِنَّه ضَمِن ودفع بأمره، أشبه ما لو كان مخالِطًا له.

فَرعٌ: حُكْمُ مَنْ أدَّى عن غيره دَينًا واجبًا؛ كذلك في الرُّجوع، إلاَّ فيما يَفْتَقِر إلى نية

(6)

؛ كالزَّكاة ونحوها.

(وَإِنْ أَذِنَ

(7)

فِي أَحَدِهِمَا)، وهي صورتان:

أحدهما: أن يضْمَن بأمره، ويقضي بغير أمره؛ فله الرُّجوع؛ لأنَّه لمَّا ضَمِن بإذنه تضمَّن ذلك القضاءَ؛ لأنَّه يجب عليه الأداءُ، أشبه ما لو أذِنَ فيه صريحًا.

(1)

في (ح): أحدهما.

(2)

قوله: (به) سقط من (ح).

(3)

قوله: (عليه) سقط من (ظ) و (ق).

(4)

في (ح): والثانية.

(5)

في (ح): لمتبرئه.

(6)

في (ح): نيته.

(7)

قوله: (وإن أذن) في (ح): وأذن.

ص: 415

والثَّانيةُ: عَكْسُها، وهو أن يَضمن بغير إذْنِه، ويؤدِّيَ بأمره؛ فكذلك؛ لأنَّه أدَّى دَينه بأمره، فرَجَع عليه، أشبه ما لو لم يكن ضامِنًا.

وعنه: لا رُجوع فيهما، اختاره أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ.

قال ابن عَقِيلٍ: يظهر فيها

(1)

؛ كذبح أضحيَّةِ غيره بلا إذنه في مَنْعِ الضَّمانِ والرُّجوع؛ لأِنَّ القضاء هنا إبْراءٌ؛ لتحصيله الإجزاء بالذَّبح.

وحيث قِيل به؛ (فَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا قَضَى، أَوْ

(2)

قَدْرِ الدَّيْنِ)؛ لأِنَّه إن

(3)

كان الأقلُّ الدَّينَ؛ فالزَّائد لم يكن واجبًا عليه، فهو متبرِّعٌ بأدائه، وإن كان المقضيُّ أقلَّ؛ إنَّما يرجع بما غَرِم، ولهذا لو أبرأه غريمُه لم يَرجِعْ بشَيءٍ، فإن دفع عن الدَّين عَرْضًا؛ رجع بأقلِّ الأَمْرَين من قيمته أو قدر الدَّين.

فرعٌ: لو تغيَّب مضمونٌ عنه قادِر

(4)

، - قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وأطلقه في موضِعٍ آخَرَ

(5)

-، فأُمْسِك الضَّامن، وغَرِم شَيئًا بسبب ذلك، وأنفقه في حبسٍ؛ رجع به على المضمون عنه.

تنبيهٌ: إذا كان على رَجُلَينِ مائةٌ، على كلِّ واحدٍ منهما نصفُها، وهما متضامِنان، فقضى آخَرُ عن أحدهما المائةَ بأمْره وقضاها؛ سقط الحقُّ عن الجميع، وله الرُّجوع بها على الذي ضَمِنَ عنه، ولم يكن له أن يرجع على الآخَر بشَيءٍ في إحدى

(6)

الرِّوايتَينِ؛ لأنَّه لم يضمن عنه، ولا أَذِن له في القضاء، فإذا رجع على الذي ضَمِنَ عنه؛ رجع على الآخَر بنصفها إن كان ضَمِنَ عنه بإذْنِه، لأِنَّه ضَمِنَها عنه بإذْنِه وقضاها ضامِنُه.

(1)

في (ق): منها.

(2)

في (ح): لو.

(3)

في (ح): إذا.

(4)

في (ق): فأدى.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 550، الاختيارات ص 195.

(6)

في (ح): أحد.

ص: 416

والثَّانية: له الرُّجوعُ على الآخَر بالمائة؛ لأنَّها وجبتْ له على من أدَّاها عنه، فمَلَكَ الرُّجوعَ بها عليه؛ كالأصيل، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» .

(وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَضْمُونُ لَهُ الْقَضَاءَ)؛ أي: إذا ادَّعى الضَّامن أنَّه قضى الدَّينَ، وأنكر المضمونُ له، ولا بيِّنةَ، (وَحَلَفَ؛ لَمْ يَرْجِعِ الضَّامِنُ عَلَى المَضْمُونِ عَنْهُ

(1)

؛ لأِنَّه ما أذِنَ للضَّامِن إلاَّ في قَضاءٍ مُبَرِّئٍ، ولم يُوجَدْ، وحينئِذٍ القولُ قولُ المضمون له؛ لأنَّه مُنكِرٌ، وله مطالَبةُ الضَّامِن والأصيلِ، (سَوَاءٌ صَدَّقَهُ) المضمونُ عنه (أَوْ كَذَّبَهُ)؛ لأِنَّ المانِعَ من الرُّجوع تفريطُ الضَّامِن من حَيثُ إنَّه قضى بغَير بيِّنةٍ، وذلك مشترَكٌ بين التَّصديق والتَّكذيب.

ثمَّ اعْلَمْ: إنْ كان القضاءُ ببيِّنةٍ عادلةٍ حاضرةٍ؛ فواضِحٌ، وكذا إن كانت ميتةً، أو غائبةً وصدَّقه؛ لأِنَّه مُعترِفٌ أنَّه ما قضى، ولا فرَّط.

وإن كانت مردودةً بأمرٍ ظاهرٍ؛ كالكُفْر والفسق الظَّاهر؛ لم يرجع الضَّامِنُ مطلَقًا؛ لتفريطه.

وإن رُدَّت بأمْرٍ خفِيٍّ؛ كالفسق الباطن، أو لكون

(2)

الشَّهادة مختلَفًا فيها؛ كشهادة العبيد؛ فاحتمالان، وكذا شاهدٌ واحدٌ ودعواه موتُهم، وأنكر الإشهاد.

وإن قضاه بغير بيِّنةٍ بحضرة المضمون عنه؛ فالأصحُّ: أنَّه يرجع؛ لأنَّه هو المفرِّط.

والثَّاني: لا، كغَيْبته.

فرعٌ: إذا رجع المضمون له على الضَّامن، فاستوفى منه مرَّةً ثانيةً؛ رجع على المضمون عنه بما قضاه ثانيًا؛ لبراءة ذمَّته به ظاهرًا، قاله القاضي ورجَّحه

(1)

قوله: (عنه) سقط من (ظ) و (ق).

(2)

في (ح): بكون.

ص: 417

في «الشَّرح» .

وفيه احْتِمالٌ: يَرجِع بالأول

(1)

؛ للبراءة منه باطنًا.

(وَإِنِ اعْتَرَفَ الْمَضْمُونُ لَهُ بِالْقَضَاءِ، وَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ؛ لَمْ يُسْمَعْ إِنْكَارُهُ)؛ لأِنَّ ما

(2)

في ذمَّته حقٌّ للمضمون له، فإذا اعترف بالقبض من الضَّامن، فقد اعترف بأنَّ الحقَّ الذي له صار للضَّامِن، فيجب

(3)

أن يُقبَل إقرارُه؛ لكونه إقرارًا في حقِّ نفسه.

وفيه وجهٌ: لا؛ لأنَّ الضَّامِنَ مُدَّعٍ لِما يَستحِقُّ به الرُّجوع على المديون، وقول المضمون له شهادةٌ على فعل نفسه، فلا يُقبَل.

وأجيب: بالْتِزامه.

فرعٌ: إذا قال المضمون له للضَّامن: برئتَ إليَّ من الدَّين، وقيل: أو لم يَقُلْ إليَّ؛ فهو مُقِرٌّ بقبضه، لا أبرأتُك، فلو قال: وهبتك الحقَّ، تمليكٌ له؛ فيَرجِع على المديون، وقيل: إبْراءٌ، فلا.

(وَإِنْ قَضَى) الضَّامِنُ الدَّينَ (الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ أَجَلِهِ؛ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَحِلَّ)؛ لأِنَّه لا يجب له أكثر ممَّا كان للغريم، ولأنَّه متبرِّعٌ بالتَّعجيل، فلم يرجع قبل الأجل، كما لو قضاه أكثر من الدَّين، والحوالة به ليقبضه، سواء قبض الغريم من المحال عليه، أو تعذَّر عليه الاِسْتِيفاءُ.

(وَإِنْ مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، أَوِ الضَّامِنُ فَهَلْ يَحِلُّ الدَّيْنُ عَلَيْهِ

(4)

؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أشهرُهما: لا يَحِلُّ؛ لأِنَّ التَّأجيلَ حقٌّ من حقوق الميت، فلم يَبطُلْ

(1)

في (ح): الأول.

(2)

قوله: (ما) سقط من (ق).

(3)

قوله: (فيجب) سقط من (ح).

(4)

قوله: (عليه) سقط من (ظ).

ص: 418

بموته؛ كسائر حقوقه بشرطه، قاله في «الوجيز» .

والثَّانية: يَحِلُّ؛ لأِنَّ ذمَّةَ الميت خَرِبَتْ به، فلو لم يَحِلَّ؛ لَأدَّى إلى ضَيَاع حقِّه.

(وَأَيُّهُمَا حَلَّ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَحِلَّ عَلَى الآْخَرِ)؛ أي: إذا مات المضمون عنه، وقلنا: يَحِلُّ بموته؛ لم يَحِلَّ على الضَّامن؛ لأِنَّ الإنسان لا يَحِلُّ عليه دَينٌ بموت غيره، بل يبقى حالًّا بالنِّسبة إلى الأصل، مؤجَّلاً بالنِّسبة إلى الفرع، وكذا إذا مات الضَّامن، لكن إذا اسْتَوْفَى الغَريمُ مِنْ تَرِكَته؛ لم يكن لورثته مطالَبةُ المضمون عنه حتَّى يَحِلَّ الحقُّ؛ لأِنَّه مؤجَّلٌ عليه، فلا يَستحِقُّ مطالَبته قبل أجله.

(وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلاً)؛ نَصَّ عليه

(1)

؛ لحديثٍ رواه ابن ماجَهْ عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا

(2)

، ولأنَّه ضَمِن مالاً بعَقْدٍ مؤجَّلٍ، فكان مؤجَّلاً كالبيع، وحينئِذٍ فيصير

(3)

حالًّا على المضمون عنه، له مطالَبته متى شاء، مؤجَّلاً على الضَّامن.

(1)

ينظر: المغني 4/ 406.

(2)

أخرجه أبو داود (3328)، وابن ماجه (2406)، والحاكم (2161)، من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رجلاً لزم غريمًا له بعشرة دنانير، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندي شيء أعطيكه، فقال: لا والله لا أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، فجرَّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«كم تستنظره؟» فقال: شهرًا. الحديث، عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب متكلم فيه، خاصة في روايته عن عكرمة، قال البخاري:(روى عن عكرمة مناكير، ولم يذكر في شيء من ذلك أنه سمع عن عكرمة)، ووثقه أبو زرعة، وقال أبو حاتم:(لا بأس به)، وقال الذهبي:(حديثه حسن)، وصحح حديثه الحاكم والألباني. ينظر: العلل الكبير ص 236، تهذيب التهذيب 8/ 83، الإرواء 5/ 247.

(3)

في (ظ): يصير.

ص: 419

لا يقال: الحالُّ لا يتأجَّل، وكيف يثبت

(1)

في ذمَّتَيْهما

(2)

مختلِفًا؛ لأِنَّ الحقَّ يتأجَّل في ابتداء ثبوته بعَقْدٍ، وهنا كذلك؛ لأنَّه لم يكن ثابتًا عليه حالًّا، ويجوز تَخالُف

(3)

ما في الذِّمَّتَينِ، بدليل لو مات المضمونُ عنه والدَّين مؤجَّلٌ، فإن قضاه قبل الأجل رجع في الحالِّ، وعلى الثَّانية لا يَرجِع به قبل الأجل؛ لأنَّه لم يأْذَن في القضاء قبل ذلك.

(وَإِنْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا)؛ لم يَصِرْ حالًّا، و (لَمْ يَلْزَمْه قَبْلَ أَجَلِهِ فِي أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ

(4)

؛ لأِنَّ الضَّامِنَ فَرْعُ المضمون عنه، فلا يستحِقُّ مطالَبته دون أصله.

والثَّاني: يَلزَمه قبل أجله؛ لأنَّ مُقتضَى صحَّة الضَّمان كذلك.

وقيل: لا يَصِحُّ الضَّمانُ للمخالَفة.

فعلى الأوَّل: إذا قضاه قبل الأجل؛ لم يَرجِع عليه حتَّى يَحِلَّ؛ لأِنَّ الضَّمان لم يغيِّرْه عن تأجيله.

(1)

في (ح): يثبته.

(2)

في (ح): ذمتهما.

(3)

في (ق): تحالف.

(4)

في (ح): الروايتين.

ص: 420

(فَصْلٌ فِي الْكَفَالَةِ)

وهي صحيحةٌ؛ لقوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يُوسُف: 66]، ولأِنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى الاِسْتِيثاق بضمان المال أو

(1)

البَدَن، وضمانُ المال يَمتَنِع منه كثيرٌ من النَّاس، فلو لم تَجُزِ الكفالةُ بالنَّفس؛ لَأدَّى إلى الحرج

(2)

، وعدم المعامَلات المحتاجِ إليها.

(وَهِيَ الْتِزَامُ) الرَّشيد (إِحْضَارَ الْمَكْفُولِ بِهِ)؛ لأِنَّ العَقْد في الكفالة واقِعٌ على بَدَن المكفول به، فكان إحضاره هو الملتزَمَ به؛ كالضَّمان.

ويُعتبَر رضا الكفيلِ، وتعيين المكفول به إذا كان عليه حقٌّ، ولا يُعتبَرُ إذْنُه.

وتَنعقِدُ بألفاظ

(3)

ضَمانٍ.

(وَتَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ)؛ لأِنَّ الدَّينَ حقٌّ مالِيٌّ، فصحت الكفالةُ به كالضَّمان، سواءٌ كان الدَّينُ معلومًا أو مجهولاً.

والحاصِلُ: أنَّه تَصِحُّ الكفالةُ ببدنِ كلِّ مَنْ يَلْزَمه الحُضورُ في مجلس الحُكم، بدَينٍ لازِمٍ، فتصِحُّ الكفالة بالصَّبِيِّ والمجنون؛ لأنَّه قد يَلزَم إحضارُهما مجلس الحكم للشَّهادة عليهما بالإتْلاف، ويُسْتَثْنى منه: دَينُ الكتابة.

وتصِحُّ الكَفالةُ بالكفيل، فإن بَرِئَ الأوَّلُ؛ بَرِئَ الثَّاني، من غير عَكْسٍ.

(1)

زيد في (ح): ضمان.

(2)

في (ح): الخروج.

(3)

في (ح): بألفاظه.

ص: 421

(وَبِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ)؛ لصِحَّة ضَمانها، فيَرُدُّ أعيانَها، أو قيمتها إن تَلِفَتْ.

وظاهِرُه: أنَّه لا تصِحُّ الكفالة

(1)

بالأمانات.

لكِنْ قال أبو الخَطَّاب: وإحْضارُ وَدِيعةٍ وكَفالةٍ بزكاةٍ وأمانةٍ؛ لِنَصِّه فِيمَن قال: ادْفَعْ ثَوبَك إلى هذا الرَّفَّاء، فأنا ضامِنُه؛ لا يَضمَن حتَّى يُثْبِت أنَّه دَفَعَه إليه

(2)

.

(وَلَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ)؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا كَفالةَ في حَدٍّ»

(3)

، ولأِنَّها اسْتِيثاقٌ تلزم

(4)

الكَفيل ما على المكفول به عند تعذُّر إحضاره، والحدُّ مَبْناهُ على الإسقاط والدَّرْءِ بالشُّبْهة، فلا يدخُل فيه الاِسْتِيثاقُ، ولا يُمكِنُ اسْتِيفاؤُه من غير الجانِي.

وظاهِرُه: لا فَرْق بين أن يكون حَقًّا لله

(5)

؛ كحَدِّ الزِّنى والسَّرِقة، أو لآِدَمِيٍّ؛ كحَدِّ القَذْف.

(أَوْ قِصَاصٌ)؛ لأِنَّه بمنزلة مَنْ عليه حَدٌّ، قال في «المحرَّر»: إلاَّ لأِخْذ مالٍ؛ كالدِّية، وغرم ماليَّةِ

(6)

السَّرِقة؛ فيصح

(7)

.

(1)

قوله: (لا تصح الكفالة) في (ح): لا يصح الكل له.

(2)

ينظر: الهداية ص 264. والرفاء: هو الذي يضم الثوب بعضه إلى بعض ويلائم بينه. ينظر: تهذيب اللغة 15/ 175.

(3)

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 41)، والبيهقي في الكبرى (11417)، وفي سنده: عمر بن أبي عمر الكلاعي، الدمشقي، قال ابن عدي:(ليس بالمعروف، حدث عنه بقية، منكر الحديث عن الثقات)، وضعفه ابن عدي والبيهقي وابن حجر. ينظر: بلوغ المرام (879).

(4)

في (ظ): يلزم.

(5)

قوله: (أن يكون حقًا لله) هو في (ق): أن تكون جنايته.

(6)

في (ق): ماله.

(7)

في (ظ): فتصح.

ص: 422

(وَلَا بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ كَأَحَدِ هَذَيْنِ)؛ لأِنَّه غيرُ معلومٍ في الحال ولا في المآل، ولا يُمكِنُ تسليمُه، بخلاف ضمان المجهول، وفيه وجْهٌ.

ولا تصحُّ الكفالة بالزَّوجة أو الشاهد

(1)

.

(وَإِنْ كَفَلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ عُضْوٍ، أَوْ كَفَلَ بِإِنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِهِ وَإِلاَّ فَهُوَ كَفِيلٌ بِآخَرَ، أَوْ ضَامِنٌ مَا عَلَيْهِ؛ صَحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وفيه مسائلُ:

الأولى: إذا كَفَلَ بجُزْءٍ شائِعٍ من إنسانٍ؛ كثُلُثه أو رُبُعه؛ فهي صحيحةٌ على المذهب؛ لأِنَّه لا يُمكِن إحضار ذلك إلاَّ بإحضار الكُلِّ.

الثَّانيةُ: إذا كفل

(2)

عُضْوًا معيَّنًا منه؛ كيَدِه أو رِجْله؛ فهي صحيحةٌ؛ لأنَّه لا يمكنه إحضاره على صفته إلاَّ بإحضار الكُلِّ.

والثَّاني: لا يصِحُّ فيهما؛ لِأَنَّ تسليمَ ذلك وحدَه مُتعذِّرٌ، والسِّرايةُ ممتَنِعةٌ، قال القاضي: لا تصِحُّ الكفالة ببعض البدن بحالٍ؛ لأِنَّ ما لا يسري

(3)

لا يصِحُّ إذا خَصَّ به عضوًا؛ كالبيع والإجارة، ذكره في «المغني» ، و «الشَّرح» .

قال ابن المنجَّى: وما ذكره

(4)

من

(5)

التَّعليل لا يدلُّ على عدم الصِّحَّة في الجزء الشَّائع؛ لأنَّ بَيعَ ذلك وإجارتَه جائزةٌ. وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّهما خَصَّاه بالعضو.

وظاهره: لا فرق في العضو بين الوجه وغيره، سواءٌ كان ممَّا لا يبقى البدن بدونه كالرَّأْس، أو لا كاليد.

(1)

في (ح): أو الشاهدة، وفي (ق): والزاهد.

(2)

قوله: (إذا كفل) هو في (ق): فساد الكل.

(3)

في (ظ) و (ح): لا يشرى.

(4)

في (ق): وما ذكر.

(5)

في (ح): وما ذكر في.

ص: 423

وجزم

(1)

في «الكافي» و «الشرح» : أنَّها تصحُّ بالوجه؛ لأنَّه يُكَنَّى به عن الكُلِّ، فصحَّ كبدنه.

وجزم في «الوجيز» : بأنَّها تصِحُّ فيما

(2)

تبقى الحياةُ بدونه، لا العكس.

الثَّالثةُ: إذا كفل بإنسانٍ على أنَّه إن جاء به، وإلاَّ فهو كفيلٌ بآخَرَ، أو ضامِنٌ ما عليه؛ صحَّ، قاله أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّه كفالةٌ أو ضمانٌ، فصحَّ تعليقُه على شرطٍ؛ كضمان العُهْدة.

وقال القاضي: لا يصحُّ؛ لأنَّه تعليقُ عَقْدٍ على آخَرَ، فلم يَصِحَّ.

وهذا الخلافُ جارٍ فيما إذا علَّقه بغير سبب الحقِّ.

والخلاف في المؤقت

(3)

كالمعلَّق بشرطه

(4)

، فلو كَفَله شهرًا؛ لم يصِحَّ عند القاضي؛ لأنَّه حقٌّ لآدَمِيٍّ، فلم يَجُزْ توقيتُه؛ كالهبة.

وفي «التَّنبيه» : إذا مَضَتِ المدَّةُ، ولم يُحضِره: لزمه

(5)

ما عليه.

وعند غيرهما: لا يلزمه شَيءٌ بعد مُضِيِّ المدَّة إذا لم يطالبه بإحضاره فيها.

فرعٌ: إذا قال: كَفَلْتُ بَدَنَ فُلانٍ على أن تُبرِئ

(6)

الكفيل؛ لم يصحَّ في الأصحِّ؛ لأنَّه شَرَطَ شَرْطًا لا

(7)

يلزم الوفاء

(8)

به؛ فيفسد به

(9)

عقد الكفالة.

وفيه وَجْهٌ.

(1)

في (ظ): وجزم به.

(2)

في (ق): مما.

(3)

في (ح): الوقت.

(4)

في (ق): بشرط.

(5)

في (ظ): ولم يحضر ولزمه.

(6)

في (ظ): يبرئ.

(7)

قوله: (لا) سقط من (ح).

(8)

في (ظ): للوفاء.

(9)

في (ح): فيعتد به. وقوله: (به) سقط من (ظ).

ص: 424

وقيل: يصِحُّ الشَّرط؛ لأِنَّه شَرَطَ تحويل الوثيقة، فعليه لا تلزمه الكفالة إلاَّ أن يُبرئ الكفيل منها

(1)

.

(وَلَا تَصِحُّ إِلاَّ بِرِضَا الْكَفِيلِ)؛ لأِنَّه لا يَلزَمه الحقُّ ابتداءً إلاَّ برضاه.

(وَفِي رِضَا الْمَكْفُولِ بِهِ وَجْهَانِ):

أشهرهما: لا يُعتبَر رضاه؛ كالضَّمان.

والثَّاني: بلى، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأنَّ المقصود إحضاره، فإذا كفل بغير إذنه؛ لم يلزمه الحضور معه، بخلاف الضَّمان، فإنَّ الضَّامِنَ يقضي الحقَّ، ولا يحتاج إلى المضمون عنه.

وظاهره: أنَّه لا يُعتبَر رضا المكفول له؛ لأنَّها وثيقةٌ لا قبض فيها، فصحَّت

(2)

من غير رضاه؛ كالشَّهادة.

(وَمَتَى أُحْضِرَ الْمَكْفُولُ بِهِ) مَكانَ العقد بعد حُلول الدَّين، (وَسَلَّمَهُ؛ بَرِئَ) مطلَقًا إذا لم تكن يدٌ حائلةٌ ظالمةٌ، قاله في «المغني» ، و «المستوعب» ، و «الشَّرح» .

وعنه: لا يَبرأ حتَّى يقول: قد برئت لك منه، أو قد سلَّمته إليك، وقاله ابن أبي موسى.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّه عَقْدٌ على عملٍ، فبرئ منه بالعمل المعقود عليه؛ كالإجارة.

فإن

(3)

امتنع من تسليمه

(4)

حيث لا ضرر؛ برئ؛ كالمسلَم فيه.

وقيل: إن امتنع؛ أشهد على امتناعه رجلين وبرئ.

(1)

في (ظ): منهما.

(2)

في (ح) و (ق): فضمن.

(3)

في (ح): وإن.

(4)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 4/ 417 والشرح الكبير 13/ 72: تسلُّمه.

ص: 425

وقال القاضي: يرفعه إلى الحاكم فيسلِّمه

(1)

إليه، فإن لم يجده أشهد.

(إِلاَّ أَنْ يُحْضِرَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَفِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ)، مثل أن تكون حجَّةُ الغريم غائبةً، أو لم تكن

(2)

يوم مجلس الحكم، أو الدَّين مؤجَّلٌ، أو هناك ظالِمٌ يمنعه منه، فلا يلزم قبوله؛ كالمسلَم فيه.

وعُلِمَ منه: أنَّ الكفالةَ تَصِحُّ مؤجَّلةً، لكِنْ يُعتَبَرُ أن يكون معلومًا، فلو جعله إلى أجلٍ مجهولٍ؛ لم يَصِحَّ، وإن جعله إلى الحَصَاد ونحوه؛ خُرِّج على الخلاف.

قال في «الشَّرح» : والأَوْلى صحَّتُه هنا؛ لأِنَّه تبرُّعٌ من غير عِوَضٍ، فصحَّ كالنَّذر.

ثمَّ إن عَيَّنَ مكانًا لتسليمه؛ تعيَّن، ولم يبرأ بإحضاره في غيره، وإن أطلق تعيَّن مكان العقد.

وقال القاضي: يبرأ بإحضاره بمكانٍ آخَرَ من البلد.

وعنه: وغيره، وفيه سلطانٌ، اختاره جماعةٌ.

وقيل: إن كان عليه ضرَرٌ في إحضاره بمكانٍ آخَرَ؛ لم يَبْرَأْ.

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إن كان المكفولُ به في حبس

(3)

الشَّرع فسلَّمه إليه فيه بَرِئَ، ولا يلزمه إحضاره منه إليه عند أحد من الأئمَّة، ويُمَكِّنُه الحاكِمُ من إخراجه ليُحاكِم غريمَه، ثمَّ يردُّه

(4)

.

وإن ضمن معرفتَه؛ أخذ به، نقله أبو طالِب

(5)

والشَّيخان؛ كالكفيل.

(1)

في (ح): ويسلمه.

(2)

في (ظ): لم يكن.

(3)

في (ق): من جنس.

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 554.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 410.

ص: 426

(وَإِنْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِهِ، أَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ بِفِعْلِ اللهِ تَعَالَى)، قبل المطالَبة، (أَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ)، وفيه مسائلُ:

الأولى: إذا مات المكفولُ به؛ فإنَّه يبرأ الكفيل، وتَسقط الكفالة في المنصوص

(1)

؛ لأِنَّ الحُضورَ سقط عنه؛ فبَرِئَ كَفِيلُه، كما لو أُبْرِئَ من الدَّين.

وقيل: لا تسقط

(2)

، ويطالب بما عليه إن لم يشرط فيها عدم ضمانه؛ لأِنَّ الكفيل وثيقةٌ، فإذا مات مَنْ عليه الحقُّ؛ اسْتُوفِيَ من الوثيقة؛ كالرهن

(3)

.

والفَرْقُ واضِحٌ؛ لأِنَّ الرَّهْن تعلَّق به المال

(4)

فاسْتُوفِيَ منه.

وظاهِرُه: بقاؤها بموت الكفيل، فيؤخذ مِنْ تركته ما كَفَل به، فإن

(5)

كان دَينًا مؤجَّلاً فوثَّق ورثتُه، وإلاَّ حلَّ في الأَقْيَس، أو المكفول له.

الثَّانيةُ: إذا تَلِفت العَينُ بفعل الله تعالى فإنَّه يَبْرَأُ الكفيل؛ لأنَّ تَلَفَها بمنزلة موت المكفول به.

وظاهره: أنَّها إذا تَلِفَتْ بفعلِ آدَمِيٍّ؛ فإنَّها لا تسقط، ويجب على المتْلِف بدلها.

الثَّالثةُ: إذا سلَّم المكفولُ به نفسَه بشرطه؛ بَرِئَ كفيلُه، كما لو قضى المدْيونُ عنه الدَّين.

تنبيهٌ: إذا

(6)

كَفل إنسانًا، أو ضَمِنه، ثمَّ قال: لم يكن عليه حقٌّ؛ قُدِّم قولُ خصمه؛ لأِنَّ الأصلَ صحَّةُ الكفالة، أو بقاءُ الدَّين، وعليه اليمينُ، فإن نكل؛ قُضي عليه.

(1)

ينظر: مسائل صالح 3/ 197، مسائل ابن هانئ 2/ 60.

(2)

في (ظ): (يسقط)، وفي (ح): سقط.

(3)

في (ح): بالرهن.

(4)

في (ح): بالمال.

(5)

في (ظ): وإن.

(6)

في (ح): فإذ.

ص: 427

وإذا قال: برئتَ من الدَّين الذي كَفَلْتَه به؛ لم يكن إقرارًا بقبض الحقِّ، ويَبْرَأُ الكفيلُ وحدَه.

وإذا مات المدْيونُ فأبرأه

(1)

ربُّ الدَّين، فلم تَقْبَلْ ورثتُه؛ بَرِئَ مع كفيله.

(وَإِنْ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ؛ لَزِمَ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ، أَوْ عِوَضُ الْعَيْنِ)؛ لعموم قوله عليه السلام: «الزَّعِيمُ غارِمٌ»

(2)

، ولِأَنَّها أحدُ نَوْعَيِ الكفالةِ، فوجب الغرم

(3)

بها؛ كالكفالة بالمال.

وقال ابْنُ أبي موسى: وكفيل الوجْه ضامِنٌ للمال في أحد الوجهَينِ، إلاَّ أن يَشْرِط لا مال عليه، فلا يلزمه قولاً [

]

(4)

.

والثَّاني: فسادُها؛ لإضافتها إلى عُضْوٍ، قاله المجْدُ.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: قِياسُ المذهب: لا يَلزَمه إن امْتَنَع بسلطانٍ.

وأُلْحِق به: مُعسِرٌ ومَحبوسٌ ونحوُهما؛ لاِسْتِواء المعنى.

(وَإِنْ غَابَ) في مَوضِعٍ معلومٍ؛ (أَمْهَلَ الْكَفِيلَ)، ولم يُطالِبْه (بِقَدْرِ مَا يَمْضِي، فَيُحْضِرُهُ) له؛ ليَتحقَّق إمْكانُ التَّسليم، وسواءٌ كانت المسافةُ قريبةً أو بعيدةً، فلو ارتدَّ ولَحِق بدار الحرب؛ لم يُؤخَذِ الكفيلُ بالحقِّ حتَّى يَمضيَ زَمَنٌ يُمْكِنُه ردُّه.

(فَإِنْ تَعَذَّرَ إِحْضَارُهُ)، أو كانت الغَيبةُ مُنقطعةً، ولم يُعلَم مكانُه؛ (ضَمِنَ مَا عَلَيْهِ)، وأُخِذ به.

وذَكَر ابنُ حَمدانَ: (أنَّه إذا انقطع خبرُه وجُهِل مَحَلُّه؛ لَزِمَه ما عليه) انتهى.

(1)

في (ح): وأبرأه.

(2)

سبق تخريجه 5/ 401 حاشية (6).

(3)

في (ح): الغريم.

(4)

بياضٌ في نسخة (ح)، وسقطٌ في باقي النسخ، والذي في الإرشاد لابن أبي موسى ص 331: قولاً واحدًا.

ص: 428

فلو أدَّى ما لَزِمه، ثمَّ قَدَر على المكفول به؛ فظاهر كلامهم: أنَّه في رجوعه

(1)

عليه كضامِنٍ، وأنَّه لا يسلِّمه إلى المكفول له، ثمَّ يسترِدُّ ما أدَّاه، بخلاف مغصوبٍ تعذَّر إحْضارُه مع بقائه؛ لاِمْتِناع بَيعه.

(وَإِذَا طَالَبَ

(2)

الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ بِهِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ) لِيُسلِّمه إلى المكفول له؛ (لَزِمَهُ ذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِإِذْنِهِ)؛ لأِنَّه شَغَلَ ذمَّته من أجله بإذْنه، فلَزِمه تخليصُها، كما لو استعار عبدَه فرهنه بإذْنه، فإنَّ عليه تخليصَه إذا طلبه سيِّدُه.

(أَوْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِإِحْضَارِهِ)؛ أي: لزمه

(3)

الحضورُ، وظاهِرُه: وإن كانت بغير إذنه؛ لأِنَّ حضورَه حقٌّ للمكفول له، وقد استناب الكفيلَ في ذلك، أشبه ما لو صرَّح له بالوكالة.

(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي: لا يَلزمُه ذلك إن كُفل بغير إذْنه، أو لم يُطالب به صاحبُ الحقِّ؛ لأِنَّ المكفول به لم يَشغل ذمَّته، وإنما شَغلها الكفيلُ باختياره، ولم يوكِّلْه صاحبُ الحقِّ.

فرعٌ: لو قال لآِخَرَ: اضْمَنْ عن فُلانٍ، أو اكْفُل بفُلانٍ، ففعل؛ كان ذلك لازِمًا للمباشِر لا الآمِر

(4)

، فلو قال: أعْطِ فلانًا كذا

(5)

، ففعل؛ لم يرجع على الآمِر بشَيءٍ، إلاَّ أن يقول: أعْطِه عنِّي.

(وَإِذَا كَفَلَ اثْنَانِ بِرَجُلٍ، فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَبْرَأِ الآْخَرُ)؛ لأِنَّ إحدى

(6)

الوثيقَتَينِ انْحَلَّتْ من غير اسْتِيفاءٍ، فلم تَنْحَلَّ الأخرى، كما لو أبرأ أحدهما،

(1)

قوله: (في رجوعه) في (ق): ورجوعه.

(2)

في (ظ): طلب.

(3)

في (ح): يلزمه.

(4)

في (ق): للآمر.

(5)

في (ح): الذي.

(6)

في (ح): أحد.

ص: 429

أو انفكَّ أحدُ الرَّهنَينِ من غير قضاءٍ، بخلاف المكفول به إذا سلَّم نفسَه؛ لأِنَّه أصْلٌ فيبرآن ببراءته؛ لأِنَّهما فَرْعاهُ.

وقيل: يَبرأ، اختاره صاحبُ «النِّهاية» ، كما لو قضى الدَّينَ أحدُ الضَّامِنَينِ، فإنَّه يبرأ الآخَر.

وأجاب في «الفصول» : بأنَّ الوثيقة برئت بقَبْضِ ما فيها، فلهذا بَرِئَت الأخرى، بخلاف هذا.

وقيل: إن كفلاه معًا، أو وكَّل كلٌّ

(1)

منهما الآخَرَ في تسليمه؛ بَرِئَ، وإلاَّ فلا.

(وَإِنْ كَفَلَ وَاحِدٌ لاِثْنَيْنِ، فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الآْخَرِ)؛ لأِنَّ عقْدَ الواحد مع الاِثنين بمنزلة العَقْدَين، فقد التزم إحضارَه عند

(2)

كلِّ واحدٍ منهما، فإذا أبرأه أحدُهما؛ بَقِيَ حقُّ الآخَر، كما لو كان في عَقْدَينِ، وكما لو ضَمِن دَيْنًا لاِثْنَينِ فوفَّى أحدُهما حقَّه.

خاتمةٌ: إذا أحال ربُّ الحقِّ، أو أُحِيل به، أو زال العَقْدُ؛ بَرِئ الكفيلُ، وبطل الرَّهن، ويَثْبُت

(3)

لوارثه.

وفي «الرِّعاية» في الصُّورة الأولة

(4)

: احْتِمال وجْهَينِ في بقاء الضَّمان، ونقل مهنَّى فيها: يبرأ

(5)

، وأنَّه إن عجز مكاتَبٌ؛ رَقَّ وسَقط الضَّمان.

وذكر القاضي: لو أقاله في سَلَمٍ به رهْنٌ حَبَسه برأس ماله.

ولو ضمنه اثنان؛ فقال كلُّ واحدٍ: أنا ضامِنٌ لك

(6)

الدَّين؛ فهو ضمان

(1)

قوله: (كل) سقط من (ح).

(2)

في (ظ) و (ق): عقد.

(3)

في (ق): وثبت.

(4)

في (ح): الأولى.

(5)

ينظر: الفروع 6/ 411.

(6)

في (ح): ذلك.

ص: 430

اشْتِراكٍ في انفرادٍ، فله مطالَبةُ كلِّ منهما بالدَّين كلِّه.

وإن قالا: ضَمِنَّا لك الدَّين؛ فهو بينهما بالحِصص.

وفي «القواعد» : أنَّه إذا ضَمِن اثْنان دَينَ رجلٍ؛ فيه وجهان:

أحدهما: أنَّ كلَّ واحدٍ ضامِنٌ لجميع الدَّين، نَصَّ عليه في رواية مهنَّى

(1)

.

والثَّاني: أنَّه بالحصَّة إلاَّ أن يصرِّحوا بما يقتضي خلافَه، مثل أن يقولوا: ضمِنَّا لك، وكلُّ واحدٍ منَّا ضامِنٌ الدَّين، وهذا قول القاضي وصاحب «المغني» ، وبناه القاضي على أنَّ الصَّفقة تتعدَّد بتعدُّد الضَّامِنَينِ فيصير الضَّمان موزَّعًا عليهما، والله أعلم

(2)

.

(1)

ينظر: المغني 4/ 422، قواعد ابن رجب 2/ 495.

(2)

قوله: (وفي «القواعد» : أنه إذا ضمن

) إلى هنا سقط من (ح).

ص: 431

(بَابُ الْحَوَالَةِ)

(1)

وهي ثابِتةٌ بالإجماع

(2)

، ولا عِبرةَ بمخالفة الأصمِّ، وسَنَدُه: السُّنَّةُ الصَّحيحةُ، فمنها: ما خرَّجه الشَّيخانِ عن أبي هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وإذا أُتْبِع أحدُكم على مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» ، وفي لفظٍ:«مَنْ أُحِيل بحقِّه على مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ»

(3)

.

وهي بفَتْح الحاء وكسرها، واشْتِقاقُها من تحويل الحقِّ من ذمَّةٍ إلى ذمَّةٍ أخرى.

وقيل: إنَّها بَيعُ دَينٍ بِدَينٍ، فإنَّ المُحِيلَ يشتري ما في ذمَّته بماله في ذمَّة الآخَر، وجاز تأخير القبض رخصةً، فيدخلها خيار المجلس.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : أنَّ الصَّحيح أنَّها عَقْدُ إرْفاقٍ منفردٍ

(4)

بنفسه، ليس بمحمولٍ على غيره؛ لأنَّها لو كانت بَيعًا لكانت بَيعَ دَينٍ بِدَينٍ، ولَمَا جاز التَّفرُّق قبل القبض؛ لأنَّها بَيعُ مالِ الرِّبا بجنسه، ولأنَّ لَفْظَها

(5)

يُشْعِر بالتَّحوُّل، فعليه: لا يدخلها خيارٌ، وتلزم

(6)

بمجرَّد العقد، وهذا أشْبَهُ بكلام أحمدَ وأصوله.

ولا بُدَّ فيها من مُحِيلٍ، ومُحْتالٍ، ومُحَالٍ عليه.

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله.

(2)

ينظر: مراتب الإجماع ص 62، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 171.

(3)

أخرجه البخاري (2287)، ومسلم (1564)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والرواية التي ذكرها المصنف أخرجها أحمد (9973)، والبيهقي في الكبرى (11389)، وهي رواية صحيحة.

(4)

في (ح): ينفرد.

(5)

في (ق): لفظه ما.

(6)

في (ظ): ويلزم.

ص: 432

وتصِحُّ بلفظها، أو معناها

(1)

الخاصِّ.

(وَالْحَوَالَةُ تَنْقُلُ الْحَقَّ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ)؛ لِمَا بَيَّنَّا أنَّها مُشْتَقَّةٌ من التَّحويل، وحيث صحَّت الحَوالةُ؛ بَرِئَتْ ذمَّةُ المحيل، وانتقل الحقُّ إلى ذمَّة المُحال عليه.

(فَلَا يَمْلِكُ الْمُحْتَالُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ)؛ أيْ: على المُحِيل، (بِحَالٍ)؛ لأِنَّ الحقَّ انتقل، فلا يعود بعد انتقاله، هذا إذا اجتمعت شروطُها ورَضِيَ بها المحْتالُ، ولم يَشْتَرِط اليسار، سواءٌ أمكن اسْتِيفاءُ الحقِّ، أو تعذَّر لمَطْلٍ أو فَلَسٍ أوْ مَوتٍ، أو جَحد الحقّ ولا بيِّنةَ به، وحلف عليه في قول الجماهير.

وعنه: إذا كان المحالُ عليه مُفْلِسًا، ولم يَعلَم المحْتالُ به؛ فله الرُّجوع، واختاره جَمْعٌ؛ إذ الفَلَسُ عَيبٌ في المحال عليه، فكان له الرُّجوع؛ كالمبيع المعيب.

والأوَّل المذهبُ؛ لِمَا روى سعيدُ بن المسيّب: أنَّ جدَّه حَزْنًا كان له على عليٍّ دَينًا، فأحاله

(2)

به، فمات المحَالُ عليه، فأخبره، فقال:«أخَّرْت أبعدك الله»

(3)

، فأبْعَده بمجرَّد احْتِياله، ولم يُخبِرْه أنَّ له الرُّجوعَ؛ لأِنَّها براءةٌ من دَينٍ ليس فيها قَبْضٌ ممَّن هو عليه، ولا ممَّن يدفع عنه، أشبه ما لو أبرأه من الدَّين، والحَوالةُ بمنزلة القبض.

(وَلَا تَصِحُّ إِلاَّ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ

(4)

:

(1)

في (ح): ومعناها.

(2)

في (ح): فأحال.

(3)

ذكر القصة ابن الجوزي في التحقيق 2/ 204، والموفق في المغني 4/ 393، وقال ابن عبد الهادي في تحقيق التنقيح 4/ 138:(هذه القصة ذكرها غير واحد من أصحابنا بغير إسناد، ولم أجد لها إلى الآن سندًا)، وذكر هذه القصة الماوردي الشافعي في الحاوي 6/ 421، والمازري المالكي في شرح التلقين 3/ 1/ 19 بدون إسناد، ولم نقف عليها.

(4)

في (ظ): بشروط ثلاثة.

ص: 433

(أَحَدُهَا: أَنْ يُحِيلَ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ)، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأِنَّ ما ليس بمستقِرٍّ بعَرَضِيَّة

(2)

السُّقوط؛ إذ مقتضاها إلزام

(3)

المحال عليه بالدَّين مطلَقًا، ولا يَثْبُت فيما هذا صفته.

(فَإِنْ أَحَالَ عَلَى مَالِ الْكِتَابَةِ، أَوِ السَّلَمِ، أَوِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لَمْ يَصِحَّ)، وهنا صور:

الأولى: إذا أحال على مال الكتابة؛ غيرُ صحيحٍ؛ لأِنَّه ليس بمستقِرٍّ، فإنَّ له أن يَمْتَنِع من أدائه، ويسقط بعجزه، وظاهِرُه: ولو حلَّ في المنصوص

(4)

.

وتصِحُّ الحَوالة عليه بدَين آخَرَ؛ إذْ حُكْمُهُ حُكْمُ الأحرار في المدايَنات.

الثَّانيةُ: إذا أحال على مال السَّلَم؛ لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه يتعرَّض

(5)

للفسخ بانقطاع المسلَم فيه

(6)

؛ لأِنَّها لا تَصِحُّ إلاَّ فيما يجوز أخْذُ العِوَض عنه، وهو مُمْتَنِعٌ في السَّلَم؛ لقوله:«مَنْ أسْلَمَ في شَيْءٍ، فلا يصرفه إلى غيره»

(7)

.

لكِنْ في صحَّتها في رأسِ ماله بعد فسخه؛ وجْهانِ.

الثَّالثةُ: إذا أحالت بصَداقها قبل الدُّخول؛ لم يصح

(8)

؛ لأِنَّه غَيرُ مستقِرٍّ، بدليل سقوطه

(9)

بردَّتها، أو نِصفِه بطلاقها.

ومِثْلُه: إذا أحال البائع بالثَّمن على المشتري في مدَّة الخيار.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 412.

(2)

في (ح): بعرضيته.

(3)

في (ح): التزام.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 413.

(5)

في (ق): متعرض.

(6)

كتب على هامش (ظ): (ولا به).

(7)

سبق تخريجه 5/ 305 حاشية (2).

(8)

في (ح): لم تصح.

(9)

في (ح): سقوط، وفي (ق): سقوطها.

ص: 434

وظاهِرُه: أنَّها إذا أحالت به بعد الدُّخول؛ أنَّه يصِحُّ؛ لأِنَّه مستقِرٌّ.

(فَإِنْ

(1)

أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ) بنجْمٍ قد حلَّ، (أَوِ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ له تسليمَه إليها، وحوالتُه به يَقوم مقام تسليمه.

وكذا إذا أحال المشتري بالثَّمن للبائع في مدَّة الخِيار.

وظاهِرُه: أنَّه لا يُشْترَط استقرارُ المحال به، وهو المذهب.

وقال أبو الخَطَّاب، وجزم به الحُلْوانِيُّ: يُشترَط استقراره كالمحال عليه، فعليه: لا يصِحُّ في ذلك؛ لعدم استقراره.

(الثَّانِي

(2)

: اتِّفَاقُ الدَّيْنَيْنِ)؛ أيْ: تَماثُل الحَقَّينِ (فِي الْجِنْسِ)؛ كذهبٍ بذهبٍ، أو دراهمَ بدراهمَ، فإنْ أحال من عليه ذهبٌ بفضَّةٍ، أو عكسُه؛ لم يَصِحَّ، (وَالصِّفَةِ)؛ كصِحاحٍ بِصِحاحٍ، أو مصريَّة بمثلها، فلو اختلفا؛ لم يصحَّ، (وَالْحُلُولِ)؛ أيْ: بأن يكونا حالَّينِ، (وَالتَّأْجِيلِ)؛ أيْ: بأن يكونا مؤجَّلَينِ، ويُعتبَر اتِّفاق الأجل، فلو كان أحدُهما يَحلُّ بعد شهرٍ، والآخَرُ بعد شهرَينِ؛ لم يصحَّ؛ لأنَّها إرْفاقٌ كالقرض، فلو جُوِّزت مع الاختلاف؛ لصار المطلوبُ منها الفضلَ، فتخرج

(3)

عن موضوعها.

واكتفى بما ذكره عن ذكر التَّساوي في القدر؛ لأِنَّ الأجَلَ إذا مُنِع لكونه يُقابِله قِسْطٌ تقديرًا؛ فالزِّيادة المحقَّقةُ أَوْلى.

فَرعٌ: إذا صحَّت الحَوالةُ، فتراضَيا بأنْ يدفَع خَيرًا من حقِّه، أو بدونه في الصِّفة، أو تعجيله، أو تأجيله، أو عِوَضه؛ جاز، ذكره في «المغني» و «الشَّرح» .

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ح): والثاني.

(3)

في (ظ): فيخرج.

ص: 435

وذكر في «التَّرغيب» الأولة، فظاهره

(1)

مَنْعُ عِوَضِه.

ونقل سندي فيمن أحاله عليه بدينارٍ، فأعطاه عشرين درهمًا: لا ينبغي إلاَّ ما أعطاه

(2)

.

(الثَّالِثُ

(3)

: أَنْ يُحِيلَ بِرِضَاهُ)، بغَير خلافٍ

(4)

؛ لأِنَّ الحقَّ عليه، فلا يَلزَمُه أداؤه من جهة الدَّين على المحال عليه بشرط المقاصَّة

(5)

وعلم المال؛ لأنَّها إن كانت بَيعًا؛ فلا تصِحُّ في مجهولٍ، وإن كانت تَحوُّلَ الحقِّ؛ فيُعتبَر

(6)

فيها التَّسليمُ، والجهالةُ تَمنَع منه.

فتصِحُّ في كلِّ ما يَثبُت مثلُه في الذِّمَّة بالإتلاف من الأثمان، والحبوب، والأدهان، فلا تصح

(7)

بما لا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه؛ كالجَوهَر.

وفيما يصِحُّ السَّلَمُ فيه غير المِثْلِيِّ؛ كالمذروع والمعدود

(8)

؛ وجهان.

وفي الحوالة بإبِل الدِّية على من عليه مثلها؛ وجهان.

فإن أحال بإبل الدِّية على إبل القَرْض؛ صحَّ إن قيل: يَرُدُّ فيه المثل، وإن قلنا: يردُّ

(9)

القيمة؛ فلا؛ لاخْتِلاف الجنس.

وإن كان بالعكس؛ لم يصحَّ

(10)

مطلَقًا.

(وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ للمُحيل أن يَسْتَوْفِيَ الحقَّ بنفسه

(1)

في (ح) و (ق): فظاهر.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 416.

(3)

في (ح): والثالث.

(4)

ينظر: مراتب الإجماع ص 62، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 171.

(5)

في (ظ): المقاصصة.

(6)

في (ح): فنعتبر.

(7)

في (ح): فلا يصح.

(8)

في (ح): أو المعدود.

(9)

في (ظ): برد.

(10)

في (ظ): لم تصح.

ص: 436

وبوكيله، وقد أقام المحتالَ مقامَ نفسه في القبض؛ فلزم المحال عليه الدَّفع إليه؛ كالوكيل.

(وَلَا رِضَا الْمُحْتَالِ إِنْ كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيئًا)، بل يجب عليه القَبول؛ نَصَّ عليه

(1)

؛ لظاهر الأمر

(2)

.

وفَسَّر الملِيءَ في رواية إسماعيل العِجْلِيِّ: أن يكون مَلِيئًا بمالِه وقَولِه وبَدَنِه

(3)

.

فمالُه: القُدْرةُ على الوفاء، وقولُه: ألاَّ يكون مُماطِلاً، وبَدَنُه: إمْكانُ حُضوره مجلس

(4)

الحكم، قاله الزَّرْكَشِيُّ.

وفي «شرح المحرَّر» : مالُه: القدرةُ على الوفاء، وقوله: إقرارُه بالدَّين، وبَدَنُه: الحياةُ.

فإن امْتَنَع من القَبول؛ أُجْبِر عليه في الأصحِّ.

وفي براءة

(5)

ذمَّة المحيل قبل أن يُجْبِرَه الحاكِمُ؛ روايتان:

إحداهما: نَعَمْ، نَقَلَها الجماعةُ

(6)

، وهي المذهب، فلو هَلَكَ

(7)

المحالُ عليه مُعْسِرًا، أو مات، أو جحد؛ فلا شَيْءَ له.

والثَّانيةُ: لا يَبْرَأُ إلاَّ أن يُجبِره الحاكِمُ، لكِنْ تنقطع المطالبة بمجرَّد الحوالة، ويصير بمثابة من بذل ما عليه من دَينٍ، فامتنع ربُّه من قبضه؛ أجبره

(1)

ينظر: الفروع 6/ 415.

(2)

أي لقوله: «وإذا أُتْبِع أحدكم على ملِيء فَليتبع» ، أخرجه البخاري (2287)، ومسلم (1564).

(3)

ينظر: شرح الزركشي 4/ 113.

(4)

في (ح): بمجلس.

(5)

في (ح): إبرائه.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 415.

(7)

في (ق): ملك.

ص: 437

الحاكم على القبض، ولا تبرأ ذِمَّةُ الغريم قبل ذلك.

(وَإِنْ ظَنَّهُ مَلِيئًا، فَبَانَ مُفْلِسًا، وَلَمْ يَكُنْ رَضِيَ بِالْحَوَالَةِ؛ رَجَعَ عَلَيْهِ)، ذَكَرَه في «الوجيز» وغيره؛ لأِنَّ الفلس

(1)

عَيْبٌ، ولم يَرْضَ به، فاسْتَحَقَّ الرُّجوعَ؛ كالمبِيع المعِيب.

(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: إذا رضِيَ بالحَوالة، فلا رجوعَ له، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأِنَّه مع الرِّضا يَزولُ شَغْلُ الذِّمَّة، فلا يعود بعد زواله.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَرْجِعَ)، هذا رواية كشرطها، وفي «المغني» احتمالان، وفي «الكافي» روايتان.

وظاهره: أنَّه إذا رضي المحتال بها مع علمه بفَلَسِ المحال عليه؛ أنَّه لا رجوع له بغير خلافٍ

(3)

؛ لرضاه بدون حقِّه؛ كالمعيب.

(وَإِذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ، أَوْ أَحَالَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِهِ، فَبَانَ الْبَيْعُ

(4)

بَاطِلاً)، كما لو اشترى عَبْدًا فظهر حُرًّا، أو مُسْتَحَقًّا؛ (فَالْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ)؛ لأِنَّه ببطلان البَيْع تَبَيَّنَّا أنْ لا ثَمَنَ على المشتري، والحَوالةُ فَرْعٌ على الثَّمن، فإذًا يَبطُل الفرع لِبُطْلانِ أصله، فيرجع المشتري على من كان له

(5)

عليه الدَّين في مسألة حوالته، وعلى المحال عليه في مسألة الحوالة عليه، لا على البائع؛ لأنَّ الحوالة لمَّا بطلت؛ وجب بقاءُ الحقِّ على ما كان.

ويُعْتَبَرُ ثبوتُ ذلك ببيِّنةٍ أو اتِّفاقهم، فلو اتَّفقا على حريَّة العبد، وكذَّبهما المحتالُ؛ لم يُقبَلْ قولُهما عليه؛ لأِنَّهما يُبْطِلان حقَّه، كما لو باع المشتري ثمَّ

(1)

في (ح): المفلس.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2815، الفروع 6/ 415.

(3)

ينظر: المغني 4/ 394.

(4)

في (ق): المبيع.

(5)

قوله: (له) سقط من (ظ).

ص: 438

اعْتَرف هو وبائعه أنَّه كان حُرًّا.

وإن أقاما بيِّنةً؛ لم تُسمَع؛ لأِنَّهما كذَّباها بدخولهما في التَّبايِع، لكن إن أقامها العبد؛ قُبِلت وبَطَلتِ الحوالة.

وإن صدَّقهما المحتالُ، وادَّعى أنَّها بغَير ثمن العبد؛ قُبِل قوله مع يمينه.

وإن اتَّفق المحيل والمحتال على حُرِّيَّته، وكذَّبهما المحال عليه؛ لم يُقبَل قولُهما عليه؛ لأِنَّه إقرارٌ على غيرهما، وتَبطل الحوالة.

ولو اعترف المحتالُ والمحالُ عليه بذلك؛ عَتَقَ؛ لإقرار مَنْ هو في يده بِحُرِّيَّته، وبطلت الحوالة بالنِّسبة إليهما، ولم يكن للمحتال الرُّجوع على المحيل؛ لأنَّ دخولَه معه في الحوالة اعترافٌ ببراءته.

(وَإِنْ فُسِخَ العَقْدُ

(1)

بِعَيْبٍ، أَوْ إِقَالَةٍ)، أو خيار، أو انفسخ النِّكاح ونحوُه بعد الحَوالة؛ (لَمْ تَبْطُلِ الْحَوَالَةُ)؛ لأِنَّ عَقْدَ البيع لم يَرْتَفِعْ هنا، فلم يَسقط الثمن

(2)

، فلم تَبْطُل الحَوالة؛ لاِنْتِفاء المبطِل

(3)

، وكما

(4)

لو أَخذ البائعُ بحقِّه عَرضًا.

وحينئِذٍ: للمشتري الرُّجوعُ على البائع فيهما؛ لأِنَّه لمَّا ردَّ العِوَضَ اسْتَحَقَّ الرُّجوعَ بالعِوَض، والرُّجوع في عَينه متعذِّرٌ؛ لِلُزوم الحوالة، فوجب في بدله، وإذا لزم البدلُ وَجب على البائع؛ لأنَّه هو الذي انتفع بمبدله.

(وِلِلْبَائِعِ أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى مَنْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الأُولَى، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحِيلَ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ فِي الثَّانِيَةِ)؛ لأِنَّ دَين البائع ثابِتٌ على مَنْ أحاله المشتري عليه، ودَين المشتري ثابِتٌ على البائع

(1)

في (ظ): البيع.

(2)

في (ح): المثمن.

(3)

زيد في (ق): به.

(4)

في (ق): كما.

ص: 439

ثُبوتًا مستقِرًّا، فصحَّت الحوالة عليه؛ كسائر الحُقوق المستقِرَّة.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَبْطُلَ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا)؛ حكاه في «المحرَّر» و «الفروع» قولاً، وقدَّمه في «الكافي» ؛ لأنَّ الحَوالةَ بالثَّمن، وقد سقط

(1)

بالفسخ، فوجب بطلانُ الحوالة؛ لذهاب حقِّه من المال، كما لو ظهر المبيعُ مستحَقًّا.

فعلى هذا: في بطلان إذْن المشتري للبائع وجهان.

وأبطل القاضي الحوالة به لا عليه؛ لتعلُّق الحقِّ بثالثٍ.

وظاهِرُه: أنَّها لا تبطل إذا كان المحتال قبضها وجهًا واحدًا؛ لأِنَّه قَبَضَ منه بإذْنه.

(وَإِذَا) أمر رجلاً بِقَبْضِ دَينٍ له من غريمه، ثمَّ اختَلَفا، (فَقَالَ: أَحَلْتُكَ، قَالَ: بَلْ وَكَّلْتَنِي) في قَبضه ودَيني باقٍ في ذِمَّتك، (أَوْ قَالَ: وَكَّلْتُكَ)، بلفظ الوكالة، (قَالَ: بَلْ أَحَلْتَنِي)، بلفظ الحَوالة؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْوَكَالَةِ) مع يمينه؛ لأنَّه يَدَّعِي بقاءَ الحقِّ على ما كان، ويُنكِر انتقالَه.

فأمَّا إن كان لأحدهما بيِّنةٌ؛ حُكم بها؛ لأِنَّ اخْتِلافَهما في اللَّفظ، وهو ما يمكن إقامةُ البيِّنة عليه.

(وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ قَالَ: أَحَلْتُكَ)، أو أحَلْتُك بدَينِي، (وَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْوَكَالَةُ، وَأَنْكَرَ الآْخَرُ، فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ)، كذا في «الكافي» و «الفروع»:

أحدهما، وهو المذهب: يُقبَل قَولُ مدَّعِي الوكالة؛ لأِنَّ الأصلَ بقاءُ الحقِّ على المحال عليه، والمحتال يَدَّعِي نَقْلَه، والمحيل يُنكِره، والقول قَولُ المنكِرِ.

والثَّاني: يُقبَل قولُ مُدَّعي الحوالة؛ لأِنَّ الظَّاهر معه؛ لموافقة دعواه

(1)

في (ح): تسقط.

ص: 440

الحقيقةَ، ودعوى خصمه المجازَ

(1)

، فعليه: يَحلِف المحتال، ويَثْبُت حقُّه في ذمَّة المحال عليه، ويَسْتَحِقُّ مطالَبتَه، ويَسقط حقُّ

(2)

المحيل.

وعلى الأوَّل: يَحلِف المحيلُ، ويَبْقَى حقُّه في ذمَّة المحال عليه.

وعليهما: إن كان المحتالُ قَبَض الحوالة من المحال عليه، وتَلِف في يده؛ فقد بَرِئَ كلُّ واحِدٍ منهما من صاحبه، ولا ضمان عليه، سواءٌ تَلِف بتفريطٍ أو غيره، وإن لم يَتْلَف فوجهان.

(وَإِنْ قَالَ: أَحَلْتُكَ بِدَيْنِكَ)، باتِّفاقهما على ذلك، ثمَّ اخْتَلَفا؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْحَوَالَةِ وَجْهًا وَاحِدًا)، وكذا في «المحرَّر» ؛ لأِنَّ الحوالةَ بِدَينه

(3)

لا تَحتَمِل الوكالةَ، فلم يُقبَل قَولُ مُدَّعيها.

تَنْبيهاتٌ:

الأول

(4)

: الحَوالة على ما له من

(5)

الدُّيون إذْنٌ في الاِسْتِيفاء فقطْ، وللمحتال الرُّجوع ومطالَبةُ مُحيلِه، وإحالة مَنْ لا دَين عليه على من دَينُه عليه؛ وكالةٌ، ومن لا دَين عليه في مثله؛ وكالةٌ في اقْتِراضٍ، وكذا مدينٌ

(6)

على بريءٍ، فلا يصارِفه، نَصَّ عليه

(7)

.

وفي «الموجز» و «التبصرة» : إن رضي البريء بالحوالة؛ صار ضامِنًا يلزمه الأداءُ، ذكره في «الفروع» .

الثَّاني: من ثبت له على غريمه مثلُ ما له عليه قَدْرًا وصفةً؛ تَساقطا، فإن

(1)

في (ح): الجار.

(2)

في (ح): عن.

(3)

في (ق): بدونه.

(4)

في (ح): الأولى.

(5)

في (ق): في.

(6)

في (ح): بدين.

(7)

ينظر: الفروع 6/ 422.

ص: 441

اختلفا في القَدْر؛ سقط الأقلُّ، ومثله من الأكثر.

وعنه: برضاهما. وعنه: أو أحدهما. وعنه: لا يتقاصُّ الدَّينانِ، كما لو كان أحدُهما دَين سَلَمٍ، وفي «الفروع»: أو كانا من غير الأثمان.

الثَّالثُ: إذا كان له دَينٌ على آخر

(1)

فطالبه، فقال: أحَلْتُ به فُلانًا الغائبَ، وأنكر ربُّ المال؛ قُبِل قَولُه مع يمينه، ويُعمَل بالبيِّنة. الرَّابِعُ: إذا نَوَى المدْيونُ وفاءَ دَينه، وإلاَّ فهو متبرِّعٌ، وإن وفَّاه حاكم

(2)

قهْرًا؛ كَفَتْ نِيَّته

(3)

إنْ قضاه من مدْيونٍ، وفي لزوم ربِّ الدَّين نية

(4)

قَبْض دَينه؛ وجهان، وإن ردَّ بَدَلَ عَينٍ؛ نَوَى، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ.

(1)

في (ح): الآخر.

(2)

في (ح): الحاكم.

(3)

في (ح): بنيته.

(4)

في (ح): بنية.

ص: 442

(بَابُ الصُّلْحِ)

وهو ثابِتٌ بالإجْماع

(1)

، وسَنَدُه: عُمومُ قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحُجرَات: 9]، {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير} [النِّساء: 128]

(2)

.

والسُّنَّةُ شهيرةٌ بذلك، فمنها: ما رَوَى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الصُّلْحُ جائِزٌ بين المسلمين، إلاَّ صُلْحًا حرَّم حلالاً أوْ أحَلَّ حرامًا» رواه أبو داودَ والتِّرمذيُّ، وقال: حَسَنٌ صحيحٌ، وصحَّحه الحاكِمُ

(3)

.

وهو أنواعٌ: صُلحٌ بَينَ المسلِمِين وأهْلِ الحرب، وبَينَ أهْلِ العَدْل والبغي

(4)

، وبَينَ الزَّوجَينِ إذا خِيفَ الشِّقاقُ بَينَهما، وصُلحٌ بين المتخاصِمِينَ، وهو المقصودُ هنا.

ومعناه لُغةً: قَطْعُ المنازَعة.

وشَرْعًا: مُعاقَدةٌ يُتَوَصَّل بها إلى الإصْلاح بين المتَخاصِمينَ.

(الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ قِسْمَانِ):

(أَحَدُهُمَا: صُلْحٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَهُوَ نَوْعَانِ):

(أَحَدُهُمَا: الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ؛ مِثْلَ: أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَيْنٍ، فَيَضَعُ عَنْهُ بَعْضَهُ، أَوْ بِعَينٍ) كدارٍ، (فَيَهَبُ لَهُ بَعْضَهَا وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ، فَيَصِحُّ)؛ لأِنَّ الإنسانَ

(1)

ينظر: المغني 4/ 375.

(2)

كذا في النسخ، وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر. ينظر: الحجة للقراء السبعة 3/ 183.

(3)

تقدم تخريجه 4/ 489 حاشية (8).

(4)

في (ح): البغي والعدل.

ص: 443

لا يُمنَعُ مِنْ إسْقاطِ بعضِ حقِّه، كما لا يُمنَعُ مِنْ اسْتِيفائه؛ لأِنَّه «عليه السلام كَلَّم غُرَماءَ جابِرٍ لِيَضَعُوا عنه»

(1)

، وقَضِيَّةُ كَعْبٍ مع

(2)

ابنِ أبي حَدْرَدٍ شاهدةٌ بذلك

(3)

.

قال أحمد

(4)

: إذا كان للرجل

(5)

على آخَرَ دَينٌ ليس عنده وفاءٌ، فوضَع عنه بعضَ حقِّه وأخذ منه الباقِيَ كان ذلك جائزًا لهما إذا كان بلفظ الإبْراء.

فإن كان بلفظ الصُّلح؛ فأشْهَرُ الرِّوايَتَينِ: أنَّه لا يَصِحُّ، وهي الأصحُّ؛ لأِنَّه صالَح عن بَعْض ماله ببعضٍ، فهو هَضْمٌ للحقِّ.

والثَّانية، وهي ظاهر «الموجز» و «التَّبصرة» ، ويَحتَمِله كلامُ المؤلِّف: يَصِحُّ.

وبالجملة: فقد مَنَعَ الخِرَقيُّ وابنُ أبي موسى الصُّلحَ على الإقرار، وأباهُ الأكثرون، كما اقْتضاهُ كلامُ المؤلِّف.

فعلى الأوَّل: إن وفَّاه من جنسِ حقِّه؛ فهو وفاءٌ، ومن غير جنسه؛ معاوَضةٌ، وإنْ أبْرَأه من بعضه فهو إبْراءٌ، وإنْ وَهَبه بعضَ العَين فهو هِبةٌ، ولا يُسمَّى صُلْحًا، فالخِلافُ إذِنْ في التَّسمية، قالَه في «المغني» و «الشرح» ، وأمَّا المعنى فمتَّفَقٌ عليه.

وشَرْطُه: (إِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِيَ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه أكْلٌ لمال الغَير بالباطل، وهَضْمٌ للحقِّ، (أَوْ يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ)؛

(1)

أخرجه البخاري (2395).

(2)

قوله: (مع) سقط من (ق).

(3)

أخرجه البخاري (457)، ومسلم (1558)، عن كعب رضي الله عنه، أنه تقاضى ابن أبي حَدرَد دينًا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى:«يا كعب» ، قال: لبّيك يا رسول الله، قال:«ضعْ منْ دينك هذا» ، وأَومأ إليه: أي الشَّطر، قال: لقد فعلتُ يا رسول الله، قال:«قمْ فاقضِه» .

(4)

ينظر: المغني 4/ 363.

(5)

في (ظ): لرجل.

ص: 444

أيْ: بدونِ الصُّلْح، فلا يَصِحُّ قَولاً واحدًا.

(وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ؛ كَالمُكَاتَبِ، وَالْمَأْذُونِ لَهُ، وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ)؛ لأِنَّه تَبَرُّعٌ، وهؤلاء لا يملكونه، (إِلاَّ فِي حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ)، فإنَّه يَصِحُّ، ومِثلُه ناظِرُ الوقْف، وصرَّح به أبو العبَّاس ابنُ تَيمِيَّة في شَرْحه على «المحرر»

(1)

؛ لأِنَّ اسْتِيفاء البعض عند العجز عن اسْتِيفاء الكُلِّ أَوْلَى مِنْ تَرْكِه.

وظاهره: أنَّه معَ الإقرار أو وجود

(2)

البيِّنة لا يَمْلِكونه؛ لِمَا قُلْنا، ويَصِحُّ عمَّا ادَّعى على مَوْلِيِّهِ وبه بيِّنةٌ، وقيل: أو لا.

(وَإِنْ

(3)

صَالَحَ عَنِ الْمُؤجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالًّا؛ لَمْ يَصِحَّ)، نَقَلَه الجماعةُ

(4)

؛ لأِنَّه يَبذُلُ القدرَ الذي يَحُطُّه عِوَضًا عن تعجيل ما في ذمَّته، ومع

(5)

الحلول والتَّأجيل لا يجوز، كما لو أعطاه عَشَرةً حالَّةً بعشرين مؤجَّلةٍ.

وفي «الإرشاد» و «المبهج» روايةٌ بالصِّحَّة، واختارها الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(6)

؛ لبراءة الذِّمَّة هنا، وكدَين الكتابة، جزم به الأصحاب، ونقله ابن منصورٍ قال

(7)

: ليس بينه وبين سيِّده ربًا

(8)

، فدلَّ أنَّما جوَّزه على هذا الأصل، والأشهرُ عكسُه.

(وَإِنْ وَضَعَ بَعْضَ الْحَالِّ وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ)؛ كما لو صالحه عن مائةٍ حالَّةٍ

(1)

قوله: (فإنه يصح، ومثله ناظر

) إلى هنا سقط من (ح).

(2)

في (ق): ووجود.

(3)

في (ح): ولو.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 423.

(5)

في (ح): وبيع.

(6)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 529، الاختيارات ص 198.

(7)

في (ح): وقال.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2657.

ص: 445

بخمسين مؤجَّلةٍ؛ (صَحَّ الْإِسْقَاطُ)؛ لأِنَّه أسقطه عن طِيب نفسه، ولا مانع من صحَّته؛ لأنَّه ليس في مقابله تأجيلٌ، فوجب أن يصحَّ، كما لو أسقطه كله.

وعنه: لا يصحُّ، وصحَّحها أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّه هَضْمٌ للحقِّ.

والأوَّلُ أصحُّ.

(دُونَ التَّأْجِيلِ) على الأصحِّ؛ لأِنَّ الحالَّ لا يتأجَّل، ولأِنَّه وعدٌ.

وكذا لو صالحه عن مائةٍ صحاحٍ بخمسين مكسَّرةٍ؛ هل هو إبْراءٌ من الخمسين ووعدٌ في الأخرى؟ قاله في «الفروع» .

(وَإِنْ صَالَحَ عَنِ الْحَقِّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ؛ مِثْلَ: أَنْ

(1)

يُصَالِحَ عَنْ دِيَةِ الْخَطَأِ، أَوْ عَنْ

(2)

قِيمَةِ مُتْلَفٍ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ)، جزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وأنَّه قياس قول أحمد

(3)

؛ لأِنَّ الدِّيةَ والقِيمةَ تثبت في الذِّمَّة بقدره، فلم يَجُزْ أن يصالِح عنها بأكثر منها من جنسها؛ كالثابتة

(4)

عن قَرْضٍ؛ إذ الزَّائد لا مُقابِل له، فيكون حرامًا؛ لأِنَّه من أكْلِ المال بالباطل، وكالمِثْليِّ، وقيَّده

(5)

في «الفروع» وغيره المتلف: بكونه غير مثليٍّ، ويُخرَّج على ذلك تأجيل القيمة، قاله القاضي وغيره.

وفي «المغني» و «الشرح» روايةٌ: بأنَّه يصحُّ أن يصالِح عن المائة الثَّابتة بالتَّلَف بمائةٍ مؤجَّلةٍ؛ لأِنَّه عاوَض عن المتلَف بمائةٍ مؤجَّلةٍ؛ فجاز، كما لو باعه إيَّاه.

وذَكَر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين رواية: بتأجيل الحالِّ في المعاوَضة لا التبرُّع

(6)

.

(1)

قوله: (أن) سقط من (ح).

(2)

في (ح): وعن.

(3)

ينظر: الاختيارات ص 198.

(4)

في (ح): كالسابقة.

(5)

كذا في النسخ الخطية.

(6)

في (ح): المتبرع. وينظر: الفروع 6/ 424.

ص: 446

(وَإِنْ صَالَحَهُ بِعَرْضٍ

(1)

قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْهَا

(2)

؛ صَحَّ فِيهِمَا

(3)

؛ لأِنَّه لا رِبا بين العِوَضِ والمعوَّضِ، فصحَّ؛ كما لو باعه ما يساوي خمسةً بدرهمٍ.

(وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ بَيْتٍ)؛ أي: إذا ادَّعى عليه بَيتًا، فصالَحه (عَلَى أَنْ يَسْكُنَهُ سَنَةً، أَوْ يَبْنِيَ لَهُ فَوْقَهُ غُرْفَةً)، أوْ صالحه على بعضه؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ جزم به الأصحابُ؛ لأِنَّه يُصالِحه عن ملكه على ملكه أو منفعته، فمتى فعل ذلك؛ كان تبرُّعًا

(4)

، متى شاء أخرجه منها.

وإنْ فَعَلَه على سبيل المصالحة معتَقِدًا إيجابَه عليه بالصُّلح؛ رجع عليه بأُجْرةِ ما سَكَنَ، وأَخَذَ ما كان في يده من الدَّار؛ لأِنَّه أخَذَه بعَقْدٍ فاسِدٍ.

(وَإِنْ قَالَ لَهُ

(5)

: أَقِرَّ لِي بِدَيْنِي وَأُعْطِيكَ)، أوْ خُذْ (مِنْهُ مِائَةً، فَفَعَلَ؛ صَحَّ الْإِقْرَارُ)؛ لأِنَّه أقرَّ بحقٍّ يَحرُم عليه إنكارُه، (وَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ)؛ لأِنَّه يَجِبُ عليه الإقرارُ بما عليه من الحقِّ، فلم يَحِلَّ له أخْذُ العِوَض عمَّا يجب عليه.

فعلى هذا يَرُدُّ ما أخذ؛ لأنَّه تبيَّن

(6)

كَذِبُه بإقْراره، وأنَّ الدَّينَ عليه، فَلزِمَه أداؤه بغير عِوَضٍ.

(وَإِنْ صَالَحَ إِنْسَانًا) مُكلَّفًا (لِيُقِرَّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ)؛ أيْ: بِأنَّه مَمْلُوكُهُ، (أَوِ امْرَأَةً لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ؛ لَمْ يَصِحَّ) لأِنَّ ذلك صُلْحٌ يُحِلُّ حرامًا؛ لأِنَّ إرْقاقَ النَّفْس وبَذْلَ المرأة نفْسَها بعِوَضٍ لا يَجُوزُ.

(وَإِنْ دَفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعُبُودِيَّةُ إِلَى الْمُدَّعِي مَالاً صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ؛

(1)

في (ح): بعوض.

(2)

في (ق): منهما.

(3)

في (ح): فيها.

(4)

في (ق): شرعًا.

(5)

قوله: (له) سقط من (ح).

(6)

في (ح): تعين.

ص: 447

صَحَّ)؛ لأِنَّه يجوز أنْ يُعْتِق عبدَه بِعِوَضٍ، ويُشرَع

(1)

ذلك في حقِّ الدَّافِع؛ لِقَطْع الخصومة المتوجِّهة

(2)

عليه، زاد في «المغني» و «الشَّرح»: ويَدفَعُ اليمينَ الواجبة

(3)

.

وظاهره: أنَّ المرأةَ إذا دَفَعَتْ إليه عِوَضًا عن هذه الدَّعوى ليكفَّ

(4)

نفسَه عنها؛ لم يَصِحَّ، وهو وَجْهٌ في «المغني» ، وهو ظاهِرُ «البُلْغة» ؛ لأِنَّ الدَّفْعَ في الإنكار لاِفْتِداء اليمين وقَطْعِ الخُصومة، ولا يَمِينَ عليها، ولأِنَّ خُروجَ البُضْعِ من مِلْكِ الزَّوج لا قِيمةَ له، وإنما أُجِيزَ الخُلْعُ لأِجْل الحاجة إلى افْتِداء نفسها.

والثَّاني: يَصِحُّ، ذكره أبو الخَطَّاب وابن عَقِيلٍ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ المدَّعِيَ يأخُذُ عِوَضًا عن حقِّه في النِّكاح، فجاز كعِوَض الخُلْع، والمرأةُ تَبْذُلُه لِقَطْع الخصومة وإزالة الشُّرور بما توجَّهت اليَمينُ عليها؛ لكون الحاكِمِ يرى ذلك.

فَلَوْ صالَحَتْه، ثمَّ ثَبَتَت

(5)

الزَّوجيَّةُ؛ فإنْ قُلْنا: الصُّلْحُ باطِلٌ؛ فالنكاح

(6)

باقٍ بِحالِه؛ لأِنَّه لَمْ يُوجَدْ من الزَّوج طَلاقٌ ولا خُلْعٌ.

وإنْ قُلْنا: هو صحيحٌ؛ فوجْهانِ؛ أحدُهما: كذلك. والثَّاني: تَبِينُ منه بأخْذِ العِوَض؛ لأِنَّه أَخَذَ العِوَض عمَّا كان يَسْتَحِقُّه من نِكاحها، فكان خلعًا

(7)

، كما لو أقرَّت له بالزَّوجيَّة فخالعها

(8)

.

(1)

في (ق): ويسوغ.

(2)

في (ق): الموجبة.

(3)

في (ح): الواجب.

(4)

في (ظ) و (ح): لتكف.

(5)

في (ق): بقيت.

(6)

في (ح): كالنكاح.

(7)

في (ح): حلفًا.

(8)

في (ح): فخالفها.

ص: 448

ولَوِ ادَّعَتْ أنَّ زَوجَها طلَّقها ثلاثًا، فصالحها على مال لتترك

(1)

دَعْواها؛ لم يَصِحَّ.

وقيل: بلى، كما لو بَذَلَتْ له عِوَضًا لِيُطَلِّقَها ثلاثًا.

(النَّوْعُ الثَّانِي) من صُلْح الإقرار: (أَنْ يُصَالِحَ عَنِ

(2)

الْحَقِّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ)؛ كما لو اعْتَرف له بِعَينٍ في يده، أو دَينٍ في ذِمَّته، ثُمَّ يُعوِّضُه عنه بما يجوز تَعْويضُه.

وهو يَنقَسِم إلى أقسامٍ نبَّه عليها بقوله

(3)

:

(فَإِنْ كَانَ بِأَثْمَانٍ عَنْ أَثْمَانٍ؛ فَهُوَ صَرْفٌ)؛ لأنَّه

(4)

بَيعُ أحدِ

(5)

النَّقْدَينِ بالآخَر، فيُشتَرَطُ له القَبْضُ في المجلس ونحوِه.

(وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ؛ فَهُوَ بَيْعٌ)؛ لأِنَّه مُبادَلةُ المال بالمال، وهو موجودٌ هنا، وفيه شَيءٌ، ولو قال: (بعرض

(6)

فبَيعٌ) لكان أَوْلَى، فعلى هذا: يُشْتَرَطُ فيه العِلْمُ به كالمبِيعِ، ويَصِحُّ بلفظ الصُّلْح في ظاهر كلامه، وهو المذهَبُ.

فَرْعٌ: إذا صالَح عن دَينٍ؛ فيجوز بغير جنسه مطلَقًا، ويَحرُم بجنسه بأكثر

(7)

أو أقلَّ على سبيل المعاوَضة، وبشَيءٍ في الذِّمَّة يحرم

(8)

التَّفرُّقُ قَبْلَ القَبْضِ.

(وَإِنْ كَانَ بِمَنْفَعَةٍ؛ كَسُكْنَى دَارٍ)، أو خِدْمةِ عبْدٍ، أو يَعمَلُ له عَمَلاً معلومًا؛ (فَهُوَ إِجَارَةٌ)؛ لأِنَّها بَيعُ المنافِعِ، (تَبْطُلُ بِتَلَفِ الدَّارِ

(9)

كَسَائِرِ

(1)

في (ح): ليترك.

(2)

في (ح): يصالحوا على.

(3)

في (ح): لقوله.

(4)

في (ح): لأن.

(5)

في (ح): إحدى.

(6)

في (ح): بعوض.

(7)

في (ح): في أكثر.

(8)

في (ح): ليحرم.

(9)

في (ق): المال.

ص: 449

الْإِجَارَاتِ)، فإنْ تَلِفَتْ قَبْلَ اسْتِيفاء شَيءٍ من المنفعة انْفَسَخَتْ ورجع بما صالَحَ عنه، وبَعْدَ اسْتِيفاء بعضها ينفسخ فيما

(1)

بَقِيَ منها، ويرجع بِقِسْط ما بَقِيَ.

وقيل: تبطل

(2)

؛ بناءً على تَفْرِيق الصَّفقة.

وقيل: إنْ صالَحَ عن دَينٍ أو عَينٍ

(3)

، بخدمةٍ أو سُكْنَى؛ صحَّ.

فإن تلفت

(4)

العَينُ قبل الاِنْتِفاع؛ بَطَلَ الصُّلحُ، ورجع بمقابِلِه

(5)

، وإن كان عن إنكارٍ؛ رجع بالدَّعْوَى، وإن كان عن إقرارٍ؛ رجع فيما أقرَّ له به، وإن كان اسْتَوْفى البعضَ؛ رجع ببقيَّة حقِّه.

مسألتانِ:

الأولى: إذا صالَحه على أنْ يُزوِّجه أمَتَه؛ صحَّ بِشَرْطه

(6)

، وكان المصالَحُ عنها

(7)

صَداقَها، فإن انفسخ النِّكاح قبل الدُّخول بأمْرٍ يُسقِطُ الصَّداقَ؛ رجع الزَّوجُ بما صالَحَ عنه، وإن طلَّقها قبل الدُّخول؛ رجع بنصفه.

الثَّانيةُ: إذا صالَحه بخِدمة عبدٍ سنةً؛ صحَّ وكانت إجارةً، فإنْ أعتق العَبْدَ في أثناء المدَّة؛ صحَّ عِتْقُه، وللمصالَح أنْ يَسْتَوْفِيَ نَفْعَه في المدَّة، ولا يَرجِع العبدُ على سيِّده بشَيءٍ؛ لأِنَّه ما أزال ملكَه بالعتق إلاَّ عن الرَّقبة، والمنافِعُ حِينَئِذٍ مَمْلُوكةٌ لغيره، ولأِنَّه أعْتَقَه مسلوبَ المنفعة، فلم يَرجِعْ بشَيءٍ، كما لو أعتق زَمِنًا أو أمةً مزوَّجةً.

(1)

في (ح): بما.

(2)

في (ح): يبطل.

(3)

في (ق): أو غيره.

(4)

في (ح): نقلت.

(5)

في (ح): مقابلة.

(6)

في (ح): شرطه.

(7)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 13/ 140 والإقناع 2/ 195: عنه.

ص: 450

وقيل: يرجع على سيِّده بأُجرة مثله.

(وَإِنْ صَالَحَتِ الْمَرْأَةُ)؛ أي: بعد اعْتِرافها له بِدَينٍ أوْ عَينٍ، (بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا؛ صَحَّ)، ويكون صداقًا لها؛ لأِنَّ عَقْدَ التَّزويج يَقْتَضِي عِوَضًا، فإذا جَعَلَتْ ذلك عِوَضًا عن الحقِّ الذي عليها؛ صَحَّ كغيره.

(فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْبٍ فِي مَبِيعِهَا، فَزَالَ

(1)

؛ أيْ: تبين

(2)

أنَّه ليس بِعَيبٍ؛ كَبَياضٍ في عَين الرَّقيق ظنه

(3)

عَمًى، وانْتِفاخِ بطن الأَمَة يَظُنُّها حامِلاً؛ (رَجَعَتْ بِأَرْشِهِ)؛ أيْ: بِأَرْشِ العَيب؛ لأِنَّه صَداقُها، (لَا بِمَهْرِهَا)؛ أيْ

(4)

: مَهْرِ مثلها، وحِينَئِذٍ مهرُها أَرْشُه، صرَّح به في «المحرَّر» و «الفروع» .

فعلى هذا: إن كان موجودًا، ثمَّ زال؛ كمَبيعٍ كان مريضًا، فعُوفِيَ؛ لا شَيءَ لها؛ لأِنَّ زوالَ العَيب بعد ثُبوته حالَ العَقْد لا يُوجِب بُطْلانَ الأَرْشِ.

لَا يُقالُ: قِياسُ ما تقدَّم في المصرَّاة: أنَّه إذا صار لبنُها عادةً، وطُلِّقت المزوَّجةُ؛ يَمْتَنِع الرَّدُّ، فإذا زال العَيب؛ تعيَّن أن لا أرش

(5)

؛ لأِنَّ الرَّدَّ فَسْخٌ للملك بسبب العَيب، فيَسْتَدْعِي مردودًا، بخلاف الأرْش، فإنَّه عِوَضٌ عمَّا فات من العَيب، فلم يَسقُط وَقْتَ العَقْد بزواله بَعْدَه.

(وَإِنْ صَالَحَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ بِشَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ؛ لَمْ يَجُزِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ)، وهو منهيٌّ عنه شَرْعًا، ولأِنَّه إذا حصل التَّفرُّق قَبْل القَبْضِ؛ كانَ كلُّ واحِدٍ من العِوَضَينِ دَينًا؛ لأِنَّ محلَّه الذِّمَّةُ.

(1)

في (ح): فتبين. وفي (ق): فبان. قال في الممتع 2/ 610: (قول المصنف رحمه الله تعالى: "زال" العيب معناه: تبين أنه ليس بعيب، ولذلك أصلح بعض من أذن له المصنف رحمه الله تعالى "زال" ب: "تبين").

(2)

قوله: (أي: تبين) سقط من (ح).

(3)

في (ح): ظنته.

(4)

في (ق): أو.

(5)

قوله: (أن لا أرش) في (ح): الأرش.

ص: 451

(وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ)، عَيْنًا كان أوْ دَينًا، سواءٌ جَهِلاه أوْ جَهِلَه مَنْ عليه الحقُّ، (بِمَعْلُومٍ)، نَصَّ عليه، بِنَقْدٍ ونَسِيئةٍ، بشرط:(إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ)؛ أيْ: يَتَعذَّر عِلْمُه، قال أحمدُ في الرَّجُل يُصالِحُ عن الشَّيء: فإنْ عَلِم أنَّه أكْثر منه لم يَجُزْ إلاَّ أَنْ يُوقِفَه، إلاَّ أن يكونَ مجهولاً لا يُدْرَى

(1)

؛ لقوله عليه السلام لِرَجُلَينِ اخْتَصَما في مواريثَ دَرَسَتْ بَينَهُما: «اسْتَهِما وتَوَخَّيَا الحقَّ، ولْيُحَلِّلْ

(2)

أحدُكما صاحبَه» رواه أحمدُ وأبو داودَ

(3)

، ولأِنَّه إسْقاطُ حقٍّ، فصحَّ في المجهول؛ كالعِتاق والطَّلاق؛ (لِلْحَاجَةِ)، ولأِنَّه إذا صالَح مع العلم وإمكان أداء

(4)

الحقِّ بعَينه؛ فلَأَنْ يَصِحَّ مع الجهل أَوْلَى، ولو قيل بعدم جوازه؛ لَأفْضَى إلى ضياع الحقِّ، ولا نُسلِّم أنَّه فرعُ البيع، فإنَّ البيعَ يَصِحُّ في المجهول عند الحاجة؛ كأساسات الحائط وطَيِّ البئر.

وظاهره: أنَّه إذا كان الصُّلح بمجهولٍ؛ أنَّه لا يصحُّ؛ لأِنَّ تسليمَه

(5)

واجبٌ، والجهالةُ تمنعه.

وإن لم يتعذَّر عِلْمُه؛ فكبراءة من مجهولٍ، وظاهرُ نصوصه: أنَّه لا يَصِحُّ

(6)

، وهو ظاهر ما جزم به في «الإرشاد» ، وقطع به الشَّيخان

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 58.

(2)

في (ق): وليملك.

(3)

أخرجه أحمد (26717)، وأبو داود (3584)، وإسحاق بن راهويه (1823)، وابن الجارود (1000)، وأبو يعلى (6897)، والطحاوي (755، 757)، والحاكم (7034)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها، وفيه أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق في حفظه شيء، حسن الحديث كما قاله ابن عدي، والحديث صححه ابن الجارود والحاكم وابن الملقن، وحسّنه ابن عبد الهادي والألباني، وأصله في البخاري (6967)، ومسلم (1713). ينظر: الكامل 2/ 76، تنقيح التحقيق 5/ 70، تحفة المحتاج 2/ 276، إرواء الغليل 5/ 252، الصحيحة (455).

(4)

في (ق): الأداء.

(5)

في (ح): سلمه.

(6)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 58.

ص: 452

و «الشَّرح»

(1)

؛ لعدم الحاجة.

قال أحمدُ: إنْ صُولِحت المرأةُ مِنْ

(2)

ثُمُنِها لم يَصِحَّ الصُّلح، واحتجَّ بقول شُرَيحٍ

(3)

، ولأِنَّ الْمُبِيحَ للصُّلح الحاجةُ، وهي مُنْتفِيةٌ هنا، فلم يَصِحَّ كالبيع.

وخرَّج

(4)

في «التَّعليق» و «الانتصار» في صُلْح المجهول والإنكار من البراءة من

(5)

المجهول: عدم الصِّحَّة، وخرَّجه في «التَّبصرة» من الإبراء من عَيبٍ لم يَعلَما به.

وقيل: لا يصحُّ عن أعيانٍ مجهولةٍ؛ لكونه إبراء، وهي لا تُقبَل.

(1)

قوله: (والشرح) سقط من (ق).

(2)

في (ق): في.

(3)

ينظر: المغني 4/ 368.

أخرجه عبد الرزاق (15255)، وابن أبي شيبة (22892)، ووكيع بن خلف في أخبار القضاة (2/ 231)، وابن حزم في المحلى (6/ 464)، عن شريح قال:«أيما امرأة صُولحت على ثُمُنها لم يتبين لها ميراث زوجها، فتلك الريبة كلها» ، وإسناده صحيح.

(4)

في (ظ): وصرح.

(5)

في (ق): في.

ص: 453

(فَصْلٌ)

(الْقِسْمُ الثَّانِي): صلْحٌ على الإنكار، وهو (أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ

(1)

عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، فَيُنْكِرَهُ) أو يسكت، (ثُمَّ يُصَالِحَهُ

(2)

عَلَى مَالٍ؛ فَيَصِحُّ) في قول أكثر العلماء؛ لعموم ما سبق.

فإنْ قلْتَ: قَولُه عليه السلام: «إلاَّ صُلْحًا أَحَلَّ حَرامًا»

(3)

، وهذا داخِلٌ فيه؛ لأِنَّه لم يَكُنْ له أنْ يأخُذَ من مال المدَّعَى عليه، فحَلَّ

(4)

بالصُّلح!

فالجواب: أنَّه لا يَصِحُّ دخولُه فيه، ولا يُمكِنُ حَمْلُ الخَبر عليه لأَمْرَينِ:

أحدهما: أنَّ ما ذَكَرْتُم

(5)

يُوجَد في الصُّلح بِمَعْنَى الهِبَة، فإنَّه يُحِلُّ للمَوهُوب

(6)

ما كان حَرامًا.

الثَّاني: لو حلَّ

(7)

به المحرَّم؛ لكان الصُّلْحُ صحيحًا، فإنَّ الصُّلْحَ الفاسِدَ لا يُحِلُّ الحرام، وإنَّما معناه

(8)

: ما يُتَوصَّلُ به إلى تناول المحرَّم مع بقائه على تحريمه، كما لو صالَحَه على اسْتِرْقاق حُرٍّ، ولأِنَّه يَصِحُّ مع الأجنبيِّ، فصحَّ مع الخَصْم؛ كالصُّلح على الإقْرار.

وَشَرْط صحَّته: أن يكون المدَّعي يعتقد

(9)

حَقِّيَّةَ ما ادَّعاه، والمدَّعَى عليه

(1)

قوله: (عليه) سقط من (ح).

(2)

في (ح): يصالح.

(3)

تقدم تخريجه 4/ 489 حاشية (8).

(4)

في (ق): محل.

(5)

في (ق): ذكر ثم.

(6)

قوله: (يحل للموهوب) هو في (ق): على الموهوب.

(7)

في (ق): حمل.

(8)

في (ظ): منعناه.

(9)

في (ح): يدعي.

ص: 454

عكسه، ومعناه: أن يعتقد أن ما ادَّعاه حقٌّ، والمدَّعى عليه يعتقد أنه لا حقَّ عليه

(1)

، فيدفع إلى المدَّعي شَيئًا؛ افْتِداءً ليمينه، وقطعًا للخصومة، وصيانةً لنفسه عن التَّبذُّل وحضور مجلس الحكم، فإنَّ ذَوِي الأنفس الشَّريفة يَصعُب عليها ذلك، ولأِنَّ الشَّريعة وَرَدت بجلب المصالح ودرء المفاسد، وهذا كذلك؛ إذ

(2)

المدَّعي يأخُذ عِوضَ حقِّه الثَّابت له في اعتقاده، سواءٌ كان المأخوذُ من جنس حقِّه أو لم يكن، لكن إن أخذ من جنس حقِّه؛ لم يَجُز بأكثرَ؛ لأِنَّ الزَّائدَ لا مُقابِل له، وإن كان من غير جنسه؛ جاز.

وظاهِرُه: أنَّه إذا ادَّعى عليه وَدِيعةً، أو تَفْرِيطًا فيها، أو قِراضًا، فأنكر وصالَحه على مالٍ؛ فهو

(3)

جائزٌ، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغيره.

(وَيَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي)؛ لأِنَّه يَعتقِده عِوَضًا عن حقِّه، فيَلزَمُه حُكْمُ اعْتِقادِه.

(حَتَّى إِنْ وَجَدَ بِمَا أَخَذَ

(4)

عَيْبًا؛ فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ الصُّلْحِ)؛ كما لو اشْتَرَى شَيئًا فَوَجَدَه مَعِيبًا، (وَإِنْ كَانَ شِقْصًا مَشْفُوعًا؛ ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ)؛ لأِنَّه بَيعٌ؛ لِكَونه أخَذَه عِوَضًا، كما لو اشْتَراه، فإنْ صالَحَ ببعض عَين المدَّعي فهو فيه كمُنْكِرٍ، وفيه خلافٌ.

(وَيَكُونُ إِبْرَاءً فِي حَقِّ الآْخَرِ)؛ أي: المنكِر؛ لأِنَّه دَفَع المالَ افْتِداءً ليمينه، وإزالة الضَّرر عنه، لا عِوَضًا عن حقٍّ يعتقده، (فَلَا يَرُدُّ مَا صَاَلَحَ عَنْهُ بِعَيْبٍ، وَلَا يُؤْخَذُ بِشُفْعَةٍ

(5)

؛ لاِعْتِقاده أنَّه ليس بِعِوَضٍ.

(1)

قوله: (ومعناه: أن يعتقد أن ما ادعاه حق، والمدعى عليه يعتقد أنه لا حق عليه) سقط من (ظ) و (ق) وهي موجودة في الممتع 2/ 612.

(2)

في (ق): أو.

(3)

في (ح): هو.

(4)

في (ح): أخذه.

(5)

في (ظ): ولا تؤخذ به شفعة.

ص: 455

أصلٌ: لم يَتعرَّض المؤلِّفُ لِحُلُول المأْخُوذ ولا تأْجِيله، ولكِنْ ذَكَرَ ابنُ أبي موسى

(1)

في «الإرشاد» : أنَّه يَصِحُّ بنَقْدٍ ونَسيئةٍ؛ لأِنَّ المدَّعِيَ مُلْجَأٌ إلى التَّأْخِير بتأْخِير خَصْمه.

قال في «التَّرغيب» : وظاهِرُه لا يَثْبُت فيه أحكامُ البيع، إلاَّ فيما يَختَصُّ البائِعَ من شُفْعةٍ عليه، وأخْذِ زيادةٍ مع اتِّحاد الجنس.

واقْتَصر المجْدُ على قول أحمدَ: إذا صالَحَه على بَعْضِ حقِّه بتأخيرٍ؛ جاز.

(وَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا بِكَذِبِ نَفْسِهِ؛ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي حَقِّهِ)؛ لأِنَّه عالِمٌ بالحقِّ، قادِرٌ على إيصاله

(2)

إلى مستحقِّه، غير معتقِدٍ أنَّه بحقٍّ

(3)

، (وَمَا أَخَذَهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه أكْلٌ للمال بدَعْواه الباطلة الكاذبة، ولا يَشهَد له

(4)

إن عَلِم ظُلْمَه، نَقَلَه المرُّوذِيُّ

(5)

.

(وَإِنْ صَالَحَ عَنِ الْمُنْكِرِ أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه قَصَدَ

(6)

براءةَ ذِمَّته، أشْبَه ما لو قَضَى دَينَه، اعْتَرَف للمُدَّعِي بصحَّة دَعْواه أو لا.

وظاهِرُه: أنَّه لا فَرْق بين أن يكون المدَّعَى دَينًا أو عَيْنًا، وهو كذلك في الدَّين؛ لأِنَّ قَضاءَ الدَّين جائِزٌ مطلَقًا؛ لِقَضِيَّة أبِي قَتادةَ

(7)

، وجزم به الأصْحابُ.

وفي العَين إذا لم يَذكُر أنَّ المنكِرَ وكَّله؛ وجهان:

(1)

زيد في (ح): وقاله.

(2)

في (ح) و (ق): اتصاله.

(3)

في (ح): محق.

(4)

قوله: (له) سقط من (ق).

(5)

ينظر: زاد المسافر 4/ 238.

(6)

في (ق): معتقد.

(7)

سبق تخريجه 5/ 403 حاشية (7).

ص: 456

أحدهما: يَصِحُّ، وهو ظاهر المتن و «الوجيز» ؛ افْتِداءً ليمينه، وقَطْعًا للخصومة.

والثَّاني: لا يَصِحُّ، جزم به في «المحرَّر» .

وظاهره: أنَّه يَصِحُّ مع إذْنه ويَرجِع عليه، لأِنَّه وكيلُه، فلو قال: صالِحْني عن الملك الذي تدَّعيه

(1)

؛ ففي كونه مُقِرًّا له وجهان.

(وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّه أدَّى عنه ما لا يَلزَمُه أداؤه.

والثَّاني: يَرجِع كالضَّمان، والفَرْقُ واضِحٌ.

وهما إذا نوى الرُّجوع.

وخرَّجه القاضي وأبو الخَطَّاب على الرِّوايتَينِ فيما إذا قضى دَينه الثَّابِتَ

(2)

بغير إذْنه، وفي هذا التَّخريجُ نظرٌ؛ لأِنَّ هذا لا يَثْبُت وجوبُه على المنكِر، ولا يلزمه أداؤه إلى المدَّعي، فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره؟!

(وَإِنْ صَالَحَ الأَجْنَبِيُّ لِنَفْسِهِ، لِتَكُونَ الْمُطَالَبَةُ لَهُ، غَيْرَ مُعْتَرِفٍ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى)؛ فالصُّلحُ باطلٌ؛ لأِنَّه يشتري منه ما لم يَثبُت له، ولا يتوجَّه إليه خصومةٌ يفتدي منها، أشبه ما لو اشترى ملْكَ غيره.

(أَوْ مُعْتَرِفًا بِهَا عَالِمًا بِعَجْزِهِ عَنِ اسْتِنْقَاذِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه اشترى ما لا يَقدِرُ البائعُ على تسليمه كشراء الآبِق.

وظاهِرُه: لا فرق بين أن يكون المصالَح عنه دَينًا أوْ عَينًا، وفرَّق بينهما في «المغني» و «الشَّرح» ، فصحَّحاه في العَين؛ لأِنَّه اشترى منه ملْكَه الذي يَقدِر على قبضه، ومنعاه

(3)

في الدِّين؛ لِمَا ذكرْنا، وحَكَيَا عن بعض الأصحاب صِحَّتَه.

(1)

في (ظ): تدعه.

(2)

في (ظ): الثالث.

(3)

في (ح): ومعناه.

ص: 457

وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّ بَيعَ الدَّين المقَرِّ به من غير مَنْ هو في ذمَّته لا يَصِحُّ، ففي ذمَّة منكِرٍ معجوزٍ عن قبضه أَوْلَى.

فإنِ اشتراه وهو يظُنُّ أنَّه عاجِزٌ عن

(1)

قبضه، فتبيَّن أنَّ قبضَه مُمْكِنٌ؛ صحَّ في الأصحِّ.

ويحتمل: أن يفرَّق بين من يَعلَم أنَّ البيع

(2)

يَفسد بالعجز عن تسليم المبيع، وبين مَنْ لا يعلم ذلك.

(وَإِنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ؛ صَحَّ)؛ أي: مع الاعتراف بصحَّة الدَّعوى؛ لأِنَّه اشترى منه ملْكَه الذي يَقدِر على تسليمه، (ثُمَّ إِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ؛ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فَسْخِ الصُّلْحِ)؛ لأِنَّه لم يُسَلِّمْ له المعقودُ عليه، فكان له الرُّجوعُ إلى بَدَله، (وَإِمْضَائِهِ)؛ لأِنَّ الحقَّ له؛ كالرَّدِّ بالعَيب.

وفي «المغني» و «الشَّرح» احْتِمالٌ: أنَّه إن تبيَّن أنَّه لا يَقدِر على تسليمه؛ تبيَّنَّا أنَّ الصُّلحَ كان فاسِدًا؛ لأِنَّ الشَّرط هو القدرة على قبضه، وهو معدومٌ حالَ العقد، فهو كما لو اشترى عبدَه، فتبيَّن أنَّه كان آبِقًا.

تنبيهٌ: إذا قال أجْنَبِيٌّ: أنا وكيلُ المدَّعى عليه في مصالحتك، وهو مُقِرٌّ لك في الباطن؛ فظاهر الخِرَقيِّ: أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه هَضْمٌ للحقِّ.

وقال القاضي: يَصِحُّ، ومتى صدَّقه المنكِرُ؛ ملك العين، ولزمه ما أدَّى عنه، وإن أنكر الوكالة؛ حلَّفه وبَرِئَ، وحُكْمُ مِلكها في الباطن؛ إن كان وكَّله فلا يقدح إنكارُه، وإن لم يوكِّلْه؛ لم يَملِكها، ويحتمل: أن يقف على الإجازة.

فإن قال الأجنبيُّ للمدَّعي: قد عَرَفَ المدَّعى عليه صحة

(3)

دعواك، وهو

(1)

قوله: (عن) سقط من (ح).

(2)

في (ح): المبيع.

(3)

في (ح): لصحة.

ص: 458

يسألك أن تصالِحَه عنه، وقد وكَّلني في المصالحة عنه؛ صحَّ.

وإن صالح عن المنكِر بشيءٍ، ثمَّ أقام بينة

(1)

أنَّ المنكِرَ أقرَّ قَبْل الصُّلح بالملك للمدَّعي؛ لم يُسمَع، ولم يُنقَض الصُّلحُ ولو شهدت بأصل الملك.

(1)

في (ح): ببينة.

ص: 459

(فَصْلٌ)

هذا شُروعٌ في الصُّلح عمَّا

(1)

ليس بمالٍ.

(يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ)، ولم يفرِّقوا بين إقرارٍ وإنكارٍ.

قال في «المجرد»

(2)

و «المغني» : يجوز عن قَوَدٍ، وسُكْنَى دارٍ، وعَيبٍ، وإن لم يَجُزْ بَيعُ ذلك؛ لأِنَّه لقطع الخصومة، وقاله

(3)

في «الفصول» ، وأنَّ القَوَدَ له بَدَلٌ، وهو الدِّية كالمال، وذَكَرَه المجْدُ، وقال: إن أراد بَيعَها من الغير صحَّ، ومنه؛ قياس المذهب جوازه، فإنَّه بمعنى

(4)

الصُّلح بلفظ البَيع، وأنَّه يَتخرَّج فيه كالإجارة بلفظ البيع، وأنَّه صرَّح به أصحابنا بصحَّة الصُّلح عن المجهول بلفظ البيع في صُبْرةٍ أتلفها جَهِلَا كيلها، ذكره القاضي.

(بِدِيَاتٍ)؛ لأنَّ «الحسن والحسين وسعيد بن العاص بذلوا للذي وجب له القصاص على هُدْبةَ بن خَشْرَمٍ سبع دياتٍ، فأبى أن يَقبلها»

(5)

، ولأِنَّ المالَ غير متعيِّنٍ، فلا يقع العِوَض في مقابلته.

(وَبِكُلِّ مَا يَثْبُتُ مَهْرًا)، قاله الأصحابُ؛ لأِنَّه يَصِحُّ إسقاطُه؛ فَلَأنْ يَصِحَّ

(1)

في (ق): غير ما.

(2)

في (ح): «المحرر» . والمثبت موافق للفروع 4/ 268.

(3)

في (ظ): وقال.

(4)

في (ح): يعني، وفي (ق): معنى.

(5)

كان هُدبة شاعرًا ويقال: إنه قتل زيادة بن يزيد الشاعر، وأراد أولياء المقتول القود، قال المبرد في الكامل 4/ 72:(ويقال إنه عُرض على ابن زيادة عشر ديات فأبى إلا القود، وكان ممن عرض الديات عليه ممن ذكر لنا: الحسين بن علي وعبيد الله بن جعفر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم، وسائر القوم من قريش والأنصار). كذا ذكرها معلقة.

وأخرج القصة أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني (21/ 254)، وعنه ابن عساكر في تاريخه (34/ 374)، وفيها: أن سعيد بن العاص سأل أخا زيادة أن يقبل الدية عنه، وقال: أُعطيك ما لم يعطه أحد من العرب، أعطيك مائة ناقة حمراء ليس فيها جداء ولا ذات داء.

ص: 460

الصُّلحُ عليه من باب أَوْلى، وإن جاوز الدِّية، ذكره في «المحرَّر» و «الفروع» .

وحاصِلُه: أنَّه يَصِحُّ الصُّلحُ عن دم العمد، بدون دِيَته وأكثرَ إن وجب القَوَدُ عَينًا، أو طلب الولِيُّ وقلنا: يجب أحدُ شَيئينِ.

وفي «الترغيب» : لا يَصِحُّ على جنس الدِّية إن قيل: مُوجَبه أحدُ شَيئينِ، ولم يختر

(1)

الولِيُّ شَيئًا إلاَّ بعد تعيين الجنس من إبلٍ أو غنمٍ؛ حذارًا من الرِّبا.

وظاهر كلامهم: يَصِحُّ حالًّا ومؤجَّلاً

(2)

، وذكره المجْدُ.

فرعٌ: إذا صالَح عنه بعبدٍ فخرج مُسْتحَقًّا؛ رجع بقيمته في قول الجميع، وكذا إن خرج حُرًّا، ومع جهالته، كدارٍ وشجرةٍ؛ تجب دِيتُه

(3)

أو أرْشُ الجُرح.

فإنْ عَلِما بِحُرِّيَّته، أو كونه مُستَحَقًّا؛ رجع بالدِّية؛ لبطلان الصُّلح بِعِلْمهما.

وإن صالَح عن دارٍ، فبان عِوَضُه مُسْتحَقًّا؛ رجع بها، وقيل: بقيمته مع الإنكار؛ لأِنَّ الصُّلحَ بَيعٌ في الحقيقة، بخلاف الصُّلح عن القصاص، فإنَّه ليس بِبَيعٍ، وإنَّما يأخذ عِوَضًا عن القصاص.

(وَلَوْ صَالَحَ سَارِقًا لِيُطْلِقَهُ، أَوْ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ، أَوْ شَفِيعًا عَنْ شُفْعَتِهِ، أَوْ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ؛ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ)، وفيه أُمورٌ:

الأوَّلُ: إذا صالَح سارِقَه لِيُطلِقَه؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لأِنَّ الرَّفْع إلى السُّلطان لَيس حَقًّا يجوز الاِعْتِياضُ عنه، فلم يَجُزْ كسائر ما لا حقَّ فيه، وكذا حُكمُ الزَّاني والشَّارِب.

(1)

في (ح): ولم يجنى.

(2)

في (ح): مؤجلاً.

(3)

في (ق): يجب دية.

ص: 461

الثَّاني: إذا صالَح شاهِدًا لِيَكْتُم شهادتَه؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّ كِتْمانَها حرامٌ، فلم يَصِحَّ الاِعْتِياضُ عنه.

ويَشمَل صُوَرًا؛ منها: أن يُصالِحَه على أن لا يَشهَدَ عليه بحقٍّ تَلزَمُه الشَّهادةُ به؛ كَدَينِ آدَمِيٍّ، أوْ حقٍّ لله تعالى لا يَسقُط بالشُّبهةِ؛ كالزَّكاة.

ومنها: أنْ يُصالِحَه على أن لا يَشهَدَ عليه بالزُّور؛ فهو حرامٌ، كما لو صالحه على أن لا يقتله أو لا

(1)

يغصب ماله.

ومنها: أنْ يصالحه على أن

(2)

لا يَشهَدَ عليه بما يُوجِبُ حدَّ

(3)

الزِّنى والسَّرِقة، فلا يَجوز الاِعْتِياضُ في الْكُلِّ.

الثَّالِثُ: إذا صالَح الشَّفيع عن شُفْعته؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّها ثَبَتَتْ

(4)

لِإِزالة الضَّرَر، فإذا رضِيَ بالعوض

(5)

تبيَّنَّا أنْ لا ضَرَرَ، فلا اسْتِحْقاق، فيَبطُل العِوَضُ لبطلان مُعوَّضه، نقل ابن منصورٍ: الشُّفْعةُ لا

(6)

تُباعُ ولا تُوهَبُ

(7)

.

(وَ) حِينَئِذٍ: (تَسْقُطُ الشُّفْعةُ)، جزم به في «الوجيز» ؛ لِما قُلْناه.

وفيه وجْهٌ: لا تسقط

(8)

؛ لأِنَّ فيها حَقًّا لله تعالى.

وأطلقهما

(9)

في «المحرَّر» و «الفروع» .

الرَّابِعُ: إذا صالَح مَقْذوفًا عن حَدِّه؛ لم يَجُزْ أخْذُ العِوَض عنه؛ كحدِّ

(1)

في (ح): ولا.

(2)

قوله: (على أن) سقط من (ظ).

(3)

قوله: (حد) سقط من (ح).

(4)

في (ق): تثبت.

(5)

في (ح): بالمعوض.

(6)

في (ح): ولا.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3020.

(8)

في (ظ): لا يسقط.

(9)

في (ح): وأطلقها.

ص: 462

الزِّنى، وإن قُلْنا: هو له؛ فليس له الاِعْتِياضُ عنه؛ لأِنَّه ليس بمالٍ، ولا يؤول إليه، بخلاف القصاص.

(وَفِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِهِ؛ وَجْهَانِ)، مبنِيَّانِ على أنَّ حدَّ القَذْف هل هو حقٌّ

(1)

لله تعالى فلا يَسقُط، أو له فَيَسقُط بصُلْحِه

(2)

وإسقاطه كالقصاص، جزم به في «الوجيز» .

فَرْعٌ: لا يَصِحُّ الصُّلْحُ بِعِوَضٍ عن خِيارٍ.

(وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُجْرِيَ عَلَى أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، واشْتُرِط: العِلْمُ به؛ لأِنَّه يَختلِف ضَرَرُه بكَثْرته وقِلَّته، وطريق العلم: إمَّا بمشاهدةٍ، وإمَّا بمعرفةِ مساحةٍ

(3)

، فيُقدَّر

(4)

في الأرض بالفَدَّان، وفي السَّطح بِصِغَره أوْ كِبَره، ويُشترَط: معرفةُ الموضِع الذي يخرج منه إلى السَّطح؛ لأِنَّ ذلك

(5)

يَختلِف.

فإنْ كان بِعِوَضٍ مع بقاء مِلكه؛ فإجارةٌ، وإلاَّ فبَيعٌ.

ولا يُعتَبَر بيانُ عُمْقِه؛ لأِنَّه إذا ملك الموضِع؛ كان له إلى تُخُومه

(6)

، ولا تعيينُ المدَّة؛ إذ العقد على المنفعة في موضع الحاجة من غير تقدير مدَّةٍ جائزٌ؛ كالنِّكاح.

وفي «القواعد» : (ليس بإجارةٍ مَحْضَةٍ؛ لعدم تقدير المدَّة، بل هو شَبيهٌ بالبيع).

(1)

قوله: (حق) سقط من (ظ) و (ق).

(2)

قوله: (بصلحه) سقط من (ح).

(3)

في (ح): مساحته.

(4)

في (ق): تقدر.

(5)

زيد في (ح): لا.

(6)

قال في المصباح 1/ 73: (التَخْم: حد الأرض والجمع تخوم، مثل: فلس وفلوس).

ص: 463

ودلَّ على أنَّه لا يُحدِث ساقيةً في وَقْفٍ، وذكره القاضي وابن عَقيلٍ؛ لأِنَّه لا يملكها كالمُؤْجَرة، وجوَّزه في «المغني» ؛ لأِنَّ الأرضَ له، ويتصرَّف فيها كيف شاء ما لم ينقل

(1)

الملك.

فدلَّ على

(2)

أنَّ الباب والخَوخة ونحوهما: لا يجوز في مُؤْجَرةٍ، وفي موقوفةٍ الخِلافُ، أو يجوز قولاً واحدًا، قال في «الفروع»: وهو أَوْلى.

والظَّاهِرُ: أنَّه لا تُعتَبَر المصلحةُ وإذْن الحاكم، بل عدم الضَّرَر.

تنبيهٌ: يَحرُم إجراء مائه في أرض غيره بلا إذنه؛ كتضرُّره

(3)

أو أرضه

(4)

، وكزرعه في أرض غيره.

وعنه: لا؛ لقول عمر، رواه مالكٌ

(5)

.

والأوَّلُ أقْيَسُ؛ لأِنَّه مُوافِقٌ للأصول، وقول عمر خالفه محمَّد بن مسلمة

(6)

.

فعلى الثَّانية: تُعتَبَر الضَّرورة، جزم به في «الشَّرح» ، وقيل: مع الحاجة، ولو مع حفر

(7)

.

(1)

في (ظ): تنقل.

(2)

قوله: (على) سقط من (ظ) و (ق).

(3)

في (ح): لتضرره.

(4)

أي: أو كتضرُّر أرضه. ينظر: الإنصاف 13/ 169.

(5)

أخرجه مالك (2/ 746)، ومن طريقه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 244)، ويحيى بن آدم في الخراج (353)، والطبري في تهذيب الآثار مسند ابن عباس (1165)، والبيهقي في الكبرى (11882)، عن عمرو بن يحيى بن عمارة المازني، عن أبيه: أن الضحاك بن خليفة ساق خليجًا له من العَريض، فأراد أن يَمُرَّ به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فدعا عمرُ بن الخطاب محمدَ بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا والله. فقال عمر: «والله ليمرن به، ولو على بطنك» ، قال البيهقي:(هذا مرسل)، وذلك أن يحيى لم يدرك عمر رضي الله عنه، وقد صحح إسناده ابن حجر في الفتح 5/ 111 والألباني في الإرواء 5/ 253.

(6)

في (ح): سلمة.

(7)

في (ح): صغر.

ص: 464

ونقل أبو الصَّقر: إذا أساح عَينًا تحت أرضٍ، فانتهى حفره إلى أرضٍ لرجلٍ، أو دارٍ؛ فليس له مَنْعُه من ظهر الأرض ولا بطنها إذا لم يكن عليه مضرَّةٌ

(1)

، وفيه حديث الخشبة

(2)

.

(وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا فِي دَارٍ، وَمَوْضِعًا فِي حَائِطٍ يَفْتَحُهُ

(3)

بَابًا، وَبُقْعَةً يَحْفِرُهَا بِئْرًا)؛ لأِنَّ ذلك يجوز بَيعُها وإجارتُها، فجاز الاِعْتِياضُ عنها بالصُّلح كالدور

(4)

، وليس هذا خاصًّا بالدَّار، بل الأملاك كلُّها كذلك، ولو عَبَّر:(ممرًا في ملكه)؛ لكان أَوْلَى، ويُشترط أن يكون

(5)

ذلك معلومًا.

(وَ) يجوز أنْ يَشْتَرِيَ (عُلْوَ بَيْتٍ يَبْنِي عَلَيْهِ بُنْيَانًا مَوْصُوفًا)؛ لأِنَّه ملكٌ للبائع، فجاز بَيعُه كالأرض، ومعنى «موصوفًا» أي: معلومًا.

وظاهِرُه: أنَّه لا يجوز أنْ يُحدِث ذلك على الوقْف، قال في «الاِخْتِيارات»:(وليس لأحدٍ أنْ يَبْنِيَ على الوقْف ما يَضُرُّ به اتِّفاقًا، وكذا إن لم يَضُرَّ به عند الجمهور)

(6)

.

(فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ غَيْرَ مَبْنِيٍّ؛ لَمْ يَجُزْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) ذَكَرَه القاضي وغيرُه؛ لأِنَّه يبِيعُ

(7)

العُلْوِ دون القرار، فلم يَجُزْ كالمعدوم.

(وَفِي الآْخَرِ: يَجُوزُ)، جزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأِنَّه مِلْكٌ للمصالِح، فجاز له أخْذُ العِوَض عنه كالقرار.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 436.

(2)

مراده كما في الفروع، ما أخرجه البخاري (2463)، ومسلم (1609)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره» .

(3)

في (ظ) و (ح): يفتتحها.

(4)

في (ح): (كالدرب). والمثبت هو الموافق لما في الشرح الكبير 13/ 174.

(5)

قوله: (يكون) سقط من (ح).

(6)

ينظر: الاختيارات ص 199.

(7)

في (ظ) و (ح): بيع.

ص: 465

وشَرْطُه: (إِذَا وُصِفَ الْعُلْوُ وَالسُّفْلُ)؛ لِيَكونَ معلومًا، ويَصِحُّ فِعْلُ ذلك صُلْحًا أبدًا، وإجارةً مدَّةً معلومةً أيضًا، ومَتى زَالَ فله إِعادَتُه مُطلقًا، وَيرْجعُ بأُجرةِ مُدَّة زَواله عنهُ، وله الصُّلحُ على زوالِه وعدمِ عَودِه

(1)

.

(وَإِنْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ، فَطَالَبَهُ بِإِزَالَتِهَا)؛ أيْ: بإزالة أغصانها؛ (لَزِمَهُ ذَلِكَ

(2)

؛ لأِنَّ الهواءَ تابِعٌ للقرار، فوجب إزالةُ ما يَشغَله من

(3)

ملك غيره؛ كالدَّابَّة إذا دخلت ملكه، وطريقُه: إمَّا القَطْعُ، أوْ لَيُّه إلى ناحيةٍ أُخرى.

ولا فرق بين أن يكون خاصًّا به، أو له فيه شَرِكةٌ.

(فَإِنْ أَبَى؛ فَلَهُ)؛ أيْ: مالك الهواء (قَطْعُهَا)، ولو عبَّر ب (الإزالة) كغيره لكان أَوْلى؛ لأِنَّ ذلك إخلاءُ ملكه الواجِبِ إخلاؤه، وظاهره: أنَّه لا يَفتَقِر إلى حُكْمٍ بذلك، وصرَّح به الأصحاب؛ لأِنَّه أمْكَنَه إزالتُها بلا إتْلافٍ ولا قَطْعٍ، من غير سَفَهٍ ولا غرامةٍ؛ فلم يَجُزْ له إتْلافُها كالبهيمة.

فإن أتلفها في هذه الحال؛ غرمها، فإن لم يمكنه إزالتها إلاَّ بالإتلاف؛ فله ذلك، ولا شيءَ عليه.

لكن قيل لأحمدَ: يقطعه هو؟ قال: لا، يقول لصاحبه حتَّى يقطع

(4)

.

ولا يجبر المالك على الإزالة؛ لأنَّه من غير فعله.

فإن تَلِف بها شيءٌ؛ لم يَضْمَنه، قدَّمه في «الشَّرح» ، وذكر احْتِمالاً، وهو وجهٌ ضده.

(1)

قوله: (ومتى زال فله إعادته

) إلى هنا سقط من (ح) و (ق).

(2)

قوله: (ذلك) سقط من (ح).

(3)

في (ق): في.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 439.

ص: 466

(فَإِنْ صَالَحَ

(1)

عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ؛ لَمْ يَجُزْ)، قاله أبو الخَطَّاب، سواءٌ كان الغُصْنُ رَطْبًا أو يابِسًا؛ لأِنَّ الرَّطْبَ يزيد ويتغيَّر، واليابِسَ يَنقُصُ، وربما ذهب كلُّه.

وقال القاضي، وجزم به في «الوجيز»: إن كان الأغصانُ رطبةً؛ لم يَجُزِ الصُّلح عنها؛ لزيادتها في كلِّ وقْتٍ، بخلاف اليابسة.

واشترط القاضي في اليابس: أن يكون معتمِدًا على نفس الحائط، فإن كان في الهواء فلا؛ لأنَّه تَبَعٌ للهواء

(2)

المجرَّد.

وقال ابن حامدٍ وابن عَقِيلٍ: بجوازه مطلَقًا؛ لأِنَّ الجهالةَ في المصالَح عنه لا يمنع الجواز؛ لكونها لا تمنع التَّسليم، بخلاف العِوَض، فإنَّه يفتقر إلى العلم به لوجوب التَّسليم، وأيَّده في «المغني» ، وقال: هو اللاَّئقُ بمذهب أحمد؛ لأِنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك؛ لكثرتها في الأملاك المتجاوِرة، وفي القَطْع إتْلافٌ وضرَرٌ، والزِّيادةُ المتجدِّدةُ يُعْفَى عنها؛ كالسِّمَن الحادث في المستأجَر للرُّكوب.

(فَإِنِ

(3)

اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ)؛ أيْ: لِمالِكِ الهواء، (أَوْ بَيْنَهُمَا؛ جَازَ)؛ لأِنَّ الصُّلْح على الثَّمرة أو بعضها أسْهَلُ من القطع.

ونقل المرُّوذِيُّ وإسحاقُ: أنَّ أحمدَ سُئِل عن ذلك فقال: لا أدري

(4)

، قال في «المغني»: فيحتمل الصِّحَّة؛ لِما روى مكحولٌ مرفوعًا: «أيُّما شَجرةٍ ظلَّلتْ على قومٍ؛ فهو بالخيار بين

(5)

قطع ما ظلَّل أو أكْل ثمرها»

(6)

.

(1)

في (ح): صالحه.

(2)

في (ح): الهواء.

(3)

في (ح): وإن.

(4)

ينظر: المغني 4/ 360.

(5)

في (ق): من.

(6)

أخرجه أحمد (16067)، وابن عساكر في التاريخ (34/ 112)، والهيثمي في غاية المقصد في زوائد المسند (1861)، من طريق العلاء بن الحارث، عن مكحول رفعه، وهو ضعيف مرسل.

ص: 467

ويحتمل عدمُها، وقاله الأكثرُ، فإنَّ الثَّمرة وجزأها

(1)

مجهولان، ومن شرط الصُّلح: العِلْمُ بالعِوَض.

(وَلَمْ يَلْزَمْ)، إذ لزومه يؤدِّي إلى ضَرَر مالك الشَّجرة؛ لتأبُّد اسْتِحْقاق الثَّمرة عليه، أو إلى ضرر مالك الهواء؛ لتأبُّد بقاء الأغصان في ملكه.

فرعٌ: ثمرةُ غصنٍ في هواء طريق عامٍّ للمسلمين، ذَكَرَه في «المبهج» .

آخَرُ: حُكْمُ عُروقِ الشجر

(2)

إذا امْتَدَّت إلى أرضِ غيرِه كالغصن، سواءٌ أثَّرَتْ ضَرَرًا كتأثيرها في المصانع وطَيِّ الآبار وأساسات الحِيطان، أو لا.

وقيل: عنه: إنَّما يَثْبُت ذلك مع الضَّرَر.

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا)، وهو الرَّوْشن على أطراف خشب مدفونةٍ في الحائط، (وَلَا سَابَاطًا

(3)

، وهو المستَوفِي للطَّريق كلِّه على جِدارَينِ، (وَلَا دُكَّانًا)؛ لأِنَّه تَصَرُّفٌ في ملك غيره بغير إذنه؛ كغير النَّافِذِ.

ولا فرق بين أن يضرَّ بالمارَّة أو لا؛ لأِنَّه إذا لم يَضُرَّ

(4)

حالاً؛ فقد يَضُرُّ مآلاً، أَذِن الإمامُ فيه أوْ لا؛ لأِنَّه ليس له أن يأذَنَ في ما لا مصلحةَ للمسلمين فيه، لا سِيما إذا احْتَمَل أن يكون ضَررًا عليهم في المآل، فعلى هذا يَضمَن ما تَلِفَ به.

والمذهَبُ: أنَّه يجوز ذلك في غير الدُّكان، بإذْن الإمام أو نائبه، بلا ضَرَرٍ؛ لأنَّه

(5)

نائِبٌ عن المسلمين، فجرى إذْنُه مجرى إذْنِهم، وفي «الفروع»:

(1)

في (ح): وجوهًا. وفي (ق): وحدها.

(2)

في (ح): الشجرة.

(3)

في (ح): سباطًا.

(4)

في (ح): يكن.

(5)

في (ح): ولأنه.

ص: 468

جوَّزه الأكثرُ بإذْن إمام.

وفي «التَّرغيب» : وأمكن عبورُ مَحمِلٍ، وقيل: ورُمْحٍ قائمٍ بيد فارِسٍ، ولم يَعتبِرْه أكثرُهم، بل يكون بحيث لا يَضُرُّ بالعمَّارِيَّات

(1)

والمحامِل.

فرعٌ: حكم الميازيب والدَّكَّة؛ كالجَناح، وقد روي: «أن

(2)

عمر اجتاز على دار العبَّاس، وقد نَصَبَ ميزابًا إلى الطَّريق، فَقَلَعَه، فقال: تقلعه

(3)

وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده؟! فقال: والله لا تَنصِبه

(4)

إلاَّ على ظهري، فانحنى حتَّى صعد على ظهره؛ فنصبه»

(5)

، ولأِنَّ العادةَ جاريةٌ به.

وفي سقوط نصف الضَّمان بتآكُل أصله؛ وجهان.

(وَلَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ، وَلَا دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إِلاَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِ)؛ لأِنَّ المنْعَ لحقِّهِم، فإذا رَضُوا بإسقاطه؛ جاز.

والاِسْتِثْناءُ راجِعٌ إلى الجُمَل الأخيرة؛ لأِنَّ أهلَ الطَّريق النَّافِذ جميعُ

(1)

في (ق): بالعمارات. والعمَّاريَّات: جمع عماريَّة، وهي نوع من المحامل تحمل على بغل. ينظر: تكملة المعاجم 7/ 308.

(2)

في (ح): ابن.

(3)

في (ظ): يقلعه.

(4)

في (ح) و (ظ): ينصبه.

(5)

أخرجه أحمد (1790)، وابن سعد في الطبقات (4/ 20)، والروياني (1332)، والضياء في المختارة (482)، عن هشام بن سعد، عن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، وذكر القصة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 207:(رجاله ثقات إلا أن هشام بن سعد لم يسمع من عبيد الله بن عباس)، وأعله أبو حاتم كما في العلل 4/ 248. وأخرجه عبد الرزاق (15264)، وأبو داود في المراسيل (406)، عن موسى بن أبي عيسى، وذكر القصة. ورجاله ثقات، إلا أن موسى لم يدرك أحدًا من الصحابة. وأخرجه الحاكم (5428)، من طريق أخرى، وفيها ضعيفان. وأخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 20)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/ 511)، والبيهقي في الكبرى (11363)، من طريق أخرى، وفيها موسى بن عبيدة وهو متروك. وأخرجه الحاكم (5429)، والبيهقي في الكبرى (11364)، من طريق مرسل ضعيف. والأثر ضعفه الألباني في الإرواء 5/ 256، وحسنه الحافظ بمجموع الطرق في موافقة الخبر 1/ 457.

ص: 469

المسلمين، فالإذْنُ من جميعهم غيرُ متصوَّرٍ، فلا فائدة في الحكم عليه بالجواز.

(فَإِنْ صَالَحَ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ؛ جَازَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قاله أبو الخَطَّاب، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأِنَّه يجوز الصُّلح بغَير عِوَضٍ، فجاز أخْذُ عِوَضِه كالقرار.

وشرطه: أنَّ ما يُخرجه معلوم المقدار في

(1)

الخروج والعلو

(2)

.

والثَّاني: لا يجوز، قاله القاضي؛ لأِنَّه بيعٌ

(3)

للهواء.

وظاهره: التَّعميم، والمصرَّح به في كلام القاضي، ونقله عنه في «الكافي»: بأنَّ المنْعَ في الجناح والسَّاباط، وأمَّا الدُّكان فلا يتأتَّى فيها العلة؛ لكونها تُبْنَى

(4)

على القرار لا على هوائه.

(وَإِذَا كَانَ ظَهْرُ دَارِهِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَفَتَحَ فِيهِ بَابًا لِغَيْرِ الاِسْتِطْرَاقِ؛ جَازَ)؛ لأِنَّ له رَفْعَ جميع حائطه، فبعضُه أَوْلَى.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَجُوزَ)، حكاه ابنُ عَقِيلٍ؛ لأِنَّ شَكْلَ الباب مع تقادُمِ العهد ربَّما اسْتُدِلَّ به على حق

(5)

الاِسْتِطْراق، فيَضُرُّ

(6)

بأهل الدَّرب، بخلاف رفع الحائط، فإنه

(7)

لا يدُلُّ على شَيءٍ.

(وَإِنْ

(8)

فَتَحَهُ لِلاِسْتِطْرَاقِ؛ لَمْ يَجُزْ)، إذْ لا حقَّ له في الدَّرب الذي هو

(1)

في (ح): من.

(2)

في (ح): والعلق.

(3)

في (ظ): تبع. والمثبت هو الموافق للمغني 6/ 374، والشرح 13/ 189.

(4)

في (ظ): يبنى.

(5)

قوله: (حق) سقط من (ح).

(6)

في (ح): فيصير.

(7)

في (ح): لأنه.

(8)

في (ح): وإذا.

ص: 470

ملْكُ غيره، (إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ)؛ لأِنَّ الحقَّ لهم، وقد رَضُوا بإسقاطه، (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هو متعلِّقٌ بقوله:«لم يَجُزْ» لا بالمستثنى

(1)

.

والوَجْهُ الثَّاني: يَجوزُ، لأِنَّه يَمْلِك رفْعَه.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّه يَجعَل لنفسه حقَّ الاِستطراق في محلٍّ مملوكٍ لغيره.

وظاهره: أنَّه يجوز فَتْحُه في دَرْبٍ نافِذٍ؛ لأِنَّه يَرتفِق

(2)

بما لم يتعيَّن بملك أحدٍ عليه، لا يُقال: فيه إضْرارٌ بأهل الطَّريق لِجَعْله نافِذًا يَسْتَطْرِق إليه من الشَّارع؛ لأِنَّه لا يُصيِّرُ الطَّريقَ نافِذًا، وإنَّما يُصيِّرُ دارَه نافِذةً، وليس لأِحدٍ اسْتِطْراقُها.

(وَإِنْ صَالَحَهُمْ؛ جَازَ)؛ لأِنَّ ذلك حقُّه، فجاز أخْذُ العِوَضِ عنه؛ كسائر الحقوق.

(وَلَوْ أَنَّ بَابَهُ فِي آخِرِ الدَّرْبِ)؛ أيْ: غير النَّافِذ؛ (مَلَكَ نَقْلَهُ إِلَى أَوَّلِهِ)؛ أيْ: بلا ضَرَرٍ؛ لأِنَّه ترك بعضَ حقِّه؛ لأِنَّ له الاِسْتِطْراقَ إلى آخره، وفي «التَّرغيب»: وقيل: لا محاذيًا لباب غيرِه، وجزم به في «الوجيز» ، فعلى الأوَّل: إن أراد نَقْلَه إلى موضعه الأوَّل؛ كان له ذلك.

(وَلَمْ يَمْلِكْ نَقْلَهُ إِلَى دَاخِلٍ مِنْهُ)، وهو تِلْقاءَ صدْر الزّقَاق

(3)

، (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لأِنَّه يقدِّم

(5)

بابَه إلى مَوضِعِ الاِسْتِطْراق له، ولم يَأْذَنْ فيه مَنْ فَوقَه، وقيل: وأسفل منه، ويكون إعارةً في الأشبه، وظاهر نقل يعقوب: يجوز إن سَدَّ الأوَّلَ

(6)

، واختاره ابن أبي موسى.

(1)

في (ح): المستثنى.

(2)

في (ح): مرتفق.

(3)

في (ح): الرقاق.

(4)

ينظر: المغني 6/ 386.

(5)

في (ق): يقدم.

(6)

ينظر: المغني 6/ 443.

ص: 471

والثَّاني: الجوازُ؛ لأِنَّ له في الابتداء جَعْلَ بابه حيث شاء، فترْكُه له لا يُسقِط حقَّه منه.

فُروعٌ:

الأوَّلُ: إذا كان في الدَّرب بابان لرجلَينِ، أحدُهما في أوَّل الدَّرب، والآخَرُ في داخله؛ فلصاحب الدَّاخل تحويلُه حيث شاء؛ لأِنَّه لا مُنازِع له فيما يُجاوِز

(1)

البابَ الأوَّل إذا قلنا: ليس للقريب أن يقدِّمه إلى داخِلٍ، وعلى الثَّاني: لكلٍّ منهما تقديمه.

فإن كان في داخل الدَّرب بابٌ لثالثٍ؛ فحُكْمُ الأوسط كالأوَّل.

الثَّاني: إذا كان لرجلٍ داران متلاصِقتان، ظَهْرُ كُلٍّ منهما إلى ظَهْر الأخرى، بابُهما في دَرْبَينِ مشتركَينِ غير نافذٍ؛ جاز له رفعُ الحاجب بينهما، وجعلهما دارًا واحدةً.

فإن فتح بابًا بينهما ليتمكَّن من التَّطرُّق إلى كِلا الدَّرْبَينِ؛ فقال القاضي: لا يجوز؛ لأِنَّه يَثْبُت له حقُّ الاِسْتِطْراق في دَرْبٍ لا يَنفُذ من دارٍ، ولم يكن فيها طريقٌ.

وفي «المغني» : الأشْبهُ الجوازُ؛ لأِنَّ له رَفْعَ الحاجز، فبعضُه أوْلَى.

الثَّالِثُ: يَحرُم إحْداثُه في ملكه ما

(2)

يَضُرُّ بجاره؛ كحمَّامٍ وتَنُّورٍ وكَنِيفٍ، فإن فعل؛ فله مَنعُه؛ كابتداء إحيائه، وكَدَقٍّ وسَقْيٍ يتعدى إليه، بخلاف طبخه وخبزه؛ لأنَّه يسيرٌ.

وعنه: ليس له مَنْعُه في ملكه المختَصِّ به، ولم يتعلَّق به حقُّ غيره، وكتَعْلِيةِ

(3)

داره في ظاهر كلام المؤلِّف، ولو أفْضَى إلى سدِّ الفضاء عن جاره،

(1)

في (ح): تجاوز.

(2)

في (ح): مما.

(3)

في (ح): وكتعليته.

ص: 472

قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(1)

، وقد احتجَّ أحمدُ

(2)

بقوله عليه السلام: «لا ضَرَرَ ولا إضْرارَ»

(3)

، فيتوجَّه المنْعُ، قاله في «الفروع» .

(وَلَيْسَ لَهُ)؛ أي: يَحرُم عليه (أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِ جَارِهِ، وَلَا الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً وَلَا طَاقًا)؛ لأِنَّه انْتِفاعٌ بملك غيره، وتصرُّفٌ فيه بما يَضُرُّه، وكذا يحرم عليه أن يغرز

(4)

فيه وتدًا، أو يُحدِثَ حائطًا.

وكذا يُمنع من بناء سُتْرةٍ، ذَكَرَه جماعةٌ، وحمل القاضي نصَّه: (يلزم

(5)

النَّفقة مع شريكه على السُّترة)

(6)

على سُترةٍ قديمةٍ انْهَدَمَتْ.

واختار في «المستوعب» : وجوبَها مطلَقًا على نَصِّه.

ويباح استناده

(7)

إليه، وإسْنادُ شَيءٍ لا يضرُّه؛ لأنَّه لا مضرَّة فيه، والتحرُّز منه يَشُقُّ.

وفي «النِّهاية» : في منعه احتمالان.

وله الجلوسُ في ظلِّه، ونظرُه في ضوء سِراجه، نقل المرُّوذي: يستأذنه أعْجَبُ إليَّ، فإن مَنَعه حاكَمَه، ونقل جعفرٌ: لا يستأذنه

(8)

.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: العَينُ والمنفعة التي لا قِيمةَ لها عادةً؛ لا يَصِحُّ أن يَرِدَ عليها عَقْدُ بَيعٍ أوْ إجارةٍ اتِّفاقًا

(9)

.

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 5، الفروع 6/ 449.

(2)

ينظر: مسائل عبد الله ص 316، مسائل ابن منصور 9/ 4728.

(3)

تقدم تخريجه 5/ 393 حاشية (3).

(4)

رسمت في (ح): يعوز.

(5)

في (ح): يلزمه.

(6)

ينظر: الفروع 6/ 443.

(7)

في (ح): استتاره.

(8)

ينظر: الفروع 6/ 443.

(9)

ينظر: الفروع 6/ 443، الاختيارات ص 198.

ص: 473

(إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ)؛ لأِنَّ الحقَّ له، فإنْ صالَحه عن ذلك بِعِوَضٍ؛ جاز.

(وَلَيْسَ لَهْ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ)، فيجوزُ، نَصَّ عليه

(1)

؛ لِما روى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَمنعنَّ جارٌ جارَه أن يَضَع خشبةً على جداره» ، ثمَّ يقول أبو هريرةَ: ما لي أراكم عنها مُعرِضِينَ؟! والله لَأَرْمِيَنَّ بها بَين أكْتافكم. متَّفقٌ عليه

(2)

، ومعناه: لَأضَعَنَّ هذه السُّنَّةَ بَين أكْتافِكم، ولَأحملنَّكم

(3)

على العمل بها، وقيل: معناه: لَأَضَعَنَّ جُذوع الجيران على أكتافكم مبالَغةً، ولأِنَّه انْتِفاعٌ بحائطِ جارِه على وجْهٍ لا يَضُرُّ به، أشْبَهَ الاِسْتِناد إليه.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه يجوز لحاجةٍ، نَصَّ عليه

(4)

.

ومحلُّه: ما لم يَضُرَّ بالحائط، فإن أضرَّ بِهِ لم يَجُز بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه

(5)

.

وإنْ أمْكَنَ وضْعُه على غَيرِه؛ فقال أكثرُ الأصحاب: لا يجوز. وذَهَبَ ابنُ عَقِيلٍ إلى جوازه؛ للخبر.

(بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ التَّسْقِيفُ إِلاَّ بِهِ)، هذا تفسيرٌ للضَّرورة.

وظاهره: لا فَرْق بين أن يكون له حائِطٌ واحدٌ أو حائطانِ، وصرَّح به في «المغني» .

واشْتَرَط القاضي وأبو الخطَّاب لجوازه: أن يكونَ له حائطٌ واحدٌ، ولجاره ثلاثةٌ

(6)

.

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 285.

(2)

أخرجه البخاري (2463)، ومسلم (1609)، بنحوه، وأخرجه أحمد (7702) بلفظ قريب مما ذكره المصنف.

(3)

في (ح): ولا أحملنكم.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 285، المغني 4/ 376.

(5)

ينظر: المغني 4/ 376.

(6)

في (ح): ثُلثه. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 13/ 201.

ص: 474

وردَّه في «المغني» و «الشَّرح» : بأنَّه ليس في كلامِ أحمدَ، وإنَّما قال في روايةِ أبي داودَ: لا يَمْنَعه إذا لم يكن ضرَرٌ، وكان الحائطُ يَبْقَى

(1)

، ولأِنَّه قد يَمْتَنِع التَّسقيف على حائِطَينِ إذا كانا غيرَ مُتَقارِبَينِ، أو كان البَيتُ واسِعًا يحتاج أن يَجعَلَ فيه جسرًا، ثمَّ يَضَعَ الخشب على ذلك الجِسْرِ.

قال المؤلِّف: (والأَوْلى اعْتِبارُه بما ذكرنا، ولا فَرْق بين أن يكون لِبالِغٍ، أو يَتِيمٍ عاقِلٍ، أو مجنونٍ).

لا يقال: قياسُه: يجوز فَتْحُ الطَّاق ونحوه؛ لأنَّ وَضْعَ الخشب ينفعُ الحائطَ، ويُمكِّنُه

(2)

، بخلاف فَتْح الطَّاق، فإنَّه يَضُرُّه.

(وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ

(3)

عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ)، نقلها أبو طالِبٍ

(4)

، واختارها أبو بكرٍ وأبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ لأِنَّ القياسَ يَقْتَضِي المنْعَ، تُرِكَ في حقِّ الجار؛ للخبر، فيَبْقَى ما عَداه على مُقْتضَى القياس.

(وَهَذَا تَنْبِيهٌ)؛ أي: خرَّج منها أبو الخَطَّاب وجْهًا: (عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ)؛ لأِنَّه إذا امْتَنَعَ من وَضْعِه على الجِدار المشترَك بين المسلمين وله فيه حقٌّ؛ فَلَأنْ يُمْنَع من الملك المختَصِّ بغَيره أَوْلَى، ويتأكَّدُ المنْعُ: بأنَّ حقَّ الله مَبْنِيٌّ على السُّهولة والمسامَحة، بخلاف حقِّ الآدَمِيِّ، فإنَّه مَبْنِيٌّ على الشُّحِّ والضِّيق.

مسائلُ:

الأولى: إذا مَلَكَ وضْعَ خَشَبَهِ على حائطٍ فزال بسقوطه، أو قَلْعِه، أو سقوط الحائط، ثمَّ أُعِيد؛ فله إعادةُ خشبه عليه؛ لأِنَّ السَّببَ المجوِّزَ لوضْعِه

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 285.

(2)

في (ح): وعكسه.

(3)

في (ظ): وضعه، وقوله:(وضع خشبه) في (ق): وضعه.

(4)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 379.

ص: 475

مُسْتَمِرٌّ، فاستمرَّ الاِسْتِحْقاق.

الثَّانيةُ: إذا مَلَكَ وضْعَ خشبه على جدار غيره؛ لم يَمْلِك إجارتَه ولا إعارته؛ لأِنَّه إنَّما مَلَكَ ذلك للحاجة، ولا حاجةَ هنا، فلو أراد مالكُ الجدار إجارتَه أو إعارتَه على وجْهٍ يَمْنَعُ هذا المستحِقَّ؛ لم يَمْلِكْه، كما لو أراد هدْم الحائط من غير حاجةٍ.

الثَّالثةُ: إذا أذِن له المالِكُ في وضع خشبه، أو البناء على جداره بِعِوَضٍ؛ جاز، سواءٌ كان إجارةً في مدَّةٍ معلومةٍ، أو صلحًا على وضعه على التَّأبيد، ومتى زال فله إعادتُه.

ويحتاج أن يكون البناءُ معلومَ العَرْض، والطُّول، والسُّمْك، والآلات من الطِّين واللَّبِن ونحوه.

وإن كان في الموضع الذي يجوز له؛ لم يجز أن يأخذ عِوَضًا؛ لأِنَّه يأخذ عِوَضَ ما يجب عليه بَذْلُه.

الرَّابعةُ: إذا وجد خَشَبَه، أو بناءَه، أو مسيل مائه في حقِّ غيره؛ فالظَّاهر وضعُه بحقٍّ، فمتى زال فله إعادتُه؛ لأنَّ هذا الظَّاهر لا يزول حتَّى يُعلم ما يخالفه.

(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ) مشترَكٌ، (فَانْهَدَمَ، فَطَالَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبِنَائِهِ مَعَهُ؛ أُجْبِرَ عَلَيْهِ)، نقله الجماعةُ

(1)

، وصحَّحه القاضي، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وذكر أنَّه اخْتِيارُ الأصحاب؛ لقوله عليه السلام:«لَا ضَرَرَ ولَا إضِرَارَ»

(2)

، وكنَقْضه عند خوف سقوطه، وكالقسمة.

(وَعَنْهُ: لَا يُجْبَرُ)، اختاره أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ والمؤلِّف، وقال: هو أقوى

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 380.

(2)

تقدم تخريجه 5/ 393 حاشية (3).

ص: 476

في النَّظَر؛ لأِنَّه ملْكٌ لا حُرْمة له في نفسه، فلم يُجبَر مالكه على الإنفاق عليه، كما لو انفرد، وفارق القسمة؛ لأِنَّها لدفع الضَّرر عنهما بما لا ضرر فيه، والبناء منه

(1)

ضرَرٌ؛ لما فيه من الغَرامة، والضرر لا يَزُولُ بِمِثْلِه، وقد يكون الممتَنِع لا نَفْعَ له في الحائط، أو يكون الضَّرَرُ عليه أكْثرَ من النَّفع، أو يكونُ مُعْسِرًا.

وجوابُه: بأنَّ عَدَم حُرْمة

(2)

الملك إن لم يُوجِب

(3)

؛ فحرمة شريكه الذي يتضرَّر بتَرْك البناء يُوجِب

(4)

، وفارق البناء المفرَد مِنْ حَيثُ إنَّه لا يفوت به حقٌّ، ولا يتضرَّر به، وقولهم: الضَّرر لا يُزال بالضَّرر؛ مدفوعٌ بما روى أبو حفص العُكبري عن أبي هريرة مرفوعًا: «مِنْ حقِّ الجار أن لا يرفع البنيان على جاره لِيَسُدَّ عليه الرِّيحَ»

(5)

، وقولهم:(قد يكون الممتنع) إلى آخره؛ ينتقض بوضع

(6)

خشبه عليه، وأمَّا المعسِرُ؛ فلا قائل بإلزامه معها.

(1)

في (ظ): فيه.

(2)

في (ق): حرمته.

(3)

في (ح): لم توجب.

(4)

في (ح): فوجب.

(5)

أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب (863)، وفي سنده: إسماعيل بن رافع الأنصاري، ضعيف منكر الحديث، وللحديث شواهد، أخرجها الطبراني في الكبير (1014)، من حديث بهز بن حكيم، عن أبيه عن جده، والخرائطي في مكارم الأخلاق (247)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ (25)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وألفاظهم متقاربة، وأسانيدها واهية، لكن اختلاف مخارِجِها يُشعر بأنَّ للحديث أصلاً كما قاله ابن حجر، وضعف هذه الأحاديث الذهبي والألباني. ينظر: تهذيب الكمال 3/ 85، حق الجار للذهبي ص 38، الفتح 10/ 446، الضعيفة (2587).

(6)

في (ح): برفع.

ص: 477

(لَكِنْ) عليها

(1)

: (لَيْسَ لَهُ مَنْعُ شَرِيكِهِ

(2)

مِنْ بِنَائِهِ)؛ لأِنَّ له حقًّا في الحمل ورسمًا في الحائط، فلا يجوز مَنْعُه منه.

(فَإِنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) على الشركة كما كان؛ لأِنَّ الثَّانيَ إنَّما أنفق على التَّأليف، وذلك أثرٌ

(3)

، لا عينٌ يَملكها

(4)

، وحينئِذٍ فليس له مَنْعُ شريكه من الانتفاع به قبل أَخْذ نصفِ تَأليفِه في الأشهر، كما ليس له نَقضُه، وصرَّح به في «النهاية» .

وقيل: يَملك منعَه حتَّى يؤدِّيَ ما يخصُّه من الغرامة، وأبداه ابن المنجَّى بحثًا من عنده، وحكى الأوَّلَ عن الأصحاب، ثمَّ قال: (وفيه نَظَرٌ، وينبغي أن يؤدِّيَ

) إلى آخره؛ إذ لو لم يكن كذلك لأدَّى إلى ضياع حقِّ الشَّريك، ولأِنَّه إذا أُجبِر على العمل، فكذا يُجبَر على وَزْنِ أجرةِ البناء، كما يُجبره

(5)

على وزنِ ثمن

(6)

الآلات.

(وَإِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ؛ فَهُوَ لَهُ)؛ لأِنَّه ملكه، (وَلَيْسَ لِلآْخَرِ الاِنْتِفَاعُ بِهِ) قبل أداء ما وجب عليه؛ لأِنَّه تصرُّفٌ في ملك الغير

(7)

بغير إذنه.

وحينئِذٍ: فله منعه مِنْ رَسْم طَرْحِ خَشَب حتَّى يدفع نصف قيمة حقِّه.

وعنه: ما يخصُّه لغرامة

(8)

؛ لأِنَّه نائبه معنًى، ويلزمه قَبولها.

فإن أراد نقضه؛ فليس له ذلك إذا بناه بآلةٍ فقط.

(1)

قوله: (عليها) سقطت من (ح).

(2)

قوله: (منع شريكه) هو في (ح): منعه.

(3)

في (ح): أمر.

(4)

في (ح): فملكها.

(5)

في (ظ): يجبر.

(6)

قوله: (ثمن) سقط من (ح).

(7)

في (ح): غيره.

(8)

في (ح): من غرامة.

ص: 478

وإن أراد غير الباني

(1)

نقضَه؛ لم يملكه مطلَقًا.

وله طلبُ نفقته

(2)

مع الإذن، وفيه بنيةِ رجوعٍ على الأولى الخلاف.

(فَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ)؛ أي: الانتفاع؛ (خُيِّرَ الْبَانِي

(3)

بَيْنَ أَخْذِ نِصْفِ قِيمَتِهِ

(4)

؛ لأِنَّ في ذلك جمعًا بين الحَقَّينِ، (وَبَيْنَ أَخْذِ آلَتِهِ)؛ لِمَا في ذلك من اسْتِيفاء الحقِّ.

فرعٌ: لو بَنَيَا جِدارًا بينهما نِصفَينِ، والنَّفقةُ كذلك، على أنَّ ثُلثَه لواحدٍ وباقيَهُ للآخَر، وأنَّ كلًّا منهما يحمِّله ما احتاج؛ لم يصحَّ، فلو وصفا الحمل؛ فوجهان.

فإن لم يكن بين ملكهما حائطٌ، فطلب

(5)

أحدهما من الآخَر بناءَ حاجِزٍ؛ لم يُجبَر الآخَر عليه روايةً واحدةً، فإن أراد البناءَ وحده؛ كان له ذلك في ملكه خاصَّةً.

(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ بِئْرٌ، أَوْ دُولَابٌ، أَوْ نَاعُورَةٌ

(6)

، أَوْ قَنَاةٌ، وَاحْتَاجَ إِلَى عِمَارَةٍ؛ فَفِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ رِوَايَتَانِ)؛ أشهرُهما: الإجبارُ، وجزم به في «الوجيز» ؛ بناءً على الحائط المنهَدِم.

(وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ عِمَارَتِهِ)؛ كالحائط.

(وَإِذَا عَمَرَهُ؛ فَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ)؛ لأِنَّ العامِرَ لَيس فيه عَينٌ، بل أثَرٌ، فيَجِبُ أنْ يَعُودَ بَينَهما على ما كان.

(1)

في (ق): الثاني.

(2)

في (ح): منفعته.

(3)

في (ق): الثاني.

(4)

زيد في (ح): منه.

(5)

في (ح): وطلب.

(6)

هي التي يُستقى بها، يديرها الماء، ولها صوتٌ. ينظر: الصحاح 2/ 832.

ص: 479

ودلَّ ذلك: على أنَّه إذا أنْفَقَ عليه؛ لم يكن له مَنْعُ الآخَرِ من نصيبه من الماء؛ لأِنَّه يَنبُعُ من

(1)

ملْكِهِما، وإنَّما أَثَّر

(2)

أحدهما في نقل الطِّين منه.

تنبيهٌ: إذا كان سطحُ أحدهما أعلى؛ فليس له الصُّعود على سطحه على وجْه يُشرِف على جاره، ويلزمه بناءُ سترةٍ تمنع مُشارَفة الأسفل، نقله ابن منصورٍ

(3)

.

وقيل: ويشاركه كاستوائهما.

وإذا اتَّفقا على بناء حائط بستانٍ، فبنى أحدُهما؛ فما تَلِف من الثَّمرة بسبب إهمال الآخَر؛ ضَمن نصيبَ

(4)

شريكه، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(5)

.

وفي إجبار الممتَنِع لبناء السُّفْل بطلب الآخَر؛ روايات، الثَّالثةُ وهي أشهر: ينفرِد صاحبُه به.

وعنه: يشاركه صاحبُ العُلْوِ، فيُجبَر على مساعدته والبناء معه، وهو قولُ أبي الدَّرداء

(6)

؛ لأِنَّه حائط

(7)

يشتركان في الانتفاع به، أشبه الحائط بين ملكهما.

ومَنْ له طَبَقةٌ ثالثةٌ؛ في اشتراك الثَّلاثة في بناء السُّفْل، ثمَّ الاثْنين في الوسط؛ الرِّوايتان، فإن بنى الأعلى؛ ففي منعه الأسفلَ من

(8)

الانتفاع بالعَرصة قبل أخذ القيمة؛ احْتِمالانِ. والله أعلم

(9)

.

(1)

في (ح): فمن، وفي (ق): في.

(2)

في (ح): أمر.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4627.

(4)

في (ق): نصف.

(5)

ينظر: الاختيارات ص 198.

(6)

ذكره في الإرشاد، وفي المغني، ولم نقف عليه.

(7)

قوله: (حائط) سقط من (ح).

(8)

قوله: (من) سقط من (ح) و (ق).

(9)

قوله: (والله أعلم) سقط من (ظ) و (ح).

ص: 480

(كِتَابُ الْحَجْرِ)

هو في اللُّغة: المنْعُ والتَّضْييقُ، ومنه سُمِّي الحرامُ: حجْرًا، قال الله تعالى:{وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفُرقان: 22] أيْ: حرامًا محرَّمًا، وسُمِّي العقل: حِجْرًا؛ لأِنَّه يَمنَع صاحبَه من ارتكاب ما يَقبُح وتضُرُّ عاقبتُه.

وهو في الشَّرع: مَنْعٌ خاصٌّ؛ أيْ: مَنْعُ

(1)

الإنسان من التَّصرُّف في مالِه.

والأصلُ في مشروعيته: قوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النِّسَاء: 5] أيْ: أموالهم، لكن أُضيفت إلى الأولياء؛ لأِنَّهم قائمون عليها، مدبِّرون لها، وقوله تعالى: الآية {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى

(6)} [النِّسَاء: 6]، وإذا ثبت الحَجر على هذَينِ؛ ثبت على المجنون من باب أَوْلَى.

(وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ):

(حَجْرٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ)؛ أيْ: لغير المحجور عليه؛ كالمفلِس، والمريض، والزَّوجة بما زاد على الثُّلث في تبرُّعٍ

(2)

على روايةٍ، والعبد، والمكاتب، والمشتري ماله في

(3)

البلد أو قريبٍ منه بعد تسليمه المبيع، والرَّاهن، والمشتري بعد طلب شفيعٍ.

وضَرْبٌ لحقِّه؛ كالصَّغير، والمجنون، والسَّفيه.

(نَذْكُرُ مِنْهُ هَهُنَا: الْحَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ)؛ أيْ: لِحَقِّ الغرماء، فالمفْلِس: المعدَمُ، ومنه الخبر المشهور:«مَنْ تَعُدُّون المفلِسَ فِيكُمْ؟» قالوا: من لا دِرْهَمَ له

(4)

ولا مَتاعَ، قال: «لَيْسَ ذلك المفلِسَ، ولكِنَّ المفلِسَ مَنْ يأْتِي يَومَ

(1)

في (ق): يمنع.

(2)

في (ق): متبرع.

(3)

في (ق): من.

(4)

في (ح): معه.

ص: 481

القِيامةِ بِحَسَناتٍ أمْثالَ الجِبالِ، ويَأْتِي وقد ظَلَمَ هذا، وأخَذَ من عِرْض هذا، فيأْخُذ هذا من حَسَناته، وهذا من حسناته، فإن بَقِيَ عليه شَيءٌ أُخِذَ من سيِّئاتهم فرُدَّ عليه، ثمَّ طُرِحَ في النَّار» رواه مسلمٌ بمعناه

(1)

، فقولُهم ذلك إخْبارٌ عن حقيقة المفلِس؛ لأِنَّه عُرْفُهم ولُغَتُهم.

وقولُه: «لَيْسَ ذلك المفلِسَ» تجوُّز

(2)

لم يُرِدْ به نفي

(3)

الحقيقة، بل أراد فَلَسَ الآخرة؛ لأِنَّه أشدُّ وأعْظَمُ، حتَّى إنَّ فَلَسَ الدُّنيا عنده بمنزلة الغِنَى، ومنه قولهم: أفْلَس بالحُجَّة؛ إذا عَدِمَها.

وقيل: هو مِنْ قولهم: تَمرٌ

(4)

مُفْلِسٌ؛ إذا خرج منه نَواه، فهو خروج الإنسان من ماله.

فحجر الفلس

(5)

: مَنْعُ حاكِمٍ مَنْ عليه دَينٌ حالٌّ يَعجِز عنه مالُه الموجودُ من التَّصرُّف فيه.

والمفلِس: مَنْ لا مال له، ولا ما يَدفع به حاجته، وعند الفقهاء: مَنْ دَينُه أكثرُ من ماله.

(وَمَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ؛ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ قَبْلَ) حُلول (أَجَلِهِ)؛ لأِنَّه لا يَلزَمُه أداؤه قبل الأجل، ومِن شرط المطالَبة لزومُ الأداء، (وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ)؛ لأِنَّ المطالَبةَ لا تُستحَقُّ، فكذا الحَجْرُ.

(فَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ مُدَّتِهِ)؛ أيْ: قبل قُدومه؛ (فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ)؛ لأِنَّ عليه ضَرَرًا في تأْخِير حقِّه عن محلِّه، (إِلاَّ أَنْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ) يُحرَز

(6)

، (أَوْ

(1)

أخرج نحوه مسلم (2581) من حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

في (ح) و (ق): يجوز.

(3)

في (ح): ففي.

(4)

في (ظ): ثمر.

(5)

في (ح): المفلس.

(6)

في (ح): يجوز.

ص: 482

كَفِيلٍ) مليءٍ؛ لزوال

(1)

الضَّرَرِ إذِنْ.

(وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ قَبْلَهُ؛ فَفِي مَنْعِهِ رِوَايَتَانِ):

إحداهما: له مَنْعُه، قال في «المغني»: هو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأِنَّ قُدومَه عند المحلِّ غَيرُ مُتَيَقَّنٍ ولا ظاهِرٍ، فَمَلَكَ مَنْعَه، إلاَّ بوثيقةٍ.

والثَّانية: لا يَملِك مَنْعَه، وهي

(2)

ظاهِرُ الخِرَقِيِّ؛ لأِنَّ هذا السَّفرَ ليس بأمارةٍ على مَنْعِ الحقِّ في محلِّه، فلم يَمْلِك مَنْعَه منه؛ كالسَّفر القصير.

والمذهب: أنَّهما في غير جهادٍ متعيِّنٍ، زاد في «الفروع»: وأمْرٍ مَخُوفٍ؛ لأِنَّ في ذلك تعريضًا لفوات النَّفس، فلا يَأمَنُ من فوات الحقِّ.

فلو أحرم به؛ لم يملك تحليلَه.

وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: وله مَنْعُ عاجِزٍ حتَّى يُقيمَ كفيلاً ببدنه

(3)

، ووجَّهه في «الفروع» .

(وَإِنْ كَانَ حَالًّا)، وهو عاجِزٌ عن وفاء بعضه؛ حَرُم مطالَبتُه والحَجْرُ عليه وملازمته.

(وَ) إن كان (لَهُ مَالٌ يَفِي بِهِ)؛ أيْ: بِدَينه

(4)

الحالِّ؛ (لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ)؛ لعدم الحاجة إلى ذلك؛ لأِنَّ الغُرَماء يُمْكِنُهم المطالبةُ بحقوقهم في الحال.

(وَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِوَفَائِهِ)؛ أيْ: بعد الطَّلَب؛ لأِنَّ الغرماء إذا طَلَبُوا ذلك منه تعيَّنَ عليه؛ لِمَا فيه من فَصْل القضاء المنتَصِب له.

(1)

في (ظ): أو آل إلى.

(2)

في (ح): وهو.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 28.

(4)

في (ق): بدنه.

ص: 483

والمذهب: يجب إذِنْ على الفَوْر، (ويُمهَل

(1)

بقدر ذلك اتِّفاقًا، لكِنْ إن خاف غريمُه منه؛ احْتاط بملازمته، أو كفيلٍ، أو ترسيمٍ عليه) قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

.

(فَإِنْ أَبَى؛ حَبَسَهُ)؛ لِما روى عمرو بن الشَّريد، عن أبيه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَيُّ الواجِدِ ظُلْمٌ، يُحِلُّ

(3)

عِرْضَه وعُقوبَتَه» رواه أحمدُ وأبو داودَ وغيرُهما

(4)

، قال أحمد: قال وكيعٌ: عِرْضُه: شَكْواهُ، وعُقُوبتُه: حَبْسُه.

وليس لحاكمٍ إخراجُه حتَّى يَبِينَ له أمرُه، أو يُبرئه غريمُه، فإذا

(5)

صحَّ عند الحاكم عُسْرَتُه؛ أخرجه، ولم يَسَعْه حَبْسُه، فإن أصرَّ على عدم الوفاء مع القدرة؛ ضُرِب، ذَكَرَه في «المنتخب» وغيره.

قال في «الفصول» وغيره: يحبسه، فإن أبى عزَّره، قال: ويُكرِّر حبسه وتعزيره حتَّى يَقضيَه، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: لا أعلم فيه نِزاعًا، لكنْ لا يُزاد كلَّ يومٍ على أكثر التَّعزير إن قيل: يتقدَّر

(6)

.

فائدةٌ: روى البخاريُّ من حديث أبي موسى: «الحَبْسُ على الدَّين من

(1)

في (ح): يمهل.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 28، الاختيارات ص 200.

(3)

في (ق): على.

(4)

أخرجه أحمد (17946)، وأبو داود (3628)، والنسائي (4689)، وابن ماجه (2427)، وابن حبان (5089)، والحاكم (7065)، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه به. وصححه ابن حبان والحاكم وابن كثير وابن الملقن والعراقي، وحسّنه ابن حجر والألباني، وللحديث شاهد: أخرجه البخاري (2287)، ومسلم (1564) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:«مَطْلُ الغنيِّ ظلم» . ينظر: البدر المنير 6/ 656، تحفة الطالب (253)، تغليق التعليق 3/ 319، موافقة الخبر 2/ 216، الإرواء 5/ 259.

(5)

في (ق): وإذا.

(6)

ينظر: الاختيارات ص 201.

ص: 484

الأمور المحدَثة»، وأوَّلُ من حَبَسَ عليه شُرَيحٌ

(1)

، وكان الخَصْمانِ يتلازَمانِ

(2)

، قال ابنُ هُبَيرةَ:(فأمَّا الحبس الآن على الدَّين، فلا أعرف أنَّه يجوز عند أحد من المسلمين، وأنا على إزالته حريصٌ)

(3)

.

ورُدَّ: بأنَّ الحَبْسَ عليه مذهبُ مالِكٍ، والشَّافعيِّ، والنُّعمان، وأبي عُبَيدٍ، وعُبَيد الله بن الحسن، وغيرهم

(4)

.

(فَإِنْ أَصَرَّ) على الحَبْس، ولم يَقْضِ الدَّينَ؛ (بَاعَ) الْحَاكِمُ (مَالَهُ، وَقَضَى دَيْنَهُ)؛ لِمَا رَوَى كَعْبُ بنُ مالِكٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حَجَرَ على مُعاذٍ مالَه، وباعه في دَينٍ كان عليه» رواه الخَلاَّلُ والدَّارَقُطْنِيُّ من رواية إبراهيم بن مُعاويةَ، وقد ضُعِّف، ورواه الحاكِمُ، وقال:(على شَرْطِهما)

(5)

.

(1)

حبس شريح على الدين أخرجه عبد الرزاق (15310)، وابن أبي شيبة (20924)،

(2)

في (ظ): متلازمان.

وهم المؤلف في عزوه للبخاري، بل هو من كلام ابن هبيرة، كما في الفروع 6/ 455، وعبارته:(وقد قال ابن هبيرة في الإفصاح في حديث أبي موسى من أفراد البخاري: الحبس على الدين من الأمور المحدثة، وأول من حبس على الدين شريح القاضي، ومضت السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أنه لا يحبس على الديون ولكن يتلازم الخصمان).

(3)

ينظر: الفروع 6/ 455.

(4)

ينظر: المبسوط 20/ 88، المدونة 4/ 79، الأم 3/ 217، المغني 4/ 329.

(5)

أخرجه الطبراني (5939)، والدارقطني (4551)، والحاكم (2348)، وفيه إبراهيم بن معاوية الكرابيسي، ضعيف الحديث جدَّا، قال العقيلي - وقد ذكر له هذا الحديث -:(لا يُتابع على حديثه)، وآفة رفع الحديث منه.

وأخرجه مرسلاً البيهقي في الكبرى (11262)، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، قال البيهقي:(وكذلك رواه عبد الله بن المبارك، عن معمر، لم يقل: عن أبيه، وقال: عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك). وأخرجه أبو داود في المراسيل (171) مرسلاً بنحوه، قال العقيلي:(وقال الليث: عن يونس، عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك)، والحديث صححه موصولاً الحاكم وابن الملقن، ورجح الإرسال البيهقي وابن عبد الهادي والألباني، وقال العقيلي:(والقول ما قال يونس ومعمر). ينظر: الضعفاء للعقيلي 1/ 68، تنقيح التحقيق 4/ 131، المحرر (989)، البدر المنير 6/ 645، الإرواء 5/ 260.

ص: 485

وظاهِرُه: يَجِبُ، نَقَلَ حَرْبٌ: إذا تقاعد بحقوق النَّاس؛ يُباع عليه ويُقْضَى

(1)

.

وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: لا يَلزَمُه ذلك

(2)

، وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفروع» .

فرعٌ: إذا مَطَلَه بِحَقِّه حتَّى شكا عليه؛ فما غرمه بسبب ذلك فعلى المماطِل.

(وَإِنِ ادَّعَى الْإِعْسَارَ، وَكَانَ دَيْنُهُ عَنْ عِوَضٍ؛ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ)، زاد جماعةٌ: والغالِبُ بَقاؤه؛ (حُبِسَ)؛ لأِنَّ الأصلَ بقاءُ مالِه، وحَبْسُه وسيلةٌ إلى قضاء دَينه؛ كالمقِرِّ بيساره.

وكذا إذا لَزِمَه عن غير مالٍ

(3)

؛ كالضَّمان، وأقرَّ بالملاءة؛ فيُقبَل قَولُ غريمه: إنَّه لا يَعلَم عُسْرتَه بِدَينه.

(إِلَى أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً

(4)

عَلَى نَفَادِ مَالِهِ)؛ أيْ: تَلَفه، وتُقْبَل البيِّنةُ من أهل الخِبرة الباطنة وغيرها؛ لأِنَّ التَّلَفَ

(5)

يُطَّلَعُ عليه، (أَوْ إِعْسَارِهِ)؛ لأِنَّ البيِّنةَ تُظْهِر عُسْرَتَه، فوجب اعتبارُها، وحِينَئِذٍ: لا يجوز حَبْسُه، ويجب إنظارُه، ولا تَحِلُّ

(6)

ملازمتُه؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البَقَرَة: 280].

(1)

ينظر: الفروع 6/ 455.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 23، الفروع 6/ 455.

(3)

قوله: (غير مال) هو في (ق): غيره.

(4)

في (ح): البينة.

(5)

في (ق): تطلع.

(6)

في (ظ): ولا يحل.

ص: 486

ويُعْتبَر

(1)

في البيِّنة به: أن تكون

(2)

من أهل الخبرة الباطنة، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» .

(وَهَلْ يَحْلِفُ مَعَهَا)؛ أيْ: مع البيِّنة أنَّه مُعْسِرٌ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما: لا يَحْلِف، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ

(3)

، قال القاضي: سواءٌ شَهِدت بتَلَف المال أو الإعسار؛ لأِنَّها بيِّنةٌ مقبولةٌ، فلم يُسْتَحْلَف معها؛ كما لو شَهِدتْ بأنَّ هذا عبدُه.

والثَّاني: بلى، وذَكَرَه ابن أبي موسى عن أصحابنا، لاِحْتِمال أن يكون له مالٌ باطِنٌ خفِيَ على البيِّنة.

والمذهب، كما قطع به الشَّيخان، وصحَّحه في «الرِّعاية» و «الفروع»: أنَّها إن شَهِدَتْ بالتَّلَف، فطُلب منه اليمينُ على عُسْرته؛ لَزِمَه ذلك؛ لأنَّ اليمين على أمرٍ مُحتَمِلٍ خلاف ما شهدت به البيِّنةُ، وإن شهدت بالإعسار؛ فلا؛ لِمَا فيه من تكذيب البيِّنة.

تنبيهٌ: ظاهِرُ كلامهم: أنَّه متى توجَّه حَبْسُه؛ حُبِسَ، ولو

(4)

كان أجيرًا في مدَّة الإجارة، أو امرأةً مُزوَّجةً؛ لأِنَّ الإجارةَ والزَّوجيَّة لا تمنع من

(5)

الحَبْس إن قيل به.

وذَكَرَ الشَّيخ تقيُّ الدِّين فيما إذا كان المدَّعِي امرأةً على زوجها، فإذا حُبِس؛ لم يَسقُط

(6)

من حقوقه عليها شَيءٌ قبل الحبس، بل

(7)

يَسْتَحِقُّه عليها؛

(1)

في (ظ): وتعتبر.

(2)

في (ظ): يكون.

(3)

ينظر: الهداية ص 274.

(4)

في (ق): وإن.

(5)

قوله: (من) سقط من (ح).

(6)

في (ق): لم تسقط.

(7)

زيد في (ح): من.

ص: 487

كحَبْسه في دَينِ غيرِه، فله إلْزامُها بملازمة بيته

(1)

، فإن خاف أن تَخرُج منه بلا إذنه؛ فله أن يُسكِنَها حيث لا يمكنها الخروجُ، كما لو سافر عنها

(2)

.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ)؛ أيْ: لم

(3)

يكن دَينُه عن عِوَضٍ؛ كأرْش جِنايةٍ، أو قِيمةِ مُتْلَفٍ، أو مَهْرٍ، أوْ عِوَضِ خُلْعٍ، أوْ ضَمانٍ، ولم يُقِرَّ بالملاءة، ولم يُعرَفْ له مالٌ سابِقٌ؛ (حَلَفَ) أنَّه لا مالَ له، (وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ)؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ المال، قال ابنُ المنذِر: (الحَبْسُ عُقوبةٌ، ولا نَعلَمُ

(4)

له ذَنْبًا يُعاقَب به)

(5)

، والأصلُ عدَمُ مالِه، بخلاف مَنْ عُلِمَ له مالٌ، فإنَّه يُحبَسُ حتَّى يُعلَم ذَهابُه.

وفي «التَّرغيب» : يُحبَسُ إلى ظهور إعْسارِه، وفي «البُلْغة»: إلى أنْ يَثْبُتَ.

وظاهِرُ الخِرَقِيِّ: يُحبَسُ في الحالَينِ.

والمذْهَبُ ما تَقدَّمَ.

مسألةٌ: يَحرُم أنْ يُحلَّف مُعْسِرٌ: لا حقَّ عليه، ويتأَوَّلُ، نَصَّ عليه

(6)

.

ومن سُئِل عن غَريبٍ، وظَنَّ إعْسارَه؛ شَهِدَ.

فائدةٌ: قال أحمدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا

(7)

عبد الوارِث، ثَنَا محمَّدُ بن جحادة

(8)

، عن سُلَيمانَ بنِ بُرَيدةَ، عن أبيه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أنْظَرَ مُعْسِرًا؛ فله بكلِّ يَومٍ مثلُه صَدَقةً قَبْل أن يَحِلَّ الدَّينُ، فإذا حلَّ الدَّينُ، فأَنْظَرَه؛ فله بِكلِّ يَومٍ

(1)

في (ظ) و (ق): ملازمة بينة.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 459، الاختيارات ص 201.

(3)

قوله: (لم) سقط من (ح).

(4)

في (ق): ولا يعلم.

(5)

ينظر: الإشراف 6/ 254.

(6)

ينظر: مسائل صالح 2/ 26.

(7)

في (ظ): وثنا.

(8)

في (ح): جحارة.

ص: 488

مِثْلَيهِ صَدَقة» إسنادُه

(1)

جيِّدٌ

(2)

.

(وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ

(3)

لَا يَفِي بِدَيْنِهِ)؛ أيْ: الحالِّ، ولا كَسْبَ له، ولا ما يُنفِق منه غَيرَه، أوْ خِيفَ تصرُّفه فيه، (فَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ؛ لَزِمَتْهُ إِجَابَتُهُمْ)؛ لأِنَّه «عليه السلام حَجَرَ على معاذٍ لَمَّا سأله غُرَماؤه»

(4)

، والأصحُّ: أنَّ طَلبَ البَعْضِ كالكُلِّ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يُحْجَر عليه من غير سؤال الغرماء، لكِنْ لو طَلَبَه المفلِس وحدَه؛ فوجهان، المذهب: لا يَلزَمه إجابتُه.

(وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ)؛ أيْ: إظْهار الحَجْر عليه، (وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ في ذلك إعْلَامًا للنَّاس بحاله، فلا يُعامِلُه أحدٌ إلاَّ على بصيرةٍ، ولِيَثْبُت عند حاكِمٍ آخَرَ، فلا يحتاج إلى ابتداء حجْرٍ ثانٍ.

وهل للحاكم أن يَشفَع في إسقاط بعض الدَّين؟ على روايتَينِ.

(1)

في (ق): إسناد.

(2)

أخرجه أحمد (23046)، والروياني في مسنده (13)، والطّحاوي في المشكل (3810)، والحاكم (2225)، وسنده صحيح على شرط مسلم، وقد صححه الحاكم، والذهبي، والحديث أخرجه ابن ماجه (2418)، من طريقٍ أخرى وفي سنده: نُفيع بن الحارث، أبو داود الأعمى، السَّبيعي الكوفي القاصّ: وهو متروك، مجمع على ضعفه.

ينظر: تهذيب الكمال 30/ 11، مصباح الزجاجة 3/ 65، الإرواء 5/ 253.

(3)

قوله: (له مال) هو في (ظ): ماله.

(4)

تقدم تخريجه 5/ 485 حاشية (5).

ص: 489

(فَصْلٌ)

(أَحَدُهَا: تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ)؛ لأِنَّه لو لم يكن كذلك؛ لَمَا كان في الحَجْر عليه فائدةٌ، ولأِنَّه يُباع في دُيونهم، فكانت

(1)

حقوقُهم متعلِّقةً به كالرَّهن، (فَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ حقوقَ الغرماء متعلِّقةٌ بأعيان ماله، فلم يُقبَل الإقرارُ عليه؛ كالعَين المرهونة.

(وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ)؛ لأِنَّه محجورٌ عليه بِحُكْم الحاكم، أشْبه السَّفيه، ومرادُهم بالتَّصرُّف: إذا كان مستأنَفًا، فإن كان غَيرَ مُسْتَأْنَفٍ؛ كردٍّ بِعَيبٍ اشتراه قبل الحَجْر وفسخه بالخيار المشترط

(2)

قبل الحَجْر؛ نُفِّذ، ولا يَتَقَيَّد بالْأَحَظِّ في أصحِّ الوجْهَينِ، قالَه في «البُلْغة» .

(إِلاَّ الْعِتْقَ فِي

(3)

إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)؛ كالتَّدْبِيرِ، اخْتارها أبو بَكْرٍ؛ لأِنَّه عِتْقٌ من مالِكٍ، فَنَفَذَ كالراهن

(4)

، ولأِنَّ الشَّارع مُتَشَوِّفٌ إليه، ولذلك صحَّ مُعَلَّقُه وكَمُلَ مبعضُه

(5)

، زاد في «المستوعب»: وصدقةٌ بيسيرٍ.

والثَّانية: لا يَنْفُذُ، اختارها أبو الخَطَّاب في «رؤوس المسائل» ، وصحَّحها في «المغني» و «الشَّرح» ، وهي المذهبُ؛ لأِنَّه ممنوعٌ من التَّبرُّع لِحَقِّ الغرماء، فلم يَنفُذْ عِتْقُه؛ كالمريض الذي يُسْتَغْرَقُ بِدَيْنِه مالُه، ولأِنَّ الحاكِمَ لم يُنْشِئِ الحَجْر إلاَّ للمنع من التصرف، وفي صحَّة العتق إبطالٌ لذلك.

(1)

في (ح): فكان.

(2)

في (ح): المشترى.

(3)

في (ح): على.

(4)

في (ح): كالرهن.

(5)

في (ح): يبعضه.

ص: 490

وعُلِم من ذلك: أنَّ تصرُّفَه في ملكه بالبيع ونحوه قبل الحَجْر عليه صحيحٌ، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأِنَّه رشيدٌ غيرُ محجورٍ عليه، ولأنَّ سببَ المنْع الحَجْرُ، فلا يتقدَّم سبَبُه.

وقيل: لا يَنفُذُ، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

.

وعنه: له مَنْعُ ابنِه من تصرُّفه في ماله إن أضرَّه.

وعلى الأوَّل: يَحرُم إنْ أضرَّ بغريمه، ذَكَرَه الأدَميُّ البغداديُّ.

فرعٌ: لو اكترى

(3)

جملاً بعَينه أوْ دارًا؛ لم يَنفَسخ بالفَلَس، والمكْتَرِي أحقُّ بها حتَّى تَنقضِيَ مُدَّته.

آخَرُ: يُكفِّر هو وسفيهٌ بصومٍ، فإن فُكَّ حَجْرُه قبل تكفيره وقَدرَ؛ كفَّر بغيره.

(وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ، أَوْ ضَمَانٍ، أَوْ إِقْرَارٍ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه أهْلٌ للتصرف

(4)

، فالحَجْر متعلِّقٌ بماله لا بذِمَّته

(5)

، فوجَبَ صحَّةُ تصرُّفه في ذمَّته؛ عَمَلاً بأهليَّته السَّالمة عن معارضة

(6)

الحَجْر، (وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ)؛ لأِنَّه حقٌّ عليه، لم يتعلَّق بماله قبل فكِّ الحَجْر لِحَقِّ الغرماء، فوجَبَ أنْ يُتْبَعَ به بعد فَكِّ الحَجْر عنه؛ لزوال العارِض، ولَيس لأِرباب هذه الحقوق مشارَكة الغرماء؛ لأِنَّ مَنْ عَلِم بِفَلَسِه وعامَلَه؛ فقد رضِيَ بالتَّأخير، ومن لم يَعلَمْ فقد فرَّط.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 464.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 464، الاختيارات ص 202.

(3)

في (ح): اشترى.

(4)

في (ح): المتصرف.

(5)

زاد في (ظ): منه.

(6)

في (ح): معاوضة.

ص: 491

أمَّا إنْ ثَبَتَ عليه حقٌّ بِبَيِّنةٍ؛ شارَك صاحبُه الغُرَماءَ؛ لأِنَّه دَينٌ ثابِتٌ قَبْلَ الحَجْر عليه، أشْبَهَ ما لو شَهِدَ به قبل الحَجْر.

(وَإِنْ جَنَى) المفْلِسُ؛ (شَارَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءَ)؛ لِأَنَّ حقَّه ثَبَتَ على الجانِي بغير اخْتِيارِ مَنْ له الحَقُّ، ولم يَرْضَ بتأخيره كما قَبْلَ الحَجْر عليه.

وحُكْمُ الجناية إذا كانَتْ مُوجِبةً للقصاص، وصُولِحَ على مالٍ؛ حُكْمُ الجناية الموجِبةِ للمال ابْتِداءً.

لا يُقالُ: أَرْشُ الجناية هنا يُقدَّم

(1)

على الغرماءِ، كما تُقدَّم جناية العبد المرهون على حقِّ المرتَهِنِ؛ لأِنَّ دَين الجناية والغرماءِ يَتَعلَّق فيهما بالذِّمَّة، بخلاف جناية العبد المرهون، فإنَّها متعلِّقةٌ بالعَين، تفوت

(2)

بفواتها.

(وَإِنْ جَنَى عَبْدُهُ؛ قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ

(3)

؛ لأِنَّ حَقَّه تعلَّق بالعَين، فيُقدَّم على مَنْ تعلَّق حقُّه بالذِّمَّة، كما يُقدَّم حقُّ المرتَهِن بثمن الرَّهن على الغرماء، ولأِنَّ حقَّ المجْنِيِّ عليه يُقدَّم على حقِّ المرتَهِن، فأَوْلَى أنْ يُقدَّم على حقِّ الغرماء.

مسألةٌ: إذا وَجَبَ له قَوَدٌ؛ فله أخْذُه وتَرْكُه مجَّانًا، نَصَّ عليه

(4)

، وما أخَذَه، أو عفا عنه؛ فللغرماء أخْذُه.

وكذا لو عفا مطلَقًا، وقلنا: الواجِب بقَتْل العمد أحَدُ شَيئَينِ.

(1)

في (ق): تقدم.

(2)

في (ح): يفوت.

(3)

في (ظ): بيمينه.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 476.

ص: 492

(فَصْلٌ)

(1)

الحُكمُ

(2)

(الثَّانِي: أَنَّ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ عَيْنًا بَاعَهَا إِيَّاهُ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا)، رُوِيَ عن علِيٍّ

(3)

، وعَمَّارٍ

(4)

، وأبي هُرَيرةَ

(5)

؛ لحديث أبِي هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَدْرَك مَتاعَه عند إنْسانٍ أفْلَسَ؛ فهو أحقُّ به» متَّفَقٌ عليه

(6)

.

قال أحْمدُ: لَوْ أنَّ حاكِمًا حَكَمَ أنَّه أُسْوةُ الغُرَماء، ثُمَّ رُفِع إلى رجُلٍ يرى

(1)

في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

(2)

قوله: (الحكم) سقط من (ح).

(3)

قال ابن المنذر في الإشراف: (وقد روينا عن عثمان بن عفان وعلي رضي الله عنهما وغيرها هذا القول، ولا نعلم أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خالف عثمان بن عفان وعليًّا)، وذكره عنه البيهقي في المعرفة 8/ 246، وذكره الخطابي في معالم السنن 3/ 157، ولم نقف عليه.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وتبعه في الكشاف، والذي في المغني:(عن عثمان) مكان (عمار).

وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه إسماعيل بن جعفر في حديثه (321)، والدارقطني (2915)، والبيهقي في الكبرى (11253)، وابن حجر في التغليق (3/ 320)، عن سعيد بن المسيب، قال:«أفلس مولًى لأم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فاختصم فيه إلى عثمان، فقضى عثمان: أن من كان اقتضى من حقه شيئًا قبل أن يتبين إفلاسه فهو له، ومن عرف متاعه بعينه فهو له» ، وعلقه البخاري بصيغة الجزم 3/ 118، قال الحافظ في الفتح 5/ 63:(وصله أبو عبيد في كتاب الأموال والبيهقي بإسناد صحيح إلى سعيد).

(5)

أخرجه ابن ابي شيبة (20107)، عن عمرو بن دينار، عمن حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:«من وجد عين ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به ممن سواه» ، وفيه راو مبهم.

وأخرج أبو داود الطيالسي (2497)، والشافعي في الأم (3/ 203)، وأبو داود (3523)، وابن ماجه (2360)، والدارقطني (2900)، وابن الجارود (634)، والحاكم (2314)، والبيهقي في الكبرى (11254)، عن أبي المعتمر، عن عمر بن خلدة، قال: أتينا أبا هريرة في صاحب لنا أفلس، فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أفلس أو مات، فوجد رجلٌ متاعه بعينه، فهو أحق به» ، وأبو المعتمر لا يُعرف حاله كما في الميزان 4/ 575، وبه ضعفه الطحاوي في مشكل الآثار 12/ 21، وأصله في الصحيحين كما سيأتي.

(6)

أخرجه البخاري (2402)، ومسلم (1559).

ص: 493

العملَ بالحديث؛ جاز له نَقْضُ حُكْمِه

(1)

، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» . ويَحْتَمِل ألَّا يُنقَضَ.

وحِينَئِذٍ البائعُ بالخِيار بين الرُّجوع فيها، وبَينَ أن يكون أُسْوةَ الغُرَماء.

وسواءٌ كانت السِّلْعةُ مساوِيةً لِثَمَنِها، أوْ لا.

وظاهِرُه: لا يَفْتَقِر الفَسْخُ إلى حُكْمِ حاكِمٍ؛ لِثُبوته بالنَّصِّ؛ كفَسْخِ المعتَقَة.

وقيل: بلى

(2)

؛ بِناءً على تسويغ

(3)

الاجتهاد.

وهو على التَّراخِي؛ كالرُّجوع في الهِبة.

وقيل: على الفَور، نَصَرَه القاضي؛ كخِيار الشُّفْعة.

وهما مَبْنِيَّانِ على الرِّوايَتَينِ في الرَّدِّ بالعَيب، قاله في «الشَّرح» .

فلو بذل الغُرماء الثَّمنَ لصاحب السِّلعة؛ لم يَلزَمْه قَبولُه، نَصَّ عليه

(4)

.

فإنْ دَفَعُوا الثَّمن إلى المفْلِس فبَذَلَه للبائع؛ لم يَكُنْ له الفَسْخُ؛ لأِنَّه زال العَجْز عن تسليم الثَّمن، فزال ملْكُ الفسخ، كما لو أسقط الغُرماء حقَّهم.

وفِيما إذا باعه بعد حَجْره في ذِمَّته وتعذَّر الاِسْتِيفاء؛ فأقوال

(5)

، ثالِثُها: له خيار الفسخ إذا كان جاهِلاً به، وهو ظاهِر كلام جماعة؛ لأِنَّ العالِمَ دَخَل على بصيرةٍ بخَراب الذِّمَّة، كما لو اشترى مَعِيبًا يَعلَم عَيبَه، بخلاف الجاهل.

ويُسْتَثْنى من ذلك: ما إذا كان المبيعُ صَيدًا، والبائعُ مُحرِمٌ، فإنَّه لا يَملِك الرُّجوعَ فيه، كما لو اشْتراه.

وظاهِرُه اخْتِصاصُ هذا الحُكمِ بالبيع، وليس كذلك، فلو اقْتَرض مالاً ثُمَّ

(1)

ينظر: المغني 4/ 307.

(2)

قوله: (بلى) سقط من (ظ).

(3)

في (ظ): تنويع.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 476.

(5)

في (ح): أقوال.

ص: 494

أفْلَسَ، وعَيْنُ المال قائمةٌ

(1)

؛ فله الرُّجوعُ فيها، أو أصْدق

(2)

امرأةً عَيْنًا، ثمَّ انْفَسَخَ نكاحُها بسببٍ مِنْ جِهَتِها يُسْقِطُ صَداقَها، أو

(3)

طلَّقها قَبْل الدُّخول فاسْتَحَقَّ الرُّجوعَ في نصفه، وقد أفْلَسَتْ وَوَجد عَينَ ماله؛ فهو أحقُّ به.

وظاهِرُه: أنَّه لا رجوعَ لِوَرثة البائع؛ لظاهر الخبر، والأصحُّ: أنَّه يَثْبُت لهم.

(بِشَرْطِ: أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا) إلى أخْذِها؛ لِمَا رَوَى أبو بَكْرِ بن عبد الرَّحمن بن الحارِث بن هِشامٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما رَجُلٍ باعَ مَتاعًا فأفْلَسَ الذي ابْتاعَه، ولم يَقْبِض الذي باعَه مِنْ ثَمَنِه شَيْئًا، فوجَد متاعَه بِعَينه؛ فهو أحقُّ به، وإنْ ماتَ المشْتَرِي؛ فصاحِبُ المتاع أُسْوةُ الغُرماءِ» رواه مالِكٌ وأبو داودَ مُرْسَلاً، ورواه أبو داودَ مُسْنَدًا من حديثِ إسْماعِيلَ بن عياش

(4)

، عن الزُّبَيْدِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي بَكْرٍ، عن أبي هُرَيرةَ، قال أبو داودَ:(وحديثُ مالِكٍ أصحُّ)

(5)

.

(1)

في (ق): باقية. والمثبت موافق للشرح الكبير 13/ 262.

(2)

في (ق): أخذت.

(3)

في (ح): إن.

(4)

في (ح): عباس.

(5)

أخرجه مالك (2/ 678)، ومن طريقه أبو داود (3520)، والطحاوي في شرح المشكل (4605)، عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مرسلاً. وأخرجه أبو داود (3522)، وابن الجارود (632)، والدارقطني (2904)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن محمد بن الوليد، عن الزهري به موصولاً، وعند ابن الجارود (632)، والطحاوي في شرح المشكل (4607)، والدارقطني (2903)، عن موسى بن عقبة، عن الزهري موصولاً كذلك. وإسماعيل بن عياش متكلّم فيه من قبل حفظه، وإن كان حديثه عن الشّاميين أصحُّ وأثبت من غيرهم، إلاَّ أنه خالف كبار الأئمة الثقات من أصحاب الزهري، فالمرسل هنا أصح، ورجّحه أبو داود وأبو حاتم وابن عبد الهادي، وقال ابن الجارود:(رواه مالك وصالح بن كيسان ويونس، عن الزهري، عن أبي بكر مطلقٌ - أي مرسل -، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهمْ أَولى بالحديث)، يعني: عن طريق الزهري. وقال الدارقطني: (إسماعيل بن عيّاش مضطرب الحديث، ولا يثبتُ هذا عن الزهريّ مُسندًا، وإنما هو مرسلٌ). ينظر: العلل لابن أبي حاتم 3/ 628، السنن الكبرى للبيهقي 6/ 77، المحرر (900)، البدر المنير 6/ 653.

ص: 495

فعلى هذا: البائعُ أُسْوةُ الغُرَماء، سواءٌ عَلِمَ بفَلَسِه قبل الموت فحُجر عليه

(1)

ثمَّ مات، أو مات فتبيَّن فَلَسُه، ولأِنَّ الملكَ انتقل عن المفْلِس إلى الورثة، أشْبَه ما لو باعه.

وعنه: له الرُّجوعُ؛ لِمَا رَوَى عُمرُ بنُ خَلْدةَ قال: أتَيْنا أبا هريرة في صاحبٍ لنا قد أفْلَس، فقال: لأَقضين

(2)

فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أفْلَس أو مات، فوَجَد رجلٌ متاعَه بِعَينه؛ فهو أحقُّ به» رواه أبو داودَ

(3)

.

وجوابُه: بأنَّه مجهولُ الإسْناد، قاله ابنُ المنذِر

(4)

.

وهذا الشَّرْطُ لم يَذْكُرْه في «التَّلخيص» و «البُلغة» .

(وَلَمْ يَنْقُدْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا)، ولا أُبْرِئَ مِنْ بعضه، فإن كان قد نَقَدَ من ثَمَنِها، أو أبرئ منه؛ فهو أسوة الغرماء؛ لأنَّ في الرُّجوع في قِسْطِ ما بَقِيَ تَبْعِيضًا للصَّفقة على المشتري، وإضْرارًا له.

(1)

قوله: (فحجر عليه) هو في (ق): فعجز عنه.

(2)

في (ح): لا أقضين.

(3)

أخرجه أبو داود (3523)، والطيالسي (2497)، والدارقطني (2900)، والبيهقي في الكبرى (11254)، وفي سنده: أَبُو المعتمر بن عمرو بن رافع المدني، وهو مجهول الحال كما قاله ابن حجر، وقال الذهبي:(لا يُعرف)، والحديث بهذا اللفظ:«من أفلس أو مات» ، ضعفه الطحاوي، وتكلّم فيه ابن المنذر وابن عبد البر والألباني، وحسَّنه ابن حجر.

وأخرجه أحمد (10596)، وإسحاق بن راهويه (106)، وابن الجارود (630)، وأبو عوانة (5223)، والطحاوي (4600)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 361)، من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«من أفلس بمال قومٍ، فوجد رجلٌ متاعَه بعينه فهو أحقُّ به من غيره» ، قال أبو نعيم:(صحيح ثابت متفق عليه)، وقد أخرجه الشيخان بلفظ مقارب، وتقدم تخريجه. ينظر: التمهيد 8/ 410، المحرر (901)، ميزان الاعتدال 4/ 575، الفتح 5/ 64، الإرواء 5/ 272.

(4)

ينظر: الإشراف 6/ 246.

ص: 496

لا يقال: لا ضَرَرَ فيه؛ لكون مال المفلِس يُباع ولا يَبْقَى؛ لأِنَّ الضَّرَر مُتَحَقِّقٌ مع البيع، فإنَّه لا يُرغَب فيه كالرَّغبة منفَرِدًا، فيَنقُص ثَمَنُه، فيتضرَّر المفلِسُ والغُرَماء، ولأِنَّه سَبَبٌ يُفسَخ به البَيعُ، فلم يَجُزْ مع تَشْقِيصه كالرَّدِّ بالعَيب.

(وَالسِّلْعَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا)؛ للخبر، فلو ذَهَبَ بعضُ أطْراف العبد، أو عَينُه، أوْ بعضُ الثَّوب، أو انْهدَم بعضُ الدَّار، أوْ تَلِفَتِ الثَّمَرَةُ فيما إذا اشْتَرى شَجَرًا مثمرًا

(1)

لم تَظْهَرْ ثَمَرَتُه، قاله في «الشَّرح» ؛ فهو أُسْوةُ الغُرَماء؛ لأِنَّه لم يَجِدْها بِعَينها؛ إذِ الشَّارِع جعله

(2)

شرطًا فِي الرُّجوع.

ولا فَرْقَ بَينَ أنْ يرضى بالموجود بجميع الثَّمن، أو يأخذه بقِسْطه منه؛ لأِنَّه فات شَرْطُ الرُّجوع.

فإنْ باع بعضَه، أوْ وَهَبَهُ، أوْ وَقَفَه، أوْ خَلَطَه بغَيره على وجْهٍ لا يَتَميَّزُ؛ كزَيْتٍ بمثله؛ فهو كَتَلَفِه.

وظاهِرُه: ولو كان المبيعُ عَينَينِ، وفيه روايتانِ:

إحداهما، ونقلها أبو طالِبٍ: لا رُجوعَ

(3)

، بل هو أسوةُ الغرماء؛ لأِنَّه لم يَجِدِ المبيعَ بعَينه.

والثَّانيةُ: بلى، ونقلها

(4)

الحسن بن ثواب

(5)

، وقدَّمها في «المحرَّر» ؛ لأِنَّ السَّالِمَ من المبيع وَجَدَه بعَينه، فيدخل في العموم، وحينئِذٍ يأخذ الباقِيَ بقِسْطِه من الثَّمن.

(1)

في (ح): مستمرًا.

(2)

قوله: (جعله) سقط من (ح).

(3)

ينظر: المغني 4/ 310.

(4)

في (ح): نقلها.

(5)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 372، المغني 4/ 310.

ص: 497

وعليها: يُفرَّق بَيْنَها وبين ما إذا قَبَضَ بعضَ الثَّمن؛ لأِنَّ المقبوضَ من الثَّمن مُقسَّط

(1)

على المبيع، فيَقَعُ القَبْضُ من ثَمَنِ كلِّ واحدةٍ من العَينَينِ، وقَبْضُ شَيءٍ من ثَمَنِ ما يُريد الرُّجوعَ فيه مُبْطِلٌ له، بخلاف التَّلَف، فإنَّه لا يَلزَمُ من تَلَفِ أَحَدِ العَيْنَيْنِ تَلَفُ شَيْءٍ من العَين الأخرى.

(وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا؛ كَنَسْجِ الْغَزْلِ، وَخَبْزِ الدَّقِيقِ)، وجَعْلِ الزَّيْت صابُونًا، والخَشَبَةِ بَابًا، والشَّرِيط إبرًا، ونحوِ ذلك؛ لأِنَّه لم يَجِدْ متاعَه بعَينه، فلم يكن له الرُّجوعُ كالتَّلَف، وكما لو كان نَوًى فَنَبَتَ شَجَرًا، قاله ابنُ المنَجَّى.

وفيه شَيءٌ، فإنَّهم اختَلَفوا في الحَبِّ إذا صار زَرْعًا، وبالعكس، والنَّوى إذا نبت شَجَرًا، والبَيْض إذا صار فرخًا

(2)

، فذهب القاضي وصاحب «التَّلخيص»: أنَّه لا يَسقُط الرُّجوعُ؛ لأِنَّ الخارِجَ هو نفسُه، والأَشْهَرُ عندنا: أنَّه لا يَمْلِكُ الرُّجوعَ، كما هو ظاهِرُ كلامِ المؤلِّف.

ودخل في كلامه: ما لو كان المبيعُ أمَةً بِكْرًا فوطِئَها المشْتَرِي؛ أنَّه لا رجوعَ له؛ لِمَا ذَكَرْنا.

وفيه وجْهٌ: بلى، كالرَّدِّ بالعَيب في الأصحِّ.

وَوَطْءُ غَيره كهُوَ.

(وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ) للغَير، (مِنْ شُفْعَةٍ)، وجَزَم به المحقِّقون؛ لأِنَّ حقَّه أسْبَقُ؛ لكونه ثبت بالبيع، والبائعُ حَقُّه ثبت بالحَجْر، وما كان أسْبَقَ فهو أَوْلَى.

وقال ابنُ حامِدٍ: للبائع أخْذُه؛ لعموم الخبر.

(1)

في (ح): مسقط.

(2)

في (ظ): فراخًا.

ص: 498

وفي ثالِثٍ: إنْ طالَب بها فهو أحقُّ؛ لتأكُّد حقِّه بالمطالَبة، وإلاَّ فلا.

(أَوْ جِنَايَةٍ)، فإن كان المبيعُ عَبْدًا فجَنَى، ثمَّ أفلس المشتري؛ فالمذهَبُ: أنَّ البائعَ أُسْوةُ الغرماء؛ لأِنَّ الرَّهْنَ يَمْنَع الرُّجوعَ، وحقُّ الجناية مُقدَّمٌ

(1)

عليه، فأَوْلَى أنْ يَمنَع.

والثَّاني: لا يَمنَع، لأِنَّه حقٌّ لا

(2)

يمنع تصرُّف السَّيِّد بالبَيع وغيره، فلا يَمنَع الرُّجوع، كما لو ثَبَت في ذمَّته دَينٌ، فعلى هذا: يخيَّر؛ إن شاء رجع فيه ناقِصًا بأَرْش الجناية، وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء.

وقيل: ما نقص مِنْ قيمته رَجَع بقِسْطه من ثمنه.

(أَوْ رَهْنٍ)، بغير خلافٍ نعلمه

(3)

؛ للخبر، ولأِنَّ المفلِسَ عَقَدَ قبل الفَلَس عَقْدًا مَنَعَ نفسَه من التَّصرُّف، فلم يملك الرُّجوعَ، كما لو وهبه، ولأِنَّ في الرُّجوع إضرارًا بالمرتَهِن، والضَّرَر لا يُزالُ بمثله، فإن كان دَينُ المرتَهِن دون قيمة الرَّهن؛ بِيعَ كلُّه، فقضى

(4)

منه دَينه، وباقيه يُرَدُّ على مال المفلِس، فإن بِيع

(5)

بعضه؛ فباقيه يَشْتَرِك فيه الغُرماءُ.

وقال القاضي: يَرجِع فيه البائعُ؛ لأِنَّه عَينُ ماله.

فلو كان المبيعُ عَينَينِ، فرَهَن إحداهما؛ فهل يَمْلِك البائعُ الرُّجوع في الأخرى؟ على وجْهَينِ، بناءً على الرِّوايتَينِ فيما إذا تَلِفَت إحداهما.

(وَنَحْوِهِ)؛ كالعِتْق.

مسألةٌ: إذا أفْلَس بعد خروجه من ملْكِه بِوَقْفٍ ونحوه؛ فلا رجوعَ له.

(1)

في (ق): يقدم.

(2)

قوله: (لا) سقط من (ح). والمثبت موافق لما في المغني 4/ 324.

(3)

ينظر: المغني 4/ 323.

(4)

في (ح): يقضي.

(5)

في (ح): يبيع.

ص: 499

فإن أفلس بعد رجوعه إلى ملكه؛ فأوْجُهٌ، ثالثها: إن عاد إليه بفسخٍ كإقالةٍ؛ فله الرُّجوعُ، لا إذا عاد بسببٍ جديدٍ؛ لأِنَّه لم يَصِلْ إليه من جهته.

فلو اشتراها، ثُمَّ باعها، ثُمَّ اشتراها؛ فقيل: البائعُ الأوَّلُ أَوْلَى؛ لِسَبْقه، وقيل: يُقْرَعُ.

(وَلَمْ تَزِدْ

(1)

زِيَادَةً مُتَّصِلَةً؛ كَالسِّمَنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ)، هذا اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، وقاله في «الإرشاد» و «الموجَز» ؛ لأِنَّ الرُّجوعَ فَسْخٌ بسببٍ حادِثٍ، فلم يملك به

(2)

الرُّجوعَ في عَين المال الزَّائد زيادةً متَّصِلةً؛ كفَسْخِ النِّكاح بالإعسار، أو الرّضاع.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ)، هذا هو

(3)

المنصوص عن أحمدَ

(4)

، وهو المذهَبُ؛ لعموم الخبر؛ ولأِنَّه فَسْخٌ لا تَمنَع منه الزِّيادةُ المنفصِلةُ، فكذا المتَّصِلةُ؛ كالرَّدِّ بالعيب، وفارَق الرَّدُّ هنا الرَّدَّ بالفسخ بالإعسار أو الرضاع

(5)

؛ من حيثُ إنَّ الزَّوج يُمْكِنُه الرُّجوعُ في قيمة العَين، فيَحصُل له حقُّه تامًّا، وههنا لا يمكن البائعَ الرُّجوعُ في جميع الثَّمن؛ لمزاحَمة الغرماء، فلا يَحصُل له حقُّه تامًّا.

ونصر في «المغني» و «الشَّرح» الأوَّلَ.

(فَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ)؛ كالولد، والثَّمَرة، (وَالنَّقْصُ بِهُزَالٍ، أَوْ نِسْيَانِ صَنْعَةٍ؛ فَلَا تَمْنَعُ

(6)

الرُّجُوعَ)، بغَير خلافٍ بين أصحابنا، قاله في «الشَّرح» ،

(1)

في (ظ): يزد.

(2)

قوله: (به) سقط من (ظ).

(3)

قوله: (لا تمنع الرجوع هذا هو) سقط من (ح).

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 22.

(5)

في (ح): والرضاع. وفي (ق): إذ الرضاع.

(6)

في (ظ): فلا يمنع.

ص: 500

وفيه شَيءٌ؛ لأِنَّ البائعَ وَجَدَ عَينَ مالِه فكان أحقَّ به بخلاف المتَّصِلةِ.

وقيل: تَمنَع

(1)

، وحكاه في «الموجز» و «التَّبْصرة» روايةً كالمتَّصِلة.

وعلى الأوَّل: لا فَرْقَ بين أن تَنقُصَ

(2)

بالزيادة

(3)

، أو لا إذا كان على صِفَته.

(وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ) في ظاهر الخِرَقِيِّ، وقاله القاضي وابنُ حامِدٍ، وصحَّحه في «المغني» و «الشَّرح» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّها زيادةٌ حصلت

(4)

في مِلْكه؛ فكانت له، يؤيِّده:«الخَراجُ بالضَّمان»

(5)

.

(وَعَنْهُ: لِلْبَائِعِ)، نَصَّ عليه

(6)

، وهو الأَشْهَرُ؛ لأِنَّها زيادةٌ، فكانت للبائع؛ كالمتَّصِلة، وحكاه في «المغني» قولاً لأبي بَكْرٍ، وأنَّه أَخَذَه من قول أحمد في ولد الجارية، ونتاج الدَّابَّة، وقياسُهم على المتَّصِلة غَيرُ صحيحٍ؛ لأِنَّه يَتْبَعُ في الفسوخ والرَّدِّ بالعيب، بخلاف المنفصِلة

(7)

، قال في «المغني»: ولا ينبغي أن يَقَعَ في هذا خلافٌ؛ لظهوره.

وَأَمَّا نَقْصُ المال بِذَهابِ صِفةٍ مع بقاء عَينه؛ فلا يمنع؛ لأنَّ فقد الصِّفة لا يُخرِجه عن كونه عين

(8)

ماله، لكن يتخيَّر بين أخذه ناقصًا بجميع حقِّه، وبين أن يَضرِب مع الغرماء بكمال ثمنه؛ لأِنَّ الثَّمن لا يتقسَّط على صفة السِّلعة من

(9)

سِمَنٍ وهُزالٍ وعِلْمٍ ونحوه، فيصير كنقصه لتغيُّر الأسعار.

(1)

في (ظ): يمنع.

(2)

في (ظ): ينقص.

(3)

في (ح): الزيادة.

(4)

في (ح): جعلت.

(5)

تقدم تخريجه 5/ 130 حاشية (1).

(6)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 373.

(7)

في (ق): المتصلة.

(8)

في (ح): غير.

(9)

في (ق): في.

ص: 501

(وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ، أَوْ قَصَرَهُ)، أوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِزَيتٍ؛ (لَمْ يَمْنَعِ الرُّجُوعَ)، ذَكَرَه الأصحابُ؛ لأِنَّ العَينَ قائمةٌ مشاهَدةٌ لم يتغيَّر اسْمُها ولا صِفَتُها، (وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ)؛ لأِنَّها حصلت

(1)

بفعله في ملكه، فيكون شريكًا للبائع بما زاد عن قيمة

(2)

الثَّوب والسَّويق، وإن حصل نَقَصَ؛ فعلى المفلِس.

لكن إن نقصتْ قيمتُهما؛ فيُخيَّر البائع بين أخْذِهما ناقِصَينِ - ولا شَيءَ له - وبين تَرْكِهما، وهو أسوة الغرماء؛ لأنَّ هذا نَقَصَ صفتَه

(3)

فهو كالهُزال.

وقيل: لا رجوعَ إن زادت القيمةُ؛ لأِنَّه اتَّصل بالمبيع زيادةً للمفلِس، فمَنَعت

(4)

الرُّجوع كالسِّمَن.

وحاصله: إذا قَصَرَ الثَّوبَ لم يخلُ من حالين:

أحدهما: ألاَّ تزيد قيمتُه بذلك؛ فللبائع الرُّجوعُ.

والثَّاني: أن تزيدَ قيمتُه به، فظاهِرُ الخِرَقِيِّ: أنَّه لا يَمْلِكُ الرُّجوعَ؛ لأِنَّه زاد زيادةً لا تَتَمَيَّزُ؛ فهي كالسِّمَنِ.

وقال القاضي وأصحابُه: له الرُّجوع؛ لأِنَّه أدرك متاعَه بعينه، فعلى هذا: إن كانت القِصارة بفعل المفلِس، أو بأجرةٍ وفَّاها؛ فهما شريكان في الثَّوب، فإن اختار البائعُ دَفْعَ قيمة الزِّيادة إلى المفلِس؛ لَزِمه قَبولُها؛ لأِنَّه يتخلَّص بذلك مِنْ ضرر الشَّرِكة، أشبه ما لو دفع الشَّفيعُ قيمةَ البناء إلى المشتري.

وإن لم يَخْتَرْ؛ بِيعَ الثَّوبُ، وأَخَذَ كلُّ واحدٍ بقدر حقِّه؛ فلو كان قِيمةُ الثَّوب خَمسةً، فصار يساوي ستَّةً؛ فللمفلس سُدُسُه، وللبائع خمسةُ أسداسه.

وإن كان العمل من صانِعٍ لم يَسْتَوْفِ أجْرَه؛ فله حَبسُ الثَّوب على اسْتِيفاء

(1)

في (ح): جعلت.

(2)

في (ظ): قيمته.

(3)

في (ق): قيمته.

(4)

في (ظ): فتعين.

ص: 502

أُجْرته، اقْتَصَر عليه في «الشَّرح» .

(وَإِنْ غَرَسَ) المفلس (الأَرْضَ

(1)

، أَوْ بَنَى فِيهَا؛ فَلَهُ) أيْ: للبائع (الرُّجُوعُ)، هذا هو الأصحُّ، قبل قَلْعِ غَرْسٍ أوْ بِناءٍ؛ لأِنَّه أدرك متاعَه بعَينه، ومال المشتري دخل على وجْه التَّبَع؛ كالصَّبْغ، (وَدَفَعَ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ

(2)

، فَيَمْلِكُهُمَا

(3)

؛ لأِنَّهما حصلا في ملكه لغيره بحقٍّ، فكان له أخْذُه بقيمته كالشَّفيع، ويَملك البائعُ قَلْعَه، وضَمانَ نقصه؛ كالمعِير إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير.

والثَّاني: لا يَملِكُ الرُّجوعَ إلاَّ بعد القَلْع؛ لأِنَّه غَرْسُ المفلِس وبناؤه، فلم يُجبَرْ على بَيعِه لهذا البائع، ولا على قلعه، كما لو لم يَرجِع في الأرض.

وعلى الأوَّل: لو قَلَعَه المفلِس والغُرماءُ؛ لزمهم تسويةُ الأرض، وأرْش نَقْصها الحاصِلُ به، ويُضرَب بالنَّقص مع الغرماء، وعلى الثَّاني: لا.

(إِلاَّ أَنْ يَخْتَارَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ وَمُشَارَكَتَهُ بِالنَّقْصِ)؛ لأِنَّ البائِعَ لا حقَّ له في الغِراس والبِناء، فلا يَملِك إجْبارَ مالكهما على المعاوَضة، فعلى هذا: يَرجِع في أرضه ويَضرِب مع الغرماء بأرْش نقصها؛ لأِنَّ ذلك نَقْصٌ حصل لتخليص ملك المفلِس؛ فكان عليه، كما لو دخل فصيلٌ دارًا فكَبِر، ولم يُمكِنْ إخْراجُه إلاَّ بالاِنْهِدام.

(فَإِنْ

(4)

أَبَوُا الْقَلْعَ، وَأَبَى) البائعُ (دَفْعَ الْقِيمَةِ؛ سَقَطَ الرُّجُوعُ) في الأصحِّ؛ لِما فيه من الضَّرَر على المشتري والغرماء، والضَّرَرُ لا يُزالُ بمثله، ولأِنَّ عَينَ مال البائع صارتْ مشغولةً بملك غيره، فَسَقَطَ حقُّه من الرُّجوع، كما لو كان

(1)

قوله: (الأرض) سقط من (ظ).

(2)

في (ح): البناء والغراس.

(3)

في (ح): فيملكه.

(4)

في (ح): وإن.

ص: 503

مساميرَ، فسَمَر بها بابًا أو خَشَبَةً، فبنى عليها دارًا.

وظاهِرُه: أنَّهم إذا امتنعوا من القَلْع؛ لم يُجْبَرُوا؛ لوضعه بحقٍّ.

وقال القاضي: له الرُّجوعُ؛ لأِنَّه أدرك متاعَه بعَينه، وكالثَّوب إذا صبغه.

وجوابُه: المنْعُ، ولو سُلِّمَ؛ فيُفرَّق بينهما من حيثُ إنَّ الصِّبْغَ تَفرَّق

(1)

في الثَّوب، فصار كالصِّفة، بخلاف الغراس والبناء، فإنَّها أعيانٌ متميِّزةٌ، وبأنَّ الثوب لا يُراد للبقاء، بخلاف الأرض.

فعلى قوله: إذا رجع في الأرض؛ بقي الغراس والبناء للمفلِس.

فإنِ اتَّفقَ الجميعُ على البَيع؛ بِيعت الأرضُ بما فِيهَا، وأخَذَ كل واحدٍ قَدْرَ حِصَّته.

وقيل: يُباع الغرس مُفْرَدًا.

وعلى الأوَّل: يُقسَمُ الثَّمَن على قدر القِيمَتَينِ، فَتُقوَّمُ الأرضُ خاليةً، ثُمَّ تُقَوَّم وهما بها، فقيمة الأرض خاليةً للبائع، والزِّيادةُ للمُفلِس والغُرَماء.

تنبيهٌ: شَرَطَ بعضُ أصحابنا أيضًا: أن يكون الثَّمن حالًّا، فإن كان مؤجَّلاً؛ فلا رجوع للبائع، قاله أبو بَكرٍ وصاحِبُ «التَّلخيص» فيه؛ لعدم تمكُّنه من المطالَبة.

وظاهِرُ كلامه هنا، وقاله الأكثرُ: أنَّ هذا ليس بِشَرْطٍ.

والمنصوص: أنَّه يُوقَفُ إلى الأجل، ثُمَّ أُعْطِيَه

(2)

.

وقال ابن أبي موسى: له أخْذُه في الحال.

ومَحَلُّ الرجوع

(3)

: إذا استمرَّ العجز عن أخْذ الثَّمَن، فإن تجدَّد للمفلِس مالٌ بعد الحَجْر وقبل الرُّجوع؛ فلا رجوع إذَنْ.

(1)

في (ظ): يفرق.

(2)

ينظر: المحرر 1/ 345.

(3)

في (ح): العجز.

ص: 504

مسائلُ:

الأولى: لو اشْتَرى أرْضًا فزرعها، ثُمَّ أفْلَس؛ بقي

(1)

الزَّرع لِرَبِّه مَجَّانًا إلى الحَصاد، فإنِ اتَّفق المفلِسُ والغرماء على التَّرْك أو القطع

(2)

؛ جاز، فإن

(3)

اختلفوا وله قِيمةٌ بعد القطع؛ قُدِّم قَولُ مَنْ يَطلُبه.

الثَّانيةُ: إذا اشْتَرى نَخْلاً فأطْلَع، ثُمَّ أفْلَس قبل التَّأبِير؛ فالطَّلْع زيادةٌ متَّصلةٌ في الأصحِّ، وإن كان بعدَه؛ فمُنفَصِلةٌ، وحُكْمُ الشَّجَر كذلك.

الثَّالثةُ: إذا اشْتَرى غِراسًا فغَرَسَه في أرضه، ثُمَّ أفْلَسَ، ولم يزد

(4)

الغِراس؛ فله الرُّجوع فيه، فإنْ أخَذَه؛ لَزِمَه تَسويةُ الأرض وأرْش نقصها، فإن بَذَل الغُرَماء والمفْلِسُ له القِيمةَ؛ لم يُجْبَرْ على قَبولها، وإنِ امْتَنَع من القَلْعِ، فبذلوا القيمة له ليَمْلكه المفلِس، أو أرادوا قَلْعَه وضَمان النَّقص؛ فلهم ذلك، وكذا لو أرادوا قَلْعَه من غَير ضَمانِ النَّقْص في الأصحِّ.

الرَّابعةُ: إذا اشْتَرى أرْضًا من شخصٍ وغِراسًا من آخَرَ، وغَرَسَهُ فيها، ثُمَّ أفْلَسَ، ولم يَزِدْ؛ فَلِكُلٍّ الرُّجوعُ في عين ماله، ولصاحب الأرض قَلْعُ الغِراس من غير ضَمانٍ، فإنْ قَلَعَه بائعُه؛ لَزِمه تسويةُ الأرض وأرْشُ نقصها الحاصِلِ به، فإن بذل

(5)

صاحب الغِراس قِيمةَ الأرض لصاحبها؛ لم يُجبَرْ على ذلك، وفي العَكْس إذا امْتَنَع من القَلْع؛ له ذلك في الأصحِّ.

الخامسةُ: رجوعُ البائع؛ فسخٌ للبيع

(6)

، لا يَحتاج إلى معرفة المبيع، ولا

(1)

في (ح): يقر.

(2)

في (ح): القلع.

(3)

في (ح): وإن.

(4)

في (ظ): ولم تزد.

(5)

في (ح) و (ق): ترك.

(6)

في (ح): للمبيع.

ص: 505

إلى القدرة على تسليمه، فلو رجع بثمن

(1)

آبِقٍ؛ صحَّ، وصار له، فإن قَدر؛ أخَذَه، وإن تَلِفَ؛ فمن

(2)

ماله، وإن بان تَلَفُه حين استرجعه

(3)

؛ بطل اسْتِرْجاعُه.

وإن رجع في مبيعٍ اشتبه بغيره؛ قُدِّم تعيينُ المفلِس؛ لإنكاره دعوى اسْتِحْقاقِ البائع.

وإن مات بائعٌ مدِينًا؛ فَمُشْتَرٍ أحقُّ بطعامٍ وغيرِه، ولو قبل قَبْضِه، نَصَّ عليه

(4)

.

(1)

في (ح) و (ق): فيمن.

(2)

زيد في (ح): من.

(3)

في (ح): حين استقر حقه.

(4)

ينظر: الفروع 6/ 470.

ص: 506

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَهُ، وَقَسْمُ ثَمَنِهِ) على الغُرماء؛ لأِنَّه «عليه السلام لَمَّا حَجَر على مُعاذٍ؛ باع مالَه في دَينه، وقَسَمَ ثَمَنَه بَينَ غُرمائه»

(1)

، ولِفِعْل عُمَرَ

(2)

، ولأِنَّه مَحْجورٌ عليه يَحتاجُ إلى قضاء دَينه، فجاز بَيعُ ماله بغير رضاه؛ كالسَّفيه.

ولا يُباعُ إلاَّ بِثَمَنِ مِثْلِه المستَقِرِّ في وقْتِه أو أكثرَ، لكِنْ إنْ كان مالُه من جنس الدَّين؛ قَسَمَه على الغرماء من غَير بَيعٍ، صرَّح به في «الشَّرح» و «الفروع» .

(وَيَنْبَغِي)؛ أيْ: يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُحْضِرَهُ)؛ أي: المفلِسَ وَقْتَ البَيع؛ لِفَوائِدَ:

مِنْها: أنْ يَحضُرَ ثَمَنَ متاعه ويَضْبِطَه.

ومِنْها: أنَّه أعْرَف بالجَيِّد من متاعه، فإذا حَضَر تكلَّم عليه.

ومِنْها: أنَّه تَكثُرُ

(3)

فيه الرَّغْبةُ.

ومِنْها: أنَّه أَطْيَبُ لنفسه، وأسْكَنُ لقلبه.

(1)

تقدم تخريجه 5/ 485 حاشية (5).

(2)

أخرج مالك (2/ 770)، وابن وهب كما في المدونة (4/ 81)، وعبد الرزاق كما في التلخيص الحبير (3/ 104)، والطحاوي في مشكل الآثار (11/ 73)، والبيهقي في الكبرى (11265)، من طرق عن عمر بن عبد الرحمن بن دِلاف، عن أبيه: أن رجلاً من جهينة كان يسبق الحاج فيشتري الرواحل، فأفلس، فرُفع أمره إلى عمر بن الخطاب، فقال:«من كان له عليه دين فليأتنا بالغداة نقسم ماله بينهم» . وأخرجه ابن أبي شيبة (22915)، والبلاذري في أنساب الأشراف (10/ 330)، والدارقطني في العلل (2/ 147)، من طرق عن عبيد الله بن عمر، عن عمر بن عبد الرحمن بن دلاف، عن أبيه، عن بلال بن الحارث به. فزاد فيه ذِكر بلال، ورجَّحه الدارقطني في العلل 2/ 147، وعلى كل حال، فعبد الرحمن بن دلاف والد عمر مجهول ومدار الأثر عليه، وقد ضعف الألباني الأثر في الإرواء 5/ 262.

(3)

في (ق): يكثر.

ص: 507

ووكيله كَهُوَ، قاله في «البلغة» .

(وَيُحْضِرَ الْغُرَمَاءَ)؛ لأِنَّه لَهُمْ، وربما رَغِبُوا في شَيءٍ، فزادوا في ثَمَنِه، وأطْيَبُ لقلوبهم، وأبْعَدُ لِلتُّهمة، قال في «الشَّرح» وغيره: وربما يَجِدُ أحدُهم عَينَ ماله فيأخذها.

(وَيَبِيعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ)؛ لأِنَّه أحْوَطُ وأكْثَرُ لطُلاَّبه، فلو باعه في غَير سُوقه بِثَمَنِ مِثْلِه؛ صحَّ؛ لأِنَّ الغَرَضَ تَحْصيلُ الثَّمَن؛ كالوكالة.

ويَبِيعَ بِنَقْد البلد؛ لأِنَّه أصْلَحُ، فإن كان فيه نُقودٌ؛ باع بأغْلَبِها، فإنْ تساوَتْ؛ باع بجِنس الدَّين.

(وَ) يَجِب أنْ (يَتْرُكَ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَتُهُ؛ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ)؛ لأِنَّ ذلك مما

(1)

لا غِنَى له عنه، فلم يُبَعْ في دَينه ككِتابِه

(2)

وقُوته.

لكِنْ لو كان له دارانِ يَسْتَغْنِي بإحداهما، أوْ كانَتْ واسِعةً تَفْضُل عن مسكن مِثْلِه؛ بِيعَ، وكذا الخادِمُ إذا كان نَفِيسًا.

(وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قَسْمِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ)؛ لِقَوله عليه السلام: «ابْدَأْ بِنَفْسك، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ»

(3)

، ولأِنَّ ملْكَه باقٍ عليه قَبْل القِسْمة.

وذَكَرَ في «المغني» و «الشَّرح» : أنَّه يُنفَقُ عليه من ماله إن لم يكن له كَسْبٌ.

ولم يَتعرَّض المؤلِّفُ لنفقة عياله وكِسْوتهم، ولا خِلاف في وجوب

(4)

نفقةِ زوجته

(5)

، وتكون

(6)

دَينًا عليه، وكِسْوتها.

(1)

في (ق) و (ح): ما.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 13/ 312: كثيابه.

(3)

سبق تخريجه 3/ 386 حاشية (8).

(4)

قوله: (وجوب) سقط من (ح).

(5)

ينظر: الإشراف 5/ 157.

(6)

في (ظ): ويكون.

ص: 508

وكذا أولادُه وأقاربه، والواجب فيهما أدْنَى ما يُنفَقُ على مثله، ويُكْسَى.

ويُتْرَكُ له آلةُ حِرْفَةٍ، أو ما يَتَّجِر به إنْ عَدِمَها، نَصَّ عليه

(1)

، وفي «الموجز» و «التَّبْصِرة»: وفرسٍ يحتاج إلى

(2)

رُكوبها.

ونَقَلَ عبدُ الله: يُباعُ الْكُلُّ إلاَّ المسكَنَ، وما يُوارِيهِ من ثِيابٍ، وخادِمًا يَحْتاجُه

(3)

.

(وَيَبْدَأَ بِبَيْعِ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ)؛ كالفاكِهة ونحوِها؛ لأِنَّ بقاءَه يُتْلِفُه بيقينٍ، (ثُمَّ بِالْحَيَوَانِ)؛ لأِنَّه مُعَرَّضٌ للإتلاف، ويَحْتاجُ إلى مُؤْنَةٍ في بقائه، (ثُمَّ بِالْأَثَاثِ)؛ لأِنَّه يُخافُ عليه وتناله

(4)

الأَيْدِي، (ثُمَّ بِالْعَقَارِ)؛ لأِنَّه لا يُخافُ تَلَفُه، بخلاف غيرِه، وبقاؤه أشْهَرُ له وأكْثَرُ لِطُلاَّبه، والعُهْدةُ على المفلِس فَقَطْ إذا ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا، قاله في «الشَّرح» .

(وَيُعْطِيَ الْمُنَادِيَ أُجْرَتَهُ مِنَ الْمَالِ)؛ لأِنَّ البَيعَ حقٌّ على المفلِس؛ لكونه طريقًا إلى وفاء دَينه، وهذا إذا لم يُوجَد مُتبرِّعٌ.

وقيل: أُجْرتُه من بيت المال مع إمكانه؛ لأِنَّه من المصالح، فإن لم يُمكِنْ

(5)

؛ فمن المال.

وكذا الخِلافُ فِيمَنْ يَحفَظ المتاعَ، ويحمله، ونحوهما.

وقيل: لا يُنادَى على عقارٍ، بل يُعْلَم به أهلُ البلد، وقاله القاضي وجماعةٌ.

ويُشْترَطُ فيه أن يكون ثقةً، فإنِ اتَّفَق

(6)

الكُلُّ على ثِقةٍ

(7)

؛ أمضاه الحاكِمُ،

(1)

ينظر: الفروع 6/ 471.

(2)

قوله: (إلى) سقط من (ح) و (ق).

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 296.

(4)

في (ح): دينًا له.

(5)

في (ظ): لم يكن.

(6)

في (ق): أنفق.

(7)

في (ق): نفسه.

ص: 509

وإن كان غيرَ ثقةٍ ردَّه، بخلاف المرهون إذا اتَّفق الرَّاهِنُ والمرتَهِنُ على غَير ثِقةٍ؛ لم يكن له ردُّه، والفَرْقُ: أنَّ للحاكم

(1)

هنا نظرًا، فإنَّه قد يَظْهَر غريمٌ آخَرُ.

فإنِ اخْتَلَف المفلِسُ في ثِقةٍ، والغُرماء في آخَرَ؛ قُدِّم المتطوِّعُ منهما، وإلاَّ قُدِّم أَوْثَقُهُما وأَعْرَفُهما، قاله ابنُ المنَجَّى، وفي «الفروع»: قَدَّم مَنْ شاء منهما، والمرادُ: مع التَّساوي في الصِّفات.

(وَيَبْدَأَ

(2)

بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ)؛ أيْ: إذا كان عبدُه الجانِي؛ لأِنَّ الحقَّ مُتعلِّقٌ بِعَينه، يفوت بِفَواتها، بخلاف بقيَّة الغُرَماء، فلو كان هو الجاني؛ فالمجْنِيُّ عليه أسْوَة الغُرَماء؛ لأِنَّ حقَّه متعلِّق

(3)

بالذِّمَّة.

(فَيَدْفَعَ إِلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنَ الْأَرْشِ، أَوْ ثَمَنِ الْجَانِي)؛ لأِنَّ الأقلَّ إن كان الأَرْشَ؛ فهو لا يَسْتَحِقُّ إلاَّ أرْش الجناية، وإن كان ثَمَنَ الجانِي؛ فهو لا يَسْتَحِقُّ غيرَه؛ لأِنَّ حقَّه مُتعلِّقٌ بعَينه، فعلى هذا: إذا فَضَلَ شَيْءٌ من ثَمَن الجاني عن أَرْش الجناية؛ قُسم على بقيَّة الغُرَماء.

(ثُمَّ بِمَنْ

(4)

لَهُ رَهْنٌ)، كذا أطلقه في «المحرَّر» و «الوجيز» ، والمذهَبُ: أنَّه مُقيَّدٌ باللُّزوم، (فَيَخْتَصُّ بِثَمَنِهِ)؛ أيْ: يُباعُ، سَوَاءٌ كان بقدر دَينه أو لا، ويَختَصُّ المرتَهِن بثمنه بشرطه، وسواءٌ كان المفلِسُ حيًّا أوْ ميتًا؛ لأِنَّ حقَّه مُتعلِّقٌ بعَين الرَّهْن وذمَّة الرَّاهِن، بخلاف الغرماء.

وعنه: إذا مات الرَّاهِنُ، أوْ أفْلَسَ؛ فالمرتَهِنُ أحقُّ به، ولم يُعتبَرْ وجودُ قبضه بعد موته أو قَبْلَه.

(1)

في (ح): الحاكم.

(2)

في (ق): فيبدأ.

(3)

في (ظ): معلق.

(4)

في (ظ): من.

ص: 510

وفي «الرِّعاية» : يَخْتَصُّ بثمن الرَّهن على الأصحِّ.

(فَإِنْ

(1)

فَضَلَ لَهُ فَضْلٌ؛ ضَرَبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ)؛ لأِنَّه ساواهم في ذلك.

(وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ)؛ أيْ: من الرَّهْن (فَضْلٌ؛ رُدَّ عَلَى الْمَالِ)؛ لأِنَّه انْفَكَّ من الرَّهْن بالوفاء، فصار كسائر مال المفلِس.

أصْلٌ: لم يَذكُر المؤلِّفُ حُكْمَ مُسْتَأْجِرِ العَين حيثُ أفْلَسَ المُؤْجِرُ، وهو أحقُّ بها؛ لأِنَّ حقَّه مُتعلِّقٌ بالعَين والمنفعة، وهي مملوكةٌ له في هذه المدَّة، بخلاف ما لو استأْجَرها في الذِّمَّة، فإنَّه أسوة الغرماء؛ لعدم تعلُّق حقِّه بالعَين.

(ثُمَّ بِمَنْ لَهُ عَيْنُ مَالٍ؛ يَأْخُذُهَا) بالشُّروط السَّابِقة.

(ثُمَّ يَقْسِمَ الْبَاقِيَ بَيْنَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ)؛ لتساوي حقوقهم في تعلُّقها بذمَّة المفلِس (عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ)؛ لأِنَّ فيه تَسْوِيةً بَينَهم، ومراعاةً لكمِّيَّة حقوقهم، فلو قضى الحاكِمُ أو المفلِسُ بعضَهم؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّهم شركاؤه، فلم يَجُزْ اختصاصُه دونَهم.

ولا يَلزَمُهم بيانُ أنْ لا غريمَ سواهم، بخلاف الورثة، ذَكَرَه في «التَّرغيب» و «الفصول» وغيرهما؛ لئلاَّ يأخُذَ أحدُهم ما لا حقَّ له فيه.

(فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ؛ لَمْ يَحِلَّ)، هذا هو المذهَبُ المعروفُ، وحكاه القاضي روايةً واحدةً؛ لأِنَّ الأجلَ حقٌّ للمفلِس، فلا يَسْقُط بفَلَسِه؛ كسائر حقوقه، ولأِنَّه لا يُوجِبُ حلولَ ما لَه، فلا يُوجِب حُلولَ ما عليه؛ كالإغْماء.

(وَعَنْهُ: يَحِلُّ)، حكاها أبو الخَطَّاب؛ دَفْعًا للضَّرَر عن ربِّه، ولأِنَّ الإفْلاسَ يتعلَّق به الدَّينُ بالمال، فأسْقَطَ الأجلَ كالموت، (فَيُشَارِكُهُمْ

(2)

؛ كبقيَّة الدُّيون الحالَّة.

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ظ): ويشاركهم.

ص: 511

وعنه: إن وَثَّقَ لم يَحِلَّ؛ لزوال الضرر

(1)

والأجل

(2)

، نقلها ابن منصور

(3)

.

والأوَّلُ أصحُّ، وقياسهم على الموت مردودٌ بالمنع، ثُمَّ بتقدير تسليمه؛ يُفرَّق، فإنَّ ذمَّة الميت خَرِبَتْ، بخلاف المفلِس.

فعلى هذا: لا يُوقَف له شَيءٌ، ولا يرجع على الغرماء إذا حلَّ.

نعم؛ إذا حلَّ قبل القسمة؛ شاركهم، وإن كان بعد قسمة البعض؛ شاركهم في الباقي بجميع دَينه، ويَضرِب باقي الغرماء ببقيَّة دُيونهم.

(وَمَنْ مَاتَ، وَعَلَيْهِ دَينٌ مُؤَجَّلٌ؛ لَمْ يَحِلَّ)، هذا هو المختارُ لعامَّة الأصحاب

(4)

، (إِذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ) بأقلِّ الأَمْرَينِ من قيمة التَّرِكة أو الدَّين بكَفِيلٍ مَلِيءٍ أوْ رَهْنٍ؛ لأِنَّ الأجلَ حقٌّ للميت، فوُرث عنه كسائر حقوقه.

وظاهره: أنَّه يَحِلُّ إذا لم يُوَثِّقُوا على الأَشْهَر، جزم به الشَّيخان؛ لغلَبة الضَّرر.

(وَعَنْهُ: يَحِلُّ)، اختاره ابنُ أبي موسى؛ لأِنَّه إمَّا أنْ يَبْقَى في ذمَّة الميت، أو الورثة، أوْ متعلِّقٌ بالمال، فالأوَّلُ مُنْتَفٍ؛ لخرابها وتعذُّر مطالَبته، والثَّاني

(5)

كذلك؛ لأِنَّهم لم يَلْتَزِموا الدَّينَ، ولا رَضِيَ صاحبُ الدَّين بذِمَمِهم وهي مختلِفةٌ متبايِنةٌ، والثَّالِثُ مَمْنوعٌ؛ لأِنَّه لا يجوز تعليقُه على الأعيان وتأجيله؛ لأِنَّه ضَرَرٌ على الميت؛ لأِنَّ ذِمَّته مُرْتَهَنةٌ بدَينه، وعلى صاحب المال لتأخُّر حقِّه، وقد يَسْقُط لِتَلَف العَين، وعلى الورثة؛ لأِنَّهم لا يَنْتَفِعون بالأعيان، ولا يتصرَّفون فيها.

(1)

في (ح): الزوال للضرر.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وصوابها:(وإلا حلَّ)، كما في المحرر 1/ 346، وشرح الزركشي 4/ 76.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2633.

(4)

في (ح): أصحابنا.

(5)

في (ق): والباقي.

ص: 512

وظاهِرُه: ولو قَتَلَه

(1)

ربُّه.

وعنه: لا يَحِلُّ مطلَقًا، اختاره أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ كدَينه.

مسائلُ:

الأولى: إذا وَرِثه بيتُ المال؛ فوجهان:

أحدهما: يَحِلُّ؛ لعَدَم وارِثٍ مُعَيَّنٍ، ولهذا: للإمام أنْ يُقْطِع الأراضِيَ، وإن كانت لجميع المسلمين.

والثَّاني: يَنتَقِل إلى بيت المال، ويَضمَن الإمامُ للغرماء.

الثَّانيةُ: ظاهِرُ كلامهم: أنَّه إذا جُنَّ

(2)

، وعليه دَينٌ مؤجَّلٌ؛ أنَّه لا يَحِلُّ، وفي «التَّلخيص» كما سبق: وكذا في

(3)

حِلِّه بِجُنونٍ

(4)

.

الثَّالِثةُ: إذا مات، وعليه دَينٌ حالٌّ ودَينٌ مُؤَجَّلٌ، وقُلْنَا: لا يَحِلُّ، ومالُه بقَدْر الحالِّ؛ فهل يُترَك له ما يَخُصُّه لِيأخُذَه، أو يَوَفَّى الحالُّ، ويَرجِعُ على ورثته

(5)

صاحبُ المؤجَّل بحِصَّتِه إذا حلَّ، أو لا يَرجِعُ؟ فيه أوْجُهٌ.

الرَّابِعةُ: إذا مات وعليه دَينٌ؛ لم يَمنَع نَقْلَ التَّرِكة إلى الورثة، فإنْ تصرَّفوا فيها؛ صَحَّ، كتصرُّف السَّيِّد في الجاني، فإنْ تعذَّر وفاؤه

(6)

؛ فُسِخ تصرُّفهم.

وعنه: يَمنَع.

وفي «الانتصار» : الصَّحيحُ أنَّه في ذمَّة ميتٍ، والتَّرِكةُ رَهْنٌ.

وفي «التَّرغيب» : الدَّينُ وإنْ قلَّ يَمْنَعُه من التَّصرُّف؛ نظرًا له.

(1)

في (ح) و (ظ): قبله. والمثبت موافق لما في الفروع 6/ 474.

(2)

في (ق): جنى.

(3)

في (ق): من.

(4)

في الإنصاف 13/ 328: (قال في «التلخيص»: حكم من طرأ عليه جنون حكم المفلس والميت، في حلول الدين وعدمه).

(5)

في (ق): ورثة.

(6)

قوله: (وفاؤه) سقط من (ح).

ص: 513

فعلى ذلك: لا يَصِحُّ تصرُّف كلٍّ من الغرماء والورثة

(1)

إلاَّ بإذن الآخَر.

وإنْ ضَمِنَه ضامِنٌ، وحلَّ على أحدهما؛ لم يَحِلَّ على غيره.

(وَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ)؛ لم يُنقَضْ، خلافًا ل «الكافي» ؛ (رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ)؛ لأِنَّه لو كان حاضِرًا شارَكَهُم، فكذا إذا ظَهَرَ.

وفي «المغني» : هي قِسمةٌ بَانَ الخَطَأُ فيها كقَسْمِهِ أرْضًا أوْ ميراثًا، ثمَّ بَانَ شريكٌ أوْ وارِثٌ.

قال الأَزَجِيُّ: فلو كان له ألْفٌ، اقْتَسَمَها غريماه نِصفَينِ، ثمَّ ظَهَرَ ثالِثٌ دَينُه كدَين أحدهما؛ رجع على كلِّ واحِدٍ بِثُلُثِ ما قَبَضَه.

وإن كان أحدُهما قد أتْلَف ما قَبَضَه؛ فظاهِرُ المذهب: أنَّ الثَّالِثَ يأخُذُ من الآخَر ثُلُثَ ما قَبَضَه من غَيرِ زيادةٍ.

فَرْعٌ: ذكر المؤلِّف في «فتاويه» : لو وصل مالٌ لغائب

(2)

، فأقام رجلٌ بيِّنةً أنَّ له عليه دَينًا، وأقام آخَرُ بيِّنةً؛ إنْ طالَبا جميعًا اشْتَرَكا، وإنْ طالَب أحدُهما؛ اخْتَصَّ به؛ لاِخْتِصاصه بما يُوجِب التَّسليمَ، وعَدَم تَعَلُّق الدَّين بماله.

قال في «الفروع» : ومراده: ولم

(3)

يُطالِبْ أصلاً، وإلاَّ شارَكه، ما لم يَقْبِضْه.

(وَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى الْمُفْلِسِ بَقِيَّةٌ) من الدُّيون، (وَلَهُ صَنْعَةٌ؛ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إِيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَائِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

الأشْهَرُ: أنَّه يُجْبَرُ؛ لأِنَّه «عليه السلام باع سُرَّقًا في دَينِه بخَمْسةِ أبْعِرةٍ» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية خَالِدِ بنِ مُسْلِمٍ الزَّنْجِيِّ، وفِيهِ ضَعفٌ

(4)

، والحُرُّ لا يُباعُ،

(1)

في (ح): والذرية.

(2)

في (ح): الغائب.

(3)

في (ظ): لم.

(4)

أخرجه الروياني (1487)، والطحاوي في شرح المعاني (1875، 6149)، والدارقطني (3025)، والحاكم (2330)، عن زيد بن أسلم، قال: رأيت شيخًا بالإسكندرية، يقال له سُرَّقٌ، وذكر الحديث، وفي سنده: عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، في حديثه لين، وهو في جملة من يكتب حديثه، وله مناكير. وأخرجه الطحاوي مطولاً (1876)، والدارقطني (3025) مختصرًا نحوه، وفي سنده: مسلم بن خالد الزنجي، صدوق كثير الأوهام، ضعفه بعض الأئمة لكثرة أغلاطه، والحديث ضعفه ابن عدي والبيهقي، وقال:(ومدار حديث سُرَّق على هؤلاء، وكلُّهم ليسوا بأقوياء)، وحسنه الألباني بطرقه. ينظر: الكامل لابن عدي 5/ 487، تهذيب الكمال 17/ 114، تنقيح التحقيق 4/ 129، الإرواء 5/ 264.

ص: 514

فعُلِم أنَّه باع منافِعَه؛ إذِ المنافِعُ تجري مَجْرَى الأعْيان في صحَّة العَقْد عليها وتحريمِ أخْذِ الزَّكاة، فكذا هُنَا، ولأِنَّ الإجارة عَقْدُ معاوَضةٍ؛ فجاز إجبارُه عليها؛ كبَيْع ماله، وكوقْفٍ وأمِّ ولدٍ اسْتُغْنِيَ عنها.

والثَّانيةُ: لا؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البَقَرَة: 280]، ولقوله عليه السلام:«خُذُوا ما وجدتم فليس لكم إلاَّ ذلك» رواه مسلِمٌ

(1)

، ولأِنَّه تكسُّبٌ للمال، فلم يُجبَر عليه؛ كقَبول هِبةٍ ووصيَّةٍ، وتزويج أمِّ وَلَدٍ، وردِّ مبيعٍ وإمضائه.

وفيه وَجْهٌ: مع الأحظِّ وأخْذ ديةٍ

(2)

عن قَوَدٍ.

والأوَّلُ أصحُّ، والآيةُ محمولةٌ على مَنْ لا صَنعةَ له، وادِّعاءُ النَّسخ في الحديث بعيدٌ؛ لأِنَّه يَلزَم ثبوتُه بالاِحْتِمال، بدليلِ أنَّه لم يَثْبُت أنَّ بَيعَ الحُرِّ كان جائزًا في وَقْتٍ في

(3)

شَرِيعَتِنا، فتَبَيَّنَ أنَّ المرادَ بِبَيعِه: بَيعُ منافِعِه، مع أنَّه أحسنُ من حمله النَّسخ

(4)

، وحينئِذٍ: يبقى الحَجْرُ ببقاء دَينه إلى الوفاء، ولو طلبوا إعادته لِمَا بَقِيَ بعد فكِّ الحاكم لم يُجِبْهم.

(وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إِلاَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ)؛ لأِنَّه ثَبَتَ بِحُكْمِه، فلا يَزُولُ إلاَّ

(1)

أخرجه مسلم (1556) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(2)

في (ح) و (ق): دينه.

(3)

في (ق): من.

(4)

كذا في النسخ، وصوابها:(حمله على النسخ)، كما في الممتع لابن المنجى 2/ 644.

ص: 515

به؛ كالمحْجُور عليه لِسَفَهٍ.

وقيل: يَزُولُ بقسمة ماله؛ لأِنَّه حُجِر عليه لأِجْلِه، فإذا زال ملْكُه عنه؛ زال الحَجْرُ؛ كزوال حَجْر المجنون بزوال جنونه.

والفَرْقُ واضِحٌ، فإنه ثبت

(1)

بنفسه، فزال بزواله، بخلاف هذا، ولأِنَّ فراغَ مالِه يحتاج إلى معرفةٍ وبحثٍ؛ فوُقِف ذلك على الحاكِم، بخلاف الجُنون.

(فَإِذَا فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ فَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ)، وظَهَرَ له مالٌ، (وَحُجِرَ عَلَيْهِ؛ شَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الأَوَّلِ

(2)

غُرَمَاءَ الْحَجْرِ الثَّانِي)؛ لأِنَّهم تساوَوْا في ثبوت حُقوقهم في ذمَّته، فوجَب أنْ يَتَساوَوْا في المشارَكة؛ كغُرَماء الميت، إلاَّ أنَّ الأوَّلِينَ يَضْرِبون ببقيَّة دُيونهم، والآخرِينَ يضربون بجميعها.

(فَإِنْ

(3)

كَانَ لِلْمُفْلِسِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ

(4)

، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ)؛ لم يُجْبَرْ؛ لأِنَّا لا نَعلَمُ صِدْقَ الشَّاهد، (لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ

(5)

أَنْ يَحْلِفُوا)؛ لأِنَّهم يُثْبِتُونَ مِلْكًا لغيرهم

(6)

لِتتعلَّقَ حقوقُهم به بعد ثبوته، فلم يَجُزْ؛ كالمرأة تَحلِف لإثبات ملك زوجها لِتتعلَّقَ نفقتُها به، وكالورثة قَبْلَ موت مَورُوثهم.

وعُلِمَ منه: أنَّ المفلِس إذا حَلَفَ مع شاهِده؛ ثَبَتَ المالُ، وتعلَّقَتْ به حُقوقُ الغُرَماء.

(1)

في (ح): يثبت.

(2)

قوله: (غرماء الحجر الأول) سقط من (ح).

(3)

في (ح): وإن.

(4)

قوله: (واحد) سقط من (ح).

(5)

(ظ): للغرماء.

(6)

في في (ظ): لغريمهم. والمثبت هو الموافق للمغني 4/ 326، والشرح 13/ 346.

ص: 516

(فَصْلٌ)

(الْحُكْمُ الرَّابِعُ: انْقِطَاعُ الْمُطَالَبَةِ عَنِ الْمُفْلِسِ)؛ لِلنَّصِّ، ولأِنَّ قوله:{فَنَظِرَةٌ} [البَقَرَة: 280] خَبَرٌ بمعنى الأمْرِ؛ أي: أنْظِروه إلى يساره، مع قوله:«لَيْس لَكُمْ إلاَّ ذلِكَ»

(1)

.

(فَمَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا، أَوْ بَاعَهُ؛ لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ)؛ لِتَعلُّق حقِّ الغُرَماء بِعَينِ ماله، (حَتَّى يَنْفَكَّ

(2)

الْحَجْرُ عَنْهُ)؛ لأنَّه هو

(3)

الذي أتْلَفَ مالَه بمعامَلة

(4)

مَنْ لا شَيءَ له، لكِنْ إذا وَجَد البائعُ والمقرِضُ أعْيانَ مالِهما فهل لهما الرُّجوعُ فيها؟ على وَجْهَينِ:

أحدهما: له ذلك؛ للخَبَر.

والثَّاني: لا فَسْخَ لهما؛ لأِنَّهُما دَخَلَا على بصيرةٍ بخرابِ الذِّمَّة، كما لو اشْتَرى مَعِيبًا يَعلَمُ به.

(1)

تقدم تخريجه 5/ 515 حاشية (1).

(2)

في (ق): يفك.

(3)

قوله: (هو) سقط من (ظ).

(4)

في (ق): بمعاملته.

ص: 517

(فَصْلٌ)

(الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِحَظِّهِ)، إذِ المصْلَحةُ تَعُودُ عليه، بخلاف المفلِس، (وَهُوَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ)، إذِ الحَجْرُ على هؤلاء حَجْرٌ عامٌّ؛ لأِنَّهم يُمنَعون التَّصرُّفَ في أموالهم وذِمَمِهم.

(فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ قَبْلَ الْإِذْنِ)؛ لأِنَّ تَصحيحَ تصرُّفِهم يُفْضِي إلى ضَيَاع مالِهم، وفيه ضَرَرٌ عليهم.

(وَمَنْ دَفَعَ إِلَيْهِمْ)، أوْ إلى أحدهم، (مَالَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ قَرْضٍ؛ رَجَعَ فِيهِ مَا

(1)

كَانَ بَاقِيًا)؛ لأِنَّه عَينُ مالِه، (وَإِنْ تَلِفَ)، أوْ أتْلَفَه؛ (فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ)؛ لأِنَّه سلَّطه عليه برضاه.

وقيل: يَضمَن مجنونٌ.

(عَلِمَ بِالْحَجْرِ)؛ لأِنَّه فرَّط، (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ)؛ لِتفْرِيطه؛ لِكَونِه في مظنَّة الشُّهرة.

وقيل: يَضمَن سفيهٌ جُهِل حَجْرُه.

هذا إذا كان صاحبُه سلَّطه عليه، فأمَّا إنْ حَصَل في يده باختيار مالكه

(2)

من غير تسليطٍ؛ كالوديعة والعارية؛ فوجهان فيه.

ومَنْ أعْطَوْهُ مالاً؛ ضَمِنَه حتَّى يأخذه ولِيُّه.

وإن أخذه ليحفَظَه؛ لم يَضْمَنْه في الأصحِّ، وكذا إن أخذ

(3)

مغصوبًا ليحفظَه لربِّه.

(1)

في (ق): إن.

(2)

في (ح): سالكه.

(3)

في (ق): أخذه.

ص: 518

(وَإِنْ جَنَوْا؛ فَعَلَيْهِمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِمْ

(1)

؛ لأِنَّه لا تفريط من المالك، والإتْلافُ يستوي فيه الأهل وغيره، وكذا حكم المغصوب؛ لحصوله في يده بغير اخْتِيار المالِك.

(وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَرَشَدَا؛ انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا).

فأمَّا

(2)

المجنونُ فبالاِتِّفاق

(3)

؛ لأِنَّ الحَجْرَ عليه لجنونه، فإذا زال؛ وجب زوال الحَجْر لزوال عِلَّته.

وأمَّا الصَّبِيُّ؛ فلقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا

} [النِّسَاء: 6].

(بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ

(4)

، وفي «المغني» و «الشَّرح»: بغير خلافٍ في المجنون

(5)

.

وفيه وجْهٌ: أنَّه يَفْتَقِر إليه كالسَّفيه، لأِنَّه مَوضِعُ اجْتِهادٍ، فاحْتِيجَ في

(6)

معرفة ذلك إليه.

وأمَّا في

(7)

الصَّبِيِّ؛ فَلِأَنَّ اشْتِراطَ ذلك زيادةٌ على النَّصِّ، ولأِنَّه محجورٌ عليه بغير حُكم حاكِمٍ، فيزول بغير حُكْمه؛ كالحجر على المجنون، وفيه وَجْهٌ.

وسواءٌ رَشَّدَه الولِيُّ أوْ لَا.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: فلو نُوزِع في الرُّشْد، فَشَهِد شاهِدانِ؛ قُبِلَ؛ لأِنَّه

(1)

في (ح): الجناية.

(2)

في (ح): أما.

(3)

ينظر: بدائع الصنائع 7/ 172، القوانين الفقهية ص 212، الإقناع للماوردي 104، المغني 4/ 343.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 7.

(5)

ينظر: المغني 4/ 343.

(6)

في (ظ): إلى.

(7)

قوله: (في) سقط من (ح).

ص: 519

قد يُعلَمُ بالاِسْتِفاضة، ومع عدمها؛ له اليمينُ على ولِيِّه: أنَّه

(1)

لا يَعلَم رُشْدَه

(2)

.

ولو تبرَّع وهو تحت الحَجْر، فقامت بينة

(3)

برُشْده؛ نَفَذَ.

(وَدُفِعَ إِلَيْهِمَا مَالُهُمَا)؛ لأِنَّ المانِعَ من الدَّفْع هو

(4)

الحَجْر، وقد زال، وحكاه ابن المنذِر اتِّفاقًا

(5)

؛ لأِنَّ مَنْعَه من التَّصرُّف إنَّما كان لِعَجْزه عنه، وحِفْظًا لماله، فإذا صار أهْلاً للتَّصرُّف؛ زال الحَجْرُ لزوال سَبَبِه.

(وَلَا يَنْفَكُّ قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ)، ولو صار شَيخًا، وروى الجُوزَجَانِيُّ في «المترجم» قال: كان القاسِمُ بن محمَّدٍ يلي أمْرَ شَيخٍ من قُرَيشٍ ذي أهلٍ ومالٍ؛ لضَعْف عَقْله، ولأِنَّ المجنون الحَجْر عليه لجنونه، فوجب استمرارُه عليه، والصَّبِيُّ علَّق الله تعالى الدَّفْع إليه بشرْطَينِ، والحُكْمُ المعلَّق بهما؛ مُنْتَفٍ بانْتِفاء أحدهما.

قال ابنُ المنذِر: أكثرُ علماء الأمصار من أهل الحجاز والشَّام والعراق ومصر، يَرَوْنَ الحَجْرَ على كلِّ مُضَيِّعٍ لماله، صغيرًا كان أوْ كبيرًا

(6)

.

فَرْعٌ: إذا كان لرجلٍ مالٌ، وهو يُقتِّرُ

(7)

على نفسه، ويُضَيِّق على عياله، ويَمنَعُهم من تناوُل الأشياء التي يتناوَلُها أدْنَى النَّاس؛ فيَحْجُر الحاكِمُ عليه، بمعنى: أنَّه يَنصِب له ولِيًّا يُنفِق عليه وعلى عياله بالمعروف، وفيه احْتِمالٌ.

(وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ: بِالاِحْتِلَامِ)، وهو خروجُ المنِيِّ من القُبُل، بغير

(1)

في (ظ): لأنه.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 7، الاختيارات ص 202.

(3)

في (ح): ببينة.

(4)

قوله: (هو) سقط من (ح).

(5)

ينظر: الإشراف 6/ 236.

(6)

ينظر: الإشراف 6/ 236.

(7)

في (ح): مقر.

ص: 520

خلافٍ

(1)

؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النُّور: 59]، ولقوله عليه السلام:«وعن الصَّبِيِّ حتَّى يَحْتَلِمَ»

(2)

، قال ابن المنذِر: أجْمَعُوا على أنَّ الفرائضَ والأحْكامَ تَجِب على المحتلِمِ العاقِلِ

(3)

.

(أَوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً)؛ أي: استكمالها؛ لِما رَوَى ابن عمرَ قال: «عُرِضْتُ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَومَ أُحُدٍ وأنا ابنُ أرْبَعَ عَشْرَةَ سنةً، فلم يُجِزْنِي، وعُرِضْتُ عليه يَومَ الخندق وأنا ابنُ خمسَ عَشْرةَ سنةً، فأجازَنِي» متَّفقٌ عليه، ولِمسلِمٍ:«فاسْتَصْغَرنِي وردَّنِي مع الغلمان»

(4)

.

فإن قلتَ: بَينَ أُحُدٍ والخندق سنتانِ.

وجوابُه: أنَّ عَرْضَه يومَ أُحُدٍ كان في أوَّل سنة أربعَ عشرةَ، ويَومَ الخندق عند اسْتِكْمال خمسَ عشرةَ سنةً.

لا يُقال: إجازتُه يوم الخندق؛ لقوَّته لا لبلوغه؛ لأِنَّه صرح به

(5)

في الخبر السَّابق، مع أنَّ رواية البَيْهَقِيِّ بإسْنادٍ حَسَنٍ:«ولم يَرَنِي بلغتُ»

(6)

، رافعةٌ للسُّؤال، يؤيِّده: ما روى الشَّافِعيُّ: «أنَّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى عُمَّاله: أن لا يَفْرِضُوا إلاَّ لِمَنْ بلغ خمسَ عشْرةَ سنةً»

(7)

.

(أَوْ نَبَاتِ الشَّعَرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْقُبُلِ)؛ لأِنَّه عليه السلام لما

(8)

حَكَّمَ سعْدَ بنَ مُعاذٍ

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 22.

(2)

تقدم تخريجه 1/ 448 حاشية (1).

(3)

ينظر: الإجماع ص 117. وكتب في هامش (ظ): (ويصح إقرار صبي أنه بلغ باحتلام إذا بلغ عشرًا، ولا يقبل بسن إلا ببينة).

(4)

أخرجه البخاري (2664)، ومسلم (1868).

(5)

قوله: (به) سقط من (ظ).

(6)

أخرجه البيهقي في الكبرى (11299)، وقال:(قال ابن صاعد: في هذا الحديث حرف غريب، وهو قوله: «ولم يرني بلغت»).

(7)

أخرجه الشافعي في الأم (4/ 164)، وأخرجه البخاري (2664) أيضًا.

(8)

في (ح): كما.

ص: 521

في بني قُريظة فحَكَمَ بقَتْلهم وسَبْيِ ذراريِّهم وأَمَرَ أنْ يُكْشَفَ عن مُؤتَزرِهِمْ

(1)

، فمن أنْبَتَ فهو من المقاتِلة، ومن لم يُنْبِت فهو من الذُّرِّيَّة، فبلغ ذلك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «لَقَدْ حكمتَ

(2)

بِحُكْمِ الله مِنْ فَوقِ سبعة أرقعة» متَّفقٌ عليه

(3)

، وقضيَّةُ عَطِيَّةَ القُرَظِيِّ شاهِدةٌ بذلك، رواه الخمسةُ والحاكِمُ، وقال: على شَرْطِهما

(4)

، ولأِنَّ الإنباتَ يُلازِمُه البلوغُ غالِبًا، ويَسْتَوِي فيه الذَّكَرُ والأنثى كالاِحْتِلام.

والخُنْثى يُعتَبَرُ فيه الإنباتُ حول الفَرْجَينِ.

وتقييده

(5)

الشَّعْرَ بالخَشِن؛ لِيَخْرُج الزَّغَبُ الضَّعيفُ، فإنَّه يَنْبُتُ للصَّغير.

(وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ) على الذَّكَر (بِالْحَيْضِ)، بِغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(6)

؛ لقوله عليه السلام:

(1)

في (ق): موتورهم.

(2)

في (ح) و (ق): حكم.

(3)

أخرجه البخاري (3043)، ومسلم (1768)، ولفظ البخاري:«لقد حكمت فيهم بحكم الملك» ، ولفظ مسلم:«لقد حكمت فيهم بحكم الله» ، واللفظ الذي ذكره المصنف: أخرجه ابن إسحاق في المغازي كما في سيرة ابن هشام (2/ 240)، عن عاصم بن عمر، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد، عن علقمة بن وقاص، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري في التفسير (19/ 78)، وإسناده قوي، لكنه مرسل، علقمة بن وقاص تابعي، ويشهد له ما أخرجه البزار (1091)، والطحاوي في شرح المعاني (5131)، والبيهقي في الكبرى (18018)، بلفظ:«لقد حكم بينهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات» ، وفي سنده: محمد بن صالح التمار، وثقه أحمد وأبو داود، وقال الدارقطني:(ليس بالقوي)، وقال ابن حجر:(صدوق يخطئ)، وصححه الألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 9/ 225، الفتح 7/ 412، الصحيحة (2745).

(4)

أخرجه أبو داود (4404)، والترمذي (1584)، والنسائي (3430)، وابن ماجه (2541)، وابن الجارود (1045)، وابن حبان (4780)، والحاكم (2568)، عن عطيَة القُرظيِّ رضي الله عنه، قال:«عُرِضْنا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم قريظةَ، فكانَ منْ أنبتَ قُتل، ومن لمْ يُنْبِت خُلِّيَ سبيلُه» ، وصححه ابن الجارود وابن حبان والحاكم، وقال الترمذيُّ:(حديث حسن صحيح).

(5)

في (ح): وتقييد.

(6)

ينظر: الإشراف 7/ 228.

ص: 522

«لا يَقبَل الله صلاةَ حائضٍ إلاَّ بِخِمارٍ» رواه التِّرمذيُّ وحسَّنَه

(1)

.

وعنه: لا يُحكَم ببلوغها بغَيره، نقلها جماعةٌ، قال أبو بَكْرٍ: هي قَولٌ أوَّلُ.

(وَالْحَمْلِ)؛ لأِنَّه دليلُ إنْزالِها، ولأِنَّ الله تعالى أجْرَى العادةَ

(2)

بِخَلْق

(3)

الولد من مائهما

(4)

؛ لقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} [الطّارق: 5 - 7].

فعلى هذا: يُحكَم ببلوغها في الوقت الذي حَمَلتْ فيه، قاله في «الشَّرح» .

والمذْهَبُ: أنَّه يُحكَم ببلوغها إذا ولدت منذ ستَّة أَشْهُرٍ؛ لأِنَّه اليقينُ.

وفي «التَّلخيص» : فإنْ كانت ممَّن لا توطأ

(5)

؛ كأنْ طلَّقها زَوجُها وأتت بولدٍ لأكثر

(6)

مدَّة الحمل من حين طلاقها؛ فيُحكَم ببلوغها قبل المفارَقة.

تنبيهٌ: إذا حاض خُنثى مشكِلٍ من فرجه، وأنْزَل مِنْ ذَكَره، وقيل: أو وُجد أحدَهما، أو وجدا

(7)

من مَخرَجٍ واحدٍ؛ فقد بلغ.

فإنْ أمْنَى وحاض مِنْ مَخرَجٍ واحِدٍ؛ فلا ذَكَر ولا أُنثى، وفي البلوغ وجهان.

وقيل: لا يُحكَم بأنَّ الخُنْثى ذَكَرٌ بإنزاله من فرجه، ولا بأنَّه أنثى بحَيضه، ولا ببلوغه بهما معًا، ولا بأحدهما.

والصَّحيحُ: أنَّ الإنزالَ علامةُ البلوغ مطلَقًا.

(1)

تقدم تخريجه 1/ 387 حاشية (3).

(2)

قوله: (أجرى العادة) سقط من (ق).

(3)

في (ق): يخلق.

(4)

في (ح): إيمائهما.

(5)

في (ظ): لا يوطأ.

(6)

زيد في (ق): من.

(7)

في (ح): وجد.

ص: 523

(وَالرُّشْدُ: الصَّلَاحُ فِي الْمَالِ)، في قَول أكثرِ العلماء؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النِّسَاء: 6]، قال ابنُ عبَّاسٍ: «يعني

(1)

: صلاحًا في أمْوالِهم»

(2)

، وقال مجاهِدٌ:«إذا كان عاقِلاً»

(3)

، ولأنَّ

(4)

العدالةَ لا تُعتَبَر في الرشد

(5)

في الدَّوام، فلا تُعتَبَر في الاِبتداء؛ كالزُّهد في الدُّنيا، وهو مُصلِحٌ لماله، أشْبهَ العَدْل.

فعلى هذا: يُدفَعُ إليه ماله وإن كان مُفسِدًا لدِينه؛ كَمَنْ يترُك الصَّلاةَ ويَمنَع الزَّكاة ونحوِ ذلك.

وقيل: والدِّينِ، اخْتاره ابنُ عَقيلٍ، وقال: هو الأَلْيَقُ بمذهَبِنا، قال في «التَّلخيص»: نَصَّ عليه

(6)

؛ لأِنَّ الفاسِقَ غَيرُ رشيدٍ، واستدلَّ ابنُ عَقيلٍ بالآية الكريمةِ، فإنَّها نَكِرةٌ في سياق الامتنان

(7)

، فتَعُمُّ.

(وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ)؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النِّسَاء: 6]؛ أي

(8)

: اخْتَبِروهُم، فعلَّق الدَّفْعَ على الاِخْتِبار والبلوغ وإِيناس الرُّشد، فوجب

(9)

اخْتِبارُه بتفويضِ التَّصرُّف إليه، وهو يَخْتَلِفُ.

(فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ التُّجَّارِ؛ فَبِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فَلَا يُغْبَنُ) غالِبًا

(1)

قوله: (يعني) سقط من (ح).

(2)

أخرجه الطبري في التفسير (6/ 406)، وابن أبي حاتم في التفسير (4805)، وابن المنذر في التفسير (1370)، والبيهقي في الكبرى (11323)، وإسناده جيد.

(3)

أخرجه الطبري في التفسير (6/ 406)، وإسناده صحيح.

(4)

في (ح): فلأن.

(5)

في (ح): المرشد.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 8.

(7)

في (ح): الإثبات. والذي في شرح الزركشي 4/ 98: (نكرة في سياق الشرط).

(8)

قوله: (أي) سقط من (ح).

(9)

في (ح) و (ق): يوجب.

ص: 524

غَبْنًا فاحِشًا، (وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الرُّؤَسَاءِ وَالْكُتَّابِ)، وهو المرادُ من قَولِه في «المغني» و «الشَّرح»: وإن كان من أولاد الدَّهاقِينِ والكُبَراء الذين يُصانُ أمثالُهم عن الأسواق؛ (فَبِأَنْ يَسْتَوْفِيَ عَلَى وَكِيلِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ)، وزادا: بأن يَدفَع إليه نفقةَ مدَّةٍ لِيُنفِقَها في مصالحه، فإنْ صَرَفَها في مَواقعها ومَصارفها؛ فهو رشيدٌ.

(وَالْجَارِيَةُ بِشِرَائِهَا الْقُطْنَ، وَاسْتِجَادَتِهِ)، وكذا الكَتَّان والإبْرِيسَم، (وَدَفْعِهَا الْأُجْرَةَ إِلَى الْغَزَّالَاتِ، وَالاِسْتِيفَاءِ عَلَيْهِنَّ)، فإذا وُجِدَتْ ضابِطةً لِما في يدها مُسْتوفيةً من وكيلها؛ دلَّ على رُشْدها.

(وَ) يُشترَط مع ما ذكرنا: (أَنْ يَحْفَظَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ كَالْغِنَاءِ، وَالْقِمَارِ، وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَنَحْوِهِ)؛ كالخمر، وآلات اللَّهو؛ لأِنَّ مَنْ صَرَف مالَه في ذلك؛ عُدَّ سفيهًا مبذِّرًا عُرْفًا، فكذا شَرْعًا، ولأِنَّ الشَّخص قد يُحكَم بسَفَهِه بِصَرْفِ مالِه في المباح؛ فَلَأَنْ يُحكَم بِسَفَهِهِ بصرف

(1)

ماله في المحرَّم بطريق الأَوْلى، قاله ابن المنجَّى.

وفيه نَظَرٌ، فإنَّ

(2)

ابن عقيلٍ وجماعةً ذكروا أنَّ ظاهِرَ كلامِ أحمدَ: أنَّ التَّبذيرَ والإسرافَ: ما أخرجه في الحرام؛ لقوله

(3)

: (لو أنَّ

(4)

الدُّنيا لُقْمةٌ، فوضعها الرَّجل في فِيْ أخيه؛ لم يكن إسْرافًا)

(5)

.

لكِنْ قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إذا أصرفه في مباحٍ قدْرًا زائدًا على المصلحة

(6)

.

(1)

في (ح): في صرف.

(2)

في (ح): قال.

(3)

هو قول الإمام أحمد كما في طبقات الحنابلة 1/ 106.

(4)

في (ح): لأن.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 8.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 8، الاختيارات ص 202.

ص: 525

وقال ابنُ الجَوزِيُّ: في التَّبْذير قولان:

أحدُهما: إنْفاقُ المال في

(1)

غَير حقٍّ.

الثَّاني: الإسرافُ المتلِف للمال؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيْاطِينِ} [الإسرَاء: 27].

وظاهِرُه: أنَّه إذا أصرفه فيما فيه فائدةٌ، أو ليس بحرامٍ؛ لا يكون قادِحًا فيه.

وفي «النِّهاية» : يَقدَح إذا تصدَّق بحَيثُ يَضُرُّ بعِياله، أو كان وحدَه، ولم يَثِقْ

(2)

.

(وَعَنْهُ)، نَقَلَها أبو طالِبٍ عنه

(3)

: (لَا يُدْفَعُ إِلَى الْجَارِيَةِ مَالُهَا بَعْدَ رُشْدِهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ

(4)

، أَوْ تُقِيمَ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَنَةً)، اختارها أبو بَكْرٍ، والقاضي، والشِّيرازيُّ، وابنُ عَقيلٍ؛ لِمَا روى شُرَيحٌ قال:«عَهِدَ إليَّ عمرُ بنُ الخَطَّاب أنْ لا أُجِيز لجاريةٍ عطيَّةً حتَّى تَحُول في بيت زوجها حَولاً، أوْ تَلِد» رواه سعيدٌ في «سننه»

(5)

، ولم نَعرفْ له مخالِفًا.

والأوَّلُ أشْهَرُ وأصحُّ، وهو أنَّها إذا بَلَغَتْ ورَشَدَتْ؛ دُفِع إليها مالُها، وكالرَّجل، وكالتي دخل بها، وحديثُ عمرَ لم يُعلَم

(6)

انتشارُه في الصَّحابة، فلا يُترَك به عمومُ الكتاب، مع أنَّه خاصٌّ في مَنْعِ العطيَّة

(7)

، فلم يَمنَعْ من

(8)

(1)

في (ق): من.

(2)

في (ق): ولم يبق.

(3)

في (ح): عنه أبو طالب. وينظر: الروايتين والوجهين 1/ 377.

(4)

في (ظ): أو تلد.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور كما في المحلى (7/ 182)، وابن أبي شيبة (21503)، وإسناده صحيح.

(6)

في (ق): لا يعرف.

(7)

في (ق): المعطية.

(8)

في (ح): في.

ص: 526

تسليم مالِها.

فعلى هذه الرِّواية: إذا لم تتزوَّجْ؛ دُفِع إليها إذا عنَّست؛ أيْ: كَبِرَت وبرزت للرِّجال، وقيل: يَدومُ عليها

(1)

.

(وَوَقْتُ الاِخْتِبَارِ: قَبْلَ الْبُلُوغِ) على الأصحِّ؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النِّسَاء: 6]، فظاهِرُها: أنَّ ابتلاءَهم قبل البلوغ؛ لأِنَّه سمَّاهم يتامَى، وإنَّما يكون ذلك قَبْل البلوغ، ومَدَّ اختبارَهم إلى البلوغ بلفظِ:{حَتَّى} ، فدلَّ على أنَّه قَبْلَه، ولأِنَّ تأخيرَه إلى البلوغ يَقتَضِي الحَجْر على البالِغ الرَّشيد؛ لكَونه ممتدًّا حتَّى يُختبَر ويُعلَم رُشْدُه، واخْتِبارُه يَمنَع ذلك.

وقيل: يَمنَعه في الجارية؛ لنَقْص خِبْرتها بالخَفَر

(2)

.

وبالجملة هو مخصوصٌ بالمراهِق الَّذي يَعرف المعامَلةَ والمصلحة.

(وَعَنْهُ: بَعْدَهُ) فيهما، أَوْمَأ إليه أحمدُ

(3)

؛ لأنَّ

(4)

تصرُّفه قَبلَ ذلك تصرُّفٌ ممَّن

(5)

لم يوجَدْ فيه مظنَّةُ العقل.

وبَيعُ الاِخْتِبار وشراؤه؛ صحيحٌ.

(1)

أي: يدوم عليها الحجر.

(2)

قال في العين 4/ 253: (شدة الحياء).

(3)

ينظر: المغني 4/ 352.

(4)

في (ح): لأنه.

(5)

في (ح): مميز.

ص: 527

(فَصْلٌ)

(وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إِلاَّ لِلْأَبِ) الرَّشيد؛ لأِنَّها وِلايةٌ، فقُدِّم فيها الأبُ؛ كولاية النِّكاح، ولكمال شفقته، ولهذا يجوز أن يَشْتَرِيَ لنفسه من مال ولده، بخلاف غيره.

وظاهره: ولو كافرًا على ولده الكافر.

وتَكْفِي العدالةُ ظاهِرًا؛ لأِنَّ تفويضَها إلى الفاسق تَضْيِيعٌ للمال، فلم يَجُزْ كالسَّفيه.

وقيل: ومستورٌ.

(ثُمَّ لِوَصِيِّهِ)، ما لم يُعلَمْ فِسْقُه؛ لأِنَّه نائبه

(1)

، أشْبهَ وكيلَه في الحياة.

وظاهِرُه: ولو بِجُعْلٍ وثَمَّ متبرِّعٌ، ذَكَرَه في الخلاف.

ونقل ابن منصورٍ: (لا يَقبِضُ للصَّبِيِّ إلاَّ الأبُ، أوْ وصِيٌّ وقاضٍ)

(2)

؛ فظاهِرُه: التَّسويةُ بين الأخيرين

(3)

، والمذهب: يُقدَّم الوصيُّ.

وعنه: يلي الجَدُّ؛ ففي تقديمه على وصيِّه وجهانِ.

وجوابُه: أنَّ الجَدَّ لا يُدْلِي بنفسه، وإنَّما يُدْلِي بالأب، فلم يَلِ مالَ الصَّغير؛ كالأخ.

(ثُمَّ لِلْحَاكِمِ)؛ لأِنَّ الولاية انقطعت من جهته، فثبتتْ

(4)

للحاكم؛ كولاية النِّكاح؛ لأِنَّه وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ له؛ أيْ: بالصِّفات المعتبَرة.

(1)

في (ح): تابعه.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4355.

(3)

في (ح): الأجيرين.

(4)

في (ق): فبقيت.

ص: 528

فإن لم يُوجَدْ؛ فأمينٌ يقوم به، اختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وقال في حاكمٍ عاجِزٍ: كالعدم

(1)

.

نَقَل ابنُ الحَكَم فِيمَن عنده مالٌ تُطالِبه

(2)

الوَرَثَةُ، فيَخاف من أمره: نرى أنْ يُخبِرَ الحاكِمَ ويرفعه إليه

(3)

، قال: أمَّا حُكَّامُنا هؤلاء اليومَ، فلا أرى أنْ يتقدَّم إلى أحدٍ منهم شَيئًا.

وظاهِرُه: أنَّه لا ولاية لغير هؤلاء؛ لأنَّ المالَ مَحَلُّ الخيانة

(4)

، ومَنْ سِوَاهُمْ قاصِرٌ عنهم غيرُ مأمونٍ على المال، فلم يملكه؛ كالأجنبيِّ

(5)

.

لكِنْ سأله الأثْرَمُ: عن رجلٍ مات وله ورثةٌ صِغارٌ كيف أصْنَعُ؟ فقال: إن لم يكن لهم وصِيٌّ، ولهم أمٌّ مشفِقةٌ؛ يُدفَع إليها

(6)

.

(وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِمَا

(7)

أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِمَا إِلاَّ عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ لَهُمَا)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسرَاء: 34]، والمجنونُ في معناه، ولقوله عليه السلام:«لَا ضَرَرَ، ولَا إضِرارَ» رواه أحمدُ

(8)

.

(فَإِنْ تَبَرَّعَ) بِهِبةٍ أوْ صَدَقةٍ، (أَوْ حَابَى) بزيادةٍ أوْ نُقْصانٍ، (أَوْ زَادَ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلْى مَنْ تَلْزَمُهُ

(9)

مُؤْنَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ؛ ضَمِنَ)؛ لأِنَّه مُفرِّطٌ، فضمن

(10)

كتصرُّفه في مال غيرهما، ومرادُه - والله أعلم -:

(1)

ينظر: الفروع 7/ 10، الاختيارات ص 203.

(2)

قوله: (تطالبه) هو في (ق): إلى مطالبة.

(3)

في (ح): ويرفع أمره.

(4)

في (ظ) و (ق): الجناية. والمثبت موافق للشرح الكبير 16/ 294.

(5)

قوله: (كالأجنبي) هو في (ق): والأخير.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 10.

(7)

في (ح): لوليها.

(8)

سبق تخريجه 5/ 394 حاشية (3).

(9)

في (ح): تلزمهما.

(10)

في (ح): يضمن.

ص: 529

أنَّه

(1)

يَضْمَن القَدْر الزَّائد على الواجب، لا مطلَقًا.

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِهِمَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ)؛ لأِنَّه عليه السلام نهى الوصيَّ عن ذلك

(2)

، والحاكِمُ في معناه، (وَلَا يَبِيعُهُمَا

(3)

؛ لأِنَّه كالشِّراء معنًى، فيساويه حُكْمًا، (إِلاَّ الْأَبُ)، فيجوز

(4)

اتِّفاقًا

(5)

؛ لأِنَّه يلي بنفسه، فجاز أن يتولَّى طَرَفَيِ العَقْد؛ كالنِّكاح، والتُّهمة بين

(6)

الوالد وولده منتفية

(7)

؛ إذْ مِنْ طَبْعه الشَّفَقةُ عليه، والميْلُ إليه، وتَرْكُ حظِّ نفسِه لِحَظِّه، وبهذا فارَق الوصيَّ والحاكِمَ.

(وَلِوَلِيِّهِمَا مُكَاتَبَةُ رَقِيقِهِمَا)؛ لأِنَّ فيه تحصيلاً لمصلحة الدُّنيا والآخِرة.

وفي «الشَّرح» : إذا كان الحظُّ فيه؛ مثل أن يكون قيمتُه مائةً، فيُكاتِبَه على مائَتَينِ.

وفي «التَّرغيب» : أنَّها تجوز لغير الحاكِمِ.

(وَعِتْقُهُ بِمَالٍ

(8)

؛ لأِنَّه معاوَضةٌ لليتيم فيها حظٌّ، فَمَلَكَها وليُّه؛ كالبيع

(9)

.

(1)

قوله: (أنه) سقط من (ظ).

(2)

مراده كما في الممتع 2/ 655: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَشْتر الْوَصيّ مِنْ مال الْيَتِيم» ، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 96:(لم أجده)، وقد أخرج مالك في الموطأ برواية محمد بن الحسن (939)، وابن الجعد (2546)، والبيهقي في الكبرى (10989)، من طرق عن أبي إسحاق السّبيعي، عن صلة بن زُفر، قال: كنتُ جالسًا إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فجاءَ رجل من همْدان على فرَس أبلَق، فقال: يا أبا عبد الرَّحمن، أشتري هذا؟ قال:«وما لَه؟» ، قال: إنّ صاحبه أَوصَى إليَّ، قال:«لا تَشتَره، ولا تَستقرِضْ من ماله» ، وسنده صحيح.

(3)

في (ح): بيعهما.

(4)

في (ظ) و (ق): يجوز.

(5)

ينظر: بدائع الصنائع 6/ 28، القوانين الفقهية ص 211، منهاج الطالبين ص 135، الشرح الكبير 13/ 371.

(6)

في (ق): من.

(7)

في (ح): منفية.

(8)

في (ح): على بمال.

(9)

في (ح): كالمبيع.

ص: 530

وظاهِرُه: مطلَقًا، لكِنْ في «الشَّرح»: إذا أعتقه بمالٍ بِقَدْر قِيمته، أو أقلَّ؛ لم يَجُزْ؛ لعدم الحظِّ فيه.

وظاَّهِرُه: أنَّه لا يجوز عِتْقُه مجَّانًا.

وعنه: بلى لمصلحةٍ، اختاره أبو بكرٍ، بأن تكون له أمَةٌ لها ولدٌ يساوِيانِ مُجْتَمِعَينِ مائةً، ولو أُفْرِدتْ ساوَتْ مائتَينِ، ولا يُمكِن إفرادُها بالبيع، فتعتق

(1)

الأخرى؛ لتَكثُر قيمة الباقية.

فرعٌ: له هِبةُ ماله بعِوَضٍ، قاله القاضي وجماعةٌ.

(وَتَزْوِيجُ إِمَائِهِمَا) إن كان فيه مصلحةٌ؛ لأِنَّ فيه إعفافَهنَّ

(2)

، وتحصينهنَّ عن الزِّنى، ووجوب نفقتهنَّ على الأزواج، والمراد: إذا طَلَبْنَ منه ذلك، أو رأى المصلحةَ فيه؛ لأِنَّه نائبٌ عن مالكهنَّ، وعبَّر في «المحرَّر» و «الفروع» بالرَّقيق، وهو أعمُّ.

وعنه: يجوز لخوف فساده.

وعنه: لا تُزوَّج

(3)

أمةٌ؛ لتأكُّد حاجته إليها.

فيتوجَّه على هذا: إذا كان اليتيمُ مستغنِيًا عن خِدْمتها؛ أنَّه يجوز تزويجُها إذا كان فيه مصلحةٌ.

وفي «الرِّعاية» : له تزويجُ عبده بأمَته، وتزويجُها بغير عبده، ولا يُزوِّج عبدَه بغير أمَته.

(وَالسَّفَرُ بِمَالِهِمَا) للتِّجارة وغيرِها في مَواضِعَ آمنة

(4)

في قول الجمهور؛ لِمَا رَوَى عبدُ الله بنُ عَمْرٍو مرفوعًا: «من وَلِيَ يتيمًا له مالٌ؛ فَلْيَتَّجِرْ به، ولا

(1)

في (ح): بتعين.

(2)

في (ق): إعتاقهن.

(3)

ق): لا يزوج.

(4)

في (قوله: (وغيرها في مواضع آمنة) سقط من (ح).

ص: 531

يَتْرُكْه حتَّى تأكلَه الصَّدقةُ»

(1)

، ورُوِي موقوفًا على عمرَ

(2)

، وهو أصحُّ، ولأِنَّه أحظُّ للمُولَّى عليه؛ لكون نفقته من

(3)

رِبْحه، كما يفعله البالِغونَ في أموالهم، ولا يَتَّجِرُ إلاَّ في المواضِع الآمنة.

ومَنَعَ في «المجرد» و «المغني» و «الكافي» من السَّفَر به إلاَّ لضرورةٍ.

(وَالْمُضَارَبَةُ بِهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ)؛ أيْ: إذا اتَّجَر الولِيُّ بنفسه؛ لأِنَّه نَماءُ مال اليتيم، فلا يَسْتَحِقُّه غيرُه إلاَّ بعَقْدٍ، ولا يعقدها

(4)

الولِيُّ لنفسه؛ للتُّهمة.

وفيه وجْهٌ: يجوز أن يأخذ مضارَبةً لنفسه؛ لأِنَّه جاز له أن يَدْفَعَه بذلك؛ فجاز له أخْذُه.

(وَلَهُ دَفْعُهُ مُضَارَبَةً بِجُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ)؛ لأِنَّ «عائشةَ أبْضَعَتْ مالَ محمَّدِ بنِ أبي بكْرٍ»

(5)

؛ إذ الولِيُّ نائبٌ عنه فيما فيه مصلحته، وهذا مصلحةٌ

(6)

؛ لِمَا فيه من استبقاء

(7)

ماله.

وحينئِذٍ: فللمضارِب ما وافَقه عليه الولِيُّ من الرِّبح في قولهم جميعًا. وقيل: أجرة مثله. وعند ابن عَقيلٍ بأقلِّهما.

(وَبَيْعُهُ نَسَاءً)؛ أي: إلى أجلٍ إذا كان الحظُّ فيه، قاله في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه قد يكون الثَّمنُ فيه أكثرَ؛ لأِنَّ الأجلَ يَأخُذُ قِسْطًا من

(8)

الثَّمَن، (وَقَرْضُهُ) على الأصحِّ فيهما، (بِرَهْنٍ)؛ لأِنَّه أَجْودُ من إيداعه؛ لِمَا فيه من تعريضه للتَّلَف.

(1)

تقدم تخريجه 3/ 415 حاشية (1).

(2)

في (ق): عمرو. والأثر تقدم تخريجه 3/ 226 حاشية (5).

(3)

في (ظ) و (ق): في.

(4)

في (ح): ولا يعقد.

(5)

تقدم تخريجه 3/ 226 حاشية (5).

(6)

في (ق): مصلحته.

(7)

في (ح): استيفاء.

(8)

في (ظ) و (ق): في.

ص: 532

وقَولُه: (بِرَهْنٍ) يَحتَمِل أنَّه شَرْطٌ فِيهمَا، فيَأخُذُ على الثَّمن في الأُولَى رَهْنًا، قال في «الشَّرح»: أوْ كفيلاً مُوثِّقًا به، فيَحفَظ الثَّمَن به، وفي الثَّانية واضِحٌ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يجوز بغير رَهْنٍ؛ لأِنَّه قد لا يَأْمَنُ عَوْدَه لِفَلَسٍ ونحوِه، وقاله أيضًا في «التَّرغيب» و «المُذهب» ، زاد في «المستوعب»: وإشهادٍ، فيه روايتان.

فإنْ أمْكَنَه أخْذُ الرَّهْن وتَرْكُه؛ فاحْتِمالان.

والمذهَبُ: جوازُهما لمصلحةٍ، جزم به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» .

وذكر في «المغني» و «الشَّرح» : يُقرِضُه لحاجةِ سَفَرٍ، أو خَوفٍ عليه، أو غيرِهما.

وعلى المذهب: لا يُقرِضه إلاَّ لملِيءٍ أمينٍ؛ لِيَأْمَنَ جُحودَه، ويَقدِرَ على الإيفاء، ذَكَرَه في «الشَّرح» .

ولا يُقرِضُه لِمودَّةٍ ومُكافَأَةٍ، نَصَّ عليه

(1)

.

فَرْعٌ: له إيداعُه مع إمْكانِ قَرْضِه، ذَكَرَه في «المغني» ، وظاهِرُه: متى جاز إيداعُه.

وظاهِرُ كلامِ الأكثرِ: يجوز إيداعُه؛ لقولهم: يتصرَّف بالمصلحة، وقد يراه مصلحةً.

ولا ضَمانَ عليه إن تَلِفَ؛ لعدم تفريطه.

وفي «الكافي» : لا يُودِعُه إلاَّ لحاجةٍ، وأنَّه يُقرِضُه لحظِّه بلا رَهْنٍ.

(وَشِرَاءُ الْعَقَارِ لَهُمَا)؛ لأِنَّه مصلحةٌ؛ لكَونه يُحصِّل منه المغل مع بقاء

(1)

ينظر: الفروع 7/ 14.

ص: 533

الأصل، وإذا جازت المضارَبةُ فيه؛ فهذا أَوْلَى.

(وَبِنَاؤُهُ)؛ لأِنَّه في معْنَى الشِّراء، إلا

(1)

أن يكون الشِّراء أحظ

(2)

وهو مُمْكِنٌ، فيتعيَّن تقديمُه، (بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِهِ

(3)

، وكذا في «الوجيز» ؛ لأِنَّه العُرْفُ.

وقال الأصحابُ: يَبْنِيهِ بالآجُرِّ دُونَ اللَّبِن؛ لأِنَّه إذا هُدِم فَسَدَ، بخلاف الأوَّل، ولا بالجِصِّ؛ لأِنَّه يَلْتَزِقُ

(4)

بالآجُرِّ، ولو قدر؛ فيُفْضِي إلى كَسْره

(5)

.

وفي «المغني» : (والذي أراه أنَّ له بناءَه بما يرى الحظَّ فيه، وليس كلُّ الأماكن يُبْنَى فيها بالآجُرِّ، ولا يُقدَر فيها على الجيِّد، وإنْ وُجِد؛ فبقيمةٍ

(6)

كثيرةٍ جِدًّا، فلو قُيِّد البِناءُ بذلك أفْضَى إلى فوات الحظِّ، فيُحمل قولهم على مَنْ عادتُهم البناء به

(7)

؛ كالعراق ونحوِها، ولا يَصِحُّ حَمْلُه في حقِّ غيرهم).

(إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ)، هذا راجِعٌ إلى قوله:(ولوليِّهما) إلى آخره؛ لأِنَّ المصلحةَ إذا انْتَفَتْ في شَيءٍ من ذلك؛ لم يكن قُرْبانًا بالَّتي هي أحسنُ، وقد نُهِيَ عنه.

وظاهر «الشَّرح» : أنَّه راجِعٌ إلى الشِّراء والبناء. وفيه شَيءٌ.

(وَلَهُ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ لِلْيَتِيمِ الْمُوسِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ

(8)

؛ لأِنَّه يومُ عِيدٍ وفَرَحٍ،

(1)

في (ح): لا.

(2)

في (ح): حظ.

(3)

قوله: (به) سقط من (ح).

(4)

في (ق): ملتزق.

(5)

توضيحه كما في الشرح الكبير 13/ 382: (لأنه يلتصق بالآجر فلا يخلص منه، فإذا انهدم فسد الآجر؛ لأن تخليصه منه يفضي إلى كسره).

(6)

في (ق): فبقيمته.

(7)

قوله: (به) سقط من (ظ).

(8)

ينظر: المغني 9/ 447، تحفة المودود ص 173.

ص: 534

وجَبْر قلبه، وإلحاقه بمَنْ له أبٌ؛ كالثِّياب الحسنة مع استحباب التَّوْسِعة في هذا اليوم.

وهذا إذا كان موسِرًا لا يتضرَّر بشرائها.

فعلى هذا: يَحرُم صدقتُه

(1)

منها.

وفي «الانتصار» عن أحمدَ: يَجِب؛ لقوله: للوصيِّ التَّضحيةُ عن اليتيم من ماله

(2)

، فدلَّ أنَّها كزكاةٍ.

وعنه: لا يجوز ذلك؛ لأِنَّها إخراجٌ من ماله بغير عِوَضٍ، فلم يَجُزْ كالهديَّة.

وحَمَلَ في «المغني» كلامَ أحمدَ على حالَينِ؛ فيمنع

(3)

منها إذا كان الطِّفلُ لا يَعْقِلُها، ولا يفرح بها، ولا يَنكسِرُ قلبه بتَرْكها، وعكسه بعكسه.

فائدةٌ: ويَفعَل في مال اليتيم ما هو أرْفَقُ له؛ من خَلْطٍ وإفْرادٍ، فلو مات مَنْ يتَّجِر ليتيمه

(4)

ولنفسه بماله، وقد اشترى شيئًا، ولم يُعرَف لمن هو، فالمذهب: أنَّه يُقرَع، فمن قرع حلف وأخذ.

وله الإذْنُ لصغيرةٍ في لَعِبٍ بِلُعَبٍ

(5)

غير مصوَّرةٍ، وشراؤها بمالِها، نَصَّ عليهما

(6)

.

(وَتَرْكُهُ فِي الْمَكْتَبِ)؛ لِيَتعلَّم الخَطَّ وما يَنفَعُه، (وَأَدَاءُ الْأُجْرَةِ عَنْهُ)؛ لأِنَّه من مصالحه، أشْبَهَ نفقةَ

(7)

مَأْكُولِه ومَلْبُوسه.

(1)

في (ح): صدقة.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 15.

(3)

في (ح): ممنع.

(4)

في (ح): ليقمه.

(5)

في (ق): تلعب.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 15.

(7)

في (ق): نقله.

ص: 535

وكذا مداواتُه بأُجْرةٍ بغير إذْنِ حاكِمٍ، نَصَّ عليه

(1)

.

ويجوز أن يُسْلِمَه في صناعةٍ لمصلحته، قاله

(2)

في «الشَّرح» .

وله حملُه بأُجْرةٍ؛ لِيَشْهَد الجماعةَ، قاله في «المجرد» و «الفصول» .

وإذْنُه في تصدُّقه بيسيرٍ، قاله في «المذهب» .

(وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُمَا إِلاَّ لِضَرُورَةٍ)؛ كحاجتهما إلى نفقةٍ، أوْ كِسوةٍ، أوْ قضاءِ دَينٍ، وليس له

(3)

ما يَدفَع به حاجتَه؛ لأِنَّ الضَّرورةَ لا بُدَّ من دَفْعِها، (أَوْ غِبْطَةٍ)؛ بأنْ يُزاد في ثمنه زيادةً على ثمن المثل، قاله القاضي في الموضِعَينِ المذكورَينِ، وذكر هذا في «الفروع» قولاً، ثُمَّ فسَّرها المؤلِّفُ تَبَعًا لأِبِي الخَطَّاب:(وَهُوَ أَنْ يُزَادَ فِي ثَمَنِهِ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا)؛ لتكونَ المصلحةُ ظاهِرةً بيِّنةً.

والمذهَبُ: أنَّ للولِيِّ البيعَ للمصلحة بدون ما ذَكَرَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّه قد يكون بَيعُه أَوْلَى؛ لكونه في مكان لا غلَّةَ

(4)

فيه، أو فيه غلةٌ

(5)

يسيرةٌ، أو لِسوءِ الجار، أو لِيَعْمُر به عَقارَه الآخَرَ، أو لمصلحةٍ غيرِ ذلك.

قال في «الشَّرح» : (متى كان الحظُّ في بَيعه جاز، وإلاَّ فلا، وهذا اخْتِيارُ شيخنا، وهو الصَّحيح إن شاء الله تعالى).

وحاصِلُه: أنَّه لا يُباعُ إلاَّ بثَمَنِ المثل، فلو نقص منه؛ لم يصِحَّ، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» .

(وَإِنْ وَصَّى لِأَحَدِهِمَا بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لِإِعْسَارِ الْمُوصَى

(1)

ينظر: الفروع 7/ 14.

(2)

في (ح): قال.

(3)

قوله: (له) سقط من (ح).

(4)

في (ح): غلية.

(5)

في (ح): غلية.

ص: 536

لَهُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ)؛ لأِنَّه مصلحةٌ محْضةٌ لا ضَرَرَ فيها، (وَإِلاَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا)؛ أيْ: إذا لَزِمَتْه النَّفقةُ حَرُم على الولِيِّ قَبولُها؛ لِمَا فيه من الضَّرَر بتفويت مالِه بالنَّفقة عليه.

ص: 537

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ) لِرُشْده أو بلوغه، ودُفِع إليه مالُه، (فَعَاوَدَ السَّفَهَ؛ أُعِيدَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ) في قول الجماهير؛ لِمَا رَوَى عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ:«أنَّ عبدَ الله ابنَ جعفرٍ ابْتاعَ بَيعًا، فقال عَلِيٌّ: لآَتِيَنَّ عثمانَ لِيَحْجُرَ عليك، فأتى عبدُ الله بنُ جعفرٍ الزُّبَيرَ، فذكر ذلك له، فقال الزُّبَيرُ: أنا شريكُك في البيع، فأتى عليٌّ عثمانَ فذكر له القضيَّة، فقال الزُّبَيرُ: أنا شريكه في البيع، فقال عثمانُ: كيف أحْجُر على رجلٍ شريكُه الزُّبَيرُ» رواه الشَّافِعيُّ، قال أحمدُ: لم أسْمَعْ هذا إلاَّ من أبي يوسفَ القاضي

(1)

، وهذه قضيَّةٌ اشْتَهَرتْ، ولم تُنكَرْ، فكانَتْ إجْماعًا، ولأِنَّه سَفِيهٌ فيُحجَر

(2)

عليه، كما لو بلغ سَفِيهًا؛ نَظَرًا إلى دَوَرانِ الحُكمْ مع العِلَّة.

والحاجِرُ هنا: الحاكِمُ؛ نقله الجماعةُ

(3)

، وهو وليُّه. وقيل: أو أبوه.

(1)

أخرجه الشافعي في الأم (3/ 225)، وعبد الله بن أحمد في العلل (5630)، والطحاوي في مشكل الآثار (12/ 340)، والدارقطني (4552)، والبيهقي في الكبرى (11336)، من طرق عن أبي يوسف، عن هشام بن عروة، عن أبيه. وأشار أحمد إلى إعلاله بتفرُّد أبي يوسف كما في العلل ومسائل أبي داود ص 429، قال في التلخيص 3/ 108:(قال البيهقي: يقال إن أبا يوسف تفرد به، وليس كذلك)، فقد أخرجه البيهقي في الصغير (2078)، من طريق محمد بن القاسم الطلحي، عن الزبير بن المديني، عن هشام به، قال الألباني:(لم أجد ترجمةً لمحمد بن القاسم الطلحي والزبير هذا)، وأخرج نحوه أبو عبيد في الأموال كما في التلخيص (3/ 108)، بسند رجاله ثقات إلا أنه مرسل. وأخرجه عبد الرزاق (15176)، أخبرني رجل، سمع هشام وذكره. وجوَّد الألباني إسناد أبي يوسف في الإرواء 5/ 273، وحسن إسناده في خلاصة البدر المنير 2/ 84.

(2)

في (ح): فحجر.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 11.

ص: 538

وقيل: إن زال الحَجْرُ برُشْده بلا حُكْمٍ؛ عاد بمجرَّده.

وجْهُ الأوَّلِ: أنَّ التَّبذيرَ يَختَلِف، فيحتاج إلى الاجتهاد، وإذا افتقر السَّبب إلى الاجتهاد؛ لم يَثْبُت إلاَّ بحكم الحاكم، كالحَجْر على المفلس، بخلاف الجنون، فإنَّه لا يفتقر إلى الاجتهاد بغير خلافٍ

(1)

.

فَرْعٌ: لو فَسَقَ، ولم يُبذِّرْ؛ لم يُحْجَرْ عليه، وإن اعْتُبِر في رُشْده إصْلاحُ دِينِه؛ فوجْهانِ.

(وَلَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إِلاَّ الْحَاكِمُ)؛ لأِنَّ الحَجْرَ عليه يَفْتَقِر إلى الحاكم، فكذا النَّظر في ماله، (وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ)؛ أيْ: عن السَّفيه (إِلاَّ بِحُكْمِهِ) على الصَّحيح؛ لأِنَّه حَجْرٌ ثبت بحكمه، فلم يَزُلْ إلاَّ به كالمفلِس.

(وَقِيلَ: يَنْفَكُّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ)، قاله أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّ سببَ الحَجْر زال؛ فيزول بزواله، كما في حقِّ الصَّبِيِّ والمجنون.

وجوابُه: بأنَّ الرُّشد يَفْتَقِر إلى اجْتهادٍ في معرفته وزوال تبذيره، فكان كابتداء الحَجْر عليه، وفارق الصَّبيَّ والمجنون، فإنَّ الحَجْر عليهما بغَير حُكْمِ حاكِمٍ، فيزول بغَير حُكمِه.

فَرْعٌ: الشَّيخُ الكبيرُ يُنكَر عَقْلُه؛ يُحْجَر عليه، قاله أحمدُ

(2)

؛ يعني

(3)

: إذا كَبِر، واخْتَلَّ عَقْلُه كالمجنون؛ لِعَجْزه عن التَّصرُّف في ماله.

ونقل المرُّوذِيُّ: أرى أن يَحْجُر الاِبْنُ على الأب إذا أسْرَف، يَضَعُه في الفساد وشراء المغنِّيات ونحوه

(4)

.

(وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ)؛ لِيَظْهَر أمْرُه، (وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ)، وقد صرَّح

(1)

ينظر: المغني 3/ 352.

(2)

ينظر: المغني 3/ 352.

(3)

في (ح): بمعنى.

(4)

ينظر: الورع ص 56.

ص: 539

بالعِلَّة فقال: (لِتُجْتَنَبَ

(1)

مُعَامَلَتُهُ)، وقد عُلِمَ منه: أنَّ الإشهادَ عليه ليس بِشَرطٍ؛ لأِنَّه يَنتَشِر أمْرُه لِشُهرته، وإن رأى الحاكِمُ أنْ يُنادَى عليه بذلك ليَعْرِفَه

(2)

النَّاس؛ فَعَلَ، قاله في «الشرح»

(3)

.

(وَيَصِحُّ تَزَوُّجُهُ

(4)

بِإِذْنِ وَلِيِّهِ)، قاله أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّه لا يَأْذنُ إلاَّ بما فيه مصلحةٌ له، وحاجتُه تدعو إليه، وليس مآلُه إلى التَّبذير.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَصِحُّ بغير إذْنه؛ لأِنَّه تصرُّفٌ يَجِبُ به مالُ، فلم يصِحَّ بغَير إذْنِ وليِّه؛ كالشِّراء.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ)، جزم به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأِنَّه عَقْدٌ غَيرُ مالِيٍّ، فصحَّ منه؛ كخُلْعه وطلاقه، ولزوم المال فيه بطريق الضِّمْن.

وفي إجباره وجهان.

فإن أذن؛ ففي لزومه تعيين المرأة وجهان.

ويتقيَّد بمهر المثل، ويحتمل لزومه زيادةً أَذِن فيها، كتزويجه

(5)

بها في وجْهٍ.

فإن عضله؛ استقلَّ.

وإن علم أنَّه يُطلِّق؛ اشترى له جاريةً.

وإن خالع على مالٍ؛ لم يدفع إليه. وقال القاضي: بلى.

(1)

في (ح): لتجنب.

(2)

في (ظ): لتعرفه.

(3)

في (ح): «المغني» .

(4)

في (ق): تزويجه.

(5)

في (ح): كتزويجها.

ص: 540

فعلى الأوَّل: إذا أتلفه بعد قبضه؛ لا ضمان عليه، ولا تبرأ المرأة بدفعه إليه

(1)

، وهو من ضمانها إن أتلفه أو تلف في يده؛ لأنَّها سلَّطته عليه.

(وَهَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أرْجَحُهما، وجزم به في «الوجيز»: أنَّه لا يصحُّ؛ لأِنَّه تبرُّعٌ، أشْبَهَ هِبتَه ووَقْفَه، ولأنَّه محجورٌ عليه لحِفْظ مالِه، فلم يَصِحَّ؛ كعِتْق الصَّبيِّ.

والثَّانية: بلى؛ لأنَّه عتقٌ من مكلَّفٍ تامِّ الملك، فصحَّ؛ كالمفلِس والرَّاهن.

ورُدَّ: بأنَّ الحَجر عليهما لحقِّ غيرهما، وفي عِتقهما خلافٌ.

وظاهره: أنَّه يصحُّ تدبيره ووصيَّته؛ لأنَّ ذلك محْضُ مصلحةٍ

(2)

؛ لأنَّه تقرُّبٌ إلى الله تعالى بماله بعد غناه عنه

(3)

.

وكذا يصحُّ استيلاده، وتعتق

(4)

الأمة بموته؛ لأنَّه إذا صحَّ من المجنون؛ فمن السَّفيه أَوْلى.

فَرْعٌ: يكفِّر بصومٍ كمفلِسٍ، وإن فُكَّ حَجْرُه قبل تكفيره وقدر؛ عتق، ويستقلُّ بما لا يتعلَّق بالمال مقصوده.

(وَإِنْ أَقَرَّ)؛ أي: المحجورُ عليه (بِحَدٍّ)؛ أي: بما يوجبه؛ كالزِّنى والسَّرقة، (أَوْ قِصَاصٍ، أَوْ نَسَبٍ، أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ؛ أُخِذَ بِهِ)، قال ابن المنذر: (هو إجماعُ من نَحفَظ

(5)

عنه)

(6)

؛ لأنَّه غيرُ متَّهَمٍ في نفسه، والحَجْرُ إنَّما يتعلَّق

(1)

قوله: (وقال القاضي: بلى

) إلى هنا سقط من (ح).

(2)

في (ق): مصلحته.

(3)

قوله: (عنه) سقط من (ظ).

(4)

في (ح): ويعتق.

(5)

في (ظ): يحفظ.

(6)

ينظر: المغني 6/ 243، ولم نجده في كتب ابن المنذر.

ص: 541

بماله، فنقل

(1)

على نفسه؛ إذ الحجر لا تعلُّق له به، والطَّلاق ليس بتصرُّفٍ في المال، فلا يمنع كالإقرار بالحدِّ، بدليل: أنَّه يصحُّ من العبد بغير إذْنِ سيِّده مع منعه من التَّصرُّف في المال.

تنبيهٌ: لو أقرَّ بما يُوجِب قصاصًا، فعفى المقَرُّ له على مالٍ؛ فوجهان

(2)

.

(وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ)؛ كالدَّين، أوْ ما

(3)

يُوجِبُه؛ كجناية الخطأ، وشبه العَمْد، وإتْلاف المال، وغَصْبِه؛ (لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ حَجْرِهِ)؛ لأِنَّه محجورٌ عليه لِحَظِّهِ، أشْبَهَ الصَّبِيَّ، ولو قبلناه

(4)

في الحال؛ لَزال معنى الحَجْر.

وظاهِرُه: أنَّه يَلزَمُه ما أقرَّ به بعد فَكِّ الحَجْر عنه في قول عامَّة الأصحاب؛ لأِنَّه مكلَّف، فيَلزَمُه ما أقرَّ به عند زواله؛ كالرَّاهِن والمفلِسِ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مُطْلَقًا)، اختاره المؤلِّف، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ المنْعَ من نُفُوذ إقراره في حال الحَجْر عليه حَفِظ ماله ودَفَع الضَّرَر عنه، ونفوذه بعد فَكِّه عنه لا يُفِيدُ إلاَّ تأخيرَ الضَّرر عليه إلى أكمل حالتَيهِ، لكن إنْ عُلِم صحَّةُ ما أقرَّ

(5)

به؛ كدَينِ جنايةٍ ونحوِه؛ لَزِمه أداؤه، ذَكَرَه في «الشَّرح» و «الوجيز» .

(وَحُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّهِ؛ حُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) على ما سَلَفَ؛ لأِنَّ وِلايتَه على السَّفِيه لِحَظِّهِ، أشْبَهَ وَلِيَّ الصَّبِيِّ

(6)

.

(1)

كذا في النسخ الخطية، وصوابها:(فقُبل)، كما في الشرح الكبير 13/ 398.

(2)

كتب في هامش (ظ): (وليس لولي قصاص العفو على مال).

(3)

في (ق): بما.

(4)

في (ظ): قتلناه.

(5)

في (ق): أمر.

(6)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 542

(فَصْلٌ)

(وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ)؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 6]، ولِمَا رَوَى عَمْرُو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي فقيرٌ، وليس لي شَيءٌ، ولي يتيمٌ، فقال:«كُلْ مِنْ مال يتيمك غَيرَ مُسْرِفٍ» رواه أبو بكرٍ

(1)

، وروى ابنُ بَطَّةَ عن الحسن العُرَنِيِّ مرفوعًا معناه

(2)

، ولأِنَّه إنَّما

(3)

يَستحِقُّ بعمله فتقيَّد بقدْره.

والمذهبُ - كما جزم به الجماعةُ -: أنَّ له الأقلَّ من أُجْرةِ مِثْله أو قدر كفايته؛ لأِنَّه يَسْتحِقُّه بالعمل والحاجة جميعًا، فلم يَجُزْ أن يأخذ إلاَّ ما وُجد فيه

(4)

.

(1)

أخرجه أحمد (6747)، وأبو داود (2872)، والنسائي (3668)، وابن ماجه (2718)، وابن الجارود (952)، والبيهقي في الكبرى (12669)، من طرق عن حسين المعلِّم، عن عمرو بن شعيب به، وإسناده حسنٌ، وصححه ابن الجارود، وقال الحافظ:(إسناده قويّ)، وحسين المعلِّم ثقةٌ. وأخرج البخاري (2765)، ومسلم (3019)، عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى:{ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} ، قالت:«أنزلت في وليِّ اليتيم، أن يُصيب من ماله، إذا كان محتاجًا، بقدرِ ماله بالمعروف» . ينظر: الفتح 8/ 241، الإرواء 5/ 277.

(2)

أخرجه ابن المبارك كما في البر والصلة (210)، وعبد الرزاق في التفسير (519)، والطبري في التفسير (6/ 425)، عن عمرو بن دينار، عن الحسن العُرني، أنّ رجلاً قال: يا رسول الله إنَّ عندي يتيمًا، أفآكلُ من ماله؟ قال:«بالمعروف غيرَ متأثِّل مالاً، ولا واقٍ مالَك بماله» ، وهو مرسل صحيح الإسناد، الحسن بن عبد الله العُرني ثقة، وأخرجه عبد الرزاق في التفسير أيضًا (520)، من وجه آخر عن عمرو بن دينار به.

(3)

قوله: (إنما) سقط من (ح).

(4)

في (ق): منه.

ص: 543

وفي «الإيضاح» : إذا قدَّره حاكِمٌ.

وقيَّده

(1)

في «الرِّعاية» و «الوجيز» : إن شغله ذلك عن كسبِ ما يقوم بكِفايته، قال ابنُ رَزِينٍ: يأكلُ فقيرٌ، ومن يَمنَعه من معاشه بمعروفٍ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَحِلُّ له تناوُل شيءٍ مع غناه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النِّسَاء: 6].

وعنه: بلى، اختاره ابنُ عَقيلٍ؛ كالعمل في الزَّكاة، وحمل الآية على الاستحباب.

وعنه: لا يجوز للوصيِّ أن يأكُلَ شيئًا من مال اليتيم مطلَقًا.

(وَهَلْ يَلْزَمُهُ عِوَضُهُ

(2)

إِذَا أَيْسَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:

الأصحُّ: أنَّه لا يَلْزَمُه؛ لأِنَّ ذلك جُعِلَ عِوَضًا له عن عَمَلِه، فلم يَلْزَمْه عِوَضُه؛ كالأجير والمضارب، ولأِنَّه تعالى

(3)

أَمَرَ بالأكل، ولم يَذكُرْ عِوَضًا.

والثانية: بلى، وقاله مجاهِدٌ، وعطاءٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ؛ لأِنَّه استباحةٌ بالحاجة من مال غيره، فلَزِمه عِوَضُه؛ كالمضْطَرِّ إلى طعامِ غيرِه.

وجوابُه: بأنَّ العِوَض وجب عليه في ذمَّته، بخلافه هنا.

وهذا الخلافُ في غير الأب، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .

وإذا قُلْنا بِرَدِّ

(4)

البدل؛ فيتوجَّه يرده

(5)

إلى الحاكِمِ؛ لأِنَّه لا يُبرِّئُ

(6)

نفسَه بنفسه.

(1)

في (ح): وقيد.

(2)

في (ح): عوض ذلك.

(3)

في (ظ) و (ق): يقال.

(4)

في (ق): يرد.

(5)

في (ح): برده.

(6)

في (ق): لا يرد.

ص: 544

(وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي

(1)

النَّاظِرِ

(2)

فِي الْوَقْفِ) إذا لم يَشْرِط له شَيئًا، وهذا التَّخريجُ ذَكَره أبو الخَطَّاب وغيرُه؛ لأِنَّه يساوي الوصِيَّ مَعْنًى وحُكْمًا.

ونَصَّ أحمدُ في النَّاظِر: أنَّه يأكل بمعروفٍ، وظاهِرُه: ولو لم يكن محتاجًا، قاله في «القواعد»

(3)

.

وعنه: أيْضًا إذا اشْتَرط، قيل له: فيَقْضِي دَينَه؟ قال: (ما سمعتُ)

(4)

، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لا يُقدَّم بمعلومه بلا شرطٍ إلاَّ أن يأخذ أُجْرةَ عمله مع فقره؛ كوصيِّ اليتيم

(5)

.

وفرَّق القاضي بين الوصيِّ: بأنَّه لا يُمكنه موافقتُه على الأجرة، والوكيلِ يُمكنه.

(وَمَتَى زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ

(6)

، فَادَّعَى عَلَى الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، أَوْ مَا يُوجِبُ ضَمَانًا)؛ كدَعْوَى النَّفقة، وقدرها، ووجود الغبطة والضَّرورة والمصلحة، والتَّلَف؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ) مع يمينه؛ لأِنَّه يُقبَلُ قَولُه في عَدَم التَّفريط، فكذا هنا؛ كالمودَع، وهذا ما لم يُخالِفْ عادةً وعُرْفًا.

وظاهِرُه: أنَّه يُحَلَّف الولِيُّ، ولو كان حاكِمًا، وهو روايةٌ.

والمذهَبُ: أنَّه لا يُحلَّفُ الحاكِمُ.

فلو قال: أنفقْتُ عليك منذ سنَتَينِ، فقال: منذ سنةٍ؛ قُدِّم قَولُ الصَّبيِّ؛ لأِنَّ الأصلَ موافقته

(7)

.

(1)

في (ح): إلى.

(2)

قوله: (في الناظر) سقط من (ق).

(3)

ينظر: الوقوف ص 25، قواعد ابن رجب 2/ 48.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 17.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 31/ 66، الفروع 7/ 17.

(6)

قوله: (عنه) سقط من (ح).

(7)

في (ظ): يوافقه. والمثبت هو الموافق للكشاف 8/ 403، والروض 2/ 349.

ص: 545

وظاهِرُه: أنَّ الحظَّ والغبطةَ لا تفتقر إلى ثبوت ذلك عند الحاكِم.

(وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ)، هذا هو المذهبُ؛ لأِنَّه أمينٌ، أشْبَهَ المودَعَ.

وقيل: يُقبَل قَولُ الصَّبِيِّ؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النِّسَاء: 6]، فمتى تَرَكَ الإشْهادَ؛ فقد فرَّط، فلزمه الضَّمانُ، فعليه: لا يُقبَلُ قَولُ الولِيِّ إلاَّ بِبَيِّنةٍ.

وكذلك الحُكمُ في المجنون والسَّفيه.

(وَهَلْ لِلزَّوْجِ) الرَّشيدِ، قالَهُ في «الرِّعاية» ، (أَنْ يَحْجُرَ عَلَى امْرَأَتِهِ)؛ أي

(1)

: الرَّشيدة (فِي التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «الرِّعاية»:

أرجَحُهما: ليس له مَنْعُها، وهي ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وجزم بها في «الوجيز» ، وقدَّمها في «الفروع»؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النِّسَاء: 6]، وهِيَ ظاهِرةٌ في فَكِّ الحَجْر عنهنَّ، وإطْلاقِهنَّ في التَّصرُّف، بدليل قوله عليه السلام:«يا معشَرَ النِّساء تصدَّقْنَ ولو من حُلِيِّكُنَّ»

(2)

، وكُنَّ يَتصدَّقْنَ ويَقبَلُ مِنْهنَّ، ولم يستفصل، ولأِنَّ مَنْ وجَبَ دَفْعُ ماله إليه لِرُشْده؛ جاز له التَّصرُّف بغير إذْنٍ؛ كالغلام.

والثَّانية: يَمْلِك مَنْعَها من ذلك؛ أي: بزيادة على الثُّلث، نَصَرَه القاضي وأصحابُه؛ لِمَا روى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَجوزُ للمرأة عطيَّةٌ في

(3)

مالها إلاَّ بإذْن زَوجها؛ إذْ

(4)

هُوَ مالِكُ عِصْمتها»

(1)

قوله: (أي) سقط من (ق).

(2)

أخرجه البخاري (1466)، ومسلم (1000)، من حديث زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما.

(3)

قوله (في) سقط من (ح).

(4)

في (ح): أو.

ص: 546

رواه أبو داودَ

(1)

، ولأِنَّ حقَّ الزَّوج يتعلَّق بمالها ويَنتفِعُ به، وإذا أَعْسَرَ بالنَّفقة أنظرتْه، فجرى مجرى حقوق الورثة المتعلِّقة بمال المريض.

وجوابُه: بأنَّ شُعَيبًا لم يُدرِكْ عبدَ الله بنَ عَمْرٍو، وليس لهم حديثٌ يَدُلُّ على تحديد

(2)

المنْع بالثُّلث، وقياسُهم على المريض فاسِدٌ؛ لأِنَّ المرضَ سببٌ يُفْضِي إلى وصول المال إليهم بالميراث، والزَّوجيَّة إنَّما تجعلُه من أهل الميراث، فهي أحَدُ وَصْفَي العِلَّة، فلا يَثْبُت الحكمُ بمجرَّدها، كما لا يَثْبُت لها الحَجْرُ على زَوجها.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَمْلِك مَنْعَها في التَّبرُّع بما دون الثُّلث.

وعنه: بلى، صحَّحها في «عيون المسائل» ، قال: لا تَهَبُ شَيئًا إلاَّ بإذْنِه، ولا يَنفُذُ عِتْقُها إلاَّ بإذْنه؛ لظاهر الخبر.

(1)

أخرجه أبو داود (3546)، والنسائي (2540)، وابن ماجه (2388)، والحاكم (2299)، وصححه الحاكم والبيهقي والذهبي وابن الملقن، وحسّنه الألباني، وأخرج عبد الرزاق (16607)، عن طاوس مرسلاً، وهو صحيح الإسناد كما قاله الألباني، وأخرج مسدد كما في المطالب العالية (1530)، عن مجاهد مرسلاً، وسنده صحيح. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 6/ 100، تحفة المحتاج 2/ 261، الصحيحة 2/ 472، 6/ 146.

(2)

في (ظ): تجديد.

ص: 547

(فَصْلٌ فِي الْإِذْنِ)

(يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، جزم به في «الوجيز» ، وهو المرجَّح؛ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى

(6)} [النِّسَاء: 6]؛ أي: اخْتَبِروهم لِتَعْلَمُوا رُشْدَهم، وإنَّما يُتَحقَّقُ ذلك بتفويض الأمر إليهم من البيع والشِّراء ونحوه، ولأِنَّه عاقِلٌ محجورٌ عليه، فصحَّ تصرُّفه بإذن وليِّه؛ كالعبد.

والثَّانية: لا يَصِحُّ حتَّى يَبلُغَ؛ لأِنَّه غَيرُ مكلَّفٍ؛ كغير المميِّز، ولأِنَّ العقلَ لا يُمكِن الوقوفُ منه على الحدِّ الَّذي يصلح به التَّصرُّف لِخَفائه، فجَعَلَ الشَّارِعُ له ضابِطًا، وهو البلوغُ.

فعلى المذهب: لو تصرَّف بلا إذن لم يصِحَّ. وقيل: بلى ويَقِفُ على الإجازة، وبَنَاهُما في «الشَّرح» على تصرُّف الفُضولِيِّ.

(وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ)، بِغَير خلافٍ نَعلَمُه

(1)

؛ لأِنَّ الحَجْر عليه إنَّما كان لحقِّ السَّيِّد، فجاز له التَّصرُّف بإذْنه؛ لزوال المانِع.

(وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ إِلاَّ فِيمَا أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ، وَفِي النَّوْعِ الذِي أُمِرَا بِهِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما تصرف

(2)

بالإذن من

(3)

جهة آدَمِيٍّ، فَوَجَبَ أنْ يَختَصَّ بما أَذِن له فيه وأمَرَه به، دون غيره؛ كالوكيل والمضارِب.

وفي «الانتصار» روايةٌ: إنْ أذِن لعبده في نَوعٍ، ولم يَنْهَ عن غيره؛ مَلَكَهُ؛ أي

(4)

: جاز أن يتَّجِرَ في غيره، ويَنفَكُّ عنه الحجر مطلَقًا؛ لأِنَّ إطْلاقَ الإذن

(1)

ينظر: المغني 5/ 61.

(2)

في (ظ): متصرف.

(3)

في (ح): في.

(4)

في (ق): إن.

ص: 548

لا يتبعَّضُ كبلوغ الصَّبيِّ.

وجوابُه: بأنَّه يَنْتقِضُ بما

(1)

إذا أذِن له في شراء ثَوبٍ يلبسه ونحوه، والرِّقُّ سبب الحَجْر، وهو موجودٌ.

وظاهر كلامهم: أنَّه كمضارِبٍ في البيع نسيئةً وغيرِه.

ودلَّ كلامُه: على أنَّه إذا كان لاِثْنَينِ، فأذِن له أحدُهما؛ أنَّه لا يجوز له التَّصرُّف؛ لأِنَّه يقع بمجموعه.

(وَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ

(2)

أَنْ يُؤْجِرَ نَفْسَهُ، وَلَا يَتَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ)؛ لأِنَّه عَقْدٌ على نفسه، فلا يَمْلِكُه إلاَّ بالإذن

(3)

؛ كبيع نفسه وتزويجه، ولأِنَّ ذلك يَشْغَلُه عن التِّجارة المقصودة بالإذْن، وفي إيجار عبيده وبهائمه خلافٌ في «الانتصار» .

وفي صحَّة شراءِ مَنْ يعتق على سيِّده وامرأته، وزَوج ربَّة المال؛ وجهان؛ أصحُّهما: صحَّتُه.

وعليه: إن صحَّ وعليه دَينٌ؛ فقيل: يعتق، وقيل: يُباع فيه، ومثلُه مُضارِبٌ، والأَشْهَر يصحُّ كمن نذر عِتقَه وشراءه مَنْ حلف لا يملكه.

(وَهَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ

(4)

:

أحدهما: لا يجوز، جَزَم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه متصرفٌ

(5)

بالإذْن، فاخْتَصَّ بما أُذِن فيه.

والثَّاني: بلى؛ لأِنَّه ملك

(6)

التَّصرُّف بنفسه، فمَلَكه بنائبه؛ كالمالك

(1)

في (ح): ما.

(2)

قوله: (له) سقط من (ظ).

(3)

في (ظ): بإذن.

(4)

في (ق): روايتين، وقوله:(وجهين) كتب على الهامش ووضع عليه إشارة صح.

(5)

في (ح): يتصرف.

(6)

في (ظ): يملك.

ص: 549

الرَّشيد، ولأِنَّه أقامه مقامَ نفسه.

(وَإِنْ رَآهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ فَلَمْ يَنْهَهُ

(1)

؛ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ)؛ كتزويجه وبَيعِه مالَه؛ لأِنَّه تصرُّفٌ يَفْتَقِر إلى الإذْن، فلم يَقُمِ السُّكوتُ مَقامَه، كما لو تصرَّف أحدُهما في الرَّهن، والآخَرُ ساكِتٌ، وكتصرُّف الأجانب.

(وَمَا اسْتَدَانَ الْعَبْدُ)، يقال: اسْتَدان، وادَّانَ، وتَدَيَّنَ؛ بمعنًى واحِدٍ؛ (فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ)؛ نَقَله الجماعة

(2)

، (يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ، أَوْ يُسَلِّمُهُ)؛ كالجناية.

(وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ)؛ لأِنَّ صاحِبَ الحقِّ رضِيَ بتأخيرِ حقِّه؛ لكَونِه عامَلَ مَنْ لا مالَ له.

فعلى المذهب: إنْ أعْتَقه؛ فعلى مولاه، نَقَلَه أبو طالِبٍ

(3)

.

(إِلَّا الْمَأْذُونَ لَهُ؛ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وحاصِلُه أنَّ لِتَصرُّف العَبْد حالَتَينِ:

إحداهما

(4)

: أنْ يكونَ غَيرَ مأذونٍ له، ولِتَصَرُّفه حالتانِ:

إحداهما: أنْ يتصرَّف بِبَيعٍ أوْ شِراءٍ بعَين المال، فهذا لا يَصِحُّ على المذهب؛ كالغاصِب.

وقيل: بلى، ويقف

(5)

على الإجازة؛ كالفُضولِيِّ.

الثَّانيةُ: أنْ يَتَصرَّفَ في ذمَّته، وفيه وجْهانِ، وحكاهما المجْدُ روايتَينِ:

أحدهما

(6)

: يَصِحُّ تَصَرُّفه؛ إلْحاقًا له بالمفلِس؛ إذ الحَجْر عليه لحقِّ السَّيِّد.

(1)

في (ح): فلم يهنه.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2682، الروايتين والوجهين 1/ 357.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 20.

(4)

في (ظ): أحدهما.

(5)

في (ظ): وتقف.

(6)

في (ح): إحداهما.

ص: 550

والثاني

(1)

: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه محجورٌ عليه؛ كالسَّفيه.

فعلى الأوَّل: ما اشْتَراه، أو اقْتَرَضَه؛ إن وُجِد في يده انتُزِع

(2)

منه؛ لتحقُّق إعْساره، قاله في «المغني» و «التَّلخيص» ، وإنْ أخَذَه سيِّدُه؛ لم يُنتَزَع

(3)

منه على المشهور؛ لِأنَّه وَجَدَ مملوكَه بحَقٍّ، أشْبَه ما لو وَجَد في يده صَيدًا ونحوَه.

واخْتار في «التَّلخيص» : جوازَ الاِنْتِزاع منه؛ لِأنَّ الملْكَ وقَعَ للسَّيِّد ابْتداءً.

وإنْ تَلِفَ بيد السَّيِّد؛ لم يَضْمَنْه، واستقرَّ ثمنُه في رقبة العبد أو ذمَّته على الخلاف، وكذا إنْ تَلِفَ في يد العبد.

وعلى الثَّاني - وهو فساد التَّصرُّف -: يَرجِع مالِكُ العَين حيث وَجَدَها، فإن كانت تالِفةً؛ فله قِيمتُه، أو مثله إن كان مِثْلِيًّا، ثُمَّ إنْ كان التَّلَف في يد العَبْد؛ رَجَع عليه، وتعلَّق برَقَبَته كالجناية.

وعنه: يَتعلَّق بذِمَّته؛ لعُموم ما رُوِيَ عن الفقهاء

(4)

التَّابعين من أهل المدينة، قال:«كانوا يقولون: دَينُ المملوك في ذِمَّته» رواه البَيْهَقِيُّ في «سُنَنِه»

(5)

.

وإنْ كان التَّلَفُ بيد السَّيِّد؛ فكذلك على مُقْتَضَى كلامِ المجْدِ.

وفي «المغني» و «الشَّرح» و «التَّلخيص» : أنَّه يَرجِع إنْ شاء على السَّيِّد، وإنْ

(1)

قوله: (والثاني) سقط من (ح).

(2)

في (ح): أن ينزع.

(3)

في (ح): ينزع.

(4)

في (ح): الفقهاء عن.

(5)

أخرجه البيهقي في الكبرى (11005)، من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه. وإسناده صحيح.

ص: 551

شاء على العَبْد.

الحالةُ الثَّانيةُ: أنْ يكونَ مأْذُونًا له، فما اسْتَدانَه بِبَيعٍ أوْ قَرْضٍ، فأَشْهَرُ الرِّوايات: أنَّه يتعلَّق بذمَّة السَّيِّد؛ لأِنَّه غَرَّ النَّاسَ بمعامَلته، وقيَّده في «الوسيلة»: بما إذا كان قَدْرَ قيمتِه، والمذهب مطلقًا.

ولا فَرْق في الذي اسْتَدانَه: بَينَ أنْ يكونَ في الَّذي أُذِن فيه، أوْ لا؛ بأنْ يأْذَنَ له في التِّجارة في البُرِّ

(1)

فيَتَّجِرَ في غَيرِه؛ لِأنَّه لا يَنفَكُّ أنْ يَظُنَّ النَّاسُ أنَّه مأْذُونٌ له في ذلك أيضًا.

وعنه: يتعلَّقُ برقَبة العبد؛ كجِنايَتِه، ولِأنَّه قابِضٌ للمال المتصرِّف فيه، أشْبَهَ غَيرَ المأْذُون له.

وعنه: يَتعلَّق بذمَّة السَّيِّد؛ لِإذْنه، ورَقَبة العبد؛ لقَبْضِه.

وعنه: بذمته.

ونَقَل صالِحٌ وعبدُ الله: يُؤخَذُ السَّيِّدُ بما ادَّان

(2)

لِمَا أذِنَ له فيه فَقَطْ

(3)

.

ونَقَل ابنُ منصورٍ: إذا ادَّانَ

(4)

؛ فعلى سيِّده، وإنْ جَنَى فعلى سيِّده

(5)

.

وفي «الرَّوضة» : إذا أذِنَ له مُطْلَقًا؛ لَزِمَه كلُّما ادَّان

(6)

، وإنْ قيَّده بنوعٍ لم يَذكُرْ فيه اسْتِدانةً؛ فبرقبته؛ كغير المأذُون.

وبنى

(7)

الشَّيخُ تقيُّ الدِّين الخِلاف: في أنَّ تصرُّفه مع الإذْن هل هو

(1)

في (ظ): البز.

(2)

في (ح): إذن.

(3)

ينظر: مسائل صالح 2/ 116، مسائل عبد الله ص 290.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وهو موافق لما في الفروع 7/ 20، والذي في رواية ابن منصور 6/ 2682: أذن له.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2682.

(6)

في (ح): أذن.

(7)

في (ظ): وبين.

ص: 552

لسيِّده، فيتعلَّق ما

(1)

ادَّانَه بذمَّته كوكيله، أو لنفسه فيتعلَّق برَقَبَته؟ فيه روايتان

(2)

.

ومَحَلُّ الخلاف: ما إذا ثبت ببيِّنةٍ أو إقرار السَّيِّد، أمَّا إذا أنكره السَّيِّدُ ولا بيِّنةَ به؛ فإنَّه يتعلَّق بذمَّة العبد إنْ أقرَّ به، وإلاَّ فهو هَدرٌ، قاله الزَّرْكَشِيُّ، ومُقْتَضَى كلامِ الأكثر جَرَيانُ الخلاف.

(وَإِذَا بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ شَيْئًا؛ لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا ظاهر المذهب؛ لأِنَّه مملوكُه، فلا يَثْبُت له دَينٌ في ذِمَّته كغَير المأْذُون له.

(وَيَصِحُّ فِي الآْخَرِ

(3)

إِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ)؛ لأِنَّه إذا قُلْنا: إنَّ الدَّينَ يتعلَّق برَقَبته؛ فكأنَّه صار مُسْتحَقًّا لأِصْحاب الدُّيون، فيصِيرُ كعَبْدِ غيرِه.

وقيل: يَصِحُّ مُطلَقًا.

(وَيَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ

(4)

فِيهِ)؛ لأِنَّ مُقْتَضَى الإقرارِ الصِّحَّةُ، تُرِكَ فِيما لَمْ يَأْذَنْ له فيه سَيِّدُه لحقِّ السَّيِّدِ، فوجَبَ أنْ يَبْقَى فِيما عَداهُ على مقتضاه.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَصِحُّ فِيما زاد؛ لِمَا ذكرنا.

(وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَفِي يَدِهِ مَالٌ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فَأَقَرَّ بِهِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ المانِعَ من

(5)

صحَّة إقْراره الحَجْرُ عليه، وقد زال، ولأِنَّ تَصرُّفَه فيه صحيحٌ، فصحَّ إقْرارُه به كالحُرِّ.

وقيل: لا يَصِحُّ إلاَّ في الشَّيْءِ اليسيرِ.

(1)

في (ق): بما.

(2)

ينظر: شرح الزركشي 3/ 665.

(3)

في (ظ): وفي الآخر يصح.

(4)

قوله: (له) سقط من (ق).

(5)

في (ح): في.

ص: 553

(وَلَا يَبْطُلُ الْإِذْنُ بِالْإِبَاقِ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه لا يَمنَعُ ابْتِداءَ الإذْن له في التِّجارة، فلم يَمنَعِ اسْتِدامتَه، كما لو غَصَبَه غاصِبٌ، أوْ حُبِسَ بدَينٍ عليه، وكتدْبِيرٍ واسْتِيلادٍ.

وقيل: يَبطُل به؛ لأِنَّه يُزِيلُ ولايةَ السَّيِّد عنه في التِّجارة، بدليلِ: أنَّه لا يجوز بَيعُه، ولا هِبَتُه.

وجَوابُه: بأنَّ سببَ الولاية باقٍ، وهو الرِّقُّ، مع أنَّه يجوز بَيعُه وهِبَتُه لمن

(1)

يَقْدِر عليه، ويَبطُل بالمغصوب، وفيه بكتابةٍ وحُرِّيَّةٍ وأَسْرٍ؛ خِلافٌ في «الانتصار» .

وفي «الموجز» و «التَّبصرة» : يزول ملكُه بِحُرِّيَّةٍ وغيرِها؛ كحَجْرٍ على سيِّده.

وليس إباقُه فُرْقَةً، نَصَّ عليه

(2)

.

فَرْعٌ: له معامَلةُ عَبْدٍ، ولو لم يَثْبُت كَونُه مأْذُونًا له، خِلافًا «للنِّهاية» ، نقل مهنَّى فِيمَنِ اشْتَرى من عبدٍ ثوبًا، فوجد

(3)

به عَيبًا، فقال العبد: أنا غَيرُ مأْذُونٍ لي في التِّجارة؛ لم يُقبَل منه؛ لأِنَّه إنَّما أراد أن يَدفَع عن نفسه

(4)

، ولو أنكر سيِّدُه إذْنَه؛ يتوجَّهُ الخِلافُ.

وقال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين: إنْ عَلِمَ بتَصرُّفه لم يُقْبَلْ، ولو قُدِّر صِدْقُه، فتسليطه عدوانٌ منه

(5)

؛ فيَضمَنُ

(6)

.

(1)

في (ح) و (ق): كمن.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1810، مسائل أبي داود ص 245.

(3)

في (ح): وجد.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 29.

(5)

في (ق): له.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 29، الاختيارات ص 203.

ص: 554

وفي طريقة بعض أصحابنا: التُّجَّار أتْلَفُوا أموالهم لمَّا لم يسألوا

(1)

الولِيَّ؛ إذ الأصْلُ عدَمُ الإذْن للعبد، وهو ظاهِرٌ.

(وَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِهِبَةِ الدَّرَاهِمِ، وَكِسْوَةِ الثِّيَابِ)، ونحوه

(2)

؛ لأِنَّ ذلك ليس من التِّجارة، ولا يَحتاج إليه؛ كغَير المأذون له، وظاهِرُه: وإنْ قَلَّ.

(وَيَجُوزُ هَدِيَّتُهُ لِلْمَأْكُولِ، وَإِعَارَةُ دَابَّتِهِ)، وعَمَلُ دَعْوةٍ، ونحوُه، بلا إسْرافٍ؛ لأِنَّه «صلى الله عليه وسلم كان يُجِيبُ دَعْوةَ المملوك»

(3)

، وروى أبو سعيدٍ مَولى أبي أُسَيدٍ:«أنَّه تزوَّج فحضر دعوتَه جماعة من الصَّحابة، منهم: ابنُ مسعودٍ، وأبو حُذَيفةَ، وأبو ذَرٍّ؛ فأمَّهم، وهو يومئِذٍ عَبْدٌ» رواه صالِحٌ في «مسائله»

(4)

، ولأِنَّه ممَّا جَرَتْ به عادةُ التُّجَّار فيما بَينَهم، فيدخل في عموم الإذْن.

وقال في «النِّهاية» : الأظْهَر أنَّه لا يجوز؛ لأِنَّه تَبرُّعٌ بمالِ مولاه، فلم يَجُزْ؛ كنكاحه، وكمكاتَبٍ في الأصحِّ.

(وَهَلْ لِغَيْرِ الْمَأْذُونِ الصَّدَقَةُ مِنْ قُوتِهِ بِالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

(1)

في (ح): لم يسأل.

(2)

قوله: (ونحوه) سقط من (ح).

(3)

أخرجه الطيالسي (2262)، وابن ماجه (2296)، والبزار (7575)، والحاكم (7128)، والبيهقي في الشعب (7841)، من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة المملوك» ، وفيه: مسلم بن كيسان الملائي الكوفي، وهو ضعيف الحديث، وضعف الحديث العراقي. وللحديث شاهد: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 278)، من حديث جابر رضي الله عنه، وفيه: محمد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف سيئ الحفظ، وحسنه الهيثمي، وصححه الحاكم والألباني. وأخرج ابن أبي شيبة (10276) عن إبراهيم النخعي مرسلاً، وهو صحيح الإسناد. ينظر: مجمع الزوائد 9/ 20، المغني عن حمل الأسفار المطبوع بهامش الإحياء ص 841، الصحيحة (2125).

(4)

تقدم تخريجه 2/ 465 حاشية (4).

ص: 555

أصحُّهما: له ذلك بما لا يَضُرُّه؛ لأِنَّه مِمَّا جَرَتِ العادةُ بالمسامَحة فيه، فجاز؛ كصدقة المرأة من بَيت زَوجها.

والثَّانية: المنْعُ منه؛ لأِنَّ المالَ لسيِّده، وإنَّما أَذِن له في الأكل، فلم يَمْلِك الصَّدقةَ به؛ كالضَّيف لا يَتصدَّقُ بما أُذِن له في أكْلِه.

مسألةٌ: ما كَسَبَه العَبدُ غَيرُ المأْذُون من مُباحٍ، أوْ قَبِلَه مِنْ هِبَةٍ ووصيَّةٍ؛ فلسيِّده، وكذا اللُّقطة.

وقيل: لا يَقبَل الكُلَّ إلاَّ بإذْنه.

وإن قَبِل، أو الْتَقَط وعرَّف بلا إذْنه؛ فهو للعبد إنْ قُلْنا: يَمْلِك بالتَّمْليك، ولا يَصِحُّ قَبولُ سيِّده عنه مُطلَقًا، فإن لم يَمْلِكْ - واخْتاره الأصحابُ -؛ فهو لسيِّده يُعْتِقُه، ولسيِّده أخْذُه منه، ولا يتصرَّف في ملْكه إلاَّ بإذْن سيِّده.

(وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ؟)؛ أيْ: باليسير؛ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

المشهورُ في المذهب: لها ذلك؛ لِما رَوَتْ عائشةُ قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أنْفَقَت المرأةُ من طعامِ زَوجِها غَيرَ مُفْسِدةٍ؛ كان لها أجرُها بما أنْفَقَتْ، ولِزَوجها أجْرُه بما

(1)

كَسَب، وللخازِن مِثْلُ ذلك، لا يَنْقُصُ بعضُهم مِنْ أجْرِ بعضٍ شَيئًا» متَّفَقٌ عليه

(2)

، ولم يَذْكُرْ إذْنًا؛ إذِ العادةُ السَّماحُ، وطِيبُ النَّفْس به، إلاَّ أنْ تَضْطَرِب العادةُ ويُشَكَّ في رضاه، أو

(3)

يكونَ بَخِيلاً ويشكَّ في رضاه، فلا يجوز.

والثَّانية: نَقَلَها أبو طالِبٍ

(4)

؛ لِمَا رَوَى أبو أُمامةَ الباهِلِيُّ قال: سمعتُ

(1)

في (ظ) و (ح): أجر ما.

(2)

أخرجه البخاري (1425)، ومسلم (1024).

(3)

في (ح): أن.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 18، قال:(وعنه: لا، نقله أبو طالب).

ص: 556

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُنْفِقُ المرأةُ شَيئًا مِنْ بَيتها إلاَّ بإذْن زَوجِها» قيل: يا رسول الله، ولا الطَّعام؟ قال:«ذلِكَ أفْضَلُ أمْوالِنا» رواه سعيدٌ

(1)

، ولأِنَّها تَبرَّعت بمالِ غيرها، فلم يَجُزْ كالصَّدقة بثيابه

(2)

.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ أحاديثَها خاصَّةٌ صحيحةٌ، فتُقدَّم على غَيرها، والإذْنُ العُرْفِيُّ كالحقيقيِّ، إلاَّ أنْ يَمنَعَها من التَّصرُّف فيه مُطلَقًا، وكَمَنْ يُطْعِمُها ولم تَعلَمْ رضاه، ولم يُفرِّق أحمدُ.

ويَلحَقُ بها: مَنْ كان في بَيته؛ كجاريته وعَبْده المتصرِّف في بَيت سيِّده؛ لوجود المعْنَى فيه.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور (427)، وأحمد (22294)، وأبو داود (3565)، والترمذي (670)، وابن ماجه (2295)، من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، سمع أبا أمامة رضي الله عنه، ورواية إسماعيل بن عياش عن الشّاميين جيّدة، وشرحبيل من ثقات الشّاميين، وقد حسّنه الترمذي والبغوي وابن حجر والألباني، وقال البوصيري:(إسناد صحيح، رجاله ثقات). ينظر: نصب الراية 4/ 57، شرح السنة 6/ 204، موافقة الخبر 2/ 315، الإرواء 5/ 246.

(2)

في (ح): به.

ص: 557

(بَابُ الْوَكَالَةِ)

الوكالة، بفتح الواو وكسرها: التَّفويضُ، يقال وكَّله؛ أيْ: فوَّض إليه، ووكَّلْتُ أمْرِي إلى فلانٍ؛ أيْ: فوَّضْت إليه واكْتَفَيتُ به، وقد تُطلَقُ ويراد بها: الحفظُ.

وهي اسمُ مصدَرٍ بمعنى التَّوكِيل.

واصْطِلاحًا: التَّفويضُ في شَيءٍ خاصٍّ في الحياة.

والأحْسَنُ فيها: أنَّها اسْتِنابَةُ الجائز التَّصرُّف مَثْلَه فيما تَدْخُلُه النِّيابةُ.

وهي جائزةٌ بالإجماع

(1)

، وسَنَدُه قوله تعالى: الآية {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19]، وقد «وكَّل صلى الله عليه وسلم عُروةَ بنَ الجَعْد في شراء الشَّاة»

(2)

، «وأبا رافِعٍ في تزويج ميمونة»

(3)

، «وعَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْريَّ في تزويج أمِّ حَبِيبةَ»

(4)

، والمعنى شاهِدٌ بذلك؛ لأِنَّ الحاجةَ تدعو إليه، فإنَّ كلَّ

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 61.

(2)

أخرجه البخاري (3642)، من طريق شبِيب بن غَرقَدة، سمعت الحيَّ يحدِّثون، عن عروة به. وأخرجه الترمذي (1258)، من طريق أخرى عن عروة، قال النووي:(إسناد الترمذي صحيح)، وصححه ابن الملقن وابن عبد الهادي والألباني. ينظر: المجموع 9/ 262، تنقيح التحقيق 3/ 42، نصب الراية 4/ 90، البدر المنير 6/ 452، الإرواء 5/ 128.

(3)

أخرجه مالك (1/ 348)، وعنه الشافعي في مسنده (180)، والبيهقي في المعرفة (9747)، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار مرسلاً. ورجاله رجال الصحيحين، ورواه مطر الوراق - فيما أخرجه الترمذي (841) -، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع متصلاً. ومطر: صدوق كثير الخطأ، قال الدارقطني:(وخالفه أصحاب مالك، فرووه عن مالك، عن ربيعة، عن سليمان: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع، مرسلاً، ورواه الدَّراوردي، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، مرسلاً). ينظر: العلل 7/ 13، البدر المنير 6/ 731، إتحاف الخيرة المهرة 3/ 185، الإرواء 5/ 283.

(4)

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/ 78)، والحاكم (6771)، من طريق محمد بن عمر، حدثنا إسحاق بن محمّد، حدثني جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه مرسلاً، قال الألباني:(وهو مع إرساله فيه: محمد بن عمر، وهو الواقدي، وهو متروك، لكن أخرجه البيهقي (13796) من طريق ابن إسحاق، حدَّثني أبو جعفر - يعني الباقر -، قال: فذكره، وهذا مرسلٌ حسن)، قال ابن حجر:(اشتهر في السِّير: «أنه صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أميّة إلى النّجاشي فزوّجه أمّ حبيبة»، وهو يحتمل أن يكون هو الوكيلَ في القبول أو النجاشيُّ، وظاهر ما في أبي داود والنّسائي: «أنّ النجاشيَّ عقد عليها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووليَ النكاح خالد بن سعيد بن العاص» كما في المغازي). ينظر: التلخيص الحبير 3/ 111، الإرواء 5/ 282، 6/ 253.

ص: 558

أحد

(1)

لا يُمْكِنُه فِعْلُ مَا يَحْتاجُ إليه بنفسه.

(تَصِحُّ الْوَكَالَةُ بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ)، نَصَّ عليه

(2)

، نحو: افْعَلْ كذا، أوْ: فأَذِنْتُ لك في فِعْلِه؛ لأِنَّه لَفْظٌ دالٌّ على الإذْن، فصحَّ؛ كلَفْظِها الصَّريحِ.

ونَقَلَ جَعْفَرٌ: إذا قال: بِعْ

(3)

هذا؛ لَيسَ بشَيءٍ حتَّى يقول: وكَّلْتُك

(4)

، فاعْتَبَرَ انعِقادَها بِلَفْظِها الصَّريحِ.

وتأوَّله القاضِي على التَّأكيد؛ لِنَصِّه على انْعِقاد البَيع باللَّفظ والمُعاطاة، كذا الوَكالة.

قال ابنُ عَقِيلٍ: هذا دأْبُ شيخنا، أن يَحمِل نادِرَ كلامِ أحمدَ على أظْهَرِه، ويصرفه

(5)

عن ظاهِره، والواجِبُ أنْ يُقالَ: كلُّ لَفْظٍ روايةٌ، ويُصحَّحَ الصَّحيحُ.

قال الأَزَجِيُّ: يَنبغِي أنْ يُعوَّلَ في المذهب على هذا؛ لئلاَّ يصيرَ المذهَبُ روايةً واحدةً.

وقد دلَّ كلامُ القاضي على انْعِقادها بفعل دالٍّ؛ كبَيعٍ، وهو ظاهِرُ كلامِ

(1)

في (ح): واحد.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 34.

(3)

في (ح) و (ق): مع.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 34.

(5)

في (ح): وتصرفه.

ص: 559

المؤلِّف فِيمَنْ دَفَع ثَوبَه إلى قَصَّارٍ، أو خَيَّاطٍ، قال في «الفروع»: وهو أظْهَرُ، وكالقَبول.

وظاهِرُه: أنَّها تَصِحُّ مؤقَّتةً، ومُعلَّقةً بِشَرْطٍ، نَصَّ عليه

(1)

؛ كوصيَّةٍ، وإباحةِ أكْلٍ، وقضاءٍ، وإمارةٍ، وكتعليق تصرُّفٍ.

واختار في «عيون المسائل» : أنَّه لا يَصِحُّ تعليقُها بشرطٍ؛ كتعليقِ فَسْخِها.

(وَكُلِّ قَوْلٍ)، والأَصحُّ:(أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ)؛ لأِنَّ وُكلاءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يُنقَلْ عنهم سوى امتثال

(2)

أوامره، ولأِنَّه إذْنٌ في التَّصرُّف، فجاز القَبولُ بالفعل؛ كأكْلِ الطَّعامِ.

وكذا سائر العقود الجائزة؛ كشركةٍ، ومضارَبةٍ، ومُساقاةٍ، ونحوِها.

(وَيَصِحُّ الْقَبُولُ عَلَى الْفَوْرِ)، بِلا شُبْهةٍ؛ كَسائِرِ العُقُود، (وَالتَّرَاخِي؛ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ، فَيَبِيعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، أَوْ يُبَلِّغَهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ مُنْذُ شَهْرٍ، فَيَقُولَ: قَبِلْتُ)؛ لأِنَّ قَبولَ وُكَلائِه صلى الله عليه وسلم كان بِفِعْلِهم، وكان مُتَراخِيًا عن تَوكِيلِه إيَّاهُمْ، ولأِنَّه إذْنٌ في التَّصرُّف، والإذْنُ قائِمٌ ما لم يَرجِعْ عنه، أشْبهَ الإباحةَ.

وظاهِرُه: أنَّه يُعتَبَر تَعْيينُ الوكيل، وقاله القاضِي وأصحابُه، وفي «الانتصار»: لو وَكَّل زَيدًا، وهو لا يَعرِفُه، أوْ لم يَعْرِفْ موكله

(3)

؛ لم يَصِحَّ.

(وَلَا يَصِحُّ

(4)

التَّوْكِيلُ وَالتَّوَكُّلُ فِي شَيْءِ إِلاَّ مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ)؛ لأِنَّ مَنْ لا يَصِحُّ تصرُّفه بنفسه؛ فنائبُه أَوْلَى، فلو وكَّله في بَيعِ ما سيملكه، أو طلاق

(5)

مَنْ يَتزوَّجُها؛ لم يَصِحَّ؛ إذ الطَّلاق لا يَملِكُه في الحال، ذَكَرَه الأَزَجِيُّ.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 35.

(2)

في (ح) و (ق): إمساك.

(3)

في (ح): بموكله.

(4)

في (ح): ولا يجوز.

(5)

في (ظ) و (ح): طلاقه.

ص: 560

وذكر

(1)

غيرُه: إنْ قال: إنْ تزوَّجْتُ هذه فقد وكَّلْتُك في طلاقها، أو إن اشْتَرَيتُ هذا العبدَ فقد وكَّلْتُك في عِتْقه؛ صحَّ إنْ قُلْنا يَصِحُّ تعليقُهما على مِلْكِهِما، وإلاَّ فلا.

وكلُّ مَنْ صحَّ تصرُّفُه بنَفْسِه؛ صحَّ منه ما ذَكَرْنا؛ لأِنَّ كُلًّا منهما يَملِك التَّصرُّفَ بنَفْسِه، فجاز أن يَسْتَنِيبَ غيرَه، وأن يَنوبَ عن غيرِه؛ لاِنْتِفاء المفْسِد.

وشَرْطُه: أن يكون ممَّا تَدخُلُه النِّيابةُ، فلا يَصِحُّ تَوكيلُ فاسِقٍ في إِيجابِ نكاحٍ إلاَّ على روايةٍ، وفي قَبوله وجْهانِ.

ويَصِحُّ تَوكيلُ المرأة في طلاق نفسها وغيرِها، وتَوكيلُ العَبد في قَبولِ نكاحٍ

(2)

؛ لأِنَّه يجوز أن يَقْبَلَه لنفسه بإذْنِ سيِّده.

وللمكاتَب أنْ يُوكِّل فِيما يَتصرَّف فيه بنَفْسِه، وله أن يَتوَكَّلَ لِغَيره بِجُعْلٍ؛ لأِنَّه من اكْتِساب المال، وليس له أنْ يَتَوكَّل بغَير جُعْلٍ إلاَّ بإذْنِ سيِّده.

وصحَّةُ وكالة المميِّز

(3)

في طلاقٍ وغيرِه؛ مَبْنِيٌّ على صحَّته منه، وفي «الرِّعاية»: روايتانِ لنَفْسِه أوْ غَيره بلا إذْنٍ.

ويَصِحُّ أنْ يَتوَكَّلَ واجِدٌ لِلطَّولِ

(4)

في قَبول نكاحِ أَمَةٍ لِمباحٍ له، وغَنِيٌّ لِفقيرٍ في قَبولِ زكاةٍ؛ لأِنَّ سَلْبَهُما القُدرةَ تَنْزِيهٌ، وقَبول نِكاحِ أُخْته ونحوِها مِنْ أبيه لِأَجْنَبِيٍّ

(5)

، قاله في «الوجيز» وغيره.

(وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي كُلِّ حَقٍّ لآِدَمِيٍّ

(6)

مِنَ الْعُقُودِ)؛ لأِنَّه «عليه السلام وكَّلَ عُرْوةَ

(1)

في (ح): وذكره.

(2)

في (ق): نكاحه.

(3)

في (ق): المهر.

(4)

في (ق): الطول.

(5)

في (ق): الأجنبي.

(6)

في (ح): آدمي.

ص: 561

ابنَ الجَعْدِ في الشِّراء»

(1)

، وسائرُ العُقودِ؛ كالإجارة، والقَرْض، والمضارَبة، والإبراءِ في معناه؛ لأِنَّ الحاجةَ تَدْعُو إليه؛ لأِنَّه قد لا يُحْسِنُ البَيعَ والشِّراءَ، أو لا يُمْكِنُه الخُروجُ إلى السُّوق، أوْ يَحُطُّ ذلك من منزلته، فأباحَها الشَّارِعُ دَفْعًا للحاجة، وتحصيلاً للمصلحة.

ومُقْتَضاهُ: أنَّه يَصِحُّ التَّوكيلُ في الإقْرارِ. وقيل: التَّوكِيلُ فيه إقْرارٌ، جزم به في «المحرَّر» ، وفي إثْبات القصاص، وفي المطالَبة بالحُقوق وإثْباتها، والمحاكمة

(2)

فيها، حاضِرًا كان الموكِّلُ أوْ غائبًا، صحيحًا أوْ مريضًا في قول الجمهور.

(وَالْفُسُوخِ، وَالْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ)؛ لأِنَّه يجوز التَّوكِيلُ في الإنشاء، فجاز في الإزالَة بطَرِيقِ الأَوْلَى، (وَالرَّجْعَةِ)؛ لأِنَّ الحاجةَ تَدْعُو إلى ذلك.

(وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ؛ مِنَ الصَّيْدِ، وَالْحَشِيشِ، وَنَحْوِهِ)؛ كإحْياء المَوَات، واسْتِيفاء المواريث؛ لأِنَّها تَمَلُّكُ مالٍ بسببٍ لا يتعيَّن عليه، فجاز كالاِبْتِياعِ والاِتِّهاب.

وقيل: مَنْ وَكَّل في احْتِشاشٍ واحْتِطابٍ؛ فهل يَمْلِكُ الوكِيلُ ما أخذه، أو مُوَكِّلُه؟ فيه وجْهانِ.

(إِلاَّ الظِّهَارَ)؛ لأِنَّه قَولٌ مُنْكَرٌ وزُورٌ، يَحرُم عليه فِعْلُه، فلم تَجُزِ الاِسْتِنابَةُ فيه؛ كالإِيلاءِ.

(وَاللِّعَانَ، وَالْأَيْمَانَ)؛ لأِنَّها أَيْمانٌ، فلا تَدْخُلُها النِّيابةُ؛ كالعبادات البَدَنِيَّة.

والنَّذْر والقَسامة كذلك.

(1)

تقدم تخريجه 5/ 558 حاشية (2).

(2)

في (ح): والمحاطة.

ص: 562

ويُسْتَثْنَى أيْضًا: القَسْمُ بَينَ الزَّوجات؛ لأِنَّها تتعلَّق بالزَّوج لأمْرٍ يَختَصُّ به، والشَّهادةُ؛ لأِنَّها تَتَعلَّقُ بالشَّاهِد، والرَّضاع؛ لأِنَّه يَختَصُّ بالمرضِعة، والالتقاط، فإذا فَعَلَ ذلك فالْتَقَط؛ كان أحقَّ به من الآمِر، والاِغْتِنام؛ لأِنَّه يُسْتَحَقُّ بالحضور، والغَصْب والجِناية؛ لأِنَّه مُحرَّمٌ.

(وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ النِّكَاحَ)؛ لفِعْلِه عليه السلام

(1)

، ولأِنَّ الحاجةَ قد

(2)

تدعو إلى ذلك، فإنَّه ربما احْتاج إلى التَّزْويج من مكان

(3)

بعيدٍ لا يُمْكِنُه السَّفَرُ إليه، كما تَزَوَّج عليه السلام أُمَّ حَبِيبَةَ وهي بأرض الحبشة

(4)

.

(وَمَنْ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ)؛ لأِنَّ الحاجةَ تَدْعُو إلى ذلك، أشْبَهَ البَيعَ.

(إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ

(5)

لِنَفْسِهِ وَمَوْلِيَّتِهِ)، يَحْتَرِزُ به عن الصَّبِيِّ والمجنون؛ فإنَّ تَوكِيلَهُما غَيرُ صَحيحٍ، وعن الفاسِق؛ فإنَّ تَوكِيلَه في الإيجاب كذلك؛ لأِنَّه لا يَصِحُّ أنْ يتولَّى نِكاحَ مَولِيَّته بنفسه؛ إذ لا وِلايَةَ لفاسِقٍ.

وفيه إشْعارٌ: بأنَّه يَصِحُّ أنْ يكونَ وكيلاً في القَبول، وقد تقدَّمَ.

(وَيَصِحُّ

(6)

فِي كُلِّ حَقٍّ لله تَعَالَى تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنَ الْعِبَادَاتِ)؛ كتَفْرِقةِ

(1)

ينظر: الفروع 7/ 34. وقد تقدم تخريج الأحاديث الدالة على ذلك 5/ 558.

(2)

قوله: (قد) سقط من (ح) و (ق).

(3)

في (ح): كان.

(4)

أخرج أحمد (27408)، وأبو داود (2107)، والنسائي (3350)، وابن الجارود (713)، والدارقطني (3608)، والحاكم (2741)، عن أم حبيبة رضي الله عنها، وصححه ابن الجارود والحاكم والألباني. وأخرجه أبو داود (2108)، عن الزهري مرسلاً، قال الدارقطني:(والمرسل أشبهها بالصَّواب)، وللموصول شاهد: أخرجه ابن حبان (6027)، عن عائشة رضي الله عنها، وسنده صحيح. ينظر: العلل 15/ 281، صحيح أبي داود 6/ 322.

(5)

في (ح): منه ذلك.

(6)

في (ق): وتصح.

ص: 563

صدقةٍ، وزكاةٍ، ونَذْرٍ، وكفَّارةٍ؛ لأِنَّه عليه السلام كان يَبعَث عُمَّاله لِقَبْضِ الصَّدَقات وتفريقها

(1)

، وحديثُ مُعاذٍ شاهِدٌ بذلك

(2)

.

وكذا الحجُّ والعُمْرةُ، فإنَّه يجوز أنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَفعَلُه

(3)

بِشَرْطه.

ويجوز أنْ يقولَ لغَيره: أخْرِجْ زكاةَ مالِي من مالِكَ.

فأمَّا العِباداتُ البَدَنِيَّةُ المحْضَةُ؛ كالصَّلاة، والصَّوم، والطَّهارة من الحدث؛ فلا يجوز التَّوكِيلُ فيها، فإنَّها تتعلَّق بِبَدَن مَنْ هِيَ عليه.

وكذا الصِّيامُ المنذورُ، فإنَّه يُفعَلُ عن الميت، وليس بتوكيلٍ.

لكِنْ يُسْتَثْنى من الصَّلاة: ركْعَتا الطَّواف، فإنَّها تَبَعٌ للحجِّ، ومن الطَّهارة: صَبُّ الماء وإيصاله إلى الأعضاء، وتَطهيرُ

(4)

البَدَن والثَّوب من النَّجاسة.

(وَالْحُدُودِ فِي إِثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا)؛ لقوله عليه السلام: «واغْدُ يا أُنَيسُ إلى امرأةِ هذا، فإنِ اعْتَرفَتْ فارْجُمْها» ، فاعْتَرفَتْ فأَمَر بها فرُجِمَتْ، متَّفَقٌ عليه

(5)

، فقد وكَّله في الإثبات والاِسْتِيفاء جَميعًا.

وقال أبو الخَطَّاب: لا يجوز في إثْباتها؛ لأِنَّها تَسقُطُ بالشُّبُهات، وقد أُمِرْنا بِدَرْئها، والتَّوكِيلُ يُوصِل إلى الإيجاب.

وجوابُه: الخَبَرُ، وبأنَّ الحاكِمَ إذا اسْتَناب دخل فيها الحدودَ، فإذا دَخَلَت في التَّوكِيل بطريق العموم؛ فالتَّخْصيصُ بدخولها أَوْلَى، والوكيلُ يقومُ مقامَ

(1)

وردت في ذلك أحاديث كثيرة، منها: ما أخرجه مسلم (983) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال:«بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عمرَ على الصدقة» الحديث.

(2)

أخرجه البخاري (1496)، ومسلم (19)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن، قال:«إنك تقدم على قوم أهل كتاب» ، الحديث.

(3)

قوله: (من يفعله) في (ق): في فعله.

(4)

في (ق): وتطهر.

(5)

أخرجه البخاري (2314)، ومسلم (1697) من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما.

ص: 564

الموكِّل في دَرْئِها بالشُّبُهات.

(وَيَجُوزُ الاِسْتِيفَاءُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَغَيْبَتِهِ)، نَصَّ عليه

(1)

؛ لعُموم الأدلَّة، ولأِنَّ ما جاز اسْتِيفاؤه في حضرة الموكِّل؛ جاز في غَيبته؛ كسائر الحقوق.

(إِلاَّ الْقِصَاصَ، وَحَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا؛ لَا يَجُوزُ فِي غَيْبَتِهِ)، وقد أَوْمَأَ إليه أحمدُ

(2)

؛ لأِنَّه يَحتَمل أنْ يَعْفُوَ عنه حال غَيبته فيَسقُط، وهذه شُبهةٌ تَمنَعُ الاِسْتِيفاءَ؛ لأِنَّ العَفْوَ مندوبٌ إليه، فإذا حضر الموكِّل

(3)

احْتَمل أن يَرحمَه فيَعْفُو.

والمذهَبُ: له الاِسْتِيفاءُ في الغَيبة مُطْلَقًا، أمَّا الزِّنى وشبهه؛ فظاهِرٌ؛ لأِنَّه لا يَحتَمِل العَفْوَ حتَّى يُدْرَأ بالشُّبْهة، واحْتِمال العَفْو في غيره بعيدٌ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ: أنَّه لو عفا لَأعْلَم وكيلَه به، والأصلُ عَدَمُه، فلا يؤثِّر، ألا ترى أنَّ قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يَحْكُمون في البلاد، ويقيمون الحدودَ التي تُدْرَأُ بالشُّبُهات مع احْتِمال النَّسخ.

(وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، إِلاَّ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ)، نَقَلَه ابنُ منصورٍ

(4)

؛ لأِنَّه لم يَأْذَنْ له في التَّوكِيل، ولا تضمنه

(5)

إذْنُه؛ لكونه يتولَّى مِثْلَه، ولأِنَّه استئمان

(6)

فيما يُمْكِنُه النُّهوضُ فيه، فلم يَكُنْ له أنْ يُوَلِّيَه من لا يَأْمَنُه عليه؛ كالوديعة.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4372، الروايتين والوجهين 2/ 260.

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 261.

(3)

قوله: (الموكل) سقط من (ح) و (ق).

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4301، الروايتين والوجهين 1/ 397.

(5)

في (ح): ولا يضمنه.

(6)

في (ح): استئمار.

ص: 565

(وَعَنْهُ: يَجُوزُ)، نَقَلَها حَنْبَلٌ

(1)

؛ لأِنَّ الموكِّل

(2)

له أن يتصرَّفَ بنفسه، فَمَلَكَه نائبُه؛ كالمالِك.

ورُدَّ: بأنَّ المالِك يتصرَّف في ملْكِه كيف شاء، بخلاف الوكيل.

وهذا مع الإطْلاق، فلو نهاه عنه؛ لم يَجُزْ بغَيرِ خِلافٍ

(3)

؛ لأِنَّ ما نهاه عنه ليس بداخِلٍ في إذْنه، فلم يَجُزْ، كما لو لم يُوكِّلْه.

وعكسه إذا أَذِنَ له فيه، أو قال: اصنع ما شئت، فإنَّه يجوز بغير خلافٍ

(4)

؛ لأِنَّه عَقْدٌ أَذِنَ له

(5)

فيه، فكان له فعله؛ كالتصرُّفِ

(6)

المأذون فيه.

(وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ)؛ أيْ: حُكمُهما حُكمُ الوكيل؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مُتصرِّفٌ بالإذْن كالوكيل.

لكِنْ قال القاضي: المنصوصُ عن أحمدَ جوازُه، وقدَّمه في «المحرَّر» .

ونقل في «المغني» عن القاضي في المصرَّاة: أنَّه يجوز للوصيِّ أنْ يَسْتَنِيبَ مُطلَقًا، وفي الوكيل روايتان، والفَرْقُ: بأنَّ الوكيلَ يُمْكِنُه الاِسْتِئْذانُ، بخلاف الوصيِّ، ثم

(7)

قال: وقال أبو بكر: في الوصيِّ روايتان؛ كالوكيل.

قال في «المغني» : والجَمْعُ بَينَهُما أَوْلَى؛ لأِنَّه مُتَصرِّفٌ في مال غيره بالإذن، أشْبَهَ الوكيل، وإنَّما يَتَصرَّف فيما اقْتَضَتْه الوصيَّةُ؛ كالوكيل إنَّما يَتَصَرَّف فيما اقْتَضَتْه الوَكالةُ.

ويُلْحَق بهذا: مضارِبٌ، وولِيٌّ في نكاحٍ غير مجبِرٍ.

(1)

ينظر: المغني 5/ 71.

(2)

في (ظ): الوكيل.

(3)

ينظر: المغني 5/ 70.

(4)

ينظر: المغني 5/ 70.

(5)

قوله: (له) سقط من (ح) و (ق).

(6)

في (ح) و (ق): كالمتصرف.

(7)

قوله: (ثم) سقط من (ح).

ص: 566

وقيل: يجوز من

(1)

الوليِّ، أبًا كان أو غيرَه، قدَّمه في «الشَّرح» .

مسألةٌ: يَجُوز للحاكِمِ أنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ غَيرِ مذهَبِه، ذَكَرَه القاضي في الأحكام السُّلْطانيَّة، وابنُ حَمْدانَ في «الرِّعاية» .

وفي «الفروع» : إذا اسْتَنابَ حاكِمٌ مِنْ غَير أهل مذهبه: إن كان لكَونه أرْجَحَ؛ فقد أحْسَن، وإلاَّ لم تَصِحَّ الاِسْتِنابَةُ، إذا لم يُمْنَعْ إن كان

(2)

له الحُكْمُ

(3)

، وهو مبنِيٌّ على تقليد غَير إمامه، وإلاَّ انْبَنَى: هل يَسْتَنِيبُ فيما لا يَمْلِكُه؛ كتوكيلِ مسلِمٍ ذِمِّيًّا في شراء خَمرٍ، وأنَّه نائبُ المسْتَنِيبِ، أو الأوَّل؟

(وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ)؛ أيْ: إذا كان العَمَلُ مِمَّا يَرْتَفِعُ الوكيلُ عن مِثْله؛ كالأعمال الدَّنِيئةِ في حقِّ أشراف النَّاس المرْتَفِعِينَ عن فِعْله

(4)

عادةً، فإنَّ الإذْنَ يَنصرِفُ إلى ما جَرَتْ به العادَةُ، (أَوْ) كان يَعْمَلُه بنفسه، لكِنَّه (يَعْجِزُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ)؛ لأِنَّ الوَكالةَ اقْتَضَتْ جَوازَ التَّوكيل؛ فجاز في جميعه، كما لو أَذِنَ فيه لَفْظًا.

وقال القاضِي: عندي أنَّه يُوكِّل فيما زاد على ما يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْله؛ لأِنَّ التَّوكيل إنَّما جاز للحاجة، فاخْتَصَّ بها، بخلاف وجود إذْنه، فإنَّه مُطْلَقٌ.

ولا يُوكِّلُ إلاَّ أمِينًا، إلاَّ أنْ يُعَيِّنَ له سواه، فإنَّه يَجُوز مُطلَقًا؛ لأِنَّه قَطَعَ نَظَرَه بتعْيِينِه.

وعلى الأوَّل: لو وكَّل أمِينًا فصار خائِنًا؛ فله عَزْلُه؛ لأِنَّ تَمْكِينَه من التَّصرُّف مع الخيانة تفريطٌ.

(1)

في (ق): في.

(2)

في (ح): جاز.

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 7/ 46:(وإن استناب حاكمًا من غير أهل مذهبه: إن كان لكونه أرجح فقد أحسن، وإلا لم تصح الاستنابة، ذكره شيخنا رضي الله عنه. ويتوجه: أنه تجوز الاستنابة إذا لم يمنع إن جاز له الحكم).

(4)

في (ق): مثله.

ص: 567

ووكِّلْ عنكَ؛ وكيلُ وكيلِه، وَوَكِّلْ عَنِّي، أَوْ يُطْلِقُ؛ وَكِيلُ مُوَكِّلِه في الأصحِّ.

ولا يوصي وكيلٌ مطلَقًا.

(وَيَجُوزُ تَوْكِيلُ عَبْدِ غَيْرِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ)؛ لأِنَّ المنْعَ لِحَقِّه، فإذا أذِنَ؛ صار كالحُرِّ، وكالتَّصرُّف، (وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ)؛ لأِنَّه محجُورٌ عليه.

(فَإنْ

(1)

وَكَّلَهُ بِإِذْنِهِ)، وقيل: أوْ لَا، (فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، وفي «الفروع» روايتانِ:

إحداهما: يَصِحُّ، نصرها

(2)

في «الشَّرح» ، وجزم بها في «الوجيز» وغَيره؛ لأِنَّه يجوز أنْ يُوكِّلَه في شراءِ عَبْدِ غَيرِه، فجاز أنْ يَشْتَرِيَ نفسَه؛ كالمرأة لَمَّا جاز توكيلُها في طلاقِ غيرِها؛ جاز توكيلُها في طلاق نفسها.

والثَّانيةُ: لَا؛ لأِنَّ يَدَ العبْدِ كَيَدِ سيِّدِه، أشْبَهَ ما لَوْ وكَّلَه في الشِّراء مِنْ نفسه، ولهذا يُحكم للإنسان بما في يد غيره.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : إنَّ هذا الوجْهَ لا يَصِحُّ؛ لأِنَّ أكثرَ ما يُقَدَّرُ جَعْل توكيلِ العبد كتوكيل سيِّده، ولأِنَّ الولِيَّ في النِّكاح يجوز أنْ يَتَولَّى طَرَفَيِ العقد، فكذا هنا.

فلو قال العَبْدُ: اشْتَرَيْتُ نَفْسِي لزَيدٍ، وصدَّقاه؛ صحَّ، ولَزِمَ زيدًا الثَّمَنُ.

وإنْ قال السَّيِّدُ: ما اشْتَرَيْتَ نَفْسَكَ إلاَّ لنَفْسكَ؛ عَتَقَ؛ لِإِقْرار السَّيِّد على نفسه بما

(3)

يَعْتق به العبدُ، ويَلزَمُ الْعَبْدَ الثَّمَنُ في ذِمَّته لِسَيِّده؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ وُقوعُ العَقْد له.

وإنْ صَدَّقه السَّيِّدُ وكذَّب زَيدٌ؛ نظرتَ في تكذيبه؛ فإنْ كذَّبه في الوكالة؛

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ح): نصره.

(3)

في (ق): ما.

ص: 568

حَلَفَ وبَرِئَ، وللسَّيِّد فَسْخُ البيع واسْتِرْجاع عبده؛ لتعذُّر ثَمَنِه.

وإنْ صدَّقه في الوكالة، وقال: ما اشْتَرْيتَ نفسَكَ لي؛ قُبِلَ قَولُ العبد؛ لأِنَّ الوكيلَ يُقبَلُ قَولُه في التَّصرُّف المأْذُونِ فيه.

تنبيهٌ: لو وكَّل العبدَ في إعْتاق عَبِيده، والمرأةَ في طلاق نسائه؛ لم يَمْلِكْ إعْتاقَ نفسِه، ولا هي

(1)

طلاقَ نفسِها؛ لأِنَّه بإطلاقه يَنصرِف إلى التَّصرُّف في غيره.

وقيل: بلى؛ لأِنَّ اللَّفْظَ يَعُمُّه.

فلو وكَّل غريمَه في إبراء نفسِه؛ صحَّ؛ كتوكيل العبد في إعْتاقِ نفسِه.

فلو وكَّله في إبْراء غُرَمائه؛ لم يَمْلِكْ إبْراءَ نفسِه في المشهور، كما لو وكَّله في حَبْسِ غُرمائه، أو خُصومتِهم.

(وَالْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ)؛ لأِنَّها من جِهَةِ الموكِّل إِذْنٌ، ومن جِهَةِ الوَكِيلِ بَذلُ

(2)

نَفْعٍ، وكِلاهما جائزٌ، (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا)؛ أيْ: متى شاء؛ لأِنَّها إذْنٌ في التَّصرُّف، فَمَلَكَهُ؛ كالإذْن في أكْلِ طعامِه.

وإن قال: كلَّما عَزَلْتُك فقد وكَّلْتُك؛ انْعَزَلَ ب: كلَّما وكَّلْتُك فقد عزلتك، وهي الوكالةُ الدَّوْرِيَّةُ.

قال في «التَّلخيص» : وهي على أصْلِنا: صحيحةٌ في صحَّة التَّعليق، وصُورَتُها أنْ يقولَ

(3)

: كُلَّما عَزَلْتُكَ فأنت وكِيلِي، وطريقُه في العَزْل أنْ يقولَ: كُلَّما عُدْتَ وَكِيلِي

(4)

فقد عَزَلْتُك، وهي فَسْخٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ.

(1)

زيد في (ح): في.

(2)

في (ظ) و (ق): بدل.

(3)

في (ظ): أن تقول.

(4)

في (ق): وكيل.

ص: 569

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه يؤدي إلى

(1)

أنْ تصيرَ

(2)

العُقودُ الجائِزةُ لازِمةً، وذلك تغييرٌ لِقاعدة الشَّرْع، وليس مقصودُ المعَلِّقِ إِيقاعَ الفَسْخَ، وإنَّما قَصْدُه الاِمْتِناعُ من التوكيل

(3)

وحَلُّه قَبْلَ وُقوعه، والعُقُود لَا تُفْسَخُ قَبْل انْعِقادِها

(4)

.

(وَتَبْطُلُ: بِالْمَوْتِ، وَالْجُنُونِ) المطبِقِ، وفيه وَجْهٌ، وهو ظاهِرُ «الوجيز» ، (وَالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ)؛ لأِنَّ الوَكالةَ تَعْتَمِدُ الحياةَ والعقلَ وعَدَمَ الحَجْرِ، فإذا انْتَفَى ذلك انْتَفَتْ صِحَّتُها؛ لاِنْتِفاء ما تعْتَمِدُ

(5)

عليه، وهو أهْلِيَّةُ التَّصرُّفِ.

وظاهِرُه: أنَّ الحَجْرَ لِفَلَسٍ لا يُبْطِلُها، وصرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الوكيل لم يَخرُجْ عن أهْلِيَّة التصرف

(6)

، لكِنْ إنْ حُجِر على الموكِّل؛ فإنْ كانت الوكالةُ في أعيان ماله؛ بَطَلَتْ؛ لاِنقطاع تصرُّفه فيها، وإن كانت في غيرها؛ فلا.

وتَبْطُل أيضًا في طلاق الزَّوجة بوطْئِها، وفي عِتْقِ العبد بكتابته أو تدبيره

(7)

، ذَكَرَه في «المحرَّر» .

(وَكَذَلِكَ كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ؛ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ)؛ لأِنَّ الْكُلَّ مُشْتَرَك مَعْنًى، فوجب أن يُساوِيَه حُكْمًا.

(وَلَا تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ)؛ لأِنَّه لا يُخرِجُه عن أهْلِيَّة التَّصرُّف، فإنْ فَسَقَ به؛ بَطَلَتْ فيما يُنافِيهِ؛ كالإيجاب في النِّكاح؛ لخروجه عن أهْلِيَّة التَّصرُّف،

(1)

قوله: (إلى) سقط من (ظ).

(2)

في (ق): يصير.

(3)

في (ح): التوكل.

(4)

ينظر: قواعد ابن رجب 2/ 540.

(5)

في (ظ): يعتمد.

(6)

قوله: (وظاهره أن الحجر لفلس

) إلى هنا سقط من (ح).

(7)

في (ح): وتدبيره.

ص: 570

بخلاف الوكيل في القَبول، فإنَّه لا يَنْعزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّله، ولا بِفِسْقه في الأَشْهَر؛ لأِنَّه يجوز أنْ يَقْبَل لنفسه؛ فجاز لغَيره كالعَدْل، لكِنْ إنْ كان وكيلاً فيما تُشْتَرَط

(1)

فيه الأمانةُ؛ كوكيلِ ولِيِّ اليتيم، وولِيِّ الوَقْف؛ انْعَزَل بِفِسْقِه، وفِسْقِ مُوَكِّله.

(وَالْإِغْمَاءِ)؛ لأِنَّه لا تَثْبُتُ عليه الوِلايةُ، وكذا النَّومُ، وإنْ خَرَجَ عن أهْلِيَّة التَّصرُّف.

(وَالتَّعَدِّي)؛ أيْ: تَعدِّي الوكيلِ؛ كلُبْس الثَّوب ورُكوب الدَّابَّة؛ لأِنَّ الوكالةَ اقْتَضَتِ الأمانةَ والإذْنَ، فإذا زالت الأُولَى بالتَّعدِّي؛ بَقِيَ الإذْنُ بحاله.

والوجْهُ الثَانِي: أنَّها تَبْطُلُ به؛ لأِنَّها عَقْدُ أمانةٍ، فبَطَلَتْ بالتَّعَدِّي كالوديعة.

ورُدَّ: بالفَرْق، فإنَّ الوديعةَ مُجرَّدُ أمانةٍ، فنافاها التَّعدِّي، بخلاف الوكالة، فإنَّها إذْنٌ في التَّصرُّف، وتضمَّنَت الأمانةَ.

وأطلقهما

(2)

في «المحرَّر» و «الفروع» .

فعلى الأوَّل: يَصِيرُ ضامِنًا، فإذا تصرَّف كما قال مُوَكِّلُه؛ صحَّ وبَرِئَ مِنْ ضَمانه؛ لدخوله في ملْك المشْتَرِي وضمانِه، ويَصيرُ الثَّمَنُ في يده أمانةً، فإذا اشْتَرَى شَيئًا، وظَهَرَ به عَيبٌ؛ صار مضمونًا عليه؛ لأِنَّ العَقْدَ المزِيلَ للضَّمان زال؛ فعاد ما زال به.

(وَهَلْ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ وَحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما، وجزم به في «الوجيز»: أنَّها لا تَبْطُل بالرِّدَّة؛ لأِنَّها لا تَمنَعُ ابْتِداءَ الوكالة، فكذا لا تَمنَعُ اسْتِدامَتَها؛ كسائر الكُفْرِ، وسَوَاءٌ لَحِقَ بدار الحَرْب أوْ لَا.

(1)

في (ح) و (ظ): يشترط.

(2)

في (ح): وأطلقها.

ص: 571

والثَّانِي: تَبْطُل بها إذا قُلْنَا: يَزُولُ ملْكُه، ويَبْطُل تصرُّفه، والوَكالةُ تصرُّفٌ.

وفي «المغني» : إنْ كانت من الوكيل؛ لم تَبْطُلْ؛ لأِنَّ رِدَّتَه لا تُؤثِّر في تصرُّفه، وإنَّما تُؤَثِّر في ماله.

وإنْ كانَتْ من الموكِّل؛ فوَجْهانِ مَبْنِيَّانِ على صحَّة تصرُّف المرتَدِّ في ماله، وفي «الشَّرح»:(أنَّها لا تَبطُلُ بِرِدَّة الموكِّل فيما له التَّصرُّف فيه، فأمَّا الوكيل في ماله؛ فيَنْبَنِي على صحَّة تصرُّف نفسِه، فإنْ قُلْنا: يَصِحُّ تصرُّفه؛ لم تَبْطُل، وإنْ قُلْنا: هو مَوْقُوفٌ؛ فهي كذلك، وإنْ قُلْنا: يَبْطُل تصرُّفه؛ بَطَلَتْ، فإنْ كانت حالَ رِدَّته؛ فالأَوْجُهُ).

الثَّانية

(1)

: إذا وكَّل عَبْدَه، ثُمَّ أعْتَقَه؛ لم تَبْطُلْ، قدَّمه في «الشَّرح» وصحَّحه، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ زوال ملْكِه لا يَمْنَعُ ابْتِداء الوكالة، فلا يَمنَع اسْتِدامَتَها، وكإباقِه.

والثَّاني: بلى؛ لأِنَّ تَوكيل عَبْدِه ليس بتوكيلٍ في الحقيقة، وإنَّما هو اسْتِخْدامٌ بحقِّ الملْكِ، فيَبْطُلُ بزوال الملْكِ.

وكذا الخِلاف فيما إذا باعه، أو وكَّل عَبْدَ غَيرِه، ثُمَّ باعه سيِّدُه.

فلو اشْتَرَاهُ الموكِّلُ منه؛ لم تَبْطُلْ؛ لأِنَّ ملْكَه إيَّاه لا يُنافِي إذْنه له في البَيع والشِّراء.

وكذا الخلافُ فيما إذا وكَّل عَبْدَ غَيره، ثُمَّ أعْتَقَه، وفي «المغني»: أنَّها لا تَبطُل وجْهًا واحدًا؛ لأِنَّ هذا تَوكيلٌ في الحقيقة، والعِتْقُ غَيرُ مُنافٍ.

وفي جَحْدها من أحَدِهما، وقيل: عمْدًا؛ وجْهانِ، والأَشْهَرُ فِيهِنَّ: أنَّها لا تَبطُلُ.

تنبيهٌ: تَبطُل بتَلَف العَين الموكَّل في التَّصرُّف فيها؛ لأِنَّ محلَّها قد ذهب،

(1)

أي: المسألة الثانية من المتن، وهي قوله:(وحرية عبده).

ص: 572

فلو وكَّله في الشِّراء مطلَقًا، ونَفِدَ ما دَفَعَه إليه؛ بَطَلَتْ؛ لأِنَّه إنَّما وكَّله في الشِّراء به، وإنِ اسْتَقْرَضَه الوكيلُ فهو كَتَلَفِه، ولو عَزَل عِوَضَه؛ لأِنَّه لا يصيرُ للموكِّل حتَّى يَقْبِضه.

(وَهَلْ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِالْمَوْتِ وَالْعَزْلِ قَبْلَ عِلْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ).

لَا خِلافَ أَنَّ الوكيلَ إذا عَلِم بِمَوت الموكِّل، أوْ عَزْلِه؛ أنَّ تصرُّفَه باطِلٌ

(1)

.

وإنْ لم يَعلَمْ؛ فاخْتار الأكثرُ، وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين أنَّه الأَشْهَرُ

(2)

: أنَّ تصرُّفَه غَيرُ نافِذٍ؛ لأِنَّه رَفْعُ عَقْدٍ لا يَفْتقِرُ إلى رضا صاحبه، فصحَّ

(3)

بغَيرِ عِلْمِه؛ كالطَّلاق.

والثَّانيةُ، ونَصَّ عليها

(4)

في رواية ابْنِ منصورٍ وغَيره

(5)

: أنَّه لا يَنْعزِلُ؛ اعْتِمادًا على أنَّ الحُكمَ لا يَثْبُتُ في حقِّه قبل العِلْم؛ كالأحكام المبتدأة، ولقوله تعالى: الآيةَ {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ} [البَقَرَة: 275].

ويَنْبَنِي عليهما: تضمينه

(6)

، واختار الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه لا يَضمَنُ

(7)

؛ لأِنَّه لم يُفَرِّط، وذَكَرَ وجْهًا: أنَّه يَنْعَزِل بالموت لا بالعَزْل، وقاله جَمْعٌ من العلماء.

واعْلَمْ أنَّ القاضِيَ والمؤلِّفَ وجماعةً: يَجْعَلون الخلافَ في نفس انْفِساخ الوكالة قبل العلم.

(1)

ينظر: المغني 5/ 89.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 64، الاختيارات ص 204.

(3)

في (ظ): يصح.

(4)

في (ح): عليهما.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2945، الروايتين والوجهين 1/ 395.

(6)

في (ح): تضمنه.

(7)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 64، الاختيارات ص 204.

ص: 573

وظاهِرُ «الخِرَقِيِّ» و «الشَّرح» ، وكلامِ المجْد: يَجْعَلونه في نفوذ التَّصرُّف، وهو أَوْفَقُ لمنصوص أحمدَ، وليس بَينَهما فَرْقٌ في المعنى، ولهذا قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: هو لَفْظِيٌّ.

وذَكَرَ: (أنَّه لو باع أو تصرَّفَ، فادَّعَى أنَّه عَزَلَه قَبْلَه؛ لم يُقْبَلْ، فلو أقام بيِّنةً ببلدٍ آخَرَ، وحَكَمَ به حاكِمٌ، فإنْ لم يَنْعَزِلْ قَبْل العلم صحَّ تصرُّفُه، وإلاَّ كان حُكْمًا على الغائب.

وَلَوْ حَكَمَ قَبْل هذا الحُكمِ بالصِّحَّة حاكِمٌ لا يرى عَزْلَه قَبْلَ العلم؛ فإنْ كان بَلَغَه ذلك؛ نَفَذَ، والحُكْمُ النَّاقِضُ له مردودٌ، وإلاَّ

(1)

وُجودُه كَعَدَمِه.

والحاكِمُ الثَّاني إذا لم يَعْلَمْ بأنَّ العزل

(2)

قَبْلَ العلم، أو علمه

(3)

ولم يَرَهُ، أوْ رآهُ ولم يَرَ نَقْضَ الحُكمِ المتقدِّمِ؛ فحُكْمُه كَعَدَمِهِ)

(4)

.

فَرعٌ: لا يَنْعَزِلُ مُودَعٌ قَبْلَ عِلْمِه، خِلافًا لأِبِي الخَطَّاب، فما بيده أمانةٌ، ومِثْلُه مُضارِبٌ.

(وَإِذَا وَكَّلَ اثْنَيْنِ؛ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا الاِنْفِرَادُ بِالتَّصرُّفِ)؛ لأِنَّه لم يَرْضَ تَصرُّفَ أحدِهِما مُنفرِدًا، بدليلِ إضافةِ الغَير إليه، (إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ)؛ أي: الانفرادَ بالتَّصرُّف (إِلَيْهِ)؛ لأِنَّه مَأْذُونٌ فيه، أشْبَهَ ما لو كان مُنفَرِدًا.

فلَوْ وكَّلَهُما في حِفْظ مالِه؛ حَفِظاهُ معًا في حِرْزٍ لهما؛ لأِنَّ قَولَه: افْعَلَا كذا؛ يقْتَضِي اجْتِماعَهما على فعله، بخلاف: بِعْتُكُما، حَيثُ كان مُنقَسِمًا بَينَهما؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ أنْ يكونَ الملْكُ لهما على الاِجْتِماع.

فلو غاب أحدُهما؛ لم يَكُنْ للآخَرِ أنْ يَتصرَّفَ، ولا للحاكِمِ ضَمُّ أمِينٍ

(1)

في (ق): وإن.

(2)

قوله: (قبل العلم صح تصرفه

) إلى هنا سقط من (ح).

(3)

في (ظ): أو علم.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 42، الاختيارات ص 209.

ص: 574

لِيَتصرَّفا، بخلاف ما لو مات أحدُ الوصِيَّيَنِ، فإنَّ للحاكِمِ ضَمَّ أمِينٍ، والفَرْقُ: أنَّ الموكِّلَ رَشِيدٌ جائِزُ التَّصرُّف، لا

(1)

وِلايَةَ للحاكِمِ عليه، بخلاف الوصيَّة، فإنَّ له نَظَرًا في حقِّ الميت واليتيمِ، ولهذا لَوْ لم يُوصِ إلى أحدٍ؛ أقام الحاكِمُ أمِينًا في النَّظَر لليتيم.

فإنْ كان أحدُهما غائبًا، فادَّعَى الحاضِرُ

(2)

وأقام بيِّنةً؛ سَمِعَها الحاكِمُ، وحَكَمَ بِثُبوتها

(3)

لهما، فإذا حَضَرَ الغائبُ؛ تصرَّفا معًا، لا يُقالُ: هو حُكمٌ للغائب؛ لأِنَّه يجوز تَبَعًا لِحَقِّ الحاضِرِ، كما يجوز أنْ يَحكُمَ بالوقْف لِمَنْ لم يُخْلَقْ؛ لأِجلِ مَنْ يَسْتَحِقُّه في الحال.

فلو جَحَدَها الغائبُ، أو عَزَلَ نفسَه؛ لم يكن للآخَرِ أنْ يتصرَّفَ.

(وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَبِيعَ لِنَفْسِهِ) على المذهب؛ لأِنَّ العُرْفَ في البيع: بَيعُ الرَّجُل من غَيره، فحُمِلت الوكالةُ عليه، وكما لو صرَّح به، ولأِنَّه تَلْحَقُه

(4)

تُهمةٌ، ويتنافى

(5)

الغَرَضانِ في بَيعه لنفسه، فلم يَجُزْ، كما لَوْ نهاه.

وكذا شراؤُه من نفسه.

لكِنْ لو أَذِنَ له؛ جاز، ويتولَّى طَرَفَيهِ

(6)

في الأصحِّ فيهما إذا انْتَفَت التُّهمةُ؛ كأبِ الصَّغير، وكذا توكيله في بيعه، وآخَر في شرائه.

ومثله: نِكاحٌ ودَعْوى، فيدَّعِي أحدُهما ويُجِيب عن الآخر، ويقيم حجَّةَ كلِّ واحدٍ منهما.

(1)

في (ح): ولا.

(2)

أي: ادعى الحاضر الوكالة له ولرفيقه الغائب.

(3)

كتب في هامش (ظ): (أي الوكالة).

(4)

في (ظ): يلحقه.

(5)

في (ح): يتنافى.

(6)

في (ظ) و (ق): طرفه.

ص: 575

وقال الأَزَجِيُّ في الدَّعْوى: الذي يَقَعُ الاِعْتِمادُ عليه: لا يَصِحُّ؛ للتَّضادِّ.

(وَعَنْهُ: يَجُوزُ إِذَا زَادَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي النِّدَاءِ، أَوْ وَكَّلَ

(1)

مَنْ يَبِيعُ، وَكَانَ هُوَ أَحَدَ الْمُشْتَرِيَيْنِ)؛ لأِنَّ بذلك يَحصُلُ غَرَضُ الموكِّل من الثَّمَنِ، أشْبَهَ ما لو باعَهُ لأِجْنَبِيٍّ.

وفي «الكافي» و «الشَّرح» : أنَّ الجوازَ معلَّق

(2)

بِشَرْطَينِ:

أحدهما: أنْ يَزيدَ على مَبْلَغِ ثَمَنِه في النِّداء.

الثَّاني: أنْ يتولَّى النِّداءَ غَيرُه.

قال القاضِي: يَحتَمِل أنْ يكونَ الثَّانِي واجِبًا، وهو أشْبَهُ بكلامه، ويَحتَمِل أنْ يكونَ مُسْتحَبًّا.

وفي «الفروع» : (وعَنْهُ: يَبِيعُ من نفسه إذا زاد ثَمَنُه في النِّداء. وقيل: أو وَكَّلَ بائعًا، وهو ظاهِرُ روايةِ حَنبَلٍ، وقيل: هُمَا. وذَكَرَ الأَزَجِيُّ احْتِمالاً: لا يُعْتَبَرانِ؛ لأِنَّ دِينَه وأمانَتَه تَحْمِلُه

(3)

على الحقِّ، وربما زاد).

لا يُقال: كيف يُوكِّل في البَيع، وهو مَمْنوعٌ منه على المشهور؛ لأِنَّه يجوز التَّوكيلُ فيما لا يتولَّى مِثْلَه بنفسه، والنِّداء مِمَّا لم تَجْرِ العادةُ أنْ يتولاَّهُ أكْثرُ الوُكَلاء بأنفسهم.

قال ابْنُ المنَجَّى: (وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّ الوكيلَ إذا جاز له أنْ يُعْطِيَ ما وُكِّل فيه لِمَنْ يُنادِي عليه لِمَا ذُكِرَ، فالعَقْد لا بُدَّ له مِنْ عاقِدٍ، ومِثْلُه يتولاَّهُ، فلا يجوز أنْ يُوكِّلَ عنه غيرَه.

ويُمْكِنُ التَّخلُّصُ من

(4)

ورود هذا الإشْكالِ: بأن

(5)

يجْعَلَ بَدَلَ التَّوكيل في

(1)

في (ح): ووكل.

(2)

في (ح): تعلق.

(3)

في (ق): يحمله.

(4)

في (ح) و (ق): في.

(5)

في (ح): أن.

ص: 576

البَيع؛ التَّوكيلَ في الشِّراء).

(وَهَل يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ لِوَلَدِهِ) الكبيرِ، (أَوْ وَالِدِهِ، أَوْ مُكَاتَبِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهُما في «المحرَّر» و «الفروع»: أَحَدُهما: المنْعُ؛ لأِنَّه مُتَّهَمٌ في حقِّهم، ويميل إلى ترك الاستقصاء

(1)

عليهم في الثمن

(2)

، كتُهمتِه في حقِّ نفسِه، ولذلك لا تُقبَلُ شهادتُه لهم.

والثَّاني: يَجُوزُ؛ لأِنَّهم غيرُه، وقد امْتَثَلَ أمْرَ الموكِّل، ووافَقَ العُرْفَ في بَيعِ غَيرِه، أشْبَهَ الأجْنَبِيَّ.

وذَكَرَ الأَزَجِيَّ: أنَّ الخِلافَ في الإِخْوة والأقارِب كذلك.

فَرْعٌ: الحاكِمُ، وأمِينُه، وناظِرُ الوقفِ، والوصي

(3)

، والمضارِبُ؛ كالوكيل.

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً، وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) على المذهب؛ لأِنَّ الموكِّل لَوْ باعَ بنفسه، وأطْلَق؛ انصرَف إلى الحُلول ونَقْدِ البلد، فكذا وكيلُه، فلو تصرَّف بغير ذلك؛ كنَفْعٍ

(4)

وعَرْضٍ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّ عَقْدَ الوَكالة لَمْ يَقْتَضِه، وفيه احْتِمالٌ، وهو رواية في «الموجز» .

وكما لو وكَّله في شِراء ثلجٍ

(5)

في الصَّيف، وفَحْمٍ في الشِّتاء، فخالَفَ، ذَكَرَه أبو الخَّطَّاب، ومَحَلُّه في الفَحْم: في غَير تِجارةٍ.

فإن كان في البلد نَقْدانِ؛ باع بأغلبهما، فإنْ تساوَيا؛ خُيِّرَ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَجُوزَ)، هذا روايةٌ عن أحمدَ؛ كقوله

(6)

: بِعْ كيف شِئْتَ؛

(1)

زيد في (ح): في.

(2)

في (ح): اليمين.

(3)

قوله: (والوصي) سقط من (ظ).

(4)

في (ظ): لنفع.

(5)

في (ظ) و (ح): بلح.

(6)

في (ظ): لقوله.

ص: 577

(كَالْمُضَارِبِ) على الأصحّ فيه، والفَرْقُ بَينَهما: مِنْ حَيثُ إنَّ المقصودَ في المضارَبة الرِّبْحُ، وهو في النَّساء أكثرُ، ولا يتعيَّن

(1)

ذلك في الوكالة، بل ربما كان المقصودُ تحصيلَ الثَّمن لِدَفْع حاجته، فيفوت بتأخير الثَّمن، ولأِنَّ اسْتِيفاءَ الثَّمن في المضارَبة على المضارِب، فيعود الضَّرَرُ عليه، واسْتِيفاءَ الثَّمَن في الوكالة على الموكِّل، فيعود ضَرَرُ الطَّلب عليه، وهو لم يَرْضَ به.

وهذا الخِلافُ إنَّما هو مع

(2)

الإطلاق، فلو عَيَّنَ له شَيئًا؛ تعيَّن، ولم تَجُزْ مُخالَفتُه؛ لأِنَّه مُتَصرِّفٌ بإذنه.

فائدةٌ: إذا ادَّعَيا الإذْنَ في ذلك؛ قُبِلَ قَولُهما، وقيل: قَولُ المالِك.

(وَإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ؛ صَحَّ)، نَصَّ عليه

(3)

، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وصحَّحه ابْنُ المنَجَّى؛ لأِنَّ مَنْ صَحَّ بَيعُه بِثَمَن المِثْل؛ صَحَّ بدونه كالمريض، (وَيَضْمَنُ

(4)

الوكيلُ (النَّقْصَ)؛ لأِنَّ فيه جَمْعًا بَينَ حظِّ المشتري بعدم الفَسْخ، وحَظِّ البائع بوجوب التَّضْمين، وأمَّا الوكيلُ فلا يُعتبَرُ حظُّه؛ لأِنَّه مُفرِّطٌ.

وفي قَدْره وجهان:

أحدُهما: ما بَينَ ثمن المثل وما باعه.

والثَّاني: ما يَتَغابَنُ النَّاسُ به وما لا يتغابَنونَ؛ لأِنَّ ما يَتَغابَنُ النَّاسُ به عادةً كدِرْهَمٍ في عَشَرَةٍ، فإنَّه يَصِحُّ بَيعُه به، ولا ضَمانَ عليه؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ التَّحرُّزُ منه، فلو حضر مَنْ يَزيدُ على ثمن المِثل؛ لم يَجُزْ أنْ يَبيعَه به؛ لأِنَّ عليه طَلَبَ الحظِّ لموكِّله.

(1)

في (ق) ولا يتيقن.

(2)

في (ح): على.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 272، مسائل ابن منصور 6/ 3141.

(4)

في (ح): وضمن.

ص: 578

فلو باع به، ثُمَّ حضر مَنْ يزيد في مُدَّة الخيار؛ لم يَلزَمْه فَسْخُ العقد على الأشهر؛ لأِنَّ الزِّيادةَ مَنْهِيٌّ عنها.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لاَّ يَصِحَّ)، هذا روايةٌ عنه، وصحَّحها في «المغني» ، وذكر في «الشَّرح»: أنَّها أقْيَسُ، وفي «الفروع»: هي أظْهَرُ؛ لأِنَّه بَيعٌ غَيرُ مَأْذُونٍ فيه، أشْبَهَ بَيعَ الأجنبيِّ.

وقيل: هو كتصرُّف الفُضولِيِّ، نَصَّ عليه

(1)

.

فإنْ تَلِفَ فضمن

(2)

الوكيلُ؛ رَجَعَ على مُشْتَرٍ؛ لتَلَفه

(3)

عنده.

وعلى الصِّحَّة: لا يَضْمَنُ عبدٌ لسيِّده، ولا صبِيٌّ لنفسه.

(وَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه باعَ المأْذونَ، وزاده خَيرًا زيادةَ مَنفَعةٍ، ولا تَضُرُّه، والعُرْفُ يَقْتَضيهِ، أشْبَهَ ما لو وكَّله في الشِّراء؛ فاشْتَراه

(4)

بدون ثَمَن المِثْل، أو بأنْقَصَ مِمَّا قدَّره له.

(سَوَاءٌ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الذِي أَمَرَهُ بِهِ)؛ كَمَنْ أذِن له في البيع بمائة درهمٍ، فباعه بها وبعَشَرَة أُخْرَى، (أَوْ لَمْ تَكُنْ)؛ كدينارٍ وثَوبٍ.

وقيل: لا يَصِحُّ من غير جنس الأثْمان.

تنبيهٌ: يَجُوز للوكيل البَيعُ والشِّراءُ بشَرْطِ الخِيارِ له، وقيل: مُطْلَقًا، وتزكيةُ بينةِ

(5)

خصمِه، ومخاصَمةٌ في ثمنِ مَبِيعٍ بان مُسْتَحَقًّا في وَجْهٍ.

وإنْ شَرَط الخيارَ؛ فلموكِّله، ولنفسه؛ لهما، ولا تَصِحُّ لنفسه فقطْ، ويَختصُّ بخيار مجلسٍ، ويَخْتَصُّ به موكِّلُه إن حَضَرَه.

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 307.

(2)

في (ح): يضمن.

(3)

في (ح): كتلفه.

(4)

في (ق): فاشترى.

(5)

في (ح): ببينة.

ص: 579

فائدةٌ: الوصِيُّ وناظِرُ الوقْف؛ كالوكيل فيما إذا باع بدون ثمن المثل، أو اشترى بأكثرَ منه، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(1)

، وتضمينُه

(2)

مع اجتهاده

(3)

وعَدَم تفريطه؛ مُشْكِلٌ، فإنَّ قَواعِدَ المذهب تَشهَدُ له بروايتين

(4)

ممَّا إذا رمى إلى صفِّ الكُفَّار يَظنُّه كافِرًا؛ فبان مسلِمًا؛ ففي ضمان دِيته روايتانِ.

(فَإِنْ

(5)

قَالَ: بِعْهُ بِدِرْهَمٍ، فَبَاعَهُ بِدِينَارٍ؛ صَحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا هو الأَشْهَرُ؛ لأِنَّه مأْذُونٌ فيه عُرْفًا، فإنَّ مَنْ رضي بدرهم؛ رَضِيَ مكانَه بدِينارٍ.

والثَّاني، وهو قَولُ القاضِي: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه خَالَفَ مُوكِّلَه في الجنس، أشْبَهَ ما لو باعه بثَوبٍ يُساوِي دِينارًا، وكما لو قال: بِعْهُ بمائةِ دِرهَمٍ، فباعه بمائة ثَوبٍ قيمتُها أكثرُ من الدَّراهِم.

وأطلقهما في «الفروع» .

ولو باعَه بدرهَمٍ وعَرْضٍ؛ فالأصحُّ: لا تَبطُل في زائِدٍ بحصَّته.

وإن اختلط الدِّرْهَمُ بآخَرَ له؛ عَمِل بظَنِّهِ ويُقبَل قَولُه حُكْمًا، ذَكَرَه القاضِي.

(وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ بِأَلْفٍ نَسَاءً، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ

(6)

؛ صَحَّ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه زاده

(7)

خَيرًا، فهو كما لو وكَّله في بَيعه بعَشَرَةٍ؛ فباعه بأكثرَ منها.

وظاهِرُه: أنَّه إذا باع حالًّا بدون ثمنها نَسِيئةً، أو بدون ما عَيَّنَه له؛ لم يَنفُذْ تصرُّفه؛ لأِنَّه خَالَفَ مُوكِّله.

وشَرَط المؤلِّفُ: (إِنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِحِفْظِ الثَّمَنِ فِي الْحَالِّ)، جَزَمَ به في

(1)

ينظر: الاختيارات ص 204.

(2)

في (ح): ويضمنه. وفي (ظ): وتضمنه.

(3)

في (ق): اجتهاد.

(4)

في (ظ): بروايتي.

(5)

في (ح): وإن.

(6)

في (ح): حالاً.

(7)

في (ح): باعه.

ص: 580

«الوجيز» ، فظاهِرُه: أنَّه إذا اسْتَضَرَّ بحفظ الثَّمن في الحالِّ؛ أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأِنَّ حُكمَ الإذْن إنِّما يَثْبُتُ في المسكوت

(1)

عنه؛ لتضمُّنه المصلحةَ، فإذا كان يتضرَّرُ به؛ عُلِم انْتِفاؤها، فتَنْتَفِي الصِّحَّةُ.

وحُكمُ خَوفِ التَّلَف والتَّعَدِّي عليه؛ كذلك؛ لاِشْتِراك الكُلِّ في المعْنَى.

وما ذَكَرَه المؤلِّفُ هو قَولٌ، والمذهَبُ: صِحَّتُه مُطْلَقًا، ما لم يَنْهَهُ.

والثَّانِي: لا يَصِحُّ؛ للمخالَفة.

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ، فَاشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ)؛ لم يصِحَّ؛ لأِنَّه تصرَّفٌ غَيرُ مَأْذُونٍ فيه، وهذا إذا كان مِمَّا يَتَغَابَنُ

(2)

النَّاسُ بمِثْلِه، ذَكَرَه في «الشَّرْح» ، وهذا يُشكِلُ بِمَا سَبَقَ.

والمذهَبُ فيه كما

(3)

قدَّمه في «المحرَّر» ، وجزم به في «الوجيز»: أنَّه يصِحُّ ويضْمَنُ الزِّيادةَ، هو ومُضارِبٌ.

(أَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ، فَبَاعَ نِصْفَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه بَيْعٌ غَيرُ مَأْذُونٍ فيه، ولِمَا فيه من الضَّرَر، أشْبَهَ ما لو وكَّله في شِراءِ شَيءٍ فاشْتَرَى بعضَه، ومَحلُّه: ما إذا باعه بدون ثَمَن المثل، فلو باعه بِثَمَنِ جَميعِه؛ صحَّ، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» و «الوجيز» .

وعلى الأوَّل: ما لَمْ يَبِعِ الباقِيَ

(4)

، أو يَكُنْ عَبِيدًا، أوْ صُبْرَةً ونحوها، فيصِحُّ مُفَرَّقًا، ما لم يأمره ببيعه صفقةً واحدةً.

(وَإِنِ اشْتَرَاهُ

(5)

بِمَا قَدَّرَهُ لَهُ مُؤَجَّلاً)؛ صَحَّ في الأَصَحِّ؛ لأِنَّه زاده خَيرًا.

(1)

في (ح): السكوت.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 13/ 502:(مما لا يتغابن).

(3)

في (ق): ما.

(4)

في (ق): الثاني.

(5)

في (ح): اشتراها.

ص: 581

وقيل: إن لم يَتَضرَّرْ. وقيل: لا يَصِحُّ للمخالَفة.

(أَوْ قَالَ: اشْتَر لِي شَاةً بِدِينَارٍ، فَاشْتَرَى لَهُ

(1)

شَاتَيْنِ تُسَاوِي إِحْدَاهُمَا دِينَارًا، أَوِ اشْتَرَى لَهُ

(2)

شَاةً تُسَاوِي دِينَارًا بِأَقَلَّ مِنْهُ؛ صَحَّ)؛ لِما رَوَى أحمدُ، عن سُفْيانَ، عن شَبِيبٍ، هو ابنُ غَرْقَدَةَ

(3)

، سَمِع الحي

(4)

يخبرون عن عُرْوةَ ابنِ الجَعْد: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ معه بدينارٍ يَشْتَرِي له به أُضْحِيَّةً» ، وقال مرَّةً:«أوْ شاةً فاشْتَرَى له اثْنَتَينِ، فباع واحدةً بِدِينارٍ، وأتاه بالأخرى، فدعا له بالبركة؛ فكان لو اشْتَرَى التُّرابَ لَرَبِحَ فيه» ، وفي روايةٍ قال:«هذا دِينارُكم، وهذه شاتُكم، قال: كيف صَنَعْتَ؟» فذكره، ورواه البخاريُّ في ضِمْن حديثٍ مُتَّصِلٍ

(5)

لِعُرْوةَ، حدَّثَنا عليُّ بنُ عبد الله، ثنا سُفْيانُ

(6)

، ولأِنَّه حصل له المأذون فيه

(7)

وزيادةٌ، وفي الأخيرة حصل المقصودُ وزيادةٌ؛ لأِنَّه مأْذُونٌ فيه عُرْفًا، فإنَّ مَنْ رَضِيَ بشراء شَيءٍ بدِينارٍ؛ يَرْضَى بأقلَّ منه.

وكذا إذا اشْتَرَى شاتَينِ، كلٌّ منهما تُساوِي دِينارًا.

وفيه رِوايةٌ في «المبهج» : كفُضُولِيٍّ.

وإن أبقى ما يساويه؛ ففي بَيع الآخَر بغير إذْنِ الموكِّل وجْهانِ:

أحدهما: لا يجوز؛ لأِنَّه غَيرُ مَأْذُونٍ فيه، أشْبَهَ بَيعَ الشَّاتَينِ.

والثَّانِي - وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ -: الجَوازُ؛ لظاهِر الخَبرِ.

(1)

قوله: (له) سقط من (ح).

(2)

قوله: (له) سقط من (ح).

(3)

في (ظ): عرقدة.

(4)

في (ح): لحي.

(5)

في (ق): مفصل.

(6)

أخرجه أحمد (19359، 19362)، والبخاري (3642).

(7)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

ص: 582

(وَإِلاَّ فَلَا) يَصِحُّ إذا كانت كلٌّ منهما تُساوِي أقلَّ من دِينارٍ؛ لأِنَّه لم يَحصُل له المقصودُ، فلم يَقَعِ البيع

(1)

له؛ لكَونه غَيرَ مَأْذُونٍ فيه لَفْظًا ولا عُرْفًا، وكذا كون

(2)

الشَّاةِ الموكَّلِ في شرائها بدِينارٍ تُساوِي أقلَّ منه؛ لِمَا ذَكَرْنا.

وفي «عيون المسائل» : إنْ ساوَى كلٌّ منهما نصفَ دينار

(3)

؛ صحَّ للموكِّل، لا للوكيل، وإنْ كان كلُّ واحدةٍ لا تُساوِي نصفَ دِينارٍ؛ فروايتان: إحداهما: يَصِحُّ ويَقِفُ

(4)

على إجازة الموكِّل؛ لخبر عُروةَ.

تنبيهٌ: إذا وكَّله في شِراءِ مُعيَّنٍ بمائةٍ، فاشتراه بدونها؛ جاز، ما لم يَنْهَه عن الشِّراء بأقلَّ منها؛ لمخالَفة قَولِه ونَصِّه.

وإنْ قال: اشْتَره بها، ولا تَشْتَره بخمسين؛ جاز له شراؤه بما فَوقَ الخمسين، فإنِ اشْتَراهُ بما دُونَ الخمسين؛ جاز في وجْهٍ.

ومَنْ وُكِّل في شِراءِ شَيءٍ مُعَيَّنٍ بثمنٍ معلومٍ؛ فله شراؤه لنفسه بمثل ذلك الثَّمن، وغيره.

(وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ مَعِيبٍ)؛ أيْ: لا يجوز له؛ لأِنَّ الإطْلاقَ يَقتَضِي السَّلامةَ، ولذلك جاز له الرَّدُّ به، ومَحَلُّه: ما لم يعيِّنْه له موكِّلُه.

فإن فعل عالِمًا بعَيبه؛ لَزِمَه إن لم يَرْضَهُ مُوَكِّلُه، ولم يَرُدُّه، وكذا لا يَرُدُّه الموكِّل، وحكاه في الحاشية قَولاً، وفيه نَظَرٌ.

فإنِ اشْتَراهُ بعَين المال؛ لم يَصِحَّ على المذهب.

(1)

في (ح): المبيع.

(2)

قوله: (كون) سقط من (ح).

(3)

في (ظ): ديناره.

(4)

في (ظ): وتقف.

ص: 583

(فَإِنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَى عَيْبًا)؛ أيْ: جَهِل عَيبَه؛ (فَلَهُ رَدُّهُ

(1)

؛ لأِنَّه قائمٌ مَقامَ الموكِّل، وله أيضًا الرَّدُّ؛ لأِنَّه مِلْكُهُ.

فإنْ حضر قبل ردِّ الوكيل ورضِيَ بالعيب؛ لم يكن للوكيل ردُّه، لأِنَّ الحقَّ له، بخلاف المضارِب؛ لأِنَّ له حقًّا، فلا يَسقُط برضا غيره.

فإنْ طَلَب البائعُ الإمْهالَ حتَّى يَحضُر الموكِّل؛ لم يَلزَمْه ذلك؛ لأِنَّه لم يأْمَنْ فَواتَ الرَّدِّ.

فإنْ أخَّره بناءً على قَولٍ، فلم يَرْضَ به الموكِّل؛ فله الرَّدُّ وإنْ قُلْنا: هو على الفور؛ لأِنَّه أخَّره بإذْن البائع.

وإن أنكر البائع أنَّ الشِّراء وقع له؛ لزم الوكيلَ، وقيل: الموكِّل، وله أرْشُه.

وذَكَرَ الأَزَجِيُّ: إنْ جَهِل عَيبَه

(2)

، وقد اشْتَرَى بِعَين المال؛ فهل يَقَعُ عن الموكِّل؟ فيه خلافٌ.

(فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: مُوَكِّلُكَ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لأِنَّه مُنْكِرٌ، والقَولُ قَولُه معها؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ الرِّضا، فلا يُقبَلُ إلاَّ ببيِّنةٍ، فإن لم يُقِمْها؛ لم يُسْتحْلَف الوكيلُ إلاَّ أنْ يدَّعِيَ علمه

(3)

، فيَحْلِف على نفي العلم، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، (إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ)؛ أيْ: لا يَعلَم رضا مُوكِّله؛ لأِنَّه يَجُوز أنْ يَعلَم رِضاهُ، وهو مُسْقِطٌ للردِّ، وإنما كانت على النَّفْي؛ لأِنَّها على فِعْل الغَير، فإذا حَلَفَ؛ أخَذَ حَقَّه في الحال.

وقيل: يَقِفُ على حَلِف مُوكِّله إنْ طَلَبَه الخَصْمُ.

وكذا كلُّ غَريمٍ لوكيلٍ غائبٍ في قَبْضِ حقِّه: أَبْرَأَنِي مُوكِّلُك، أوْ قَبَضَه،

(1)

في (ح): الرد.

(2)

في (ق): عينه.

(3)

في (ح) عليه.

ص: 584

ويُحْكَم بِبَيِّنةٍ

(1)

إنْ حُكِم على غائِبٍ.

(فَإِنْ رَدَّهُ، فَصَدَّقَ الْمَوَكِّلُ الْبَائِعَ فِي الرِّضَا بِالْعَيْب؛ فَهَلْ يَصِحُّ الرَّدُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «الشرح»

(2)

و «الفروع» :

أشْهَرُهما: لا يَصِحُّ الرَّدُّ، وهو باقٍ للمُوَكِّل؛ لأِنَّ رِضَا الموكِّل بالعَيب عَزْلٌ للوكيل عن الرَّدِّ، ومَنْعٌ له، بدليلِ: أنَّ الوكيل لو عَلِمَه؛ لم يكن له الرَّدُّ، فعلى هذا: للموكِّل اسْتِرْجاعُه، وللبائع رَدُّه عليه.

والثَّاني: يصح

(3)

، بِناءً على أنَّ الوكيلَ لا يَنْعزِلُ قَبْلَ العلم بعَزْله، فيكونُ الرَّدُّ صادَفَ وِلايةً، فعلى هذا: يُجَدِّدُ الموكِّلُ العَقْدَ.

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ، فَاشْتَرَاهُ وَوَجَدَهُ مَعِيبًا؛ فَهَلْ لَهُ

(4)

رَدُّهُ قَبْلَ إِعْلَامِ الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «الفروع»:

أحَدُهما: له ذلك؛ لأِنَّ الأمْرَ يَقْتَضِي السَّلامةَ، أشْبَهَ ما لو وكَّله في شِراءِ مَوْصوفٍ.

والثَّاني، وهو الأشهر: لَا؛ لأِنَّ الموَكِّلَ قَطَعَ نَظَرَه بالتَّعيين، فربما

(5)

رَضِيَه بجميع صفاته.

وعلى الأوَّلِ: حُكْمُه حُكْمُ غَيرِ المعيَّن.

وإنْ عَلِمَ عَيْبَه قَبْلَ شِرائه؛ فهل له شِراؤه؟ فيه وجْهانِ مَبْنِيَّانِ على ردِّه إذا عَلِمَ عَيْبَه بَعْدَ شرائه، والمقدَّمُ: له شِراؤه.

(فَإِنْ قَالَ: اشْتَر لِي بِعَيْنِ هَذَا الثَّمَنِ، فَاشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لَمْ يَلْزَمِ

(1)

في (ق): بنفيه.

(2)

في (ح): «المحرر» .

(3)

قوله: (يصح) سقط من (ح).

(4)

قوله: (له) سقط من (ح).

(5)

في (ق): له بما.

ص: 585

الْمُوَكِّلَ)؛ لأِنَّ الثَّمَنَ إذا تعيَّنَ؛ انْفَسَخ العَقْدُ بِتَلَفِه أوْ كونِه مَغْصوبًا، ولم يَلْزَمْه ثَمَنٌ في ذِمَّته، وهذا غَرَضٌ صحيحٌ للمُوَكِّل، فلم يَجُزْ مُخالَفتُه، وظاهِرُه: ولو نَقَدَ المعَيَّنَ، ويَقَعُ الشِّراءُ للوكيل، وهل يَقِفُ على إجازة الموكِّل؟ فيه الرِّوايتانِ.

(فَإِنْ

(1)

قَالَ: اشْتَر لِي فِي ذِمَّتِكَ، وَانْقُدِ الثَّمَنَ، فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ؛ صَحَّ، وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ)، ذَكَرَه أصحابُنا؛ لأِنَّه أَذِنَ له في عَقْدٍ يَلزَمُه به الثَّمَنُ مع بقاء الدَّراهم وتَلَفِها، فكان إذْنًا في عَقْدٍ لا يَلزَمُه الثَّمَنُ إلَا مَعَ بقائها.

وقيل: إنْ رَضِيَ به وإلاَّ بَطَلَ.

وقيل: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه قد يكون له غَرَضٌ في الشِّراء في الذِّمَّة؛ لشبهةٍ فيها، أو يَخْتارُ وُقوعَ عَقْدٍ لا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِها، ولا يبطل

(2)

بتحريمها، فلم يَجُزْ مخالَفةُ غَرَضِه لصِحَّته.

وإنْ أطْلَق؛ جاز.

وليس له العَقْدُ مع فقيرٍ، وقاطِعِ طَرِيقٍ، إلاَّ أنْ يأمُرَه، نَقَلَه الأثْرَمُ

(3)

.

(وَإِنْ

(4)

أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ فِي سُوقٍ بِثَمَنٍ، فَبَاعَهُ بِهِ فِي آخَرَ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ القَصْدَ البَيعُ بما قدَّره له، وقد حَصَلَ؛ كالإجارَة وغيرِها، هذا إذا كان هو وغيرُه سَواءً.

فإنْ كان له غَرَضٌ صحيحٌ؛ تعيَّنَ، كما لَوْ كان السُّوقُ معروفًا بجَودة النَّقْد، أو كَثْرةِ الثَّمَنِ، أوْ حِلِّه، أوْ صَلاحِ أهله.

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ظ): ولا تبطل.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 70.

(4)

في (ح): فإن.

ص: 586

(وَإِنْ قَالَ: بِعْهُ لِزَيْدٍ

(1)

، فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ)، بغَير خِلافٍ نَعْلَمُه

(2)

؛ لأِنَّه قد يَقْصِدُ نَفْعَه، فلا تجوز مُخالَفتُه، وفي «المغني» و «الشَّرح»: إلاَّ أنْ يَعْلَمَ بِقَرِينةٍ أوْ صَريحٍ أنَّه لا غَرَضَ له في عَينِ المشْتَرِي.

قاعِدةٌ: حُقوقُ العَقْد وهي: تسليمُ الثَّمن، وقَبض المبيع، والرَّدُّ بالعَيب، وضَمانُ الدَّرَك؛ يَتعلَّقُ بالموكِّل؛ لأِنَّه لا يَعْتِق قَريبُ وكيلٍ عليه.

وقال أبو حنيفةَ: يَدخُل في ملك الوكيل، ثُمَّ يَنتَقِل عنه إلى الموكِّل

(3)

.

ورُدَّ: بأنَّه قَبِلَ عقْدًا لغيره، فوجب

(4)

أن يَنْتَقِلَ الملكُ إليه؛ كالأب والوصيِّ، وكما لو تزوَّج له.

ويتفرَّعُ عليهما: لو وكَّلَ مسلِمٌ ذِمِّيًّا في شِراء خمرٍ، فاشتراه له؛ لم يَصِحَّ على الأوَّل، لا الثَّاني.

وإذا باع الوكيلُ بثمَنٍ معيَّنٍ؛ ثبت الملك للموكِّل في الثَّمن، وإن كان في الذِّمَّة؛ فللمُوَكِّل والوكيل المطالبةُ به.

وعنده

(5)

: ليس للمُوَكِّل المطالبةُ به.

وفي «المغني» و «الشَّرح» : إن اشْتَرَى وكيلٌ في شِراءٍ في الذِّمَّة؛ فكضامِنٍ.

وقال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين

(6)

فِيمَنْ وكِّل في بَيعٍ، أو اسْتِئْجارٍ: فإن لم يُسَمِّ مُوَكِّلَه في العقد؛ فضامِنٌ، وإلاَّ فروايتانِ، وظاهر

(7)

المذهب: يَضْمَنُه، ولو

(1)

في (ظ): من زيد.

(2)

ينظر: المغني 5/ 95.

(3)

ينظر: التجريد للقدوري 6/ 3119، العناية شرح الهداية 8/ 17.

(4)

في (ق): يوجب.

(5)

أي: عند أبي حنيفة، كما في المغني 5/ 103. وينظر: المبسوط 12/ 207، بدائع الصنائع 6/ 33.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 52، الاختيارات ص 209.

(7)

في (ح): فظاهر.

ص: 587

وكَّل رجلاً يَسْتَسْلِفُ له ألْفًا في كُرِّ حِنْطَةٍ، ففعل؛ مَلَكَ الموَكِّلُ ثَمَنَها، والوكيلُ ضامِنٌ.

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ؛ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ)؛ لأِنَّ إطْلاقَ الوَكالة في البَيع يَقْتَضِي التَّسليمَ؛ لكَونه مِنْ تَمامه.

(وَلَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ ثَمَنَهِ)، كذا أطْلقَه الأكثرُ؛ لأِنَّه قد يُوكِّلُ في البَيع من لا يأمنه

(1)

على قَبْض الثَّمن، والمذهَبُ عند الشَّيخَينِ: أنَّه يُقَيَّدُ

(2)

: (إِلاَّ بِقَرِينَةٍ)، فعلى هذا: إنْ كانت قرينةُ الحال تدُلُّ على القَبْض؛ مِثْلَ تَوكِيله في بَيعِ شَيءٍ في سُوقٍ غائبٍ عن الموكِّل، أوْ موضعٍ

(3)

يَضِيعُ الثَّمَنُ بِتَرْك قَبْضِ الوكيل له؛ كان إذْنًا في قَبضِه، فإنْ تَرَكَه ضَمِنَه؛ لأِنَّه يُعَدُّ مُفَرِّطًا.

وإنْ لم تَدُلَّ القَرينةُ على ذلك؛ لم يَكُنْ له قَبْضُه.

وقيل: يمْلِكُه مطْلَقًا؛ لأِنَّه من مُوجِبِ البَيع، فَمَلَكَه؛ كتسليم المبِيعِ، فلا يُسَلِّمه قَبْلَه، فإنْ فَعَلَ؛ ضَمِنَه.

وعلى الأوَّل: (فَإِنْ تَعَذَّرَ قَبْضُهُ؛ لَمْ يَلْزَمِ الْوَكِيلَ شَيْءٌ)؛ كظُهُور مَبِيعِه مُسْتَحَقًّا، أوْ مَعِيبًا؛ كحاكِمٍ وأمِينه، ولأِنَّه ليس بمفرِّطٍ

(4)

فيه؛ لكَونِه لا يَمْلِكُه.

تنبيهٌ: وكَّلَه في شِراءِ شَيءٍ؛ مَلَكَ تسليمَ ثَمَنِه؛ لأِنَّه من تَتِمَّته

(5)

وحُقوقه؛ كتَسْلِيم المبِيعِ.

فإنِ اشْتَرَى عَبْدًا، فنَقَدَ ثَمَنَه، فخَرَجَ مُسْتَحَقًّا؛ فهل يَمْلِك في تَخاصُم

(6)

(1)

في (ظ): لا يأتمنه.

(2)

في (ق): يفيد.

(3)

في (ظ): أو بموضع.

(4)

في (ق): مفرط.

(5)

في (ح): ثمنه.

(6)

هكذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 13/ 525:(أن يخاصم).

ص: 588

البائع

(1)

في الثَّمَن؟ على وجْهَينِ.

وإنِ اشْتَرَى شَيئًا وقَبَضَه، وأخَّر تَسْلِيمَ ثَمَنِه لغَير عُذْرٍ، فَهَلَك في يده؛ ضَمِنَه، نَصَّ عليه

(2)

.

وليس لوكيلٍ في بَيعٍ تقليبُه على مُشْتَرٍ إلاَّ بحضْرتِه، وإلاَّ ضَمِنَ، ذَكَرَه في «النَّوادر» ، ويتوجَّه: العُرْفُ.

ولا بَيعُه ببلدٍ

(3)

آخَرَ في الأصحِّ، فيَضْمَنُ ويَصِحُّ، ومع مُؤْنَة نَقْلٍ: لا، ذَكَرَه في «الانتصار» .

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ)؛ أيْ: لم يَصِحَّ، ولم يَمْلِكْه؛ لأِنَّ الله تعالى لم يَأْذَنْ فيه، ولأِنَّ الموكِّلَ لا يَمْلِكُه، فوكيله

(4)

كذلك وأولى

(5)

، وكشَرْطِهِ على وكيلٍ في بَيعٍ: أنْ لا يُسلِّمَ

(6)

المبيعَ.

(أَوْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ؛ لَمْ يَصِحَّ)، ذَكَرَه الأزَجِيُّ اتِّفاقَ الأَصْحاب؛ لأِنَّه يَدخُلُ فيه كلُّ شَيءٍ؛ من هبةِ

(7)

ماله، وطلاقِ نسائه، وإعْتاقِ رقيقه، فيَعْظُمُ الغَرَرُ والضَّرَرُ، ولأِنَّ التَّوكِيلَ لا بُدَّ وأنْ يكونَ في تصرُّفٍ معلومٍ.

ومِثْلُه: وكَّلْتُك في شراءِ ما شِئْتَ من المتاع الفُلانِيِّ، فلو قال: وكَّلْتُك بما إلَيَّ من التَّصرُّفات؛ فاحْتِمالانِ.

وقيل: يَصِحُّ في كلِّ قليلٍ وكثيرٍ؛ كبيع ماله، أو المطالَبة بحقوقه، أو

(1)

في (ح): البيع.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2923.

(3)

في (ح): في بلد.

(4)

في (ح): توكيله.

(5)

في (ح) و (ق): أولى.

(6)

في (ح): لا يسلمه.

(7)

في (ح): هيئة.

ص: 589

الإبِراء، أو ما شاء منه، يؤيده

(1)

قول المرُّوذِي: بَعَثَ بِي أبُو عَبدِ الله في حاجةٍ، وقال: كلُّ شَيءٍ تقولُ على لساني، فأنا قُلْتُه

(2)

.

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ مَالِهِ كُلِّهِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه يَعرِف مالَه، فيَقِلُّ الغَرَرُ.

وذَكَرَ الأَزَجِيُّ في: بِعْ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شِئْتَ؛ أنَّ «مِنْ» للتَّبْعيض، فلا يَبِعْهم إلاَّ واحدًا، ولا الكُلَّ؛ لاِستِعْمال هذا في الأقلِّ غالِبًا، وقال: هذا يَنْبَنِي

(3)

على أصْلٍ، وهو استثناء

(4)

الأكثرِ، وفيه نَظَرٌ.

(وَإِنْ قَالَ: اشْتَرْ لِي مَا شِئْتَ، أَوْ عَبْدًا بِمَا شِئْتَ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّ ما يُمْكِنُ شِراؤه والشِّراءُ به يَكثُرُ؛ فيَكْثُرُ فيه الغَرَرُ، (حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ)، وعليه اقْتَصَر القاضِي؛ لأِنَّه إذا ذَكَرَ نَوعًا، فقد أذِنَ في أغلاه

(5)

ثَمَنًا، فيَقِلُّ الغَرَرُ فيه، (وَقَدْرَ الثَّمَنِ)، وهو روايةٌ؛ لاِنْتِفاء الغَرَر، فمن

(6)

اعْتَبَره؛ جَوَّز أنْ يَذْكُرَ أكْثَرَ الثَّمن وأقلَّه، وحكاه في «الفروع» قَولاً، واقْتَصَر عليه في «الشَّرح» ، وصريحُ كلامِه: أنَّه لا بُدَّ للصِّحَّة من اعْتِبار الأمْرَينِ، وقاله أبو الخَطَّاب.

(وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ)، فإنَّه رُوِيَ عنه فِيمَنْ قال: ما اشْتَريْتَ مِنْ شَيءٍ فهو بَيننا؛ أنَّ هذا جائِزٌ، وأعْجَبَه

(7)

، وهذا تَوكيلٌ في شِراءِ كلِّ شَيءٍ؛ لأِنَّه إذْنٌ في التَّصرُّف، فجاز من غير تعيينٍ؛ كالإذن في التِّجارة، وكما لو قال: بِعْ من مالي ما شِئْتَ.

والإطْلاقُ يَقْتَضِي شِراءَ عبدٍ مسلِمٍ عند ابن عَقيلٍ؛ لِجَعْلِه الكُفْرَ عَيبًا.

(1)

في (ح): يؤده.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 68.

(3)

في (ق): مبني.

(4)

في (ح): استيفاء.

(5)

في (ح): غلاه.

(6)

في (ح): ممن.

(7)

ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 279.

ص: 590

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ؛ لَمْ يَكُنْ وَكِيلاً فِي الْقَبْضِ)؛ لأِنَّ الإذْنَ لم يَتَناوَلْه

(1)

نُطْقًا ولا عُرْفًا؛ لأِنَّه قد يَرْضَى للخصومة من لا يرضاه للقبض؛ إذْ

(2)

مَعْنَى الوكالةِ في الخُصومة: الوكالةُ في إثبات الحقِّ.

وذَكَرَ ابْنُ البنَّاء في «تعليقه» : أنَّه وكيلٌ في القَبض؛ لأِنَّه مأمورٌ بقَطْع الخصومة، ولا تَنْقَطِعُ إلاَّ به.

وعُلِمَ منه: جوازُ التَّوكيل في الخُصومة.

وذَكَرَ القاضِي في قوله تعالى: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النِّسَاء: 105]: أنَّه لا يَجوزُ لأِحَدٍ أنْ يُخاصِمَ عن غَيرِه في إثبات حقٍّ

(3)

أو نَفْيِه وهو غَيرُ عالِمٍ بحقيقةِ أمْرِه، وفي «المغني» في الصُّلْحِ نحوه

(4)

.

ولا يَصِحُّ مِمَّنْ عَلِمَ ظُلْمَ مُوكِّلِه في الخصومة، قاله في «الفنون» ، فظاهِرُه: يَصِحُّ إذا لم يَعْلَمْ، فلو ظَنَّ ظُلْمَه؛ جاز، ويتوجَّهُ: المنْعُ، ومع الشَّكِّ؛ احْتِمالانِ.

وعلى ما ذَكَرَه: لا يُقبَلُ إقْرارُه على مُوَكِّلِه بقَبْضٍ ولا غيرِه، نَصَّ عليه

(5)

.

ويُقْبَلُ إقْرارُه بِعَيبٍ فِيما باعَه. واخْتارَ جماعةٌ: لا.

وله إثْباتُ وكالته في غَيبة مُوَكِّله في الأصحِّ.

وإن قال: أجِبْ خَصْمِي عَنِّي؛ احْتَمَلَ الخصومة

(6)

، واحْتَمَل بُطْلانَها، ذَكَرَه في «الفروع» .

(1)

في (ق): لم تتناوله.

(2)

في (ق): أو.

(3)

في (ح): حقه.

(4)

في (ح): من الصلح ونحوه.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4351.

(6)

في (ق): كخصومة.

ص: 591

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْقَبْضِ؛ كَانَ وَكِيلاً فِي الْخُصُومَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جزم به في «الوجيز» ، وهو المذهَبُ؛ لأِنَّه لا يَتَوصَّل إلى القَبْض إلاَّ بالتَّثبت

(1)

، فكان إذْنًا فيه عُرْفًا؛ لأِنَّ القَبْضَ لا يَتِمُّ إلاَّ به؛ فَمَلَكَهُ، كما لو وكَّله في شِراءِ شَيءٍ؛ مَلَكَ تَسْليمَ ثَمَنِه.

والثَّاني: لا يَمْلِكُها؛ لأِنَّهما مَعْنيان

(2)

مختلِفانِ، فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلاً في الآخَرِ، وكعكسه.

وأطلق في «المحرَّر» و «الفروع» الخِلافَ.

وقيل: إن كان الموكِّلُ عالِمًا بِجَحْد مَنْ عليه الحقُّ، أوْ مَطْلِه؛ كان توكيلاً في الخُصومة؛ لوقوف القَبْض عليه.

وعلى الجواز: لا فَرْقَ بَينَ كَونِ الحقِّ عَينًا أوْ دَينًا.

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ الْحَقِّ مِنْ إِنْسَانٍ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ مِنْ وَارِثِهِ)؛ لأِنَّه لم يُؤْمَرْ بذلك، ولا يَقْتَضِيه العُرْفُ.

ومُقتَضاه: أنَّ له قَبْضَه من وكيله، وهو كذلك؛ لأنَّه قائِمٌ مَقامَه.

فإنْ قُلْتَ: فالوارِثُ نائِبٌ عن المَورُوث؛ فهو كالوكيل.

وجوابُه: أنَّ الوكيل إذا دفع بإذنه جرى

(3)

مَجرَى تسليمه، وليس الوارِثُ كذلك، فإنَّ الحقَّ انْتَقَل إليهم، واسْتُحِقَّت المطالَبةُ عليهم لا بطريق النِّيابة عن الموروث، ولهذا لو حَلَفَ لا يفعَل شَيئًا؛ حَنِثَ بفِعْل وكيله دونَ مُورِّثه.

(وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْ حَقِّي الذِي قِبَلَهُ)، أوْ عليه؛ (فَلَهُ الْقَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ)؛ لأِنَّ الوكالةَ اقْتَضَتْ قَبْضَ حقِّه مُطلَقًا، فشمل

(4)

القَبْضَ من الوارِث؛ لأِنَّه من حَقِّه.

(1)

في (ح): بالبت. وفي (ظ): الثبت.

(2)

في (ح): معنان. وفي (ظ): مُعَيَّنانِ.

(3)

في (ح): وجرى.

(4)

في (ظ): فيشمل.

ص: 592

(وَإِنْ

(1)

قَالَ: اقْبِضْهُ الْيَوْمَ؛ لَمْ يَمْلِكْ قَبْضَهُ غَدًا)؛ لِتَقْييدها بزمانٍ مُعيَّنٍ؛ لأِنَّه قد يَختَصُّ غَرَضُه في زَمَنِ حاجته إليه.

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الْإِيدَاعِ، فَأَوْدَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ؛ لَمْ يَضْمَنْ) إذا أنْكَرَ المودَعُ، نَقَلَه الأصْحابُ، لِعَدَم الفائدة في الإشْهاد؛ إذ المودَعُ يُقبَلُ قَولُه في الرَّدِّ والتَّلَف، فلم يكن مُفَرِّطًا في عَدَم الإشْهاد.

وفيه وَجْهٌ، وذَكَرَه القاضِي روايةً: أنَّه يَضمَنُ؛ لأِنَّ الوديعةَ لا تَثْبُت إلاَّ بِبَيِّنةٍ، فهو كما لو وَكَّله في قضاء دَينٍ، وبأنَّ الفائدةَ في الإشهاد هو

(2)

ثبوت الوديعة، فلو مات أُخِذَتْ من تَرِكَتِه.

فإنْ قال الوكيلُ: دَفَعْتُ المالَ إلى المودَع، فأنكر

(3)

؛ قُبِل قَولُ الوكيل؛ لأِنَّهما اختلفا في تصرُّفه فيما وُكِّل فيه.

(وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ، فَقَضَاهُ وَلَمْ يُشْهِدْ، وَأَنْكَرَ الْغَرِيمُ؛ ضَمِنَ) الوكيلُ؛ لأِنَّه مُفرِّطٌ حَيثُ لم يُشْهِدْ، قال القاضِي: سَواءٌ صدَّقه أوْ كذَّبه؛ لأِنَّه إنَّما أَذِنَ في قضاءٍ مُبْرِئٍ، ولم يُوجَدْ، (إِلاَّ أَنْ يَقْضِيَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ)، فإنَّه لا يَضمَنُ على الأصحِّ؛ لأِنَّ حُضورَه قرينةُ رِضاهُ بالدَّفْع بغَير بَيِّنةٍ.

وقيل: لا يَضمَنُ؛ بِناءً على أنَّ السَّاكِتَ لا يُنْسَبُ إليه قَولٌ.

وعنه: لا يَرجِعُ بشَيءٍ إلاَّ أن يكونَ أُمِرَ بالإشْهاد فلم يَفْعَلْ، قدَّمه في «الفروع» ؛ لتفريطه، فعليها: إنْ صدَّقه الموكِّلُ في الدَّفْع؛ لم يَرجِعْ عليه بِشَيءٍ، وإنْ كذَّبه؛ قُبِلَ قَولُ الوكيل

(4)

مع يمينه؛ لأِنَّه ادَّعَى فِعْلَ ما أَمَرَه به مُوَكِّلُه.

(1)

في (ح): فإن.

(2)

في (ح): وهو.

(3)

في (ظ): وأنكر.

(4)

في (ح): الموكل.

ص: 593

وعنه: لا يَضْمَنُ مُطْلَقًا، اخْتاره ابنُ عَقِيلٍ؛ كقضائه بحضرته.

وعلى اعْتِبارها: إذا أَشْهَدَ عُدولاً فماتوا، أوْ غابوا؛ فلا ضَمانَ؛ لعدَم تفريطه.

وإن أشْهَدَ بيِّنةً فيها خِلافٌ؛ فوجْهانِ.

وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ كان لموكِّله الاِمْتِناعُ من الوفاء بدون الإشهاد؛ لزم الوكيلَ الإشْهادُ، فإنْ تَرَكَه ضَمِنَ، وإن لم يكن لموكِّله الاِمْتِناعُ؛ لم يَلْزَمْه، ولا ضَمانَ بتَرْكه.

فإنْ قال: أَشْهَدْتُ فماتوا، أو أَذِنْتَ

(1)

فيه بلا بيِّنةٍ، أو قَضَيْتُ بحضْرتكَ؛ صُدِّقَ الموَكِّلُ؛ للأصل.

ويتوجَّهُ في الأُولَى: لا، وأنَّ في الثَّانية الخلافَ، كما هو ظاهِرُ كلامِ بعضِهم، ذَكَرَه في «الفروع» .

(1)

في (ق): أديت.

ص: 594

(فَصْلٌ)

(وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ)؛ لأِنَّه نائبُ المالِكِ في اليد والتَّصرُّف، فكان الهلاكُ في يده كالهلاك في يد المالك؛ كالمودَع.

وكذا حُكْمُ كلِّ مَنْ في يده شَيءٌ لغَيره على سبيل الأمانة؛ كالوصيِّ ونحوِه.

وظاهِرُه: سواءٌ كان بجُعْلٍ أو لا، وأنَّه لا فَرْقَ بَينَ تَلَفِ العين الموكَّلِ فيها، أوْ تَلَفِ ثَمَنِها؛ لأِنَّه أَمِينٌ.

وظاهِرُه: أنَّه يَضْمَنُ إنْ فَرَّط؛ بأن لا يَحفَظَ ذلك في حِرْزِ مِثْلِها، وفي «المغني»: أوْ يَركَبَ الدَّابَّةَ، أوْ يَلْبَسَ الثَّوبَ، أوْ يُطْلَبَ منه المال فيَمْتَنِعَ من دَفْعِه لغير عُذْرٍ؛ لأِنَّ التَّعدِّيَ أبْلَغُ من التَّفريط.

(وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ وَنَفْيِ التَّفْرِيطِ)؛ أيْ: إذا ادَّعَى الموكِّلُ عليه ما يَقْتَضِي الضَّمانَ؛ لأِنَّه أَمِينٌ، والأَصْلُ براءةُ ذِمَّتِه مِمَّا يُدَّعَى عليه، ولو كُلِّف إقامةَ البيِّنة على ذلك لَامْتَنَعَ النَّاسُ من الدُّخول في الأَمانات مع دَعْوَى الحاجة إليها.

والمذهَبُ: أنه إذا ادَّعَى التَّلَفَ بأمْرٍ ظاهِرٍ؛ كحريقٍ عامٍّ، ونَهْبِ جَيْشٍ؛ كُلِّفَ إقامةَ البَيِّنةِ عليه، ثُمَّ يُقبَلُ قَولُه فيه.

(وَلَوْ قَالَ: بِعْتُ الثَّوْبَ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ، فَتَلِفَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)، ذَكَرَه ابنُ حامِدٍ؛ لأِنَّه يَمْلِك البَيعَ والقَبضَ، فقُبِل قَولُه فيهما كالولِيِّ المجْبِر، ولأِنَّه أَمِينٌ ويتعذَّر إقامةُ البيِّنة على ذلك، فلا يُكَلَّفُها؛ كالمودَعِ.

ص: 595

وقيل: لا يُقبَلُ قَولُه؛ لأنه

(1)

يُقِرُّ بحقٍّ لغَيره على مُوَكِّله، فلم يُقْبَلْ، كما لو أقرَّ بدَينٍ عليه.

فَرْعٌ: وكَّلَه في شِراءِ شَيءٍ، فاشْتَراه، واخْتَلَفا في قَدْر ثَمَنِه؛ قُبِلَ قَولُ الوكيل.

وقال القاضِي: يُقبَلُ قَوْلُ الموكِّل، إلاَّ أن يكون عَيَّنَ له الشِّراءَ بما ادَّعاه، فقال: اشْتَر لي عبدًا بألْفٍ، فادَّعَى أنَّه اشْتَراه بها؛ قُبِل قَولُه، وإلاَّ فالموكِّل؛ لأِنَّ مَنْ قُبِل قَولُه في أصْلِ شَيءٍ؛ قُبِل في صِفَتِه.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ)، سواءٌ كان العَينَ، أوْ ثَمَنَها، (إِلَى الْمُوَكِّلِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا)، قَولاً واحِدًا، قاله في «المحرَّر» ؛ لأِنَّه قَبَضَ المالَ لِنَفْع مالِكِه فَقَطْ، فقُبِل قولُه فيه؛ كالوصي

(2)

والمودَع المتبرِّع

(3)

.

وقيل: لا، وجَزَم به ابنُ الجَوْزِيِّ في قَولِه تعالى: الآية {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النِّسَاء: 6]، ولم يُخالِفْه.

وعلى الأوَّل: يُقبَلُ مع يمينه.

وفي «التَّذكرة» : أنَّ مَنْ قُبِل قَولُه من الأُمَناء؛ لم يَحْلِفْ.

والتَّلَف كالرَّدِّ.

(وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أشْهَرُهما: أنَّه لا يُقبَلُ إلاَّ ببيِّنةٍ؛ لأِنَّه قَبَضَ المالَ لِنَفْع نفسه، فلم يُقبَلْ قَولُه في ذلك كالمستعير.

والثَّاني: بلى؛ لأِنَّه أَمِينٌ.

(وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ)؛ لاِشْتِراك الكُلِّ في قَبض العَين

(1)

زيد في (ح): لا.

(2)

في (ح): كالموصي.

(3)

قوله: (المتبرع) سقط من (ح).

ص: 596

لمنفعة القابض.

ونَصَّ أحمدُ في المضارَب: أنَّه لا يُقبَلُ قَولُه

(1)

؛ كالمستعير.

فلو أنْكَرَ الوكيلُ قَبْضَ المال، ثُمَّ ثَبَتَ فادَّعَى الرَّدَّ أوِ التَّلَفَ؛ لم يُقبَلْ؛ لثُبوت خِيانته بجَحْده، ولو أقام به بيِّنةً في وَجْهٍ؛ لأِنَّه مُكذِّبٌ لها.

والثَّاني: يُقبَلُ؛ لأِنَّه يَدَّعِي ذلك قَبْلَ وُجود خِيانَته.

مسألةٌ: كلُّ أمينٍ قُبِل قَولُه في الرَّدِّ، وطُلِبَ منه؛ فهل له تأخيرُه حتَّى يُشْهِدَ عليه؟ فيه وجْهانِ إنْ قُلْنا: يَحْلِف، وإلاَّ لم يُؤخِّرْه لذلك، وفيه احْتِمالٌ.

ومَنْ لا يُقْبَلُ قَولُه في الرَّدِّ؛ كالمستعير، ولا حُجَّةَ عليه بالأخْذِ؛ لم يُؤخِّرْ ردَّه للإشهاد عليه.

وقال ابنُ حَمْدان: بلى، كما لو أخذه وفي ذمَّته مالٌ لِزَيدٍ، أو في يده

(2)

؛ لم يَلزَمْه دَفْعُه إلى وكيله حتَّى يُشْهِد عليه بقَبْضه.

ومَنْ عليه دَينٌ بحُجَّةٍ؛ لم يَلْزَمْهُ دَفْعُه إلى ربِّه إلاَّ بِبَيِّنةٍ

(3)

تَشْهَدُ عليه بقَبْضه.

فَرْعٌ: إذا تَلِف ما وُكِّل في بَيعه، أو الشِّراء به، بِتَعَدٍّ

(4)

أوْ تفريطٍ، أو أتْلَفَه هو أو غيرُه؛ لم يتصرَّف في بَدَله بحالٍ.

وإن وَزَن مِنْ مالهِ بَدَلَ الثَّمَن واشْتَرى بعَينه لموكِّله ما أمره به؛ لم يَصِحَّ، وكذا إن اشْتَراه في ذمَّته، ثُمَّ نَقَدَه.

وعنه: هو موقوفٌ على إجازة مُوَكِّله.

(وَإِنْ قَالَ: أَذِنْتَ لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، وَفِي الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ)، أوْ قال: وكَّلْتُك في بَيعِ هذا العبدِ، قال: بل في بَيع الأَمَةِ، (فَأَنْكَرَهُ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3018.

(2)

في (ح): دفعه.

(3)

قوله: (إلا ببينة) في (ق): ولا بينة.

(4)

في (ق): بنقد.

ص: 597

المذهَبُ: أنَّه يُقْبَلُ قَولُ الوكيل، ونَصَّ عليه في المضارَب

(1)

؛ لأِنَّه أمينٌ في التَّصرُّف، فَقُبِلَ قَولُه؛ كالخَيَّاط.

والثَّاني، وقاله القاضي، وجزم به في «الوجيز»: يُقْبَلُ قَولُ المالِك؛ لأِنَّه يُقبَلُ قَولُه في أصل الوَكالة، فكذا في صفتها، فعليه لو قال: اشْتَرَيتُ لك هذه الجاريةَ، فقال: إنَّما أذِنْتُ في شراء غيرها، قُبِلَ قَولُ المالِك مع يمينه، فإذا حَلَفَ بَرِئَ من الشِّراء.

ثُمَّ إنْ كان الشِّراءُ وَقَعَ بعَين المال؛ فهو باطلٌ، وتُرَدُّ الجاريةُ إلى بائعها إنْ صدَّقه، وإنْ كذَّبه أن

(2)

الشِّراءَ لِغَيره، أو بمالِ غيره؛ صُدِّق البائعُ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّ ما في يد الإنسان له.

فإنِ ادَّعَى الوكيلُ عِلْمَه

(3)

بذلك؛ حَلف أنَّه لا يَعْلَمُ، ولَزِمَ الوكيلَ غرامةُ الثَّمن للمُوَكِّل، ودَفَعَ الثَّمَن للبائع، وتبقى الجاريةُ في يده لا تَحِلُّ له؛ لأِنَّه إنْ كان صادِقًا؛ فهي للمُوَكِّل، وإنْ كان كاذِبًا؛ فهي للبائع.

فإنْ أراد حِلَّها؛ اشتراها ممَّنْ

(4)

هي له في الباطِنِ، فإنِ امْتَنَعَ رَفَعَ الأمْرَ إلى الحاكم ليَرْفُقَ به لِيَبيعَه إياها؛ لِيَثْبُت له الملكُ

(5)

ظاهِرًا وباطِنًا، ويصير ما ثبت له في ذمَّته قِصاصًا بالذي أخذ

(6)

منه الآخَرُ ظُلْمًا، فإنِ امْتَنَع لم يُجْبَرْ؛ لأِنَّه عَقْدُ مُراضاةٍ، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» .

وإنْ قال: بِعْتُكَها إن كانت لي، أو إنْ كنتُ أذِنْتُ لك في شرائها بكذا؛ فقال القاضي: لا يَصِحُّ؛ لتعليقه على شَرْطٍ.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 57.

(2)

في (ح): أو.

(3)

في (ق): عليه.

(4)

في (ق): بثمن.

(5)

في (ق): فيثبت له المال.

(6)

في (ح): يأخذ.

ص: 598

وقيل: بلى؛ لأِنَّ هذا أمْرٌ واقِعٌ يَعْلَمانِ وُجودَه، فلا يَضُرُّ جَعْلُهُ شَرْطًا؛ كَبِعْتُكَ هذه الأَمَةَ إنْ كانت أَمَةً.

فَرْعٌ: إذا قَبَضَ الوكيلُ الثَّمَنَ؛ فهو أمانةٌ في يده، لا يَلْزَمُه تسليمُه قَبْلَ طَلَبه، ولا يَضْمَنُه بتأخيره، فإنْ طَلَبَه فأخَّرَ الرَّدَّ مع إمكانه فَتَلِفَ؛ ضَمِنَه، فإنْ وَعَدَه ردَّه، ثُمَّ ادَّعَى أنَّه كان ردَّه، أوْ تَلِفَ؛ فإنْ صدَّقه الموَكِّلُ فظاهِرٌ، وإنْ كذَّبه؛ لم يُقْبَلْ، وإن أقام به

(1)

بيِّنةً؛ فوجْهانِ.

(وَإِنْ قَالَ: وَكَّلْتَنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لَكَ فُلَانَةَ، فَفَعَلْتُ، وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَأَنْكَرَ

(2)

؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ)؛ لأِنَّهما اخْتَلفا في أصل الوكالة، فقُبِل قَولُ الموكِّل؛ إذ الأصلُ عَدَمُها، ولم يَثْبُتْ أنَّه أمِينُه فقُبِلَ قَولُه عليه، (بِغَيْرِ يَمِينٍ)، نَصَّ عليه

(3)

؛ لأِنَّ الوكيلَ يَدَّعِي حَقًّا لغَيره.

ومُقْتضاهُ: أنَّه يُسْتَحْلَفُ إذا ادَّعَتْهُ المرأةُ، صرَّح به في «المغني» و «الشَّرح» و «الوجيز» ؛ لأِنَّها تَدَّعِي الصَّداقَ في ذمَّته، فإذا حَلَفَ؛ لم يَلْزَمْهُ شَيءٌ.

(وَهَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ نِصْفُ الصَّدَاقِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، وذَكَرَ غَيرُه رِوَايَتَينِ:

أصحُّهما: لا يَلْزَمُه شَيءٌ؛ لِتَعَلُّق حقوقِ العَقْد بالموَكِّل، وهذا ما لم يَضْمَنْه، فإنْ ضَمِنَه فلها الرُّجوعُ عليه بنصفه؛ لضمانه عنه.

والثَّاني: يَلْزَمُه نِصْفُ الصَّداق؛ لأِنَّه ضامِنٌ للثَّمَن في البيع، وللبائع مطالَبتُه، فكذا هنا، ولأِنَّه فَرَّطَ حَيثُ لم يُشْهِد على الزَّوج بالعقد والصَّداق.

والأوَّلُ أَوْلَى، ويُفارِق الشِّراءَ؛ لأِنَّ الثَّمَنَ مَقصودُ

(4)

البائع

(5)

، والعادةُ

(1)

قوله: (به) سقط من (ح).

(2)

في (ح): فأنكره.

(3)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 198.

(4)

في (ق): مقصد.

(5)

في (ح): للبائع.

ص: 599

تعجيلُه، بخلاف النِّكاح، قاله في «المغني» و «الشرح» .

ويَلزَمُ الموكِّل طلاقَها في المنصوص

(1)

؛ لإزالة الاِحْتِمال.

وقيل: لا؛ لأِنَّه لم يَثْبُتْ في حقِّه نِكاحٌ.

ولو مات أحدُهما؛ لم يَرِثْه الآخَرُ؛ لأِنَّه لم يَثْبُتْ صداقُها فتَرِثُه، وهو يُنكِر أنَّها زَوجَتُه، فلا يَرِثُها.

تنبيهٌ: قد عُلِمَ ممَّا سبق: أنَّه إذا صَدَّق على الوكالة؛ فيُقْبَلُ قَولُ الوكيل، وكذا في

(2)

كلِّ تصرُّفٍ وُكِّل فيه، وهو المذهَبُ؛ لأِنَّه مَأْذُونٌ له، أَمِينٌ قادِرٌ على الإنشاء، وهو أعْرَفُ.

وعنه: يُقبَلُ قَولُ مُوَكِّله في النِّكاح؛ لأِنَّه لا تتعذَّرُ إقامةُ البَيِّنة عليه؛ لكَونِه لا يَنعَقِدُ إلاَّ بها، ذَكَرَه القاضي وغيرُه؛ كأصل الوكالة.

(وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ)؛ أيْ: معلومٍ؛ لأِنَّه «عليه السلام كان يَبْعَث عُمَّالَه لقَبْض الصَّدقات، ويَجْعَل لهم على ذلك جُعْلاً»

(3)

، ولأِنَّه تصرُّفٌ لغَيره لا يَلزَمُه، فهو كَرَدِّ الآبِق.

وظاهِرُه: أنَّه يَسْتَحِقُّ الجُعْلَ بالبيع - مثلاً - قَبْلَ قَبْض الثَّمَن، جزم به في «المغني» و «الشَّرح» ، ما لم يَشْرِطْه عليه، ويَسْتَحِقُّه ببَيْعه نَساءً إنْ صحَّ.

وفي «الفروع» : هل يَسْتَحِقُّه قَبْلَ تسليمِ ثمنه؟ يتوجَّه الخِلافُ.

فإنْ كان الجُعْلُ مجهولاً؛ فَسَدَتْ، ويَصِحُّ تصرُّفه بالإذْن، وله أجْرُ مِثْلِه.

ص: 600

(وَبِغَيْرِهِ

(1)

، أيْ: بغير جُعْلٍ بغير خِلافٍ نَعْلَمُه

(2)

؛ لأِنَّه «عليه السلام وَكَّلَ أُنَيْسًا في إقامة الحدِّ»

(3)

، «وعُرْوةَ في الشِّراء بغَير جُعْلٍ»

(4)

.

(فَلَوْ قَالَ: بِعْ ثَوْبِي بِعَشَرَةٍ، فَمَا زَادَ فَلَكَ

(5)

؛ صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ

(6)

، رُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ، رواه سعيدٌ بإسْنادٍ جَيِّدٍ

(7)

، ولم نَعرِفْ

(8)

له في عَصْرِه مخالِفًا، فكان كالإجْماعِ.

وكَرِهَهُ الثَّوْريُّ، وِفاقًا لأِبِي حَنِيفةَ والشَّافِعيِّ

(9)

؛ لأِنَّه أجْرٌ مجهولٌ يَحْتَمِلُ الوُجودَ والعَدَم.

ورُدَّ: بأنَّها عَينٌ تُنَمَّى بالعمل عليها، فهو كَدَفْع مالِه مُضارَبَةً، وبه عَلَّل أحمدُ

(10)

، فعلى هذا: إن باعه بزيادةٍ؛ فهي له، وإن باعه بما عيَّنَه، فلا شَيءَ له؛ لأِنَّه جَعَلَ له الزِّيادةَ، وهي معدومةٌ، فهو كالمضارِب إذا لم يَرْبَحْ.

(1)

في (ح): وبغير.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 133، الشرح الكبير 13/ 558.

(3)

أخرجه البخاري (2314)، ومسلم (1697)، من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما.

(4)

تقدم تخريجه 5/ 558 حاشية (2).

(5)

قوله: (فلك) في (ظ): فهو لك.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 271.

(7)

أخرجه عبد الرزاق (15020)، وأحمد في رواية صالح (1/ 424)، وابن أبي شيبة (20397)، وأبو عبيد في الغريب (5/ 248)، والبيهقي في الكبرى (11656)، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسًا أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب، فيقول: بعه بكذا وكذا، فما ازددت فلك. وإسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 92)، واحتج به أحمد في مسائل صالح.

(8)

في (ظ): ولم يعرف.

(9)

ينظر: عيون المسائل ص 241، المجموع 14/ 168.

(10)

ينظر: مسائل أبي داود 271، الفروع 7/ 74.

ص: 601

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ

(1)

كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِإِنْسَانٍ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِي قَبْضِهِ، فَصَدَّقَهُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ)؛ لأِنَّ عليه فيه منعة

(2)

؛ لجَواز أنْ يُنكِرَ الموَكِّل الوَكالةَ فيَسْتَحِقُّ الرُّجوعَ عليه

(3)

، إلاَّ اللهم

(4)

أنْ تقومَ به بيِّنةٌ، وسَوَاءٌ كان الحقُّ في ذِمَّته، أو وديعةً عنده.

(وَإِنْ كَذَّبَهُ؛ لَمْ يُسْتَحْلَفْ)؛ لعدم فائدة اسْتِحْلافه، وهو الحُكمُ عليه بالنُّكول.

(وَإِنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْوَكَالَةَ؛ حَلَفَ)؛ أيْ: الموكِّل؛ لأِنَّه يَحْتَمِلُ صِدْقَ الوكيل فيها، (وَرَجَعَ عَلَى الدَّافِعِ وَحْدَهُ)؛ لأِنَّ حقَّه في ذِمَّته، ولم يَبْرَأْ منه بتسليمه إلى غير وكيله، ويَرجِع الدَّافِعُ على الوكيل مع بقائه، أو تَعَدِّيه.

وظاهِرُه: أنَّه إذا صَدَّق الوكيلَ؛ بَرِئَ الدَّافِعُ.

(وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ وَدِيعَةً، فَوَجَدَهَا) صاحِبُها؛ (أَخَذَهَا)؛ لأِنَّها عَينُ حقِّه، (وَإِنْ تَلِفَتْ؛ فَلَهُ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا)؛ أيْ: من الدَّافِع والقابِضِ؛ لأِنَّ الدَّافِع ضَمِنَها بالدَّفْع، والقابِضَ قَبَضَ ما لا يَسْتَحِقُّه.

(وَلَا يَرْجِعُ مَنْ ضَمِنَهُ عَلَى الآخَرِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يدعي

(5)

أنَّ ما

(1)

في (ح): فإن.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وصوابها:(تَبِعة) كما في الممتع 2/ 692 والكشاف 3/ 490.

(3)

في (ح): عليه الرجوع.

(4)

في (ح): للتميم.

(5)

قوله: (يدعي) سقط من (ح).

ص: 602

يأخذه المالِكُ ظُلْمٌ، ويُقِرُّ بأنَّه لم يُوجَدْ مِنْ صاحِبِه تَعَدٍّ، فلا يَرجِعُ على صاحبه بظُلْمِ غيرِه.

إلاَّ أنْ يكونَ الدَّافِعُ دَفَعَها إلى الوكيل مِنْ غَير تصديقٍ، فيَرجِع على الوكيل، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وِفاقًا

(1)

؛ لكونه

(2)

لم يُقِرَّ بوكالته، ولم يَثْبُتْ بِبَيِّنةٍ، قال: ومُجرَّد التَّسليمِ ليس تصديقًا.

ثُمَّ قال: (وإنْ صدَّقه؛ ضَمِنَ في أحد القَولَينِ في مذهب أحمدَ، بل نَصِّه؛ لأِنَّه متى لم يَتَبَيَّنْ صِدْقُه فقد غَرَّه).

نَقَل مهنَّى

(3)

فِيمَن بَعَثَ إلى مَنْ عِندَه دَنانيرُ أوْ ثِيابٌ، يأخذ دينارًا، أوْ ثوبًا، فأخذ أكثرَ، فالضَّمانُ على الباعث؛ يعني: الذي أعطاه، ويَرجِع هو بالزِّيادة على الرَّسول، وهو ظاهِرُ كلامِ أبي بَكْرٍ.

(وَإِنْ

(4)

كَانَ ادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أَحَالَهُ بِهِ؛ فَفِي وُجُوبِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ مَعَ التَّصْدِيقِ، وَالْيَمِينِ مَعَ الإنْكَارِ وَجْهَانِ)، كذا في «المحرَّر»:

أحدهما، وهو الأَوْلَى والأَشْبَهُ: أنَّه لا يَلْزَمُه ذلك؛ لأِنَّ الدَّفْع إليه

(5)

غَيرُ مُبْرِئٍ؛ لاِحْتِمال أنْ يُنكِرَ المُحِيلُ الحَوالةَ، فهو كدعوى الوكالةِ والوصيَّة.

والثَّاني: يَلْزَمُه الدَّفْع إليه؛ لأِنَّه مُعْتَرِفٌ أنَّ الحقَّ انتقل إليه، أشْبَهَ الوارِثَ.

ورُدَّ: بأنَّ وُجوبَ الدَّفْعِ إلى الوارِث كَونُه مُسْتَحِقًّا، والدَّفْعُ إليه مُبْرِئٌ

(6)

، بخلافه هنا، فإلْحاقُه بالوكيل أَوْلَى.

(1)

ينظر: الاختيارات ص 211.

(2)

في (ح): بكونه.

(3)

ينظر: المغني 5/ 81.

(4)

في (ق): فإن.

(5)

زيد في (ح): من.

(6)

في (ح) و (ق): يبرأ.

ص: 603

وَوُجوبُ اليمين مع الإنكار وعَدَمِه؛ مُخَرَّجٌ على وجوب الدَّفْع مع التَّصديق، ولهذا عَطَفه

(1)

عليه.

وتُقْبَلُ بيِّنةُ المُحال عليه على المحيل، فلا يُطالِبُه، وتُعاد لغائبٍ مُحْتالٍ بعد دَعْواهُ، فيُقضَى بها له إذنْ.

(وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ، وَأَنَا وَارِثُهُ؛ لَزِمَهُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ مَعَ التَّصْدِيقِ) أنَّه

(2)

لا وارِثَ له سِواهُ بِغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(3)

؛ لأِنَّه مُقِرٌّ له بالحقِّ، وأنَّه يَبْرَأُ بهذا الدَّفْع، فلَزِمَه، كما لو جاء صاحب الحقِّ.

(وَالْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ)؛ أيْ: على نَفْيِ العِلْم؛ لأِنَّها على نَفْيِ فِعْل الغَير، وإنَّما لَزِمَتْهُ

(4)

هنا؛ لأِنَّ مَنْ لَزِمَه الدَّفْعُ مع الإقرار؛ لَزِمَه اليَمينُ مع الإنْكارِ؛ كسَائرِ الحُقوقِ الماليَّةِ.

مسائلُ:

الأُولى: قال أحمدُ: إذا دَفَع إلى رجلٍ ثوبًا لِيَبِيعَه، فَوَهَب له المشْتَرِي مِنْديلاً، فالمِنديلُ لصاحب الثَّوبِ

(5)

.

وقال في رجلٍ وكَّل آخر

(6)

في اقْتِضاء دَينٍ، وغاب، فأخذ الوكيلُ به رَهْنًا، فتَلِفَ الرَّهنُ في يد الوكيل؛ أساء في أخْذِه، ولا ضَمانَ عليه

(7)

.

وقال في رجلٍ أعطى آخَرَ دراهمَ يشتري بها شَيئًا، فخَلَطَها بِدَراهِمه

(8)

،

(1)

في (ح): عطف.

(2)

في (ح): لأنه.

(3)

ينظر: المغني 5/ 84.

(4)

في (ق): لزمه.

(5)

ينظر: المغني 5/ 103.

(6)

في (ح): لآخر.

(7)

ينظر: المغني 5/ 81.

(8)

في (ق): بدراهم.

ص: 604

فَضَاعَا؛ فلا شَيءَ عليه

(1)

.

وقال القاضي: إنْ خَلَطَها بما لا تَتَمَيَّزُ

(2)

؛ ضَمِنَها إنْ كان بِغَير إذْنِه؛ كالوَدِيعة.

الثَّانيةُ: الوكالةُ والعَزْلُ لا يَثْبُتُ

(3)

بخبر الواحد. وقيل: بلى.

فعلى الأول

(4)

إنْ أُخْبِر بِتَوكيلٍ وظَنَّ صِدْقَه؛ تَصَرَّفَ بشَرْطِ الضَّمان إنْ أنْكَرَ الموكِّل

(5)

.

وقال الأَزَجِيُّ: إذا تَصَرَّف بِناءً على هذا الخبر فهل يَضْمَنُ؟ فيه وجْهانِ.

الثَّالِثةُ: إذا شَهِدَ بها اثْنانِ، ثُمَّ قال أحدُهما: عَزَلَه؛ لم تَثْبُتْ وكالتُه.

ويتوجَّه: بلى، كقَوله بعد الحُكم بصحَّتها، وكقول واحدٍ غيرِهما.

فلو قالا: عَزَلَه؛ ثَبَتَ العزْلُ.

ولو أقاما الشَّهادةَ حِسْبَةً

(6)

بلا دَعْوَى الوكيل، فشَهِدَا عند حاكِمٍ أنَّ فُلانًا الغائبَ وَكَّلَ هذا، فإنِ اعْتَرَف، أوْ قال: ما عَلِمْتُ هذا، وأنا أتصرَّفُ عنه؛ ثَبَتَت الوكالةُ، وعَكْسُه: ما لم أعْلَمْ صِدْقَه

(7)

، وإنْ أطْلَقَ؛ طُولِب بالتَّفْسير

(8)

.

(1)

ينظر: مسائل البغوي ص 39.

(2)

في (ظ): لا يتميز.

(3)

في (ق): لا تثبت.

(4)

في (ح): الأولى.

(5)

في (ح): الوكيل.

(6)

في (ق): حسيه.

(7)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه: صدقهما. أي: الشاهدين. ينظر: الشرح الكبير 13/ 573 الإنصاف 13/ 565.

(8)

كتب في هامش (ظ): (قوبل بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 605

(كِتَابُ الشَّرِكَةِ)

شركة: بِوَزْن نِعْمةٍ، وبِوَزْن سَرِقَة، زاد بعضُهم: وبِوَزْن تَمْرَة

(1)

.

وهي ثابِتَةٌ بالإجْماع

(2)

، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24]، والخُلَطاءُ هم الشُّرَكاءُ، ولِقَولِه عليه السلام:«إنَّ الله تعالى يَقُولُ: أنا ثالِثُ الشَّريكَينِ ما لم يَخُنْ أحدُهما صاحِبَه، فإذا خَانَه خَرَجْتُ مِنْ بَينِهما» رواه أبو داودَ من حديث أبي هُرَيرةَ، ورُواتُه ثِقاتٌ

(3)

.

وهي: عِبارةٌ عن الاِجْتِماع في اسْتِحْقاقٍ أوْ تَصَرُّفٍ.

فهي نَوْعانِ: شَرِكَةُ أمْلاكٍ، وشَرِكَةُ عُقودٍ، وهو

(4)

المقصودُ هنا.

(وَهِيَ عَلَى خَمْسَةِ أَضْرُبٍ)، ويُعْتَبَرُ لِسائِرِ أنْواعِها: أنْ يَكُونَ جائِزَ التَّصرُّف؛ لأِنَّه عَقْدٌ على التَّصرُّف في المال، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيرِ جائِزِ التّصرُّف في المال؛ كالبَيعِ.

(1)

في (ق): ثمرة.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 100، مراتب الإجماع ص 91.

(3)

أخرجه أبو داود (3383)، والدارقطني (2933)، والحاكم (2322)، من طريق محمد بن الزِّبرقان، عن أبي حيان التيمي، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به مرفوعًا، وسعيد بن حيان التيمي، والد أبي حيان التيمي، وثقه العجلي، وضعّفه ابنُ القطان، وقال الذهبي:(لا يكاد يعرف)، وابن الزبرقان صدوق ربما وهم، وخولف فيه هنا فرواه جرير بن عبد الحميد عن أبي حيان التيمي مرسلاً، أخرجه الدارقطني (2934)، وجرير ثقة، فروايته أصحّ من رواية ابن الزِّبرقان الموصولة، ورجح إرساله الدارقطني وابن حجر والألباني، وقال ابن عبد الهادي:(وقد قيل: إنه منكر)، وصححه موصولاً الحاكم والذهبي وابن الملقن. ينظر: علل الدارقطني 11/ 7، المحرر (907)، ميزان الاعتدال 2/ 132، البدر المنير 6/ 721، التلخيص الحبير 3/ 109، الإرواء 5/ 289.

(4)

في (ظ): وهي.

ص: 606

(أَحَدُهَا: شَرِكَةُ الْعِنَانِ)، سُمِّيَتْ بذلِكَ؛ لأِنَّ الشَّرِيكَينِ فيها يَتَساوَيانِ

(1)

في المال والتَّصرُّف، كالفارِسَينِ إذا سَوَّيَا بَينَ فَرَسَيْهِما وتَساوَيَا في السير

(2)

.

وقال الفَرَّاءُ

(3)

: هي مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَنَّ الشَّيءُ إذا عَرَضَ، يُقال: عَنَّتْ لي

(4)

حاجةٌ، إذا عَرَضَتْ؛ لأِنَّ كُلًّا مِنْهُما قد عنَّ له

(5)

؛ أيْ عَرَضَ له مُشارَكةُ صاحبِه.

وقيل: هي مأخوذةٌ مِنْ عانَّه، إذا عارَضَه، فكلٌّ منهما عارَضَ صاحِبَه بِمِثْل ماله وعَمَلِه.

وقَولُه في «الشَّرح» : إنَّه راجِعٌ إلى قَول الفَرَّاء؛ لَيسَ بِظاهِرٍ.

(وَهِيَ) جائِزةٌ إجْماعًا، ذَكَرَه ابْنُ المنذِر

(6)

، وإنِ اخْتُلِف في بَعْض شُروطها، (أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ) فما فَوقَهما، سَواءٌ كانا مُسلِمَينِ أو أحدُهما، ولا يُكرَه مُشارَكةُ كِتابِيٍّ إن وَلِيَ المسلِمُ التَّصرُّفَ، نَصَّ عليه

(7)

؛ «لِنَهْيِه عليه السلام عن مُشارَكَة اليهودِيِّ والنَّصْرانِيِّ، إلاَّ أنْ يكونَ الشِّراءُ والبَيعُ بِيَدِ المسلِمِ» رواه الخَلاَّلُ بِإسْنادِه عَنْ عَطاءٍ

(8)

.

وكَرِهَهُ الْأَزَجِيُّ، ورُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ

(9)

، ولم يُعرَفْ له في الصَّحابة

(1)

في (ق): متساويان.

(2)

في (ح): المسير.

(3)

ينظر: الزاهر للأزهري ص 156.

(4)

في (ح): له.

(5)

قوله: (له) سقطت من (ظ).

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 100.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2819.

(8)

لم نقف عليه، وأخرج ابنُ أبي شيبة (19981) عن عطاء قوله:«لا تشارك اليهودي والنّصراني، ولا يمُرُّوا عليك في صلاتك، فإنْ فعَلوا فهُم مثلُ الكَلْب» ، وفيه ليث بن أبي سُليم، وهو ضعيف؛ لسوء حفظه واختلاطه.

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة (19980)، والبيهقي في الكبرى (10822)، عن أبي حمزة، قال: قلت لابن عباس: إن رجلاً جلاَّبًا يجلب الغنم، وإنه ليشارك اليهودي والنصراني، قال:«لا يشارك يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا مجوسيًّا» قال: قلت: لم؟ قال: «لأنهم يُرْبون، والربا لا يحل» ، إسناده صحيح ورجاله رجال مسلم.

ص: 607

مُخالِفٌ، ولأِنَّ أمْوالَهم لَيْستْ بِطَيِّبةٍ، فإنَّهم يَبِيعُونَ الخَمْرَ، ويَتَبايَعُونَ بالرِّبا، وكالمجوس

(1)

، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

.

(بِمَالَيْهِمَا) المعْلُومَينِ، سَواءٌ كان المالانِ مُتَساوِيَيْنِ قَدْرًا وجِنْسًا وصِفَةً، أوْ لَا، ويُعْتَبَرُ حُضُورُ مالَيهِما؛ لِتَقْرير العَمَل، وتَحْقِيقُ الشَّرِكَة إذَنْ كَمُضارَبةٍ، نَصَّ عليه

(3)

.

ولَوِ اشْتَرَكا في مُخْتَلِطٍ بَينَهُما شائِعًا؛ صحَّ إنْ عَلِما قَدْرَ ما لِكُلٍّ مِنْهُما.

وهذا القيد

(4)

أخرج المضارَبةَ؛ لأِنَّ المالَ فيها مِنْ جانِبٍ، والعَمَلَ من آخَرَ، بخِلافِها؛ لِكَونها تَجْمَعُ مالاً وعَمَلاً من كلِّ جانِبٍ، بِدلِيلِ قَولِه: (لِيَعْمَلَا فِيهِ

(5)

بِبَدَنَيْهِمَا)، والأصحُّ: أوْ أحدُهما، لكِنْ بِشَرْطِ أنْ يكونَ له أكثرُ من رِبْحِ ماله، وبِقَدْرِه إبْضاعٌ، وبِدُونِه لا يَصِحُّ، وفيه وَجْهٌ.

(وَرِبْحُهُ لَهُمَا)؛ لأِنَّه نَماءُ مِلْكِهما وعَمَلِهما، مُتَساوِيًا ومُتَفاضِلاً على ما شَرَطاهُ؛ لأِنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بالمال تارَةً، وبالعمل أُخْرَى؛ كالمضارِب.

(فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِمَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي نَصِيبِهِ)، وهو ظاهِرٌ، (وَالْوَكَالَةِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ)؛ لأِنَّه مُتَصَرِّفٌ بِجِهَة الإذْن، فهو كالوَكالَةِ.

ودلَّ أنَّ لَفْظَ الشَّرِكَة يُغْنِي

(6)

عن إذْنٍ صريحٍ في التَّصرُّف، وهذا هو

(1)

في (ظ): كالمجوس.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2712.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 106.

(4)

في (ح): التقيد.

(5)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(6)

في (ق): تغني.

ص: 608

الأصحُّ، والمعمولُ به عِنْدَ أصْحابِنا، قَالَه في «الفُصُول» .

(وَلَا تَصِحُّ

(1)

إِلاَّ بِشَرْطَيْنِ):

(أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ)، فتَصِحُّ بغَيرِ خِلافٍ إذا كانت غَيرَ مَغْشُوشَةٍ

(2)

؛ لأِنَّها قِيَمُ الأمْوالِ وأثْمانُ البِيَاعاتِ، ولم يَزَل النَّاسُ يَشْتَرِكون فيها في كلِّ عَصْرٍ من غَيرِ نَكِيرٍ، فلا تَصِحُّ بالعُروض على المذهب؛ لأِنَّ الشَّرِكَةَ بها إمَّا أنْ تَقَعَ على أعْيانِها، أو على قِيمَتها، أو على ثَمَنِها، وكلُّ ذلك لا يَجُوزُ.

أمَّا الأوَّلُ: فلأِنَّ العَقْدَ يَقْتَضِي الرُّجوعَ عِنْدَ المفاضَلَة برأْس المالِ، ولا مِثْلَ له، فيُرْجَعُ به.

وأمَّا الثَّانِي: فَلأِنَّ القِيمةَ قد تَزِيدُ بحَيثُ يَسْتَوْعِبُ جَميعَ الرِّبحِ، وقد يَنقُصُ بحَيثُ يُشارِكُه الآخر في

(3)

ثَمَنِ مِلْكِه الذي لَيْس بِرِبْحٍ، مع أنَّ القِيمةَ غَيرُ مُتَحَقَّقةِ المِقْدارِ، فيفضي

(4)

إلى التَّنازُع.

وأمَّا الثَّالِثُ: فَلأِنَّ الثَّمَنَ مَعْدومٌ حالَ العَقْد، ولا يَمْلِكانِها؛ لأِنَّه إنْ أراد ثَمَنَها الذي اشْتَراها به؛ فقد خَرَجَ عن ملْكِه، وصار للبائع، وإنْ أراد ثَمَنَها الذي يَبِيعُها به، فإنَّها تَصِيرُ شَرِكَةً مُعَلَّقَةً على شَرْطٍ، وهي بَيعُ الأعيان.

(وَعَنْهُ: تَصِحُّ بِالْعُرُوضِ)، اختارها

(5)

أبُو بَكْرٍ وأبو الخَطَّاب، وقدمها

(6)

في «المحرَّر» ؛ لأِنَّ مقصودَ الشَّرِكَة جَوازُ تصرُّفِهما في المالَينِ جميعًا، وكَونُ

(1)

في (ظ): ولا يصح.

(2)

ينظر: المغني 5/ 12.

(3)

في (ظ): في.

(4)

في (ح): فتفضي.

(5)

في (ظ) و (ق): اختاره.

(6)

في (ظ) و (ق): وقدمه.

ص: 609

الرِّبْح بَينَهما، وهذا يَحصُلُ في

(1)

العُروض من غير غَرَرٍ، كما يَحصُل في

(2)

الأثمان، (وَيُجْعَلُ رَأْسُ الْمَالِ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ)؛ لِيَتَمَكَّنَ العامِلُ مِنْ رَدِّ رأْس المال عِنْدَ التَّفاضُلِ؛ كما أنَّا جَعَلْنا نِصابَ زَكاتِها قِيمتَها، وسَواءٌ كانت العُروضُ مِنْ ذَوات الأمْثال كالحُبوب أوْ لَا.

وفي «الرِّعاية» : وعنه يَصِحُّ

(3)

بِكُلِّ عَرْضٍ مُتَقَوِّمٍ، وقيل: مِثْلِيٍّ.

(وَهَلْ تَصِحُّ بِالْمَغْشُوشِ وَالْفُلُوسِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» ، وبَناهُما على القَول: بأنَّها لا تَصِحُّ إلاَّ بِنَقْدٍ، وقَيَّدَهُما في «الفروع» بالنَّافِقَتَينِ، وفي «التَّرغيب» في فُلُوسٍ نَافِقَةٍ روايتان:

أحدُهما، وهو المذهب: أنَّها لا تَصِحُّ؛ لأِنَّ المغْشوشَ لا يَنْضَبِطُ غِشُّه

(4)

، فلا يُمْكِنُ رَدُّ مِثْلِهِ، والفُلُوسَ تَزِيدُ قِيمَتُها وتَنْقُص، أشْبَهَت العُروضَ، ويُسْتَثْنَى منه: الغِشُّ اليسيرُ لمصلحته؛ كحَبَّةِ فِضَّةٍ في دِينارٍ، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه.

والثاني: يَصِحُّ؛ لأِنَّ الغِشَّ يُسْتَهْلَكُ في المغْشوش، والفُلُوس تشبه

(5)

الثَّمَنَ، قال أحمدُ: لا أرى السَّلَم في الفُلُوس

(6)

؛ لأِنَّه يُشْبِهُ الصَّرْفَ.

وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ أنْ تكونَ كاسِدَةً أو رائجةً

(7)

؛ لأِنَّها إنْ كانَتْ كاسِدةً كان رأسُ المالِ قِيمَتَها كالعُروض، وإنْ كانَتْ نافِقَةً؛ كان رأسُ المال مِثْلَها، وكذا المغْشوشُ.

(1)

في (ح) و (ق): من.

(2)

في (ح) و (ق): من.

(3)

في (ق): تصح.

(4)

في (ق): عنه.

(5)

في (ح): بشبهة.

(6)

ينظر: التعليقة 3/ 203.

(7)

في (ح): رابحة.

ص: 610

وفي ثالِثٍ: إنْ كانت الفُلُوسُ نافِقَةً؛ جَازَ، وإلاَّ فَلَا؛ لِشَبَهِها بالنَّقْدَينِ.

(الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَا لِكُلِّ

(1)

وَاحِدٍ جُزْءًا مِنَ الرِّبْحِ مُشَاعًا مَعْلُومًا)؛ كالثُّلُث والرُّبُع؛ لأِنَّ الرِّبحَ مُسْتَحَقٌّ لهما بحَسَب الاِشْتِراط، فلم يَكُنْ بد

(2)

من اشْتِراطه كالمضارَبة.

واشْتُرِط كَونُه مُشَاعًا؛ لأِنَّه لو عَيَّنَ دَراهِمَ مَعْلومَةً؛ احْتَمَلَ أنْ لا يَرْبَحَ غَيرَها، فيَأخُذُ جَميعَ الرِّبْحِ، واحْتَمَلَ أنْ لا يَرْبَحَ، فيَأخُذُ من رأس المال جُزءًا، وقد يَربَحُ كَثِيرًا، فَيَسْتَضِرُّ مَنْ شُرِطَتْ له.

واشْتُرِط كَونُه مَعْلُومًا؛ لأِنَّ الجَهْلَ به يُفْضِي إلى

(3)

التَّنازُع، وهو بَينَهما على ما شَرَطاهُ؛ لأِنَّ العَمَلَ يُسْتَحَقُّ به الرِّبْحُ كالمضارَبة، وقد يَتَفاضَلانِ فيه؛ لِقُوَّة حِذْقِه.

(فَإِنْ قَالَا: الرِّبْحُ بَيْنَنَا؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ)؛ لأِنَّه أَضَافَهُ إلَيهِما إضافةً واحدةً من غَيرِ تَرجِيحٍ، فاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ، كقَولِه

(4)

: هذه الدَّارُ بَيْنِي وبَينَكَ.

(فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا

(5)

الرِّبْحَ)؛ لم يَصِحَّ كالمضارَبة؛ لأِنَّه المقصودُ من الشَّرِكة، فلا يَجُوز الإخْلالُ به، فعلى هذا: يكون الرِّبْحُ بَيْنَهُما على قَدْرِ المالَينِ.

(أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا جُزْءًا مَجْهُولاً)؛ فكذلك؛ لأِنَّ الجَهالةَ تَمنَعُ تَسْلِيمَ الواجِبِ، ولأِنَّه هو المقصودُ مِنْها فَلَمْ يَصِحَّ مع الجَهالة كالثَّمَن، لكِنْ لو قال: لَكَ مِثْلُ ما شُرِط لِفُلانٍ، وهُمَا يَعْلَمانِه صحَّ.

(1)

في (ح): الكل.

(2)

في (ح): بعد.

(3)

قوله: (إلى) سقط من (ح).

(4)

في (ظ): لقوله.

(5)

في (ظ): يذكر.

ص: 611

(أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً)؛ لم يَصِحَّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، ولأِنَّ العامِلَ يَنْبَغِي أن تكونَ حِصَّتُه مَعْلُومَةً بالقَدْر، فإذا جُهِلَت الأجْزاءُ؛ فَسَدَتْ، وكذا لو جَعَلَ لنفسه جُزْءًا وعَشَرَة دراهِمَ، وحكاه ابنُ المنذِر في القِراض إجْماعَ مَنْ يَحفَظُ عنه فيما إذا جَعَلَا أوْ لأِحدهما دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً

(1)

، فلو قال: لك نصفُ الرِّبح إلاَّ عَشَرَةَ دَراهِمَ بَطَلَتْ؛ كزِيادَتِها

(2)

.

(أَوْ رِبْحَ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ)، أوْ رِبْحَ إحْدَى السفرتين، أو رِبْحَ تِجارته في شَهْرٍ أوْ عامٍ بِعَينِه؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه قد يَرْبحُ في ذلك المعيَّنِ دونَ غيره، أوْ بالعَكْس، فَيَخْتَصُّ أحدُهما بالرِّبح، وهو مخالِفٌ لموْضُوعِ الشَّرِكة بغَير خِلافٍ نَعْلَمُه

(3)

.

(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ)؛ قِياسًا على الشَّرِكَة.

(وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ)؛ لأِنَّه عَقْدٌ يُقَصَدُ به الرِّبْحُ، فلم يُشْتَرَطْ فيه ذلك كالمضارَبة، ولأِنَّه عَقْدٌ على التَّصرُّف

(4)

، فلم يُشْتَرَطْ فيه الخَلْطُ كالوَكالة.

(وَلَا أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسِ وَاحِدٍ)، نَصَّ عليه

(5)

، فيَجوزُ لأِحَدِهما أَنْ يُخْرِجَ دَنانيرَ والآخَر دَراهِمَ؛ لأِنَّهما الأثْمانُ، فصحَّت الشَّرِكَةُ فيهما كالجنس الواحد، فإذا اقْتَسَما رَجَعَ كُلٌّ بِمَالِه، ثُمَّ يَقْتَسِمانِ الفَضْلَ، نَصَّ عليه

(6)

، وذَكَرَه عن محمَّدِ والحَسَنِ

(7)

.

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 102.

(2)

في (ظ) و (ح): لزيادتها.

(3)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 102.

(4)

في (ق): على المتصرف.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2989.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2989.

(7)

في (ح) و (ق): محمد بن الحسن، والمثبت موافق لما في المغني 5/ 14، والشرح الكبير 14/ 23، ومحمد هو ابن سيرين، والحسن هو البصري، وأما محمد بن الحسن فلا يرى صحة الشركة بدراهم ودنانير. ينظر: الأصل للشيباني 4/ 53، الإشراف 6/ 173.

ص: 612

ولا يُشْتَرَطُ تَساوِيهِمَا في القَدْر في قَولِ الجمهور.

وقال القاضِي: مَتَى تَفاضَلا قَوَّما المتاعَ بِنَقْد البلد، وقَوَّما مالَ الآخَر به، ويكونُ التَّقْويمُ حين صَرَفَا الثَّمَنَ فيه.

ورُدَّ: بأنَّها شَرِكَةٌ صحيحةٌ، رَأْسُ المال فيها الأَثْمانُ، فيكُونُ الرُّجوعُ بجنس رأس المال؛ كما لو كان الجِنْسُ واحِدًا.

(وَمَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّ العَقْد وَقَعَ على ذلك، ولأِنَّه أمِينُه ووكيلُه.

وفي «الشَّرح» : (مِنْ شَرْطِ صِحَّتِها: أنْ يَأْذَنَ كُلٌّ مِنْهُما لصاحِبِه في التَّصرُّف)، والأصحُّ: لا يُشتَرَطُ.

فإنِ اشْتَراهُ لِنَفْسه فهو لَه؛ لأِنَّه أعْلَمُ بِنِيَّتِه.

(وَإِنْ تَلِفَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ؛ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمَا) بَعْدَ الخَلْط؛ اتِّفاقًا

(1)

، وكذا قَبْلَه على الأَشْهَرِ؛ لأِنَّ العَقْدَ اقْتَضَى أنْ يكونَ المالانِ كالمال الواحِدِ، فكذا في الضَّمان، وكنَمائه لِصِحَّة القِسْمة بالكلام؛ كخَرْص ثِمارٍ، فكذا الشَّرِكَةُ، احْتَجَّ به أحمدُ، قالَه الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين

(2)

.

وعَنْهُ: مِنْ ضَمان صاحِبِه.

(وَالْوَضِيعَةُ)؛ أي: الخُسْرانُ (عَلَى قَدْرِ الْمَال) بالحِساب؛ لأِنَّها عِبارةٌ عن نُقْصانِ رأْسِ المالِ، وهو مُخْتَصٌّ بالقَدْر، فيكون النَّقْصُ مِنْهُ دُونَ غَيرِه.

وسواءٌ كانت الوَضِيعَةُ لِتَلَفٍ أو نُقْصانٍ في الثَّمَنِ أو غَيرِ ذلك.

(1)

ينظر: الاختيار لتعليل المختار 3/ 15، المدونة 3/ 614، نهاية المطلب 7/ 24، الفروع 7/ 107.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 107.

ص: 613

ومُقْتَضاهُ: أنَّه لا شَيءَ على العامِلِ في المضارَبَة، بَلْ هي مُخْتَصَّةٌ بمِلْكِ ربِّه؛ كالمزارَعَةِ.

ص: 614

(فَصْلٌ)

(وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ)؛ أي: حالًّا، (وَيَشْتَرِيَ)؛ مُساوَمةً، ومُرابَحةً، وغَيرَهُما؛ لأِنَّه بالنِّسْبَةِ إلى شَرِيكِه وَكِيلٌ، فملكهما

(1)

كالوَكِيلِ.

(وَيَقْبِضَ، وَيُقَبِّضَ)؛ لأِنَّه مُؤْتَمَنٌ في ذلك فمَلَكَهما

(2)

، بخلاف الوكيل في قَبْضِ الثَّمَن، فإنَّه قد لا يَأْتَمِنُه.

(وَيُطَالِبَ بِالدَّيْنِ، وَيُخَاصِمَ فِيهِ)؛ لأِنَّ مَنْ مَلَكَ قَبْضَ شَيْءٍ؛ مَلَكَ المطالَبةَ والمخاصَمةَ فيه، بدليلِ ما لو وَكَّلَه في قَبْضِ دَينِه.

(وَيُحِيلَ، ويَحْتَالَ)؛ لأِنَّهما عَقْدُ مُعاوَضةٍ وهو يَمْلِكُها.

(وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ)، سَواءٌ وَلِيَه هو أوْ صَاحِبُه؛ لأِنَّ الوكيلَ يَرُدُّ به، فالشَّرِيكُ أَوْلَى، وظاهِرُه: ولو رَضِيَ به شَريكُه.

(وَيُقِرَّ

(3)

بِهِ)؛ أيْ بالعَيب، كما يُقْبَلُ إقْرارُ الوكيل على

(4)

مُوَكِّلِه به، نَصَّ عليه

(5)

.

فإذا رُدَّتْ عليه بعَيبٍ؛ خُيِّر بَينَ قَبُولها أو إعْطاءِ أَرْشِ العَيب، أوْ يَحُطُّ مِنْ ثَمَنه، أو يُؤَخِّرُ ثَمَنَه لأِجْلِ العَيب.

(وَيُقَايِلَ)؛ لأِنَّ الحَظَّ قد يَكُونُ فِيهَا، وظاهِرُه مُطْلَقًا، وهو الأصحُّ في «الشَّرْح» ؛ لأِنَّها إنْ كانَتْ بَيْعًا؛ فقد أَذِنَ له فِيهِ، وإنْ كانَتْ فَسْخًا؛ فَفَسْخُ

(1)

في (ح): فملكها.

(2)

في (ح): فملكها.

(3)

في (ق): وأن يقر.

(4)

في (ح): مع.

(5)

ينظر: الهداية ص 283، المغني 5/ 17.

ص: 615

البيع

(1)

المُضِرِّ من مَصْلَحَةِ

(2)

التِّجارَةِ، فَمَلَكَهُ؛ كالرَّدِّ بالعَيبِ.

وصحح

(3)

في «المغْنِي» وغَيره: أنَّها فَسْخٌ؛ فلا يَمْلِكُها؛ لأِنَّه لَيسَ من التِّجارَةِ.

(وَيَفْعَلَ كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مَصْلَحَةِ تِجَارَتِهِمَا)؛ لأِنَّ مَبْناها على الوكالة والأمانة

(4)

، فيُقْبَلُ إقْرارُه بالثَّمَنِ، أوْ بَعْضِه، أو أجرة

(5)

المنادِي، أو الحَمَّال؛ لأِنَّ هذا عادةُ التُّجَّار، وله أنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ مالِ الشَّرِكَةِ، ويُؤْجِرَ؛ لأِنَّ المنافِعَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى الأعْيانِ، فَصَارَ كالشِّراءِ والبَيعِ، وله المطالَبةُ بالأجْر لهما

(6)

وعَلَيهِما؛ لأِنَّ حُقوقَ الْعَقْد لا تَختَصُّ بالعاقِدِ.

(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّقِيقَ)؛ لأِنَّه لم يَأْذَنْ فيه شريكُه، والشَّرِكَةُ تَنْعَقِدُ على التِّجارَةِ ولَيْسَتْ مِنْهَا، (وَلَا يُزَوِّجُهُ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، سِيَّما وتزويج

(7)

العَبْدِ ضَرَرٌ مَحْضٌ، (وَلَا يُعْتِقُهُ بِمَالٍ)، ولا غَيرِهِ، (وَلَا يَهَبُ)، نَقَلَ حَنْبَلٌ: يَتَبرَّع بِبَعْضِ الثَّمَن لِمَصْلَحَتِه

(8)

، (وَلَا يُقْرِضُ)، وظاهِرُه: ولو بِرَهْنٍ، (وَلَا يُحَابِي)؛ لأِنَّ الشَّرِكَةَ انْعَقَدَتْ على التِّجارَةِ، وهذِهِ لَيْسَتْ مِنْها.

(وَلَا يُضَارِبُ بِالْمَالِ)؛ لأِنَّ ذلِكَ يُثْبِتُ في المالِ حُقوقًا، ويُسْتَحَقُّ رِبْحُه لِغَيرِهِ، وفِيهِ تَخْرِيجٌ من

(9)

تَوْكِيلِه

(10)

.

(1)

في (ح) و (ق): العيب. والمثبت هو الموافق لما في الكافي 2/ 148، والشرح الكبير 14/ 27.

(2)

في (ق): مصلحته.

(3)

في (ح): وصحيح.

(4)

في (ح): الأمانة والوكالة.

(5)

في (ح): جرة.

(6)

في (ح): كهما.

(7)

في (ح): تزويج.

(8)

ينظر: الفروع 7/ 90.

(9)

في (ح): في.

(10)

في (ق): في توكله.

ص: 616

ولا أُجْرةَ للثَّاني على ربِّه، وعَنْهُ: بَلَى. وقيل: على الأوَّل مع جَهْله؛ كدَفْعِ

(1)

غاصِبٍ، ومع عِلْمِه لا شَيءَ له، ورِبْحُه لِرَبِّه، وعلى الأوَّل

(2)

.

كما لا يَجوزُ له خَلْطُ مَالِ الشَّرِكَة بماله ولا مالِ غَيرِه؛ لأِنَّه يتضمَّنُ إِيجابَ حُقوقٍ في المالِ، وليس هو من التِّجارَةِ المأْذُونِ فِيهَا.

وعَنْهُ: يَجوزُ بمالِ نَفْسِه؛ لأِنَّه مَأْمُورٌ، فَيَدْخُلُ فِيما أُذِنَ فِيهِ، ذَكَرَه القاضِي.

(وَلَا يَأْخُذُ بِهِ سَفْتَجَةً)؛ لأِنَّ فيها خَطَرًا، ومَعْناهُ: أنْ يَدفَعَ إلى إنْسانٍ شَيئًا مِنْ مالِ الشَّرِكَة، ويأخُذَ منه كتابًا إلى وَكِيلِهِ ببلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَوْفِيَ منه المالَ، (وَلَا يُعْطِيهَا)؛ بأنْ يأخُذَ من إنْسانٍ بِضاعةً، ويُعْطِيَه بثَمَنِ ذلِكَ كِتابًا إلى وَكِيلِهِ ببلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَوْفِيَ منه ذلِكَ، (إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ)؛ لأِنَّه يَصِيرُ من التِّجارَةِ المأْذُونِ فِيهَا، وهو راجِعٌ إلى الكِتابَةِ وما بَعْدَها.

والصَّوابُ: الصِّحَّةُ مُطْلَقًا فيهما لِمصْلَحةٍ، كخوفِ طريق

(3)

ونحوِه في الأُولى.

فائدةٌ: ما يُخرِجُه الشَّريكُ على المال من الشَّيل، والحَطِّ، والعُشْر، والخِفارَةِ، وما يَتَعَلَّقُ بالبَذْرَقَة

(4)

؛ يَحْتَسِبُ به على شَرِيكِهِ، قالَهُ في «الفُصول»

(5)

.

(وَهَلْ لَهُ أَنْ يُودِعَ، أَوْ يَبِيعَ نَسَاءً، أَوْ يُبْضِعَ، أَوْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ

(6)

، أَوْ يَرْهَنَ، أَوْ يَرْتَهِنَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، وفِيهِ مَسائِلُ:

(1)

في (ظ) و (ق): لدفع.

(2)

قوله: (وعلى الأول) غير موجودة في كتب الأصحاب، فلعله سقط ما بعدها.

(3)

في (ح): للطريق.

(4)

البذرقة: هي الخفارة، فارسي معرب. ينظر: لسان العرب 10/ 14.

(5)

في (ق): في الفصل.

(6)

قوله: (بنفسه) سقط من (ح).

ص: 617

الأُولَى: في الْإِيداع، وفيه روايتان:

إحْداهُما: له ذلِكَ، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الشَّرح» ، وزاد: عِنْدَ الحاجَةِ إِلَيهِ؛ لأِنَّه عادةُ التُّجَّارِ.

والثَّانية، وهي أصحُّ الوجْهَينِ في «المحرَّر»: المنْعُ؛ لأِنَّها لَيْسَتْ من الشَّرِكَة، وفيه غَرَرٌ.

الثانية

(1)

: في البَيعِ إلى أَجَلٍ، وهُوَ يُخرَّجُ على الرِّوايَتَينِ في الوَكِيلِ، وقد تَقَدَّمَ، فإنِ اشْتَرَى شَيئًا بِنَقْدٍ عِنْدَه مِثْلُه، أو نَقْدٍ من غير

(2)

جِنْسِه، أو اشْتَرَى بشَيءٍ

(3)

من ذوات

(4)

الأمْثالِ وعِنْدَه مِثْلُه؛ جاز، وإلاَّ فالشِّراءُ له خاصَّةً، ورِبْحُه له، وضَمانُه عَلَيهِ.

الثَّالِثَةُ: في الإبْضاعِ، وهو في الأصْل: عِبارةٌ عن طائفةٍ من المال تُبْعَثُ للتِّجارة، قالَهُ الجَوْهَرِيُّ

(5)

، ويأتي تَفْسِيرُه، والأصح

(6)

: أنَّه لا يَمْلِكُه؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الغَرَرِ.

والثَّانِي: بَلَى، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه عادةُ التُّجَّارِ.

الرَّابِعةُ: التَّوكيلُ فيما يتولَّى مِثْلَه بنَفْسِه، وفِيهِ وجْهانِ مَبْنِيَّانِ على الوَكِيلِ.

وقِيلَ: يجوز للشَّريك التَّوكِيلُ، بِخِلافِ الوَكِيلِ؛ لأِنَّه يَسْتَفِيدُ مِثْلَ عَقْدِ مُوَكِّلِه، بِخِلافِ وَكِيلِ الشَّرِيكِ، فإنَّه لا يَسْتَفِيدُ مِثْلَ عَقْدِ مُوَكِّلِه، بَلْ يَسْتَفِيدُ ما هو أخَصُّ مِنْهُ.

(1)

في (ح): والثانية.

(2)

قوله: (غير) سقط من (ح).

(3)

في (ق): شيء.

(4)

في (ظ): ذات.

(5)

ينظر: الصحاح 3/ 1186.

(6)

في (ح): وهو الأصح.

ص: 618

فإنْ وكَّلَ؛ مَلَكَ الآخَرُ عَزْلَهُ، ويَتَصَرَّفُ المعْزُولُ في قَدْر نَصِيبِهِ.

وعُلِمَ منه: أنَّه يَمْلِكُ التَّوكيلَ فيما لا يَتَوَلَّى مِثْلَه بِنَفْسِه.

الخامِسةُ: في الرَّهن والاِرْتِهانِ، والأصحُّ: أنَّه يَمْلِكُهما، زاد في «الشَّرح»: عند الحاجة؛ لأِنَّ الرَّهْنَ يُرادُ لِلإِيفاءِ، والاِرْتِهانَ يُرادُ لِلاِسْتِيفاء، وهو يَمْلِكُهما، فكذا ما يُرادُ لَهُما.

والثَّانِي: لَيسَ له ذلِكَ؛ لأِنَّ فِيهِ خَطَرًا.

وعلى الأوَّل: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يكونَ مِمَّنْ وَلِيَ العَقْدَ أوْ مِنْ غَيرِه؛ لِكَونِ القَبْضِ مِنْ حُقُوقِ العَقْد.

فلَوْ قال: اعْمَلْ بِرَأْيِك، وَرَأَى مصلحةً، جاز الكُلُّ؛ لأِنَّه فَوَّضَ إلَيهِ الرَّأْيَ في التَّصرُّف الذي تَقْتَضيهِ الشَّرِكة، فجاز كلُّ ما

(1)

هو من التِّجارَةِ.

تنبيهٌ: لم يَذكُرِ المؤلِّفُ السَّفَرَ بالمال، والأصحُّ: أنَّه يَمْلِكُه مع الأمْن، وفِيهِ روايةٌ صحَّحَها الأَزَجِيُّ.

وإن سافَرَ والغالِبُ العَطَبُ؛ ضَمِنَ، ذَكَرَه أبو الفَرَجِ، وظاهِرُ كلامِ غَيرِه: فيما لَيسَ الغالِبُ السَّلامةَ.

وذَكَرَ جماعةٌ: أنَّه يَتَّجِرُ وَلِيُّ الْيَتِيمِ بِمالِه مَوضِع أمْنٍ، فإنْ لم يَعلَما بِخَوفِه، أو بِفَلَسِ مُشْتَرٍ؛ فلا ضَمانَ، ذَكَرَه أبو يَعْلَى الصَّغيرُ.

فَرْعٌ: إذا ادَّعَى هَلاكَهُ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ؛ صُدِّقَ فِي الأَصَحِّ، وإنْ كانَ بِسَبَبٍ ظاهِرٍ؛ لم يَضْمَنْه إذا أقام بيِّنةً به، ويَحْلِف معها أنَّه هَلَكَ به، ويُصدَّق مُنكِرُ الخِيانَةِ.

وإنْ

(2)

قال لِمَا بِيَدِه: هذا لِي، أوْ لَنَا، أو اشْتَرَيتُه مِنْهَا لِي، أوْ لَنَا؛ صُدِّقَ

(1)

قوله: (كل ما) في (ح): كما.

(2)

في (ق): إن.

ص: 619

مع يَمِينِه، سَواءٌ رَبِحَ أو خَسِرَ، وإن قال: صارَ لِي بالْقِسْمَةِ؛ صُدِّق مُنْكِرُها.

(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ)؛ لأِنَّه يُدخِلُ فيها أكثرَ ممَّا رَضِيَ الشَّرِيكُ بالمشارَكة فيه، فلم يَجُزْ؛ كما لو ضمَّ إليها ألْفًا من ماله، ومعناها: أنْ يَشْتَرِيَ بأكثرَ من رأس المال، أوْ بثَمَنٍ ليس معه من جنسه.

(فَإِنْ فَعَلَ؛ فَهُوَ عَلَيْهِ، وَرِبْحُهُ لَهُ)، قال أحمدُ في روايةِ صالِحٍ فِيمَنِ اسْتَدَانَ من المال بوَجْهِه ألْفًا: فهو له؛ ربحه

(1)

له، ووضيعتُه عليه

(2)

، ومعناه: أنَّه يختصُّ بنفعه وضرِّه؛ لكونه لم يَقَعْ للشَّرِكة، (إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ شَرِيكُهُ)، فإنَّه يجوز؛ كبقيَّة أفْعالِ التِّجارة المأْذُون فيها.

وقال القاضِي: إذا اسْتَقْرَضَ شيئًا؛ لَزِمَهما، ورِبْحُه لَهما؛ لأِنَّه تَمْلِيكُ مالٍ بمالٍ، أشْبَهَ الصَّرْفَ.

ورُدَّ: بالفرْق، فإنَّ الصَّرفَ بَيعٌ وإبْدالُ عَينٍ بِعَينٍ؛ فهو كبيع الثِّياب.

(وَإِنْ أَخَّرَ حَقَّهُ مِنَ الدَّيْنِ) الحالِّ؛ (جَازَ)؛ لأِنَّه أسقط حقَّه من المطالَبة، فصحَّ أن يَنفرِدَ به كالإبْراء، فلو قَبَضَ شريكُه شَيئًا ممَّا لم يُؤخَّرْ؛ كان له مشارَكتُه فيه.

وقيل: وله تأخيرُ حقِّ شَرِيكِه، ويَضْمَنُه إن تَلِف، أو ماتَ المدينُ.

(وَإِنْ تَقَاسَمَا الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ؛ لَمْ يَصِحَّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ حَنْبَلٍ

(3)

، وجَزَم به في «الوجيز» ، وصححه

(4)

ابنُ عَقِيلٍ؛ لأِنَّ الذِّمَمَ لا تتكافَأُ ولا تتعادَلُ، والقِسْمَةَ تَقْتَضِيهَا؛ لأِنَّها بِغَيرِ تَعْدِيلٍ بمنزلة البَيع، ولا

(1)

في (ظ): وربحه.

(2)

لم نجده في مسائل صالح. وينظر: المغني 5/ 16.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 387.

(4)

في (ح): وصححها.

ص: 620

يجوز بَيعُ الدَّين، فَعَلَيهَا: لو تَقاسَما ثمَّ تَوَى

(1)

بعضُ المالِ؛ رَجَعَ الذي تَوَى

(2)

مالُه على الآخَرِ.

والثَّانيةُ، ونَقَلَها حَرْبٌ

(3)

، وقَدَّمها في «الرِّعاية»: الجَوازُ؛ لأِنَّ الاِخْتِلافَ لا يَمنَع

(4)

القِسْمةَ؛ كاخْتِلافِ الأعْيان، فَعَلَيها: لا رُجوعَ إذا أَبْرَأَ كلٌّ مِنْهُما صاحِبَه.

وأَطْلقَهما في «الفروع» إذا كان في ذِمَمٍ لا ذِمَّةٍ واحدةٍ؛ لأِنَّه لا تُمْكِنُ

(5)

القِسمةُ، وهي إفرازٌ، ولا يتصور

(6)

فِيهَا.

فَعَلَى الأوَّلِ: إنْ تَكَافَأَتْ؛ فَقِياسُ المذْهَبِ مِنَ

(7)

الحَوالة على مَلِيءٍ وُجوبُه، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(8)

.

(وَإِنْ أَبْرَأَ مِنَ الدَّيْنِ)، أوْ أجَّلَ ثَمَنَ المبِيعِ في مُدَّة الخِيارِ؛ (لَزِمَ فِي حَقِّهِ)؛ لأِنَّه تبرُّعٌ، (دُونَ صَاحِبِهِ)؛ لأِنَّه لَيسَ من التِّجارَةِ، وكالصَّدقةِ.

(وَكَذَلِكَ إِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ)؛ أيْ: يَلزَمُ المقِرَّ دُونَ صاحِبِهِ على المذْهَبِ، سَواءٌ أَقَرَّ بدَينٍ أوْ عين

(9)

؛ لأِنَّ شَرِيكَه إنَّما أذِنَ له في التِّجارَةِ، ولَيسَ الإقرارُ داخِلاً فِيهَا.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ)؛ لأِنَّ له أنْ يَشْتَريَ نَساءً،

(1)

في (ق): ثوى.

(2)

في (ق): ثوى.

(3)

ينظر: المغني 5/ 60.

(4)

في (ظ): تمنع.

(5)

في (ق): لا يمكن.

(6)

في (ح) و (ق): ولا يتضرر. والمثبت موافق لما في الكافي 2/ 160.

(7)

في (ق): في.

(8)

ينظر: الفروع 7/ 109، الاختيارات ص 214.

(9)

في (ح): بعين أو دين.

ص: 621

وهو إقرارٌ بِبَقاءِ الثَّمَن، قالَهُ ابنُ المنجَّى، وفيه شَيءٌ، وعلَّله في «الشَّرح»: بأنَّ له أنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَيرِ أنْ يُسَلِّمَ الثَّمَنَ في المجْلِس، فلو لم يُقبَلْ إقْرارُه؛ لَضاعَتْ أمْوالُ النَّاس، وامْتَنَعوا من مُعامَلَته؛ لأِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُحتاجُ إلَيهِ؛ كالإقْرارِ بالعَيب.

وقيَّدَه في «الرِّعاية» في الإقْرارِ، و «الفُروع»: قَبل الفُرقةِ بَينَهما، لا بعدها.

مسألةٌ: أقرَّ غَريمٌ لهما بدَينٍ عِنْدَ حاكِمٍ، فطلب

(1)

أحدُهما حَبْسَه، ومَنَعَ الآخَرُ مِنْهُ؛ فَفِي وُجوبِ حَبْسِه رِوايَتانِ، قاله في «المستوعب» وغَيره.

تنبيهٌ: إذا كان بَينَهما دَينٌ مُشْتَرَكٌ بإرْثٍ أو إتْلافٍ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين: أو ضَريبةٍ سَبَبُ اسْتِحْقاقِها واحِدٌ

(2)

، فَلِشَرِيكِهِ الأخذُ مِنْ الغَرِيمِ ومِن القابِضِ، جَزَمَ به الأكْثَرُ؛ لأِنَّهما سَواءٌ في الملْكِ، وظاهِرُه: ولو أخْرَجَهُ القابِضُ بِرَهْنٍ أوْ قَضاءِ دَينٍ؛ كالمقْبوضِ بِعَقْدٍ فاسِدٍ.

وعنه: يَختَصُّ به، وقاله جماعةٌ منهم: أبو العالِيَةِ وابنُ سِيرِينَ، كما لو تَلِفَ المقبوضُ في يَدِ قابِضِه؛ تَعيَّنَ حقُّه فِيهِ

(3)

، ولم يَرجِعْ على الغَرِيمِ؛ لِعَدَم تَعَدِّيهِ.

وإنْ كانَ بعَقْدٍ، أوْ بَعْدَ تَأْجِيلِ شَرِيكِه حَقَّه، فوجْهانِ:

أحدُهما: له المشارَكةُ؛ كالمورُوث.

والثَّاني: لا؛ لأِنَّه مُسْتَقِلٌّ بالعَقْد على نَصِيبِه، فهو كالمنفَرِدَينِ.

(وَ) يَجِبُ (عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَوَلَّى مَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلاَّهُ؛ مِنْ نَشْرِ الثَّوْبِ، وَطَيِّهِ، وَخَتْمِ الْكِيسِ، وَإِحْرَازِهِ)، وقَبْضِ النَّقْد؛ لأِنَّ إطْلاقَ الإذْن يُحمَلُ على العُرْف، وهو يَقْتَضِي أنَّ مِثْلَ هذه الأمورِ يتولاَّها بِنَفْسِه.

(1)

في (ح): يطلب.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 342، الاختيارات ص 193.

(3)

في (ق): عليه.

ص: 622

(فَإِنِ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ) في ماله؛ لأِنَّه بَذَلَها عِوَضًا عمَّا يَلزَمُه.

(وَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ)؛ كحَمْل الطَّعام والمتاع، ووَزْن ما يُنقَل، والنِّداءِ؛ (فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ) مِنْ مالِ الشَّرِكَةِ (مَنْ يَفْعَلُهُ)؛ لأِنَّه العُرْفُ.

(فَإِنْ فَعَلَهُ لِيَأْخُذَ أُجْرَتَهُ؛ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، هُمَا روايتان في «المغْنِي» و «المحرَّر»:

الأصحُّ: أنَّه لا شَيءَ لَهُ؛ لأِنَّه تَبرَّعَ بما يَلزَمُه، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيئًا، كالمرأة التي تَسْتَحِقُّ خادِمًا إذا خَدَمَتْ نَفْسَها

(1)

.

والثَّاني: بَلَى؛ لأِنَّه فَعَلَ ما لا بُدَّ من فِعْله، فاسْتَحَقَّ الأُجْرةَ؛ كالأجْنَبِيِّ.

وعلى الأوَّل: إذا شَرَطَها اسْتَحَقَّها.

فَرْعٌ: إذا استأجَر أحدُهما الآخَرَ فيما لا يَسْتَحِقُّ أُجْرتَه إلاَّ بِعَمَلٍ فيه؛ كنَقْلِ طَعامٍ بِنَفْسِه، أوْ غُلامِهِ، أو دابَّتِه؛ جازَ، نَقَلَه الأكثرُ؛ كَدَارِهِ.

وعنه: لا؛ لِعَدَمِ إمْكانِ إيقاعِ العَمَلِ فيه؛ لِعَدَمِ تَمْيِيز نَصِيبِهما، اخْتارَهُ ابنُ عَقِيلٍ.

ويَحرُمُ على شَرِيكٍ في زَرْعٍ فَرْكُ شَيءٍ مِنْ سُنْبُلِه يأكُلُه بلا إذن، ويَتَوجَّهُ عَكْسُه، قالَهُ في «الفروع» .

(1)

في (ق): بنفسها.

ص: 623

(فَصْلٌ)

(وَالشُّرُوطُ فِي الشَّرِكَةِ ضَرْبَانِ)؛ لأنها

(1)

عَقْدٌ، فانْقَسَمتْ شُروطُها إلى صحيحٍ وفاسِدٍ؛ كالبَيعِ.

(صَحِيحٌ؛ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ: أَنْ لاَّ يَتَّجِرَ إِلاَّ فِي نَوْعٍ مِنَ الْمَتَاعِ)، سَواءٌ كان مِمَّا يَعُمُّ وُجودُه أو لا، وقال في «الرِّعاية»: عامُّ الوُجود، والمرادُ به: عُمومُه حالَ العَقْدِ في الموْضِعِ المعَيَّنِ للتِّجارة، لا عُمُومُه في سائِرِ الأزْمِنَة والأمْكِنَة، (أَوْ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ)؛ كمكَّةَ ونحوِها، (أَوْ لَا يَبِيعَ إِلاَّ بِنَقْدٍ مَعْلُومٍ، أَوْ لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ، أَوْ لَا يَبِيعَ إِلاَّ مِنْ فُلَانٍ)، أَوْ لا يَشْتَرِيَ إلاَّ مِنْ فُلانٍ، فهذا كلُّه صحيحٌ، سَواءٌ كان الرَّجُلُ مِمَّا يَكْثُرُ المتاعُ عِنْدَه أوْ يَقِلُّ؛ لأِنَّه عَقْدٌ يَصِحُّ تخصيصُه بنوعٍ

(2)

، فصحَّ تخصيصُه برجُلٍ وبَلَدٍ مُعيَّنَينِ

(3)

كالوكالة.

فإنْ جَمَعَ البَيعَ والشراء من واحِدٍ؛ فإنَّه لا يَضُرُّ، ذَكَرَه في «المستوعب» ، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» خلافُه، وهو ظاهِرٌ.

(وَفَاسِدٌ؛ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ)؛ كما لو شرط له

(4)

رِبْحَ أحدِ الكِيسَينِ، أو الأَلْفَينِ، أو جُزْءًا مجهولاً؛ كنَصِيبٍ؛ لأِنَّه يُفْضِي إلى جَهْلِ حقِّ كُلِّ واحِدٍ من الرِّبْح، أو إلى فَواته حَيثُ شَرَطَ دَراهِمَ معلومةً، (أَوْ ضَمَانَ الْمَالِ)؛ لِمُنافاتِه مُقْتَضَى العَقْدِ، (أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ مِنَ الْوَضِيعَةِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ مَالِهِ)؛ لِلْمُنافاة، (أَوْ أَنْ يُوَلِّيَهُ مَا يَخْتَارُ مِنَ السِّلَعِ)، إذْ لَا مَصْلحةَ للعَقْد فيه، أشْبَهَ ما

(1)

في (ظ): لأنهما.

(2)

في (ح): فنوع.

(3)

قوله: (وبلد معينين) رسم في (ح): أو بله اعياىن.

(4)

قوله: (له) سقط من (ظ).

ص: 624

لو شَرَطَ ما يُنافِيهِ.

مسألةٌ: إذا شَرَطَ أحدُهما على الآخَرِ: متى باعه فهو أحقُّ به، فباعه من غَيرِه؛ فقال أحمدُ: أحبُّ إلَيَّ أنْ يَفِيَ بِشَرْطِه.

وقال ابنُ عَقِيلٍ، وذَكَرَه في «الشَّرح» وغيره: إنَّه شَرْطٌ باطِل؛ لأِنَّه يَقطَع إطْلاقَ تصرُّفِ الشَّرِيكِ الآخَرِ، وظاهِرُ كلامِ أحمدَ خِلافُه.

(أَوْ يَرْتَفِقَ بِهَا)؛ كلُبْسه الثَّوْبَ، واسْتِخْدامه العبدَ.

(أَوْ لَا يَفْسَخَ الشَّرِكَةَ مُدَّةً بِعَيْنِهَا)؛ لأِنَّها عَقْدٌ جائزٌ، فاشتراط

(1)

لُزُومِها يُنافِي مقتضاها؛ كالوكالة، مع أنَّه يَصِحُّ توقيتُها كالوكالة، نَصَّ عليه

(2)

.

(فَمَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ الرِّبْحِ؛ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ)؛ لأِنَّ الفسادَ لِمَعْنًى في العِوَضِ المعقودِ عليه، فأفْسَدَ العَقْدَ؛ كما لو جَعَلَ رأسَ المال خَمْرًا، ولأِنَّ الجهالةَ تَمنَعُ من التَّسْلِيم فيُفْضِي إلى التَّنازُع.

(وَيُخَرَّجُ فِي سَائِرِهَا)؛ أيْ: باقِيهَا (رِوَايَتَانِ)، المنصوصُ عنه

(3)

: أنَّ العَقْدَ صحيحٌ، ويَلْغُو الشَّرْطُ؛ لأِنَّه عَقْدٌ على مجهولٍ، فلم تُبْطِلْه الشُّروطُ الفاسدةُ؛ كالنِّكاح.

والثَّانيةُ: يبطل

(4)

، وذَكَرَه في «المحرَّر» تخْرِيجًا؛ لأِنَّه شَرْطٌ فاسِدٌ، فأبْطَلَ العَقْدَ؛ كالمزارَعة إذا شُرِطَ البَذْرُ من العامِل، وكالشُّروطِ الفاسِدَةِ في البَيْع؛ ولأنه

(5)

إنَّما رَضِيَ بالعَقْد بهذا الشَّرطِ، فإذا فَسَدَ فات الرِّضا به.

(وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ؛ قُسِمَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ)؛ لأِنَّ التَّصرُّفَ صحيحٌ؛

(1)

في (ح): فاشترط.

(2)

ينظر: الكافي 2/ 153.

(3)

ينظر: المغني 5/ 51.

(4)

في (ظ) و (ق): تبطل.

(5)

في (ظ): لأنه.

ص: 625

لِكَونِه بإذْن مالِكِه، والرِّبْحُ نَماءُ المال

(1)

، فرِبْحُ المضارَبة للمالك، وعليه أجرةُ مِثْلِ العامِل مطلقًا، والعِنانِ والوُجوهِ على قَدْر المالَينِ، والأبْدانِ تقسم

(2)

أُجْرةُ ما تحمَّلاه بالسَّوِيَّة، والوضِيعةِ بقَدْر المالَينِ.

وظاهِرُه: أنَّه إذا لم تَفْسُدْ

(3)

؛ فإنَّ الرِّبْحَ يُقسَم بَينهُما على ما شَرَطاهُ؛ كروايةٍ في الفاسِدِ.

(وَهَلْ يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ)؛ أي: نصف عمله؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:

أحدهما: لا رُجوعَ، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «شرح المحرَّر» ؛ لأِنَّهما عَمِلا لِأَنفُسِهما، فلا يَرجِعُ أحدُهما على الآخَر بما

(4)

لم يَعمَلْ له، فعليه: يَقْتَسِمان الرِّبحَ على ما شَرَطَاهُ؛ لأِنَّه عَقْدٌ يَجُوزُ أن يكونَ عِوَضُه مجهولاً؛ فَوَجَبَ المسمَّى في فاسِدِه؛ كالنِّكاح.

والثَّاني: يَرجِعُ، جَزَمَ به في «الكافي» ، وهو الأصحُّ؛ لأِنَّه عَمَلٌ في نصيبِ شَرِيكِه، فيَرجِعُ به؛ لأِنَّه عَقْدٌ يَبْتَغِي

(5)

الفَضْلَ فِيهِ في ثانِي الحال، فوجب أن يُقابِلَ العملَ فيه عِوَضٌ كالمضارَبة، فإنْ تَساوَى عَمَلُهُما؛ تَقَاصَّ الدَّيْنانِ، وإنْ فَضَلَ أحدُهما؛ تقاصَّ دَينُ القليل بمِثْله، ويَرجِعُ على الآخَر بالفَضْل.

وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ قُسِمَ الرِّبحُ على قَدْرهما؛ رَجَعَ، وإلاَّ فلا.

وقال القاضِي: إنْ فَسَدَ العقدُ لِجَهْلِ

(6)

الرِّبح؛ فكذلِكَ، وإنْ فَسَدَ

(1)

في (ق): العامل.

(2)

في (ح): ولا أن يقسم.

(3)

في (ق): لم يفسد.

(4)

في (ق): ما.

(5)

في (ظ): ينتفي.

(6)

في (ق): كجهل.

ص: 626

لِغَيرِه

(1)

؛ وَجَبَ المسمَّى فيه كالصَّحيح؛ لأِنَّه عَقْدٌ يَصِحُّ مع جَهْلِ العِوَض، فَوَجَبَ المسمَّى فيه مع فساده؛ كالنِّكاح.

فَرْعٌ: إذا مات أحدُهما، فلِوَارِثه إتْمامُ الشَّرِكة، فيأْذَنُ

(2)

كلٌّ منهما للآخَر في التَّصرُّف.

وقيل: إنْ كان المالُ عَرْضًا؛ جَدَّدَا عَقْدًا، وله المطالَبةُ بالقِسمة.

فإنْ كان على الميت دَينٌ؛ تعلَّق بتَرِكَتِه، ولَيسَ للوارث الشَّرِكةُ فيه حتَّى يَقضِيَ دَينَه، فإنْ قَضاهُ من غَيرِ مالِ الشَّرِكة؛ فله إتْمامُها، وإنْ قضاهُ منها؛ بَطَلَتْ في قَدْر ما مَضَى.

تنبيهٌ: كلُّ عَقْدٍ فاسِدٍ في

(3)

أمانةٍ وتبرُّعٍ

(4)

؛ بمضارَبةٍ، وشَرِكةٍ، ووكالةٍ، وَوَدِيعَةٍ؛ كصحيحٍ في ضمانٍ وعَدَمِه.

وكلُّ عَقْدٍ لازِمٍ يَجِبُ الضَّمانُ في صحيحه؛ يَجِبُ في فاسده كبيعٍ، وإجارةٍ، ونكاحٍ.

(1)

في (ق): كغيره.

(2)

في (ق): فبإذن.

(3)

في (ح): من.

(4)

في (ق): فتبرع.

ص: 627

(فَصْلٌ)

الثَّانِي: شركة الْمُضَارَبَةُ

(الثَّانِي: الْمُضَارَبَةُ)، وهي تَسْميةُ أهل العراق، مأْخُوذَةٌ من الضَّرْب في الأرض، وهو السَّفَر فيها للتِّجارَةِ، قال تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المُزّمل: 20].

ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ

(1)

من ضَرْبِ كلٍّ منهما بِسَهْمٍ من الرِّبح.

وسمَّاه أهلُ الحِجاز: قِراضًا، فقيل: هو مُشْتَقٌّ من القَطْع، يقال: قَرَضَ الفأر الثَّوبَ؛ أيْ: قَطَعَه، فكأنَّ صاحبَ المال اقْتَطَع منه قِطعةً، وسلَّمَها إلى العامِل، واقْتَطَع له قِطْعةً مِنْ رِبْحها.

وقيل: هو مُشْتَقٌّ من المساواة والموازَنَة، يقال: تقارض

(2)

الشَّاعِرانِ؛ إذا تَوَازَنا.

وهي جائزةٌ بالإجْماع، حكاه ابنُ المنذِر

(3)

.

ورَوَى حُمَيدُ بن عبد الله، عن أبيه، عن جدِّه: «أنَّ عمرَ بنَ الخطَّاب أعطاه مالَ يتيمٍ مُضارَبةً يَعمَلُ به

(4)

في

(5)

العراق»

(6)

، ورُوِي جَوازُه عن

(1)

في (ق): أن تكون.

(2)

(ظ): تعارض.

(3)

في ينظر: الإجماع ص 102.

(4)

في (ح): منه.

(5)

في (ق): من.

(6)

أخرجه أبو يوسف في الآثار (732)، والشافعي في اختلاف العراقِيينِ الملحق بالأم (7/ 114)، ومحمد بن الحسن في الأصل (4/ 119)، وابن أبي شيبة (21368)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 442)، والبيهقي في المعرفة (12067)، ووقع اختلاف في اسمه، فقيل: عبد الله بن حميد بن عبيد، وقيل: حميد بن عبد الله بن عبيد، وهو ثقة كما قال ابن معين، لكن والده مجهول الحال، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، ولم يرو عنه سوى اثنين.

ص: 628

عُثمانَ

(1)

، وعليٍّ

(2)

، وابنِ مسعودٍ

(3)

،

(1)

أخرجه مالك (2/ 688)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (11606)، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده:«أن عثمان بن عفان أعطاه مالاً قراضًا يعمل فيه على أن الربح بينهما» ، كذا في رواية يحيى الليثي وأبي مصعب الزهري ويحيى بن بكير، بذكر (جده)، وجد العلاء هو يعقوب المدني، قال عنه في التقريب:(مقبول).

قال في التلخيص 3/ 139: (ورواه البيهقي - (11607) - من طريق ابن وهب، عن مالك، وليس فيه عن "جده"، إنما فيه: أخبرني العلاء، عن أبيه قال: جئت عثمان، فذكر قصة فيها معنى ذلك)، قال الألباني في الإرواء 5/ 292:(وهذا سند صحيح إن كان إسقاط يعقوب منه محفوظًا، وقد يؤيده رواية عبد الله بن علي، عن العلاء بن عبد الرحمن به مختصرًا، لم يذكر جده يعقوب، أخرجه البيهقي في المعرفة - (12068) -، وعبد الله بن علي هذا الإفريقي، ولا بأس به في المتابعات)، وقد رواه محمد بن الحسن في الأصل (4/ 120)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 114)، عن عبد الله بن علي، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (15087)، عن قيس بن الربيع، عن أبي الحصين، عن الشعبي، عن عليٍّ رضي الله عنه في المضاربة قال:«الوضيعة على المال، والربح على ما اصطلحوا عليه» ، قيس متكلم فيه، وأخرجه ابن أبي شيبة (19969)، عن الثوري، عن أبي حصين، عن علي. أبو حصين الأسدي عن علي مرسل.

وأخرجه عبد الرزاق (15113)، وابن أبي شيبة (21456)، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث، عن علي، قال:«من قاسم الربح فلا ضمان عليه» ، قال أحمد:(لم يسمع قتادة من عبد الله بن الحارث الهاشمي شيئًا).

وأخرجه محمد بن الحسن في الأصل (4/ 120 - 4/ 62)، عن قتادة، عن الحسن عن علي مثله. الحسن البصري عن علي مرسل كما في جامع التحصيل. قال محمد بن الحسن:(وتفسير هذا عندنا: أن الوضيعة على المال، والربح على ما اشترطا عليه)، والأثر جيد بمجموع الطرق.

(3)

أخرجه أبو يوسف في الآثار (845)، ومحمد بن الحسن في الأصل (4/ 119)، والشافعي في اختلاف العراقيين الملحق بالأم (7/ 114)، والبيهقي في المعرفة (12070)، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم: أن عبد الله بن مسعود أعطى زيد بن خُليدة مالاً مقارضة. إسناده جيد، ورواية النخعي عن ابن مسعود محمولة على الاتصال.

وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار (5745)، من طريق شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: أسلم زيد بن خليدة إلى عتريس بن عرقوب في قلائص، كل قلوص بخمسين، فلما حل الأجل جاء يتقاضاه، فأتى ابن مسعود يستنظره فنهاه عن ذلك، وأمره أن يأخذ رأس ماله. وإسناده جيد.

ص: 629

وحكيمِ بن حِزامٍ

(1)

، ولم يُعرَفْ لهم مخالِفٌ.

مع أنَّ الحِكمةَ تَقْتَضِيهِ؛ لأِنَّ بالنَّاس حاجةً إلَيهَا، فإنَّ النَّقْدَينِ لا تُنَمَّى إلاَّ بالتِّجارَةِ، ولَيسَ كلُّ مَنْ يَمْلِكُها يُحسِنُ التِّجارةَ، ولا كُلُّ مَنْ يُحْسِنُها له مالٌ؛ فشُرِعَتْ لِدَفْع الحاجَةِ.

(وَهِيَ

(2)

أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إِلَى آخَرَ يَتَّجِرُ فِيهِ

(3)

، يُشْتَرَطُ في المال المدْفوعِ: أن يكونَ مَعْلُومًا، فلو دَفَعَ صُبْرَةَ نَقْدٍ، أو أحدَ كيسَيْنِ؛ لم يَصِحَّ.

قَوْلُه: (إِلَى آخَرَ) لَيس شَرْطًا فيه، فلو دَفَعَه إلى اثْنَينِ فأكثرَ مضارَبةً في عَقْدٍ واحدٍ؛ جاز.

قَوْلُهُ: (يتَّجِر فِيهِ) ظاهِرٌ.

(وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ)؛ أيْ: مِنْ شَرْطِ صِحَّتها: تقديرُ نَصِيبِ العامِلِ منه؛ لأِنَّه لا يَسْتَحِقُّه إلاَّ بالشَّرْط، فلو قال: خُذْ هذا المالَ مُضارَبةً، ولم يَذْكُرْ سَهْمَ العامِل؛ فالرِّبْحُ كلُّه لربِّ المال، والوضيعةُ عليه، وللعامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِه، نَصَّ عليه

(4)

، وهو قولُ الجمهور.

فلو شَرَطَ جُزءًا من الرِّبْح لِعَبْدِ

(5)

أحدِهما، أوْ لِعَبْدِهما

(6)

؛ صحَّ وكان لِسَيِّده.

(1)

أخرجه الدارقطني (3033)، والبيهقي في الكبرى (11610)، عن عروة بن الزبير، عن حكيم بن حزام، أنه كان يدفع المال مقارضة إلى الرجل. قوى الحافظ إسناده، وصححه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 140، الإرواء 5/ 293.

(2)

في (ح): وهو.

(3)

في (ق): به.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2745.

(5)

في (ق): كعبد.

(6)

في (ق): كعبدهما.

ص: 630

وإنْ شَرَطاهُ لِأَجْنَبِيٍّ، أوِ لولد أحدِهما، أو امْرأَتِه، أو قَرِيبِه، وشَرَطَا عليه عَمَلاً مع العامِل؛ صحَّ، وكانا عامِلَينِ، وإلاَّ لم تَصِحَّ المضارَبةُ، كما لو قال: لك الثُّلُثانِ على أنْ تُعطِيَ امرأتَكَ نصفَه.

(فَإِنْ قَالَ: خُذْهُ فَاتَّجِرْ بِهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي؛ فَهُوَ إِبْضَاعٌ)؛ أيْ: يَصِيرُ جَمِيعُ الربح

(1)

لِرَبِّ المال، لا شَيءَ للعامِلِ فِيهِ، فَيَصِيرُ وكِيلاً مُتَبرِّعًا؛ لأِنَّه قَرَنَ به حُكْمَ الإبْضاعِ، فانْصرَفَ إلَيهِ، فَلَوْ قال مع ذلِكَ: وعَلَيكَ ضَمانُه؛ لم يَضْمَنْهُ؛ لأِنَّ العَقْدَ يَقْتَضِي كَونَه أمانةً غَيرَ مَضْمونٍ، فلا يَزُولُ ذلِكَ بِشَرْطِه.

(وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ؛ فَهُوَ) أي: المالُ المدفوعُ؛ (قَرْضٌ)، لا قِراضٌ؛ لأِنَّ اللَّفظَ يَصلُحُ له، وقد قَرَنَ به حُكمَه، فانْصَرَفَ إلَيهِ؛ كالتَّمْلِيك.

فإنْ قَرَن به: ولا ضمانَ عَلَيكَ؛ فهو قَرْضٌ شُرِط فيه نَفْيُ الضَّمان، فلم يَنْتَفِ به

(2)

.

(وَإِنْ قَالَ: وَالرِّبْحُ

(3)

بَيْنَنَا؛ فَهُوَ بَينَهما نِصفَينِ)؛ لأِنَّه أضافَهُ إلَيهِما إضافةً واحدةً، ولم يَترجَّحْ فِيهَا أحدُهما على الآخَر، فاقْتَضَى التَّسْوِيةَ؛ ك: هذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وبَينَك.

(وَإِنْ قَالَ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ، أَوْ لِي؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّ المضارَبةَ تَقْتَضِي كَونَ الرِّبْح بينَهما، فإذا شَرَطَ اخْتِصاصَ أحدِهما بالرِّبح؛ فقد شَرَطَ ما يُنافِي مُقْتَضَى العَقْد، فَفَسَدَ، كما لو شَرَطَ الرِّبْحَ كُلَّه في شَرِكة العِنان لِأَحدِهما، ويُفارِقُ إذا لم يَقلْ: مُضارَبةً؛ لأِنَّ اللَّفظَ يَصلُح لِمَا أُثْبِتَ حُكمُه من الإبْضاع والقَرْض، ويَنفُذُ تَصَرُّفُ العامِلِ؛ لأِنَّ الإذْنَ باقٍ.

(وَإِنْ قَالَ): خُذْهُ مُضارَبةً (وَلَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ)، أوْ رُبُعُه، أوْ جُزْءٌ مَعْلومٌ؛

(1)

في (ح): الربح جميعه.

(2)

قوله: (وإن قال: والربح كله له فهو

) إلى هنا سقط من (ح).

(3)

في (ح): الربح.

ص: 631

(صَحَّ)؛ لأِنَّ نَصيبَ العامِلِ معلومٌ، (وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ)؛ لأِنَّه يَسْتَحِقُّ الرِّبحَ بماله؛ لكَونه نَماءَه وفَرْعَه، والعامِلُ يأخُذُ بالشَّرْطِ، فما شُرِطَ له اسْتَحَقَّه، وما بَقِيَ؛ فلِرَبِّ المال بحُكم الأصْل.

(وَإِنْ قَالَ: وَلِي ثُلُثُ الرِّبْحِ)، ولم يَذكُر نَصيبَ العامِل؛ (فَهَلْ يَصِحُّ

(1)

؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أصحُّهما: يَصِحُّ، وقاله أبو ثَورٍ؛ لأِنَّ الرِّبْحَ يستحقَّانه، فإذا قُدِّرَ نَصيبُ أحدِهما منه، فالباقي للآخَر بمفهوم اللَّفظ، كما عُلِمَ أنَّ ثُلُثَي الميراث للأب من

(2)

قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النِّسَاء: 11].

والثَّاني: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّ العامِلَ إنَّما يَسْتَحِقُّ بالشَّرْط، ولم يُوجَدْ، فتكونُ المضارَبةُ فاسدةً.

فإن قال: لي النِّصفُ، ولك الثُّلثُ، وسكت عن الباقي؛ صحَّ، وكان

(3)

لربِّ المال.

وإن قال: خُذْه مضارَبةً على الثُّلث، أو بالثُّلث؛ صحَّ، وكان تقديرًا لِنَصيب العامِلِ.

تنبيهٌ: إذا قال: لك ثُلث الرِّبح وثُلث ما يَبقَى من الرِّبح؛ صحَّ، وله خمسةُ أتْساعه، وإن قال: لك رُبُع الرِّبح ورُبُع ما يَبقَى؛ فله ثلاثةُ أثْمانٍ ونِصفُ ثُمُنٍ، سواءٌ عَرَفا الحسابَ، أو جهلاه

(4)

في الأصحِّ.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا لِمَنِ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ)، قليلاً كان أوْ كثيرًا؛ (فَهُوَ لِلْعَامِلِ)؛ لأِنَّه يَسْتَحِقُّه بالعمل، وهو يَقِلُّ ويَكْثُرُ، وإنَّما تتقدر حِصَّتُه بالشَّرْط، بخلاف

(1)

في (ظ): تصح.

(2)

في (ح) و (ق): في.

(3)

في (ق): فكان.

(4)

في (ظ): جهلا.

ص: 632

ربِّ المال، فإنَّه يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بماله، ويُحَلَّفُ مُدَّعِيهِ؛ لأِنَّه يَحْتَمِلُ خِلافَ ما قاله، فيَجِبُ؛ لنفي الاحْتِمال.

فلو اخْتَلَفا في قَدْر الجزء بعد الرِّبْح، فقال العامل: شَرَطْتَ لي النِّصفَ، وقال المالِكُ: الثُّلثَ؛ قُدِّم قَولُه؛ لأِنَّه مُنكِرٌ للزِّيادة. وعنه: يُقبَل قَولُ العامِلِ إنِ ادَّعَى تَسْميةَ المِثْل أوْ دونها

(1)

؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ معه.

ولو قيل بالتَّحالُف لم يَبْعُد؛ كالبيع.

فإن أقام كلٌّ منهما بيِّنةً؛ قُدِّمت بيِّنةُ العامِلِ.

(وكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ)؛ قِياسًا عليها؛ لأِنَّ العامِلَ في كلٍّ منهما

(2)

إنَّما يَسْتَحِقُّ بالعمل، وشَمِلَ هذا التَّشْبيهُ للأحكام السَّابقةِ.

(وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ حُكْمُ الشَّرِكَةِ فِيمَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ، وَمَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، وَفِي الشُّرُوطِ)؛ لاِشْتِراكِهِما في التَّصرُّف بالإذْن، فما جاز للشَّريك فِعْلُه؛ جاز للمضارِب، وما مُنِعَ منه مُنِعَ منه، وما اختلف فيه فههنا مِثْلُه، وما جاز أن يكون رأسَ مالِ الشَّرِكَة؛ جاز أن يكون رأس مال المضارَبة، ولا يُعْتَبَرُ قبضُ رأس المال، وتكفي مباشَرَتُه، وقيل: يُعْتَبَر نُطْقُه.

(وَإِذَا

(3)

فَسَدَتِ) المضارَبةُ؛ (فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ)، قال القاضي: هذا هو المذهَبُ؛ لأِنَّه نَماءُ ماله، وإنَّما يَسْتَحِقُّ العامِلُ بالشَّرط، فإذا فسدت فسد الشَّرْط، فلم يَسْتَحِقَّ شَيئًا.

(وِلِلْعَامِلِ الْأُجْرَةُ)؛ أيْ: أُجْرةُ مِثْلِهِ، نَصَّ عليه

(4)

؛ لأِنَّ عَمَلَه إنَّما كان في

(1)

في (ح): ودونها.

(2)

في (ظ): منها.

(3)

في (ح): وإن.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2745.

ص: 633

مُقابَلة المسمَّى، فإذا لم تَصِحَّ التَّسْمِيةُ؛ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِه عليه، وذلك متعذِّرٌ، فوجب له أجرةُ

(1)

المثل، كما لو اشترى شراءً فاسدًا، فقبضه، وتَلِفَ أحدُ العِوَضَينِ في يَدِ قابِضه؛ فيجب ردُّ بَدَلِه.

وسَواءٌ ظهر في المال ربحٌ، أو لا.

(وَعَنْهُ: لَهُ الْأَقَلُّ مِنَ الْأُجْرَةِ، أَوْ مَا شُرِطَ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ)؛ لأِنَّه إنْ كان الأقلُّ الأُجْرةَ؛ فهو لا يَسْتَحِقُّ غَيرَها؛ لِبُطْلان الشَّرْط، وإن كان الأقلُّ المشروطَ؛ فهو قد رَضِيَ به.

واخْتارَ الشَّريفُ أبو جَعْفَرٍ: أنَّ الرِّبحَ بَينَهما على ما شَرَطَاهُ، واحْتَجَّ بأنَّ أحمدَ قال: إذا اشْتَرَكا في العُرُوض قُسِمَ الرِّبحُ على ما شَرَطاهُ

(2)

، فأثْبَتَ فِيهَا ذلِكَ مع فسادها.

ورُدَّ: بأنَّ كلامَه محمولٌ على صِحَّة الشَّرِكة بالعُروض، والتَّصرُّفُ فيها صحيحٌ مستَنِدًا إلى الإذْن؛ كالوَكِيلِ.

لا يُقالُ: لو اشترى شراءً فاسِدًا ثمَّ تصرَّف فيه؛ لم ينفُذْ، مع أنَّ البائعَ قد أذِنَ له في التَّصرُّف؛ لأِنَّ المشتريَ يتصرَّفُ من جِهة الملْك لا بالإذْن.

(وَإِنْ شَرَطَا تَأْقِيتَ الْمُضَارَبةِ)؛ بأنْ يَقولَ: ضارَبْتُكَ على هذِهِ الدَّراهمِ سَنَةً، فإذا مَضَتْ فلا تَبِعْ، ولا تَشْتَر؛ (فَهَلْ تَفْسُدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أصحُّهما: الصِّحَّةُ، قال مهنَّى: سألتُ أحمدَ عن رَجُلٍ أعْطَى آخَرَ ألْفًا مُضارَبةً شَهْرًا، فإذا مضى يكون قَرْضًا؟ قال: لا بَأْسَ به، قال: فإن جاء الشَّهْرُ وهو مَتاعٌ؟ قال: إذا باع المتاعَ يكون قَرْضًا

(3)

؛ لأِنَّه قد يكونُ لربِّ المال فِيهِ غَرَضٌ.

(1)

في (ق): أجر.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2991.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 394، المغني 5/ 50.

ص: 634

والثَّانيةُ: لا تَصِحَّ

(1)

، وهي اختيارُ أبي حَفْصٍ العكبري؛ لأِنَّه عَقْدٌ يَقَعُ مُطْلَقًا، فإذا شُرِطَ قَطْعُه؛ لم يَصِحَّ كالنِّكاح، ولأِنَّه لَيسَ مِنْ مُقْتَضَى العَقد ولا مصلحته.

ورُدَّ: بأنَّه تَصرُّفٌ يتوقَّت بِنَوعٍ من المتاع، فجاز تَوقِيتُه بالزَّمان؛ كالوكالة.

(وَإِنْ قَالَ: بِعْ هَذَا الْعَرْضَ وَضَارِبْ بِثَمَنِهِ)؛ صحَّ؛ لأِنَّه وَكِيلٌ في بَيع العَرْض، فإذا باعَهُ؛ صارَ الثَّمَنُ في يَدِهِ أمانةً، أشْبَهَ ما لَوْ كان المالُ عِندَه وديعةً.

(أَوِ اقْبِضْ وَدِيعَتِي وَضَارِبْ بِهَا)؛ لأِنَّه وَكِيلٌ في قَبْضِ الوَدِيعَةِ، ومأْذُونٌ له في التَّصرُّف مُؤْتَمَنًا عَلَيهِ، فجَازَ جَعْلُه مُضارَبةً، كما لَوْ قال: اقْبِضْه من غُلامِي وضارِبْ به، وكما لَوْ كَانَ في يَدِ إنسانٍ وديعةً، فقال له ربُّها: ضارِبْ بها.

(أَوْ إِذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَضَارِبْ بِهَذَا

(2)

؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه إذْنٌ في التَّصرُّف، فَجَازَ تعليقُه على شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ كالوَكالة.

فَرْعٌ: إذا قال: ضارِبْ بِعَينِ المال الذي غَصَبْتَه منِّي؛ صحَّ كالوديعة، فإذا ضارَبَ به؛ سَقَطَ عنه الضَّمانُ.

وقال القاضِي: لا يَزولُ ضَمانُ الغَصْبِ إلاَّ بِدَفْعِه ثمنًا

(3)

؛ لأِنَّ القِراضَ لا يُنافِي الضَّمانَ، بدَلِيلِ ما لَوْ تعدَّى.

ورُدَّ: بأنَّه مُمْسِكٌ بإذْنِ مالِكِه، ولا يَخْتَصُّ بنَفْعه، أشْبَهَ ما لَوْ قَبَضَه ثُمَّ قَبَّضَه إيَّاه.

(وَإِنْ قَالَ: ضَارِبْ بِالدَّيْنِ الذِي عَلَيْكَ)، أوْ تصدَّقْ به عَنِّي؛ (لَمْ يَصِحَّ)،

(1)

في (ق): لا يصح.

(2)

في (ق): بها.

(3)

في (ح) و (ق): هنا. والمثبت موافق لما في المغني 5/ 54 والشرح الكبير 14/ 70.

ص: 635

نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، وهو قَولُ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّ المالَ الذي في يَدِ مَنْ عَلَيهِ الدَّينُ له، وإنَّما يَصيرُ لِغَرِيمِه بقَبْضِه، ولم يُوجَدْ.

وقال بَعْضُ أصْحابِنَا: يَصِحُّ؛ لأِنَّه إذا

(2)

اشْتَرَى شَيئًا للمضارَبة؛ فقد اشْتَراهُ بإذْن مالِكِه، ودَفَعَ الثَّمَنَ إلى مَنْ أُذِن له في دَفْع الثَّمَن إلَيهِ، فتَبْرَأُ ذمَّتُه مِنْهُ.

فلَوْ قال: اعزِلِ المالَ الذي عَلَيكَ وضارِبْ به؛ صَحَّ، سَواءٌ اشْتَراهُ بعَينِ المالِ، أوْ فِي الذِّمَّة؛ لأِنَّه اشْتَرَى لِغَيرِه بمالِ نفسِه.

فَرْعٌ: إذا دَفَعَ إليه ألْفًا مُضارَبةً، وقال له: أضِفْ إليها مِثْلَها، واتَّجِرْ بِهِما، والرِّبحُ لك ثُلُثاه ولي ثُلُثُهُ؛ صحَّ، وكان شَرِكةً ومُضارَبةً.

وإنْ شَرَطَ غَيرُ العامِلِ لِنَفْسِه ثُلُثَيِ الرِّبْحِ؛ لم يَجُزْ، خِلافًا للقاضِي.

(وَإِنْ أَخْرَجَ مَالاً لِيَعْمَلَ هُوَ فِيهِ

(3)

وَآخَرُ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا؛ صَحَّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ أبي الحارِث

(4)

، ويَكونُ مضاربةً

(5)

؛ لأِنَّ غَيرَ صاحِبِ المال يَسْتَحِقُّ المشروطَ بعَمَلِه مِنْ الرِّبْح في مالِ غَيرِه، وهذا حقيقةُ المضارَبةِ.

(وَقَالَ الْقَاضِي) تَبَعًا لاِبْنِ حامِدٍ، واخْتارَه أبو الخَطَّاب:(إِذَا شَرَطَ الْمُضَارَبُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ؛ لَمْ يَصِحَّ)، وهو قَولُ أكْثَرِهم؛ لأِنَّ المضارَبةَ تَقْتَضِي تسليمَ المالِ إلى المضارَب، فإذا شَرَطَ عليه العملَ؛ لم يَتَسلَّمْه؛ لأِنَّ يَدَه عَلَيهِ، وذلِكَ يخالف

(6)

مُقْتَضَاها، وحَمَلَ القاضِي كلامَ

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2996.

(2)

قوله: (إذا) سقط من (ح) و (ق).

(3)

في (ق): فيه هو.

(4)

ينظر: المغني 5/ 21.

(5)

في (ح): مضاربته.

(6)

في (ظ): مخالف.

ص: 636

أحمدَ والخِرَقِيِّ: على أنَّ ربَّ المال عَمِلَ فيه من غَيرِ شَرْطٍ.

والأوَّلُ أظْهرُ؛ لأِنَّ العملَ أحدُ رُكْنَي المضاربة، فجاز أن يَنفرِدَ به أحدُهما مع وجود الأَمْرَينِ من الآخَر؛ كالمال.

وقَولُهم: (إنَّ المضارَبةَ تَقْتَضِي) إلى آخِرِه؛ مَمْنُوعٌ، وإنَّما تَقْتَضِي إطلاقَ التَّصرُّف في مالِ غَيرِه بِجُزْءٍ مُشاعٍ من رِبْحِه، وهذا حاصِلٌ مع اشْتِراكِهِما في العَمَلِ.

(وَإِنْ شَرَطَ عَمَلَ غُلَامِهِ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أَشْهَرُهما: يَصِحُّ؛ لأِنَّ عَمَلَ الغُلام في مالِ سَيِّده، فصحَّ

(1)

ضمُّه إلَيهِ، كما لو ضَمَّ إلَيهِ بهيمتَه يَحْمِل عَلَيهَا.

والثَّانِي: لا؛ لأِنَّ يَدَ العَبْدِ كَيَدِ سيِّده، وعَمَلَه كَعَمَلِهِ.

(1)

في (ح) و (ظ): يصح.

ص: 637

(فَصْلٌ)

(وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ)؛ أيْ: بِغَيرِ إذْنِه؛ لأِنَّ فيه ضَرَرًا، ولا حَظَّ للتِّجارَةِ فِيهِ؛ إذْ هِيَ مَعْقودةٌ للرِّبْح حقيقةً أوْ مَظِنَّةً، وهُمَا مُنْتَفِيانِ هُنَا.

(فَإِنْ فَعَلَ؛ صَحَّ) الشِّراءُ في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ

(1)

؛ لأِنَّه مالٌ مَتَقَوِّمٌ قابِلٌ للعُقود، فصحَّ شراءُ العامل؛ كما لو اشترى

(2)

مَنْ نَذَرَ ربُّ المال حُرِّيَّتَه إذا مَلَكَه، (وَعَتَقَ)؛ أيْ: على ربِّ المالِ؛ لأِنَّه

(3)

مَلَكَهُ، وذلِكَ

(4)

مُوجِبٌ للعِتْق، وتَنْفَسِخُ فيه المضارَبةُ، (وَضَمِنَ) العامِلُ (ثَمَنَهُ)؛ لأِنَّ التَّفْريطَ مِنْهُ.

(وَعَنْهُ: يَضْمَنُ قِيمَتَهُ)؛ لأِنَّ الملْكَ ثَبَتَ فيه ثُمَّ تَلِفَ، أشْبَهَ ما لو أتْلَفَه بفِعْله.

(عَلِمَ) أنَّه يَعْتِقُ بالشِّراءِ، (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّ الإتْلافَ الموجِبَ للضَّمان لا فَرْقَ فِيهِ بَينَ العِلْم والجَهْل.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لأِنَّه مَعْذُورٌ؛ إذِ التَّلَفُ حَصَلَ لِمَعْنًى في المبيع

(5)

، ولم يَعْلَمْ به، فلم يَضْمَنْه؛ كما لو اشْتَرَى مَعِيبًا لم يَعلَمْ عَيْبَه فتَلِفَ به.

وفي «الشَّرح» : ويَتَوَجَّهُ: ألاَّ يَضْمَنْ وإنْ عَلِمَ.

(1)

ينظر: المغني 5/ 21.

(2)

قوله: (كما لو اشترى) سقط من (ظ) و (ق).

(3)

في (ق): لأن.

(4)

في (ق): في ذلك.

(5)

في (ح): البيع.

ص: 638

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ)؛ لأِنَّ الإذْنَ في المضارَبة إنَّما يَنْصَرِفُ

(1)

إلى ما يُمكِنُ بَيعُه والرِّبْحُ فِيهِ، ومَنْ يَعْتِقُ على ربِّ المال لَيسَ كذلِكَ.

وقيَّدَه في «الشَّرح» : إذا كانَ الثَّمَنُ عَيْنًا؛ لأِنَّ العامِلَ اشْتَرَى ما لَيسَ له أنْ يَشْتَرِيَه، وإن كان اشْتَراهُ بثَمَنٍ في الذِّمَّة؛ وَقَعَ الشِّراءُ للعاقِد، ولَيسَ له دَفْعُ الثَّمَنِ مِنْ مالِ المضارَبة، فإنْ فَعَلَ؛ ضَمِنَ في قَولِ أكثرِ الفُقَهاء.

فأمَّا إذا اشْتَراهُ بإذْنِه؛ صَحَّ؛ لأِنَّه يَصِحُّ شِراؤهُ بِنَفْسِه، فكذا نائبُه.

فإن كان على المأْذُون له دَينٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَه وما في يَدِه، وقُلْنا: يتعلَّق بِرَقَبته؛ فعَلَيهِ دَفْعُ قِيمَتِه إلى الغُرَماء؛ لأِنَّه أتْلَفَه عَلَيهم بالعِتْقِ.

وإنْ نَهاهُ عنه؛ فهو باطِلٌ.

وإنْ أطْلَقَ؛ فوَجْهانِ؛ كشِرائه امرأةَ ربِّ المالِ.

(وَإِنِ اشْتَرَى) المضارِبُ (امْرَأَتَهُ) أوْ بعضَها؛ (صَحَّ)؛ لأِنَّه اشْتَرَى ما يُمكِنُ طَلَبُ الرِّبحِ فِيهِ أشْبَهَ ما لو اشْتَرى أجْنَبِيَّةً، (وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُ)؛ لأِنَّها دَخَلَتْ في مِلْكِ زَوْجِها.

فإنْ

(2)

كان قَبْلَ الدُّخول فهل يَلزَمُ الزَّوجَ نِصْفُ الصَّداقِ؟ فيه وَجْهانِ، فإنْ قُلْنا: يَلزَمُه رجع به

(3)

على العامِلِ؛ لأِنَّه سَبَبُ تَقْرِيره عَلَيهِ، فرجع

(4)

عَلَيهِ كما لو أَفْسَدتِ امرأتُه نِكاحَها بالرَّضاع، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

فَرْعٌ: إذا اشْتَرى زَوجَ ربَّة المال؛ صحَّ، وانْفَسَخ نكاحُها، ولا ضَمان عَلَيهِ فِيما يَفوتُ من المهْرِ ويَسقُط من النَّفقة؛ لأِنَّ ذلِكَ لا يَعُودُ إلى المضارَبة،

(1)

في (ظ): تنصرف.

(2)

في (ق): وإن.

(3)

قوله: (به) سقط من (ح).

(4)

في (ق): فرجع.

ص: 639

وإنَّما هو بسببٍ

(1)

آخَرَ، ولا فَرْقَ بَينَ شرائه في الذِّمَّة أو بعَين المال.

(وَإِنِ اشْتَرَى) المضارِبُ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ؛ لَمْ يَعْتِقْ)؛ لأِنَّه لا يَمْلِكُه، وإنَّما هو ملْكُ ربِّ المال.

وقيل: بَلَى؛ كسابِقَتِه

(2)

.

(وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ؛ فَهَلْ يَعْتِقُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، هما مَبْنِيَّانِ على أنَّ العامِلَ متى يَمْلِك

(3)

الرِّبْحَ، فإن قُلْنا: يَمْلِكُه بالقِسْمة؛ لم يَعْتِقْ منه شَيْءٌ؛ لأِنَّه لم يَمْلِكْه، وإنْ قُلْنا: بالظُّهور؛ فوجهان:

أحدهما، واختاره أبو بَكْرٍ: لا يَعْتِقُ؛ لأنَّ ملْكَه غَيرُ تامٍّ؛ لكَونِ الرِّبْحِ وِقايةً لِرَأْسِ المالِ.

والثَّانِي: يَعتِقُ منه بِقَدْر حِصَّته إنْ كان معسِرًا، ويُقوَّمُ عليه باقِيهِ إنْ كان مُوسِرًا، وهو قَولُ القاضِي؛ لأِنَّه مَلَكَه بفِعْله، فَعَتَقَ عليه، أشْبَهَ ما لو اشْتَراه بماله.

وإن اشتراه ولم يَظْهَرْ رِبْحٌ، ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذلِكَ، والعَبْدُ باقٍ في التِّجارَةِ؛ فهو كما لَوْ كانَ ظاهِرًا.

مسألةٌ: إذا تَعَدَّى المضارَبُ بالشَّرْط، أو فَعَلَ ما لَيسَ له فِعْلُه، أو تَرَكَ ما يَلزَمُه؛ ضَمِنَ المالَ، ولا أجرةَ له، ورِبْحُه لِمَالِكِه.

وقيل: له أُجْرة المِثْل.

وعنه: له الأقلُّ منها، أو ما سُمِّيَ له من الرِّبْح.

وعَنْهُ: يتصدَّقانِ، قال ابنُ عَقِيلٍ: هذا على سَبِيلِ الوَرَعِ.

وقيل: إن اشْتَرَى بعَينِ المال؛ بطل على المذهب، والنَّماء للبائع.

(1)

في (ق): سبب.

(2)

في (ظ): لسابقته.

(3)

في (ق): ملك.

ص: 640

وعنه: إنْ أجازه ربُّه؛ صحَّ، ومَلَكَ النَّماء، وإلاَّ بَطَلَ.

(وَلَيْسَ لِلْمُضَارَبِ) أنْ يَشْتَرِيَ بأكثرَ من رأس المال؛ لعَدَم تناوُل الإذْن له، فإنْ فَعَلَ؛ صحَّ، وكان له، وهل يَقِفُ على إجازة ربِّ المال؟ فيه روايتانِ.

و (أَنْ يُضَارِبَ لآِخَرَ إِذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ)، ولم يَأْذَن فيه

(1)

؛ ككون المال الثَّاني كثيرًا، فيَستوعِبُ زمانَه، فيَشْغَله عن تجارة الأوَّل.

وقال أكثرُ الفقهاء: بجوازه؛ لأِنَّه عَقْدٌ لا يَملِكُ به منافِعَه كلَّها، فلم يَمنَع من المضارَبة، كما لو لم يكن فيه ضررٌ، وكالأجير

(2)

المشترَك.

ورُدَّ: بأنَّها تنعقد على الحظِّ والنَّماء، فإذا فعل ما يمنعه؛ لم يَجُزْ له، كما لو أراد التَّصرُّف بالعين

(3)

.

وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يكن فيها ضررٌ على الأوَّل؛ أنَّه لا يمنع بغير خلافٍ نعلمه

(4)

، وكما لو أذِن فيها.

(فَإِنْ فَعَلَ؛ رَدَّ نَصِيبَهُ مِنَ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ) نَصَّ عليه

(5)

؛ لأِنَّه استَحَقَّ ذلك بالمنفعة الَّتي استُحِقَّت بالعقد الأوَّل، فيُنظَر في المضاربة الثَّانيةِ، فيُدفَع إلى ربِّ مالها منه نصيبه؛ لأِنَّ العدوان من المضارِب لا يُسْقِطُ حقَّ ربِّ المال الثَّاني، ويأخذ المضارِبُ نصيبَه من الرِّبح، فيضمُّه

(6)

إلى ربح المضاربة الأولى، فيَقْتَسِمانِه.

(1)

في (ق): له.

(2)

في (ق): كالأجير.

(3)

في (ظ) و (ق): بألفين.

(4)

ينظر: المغني 5/ 37.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 90.

(6)

في (ق): فيضمنه.

ص: 641

قال في «المغني» و «الشَّرح» : النَّظَرُ يَقْتَضِي أنَّ ربَّ المضارَبَة الأولى لا يَستحِقُّ من ربح الثَّانية شَيئًا؛ لأِنَّه إنَّما يَسْتَحِقُّ بمالٍ أو عملٍ، وهما مُنْتَفِيانِ، وتعدِّي المضارِب بترك العمل واشتغاله عن المال الأوَّل لا يُوجِب عِوَضًا، كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه، أو آجر نفسه.

(وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ)، هذا هو الرَّاجِحُ؛ لأِنَّه مِلْكُه، فلم يصحَّ شراؤه له؛ كشرائه من وكيله.

(وَعَنْهُ: يَصِحُّ)، صحَّحها الأَزَجِيُّ؛ لأِنَّه قد تعلَّقَ به حقُّ المضارَب، فجاز شراؤه منه كمُكاتَبه

(1)

.

والفَرْقُ ظاهِرٌ، فإنَّ السَّيِّدَ لا يَمْلِكُ ما في يد المكاتَب، ولا تَجِبُ زكاتُه عَلَيهِ.

وعلى الثَّانية: يأخُذ بالشُّفْعة.

وظاهِرُه: أنَّ له الشِّراءَ من غَيرِ المضارَبة في المنصوص، قال أحمد: إن لم يَبِعْه مرابَحةً فهو أعْجَبُ إليَّ

(2)

، فإنَّ المضارِبَ له أنْ يَشترِيَ من مال المضارَبة إذا لم يَظهَرْ رِبْحٌ، نَصَّ عليه، وهو قولُ الجمهور؛ لأنَّه ملْكُ غَيرِه، فصحَّ كشراء الوَكيل من مُوَكِّله، وإنْ ظَهَرَ ربحٌ فلا.

(وَكَذَلِكَ شِرَاءُ السَّيِّدِ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ

(3)

.

وقيل: يَصِحُّ إذا اسْتَغْرَقَتْهُ الدُّيونُ؛ لأِنَّ الغُرَماء يأخُذُون ما في يده؛ لأنَّه صار مستحَقًّا لهم؛ لتعلُّق

(4)

الدَّين برَقَبته.

(1)

في (ظ): لمكاتبه.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 103.

(3)

قوله: (له) سقط من (ح).

(4)

في (ق): كتعلق.

ص: 642

والأصحُّ المنْعُ

(1)

؛ لأِنَّ ملْكَ السَّيِّد لم يَزُلْ عنه، واسْتِحْقاقَ انْتِزاع ما في يَدِه لا يُوجِبُ زوالَ الملْكِ؛ كالمفْلِس.

(وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه ملْكٌ لغَيره، فصحَّ شِراؤه كالأجنبيِّ، إلاَّ أنَّ مَنْ عَلِمَ مَبْلَغ شَيءٍ لم يَبِعْه صُبْرةً، وإلاَّ جاز بكَيله أو وزْنِه.

ونقل حنبلٌ: المنْعَ في غَيرِ مَكِيلِ أو مَوْزونٍ

(2)

، وعلَّله في «النِّهاية»: بعَدَم التَّعْيِين فيهما.

(وَإِنِ اشْتَرَى الْجَمِيعَ؛ بَطَلَ فِي نَصِيبِهِ)؛ لأِنَّه ملْكُه، (وَفِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ وَجْهَانِ) مَبْنِيَّان على تفريق الصَّفْقَة، والمذهَبُ: صحَّتُه.

(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَصِحَّ فِي الْجَمِيعِ)؛ بِناءً على صحَّة شراء ربِّ المال من مال المضارَبة.

(وَلَيْسَ لِلْمُضَارَبِ نَفَقَةٌ)؛ لأِنَّه دَخَلَ على أنَّه يَسْتَحِقُّ من الرِّبح شَيئًا، فلم يَسْتَحِقَّ غَيرَه؛ إذ لو اسْتَحَقَّها لَأفْضَى إلى اخْتِصاصه به، حَيثُ لم يَربَحْ سِوَى النَّفقة، (إِلاَّ بِشَرْطٍ)، نَصَّ عليه

(3)

؛ كوَكِيلٍ، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أو عادةٍ

(4)

، ولأِنَّ في تَقْديرِها قَطْعًا للمنازَعة.

(فَإِنْ شَرَطَهَا

(5)

لَهُ)، قال أحمدُ في رواية الأثرم: أَحَبُّ إلَيَّ أنْ يَشْتَرِطَ نفقةً محدودةً

(6)

، وله ما قُدِّر له من مأكولٍ، وملبوسٍ، ومركوب

(7)

، وغيره،

(1)

في (ق): البيع.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 103.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3016.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 91، الاختيارات ص 213.

(5)

في (ح): شرط.

(6)

ينظر: المغني 5/ 30.

(7)

في (ح): أو ملبوس أو مركوب.

ص: 643

(وَأَطْلَقَ)؛ صحَّ، نَصَّ عليه

(1)

؛ (فَلَهُ جَمِيعُ نَفَقَتِهِ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ بِالْمَعْرُوفِ)؛ لأِنَّه كذلِكَ تَجِبُ

(2)

لِمَنْ تَجِبُ عليه نفقتُه، ونَصَّ أحمدُ: أنَّه يَسْتَحِقُّ المأكولَ فقطْ، إلاَّ أنْ يَطُولَ سَفَرُه

(3)

، ويَحتاجَ إلى تجديدِ كِسْوةٍ، فإنَّه يَجُوزُ

(4)

، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .

ونَقَلَ حنبلٌ: يُنْفِقُ على مَعْنَى ما كان يُنْفِقُ على نفسه، غير مُتَعَدٍّ بالنَّفَقة، ولا مضر

(5)

بالمال

(6)

، ولم يَذْهَب إلى تَقْدِيرها؛ لأنَّ

(7)

الأسْعارَ تَخْتَلِفُ

(8)

.

(فَإِنِ اخْتَلَفَا؛ رُجِعَ فِي الْقُوتِ إِلَى الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفِي الْمَلْبُوسِ إِلَى أَقَلِّ مَلْبُوسِ مِثْلِهِ)، وقاله أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّه العادةُ، فيَنصرِفُ الإطْلاقُ إليه، كما انْصرَف إليه في الإطْعام في الكفَّارة.

والأَوْلَى: أنْ يُرجَعَ فِيهِما إلى قُوتِ مِثْلِه، ومَلْبُوسِ مِثْلِه؛ كالزوجة

(9)

، جَزَمَ به في «المحرَّر» .

مسألةٌ: لو كان معه مُضارَبةٌ ثانيةٌ، أو مالٌ لنفسه؛ فالنَّفقةُ على قَدْر المالَينِ، إلاَّ أن يَشرِط أحدهما النَّفقةَ من ماله مع عِلْمِه بذلِكَ.

فلو لَقِيَه بِبَلَدٍ

(10)

أذِنَ في سَفَرِه إلَيهِ، وقد نَضَّ المالُ؛ فله نفقةُ رُجوعِه في وجْهٍ، وجَزَمَ في «الشَّرح» بخِلافِه؛ لأِنَّه إنَّما يَسْتَحِقُّه ما دامَ في القِراض، وقد

(1)

ينظر: المغني 5/ 30.

(2)

في (ق): يجب.

(3)

في (ق): سعره.

(4)

ينظر: المغني 5/ 30.

(5)

في (ح): ولا يضر.

(6)

ينظر: المغني 5/ 31، الفروع 7/ 91.

(7)

قوله: (تقديرها لأن) في (ح): تقديرهما إلا أن.

(8)

في (ق): الأشعار يختلف.

(9)

في (ح): كالزوجية.

(10)

زيد في (ق): آخر.

ص: 644

زال فزالتْ.

(وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي، فَاشْتَرَى) من مال المضارَبة (جَارِيَةً؛ مَلَكَهَا)؛ لأِنَّ ربَّ المال قد أذِنَ له في التَّسَرِّي، والإذْنُ فِيهِ يَسْتَدْعِي الإذْنَ في الوَطْء؛ لأِنَّ البُضْعَ لا يُباحُ إلاَّ بِملْكٍ أو نكاح

(1)

، (وَصَارَ ثَمَنُهَا قَرْضًا) في ذِمَّته؛ (نَصَّ عَلَيْهِ

(2)

؛ لأِنَّ ربَّ المال لم يُوجَدْ منه ما يَدُلُّ على تبرُّعه به

(3)

، فوجب كَونُه قَرْضًا؛ لأِنَّه المتَيَقَّنُ، ونقل يعقوبُ اعْتِبارَ تَسْمِيةِ ثَمَنِها

(4)

.

وعنه: له التَّسرِّي

(5)

بإذْنه؛ أيْ: تكون

(6)

ملْكًا له مَجَّانًا.

واختار أبو بكرٍ الأوَّلَ، وهو عند القاضي روايةٌ واحدةٌ.

تنبيهٌ: إذا وَطِئَ جاريةً من المال؛ عُزِّرَ، نَصَّ عليه

(7)

، وقيل: يُحَدُّ قبل الرِّبْح، ذَكَرَه ابنُ رَزِينٍ، وذَكَرَ غَيرُه: إن ظَهَرَ رِبْحٌ عُزِّرَ، ويَلْزَمُه المهْرُ، وقِيمتُها إنْ أَوْلَدَها، وإلاَّ حُدَّ عالِمٌ، ونَصُّه: يُعزَّرُ

(8)

، ويُسقَطُ من المهر والقِيمة قَدْرُ حقِّ العامِلِ.

ولَيس لِربِّ المال وَطْءُ الأَمَة، ولو عدِم الرِّبحَ؛ لأِنَّه يَنقُصها إنْ كانَتْ بِكْرًا، أوْ يُعرِّضُها للخروج من المضارَبة والتَّلَف، فإنْ فَعَلَ؛ فلا حَدَّ عليه، فإنْ

(9)

أحْبَلَها؛ صارتْ أُمَّ وَلَدٍ له، وهو حُرٌّ؛ لأِنَّها ملْكُه، وتَخْرُج من

(1)

في (ح): وإنكاح.

(2)

ينظر: الإنصاف 14/ 113.

(3)

قوله: (به) سقط من (ح).

(4)

ينظر: الفروع 7/ 93.

(5)

في (ق): الشري.

(6)

في (ظ): يكون.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2999.

(8)

ينظر: الفروع 7/ 94.

(9)

في (ق): وإن.

ص: 645

المضارَبة، وتُحْسَبُ قِيمتُها، ويضاف إلَيهِ بقيَّةُ المال، فإنْ كان فِيهِ

(1)

رِبْحٌ؛ فللعامِلِ حِصَّتُه منه.

(وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ رِبْحٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ)، بِغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(2)

؛ يَعْنِي: أنَّه لا يَسْتَحِقُّ أخْذَ شَيءٍ من الرِّبح حتَّى يُسلِّمَ رأْسَ المال إلى ربِّه، فمتى كان فيه رِبْحٌ وخُسْرانٌ؛ جُبِرت الوضِيعةُ من الرِّبح؛ لأِنَّه هو الفاضِلُ عن رأس المال، وما لم يَفْضُلْ؛ فلَيس بِرِبْحٍ.

فلو كان مائَةً، فخَسِرَ عَشَرَةً، ثُمَّ أخَذَ ربُّه عَشَرَةً؛ نقص بها، وقِسْطُها ممَّا خَسِر دِرْهَمٌ وتُسُعٌ، ويَبْقَى رأسُ المال ثمانيةً وثمانِينَ وثمانيةَ أتْساعِ دِرْهَمٍ.

ولو رَبِحَ فيها عشرين، فأخذها ربُّ المال؛ فقد أخذ سُدُسَه، فنقص رأسُ المال سدسه

(3)

، وهو: سِتَّةَ عَشَرَ وثُلثان، وحَظُّها من الرِّبْح: ثلاثةٌ وثُلُثٌ.

فَرْعٌ: يُحْسَبُ من الرِّبْح: المهْرُ، والثَّمَرةُ، والأجرةُ، وأرْشُ العَيبِ، وكذا نِتاجُ الحَيَوانِ، وفي «الفروع»: ويتوجَّه وجْهٌ.

(وَإِنِ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ فَرَبِحَ فِي إِحْدَاهُمَا

(4)

وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى، أَوْ تَلِفَتْ) إحْداهما؛ (جُبِرَتِ الْوَضِيعَةُ مِنَ الرِّبْحِ)؛ أيْ: وَجَبَ جَبْرُ الخُسْران من الرِّبح، ولا يَسْتَحِقُّ المضارَبُ شَيئًا إلاَّ بَعْدَ كمالِ رأْسِ المالِ؛ لأِنَّها مضارَبةٌ واحدةٌ.

ويَلْحَقُ بذلك: ما إذا تَعَيَّبَ، أوْ نَزَلَ سِعْرُه بَعْدَ التَّصرُّف.

ونَقَلَ حَنبَلٌ: وقَبْلَه جُبِرَت الوَضِيعةُ من رِبْح باقِيهِ قَبْلَ قِسْمَته نَاضًّا، أوْ تَنْضِيضِه مع محاسَبَته، نَصَّ عليهما

(5)

.

(1)

في (ق): له.

(2)

ينظر: المغني 5/ 41.

(3)

قوله: (فنقص رأس المال سدسه) سقط من (ح).

(4)

في (ح): أحدهما.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 97.

ص: 646

ونَقَلَ ابنُ منصورٍ وحَرْبٌ: إذا احْتَسَبا وعَلِما ما لهما

(1)

، واحْتَجَّ به في «الانتصار» ، وأنَّه يَحْتَمِل: أنَّه يَسْتَحِقُّ رِبْحَ رِبْحه.

(وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ انْفَسَخَتْ فِيهِ الْمُضَارَبَةُ)، وكان رأسُ المال الباقِيَ خاصَّةً؛ لأِنَّه مالٌ هَلَكَ على جِهَتِه قبل التَّصرُّف، أشْبَهَ التَّالِفَ قَبْلَ القَبْض، وفارَقَ ما بَعْدَ التَّصرُّف؛ لأِنَّه دارَ في التِّجارةِ، وَشَرَعَ فِيما قُصِد بالعَقْد من التَّصرُّفات المؤدِّية إلى الرِّبح.

فرعٌ: لو دَفَع إليه ألْفَينِ في وَقْتَينِ؛ لم يَخْلِطْهُما، نَصَّ عليه

(2)

، ويتوجَّه جوازُه.

وإنْ أَذِنَ قَبْلَ تصرُّفه في الأوَّل أوْ بَعْدَه وقد نَضَّ المالُ؛ جَازَ؛ لِزَوالِ المعْنَى المقْتَضِي للمَنْعِ.

(وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ، ثُمَّ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلْمُضَارَبَةِ؛ فَهِيَ لَهُ وَثَمَنُهَا عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه اشتراها

(3)

في ذِمَّته، ولَيستْ من المضارَبة؛ لاِنْفِساخها بالتَّلَف، فاخْتَصَّتْ

(4)

به، ولو كانت للمضارَبة لكان مُسْتَدِينًا على غَيرِه، والاِسْتِدانةُ على الغَير بغَير إذْنِه لا تجوز

(5)

، وسَواءٌ عَلِمَ بتَلَفِ المال قبل نَقْد الثَّمَن أو جَهِلَه.

(إِلاَّ أَنْ يُجِيزَهُ رَبُّ الْمَالِ)، فيَجوزُ في رِوايةٍ، وهو مَبْنِيٌّ على تصرُّف الفُضولِيِّ.

والمذْهَبُ: أنَّه للعامِل بكلِّ حالٍ؛ لأِنَّ هذا زيادةٌ في مال المضارَبة؛ فلم يَجُزْ.

(1)

في (ق): بما لهما. ينظر: الفروع 7/ 97.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2804.

(3)

في (ح): اشتراهما.

(4)

في (ح) و (ق): واختصت.

(5)

في (ق): لا يجوز.

ص: 647

(وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ) قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِها؛ (فَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا)؛ لأِنَّ الموجِبَ لفسخها هو التَّلَفُ، ولم يُوجَدْ حِينَ الشِّراء ولا قَبْلَه، (وَالثَّمَنُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ)؛ لأِنَّ الشِّراءَ صَادَفَ المضارَبةَ باقِيةً بحالها، وذلك يُوجِبُ كَونَ المشتَرَى له، والثَّمَنِ عليه، وحِينَئِذٍ فَلِرَبِّ السِّلْعَة مطالَبةُ كلٍّ مِنْهُما بالثَّمَن، ويَرجِعُ به على العامِلِ، ويَصيرُ رأسُ المال الثَّمَنَ دُونَ التَّالِفِ؛ لأِنَّه تَلِفَ قَبْلَ التَّصرُّف فيه، فهو كما لو تَلِفَ قَبْلَ قَبْضه.

مسألةٌ: مَنْ أتْلَفَه؛ ضَمِنَ الرِّبْحَ للآخَر، ثم

(1)

إنْ كان تَلَفُه بعد التَّصرُّف؛ فالمضارَبةُ بحالها، وإلاَّ فهي في قَدْر ثَمَنِها.

(وَإِذَا ظَهَرَ الرِّبْحُ لَمْ يَكُنْ

(2)

لِلْعَامِلِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ)؛ لِأُمورٍ:

أحدها: أنَّ الرِّبْحَ وِقايَةٌ لِرأْسِ المال، فلا يَأْمَنُ الخُسْرانَ الذي يَنْجَبِرُ بالرِّبْح.

الثاني: أنَّ ربَّ المال شَرِيكُه، فلم يَكُنْ له مُقاسَمَةُ نفسه.

الثالث: أنَّ ملْكَه غَيرُ مُسْتَقِرٍّ عليه؛ لأِنَّه بِعَرضِيَّةِ أن يَخْرُج عن يَدِهِ لِجُبْران خَسارةِ المالِ.

(إِلاَّ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ)؛ لأنَّ

(3)

الحقَّ لا يَخْرُج عنهما، وظَهَرَ منه: أنَّه يَحْرُم قِسمةُ الرِّبْح والعَقْدُ باقٍ إلاَّ باتِّفاقهما.

(وَهَلْ يَمْلِكُ العَامِلُ

(4)

حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما، وهي المذهَبُ والمجزومُ بها عِنْدَ الأَكْثَرِ: أنَّه يَمْلِكُ حصَّتَه مِنْهُ بظُهوره؛ لأِنَّ الشَّرْطَ صحيحٌ، فيَثْبُتُ مُقْتَضَاهُ، وهو أنْ يَكونَ له جُزْءٌ من

(1)

قوله: (ثم) سقط من (ح).

(2)

زيد في (ح): له أي.

(3)

في (ح): لأنه.

(4)

في (ح): المضارب.

ص: 648

الرِّبْحِ، وكما

(1)

يَمْلِكُ المُساقِي حِصَّتَه من الثَّمْرة بِظُهُورها في الأصحِّ.

والثَّانيةُ: لا يَمْلِكُه إلاَّ بالقِسْمة، اخْتارَها القاضي وغيرُه؛ لأِنَّه لو مَلَكَهُ به لَاخْتَصَّ برِبْحه، ولَوَجَبَ أنْ يكونَ شريكًا لِربِّ المال؛ كَشَرِيكَيِ العِنانِ، ولأِنَّه لوِ اشْتَرى عَبْدَينِ بالمال كلُّ واحِدٍ يُساوِيه، فأعْتَقَهما ربُّ المال؛ عَتَقَا، ولم يَضْمَنْ للعامل شَيئًا، ذَكَرَه الأَزَجِيُّ مع أنَّه ذَكَرَ لوِ اشْترَى قريبَه فعتق

(2)

؛ لَزِمَه حصَّته من الرِّبح؛ كما لَوْ أتْلَفه.

والثَّالثةُ: يَمْلِكُه بالمحاسَبَةِ والتَّنْضِيضِ والفَسْخِ.

فَعَلَى الأُولَى: لا يَسْتَقِرُّ؛ كشَرْطه

(3)

ورِضاهُ بضمانه

(4)

.

وفي عِتْق من يَعْتِقُ عَلَيهِ، وقيل: ولو لم يَظْهَرْ رِبْحٌ؛ وجْهانِ.

فَرْعٌ: إتْلافُ المالِكِ كالقِسمة، فيَغرَمُ نصيبَ الآخَر، وكذا الأجنبيُّ.

(وَإِنْ طَلَبَ الْعَامِلُ الْبَيْعَ، فَأَبَى رَبُّ الْمَالِ؛ أُجْبِرَ)؛ أيْ: على البيع (إِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ)، نَصَّ عليه

(5)

؛ لأِنَّ حقَّ العامِلِ في الرِّبح لا يَظْهَرُ إلاَّ بالبيع، فأُجْبِر الممتَنِعُ من

(6)

أدائه كَسائِرِ الحُقوق.

(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: إذا لم يَظْهَرْ رِبْحٌ؛ لم يُجْبَرِ الممْتَنِعُ على البيع؛ لأِنَّه لا حَقَّ للعامِلِ فِيهِ، وقد رَضِيَهُ مالِكُه كذلِكَ

(7)

، فلم يُجْبَرْ على بيعه.

وقيل: يُجْبَرُ مُطْلَقًا؛ لأِنَّه ربما زاد فِيهِ راغِبٌ، فزاد على ثَمَنِ المِثْل، فيَكونُ للعامِل فِيهِ حَظٌّ.

(1)

في (ق): ولا.

(2)

في (ح): يعتق.

(3)

في (ق): لشرطه.

(4)

في (ح): وضمانه.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 101.

(6)

في (ح): في.

(7)

في (ق): لذلك.

ص: 649

ورُدَّ: بأنَّها حَصَلَتْ بعد الفسخ، فلم يَسْتَحِقَّها العامِلُ.

فعلى تقدير الخَسارة يتَّجِه مَنْعُه من ذلك، ذَكَرَه الأَزَجِيُّ.

فَرْعٌ: للعامل شِراءُ البَعْض من المالِك إن لم يَظْهَرْ رِبْحٌ، وقيل: مُطْلَقًا، وكذا من نفسه، ويَحْتَمِلُ: أنْ لا يَصِحَّ مطلقًا

(1)

.

(وَإِنِ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ وَالْمَالُ عَرْضٌ، فَرَضِيَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ عَرْضًا)؛ أيْ: فله تقويمُه، ودَفْعُ حصَّته؛ لأِنَّه أسْقَطَ البَيعَ عن المضارَب، وأَخَذَ العُرُوضَ بثَمَنِها الذي يَحصُلُ مِنْ غَيرِه، وحينئِذٍ يَمْلِكُها، نَصَّ عليه

(2)

، إنْ لم يَكُنْ حيلةٌ، فإنِ ارْتَفَعَ السِّعْرُ؛ لم يُطالِبْه

(3)

بِقِسْطه في الأصحِّ.

قال

(4)

ابنُ عَقِيلٍ: لو قَصَدَ ربُّ المالِ الحِيلَةَ لِيَخْتَصَّ بالرِّبْح؛ بِأنْ

(5)

كانَ العامِلُ اشْتَرَى خزًّا

(6)

في الصَّيف ليَرْبَحَ في الشِّتاء، أو يَرْجُوَ دُخُولَ مَوسِمٍ أوْ قَفْلٍ؛ أنَّ حَقَّه يبقى

(7)

في الرِّبْحِ، قال الأَزَجِيُّ: أصْلُ المذْهَبِ: أنَّ الْحِيَلَ لا أَثَرَ لَهَا.

(أَوْ طَلَبَ) ربُّ المال (الْبَيْعَ؛ فَلَهُ ذَلِكَ)؛ أيْ: يُجْبَرُ العامِلُ على بَيعِه وقَبْض ثَمَنِه حَيثُ لم يَرْضَ المالِكُ، هذا هو الأصحُّ؛ لأِنَّ عَلَيهِ ردَّ المالِ ناضًّا كما أخَذَهُ.

والثَّانِي: لا يُجبَرُ إذا لم يَكُنْ في المال رِبْحٌ، أو أَسْقَطَ حقَّه منه؛ لأِنَّه بالفَسْخِ زال تصرُّفه، وصار أجْنَبِيًّا من المال، أشْبَهَ الوكيلَ إذا اشْتَرَى ما

(1)

قوله: (فرع: للعامل شراء البعض من المالك

) إلى هنا سقط من (ح).

(2)

ينظر: الفروع 7/ 101.

(3)

كتب في هامش في (ظ): (العامل).

(4)

في (ح): وقال.

(5)

في (ق): فإن.

(6)

في (ح): جزة، وفي (ق): جزًا.

(7)

في (ظ): مبقى.

ص: 650

يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ، فأخَّرَه حتَّى زالت الوَكالةُ.

وإذا لم يَلزَمْه؛ ففي استقراره بالفَسْخ وجْهانِ.

وذَكَرَ المؤلِّفُ وغيرُه: يَلزَمُه بِقَدْرِ رأسِ المال.

فَرْعٌ: إذا كان رأسُ المال دَنانِيرَ، فصار دراهمَ، أو بالعكس؛ فكعَرْضٍ، ذَكَرَه الأصْحابُ.

وقال الأَزَجِيُّ: إنْ قُلْنا هما شَيءٌ واحِدٌ، وهو قِيمةُ الأشياء؛ لم يَلْزَمْه، ولا فَرْقَ؛ لقيام كلِّ واحدٍ مقامَ الآخَر.

وإذا نَضَّ رأسُ المال؛ لم يَلزَم العامِلَ أنْ ينضَّ له الباقِيَ؛ لأِنَّه شَرِكَةٌ بَينَهُما.

ولو كان صِحاحًا، فنَضَّ قُراضَةً أو مُكسَّرةً؛ لَزِمَ العامِلَ ردُّها إلى الصِّحاح، فيَبِيعُها بصِحاحٍ، أو بِعَرْضٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيها به.

(وَإِنْ كَانَ دَيْنًا؛ لَزِمَ الْعَامِلَ تَقَاضِيهِ) مُطْلَقًا؛ أي: إنْ ظَهَر رِبحٌ أوْ لا؛ لأِنَّ المضارَبةَ تَقْتَضِي ردَّ المال على صِفَتِه، والدُّيونُ لا تَجرِي مَجْرَى النَّاضِّ، فَلَزِمَه ذلك؛ كما لو ظَهَرَ رِبْحٌ.

وقِيلَ: يَلزَمُه في قَدْرِه، ولا يَلْزَمُ وَكِيلاً.

وذَكَرَ أبو الفَرَجِ: يَلزَمُه ردُّه على حاله إنْ فَسَخَ بلا إذْنِه، قال: وكذا شَرِيكًا.

(وَإِنْ قَارَضَ فِي الْمَرَضِ)؛ صحَّ؛ لأِنَّه عَقْدٌ يَبْتَغِي

(1)

فيه الفَضْلَ، أشْبَهَ المعاوَضةَ؛ (فَالرِّبْحُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ)، ولا يَحْتَسِبُ به من ثُلُثِه، (وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ

(2)

الْمِثْلِ)؛ لأِنَّ ذلِكَ غَيرُ مُسْتَحَقٍّ من مال ربِّ المال، وإنَّما حَصَلَ بعَمَل

(1)

في (ق): ينبغي.

(2)

في (ق): أجر.

ص: 651

المضارَب

(1)

، فيما

(2)

يوجد

(3)

منه يَحدُث على ملْكِ العامِلِ، ولا يُزاحَم به أصحابُ الوصايا؛ لأِنَّه لو أقْرَضَ المالَ كان

(4)

الرِّبْحُ كلُّه للمُقْتَرِضِ، فبعضه أَوْلَى، بخلاف ما لو حابَى الأجيرَ في الأجر، فإنَّه يُحتَسَب بالمحاباة من ثُلُثه؛ لأِنَّ الأجرَ يؤخَذُ من ماله.

(وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ)؛ أيْ: إذا ماتَ ربُّ المال؛ لأِنَّه يَمْلِكُ الرِّبحَ بالظُّهور، فكان شريكًا فِيهِ، ولأِنَّ حقَّه متعلِّقٌ بعَين المال لا الذمة

(5)

، فكان مقدَّمًا على ما يتعلَّق بالذِّمَّة كالجِناية، أو يُقالُ: حقُّه متعلِّقٌ بالمال قَبْلَ الموت، فكان أسْبَقَ، فقُدِّم كالرَّهن.

فرعٌ: إذا شُرِط في المزارَعة والمساقاة أكثرُ من أجرة

(6)

المِثْل؛ فَقِيلَ مِثْلُها؛ لأِنَّ الثَّمرة تَخرُج عن ملْكهما كالرِّبح، وقيل: من ثُلُثِه كالأجير.

(وَإِنْ مَاتَ الْمُضَارَبُ)، نَصَّ عليه

(7)

، وعنه: غَيرَ فَجْأَةٍ، (وَلَمْ يُعْرَفْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ)؛ أيْ: جُهِلَ؛ (فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ)؛ أيْ: صاحبُه أسْوةُ الغُرَماء؛ عمَلاً بالأصل، ولأِنَّه لمَّا أخْفاهُ ولم يُعيِّنه؛ فكأنَّه غاصِبٌ، فيتعلَّق بذمَّته، وكما لو جُنَّ جُنونًا مُطْبِقًا مأْيُوسًا من بُرْئه، ذَكَرَه في «الرِّعاية الكبرى» .

(وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ)؛ لاِسْتِوائهما في المعْنَى.

والأصحُّ: أنَّها في تَركَته. وفيها في «التَّرغيب» : إلاّ أنْ يموتَ فَجْأةً، وزاد في «التَّلخيص»: أو يُوصِيَ إلى عَدْلٍ، ويَذكُر جنسَها؛ كقوله: قميصٌ، فلم يُوجَد.

(1)

في (ح): المضاربة.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 14/ 133: فما.

(3)

في (ح) و (ق): يؤخذ.

(4)

في (ح): كمان.

(5)

في (ح): لذمة.

(6)

في (ظ) و (ق): أجر.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2758، الفروع 7/ 104.

ص: 652

وإن مات وصِيٌّ، وجُهِلَ بقاءُ مال مَوْلِيِّهِ؛ قال في «الفروع»: (فيتوجَّه كذلك، قال شيخنا: هو

(1)

في تَرِكَتِه)

(2)

.

مسألةٌ: إذا مات ربُّ المال؛ مُنِع المضارَبُ من البيع والشِّراء إلاَّ بإذن الوارث، نَصَّ عليه

(3)

، وظاهِرُه: بقاءُ العامل على قِراضه؛ لأِنَّه إتمامٌ له، لا ابْتِداءُ قراض

(4)

.

وحكى القاضي وجْهًا، وفي «المغني»: وهو

(5)

أقْيَسُ: بطلانه؛ لأِنَّ القِراضَ قد بَطَلَ بالموت، وهذا ابْتداءُ قِراضٍ على عُروضٍ، نعم؛ لو كان ناضًّا؛ كان ابتداءَ قِراضٍ، والرِّبحُ مُشْترَكٌ بينهما.

وقال القاضي: للعامل البيعُ حتَّى يَنِضَّ المالُ ويَظْهَر الرِّبحُ، إلاَّ أنْ يختارَ ربُّ المال تقويمَه ودَفْعَ الخصومة؛ فله ذلِكَ، وعليه يُحمَلُ كلامُ أحمدَ.

وإن أراد المضاربة

(6)

، والمالُ عَرْضٌ؛ فمُضارَبةٌ مُبْتَدأةٌ.

وإنْ مات العامِلُ، أو جُنَّ، فإنْ كان المالُ ناضًّا؛ جاز، وكذا إنْ كان عَرْضًا في قولٍ.

ولو أراد المالِكُ تقريرَ وارِثِه؛ فمُضارَبةٌ مبتدَأةٌ.

ولا يَبِيعُ عَرْضًا بلا إذْنِه، فَيَبِيعُهُ حاكِمٌ، ويَقْسِمُ الرِّبحَ.

(1)

قوله: (هو) سقط من (ح).

(2)

ينظر: الفروع 7/ 104.

(3)

ينظر: المغني 5/ 48.

(4)

قوله: (ابتداء قراض) رسم في (ح): ابتقاء، وقوله:(قراض) سقط من (ق).

(5)

في (ظ): هو.

(6)

في (ح): المضارب.

ص: 653

(فَصْلٌ)

(وَالْعَامِلُ أَمِينٌ)؛ لأِنَّه مُتصرِّفٌ

(1)

في مالِ غَيرِه بإذْنِه، لا لِمَحْض مَنفَعَتِه، فكان أمينًا كالوَكِيل، بخِلافِ المسْتَعِير، فإنَّه قَبَضَه لِمنفَعَتِه

(2)

خاصَّةً.

(وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ هَلَاكٍ وَخُسْرَانٍ)؛ لأِنَّ تأْمينَه يَقْتَضِي ذلك، ولأِنَّه مُدَّعًى عليه، وهو يُنكِرُه، والقَولُ قَولُ المنكِر مع يمينه، وكما يُقبَلُ قَولُه في قَدْر رأس المال إجْماعًا، ذَكَرَه ابنُ المنذِرِ

(3)

.

وذَكَرَ الحُلْوَانِيُّ فيه رواياتٍ؛ كَعِوَض كِتابَةٍ.

والثَّالِثةُ: يَتَحالَفانِ.

وجزم أبو محمَّدٍ الجَوْزيُّ: بقول ربِّ المال.

(وَمَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِلْقِرَاضِ)؛ لأِنَّ الاِخْتِلافَ هنا في نِيَّته، وهو أعْلَمُ بها، فقُبِلَ قَولُه فيما نواه؛ كنِيَّة الزَّوج في كِتابَةِ

(4)

الطَّلاق.

فلو اشترى شَيئًا، فقال المالِكُ: كنتُ نَهيتُكَ عن شرائه، فأنكره العامِلُ؛ قُبِل قَولُه؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ النَّهْيِ، وكما يُقْبَلُ قَولُه في أنَّه رَبِحَ أمْ لَا.

(وَمَا

(5)

يُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ

(6)

، أو تفريطٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.

(وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ) مع يَمِينِه (فِي رَدِّهِ إِلَيْهِ)، نَصَّ عليه

(7)

؛ لأِنَّه قَبَضَ

(1)

في (ق): تصرف.

(2)

في (ق): لمنفعة.

(3)

ينظر: الإجماع ص 103.

(4)

في (ق): كناية.

(5)

في (ق): أو ما.

(6)

في (ظ): جناية.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3018.

ص: 654

المال لِمَنْفَعَةِ نَفْسِه، فلم يُقبَلْ قَولُه في الرَّدِّ كالمسْتَعِيرِ، ولأِنَّ ربَّ المالِ منكر

(1)

، فقُدِّمَ قَولُه.

وقيل: يُقبَل قَولُ العامِلِ؛ لأِنَّه أمينٌ، ومعظم

(2)

النَّفع لِرَبِّ المالِ، فالعامِلُ كالمودَع.

وهو مَبْنِيٌّ على دَعْوَى الوَكِيلِ الرَّدَّ إذا كان بجُعْلٍ، قالَهُ في «الشَّرح» .

(وَالْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ لِلْعَامِلِ)؛ أيْ: إذا اخْتَلَفا في قَدْر المشْرُوط بَعْدَ الرِّبْح؛ قُدِّم قَولُ المالِكِ، نَصَّ عليه في رواية ابْنِ مَنْصُورٍ وسِنْدِيٍّ

(3)

، وهو قَولُ أكثرِهم؛ لأِنَّه مُنْكِرٌ للزِّيادة الَّتي ادَّعاها العامِلُ، والقَولُ قَوْلُ المنكِرِ، وكقَبولِه في صِفةِ خُروجه عن يَدِه.

(وَفِي الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، وفِي الشِّرَاءِ

(4)

بِكَذَا)؛ أي: إذا أنْكَرَ ربُّ المال، بأنْ قال: إنَّما أَذِنْتُ في البيع حالًّا، وفي الشِّراء بثلاثةٍ، قُدِّمَ قَولُه، وحَكاهُ في «الشَّرح» قَولاً؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ الإذْن، والقَولُ قَولُه في أصْلِ الإذْنِ، فكذا في صِفَتِه.

والمنصوصُ: أنَّه يُقبَل قَولُ العامِلُ

(5)

؛ لأِنَّهما اتَّفقا على الإذْنِ، واخْتَلَفا في صِفَتِه، كما لَوْ قال: نَهيتُك عن شراء عَبْدٍ، فأنكره

(6)

، وهذا هو المذهَبُ في البيع نَساءً.

وما جزم به المؤلِّفُ لا نَعرف

(7)

به روايةً ولا وَجْهًا، غَيرَ أنَّ صاحِبَ

(1)

في (ح) و (ق): ينكر.

(2)

في (ح): ويعظم.

(3)

قوله: (وسنديٍّ) سقط من (ق). وينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2798، الشرح الكبير 14/ 141.

(4)

قوله: (وفي الشراء) في (ح): والشراء.

(5)

ينظر: الشرح الكبير 14/ 143.

(6)

في (ح): فأنكر.

(7)

في (ح) و (ظ): يعرف.

ص: 655

«المستوعب» حَكَى بَعْدَ هذا: أنَّ ابن أبي موسى قال: ويتَّجه أن يكون القولُ قولَ ربِّ المال، فَظَنَّ بعضُهم أنَّه وجْهٌ، والفرق بينهما ظاهِرٌ؛ لأِنَّه لم يُوجَدْ في الإذْنِ في المقْدار قرينةٌ تَدُلُّ على صِدْق العامِلِ، والأصلُ يَنْفِي قولَه، فوجب العملُ به؛ لوجود مقتضاه، بخلاف الإذن في البيع نَساءً، فإنَّ فيه قرينةً تدلُّ على صِدْقِ العامل، فعارضت الأصلَ؛ إذ

(1)

عَقْدُ المضارَبة يَقْتَضِي الرِّبحَ، والنَّساءُ مَظِنَّتُه.

(وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَامِلِ إِنِ ادَّعَى أُجْرَةَ الْمِثْلِ)، زاد في «المغني» و «الشَّرح» تَبَعًا لابْنِ عَقِيلٍ: أو ما يتغابَنُ النَّاسُ به؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُه، فلو ادَّعَى أكثرَ؛ قُبِلَ قَوْلُ ربِّ المال، كالزَّوجَينِ إذا اخْتَلَفا في الصَّداق.

(وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ

(2)

: رَبِحْتُ أَلْفًا ثُمَّ خَسِرْتُهَا، أَوْ هَلَكَتْ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ)؛ لأِنَّه أَمِينٌ، فقبل

(3)

قَولُه؛ كالوَكِيل المتبرِّع.

(وَإِنْ قَالَ: غَلِطْتُ)، أوْ كَذَبتُ، أو نَسِيتُ؛ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ)؛ لأِنَّه مُقِرٌّ، فلا يُقْبَلُ قَولُه في الرُّجوع عن إقْراره؛ كدَعْوَى

(4)

اقْتِراضٍ تمَّم به

(5)

رأسَ المال بعد إقْراره به لربِّ المال.

وعنه: يُقبَلُ؛ لَأَمانَتِه، ونَقَلَ أبو داودَ ومهنَّى: إذا أَقرَّ بِرِبْحٍ، ثُمَّ قال: إنَّما كنتُ أعطيك

(6)

من رأس مالِكَ: يُصدَّقُ

(7)

، قال أبو بَكْرٍ: وعَلَيهِ العملُ.

(1)

في (ح): أو.

(2)

قوله: (العامل) سقط من (ظ) و (ق). والمثبت موافق لما في المقنع.

(3)

في (ظ): يقبل.

(4)

في (ق): لدعوى.

(5)

قوله: (به) سقط من (ق).

(6)

في (ح): أعطيتك.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 271، الفروع 7/ 101.

ص: 656

ويَتَخَرَّجُ: ألاَّ يُقبَلَ إلاَّ بِبَيِّنةٍ؛ لأِنَّه مُدَّعٍ للغَلَطِ، فإذا قامت البيِّنةُ عليه؛ قُبِل كسائِرِ الدَّعاوَى.

تنبيهٌ: إذا دفع

(1)

إليه مَبْلَغًا يَتَّجِرُ فيه، فرَبِحَ، فقال العامِلُ: هو قَرْضٌ رِبْحُه لي، وقال المالِكُ: هو قِراضٌ رِبْحُه بَيْنَنا؛ قُبِل قَولُ المالِكِ؛ لأِنَّه ملْكُه، فكان القَولُ قَولُه في صفةِ خروجه عن يَدِه، فإذا حَلَفَ؛ قُسِمَ الرِّبْحُ بَينَهما.

وقيل: يَتَحالَفانِ، وللعامِلِ أكثرُ الأمْرَينِ ممَّا شُرِطَ له من الرِّبْح أو أُجْرَةِ مِثْلِه.

فإن أقامَ كلٌّ منهما بيِّنةً؛ فنَصَّ أحمدُ: أنَّهما يَتعارَضانِ، ويُقسَمُ الرِّبحُ بَينَهما

(2)

، وهو معنَى كلامِ الأَزَجِيِّ.

وقَدَّمَ في «الفُروع» : تُقَدَّمُ بينة عامِلٍ؛ لأِنَّه خارِجٌ.

وقِيلَ: عَكْسُه.

(1)

في (ح): رفع.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 101.

ص: 657

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ)، سُمِّيتْ به؛ لأِنَّهما يُعامِلانِ

(1)

فيها بِوجْهِهما، والجاهُ والوجْهُ واحِدٌ، يقال: فلانٌ وجيهٌ، إذا كان ذا جاهٍ.

وهي جائزةٌ؛ إذْ مَعْناها وكالةُ كلِّ واحِدٍ منهما صاحبَه في الشِّراءِ والبَيعِ والكَفالةِ بالثَّمن، وكلُّ ذلك صحيحٌ؛ لاِشْتِمالها على مصلحةٍ من غَير مضرَّة.

(وَهِيَ

(2)

أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِجَاهِهِمَا دَيْنًا)؛ أيْ: في ذِممهما

(3)

من غير أن يكونَ لهما مالٌ، (فَمَا رَبِحَا؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) على ما شَرَطَاهُ، وسَواءٌ عَيَّنَ أحدُهما لصاحبه ما يَشْتَريهِ، أوْ قَدْرَه، أو وقَّت، أو لم يُعَيِّنْ شَيئًا من ذلك، فلو قال كلٌّ منهما للآخَر: ما اشْتَرَيتَ مِنْ شَيءٍ فبَينَنا؛ صحَّ.

(وَكُلُّ

(4)

وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ، كَفِيلٌ عَنْهُ بِالثَّمَنِ)؛ لأِنَّ مَبْناها على الوكالة والكَفالة؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما وكيلُ الآخر

(5)

فيما يَشْترِيه ويَبيعُه، كَفِيلٌ عنه بالثَّمن.

(وَالْمِلْكُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ)؛ لقَوله عليه السلام: «المؤمِنُونَ على شُروطهم»

(6)

؛ ولأن

(7)

العَقْدَ مَبناهُ على الوكالة، فتَقيَّدَ بِما أَذِنَ فيه.

(وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ

(8)

؛ كشَرِكَةِ العِنان؛ لأِنَّها في مَعْناها.

(1)

في (ق): معاملان.

(2)

في (ح): وهو.

(3)

في (ح): ذمتهما

(4)

في (ح): فكل.

(5)

(ح): للآخر.

(6)

في تقدم تخريجه 5/ 96 حاشية (6).

(7)

في (ظ): لأن.

(8)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

ص: 658

(وَالرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ)؛ لأِنَّ العملَ مِنهُما قد يَتَساوَيانِ فِيهِ، فكانَ الرِّبْحُ بحَسَبِ الشَّرْطِ؛ كالعِنان، فإذا كان لأِحَدِهِما ثُلُثُ الرِّبْح؛ كان له ثُلُثُ المشْتَرَى، وإنْ كان له نِصْفُه كان له نِصْفُ المشْتَرَى؛ لأِنَّ الأصْلَ في الرِّبح المالُ، فكلُّ جُزْءٍ من الرِّبْح بإزاءِ جُزْءٍ من المال، فإذا عُلِمَ نَصِيبُ أحدِهما من الرِّبْح؛ عُلِمَ قَدْرُ ما يملكه

(1)

من المال؛ لأِنَّه تابِعٌ له.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ

(2)

، قاله القاضِي، وجَزَم به في «الفُصول» ؛ لأِنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بالضَّمان؛ إذِ الشَّرِكةُ وَقَعَتْ عليه خاصَّةً؛ إذْ لا مالَ لَهُما، فيَشْتَرِكانِ فيه على العمل، والضَّمانُ لا تَفاضُلَ فيه، فلا يجوز التَّفاضُل في الرِّبْح.

والأوَّلُ المذهَبُ؛ لأِنَّهما شَريكانِ في المال والعَمَل، فجاز تفاضُلُهما في الرِّبح مع تَساوِيهِما في المال؛ كشَرِيكَيِ العِنان.

(وَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ

(3)

كَشَرِيكَيِ الْعِنَانِ)، يعْنِي: فيما يَجِبُ لهما وعَلَيهِما، وفي إقْرارهما وخُصومَتِهما، وغيرِ ذلك على ما مرَّ.

وهل ما يَشْتَرِيه أحدُهما بَينَهما أمْ تُعْتَبَر النِّيَّةُ كوكالةٍ؟ فِيهِ وجْهانِ، قال في «الفروع»: ويتوجَّه في عِنانٍ مِثْلُه، وقَطَعَ جَماعَةٌ بالنِّيَّةِ.

فَرْعٌ: إذا قَضَى بمالِ

(4)

المضارَبة دَينَه، ثُمَّ اتَّجَرَ بِوَجْهه، وأعْطَى ربَّ المال نِصفَ الرِّبْح، فَنَقَلَ صالِحٌ: أمَّا الرِّبْحُ؛ فأرْجُو إذا كان مُتَفَضِّلاً عليه

(5)

.

(1)

في (ظ): ملكه.

(2)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(3)

في (ح): التصرفات.

(4)

في (ق): مال.

(5)

لم نجده في مسائل صالح، وينظر: الفروع 7/ 101.

ص: 659

(فَصْلٌ)

الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ

(الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ) وبدأ بها

(1)

في «المحرَّر» ، (وَهِيَ: أَنْ يَشْتَرِكَا)؛ أي: اثْنانِ فأكثرُ (فِيمَا يَكْتَسِبَانِ بِأَبْدَانِهِمَا)؛ أيْ: يَشْتَرِكونَ فيما يَكْتَسِبُون بأيْدِيهِم وصنائعهم

(2)

، فما رَزَقَ الله فهو بَينَهم.

وفي «الفروع» : وهي أنْ يَشْتَرِكا فِيمَا يَتَقَبَّلانِ في ذِمَمِهِما من

(3)

عَمَلٍ.

(فَهِيَ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لِمَا رَوَى أبو داودَ بإسْناده عن عبد الله قال: «اشْتَرَكْتُ أنا وسَعْدٌ وعَمَّارٌ يَومَ بَدْرٍ، فلم أَجِئْ أنا وعَمَّارٌ بشَيءٍ، وجاء سَعْدٌ بأَسِيرَينِ»

(5)

، ومِثْلُه لا يَخْفَى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد أقرَّهم، وقال أحمدُ: أَشْرَك بَينَهم صلى الله عليه وسلم

(6)

.

فإنْ قُلْتَ: المغانِمُ مُشْتَرَكةٌ بَينَ الغانِمينَ، فكَيفَ يَصِحُّ اخْتِصاصُ هؤلاء بالشَّرِكة فيها؟ وقال بعضُ الشَّافِعِيَّةِ

(7)

(1)

في (ح): بهما.

(2)

في (ق): من صنائعهم.

(3)

في (ح): ذمتهما في.

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 21، زاد المسافر 4/ 202.

(5)

أخرجه أبو داود (3388)، والنسائي (3937)، وابن ماجه (2288)، عن أبي عبيدة عن أبيه. أعله ابن حزم وابن عبد الهادي والألباني بالانقطاع، ورواية أبي عبيدة عن أبيه محمولة على الاتصال عند جماعة من الأئمة كما قال ابن رجب. ينظر: المحلى 6/ 414، فتح الباري لابن رجب 7/ 342، تنقيح التحقيق 4/ 148، الإرواء 5/ 295.

(6)

ينظر: زاد المسافر 4/ 202، المغني 5/ 5.

(7)

ما نقله المصنف هنا هو كلام ابن قدامة في المغني 5/ 5، ولعل هنا سقط من النساخ بمقدار سطر، ولا بد منه ليستقيم المعنى، وعبارة المغني وتبعه عليها الشرح الكبير 13/ 160، وابن المنجى في الممتع 2/ 726: (وقال بعض الشَّافعيَّة: غنائمُ بَدْرٍ كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان له أن يدفعها إلى من يشاء، فيحتمل أن يكون فعل ذلك لهذا. قلنا: أما الأول، فالجواب عنه: أن غنائم بدر كانت لمن

)، وأراد ابن قدامة ببعض الشافعية: الماوردي. ينظر: الحاوي 8/ 403، الوسيط للغزالي 4/ 535. ولعل سببه انتقال البصر عند قوله:(غنائم بدر) فقد تكررت مرتين. والله أعلم.

ص: 660

غنائم بَدْرٍ كانَتْ لِمَنْ أَخَذَها قَبْلَ أنْ يُشْرَك بَينَهم، بِدلِيلِ: أنَّه قال

(1)

: «مَنْ أخَذَ شَيئًا؛ فهو له»

(2)

، فكان من قَبِيلِ المباحات، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ شَرَّك بَينَهم فِيما يُصِيبُونَه من الأسْلاب والنَّفَل، وبأنَّ الله إنَّما جَعَلَ الغَنِيمةَ لِنَبِيِّه

(3)

واخْتَلَفوا في الغَنائم، فأَنزَلَ اللهُ تعالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ

(1)} الآية [الأنفَال: 1]، والشَّرِكَة كانت

(4)

قَبْلَ ذلك.

والرِّبْحُ على ما شَرَطاهُ، نَصَّ عليه

(5)

.

(وَمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْعَمَلِ؛ يَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا، يُطَالَبَانِ بِهِ، وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ)؛ لأِنَّ شَرِكَةَ الأبْدان لا تَنْعَقِدُ إِلاَّ على ذلك.

وذَكَرَ المؤلِّفُ عن القاضي احْتِمَالاً: لا يَلزَمُ أحدَهما ما يَلزَم الآخَرَ؛ كالوكِيلَينِ.

(وَهَلْ يَصِحُّ مَعَ اخْتِلَافِ الصَّنَائِعِ)؛ كقَصَّارٍ مع خَيَّاطٍ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ):

الأَصَحُّ: الصِّحَّةُ؛ لأِنَّهما اشْتَرَكا في تَكَسُّبٍ مُباحٍ، فصحَّ، كما لو اتَّفَقَت الصَّنائعُ.

(1)

في (ح): يقال.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 534 حاشية (3).

(3)

في المغني زيادة: (بعد أن غنموا).

وقوله: (وبأن الله جعل الغنيمة لنبيه .. ) جواب عن اعتراض بعض الشافعية المذكور في 5/ 660 حاشية (7) والذي سقط من المبدع، وهو قوله:(أن غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان له أن يدفعها إلى من يشاء).

(4)

قوله: (كانت) سقط من (ح).

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 21، الفروع 7/ 114.

ص: 661

والثَّانِي: لا يَصِحُّ، اخْتاره أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّ مُقْتَضاها أنَّ ما يَتَقَبَّلُه كلُّ واحِدٍ من العمل يَلْزَمُهما، ويُطالَبانِ به، ولا يتأتَّى

(1)

ذلك مع اخْتِلاف صنائعهما؛ لأِنَّه لا قُدرةَ له عليه.

ورُدَّ: بأنَّ تحصيلَ ذلك يُمكِنُه بالأُجْرة، أوْ بِمَنْ يَتَبَرَّعُ له بِعَمَله.

تنبيهٌ: لا يُشتَرَط مَحَلُّ عملهما

(2)

، ولا تَساوِيهِما فيه، ولكلِّ واحدٍ منهما طَلَبُ الأُجْرة، وللمستأْجِر دَفْعُها إلى أحدهما، ومن تَلِفَ بِيَده بغَير تَفْرِيطٍ؛ لم يَضْمَنْ، وإنْ فرَّط أوْ تَعَدَّى؛ ضَمِنَ فقطْ

(3)

، فإذا أقرَّ أحدُهما بما

(4)

في يده؛ قُبِل عليه وعلى شَرِيكه؛ لأِنَّ اليَدَ له، ولا يُقبَل إقْرارُه بما في يد شَرِيكه؛ لأِنَّه لا يَدَ له على

(5)

ذلك.

(وَيصحُّ

(6)

فِي الاِحْتِشَاشِ)؛ لأِنَّه اشْتِراكٌ في مَكْسَبٍ مُباحٍ؛ كالقِصارة، (وَالاِصْطِيَادِ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ)؛ كالحَطَب، والثِّمار المأْخُوذة من الجبال، والمعادِن، وهذا هو الأصحُّ فِيهِنَّ، ونَصَّ أحمدُ في روايةِ أبي طالِبٍ، واحْتَجَّ له: بالاِشْتِراك في الغَنيمة، فقال: يَشْتَرِكانِ فيما يُصِيبانِ من سَلَبِ المقْتولِ؛ لأِنَّ القاتِلَ يَختَصُّ به دُونَ الغانِمِينَ

(7)

.

(وَإِنْ

(8)

مَرِضَ أَحَدُهُمَا؛ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا)؛ أيْ: إذا عَمِلَ أحدُهما دُونَ

(1)

في (ق): ولا ينافي.

(2)

في (ح): علمهما.

(3)

أي: ضمن المتعدي فقط دون شريكه، وعبارة المغني 5/ 6:(وما يتلف بتعدي أحدهما أو تفريطه أو تحت يده، على وجه يوجب الضمان عليه، فذلك عليه وحده).

(4)

في (ق): ما.

(5)

زيد في (ح): ثمن. والمثبت موافق لما في المغني 5/ 6.

(6)

في (ح) و (ق): وتصح.

(7)

ينظر: المغني 5/ 4.

(8)

في (ظ): فإن.

ص: 662

الآخَر فالكسْبُ بَينَهما، نَصَّ عليه في روايةِ إسْحاقَ بنِ مَاهَانَ، قالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ

(1)

، واحْتَجَّ له الإمامُ: بحديثِ سَعْدٍ

(2)

.

وسَواءٌ تَرَكَ العَمَلَ لِعُذْرٍ أو غَيرِه، وهو الأصحُّ فيه.

(فَإِنْ طَالَبَهُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ)؛ لأِنَّهما دَخَلَا على أنْ يَعْمَلا، فإذا تعذَّر العَمَلُ بنفسه؛ لَزِمَه أنْ يُقِيمَ مَقامَه تَوفِيَةً للعَقْد ما يَقْتَضِيهِ، فإنِ امْتَنَع فَلِلآْخَرِ الفَسْخُ.

فَرْعٌ: تَصِحُّ شَرِكَةُ شُهودٍ، قالَه الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين، ولأِحدهما أَنْ يُقِيمَ مَقامَه إنْ كان على عَمَلٍ في الذِّمَّة، وإنْ كانَ الجُعْلُ على شهادته بِعَينه؛ فالأصحُّ: جَوازُه

(3)

.

ومُوجِبُ العَقْد المطْلَق: التَّساوِي في العَمَل والأَجْر، ولو عَمِلَ أكثرَ ولم يَتَبرَّعْ؛ طالب

(4)

بالزِّيادة.

وكذا الخلافُ في شَرِكَة الدَّلاَّلِينَ، وجَزَم في «التَّرغيب» وغيره، وهو الأشهرُ: بِعَدَم صِحَّتِها؛ لأِنَّه لا بُدَّ فيها من وكالةٍ، وهي على هذا الوجْهِ لا تَصِحُّ

(5)

، كآجِرْ دابَّتَكَ والأُجْرةُ بَينَنَا.

(وَإِنِ

(6)

اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَحْمِلَا

(7)

عَلَى دَابَّتَيْهِمَا وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ الحَمْلَ في الذِّمَّة، وهو نَوعُ اكْتِسابٍ، والدَّابَّتانِ آلَتانِ أشْبَهَا الأداةَ.

(1)

ينظر: المغني 5/ 7.

(2)

تقدم تخريجه 5/ 660 حاشية (5). ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 21.

(3)

من أول الفرع إلى هنا: من كلام الشيخ تقي الدين ابن تيمية. ينظر: الفروع 7/ 112، الاختيارات ص 214.

(4)

في (ح): طالبه.

(5)

في (ظ) و (ح): يصح.

(6)

في (ح): وإذا.

(7)

قوله: (على أن يحملا) هي في (ح): ليحملا.

ص: 663

ولو اشْتَرَكا في أُجْرةِ عَينِ الدَّابَّتَينِ، أوْ أنْفُسِهما إجارةً خاصَّةً؛ لم يَصِحَّ.

(وَإِنْ

(1)

تَقَبَّلَا حَمْلَ شَيْءٍ، فَحَمَلَاهُ عَلَيْهِمَا)، أو على غَيرِ الدَّابَّتَيْنِ؛ (صَحَّتِ الشَّرِكَةُ)؛ لأِنَّ تَقَبُّلَهما الحَمْلَ أثْبَت الضَّمانَ في ذِمَّتهما، ولهما أنْ يَحْمِلا بأي ظَهْرٍ كان، أشْبَهَ ما لو تَقَبَّلَا قِصارةً، فَقَصَرَاها بغَيرِ أداتهما

(2)

.

(وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ)؛ كشَرِكة الوُجوه. وقِيلَ: نِصْفَينِ كما لو أطْلَقَا.

(وَإِنْ آجَرَاهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أُجْرَةُ دَابَّتِهِ)؛ أيْ: إذا آجَرَا دابَّتَيهِما بأعْيانهما على حَمْل شَيءٍ بأُجْرةٍ مَعْلُومةٍ، واشْتَرَكا

(3)

على ذلك؛ لم تَصِحَّ الشَّرِكَةُ في الأصحِّ، واسْتَحَقَّ كلٌّ منهما أُجْرةَ دابَّته؛ لأِنَّه لم يَجِبْ ضَمانُ الحَمْلِ في ذِمَّتهما، وإنَّما اسْتَحَقَّ الْمُكْتَرِي منفعة

(4)

البهيمة الَّتي استأْجَرَها، ولهذا تَنْفَسِخُ الإجارةُ بمَوت الدَّابَّة المستأْجَرة؛ إذ الشَّرِكةُ إنَّما تَنعَقِدُ على الضَّمان في ذِمَمِهِما، أو على عَمَلِهِما، وهذا لَيسَ بواحد

(5)

منهما، وهي تتضمَّن

(6)

الوكالةَ، وعلى هذا الوجْهِ لا تَصِحُّ.

ولِهذا لَوْ قال: آجِرْ عَبدَكَ والأُجْرةُ بَينَنَا، أوْ بِعْه والثَّمَنُ بَينَنَا؛ لم يَصِحَّ.

وقِيلَ: بَلَى، وحَكاهُ في «المغْنِي» احْتِمالاً، كما لو اشْتَرَكا فِيما يَكْتَسِبانِ

(7)

بأبْدانِهما من المباح.

(1)

في (ح): فإذا.

(2)

في (ح) و (ق): إذنهما.

(3)

في (ق): اشترط.

(4)

في (ظ): أجرة.

(5)

في (ظ): لواحد.

(6)

في (ظ): وهذا يتضمن.

(7)

في (ق): يكسبان.

ص: 664

فإنْ أَعانَ أحدُهما صاحِبَه في التَّحْميل والنَّقْلِ؛ فله أُجْرةُ مِثْله؛ لأِنَّها مَنافِعُ وفَّاها بشبْهةِ عَقْدٍ.

تنبيهٌ: اشْتَرك اثْنانِ لِأَحدِهما آلَةُ قِصارَةٍ، ولآِخَرَ بَيتٌ يَعْمَلانِ بها فيه؛ صَحَّ.

ولو اشْتَرَكَ ثلاثةٌ لأِحدهم دابَّةٌ، ولآخر

(1)

رَاوِيَةٌ، ومن الثَّالِث العَمَلُ، على ما رَزَق الله

(2)

بَينَهُم؛ فهو صحيحٌ، ويُعمَلُ به على ما اتَّفَقُوا عليه.

وقال القاضِي: العَقْدُ فاسِدٌ، فعلى هذا: الأجْرُ كلُّه لِلسَّقَّاءِ، وعليه لصاحِبَيْهِ أُجْرَةُ المِثْل، واقْتَصَر عليه في «الفُصول» ؛ لأِنَّ هذا ليس بِشَرِكةٍ، ولا مُضارَبَةٍ؛ لأِنَّه لا يَجوزُ أنْ يكونَ رأْسُ مالِهما العُروضَ، ولا إجارةً؛ لاِفْتِقارها إلى مُدَّةٍ مَعْلومةٍ وأجْرٍ مَعْلُومٍ.

والأوَّلُ المذْهَبُ؛ لأِنَّها عَينٌ تُنَمَّى بالعمل عليها.

وكذا الخِلافُ لو كانوا أربعةً؛ لأِحدِهم دابَّةٌ، ولآخر

(3)

رَحًى، ولثالث

(4)

دُكَّانٌ، ومِنَ الرَّابِع العَمَلُ.

مسألةٌ: قال ابْنُ عَقِيلٍ وغَيرُه: لَوْ دَفَعَ شَبَكَةً إلى صَيَّادٍ لِيَصِيدَ بها السَّمكَ بَينَهما نِصْفَينِ؛ فالصَّيدُ كلُّه للصَّيَّاد، ولِصاحِب الشَّبَكَة أُجْرَةُ مِثْلِها.

وقِياسُ قَولِ أحمدَ صِحَّتُها، فَمَا رَزَق اللهُ فهو بَينَهما على ما شَرَطاهُ؛ لأِنَّها عَينٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ، فصَحَّ

(5)

دَفْعُها ببعض نَمائها؛ كالأرض

(6)

.

(1)

في (ح): والآخر.

(2)

قوله: (الله) ليس في (ح).

(3)

في (ح): والآخر.

(4)

في (ح): والثالث.

(5)

في (ق): يصح.

(6)

في (ح): وكالأرض.

ص: 665

وقَفِيزُ الطَّحَّان: أنْ يُعطَى الطَّحَّانُ أقْفِزةً معلومةً يَطْحَنها بقفيز

(1)

دقيقٍ منها؛ يَنْبَنِي على ذلك.

فَرْعٌ: دَفَع دابَّتَه إلى آخَرَ يَعْمَلُ عليها، وما رَزَقَ اللهُ بَينَهُما نِصْفَينِ، أوْ ما شَرَطاهُ؛ صَحَّ، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأِنَّها عَينٌ تُنمَّى بالعمل عليها، فصحَّتْ ببعض نَمائها؛ كالنَّقْدَينِ.

وفي «الفصول» : هي

(3)

مُضارَبةٌ على القَول بصِحَّتها في العُروض، ولَيسَتْ شَرِكَةً، نَصَّ عليه.

وقيل: لا تَصِحُّ، والرِّبْحُ كُلُّه لِرَبِّ المال، وللعامِلِ أُجْرةُ مِثْلِه.

(وَإِنْ جَمَعَا بَيْنَ شَرِكَةِ الْعِنَانِ، وَالْأَبْدَانِ، وَالْوُجُوهِ، وَالْمُضَارَبَةِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منها

(4)

يَصِحُّ مُنْفَرِدًا، فصَحَّ مع غَيرِه، قال ابنُ المنَجَّى: وكما لَوْ ضَمَّ ماءً طَهُورًا إلى مِثْلِه، وهذا هو أحدُ قِسْمَيْ شَرِكَةِ المُفاوَضَةِ.

الْخَامِسُ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ

(1)

في (ح): نصفين.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 2685.

(3)

في (ق): في.

(4)

في (ح): منهما.

ص: 666

(فَصْلٌ)

(الْخَامِسُ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ)، وهِي مُفاعَلَةٌ، يُقالُ: فاوَضَه مُفاوَضَةً؛ أيْ: جازاهُ، وتَفاوَضُوا في الأمر؛ أيْ: فَاضَ

(1)

بعضُهم بعْضًا.

(وَهِيَ أَنْ يُدْخِلَا فِي الشَّرِكَةِ الْأَكْسَابَ

(2)

النَّادِرَةَ؛ كَوِجْدَانِ) - بكَسْر الواو، مصدَرُ وَجَدَ - (لُقَطَةٍ أَوْ رِكَازٍ، وَمَا

(3)

يَحْصُلُ لَهُمَا مِنْ مِيرَاثٍ، وَمَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ ضَمَانِ غَصْبٍ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لأِنَّه يَكْثُرُ فيها الغَرَرُ، ولم يَصِحَّ

(5)

بَينَ مُسْلِمٍ وذَمِّيٍّ، فلم يَصِحَّ بين المسلمين؛ كسائر العُقود المنهيِّ عَنْهَا، ولأِنَّ حُصولَ الكَسْب فيها وَهَمٌ، ولأِنَّها تَضَمَّنتْ كَفالَةً وغَيرَها مِمَّا لا يَقْتَضِيهِ العَقْدُ، فكانَتْ باطِلَةً.

والثَّاني: تَفْوِيضُ كُلٍّ مِنْهما إلى صاحِبِه شِراء، وبَيعًا، ومُضارَبةً، وتَوكِيلاً، وابْتِياعًا في الذِّمَّة، ومُسافَرَةً بالمال، وارْتِهانًا، وضَمانَ ما يَرَى من الأعْمال؛ فَشَرِكَةٌ صحيحةٌ، وكذا لو اشْتَرَكا في كلِّ ما ثَبَتَ لَهُما أوْ عَلَيهِما إن لم يُدخلا

(6)

فِيهَا كَسْبًا نادِرًا وغَرامَةً.

وأطْلَقَ في «المحرَّر» : إنْ شَرَطَ أنْ يَشْتَرِكا في كلِّ ما ثَبَتَ لَهُما أوْ عَلَيهِما؛ كشرط فاسد، وذَكَرَه في «الرِّعاية» قَولاً.

وفي طريقة بعضِ أصحابنا: شَرِكَةُ المفاوَضَةِ أنْ يَقولَ: أنْتَ شَرِيكِي في

(1)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الصحاح 3/ 1099، المطلع ص 314: فاوض.

(2)

في (ح): الاكتساب.

(3)

في (ق): أو ما.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 2743، مسائل صالح 1/ 212، مسائل عبد الله ص 295.

(5)

في (ق): ولم تصح.

(6)

في (ح): لم يدخل.

ص: 667

كلِّ ما يَحصُلُ لي بأيِّ جهةٍ كانت، من إرْثٍ وغَيرِه، وفيها رِوايتانِ، المنصورُ: لا يَصِحُّ، والله أعلم

(1)

.

(1)

قوله: (والله أعلم) سقط من (ح) و (ق).

ص: 668